المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إفتداء ‌ ‌التعريف فى اصطلاح اللغويين: افتداء مصدر فعله افتدى المزيد بالهمزة والتاء، - موسوعة الفقه الإسلامي - الأوقاف المصرية - جـ ١٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

‌إفتداء

‌التعريف فى اصطلاح اللغويين:

افتداء مصدر فعله افتدى المزيد بالهمزة والتاء، فأصل مادته فدى، يقال فديته فدى وفداء - بكسر الفاء فيهما - وافتديته

قال الشاعر

فلو كان ميت يفتدى لفديته

بما لم تكن عنه النفوس تطيب

والمفاداة: أن تدفع رجلا وتأخذ رجلا.

والفداء: أن تشتريه. يقال فديته بمالى وفديته بنفسى.

وفى التنزيل العزيز «وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ» قرأ ابن كثير وأبو عمر وابن عامر:

أسارى بألف.

وقرأ نافع وعاصم والكسائى ويعقوب الحضرمى.

{أُسارى تُفادُوهُمْ} بألف فيهما

وقرأ حمزة: «أسرى تفدوهم» بغير ألف فيهما.

قال أبو معاذ: من قرأ «تفدوهم» فمعناه تشتروهم من العدو فتنقذوهم.

وأما تفادوهم فيكون معناه تماكسون من هم فى أيديهم فى الثمن ويماكسونكم.

قال ابن برى: قال الوزير بن المعرى.

فدى اذا اعطى مالا وأخذ رجلا وأفدى اذا أعطى رجلا وأخذ مالا، وفادى اذا أعطى رجلا وأخذ رجلا. والفداء بالكسر والمد والفتح مع القصر: فكاك الأسير، يقال فداه يفديه فداء بكسر الفاء - وفدى بفتح الفاء - وفاداه يفاديه مفاداة اذا أعطى فداءه وأنقذه والفدية الفداء.

وقول الله عز وجل:

«وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ»

أى جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح.

وتفادى القوم أى فدى بعضهم بعضا، وافتدى منه بكذا.

وتفادى فلان من كذا اذا تحاماه وانزوى عنه، وقول الله عز وجل.

«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»

إنما أراد فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه فحلق فعليه فداية»

(1)

(1)

لسان العرب للإمام العلامة أبى الفضل جمال الدين بن مكرم بن منظور الأفريقى المصرى ج 63 ص 149 وما بعدها مادة فدى طبع دار صادر بيروت سنة 1372 هـ، سنة 1955 م الطبعة الأولى وترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير لطاهر أحمد الزاوى الطرابلسى ج 3 ص 404 مادة فدى الطبعة الاولى طبع مطبعة الرسالة بمصر سنة 1959 م.

ص: 5

‌التعريف عند الفقهاء:

يكاد استعمال الفقهاء لكلمة «افتداء» لا يخرج على المعنى اللغوى.

فالافتداء دائر فى استعمالاتهم حول استنقاذ النفس من الأسر مقابل مال .. الخ.

واستنقاذها من رابطة الزواج مقابل جعل.

واستنقاذها من تحمل وزر الخطأ فى العبادة مقابل فدية، على ما يوضحه البحث فيما يلى ان شاء الله تعالى.

‌حكم افتداء المرأة نفسها من زوجها

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الهداية

(1)

وشروحها: أنه اذا تخاصم الزوجان وصار كل منهما فى جانب، وخافا ألا يقيما حدود الله، وهو ما يلزمهما من حقوق الزوجية، فلا بأس بأن تفتدى المرأة نفسها منه بمال تبذله يخلعها به.

لقول الله تبارك وتعالى.

«فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.

أى فلا جناح على الرجل فيما أخذ، ولا على المرأة فيما أعطت.

وسمى الله سبحانه وتعالى ما أعطته المرأة للرجل فداء، من فداه الأسير اذا استنقذه، لما أن النساء عوان عند الأزواج بالحديث عن عمرو بن الأحوص الجشمى رضى الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع يقول: بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ.

ثم قال: ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان

(2)

عندكم، ليس تملكون منهن شيئا، غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن فى المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.

ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا.

فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون

ولا يأذن فى بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهن

(1)

انظر من شرح فتح القدير للشيخ الامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السواسى السكندرى المعروف بابن الهمام الحنفى المتوفى سنة 681 هـ وبهامشه شرح العناية على الهداية للإمام أكمل الدين محمد بن محمود البارونى المتوفى سنة 786 هـ وحاشية المحلى المحقق سعد الله بن عيسى المفتى الشهير بسعدى جلبى المتوفى سنة 945 هـ وعلى شرح العناية المذكور وعلى الهداية شرح بداية المبتدى لشيخ الإسلام برهان الدين على بن أبى بكر المرغنائى المتوفى سنة 593 ج 3 ص 199 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية الطبعة الأولى سنة 1315 هـ.

(2)

عوان: بفتح العين المهملة وتخفيف الواو: اى اسيرات «انظر من كتاب الترغيب والترهيب من الحديث الشريف للإمام الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى المنذرى المتوفى سنة 656 هـ ج 3 ص 51 طبع مطبعة شركة ومكتبة مصطفى البابى الحلبى واولاده بمصر الطبعة الثانية سنة 1373 هـ سنة 1954 م.

ص: 6

عليكم أن تحسنوا إليهن فى كسوتهن وطعامهن.

رواه ابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح

وكان المال الذى يعطى فى تخليصهن فداء

فالآية تفيد جواز الافتداء عن ملك النكاح.

وإباحة الأخذ من الزوجة مشروطة بمشاقتها.

واذا افتدت الزوجة نفسها من زوجها بمال يخلعها به وقع بالخلع تطليقة بائنة، ولزمها المال.

لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «الخلع تطليقة بائنة»

روى ذلك عن عمر وعلى وابن مسعود موقوفا عليهم، ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء فى بدائع

(1)

الصنائع: قال أصحابنا:

الخلع طلاق، وهو مروى عن عمر وعثمان رضى الله تعالى عنهما، لأن هذه فرقة بعوض حصلت من جهة الزوج فتكون طلاقا.

وهو طلاق بائن، لأنه طلاق بعوض، وقد ملك الزوج العوض بقبولها فلا بد وان تملك هى نفسها، تحقيقا للمعاوضة، وهى لا تملك نفسها الا بالطلاق البائن، لأن الزوج يراجعها فى الطلاق الرجعى، فلا تتخلص ويذهب مالها بغير شئ وهذا لا يجوز فكان الواقع بائنا.

ثم هو من جانب الزوج يمين، وتعليق الطلاق بشرط وهو قبولها العوض.

ومن جانبها معاوضة المال وهو تمليك المال بعوض.

حتى لو ابتدأ الزوج الخلع فقال: خالعتك على ألف درهم لا يملك الزوج الرجوع ولا فسخه، ولا نهى المرأة عن القبول، ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبولها.

ولا بد من الإيجاب والقبول، لأنه عقد على الطلاق بعوض فلا تقع الفرقة، ولا يستحق العوض بدون القبول.

وإذا كان

(2)

النشوز من قبل الزوج فلا يحل له أخذ شئ من العوض.

لقول الله سبحانه وتعالى

«وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ 3 زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً»

نهى الله سبحانه وتعالى عن أخذ شئ مما آتاها من المهر، وأكد النهى بقوله تعالى:

«أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً»

وقوله عز وجل «وَلا تَعْضُلُوهُنَّ 4 لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»

أى إلا أن ينشزن نهى الأزواج عن أخذ شئ مما أعطوهن عند عدم النشوز منهن، وهذا فى حكم الديانة.

(1)

انظر من كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 3 ص 144 وما بعدها الطبعة الأولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 250 الطبعة السابقة وفتح القدير ج 3 ص 203 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 20 من سورة النساء.

(4)

الآية رقم 19 من سورة النساء.

ص: 7

فإن أخذ جاز ذلك فى الحكم ولزم حتى لا يملك استرداده، لأن الزوج أسقط ملكه عنها بعوض رضيت به، والزوج من أهل الاسقاط، والمرأة من أهل المعاوضة والرضا، فيجوز فى الحكم والقضاء.

وإن كان النشوز من قبل الزوجة فلا بأس بأن يأخذ منها شيئا قدر المهر.

لقوله تعالى: «إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»

أى إلا أن ينشزن.

والاستثناء من النهى اباحة من حيث الظاهر

وقوله تعالى: «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما 1 فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

قيل أى لا جناح على الزوج فى الأخذ وعلى المرأة فى الإعطاء

وفى الأخذ

(2)

الزيادة على قدر المهر روايتان

الرواية الأولى أنها مكروهة، أى يكره للزوج أن يأخذ منها شيئا أكثر مما أعطاها وهكذا روى عن على رضى الله تعالى عنه

وهو قول الحسن البصرى، وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، وطاووس

لأن قول الله تبارك وتعالى:

«وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً» الى قوله تعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

فقد نهى الله تعالى عن أخذ شئ مما أعطاها من المهر واستثنى القدر الذى أعطاها من المهر عند خوفها ترك اقامة حدود الله، والنهى عن أخذ شئ من المهر نهى عن أخذ الزيادة على المهر من طريق الأولى، كالنهى عن التأفيف أنه يكون نهيا عن الضرب

وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قال لا مرأة ثابت بن قيس بن شماس:

أتردين عليه حديقته؟ فقالت نعم وزيادة

فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: أما الزيادة فلا، فنهى عن الزيادة مع كون النشوز من قبلها

وبذلك تبين أن المراد من قوله فيما افتدت به قدر المهر لا الزيادة عليه

وإن كان ظاهره عاما

إلا أن قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم المشار اليه وضح المراد منه

والرواية الثانية: ما ذكر فى رواية الجامع الصغير أن الزيادة على قدر المهر غير مكروهة وأنه يطيب له الفضل وهو قول عثمان البتى

وذلك لإطلاق قوله تعالى:

«فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» فرفع الجناح عنهما فى الأخذ والعطاء من الفداء من غير فصل بين ما اذا كان مهر المثل، أو زيادة عليه، فيجب العمل باطلاق النص، ولأنها أعطت مال نفسها بطيبة من نفسها

وقد قال الله تبارك وتعالى:

(1)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 150 الطبعة السابقة والفتح القدير شرح الهداية مع العناية ج 3 ص 203 الطبعة السابقة.

ص: 8

«فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً»

بخلاف ما اذا كان النشوز من قبله، لأن النشوز اذا كان من قبل الزوج كانت هى مجبورة فى دفع المال، لأن الظاهر أنها مع رغبتها فى الزوج لا تعطى الا اذا كانت مضطرة من جهته بأسباب، أو مغترة بأنواع من التغرير، فكره الأخذ.

ولو أخذ الزوج

(1)

الزيادة عن المهر وكان النشوز منها جاز فى القضاء.

وكذلك اذا أخذ والنشوز منه لأن مقتضى قوله تعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» شيئان

الأول: الجواز حكما أى جواز أخذ الزيادة فى القضاء

والثانى: الإباحة، أى اباحة أخذ الزيادة

وقد ترك العمل فى حق الاباحة لمعارض وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس بن شماس: أما الزيادة فلا لكونها نهيا لمعنى فى غيره وهو زيادة الإيحاش فبقى معمولا فى الباقى وهو الجواز

ووجوب العوض اذا افتدت الزوجة نفسها بعوض مسمى له شرطان أحدهما: قبول العوض، لأن قبول العوض كما هو شرط وقوع الفرقة من جانب الزوج فهو شرط لزوم العوض من جانب الزوجة، سواء كان العوض من مهرها الذى استحقته بعقد النكاح من المسمى، أو مهر المثل، أو مالا آخر وهو المسمى بالجعل.

والشرط الثانى: يخص الجعل وهو تسمية مال متقوم موجود وقت الخلع معلوم أو مجهول جهالة قليلة أو كثيرة اذا لم تكن متفاحشة

فإن وجد هذا الشرط وجب الجعل

وألا يوجد هذا الشرط بأن كان المسمى غير مال متقوم كالخمر والخنزير فلا يجب المسمى واذا لم يجب المسمى فلا يجب.

وما صلح مهرا صلح بدل الخلع لأن ما صلح أن يكون عوضا للمتقوم أولى أن يصلح عوضا لغير المتقوم وهذا لأن البضع حالة الدخول متقوم وعند الخروج متقوم.

وإن خالعها أو طلقها بخمر أو خنزير أو ميتة وقع الطلاق بائنا فى الخلع رجعيا فى غيره مجانا كقولها خالعنى على ما فى يدى ولا شئ فى يدها لأن الإيقاع معلق بالقبول وقد وجد ولا يجب عليها شئ لأنها لم تسم شيئا متقوما لتصير غارة له ولا هو منقوم لتجب عليها قيمته وإنما يتقوم بالتسمية وقد فسدت بخلاف ما إذا قالت خالعنى على هذا الخل فإذا هو خمر حيث يجب عليها رد المهر عند أبى حنيفة رحمه الله وعند الصحابين يجب مثله من خل وسط لأنه صار مغرورا من جهتها بتسمية المال ثم إذا فسدت التسمية فقد وقع بغير عوض فكان العامل فيه لفظ الطلاق أو الخلع والأول صريح فيعقب الرجعة والثانى كفاية فيكون بائنا.

وإن قالت خالعنى على ما فى يدى من مال أو قالت من دراهم ولم يكن فى يدها شئ ردت

(1)

. الهداية وشروحها ج 3 ص 204 الطبعة السابقة.

ص: 9

عليه فى الأولى المهر الذى أخذته منه وفى الثانية ثلاثة دراهم. أما فى الأولى فلأنها لما سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بزوال ملكه إلا بعوض ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة ولا إلى إيجاب قيمة البضع وهو مهر المثل لأنه غير متقوم حالة الخروج فتعين إيجاب ما قام البضع به على الزوج دفعا للضرر عنه ولذلك لو قالت على ما فى بيتى من مال أو على ما فى بطنى جاريتى أو غنمى من حمل ولم يكن فيها شئ يجب رد المهر بخلاف ما إذا لم تقل من مال أو حمل حيث لا يجب عليها شئ والفرق مبنى على تسمية المال وعدمه.

وأما وجوب رد ثلاثة دراهم فى قولها ما فى يدى من دراهم فلأنها سمت بلفظ الجمع وأقله ثلاثة فيجب عليها المتيقن به فصار كما لو أقر أو أوصى بدراهم بخلاف ما إذا تزوجها بدراهم حيث تبطل التسمية للجهالة ويجب مهر المثل لأن البضع حالة الدخول متقوم فأمكن إيجاب قيمته إذا جهل المسمى. وذكر القدورى فى مختصره أنها لو قالت خالعنى على ما فى يدى من دراهم أو من الدراهم ففعل فلم يكن فى يدها شئ فعليها ثلاثة دراهم

وإن خالع على عبد آبق لها على أنها بريئة من ضمانه لم تبرأ لأنه عقد معاوضة فيقتضى سلامة العوض واشتراط البراءة عنه شرط فاسد ويبطل الشرط لكونه مخالفا لموجب العقد ولا يبطل الخلع لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة كالنكاح بخلاف البيع حيث لا يصح فى الآبق ويبطل بالشروط الفاسدة لأنها منهى عنها فيه لا فى الخلع فإذا بطل شرط البراءة عنه وجب عليها تسليم عينه إن قدرت عليه وإلا وجب عليها تسليم قيمته كما لو خالعها على عبد الغير. ولو قالت له طلقنى ثلاثا بألف فطلق واحدة فيكون له ثلث الألف وبانت لأن الباء تصحب الأعواض وهو ينقسم على المعوض ويكون بائنا لوجوب المال بخلاف البيع، أما لو قالت له طلقنى ثلاثا على ألف فطلقها واحدة وقع طلاق رجعى بغير شئ وهذا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقالا تطلق واحدة بائنة بثلث الألف كالمسألة الأولى لأن كلمة على بمنزلة الباء فى المعاوضات ولو قالت طلقنى وفلانة على ألف فطلقها وحدها كان عليها حصتها من الألف ولأبى حنيفة أن على للاستعلاء وضعا فإذا تعذر فللوجوب فإذا تعذر فللشرط مجازا.

ولو قال لها طلقى نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فقبلت لزم المال وبانت المرأة لأنه مبادلة أو تعليق فيقتضى سلامة البدلين، أو وجود الشرط ولا بد من قبولها لأنه عقد معاوضة أو تعليق بشرط فلا تنعقد المعاوضة بدون القبول ويسقط الخلع والمبارأة كل حق لكل واحد على الآخر مما يتعلق بالنكاح حتى لو خالعها أو بارأها بمال معلوم كان للزوج ما سمت له ولم يبق لأحدهما قبل صاحبه دعوى فى المهر مقبوضا كان أو غير مقبوض قبل الدخول بها أو بعده، وهذا عند أبى حنيفه رحمه الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى لا يسقطان إلا ما سمياه وأبو يوسف مع محمد فى الخلع ومع أبى حنيفة فى المبارأة ولو شرط البراءة من نفقة الولد الصغير وهى مؤنة الرضاع بنظر. فإن

ص: 10

وقتا له وقتا كالسنة ونحوه صح وإلا فلا. ولا يصح ابراؤها عن السكنى لأن خروجها معصية ولا يجوز أن يخلع الأب صغيرته بما لها فلو خالعها بمالها لا ينفذ عليها أما فى حق وجوب المال فظاهر لأن الخلع على مالها كالتبرع به لكونه مقابلا بما ليس بمال ولا متقوم وهو منافع البضع لأنها لا قيمة لها حال الخروج ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثلث بخلاف نكاح المريض ولو خالعها الأب على أنه ضامن لبدل الخلع جاز ولزمه المال بأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبى صحيح فعلى الأب أولى ولم يرد بهذا الضمان الكفالة عن الصغيرة لأن المال لا يلزمها وإنما المراد به التزام المال ابتداء لأنه يجوز اشتراطه على الأجنبى. ولو شرط الزوج البدل عليها توقف على قبولها أن كانت أهلا له بأن تكون مميزة وهى التى تعرف أن الخلع سالب والنكاح جالب فإن قبلت وقع اتفاقا لوجود الشرط ووقوع الطلاق يعتمده دون لزوم المال وإن قبل الأب عنها صح فى رواية لأنه نفع محض لأنها تتخلص من عهدته بلا مال.

‌مذهب المالكية:

جاء فى بداية المجتهد

(1)

: اذا افتدت المرأة نفسها من زوجها بمال يخلعها به وقع بالخلع طلاقا بائنا. لأنه لو كان للزوج فى العدة منه الرجعة عليها لم يكن لافتدائها معنى

والآية قد تضمنت حكم الافتداء على أنه شئ يلحق جميع أنواع الطلاق لا أنه شئ غير الطلاق

(2)

ويحل أخذ العوض سواء كان قليلا أو كثيرا ولو زاد على الصداق بأضعاف

فقد جاء فى المدونة

(3)

أنه يحل للزوج أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها.

قال مالك: لم أزل أسمع من أهل العلم وهو الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا لم يضر بالمرأة ولم يسئ اليها، ولم تؤت المرأة من قبله، وأحبت فراقه، فإنه يحل له أن يقبل منها ما افتدت به.

وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بامرأة ثابت بن قيس بن شماس حين جاءت فقالت: لا أنا ولا ثابت لزوجها وقالت:

يا رسول الله كل ما أعطانى عندى وافر.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خذ منها، فأخذ منها، وترك.

(1)

انظر من بداية المجتهد ونهاية المقتصد للإمام الفقيه الأصولى القاضى أبى الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبى الأندلسى الشهير بابن رشد الحفيد المتوفى سنة 595 هـ ج 2 ص 57 طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.

(2)

انظر من كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك للإمام العالم الشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للقطب الشهير بسيدى أحمد الدردير وبهامشه شرح القطب الشهير بسيدى أحمد الدردير ج 1 ص 411 طبع المطبعة والمكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1220 هـ.

(3)

المدونة للإمام مالك ج 5 ص 22 الطبعة السابقة.

ص: 11

وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه أن أخته كانت تحت رجل فكان بينهما درء وجفاء حين تحاكما الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: تردين عليه حديقته، فقالت: نعم وأزيده فأعاد ذلك ثلاث مرات، فقال عند الرابعة ردى عليه حديقته وزيديه.

قال مالك: ولم أر أحدا ممن يقتدى به يكره أن تفتدى المرأة بأكثر من صداقها.

وقد قال الله تبارك وتعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما 1 فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

وأن مولاة لصفية اختلعت من زوجها بكل شئ لها فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنه

وهل يستحق الزوج شيئا من العوض ان كان ظالما لها؟

قال مالك

(2)

فى التى تفتدى من زوجها أنه اذا علم أن زوجها أضربها أو ضيق عليها، وأنه لها ظالم مضى عليه الطلاق، ورد عليها مالها، وهذا الذى كنت أسمع والذى عليه الأمر عندنا

وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: ان كانت الاساءة من قبلها فله شرطه

وان كانت من قبله فقد فارقها ولا شرط له، وروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: اذا لم تؤت المرأة من قبل زوجها حل له أن يقبل منها الفداء

وعن ابن شهاب أنه قال: من الحدود التى ذكر الله فيما يكون فى العشرة بين المرأة وزوجها اذا استخفت المرأة بحق زوجها فنشزت عليه، وأساءت عشرته، وأحنثت قسمه، أو خرجت بغير إذنه أو أذنت فى بيته لمن يكره، وأظهرت له البغض فنرى أن ذلك مما يحل له به الخلع

ولا يصح لزوجها خلعها حتى يؤتى من قبلها

فاذا كانت هى تؤتى من قبله فلا نرى خلعها يجوز

واذا كانت الزوجة غير مدخول بها وافتدت من زوجها فهل يكون لها نصف الصداق.

قال ابن القاسم أرى أن ترد الصداق كله

وذلك لأنى سمعت مالكا سئل عن رجل تزوج امرأة بمهر مسمى فافتدت منه بعشرة دنانير تدفعها اليه قبل أن يدخل بها على أن يخلى سبيلها ففعل، ثم أرادت أن تتبعه بنصف المهر

قال مالك ليس لها ذلك فانه لم يرض أن يخلى سبيلها حتى يأخذ منها فكيف تتبعه؟

قال ابن القاسم: وسواء عندى نقد أو لم ينقد

ومما يبين ذلك أنه لو كان نقدها ثم دعته الى أن يتاركها أو يبارئها لوجب عليها إن كانت أخذت الصداق أن ترده كله فهى حين زادته أحرى أن لا

(1)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(2)

المدونة للإمام مالك ج 5 ص 23 الطبعة السابقة.

ص: 12

تمسك من المهر شيئا إن كانت قد قبضته ولو كان يكون لها أن تتبعه اذا أعطته، لكان لها أن تتبعه اذا لم تعطه.

وهما اذا اصطلحا قبل أن يدخل بها وتفرقا على وجه المبارأة أحدهما لصاحبه فمما لا شك فيه أنها لا تحبس شيئا مما كان نقدها ولم تتبعه بشئ ان كان لم ينقدها، فهو حين لم يرض أن يتاركها أو يبارئها حتى أخذ منها أحرى أن لا تتبعه فى الوجهين جميعا

ولكن لو أن رجلا تزوج امرأة وسمى لها صداقا فسألته قبل أن يدخل بها أن يطلقها على أن تعطيه شيئا من صداقها كان له ما أعطته من صداقها، ورجعت عليه فيما بقى من صداقها بنصفه إن كان لم ينقدها

وإن كان قد نقدها رجع عليها بنصف ما بقى فى يدها بعد الذى أعطته

وجاء فى الشرح

(1)

الكبير: أن العوض جائز من الزوجة ومن غيرها، ولو كان أجنبيا منها، وإن كان الدافع أهلا لالتزام العوض زوجة أو غيرها، بأن كان رشيدا

فلا يجوز من صغيرة أو سفيهة ذات ولى أو مهملة ولا من شخص ذى رق ولو بشائبة بغير اذن الولى أو السيد

ويرد المال فى المسائل الثلاثة لعدم جواز البذل وصحته لكون باذله ليس أهلا للتبرع وتبين المرأة من زوجها.

فاذا علق، وقال: إن تم لى هذا المال أو ان صحت براءتك فأنت طالق

فان قال ذلك للسفيهة أو الصغيرة أو الرقيقة رد المال ولا يقع الطلاق

أما إذا قدم الطلاق بأن قال: أنت طالق إن تم لى هذا المال وقع الطلاق

واذا كان العوض

(2)

مؤجلا لأجل مجهول فانه يلزم تعجيله حالا والخلع لازم

وللزوج رد الردئ الذى يجده فى العوض ليأخذ بدله منها سواء كان دراهم أو غيرها إلا لشرط بأن شرطت عليه عدم رد الردئ فليس له رده عملا بالشرط

وان استحق العوض من يد الزوج وكان مقوما معينا كثوب معين أو عبد معين فانه يرجع عليها بقيمته

وان كان العوض مثليا رجع بمثله إلا أن يعلم

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه للعالم العلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات العلامة سيدى الشيخ محمد عليش ج 2 ص 347 طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1319 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 411 الطبعة السابقة والشرح الصغير ج 1 ص 411 الطبعة السابقة.

ص: 13

الزوج حين الخلع بأنها لا تملك ما خالعته به وخالعها عليه فلا شئ له وبانت منه

واذا كان العوض حراما كخمر وخنزير ومغصوب ومسروق وعلم به فلا شئ له عليها وبانت منه وأريق الخمر، وقتل الخنزير، ويرد المغصوب أو المسروق لمالكه.

ويحرم على

(1)

الزوجة المريضة أن تخالع زوجها، وكذا يحرم عليه لإعانتها على الحرام، وينفذ الطلاق، ولا توارث بينهما ان كان الزوج صحيحا ولو ماتت فى عدتها

ومحل المنع أن زاد الخلع على ارثه منها فان خالعته بقدر ارثه فأقل جاز ولا يتوارثان

وقال مالك إن اختلعت منه فى مرضها وهو صحيح بجميع مالها لم يجز ولا يرثها

وإن علق الزوج

(2)

الخلع بالاقباض أو الأداء كأن أقبضتنى أو أديتنى كذا فأنت طالق لم يختص الإقباض أو الأداء بالمجلس الذى قال لها فيه ذلك بل متى أعطته ما طلبه منها وقع الطلاق، ولو بعد المجلس، ما لم يطل إلا لقرينة تدل على أنه أراد المجلس فقط فتختص به، عملا بالقرينة

ولزم فى الخلع على ألف عين نوعها كألف دينار أو درهم، وفى البلد يزيدية ومحمدية

أو كان الخلع على ألف رأس من الغنم وفى البلد الضأن والمعز، فانه يلزم الزوجة الغالب مما يتعامل به الناس من المحمدية واليزيدية

فان لم يكن غالب أخذ من كل من المتساوين نصفه ومن الثلاثة المتساوية ثلث كل وان قالت له طلقنى ثلاثا بألف فطلق واحدة فتلزم البينونة ويلزمها الألف لأن قصدها البينونة وقد حصلت والثلاث لا يتعلق بها غرض شرعى

ولكن مذهب المدونة أنه لا يلزمها الألف إلا اذا طلق ثلاثا

واذا قالت له طلقنى واحدة بألف فطلقها ثلاثا فتلزمها الألف، لحصول غرضها وزيادة

وان قالت له أبنى أو طلقنى نصف طلقة أو ثلث طلقة بألف ففعل فتلزمها الألف التى عينتها مع البينونة وإن قال لها أنت طالق بألف غدا فقبلت فى الحال فتبين فى الحال، ويلزمها الألف.

وان قال لها أنت طالق بهذا الثوب الهروى، وأشار لثوب حاضر، فاذا هو مروى، فتبين منه ويلزمها الثوب، لأنه لما عينه بالاشارة كان المقصود، ذاته لا نسبته الى البلد.

(1)

الشرح الصغير ج 1 ص 413 الطبعة السابقة، الدرء الدفع وادرءوا الحدود بالشبهات أى ادفعوا وفى حديث الشعبى فى المختلفة اذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها أى الخلاف والنشوز. النهاية فى غريب الحديث والأثر للشيخ الإمام العلامة مجد الدين أبى السعادات المبارك بن محمد بن محمد الجزرئ المعروف بابن الأثير ج 2، ص 18 باب الدال مع الراء وبهامشه الدر النثير تلخيص نهاية ابن الأثير للجلال السيوطى طبع المطبعة العثمانية بمصر سنة 1311 هـ.

(2)

الشرح الكبير حاشية الدسوقى عليه ج 2 ص 358 الطبعة السابقة.

ص: 14

أما إن وقع الخلع على ثوب هروى غير معين فتبين أنه مروى

فان كان ذلك قبل قوله وأخذه منها، لم يلزمه طلاق.

وان كان بعده لزمه الطلاق. ويلزمها الهروى.

وأما ان قال أنت طالق على هروى فأتت بمروى، لم يلزمه طلاق، لأنه تعليق معنى

وجاء فى الشرح

(1)

الصغير: أنه يجوز الخلع بالغرر كجنين ببطن أمتها أو بقرتها أو نحو ذلك، فان أنغش الحمل فلا شئ له وبانت كما لو كان الجنين فى ملك غيرها وأيضا يجوز الخلع على عبد آبق، فان لم يظفر به فلا شئ له وبانت، وكذلك اذا كان غير موصوف من حيوان أو عرض، أو ثمرة لم يبد صلاحها وله الوسط من غير الموصوف لا الجيد، ولا الدنئ من جنس ما خالعته به.

فاذا وقع على عبد أو بعير فله الوسط من ذلك ويجوز أن يجتمع الخلع مع البيع، كأن تدفع له عبدا على أن يخالعها ويدفع لها عشرة فالعبد نصفه فى مقابلة العشرة وهو بيع ونصفه فى مقابلة العصمة وهو خلع وسواء كانت قيمة العبد تزيد على ما دفعه الزوج من الدراهم أو تزيد أو تنقص على الراجح من وقوع الطلاق بائنا، لأنه طلاق قارنه عوض فى الجملة واستحسنه اللخمى وبه القضاء كما قال المتيطى، لا رجعيا كمن طلق وأعطى خلافا، لبعضهم

ولو خالعها

(2)

على تأخير دين عليه وقد حل أجل الدين فانه لا شئ له عليها، لأن تأخير الحال سلف وقد جر لها نفعا وهو خلاص عصمتها منه وتأخذ منه الدين حالا

وكذلك لو خالعها على تعجيل دين لها عليه لأجل، لم يجب عليه قبوله، بأن كان طعاما، أو عرضا من بيع فيرد التعجيل ويبقى الى أجله، وبانت لما فيه من حط الضمان عنه على أن زادها حل العصمة.

ولو خالعها على خروجها من المسكن الذى طلقها فيه فيرد برجوعها له، لأنه حق لله لا يجوز اسقاطه وبانت ولا شئ له عليها.

وجاء فى

(3)

الحطاب: قال ابن عرفة:

التوكيل على الخلع جائز كالبيع فلو نقص الوكيل عما سماه الزوج لم يلزم

قال ابن شاس لو قال له خالعها بمائة فنقص لم يقع طلاق

فان خالع بما سماه أو زاد فلا شك فى وقوع الطلاق البائن.

ولو قال له خالعها فنقص عن المثل قبل قول الزوج أنه أراد المثل.

قال ابن الحاجب انما يقبل قوله مع يمينه

(1)

الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 410 و 411 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق الدردير ج 1 ص 412 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل للحطاب وبهامشه التاج والإكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق، فى كتاب ج 4 ص 32 و 33 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.

ص: 15

قال ابن عبد السلام ولا يكاد يوجد النص على اليمين

وظاهر الرواية سقوط اليمين كما فى البيع

وفى المجموعة لابن قاسم عن مالك: ومن وكل من يصالح عنه امرأته فصالحها بدينار فأنكره الزوج فله ذلك، انما يجوز عليه صلح مثلها.

ونص مالك فى العتبية على اليمين فيمن قال لامرأته: ان دعوتنى الى الصلح فلم أجيبك فأنت طالق فأعطته دينارا فقال: لم أرد هذا وانما أردت نصف ما تمليكنه، فقال: لا يلزمه الخلع ويحلف، ويخلى بينه وبينها.

قال ابن القاسم وان لم تكن له بينة فلم يجبها حنث.

وان زاد وكيل الزوجة فعليه الزيادة

وهذا يشمل ما اذا سمت له عددا فزاد عليه، وما اذا أطلقت له فخالع بأكثر من خلع المثل، فكانت الزيادة فى الوجهين على الوكيل وأما ما سمته المرأة أو خلع المثل إذا أطلقت فانه يلزمها أن أضاف الخلع اليها أو لم يصرح بالاضافة اليها، أو الى نفسه وإن أضافه الى نفسه لزمه

قال فى الشامل: فان وكلته مطلقا فخالع بالمثل فأقل لزم، وان زاد غرم الزيادة كزائد عدد سمته له

فإن أضاف الاختلاع لنفسه صح وغرم المسمى

وان لم يصرح بالاضافة اليه أو إليها بانت ولزمها ما سمت وغرم الزيادة

‌مذهب الشافعية:

اذا كرهت

(1)

المرأة زوجها لقبح منظر أو سوء عشرة وخافت أن لا تؤدى حقه جاز أن تخالعه على عوض

لقول الله تبارك وتعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

(2)

وروى أن جميلة بنت سهل كانت تحت ثابت ابن قيس بن الشماس وكان يضربها فأتت الى النبى صلى الله عليه وسلم وقالت: لا أنا ولا ثابت وما أعطانى

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خذ منها فأخذ منها فقعدت فى بيتها» .

وان لم تكره المرأة منه شيئا وتراضيا على الخلع من غير سبب جاز لقول الله تبارك وتعالى «فَإِنْ طِبْنَ 3 لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً»

ولأنه رفع عقد بالتراضى جعل لدفع الضرر فجاز من غير ضرر، كالاقالة فى البيع

وان ضربها أو منعها حقها طمعا فى أن تخالعه على شئ من مالها لم يجز

(1)

المهذب للشيخ الإمام الموفق ابى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى ج 2 ص 70، 71، 72، 73، 74، 75 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(2)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 4 من سورة النساء.

ص: 16

لقول الله عز وجل «وَلا تَعْضُلُوهُنَّ 1 لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»

فإن طلقها فى هذه الحال على عوض لم يستحق عوض، لأنه عقد معاوضة أكرهت عليه بغير حق فلم يستحق فيه العوض كالبيع

فان كان ذلك بعد الدخول فله أن يراجعها، لأن الرجعة انما تسقط بالعوض، وقد سقط العوض فتثبت الرجعة فيه.

فإن زنت فمنعها حقها لتخالعه على شئ من مالها ففيه قولان:

أحدهما يجوز ويستحق فيه العوض

لقول الله سبحانه وتعالى «إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»

فدل على أنها اذا أتت بفاحشة مبينة جاز عضلها ليأخذ شيئا من مالها

والثانى لا يجوز ولا يستحق فيه العوض، لأنه خلع أكرهت عليه بمنع الحق، فأشبه اذا منعها حقها لتخالعه من غير زنا.

فأما الآية فقد قيل أنها منسوخة بآية الامساك فى البيوت

وهى قول الله تبارك وتعالى «فَأَمْسِكُوهُنَّ 2 فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ»

ثم نسخ ذلك بالجلد والرجم

ولأنه روى عن قتادة أنه فسر الفاحشة بالنشوز فعلى هذا اذا كان ذلك بعد الدخول فله أن يراجعها.

ولا يجوز للأب أن يطلق امرأة الابن الصغير بعوض وغير عوض لما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال: «إنما الطلاق بيد الذى يحل له الفرج، ولأن طريقه الشهوة، فلم يدخل فى الولاية

ولا يجوز أن يخلع البنت الصغيرة من الزوج بشئ من مالها، لأنه يسقط بذلك حقها من المهر والنفقة والاستمتاع

فان خالعها بشئ من مالها لم يستحق ذلك.

وإن كان بعد الدخول فله أن يراجعها لما ذكرناه

ومن الأصحاب من قال: اذا قلنا الذى بيده عقدة النكاح هو الولى فله أن يخالعها بالإبراء من نصف مهرها.

وهذا خطأ، لأنه إنما يملك الإبراء على هذا القول بعد الطلاق، وهذا الإبراء قبل الطلاق.

ولا يجوز للسفيهة أن تخالع بشئ من مالها، لأنها ليست من أهل التصرف فى مالها فان طلقها على شئ من مالها لم يستحق ذلك كما لا يستحق ثمن ما باع منها.

فان كان بعد الدخول فله أن يراجعها لما ذكرناه

ويجوز للأمة أن تخالع زوجها على عوض فى ذمتها

ويجب دفع العوض من حيث يجب دفع المهر فى نكاح العبيد، لأن العوض فى الخلع كالمهر فى النكاح، فوجب من حيث يجب المهر

ويصح الخلع من غير الزوجة وهو أن يقول

(1)

الآية رقم 19 من سورة النساء

(2)

الآية رقم 15 من سورة النساء.

ص: 17

رجل طلق امرأتك بألف على

وقال أبو ثور لا يصح، لأن بذل العوض فى مقابلة ما يحصل لغيره سفه، ولذلك لا يجوز أن يقول لغيره بع عبدك من فلان بألف على وهذا خطأ، لأنه قد يكون له غرض وهو أن يعلم أنهما على نكاح فاسد أو تخاصم دائم فيبذل العوض ليخلصهما طلبا للثواب كما يبذل العوض لاستنقاذ أسير أو حر فى يد من يسترقه بغير حق

ويخالف البيع فانه تمليك يفتقر الى رضا المشترى فلم يصح بالأجنبى والطلاق اسقاط حق لا يفتقر الى رضا المرأة فصح بالمالك والأجنبى كالعتق بمال

فان قال طلق امرأتك على مهرها وأنا ضامن فطلقها بانت ورجع الزوج على الضامن بمهر المثل فى قوله الجديد.

وببدل مهرها فى قوله القديم لأنه أزال الملك عن البضع بمال، ولم يسلم له، وتعذر الرجوع الى البضع، فكان فيما يرجع اليه قولان

كما قيل فيمن أصدق امرأته مالا فتلف قبل القبض.

ويجوز الخلع فى الحيض لأن المنع من الطلاق للضرر الذى يلحقها بتطويل العدة والخلع جعل للضرر الذى يلحقها بسوء العشرة والتقصير فى حق الزوج والضرر بذلك أعظم من الضرر بتطويل العدة فجاز دفع أعظم الضررين بأخفهما.

ويجوز الخلع من غير حاكم لأنه قطع عقد بالتراضى جعل لدفع الضرر فلم يفتقر الى الحاكم كالاقالة فى البيع

ويصح الخلع بلفظ الخلع والطلاق.

فان خالعها بصريح الطلاق أو بالكناية مع النية فهو طلاق، لأنه لا يحتمل غير الطلاق.

فان خالعها بصريح الخلع فان لم ينوبه الطلاق ففيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه لا يقع به فرقة وهو قول الشافعى فى الأم، لأنه كناية فى الطلاق من غير نية فلم يقع بها فرقة كما لو عريت عن العوض

والثانى: أنه فسخ وهو قوله فى القديم، لأنه جعل للفرقة فلا يجوز أن يكون طلاقا، لأن الطلاق لا يقع الا بصريح أو كناية مع النية والخلع ليس بصريح فى الطلاق ولا معه نية الطلاق فوجب أن يكون فسخا

والثالث: أنه طلاق وهو قوله فى الاملاء

وهو اختيار المزنى، لأنها انما بذلت العوض للفرقة والفرقة التى يملك ايقاعها هى الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون طلاقا فان قلنا انه فسخ صح بصريحه وصريحه الخلع والمفاداة لأن المفاداة ورد بها القرآن والخلع ثبت له بالعرف، فاذا خالعها بأحد هذين اللفظين انفسخ النكاح من غير نية

وهل يصح الفسخ بالكناية كالمبارأة والتحريم وسائر كنايات الطلاق؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا يصح لأن الفسخ لا يصح تعليقه على الصفات، فلم يصح بالكناية كالنكاح.

والثانى: يصح، لأنه أحد نوعى الفرقة فانقسم لفظها الى الصريح والكناية كالطلاق.

ص: 18

فعلى هذا إذا خالعها بشئ من الكنايات لم ينفسخ النكاح حتى ينويا.

ويصح الخلع منجزا بلفظ المعاوضة لما فيه من المعاوضة ويصح معلقا على شرط لما فيه من الطلاق

فأما المنجز بلفظ المعاوضة فهو أن يوقع الفرقة بعوض وذلك مثل أن يقول: طلقتك أو أنت طالق بألف وتقول المرأة قبلت كما تقول فى البيع بعتك هذا بألف ويقول المشترى قبلت.

أو تقول المرأة طلقنى بألف فيقول الزوج طلقتك كما يقول المشترى بعنى هذا بألف ويقول البائع بعتك ولا يحتاج أن يعيد فى الجواب ذكر الألف، لأن الإطلاق يرجع اليه كما يرجع فى البيع

ولا يصح الجواب فى هذا الا على الفور كما نقول فى البيع.

ويجوز للزوج أن يرجع فى الايجاب قبل القبول

وللمرأة أن ترجع فى الاستدعاء قبل الطلاق كما يجوز فى البيع

وأما غير المنجز فهو أن يعلق الطلاق على ضمان مال أو دفع مال

فان كان بحرف إن بأن قال إن ضمنت لى ألفا فأنت طالق لم يصح الضمان الا على الفور لأنه لفظ شرط يحتمل الفور والتراخى، الا أنه لما ذكر العوض صار تمليكا بعوض فاقتضى الجواب على الفور كالتمليك فى المعاوضات

وإن قال ان أعطيتنى ألفا فأنت طالق لم تصح العطية الا على الفور بحيث يصلح أن تكون جوابا لكلامه، لأن العطية هاهنا هى القبول ويكفى أن تحضر المال وتأذن فى قبضه أخذ أولم يأخذ، لأن اسم العطية يقع عليه، وان لم يأخذ.

ولهذا يقال أعطيت فلانا مالا فلم يأخذه

وان قالت طلقنى بألف فقال أنت طالق بألف ان شئت لم يقع الطلاق حتى توجد المشيئة لأنه أضاف الى ما التزمت المشيئة فلم يقع الا بها

ويصح الرجوع قبل الضمان وقبل العطية وقبل المشيئة كما يجوز فيما عقد بلفظ المعاوضة.

ويجوز الخلع بالقليل والكثير والدين والعين والمال والمنفعة لأنه عقد على منفعة البضع فجاز بما ذكرناه كالنكاح

فان خالعها فجاز بما ذكرناه كالنكاح فإن خالعها على أن تكفل ولده عشر سنين وبين مدة الرضاع وقدر النفقة وصفتها فالمنصوص أنه يصح.

وان خالعها خلعا منجزا على عوض ملك العوض بالعقد وصار مضمونا على الزوجة ضمان الصداق.

فان كان عينا فهلكت قبل القبض أو خرج مستحقا أو على عبد فخرج حرا أو على خل فخرج خمرا رجع الى مهر المثل فى قوله الجديد.

ورجع الى بدل المسمى فى قول الشافعى القديم كما قلنا فى الصداق.

وان خالعها على أن ترضع ولده فماتت فهو كالعين اذا هلكت قبل القبض.

وان مات الولد ففيه قولان.

أحدهما: يسقط الرضاع ولا يقوم غير الولد مقامه، لأنه عقد على ايقاع منفعة فى عين فاذا

ص: 19

تلفت العين لم يقم غيرها مقامها كما لو أكراه ظهرا للركوب فهلك الظهر.

فعلى هذا يرجع الى مهر المثل فى قوله الجديد والى أجرة الرضاع فى قوله القديم.

والقول الثانى: أنه لا يسقط الرضاع بل يأتيها بولد آخر لترضعه، لأن المنفعة باقية.

فعلى هذا ان لم يأت بولد آخر حتى مضت المدة ففيه وجهان:

أحدهما: لا يرجع عليها، لأنها مكنته من الاستيفاء فأشبه اذا أجرته دارا وسلمتها اليه فلم يسكنها.

والثانى: يرجع عليها، لأن المعقود عليه تحت يدها فتلف من ضمانها.

فعلى هذا يرجع بمهر المثل فى قوله الجديد وبأجرة الرضاع فى قوله القديم.

وان خالعها على خياطة ثوب فتلف الثوب فهل تسقط الخياطة أو يأتيها بثوب آخر لتخيطه؟ فيه وجهان بناء على القولين فى الرضاع.

ويجوز رد العوض فى الخلع بالعيب، لأن اطلاق العقد يقتضى السلامة من العيب فثبت فيه الرد بالعيب كالمبيع والصداق.

فان كان العقد على عين بأن طلقها على ثوب

أو قال إن أعطيتنى هذا الثوب فأنت طالق فأعطته ووجد به عيبا فرده رجع الى مهر المثل فى قوله الجديد

والى بدل العين سليما فى قوله القديم لما ذكر فى الصداق

وان كان الخلع منجزا على عوض موصوف فى الذمة فأعطته ووجد معيبا فرده طالب بمثله سليما

وان قال ان دفعت الى عبدا من صفته كذا وكذا فأنت طالق فدفعت اليه عبدا على تلك الصفة طلقت.

فان وجده معيبا فرده رجع فى قوله الجديد الى مهر المثل.

والى بدل العبد فى قوله القديم، لأنه تعين بالطلاق فصار كما لو خالعها على عين فردها بالعيب.

ويخالف ما اذا كان موصوفا فى الذمة فى خلع منجز فقبضه ووجد به عيبا فرده، لأنه لم يتعين بالعقد ولا بالطلاق فرجع الى ما فى الذمة.

وان خالعها على عين على أنها على صفة فخرجت على دون تلك الصفة ثبت له الرد كما فى المبيع.

فإذا رده رجع الى مهر المثل فى أحد القولين

والى بدل المشروط فى القول الآخر كما فى الرد بالعيب.

ولا يجوز الخلع على محرم ولا على ما فيه غرر كالمجهول ولا ما لم يتم ملكه عليه ولا ما لا يقدر على تسليمه، لأنه عقد معاوضة فلم يجز على ما ذكرناه كالبيع والنكاح.

فان طلقها على شئ من ذلك وقع الطلاق، لأن الطلاق يصح مع عدم العوض فصح مع فساده كالنكاح ويرجع عليها بمهر المثل، لأنه تعذر رد البضع فوجب رد بدله.

ص: 20

فان خالعها بشرط فاسد بأن قالت طلقنى بألف بشرط أن تطلق ضرتى فطلقها وقع الطلاق ويرجع عليها بمهر المثل.

لأن الشرط فاسد فإذا سقط وجب إسقاط ما زيد فى البدل لأجله وهو مجهول فصار العوض فيه مجهولا فوجب مهر المثل.

فان قال اذا جاء رأس الشهر فأنت طالق على ألف ففيه وجهان:

أحدهما يصح، لأنه تعليق طلاق بشرط،

والثانى لا يصح، لأنه عقد معاوضة فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع.

فعلى هذا اذا وجد الشرط وقع الطلاق ورجع عليها بمهر المثل

فإذا خالع امرأته لم يلحقها ما بقى من عدد الطلاق، لأنه لا يملك بضعها فلم يلحقها طلاقه كالأجنبية ولا يملك رجعتها فى العدة.

وقال أبو ثور إن كان بلفظ الطلاق فله أن يراجعها، لأن الرجعة من مقتضى الطلاق فلم يسقط بالعوض كالولاء فى العتق، وهذا خطأ، لأنه يبطل به اذا وهب بعوض، فان الرجوع من مقتضى الهبة، وقد سقط بالعوض.

ويخالف الولاء فإنه باثباته لا يملك ما اعتاض عليه من الرق، وبإثبات الرجعة يملك ما اعتاض عليه من البضع.

وان طلقها بدينار على أن له الرجعة سقط الدينار وثبتت له الرجعة

وقال المزنى يسقط الدينار والرجعة ويجب مهر المثل.

كما قال الشافعى فيمن خالع امرأة على عوض وشرطت المرأة أنها متى شاءت استرجعت العوض وثبتت الرجعة، أن العوض يسقط ولا تثبت الرجعة.

وان وكلت المرأة فى الخلع ولم تقدر العوض فخالع الوكيل بأكثر من مهر المثل لم يلزمها الا مهر المثل، لأن المسمى عوض فاسد بمقتضى الوكالة فسقط ولزم مهر المثل كما لو خالعها الزوج على عوض فاسد، فان قدرت العوض بمائة فخالع عنها على أكثر منها ففيه قولان:

أحدهما: يلزمها مهر المثل لما ذكرناه.

والثانى: يلزمها أكثر الأمرين من مهر المثل أو المائة فان كان مهر المثل أكثر وجب، لأن المسمى سقط لفساده، ووجب مهر المثل.

وان كانت المائة أكثر وجبت لأنها رضيت بها

وأما الوكيل فانه ان ضمن العوض فى ذمته يرجع الزوج عليه بالزيادة لأنه ضمنها بالعقد

وان لم يضمن بأن أضاف الى مال الزوجة لم يرجع عليه بشئ

فان خالع على خمر أو خنزير وجب مهر المثل، لأن المسمى سقط فوجب مهر المثل.

فان وكل الزوج فى الخلع ولم يقدر العوض فخالع الوكيل بأقل من مهر المثل فقد نص فيه على قولين.

قال فى الإملاء: يقع ويرجع عليه بمهر المثل.

وقال فى الأم: الزوج بالخيار بين أن يرضى

ص: 21

بهذا العوض ويكون الطلاق بائنا، وبين أن يرده ويكون الطلاق رجعيا.

وقال فيمن وكل وقدر العوض فخالع على أقل منه أن الطلاق لا يقع.

وإن خالعها على خمر أو خنزير لم يقع الطلاق لأنه طلاق غير مأذون فيه فاذا كان العوض فاسدا سقط ورجع الى مهر المثل.

وإذا خالع امرأة فى مرضه ومات لم يعتبر البدل من الثلث سواء حابى أو لم يحاب، لأنه لا حق للورثة فى بضع المرأة ولهذا لو طلق من غير عوض لم تعتبر قيمة البضع من الثلث

فان خالعت المرأة زوجها فى مرضها وماتت فإن لم يزد العوض على مهر المثل اعتبر من رأس المال، لأن الذى بذلت بقيمة ما ملكته فأشبه اذا اشترت متاعا بثمن المثل.

وإن زاد على مهر المثل اعتبرت الزيادة من الثلث لأنه لا يقابلها بدل فاعتبرت من الثلث كالهبة

فان خالعت على عبد قيمته مائة ومهر مثلها خمسون فقد حابت بنصفه.

فان لم يخرج النصف من الثلث بأن كان عليها ديون تستغرق قيمة العبد فالزوج بالخيار بين أن يقر العقد فى العبد فيستحق نصفه وبين أن يفسخ العقد فيه ويستحق مهر المثل ويضرب به مع الغرماء لأن الصفقة تبعضت عليه.

وإن خرج النصف من الثلث أخذ جميع العبد، نصفه بمهر المثل ونصفه بالمحاباة.

ومن الأصحاب من قال هو بالخيار بين أن يقر العقد فى العبد وبين أن يفسخ العقد فيه ويستحق مهر المثل، لأنه تبعضت عليه الصفقة من طريق الحكم، لأنه دخل على أن يكون جميع العبد له عوضا، وقد صار نصفه عوضا ونصفه وصية.

والمذهب الأول.

‌مذهب الحنابلة:

أنه اذا كرهت

(1)

المرأة زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك وخشيت أن لا تؤدى حق الله فى طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدى به نفسها منه.

لقول الله تبارك وتعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ 2 بِهِ»

وروى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «خرج الى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه فى الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «ما شأنك؟ قالت لا أنا ولا ثابت لزوجها، فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر، وقالت حبيبة يا رسول الله صلى الله عليه

(1)

المغنى لشيخ الإسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسى المتوفى سنة 620 هـ على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام أبى عمر محمد بن احمد بن قدامة المقدسى المتوفى سنة 682 هـ ج 8 ص 173، 174 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى.

(2)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

ص: 22

وسلم كل ما أعطانى عندى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لثابت بن قيس خذ منها فأخذ منها وجلست فى أهلها.

وهذا حديث صحيح ثابت الإسناد رواه الأئمة مالك وأحمد وغيرهما.

وهذا يسمى خلعا، لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها

قال الله عز وجل «هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ 1» }.

ويسمى افتداء لأنها تفتدى نفسها بمال تبذله

قال الله تبارك وتعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

وجاء فى كشاف

(2)

القناع أنه ان عضلها أى ضارها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من القسم والنفقة ونحو ذلك كما لو نقصها شيئا من ذلك ظلما لتفتدى نفسها، فالافتداء باطل، والعوض مردود، والزوجية بحالها.

لقول الله تبارك وتعالى «وَلا تَعْضُلُوهُنَّ 3 لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ» الآية

ولأن ما تفتدى به نفسها مع ذلك عوض أكرهت على بذله بغير حق فلم يستحق أخذه منها للنهى عنه والنهى يقتضى الفساد الا أن يكون بلفظ طلاق أو نيته فيقع رجعيا ولم تبن منه لفساد العوض.

والا بأن لم يكن بلفظ الطلاق ولا نيته كان لغوا لفساد العوض.

وان فعل الزوج ما ذكر من المضارة بالضرب والتضييق والمنع من الحقوق لا لتفتدى منه فالخلع صحيح، لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض مالها، ولكن عليه إثم الظلم أو فعله لنشوزها أو تركها فرضا فالخلع صحيح.

وجاء فى المغنى

(4)

: أنه لا يفتقر الافتداء الى حاكم نص عليه أحمد فقال: يجوز الخلع دون السلطان.

وروى البخارى ذلك عن عمر وعثمان رضى الله عنهما.

وبه قال شريح والزهرى، لقول عمر وعثمان ولأنه معاوضة فلم يفتقر الى السلطان كالبيع والنكاح، ولأنه قطع عقد بالتراضى أشبه الاقالة.

ولا بأس بالخلع فى الحيض والطهر الذى أصابها فيه لأن المنع من الطلاق فى الحيض من أجل الضرر الذى يلحقها بطول العدة والخلع لازالة الضرر الذى يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه، وذلك أعظم من ضرر طول العدة فجاز وقع أعلاهما بأدناهما.

ولذلك لم يسأل النبى صلى الله عليه وآله وسلم

(1)

الآية رقم 187 من سورة البقرة.

(2)

انظر من كتاب كشاف القناع عن متن الإقناع للعلامة الشيخ منصور بن إدريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الإرادات للشيخ منصور بن يوسف البهوتى ج 3 ص 126، 127 طبع المطبعة الشرفية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى، والمغنى لابن قدامة المقدسى ج 8 ص 178 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 19 من سورة النساء.

(4)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 8 ص 174، 175، 176 الطبعة السابقة.

ص: 23

المختلعة عن حالها، ولأن ضرر تطويل العدة عليها، والخلع يحصل بسؤالها فيكون ذلك رضا منها به ودليلا على رجحان مصلحتها فيه ولا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها.

وإن كان الخلع يصح بأكثر من الصداق وأنهما اذا تراضيا على الخلع بشئ صح.

لقول الله تبارك وتعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» }.

ولو خالعته لغير بغض وخشية

(1)

من ألا تقيم حدود الله صح الخلع فى قول أكثر أهل العلم ويحتمل كلام أحمد تحريمه فانه قال: الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر، فهذا الخلع.

وهذا يدل على انه لا يكون الخلع صحيحا الا فى هذه الحال.

وهذا قول ابن المنذر وداود.

وقال ابن المنذر وروى معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم.

وذلك لأن الله تبارك وتعالى قال «وَلا يَحِلُّ 2 لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بها اذا افتدت من غير خوف.

ثم غلظ بالوعيد فقال «تِلْكَ 3 حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ»

فأما أن عضل

(4)

زوجته وضارها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفتدى نفسها ففعلت فالخلع باطل، والعوض مردود.

لقول الله عز وجل «وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ 5 شَيْئاً» الآية

ولأنه عوض أكرهن على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن فى البيع والأجر فى الإجارة

واذا لم يملك العوض وقلنا الخلع طلاق وقع الطلاق بغير عوض

فإن كان أقل من ثلاث فله رجعتها، لأن الرجعة انما سقطت بالعوض، فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة.

وان قلنا هو فسخ ولم ينو به الطلاق لم يقع شئ لأن الخلع بغير عوض لا يقع على احدى الروايتين

وعلى الرواية الأخرى انما رضى بالفسخ ها هنا بالعوض

(6)

فاذا لم يحصل له العوض لا يحصل المعوض، فأما ان ضربها على نشوزها ومنعها حقها لم يحرم خلعها لذلك، لأن ذلك لا يمنعها ألا يخافا

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 176، 177 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(4)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 8 ص 178 الطبعة السابقة.

(5)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(6)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 8 ص 179، 180 الطبعة السابقة.

ص: 24

ألا يقيما حدود الله فان أتت بفاحشة فعضلها لتفتدى نفسها منه ففعلت صح الخلع

لقول الله تبارك وتعالى «وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ 1 ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»

والاستثناء من النهى اباحة فتدخل فى قول الله عز وجل «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

واذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق.

فإن كان قبل الدخول فلها نصف المهر

وان كانت قبضته كله ردت نصفه.

وان كانت مفوضة فلها المتعة، لأن المهر حق لا يسقط بالخلع اذا كان بلفظ الطلاق فلا يسقط بلفظ الخلع والمبارأة كسائر الديون ونفقة العدة اذا كانت حاملا ولأن نصف المهر الذى يصير له لم يجب له قبل الخلع فلم يسقط بالمبارأة كنفقة العدة والنصف لها لا يبرأ منه بقولها بارأتك لأن ذلك يقتصى براءتها من حقوقه لا براءته من حقوقها.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(2)

قال ابن حزم أن المرأة اذا كرهت زوجها فخافت ألا توفيه حقه أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها فلها أن تفتدى منه ويطلقها إن رضى هو وإلا لم يجبر هو ولا أجبرت هى انما يجوز بتراضيهما.

ولا يحل الافتداء الا بأحد الوجهين المذكورين أو باجتماعهما

فان وقع بغيرهما فهو باطل ويرد عليها ما أخذ منها وهى امرأته كما كانت ويبطل طلاقه ويمنع من ظلمها فقط ولها أن تفتدى بجميع ما تملك وهو طلاق رجعى الا أن يطلقها ثلاثا: أو آخر ثلاث أو تكون غير موطوءة

فان راجعها فى العدة جاز ذلك أحبت أم كرهت ويرد ما أخذ منها اليها:

ويجوز الفداء بخدمة محدودة ولا يجوز بمال مجهول لكن بمعروف محدود مرئى معلوم أو موصوف

واستدل ابن حزم بقول الله تبارك وتعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ 3»

يقول الله عز وجل «وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً 4 فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً»

قال ابن حزم والغرض الأخذ بكلا الآيتين لا ترك احداهما للأخرى، ونحن قادرون على العمل بهما بأن نستثنى احداهما من الأخرى.

ويرى ابن

(5)

حزم أنه يحل للزوج أخذ ما تفتدى به الزوجة نفسها سواء كان كل ما أعطاها

(1)

الآية رقم 19 من سورة النساء.

(2)

المحلى للإمام محمد بن على بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 10 ص 235 مسألة رقم 1978 طبع مطبعة إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الأولى لمحمد بن عبده بن أغا الدمشقى.

(3)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(4)

الآية رقم 20 من سورة النساء.

(5)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 241 الطبعة السابقة.

ص: 25

أو بعض ما أعطاها أو أكثر مما أعطاها

لعموم قول الله تبارك وتعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

ومن خالع على

(1)

مجهول فهو باطل، لأنه لا يدرى هو ما يجب له عندها ولا تدرى هى فهو عقد فاسد.

وكل طلاق لم يصح الا بصحة ما لا صحة له فهو غير صحيح، واذا كان غير صحيح فلم يطلق أصلا.

والخلع على عمل محدود جائز

(2)

لدخوله تحت قول الله عز وجل

«فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

وهذا اذا كان ذلك العمل مباحا تجوز المعاوضة فيه بالاجارة وغيرها

‌مذهب الزيدية:

جاء فى الروض

(3)

النضير: أن الفداء هو العوض الذى تدفعه الزوجة لزوجها نظير خلوصها عن سلطانه عليها.

وإذا قبل الرجل

(4)

من امرأته فدية فقد بانت منه بتطليقة

فقد روى عن على رضى الله عنه أنه قال: اذا أخذ الرجل من امرأته فدية فهى أملك بنفسها وهى تطليقة واحدة.

وقد قسم صاحب البحر الزخار

(5)

الخلع على عوض الى مباح ومختلف فيه ومحظور.

فالمباح اذا كرهت المرأة من زوجها خلقه أو خلقه أو دينه أو خافت ألا تؤدى حقه فافتدت بشئ من مالها جاز وله أخذه اجماعا

لقول الله تبارك وتعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ 6 فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

ولخبر حبيبة بنت سهل حيث قالت لا أطيقه بغضا.

والمختلف فيه ما وقع بينهما بالتراضى من غير كراهة ولا نشوز ولا خوف والمال منها.

وأما المحظور فحيث يتضررها لتعطيه.

لقول الله تبارك وتعالى «لِتَذْهَبُوا 7 بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ»

وجاء فى شرح

(8)

الأزهار أنه يشترط أن يكون الخلع معقودا على عوض، مال أو فى حكمه ولا يصح خمرا ولا خنزيرا لمسلم

(1)

المرجع السابق ج 10 ص 243 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 244 الطبعة السابقة.

(3)

انظر من كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للقاضى العلامة شرف الدين الحسين بن أحمد بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن على بن محمد بن سليمان بن صالح السياغى اليمنى الصنعانى المتوفى بصنعاء اليمن سنة 1222 هـ ج 4 ص 167 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سوة 1347 هـ.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 166 الطبعة السابقة.

(5)

انظر من كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام أحمد بن يحيى المرتضى ج 3 ص 177 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ، ص 1948 م الطبعة الأولى

(6)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(7)

الآية رقم 19 من سورة النساء.

(8)

شرح الأزهار ج 2 ص 434 الطبعة السابقة.

ص: 26

أما الذى فى حكم المال فهو ما يصح أن يعقد عليه الإجارة نحو أن يقول طلقتك على أن تخيطى لى قميصا أو على أن تحملى لى كذا الى أرض كذا أو نحو ذلك.

فلو لم يكن مالا ولا فى حكم المال لم يكن خلعا

نحو أن يقول على أن تدخلى الدار أو على ألا تكلمى فلانا.

ويشترط فى العوض أن يكون صائرا كله أو بعضه الى الزوج.

فلو كان كله لغير الزوج نحو أن يقول: طلقتك على ألف لزيد أو نحو ذلك لم يكن خلعا.

واذا قبلت طلقت طلاقا رجعيا.

فأما لو كان بعضه له وبعضه لغيره نحو أن يقول: على أن تهيبنى نصف كذا ونصفه لابنى ففعلت، فإنه خلع بقدر حصته ويقبل الهبة له ولابنه إن كان صغيرا أو كان كبيرا ووكله بالقبول

وعوض الخلع قد يكون من زوجته وقد يكون من غيرها فحيث يكون من زوجته لا يصح الخلع إلا بشرطين:

أحدهما: أن تكون الزوجة صحيحة التصرف وذلك بأن تكون بالغة عاقلة.

فلو كانت صغيرة أو مجنونة لم يصح الخلع بعوض منها.

ولو كانت محجورة عن التصرف بمعنى أنه حجر عليها الحاكم لأجل دين عليها، فإن الحجر لا يمنع من صحة عقدها للخلع.

لكن عوض الخلع يبقى فى ذمتها ولا تخرجه من المال الذى حجرت فيه الا بعد رفع الحجر أو بإذن الحاكم أو الغرماء.

وهكذا لو كانت أمة فخولعت على عوض منها بغير اذن سيدها فانه يصح الخلع، ويكون العوض فى ذمتها يطالب به اذا عتقت.

فإن كان بإذن سيدها كان عليه.

والشرط الثانى: أن تكون الزوجة وقت الخلع ناشزة عن شئ مما يلزمها له من فعل أو ترك.

فالفعل نحو أن يأمرها أن تقف فى موضع فتمتنع لغير عذر.

وهكذا لو دعاها للوط ء الى موضع فلم تجبه

والترك نحو أن يلزمها بترك شئ مما كرهه الزوج فلا تتركه.

ونحو أن ينهاها عن الخروج الى بيت أهلها فتخرج.

ومن النشوز فى الترك أن تؤذيه بلسانها بشتم أو غيره.

وما اختاره عليه السلام من أن الخلع بعوض من الزوجة الصحيحة التصرف انما يصح بالنشوز منها.

وهو قول الهادى والقاسم والناصر.

وقال المؤيد بالله يصح بتراضيهما ولو لم يكن منها نشوز.

ولو كان العوض من غير الزوجة فلا يعتبر الشرطان السابقان وهما كونها صحيحة التصرف وناشزة.

وحكى فى الكافى عن القاسم والهادى والناصر

ص: 27

أن عوض الخلع لا يصح من غير الزوجة بل يقع الطلاق رجعيا ويرد العوض على الذى أخذ منه.

ولو قال لزوجته

(1)

أنت طالق على ألف فقبلت فإنها تطلق حينئذ خلعا ويلزمها الألف حيث قبلت هى.

ولو قالت هى لزوجها طلقنى على ألف فطلق طلقت خلعا ولزمها الألف.

ولا يحل

(2)

للزوج أن يأخذ من زوجته أكثر مما لزم بالعقد الذى خالعها به وذلك هو مهرها فيجوز أن يخالعها على هذا القدر أو دون لا أكثر من ذلك.

فإن زادت على ذلك تبرعا منها لا فى مقابلة الطلاق جاز له أخذه عندنا.

وقال الصادق بالله أنه لا يحل أكثر مما لزم بالعقد ولو ابتدأت المرأة بالزائد.

وقال المؤيد بالله أنه يجوز بما تراضيا عليه من قليل أو كثير.

وتصح

(3)

المخالعة على المهر بعينه إن كان معينا باقيا. أو على مثله ان كان قد سقط أو لم يسقط بإبراء أو نحوه أو كان فى الذمة غير معين.

فإن خالعها على مهرها ولم يكن قد دخل بها رجع عليها بنصف المهر عينا كان أو دينا.

ولو قالت المرأة

(4)

لزوجها طلقنى على ما فى يدى من الدراهم أو يقول له الغير طلقها على ما فى يدى من الدراهم فطلقها فإذا ليس فى اليد شئ فإنه يقع الطلاق بائنا ويلزم مهر المثل.

وهكذا لو قالت أو قال الغير على ما فى هذا الكيس من الدراهم ولا شئ فيه.

أو على حمل هذه الأمة ولا حمل معها.

أو على هذا العبد فإذا هو حر.

أو على هذا الخل فإذا هو خمر.

فإنه يقع الخلع ويلزم الغار مهر المثل.

أما لو قالت على ما فى يدى ولم تقل من الدراهم أو على ما فى الكيس ولم تقل من الدراهم أو على ما فى بطن هذه الأمة ولم تذكر الحمل لم يكن تغريرا، لأنها لم تذكر ما ينبى عن المال.

فإذا طلقها على ذلك وقع رجعيا

ولا

(5)

تغرير على الزوج ان ابتدأ بطلب المخالعة فى الصور التى جعلناها تغريرا نحو أن يبتدئها فيقول طلقتك على ما فى يدك أو فى يدك أو فى الكيس من الدراهم أو على حمل أمتك فقالت قبلت فانكشف عدم الدراهم والحمل، فإنه لا يلزمها مهر المثل هاهنا.

ويلزم الزوجة من العوض حصة ما فعل من الطلاق وقد طلبته ثلاثا بألف مثلا فطلق واحدة فإنه يستحق ثلث الألف

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 438 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار ج 2 ص 440 الطبعة السابقة.

(3)

شرح الأزهار ج 2 ص 444.

(4)

المرجع السابق لابن مفتاح ج 2 ص 445 الطبعة السابقة.

(5)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 446 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 28

فإن أراد أن يتم له الألف عقد بها ثانيا ثم طلقها ثم عقد بها ثم طلق.

ولا بد من النشوز بعد كل عقد ولا يكتفى بالنشوز الأول.

ولو قالت طلقنى أنا وفلانة بألف فطلق إحداهما استحق نصف الألف ومتى طلق الثانية فى المجلس استحق كمال الألف والألف يكون عليها حيث قالت بألف منى أو أطلقت.

فإن قالت بألف منى ومنها فطلقهما لزمها حصتهما فقط وعلى تلك حصتها ان قبلت والا لم تطلق.

أما لو قال الزوج أنت طالق ثلاثا على ألف فقالت قبلت واحدة بثلث الألف فإنه لا يقع عليها شئ لأن الزوج لم يرض ببينونتها الا بألف.

أما لو قالت طلقنى ثلاثا بألف وقد كان طلقها اثنتين وبقيت واحدة فطلقها واحدة استحق جميع الألف.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف:

(1)

إذا كانت الحال بين الزوجين عامرة والأخلاق ملتئمة واتفقا على الخلع فبذلت على طلاقها لم يحل ذلك وكان محظورا، لاجماع الفرقة على أنه لا يجوز له خلعها الا بعد ان يسمع منها ما لا يحل ذكره من قولها لا أغتسل لك من جنابة ولا أقيم لك حدا ولأوطئن فراشك من تكرهه أو يعلم ذلك منها وهذا مفقود هاهنا فيجب أن لا يجوز الخلع لقوله تعالى {(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ)} وهذا نص فإنه حرم الأخذ منها الا عند الخلاف من ان لا يقيما حدود الله وقال تعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» فدل ذلك على أنه متى ارتفع الخوف حصل الجناح.

وجاء فى شرائع

(2)

الاسلام: اذا قال الرجل لامرأته: خلعتك على كذا أو فلانة مختلعة على كذا فهل يقع بمجرده؟ بدون إتباعه بلفظ الطلاق؟

المروى نعم اذا ما قبلت

قال الشيخ أبو جعفر لا يقع حتى يتبع بالطلاق

ولا يقع الطلاق بفاديتك مجردا عن لفظ الطلاق ولا فاسختك ولا أبنتك.

وبتقدير الاجتزاء بلفظ الخلع هل يكون فسخا او طلاقا

قال المرتضى رحمه الله هو طلاق وهو المروى،

وقال الشيخ أبو جعفر رحمه الله الأولى أن يقال فسخ وهو تخريج.

فمن قال هو فسخ لم يعتد به عدد الطلقات ويقع الطلاق مع الفدية بائنا وان انفرد عن لفظ الخلع ولو طلبت منه طلاقا بعوض فخلعها مجردا عن لفظ الطلاق لم يقع على القولين.

ولو طلبت خلعا بعوض فطلق عليه لم يلزم

(1)

انظر من كتاب الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الإمام ابى جعفر محمد بن الحسين بن على الطوسى ج 2 ص 213 مسألة رقم 1 طبع مطبعة زنكين فى طهران الطبعة الثانية سنة 1377 هـ.

(2)

انظر من كتاب شرائع الإسلام فى الفقه الإسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 69، 70 وما بعدهما طبع دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.

ص: 29

البذل على القول بوقوع الخلع بمجرده فسخا.

ويقع الطلاق رجعيا ويلزم البذل على القول بأنه طلاق أو أنه يفتقر الى الطلاق.

وإذا قالت طلقنى بألف كان الجواب على الفور فإن تأخر لم يستحق عوضا وكان الطلاق رجعيا.

وكل ما صح أن يكون مهرا صح أن يكون فداء فى الخلع ولا تقدير فيه بل يجوز ولو كان زائدا عما وصل اليها من مهر وغيره.

وإذا كان غائبا فلا بد من ذكر جنسه ووصفه وقدره.

ويكفى فى الحاضر المشاهدة وينصرف الاطلاق الى غالب نقد البلد مع التعيين الى ما عين.

ولو خالعها على ألف ولم يذكر المراد ولا قصد فسد الخلع ولو كان الفداء مما لا يملكه المسلم كالخمر فسد الخلع.

وقيل يكون رجعيا وهو حق ان اتبع بالطلاق والا كان البطلان أحق.

ولو خالعها على خل فبان خمرا صح وكان له بقدره خل.

ولو خالع على حمل الدابة أو الجارية لم يصح

ويصح بذل الفداء منها ومن وكيلها وممن يضمنه بإذنها.

وهل يصح من المتبرع فيه تردد، والأشبه المنع.

ولو

(1)

خالعت فى مرض الموت صح وان بذلت أكثر من الثلث وكان من الأصل.

وفيه قول أن الزائد على مهر المثل من الثلث وهو أشبه.

ولو كان الفداء رضاع ولده صح مشروطا بتعيين المدة وكذا لو طلقها على نفقته بشرط تعيين القدر الذى يحتاج اليه من المأكل والكسوة والمدة.

ولو مات قبل المدة كان للمطلق استيفاء ما بقى فإن كان رضاعا رجع بأجرة مثله وان كان انفاقا رجع بمثل ما كان يحتاج اليه فى تلك المدة مثلا أو قيمة، ولا يجب عليها دفعه دفعة بل يجوز دفعه أدوارا فى المدة كما كان يستحق عليها لو بقى.

ولو تلف العوض لم يبطل استحقاقه ولزمها مثله وقيمته ان لم يكن مثليا.

ولو خالعها بعوض موصوف فإن وجد ما دفعته على الوصف والا كان له رده والمطالبة بما وصف

ولو كان معينا فبان معيبا رده وطالب بمثله أو قيمته، وان شاء امسكه مع الأرش.

وكذا لو خالعها على عبد على أنه حبشى فبان زنجيا أو على ثوب على أنه نقى فبان أسمر.

ولو دفعت ألفا وقالت: طلقنى بها متى شئت لم يصح البذل ولو طلق كان الطلاق رجعيا والألف لها.

ولو خالعها على عين فبانت مستحقة قيل:

يبطل الخلع ولو قيل: يصح ويكون له القيمة أو المثل كان حسنا.

ويصح البذل من الأمة فإن أذن مولاها انصرف الاطلاق الى الافتداء بمهر المثل.

(1)

شرائع الإسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 72، 73 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 30

ولو بذلت زيادة عنه قيل: يصح وتكون لازمة لذمتها تتبع بها بعد العتق واليسار وتتبع بأصل البذل مع عدم الإذن.

ولو بذلت عينا فأجاز المولى صح الخلع والبذل، والأصح الخلع دون البذل، ولزمها قيمته، أو مثله تتبع به بعد العتق.

ويصح بذل المكاتبة المطلقة ولا اعتراض للمولى.

ولو أكره زوجته على الفدية فعل حراما.

ولو طلق به صح الطلاق ولا تسلم اليه الفدية وكان له الرجعة

ولو خالعها والاخلاق ملتئمة لم يصح الخلع ولا يملك الفدية.

ولو طلقها والحال هذه بعوض لم تملك العوض وصح الطلاق وله الرجعة.

وإذا أتت بفاحشة جاز عضلها لتفدى نفسها

واذا صح الخلع فلا رجعة له ولها الرجوع فى الفدية ما دامت فى العدة ومع رجوعها يراجعها ان شاء.

ولو خالعها وشرط الرجعة لم يصح.

وكذا لو طلق بعوض.

والمختلعة لا يلحقها طلاق بعد الخلع، لأن الثانى مشروط بالرجعة.

نعم لو رجعت فى الفدية فرجع جاز استئناف الطلاق.

واذا قالت طلقنى ثلاثا بألف فطلقها قال الشيخ لا يصح، لأنه طلاق بشرط.

والوجه أنه طلاق فى مقابله بذل فلا يعد شرطا فإن قصدت الثلاث ولاء لم يصح البذل.

وإن طلقها ثلاثا مرسلا، لأنه لم يفعل ما سألته

أما لو قصدت الثلاث التى يتخللها رجعتان صح.

فإن طلق ثلاثا فله الألف.

وإن طلق واحدة قيل: له ثلث الألف، لأنها جعلته فى مقابلة الثلاث فاقتضى تقسيط المقدار على الطلقات بالسوية.

ولو كانت معه على طلقة فقالت: طلقنى ثلاثا بألف فطلق واحدة كان له ثلث الألف.

وقيل له الألف ان كانت عالمة والثلث ان كانت جاهلة.

ولو قالت: طلقنى واحدة بألف فطلقها ثلاثا ولاء وقعت واحدة وله الألف ..

واذا وكلت فى خلعها مطلقا اقتضى خلعها بمهر المثل نقدا بنقد البلد.

وكذا الزوج اذا وكل فى الخلع فأطلق.

فإن بذل وكيلها زيادة عن مهر المثل بطل البذل ووقع الطلاق رجعيا ولا يضمن الوكيل.

ولو خالعها وكيل الزوج بأقل من مهر المثل بطل الخلع.

ولو طلق بذلك البذل لم يقع لأنه فعل غير مأذون فيه.

ص: 31

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح

(1)

النيل: أن الفداء فرقة بين الزوجين بردها اليه صداقها وقبوله اياه، والخلع فرقة بينهما بردها بعض الصداق وقبوله.

وقيل: ان الفداء أعم فهو يقع برد كل الصداق وبعضه وبأكثر منه لكن لا يحل له الأكثر فيما بينه وبين الله ولا فى الحكم.

وقيل يحل.

وقيل ان الفداء والخلع والصلح والمبارأة بمعنى، وهو بذل المرأة العوض على طلاقها، إلا أن الخلع يختص ببذلها جميع ما أعطاها، والصلح يختص ببذلها بعض ما أعطاها، والفداء يختص ببذلها أكثر مما أعطاها، والمبارأة اسقاطها عنه حقا لها عليه.

وقيل الافتداء يكون ببعض الصداق والخلع يكون بكله.

والافتداء

(2)

سواء كان ببذل المرأة كل صداقها أو بعضه أو أكثر منه طلاق عند الأكثر

وعلى ذلك فمن فادى امرأته ثلاث مرات بأن فاداها وراجع وفاداها وراجع وفاداها وراجع، أو طلق مرة وفادى مرتين أو طلق مرتين وفادى مرة لم تحل له حتى تنكح غيره.

وعلى قول شاذ أن الافتداء لا يعتبر طلاق

وروى عن جابر بن زيد رضى الله تعالى عنه أنه ليس بطلاق ولو فاداها عشرا.

والمأخوذ به الأول.

والفداء يقع بكل لفظ

(3)

مفهم للمراد غير مجمل مثل أن تقول له رددت لك صداقى على الفرقة فيقول قبلت أو رضيت أو أخذت أو تقول له تركت لك ما تزوجتنى به أو ما تزوجتك به فيقبل أو تقول له قد أبرأتك من صداقى أو ما تزوجتنى عليه أو تقول فاديتك ويقبل فإن قام من المجلس ولم يقبل ولم ينكر ثم قبل بعد ذلك فالأكثر على جوازه.

وقيل بالمنع بعد المجلس.

والصحيح الأول وعليه صاحب الدعائم.

وإن رجعت هى قبل أن يقبل هو فلا قبول له بعد ذلك.

وقيل له القبول

وإن قال لها ردى مالى على الطلاق فقالت رددته لك عليه فأبى أن يقبله بانت بفداء

وقيل: لا أن لم يقبل

وان قالت رددته على الطلاق فجامعها زال قولها وليس فى ذلك قبول بعد الوط ء

وان تبرأت من صداقها على الفداء فقال قبلته وحبستك وقع الفداء لقوله قبلته ولا ينفعه قوله بعد ذلك حبستك هذا هو الصحيح، لأنه كلام

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 3 ص 480 وما بعدها طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

(2)

المرجع السابق لابن يوسف أطفيش ج 3 ص 481، 482 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 483، 484 الطبعة السابقة.

ص: 32

زائد لم يقع فى طريق الشرط

وقيل لا يقع الفداء ان وصل كلامه كالاستثناء المبطل فى العقود

ومن قال: قبلت ان شاء الله وقع الفداء، وان قبل البعض، وقال حبستك بكذا مشيرا الى البعض الباقى وقع الفداء وسقط عنها بالفوات ما قبل وبقى لها ما لم يقبله

وان قالت أبرأتك

(1)

من صداقى على أن تطلقنى ثلاثا فقال قبلت المال وطلقتك ثلاثا فهو فداء وسقط عنه الصداق.

فان قدم الطلاق وأخر القبول بأن قال طلقتك ثلاثا وقبلته طلقت ثلاثا وبقى المال لها، لأن التطليقات الثلاث تبين المرأة بهن فلا يلحقها الفداء بعدهن.

ومن فاداها بألف مثلا على أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا فلم ترض لزمته الثلاث ورد اليها الألف.

والفداء طلقة واحدة بائنة وان شرط أنها رجعية على قول هو المشهور عند قومنا.

وقيل ان شرط أنها رجعية فرجعية.

وقيل ان فاداها فطلقها ثلاثا رد اليها ان لم تكن لها رغبة فى الطلاق وان كانت لها رغبة لم يرد لها وقيل يرد لها مطلقا لأنها معيبة بذلك اذ يظن متزوجها أنها تريد التحليل فتسئ العشرة ليطلقها فتحل للأول

وان قالت

(2)

له تركت لك صداقى أو مالك على الطلاق وكانت أخذت الصداق قبل ذلك فقبل وقع الفداء ويغرمها المال.

وان أخذت بعضا وقالت له تركت لك مالك جاز وله الباقى ولها ما أخذت.

وان قالت له تركت لك هذا الثور مثلا فخرج خنزيرا مثلا فله قيمته على أنه ثور كذا ان تركت له هذا الزيت أو الخل أو نحوه مما هو حلال فإذا هو خمر وقع الفداء وله قدر ذلك فإن كان علم بذلك وقع الفداء وليس له شئ

وإن قالت له تركت لك ما فى يدى على الفداء أو ما فى يدى من ذهب وفضة أو غيرهما أو فى وعاء أو دار أو بيت أو بطن حيوان أنثى أو فى الشجرة أو النبات من ثمار أو الضرع فقبل وقع الفداء ولو لم يخرج فى ذلك شئ

وإن خرج ما ذكرت فهو له.

وان تركت له خدمة عبد أو أمة أو دابة أو لبس ثوب أو سكون مسكن الى معلوم أو شفعة عليه لها على الفداء.

وقيل وقع الفداء وله ذلك.

وقيل وقع الفداء وليس له.

وان قال بعت

(3)

لك طلاقك بكذا فقبلت فقيل هو فداء لأنه ملكها نفعها بكذا كما أن المفتدى

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 485 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 486 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 487 الطبعة السابقة.

ص: 33

يأخذ كذا وكذا وهو صداقها أو بعضه فتملك أمر نفسها وسواء كان ما باع به هو نفس ما أصدقها أو مثله أو غير ذلك من سائر ما يباع به ويشترى به وسقط عنه من الصداق مثل ما باعه لها به وبقى لها فوق ذلك.

وان باعه لها بمثل الصداق سقط عنه الصداق كله.

وان كان ما باعه به أكثر من الصداق فلا تلزمها زيادة على الصداق له.

فالخلاف فى أن الفداء هل يجوز بالصداق وما دونه أو يجوز بكل ما أراد الزوج ورضيت به المرأة ولو كان أضعاف ما أصدقها لأنها فى ملكه فله أن يشترط ما شاء فان لم تقبل فهى زوجته تؤمر هى وهو بالانصاف فى العشرة

وقيل لا يجوز بيع الطلاق للزوجة ولا لغيرها وان بيع فليس ذلك البيع بفداء ولا طلاق.

قال صاحب شرح النيل: والظاهر عندى غير ذلك، وأنه اذا قال بعته منك أو لك بكذا أو لم يذكر الثمن وقع الطلاق لا الفداء سواء قبلت أو لم تقبل ولا ثمن عليها.

وان أبرأته من الصداق

(1)

أو من بعضه فإذا هى محرمته بنسب أو رضاع أو محرمة عليه بلعان أو غير ذلك فلا فداء بينهما لأن الفداء انما يكون من عقد صحيح موجب للنكاح.

اما اذا فسد فلا حكم له عليها ولها صداقها ان مس لأجل المس.

وان قبضت الزوجة الصداق فتلف وافتدت به ضمنته بأن تعطيه مثله اذا أمكن المثل، والا فالقيمة، فان أهلكته ولم يعلم زوجها باهلاكه ثم افتدت منه به قيدت بالجديد، وأجبرت على غرمه، وإن علم الزوج لزمها تأديته بلا جبر.

وان افتدت

(2)

بما أصدقها من حيوان أو غيره غائبا أو صلته إليه ان لم يعلم بغيته والا أدركه حيث كان ولزمها غرم النقص لا عيب حدث عندها.

وان أصدقها

(3)

أرضا فغرست بها غروسا أو بنت بها بناء، فان علم بذلك فافتدت منه أخذ الأرض وأمسكت هى غروسها أو بناءها فيها بلا قيمة لعلمه. فقبوله الفداء مع علمه بما فعلت تقرير لما فعلت فيها، فلو شاء لشرط ازالته حين إرادة الفداء

وان لم يعلم أخذ الأرض وما فيها من غرس أو بناء وأعطاها قيمة ذلك.

وقيل هو مخير اذا لم يعلم فى امساك الأرض دون غرس وبناء وفى أخذ عوض أرضه وان أبرأت زوجها

(4)

من الصداق أو من بعضه بهبة أو صدقة أو هدية أى لا بفداء ثم افتدت منه بالصداق بعد ذلك بأن قالت تركت لك صداقى على الفرقة أو

(1)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 488 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن يوسف أطفيش ج 3 ص 491 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 492 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق لابن يوسف أطفيش ج 3 ص 493 الطبعة السابقة.

ص: 34

على الفداء ونحو ذلك وكانت قد تركته له وخرج من ملكها قبل ذلك فلا يلزمها غرمه إن لم تقضه له فى حق له أو لغيره كدين وأرش ولزمه طلاق

ومن تزوج

(1)

طفلة أو مجنونة أو أمة فأبرأته من صداقها أو بعضه على الفداء فقبله لزمه الطلاق بائنا بقبوله ولا يتوارثان فى العدة ولا يرجع اليها إلا بنكاح من وليها ولو فى العدة، ولها صداقها كاملا، وذلك لأنه لا يصح فعل الطفلة والمجنونة والأمة فى الفداء والخلع.

ولا يصح افتداء ولى ولو أبا أو خليفة للطفلة والمجنونة اذا لم تجيزاه بعد بلوغ أو إفاقة.

ولا يصح افتداء أمة بدون اذن سيدها ولو بالغة، فاذا افتدى الولى ولو أبا أو افتدى الخليفة لم ينزعا من أيدى زوجيهما ما لم يرضيا ورضاهما طلاق وصحت إجازتهما بعد بلوغ وإفاقة.

وان افتدى الأب لطفلة أو مجنونة بالصداق فلم تجزه بعد البلوغ أو الافاقة أخذته من زوجها ورجع الزوج به على الأب، لأن الأب ترك صداق بنته لزوجها وقبل الزوج فأمسكه فاذا بلغت فلم تجز ذلك ورجعت فى صداقها غرم له أبوها ما ترك له ولم يتم تركه لرجوع البنت فيه ووقع الطلاق من حين رضى الزوج بالفداء من الأب ولا ينتظر به البلوغ أو الافاقة.

وقيل اذا وقع الفداء بين أب الطفلة أو المجنونة وبين زوجها لم يقع فداء ولا طلاق وتعزل عن زوجها حتى تبلغ أو تفيق.

فإن أجازت كان الفداء لا الطلاق

وقيل فعل الأب على الطفلة والمجنونة جائز تام فإذا فعل وقبل الزوج فرجعت بالفداء وهو طلاق فله المراجعة على هذا القول فى العدة برضى الأب وعلى الأب الغرم لها فيما رد لزوجها

ولا يجوز

(2)

لأحد الزوجين الفداء الا بنشوز من الآخر أو بأس كدخان أو خمر.

وقال الجمهور: يجوز الفداء بالكل أو البعض بدون نشوز إن رضيا معا فيحل له ما تعطيه مجتمعين

لقول الله تبارك وتعالى «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ 3 نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً»

فاذا جاز أن تهب مهرها له من غير أن يحصل لها شئ جاز بالأولى أن تعطيه فى الفداء لتملك به أمر نفسها.

ومن تغلب

(4)

على زوجته. فحملها ما لا تطيقه من تضييع حقوق وضيق معيشة وسوء معاشرة حتى افتدت منه لم يحل له أخذه فيما عند الله وان جاز فى الحكم ولزمه الرد ان تاب. ويحرم على الزوج أخذ زائد على ما أعطى من صداق إن وقع فداء عند الله،

وإن مرض فافتدت منه فمات فى مرضه لم ترثه ولو قبل انقضاء العدة لأن افتداءها اسقاط لميراثها

(1)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 494 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن يوسف أطفيش ج 3 ص 498 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 4 من سورة النساء.

(4)

شرح النيل ج 3 ص 499 الطبعة السابقة.

ص: 35

باختيارها فلو افتدت بإساءته أو استكراه ورثته فى العدة ولا

(1)

يرثها ان ماتت، لأن قبوله الفداء اسقاط لميراثه باختياره فلو أكره على قبوله لورثها فى العدة.

وقيل ان ماتت فى مرضه ورثها وهو ضعيف.

وان مرضت فافتدت منه ثم عوفيت جاز الفداء له ما افتدت به.

فان ماتت فى مرضها أخذ الأقل من صداق وارث.

وقيل يجب له الصداق وان كثر وزاد على الإرث وهو الصحيح ولا إرث له.

وان افتدت بزيادة لم يكن له الا ما أعطى، لأن الزيادة فى مرض موتها كالوصية ولو برضاها ولا وصية لوارث لأنه وارث فى الجملة حيث كان يأخذ الأقل من إرث وصداق، ولأنه لولا الفداء لكان وارثا.

‌حكم افتداء الأسير

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: مفاداة الأسير من أهل الحرب بالمال لا تجوز عند أصحابنا فى ظاهر الروايات.

وقال محمد رحمه الله تعالى مفاداة الشيخ الكبير الذى لا يرجى له ولد تجوز بالمال ودليل الأصحاب أن قتل الأسرى مأمور به، لقول الله تبارك وتعالى «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ 3» وهو منصرف إلى ما بعد الأخذ والاسترقاق.

وكذلك قول الله عز وجل «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ 4» والأمر بالقتل للتوصل إلى الإسلام فلا يجوز تركه إلا لما شرع له القتل وهو أن يكون وسيلة إلى الإسلام ولا يحصل معنى التوصل بالمفاداة فلا يجوز ترك المفروض لأجله، ولأن المفاداة بالمال إعانة لأهل الحرب على الحراب لأنهم يرجعون إلى المنعة فيصيرون حربا علينا وهذا لا يجوز، وأما قول الله سبحانه وتعالى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً»

(5)

فقد قال بعض أهل التفسير إن الآية منسوخة بقول الله تبارك وتعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» }.

وقول الله عز وجل «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ»

(6)

لأن سورة براءة نزلت بعد سورة محمد عليه الصلاة والسلام.

ويحتمل أن تكون الآية فى أهل الكتاب فيمن منّ عليهم بعد أسرهم على أن يصيروا أكرة للمسلمين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأهل خيبر أو ذمة كما فعل سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه بأهل السواد ويسترقون.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 503 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 119 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 12 من سورة الأنفال.

(4)

الآية رقم 5 من سورة التوبة.

(5)

الآية رقم 4 من سورة محمد

(6)

الآية رقم 29 من سورة التوبة.

ص: 36

وأما أسارى بدر فقد قيل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما فعل ذلك باجتهاده ولم ينتظر الوحى فعوتب عليه بقول الله سبحانه وتعالى:

«لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ»

(1)

حتى قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم لو أنزل الله من السماء نارا ما نجا إلا عمر رضى الله تعالى عنه.

ويدل عليه قول الله عز وجل «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ 2» على أحد وجهى التأويل، أى ما كان لنبى أن يأخذ الفداء فى الأسارى حتى يثخن فى الأرض.

ويحتمل أن المفاداة كانت جائزة ثم انتسخت بقول الله تبارك وتعالى:

«فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ»

(3)

.

أما محمد رحمه الله تعالى فانه يقول إن الإعانة لا تحصل من الشيخ الكبير الذى لا يرجى منه ولد فجاز فداؤه بالمال.

ولكنا نقول إن كان لا يحصل بهذا الطريق يحصل بطريق آخر وهو الرأى والمشورة وتكثير السواد.

أما مفاداة الأسير بالأسير فلا تجوز عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، لأن قتل المشركين فرض

بقول الله عز وجل «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» وقول الله تبارك وتعالى «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ» فلا يجوز تركه إلا لما شرع له إقامة للفرض وهو التوسل إلى الإسلام، لأنه لا يكون تركا معنى وذا لا يحصل بالمفاداة ويحصل بالذمة والاسترقاق فيمن يحتمل ذلك.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى:

تجوز مفاداة الأسير بالأسير لأن فى المفاداة إنقاذ المسلم وذلك أولى من إهلاك الكافر إلا أنهما اختلفا فيما بينهما هل تجوز المفاداة قبل القسمة أو بعدها.

فقال أبو يوسف: تجوز المفاداة قبل القسمة ولا تجوز بعدها، لأن المفاداة بعد القسمة إبطال ملك المقسوم له من غير رضاه وهذا لا يجوز فى الأصل بخلاف ما قبل القسمة لأنه لا ملك قبل القسمة انما الثابت حق غير متقرر فجاز أن يكون محتملا للابطال بالمفاداة.

وقال محمد رحمه الله تعالى: تجوز المفاداة قبل القسمة وبعدها، لأنه لما جازت المفاداة قبل القسمة فكذا بعد القسمة لأن الملك ان لم يثبت قبل القسمة فالحق ثابت ثم قيام الحق لم يمنع جواز المفاداة فكذا قيام الملك لا يمنع جواز المفاداة

ولا تجوز مفاداة الكراع والسلاح بالمال، لأن كل ذلك يرجع الى اعانتهم على الحرب ..

وتجوز مفاداة أسارى المسلمين بالدراهم والدنانير والثياب ونحوها مما ليس فيها اعانة لهم على الحرب ولا يفادون بالسلاح لأن فيه اعانة لهم على الحرب

(1)

الآية رقم 68 من سورة الأنفال.

(2)

الآية رقم 67 من سورة الأنفال.

(3)

الآية رقم 4 من سورة محمد.

ص: 37

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل

(1)

: نقلا عن ابن عرفة أن فداء أسارى المسلمين فيه طرق. والأكثر على أنه واجب وسمع القرينان أشهب وابن نافع استنقاذهم بالقتال واجب فكيف بالمال.

زاد اللخمى فى روايته مع رواية أشهب ولو بجميع أموال المسلمين. هذا ما لم يخش استيلاء العدو بذلك ويدفع الفداء من بيت المال كما قال ابن رشد فإن تعذر فعلى عموم المسلمين والأسير كأحدهم فإن ضيع الإمام والمسلمون ذلك وجب على الأسير من ماله

قال ابن يونس أمر عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه أن يفدى من هرب اليهم طوعا من حر أو عبد.

قال ابن رشد واجب على الامام أن يفنك أسرى المسلمين من بيت مالهم فما قصر عنه بيت المال تعين على جميع المسلمين فى أموالهم على مقاديرها ويكون هو كأحدهم أن كان له مال فلا يلزم أحدا فى خاصة نفسه من فك أسرى المسلمين الا ما يتعين عليه فى ماله على هذا الترتيب

فإذا ضيع الإمام والمسلمون ما يجب عليهم من هذا فواجب على من كان له مال من الأسرى أن يفك نفسه من ماله.

وروى عن ابن يونس نقلا عن المدونة عن ابن القاسم من اشترى حرّا مسلما من أيدى العدو بأمره أو بغير أمره فليرجع عليه بما اشترى به على ما أحب أو كره لأنه فداء قال فى العتبية يؤخذ بذلك وان كثر وان كان أضعاف قيمته شاء أو أبى.

قال فى كتاب محمد فإن لم يكن له شئ اتبع به فى ذمته، ولو كان له مال وعليه دين فالذى فداه واشتراه من العدو وأحق به من غرمائه الى أن يبلغ ما أدى فيه لأن ذلك فداء له ولماله كما لو فديت ماله من اللصوص أو فديت دابته من ملتقطها أو متاعا له أو اكتريت عليه فليس لربه أخذه ولا لغرمائه حتى يأخذ هذا ما أدى فيه.

قال ابن المواز ولو وهبه العدو هذا الحر المسلم لم يرجع عليه بشئ الا أن يكافئ عليه فانه يرجع بما كافأه بأمره أو بغير أمره.

قال عبد الملك والحر الذمى كالمسلم.

قال ابن بشير وإذا أوجبنا الرجوع رجع بمثل ما فداه ان كان له مثل أو قيمته ان كان مما لا مثل له وعلى الملئ والمعدم.

قال محمد ان لم يكن له شئ اتبع به فى ذمته

والقياس كما قال ابن رشد أن فداء أسير لا مال له بغير أمره ليس له أن يتبعه بما فداه به، لأن ذلك انما يتعين على الإمام وعلى جميع المسلمين.

وظاهر الروايات خلاف ذلك، وهو بعيد

قال اللخمى إن اشترى من بلد الحرب حرّا كان له أن يتبعه بالثمن.

والقياس أن يأخذ ما افتداه به من بيت المال،

فان لم يكن فعلى جميع المسلمين، وهذا هو

(1)

التاج والإكليل مع الحطاب فى كتاب ج 3 ص 387، 388، 389 الطبعة السابقة.

ص: 38

المذهب، لأن فداءه كان واجبا على الإمام من بيت المال. فإن لم يكن فعلى جميع المسلمين أن يفتدوه قال مالك ذلك على جميع الناس ولو بجميع اموالهم وإذا كان ذلك واجبا عليهم أبدا وهو ببلد الحرب كان لمن أتى به أن يرجع بذلك الفداء على من كان يجب عليه وهو بأرض الحرب قبل أن يفتدى.

قال ابن بشير من افتدى مسلما ولا مال له أو قصد الفادى الصدقة أو كان الفداء من بيت المال لم يرجع عليه، فان كان له مال وافتداه من يريد الرجوع عليه فهل له ذلك؟ نصوص المذهب له الرجوع.

قال ابن بشير وقد نزل بعض المتأخرين الرجوع ونفيه على أحوال فإن كان الأسير لا يرجى خلاصه إلا بما بذل فيه وجب الرجوع بالفداء ولو كان المبذول أضعاف القيمة، وإن كان يرجو الخلاص بالهروب أو بالترك فلا يرجع عليه وإن كان يرجو الخلاص بدون ما بذل فيه وجب الرجوع بالقدر الذى يرجى به الخلاص ويسقط الزائد قال ابن حبيب ومن فدى من أحد الزوجين صاحبه يريد: أو ابتاعه فلا رجوع له عليه إلا أن يكون قد فداه بأمره أو يفديه وهو غير عارف فليتبعه بذلك فى عدمه وملائه، قاله ابن القاسم ومالك وسبيل فداء القريب بقريبه سواء كان ممن يعتق عليه أو ممن لا يعتق عليه سبيل الزوجية إذا فداه وهو يعرف أنه لا يرجع عليه وأما إن فداه وهو لا يعرفه فإن كان ممن يعتق عليه لم يرجع عليه وإن كان ممن لا يعتق عليه رجع عليه فأما إن فداه بأمره فإنه يرجع عليه سواء كان ممن يعتق عليه أو ممن لا يعتق عليه، وإن أشهد أحد الزوجين يفتدى صاحبه أن ذلك ليرجع عليه رجع بذلك قولا واحدا.

قال سحنون: كل من لا يرجع عليه فى الهبة فلا يرجع عليه فى هذا، وان أشهد أنه يفديه ليرجع فيكون ذلك له وإن كان أبا أو ابنا، لأنه لم يشتره لنفسه وانما قصد الافتداء ولم يقصد الهبة لما شرط الرجوع إلا أن يكون الأب فقيرا فلا يرجع عليه لأنه كان مجبرا على أن يفتديه كما يجبر على النفقة عليه وهو فى الافتداء آكد.

وجاء فى

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير: أنه يجوز فداء أسير المسلمين بالأسرى الكفار فى أيدينا الذين شأنهم القتال اذا لم يرضوا إلا بذلك لأن قتالهم لنا مترقب، وخلاص الأسير محقق.

وقيده اللخمى بما اذا لم يخش منهم، وإلا حرم، وجاز الفداء بالخمر والخنزير على الأحسن.

وصفة ما يفعل فى ذلك أن يأمر الامام أهل الذمة بدفع ذلك للعدو ويحاسبهم بقيمة ذلك مما عليه من الجزية فإن لم يمكن ذلك جاز شراؤه للضرورة.

ولا يرجع الفادى المسلم بعوض الخمر والخنزير اشتراه أو كان عنده على مسلم ولا ذمى أيضا لوجوب إراقته على المسلم أن كان عنده.

وكذا إن اشتراه على ما جزم به بعضهم.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 208 وما بعدها، الطبعة السابقة.

ص: 39

وفى جواز فداء الأسير المسلم بالخيل وآلة الحرب قولان إذا لم يخش بهما الظفر على المسلمين، وإلا منع اتفاقا، والقولان لابن القاسم وأشهب.

فالمنع لابن القاسم، والجواز لأشهب، والخلاف فى الفداء بالخيل وآلة الحرب عند امكان الفداء بغيرهما، وإلا تعينت قولا واحدا قاله شيخنا

ثم قال: وأجبر السيد فى ام الولد اذا

(1)

بيعت أو قسمت بعد تقويمها جهلا بها على أخذها بالثمن الذى بيعت به أو قومت به فى المقاسم وإن كان أضعاف قيمتها إذا كان مليئا واتبع به أن أعدم

وأما لو قسمت بأنها أم ولد لمسلم فيأخذها ممن اشتراها من المغنم مجانا ولا يتبع بشئ.

ومحل وجوب الفداء إلا أن تموت هى أو سيدها قبل الحكم عليه بالفداء فلا شئ عليه فى موتها، لأن القصد من الفداء تخليص الرقبة وقد تعذر بموتها ولا فى تركته إن مات، لأنها تصير حرة بموته والفداء ليس دينا ثابتا عليه وإنما لتخليص الرقبة وقد فات وذلك بأن يموت أحدهما قبل العلم بها أو بعده وقبل الحكم عليه بالفداء.

وأما لو مات أحدهما بعد الحكم بالفداء وجب الفداء بدفع الثمن وللسيد فداء معتق لأجل ومدبر بيعت خدمتها أو ذاتهما جهلا بهما فيرجعان لحالهما الأول من التدبير أو العتق لأجل، وله تركهما للمشترى أو لمن وقع فى سهمه جهلا بهما مسلما لخدمتهما الى الأجل فى الأول والى استيفاء ما أخذه به فى الثانى، فإن مات المدبر، بكسر الباء، وهو السيد قبل الاستيفاء لما قوّم به واشترى به فحر إن حمله الثلث واتبع بما بقى كمسلم أو ذمى قسما جهلا بحالهما ولم يعذرا فى سكوتهما على الإخبار بحالهما بأمر من صغر أو بلاهة أو عجمة فيتبعان بما وقع به فى القسم مع الحكم بحريتهما اتفاقا فإن عذرا بأمر مما مر لم يتبعا بشئ وإن حمل الثلث بعض المدبر عتق ذلك البعض ورق باقيه لمن هو بيده ولا خيار للوارث فيما رق منه بين إسلامه وفدائه بما بقى من ثمنه الذى اشترى به وهذا إذا بيعت رقبته لاعتقاد رقه.

وأما لو بيعت خدمته للعلم بتدبيره فله الخيار، لأن المشترى لم يدخل على أنه لم يملك رقبته بخلاف الجناية من المدبر يسلمه سيده للمجنى عليه، ثم يموت السيد وثلثه يحمل بعضه، فإن وارثه يخير فيما رق منه بين إسلامه رقا للمجنى عليه وفدائه بما بقى عليه من الجناية. وإن أدى المكاتب الذى بيعت رقبته جهلا بحاله أو قسمت كذلك ثمنه لمبتاعه أو آخذه فعلى حاله يرجع مكاتبا.

وأما لو بيعت كتابته فأداها خرج حرّا

وأما لو بيع مع العلم بحاله فلا يتبع بشئ وإلا بأن عجز عن الأداء فقن مطلقا سواء أسلم لصاحب الثمن أو فداه السيد بالثمن الذى اشترى به من المقاسم أو دار الحرب.

ثم قال

(2)

والأرجح فى المال المفدى من لص ونحوه كمحارب وغاصب وظالم من كل مال أخذ

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 196، 197 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 198، 199 الطبعة السابقة.

ص: 40

من صاحبه بغير رضاه ولم يمكن الوصول اليه الا بالفداء أخذه بالفداء الذى يفدى به مثله عادة اذا لم يفده ليتملكه فإن أمكنه خلاصه بلا شئ أو بدون ما دفع أخذه فى الأول بلا شئ كما لو فداه ليتملكه وفى الثانى بما يتوقف خلاصه عليه عادة.

ومقابل الأحسن أخذه بلا شئ مطلقا لأن اللص ليس له شبهة ملك بخلاف الحربى.

ثم قال

(1)

: والإمام مخير فى الأسرى قبل قسم الغنيمة بقتل أو منّ أو فداء أو ضرب جزية عليهم أو استرقاق.

وهذه الوجوه بالنسبة للرجال المقاتلة وأما النساء والذرارى فليس فيهم إلا الاسترقاق أو الفداء

وفى التاج والإكليل

(2)

: قال ابن يونس عن سحنون من فدا خمسين أسيرا ببلد الحرب بألف دينار وفيهم ذوى العذر وغيره والملئ والمعدم، فان كان العدو قد عرف ذا العذر منهم وشحوا عليه فيقسم عليهم الفداء على تقارب أقدارهم، وإن كان العدو جهل ذلك فذلك عليهم بالسوية وكذلك إن كان منهم عبيد فهم سواء والسيد مخير بين أن يسلمهم أو يفديهم والقول للأسير فى الفداء أو بعضه ولو لم يكن فى يده سمع عيسى ابن القاسم من فدا أسيرا من بلد الحرب وقدم به فقال الأسير ما فدانى بشئ أو قال بشئ يسير وقال الآخر بكثير فالأسير مصدق فى الوجهين كان مما يشبه ما قال الأسير أو لا يشبه يريد مع يمينه، لأن مالكا قال:

لو قال لم يفدنى أصلا لصدق مع يمينه إلا أن يأتى الآخر ببينة قال ابن القاسم وإن كان هو أخرجه من أرض الحرب انتهى من نقل ابن يونس قال ابن رشد قول ابن القاسم أن القول قول المفدى أشبه قوله أو لم يشبه ليس على أصولهم

والذى يأتى على أصولهم اذا اختلفا فى مبلغ الفدية أن يكون القول قول المفدى إذا أتى بما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه كان القول قول الفادى ان أتى بما يشبه، وإن أتى بما لا يشبه أيضا حلفا جميعا وكان للفادى ما يفدى به مثله من ذلك المكان وكذلك ان نكلا.

وان نكل أحدهما وحلف الآخر كان له ما حلف عليه وإن لم يشبه، لأن صاحبه قد أمكنه من دعواه بنكوله.

وقال سحنون: القول قول الفادى إذا كان الأسير بيده وجاز بالأسرى المقاتلة.

قال عن سحنون والأخوين وأصبغ يفدى الأسرى بأسرى الكفار القادرين على القتال ما لم يرضوا إلا به.

قال اللخمى عن أصبغ ما لم يخش بفدائه ظهورهم على المسلمين.

قال سحنون ولا بأس أن يفدى بصغار أطفالهم إذا لم يسلموا وبالذمى إذا رضى الذمى وكانوا لا يسترقونه.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 184 الطبعة السابقة.

(2)

التاج والإكليل للمواق بهامش الخطاب فى كتاب ج 3 ص 388، 389 الطبعة السابقة.

ص: 41

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(1)

: أن من أمن أسيرا لم يصح الأمان، لأنه يبطل ما ثبت للإمام فيه من الخيار بين القتل والاسترقاق والمن والفداء.

وإن قال كنت أمنته قبل الأسر لم يقبل قوله، لأنه لا يملك عقد الأمان فى هذه الحال فلم يقبل إقراره به.

وإن أسر امرأة حرة أو صبيا حرا رق بالأسر، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم سبى بنى المصطلق واصطفى صفية من سبى خيبر وقسم سبى هوازن، ثم استترلته هوازن فنزل واستنزل الناس فنزلوا.

وإن أسر حر بالغ من أهل القتال فللإمام أن يختار ما يرى من القتل والاسترقاق والمن والفداء، فإن رأى القتل قتل، لقول الله تبارك وتعالى:

«فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ 2» }. ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة من المشركين من قريش، مطعم بن عدى، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبى معيط.

وقتل يوم أحد أبا عزة الجمحى، وقتل يوم الفتح ابن خطل، وإن رأى المن عليه جاز

لقول الله عز وجل: «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً»

(3)

ولأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم منّ على أبى عزة الجمحى، ومنّ على ثمامة الحنفى، ومنّ على أبى العاص بن الربيع، وإن رأى أن يفادى بمال أو بمن أسر من المسلمين فادى به.

لقول الله تبارك وتعالى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً»

وروى عمران بن الحصين رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم فادى أسيرا من عقيل برجلين من أصحابه أسرهما ثقيف، وإن رأى أن يسترقه، فإن كان من غير العرب نظرت، فإن كان ممن له كتاب أو شبه كتاب استرقه، لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال فى قوله عز وجل «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ 4» وذلك يوم بدر، والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا، واشتد سلطانهم، أمر الله عز وجل فى الأسارى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» .

فجعل الله سبحانه وتعالى للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فى أمر الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم.

فإن كانوا من عبدة الأوثان ففيه وجهان:

أحدهما وهو قول أبى سعيد الإصطخرى أنه لا يجوز استرقاقه لأنه لا يجوز إقراره على الكفر بالجزية فلم يجز الاسترقاق كالمرتد.

والثانى أنه يجوز، لما رويناه عن ابن عباس

(1)

المهذب ج 2 ص 235، 236 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 5 من سورة التوبة.

(3)

الآية رقم 4 من سورة محمد.

(4)

الآية رقم 67 من سورة الأنفال.

ص: 42

رضى الله تعالى عنهما، ولأن من جاز المن عليه فى الأسر جاز استرقاقه، كأهل الكتاب.

وان كان من العرب ففيه قولان:

قال فى الجديد يجوز استرقاقه والمفاداة به، وهو الصحيح، لأن من جاز المن عليه والمفاداة به من الأسرى جاز استرقاقه كغير العرب.

وقال فى القديم: لا يجوز استرقاقه، لما روى معاذ رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين: لو كان الاسترقاق ثابتا على العرب لكان اليوم وإنما هو أسر وفداء.

فإن تزوج عربى بأمة فأتت منه بولد فعلى القول الجديد الولد مملوك، وعلى القول القديم الولد حر ولا ولاء عليه لأنه حر من الأصل.

ولا يختار الإمام فى الأسير من القتل والاسترقاق والمن والفداء إلا ما فيه الحظ للإسلام والمسلمين، لأنه ينظر لهما فلا يفعل إلا ما فيه الحظ لهما، فإن بذل الأسير الجزية وطلب أن تعقد له الذمة وهو ممن يجوز أن تعقد له الذمة ففيه وجهان:

أحدهما أنه يجب قبولها كما يجب إذا بذل وهو فى غير الأسر وهو ممن يجوز أن تعقد لمثله الذمة.

والثانى: أنه لا يجب لأنه يسقط بذلك ما يثبت من اختيار القتل والاسترقاق والمن والفداء

وان قتله مسلم قبل أن يختار الإمام ما يراه عزر القاتل لا فتياته على الإمام، ولا ضمان عليه، لأنه حربى لا أمان له.

وإن أسلم حقن دمه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها» .

وهل يرق بالإسلام أو يبقى الخيار فيه بين الاسترقاق والمن والفداء؟

فيه قولان:

أحدهما أنه يرق بنفس الإسلام، ويسقط الخيار فى الباقى، لأنه أسير لا يقتل، فرق كالصبى والمرأة.

والثانى: أنه لا يرق بل يبقى الخيار فى الباقى لما روى عمران بن الحصين رضى الله عنه أن الأسير العقيلى قال: يا محمد إنى مسلم ثم فاداه برجلين ولأن ما ثبت الخيار فيه بين أشياء إذا سقط أحدهما لم يسقط الخيار فى الباقى، ككفارة اليمين إذا عجز فيها عن العتق.

فعلى هذا إذا اختار الفداء لم يجز أن يفادى به إلا أن يكون له عشيرة يأمن معهم على دينه ونفسه.

وإن أسر شيخ لاقتال فيه ولا رأى له فى الحرب.

فإن قلنا أنه يجوز قتله فهو كغيره فى الخيار بين القتل والاسترقاق والمن والفداء.

وإن قلنا لا يجوز قتله فهو كغيره إذا أسلم فى الأسر وقد بيناه.

وان فاداه بمال كان للغانمين وإن أراد أن يسقط منهم شيئا من المال لم يجز الا برضا الغانمين.

وجاء فى نهاية المحتاج: انه لو أسر المحاربون مسلما حرا أو قنا فالأصح وجوب النهوض اليهم وجوب عين كما اقتضاه كلامهم لخلاصه أن توقعناه

ص: 43

ولو احتمالا فى الأوجه أولى إذ حرمة المسلم أعظم وعند العجز عن خلاصه يندب افتداؤه بالمال.

ومن قال لكافر أطلق هذا الأسير وعلى كذا فأطلقه لزمه ولا رجوع له به على الأسير ما لم يأذن له فى فدائه فيرجع عليه وإن لم يشرط له الرجوع.

ولو اضطررنا

(1)

لبذل مال لفداء أسرى يعذبونهم أولا لإحاطتهم بنا وخفنا استئصالهم لنا وجب بذله.

ولا ينافى ذلك قولهم يندب فك الأسرى، لأن محله فى غير المعذبين إذا أمن من قتلهم وإذا أسرت طائفة مسلما ومروا به على المسلمين المكافئين لهم فى القوة فيجب مبادرتهم الى فكه بكل وجه ممكن، إذ لا عذر لهم فى تركه حينئذ

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(3)

: أن من أسر من أهل الحرب على ثلاثة أضرب:

أحدها: النساء والصبيان فلا يجوز قتلهم ويصيرون رقيقا للمسلمين بنفس السبى، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل النساء والولدان.

والثانى: الرجال من أهل الكتاب والمجوس الذين يقرون بالجزية فيخير الإمام فيهم بين أربعة أشياء: القتل، والمن بغير عوض، والمفاداة بهم، واسترقاقهم

والثالث: الرجال من عبدة الأوثان وغيرهم ممن لا يقر بالجزية فيتخير الامام فيهم بين ثلاثة أشياء:

القتل، أو المن أو المفاداة، ولا يجوز استرقاقهم.

وعن أحمد جواز استرقاقهم.

ودليلنا على جواز المن والفداء قول الله تبارك وتعالى: «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً 4» }.

وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منّ على ثمامة بن آثال وأبى عزة الشاعر، وأبى العاص بن الربيع.

وفادى أسارى بدر وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا كل رجل منهم بأربعمائة.

وفادى يوم بدر رجلا برجلين وصاحب العضباء برجلين.

وأما القتل فلأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قتل رجال بنى قريظة.

وهذه قصص عمت واشتهرت وفعلها النبى صلى الله عليه وسلم مرات، وهو دليل على جوازها، ولأن كل خصلة من هذه الخصال قد

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 102 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملسى وبهامشه حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى ج 8 ص 56 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 400، 401، 402 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

الآية رقم 4 من سورة محمد.

ص: 44

تكون أصح فى بعض الأسرى، فان منهم من له قوة ونكاية فى المسلمين وبقاؤه ضرر عليهم فقتله أصلح، ومنهم الضعيف الذى له مال كثير ففداؤه أصلح، ومنهم حسن الرأى فى المسلمين يرجى إسلامه بالمن عليه أو معونته للمسلمين بتخليص أسراهم والدفع عنهم، فالمن عليه أصلح، ومنهم من ينتفع بخدمته ويؤمن شره فاسترقاقه أصلح والإمام أعلم بالمصلحة فينبغى أن يفوض ذلك اليه.

وإن أسلم

(1)

الأسير صار رقيقا فى الحال وزال التخيير وصار حكمه حكم النساء، لأنه أسير يحرم قتله فصار رقيقا، كالمرأة إلا أنه لا يفادى به ولا يمن عليه إلا بإذن الغانمين، لأنه صار مالا لهم.

ويحتمل أن يجوز المن عليه، لأنه كان يجوز المن عليه مع كفره فمع إسلامه أولى، لكون الإسلام حسنة يقتضى إكرامه والإنعام عليه لا يمنع ذلك فى حقه ولا يجوز رده إلى الكفار إلا أن يكون له ما يمنعه من المشركين من عشيرة أو نحوها.

وانما جاز فداؤه لأنه يتخلص به من الرق.

فأما إن أسلم قبل أسره فقد حرم قتله واسترقاقه والمفاداة به سواء أسلم وهو فى حصن أو جوف أو مضيق أو غير ذلك، لأنه لم يحصل فى أيدى الغانمين بعد.

ثم قال

(2)

فى المغنى: فأما النساء والصبيان فيصيرون رقيقا بالسبى.

ومنع أحمد من فداء النساء بالمال، لأن فى بقائهن تعريضا لهن للإسلام لبقائهن عند المسلمين

وجوز أن يفادى بهن أسارى المسلمين.

لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم فادى بالمرأة التى أخذها من سلمة بن الأكوع ولأن فى ذلك استنقاذ مسلم متحقق إسلامه فاحتمل تفويت غرضية الإسلام من أجله ولا يلزم من ذلك احتمال فواتها لتحصيل المال.

فأما الصبيان فقال أحمد لا يفادى بهم، وذلك لأن الصبى يصير مسلما بإسلام سابيه فلا يجوز رده إلى المشركين.

وكذلك المرأة إذا أسلمت لم يجز ردها إلى الكفار بفداء ولا غيره، لقول الله تعالى:«فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ 3» ، ولأن فى ردها اليهم تعريضا لها للرجوع عن الإسلام واستحلال مالا يحل منها.

وان كان الصبى غير محكوم بإسلامه كالذى سبى مع أبويه لم يجز فداؤه بمال. وهل يجوز فداؤه بمسلم؟ يحتمل وجهين.

ثم قال

(4)

واذا سبى المشركون من يؤدى إلينا الجزية ثم قدر عليهم ردوا الى ما كانوا عليه ولم يسترقوا وما أخذه العدو منهم من مال أو رقيق رد اليهم إذا علم به قبل أن يقسم ويفادى بهم بعد أن

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 402، 403 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 405، 406 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 10 من سورة الممتحنة.

(4)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 497، 498 الطبعة السابقة.

ص: 45

يفادى بالمسلمين.

ويجب فداء أسرى المسلمين اذا أمكن وبهذا قال عمر بن عبد العزيز.

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العانى» .

وروى سعيد بإسناده عن حبان بن جبلة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن على المسلمين فى فيئهم أن يفادوا أسيرهم ويؤدوا عن غارمهم «وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم» :

«أنه كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم وان يفكوا عانيهم بالمعروف» .

وفادى النبى صلى الله عليه وآله وسلم رجلين من المسلمين بالرجل الذى أخذه من بنى عقيل.

وفادى بالمرأة التى استوهبها من سلمة بن الأكوع رجلين.

واذا خلى الكفار

(1)

الأسير واستحلفوه على أن يبعث اليهم بفدائه أو يعود اليهم نظرت، فإن أكرهوه بالعذاب لم يلزمه الوفاء لهم برجوع ولا فداء لأنه مكره لهم فلم يلزمه ما أكره عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا على» .

وان لم يكره عليه وقدر على الفداء الذى التزمه لزمه أداؤه، لقول الله تبارك وتعالى:«وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ» }.

ولما صالح النبى صلى الله عليه وآله وسلم أهل الحديبية على رد من جاءه مسلما وفى لهم بذلك وقال «إنا لا يصلح فى ديننا الغدر» .

ولأن فى الوفاء مصلحة للأسارى وفى الغدر مفسدة فى حقهم، لأنهم لا يأمنون بعده والحاجة داعية اليه فلزمه الوفاء به كما يلزمه الوفاء بعقد الهدنة، ولأنه عاهدهم على أداء المال، فلزمه الوفاء به كثمن المبيع، والمشروط فى عقد الهدنة فى موضع يجوز شرطه.

فأما إن عجز عن الفداء نظرنا.

فان كان المفادى امرأة لم ترجع اليهم ولم يحل لها ذلك، لقول الله عز وجل:«فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ» الآية

(2)

.

وإن كان رجلا ففيه روايتان:

إحداهما: لا يرجع أيضا، لأن الرجوع إليهم معصية فلم يلزم بالشرط كما لو كان امرأة وكما لو شرط قتل مسلم أو شرب خمر.

والثانية: يلزمه لما ذكرنا فى بعث الفداء، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قد عاهد قريشا على رد من جاءه مسلما ورد أبا بصير وقال «إنا لا يصلح فى ديننا الغدر» وفارق رد المرأة فإن الله تبارك وتعالى فرق بينهما فى هذا الحكم حين صالح النبى صلى الله عليه وسلم قريشا على رد من جاءه منهم مسلما، فأمضى الله ذلك فى الرجال، ونسخه فى النساء.

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 548، 549 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 10 من سورة الممتحنة.

ص: 46

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أنه لا يحل فداء الأسير المسلم إلا بمال أو بأسير كافر.

ولا يحل أن يرد صغير سبى من أرض الحرب اليهم لا بفداء ولا بغير فداء لأنه قد لزمه حكم الإسلام بملك المسلمين له فهو وأولاد المسلمين سواء ولا فرق.

ومن كان أسيرا

(2)

عند الكفار فعاهدوه على الفداء وأطلقوه فلا يحل له أن يرجع اليهم ولا أن يعطيهم شيئا.

ولا يحل للامام أن يجبره على أن يعطيهم شيئا

فإن لم يقدر على الإطلاق إلا بالفداء ففرض على المسلمين أن يفدوه إن لم يكن له مال يفى بفدائه قال الله تبارك وتعالى: «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ»

(3)

.

وأخذ الكافر أو الظالم ماله فداء من أبطل الباطل، فلا يحل إعطاء الباطل ولا العون عليه، وتلك العهود والأيمان التى أعطاهم لا شئ عليه فيها لأنه مكره عليها اذ لا سبيل له الى الخلاص إلا بها ولا يحل له البقاء فى أرض الكفر وهو قادر على الخروج.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .

وهكذا كل عهد أعطيناهم حتى نتمكن من استنقاذ المسلمين وأموالهم من أيديهم فإن عجزنا عن استنقاذه إلا بالفداء ففرض علينا فداؤه، لخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذى رويناه من طريق أبى موسى الأشعرى:«أطعموا الجائع وفكوا العانى» وهو قول أبى سليمان.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(4)

: أنه يجوز مبادلة أسرى أهل الحرب ولو كثروا بأسرانا ولو كان أسيرنا واحدا بلا خلاف.

قال أبو طالب بن يحيى ولا يجوز فك أسراهم من أيدينا بالمال اذا بذلوه قياسا على بيع السلاح والكراع منهم، لئلا يستعينوا به، وهذا أبلغ.

قال مولانا عليه السلام والصحيح للمذهب جواز ذلك، لقول الله تبارك وتعالى:«فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً 5» }.

ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم فى أسرى بدر، وربما كان فى أخذ المال للمسلمين من القوة ما هو أبلغ من حبس المشرك وربما كان نفع المال للمسلمين أكثر من نفع الرجل لقومه.

(1)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 309 مسألة رقم 935 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 308 مسألة رقم 934 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 188 سورة البقرة.

(4)

شرح الأزهار ج 4 ص 565، ص 566 الطبعة السابقة.

(5)

الآية رقم 4 من سورة محمد.

ص: 47

وقد حمل كلام أبى طالب على أنه لا مصلحة للمسلمين فى ذلك.

وكلام أهل المذهب حيث المصلحة حاصلة جمعا بين الكلامين، وهذا أقرب والله أعلم.

وقيل يحرم أيضا رد الأسير من المشركين بالمن عليه أو مفاداته بعوض، ذكر ذلك أبو طالب والقاضى زيد.

قال مولانا عليه السلام والصحيح خلاف ذلك وهو أنه يجوز رده الا لمصلحة وهو خاص فى الأسير، لفعله صلى الله عليه وآله وسلم.

وجاء فى التاج

(1)

المذهب أنه يجوز أن يغتنم المسلمون من الكفار المحاربين نفوسهم من الذكور والأناث الصغار والكبار إذا قهروا وكان الاستيلاء عليهم وأسروا فى الحرب فإنهم يصيرون بذلك سبيا فى أيدى المسلمين يملكونهم إذا أمر الامام بالاسترقاق وذلك بعد أن يثبت عنده بمشاورة أهل الحل والعقد من ذوى الرأى أن المصلحة فيه أرجح.

وكذا أم ولد المسلم وكذا أم ولد الذمى اذا كان قد استولى عليها المشركون ثم أسلم من هى فى يده فى دار الحرب فإنه لا يستقر ملكه عليها باسلامه فيردها، لكن لا يجب عليه ردها بلا عوض بل بالفداء يسلمه له سيدها الأول، وله حبسها حتى يستوفى الفداء، ويعان من بيت المال ان لم يكن له شئ

فان لم يكن فى بيت المال شئ سلمت له أم الولد بقى فداؤها دينا فى ذمة مستولدها ولا سعاية هنا عليها، لأنه لم ينفذ عتقها ولا حصل منها جناية توجب السعاية.

والمدبر الذى دبره المسلم ثم استولى عليه كافر فى دار الحرب ثم أسلم ذلك الكافر، فإنه لا يحصن المدبر بإسلامه عن أن يرده بل يجب عليه رده لمدبره من المسلمين بالفداء كأم الولد سواء بسواء، وأم الولد والمدبر يعتقان معا فى يد المشرك بموت السيد الأول وهو المستولد والمدبر.

وسواء مات قبل إسلام الثانى أم بعده، ولا يلزمه فداؤهما، ولا سعاية عليهما لو مات قبل إسلام الحربى الذى صار فى يده لأنه لم يكن قد لزمه الفداء له، وأما المكاتب الذى كاتبه مسلم ثم استولى عليه كافر فإن الكافر اذا أسلم لم يلزمه رده لمكاتبه المسلم بفداء ولا غيره، ولا ينقض عقد المكاتبة، لكنه يعتق بالوفاء بمال الكتابة يدفعه للآخر، أى لسيده الكافر، لأنه قد ملكه فإن عجز نفسه ملكه الكافر. وأعتقت أم الولد أو المدبر أو المكاتب الذى استولى عليهم الكافر. ووجب أن يكون ولاؤهم للأول من السيدين وهو المسلم أصالة، لأن حريتهم وقعت من جهته إلا أن ينجز عتقهم الآخر كان الولاء له إذا كان قبل الإسلام فى غير المكاتب، وأما هو فيعتق مطلقا، سواء أعتقه قبل الإسلام أو بعده، والوجه فيه أن عقد الكتابة لم ينفسخ.

(1)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 434، 435، 443 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية سنة 1366 هـ.

ص: 48

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(1)

: إن أسر المسلمون الذكور البالغين قتلوهم حتما إن أخذوهم والحرب قائمة إلا أن يسلموا فيسقط قتلهم.

ويتخير الإمام حينئذ بين استرقاقهم والمن عليهم والفداء، وقيل يتعين المن عليهم هنا لعدم استرقاقهم حال الكفر فمع الإسلام أولى، وفيه أن عدم استرقاقهم حال الكفر إهانة ومصير إلى ما هو أعظم منه لا إكرام لهم فلا يلزم مثله بعد الإسلام، ولأن الإسلام لا ينافى الاسترقاق، وحيث يجوز قتلهم يتخير الإمام تخير شهوة بين ضرب رقابهم، وقطع أيديهم وأرجلهم، وتركهم حتى يموتوا أن اتفق وإلا أجهز عليهم، وأن أخذوا بعد أن وضعت الحرب أوزارها أى أثقالها من السلاح وغيره لم يقتلوا، ويتخير الإمام فيهم تخير نظر ومصلحة بين المن عليهم والفداء لأنفسهم بمال حسب ما يراه من المصلحة والاسترقاق، كتابيين أو غير كتابيين وحيث تعتبر المصلحة لا يتحقق التخيير إلا مع اشتراك الثلاثة فيها على السواء وإلا تعين الراجح واحدا كان أم أكثر وحيث يختار الفداء أو الاسترقاق، فيدخل ذلك فى الغنيمة كما دخل من استرق ابتداء فيها من النساء والأطفال.

وجاء فى شرائع الإسلام

(2)

: أنه لو سبيت امرأة فصولح أهلها على إطلاق أسير فى يد أهل الشرك فأطلق لم يجب إعادة المرأة ولو أعتقت بعوض جاز ما لم يكن استولدها مسلم.

قال: وإذا خرقوا الذمة فى دار الإسلام

(3)

كان للإمام ردهم إلى مأمنهم.

وهل له قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم؟

قيل: نعم وفيه تردد.

واذا أسلم بعد خرق الذمة قبل الحكم فيه سقط الجميع عدا القود والحد واستعادة ما أخذ.

ولو أسلم بعد الاسترقاق أو المفاداة لم يرتفع ذلك عنه.

واذا خلى المشركون

(4)

أسيرا على مال يوجهه اليهم وأنه إن لم يقدر على المال يرجع اليهم فإن قدر على المال لم يلزمه إنفاذه وإن لم يقدر عليه لم يلزمه الرجوع بل لا يجوز له ذلك.

وقال أبو هريرة والنخعى والحسن البصرى والترمذى والزهرى والأوزاعى عليه إنفاذ المال إن قدر، وإن لم يقدر لا يلزمه الرجوع.

وقال الأوزاعى إن لم يقدر على المال يلزمه الرجوع، «ودليلنا أن الأصل براءة الذمة وإيجاب المال، والرجوع يحتاج إلى دليل.

وأما الرجوع اليهم وإعطاء المال إياهم فظاهر الفساد، لأنه اذا كان بينهم يلزمه الخروج، فكيف

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 222 وما بعدها.

(2)

شرائع الإسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 150 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق فى الفقه الإسلامى الجعفرى ج 1 ص 155 الطبعة السابقة.

(4)

الخلاف فى الفقه ج 2 ص 507، 508 مسألة رقم 15 الطبعة السابقة.

ص: 49

يجب عليه الرجوع، وفى إعطاء المال إياهم تقوية للكفار وذلك باطل.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أن للامام وللمسلمين بعد اثخان بقتل محاربيهم وتوهين شوكتهم وقوتهم أسرهم لفداء أو استعباد لبيع وخدمة وغير ذلك

ولا يقتلون بعد أخذ الفداء منهم ولا يستخدمون بعده

وإن تبين أنهم ممن لا يؤخذ منهم مال وقد أخذ الإمام أو غيره مالهم أو تبين أنه لا يجوز فداؤهم وقد أخذ عنهم كأن تبين أنهم موحدون أو ذميون قد ضربت عليهم الجزية أو قوتلوا بلا تقدم دعوة رد لهم ما أخذ منهم.

ورخص فى فداء أسرى المسلمين بهم ولو لغير قومهم من المشركين بأن يكون أسرى المسلمين فى يد قومهم أو فى يد مشركين آخرين غير قومهم فيفادونهم بهم وأما إن يعطوهم لمشركين غير قومهم بمال فذلك مكروه، لأنه كالبيع والعبد لا يباع لمشرك، وسواء فى ذلك كله الرجال والنساء والأطفال والبلغ ولهم أن يقبلوا المال من غير قومهم ويطلقوهم ولا يمكنوهم منهم.

وكيفية الفداء أن تعطى الفدية مرة واحدة أو تعطى منجمة على أيام أو شهور أو سنين.

‌حكم الافتداء فى الصوم

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: أن من الأعذار التى تبيح فطر شهر رمضان مع الفدية كبر السن الذى لا يقدر معه على الصوم حتى يباح للشيخ الفانى أن يفطر فى شهر رمضان، لأنه عاجز عن الصوم وعليه الفدية عند عامة العلماء.

وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأوا وجوب الفدية على الشيخ الفانى فكان ذلك اجماعا منهم.

والمراد من قوله تعالى «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ»

(3)

. هو الشيخ الفانى.

أما على إضمار حرف لا فى الآية على تقدير لا يطيقونه.

وأما على إضمار كانوا أى وعلى الذين كانوا يطيقونه أى الصوم ثم عجزوا عنه فدية طعام مسكين.

وإنما كانت الفدية لأن الصوم لما فاته فقد مست الحاجة إلى الجابر وتعذر جبره بالصوم فيجبر بالفدية ويجعل الفدية مثلا للصوم شرعا فى هذه الحالة للضرورة كالقيمة فى ضمان المتلفات، كذلك من الاعذار المبيحة للفطر حمل المرأة.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل ج 10 ص 414.413 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 97 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 184 من سورة البقرة.

ص: 50

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(1)

: أن الفدية تكون للإفطار من عطش وللشيخ الهرم الكبير الذى لا يقدر على الصوم بوجه من الوجوه.

وأما الذى يقدر عليه فى زمن دون زمن فيؤخر للزمن الذى يقدر فيه على الصوم ولا قائل فى المذهب بأنه يطعم.

وجاء فى التاج

(2)

والإكليل نقلا عن الرسالة أنه يستحب للشيخ الكبير اذا أفطر أن يطعم

وقال الباجى لا اطعام عليه، واستحبه سحنون.

وقال ابن عرفة ضعف بنية الصحيح وشيخوخته كالمريض.

وجاء فى حاشية الدسوقى

(3)

على الشرح الكبير أنه ندب فدية وهى الكفارة الصغرى مد عن كل يوم لهرم وعطش بكسر الطاء أى لا يقدر واحد منهما على الصوم فى زمن من الأزمنة

فان قدر فى زمن ما أخر اليه ولا فدية، لأن من عليه القضاء لا فدية عليه.

وللمرضع التى تخاف على نفسها أو ولدها من الصوم ثلاثة أحوال على المشهور من مذهب مالك:

حال لا يجوز لها فيه الفطر والاطعام، وهو ما اذا قدرت على الصوم ولم يجهدها الارضاع، ولم يحصل لولدها ضرر بسببه.

وحال يجوز لها فيه الفطر والاطعام، وهى ما اذا جهدها الارضاع، ولم تخف على ولدها أو خافت عليه حدوث مرض أو زيادته ولم يمكنها الارضاع.

وحال يجب عليها فيها الفطر والاطعام وهى ما اذا لم يمكنها الارضاع وخافت على ولدها شدة الأذى

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(5)

: ومن لا يقدر على الصوم بحال وهو الشيخ الكبير الذى يجهده الصوم والمريض الذى لا يرجى برؤه فإنه لا يجب عليهما الصوم، لقول الله تبارك وتعالى «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»

(6)

وفى الفدية قولان:

أحدهما لا تجب لأنه أسقط عنهما فرض الصوم فلم تجب عليهما الفدية كالصبى والمجنون.

والثانى: يجب عن كل يوم مد من طعام وهو الصحيح، لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى

(1)

الحطاب مع التاج والاكليل للمواق فى كتاب ج 2 ص 414 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

التاج والاكليل ج 2 ص 414 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير عليه ج 1 ص 516، الطبعة السابقة.

(4)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير عليه ج 1 ص 36، الطبعة السابقة.

(5)

المهذب ج 1 ص 178، الطبعة السابقة.

(6)

الآية رقم 78 من سورة الحج.

ص: 51

عنهما أنه قال الشيخ الكبير يطعم عن كل يوم مسكينا، وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال من أدركه الكبر فلم يستطع صوم رمضان فعليه لكل يوم مد من قمح، وقال ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: اذا ضعفت عن الصوم أطعم عن كل يوم مدا، وروى أن أنسا رضى الله تعالى عنه ضعف عن الصوم عاما قبل وفاته فأفطر وأطعم.

وان لم يقدر على الصوم لمرض يخاف زيادته ويرجو البرء لم يجب عليه الصوم للآية فاذا برئ وجب عليه القضاء، لقول الله عز وجل «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ»

(1)

وإن أصبح صائما وهو صحيح ثم مرض أفطر، لأنه أبيح له الفطر للضرورة والضرورة موجودة فجاز له الفطر.

وان خافت

(2)

الحامل أو المرضع على أنفسهما من الصوم أفطرتا وعليهما القضاء دون الكفارة، لأنهما أفطرتا للخوف على أنفسهما، فوجب عليهما القضاء دون الكفارة كالمريض، وان خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء بدلا عن الصوم.

وفى الكفارة ثلاثة أقوال:

قال فى الأم يجب عن كل يوم مد من طعام، وهو الصحيح، لقول الله تبارك وتعالى «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ»

(3)

قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما نسخت هذه الآية وبقيت الرخصة للشيخ الكبير والعجوز، والحامل والمرضع اذا خافتا على ولديهما أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكينا.

والثانى أن الكفارة مستحبة غير واجبة، وهو قول المزنى، لأنه افطار لعذر فلم تجب به الكفارة كإفطار المريض.

والثالث: أنه يجب على المرضع دون الحامل، لأن الحامل أفطرت لمعنى فيها كالمريض والمرضع أفطرت لمنفصل عنها فوجبت عليها الكفارة.

واذا كان

(4)

عليه قضاء أيام من رمضان ولم يكن له عذر لم يجز له أن يؤخر إلى أن يدخل رمضان آخر حتى أدركه رمضان آخر وجب عليه لكل يوم مد من طعام، لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وابن عمر وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهما أنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتى أدركه رمضان يطعم عن الأول، فان أخر سنين ففيه وجهان:

أحدهما يجب لكل سنة مد لأنه تأخير سنة فأشبه السنة الأولى.

والثانى لا يجب للثانية شئ لأن القضاء مؤقت فيما بين رمضانين، فاذا أخر عن السنة الأولى فقد أخره عن وقته فوجبت الكفارة، وهذا المعنى لا يوجد فيما بعد السنة الأولى فلم يجب للتأخير كفارة، وإذا كان عليه قضاء شئ من رمضان فلم يصم حتى مات نظرت، فان أخره لعذر اتصل حتى مات لم يجب عليه شئ، لأنه فرض لم يتمكن منه

(1)

الآية رقم 184 من سورة البرة.

(2)

المهذب للشيرازى ج 1 ص 178 وما بعدها، الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 184 من سورة البقرة.

(4)

المهذب لأبى اسحاق ج 1 ص 187

ص: 52

إلى الموت فسقط حكمه كالحج. وان زال العذر وتمكن فلم يصم حتى مات أطعم عنه لكل مسكين مد من طعام.

ومن أصحابنا من قال فيه قول آخر أنه يصام عنه، لما روت عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: من مات وعليه صوم رمضان صام عنه وليه، ولأنها عبادة تجب الكفارة بافسادها، فجاز أن يقضى عنه بعد الموت كالحج.

والمنصوص فى الأم هو الأول، وهو الصحيح. والدليل عليه ما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

من مات وعليه صيام فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين، ولأنه عبادة لا يدخلها النيابة فى حال الحياة فلا يدخلها النيابة بعد الموت كالصلاة. فان قلنا أنه يصام عنه فصام عنه وليه أجزأه، وان أمر أجنبيا فصام عنه بأجرة أو بغير أجرة أجزأه كالحج.

وان قلنا يطعم عنه نظرت. فان مات قبل أن يدركه رمضان آخر أطعم عنه عن كل يوم مسكين، وان مات بعد أن أدركه رمضان آخر ففيه وجهان:

أحدهما يلزمه مدان مد للصوم ومد للتأخير

والثانى أنه يكفيه مد واحد للتأخير، لأنه اذا أخرج مدا للتأخير زال التفريط بالمد، فيصير كما لو أخره من غير تفريط، فلا تلزمه كفارة، ومصرف

(1)

الفدية الفقراء والمساكين دون غيرهما من مستحقى الزكاة، لأن المسكين ذكر فى الآية والخبر، والفقير أسوأ حالا من المسكين، أو داخل فيه اذ كل منهما اذا ذكر منفردا يشمل الآخر ولا يجب الجمع بينهما، وله صرف أمداد منها إلى شخص واحد بخلاف المد الواحد فإنه يجوز صرفه إلى شخصين لأن كل مد كفارة ومن ثم لم يجز إعطاؤه من امداد الكفارة الواحدة أكثر من مد أما اعطاء دون المد أو مع مد كامل فتمتنع مطلقا لأنه يدل عن صوم يوم وهو لا يتبعض وجنس الفدية الفطرة وفيها أن المد رطل وثلث وان المعتبر الكيل لا الوزن.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: أن من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه له أن يفطر اجماعا لعدم وجوب الصوم عليه، لأنه عاجز عنه فلا يكلف به، لقول الله تبارك وتعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها 3»

وأطعم عن كل يوم مسكينا ما يجزى فى كفارة مدّا من بر أو نصف صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو أقط، لقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى قول الله عز وجل «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ 4» ليست منسوخة فى الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم فيطعمان مكان كل يوم مسكينا

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 190 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع منتهى الإرادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 508 الطبعة السابقة والأقناع لابن إدريس الحنبلى ج 1 ص 306 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(4)

الآية رقم 184 من سورة البقرة.

ص: 53

رواه البخارى.

ولا يجزئ أن يصوم عن الشيخ الكبير والمريض الذى لا يرجى برؤه، ولا كفارة، لأنه عبادة بدنية محضة وجبت بأصل الشرع فلم تدخله النيابة كالصلاة.

وان سافر الكبير العاجز عن الصوم أو مرض فلا فدية عليه، لأنه أفطر بعذر معتاد، ولا قضاء لعجزه عنه.

وان أطعم الشيخ الكبير والمريض الذى لا يرجى برؤه والعاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يسقط عنه الإطعام لعدم القدرة عليه كفدية الحج. فمتى قدر عليه أطعم.

وجاء فى المغنى

(1)

: ومن خاف على نفسه الهلاك لعطش أو نحوه يباح له الفطر وعليه أوجب الإطعام بدلا عن الصيام ان كان لا يرجو امكان القضاء، فان رجا ذلك فلا فدية عليه، والواجب انتظار القضاء وفعله اذا قدر عليه، لقول الله تبارك وتعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ 2 مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ»

ولا يصار إلى الفدية الا عند اليأس من القضاء، فان أطعم مع يأسه ثم قدر على الصيام احتمل أن لا يلزمه، لأن ذمته قد برئت بأداء الفدية التى كانت هى الواجبة عليه فلم يعد إلى الشغل بما برئت منه، ولهذا قال الخرقى: فمن كان مريضا لا يرجى برؤه أو شيخا لا يستمسك على الراحلة أقام من يحج عنه ويعتمر، وقد أجزأ عنه وأن عوفى.

واحتمل أن يلزمه القضاء لأن الإطعام بدل يأس وقد تبينا ذهاب اليأس فأشبه من اعتدت بالشهور عند اليأس من الحيض ثم حاضت.

ثم قال

(3)

: ومن مات وعليه صيام من رمضان فان مات قبل امكان الصيام لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن الصوم فهذا لا شئ عليه فى قول أكثر أهل العلم.

وحكى عن طاووس وقتاده أنهما قالا: يجب الإطعام عنه. لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه كالشيخ الهرم اذا ترك الصيام لعجزه عنه.

ولنا أنه حق الله تعالى وجب بالشرع مات من يجب عليه قبل امكان فعله فسقط إلى غير بدل كالحج.

ويفارق الشيخ الهرم فانه يجوز ابتداء الوجوب عليه بخلاف الميت، وان مات بعد امكان القضاء فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين، وهذا قول أكثر أهل العلم، روى ذلك عن عائشة وابن عباس رضى الله تعالى عنهم

وقد روى ابن ماجة عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال «من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه

(1)

المغنى لأبن قدامة المقدسى ج 3 ص 179 ص 80 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 184 من سورة البقرة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 81، 82، 83، الطبعة السابقة.

ص: 54

مكان كل يوم مسكينا».

ثم قال:

(1)

ومن عليه صوم من رمضان فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر، لما روت عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: كان يكون على الصيام من شهر رمضان فما أقضيه حتى يجئ شعبان، متفق عليه.

ولا يجوز له تأخير القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر، لأن عائشة رضى الله تعالى عنها لم تؤخره إلى ذلك، ولو أمكنها لأخرته، ولأن الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخير الأولى عن الثانية كالصلوات المفروضة، فإن أخره عن رمضان آخر، فان كان لعذر فليس عليه الا القضاء، وان كان لغير عذر فعليه مع القضاء اطعام مسكين لكل يوم، ولهذا قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة ومجاهد وسعيد ابن جبير والثورى والأوزاعى واسحاق.

وقال الحسن والنخعى لا فدية عليه لأنه صوم واجب فلم يجب عليه فى تأخيره كفارة كما لو أخر الأداء والنذر.

ودليل الرأى الأول ما روى عن ابن عمر وابن عباس وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا:

أطعم عن كل يوم مسكينا ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلافهم.

وأن تأخير صوم رمضان عن وقته اذا لم يوجب القضاء أوجب الفدية كالشيخ الهرم.

فإن أخره

(2)

لغير عذر حتى أدركه رمضانان أو أكثر لم يكن عليه أكثر من فدية مع القضاء لأن كثرة التأخير لا يزاد بها الواجب، كما لو أخر الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر من فعله فإن مات المفرط بعد أن أدركه رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين واحد نص عليه أحمد فيما روى عنه أبو داود أن رجلا سأله عن امرأة أفطرت رمضان ثم أدركها رمضان آخر ثم ماتت قال:

يطعم عنها، قال له السائل: كم أطعم؟ قال: كم أفطرت؟ قال: ثلاثين يوما قال: أجمع ثلاثين مسكينا وأطعمهم مرة واحدة وأشبعهم، قال:

ما أطعمهم؟ قال: خبزا ولحما ان قدرت من أوسط طعامكم، وذلك لأنه بإخراج كفارة واحدة أزال تفريطه بالتأخير فصار كما لو مات من غير تفريط.

وقال أبو الخطاب يطعم عنه لكل يوم فقيران، لأن الموت بعد التفريط بدون التأخير عن رمضان آخر يوجب كفارة والتأخير بدون الموت يوجب كفارة فاذا اجتمعا وجبت كفارتان كما لو فرط فى يومين.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(3)

: أن الحامل والمرضع والشيخ

(1)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 83 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 84 نفس الطبعة المتقدمة.

(3)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 6 ص 262، 263، 264، 265 مسألة رقم 770 الطبعة السابقة.

ص: 55

الكبير كلهم مخاطبون بالصوم فصوم رمضان فرض عليهم.

فان خافت المرضع على المرضع قلة اللبن وضيعته لذلك ولم يكن له غيرها أو لم يقبل ثدى غيرها أو خافت الحامل على الجنين، أو عجز الشيخ عن الصوم لكبره أفطروا ولا قضاء عليهم ولا إطعام، فان افطروا لمرض بهم عارض فعليهم القضاء لقوله تعالى:«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ» وإنما وجب الفطر على الحامل والمرضع فى الخوف على الجنين والرضيع، لقول الله تبارك وتعالى «قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ»

(1)

، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لا يرحم لا يرحم»

فإذ رحمة الجنين والرضيع فرض ولا وصول اليها إلا بالفطر، فالفطر فرض، واذ هو فرض فقد سقط عنهما الصوم

واذا سقط الصوم فايجاب القضاء عليهما شرع لم يأذن الله تعالى به.

وأما الشيخ الذى لا يطيق الصوم لكبره، فالله تعالى يقول «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»

(2)

، فاذا لم يكن الصوم فى وسعه فلم يكلفه، وأما تكليفهم إطعاما فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» .

فلا يجوز لأحد ايجاب غرامة لم يأت بها نص ولا اجماع، أما قول الله تبارك وتعالى «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ»

(3)

، فقد نزلت هذه الآية فى الحبلى والمرضع والشيخ والعجوز.

وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه كان يقرأ الآية «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ» يكلفونه ولا يطيقونه، قال: هذا الشيخ الكبير الهرم والمرأة الكبيرة الهرمة لا يستطيع الصوم يفطر ويطعم كل يوم مسكينا.

وقال جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس مثله ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الرحمن بن حرملة قال سمعت سعيد بن المسيب يقول فى قول الله تعالى «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ» هو الكبير الذى عجز عن الصوم والحبلى يشق عليها الصوم فعلى كل واحد منهما اطعام مسكين عن كل يوم. وعن الحسن وقتادة فى الشيخ الكبير والعجوز أنهما يطعمان مكان كل يوم مسكينا.

وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه يتصدق عن كل يوم بدرهم.

وعن مكحول وطاووس ويحيى بن أبى كثير فيمن منعه العطاش

(4)

من الصوم أنه يفطر ويطعم عن كل يوم مدا.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(5)

: أن الصائم ان فاته

(1)

الآية رقم 140 من سورة الأنعام.

(2)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 184 من سورة البقرة.

(4)

العطاش داء يصيب الإنسان فيشرب الماء فلا يروى.

(5)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار وحواشيه ج 2 ص 28، 29، 30 نفس الطبعة.

ص: 56

من رمضان شئ ثم لم يقضه فى بقية السنة حتى حال عليه رمضان المستقبل لزمته فدية مع القضاء مطلقا، سواء ترك القضاء لعذر أم لغير عذر، وسواء أفطر لعذر أو لغير عذر، هذا قول الهادى عليه السلام فى الأحكام.

فعلى من حال عليه الحول القضاء والفدية، ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» ومن أفطر رمضان لمرض وصح ولم يصمه حتى أدركه رمضان آخر فليصم ما أدركه وليقض ما فاته وليطعم عن كل يوم مسكينا رواه أبو هريرة.

وعلى كل من أفطر لعذر اذا حال عليه الحول، وقال السيد أبو العباس أنه ان ترك الأداء لغير عذر وجبت الفدية والا فلا، وقدر الفدية عندنا نصف صاع من أى قوت عن كل يوم.

واذا حالت عليه أعوام كثيرة ولم يقض فقد قال المنصور بالله أنها لا تكرر بتكرر الأعوام فلا يجب عليه إلا فدية واحدة لكل يوم فإن كان عليه شئ من رمضان ولم يقضه فى شوال وما بعده من الشهور المستقبلة حتى مات فى آخر شهر شعبان فيحتمل أن تلزمه الفدية لحولان الحول، لأنه فى حكم من قد حال عليه رمضان، لأنه لو عاش حال عليه الحول لتعذر القضاء فى رمضان، ويحتمل أن لا فدية عليه لأنه لم يحل عليه رمضان.

قال الفقيه محمد بن يحيى والأولى أن لا فدية عليه، قال مولانا عليه السلام: والأظهر عندى لزومها لأن العلة فى وجوبها تأخير القضاء إلى آخر أيام إمكانه قبل حول رمضان. وهذا قد وقع منه تأخيره على هذا الوجه، ولا تأثير لعدم حول رمضان، لأنه لو بقى لزمته قطعا.

ويجب

(1)

على من أفطر فى رمضان لعذر ميئوس من زواله إلى الموت أو فاته شئ من رمضان لغير عذر أو لعذر مرجو الزوال ولم يقضه حتى أيس من قضاء ما أفطره أن يكفر بنفسه صاع من أى قوت كان عن كل يوم.

وصاحب العذر الميئوس هو كالشيخ الهرم الذى قد ضعف بالشيخوخة عن الصيام

(2)

والشيخوخة لا يرجى زوالها إلى الموت.

وهكذا من كان به علة ضعف بها عن الصوم ولا يرجى زوالها حتى الموت فإن هذا يسقط عنه الصوم.

‌مذهب الإمامية:

من فاته

(3)

صوم شهر رمضان لمرض واستمر المرض الذى أفطر معه فى شهر رمضان إلى رمضان آخر فلا قضاء لما أفطره ويفدى عن كل يوم بمد من طعام فى المشهور والمروى.

وقيل القضاء لا غير، وقيل بالجمع.

وعلى المشهور لا تتكرر الفدية بتكرار السنين.

ومحل الفدية مستحق الزكاة لحاجته وإن اتحد وذلك من دون السعاة والمؤلفة قلوبهم وفى سبيل الله - وكذا كل فدية.

(1)

شرح الأزهار ج 2 ص 30 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار ج 2 ص 32 الطبعة السابقة.

(3)

الروضة البهية ج 1 ص 148، 149 وما بعدهما.

ص: 57

وفى تعدى الحكم إلى غير المرض كالسفر المستمر وجهان:

أجودهما: وجوب الكفارة مع التأخير لا لعذر ووجوب القضاء مع دوامه ولو برأ بينهما وتهاون فى القضاء بأن لم يعزم عليه فى ذلك الوقت أو عزم فى السعة، فلما ضاق الوقت عزم على عدمه فدى وقضى ولو لم يتهاون بأن عزم على القضاء فى السعة وأخر اعتمادا عليها، فلما ضاق الوقت عرض له مانع عنه قضى لا غير فى المشهور.

والأقوى ما دلت عليه النصوص الصحيحة من وجوب الفدية مع القضاء على من قدر عليه ولم يفعل حتى دخل الثانى، سواء عزم عليه أم لا.

واكتفى ابن إدريس بالقضاء مطلقا عملا بالآية وطرحا للرواية على أصله وهو ضعيف.

ثم قال

(1)

المرأة والعبد ما فاتهما على الوجه السابق كالحر لإطلاق النص ومساواتهما للرجل الحر فى كثير من الأحكام وقيل لا لأصالة البراءة وإذا تمكن من القضاء ثم مات قضى عنه أكبر ولده الذكور وقيل يجب القضاء مطلقا عن مراتب الإرث حتى الزوجين ويقدم الأكبر من ذكورهم فالأكبر ثم الإناث ولو مات المريض قبل التمكن من القضاء سقط وفى القضاء عن المسافر لما فاته منه بسبب السفر خلاف.

وحيث لا يكون هناك ولى أو لم يجب عليه القضاء يتصدق من التركه عن اليوم بمد فى المشهور هذا إذا لم يوصى الميت بقضائه، وإلا سقطت الصدقة حيث يقضى عنه.

والشيخان ذكرا أو أنثى إذا عجزا عن الصوم أصلا أو مع مشقة شديدة فديا عن كل يوم بمد ولا قضاء عليهما لتعذره وهذا مبنى على الغالب من أن عجزهما عنه لا يرجى زواله لأنهما فى نقصان وإلا فلو فرض قدرتهما على القضاء وجب.

وهل يجب حينئذ الفدية معه؟ قطع به فى الدروس.

والأقوى أنهما إن عجزا عن الصوم أصلا فلا فدية ولا قضاء، وإن أطاقاه بمشقة شديدة لا يتحمل مثلها عادة فعليهما الفدية.

ثم ان قدرا على القضاء وجب. والأجود حينئذ ما اختاره فى الدروس من وجوبها معه لأنها وجبت بالإفطار أولا بالنص الصحيح والقضاء وجب بتجدد القدرة والأصل بقاء الفدية لإمكان الجمع ولجواز أن تكون عوضا عن الإفطار لا بدلا عن القضاء. وذو العطاش بضم أوله وهو داء لا يروى صاحبه ولا يتمكن من ترك شرب الماء طول النهار - الميئوس من برئه كذلك يسقط عنه القضاء ويجب عليه الفدية عن كل يوم بمد ولو برأ قضى وهل يجب مع القضاء الفدية الماضية الأقوى ذلك وقال المرتضى عليه القضاء من غير فدية أما غير الميئوس من برئه فإنه يفطر ويجب القضاء حيث يمكن من غير فدية.

والحامل التى قاربت الوضع والمرضعة القليلة اللبن اذا خافتا على الولد تفطران وتفديان وتقضيان

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 149، 150، 151 نفس الطبعة المتقدمة.

ص: 58

مع زوال العذر والفدية من مالهما وان كان لهما زوج والولد له.

ولو كان خوفهما على أنفسهما فكالمريض تفطران وتقضيان من غير فدية، وكذا كل من خاف على نفسه ولا فرق فى ذلك بين الخوف لجوع وعطش ولا فى المرتضع بين كونه ولدا من النسب والرضاع ولا بين المستأجرة والمتبرعة، نعم لو قام غيرها مقامها متبرعا أو أخذ مثلها أو انقص امتنع الأفطار.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أنه يباح للكبير الذى لا يطيق الصوم أن يفطر وليس عليه القضاء وكذلك المريض الذى لا يرجى برؤه فى قول.

ويلزمهما إطعام مسكين غداء وعشاء أو عشاء وسحورا عن كل يوم أفطر فيه.

وقيل يعطى لكل مسكين حفنة. وقيل يسقط عنهما الإطعام أيضا كالصوم، وهو المتبادر، لأنهما لم يكلفا بالصوم فكيف يلزمهما الإطعام.

ووجه من ألزمهما الإطعام التمسك بقول الله تبارك وتعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ»

حملا له على تقدير لا النافية أى لا يطيقونه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه.

والحامل والمرضع إن خافتا ضياع ولدهما بالصوم جاز لهما الفطر اتفاقا.

فإن تيقنتا ضياع الولد بالصوم وجب عليهما الفطر.

وسواء فى الضياع هلاكه أو ضعفه الذى يخاف منه الهلاك أو ذهاب حس كسمع أو بصر ويلزمهما القضاء والإطعام عن كل يوم أفطرتا فيه.

وقيل عليهما القضاء فقط دون الإطعام.

والحامل تطعم من مالها على القول بوجوب الاطعام والمرضع تطعم من مال والد الصبى.

ومن أفطر لمرض أو لسفر ثم عوفى من مرضه أو قدم من سفره ولم يصم، حتى دخل رمضان الثانى صام الحاضر، وأطعم عن الماضى عن كل يوم مسكينا غداء وعشاء أن ضيع القضاء، حتى دخل الثانى، ويكون الإطعام عن قدر الأيام التى يلزمه صومها لا عن قدر ما ضيع.

فلو عوفى قبل رمضان الثانى بيوم وقد لزمه ثلاثة أيام ولم يصم حتى دخل رمضان أو رجع اليه مرضه فإنه يطعم عن الثلاثة أيام، لا عن يوم واحد، لأنه لما أمكنه صوم يوم ولم يصمه حتى عاد إليه العذر كان مطيقا، إذ لم يدخل فى القضاء، وقد أمكنه.

وقيل لا يطعم الا على يوم أمكنه ولم يصمه ثم يصوم ما فاته بعد ذلك.

وان لم يصم القضاء حتى أتى رمضان الثالث أطعم مرة ثانية وهكذا إن ضيع إلى الرابع أو أكثر.

وان لم يطعم بجهل أو نسيان أو بعمد

(2)

أو

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 2 ص 223، ص 224 وما بعدها طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.

(2)

المرجع السابق لابن يوسف أطفيش ج 2 ص 216 الطبعة السابقة.

ص: 59

بصوم ما يطعم أو من يطعم حتى انقضى الحاضر لم يلزمه إطعام بعد انقضائه وعليه صوم الماضى فقط، ولكن إذا جاء رمضان آخر قبل أن يصومه أطعم عنه.

وقيل الإطعام. دين عليه ولا يلزمه إيصاء الإطعام عنه إذا احتضر إن لم يضيع حتى احتضر خلافا لبعض.

ومن دام مرضه أو سفره حتى استهل رمضان الثانى صام الحاضر إن قدر ولا يلزمه الإطعام عن الماضى والإيصاء بصومه عند احتضاره، وقيل بلزومهما، ومن فاتته أيام غير

(1)

متتابعة أطعم عنها أول رمضان متتابعة كما لزمه القضاء متتابعا.

ومن أجاز عدم التتابع فى القضاء أجاز عدمه فى الإطعام

وإن لم يطعم أوله وأطعم وسطه أو آخره أجزأه ومن لزمه رمضانان ولم يصمهما حتى حضر الثالث أطعم عن كل ثلاثين مسكينا وقيل ستين.

‌حكم الافتداء فى الحج

‌مذهب الحنفية:

من

(2)

فعل محظورا من محظورات الاحرام وجبت عليه فدية وهى أحد ثلاثة أشياء:

الصيام أو الصدقة أو النسك. لقول الله تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ 3» }.

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لكعب بن عجرة أيؤذيك هوام رأسك قال: نعم فقال: احلق واذبح شاة، أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من بر، وهذا الواجب يختلف باختلاف فعل المحظور.

ففى بعض المواضع يجب الدم عينا، وفى بعضها تجب الصدقة عينا، وفى بعضها تجب أحد الأشياء الثلاثة على التخيير، الصيام، أو الصدقة، أو الدم.

وجهات التعيين تكون الى من عليه هذا الواجب.

فمن المحظورات

(4)

: لبس المخيط، فالمحرم لا يلبس المخيط جملة لا قميصا، ولا قباء، ولا جبة، ولا سراويل، ولا عمامة، ولا قلنسوة، ولا يلبس خفين، لما روى عن عبد الله بن عمران أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال:

ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أن لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من

(1)

شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 215 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 186، 187 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(4)

بدائع الصنائع ج 2 ص 183، الطبعة السابقة.

ص: 60

الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران، ولا الورس، ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين.

وإنما يمنع المحرم من لبس المخيط إذا لبسه على الوجه المعتاد.

أما إن كان على غير الوجه المعتاد فلا يمنع منه كأن يتشح بالقميص أو يتزر بالسراويل، ولا يلبس الجوربين، لأنهما فى معنى الخفين.

فمن فعل هذا المحظور ولبس المخيط من غير عذر وضرورة يوما كاملا فعليه الدم لا يجوز غيره، لأن الأصل أن الارتفاق الكامل باللبس يوجب فداء كاملا، ولبس أحد هذه الأشياء يوما كاملا ارتفاق كامل فيوجب فداء كاملا وهو الدم لا يجوز غيره، لأنه فعله من غير ضرورة فلا يستحق التخفيف، وإن لبس أقل من يوم فلا دم عليه وعليه الصدقة.

وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا إن لبس أكثر اليوم فعليه دم.

وكذا روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى، ثم رجع أبو حنيفة وقال: لا دم عليه حتى يلبس يوما كاملا.

وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه إذا لبس أقل من يوم يحكم عليه بمقدار ما لبس من قيمة الشاة ان لبس نصف يوم فعليه قيمة نصف شاة على هذا القياس.

ومقدار الصدقة نصف صاع من بر كذا روى ابن سماعة عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يطعم مسكينا نصف صاع من بر.

وكل صدقة تجب بفعل ما يحظر بالإحرام فهى مقدرة بنصف صاع إلا ما يجب بقتل القملة والجرادة فإنه يتصدق فى قتلهما بما شاء.

وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أن من لبس ثوبا يوما إلا ساعة فعليه من قيمة الدم بمقدار ما لبس، ولو غطى ربع رأسه يوما كاملا فصاعدا فعليه دم وإن كان أقل من الربع فعليه صدقة كذا ذكر فى الأصل، لأن ربع الرأس له حكم الكل فى هذا الباب.

وعن محمد رحمه الله تعالى أنه لا دم عليه حتى يغطى الأكثر من رأسه، لأن تغطية الأقل ليس بارتفاق كامل فلا يجب به جزاء كامل، ووجوب الفدية فى لبس المخيط إذا لبسه يوما كاملا حالة الإختيار، أما إذا لبسه لعذر وضرورة فعليه أحد الأشياء الثلاثة على التخيير، فإن شاء صام ثلاثة أيام، وإن شاء تصدق بثلاثة آصع من طعام على ستة مساكين وان شاء ذبح شاة، والأصل فيه قول الله تبارك وتعالى فى كفارة الحلق من مرض أو أذى فى الرأس «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»

(1)

، وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السابق.

والنص وان ورد بالتخيير فى الحلق لكنه معلول بالتيسير والتسهيل للضرورة والعذر، وقد وجدها هنا لأن التخيير فى حال الضرورة للتيسير والتخفيف والجانى لا يستحق التخفيف.

(1)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

ص: 61

ولا فرق

(1)

فى لبس المخيط بين أن يكون مختارا للبس أو مكرها عليه أو كان نائما فغطى انسان رأسه ليلة كاملة أو وجهه، فيجب الجزاء على النائم لأن الارتفاق حصل له وعدم الاختيار أسقط الإثم عنه لا الموجب.

ولو جمع المحرم

(2)

اللباس كله القميص والعمامة والخفين لزمه دم واحد، لأنه لبس واحد فوقع على جهة واحدة فيكفيه كفارة واحدة.

ولو اضطر إلى لبس ثوب فلبس ثوبين، فان لبسهما على موضع الضرورة فعليه كفارة واحدة وهى كفارة الضرورة، لأن اللبس حصل على وجه واحد فيوجب كفارة واحدة، وان لبسهما على موضعين مختلفين موضع الضرورة، وغير موضع الضرورة كما اذا اضطر إلى لبس العمامة أو القلنسوة فلبسهما مع القميص أو غير ذلك فعليه كفارتان كفارة الضرورة للبسه ما يحتاج اليه، وكفارة الاختيار للبسه ما لا يحتاج إليه.

ولو لبس ثوبا للضرورة ثم زالت الضرورة فدام على ذلك يوما أو يومين فمادام فى شك من زوال الضرورة لا يجب عليه إلا كفارة واحدة، وإن تيقن بأن الضرورة قد زالت فعليه كفارتان، ولو حصره عدو فاحتاج إلى لبس الثياب فلبس ثم ذهب فنزع ثم عاد العدو فعاد إلى اللبس أو كان العدو لم يبرح مكانه فكان يلبس فيقاتل بالنهار وينزع بالليل فعليه كفارة واحدة ما لم يذهب هذا العدو ويجئ عدو آخر.

والأصل فى جنس هذه المسائل أنه ينظر إلى اتحاد الجهة واختلافها لا إلى صورة اللبس، فإن لبس المخيط أياما فإن لم ينزع ليلا ولا نهارا يكفيه دم واحد بلا خلاف، لأن اللبس على وجه واحد.

وكذلك اذا كان يلبسه بالنهار وينزعه بالليل للنوم من غير أن يعزم على تركه لا يلزم إلا دم بالإجماع، لأنه اذا لم يعزم على الترك كان اللبس على وجه واحد، فإن لبس يوما كاملا فأراق دما ثم دام على لبسه يوما كاملا فعليه دم آخر بلا خلاف لأن الدوام على اللبس بمنزلة لبس مبتدأ، وإن لم يكفر للأولى فعليه كفارتان فى قول أبى حنيفة رحمه الله وأبى يوسف رحمه الله تعالى وعليه كفارة واحدة.

ومن محظورات

(3)

الإحرام الطيب فلو طيب المحرم عضوا كاملا كالفخذ والرأس والساق ونحو ذلك فعليه دم وإن طيب أقل من عضو فعليه صدقة، وقال محمد رحمه الله تعالى يقوم ما يجب فيه الدم فيتصدق بذلك القدر حتى لو طيب ربع عضو فعليه من الصدقة قدر قيمة ربع شاة وإن طيب نصف عضو تصدق بقدر قيمة نصف شاة، وان طيب الأعضاء

(4)

كلها فإن كان فى مجلس

(1)

فتح القدير على الهداية وبهامشه العناية للكمال بن الهمام ج 2 ص 28 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 187 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 189 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق للكاسانى ج 2 ص 190 الطبعة السابقة.

ص: 62

واحد فعليه دم واحد، لأن جنس الجناية واحد، وان كان فى مجلسين مختلفين بأن طيب كل عضو فى مجلس على حدة فعليه لكل واحد دم فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى، سواء ذبح للأول أو لم يذبح.

وقال محمد رحمه الله إن ذبح للأول فكذلك وإن لم يذبح فعليه دم واحد، وسائر الأدهان التى فيها الطيب إذا ادهن بها عليه دم إذا بلغ عضوا وإن كان الدهن غير مطيب بان ادهن بزيت أو بشيرج فعليه دم فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى، لأنه أصل الطيب.

وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليه صدقه، ولو داوى بالزيت جرحه أو شقوق رجليه فلا كفارة عليه، لأنه لم يستعمله على وجه الطيب بخلاف ما اذا تداوى بالطيب أنه تجب به الكفارة لأنه طيب فى نفسه فيستوى فيه استعماله للتطيب أو لغيره، ومن حلق

(1)

رأسه من غير عذر فعليه دم لا يجزيه غيره لأنه ارتفاق كامل من غير ضرورة وإن حلق رأسه لعذر فعليه أحد الأشياء الثلاثة، لقول الله عز وجل:«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»

(2)

، ولما روى من حديث كعب بن عجرة، ولأن الضرورة لها أثر فى التخفيف فخير بين الأشياء الثلاثة تخفيفا وتيسيرا، وإن حلق ثلثه أو ربعه فعليه دم، وإن حلق دون الربع فعليه صدقة كذا ذكر فى ظاهر الرواية، ولم يذكر اختلافا.

وحكى الطحاوى فى مختصره الاختلاف فقال: إذا حلق ربع رأسه يجب عليه الدم فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يجب ما لم يحلق أكثر رأسه.

وذكر القدورى فى شرحه مختصر الحاكم اذا حلق ربع رأسه يجب عليه دم فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى اذا حلق أكثره يجب.

وعند محمد رحمه الله تعالى اذا حلق

(3)

شعره يجب. هذا اذا حلق رأس نفسه. فأما اذا حلق رأس غيره فعلى الحالق صدقة، لأن المحرم كما هو ممنوع من حلق رأس نفسه ممنوع من حلق رأس غيره، لقول الله تبارك وتعالى «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ»

(4)

.

الإنسان لا يحلق رأس نفسه عادة سواء كان المحلوق حلالا أو محرما غير أن المحلوق له إن كان حلالا فلا شئ عليه، وإن كان محرما فعليه الدم، لحصول الارتفاق الكامل له، وإن حلق شاربه فعليه صدقة، ولو نتف أحد الابطين فعليه الدم، ولو نتف الإبطين جميعا تكفيه كفارة واحدة، ومن قلم أظافر يد أو رجل من غير عذر وضرورة فعليه

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 192.

(2)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 193 الطبعة السابقة.

(4)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

ص: 63

دم، لأنه ارتفاق كامل فتكاملت الجناية فتجب كفارة كاملة، وإن قلم أقل من يد أو رجل فعليه صدقة لكل ظفر نصف صاع، وهذا قول الأصحاب الثلاثة رحمهم الله تعالى.

وقال زفر رحمه الله تعالى: إذا قلم ثلاثة أظفار فعليه دم لأن ثلاثة أظافير من اليد أكثرها والأكثر يقوم مقام الكل فى هذا الباب

ووجه قول الأصحاب الثلاثة: إن قلم ما دون اليد ليس بارتفاق كامل فلا يوجب كفارة كاملة، وفعل المحظور عامدا

(1)

لا يرفع الاثم ولا تخرجه الفدية والغرم عليها من كونه عاصيا

قال النووى وربما ارتكب بعض العامة شيئا من هذه المحرمات وقال: أنا أفدى متوهما أنه التزام الفداء يتخلص من وبال المعصية وذلك خطأ صريح وجهل قبيح فإنه يحرم عليه الفعل فإذا خالف أثم ولزمته الفدية وليست الفدية مبيحة للإقدام على فعل المحرم

(2)

.

‌مذهب المالكية:

يحرم على المرأة

(3)

اذا أحرمت بحج أو عمرة لبس

(4)

القفاز فإن لبسته فعليها الفدية، ويحرم عليها ستر الوجه، فإن غطت المحرمة شيئا من وجهها وجبت عليها الفدية، لأن إحرام المرأة فى وجهها وكفيها، ووجوب الفدية فى ستر الوجه إذا لم تقصد به الستر عن أعين الرجال، فإن قصدت ذلك فلا فدية عليها، لكن بشرط أن يكون الستر بلا غرز للساتر بإبرة ونحوها، وبلا ربط له برأسها كالبرقع بربط أطرافه بعقده بل المطلوب سدله على رأسها ووجهها فإن سترت وجعها بلا عذر أو سترته لعذر، ولكن بغرز أو ربط فعليها الفدية.

وشرط وجوب الفدية عليها الانتفاع باللبس من حر أو برد وشبهه مما وضع له ذلك اللباس، ولذلك تجب الفدية إذا طال اللبس، فإن أزالته بالقرب فلا فدية، لأنه لم يحصل انتفاع، وتجب الفدية على الرجل بلبس المخيط وكذلك المحيط بالبدن أو لعضو من أعضائه وإن كانت إحاطته بسبب نسج أو زر بقفله عليه أو بسبب عقد أو تخليل بعود كخاتم وقباء، وإن لم يدخل يديه فى كمه بأن وضعه على منكبيه مخرجا يديه من تحته، فإن نكس القباء بأن جعل أسفله على منكبيه فلا فدية، ويحرم عليه أن يستر رأسه ووجهه

(5)

بما يعد ساترا من خرقة أو رداء.

قال مالك لا يستر المحرم على رأسه ولا على

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 194 الطبعة السابقة.

(2)

الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 2 ص 274 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير عليه ج 2 ص 54 وما بعدها الطبعة السابقة وبلغة السالك لأقرب المسالك وحاشية الصاوى عليه ج 2 ص 74 وما بعدها الطبعة السابقة والتاج والاكليل للمواق بهامش الحطاب ج 3 ص 140 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

القفاز على ما يفعل على صفة الكفين من قطن ونحوه ليقى الكف من الشعث.

(5)

التاج والأكليل بهامش الحطاب فى كتاب ج 3 ص 142 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 64

وجهه من الشمس بعصا فيها ثوب فإن فعل افتدى، وكل ما أوجب رفاهية للبدن مخيطا كان أو محيطا أو جلد حيوان يسلخ فيلبس ففيه الفدية، والاحتزام فوق الازار لغير عمل يوجب الفدية، ويجوز الاحتزام لوضع الدراهم فيه بشرطين، أن يكون ذلك لحمل نفقته التى ينفقها على نفسه وعياله، وأن يكون الاحتزام على جلده لا على إزاره، فإن احتزم لتجارة أو لحمل نفقة غيره أو لبس على جلده فعليه الفدية.

واذا

(1)

ضم نفقة غيره لنفقته التى وضعها فى حزامه الذى شده على جسده ثم إنه نفذت نفقته وترك ذا النفقة ذهب لمحل وهو يعلم بذهابه ولم يردها له فإنه تجب عليه الفدية، وكذلك تجب الفدية إذا ترك ردها له مع تمكنه من الرد، وجاز لبس خف قطع أسفل من كعب لفقد نعل أو غلوه غلوا فاحشا، فمن لم يجد نعلين ووجد خفين فليقطعما أسفل من الكعبين ويلبسهما ولا فدية عليه، وإن وجد نعلين واحتاج إلى لبس الخفين لضرورة بقدميه فقطعهما أسفل من الكعبين فيلبسهما ويفتدى، لأن لبسه الخفين لضرورة بسبب الدواء فلذلك لزمته الفدية

ويجوز أن يحمل المحرم على رأسه ما تدعو الحاجة اليه من زاد ونحوه اذا لم يجد من يحمله له أو كان فقيرا لا يجد أجرة من يحمله ولا فدية عليه، فان حمل زاده وما يحتاج اليه بخلا فعليه الفدية:

قال مالك: وجائز أن يحمل المحرم على رأسه اذا كان راجلا مما لا بد له منه مثل خرجه فيه زاده أو جرابه ولا يحمل ذلك لغيره تطوعا ولا باجارة فان فعل افتدى

وان أجر نفسه لحمل أو حمل لتجارة فعليه الفدية، لأنه خرج عن موضع الرخصة العامة

وتجب الفدية ان عصب جرحه أو دمله أو رأسه ولو لضرورة وذلك جائز للضرورة

وكذلك ان لصق خرقة على جرحه أو رأسه وان كانت الخرقة كبيرة كدرهم يغلى

فان كانت الخرقة صغيرة فلا فدية.

فلو تعددت الخرقة بمواضع فعليه فدية واحدة

ولو وضع قطنة ولو صغيرة غير مطيبة بأذنيه أو بواحدة فعليه الفدية لأنها لنفع الأذن.

ومن اضطر إلى فعل محظور فعله وافتدى وتأثير الضرورة عند وقوعها فى رفع الاثم وجواز الفعل لا فى سقوط الفدية كما فى الحلق ولبس المخيط.

وتجب الفدية اذا احتجم وأزال شعرا أو قتل قملا كثيرا. وأما القليل ففيه الاطعام وسواء احتجم فى ذلك لعذر أم لا.

وتجب الفدية بالأدهان بالطيب ولو لعلة ولو كان ببطن الكف أو الرجل. وكذلك تجب الفدية بالأدهان بغير الطيب لغير علة ولو ببطن كف أو رجل.

أما الأدهان بغير الطيب لعلة فإن كان ببطن كف أو رجل فلا فدية عليه. وإن كان فى الجسد فقولان:

(1)

المرجع السابق للمواق وبهامشه الخطاب فى كتاب ج 3 ص 142، ص 146 الطبعة السابقة.

ص: 65

بوجوب الفدية وعدمه. ولو وضع الطيب

(1)

فى طعام أو شراب من غير طبخ فيه فالفدية.

فلو مسه ولم يعلق به أو حمل قارورة سدت سدا وثيقا بحيث لم يظهر منها ريح فلا فدية والطيب المطبوخ إن أماته الطبخ ولو صبغ الفم لا فدية فيه فإن لم يمته الطبخ فالفدية.

والظاهر أن المراد بإماته استهلاكه فى الطعام وذهاب عينه بحيث لا يظهر منه سوى الريح كالمسك أو أثره كالزعفران والطيب اليسير الباقى فى ثوبه أو بدنه مما تطيب به قبل إحرامه لا فدية عليه وإن كره.

ومن أصابه الطيب

(2)

من إلقاء ريح أو غيره على ثوبه أو بدنه فلا فدية قل أو كثر إلا أن يتراخى فى طرحه فالفدية.

ولو أصابه من خلوق الكعبة - بفتح الخاء - فلا فدية عليه ولو كثر لطلب القرب منها وخير فى نزع يسير خلوق الكعبة والباقى من الطيب مما قبل إحرامه.

وأما ما أصابه من إلقاء الريح أو غيره فيجب نزع يسيره وكثيره فورا فإن تراخى فيهما افتدى. وإن لم يكن الخلوق أو الباقى مما قبل إحرامه يسيرا بل كان كثيرا افتدى. وإن تراخى فى نزعه لكن فى خلوق الكعبة فقط.

وأما الباقى مما قبل الإحرام فيفتدى فى كثيره وإن لم يتراخ على المعتمد.

وقال بعض المحققين النص فى خلوق الكعبة التخيير فى نزع يسيره، وأما الكثير فيؤمر بنزعه استحبابا. وإن غطيت رأس المحرم النائم

(3)

بفعله أو فعل غيره فإن تراخى فى نزعه بعد يقظتهما افتدى. وإن نزعه فورا فلا فدية عليه.

وإن ألقى حل طيبا على محرم نائم أو ألقى ثوبا على رأسه فإن تراخى المحرم فى نزعه بعد يقظته فعليه الفديه .. وإن لم يتراخ فى نزعه بعد انتباهه فالفدية على الحل.

وفدية الحل تكون بإطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان أو يذبح شاة مما تجزئ فى الأضحية

ولا يفتدى بالصوم، لأنه عبادة بدنية لا تكون عن الغير. فإن لم يجد الحل ما يفتدى به فليفتد المحرم بواحد من أنواع الفدية الثلاثة.

وإنما جاز الصوم هنا لأنه فى الحقيقة صام عن نفسه وإن كانت كفارته نيابة عن الحل.

وهذا على رأى ابن المواز.

وقيل إذا لم يجد الحل الملقى ما يفتدى به لا شئ على المحرم الذى نزع فورا، وهو لابن يونس وعبد الحق. وإن حلق الحل رأس المحرم فإن الفدية بغير الصوم على الحل الحالق إذا كان المحرم مكرها أو نائما، فان لم يجد الحل فليفتد المحرم بواحد من أنواع الفدية الثلاثة.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 62، 63، 64 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 62، 63، 64 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق والشرح الكبير عليه ج 2 ص 63، 64 الطبعة السابقة.

ص: 66

وإذا افتدى المحرم بغير الصوم فإنه يرجع على الحل بالأقل من قيمة النسك وكيل الطعام أو ثمنه إن اشتراه. وان كان افتدى بالصوم فلا رجوع.

وإن ألقى محرم طيبا على محرم نائم ولم يتراخ النائم فى نزعه بعد انتباهه فعلى الملقى فديتان على الأرجح فدية لمسه الطيب، وفدية أخرى لتطيبه النائم، فان لزمت الفدية النائم بأن تراخى فى الإزالة بعد نومه فعلى الملقى واحدة فقط.

وإن حلق حل محرما بإذن من المحرم ولو حكما بأن رضى بفعله فعلى المحرم الفدية. وان حلق محرم رأس حل افتدى المحرم لاحتمال أن يكون قتل قملا فى حلاقه فإن تيقن نفيه فلا ولذلك لو قلم المحرم ظفر الحل فلا شئ على المقلم.

وفى قلم الظفر الواحد لإماطة الأذى حفنة من طعام وفى قص ما زاد على الواحد فدية سواء كان لإماطة الأذى أولا وإن أبان واحدا بعد آخر فإن كانا فى فور ففدية وإلا ففى كل واحد حفنة، والفدية

(1)

منحصرة فيما يترفه به أو فيما يزيل به أذى كقص شارب أو قلم ظفر، والأصل أن الفدية تتعدد بتعدد موجبها إلا فى مواضع أربعة:

الأول: أن يظن الفاعل أو يعتقد أنه يباح له فعل الأشياء الممنوعة على المحرم، بأن يعتقد أنه خرج من إحرامه، كأن يطوف بالإفاضة أو للعمرة على غير وضوء معتقدا أنه متوضئ فلما فرغ من حجه أو عمرته بالسعى بعدهما فى اعتقاده فعل موجبات الكفارة، ثم تبين له فسادهما، وأنه باق على احرامه، فعليه كفارة واحدة.

وثانيها: أن تعدد موجبها من لبس وتطيب وقلم أظفار وقتل دواب بفور ففدية واحدة، لأنه كالفعل الواحد.

ومن ذلك ما يفعله من لا قدرة له على التجرد من إحرامه، ثم يلبس بعده جميع ملبوسه من قلنسوة وعمامة وقميص وسراويل، وغير ذلك.

فإن تراخى ما بين الفعلين تعددت الفدية.

وثالثها: أن ينوى تكرار الفعل الموجب لها عند فعل الأول أو إرادته وتراخى ما بين الفعلين ولو اختلف الموجب.

ورابعها: أن يتراخى ما بين الفعلين ولم ينو التكرار عند الفعل الأول، إلا أنه قدم ما نفعه أعم كأن قدم الثوب على السراويل أو القميص على الجبة أو القلنسوة على العمامة إلا أن يكون للخاص زيادة نفع على العام كما إذا أطال السراويل طولا له بال يحصل به انتفاع أو دفع حر أو برد فتتعدد كما إذا عكس فقدم السراويل على الثوب.

وشرط الفدية فى اللبس لثوب أو خف أو غيرهما انتفاع من حر أو برد باعتبار العادة العامة بالاعتبار - عادة بعض الأشخاص فلو لبس ثوبا رقيقا لا يقى حرا ولا بردا أو تراخى فى نزعه، فإنه يفتدى لحصول نفع فى الجملة من حيث الدوام، لا إن نزع مكانه فلا شئ عليه.

وفى الفدية يلبسه فى صلاة لم يطول فيها

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 65، 66 الطبعة السابقة.

ص: 67

قولان: الراجح عدم الفدية، وظاهره ولو رباعية. فإن طول فالفدية اتفاقا، أما ما لا يقع إلا منتفعا به كالطيب فالفدية تجب بمجرده بلا تفصيل. ولم يأثم مرتكب موجب الفدية إن فعل لعذر حاصل أو مترقب. والفدية أنواع ثلاثة:

نسك شاة.

أو إطعام ستة مساكين، لكل مدان فهى ثلاثة آصع.

أو صيام ثلاثة أيام، ولو أيام منى.

‌مذهب الشافعية:

إذا احرم

(1)

الرجل حرم عليه حلق الرأس

لقول الله تبارك وتعالى «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»

(2)

.

ويحرم عليه حلق شعر سائر البدن، لأنه حلق يتنظف به ويترفه به فلم يجز كحلق الرأس ويجب به الفدية. لقول الله عز وجل «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»

(3)

. ولما روى كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لعلك أذاك هوام رأسك فقلت نعم يا رسول الله فقال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين أو انسك شاة.

ويجوز له أن يحلق شعر الحلال، لأن نفعه يعود إلى الحلال فلم يمنع منه كما لو أراد أن يعممه أو يطيبه. ويحرم عليه أن يقلم أظفاره لأنة جزء ينمى وفى قطعه ترفيه وتنظيف فمنع الإحرام منه كحلق الشعر ويجب به الفدية قياسا على الحلق.

ويحرم ان يستر رأسه لما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى المحرم الذى خر من بعيره: لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. وتجب به الفدية، لأنه فعل محرم فى الاحرام فتعلقت به الفدية كالحلق.

ويحرم عليه لبس القميص. لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال فى المحرم: لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا العمامة ولا الخف إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين.

ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران وتجب به الفدية، لأنه فعل محظورا فى الإحرام فتعلقت به الفدية كالحلق.

ويحرم لبس السراويل لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه المتقدم وتجب به الفدية.

وإن زر الأزار أو خاطه أو شوكه لم يجز، لأنه يصير كالمحيط. وإن لم يجد إزارا جاز أن يلبس السراويل ولا فدية عليه.

ويحرم عليه لبس الخفين للخبر وتجب به الفدية لما ذكرناه من القياس على الحلق. فإن لبس الخف مقطوعا من اسفل الكعب مع وجود النعل لم يجز

(1)

المهذب لأبى اسحاق الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 207 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

ص: 68

على المنصوص من قول الشافعى وتجب عليه الفدية.

ومن مشايخنا من قال يجوز ولا فدية عليه

ويحرم عليه لبس القفازين وتجب به الفدية، لأنه ملبوس على قدر العضو فأشبه الخف.

ويحرم على المرأة ستر الوجه

(1)

، لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم نهى النساء فى إحرامهن عن القفازين والنقاب ومامسه الورس والزعفران وتجب به الفدية بستر الوجه قياسا على الحلق.

ويحرم عليه استعمال الطيب فى ثيابه وبدنه، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال:«ولا تلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران» وتجب به الفدية قياسا على الحلق.

ولا يلبس ثوبا مبخرا بالطيب ولا ثوبا مصبوغا بالطيب ويجب به الفدية قياسا على ما مسه الورس والزعفران. وإن علق بخفه طيب وجبت به الفدية لأنه ملبوس فهو كالثوب. ويحرم عليه استعمال الطيب فى بدنه. ولا يجوز أن يأكله ولا أن يكتحل به ولا يستعط به ولا يحتقن به.

فإن استعمله فى شئ من ذلك لزمته الفدية، لأنه إذا وجب ذلك فيما يستعمله من الثياب فلأن يجب فيما يستعمله ببدنه أولى.

وان كان الطيب فى طعام نظرت فإن ظهر ذلك فى طعمه أو رائحته لم يجز أكله وتجب به الفدية وإن ظهر ذلك فى لونه وصبغ به اللسان من غير طعم ولا رائحة فقد قال فى المختصر الأوسط من كتاب الحج: لا يجوز، وقال فى الأم: والإملاء يجوز، وقال أبو إسحاق: يجوز قولا واحدا ويحرم ستر بعض رأس الرجل وإن قل بما يعد ساترا عرفا بخلاف ما لا يعد ساترا كخيط شده به

(2)

.

وله أن يحمل

(3)

الطيب فى خرقة أو قارورة والمسك فى نافجة ولا فدية عليه لأن دونه حائلا.

وأن مس طيبا فعبقت به رائحته ففيه قولان:

أحدهما: لا فدية عليه لأنه رائحة عن مجاورة فلم يكن لها حكم كالماء إذا تغيرت رائحته بجيفة بقربه.

والثانى: يجب، لأن المقصود من الطيب هو الرائحة، وقد حصل ذلك ويجوز ستر بعض رأس الرجل أو كله لحاجة من حر أو برد أو مداواة كأن جرح رأسه فشد عليه خرقة، لقول الله تبارك وتعالى «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»

(4)

ويلزمه مع ذلك الفدية كما مر قياسا على الحلق بسبب الأذى. وإن لبس

(5)

أو تطيب أو دهن رأسه أو لحيته جاهلا بالتحريم أو ناسيا للإحرام لم تلزمه الفدية. لما روى أبو يعلى بن أمية قال: أتى

(1)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 208، 209 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 320، وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المهذب ج 1 ص 210 الطبعة السابقة.

(4)

الآية رقم 78 من سورة الحج.

(5)

المهذب لأبى اسحاق الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 213 الطبعة السابقة.

ص: 69

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه فقال: يا رسول الله أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال: اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة وما كنت صانعا فى حجك فاصنع فى عمرتك، ولم يأمره بالفدية، فدل على أن الجاهل لا فدية عليه.

فإذا ثبت هذا فى الجاهل ثبت فى الناسى لأن الناسى يفعل وهو يجهل تحريمه عليه. فإن ذكر ما فعله ناسيا أو علم ما فعله جاهلا نزع اللباس وأزال الطيب، لحديث يعلى بن أمية، فإن لم يقدر على إزالة الطيب لم تلزمه الفدية لأنه مضطر إلى تركه فلم تلزمه فدية كما لو أكره على التطيب.

وإن قدر على إزالته واستدام لزمته الفدية، لأنه تطيب من غير عذر فأشبه ما إذا ابتدأ به وهو عالم بالتحريم. وإن مس طيبا وهو يظن أنه يابس وكان رطبا ففيه قولان:

أحدهما: تلزمه الفدية، لأنه قصد مس الطيب.

والثانى: لا تلزمه لأنه جهل تحريمه فأشبه إذا جهل تحريم الطيب فى الإحرام.

فإن حلق الشعر أو قلم الظفر ناسيا أو جاهلا بالتحريم فالمنصوص أنه تجب عليه الفدية، لأنه اتلاف، فاستوى فى ضمانه العمد والسهو، كاتلاف مال الآدمى. وفيه قول آخر مخرج أنه لا تجب لأنه ترفه وزينة. فاختلف فى فدية السهو والعمد كالطيب.

وإن حلق رجل رأس غيره فإن كان بإذنه وجبت عليه الفدية، لأنه أزال شعره بسبب لا عذر فيه، فأشبه إذا حلقه بنفسه.

وإن حلق رجل رأس محرم وهو نائم أو على كره منه فعليه الفدية. وعلى من تجب؟ فيه قولان:

أحدهما: تجب على الحالق، لأنه أمانة عنده، فإذا أتلفه غيره وجب الضمان على من أتلفه كالوديعة إذا أتلفها غاصب.

والثانى: أنها تجب على المحلوق، لأنه هو الذى ترفه بالحلق فكانت الفدية عليه، وللمحلوق مطالبته بإخراجها، لأنها تجب بسببه. فإن مات الحالق أو أعسر بالفدية لم تجب على المحلوق الفدية وأخذها من الحالق وأخرج.

وإن افتدى المحلوق نظرت، فإن افتدى بالمال رجع بأقل الأمرين من الشاة أو ثلاثة آصع. فان أداها بالصوم لم يرجع عليه، لأنه لا يمكن الرجوع به.

ويكره للمحرم أن يحك شعره بأظفاره حتى لا ينتثر شعره، فإن انتثر منه شعره لزمته الفدية.

ويكره أن يفلى رأسه ولحيته، فإن فلى وقتل قملة استحب له أن يفديها.

قال الشافعى رحمه الله تعالى وأى شئ فداها به فهو خير منها.

وإذا حلق

(1)

المحرم شعر رأسه فكفارته أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام وهو مخير بين الثلاثة

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 214 الطبعة السابقة.

ص: 70

لقول الله تبارك وتعالى: «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»

(1)

. ولحديث كعب بن عجرة.

وإن حلق ثلاث شعرات كانت كفارته ما ذكرناه فى حلق الرأس لأنه يقع عليه اسم الجمع المطلق. وإن حلق شعر رأسه وشعر بدنه لزمه ما ذكرناه

وقال أبو القاسم الأنماطى يجب عليه فديتان، لأن شعر الرأس مخالف لشعر البدن.

والمذهب الأول، لأنهما وإن اختلفا فى النسك إلا أن الجمع جنس واحد فاجزأه لهما فدية واحدة.

وإن قبل

(2)

امرأته بشهوة أو باشرها فيما دون الفرج بشهوة لم يفسد حجه، لأنها مباشرة لا توجب الحد، فلم تفسد الحج، كالمباشرة لغير شهوة، ويجب عليه فدية الأذى لأنه استمتاع لا يفسد الحج، فكانت كفارته ككفارة فدية الأذى.

‌مذهب الحنابلة:

تجب الفدية بحلق

(3)

المحرم رأسه ولا خلاف فى ذلك

فقد قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي وجوب الفدية على من حلق وهو محرم بغير علة.

والأصل فى ذلك قول الله تبارك وتعالى: «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»

(4)

.

ولا فرق فى ذلك بين العامد والمخطئ ومن له عذر ومن لا عذر له فى ظاهر المذهب، لأنه اتلاف، فاستوى عمده وخطأه كقتل الصيد، ولأن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذى به، وهو معذور، فكان ذلك تنبيها على وجوبها على غير المعذور، ودليلا على وجوبها على المعذور ودليلا على وجوبها على غير المعذور بنوع آخر مثل المحتجم الذى يحلق موضع محاجمه أو شعرا عن شجته.

وفى معنى الناسى النائم الذى يقلع شعره أو يصوب شعره إلى تنور فيحرق لهب النار شعره ونحو ذلك.

والفدية هى إحدى الثلاثة المذكورة فى الآية.

ولخبر أيها شاء فعل، لأنه أمر بها بلفظ التخيير.

ولا فرق فى ذلك بين المعذور وغيره والعامد والمخطئ فى رواية.

وعن أحمد أنه اذا حلق لغير عذر فعليه الدم من غير تخيير، لأن الله تعالى خير بشرط العذر، فإذا عدم الشرط وجب زوال التخيير.

ودليل الرأى الأول أن الحكم ثبت فى غير المعذور بطريق التنبيه تبعا له والتبع لا يخالف أصله وأن كل كفارة ثبت التخيير فيها إذا كان سببها

(1)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(2)

المهذب لأبى اسحاق الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 216 وما بعدها الطبيعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 520 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

ص: 71

مباحا، ثبت كذلك إذا كان محظورا كجزاء الصيد.

ولا فرق بين قتله للضرورة إلى أكله أو لغير ذلك وإنما الشرط لجواز الحلق لا التخيير. والقدر الذى يجب به الدم أربع شعرات فصاعدا. وفيه رواية أخرى عن أحمد أنه يجب فى الثلاث ما فى حلق الرأس.

قال القاضى أبو يعلى هو المذهب لأنه شعر آدمى يقع عليه اسم الجمع المطلق فجاز أن يتعلق به الدم كالربع، وشعر الرأس وغيره سواء فى وجوب الفدية لأن شعر غير الرأس يحصل بحلقه الترفه والتنظيف فأشبه الرأس.

فإن حلق من شعر رأسه وبدنه ففى الجميع فدية واحدة وإن كثر.

وإن حلق من رأسه شعرتين ومن بدنه شعرتين فعليه دم واحد.

هذا ظاهر كلام الخرقى واختيار أبى الخطاب ومذهب أكثر الفقهاء.

وذكر أبو الخطاب أن فيها روايتين:

إحداهما: ما ذكرنا.

والثانية: إذا قلع من شعر رأسه وبدنه ما يجب الدم بكل واحد منهما منفردا ففيهما دمان وهو الذى ذكره القاضى وابن عقيل، لأن الرأس يخالف البدن بحصول التحلل به دون البدن.

والدليل على الرواية الأولى أن الشعر كله جنس واحد فى البدن فلم تتعدد الفدية فيه باختلاف مواضعه كسائر البدن وكاللباس ودعوى الاختلاف تبطل باللباس فإنه يجب كشف الرأس دون غيره والجزاء فى اللبس فيهما واحد.

والفدية

(1)

الواجبة بحلق الشعر هى المذكورة فى حديث كعب بن عجرة. لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو انسك شاة» وفى لفظ أو اطعم فرقا بين ستة مساكين متفق عليه. وفى لفظ أو اطعم ستة مساكين بين كل مسكينين صاع.

ويجزئ

(2)

البر والشعير والزبيب فى الفدية لأن كل موضع أجزأ فيه التمر أجزأ فيه ذلك كالفطرة وكفارة اليمين.

وقد روى أبو داود فى حديث كعب بن عجرة قال: فدعانى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لى: «احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو انسك شاة» رواه أبو داود. ولا يجزى من هذه الأصناف أقل من ثلاثة آصع إلا البر ففيه روايتان.

إحداهما: مد من بر لكل مسكين مكان نصف صاع من غيره كما فى كفارة اليمين والثانية لا يجزئ إلا نصف صاع، لأن الحكم ثبت فيه بطريق التنبيه أو القياس والفرع يماثل أصله ولا يخالفه.

وإذا حلق ثم حلق فالواجب فدية واحدة ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثانى. فان كفر عن

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 521، 522 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 523 الطبعة السابقة.

ص: 72

الأول ثم حلق ثانيا فعليه للثانى كفارة أيضا.

وكذلك الحكم فيما إذا لبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب أو كرر من محظورات الإحرام اللاتى لا يزيد الواجب فيها بزيادتها ولا يتقدر بقدرها.

فأما ما يتقدر الواجب بقدره وهو اتلاف الصيد ففى كل واحد منها جزاؤه، وسواء فعله مجتمعا أو متفرقا ولا تداخل فيه ففعل المحظورات متفرقا كفعلها مجتمعة فى الفدية ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثانى.

وروى عن أحمد أنه إن كرره لأسباب مثل أن لبس للبرد ثم لبس للحر ثم لبس للمرض فكفارات. وإن كان لسبب واحد فكفارة واحدة.

وقد روى عنه الأثرم فيمن لبس قميصا وجبة وعمامة وغير ذلك لعلة واحدة، قلت له: فإن اعتل فلبس جبة ثم برأ ثم اعتل فلبس جبة فقال:

هذا الآن عليه كفارتان.

والدليل على القول الأول أن ما يتداخل إذا كان بعضه عقيب بعض يجب أن يتداخل وإن تفرق كالحدود وكفارة الأيمان وان الله تعالى أوجب فى حلق الرأس فدية واحدة ولم يفرق بين ما وقع فى دفعة واحدة أو فى دفعات.

والقول بأنه لا يتداخل غير صحيح فإنه إذا حلق رأسه لا يمكن إلا شيئا بعد شئ.

فأما جزاء الصيد

(1)

فلا يتداخل ويجب فى كل صيد جزاؤه سواء وقع متفرقا أو فى حال واحدة

وعن أحمد يتداخل قياسا على سائر المحظورات ولا يصح، لأن الله تبارك وتعالى قال:«فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ»

(2)

. ومثل الصيدين لا يكون أحدهما، ولأنه لو قتل صيدين دفعة واحدة وجب جزاؤهما فإذا تفرقا أولى أن يجب لأن حالة التفريق لا تنقص عن حالة الاجتماع كسائر المحظورات.

وإذا

(3)

حلق المحرم رأس حلال أو قلم أظفاره فلا فدية عليه، لأنه شعر مباح الإتلاف فلم يجب بإتلافه شئ كشعر بهيمة الأنعام.

وإن حلق محرم رأس محرم بإذنه فالفدية على من حلق رأسه وكذلك إن حلقه حلال بإذنه لأن الله تعالى قال: «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ»

(4)

.

وقد علم أن غيره هو الذى يحلقه فأضاف الفعل إليه وجعل الفدية عليه.

وإن حلقه مكرها أو نائما فلا فدية على المحلوق رأسه لأنه لم يحلق بإذنه فأشبه ما لو انقطع الشعر بنفسه إذا ثبت هذا فإن الفدية على الحالق حراما كان أو حلالا، لأنه أزال ما منع من إزالته لأجل الإحرام فكانت عليه فديته كالمحرم يحلق رأس نفسه.

وإذا قلع جلدة عليها شعر فلا فدية عليه، لأنه زال تابعا لغيره والتابع لا يضمن كما لو قلع أشفار

(1)

المغنى لابن قدامه المقدسى ومعه الشرح الكبير عليه ج 3 ص 524 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 95 من سورة المائدة.

(3)

المغنى لابن قدامه المقدسى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 524 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

ص: 73

عينى إنسان فإنه لا يضمن إهدابهما.

وإذا خلل شعره فسقطت شعرة فإن كانت ميتة فلا فدية فيها، وإن كانت من شعره النابت ففيها الفدية. وإن شك فيها فلا فدية فيها، لأن الأصل نفى الضمان إلى أن يحصل يقين.

وإذا حلق دون الأربع أو الثلاث على الخلاف السابق فعليه فى كل شعرة مد من طعام

وروى عن أحمد فى الشعرة درهم وفى الشعرتين درهمان. وروى عنه أيضا فى كل شعرة قبضة من طعام

ومن أبيح

(1)

له حلق رأسه لأذى به فهو مخير فى الفدية قبل الحلق وبعده نص عليه أحمد. لما روى أن الحسين بن على رضى الله عنهما اشتكى رأسه فأتى على فقيل له: هذا الحسين يشير إلى رأسه فدعا بجزور فنحرها ثم حلقه وهو بالسعياء رواه أبو إسحاق الجوزجانى، ولأنها كفارة فجاز تقديمها على وجوبها ككفارة الظهار واليمين والمحرم ممنوع من أخذ أظفاره وعليه الفدية بأخذها، لأنه أزال ما منع إزالته، لأجل الترفه، فوجبت عليه الفدية كحلق الشعر، وعدم النص فيه لا يمنع قياسه عليه كشعر البدن مع شعر الرأس.

والحكم فى فدية الأظفار كالحكم فى فدية الشعر سواء ..

ولا خلاف فى وجوب الفدية

(2)

على المحرم إذا تطيب أو لبس عامدا لأنه ترفه بمحظور فى إحرامه فلزمته الفدية كما لو ترفه بخلق شعره أو قلم ظفره والواجب عليه أن يفديه بدم ويستوى فى ذلك قليل الطيب وكثيره وقليل اللبس وكثيره لأنه متى حصل به الاستمتاع بالمحظورات فاعتبر مجرد الفعل كالوط ء محظورا فلا تتعدد فديته بالزمن كسائر المحظورات.

وإن فعل

(3)

محظورا من أجناس فحلق ولبس وتطيب ووطئ فعليه لكل واحد فدية، سواء فعل ذلك مجتمعا أو متفرقا، لأنها محظورات مختلفة الأجناس فلم تتداخل أجزاؤها كالحدود المختلفة والأيمان المختلفة وعكسه ما إذا كان من جنس واحد.

وإن لبس

(4)

أو تطيب ناسيا فلا فدية عليه ويخلع اللباس ويغسل الطيب ويفرغ إلى التلبية وهو المشهور فى المذهب أن المتطيب أو اللابس ناسيا أو جاهلا لا فدية عليه.

ومن قتل وهو

(5)

محرم من صيد البر عامدا أو مخطئا فداه بنظيره من النعم إن كان المقتول دابة،

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 525 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 526، ص 527 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 527 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 528 الطبعة السابقة.

(5)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 530 الطبعة السابقة.

ص: 74

وإن كان طائرا

(1)

فداه لقيمته فى موضعه يعنى يجب قيمته فى المكان الذى أتلفه فيه لا خلاف بين أهل العلم فى وجوب ضمان الصيد من الطيور.

‌مذهب الظاهرية:

من احتاج الى

(2)

حلق رأسه - وهو محرم - لمرض أو صداع أو لقمل أو لجرح به أو نحو ذلك مما يؤذيه فيحلقه وعليه أحد ثلاثة أشياء هو مخير فى أيهما شاء لا بد له من أحدها:

إما أن يصوم ثلاثة أيام.

وإما أن يطعم ستة مساكين متغايرين، لكل مسكين منهم نصف صاع تمر ولا بد. وإما أن يهدى شاة يتصدق بها على المساكين

برهان ذلك قول الله تعالى: «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»

(3)

.

فكان فى هذه الآية التخيير فى أى هذه الثلاثة الأعمال أحب وليس فيها بيان كم يصوم ولا بكم يتصدق ولا بماذا ينسك وفى الآية أيضا حذف بينه الاجماع والسنة وهو: فحلق رأسه.

وروى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لكعب بن عجرة إن شئت فانسك نسيكة وإن شئت فصم ثلاثة أيام وان شئت فاطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين.

فإن حلق رأسه لغير ضرورة أو حلق بعض رأسه دون بعض عامدا عالما أن ذلك لا يجوز، بطل حجه.

فلو قطع من شعر رأسه ما لا يسمى به حالقا بعض رأسه فلا شئ عليه لا إثم ولا كفارة بأى وجه قطعه أو نزعه، لأن الله تعالى لم يوجب الكفارة إلا على من حلق رأسه لمرض أو أذى به فقط.

ولا يجوز أن تجب فدية لم يوجبها الله تبارك وتعالى، ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن حلق رأسه بنورة

(4)

فهو حالق فى اللغة ففيه ما فى الحالق من التخيير بين الصيام، أو الصدقة، أو النسك

فإن نتفه فلا شئ فى ذلك لأنه لم يحلقه، والنتف غير الحلق. وإنما جاء النهى والفدية فى الحلق لا فى النتف.

‌مذهب الزيدية:

يحرم على

(5)

المحرم لبس المخيط بالنسبة للرجل، كالقميص، والسراويل، والقلنسوة، والخف، والجورب، وكل مخيط عن تفصيل

(1)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 540 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 208، 209 مسألة رقم 874 طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر الطبعة الأولى سنة 1249 هـ.

(3)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(4)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 214 مسألة رقم 857 الطبعة السابقة.

(5)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار وحواشيه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 87، 88، 89 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.

ص: 75

وتقطيع، فإنه محظور للرجل، فإذا لبسه أوجب الإثم، إن تعمد لبسه لغير ضرورة.

وتجب الفدية مطلقا سواء لبسه عامدا أو ناسيا لعذر، أم لغير عذر، إلا أن يلبس المخيط كما يلبس الثوب، وهو أن يصطلى به اصطلاء، نحو أن يرتدى بالقميص أو بالسراويل منكوسا أم غير منكوس إذا أمكن ذلك فإنه لا إثم عليه، ولا فدية، سواء كان لعذر أم لا.

فإن نسى كونه محرما أو جهل تحريم لبس المخيط فلبسه، ثم ذكر التحريم شقه وأخرجه من ناحية رجليه ولا يخرجه من رأسه إذا كانت فتحته ضيقة لا يمكن إخراج رأسه إلا بتغطيته. وعليه دم، ذكره أحمد بن يحيى وهو الذى اختاره الأصحاب.

وقال الهادى: لادم عليه.

ومثله عن الناصر والمنصور.

ويحرم تغطية رأس الرجل، لأن إحرامه فى رأسه وتغطية وجه المرأة، لأن إحرامها فى وجهها فتغطيتها بأى مباشر لهما محظور، سواء كان الغطاء لباسا كالقلنسوة للرجل والنقاب والبرقع للمرأة، أو غير لباس كالظلة إذا باشرت الرأس أو الثوب إذا رفع ليستظل به فباشر الرأس.

فأما إذا غطى الرأس والوجه بشئ لا يماسهما كالخيمة المرتفعة ونحو أن تعمم المرأة ثم ترسل النقاب من فوق العمامة لا يمس النقاب الوجه، فإن ذلك جائز، ولا فدية فيه.

ويحرم التماس الطيب فلا يجوز شمه، ولو كان فى دواء، ولا مسه إذا كان يعلق ريحه، وإلا جاز ولو من وقت حله. ومنه الرياحين ونحوها.

ولا يأكل طعاما مزعفرا إلا ما أذهبت النار ريحه.

والحناء طيب فلا

(1)

يشم ولا يختضب به، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الحناء طيب فمن فعل فدى.

ومن ألقت الريح عليه طيبا ألقاه فورا وإلا فدى ومن لطخ بالطيب فالفدية على اللاطخ وكذا الملقى. ولو بطلت حاسة الشم لم تسقط فدية الطيب اذ قد استعمله.

ولا فدية ولا إثم على من اتجر فى الطيب أو حمل مسكا فى قارورة مختومة.

وكذا يحظر

(2)

على المحرم أكل صيد البر فقط سواء اصطاده هو أم اصطاده محرم غيره أم اصطاده له حلال أم لغيره فأكله محظور فى ذلك عندنا.

وكل هذه الأشياء تجب فى كل واحد منها الفدية وهى إحدى ثلاثة أشياء

(3)

يخير بينها:

شاة ينحرها للمساكين.

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار فى فقه الأئمة الأطهار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص 307، 308 طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية الطبعة الأولى سنة 1367 هـ، سنة 1948 م.

(2)

شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 90 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار وحواشيه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 90، 91 طبع مطبعة حجازى بمصر الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.

ص: 76

أو طعام ستة مساكين.

نصف صاع من بر أو صاع من غيره أو صوم ثلاثة أيام متوالية. وقيل تجوز متفرقة.

فأى هذه فعل أجزأه وسواء فعل شيئا من تلك الأمور لعذر أم لغير عذر، وسواء طال لبسه للمخيط أم لم يطل، وسواء كان المخيط قميصا أو فروا قطنا أم صوفا أم حريرا.

وقال فى الكافى عن الأصحاب: إن التخيير ثابت فى الفدية إذا لم يتعمد، فلو تعمد لم يخير بل يجب الدم، ثم الصوم، ثم الإطعام، واختاره فى الانتصار.

قال مولانا عليه السلام: والمذهب خلاف ذلك وهو أنه مخير من غير فرق.

وكذلك تجب الفدية فى خضب كل الأصابع من اليدين والرجلين، وتقصير كل أظفار أصابع اليدين والرجلين، أو خضاب أو تقصير فى خمس منها. فمتى خضب أو قصر خمس أصابع ولو كانت متفرقة فى اليدين والرجلين فلزمه الفدية.

ويحرم حلق الرأس إجماعا. لقول الله تبارك وتعالى «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»

(1)

، وفيه الفدية إجماعا. لقول الله سبحانه وتعالى:«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»

(2)

.

وشعر البدن يقاس على حلق الرأس.

وتجب الفدية فى إزالة سن أو شعر من جسد المحرم أو بشر المحرم وسواء أزالها من جسده بنفسه أو أزالها من جسد إنسان محرم غيره فإنه تلزمه الفدية وسواء كان ذلك الغير طائعا أم مكرها.

وانما تجب الفدية فى الشعر والبشر بشرط أن يكون ما أزيل منهما يبين أثره فى حال اللقاء من غير تكلف. فأما لو أزالها حلال من محرم لزمت الحلال فى الأصح.

وتجب فيما دون ذلك وهو ما لا يبين أثره من السن والشعر والبشرة. وعن كل أصبع خضبها أو قصر ظفرها صدقة. والصدقة نصف صاع. وفى الأصبعين صدقتان. وفى الثلاث ثلاث. وفى الأربع أربع.

فمتى كملت خمسا لزمت الفدية ولو كانت متفرقة.

وتجب

(3)

فيما دونهما حصته أى يجب فى إزالة دون ما يوجب الصدقة من الشعر والبشرة والسن نحو أن يزيل أربع شعرات ونحو ذلك.

وفى خضب بعض الأصابع حصته من الصدقة، ويعتبر فى الأصابع بالمساحة. ففى نصفها نصف صدقة. وفى ثلثها ثلث صدقة ونحو ذلك.

وفى الشعر والبشرة على حسب ما يرى.

ولا تتضاعف الفدية والصدقة بتضعيف الجنس الواحد من هذه المحظورات فى المجلس.

(1)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(2)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(3)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 92 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 77

فلبس المخيط جنس

(1)

واحد وهو أربعة أنواع:

للرأس كالقلنسوة ونحوها.

ولليدين كالقفازين.

وللرجلين كالخف والجورب.

وللبدن كالقميص.

فإذا لبس المحرم جميعها فى مجلس واحد لم تلزمه إلا فدية واحدة ولو طال المجلس واستمر فى لبسه فى مجالس عدة وهكذا لو لبس شيئا فوق شئ.

ومثاله فى الطيب أن يتبخر ويتطيب ويشم الرياحين وما أشبه ذلك، فإنه إذا جمعه فى مجلس واحد لم تتعدد الفدية بتعدده.

وعلى الجملة فتغطية الرأس ولبس المحيط جنس واحد. والتماس الطيب على أى صفة كان جنس واحد، وأكل الصيد أى صيد كان جنس واحد.

وخضب الأصابع جنس. وتقصيرها جنس آخر.

وإزالة الشعر والبشرة كلاهما جنس.

قال الإمام المهدى ولم أقف فيه على نص صريح إلا أن فى اللمع اشارة إلى أنهما جنسان.

فأما إذا فعل المحرم جنسين فصاعدا تعددت الفدية نحو أن يلبس مخيطا ثم يحلق رأسه ولو فعل ذلك فى مجلس واحد.

نعم فمتى فعل جنسا وكرره فى مجلس واحد لم تكرر عليه الفدية، ما لم يتخلل الإخراج للفدية فى المجلس. فإن تخلل تكررت.

مثاله أن يقصر شاربه ثم يخرج الفدية فى ذلك المجلس ثم يحلق رأسه فإنه يلزمه أيضا لحلق الرأس فدية أو يتخلل نزع اللباس نحو أن يلبس المخيط ثم ينزعه فى المجلس ثم يلبسه فيه فإنه يلزمه فديتان.

وكذلك أن يتضمخ بالطيب ثم يغسله فى المجلس حتى يزول بالكلية جرمه وقيل ريحه ثم يتضمخ به.

وكذا لو خضب يديه ساعة ثم زاله بالكلية ثم خضبهما فى ذلك المجلس فإن هذا كنزع اللباس فيلزمه فديتان.

ومن محظورات

(2)

الإحرام قتل بعض الحيوان وهو نوعان.

أحدهما: يستوى فيه العمد والخطأ لا فى الإثم فلا إثم فى الخطإ.

الثانى: يختلف الحال فيه.

فالأول: هو قتل القمل فإنه لا يجوز للمحرم وتجب كفارة مطلقا سواء قتله عمدا أو خطأ وسواء قتله فى موضعه أو غير موضعه، بأن يطرحه من ثوبه فيموت جوعا أو بغيره، فإن ذلك لا يجوز، ويجوز له تحويله من موضع إلى موضع من جسده.

قال الفقيه على ولا يجوز له نقله إلى غيره.

والنوع الثانى: الذى يختلف فيه العمد والخطأ هو قتل كل حيوان جنسه متوحش سواء كان صيدا

(1)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 93 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 94 طبع مطبعة حجازى بمصر الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.

ص: 78

أم سبعا كالظبى والضبع والذئب، وإنما يحرم قتل المتوحش بشرط أن يكون مأمون الضرر، فأما لو خشى المحرم من ضرره جاز له قتله كالضبع حيث تكون مفترسة وعدت عليه، وكذا الأسد ونحوه إذا خاف ضرره وذلك بأن يعدو عليه، فإن لم يعد لم يجز قتله على ما حصله الإخوان، وكالبق والبرغوت والدبر

(1)

فإنها ضارة فيجوز

(2)

قتلها وسواء قتله مباشرة، أو لسبب بما لولاه لما انقتل نحو إن يمسكه حتى مات عنده أو حتى قتله غيره أو حفر له بئرا أو مد له شبكة أو يدل عليه أو يغرى به أو يشير اليه ولولا فعله لما صيد أو يدفع إلى الغير سلاحا لولاه لما أمكن قتله فإنه فى هذه الوجوه كلها يلزمه الجزاء والإثم إن تعمد.

إلا المستثنى وهى الحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة فإن هذه أباح الشرع قتلها، وسواء المحرم والحلال.

وقد قيل إن المراد بالغراب الأيقع الذى لا يلتقط الطعام.

ولا الصيد البحرى فإنه يجوز للمحرم قتله وأكله والأهلى من

(3)

الحيوانات كالحمير والخيل وكل ما يؤكل لحمه فانه لا يجب الجزاء فى قتلها، لأنها غير صيد والمحرم هو الصيد ونحوه.

وان توحش الأهلى لم يجب الجزاء فى قتله لأن توحشه لا يصيره وحشيا.

وإذا تولد حيوان بين وحش وأهلى كان العبرة بالأم. فان كانت وحشية فولدها وحشى.

وان كانت أهلية فولدها أهلى، وفيه مع العمد، أى إنما يلزمه الإثم والجزاء حيث قتله عمدا لا خطأ.

والمبتدئ والعائد فى قتل الصيد على سواء فى وجوب الجزاء عليهما عندنا.

قال فى الانتصار قتل المحرم للصيد من الكبائر ولو قتله ناسيا لإحرامه لزمه الجزاء - قد يجتمع الجزاء والفدية والقيمة فى شئ واحد فالجزاء لقتل الصيد والفدية لأكل لحمه والقيمة للحرمة.

قال فى الكافى وهو إجماع إلا عن الناصر،

ومن محظورات الإحرام الوط ء فى صالح

(4)

له وأقله ما يوجب الغسل وهو توارى الحشفة ولو ملفوفا بخرقة. ومثل الوط ء مقدماته من لمس أو تقبيل بشهوة فذلك محظور إجماعا.

ويكره اللمس من غير ضرورة ولو لم تقارنه شهوة، وكذلك المضاجعة لأنه لا يأمن وجود الشهوة مع اللمس.

وتجب الكفارة فى هذه الأمور فيجب فى الإمناء والوط ء بدنة يعنى إذا كان الإمناء بشهوة فى يقظة وسواء كان عن تقبيل أو لمس أو نظر أو تفكر

(1)

الدبر بكسر الدال وسكون الباء الحرب وبفتح الدال التوب.

(2)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار وحواشيه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 95 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق وحواشيه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 96 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار وحواشيه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 186 الطبعة السابقة.

ص: 79

وسواء وقع مع الوط ء إنزال أم لا وفى أى فرج كان، وسواء الرجل والمرأة.

وفى الإمذاء أو ما فى حكمه بقرة.

والذى فى حكمه صورتان:

أحدهما: حيث لمس أو قبل ثم بعد ساعة أمنى لكنه خرج لغير شهوة وغلب فى ظنه أن المستدعى لخروجه ذلك اللمس،

والصورة الثانية

(1)

: حيث استمتع من زوجته بظاهر الفرج وأوائل باطنه ولم يولج فإن له حكما أغلظ من ترك الساكن وأخف من الوط ء الكامل فيلزم بقرة.

قال عليه السلام ولم أقف فى هذه المسألة على نص لأصحابنا لكن القياس يقتضيها فذكرناها لذلك.

وفى تحرك الساكن أو تحرك لأجل شهوة عن لمس أو تقبيل أو نظر.

قال عليه السلام أو تفكر وجب فى ذلك شاة للمساكين.

وقيل ثم إذا لم يجد البدنة والبقرة والشاة وجب عليه عدلها صوما أو إطعاما مرتبا فيقدم الهدى ثم الصوم ثم الإطعام.

وهذا القول ذكره ابن أبى النجم.

قال مولانا عليه السلام والصحيح ما ذكره المنصور بالله للمذهب أن هذه الدماء لا بدل لها.

وتكرر

(2)

الفدية بتكرر النزع والإيلاج ولو فى مجلس واحد وسواء الوط ء فى نوم أو يقظة لكنه فى النوم على الفاعل بالنائم.

وقال فى الشفاء لا تكرر بتكرره ما لم يتخلل الإخراج والمراد بالوط ء غير المفسد نحو أن يكون بعد الرمى وقبل طواف الزيارة فأما المفسد ففدية على الترتيب.

‌مذهب الإمامية:

إذا تطيب

(3)

المحرم كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغا أو طلاء ابتداء أو استدامة أو بخورا أو فى الطعام ولا بأس بخلوق - هو طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهى عنه والنهى أكثر وأثبت، وإنما نهى عنه، لأنه من طيب النساء، وكن أكثر استعمالا له منهم.

والظاهر أن أحاديث النهى ناسخة

(4)

- ولا

(1)

المرجع السابق شرح الأزهار وحواشيه ج 2 ص 87، 88 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار وحواشيه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 86 الطبعة السابقة.

(3)

شرائع الاسلام فى الفقه الإسلامى الجعفرى للمحقق المحلى ج 1 ص 144، 145 طبع مطابع دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ببيروت سنة 1930 م.

(4)

النهاية فى غريب الحديث والأثر للشيخ الإمام العالم العلامة مجد الدين أبى السعادات محمد بن محمد الجزورى المعروف بابن الأثير وبهامشه الدر النثير تلخيص نهاية ابن الأثير للجلال السيوطى ج 1 ص 317 مادة خلق طبع مطبعة العثمانية بمصر سنة 1311 هـ.

ص: 80

بأس بخلوق الكعبة ولو كان فيه زعفران وكذا الفواكه كالأترج والتفاح والرياحين كالورد والنيلوفرا ضرب من الرياحين ينبت فى المياه الراكدة بارد فى الثالثة رطب فى الثانية ملين صالح للسعال وأوجاع الجنب والرئة والصدر وإذا عجن أصله بالماء ويطلى به البهق مرات أزاله وإذا عجن بالزفت أزال داء

(1)

الثعلب.

وفى قلم كل ظفر مد من طعام. وفى أظفار يديه ورجليه فى مجلس واحد دم. ولو كان قلم أظفار يديه فى مجلس وقلم أظفار رجليه فى مجلس لزمه دمان.

ولو أفنى بتقليم ظفره فأدماه لزم المفنى شاة.

والمخيط حرام على المحرم فلو لبس كان عليه دم، ولو اضطر إلى لبس ثوب يتقى به الحر والبرد جاز وعليه شاة.

وحلق الشعر فيه شاة أو إطعام عشرة مساكين لكل منهم مد. وقيل ستة لكل منهم مدان أو صيام ثلاثة أيام.

ولو مس لحيته أو رأسه فوقع منهما شئ أطعم كفّا من طعام. ولو فعل ذلك فى وضوء الصلاة لم يلزمه شئ.

ولو نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين. ولو نتفهما لزمه شاة.

وفى التظليل سائرا شاة وكذا لو غطى رأسه بثوب أو طينه بطين يستره أو ارتمس فى الماء أو حمل ما يستره.

ومن استعمل دهنا طيبا فى إحرامه ولو فى حال الضرورة كان عليه شاة على قول.

وكذا قيل فيمن قلع ضرسه.

ويجوز أكل ما ليس بطيب من الأدهان كالسمن والشيرج ولا يجوز الادهان به.

وتتعدد الكفارة بتعدد انواع موجبها كاللبس وتقليم الأظافر والطيب لزمه عن كل واحد كفارة سواء فعل ذلك فى وقت واحد أو وقتين كفر عن الأولى أو لم يكفر.

وإذا كرر الوط ء لزمه بكل كفارة.

ولو كرر الحلق فإن كان فى وقت واحد لم تتكرر الكفارة وإن كان فى وقتين تكررت.

ولو تكرر منه اللبس أو الطيب فإن اتحد المجلس لم يتكرر وإن اختلف تكرر.

وتسقط الكفارة عن الجاهل والناسى والمجنون إلا فى الصيد فإن الكفارة تلزم وإن كان سهوا.

وفى قتل الجرادة

(2)

تمرة والأظهر كف من طعام وكذا فى القملة يلقيها عن جسده وفى قتل الكثير من الجراد دم شاة وإن لم يمكنه التحرز من قتله بأن كان على طريقه فلا إثم ولا كفارة وكل ما لا تقدير لفديته ففى قتله قيمته.

واذا قتل المحرم

(3)

حيوانا وشك فى كونه صيدا

(1)

ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة لطاهر احمد الزاوى الطبعة الأولى مادة نيل ص 420 طبع مطبعة الرسالة بمصر سنة 1959 م.

(2)

شرائع الإسلام للمحقق الحلّى ج 1 ص 139 الطبعة السابقة.

(3)

شرائع الإسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 140 طبع مطابع دار مكتبة الحياة ببيروت 1930 م.

ص: 81

لم يضمن وفى موجبات الضمان وهى ثلاثة: مباشرة الإتلاف، واليد، والسبب.

أما المباشرة فنقول: قتل الصيد موجب لفديته فإن أكله لزمه فداء آخر. وقيل يفدى ما قتل ويضمن قيمة ما أكل وهو الوجه.

ولو رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه فلا فدية، ولو جرحه ثم رآه سويا ضمن أرشه. وقيل ربع قيمته.

وإذا لم يعلم حاله لزمه الفداء وكذا لو لم يعلم أثر فيه أم لا.

وروى فى كسر قرنى الغزال نصف قيمته وفى كل واحد ربع وفى عينيه كمال قيمته. وفى كسر إحدى يديه نصف قيمته. وكذا فى إحدى رجليه.

وفى الرواية ضعف.

ولو اشترك جماعة فى قتل الصيد ضمن كل واحد منهم فداء كاملا.

ومن ضرب بطير على الأرض كان عليه دم وقيمته للحرم، وأخرى لاستصفاره.

ومن شرب لبن ظبية فى الحرم لزمه دم وقيمة اللبن

ولو رمى الصيد وهو محل فأصابه وهو محرم لم يضمنه وكذا لو جعل فى رأسه ما يقتل القمل وهو محل ثم أحرم فقتله.

الموجب الثانى: اليد ومن كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه ووجب إرساله - فلو مات قبل إرساله لزمه ضمانه ولو كان الصيد نائيا عنه لم يزل ملكه.

ولو أمسك المحرم صيدا فذبحه محرم ضمن كل منهما فداء، ولو كانا فى الحرم تضاعف الفداء ما لم يكن بدنة ولو كانا محلين فى الحرم لم يتضاعف، ولو كان أحدهما محرما تضاعف الفداء فى حقه، ولو أمسكه المحرم فى الحل فذبحه المحل ضمنه المحرم خاصة.

ولو نقل بيض صيد عن موضعه ففسد ضمنه فلو أحضنه فخرج الفرخ سليما لم يضمنه.

ولو ذبح المحرم صيدا كان ميتة ويحرم على المحل.

أما لو صاده وذبحه محل فلا يحرم.

الموجب الثالث: السبب

(1)

وهو يشتمل على مسائل:

الأولى: من أغلق على حمام من حمام الحرم وله فراخ وبيض ضمن بالإغلاق فإن زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان، ولو هلكت ضمن الحمامة بشاة والفرخ بحمل والبيضة بدرهم إن كان محرما، وإن كان محلا ففى الحمامة درهم وفى الفرخ نصف وفى البيضة ربع. وقيل يستقر الضمان بنفس الإغلاق بظاهر الرواية. والأول أشبه.

الثانية: قيل إذا أنفر حمام الحرم فإن عاد فعليه شاة واحدة وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة.

الثالثة: إذا رمى اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر فعلى المصيب فداء بجنايته وكذا على المخطئ لإعانته.

(1)

المرجع السابق للمحقق الحلى ج 1 ص 141 الطبعة السابقة.

ص: 82

الرابعة: إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها صيد لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطياد وإلا ففداء واحد.

الخامسة: إذا رمى صيدا فاضطرب فقتل فرخا أو صيدا آخر كان عليه فداء الجميع لأنه سبب للاتلاف.

ويحرم من الصيد على المحل فى الحرم ما يحرم على المحرم فى الحل.

فمن قتل صيدا فى الحرم كان عليه فداؤه، ولو اشترك جماعة فى قتله فعلى كل واحد منهم فداء، وفيه تردد.

ولو كان فى الحل

(1)

ورمى صيدا فى الحرم فقتله فعليه فداء، ويضمن الصيد بقتله عمدا وسهوا

ولو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان.

ولو اضطر المحرم إلى أكل الصيد أكله وفداه،

ولو كان عنده ميتة أكل الصيد إن أمكنه الفداء وإلا أكل الميتة وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه ولو لم يكن مملوكا تصدق به وكل ما يلزم للمحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمكة إن كان معتمرا وبمنى إن كان حاجا.

وروى أن كل من وجب عليه شاة فى كفارة الصيد وعجز عنها

(2)

كان عليه إطعام عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة أيام فى الحج.

‌مذهب الإباضية:

يمنع المحرم

(3)

من لبس المخيط لما روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرانس ولا الأخفاف، وإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما من أسفل الكعبين.

ولا يلبس المحرم شيئا من الثياب مسه الزعفران ولا الورس. وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى هذا الحديث ما ذكر. وقاس الفقهاء ما لم يذكر فيه على ما ذكر مما هو فى معناه.

ولا يغطى المحرم رأسه ووجه بشئ إلا أن يكون فوقه ظل لا يمسه مثل العريش والخيمة والقبة إذا كان يريد الاستظلال فإذا لم يمس رأسه فلا بأس عليه وإن مس رأسه فعليه دم.

ولا يحتزم المحرم ولا يزر عليه ثوبا ولا يتقلد سيفا ولا قوسا إلا إن كان خائفا فيمسكه ولا يتمنطق به.

فان فعل

(4)

المحرم شيئا من ذلك كله عامدا فعليه دم وإن كان ناسيا ونزعه من حينه فلا شئ عليه إلا أن ينسى ذلك إلى الليل فعليه الدم.

(1)

شرائع الإسلام فى الفقه الإسلامى الجعفرى ج 1 ص 142 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للمحقق الحلى ج 1 ص 143 الطبعة السابقة.

(3)

انظر من كتاب الإيضاح للعالم العلامة الشيخ عامر بن على الشماخى ج 2 ص 259، 260، 261 وما بعدها طبع هذا الكتاب على ذمة مطبعة الوطن ببيروت سنة 1391 هـ، سنة 1970 م.

(4)

المرجع السابق للشيخ عامر بن على الشماخى ج 2 ص 262 الطبعة السابقة.

ص: 83

ومن غطى رأسه ناسيا نزعه من حينه ولا شئ عليه إلا أن ينسى ذلك إلى الليل

(1)

.

ومعنى ذلك إن مر عليه يوم أو ليلة كفّر، ومن لبس قميصا أو سراويل أو خفين فى وقت واحد فعليه كفارة واحدة وإن لبس فى أوقات مختلفة فعليه ثلاثة كفارات وإن احتاج إلى قميص أو عمامة من برد أو مرض كفّر. لقوله تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»

(2)

.

والمرأة تخالف الرجل فى هذا كله لأن المرأة تلبس فى الإحرام ما كانت تلبس قبل الإحرام إلا ما كان فيه طيب وإلا البراقع وتغطية الوجه، وكذلك لا تلبس القفازين، لما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى المرأة عن لبس القفازين والنقاب وما مسه من الثياب الورس والزعفران.

ويمنع

(3)

المحرم من الطيب لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم لا يلبس المحرم شيئا من الثياب مسه الزعفران ولا الورس ولا يشم الطيب ولا يتلذذ به وان استنشقه متعمدا فعليه دم.

وأما إن أكل طعاما فيه طيب فقد قالوا لا بأس عليه لأنه لم يكن فى أكله ما فى استعماله من اللذة والزينة.

ويمنع

(4)

المحرم من قص شارب وتقليم ظفر ونتف إبط.

ومن نزع شعرة

(5)

فعليه إطعام مسكين وفى نزع الشعرتين إطعام مسكينين، وفى الثلاث شعرات أو أكثر دم.

وكذلك فى قلم الظفر الواحد إطعام مسكين، وفى الظفرين إطعام مسكينين. وفى الثلاثة أظفار دم. ومن حلق رأسه فعليه دم.

ومن اضطر إلى فعل شئ من ذلك فعله وافتدى. لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: خرج كعب بن عجرة يريد الحج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذاه القمل فأمره النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يحلق رأسه وقال له:

صم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان أو انسك بشاة أى ذلك فعلت أجزأك.

ولا شئ

(6)

على المحرم إذا احتجم إلا إن قطع به شعرا.

(1)

الإيضاح وحاشيته للشيخ عامر بن على ج 2 ص 263، الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(3)

المرجع السابق للشيخ عامر بن على الشماخى ج 2 ص 264 المطبعة السابقة.

(4)

الإيضاح وحواشيه للشماخى ج 2 ص 266، 267 الطبعة السابقة،

(5)

المرجع السابق لعامر بن على الشماخى ج 2 ص 268 الطبعة السابقة.

(6)

الإيضاح وحواشيه للشيخ عامر بن على الشماخى ج 2 ص 283 الطبعة السابقة.

ص: 84

‌حكم افتداء العبد فى حال جنايته

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(1)

: عند الكلام على القتل الخطأ: أنه إذا كان المقتول حرا أجنبيا والقاتل عبدا قنا، وظهرت جنايته بالبينة أو إقرار المولى أو علم القاضى، فإن العبد يدفع إلى ولى المقتول، إلا أن يختار المولى الفداء، وهذا عندنا.

وذلك لإجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم، فإنه روى عن سيدنا على وعن عبد الله بن العباس رضى الله تعالى عنهما مثل ذلك بمحضر من الصحابة رضى الله تعالى عنهم ولم ينقل الإنكار عليهما من أحد، فيكون إجماعا منهم، فصفة الحكم هو صيرورة العبد واجب الدفع على سبيل التعيين

سواء كثرت قيمة العبد أو قلت.

وعند اختيار المولى الفداء ينتقل الحق من الدفع إلى الفداء. سواء كان المجنى عليه واحد أو أكثر.

غير أنه إن كان واحدا دفع إليه ويصير كله مملوكا له. وإن كانوا جماعة يدفع اليهم وكان مقسوما بينهم على قدر أروش جنايتهم.

وسواء كان على العبد دين وقت الجناية أو لم يكن.

فاذا مات العبد الجانى قبل اختيار الفداء بطل حق المجنى عليه أصلا، لأن الواجب دفع العبد على طريق التعيين وذلك لا يتصور بعد هلاكه العبد فيسقط الحق أصلا ورأسا وذا يدل.

أما لو مات العبد بعد أن اختار المولى الفداء فإن المولى لا يبرأ بموت العبد، لأنه لما اختار الفداء فقد انتقل الحق من رقبته إلى ذمة المولى، فلا يحتمل السقوط بهلاك العبد بعد ذلك.

ولو كانت

(2)

قيمة العبد أقل من الدية فليس على المولى إلا الدفع، لأن وجوب الدفع حكمه لهذه الجناية ثبت بإجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم ولم يفصلوا بين قليل القيمة وكثيرها.

فلو جنى العبد على جماعة فإن شاء الولى دفعه إليهم لأن تعلق حق المجنى عليه للأول لا يمنع حق الثانى والثالث.

واذا دفعه إليهم كان مقسوما بينهم بالحصص قدر أروش جنايتهم.

وإن شاء المولى أمسك العبد وغرم الجنايات بكمال أروشها. ولو أراد المولى أن يدفع من العبد إلى بعضهم مقدار ما يتعلق به حقه ويفدى بعض الجنايات فله ذلك.

ولو جنى العبد على واحد وله وليان فأراد المولى أن يدفع العبد إلى أحدهما وان يدفع الفداء إلى الآخر فليس له ذلك، لأن الجناية واحدة ولها حكم واحد، وهو، وجوب الدفع على التعيين.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 257 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 259 الطبعة السابقة.

ص: 85

وعند اختيار الفداء يكون الفداء هو الواجب على التعيين.

ولا يجوز أن يجمع فى جناية واحدة بين حكمين مختلفين بخلاف ما إذا جنى على جماعة لأن الجناية هناك متعددة وله خيار الدفع والفداء فى كل واحد منهم والدفع فى البعض والفداء فى البعض لا يكون جمعا بين حكمين مختلفين فى جناية واحدة.

ولو قتل العبد إنسانا وفقا عين آخر فإن اختار المولى الدفع دفعه إليهما.

وإن اختار المولى الفداء فدى عن كل جناية بأرشها، وكذلك لو شج شجاجا مختلفة فان دفع العبد إليهم كان مقسوما بينهم على قدر جناياتهم.

وإن اختار الفداء فدى عن الكل بأروشها

ولو قتل

(1)

العبد رجلا وعلى العبد دين فإن المولى يخير بين الدفع والفداء ولا يسقط الدين بحدوث الجناية فإذا دفعه المولى إلى ولى الجناية دفعه مشغولا بالدين ويباع بعد ذلك لأجل دين الغرماء، وبدئ بالدفع لا بالدين، لأن فيه رعاية الحقين حق أولياء الجناية بالدفع إليهم وحق أصحاب الدين بالبيع لهم، ولو بدئ بالدين فبيع به لبطل حق أولياء الجناية فى الدفع، لأنه بالبيع يصير ملكا للمشترى لذلك بدئ بالدفع لأولياء الجناية.

وفائدة ذلك هى أن يثبت لأولياء الجناية حق استخلاص العبد بالفداء، لأن للناس أغراضا فى الأعيان.

وإن فدى بالدية يباع العبد فى الدين، لأنه لما فدى فقد طهرت رقبة العبد فوق الجناية فيباع، إلا أن يستخلصه المولى لنفسه ويقضى دين الغرماء، ولو حضر الغرماء أولا فباع المولى العبد فإن فعل ذلك بغير أمر القاضى ينظر؟

فإن كان عالما بالجناية صار مختارا للفداء ولزمه الأرش وان كان غير عالم بالجناية فعليه الأقل من قيمة العبد ومن الأرش وهو الدية.

‌قتل العبد الجانى:

ولو جنى العبد

(2)

ثم قتل قبل أن يدفع إلى ولى الجناية فإن كان القاتل حرا فان المولى يأخذ قيمته ويدفعها إلى ولى الجناية إن كان واحدا. وإن كانوا جماعة يدفعها إليهم على قدر حقوقهم لأن القيمة بدل العبد فتقوم مقامه.

ولا خيار للمولى بين القيمة والفداء حتى لو تصرف فى تلك القيمة لا يصير مختارا للفداء. ولو تصرف فى العبد يصير مختارا للفداء، وذلك لأن القيمة دراهم أو دنانير فإن كانت مثل الأرش فلا فائدة فى التخيير وكذلك إن كانت أقل من الأرش أو أكثر منه لأنه يختار الأقل لا محالة بخلاف العبد فإنه وإن كان قليل القيمة فللناس رغائب فى الأعيان.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 260 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لعلاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 260 الطبعة السابقة.

ص: 86

وكذلك إن قتله عبد أجنبى فخير مولاه بين الدفع والفداء وفدى بقيمة العبد المقتول أن المولى يأخذ القيمة ويدفعها إلى ولى الجناية لما قلنا ولو دفع القاتل إلى مولى العبد المقتول يخير ولى العبد بين الدفع والفداء حتى لو تصرف فى العبد المدفوع بالبيع ونحوه يصير مختارا للفداء، لأن العبد القاتل قام مقام المقتول لحما ودما فكأن الأول قائم ..

وان قتله عبد آخر لمولاه يخير المولى فى شيئين فى العبد القاتل بين الدفع والفداء، لأن تعلق حق ولى الجناية بالعبد، جعل المولى كالأجنبى فصار كأن عبد أجنبى قتل العبد الجانى، وهناك يخير بين الدفع والفداء بقيمة المقتول فكذا هنا.

ولو قطعت

(1)

يد عبد أو فقئت عينه وأخذ المولى الأرش ثم جنى هذا العبد جناية فإن شاء المولى اختار الفداء وإن شاء دفع العبد كذلك ناقصا وسلم له ما كان أخذ من الأرش، لأنه كان عند الجناية ناقصا.

ولو شج العبد إنسانا موضحة وقيمته ألف درهم، ثم قتل آخر وقيمته ألفان.

فإن اختار المولى الفداء فدى عن كل واحدة من الجنايتين بأرشها.

وإن اختار الدفع دفعه مقسوما بينهما على قدر تعلق حق كل واحد منهما به.

‌هل يتعدد الفداء بتعدد الجناية من العبد

؟

ولو جنى

(2)

: العبد جناية ففداه المولى ثم جنى جناية أخرى خير المولى بين الدفع والفداء، لأن العبد قد طهر عن الجناية الأولى بفدائه، فإذا جنى بعد ذلك فتعتبر جناية مبتدأة فيبتدئ حكمها، وهو الدفع، أو الفداء.

واذا جنى العبد ثم جنى جناية أخرى قبل أن يختار المولى الفداء فإنه يدفع إليهما جميعا، أو يفدى، لأنه لما لم يفد للأولى حتى جنى ثانيا، فحق كل واحد منهما تعلق بالعبد فيدفع إليها أو يفدى.

‌ما يصير به المولى مختارا للفداء وبيان صحة

الاختيار:

ما يصير به المولى مختارا للفداء نوعان:

نص ودلالة: أما النص فهو الصريح بلفظ الاختيار، وما يجرى مجراه. نحو أن يقول. اخترت الفداء وآثرته أو رضيت به ونحو ذلك.

وسواء كان المولى موسرا أو معسرا فى قول أبى حنيفة فيسار المولى ليس بشرط لصحة الاختيار عنده حتى لو اختار الفداء ثم تبين أنه فقير معسر صح اختياره وصارت الدية دينا عليه، لأنه وان كانت العزيمة هى وجوب الدفع، لكن الشرع رخص الفداء عند الاختيار، والإعسار لا يمنع

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 261 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأبى العلاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 261 الطبعة السابقة.

ص: 87

صحة الاختيار، لأنه لا يقدح فى الأهلية والولاية، وقد وجد الاختيار مطلقا عن شرط السلامة فلا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل.

وعند أبى يوسف ومحمد يسار المولى شرط صحة اختياره الفداء، ولا يصح اختياره إذا كان معسرا إلا برضا الأولياء، ويقال له: إما أن تدفع أو تفتدى حالا.

ووجه قولهما أن الحكم الأصلى لهذه الجناية هو لزوم الدفع، وعند الاختيار ينتقل إلى الذمة فيتقيد الاختيار بشرط السلامة ولا سلامة مع الإعسار فلا ينتقل إليها فيبقى العبد واجب الدفع.

أما النوع الثانى مما يصير به المولى مختارا للفداء هو: الدلالة، وهى أن يتصرف المولى فى العبد تصرفا يفوت الدفع أو يدل على إمساك العبد مع العلم بالجناية.

فكل تصرف يفوت الدفع أو يدل على إمساك العبد مع العلم بالجناية يكون اختيارا للفداء، لأن حق المجنى عليه متعلق بالعبد، وهو حق الدفع، وفى تقويت الدفع تفويت حقه، والظاهر أن المولى لا يرضى بتفويت صحته مع العلم بذلك إلا بما يقوم مقامه وهو الفداء فكان إقدامه عليه اختيارا للفداء.

فإن

(1)

باع العبد بيعا باتا وهو عالم بالجناية فإنه يصير مختارا للفداء، لأنه تصرف مزيل للملك فيفوت الدفع. وكذا اذا باع بشرط خيار المشترى.

ولو عرض العبد على البيع لم يكن ذلك اختيارا عند أصحابنا الثلاثة، لأن العرض على البيع لا يوجب زوال الملك فلا يفوت الدفع وليس ذلك أيضا دليل إمساك العبد بل هو دليل الإخراج من الملك فلا يصلح دليل اختيار الفداء وقال زفر رحمه الله تعالى: إن عرض العبد على البيع يكون اختيارا للفداء لأن العرض على البيع دليل استيفاء الملك، ألا ترى أن المشترى بشرط الخيار اذا عرض المشترى على البيع بكل اختياره فكان دليل إمساك العبد لنفسه، وذلك دليل اختيار الفداء.

ولو باع المولى العبد بيعا فاسدا لم يكن مختارا للفداء حتى يسلمه إلى المشترى، لأن الملك لا يزول قبل التسليم فلا يفوت الدفع.

ولو وهبه من إنسان وسلمه إليه صار مختارا للفداء، لأن الهبة والتسليم يزيلان الملك فيفوت الدفع.

ولو كانت الجناية فيما دون النفس فوهبه المولى من المجنى عليه لا يصير مختارا للفداء ولا شئ على المولى، ولو باعه من المجنى عليه كان مختارا لأن التسليم بالهبة فى معنى الدفع، لأن كل واحد منهما تمليك بغير عوض، فوقعت الهبة موقع الدفع، بخلاف البيع لأنه تمليك بعوض، والدفع تمليك بغير عوض فلا يقوم مقامه فكان الإقدام على البيع منه اختيارا للفداء.

وكذلك لو تصدق به على إنسان أو على المجنى عليه فهو والهبة سواء، لأن كل واحد منهما تمليك بغير عوض.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 262 الطبعة السابقة.

ص: 88

ولو أعتقه أو دبره أو كانت أمة فاستولدها وهو عالم بالجناية صار مختارا للفداء، لأن هذه التصرفات تفوت الدفع إذ الدفع تمليك، وهذه التصرفات تمنع من التمليك فكانت اختيارا للفداء.

ولو كانت الجناية فيما دون النفس فأمر المولى المجنى عليه بإعتاقه وهو عالم بالجناية صار المولى مختارا للفداء، لأن إعتاقه بأمره مضاف إليه فكان دليل اختيار الفداء كما لو أعتق بنفسه.

ولو قال لعبده إن قتلت فلانا فأنت حر فقتله صار مختارا للفداء عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى، لأن المعلق بالشرط يصير منجزا عند وجود الشرط بتخير مبتدء كأنه قال له بعد وجود الجناية أنت حر.

وعند زفر رحمه الله تعالى: لا يصير مختارا للفداء، لأن العبد إنما صار معتقا بالقول السابق وهو قوله: أنت حر ولا جناية عند ذلك وعند وجود الجناية لا إعتاق فكيف يصير مختارا للفداء.

ولو أخبر المولى إنسان أن عبده قد جنى فأعتقه فإن صدقه ثم أعتقه صار مختارا للفداء بلا خلاف، وان كذبه فأعتقه لا يصير مختارا للفداء عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، ما لم يكن المخير رجلان أو رجل واحد عدل.

وعندهما يصير مختارا للفداء ولا يشترط العدد فى المخير ولا عدالته.

ولو

(1)

كاتبه وهو عالم بالجناية صار مختارا اختيارا على التوقف لفوات الدفع فى الحال على التوقف، فإن أدى بدل الكتابة فعتق تقرر الاختيار، وإن عجز ورد فى الرق ينظر فى ذلك:

إن خوصم قبل أن يعجز فيقضى بالدية ثم عجز لا يرتفع القضاء. وإن لم يخاصم حتى عجز كان للمولى أن يدفعه، لأن الدفع كأن لم يثبت على القطع والبتات، لاحتمال أن يعجز، فان عجز جعل كأن الكتابة لم تكن، فكان له أن يدفعه.

وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يصير مختارا بنفس الكتابة لتعذر الدفع بنفسها لزوال يده عنه ثم عادت إليه بسبب جديد وهو العجز. ولو كاتبة كتابة فاسدة كان ذلك اختيارا منه للفداء.

أما الإجارة والرهن والتزويج، بأن زوج العبد الجانى امرأة أو زوج الأمة الجانية إنسانا فهل يكون ذلك اختيارا للفداء؟

ذكر فى ظاهر الرواية أنه لا يكون اختيارا، لأن الدفع لم يفت، لأن الملك قائم فكان الدفع ممكنا فى الجملة.

وذكر الطحاوى رحمه الله تعالى: أنه يكون اختيارا، لأن الدفع للحال متعذر فأشبه البيع والتزويج تعييب فأشبه التعييب حقيقة.

ولو أقر به لغيره لا يكون مختارا للفداء، كذا ذكر فى الأصل، لأن الإقرار به لغيره لا يفوت الدفع، لأن المقر مخاطب بالدفع والفداء.

وذكر الكرخى رحمه الله تعالى فى مختصره أنه يكون مختارا، لأن إقراره به لغيره فى معنى التمليك منه إذ العبد ملكه من حيث الظاهر لوجود دليل

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 265 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 89

الملك وهو اليد، فإذا أقر به لغيره فكأنه ملكه منه، ولو قتله المولى صار مختارا للفداء لأنه فوت الدفع بالقتل.

ولو قتله أجنبى، فإن كان عمدا بطلت الجناية، وللولى أن يقتله قصاصا، لأنه فات محل الدفع، لا إلى خلف هو مال فتبطل الجناية. وإن كان خطأ يأخذ المولى القيمة ويدفعها إلى ولى الجناية، ولا يخير المولى فى القيمة.

ولو عيبه المولى بأن قطع يده أو فقأ عينه أو ضربه ضربا أثر فيه ونقصه وهو عالم بالجناية صار مختارا للفداء، لأنه بالنقصان حبس عن المجنى عليه جزءا من العبد وحبس الكل دليل اختيار الفداء، لأنه دليل إمساك العبد لنفسه فكذا حبس الجزء، لأن حكم الجزء حكم الكل.

ولو ضرب المولى عينه فابيضت وهو عالم بالجناية حتى جعل مختارا للفداء ثم ذهب البياض، فإن ذهب قبل أن يخاصم فيه بطل الاختيار ويؤمر بالدفع أو الفداء، لأنه إنما جعل مختارا لأجل النقصان، وقد زال، فجعل كأن ذلك لم يكن.

وإن استخدمه وهو عالم بالجناية لا يصير مختارا للفداء، لأنه لا يفوت الدفع بالاستخدام لقيام الملك، وكذا الاستخدام لا يختص بالملك.

ولو كان الجانى أمة فوطئها المولى. فإن كانت بكرا فقد صار مختارا للفداء لأنه فوت جزءا منها حقيقة بإزالة البكارة. وإن كانت ثيبا فإن علقت منه صار مختارا للفداء وإن لم تعلق لا يصير مختارا وهذا جواب ظاهر الرواية.

وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يصير مختارا للفداء سواء علقت منه أو لم تعلق، لأن رجل الوط ء لا بد له من الملك أما ملك النكاح أو ملك اليمين ولم يوجد هاهنا ملك النكاح فتعين ملك اليمين لثبوت الحل، فكان إقدامه على الوط ء دليلا على إمساكها لنفسه، فكان دليل الاختيار.

ووجه ظاهر الرواية أن الوط ء ليس إلا استيفاء منفعة البضع وأنه لا يوجب نقصان العين حقيقة، ولو أذن لعبده فى التجارة فركبه دين لم يصر المولى مختارا للفداء وعليه قيمته

(1)

ثم جميع ما ذكر مما يصير به المولى مختارا للفداء اذا فعله وهو عالم بالجناية. فإن كان لم يعلم بالجناية لم يكن مختارا للفداء، سواء كانت الجناية على النفس أو على ما دون النفس. لأن الاختيار هاهنا اختيار الإيثار وهو لا يتحقق بدون العلم بما يختاره وهو الفداء عن الجناية، واختيار الفداء عن الجناية اختيار الإيثار واختيار الإيثار بدون العلم بالجناية محال.

ثم الجناية إن كانت على النفس فعليه الأقل من قيمة العبد ومن الدية. وإن كانت على مادون النفس فعليه الأقل من قيمته ومن الأرش، لأنه فوت الدفع المستحق من غير اختيار الفداء فيضمن القيمة.

ولو باعه بيعا باتا وهو لا يعلم بالجناية فلم يخاصم فيها حتى رد العبد إليه بعيب بقضاء القاضى أو بخيار

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 266 الطبعة السابقة.

ص: 90

يقال له ادفع أو افد، لأنه إذا لم يعلم بالجناية لم يصر مختارا.

ولو كان بعد العلم بالجناية فعليه الفداء لأنه إذا باعه بعد العلم بالجناية فقد صار مختارا للفداء لتعذر الدفع لزوال ملكه بالبيع.

ولو قطع العبد يد إنسان أو جرحه جراحة فخير فيه فاختار الدفع ثم مات من ذلك فالدفع على حاله لا يبطل، لأن وجوب الدفع لا يختلف بالقتل والقطع، لأنه يدفع فى الحالين جميعا.

وإن اختار الفداء ثم مات يبطل الاختيار ثم يخير ثانيا عند محمد استحسانا.

وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول، والقياس ألا يبطل وعليه الدية وهو قول أبى يوسف الأخير، ولم يذكر فى ظاهر الرواية قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وذكر الطحاوى قوله مثل قول محمد رحمه الله تعالى.

ولو كان اختار الفداء بالإعتاق بأن أعتق العبد للحال حتى صار مختارا للفداء ثم مات المجنى عليه لا يبطل الاختيار ويلزمه جميع الدية قياسا واستحسانا.

ووجه القياس أن المولى لما اختار الفداء عن أصل الجناية فقد صح اختياره ولزمه موجبها بالسراية لم يتغير أصل الجناية وإنما تغير وصفها والوصف تبع للأصل، فكان اختيار الفداء عن المتبوع اختيارا عن التابع.

ووجه الاستحسان أن اختيار الفداء عن القطع لما سرى إلى النفس ومات فقد صار قتلا وهما متغايران، فاختيار الفداء عن أحدهما لا يكون اختيارا عن الآخر، فيخير اختيارا مستقبلا.

بخلاف ما إذا كان الاختيار بالإعتاق، لأن إقدامه على الإعتاق مع علمه أنه ربما يسرى إلى النفس، فيلزمه كل الدية، ولا يمكنه الدفع بعد الإعتاق دلالة اختيار الكل والرضا به، وهذا المعنى لم يوجد هاهنا، لأنه لم يرض بالزيادة على ما كان ثابتا وقت الاختيار والعبد للحال محل للدفع.

‌صفة الفداء الواجب:

والفداء

(1)

الواجب عند الاختيار يجب فى ماله حالا لا مؤجلا، لأن الحكم الأصلى لهذه الجناية هو وجوب الدفع والفداء كالخلف عنه فيكون على نعت الأصل. ثم الدفع يجب حالا فى ماله لا مؤجلا فكذلك الفداء.

‌الفداء فى جناية العبد المدبر:

واذا كان العبد القاتل مدبرا فجنايته على مولاه إذا ظهرت وأصل الواجب بجناية المدبر قيمته على المولى، لإجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم. فإنه روى عن سيدنا عمر وأبى عبيدة بن الجراح رضى الله تعالى عنهما أنهما قضيا بجناية المدبر على مولاه بمحضر من الصحابة ولم ينقل أنه أنكر عليهما أحد منهم، فيكون إجماعا من الصحابة، ولأن الأصل فى

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 266 الطبعة السابقة.

ص: 91

جناية العبد هو وجوب الدفع على المولى وبالتدبير منع الدفع من غير اختيار الفداء يوجب القيمة على المولى كما لو دبر القن وهو لا يعلم الجناية.

‌الفداء فى جناية المكاتب:

وإذا كان

(1)

العبد مكاتبا فقتل أجنبيّا خطأ فجنايته على نفسه إذا ظهرت لا على مولاه وأصل الواجب بجنايته قيمة نفسه عليه لا على مولاه، لأن كسب المكاتب لنفسه لا لمولاه.

واختلف أصحابنا فى كيفية الوجوب، فقال علماؤنا الثلاثة أن قيمته تصير دينا فى ذمته على طريق القطع والبتات، وفائدة هذا الاختلاف تظهر فيما اذا جنى ثم عجز عقيب الجناية بلا فصل أنه يخاطب المولى بالدفع أو الفداء عندنا، وعنده يباع ويدفع ثمنه إلى أولياء القتيل.

‌الفداء فى جناية العبد على مولاه

(2)

:

وإن قتل العبد القن مولاه خطأ فجنايته هدر، لأن المولى لا يجب له على عبده دين، وإن قتله عمدا فعليه القصاص، ولو قتله عمدا وله وليان فعفا أحدهما حتى سقط القصاص بطلت الجناية ولا يجب للذى لم يعف شئ فى قولهما.

وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يقال للذى عفا إما أن تدفع نصف نصيبك وهو ربع العبد إلى الذى لم يعف أو تفديه بربع الدية.

‌الفداء فى جناية العبد على العبد:

وإذا كانت الجناية من عبد على عبد بأن قتل عبد عبدا خطأ فالمقتول لا يخلو، إما أن يكون عبدا لأجنبى، وإما أن يكون عبد المولى القاتل.

فإن كان عبد الأجنبى بأن كان القاتل قنا يخاطب المولى بالدفع أو الفداء سواء كان المقتول قنا أو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا، وهذا إذا كان المقتول حرّا أجنبيّا سواء، إلا أن هناك يخاطب المولى بالدفع أو الفداء بالدية وها هنا يخاطب بالدفع أو الفداء بالقيمة.

وإن كان القاتل مدبرا أو أم ولد فعلى المولى القيمة سواء كان المقتول قنّا أو مدبرا أو مكاتبا.

‌الفداء فى جناية العبد من طريق التسبب وهو

الحافر فى الطريق:

وإذا

(3)

كان العبد قنا فجنايته بالحفر فى طريق عام بمنزلة جنايته بيده، والحكم فى ذلك أن يخاطب المولى بالدفع أو الفداء قلت جنايته أو كثرت، غير أنه إن كان المجنى عليه واحدا

(4)

يدفع إليه أو يفدى، وإن كانوا جماعة يدفع إليهم أو يفدى بجميع الأروش، لأن جنايات القن فى رقبته فيقال للمولى ادفع أو افد.

(1)

المرجع السابق لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 268 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 270، 271 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 7 ص 275 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 7 ص 276 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 92

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(1)

:

أن المدبر إن جنى فإن كان له مال يفى بجنايته دفع فيها وبقى مدبرا لسيده ولا خيار لسيده من فدائه واسلام خدمته للمجنى عليه، وإن لم يكن له مال يفى بجنايته خير سيده بين فدائه وإسلامه، فان فداه بقى مدبرا، وإن لم يفده أسلم خدمته للمجنى عليه يستوفى منها أرش الجناية حتى يستوفى الجناية، فلو جنى جناية ثانية على شخص آخر فيختص الأول بالخدمة السابقة على الجناية الثانية ويشترك معه الثانى فيما بقى من الخدمة.

وهل يقتسمان الخدمة مناصفة بينهما أو على حسب الكل؟

الظاهر الثانى وهو ظاهر المدونة

بها قال البنانى هو الصواب.

فإذا كان أرش كل جناية من الجنايتين عشرين إلا أن صاحب الأولى أخذ من خدمته عشرة قبل أن تحصل الجناية الثانية وبقيت له عشرة فإنهما يتحاصان خدمته أثلاثا على ظاهر كلام المدونة وبه جزم ابن مرزوق لا أن الخدمة يقسمانها مناصفة ورجع مدبرا إن وفى أرش الجناية، وإن عتق هذا الجانى بموت سيده بعد إسلامه خدمته وقبل استيفاء أرش الجناية اتبع بالباقى من الأرش فى ذمته.

أما لو مات سيده قبل إسلامه وفدائه فإنه لا شئ للمجنى عليه، ولو عتق بعضه ورق باقيه للوارث لضيق الثلث اتبع فيما عتق منه بحصته، أى بما يقابل الجزء الحر، لأن ما بقى من أرش الجناية يتعلق بعضه بالجزء الحر وبعضه بالجزء الرق.

فإذا كان الأرش عشرة ورق نصفه اتبع بخمسة وخير الوارث لبعضه من إسلام مارق منه ملكا للمجنى عليه أو فكه بقدر ما يخصه من أرش الجناية، وإذا

(2)

جنى المكاتب على سيده أو على أجنبى، فإن دفع أرش الجناية فهو باق على كتابته، وإن عجز عنه رق، ثم إن كانت الجناية على سيده ولا كلام، وعجزه عن أرش الجناية عليه كعجزه عن الكتابة.

وان كانت الجناية على أجنبى وعجز عن أرشها خير السيد، إما أن يدفع أرش الجناية ويرق له العبد، أو يدفعه فى الجناية فيرق للمجنى عليه، وإن قتل

(3)

عبد عبدا مثله أو حر عبدا وثبت ببينة مطلقا أو قسامة فى الحر خير الولى ابتداء فى قتل العبد واستحيائه، فإن قتله فواضح، وإن استحياه فلسيده الخيار ثانيا فى أحد أمرين: إسلامه للولى، أو فداؤه بدية الحر، أو بقيمة العبد المقتول، ومفهوم ببينة أو قسامة أنه لو ثبت بإقرار القاتل أنه لا يكون الحكم كذلك.

والحكم أنه ليس للولى استحياؤه فان استحياه

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 384 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 412 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 341 ص 342 الطبعة السابقة.

ص: 93

بطل حقه إلا أن يدعى الجهل ومثله يجهل ذلك فانه يحلف ويبقى على حقه فى القصاص، وهذا فى العمد.

وأما فى الخطإ فيخير سيد القاتل من أول الأمر فى الدية واسلامه ولا خيار لولى المقتول، هذا إذا كان المقتول حرّا، فإن كان عبدا خير سيد القاتل بين إسلامه ودفع قيمة المقتول ويقتل العبد

(1)

أيضا إن كان مكلفا فإن كان صغيرا فلا يقتل وعليه نصف الدية جناية فى رقبته فيخير سيده الوارث له بين أن يفديه بنصف الدية أو يدفعه فى الجناية كذا فى عبد الباقى.

والذى ذكره شيخنا فى حاشية الخرشى أن الصغير لا شئ عليه على ظاهر النقل.

‌مذهب الشافعية:

وجناية غير المميز

(2)

بأمر سيده أو غيره على الآمر فيفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ، والبعض يجب عليه من واجب جنايته بنسبة حريته وما فيه من الرق يتعلق به باقى الجناية ويفديه السيد بأقل الأمرين من أرش الجناية والقيمة.

وإن جنى

(3)

عبد على حر أو عبد جناية توجب المال تعلق المال برقبته، لأنه لا يجوز إيجابه على المولى، لأنه لم يوجد منه جناية، ولا يجوز تأخيره إلى أن يعتق، لأنه يؤدى إلى إهدار الدماء فتعلق برقبته، والمولى بالخيار بين أن يبيعه ويقضى حق الجناية من ثمنه، وبين أن يفديه، ولا يجب عليه تسليم العبد إلى المجنى عليه، لأنه ليس من جنس حقه، وإن اختار بيعه فباعه فإن كان الثمن بقدر مال الجناية صرف فيه، وإن كان أكثر قضى ما عليه والباقى للمولى، وإن كان أقل لم يلزم المولى ما بقى، لأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة، فإن اختار أن يفديه ففيه قولان:

أحدهما: يلزمه أن يفديه بأقل الأمرين من أرش الجناية أو قيمة العبد، لأنه لا يلزمه ما زاد على واحد منهما.

والقول الثانى: يلزمه أرش الجناية بالغا ما بلغ أو يسلمه للبيع، لأنه قد يرغب فيه راغب فيشتريه بأكثر من قيمته، فإذا امتنع من البيع لزمه الأرش بالغا ما بلغ، وإن قتل عشرة أعبد لرجل عبدا لآخر عمدا فاقتص مولى المقتول من خمسة وعفا عن خمسة على المال تعلق برقبتهم نصف القيمة فى رقبة كل واحد منهم عشرها، لأنه قتل خمسة بنصف عبده وعفا عن خمسة على المال وبقى له النصف والمعتبر قيمته يوم الجناية لتوجه طلب الفداء فيه، لأنه يوم تعلقها واعتبر القفال يوم الفداء، لأن النقص قبله لا يلزم السيد بدليل ما لو مات العبد قبل اختيار الفداء.

ولو فداه ثم

(4)

جنى سلمه للبيع أو فداه مرة

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 246 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 7 ص 357 الطبعة السابقة.

(3)

المهذب ج 2 ص 214 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق لابن شهاب الدين الرملى ج 7 ص 358 الطبعة السابقة.

ص: 94

أخرى، وان تكرر ذلك مرارا لأنه الآن لم يتعلق به غير هذه الجناية.

ولو جنى ثانيا قبل الفداء باعه أو سلمه ليباع فيهما ووزع الثمن على أرش الجنايتين أو فداه بالأقل من قيمته والأرش على الجديد، وفى القديم يفديه بالأرش.

ومحل الخلاف إن لم يمنع من بيعه مختارا للفداء، والا لزمه فداء كل منهما بالأقل من أرشها وقيمته، ولو أعتقه أو باعه موسرا أو باعه بعد اختيار الفداء أو قتله فداه وجوبا، لأنه فوت محل التعلق، فإن تعذر الفداء لنحو إفلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع فى الجناية وفداؤه هنا بالأقل من قيمته والأرش جزما لتعذر البيع، وقيل يجرى هنا أيضا القولان السابقان.

ولو هرب العبد الجانى أو مات قبل اختيار سيده الفداء برئ سيده لفوات الرقبة إلا إذا طلب منه ليباع فمنعه لتعديه بالمنع ويصير بذلك مختارّا للفداء، بخلاف ما لو لم يطلب منه أو طلب فلم يمنعه فإنه لا يلزم به، ولو اختار الفداء بالقول دون

(1)

الفعل فالأصح أن له الرجوع وتسليمه ليباع إذ اختياره مجرد وعد لا يلزم ولم يحصل يأس من بيعه، فلو مات العبد أو قتل فليس للسيد الرجوع عن قوله لحصول اليأس من بيع لم يرجع جزما، وكذا لو نقصت قيمته بعد اختياره لا حق له فى الرجوع عن قوله ما لم يغرم النقص، ولو باعه بإذن المستحق بشرط الفداء لزمه وامتنع رجوعه، وكذا يمتنع لو كان البيع يتأخر تأخرا يضر المجنى عليه كما قاله البلقينى، ومقابل الأصح يلزمه الفداء.

ويفدى أم ولده وجوبا وإن ماتت عقب الجناية لمنعه بيعها بالإيلاد كما لو قتلها. ومن ثم لم تتعلق الجناية بذمتها، خلافا للزركشى بل بذمته كما بحثه الشيخ، لأنه المانع لبيعها.

وفداء أم الولد يكون بالأقل من قيمتها يوم جنايتها لا يوم إحبالها اعتبارا بوقت لزوم فدائها ووقت الحاجة إلى بيعها الممنوع بالإحبال:

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(2)

أنه إذا جنى العبد فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه، فإن كانت الجناية أكثر من قيمته لم يكن على سيده أكثر من قيمته.

هذا فى الجناية التى تؤدى بالمال، أما لكونها لا توجب إلا المال، وأما لكونها موجبة للقصاص، فعفا عنها إلى المال، فإن جناية العبد تتعلق برقبته، لأن الضمان موجب جنايته فتتعلق برقبته كالقصاص، ثم لا يخلوا أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته فأقل أو أكثر.

فإن كان بقدرها فأقل فالسيد مخير بين أن يفدية بأرش جنايته أو يسلمه الى ولى الجناية فيملكه، لأنه إن دفع أرش الجناية فهو الذى وجب للمجنى عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد

(1)

المرجع السابق إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 7 ص 359 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 9 ص 511، 512، 513، 514 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 95

فقد أدى المحل الذى تعلق الحق به، ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها، وإن طلب المجنى عليه بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه، وإما إن كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه روايتان:

عن أحمد إحداهما: أن سيده يخير بين أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته، وبين أن يسلمه، لأنه إذا أدى قيمته فقد أدى قدر الواجب عليه، فإن حق المجنى عليه لا يزيد على العبد فلم يلزمه أكثر من ذلك، كما لو كانت الجناية بقدر قيمته.

الرواية الثانية: يلزمه تسليمه إلا أن يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت، لأنه ربما إذا عرض للبيع رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فقد فوت تلك الزيادة على المجنى عليه.

ووجه الرواية الأولى أن الشرع قد جعل له فداءه فكان له فداؤه وكان الواجب قدر قيمته كسائر المتلفات، فإن كانت الجناية موجبة للقصاص

(1)

فعفا ولى الجناية على أن يملك العبد لم يملكه بذلك، لأنه اذا لم يملكه بالجناية فلأن لا يملكه بالعفو أولى ولأنه إذا عفى عن القصاص انتقل حقه إلى المال فصار كالجانى جناية موجبة للمال، وفيه رواية أخرى أنه يملكه لأنه مملوك استحق إتلافه فاستحق إبقاؤه على ملكه كعبده الجانى عليه.

قال أبو طالب سمعت أبا عبد الله أحمد يقول اذا أمر السيد غلامه فجنى فعليه ما جنى وإن كان أكثر من ثمنه إن قطع يدخر فعليه دية يد الحر وان كان ثمنه أقل وإن أمره سيده أن يجرح رجلا فما جنى فعليه قيمة جنايته وإن كانت أكثر من ثمنه لأنه بأمره.

وقال أحمد حدثنا حماد بن سلمة حدثنا قتادة عن خلاس أن عليا قال: إذا أمر الرجل عبده فقتل إنما هو كسوطه أو كسيفه يقتل المولى والعبد يستودع السجن، ولأنه فوت شيئا بأمره فكان على السيد ضمانه كما لو استدان، فإن جنى جنايات بعضها بعد بعض فالجانى بين أولياء الجنايات بالحصص، لأنهم تساووا فى سبب تعلق الحق به فتساووا فى الاستحقاق، كما لو جنى عليهم دفعة واحدة، وإن أعتق

(2)

السيد عبده الجانى عتق وضمن ما تعلق به من الأرش، لأنه أتلف محل الجناية على من تعلق حقه به فلزمه غرامته كما لو قتله.

ونقل ابن منصور عن أحمد أنه إن أعتقه عالما بجنايته فعليه دية المقتول، وإن لم يكن عالما بجنايته فعليه قيمة العبد، وذلك لأنه إذا أعتقه مع العلم كان مختارا لفدائه، بخلاف ما إذا لم يعلم فإنه لم يختر الفداء لعدم علمه به فلم تلزمه أكثر من قيمة ما فوته، فإن باعه أو وهبه صح بيعه ولم يزل تعلق الجناية عن رقبته، فإن كان المشترى عالما بحاله فلا

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير فى كتاب لشمس الدين ابى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 9 ص 512، 513، 514 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير فى كتاب لشمس الدين أبى الفرج بن محمد احمد بن قدامة المقدسى ج 9 ص 513، 514 الطبعة السابقة.

ص: 96

خيار له لأنه دخل على بصيرة وينتقل الخيار بين فدائه وتسليمه إليه كالسيد الأول، وإن لم يعلم فله الخيار بين إمساكه ورده كسائر المعيبات.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أن قتل العبد أو المدبر أو أم الولد أو المكاتب مسلما خطأ أو جنوا على حامل فأصيب جنينها فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذى قضاؤه من قضاء الله تعالى أن الدية والغرة على عصبة الجانى فى ذلك وان على كل بطن عقوله ولم يخص النبى صلى الله عليه وآله وسلم حرا من عبد «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى}

(2)

»

وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل بطن عقوله والبطون هى الولادات أبا بعد أب فهى فى العجم كما هى فى العرب وفى الأحرار كما هى فى العبيد، والدية على العصبة لا على الورثة بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(3)

: أن العبد إذا جنى على طرف فللولى القصاص بشروطه أو العفو بعوض أو بدونه إذا الحق له، وإذا اختار الأرش خير السيد بين تسليمه أو فدائه به بالغا ما بلغ وكذا لو جنى ما لا قصاص فيه.

ولو باع السيد العبد قبل علمه بجنايته لزمه قيمته لا غير، ولو عفا أحد الوليين عن قود العبد سلم أو بعضه بحصة من لم يعف عن الدية أو لسيده إمساكه وتسليم الأرش بسقوط القتل، وإذا امتنع المجنى عليه من أخذ العبد فبيع للجناية ولم يف ثمنه بها ثم أعتق طولب بالزائد اذ هو فى ذمته، وقيل:

لا يطالب.

وإن هلك العبد وفى رقبته جناية لم يضمنه السيد أرشها لتعلقها برقبته إلا أن يموت بعد اختياره للفداء فإن أعتقه أو قتله أو باعه عالما فهو اختيار للفداء فيلزمه ولا يلزم المشترى إذا لم تقع فى ملكه

قال يحيى وكذا لو رهنه بعد الجناية إذا أوجب فيه حقا للغير كالبيع.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(4)

: أنه لا يضمن المولى جناية عبده على غيره، لأن المولى لا يعقل عبدا، وله الخيار إن كانت الجناية صدرت عن المملوك خطأ فكه بأقل الأمرين من أرش الجناية وقيمته، لأن الأقل إن كان هو الأرش فظاهر وإن كانت القيمة فهى بدل من العين فتقوم مقامها وإلا لم تكن

(1)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 11 ص 62، 63 مسألة رقم 2146 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 3 من سورة النجم.

(3)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للمرتضى ج 5 ص 263، 264 الطبعة السابقة.

(4)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 413 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 97

بدلا ولا سبيل إلى الزائد لعدم عقل المولى وبين تسليمه إلى المجنى عليه أو وليه ليسترقه أو يسترق منه ما قابل جنايته.

وفى الجناية العمد يكون المجنى عليه أو وليه مخيرا بين طلب القصاص منه أو استرقاقه.

والمدبر فى جميع ذلك كالقن فيقتل إن قتل عمدا حرّا أو عبدا أو يدفع إلى ولى المقتول يسترقه أو يفديه مولاه بالأقل كما مر.

ثم إن فداه أو بقى منه شئ بعد أرش الجناية بقى على تدبيره وإلا بطل، ولو مات مولاه قبل استرقاقه وفكه فالأقوى انعتاقه، لأنه لم يخرج عن ملكه بالجناية فعلا وحينئذ فيسعى فى فك رقبته من الجناية.

ولو قتل العبد عبدين

(1)

لمالكين يستوعب كل منهما قيمته أو قتل حرا وعبدا كذلك، فإن مولى العبدين يشتركان فيه ما لم يسبق مولى الأول إلى استرقاقه قبل جنايته على الثانى فيكون لمولى الثانى وكذا ولى الحر ومولى العبد، ولو اختار الأول المال ورضى به المولى تعلق حق الثانى برقبته، وقيل يقدم الأول، لأن حقه أسبق ويسقط الثانى لقوات محل استحقاقه، والأول أقوى.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: أنه ان قتل عبد حرا ولو خطأ فالعبد لولى الحر مطلقا إن شاء استعبده وإن شاء قتله، وقيل له أن يدرك قيمة العبد على سيده، وقيل إن قتله عمدا فله العبد لا غيره وان قتله خطأ فالخيار لربه.

أما ما دون النفس من الجروح والآثار وفوات المنافع كالصمم فالخيار لربه إذا كان الجرح مثل قيمة العبد أو أكثر وكذا غير الجرح كذهاب السمع فإن شاء رب العبد أعطاه ذلك العبد وإن شاء أعطاه قيمته بتقويم العدول وإن كان أقل من نفس العبد فالأرش.

وإن جرح

(3)

مدبر عبدا غرم ربه أرش الجرح فإن مات بالجرح بعد الغرم خير رب القتيل فى قتل المدبر ورد ما أخذ من الأرش لربه وفى أخذ قيمته بالبناء على الأرش الذى أخذ، والأولى أن لا يغرم الجرح بل ينتظرون موته إن ظنوا أنه يموت به فان مات أخذت قيمته أو قتل المدبر وإن لم يقتله حتى حرر فله قيمة عبده على السيد بالبناء على ما أخذ من الأرش.

‌افتداء العبد الجانى على الرهن

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(4)

: أنه إذا وقعت

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 404، 405 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لأطفيش ج 8 ص 189 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 8 ص 198 الطبعة السابقة.

(4)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 165 طبع مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

ص: 98

جناية على الرهن فإن كان الجانى عبدا أو أمة فإن مولى القاتل يخاطب بالدفع أو الفداء بقيمة المقتول.

فإن اختار الدفع فإن كانت قيمة المقتول مثل قيمة المدفوع أو أكثر فالمدفوع رهن بجميع الدين ويجبر الراهن على الافتكاك بلا خلاف.

وإن كانت قيمته أقل من قيمة المقتول بأن كانت قيمة المقتول ألفا والدين ألف وقيمة المدفوع مائة فهو رهن بجميع الدين أيضا، ويجبر الراهن على الافتكاك بجميع الدين كما كان يجبر على افتكاك العبد المقتول لو كان حيّا بجميع الدين فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى.

وقال محمد رحمه الله تعالى إن لم يكن بقيمة القاتل وفاء بقيمة المقتول فالراهن بالخيار إن شاء افتكه بجميع الدين وإن شاء تركه للمرتهن بدينه فمحمد مر على أصله فى الجعل بالدين عند تعذر الجبر على الافتكاك وهنا تعذر لما فيه من الغرر بالراهن، ووجه ما قاله أبو حنيفة وأبو يوسف أنه لما دفع الثانى بالأول قام مقام الأول لحما ودما والأول كان رهنا بجميع الدين وكان يجبر الراهن على الافتكاك بجميع الدين، فكذا الثانى.

وكذلك لو كان العبد المرتهن نقص فى السعر حتى صار يساوى مائة درهم فقتله عبد يساوى مائة درهم فدفع به فهو على الاختلاف، هذا إذا كان مولى القاتل اختار الدفع، فأما إذا اختار الفداء فإنه يفديه بقيمة المقتول وكانت القيمة رهنا عند المرتهن، ثم ينظر إن كانت القيمة من جنس الدين استوفى دينه منها وإن كانت من خلاف الجنس حبسها رهنا حتى يستوفى جميع دينه، ويجبر الراهن على الافتكاك عند أبى حنيفة وأبى يوسف، وعند محمد يخير الراهن بين الافتكاك بجميع الدين وبين الترك للمرتهن بالدين هذا إذا كانت الجناية فى النفس.

فأما إذا كانت فيما دون النفس فإن كان الجانى حرّا يجب أرشه فى ماله لا على عاقلته، سواء كانت الجناية خطأ أو عمدا.

أما الوجوب فى ماله فلأن العاقلة لا تعقل فيما دون النفس، وأما التسوية بين الخطإ والعمد فلأن القصاص لا يجرى بين الحر والعبد فيما دون النفس. فاستوى فيه العمد والخطأ فى وجوب الأرش فكان الأرش رهنا مع العبد لأنه بدل جزء مرهون.

وإن كان الجانى عبدا يخاطب مولاه بالدفع أو الفداء بأرش الجناية فإن اختار الفداء بالأرش كان الأرش مع المجنى عليه رهنا، وإن اختار الدفع يكون الجانى مع المجنى عليه رهنا، والخصومة فى ذلك كله إلى المرتهن لأن حق الحبس له والجانى فوت الحبس عن بعض أجزاء الرهن فله أن يقيم بدل الفائت فبقيمة مقامه رهنا.

هذا الذى ذكرنا حكم جناية غير الراهن على الرهن.

أما حكم جناية الراهن على غير الرهن فجنايته لا تخلو: إما إن كانت على بنى آدم وإما إن كانت على غير بنى آدم من سائر الأموال. فإن كانت على

ص: 99

بنى آدم فلا تخلو، إما إن كانت عمدا وإما إن كانت خطأ أو فى معناه، فإن كانت عمدا يقتص منه كما إذا لم تكن رهنا لأن ملك الراهن لا يمنع وجوب القصاص ألا يرى أنه لا يمنع إذا لم يكن رهنا.

وإذا لم يكن الملك مانعا فحق المرتهن أولى لأنه دون الملك سواء قتل أجنبيّا أو الراهن أو المرتهن، لأن القصاص ضمان الدم ولا حق للمولى فى دمه، بل هو أجنبى عنه وكذا للمرتهن من طريق الأولى إذ الثابت له الحق والحق دون الملك فصارت جنايته على الراهن والمرتهن فى حق القصاص، وجنايته على الأجنبى سواء.

وإذا قتل قصاصا سقط الدين لأن هلاكه حصل فى ضمان المرتهن فسقط دينه كما إذا هلك بنفسه، هذا إذا كانت جنايته عمدا فأما إذا كانت خطأ

(1)

أو ملحقة بالخطإ فإن كانت شبه عمد أو كانت عمدا لكن القاتل ليس من أهل وجوب القصاص عليه بأن كان صبيّا أو مجنونا أو كانت جنايته فيما دون النفس فإنه يدفع أو يفدى لأن هذه الجنايات من العبيد والإماء توجب الدفع أو الفداء، ثم ينظر إن كان العبد كله مضمونا بأن كانت قيمته مثل الدين أو دونه نحو إن تكون قيمة العبد ألفا والدين ألفا، أو كان الدين ألفا وقيمة العبد خمسمائة يخاطب المرتهن أولا بالفداء لأن الفداء يستبقى حق نفسه فى الرهن بتطهيره عن الجناية من غير أن يسقط حق المرتهن، ولو بدئ بالراهن وخوطب بالدفع أو الفداء على ما هو حكم الشرع فربما يختار الدفع فيبطل حق المرتهن ويسقط دينه، فكانت البداءة بخطاب المرتهن بالفداء أولى.

وإذا فداه بالأرش فقد استخلصه واستصفاه عن الجناية، وصار كأنه لم يجن أصلا فيبقى رهنا، كما كان ولا يرجع بشئ مما فدى على الراهن لأنه فدى ملك الغير بغير إذنه، فكان متبرعا فيه فلا يملك الرجوع، كما لو فداه أجنبى، ولأنه بالفداء أصلح الرهن باختياره واستبقى حق نفسه فكان عاملا لنفسه بالفداء فلا يرجع على غيره، وليس له أن يدفع لأن الدفع تمليك الرقبة وهو لا يملك رقبته.

وإن أبى المرتهن أن يفدى يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء لأن الأصل فى الخطاب هو الراهن لأن الملك له، وإنما يبدأ بالمرتهن بخطاب الفداء صيانة لحقه فإذا أبى عاد الأمر إلى الأصل، فإن اختار الدفع بطل الرهن وسقط الدين.

أما بطلان الرهن فلأن العبد زال عن ملكه بالدفع إلى خلف فخرج عن كونه رهنا.

وأما سقوط الدين فلأن استحقاق الزوال حصل بمعنى فى ضمان المرتهن فصار كأنه هلك فى يده، وكذلك إن اختار الفداء لأنه صار قاضيا بما فدى المرتهن، لأن الفداء على المرتهن لحصول الجناية فى ضمانه إلا أنه لما أبى الفداء والراهن محتاج إلى استخلاص عبده ولا يمكنه ذلك إلا بالفداء

(1)

المرجع السابق للكاسانى ج 6 ص 166 الطبعة السابقة.

ص: 100

فكان مضطرا فى الفداء فلم يكن متبرعا فكان له أن يرجع على المرتهن بما فدى وله على الراهن مثله فيصير قصاصا به.

وإذا صار قاضيا دين المرتهن مما فدى ينظر إلى ما فدى وإلى قدر قيمة العبد وإلى الدين فإن كان الفداء مثل الدين وقيمة العبد مثل الدين أو أكثر سقط الدين كله وإن كان الفداء بأقل من الدين وقيمة العبد مثل الدين أو أكثر سقط من الدين بقدر الفداء وحبس العبد رهنا بالباقى.

وإن كان الفداء قدر الدين أو أكثر وقيمة العبد أقل من الدين يسقط من الدين قدر قيمة العبد ولا يسقط بأكثر منها، لأنه لو هلك العبد لا يسقط من الدين أكثر من قيمته فكذا عند الفداء.

وإن كان العبد بعضه مضمونا والبعض أمانة بأن كانت قيمة العبد ألفين والدين ألفا فالفداء عليهما جميعا، لأن نصفه مضمون ونصفه أمانة فكان فداء نصف المضمون منه على المرتهن وفداء نصف الأمانة على الراهن فيخاطبان جميعا بالدفع أو الفداء.

والمعنى من خطاب الدفع فى جانب المرتهن الرضا بالدفع لا، فيعمل الدفع لأن فعل الدفع ليس إليه ثم إذا خوطب بذلك.

فإما أن يجتمعا على الدفع وإما أن يجتمعا على الفداء، وإما أن يختلفا فيختار أحدهما الدفع ويختار الآخر الفداء، والحال لا يخلو إما أن يكونا حاضرين وإما أن يكون أحدهما غائبا.

فإن كانا حاضرين واجتمعا على الدفع ودفعا فقد سقط دين المرتهن لأن الدفع بمنزلة الهلاك، وإن اجتمعا على الفداء فدى كل واحد منهما بنصف الأرش، وإذا فديا طهرت رقبة العبد عن الجناية ويكون رهنا كما كان. وكان كل واحد منهما متبرعا حتى لا يرجع على صاحبه بما فدى، لأن كل واحد منهما أدى ما عليه فكان مؤديا عن نفسه لا عن صاحبه.

وإن اختلفا فأراد أحدهما الفداء والآخر الدفع فأيهما اختار الفداء فاختياره أولى.

أما المرتهن فلأنه بالفداء يستبقى حق نفسه ولا يسقط حق الراهن والراهن بالدفع يسقط حق المرتهن، فكان اختيار المرتهن أولى.

وأما الراهن فلأنه يستبقى ملك الرقبة بالفداء، والمرتهن باختيار الدفع يريد إسقاط دينه وإبطال ملك الراهن فلم يكن له فى اختيار الدفع نفع بل كان سفها محضا وتعنتا باردا فلا يلتفت إليه فكان للراهن أن يفدى، ثم أيهما اختار الفداء فدى العبد بجميع الأرش ولا يملك الآخر دفعه.

ثم ينظر إن كان الذى اختار الدفع هو المرتهن ففدى بجميع الأرش بقى العبد رهنا كما كان لأنه طهرت رقبته عن الجناية بالفداء فصار كأنه لم يجن. ويرجع المرتهن على الراهن بدينه، وهل يرجع عليه بحصة الأمانة ذكر الكرخى فيه روايتين:

فى رواية لا يرجع بل يكون متبرعا وفى رواية يرجع.

وذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى أنه

ص: 101

لا يرجع إلا بدينه خاصة ولم يذكر اختلاف الرواية.

وجه الرواية الأولى

(1)

: أنه التزم الفداء باختياره مع قدرته على ألا يلتزم لأنه لو لم يلتزم لخوطب الراهن فكان متبرعا فيه فلا يملك الرجوع.

ووجه الرواية الأخرى: أن المرتهن يحتاج إلى إصلاح قدر المضمون منه ولا يمكنه ذلك إلا بإصلاح قدر الأمانة فكان مضطرّا فلم يكن متبرعا. وإن كان الذى اختار الفداء هو الراهن ففداه بجميع الأرش لا يكون متبرعا بل يكون قاضيا بنصف الفداء دين المرتهن. ثم ينظر إن كان نصف الفداء مثل كل الدين سقط الدين كله.

وإن كان أقل منه سقط من الدين بقدره ورجع بالفضل على الراهن ويحبسه رهنا به.

‌مذهب المالكية:

وإن ادعى شخص على الراهن

(2)

جناية الرهن واعترف راهنه بالجناية لم يصدق الراهن إن أعدم به بأن كان معدما. ولو بالبعض حال اعترافه لاتهامه على تخليصه من المرتهن ودفعه للمجنى عليه.

والمراد أنه لم يصدق بالنسبة للمرتهن.

وأما بالنسبة للراهن فيصدق لأنه مكلف يؤخذ بإقراره فيخير بعد وفاء الدين فى تسليمه للمجنى عليه وفدائه. فإن بيع فى الدين تبع المجنى عليه الراهن بالأقل من الثمن وأرش الجناية، وهذا فى رهن تتعلق به الجناية كعبد.

وأما حيوان لا يعقل فلا تتعلق به جناية، بل إما هدر، وإما أن تتعلق بالغير كالسائق والقائد والراكب.

وألا يكن الراهن معدما بل كان مليّا بقى الرهن على رهنيته إن فداه راهنه بأن دفع للمجنى عليه أرش الجناية وإلا يفده سيده الملئ أسلم الرهن وجوبا للمجنى عليه لكن بعد مضى الأجل ودفع الدين لربه لأنه وثيقة مقدمة على الجناية.

فإذا حل الأجل جبر على دفعه وعلى إسلامه.

كذا فى المدونة. وقد علم من هذا أنه يبقى رهنا فى المسألتين.

لكنه فى حال الفداء يبقى ساقطا حق المجنى عليه منه. وفى حال عدمه يبقى معه تعلق حق المجنى عليه به. وإن ثبتت الجناية بعد الرهن ببينة أو اعترفا معا أى المرتهنان فإن فداه الراهن بقى رهنا بحاله.

وإن لم يفده وأسلمه أى أراد اسلامه للمجنى عليه خير المرتهن فإن أسلمه مرتخنه أيضا كالراهن فالعبد الجانى للمجنى عليه بحاله رهن معه أولا ويبقى دين المرتهن بلا رهن لرضاه بذلك وإن فداه المرتهن بغير اذن الراهن ففداؤه نافذ فى رقبته فقط دون ماله مبدأ به على الدين ويبقى رهنا على حاله وإن لم يرهن بحاله فإن رهن ففداؤه فيهما وأما ذمة الراهن فلا يتعلق الفداء بها مطلقا ولم يبع العبد الجانى المفدى سواء

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود ج 6 ص 167 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفه الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى أحمد محمد عليش ج 3 ص 256 وما بعدها طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 102

كان فداؤه فى الرقبة فقط أو فيهما وفى المال إلا فى الأجل أى بعده لأنه رجع لما كان عليه من الرهنية وهو أنه انما يباع عند الأجل وإن فداه المتهن بإذن الراهن فليس الرهن رهنا بالفداء بل هو سلف فى ذمة الراهن وهذا ضعيف والمعتمد أنه يكون رهنا به.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(1)

أنه لا يصح بيع عين تعلق بها حق قيدت بالبيع لله تعالى كما إن تعين للطهر، أو لآدمى، كثوب استحق الأجير حبسه لقبض أجره نحو قصره أو إتمام العمل فيه نحو المرهون جعلا بعد القبض أو شرعا بغير إذن مرتهنه إلا أن يباع منه، ولا القن الجانى المتعلق برقبته مال لكونها خطأ أو شبه عمد أو عمدا وعفا على مال، أو أتلف مالا بغير إذن المجنى عليه، كما أرشد إليه ما قبله أو تلف ما سرقه فى الأظهر، لتعلق حقهما بالرقبة.

ومحل الثانى: إن بيع لغير غرض الجناية ولم يفده السيد ولم يختر فداؤه مع كونه موسرا.

والأصح انتقال الحق إلى ذمته فى الأخيرة وإن كان الرجوع عنه جائزا مادام القن باقيا بملكه على أوصافه لتبين بطلان بيعه حينئذ وبقاء التعليق.

فإن لم يرجع أجبر على دفع أقل الأمرين من قيمته والأرش. فإن تعذر بفلسه أو تأخر غيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع فى الجناية.

نعم: إن أسقط الفسخ حقه كأن كان وارث البائع فلا فسخ إذ به يرجع العبد إلى ملكه فيسقط الأرش نبه على ذلك الزركشى.

ومقابل الأظهر يصح فى الموسر. وقيل والمعسر.

ولا يضر فى صحة البيع تعلق المال بكسبه كأن زوجه سيده، ولا بذمته كأن اشترى فيها شيئا من غير إذن سيده وأتلفه لانتفاء تعلق الدين بالرقبة التى هى محل البيع. ولا حجر للسيد على ذمة عبده.

وكذا لا يضر تعلق القصاص برقبته فى الأظهر لأنه مرجو السلامة بالعفو عنه كرجاء عصمة المرتد والحربى وشفاء المريض، بل لو تحتم قتله فى قطع الطريق لقتله وأخذه المال كان كذلك نظرا لحالة البيع. أما تعلقه ببعض أعضائه فلا يضر جزما.

والثانى لا يصح، لأن المستحق يجوز له له العفو على مال فلو عفا بعد البيع على مال بطل البيع كما رجحه البلقينى.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(2)

أنه إذا جنى العبد المرهون فالمجنى عليه أحق برقبته من مرتهنه حتى يستوفى حقه فإن اختار سيده أن يفديه وفعل فهو رهن بحاله.

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصرى الأنصارى الشهير بالشافعى الصغير ج 3 ص 388، 389 وما بعدها.

(2)

المغنى والشرح الكبير عليه لأبن قدامة ج 4 ص 410، 411، 412 الطبعة السابقة.

ص: 103

وجملته أن العبد المرهون إذا جنى على إنسان أو على ماله تعلقت الجناية برقبته فكانت مقدمة على حق المرتهن لا نعلم فى هذا خلافا وذلك لأن الجناية مقدمة على حق المالك والملك أقوى من الرهن فأولى أن يقدم على الرهن.

فإن قيل: فحق المرتهن أيضا يقدم على حق المالك. قلنا: حق المرتهن ثبت من جهة المالك بعقده وحق الجناية ثبت بغير اختياره مقدما على حقه فيقدم على ما ثبت بعقده، ولأن حق الجناية مختص بالعين يسقط بفواتها وحق المرتهن لا يسقط بفوات العين ولا يختص بها، فكان تعلقه بها أحق وأولى.

فإن كانت جنايته موجبة للقصاص فلولى الجناية استيفاؤه. فإن اقتص سقط الرهن، كما لو تلف.

وإن عفا على مال تعلق برقبة العبد وصار كالجناية الموجبة للمال فيقال للسيد أنت مخير بين فدائه وبين تسليمه للبيع، فإن اختار فداؤه فبكم يفديه. على روايتين:

أحدهما: بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته، لأنه إن كان الأرش أقل فالمجنى عليه لا يستحق أكثر من أرش جنايته وإن كانت القيمة أقل فلا يلزمه أكثر منها، لأن ما يدفعه عوض عن العبد فلا يلزم أكثر من قيمته كما لو أتلفه.

والرواية الثانية: يفديه بأرش جنايته بالغا ما بلغ، لأنه ربما يرغب فيه راغب فيشتريه بأكثر من قيمته فإذا فداه

(1)

فهو رهن بحاله لأن حق المرتهن قائم لوجود سببه وإنما قدم حق المجنى عليه لقوته.

فإذا زال ظهر حكم الرهن كحق من لا رهن له مع حق المرتهن فى تركة المفلس إذا سقط المرتهن حقه ظهر حكم الآخر. فإن امتنع قيل للمرتهن أنت مخير بين فدائه وبين تسليمه. فإن اختار فداءه فبكم يفديه؟ على الروايتين.

فإن فداه بإذن الراهن رجع به عليه لأنه أدى الحق عنه بإذنه فرجع به كما لو قضى دينه بإذنه.

وإن فداه متبرعا لم يرجع بشئ. وإن نوى الرجوع فهل يرجع بذلك؟ على وجهين، بناء على ما قضى دينه بغير إذنه.

وإن زاد فى الفداء على الواجب لم يرجع به وجها. واحدا ومذهب الشافعى كما ذكرنا فى هذا الفصل، إلا أنه لا يرجع بما فداه به بغير إذنه قولا واحدا. وإن شرط له الراهن الرجوع رجع قولا واحدا. وإن قضاه بإذنه من غير شرط الرجوع ففيه وجهان.

فإن فداه به وشرط أن يكون رهنا بالفداء مع الدين الأول، فقال القاضى: يجوز ذلك لأن المجنى عليه يملك بيع العبد وإبطال الرهن فصار بمنزلة الرهن الجائز قبل قبضه والزيادة فى دين الرهن قبل لزومه جائزة ولأن أرش الجناية متعلق به وإنما ينتقل من الجناية إلى الرهن.

(1)

المرجع السابق لابن قدامة ج 4 ص 412، 413 الطبعة السابقة.

ص: 104

ويحتمل ألا يصح، لأن العبد رهن بدين فلا يجوز رهنه ثانيا بدين سواء كما لو رهنه بدين سوى هذا.

وذهب أبو حنيفة إلى أن ضمان جناية الرهن على المرتهن فإن فداه لم يرجع بالفداء وإن فداه الراهن أو بيع فى الجناية سقط دين الرهن إن كان بقدر الفداء وبناء على أصله فى أن الرهن من ضمان المرتهن. وإذا لم يفد الجانى فبيع فى الجناية التى تستغرق قيمته بطل الرهن وإن لم تستغرقها بيع منه بقدر أرش الجناية وباقيه رهن إلا أن يتعذر بيع بعضه فيباع الكل ويجعل بقية الثمن رهنا.

وقال أبو الخطاب هل يباع منه بقدر الجناية أم يباع جميعه ويكون الفاضل من ثمنه عن أرش جنايته رهنا؟ على وجهين.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(1)

أن جناية المرهون لا تخرجه عن صحة الرهنية والضمان على المرتهن ما دام فى يده، إلا أن يكون الرهن عبدا ويجنى ما يجب القصاص فيه من النفس أيضا.

ويختار المستحق للقصاص أخذ العبد لقتله أو لاسترقاقه أو لبيعه أو لما شاء ويسلم لذلك، أو كانت لا توجب القصاص بأن تكون خطأ، أو على ماله عمدا أو خطأ، أو توجبه فيما دون النفس، واختار السيد التسليم للعبد بجنايته، والمالك متمكنا من الإيفاء لما رهن العبد فيه من الدين الحال، أو لم يكن حالا بل مؤجلا والمالك متمكنا من الإبدال للعبد الجانى برهن آخر مساو لقيمة العبد فإنه يخرج بها عن الرهنية.

والضمان متى سلم للمجنى عليه فإن كان المالك معسرا بقى الرهن فى يد المرتهن حتى يجد الراهن الوفاء أو البدل، ولا يكون للمجنى عليه المطالبة بجنايته فى هذه الحال لقوة حق المرتهن. وإنما كان حق المرتهن أقوى لأن دينه أقدم، وهو متعلق بذمة الراهن وعين الرهن بخلاف المجنى عليه. فإن تعذر الوفاء والبدل بيع العبد بالدين مع بيان عيبه إن وجد من يشتريه مع ذلك.

ويقال للمجنى عليه اتبع العبد، لأن البيع هنا ليس باختيار من السيد لنقل الأرش إلى ذمته لكونه ملجأ إلى بيعه لحق المرتهن. وسواء كانت الجناية توجب القصاص أو الأرش فقط فإنهما يؤخران حتى يستوفى المرتهن فإن لم يوجد من يشتريه نجم الدين على الراهن إن أمكنه بدون تكسب إذ لا يجب عليه التكسب هنا.

فإن لم يمكنه استسعى العبد بقدر الدين ثم يتبعه المجنى عليه.

وكذلك يصح الرهن ويكون مضمونا على المرتهن لو تقدمت جناية العبد على العقد للرهن لم تمنع صحة الرهن والضمان لتعلق حق المجنى عليه بالرقبة وحق المرتهن بالثمن وصح بيعه مع وجوب

(1)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى ج 3 ص 242، 243 طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه الطبعة الأولى سنة 1366 هـ.

ص: 105

القصاص عليه فى النفس لأن له مع ذلك قيمة إذ يصح أن يشتريه مشتر ليعتقه.

ولم يجعل أهل المذهب رهنه مع العلم بجنايته اختيارا لنقل الأرش إلى ذمته كما لو لم يجعلوا تأجيره مع جنايته اختيارا لنقل الأرش إلى ذمة السيد إذ لو كان اختيارا لنقل الأرش إلى ذمته لم يكن له أن يختار تسليمه للمجنى عليه ويسلم دين المرتهن أو يبدل رهنا مع أن له ذلك بلا إشكال.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الإسلام

(1)

أنه لو قتل العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه. فإن قتل جاز. وإن طلب الدية تعلقت برقبة الجانى.

فإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه ولا يضمنه مولاه. لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية وإن كانت قيمة القاتل أكثر فلمولاه منه بقدر قيمة المقتول.

وإن كانت قيمته أقل فلمولى المقتول قتله أو استرقاقه. ولا يضمن مولى القاتل شيئا إذ المولى لا يعقل عبدا.

ولو كان القتل خطأ كان مولى القاتل بالخيار بين فكه بقيمته ولا تخيير لمولى المجنى عليه وبين دفعه، وله منه ما يفضل عن قيمة المقتول وليس عليه ما يعوز. ولو اختلف الجانى ومولى العبد فى قيمته يوم قتل فالقول قول الجانى مع يمينه إذا لم يكن للمولى بينة. والمدبر كالقن ولو قتل عمدا قتل. وإن شاء الولى استرقاقه كان له. وإن قتل خطأ فإن فكه مولاه بأرش الجناية وإلا سلمه للرق.

وجاء فى موضع آخر

(2)

أنه إذا جنى المرهون عمدا تعلقت الجناية برقبته وكان حق المجنى عليه أولى به.

وإن جنى خطأ فإن فكه بقى رهنا وإن سلمه كان للمجنى عليه منه بقدر أرش الجناية والباقى رهن وإن استوعبت الجناية قيمته كان المجنى عليه أولى به من المرتهن.

ولو جنى على مولاه عمدا اقتص منه ولا يخرج عن الرهانة. ولو كانت الجناية نفسا جاز قتله.

أما لو كانت خطأ لم يكن لمولاه عليه شئ وبقى رهنا. ولو كانت الجناية على من يرثه المالك ثبت للمالك ما يثبت للمورث من القصاص أو انتزاعه فى الخطإ أن استوعبت الجناية قيمته أو إطلاق ما قابل الجناية إن لم يستوعب.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى الديوان

(3)

أن قتل العبد المرهون المرتهن فهو للورثة فإن شاءوا قتلوه وذهب بما فيه أو باعوه وأخذوا ثمنه ولو أكثر من الدية. وإذا باعوه ولم

(1)

شرائع الإسلام فى الفقه الجعفرى الامامى للمحقق الحلى ج 2 ص 270 طبع مطبعة دار مكتبة الحياة ببيروت اشراف العلامة الشيخ جواد مغنيه.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 197، 198 نفس الطبعة المتقدمة.

(3)

شرح النيل ج 5 ص 560 وما بعدها.

ص: 106

يعفوا عنه فلهم قتله ويغرموا قيمته للمشترى إن لم يعلم أنه جان.

وقيل لا يجوز قتله إذا باعوه وإن اعتقوه من الرق والقتل لم يجز لهم قتله. وإن قتلوه قتلوا به.

وإن أعتقوه من الرق فلهم قتله. وإن أعطوه الرهن فجائز. وإن قال لهم الراهن خذوا ما رهن فيه مع دية وارثكم فردوه لى فأبوا من ذلك فلا يشتغلوا بالراهن فى ذلك.

وكذلك إن أراد الراهن أن يفديه بالدين أو بالدية فقالوا له أفده بهما جميعا فالقول قول الورثة. فإن أراد أن يفديه أفداه ولا يجبر على ذلك. وإن استعفوا بذلك العبد فلا ينفسخ وقد خرج من الرهن حين قتل وارثهم ولا يدرك فيه غرماء الراهن شيئا.

ثم قال: وأن قتل المرتهن خطأ فهو للورثة على حسب ما ذكرنا الا القتل فلا يقتلوه.

وإن جرح المرتهن جرحا يحيط بثمنه عمدا أو خطأ فقيل العبد له بجنايته وذهب ماله.

وقيل: هو باق فى حكم الرهن ولا يدرك الجناية.

وإن كان الجرح أقل من قيمة العبد ومن قيمة الرهن فالرهن فيما بقى من الدين. فإذا حل الأجل استوفى منه أرش الجرح وما بقى له من دينه. وإن استنفع به كذلك انفسخ. وإن أفسد الرهن فى مال المرتهن فإنه ينظر إلى فساده.

فإن كان الفساد مقدار الدين أو مقدار قيمة الرهن فليبيعوه ويستوفوا من ثمنه قيمة الفساد وذهب الدين. فإن كانت قيمة الفساد مقدار قيمة العبد أو أقل من الدين ذهب من الدين ما قابل رقبة العبد ويتبعه بالباقى ويبيع العبد ويستوفى من ثمنه ما فضل عن العبد. وإن كان الفساد أكثر وأقل من قيمة العبد ذهب ماله ويبيع العبد ويستوفى من ثمنه قيمة الفساد.

وجائز له بيعه بغير إذن الراهن ولا ينظر إلى أجل بيع الرهن الأول، لأنه قد انفسخ.

فإن استنفع به فلا يرجع للراهن وهو أحق به من الغرماء. وإن أراد الراهن أن يفديه بجنايته كلها وأراد المرتهن بيعه فالقول قول الراهن. وإن قتل العبد المرهون ولى المرتهن مثل أبيه أو ابنه أو غيرهما فإنه إن أراد أن يقتله بوليه قتله وذهب ماله. وإن أراد بيعه باعه واستوفى من ثمنه رأس ماله على حسب ما ذكرنا من قتله للمرتهن.

إلا إن كان للمقتول أولياء غير المرتهن فصاروا فى الجناية سواء فيكون العبد بينهم وذهب دينه إن قتل. وإن قتل العبد الراهن ذهب دين المرتهن ويرجع العبد إلى ورثة الراهن.

فإن شاءوا قتلوه بوارثهم وإن شاءوا أمسكوه.

وإن أراد المرتهن أن يفديه بقيمته فقال له الورثة لا تفديه إلا بدية وارثنا فالقول قول الورثة.

فإن أفداه بالدية وباعه فليستوف من ثمنه ما أدى من الدية. وإن لم يجد فى ثمنه ما أدى من الدية فلا يدرك على الورثة أكثر من ثمنه لغيره بأكثر من الدية فليس ذلك الأكثر للورثة ولا يقضيه فى ماله، لأنه قد ذهب بدينه ولا بجنايته.

ص: 107

وكذلك إن قتل الراهن خطأ إلا فى القتل فلا يقتل.

وكذلك إن جرح الراهن عمدا أو خطأ جرحا يحيط بدينه أو أفسد فى ماله أكثر من الدين فإن الرهن منفسخ. فإن أراد المرتهن أن يفديه بأرش الجناية فله ذلك وإن كانت جنايته أقل من دينه فهو ثابت فيما بقى من دينه.

وكذلك إن قتل ولى الراهن على هذا الحال.

وإن قتل الأجنبى فلورثته أن يقتلوه بوارثهم وذهب مال المرتهن.

وكذلك إن قتله بالخطإ فهو لورثته أيضا.

وكذلك إن جرحه جرحا يحيط بثمنه عمدا أو خطأ فقد ذهب مال المرتهن ويكون بيد المرتهن ويغرمه الجريح أرش جرحه إن شاء. وإن شاء أن يغرم الراهن غرمه. وإن غرمه ما يقابل ما عليه من الدين أو أكثر منه فإنه يرجع إليه رهنه.

ومنهم من يقول: يكون العبد بيد المجروح إن شاء باعه وإن شاء أمسكه. وإن أراد الراهن أو المرتهن أن يفديه بجنايته كلها فله ذلك. فإن أفداه الراهن فله ذلك، وذهب مال المرتهن.

وإن أفداه المرتهن ثبت فى يده ويبيعه وقت ما أراد ويستوفى منه ما أفداه به وذهب ما رهن فيه.

فإن استنفع فلا ينفسخ لأنه قد خرج من الرهن.

وقال آخرون: إن أفداه صار رهنا فى الدين الأول على شروطه الأولى. وإن قال الراهن للمرتهن أفدى رهنى من الأجنبى فأبى من ذلك فلا يجبر.

وكذلك إن قال له المرتهن أفده على هذا الحال.

وإن أفداه المرتهن فمات أو تلف فى يده فقد ذهب ماله ولا يدرك على الراهن ما أفداه به.

وإن تبين لهما أن أصل الرهن لم يصح فلا يذهب من ماله شئ ويرجع بماله على الراهن وبما أفداه.

وإن أفسد العبد المرهون فى أموال الناس أكثر من قيمته فمن أراد أن يفديه بين الراهن والمرتهن فليس عليه أكثر من رقبته. فإن أفداه الراهن والدين مثل قيمة العبد أو أقل ذهب مال المرتهن ورجع العبد إلى الراهن.

وإن كان الدين أكثر من قيمته صار رهنا ثابتا فيما زاد من الدين على قيمته. وإن باعه فليستوف المرتهن ما زاد من الدين على قيمته.

وإن أفداه المرتهن بأكثر من الدين أو بأقل أو مثله صار رهنا فى يده وإن جاء الأجل باعه واستوفى من ثمنه ما هو أكثر ما أفداه به أو الدين.

وإن أفداه كل واحد منهما على حدة ولم يعلم بفداء الآخر فإنما يستوفى من أفداه أولا من ثمنه ما أفداه به ويرجع الآخر بماله على من أعطاه له.

وإن لم يعلم من أفداه أولا فهو موقوف بينهم حتى يتبين ذلك. ومن ادعى أنه أفداه أولا فلا يشتغل به إلا بالنية.

وكذا إن مات صاحب المال الذى أفسده العبد المرهون فورثه أحدهما أو ترك له ذلك الفساد صار ذلك بمنزلة الفداء ..

ص: 108

‌إفراد

‌التعريف فى اللغة:

إفراد مصدر للفعل أفرد المزيد بالهمزة ومادته فرد. قال فى لسان العرب

(1)

الفرد فى صفات الله سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد، الذى لا نظير له ولا مثل ولا ثانى.

والفرد الوتر.

والجمع أفراد وفرادى على غير قياس.

والفرد نصف الزوج.

وفرد بالأمر يفرد وتفرد وانفرد واستفرد.

واستفرد فلانا انفرد به.

قال أبو زيد: فردت بهذا الأمر أفرد به فرودا إذا انفردت به.

ويقال: استفردت الشئ إذا أخذته فردا لا ثانى له ولا مثل.

وقال الليث: الفرد ما كان وحده، يقال:

فرد يفرد، وأفردته جعلته واحدا وعددت الجوز أو الدراهم أفرادا أى واحدا واحدا.

ويقال: فرد برأيه وأفرد وفرد واستفرد بمعنى انفرد به. وأفردته عزلته وأفردت إليه رسولا.

وأفردت الأنثى وضعت واحدا.

‌التعريف فى الشرع:

لا يكاد استعمال الفقهاء للفظ إفراد يغاير التعريف اللغوى، فهم يستعملون الإفراد بمعنى جعل الشئ مفردا أى واحدا دون ضم أى شئ آخر معه. ومن ذلك ما قيل فى إفراد الحج.

فقد جاء فى الحطاب

(2)

: أن الإفراد فى الحج هو أن يأتى بالحج وحده.

وفى البحر الزخار

(3)

: وضع الإحرام على الحج فقط.

ومن ذلك أيضا ما جاء فى باب البيوع من المغنى لابن قدامة

(4)

رحمه الله قوله: لو أبر بعض

(1)

لسان العرب للإمام العلامة أبى الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ج 14 ص 331، 332 مادة فرد طبع مطبعة دار صادر دار بيروت للطباعة والنشر سنة 1374 هـ سنة 1955 م.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل مع للحطاب وبهامشه التاج والإكليل ج 3 ص 49 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.

(3)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى ج 2 ص 330 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1361 هـ سنة 1948 م الطبعة الأولى.

(4)

كتاب المغنى لأبى موفق الدين بن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير لأبى عمر بن احمد المقدسى ج 4 ص 192، وما بعدها طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1345 هـ الطبعة الأولى.

ص: 109

الحائط فأفرد بالبيع ما لم يؤبر فللمبيع حكمه.

ومن ذلك أيضا ما جاء فى بدائع الصنائع

(1)

فى الوصية: من أن الموصى إذا أفرد ملك النفعة بالوصية صحت الوصية بها منفردة، خلافا لما رآه ابن أبى ليلى.

ومن ذلك ما جاء فى المحلى

(2)

لابن حزم الظاهرى رحمه الله تعالى: «أن من أعطى شيئا غير معين من جملة أو عددا كذلك أو زرعا كذلك أو وزنا كذلك أو كيلا كذلك فهو باطل لا يجوز به، مثل أن يعطى درهما من هذه الدراهم أو دابة من هذه الدواب لأنه لم يوقع الهبة على شئ أبانه عن ملكه. لما روى أن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه كتب أنه لا يجوز من النحل إلا ما أفرد. والأمثلة كثيرة فى الأبواب المختلفة من كتب الفقه.

‌حكم أفراد كل من المضمضة والاستنشاق

بماء واحد على حده

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(3)

أن من سنن الوضوء عند الحنفية المضمضة والاستنشاق وقال أصحاب الحديث ومنهم أحمد بن حنبل هما فرضان فى الوضوء والغسل جميعا.

ولنا أن الواجب فى باب الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس وداخل الأنف، والفم ليس من جملتها.

ومن السنن الترتيب فى المضمضة والأستنشاق وهو تقديم المضمضة على الاستنشاق، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يواظب على التقديم.

ومن السنن كذلك إفراد كل واحد من المضمضة والاستنشاق بماء على حدة عندنا.

وعند الشافعى رحمه الله تعالى السنة الجمع بينهما بماء واحد، بأن يأخذ الماء بكفه فيتمضمض ببعضه ويستنشق ببعضه. واحتج بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق بكف واحد.

ويدل لنا أن الذين حكوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا لكل واحد منهما ماء جديدا، ولأنهما عضوان منفردان فيفرد كل واحد منهما على حدة كسائر الأعضاء.

وما رواه الشافعى رحمه الله تعالى محتمل يحتمل أنه تمضمض واستنشق بكف واحد بماء واحد.

ويحتمل أنه فعل ذلك بماء على حدة فلا يكون حجة مع الاحتمال. أو يرد المحتمل إلى المحكم وهو ما ذكرنا توفيقا بين الدليلين.

(1)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 352 وما بعدها طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.

(2)

كتاب المحلى للإمام أبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم الظاهرى ج 9 ص 152 مسألة رقم 1634 طبع مطبعة النهضة بمصر إدارة الطباعة المنيرية الطبعة الأولى سنة 1347 هـ.

(3)

بدائع الصنائع ج 1 ص 21

ص: 110

وذكر صاحب فتح القدير

(1)

أن كيفية المضمضة والاستنشاق أن يمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك وهو المحكى من وضوئه صلى الله عليه وسلم. ثم قال صاحب فتح القدير: جميع من حكى وضوء النبى صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا اثنان وعشرون نفرا.

ومنها عن ابن عباس رضى الله عنهما فى البخارى فعلا وفيه: أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق.

وحديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليامى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا .. إلى آخر ما ذكره صاحب فتح القدير من بقية الأحاديث التى أشار إليها.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(2)

من سنن الوضوء المضمضة والاستنشاق قال خليل وفعلهما بست أفضل وجازا، أو إحداهما بغرفة قال الحطاب: يعنى أن المضمضة والاستنشاق بست غرفات أفضل من بقية الصور المذكورة بعد ذلك.

وظاهر كلام خليل فى التوضيح وابن رشد فى شرح ابن الحاجب وابن عبد السلام: إن فعلهما بست متفق على أنه الأفضل. وحكى الباجى فى ذلك عن الأصحاب قولين:

أحدهما: ما ذكره خليل.

والثانى: أن الأفضل أن يأتى بثلاث غرفات فى كل مضمضة واستنشاق.

قال الحطاب واختار ابن رشد هذا القول الثانى. وجعل ما ذكر خليل أنه الأفضل من الجائز ولم يحك فى ذلك خلافا.

قال فى رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب الاختيار أن يأخذ غرفة يمضمض بها ويستنشق ثم يأخذ أخرى يمضمض بها ويستنشق بها ثم غرفة ثالثة يمضمض ويستنشق على ظاهر الحديث وإن شاء مضمض ثلاثا بغرفة واحدة أو بثلاث غرفات ثم استنشق ثلاثا بغرفة واحدة أو بثلاث غرفات الأمر فى ذلك واسع واتباع ظاهر الحديث أولى.

ونقله ابن عرفة باختصار فقال الباجى فى كون الأولى فعلهما من غرفة واحدة ثلاثا أو لكل واحدة ثلاث قولا. أصحابنا فى فهم قول مالك بن رشد الأول أولى. وإذا قلنا الأكمل أن يتمضمض ويستنشق بست غرفات فقال البساطى ذلك على وجهين:

أحدهما: أن يتمضمض بثلاث على الولاء ثم يستنشق كذلك.

والثانى: أن يتمضمض بغرفة ثم يستنشق بغرفة كذلك.

قال الحطاب ولم أقف على من ذكر هذا الوجه الثانى فيما أتى بهما بست غرفات بل الذى يظهر من

(1)

الهداية وشروحها فتح القدير والعناية ج 1 ص 16، 17.

(2)

الحطاب ج 1 ص 246، 247.

ص: 111

كلامهم هو الوجه الأول.

قال فى الطراز: لما ذكر القول الذى اختاره خليل ما نصه الوجه الثانى: أن يأتى بالمضمضة ثلاثا نسقا من ثلاث غرفات ثم الاستنثار كذلك.

ويظهر ذلك من كلام ابن رشد السابق وكلام ابن الفاكهانى الآتى.

وقد يؤخذ جواز ما ذكره البساطى من كلام خليل فى التوضيح فيما إذا جمع المضمضة والأستنشاق فى غرفة واحدة. فإنه قال: وذلك يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يتمضمض بها أولا ثلاثا ثم يستنشق كذلك.

والثانى: أن يتمضمض ثم يستنشق ثم يتمضمض ثم يستنشق ثم كذلك وإلى هذه الصورة أشار خليل بقوله: وجازا بغرفة.

قال فى العارضة أخبرنى شيخنا محمد بن يوسف القيسى قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام فقلت له: أجمع بين المضمضة والاستنشاق فى غرفة واحدة؟ فقال: نعم. وقوله: أو إحداهما يشير إلى أنه يجوز أن يتمضمض ثلاث مرات بغرفة واحدة ثم يستنشق ثلاثا بغرفة واحدة.

ولم يذكر خليل الوجه الثانى فى كلام الباجى الذى اختاره ابن رشد ولم يشر إليه ولا فى الجائزات ويتعين ذكره لاختيار ابن رشد له.

ذكر الفاكهانى فى شرح الرسالة أن اختيار مالك أن يتمضمض ثلاثا من غرفة ثم يستنشق ثلاثا من غرفة قال: وهو أولى ليكون الاستنشاق كله بعد المضمضة كلها ويسلم من التنكيس وهو غريب أعنى كونه اختيار مالك.

بقى من صفات المضمضة والاستنشاق صفة لم أقف على من ذكرها وهو أن يأخذ غرفة فيتمضمض منها مرتين ثم غرفة ثانية فيتمضمض منها الثالثة ثم يستنشق منها المرة الأولى ثم غرفة ثالثة يستنشق منها مرتين والظاهر جوازها.

وقال فى الطراز: ويستحب أن يتمضمض ويستنشق بيمناه وهو متفق عليه ومأثور فى وضوء النبى صلى الله عليه وسلم.

وقال فى الزاهى: وحمل الماء لذلك يعنى للمضمضة والاستنشاق باليمنى خاصة.

وقال فى الزاهى: من لم يستطع ذلك يعنى المضمضة والاستنشاق من علة تمنعه منه لم يلزمه.

قال الفاكهانى فى شرح قول الرسالة: يجزيه أقل من ثلاث فى المضمضة والاستنشاق، هذا لا يختص بالمضمضة والاستنشاق، أعنى الاقتصار على ثلاث فإن مغسولات الوضوء كلها كذلك وكان مراده والله تعالى أعلم بقوله أحسن، أى أحسن من الاثنين لا أحسن من الواحدة، إذ الاقتصار على الواحدة مكروه وليس بين الكراهة والحسن صيغة أفعل. ولو قال: ويجزيه الاقتصار على الاثنين لكان أبين.

وقال الشيخ زروق فى شرح قول الرسالة أيضا ويجزيه أقل من ثلاث فى المضمضة والاستنشاق ويعنى بحيث يفعل لكل واحدة واحدة أو لواحدة أكثر من الأخرى وأثنتين اثنتين وسواء الفعلات وهو

ص: 112

المقصود هنا أو الغرفات

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

: المستحب أن يتمضمض ويستنشق والمضمضة أن يجعل الماء فى فيه ويديره ثم يمجه.

والاستنشاق أن يجعل الماء فى أنفه ويمده بنفسه إلى خياشيمه ثم يستنثر. لما روى عمرو بن عنبسة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ثم يستنشق ويستنثر إلا جرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء.

والمستحب أن يبالغ فيهما لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبره: أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ فى الاستنشاق الا أن تكون صائما ولا يستقصى فى المبالغة فيكون سعوطا. فإن كان صائما لم يبالغ للخبر. وهل يجمع بينهما أو يفصل؟

قال فى الأم: يجمع، لأن على بن أبى طالب عليه السلام وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد وقال فى البويطى يفصل بينهما لما روى طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق ولأن الفصل أبلغ فى النظافة فكان أولى.

واختلف أصحابنا فى كيفية الجمع والفصل.

فقال بعضهم على قوله فى الأم يغرف غرفة واحدة فيتمضمض منها ثلاثا ويستنشق منها ثلاثا ويبدأ بالمضمضة.

وعلى رواية البويطى يغرف غرفة فيتمضمض منها ويستنشق ثم يغرف غرفة أخرى فيتمضمض منها ويستنشق ثم يغرف غرفة ثالثة فيتمضمض منها ويستنشق فيجمع فى كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق. وعلى رواية البويطى يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق.

والأول: أشبه بكلام الشافعى رحمه الله تعالى، لأنه قال يغرف غرفة لفيه وأنفه.

والثانى: أصح لأنه أمكن.

فإن ترك المضمضة والاستنشاق جاز لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابى: توضأ كما أمرك الله تعالى وليس فيما أمر الله تعالى المضمضة ولا الاستنشاق ولأنه عضو باطن دونه حائل معتاد فلا يجب غسله كالعين.

‌مذهب الحنابلة:

‌إفراد المضمضة والاستنشاق:

قال فى المغنى

(3)

: يستحب أن يتمضمض ويستنشق بيمناه ثم يستنثر بيسراه. لما روى عن

(1)

كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل تأليف إمام المالكية: أبى عبد الله محمد المعروف بالحطاب ج 1 ص 247 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المهذب للإمام ابى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزبادى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب للعلامة محمد أحمد بن بطال الركبى ج 1 ص 15، 16، وما بعدها طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر مطبعة دار إحياء الكتب العربية سنة 1375 هـ.

(3)

كتاب المغنى لأبى موفق الدين بن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير للمقدسى ج 1 ص 104، 105، 106، وما بعدها طبع طبعة المنار بمصر سنة 1345 هـ الطبعة الأولى.

ص: 113

عثمان رضى الله عنه أنه توضأ فدعى بماء فغسل يديه ثلاثا ثم غرف بيمينه ثم رفعها إلى فيه فمضمض واستنشق بكف واحدة واستنثر بيسراه فعل ذلك ثلاثا ثم ذكر سائر الوضوء. ثم قال: أن النبى صلى الله عليه وسلم توضأ لنا كما توضأت لكم فمن كان سائلا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا وضوءه، رواه سعيد بن منصور بإسناده.

وعن على رضى الله عنه أنه أدخل يده اليمنى فى الإناء فملأ كفه فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى فعل ذلك ثلاثا ثم قال هذا وضوء نبى الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو بكر فى الشافى والنسائى.

ويستحب أن يتمضمض ويستنشق من كف واحد يجمع بينهما. قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل أيما أعجب إليك المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة أو كل واحدة منهما على حدة؟ قال بغرفة واحدة. وذلك لما ذكرنا من حديث عثمان وعلى رضى الله عنهما.

وفى حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل يديه فى التنور فمضمض واستنثر ثلاث مرات يمضمض ويستنثر من غرفة واحدة رواه سعيد. وفى لفظ تمضمض واستنثر ثلاثا ثلاثا من غرفة واحدة رواه البخارى.

وفى لفظ فتمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا متفق عليه. وفى لفظ أنه مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات متفق عليه.

وفى لفظ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحدة رواه الأثرم وابن ماجه.

فإن شاء المتوضئ تمضمض واستنشق من ثلاث غرفات. وإن شاء فعل ذلك بغرفة واحدة، لما ذكرنا من الأحاديث.

وإن أفرد المضمضة بثلاث غرفات والاستنشاق بثلاث جاز، لأنه قد روى فى حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه فصل بين المضمضة والاستنشاق رواه أبو داود ولأن الكيفية فى الغسل غير واجبة.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم

(1)

الظاهرى فى المحلى: وصفة الوضوء أنه إن كان انتبه من نومه فعليه أن يغسل يديه ثلاثا وان يستنشق وان يستنثر ثلاثا ليطرد الشيطان عن خيشومه، ثم يختار له أن يتمضمض ثلاثا وليست المضمضة فرضا وإن تركها فوضوءه تام وصلاته تامة، ثم يضع الماء فى أنفه ويجبذه بنفسه ولا بد ثم ينثره بأصابعه ولا بد مرة فإن فعل الثانية والثالثة فحسن.

وهما فرضان لا يجزى الوضوء ولا الصلاة دونهما لا عمدا ولا نسيانا ثم يغسل وجهه إلى آخر ما ذكره ابن حزم فى صفة الوضوء.

ثم قال: أما قولنا فى المضمضة فلم يصح بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر، وإنما هى فعل فعله النبى صلى الله عليه وسلم وأفعاله صلى الله

(1)

كتاب المحلى لابن سعيد بن على بن حزم الظاهرى الأندلس ج 2 ص 48، ص 49 مسألة رقم 198 طبع مطابع مطبعة إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1948 هـ.

ص: 114

عليه وسلم ليست فرضا وإنما فيها الإيتساء به عليه السلام.

وأما الاستنشاق والاستنثار فقد روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ أحدكم فليجعل فى فمه ماء ثم ليستنثر.

‌مذهب الزيدية:

‌إفراد المضمضة والاستنشاق:

قال فى الأزهار

(1)

: الفرض الرابع المضمضة وهى جعل الماء فى الفم والاستنشاق وهو استصعاد الماء فى المنخرين فإنهما من تمام غسل الوجه، وإذا ثبت وجوبهما فالواجب أن يكون بالدلك.

ثم قال فى موضع آخر

(2)

والثانى من سنن الوضوء الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة فإنه مسنون عند يحيى عليه السلام والغرفة. بفتح الغين المرة الواحدة من الاغتراف ذكره فى الصحاح والضياء.

واختلف فى تفسيره. فقيل: المراد الجمع من غرفة واحدة - بكف واحد وإلا لم يكن متسننا - ويكرر ذلك فى ثلاث غرفات عند الهادى عليه السلام وهذا هو الظاهر.

وقيل: المراد غرفة لهما يأخذ منها ثلاث مرات.

قال المهدى عليه السلام وهو ضعيف جدّا لأن الكف لا يتسع لذلك ولا تأتى الثالثة إلا وقد ذهب ما فيه إلا قليلا.

وقال المؤيد بالله إن الجمع غير مسنون بل قال المسنون التفريق وأنه يؤخذ للأنف ماء جديد.

وقد روى صاحب الروض النضير

(3)

ما رواه ابن حجر فى التلخيص فقال فى سياق الروايات الدالة على إفراد المضمضة والاستنشاق ما لفظه.

وقد روى عن على بن أبى طالب أيضا فى الجمع. ففى مسند أحمد عن على أنه دعا بماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثا وتمضمض وأدخل بعض أصابعه فى فيه واستنشق ثلاثا انتهى.

ثم أورد فيه حديث على عليه السلام من طرق متعددة فقال وأما حديث على فى صفة الوضوء فله عنه طرق: أحدها عن أبى حية بالحاء المهملة والياء المثناه من تحت قال رأيت عليا توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا إلخ.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى اللمعة الدمشقية

(4)

والمضمضة وهى إدخال الماء الفم وإدارته فيه والاستنشاق وهو جذبه إلى داخل الأنف وتثليثهما بأن يفعل كل واحد منهما ثلاثا ولو بغرفة واحدة وبثلاث أفضل وكذا.

(1)

كتاب شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار ج 1 ص 85 وما بعدها مع الحاشية طبع بمطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ الطبعة الأولى.

(2)

المرجع السابق ج 2، ص 90 ج 91 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 1 ص 123 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الأولى.

(4)

اللمعة الدمشقية ج 1 ص 79 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 115

يستحب تقديم المضمضة أجمع على الاستنشاق والعطف بالواو لا يقتضيه، وتثنية الغسلات الثلاث بعد تمام الغسلة الأولى فى المشهور وأنكرها الصدوق؛ والدعاء عند كل فعل من الأفعال الواجبة والمستحبة المتقدمة بالمأثور.

وجاء فى العروة الوثقى

(1)

: المضمضة والاستنشاق كل منهما ثلاث مرات بثلاث أكف يكفى الكف الواحدة أيضا لكل من الثلاث.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى النيل

(2)

: قال صاحب كتاب النيل ومن تعمد ترك المضمضة والاستنشاق أعاد الوضوء اتفاقا.

ثم قال ومن رعف واستنشق بلا قصد لغسل الأنف أولا فإن جعل الماء فى فيه وأنفه معا أى دفعة لا واحدا بعد آخر بل ذلك بأن يمضمض مرة ويستنشق مرة ثم يمضمض مرة ويستنشق فذلك ثلاثا ولم ير أولا ولا ثانيا ولا ثالثا للدم أثر فى عضو أو ثوب أجزاه مرتان للغسل ومرة للوضوء وان رآه أولا لا ثانيا ولا ثالثا أجزاه.

ثم قال وجوز الوضوء إن مضمض ثلاثا.

وفى المرتين أيضا قولان.

وفى الفم الأبحاث المذكورة فى الأنف كلها.

‌الإفراد فى الحج

.

‌مذهب الحنفية:

جاء فى العناية شرح الهداية بهامش فتح القدير

(3)

: اعلم أن المحرم على أربعة أنواع: مفرد بالحج وهو أن ينوى بقلبه أو يذكر بلسانه فيقول:

نويت الحج وأحرمت به لله تعالى ثم يلبى.

ومفرد بالعمرة وهو من ينوى العمرة بقلبه ويقول: لبيك بعمرة ثم يأتى بأفعالها.

وقارن وهو من يجمع بين العمرة والحج فى الإحرام فينوى بهما ويقول لبيك بحجة وعمرة ويأتى بأفعال العمرة ثم يأتى بأفعال الحج من غير تحلل بينهما، أو يدخل إحرام الحج على إحرام العمرة.

ومتمتع وهو من يأتى بأفعال العمرة فى أشهر الحج أو بأكثر طوافها ثم يحرم بالحج ويحج من عامه ذلك على وصف الصحة من غير أن يلم بأهله إلماما صحيحا.

وجاء فى المبسوط

(4)

: أن الإفراد هو أن يحج

(1)

كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى ج 1 ص 65 وما بعدها طبع مطبعة دار الكتب الإسلامية بطهران سنة 1388 هـ الطبعة الثانية.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 55، 56 وما بعدها طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر الطبعة الأولى.

(3)

العناية شرح الهداية على فتح القدير للامام أكمل الدين محمد بن محمود البابرتى وحاشية المولى سعد الله بن عيسى المفتى الشهير بسعدى جلبى وبسعدى أفندى ج 2 ص 199 وما بعدها طبع مطابع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1317 هـ الطبعة الأولى.

(4)

كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 25 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ الطبعة الأولى لمحمد أفندى ساس المغربى التونسى.

ص: 116

أولا ثم يعتمر بعد الفراغ من الحج أو يؤدى كل نسك فى سفر على حدة أو يكون أداء العمرة فى غير أشهر الحج.

‌منزلة الأفراد بين القران والتمتع:

جاء فى الهداية وشروحها

(1)

أن القران أفضل من التمتع والأفراد.

وقال الشافعى رحمه الله تعالى: الأفراد أفضل.

لقول النبى صلى الله عليه وسلم: القران رخصة ولأن فى الأفراد زيادة التلبية والسفر والحلق ويدل لنا قول النبى صلى الله عليه وسلم يآل محمد: آهلو بحجة وعمرة معا، ولأن فيه جمعا بين العبادتين فأشبه الصوم مع الاعتكاف والحراسة فى سبيل الله مع صلاة الليل.

والتلبية غير محصورة يعنى لا يلزم زيادتها فى الأفراد على القران لأنها غير محصورة ولا مقدر لكل نسك قدر منها فيجوز زيادة تلبية من قرن على من أفرد كما يجوز زيادة تلبية من أفرد على من قرن.

وكذلك السفر غير مقصود والحلق خروج عن العبادة فلا ترجيح بما ذكره الشافعى.

والمقصد بما روى من قول النبى صلى الله عليه وسلم: القران رخصة ففى قول أهل الجاهلية: إن العمرة فى أشهر الحج من أفجر الفجور فكان تجويز الشرع إياها فى أشهر الحج حتى لا تحتاج إلى وقت آخر.

وقد علق

(2)

صاحب حاشية سعد جلبى على قول صاحب الهداية القران أفضل من التمتع والأفراد بقوله: أقول: ثم المراد بالافراد يحتاج فيه إلى البيان. هل هو إفراد الحجة أو العمرة أو افراد كل واحد منهما على حدة بإحرام؟ قال فى النهاية:

المراد الثالث دون الأولين استدلالا بمواضع الاحتجاج فإنه قال من جهة الشافعى رحمه الله تعالى بأن فى الافراد زيادة التلبية والسفر والحلق وهذا لا يكون إلا بإحرام لكل واحد منهما.

وكذا روى عن محمد رحمه الله تعالى: أنه قال حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل عندى من القران.

فعلم بذلك أن الاختلاف الواقع فيه إنما هو فى أن الحج والعمرة كل واحد منهما على انفراد أفضل أو الجمع بينهما أفضل.

وفى فتح القدير: المراد بالإفراد فى الخلافية أن يأتى بكل منهما مفردا. خلافا لما روى عن محمد بن قوله حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل عندى من القران.

أما مع الاقتصار على إحداهما فلا إشكال أن

(1)

فتح القدير على الهداية وبهامشه العناية وحاشية سعد جلبى ج 2 ص 199 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1313 هـ الطبعة الأولى وحاشية الشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين المسماة رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار مع تقريرات للشيخ محمد العباسى المهدى ج 2 ص 260 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1323 هـ الطبعة الثالثة.

(2)

حاشية سعد جلبى فى كتاب على هامش فتح القدير ومعه العناية على الهداية للبابرتى ج 2 ص 199 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 117

القران أفضل بلا خلاف. وحقيقة الخلاف ترجع إلى الخلاف فى أن النبى هل كان فى حجته قارنا أو مفردا أو متمتعا.

اختلفت الأمة فى إحرامه صلى الله عليه وسلم.

فذهب قائلون إلى أنه صلى الله عليه وسلم أحرم مفردا ولم يعتمد فى سفرته تلك.

وذهب آخرون إلى أنه صلى الله عليه وسلم أفرد واعتمر فيها من التنعيم. وذهب آخرون إلى أنه تمتع ولم يحل لأنه ساق الهدى. وذهب آخرون إلى أنه تمتع وحل. وذهب آخرون إلى أنه صلى الله عليه وسلم قرن فطاف طوافا واحدا وسعى سعيا واحدا لحجته وعمرته. وذهب آخرون إلى أنه صلى الله عليه وسلم قرن فطاف طوافين وسعى سعيين لهما وهذا مذهب علمائنا رحمهم الله تعالى.

ووجه الأول ما فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة.

فهذا التقسيم يفيد أن من أهل بالحج لم يضم إليه غيره.

ولمسلم عنها أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا.

وللبخارى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج وحده.

وفى سنن ابن ماجه عن جابر رضى الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.

وللبخارى عن عروة بن الزبير رضى الله تعالى عنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتنى عائشة رضى الله تعالى عنها أن أول شئ بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة.

ثم حج عمر رضى الله تعالى عنه مثل ذلك.

ثم حج عثمان رضى الله تعالى عنه فرأيته أول شئ بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت.

ثم حج أبو بكر رضى الله تعالى عنه فكان أول شئ بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة.

ثم معاوية وعبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما. ثم حججت مع أبى الزبير بن العوام رضى الله تعالى عنه وكان أول شئ بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة. ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لم تكن عمره. ثم آخر من رأيت يفعل ذلك ابن عمر رضى الله تعالى عنه ثم لم ينقضها بعمرة ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون بشئ حين يضعون أقدامهم أول من الطواف ثم لا يحلون، وقد رأيت أمى وخالتى حين تقدمان لا تبدآن بشئ أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان. فهذه كلها تدل على أنه أفرد ولم ينقل أحد مع كثرة ما نقل أنه اعتمر بعده فلا يجوز الحكم بأنه فعله.

ومن ادعاه فإنما اعتمد على ما رأى من فعل الناس فى هذا الزمان من اعتمارهم بعد الحج من التنعيم فلا يلتفت إليه ولا يعول عليه.

ووجه القائلين بأن النبى صلى الله عليه وسلم

ص: 118

كان متمتعا، هو ما فى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى فساق معه الهدى من ذى الحليفة فلما قدم مكة قال للناس أمن كان منكم أهدى فلا يحل من شئ حرم منه حتى يقضى حجة ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليحلل ثم يهل بالحج وليهد. ولم يحلل من شئ حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه.

ثم ساق صاحب فتح القدير

(1)

كثيرا من الأحاديث التى استدل بها أصحاب كل رأى. ثم ذكر دليل أفضلية القران على الإفراد. فقال: لم يختلف على أنس رضى الله تعالى عنه أحد من الرواة فى أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا. قالوا: اتفق عن أنس رضى الله عنه ستة عشر راويا أنه عليه الصلاة والسلام قرن مع زيادة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان خادمه لا يفارقه حتى أن فى بعض طرقه: كنت آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تفصع بجرتها ولعابها يسيل على يدى وهو يقول: لبيك بحجة وعمرة معا.

وفى صحيح مسلم عن عبد العزيز وحميد ويحيى بن أبى إسحق رضى الله تعالى عنهم أنهم سمعوا أنسا رضى الله تعالى عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما لبيك عمرة وحجّا وغير ذلك من الأحاديث.

وفى المبسوط

(2)

قال: وأهل الحديث جمعوا رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا ثلاثين نفرا: فعشرة منهم تروى أنه كان قارنا، وعشرة تروى أنه كان مفردا، وعشرة منهم تروى أنه كان متمتعا.

فنوفق بين هذه الروايات فنقول:

لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا بالعمرة فسمعه بعض الناس ثم رأوه بعد ذلك حج فظنوا أنه كان متمتعا فنقلوا كما وقع عندهم، ثم لبى بعد ذلك بالحج، فسمعه قوم آخرون فظنوا أنه كان مفردا بالحج، ثم لبى بهما فسمعه قوم آخرون فعلموا أنه كان قارنا، وكل نقل ما وقع عنده.

وهو نظير ما روينا من توفيق ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى اختلاف الروايات فى وقت تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم لما وقع الاختلاف فى فعله نصير إلى قوله: وقد قال صلى الله عليه وسلم: أتانى أت من ربى وأنا بالعقيق فقال: صل فى هذا الوادى المبارك ركعتين وقل: لبيك بحجة وعمرة معا. وقال صلى الله عليه وسلم: يا آل محمد أهلوا بحجة وعمرة معا. ولأن فى القران معنى الوصل والتتابع فى العبادة ومعنى الجمع بين العبادتين وهو أفضل من إفراد كل واحد منهما كالجمع بين الصوم والاعتكاف والجمع بين الحراسة فى سبيل الله تعالى مع صلوات الليل، ولأن فى القران زيادة نسك وهو إراقة دم الهدى.

(1)

فتح القدير على الهداية وبهامشه العناية وحاشية سعد جلبى ج 2 ص 202 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 25 وما بعدها الطبعة السابقة

ص: 119

وقد قال صلى الله عليه وسلم أفضل الحج العج والثج. والثج إراقة الدم، وإذا ثبت أنه دم نسك فما يكون فيه زيادة نسك فهو أفضل.

أما بالنسبة للإفراد

(1)

مع التمتع فإن التمتع أفضل من الإفراد فى ظاهر الرواية لأن فيه زيادة نسك ولأن فى التمتع جمعا بين العبادتين، فأشبه القران وسفره واقع لحجته وإن تخللت العمرة، لأنها تبع للحج كتخلل السنة بين الجمعة والسعى إليها.

وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قارنا، ومعلوم أن ما فعله أفضل خصوصا فى عبادة فريضة لم يفعلها إلا مرة واحدة فى عمره.

ثم رأينا المعنى الذى كان به القران أفضل من الإفراد متحققا فى التمتع دون الإفراد فيكون أفضل منه، وذلك المعنى هو ما يلزم كونه جمعا بين العبادتين فى وقت الحج من زيادة التحقق بالإذعان والقبول للمشروع الناسخ لشرع الجاهلية فى المطلوب رفضه ثم هذا أرفق فوجب دم للشكر:

على أمرين:

أحدهما: إطلاق الارتفاق بالعمرة فى وقت الحج حتى خفت المئونة بالنسبة إلى لزوم إنشاء سفر آخر للعمرة أو التأخير بعد قضاء الأفعال لينشئ أخرى من أدنى الحل، وهذا شكر على أمر دنيوى.

وثانيهما: توفيقه للتحقق بهذا الإذعان الشرعى المطلوب تحقيقه وإظهاره وجعله مظهرا له فإنه أكمل من مجرد اعتقاد الحقية من غير تحقق به بالفعل وهذا يرجع إلى أمر أخروى.

ولهذا تسمعهم يقولون تارة وفق لأداء النسكين، ومرة ترفق بأدائهما فى سفرة واحدة فزادت الفضيلة بشرعية هذا الدم، لأنه زاد فى النسك عبادة أخرى شكرا لا جبرا لنقصان متمكن فيه.

أما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فإن الإفراد أفضل من التمتع، لأن المتمتع سفره واقع لعمرة والمفرد سفره واقع لحجته.

وفى المبسوط قال وعلى رواية ابن شجاع رحمه الله تعالى الإفراد أفضل من التمتع لهذا المعنى أن حجة المتمتع مكية يحرم بها من الحرم والمفرد يحرم بكل واحد منهما من الحل.

ولهذا جعل محمد رحمه الله تعالى الإفراد بكل واحد منهما من الكوفة أفضل لأنه ينشئ سفرا مقصودا لكل واحد منهما.

وقد صح أن عمر رضى الله تعالى عنه نهى الناس عن المتعة فقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى الناس عنهما متعة النساء ومتعة الحج.

وتأويله أنه كره أن يخلو البيت من الزوار فى غير أشهر الحج فأمرهم أن يعتمروا بسفر مقصود فى غير أشهر كى لا يخلو البيت من الزوار فى شئ من الأوقات لا أن يكون التمتع مكروها عنده.

بدليل حديث الصبى بن معبد قال: كنت امرأ

(1)

كتاب فتح القدير على الهداية وحواشيها فى كتاب ج 2 ص 210 وما بعدها الطبعة السابقة والمبسوط للسرخسى ج 4 ص 26 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 120

نصرانيّا فأسلمت فوجدت الحج والعمرة واجبتين على فقرنت بينهما فلقيت نفرا من الصحابة فيهم زيد ابن صوحان وسلمان بن ربيعة رضى الله عنهما، فقال أحدهما لصاحبه: هو أضل من بعيرة، فلقيت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فأخبرته بذلك فقال: ما قالا ليس بشئ هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. وهذا بالنسبة لمن كان خارج الميقات.

أما من هو من أهل المواقيت فقد قال فى المبسوط

(1)

: ليس للرجل من أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة أن يقرن أو أن يتمتع وهم فى ذلك بمنزلة أهل مكة.

أما المكى فليس له أن يتمتع بالنص، لأن الله سبحانه وتعالى قال فى:

«ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ»

(2)

. واختلف العلماء رحمهم الله تعالى فى حاضرى المسجد الحرام.

فقال مالك رحمه الله تعالى هم أهل مكة خاصة.

وقال الشافعى رحمه الله تعالى هم أهل مكة ومن يكون منزله من مكة على مسيرة لا يجوز فيها قصر الصلاة.

ونحن نقول: أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة من حاضرى المسجد الحرام بمنزلة أهل مكة. بدليل أنه يجوز لهم دخول مكة بغير إحرام فلا يكون لهم أن يتمتعوا.

وكما لا يتمتع من هو من حاضر المسجد الحرام فكذلك لا يقرن بين الحج والعمرة، إلا أن المكى إذا كان بالكوفة فلما انتهى إلى الميقات قرن بين الحج والعمرة فأحرم لهما صح ويلزمه دم القران، لأن صفة القارن أن تكون حجته وعمرته متقارنتين يحرم بهما جميعا معا وقد وجد هذا فى حق المكى.

ولو اعتمر هذا المكى فى أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك لا يكون متمتعا، لأن الآفاقى إنما يكون متمتعا إذا لم يلم بأهله بين النسكين إلماما صحيحا والمكى هنا يلم بأهله بين النسكين حلالا إن لم يسق الهدى وكذلك إن ساق الهدى لا يكون متمتعا.

بخلاف الآفاقى إذا ساق الهدى ثم ألم بأهله محرما كان متمتعا.

ولو قرن المكى

(3)

بين الحج والعمرة رفض العمرة ومضى فى الحج لأنه ممنوع من الجمع بينهما، فلا بد من رفض أحدهما ورفض العمرة أيسر، لأنها دون الحج فى القوة، لأنه يمكنه أن يقضيها متى شاء. وكذلك إن أحرم أولا بالعمرة ثم أحرم بالحج رفض العمرة، لأن الترجيح بالبداءة بعد المساواة فى القوة، ولا مساواة هنا، فيرفض العمرة على كل حال. وإن مضى فيهما حتى قضاهما أجزاه، لأن النهى لا يمنع تحقق المنهى عنه.

وهذا بخلاف الجامع بين الحجتين والعمرتين،

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 169 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(3)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 182 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 121

فإن الجمع بينهما عملا منفى هناك ومع النفى لا يتحقق الاجتماع فيكون رافضا لأحدهما على كل حال. وهنا الجمع بين الحج والعمرة فى حق المكى منهى عنه. ومع النهى يتحقق الجمع، فيجب عليه الدم لجمعه بينهما.

ولكن هذا الدم ليس نظير الدم فى حق الآفاقى إذا قرن بينهما، فإن ذلك نسك يحل التناول منه وهذا جبر لا يحل التناول منه، لأن وجوب هذا الدم بارتكاب ما هو منهى عنه فيكون واجبا بطريق الجبر للنقصان، فلهذا لا يباح التناول منه.

وإن كان طاف للعمرة شوطا أو ثلاثة أشواط، ثم أحرم بالحج رفض الحج فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى:

يرفض العمرة لأنه أهل بالحج فأكثر أعمال العمرة باق عليه وللأكثر حكم الكل فكأنه أهل بالحجة قبل أن يأتى بشئ من أعمال العمرة فيرفضها.

وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: إن إحرام العمرة قد تأكد بما أتى من طواف العمرة وإحرام الحج لم يتأكد بشئ من عمله، والمتأكد بأداء العمل أقوى من غير المتأكد، فلهذا يرفض الحجة.

والدليل على أن التأكد يحصل بشئ من الطواف ما بينا فى الآفاقى إذا طاف للحج شوطا ثم أحرم للعمرة كان عليه رفضها لتأكد إحرام الحج بالعمل قبل الإهلال بالعمرة.

بخلاف ما لو أهل بالعمرة قبل أن يأتى بشئ من طواف الحج.

ولو كان المكى طاف للعمرة أربعة أشواط ثم أحرم بالحج، فنقول: إنما أحرم بالحج بعد ما أتى بأكثر طواف العمرة وللأكثر حكم الكل فكأنه أحرم بالحج بعد الفراغ من العمرة فلا يرفض شيئا، ولكن يفرغ من عمرته ومن حجته وعليه دم لأنه صار كالمتمتع وهو منهى عن التمتع، إلا أنه لا يحل له التناول من هذا الدم، لأنه دم جبر كما بينا.

ولو كان هذا الطواف منه للعمرة فى غير أشهر الحج كان عليه الدم أيضا، لأنه أحرم بالحج قبل أن يفرغ من العمرة.

وليس للمكى أن يجمع بينهما، فإذا صار جامعا كان عليه الدم.

ولو كان

(1)

هذا آفاقيّا لم يكن عليه هذا الدم، لأنه غير ممنوع من الجمع بينهما. قال فى الأصل وعليه دم، لترك الوقت فى العمرة أيضا. وإنما أراد به إذا كان أحرم للعمرة فى الحرم فإن ميقات أهل مكة لإحرام العمرة هو الحل.

ثم قال فى المبسوط

(2)

: كوفى أهل بحجة وطاف لها، ثم أهل بعمرة، قال: يرفض عمرته، لأنه لو لم يرفضها كان بانيا للعمرة على الحجة. وهذا إذا أهل بعمرة بعرفة.

فإن أهل بها يوم النحر قبل أن يحل بحجته أو بعد ما حل قبل أن يطوف أمر أن يرفضها أيضا.

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 183 طبعة الساسى مطبعة السعادة الطبعة الأولى سنة 1324 هـ.

(2)

المرجع السابق للسرخسى ج 4 ص 183 الطبعة السابقة.

ص: 122

وإن لم يرفضها ومضى فيها أجزاه وعليه دم إن كان أهل بها قبل أن يحل بحجته.

وإن كان بعدما حل من حجته فليس عليه شئ إن لم يترك الوقت فيها. ولا يؤمر بأن يرفضها إذا احرم بها بعد تمام الإحلال، لأنه وإن كان منهيا عن الإحرام فيعد ما أحرم، يجب عليه الإتمام، لأنه غير جامع بينه وبين إحرام آخر، فإذا أداها كان صحيحا.

بخلاف ما إذا أهل بها بعرفات فإن هناك قد صار رافضا للعمرة، لتحقق المنافى على ما سبق.

ثم إن كان إهلاله بالعمرة قبل أن يحل من الحج فقد صار جامعا بين الإحرامين على وجه هو منهى عنه ذلك فلزمه لذلك دم.

وإن كان بعد ما حل لم يصر جامعا بين الإحرامين فلا يلزمه شئ.

ثم قال فى المبسوط

(1)

مكى أهل بالحجة فطاف لها شوطا ثم أهل بالعمرة قال يرفض العمرة لأن إحرامه للحج قد تأكد وقبل تأكده كان يؤمر برفض العمرة فبعد تأكده أولى.

فإن لم يرفضها وطاف لها وسعى أجزأه، لما بينا أن النهى لا يمنع تحقق المنهى عنه لكن عليه دم لإهلاله بها قبل أن يفرغ من حجته، وقد صار جامعا بينهما وهو ممنوع من هذا الجمع.

ثم قال

(2)

: محرم بحجتين معا ثم جامع قبل أن يسير فعليه للجماع دمان فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى، لأن من أصله. أنه لا يصير رافضا لأحدهما، ما لم يأخذ فى عمل الأخرى.

وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى عليه دم واحد للجماع، لأنه لما فرغ من الإحرامين صار رافضا لأحدهما فجماعه جناية على إحرام واحد.

وإن كان ذلك الجماع منه بعد ما سار فعليه دم واحد، لأنه صار رافضا لأحدهما حين صار إلى مكة فجماعه جناية على إحرام واحد.

ثم ما يلزمه بالرفض والإفساد من القضاء والدم قد بيناه فيما سبق.

فإن أحرم لا ينوى شيئا فطاف ثلاثة أشواط ثم أهل بعمرة فإنه يرفض هنا الثانية، لأن الأولى قد تعينت عمرة حين أخذ فى الطواف، لما بينا أن الإبهام لا يبقى بعد الشروع فى الأداء بل يبقى ما هو المتيقن، وهو العمرة، فحين أهل بعمرة أخرى، فقد صار جامعا بين عمرتين فلهذا يرفض الثانية.

‌ما يفعله من أفرد الإحرام فى الحج:

جاء فى الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه

(3)

: صفة المفرد بالحج أى الأوصاف التى يفعلها الحاج المفرد بعد تحقق دخوله فيه بالإحرام.

قال ابن عابدين: وقدم الكلام فى المفرد على

(1)

المرجع السابق نفس الطبعة.

(2)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 184 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب حاشية الشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين المسماة رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار مع تقريرات للشيخ محمد العباسى المهدى ج 2 ص 214 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 123

القارن والمتمتع، لأنه بمنزلة المفرد من المركب.

ثم قال صاحب الدر من شاء الإحرام بالحج مفردا توضأ وغسله أحب ولبس إزارا ورداء، ثم يطيب بدنه، ويقول بلسانه مطابقا لقلبه: اللهم إنى أريد الحج فيسره لى وتقبله منى، لقول سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما الصلاة والسلام:

«رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا»

(1)

، ثم يلبى دبر صلاته ناويا بالتلبية الحج. وهذا بيان للأكمل. وإلا فيصح الحج بمطلق النية ولو بقلبه، لأن ذكر ما يحرم به من الحج أو العمرة باللسان ليس بشرط.

لكن يشرط مقارنتها بذكر يقصد به التعظيم كتسبيح وتهليل، ولو بالفارسية وإن أحسن بالعربية. بخلاف الصلاة.

والتلبية أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، أن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ويزيد ندبّا فيها ولا ينقص عنها فإنه مكروه تحريما. ويستحب أن يرفع صوته بالتلبية ثم يخفضه. ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم.

ثم يدعو بما شاء. وتكرارها سنة فى المجلس الأول. وكذا فى غيره. وعند تغيير الحالات مستحب مؤكدا. والإكثار مطلقا مندوب.

ويستحب أن يكررها كلما شرع فيها ثلاثا على الولاء. ولا يقطعها بكلام.

وإذا لبى ناويا نسكا فقد أحرم. ثم يجتنب ما يحظر على المحرم من قتل صيد ورفث وفسوق وجدال حتى يدخل مكة ويطوف ويسعى.

قال فى البدائع

(2)

: من أحرم ودخل مكة وطاف وسعى فإن كان محرما مفردا أى محرما بالحج فقط فإنه يقيم على إحرامه ولا يتحلل، لأن أفعال الحج باقية عليه فلا يجوز له التحلل إلى يوم النحر.

ومن الناس من قال: يجوز له أن يفتتح إحرام الحج بفعل العمرة وهو الطواف والسعى والتحلل منهما بالحلق أو التقصير. لما روى عن جابر رضى الله تعالى عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أهلوا بالحج مفردين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم بطواف البيت والسعى بين الصفا والمروة وقصروا، ثم أقيموا حلالا، حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج. وأجيب بأن ذلك كان ثم نسخ. وعن أبى ذر رضى الله تعالى عنه أنه قال: أشهد أن فسخ الإحرام كان خاصّا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا فرغ المفرد

(3)

بالحج من السعى يقيم على إحرامه ويطوف طواف التطوع ماشيا إلى يوم التروية، لأن الطواف خير موضوع كالصلاة فمن شاء استقل، ومن شاء استكثر.

وطواف التطوع أفضل من صلاة التطوع للغرباء. وأما لأهل مكة فالصلاة أفضل، لأن

(1)

الآية رقم 127 من سورة البقرة.

(2)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر مسعود الكاسانى ج 2 ص 149 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لابن مسعود الكاسانى ج 2 ص 150 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 124

الغرباء يفوتهم الطواف إذ لا يمكنهم الطواف فى كل مكان، ولا تفوتهم الصلاة، لأنه يمكن فعلها فى كل مكان، وأهل مكة لا يفوتهم الطواف، ولا الصلاة. ولا يرمل فى هذا الطواف، بل يمشى على هيننة. ولا يسعى بعده بين الصفا والمروة غير السعى الأول. ويصلى لكل أسبوع ركعتين فى الوقت الذى لا يكره فيه التطوع

(1)

فإذا كان يوم التروية يروح مع الناس إلى مى فيصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

ثم يتوجه إلى عرفات فإذا انتهى

(2)

إليها ينزل فى أى موضع شاء.

وإذا زالت الشمس اغتسل إن أحب. ثم يروح إلى الموقف عقب خطبة الإمام والصلاة.

وإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة. ثم يذهب قبل طلوع الشمس إلى منى. ثم يأتى جمرة العقبة قبل الزوال فيرميها بسبع حصيات. ثم بعد الرمى

(3)

ذبح إن شاء، لأنه مفرد والذبح له أفضل ثم قصر وحلقه أفضل.

وفى فتح القدير

(4)

ثم يذبح إن أحب ثم يحلق أو يقصر. لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أول نسكنا فى يومنا هذا أن نرمى ثم نذبح ثم نحلق.

ولأن الحلق من أسباب التحلل، وكذا الذبح حتى يتحلل به المحصر، فيقدم الرمى عليهما، ثم الحلق من محظورات الإحرام فيقدم عليه الذبح.

وإنما علق الذبح بالمحبة فى قوله: (ثم يذبح إن أحب) لأن الدم الذى يأتى به المفرد تطوع والكلام فى المفرد. وهذا الذبح ليس بواجب

(5)

على المفرد.

قال الكرمانى ثم الحاج إن كان مفردا لا يجب عليه ذبح الهدى بالإجماع بل يحلق. والحلق أفضل. لقول النبى صلى الله عليه وسلم على ما ورد فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارحم المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: اللهم ارحم المحلقين: قالوا:

والمقصرين يا رسول الله: قال والمقصرين. وفى رواية أخرى فى كتاب البخارى فلما كانت الرابعة قال: والمقصرين.

والحلق أكمل فى قضاء التفث وهو المقصود وفى التقصير بعض التقصير فأشبه الاغتسال مع الوضوء. وقد حل له كل شئ إلا النساء.

وقال مالك رحمه الله تعالى: وإلا الطيب أيضا، لأنه من دواعى الجماع.

(1)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 151 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كتاب الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان وهو للإمام فخر الدين حسين منصور الأوزجندى الفرغانى الحنفى ج 1 ص 227 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر.

(3)

حاشية ابن عابدين المسماة برد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 3 ص 186 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

فتح القدير على الهداية وحواشيها العناية وحاشية سعد جلبى ج 2 ص 177 وما بعدها الطبعة السابقة.

(5)

حاشية الشلبى على تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للشيخ عثمان الزيلعى ج 2 ص 32 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 125

ولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حل له كل شئ إلا النساء وهو مقدم على القياس.

ولا يحل له الجماع فيما دون الفرج عندنا. خلافا للشافعى رحمه الله تعالى. لأنه قضاء الشهوة بالنساء فيؤخر إلى تمام الإحلال.

ثم طاف للزيارة يوما من أيام النحر الثلاثة سبعة أشواط بلا رمل ولا سعى إن كان سعى قبل هذا الطواف وإلا فعلهما. وحل له النساء بالحلق السابق، حتى لو طاف قبل الحلق لم يحل له شئ.

فإن أخره عن أيام النحر كره ووجب عليه دم.

وبعد زوال ثانى أيام النحر يرمى الجمار الثلاث وله النفر من منى قبل طلوع فجر اليوم الرابع. ثم إذا أراد السفر طاف طواف الوداع بلا رمل ولا سعى

(1)

والمرأة بمنزلة الرجل فى جميع ما ذكر لأنها مخاطبة كالرجل.

ألا ترى أن أم سلمة رضى الله تعالى عنها لما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال من الجنابة وصف لها حال نفسه فى الاغتسال فدل أن حال الرجل والمرأة سواء.

غير أنها تلبس ما بدا لها من الدروع والقمصان والخمار والخف والقفازين، لأنها عورة. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة عورة مستورة.

وفى لبس الإزار والرداء ينكشف بعض البدن عادة وهى مأمورة بأداء العبادة على أستر الوجوه.

فلهذا تلبس المخيط والخفين وتغطى رأسها.

ولا تغطى وجهها، لأن الرأس منها عورة. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم إحرام الرجل فى رأسه وإحرام المرأة فى وجهها.

فعرفنا أنها لا تغطى وجهها، إلا أن لها أن تسدل على وجهها إذا أرادت ذلك على وجه تجافى عن وجهها. هكذا روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قال: كنا فى الإحرام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نكشف وجوهنا فإذا استقبلنا قوم أسد لنا من غير أن نصيب وجوهنا ولا نلبس المصبوغ بورس ولا زعفران ولا عصفر إلا أن يكون قد غسل.

ولا حلق على المرأة إنما عليها التقصير. هكذا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى النساء عن الحلق وأمرهن بالتقصير عند الخروج من الإحرام ولأن الحلق فى حقها مثلة والمثلة حرام.

وكذلك لا رمل على المرأة فى الطواف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، لأن الرمل لإظهار التجلد والقوة، والمرأة ليست من أهل القتال، لتظهر الجلادة من نفسها ولا يؤمن أن يبدو شئ من عورتها فى رملها وسعيها أو تسقط لضعف بنيتها فلهذا تمنع من ذلك وتؤمر بأن تمشى مشيا.

وقد قال مشايخنا أيضا إنها لا ترفع صوتها بالتلبية لما فى رفع صوتها من الفتنة.

وكذلك لا تستلم الحجر إذا كان هناك جمع، لأنها ممنوعة من مماسة الرجال والزحمة معهم.

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 33 وما بعدها

ص: 126

‌أحكام تتعلق بالمفرد بالحج والعمرة:

منها ما جاء فى المبسوط

(1)

أن المفرد بالحج إذا جامع قبل الوقوف يفسد حجه. لقول الله تعالى:

«فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ»

(2)

.

فهو دليل على المنافاة بين الحج والجماع فإذا وجد الجماع فسد الحج وعليه المضى فى الفاسد والقضاء من قابل.

على هذا اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من شرع فى الإحرام لا يصير خارجا عنه إلا بآداء الأعمال فاسدا كان أو صحيحا وعليه دم عندنا.

وعند الشافعى رحمه الله تعالى عليه بدنة.

فأما إذا جامع بعد الوقوف بعرفة لا يفسد حجه عندنا، ولكن يلزمه بدنة ويتم حجه.

وعلى قول الشافعى رحمه الله تعالى إذا جامع قبل الرمى بفسد حجه، ودليلنا حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال إذا جامع قبل الوقوف فسد نسكه وعليه بدنة، وإذا جامع بعد الوقوف فحجته تامة وعليه دم. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:

الحج عرفة. فمن وقف بعرفة فقد تم حجه.

وبالاتفاق لم يرد التمام من حيث أداء الأفعال فقد بقى عليه بعض الأركان وإنما أراد به الإتمام من حيث أنه يأمن الفساد بعده. وهو المعنى الفقهى أن بالوقوف تأكد حجه.

ومنها: ما إذا

(3)

وقف الحاج بعرفة ثم أهل وهو واقف بحجة أخرى فإنه يرفضها وعليه دم لرفضها وحجة وعمرة مكانها ويمضى فى التى هو فيها. وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى.

فأما عند محمد رحمه الله تعالى فإحرامه باطل بمنزلة اختلافهم فيمن أحرم بحجتين. وإنما يرفضها لأنه لم يرفضها ووقف لها لبقاء وقت الوقوف يصير مؤديا حجتين فى سنة واحدة، ولا يجوز أن يؤدى فى سنة واحدة أكثر من حجة واحدة.

وإذا رفضها فعليه الدم لرفضها لأنه خرج من الإحرام بعد صحة الشروع قبل أداء الأفعال فلزمه الدم كالمحصر وعليه قضاء حجة وعمرة مكانها بمنزلة المحصر بالحج إذا تحلل. وهذا لأنه فى معنى فائت الحج وفائت الحج يتحلل بأفعال العمرة وهذا لم يأت بأعمال العمرة فكان عليه قضاؤها مع قضاء الحج.

وكذلك إن أهل بعمرة أيضا يرفضها، لأن وقوفه لو طرأ على عمرة صحيحة أوجب رفضها على ما بينا فى القارن إذا وقف قبل أن يطوف لعمرته فكذلك إذا اقترن بوقوفه إحرام العمرة. وهذا لأنه لو لم يرفضها أدى أفعالها فيكون بانيا أعمال العمرة على أعمال الحج فلهذا يرفضها وعليه دم وقضاؤها لخروجه منها بعد صحة الشروع.

وكذلك لو كان أهل بالحج ليلة المزدلفة

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 57 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 197 من سورة البقرة.

(3)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 59، 60 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 127

بالمزدلفة فهو رافض ساعة أهلّ، لأنه لو لم يرفضها عاد إلى عرفات فوقف فيصير مؤديا حجتين فى سنة واحدة. وهذا بخلاف ما إذا أهل بحجتين فإن هناك إذا عجل فى عمل أحدهما لا يصير رافضا للآخر وهاهنا هو مشغول بعمل أحدهما بل هو مؤد له فلهذا يرتفض الآخر فى الحال.

ومنها: أن المفرد

(1)

إذا ارتكب شيئا من محظورات الإحرام فعليه كفارة واحدة بخلاف القارن فإنه يكون عليه كفارتان، لأنه محرم بإحرامين ففعله جناية على كل واحدة منهما.

فقد جاء فى الدر المختار وحاشية ابن عابدين

(2)

عليه وكل ما على المفرد به دم بسبب جنايته على إحرامه وذلك بفعل شئ من محظوراته فعلى القارن ومثله المتمتع دمان وكذا الحكم فى الصدقة.

ومنها: أن المفرد يختلف عن غيره إذا أحصر.

فقد قال فى الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه:

إذا أحصر المحرم بعدو أو مرض أو موت محرم أو هلاك نفقة أو بأى مانع من الموانع التى يعتبرها المحرم محصرا فإنه يحل له التحلل حينئذ. ويبعث المفرد سواء كان مفردا بالحج أو بالعمرة دما أو قيمته. فإن لم يجد بقى محرما حتى يجد.

قال ابن عابدين: فلا يتحلل عندنا إلا بالدم، ولا يقوم الصوم والإطعام مقامه كما فى البحر.

ولا يفيد اشتراط الإحلال عند الإحرام شيئا كما فى اللباب. قال شارحه هذا هو المسطور فى كتب المذهب.

ونقل الكرمانى والسروجى عن محمد رحمه الله تعالى أنه إن اشترط الإحلال عند الإحرام إذا أحصر جاز له التحلل بغير هدى.

قال فى الدر المختار: أو يتحلل بطواف. أما القارن فعليه دمان. فلو بعث واحدا لم يتحلل عنه.

وعين المفرد يوم الذبح ليعلم متى يتحلل ويذبحه فى الحرم ولو قبل يوم النحر.

خلافا لهما حيث قالا: إنه لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا فى يوم النحر. ويجوز للمحصر بالعمرة متى شاء كما جاء فى الهداية.

فعلى قولهما لا حاجة إلى المواعدة فى الحج لتعين يوم النحر وقتا له، إلا إذا كان بعد أيام النحر، فيحتاج إليها عند الكل، كما فى المحصر بالعمرة.

ولو لم يفعل ورجع إلى أهله بغير تحلل وصير محرما حتى زال الخوف جاز، فإن أدرك الحج فيها ونعمت وإلا تحلل بالعمرة، لأن التحلل بالذبح إنما هو للضرورة حتى لا يمتد إحرامه فيشق عليه ويذبحه ويحل ولو بلا حلق وتقصير.

ويجب عليه إن حل من حجه ولو نفلا حجة بالشروع وعمرة للتحلل إن لم يحج من عامه وعلى المعتمر عمرة وعلى القارن حجة وعمرتان.

وإن بعث المفرد الهدى ثم زال الإحصار وقدر

(1)

المرجع السابق لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 74 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

حاشية ابن عابدين المسماة برد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 2 ص 305 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 128

على إدراك الهدى والحج معا توجه وجوبا.

وإن لم يقدر عليهما لا يلزمه ولا إحصار بعد ما وقف بعرفة لأمن الفوات والممنوع لو بمكة عن الركنين محصر على الأصح.

ومنها: أنه إذا

(1)

مات الرجل فأوصى بأن يحج عنه فعلى الوصى أن يحج بماله. ولو قرن مع الحج عمرة كان مخالفا ضامنا للنفقة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وعندهما لا يصير مخالفا استحسانا، لأنه أتى بالمأمور به، وزاد عليه ما يجانسه فلا يصير به مخالفا. كالوكيل بالبيع إذا باع بأكثر مما سمى له من جنسه. ذلك أن القران أفضل من الإفراد فهو بالقران زاد للميت خيرا فلا يكون مخالفا.

وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: هو مأمور بإنفاق المال فى سفر مجرد للحج وسفره هذا ما تفرد للحج بل للحج والعمرة جميعا، فكان مخالفا، كما لو تمتع، ولأن العمرة التى زادها لا تقع عن الميت، لأنه لم يأمره بذلك، ولا ولاية عليه للحاج فى أداء النسك عنه إلا بقدر ما أمره.

ألا ترى أنه لو لم يأمره بشئ لم يجز أداؤه عنه.

فكذلك إذا لم يأمره بالعمرة.

فإذا لم تكن عمرته عن الميت صار كأنه نوى العمرة عن نفسه. وهناك يصير مخالفا، فكذا هنا.

إلا أنه ذكر ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه وإن نوى العمرة عن نفسه لا يصير مخالفا، ولكن يرد من النفقة بقدر حصة العمرة التى أداها عن نفسه. وذهب فى ذلك إلى أنه مأمور بتحصيل الحج للميت بجميع النفقة. فإذا ضم إليه عمرة نفسه فقد حصل الحج للميت ببعض النفقة وبهذا لا يكون مخالفا.

ومنها: من أهل بحجة

(2)

ففاته فإنه يحل بعمرة وعليه الحج من قابل. بلغنا ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن عمر وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهما.

والمراد بالحديث المرفوع ما رواه ابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج وليتحلل بالعمرة وعليه الحج من قابل.

وأما حديث عمر وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهم ما رواه الأسود قال: سمعت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه يقول من فاته الحج تحلل بعمرة وعليه الحج من قابل: ثم لقيت زيد بن ثابت رضى الله تعالى عنه بعد ذلك بثلاثين سنة فسمعته يقول مثل ذلك وكان المعنى فيه أن الإحرام بعد ما انعقد صحيحا فطريق الخروج عنه أداء أحد النسكين، أما الحج أو العمرة كمن أحرم إحراما بهما، وهنا

(1)

كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 154، 155 وما بعدها الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين المسماة رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 2 ص 329 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 174 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 129

تعذر عليه الخروج عنه بالحج حين فاته الحج فعليه الخروج بعمل العمرة.

ثم إن عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أصل إحرامه باق بالحج ويتحلل بعمل العمرة.

وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يصير إحرامه إحرام عمرة.

وعند زفر رحمه الله تعالى ما يؤديه من الطواف والسعى بقايا أعمال الحج، لأنه بالإحرام بالحج التزم أداء أفعال يفوت بعضها بمضى الوقت، ولا يفوته البعض فيسقط عنه ما يفوت بمضى المدة، ويلزمه ما لا يفوت وهو الطواف والسعى.

وأبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا:

الطواف والسعى للحج إنما يتحلل بهما من الإحرام بعد الوقوف فأما قبل الوقوف فلا، وحاجته إلى التحلل هنا قبل الوقوف فإنما يأتى بطواف وسعى يتحلل بهما من الإحرام، وذلك طواف العمرة.

ولهذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يصير أصل إحرامه للعمرة ضرورة، لأن التحلل بطواف العمرة إنما يكون بإحرام العمرة.

وأبى حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا: لا يمكن جعل إحرامه للعمرة إلا بفسخ إحرام الحج الذى كان شرع فيه، ولا طريق لنا إلى ذلك.

والدليل عليه أن المكى إذا فاته الحج يتحلل بعمل العمرة من غير أن يخرج من الحرم، ولو انقلب إحرامه للعمرة لكان يلزمه الخروج إلى الحرم، لأنه ميقات إحرام العمرة فى حق للكى.

ثم قال فى المبسوط

(1)

ولو فاته الحج فمكث حراما حتى دخلت أشهر الحج من قابل فتحلل بعمل العمرة ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا. وهذا يدل على أن إحرامه لم ينقلب إحرام عمرة.

فإنه لو انقلب إحرام عمرة كان متمتعا. كمن أحرم للعمرة فى رمضان فطاف لها فى شوال.

ولكنه بعمل العمرة يتحلل من إحرام الحج فى شوال وليس هذا صورة المتمتع.

ومن أهل بحجة

(2)

فجامع فيها ثم قدم وقد فاته الحج فعليه دم لجماعه ويحل بالطواف والسعى، لأن الفاسد معتبر بالصحيح، فكما أن التحلل بالإحرام الصحيح بعد الفوات يكون بالطواف والسعى فكذلك عن الإحرام الفاسد.

ولو كان أصاب فى حجه صيدا فعليه الكفارة، لأن إحرامه بعد الفساد باق فيجب بارتكاب المحظور ما يلزمه بارتكابه فى الإحرام الصحيح.

وهذا الذى أفسد الحج إنما يقطع التلبية بعد الفوات حين يأخذ فى الطواف. ألا ترى أنه لو لم يفته كان أوان قطع التلبية فى حقه حين يرمى جمرة العقبة اعتبارا بمن صح حجه فكذلك بعد الفوات.

(1)

كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 176 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 176 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 130

ومن أهل بحجة فقدم مكة وقد فاته الحج فأقام حراما حتى يحج مع الناس من قابل بذلك الإحرام قال: لا يجزئه عن حجته. وبهذا يستدل أبو يوسف رحمه الله تعالى على أن إحرامه صار للعمرة حيث لا يجوز أداء الحج به.

ولكنا نقول قد بقى أصل إحرامه للحج ولكنه تعين عليه الخروج بأعمال العمرة فلا يبطل هذا التعيين بتحول السنة مع أن إحرامه انعقد لأداء الحج فى السنة الأولى، فلو صح أداء الحج به فى السنة الثانية تغير موجب ذلك العقد بفعله وليس إليه تغيير موجب عقد الإحرام.

ومنها

(1)

: من أهل بشئ واحد لا ينوى حجة ولا عمرة ينعقد إحرامه مع الإبهام. لما روى أن عليا وأبا موسى رضى الله تعالى عنهما لما قدما من اليمن قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم أهللتما؟ قالا: أهللنا بإهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صحح رسول الله صلى الله عليه وسلم إحرامهما مع الإبهام والإحرام بمنزلة الشرط للنسك ابتداء والإبهام فيه لا يمنع صحته كالطهارة للصلاة.

وبعد ما انعقد الإحرام مبهما فللخروج منه طريقان شرعا: إما الحج، أو أعمال العمرة.

فيتخير بينهما إن شاء خرج عنه بأعمال العمرة وإن شاء بأعمال الحج، وكان تعيينه فى الانتهاء بمنزلة التعيين فى الابتداء.

فإن أحصر قبل أن يعين شيئا فعليه أن يبعث بهدى واحد، لأنه محرم بإحرام واحد فالتحلل عن إحرام واحد وعليه قضاء عمرة استحسانا.

وفى القياس عليه قضاء حجة وعمرة لأن إحرامه إن كان للحج فعليه قضاء حجة وعمرة والأخذ بالاحتياط فى قضاء العبادات واجب.

ولكنه استحسن فقال المتيقن به يصير دينا فى ذمته فقط والمتيقن العمرة ولما كان متمكنا من الخروج عن عهدة هذا الإحرام قبل الإحصار بأداء العمرة فكذلك بعد الإحصار يتمكن من الخروج عن هذه العهدة بأداء العمرة.

ومنها

(2)

: أن المفرد بالعمرة إذا جامع قبل أن يطوف أكثر الأشواط فسدت عمرته وعليه دم.

وإن جامع بعد ما طاف أكثر الأشواط لا تفسد عمرته، لأن ركن العمرة هو الطواف فيتأكد إحرامه بأداء أكثر الأشواط كما يتأكد إحرام الحج بالوقوف ولكن عليه دم عندنا.

وعلى قول الشافعى رحمه الله تعالى فى الوجهين جميعا تفسد عمرته وعليه بدنة، لأن الجماع محصور كل واحد من النسكين، فكما أن فى الحج تجب البدنة بالجماع فكذلك بالعمرة.

وعندنا لا مدخل للبدنة فى العمرة بخلاف الحج.

واحتج الشافعى رحمه الله تعالى بقول الله

(1)

المبسوط للسرخسى ج 4 ص 116 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 58 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 131

سبحانه وتعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ»

(1)

، فقد قرن بينهما فى الأمر بالإتمام فدل على فرضيتهما.

وفى حديث ابن ثابت رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: العمرة فريضة الحج.

ودليلنا حديث أم سلمة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الحج جهاد والعمرة تطوع.

وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هى؟ فقال: لا وإن تعتمر خير لك. ولأن العمرة لا تتوقت بوقت معلوم فى السنة. وإنما باين النفل الفرض بهذا. فإن الفرض يتوقف بوقت والنفل لا يتوقف. ولأنه يتأدى بنية غيره فإن عنده المحرم بالحج قبل أشهر الحج يكون محرما بالعمرة.

وبالإجماع فائت الحج يتحلل بأعمال العمرة والفرض إنما باين النفل. فأما الآية فقد قرأت بالنصب وبالرفع والعمرة لله.

فالقراءة بالرفع ابتداء خبر العمرة لله والنوافل لله تعالى كالفرائض. ثم هذا أمر بالإتمام بعد الشروع ولا خلاف فيه

(2)

. وما عرفنا ابتداء فرضية الحج بهذه الآية. بل عرفناه بقول الله تعالى: «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ»

(3)

. وبهذا تبين أن المقصود زيارة البيت.

وهذا المقصود حاصل بفرضية نسك واحد فلا تثبت صفة الفرضية فى عدد منه ولهذا لا تتكرر فرضية الحج.

ومعنى قول الشافعى رحمه الله تعالى: أن العمرة فريضة أى مقدرة بأعمال الحج فإن الفرض هو التقدير. وبه نقول: إنها مقدرة.

فأكثر ما فى الباب أن الآثار قد اشتبهت فيه.

ولكن صفة الفرضية مع اشتباه الأدلة لا تثبت.

فإذا ثبت عندنا أن أصله ليس بفرض بل هو تبع للحج لا يكون وجوب البدنة بالجماع فى الحج دليلا على وجوبها فى العمرة.

وعنده لما كان فرضا وجب بالجماع فيه ما يجب فى الحج.

‌الإفراد فى العمرة

.

جاء فى المبسوط

(4)

ومثله فى الفتاوى الهندية أن المفرد بالعمرة إذا أرادها يتأهب لها كما يتأهب للحج فيحرم بها من الميقات أو قبل الميقات فى أشهر الحج أو فى غير أشهر الحج ويذكر العمرة بلسانه عند التلبية مع قصد القلب فيقول: لبيك بالعمرة أو يقصد بقلبه ولا يذكرها بلسانه والذكر باللسان أفضل ويجتنب المحرم بالعمرة ما يجتنبه المحرم بالحج ويفعل فى إحرامه وطوافه وسعيه بين الصفا والمروة ما يفعله الحاج. فإذا طاف وسعى وحلق يخرج عن إحرام العمرة.

(1)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(2)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 59 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 97 من سورة آل عمران.

(4)

كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 29 وما بعدها.

ص: 132

ومن كان بمكة وأراد أن يعتمر خرج من الحرم إلى الحل من أى جانب شاء وأقرب الجوانب التنعيم وعنده مسجد عائشة رضى الله تعالى عنها. وسبب ذلك أنها قالت يا رسول الله: أوكل نسائك ينصرفن بنسكين وأنا بنسك واحد فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم مكان العمرة التى رفضتها فمن ذلك الوقت عرف الناس موضع إحرام العمرة فيخرجون إليه إذا أرادوا الإحرام بالعمرة.

ويستمر المعتمر حتى يقدم مكة ويدخل المسجد، فيبدأ بالحجر فيستلمه ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. ثم يحلق أو يقصر، وقد فرغ من عمرته وحل له كل شئ. هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عمرة القضاء حين اعتمر من الجعرانة.

ثم إن المعتمر يقطع التلبية فى العمرة حين يستلم الحجر الأسود عند أول شوط من الطواف بالبيت.

وعند مالك رحمه الله تعالى: كلما وقع بصره على البيت يقطع التلبية، لأن العمرة زيارة البيت وقد تم حضوره بوقوع بصره على البيت، ولكنا نستدل بحديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم فى عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم الحج الأسود.

والمعنى فيه أن قطع التلبية هنا عند الطواف بالاتفاق.

ثم إن فى العمرة بعد الطواف والسعى يحلق عندنا. وعلى قول مالك رحمه الله تعالى: لا حلق عليه إنما العمرة الطواف والسعى فقط.

وحجتنا قوله تعالى: «مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ 1» }.

وهو بشرى لهم بما عاينوه فى عمرة القضاء وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم أمرهم بالحلق وحلق رأسه فى عمرة القضاء، ولأن التحرم للإحرام بالتلبية والتحلل بالحلق، فكما سوى بين إحرام العمرة وإحرام الحج فى التحرم فكذلك فى التحلل.

وفى المبسوط

(2)

: إذا طاف المعتمر أربعة أشواط من طواف العمرة فى أشهر الحج، بأن كان أحرم بالعمرة فى رمضان فطاف ثلاثة أشواط ثم دخل شوال فأتم طوافه وحج من عامه ذلك كان متمتعا.

وإن كان طاف الأكثر فى رمضان لم يكن متمتعا، لأن الأكثر يقوم مقام الكل.

وعلى هذا لو جامع المعتمر بعد ما طاف لعمرته أربعة أشواط لم تفسد عمرته ويمضى فيها وعليه دم. وإن جامع بعد ما طاف لها بثلاثة أشواط فسدت عمرته فيمضى فى الفاسد حتى يتمها وعليه دم للجماع وعمرة مكانها.

لما ذكرنا أن الأكثر يقوم مقام الكل، وجماعه بعد إكمال طواف العمرة غير مفسد، لأنها صارت مؤداة بأداء ركنها، فكذلك بعد أداء الأكثر من الطواف.

(1)

الآية رقم 27 من سورة الفتح.

(2)

كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 45 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 133

وإن طاف للعمرة فى رمضان جنبا أو على غير وضوء لم يكن متمتعا إن أعاده فى شوال أو لم يعده.

وقال فى المبسوط

(1)

: محرم بعمرة جامع ثم أضاف إليها عمرة أخرى قال: يرفض هذه ويمضى فى الأولى، لأن الفاسد معتبر بالصحيح فى وجوب الإتمام.

ولو كانت الأولى صحيحة كان عليه أن يمضى فيها ويرفض الثانية. فكذلك بعد فسادها.

وكذلك لو لم يجامع فى الأولى، ولكنه طاف لها شوطا، ثم أحرم بالثانية يرفض الثانية، لأن الأولى قد تأكدت لما طاف لها فتعينت الثانية للرفض.

وقال فى المبسوط

(2)

. ومن أهل بعمرة فى أشهر الحج ثم قدم مكة بعد يوم النحر يقضى عمرته وليس عليه شئ، لأن العمرة غير مؤقتة فلا يفوته عمل العمرة بمضى أيام النحر، فلهذا لا يلزمه شئ.

والحاصل أن جميع السنة وقت العمرة عندنا.

ولكن يكره آداؤها فى خمسة أيام.

يوم عرفة ويوم النحر. وأيام التشريق.

هكذا روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها كانت تكره العمرة فى هذه الأيام الخمسة.

ولأن الله سبحانه وتعالى سمى هذه الأيام أيام الحج، فيقتضى أن تكون متعينة للحج الأكبر، فلا يجوز الاشتغال فيها بغيرها.

وعلى قول الشافعى رحمه الله تعالى لا تكره العمرة فى هذه الأيام الخمسة.

وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لا تكره العمرة فى يوم عرفة قبل الزوال، لأن دخول وقت ركن الحج بعد الزوال لا قبله.

ولكن مع هذه الكراهة لو أدى العمرة فى هذه الأيام صح فيبقى محرما فى هذه الأيام بها.

وهو نظير بقاء حرمة الصلاة بعد دخول وقت الكراهة.

ومن كان

(3)

محرما بعمرة فأحصر فإنه يتحلل بالهدى.

إلا على قول مالك رحمه الله تعالى، فإنه يقول: حكم الإحصار لمن يخاف الفوت والمعتمر لا يخاف الفوت.

ولكنا نقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحصر بالحديبية كان محرما بالعمرة.

وقد بينا حديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فى الملدوغ وهو ما روى عن الأسود بن يزيد رحمه الله تعالى قال: خرجنا من البصرة عمارا أى معتمرين فلدغ صاحب لنا فأعرضنا الطريق لنسأل عن نجده فإذا نحن بركب فيهم ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فسألناه عن ذلك فقال ليبعث صاحبكم

(1)

المرجع السابق لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 138 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 178 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 109 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 134

بدم ويواعد المبعوث على يديه أى يوم شاء فإذا ذبح عنه حل.

والمعنى فيه: أن المعنى الذى لأجله ثبت حق التحلل للمحصر بالعدو موجود هنا وهو زيادة مدة الإحرام عليه، لأنه إنما التزم إلى أن يؤدى أعمال الحج ويتعذر الأداء وتزداد مدة الإحرام عليه ويلحقه فى ذلك ضرب مشقة فأثبت له الشرع حق التحلل وهذا المعنى موجود هنا فقد يزداد عليه مدة الإحرام بسبب المرض والمشقة عليه فى المكث محرما مع المرض أكثر فيثبت له حق التحلل بطريق الأولى.

والمعنى فيه زيادة مدة الإحرام عليه والمعتمر فى هذا كالحاج فيتحلل بالهدى.

إلا أنه إذا بعث بالهدى هنا يواعد صاحبه يوما أى يوم يشاء، لأن عمل العمرة لا يختص بوقت فكذا الهدى الذى يتحلل به عن إحرام العمرة بخلاف المحصر بالحج على قولهما، لأن أعمال الحج مختصة بوقت الحج فكذلك الهدى الذى به يتحلل مؤقت بيوم النحر وإذا حل من عمرته فعليه عمرة مكانها لأن الشروع فيها قد صح.

وليس على المعتمر طواف صدر ولا طواف قدوم

(1)

أما طواف القدوم فلأنه كلما وصل إلى البيت يتمكن من أداء الطواف الذى هو ركن فى هذا النسك فلا يشتغل بغيره، بخلاف الحج، فإنه عند القدوم لا يتمكن من الطواف الذى هو ركن الحج. فيأتى بالطواف المسنون إلى أن يجئ وقت الطواف الذى هو ركن.

وأما طواف الصدر فقد قال الحسن رحمه الله تعالى: فى العمرة طواف الصدر أيضا فى حق من قدم معتمرا إذا أراد الرجوع إلى أهله كما فى الحج.

ولكنا نقول: إن معظم الركن فى العمرة الطواف وما هو معظم الركن فى النسك لا يتكرر عند الصدر كالوقوف فى الحج لأن الشئ الواحد لا يجوز أن يكون معظم الركن فى نسك وهو بعينه.

غير ركن فى ذلك النسك، ولأن ما هو معظم الركن مقصود، وطواف الصدر تبع يجب لقصد توديع البيت والشئ الواحد لا يكون مقصودا وتبعا.

وجاء فى موضع آخر من المبسوط

(2)

:

لا ينبغى لمن اعتمر أن يحل حتى يسعى بين الصفا والمروة، لأن الأثر جاء فيها: أنه إذا طاف وسعى وحلق أو قصر حل إنما أراد به الفرق بين سعى العمرة وسعى الحج فإن أداء سعى الحج بعد تمام التحلل بالطواف صحيح ولا يؤدى سعى العمرة إلا فى حال بقاء الإحرام، لأن الأثر فى كل واحد منهما ورد بهذه الصفة وفى مثله علينا الاتباع إذ لا يعقل فيه معنى.

ثم من واجبات الحج ما هو مؤدى بعد تمام التحلل كالرمى فيجوز السعى أيضا بعد تمام التحلل

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 35 وما بعدها الطبعة السابقة

(2)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 52 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 135

وليس من أعمال العمرة ما يكون مؤدى بعد تمام التحلل والسعى من أعمال العمرة فعليه أن يأتى به قبل التحلل بالحلق.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(1)

نقلا عن ابن عرفة رحمه الله تعالى: أن الإفراد وهو الإحرام بنية حج فقط

‌منزلة الإفراد بالحج:

جاء فى الحطاب

(2)

: أن الإحرام بالحج مفردا أفضل من الإحرام بالقران أو التمتع وظاهر كلامه وإن كان لم يأت بعد الحج بعمرة وهو ظاهر كلامه فى التوضيح والمناسك.

وقال فى مناسكه فى فضل أوجه الإحرام والإفراد أفضلها وهو أن يحرم بالحج مفردا.

ثم إذا فرغ يسن. له أن يحرم بعمرة فلم يجعل العمرة داخلة فى حقيقة الإفراد المحكوم له بالأفضلية بل جعلها سنة مستقلة فإذا أحرم بالإفراد وترك العمرة ترك السنة.

وهو نحو قوله فى التوضيح والإفراد وإن لم يكن مستلزما للعمرة لكنه إذا أتى بالعمرة بعد الحج فقد أتى بهما وإن كان حجه إفرادا وهو ظاهر كلام غيره من أهل المذهب.

وقال المقرى رحمه الله تعالى فى قواعده: قال مالك ومحمد رحمهما الله تعالى: الإفراد أفضل إذا كان بعد عمرة، وأما إذا لم يعتمر بعده فالقران أفضل.

ولم أر من صرح بذلك من المالكية.

إنما نقله سند عن الشافعى رحمه الله تعالى.

وعند المالكية أن الإفراد: أن يأتى بالحج وحده ولم يذكروا العمرة وأطلقوا القول بأنه أفضل من القران والتمتع.

ونص على ذلك مالك رحمه الله تعالى.

ونقل الطرطوشى اتفاق مالك وأصحابه عليه.

قال الحطاب: ولعل المقرى أخذ ما قاله مما وقع فى رسم حلف من سماع لابن القاسم رحمه الله تعالى من كتاب الحج.

ونصه: سئل مالك رضى الله تعالى عنه عمن أحرم بعمرة ثم حج أذلك أحب إلىّ أم إفراد الحج والعمرة بعده فى ذى الحجة؟ فقال: بل إفراد الحج والعمرة فى ذى الحجة بعد الحج أحب إلىّ صرورة كان أو غير صرورة.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى كما فعلت عائشة رضى الله تعالى عنها حين أعمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من التنعيم.

وهذا على مذهبه فى تفضيل الإفراد.

ثم ذكر قول ابن عمر رضى الله تعالى عنه بتفضيل المتمتع. انتهى.

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 3 ص 49 وما بعدها وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله سيدى محمد بن يوسف بن أبى القاسم الشهير بالمواق طبعة مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى.

(2)

الحطاب لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن وبهامشه التاج والاكليل ج 3 ص 49 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 136

لكنه لم يصرح فى العتبية بأنه إذا لم يعتمر بعد الحج فلا يكون الإفراد أفضل كما قال ابن المقرى رحمه الله تعالى.

قال الحطاب ومما يستدل به على خلاف ما قاله ابن المقرى رحمه الله تعالى استدلال أهل المذهب على أفضلية الإفراد بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر بعد حجته.

قال سند رحمه الله تعالى: وإنما كان الإفراد أفضل من القران والتمتع لأنه لا يترخص فيه بالخروج من الإحرام، ولأنه يأتى بكل نسك على انفراده فاجتمع فيه أمران، ولأنه مجمع عليه وغيره مختلف فيه.

فكان عمر رضى الله تعالى عنه ينهى عن التمتع.

وكان عثمان رضى الله تعالى عنه ينهى عن القران.

ولأنه لا خلل فيه بدليل أنه لا يتعلق به وجوب الدم وغيره يوجب الدم ووجوبه دليل على الخلل فكان الإفراد الذى لا خلل فيه أفضل ولأنه فعل الأئمة.

قال الحطاب

(1)

: وإذا أحرم وأبهم ولم يعين النسك الذى يحرم به فإن الإحرام ينعقد مطلقا ويخير فى صرفه إلى أحد الأوجه الثلاثة. والأولى أن يصرفه للحج.

فقوله وصرفه للحج، هو على جهة الأولى.

قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: وإذا أحرم مطلقا أحب إلى أن يفرد. والقياس أن يقرن ..

وقاله أشهب رحمه الله تعالى: وقيل القياس أن يصرفه إلى العمرة.

وقال ابن عرفة ومن نوى مطلق الإحرام فلا بن محرز عن أشهب خير فى الحج والعمرة.

وللصقلى واللخمى عنه الاستحسان إفراده والقياس قرانه.

وتعقبه التونسى بأن لازم قوله فى القران فمحتمل أقله العمرة.

وقال سند: الصحيح أن العمرة تجزئه كما أنه إذا التزم الإحرام من غير تعيين تجزئه العمرة.

وقال الشيخ زروق فى شرح الإرشاد: ومن أحرم بالإطلاق أى دون تعيين نسك قال أشهب يخير بين الحج والعمرة.

والمشهور يحمل على الحج.

وقاله مالك رحمه الله تعالى فى الموازية.

والقياس على القران لأنه أحوط.

وقال اللخمى ان كان آفاقيا كأهل المغرب حمل على الحج.

وهذا كله ما لم يقصد أحد الأقوال ويعمل عليها. وهذا إذا أحرم فى أشهر الحج. فإن أحرم مطلقا قبل أشهر الحج.

فقال ابن جماعة الشافعى: إطلاق ابن الحاجب يقتضى أنه يخير فى التعيين.

قال الحطاب: ولكنه يكره له صرفه إلى الحج قبل أشهره على المشهور، لأن ذلك كإنشاء الحج

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 46 وما بعدها.

ص: 137

حينئذ. وعلى مقابله إنما ينعقد عمرة وهذا ظاهر.

قال سند رحمه الله تعالى: إذا احرم مطلقا ولم يعينه حتى طاف فالصواب أن يجعله حجّا ويقع هذا طواف القدوم.

وإنما قلنا لا يجعله عمرة، لأن طواف القدوم ليس بركن فى الحج وطواف العمرة ركن فيها وقد وقع هذا الطواف بغير نية فلم يصلح أن يقع ركنا فى العمرة بغير نية وخف ذلك فى القدوم ويؤخر سعيه إلى إفاضته.

وانظر لو سعى وصرفه لحج بعد السعى هل يعيد السعى بعد الإفاضة أم لا؟

والذى ظهر للذاكرين أنه يعيد احتياطا.

قال ابن جماعة رحمه الله تعالى

(1)

فى منسكه الكبير فى أوجه الإحرام لو أحرم بعمرة ثم أحرم مطلقا فوجهان عند الشافعى:

أحدهما: أن يكون مدخلا للحج على العمرة.

والثانى: إن صرفه إلى الحج كان كذلك.

وإن صرفه إلى العمرة يبطل الثانى.

وعند المالكية أنه يصير قارنا.

ومن أحرم بنسك معين ثم إن نسى ما أحرم به فإنه يبنى على القران ويجدد الآن نية الإحرام بالحج احتياطا فإن إحرامه الأول إن كان حجا أو قرانا لم يضره ذلك، وإن كان عمرة ارتدف ذلك الحج عليها وقد صار قارنا ويكمل حجه.

فإذا فرغ من حجه الأول أتى بعمرة لاحتمال أن يكون إحرامه الأول إنما هو بحجة فقط فلم يحصل له عمرة. وهذا معنى قوله وبرئ منه فقط.

قال فى التوضيح إذا أحرم بمعين ثم نسى ما أحرم به أهو عمرة أو قران أو إفراد فإنه يحمل على الحج والقران، أى يحتاط بأن ينوى الحج إذ ذاك ويطوف ويسعى بناء على أنه قارن ويهدى للقران ويأتى بعمرة لاحتمال أن يكون إنما أحرم أولا بإفراد.

‌أحكام تتعلق بالمفرد:

جاء فى الحطاب

(2)

: أن المفرد بالحج إذا طاف الطواف الواجب أول ما دخل مكة وسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء، ثم خرج إلى عرفات فوقف المواقف ثم رجع إلى مكة يوم النحر.

فطاف طواف الإفاضة على غير وضوء، ولم يسع حتى رجع إلى بلده، فأصاب النساء والصيد والطيب ولبس الثياب، فليرجع لابسا للثياب حلالا، إلا من النساء، والصيد، والطيب، حتى يطوف ويسعى، ثم يعتمر ويهدى.

وليس عليه أن يحلق إذا رجع بعد فراغه من السعى، لأنه قد حلق بمنى. ولا شئ عليه فى لبس الثياب، لأنه لما رمى الجمرة حل له لبس الثياب. ولا شئ عليه فى الطيب لأنه بعد رمى

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 47 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

مواهب الجليل شرح مختصر سيدى أبى الضياء خليل وبهامشه التاج والاكليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 3 ص 89، 99 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.

ص: 138

جمرة العقبة فهو خفيف. وعليه لكل صيد أصابه الجزاء.

ولا دم عليه لتأخير الطواف الذى طافه حين دخل مكة على غير وضوء وأرجو أن يكون خفيفا، لأنه لم يتعمد ذلك وهو كالمراهق والعمرة مع الهدى تجزئه من ذلك كله وجل الناس يقولون لا عمرة عليه فلم يذكر العمرة إلا مع إصابة النساء وإن لم يصب النساء فلا عمرة عليه. صرح بذلك فى الموازية.

ونقله ابن يونس وعبد الحق رحمهما الله تعالى فى نكته وتهذيبه.

قال ابن يونس: قال ابن المواز: رحمه الله تعالى: وإذا لم يطأ فليرجع فيفعل ما وصفنا ويهدى هديا واحدا ولا عمرة عليه ولو ذكر ذلك فى مكة بعد أن فرغ من حجة فليعد طوافه وسعيه ولا دم عليه.

وفى الدسوقى على الشرح الكبير

(1)

: وأجزأ تمتع قضاء عن إفراد أفسد.

وعكسه وهو إفراد عن تمتع لا قران عن إفراد فلا يجزى أو قران عن تمتع فلا يجزى أيضا.

ولا عكسهما وهو إفراد عن قران.

أو تمتع عن قران وقوله وهو إفراد عن تمتع بأن يقع الإفساد فى الحج الذى أحرم به بعد أن فرغت العمرة فإذا قضاه مفردا فإنه يجزئه، ففى الحقيقة أجزأ إفراد عن إفراد وعليه هديان، هدى للتمتع يعجله وهدى للإفساد يؤخره.

وفى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أنه قال

(2)

: ومن منع من الحج أو العمرة بعد الإحرام ويقال للممنوع محصور.

ولما كان الحصر على ثلاثة أقسام:

عن البيت وعرفة معا.

وعن البيت فقط.

وعن عرفة فقط.

بدأ بالأول منها مصدرا بواو الاستئناف فقال:

وإن منعه، أى المحرم، عدو أو فتنة أو حبس لا بحق بحج أو عمرة فله التحلل إن لم يعلم به وأيس من زواله قبل فوته الحج ولا دم عليه لما فاته من الحج بحصر العدو على المشهور بنحر هديه وحلقه.

ولا دم عليه إن أخره أى التحلل أو تحلل وأخر الحلق لبلده إذ القصد به التحلل لا النسك ولا يلزمه.

وكره لمن يتحلل بفعل عمرة وهو الذى تمكن من البيت وفاته الوقوف بأمر من الأمور إبقاء إحرامه بالحج لقابل من غير تحلل بفعل عمرة إن قارب مكة أو دخلها.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامة شمس الدين الشيخ عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 2 ص 270، ص 271 وما بعدها طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1219 هـ.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لشمس الدين محمد عرفة الدسوقى والشرح الكبير عليه لسيدى أحمد الدردير مع تقريرات للشيخ محمد عليش ج 2 ص 93، ص 94 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 139

فالوجه أن يؤخر هذا إلى من حصر عن عرفة.

وأما من يتحلل بلا فعل عمرة وهو المحصور عنهما الذى الكلام فيه، فتقدم أن التحلل فى حقه أفضل قارب مكة أو دخلها أم لا.

ولا يتحلل بفعل عمرة إن استمر على إحرامه مرتكبا للمكروه، حتى دخل وقته، أى الإحرام من العام القابل ليساره ما بقى.

وإلا بأن خالف وتحلل بفعل عمرة بعد دخول وقته وأحرم بالحج.

فثالثها أى الأقوال: يمضى تحلله وهو متمتع فعليه دم لتحلله بتمتعه.

وأولها: يمضى وبئس ما صنع ولا يكون متمتعا، لأن المتمتع من تمتع بالعمرة إلى الحج وهذا من حج إلى حج، أى لأن عمرته كلا عمرة إذ شرطها الإحرام وهو مفقود هنا.

وثانيها: لا يمضى وهو باق على إحرامه بناء على أن الدوام كالإنشاء.

ولا يسقط عن المحصر الذى تحلل بنحر هديه وحلقه أو بفعل عمرة الفرض المتعلق بذمته من حجة إسلام أو نذر مضمون أو عمرة إسلام.

ولم يفسد إحرامه بوط ء حصل منه قبل تحلله إن لم ينو البقاء على إحرامه بأن نوى عدمه أو لا نية له.

لكن الراجح أن من لا نية له كمن نوى البقاء لأنه محرم. والأصل بقاء ما كان على ما كان فيفسد إحرامه. فلو قال: إن نوى التحلل كان أحسن.

وإن وقف بعرفة وحصر عن البيت فحجه تم ولا يحل إلا بالإفاضة.

وإن تمكن من البيت وحصر عن الإفاضة يعنى عرفة ولو عبر به كان أخصر وأظهر أو فاته الوقوف بغير مرض أو خطر عدو أو حبس بحق لم يحل فى ذلك كله إلا بفعل عمرة إن شاء التحلل.

ولما كان فعل العمرة يوهم أنه يجدد إحراما رفعه بقوله: بلا تجديد إحرام، بالمعنى السابق.

وإلا فلا بد من نية التحلل بها. فيطوف ويسعى ويحلق بنية التحلل ويكفيه الإحرام السابق.

وفى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير قال

(1)

: وخرج وجوبا كل من فاته الحج وتمكن من البيت وأراد التحلل بعمرة للحل، ويلبى منه من غير إنشاء إحرام إن أحرم بحجة، أو لا يحرم أو أردف الحج فيه، ليجمع فى إحرامه لتحلله بين الحل والحرم، ويقضى حجه فى العام القابل.

وجاء فى الحطاب

(2)

: ومن فاته الحج وأراد التحلل هل ينقلب إحرامه عمرة ويحل بها؟ أولا، وإنما يأتى بطواف وسعى فى حجه يكون ذلك من شرط تحلله إذ لا يكمل تحلل حتى يطوف ويسعى فيكون طوافه وسعيه لتحلله من حجه وهو باق على إحرام حجه هذا يختلف فيه. فظاهر المذهب أنه ينقلب عمرة وينويها.

قال فى العتبية عن ابن القاسم رحمه الله تعالى إذا أتى عرفة بعد الفجر فليرجع إلى مكة ويطوف

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير فى كتاب ج 2 ص 95، ص 96 وما بعدها.

(2)

مواهب الجليل شرح مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 104 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 140

ويسعى ويقصر وينوى بها عمرة وهل تنقلب عمرة من أصل الإحرام أو من وقت ينوى فعل عمرة يختلف فيه وقال بعده فى باب الفوات.

ويختلف فيه هل ينقلب إحرامه عمرة وينوى أنه فى عمرة أو يطوف ويسعى على اعتقاد الحج ويتحلل بذلك.

وفى الحطاب قال

(1)

: وتخالف المرأة الرجل فى عشرة أشياء فى الحج:

فى تغطية الرأس.

وفى حلقه.

وفى لبس المخيط.

وفى لبس الخفين.

وفى عدم رفع الصوت بالتلبية.

وفى الرمل بالطواف.

وفى الجنب فى السعى بين الصفا والمروة.

وفى الوقوف بعرفة والركوب والقيام أفضل للرجل والقعود أفضل للنساء.

وفى البعد عن البيت فى الطواف والقرب منه أفضل للرجال والبعد منه أفضل للنساء.

وفى الارتقاء على الصفا والمروة.

قال الحطاب: وفى ركوب البحر والمشى من المكان البعيد فيكره ذلك للنساء ولو قدرن، ويجب على الرجل إذا قدر، وفى أنها يشترط فى حقها زوج أو محرم أو رفقة مأمونة.

وفى التاج والأكليل

(2)

: وأجزأ تمتع عن أفراد.

قال اللخمى رحمه الله تعالى: إن أفسد مفردا فقضى متمتعا أجزاه، لأن الهدى لإتيانه بالعمرة حينئذ وليس بواضح فى الحج وعكسه من مناسك خليل.

وما وقع من عدم الإجزاء فى العكس فى قول ابن بشير وابن الحاجب رحمهما الله تعالى فليس بجيد.

قال اللخمى: وإن أفسد وهو متمتع فقضى مفردا غير متمتع أجزأه، لا قران عن إفراد.

قال ابن القاسم رحمه الله تعالى: من أفسد وهو مفرد فقضى قارنا لم يجزه أو تمتع وعكسها من مناسك خليل. ولا يجزئ الإفراد والتمتع عن القران.

وفى الذخيرة إذا طاف القارن أول دخوله مكة وسعى ثم جامع قارنا.

قال الأئمة: له أن يقضى مفردا.

وفى ابن شاس فلو قضى عن الأول إفرادا أو تمتعا لم يجز.

وقال فى الدسوقى

(3)

: ووجب طواف القدوم

(1)

المرجع السابق المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 140 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 3 ص 17 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الدسوقى للشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لسيدى أحمد الدردير مع تقريرات للشيخ محمد عليش ج 2 ص 33، ص 34 وما بعدها طبع دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 141

كما يجب تقديم السعى قبل عرفة. ولذلك شروط ثلاثة فيهما أشار لها بقوله:

إن أحرم من وجب عليه مفردا، أو قارنا من الحل ولو مقيما بمكة خرج إليه ولم يراهق، بفتح الهاء، أى لم يزاحمه الوقت وبكسرها أى لم يقارب الوقت بحيث يخشى فوات الحج إن اشتغل بالقدوم فإن خشيه خرج لعرفة وتركه.

فقوله: إن أحرم من الحل أى إن أحرم من وجب عليه الطواف والسعى من الحل بالفعل كان إحرامه منه واجبا كالآفاقى القادم من بلده سواء أحرم مفردا أو قارنا وكالمقيم بمكة إذا أراد القران وخرج للحل وأحرم منه أو مندوبا كالمقيم بمكة إذا كان معه نفس من الوقت أى سعة من الوقت وخرج للميقات وأحرم منه مفردا ولم يردف الحج على العمرة.

وإلا بأن اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة سعى، أى أخر السعى الركنى بعد الإفاضة ولا طواف قدوم عليه ولا دم.

كما لا يجب على ناس وحائض ونفساء ومغمى عليه ومجنون حيث بقى عذرهم بحيث لا يمكنهم الإتيان بالقدوم والسعى قبل الوقوف.

وإلا بأن طاف المردف بحرم أو المحرم منه غير المراهق تطوعا فدم بشرطين إن قدم سعيه بعد ذلك الطواف على الإفاضة والحال أنه لم يعد سعيه بعد الإفاضة فلا دم عليه.

وفى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(1)

:

ورجع المعتمر من أى موضع من الأرض إن لم يصح طواف عمرة اعتمرها لفقد شرط كفعله بغير وضوء حرما بكسر فسكون، أى محرما متجردا عن المحيط كما كان عند إحرامه إذ ليس معه إلا الإحرام فيحرم عليه ما يحرم على المحرم ويجب عليه ما يجب على المحرم.

فإن كان قد أصاب النساء فسدت عمرته فيتمها ثم يقضيها من الميقات الذى أحرم منه ويهدى.

وعليه لكل صيد أصابه الجزاء وعليه فدية للبسه وطيبه.

أما طواف الإفاضة بالنسبة للمفرد إذا فسد فإنه يرجع إليه إلا أن يتطوع بعده بطواف صحيح فيجزئه عن الفرض الفاسد ولا يرجع له، نعم: إن كان بمكة طولب بالإعادة كما قال بعضهم. وظاهره وجوب الإعادة.

ولا دم عليه إذا تطوع بعده، أى وكان غير ذاكر فساد الإفاضة وإلا لم يجزه كما استظهره بعضهم حلاّ أى يرجع حلالا من ممنوعات الإحرام كلها لأن كلا منهما حصل له التحلل الأول برمى جمرة العقبة فيكمل ما عليه بإحرامه الأول ولا يجدد إحراما، لأنه باق على إحرامه الأول فيما بقى عليه إلا من نساء وصيد فلا يكون حلاّ.

(1)

المرجع السابق والشرح الكبير عليه فى كتاب ج 2 ص 35 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 142

‌حكم الإجارة على الحج المفرد:

جاء فى التاج والإكليل للحطاب

(1)

: وأجزأ حج الأجير إن قدم على العام المشترط ولو قدم الحج على العام المشترط.

فقال بعض الأندلسيين يجزئه كما قدم دينا قبل محله أو ترك الزيادة ورجع بقسطها.

وفى الحطاب قال: أو خالف إفرادا لغير الإفراد من تمتع أو قران إن لم يشترطه الميت.

وما ذكره من الإجزاء هو أحد القولين.

قال سند إذا قلنا يجزيه فالهدى على المستأجر، لأنه تعمد سبب ذلك كدم الجزاء والفدية وله جميع الأجرة ولا يزاد فيها لزيادته نسكا.

وإن قلنا لا يجزيه فلا شئ له من الأجرة ويقع ذلك نافلة للمستأجر والمستأجر بفتح الجيم فى الموضعين وإلا فلا.

قال الحطاب

(2)

: أى وإن اشترط الميت فلا يجزئه. وشمل كلامه الصورتين المتقدمتين.

وهما: أن يخالف الإفراد إلى التمتع أو إلى القران.

قال ابن عبد السلام: والحاصل أنه إذا خالف شرط الميت لم يجزئه وتنفسخ الإجارة إذا خالفه إلى القران سواء كان العام معينا أو غير معين. وإن خالفه إلى تمتع لم تنفسخ. وأعاد إن لم يكن العام معينا انتهى.

ونحوه فى التوضيح. كتمتع بقران أو عكسه أو هما بإفراد.

قال الحطاب: هذه أربع صور نص سند على عدم الإجزاء فيها:

الأولى: أن يشترط عليه التمتع فيأتى بالقران.

الثانية: عكسها أن يشترط عليه القران فيأتى بالتمتع.

الثالثة: أن يشترط عليه القران فيفرد.

الرابعة: أن يشترط عليه التمتع فيفرد.

وذكرها فى التوضيح: إلا إذا خالف التمتع إلى الإفراد. ونقلها القرافى عن سند. ونقلها عن القرافى التادلى.

وظاهر كلامهم سواء كان ذلك بوصية الميت أم لا، كما هو مقتضى كلام المصنف.

وزاد سند فيما إذا خالف التمتع إلى الإفراد أنه لا يجزئه أن يعتمر بعد الحج، قال: لأن الشرط لا يتناوله.

‌إفراد العمرة:

جاء فى الحطاب

(3)

: ووقت الإحرام بالعمرة جميع السنة إلا لمن أحرم بالحج فلا ينعقد إحرامه للعمرة إلى تحليله برمى جمرة العقبة وطواف

(1)

التاج والاكليل لأبى عمر محمد بن يوسف الشهير بالمواق مع مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى أبى الضياء خليل المعروف بالحطاب ج 2 ص 556، ص 557 وما بعدهما طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.

(2)

المرجع السابق المعروف بالحطاب وهامشه التاج الاكليل للمواق ج 2، ص 557 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

مواهب الجليل شرح مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ص 22، ص 23 وما بعدهما الطبعة السابقة.

ص: 143

الإفاضة والسعى بعده لمن لم يسع.

ويكره الإحرام بالعمرة بعد التحللين.

وقبل غروب الشمس من اليوم الرابع من أيام منى. فإن أحرم بها حينئذ انعقد إحرامه مع الكراهة.

واعلم أن ميقات الإحرام بالعمرة جميع أيام السنة لمن لم يحرم بحج حتى يوم عرفة وأيام التشريق.

وقال فى المدونة: وتجوز العمرة فى أيام السنة كلها إلا للحاج فيكره لهم أن يعتمروا حتى تغيب الشمس من آخر أيام الرمى.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى: جائز لمن لم يحج أن يعتمر فى أيام التشريق.

والأصل فيه أمر عمر رضى الله عنه أبا أيوب الأنصارى رحمه الله تعالى وهبار بن الأسود رضى الله تعالى عنه لما قدما عليه يوم النحر وقد فاتهما الحج لإضلال راحلته وبخطإ الثانى فى العدة أن يتحللا من إحرامهما بالحج ويقضياه قابلا ويهديا كما وقع فى الموطأ. فلمن لم يحج أن يهل بعمرة فى أيام التشريق سواء حل منها فى أيام التشريق أو بعدها قاله ابن القاسم رحمه الله تعالى فى المدونة.

وقال سند رحمه الله تعالى

(1)

: من لم يكن من أهل الحج فلا حجة عليه يعتمر متى شاء.

وهذا قول الشافعى وابن حنبل رحمهما الله تعالى. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: تكره العمرة فى يوم عرفة وأيام منى.

ووافقه أبو يوسف رحمه الله تعالى على غير يوم عرفة.

وروى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت السنة كلها عمرة إلا خمسة أيام يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق.

ودليلنا أنه وقت يصح فيه الطواف والسعى فلا تكره فيه العمرة كسائر السنة.

ويوم عرفة يصح فيه القران فلا يكره فيه إفراد العمرة كما لا يكره إفراد الحج، ولأن من فاته الحج يفعل أفعال العمرة فى أيام منى.

وقد قال أبو يوسف رحمه الله تعالى ينقلب إحرامه عمرة: فإذا كان الوقت صالحا لأفعال العمرة والذمة خالية مما ينافى العمرة لم يبق للكراهة وجه. وما رواه لا يثبت عند أهل الحديث. وإن صح فمحمول على من أحرم بالحج.

وقال اللخمى فى تبصرته: والوقت الذى يؤتى بها فيه على وجهين.

فمن لم يتقدم له حج ولا يريده فى ذلك العام فيعتمر من السنة فى أى وقت أحب وفى أشهر الحج ويوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ويكون الناس فى الوقوف بعرفة وهو يعمل عمل العمرة.

وأما من حج فلا يعتمر حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق.

قال: وإن تعجل فلا يحرم بعمرة فإن فعل لم ينعقد.

(1)

المرجع السابق المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق فى كتاب ج 2 ص 23 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 144

قال ابن القاسم رحمه الله تعالى

(1)

: إلا أن يحرم فى أيام التشريق بعد الرمى فيلزمه.

قال محمد رحمه الله تعالى: يلزمه الإحرام ولا يحل حتى تغرب الشمس وإحلاله قبل ذلك باطل، وإن وطئ قبل ذلك أفسد عمرته وقضاها وأهدى. والقياس إذا أكمل الإحرام للحجة أن ينعقد الإحرام لعمرة ويصح عملها.

وقال ابن عبد السلام رحمه الله تعالى فى شرح ابن الحاجب رحمه الله تعالى: يعنى أن العمرة لا تختص بزمن معين كالحج.

فقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أشهر الحج وأمر عبد الرحمن بن الصديق رضى الله عنهما أن يعمر عائشة فى ذى الحجة، وقال: عمرة فى رمضان تعدل حجة، أو قال: حجة معى.

إلا أن الفقهاء يقولون العمرة لا ترتدف على الحج، فلذلك يشترطون ألا يكون فى أيام منى لمن حج وأما من لم يحج، فيجوز أن يأتى بها فى سائر السنة، ولو فى يوم عرفة أو يوم النحر.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المجموع

(2)

: صورة الأفراد الأصلية أن يحرم بالحج وحده ويفرغ منه ثم يحرم بالعمرة.

أما التمتع فصورته الأصلية أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويدخل مكة ويفرغ من أفعال العمرة ثم ينشئ الحج من مكة ويسمى متمتعا لاستمتاعه بمحظورات الإحرام بينهما، فإنه يحل له جميع المحظورات إذا تحلل من العمرة سواء كان ساق الهدى أم لا، ويجب عليه دم.

أما القران فصورته الأصلية أن يحرم بالحج والعمرة معا فتدرج أعمال العمرة فى أعمال الحج، ويتحد الميقات والفعل، فيكفى لهما طواف واحد وسعى واحد، وحلق واحد، وإحرام واحد.

ولو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج، أى أحرم به نظر إن أدخله فى غير أشهر الحج لغا إدخاله ولم يتغير إحرامه بالعمرة. وإن أدخله فى أشهره نظر إن كان أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ففى صحة إدخاله وجهان:

أحدهما: وهو اختيار الشيخ أبى على السنجى رحمه الله تعالى وحكاه عن عامة الأصحاب: أنه لا يصح الإدخال، لأنه يؤدى إلى صحة الإحرام بالحج قبل أشهره. وأصحهما يصح. وهو اختيار القفال رحمه الله تعالى.

وبه قطع صاحبا الشامل والبيان وآخرون، لأنه أحرم بكل واحد منهما فى وقته، ولأنه إنما يصير محرما بالحج فى حال إدخاله وهو وقت صالح للحج.

ولو أحرم بالعمرة فى أشهر الحج ثم أدخله عليها

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 24 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المجموع شرح المهذب للإمام العلامة الفقيه الحافظ أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ج 7 ص 171 وما بعدها ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للامام الجليل أبى القاسم عبد الكريم ابن محمد الرافعى ويليه التلخيص الحبير الطبعة السابقة

ص: 145

فى أشهره. فإن لم يكن شرع فى شئ من طوافها صح وصار قارنا بلا خلاف.

وإن كان قد شرع فيه وخطى منه خطوة لم يصح إحرامه بالحج بلا خلاف.

وإن وقف عند الحجر الأسود للشروع فى الطواف ولم يمسه ثم أحرم بالحج صح وصار قازنا.

‌منزلة الإفراد بين التمتع والقران:

جاء فى المجموع

(1)

: ويجوز إفراد الحج عن العمرة والتمتع بالعمرة إلى الحج والقران بينهما.

لما روت عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة.

والإفراد والتمتع أفضل من القران.

وقال المزنى رحمه الله تعالى: القران أفضل.

والدليل عليه أن المفرد والمتمتع يأتى بكل واحد من النسكين بكمال أفعاله، والقارن يقتصر على عمل الحج وحده، فكان الإفراد والتمتع أفضل. وفى التمتع والأفراد قولان:

أحدهما: أن التمتع أفضل. لما روى ابن عمر رضى الله عنهما قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع بالعمرة إلى الحج.

والثانى: أن الإفراد أفضل. لما روى جابر رضى الله تعالى عنه قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج ليس معه عمرة، ولأن التمتع يتعلق به وجوب دم فكان الإفراد أفضل منه كالقران.

وأما حديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما فإنه يحتمل أنه أراد الأمر بالتمتع. كما روى أنه رجم ماعزا وأراد أنه أمر برجمه. والدليل عليه أن ابن عمر هو الراوى.

وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم أفرد بالحج.

أما الأحكام فقد اتفقت نصوص الشافعى والأصحاب على جواز الإحرام على خمسة أنواع:

الإفراد

والتمتع.

والقران.

والإطلاق، وهو أن يحرم بنسك مطلقا ثم يصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة أو كليهما.

والتعليق، وهو أن يحرم بإحرام كإحرام زيد مثلا. فهذه الأنواع الخمسة جائزة بلا خلاف.

وأما الأفضل من هذه الأنواع الثلاثة الأولى ففيه طرق وأقوال منتشرة. الصحيح منها:

الإفراد، ثم التمتع، ثم القران. هذا هو المنصوص للشافعى رحمه الله فى عامة كتبه. والمشهور من مذهبه.

والقول الثانى: أن أفضلها التمتع ثم الإفراد وهذا القول فى الكتاب، وهذا الثانى نصه فى كتاب اختلاف الحديث حكاه عنه القاضى أبو الطيب والأصحاب.

(1)

المجموع شرح المهذب للنووى ج 7 ص 150 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 146

والثالث أفضلها الإفراد ثم القران، ثم التمتع حكاه صاحب الفروع والسرخسى وصاحب البيان وآخرون. قالوا نص عليه فى أحكام القرآن.

ومن اختاره من أصحابنا المزنى وابن المنذر وأبو إسحاق المروزى والقاضى حسين فى تعليقه.

قال أصحابنا: وشرط تقديم الإفراد أن يحج ثم يعتمر فى سنة فإن أخر العمرة عن سنة فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه بلا خلاف، لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه. هكذا قاله جماهير الأصحاب.

وممن صرح به الماوردى والقاضى أبو الطيب رحمهما الله تعالى فى تعليقه وصاحب الشامل والبيان والرافعى وآخرون.

وقال القاضى حسين والمتولى رحمهم الله تعالى الإفراد أفضل من التمتع والقران سواء اعتمر فى سنته أم فى سنة أخرى. وهذا شاذ ضعيف والله أعلم.

وقد ذكرنا أن مذهبنا جواز الثلاثة. وبه قال العلماء وكافة الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

إلا ما ثبت فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضى الله تعالى عنهما أنهما كانا ينهيان عن التمتع.

وقد ذكر الشيخ أبو حامد رحمه الله تعالى فى تعليقه وآخرون من أصحابنا ومن غيرهم من العلماء فى نهى عمر وعثمان رضى الله تعالى عنهما تأويلين.

أحدهما: أنهما نهيا عنه تنزيها وحملا للناس على ما هو الأفضل عندهما وهو الإفراد. لا أنهما يعتقدان بطلان التمتع هذا مع علمهما: بقول الله تبارك وتعالى: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»

(1)

.

والثانى: أنهما كانا ينهيان عن التمتع الذى فعلته الصحابة فى حجة الوداع وهو فسخ الحج إلى العمرة، لأن ذلك كان خاصّا لهم. وهذا التأويل ضعيف وإن كان مشهورا.

وسياق الأحاديث الصحيحة يقتضى خلافه.

ومن العلماء من أصحابنا وغيرهم من يقتضى كلامه أن مذهب عمر بطلان التمتع، وهو ضعيف، ولا ينبغى أن يحمل كلامه عليه، بل المختار فى مذهبه ما قدمته والله أعلم.

وجاء فى مغنى المحتاج

(2)

: أنه لو أفسد مفرد نسكه فتمتع فى القضاء أو قرن جاز وكذا عكسه.

ولو أفسد القارن نسكه لزمه بدنة واحدة لانغمار العمرة فى الحج، ولزمه دم للقران الذى أفسده، لأنه لزم بالشروع فلا يسقط بالإفساد، ولزمه دم آخر للقران الذى التزمه بالإفساد فى القضاء، ولو أفرده، لأنه متبرع بالإفراد.

ولو فات القارن الحج لفوات الوقوف فاتت العمرة تبعا له، ولزمه دمان، دم للفوات، ودم لأجل القران، وفى القضاء دم ثالث.

ولو ارتد فى أثناء نسكه فسد إحرامه فيفسد نسكه كصومه وصلاته فلا كفارة عليه ولا يمضى

(1)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(2)

كتاب مغنى المحتاج إلى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للعلامة الفقيه الشيخ محمد الشريينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج المذكور لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى ج 1 ص 506 وما بعدها طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.

ص: 147

فيه، وإن أسلم لعدم ورود شئ فيهما بخلاف الجماع، فإنه وإن أفسد به نسكه لم يفسد به إحرامه، حتى يلزمه المضى فى فاسده.

ثم قال

(1)

: والدم الواجب على محرم بفعل حرام وإن لم يكن حراما فى ذلك الوقت كالحلق لعذر أو ترك واجب عليه غير ركن أو غيرهما كدم الجبرانات كدم التمتع والقران والحلق لا يختص بزمان ويختص ذبحه بأى مكان بالحرم فى الأظهر.

لقول الله تعالى: «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ»

(2)

ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحرت هاهنا ومنى كلها منحر رواه مسلم.

وأفضل بقعة من الحرم لذبح المعتمر الذى ليس متمتعا ولا قارنا ولو مفردا المروة، لأنها موضع تحلله ولذبح الحاج ولو قارنا أو مريدا إفرادا أو متمتعا ولو عن دم تمتعه منى لأنها محل تحلله.

والأحسن كما قاله بعض شراح الكتاب فى بقعه ضبطها بفتح القاف وكسر العين على لفظ الجمع المضاف لضمير الحرم وكذا حكم ما ساقا أى المعتمر والحاج من هدى نذر أو نفل مكانا فى الاختصاص والأفضلية. ووقت ذبح هذا الهدى وقت الأضحية على الصحيح.

وجاء فى المهذب

(3)

: أن المفرد والقارن فى كفارات الإحرام واحد، لأن القارن كالمفرد فى الأفعال فكان كالمفرد فى الكفارات.

ثم قال

(4)

: وإن كان محرما بالعمرة وحدها وأراد دخول مكة اغتسل بذى طوى. لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء وادى طوى بات حتى صلى الصبح فاغتسل ثم دخل من ثنية كداء ويدخل من ثنية كداء من أعلى مكة ويخرج من السفل. لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى.

فإذا دخل مكة طاف وسعى وحلق

(5)

، وذلك جميع أفعال العمرة. والدليل عليه ما روت عائشة رضى الله تعالى عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج.

فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة.

وأما من أهل بالحج والعمرة فلم يحلوا إلا يوم النحر.

فإن كان قارنا بين الحج والعمرة فعل ما يفعله المفرد بالحج فيقتصر على طواف واحد وسعى واحد. والدليل عليه ما روى أن النبى صلى الله

(1)

المرجع السابق للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 1 ص 512، ص 513 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 95 من سورة المائدة.

(3)

المرجع السابق للشيرازى ج 1 ص 272 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

المهذب لأبى اسحق الشيرازى ج 1 ص 220، ص 221 وما بعدهما الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 1 ص 232 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 148

عليه وسلم قال من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعى واحد. ولأنه يدخل فيهما بتلبية واحدة ويخرج منهما بحلاق واحد، فوجب أن يطوف لهما طوافا واحدا، ويسعى لهما سعيا واحدا كالمفرد بالحج.

وفى نهاية المحتاج

(1)

: أن الحاج لو كان يكسب فى سفره ما يفى بزاده أى بمؤنته وسفره طويل مرحلتان فأكثر لم يكلف الحج وإن كان يكسب فى يوم كفاية أيام، لاحتمال انقطاع كسبه لعارض مرض ونحوه.

وعلى تقدير عدم انقطاعه فالجمع بين تعب السفر والكسب فيه مشقة عظيمة.

وإن قصر السفر كأن كان بمكة أو على دون مرحلتين وهو يكسب فى يوم كفاية أيام، أى أيام الحج، كلف الحج، بأن يخرج له حينئذ لاستغنائه بكسبه بخلاف ما إذا كان يكسب كفاية يوم بيوم لانقطاعه عن الكسب أيام الحج.

وبحث الأذرعى أخذا من التعليل السابق: أنه لا بد أن يتيسر له الكسب فى أول يوم من خروجه.

والإسنوى: أنه لو كان يقدر فى الحضر على أن يكسب فى يوم ما يكفيه له وللحج لزمه إن قصر السفر، لأنهم إذا ألزموه به فى السفر ففى الحضر أولى.

واستنبط الأسنوى من التعليل بإنقطاعه عن الكسب أيام الحج أنها من خروج الناس غالبا، وهو من أول الثامن إلى آخر الثالث عشر.

وهذا فى حق من لم ينفر النفر الأول.

وما ادعاه فى الإسعاد من كون تقديرها بثلاثة أيام كما قاله ابن النقيب رحمه الله تعالى أقرب، لأن تحصيل أعمال الحج تمتعا وإفرادا ممكن فى ثلاثة أيام. والمراد بالأعمال الأركان ورمى جمرة العقبة لأن له مدخلا فى التحلل من الحج.

والقارن يمكنه تحصيل أعمالهما فى يوم عرفة ويوم النحر فيه نظر. والأقرب ما قاله الإسنوى رحمه الله تعالى.

ثم قال

(2)

: ولو علق المحرم إحرامه على إحرام زيد فى المستقبل كإذا أو متى أو إن أحرم زيد فأنا محرم لم ينعقد إحرامه مطلقا كإذا جاء رأس الشهر فأنا محرم، لأن العبادة لا تتعلق بالإخطار، أو إن كان زيد محرما فأنا محرم أو فقد أحرمت وكان زيد محرما انعقد إحرامه، وإلا فلا، لأن المعلق بحاضر أقل غررا لوجوده فى الواقع فكان قريبا من أحرمت كإحرام زيد فى الجملة، بخلاف المعلق بمستقبل.

فإن تعذر أى تعسر كما فى الحاوى الصغير لأنه يعبر عن التعسر بالتعذر كثيرا.

نعم يمكن حمل التعذر على ظاهره بما إذا كان يرجو اتضاح الحال فيمتنع عليه نية الإفراد، لأنه

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لأبى شهاب الدين الرملى المعروف بالشافعى الصغير فى كتابه مع حاشية الشيراملسى عليه وبهامشه حاشية الشيخ عبد الرازق الرشيدى المغربى ج 3 ص 235، ص 236 وما بعدها طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ

(2)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين ابن شهاب الرملى وحاشية الشيراملسى عليه ج 3 ص 258، ص 259 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 149

يورط نفسه فى إبهام وتعاطى ما يحتمل الحرمة من غير ضرورة معرفة إحرامه بموته أو جنونه أو نسيانه ما أحرم به أو غيبته الطويلة لم يتحر لتلبسه بالإحرام يقينا فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه، كما لو شك فى عدد الركعات لا يتحرى، وإنما يتحرى فى الأوانى والقبلة، لأن أداء العبادة، ثم لا يحصل بيقين إلا بعد فعل محظور وهو صلاته لغير القبلة أو استعماله نجسا.

وهنا يحصل الأداء بيقين من غير فعل محظور جعل نفسه قارنا، بأن ينوى القران وعمل أعمال النسكين فيتحقق الخروج عن عهدة ما هو فيه فتبرأ ذمته من الحج بعد إتيانه بأعماله إذ هو إما محرم به أو مدخل له على العمرة ولا تبرأ ذمته عن العمرة لاحتمال أنه أحرم بحج ويمتنع إدخالها عليه ولا دم عليه فى الحالين إذ الحاصل له الحج فقط واحتمال حصول العمرة فى صورة القران لا يوجبه إذ لا وجوب بالشك.

نعم يسن الاحتمال كونه أحرم بعمرة فيكون قارنا ذكره المتولى رحمه الله تعالى.

أما لو لم يقرن ولا أفرد بأن اقتصر على أعمال الحج من غير نية حصل له التحلل لا البراءة من شئ منهما.

وإن تيقن أنه أتى بواحد منهما لكن لما يتعين الساقط منهما وجب عليه الإتيان بهما. كمن نسى صلاة من الخمس لا يعلم عينها. أو على عمل العمرة لم يحصل التحلل أيضا، وإن نواها، لاحتمال أنه أحرم بحج ولم يتم أعماله مع أن وقته باق.

ولو أحرم كإحرام زيد وبكر صار مثلهما فى إحرامهما إن اتفقا فيما أحرما به وإلا صار قارنا ليأتى بما يأتيان به.

نعم إن كان إحرامهما فاسدا انعقد إحرامه مطلقا أو إحرام أحدهما فقط فالقياس كما قاله الشيخ أن إحرامه ينعقد صحيحا فى الصحيح ومطلقا فى الفاسد.

والمحرم أى مريد الإحرام ينوى بقلبه وجوبا دخوله فى حج أو عمرة أو كليهما أو ما يصلح لشئ منهما وهو الإحرام المطلق ويلبى مع النية فينوى بقلبه ويقول بلسانه نويت الحج مثلا وأحرمت به لله تعالى لبيك اللهم لبيك إلخ ولا يجهر بهذه التلبية.

ويندب كما قاله ابن الصلاح رحمه الله تعالى وتبعه فى الأذكار ونقله فى الإيضاح عن الجوينى رحمه الله تعالى وأقره أن يذكر فى هذه التلبية لا غيرها ما أحرم به وهو الأوجه، لكن نقل الإسنوى عن النص عدم ندبه وصوبه والعبرة بما نواه لا بما ذكره فى تلبيته.

والأفضل

(1)

للمحرم بالحج ولو قارنا دخول مكة قبل الوقوف بعرفة إن لم يخش فوته للاتباع ولكثرة ما يحصل له من السنن.

(1)

المرجع السابق لابن شهاب الدين وحاشية الشيراملسى عليه مع حاشية المغربى فى كتاب ج 3 ص 266 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 150

ويبدأ استحبابا

(1)

أول دخوله المسجد قبل تغيير ثيابه واكتراء منزله ونحوهما بطواف القدوم للاتباع رواه الشيخان.

والمعنى أن الطواف تحية البيت لا المسجد فلذلك يبدأ به إلا لعذر. ويختص طواف القدوم فى المحرم بحاج ولو قارنا دخل مكة قبل الوقوف فلا يطلب من الداخل بعده ولا من المعتمر لدخول وقت الطواف المفروض عليهما، فلا يصح أدائه تطوعهما بطواف قياسا على أصل النسك. وبهذا فارق ما نحن فيه الصلاة حيث أمر بالتحية قبل الفرض.

واقتصار المصنف على الحاج مثال. فالحلال مسنون له أيضا. وإدخاله الباء على بحاج صحيح.

وإن كان الأفصح خلافه. إذ دخولها على المقصور أكثرى لا كلى.

وفى المجموع شرح المهذب

(2)

: أنه يجب الإحرام فى القضاء من حيث أحرم فى الأداء، لأنه قد تعين ذلك بالدخول فيه فإذا أفسده وجب قضاؤه كحج التطوع. فإن سلك طريقا آخر لزمه أن يحرم من مقدار مسافة الإحرام فى الإداء.

وإن كان قارنا فقضاه بالإفراد جاز، لأن الإفراد أفضل من القران. ولا يسقط عنه دم القران، لأن ذلك دم وجب عليه فلا يسقط عنه بالإفساد وكدم الطيب.

وفى نفقة المرأة فى القضاء وجهان. أحدهما:

فى مالها كنفقة الأداء.

والثانى: تجب على الزوج لأنها غرامة تتعلق بالوط ء. فكانت على الزوج كالكفارة.

وفى ثمن الماء الذى تغتسل به وجهان:

أحدهما: يجب على الزوج لما ذكرناه.

والثانى: يجب عليها، لأن الغسل يجب للصلاة فكان ثمن الماء عليها.

وهل يجب عليهما أن يفترقا فى موضع الوط ء؟ فيه وجهان:

أحدهما: يجب لما روى عن عمر وعلى وابن عباس رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا: يفترقان ولأن اجتماعهما فى ذلك الوقت يدعو إلى الوط ء فمنع منه.

والثانى: لا يجب وهو ظاهر النص.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(3)

: أن الإفراد هو الإحرام بالحج مفردا من الميقات وهو أحد الأنساك الثلاثة.

والحكم فى إحرامه كالحكم فى إحرام العمرة سواء فيما يجب ويستحب وحكم الاشتراط.

وإذا أراد الإفراد قال اللهم: إنى أريد الحج.

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملى ج 3 ص 268 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 ص 215 وما بعدها طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

(3)

المغنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله ابن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى المتوفى سنة 620 على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسن بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير ج 3 ص 247 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 3141 هـ الطبعة الأولى.

ص: 151

‌منزلة الإفراد بين التمتع والقران:

قال فى المغنى: إن الإحرام يقع بالنسك من وجوه ثلاثة: تمتع، وإفراد، وقران.

فالتمتع: أن يهل بعمرة مفردة من الميقات فى أشهر الحج، فإذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه.

والإفراد: أن يهل بالحج مفردا.

والقران: أن يجمع بينهما فى الإحرام بهما، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف.

فأى ذلك أحرم به جاز.

قالت عائشة خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بالحج متفق عليه. فهذا هو التمتع والإفراد والقران.

وأجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأى الأنساك الثلاثة شاء:

إما أفضلية الإفراد

(1)

: فقد جاء فى المغنى أنهم اختلفوا فى أفضلها. فاختار إمامنا التمتع ثم الإفراد ثم القران.

وممن روى عنه اختيار التمتع ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعائشة.

وروى المروزى عن أحمد إن ساق الهدى فالقران أفضل. وإن لم يسقه فالتمتع أفضل، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قرن حين ساق الهدى ومنع كل من ساق الهدى من الحل حتى ينحر هديه.

وإليه ذهب الثورى وأصحاب الرأى إلى اختيار القران.

لما روى أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعا لبيك عمرة وحجّا لبيك عمرة وحجّا متفق عليه. وحديث الضبى بن معبد حين لبى بهما ثم أتى عمر فسأله فقال: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. وروى عن مروان بن الحكم قال: كنت جالسا عند عثمان بن عفان فسمع عليّا يلبى بعمرة وحج فأرسل إليه فقال ألم نكن نهينا عن هذا؟ قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى بهما جميعا فلم أكن أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك رواه سعيد.

ولأن القران مبادرة إلى فعل العبادة وإحرام بالنسكين من الميقات وفيه زيادة نسك وهو الدم فكان أولى.

وذهب مالك وأبو ثور إلى اختيار الإفراد. وهو ظاهر مذهب الشافعى.

وروى ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وجابر وعائشة. لما روت عائشة وجابر أن النبى صلى الله عليه وسلم أفرد الحج متفق عليهما. وعن ابن عمر وابن عباس مثل ذلك متفق عليهما، ولأنه يأتى بالحج تامّا من غير احتياج إلى جبر فكان أولى.

قال عثمان: رحمه الله تعالى إلا أن الحج التام من أهليكم والعمرة التامة من أهليكم.

وقال إبراهيم رحمه الله تعالى إن أبا بكر وعمر

(1)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى على متن القنع والشرح الكبير عليه للخرقى ج 3 ص 233 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 152

وابن مسعود وعائشة رضى الله تعالى عنهما كانوا يحددون الحج.

ولنا ما روى ابن عباس وجابر وأبو موسى وعائشة رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا بالبيت أن يحلوا ويجعلوها عمرة فنقلهم من الإفراد والقران إلى المتعة ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل.

وهذه الأحاديث متفق عليها

(1)

ولم يختلف عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من ساق هديا وثبت على إحرامه وقال: «لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة» .

قال جابر رضى الله تعالى عنه حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم: «حلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التى قد قمتم بها متعة» فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال: «افعلوا ما أمرتكم به فلولا أنى سقت الهدى لفعلت مثل الذى أمرتكم به» . وفى لفظ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «وقد علمتم أنى أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديى لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما أهديت» فحللنا وسمعنا وأطعنا متفق عليهما. فنقلهم إلى التمتع، وتأسف إذ لم يمكنه ذلك فدل على فضله.

ولأن التمتع منصوص عليه فى كتاب الله تعالى بقوله: {(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ)}

(2)

. دون سائر الأنساك.

ولأن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة فى أشهر الحج مع كمالهما وكمال أفعالهما على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك فكان ذلك أولى.

فأما القران

(3)

فإنما يؤتى فيه بأفعال الحج وتدخل العمرة فيه.

والمفرد فإنما يأتى بالحج وحده.

وإن أعتمر بعده من التنعيم فقد اختلف فى أجزائها عن عمرة الإسلام.

وكذلك اختلف فى أجزاء عمرة القران. ولا خلاف فى أجزاء التمتع عن الحج والعمرة جميعا فكان أولى.

فأما حجتهم فإنما احتجوا بفعل النبى صلى الله عليه وسلم. والجواب عنها من أوجه:

الوجه الأول: انا نمنع أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم محرما بغير التمتع. ولا يصح الاحتجاج بأحاديثهم لأمور:

أحدها: أن رواة أحاديثهم قد رووا أن النبى صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج روى ذلك ابن عمر وجابر وعائشة من طرق صحاح

(1)

المغنى لأبى موفق الدين أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى على متن المقنع فى كتاب ج 3 ص 234، ص 235 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(3)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه للحرفى فى كتاب ج 3 ص 235 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 153

فسقط الاحتجاج بها

(1)

.

الثانى: أن روايتهم اختلفت فرووا مرة أنه أفرد ومرة أنه تمتع ومرة أنه قرن والقضية واحدة ولا يمكن الجمع بينها فيجب إطراحها كلها.

وأحاديث القران أصحها حديث أنس، وقد أنكره ابن عمر فقال: رحم الله أنسا ذهل أنس متفق عليه. وفى رواية كان أنس يتولج على النساء يعنى أنه كان صغيرا.

وحديث على رواه حفص بن أبى داوود وهو ضعيف عن ابن أبى ليلى وهو كثير الوهم قاله الدارقطنى.

الثالث: أن أكثر الروايات أن النبى صلى الله عليه وسلم كان متمتعا. روى ذلك عمر وعلى وعثمان وسعد بن أبى وقاص وابن عباس وابن عمر ومعاوية وأبو موسى وجابر وعائشة وحفصة بأحاديث صحيحة.

وإنما منعه من الحل الهدى الذى كان معه. ففى حديث عمر أنه قال: انى لا أنهاكم عن المتعة وإنها لفى كتاب الله. ولقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى العمرة فى الحج.

وفى حديث على أنه اختلف هو وعثمان فى المتعة بعسفان فقال على ما تريد إلى أمر فعله رسول صلى الله عليه وسلم تنهى عنه. متفق عليه وللنسائى وقال على لعثمان ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع؟ قال: بلى.

وعن ابن عمر قال تمتع رسول الله فى حجة الوداع بالعمرة إلى الحج. وعنه أن حفصة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال «إنى لبدت رأسى وقلدت هديى فلا أحل حتى أنحر» متفق عليه وقال سعد صنعها رسول الله وصنعناها معه

(2)

.

وهذه الأحاديث راجحة لأن رواتها أكثر وأعلم بالنبى صلى الله عليه وسلم ولأن النبى أخبر بالمتعة عن نفسه فى حديث حفصة فلا تعارض بظن غيره، ولأن عائشة كانت متمتعة بغير خلاف، وهى مع النبى صلى الله عليه وسلم، ولا تحرم إلا بأمره ولم يكن ليأمرها بأمر ثم يخالف إلى غيره.

ولأنه يمكن الجمع بين الأحاديث بأن يكون النبى صلى الله عليه وسلم أحرم بالعمرة ثم لم يحل منها لأجل هديه حتى أحرم بالحج فصار قارنا وسماه من سماه مفردا لأنه اشتغل بأفعال الحج وحدها بعد فراغه من أفعال العمرة.

فإن الجمع بين الأحاديث مهما أمكن أولى من حملها على التعارض.

الوجة الثانى

(3)

: فى الجواب أن النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالانتقال إلى المتعة عن

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى على متن المقنع على الشرح الكبير للخرقى ج 3 ص 236، ص 237 وما بعدهما الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير للخرقى ج 3 ص 237 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه متن المقنع فى كتاب ج 3 ص 237 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 154

الإفراد والقران ولا يأمرهم إلا بالانتقال إلى الأفضل، فإنه من المحال أن ينقلهم من الأفضل إلى الأدنى، وهو الداعى إلى الخير الهادى إلى الأفضل، ثم أكد ذلك بتأسفه على فوات ذلك فى حقه، وأنه لا يقدر على انتقاله وحله لسوقه الهدى، وهذا ظاهر الدلالة.

الوجة الثالث: إن ما ذكرناه قول النبى صلى الله عليه وسلم وهم يحتجون بفعله، وعند التعارض يجب تقديم المقول لاحتمال اختصاصه بفعله دون غيره كنهيه عن الوصال مع فعله له ونكاحه بغير ولى ولا شهود مع قوله:«ولا نكاح إلا بولى» .

فإن قيل: فقد قال أبو ذر رحمه الله تعالى:

كانت متعة الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة رواه مسلم.

قلنا: هذا قول صحابى يخالف الكتاب والسنة والإجماع وقول من هو خير منه وأعلم.

أما الكتاب فقوله تعالى: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ»

(1)

.

وهذا عام. وأجمع المسلمون على إباحة التمتع فى جميع الأعصار. وإنما اختلفوا فى فضله.

وأما السنة فروى سعيد حدثنا هشيم أنبأنا حجاج عن عطاء بن جابر أن سراقة بن مالك سأل النبى صلى الله عليه وسلم: المتعة لنا خاصة أو هى للأبد؟ فقال: بل هى للأبد.

وفى لفظ قال: ألعامنا أو للأبد؟ قال:

«لا بل لأبد الآبد» دخلت العمرة فى الحج إلى يوم القيامة.

وفى حديث جابر

(2)

الذى رواه مسلم فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم نحو هذا.

ومعناه والله أعلم: أن أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتع ويرون العمرة فى أشهر الحج من أفجر الفجور، فبين النبى صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد شرع العمرة فى أشهر الحج وجوز المتعة إلى يوم القيامة، وقال طاوس: كان أهل الجاهلية يرون العمرة فى أشهر الحج أفجر الفجور، ويقولون: إذا انفسخ صفر وبرأ الدبر، وعفاه الأثر، حلت العمرة لمن اعتمر، فلما كان الإسلام أمر الناس أن يعتمروا فى أشهر الحج فدخلت العمرة فى أشهر الحج إلى يوم القيامة. رواه سعيد.

وقد خالف أبا ذر على وسعد (وابن عباس) وابن عمر وعمران بن حصين وسائر الصحابة وسائر المسلمين.

قال عمران: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفسخها شئ فقال فيها رجل برأيه ما شاء. متفق عليه.

وقال سعد بن أبى وقاص فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعنى المتعة، وهذا يومئذ كافر بالعرش يعنى الذى نهى عنها، والعرش بيوت مكة.

(1)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(2)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه فى كتاب ج 3 ص 237، ص 238 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 155

وقال أحمد حين ذكر له حديث أبى ذر:

أفيقول بهذا أحد؟ المتعة فى كتاب الله وقد أجمع المسلمون على جوازها. فإن قيل: فقد روى أبى داود بإسناده عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن العمرة قبل الحج قلنا: هذا حاله

(1)

فى مخالفة الكتاب والسنة والإجماع كحال حديث أبى ذر بل هو أدنى حالا فإن فى إسناده مقال.

وإن قيل: فقد نهى عنها عمر وعثمان ومعاوية. قلنا: فقد أنكر عليهم علماء الصحابة نهيهم عنها وخالفوهم فى فعلها. والحق مع المنكرين عليهم دونهم.

وقد ذكرنا إنكار على على عثمان واعتراف عثمان له وقول عمران بن حصين منكرا

(2)

لنهى من نهى وقول سعد عاتبا على معاوية نهيه عنها وردهم عليهم بحجج لم يكن لهم جواب عنها. بل قد ذكر بعض من نهى عنها فى كلامه ما يرد نهيه. فقال عمر: والله إنى لا أنهاكم عنها وإنها لفى كتاب الله وقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلاف فى أن من خالف كتاب الله وسنة رسوله ونهى عما فيهما حقيق بألا يقبل نهيه ولا يحتج به مع أنه قد سأل سالم بن عبد الله ابن عمر أنهى عمر عن المتعة؟ قال: لا والله ما نهى عنها عمر، ولكن نهى عثمان.

وسئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل إنك تخالف أباك قال: إن عمر لم يقل الذى يقولون. ولما نهى معاوية من المتعة أمرت عائشة حشمها ومواليها أن يهلوا بها فقال معاوية من هؤلاء؟ فقال حشم أو موالى عائشة فأرسل إليها ما حملك على ذلك؟ قالت أحببت

(3)

أن يعلم أن الذى قلت ليس كما قلت.

وقيل لابن عباس إن فلانا ينهى عن المتعة قال انظروا فى كتاب الله فإن وجدتموها فيه فقد كذب على الله وعلى رسوله وإن لم تجدوها فقد صدق فأى الفريقين أحق بالاتباع وأولى بالصواب الذين معهم كتاب الله وسنة رسوله أم الذين خالفوهما.

ثم قد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم الذى قوله حجة على الخلق أجمعين فكيف يعارض بقول غيره؟

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تمتع النبى صلى الله عليه وسلم فقال عروة نهى أبو بكر وعمر عن المتعة فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون أقول قال النبى صلى الله عليه وسلم ويقولون نهى عنها أبو بكر وعمر وسئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقال إنك تخالف أباك فقال عمر لم يقل

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى على متن المقنع والشرح الكبير عليه للخرقى على متن المقنع فى كتاب ج 3 ص 239 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه للخرقى على متن المقنع فى كتاب ج 3 ص 239 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه للخزقى فى كتاب ج 3 ص 239 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 156

الذى يقولون، فلما أكثروا عليه قال أفكتاب الله أحق أن تتبعوا أم عمر؟ روى الأثرم هذا كله.

‌أحكام تتعلق بالإفراد

جاء فى المغنى

(1)

: وإذا أحرم بنسك ثم نسيه قبل الطواف فله صرفه إلى أى الأنساك شاء.

فإنه إن صرفه إلى عمرة وكان المنسى عمرة فقد أصاب. وإن كان حجّا مفردا أو قرانا فله فسخهما إلى العمرة. وإن صرفه إلى القران وكان المنسى قرانا فقد أصاب. وإن كان عمرة فإدخال الحج على العمرة جائز قبل الطواف فيصير قارنا. وإن كان مفردا لغا إحرامه بالعمرة وصح بالحج وسقط فرضه. وإن صرفه إلى الإفراد وكان مفردا فقد أصاب.

وإن كان متمتعا فقد أدخل الحج على العمرة فصار قارنا فى الحكم وفيما بينه وبين الله تعالى وهو يظن أنه مفرد. وأن كان قارنا فكذلك.

والمنصوص عن أحمد أنه يجعله عمرة.

قال القاضى

(2)

: هذا على سبيل الاستحباب، لأنه إذا استحب ذلك فى حال العلم فمع عدمه أولى.

وقال أبو حنيفة يصرفه إلى القران.

وهو قول الشافعى فى الجديد. وقال فى القديم يتحرى فيبنى على غالب ظنه، لأنه من شرائط العبادة فيدخله التحرى كالقبلة.

ومنشأ الخلاف على فسخ الحج إلى العمرة. فإنه جائز عندنا. وغير جائز عندهم.

فعلى هذا إن صرفه إلى المتعة فهو متمتع عليه دم المتعة ويجزئه عن الحج والعمرة جميعا.

وإن صرفه إلى إفراد أو قران لم يجزئه عن العمرة إذ من المحتمل أن يكون المنسى حجّا مفردا وليس له إدخال العمرة على الحج فتكون صحة العمرة مشكوكا فيها فلا تسقط من ذمته بالشك. ولا دم عليه لذلك، فإنه لم يثبت حكم القران يقينا، ولا يجب الدم مع الشك فى سببه. ويحتمل أن يجب.

فأما إن شك بعد الطواف لم يجز صرفه إلا إلى العمرة لأن إدخال الحج على العمرة بعد الطواف غير جائز. فإن صرفه إلى حج أو قران فإنه يتحلل بفعل الحج ولا يجزئه عن واحد من النسكين، لأنه يحتمل أن يكون المنسى عمرة فلا يصح إدخال الحج عليها بعد طوافها.

ويحتمل أن يكون حجّا وإدخال العمرة عليه غير جائز فلم يجزئه واحد منهما مع الشك ولا دم عليه للشك فيما يوجب الدم ولا قضاء عليه للشك فيما يوجبه. وإن شك وهو فى الوقوف بعد أن طاف وسعى جعله عمرة فقصر ثم أحرم بالحج فإنه إن كان المنسى عمرة فقد أصاب وكان متمتعا.

وإن كان إفرادا أو قرانا لم ينفسخ بتقصيره

(1)

المغنى والشرح الكبير عليه لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه للخرقى على متن المقنع فى كتاب ج 3 ص 252 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى على متن المقنع والشرح الكبير عليه فى كتاب ج 3 ص 253 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 157

وعليه دم بكل حال، فإنه لا يخلو من أن يكون متمتعا عليه دم المتعة أو غير متمتع فيلزمه دم لتقصيره. وإن شك ولم يكن طاف وسعى جعله قرانا، لأنه إن كان قارنا فقد أصاب وإن كان معتمرا فقد أدخل الحج على العمرة وصار قارنا، وإن كان مفردا لغا إحرامه بالعمرة وصح إحرامه بالحج. وإن صرفه إلى الحج جاز أيضا.

ولا يجزئه عن العمرة فى هذه المواضع لاحتمال أن يكون مفردا، وإدخال العمرة على الحج غير جائز ولا دم عليه للشك فى وجود سببه. ومنها ما يفعله المفرد إذا طاف وسعى

(1)

وكان معه هدى أولا.

جاء فى المغنى: من كان مفردا أو قارنا أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمرة إلا أن يكون معه الهدى فيكون على إحرامه لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك إلا أن يكون معه الهدى فيكون على إحرامه.

وجاء فى الشرح الكبير

(2)

: إذا كان مع المفرد والقارن هدى فليس له أن يحل من احرامه ويجعله عمرة بغير خلاف علمناه. لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة قال للناس «من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضى حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم يهل بالحج وليهد ومن لم يحل هديا فليصم ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله متفق عليه» .

فأما من لا هدى معه فيستحب له إذا طاف وسعى أن يفسخ نيته بالحج وينوى عمرة مفرده فيقصر ويحل من إحرامه ليصير متمتعا إن لم يكن وقف بعرفة.

وكان ابن عباس رضى الله عنهما يرى أن من طاف بالبيت وسعى فقد حل وإن لم ينو ذلك.

وبهذا الذى ذكرناه قال مجاهد والحسن وداود.

لنا أنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه فى حجة الوداع الذى أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدى.

ومنها: إذا أمر النائب بالإفراد وأتى بغيره بالنسبة للحج عن الغير.

قال فى المغنى: إن أمر النائب المستنيب بالإفراد فقرن لم يضمن لأنه أتى بما أمر به وزيادة فصح ولم يضمن كما لو أمره بشراء شاة بدينار فاشترى شاتين تساوى إحداهما دينارا.

ثم إن كان أمره بالعمرة بعد ففعلها فلا شئ عليه. وإن لم يفعل رد من النفقة بقدرها.

وإن أمره بالتمتع فقرن وقع عن الآمر لأنه

(1)

المغنى والشرح الكبير عليه على متن المقنع لابن قدامة المقدسى على الشرح الكبير للخرقى فى كتاب ج 3 ص 416 وما بعدها الطبعة السابقة والشرح الكبير لأبى عبد الله الخرقى على المغنى لابن قدامة المقدسى فى كتاب ج 3 ص 245 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير لأبى عبد الله الخرقى على المغنى لابن قدامة المقدسى على متن المقنع ج 3 ص 245، 246 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 158

أمر بهما وإنما خالف فى أنه أمره بالإحرام بالحج من مكة فأحرم به من الميقات.

وظاهر كلام أحمد أنه لا يرد شيئا من النفقة.

وقال القاضى يرد نصف النفقة لأن غرضه فى عمرة مفردة وتحصيل فضيلة التمتع وقد خالفه فى ذلك وفوته عليه.

وإن أفرد وقع عن المستنيب أيضا ويرد نصف النفقة لأنه أخل بالإحرام بالعمرة من الميقات وقد أمره به وإحرامه بالحج من الميقات زيادة لا يستحق به شيئا.

وإن أمره بالقران

(1)

فأفرد أو تمتع صح ووقع النسكان عن الآمر ويرد من النفقة بقدر ما ترك من إحرام النسك الذى تركه من الميقات.

وفى جميع ذلك إذا أمره بنسكين ففعل أحدهما دون الآخر رد من النفقة بقدر ما ترك ووقع المفعول عن الآمر وللنائب من النفقة بقدره.

ومنها الإحصار بالنسبة إذا كان المحرم مفردا أو كان غير ذلك.

ومتى كان المحصر محرما بعمرة فله

(2)

التحلل ونحر هديه وقت حصره، لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه زمن الحديبية حلوا ونحروا هداياهم بها قبل يوم النحر.

وإن كان مفردا أو قارنا فكذلك فى إحدى الروايتين لأن الحج أحد النسكين فجاز الحل منه ونحر هديه وقت حصره كالعمرة ولأن العمرة لا تفوت وجميع الزمان وقت لها، فإذا جاز الحل منها ونحر هديها من غير خشية فواتها فالحج الذى يخشى فواته أولى.

الرواية الثانية

(3)

: لا يحل ولا ينحر هديه إلى يوم النحر. نص عليه فى رواية الأثرم وحنبل، لأن للهدى محل زمان ومحل مكان، فإذا عجز عن محل المكان فقط بقى محل الزمان واجب لا مكانه.

وإذا لم يجز له نحر الهدى قبل يوم النحر لم يجز التحلل لقوله سبحانه وتعالى «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» }.

وإذا قلنا بجواز التحلل قبل يوم النحر فالمستحب له مع ذلك الإقامة، مع إحرامه رجاء زوال الحصر فمتى زال قبل تحلله فعليه المضى لإتمام نسكه بغير خلاف نعلمه.

قال ابن المنذر قال كل من أحفظ عنه من أهل العلم: إن من يئس أن يصل إلى البيت فجاز له أن يحل فلم يفعل حتى خلى سبيله أن عليه أن يقضى مناسكه.

وإن زال الحصر بعد فوات الحج تحلل بعمل عمرة. فإن فات الحج قبل زوال الحصر تحلل بهدى. وقيل عليه هاهنا هديان: هدى للفوات

(1)

المرجع السابق لموفق الدين محمد بن أحمد بن عبد الله المقدسى والشرح الكبير عليه لأبى عبد الله الخرقى ج 3 ص 185، ص 186 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه على متن المقنع فى كتاب ج 3 ص 373 وص 374 وما بعدهما الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه على متن المقنع فى كتاب ج 3 ص 374، وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 159

وهدى للإحصار.

ولم يذكر أحمد فى رواية الأثرم هديا ثانيا فى حق من لا يتحلل إلا يوم النحر.

ومن الأحكام التى تتعلق بأعمال الحج إذا كان مفردا

(1)

: أن يزور البيت فيطوف به سبعا وهو الطواف الواجب الذى به تمام الحج ثم يصلى ركعتين إن كان مفردا أو قارنا.

وإذا طاف للزيارة بعد الرمى والنحر والحلق حل له كل شئ حرمه الإحرام

(2)

.

وقد ذكرنا أنه لم يكن بقى عليه من المحظورات سوى النساء فهذا الطواف حلل له النساء.

قال عمر لم يحل النبى صلى الله عليه وسلم من شئ حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر فأفاض بالبيت ثم حل من كل شئ حرمه.

وعن عائشة مثله متفق عليه ولا نعلم خلافا فى حصول الحل بطواف الزيارة على الترتيب الذى ذكر الخرقى وأنه كان قد سعى مع طواف القدوم وإن لم يكن سعى لم يحل حتى يسعى إن قلنا إن السعى ركن. وإن قلنا هو سنة فهل يحل قبله على وجهين:

أحدهما: يحل لأنه لم يبق عليه شئ من واجباته.

والثانى: لا يحل لأنه من أفعال الحج فيأتى به فى إحرام الحج كالسعى فى العمرة. فإنما خص الخرقى المفرد والقارن بهذا لكونهما سعيا مع طواف القدوم والمتمتع لم يسع.

ومن الأحكام التى تتعلق بالمفرد

(3)

: إذا أفسد القارن نسكه ثم قضى مفردا لم يلزمه فى القضاء دم.

وقال الشافعى يلزمه لأنه يجب فى القضاء ما يجب فى الأداء. وهذا كله كان واجبا فى الأداء.

ولنا أن الإفراد أفضل من القران مع الدم فإذا أتى بهما فقد أتى بما هو أولى فلا يلزمه شئ كمن لزمته الصلاة بتيمم فقضى بالوضوء.

والسنة لمن أراد الإحرام: أن يغتسل ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين ثم يحرم عقيب مكتوبة أو نافلة فينوى بقلبه قائلا بلسانه: «اللهم إنى أريد النسك الفلانى فيسره لى وتقبله منى» ، ويشترط فيقول:

«وإن حبسنى حابس فمحلى حيث حبستنى» ، فمتى حبس بمرض أو غيره، حل ولا شئ عليه. فإذا أحرم لبى.

وقال الخرقى: إذا ركب يقول: «لبيك اللهم لبيك

» ويلبى كلما علا نشزا أو هبط أو سمع

(1)

المغنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد بن عبد الله ابن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى على مختصر أبى القاسم عمر ابن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى وعليه الشرح الكبير لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 3 ص 464 وما بعدها طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه للخرقى ج 3 ص 467 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير للخرقى على متن المقنع ج 3 ص 515 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 160

ملبيا أو ركب راحلة أو لقى رفقة أو أتى محظورا ناسيا

إلخ.

ولا يسن تكرار التلبية فى حال واحدة ..

ولا تكره الزيادة فيها. ويسن الدعاء بعدها والجهر بها.

إلا أن المرأة لا تجهر إلا بحيث تسمع رفيقتها ويقطعها الحاج إذا أخذ فى الرمى. والمعتمر إذا شرع فى الطواف.

وقال الخرقى رحمه الله تعالى إذا وصل إلى البيت.

ويحظر على المحرم بالحج الوط ء

(1)

، ودواعيه، والنكاح، وقطع الشعر، وتقليم الأظافر وتغطية الرأس بملبوس وغيره ولبس المخيط، والطيب.

ويحرم عليه صيد البر المأكول وما تولد منه ومن غيره. ويحرم عليه أكل لحم الصيد إلا صيد الحلال.

فإذا أراد دخول مكة طاف سبعا ينوى به المفرد طواف القدوم. ثم يخرج إلى منى قبل الزوال من يوم التروية. ثم يسير بسكينة إلى المزدلفة ويبيت بالمزدلفة إلى أن يصلى الفجر بغلس. ثم يأتى المشعر الحرام فيرقاه ويحمد الله ويكبر ويهلل. ثم يسير إلى منى. ثم يأتى مكة وطاف الفرض. ثم يسعى إن كان لم يسع مع طواف قدومه وإلا فلا يسعى. ثم قد حل من كل شئ. ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال. فإذا أراد أن يخرج طاف للوداع.

والمرأة كالرجل فى جميع ذلك كله إلا أنها لا ترمل ولا تضطبع ولا ترقى المشعر ولا الصفا والمروة وتقصر من شعرها قدر أنملة ولا وداع عليها مع حيض أو نفاس. ولا دم بسبب ذلك. لكن يسن أن تقف عند باب المسجد فتدعو.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى

(2)

: من أراد الحج فإنه إذا جاء إلى الميقات فلا يخلو من أن يكون معه هدى أو ليس معه هدى. والهدى إما من الإبل أو البقر أو الغنم.

فإن كان لا هدى معه. وهذا هو الأفضل.

ففرض عليه أن يحرم بعمرة مفردة ولا بدلا يجوز له غير ذلك.

فإن أحرم بحج أو بقران حج وعمرة ففرض عليه أن يفسخ إهلاله ذلك بعمرة يحل إذا أتمها لا يجزئه غير ذلك ثم إذا أحل منها ابتدأ الإهلال بالحج مفردا من مكة وهذا يسمى متمتعا.

وإن كان معه هدى ساقه مع نفسه فنستحب له أن يشعر هديه إن كان من الإبل وهو أن يضربه بحديدة فى الجانب الأيمن من جسده حتى يدميه ثم

(1)

المحرر فى الفقه على مذهب الامام أحمد بن حنبل للشيخ الامام مجد الدين أبو البركات ومعه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين بن تيمية للشيخ شمس الدين بن مفلح الحنبلى المقدسى ج 1 ص 236، ص 237 وما بعدهما طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1369 هـ الموافق سنة 1950 م

(2)

انظر كتاب المحلى للامام الجليل أبى محمد على بن أحمد ابن سعيد بن حزم الظاهرى ج 7 ص 99 مسألة رقم 833 الطبعة الأولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1349 هـ.

ص: 161

يقلده وهو أن يربط نعلا فى حبل ويعلقها فى عنق الهدى. وإن جلله يجل

(1)

فحسن.

فإن كان الهدى من الغنم فلا أشعار فيه لكن يقلده رقعة جلد فى عنقه. فإن كان من البقر فلا إشعار فيه ولا تقليد سواء كانت له أسنمة أم لم تكن.

ثم يقول: لبيك اللهم بعمرة وحج معا لا يجزئه إلا ذلك ولا بد. وإن قال لبيك بحج وعمرة أو قال: لبيك عمرة وحجّا أو حجة وعمرة أو نوى كل ذلك فى نفسه ولم ينطق به فكل ذلك جائز وهذا يسمى القران.

ومن ساق من المعتمرين الهدى فعل فيه من الإشعار والتقليد ما ذكرنا ونحب له فى كل ما ذكرنا أن يشترط فيقول عند إهلاله: اللهم إنى محلى حيث تحبسنى فإن قال ذلك فأصابه أمر ما يعوقه عن تمام ما خرج له من حج أو عمرة أحل ولا شئ عليه لا هدى ولا قضاء إلا إن كان لم يحج قط ولا اعتمر فعليه أن يحج حجة الإسلام وعمرته.

وبرهان ما ذكرنا ما رويناه من طريق مسلم حدثنا ابن أبى عمر حدثنا سفيان بن عيينه عن الزهرى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت:

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

من أراد منكم أن يهل بحج أو عمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل.

قالت عائشة رضى الله تعالى عنها فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج وأهل به ناس معه وأهل ناس بالحج والعمرة وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بالعمرة.

قال أبو محمد فهذا أول أمره صلى الله عليه وسلم بذى الحليفة عند ابتداء إحرامهم وإرادتهم الإهلال بلا شك إذ هو نص الحديث.

وحدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا أحمد بن فتح حدثنا موسى بن نافع

(2)

قال قدمت مكة متمتعا بعمرة قبل التروية بأربعة أيام فقال الناس: تصير حجتك الآن مكية فدخلت على عطاء بن أبى رباح فقال: حدثنى جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدى معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذى قد قدمتم بها متعة.

وكذلك روى إسحق - هو ابن راهويه - عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن على بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه أنه أخبره عن حجة النبى صلى الله عليه

(1)

الجل بضم أوله: هو للدابة كالثوب للانسان يلبسه يقيه البرد والجمع جلال واجلال هامش المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 99 نفس الطبعة وفى لسان العرب لابن منظور الافريقى مادة جلل ج 43 ص 119 طبعة دار صادر دار بيروت جاء من معانى جلل. جل الدابة وجلها بالضم والفتح - الذى تلبسه لتصان به.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 100 الطبعة السابقة.

ص: 162

وسلم فقال: حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال عليه الصلاة والسلام: لو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله:

ألعامنا هذا أم للأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة فى الأخرى وقال: دخلت العمرة فى الحج مرتين. لا بل لأبد آبد.

وروى أيضا عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة:

الظهر أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج.

وروى معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم من كان معه هدى فليهل بالحج مع العمرة ولا يحل حتى يحل منهما جميعا.

قال ابن حزم ففى هذه الأحاديث الثابتة برهان كل ما قلنا وهى أربعة أحاديث.

ففى الحديث الأول الذى من طريق جابر رضى الله تعالى عنه أمر النبى صلى الله عليه وسلم من أهل بحج مفرد ولا هدى معه أن يحل بعمرة ولا بد، ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير متمتعا.

وفى الحديث الثانى

(1)

الذى من طريق أنس أمره صلى الله عليه وسلم، من أهل بحج وعمرة قارنا ولا هدى معه أن يهل بعمرة ولا بد، ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير أيضا متمتعا.

وفى الحديث الثالث الذى من طريق جابر أمره صلى الله عليه وسلم كل من لا هدى معه عموما بأن يحل بعمرة وان هذا هو آخر أمره على الصفا بمكة وأنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأن التمتع أفضل من سوق الهدى معه وتأسف إذ لم يفعل ذلك هو، وأن هذا الحكم هو باق إلى يوم القيامة وما كان هكذا فقد آمنا أن ينسخ أبدا. وفيه أن العمرة قد دخلت فى الحج.

وهذا هو قولنا، لأن الحج لا يجوز إلا بعمرة متقدمة له يكون بها متمتعا أو بعمرة مقرونة معه ولا قرن.

وفى الحديث الرابع الذى من طريق عائشة رضى الله تعالى عنها أمره صلى الله عليه وسلم من معه هدى أن يقرن بين الحج والعمرة.

وبه يقول ابن عباس ومجاهد وعطاء وإسحق ابن راهويه رضى الله تعالى عنهم.

وساق ابن حزم الظاهرى كثيرا من الأحاديث التى تؤيد رأيه فى أن الحج إما أن يكون تمتعا وإما أن يكون قرانا.

ثم قال بعد ذلك: واحتج بعضهم

(2)

فى

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 101 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبى محمد بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 7 ص 110 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.

ص: 163

جواز الإفراد بالحج بالخبر الثابت عن طريق أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذى نفسى بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجّا أو معتمرا أو ليثنيهما

(1)

.

قال أبو محمد (ابن حزم) كل مسلم فلا يشك فى أن النبى صلى الله عليه وسلم. لم يعلم هذا إلا بوحى من الله عز وجل إليه لا يمكن غير هذا أصلا. ولا شك فى أن وحى الله عز وجل لا يترك بشك.

فصح أن هذا الشك من قبل أبى هريرة أو ممن دونه لا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لو صح أنه من قبله عليه السلام لكان ذلك إذ كان الإفراد مباحا ثم نسخ بأمره صلى الله عليه وسلم من لا هدى معه بالمتعة ولا بد ومن معه الهدى بالقران ولا بد

‌مذهب الزيدية:

‌تعريف الإفراد:

جاء فى الروض النضير

(2)

: أن الإفراد أن يحرم بالحج فى أشهر الحج ثم يأتى به ولفظ المصباح أفردت الحج عن العمرة فعلت كل واحد على حدة.

‌منزلة الإفراد:

قال فى الأزهار

(3)

: أنواع الحج الإفراد مع عمرة تضاف إليه بعد أيام التشريق، ثم القران أفضل من التمتع، ثم العكس، أى إذا لم تنضم إلى الحج عمرة بعد أيام التشريق فالأفضل عكس هذا الترتيب فيكون القران أفضل ثم الإفراد أفضل من التمتع.

وقال الهادى عليه السلام فى الإحكام أن الإفراد أفضل ثم القران.

وقال أبو العباس أن القران أفضلها لمن قد حج. والإفراد أفضلها لمن لم يكن قد حج.

وعن الصادق والباقر والناصر أن التمتع أفضل ثم القران ثم الإفراد.

وقد يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم وآله وسلم حج قرانا وقيل إفرادا.

قال مولانا المهدى عليه السلام والأظهر القران.

(1)

فى هامش المحلى جاء هو فى صحيح مسلم ج 1 ص 357 قوله ليثنيهما بفتح الياء فى أوله معناه ليقرن بينهما وفج الروحاء بفتح الفاء وتشديد الجيم موضع بين مكة والمدينة وكان طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر والفتح إلى مكة عام الفتح وعام حجة الوداع. المحلى ج 7 ص 110.

(2)

انظر كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للقاضى العلامة شرف الدين أحمد بن الحسين بن على بن محمد ابن سليمان بن صالح السياغى ج 3 ص 21 وما بعدها الطبعة الأولى سنة 1347 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر.

(3)

انظر كتاب شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 187، ص 188 وما بعدها طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ الطبعة الثانية.

ص: 164

‌أحكام تتعلق بالإفراد:

منها

(1)

: إذا نوى الحج وعين ما نواه ثم التبس عليه ما قد عين أو نوى أنه محرم كإحرام فلان أى بما أحرم به فلان من حج أو عمرة أو تمتع أو قران وجهله أى لم يعلم ما أحرم له فلان بل التبس عليه صحت تلك النية ولم يفسد بعروض اللبس، لكن إذا اتفق له ذلك طاف وسعى وجوبا مثنيّا ندبا.

وإنما يندب له تثنية الطواف والسعى لجواز كونه قارنا فى الصورتين، لأنه يستحب للقارن تقديم طواف القدوم والسعى. نعم ويكون فى طوافه الأول وسعيه ناويا ما أحرم له على سبيل الجملة.

هكذا أطلق أبو العباس وأبو طالب للمذهب.

قال البعض ولعل هذه النية مستحبة فقط لأن أعمال الحج لا تفتقر إلى نية بل النية الأولى كافية وهى نية الحج جملة ولا يتحلل عقيب السعى أى لا يحلق ولا يقصر لجواز كونه قارنا أو مفردا.

ثم إذا فرغ من السعى لزمه أن يستأنف نية معينة للحج كأنه مبتدئ للإحرام بالحج ويكون ذلك الابتداء من أى مكة، وتكون تلك النية مشروطة بأن لم يكن أحرم له فيقول فى نيته: اللهم إنى محرم بالحج إن لم أكن محرما به لئلا يدخل حجة على حجة ثم يستكمل المناسك المشروعة فى الحج كالمتمتع أى يفعل بعد استئناف النية للحج كما يفعل المتمتع حين يحرم للحج من مكة فإنه يستكمل أعمال الحج مؤخرا لطواف القدوم.

ويلزمه أن ينحر بدنة لجواز أن يكون قارنا وشاة لترك السوق إن كان قارنا، أو لترك الحلق أو التقصير بين النسكين إن كان متمتعا.

ويلزمه أيضا دمان ونحوها من الصيام والصدقات يلزم ذلك لما ارتكب من محظورات إحرامه. فما فعله مما يوجب دما لزمه دمان.

وما يوجب صيام يوم يلزمه صيام يومين.

وما يوجب صدقة يلزمه صدقتان إذا ارتكب شيئا من ذلك قبل كمال السعى الأول.

فأما بعده فلا يتثنى عليه شئ من ذلك وإنما يثنى عليه ذلك قبل كمال السعى الأول لجواز كونه قارنا. ويجزيه للفرض ما التبس نوعه، أى إذا تيقن أنه نوى حجة الإسلام لكن التبس عليه هل جعله قارنا أو تمتعا أو مفردا فالتبس نوعه لا عينه فإنه يفعل فى أعمال الحج ما تقدم فيمن نسى ما أحرم له ويجزيه ذلك عن حجة الإسلام.

ومنها

(2)

: وإن جهل نيته فى إحرامه فلم يدر أحاج هو أم معتمر أم مفرد أم متمتع أم قارن فكناس ما أحرم له يفعل به رفيقه كما يفعله من نسى ما أحرم له على التفصيل الذى تقدم.

(1)

الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير لشرف الدين السياغى ج 3 ص 80، ص 81، ص 82 وما بعدهما الطبعة السابقة.

(2)

انظر كتاب شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار وهامشه ج 2 ص 159 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 165

‌الأحكام التى تتعلق بالإفراد:

ومن الأحكام التى تتعلق بالمفرد منها

(1)

:

إذا أفسد المفرد إحرامه بالوط ء فى أى فرج لزمه أن ينحر بدنة ثم إذا لم يجد البدنة لزمه عدلها وهو صيام مائة يوم أو إطعام مائة لكنه يجب مرتبا.

ومنها:

(2)

إذا أحصر المفرد بعث بهدى أقله شاة. وإذا بعث المحصر بالهدى إلى منى أو مكة عين لنحره وقتا معلوما للرسول ينحره فيه ليحل من إحرامه بعد ذلك الوقت. ولا بد أن يكون ذلك الوقت من أيام النحر. فلو عين غيرها قبلها لم يصح.

ولا يصح إلا فى محله وهو منى إن كان المحصر حاجّا. ومكة إن كان معتمرا فيحل بعده.

ومنها

(3)

: إذا عين الموصى نوعا نحو أن يقول تكون الحجة مفردة أو قرانا أو تمتعا فعند المخالفة فإنه لا يصح إلا النوع الذى عينه الميت.

وقال أبو العباس أنه يجوز المخالفة إلى الأعلى إذا كانت الأجرة واحدة أو تبرع الوصى بالزيادة.

ومنها

(4)

: إذا لم يعين الموصى شيئا بل أمرهم بالتحجيج وأطلق أو عين والتبس فالواجب على الوصى أن يعين للأجير الإفراد. فلو عين غيره لم يصح. كما لو عين الموصى الأفراد فخالفه الوصى.

‌صفة الحج المفرد وفروضه

(5)

:

هى الإحرام، وطواف القدوم، والسعى، والرمى، والمبيت بمنى، وطواف الزيارة، وطواف الوداع.

ثم قال فى شرح الأزهار ومناسك الحج المفروضة عشرة.

الأول الإحرام وندب قبله ستة أمور: قلم الظفر، ونتف الإبط، وحلق الشعر والعانة، ثم بعد هذه الثلاثة الغسل، أو التيمم للعذر، ثم بعد الغسل لبس جديد أو غسيل، والسادس من المندوبات

(6)

توخى عقيب صلاة فرض أى يتوخى أن يكون عقد إحرامه عقب صلاة فرض.

ثم بعد أن عقد الإحرام يندب له أمران:

أحدهما: ملازمة الذكر.

والأمر الثانى: مما يندب بعد عقد الإحرام الغسل لدخول الحرم.

وأما مكان الإحرام الذى شرع عقده فيه فهو الميقات. وإنما ينعقد الإحرام بالنية وهى إرادة الإحرام بالقلب إلا أنه يستحب التلفظ بالنية عندنا وتكون مقارنة لتلبية ينطق بها حال النية.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 160، ص 162 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 168، 169 وما بعدهما الطبعة السابقة.

(3)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2 ص 176 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 179 وما بعدها الطبعة السابقة.

(5)

شرح الازهار وهامشه ج 2 ص 73 وما بعدها الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 74، ص 75، ص 78 وما بعدهم الطبعة السابقة.

ص: 166

ثم قال ومحظوراته

(1)

أربعة أنواع.

النوع الأول: الرفث والفسوق والجدال بالباطل والتزين بالكحل ونحوه من الأدهان التى فيها زينة، ولبس ثياب الزينة وعقد النكاح وهو أن يتزوج المحرم أو يزوج غيره.

والنوع الثانى: الوط ء ومقدماته من تقبيل لشهوة فذلك محظور إجماعا.

النوع الثالث

(2)

: منها سبعة أشياء.

الأول: لبس الرجل المخيط.

والثانى: منها تغطية رأسه أى رأس الرجل لأن إحرامه فى رأسه عندنا وتغطية وجه المرأة لأن إحرامها فى وجهها فتغطيتهما بأى مباشر لهما محظور.

والثالث: التماس الطيب فلا يجوز شمه.

والرابع: أكل صيد البر فقط سواء اصطاده هو «أم محرم غيره أم حلال له أم لغيره فأكله محظور عندنا» .

الخامس: خضب كل الأصابع من اليدين والرجلين. أو تقصيرها أى أو تقصير كل أظافر أصابع اليدين والرجلين وهذا هو السادس. أو خضاب أو تقصير فى خمس منها. فمتى خضب أو قصر خمس أصابع ولو كانت متفرقة فى اليدين والرجلين لزمه الفدية.

السابع: قوله وتجب الفدية أيضا فى إزالة سن أو شعر.

النوع الرابع: من المحظورات قتل بعض الحيوان وهو نوعان:

أحدهما: يستوى فيه العمد والخطأ.

والثانى: يختلف الحال فيه.

فالأول هو: قتل القمل فإنه لا يجوز للمحرم وتجب الكفارة مطلقا سواء قتله عمدا أو خطأ.

والنوع الذى اختلف الحال فيه العمد والخطأ هو قتل كل حيوان جنسه متوحش سواء كان صيدا أم سبعا.

الثانى من المناسك

(3)

: طواف القدوم فإنه واجب على ما حصله الأخوان وأبو العباس. فإذا قدم مكة وأراد تقديم طواف القدوم دخل المسجد مغتسلا نديا. ويجب أن يكون حال الطواف على طهارة كطهارة المصلى.

النسك الثالث: السعى فهو واجب وهو أن يبتدئ من الصفا إلى المروة

(4)

.

النسك الرابع: الوقوف بعرفة ولا خلاف فى وجوبه وعرفة كلها موقف

(5)

.

والنسك الخامس: المبيت بمزدلفة ليلة النحر فإنه واجب إجماعا وحدها من مأزمى عرفة إلى

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2، ص 84، 85، 86، 87، 88، 89، 90، 91 وما بعدهم الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 93، 94 وما بعدهم الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 105، ص 106 وما بعدهما الطبعة السابقة.

(4)

شرح الازهار وحواشيه ج 2 ص 112 وما بعدها الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 124 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 167

مأزمى منى وادى محسر

(1)

.

والنسك السادس: المرور بالمشعر الحرام فإنه فرض واجب عندنا

(2)

.

والنسك السابع: رمى جمرة العقبة بسبع حصيات

(3)

.

والنسك الثامن: المبيت بمنى ليلة ثانى النحر وثالثه وهما ليلتا حادى عشر وليلة ثانى عشر من شهر ذى الحجة فهاتان الليلتان يجب أن يبيت فيهما بمنى مطلقا وسميت منى بهذا الاسم لما يمنى فيها من دم المناسك أى يراق

(4)

.

والنسك التاسع: طواف الزيارة ولا خلاف فى وجوبه وأنه لا يجبره دم وصفته أن يطوف كما مر فى طواف القدوم إلا أن طواف الزيارة يكون بلا رمل اجماعا لأنه لا سعى بعده ووقت أدائه من فجر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق

والنسك العاشر: طواف الوداع فهو واجب عندنا وصفته أن يطوف كما مر فى طواف القدوم إلا أن هذا بلا رمل لأنه لا سعى بعده

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى متمسك العروة الوثقى

(6)

فى مصحح معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الحج ثلاثة أصناف: حج مفرد، وقران وتمتع بالعمرة إلى الحج وبها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نأمر الناس إلا بها.

وخبر منصور الصيقل قال أبو عبد الله عليه السلام: الحج عندنا على ثلاثة أوجه:

حاج متمتع.

وحاج مفرد سائق للهدى.

وحاج مفرد للحج ونحوهما غيرهما.

والذى يظهر من النصوص أن المشروع فى صدر الإسلام القران والإفراد. وأن التمتع شرع فى حجة الوداع.

ففى صحيح الحلبى عن أبى عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حج حجة الإسلام خرج فى أربع بقين من ذى القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها، وأهل بالحج وساق مائة بدنة وأحرم الناس كلهم بالحج، لا ينوون عمرة، ولا يدرون ما المتعة، حتى إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة إلى أن قال: فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا، فأمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة وهو شئ أمر الله عز وجل به إلى أن قال وأن رجلا قام فقال يا رسول الله نخرج حجاجا ورءوسنا تقطر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنك لن تؤمن بهذا أبدا.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 119 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 120 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 121، ص 122 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 128 وما بعدها الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 131، ص 132 الطبعة السابقة.

(6)

العروة الوثقى ج 10 ص 452، ص 453 الطبعة السابقة.

ص: 168

وجاء فى العروة الوثقى

(1)

: أن أقسام الحج ثلاثة بالإجماع والأخبار: تمتع وقران وإفراد.

والأول: فرض من كان بعيدا عن مكة.

والآخران: فرض من كان حاضرا أى غير بعيد. وحد البعد الموجب للأول ثمانية وأربعون ميلا من كل جانب على المشهور الأقوى.

لصحيحه زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قلت له؟ قول الله عز وجل فى كتابه: «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ»

(2)

فقال عليه السلام يعنى أهل مكة ليس عليهم متعة. وكل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل فى هذه الآية الكريمة. وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة.

وخبره عنه عليه السلام سألته فى قول الله عز وجل: «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» }.

قال: لأهل مكة ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة. فقلت فما حدّ ذلك. قال ثمانية وأربعون ميلا من جميع نواحى مكة دون عسفان وذات عرق. ويستفاد أيضا من جملة من أخبار أخر.

والقول بأن حده اثنى عشر ميلا من كل جانب كما عليه جماعة ضعيف لا دليل عليه إلا الأصل.

فإن مقتضى جملة من الأخبار وجوب التمتع على كل أحد.

والقدر المتيقن الخارج منها من كان دون الحد المذكور، وهو مقطوع بما مر أو دعوى أن الحاضر مقابل للمسافر، أو السفر أربعة فراسخ، وهو كما ترى، أو دعوى أن الحاضر المعلق عليه وجوب غير التمتع أمر عرفى والعرف لا يساعد على أزيد من اثنى عشر ميلا، وهذا أيضا كما ترى كما أن دعوى أن المراد من ثمانية وأربعين على التوزيع على الجهات الأربع فيكون من كل جهة اثنى عشر ميلا منافية لظاهر تلك الأخبار.

وأما صحيحة حريز الدالة على أن حد البعد ثمانية عشر ميلا فلا عامل بها. كما لا عامل بصحيحتى حماد بن عثمان والحلبى الدالتين على أن الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكة. وهل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد؟ وجهان أقربهما الأول.

ومن كان على نفس الحد فالظاهر أن وظيفته التمتع لتعلق حكم الإفراد والقران على ما دون الحد.

ولو شك فى كون منزله فى الحد أو خارجه وجب عليه الفحص مع عدم تمكنه يراعى الاحتياط. وإن كان لا يبعد القول بأنه يجرى عليه حكم الخارج فيجب عليه التمتع لأن غيره معلق على عنوان الحاضر وهو مشكوك. فيكون كما لو شك فى أن المسافة ثمانية فراسخ أولا فإنه يصلى تماما لأن القصر معلق على السفر وهو مشكوك. ثم ما ذكر إنما

(1)

المرجع السابق للطباطبائى اليزدى ج 1 ص 506 وما بعدها مسألة رقم 2 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

ص: 169

هو بالنسبة إلى حجة الإسلام حيث لا يجزى للبعيد إلا التمتع ولا للحاضر إلا الإفراد أو القران.

وأما بالنسبة إلى الحج الندبى فيجوز لكل من البعيد والحاضر كل من الأقسام الثلاثة بلا أشكال.

وإن كان الأفضل اختيار التمتع. وكذا بالنسبة إلى الواجب غير حجة الإسلام كالحج النذرى وغيره.

ومن كان له وطنان أحدهما فى الحد والآخر فى خارجه لزمه فرض أغلبهما

(1)

. لصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السلام من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة ولا متعة له. فقلت لأبى جعفر عليه السلام: أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة. فقال عليه السلام فلينظر أيهما الغالب.

فإن تساويا فإن كان مستطيعا من كل منهما خير بين الوظيفتين. وإن كان الأفضل اختيار التمتع.

وإن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة.

ومن كان

(2)

من أهل مكة وخرج إلى بعض الأمصار ثم رجع إليها فالمشهور جواز حج التمتع له وكونه مخيرا بين الوظيفتين. واستدلوا بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد الله عليه السلام عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟

قال عليه السلام: ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل، وكان الإهلال أحب إلى. ونحوها صحيحة أخرى عنه عن عبد الرحمن ابن أعين عن أبى الحسن عليه السلام.

وعن ابن أبى عقيل عدم جواز ذلك وأنه يتعين عليه فرض المكى إذا كان الحج واجبا عليه وتبعه جماعة. لما دل من الأخبار على أنه لا متعة لأهل مكة. وحملوا الخبرين على الحج الندبى بقرينة ذيل الخبر الثانى.

ولا يبعد قوة هذا القول مع أنه أحوط لأن الأمر دائر بين التخيير والتعيين.

ومقتضى الاشتغال هو الثانى خصوصا إذا كان مستطيعا حال كونه فى مكة فخرج قبل الإتيان بالحج. بل يمكن أن يقال أن محل كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها.

وأما إذا كان مستطيعا فيها قبل خروجه منها فيتعين عليه فرض أهلها.

والأفاقى

(3)

إذا صار مقيما فى مكة فإن كان ذلك بعد استطاعته ووجوب التمتع عليه فلا إشكال فى بقاء حكمه سواء كانت إقامته لقصد التوطن أو المجاورة ولو بأزيد من سنتين.

وأما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته فى مكة فلا أشكال فى انقلاب فرضه إلى فرض

(1)

العروة الوثقى ج 1 ص 506 مسألة رقم 1.

(2)

المرجع السابق للطباطبائى اليزدى ج 1 ص 506 وما بعدها مسألة رقم 2 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 506 وما بعدها مسألة رقم 3 طبع مطبعة دار الكتب الاسلامية بطهران سنة 1388 هـ الطبعة الثانية ومستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 10 ص 471 وما بعدها طبع مطبعة النعمان بالنجف الاشرف سنة 1380 هـ، سنة 1960 م الطبعة الثانية.

ص: 170

المكى فى الجملة كما لا إشكال فى عدم الانقلاب بمجرد الإقامة.

وإنما الكلام فى الحد الذى به يتحقق الانقلاب. فالأقوى ما هو المشهور من أنه بعد الدخول فى السنة الثالثة. لصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السلام من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة ولا متعة له .. إلخ.

وصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطنا وليس له أن يتمتع.

وقيل بأنه بعد الدخول فى الثانية لجملة من الأخبار وهو ضعيف لضعفها بأعراض المشهور عنها مع أن القول الأول موافق للأصل.

وأما القول بأنه بعد تمام ثلاث سنين فلا دليل عليه إلا الأصل المقطوع بما ذكر مع أن القول به غير محقق لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول فى السنة الثالثة.

وأما الأخبار الدالة على أنه بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها مع احتمال صدورها تقية وإمكان حملها على محامل أخر.

والظاهر من الضميمتين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة فلو كانت بقصد التوطن فينقلب بعد قصده من الأول فما يظهر من بعضهم من كونها أعم لا وجه له الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطن.

ثم الظاهر أن فى صورة الانقلاب يلحقه حكم المكى بالنسبة إلى الاستطاعة أيضا فيكفى فى وجوب الحج الاستطاعة من مكة.

ولا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائى فى وجوبه لعموم أدلتها وان الانقلاب إنما أوجب تغيير نوع الحج.

وأما الشرط فعلى ما عليه فيعتبر بالنسبة إلى التمتع هذا. ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة فى مكة لكن قبل مضى السنتين فالظاهر أنه كما لو حصلت فى بلده فيجب عليه التمتع ولو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد. فالمدار على حصولها بعد الانقلاب.

وأما المكى إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيما بها فلا يلحقه حكمها فى تعين التمتع عليه لعدم الدليل وبطلان القياس إلا إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطن وحصلت الاستطاعة بعده فإنه يتعين عليه التمتع مقتضى القاعدة ولو فى السنة الأولى.

وأما إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة فى مكة فلا تعم الظاهر دخوله فى المسألة السابقة. فعلى القول بالتخيير فيها كما عن المشهور يتخير. وعلى قول ابن أبى عقيل يتعين عليه وظيفة المكى.

والمقيم فى مكة

(1)

إذا وجب عليه التمتع كما إذا كانت استطاعته فى بلده أو استطاع فى مكة قبل انقلاب فرضه فالواجب عليه الخروج إلى الميقات

(1)

المرجع السابق للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 506 وما بعدها الطبعة الثانية طبع مطبعة النعمان بالنجف الأشرف سنة 1380 هـ. سنة 1961 م.

ص: 171

لإحرام عمرة التمتع. واختلفوا فى تعيين ميقاته على أقوال:

أحدها: أنه مهل أرضه ذهب إليه جماعة بل ربما يسند إلى المشهور كما فى الحدائق. لخبر سماعه عن أبى الحسن عليه السلام سألته عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟

قال عليه السلام نعم يخرج إلى مهل أرضه فليلب إن شاء المعتضد بجملة من الأخبار الواردة فى الجاهل والناسى الدالة على ذلك بدعوى عدم خصوصية للجهل والنسيان وأن ذلك لكونه مقتضى حكم التمتع.

وبالأخبار الواردة فى توقيت المواقيت وتخصيص كل قطر بواحد منها أو من مر عليها بعد دعوى أن الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه.

ثانيها: أنه أحد المواقيت المخصوصة مخيرا بينها.

وإليه ذهب جماعة أخرى لجملة أخرى من الأخبار مؤيدة بأخبار المواقيت بدعوى عدم استفادة خصوصية كل بقطر معين.

ثالثها: أنه أدنى الحل نقل عن الحلبى وتبعه بعض متأخرى المتأخرين لجملة ثالثة من الأخبار.

والأحوط الأول. وإن كان الأقوى الثانى لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعه وأخبار الجاهل والناسى وأن ذكر المهل من باب أحد الإفراد ومنع خصوصية للمرور فى الأخبار العامة الدالة على المواقيت وأما أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيدة بأخبار المواقيت أو محمولة على صورة التعذر.

ثم الظاهر أن ما ذكرنا حكم كل من كان فى مكة وأراد الإتيان بالتمتع ولو مستحبّا هذا كله مع إمكان الرجوع إلى المواقيت.

وأما إذا تعذر فيكفى الرجوع إلى أدنى الحل.

بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكن من خارج الحرم وما هو دون الميقات وإن لم يتمكن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه والأحوط الخروج إلى ما يتمكن.

وجاء فى مستمسك العروة الوثقى: وفى كشف اللثام بعد حكاية ذلك قال: والأمر كذلك فقد سمعت خبرى الحلبى وحماد عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام فى خبر عبد الله بن سنان «المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة.

قال الراوى: «يعنى يفرد الحج مع أهل مكة وما كان دون السنة له أن يتمتع» .

وقال الباقر عليه السلام فى مرسل جرير: من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكى.

ثم جاء فى موضع آخر

(1)

: أن المحرم لو نوى التمتع ندبا وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحج جاز له العدول إلى الإفراد.

وفى وجوب العمرة بعده إشكال والأقوى عدم وجوبها. ولو علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحج قبل أن يدخل فى العمرة هل يجوز له العدول من الأول إلى الإفراد؟

(1)

كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 512، 513 وما بعدهما مسألة رقم 403 الطبعة السابقة.

ص: 172

فيه أشكال، وإن كان غير بعيد.

ولو دخل فى العمرة بنية التمتع فى سعة الوقت وأخر الطواف والسعى متعمدا إلى ضيق الوقت ففى جواز العدول وكفايته إشكال

والأحوط العدول وعدم الاكتفاء إذا كان الحج واجبا عليه. واختلفوا فى الحائض والنفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر وإتمام العمرة وإدراك الحج على أقوال:

أحدها: أن عليهما العدول إلى الإفراد والاتمام ثم الإتيان بعمرة بعد الحج لجملة من الأخبار.

الثانى ما عن جماعة من أن عليهما ترك الطواف والإتيان بالسعى، ثم الإحلال وإدراك الحج، وقضاء طواف بعده، فيكون عليهما الطواف ثلاث مرات، مرة لقضاء طواف العمرة، ومرة للحج، ومرة للنساء. ويدل على ما ذكره أيضا جملة من الأخبار.

والثالث: ما عن الإسكافى وبعض متأخرى المتأخرين من التخيير بين الأمرين للجمع بين الطائفتين بذلك.

الرابع: التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام فتعدل أو كانت طاهرا حال الشروع فيه ثم طرأ الحيض فى الأثناء فتترك الطواف وتتم العمرة وتقضى بعد الحج. اختاره بعض، بدعوى أنه مقتضى الجمع بين الطائفتين بشهادة خبر أبى بصير سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول فى المرأة المتمعة إذا أحرمت وهى طاهر ثم حاضت قبل أن تقضى متعتها سعت ولم تطف حتى تطهر ثم تقضى طوافها وقد قضت عمرتها. وإن أحرمت وهى حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر.

وفى الرضوى عليه السلام إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم إلى قوله عليه السلام: وإن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة. وإن حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلها إلا الطواف بالبيت فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهى متمتعة بالعمرة إلى الحج - وعليها طواف الحج وطواف العمرة وطواف النساء.

وقيل فى توجيه الفرق بين الصورتين أن فى الصورة الأولى لم تدرك شيئا من أفعال العمرة طاهرا فعليها العدول إلى الإفراد. بخلاف الصورة الثانية فإنها أدركت بعض أفعالها طاهرا فتبنى عليها وتقضى الطواف بعد الحج.

نعم لو فرض كونها حائضا حال الإحرام وعالمة بأنها لا تطهر لإدراك الحج يمكن أن يقال: يتعين عليها العدول إلى الإفراد من الأول لعدم فائدة فى الدخول فى العمرة ثم العدول إلى الحج.

وإذا حدث

(1)

الحيض وهى فى أثناء طواف العمرة أى عمرة التمتع فإن كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافه على الأقوى وحينئذ فإن كان الوقت موسعا أتمت عمرتها بعد الطهر وإلا فلتعدل إلى حج الإفراد وتأتى بعمرة مفردة بعده.

وإن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف

(1)

المرجع السابق للطباطبائى اليزدى ج 1 ص 513.

514 وما بعدهما مسألة رقم 5 الطبعة السابقة.

ص: 173

وبعد الطهر تأتى بالثلاثة الأخرى وتسعى وتقصر مع سعة الوقت ومع ضيقه تأتى بالسعى وتقصر ثم تحرم للحج وتأتى بأفعاله ثم تقضى بقية طوافها قبل طواف الحج أو بعده ثم تأتى ببقية أعمال الحج وحجها صحيح تمتعا. وكذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف وقبل صلاته.

ثم قال

(1)

: وميقات حج القران والافراد أحد تلك المواقيت مطلقا أيضا إلا إذا كان منزله دون الميقات أو مكة فميقاته منزله، ويجوز من أحد تلك المواقيت أيضا بل هو الأفضل وميقات عمرتها أدنى الحل إذا كان فى مكة ويجوز من أحد المواقيت أيضا وإذا لم يكن فى مكة فيتعين أحدها.

وكذا الحكم فى العمرة المفردة مستحبة كانت أو واجبة. وإن نذر الإحرام من ميقات معين تعين.

والمجاور بمكة بعد السنتين حاله حال أهلها وقبل ذلك حاله حال النائى فإذا أراد حج الإفراد أو القران يكون ميقاته أحد الخمسة أو محاذاتها.

وإذا أراد العمرة المفردة جاز إحرامها من أدنى الحل. ولو كان

(2)

قاصدا من الميقات للعمرة المفردة وترك الإحرام لها متعمدا يجوز له أن يحرم من أدنى الحل. وإن كان متمكنا من العود إلى الميقات فأدنى الحل له مثل كون الميقات أمامه. وإن كان الأحوط مع ذلك العود إلى الميقات ولو لم يتمكن ولا الإحرام من أدنى الحل بطلت عمرته.

ثم قال

(3)

لا ينعقد إحرام حج التمتع وإحرام عمرته ولا إحرام حج الإفراد ولا إحرام العمرة المفردة إلا بالتلبية وأما فى حج القران فيتخير بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد.

ويعتبر

(4)

فى النية تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة وأن الحج تمتع أو قران أو إفراد، وأن الحج لنفسه أو نيابة عن غيره وأنه حجة الإسلام أو الحج النذرى أو الندبى فلو نوى الإحرام من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل فما عن بعضهم من صحته وأن له صرفه إلى أيهما شاء من حج أو عمرة لا وجه له.

إذ الظاهر أنه جزء من النسك فيجب نيته كما فى أجزاء سائر العبادات وليس مثل الوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة، نعم الأقوى كفاية التعيين الإجمالى حتى بأن ينوى الإحرام لما سيعينه من حج أو عمرة فإنه نوع تعيين وفرق بينه وبين ما لو نوى مرددا مع إبطال التعيين إلى ما بعد.

ولا يعتبر فيها

(5)

نية الوجه من وجوب أو ندب إلا إذا توقف التعيين عليها وكذا لا يعتبر فيها التلفظ بل ولا الإخطار بالبال فيكفى الداعى.

(1)

العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 516 وما بعدها مسألة رقم 5 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لليزدى ج 1 ص 518 وما بعدها مسألة رقم 14 الطبعة السابقة.

(3)

العروة الوثقى للطباطبائى اليزدى ج 1 ص 522 وما بعدها مسألة رقم 15 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق للطباطبائى اليزدى ج 1 ص 520 وما بعدها مسألة رقم 3 الطبعة السابقة.

(5)

العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى ج 1 ص 520 وما بعدها مسألة رقم 4 الطبعة السابقة.

ص: 174

ثم قال

(1)

: ويشترط فى حج التمتع أمور:

أحدها: النية بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحج حين الشروع فى إحرام العمرة. فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردد فى نيته بينه وبين غيره لم يصح. نعم فى جملة من الأخبار أنه لو أتى بعمرة مفردة فى أشهر الحج جاز أن يتمتع بها بل يستحب ذلك إذا بقى فى مكة إلى هلال ذى الحجة ويتأكد إذا بقى إلى يوم التروية. بل عن القاضى وجوبه حينئذ.

ولكن الظاهر تحقق الإجماع على خلافه. ففى موثق سماعة عن الصادق عليه السلام من حج معتمرا فى شوال ومن نيته أن يعتمر ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك.

وإن هو أقام إلى الحج فهو متمع لأن أشهر

(2)

الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهى متعة.

ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهى عمرة، وإن اعتمر فى شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بتمتع وإنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع فى أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرته إلى الحج.

فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبى منها.

وفى صحيحة عمر بن يزيد عن أبى عبد الله عليه السلام من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية وفى قوية عنه عليه السلام من دخل مكة معتمرا مفردا للحج فيقضى عمرته كان له ذلك وإن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة قال عليه السلام وليس تكون متعة إلا فى أشهر الحج وفى صحيحة عنه عليه السلام من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذى الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس.

وفى مرسل موسى بن القاسم من اعتمر فى أشهر الحج فليتمتع إلى غير ذلك من الأخبار وقد عمل بها جماعة بل فى الجواهر لا أجد فيه خلافا ومقتضاها صحة التمتع مع عدم قصده حين إتيان العمرة.

بل الظاهر من بعضها أنه يصير تمتعا قهرا من غير حاجة إلى نية التمتع بها بعدها.

بل يمكن أن يستفاد منها أن التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت فى أشهر الحج بأى نحو أتى بها ولا بأس بالعمل بها لكن القدر المتيقن منها هو الحج الندبى

(3)

ففيما إذا وجب عليه التمتع فأتى بعمرة مفردة ثم أراد أن يجعلها عمرة التمتع يشكل الاجتزاء بذلك عما وجب عليه سواء كان حجة الاسلام أو

(1)

المرجع السابق للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 509 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى ج 1 ص 520 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق للطباطبائى اليزدى ج 1 ص 520، 521 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 175

غيرها مما وجب بالنذر أو الاستئجار.

وإذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصدا بها التمتع فقد عرفت عدم صحتها تمتعا.

لكن هل تصح مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان:

اختار الثانى فى المدارك لأن ما نواه لم يقع والمفردة لم ينوها.

وبعض أختار الأول لخبر الأحول عن أبى عبد الله عليه السلام فى رجل فرض الحج غير أشهر الحج قال يجعلها عمرة.

وقد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج قال أبو عبد الله عليه السلام: من تمتع فى أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة.

وإن تمتع فى غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم إنما هى حجة مفردة.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أن المحرم

(1)

: إما مفرد بكسر الراء بحج الباء زائدة فى المفعول أو ضمن مفرد معنى محرم فلا تكون زائدة وهو أنواع:

محرم بحج وحده وأتمه فقط.

ومحرم بحج وحده وأتمه ثم أحرم بعمرة.

ومحرم بحج فى أشهره وقد أحرم بعمرة قبل أشهره وأتمها.

ومحرم بحج فى أشهره ثم فسخه إلى عمرة فهذا كان مفردا ثم صار متمتعا.

والمفرد لا يطوف بالبيت ولا يسعى وكذا القارن إلا بعد عرفة إلا طواف العمرة وسعيها فجائز قبلها ويدخل المسجد ويقرأ القرآن ويذكر الله تعالى ويصلى. وإن طافا فسدا إحرامهما.

وقيل: أخطئا وصح إحرامهما. وفى لزوم الدم قولان.

وقيل: لا دم إن لم يحلقا. أو متمتع بعمرة فى أشهر الحج أو قارن بهما أو محرم بعمرة قبل أشهر الحج والأولى إسقاط متمتع ليشمل أنواع إفراد العمرة كلها ما يكون به متمتعا وما يكون به غير متمتع. والتمتع نوعان:

أحدهما: أن يهل بعمرة فى أشهر الحج من الميقات حتى يصل البيت ويطوف ويسعى، ثم يحلق رأسه كله أو بعضه ويحل بمكة.

والثانى: أن يفرد بحج ثم يحوله لعمرة، وشرطه أن يكون غير مقلد للهدى. وإن كان معه هدى وجب عليه إتمام حجه ولم يجز له فسخه.

لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذى القعدة ولا نرى إلا أنه الحج أى إلا أن الذى أحرمنا به الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدى إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل.

ولحديث جابر بن عبد الله قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمون بالحج فطفنا

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 302 وما بعدها طبع على ذمة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ الطبعة الأولى.

ص: 176

بالبيت وسعينا بين الصفا والمروة فأمرنا النبى صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدى

(1)

أن يحلق قلنا يا نبى الله أمرتنا بالإحلال وأنت محرم فقال أحلوا فإنى لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما قلدت الهدى ولا حللت .. إلخ.

فنراه أمر من لم يكن معه هدى فإن من بدل من الضمير فى أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم أو ضمن أمرنا معنى قال لنا فيكون من مفعولا.

وفى قوله أيضا لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما قلدت الهدى ولأحللت، إشارة إلى أن الهدى مانع من الإحلال كأنه قال ما قلدت الهدى، ليكون الإحلال جائزا إلى فأحل.

ومعنى لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لو كان الباقى من عمرى هو ما مضى منه لتركت التقليد وأحللت لما ظهر لى أن هذا الآن خير فيلزمه هدى ويكون متمتعا.

فإذا طاف وسعى أحل إلى أن يخرج لمنى إلى أن يريد الخروج لمنى فيهل بحج أى يرفع صوته بالتلبية له محرما به من بطحاء مكة ما بين جبليها أبى قبيس والأحمر إلى مفترق الطريقين طريق أهل مكة إلى عرفة وطريق العراق ويطلق البطحاء على المسيل الواسع الذى فيه دقاق الحصى.

والتمتع بنوعيه

(2)

أسهل وأرفق وأفضل عندنا من الإفراد. والإفراد أفضل من القران.

ولا نحب أن يفرد ولا أن يقرن إلا من اعتمر رمضان أو رجب، فإنه إن أفرد بعد ذلك فى أشهر الحج كان حسنا. ولا نحب له أن يفرد إلا فى أيام العشر، وننهاه عن الإفراد إن جاء قبل ذلك.

ونكره أن يقيم زمانا بمكة لا يطوف بالبيت إلا لمعتمر فى رجب أو رمضان فيقيم فى أيام العشر فحسن له الإفراد كما مر. وهذا أى لزوم الهدى لغير مكة ومقيم بها.

وأما هما فلا متعة عليهما أى لا هدى. لقول الله تبارك وتعالى «لِمَنْ 3 لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» }.

وجوز لمكى

(4)

كغيره التمتع والجمع والإفراد بلا لزوم هدى للمكى إن تمتع أو جمع.

وصفة المفرد

(5)

وهو الإهلال أى ذو الإهلال أو معناه المهل مصدر بمعنى اسم الفاعل أو الضمير للإفراد الذى دل عليه المفرد يكسر الراء أو عائد إلى المفرد بفتح الراء بمعنى الإفراد فيكون مصدرا ميميّا بحج فقط أن يلتزم إحرامه حتى يرمى جمرة العقبة يوم النحر.

وإذا قدم مكة ملبيا بالحج فلا يطف بالبيت وليقم بالمسجد إن شاء على إحرامه وليستلم، «يمس» البيت «الحجر وغيره بلا طواف»

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 304 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لأطفيش ج 2 ص 305 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(4)

شرح النيل ج 2 ص 306 وما بعدها الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 309 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 177

ولا يطف به. وإن طاف وسعى لزمه هدى، لأن ذلك تمتع لا إن طاف فقط ويفسخ حجه عمرة وأجزأته فيجدد الإحرام بالحج

وقيل لا يلزمه دم إلا أن طاف وسعى وحلق سواء فعل ذلك بنية الحج أو العمرة إفساخا له قيل لا ينفسخ إحرامه بالحج إن لم يحلق ولكنه يكون إدخالا للعمرة فى الحج.

وقال ابن عباس لزمه دم ولو طاف ولم يسع ويلبى بحج كلما صلى ركعتين ركعهما للطواف فيجوز له تعمد ذلك يطوف ويركع ركعتين يلبى بعدهما ثم يطوف ويركع ويلبى وهكذا. وإن لم يصل الركعتين أحرم بعد فرض أو نفل أو احرم بلا صلاة.

ومن كلام ابن عباس ما طاف بالبيت طائف إلا وأحل بعمرة يعنى ما طاف طائف قارن أو مفرد إلا أن كان طوافه إحلالا بعمرة سواء نوى بالإحلال لها أم لا فيلزمه، وسمع رجلا ملبيا حول البيت يطوف وهو مفرد بالحج أو قارن ويلبى على أنه فى زعمه باق على احرامه فقال له: أيا هذا الناقض لحجه؟ فقيل له فعل كثير من الناس، قال: فمن فعل فليحدث كلما صلى ركعتين تلبية بالحج يعنى بالركعتين ركعتى الطواف وترك الطواف له أفضل.

وإذا حل وزار البيت أحرم لعمرته من التنعيم، ومن بلغ الميقات ولبس ثوبى

(1)

الإحرام وركع ولبى ولم تكن له نية حج ولا عمرة ولم يسم شيئا جاهل لذلك ونوى أن إحرامه كأحرام المسلمين فهو محرم بعمرة وإن لم ينو ذلك وهو فى أشهر الحج فهو محرم بالحج أو فى غيرها فبالعمرة قاله محبوب بن الرحيل رحمه الله تعالى.

ومن نوى حجا فقال بلسانه بعمرة أو عكس فعلى نيته.

ومن أحرم بأحدهما ونسى كان قارنا وإن شك هل أفرد أو قرن فليكن على القران.

‌ما يفعله المفرد وما يتعلق به من أحكام

جاء فى النيل

(2)

: وصفة المفرد وهو الإهلال بحج فقط أن يلتزم إحرامه حتى يرمى جمرة العقبة يوم النحر.

وإذا قدم مكة ملبيا بالحج فلا يطف بالبيت وليقم بالمسجد إن شاء على إحرامه، وليستلم يمس البيت الحجر وغيره بلا طواف، ولا يطف به.

وإن طاف وسعى لزمه هدى، لأن ذلك تمتع لا إن طاف فقط ويفسخ حجه عمرة وأجزته فيجدد الإحرام بالحج.

وقيل لا يلزم دم إلا إن طاف وسعى وحلق، سواء فعل ذلك بنية الحج أو العمرة إفساخا له.

قيل لا ينفسخ احرامه بالحج إن لم يحلق، ولكنه يكون إدخالا للعمرة فى الحج.

وقال ابن عباس رحمه الله تعالى لزمه دم ولو

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 310.

(2)

شرح كتاب النيل وشفاء العليل تأليف الامام الهمام شيخ الاسلام العلامة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 309، 310 وما بعدهما طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.

ص: 178

طاف ولم يسع ويلبى بحج كلما صلى ركعتين ركعهما للطواف فيجوز له تعمد ذلك يطوف ويركع ركعتين يلبى بعدهما ثم يطوف ويركع ويلبى وهكذا. وإن لم يصل الركعتين أحرم بعد فرض أو نفل أو أحرم بلا صلاة.

ومن كلام ابن عباس رحمه الله تعالى ما طاف بالبيت طائف إلا وأحل بعمرة يعنى ما طاف طائف قارن أو مفرد إلا إن كان طوافه إحلالا بعمرة، سواء نوى بالإحلال لها أم لا فليزمه.

وسمع رجلا حول البيت يطوف وهو مفرد بالحج أو قارن ويلبى على أنه فى زعمه باق على إحرامه فقال له أيا هذا الناقض لحجه؟ فقيل له:

فعل ذلك كثير من الناس قال فمن فعل ذلك فليحدث كلما صلى ركعتين تلبية بالحج يعنى بالركعتين ركعتى الطواف وترك الطواف له أفضل.

وإذا حل وزار البيت أحرم لعمرته من التنعيم.

ومن أراد أن يحرم ونسى وجامع فإن قدر أن يرجع للحد فيحرم منه وإلا وخاف الفوت أحرم من حيث ذكر وذبح.

ومن أفرد فأصاب امرأته ذبح ورجع للحد فيعيد الإحرام ويحج من قابل.

وقال الأكثر يهدى بدنة وتم حجه وكذا فى التمتع.

وقال بعض بذلك أيضا فى القران وإن أعاد الوط ء أعاد مثل ذلك. وقيل غير ذلك. وإن جامعها وطاوعته قبل الوقوف مثلا فعن عمر رحمه الله تعالى بينهما جزور. وقبل على كل بدنة.

قال الربيع رضى الله تعالى عنه إن أكرهها أو أصابها نائمة لزمه ما ذكر دونها وتقضى مناسكها ويتكرر الذبح بتكرر الوط ء. ومن قصر وجامعها قبل أن تقصر فعليه بدنة.

وقيل على المجامع ولو مرارا كفارة واحدة ما لم يكفر.

وفى التاج ولزمه من يترك ركعتى الطواف دم وإعادة الطواف والسعى.

قال محبوب رحمه الله تعالى إن اعتمر لزمه دم وإن أفرد لزمه حج قابلا لا دم

(1)

ولا إعادة الطواف. وقيل يعيده والركوع والسعى ويذبح.

وقيل بدنة إن وطئ وحجه تام، وقيل فاسد ويعيده قابلا.

وإن ركعهما بعد العصر وقصر أعاد الطواف.

وهو قول أبى عبيدة رحمه الله تعالى. وقال فيمن ركعهما بمنى بعد العصر بعد ما سعى ثم خرج لبلده فأرجو أن يتم حجه ولا يعيد السعى ولا الركوع وأقل ما يلزمه بدنة. وقيل عليه أن يرجع ويرجع خلف المقام أو حيث أمكنه فى المسجد ويعيد السعى ولا عليه فإن وطئ قبل الركوع فسد حجه.

وفى موضوع من النيل

(2)

: ويكره للمفرد الطواف بالبيت وإن فعل ملبيا فلا ينقض حجه خلافا لابن عباس رضى الله تعالى عنهما فإنه قال

(1)

المرجع السابق نفس الطبعة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لشيخ الاسلام محمد بن يوسف أطفيش طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر ج 2 ص 326، 327.

ص: 179

ينقضه فقيل له قد فعله كثير.

قال فليجدد كلما صلى ركعتين تلبية بالحج.

‌ما يفعله المعتمر

ومن اعتمر

(1)

فى غير أشهر الحج لا فى أشهره ثم أقام حتى حج ولا سيما إن لم يقم فلا دم عليه.

خلافا لجابر بن زيد ولو أتمها فى أشهره ولو لم يفعل منها قبل أشهره إلا الإحرام بها فالمعتبر وقت الإحرام لا الفراغ منها.

وفى قول جابر رضى الله تعالى عنه أنه يعتبر الفراغ. فإن كان فى أشهر الحج لزمه هدى ولو كان الإحرام قبلها.

وكذا إن اعتمر فيها ثم خرج لأهله أو لأفق بعيد ورجع فى سنته فحج أو لم يحج أو لم يرجع فلا دم عليه إلا على ما قيل أى قال الحسن رضى الله عنه العمرة مطلقا فى أشهر الحج متعة فعليه دم.

وكذلك لا دم على من اعتمر فى اشهر الحج ولم يحج ولم يرجع. وكذلك إن رجع لأهله وهم داخل الحرم.

وقال طاووس: من اعتمر فى غير أشهر الحج وأقام يحج من عامه أنه متمتع يلزمه الهدى. ثم قال: وتجوز العمرة فى كل شهر من شهور العام إلا أشهر الحج فلا تجوز فيه إلا عمرة الدخول.

وعلى أنها واجبة يجوز أن تؤدى فى كل عام ويحج فى عام بعده أو فى أى عام شاء أو يقدم الحاج عليها بعام أو أكثر ولا دم على المتمتع إن كانت العمرة لغير من له الحج ولا إن فعل أحدهما واستأجر للآخر.

ومن اعتمر فى باقى أشهر الحج فلا دم عليه لأنه إن فعل بعد عرفة وقبل الزيارة لم يتمتع بطيب أو نحوه أو بطواف نفل أو بعد الزيارة لم يصدق عليه قوله تعالى: «لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ»

(2)

ومن حج لنفسه واعتمر لغيره وبالعكس فلا دم عليه. ومن أحرم بعمرة فى غير أشهر الحج وأتمها فى أشهره فلا دم عليه.

وعن جابر بن زيد عليه دم ولو لم يدرك منها فى أشهره إلا الحلق.

ومن دخل مكة فى غير أشهر الحج بعمرة ثم أحرم بعمرة فى أشهر الحج من مسجد عائشة رضى الله تعالى عنها فليست بعمرة ولزمه الإحرام وسعى وطاف ومسجد عائشة مسجد التنعيم ولا يتمتع بعمرة النفل إلى حج الفرض.

قال ومن أهل بعمرة

(3)

وخاف فوت الحج فلينو الحج ويمض لعرفات ولا يأتى البيت وإذا رجع

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 326، 327 طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر.

(2)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(3)

المرجع السابق لأطفيش ج 2 ص 371 وما بعدها نفس المرجع الطبعة السابقة.

ص: 180

طاف للحج والعمرة. وقيل يرفض العمرة ويهل بالحج

(1)

.

وإذا تم حجه أهل بعمرة من التنعيم وطاف بالبيت وسعى وعليه دم لرفض العمرة شاة يذبحها ويتصدق بلحمها.

ومن طاف يوم التروية. وخرج لمنى وجاوز مسجد الجن ولم يحرم بالحج ناسيا حتى وصل طريق منى ركع فى ذلك الموضع وأحرم بالحج وإن لم يكن وقت صلاة أخر حتى يدخل وقتها. وإن أحرم بلا صلاة جاز وجاز إحرامه ولو بلغ منى.

قال الشيخ إسماعيل ويستحب للمعتمر إذا حل من عمرته أن يقصر من شعر رأسه ولا يحلقه ليوفره للحلق يوم النحر.

‌الإفراد فى البيع

‌مذهب الحنفية:

من القواعد المقررة عند الحنفية أن ما صح إيراد العقد عليه بانفراده صح استثناؤه سواء دخل فى البيع تبعا كالبناء والشجر أولا.

وما لا يصح إيراد العقد عليه بانفراده لا يصح استثناؤه

(2)

. وعلى ذلك إذا باع

(3)

حيوانا واستثنى ما فى بطنه من الحمل فإن البيع فاسد لأن بيع الحمل بانفراده لا يجوز فكان استثناؤه بمنزلة شرط فاسد أدخل فى البيع، فوجب فساد البيع وكذلك هذا فى عقد الإيجارة والكتابة والرهن. بخلاف النكاح والخلع والصلح عن دم العمد والهبة والصدقة لأن استثناء الحمل فى هذه العقود لا يبطلها.

وكذلك فى الإعتاق، لما أن استثناء ما فى البطن بمنزلة شرط فاسد والبيع وأخواته تبطلها الشروط الفاسدة فكان الشرط فاسدا والعقد فاسدا. فأما النكاح ونحوه فلا تبطله الشروط الفاسدة فجاز العقد وبطل الشرط. فيدخل فى العقد الأم والولد جميعا.

وكذا فى العتق. وكذا إذا باع حيوانا واستثنى شيئا من أطرافه فالبيع فاسد. ولو باع صبرة واستثنى قفيزا منها فالبيع جائز فى المستثنى منه.

وكذا إذا باع صبرة واستثنى جزءا شائعا منها ثلثها أو ربعها أو نحو ذلك. ولو باع قطيعا من الغنم واستثنى شاة منها بغير عينها فالبيع فاسد. ولو استثنى شاة منها بعينها فالبيع جائز.

والأصل فى هذا أن من باع جملة واستثنى منها شيئا، فإن استثنى ما يجوز إفراده بالبيع فالبيع فى المستثنى منه جائز. ولو باع ثمرة على رءوس النخل واستثنى منها صاعا ذكر القاضى رحمه الله تعالى فى شرحه مختصر الطحاوى أنه يجوز، لأنه استثنى ما يجوز إفراده بالبيع. فأشبه ما إذا باع جزءا مشاعا منه من الثلث والربع.

(1)

المرجع السابق من كتاب النيل وشفاء العليل ج 2 ص 371 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام العلامة الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه الحواشى المسماة بمنحة الخالق على البحر الرائق ج 5 ص 329 وما بعدها طبع المطبعة العلمية بمصر الطبعة الأولى سنة 1316 هـ.

(3)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 175 وما بعدها طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.

ص: 181

وكذا لو كان الثمر مجذوذا فباع الكل واستثنى صاعا يجوز. وأى فرق بين المجذوذ وغير المجذوذ؟

وذكر الطحاوى فى مختصره أنه لا يجوز. وإليه أشار محمد رحمه الله تعالى فى الموطأ فإنه قال:

لا بأس بأن يبيع الرجل ثمره ويستثنى منها بعضا إذا استثنى شيئا فى جملته ربعا أو خمسا أو سدسا. قيد الجواز بشرط أن يكون المستثنى مشاعا فى الجملة.

فلو ثبت الجواز فى المعين لم يكن لتقيده بهذا الشرط معنى.

وكذا روى الحسن بن زياد رحمه الله تعالى أنه قال: لا يجوز، وكذا ذكره القدورى رحمه الله تعالى فى مختصره.

ثم فساد العقد بما ذكرنا من الشروط مذهب أصحابنا.

وقال ابن أبى ليلى: البيع جائز والشرط باطل.

وقال ابن شبرمة: البيع جائز والشرط جائز.

والصحيح قولنا، لما روى أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط. والنهى يقتضى فساد المنهى فيدل على فساد كل بيع وشرط إلا ما خص عن عموم النص.

والمبيع

(1)

إن كان أصلا لا بد من الإشارة إليه بطريق الأصالة ليصير معلوما وإن كان تبعا يصير معلوما بالإشارة إلى الأصل، لأن المبيع كما لا يفرد بعلة على حدة لا يفرد بشرط على حدة إذ لو أفرد لانقلب أصلا وهذا قلب الحقيقة.

وعلى ذلك إذا باع جارية حاملا من غير مولاها أو بهيمة حاملا دخل الحمل فى البيع تبعا للأم كسائر أطرافها وإن لم يسمه ولا أشار إليه.

ولو باع عقارا دخل ما فيها من البناء والشجر بنفس البيع ولا يدخل الثمر والزرع إلا بقرينة.

وجملة الكلام فى بيع العقار أن المبيع

(2)

لا يخلو من أن يكون أرضا، أو كرما، أو دارا، أو منزلا، أو بيتا. وكل ذلك لا يخلو إما ألا يذكر فى بيعه الحقوق ولا المرافق ولا ذكر كل قليل وكثير منها. وإما أن يذكر شيئا.

فإن كان المبيع أرضا ولم يذكر شيئا من القرائن دخل ما فيها من الأبنية والأشجار. ولم يدخل الزرع والثمار عند عامة العلماء.

لما روى عن محمد رحمه الله تعالى فى كتاب الشفعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

من اشترى أرضا فيها نخل فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع. جعل عليه الصلاة والسلام الثمرة للبائع مطلقا عن وصف وشرط.

فدل على أن الحكم لا يختلف بالتأبير وعدمه.

ولأن النخل اسم لذات الشجر فلا يدخل ما عداه إلا بقرينة زائدة ولهذا لم يدخل ثمار سائر الأشجار.

وكذلك إن كان كرما يدخل فى بيعه بما فيه من

(1)

المرجع السابق للكاسانى ج 5 ص 164 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 5 ص 317 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 182

الزراعة والعرايش والحوائط من غير ذكر قرينة.

ولا تدخل الفواكه والبقول.

والأصل أن كل مركب فى الأرض يدخل وما لم يركب فيها أو ركب لا للبقاء بل لوقت معلوم لا يدخل. وكذا يدخل الطريق إلى الطريق الأعظم والطريق إلى سكة غير نافذة من غير ذكر قرينة.

وإن ذكر شيئا من القرائن.

فإن ذكر الحقوق أو المرافق دخل فيها الشرب ومسيل الماء والطريق الخاص الذى يكون فى ملك إنسان وهو حق المرور فى ملكه.

ولا يدخل الزرع والثمر، لانها أعيان قائمة بنفسها فلا يتناولها اسم الحقوق والمرافق. وإن ذكر القليل والكثير بأن قال بعتها منك بكل قليل وكثير هو فيها ومنها فهل يدخل الزرع والثمر؟ ينظر. إن قال فى آخره من حقوقها فلا يدخلان، لأن قوله من حقوقها خرج تفسيرا لأول الكلام، فكأنه نص على البيع بحقوقها.

وإن لم يقل فى آخره من حقوقها دخل فيه الزرع والثمر وكل ما كان متصلا به، لأن اسم القليل والكثير فيه ومنه يتناول ذلك.

وأما المنفصل منها كالثمار المجذوذة والزرع المحصود والحطب واللبن والقصب الموضوع فلا يدخل فى البيع إلا بالتسمية.

وإن كان المبيع

(1)

دارا يدخل فى بيعها جميع ما كان فيها من بيت ومنزل وعلو وسفل وجميع ما تجمعه الحدود الأربعة من غير ذكر قرينة.

وتدخل أغاليق الدار ومفاتيح أغاليقها.

ويدخل طريقها إلى طريق العامة وطريقها إلى سكة غير نافذة ويدخل الكنيف والشارع والجناح كل ذلك يدخل من غير قرينة.

وأما الظلة فإن لم يكن مفتحها إلى الدار لا تدخل بالإتفاق وإن كان مفتحها إلى الدار لا تدخل أيضا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تدخل.

ووجه قولهما أن الظلة إذا كانت مفتحها إلى الدار كانت من أجزاء الدار فتدخل فى بيع الدار كالجناح والكنيف.

ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى أن ظلة الدار خارجة عن حدودها فإنها اسم لما يظل عند باب الدار خارجا منها فلا تدخل تحت بيع الدار كالطريق الخارج.

وما كان لها بستان فإن كان داخل حد الدار يدخل، وأن كان يلى الدار لا يدخل من غير تسمية.

وقال بعضهم إن كانت الدار صغيرة يدخل وإن كانت كبيرة لا يدخل، لأنها إذا كانت صغيرة يمكن أن يجعل تبعا للدار، وإذا كانت كبيرة لا يمكن.

وقال بعضهم يحكم الثمن فإن صلح لهما يدخل وإلا فلا يدخل. وأما مسيل الماء والطريق الخاص فى ملك إنسان فإن ذكر الحقوق والمرافق يدخل.

(1)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 165 وما بعدها الطبعة السابقة وكتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 5 ص 317 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 183

وكذا إن ذكر كل قليل وكثير هو فيها ومنها سواء ذكر فى آخره من حقوقها أو لم يذكر.

وإن كان المبيع بيتا يدخل فى بيعه حوائطه وسقفه وبابه والطريق إلى الطريق العامة والطريق إلى سكة غير نافذة من غير ذكر قرينة

(1)

ويجوز بيع بيت العلو دون السفل إذا كان على العلو بناء وإن لم يكن عليه بناء لا يجوز لأنه بيع الهواء على الانفراد وهو لا يجوز.

ثم إذا باع العلو وعليه بناء حتى جاز البيع فطريقه فى الدار لا يدخل الطريق إلا بذكر الحقوق ويجوز بيع السفل سواء كان مبنيا أو غير مبنى، لأنه بيع الساحة وذلك جائز. وإن لم يكن عليه بناء.

وإن كان المبيع منزلا لا يدخل فى بيعه بيت السفل ولا يدخل بيت العلو ولا الطريق الخاص إلا بذكر الحقوق أو المرافق أو بذكر القليل والكثير. لأن المنزل أعم من البيت واخص من الدار.

ثم إذا لم تدخل الثمرة بنفس البيع يجبر البائع على قطعها من الشجرة وليس له أن يتركها على الشجرة إلى وقت الإدراك، وكذا الزرع، لأن البيع يوجب تسليم المبيع عقيبه بلا فعل. لأنه عقد معاوضة تمليك بتمليك وتسليم بتسليم. وسواء أبر أو لم يؤبر، بأن كان المبيع نخلا بعد أن ظهرت الثمرة من الشجرة وبانت منها ليس له أن يتركها على شجرة المشترى إلا برضاه.

هذا إذا لم يسم الثمرة فى بيع الشجرة.

فأما إذا سمى دخل الثمر مع الشجر فى البيع وصار للثمرة حصة من الثمن، وينقسم الثمن عليهما يوم العقد، لأنه لما سماها فقد صارت مبيعا مقصودا لورود فعل البيع عليه، حتى لو هلك الثمر قبل القبض بآفة سماوية أو بفعل البائع تسقط حصته من الثمن عن المشترى كما لو هلك الشجر قبل القبض.

والمشترى بالخيار إن شاء أخذ الشجر بحصته من الثمن وإن شاء ترك لأن الصفقة تفرقت عليه.

ولو جذه البائع والمجذوذ قائم بعينه ينظر.

إن جذه فى حينه ولم ينقصه الجذاذ فلا خيار للمشترى ويقبضهما بجميع الثمن.

ولو قبضهما بعد جذاذ البائع ثم وجد فى أحدهما عيبا له أن يرد المعيب خاصة، لأنه قبضهما وهما متفرقان وقت القبض فصار كأنهما متفرقين وقت العقد.

بخلاف ما إذا جذه المشترى بعد القبض ثم وجد بأحدهما عيبا أنه ليس له أن يرد المعيب خاصة بل يردهما جميعا أو يمسكهما، لأنهما كانا مجتمعين عند البيع وعند القبض جميعا، فإفراد أحدهما بالرد يكون تفريق الصفقة بعد وقوعها مجتمعة وهذا لا يجوز. هذا إذا لم ينقصه الجذاذ بأن جذه البائع فى حينه وأوانه.

أما إذا نقصه بأن جذه فى غير حينه فإن حصة النقصان تسقط عن المشترى، لأنه لما نقصه الجذاذ فقد أتلف بعض المبيع قبل القبض فتسقط عن

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 166 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 184

المشترى حصته من الثمن، وله الخيار فى الباقى لتفرق الصفقة عليه.

وإذا قبضهما المشترى بعد جذاذ البائع ثم وجد بأحدهما عيبا له أن يرد المعيب خاصة، لأنه قبضهما وهما متفرقان فصار كأنهما كانا متفرقين عند العقد.

وجاء فى البحر

(1)

الرائق نقلا عن الخانية: لو أن أرضا فيها زرع فباع الأرض بدون الزرع أو باع الزرع بدون الأرض جاز.

وكذا لو باع نصف الأرض بدون الزرع وإن باع نصف الزرع بدون الأرض لا يجوز.

‌حكم بيع ما لا يكون محلا للبيع بمفرده:

لا ينعقد بيع النحل

(2)

إلا إذا كان فى كوارته عسل فباع الكوارة بما فيها من العسل والنحل.

وروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى أنه يجوز بيعه منفردا من غير كوارته إذا كان مجموعا، لأن النحل حيوان منتفع به فيجوز بيعه ودليل عدم الانعقاد أنه ليس منتفع به فلم يكن ما لا ينفسه بل بما يحدث منه وهو معدوم، حتى لو باعه مع الكوارة وفيها عسل يجوز بيعه تبعا للعسل، ويجوز ألا يكون الشئ محلا للبيع بنفسه مفردا، ويكون محلا للبيع مع غيره كالشرب.

وأنكر الكرخى رحمه الله تعالى هذا فقال: إنما يدخل فيه تبعا إذا كان من حقوقه كما فى الشرب مع الأرض وهذا ليس من حقوقه.

وعلى هذا بيع دود القز فإنه لا ينعقد بيعه إلا إذا كان معه قز.

وروى محمد رحمه الله تعالى أنه يجوز بيعه مفردا. والحجج على نحو ما ذكرنا فى النحل.

ولا ينعقد بيع بذر الدود عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى كما لا ينعقد بيع الدود.

وعندهما يجوز بيعه. ووجه الكلام فيه على نحو ما ذكر فى بيع النحل والدود.

ولو جمع

(3)

بين ما هو مال وبين ما ليس بمال فى البيع بأن جمع بين حر وعبد أو بين عصير وخمر أو بين ذكية وميتة وباعهما صفقة واحدة فإن لم يبين حصة كل واحدة منهما من الثمن لم ينعقد العقد أصلا بالإجماع. وإن بين فكذلك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وعندهما يجوز فى العصير والعبد والذكية ويبطل فى الحر والخمر والميتة. ولو جمع بين قن ومدبر أو أم ولد ومكاتب أو بين عبده وعبد غيره وباعهما صفقة واحدة جاز البيع فى عبده بلا خلاف.

ووجه قولهما أن الفساد بقدر المفسد، لأن الحكم يثبت بقدر العلة والمفسد خص أحدهما فلا يتعمم الحكم مع خصوص العلة فلو جاء الفساد فهو إنما يجئ من قبل جهالة الثمن فإذا بين حصة كل واحد منهما من الثمن فقد زال هذا المعنى أيضا، ولهذا جاز بيع القن إذا جمع بينه وبين المدبر أو

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 5 ص 322 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 144 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لابن مسعود الكاسانى ج 5 ص 142 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 185

المكاتب أو أم الولد وباعهما صفقة واحدة كذا هذا.

ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الصفقة واحدة وقد فسد فى أحدهما فلا تصح فى الآخر، بخلاف الجمع بين العبد والمدبر، لأن هناك الصفقة ما فسدت فى أحدهما بيقين، بل بالاجتهاد الذى يحتمل الصواب والخطأ فاعتبر هذا الاحتمال فى تصحيح الإضافة إلى المدبر، ليظهر فى حق القن إن لم يمكن إظهاره فى حقه، ولأنه لما جمع بينهما فى الصفقة فقد جعل قبول العقد فى أحدهما شرط القبول فى الآخر.

بدليل أنه لو قبل العقد فى أحدهما دون الآخر لا يصح. والخر لا يحتمل قبول العقد فيه، فلا يصح القبول فى الآخر.

بخلاف المدبر، لأنه محل لقبول العقد فيه فى الجملة تصح قبول العقد فيه إلا أنه تعذر إظهاره فيه بنوع اجتهاد فيجب إظهاره فى القن ولأن فى تصحيح العقد فى أحدهما تفريق الصفقة على البائع.

قبل التمام، لأنه أوجب البيع فيهما فالقبول فى أحدهما يكون تفريقا وهذا لا يجوز

(1)

.

ويجوز

(2)

أن يبيع الثمرة ويستثنى منها أرطالا معلومة والبيع والاستثناء صحيح لأن ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده صح استثناؤه منه وبيع قفيز من صبرة جائز فكذا استثناؤه.

بخلاف استثناء الحمل من الجارية الحامل أو الشاة وأطراف الحيوان فإنه غير جائز.

كما إذا باع هذه الشاة إلا إليتها أو باع هذا العبد إلا يده. وهذا هو المفهوم من ظاهر الرواية.

وروى الحسن عن أبى حنيفة رضى الله تعالى أنه لا يجوز. وهو أقيس بمذهب الإمام فى مسألة بيع صبرة طعام كل قفيز بدرهم، فإنه أفسد البيع بجهالة قدر المبيع وقت العقد، وهو لازم فى استثناء أرطال معلومة مما على الأشجار. وإن لم تفض إلى المنازعة.

فالحاصل

(3)

أن كل جهالة تفضى إلى المنازعة مبطلة فليس يلزم أن ما لا يفضى إليها يصح معها بل لا بد من عدم الإفضاء إليها فى الصحة مع كون المبيع على حدود الشرع.

ألا ترى أن المتابعين قد يتراضيان على شرط لا يقتضيه العقد وعلى البيع بأجل مجهول كقدوم الحاج ونحوه ولا يعتبر ذلك مصححا كذا فى فتح القدير.

وفى المعراج وقيل رواية الحسن والطحاوى رحمه الله تعالى محمولة على ما إذا لم يكن الثمن منتفعا به لأنه ربما يصيبه آفة وليس فيه إلا قدر المستثنى فيتطرق فيه الغرر ومحل الاختلاف ما إذا استثنى معينا فإن استثنى جزء كربع وثلث فإنه صحيح اتفاقا كذا فى البدائع.

ولذا قال فى الكتاب أرطالا معلومة مقيد بقوله

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 146 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

البحر الرائق لابن نجيم ج 5 ص 327 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 5 ص 329 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 186

منها أى من الثمرة على رءوس النخل لأنه لو كان مجذوذا واستثنى منه أرطالا جاز اتفاقا.

وقيد بالأرطال لأنه لو استثنى رطلا واحدا جاز اتفاقا، لأنه استثناء القليل من الكثير.

بخلاف الأرطال لجواز أنه لا يكون إلا ذلك القدر فيكون استثناء الكل من الكل كذا فى النهاية. ولو باع صبرة بمائة إلا عشرها فله تسعة أعشارها بجميع الثمن. ولو قال على أن عشرها لى فله تسعة أعشارها بتسعة أعشار الثمن. خلافا لما روى عن محمد رحمه الله تعالى أنه بجميع الثمن فيها.

وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لو قال أبيعك هذه المائة شاة بمائة على أن هذه لى أو لى هذه فسد البيع، ولو قال إلا هذه كان ما بقى بمائة. ولو قال ولى نصفها كان النصف بخمسين.

ولو قال بعتك هذا العبد بألف إلا نصفه بخمسمائة.

فعند محمد رحمه الله تعالى جاز فى كله بألف وخمسمائة لأن المعنى بأنه باع نصفه بألف لأنه الباقى بعد الاستثناء فالنصف المستثنى عين بيعه بخمسمائة.

ولو قال إن لى نصفه بثلاثمائة أو مائة دينار فسد لإدخال صفقة فى صفقة كذا فى فتح القدير.

وقيد باستثناء بعض الثمار أو الصبرة. لأنه لو استثنى شاة من قطيع بغير عينها أو ثوبا من عدل بغير عينه لا يجوز. ولو استثنى واحدا بعينه جاز كذا فى الخانية. وفيها أبيعك دارا على أن لى طريقا من هذا الموضع إلى باب الدار يكون فاسدا.

وكذا لو شرط الطريق للأجنبى وبين موضعه وطوله وعرضه كان فاسدا. ولو قال: أبيعك هذه الدار إلا طريقا منها من هذا الموضع إلى باب الدار ووصف الطول والعرض جاز البيع بشرط الطريق لنفسه أو لغيره لأن الاستثناء تكلم بالباقى بعد الثنيا فيكون جميع الثمن يقابله غير المستثنى فلا يفسد البيع.

أما فى الأول فقد جعل جميع الثمن مقابلا جميع الدار فإذا اشترط منها طريقا لنفسه أو لغيره يسقط حصته من الثمن وهو مجهول فيصير الباقى مجهولا. ولو قال أبيعك دارى هذه بألف على أن لى هذا البيت بعينه لا يصح. ولو قال إلا هذا البيت جاز البيع. ولو قال بعتك هذه الدار إلا بناءها جاز البيع. ولا يدخل البناء فى البيع.

لو باع أرضا إلا هذه الشجرة بعينها بقرارها جاز البيع وللمشترى أن يمتنع عن تدلى أغصان الشجرة فى ملكه لأن المستثنى مقدار غلظ الشجرة دون الزيادة.

ولو اشترى رجلان سيفا وتواضعا على أن يكون الحلية لأحدهما وللآخر النصل كان السيف المحلى بينهما والخاتم مع الفص كذلك.

ولو اشترى رجلان دارا على أن لأحدهما الأرض وللآخر البناء جاز كذلك.

ولو اشتريا بعيرا وتواضعا على أن يكون لأحدهما رأسه وجلده وقوائمه وللآخر بدنه وتواضعا فى ذلك ولم يذكر البائع شيئا فالكل لصاحب البدن، لأن البدن أصل، والكل بمنزلة التبع.

ولو تواضعا على أن لأحدهما رأسه وجلده

ص: 187

وقوائمه وللآخر لحمه فهو بينهما نصفان، لأن كل واحد كذلك لا يحتمل الإفراد بالبيع وأحدهما ليس بأصل فكان الكل بينهما.

وفى التتار خانية لو قال أبيعك هذا الطعام بألف درهم إلا عشرة أقفزة منه فالبيع فاسد فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى البيع جائز وللمشترى الخيار إذا عزل منه العشرة أقفزة.

ولو باع بمائة إلا دينارا كان البيع بتسعة وتسعين ولو اشترى أمة وفى بطنها ولد لغير البائع بالوصية لرجل فأجاز صاحب الولد بيع الجارية جاز ولا شئ عليه من الثمن وإن لم يجز لم يجز لأن الجنين بمنزلة أجزاء الجارية.

ولو باع

(1)

نصف عبد مشترك جاز وانصرف إلى نصيبه ولو أقر بنصفه انصرف إلى النصفين.

ثم قال صاحب البحر اعلم أن الحاصل فى ذلك أن المسائل تدور على أربع قواعد:

الأولى: أن ما صح إيراد العقد عليه بانفراده صح استثناؤه دخل فى المبيع تبعا كالبناء والشجر أولا وما لا فلا.

الثانية: أن ما صح استثناؤه صح اشتراطه للبائع إذا كان من المقدرات وإن كان من القيميات فلا.

الثالثة: ما صح إيراد العقد عليه بانفراده صح اتفاقهما بعد العقد على أن يكون البعض لهذا والبعض لهذا كالبناء مع الأرض وما لا فلا كالسيف والحلية.

الرابعة: إذا استثنى ما يصح، فإن ذكر للمستثنى ثمنا لم يكن للإخراج، وكان الثمن الأول والثانى كبعتك هذا العبد بألف إلا نصفه بخمسمائة، وإلا كان للاخراج من المبيع، ولا يسقط من الثمن شئ، وإن كان شرطا فى المقدرات سقط ما قابله.

وعن الظهيرية أنه لو باع سفل داره على أن يكون له حق قرار العلو عليه فإنه يجوز.

ويصح بيع البر فى سنبله والباقلاء فى قشره لأنه مال متقوم منتفع به فيجوز بيعه فى قشره كالشعير وكذا الأرز والسمسم والجوز واللوز والفستق.

أما إذا باع حب قطن بعينه دون القطن أو نوى تمر فى تمر بعينه أى باع ما فى هذا القطن من الحب أو ما فى هذا التمر من النوى فإنه لا يجوز هذا البيع مع أنه أيضا فى غلافه.

وأشار أبو يوسف رحمه الله تعالى إلى الفرق بين هذا وبين البر فى سنبله بأن النوى هنالك معتبر عدما هالكا فى العرف فإنه يقال هذا، تمر وهذا قطن، ولا يقال هذا نوى فى ثمره، ولا حب فى قطنه، ويقال هذه حنطة فى سنبلها، وهذا لوز وفستق، ولا يقال هذه قشور فيها لوز، ولا يذهب اليه وهم وما ذكرنا يخرج الجواب عن امتناع بيع اللبن فى الضرع واللحم والشحم فى الشاة والإلية والأركاع والجلد فيها والدقيق فى الحنطة والزيت فى الزيتون

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 5 ص 329 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 188

والعصير فى العنب ونحو ذلك حيث لا يجوز لأن كل ذلك منعدم فى العرف فلا يقال هذا عصير وزيت فى محله، فكذا الباقى.

وقيد بيع الحنطة لأنه لو باع تبن الحنطة فى سنبلها دون الحنطة لم ينعقد، لأنه لا يصير تبنا إلا بالعلاج وهو الدق فلم يكن تبنا قبله فكان بيع المعدوم بخلاف الجذع فى السقف أنه ينعقد حتى لو نزعه وسلمه أجبر على الأخذ.

‌حكم إفراد جزء من المبيع:

من شرائط

(1)

جواز فسخ عقد البيع ألا يتضمن تفريق الصفقة على البائع قبل التمام.

فإن تضمن لا يجوز إلا أن يرضى به البائع، لأن تفريق الصفقة على البائع قبل التمام إضرار به، والضرر واجب الدفع ما أمكن إلا أن يرضى به البائع، لأن الضرر لم يرض به من جهة المتضرر لا يجب دفعه.

وعلى هذا يخرج ما إذا وجد المشترى المبيع معيبا فأراد رد بعضه دون بعض قبل القبض.

وجملة الكلام فيه أن المبيع لا يخلو إما أن يكون شيئا واحدا حقيقة وتقديرا كالعين والثوب والدار والكرم والمكيل والموزون والمعدود المتقارب فى وعاء واحد أو صبرة واحدة.

وإما أن يكون أشياء متعددة كالعبدين والثوبين والدابتين والمكيل والموزون والمعدود فى وعاءين أو صبرتين، وكل شئ ينتفع بأحدهما فيما وضع له بدون الآخر.

وإما أن يكون شيئين حقيقة وشيئا واحدا تقديرا كالخفين والنعلين والمكعبين ومصراعى الباب وكل شئ لا ينتفع بأحدهما فيما وضع له بدون الآخر.

فلا يخلو

(2)

إما أن يكون المشترى قبض كل المبيع.

وإما أن يكون لم يقبض شيئا منه.

وإما أن يكون قد قبض البعض دون البعض والحادث فى المبيع لا يخلو:

إما أن يكون عيبا أو استحقاقا.

أما العيب فإن وجده ببعض المبيع قبل القبض لشئ منه فالمشترى بالخيار إن شاء رضى بالكل ولزمه جميع الثمن وإن شاء رد الكل وليس له أن يرد المعيب خاصة بحصته من الثمن، سواء كان المبيع شيئا واحدا أو أشياء، لأن الصفقة لا تمام لها قبل القبض وتفريق الصفقة قبل تمامها باطل، لأن التفريق إضرار بالبائع، والضرر واجب الدفع ما أمكن.

وإن كان المشترى قبض بعض المبيع دون البعض فوجد ببعضه عيبا فكذلك لا يملك رد العيب خاصة بحصته من الثمن، سواء كان المبيع شيئا واحدا أو أشياء، وسواء وجد العيب بغير المقبوض أو بالمقبوض فى ظاهر الرواية لأن الصفقة لا تتم إلا بقبض جميع المعقود عليه، فكان رد

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 286 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن مسعود بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 287 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 189

البعض دون البعض تفريق الصفقة قبل التمام وهو باطل.

وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا وجد العيب بغير المقبوض فكذلك. فأما إذا وجد بالمقبوض فله أن يرده خاصة بحصته من الثمن.

فهو نظر إلى المعيب منهما أيهما كان واعتبر الآخرية فإن كان المعيب غير المقبوض اعتبر الآخر غير مقبوض فكأنهما لم يقبضا جميعا وإن كان المعيب مقبوضا اعتبر الآخر مقبوضا فكأنه قبضهما جميعا.

لكن هذا الاعتبار ليس بسديد، لأنه فى حد التعارض إذ ليس اعتبار غير المعيب بالمعيب فى القبض وعدمه أولى من اعتبار المعيب بغير المعيب فى القبض بل. هذا أولى، لأن الأصل عدم القبض والعمل بالأصل عند التعارض أولى.

هذا إذا كان المشترى لم يقبض شيئا من المبيع أو قبض البعض دون البعض فإن كان قبض الكل ثم وجد به عيبا.

فإن كان المبيع شيئا واحدا حقيقة وتقديرا فكذلك الجواب وهو أن المشترى إن شاء رضى بالكل بكل الثمن وإن شاء رد الكل واسترد جميع الثمن، وليس له أن يرد قدر المعيب خاصة بحصته من الثمن، لأن فيه إلزام عيب الشركة وهو عيب حادث مانع من الرد.

وان كان المبيع أشياء حقيقية شيئا واحدا تقديرا فكذلك لأن إفراد أحدهما بالرد إضرار بالبائع أذ لا يمكن الانتفاع بأحدهما فيما وضع له بدون الآخر فكانا فيما وضعا له من المنفعة كشئ واحد فكأن المبيع شيئا واحدا من حيث المعنى فبالرد تثبت الشركة من حيث المعنى والشركة فى الأعيان عيب.

وإذا كان لا يمكن الانتفاع بأحدهما بدون صاحبه فيما وضع له كان التفريق تعييبا فيعود المبيع إلى البائع بعيب زائد حادث لم يكن عنده.

وإن كان المبيع أشياء حقيقية وتقديرا فليس له أن يرد الكل إلا عند التراضى، وله أن يرد المعيب خاصة بحصته من الثمن عند أصحابنا الثلاثة.

وعند زفر ليس له ذلك بل يردهما أو يمسكهما.

ووجه قول زفر أن فى التفريق بينهما فى الرد أضرارا بالبائع لما ذكرنا أن ضم الردئ إلى الجيد فى البيع من عادة التجار ليروج الردئ بواسطة الجيد وقد يكون العيب بالردئ فيرده على البائع ويلزمه البيع فى الجيد بثمن الردئ وهذا إضرار بالبائع ولهذا امتنع الرد قبل القبض فكذا هذا.

ووجه قول

(1)

الأصحاب أن ما ثبت له حق الرد وجد فى أحدهما فكان له أن يرد أحدهما، وهذا لأن حق الرد إنما يثبت لفوات السلامة المشروطة فى العقد دلالة والثانية لمقتضى العقد على ما بينا والسلامة فاتت فى أحدهما فكان له رده خاصة فلو امتنع الرد انما يمتنع لتضمنه تفريق الصفقة وتفريق الصفقة باطل قبل التمام لا بعده والصفقة قد تمت بقبضهما فزال المانع، وأما قوله يتضرر البائع برد الردئ خاصة فنعم، لكن هذا ضرر مرضى به من

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 288 الطبعة السابقة.

ص: 190

جهته، لأن إقدامه على بيع المعيب وتدليس المعيب مع علمه أن الظاهر من حال المشترى أنه لا يرضى بالعيب دلالة الرضا بالرد.

بخلاف ما قبل القبض لأنه لا تمام للعقد قبل القبض فلا يكون قبل القبض دلالة الرضا بالرد، فكان الرد ضررا غير مرضى به فيجب دفعه.

وهذا بخلاف خيار الشرط وخيار الرؤية أن المشترى لا يملك رد البعض دون البعض سواء قبض الكل أو لم يقبض شيئا أو قبض البعض دون البعض.

وسواء كان المعقود عليه شيئا واحدا أو أشياء، لأن خيار الشرط والرؤية يمنع تمام الصفقة بدليل أنه يرده بغير قضاء ولا رضا سواء كان قبل القبض أو بعده ولو تمت الصفقة لما احتمل الرد إلا بقضاء القاضى أو التراضى دل أن هذا الخيار يمنع تمام الصفقة ولا يجوز تفريق الصفقة قبل التمام وهاهنا بخلافه.

ولو قال المشترى أنا أمسك المعيب وآخذ النقصان فليس له ذلك لأن قوله أمسك المعيب دلالة الرضا بالمعيب وأنه يمنع الرجوع بالنقصان.

وكذلك لو كان المعيب أشياء فوجد بالكل عيبا فأراد رد البعض دون البعض.

فإن كان المردود مما لو كان المعيب به وحده لكان له رده وحده كالعبدين والثوبين فله ذلك لأنه إذا أمسك البعض فقد رضى بعيبه فبطل حق الرد فيه، لأنه تبين أن صفقة السلامة لم تكن مشروطة ولا مستحقة بالعقد فيه فصار كأنه كان صحيحا فى الأصل ووجد بالآخر عيبا فيرده.

وإن كان المردود مما لو كان العيب به وحده لكان لا يرده كالخفين والنعلين ونحوهما فليس له ذلك لأن التفريق بينهما تعييب.

ولو اشترى

(1)

عبدين فوجد بأحدهما عيبا قبل القبض فقبض المعيب وهو عالم بالعيب لم يكن له أن يرد وسقط خياره ولزمه العبدان، لأن قبض المعيب مع العلم بالعيب دليل الرضا وللقبض شبه بالعقد فكان الرضا به عند القبض كالرضا به عند العقد ولو رضى به عند العقد يسقط خياره فلزماه جميعا كذا هذا.

ولو قبض الصحيح منهما، ولو كانا معيبين فقبض أحدهما لم يسقط خياره، لأنه قبض بعض المعقود عليه والصفقة لا تتم بقبض بعض المعقود عليه وإنما تتم بقبض الكل فلو لزمه العقد فى المقبوض دون الآخر لتفرقت الصفقة على البائع قبل التمام وتفريق الصفقة قبل التمام باطل، ولا يمكن إسقاط حقه عن غير المقبوض، لأنه لم يرضى به فبقى له الخيار على ما كان.

هذا إذا كان الحادث فى المبيع عيبا.

أما إن كان استحقاقا فإن استحق بعض المعقود عليه قبل القبض ولم يجز المستحق بطل العقد فى القدر المستحق، لأنه تبين أن ذلك القدر لم يكن ملك البائع ولم توجد الإجازة من المالك فبطل وللمشترى الخيار فى الباقى إن شاء رضى به بحصته

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 288 الطبعة السابقة.

ص: 191

من الثمن، وإن شاء رده، سواء كان استحقاق ما استحقه يوجب العيب فى الباقى أو لا يوجب لأنه لم يرض المستحق فقد تفرقت الصفقة على المشترى قبل التمام فصار كعيب ظهر بالسلعة قبل القبض، وذلك يوجب الخيار فكذا هذا.

وإن كان الاستحقاق بعد قبض البعض دون البعض فكذلك الجواب سواء ورد الاستحقاق على المقبوض. وعلى غير المقبوض.

فإن كان قبل قبض الكل ثم استحق بعضه بطل البيع فى القدر المستحق ثم ينظر.

إن كان استحقاق ما استحق يوجب العيب فى الباقى بأن كان المعقود عليه شيئا واحدا حقيقة وتقديرا كالدار والكرم والأرض والعبد ونحوها.

فالمشترى بالخيار فى الباقى إن شاء رضى به بحصته من الثمن وإن شاء رد لأن الشركة فى الأعيان عيب.

وكذلك إن كان المعقود عليه شيئين ومن حيث الصورة شيئا واحدا من حيث المعنى فاستحق أحدهما فله الخيار فى الباقى.

وإن كان استحقاق ما استحق لا يوجب العيب فى الباقى بأن كان المعقود عليه شيئين صورة ومعنى كالعبدين فاستحق أحدهما أو كان صبرة حنطة أو جملة وزنى فاستحق بعضه فإنه يلزم المشترى الباقى بحصته من الثمن، لأنه لا ضرر فى تبعيضه فلم يكن له خيار الرد.

‌حكم إفراد شئ بالبيع من غير تمييز

(1)

:

من شروط صحة البيع أن يكون المبيع معلوما علما يمنع المنازعة.

فإن كان أحدهما مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فسد البيع وإن كان مجهولا جهالة لا تفضى إلى المنازعة لا يفسد لأن الجهالة إذا كانت مفضية إلى المنازعة كانت مانعة من التسليم والتسلم فلا يحصل مقصود البيع وإذا لم تكن مفضية إلى المنازعة لا تمنع من ذلك فيحصل المقصود.

فإذا قال بعتك شاة من هذا القطيع أو ثوبا من هذا العدل فالبيع فاسد لأن الشاة من القطيع والثوب من العدل مجهول جهالة مفضية إلى المنازعة لتفاحش التفاوت بين شاة وشاة وثوب وثوب فيوجب فساد البيع.

فإن عين البائع شاة أو ثوبا وسلمه إليه ورضى به جاز ويكون ذلك ابتداء بيع بالمراضاة ولأن البياعات للتوسل إلى استيفاء حوائج النفوس إلى انقضاء آجالها والتنازع يفضى إلى التفانى ويتناقض ولأن الرضا شرط البيع والرضا لا يتعلق إلا بالمعلوم.

(1)

المرجع السابق للكاسانى ج 5 ص 156 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 192

‌إفراد شئ بالبيع من جملة لا تتفاوت

أجزاؤها

(1)

:

جاء فى بدائع الصنائع: أنه لو قال بعتك قفيزا من هذه الصبرة صح البيع وإن كان قفيزا من صبرة مجهولا، لكن هذه جهالة لا تفضى إلى المنازعة، لأن الصبرة الواحدة متماثلة القفزان. بخلاف الشاة من القطيع وثوب من الأربعة لأن بين شاة وشاة تفاوتا فاحشا وكذا بين ثوب وثوب.

‌بيع جملة مع إفراد كل جزء بالثمن

(2)

:

جاء فى البحر الرائق أن بيع جملة مع إفراد كل جزء بالثمن إما أن يكون فى المكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة.

وإما أن يكون من غيرها من الذرعيات والعدديات المتفاوتة. ولا يخلو من أن يسمى جملة الكيل والوزن والعدد والذرع فى البيع أو ألا يسمى.

أما المكيلات فإن لم يسم جملتها بأن قال بعت منك هذه الصبرة كل قفيز منها بدرهم لم يجز البيع إلا فى قفيز منها بدرهم ويلزم البيع فيه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى. ولا يجوز فى الباقى إلا إذا علم المشترى جملة القفزان قبل الافتراق بأن كالها فله الخيار إن شاء أخذ كل قفيز بدرهم وإن شاء ترك.

وإن لم يعلم حتى افترقا عن المجلس تقرر الفساد.

وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يلزمه البيع فى كل الصبرة كل قفيز منها بدرهم سواء علم أو لم يعلم.

وعلى هذا الخلاف إذا قال كل قفيز منها بدرهمين أو كل ثلاثة أقفزة منها بثلاثة دراهم وعلى هذا الخلاف الموزون الذى لا ضرر فى تبعيضه كالزيت وتبر الذهب والفضة والعددى المتقارب كالجوز واللوز إذا لم يسم جملتها.

وأما الذرعيات فإن لم يسم جملة الذرعان بأن قال بعت منك هذا الثوب أو هذه الأرض أو هذه الخشبة كل ذراع منها بدرهم فالبيع فاسد فى الكل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إلا إذا علم جملة الذرعان فى المجلس فله الخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك وإن لم يعلم حتى إذا تفرقا تقرر الفساد.

وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز البيع فى الكل ويلزمه كل ذراع منه بدرهم.

وعلى هذا الخلاف إذا قال كل ذراعين بدرهمين أو كل ثلاثة أذرع بثلاثة دراهم.

وعلى هذا الخلاف العدديات المتفاوتة كالأغنام والعبيد بأن قال بعت منك هذا القطيع من الغنم كل شاة منها بعشرة دراهم ولم يسم جملة الشياه وعلى هذا الخلاف الوزنى الذى فى تبعيضه ضرر.

كالمصنوع من الأوانى والعلب ونحو ذلك.

ووجه قولهما فى مسائل الخلاف أن جملة المبيع

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 157، ص 158 وما بعدها الطبعة السابقة والهداية مع حواشيها فتح القدير للشيخ كمال الدين بن محمد عبد الواحد السيواسى ثم السكندرى المعروف بابن الهمام ج 5 ص 106 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى ببولاق مصر المحمية 1325 هـ الطبعة الأولى.

(2)

البحر الرائق ج 5 ص 307 الطبعة السابقة.

ص: 193

معلومة وجملة الثمن ممكن الوصول إلى العلم به بالكيل والوزن والعدد والذرع فكانت هذه جهالة ممكنة الرفع والإزالة: ومثل هذه الجهالة لا تمنع صحة البيع. كما إذا باع وزن هذا الحجر ذهبا.

ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن جملة الثمن مجهولة حالة العقد جهالة مفضية إلى المنازعة فتوجب فساد العقد. كما إذا باع الشئ برقمه.

ولا شك أن جهالة الثمن حالة العقد موجودة لأنه باع كل قفيز من الصبرة بدرهم وجملة القفزان ليست بمعلومة حالة العقد فلا تكون جملة الثمن معلومة ضرورة. وكذلك هذا فى الموزون والمعدود والمذروع.

وإنما اختلف جواب أبى حنيفة بين المثليات وغيرها من وجه حيث جوز البيع فى واحد فى باب الأمثال ولم يجز فى غيرها أصلا لأن المانع من الصحة جهالة الثمن لكونها مفضية إلى المنازعة وجهالة قفيز من صبرة غير مانعة من الصحة لأنها لا تفضى إلى المنازعة.

ألا ترى أنه لو اشترى قفيزا من هذه الصبرة ابتداء جاز فإذا تعذر العمل بعموم كلمة كل صرفت إلى الخصوص، لأنه ممكن على الأصل المعهود فى صيغة العام إذا تعذر العمل بعمومها أنها تصرف إلى الخصوص عند إمكان الصرف إليه.

بخلاف الأشياء المتفاوتة لأن جهالة شاة من قطيع وذراع من ثوب جهالة مفضية إلى المنازعة ألا ترى أن بيع ذراع من ثوب وشاة من قطيع لا يجوز ابتداء فتعذر العمل بعموم كلمة كل ففسد البيع فى الكل. ولو قال بعت منك هذا القطيع من الغنم كل شاتين بعشرين درهما فالبيع فاسد فى الكل بالإجماع.

ولو قال

(1)

بعت منك هذه الصبرة بمائة درهم كل قفيز بدرهم ولم يسم جملة الصبرة ولكنه سمى جملة الثمن لم يذكر هذا فى الأصل.

وذكر الطحاوى رحمه الله تعالى أنه يجوز. وهو صحيح لأن المانع جهالة الثمن، ولم توجد، حيث سماها، وصارت تسمية جملة الثمن بمنزلة تسمية جملة المبيع، ولو سمى جملة المبيع لجاز كذا هذا.

وهذا الذى ذكر إذا لم يسم جملة المبيع من المكيلات والموزونات والمذروعات والمعدودات.

فأما إذا سماها بأن قال بعت منك هذه الصبرة على أنها مائة قفيز كل قفيز بدرهم. أو قال على أنها مائة قفيز بمائة درهم سمى لكل واحد من القفزان ثمنا على حدة. أو سمى للكل ثمنا واحدا هما سواء فلا شك فى جواز البيع لأن جملة المبيع معلومة وجملة الثمن معلومة.

ثم إن

(2)

وجدها كما سمى فالأمر ماض ولا خيار للمشترى.

وإن وجدها أزيد من مائة قفيز فالزيادة لا تسلم للمشترى بل ترد إلى البائع ولا يكون للمشترى إلا قدر ما سمى، وهو مائة قفيز ولا خيار له.

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 159 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن مسعود للكاسانى ج 5 ص 160 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 194

وإن وجدها أقل من مائة قفيز فالمشترى بالخيار إن شاء أخذها بحصتها من الثمن وطرح حصة النقصان، وإن شاء تركها.

وأصل هذا أن الزيادة فيما لا ضرر فى تبعيضه لا تجرى مجرى الصفة بل هى أصل فلا بد وأن يقابله الثمن ولا ثمن للزيادة فلا يدخل فى البيع فكان ملك البائع فيرد إليه والنقصان فيه نقصان الأصل، لا نقصان الصفة فإذا وجدها أنقص مما سمى نقص من الثمن حصة النقصان، وإن شاء ترك لأن الصفقة تفرقت عليه، لأنها وقعت على مائة قفيز، ولم تسلم له، فأوجب خللا فى الرضا فيثبت له خيار الترك.

وكذا الجواب فى الموزونات التى ليس فى تنقيصها ضرر، لأن الزيادة فيها لا تجرى مجرى الصفة بل هى أصل بنفسها وكذا المعدودات المتقاربة.

وأما المذروعات من الثوب والأرض والخشب وغيرها فإن سمى لجملة الذرعان ثمنا واحدا ولم يسمّ لكل ذراع منها على حدة. بأن قال بعت منك هذا الثوب على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم فالبيع جائز، لأن المبيع وثمنه معلومان. ثم إن وجده مثل ما سمى لزمه الثوب بعشرة دراهم ولا خيار له.

وإن وجده أحد عشر ذراعا فالزيادة سالمة للمشترى. وإن وجده تسعة أذرع لا يطرح لأجل النقصان شيئا من الثمن، وهو بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك. فرق بينهما وبين المكيلات والموزونات التى ليس فى تنقيصها ضرر والعدديات المتقاربة.

ووجه الفرق أن زيادة الذرع فى الذرعيات جارية مجرى الصفة كصفة الجودة والكتابة والخياطة ونحوها والثمن يقابل الأصل لا الصفة.

والدليل على أنها جارية مجرى الصفة أن وجودها يوجب جودة فى الباقى وفواتها يسلب صفة الجودة ويوجب الرداءة فتلحق الزيادة بالجودة والنقصان بالرداءة حكما والجودة والرداءة صفة والصفة ترد على الأصل دون الصفة إلا أن الصفة تملك تبعا للموصوف لكونها تابعة قائمة به فإذا زاد صار كأنه اشتراه رديئا، فإذا هو جيد، كما إذا اشترى عبدا على أنه ليس بكاتب، أو ليس بخياط فوجده كاتبا أو خياطا وإذا نقص صار كأنه اشتراه على أنه جيد، فوجده رديئا.

بخلاف المكيلات والموزونات التى لا ضرر فيها إذا نقصت والمعدودات المتقاربة، لأن الزيادة فيها غير ملحقة بالأوصاف لأنها أصل بنفسها حقيقة والعمل بالحقيقة واجب ما أمكن إلا أنها لحقت بالصفة فى المذروعات ونحوها، لأن وجودها يوجب الجودة والكمال للباقى، وفواتها يوجب النقصان والرداءة له، وهذا المعنى هاهنا منعدم فبقيت أصلا بنفسها حقيقة.

وإن سمى لكل ذراع منها ثمنا على حدة بأن قال بعت منك هذا الثوب على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم، فالبيع جائز لما قلنا.

ثم إن وجده مثل ما سمى فالأمر ماض ولزمه الثوب، كل ذراع بدرهم، وإن وجده أحد عشر

ص: 195

ذراعا فهو بالخيار، إن شاء أخذه كله بأحد عشر درهما، وإن شاء ترك.

وإن وجده تسعة أذرع فهو بالخيار إن شاء طرح حصة النقصان درهما، وأخذه بتسعة دراهم، وإن شاء ترك لتفرق الصفقة عليه.

وهذا يشكل على الأصل الذى ذكرنا أن زيادة الذرع فى المذروعات تجرى مجرى الصفة لها، لأن الثمن يقابل الأصل، دون الوصف فينبغى أن تكون الزيادة سالمة للمشترى ولا خيار له، ولا يطرح لأجل النقصان شيئا، لأن الثمن يقابل الأصل، دون الصفة بمنزلة زيادة الجودة ونقصان الرداءة.

وحل هذا الإشكال أن الذرع فى المذروعات إنما يجرى مجرى الصفة على الإطلاق، إذا لم يفرد كل ذراع بثمن على حدة.

فأما إذا أفرد كل ذراع بثمن على حدة فلا يجرى مجرى الصفة مطلقا، بل يكون أصلا من وجه وصفة من وجه، فمن حيث أن التبعيض فيها يوجب تعيب الباقى كانت الزيادة صفة بمنزلة صفة الجودة، ومن حيث أنه سمى لكل ذراع ثمنا على حدة، كان كل ذراع معقودا عليه، فكانت الزيادة أصلا من وجه وصفة من وجه.

فمن حيث أنها صفة كانت للمشترى لأن الثمن يقابل الأصل، لا الصفة وإنما يدخل فى البيع تبعا على ما بينا.

ومن حيث أنها أصل، لا يسلم له إلا بالزيادة ثمن اعتبارا للجهتين جميعا بقدر الإمكان فله الخيار فى أخذ الزيادة وتركها

وعلى هذا

(1)

جميع المذروعات من الأرض والخشب وغيرهما أنه إن لم يسم لكل ذراع ثمنا، بأن قال بعت منك هذه الأرض على أنها ألف ذراع بألف درهم فالبيع جائز لما قلنا

ثم إن وجدها مثل ما سمى فالأمر ماض ويلزمه الأرض كل ذراع بدرهم

وإن وجدها أزيد فالزيادة سالمة ولا خيار.

وإن وجدها أنقص فهو بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء ترك لما ذكرنا أن زيادة الذرع فى الذرعيات جارية مجرى الصفة والثمن يقابل الأصل دون الصفة.

وإن سمى لكل ذراع ثمنا على حدة بأن قال كل ذراع بكذا فالبيع جائز لما ذكرنا.

ثم إن وجدها مثل ما سمى فالأمر ماض.

وإن وجدها أزيد فهو بالخيار إن شاء أخذ الزيادة بثمنها وإن شاء ترك

وإن وجده أنقص تسقط بحصته من الثمن وله الخيار لتفرق الصفقة على ما ذكر فى الثوب.

وعلى هذا الخشب وغيره من الذرعيات.

وعلى هذا الموزونات التى فى تبعيضها ضرر بأن قال بعت منك هذه السبيكة من الذهب على أنها مثقالان بكذا فالبيع جائز.

ثم إن وجد على ما سمى فالأمر ماض.

وإن وجد أزيد أو أنقص فهو على التفصيل الذى ذكرنا لأن الوزن فى مثله يكون ملحقا بالصفة

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 161 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 196

بمنزلة الذرع فى المذروعات، لأن تبعيضه يوجب تعييب الباقى وهذا حد الصفة فى هذا الباب.

ولو باع مصوغا من الفضة على أن وزنه مائة بعشرة دنانير ولم يسم لكل عشرة ثمنا على حدة بأن قال بعشرة دنانير، ولم يقل كل وزن عشرة بدينار وتقابضا وافترقا فالبيع جائز ثم إن وجده على ما سمى فالأمر ماض ولا خيار.

وإن وجده أزيد بأن كان مائتى درهم مثلا فالكل للمشترى بعشرة دنانير ولا يزاد فى الثمن شئ لأن الزيادة فيه بمنزلة الصفة، والصفات المحضة لا يقابلها الثمن.

وإن وجده تسعين أو ثمانين فهو بالخيار على ما ذكرنا.

وإن سمى لكل عشرة ثمنا على حدة بأن قال بعت منك على أن وزنه مائة بعشرة دنانير كل وزن عشرة بدينار وتقابضا فالبيع جائز.

ثم إن وجده على ما سمى فالأمر ماض ولا خيار.

وإن وجد وزنه أزيد بأن كان مائة وخمسين نظر فى ذلك. فإن علم ذلك قبل التفرق فله الخيار إن شاء زاد فى الثمن خمسة دنانير وأخذ كله بخمسة عشر دينارا وإن شاء ترك لأن ساعات المجلس لها حكم ساعة العقد.

وإن علم بعد التفرق بطل البيع فى ثلث المصوغ لانعدام التقابض فيه. وله الخيار فى الباقى إن شاء رضى به بعشرة دنانير وإن شاء رد الكل واسترد الدنانير، لأن الشركة فى الأعيان عيب.

وإن وجد وزنه خمسين وعلم ذلك قبل التفرق أو بعده فله الخيار إن شاء رده وإن شاء رضى به واسترد من الثمن خمسة دنانير.

وكذلك لو باع مصوغا من ذهب بدراهم فهو على هذا التفصيل.

ولو باع مصوغا

(1)

من الفضة بجنسها أو باع مصوغا من الذهب بجنسه مثل وزنه على أن وزنه مائة بمائة ثم وجده أزيد مما سمى.

فإن علم بالزيادة قبل التفرق فله الخيار إن شاء زاد فى الثمن قدر وزن الزيادة وأخذ الكل وإن شاء ترك لأن المجلس له حكم حالة العقد.

وإن علم بها بعد التفرق بطل البيع فى الزيادة، لأن التقابض شرط بقاء الصرف على الصحة، ولم يوجد فى قدر الزيادة.

وإن وجد أقل مما سمى فله الخيار إن شاء رضى بحصته من الثمن، واسترد فضل الثمن وإن شاء رد الكل، واسترد جميع الثمن، سواء سمى الجملة أو سمى لكل وزن درهم درهما، لأن عند اتحاد الوزن والجنس لا يجوز البيع إلا سواء بسواء، فصار كأنه سمى ذلك وإن لم يسم حقيقة إلا الجملة.

وأما العدديات المتفاوتة كالغنم والعبيد ونحوها بأن قال بعت منك هذا القطيع من الغنم على أنها مائة شاة بكذا. فإن وجده على ما سمى فالبيع جائز. وإن وجده أزيد فالبيع فاسد فى الكل.

سواء ذكر للكل ثمنا واحدا بأن قال بعت منك هذا

(1)

المرجع السابق لابن مسعود للكاسانى ج 5 ص 162 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 197

القطيع من الغنم على أنها مائة شاة بألف درهم.

أو ذكر لكل شاة فيها ثمنا على حدة بأن قال كل شاة بعشرة دراهم، لأن كل شاة أصل فى كونها معقودا عليها والزيادة لم تدخل تحت العقد، لأنه لا يقابلها ثمن فلم تكن مبيعة وهى مجهولة فكان الباقى مجهولا ضرورة بجهالة الزيادة فيصير بائعا مائة شاة من مائة شاة وواحدة فكان المبيع مجهولا، وجهالة المبيع تمنع صحة البيع سواء سمى له ثمنا ..

أو لم يسم. وإن وجده أقل مما سمى.

فإن كان لم يسم لكل واحدة منها ثمنا فالبيع فاسد، لأن الثمن مجهول لأنه يحتاج إلى طرح ثمن شاة واحدة من جملة الثمن المسمى وهو مجهول والتفاوت فاحش بين شاة وشاة فصار ثمن الباقى مجهولا ضرورة جهالة حصة الشاة الناقصة.

وإن سمى لكل واحدة منها ثمنا على حدة فالبيع جائز بحصة الباقى منها، لأن حصة الزائدة معلومة وحصة الباقى معلوم فالفساد من أين؟

ومن أصحابنا من قال هذا مذهبهما.

فأما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فالبيع فاسد فى الكل بناء على أن الصفقة عنده إذا أضيفت إلى ما يحتمل العقد وإلى ما لا يحتمله فالفساد يشيع فى الكل.

وأكثر أصحابنا على أن هذا بلا خلاف.

وهكذا ذكر فى الأصل ولم يذكر الخلاف وهو الصحيح، لأن العقد المضاف إلى موجود يجوز أن يفسد لمعنى يوجب الفساد ثم يتعدى الفساد إلى غيره وأما المعدوم فلا يحتمل العقد أصلا لأنه ليس بشئ فلا يوصف العقد المضاف إليه بالفساد ليتعدى إلى غيره بل لم تصح الإضافة إليه فيبقى مضافا إلى الموجود فيصح لكن للمشترى الخيار إن شاء أخذ الباقى بما سمى من الثمن وإن شاء ترك لتفرق الصفقة عليه وعلى هذا جميع العدديات المتفاوتة.

ولو قال بعت منك هذا القطيع من الغنم على أنها مائة كل شاتين بعشرين درهما فالبيع فاسد وإن وجده على ما سمى، لأن ثمن كل واحدة من الشاتين مجهول، لأنه لا يعرف حصة كل شاة منها من الثمن. إلا بعد ضم شاة أخرى إليها ولا يعلم أى شاة ضم إليها أجود منها كانت حصتها أقل لذلك فسد البيع.

‌مذهب المالكية:

‌حكم إفراد جزء من المبيع عن البيع

(1)

:

جاء فى التاج والإكليل أنه يجوز بيع شاة واستثناء أربعة أرطال منها لكن لا يجوز بيع رطل من شاة قبل سلخها.

لكن أجاز مالك هذه على وجه الاستثناء بشرط اليسارة وإلى هذا رجع مالك.

وما ذكره من التحديد بأربعة أرطال هو الذى فى أكثر روايات المدونة.

(1)

كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى أبى الضياء خليل وبهامشه التاج والأكليل لابى عبد الله بن محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 4 ص 281، 282، 283، وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.

ص: 198

وفى رواية ابن وضاح رحمه الله تعالى ثلاثة أرطال.

وعن ابن المواز جواز الخمسة والستة.

وفى بعض الروايات جواز استثناء قدر الثلث وعليه حمل أبو الحسن رحمه الله تعالى فى المدونة فقال فى قولها وإن استثنى من لحمها أرطالا يسيرة ثلاثة أو أربعة جاز.

قال الشيخ يعنى أو خمسة أو ستة أو أكثر ما لم يبلغ الثلث.

وظاهر كلام خليل رحمه الله تعالى أن هذا خاص بالشاة ولم يبين مقدار ما يستثنى من البقرة والناقة.

ولما ذكر ابن عرفة رحمه الله تعالى الخلاف فى الشاة قال واستحسن بعض المتأخرين اعتبار قدر صغر المبيع وكبره كالشاة والبعير.

قال الحطاب أما على ما حمل عليه أبو الحسن المدونة فلا شك أن ثلث كل بحسبه.

وينبغى أن يعتبر ذلك على غيره من الأقوال.

وفى المدونة ولا يجوز أن يستثنى الفخذ أو البطن أو الكبد.

قال ابن عرفة قال اللخمى رحمه الله تعالى هذا على منع استثناء الأرطال اليسيرة وعلى الجواز يجوز وتبعه المازرى ونقله عياض رحمه الله تعالى ولم يتعقبه.

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى ويرد بأن الغرر فى معين أشد منه فى شائع لجواز اختصاص المعين بصفة كمال أو نقص دون الشائع.

لكن فى الكافى رواية بالجواز وعبر عن رواية المنع بالكراهة.

قال الحطاب وما ذكره عن اللخمى والمازرى وعياض قاله ابن يونس رحمهم الله تعالى.

وما رد به ابن عرفة عليهم ظاهر ومذهب المدونة المنع فلا يجوز استثناء عضو معين من الحيوان ولا بأس باستثناء الصوف والشعر.

قال ابن يونس رحمه الله تعالى لا خلاف فى أنه جائز.

قال أبو الحسن قال اللخمى إذا كان يجيز إلى يومين أو ثلاثة.

وانظر إذا اختلف البائع والمشترى فى الموضع الذى يأخذ منه الأرطال المستثناة من الشاة والظاهر أنه يجرى على السلم.

قال الشارح وإذا اصطلحا على أن يعطى المشترى البائع لحما عوضا عن الأرطال المستثناة لم يجز ذلك. هكذا ذكر ابن يونس رحمه الله تعالى عن ابن المواز عن أشهب.

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى لأنه بيع لحم بحيوان.

وقال ابن الحاجب رحمه الله تعالى ولا يأخذ منه لحما على الأصح وأنكر ابن عرفة عليه. مقابل الأصح فقال ومقابل الأصح قول ابن الحاجب رحمه الله تعالى ولا يأخذ منه لحما لا أعرفه.

وروى مطرف عن مالك فيمن اشترى جزورا مريضة واستثنى البائع لحمها أرطالا يسيرة فتركها حتى صحت أنه لا يجبر على ذبحها ويعطيه مثل

ص: 199

اللحم الذى استثنى.

قال ابن عرفة واعتذر المازرى بأن صحته كفوته ونقل فى التوضيح هذه الرواية وزاد أنه إذا ماتت فهو ضامن لما استثنى عليه منها وإن صحت فعليه شراء ما استثنى عليه أو قيمته ولا يجبر على الذبح، لأنه كان ضامنا لما استثنى عليه.

واختلف هل للبائع أن يبيع ما استثناه بغير اللحم أو بلحم غير ذوات الأربع؟

فى التوضيح فيه قولين بناهما على أن المستثنى مبقى أو مشترى. ونقلهما فى الكبير.

وحكاهما ابن عبد السلام إجراء على القولين:

فمن باع صبرة واستثنى منها كيلا فهل يجوز له بيع ما استثناه بناء على أن المستثنى مبقى؟ أو لا يجوز له بيعه بناء على أنه مشترى فيدخله بيع الطعام قبل قبضه؟

قال الحطاب وفى إجراء القولين فى مسألة الشاة نظر. لأنا وإن قلنا إن المستثنى مبقى، فلا يجوز له هنا بيع الأرطال لأنه تقدم أنه لا يجوز بيع رطل من شاة، فالفتوى المنع هنا وبهذا يظهر لك وجه منع أخذ لحم غيرها فتأمله.

قال خليل رحمه الله تعالى ويجوز بيع صبرة وثمرة واستثناء قدر ثلث.

قال الحطاب رحمه الله تعالى ذكر القدر يدل على أنه أراد كيلا قدر الثلث لا الجزء كما قاله ابن غازى رحمه الله تعالى.

والأصل فى استثناء كيل من الثمرة أو الصبرة المنع.

أما الثمرة فلأنه لا يجوز للشخص أن يبيع ثمرة حائطه آصعا معلومة إلا إذا كان المشترى يأخذه على حاله إن بسرا فبسر وإن رطبا فرطب.

وأما إن شرط بقاءه إلى أن تتغير صفته فلا يجوز.

ولا يجوز أن يبيع من ثمر قد أزهى آصعا معلومة دون الثلث أو أكثر يدفعها تمرا وأما الصبرة فلأن الجزاف إنما جاز بيعه لدفع مشقة الكيل عن البائع فإذا استثنى كيلا فلا بد من الكيل فلم يقصد بالجزاف الا المخاطرة وأكثر الفقهاء على منع استثناء الكيل قليلا كان أو كثيرا من الصبرة والثمرة وأجازه مالك وفقهاء المدينة فيما كان قدر الثلث فأقل ومنعوه فيما زاد لكثرة الضرر.

وجاز استثناء جلد وساقط من شاة والساقط هو الرأس والأكارع فقط ولا يدخل فى ذلك الكرش والقلب كما تقدم عن المدونة أنه لا يجوز أن يستثنى البطن أو الكبد.

وإنما نبهت على ذلك لدخول هذه الأشياء فى السقط فى العرف بل هى المتبادر خصوصا.

وقد استدل ابن يونس رحمه الله تعالى للمدونة بأن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر اشتريا شاة فى مسيرهما إلى المدينة من راع وشرطا له سلبها والسلب فى اللغة يطلق على ذلك كما قاله فى القاموس.

قال خليل رحمه الله تعالى ويكون ذلك بسفر فقط.

قال الحطاب وأما فى الحضر فلا يجوز كما نقله المازرى عن المذهب.

ص: 200

وفى المدونة كراهة ذلك.

قال فى التوضيح وبذلك فسرها أبو الحسن رحمه الله تعالى. واحتج بقول ابن حبيب خفف مالك ذلك فى السفر وكرهه فى الحضر إذ ليس هناك قيمة ولا يفسخ إن نزل وظاهر كلامه فى التوضيح أنه يفسخ على المشهور.

وجعل ابن يونس رحمه الله تعالى الخلاف انما هو فى الجلد. قال وأما استثناء الرأس والأركاع فلا تكون فى سفر ولا حضر كمن باع شاة مقطوعة الأطراف قبل السلخ وجعله ابن عرفة رحمه الله تعالى خلافا للمدونة وكذا صاحب الشامل وجاز استثناء جزء مطلقا قال الحطاب رحمه الله تعالى نصفا كان أو ثلثا أو ربعا أو غير ذلك من الأجزاء قليلا كان أو كثيرا فى حضر أو سفر من الشاة والثمرة والصبرة ولم يجبر على الذبح فى مسألة الجلد والساقط.

وفى مسألة استثناء الجزء أما مسألة استثناء الجلد والرأس فالقول قول المشترى دعى إلى الذبح أو إلى البقاء وله أن يذبح ويدفع الجلد والرأس وإن رضى البائع بأخذ المثل وله أن يعطيه المثل أو القيمة ولا يذبح وإن كره البائع قاله اللخمى وعياض رحمهما الله تعالى وغيرهما. وأما فى مسألة استثناء الجزء فنقل.

ابن يونس عن عيسى بن دينار أنه لا يجبر على الذبح سواء اشتراها على الذبح أو الحياة.

وقال بعض القرويين: من امتنع منهما من الذبح لم يجبر عليه وإن اشترى ذلك على الذبح وتوقف بعض شيوخنا هل يجبر على الذبح إذا اشترى عليه وفيه نظر.

قال ابن يونس: والصواب ألا يجيز على الذبح لأنهما صارا شريكين فمن دعا منهما إلى البيع فذلك له وقال ابن الحاجب رحمه الله تعالى ولو استثنى جزءا جاز ولو كان على الذبح وفى جبره من أباه حين باع على الذبح قال ابن عرفة وقال اللخمى وإن اختلفا فى ذبحها كان القول قول من دعا إلى الذبح فقد جاز، ولو

(1)

مات ما استثنى منه معين ضمن المشترى جلدا وساقطا لا لحما.

روى عيسى عن ابن القاسم من باع شاة واستثنى جلدها حيث يجوز له فتموت قبل الذبح لا شئ عليه. وروى عنه أصبغ أنه ضامن للجلد.

قال ابن يونس رحمه الله تعالى قال بعض شيوخنا لو كان إنما استثنى أرطالا يسيرة فماتت قبل الذبح لم يكن على المبتاع شئ مما استثناه البائع من اللحم.

قال بعض شيوخنا من القرويين ولا يدخل فى ذلك الاختلاف فى مسألة الجلد، انظر فى ابن عرفة فى هذا الموضع فروعا ذكرها ومن وهب لرجل لحم شاة ولآخر جلدها وكيف لو نفذ الكرم قبل استيفاء المستثنى واستثناء مبتاع عبد ماله أو نصف ماله وكيف لو شرطه لنفسه أو كان فيه بعير شارد كاستثنائه نصف حلية السيف أو نصف ثمرة الحائط كبيع أرض ذات زرع أخضر لبائعها جزء منه مع حصة منه.

(1)

التاج والاكليل ج 4 ص 284، ص 285.

ص: 201

قال خليل

(1)

رحمه الله تعالى ومستثنى كيل من الثمرة مجاح بما يوضع يضع عن مشتريه بقدره.

قال الحطاب رحمه الله تعالى ومن باع ثمرة واستثنى منها كيلا معلوما ولا بد أن يكون الثلث فأقل فأجيحت بما يوضع أى بالثلث فأكثر فلا خلاف أنه يحط عن المشترى مقابل المجاح من الثمن.

واختلف هل يحط من الكيل المستثنى بقدر ما أجيح وهو رواية ابن القاسم رحمه الله تعالى وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك وبها قال ابن القاسم وأصبغ رحمهما الله تعالى.

وروى ابن وهب أنه لا يحط من الكيل المستثنى شئ.

قال ابن المواز

(2)

رحمه الله تعالى ومن باع ثمرة واستثنى منها أوسقا قدر الثلث فأقل جاز فإن أجيح منها قدر الثلث فأكثر وضع عن المشترى بقدره مما استثنى البائع ورواه ابن القاسم قال أصبغ وهو الحق والصواب.

قال ابن المواز وبه أقول قال وان أجيح أقل من الثلث أخذ البائع مما سلم جميع ما استثناه.

ومن البيوع

(3)

المنهى عنها البيع الذى يفرق به بين الأم وولدها والأصل فيه ما أخرجه الترمذى عن أبى أيوب رحمه الله تعالى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة. قال حديث حسن وأخرجه الحاكم رحمه الله تعالى وقال صحيح على شرط مسلم.

وذكره خليل رحمه الله تعالى فى التوضيح بلفظ من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة.

وأخرج الطبرانى فى الكبير عن معقل بن يسار رضى الله عنه بلفظ من فرق فليس منا.

وقال اللخمى رحمه الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم لا تولة

(4)

والدة عن ولدها، ومعنى الحديث النهى عن أن يفرق بين المرأة وولدها فتجعل والة، قاله جميعه فى تهذيب الأسماء واللغات.

قال ابن القطان رحمه الله تعالى عن صاحب الأشراف بعد ذكر هذا الحديث أجمع أهل العلم على القول بهذا الخبر إذا كان الولد طفلا لم يبلغ سبع سنين.

واختلفوا فى وقت التفرقة ولا فرق فى ذلك بين كون الأم مسلمة أو كافرة، قاله فى المدونة، وسواء كان من زوج أو من زنا قاله فى العمدة.

وقول خليل رحمه الله تعالى بالتفريق بين أم من ولدها فقط يعنى أن التفرقة خاص بالأم.

قال مالك رحمه الله تعالى: ويفرق بين الولد الصغير وبين أبيه وجده وجداته لأمه أو لأبيه متى

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 509 نفس الطبعة السابقة.

(2)

التاج والأكليل ج 4 ص 509 نفس الطبعة المتقدمة.

(3)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والأكليل للمواق ج 4 ص 370، 371، 372.

(4)

توله بضم التاء وفتح الواو واللام المشددة ويجوز فى الهاء الاسكان على أنه نهى والرفع على أنه خبر معناه النهى ونظائره كثير والتولة ذهاب العقل والتميز من شدة الحر ويقال رجل واله وامرأة والهة وواله باثبات الهاء وحذفها ويقال وله بفتح اللام بله بكسرها ووله بكسر اللام يوله بفتها لغتان فصيحتان.

ص: 202

شاء سيده وإنما ذلك فى الأم خاصة.

قال فى التوضيح واختار اللخمى رحمه الله تعالى منع التفرقة فى الأب.

قال الحطاب ظاهره أنه اختاره من نفسه وليس كذلك بل نقل عن غيره واختاره.

ولم يختلف المذهب فى جواز التفرقة بين من سوى هذين من الأقارب كالأخ والجد والجدة والخالة والعمة، فكلامه يدل على أن الخلاف فى الأب فى المذهب.

قال ابن فرحون رحمه الله تعالى فى الألغاز فإن قلت رجل له شاتان لا يجوز له بيع واحدة ويترك الأخرى قلت هذه شاة وابنتها صغيرة معها فلا يجوز التفريق بينهما.

فقد روى عيسى عن ابن القاسم رحمه الله تعالى فى البهائم وأولادها مثل أولاد بنى آدم.

وقال ابن ناجى فى شرح الرسالة والتفرقة جائزة فى الحيوان البهيمى على ظاهر المذهب.

وروى عيسى عن ابن القاسم أنها لا تجوز «وأن حد التفرقة أن يستغنى عن آبائه بالرعى نقله التادلى والمغربى رحمهما الله تعالى وأظنه فى العتبية ولا أتحققه وقع للشيخ أبى بكر بن اللباد رحمه الله تعالى نحوه وذلك أن ابن يونس رحمه الله تعالى نقله فى الراعى إذا استؤجر على رعاية غنم ولم يكن له عرف برعى الأولاد فإن على ربها أن يأتى براع معه للأولاد للتفرقة وتأوله بعض شيوخنا بأن معناه أن التفرقة تعذيب لها فهو من النهى عن تعذيب الحيوان.

وقال الفاكهانى: ظاهر الحديث يعم العقلاء وغيرهم ولم أقف على نص فى غير العقلاء فمن وجده فليضمه إلى هذا الموضع راجيا ثواب الله.

وذكر أبو الحسن الصغير رحمه الله تعالى.

وكذا لا يجوز التفرقة بين الأم وبين ولدها ولو كانت بالقسمة قال فى المدونة وإذا ورث أخوان أمّا وولدها وابنتها فلهما أن يبقياهما فى ملكيهما أو يبيعاهما وكذلك لو ابتاعهما رجلان معا بينهما.

قال ابن يونس حتى إذا أراد الأخوان القسمة أو البيع جبرا على أن يجمعا بينهما.

ثم قال فى المدونة وسئل مالك عن أخوين ورثا أمّا وولدها صغير فأراد أن يتقاوما الأم وولدها فيأخذ أحدهما الأم والآخر الولد وشرطا ألا يفرق بين الأم وولدها حتى يبلغ الولد فقال لا يجوز لهما ذلك وإن كان الأخوان فى بيت واحد وإنما يجوز لهما أن يتقاوما الأم وولدها فيأخذها أحدهما بولدها أو يبيعاهما جميعا.

قال ابن يونس رحمه الله تعالى قال ابن حبيب فإن وقع القسم فسخ كالبيع سواء كان الشمل واحدا أو مفترقا.

قال فى المدونة وهبة الولد للثواب كبيعه فى التفرقة. وفى المدونة ومن ابتاع أمّا وولدها صغير ثم وجد بأحدهما عيب فليس له رده خاصة وله ردهما جميعا أو حبسهما جميعا بجميع الثمن.

وروى عن المدونة أنه لا ينبغى بيع الأم من رجل والولد من عبد مأذون لذلك الرجل لأن ما بيد العبد ملك له حتى ينتزعه منه إذ لو رهنه دينا كان

ص: 203

فى ماله فإن بيعا كذلك أمر بالجمع بينهما فى ملك السيد أو العبد أو يبيعاهما معا لملك واحد وإلا فسخ البيع.

قاله أبو الحسن رحمه الله قال الحطاب معنى لا ينبغى لا يجوز بدليل فسخه البيع.

قال اللخمى رحمه الله تعالى وإن كانت الأمة لرجل وولدها لعبده أجبرا على جمعهما فى ملك واحد أو يبيعاهما من رجل واحد لأن العبد ملك إن عتق تبعه ماله.

وعلى قول مطرف وابن الماجشون يجوز أن يجمعاهما فى حوز لأن الشمل واحد.

وكذلك لا يجوز أن تكون الأمة لرجل وولدها لولده الصغير قاله أبو الحسن رحمه الله تعالى.

قال الحطاب أن حد المنع من التفرقة بين الأم وولدها فى الوقت المعتاد.

قال فى المدونة وإذا بيعت أمة مسلمة أو كافرة لم يفرق بينها وبين ولدها فى البيع إلى أن يستغنى الولد عنها فى أكله وشرابه ومنامه وقيامه.

قال مالك وحد ذلك الأثغار ما لم يعجل به جوارى كنا أو غلمانا بخلاف حضانة الحرة.

وقال الليث رحمه الله تعالى حد ذلك أن ينفع نفسه ويستغنى عن أمه فوق عشر سنين.

وروى ابن غانم عن مالك رحمه الله تعالى أن ذلك ينتهى إلى البلوغ وعن ابن عبد الحكم لا يفرق بينهما ما عاشا وصدقت المسبية.

قال الحطاب فى المدونة وإذا قالت المرأة من السبى هذا ابنى لم يفرق بينهما.

قال ابن محرز قال فى الكتاب وإذا زعمت أن هؤلاء الصبيان ولدها لم يفرق بينها وبينهم قال يحى ابن عمر رحمه الله تعالى وإذا كبر الأولاد منعوا من أن يخلوا بها لأنهم لا يكونون محرما لها وهذا كما قال وانما صدقت فيما لا تثبت حرمة بينها وبينهم ألا ترى أنها لو قالت هذا زوجى، أو قال هى زوجتى لم يصدق لما يتعلق بها من الحرم وفى التاج والإكليل

(1)

: أنه لو وهب الولد وهو صغير يعنى لغير الثواب جاز ذلك ويترك مع أمه ولا يفرق بينهما ويجبر الواهب والموهوب له أن يكون الولد مع أمه إما أن يرضى صاحب الولد أن يرد الولد إلى الأم أو يضم سيد الأمة، الأمة الى ولدها وإلا فليبيعاهما معا. روى أن أبا محمد رحمه الله تعالى قال: ظاهر هذا الكلام يدل على أن جمع الولد مع أمه إنما يكون فى حوز أحدهما لا ملكه قاله ابن المواز وقال مالك هنا مرة قال ابن يونس ووجهه أنه باب معروف كالعتق فاكتفى بجمعهما فى حوز، وقال مالك مرة يجمعانهما فى ملك أحدهما، قال ابن المواز وهذا أحب إلينا وإلى من لقينا ولو جاز هذا لجاز فى الوارثين قال ابن يونس ووجهه أنه نقل ملك كالبيع.

ومن المدونة قال مالك رحمه الله تعالى من أعتق ابن أمته الصغير فله بيع أمته ويشترط على المبتاع ألا يفرق بينه وبين أمه.

(1)

التاج والأكليل للمواق مع مواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب ج 4 ص 371، ص 372 وما بعدهما الطبعة السابقة.

ص: 204

ومن المدونة بيع نصفهما معا غير تفرقة.

ومن المدونة أيضا لا بأس ببيع أحدهما للعنق وليس العتق بتفرقة قال ابن عرفة على لزوم فسخ بيع التفرقة نظر لتأخر العتق عنه.

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى فى كتابه أحدهما غير تفرقة وكذا التدبير.

قال فى المدونة إن كانت الأم لم يجز له بيع ولدها إذا هى ملكه بعد إلا أن يبيع كتابتها مع رقبة الابن من رجل واحد فيجوز ذلك إذا جمع بينهما.

ومن المدونة قال مالك رحمه الله تعالى إذا نزل الروم ببلدنا تجارا ففرقوا بين الأم وولدها لم أمنعهم وكرهت للمسلمين شراءهم متفرقين وإن ابتاع مسلم أمّا وابنها لم يفرق بينهما إن باع وكذلك إن ابتاع أمة قد كان ولدها فى ملكه أو كان لابنه الصغير فلا يفرق بينهما فى البيع.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: سئل مالك عن الرجل يبتاع الثوبين جميعا بثمن واحد فى صفقة واحدة أيجوز له أن يبيع أحدهما مرابحة قال نعم إذا بين ذلك للمبتاع.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى هذا بين على ما قال فإن لم يبين فيكون الحكم فيه حكم الغش والخديعة على مذهب ابن القاسم رحمه الله تعالى.

قال فى سماع عيسى فإن كان ما ابتعت مما يكال أو يوزن من الطعام أو غيره كيلا أو وزنا فبعت بعضه فلا بأس أن تبيع ما بقى أو بعض ما بقى مرابحة ولا تبين أنك بعت منه شيئا وليس عليك أن تبين.

قال ابن رشد هذا مثل ما فى المدونة.

قال المازرى قول المدونة بناء على أن القسم فى المكيل والموزون تمييز حق وأنه لا يزاد فيه لأجل الجملة.

ومن المدونة قال ابن القاسم وان ابتعت ثوبين بأعيانهما صفقة واحدة بعشرين درهما فلا تبع أحدهما مرابحة وتولية بحصته من الثمن إلا أن تبين ولو كان الثوب من مسلم جاز ذلك قبل قبضهما أو بعد إذا انتقضت الصفقة ولم يتجاوز عنه فيهما إذا لو استحق أحدهما بعد أن قبضه رجع بمثله والمعيب إنما يرجع بحصته من الثمن.

قال ابن القاسم رحمه الله تعالى وإن بعت جزءا شائعا مرابحة من عروض ابتعتها معينة كنصف الجميع أو ثلثه لا غلة ربع.

‌الإفراد فى البيع فى الأرض وما يتناولها من البناء

والشجر

(2)

:

جاء فى التاج والإكليل: قال ابن شاس:

الأرض يندرج تحتها البناء كما تندرج هى أيضا تحت البناء. وانظر إذا كان بالشجر ثمر قد طاب هل بالوجه الذى تدخل الشجرة فى البيع يدخل ثمرها.

قال المتيطى رحمه الله تعالى: وإن كان فى هذه الأرض بذر مستكن لم يبرز منها أو فى الشجرة ثمر لم يأبر فإنه كله تبع للمبيع لا يجوز للبائع استثناؤه

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 493، ص 494 الطبعة السابقة.

(2)

التاج والأكليل مع مواهب الجليل فى كتاب ج 4 ص 495، ص 496 وما بعدهما فى الطبعة السابقة.

ص: 205

كما لا يجوز استثناء الجنين فى بطن أمه.

وانظر بصل الزعفران نص المشاور أنها من البذر المستكن وإن نور فالنور للبائع والبصل للمشترى، لأنه كالأصول.

وانظر ورق التين لمن اشترى التين عصيرا هى للبائع إلا ما يصلح به السلال من الورق.

وأما الزرع الظاهر فقال المتيطى رحمه الله تعالى ان كان فى الأرض زرع ظاهر حين البيع أو كان فى الشجر ثمر مأبور فإن ذلك كله للبائع بمطلق البيع لا يكون للمبتاع إلا بالشرط.

وانظر إذا اشترى حائطا ولم يذكر شربه.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى إن كان المشترى لا يقدر على سقى الحائط من غير ساقية البائع بوجه من الوجوه ولا يستغنى عن السقى فإن الشرب يكون للمشترى قولا واحدا.

وانظر حكم الطريق كذلك إذا لم يشرطه.

وقد نصوا على جواز هبة تمر الحائط قبل الآبار.

واختلفوا هل للواهب بيع الأصل حينئذ انظر ابن عرفة فى المساقاة وانظر هناك بيع الحائط المساقى بعد الآبار.

وانظر أول البيوع من طرر ابن عات لمن يكون التقليب إذا كانت الأرض المبيعة مقلوبة أو فيها بصل زعفران أو كان بالدار زبل ونحوه ومدفونا.

قال المتيطى لو كان بالدار المبيعة صخر أو رخام أو عمد وشبه ذلك لم يعلم به المتبايعان ثم علماه.

فمعلوم مذهب ابن القاسم رحمه الله تعالى أنه للبائع إن ادعاه وأشبه أنه له بميراث أو غيره.

ومن اشترى حوتا فوجد فى جوفه جوهرة إن كانت غير معلومة فهى للصائد لا للمبتاع وإن كانت معلومة فهى لقطة.

وفى الموطإ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع. قال عياض رحمه الله تعالى التأبير تعليق طلع الذكر على الأنثى لئلا تسقط ثمرتها وهو اللقاح.

قال الباجى والتأبير فى التين ومالا زهور له أن تبرز جميع الثمرة عن موضعها وتتميز عن أصلها فذلك بمنزلة التأبير لأنه حينئذ تبين حاله وقلته وكثرته. وأما الزرع فأباره أن يفرك فى رواية ابن القاسم.

وروى أشهب أن أباره ظهوره فى الأرض.

قال ابن رشد روى ابن القاسم وقال أبار الزرع نباته. قال المتيطى وهذا هو المشهور.

قال الباجى رحمه الله تعالى أن أبر بعض الشجر دون بعض فإن كان أحد الأمرين أكثر.

فقال مالك القليل تبع الكثير. وقال أيضا هو بمنزلة المتساوى.

وقال الجلاب رحمه الله تعالى من اشترى أرضا فيها شجر مثمر فما كان من غيرها عقدا فهو للبائع وما كان وردا فهو للمبتاع.

قال ابن رشد تحصيل القول فى ذلك أن الأقل تبع للأكثر إلا بشرط.

قال الباجى رحمه الله تعالى لا خلاف إذا

ص: 206

اشترط المبتاع الثمرة المأبورة أنها له بالشرط إن ابتاعها بغير الطعام والشراب وإن ابتاعها بطعام أو شراب فمشهور المذهب أنه لا يجوز أبرت أو لم تؤبر إلا أن يجدها قبل أن يفترقا. وإن اشترط بعض المأبور فقال مالك رحمه الله تعالى لا يجوز ذلك فى الثمرة ولا فى مال العبد وحلية السيف. وأجاز ذلك أشهب.

فإن كان الزرع قد يبس واستحصد جاز ذلك باتفاق. وانظر إذا باع الفدان ربه بعد أن زرعه الشريك ولم يؤبر الزرع، وأما إذا أبر فللمشترى استثناء حصة البائع.

قال ابن شاس رحمه الله تعالى فى معنى المأبورة كل ثمرة انعقدت وظهرت للناظرين وهذا كله مبنى على العوائد إلا مسألة الآبار فمدركها النص وما عداها فمدركها العرف والعادة فإذا تغيرت العادة أو بطلت بطلت هذه الفتاوى وحرمت الفتيا بها انظر هذا المعنى لقرى الجبل تجد بها زيتونة لانسان وتوتة لآخر ولا شجرة لرب الأرض أو يكون بها بعض شجر فإذا باع الفدان صعب أن يقال للمشترى فتش الأشجار فما هو للغير فهو له وما له فهو لك والبين فى هذا النظر العرف.

وفى الموطإ عن ابن عمر من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع.

قال ابو عمر روى أيضا مرفوعا قال الباجى رحمه الله تعالى لا خلاف فى جواز اشتراط مال العبد فى نفس العقد. فإن لم يشترطه فى نفس العقد ثم أراد المشترى أن يزيد البائع شيئا يلحق المال بالبيع فاختلف فيه قول مالك رحمه الله تعالى.

وأخذ ابن القاسم بالجواز.

ومن المدونة يجوز لمن اشترى أول جذة من القصيل اشتراء خلفته بعد ذلك ولا يجوز ذلك لغيره.

قال ابن يونس رحمه الله تعالى قال بعض أصحابنا إنما يجوز شراء الخلفة بعد الرأس إذا كان مشترى الرأس لم يجذه حتى اشترى الخلفة.

وأما إن جذ الرأس ثم أراد شراء الخلفة فهو وغيره سواء لا يجوز له ذلك لأنه غرر منفرد والأول قد أضافه إلى أصل فاستخف لأنه فى حيز التبع.

قال ابن شاس

(1)

ولا يندرج تحت الدار المنقولات وتندرج الثوابت كالأبواب والسلاليم المثبتة بالمسامير.

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى كل ما فى الدار المبيعة حين البيع ما ينقل من دلو وبكرة وباب وحجر وتراب كان معدّا لإصلاح الدار أو مما انهدم منها فهو لبائعها لا لمبتاعها إلا بشرط.

وكذا قال ابن فتوح رحمه الله تعالى وغيره قال ابن عرفة ونحوه قول المدونة ما كان ملقى فى الأرض من حجر أو باب أو خشبة أو سارية فالقول قول المكترى فيه.

وسئل ابن القاسم عن دار بيعت وفيها نقض لرجل هو فيها بكراء أو أبواب فى بيوت الدار فقال

(1)

كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل الحطاب وبهامشه التاج والأكليل للمواق ج 4 ص 497 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 207

المشترى وجب لى كل ما فى الدار فقال ابن القاسم رحمه الله تعالى: أرى الأبواب والنقض للمكترى.

قال ابن رشد: إن كانت له بينة، ولو ادعى النقض المبنى فى الدار والأبواب المركبة فيها ولم تكن له بينة عليها لم يكن له شئ منها.

ولو كان النقض مطروحا بالأرض والأبواب غير المركبة لما دخلت فى البيع ولكانت للمكترى بيعت الدار أو لم تبع مع يمينه إن ادعاها صاحب الدار

وسئل ابن عات رحمه الله تعالى عمن باع دارا فيها مطاحن لم تذكر فى البيع وقال: إن كانت مبنية فهى للمبتاع وكذلك الدرج المبنى وإن كانت غير مبنية فهى للبائع وكذلك السلم الذى ينقل من مكان إلى مكان.

وقال ابن العطار الحجر الأعلى للبائع والأسفل للمبتاع لأنه مبنى فهو سائر الدار. وقال فى السلم انه للمبتاع بخلاف ما قاله ابن عات رحمه الله تعالى.

قال ابن زرب وهذا مذهبى أن السلم داخل فى البيع.

قال ابن سهل رحمه الله تعالى يؤيد ما قال ابن العطار: إن السلم للمبتاع غير صحيح.

قال ابن رشد والصواب فى المطاحن أنها للبائع ولا عبرة بكونها مبينة فى الدار إذ ليست من شراء الدار ولا من أنقاضه وإنما هى عروض للبائع من رسم موصى من كتاب الدور وتناول العبد ثياب مهنته سمع ابن القاسم أن بيعت الجارية وعليها حلى وثياب لم يشترطها بائع ولا مبتاع فهى للبائع إلا ما لا تتزين به فهو لها.

قال ابن رشد: إذا كان الحلى والثياب للبائع لزمه أن يكسوها كسوة مثلها البذلة وقيل لا تجب عليه ذلك. ثم قال: وصح بيع ثمر

(1)

ونحوه بدا صلاحه فى الموطإ نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشترى.

قال مالك وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها من بيع الغرر ولم يستثن.

قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى بيع الثمرة بعد بدو الصلاح يصح ما لم يستثن نحو البذر من الكتان.

قال الباجى رحمه الله تعالى لا خلاف فى أنه لا يجوز أن يفرد الحنطة فى سنبلها بالشراء دون السنبل وكذلك الجوز واللوز والباقلاء لا يجوز أن يفرد بالبيع دون قشره على الجزاف ما دام فيه.

وأما شراء السنبل إذا يبس ولم ينفعه الماء فجائز وكذلك اللوز والجوز والباقلاء.

وفى رسم الصبرة من سماع عيسى رحمه الله تعالى لا يجوز شراء الفول والحمص أخضر على أن يتركه البائع حتى ييبس.

قال ابن رشد هذا مثل ماله فى المدونة وقد أجازوا شراء العنب والتين إذا طاب على أن يتركه مشتريه حتى ييبس.

(1)

المرجع السابق المعروف بالحطاب ج 4 ص 500 وما بعدها.

ص: 208

وحكى الفضل أن هذا اختلاف من القول يدخل فى المسألتين انتهى نص ابن رشد وقبله مع أصله تقدم نص الباجى لا خلاف أنه إذا اشترط المبتاع الثمرة المأبورة أنها له بالشرط أو ألحق به.

قال الباجى إن لم يشترطه فى العقد ثم أراد أن يلحقه بالعقد فروى ابن القاسم عن مالك أنه جائز فى مال العبد وثمرة النخل قال ابن زرقون وسواء استلحق ذلك بحدثان العقد أو بعد مدة، ويجوز بيع الثمر بعد بدو صلاحه منضمّا إلى الأصل.

ومفردا على القطع أو التبعية لكن شرط ألا يستتر فى أكمامه كبذر مجرد عن أصله كالحنطة مجردة عن سنبلها، والجوز واللوز مجردا عن قشره على الجزاف.

وفى التاج والإكليل من المدونة وغيرها جواز بيع الثمر قبل بدو صلاحه على جذه إن نفع واضطر له ولم يتمال عليه.

قال اللخمى رحمه الله تعالى شرط ذلك بلوغ الثمر أن ينتفع به واحتيج لبيعه ولم يتمال عليه أكثر أهل موضعه وإلا لم يجز لأنه فساد.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى شراء الحصرم وسائر الثمار قبل أن يطيب على أن يقطع جائز إلا أنه كره فى الرواية ذلك فيما عدا الأمصار القليلة الثمار رفقا بأهل ذلك المكان كالمنع من بيع الفتايا من البقر القوية الحرث للذبح نظرا للعامة وصلاحا لهم.

وكما كره أن يؤثر فى التين أثر كالجرح ليسرع لها الترطيب قبل أوانه نظرا للعامة إذ فيه فساد الثمرة من رسم وشك من سماع ابن القاسم لا على التبعية.

قال ابن عرفة بيع الثمر قبل بدو صلاحه على بقائه نصوص المذهب فساده.

وقال اللخمى رحمه الله تعالى هذا إن شرط مصيبته من المشترى أو من البائع والبيع بالنقد لأنه تارة بيع وتارة سلف وإن كانت المصيبة من البائع والبيع بغير نقد جاز وقد تقدم للسيورى رحمه الله تعالى نحو هذا وكان سيدى ابن سراج رحمه الله تعالى يقول ظاهر كلام المازرى أن قول السيورى هو الفقه.

وانظر إذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها على التبعية ثم اشترى الأصل أنه بخلاف ما إذا اشتراها على الجذ ثم اشترى الأصل أن له أن يبقيها وانظر أيضا بين أن يشترى الأصل أو يرثه فرق وانظر أيضا بين أن يصير له بالإرث من البائع أو غيره فرق.

وانظر أيضا إذا اشترى الثمرة قبل الإبار على البقاء ثم اشترى الأصل فلم يفطن لذلك حتى أزهت فإن البيع ماض وعليه قيمة الثمرة. وانظر أيضا إذا اشترى الثمرة قبل الإبار على البقاء ثم اشترى الأصل بين أن يكون شراؤه الأصل قبل الإبار فتفسخ الصفقتان أو بعده فتفسخ الثمرة وحدها فرق.

وسمع ابن القاسم

(1)

رحمه الله تعالى الشجرة تطعم بطنين فى السنة بطنا بعد بطن لا يباع البطن الثانى مع الأول بل كل بطن وحده.

(1)

كتاب التاج والأكليل للمواق مع مواهب الجليل للحطاب ج 4 ص 501 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 209

قال ابن رشد ظاهر قوله لا يجوز وإن كان لا ينقطع الأول حتى يبدو طيب الثانى وهو خلاف ما تقدم من قول مالك رحمه الله تعالى وروى ابن نافع فى جواز بيع البطن الثانى مع الأول إن كان لا ينقطع الأول حتى يدركه الثانى.

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى يفرق بأن البطن الثانى غير موجود حين بيع الأول ولا مرئى بخلاف الصنفين لأنهما مرئيان حين يبيع أولهما طيبا.

ولم ينقل ابن يونس رحمه الله تعالى فيما يطعم بطونا متوالية إلا جواز بيعه بطيب أول بطن منه ولم ينقل سماع ابن القاسم رحمه الله تعالى ونقل إن قيل أن الثمرة إنما تزيد حلاوة وهذا بطن بعد بطن قيل ذلك كاتصال خروج لبن الظئر يخرج من كل حين وقد أجاز الله الإجارة على ذلك والإجارة بيع.

قال ابن يونس ولبيع لبن غنم معينة جزافا شهرا.

وأما بيع التين عندنا بصقلية فلا يجوز بيع البطن الثانى منه حتى يطيب الأول لانقطاعه منه وتباعد ما بينهما فهو بخلاف المتصل.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى: إن كان الحائط أصنافا مثل عنب وتين ورمان فلا يباع ما لم يطب من صنف بما طاب من آخر اتفاقا ولو قرب وتتابع إلا أن يكون ما لم يطب تبعا لما طاب على اختلاف نذكره.

سمع أشهب الأخير فى بيع شجرتين شتوى لم يطب الآن ولا إلى شهر مع أشجار تين طابت الآن.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى إذا كان الشتوى لا يطيب حتى ينقض ثمر الذى ليس بشتوى فلا خلاف أنه لا يجوز بيع الشتوى بطيب الذى ليس بشتوى إلا أن يكون للمشترى فى حيز البيع الثلث فأقل فقد قيل أنه يجوز بيعه.

وروى عن المدونة

(1)

قال مالك إذا باع المعرى أصل حائطه دون ثمرته أو ثمرته دون أصله أو الثمرة من رجل والأصل من آخر جاز لمالك الثمرة شراء العرية الأولى بخرصها ثمرا إلى الجذاذ.

قال ولو باع المعرى عريته بعد الزهو بما يجوز له أو وهبها جاز لمعريها شراؤها بالخرص ممن صارت له كمن أسكنته دارا حياته أن يبيع سكناه من غيره لأنه غرر وله أن يهبه.

قال ابن يونس قال بعض أصحابنا وإذا باع المعرى أصل حائطه وثمرته جاز له شراء العرية على قول ابن القسم رحمه الله تعالى، لأنه يجيز شراءها لوجهين للرفق ولدفع الضرر فهو رفق بالمعرى.

‌حكم إفراد جزء من المبيع بالفسخ

(2)

:

وإذا اشترى إنسان أشياء متعددة ثم وجد فى بعضها عيبا فله أن يرد المعيب ويرجع بحصته من الثمن وذلك بأن تقوم كل سلعة على حدتها ثم يقسم الثمن على قيم السلع فيرجع بما ينوب المعيب منه.

(1)

المرجع السابق للمواق ج 4 ص 502 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق المعروف بالحطاب ج 4 ص 459، 460 ص 461 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 210

هذا إذا كان الثمن عينيّا أو مثليّا.

فان كان سلعة فإنه يرجع بما ينوب السلعة المعيبة من قيمة السلعة التى هى الثمن. وإليه أشار بقوله ورجع بالقيمة إن كان الثمن سلعة لضرر الشركة.

هذا إذا لم تكن السلعة التى فيها العيب وجه الصفقة.

فإن كانت وجه الصفقة فليس للمشترى إلا رد الجميع أو الرضا بالجميع ووجه الصفقة هو الذى ينوبه من الثمن أكثر من النصف. فإذا كانت السلعة المعيبة غير وجه الصفقة فليس للمشترى إلا ردها فقط وليس له رد الجميع إلا برضا البائع. وكذلك ليس للبائع أن يقول: إما أن تأخذ الجميع أو ترد الجميع على ما قال ابن يونس رحمه الله تعالى.

قال ابن عرفة وهو خلاف قول التونسى إن قال البائع: إما أن تأخذه كله معيبا أو ترد. فالقول قول البائع وإذا كانت وجه الصفقة فليس للمبتاع إلا رد الجميع أو الرضا بالجميع.

قال ابن يونس والقضاء أن من ابتاع شيئا فى صفقة واحدة فالتى فى بعضها عيب ليس له إلا رد المعيب بحصته من الثمن، إلا أن يكون المعيب وجه الصفقة فليس له إلا الرضا بالعيب بجميع الثمن أورد جميع الصفقة.

وكذلك من ابتاع أصنافا مختلفة فوجد بصنف منها عيبا. فإن كان وجه الصفقة مثل أن يقع الثمن سبعون أو ستون والثمن مائة فليرد الجميع.

قال ابن المواز إذا وقع العيب بنصف الثمن فأقل فليس هو وجه الصفقة ولم يرد إلا المعيب بحصته وإذا وقع له من الثمن أكثر من نصفه فهو وجه الصفقة. قال وإذا لم يكن المعيب وجه الصفقة فلا حجة للبائع فى أن يقول: إما أن تأخذ الجميع أو ترد الجميع وإن كان وجه الصفقة له.

وروى ابن القاسم رحمه الله تعالى من ابتاع سلعة فوجد ببعضها عيبا فليس له إلا رد المعيب إن لم يكن وجه الصفقة. فإن كان وجهها فليس له إلا رد الجميع أو الرضا بالمعيب. وإذا كان المعيب وجه الصفقة لم يجز للمشترى التمسك بالسالم إذا كان المبيع غير مثلى وإن رضى البائع كما فى الاستحقاق.

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى قال اللخمى:

اختلف فيمن ابتاع عبدين ظهر بأعلاهما عيب فمنع ابن القاسم أن يرد الأعلى ويحبس الأدنى لأنه كشراء بثمن مجهول.

وأجازه ابن حبيب رحمه الله تعالى ثم قال فى مسألة الثوبين إن كان المعيب وجهها فله رد الأدنى وليس له أنه يتمسك به على قول ابن القاسم.

وله ذلك على قول ابن حبيب وهو بالخيار وعلى قول أشهب لا خيار له.

قال الحطاب

(1)

صرح بذلك الرجراجى فى المسألة الثانية من كتاب التدليس بالصواب فقال بعد أن تكلم على استحقاق الأقل والأكثر فى العروض والدور والأرضين ووجود هذا العيب فى جميع هذه الفصول كالاستحقاق.

قال الحطاب رحمه الله تعالى ما تقدم من أنه

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 460 الطبعة السابقة.

ص: 211

إذا كان الثمن سلعة يرجع بما ينوب المعيب من القيمة.

قال فى التوضيح هو مذهب المدونة وهو المشهور قال وعليه فهل تعتبر القيمة يوم البيع وهو ظاهر كلام المتقدمين أو إنما تعتبر يوم الحكم وهو اختيار ومعناه إذا كانت قائمة يوم الحكم ولم تفت قبل ذلك.

وقال فى الشامل ورجع بقيمة المردود يوم البيع لا يوم الحكم على الأصح إن كان الثمن السلعة لا فى جزئها خلافا لأشهب ورجع لا سيما إن تعيب النصف من قيمة نصف السلعة وليس حق البائع بأولى من حق المبتاع. وعليه ففى انقلاب الخيار للبائع قولان.

فعلم منه أن المشهور الرجوع بالقيمة ولو كان المردود النصف وما تقدم من التفريق بين وجه الصفقة وغيره إنما هو إذا كان المبيع قائما.

وأما إن انتقض وظهر العيب فى الباقى فلا تفريق إذا كان الثمن عينا أو عرضا، فإن قال فى الكتاب إذا علم أنه إذا اشترى عبدين فهلك أحدهما وألفى الآخر معيبا، يرد المعيب ويرجع بما يخصه إن كان المعيب وجه الصفقة أم لا إذا كان الثمن عينا أو عرضا قد فات فإن كان عرضا لم يفت فهاهنا تفترق الصفقة من غيره فإن كان المعيب وجه الصفقة رده وقيمة الهالك ورجع فى عين عرضه.

وإن كان المعيب ليس بوجه الصفقة رجع بحصته من قيمة العرض فى عينه لضرر الشركة.

هذا مذهب ابن القاسم.

وإنما لم يفترق وجه الصفقة من غيره إذا كان الثمن عينا لأنه إن كلف أن يرد قيمة الهالك إذا كان المعيب بوجه الصفقة رد قيمة ذلك عينا ورجع فى عين فلا فائدة فى ذلك.

فأما إذا كان عرضا فتلف غرم قيمة التالف غرم ثمنا ورجع فى عرض، فهذا مفترق وإذا كان عرضا قد فات صار كالعين لأنه يرجع إلى قيمته وهو ثمن.

ونقل ابن عرفة ذلك خلافا. وعزا هذا لعبد الحق عن المذهب.

واللخمى عن ابن القاسم رحمه الله تعالى. ثم نقل قولا ثانيا بأنه يرد القيمة إن لم تكن أكثر من منابه وعزاه اللخمى.

قال فى المدونة فإن اختلف فى قيمة الهالك من العبدين وصفاه وقومت تلك الصفقة فإن اختلفا فى الصفقة فالقول قول البائع مع يمينه إن انتقد وإن لم ينتقد فالقول قول المبتاع مع يمينه.

قال ابن يونس لأنه غارم.

وقال أشهب رحمه الله تعالى وأصبغ: القول قول البائع انتقد أو لم ينتقد وبه أخذ محمد.

قال الحطاب فى المدونة من ابتاع خفين أو نعلين أو مصراعين أو شبه ذلك مما لا يفترق فأصاب بأحدهما عيبا بعد ما قبضهما أو قبل فاما ردهما جميعا أو قبلهما جميعا

وأما ما ليس بأخ لصاحبه أو كانت نعالا فرادى فله رد المعيب على ما ذكرنا فى اشتراء الجملة.

قال ابن يونس رحمه الله تعالى أى إن لم يكن

ص: 212

وجه الصفقة فليس له إلا رد الجميع أو حبسه ولا شئ له وحكم الأم تباع مع ولدها فيوجد لأحدهما عيب حكم ما لا يفترق. وقال أبو الحسن: حكم الأم تباع مع ولدها الذى لم يبلغ حد التفرقة فيوجد بأحدهما عيب حكم ما لا يفترق.

وقال ابن رشد رحمه الله تعالى: ما هو بزوجان لا ينتفع بأحدهما دون صاحبه كالنعلين والخفين والسوارين والقرطين فوجود العيب بأحدهما كوجوده بهما جميعا.

قال أبو الحسن رحمه الله تعالى وعلى هذا إن استهلك خفّا من خفين أو نعلا من نعلين أو ما أشبه ذلك مما لا يفترق يلزمه قيمتهما جميعا.

اختلف الشيوخ فيمن استهلك سفرا من ديوان من سفرين. قال بعضهم: يرد السالم وما نقص.

وصورة ذلك أن يقال ما قيمة الديوان كاملا فإذا قيل عشرون دينارا قيل وما قيمة السالم وحده فإن قيل خمسة رد السالم وخمسة عشر دينارا.

وظاهر كلام عبد الوهاب فى شرح الرسالة عند ذكر النعلين أنه يضمن قيمة الجميع.

وانظر من استهلك عجلا كانت أمه تحلب به.

قال الشيخ عليه قيمة العجل وما نقص من قيمة الأم.

قال الشيخ وهذا مثل قول أصبغ رحمه الله تعالى فيمن ملخ من شجرة رجل فرعا على وجه الدلالة فغرسه شجرا فعليه قيمة الفرع يوم ملخه وما نقص الملخ من الشجرة.

وقال فى التوضيح لما ذكر مسألة المزدوجين ولهذا كان الصحيح فيمن استهلك إحدى مزدوجين وجوب قيمتهما واختلف فيمن استهلك سفرا من ديوان فقال بعضهم يرد السالم وما نقص ظاهر كلام عبد الوهاب رحمه الله تعالى فى شرح الرسالة أنه يغرم الجميع.

قال الحطاب والظاهر فى مسألة الديوان أنه إذا وجد عيبا فى أحد السفرين أنه يرد الجميع ولا يجوز التمسك بأقل استحق أكثره.

قال الحطاب

(1)

يريد إلا المثلى وإنما لم يجز التمسك بذلك لأنه لما استحق الأكثر انتقضت الصفقة وتمسك المشترى بالباقى كإنشاء عقده بثمن مجهول إذا لم يعلم ما ينوب الباقى من الثمن إلا بعد تقويم أجر المبيع على الانفراد أو نسبة كل جزء من الأجزاء إلى مجموع قيمة الصفقة وأجاز ذلك ابن حبيب ورأى أن ذلك جهالة طارئة بعد تمام العقد فصارت كالجهالة إذا اطلع على عيب بالمبيع وفى هذا الأخير نظر فإنه يقتضى أن العيب يخالف الاستحقاق وقد تقدم.

(1)

الحطاب شرح مختصر خليل مع التاج والأكليل للمواق فى كتاب ج 4 ص 461 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 213

‌إفراد جزء من المبيع عن البيع:

مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(1)

: أن ثمرة النخل المبيع إن شرطت جميعها أو بعضها المعين كالنصف للبائع أو للمشترى عمل به سواء فيما قبل التأبير وبعده وفاء بالشرط ولو شرط غير المؤبرة للمشترى كان تأكيدا لما قاله المتولى رحمه الله تعالى أو للبائع صح أيضا وإن قيل ينبغى أن يكون كشرط الحمل، لأنا نقول إنما بطل البيع بشرط استثناء البائع الحمل أو منفعته شهرا لنفسه، لأن الحمل لا يفرد بالبيع والطلع يفرد به ولأن عدم المنفعة يؤدى لخلو المبيع عنها وهو مبطل.

وإن لم يشرط لواحد منهما بأن سكت عن ذلك فإن لم يتأبر منها شئ فهى للمشترى وإلا بأن تأبر بعضها وإن قل ولو فى غير وقته كما هو قضية إطلاقهم.

خلافا للماوردى وإن تبعه ابن الرفعة رحمه الله تعالى. فللبائع جميعها ما تأبر وغيره لخبر الشيخين من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع أى المشترى دل منطوقه على أن المتأبرة للبائع وإن لم يشرط له ومفهومه أن غير المؤبرة للمشترى إلا أن يشترطها البائع.

ودل الاستثناء على أنها للمشترى عند اشتراطها له وإن تأبرت وكونها لواحد ممن ذكر صادق بأن تشترط له ويسكت عن ذلك.

وافترقا بالتأبير وعدمه لأنها فى حالة الاستتار كالحمل وفى حالة الظهور كالولد وألحق بالنخل سائر الثمار وبتأبير كلها تأبير بعضها بتبعية غير المؤبر للمؤبر لما فى تتبع ذلك من العسر والتأبير تشقق طلع الإناث وذر طلع الذكور فيه فيجئ رطبها أجود مما لم يؤبر والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقى يتشقق بنفسه وينبث ريح الذكور إليه وقد لا يؤبر شئ ويتشقق الكل. والحكم فيه كالمؤبر اعتبارا بظهور المقصود وما يخرج ثمره بلا زهر على أى لون كان كتين وعنب إن ظهر ثمره فللبائع وإلا بأن لم يبرز فللمشترى إلحاقا لبروزه بتشقق الطلع ولا يعتبر تشقق القشر الأعلى من نحو جوز بل هو للبائع مطلقا لاستتاره بما هو من صلاحه ولأنه لا يظهر بتشقق الأعلى عنه.

ولو ظهر بعض التين أو العنب فما ظهر فللبائع.

وما لم يظهر فللمشترى كما فى التتمة والمهذب والتهذيب وان توقفا فيه وجزم فى الأنوار بالتوقف وحمله بعضهم على ما يتكرر حمله منه وإلا فكالنخل. ويرد بأن حمله فى العام مرتين نادر كالنخل فليكن مثله. وفرق الأصحاب بين طلع النخل.

(1)

كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد ابن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المتوفى المصرى الأنصارى الشهير بالشافعى الصغير ومعه حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشيراملسى القاهرى وبالهامش حاشية أحمد بن عبد الرزاق محمد بن أحمد المعروف بالرشيدى ج 4 ص 135 وما بعدها طبع بمطبعة شركة مكتبة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ سنة 1938 م.

ص: 214

وجاء فى موضع آخر من نهاية المحتاج

(1)

: أنه لو باع أرضا مع بذر أذرع بها لا يفرد أفرد بالبيع عنها أى لا يصح بيعه وحده والزرع الذى لا يفرد بالبيع كبر لم ير كأن يكون فى سنبله أو كان مستورا بالأرض كالفجل والبذر الذى لا يفرد بالبيع هو ما لم يره أو تغير بعد رؤيته أو امتنع عليه أخذه كما هو الغالب بطل البيع فى الجميع جزما للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع.

أما ما يفرد كفصيل غير سنبل أو فى سنبله ورآه كذرة وشعير وبذر رآه ولم يتغير وتمكن من أخذه فيصح جزما. وقيل فى الأرض قولان:

أحدهما: كالأول.

والثانى: الصحة بجميع الثمن.

نعم إن دخل فيها عند الإطلاق بأن كان دائم النبات صح البيع فى الكل وكان ذكره تأكيدا.

وفارق بيعه الأمة وحملها بأنه غير متحقق الوجود. بخلاف ما هنا فاغتفر فيه ما لم يغتفر فى الحمل.

ثم قال

(2)

: ولو قال بعتك الدابة وحملها أو بحملها أو مع حملها بطل فى الأصح. كما لو قال بعتكها ولبن ضرعها.

والثانى: المقابل للأصح يجوز دخوله فى العقد عند الإطلاق فلم يضر التنصيص عليه. ويفارق البطلان الصحة فيما لو قال بعتك هذا الجدار وأسه أو بأسه أو مع أسه بدخوله فى مسماه لفظا فلم يلزم على ذكره محذور والحمل ليس داخلا فى مسمى البهيمة كذلك فيلزم من ذكره توزيع الثمن عليهما وهو مجهول وإعطاؤه حكم المعلوم إنما هو عند كونه تبعا لا مقصودا.

وجاء فى موضع آخر

(3)

: ولو كان له جزء من دار يجهل قدره فباع كلها صح فى حصته كما قطع به القفال وصرح به البغوى والرويانى.

والمفهوم من كلام صاحب التهذيب البطلان.

وقد يدل للأول قولهم لو باع عبدا ثم ظهر استحقاق بعضه صح فى الباقى. ولم يفصلوا بين علم البائع بقدر نصيبه وجهله به.

وهل لو باع حصته فبانت أكثر من حصته صح فى حصته التى يجهل قدرها كما لو باع الدار كلها؟ أو يفرق بأنه هنا لم يتيقن حال البيع أنه باع جميع حصته بخلاف ما لو باع الدار كلها؟ كل محتمل.

ولعل الثانى أوجه وفى البحر. يصح بيع غلته من الوقف إذا عرفها ولو قبل القبض كبيع رزق الأجناد فبيع اثنين عبديهما لثالث بثمن واحد من غير بيان ما لكل منه وبيع أحد الثوبين أو العبدين مثلا وإن استوت قيمتهما باطل.

كما لو باع أحدهما للجهل بعين المبيع أو الثمن وقد تكون الإشارة والإضافة كافية عن التعيين كدارى ولم يكن له غيرها وكهذه الدار ولو غلط فى حدودها.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 122.

(2)

كتاب نهاية المحتاج لشرح المنهاج للرملى ج 3 ص 445 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 393 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 215

ويصح بيع صاع من صبرة وهى الكوم من الطعام تعلم صيعانها للمتعاقدين كعشرة لانتفاء الغرر وينزل ذلك على الإشاعة فلو تلف بعضها تلف بقدره من المبيع وكذا إن جهلت صيعانها لهما يصح البيع فى الأصح لتساوى أجزائها فلا غرر.

وللمالك أن يعطى من أسفلها وإن لم يكن مرئيّا إذ رؤية ظاهر الصبرة كرؤية باطنها وينزل على صاع مبهم حتى لو لم يبق منها غيره تعين وأن صب عليها مثلها أو أكثر لتعذر الإشاعة مع الجهل.

ويفارق بيع ذراع من نحو أرض مجهولة الذرعان وشاة من قطيع وبيع صاع منها بعد تفريق صيعانها ولو بالكيل بتفاوت أجزاء نحو الأرض غالبا وبأنها بعد التفريق صارت أعيانا متميزة لا دلالة لإحداهما على الأخرى فصار كبيع أحد الثوبين.

ومحل الصحة هنا حيث لم يريدا صاعا معينا منها أو لم يقل من باطنها أو إلا منها وأحدهما يجهل كيلها للجهل بالمبيع بالكلية وحيث علم بأنها تفى بالمبيع. أما إذا لم يعلم ذلك فلا يصح البيع للشك فى وجود ما وقع عليه وصرح به الماوردى والفارقى وغيرهما.

ونظر فيه لأن العبرة هنا بما فى نفس الأمر فقط فلا أثر للشك فى ذلك إذا لا تعبد هنا.

ويجرى فى رد أحدهما الخلاف المذكور

(1)

فى قوله: ولو ظهر عيب أحدهما دون الآخر ردهما إن أراد لا المعيب وحده فلا يرده قهرا عليه فى الأظهر لذلك. وشمل كلامه ما لو كان المبيع مثليّا لا ينقص بالتبعيض كالحبوب وهو أرجح وجهين أطلقاهما بلا ترجيح.

وإن نقل عن نص الأم، والبويطى الجواز واعتمده بعض المتأخرين.

ويمكن حمله على ما لو وقع ذلك بالرضا وهو أولى من تضعيفه وإن كان بعيدا وما لو زال ملكه عن بعضه ببيع أو هبة ولو للبائع فلا رد له وهو ما جزم به المتولى فى مسألة البيع.

ويقاس به ما فى معناه وصححه البغوى وجزم به السبكى رحمه الله تعالى فى شرح المهذب فى موضع ثم نقله عنهما وعلله بأنه وقت الرد لم يرد كما تملك وأفتى به الشيخ وهو المعتمد.

وإن قال القاضى إن له الرد على المذهب إذ ليس فيه تبعيض على البائع. واقتصر الإسنوى على نقله عنه. وكذا السبكى رحمه الله تعالى فى شرح المهذب. فى موضع آخر وهو مبنى كما قاله على أن المائع الضرر فيرد أو اتحاد الصفقة فلا والثانى أصح. ويلحق بالبائع فيما تقرر وارثه ونحوه.

وقول الشارح ولو تلف السليم أو بيع قبل ظهور العيب فرد المعيب أولى بالجواز لتعذر ردهما أى مع أن الأصح عدم الرد. فقد صرح الرافعى رحمه الله تعالى بأن أولى بكذا لا يلزم منه مخالفة ما قبله فى الحكم.

ومقابل الأظهر له رده وأخذ قسطه من الثمن لاختصاصه بالعيب. ومحل الخلاف فيما لا تتصل منفعة أحدهما بالآخر كما مر. أما ما تتصل كذلك

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 4 ص 60 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 216

كمصراعى باب وزوجى خف فلا يرد المعيب منهما وحده قهرا قطعا.

قال الزركشى رحمه الله تعالى لو مات من يستحق عليه الرد وخلف ابنين أحدهما المشترى هل له أن يرد على أخيه نصيبه؟

الظاهر نعم. والأوجه خلافه لتبعيض الصفقة.

ولو فسخ المشترى فى بعض العين المبيعة فهل ينفسخ فى الجميع كما فى خيار المجلس. فيه نظر.

وقد ذكر الرافعى رحمه الله تعالى فى باب تفريق الصفقة أنه لو اشترى عبدين فخرج أحدهما معيبا ليس له إفراده بالرد فى الأظهر. ولو قال رددت المعيب فهل يكون ذلك ردّا لهما؟ وجهان:

أصحهما: لا، بل هو لغو ويؤخذ منه ترجيح عدم الانفساخ فيما قبلها ولو تعددت بتعدد البائع كأن اشترى عبدين كل واحد بمائة فله فى الأولى رد نصيب أحدهما وله فى الثانية رد أحدهما أو بتعدد المشترى كما قال.

ولو اشترياه أى اثنان عبد واحد كما فى المحرر لأنفسهما أو موكلهما فلأحدهما الرد لنصيبه فى الأظهر لتعددها حينئذ بتعدد المشترى لنفسه أو لغيره كما مر أو من اثنين.

ولو اشتراه واحد من وكيل اثنين أو من وكيلى واحد ففيه الخلاف السابق فى تفريق الصفقة أن العبرة بالوكيل أو الموكل.

ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة فكل مشتر من كل تسعة، وضابط ذلك أن تضرب عدد البائعين فى عدد المشترين عند التعدد من الجانبين أو أحدهما عند الانفراد فى الجانب الآخر فما حصل هو عدد العقود.

ثم قال فى موضع آخر

(1)

: والزيادة فى المبيع أو الثمن المتصلة كالسمن وكبر الشجرة وتعلم الصنعة والقرآن تتبع الأصل فى الرد لعدم إمكان إفرادها ولأن الملك قد تجدد بالفسخ فكانت الزيادة المتصلة فيه تابعة للأصل كالعقد.

ولو باع أرضا بها أصول نحو كراث فنبت ثم ردها بعيب فالنابت للمشترى والزيادة المنفصلة عينا ومنفعة كالولد والأجرة وكسب الرقيق وركاز وجده وما وهب له فقبله وقبضه وما وصى له به فقبله ومهر الجارية إذا وطئت بشبهة لا تمنع الرد بالعيب عملا بمقتضى العيب.

نعم ولد الأمة الذى لم يميز يمنع الرد لحرمة التفريق بينهما على الأصح المنصوص.

وإن جرى ابن المقرى هنا على خلافه فيجب الأرش وأن لم يحصل بأس، لأن تعذر الرد بإمتناعه ولو مع الرضا صيره كالميئوس منه.

وافتضاض

(2)

الأمة البكر المبيعة من مشتر أو غيره يعنى زوال بكارتها ولو بنحو وثبة بعد القبض نقص حدث فيمنع الرد على البائع ما لم يستند لسبب متقدم جهله المشترى كما مر. فهو نظير قوله تعالى: «خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى}

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى ج 4 ص 65 وما بعدها.

(2)

المرجع السابق لابن شهاب الدين الرملى ج 4 ص 68 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 217

{أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ»

(1)

.

وقبله جناية على المبيع قبل القبض فإن كان من المشترى منع رده بالعيب واستقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها فإن قبضها لزمه الثمن بكماله وإن تلفت قبل قبضها لزمه قدر النقص من الثمن أو من غيره، وأجاز هو البيع فله الرد بالعيب كذا قاله الشارح. وهو محمول على ما إذا لم يطلع عليه إلا بعد إجازته.

ثم إن كان زوالها من البائع أو بآفة أو بزواج سابق فهدر أو من أجنبى فعليه الأرش أن زالت بلا وط ء أو بوط ء زنا منها وإلا لزمه مهر مثلها بكرا بلا إفراد أرش وهو للمشترى.

نعم إن رد بالعيب سقط منه قدر الأرش.

وفرق بين وجوب مهر بكر هنا ومهر ثيب وأرش بكارة فى الغصب والديات، ومهر بكر وأرش بكارة فى المبيعة بيعا فاسدا بأن ملك المالك هنا ضعيف فلا يحتمل شيئين بخلافه ولهذا لم يفرقوا بين الحرة والأمة وبأن البيع الفاسد وجد فيه عقد اختلف فى حصول الملك به كما فى النكاح الفاسد بخلافه فيما مر، وضابط القسم الثانى: أنه لو تلف

(2)

قبل القبض بعض من المبيع تقبل الإفراد بالعقد أى إيراد العقد عليه وحده.

من ذلك ما لو باع عبديه مثلا فتلف أحدهما أو كان دارا فتلف سقفها قبل قبضه فينفسخ العقد فيه وتستمر صحته فى الباقى بقسطه من المسمى إذا وزع على قيمته وقيمة التالف وظاهر كلامهم اعتبار المثلى فى هذا الفصل متقوما حتى تعرف نسبة ما يخصه من الثمن وهو غير بعيد. لكن الأرجح كما جزم به ابن المقرى توزيع الثمن فى المثلى أى المتفق القيمة وفى العين المشتركة على الأجزاء وفى المتقومات على الرءوس باعتبار القيمة، وإنما لم ينفسخ فى الآخر وإن لم يقبضه على المذهب مع جهالة الثمن، لأنها طارئة فلم تضر كما لا يضر سقوط بعضه لأرش العيب.

والطريق الثانى: أنه يتخرج على القولين فيما لو باع ما يملكه وما لا يملكه تسوية بين الفساد المقرون بالعقد والفساد الطارئ قبل القبض وفى. معنى ذلك ما لو باع عصيرا فصار بعضه خمرا قبل قبضه قاله الدارمى. وخرج بتلف ما يفرد بالعقد سقوط يد المبيع وعمى عينيه واضطراب سقف الدار ونحوهما، مما لا يفرد بالعقد ففواتها لا يوجب الانفساخ بل الخيار ليرضى بالمبيع بكل الثمن أو يفسخ ويسترد الثمن بخلاف الأول. فإن تلف بعض ما يقبل الإفراد بالعقد وإن أوجب الانفساخ فيه لا يوجب الإجازة بكل الثمن بل يتخير المشترى فورا، كما مر بين فسخ العقد والإجازة لتبعيض الصفقة عليه. فإن أجاز فبالحصة كنظير ما مر قطعا كما فى المحرر، وفى الروضة كالشرح عن أبى إسحاق رحمه الله تعالى طرد القولين فيه:

أحدهما: بجميع الثمن وضعف بالفرق بين ما اقترن بالعقد وبين ما حدث بعد صحة العقد مع

(1)

الآية رقم 7 من سورة البقرة.

(2)

نهاية المحتاج لشرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 3 ص 461 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 218

توزيع الثمن فيه عليهما ابتداء وقضية كلامه أنه لا خيار للبائع وهو كذلك كما فى المجموع.

ووجهه أن الثمن غير منظور إليه أصالة فاغتفر تفريقه. وإما لأنه يغتفر فيه ما لا يغتفر فى الابتداء بخلاف المثمن، فإنه المقصود بالعقد فأثر تفريقه دواما أيضا.

ثم شرع فى القسم الثالث فقال: ولو جمع العاقد أو العقد فى صفقة مختلفى الحكم كأجارة وبيع كأجرتك دارى شهرا وبعتك ثوبى هذا بدينار.

ووجه اختلافهما اشتراط التأقيت فيها غالبا وبطلانه به وانفساخها بالتلف بعد القبض دونه أو إجارة عين وسلم كأجرتك دارى شهرا وبعتك صاع قمح فى ذمتى سلما بكذا لاشتراط قبض العوض فى المجلس فى سائر أنواعه بخلافها صحا فى الأظهر كل منهما بقسطه من المسمى إذا وزع على قيمة المبيع أو المسلم فيه وأجرة الدار كما قال ويوزع المسمى على قيمتهما وتسمية الأجرة فيه صحيح إذ هى فى الحقيقة قيمة المنفعة.

ووجه صحتهما أن كلا يصح منفردا فلم يضر الجمع بينهما ولا أثر لما قد يعرض لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسح والانفساخ المحوجين إلى التوزيع المستلزم للجهل عند العقد بما يخص كلاّ من العوض، لأنه غير ضار كبيع ثوب وشقص صفقة.

وإن اختلفا فى الشفعة واحتيج للتوزيع المستلزم لما ذكر فعلم أنه ليس المراد باختلاف الأحكام هنا مطلق اختلافها بل اختلافها فيما يرجع للفسخ والانفساخ مع عدم دخولهما تحت عقد واحد فلا ترد مسألة الشقص المذكورة لأنه والثوب دخلا تحت عقد واحد هو البيع.

وما أورد عليه من بيع عبدين بشرط الخيار فى أحدهما أكثر من الآخر فإنه القاعدة مع اتحاد العقد ولهذا قال مختلفى الحكم ولم يقل كأصله وغيره عقدين مختلفى الحكم يرد بأن الاختلاف هنا لما وقع فى نفس العقد كأن أفضى إلى جريان الخلاف فيه فألحقناه بالقاعدة. بخلافه فى مسألة الشقص وتملكه بالشفعة بمنزلة عقد آخر يقع بعد فلا يؤثر

(1)

.

والتقييد بمختلفى الحكم لبيان محل الخلاف.

فلو جمع بين متفقين كشركة وقراض كأن خلط ألفين له بألف لغيره وشاركه على أحدهما وقارضه على الآخر فقبل صح جزما لرجوعهما إلى الإذن فى التصرف.

بخلاف ما لو كان أحدهما جائزا كالبيع، أى الذى يشترط قبض العوضين فيه بدلالة ما يأتى والجعالة فلا يصح قطعا لتعذر الجمع بينهما إذ الجمع بين جعالة لا تلزم وبيع فى صفقة واحدة غير ممكن لما فيه من تناقض الأحكام لأن العوض فى الجعالة لا يلزم تسليمه إلا بفراغ العمل.

ومن جهة الصرف يجب تسليمه فى المجلس ليتوصل إلى قبض ما يخص الصرف منها وتنافى اللوازم يقتضى تنافى الملزومات كما علم.

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج 3 ص 461 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 219

ويقاس بذلك ما إذا جمع بين إجارة ذمة أو سلم وجعالة بخلاف الجمع بين البيع والجعالة فإنه لا يشترط القبض فى المجلس كذا أفاده بعض المتأخرين. ومقابل الأظهر ببطلان لأنه قد يعرض لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ والانفساخ ما يقتضى فسخ أحدهما فيحتاج إلى التوزيع ويلزم الجهل عند العقد بما يخص كلاّ منهما من العوض وذلك محذور.

وأجاب الأول بما مر فى قولنا ولا أثر لما قد يعرض إلى آخره.

وشمل كلام المصنف ما لو اشتمل العقد على ما يشترط فيه التقابض وما لا يشترط كصاع بر وثوب بصاع شعير كما فى بيع وسلم أو بيع ونكاح واتحد المستحق كزوجتك ابنتى وبعتك عبدها بألف وهى فى ولايته أو بعتك ثوبى وزوجتك أمتى صح النكاح لانتفاء تأثره بفساد الصداق ولا بأكثر الشروط الفاسدة وفى البيع وفى الصداق القولان السابقان. أظهرهما صحتهما ويوزع المسمى على قيمة المبيع ومهر المثل.

أما لو كان المستحق مختلفا كزوجتك ابنتى وبعتك عبدى بكذا فلا يصح كل من البيع والصداق ويصح النكاح بمهر المثل.

ولو جمع بين بيع وخلع صح الخلع وفى البيع والمسمى القولان. وشرط التوزيع أن تكون حصة النكاح مهر المثل فأكثر.

فلو كان أقل وجب مهر المثل كما فى المجموع ما لم تأذن الرشيدة فى قدر المسمى فيعتبر التوزيع مطلقا.

وتتعدد الصفقة بتفصيل الثمن ممن ابتدأ بالعقد لترتب كلام الآخر عليه، كبعتك ذا بكذا وذا بكذا وإن قبل المشترى ولم يفصل.

فلو قال بعتك عبدى بألف وجاريتى بخمسمائة فقبل أحدهما بعينه لم يصح كما سيأتى فى تعدد البائع والمشترى.

وما ذكره القاضى من الصحة فرعه على مقابل الأصح إذ القبول غير مطابق للإيجاب والعدد والكثير فى تعدد الصفقة بحسبه كالقليل.

وما قيد به فى الخادم من عدم طول الفصل.

فإن طال صح فيما لم يطل بالنسبة إليه رد بأن المتجه إطلاقهم ولا يضر الطول لأنه فصل بما يتعلق العقد وهو ذكر المعقود عليه وبتعدد البائع كبعناك هذا بكذا فتعطى حصة كل حكمها.

نعم لو قبل المشترى نصيب أحدهما بنصف الثمن لم يصح، لأن اللفظ يقتضى جوابهما جميعا.

وكذا تتعدد بتعدد المشترى كبعتكما هذا بكذا فى الأظهر قياسا على البائع.

والثانى: لا، لأن المشترى يبنى على الإيجاب السابق واقتصر عليهما، لأن الأحكام فيهما، وإلا فهى تتعدد بتعدد العاقد مطلقا.

ولو باعهما عبده بألف فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة أو باعاه عبدا بألف فقبل نصف أحدهما بخمسمائة لم يصح كما جزم به ابن المقرى تبعا لأصله والمجموع هنا وهو الأوجه إذا القبول هنا غير مطابق للإيجاب.

وإن كانت الصفقة متعددة أخذا مما مر فى رد

ص: 220

كلام القاضى فعلم أنه لو باع اثنان من اثنين كان بمنزلة أربع عقود ومن فوائد التعدد جواز إفراد كل حصة بالرد كما يأتى وأنه لو بان نصيب أحدهما حرّا مثلا صح فى الباقى قطعا. ولو وكلاه أو وكلهما فالأصح اعتبار الوكيل إذ أحكام العقد متعلقة به.

فلو خرج ما اشتراه من وكيل اثنين أو من وكيلى واحد أو ما اشتراه وكيل اثنين أو وكيلا واحدا معيبا جاز رد نصيب أحد الوكيلين فى الثانية والرابعة دون أحد الموكلين فى الأولى والثالثة.

نعم العبرة فى الرهن بالموكل، لأن المدار فيه على اتحاد الدين وعدمه. ومقابل الأصح اعتبار الموكل، لأن الملك له وسكتوا عما لو باع الحاكم أو الولى أو الوصى أو القيم على المحجورين شيئا صفقة واحدة.

والظاهر أنه كالوكيل. فيعتبر العاقد لا المبيع عليه.

‌حكم إفراد جزء من المبيع عن البيع:

مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

: أنه يصح بيع النحل منفردا عن كوراته لأنه حيوان طاهر يخرج من بطونه شراب فيه منافع للناس فهو كبهيمة الأنعام.

وكذا يصح بيعه خارجا عن كوراته معها بشرط كونه مقدورا عليه، وإلا لم يصح بيعه للغرر، ويصح بيع نحل فى كوراته معها إذا شوهد داخلا إليها. ويصح بيع النحل فى كوراته بدونها إذا شوهد داخلا إلى كوراته.

هذا قول الأكثر واقتصر عليه فى المنتهى وغيره.

ولا يصح بيع الكوارة بما فيها من عسل ونحل للجهالة. ولا يصح بيع ما كان مستورا من النحل بأقراصه ولم يعرف للجهالة.

‌بيع ما لا يكون محلا للبيع بمفرده

(2)

:

ولو باع نحو عبده وعبد غيره من غير إذنه صفقة واحدة أو باع عبدا وحرّا صفقة واحدة أو باع خمرا وخلاّ فيصح البيع فى عبده بقسطه دون عبد غيره ودون الحر من الثمن فيوزع على قدر قيمة المبيعين ليعلم ما يخص كلاّ منهما فيؤخذ ما يصح التصرف فيه بقسطه، لأنه الذى يقابله، ولا يبطل البيع فى عبده، لأنه يصح بيعه مفردا، فلم يبطل بانضمام غيره إليه فظاهره سواء كان عالما بالخمر ونحوه أو جاهلا.

ويقدر الخمر إذا بيع مع الخل خلاّ ليقسط الثمن عليهما.

ويقدر الحر إذا بيع معه القن عبدا لذلك ولمشتر الخيار بين الفسخ والإمساك إن جهل الحال وقت العقد، لتفرق الصفقة. وإن لم يجهل بل علم الحال

(1)

كشاف القناع للشيخ ابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الإرادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 2 ص 7، ص 8 وما بعدهما طبع مطابع المطبعة الشرقية بمصر سنة 1316 هـ

(2)

المرجع السابق لابن إدريس الحنبلى ج 2 ص 27، ص 28 وما بعدهما الطبعة السابقة.

ص: 221

فلا خيار له لدخوله على بصيرة. ولا خيار للبائع مطلقا لما تقدم.

وإن وقع العقد على مكيل أو موزون بيع بالكيل أو الوزن فتلف بعضه قبل قبضه انفسخ العقد فى التالف ولم ينفسخ العقد فى الباقى منه.

سواء كان التالف والباقى من جنس واحد أو من جنسين. ويأتى ذلك فى الخيار فى البيع وأنه له الخيار.

وإن باع نحو عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد صح البيع، لأن جملة الثمن معلومة كما لو كان لواحد. ويقسط الثمن على قدر قيمة العبدين فيأخذ ما يقابل عبده ومثل بيع عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد، بيع عبديه لاثنين بثمن واحد لكل واحد منهما عبد فيصح البيع ويقسط الثمن على قدر قيمة العبدين ويؤدى كل مشتر ما يقابل عبده أو اشترى العبدين من اثنين أو من وكيلهما شخص واحد بثمن واحد فيصح ويقسطان الثمن على قيمة العبدين ويأخذ كل ما قابل عبده أو كان لاثنين عبدان لكل واحد منهما عبد فباعاهما لرجلين بثمن واحد فيصح البيع ويقسط الثمن كما تقدم.

ولو اشتبه عبده بعبد غيره لم يصح بيع أحدهما قبل القرعة قدمه فى الرعاية الكبرى.

وقيل يصح إن أذن شريكه وقبل، بل يبيعه وكيلهما أو أحدهما بإذن الآخر أوله ويقسم الثمن بينهما بقيمة العبدين.

قال القاضى فى خلافته هذا أجود ما يقال فيه كما قلنا فى زيت اختلط بزيت آخر وأحدهما أجود من الآخر.

‌إفراد جزء من المبيع بالفسخ

(1)

:

ولو اشترى اثنان شيئا من بائع واحد وشرط الخيار فرضى أحدهما فللآخر رد نصيبه لأن نصيبه جميع ما ملكه بالعقد فجاز له رده بالعيب تارة وبالشرط تارة أخرى وكشراء واحد من اثنين شيئا بشرط الخيار أو وجده معيبا فللمشترى رده عليهما وله رد نصيب أحدهما عليه وإمساك نصيب الآخر لأن عقد الواحد مع اثنين عقدان فكأن كل واحد منهما باع نصيبه مفردا.

فإن كان أحدهما غائبا والآخر حاضرا رد المشترى على الحاضر منهما حصته بقسطها من الثمن ويبقى نصيب الغائب فى يده حتى يقدم فيرده عليه.

ويصح الفسخ فى غيبته كما تقدم.

والمبيع بعد الفسخ أمانة كما فى المنتهى. ولو كان أحد البائعين باع العين كلها بوكالة الآخر له فالحكم كذلك سواء كان الحاضر الوكيل أو الموكل، لأن حقوق العقد متعلقة بالموكل دون الوكيل.

وإن قال بائع يخاطب اثنين بعتكما هذا بكذا فقال أحدهما وحده قبلت جاز ذلك وصح العقد فى نصف المبيع بنصف الثمن على ما مر من أن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين، فكأنه خاطب

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 2 ص 65 وص 66 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 222

كل واحد بقوله بعتك نصف هذا بنصف المسمى.

وإن ورث اثنان خيار العيب فرضى أحدهما بنصيبه معيبا سقط حقه وحق الورثة الأخر من الرد، لأنه خرج من ملك البائع دفعة واحدة فإذا رد واحد منهما نصيبه رده مشتركا مشقصا فلم يكن له ذلك.

ومثله ما لوورث اثنان خيار شرط بأن طالب به المورث قبل موته فإذا رضى أحدهما فليس للآخر الفسخ.

وان اشترى واحد معينين

(1)

صفقة واحدة أو اشترى طعاما أو نحوه فى وعاءين صفقة واحدة فليس له إلا ردهما أو إمساكهما والمطالبة بالأرش، لأن فى رد أحدهما تفريقا للصفقة على البائع مع إمكان ألا يفرقهما أشبه رد البعض المعيب الواحد.

وإن تلف أحد المعينين وبقى الآخر فللمشترى رد الباقى بقسطه من الثمن لتعذر رد التالف والقول فى قيمة التالف إذا اختلفا فيها قول المشترى، لأنه منكر لما يدعيه البائع من زيادة قيمته مع عينه، لاحتمال صدق البائع.

وإن كان أحدهما معيبا والآخر سليما، وأبى المشترى أخذ الأرش عن المعيب فله رده بقسطه من الثمن، لأنه رد للمبيع المعيب من غير ضرر على البائع كما سبق، ولا يملك المشترى رد السليم لعدم عيبه إلا أن ينقصه تفريق كمصراعى باب وزوجى خف أو يحرم تفريق كجارية وولدها ونحوه، كأخيها، فليس للمشترى رد أحدهما وحده، بل له ردهما معا أو الأرش دفعا لضرر البائع، أو لتحريم التفريق، ومثله جان له ولد يباعان وقيمة الولد لمولاه وإن كان البائع هو الوكيل فللمشترى رد المبيع إذا ظهر معيبا على الوكيل لما تقدم من أن حقوق العقد متعلقة به دون الموكل.

‌إفراد شئ بالبيع من غير تمييز:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: أنه لا يصح بيع عبد غير معين من عبدين أو عبيد للجهالة ولا بيع شاة من قطيع ولا بيع شجرة فى بستان، لما فى ذلك من الغرر والجهالة.

ولا يصح بعتك هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين. ولا بعتك هذا القطيع إلا شاة غير معينة.

ولا هذا البستان إلا شجرة. لأنه صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الثنيا إلا أن تعلم» . قال الترمذى حديث حسن صحيح.

ولأن ذلك غرر ويفضى إلى التنازع ولو تساوت القيمة فى ذلك المذكور من العبيد والشياه والشجر كله.

وإن استثنى معينا من ذلك يعرفانه جاز وصح البيع والاستثناء، لأن المبيع معلوم بالمشاهدة لكون المستثنى معلوما فانتفى المفسد.

(1)

المرجع السابق لابن إدريس الحنبلى وبهامشه منتهى الإرادات لابن يونس البهوتى ج 2 ص 66 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع عن متن الإقناع وبهامشه منتهى الإرادات لابن يونس البهوتى. ج 2 ص 29.19

ص: 223

وإن باعه

(1)

قفيزا من هذه الصبرة صح البيع إن تساوت أجزاؤها وكانت الصبرة أكثر من قفيز لأنه بيع مقدر معلوم فى جملة فصح كبيع كل الصبرة أو بيع جزء مشاع منها كربعها أو ثلثها سواء علم المتعاقدان مبلغ الصبرة أى عدد قفزانها أو جهلاه فيصح البيع للعلم بالمبيع فى المسألة الأولى وهى ما إذا باعه قفيزا من صبرة بالقدر.

وفى المسألة الثانية وهو ما إذا باعه جزءا مشاعا منها بالأجزاء كالربع أو الثلث.

وكذا يصح بيع رطل من دن زيت ونحوه أو رطل من زبرة حديد ونحوه وإن تلفت الصبرة. أو الدن أو الزبرة إلا قفيزا أو رطلا واحدا فهو المبيع فيأخذه المشترى ولو فرق قفزان الصبرة وباع قفيزا واحدا مبهما أو اثنين فأكثر مبهمين مع تساوى أجزائها صح المبيع. لأنه لا يفضى إلى التنازع وإن لم تتساوى أجزاؤها بل اختلفت فلا يصح البيع فى قفيز أو أكثر حتى يعينه وكذا إن لم تزد على قفيز.

وإن قال بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا جاز وصح البيع لأن القفيز

(2)

والمكوك مكيلان معلومان واستثناء المعلوم صحيح.

وإن قال بعتك هذه الصبرة بأربعة دراهم إلا بقدر درهم صح البيع وصار كأنه قال بعتك ثلاثة أرباع هذه الصبرة بأربعة دراهم وذلك صحيح لا جهالة فيه.

وإن قال بعتك هذه الصبرة بأربعة دراهم إلا ما يساوى درهما لم يصح البيع للجهالة بما يساوى درهما فى الحال بخلاف إلا بقدر درهم إذا قدر الواحد من الأربعة معلوم أنه ربع وإن اختلف أجزاء الصبرة كصبرة بقال القرية وصبرة بقال المحدر من القرية إلى قرية أخرى يجمع ما يبيع به من البر مثلا لمختلف الأوصاف أو من الشعير المختلف الأوصاف وباع قفيزا منها لم يصح البيع لعدم تساوى أجزائها المؤدى إلى الجهالة بالقفيز المبيع وإن باعه الصبرة إلا قفيزا أو قفيزين أو باعه الصبرة إلا أقفزة لم يصح إن جهل المتعاقدان قفزانها، لأن جهل قفزانها يؤدى إلى جهل ما يبقى بعد المستثنى.

وإن لم يجهلا بل علما قفزانها صح البيع للعلم بالمبيع والمستثنى واستثناء صاع من ثمرة بستان كاستثناء قفيز من صبرة فلا يصح البيع إذا باعه الثمرة إلا قفيزا فأكثر مع الجهل بآصعها لما تقدم.

وكذا لو باعه الدن أو الزبرة أو رطلا أو الثوب إلا ذراعا. ولو استثنى مشاعا من صبرة أو من ثمرة أو حائط باعهما كثلث أو ربع أو ثلاثة أثمان صح البيع والاستثناء للعلم بالمبيع والثنيا.

وإن باعه ثمرة الشجرة إلا صاعا لم يصح البيع لما تقدم.

ولو قال بعتك هذه الدار وأراه حدودها صح البيع أو باعه جزءا مشاعا منها كالثلث ونحوه صح البيع أو باعه عشرة أذرع منها وعين الطرفين أى الابتداء والانتهاء صح البيع لانتفاء المانع.

(1)

الصبرة الكومة المجموعة من طعام وغيره سميت صبره لإفراغ بعضها على بعض ومنه ما قيل للسحاب فوق السحاب صبير ويقال صبرت المتاع إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض.

(2)

قال فى حاشيته القفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف.

ص: 224

وإن قال بعتك نصيبى من هذه الدار وجهلاه أو أحدهما لم يصح. وإن عين ابتداءها، أى العشرة أذرع مثلا ولم يعين انتهائها أو بالعكس لم يصح البيع نصا لأنه لا يعلم إلى أين ينتهى قياس العشرة فيؤدى إلى الجهالة.

وكذا لو باعه عشرة أذرع مثلا من ثوب وعين ابتدائها دون انتهائها أو بالعكس لم يصح البيع لما تقدم.

قال الإمام أحمد

(1)

لأنه أى العاقد لا يدرى إلى أين ينتهى النصف الذى يلى الدار فيؤدى إلى الجهالة بالمبيع. وإن قصد بقوله بعتك نصف دارى التى تلى دارك الإشاعة فى النصف بأن اعتبر التى تلى دارك نعتا للدار وأبقى النصف على إطلاقه فيكون مشاعا صح البيع فى النصف مشاعا لعدم الجهالة وإن باعه أرضا معلومة إلا جريبا أو باعه جربيا من أرض غير معين وهما أى المتعاقدان يعلمان عدد جربانها صح البيع وكان الجريب مشاعا فى الأرض للبائع فى الأولى وللمشترى فى الثانية.

وإن لم يعلما جربانها لم يصح البيع، لأنه ليس معينا ولا مشاعا.

وكذا الثوب لو باعه إلا ذراعا أو باع ذراعا منه. فإن علما ذرعه صح وإلا لم يصح لما تقدم.

وإن باعه أرضا من هنا إلى هنا صح البيع لتعين الابتداء والانتهاء لما تقدم.

وإن قال بعتك من هذا الثوب من هذا الموضع إلى هذا الموضع صح البيع للعلم بالمبيع. فإن كان القطع لا ينقص الثوب قطعاه أو كان شرطه البائع للمشترى قطعاه ولو نقصه إذا وفاء بالشرط. وإن كان القطع ينقص الثوب ولم يشترطاه وتشاحا فى القطع صح البيع ولم يجبر البائع على قطع الثوب وكانا شريكين فيه، لأن الضرر لا يزال بالضرر.

فإن تنازعا بيع وقسط الثمن على حقهما.

وكذا لو باعه خشبة بسقف أو فصا بخاتم وإن باعه نصفا أو نحوه معينا من نحو حيوان أو إناء أو سيف أو نحوه لم يصح البيع.

وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده وأطرافه صح البيع والاستثناء سفرا وحضرا، لأنه صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعى غنم فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها رواه أبو الخطاب ويلحق الحضر بالسفر. وإن باع الجلد والرأس والأطراف منفردا أى مستقلا لم يصح البيع كبيع الصوف على الظهر.

والذى يظهر أن المراد بعدم الصحة إذا لم تكن الشاة أو نحوها للمشترى فإن كانت الشاة أو نحوها له صح بيع ذلك للمشترى منفردا له كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها عن الأصل له.

هذا معنى كلامه فى الانصاف.

فإن امتنع مشتر من ذبح المستثنى منه لم يجير عليه إذا أطلق العقد بأن لم يشترط عليه البائع ذبحه لأن الذبح ينقصه ولزمته قيمة المستثنى تقريبا للبائع.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع مع منتهى الإرادات لابن يونس البهوتى فى كتاب ج 5 ص 28، 29، وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 225

وفى الفروع يتوجه أنه إن لم يذبحه للمشترى الفسخ وإلا فقيمته. كما روى عن على قال فى المبدع: ولعله مرادهم وقوله للمشترى.

قال ابن نصر الله ثوابه للبائع.

فإن شرط البائع لحيوان دون رأسه وجلده وأطرافه الذبح ليأخذ المستثنى لزم المشترى الذبح وفاء بالشرط لأنه أدخل الضرر على نفسه ولزمه دفع المستثنى قاله فى شرح المحرر وهو معنى كلام غيره.

وللمشترى الفسخ لعيب يخص هذا المستثنى بأن كان العيب بالرأس أو الجلد أو الأطراف، لأن الجسد كله يتألم لتألم شئ منه.

وان استثنى حمل المبيع من حيوان أو أمة لم يصح البيع.

أو باعه حيوانا واستثنى شحمه أو استثنى رطلا من لحمه أو رطلا من شحمه لم يصح البيع للجهالة بما يبقى.

أو باعه سمسما واستثنى كسبه لم يصح لأنه قد باعه الشيرج فى الحقيقة وهو غير معلوم فإنه غير معين ولا موصوف.

أو استثنى شيرجه أو باعه قطنا فيه حبه فاستثنى حبه لم يصح البيع لما تقدم كبيع ذلك المذكور من حمل أو شحم أو لحم وما بعده منفردا فما لا يصح بيعه منفردا لا يصح استثناؤه إلا رأس مأكول وجلده وأطرافه كما تقدم وكذلك الطحال والكبد ونحوهما كالرئة والقلب لا يصح بيعها مفردة ولا استثناؤها.

ولو استثنى جزءا مشاعا معلوما من نحو شاة كربع صح البيع والاستثناء للعلم بالمبيع ولا يصح بيع نحو شاة إن استثنى ربع لحمها وحده لأنه لا يصح بيعه منفردا بخلاف بيع ربعها.

ويصح بيع حيوان مذبوح كما قبل الذبح.

ويصح بيع لحم الحيوان المذبوح فى جلده.

ويصح بيع جلد الحيوان المذبوح وحده الى دون لحمه وباقى أجزائه.

ويصح بيع ما مأكوله فى جوفه كرمان وبيض وجوز ونحوها من لوز وبندق لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ولكونه من مصلحته ويفسد بإزالته.

ويصح بيع الباقلاء والجوز واللوز ونحوه كالحمص فى قشريه مقطوعا وفى شجره لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فدل على الجواز بعد بدو الصلاح سواء كانت مستورة بغيرها أولا.

ولا يجوز بيع الطلع قبل تشققة إذا قطع من شجره كاللوز فى قشره.

ويصح بيع الحب المشتد فى سنبله مقطوعا وفى شجره. لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الاشتداد غاية للبيع وما بعد الغاية يخالف ما قبلها فوجب زوال المنع.

ويدخل الساتر من قشر وتبن تبعا. فإن استثنى القشر والتبن لم يصح البيع لأنه يصير كبيع النوى فى التمر.

ويصح بيع التبن دون الحب قبل تصفية الحب منه لأنه معلوم بالمشاهدة كما لو باع القشر دون ما

ص: 226

داخله أو باع التمر دون نواه قاله فى شرح المنتهى.

وفيه نظر، لأن ما لا يصح بيعه مفردا لا يصح استثناؤه.

ولو باع مشاعا

(1)

أى جميع ما يملكه منه جزءا مشاعا من شئ مشترك بين البائع وبين غيره بغير إذن شريكه كعبد مشترك بينهما أو باع ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء كقفيزين متساويين للبائع وشريكه فيصح فى نصيبه بقسطه لأنه لا يلزم منه جهالة فى الثمن لانقسامه هنا على الأجزاء.

وللمشترى الخيار بين الرد والإمساك إذا لم يكن عالما بأن المبيع مشترك بينه وبين غيره لأن الشركة عيب. فإن كان عالما فلا خيار له لإقدامه على الشراء مع العلم بالشركة.

ولا خيار للبائع لأنه رضى بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه وللمشترى الأرش إن أمسك ولم يفسخ فيما ينقصه التفريق كزوجى خف أحداهما له والأخرى لآخر باعهما وكانت قيمتهما مجتمعين ثمانية دراهم وقيمة كل واحد منفردة درهمين.

فإذا اختار المشترى الإمساك أخذها بنصف الثمن واسترجع من البائع ربعه فتستقر معه بربع الثمن المعقود به ذكره فى المغنى وغيره فى الضمان. وجزم به هنا فى المنتهى وغيره.

ولو وقع العقد على شيئين تتوقف صحة البيع على قبضهما صفقة كمد بر ومد شعير بحمص فتلف أحدهما قبل قبضه كما لو تلف البر فى المثال المذكور. فقال القاضى للمشترى الخيار بين إمساك الباقى بقسطه من الثمن وبين الفسخ، لأن حكم ما قبل القبض فى كون المبيع من ضمان البائع حكم ما قبل العقد. بدليل أنه لو تعيب قبل قبضه لملك المشترى الفسخ به.

ثم قال فى الكشاف

(2)

: إن شرط البائع على المشترى للثمر مع أصله أو للزرع مع أرضه أولهما منفردين وهو لمالك الأصل القطع فى الحال صح البيع.

ولا يلزم مشتر الوفاء بالشرط لأن الأصل له، فإن شاء فرغه وإن شاء أبقاه مشغولا.

وكذا حكم رطبة، ويقول فلا يباع شئ منها مفردا بعد بدو صلاحه إلا جزة جزة بشرط جذه أى قطعه فى الحال، لأن الظاهر منه معلوم لا جهالة فيه ولا غرر.

بخلاف ما فى الأرض فإنه مستور مغيب وما يحدث منه معلوم فلم يجز بيعه كالذى يحدث من الثمرة. وإن اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع فى الحال ثم استأجر الأصول أو استعارها أى الأصول لتبقيتها أى الثمرة إلى أو ان الجذاذ لم يصح.

ولذا لو اشترى الزرع الأخضر بشرط القطع فى الحال ثم استأجر الأرض أو استعارها لنفسه لم يصح.

ويأتى بأن البيع يبطل بأول زيادة ولا يباع

(1)

كتاب كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 2 ص 27، ص 28 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 112 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 227

القثاء ونحوه كالخيار والباذنجان إلا لقطة لقطة لأن الزائد على اللقطة لم يخلق فلم يجز بيعه كما لو باعه قبل ظهوره إلا أن بيع القثاء ونحوه مع أصله فيصح لأنه إذا بيع للأصل أشبه الحمل مع أمه وأث الحائط معه ولو لم يبلغ مع أرضه كالثمر إذا بيع مع الشجر وإن باع ما ذكر من القثاء ونحوه دون أصله فإن لم يبدو صلاحه لم يصح البيع إلا بشرط قطعه فى الحال إن كان ينتفع به كما تقدم فى الثمرة وإن لم ينتفع به إذا لم يصح بيعه كسائر ما لا نفع فيه.

ويصح بيع هذه الأصول التى تتكرر ثمرتها كأصول القثاء والخيار والباذنجان من غير شرط القطع كبيع الشجر صغارا كانت الأصول أو كبارا مثمرة كانت أو غير مثمرة بدا صلاح ثمرها أو لم يبد كالشجر لأن العقد على الأصول.

وأما الثمرة فتابعة كالحمل مع أمه والقطن ضربان:

أحدهما: ما له أصل يبقى فى الأرض أعواما.

والثانى: ما يتكرر زرعه كل عام فإن كان له أصل يبقى فى الأرض أعواما كقطن الحجاز فحكمه حكم الشجر فيجوز إفراده بالبيع كالشجر وأصول القثاء.

وإن بيعت الأرض دخل فى البيع كالشجر وثمره كالقطع إن تفتح فلبائع وإلا فلمشتر وإن كان يتكرر زرعه كل عام كقطن مصر والشام فحكمه حكم بر ونحوه لشبهه به ومتى كان جوزه ضعيفا رطبا لم يشتد ما فيه لم يصح بيعه كالزرع الأخضر إلا بشرط القطع فى الحال كالزرع الأخضر لما تقدم. وإن قوى حبه واشتد جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية كالزرع إذا اشتد حبه جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية وكذا الباذنجان فحكمه حكم القطن على ما تقدم.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى

(1)

: بيع المسك فى نافجته مع النافجة والنوى فى التمر مع التمر وما فى داخل البيض مع البيض والجوز واللوز والفستق والصنوبر والبلوط والقسطل وكل ذى قشر مع قشره سواء كان عليه قشران أو واحد. والعسل مع الشمع فى شمعه. والشاة المذبوحة فى جلدها مع جلدها جائز كل ذلك.

وهكذا كل ما خلقه الله تعالى كما هو مما يكون ما فى داخله بعضا له. وكذلك الزيتون بما فيه من الزيت. والسمسم بما فيه من الدهن. والإناث بما فى ضروعها من اللبن. والبر والعلس فى أكمامه مع الأكمام وفى سنبله مع السنبل. كل ذلك جائز حسن.

ولا يحل بيع شئ مغيب فى غيره مما غيبه الناس إذا كان مما لم يره أحد لا مع وعائه ولا دونه. فإن كان مما قد رؤى جاز بيعه على الصفة كالعسل والسمن فى ظرفه واللبن كذلك والبر فى وعائه وغير ذلك كله والجزر والبصل والكرات والسلجم

(1)

المحلى لأبى سعيد على بن حزم الظاهرى الأندلسى ج 8 ص 293 وما بعدها مسألة رقم 1422 طبع بمطبعة المنيرية بمصر سنة 1348 الطبعة الأولى.

ص: 228

والفجل قبل أن يقلع.

وقال الشافعى: ما له قشران فلا يجوز بيعه حتى يزال القشر الأعلى.

قال ابن حزم كل جسم خلقه الله تعالى فله طول وعرض وعمق.

قال تعالى: «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ»

(1)

. وكل ما ذكرنا فكذلك بيعه بنص القرآن جائز.

وقد أجمعوا وصحت السنن المجمع عليها على جواز بيع التمر والعنب والزبيب وفيها النوى وأن النوى داخل فى البيع.

وأجمعوا على جواز بيع البيض كما هو وإنما الغرض منه ما فى داخله ودخل القشر فى البيع بلا خلاف من أحد، وكذلك الزيتون بما فيه من الزيت، والسمسم بما فيه من الدهن، والشاة المذبوحة كما هى. فليت شعرى ما الفرق بين هذا وبين ما اختلفوا فيه المسك فى نافجته مع النافجة والعسل فى شمعه مع الشمع.

ولا سبيل إلى فرق لا فى قرآن ولا فى سنة ولا رواية سقيمة. ولا قول صاحب ولا تابع ولا قياس ولا معقول ولا رأى يصح. وكل ذلك بيع قد أباحه الله تعالى ولم يخص منه شيئا. وقد قال الله تعالى: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ»

(2)

فلو كان حراما لفصله الله تعالى.

فإذا لم يفصله فهو منصوص على تحليله وليس فى ذلك غرر لأنه جسم واحد خلقه الله تعالى عز وجل كما هو وكل ما فى داخله بعض لجملته.

ثم قال ابن حزم

(3)

: ومن هذا بيع الحامل بحملها إذا كانت حاملا من غير سيدها. لأن الحمل خلقه الله عز وجل من منى الرجل ومنى المرأة ودمها فهو بعض أعضائها وحشوتها ما لم ينفخ فيه الروح.

قال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»

(4)

. فبيعها بحملها كما هى جائز. هى وحملها للمشترى. فإذا نفخ فيه الروح فقد اختلف أهل العلم.

فقالت طائفة هو بعد ذلك غيرها، لأنها أنثى.

وقد يكون الجنين ذكرا. وهى فردة. وقد يكون فى بطنها اثنان. وقد تكون هى كافرة. وما فى بطنها مؤمنا. وقد يموت أحدهما ويعيش الآخر. وقد يكون أحدهما معيبا والآخر صحيحا. وقد يكون أحدهما أسود والآخر أبيض. ولو وجب عليها قتل لم تقتل هى حتى تلد. فصح أنه غيرها. فلا يجوز دخوله فى بيعها. وهكذا فى إناث سائر الحيوان.

حاش اختلاف الدين فقط أو القتل فقط.

وقال آخرون: هو كذلك إلا أنه حتى الآن مما خلقه الله تعالى فيها وولده منها ولم يزايلها بعد.

فحكمه فى البيع كما كان حتى يزايلها وليس كونه

(1)

الآية رقم 275 من سورة البقرة.

(2)

الآية رقم 119 من سورة الأنعام.

(3)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 493.

(4)

الآية رقم 12 - 14 من سورة المؤمنون.

ص: 229

غيرها وكون اسمه غير اسمها وصفاته غير صفاتها بمخرج له عما كان له من الحكم إلا بنص وارد فى ذلك.

وهذا النوى هو بلا شك غير التمر وإنما يقال نوى التمر وصفاته غير صفات التمر واسمه غير اسم التمر. وكذلك قشر البيض أيضا وكذلك بيض ذات البيض قبل أن تبيضه. وكل ذلك جائز بيعه كما هو. لأن الله تعالى خلق كل ذلك كما هو.

وما زال الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعلمه يبيعون التمر ويتواهبونه ويبيعون البيض ويتهادونه من بيض الدجاج والنعام ويتبايعون العسل ويتهادونه كما يشتارونه فى شمعه.

ويتبايعون إناث الضأن والبقر والخيل والمعز والإبل والإماء والظباء حوامل وغير حوامل ويغنمون كل ذلك ويتقسمونهن ويثوارثونهن ويقتسمونهن كما هن. فما جاء قط نص بأن للأولاد حكما آخر قبل الوضع فبيع الحامل بحملها جائز كما هو ما لم تضعه

(1)

.

وهذا هو الثواب عندنا وبه نقول. لأنه كله باب واحد وعمل واحد.

وقال ابن حزم: ما تولى المرء وضعه فى الشئ كالبذر يزرع والنوى يغرس فإن هذا شئ أودعه المرء فى شئ آخر مباين له بل هذا ووضعه الدراهم والدنانير فى الكيس والبر فى الوعاء والسمن فى الإناء سواء ولا يدخل حكم أحدهما فى الآخر.

ومن باع من ماله شيئا لم يلزمه بيع شئ آخر غيره وإن كان مقرونا معه ومضافا إليه.

فمن باع أرضا فيه بذر مزروع ونوى مغروس ظهرا أو لم يظهرا فكل ذلك للبائع ولا يدخل فى البيع. قال تعالى: «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»

(2)

ووجدنا البذر والنوى مالا للبائع بلا شك فلا يحل لغيره أخذه إلا برضى الذى ملكه له.

وقال ابن حزم

(3)

: لا يحل بيع شئ من المغيبات كلها دون ما عليها أصلا لا يحل بيع النوى أى نوى كان قبل إخراجه وإظهاره دون ما عليه.

ولا بيع المسك دون النافجة قبل إخراجه من النافجة. ولا بيع البيض دون القشر قبل إخراجه عنه ولا بيع حب الجوز واللوز والفستق والصنوبر والبلوط والقسطل والجلوز. وكل ذى قشر دون قشره قبل اخراجه من قشره.

ولا بيع العسل دون شمعه قبل إخراجه من شمعه. ولا لحم شاة مذبوحة دون جلده قبل سلخها. ولا بيع زيت دون الزيتون قبل عصره.

ولا بيع شئ من الأدهان دون ما هو فيه قبل إخراجه منها. ولا بيع حب البر دون أكمامه قبل إخراجه منها ولا بيع سمن من لبن قبل إخراجه.

(1)

المرجع السابق لأبى سعيد بن حزم الظاهرى ج 8 ص 394 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 188 من سورة البقرة.

(3)

المحلى لأبى سعيد الظاهرى ج 8 ص 394 وما بعدها مسألة رقم 1425 الطبعة السابقة.

ص: 230

ولا بيع لبن قبل حلبه أصلا. ولا بيع الجزر والبصل والكراث والفجل قبل قلعه لا مع الأرض ولا دونها، لأن كل ذلك بيع غرر لا يدرى مقداره ولا صفته ولا رآه أحد فيصفه وهو أيضا أكل مال بالباطل.

قال الله تعالى: «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» }.

وبالضرورة يدرى كل أحد أنه لا يمكن البتة وجود الرضى على مجهول وإنما يقع التراضى على ما علم وعرف.

فإذا لا سبيل إلى معرفة صفات كل ما ذكرنا ولا مقداره فلا سبيل إلى التراضى به وإذ لا سبيل إلى التراضى به فلا يحل بيعه وهو أكل مال بالباطل أما الجزر والبصل والكراث والفجل فكل ذلك شئ لم يره قط ولا تدرى صفته وهو بيع غرر وأكل مال بالباطل إذا بيع وحده.

وأما بيعه بالأرض معا فليس مما ابتدأ الله تعالى خلقه فى الأرض فيكون بعضها وإنما هو شئ من مال الزارع لها أودعه فى الأرض كما لو أودع فيها شيئا من سائر ماله ولا فرق.

فما لم يستحل البذر عن هيئته فبيعه جائز مع الأرض ودونها لأنه شئ موصوف معروف القدر وقد رآه بائعه أو من وصفه له فبيعه جائز لأن التراضى به ممكن.

وأما إذا استحال عن حاله فقد بطل أن يعرف كيف هو وما صفته وليس هو من الأرض ولكنه شئ مضاف إليها فهو مجهول الصفة جملة.

ولا يحل بيع مجهول الصفة بوجه من الوجوه لأنه بيع غرر حتى يقلع ويرى.

ثم قال ابن حزم فى موضع آخر

(1)

: وأما بيع الظاهر دون المغيب فيها فحلال إلا أن يمنع من شئ منه نص. فجائز بيع الثمرة واستثناء نواها.

وبيع جلد النافجة دون المسك الذى فيها والجراب والظروف كلها دون ما فيها وقشر البيض واللوز والفستق والبلوط والقسطل.

وكل قشر لا تحاشى شئ دون ما تحتها.

وبيع الشمع دون العسل الذى فيه وبيع التبن دون الحب الذى فيه.

وجلد الحيوان المذبوح أو المنحور دون لحمه أو دون عضو مسمى منها.

وبيع الأرض دون ما فيها من بذر أو خضروات مغيبة أو ظاهرة ودون الزرع الذى فيها ودون الشجر الذى فيها والحيوان اللبون دون لبنه الذى اجتمع فى ضروعه. ولا يحل استثناء لبن لم يحدث بعد ولا اجتمع فى ضروعه.

ويجوز بيع الحامل دون حملها سواء نفخ فيه الروح أو لم ينفخ. ولا يحل بيع حيوان حى واستثناء عضو منه أصلا.

ويجوز بيع عصارة الزيتون والسمسم دون الدهن قبل عصره.

ولا يحل بيع جلد حيوان حى دون لحمه ولا

(1)

المرجع السابق لابن سعيد محمد بن على الظاهرى الأندلسى ج 8 ص 398 وما بعدها مسألة رقم 1426 الطبعة السابقة.

ص: 231

دون عضو مسمى منه أصلا.

ولا يجوز بيع مخيض لبن قبل أن يمخض ولا الميش قبل أن يخرج.

وبرهان كل ما ذكرنا. قول الله تعالى:

«وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» }. وقوله تعالى: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» فكل بيع لم يأت فى القرآن ولا فى السنة تحريمه باسمه مفصلا فهو حلال بنص كلام الله تعالى.

وكل ما ذكرنا فمال للبائع وملك له يبيع منه ما شاء فهو من ماله ويمسك منه ما شاء من ماله فما ظهر من ماله ورؤى أو وصفه من رآه فبيعه جائز ويمسك ما لم يره هو ولا غيره لأنه لا يحل بيع المجهول، ولأنه لا يريد بيعه فذلك له وإن كان مرئيّا حاضرا أو موصوفا غائبا.

وأما قولنا: لا يحل استثناء لبن لم يحدث بعد، فلأنه إنما يحدث إذا أحدثه الله تعالى فى مال غيره فلا يحل له أن يشترط من مال غيره شيئا، إلا أن يكون الثمن فيما باع فقط، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل.

وإنما منعنا من بيع حيوان إلا عضوا مسمى منه وأجزنا بيع الحامل دون حملها.

فإن ذلك الحيوان لا يخلو إما أن يكون من بنى آدم، أو من سائر الحيوان فإن كان من سائر الحيوان فاستثناء العضو المعين منه أكل مال بالباطل، لأنه لا ينتفع به إلا بذبحه.

ففى هذا البيع اشتراط ذبح الحيوان على بائع العضو منه أو على بائعه إلا عضوا منه. وهذا شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل.

وإن كان ذلك الحيوان من بنى آدم فكذلك أيضا وهو إضاعة للمال جملة.

وأما الحمل والصوف والوبر والشعر وقرن الآيائل، وكل ما يزايل الحيوان بغير مثلة ولا تعذيب فهو مال لبائعه يبيع من ماله ما شاء ويمسك ما شاء إلا أن يكون فى ذلك إضاعة مال أو مثلة حيوان أو إضرار به فلا يحل لصحة النهى عن المثلة وعن تعذيب الحيوان.

وأما منعنا من بيع المخيض دون السمن قبل المخض ومن بيع الميش دون الجبن قبل عصره فلأنه لا يرى ولا يتميز ولا يعرف مقداره فقد يخرج المخض والعصير قليلا وقد يخرج كثيرا.

وهذا بخلاف بيع عصارة الزيتون والسمسم دون الدهن قبل العصر، لأن الزيتون والسمسم واللوز والجوز كل ذلك مرئى معروف وإنما الخافى فهو الدهن فقط ولا يحل بيعه قبل ظهوره.

ويجوز استثناؤه لأنه إبقاء له فى ملك مالكه وهذا مباح حسن.

وقد روينا

(1)

من طريق ابن أبى شيبة عن قرة ابن سليمان عن محمد بن فضيل عن أبيه ابن عمر فيمن باع أمة واستثنى ما فى بطنها قال له ثنياه. وقد صح هذا أيضا عن ابن عمر فى العتق.

وروينا من طريق ابن أبى شيبة عن هشيم عن

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى الأندلسى ج 8 ص 400 وما بعدها طبع مطبعة المنيرية بمصر سنة 1348 هـ الطبعة الأولى

ص: 232

المغيرة عن إبراهيم النخعى قال: من باع حبلى واستثنى ما فى بطنها فله ثنياه فيما قد استبان خلقه فإن لم يستبن خلقه فلا شئ.

قال ابن حزم سواء استبان خلقه أو لم يستبن له ثنياه لأنه ماله يستثنيه إن شاء فلا يبيعه أو يدخل فى صفقة أمه، لأنه بعضها ما لم ينفخ فيه الروح ومن جملتها بعد نفخ الروح فيه.

ثم قال ابن حزم فى موضع آخر

(1)

: ومن باع الظاهر دون المغيب أو باع مغيبا يجوز بيعه بصفة كالصوف فى الفراش والعسل فى الظرف والثوب فى الجراب فإنه إن كان المكان للبائع فعليه تمكين المشترى من أخذ ما اشترى ولا بد وإلا كان غاصبا مانع حق وعلى المشترى إزالة ماله عن مكان غيره وإلا كان غاصبا للمكان مانع حق.

فمن باع تمرا دون نواها فأخذ التمر وتخليصها من النوى على المشترى لأنه مأمور بأخذ متاعه ونقله وترك النوى مكانه وإن كان المكان للبائع فإن أبى أجبر واستؤجر عليه من يزيل التمر عن النوى ولا يكلف البائع ذلك إلا أن يشاء.

وهكذا القول فى نافجة المسك والظروف دون ما فيها والقشور دون ما فيها والشمع دون العسل والتبن دون الحب وجلد الحيوان المذبوح دون المنحور ولحمة الزيتون والسمسم وكل ذى دهن.

وأما من باع الأرض دون البذر أو دون الزرع أو دون الشجر أو دون البناء فالحصاد على الذى له الزرع والقلع على الذى له الشجر والبناء والقطع أيضا عليه، لأن فرضا عليه إزالة ماله عن أرض غيره.

ومن باع الحيوان دون اللبن أو دون الحمل فالحلب على الذى له اللبن ولا بد أجرة القابلة عليه أيضا لأن واجبا عليه إزالة لبنه عن ضرع حيوان غيره. وليس على صاحب الحيوان إلا إمكانه من ذلك فقط لا خدمته فى حلب لبنه وكذلك على الذى له ملك الولد العمل فى العون فى أخذ مملوكه أو مملوكته من بطن أمة غيره بما أبيح له من ذلك.

ومن باع سارية خشب أو حجر فى بناء فعلى المشترى قلع ذلك بألطف ما يقدر عليه من التدعيم لما حول السارية من البناء وهدم ما حواليها مما لا بد له من هدمه ولا شئ عليه فى ذلك لأن له أخذ متاعه كما يقدر.

ومن هو مأمور بشئ ويعمل فى شئ فلا ضمان عليه لأنه بفعل ما يفعل من ذلك محسن.

وقد قال الله تعالى: «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ»

(2)

. فإن تعدى ضمن.

ومن باع

(3)

صوفا أو وبرا أو شعرا على الحيوان فالجز على الذى له الصوف والشعر والوبر، لأن عليه إزالة ماله عن مال غيره ومكان الشعر والوبر والصوف وهو جلد الحيوان فعلى الذى له كل ذلك

(1)

المرجع السابق لابن حزم الظاهرى الأندلسى ج 8 ص 402 وما بعدها مسألة رقم 1427 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 91 من سورة التوبة.

(3)

المحلى لأبى سعيد بن حزم الظاهرى الأندلسى ج 8 ص 404 وما بعدها مسألة رقم 1428.

ص: 233

إزالة ماله عن مكان غيره. وعلى الذى له المكان أن يمكنه من ذلك فقط.

كذلك من اشترى خابية فى بيت فعليه إخراجها وله أن يهدم من باب البيت ما لا بد له من هدمه لإخراج الخابية ولا ضمان عليه فى ذلك إذ لا سبيل له إلى عمل ما كلف به إلا بذلك.

ثم قال ابن حزم

(1)

: وبيع السيف دون غمده جائز وبيع الغمد دون النصل جائز.

وبيع الحلية دونهما جائز. وبيع نصفها مشاعا أو ثلثها أو عشرها أو شئ منها بعينه كل ذلك جائز وأحل الله البيع.

وكذلك بيع قطعة من ثوب أو من خشبة معينة محدودة جائز وأحل الله البيع.

وبيع

(2)

حلقة الخاتم دون الفص جائز وقلع الفص حينئذ على البائع وبيع الفص دون الحلقة جائز وقلع الفص حينئذ على المشترى. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام.

والفص فى الحلقة فهى مكان للفص ففرض على الذى له الفص إخراج الفص من مال غيره وليس له أن يشغل مال غيره بغير إذنه وليس على صاحب الحلقة إلا إمكانه من ذلك فقط وألا يحول بينه وبين ماله ولمتولى إخراج الفص توسيع الحلقة بما لا بد منه فى استخراج متاعه ولا ضمان عليه لأنه فعل ما هو مأمور بفعله فإن تعدى ضمن.

وهكذا القول فى الجذع يباع دون الحائط أو الحائط يباع دونه والشجرة دون الأرض أو الأرض دون الشجرة ولا فرق.

ثم قال ابن حزم

(3)

: ومن باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، وأما قبل الآبار فالطلع للمبتاع.

ولا يجوز فى ثمرة النخل إلا الاشتراط فقط.

وأما البيع فلا حتى يصير زهوا فإذا أزهى جاز فيه الاشتراط مع الأصول. وجاز فيها البيع مع الأصول ودون الأصول.

وليس هذا الحكم إلا فى النخل المأبور وحده كما جاء النص، ولو ظهرت ثمرة النخل بغير آبار لم يحل اشتراطها أصلا لأنه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما سائر الثمار فإن من باع الأصول وفيها ثمرة قد ظهرت أو لم يبد صلاحها فالثمرة ضرورة ولا بد للبائع ألا يحل بيعها لا مع الأصول ولا دونها ولا اشتراطها أصلا، ولا يجوز لمشترى الأصول أن يلزم البائع قلع الثمرة أصلا إلا حتى يبدو صلاحها، فإذا بدا صلاحها فله أن يلزمه أخذ ما يمكن النفع فيه بوجه ما من الوجوه ولا يلزمه أخذ ما لا يمكن الانتفاع به بوجه من الوجوه.

(1)

المحلى لأبى سعيد الظاهرى ج 8 ص 418 وما بعدها مسألة رقم 1437 طبع بمطبعة إدارة الطباعة بمصر سنة 1348 الطبعة الأولى.

(2)

المرجع السابق لأبى سعيد بن حزم الظاهرى الأندلسى ج 4 ص 408 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 424 وما بعدها مسالة رقم 1450 طبع أداره الطباعة المنيرية بمصر سنة 1348 هـ الطبعة الأولى.

ص: 234

وأما تخصيص النخل بما ذكرنا فلأن النص لم يرد إلا فيها فقط مع وجود الآبار، وأما بعد ظهور الطيب فى ثمرة النخل

(1)

فإنه يجوز فيها الاشتراط إن بيعت الأصول ويجوز فيها البيع مع الأصول ودونها، أما الاشتراط فلوقوع الصفة عليها وهى قول النبى صلى الله عليه وسلم: قد أبرت فهذه ثمرة قد أبرت وأما جواز بيعها مع الأصول ودونها فلإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعها إذا أزهت.

ومن باع

(2)

أصول نخل وفيها ثمرة قد أبرت فللمشترى أن يشترط جميعها إن شاء أو نصفها أو ثلثها أو جزءا، كذلك مسمى مشاعا فى جميعها أو شيئا منها معينا فإن وجد بالنخل عيبا ردها ولم يلزمه رد الثمرة لأن بعض الثمرة ثمرة وقوله صلى الله عليه وسلم: وفيها ثمرة قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، يقع على كل ما كان منها ما يسمى ثمرة للنخل، والاشتراط غير البيع فلا يرد ما اشترط من أجل رده لما اشترى إذ لم يوجب ذلك نص قرآن ولا سنة، فلو اشترى ثمرة النخل بعد ظهور الطيب أو ثمر أشجار غير النخل ثم وجد بالأصول عيبا فردها أو وجد بالثمرة عيبا فردها.

فإن كان اشترى الثمرة مع الأصول صفقة واحدة رد الجميع ولا بد، أو أمسك الجميع ولا بد، لأنها صفقة واحدة فلو كان اشترى الثمرة فى صفقة أخرى لم يردها إن رد الأصول بعيب، ولا يرد الأصول إلا إن رد الثمرة بعيب، فلو اشترى الأصول من النخل واشترط - الثمرة أو بعضها فوجد البيع فاسدا فوجب رده ورد الثمرة ولا بد، وضمنها إن كان أتلفها أو تلفت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبح الاشتراط إلا للمبتاع، ولا يكون مبتاعا إلا من قد صح بيعه،

وأما من لم يصح بيعه فليس هو الذى جعل له النبى صلى الله عليه وسلم اشتراط الثمرة فإذا ليس هو ذلك فحرام عليه ما اشترطه بخلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعد، وقد قال الله تعالى:«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» }.

ثم قال ابن حزم: ومن باع نخلة أو نخلتين وفيها ثمر قد أبر لم يجز للمبتاع اشتراط ثمرتها أصلا ولا يجوز ذلك إلا فى ثلاثة فصاعدا، ومن باع حصة له مشاعة فى نخل فإن كان يقع له فى حصته منها لو قسمت ثلاث نخلات فصاعدا جاز للمبتاع اشتراط الثمرة وإلا فلا.

والثمرة فى كل ما قلنا للبائع ولا بد، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، فلم يحكم عليه السلام بذلك إلا فى نخل وأقل ما يقع عليه اسم نخل ثلاث فصاعدا لأن لفظ

(1)

التأبير فى النخل هو أن يشقق الطلع ويذر فيه دقيق الفحال وفحال النخل هو ما كان من ذكوره فحلا لاناثه المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 434 وما بعدها. الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأبى سعيد بن حزم الظاهرى الاندلس ج 8 ص 408 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 235

التثنية الواقع على اثنين معروف فى اللغة التى بها نزل القرآن وخاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول لفظ الجمع إنما يقع على الثلاث فصاعدا.

ولا يحل

(1)

بيع شئ غير معين من جملة مجتمعة، لا بعدد ولا بوزن ولا بكيل، كمن باع رطلا أو قفيزا أو صاعا. أو مديا

(2)

أو أوقية من هذه الجملة من التمر أو البر أو اللحم أو الدقيق أو كل مكيل فى العالم أو موزون كذلك، وكمن باع ثلاثة من هذه البيض أو أربعة أو أى عدد كان أو من كل ما يعد، أو كمن باع ذراعا أو ذراعين أو نحو ذلك من كل ما يذرع سواء استوت أبعاض كل ذلك أو لم تستو. وإنما تجب أولا المساواة.

فإذا تراضيا كال أو وزن أو عد أو ذرع فإذا ذلك تعاقد البيع حينئذ على تلك العين المكيلة أو الموزونة أو المذروعة أو المعدودة ثم بقى التخيير من أحدهما للآخر فيمضى أو يرد أو يتفرقا بأبدانهما بزوال أحدهما عن الآخر، فلو تعاقد البيع قبل ما ذكرنا من الكيل أو الوزن أو العد أو الذرع لم يكن بيعا وليس بشئ.

وبرهان صحة قولنا قول الله تعالى: «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»

(3)

. فحرم الله أخذ المرء مال غيره بغير تراض منهما وسماه باطلا وبضرورة الحس يدرى كل أحد أن التراضى لا يمكن البتة إلا فى معلوم متميز.

وكيف إن قال البائع أعطيك من هذه الجهة.

وقال المشترى بل من هذه الأخرى كيف العمل؟

ومن جعل أحدهما بالإجبار على ما يكره من ذلك أولى من الآخر وهذا ظلم لإخفاء به.

وكذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، ولا غرر أكثر من ألا يدرى البائع أى شئ هو الذى باع ولا يدرى المشترى أى شئ اشترى وهذا حرام بلا شك.

وقال ابن حزم فى موضع آخر

(4)

: ولا يحل بيع المرء جملة مجموعة إلا كيلا مسمى منها أو إلا وزنا مسمى منها أو إلا عددا مسمى منها أى شئ كان، وكذلك لا يحل أن يبيع هذا الثوب أو هذه الخشبة إلا ذرعا مسمى منها وكذلك لا يحل بيع الثمرة بعد طيبها واستثناء مكيلة مسماة منها أو وزن مسمى منها أو عدد مسمى منها أصلا قل ذلك أو كثر.

وكذلك لا يحل بيع نخل من أصولها أو ثمرتها على أن يستثنى منها نخلة بغير عينها لكن يختارها المشترى هذا كله حرام مفسوخ أبدا محكوم فيما قبض منه كله بحكم الغصب وإنما الحلال فى ذلك أن يستثنى من الجملة إن شاء أى جملة كانت حيوانا أو غيره أو من الثمرة نصف كل ذلك مشاعا أو ثلث كل ذلك مشاعا أو ثلثى كل ذلك أو أكثر أو أقل جزءا مسمى منسوبا مشاعا فى الجميع أو يبيع جزءا

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 429 وما بعدها مسألة رقم 1458 طبع بإدارة الطباعة المنيرية سنة 1350 هـ الطبعة الأولى.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 429، ص 430 مسألة رقم 1458

(3)

الآية رقم 188 سورة البقرة.

(4)

المحلى ج 8، ص 431 مسألة رقم 1459

ص: 236

كذلك من الجملة مشاعا أو يستثنى منها عينا معينة محوزة كثرت أم قلت أو يبيع منها عينا معينة محوزة كثرت أم قلت فهذا هو الحق الذى لا خلاف من أحد فى جوازه إلا فى مكان واحد نذكره إن شاء الله تعالى.

وبرهان صحة قولنا

(1)

هو ما روى عن عطاء ابن أبى رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا حتى تعلم. فصح أن الاستثناء لا يحل إلا معلوما من معلوم.

ثم قال ابن حزم فى موضع آخر

(2)

: إن كان مع الذهب شئ غيره أى شئ كان من فضة أو غيرها ممزوج به أو مضاف فيه أو مجموع إليه فى دنانير أو فى غيرها لم يحل بيعه مع ذلك الشئ ولا دونه بذهب أصلا لا بأكثر من وزنه ولا بأقل ولا بمثله إلا حتى يخلص الذهب وحده خالصا.

وكذلك إن كان مع الفضة شئ غيرها كصفر أو ذهب أو غيرهما ممزوج بها أو ملصق معها أو مجموع إليها لم يحل بيعها مع ذلك الشئ ولا دونه بفضة أصلا دراهم كانت أو غير دراهم لا بأكثر من وزنها ولا بأقل ولا بمثل وزنها إلا حتى تخلص الفضة وحدها خالصة.

وسواء فى كل ما ذكرنا السيف المحلى والمصحف المحلى والخاتم فيه الفص والحلى فيه الفصوص أو الفضة المذهبة أو الدنانير فيها خلط صفر أو فضة أو الدراهم فيها خلط ما.

وكذلك إن كان فى القمح شئ من غيره مخلوط به أو مضاف إليه من دغل أو غيره لم يجز بيعه بذلك الشئ ولا دونه بقمح صاف أصلا وكذلك القول فى الشعير فيه شئ غيره أو معه شئ غيره فلا يحل بيعه بشعير محض وفى التمر يكون فيه أو معه شئ غيره فلا يحل بيعه بتمر محض.

ثم قال ابن حزم

(3)

: فإن كان ذهب وشئ آخر غير الفضة معه أو مركبا فيه جاز بيعه كما هو مع ما هو معه ودونه بالدراهم يدا بيد ولا يجوز نسيئة.

وكذلك الفضة معها شئ آخر غير الذهب أو مركبا فيها أو هى فيه جاز بيعها مع ما هى معه أو دونه بالدنانير يدا بيد ولا يجوز نسيئة.

وكذلك القمح معه ثمر أو ملح أو أى شئ آخر فجائز بيعه مع الآخر دونه بشعير يدا بيد ولا يجوز نسيئة، وكذلك الشعير معه تمر أو ملح أو غير ذلك فجائز بيعه وما معه أو دونه بقمح نقدا لا نسيئة.

وكذلك التمر معه الشعير أو ملح أو غير ذلك فجائز بيعه معه أو دونه بقمح نقدا لا نسيئة وكذلك الملح معه قمح أو شعير أو غير ذلك فجائز بيعه بالتمر نقدا لا نسيئة.

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 432، ص 433 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 494، ص 495 مسألة رقم 1488.

(3)

المرجع السابق ج 8 ص 500 وما بعدها مسألة رقم 1489 نفس الطبعة السابقة.

ص: 237

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(1)

: أنه يصح بيع نصيب من زرع قد استحصد أى قد أوقت حصاده من الشريك أو غيره. وإن لم يكن قد أوقت حصاده فمن الشريك فقط.

ولا يصح بيعه من غير الشريك لأنه لا يباع إلا بشرط القلع والقطع لا يكون إلا عند القسمة والقسمة لا تكون إلا عند الحصاد.

فلو باع من الشريك صح ذلك لأنه قد رضى بإدخال المضرة على نفسه.

وكذا إن كانت الأرض للمشترى أو اشترط البقاء مدة معلومة.

وكذا إذا لم يكن للبائع شريك لأنه قد رضى بإدخال المضرة على نفسه قبل ويصح بيع كل كامل يدل فرعه عليه كالبقل والثوم والبصل والجزر فى منابتها وسواء كانت ظهرت فروعه أم لا إذا كان قد بلغ مدة الانتفاع به.

قال المهدى عليه السلام: وإنما قلنا يدل فرعه عليه احترازا من خلاف ذلك الطعام المبذور ونحوه مما المقصود فيه فرعه لا أصله فإن ذلك لا يصح بيعه. وهذا القول صححه القاضى زيد.

وقال الناصر: إنه يجوز إذا كانت أوراقه قد ظهرت لا إذا لم تظهر.

قال المهدى عليه السلام: وظاهر المذهب أنه لا يصح مطلقا. ويصح بيع شئ ملصق بغيره كالفص من الخاتم ونحوه الخشبة من السقف والحجر من البناء ونحو ذلك وإن تضرر الملصق والملصق به فإن ذلك لا يمنع من صحة البيع غالبا احترازا من بيع الصوف من جلد الحى فإنه لا يصح بيعه ونحو ذلك. ويخير البائع والمشترى قبل الفصل. فإن فصل بطل الخيار.

ويضح بيع صبرة إذا كانت من مقدر كيلا أو وزنا أو عددا أو ذرعا أى يصح بيع جملة من شئ مقدر بأى هذه التقديرات سواء كان المبيع من مستو أو مختلف ولبيع الصبرة صور أربع.

الصورة الأولى: أن يبيعها جزافا نحو أن تكون ثم جملة من طعام أو عسل أو رمان أو أرض مذروعة أو ثياب فيبيع كل تلك الجملة من غير تعيين قدرها بل يقول بعت منك هذا الشئ بكذا.

فهذا يصح إن كان غير مستثن لشئ من الصبرة التى باعها جزافا. فإن استثنى فسد البيع إلا فى صورتين:

إحداهما: أن يستثنى جزءا مشاعا نحو ثلثها أو ربعها أو نحوها فإن البيع يصح مع هذا الاستثناء.

الثانية: أن يستثنى قدرا معلوما على أن يكون مختارا لذلك القدر من تلك الصبرة فى مدة معلومة نحو أن يقول: بعت منك هذا الرمان إلا ثلاثا منها اختارها فى ثلاثة أيام أو نحو ذلك فإن البيع يصح مع هذا الاستثناء.

فلو لم يشرط الخيار مدة معلومة فسد البيع فلا يصح البيع مع الاستثناء إلا فى هاتين الصورتين

(1)

شرح الأزهار ج 3 ص 24، 25 وهامشه.

ص: 238

ولا يصح فى غيرهما وهذا بيع الثنيا.

وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الثنيا إلا أن يعلم وهو أن يبيع ويستثنى واحدا لا بعينه فيفسد. فإن عين المستثنى صح لقوله صلى الله عليه وسلم فله ثنياه.

وقال أبو مضر: أنه يصح بيع الصبرة إلا مدّا أو نحو ذلك. ويصح أن يبيع المذبوح ويستثنى أرطالا معلومة منه لكن لا يستقر البيع إلا بعد تمييزها ويكون لهما الخيار، قال: لكن يجب أن يستثنى من عضو مخصوص ليقل التفاوت وهكذا ذكر فى الانتصار، هذا إذا كان البيع والاستثناء حال الحياة أما بعد الذكاة فمتفق أنه يصح.

الصورة الثانية: من صور بيع الصبرة أن يقول بعت منك كل كذا بكذا، نحو أن يقول:

بعت منك هذه الصبرة كل مد بدرهم أو كل ذراع بدرهم أو كل حبة من الرمان بدرهم فإن البيع يصح فيخير المشترى لمعرفة قدر الثمن. فإن جاء والثمن نقص عن الصبرة أو يزيد فله الخيار ويثبت له أيضا خيار الرؤية فيما هو مختلف.

قال الفقيه على: وخيار معرفة مقدار المبيع يثبت أيضا لمعرفة مقدار الثمن.

الصورة الثالثة

(1)

: أن يقول البائع للمشترى: بعت منك هذا المقدار على أنه مائة مد أو مائة رطل أو مائة درهم أو مائة شاة أو ثوب أو رمانة بكذا درهم فإن البيع يصح.

الصورة الرابعة: أن يقول: بعت منك هذه الصبرة على أنها مائة مد كل كذا منها بكذا، نحو كل مد منها بدرهم ونحو ذلك، فإن البيع يصح وللمشترى خيار الرؤية فى مختلف هاتين الصورتين جميعا فإن زاد المبيع أو نقص فى هاتين الصورتين الأخيرتين اللتين هما على أنها مائة بكذا أو مائة كل كذا بكذا فسد البيع فى المختلف مطلقا سواء كان معدودا أو مذروعا أم مكيلا أم موزونا.

وأما إذا زاد أو نقص فى غير المختلف وهو المستوى كالمكيل والموزون والمذروع والمعدود الذى هو مستوى الحال ليس بعضه أفضل من بعض.

فإن المشترى يخير فى النقص بين الفسخ للمبيع لأجل النقصان. وبين الأخذ للناقص بالحصة من الثمن. بمعنى أنه ينقص من الثمن المسمى قدر ما نقص من المبيع إلا المذروع إذا نقص فى الصورة الأولى من هاتين الصورتين الأخيرتين فبالكل إن شاء أخذ المبيع بكل الثمن المسمى ولو انكشف كونه ناقصا عما شرط. وإن شاء فسخ لأجل النقصان.

مثال ذلك بعت منك هذا الثوب على أنه مائة ذراع بمائة درهم فانكشف أنه تسعين ذراعا فإن المشترى مخير إن شاء فسخه وإن شاء أخذه بالمائة بخلاف ما لو كان مكيلا أو موزونا أو معدودا فإنه يخير بين الفسخ والأخذ بتسعين درهما، وأما الصورة الثانية من الأخيرتين فالمذروع وغيره فى أنه يخير بين الفسخ والأخذ بالحصة.

(1)

كتاب شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 24، 25 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 الطبعة الثانية.

ص: 239

قال المهدى عليه السلام

(1)

: ولما تكلمنا فى حكم النقصان فى الصورتين الأخيرتين تكلمنا فى حكم الزيادة إذا انكشفت. وصورة ذلك أن يقول: بعت منك هذه الصبرة على أنها مائة مد بمائة درهم أو على أنها مائة مد كل مد بدرهم فانكشف أنها مائة وعشرة أمداد وجب عليه فى هذه الزيادة ردها ويأخذ المائة بالثمن المسمى. إلا الزيادة فى المذروع فيأخذها بلا شئ فى الصورة الأولى.

وهو حيث قال: بعت منك هذا الثوب أو هذه العرصة على أنها مائة ذراع بمائة درهم فانكشف أنها مائة ذراع وعشرة أذرع فإنه يأخذ المائة والعشرة الأذرع بالمائة الدرهم فقط.

وأما حيث قال إنه على مائة ذراع كل ذراع بدرهم فإنه يخير إن شاء أخذ العشرة الزائدة بحصتها من الثمن فى هذه الصورة الثانية فيأخذ المبيع بمائة درهم وعشرة دراهم. أو إن شاء يفسخ البيع ويصح بيع بعض صبرة من المكيل والموزون والمعدود والمذروع. لكن بيع البعض على وجهين:

أحدهما: أن يبيع بعضها مشاعا من نصف أو ثلث أو نحو ذلك وذلك جائز مطلقا. ولا يخير البائع فى التسليم من أى الجوانب شاء.

الثانى: أن يبيع شيئا مقدرا معلوما نحو مد أو رطل أو رمانة أو ذراع أو نحو ذلك.

فإن كانت الصبرة مستوية الأجزاء صح البيع مطلقا. وإن كانت مختلفة لم يصح بيع الجزء المقدر إلا إذا ميز فى المختلف قبل البيع إما بعزل أو إشارة فإن لم يميز فسد البيع إلا أن يشرط الخيار لأحدهما.

هذا فى المكيل والموزون والمعدود.

وأما المذروع إذا اختلفت أجزاؤه فقد أوضحه المهدى عليه السلام بقوله: وعينت وجهته فى مختلف المذروع. فإن لم يعين فسد البيع.

وكذا يصح البيع إن شرط الخيار لأحدهما مدة معلومة يختار ذلك البعض من الصبرة فى مختلف المكيل والموزون والمعدود ويختار من أى الجهات شاء فى مختلف المذروع، لا لو قال: بعت منك منها كذا مدا وكذا ذراعا نحو أن يقول بعت منك من هذه الصبرة عشرين مدّا أو عشرين ذراعا بكذا درهم ففى هذه الصورة يفسد البيع إن نقصت الصبرة عن العشرين. فإن وجدت قدر المسمى أى قدر ما سمى أو أكثر صح البيع. أو قال بعت منك من هذه الصبرة كل كذا بكذا نحو كل مد بدرهم مطلقا يعنى سواء قيدت بشرط أم لم تقيد زادت أم نقصت فيفسد البيع لجهالة المبيع.

ولا يصح البيع فى حق من الحقوق

(2)

كحق الشفعة وحق مرور الماء ووضع الجذوع ونحو ذلك مما لا يتملك فيه عينا وإنما استحق أمرا يتعلق بالعين أو حمل أو لبن لم ينفصلا من البطن والضرع فإنه لا يصح بيعهما.

وقال الفقيه يحيى: إذا باع من اللبن قدرا معلوما وكان الذى فى الضرع أكثر جاز.

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار وحواشيه ج 3 ص 25، 26 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار ج 3 ص 35، 36 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 240

قال مولانا المهدى عليه السلام: وهذا بعيد لعموم النهى ولأن المبيع يختلط بالحادث فلا يتميز أو ثمر بيع قبل أن يصير إلى حال ينتفع به فلا يصح بيعه ولو شرط البقاء حتى ينفع أو بعد أن بلغ حدا ينتفع به فلا يصح بيعه قبل صلاحه وصلاحيته أن يأخذ الثمر فى ألوانه وأن يطيب أكثر العنب فلا يصح بيعه قبل الصلاح قيل إلا أن يشتريه بشرط القطع فورا فإنه يصح بيعه لأنه يمكن الانتفاع به والقائل بذلك ابن أبى الفوارس.

ولا يصح البيع فيما يخرج شيئا فشيئا

(1)

نحو البقول والباذنجان والقثاء ونحوها حتى تظهر كلها ويستكمل الظهور. فإن باعها قبل وجودها فهو بيع معدوم. وفيه خلاف هل هو باطل أم فاسد؟

وإن باع الموجود والمعدوم معا فسد فى الموجود.

ويصح استثناء هذه الأشياء التى لا يصح بيعها.

وهل كذلك الحمل واللبن اللذان لم ينفصلا والثمر والذى يخرج شيئا فشيئا؟ لكن إذا استثنى الولد وجب على المشترى أن يمكن الأم أن ترضع ولدها رضعة واحدة أو ثلاث رضعات على الوجه الذى يعيش به ولو كان أكثر.

قال المهدى عليه السلام: والمذهب ما أومأ إليه أبو طالب من أنه لا يلزم البائع قيمة اللبن خلاف المؤيد بالله فهذه الأشياء الأربعة وإن لم يصح بيعها فإنه يصح استثناؤها مدة معلومة.

وأما الحق فيصح استثناؤه مطلقا وإن لم يضرب له مدة وهو المسيل والمرور وسكن الدار واستثنى الشجرة وبقاؤها فى قرارها مدتها ونفقة مستثنى اللبن على مشتريه فإذا باع البهيمة واستثنى لبنها فنفقتها واجبة على المشترى وينفقها المعتاد ويمنع المشترى من إتلافه، أى لا يجوز له إتلاف المبيع ولو كان مالكا حتى يستوفى صاحب اللبن ومدته، ولا ضمان إن فعل ما يتلفه إن كان آثما هذا هو الصحيح للمذهب.

وقال الفقيه يحيى إذا ذبحها غرم ما بين قيمتها مستثناة اللبن وغير مستثناة إلا أن يكون ذلك الإتلاف واقع فى شجر بيع وهو مستثنى الثمر فإنه يجب الضمان على متلفه وهو ما بين قيمته مستثنى الثمر وغير مستثناه.

ولا يصح البيع فى جزء غير مشاع من حى فلا يصح بيع جلد الشاة وهى فى الحياة ولا صوفها ولا لحم بطنها وما أشبه ذلك.

وأما المذكاة فيصح بيع ذلك منها.

وعلى هذا أيضا لا يصح استثناء جلدها من قبل أن تذكى ولا شيئا من أجزائها غير مشاع كرأسها أو يدها فأما بعد التذكية فيصح.

ولا يجوز

(2)

فى المشترى المشترك بين جماعة لأحدهم أن يبيع حصته لا من الشركاء ولا من غيرهم، لأنه يؤدى إلى إبطال خيار الرؤية على شركائه، لأن الحكم فيها لمن رد كما يأتى أو إلى تفريق الصفقة على البائع، هكذا ذكره أبو العباس

(1)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 37، 38، 39 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح وحواشيه ج 3 ص 39، 40 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 241

وأبو طالب تعليلا لإطلاق الهادى وهو الذى أطلقه الأزهار وقرره المؤلف إلا أن يبيعوه جميعا فيصح ذلك قبل رؤيتهم له. وأما لو لم يكن مشتركا فإنه يصح بيعه قبل رؤيته إذا كان قد قبض.

وقال المؤيد بالله

(1)

: بل يجوز لأحد الشركاء بيع حصته قبل الرؤية ومتى انضم إلى جائز البيع غيره فسد إن لم يتميز ثمنه، نحو أن يقول: اشتريت منى هذين العبدين بكذا وأحدهما حر أو مكاتب أو مدبر أو أم ولد، ويقول: اشتريت منى هذه العرصة كلها وفيها قبر أو مسجد أو يشترى مسلوختين أحدهما ميتة أو ذبيحة من لا تحل ذبيحته ونحو ذلك فإن البيع يفسد فإن تميز ثمن أحدهما عن ثمن الآخر، نحو أن يقول: بعت منك هذين العبدين كل واحد منهما بخمسمائة أو هذا بألف وهذا بخمسمائة فإنه يصح البيع فى العبد دون الحر وكذلك سائرها.

ومن باع مال الغير من غير إذنه ثم زاد المال قبل الإجازة ثم أجاز صاحبه فإنها لا تدخل الفوائد فى العقد بل تكون للبائع.

ولو كانت متصلة حالة الإجازة كالصوف واللبن أو منفصلة كالولد والثمرة بعد انفصالهما فإن الزيادة لا تدخل لأن الإجازة إنما تتناول ما كان موجودا حال العقد ذكر معنى ذلك فى شرح أبى مضر.

قال المهدى عليه السلام: وفى ذلك ضعف عندنا. وقد أشرنا إلى ضعفه. ووجه الضعف أن المبيع يملك بالإجازة منعطفا من يوم العقد لأن الإجازة كالكاشفة عن الملك لأنها كالخيار فتدخل الفوائد الحادثة بعد العقد قبل الإجازة.

وعن المنصور بالله وأبى مضر فى موضع آخر:

أنها تدخل إن كانت متصلة كالحمل والصوف لا منفصلة.

وعن صاحب اللمع: أن البائع إن أجاز عالما بها دخلت وإلا فلا.

أما الزيادة التى لا تنفصل كالسمن والكبر فهى تدخل وفاقا لأنه لا يصح إفرادها بالعقد.

وينفذ البيع فى نصيب العاقد إذا كان شريكا فأما نصيب الشريك فموقوف على إجازته

فإن أجاز صح وإلا صح نصيب العاقد فقط غالبا احتراز من بعض الصور وذلك حيث يكون نفوذه فى نصيب الشريك يحصل به ضرر الشركاء فإنه لا ينفذ فى نصيبه إذا لم يجيز وأمثال ذلك لو كان أربعة شركاء فى أرض أرباعا فباع أحدهما ربع ذلك المشترك وعينه فى جانب معين من الأرض فإن العقد لا ينفذ فى نصيبه هاهنا لأن ذلك يؤدى إلى أن يستحق المشترى ربع الربع ويلزم لو فعل البائع كذلك فى ربع ثانى وثالث ورابع فيصح ربعه فى مواضع وذلك يضر بالشركاء فلا يصح هذا إذا لم يجيزوا.

وأما إذا أجازوا جميعا نفذ البيع فى ذلك الربع كله واشتركوا فى الثمن وبقى الثلاثة الأرباع مشتركة بينهم اللهم إلا أن يقصد البائع القسمة وأجازوا

(1)

المرجع السابق شرح الأزهار وحواشيه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 40، 41 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 242

اصح البيع وكان الثمن له وحده وباقى المبيع لهم وحدهم فإن لم يصادقوه فى قصد القسمة بعد أن أجازوا فالقول قولهم.

وإذا اشترى

(1)

خشبة من سقف أو حجرا من دار أو فصا من خاتم فإن مؤن فصل هذه الأشياء ونحوها على البائع لا على المشترى. وكذلك الكيل والوزن.

أما لو باع الثمرة على الشجرة كالعنب والرطب فإنه لا يجب على البائع مؤن القطف بل على المشترى.

ثم قال فى موضع آخر

(2)

: ومن ملك رقيقين فصاعدا بينهما رحامة محرمة كالأخوين أو أمّا وولدها أو ولد وخاله أو خالته أو عمه فإنه لا يجوز له إخراج احداهما عن ملكه إلى ملك غيره ببيع أو هبة إلا أن يشتريهما جميعا واحد فإن ذلك يجوز بخلاف ما إذا اشتراهما اثنان فلا يجوز التفريق حتى يبلغ الصغير. وإن رضى الكبير بالتفريق لم يجز ذلك لأجل رضاه.

وقال المنصور بالله: إذا رضى الكبير جاز التفريق.

أما التفريق بالعتق أو بالجهات فإنه يجوز أن يعتق أحدهما دون الآخر، وأن يجعل أحدهما فى جهة والآخر فى جهة.

قال: على إلا أن يحصل معه التضرر فإنه لا يجوز.

قال مولانا المهدى عليه السلام: هذا صحيح لاتفاق ذلك هو والتفريق فى الملك فى العلة وهو الضرر.

وجاء فى موضع آخر

(3)

: ويدخل فى بيع الدار طرقها فيستحقها المشترى وكذلك كل ما ألصق بها لينفع مكانه من دون نقل كسفل الرحاء والمدقة والملصقة مكانها والأبواب المسلسلة دون الموضوعة والسلالم المسمور دون الموضوع.

قال المهدى عليه السلام: والأقرب أن أعلى الرحا يدخل فى جهاتنا لأجل العرف.

قال: وكذلك الأبواب المنصوبة وإن لم تكن مسلسلة لأجل العرف.

قال أبو مضر ويدخل فرجية الدار والبستان، لأنه للدوام لا فرجية الزرع.

ويدخل فى بيع الأرض الماء وإن لم يذكر إلا لعرف بأن الأرض تباع دون مائها والعكس.

ويدخل أيضا فى بيع الأرض السواقى التى يجرى الماء فيها إلى الأرض والمساقى وهى الأصباب التى ينحدر منها ماء المطر إلى الأرض وكذلك الحيطان وهى الحدرات تدخل فى بيع الأرض تبعا.

وإذا بيعت الأرض دخلت الطرق المعتادة إن

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن بن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 46، 47 وما بعدها طبع بمطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 الطبعة الثانية.

(2)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 82، 83 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لأبى الحسن بن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 126، 127، 128 وما بعدهم وحواشيها الطبعة السابقة.

ص: 243

كانت لها طرق معتادة مع البائع.

وألا يكون لها طريق فى ملك البائع ففى ملك المشترى تكون طريقها إن كان فى ملكه ما يتصل بها. وألا يكون إليها طريق فى أملاك المشترى ففى ملك البائع ويجبره الحاكم على ذلك إن كان له ملك يتصل بها وألا يكن لها طريق معتادة ولا اتصل بها ملك المشترى ولا البائع فعدم الطريق عيب فإما أرضيها المشترى أو فسخ، اعلم أنه لا خلاف فى أن ما كان حقّا للأرض لا يستغنى عنه كالطريق والمسقى.

قال الفقيه على: ما ذكر الفقيه يحيى: أن الذى يدخل إنما هو حق الاستطراق فقط دون ملك القرار إذا لم يتبعوا الملك من الطريق مع الأرض.

وقال الفقيه على: ظاهر كلام اللمع عن المؤيد بالله أن الملك يدخل تبعا ويليه الغدار فإنه يدخل تبعا مع أنهم لم يبيعوه.

قال المهدى عليه السلام: المتبع فى ذلك هو العرف فما قضى به من دخول القرار أو غيره فهو المعمول عليه.

ويدخل فى بيع الأرض شجر نابت مما يبقى سنة فصاعدا كالنخيل والأعناب وأصول القصب والكرات. ولا يدخل ما يقتطع من ذلك النابت إن لم يشترط دخوله فى المبيع وذلك من غصن وورق وثمر فإنها لا تدخل فى البيع تبعا.

وقال أبو طالب وأبو جعفر إن الأغصان التى تقطع كأغصان التوت تدخل فى المبيع تبعا كالصوف.

والمختار فى كتاب قول المؤيد بالله وهو أنها لا تدخل إن لم يشترط دخولها.

قال الأستاذ: وإذا باعها قبل أن تورق فهى للمشترى.

قال فى الروضة هذا إجماع.

وإنما الخلاف إذا باعها مورقة.

قال الفقيه على: وأغصان الحناء كأغصان التوت.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(1)

: أنه لو باع غير المملوك مع ملكه ولم يجز المالك صح البيع فى ملكه ووقف فيما لا يملك على إجازة مالكه.

فإن أجاز صح البيع ولا خيار وإن رد فخير المشترى مع جهله بكون بعض المبيع غير مملوك للبائع لتبعض الصفقة أو الشركة فإن فسخ رجع كل مال إلى مالكه وإن رضى صح البيع فى المملوك للبائع بحصته من الثمن ويعلم مقدار الحصة بعد تقويمهما جميعا ثم تقويم أحدهما منفردا ثم نسبة قيمته إلى قيمة المجموع فيخصه من الثمن مثل تلك النسبة فإذا قوما بعشرين وأحدهما بعشرة صح فى المملوك بنصف الثمن كائنا ما كان وإنما أخذ بنسبة القيمة ولم يخصه من الثمن قدر ما قوم به لاحتمال زيادتها عنه ونقصانها فربما جمع فى بعض القروض بين الثمن والمثمن على ذلك التقدير كما لو كان قد اشترى المجموع فى المثال بعشرة وإنما يعتبر قيمتهما مجتمعين

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 279 وما بعدها.

ص: 244

إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل فى زيادة قيمة كل واحد كثوبين.

أما لو استلزم ذلك كمصراعى باب لم يقوما مجتمعين إذ لا يستحق مالك كل واحد ماله إلا منفردا. وحينئذ فيقوم كل منهما منفردا وينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة.

نعم لو كان لمالك واحد فأجاز فى أحدهما دون الآخر أمكن فيه ما أطلقوه مع احتمال ما قيدناه.

وكذا لو باع ما ملك مبنيّا لمجهول وما لا يملك كالعبد مع الحر أو الخنزير مع الشاة فإنه يصح فى المملوك بنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين من الثمن ويقوم الحر لو كان عبدا على ما هو عليه من الأوصاف والكيفيات والخنزير عند مستحليه أما بإخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب. ويحصل بقولهم العلم أو الظن المتاخم له.

أو بإخبار عدلين مسلمين يطلعان على حاله عندهم لا منهم مطلقا لاشتراط عدالة المقوم هذا مع جهل المشترى بالحال ليتم قصده إلى شرائهما ويعتبر العلم بثمن المجموع لا الأفراد فيوزع حيث لا يتم له.

أما مع علمه بفساد البيع فيشكل صحته لإفضائه إلى الجهل بثمن المبيع حال البيع، لأنه فى قوة بعتك العبد بما يخصه من الألف إذا وزعت عليه وعلى شئ آخر لا يعلم مقداره الآن، أما مع جهله فقصده إلى شراء المجموع ومعرفة مقدار ثمنه كاف إن لم يعلم مقدار ما يخص كل جزء ويمكن جريان الأشكال فى البائع مع علمه بذلك ولا يعد فى بطلانه من طرف أحدهما دون الآخر.

هذا إذا لم يكن المشترى قد دفع الثمن أو كانت عينه باقية أو كان جاهلا. وكما يصح العقد من المالك يصح من القائم مقامه.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: أن فى بيع البستان تدخل الأرض والشجر قطعا والبناء كالجدار وما أشبهه من الركائز المثبتة فى داخله لحفظ التراب عن الانتقال.

أما البناء المعد للسكنى ونحوه ففى دخوله وجهان: أجودهما: اتباع العادة.

ويدخل فيه الطريق والشرب للعرف ولو باعه بلفظ الكرم تناول شجر العنب لأنه مدلوله لغة.

وأما الأرض والعريش والبناء والطريق والشرب فيرجع فيها إلى العرف.

وكذا ما اشتمل عليه من الأشجار وغيره وما شك فى تناول اللفظ له لا يدخل.

ويدخل فى الدار الأرض والبناء أعلاه وأسفله إلا أن ينفرد الأعلى عادة فلا يدخل إلا بالشرط أو القرينة والأبواب المثبتة. وفى المنفصلة كألواح الدكاكين وجهان:

أجودهما: الدخول للعرف وانفصالها للارتفاق فتكون كالجزء وإن انفصلت.

ثم قال

(2)

: ويشترط فى المبيع أن يكون مقدورا على تسليمه فلو باع الحمام الطائر أو غيره من الطيور المملوكة لم يصح إلا أن تقضى العادة بعوده

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 337.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 281.

ص: 245

فيصح لأنه حينئذ كالعبد المنفذ فى الحوائج والدابة المرسلة.

ولو باع المملوك الآبق المتعذر تسليمه صح مع الضميمة إلى ما يصح بيعه منفردا فإن وجده المشترى وقدر على إثبات يده عليه وإلا كان الثمن بإزاء الضميمة ونزل الآبق بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم ولكن لا يخرج بالتعذر عن ملك المشترى فيصح عتقه عن الكفارة وبيعه لغيره مع الضميمة ولا خيار للمشترى مع العلم بإباقه لقدومه على النقص.

أما لو جهل جاز الفسخ إن كان البيع صحيحا.

ويشترط فى بيعه ما يشترط غيره من كونه معلوما فى موجود عند العقد وغير ذلك سوى القدرة على تسليمه فلو ظهر تلفه حين البيع أو استحقاقه لغير البائع أو مخالفا للوصف بطل البيع فيما يقابله فى الأولين وتخير المشترى فى الأخير على الظاهر. ولو قدر المشترى على تحصيله دون البائع فالأقرب عدم اشتراط الضميمة فى صحة البيع لحصول الشرط وهو القدرة على تسليمه.

ووجه الاشتراط صدق الإباق معه الموجب للضميمة بالنص وكون الشرط التسليم وهو أمر آخر غير التسليم. ويضعف بأن الغاية المقصودة من التسليم حصوله بيد المشترى بغير مانع وهى موجودة والموجبة للضميمة العجز عن تحصيله وهى مفقودة وعدم لحوق أحكامها لو ضم فيوزع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله أو تلف قبل القبض ولا يتخير لو لم يعلم بإباقه.

ولا يشترط فى الضميمة صحة إفرادها بالبيع، لأنه حينئذ بمنزلة المقبوض وغير ذلك من الأحكام.

ولا يلحق بالآبق غيره مما فى معناه كالبعير الشارد والفرس العاير على الأقوى بل المملوك المتعذر تسليمه بغير الإباق اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص.

وأما الضال والمحجور من غير إباق فيصح البيع ويراعى بإمكان التسليم فإن أمكن فى وقت قريب لا يفوت به شئ من المنافع يعتد به أو رضى المشترى بالصبر إلى أن يسلم لزم.

وإن تعذر فسخ المشترى إن شاء.

وإن شاء التزم وبقى على ملكه ينتفع به بالعتق ونحوه ويحتمل قويا بطلان البيع لفقد شرط الصحة وهو إمكان التسليم.

وكما يجوز جعل الآبق مثمنا يجوز جعله ثمنا سواء أكان فى مقابله آبق آخر أم غيره لحصول معنى البيع فى الثمن والمثمن وفى احتياج العبد الآبق المجعول ثمنا إلى الضميمة احتمال لصدق الإباق المقتضى لها ولعله الأقرب لاشتراكهما فى العلة المقتضية لها وحينئذ يجوز أن يكون أحدهما ثمنا والآخر مثمنا مع الضميمتين.

ولا يكفى فى الضميمة فى الثمن والمثمن ضم آبق آخر إليه لأن الغرض من الضميمة أن يكون ثمنا إذا تعذر تحصيله فتكون جامعة لشرائطه التى من جملتها إمكان التسليم والآبق الآخر ليس كذلك.

ولو تعددت العبيد فى الثمن والمثمن كفت

ص: 246

ضميمة واحدة لصدق الضميمة مع الآبق.

ولا يعتبر فيها كونها متمولة إذا وزعت على كل واحد لأن ذلك يصير بمنزلة ضمائم مع أن الواحدة كافية.

ثم قال:

(1)

ويجوز ابتياع جزء معلوم النسبة كالنصف والثلث مشاعا تساوت أجزاؤه كالحبوب والأدهان أو اختلفت كالجواهر والحيوان إذا كان الأصل الذى بيع جزؤه معلوما بما يعتبر فيه من كيل أو وزن أو عد أو مشاهدة فيصح بيع نصف الصبرة المعلومة المقدار والوصف ونصف الشاة المعلومة بالمشاهدة أو الوصف.

ولو باع شاة غير معلومة من قطيع بطل وإن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياه وتساوت أثمانها لجهالة عين المبيع.

ولو باع قفيزا من صبرة صح وإن لم يعلم كمية الصبرة، لأن المبيع مضبوط المقدار وظاهره الصحة وإن لم يعلم اشتمال الصبرة على القدر المبيع فإن نقصت تخير المشترى بين الأخذ للموجود منها بحصة من الثمن وبين الفسخ لتبعض الصفقة.

واعتبر بعضهم العلم باشتمالها على المبيع أو إخبار البائع به وإلا لم يصح وهو حسن.

نعم لو قيل بالاكتفاء بالظن الغالب باشتمالها عليه كان متجها ويتفرع عليه ما ذكره أيضا.

واعلم أن أقسام بيع الصبرة عشرة ذكر المصنف بعضها منطوقا وبعضها مفهوما وجملتها أنها إما أن تكون معلومة المقدار أو مجهولته.

فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع وبيع جزء منها معلوم مشاع وبيع مقدار كقفيز يشتمل عليه وبيعها كل قفيز بكذا لا بيع كل قفيز منها بكذا والمجهولة يبطل بيعها فى جميع الأقسام الخمسة إلا الثالث.

وهل ينزل القدر المعلوم فى الصورتين على الإشاعة أو يكون المبيع ذلك المقدار فى الجملة؟

وجهان: أجودهما: الثانى، وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة وعلى الثانى يبقى المبيع ما بقى قدره.

وجاء فى موضع آخر

(2)

: أنه لا يجوز بيع سمك الآجام مع ضميمة القصب أو غيره للجهالة ولو فى بعض المبيع ولا اللبن فى الضرع بفتح الضاد وهو الثدى لكل ذات خف أو ظلف كذلك، أى وإن ضم إليه شيئا ولو لبنا محلوبا لأن ضميمة المعلوم إلى المجهول تصير المعلوم مجهولا.

أما عدم الجواز بدون الضميمة فموضع وفاق.

وأما معها فالمشهور أنه كذلك.

وقيل يصح استنادا إلى رواية ضعيفة.

وبالغ الشيخ فجوز ضميمة ما فى الضرع إلى ما يتجدد مدة معلومة.

والوجه المنع.

نعم لو وقع ذلك بلفظ الصلح اتجه الجواز.

وفصل آخرون فحكموا بالصحة مع كون المقصود بالذات المعلوم وكون المجهول تابعا. وإنما

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 286 وما بعدها.

(2)

الروضة البهية ج 1 ص 288 وما بعدها.

ص: 247

البطلان العكس وتساويهما فى القصد الذاتى وهو حسن.

وكذا القول فى كل مجهول ضم إلى معلوم، ولا الجلود والأصواف والأشعار على الأنعام. وإن ضم إليها غيره لجهالة مقداره مع كون غير الجلود موزونا فلا يباع جزافا، إلا أن يكون الصوف وشبهه مستجزا أو شرط جزه فالأقرب الصحة لأن المبيع حينئذ مشاهد والوزن غير معتبر مع كونه على ظهرها وإن استجزت كالثمرة على الشجرة وإن استجزت.

وينبغى على هذا عدم اعتبار اشتراط جزه، لأن ذلك لا مدخل له فى الصحة بل غايته مع تأخيره أن يمتزج بمال البائع وهو لا يقتضى بطلان البيع كما لو امتزجت لقطة الخضر بغيرها فيرجع إلى الصلح. ولو شرط تأخيره مدة معلومة وتبعية المتجدد بنى على القاعدة السالفة. فإن كان المقصود بالذات هو الموجود صح وإلا فلا.

ويجوز بيع دود القز لأنه حيوان طاهر ينتفع به منفعة مقصودة محللة ونفس القز وإن كان الدود فيه لأنه كالنوى فى التمر فلا يمنع من بيعه.

وربما احتمل المنع، لأنه إن كان حيّا عرضه للفساد وإن كان ميتا دخل فى عموم النهى عن بيع الميتة وهو ضعيف، لأن عرضه للفساد لا يقتضى المنع والدود لا يقصد بالبيع حتى تمنع ميتته.

وقد يقال إن فى النوى منفعة مقصودة كعلف الدواب بخلاف الدود الميت وكيف كان لا تمنع من صحة البيع.

وإذا كان البيع فى ظرف جاز بيعه مع وزنه معه وأسقط ما جرت العادة به للظرف سواء كان ما جرت به زائدا عن وزن الظرف قطعا أم ناقصا ولو لم تطرد العادة لم يجز إسقاط ما يزيد إلا مع التراضى.

ولا فرق بين إسقاطه بغير ثمن أصلا وبثمن مغاير للمظروف ولو باعه مع الظرف من غير وضع جاعلا مجموع الظرف والمظروف مبيعا واحدا بوزن واحد فالأقرب الجواز لحصول معرفة الجملة الرافعة للجهالة ولا يقدح الجهل بمقدار كل منهما منفردا، لأن المبيع هو الجملة لا كل فرد بخصوصه.

وقيل لا يصح حتى يعلم مقدار كل منهما لأنهما فى قوة مبيعين وهو ضعيف.

ثم قال

(1)

: ولا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها وهو بروزها إلى الوجود وإن كانت فى طلع أو كمام عاما واحدا بمعنى ثمرة ذلك العام وإن وجدت فى شهر أو أقل سواء فى ذلك ثمرة النخل وغيرها وهو موضع وفاق.

وسواء ضم إليها شيئا أم لا ولا بيعها قبل ظهورها أيضا أزيد من عام على الأصح للغرر.

ولم يخالف فيها إلا الصدوق لصحيحة يعقوب ابن شعيب عن أبى عبد الله الدالة على الجواز ولا يخلو من قوة إن لم يثبت الإجماع على خلافه.

ويجوز بيعها بعد بدو صلاحها إجماعا وفى جوازه قبله بعد الظهور من غير ضميمة ولا زيادة عن عام ولا مع الأصل ولا بشرط القطع خلاف

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 303 وما بعدها.

ص: 248

أقربه الكراهة جمعا بين الإخبار بحمل ما دل منها على النهى على الكراهة.

والقول الآخر للأكثر المنع وتزول الكراهة بالضميمة إلى ما يصح إفراده بالبيع أو شرط القطع وإن لم يقطع بعد ذلك مع تراضيهما عليه أو بيعها مع الأصول وهو فى معنى الضميمة وبدو الصلاح المسوغ للبيع مطلقا أو من غير كراهة وهو احمرار التمر بالمثناة من فوق مجازا فى ثمرة النخل باعتبار ما يؤول إليه أو اصفراره فيما يصفر أو انعقاد ثمر غيره من شجر الفواكه وإن كانت فى كمام بكسر الكاف جمع أكمة بفتح الهمزة وكسر الكاف وفتح الميم مشددة وهى غطاء الثمرة والنور كالرمان.

وكذا لو كانت فى كمامين كالجوز واللوز وهذا هو الظهور المجوز للبيع أيضا.

وإنما يختلف بدو الصلاح والظهور فى النخل ويظهر فى غيرها عند جعله تناثر الزهر بعد الانعقاد أو تلون الثمرة أو صفاء لونها أو الحلاوة أو طيب الأكل مثل التفاح والنضج فى مثل البطيخ أو تناهى عظم بعضه فى مثل القثاء كما زعمه الشيخ رحمه الله تعالى فى المبسوط.

ويجوز بيع الخضر بعد انعقادها وإن لم يتناه عظمها لقطة ولقطات معينة، أى معلومة العدد، كما يجوز شراء الثمرة الظاهرة وما يتجدد فى تلك السنة وفى غيرها مع ضبط السنين، لأن الظاهر منها بمنزلة الضميمة إلى المعدوم سواء كانت المتجددة من جنس الخارجة أم غيره.

ويرجع فى اللقطة إلى العرف فما دل على صلاحيته للقطع يقطع وما دل على عدمه لصغره أو شك فيه لا يدخل. أما الأول فواضح.

وأما المشكوك فيه فلأصالة بقائه على ملك مالكه وعدم دخوله فيما أخرج باللقط فلو امتزجت الثانية بالأولى لتأخير المشترى قطعها فى أوانه تخير المشترى بين الفسخ والشركة للتعيب بالشركة ولتعذر تسليم المبيع منفردا.

فإن اختار الشركة فطريق التخلص بالصلح.

ولو اختار الإمضاء فهل للبائع الفسخ لعيب الشركة نظر. أقربه ذلك إذا لم يكن تأخر القطع بسببه بأن يكون قد منع المشترى منه.

وحينئذ أى حين إذ يكون الخيار للبائع لو كان الاختلاط بتفريط المشترى مع تمكين البائع وقبض المشترى أمكن عدم الخيار للمشترى، لأن التعيب جاء من قبله فيكون دركه عليه لا على البائع كما لو حصل مجموع التلف من قبله.

وكذا يجوز بيع ما يخرط كالحناء والتوت خرطة وخراطات وما يجز كالرطبة بفتح الراء وسكون الطاء وهى القضبة القصة والقضب والبقل كالنعناع جزة وجزات.

ولا تدخل الثمرة بعد ظهورها فى بيع الأصول مطلقا ولا غيره من العقود إلا فى ثمرة النخل فإنها تدخل فى بيعه خاصة بشرط عدم التأبير.

ولو نقل أصل النخل بغير البيع فكغيره من الشجر وجوز استثناء ثمرة شجرة معينة أو شجرات معينة وجزء مشاع كالنصف والثلث وأرطال معلومة وفى هذين الفردين وهما استثناء الجزء المشاع

ص: 249

والأرطال المعلومة يسقط من الثنيا وهو المستثنى بحسابه أى نسبته إلى الأصل ولو خاست الثمرة بأمر من الله تعالى.

بخلاف المعين كالشجرة والشجرات فإن استثناءها كبيع الباقى منفردا فلا يسقط منها بتلف شئ من المبيع شئ لامتياز حق كل واحد منهما عن صاحبه بخلاف الأول لأنه حق شائع فى الجميع فيوزع الناقص عليهما إذا كان التلف بغير تفريط.

قال صاحب اللمعة رحمه الله تعالى فى الدروس: وقد يفهم من هذا التوزيع تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة وقد تقدم ما يرجح عدمه ففيه سؤال الفرق وطريق توزيع النقص على الحصة المشاعة جعل الذاهب عليهما والباقى لهما على نسبة الجزء.

وأما فى الأرطال المعلومة فيعتبر الجملة بالتخمين وينسب إليها المستثنى ثم ينظر الذاهب فيسقط بتلك النسبة.

ولو قبض

(1)

البعض خاصة قبل التفرق صح فى ذلك البعض المقبوض وبطل فى الباقى وتخير معا فى إجازة ما صح فيه وفسخه لتبعض الصفقة إذا لم يكن من أحدهما تفريط فى تأخير القبض ولو كان تأخيره بتفريطهما فلا خيار لهما ولو اختص أحدهما به سقط خياره دون الآخر ولا بد من قبض الوكيل فى القبض عنهما أو عن أحدهما فى مجلس العقد قبل تفرق المتعاقدين ولا اعتبار بتفرق الوكيل وأحدهما أو هما أو الوكيلين.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: أنه يصح بيع أرض وحدها أو مع متصل بها كشجر وحائط وغار بحدود أربعة شرقى فغربى فقبلى فبحرى.

وجوز بعضهم ذكر الحدود وينبغى أن يتفق عليه ولا يختلف بلا ترتيب إن أتى عليها كلها.

وجوزه بعض بثلاثة منها وباثنين إن تبين ما لم يذكر وجاز الحصر بغير تلك الجهات أيضا كالجنوب والشمال.

وصح بيع دار وبيت ونحوهما بلا حدود وشجرة شاملة للنخلة وبستان وجنة وغار وما جل حوض يبنى للماء وأصله ما كان فى أصل جبل أو واد وفدان أرض حرث، وقد يطلق عليها وفيها بعض شجر، وقد يطلق على الجنان والبستان، وهى بعض الاصطلاحات قدر معلوم من الأرض، ومطمورة بئر وعين لم تعدد تلك الأشياء أو تعددت، إن كانت بأرض غير البائع، إن كانت متميزة.

أما ما لم يتميز فلا بد له من حد كدار أو بيت تهدم بعضه إلى الأرض فلا يدرى حده، أو اتصلا بغيرهما من بناء فلا يدرى حدهما من خارج، كشجرة ملتفة بأخرى تلتبس بها أولا يدرى كم لها من الأرض وكجنان أو بستان أو فدان لم يحط عليه فلا يدرى منتهى أطرافه، وكذا الغار والماجل والمطمورة والعين والبئر إن تهدمن فلم يدر طرفهن أو

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 308 وما بعدها.

(2)

شرح النيل ج 4 ص 171، 172.

ص: 250

استوين بالأرض إلا الجيل إما بعدم تميزها من ظاهر، أو بدفن نحو البئر.

ومن أراد

(1)

بيع أرض دون ما فيها من غار أو ماجل ودار وبيت وشجر ونحوه حد للمستثنى حدودا.

والصحيح عندى ألا يلزم الحد فيما كان متميزا بعينه كجنان مدور بحائط ودار وبيت وماجل غير مسقف أو مسقف لكنه مرتفع عن الأرض سواء بيع ذلك أو استثنى.

بخلاف جنان لم يدور عليه وبيت متصل بالبيوت لا يدرى منتهاه من خارج إلا بحد.

وبخلاف دار كذلك وبخلاف دار وبيت هدم بعضهما فاختلطا بغيرهما وبخلاف ماجل مسقف مستو بالأرض ونحوه فإن ذلك لا بد من حده بيع أو استثنى وإن دخل نحو البيت مشتريه أو مشترى أرض استثنى منها أو مشتريه منها كفى عن الحد إن علمه بدخوله.

وفى الديوان إن أراد بيع غرفة خط بينها وبين ما تحتها ورخص بلا خط إن دخلها ورخص ولو لم يدخلها.

وإن كانت الأشياء المذكورة ونحوها لغيره بأرضه وباع أرضه لم يلزمه إستثناء تلك الأشياء لتميزها بأسمائها.

وإن قال بعت أرضى هذه أو أرض كذا ولم يقل بعتها كلها وكل ما فيها ولا بعتها وكل ما فيها ونحو ذلك كبعتها وما فيها.

وإن أراد أن يقول وكل ما فيها أو نحوه فإنه يستثنى، وقيل إن أراد أن يقول كلها استثنى ولو كان لا يقول وكل ما فيها وإلا لم يلزمه استثناء وإنما صح له أن يقول وكل ما فيها، لأن فيها ما له كما أن فيها ما لغيره وإن لم يخبر بائع الأشياء المشترى بكونها لغيره فى أرضه، لأنه ذكر فى البيع الأرض.

وما ذكر من بيت ودار وغار ونحوه مخصوص بأسمائه كما ترى غير داخل فى الأرض إذا لم يقل وكل ما فيها ونحو ذلك.

وإن علمها مشترى الأرض لغير البائع ولم يذكرها له البائع كانت عيبا على المختار وهو أن العيب لا بد من الإخبار به ولو كان ظاهرا.

وقيل إذا كان معلوما لا يلزم الإخبار به وإن لم يعلمها مشترى الأرض لزم الإخبار بها.

وكل ما علم أحد المتابعين أن الآخر يتوهم دخول ما ليس فى البيع أو الشراء فيه لزمه الإخبار بأنه ليس له أو بأنه غير داخل سواء كان له أو لغيره وسواء الشراء بالأصل وبيع الأصل.

وإن كانت تلك الأشياء

(2)

من غار ومطمورة وماجل وبيت وبئر ونحو ذلك من مصالح الدار فيتوهم دخولها.

وقيل: إن البئر ليست من مصالحها ولا يجب على بائع الدار استثناء شجرة فيها لغيره لأنها ليست من مصالحها ولزمه إخبار بها وإلا يخبر كانت عيبا وإن كانت له لم يلزمه إخبار بل استثناء.

وقيل لزمه إخبار وإن كانت شجرة لغيره بأرضه

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 173.

(2)

شرح النيل ج 4 ص 174.

ص: 251

وباع أرضه وقال وكل ما فيها أو وما فيها فسد البيع إن لم يستثنها.

وإن لم يقل وكلها أو وما فيها لم يفسد بعدم استثنائها وقيل إن لم يقل وما فيها أو وكل ما فيها لم يفسد.

ولو قال كلها وحيثما ذكر الاستثناء فى تلك المسائل فإما لئلا يوهم دخول غير المبيع فى المبيع وإما لاشتمال لفظ العقد على ما لم يقصداه إذا علم المشترى عدم دخوله فإن للفظ فى العقد تأثيرا فى باب الحكم إذا خالف ما قصد المتعاقدان فيفسد عليهما فى الحكم إذا تشاجرا ورفع أمرهما للحكم وإلا فإنه يصح على ما نواهما.

ويجب

(1)

فى بيع أصل خاص استثنى ما فيه من قبور ومسجد ونحوه كمصلى إن كانت أرض تلك الأشياء من قبر ومسجد ونحوه له ولآبائه أو لأمهاته وقد يشملهن لفظ الآباء.

ووجه كون القبر له أنه لابنه المتوفى أو عبده أو زوجته أو من تحت يده.

وجه كونه لآبائه أنه قبر فيه أبوه أو أحد أجداده أو من تحت أيديهم. ووجه المسجد أنه بناه أبوه أو جد من أجداده وبناء البعض كبناء الكل.

والصحيح أن البيع صحيح ولو لم يستثن ذلك إذا علمه المشترى وتبين له ولا يجب الاستثناء إن كانت لغيرهم إن علمها المشترى وإلا وجب أن يستثنيها لئلا يتوهم دخولها بقوله مثلا وكل ما فيها وإن كانت ظاهرة متميزة ولم يقل وكل ما فيها ولا وما فيها أو نحو ذلك لم يجب استثناؤها ولو لم يعلمها المشترى.

وحاصل كلامه أن تلك الأشياء إذا كانت فى بيع عام لم يحتج لاستثناءها سواء كانت له أو لغيره وإذا كانت فى بيع خاص فإن كانت له استثناها وإلا لم يحتج لاستثنائها.

وعلل الشيخ ما ذكر من إنه لزم الاستثناء إن كان ما ذكر له مع الأرض بأنه ولو كان لا يحل له الاستنفاع بها لكنها فى أرضه فليستثن لزيادة الإيضاح ولدفع ما يتوهم.

وفى الديوان إن باع له ما بين الحدود فليس له فى الحدود ولا فيما وضعت عليه شئ.

وإن أراد بيع أرضه وفيها لغيره بئر أو عين أو مطمورة أو ماجل أو مسجد أو مصلى أو نحوها لم يحتج للحد.

وقيل يحتاج وإذا لم يستثن البائع ذلك لكونه للمشترى لزم المشترى أن يستثنيه إذا باع لكونه له

(2)

.

ويستثنى أيضا ما فى أصل المبيع خاصّا أو دمنة من ماء بئر أو عين أو مطر لأنه مجهول فلا يصح بيعه ثم يهبه لمشتر إن أراد المشترى الدخول على أن الماء له فلا يبطل ذلك بأن الهبة حيلة إلى بيع المجهول، لأن ذلك ترخيص للتعذر أو التعسر، ولأن الهبة لا يشترط فيها العلم عند بعض ولو كانت هبة ثواب.

وقيل إن كانت هبة ثواب اشترط العلم وإن لم

(1)

شرح النيل ج 4 ص 181.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 182، 183.

ص: 252

يستثن ولم يقل وما فيه صح البيع والماء للبائع.

وإن قال وما فيه بطل البيع لجهل الماء فيؤخذ مما ذكرنا جواز بيع الدار أو غيرها واستثناء ما فيها من وقف يصنع طعاما مثلا فى أوقات مخصوصة.

وإذا وقع الشراء تكفل المشترى بالقيام بذلك الوقف فى أوقاته على جهة أنه وهب القيام بذلك ولو كان قيامه به بعضا من الثمن فى الحقيقة وحال المثمن والثمن فى مثل ذلك واحد وإن لم يدخل المشترى على أن الماء له ثم وهبه له أو حوله أو فعل فيه فعلا ولم يدخل على أن يتكفل ثم تكفل به فلا أشكال فى الجواز وإن تميز الماء فى جانب محدود يدرك بالنظر أو بالذرع ونحوها جاز بيعه مع الأرض أو وحده كبيع جزاف فى غرارة أو نحوها على الصحيح عندى.

وقيل: لا وقيل: يباع وحده لأنه خلاف الأرض ولا ينو بهبة الماء قطع الشفعة عن مريده أو مريد له ولأصل بيع معه عمن له شفعتهما إذا كان يرغب عنها إذا كان الأصل بلا ماء.

وكذا من اشترى بئرا أو نحوها أو بعضها، فالتحقيق أن ينوى شراء أسفل البئر من الأرض وشراء جدرانها أو بعض ذلك.

وأما الماء الموجود فيها فى تلك الحال فإنه وهب له أو يذرع فيعلم كم هو فيباع على علم إن علم أيضا وسع البئر وضيقه ولم تكن لها خزانة مجهولة وإلا فليوهب.

وأما الماء الذى لم يوجد فى تلك الحال فلا وجه لنية شرائه وبيعه للنهى عن بيع ما ليس معك وليس فى ضمان البائع ولم يقدر عليه لأنه غير موجود فى بئره حينئذ بل سيأتى من العين بل لو باع بئرا ولم يدخل فيها المشترى وادعى المشترى أنه لا يعلم حيطانها ولا أسفلها أو خفى عنه بعضها لكان له النقض وإن نظر فيها من فوق واكتفى جاز فإن ظهر عيب ففيها الخلاف الذى فى بيع العيب

(1)

.

وصح بيع نخل عليه تمر مؤبر سواء أدرك أو لم يدرك وهو للبائع كما مر أنه للبائع إن لم يشترطه المشترى وهو مذهب عبد الله بن عبد العزيز.

وقيل: للمبتاع ولو أدرك وذلك أن التمر تابع للنخل وهو قول الربيع رحمه الله تعالى.

إلا إن اشترطه البائع.

وعلى قوله لا يحتاج المشترى إلى اشتراطها فهى له بلا شرط ولا يحتاج البائع فى تصحيح البيع إلى استثنائها.

وعلى الأول وهو قول ابن عبد العزيز كذلك لأنها للبائع بلا شرط فلا حاجة لاستثنائها.

وقيل لا بد من استثنائها لئلا يتوهم المشترى أنها له ولا سيما أن بعضا قال هى له كما مر ولا سيما إذا باع النخل فى الأرض وقال بعت الأرض وما فيها أو وكل ما فيها.

وإن قلت يلزم على قول الربيع بيع شيئين مختلفين بثمن واحد.

قلت قد أجاز غير واحد ذلك.

لكن الربيع لا يلزمه ذلك لأنه يثبت التمر للمشترى على سبيل التبع للنخل ورب شئ يصح

(1)

شرح النيل ج 4 ص 182، 183.

ص: 253

تبعا ولا يصح استقلالا.

ولا مانع من كون الربيع ممن يجيز بيع مختلفين بثمن واحد ونص بعضهم أنه غير مجيز له.

وكلام الربيع معارض لحديث من باع نخلا مؤبرا فتمره له إلا إن شرطه المبتاع. ومستلزم لإلغاء الحديث بالقياس على الأصل وهو النخلة فإن التمر جزء من المبيع.

والجواب أن كلام الربيع وابن عبد العزيز فى غير المؤبر لا فى المؤبر كما قيل وليس فى كلام الربيع نص أن التمر ولو أدرك للمشترى فغير المؤبر عنده للبائع وعند الربيع للمشترى واستظهر بعضهم الحكم بقوله فى غير النخل، لأن ثمرة الشئ جزؤه.

ويقول ابن عبد العزيز فى النخل للحديث المذكور.

واختلف فى الثمرة حتى تخالف أصلها فقيل إذا أبرت وقيل إذا أدركت فإذا بيعت معها بثمن واحد بعد مخالفته فإنما يجوز تبعا له أو على قول مجيز بيع مختلفين بثمن واحد.

ومن باع دارا أو بئرا أو بيتا أو شجرا أو شجرة أو نخلة أو جبّا أو مطمورة أو غارا أو نحوها دون أرض محيطة بها فسد بيعه إن لم يقل بكلها ومصالحها.

وقيل صح وتتبعها المصالح على أن بيعها بيع لمصالحها إذا كانت لا تعتبر بدون مصالحها.

فمن باع نخلة أو غيرها من الشجر أو جنانا ولم يذكر ما يسقى به ذلك فسد البيع على الأول وصح على الثانى فله ما يسقى به إن كان له مسقى والطرق والحريم والمزبلة

(1)

ونحوها من مصالح الأشياء المذكورة ونحوها وتختص الشجر بالمسقى والدار والبيت بالمزبلة وإن لم يكن فى عرف قوم لنحو الدار مزبلة لم يجب ذكرها.

وإن باع الدار والبيت والبئر والشجر ونحو ذلك مع الأرض قال بعت الأرض بكلها ومصالحها.

وكذا إن باع المصالح كطرق وحريم ومرسى ومسقى ومزبلة ونحو ذلك مع الأرض فإنه يذكر ذلك وحده. لاعتنائه به ويذكر الأرض وإذا باع ما بقى من الدار أو البيت وما بعده مع الأرض ذكر كل واحد باسمه كطريق وحريم وما ذكر بعدهما وإن لم يذكرها فسد البيع ولم يغن عنها قوله ومصالحها كذا قيل.

والصحيح أنه يغنى عنها ويصح البيع.

وإن قال بعتها كلها وكل ما فيها لم يدخل ما فيها من ذلك فيما قيل حتى يذكره. وإن لم يذكره فسد البيع.

والصحيح دخول ذلك وصحة البيع.

وهل يلزم

(2)

مشتريا نوعين أو شيئين أو أنواعا أو أشياء من نوع واحد كل مما يقصد فى الجملة على حدة لصفقة واحدة إن عيب بعضهما أو بعضها إمساك الكل أو رده أى يخير بين إمساك الكل بلا أرش أو رده إن لم يسم لكل نوع ثمنا وهو المختار. أو يلزمه رد معيب فقط بحصته من جملة

(1)

شرح النيل ج 4 ص 184.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 268، 269.

ص: 254

ثمن بتقدير للحصة إن أراد الرد وإلا قبل الكل بلا أرش.

ومعنى اللزوم الأخير أنه إذا اختار ألا يقبل الكل فإنما له رد المعيب بحصته فقط لا رد الكل قولان للجمهور القائلين بتخير مشترى المعيب.

لكن قد مر الخلاف فى جواز بيع أنواع مختلفة بثمن واحد.

واختار الشيخ المنع.

وقيل بفسخ البيع كله. وقيل بلزومه والأرش.

وإن سمى لكل ثمنا فهو مخير بين رده وحده بثمنه أو قبول الكل بلا أرش باتفاق الجمهور.

وأما على قول من يقول بصحة بيع العيب وبأن للمشترى الأرش فالبيع صحيح وله أرش المعيب سمى لكل ثمن أم لا.

وأما على قول من يقول بأن بيع العيب فسخ فإن سمى لكل ثمنا فقيل يفسخ المعيب فقط.

وقيل الكل لاتحاد الصفقة واختاره بعض وإلا فسخ.

وإن اشترى شيئين من رجلين أو أشياء من رجال فخرج عيب فى بعض وقد اتحدت الصفقة فإن اتحد الثمن خير بين رد الكل وإمساك الكل بلا أرش أو يلزم رد معيب فقط بثمنه بتقديره وإن شاء قبل الكل بلا أرش قولان للجمهور.

وإن عين للمعيب ثمنا فله رده وحده أو قبوله بلا أرش.

وكذلك إن اشترى رجلان أو أكثر من رجل أو أكثر معيبا فلا يجد أحدهما الرد دون الآخر.

وقيل يرد سهمه إن شاء بقيمته.

وإن عين سهم كل فى الصفقة بالحد من كذا إلى كذا إلا بالتسمية فله رد سهمه.

وكذا إن اشترى رجل أو أكثر من رجلين أو أكثر معيبا فلا يوجد رد سهم واحد فقط.

وقيل يرد وإن عين السهم المعيب جاز رده ولا يخفى فى تلك المسائل قول صحة البيع المعيب وأخذ الأرش. وأما قول فسخه فبيانه فسخ الكل إذا اتحدت الصفقة ولم يعين لكل ثمن وإن عين فقولان. والأقوال فى هذه المسألة يعتبر فيها القول بفسخ الصفقة إذا اشتملت على ما يجوز وعلى ما لا يجوز والقول بفسخ ما لا يجوز وحده والقول بفسخه وحده إن عين لكل ثمنا ويفسخ الكل إن لم يعين وذلك إذا قلنا بيع العيب فسخ.

ومن اشترى أمة أو دابة حاملا فولدت معيبا بنقص الأعضاء أو غيره لم يردها ولا أرش له على كل قول.

وإن خرج عيب فى خطام دابة أو سرجها ونحو ذلك مما بيعت به فمحكمه حكم العيب الخارج فيها على الأقوال وإن رأى العيب فيها فاستنفع بالخطام أو بالسرج أو نحوهما أو بالولد لزمته.

‌إفراد الوصية:

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الهداية وشروحها

(1)

: أنه لو أوصى شخص بجارية إلا حملها صحت الوصية

(1)

تكملة فتح القدير ج 8 ص 437.

ص: 255

والاستثناء، لأن اسم الجارية لا يتناول الحمل لفظا، ولكنه يستحق بالإطلاق تبعا.

فإذا أفرد الأم بالوصية صح إفرادها ولأنه يصح إفراد الحمل بالوصية فجاز استثناؤه.

وهذا هو الأصل أن ما يصح إفراده بالعقد يصح استثناؤه منه إذ لا فرق بينهما. وما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه.

وجاء فى بدائع الصنائع

(1)

: أنه لو أوصى بخاتم لفلان وبفصه لفلان آخر، فلا يخلو إما أن تكون الوصيتان فى كلام واحد متصل. وإما أن تكون فى كلام منفصل.

فإن كانتا فى كلام متصل فالحلقة للموصى له بالخاتم والفص للموصى له بالفص بلا خلاف.

وإن كانتا فى كلام منفصل فكذلك فى قول أبى يوسف.

وقيل أنه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أيضا.

وقال محمد رحمه الله تعالى الحلقة للموصى له بالخاتم والفص بينهما.

ووجه قوله أن الوصية بالخاتم تتناول الحلقة والفص وبالوصية لآخر بالفص لم يتبين أن الفص لم يدخل وإذا كان كذلك بقى الفص داخلا. فى الوصية بالخاتم.

وإذا أوصى بالفص لآخر فقد اجتمع فى الفص وصيتان فيشتركان فيه ويسلم الحلقة للأول.

ووجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أن اسم الخاتم يتناول الفص الذى فيه إما بطريق التضمن، لأنه جزء من أجزاء الخاتم بمنزلة اسم الإنسان أنه يتناول جميع أجزائه بطريق التضمن، وإما بطريق التبعية لكن عند الإطلاق.

فإذا أفرد البعض بالوصية لآخر تبين أنه لم يتناوله حيث جعله منصوصا عليه أو مقصودا بالوصية فبطلت التبعية، لأن الثابت نصا فوق الثابت ضمنا وتبعا والأصل فى الوصايا أن يقدم الأقوى فالأقوى.

وصار هذا كما إذا أوصى بعبده لإنسان وبخدمته لآخر أن الرقبة تكون للموصى له الأول والخدمة للموصى له الثانى لما قلنا كذا هذا.

وبهذا تبين أن هذا ليس نظير اللفظ العام إذا ورد عليه التخصيص، لأن اللفظ العام يتناول كل فرد من أفراد العموم بحروفه فيصير كل فرد من أفراده منصوصا عليه.

وهاهنا كل جزء من أجزاء الخاتم لا يصير منصوصا عليه بذكر الخاتم.

ألا يرى أن كل جزء من أجزاء الخاتم لا يسمى خاتما كما لا يسمى كل جزء من أجزاء الإنسان إنسانا فلم يكن هذا نظير اللفظ العام فلا يستقم قياسه عليه.

مع أن المذهب الصحيح فى العام أنه يحتمل التخصيص بدليل متصل ومنفصل والبيان المتأخر لا يكون نسخا لا محالة بل قد يكون نسخا وقد يكون تخصيصا على ما عرف فى أصول الفقه.

على أن الوصية بالخاتم وإن تناولت الحلقة والفص لكنه لما أوصى بالفص للآخر فقد رجع عن

(1)

بدائع الصنائع ج 7. ص 383.

ص: 256

وصيته بالفص للأول والوصية غير لازمة مادام الموصى حيّا فتحتمل الرجوع.

ألا ترى أنه يحتمل الرجوع عن كل ما أوصى به ففى البعض أولى فيجعل رجوعا فى الوصية بالفص للموصى له بالخاتم.

وعلى هذا إذا أوصى بهذه الأمة لفلان وبما فى بطنها لآخر.

أو أوصى بهذه الدار لفلان وببنائها لآخر. أو أوصى بهذه القوصرة لفلان وبالتمر الذى فيها لآخر.

أنه إن كان موصولا كان لكل واحد منهما ما أوصى له به بالإجماع. وإن كان مفصولا فعلى الاختلاف الذى ذكرنا. ولو أوصى لهذا العبد لفلان وبخدمته لفلان آخر. أو أوصى بهذه الدار لفلان وسكناها لآخر. أو بهذه الشجرة لفلان وثمرتها لآخر. أو بهذه الشاة لفلان وبصوفها لآخر

فلكل واحد منهما ما سمى له بلا خلاف سواء كان موصولا أو مفصولا، لأن اسم العبد لا يتناول الخدمة، واسم الدار لا يتناول السكنى، واسم الشجرة لا يتناول الثمرة لا بطريق العموم، ولا بطريق التضمن، لأن هذه الأشياء ليست من أجزاء العين

إلا أن الحكم متى ثبت فى العين ثبت فيها بطريق التبعية.

لكن إذا لم يفرد التبع بالوصية فإذا أفردت صارت مقصودة بالوصية فلم تبق تابعة فيكون لكل واحد منهما ما أوصى له به أو تجعل الوصية الثانية رجوعا عن الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة، والوصية تقبل الرجوع.

وهذه المسائل حجة أبى يوسف رحمه الله تعالى فى المسألة الأولى.

ولو ابتدأ بالتبع فى هذه المسائل، ثم بالأصل بأن أوصى بخدمة العبد لفلان، ثم أوصى بالعبد لآخر.، أو أوصى بسكنى هذه الدار لإنسان ثم بالدار لآخر، أو أوصى بالثمرة لإنسان، ثم بالشجر لآخر.

فإذا ذكر موصولا فلكل واحد منهما ما أوصى له به. وإن ذكر مفصولا فالأصل للموصى له بالأصل والتبع بينهما نصفان، لأن الوصية الثانية تناولت الأصل والتبع جميعا فقد اجتمع فى التبع وصيتان فيشتركان فيه ويسلم الأصل لصاحب الأصل.

وهذا حجة محمد رحمه الله تعالى فى المسألة المتقدمة.

ولو أوصى بعبده لإنسان ثم أوصى بخدمته لآخر ثم أوصى له بالعبد بعد ما أوصى له بالخدمة أو أوصى بخاتمه لإنسان ثم أوصى بفصه لآخر، ثم أوصى له بالخاتم بعد ما أوصى له بالفص أو أوصى بجاريته لإنسان، ثم أوصى بولدها لآخر، ثم أوصى له بالجارية بعد ما أوصى له بولدها فالأصل والتبع بينهما نصفان: نصف العبد لهذا، ونصفه للآخر ولهذا نصف خدمته وللآخر نصف خدمته.

وكذا فى الجارية مع ولدها والخاتم مع الفص، لأن الوصية لأحدهما بالأصل وصية بالتبع ويبطل حكم الوصية بالتبع بانفراده وصار كأنه أوصى لكل

ص: 257

واحد بالأصل والتبع نصا ولو كان كذلك لاشتركا فى الأصل والتبع كذا هذا.

فإن كان أوصى للثانى بنصف العبد يقسم العبد بينهما أثلاثا وكان للثانى نصف الخدمة لأنه لما أوصى له بنصف العبد بطلت وصيته فى خدمة ذلك النصف لدخولها تحت الوصية بنصف العبد وبقيت وصيته بالخدمة فى النصف الآخر.

وذكر ابن سماعة أن أبا يوسف رجع عن هذا وقال: إذا أوصى بالعبد لرجل وأوصى بخدمته لآخر ثم أوصى برقية العبد أيضا لصاحب الخدمة فإن العبد بينهما والخدمة كلها للموصى له بالخدمة لإفراده الوصية بالخدمة فوقع صحيحا فلا تبطل الوصية بالرقبة فصار الموصى له الثانى موصى له بالرقبة والخدمة على الانفراد فيستحق نصف الرقية لمساواته صاحبه فى الوصية بها وينفرد بالوصية بالخدمة.

وقال لو أوصى لرجل بأمة تخرج من الثلث وأوصى لآخر بما فى بطنها وأوصى بها أيضا للذى أوصى له بما فى البطن فالأمة بينهما نصفان والولد كله للذى أوصى له به خاصة لا يشركه فيه صاحبه لما ذكرنا أنهما تساويا فى استحقاق الرقبة وإنفرد صاحب الولد بالوصية به خاصة.

ولو أوصى بالدار لرجل وأوصى ببيت فيها بعينه لآخر فإن البيت بينهما بالحصص.

وكذا لو أوصى بألف درهم بينهما لرجل وأوصى بمائة منها لآخر كان تسعمائة لصاحب الألف والمائة بينهما نصفان لأن اسم الدار يتناول البيوت التى فيها بطريق الأصالة لا بطريق التبعية وكذا اسم الألف يتناول كل مائة منها بطريق الأصالة وكأن كل واحد منهما أصلا فى كونه موصى به فيكون بينهما.

وهذا مما لا خلاف فيه.

وإنما الخلاف فى كيفية القسمة.

فعند أبى حنيفة، رحمه الله تعالى على طريق المنازعة.

وعند أبى يوسف على طريق المضاربة فيقسم على أحد عشر لصاحب المائة جزء من أحد عشر فى المائة ولصاحب الألف عشرة أجزاء فى جميع الألف وكذلك الدار والبيت.

ولو أوصى ببيت بعينه لرجل وساحته لآخر كان البناء بينهما بالحصص لأن البيت لا يسمى بيتا بدون البناء فكانت وصية الأول متناولة للبناء بطريق الأصالة فيشارك الموصى له بالساحة بخلاف الوصية بدار الإنسان وبنائها لآخر أنهما لا يشتركان فى البناء بل تكون العرصة للموصى له بالدار والبناء للآخر لأن اسم الدار لا يتناول البناء بطريق الأصالة بل بطريق التبعية إذ الدار اسم للعرصة فى اللغة والبناء فيها تبع بدليل أنها تسمى دارا بعد زوال البناء فكان دخول البناء فى الوصية بالدار من طريق التبعية.

فكانت العرصة للأول والبناء للثانى.

ص: 258

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه

(1)

: أن من أوصى لشخص بجارية وهى حامل دخل الحمل فى الجارية الموصى بها لأنه كجزء منها إن لم يستثنه فإن استثناه لم يدخل.

ولو وضعته فى حياة سيدها لم يدخل فى الوصية.

وإذا مات السيد والأمة حامل فإن كان الثلث يحملها وقفت حتى تضع فيأخذ الموصى له الولد ثم يتفادون الأم والجنين ولا يفرق بينهما.

ولم يجز أن يعطى الورثة الموصى له شيئا على أن يترك وصيته فى الولد كما فى المدونة وغيرها لأنه من بيع الأجنة وإن لم يحملها الثلث فللورثة أن يوقفوها حتى تضع وإن كرهوا لم يجب ذلك عليهم وسقطت الوصية لأنها وصية فيها ضعف قاله ابن حبيب.

واختلف أن أعتق الورثة الأمة والثلث يحملها قيل يعتق ما فى بطنها بعتقها وتبطل الوصية وهو الذى فى المدونة.

وقيل لا يعتق وهو قول أصبغ فى الواضحة وإن لم يحملها الثلث فعتقهم فيها غير جائز.

ودخل حمل الأمة فى وصيته بولد الأمة كأن يقول أوصيت له بأولاد أمتى أو بما تلد أو بما ولدت أبدا فإنه يدخل فى ذلك حملها.

وظاهره لو وضعته بعد موت سيدها وهو كذلك كما نقله المواق عن ابن رشد.

وفى البنانى الذى يقيده كلام ابن رشد أن الحمل الموجود يوم الوصية يكون للموصى له مطلقا وضعته فى حياة الموصى أو بعد موته وما حملت به بعد الوصية من الأولاد لا يكون له منهم إلا ما ولدته فى حياة الموصى.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج

(2)

: أنه تصح الوصية بالمجهول كالحمل الموجود فى البطن منفردا عن أمه أو معها وعبد من عبيده.

وقال فى المجموع اتفق أصحابنا على جواز الوصية باللبن فى الضرع والصوف على ظهر الغنم وصرح به البغوى، وقال: يجز الصوف على العادة وما كان موجودا حال الوصية للموصى له وما حدث للوارث فلو اختلفا فى قدره فالقول قول الوارث بيمينه.

ويشترط فى صحة الوصية بالحمل انفصاله حيا لوقت يعلم وجوده عند الوصية ويرجع فى حمل البهيمة إلى أهل الخبرة.

أما إذا انفصل ميتا فإن كان حمل أمة وانفصل بجناية مضمونة لم تبطل الوصية وتنفذ من الضمان لأنه انفصل متقوما فتنفذ فى بدله بخلاف ما لو أوصى بحمل فانفصل ميتا بجناية فإنها تبطل لأنه ليس أهلا للملك وإن كان حمل بهيمة فانفصل بجناية أو بغيرها أو حمل أمة وانفصل بلا جناية

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 433، 434.

(2)

مغنى المحتاج ج 3 ص 41 وما بعدها.

ص: 259

مضمونة لم يستحق الموصى له شيئا وإنما استحق فى حمل الأمة دون حمل البهيمة فيما إذا انفصلا بجناية لأن ما وجب فى جنين الأمة بدله فيكون للموصى له ما وجب فى جنين البهيمة بدل ما نقص منها فيكون للوارث.

وإذا كان فى المفهوم تفصيل لم يرد. ويصح القبول هنا فيما مر قبل الوضع بناء على أن الحمل يعلم وهو الراجح.

قال الماوردى ولو قال: إن ولدت أمتى ذكرا فهو وصية لزيد أو أنثى فوصية لعمرو جاز وكان على ما قال سواء ولدتهما معا أو مرتبا وإن ولدت خنثى فقيل: لا حق فيه لواحد منهما.

وقيل: أنه موقوف بينهما حتى يصطلحا أى وهذا أوجه كما قال الاذرعى وتصح الوصية بالمنافع وحدها مؤقتة ومؤبدة ومطلقة.

والإطلاق يقتضى التأبيد لأنها أموال متقابلة بالأعواض كالأعيان.

وتصح بالعين دون المنفعة وبالعين لواحد والمنفعة لآخر.

وإنما صحت فى العين وحدها لشخص مع عدم المنفعة فيها لا مكان صيرورة المنفعة له بإجارة أو إباحة أو نحو ذلك.

قال الزركشى ولا يصح استثناء منفعة العين إلا فى الوصية ولو قبل الموصى له بالعين ورد الموصى له بالمنفعة عادت إلى الورثة لا إلى الموصى له بالعين كما قاله ابن الرفعة. ولم يتعرض الشيخان لهذه المسألة.

وكذا تصح بثمرة أو حمل سيحدثان فى الأصح، لأن الوصية احتمل فيها وجوه من الغرر رفقا بالناس وتوسعة فتصح بالمعدوم كما تصح بالمجهول، ولأن المعدوم يصح تمليكه بعقد السلم والمساقاة والإجارة فكذا بالوصية.

والثانى: لا يصح لأن التصرف يستدعى متصرفا فيه ولم يوجد.

وعلى الأول إذا أوصى بما يحدث هذا العام أو كل عام عمل به.

وإن أطلق فقال: أوصيت بما يحدث، فهل يعم كل سنة أو يختص بالسنة الأولى؟

قال ابن الرفعة: الظاهر العموم، وسكت عليه السبكى، وهو ظاهر. وإذا قلنا بالصحة فى الحمل فولدته لدون ستة أشهر لم يكن موصى به لأنه كان موجودا وإنما أوصى بما سيحدث أو لأكثر من أربع سنين كان موصى به أو بينهما وهى ذات زوج صحت وإلا فلا قاله الماوردى.

وتصح بالمبهم كأحد عبديه، لأن الوصية تحتمل الجهالة فلا يؤثر فيها الإبهام وتعين الوارث.

فإن قيل لما صحت هنا ولم تصح فى أوصيت لأحد الرجلين كما مر.

أجيب بأنه يحتمل فى الموصى به ما لا يحتمل فى الموصى له ولهذا صحت بحمل سيحدث لا لحمل حدث.

ولو قال أوصيت لفلان وهناك من يشاركه فى الاسم التحق بأحد الرجلين.

قال القاضى ولو أوصى بأحد شئين يملك أحدهما انصرف إليه.

ص: 260

وتصح بنجوم الكتابة وإن لم تكن مستقرة وبالمكاتب وإن لم يقل إن عجز نفسه وبعبد غيره وإن لم يقل إن ملكته كما مرت الإشارة إليه.

وإن خالف فى ذلك بعض المتأخرين.

وتصح بنجاسة يحل الانتفاع بها ككلب معلم لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها بالإرث ونحوه ومثل الكلب المعلم، الكلب القابل للتعليم ولو جروا والفهد ونحوه والكلب المتخذ لحراسة الدور ونحوها لجواز اقتناء ذلك وخرج ما لا يحل الانتفاع به كخنزير وكلب عقور.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

: أنه تصح الوصية بالمنفعة المفردة عن الرقبة لأنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فصحت الوصية بها كالأعيان وقياسا على الإعارة.

كما لو أوصى لإنسان بخدمة عبد وغلة دار وثمرة بستان أو ثمرة شجر. سواء وصى بما ذكر من المنفعة مدة معلومة أو أوصى بجميع الثمرة والمنفعة فى الزمان كله لأن غايته جهالة القدر وجهالة القدر لا تقدح.

ولو قال: وصيت بمنافعه وأطلق أفاد التأييد أيضا لوجود الإضافة المفحمة ولو وقت شهرا أو سنة وأطلق وجب فى أول زمن لظهور معنى الإبهام بقوله من السنين.

وإذا كانت الوصية بثمرة بستان أو شجرة أبدا أو مدة معينة لا يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على السقى لعدم الموجب لذلك فإن أراد أحدهما سقيها بحيث لا يضر بصاحبه لم يملك الآخر منعه من السقى فإن تضرر منع لحديث لا ضرر ولا ضرار، وإن يبست الشجرة الموصى بثمرتها فحطبها للوارث إذ لا حق للموصى له فى رقبتها.

وإن لم يحمل الشجر الموصى بثمرته لزيد سنة مثلا فى المدة المعينة فلا شئ للموصى له لفوات محل الوصية.

وإن قال الموصى لزيد لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها ذلك العام تنفيذا للوصية.

وإن وصى له بلبن شاة وصوفها صح كسائر المنافع. ويعتبر خروج ذلك من الثلث كسائر الوصايا. وإن لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث إن لم تجز الورثة الباقى.

وإذا أريد تقويم المنفعة وكانت الوصية بالمنفعة مقيدة بمدة معلومة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة ثم نقوم المنفعة فى تلك المدة فينظر كم قيمتها وذلك بأن يوصى له بسكنى دار سنة فتقوم الدار مستحقة المنفعة سنة، فإذا قيل قيمتها عشرة مثلا قومت بمنفعتها، فإذا قيل قيمتها اثنا عشر فالاثنان قيمة المنفعة الموصى بها إذا خرجا من الثلث نفذت الوصية وإلا فبقدر ما يخرج منهما.

وهذا أحد الوجهين.

واختاره فى المستوعب قال: هذا الصحيح عندى.

والوجه الثانى: يعتبر خروج العين بمنفعتها من الثلث وجزم به صاحب الإقناع.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 519، 520.

ص: 261

قال فى الإنصاف وهو الصحيح.

وقال فى تصحيح الفروع حكمها حكم المنفعة على التأييد.

وعليه الأكثر منهم القاضى وقدمه فى الخلاصة والنظم والرعايتين والحاوى الصغير وشرح الحارثى وغيرهم من الأصحاب.

وإن كانت الوصية بالمنفعة مطلقة فى الزمان فإن كانت منفعة عبد ونحوه فتقوم الرقبة بمنفعتها، لأن عبدا لا منفعة له لا قيمة له.

وإن كانت المنفعة ثمرة بستان قومت الرقبة على الورثة وتقوم المنفعة على الوصى، لأن الشجر ينتفع بحطبه إذا يبس فإذا قيل قيمة الشجرة عشرة وبلا ثمرة درهم علمنا أن قيمة المنفعة تسعة فيعتبر خروجها من الثلث.

ولو وصى بمنافع عبده أو بمنافع أمته أبدا أو مدة معينة لسنة صح لما تقدم وللورثة عتقها، لأنها مملوكة لهم لا عن كفارة لعجزها عن الاستقلال بنفعها فهى كالزمنة ومنفعتها باقية للموصى له ولا يرجع على المعتق بشئ، لأنه لم يفوت عليه شيئا.

وإن أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق لأن العتق للرقبة وهو لا يملكها.

فإن وهب صاحب المنفعة وهو الموصى له بها منافعه للعبد أو أسقطها عنه فللورثة الانتفاع به لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده على هذا إن كان ذلك بعد العتق فليس لهم الانتفاع به وللورثة بيع الرقبة من الموصى له بمنافعها ولغيره لأن المشترى قد يرجو الكمال بحصول منافعها له من جهة الوصى إما بهبة أو وصية أو مصالحة بمال وقد يقصد تكمل المصلحة لمالك المنفعة بتمليك الرقبة للموصى له وقد يعتقها فيكون له الولاء ولأن الرقبة مملوكة لهم فيصح بيعها كغيرها وتباع مسلوبة المنفعة ويقوم المشترى مقام البائع فيما له وعليه.

وإن جنت الأمة الموصى بمنافعها أو العبد سلموها لولى الجنابة مسلوبة المنفعة أو قدرها مسلوبة المنفعة ويبقى انتفاع الوصية بماله لأن جنايتها تتعلق برقبتها لا بمنفعتها. وللورثة كتابة الأمة الموصى بمنافعها. وكذا العبد الموصى بمنافعه كبيعه. ولهم ولاية تزويجها.

وليس لهم تزويجها إلا بإذن مالك المنفعة لأنه يتضرر به. فإن اتفقا على ذلك جاز.

ويجب تزويجها بطلبها لأنه حق لها والمهر فى كل موضع وجب سواء كان بنكاح أو شبهة زنا للموصى له لأنه بدل بضعها وهو من منافعها.

وإن وطئت الأمة الموصى بنفعها بشبهة فالولد حر لاعتقاد الواطئ أنه وطئ فى ملك كالمغرور بأمة. وللورثة قيمة الولد عند الوضع على الواطئ جبرا لما فاتهم من رقه لأن فوته عليهم.

وإن قتل الأمة وارث أو غيره فللورثة قيمتها دون الموصى له وإن الاتلاف صادف الرقبة وهم مالكوها وفوات المنفعة حصل ضمنا وتبطل الوصية لفوات محلها كالإجارة ويلزم القاتل قيمة المنفعة أى فتقوم العين مسلوبة المنفعة ويغرم قيمتها للورثة كما تقدم. وليس معناه يغرمها للموصى له كما قدمته لك فلا مخالفة فيه لكلام الأصحاب.

ص: 262

وفى الانتصار إن قتلها وارثها فعليه قيمة المنفعة.

قال فى الإنصاف وعموم كلام المصنف وغيره من الأصحاب إن قتل الوارث كقتل غيره.

وقطع فى المنتهى بما فى الانتصار.

وللموصى له بخدمة أمة ونحوها استخدامها حضرا وسفرا وله المسافرة بها وإجارتها وإعارتها، لأنه إذا ملك النفع جاز له استيفاؤها بنفسه وبمن يقوم مقامه.

وكذا حكم العبد الموصى بنفعه وليس لأى من الوارث والموصى له بالنفع وطؤها لأن مالك المنفعة ليس بزوج ولا مالك للرقبة، والوط ء لا يباح بغيرهما ومالك الرقبة لا يملكها ملكا تامّا ولا يأمن أن تحمل منه، وربما أفضى إلى هلاكها فإن وطئها أحدهما أثم ولا حد عليه لأنه وط ء شبهة لوجود الملك لكل منهما.

وإن ولدت من أحدهما فولده حر لما تقدم.

فإن كان الواطئ صاحب المنفعة وأولدها لم تصر أم ولد له، لأنه لا يملكها وعليه قيمة ولدها يوم وضعه للورثة لما تقدم ولا مهر عليه، لأنه لو وجب لكان له وحكمها على ما ذكر فيما إذا وطئها أجنبى بشبهة على ما سبق وإن كان الواطئ مالك الرقبة صارت أم ولد له لأنها علقت منه بحر فى ملكه وعليه المهر للموصى له بالنفع وتجب عليه قيمة الولد يأخذ شركاؤه حصتهم منها لكونه فوته عليهم.

وإن كان الواطئ هو الوارث وحده سقطت عنه قيمة الولد إذ لو وجبت لكانت له ولا تجب للإنسان على نفسه شئ.

وإن ولدت الموصى بنفعها من زوج لم يشرط الحرية، أو زنا فالولد لمالك الرقبة لأنه جزء منه وليس من النفع الموصى به ونفقتها على مالك نفعها، لأنه يملك نفعها فكانت النفقة عليه كالزوج.

وكذلك سائر الحيوانات الموصى بمنفعتها تكون نفقتها على الموصى له بمنفعتها ويعتبر خروج جميع الأمة الموصى بمنفعتها.

وكذلك كل عين موصى بنفعها من الثلث سواء كانت الوصية أبدا أو مدة معينة.

وهذا هو الصحيح كما تقدمت الإشارة إليه.

فتقوم الأمة بمنفعتها فما بلغت اعتبرت من الثلث، فإن ساواه أو نقص نفذ وإلا فبقدره ويتوقف الزائد على الإجازة.

وإن وصى لرجل برقبتها ووصى لآخر بمنفعتها صح ذلك وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا من الأحكام لأنه مالك الرقبة.

ولو مات الموصى له بنفعها أو مات الموصى له برقبتها أو ماتا فلورثة كل واحد منهما ما كان له لأن من مات عن حق فهو لورثته.

وإن وصى لرجل بحب زرعه ولآخر بتبنه صح والنفقة بينهما على قدر المالين ويجير الممتنع منهما على الانفاق مع الآخر لأن الترك ضرر عليهما وإضاعة للمال وتكون النفقة بينهما على قدر قيمة كل واحد منهما فى الحب والتبن كالشريكين فى أصل الزرع.

ص: 263

وإن وصى

(1)

لزيد بخاتم ووصى لآخر. بفصه صح ذلك لأن فيه نفعا مباحا وليس لواحد منهما الانتفاع بالخاتم إلا بإذن الآخر كالمشترك وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب له وأجبر الآخر عليه لتمييز حقه.

وإن وصى له بمكاتبه صح، لأنه يصح بيعه ويكون الموصى له به كما لو اشتراه لأن الوصية تمليك أشبهت الشراء فإن أدى عتق والولاء له كالمشترى.

وإن عجز عاد رقيقا له.

وإن عجز فى حياة الموصى لم تبطل الوصية لأن رقه لا ينافيها وإن أدى إليه بطلت فإن قال إن عجز ورق فهو لك بعد موتى فعجز فى حياة الموصى صحت. وإن عجز بعد موته بطلت. وإن قال إن عجز بعد موتى فهو لك ففيه وجهان. لكن قياس ما تقدم الصحة.

وإن وصى له بمال الكتابة كله أو بنجم منها صح لأنها تصح بما ليس بمستقر كما تصح بما لا يملكه فى الحال كحمل الجارية، وللموصى له الاستيفاء عند حلوله والإبراء منه ويعتق المكاتب بأحدهما بالاستيفاء أو الإبراء والولاء للسيد لأنه المنعم عليه.

فإن عجز المكاتب فأراد الوارث تعجيزه وأراد الموصى له انظاره أو عكسه بأن أراد الموصى له تعجيزه وأراد الوارث أنظاره فالحكم للوارث لأن حق الموصى له إنما يثبت عند تمام العقد والقدرة على الأداء فإن عجز كان العقد مستحق الإزالة فيملك الوارث الفسخ والانظار.

وإن وصى برقبة المكاتب لرجل ووصى بما عليه لآخر صح على ما قال، لأن كلا منهما تصح الوصية به مفردا فجازا مجتمعا فإن أدى المكاتب لصاحب وصية المال أو أبرأه منه عتق وبطلت الوصية برقبته لانتقاء شرطها، وإن عجز المكاتب عن أداء مال الكتابة كله أو بعضه فسخ صاحب الرقبة كتابته وكان رقيقا له عملا بالوصية وبطلت وصية صاحب المال لفوات محلها وإن كان الموصى له بالمال قبض من مال الكتابة شيئا فهو له ولا يرجع به عليه وإن كانت الكتابة فاسدة فأوصى لرجل بما فى ذمة المكاتب لم يصح لأنه لا شئ فى ذمته فإن قال أوصيت لك بما أقبضه من مال الكتابة صح، لأن الأداء فى الفاسدة كالأداء فى الصحيحة من ترتب العتق عليه وإن وصى برقبته صح، لأنه إذا صح فى الصحيحة ففى الفاسدة أولى.

وإذا قال اشتروا بثلثى رقابا فأعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(2)

: أن الوصية تصح بالحمل والعبد نحو أن يوصى بحمل أمته أو بهيمته حيث تعلقت الوصية بالموجود منهما وإلا كانت مؤبدة كما فى التاج.

وتصح الوصية بالرقبة دون المنفعة والفرع دون

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 522.

(2)

التاج المذهب ج 4 ص 370، 371.

ص: 264

الأصل والنابت دون المنبت نحو أن يوصى لغيره برقبة عبده دون منفعته أو برقبة أرضه دون منفعتها أو بثمر شجره أو ولد دابته دونها، ولا يحتاج إلى استثناء الأصل وهى الشجرة والدابة لأنهما لا يدخلان فى الوصية بالفرع تبعا كالبيع، أو بالنابت، كالشجرة والزرع دون المنبت وهى الأرض فإنها تصح الوصية فى ذلك كله، ولا يحتاج هنا إلى استثناء الأرض إذ لا تدخل تبعا.

وحاصله أنه إن أوصى بالأصول احتاج إلى استثناء الفروع وإن أوصى بالفروع فلا يحتاج إلى استثناء الأصول لبقائها على ملكه.

ولا يصح الإيصاء بهذه الأشياء الثلاثة مؤبدة إلى موت الموصى له ولا تورث عنه.

وتصح الوصية عكس ذلك من الصور الأربع وهو الإيصاء بالمنفعة دون الرقبة، والأصل دون الفرع، والمنبت دون النابت ومنقطعة عكس المؤبدة وذلك فى المنافع دون الأعيان فيلغوا التوقيت وتصير مؤبدة كما فى الهبة.

وإذا أوصى لإنسان بخدمة عبده سواء استثنى الرقبة أم لا أو أوصى بها لآخر كان لذى الوصاية بالخدمة فوائده الفرعية كمهر الثيب مطلقا والبكر حيث وجب بغير الدخول والأجرة حيث غصب أو كان مؤجرا حال موت الموصى، وله أن يعيره من شاء ويساقى به، وليس له أن يؤجره لأن الوصية بذلك إباحة، والمباح ليس له أن يؤجره، لأن الأجرة تكون ربحا.

وإذا تلفت الرقبة فلا يضمنها من ماله إلا أن يضمن فيضمن من ماله. وإذا أجرها كانت الأجرة له لأنها ربح ما هو مضمون ويأثم.

والكسب الحاصل للعبد يكون لذى الخدمة نحو ما يحييه من الأرض الميتة أو يتهبه أو يلتقطه وكان يسيرا يتسامح به فمن جملة المكسب.

وإن كان كثيرا فولاية قبضه والتعريف به إلى العبد إذ الولاية إليه. وليس للسيد أن ينتزعه من يده ومن له الخدمة عليه للعبد النفقة والفطرة والسكنى والكسوة والدواء والكفن ونفقة زوجته ولذى الرقبة الفوائد الأصلية وهى الولد والصوف واللبن والثمر أو مهر البكر الواجب لإزالة البكارة.

قال فى البيان والإذن له بالتجارة يكون إلى ذى الخدمة والرقبة وما لزمه ففى رقبته ومنفعته ولذى الرقبة أرش الجناية على العبد دون صاحب الفوائد الفرعية فإذا قتل ففيما يجب القصاص لذى الرقبة أن يقتص من دون حضور ذى المنفعة.

وله أن يعفو ويستحق الدية وحده وهى قيمته بمنافعه لا مسلوب المنافع. ولا شئ لصاحب المنفعة من القيمة كما لو قتله صاحب الرقبة. وأرش الجناية إذا وقعت من العبد على ذى الرقبة ولا شئ على ذى المنفعة.

وأما الإذن بالنكاح للعبد وإنكاح الأمة فإلى مالك الرقبة. ويراضى مستحق الخدمة فإن روضى فلم يرض لم ينفذ النكاح ويبقى موقوفا، لأنه يشترط مراضاته البالغة العاقلة.

وأما مهر زوجة العبد فعلى مالك الرقبة.

وأما نفقة زوجته فتتبع نفقته وذلك على

ص: 265

صاحب المنفعة. ويلزم مالك الرقبة لذى المنفعة أعواض المنافع يعنى منافع العبد إن استهلكه مالك الرقبة بغير القتل نحو أن يعتقه أو يكاتبه فإعتاق العبد يبطل المنفعة لأن منافع الحر لا تملك فيضمن المعتق وهو مالك الرقبة لذى المنفعة قيمتها.

وكذا لو باعه وتعذر استيفاء المنفعة من المشترى، فإنه يضمن.

وإنما فرق بينه وبين العبد المشترك إذا أعتقه أحد الشريكين فإنه لا يضمن لشريكه قيمة الخدمة لأن هنا لم يجب لصاحب الخدمة شئ من قيمة الرقبة.

وفى مسألة الشريكين قد يضمن المعتق قيمة نصيب شريكه فى الرقبة.

وأما لو استهلكه بالقتل فلا يضمن لذى المنفعة شئ إذ لا تعلم حياته بخلاف العتق فقد علم حياته وهذه القيمة اللازمة لذى الخدمة للحيلولة بينه وبين منافع العبد إلى موت الموصى له وبعد موته لا يلزم تسليمها لورثته لأن المنافع لا تورث أو إلى موت العيد، لأن المنفعة قد انقطعت بموته.

ولا تسقط الخدمة الموصى بها لشخص بالبيع من مالك الرقبة أو نحو البيع كالهبة والصدقة والنذر فالمشترى ونحوه يملك الرقبة دون المنفعة فتبقيتها لمستحقها له حق استيفائها إلا أن يجيز البيع ونحوه ولو جاهلا سقط حقه من المنفعة.

وكذا لو سلم العبد كان تسليمه إجازة.

وكذا لو كان الموصى به الكراء

(1)

فإنه يصح بيع الوارث للعين ويسلم الكراء من هو عليه للموصى له فإن تعذر سلمه الوارث كما مر للحيلولة.

وكذا لو أفلس المشترى عن الكراء سلمه البائع.

والوصية بالخدمة هى عيب فى المبيع للمشترى أن يفسخه بذلك إذا جهله حال العقد وحال القبض.

ويصح إسقاطها إذا أسقط الموصى له بالخدمة حقه من الخدمة صح ذلك الإسقاط ولم يكن له أن يرجع وليس من شرط الإسقاط لفظه بل لو أجاز البيع صاحب الخدمة بطل حقه من المنفعة ولو عاد عليه بما هو نقص للعقد من أصله.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى العروة الوثقى

(2)

. أنه لو أوصى لإنسان بشيئين بإيجاب واحد فقبل الموصى له أحدهما دون الآخر صح فيما قبل وبطل فيما رد.

وكذا لو أوصى له بشئ واحد فقبل بعضه مشاعا أو مفروزا ورد بعضه الآخر إن لم نقل بصحة مثل ذلك فى البيع ونحوه بدعوى عدم التطابق حينئذ بين الإيجاب والقبول، لأن مقتضى القاعدة الصحة فى البيع أيضا أن لم يكن إجماع. ودعوى عدم التطابق ممنوعة.

نعم لو علم من حال الموصى إرادته تمليك المجموع من حيث المجموع لم يصح التبعيض.

(1)

التاج المذهب ج 4 ص 372.

(2)

العروة الوثقى ج 1 ص 662 مسألة رقم 5.

ص: 266

وتصح الوصية

(1)

بكل ما يكون فيه غرض عقلائى محلل من عين أو منفعة أو حق قابل للنقل ولا فرق فى العين بين أن تكون موجودة فعلا أو قوة. فتصح بما تحمله الجارية والدابة أو الشجرة.

وتصح بالعبد الآبق منفردا ولو لم يصح بيعه إلا بالضميمة.

ولا تصح بالمحرمات كالخمر والخنزير ونحوهما، ولا بآلات اللهو، ولا بما لا نفع فيه ولا غرض عقلائى كالحشرات وكلب الهراش. أما كلب الصيد فلا مانع منه وكذا كلب الحائط والماشية والزرع.

وإن قلنا بعدم مملوكية ما عدا كلب الصيد إذ يكفى وجود الفائدة فيها.

ولا تصح بما لا يقبل النقل من الحقوق كحق القذف ونحوه وتصح بالخمر المتخذ للتخليل.

ولا فرق فى عدم صحته بالخمر والخنزير بين كون الموصى والموصى له مسلمين أو كافرين أو مختلفين، لأن الكفار أيضا مكلفون بالفروع. نعم هم يقرون على مذهبهم وإن لم يكن عملهم صحيحا.

ولا تصح الوصية بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه. نعم لو أوصى فضولا عن الغير احتمل صحته إذا أجاز.

وجاء فى الروضة البهية

(2)

: أنه يتخير الوارث فى المتواطئ وهو المقول على معنى يشترك فيه كثير كالعبد وفى المشترك وهو المقول على معنيين فصاعدا بالوضع الأول من حيث هو كذلك كالقوس، لأن الوصية بالمتواطئ وصية بالماهية الصادقة بكل فرد من الأفراد كالعبد، لأن مدلول اللفظ فيه هو الماهية الكلية، وخصوصيات الأفراد غير مقصودة إلا تبعا فيتخير الوارث فى تعيين أى فرد شاء لوجود متعلق الوصية فى جميع الأفراد، وكذا المشترك، لأن متعلق الوصية فيه هو الاسم وهو صادق على ما تحته من المعانى حقيقة فتحصل البراءة بكل واحد منها.

وربما احتمل هنا القرعة، لأنه أمر مشكل إذ الموصى به ليس كل واحد لأن اللفظ لا يصلح له وإنما المراد واحد غير معين فيتوصل إليه بالقرعة بأنها لبيان ما هو معين فى نفس الأمر مشكل ظاهرا وليس هنا كذلك فإن الإبهام حاصل عند الموصى وعندنا وفى نفس الأمر فيتخير الوارث.

ولو أوصى بمنافع العبد دائما أو بثمرة البستان دائما قومت المنفعة على الموصى له والرقبة على الوارث إن فرض لها قيمة كما يتفق فى العبد لصحة عتق الوارث له ولو عن الكفارة.

وفى البستان بانكسار جذع ونحوه فيستحقه الوارث حطبا وخشبا، لأنه ليس بثمرة ولو لم يكن للرقبة نفع البتة قومت العين أجمع على الموصى له، وطريق خروجها من الثلث يعتبر منه، يستفاد من ذلك فتقوم العين بمنافعها مطلقا، ثم تقوم مسلوبة المنافع الموصى بها فالتفاوت هو الموصى به فإن لم يكن تفاوت فالمخرج من الثلث جميع القيمة ومنه يعلم ما لو كانت المنفعة مخصوصة بوقت.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 666 مسألة رقم 6.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 51، 52.

ص: 267

ولو أوصى بعتق مملوكه وعليه دين قدم الدين من أصل المال الذى من جملته المملوك وعتق الفاضل عن الدين من جميع التركة ثلثه إن لم يزد على المملوك فلو لم يملك سواه بطل منه فيما قابل الدين وعتق ثلث الفاضل إن لم يجز الوارث، ولا فرق بين كون قيمة العبد ضعف الدين أو أقل على أصح القولين.

وقيل تبطل الوصية مع نقصان قيمته عن ضعف الدين ولو نجز عتقه فى مرضه فإن كانت قيمته ضعف الدين صح العتق فيه أجمع.

ولو أوصى بعتق ثلث عبيده أو عدد منهم مبهم كثلاثة استخرج الثلث والعدد بالقرعة لصلاحية الحكم لكل واحد فالقرعة طريق التعيين، لأنها لكل أمر مشكل، ولأن العتق حق للمعتق، ولا ترجيح لبعضهم لانتقاء اليقين، فوجب استخراجه بالقرعة.

وقيل ينجز الوارث فى الثانى، لأن متعلق الوصية متواطئ فيتخير فى تعيينه الوارث كما سبق، ولأن المتبادر من اللفظ هو الاكتفاء بعتق أى عدد كان من الجميع فيحمل عليه وهو قوى.

وفى الفرق بينه وبين الثلث نظر.

ولو أوصى بأمور متعددة فإن كان فيها واجب قدم على غيره وإن تأخرت الوصية به سواء كان الواجب ماليّا أم غيره وبدئ بعده بالأول فالأول ثم إن كان الواجب ماليّا كالدين والحج أخرج من أصل المال والباقى من الثلث.

وإن كان بدنيا كالصلاة والصوم قدم من الثلث وأكمل من الباقى مرتبا للأول فالأول.

وألا يكن فيها واجب بدنى بدئ بالأول منها فالأول حتى يستوفى الثلث ويبطل الباقى إن لم يجز الوارث والمراد بالأول الذى قدمه الموصى فى الذكر ولم يعقبه ما ينافيه.

ويدخل فى الوصية بالسيف جفنه بفتح أوله وهو غمده بكسره.

وكذا تدخل حليته لشمول اسمه عرفا وإن اختص لغة بالنصل.

ورواية أبى جميلة بدخولها شاهد مع العرف وبالصندوق أثوابه الموضوعة فيه.

وكذا غيرها من الأموال المظروفة.

وبالسفينة متاعها الموضوع فيها عند الأكثر.

ومستنده رواية أبى جميلة عن الرضا عليه السلام وغيرها مما لم يصح سنده والعرف قد يقضى بخلافه فى كثير من الموارد وحقيقة الموصى به مخالف للمظروف فعدم الدخول أقوى إلا أن تدل قرينة حالية أو مقالية على دخول الجميع أو بعضه فيثبت ما دلت عليه خاصة.

ويصح تعدد الوصى

(1)

فيجتمعان لو كان اثنين فى التصرف بمعنى صدوره عن رأيهما ونظرهما وإن باشر أحدهما إلا أن يشترط لهما الانفراد فيجوز حينئذ لكل واحد منهما التصرف بمقتضى نظره.

فإن تعاسرا فأراد أحدهما نوعا وأراد أحدهما نوعا من التصرف ومنعه الآخر صح تصرفهما فيما لا بد منه كمؤنة اليتيم والدابة وإصلاح العقار ووقف غيره

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 60، 61

ص: 268

على اتفاقهما.

وللحاكم الشرعى إجبارهما على الاجتماع من غير أن يستبدل بهما مع الإمكان إذ لا ولاية له فيما فيه وصى فإن تعذر عليه جمعهما استبدل بهما تنزيلا لهما بالتعذر منزلة المعدوم لاشتراكهما فى الغاية. كذا أطلق الأصحاب.

ولو شرط بهما الانفراد ففى جواز الاجتماع نظر من أنه خلاف الشرط فلا يصح ومن أن الاتفاق على الاجتماع يقتضى صدوره عن رأى كل واحد منهما وشرط الانفراد اقتضى الرضا برأى كل واحد وهو حاصل إن لم يكن آكد.

والظاهر أن شرط الانفراد رخصة لهما لا تضيق نعم لو حصل لهما فى حال الاجتماع نظر مخالف له حال الانفراد توجه المنع لجواز كون المصيب هو حالة الانفراد ولم يرضى الموصى إلا به ولو نهاهما عن الاجتماع اتبع قطعا عملا بمقتضى الشرط الدال صريحا على النهى عن الاجتماع فيتبع.

ولو جوز لهما الأمرين الاجتماع والانفراد أمضى ما جوزه وتصرف كل منهما كيف شاء من الاجتماع والانفراد.

فلو اقتسما المال فى هذه الحالة جاز بالتضعيف والتفاوت حيث لا يحصل بالقسمة ضرر لأن مرجع القسمة حينذ إلى تصرف كل منهما فى البعض وهو جائز بدونها بعد القسمة لكل منهما التصرف فى قسمة الآخر وإن كانت فى يد صاحبه لأنه وصى فى المجموع فلا تزيل القسمة ولايته فيه.

ولو ظهر من الوصى المتحد أو المتعدد على وجه يفيد الاجتماع عجز ضم الحاكم إليه معينا لأنه بعجره خرج عن الاستقلال المانع من ولاية الحاكم وبقدرته على المباشرة فى الجملة لم يخرج عن الوصاية بحيث يستقل الحاكم فيجمع بينهما بالضم.

ومثله ما لو مات أحد الوصيين على الاجتماع.

أما المأذون لهما فى الانفراد فليس للحاكم الضم إلى أحدهما بعجز الآخر لبقاء وصى كامل.

وبقى قسم آخر وهو ما لو شرط لأحدهما الاجتماع وسوغ للآخر الانفراد فيجب اتباع شرطه فيتصرف المستقل بالاستقلال والآخر مع الاجتماع خاصة.

وقريب منه ما لو شرط لهما الاجتماع موجودين وانفراد الثانى بعد موت الآخر أو عجزه فيتبع شرطه.

وكذا يصح شرط مشرف على أحدهما بحيث يكون للمشرف شئ من التصرفات وإنما يصدر عن رأيه فليس للوصى التصرف بدون إذنه مع الإمكان فإن تعذر ولو بامتناعه ضم الحاكم إليه معينا كالمشروط له الاجتماع على الأقوى لأنه فى معناه حيث لم يرضى برأيه منفردا.

وكذا يجوز اشتراط تصرف أحدهما فى نوع خاص والآخر، فى الجميع منفردين ومجتمعين على ما اشترطا فيه.

ولا يوصى الوصى

(1)

إلى غيره عمن أوصى إليه إلا بإذنه فيه له فى الإيصاء على أصح القولين.

وحيث لا يصرح له بالإذن فى الإيصاء يكون

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 62.

ص: 269

النظر بعده فى وصية الأول إلى الحاكم، لأنه وصى من لا وصى له.

وكذا حكم كل من مات ولا وصى له مع تعذر الحاكم لفقده أو بعده بحيث يشق الوصول إليه عادة يتولى إنفاذ الوصية بعض عدول المؤمنين من باب الحسبة والمعاونة على البر والتقوى المأمور بها.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أن الإباضية اختلفوا فى الإيصاء بالمنافع كغلة شجر وسكنى دور وحرث أراضى، وخدمة عبيد، أو دواب يستخدمها عنده، أو يخدمان غيره فيأخذ الأجرة، وذمة العبد، وهى ما أوصى به له، أو وهب له على قول أن العبد يملك مالا وغرس فى أرض، وبناء فى أرض، ونجارة بقادوم، وخياطة بإبرة ونحو ذلك.

قيل يجوز مطلقا، لأن المنفعة كنفس المال، بل هى المقصودة بالذات من نفس المال وهى ولو لم توجد، لكن تعلقت الوصية لوجودها وهى أولى من بيع وشرط، مع أن الصحيح فى البيع والشرط الجواز، إذا حل تملك الشرط وعلم، وجواز الوصية بالمنفعة هو الصحيح عندى وأحاديث العمرى والرقبى نص فيه.

وقيل: لا يجوز مطلقا، لأن المنفعة معدومة والمعدوم غير مملوك فإذا أوصى بها فقد أوصى بمال الغير.

ويرده أحاديث العمرى والرقبى.

وقيل: إن أجل جاز، وإلا فلا، والمنفعة لصاحب الأرض والشجر والبناء ولا يجد صاحبها أن يقلعهما ربهما، لكن إذا زالا لم يجد أن يجددهما وإن أجل له قلعهما عند الأجل.

وقيل لا يقلع الشجر ولكن له قيمة الأرض فمن أوصى لأحد بثمار جنانه عشر سنين أو أقل أو أكثر أو سكنى داره عشرا أو أقل أو أكثر أو بغير ذلك بتأجيل فمات الموصى فلا يحكم له أى لأحد وهو الموصى له بذلك أجل أو لم يؤجل ولزم الوارث كله عند الله.

وأجاز بعضهم الحكم له بذلك كله أيضا كما جاز له عند الله.

وهذا القول لم يذكره الشيخ فى هذا المقام.

ولكن دل عليه قوله وأما الوصية بالمنافع فقد اختلفوا فيها وذكره الشيخ بعد بقوله وفى الأثر وإن أوصى رجل بسكنى هذه الدار أو البيت أو جميع ما يسكن فيه سمى الأجل أو لم يسم فذلك لا يجوز إن وسعه الثلث قيد لقوله جوز ولقوله لزم الوارث لأنه إن لم يسعه الثلث لم يلزم الوارث كله عند الله ولم يجزه ذلك البعض كله بل يلزمه بعضه فيما بينه وبين الله تعالى. ويجيز ذلك البعض بعضه فقط.

وقيد الثلث مراد فى قول الشيخ وفى الأثر: إن أوصى رجل بسكنى هذه الدار ويأخذ ما ذكره من الثمار والسكنى وكذا غيرهما فى السنين التالية لموته إن عين الموصى أنها بعد موته باتصال، أو لم يعين أنها بعده بأتصال، ولا بانفصال، ولم يبين أنها بعده

(1)

شرح النيل ج 6 ص 192، 193.

ص: 270

كما يشاء باتصال، أو انفصال، وأن عين فعلى ما عين.

وكذا كل مدة أقل من سنة وإن عدمت ثمار الفدان وكذا غير الثمار من كل منفعة أوصى بها فى عشر السنين.

وكذا غيرها من الآجال أو فى بعض العشر.

وكذا سائر بعض المدد أو ترك الخدمة بالعبد الذى أوصى له بخدمته أو الخدمة بالداية التى أوصى بالخدمة بها أو بخدمتها عند غيره فيأخذ الأجرة أو السكنى أو البناء أو الغرس أو غير ذلك مما أوصى به له من المنافع فيها أو فى بعضها، أو أخذ من الموصى له محل الخدمة والسكنى مثلهما سائر المنافع، كالغرس والبناء.

ومحل الخدمة العبد والدابة والسفينة ونحو ذلك كآلات سواء كان الذى أخذ ذلك جائرا أو غالطا أو مدعيا أنه له أو غير ذلك.

وإن أوصى بما ذكرنا ونحوه من المنافع ولا بتأجيل منعه بعض وأجازه بعض بلا تأجيل، كما يجيزه إذا أجل بالنظر إلى الثلث أى باعتباره والنزول فيه بالمحاصة وينزل فى المال بالثلث مع الوصايا إن كانت، وإن لم تكن نزل بالثلث فى الثلث لأنه إن طالت المدة فرغ الثلث.

وكذا إن أجل وأحاط ما أوصى به من المنافع أو رقاب الأموال بحاله فإنه لا يجاوز الثلث وينزل فى الثلث بالثلث مع الوصايا، وإن لم تكن الوصايا ينزل فى الثلث بالثلث، نظر. لم ينزل إذا أوصى له بغلة مدة فإنه لا يدرى كم تثمر تلك النخلة أو الشجرة فى المدة فينزله به فى الثلث فلعله يعتبر له الأوسط أو الأدنى أو الأفضل على الخلاف وللضرورة.

إلا أنه قد ينكشف الحال بعد ذلك أنها أثمرت أقل أو أكثر مما قدر.

ولعلهم يقدرون ثمارها بحسب حالها وعادتها للضرورة فينزل بها ولو كان قد ينكشف خلافه فإن معنى النزول فى الثلث أن يقوم الموصى بالانتفاع منه وجميع ما للموصى من الأصول والعروض وتضم القيمة إلى ماله من الدنانير والدراهم، فينظر كم ثلث ذلك كله فيحاصص الموصى له بالانتفاع مع أصحاب الثلث فى ذلك المقدار، والذى كان ثلثا فما نابه انتفع مما أوصى له بالانتفاع به على مقداره مثل أن ينوبه من الثلث عشرة دنانير فيسكن فى الدار مدة يكون كراءها عشرة دنانير أو يستخدم عند الناس حتى يأخذ من أجرته عشرة أو يستخدمه عنده ما يكون أجره عشرة أو يستغل من النخلة أو الشجرة أو الأرض ما قيمته عشرة وهكذا.

ومن أوصى

(1)

بخدمة عبده سنة ولا مال له سواه فإنه يخدمه يوما والوارث يومين حتى تتم.

وكذا إن قال يسكن دارى سنة سكن ثلثها بمشاهرة أو مياومة وقيل يسكن ثلثها سنة.

وإن أوصى بغلة عبده أو داره سنة فله ثلث غلة ذلك سنته.

وإن قال بغلة عبده وسكن داره فليس له أن يؤاجرهما، لأن الأجرة لا يوجد فيها حق للموصى

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 195، 196.

ص: 271

له به وليس له إخراج العبد من مصره، إلا أن أهل الموصى له فى غيره واختير أن يخرج من خدمته وسكن الدار معنى الخلاف فى أن يؤاجره وبخدمة غيره أو يؤاجره سكناها ويسكنها غيره.

فإن أوصى، له أن يستخدمه أو يسكنها لم يكن له إلا ذلك وبين قوله سكناها وأن يسكنها فرق وقيل له أن يؤاجرها إذا أوصى له بسكناها وخدمته والأجرة له.

وإن أوصى له بخدمة غلامه وللآخر برقبته وهو يخرج من الثلث جاز لكل منهما ما أوصى له به، كما لو أوصى لرجل بأمة، وللآخر بجنينها، أو لرجل بغرارة وللآخر بثمرها كان كما قال.

وإن أوصى لزيد بخدمة عبده ولعمرو بغلته خدم زيدا شهرا وطعامه عليه فيه ويغل من عمرو شهرا ومؤنته عليهما، وكذا جنايته.

وإن أوصى لرجل بخدمة عبده ولآخر برقبته قومنا فى الثلث، ثم يتحاصصان فيه فيأخذ كل واحد قيمة ماله منه كسائر الوصايا.

‌الإفراد فى الهبة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(1)

: أن من شروط الهبة ألا يكون الموهوب مشغولا بما ليس بموهوب لأن معنى القبض وهو التمكن من التصرف فى المقبوض لا يتحقق مع الشغل.

وعلى هذا يخرج ما إذا وهب دارا فيها متاع الواهب وسلم الدار إليه أو سلم الدار مع ما فيها من المتاع، فإنه لا يجوز لأن الفراغ شرط صحة التسليم والقبض ولم يوجد قبل الحيلة فى صحة التسليم أن يودع الواهب المتاع عند الموهوب له أولا، ويخلى بينه وبين المتاع ثم يسلم الدار إليه فتجوز الهبة فيها، لأنها مشغولة بمتاع هو فى يد الموهوب له.

وفى هذه الحيلة إشكال وهو أن يد المودع يد المودع معا فكانت يده قائمة على المتاع فتمنع صحة التسليم.

ولو أخرج المتاع من الدار ثم سلم فارغا جاز وينظر إلى حال القبض لا إلى حال العقد، لأن المانع من النفاذ قد زال فينفذ كما فى هبة المشاع.

ولو وهب ما فيها من المتاع دون الدار وخلى بينه وبين المتاع جازت الهبة لأن المتاع لا يكون مشغولا بالدار، والدار تكون مشغولة بالمتاع، لهذا افترقا فيصح تسليم المتاع ولا يصح تسليم الدار.

ولو جمع فى الهبة بين المتاع وبين الدار الذى فيها فوهبهما جميعا صفقة واحدة وخلى بينه وبينها جازت الهبة فيهما جميعا، لأن التسليم قد صح فيهما جميعا. فإن فرق بينهما فى الهبة بان وهب أحدهما ثم وهب الآخر فهذا لا يخلو. إما أن يجمع بينهما فى التسليم. وإما أن يفرق.

فإن جمع بينهما فى الهبة جازت الهبة فيهما جميعا.

(1)

بداية الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 125 طبع مطبعة الجمالية بمصر طبعة أولى سنة 1328 هـ.

ص: 272

وإن فرق بينهما بان وهب أحدهما وسلم ثم وهب الآخر وسلم نظر فى ذلك وروعى فيه الترتيب إن قدم هبة الدار فالهبة فى الدار لم تجز لأنها مشغولة بالمتاع، فلم يصح تسليم الدار، وجازت فى المتاع، لأنه غير مشغول بالدار فيصح تسليمه. ولو قدم هبة المتاع جازت الهبة فيهما جميعا.

أما فى المتاع فلأنه غير مشغول بالدار فيصح تسليمه.

وأما فى الدار فلأنها وقت التسليم كانت مشغولة بمتاع هو ملك الموهوب، فلا يمنع صحة القبض.

وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا وهب جارية واستثنى ما فى بطنها، أو حيوانا واستثنى ما فى بطنه أنه لا يجوز لأنه لو جاز لكان ذلك هبة ما هو مشغول بغيره وأنها غير جائزة لأنه لا جواز لها بدون القبض وكون الموهوب مشغولا بغيره يمنع صحة القبض.

ولو أعتق ما فى بطن جاريته ثم وهب الأم يجوز.

وذكر فى العتاق أنه لو دبر ما فى بطن جاريته لا يجوز. ومنهم من قال فى المسألة روايتان.

وجه رواية عدم الجواز أن الموهوب مشغول بما ليس بموهوب فأشبه هبة دار فيها متاع الواهب.

ووجه رواية الجواز وهى رواية الكرخى ان حرية الجنين تجعله مستثنى من العقد، لأن حكم العقد لم يثبت فيه مع تناوله إياه ظاهرا وهذا معنى الاستثناء. ولو استثناه لفظا جازت الهبة فى الأم فكذا إذا كان مستثنى فى المعنى.

ومنهم من قال فى المسألة رواية واحدة.

وفرق بين الإعتاق والتدبير.

ووجه الفرق أن المدبر مال المولى فإذا وهب الأم فقد وهب ما هو مشغول بمال الواهب فلم يجز كهبة دار فيها متاع الواهب

وأما الحر فليس بمال فصار كما لو وهب دارا فيها حر جالس وذا لا يمنع جواز الهبة كذا هذا.

ومن شروط الهبة أيضا ألا يكون الموهوب متصلا بما ليس بموهوب اتصال الأجزاء لأن قبض الموهوب وحده لا يتصور وغيره ليس بموهوب فكان هذا فى معنى المشاع، وعلى هذا يخرج ما إذا وهب أرضا فيها زرع دون الزرع أو شجرا عليها ثمر دون الثمر أو وهب الزرع دون الأرض أو الثمر دون الشجر، وخلى بينه وبين الموهوب له أنه لا يجوز لأن الموهوب متصل بما ليس بموهوب اتصال جزء بجزء فمنع صحة القبض

ولو جذ الثمر وحصد الزرع ثم سلمه فارغا جاز لأن المانع من النفاذ وهو ثبوت الملك قد زال. ولو جمع بينهما فى الهبة فوهبهما جميعا وسلم متفرقا جاز. ولو فرق بينهما فى الهبة فوهبه كل واحد منهما بعقد على حدة بأن وهب الأرض ثم الزرع أو الزرع ثم الأرض.

فإن جمع بينهما فى التسليم جازت الهبة فيهما جميعا. وإن فرق لا تجوز الهبة فيهما جميعا قدم أو أخر سواء ..

ص: 273

‌مذهب المالكية:

جاء فى الخرشى

(1)

: أن من وهب شخصا نخلا واستثنى الواهب لنفسه ثمرتها سنين معلومة وشرط على الموهوب له السقى للنخل فى تلك السنين فهذا لا يجوز لأنه مخاطرة وبيع معين يتأخر قبضه، لأن سقيه للنخل خرج مخرج المعاوضة، ولأنه كمن باع نخلا واستثنى ثمرتها أعواما معينة، واشترط على المشترى سقيها فى تلك الأعوام فهذا لا يجوز لأنه غرر ولأنه لا يدرى ما يصير النخل إليه بعد تلك الأعوام، فهو من باب أكل أموال الناس بالباطل.

وفهم من قوله واستثناء ثمرتها: أنه لو كان المستثنى بعض ثمرتها لأكلها لجاز.

ومن قوله والسقى على الموهوب أنه لو كان السقى على الواهب أو على الموهوب ولكن بماء الواهب لجاز ذلك.

وقوله كهبة نخل أى شئ يحتاج إلى سقى وعلاج.

ولا مفهوم لسنين خلافا للبساطى، لأن العلة الغرر.

وإذا وقع ونزل فإن اطلع على ذلك قبل التغير فيرجع الموهوب له بما أنفق والثمرة والأصول لربها وإن فاتت بتغير ملكه الموهوب له بقيمته يوم وضع يده ويرجع على الواهب بما أكله إن عرف وإلا فبقيمته.

وجاء فى الحطاب

(2)

قال فى كتاب النوادر عن كتاب ابن المواز: وإن تصدق عليه ببيت من داره ولم يسم له مرفقا، فليس له منعه من مدخل ومخرج ومرفق بئر ومرحاض إن لم يسمه فى الصدقة. وليس له أن يقول افتح بابا حيث شئت.

وكذلك فى العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم.

قال فى المدونة: وإذا وهب له حائط وله ثمر وزعم أنه إنما وهبه الأصل دون الثمرة فإن كانت لم تؤبر فهى للموهوب له. وإن كانت مؤبرة فهى للواهب ويقبل قوله ولا يمين عليه.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(3)

: أن ما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته لأنه عقد يقصد به ملك العين فملك به ما يملك بالبيع وما جاز هبته جاز هبة جزء

(1)

كتاب الخرشى لسيدى أبى عبد الله محمد الخرشى على المختصر الجليل للإمام أبى الضياء سيدى خليل وبهامشه حاشية الشيخ على العدوى ج 7 ص 131 طبع على ذمة الحاج الطيب التازى المغربى طبع المطبعة الاميرية الكبرى ببولاق مصر الطبعة الثانية سنة 1317 هـ.

(2)

كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل تأليف أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربى المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والأكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله سيدى محمد بن يوسف أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 6 ص 51، 52 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

(3)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 446 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1295 هـ.

ص: 274

مشاع منه. لما روى عمر بن سلمة الضمرى رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة حتى أتى الروحاء فإذا حمار عقير

(1)

، فقيل: يا رسول الله، هذا حمار عقير. فقال دعوه فإنه سيطلبه صاحبه، فجاء رجل من فهر فقال: يا رسول الله إنى أصبت هذا فشأنكم

(2)

به. فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر يقسم لحمه بين الرفاق

(3)

.

ولأن القصد منه التمليك والمشاع كالمقسوم فى ذلك، وما لا يجوز بيعه من المجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض لا تجوز هبته، لأنه عقد يقصد به تمليك المال فى حال الحياة فلم يجز فيما ذكرناه كالبيع.

ولا يجوز تعليق الهبة على شرط مستقبل، لأنه عقد يبطل بالجهالة، فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالبيع.

ثم قال

(4)

: وإن زاد الموهوب فى ملك الولد أو زال الملك فيه ثم عاد إليه، فالحكم فيه كالحكم فى المبيع إذا زاد فى يد المشترى، أو زال الملك فيه ثم عاد إليه ثم أفلس فى رجوع البائع، ولا يملك الموهوب منه الهبة من غير قبض. لما روت عائشة رضى الله تعالى عنها أن أباها نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله فلما حضرته الوفاة قال يا بنية إن أحب الناس غنى بعدى لأنت، وإن أعز الناس على فقرا بعدى لأنت، وأنى كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا من مالى وودت أنك جذذته وحزته، وانما هو اليوم مال الوارث وإنما هما إخواك وأختاك.

قالت هذان أخواى فمن أختاى؟

قال: ذو بطن بنت خارجة فإنى أظنها جارية.

فإن مات قبل القبض قام وارثه مقامه إن شاء قبض وإن شاء لم يقبض.

ومن أصحابنا من قال يبطل العقد بالموت، لأنه غير لازم فبطل بالموت كالعقود الجائزة.

ومن المنصوص أنه لا يبطل، لأنه عقد يؤول إلى اللزوم فلم يبطل بالموت كالبيع بشرط الخيار فإذا قبض ملك بالقبض.

ومن أصحابنا من قال يتبين أنه ملك بالعقد فان حدث منه نماء قبل القبض كان للموهوب له.

لأن الشافعى رضى الله تعالى عنه قال فيمن وهب له عبد قبل أن يهل عليه هلال شوال وقبض بعد ما أهل: إن فطرة العبد على الموهوب له.

والمذهب الأول.

(1)

حمار عقير أى معقور فعيل بمعنى مفعول.

(2)

فشأنكم به أى اعملوا فيه برأيكم وأمركم والشأن الأمر.

(3)

الرفاق جمع رفقه وهم الجماعات يصطحبون فى السفر.

(4)

المرجع السابق لأبى اسحاق ابراهيم على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 447 فى كتاب بأسفله النظم المستعذب شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى نفس الطبعة السابقة.

ص: 275

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

: أنه لا تصح هبة الحمل فى البطن واللبن فى الضرع.

وبهذا قال أبو حنيفة والشافعى وأبو ثور، لأنه مجهول معجوز عن تسليمه.

وفى الصوف على الظهر وجهان بناء على صحة بيعه. ومتى أذن له فى جز الصوف وحلب الشاة كان إباحة. وإن وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه أو جفته لم يصح.

وبهذا قال الثورى والشافعى وأصحاب الرأى ولا نعلم لهما مخالفا.

ولا تصح هبة المعدوم كالذى تثمر شجرته أو تحمل أمته، لأن الهبة عقد تمليك فى الحياة فلم تصح فى هذا كله كالبيع.

ثم قال فى موضع آخر

(2)

: وإن وهب أمة وأستثنى ما فى بطنها صح فى قياس قول أحمد فيمن أعتق أمة واستثنى ما فى بطنها، لأنه تبرع بالأم دون ما فى بطنها فأشبه العتق.

وبه يقول فى العتق النخعى وإسحاق وأبو ثور.

وقال اصحاب الرأى تصح الهبة ويبطل الاستثناء.

ولنا أنه لم يهب الولد فلم يملك الموهوب له كالمنفصل وكالموصى به.

ثم قال فى موضع آخر

(3)

: ألا تزيد الهبة زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة.

فإن زادت فعن أحمد فيها روايتان:

أحدهما: لا تمنع الرجوع وهو مذهب الشافعى لأنها زيادة فى الموهوب فلم تمنع الرجوع كالزيادة قبل القبض والمنفصلة.

والثانية: تمنع الرجوع وهو مذهب أبى حنيفة لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم تنتقل إليه من جهة أبيه، فلم يملك الرجوع فيها، كالمنفصلة.

وإذا أمتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع فى الأصل، لئلا يقتضى إلى سوء المشاركة، وضرر التشقيص، ولأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب فى عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح أو نصفه بالطلاق أو رجوع البائع فى المبيع لفلس المشترى.

ويفارق الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشترى وقد رضى ببذل الزيادة.

وإن فرض الكلام فيما إذا باع عرضا بعوض فزاد أحدهما ووجد المشترى الآخر به عيبا.

قلنا بائع المعيب سلط مشتريه على الفسخ ببيعه

(1)

المغنى للشيخ الإمام أبى القاسم موفق الدين أبى محمد عبد الله ابن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن للشيخ شمس الدين بن الفرج بن عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى كلاهما على مذهب إمام الأئمة أبى عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانى ج 6 ص 255 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الأولى.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 256 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 278، 279، 280 الطبعة السابقة.

ص: 276

المعيب فكأن الفسخ وجد منه.

ولهذا قلنا فيما فسخ لزوج النكاح لعيب المرأة قبل الدخول لا صداق لها كما لو فسخه.

وعلى هذا لا فرق فى العين كالسمن والطول ونحوهما أو فى المعانى كتعلم الصناعة أو الكتابة أو القرآن، أو علم، أو إسلام، أو قضاء دين عنه وبهذا قال محمد بن الحسن.

وقال أبو حنيفة الزيادة بتعليم القرآن وقضاء الدين عنه لا تمنع الرجوع.

ولنا أنها زيادة لها مقابل من الثمن فمنعت الرجوع كالسمن وتعلم الصنعة.

وإن زاد ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع كسائر الزيادات.

وإن كانت زيادة العين أو التعلم لا يزيد فى قيمته شيئا أو ينقص منها لم يمنع الرجوع لأن ذلك ليس بزيادة فى المالية.

وأما الزيادة المنفصلة كولد البهيمة وثمرة الشجرة وكسب العبد فلا يمنع الرجوع بغير أختلاف نعلمه والزيادة للولد، لأنها حادثة فى ملكه ولا تتبع فى الفسوخ فلا تتبع هنا.

وذكر القاضى وجها آخر: انها للأب وهو بعيد. فإن كانت الزيادة ولد أمة لا يجوز التفريق بينه وبين أمه منع الرجوع، لأنه يلزم منه التفريق بينه وبين أمه، وذلك محرم، إلا أن نقول أن الزيادة المنفصلة للأب فلا يمنع الرجوع، لأنه يرجع فيهما جميعا أو يرجع فى الأم وبتملك الولد من مال والده.

وإن قصر العين أو فصلها فلم تزد قيمتها لم تمنع الرجوع، لأن العين لم تزد ولا القيمة.

وإن زادت قيمتها فهى زيادة متصلة هل تمنع الرجوع أو لا؟

يبنى على الروايتين فى السمنة.

ويحتمل أن تمنع هذه الزيادة الرجوع بكل حال، لأنها حاصلة بفعل الابن فجرت مجرى العين الحاصلة بفعله بخلاف السمن، فانه يحتمل ان يكون للأب فلا يمنع الرجوع لأنه نماء العين فيكون تابعا لها، وإن وهبه حاملا فولدت فى يد الابن فهى زيادة متصلة فى الولد.

ويحتمل أن يكون الولد زيادة منفصلة إذا قلنا الحمل لا حكم له.

وإن وهبه حاملا ثم رجع فيها حاملا جاز إذا لم تزد قيمتها وإن زادت قيمتها فهى زيادة منفصلة.

وإن وهبته حائلا فحملت فهى زيادة منفصلة وله الرجوع فيها دون حملها.

وإن قلنا: إن الحمل لا حكم له فزادت به قيمتها فهى زيادة متصلة وإن تزد قيمتها جاز الرجوع فيها.

وإن وهبه نخلا فحملت فهى قبل التأبير زيادة متصلة وبعده زيادة منفصلة

(1)

.

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 281 الطبعة السابقة.

ص: 277

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج

(1)

: أنه إن قبل نصف الموهوب أو واحدا من اثنين فلا تصح الهبة، لأن القبول غير مطابق. ولا بد أن يقع الإيجاب والقبول فى المجلس الذى وقع فيه الايجاب ثم جاء فى موضع آخر

(2)

.

فلو وهب شاة مسلوخة وميتة أو خلا وخمرا أو ما أشبه ذلك فى عقد واحد صحت الهبة فى المسلوخة والخل دون الميتة والخمر ولو باع الخل والخمر معا لم يصح حيث لم تتميز الأثمان.

والفرق بينهم أن حصة الخل من الثمن تكون مجهولة والهبة ليس فيها عوض. فلو كانت على عوض مشروط كانت كالبيع.

نعم (فتصح) هبة هذه الأشياء المستثناة دون بيعها. ثم قال فى موضع آخر

(3)

. واذا زادت العين الموهوبة فى يد المتهب زيادة متصلة كنمو الشجر أو الزرع أو كبر الحيوان، أو سمن ولو نقص من بعد، فإنه يمنع من الرجوع، لأنه لا يمكن التمييز بين الزائد والمزيد، ولا أن الناقص هو تلك الزيادة.

فإن كانت الزيادة فى بعض دون بعض صح الرجوع فى الذى لم يزد.

وأما الزيادة المنفصلة كالولد والصوف والثمار ونحوها فإنها لا تمنع الرجوع وهى للمتهب وتبقى للصلاح بلا اجرة.

فإن كانت الزيادة كالشجر فى الأرض فلا يمنع الرجوع فى الأصل.

وكذا زيادة المعانى فى الأصل لا تمنع الرجوع كالبرء من المرض أو من العمى أو من الجرح وكالصنعة وتعليم القراءة وحرث الأرض وزيادة السعر.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى العروة الوثقى

(4)

: أن الموهوب يجوز أن يكون عينا معينة شخصية.

ويجوز أن يكون جزءا مشاعا من عين كذا.

ويجوز أن يكون كليا فى العين كصاع من صبرة معينة. وأن يكون كليا فى ذمة الواهب، كأن يهبه منا من الحنطة فى ذمته أو عشر ليرات كذلك.

وكذا يجوز أن يكون دينا على الغير فيجوز هبته لمن عليه بلا أشكال ولا يكون إبراء كما قد يتخيل بل هو هبة تفيد فائدة الإبراء ولا تحتاج إلى القبض، لأن ما فى الذمة مقبوض لمن عليه.

(1)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار تأليف العلامة أحمد بن قاسم العنسى الصنعانى ج 3 ص 261 فصل 289، طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه الطبعة الأولى سنة 1366 هـ، سنة 1947 م.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 263.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 268، 269 الطبعة السابقة.

(4)

العروة الوثقى للفقيه الأعظم السيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 2 ص 161 مسألة رقم 5 طبع مطبعة الحيدرى بطهران سنة 1377 هـ الطبعة الثانية.

ص: 278

وهل يحتاج الى القبول؟ الظاهر ذلك.

وربما يحتمل عدم حاجته إليه مع كونه هبة لأنها بمنزلة الإبراء.

وأما هبته لغير من عليه فالمشهور عدم صحتها، لأنه كلى لا وجود له فى الخارج فلا يمكن قبضه.

وفيه إن قبضه بقبض أحد أفراده أو التحقيق أن الكلى عين الأفراد فإذا أذن له الواهب فى قبضه فقبضه صحت.

وكذا إذا قبضه الواهب ثم أقبضه أو أذن له فى القبض عنه ثم القبض لنفسه فالأقوى صحتها، مع أنه يمكن أن يستدل عليه بصحيحة صفوان عن الرضا عليه السلام عن رجل كان له على رجل مال فوهبه لولده فذكر له الرجل المال الذى له عليه فقال: إنه ليس فيه عليك شئ فى الدنيا والآخرة يطيب ذلك وقد كان وهبه لولد له.

قال عليه السلام: نعم يكون وهبه ثم نزعه فجعله لهذا.

وإنما جاز له ذلك مع كون الهبة للولد لا يجوز الرجوع فيها، لأنه لم يقبضه فلا يستشكل فيها من هذه الجهة وإطلاق النزع بلحاظ إيجاد العقد.

ثم قال

(1)

: إنه لا يشترط فى الهبة أن يكون المال الموهوب معلوم المقدار فتصح هبة الصبرة أو الجزء المشاع منها مع عدم العلم بمقدارها.

وكذا تصح هبة الدين الذى لم يعلم مقداره نعم يجب تعيين الجزء المشاع من ثلث أو ربع أو نحوهما إن لم يكن متعينا فى الواقع وكذا يجب تعيين المقدار إذا وهبه شيئا كليا فى ذمة نفسه.

ثم قال

(2)

: إن الأقوى جواز هبة الفرد المردد كأحد العبدين وعدم جوازه فى البيع من جهة الإجماع وإلا فبحسب القاعدة لا مانع منه تساويهما فى الصفات والقيمة.

ثم قال

(3)

: إنه يجوز هبة المشاع ويدل عليه بعد الاجماع صحيحة عمران الحلبى عن محمد بن يعقوب الكلينى بإسناده عن أحمد بن عمر الحلبى عن أبيه عن ابى عبد الله عليه السلام قال: سألته عن دار لم تقسم فتصدق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار قال يجوز.

قلت: أرأيت إن كانت هبة.

قال يجوز الحديث.

وفحوى ما دل على جواز الوقف فى المشاع فلا إشكال فيه. وإنما الكلام فى كيفية قبضه.

والظاهر عدم الحاجة إلى إذن الشريك فيما يكفى فى قبضه التخلية إذ هى لا تستلزم التصرف فى العين المشتركة.

وما عن الدروس من الحاجة إلى إذنه حتى فى مورد كفاية التخلية لا وجه له.

وأما فيما يحتاج قبضه إلى النقل والتحويل فلا يجوز بدون إذن الشريك فإن أذن فهو وإن امتنع

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 162 مسألة رقم 7 نفس الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 162 مسألة رقم 8 نفس الطبعة السابقة.

(3)

العروة الوثقى ج 2 ص 167، 168 مسألة رقم 21 نفس الطبعة السابقة.

ص: 279

منه فللمتهب توكيله فى القبض عنه.

ومع امتناعه من ذلك أيضا ذكروا أنه يرفع الأمر إلى الحاكم ليقبضه بنفسه أو بنائبه.

ومع عدمه وعدم نائبه فالظاهر كفاية عدول المؤمنين فى إجباره أو قبضه.

ومع عدمهم قد يقال: إنه حينئذ يكفى فيه التخلية. لكنه مشكل مع عدم صدق القبض.

فاللازم التوقف إلى أن يمكن.

ولعل وجه الرجوع إلى الحاكم وجواز إجباره أو قبضه أن مقتضى سلطنة الواهب على ماله جواز إلزام الشريك بالقبض عند تصرفه فى حصته بتمليكه للغير. ولو قبض المتهب بدون إذن الشريك فعل حراما. لكن الظاهر كفايته.

والقول بعدمها كما عن بعضهم للنهى المتعلق بركن المعاملة لا وجه له، لأنه ليس متعلقا به من حيث أنه قبض بل هو لأمر خارج وهو كونه تصرفا فى مال الشريك بغير إذنه.

وإذا وهب

(1)

كليا فى معين كصاع من صبرة معينة فقبضه إما بتعيينه فى فرد ودفعه إلى المتهب وإما بقبض تمام الصبرة وإما بتوكيل الواهب فى قبضه.

ثم قال

(2)

: إنه لو وهب اثنان فى عقد واحد شيئين لكل منهما واحد منهما أو شيئا واحدا على سبيل الإشاعة فقبلا وقبضا صح.

ولو قبض أحدهما دون الآخر صح بالنسبة إلى القابض ولا يضر تبعض العقد الواحد فى الصحة والبطلان، لأنه متعدد فى التحليل نظير ما إذا وهب أو باع خمرا وخلا أو شاة أو خنزيرا أو مال نفسه وغيره.

ولو وهب اثنان واحد شيئين أو شيئا واحدا فقبض حصة أحدهما دون الآخر فكذلك.

ولو وهب واحدا شيئا واحدا فقبض بعضه دون بعض كما إذا وهبه صبرة فقبض بعضها صح فيما قبضه فقط ..

‌مذهب الإباضية:

جاء فى النيل

(3)

: إنه يجوز هبة الأصل والعرض ما ظهر أو بطن، علم كان موجودا أو غير موجود، أو جهل على الصحيح.

وقيل لا تجوز هبة المجهول.

ولا تجوز جزءا إن كانت هبة الثواب فهبة المجهول الباطن مثل هبة ما يبطن أى فى بطن أمه، أو شاة أو ناقة أو نحوها كبقرة.

ومثل هبة الجزر واللفت والبصل.

ومن قال وهبت لزيد هذه النخلة كانت لزيد بأرضها.

ومن وهب رجلا مأكلة قطعة نخل فأكلها سنة

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 168 مسألة رقم 22 نفس الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 168 مسألة رقم 25 نفس الطبعة السابقة.

(3)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لشيخ الإسلام الشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 13 طبع على ذمة صاحب الامتياز لمحمد بن يوسف البارونى وشركاه الطبعة السابقة.

ص: 280

ولبثت بيده حتى حملت ثم مات فليس للمعطى شئ. والنخل وقرها للوارث لانقضاء الأمر الأول قبل إدراكها، إلا إن صارت عند موته فضخا ورطبا فهى للمعطى، لأن الأكل لا يقع إلا على مدرك.

وإن أعطاه ثمرتها فأثمرت فأبرها قبل موت المعطى فقد أحرزها لوقوع الاسم عليها من حين الإثمار وتحرز بالتأبير ونحوه.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: ويجوز استثناء ما فى بطن ما وهب ولا يدرك إرضاعه على الموهوب له مطلقا إلا إن كان الموهوب أمة ولم يجد من يرضع ولدها سواها فإنها ترضعه بالأجرة ويجوز الخيار فى الهبة.

وهبة المنافع

(2)

كهبة الشاة لإنسان يحلبها والشاة على ملك صاحبها. وكهبة شجرة ليأكل ثمارها وهى ملك لصاحبها.

وكالعمرى وهى هبة المنافع وهى: إما مؤجلة إلى بعض من عمره تحقق أو مات قبله ولذلك قابله بالعمرى أجلا معلوما أو مجهولا، أو أجلا مسكوتا عنه مفوضا إلى الموهوب له أو إلى تمام حاجته لكن ليست له إلى موته أو أبدا وتسمى عارية ومنحة ونحوها.

ثم قال

(3)

: ولا ينتفع بغلة العارية إلا باذن مثل لبن الناقة وما يحمله العبد من الفحص ولا يكريها ولا يعيرها وان فعل ضمن ولزمه الكراء.

وقيل ضمناه إن علم الأجير أنه عارية.

وقيل لا يلزم الأجير ضمان ان كان الأول ثقة.

وكذا ان أكرى غلاتها. وجائز لمن استعير له أن ينتفع به. وكذا العارية نفسها عسى أنه جوزه المالك إلى ذلك.

وذكر فى الكتاب أنه لا ينتفع بذلك إلا إن كان المعير أمينا.

والظاهر أن الغلة كذلك.

ومن استعار شاة أو غيرها ولدت أو لم تلد فلا يحلب إلا لبن الولادة التى هى فيها. وإن جعل له أجلا حلب ألبان الأجل كلها. وإن أجل سنة حسب من حينه إلى مثله من المستقبل، وإن قال:

أحليها هذه السنة حلبها بقية السنة ولا يضر بولدها.

وإن مات ولدها فلا يجبرها على ولد غيرها الا إن كان يصلح ذلك لصاحبها.

وإن أذن له فى الانتفاع بالغلة فقيل لا ينتفع بالنتاج ولا بالصوف لأنهما ليس من الغلة.

وقيل ينتفع وهما منها.

وإن أذن له أن ينتفع بها وما قام عنها انتفع بذلك وغيره وعليه حفظ غلتها وهى كأصلها وعليه الرعاية والسقى ولا يخاطر فى موضع الخوف، ولا يستعمل بعضا لبعض، ولا يمنعها فيما بينهما.

وإن حمل بعضا على بعض فهلكت بذلك ضمن.

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 16 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 64.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 86، 87 الطبعة السابقة.

ص: 281

‌الإفراد فى الشركة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(1)

أن عقد الشركة عقد جائز غير لازم، حتى ينفرد كل منهما بالفسخ، إلا أن من شرط جواز الفسخ أن يكون بحضرة صاحبه أو بعلمه حتى لو فسخ بمحضر من صاحبه جاز الفسخ.

وكذا لو كان صاحبه غائبا وعلم بالفسخ، وإن كان غائبا ولم يبلغه الفسخ لم يجز الفسخ ولم ينفسخ العقد، لأن الفسخ من غير علم صاحبه إضرار بصاحبه ولهذا لم يصح عزل الوكيل من غير علمه مع ما أن الشركة تتضمن الوكالة وعلم الوكيل بالعزل شرط جواز العزل فكذا فى الوكالة التى تضمنت الشركة.

أما شركة العنان

(2)

، فإنه يجوز لأحد شريكى العنان أن يبيع مال الشركة لأنهما بعقد الشركة أذن كل واحد لصاحبه ببيع مال الشركة، ولأن الشركة تتضمن الوكالة فيصير كل واحد منهما وكيل صاحبه بالبيع، ولأن غرضهما من الشركة الربح، وذلك بالتجارة وما التجارة إلا البيع والشراء فكان إقدامهما على العقد إذنا من كل واحد منهما لصاحبه بالبيع والشراء دلالة.

وله أن يبيع مال الشركة بالنقد والنسيئة لأن الإذن بالبيع بمقتضى الشركة وجد مطلقا، ولأن الشركة تنعقد على عادة التجار ومن عادتهم البيع نقدا ونسيئة وله أن يبيع بقليل الثمن وكثيره إلا بما لا يتغابن الناس فى مثله لأن المقصود من العقد وهو الاسترباح لا يحصل به فكان مستثنى من العقد دلالة

وذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى وجعله على الاختلاف فى الوكالة بالبيع مطلقا أنه يجوز عند أبى حنيفة، وعندهما لا يجوز. ولو باع أحدهما وأجل الآخر لم يجز تأجيله فى نصيب شريكه بالإجماع.

وهل يجوز فى نصيب نفسه؟

هو على الخلاف الذى ذكرنا فى الدين المشترك إذا أخر أحدهما نصيبه، هذا إذا عقد أحدهما وأجل الآخر.

فأما إذا عقد أحدهما ثم أجل العاقد فلا خلاف فى أنه يجوز تأجيله فى نصيب نفسه لأنه مالك وعاقد، وأما فى نصيب شريكه فيجوز تأجيله فى قول أبى حنيفة ومحمد.

وعند أبى يوسف لا يجوز

والكلام فيه بناء على مسألة الوكيل بالبيع أنه يملك تأخير الثمن والإبراء عنه عندهما.

وعنده لا يملك

ووجه البناء ظاهر، لأن العاقد فى نصيب الشريك وكيل عنه وهى من مسائل كتاب الوكالة

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين ابن أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 77 طبع مطبعة الجمالية بمصر طبعة أولى.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 68 نفس الطبعة المتقدمة.

ص: 282

إلا أن هناك إذا أخر يضمن من ماله للموكل عندهما وهنا لا يضمن الشريك العاقد، لأن الشريك العاقد يملك أن يقابل بالبيع ثم يبيعه بنسيئة وإذا لم يقابل وأخر الدين جاز والوكيل بالبيع لا يملك أن يقابل ويبيع بالنسيئة فإذا أخر يضمن وله أن يشترى بالنقد والنسيئة.

وهذا إذا كان فى يده مال ناض للشركة وهو الدراهم والدنانير فاشترى بالدراهم والدنانير شيئا نسيئة وكان عنده شئ من المكيل والموزون فاشترى بذلك الجنس شيئا نسيئة.

فأما إذا لم يكن فى بلده دراهم ولا دنانير فاشترى بدراهم أو دنانير شيئا كان المشترى له خاصة دون شريكه، لأنا لو جعلنا شراءه على الشركة لصار مستدينا على مال الشركة والشريك لا يملك الاستدانة على مال الشركة من غير أن يؤذن له بذلك كالمضارب، لأنه يصير مال الشركة أكثر مما رضى الشريك بالمشاركة فلا يجوز من غير رضاه.

ثم قال صاحب البدائع

(1)

وحقوق العقد الذى يتولاه أحد الشريكين ترجع إلى العاقد، حتى لو باع أحدهما لم يكن للآخر أن يقتضى شيئا من الثمن. وكذلك كل دين لزم إنسانا بعقد وليه احدهما ليس للآخر قبضه.

وللمديون أن يمتنع من دفعه إليه كالمشترى من الوكيل بالبيع له أن يمتنع عن دفع الثمن إلى الموكل، لأن القبض من حقوق العقد وحقوق العقد تعود إلى العاقد، لأن المديون لم يلتزم الحقوق للمالك، وإنما التزمها العاقد، فلا يلزمه ما لم يلتزمه إلا بتوكيل العاقد.

فإن دفع إلى الشريك من غير توكيل برئ من حصته ولم يبرأ من حصة الداين، وهذا استحسان

والقياس ألا يبرأ الدافع.

ووجه القياس أن حقوق العقد لا تتعلق بالقابض بل هو أجنبى عنها وإنما تتعلق بالعاقد فكان الدافع إلى القابض بغير حق فلا يبرأ.

ووجه الاستحسان أنه لا فائدة فى نقض هذا القبض إذ لو نقضناه لاحتجنا إلى إعادته، لأن المديون يلزمه دفعه إلى العاقد والعاقد يرد حصة الشريك إليه فلا يفيد القبض.

ثم الإعادة فى الحال، وهذا على القياس، والاستحسان فى الوكيل بالبيع إذا دفع المشترى الثمن إلى الموكل من غير إذن الوكيل لا يطالب الشريك بتسليم المبيع لما قلنا

وليس لأحدهما أن يخاصم فيما أدانه الآخر أو باعه والخصومة للذى باع وعليه ليس على الذى لم يل من ذلك شئ فلا يسمع عليه بينة فيه، ولا يستحلف وهو والأجنبى فى هذا سواء، لأن الخصومة من حقوق العقد وحقوق العقد تتعلق بالعاقد.

ولو اشترى أحدهما شيئا لا يطالب الآخر بالثمن وليس للشريك قبض المبيع، لما قلنا.

وللعاقد أن يوكل وكيلا بقبض الثمن والبيع فيما اشترى وباع لما ذكرنا فيما تقدم.

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 70 الطبعة السابقة.

ص: 283

ولأحدهما أن يقابل فيما باعه الآخر لأن الإقالة فيها، معنى الشراء وأنه يملك الشراء على الشركة فيملك الإقالة، وما باعه أحدهما أو اشترى فظهر عيب لا يرد الآخر بالعيب ولا يرد عليه لأن الرد بالعيب من حقوق العقد وأنها ترجع إلى العاقد والرجوع بالثمن عند استحقاق المبيع على البائع لأنه العاقد، فإن أقر أحدهما بعيبه فى متاع جاز إقراره عليه وعلى صاحبه.

قال الكرخى وهذا قياس قول أبى حنيفة وزفر وأبى يوسف رحمهم الله تعالى.

وفرق بين هذا وبين الوكيل إذا أقر بالعيب فرد القاضى المبيع عليه أنه لا ينفذ إقراره على الموكل، حتى يثبت بالبينة لأن موجب الإقرار بالعيب ثبوت حق الرد عليه.

ولأحد الشريكين أن يقابل فيما باعه الآخر، لأن الإقالة فيها معنى الشراء، وأنه يملك الشراء إلى أن يسترد المبيع ويقبل العقد، والوكيل لا يملك ذلك، فإن باع أحدهما متاعا من الشركة فرد عليه فقبله بغير قضاء القاضى جاز عليهما، لأن قبول المبيع بالتراضى عن غير قضاء بمنزلة شراء مبتدأ بالتعاطى، وكل واحد منهما يملك أن يشترى ما باعه على الشركة

وكذا القبول من غير قضاء القاضى بمنزلة الإقالة وإقالة أحدهما تنفذ على الآخر.

وكذا لو حط من ثمنه أو أخر ثمنه لأجل العيب فهو جائز، لأن العيب يوجب الرد، ومن الجائز أن يكون الصلح والحط أنفع من الرد، فكان له ذلك، فإن حط من غير علة، أو أمر يخاف منه جاز فى حصته، ولم يجز فى حصة صاحبه لأن الحط من غير عيب تبرع، والإنسان يملك التبرع من مال نفسه، لا من مال غيره، وكذلك لو وهب لأن الهبة تبرع

ولكل واحد منهما أن يبيع ما اشتراه وما اشترى صاحبه مرابحة على ما اشترياه لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه بالشراء والبيع، والوكيل بالبيع يملك البيع مرابحة.

وهل لاحدهما أن يسافر بالمال من غير رضا صاحبه؟

ذكر الكرخى أنه ليس له ذلك.

والصحيح من قول أبى يوسف ومحمد أن له ذلك. وكذا المضارب والمبضع والمودع لهم أن يسافروا.

وروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه ليس للشريك والمضارب أن يسافر وهو قول أبى يوسف.

وروى عن أبى يوسف أن له المسافرة إلى موضع لا يبيت عن منزله، وروى عنه يسافر أيضا بما لا حمل له ولا مؤنة، ولا يسافر بما له حمل ومؤنة ووجه ظاهر قول أبى يوسف أن السفر له خطر فلا يجوز فى ملك الغير إلا بإذنه.

ووجه الرواية التى فرق فيها بين القريب والبعيد أنه إذا كان قريبا بحيث لا يبيت عن منزله كان فى حكم المصر.

ووجه الرواية التى فرق فيها بين ما له حمل ومؤنة، وما ليس له حمل ومؤنة أن ما له حمل إذا

ص: 284

احتاج شريكه إلى رده يلزمه مؤنة الرد فيتضرر به، ولا مؤنة تلزمه فيما لا حمل له.

ووجه قول أبى حنيفة ومحمد أن الإذن بالتصرف يثبت مقتضى الشركة، وأنها صدرت مطلقة عن المكان، والمطلق يجرى على إطلاقه، إلا لدليل، ولهذا جاز للمودع أن يسافر على أنه فى معنى المودع، لأنه مؤتمن فى مال الشركة، كالمودع فى مال الوديعة، مع ما أن الشريك يملك أمرا زائدا لا يملكه المودع، وهو التصرف، فلما ملك المودع السفر، فلأن يملك الشريك أولى.

وقول أبى يوسف أن المسافرة بالمال مخاطرة به، مسلم، إذا كان الطريق مخوفا، فأما إذا كان آمنا، فلا خطر فيه، بل هو مباح، لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالابتغاء فى الأرض من فضل الله، ورفع الجناح عنه بقوله عز شأنه:

«لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ»

(1)

، مطلقا من غير فصل.

وما ذكر من لزوم مؤنة الرد فيما له حمل ومؤنة فلا يعد ذلك غرامة فى عادة التجار، لأن كل مؤنة تلزم تلحق برأس المال ..

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(2)

: أنه لا يفسد انفراد أحد الشريكين بشئ فى شركة المفاوضة.

قال البساطى: يحتمل أن يريد أن شركة المفاوضة لا يفسدها أن يعين كل صنفا للآخر يعمل فيه ويشتركان فى غيرهما فى العمل.

ويحتمل أن يريد أن عمل كل فى مال لنفسه لا يفسدها إذا استويا فى عمل الشركة.

والثانى هو المنصوص.

ولا يبعد الأول إذا كان المنفردان قريبين.

قال الحطاب فى المدونة: ولأحد المتفاوضين أن يبضع ويقارض دون إذن الآخر.

قال اللخمى هذا إذا كان المال واسعا يحتاج فيه إلى مثل ذلك. فإن لم يكن فيه فضل عنهما لم يخرجه عن نظره إلا برضا شريكه. أو يكون ذلك فى شئ بار عليهما وبلغه عن بلد نفاق ولا يجد إلى السفر به سبيلا. أو يبلغه عن سلع نفاق ببلد فيبعث ما يشبه أن يبعث به من مثل ما بأيديهما.

ومثل هذا يعرف عند النزول ونقله أبو الحسن.

وظاهره أنه وفاق للمدونة.

وفى المدونة وإن أبضع أحدهما مع رجل دنانير من الشركة ثم علم الرجل بموت الذى أبضعها معه، أو بموت شريكه، فإن علم أنها من الشركة فلا يشترى بها شيئا وليردها على الباقى.

وإن بلغه افتراقهما فله أن يشترى، لأن ذلك لهما بعد، وفى الموت يقع بعضه للورثة وهم لم يأمروه.

قال أبو الحسن: ولا يشترى بنصيب الباقى، لأن نصيبه مشاع فى جميع المال، وليس للمبضع

(1)

الآية رقم 198 من سورة البقرة.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل ج 5 ص 126، 127 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر الطبعة الأولى سنة 1323 هـ.

ص: 285

معه أن يقسم ذلك.

قال اللخمى: وإن علم فى الموت أن المال من غير المفاوضة لم يكن له أن يشترى إن مات المبضع

وإن مات من لم يبضع كان له أن يشترى، وإن لم يعلم ذلك المال من المفاوضة أو مما يخصه لم يشتر، لأن أمره موقوف على الكشف بعد الوصول، فقد يكون من مال المفاوضة.

ونقل أبو الحسن هذا الأخير عن ابن يونس واللخمى.

ومن المدونة قال

(1)

: ولأحد المتفاوضين أن يبضع ويقارض دون إذن شريكه. ولا يجوز لأحدهما أن يقارض شريكا إلا بإذن شريكه.

وأما إن شاركه فى سلعة بعينها غير شركة مفاوضة فجائز.

وأما إيداعه فإن كان لوجه عذر لنزوله ببلد فيرى أن يودع، إذ منزله الفنادق وما لا أمن فيه فذلك له.

وأما ما أودع لغير عذر فإنه يضمنه ويقبل ويولى، ويقبل المعيب، وإن أبى الآخر.

ومن المدونة: إن اشترى أحدهما عبدا فوجد به عيبا فرضيه هو أو شريكه لزم ذلك الآخر، فإن رده مبتاعه ورضيه شريكه لزمه رضاه.

وإقالة أحدهما فيما باعه هو أو شريكه وتوليته لازمة كبيعه ما لم تكن فيه محاباة فيكون كالمعروف لا يلزم إلا ما جرّ به إلى التجارة نفعا، وإلا لزمه قدر حصته منه وإقالة لخوف عدم الغريم ونحوه من النظر وكشراء حادث.

ثم قال

(2)

: واستبد آخذ قراض ومستعير دابة بلا إذن وأن للشركة ومتجر بوديعة بالمودع بالربح والخسر إلا أن يعلم شريكه بتعديه فى الوديعة.

قال ابن حبيب: إذا أخذ أحد الشريكين قراضا لنفسه، أو أجر نفسه فى عمل، أو فى حراسة، أو وكالة أو تسلف ما لا فاشترى به سلعة فربح فيها، أو اشترى لنفسه شيئا بدين فربح فيه، فإن لم يكونا متفاوضين فمجتمع عليه أن له ذلك دون شريكه.

وإن كانا متفاوضين فابن القاسم يرى ذلك له أيضا دون شريكه، ولا يجعل عليه فى ذلك إجارة لشريكه.

قال ابن القاسم: وإن استعار أحدهما بغير إذن الآخر ما حمل عليه لنفسه، أو لمال الشركة فهلك فضمانه من المستعير خاصة لأن شريكه يقول له:

كنت تستأجر لئلا أضمن.

قال أبو محمد: يريد بالضمان إن تبين كونه فى الحيوان.

وقال القابسى يضمن المستعير وحده الدابة إن قضى بذلك قاض من يرى ذلك وكان القاضى بمصر يومئذ ممن يرى ذلك.

ومن المدونة وإن أودع رجل لأحدهما وديعة

(1)

التاج والأكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله سيدى محمد ابن يوسف بن أبى القاسم الشهير بالمواق ج 5 ص 128 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 128، 129 الطبعة السابقة.

ص: 286

فعمل بالوديعة تعديا فربح فإن علم شريكه بالعداء ورضى بالتجارة بها بينهما فلهما الربح والضمان عليهما وإن لم يعلم فالربح للمتعدى وعليه الضمان خاصة ..

‌انفراد أحد الشريكين فى الشركة

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج

(1)

: أنه لا يشترط فى الشركة تساوى قدر المالين أى تساويهما فى القدر كما فى المحرر وغيره، بل تثبت الشركة مع تفاوتهما على نسبة المالين لأنه لا محذور فيه إذ الربح والخسران على قدر المالين.

والأصح أنه لا يشترط العلم بقدرهما أى بقدر كل من المالين أهو النصف أم غيره عند العقد إذا أمكن معرفته من بعد بمراجعة حساب أو وكيل، لأن الحق لا يعدوهما وقد تراضيا بخلاف ما لا يمكن معرفته.

والثانى يشترط وألا يؤدى إلى جهل كل منهما بما أذن فيه وبما أذن له فيه.

ومأخذ الخلاف أنه إذا كان بين اثنين مال مشترك كل منهما جاهل بقدر حصته وأذن كل منهما للآخر فى التصرف فى نصيبه منه يصح الإذن فى الأصح ويكون الثمن بينهما كالمثمن.

ولو جهلا القدر وعلما النسبة بأن وضع أحدهما بدراهم فى كفة الميزان ووضع الآخر بإزائها مثلها صح جزما كما قاله الماوردى وغيره.

ولو اشتبه ثوباهما لم يكف للشركة كما فى أصل الروضة لأن ثوب كل منهما متميز عن الآخر، ويتسلط كل منهما على التصرف إذا وجد الإذن من الطرفين بلا ضرر كالوكيل فلا يبيع نسيئة للغرر ولا بغير نقد البلد، ولا يبيع ولا يشترى بغبن فاحش كالوكيل. فلو خالف فى ذلك لم يصح تصرفه فى نصيب شريكه، ويصح فى نصيب نفسه فتنفسخ الشركة فى المشترى أو فى المبيع، ويصير مشتركا بين البائع أو المشترى والشريك.

فإن اشترى بالغبن فى الذمة اختص الشراء به فيزن الثمن من ماله ولا يسافر بالمال المشترك لما فى السفر من الخطر فإن سافر ضمن فإن باع صح البيع، وإن كان ضامنا.

نعم إن عقد الشركة بمفازه لم يضمن بالسفر إلى مقصده لأن القرينة قاضية له بذلك.

ومثل ذلك كما قاله بعض المتأخرين ما لو جلى أهل بلد لقحط أو عدو ولم تمكنه مراجعة الشريك أن له السفر بالمال بل يجب عليه ولا يبضعه أى يدفعه لمن يعمل فيه متبرعا، لأنه لم يرض بغير يده.

فإن فعل ضمن هذا كله إن فعله بغير إذن من شريكه، لأنها فى الحقيقة توكيل وتوكل، فإن أذن له فى شئ جاز.

نعم لا تستفيد بمجرد الإذن فى السفر ركوب البحر، بل لا بد من التنصيص عليه كنظيره فى القراض، ولكل من الشريكين فسخه متى شاء

(1)

مغنى المحتاج إلى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الخطيب الشربينى ج 2 ص 200 وبهامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.

ص: 287

كالوكالة وينعزلان عن التصرف جميعا بفسخهما.

وجاء فى المهذب

(1)

: أنه لا يجوز لأحد الشريكين أن يتصرف فى نصيب شريكه إلا بإذنه، فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه فى التصرف تصرفا، وإن أذن أحدهما ولم يأذن الآخر تصرف المأذون فى الجميع، ولا يتصرف الآخر إلا فى نصيبه.

ولا يجوز لأحدهما أن يتجر فى نصيب شريكه إلا فى الصنف الذى يأذن فيه الشريك، ولا أن يبيع بدون ثمن المثل، ولا بثمن مؤجل، ولا بغير نقد البلد، إلا أن يأذن له شريكه، لأن كل واحد منهما وكيل للآخر فى نصفه فلا يملك الا ما يملك الوكيل ..

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى: أن شركة العنان مبنية على الوكالة والأمانة، لأن كل واحد منهما يدفع المال إلى صاحبه لأمنه وبإذنه له فى التصرف وكله.

ومن شرط صحتها أن يأذن كل واحد منهما، لصاحبه فى التصرف. فإن أذن له مطلقا فى جميع التجارات تصرف فيها. وإن عين له جنسا أو نوعا أو بلدا تصرف فيه دون غيره لأنه متصرف بالإذن فوقف عليه كالوكيل.

ويجوز لكل واحد منهما أن يبيع ويشترى مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة وكيف رأى المصلحة لأن هذا عادة التجار، وله أن يقبض المبيع والثمن ويقبضهما ويخاصم فى الدين، ويطالب به، ويحيل، ويحتال، ويرد بالعيب فيما وليه هو، وفيما ولى صاحبه، وله أن يستأجر من رأس مال الشركة، ويؤجر، لأن المنافع أجريت مجرى الأعيان فصار كالشراء والبيع والمطالبة بالأجر لهما وعليهما، لأن حقوق العقد لا تختص العاقد.

وليس له أن يكاتب الرقيق ولا يعتق على مال ولا غيره، ولا يزوج الرقيق، لأن الشركة تنعقد على التجارة، وليست هذه الأنواع تجارة سيما تزويج العبد فإنه محض ضرر.

وليس له أن يقرض ولا يحابى، لأنه تبرع وليس له التبرع، وليس له أن يشارك بمال الشركة ولا يدفعه مضاربة لأن ذلك يثبت فى المال حقوقا ويستحق ربحه لغيره وليس، ذلك له.

وليس له أن يخلط مال الشركة بماله ولا مال غيره لأنه يتضمن إيجاب حقوق فى المال وليس هو من التجارة المأذون فيها ولا يأخذ بالمال سفتجة، ولا يعطى به سفتجة لأن فى ذلك خطرا لم يؤذن فيه.

وليس له أن يستدين على مال الشركة، فإن فعل فذلك له، وله ربحه وعليه وضيعته.

قال أحمد فى رواية صالح فيمن استدان فى المال بوجهه ألفا فهو له وربحه له والوضيعة عليه.

وقال القاضى إذا استقرض شيئا لزمهما وربحه لهما، لأنه تمليك مال بمال فهو كالصرف.

(1)

المهذب لأبى اسحاق إبراهيم على بن يوسف الفيروز ابادى الشيرازى ج 1 ص 346 طبع مطبعة عيسى البابى لحلبى وشركاه بمصر.

ص: 288

ونص أحمد يخالف هذا.

ولأنه أدخل فى الشركة أكثر مما رضى الشريك بالمشاركة فيه فلم يجز كما لو ضم إليها ألفا من ماله، ويفارق الصرف، لأنه بيع وإبدال عين بعين فهو كبيع الثياب بالدراهم.

وليس له أن يقر على مال الشركة فإن فعل لزم فى حقه دون صاحبه، سواء أقر بعين أو دين، لأن شريكه إنما أذن فى التجارة وليس الاقرار داخلا فيها وإن أقر بعيب فى عين باعها قبل إقراره.

وكذلك يقبل إقرار الوكيل على موكله بالعيب نص عليه أحمد.

وكذلك إن أقر ببقية ثمن البيع أو بجميعه أو بأجر للمنادى أو الحمال وأشباه هذا ينبغى أن يقبل، لأن هذا من توابع التجارة فكان له ذلك كتسليم المبيع وأداء ثمنه.

وإن ردت السلعة عليه بعيب فله أن يقبلها، وله أن يعطى أرش العيب أو يحط من ثمنه أو يؤخر ثمنه لأجل العيب، لأن ذلك قد يكون أحط من الرد، وإن حط من الثمن ابتداء أو أسقط دينا لهما عن غريمهما لزم فى حقه وبطل فى حق شريكه، لأنه تبرع والتبرع يجوز فى حق نفسه دون شريكه.

وإن كان لهما دين حال، فأخر أحدهما حصته من الدين جاز. وبه قال أبو يوسف ومحمد.

وقال أبو حنيفة لا يجوز.

ولنا: أنه أسقط حقه من المطالبة فصح أن ينفرد أحدهما به كالإبراء.

وهل لأحدهما أن يبيع نساء؟

يخرج على روايتين بناء على الوكيل والمضارب وإن اشترى نساء بنقد عنده مثله أو نقد من غير جنسه أو اشترى بشئ من ذوات الأمثال وعنده مثله جاز لأنه إذا اشترى بجنس ما عنده فهو يؤدى مما فى يديه فلا يفضى إلى الزيادة فى الشركة وإن لم يكن فى يده نقد ولا مثلى من جنس ما اشترى به أو كان عنده عرض فاستدان عرضا فالشراء له خاصة وربحه له وضمانه عليه، لأنه استدانه على مال الشركة وليس له ذلك.

والأولى أنه متى كان عنده من مال الشركة ما يمكنه أداء الثمن منه ببيعه أنه يجوز، لأنه أمكنه أداء الثمن من مال الشركة فأشبه ما لو كان عنده نقد، ولأن هذا عادة التجار، ولا يمكن التحرز منه، وهل له أن يبضع أو يودع؟

على روايتين:

إحداهما: له ذلك لأنه عادة التجار وقد تدعو الحاجة إلى الإيداع.

والرواية الثانية: لا يجوز، لأنه ليس من الشركة وفيه غرر.

والصحيح أن الإيداع يجوز عند الحاجة إليه، لأنه من ضرورة الشركة أشبه دفع المتاع إلى الحمال

وفى التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه وجهان بناء على الوكيل.

وقيل يجوز للشريك التوكيل، بخلاف الوكيل، لأنه لو جاز للوكيل التوكيل لاستفاد بحكم العقد مثل العقد، والشريك يستفيد بعقد الشركة ما هو أخص منه ودونه لأن التوكيل أخص من عقد

ص: 289

الشركة، فإن وكل احدهما ملك الآخر عزله، لأن لكل واحد منهما التصرف فى حق صاحبه بالتوكيل، فكذلك بالعزل.

وهل لأحدهما أن يرهن بالدين الذى عليهما أو يرهن بالدين الذى لهما؟

على وجهين:

أصحهما أن له ذلك عند الحاجة لأن الرهن يراد للإيفاء والارتهان يراد للاستيفاء، وهو يملك الإيفاء والاستيفاء فملك ما يراد لهما.

والثانى: ليس له ذلك لأن فيه خطرا ولا فرق بين أن يكون ممن ولى العقد أو من غيره لكون القبض من حقوق العقد، وحقوق العقد لا تختص العاقد فكذلك ما يراد له.

وهل له السفر بالمال؟

فيه وجهان:

فأما الإقالة فالأولى: أنه يملكها لأنها إن كانت بيعا فهو يملك البيع وإن كانت فسخا فهو يملك الفسخ بالرد بالعيب إذا رأى المصلحة فيه فكذلك يملك الفسخ بالإقالة إذا كان الحظ فيه فإنه قد يشترى ما يرى أنه قد غبن فيه.

ويحتمل ألا يملكها إذا قلنا هو فسخ، لأن الفسخ ليس من التجارة، وإن قال له أعمل برأيك جاز له أن يعمل كل ما يقع فى التجارة من الإيضاع والمضاربة بالمال والمشاركة به وخلطه بماله والسفر به والايداع.

والبيع نساء والرهن والارتهان والإقالة ونحو ذلك، لأنه فوض إليه الرأى فى التصرف الذى تقتضيه الشركة فجاز له كل ما هو من التجارة، فأما ما كان تمليكا بغير عوض كالهبة والحطيطة بغير فائدة والقرض والعتق ومكاتبة الرقيق وتزويجهم ونحوه فليس له فعله، لأنه إنما فوض إليه العمل برأيه فى التجارة وليس هذا منها.

وإن أخذ أحدهما مالا مضاربة فربحه له ووضيعته عليه دون صاحبه، لأنه يستحق ذلك فى مقابلة عمله وليس ذلك من المال الذى اشتركا فيه.

وقد قال أصحابنا فى المضاربة إذا ضارب الرجل آخر رد ما حصل من الربح فى شركة الأول إذا كان فيه ضرر على الأول فيجئ ههنا مثله.

ثم قال

(1)

: وحكم المضاربة حكم شركة العنان فى أن كل ما جاز للشريك عمله جاز للمضارب عمله، وما منع منه الشريك منع منه المضارب، وما اختلف فيه ثم فههنا مثله.

وما جاز أن يكون رأس مال الشركة جاز أن يكون رأس مال المضاربة، وما لا يجوز ثم لا يجوز ههنا على ما فصلناه

(2)

..

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(3)

: أنه متى عقدت شركة المفاوضة فقال كل واحد منهما لصاحبه شاركتك

(1)

المغنى لابن قدامة والشرح الكبير عليه ج 5 ص 129، 130، 131، 132، 133 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 136 الطبعة السابقة ..

(3)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ج 3 ص 355، 356 الطبعة السابقة.

ص: 290

بمالى والتصرف بوجهى ليتجرا مجتمعين أو مفترقين انعقدت فيصير كل واحد منهما فيما يتعلق بالتصرف فيه وكيلا للآخر وكفيلا، له ما له، وعليه ما عليه مطلقا.

فإذا اشترى أحدهما شيئا لزم الآخر وللبائع أن يطالب بالثمن أيهما شاء. وإذا باع أحدهما فللاخر المطالبة بالثمن وقبضه وللمشترى أن يطالب بتسليم المبيع وبثمن ما استحق أيهما شاء ويرد بالعيب والرؤية والشرط على أيهما شاء.

قوله فيما يتعلق بالتصرف فيه يعنى فيما يتعلق بالتصرف فى النقد من معاوضة. فأما ما جناه أحدهما أو لزمه من نكاح أو نحو ذلك فإنه لا يلزم الآخر.

وقوله مطلقا يعنى به سواء علم أحدهما بتصرف الآخر أم لا.

ثم قال

(1)

بالنسبة لشركة العنان. ولا يصير أيهما فيما يتصرف فيه الآخر وكيلا ولا كفيلا فكل واحد منهما ليس بملزوم بما لزم الآخر لكن لكل واحد منهما أن يرجع على صاحبه فى حصته ولا له أن يطالب بما للآخر.

وأما بالنسبة

(2)

لشركة الوجوه قال فى التفريعات حكم هذه الشركة حكم العنان فى أن ما لزم أحدهما لم يطالب به الآخر ما لم ينطقا بالتفويض.

وأما بالنسبة لشركة الأبدان هى أن يوكل كل من الصانعين الآخر أن يتقبل ويعمل عنه فى قدر معلوم مما استؤجر عليه ..

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الإسلام

(3)

: أنه إذا اشترك المال لم يجز لأحد الشركاء التصرف فيه إلا مع إذن الباقين، فإن حصل الإذن لأحدهم تصرف هو دون الباقين، ويقتصر من التصرف على ما أذن له فإن أطلق له الإذن تصرف كيف شاء، وإن عين له السفر فى جهة لم يجز له الأخذ فى غيرها أو نوع من التجارة لم يتعد إلى سواها ولو أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه جاز لهما التصرف وإن انفردا ولو شرطا الاجتماع لم يجز الانفراد ولو تعد المتصرف ما حد له ضمن ولكل من الشركاء الرجوع فى الإذن والمطالبة بالقسمة لأنها غير لازمة وليس لأحدهما المطالبة بإقامة رأس المال بل يقتسمان العين الموجودة ما لم يتفقا على البيع ولو شرط التأجيل فى الشركة لم يصح، ولكل منهما أن يرجع متى شاء، ولا يضمن الشريك ما تلف فى يده، لأنه أمانة إلا مع التعدى أو التفريط فى الاحتفاظ ويقبل قوله مع يمينه فى دعوى التلف، سواء ادعى سببا ظاهرا كالحرق والغرق أو خفيا كالسرقة، وكذا القول قوله مع يمينه لو ادعى عليه الخيانة أو التفريط ويبطل الإذن بالجنون والموت.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 359، 360 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 360 الطبعة السابقة.

(3)

شرائع الإسلام فى الفقه الإسلامى الجعفرى الإمامى للمحقق الحلى ج 1 ص 215 طبع مطبعة دار مكتبة الحياة ببيروت إشراف العلامة الشيخ محمد جواد.

ص: 291

ثم قال

(1)

: إنه لو باع اثنان عبدين كل واحد منهما لواحد منهما بانفراده صفقة بثمن واحد مع تفاوت قيمتهما قيل: يصح.

وقيل يبطل لأن الصفقة تجرى مجرى عقدين فيكون ثمن كل واحد منهما مجهولا.

أما لو كان العبدان لهما أو كانا لواحد جاز.

وكذا لو كان لكل واحد قفيز من حنطة على انفراده فباعاهما صفقة لانقسام الثمن عليهما بالسوية ..

‌مذهب الإباضية:

جاء فى كتاب النيل

(2)

أنه يجوز لكل من الشريكين المتفاوضين مبايعة بيع وشراء بأنواعهما من التولية والإقالة والمقايضة والنقد والسلم والصرف ونحو ذلك.

وجازت مبايعته بالنقد والعاجل والآجل، وجازت له التولية والإقالة ولو على قول من قال فسخ بيع.

وجاز له أن يقيل وأن يولى وأن يأخذ التولية والإقالة وأن يحاول وأن يقبل الحوالة وأن يتحمل ويقبل الحمالة إن ظهرت له مصلحة وقبض للدين نفسه وقضاء فى الدين بغير ما به المداينة وخلاص الدين الذى عليه من حيث الشركة.

وسواء استأنف ذلك أو بنى على ما فعل صاحبه مثل أن يبيع صاحبه فيقيل هو المشترى أو يشترى صاحبه فيقيل البائع. أو يولى ما اشتراه لأحد أو يقبض ثمن ما باع صاحبه أو يوفى ثمن ما اشترى صاحبه ويقبض دين أحدهما عن الآخر. ويدرك عيب ما باع أحدهما على الآخر ونحو ذلك.

وأذن لعبدهما بأن يأذن له أحدهما فى التجر وإن أذن له أحدهما وسكت الآخر، أو لم يعلم فهو مأذون له، وإن منع الآخر فغير مأذون ويمضى فعل العبد مع من لم يعلم بالمنع إن لم يناد عليه بالمنع.

‌الإفراد فى الوكالة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(3)

: الوكيلان هل ينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلا به.

أما الوكيلان بالبيع فلا يملك أحدهما التصرف بدون صاحبه. ولو فعل لم يجز حتى يجيز صاحبه أو الموكل لأن البيع مما يحتاج فيه إلى الرأى والموكل إنما رضى برأيهما لا برأى أحدهما واجتماعهما على ذلك ممكن فلم يمتثل امر الموكل فلا ينفذ عليه.

وكذا الوكيلان بالشراء سواء كان الثمن مسمى أو لم يكن. وسواء كان الوكيل الآخر غائبا أو حاضرا لما ذكرنا فى البيع إلا أن فى الشراء إذا اشترى

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 216 نفس الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 5 ص 274، 275 طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين ابن أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 32 طبع مطبعة الجمالية بمصر طبعة أولى سنة 1328 هـ.

ص: 292

أحدهما بدون صاحبه ينفذ على المشترى ولا يقف على الإجازة. وفى البيع يقف على الإجازة.

وكذلك الوكيلان بالنكاح والطلاق على مال والعتق على مال والخلع والكتابة.

وكل عقد فيه بدل هو مال لأن كل ذلك مما يحتاج إلى الرأى ولم يرض برأى أحدهما بانفراده.

وكذا ما خرج مخرج التمليك بأن قال لرجلين جعلت أمر امرأتى بيدكما. أو كما قال لهما طلقا امرأتى إن شئتما لا ينفرد أحدهما بالتطليق لأنه جعل أمر اليد تمليكا. ألا ترى بأنه يقف على المجلس والتمليكات هى التى تختص بالمجلس. والتمليك على هذا الوجه مشروط بالمشيئة كأنه قال طلقا امرأتى إن شئتما وهناك لا يملك أحدهما التطليق دون صاحبه. لأن المعلق بشرطين لا ينزل إلا عند وجودهما. فكذا هذا.

وكذا الوكيلان بقبض الدين لا يملك أحدهما أن يقبض دون صاحبه لأن قبض الدين مما يحتاج إلى الرأى والأمانة وقد فوض الرأى إليهما جميعا لا إلى أحدهما ورضى بأمانتهما جميعا لا بأمانة أحدهما.

فإن قبض أحدهما لم يبرئه الغريم حتى يصل ما قبضه إلى صاحبه فيقع فى أيديهما جميعا.

أو يصل إلى الموكل لأنه لما وصل المقبوض إلى صاحبه أو إلى الموكل فقد حصل المقصود بالقبض.

فصار كأنهما قبضا جميعا ابتداء.

وأما الوكيلان بالطلاق على غير مال والعتق على غير مال. والوكيلان بتسليم الهبة ورد الوديعة وقضاء الدين فينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلا به. لأن هذه التصرفات مما لا تحتاج إلى الرأى فكان إضافة التوكيل اليهما تفويضا للتصرف إلى كل واحد منهما بانفراده.

وأما الوكيلان بالخصومة فكل واحد منهما يتصرف بانفراده، عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى.

وعند زفر رحمه الله تعالى لا ينفرد.

ووجه قول زفر أن الخصومة مما يحتاج إلى الرأى فيها ولم يرض برأى أحدهما فلا يملكه أحدهما دون صاحبه.

ووجه قول أصحابنا الثلاثة أن الغرض من الخصومة إعلام القاضى بما يملكه المخاصم واستماعه.

واجتماع الوكيلين على ذلك يخل بالإعلام والاستماع لأن ازدحام الكلام يخل بالفهم فكان إضافة التوكيل إليهما تفويضا للخصومة إلى كل واحد منهما فأيهما خاصم كان تمثيلا إلا أنه لا يملك أحدهما القبض دون صاحبه.

وإن كان الوكيل بالخصومة يملك القبض عندنا لأن اجتماعهما على القبض ممكن فلا يكون راضيا بقبض أحدهما بانفراده.

وأما المضاربان فلا يملك أحدهما التصرف بدون إذن صاحبه إجماعا.

وفى الوصية خلاف بين أصحابنا.

ص: 293

‌مذهب المالكية:

جاء فى الدسوقى

(1)

: أنه يجوز لأحد الوكيلين على مال ونحوه إذا وكلا على التعاقب علم أحدهما بالآخر أم لا إلا الاستبداد أى الاستقلال بما يفعله دون الآخر.

وقوله على مال بأن يكون وكلهما على بيع أو شراء أو اقتضاء، دين. وكون ذلك غير خصام كطلاق وعتق وإبراء وهبة ووقف.

وأما على الخصام فإنه لا يجوز تعدد الوكيل فيه فلا يوكل اثنين على خصام واحد إلا برضاه.

فكذلك لأحدهما الاستبداد إن ترتبا.

والاستبداد يكون فى الوكالة إلا لشرط من الموكل ألا يستبد فليس له استقلال. كما اذا وكلا معا فى آن واحد إذ ليس لأحدهما الاستبداد إلا بشرط أن كل واحد يستبد.

والحاصل أنهما إن وكلا مترتبين فلأحدهما الاستبداد إلا إذا شرط الموكل عدم الاستبداد.

وإن وكلا معا فليس لأحدهما الاستبداد إلا إذا شرط الموكل لهما الاستبداد هذا هو المعتمد فى المسألة.

وكالوصيين مطلقا أى فلا يستقل أحدهما بالتصرف سواء أوصاهما معا أو مترتبين وذلك لأن الإيصاء إنما يكون تحتمه ولزومه فى لحظة الموت إذ له الرجوع قبل ذلك. وحينئذ فلا أثر للترتب الواقع قبله وحينئذ فلم يلزم إلا معا. فإن تنازعا فى الترتيب فالقول للموكل.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

: أنه إن وكل نفسين فى بيع أو طلاق فإن جعله إلى كل واحد منهما جاز لكل واحد منهما أن ينفرد به لأنه أذن لكل واحد منهما فى التصرف. وإن لم يجعل إلى كل واحد منهما لم يجز لأحدهما أن ينفرد به لأنه لم يرض بتصرف أحدهما فلا يجوز أن ينفرد به. وإن وكلهما فى حفظ ماله حفظاه فى حرز لهما.

وخرج أبو العباس وجها آخر أنه إن كان مما ينقسم جاز أن يقتسما ويكون عند كل واحد منهما نصفه. وإن لم ينقسم جعلاه فى حرز لهما كما يفعل المالكان.

والصحيح هو الأول لأنه تصرف أشرك فيه بينهما فلم يجز لأحدهما أن ينفرد ببعضه فيه كالبيع.

ويخالف المالكين لأن تصرف المالكين بحق الملك ففعلا ما يقتضى الملك. وتصرف الوكيلين بالإذن والإذن يقتضى اشتراكهما ولهذا يجوز لأحد

(1)

كتاب حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير مع تقريرات للشيخ المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 3 ص 392، 393 طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر الطبعة السابقة ..

(2)

المهذب للشيخ الإمام الزاهد الموفق أبى اسحاق إبراهيم ابن على بن يوسف الفيروز ابادى - الشيرازى ج 1 ص 351 وبأسفل الطبعة النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع بمطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 294

المالكين أن ينفرد ببيع بعضه. ولا يجوز لأحد الوكيلين أن ينفرد ببيع بعضه ..

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

: إنه إذا وكل وكيلين فى تصرف وجعل لكل واحد الأنفراد بالتصرف فله ذلك لأنه مأذون له فيه. فإن لم يجعل له ذلك فليس لأحدهما الانفراد به، لأنه لم يأذن له فى ذلك. وإنما يجوز له ما أذن فيه موكله وبهذا قال الشافعى وأصحاب الرأى.

وإن وكلهما فى حفظ ماله حفظاه معا فى حرز لهما لأن قوله افعلا كذا يقتضى اجتماعهما على فعله وهو مما يمكن فتعلق بهما.

وفارق هذا قوله بعتكما حيث كان منقسما بينهما لأنه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع فانقسم بينهما. فإن غاب أحد الوكيلين لم يكن للآخر أن يتصرف. ولا للحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا لأن الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه فلا يضم الحاكم وكيلا له بغير أمره.

وفارق ما لو مات أحد الوصيين حيث يضيف الحاكم إلى الوصى أمينا ليتصرف لكون الحاكم له النظر فى حق الميت واليتيم.

ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا فى النظر لليتيم وإن أحضر الحاكم أحد الوكيلين والآخر غائب وادعى الوكالة لهما وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم بثبوت الوكالة لهما.

ولم يملك الحاضر التصرف وحده فإذا حضر الآخر تصرفا معا ولا يحتاج إلى إعادة البينة لأن الحاكم سمعها لهما مرة. فإن قيل هذا حكم للغائب.

قلنا يجوز تبعا لحق الحاضر كما يجوز أن يحكم بالوقف الذى يثبت لمن لم يخلق لأجل من يستحقه فى الحال. كذا ههنا.

وإن جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف وبما ذكرناه قال أبو حنيفة والشافعى ولا نعلم فيه خلافا.

وجميع التصرفات فى هذا سواء وقال أبو حنيفة إذا وكلهما فى خصومة فلكل واحد منهما الانفراد بها. ولنا أنه لم يرض بتصرف أحدهما أشبه البيع والشراء ..

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(2)

: أنه إذا وكل اثنين على شئ كل على انفراده صح تصرفهما مجتمعين ومتفرقين. فإن شرط اجتماعهما لزما اتفاقا. فإن

(1)

المغنى للعلامة الإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله ابن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر ابن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخزقى ويليه الشرح الكبير للإمام العلامة شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 5 ص 214 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الأولى

(2)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى أحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5 ص 63، 64 طبع مطبعة الخانجى بمصر الطبعة الأولى سنة 1368 هـ - سنة 1949 م.

ص: 295

وكلهما معا فى حال ولم يشترط (المذهب) لم ينفرد أيهما بالتصرف إلا فيما خشى فوته كالبيع والشراء والإجارة فى معين أو جنس خشى عدمه أو نحو ذلك لا الطلاق والنكاح والعتق بلا عوض: اذ لا يخشى فوتهما. فتوكيله لاثنين إمارة اشتراط اجتماعهما فلزم اتفاقا ..

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الإسلام

(1)

: أنه لو وكل اثنين فإن شرط الاجتماع لم يجز لأحدهما ان ينفرد بشئ من التصرف. وكذا لو أطلق.

ولو مات أحدهما بطلت الوكالة. وليس للحاكم أن يضم إليه أمينا.

أما لو شرط الانفراد جاز لكل منهما أن يتصرف غير مستصحب رأى صاحبه.

ولو وكل زوجته أو عبد غيره ثم طلق الزوجة وأعتق العبد لم تبطل الوكالة. أما لو أذن لعبده فى التصرف بماله ثم أعتقه بطل الإذن لأنه ليس على حد الوكالة بل هو إذن تابع للملك.

وإذا وكل إنسانا فى الحكومة إذنا فى قبض الحق إذ قد يوكل من لا يستأمن على المال. وكذا لو وكله فى قبض المال فأنكر الغريم لم يكن ذلك إذنا فى محاكمته لأنه قد لا يرتضى للخصومة.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى النيل

(2)

: أنه لا يعقد وكيل أو مأمور أو خليفة دون صاحبه إن وكلا معا أو أمرا معا أو استخلفا معا على شراء أو بيع. وذلك لأنه نزلهما منزلة رجل واحد.

وصفة ذلك أن يقول وكلتكما معا أو وكلتهما معا أو أمرتكما معا أو أمرتهما معا أو استخلفتكما معا أو استخلفتهما معا. أو يسقط لفظ مع ويقول جعلتكما أو جعلتهما وكيلا أو مامورا أو خليفة.

أو يقول بع أو اشتر أنت وفلان أو مع فلان أو نحو ذلك مما يصرح أو يتبادر منه أنه قرنهما إلا إن أجاز له صاحبه قبل العقد أو بعده أو عنده أو أجاز له موكلهما أو آمرهما أو مستخلفهما قبله أو بعده أو عنده كذلك.

وإن جوز صاحبه ودفع الموكل أو جوز الموكل ودفع صاحبه والآمر والمستخلف كالموكل نظر للأول اعتبر من سبق منهما بالتجويز أو بالدفع. فإن سبق أحدهما بالتجويز جاز.

أما إن سبق به الصاحب فلتمام فعلهما قبل أن ينقضه موكلهما أو آمرهما أو مستخلفهما، إذ لا يجد النقض بعد تمامه.

وأما إن سبق به الموكل أو الآمر المستخلف فلإمضائه الفعل فلا يؤثر دفع الصاحب بعد وقد

(1)

شرائع الإسلام فى الفقه الإمامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 242 طبع منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت إشراف العلامة الشيخ محمد جواد مغينة

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 4 ص 720، 721 وما بعدها طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر ..

ص: 296

مضى. فإن إجازته إبطال للصاحب.

وله إبطاله حيث شاء حتى أنه لو أجاز ثم أجاز الصاحب أيضا صح البيع أو الشراء بأجازته. وأما إجازة الصاحب فضائعة.

وجوز عقد وكيل وحده ولو وكلهما معا وجعلهما وكيلا واحدا ولو أبى الآخر. وكذا لو باعاه جميعا مضى فعل السابق لأن المراد العقد وقد وقع ولم يقل لهما لا يبع أحدكما أو أحدهما أو يشتر إلا بحضرة الآخر أو ما يقوم مقام هذا الكلام.

والأصل فى الكلام الكلية لا الكل فيستقل الواحد بالحكم وهكذا اللغة. وأيضا هما كاسمان واحد.

وإذا أمر ثلاثة فصاعدا لو وكلهم أو استخلفهم فحكمهم كحكم الاثنين فيما مر. وإن فرقهما وحكم الثلاثة فصاعدا حكمهما أيضا.

وصفة التفريق أن يجتمع مع كل واحد وحده فيقول له قد وكلتك أو أمرتك أو استخلفتك أو يكتب إليه أو يرسل أو يستشهد على ذلك أو يجتمع الكل فيقول لكل واحد ذلك على حدة.

أو يقول قد وكلتكما أو أمرتكما أو استخلفتكما كل واحد يكفى وحده أو كل منكما مأمور أو خليفة أو وكيل أو نحو ذلك مما يفيد استقلال كل واحد بنفسه جاز فعل كل.

ولو علم كل منهما أن الآخر وكيل وأن بالشراء من صاحبه للآمر أو الموكل أو المستخلف أو ببيع ماله أو مال من ناب عنه غير الذى نابا عنه معا له أى لصاحبه بنية الموكل أو الآمر أو المستخلف.

كما فى النكاح أن لكل من المأمورين أن يزوج وليته غير بنته للآمر بواسطة المأمور الآخر.

وإن باع كل فلأول مشتر إن علم الأول وبطل البيع للثانى ومن بعده وإلا وقف المبيع بأيدى مشترييه أو المشترين حتى يتبين.

وإن اتحد وقتهما صح العقد واشتركا فيه أو اشتركوا فيه على الرءوس.

ويدل على صحة العقد الإجبار على الطلاق فى صورة النكاح

‌الإفراد فى الرهن

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(1)

: أن من شروط الرهن أن يكون المرهون فارغا عما ليس بمرهون.

فإن كان مشغولا به بأن رهن دارا دون متاع الراهن. أو سلم الدار مع ما فيها من المتاع أو رهن جوالقا دون ما فيه وسلم الجوالق أو سلمه مع ما فيه لم يجز لأن معنى القبض هو التخلية الممكنة من التصرف ولا يتحقق مع الشغل.

ولو أخرج المتاع من الدار ثم سلمها فارغة جاز وينظر إلى حال القبض لا إلى حال العقد لأن المانع هو الشغل وقد زال فينفذ. كما فى رهن المشاع.

ولو رهن المتاع الذى فيها دون الدار وخلى بينه وبين الدار جاز. بخلاف ما إذا رهن الدار دون

(1)

بدائع الصنائع ج 6 ص 140.

ص: 297

المتاع لأن الدار تكون مشغولة بالمتاع فأما المتاع فلا يكون مشغولا بالدار فيصح قبض المتاع ولم يصح قبض الدار.

ولو رهن الدار والمتاع والذى فيها صفقة واحدة وخلى بينه وبينهما وهو خارج الدار جاز الرهن فيهما جميعا لأنه رهن الكل وسلم الكل وصح تسليمهما جميعا.

ولو فرق الصفقة فيهما بأن رهن أحدهما ثم الآخر فإن جمع بينهما فى التسليم صح الرهن فيهما جميعا. أما فى المتاع فلا شك فيه لما ذكرنا. أن المتاع لا يكون مشغولا بالدار.

وأما فى الدار فلأن المانع وهو الشغل قد زال.

وإن فرق بأن رهن أحدهما وسلم ثم رهن الآخر وسلم لم يجز الرهن فى الدار وجاز فى المتاع سواء قدم أو أخر بخلاف الهبة فإن هناك يراعى فيه الترتيب إن قدم هبة الدار لم تجز الهبة فى الدار وجازت فى المتاع كما فى الرهن. وإن قدم هبة المتاع جازت الهبة فيهما جميعا.

أما فى المتاع فلأنه غير مشغول بالدار.

وأما فى الدار فلأنها وإن كانت مشغولة وقت القبض لكن بمتاع هو ملك الموهوب له فلم يمنع صحة القبض. وهنا الدار مشغولة بمتاع هو ملك الراهن فيمنع صحة القبض فهو الفرق.

ولو رهن دارا والراهن والمرتهن فى جوف الدار فقال الراهن سلمتها إليك لم يصح التسليم حتى يخرج من الدار ثم يسلم لأن معنى التسليم وهو التخلية لا يتحقق مع كونه فى الدار فلا بد من تسليم جديد بعد الخروج منها.

ولو رهن دابة عليها حمل دون الحمل لم يتم الرهن حتى يلقى الحمل عنها ثم يسلمها إلى المرتهن، ولو رهن الجمل دون الدابة ودفعها إليه كان رهنا تامّا فى الحمل لأن الدابة مشغولة بالحمل أما الحمل فليس مشغولا بالدابة كما فى رهن الدار التى فيها المتاع بدون المتاع.

ورهن المتاع الذى فى الدار بدون الدار، ولو رهن سرجا على دابة أو لجاما فى رأسها أو رسنا فى رأسها فدفع إليه الدابة مع اللجام والسرج والرسن لم يكن رهنا حتى ينزعه من رأس الدابة ثم يسلم.

بخلاف ما إذا رهن متاعا فى الدار لأن السرج ونحوه من توابع الدابة فلم يصح رهنها بدون الدابة. كما لا يصح رهن الثمر بدون الشجر. بخلاف المتاع فإنه ليس تبعا بالدار.

ولهذا قالوا لو رهن دابة عليها سرج أو لجام دخل ذلك فى الرهن بحكم التبعية.

وعلى هذا يخرج ما إذا رهن جارية واستثنى ما فى بطنها أو بهيمة واستثنى ما فى بطنها أنه لا يجوز الاستثناء ولا العقد.

أما الاستثناء فلأنه لو جاز لكان المرهون مشغولا بما ليس بمرهون.

وأما العقد فلأن استثناء ما فى البطن بمنزلة الشرط الفاسد والرهن تبطله الشروط الفاسدة كالبيع. بخلاف الهبة.

ولو اعتق ما فى بطن جاريته ثم رهن الأم أو

ص: 298

دبر ما فى بطنها ثم رهن الأم فالكلام فيه كالكلام فى الهبة ومنها أن يكون المرهون منفصلا متميزا عما ليس بمرهون فإن كان متصلا به غير متميز عنه لم يصح قبضه لأن قبض المرهون وحده غير ممكن.

والمتصل به غير مرهون فأشبه رهن المشاع.

وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا رهن الأرض بدون البناء أو بدون الزرع والشجر أو الزرع والشجر بدون الأرض أو الشجر بدون الثمر أو الثمر بدون الشجر أنه لا يجوز سواء سلم المرهون بتخلية الكل أو لا. لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون وهذا يمنع صحة القبض.

ولو جذ الثمر وحصد الزرع وسلم منفصلا جاز لأن المانع من النفاذ قد زال.

ولو جمع بينهما فى عقد الرهن فرهنهما جميعا وسلم متفرقا جاز.

وإن فرق الصفقة بأن رهن الزرع ثم الأرض أو الأرض ثم الزرع ينظر إن جمع بينهما فى التسليم جاز الرهن فيهما جميعا.

وإن فرق لا يجوز فيهما جميعا سواء قدم أو أخر بخلاف الفصل الأول لأن المانع فى الفصلين مختلف فالمانع من صحة القبض فى هذا الفصل هو الاتصال وأنه لا يختلف والمانع من صحة القبض فى الفصل الأول هو الشغل وأنه يختلف.

مثال هذا إذا رهن نصف داره مشاعا من رجل ولم يسلم إليه حتى رهنه النصف الباقى وسلم الكل أنه يجوز. ولو رهن النصف وسلم ثم رهن النصف الباقى وسلم لا يجوز كذا هذا.

وعلى هذا إذا رهن صوفا على ظهر غنم بدون الغنم إنه لا يجوز لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون وهذا يمنع من صحة القبض.

ولو جزه وسلمه جاز لأن المانع قد زال، وعلى هذا أيضا إذا رهن دابة عليها جمل بدون الحمل لا يجوز. ولو رفع الحمل عنها وسلمها فارغة جاز لما قلنا.

بخلاف ما إذا رهن ما فى بطن جاريته أو ما فى بطن غنمه أو ما فى ضرعها. أو رهن سمنا فى لبن أو دهنا فى سمسم أو زيتا فى زيتون أو دقيقا فى حنطة أنه يبطل.

وإن سلطه على قبضه عند الولادة أو عند استخراج ذلك فقبض لأن العقد هناك لم ينعقد أصلا لعدم المحل لكونه مضافا إلى المعدوم، ولهذا لم ينعقد البيع المضاف إليها فكذا الرهن.

أما هنا فالعقد منعقد موقوف نفاذه على صحة التسليم بالفصل والتمييز. فإذا وجد فقد زال المانع.

ولو رهن شجرا وفيه ثمر لم يسمه فى الرهن دخل فى الرهن. بخلاف البيع إنه لا يدخل الثمر فى بيع الشجر من غير تسمية لأنه قصد تصحيح الرهن.

ولا صحة له بدون القبض ولا صحة للقبض بدون دخول ما هو متصل به فيدخل تحت العقد تصحيحا له. بخلاف البيع فإنة يصح فى الشجر بدون الثمر ولا ضرورة إلى إدخال الثمر للتصحيح.

ولو قال رهنتك هذه الدار أو هذه الأرض أو هذا الكرم وأطلق القول ولم يخص شيئا دخل فيه كل ما كان متصلا به من البناء والغرس، لأن ذلك

ص: 299

يدخل فى البيع مع أن القبض ليس من شرط صحته فلأن يدخل فى الرهن أولى. إلا أنه يدخل فيه الزرع والثمر ولا يدخل فى البيع.

بخلاف المتاع إنه لا يدخل فى رهن الدار ويدخل الثمر فى رهن الشجر. لأن الثمر تابع للشجر والمتاع ليس بتابع للدار.

ولو استحق بعض المرهون بعد صحة الرهن ينظر إلى الباقى إن كان الباقى بعد الاستحقاق مما يجوز رهنه ابتداء لا يفسد الرهن فيه.

وإن كان مما لا يجوز رهنه ابتداء فسد الرهن فى الكل لأنه لما استحق بعضه تبين أن العقد لم يصح فى القدر المستحق. وأنه لم يقع إلا على الباقى فكأنه رهن هذا القدر ابتداء فينظر فيه إن كان محلاّ لابتداء الرهن يبقى الرهن فيه وإلا فيفسد فى الكل.

كما لو رهن هذا القدر ابتداء إلا أنه إذا بقى الرهن فيه يبقى بحصته حتى لو هلك الباقى يهلك بحصته من الدين. وإن كان فى قيمته وفاء بجميع الدين ولا يذهب جميع الدين. وإذا رهن الباقى ابتداء وفيه وفاء بالدين فهلك يهلك بجميع الدين.

وإن شئت أن تجعل الحيازة شرطا مفردا.

ويخرج المشاع على هذا الأصل لأنه مرهون متصل بما ليس بمرهون حقيقة فكان تخريجه عليه مستقيما.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل للحطاب

(1)

ومن المدونة قال مالك كراء الدور وإجارة العبيد كل ذلك للراهن. لأنه غلة ولا يكون فى الرهن إلا أن يشترطه المرتهن. وكذلك صوف الغنم.

قال ابن القاسم إلا صوف كمل نباته يوم الرهن فإنه يكون رهنا معها.

قال ابن يونس القضاء أن من ارتهن أمة حاملا مما فى بطنها وما تلده بعد ذلك رهن معها كالبيع، وكذلك نتاج الحيوان كله. وقاله مالك.

قال ابن المواز: ولو شرط أن ما تلده ليس برهن معها لم يجز.

قال الجلاب فراخ النخل والشجر رهن مع أصوله.

قال ابن شاس النماء الذى هو متميز عن الرهن لكنه على خلقته وصورته كالولد، فإنه داخل فى الرهن.

وكذلك ما فى معناه من فلان النخيل فإنه داخل مع الأصول فى الرهن.

ومن المدونة من ارتهن نخلا لم يدخل ما فيها من ثمر فى الرهن أبر أو لم يؤبر أزهى أو لم يزه ولا ما يثمر بعد ذلك، إلا أن يشترط ذلك المرتهن.

(1)

التاج والأكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله سيدى محمد ابن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 15، 16 طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

ص: 300

قال بعض القرويين فلو كانت الثمرة يوم الرهن يابسة دخلت فيه كالصوف التام.

ومن المدونة لا يكون مال العبد الرهن رهنا إلا أن يشترطه المرتهن، كالبيع فيدخل فى البيع والرهن كان ماله معلوما أو مجهولا.

ومن المدونة

(1)

قال مالك لا بأس برهن جزء مشاع غير مقسوم من ربع أو حيوان أو عرض وقبضه إن كان بين الراهن وغيره أن يحوز المرتهن حصة الراهن ويكريه ويليه مع من له فيه شرك لربه ولا بأس أن يضعاه على يد الشريك، والحوز فى ارتهان نصف ما يملك الراهن جميعه من عين أو دابة أو ثوب قبض جميعه ولا يستأذن شريكه.

قال ابن عرفة رهن المشاع فيما باقيه لغير الراهن ربعا أو منقسما لا يقتصر لإذن شريكه وإن كان غيره فكذلك عند ابن القاسم.

وقال أشهب من كان له نصف عبد أو نصف دابة أو ما ينقل كالثوب والسيف لم يجز أن يرهن حصته إلا بإذن شريكه وكذا كل ما لا ينقسم.

ومن المدونة إن كان الرهن مما ينقسم من طعام ونحوه فرهن حصة منه جاز ذلك إذا حازه المرتهن.

فإن شاء الشريك البيع قاسم فيه الراهن والرهن كما هو فى يد المرتهن لا يخرجه من يده. فإن غاب الراهن أقام الإمام من يقسم له ثم تبقى حصة الراهن فى الوجهين رهنا، ويطبع على كل ما لا يعرف بعينة ويبيع ويسلم.

قال ابن الحاجب على المشهور لا يستأذن الشريك وله أن يقسم ويبيع ويسلم.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

: أن ما يسرع إليه الفساد من الأطعمة والفواكه الرطبة التى لا يمكن استصلاحها يجوز رهنه بالدين الحال والمؤجل الذى يحل قبل فساده، لأنه يمكن بيعه واستيفاء الحق من ثمنه.

فأما ما رهنه بدين مؤجل إلى وقت يفسد قبل محله ينظر فيه. فإن شرط أن يبيعه إذا خاف عليه الفساد جاز رهنه. وإن أطلق ففيه قولان:

أحدهما: لا يصح وهو الصحيح لأنه لا يمكن بيعه بالدين فى محله فلم يجز رهنه كأم الولد.

والثانى: يصح إذا خيف عليه أجبر على بيعه ويجعل ثمنه رهنا لأن مطلق العقد يحمل على المتعارف ويصير كالمشروط والمتعارف فيما يفسد أن يباع قبل فساده فيصير كما لو شرط ذلك، ولو شرط ذلك جاز رهنه، فكذلك إذا أطلق.

فإن رهن ثمرة يسرع إليها الفساد مع الشجر ففيه طريقان.

من أصحابنا من قال فيه قولان كما لو أفرده بالعقد. ومنهم من قال يصح قولا واحدا، لأنه تابع للشجرة فإذا هلكت الثمرة بقيت الشجرة.

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 4، 5 طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

(2)

المهذب للشيخ الأمام الزاهد الموفق أبى إسحاق ج 1 ص 308.

ص: 301

ثم قال

(1)

: ويجوز أن يرهن الجارية دون ولدها، لأن الرهن لا يزيل الملك فلا يؤدى إلى التفريق بينهما. فإن حل الدين ولم يقضه وبيعت الأم والولد ويقسم الثمن عليهما فما قابل الأم تعلق به حق المرتهن فى قضاء دينه وما قابل الولد يكون للراهن لا يتعلق به حق المرتهن.

ثم قال

(2)

: وإن كان للمرهون أصول تحمل فى السنة مرة بعد أخرى كالتين والقثاء فرهن الحمل الظاهر فإن كان بدين يستحق فيه بيع الرهن قبل أن يحدث الحمل الثانى ويختلط به جاز لأنه يأمن الغرر بالاختلاط وإن كان بدين لا يستحق البيع فيه إلا بعد حدوث الحمل الثانى واختلاطه به نظر.

فإن شرط إنه إذا خيف الاختلاط قطعه جاز لأنه منع الغرر بشرط القطع. وان لم يشترط القطع ففيه قولان:

أحدهما: أن العقد باطل لأنه يختلط بالمرهون غيره فلا يمكن إمضاء العقد على مقتضاه.

والثانى: أنه صحيح لأنه يمكن الفصل عند الاختلاط بأن يسمح الراهن بترك ثمرته للمرتهن أو ينظركم كان المرهون فيحلف عليه ويأخذ ما زاد فإذا أمكن إمضاء العقد لم يحكم ببطلانه.

ثم قال

(3)

: إن ما يحدث من عين الرهن من النماء المتميز كالشجر والثمر واللبن والولد والصوف والشعر لا يدخل فى الرهن، لما روى سعيد بن المسيب عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن من راهنه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه والنماء من الغنم فوجب أن يكون له.

وعن ابن عمر وأبى هريرة مرفوعا: الرهن محلوب ومركوب ومعلوم. إنه لم يرد أنه محلوب ومركوب للمرتهن فدل على أنه أراد به محلوب ومركوب للراهن، ولأنه عقد لا يزيل الملك فلم يسر إلى النماء المتميز كالإجارة.

فإن رهن نخلا على أن ما يتميز داخل فى الرهن أو ماشية على أن ما تنتج داخل فى الرهن فالمنصوص فى الأم أن الشرط باطل.

وقال فى الأمالى القديمة. لو قال قائل: إن الثمرة والنتاج يكون رهنا كان مذهبا.

ووجهه أنه تابع للأصل فجاز أن يتبعه كأساس الدار. والمذهب الأول.

وهذا مرجوع عنه، لأنه رهن مجهول ومعدوم فلم يصح. بخلاف أساس الدار فإنه موجود ولكنه شق رؤيته فعفى عن الجهل به.

وأما النماء الموجود فى حال العقد ينظر فيه فإن كان شجرا فقد قال فى الرهن لا يدخل فيه وقال فى البيع يدخل.

واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق وقد بيناها فى البيوع.

وإن كان ثمرا نظر فإن كان ظاهرا كالطلع المؤبر وما أشبهه من الثمار لم يدخل فى الرهن لأنه إذا لم

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 309 نفس الطبعة السابقة.

(2)

المهذب فى فقه الإمام الشافعى ج 1 ص 309، 310 نفس الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 310 - 311 نفس الطبعة المتقدمة.

ص: 302

يدخل ذلك فى البيع وهو يزيل الملك فلأن لا يدخل فى الرهن وهو لا يزيل الملك أولى وإن كان ثمرا غير ظاهر كالطلع الذى لم يؤبر وما أشبهه من الثمار ففيه طريقان.

من أصحابنا من قال فيه قولان:

أحدهما: يدخل فيه قياسا على البيع.

والثانى: لا يدخل فيه وهو الصحيح، لأنه لما لم يدخل فيه ما يحدث بعد العقد لم يدخل الموجود حال العقد.

ومنهم من قال لا يدخل فيه قولا واحدا، ويخالف البيع فإن فى البيع ما يحدث بعد العقد ملك للمشترى، والحادث بعد العقد لا حق للمرتهن فيه، ولأن البيع يزيل الملك فيدخل فيه النماء، والرهن لا يزيل الملك فلم يدخل فيه.

واختلف أصحابنا فى ورق التوت والآس وأغصان الخلاف.

فمنهم من قال هو كالورق والأغصان من سائر الأشجار فيدخل فى الرهن.

ومنهم من قال إنها كالثمار من سائر الأشجار فيكون حكمها حكم الثمار.

وإن كان النماء صوفا أو لبنا فالمنصوص أنه لا يدخل فى العقد.

قال الربيع فى الصوف قول آخر أنه يدخل.

فمن أصحابنا من قال فيه قولان.

ومنهم من قال لا يدخل قولا واحدا.

وما قاله الربيع من تخريجه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

: أنه يصح أن يرهن بعض نصيبه من المشاع كما يصح أن يرهن جميعه سواء رهنه مشاعا فى نصيبه مثل أن يرهن نصف نصيبه أو يرهن نصيبه من معين مثل أن يكون له نصف دار فيرهن نصيبه من بيت منها بعينه.

وقال القاضى يحتمل ألا يصح رهن حصته من معين من شئ تمكن قسمته لاحتمال أن يقتسم الشريكان فيحصل الرهن فى حصة شريكه.

ولنا أنه يصح بيعه فصح رهنه كغيره.

وما ذكره لا يصح، لأن الراهن ممنوع من التصرف فى الرهن بما يضر بالمرتهن فيمنع من القسمة المضرة كما يمنع من بيعه.

ثم قال فى موضع آخر فى المغنى

(2)

: ويجوز رهن الجارية دون ولدها، ورهن ولدها دونها، لأن الرهن لا يزيل الملك، فلا يحصل بذلك تفرقة، ولأنه يمكن تسليم الولد مع أمه، والأم مع ولدها، فإن دعت الحاجة إلى بيعها فى الدين بيع ولدها معها، لأن الجمع فى العقد ممكن، والتفريق بينهما حرام فوجب بيعه معها، فإذا بيعا معا تعلق حق المرتهن من ذلك بقدر قيمة الجارية من الثمن، فإذا كانت قيمتها مائة مع أنها ذات ولد وقيمة الولد خمسون فحصتها ثلثا الثمن، وإن لم يعلم المرتهن

(1)

المغنى والشرح الكبير طبع مطبعة المنار بمصر ج 4 ص 375 الطبعة الثانية 1347 هـ

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 378 الطبعة السابقة.

ص: 303

بالولد ثم علم فله الخيار فى الرد والإمساك، لأن الولد عيب فيها لكونه لا يمكن بيعها بدونه، فإن أمسك فهو كما لو علم حال العقد ولا شئ له غيرها وإن ردها فله فسخ البيع إن كانت مشروطة فيه.

ثم قال فى موضع آخر: ولو رهن ثمرة شجر يحمل فى السنة حملين لا يتميز أحدهما من الآخر، فرهن الثمرة الأولى إلى محل تحدث الثانية على وجه لا يتميز، فالرهن باطل، لأنه مجهول حين حلول الحق فلا يمكن استيفاء الدين منه فلم يصح، كما لو كان مجهولا حين العقد وكما لو رهنه إياها بعد اشتباهها.

فإن شرط قطع الأولى إذا خيف اختلاطها بالثانية صح. فإن كان الحمل المرهون بحق حال وكانت الثمرة الثانية تتميز من الأولى إذا حدثت فالرهن صحيح. فإن وقع التوانى فى قطع الأولى حتى اختلطت بالثانية وتعذر التمييز لم يبطل الرهن، لأنه وقع صحيحا، وقد اختلط بغيره على وجه لا يمكن فصله.

فعلى هذا إن سمح الراهن بكون الثمرة رهنا، أو اتفقا على قدر المرهون منهما فحسن.

وإن اختلفا فالقول قول الراهن مع يمينه فى قدر الرهن، لأنه منكر للقدر الزائد والقول قول المنكر.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: فإن جعلا الرهن فى يد عدلين جاز لهما إمساكه ولا يجوز لأحدهما الانفراد بحفظه. وإن سلمه أحدهما إلى الآخر فعليه ضمان النصف، لأنه القدر الذى تعدى فيه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعى.

وفى الآخر وإذا رضى أحدهما بإمساك الآخر جاز وبهذا قال أبو يوسف ومحمد.

وقال أبو حنيفة إن كان مما ينقسم اقتسماه وإلا فلكل واحد منهما إمساك جميعه، لأن اجتماعهما على حفظه يشق عليهما، فيحمل الأمر على أن لكل واحد منهما الحفظ.

ولنا أن المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما فلم يجز لأحدهما الانفراد بذلك كالوصيين لا ينفرد أحدهما بالتصرف.

وقولهم إن الاجتماع على الحفظ يشق ليس كذلك، فإنه يمكن جعله فى مخزن لكل واحد منهما عليه قفل.

وجاء فى موضع آخر

(2)

: وإذا ارتهن أرضا أو دارا أو غيرهما تبعه فى الرهن ما يتبع فى البيع.

فإن كان فى الأرض شجر، فقال: رهنتك هذه الأرض بحقوقها، أو ذكر ما يدل على أن الشجر فى الرهن دخل فيه. وإن لم يذكر ذلك فهل يدخل الشجر فى الرهن؟

على وجهين بناء على دخوله فى البيع.

وإن رهنه شجرا مثمرا وفيه ثمرة ظاهرة لم تدخل فى الرهن، كما لا تدخل فى البيع، وإن لم تكن ظاهرة دخلت.

وقال الشافعى لا تدخل الثمرة فى الرهن بحال.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 384 - 385 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 435 - 436 الطبعة السابقة.

ص: 304

وقال أبو حنيفة تدخل بكل حال، لأن الرهن عنده لا يصح على الأصول دون الثمرة، وقد قصد إلى عقد صحيح، فتدخل الثمرة ضرورة الصحة.

ولنا أن الثمرة المؤبرة لا تدخل فى البيع مع قوته وازالته لملك البائع فالرهن مع ضعفه أولى.

وعلى رأى الشافعى أنه عقد على الشجرة استتبع الثمرة غير المؤبرة كالبيع.

ويدخل فى الرهن الصوف واللبن الموجودان كما يدخل فى البيع. وكذلك الحمل، وسائر ما بيع فى البيع، لأنه عقد وارد على العين فدخلت فيه التوابع كالبيع.

ولو كان الرهن دارا فخربت كانت أنقاضها رهنا لأنها من أجزائها، وقد كانت مرهونة قبل خرابها.

ولو رهنه أرضا فنبت فيها شجر فهو من الرهن سواء نبت بفعل الراهن أو فعل غيره لأنه من نمائها.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(1)

: من الأشياء التى يصح بيعها ولا يصح رهنها الفرع كالثمرة دون الأصل كالشجرة.

وهذا حيث استثنى الشجرة وأما لو أطلق دخلت تبعا كالبيع فيصح الرهن.

ورهن النابت كالزرع دون المنبت وهى الأرض حيث كان الفرع مع أصله والنابت مع المنبت لمالك واحد والأصح رهن أحدهما دون الآخر والعكس وهو رهن الأصل دون الفرع والمنبت دون النابت فإن هذه كلها يصح بيعها ولا يصح رهنها.

إلا أن يرهن الفرع دون الأصل والنابت دون المنبت أو العكس بعد شرط القطع صح.

ومما يصح بيعه ولا يصح رهنه أن يكون الرهن جزءا مشاعا فإنه يصح بيعه ولا يصح رهنه سواء قارن الشياع العقد أم طرأ إلا أن يرهن المشاع كله فيصح ذلك حيث كان صفقة واحدة من الشركاء جميعها.

ولو رهن الاثنان المشاع بينهما من اثنين صح ذلك.

ولا بد أن يكون بصفة واحدة فيقول أحد الراهنين للمرتهنين موجبا عنه وعن شريكه، ليكون عقدا واحدا رهنته من كل واحد منكما ويقولان قبلنا ويقبضانه معا، أو يوكلان ثالثا يقبضه لهما مضيفا، أو يوكل أحدهما الآخر فيقسمان ذلك الرهن إن كان ينقسم أو يتهايآن ذلك الرهن إن كان لا ينقسم أو تضره القسمة على حسب الحال من امكان قسمته او قدر مدة المهايأة ويكون الضمان والمهايأة فى حبسه على عدد الرءوس وإن تفاوت الدين وإذا بيع للإيفاء قسم الثمن على قدر الدين لا على عدد الرءوس ويضمن كل منهما يعنى من المرتهنين كله يعنى كل الرهن إذا تلفا لأن الرهن كله

(1)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الائمة الأطهار للعلامة أحمد بن القاسم العنسى اليمانى ج 3 ص 231 - 232 طبع المطبعة دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه الطبعة الأولى 1366 هـ 1947 م.

ص: 305

فى يد كل واحد منهما ولو كان التلف فى يد أحدهما وللراهن أن يطالب به من شاء ويد أحد المرتهنين للآخر أمانة كالوديعة يضمن لصاحبه ما جنى أو فرط ويضمنان معا للمالك.

وإذا استوفى أحدهما دينه كان الرهن محبوسا بحق الآخر ويبقى ضمان المستوفى حتى يقبض المالك جميع الرهن لا المبرئ قبل تلف العين، فيخرج عن الضمان. لأن الدين بطل بغير قبض.

وهذا حيث كان الإبراء من جميع الدين، أو من الدفعة الأخيرة. فإن أبرأه من بعضه ثم استوفى الباقى بقى ضمانه. أو رهن اثنان أو أكثر عينا مشاعة لهما من واحد بعقد واحد وكل منهما رهن جميعه صح ذلك الرهن. وإذا تلف فيضمن المرتهن ذلك الرهن كله وإذا استوفى ماله من أحدهما لم يخرج نصيبه عن الرهنية. وله أن يحبسه حتى يستوفى منهما معا، لأن كله رهن بجميع الدين. فإن طرأ على الرهن الشياع وقد كان وقع الرهن فى العين كلها فسد الرهن.

مثال ذلك أن يرهن منه أرضا فيقبضها ثم يتفاسخا الرهن فى بعضها دون البعض، أو يبيع الراهن بعضها مشاعا لا معينا بإذن المرتهن أو يرث الراهن بعض الدين أو المرتهن بعض الرهن، فإنه إذا طرأ أى هذه فسد الرهن.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الإسلام

(1)

: أن الرهن لازم من جهة الراهن ليس له انتزاعه إلا مع إقباض الدين أو الإبراء منه أو تصريح المرتهن بإسقاط حقه من الارتهان وبعد ذلك يبقى الرهن أمانة فى يد المرتهن ولا يجب تسليمه إلا مع المطالبة.

ولو شرط إن لم يؤد أن يكون الرهن مبيعا لم يصح. ولو غصبه ثم رهنه صح ولم يزل الضمان.

وكذا لو كان فى يده بيع فأفسده ولو أسقط عنه الضمان صح. وما يحصل من الرهن من فائدة فهى للراهن.

ولو حملت الشجرة أو الدابة أو المملوكة بعد الارتهان كان الحمل رهنا كالأصل على الأظهر.

ولو كان فى يده رهنان بدينين متغايرين ثم أدى أحدهما لم يجز إمساك الرهن الذى يخصه بالدين الآخر.

وكذا لو كان له دينان وبأحدهما لم يجز له أن يجعله رهنا بهما، ولا أن ينقله إلى دين مستأنف.

وإذا رهن مال غيره بإذنه ضمنه بقيمته إن تلف أو تعذر إعادته. ولو بيع بأكثر من ثمن مثله كان له المطالبة بما بيع به.

وإذا رهن النخل لم يدخل الثمرة وإن لم تؤبر وكذا إذا رهن الأرض لم يدخل الزرع ولا الشجر

(1)

شرائع الإسلام فى الفقه الإسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 197 طبعة مطبعة منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت سنه 1930 م الطبعة الأولى.

ص: 306

ولا النخل، ولو قال بحقوقها أدخل، فهو فيه تردد ما لم يصرح، وكذا ما ينبت فى الأرض بعد رهنها سواء أنبته الله سبحانه وتعالى أو الراهن أو الأجنبى إذا لم يكن الغرس من الشجر المرهون.

وهل يجبر الراهن على ازالته؟

قيل: لا.

وقيل نعم.

وهو الأشبه، ولو رهن لقطة مما يلتقط كالخيار.

فإن كان الحق يحل قبل تجدد الثانية صح. وإن كان متأخرا تأخرا يلزم منه اختلاط الرهن بحيث لا يتميز، قيل يبطل.

والوجه أنه لا يبطل.

وكذا البحث فى رهن الخرطة مما يخرط والجزة مما يجز.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى النيل وشرحه

(1)

: ويجوز رهن الحيوان إلا حمله إن تبين، أو إلا صوفه أو شعره مثلا، والشجر إلا غلته التى فيه لا رهن ما يكال أو يوزن، إلا كيلا أو وزنا معلوما، ولا رهن كيل أو وزن معلوم منه.

لا رهن ما يسكن إلا سكناه ولو وقت.

وكذا الأشجار إلا ما تستغل والحيوان إلا ما يلد أو يستغل أو ما ينتفع به إلا تلك المنفعة أو العين، أو البير إلا ماءها، أو كذا وكذا ذراعا من هذه الأرض أو هذه الأرض إلا كذا وكذا ذراعا منها.

ويجوز رهن البيت إلا بقعته أو حيطانه أو إلا ما فوقه من الهواء أو الأرض إلا ما فوقها من الهواء أى إلا إن ترك إليها ما تنتفع به لما هى له أو الغار إلا جوه.

واختلف

(2)

فى رهن المشاع وهبته يعنى التسمية. فأجاز ذلك بعض وقاسوه بالبيع.

ووافقهم أهل الحجاز وكثير من المحدثين.

ومنعه بعض ووافقهم عليه أهل الكوفة، وهو مذهب الشيخ أبى مالك لأن القبض يتعذر فيه لغير الشريك.

وقيل لا رهن فى الأصول، لتعذر القبض.

وقيل إن عقده وتسليم الراهن له هو قبضه.

والأكثر أن قبضه حوزه وإخراج عامل وإدخال آخر ..

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 5 ص 465 طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 464 الطبعة السابقة.

ص: 307

‌إفراز

‌المعنى اللغوى:

جاء فى لسان العرب: فرزت الشئ وأفرزته إذا قسمته.

والفرز بكسر الفاء وسكون الراء النصيب المفروز لصاحبه واحدا كان أو اثنين.

وفرزه فرزا. وأفرزه إفرازا. بمعنى مازه.

وفارز فلان شريكه أى فاصله وقاطعه.

وتقول فرزت الشئ من الشئ بمعنى فصلته، وتكلم فلان بكلام فارز أى فصل به بين أمرين

(1)

‌المعنى الاصطلاحى:

وهذا المعنى الذى قرره علماء اللغة هو الذى اعتمد عليه فقهاء الشريعة. وهم بصدد الكلام عن مصطلح إفراز فى المواطن التى يتطلب الأمر فيها بيان أحكام خاصة به.

فمن مجموع ما قالوه فى باب القسمة مثلا يمكن أن يقال: إن الإفراز هو أثر من آثار القسمة على الأقل فى صورتها العينية البسيطة إذ يترتب عليها أن يستقل كل شريك بجزء مفرز من الأموال الشائعة محل القسمة بعد أن كان كل منهم يملك على الشيوع حصة شائعة فى كل هذا المال.

‌الصلة بين الإفراز وبين القسمة:

‌مذهب الحنفية:

جاء فى تبيين الحقائق: أن القسمة هى جمع نصيب شائع فى مال معين ..

وركنها هو الفعل الذى يحصل به الإفراز والتمييز بين النصيبين كالكيل والوزن والعد.

بمعنى أن القسمة تشتمل على الإفراز الذى هو تمييز الحقوق بعضها من بعض وعلى المبادلة أيضا.

غير أن الإفراز هو المعنى الظاهر فى ذوات الأمثال، إذ يجوز عند إرادة اقتسام المثليات أن يأخذ كل شريك نصيبه منها حتى فى حال غيبة صاحبه.

والدليل على أن القسمة فيها معنى الإفراز والمبادلة بأن ما يأخذه كل واحد من الشريكين يشتمل كل جزء من أجزائه على النصيبين فكان

(2)

(1)

لسان العرب ج 5 ص 391، ج 24 ص 391 من نسخة الموسوعة طبعة بيروت وفى مختار الصحاح: فرز الشئ بمعنى عزله عن غيره وميزه عنه وبابه ضرب، وأفرزه أيضا بمعنى عزله وميزه باب الفاء مع الراء.

(2)

أى وأن النصف الذى استقل به الشريك الأول يصير ملكا خالصا له.

ص: 308

نصفه ملكه ولم يستفده من جهة صاحبه

(1)

فكان إفرازا. والنصف الآخر كان لصاحبه أخذه عوضا عما فى يد صاحبه من نصيبه فكان مبادلة بالضرورة.

إلا أن معنى الإفراز والتمييز فى المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة أظهر لعدم التفاوت بين أبعاضه لأن ما يأخذه كل منهما من نصيب شريكه مثل حقه صورة ومعنى فأمكن أن يجعل عين حقه

(2)

.

‌مذهب المالكية:

وتستفاد الصلة بين الإفراز والقسمة مما قرره فقهاء المالكية بشأن أنواع القسمة حيث ذكروا أن أهم هذه الأنواع هو ما يترتب عليه تمييز حق كل شريك عن حقوق بقية الشركاء

(3)

وهذا التمييز للأنصبة والحقوق لا يكون إلا بإفراز كل نصيب عن غيره فى الأشياء التى يمكن فيها ذلك.

‌مذهب الشافعية:

يذكر فقهاء الشافعية أن القسمة تتنوع إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: قسمة الإفراز، وقد سميت بذلك لكونها أفرزت نصيب كل واحد من الشركاء وميزته عن بقية الأنصبة الأخرى.

وقد تسمى عندهم قسمة المتشابهات أو قسمة الأجزاء، وذلك بالنظر إلى الأجزاء المتساوية.

وهى إفراز حق كل واحد من الشركاء.

ويظهر ذلك جليا فى قسمة المثليات وكذا فى قسمة المتقومات المتساوية فى القيمة والصورة لأن هذا النوع لا يختص بالمثليات بل يجرى فى المتقومات كما سيأتى.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى: والقسمة إفراز حق وتميز أحد النصيبين من الآخر، وليست بيعا .. لأنها لا تفتقر إلى لفظ التمليك ولا تجب فيها الشفعة ويدخلها الإجبار. وتلزم بإخراج القرعة. ويتقدر أحد النصيبين بقدر الآخر والبيع لا يجوز فيه ذلك.

ولأنها تنفرد عن البيع باسمها وأحكامها فلم تكن بيعا كسائر العقود.

ويترتب على القول بأن القسمة افراز: جواز قسمة الثمار خرصا والمكيل وزنا والموزون كيلا، والتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض فى البيع ولا يحنث إذا حلف لا يبيع بها وإذا كان العقار أو نصفه وقفا جازت القسمة وإن قلنا هى بيع وليست إفرازا انعكست هذه الأحكام

(5)

(1)

أى لكنه لا يستفيد من نصيب شريكه الآخر شيئا لأن هذا الشريك قد استقل بالنصف الآخر.

(2)

تبيين الحقائق ج 5 ص 364 - 365 طبعة سنة 1315 هـ.

(3)

شرح الخرشى ج 6 ص 185.

(5)

المغنى ج 11 ص 491.

ص: 309

‌مذهب الظاهرية:

يقرر ابن حزم

(1)

: أن الأصل فى القسمة أن تتم بالمساواة والمماثلة بين الشركاء لأن القسمة تمييز حق كل واحد وتخليصه.

ومن هذا الذى قرره ابن حزم يمكن القول بأنه يرى أن القسمة - فى معظم أحوالها - هى إفراز حق كل شريك وتخليصه عن حقوق بقية الشركاء.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(2)

: القسمة هى افراز الحقوق وتعديل الأنصباء

بمعنى أن يفرز لكل وارث أو لكل شريك نصيبه على حدة، وذلك فى كيل ما يكال ووزن ما يوزن وعد ما يعد وذرع ما يذرع وتقويم ما يقوم.

وفى هامش الشرح المذكور منسوبا إلى بعض كتبهم

(3)

: القسمة هى إفراز الحقوق فى المثليات وتعديل الأنصباء فى القيميات.

‌مذهب الإمامية:

نص فقهاء الإمامية

(4)

على أن القسمة تمييز حق لا بيع. ومن هذا النص يمكن القول بوجود العلاقة بين الإفراز والقسمة عندهم. إذ المراد من تمييز الحقوق افرازها وعزل بعضها عن بعض.

‌مذهب الإباضية:

هذا المعنى الذى سبق تقريره من المذاهب المختلفة هو ما يمكن أن يتوصل إليه فى مذهب الإباضية.

فصاحب شرح النيل يعرف القسمة بأنها، تمييز بعض الانصباء من بعض

(5)

، إذ المراد من تمييز الانصباء افراز نصيب كل شريك أو وارث من أنصبة باقى الشركاء أو الورثة الآخرين. راجع مصطلح قسمة.

‌المواضع التى يرد فيها الافراز بمعنى

التجنيب والعزل وأثر ذلك

‌أولا: فى باب القسمة:

‌مذهب الحنفية:

يقرر فقهاء المذهب الحنفى أن معنى الإفراز هو الغالب فى قسمة ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات وأثر ذلك يظهر فى أنه عند قسمة هذه الأشياء يثبت لصاحب الحق خيار العيب دون خيار الشرط والرؤية .. وثبوت خيار العيب سببه رفع الضرر الذى قد يلحق صاحب الحق من جراء ذلك العيب.

وهذا بخلاف خيار الشرط والرؤية إذ لا فائدة

(1)

المحلى ج 8 ص 132 - 133.

(2)

شرح الأزهار ج 3 ص 381.

(3)

شرح الأزهار وهامشه ج 3 ص 381.

(4)

شرائع الاسلام ج 4 ص 101 طبعة سنة 1389 هـ بالموسوعة.

(5)

شرح النيل ج 5 ص 316.

ص: 310

فى إثباتهما لعدم الضرر، لأن قسمة المثليات يغلب فيها معنى الإفراز فلا فائدة فى خيار الشرط والرؤية بخلاف غيرهما.

ومما يترتب على وجود معنى الإفراز فى هذه الأشياء إباحة قضاء الدين بتلك الأعيان المفرزة لأنها عين حقه. إذ يقول الزيلعى وكذا فى قضاء الدين جعل المقبوض عين حقه

(1)

.

ومن أثر ذلك أيضا أجرة من يقوم بإفراز الأنصبة وتمييزها هل تكون بحسب الأنصبة المفرزة أم بعدد الرءوس؟

فعند أبى حنيفة رحمه الله أجرة العزل والتجنيب على عدد الرءوس.

وقال أبو يوسف ومحمد هى على قدر الأنصبة لأنه مؤنة الملك فتقدر بقدره كأجرة الكيال والوزان وحفر البئر المشترك. ولأن المقصود من إفراز أنصبة الشركاء هنا أن يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع بنصيبه. ومنفعة صاحب النصيب الكبير أكثر فتكون مؤنته عليه أكثر وهذا نظير زوائد العين المشتركة.

ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الأجر مقابل بالتمييز وأنه لا يتفاوت وربما يكثر الحساب بالنظر إلى القليل.

وقد ينعكس الأمر باعتبار كسور فيه فيتعذر اعتباره ألا ترى أنه لا يتصور تمييز القليل من الكثير إلا بما يفعله فيهما فيتعلق الحكم بأصل التمييز، لأن عمل الإفراز لهما جملة، بخلاف حفر البئر لأن الأجر مقابل بنقل التراب وكذلك مما يترتب على اعتبار الإفراز عزلا وتجنيبا أن القاضى يملك إجبار الشركاء على القسمة فى حالات كثيرة.

منها ما ذكره الزيلعى بقوله: إذا كانت الأشياء المقسومة من جنس واحد أجبر القاضى على القسمة بطلب بعضهم لما فيها من معنى الإفراز.

وفيها تكميل المنفعة والمقاصد متقاربة لاتحاد الجنس فجاز الإجبار عليها لدفع الضرر عنهم

(2)

.

‌مذهب المالكية:

ويقرر المالكية أن تمييز الحقوق والأموال المراد قسمتها - بإفراز كل نصيب على حدته - يكون فيما تماثل أو تجانس ومن أثر ذلك أنه لا يرد فيها بالغبن.

وكذلك يجبر على القسمة من أباها. وأجرة من يقوم بإفراز الأنصبة تكون على عدد الورثة أو الشركاء ممن طلب القسمة أو أباها لأن تعب القيام فى تمييز النصيب اليسير كتعبه فى تمييز النصيب الكثير

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

يذكر فقهاء المذهب الشافعى أن الإفراز يرد بمعنى العزل والتجنيب فى قسمة الأشياء التى يمكن قسمتها بغير ضرر. ومثلوا لذلك بقسمة المثليات

(1)

تبيين الحقائق وحاشية الشلبى ج 5 ص 365.

(2)

تبيين الحقائق وحاشية الشلبى ج 5 ص 365 - 366.

(3)

شرح الخرشى ج 5 ص 185 - 186.

ص: 311

كالحبوب ونحوها.

وقد جاء فى حاشية الباجورى أن ضابط قسمة الإفراز: أن تكون القسمة فيما استوت أجزاؤه صورة وقيمة مثليا كان أو متقوما.

ولذلك مثل له فى المنهج بقوله: كمثلى ودار متفقة الأبنية وأرض مشتبهة الأجزاء

(1)

.

ومن الآثار التى تترتب على وجود معنى الإفراز فى قسمة هذه الأشياء أنه إذا دعا أحد الشريكين شريكه إلى هذا النوع من القسمة فإنه يلزم الشريك الآخر أن يجيبه إلى طلبه بل إن القاضى يستطيع أن يجبر الشركاء على القسمة هنا إذا طلبها بعضهم وامتنع عنها الآخرون، لأن قسمة الإفراز يدخلها الإجبار

(2)

عند الشافعية.

‌مذهب الحنابلة:

أوضح الحنابلة أن قسمة المثليات ونحوها إنما يراد منها عزل نصيب كل شريك وتجنيبه عن أنصبة بقية الشركاء الآخرين.

ويترتب على وجود معنى الإفراز فى قسمة هذه الأشياء أن القاضى يستطيع أن يجبر كل شريك على القسمة حتى وإن امتنع عنها ولذلك أطلق الحنابلة على هذا النوع اصطلاح قسمة الإجبار، وهى تصدق على قسمة الأشياء التى يمكن إفرازها بدون ضرر (انظر قسمة)

(3)

.

ومما يترتب على وجود معنى الإفراز فى قسمة هذه الأشياء أجرة من يقوم بإفراز الأنصبة، حيث ذكر الحنابلة أن الأصل أن تكون هذه الأجرة فى بيت المال فإذا لم يكن ذلك ممكنا فإن الأجرة تكون بين الشركاء وإن كان الطالب لها واحدا فقط.

وقد علل ابن قدامة هذا الحكم بقوله: «لأن الأجرة تجب بإفراز الأنصباء، وهم - أى الشركاء - فيها سواء فكانت الأجرة عليهم كما لو تراضوا عليها»

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

نص فقهاء الزيدية على أنه: يجوز لكل واحد من الشركاء أن يأخذ نصيبه فى قسمة المكيل والموزون ونحوهما وإن لم يحضر الشريك الآخر لأن القسمة فى هذه الحالة قسمة إفراز إذ يراد منها عزل نصيب كل وتجنيبه. غير أنهم يشترطون لجواز أخذ الشريك حصته فى غيبة الآخرين أن يصل بقية الشركاء إلى أخذ أنصبتهم كاملة

(5)

.

وهذا الشرط يجب توافره فى حالة ما إذا قام بتنفيذ القسمة شخص غير الحاكم.

أما إذا قام الحاكم بافراز الأنصبة فلا يشترط توافر هذا الشرط لأن قيام الحاكم بذلك يعتبر ضمانا لكل الشركاء.

وكذا إذا كانت القسمة بأمر من الحاكم فإنه

(1)

حاشية الباجورى ج 2 ص 396.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 399.

(3)

كشاف القناع ج 4 ص 221 - 222.

(4)

المغنى ج 11 ص 507.

(5)

شرح الأزهار ج 3 ص 382 - 383.

ص: 312

لا يشترط حضور بقية الشركاء من غير تفريق بين قسمة الإفراز وغيرها

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

نص فقهاء الإمامية على أن قسمة متساوى الأجزاء كذوات الامثال مثل الحبوب والأدهان ..

يجبر عليها الممتنع عنها مع مطالبة الشريك بالقسمة لأن الإنسان له ولاية الانتفاع بماله، والانفراد أكمل نفعا. ويقسم كيلا ووزنا أو متفاضلا ربويا كان أو غيره لأن القسمة تمييز حق لا بيع

(2)

. أى لأن القسمة إفراز للحقوق وعزل بعضها عن بعض ومن أثر ذلك أيضا أجرة القاسم تكون على المتقاسمين إن لم تكن فى بيت المال

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

يذكر الإباضية أن القسمة فى كثير من أنواعها يراد منها عزل الأنصبة وإفرازها.

ومن آثار ذلك عندهم أن الشركاء يجبرون على القسمة فى الأشياء التى يمكن قسمتها من غير ضرر مثل المكيل والموزون والعروض ويدخل فى ذلك الدنانير والدراهم والفلوس

(4)

.

ومن آثار معنى الإفراز هنا أيضا أن الشركاء يجبرون على القسمة فى الأراضى المشتركة. سواء كانت أرض بناء أو أرض حرث أو أرض رعى ونحو ذلك

(5)

.

‌ثانيا: فى باب الوقف

‌مذهب الحنفية:

يقرر الحنفية أن الملك يزول عن الموقوف مسجدا بالإفراز.

ويبين ابن عابدين فى تعليقه على هذا الحكم أهمية التعبير بكلمة «إفراز» قائلا: لأنه - أى وقف المسجد - لو كان مشاعا لا يصح إجماعا.

وأفاد هذا التعبير أيضا أنه يلزم بلا قضاء

(6)

بمعنى أن وقف المسجد يلزم بمجرد إفرازه من غير حاجة إلى قضاء.

ومن ناحية أخرى يقرر بعض الحنفية أن الوقف بصفة عامة لا يتم حتى يقبض وذلك فى المسجد بالإفراز وفى غيره بنصب المتولى وبتسليمه إياه.

ولا بد أيضا من أن يفرز المال الموقوف عموما، إذ لا يجوز وقف مشاع يقبل القسمة.

ويقول بعضهم: إن شرط الإفراز وإن كان فى حقيقته مفرعا على اشتراط القبض، لأن القسمة من تمامه، إلا أن النص عليه صراحة هنا من قبيل الإيضاح.

غير أن أبا يوسف رحمه الله لما لم يشترط التسليم أجاز وقف المشاع.

(1)

هامش الشرح المذكور نفس الموضع.

(2)

شرائع الإسلام ج 4 ص 101.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 101.

(4)

شرح النيل ج 5 ص 318.

(5)

المرجع السابق ص 359 - 360.

(6)

حاشية ابن عابدين ج 3 ص 395 طبعة الحلبى.

ص: 313

أما ما لا يقبل القسمة كالبئر والحمام والرحى فيجوز وقفه اتفاقا إلا فى المسجد والمقبرة

(1)

.

إذ الإفراز شرط جوهرى بالنسبة لوقف المسجد والمقبرة، لأنه لا بد أن يكون خالصا لله تعالى، لقوله سبحانه وتعالى:«وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ» أى مختصة به تعالى فلا يخلص له إلا بالإفراز

(2)

.

‌مذهب المالكية:

نص المالكية على صحة وقف المشاع إذا كان يقبل القسمة.

ويبدو من هذا أن سبب ذلك يرجع إلى إمكان إفراز العين الموقوفة فى هذه الحالة.

وذكر العلامة الدردير أن لفقهاء المالكية قولين مرجحين فى وقف الحصة الشائعة إذا كان المال الشائع لا يقبل القسمة

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج: ويصح وقف عقار بالإجماع ومنقول ومشاع وإن جهل قدر حصته أو صفتها وهذا يشمل ما لو كان المشاع قد وقف جزء منه ليكون مسجدا وقد صرح به ابن الصلاح وغيره إلا أنه يجب فى هذه الحالة إفراز الجزء الذى وقف ليكون مسجدا وهذا ظاهر إن كانت القسمة ممكنة فإن كانت غير ممكنة فى الحال، كأن جهل مقدار الموقوف بقى على شيوعه ولا يبطل الوقف

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع ويصح وقف المشاع. فلو وقفه مسجدا ثبت فيه حكم المسجد فى الحال عند التلفظ بالوقف، أى دون توقف على الإفراز، فيمنع منه الجنب والسكران ومن عليه نجاسة تتعدى ثم إن القسمة متعينة هنا، أى أنه إذا وقف المشاع مسجدا وجب إفرازه لتعين ذلك طريقا للانتفاع بالموقوف

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

نص الزيدية على إفراز العين الموقوفة بصفة عامة حيث جاء فى شرح الأزهار أنه إذا ثبتت صحة الوقف مع الشيوع فقد حكى عن بعضهم أن للورثة أن يميزوا الوقف كما يميزون الزكاة لأن الجميع حق الله تعالى

(6)

.

(1)

ابن عابدين ج 3 ص 399.

(2)

درر الحكام شرح غرر الأحكام ج 2 ص 123 طبعة سنة 1330 هـ.

(3)

الشرح الكبير ج 4 ص 76.

(4)

نهاية المحتاج ج 5 ص 358 - 359.

(5)

كشاف القناع ج 2 ص 442.

(6)

شرح الأزهار ج 3 ص 460.

ص: 314

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام: ويصح وقف المشاع وقبضه كقبضه فى البيع.

‌ثالثا: إفراز خمس الغنائم قبل قسمتها بين المقاتلين

انظر مصطلح (غنيمة)

‌رابعا: إفراز الزكاة من المال الذى وجبت فيه

(ينظر مصطلح زكاة)

ص: 315

روعى - فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وأل التعريف

وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها

ص: 318

‌حرف الألف:

‌إبراهيم بن عبد الله المتوفى سنة 145 هـ:

هو ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن على بن أبى طالب أحد الأمراء الأشراف.

الشجعان خرج بالبصرة على المنصور العباسى فبايعه أربعة آلاف مقاتل وخافه المنصور فتحول إلى الكوفة وكثرت شيعة إبراهيم فاستولى على البصرة وسير الجموع إلى الأهواز وفارس وواسط وهاجم الكوفة فكانت بينه وبين جيوش المنصور وقائع هائلة إلى أن قتله حميد بن قحطية قال أبو العباس الحسنى حز رأسه وأرسل إلى أبى الدوانيق ودفن بدنه الذكى بباضمرى، وكان شاعرا عالما بأخبار العرب وأيامهم وأشعارهم وممن آزره فى ثورته الإمام أبو حنيفة أرسل إليه أربعة آلاف درهم لم يكن عنده غيرها.

‌أحمد بن حنبل:

أنظر ج 1 ص 255 أنظر ابن حنبل.

‌أحمد بن يحيى:

انظر ج 1 ص 293

‌أبو أسامة المتوفى سنة 136 هـ:

هو زيد بن أسلم العدوى العمرى مولاهم أبو أسامة أو أبو عبد الله فقيه مفسر.

من أهل المدينة كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته واستقدمه الوليد بن يزيد فى جماعة من فقهاء المدينة إلى دمشق مستفتيا فى أمر وكان ثقة كثير الحديث له حلقة فى المسجد النبوى وله كتاب فى التفسير رواه عنه ولده عبد الرحمن.

‌أشعث بن عبد الملك:

هو أشعث بن عبد الملك الحمرانى مولى حمران مولى عثمان روى عن ابن سيرين وغيره المتوفى سنة 146 هـ وكان ثقة ثبتا حافظا.

‌أشهب:

انظر ح 1 ص 294.

‌أوس بن الصامت:

هو أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج الأنصارى أخو عبادة بن الصامت ذكروه فيمن شهد بدرا والمشاهد وقال أبو داود حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن الفضل حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت وكان رجلا به لمم فذكر حديث الظهار وتابع عازما على وصله شاذان ورواه موسى بن إسماعيل عن حماد مرسلا وهكذا

ص: 319

رواه إسماعيل بن عباس وجماعة عن هشام عن أبيه مرسلا وروى البزار من طريق أبى حمزة الثمالى وفيه ضعف عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الرجل إذا قال لزوجته فى الجاهلية أنت على كظهر أمى حرمت عليه وكان أول من ظاهر فى الإسلام رجل كان تحته بنت عم له يقال لها خولة كذا أخرجه مبهما وقد رواه ابن شاهين وابن منده من هذا الوجه بلفظ أول ظهار كان فى الإسلام من أوس بن الصامت كانت تحته بنت عم له وروى الدار قطنى والطبرانى فى سند الشاميين من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس أن أوس بن الصامت ظاهر من أمرأته خولة بنت ثعلبة قال ابن منده تفرد بوصله سعيد بن بشير ورواه سعيد بن أبى عروبة عن قتادة مرسلا وروى أبو داود من طريق عطاء بن أبى رباح عن أوس بن الصامت حديثا وقال بعده عطاء لم يدرك أوس وهو من أهل بدر قديم وقال ابن حبان مات فى أيام عثمان وله خمس وثمانون سنة وقال غيره مات سنة أربع وثلاثين بالرملة وهو ابن اثنين وسبعين سنة.

‌ابن أبى أويس:

المتوفى سنة 226 هـ هو إسماعيل بن أويس الحافظ أبو عبد الله الأصبحى المدنى سمع من خاله مالك.

وطبقته وفيه ضعف.

‌حرف الباء:

‌الباجى:

انظر الشيخ زروق ج 1 ص 265.

الباجى: أنظر ج 7 ص 386.

‌ابن برى:

انظر ج 7 ص 386.

‌البساطى:

انظر ج 1 ص 265.

‌ابن بشير:

انظر ج 4 ص 361.

‌البغوى الشافعى:

انظر ج 2 ص 342.

‌البلقينى:

انظر ج 2 ص 346.

‌حرف التاء:

‌التونسى:

انظر ج 1 ص 254.

‌حرف الثاء:

‌ثمامة بن آثال:

انظر ج 9 ص 371.

‌أبو ثور:

انظر ج 1 ص 252.

‌حرف الجيم:

‌جابر بن زيد:

انظر ج 3 ص 339.

‌أبو جحيفة:

توفى سنة 64 هـ هو وهب بن عبد الله بن مسلم بن جنادة بن حبيب بن سواء السوائى بضم السين المهملة وتخفيف الواو والمد ابن عامر بن صعصعة أبو جحيفة السوائى قدم على النبى صلى الله عليه وسلم فى

ص: 320

أواخر عمره وحفظ عنه ثم صحب عليا بعده وولاه شرطة الكوفة لما ولى الخلافة وفى الصحيح عنه رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن على يشبهه وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصا فمات قبل أن نقبضها وكان على يسميه وهب الخير وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن على والبراء بن عازب روى عنه ابنه وعون الشعبى وأبو إسحاق السبيعى وسلمة بن كهيل وإسماعيل بن أبى خالد وعلى ابن الأرقم والحكم بن عيينه وغيرهم قال الواقدى مات فى ولاية بشر على العراق وقال ابن حبان سنة أربع وستين.

‌ابن جزء:

هو عبد الله بن جزء الزبيدى ذكره ابن أبى على واستدركه أبو موسى وهو عبد الله ابن الحارث بن جزء نسب لجده فلا وجه لاستدراكه.

‌أبو جعفر:

أنظر النسفى ج 1 ص 252.

أبو جعفر: أنظر ج 2 ص 347.

‌جعفر بن ورقاء:

توفى سنة 352 هـ هو جعفر بن محمد بن ورقاء الشيبانى شاعر كاتب جيد البديهة والروية من الولاة.

ولد بسامراء واتصل بالمقتدر العباسى فكان يجريه مجرى بنى حمدان وتقلد عدة ولايات وكان بينه وبين سيف الدولة مكاتبات بالشعر والنثر.

‌ابن الجلاب توفى سنة 378 هـ:

أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلاب الامام الفقيه الأصولى العالم الحافظ تفقه بالأبهرى وغيره وكان من أحفظ أصحابه وأنبلهم وتفقه به القاضى عبد الوهاب وغيره من الأئمة له كتاب فى مسائل الخلاف وكتاب التفريغ فى المذهب مشهور معتمد، توفى إلى رحمة الله تعالى عند منصرفه من الحج سنة 378 هـ.

‌الجوزجانى توفى سنة 259 هـ:

هو ابراهيم بن يعقوب بن اسحاق السعدى الجوزجانى أبو اسحاق محدث الشام وأحد الحفاظ المصنفين المخرجين الثقات بسبته إلى جوزجان (من كور بلخ بخراسان) ومولده فيها رحل إلى مكة ثم البصرة ثم الرملة وأقام فى كل منها مدة ونزل دمشق فسكنها إلى أن مات له كتاب فى الجرح والتعديل وكتاب فى الضعفاء وقال ابن كثير له مصنفات منها المترجم فيه علوم غزيرة وفوائد كثيرة.

‌حرف الحاء:

‌ابن الحاجب:

أنظر ج 1 ص 253.

‌الحسن:

انظر ج 1 ص 254.

‌أبو الحسن:

انظر ج 1 ص 254 الكرخى.

‌أبو حنيفة:

انظر ج 1 ص 256.

‌حماد بن سلمة:

انظر ج 5 ص 368.

‌حمزة:

انظر ج 1 ص 255.

‌حاطب بن أبى بلتعه توفى سنة 30 هـ:

حاطب بن أبى بلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها

ص: 321

عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمى حليف بنى أسد بن عبد العزى يقال إنه حالف الزبير وقيل مولى عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد فكاتبه فأدى مكاتبته اتفقوا على شهوده بدرا وثبت ذلك فى الصحيحين من حديث على فى قصة كتابة حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فنزلت فيه {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ)} الآية فقال عمر دعنى أضرب عنقه فقال إنه شهد بدرا واعتذر حاطب بأنه لم يكن فى مكة عشيرة تدفع عن أهله فقبل عذره وروى قصته ابن مردويه من حديث ابن عباس فذكر معنى حديث على وفيه قال يا حاطب ما دعاك إلى ما صنعت فقال يا رسول الله كان أهلى فيهم فكتبت كتابا لا يضر الله ولا رسوله وروى ابن شاهين والبارودى والطبرانى وسمويه من طريق الزهرى عن عروة عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبى بلتعه وقال حاطب رجل من أهل اليمن وكان حليفا للزبير وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدرا وكان بنوه وأخوته بمكة فكتب حاطب من المدينة إلى كبار قريش ينصح لهم فيه فذكر الحديث نحو حديث على وفى آخره فقال حاطب والله ما ارتبت فى الله منذ أسلمت ولكننى كنت أمرءا غريبا ولى بمكة بنون وإخوة الحديث وزاد فى آخره فأنزل الله تعالى {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ)} الآيات ورواه ابن مردويه من حديث أنس وفيه نزول الآية ورواه ابن شاهين من حديث ابن عمر باسناد قوى قال أبى خثيمة قال فى المدائن مات حاطب سنة ثلاثين فى خلافة عثمان وله خمس وستون سنة وكذا رواه الطبرانى عن يحيى بن بكير.

‌حبيب السجستانى:

حبيب السجستانى قد عده الشيخ فى رجاله تارة من أصحاب السجاد وأخرى من أصحاب الباقر مضيفا إلى ما فى العنوان قوله روى عنه وعن أبى عبد الله عليه السلام وثالثة من أصحاب الصادق عليه السلام مضيفا إلى ما فى العنوان قوله روى عنهما يعنى عن الصادقين وروى الكشى عن محمد بن مسعود قال حبيب السجستانى كان أو لا شاريا ثم دخل فى هذا المذهب وكان من أصحاب أبى جعفر أبى عبد الله منقطعا إليهما ومثله بعينه فى البحرين الطاوس بيان الشارى الجارحى وسمى الخوارج شراة لقولهم شرينا أنفسنا.

‌الشيخ حجازى:

حجازى بن عبد المطلب العدوى وله حاشية فى الفقه المالكى المسماه بحاشية الشيخ حجازى على شرح مجموع الأمير.

‌الحطاب:

انظر ج 1 ص 254.

‌ابن حبيب:

انظر ج 1 ص 253

ص: 322

‌حرف الخاء:

‌اللخمى:

انظر ج 1 ص 274

‌الخضر صلى الله عليه وسلم:

الخضر لقب قالوا وإسمه بليا بموحدة مفتوحة ابن ملكان وقيل كليمان. قال ابن قتيبة فى المعارف قال وهب بن منبه اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ من أرفخشد بن سام بن نوح قالوا وكان أبوه من الملوك واختلفوا فى سبب تلقيبه بالخضر فقال الأكثرون لأنه جلس على فروة بيضاء فصارت خضراء والفروة وجه الأرض وقيل الهشيم من النبات وقيل لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله والصواب الأول فقد روينا فى صحيح البخارى عن همام بن منبه عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إنما سمى الخضر لأنه جلس على فروة فإذا هى تهتز من خلفه خضراء فهذا نص صحيح صريح وكنية الخضر أبو العباس وهو صاحب موسى النبى صلى الله عليه وسلم الذى سأل السبيل إلى لقياه وقد أثنى الله تعالى عليه فى كتابه بقوله تعالى {(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً)} فأخبر الله عنه فى باقى الآيات بتلك الأعجوبات وموسى الذى صحبه هو موسى بنى إسرائيل كليم الله تعالى كما جاء به الحديث المشهور فى صحيحى البخارى ومسلم وهو مشتمل على عجائب من أمرهما واختلفوا فى حياة الخضر ونبوته فقال الأكثرون من العلماء هو حى موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وذكر أبو اسحاق الثعلبى المفسر اختلافا فى أن الخضر كان فى زمن إبراهيم الخليل عليه السلام أم بعد بقليل أم بعد بكثير قال والخضر على جميع الأقوال بنى معمر محجوب عن الأبصار وقيل إنه لا يموت إلا فى آخر الزمان عند رفع القرآن.

‌خليل:

انظر ج 1 ص 256.

‌حرف الدال:

‌ابن أبى الدنيا توفى سنة 281 هـ:

هو عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن أبى الدنيا القرشى الأموى مولاهم البغدادى أبو بكر حافظ للحديث مكثر من التصنيف أدب الخليفة المعتضد العباسى فى حداثته ثم أدب ابنه المكتفى له مصنفات أطلع الذهبى على 20 كتابا منها تم ذكر أسماءها كلها فبلغت 164 كتابا منها الفرج بعد الشدة ومكارم الأخلاق وذم الملاهى واليقين والشكر وقرى الضيف والعقل وفضله وقصر الأمل والإشراف فى منازل الأشراف والعظمة فى عجائب الخلق ومن عاش بعد الموت وذم

ص: 323

الدنيا وكتاب الجوع وذم المسكر والرقة والبكاء والصمت وقضاء الحوائج والنوادر والرغائب وأخبار قريش وكان من الوعاظ العارفين بأساليب الكلام وما يلائم طبائع الناس إن شاء أضحك جليسه وإن شاء أبكاه مولده ووفاته ببغداد.

‌حرف الراء:

‌ابن رشد:

انظر ج 1 ص 258.

‌الربيع:

انظر ج 1 ص 258.

‌رافع بن خديج:

توفى سنة 74 هـ: رافع بن خديج بن رافع الأنصارى الأوسى الحارثى صحابى. كان عريف قومه بالمدينة وشهد أحدا والخندق توفى فى المدينة متأثرا من جراحة. روى له البخارى ومسلم 78 حديثا.

‌رافع بن عمر:

رافع بن عمر الغفارى عده الشيخ فى رجاله من أصحاب الرسول وحاله مجهول، وقد عده ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم من الصحابة.

‌الرضا:

انظر ج 1 ص 259.

‌ابن الرفعة:

انظر ج 1 ص 259.

‌حرف الزاى:

‌أبو الزبير بن العوام:

انظر ج 9 ص 373.

‌زيد بن ثابت:

انظر ج 1 ص 260.

‌زفر:

انظر ج 1 ص 259.

‌زر بن حبيش توفى سنة 83 هـ:

زر بن حبيش بن حباشة بن أوس الأسدى: تابعى. من جلتهم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبى صلى الله عليه وسلم، كان عالما بالقرآن فاضلا وكان ابن مسعود يسأله عن العربية سكن الكوفة وعاش مائة وعشرين سنة، ومات بوقعة بدير الجماجم.

‌حرف السين:

‌سراقة بن مالك بن جشم:

انظر ج 8 ص 375.

‌سعيد بن المسيب:

انظر ج 1 ص 261.

‌السبكى:

انظر ج 1 ص 260.

‌ابن سماعة:

انظر ج 3 ص 346.

‌ابن سهل:

أنظر ج 6 ص 385.

‌السيورى:

انظر ج 12 ص 401.

‌اسحاق:

انظر ج 2 ص 343.

‌ابن سكان:

كسجان، اسمه عبد الله كوفى من أجلاء أصحاب الصادق عليه السلام أحد من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، روى أنه كان لا يدخل على أبى عبد الله عليه السلام شفقة أنه لا يوفيه حق إجلاله وكان يسمع من أصحابه ويأبى أن يدخل عليه إجلالا له وقد أطال الكلام فى ذلك شيخنا فى المستدرك وقال الفيروز ابادى

ص: 324

فى القاموس سكان بالضم شيخ للشيعة اسمه عبد الله.

‌سويد بن حنظلة:

سويد بن حنظلة لا أعرف له نسبا حديثه عند اسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن جدته عن أبيها سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر الحضرمى فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخى فخلوا سبيله فأتينا النبى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال صدقت «المسلم أخو المسلم» لا أعلم له غير هذا الحديث.

‌حرف الشين:

‌ابن شبرمة:

انظر ج 8 ص 376.

‌ابن أبى شيبة:

انظر ج 9 ص 377.

‌ابن شاس:

انظر ج 2 ص 354.

‌حرف الصاد:

‌الصدوق:

انظر ج 2 ص 355.

‌الأصبغ بن نباتة:

هو الأصبغ بن نباته صاحب على أخرج ابن ماجه حديثه عنه وروى ابن عساكر ما يدل على أن له ادراكا فإنه أخرج فى ترجمة عبد الرحيم بن محرز الفزارى من طريق هشام بن الكلبى عن أبى يعلى واسمه سويد السجستانى عن مرة بن عمر عن الأصبغ بن نباته قال إنا لجلوس ذات يوم عند على فى خلافة أبى بكر إذ أقبل رجل من حضر موت فذكر قصة طويلة.

‌صفوان بن عسال:

صفوان بن عسال بمهملتين مثقل المرادى من بنى زاهر بن عامر بن عوسان بن مراد، قال أبو عبيد عداده فى بنى حمد له صحبة وقال البغوى سكن الكوفة وقال ابن أبى حاتم كوفى له صحبة مشهور روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث وروى عنه زر بن حبيش وعبد الله بن سلمة وغيرهما وذكر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشر غزوة.

‌صفوان بن محمد:

صفوان بن محمد أو محمد بن صفوان - هكذا جاء حديثه على الشك فى بعض الطرق.

‌حرف الضاد:

‌أبو الضحى:

أبو الضحى بن صبيح هو مولى السعيد بن العاص، وكان عطارا حدثنا أحمد بن حرب الطائى قال حدثنا أسباط بن محمد عن الشيبانى عن أبى الضحى مسلم بن صبيح.

ص: 325

‌حرف الطاء:

‌طارق بن سويد الجعفى:

طارق بن سويد الحضرمى أو الجعفى ويقال سويد بن طارق. قال ابن السكن له صحبة وروى البخارى فى تاريخه وأحمد وابن ماجه والبغوى وابن شاهين من طريق حماد بن سلمة عن سماك عن علقمة بن وائل عن طارق بن سويد، قال قلت يا رسول الله إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها، قال لا، وأخرجه أبو داود من طريق شعبة عن سماك فقال سأل سويد بن طارق أو طارق بن سويد، وقال البغوى: رواه غير حماد فقال سويد بن طارق والصحيح عندى طارق بن سويد.

‌الطحاوى:

انظر ج 1 ص 265.

‌أبو طالب بن يحيى:

انظر ج 1 ص 264.

‌حرف العين:

‌ابن عابدين:

انظر ج 1 ص 265.

‌عثمان البتى:

انظر ج 8 ص 378

‌عثمان رضى الله عنه:

انظر ج 1 ص 268.

‌ابن عبد السلام:

انظر ج 1 ص 266.

‌ابن عرفه:

انظر ج 1 ص 268.

‌عاصم:

انظر ج 1 ص 265.

‌ابن عامر:

انظر عبد الله ج 1 ص 265.

‌أبو عمرو:

انظر ج 2 ص 359.

‌أبو عزة الشاعر:

انظر ج 9 ص 380.

‌أبو العاص بن الربيع:

انظر ج 9 ص 378.

‌ابن عباس:

أنظر ج 1 ص 267 عبد الله.

‌أبو العالية:

قال صاحب الإصابة: أبو العالية المزنى لا يعرف إسمه ولا سياق نسبه ذكره أبو أحمد الحاكم فى الكنى، أخرج حديثه الطبرانى فى مسند الشاميين من طريق أبى سعيد بالتصغير وإسمه حفص بن غيلان عن حبان بن حجر عن أبى العالية المزنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ستكون بعدى فتن شداد خير الناس فيها المسلمون من أهل البوادى لا يفتدون من دماء الناس ولا أموالهم.

‌ابن عدى:

عبد الله بن عدى بن عبد الله بن محمد بن مبارك بن القطان الجرجانى أبو أحمد علامة بالحديث ورجاله أخذ عن أكثر من ألف شيخ وكان يعرف فى بلده بابن القطان واشتهر بين علماء الحديث بابن عدى، من كتبه الكامل فى معرفة الضعفاء والمتروكين من الرواة منه ثمانية عشر جزءا مخطوط وهو - كما فى كشف الظنون - ستون جزءا وله الانتصار على مختصر المزنى فى فروع الشافعية وعلل الحديث ثمانية أجزاء ومعجم فى أسماء شيوخه وكان ضعيفا فى العربية قد يلحن وهو من الأئمة الثقات فى الحديث.

‌عبد الرحمن بن معاوية:

توفى سنة 172 هـ عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن

ص: 326

عبد الملك بن مروان الملقب بصقر قريش ويعرف بالداخل الأموى مؤسس الدولة الأموية فى الأندلس وأحد عظماء العالم ولد فى دمشق ونشأ يتيما مات أبوه وهو صغير فتربى فى بيت الخلافة ولما انقرض ملك الأمويين فى الشام وتعقب العباسيون رجالهم بالفتك والأسر أفلت عبد الرحمن وأقام فى قرية على الفرات فتتبعته الخيل فأوى إلى بعض الأدغال حتى أمن فقصد المغرب فبلغ أفريقية فلج عاملها عبد الرحمن بن حبيب الفهرى لطلبه فانصرف إلى مكانه وقد لحق به مولاه بدر بنفقة وجواهر كان قد طلبها من أخت له تدعى أم الأصبع ثم تحول إلى منازل نفزاوه وهم جيل من البربر أمه منهم فأقام مدة يكاتب من فى الأندلس من الأمويين وبعث إليهم بدرا مولاه فأجابوه وسيروا له مركبا فيه جماعة من كبرائهم فأبلغوه طاعتهم له وعادوا به إلى الأندلس.

‌عبد الرحمن بن معقل السلمى:

هو عبد الرحمن ابن معقل السلمى صاحب الدثنية قال ابن حبان له صحبة وأخرج حديثه الطبرانى من طريق الحسن بن أبى جعفر قال حدثنا أبو محمد عن عبد الرحمن بن معقل صاحب الدثنية قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم ما تقول فى الضب؟ قال لا آكله ولا أنهى عنه، قلت فما لم تنه عنه فإنى آكله، وذكر الحديث قال ابن عبد البر ليس بالقوى.

‌عمر بن عبد العزيز:

انظر ج 1 ص 269.

‌عمر:

انظر ج 1 ص 269.

‌ابن عمر:

انظر ج 1 ص 267 عبد الله

‌عمر بن يزيد:

أنظر ج 1 ص 269.

‌عبد الرحمن بن أبى بكر:

انظر ج 3 ص 350.

‌عمرو بن شعيب:

انظر ج 1 ص 270.

‌أبو عمرو:

انظر ج 2 ص 359.

‌عمر بن الخطاب:

انظر ج 1 ص 269.

‌عمرو بن أمية:

هو عمرو بن أمية الضمرى الصحابى رضى الله عنه وإسمه أبو أمية عمرو بن أمية بن خويل بن عبد الله بن أياس بن عبيد الله بن ناشرة بن كعب بن جدى - بضم الجيم وفتح الدال المهملة المخففة - ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكنانى الضمرى الصحابى الحجازى أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وأول مشاهده بئر معونة - بالنون - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فى أموره وبعثه عينا إلى قريش وحده وحمل خبيب - بضم الخاء - بن عدى من الخشبة التى صلبوه عليها وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى وكيلا فتزوج له أم حبيبة بنت أبى سفيان، وكان من أنجاد العرب ورجالها وقال ابن عبد البر: إنه إنما أسلم بعد غزوة أحد والمشهور الأول قالوا: وأسرته بنو عامر يوم بئر معونة فأعتقوه عن رقبة كانت عليهم، روى له عن رسول الله صلى الله عليه

ص: 327

وسلم عشرون حديثا اتفق البخارى ومسلم على حديث وللبخارى آخر، وروى عنه بنوه الثلاثة جعفر والفضل وعبد الله وآخرون توفى بالمدينة قبيل وفاة معاوية.

‌عيسى بن دينار:

انظر ج 2 ص 359.

‌عمر بن سلمة الضمرى:

انظر ج 5 ص 395.

‌عبد العزيز بن سلمة توفى سنة 164 هـ:

هو عبد العزيز بن أبى سلمة التيمى، مولاهم، المدنى أبو عبد الله، فقيه من حفاظ الحديث الثقات له تصانيف وكان وقورا عاقلا ثقة، أصله من أصبهان نزل المدينة ثم قصد بغداد فتوفى فيها وصلى عليه الخليفة المهدى ودفن فى مقابر قريش وهو يعد من فقهاء المدينة، روى عن الزهرى وطبقته وكان إماما مفتيا صاحب حلقة.

‌أبو عبد الله البوشنجى توفى سنة 291 هـ:

هو محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى، وقيل موسى بن عبد الرحمن أبو عبد الله البوشنجى العبدى شيخ أهل الحديث فى زمانه بنيسابور سمع إبراهيم بن المنذر الخزامى والحارث بن سريج النقال وأبى جعفر عبد الله بن محمد الفضيلى وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص وعلى بن الجعد وأبى كريب محمد بن العلاء ومسدد بن مسرهد ويحيى بن عبد الله بن بكير وسعيد بن منصور وأبى نصر الثمار وغيرهم روى عنه محمد بن إسحاق الصفانى ومحمد بن إسماعيل البخارى وهما أكبر منه وابن خزيمة وأبو العباس الدغولى وأبو حامد بن الشرقى وأبو بكر بن إسحاق الصيفى وإسماعيل بن نجيد وخلق كثير وقيل أن البخارى روى عنه حديثا فى «الصحيح» وذكر ذلك محمد بن يعقوب بن الأخزم، وفى الصحيح للبخارى: حدثنا محمد، حدثنا الفضيلى. ذكره فى تفسير سورة البقرة، قال شيخنا الذهبى: فإن لم يكن البوشنجى، وإلا فهو محمد بن يحيى، قال: والأغلب أنه البوشنجى فإن الحديث بعينه رواه الحاكم عن أبى بكر بن أبى نصر، حدثنا البوشنجى حدثنا الفضيلى، حدثنا مسكين بن بكير، حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن مروان بن الأصفر عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمر: أنها نسخت {(إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ)} الآية، قلت ولذلك ذكره شيخنا المقرى فى التهذيب وكان البوشنجى من أجل الأئمة وله ترجمة طويلة عريضة ذات فوائد فى تاريخ الحاكم، قال ابن حمدان: سمعت خزيمة يقول لو لم يكن فى أبى عبد الله من البخل بالعلم ما كان ما خرجت إلى مصر وكان اماما فى اللغة وكلام العرب.

‌عيسى بن القاسم:

انظر ج 1 ص 271.

‌أبو عبد الله أحمد:

انظر ج 6 ص 387.

ص: 328

‌عبد الله بن عبد العزيز:

انظر ج 3 ص 344.

‌أبو العباس:

انظر ج 1 ص 266.

‌حرف الغين:

‌ابن غازى:

انظر ج 6 ص 379.

‌ابن غانم:

انظر ج 9 ص 380.

‌حرف الفاء:

‌الفارقى:

انظر ج 13 ص 363.

‌الفاكهانى:

انظر ج 5 ص 347.

‌ابن فرحون:

انظر ج 1 ص 271.

‌الفقيه يحيى:

انظر ج 1 ص 280.

‌ابن أبى الفوارس:

انظر ج 2 ص 360.

‌حرف القاف:

‌القاضى زيد:

انظر ج 1 ص 260.

‌ابن القطان:

انظر ج 3 ص 354.

‌قتادة:

انظر ج 5 ص 376.

‌ابن القاسم:

انظر ج 1 ص 271.

‌القاضى:

انظر ج 6 ص 248.

‌ابن المقرى:

انظر ج 5 ص 378.

‌حرف الكاف:

‌الكرخى:

انظر ج 1 ص 273.

‌الكسائى:

انظر ج 1 ص 273.

‌الكرمانى:

انظر ج 3 ص 354.

‌حرف اللام:

‌اللخمى:

انظر ج 1 ص 274.

‌الليث:

انظر ج 1 ص 274.

‌حرف الميم:

‌أبو مجلز:

أبو مجلز لا حق بن حميد المحدث روى عنه سليمان التيمى وعمران بن حدير، حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبى السوداء سمع أبا مجلز لا حق بن حميد يقول قال عمر أما أبالى على أى حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره ذلك أنى لا أدرى الخير فيما أحب أو فيما أكره.

‌مالك:

انظر ج 1 ص 275.

‌المحبوبى:

توفى سنة 346 هـ هو أبو العباس المحبوبى محمد بن أحمد بن محبوب المروزى محدث مرو وشيخها ورئيسها توفى فى رمضان وله سبع وستون سنة روى جامع الترمذى عن مؤلفه وروى عن سعيد بن مسعود صاحب النضر بن شميل وأمثاله.

‌محمد بن صفوان:

محمد بن صفوان الأنصارى من بنى مالك بن الأوس ذكر ذلك العسكرى وقيل صفوان بن محمد والأول أصوب

ص: 329

وأخرج أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم فى صحيحهما من طريق داود بن أبى هند عن الشعبى أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بأرنبين ذبحهما بمروة على الشك وأخرجه على بن عبد العزيز فى مسنده من رواية حماد بن سلمة عن داود فقال عن محمد بن صفوان بالجزم وكذا أخرجه البغوى من طريق شعبة ومن طريق عبدة بن سليمان وحكى ابن شاهين عن البغوى أنه الراجح وقال لا أعلم لمحمد بن صفوان غيره.

‌ابن محرز:

انظر ج 9 ص 383.

‌المازرى:

انظر ج 1 ص 278.

‌الماوردى:

انظر ج 1 ص 275.

‌مسعر توفى سنة 155 هـ:

هو مسعر بن كدام - بكسر الكاف - بن ظهير بن عبيدة - بضم العين - بن الحارث بن هلال أبو سلمة العامرى الهلالى الكوفى روى عن عمر بن سعيد النخعى وأبى اسحاق السبيعى وعبد الملك بن عمير والأعمش وخلائق غيرهم من التابعين وروى عنه سليمان التيمى ومحمد بن إسحاق والثورى وشعبة ومالك بن مغول وابن عيينة وابن المبارك ويحيى القطان ووكيع ويزيد بن هارون وخلائق وغيرهم واتفقوا على جلالته قال هشام بن عروة ما قدم علينا من العراق أفضل من أيوب السختيانى ومسعر وقال يحيى بن سعيد:

ما رأيت مثل مسعر كان من أثبت الناس وقال سفيان الثورى: كنا إذا شككنا فى شئ سألنا مسعرا عنه وقال شعبة: كنا نسمى مسعرا المصحف وقال أبو حاتم: مسعر اتقن وأجود حديثا وأعلى اسنادا من سفيان وأتقن من حماد بن زيد وقال إبراهيم بن سعد كان شعبة وسفيان إذا اختلفنا فى شئ قال:

اذهب بنا إلى الميزان مسعر توفى سنة خمس وخمسين ومائة.

‌المتيطى توفى سنة 570 هـ:

القاضى أبو الحسن على بن عبد الله بن إبراهيم الأنصارى المعروف بالمتيطى السبتى الفاسى الامام الفقيه العالم لازم أبا الحجاج المتيطى وبه تفقه ولزم بسبتة القاضى أبا محمد عبد الله، التميمى، ألف كتابا كبيرا فى الوثائق سماه، النهاية والتمام فى معرفة الوثائق والأحكام، اختصره ابن هارون وغيره، توفى فى مستهل شعبان سنة 570 هـ رحمة الله تعالى.

‌محمد بن بشار توفى سنة 252 هـ:

هو محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدى البصرى أبو بكر المعروف ببندار من حفاظ الحديث الثقات لم يخرج من البصرة، أكثر عمره برا بأمه قال أبو داود كتبت عن بندار نحوا من خمسين ألف حديث وفى تهذيب التهذيب: روى عنه البخارى 205 أحاديث ومسلم 46 حديثا.

‌محمد بن يعقوب الكلينى:

انظر ج 10 ص 402.

ص: 330

‌ابن المواز:

انظر ج 1 ص 278.

‌أبو معمر توفى سنة 236 هـ:

هو أبو معمر القطيعى إسماعيل بن إبراهيم روى عن شريك وطبقته وكان ثقة صاحب حديث وسنة.

‌المقدام بن معد يكرب توفى سنة 87 هـ:

المقدام بن معد يكرب بن عمرو بن يزيد بن معد يكرب يكنى أبا كريمة وقيل كنيته أبو يحيى صحب النبى صلى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث وعن خالد بن الوليد ومعاذ وأبى أيوب ونزل حمص وروى عنه ابنه يحيى وحفيده صالح بن يحيى وخالد بن معدان وحبيب بن عبيد ويحيى بن جابر الطائى والشعبى وشريح بن عبيد وعبد الرحمن بن أبى عوف وآخرون ذكره ابن سعد فى الطبقة الرابعة من أهل الشام وقال مات سنة سبع وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة وقال عثمان سنة ثلاث وقيل سنة ست وأخرج البغوى من طريق أبى يحيى بن سليم الطلاعى قال قلنا للمقدام بن معد يكرب يا أبا كريمة إن الناس يزعمون أنك لم تر النبى صلى الله عليه وسلم قال بلى والله لقد رأيته ولقد أخذ بشحمة أذنى وإنى لأمشى مع عم لى ثم قال لعمى «أترى أنه يذكره» وسمعته يقول يحشر ما بين السقط إلى الشيخ الفانى يوم القيامة أبناء ثلاثين سنة المؤمنين منهم فى خلق آدم ومن طريق الشعبى عن المقدام أبى كريمة رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وآله وسلم وفى رواية عن أبى كريمة الشامى.

‌المنصور بالله:

انظر ج 1 ص 277.

‌منصور بن أحمد:

انظر ج 2 ص 364.

‌منصور الصيقل:

انظر ج 1 ص 277.

‌مطرف:

انظر ج 2 ص 364.

‌المهدى عليه السلام:

انظر ج 2 ص 365.

‌ميمون بن مهران توفى سنة 117 هـ:

هو ميمون بن مهران الرقى، أبو أيوب فقيه من القضاة كان مولى لا مرأة بالكوفة وأعتقته فنشأ فيها ثم استوطن الرقة (من بلاد الجزيرة الفراتية) فكان عالم الجزيرة وسيدها واستعمله عمر بن عبد العزيز على خراجها وقضائها وكان على مقدمة الجند الشامى مع معاوية بن هشام بن عبد الملك كما عبر البحر غازيا إلى قبرص سنة 108 هـ وكان ثقة فى الحديث كثير العبادة وكان من العلماء العاملين، روى عن عائشة وأبى هريرة وطائفة.

‌حرف النون:

‌الناصر:

انظر ج 1 ص 278.

‌النخعى:

انظر ج 1 ص 279.

‌نافع بن كثير:

انظر ج 1 ص 278.

‌ابن النقيب:

انظر ج 6 ص 393.

‌ابن أبى نجيح:

أبو يسار عبد الله بن أبى نجيح وأبو اليسر درهم مولى لآل جبير بن مطعم، سمعت العباس بن محمد قال سمعت يحيى بن

ص: 331

معين يقول كنية عبد الله بن أبى نجيح يسار، حدثنى محمد بن عبد الله بن الحكم قال حدثنا وهب الله بن راشد قال حدثنا حيوة بن شريح قال أخبرنى أبو اليسر بن درهم المدينى مولى لآل جبير بن مطعم أنه سأل زيد بن أسلم فقال إنا نعطى الشئ فى سبيل الله فهل يصلح لى أن أدع لأهلى منه نفقة فقال زيد بن أسلم انفق منه على أهلك واقض منه دينك وأنزله منزلة مال ورثته من أبيك.

‌حرف الهاء:

‌هشام:

انظر ج 2 ص 366.

‌هشام بن سالم:

هشام بن سالم روى عن أبى عبد الله عليه السلام. الجواليقى الجعفى مولاهم كوفى أبو محمد مولى بشر بن مروان أبو الحكم كان من سبى الجورجان روى عن أبى عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام ثقة ثقة له كتاب عن ابن أبى عمير له أصل عن ابن أبى عمير وصفوان بن يحيى وعلى بن الحكم ظاهره أنه صحيح العقيدة معروف الولاية غير مدافع قاله ابن طاووس قدس الله سره وما رواه الكشى من أنه زعم أن الله عز وجل صورة وأن آدم خلق على مثال الرب ففى الطريق محمد بن موسى بن عيسى الهمدانى وهو ضعيف.

‌أبو هريرة:

انظر ج 1 ص 267.

‌أبو الهيثم بن تيهان توفى سنة 20، 21 هـ:

مالك بن التيهان والتيهان اسمه مالك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر زعوراء بن جشم بن الحارث بن الخزرج عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى حليف بنى عبد الأشهل كان أحد النقباء ليلة العقبة ثم شهد بدرا واختلف فى وقت وفاته فذكر خليفة عن الأصمعى قال سألت قومه فقالوا مات فى حياة رسول الله وهذا لم يتابع عليه قائله وقيل إنه توفى سنة 20، 21 هـ سنة عشرين أو إحدى وعشرين وقيل إنه أدرك صفين وشهدها مع على وهو على الأكثر وقيل إنه قتل بها والله أعلم حدثنا خلف بن قاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا الدولابى حدثنا أبو بكر الوجهى عن أبيه صالح بن الوجيه قال وممن قتل بصفين عمار وأبو الهيثم بن التيهان وعبد الرحمن بن بديل وجماعة من البدريين رحمهم الله تعالى حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك قال حدثنا حنبل بن اسحاق أبو عقيل قال أبو نعيم أبو الهيثم بن التيهان اسمه مالك والتيهان اسمه عمرو بن الحارث أصيب أبو الهيثم مع على رضى الله عنهما يوم صفين هذا قول أبى نعيم وغيره.

ص: 332

‌حرف الواو:

‌واقد الليثى:

واقد الليثى يكنى أبا مراوح ذكره ابن منده عن أبى داود له صحبة وأخرج من طريق ربيعة بن عثمان عن زيد بن أسلم عن أسلم عن واقد أبى مراوح الليثى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله عز وجل: «إنا أنزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة» .

‌ابن وهب:

انظر ج 2 ص 366.

‌حرف الياء:

‌يعقوب بن شعيب:

انظر ج 1 ص 281.

‌يعلى بن أمية:

انظر ج 1 ص 359.

‌يونس بن شهاب:

انظر ج 2 ص 366.

‌ابن يونس:

انظر ج 1 ص 281.

‌أبو يوسف:

انظر ج 2 ص 359.

ص: 333