الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إفساد
التعريف اللغوى
افساد مصدر فعله أفسد المزيد بالهمزة فى أوله، فأصل مادته فسد. يقال: فسد اللحم أو اللبن أو نحوهما يفسد - بضم السين - فسادا اذا أنتن أو عطب، ويقال فسد العقد ونحوه اذا بطل، وفسد الرجل جاوز الصواب والحكمة، وفسدت الأمور اضطربت وأدركها الخلل وعلى ذلك قول الله عز وجل «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا}
(1)
» والفساد الجدب والقحط قال الله عز وجل «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ}
(2)
» والفساد الحاق الضرر قال الله عز وجل «وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً}
(3)
» وزيدت الهمزة فى أوله لتفيد التعدية تقول أفسد الرجل الشئ جعله فاسدا، وقد لا يفيد التعدية ويظل الفعل معها لازما بمعنى فعل يقال أفسد الرجل اذا فسد
(4)
.
التعريف فى اصلاح الفقهاء
لا يكاد التعبير الفقهى بكلمة افساد يخرج بها على المعنى اللغوى، فهى تارة بمعنى اصابة الشئ بالعطب، وتارة بمعنى الابطال وأخرى تأتى بمعنى ايقاع الاضطراب والخلل ومرة بمعنى الحاق الضرر. وجاء فى المستصفى أن الفاسد مرادف للباطل فى اصطلاح أصحاب الشافعى رضى الله تعالى عنهم فالعقد اما صحيح وأما باطل وكل باطل فاسد. وأبو حنيفة رحمه الله تعالى أثبت قسما آخر فى العقود بين البطلان والصحة وجعل الفاسد عبارة عنه وزعم أن الفاسد منعقد لافادة الحكم لكن المعنى بفساده أنه غير مشروع بوصفه والمعنى بانعقاده أنه مشروع بأصله كعقد الربا فانه مشروع من حيث أنه بيع وممنوع من حيث أنه يشتمل على زيادة فى العوض فاقتضى هذا درجة بين الممنوع بأصله ووصفه جميعا وبين المشروع بأصله ووصفه جميعا فلو صح له هذا القسم لم يناقش فى التعبير عنه بالفاسد ولكنه ينازع فيه اذ كل ممنوع بوصفه فهو ممنوع بأصله
(5)
.
ما يفسد الماء وما لا يفسده
مذهب الحنفية:
جاء فى المبسوط أن لعاب ما لا يؤكل لحمه من الدواب والسباع يفسد الماء لما روى أن ابن عمر وعمرو بن العاص رضى الله تعالى عنهما وردا حوضا فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض أترد السباع ماءكم هذا؟ فقال ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: يا صاحب الحوض لا تخبرنا. فلولا أنه كان اذا أخبر بورود السباع يتعذر عليهم استعماله لما نها عن ذلك.
والمعنى فيه أن عين هذه الحيوانات مستخبث غير طيب فسؤرها كذلك كالكلب والخنزير وهذا لأن سؤرها يتحلب من عينها كلبنها، ثم لبنها حرام غير مأكول فكذلك سؤرها وهو القياس فى
(1)
الآية رقم 23 من سورة الأنبياء
(2)
الآية رقم 41 من سورة الروم
(3)
الآية رقم 33 من سورة المائدة
(4)
المعجم الوسيط ج 2 ص 695 مادة فسد، ولسان العرب ج 4 ص 332 نفس المادة والقاموس المحيط ص 323 نفس المادة
(5)
المستصفى من علم الاصول لأبى حامد الغزالى ج 1 ص 94، 95 ومنه كتاب قوائم الرحموت لشرح مسلم الثبوت للامام الشيخ محب الدين بن عبد الشكور الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية ببولاق مصر سنة 1322 هـ
الهرة أيضا لكن تركنا ذلك بالنص وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهرة ليست بنجسة انها من الطوافين عليكم والطوافات أشار الى العلة وهى كثرة البلوى لقربها من الناس وهذا لا يوجد فى السباع فأنها تكون فى المغارة لا تقرب من الناس اختيارا.
وأما سؤر الحمار فانه مشكوك فيه غير متيقن بطهارته ولا بنجاسته، فان ابن عمر رضى الله عنهما كان يقول: انه رجس فيتعارض قوله وقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الذى كان يقول: الحمار يعلف القت والتبن فسؤره طاهر. ولأن الأصل الذى أشار اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهرة موجود فى الحمار لأنه لا يخالط الناس لكنه دون ما فى الهرة فانه لا يدخل المضايق، فلوجود أصل البلوى لا نقول بنجاسته. ولكون البلوى فيه ضعيفة لا نقول بطهارته فيبقى مشكوكا فيه وأدلة الشرع أمارات لا يجوز أن تتعارض والحكم فيها الوقف.
وأما سؤر حشرات البيت كالفارة والحية ونحوهما فى القياس فنجس لأنها تشرب بلسانها ولسانها رطب من لعابها يتحلب من لحمها، ولحمها حرام، ولكنه استحسن فقال طاهر مكروه لأن البلوى التى وقعت الاشارة اليها فى الهرة موجودة هنا فانها تسكن البيوت، ولا يمكن أن تصان الأوانى عنها.
وأما سؤر سباع الطير كالبازى والصقر والشاهين والعقاب وما لا يؤكل لحمه من الطير فى القياس نجس لأن ما لا يؤكل لحمه من سباع الطير معتبر بما لا يؤكل لحمه من سباع الوحش ولكنا استحسنا فقلنا بأنه طاهر مكروه لأنها تشرب بمنقارها ومنقارها عظم جاف بخلاف سباع الوحش فانها تشرب بلسانها ولسانها رطب بلعابها.
ولأن فى سؤر سباع الطير تتحقق البلوى فانها تنقض من الهواء فلا يمكن صون الأوانى عنها خصوصا فى الصحارى بخلاف سباع الوحش وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال:
ما يقع على الجيف من سباع الطير فسؤره نجس لأن منقاره لا يخلو عن نجاسة عادة.
وأما سؤر السنور ففى كتاب الصلاة قال:
وان توضأ بغيره أحب الى، وفى الجامع الصغير قال: هو مكروه. وهو قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: لا بأس بسؤره لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصغى الاناء لهرة حتى تشرب ثم يتوضأ بالباقى.
ويدل لأبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى حديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: يغسل الأناء من ولوغ الهرة مرة. وهو اشارة الى الكراهة، وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الهرة سبع وهى من السباع التى لا يؤكل لحمها فهذا الحديث يدل على النجاسة وحديث عائشة رضى الله تعالى عنها يدل على الطهارة فأثبتنا حكم الكراهة عملا بهما جميعا وان مات فى الاناء ذباب أو عقرب أو غير ذلك مما ليس له دم سائل لم يفسده عندنا لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا وقع الذباب فى اناء أحدكم فامقلوه ثم أمقلوه ثم أنقلوه فان فى أحد جناحيه سما وفى الآخر شفاء وانه ليقدم السم على الشفاء.
ومعلوم أن الذباب اذا مقل مرارا فى الطعام الحار يموت فلو كان مفسدا لما أمر بمقله وفى حديث سلمان الفارسى رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلّى الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ليس له دم سائل اذا مات فى الاناء فهو الحلال أكله وشربه والوضوء به، لأن الحيوان اذا مات فانما يتنجس لما فيه من الدم المسفوح حتى لو ذكى فسال الدم منه كان طاهرا وهذا لأن المحرم هو الدم المسفوح قال الله تعالى:
«أَوْ دَماً مَسْفُوحاً}
(1)
» فما ليس له دم سائل لا يتناوله نفس التحريم فلا ينجس بالموت ولا يتنجس ما مات فيه قياسا على ما خلق منه
(2)
. وان وقع فى الماء دم أو خمر أو عذرة أو بول أفسده عندنا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبولن أحدكم فى الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة. فلو لم يكن ذلك مفسدا للماء ما كان للنهى عنه معنى ولا فائدة.
وفيه طريقتان:
احداهما أن الماء ينجس بوقوع النجاسة فيه لأن صفة الماء تتغير بما يلقى فيه حتى تضاف اليه كماء الزعفران وماء الباقلا.
والثانية أن عين الماء لا يتنجس ولكن يتعذر استعماله لمجاورة الفاسد لأن النجاسة تتفرق فى أجزاء الماء فلا يمكن استعمال جزء من الماء الا باستعمال جزء من النجاسة، واستعمال النجاسة حرام.
وأما ما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ من بئر بضاعة وهى بئر يلقى فيه الجيف وحايض النساء فقد قيل أن بئر بضاعة كان ماؤه جاريا يسقى منه خمسة بساتين وعندنا الماء الجارى لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير أحد أوصافه وقيل انما كان يلقى فيه الجيف فى الجاهلية فان فى الاسلام نهيا عن مثل هذا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من التنزه والتقذر ما يمنعه من التوضئ والشرب من بئر يلقى فيه ذلك فى وقته
(3)
. وان بزق فى الماء أو ان امتخط لم يفسده لأنه طاهر لاقى طاهرا والدليل على طهارة البزاق أن النبى صلى الله عليه وسلم استعان فى محو بعض الكتابة به، والدليل على طهارة المخاط أن النبى صلى الله عليه وسلم امتخط فى صلاة فأخذه بثوبه ولكه، ثم المخاط والنخامة سواء.
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر رضى الله تعالى عنه يغسل ثوبه من النخامة قال: ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذى فى ركوتك الا سواء. وان أدخل جنب وحائض ومحدث يده فى الاناء قبل أن يغسلها وليس عليها قذر لم يفسد الماء استحسانا، وكان ينبغى فى القياس أن يفسده لأن الحدث زال عن يده بادخالها فى الاناء فيصير الماء مستعملا كالماء الذى غسل به يده.
ووجه الاستحسان ما روى أن المهراس كان يوضع على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها ماء فكان أصحاب الصفة رضوان الله تعالى عليهم يغترفون منه الوضوء بأيديهم، ولأن فيه بلوى وضرورة، فقد لا يجد شيئا يغترف به الماء من الاناء العظيم فيجعل يده لأجل الحاجة كالمغرفة.
واذا ثبت هذا فى المحدث فكذلك فى الجنب والحائض لما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من اناء واحد فربما بدأت أنا وربما بدأ هو، وكنت أقول: أبق لى، وهو يقول: ابقى لى.
وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى فى الأمالى قال: اذا أدخل الجنب يده أو رجله فى البئر لم يفسده، وان أدخل رجله فى الاناء أفسده، وهذا معنى الحاجة، ففى البئر الحاجة الى ادخال الرجل لطلب الدلو فجعل عفوا، وفى الاناء الحاجة الى ادخال اليد، فلا تجعل الرجل عفوا فيه. وان أدخل فى البئر بعض جسده سوى اليد والرجل أفسده لأنه لا حاجة اليه.
وقال فى الأصل اذا اغتسل الطاهر فى البئر
(1)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخسى المحتوى على كتب ظاهر الرواية للامام محمد بن الحسن الشيبانى ج 1 ص 48 وما بعدها الى ص 52 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 52 نفس الطبعة
أفسده، وهو بناء على ما تقدم أن المستعمل للماء على قصد التقرب وان كان طاهرا فالماء بفعله يصير مستعملا فاذا اغتسل فى البئر صار الماء مستعملا واذا انغمس فيه لطلب دلو وليس على بدنه قذر لم يفسد الماء لأنه لم يوجد فيه ازالة الحدث ولا اقامة القربة لما لم يغتسل فيه. وان انغمس فى جب يطلب دلوا لم يفسد الماء ولم يجزئه من الغسل فى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى.
وقال محمد رحمه الله تعالى: لا يفسد الماء ويجزئه من الغسل.
وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى فى الأمالى أن الماء يفسد ولا يجزئه من الغسل. ومن أصحابنا من قال هذا الخلاف ينبنى على أصل وهو أن عند أبى يوسف الماء يصير مستعملا بأحد شيئين اما بازالة الحدث أو باقامة القربة فلو زال الحدث هنا صار الماء مستعملا فلا يجزئه من الاغتسال، فلهذا قال الرجل بحاله والماء بحاله.
ومن أصل محمد أن الماء لا يصير مستعملا الا باقامة القربة والاغتسال يتحصل بغير نية فكان الرجل طاهرا والماء غير مستعمل لعدم القصد منه الى اقامة القربة، وهذا ليس بقوى فان هذا المذهب غير محفوظ عن محمد نصا، ولكن الصحيح أن ازالة الحدث بالماء مفسد للماء الا عند الضرورة كما بينا فى الجنب يدخل يده فى الاناء وفى البئر معنى الضرورة موجود فانهم اذا جاءوا بفواص لطلب دلوهم لا يمكنهم أن يكلفوه الاغتسال أولا فلهذا لا يصير الماء مستعملا ولكن الرجل يطهر لأن الماء مطهر من غير قصد.
وجه رواية الاملاء أنه لما أدخل بعض أعضائه فى البئر صار الماء مستعملا فبعد ذلك سواء اغتسل أو لم يغتسل لم يطهره الماء المستعمل
(1)
.
وان وقع فى البئر بول ما يؤكل لحمه أفسده فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ولا يفسده فى قول محمد رحمه الله تعالى ويتوضأ منه ما لم يغلب عليه.
وأصل المسألة أن بول ما يؤكل لحمه نجس عندهما طاهر عند محمد رحمه الله تعالى واحتج بحديث أنس رضى الله تعالى عنه أن قوما من عرنة جاءوا الى المدينة فأسلموا فاجتووا المدينة فأصفرت الوانهم وانتفخت بطونهم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا الى ابل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها الحديث فلو لم يكن طاهرا لما أمرهم بشربه. والعادة الظاهرة من أهل الحرمين بيع أبوال الابل فى القوارير من غير نكير دليل ظاهر على طهارتها.
ويدل لأبى حنيفة وأبى يوسف قول النبى صلى الله عليه وسلم: استنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه ولما ابتلى سعد بن معاذ رضى الله عنه بضغطة القبر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سببه فقال: انه كان لا يستنزه من البول. ولم يرد به بول نفسه فان من لا يستنزه منه لا يجوز صلاته وانما أراد أبوال الابل عند معالجتها والمعنى أنه مستحيل من أخذ الغذاءين الى نتن وفساد فكان نجسا كالبعر.
وأما حديث أنس رضى الله تعالى عنه فقد ذكر قتادة عن أنس رضى الله تعالى عنه أنه رخص لهم فى شرب ألبان الابل ولم يذكر الأبوال، وانما ذكره فى حديث حميد عن أنس رضى الله تعالى عنهما والحديث حكاية حال فاذا دار بين أن يكون حجة أولا يكون حجة سقط الاحتجاج به. ثم نقول خصهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه عرف من طريق الوحى أن شفاءهم فيه لا يوجد مثله فى زماننا. وهو كما خص الزبير رضى الله تعالى عنه بلبس الحرير لحكة كانت به. اذا عرفنا هذا فنقول اذا وقع فى الماء فعند محمد رحمه تعالى هو
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 52، ص 53
طاهر فلا يفسد الماء حتى يجوز شربه ولكن اذا غلب على الماء لم يتوضأ به كسائر الطاهرات اذا غلبت على الماء وعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى هو نجس فكان مفسدا للماء والبئر والاناء فيه سواء
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أن الماء الكثير اذا خالطه شئ نجس ولم يغيره فانه باق على طهوريته ويعلم قدر الكثير من تحديد القليل الآتى ثم ان هذا الكثير ان اتفقت الأمة على أنه كثير فلا خلاف فى طهوريته سواء خلط بنجس أو طاهر كما قال صاحب التوضيح واذا تغير الماء وشك فى الذى غيره هل هو ما يسلبه الطهورية أو مما لا يسلبه الطهورية فالأصل بقاؤه على الطهورية وأن الشئ متى شك فى حكمه رد الى أصله والأصل فى الماء الطهارة والتطهير.
وقال فى سماع موسى من ابن القاسم من كتاب الطهارة فى الحوض يتغير ريحه ولم ير فية أثر ميتة ولا جيفة والدواب والسباع تشرب منه.
قال ابن القاسم لا بأس به اذا لم ير فيه شئ يعلم أن فساد الماء منه. وقال ابن ناجى رحمه الله تعالى فى شرح المدونة.
وأما آبار المدن اذا انتفت فقال المازرى ان كانت هناك حالة تريب كالآبار القريبة من المراحيض فان الامام مالكا رحمه الله تعالى قال تترك اليومين فان طابت والا لم يتوضأ منها.
ومسألة البئر التى ذكرها المازرى أواخر سماع أشهب مكررة قال فى المواضع الأخر ولو علم أن نتنها ليس من ذلك ما رأيت بأسا أن يتوضأ منها قال ابن رشد حمل الماء على أنه انما أنتن من نجاسة قنوات المراحيض التى تتخلل الدور فى القرى بخلاف البئر فى الصحراء فأنتن ولم يدر بماذا فأنه يحمل على الطهارة وأنه انما أنتن من ركوده وسكونه فى موضعه اذا لم يعلم لنجاسته سبب ولو علم أن أنتن البئر ليس من قنوات المراحيض التى بجانبها لم يكن به بأس زاد فى الموضع الثانى ويحمل على الطهارة
(2)
.
واذا تغير الماء بمجاورة شئ له فان تغيره بالمجاورة لا يسلبه الطهورية وسواء كان المجاور منفصلا عن الماء أو ملاصقا له فالأول كما لو كان الى جانب الماء ميتة أو عذرة أو غيرهما فنقلت الريح رائحة ذلك الى الماء فتغير ولا خلاف فى هذا
(3)
.
واذا تغير الماء برائحة القطران التى فى وعاء المسافر فان ذلك لا يسلبه الطهورية وظاهر كلامه سواء حصل التغيير بالرائحة الباقية مع أنه لم يبق من جرم القطران فى الوعاء شئ او تغبر الماء برائحة قطران باق فى الوعاء فأما ان كان التغير انما هو من الرائحة الباقية فى الوعاء ولم يبق من جرم القطران فى الوعاء شئ فلا شك أنه من التغير بالمجاور فلا يسلب الماء الطهورية ولا اشكال فى ذلك.
وأما ان حصل التغير براحة القطران مع وجود جرمه فى الوعاء فالذى يظهر من كلام صاحب الطراز الآتى أنه اختار أن ذلك لا يضر وكأنه يجعله من التغير بالمجاور الملاصق وهذا هو الجارى على ما ذكر المصنف.
واذا لم يضر تغير الماء برائحة القطران الموجودة فى الوعاء فأحرى اذا لم يكن موجود أو يفهم منه أنه اذا حصل التغير فى لونه أو طعمه سلبه الطهور به وهذا هو الذى يظهر من كلام صاحب الطراز فكأنه قال ان رائحة
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 54 نفس الطبعة
(2)
مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى.
خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 1 ص 53 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى محمد بن محمد الشهير بالمواق الطبعة الأولى سنة 1328 هـ ج 1 ص 53
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 54 الطبعة السابقة
القطران اذا بقيت فى الوعاء فلا بأس به ولا يستغنى عنه عند العرب وأصل البوادى.
وأما اذا القى فى الماء وظهر عليه فان راعينا مطلق الاسم قلنا يجوز الوضوء به وهو ماء مطلق حتى يتغير لونه وتثبت له صفة الاضافة وان راعينا مجرد التغير منعناه والأول عندى أرجح
(1)
.
ونقل فى التوضيح عن ابن رشد رحمه الله تعالى النص أنه قال رأيت لبعض المتأخرين أنه رأى فى القرب التى يسافر بها الى الحج وفيها القطران فيتغير الماء أن الوضوء به جائز للضرورة.
وظاهره سواء كان التغير فى الرائحة أو فى الطعم أو فى اللون واذا تغير الماء بما يتولد منه كالطحلب
(2)
. والخز
(3)
قال الشيخ زروق رحمه الله تعالى والزغلان
(4)
. فان ذلك التغير لا يسلبه الطهورية لأن ذلك مما يتعذر الاحتراز منه وهذا هو المعروف فى المذهب
(5)
. واذا تغير الماء بقراره أى الأرض التى هو بها أو يمر عليها فان ذلك لا يسلبه الطهورية كما قال فى الرسالة الا ما غير لونه الأرض التى هو بها من سبخة أو حمأة أو نحوها
(6)
ومثل ذلك الكبريت والزرنيخ والنحاس والحديد والمغرة
(7)
والكحل والزاج والنورة.
قال اللخمى رحمه الله تعالى وسواء تغير بذلك الماء وهو فى قراره أو صنع منه أناء فتغير الماء منه.
ولم يكره أحد الوضوء من أناء الحديد على سرعة تغير الماء فيه.
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ من أناء صفر ومعلوم أنه يغير طعم الماء
(8)
.
وحكى اللخمى فيما اذا كانت أجزاء المخالط الطاهر المغير للماء أقل من أجزاء الماء قولين قال والمعروف من المذهب أنه غير طهور. وروى عن مالك رحمه الله تعالى أنه مطهر وان تركه مع وجود غيره استحسان وأخذ ذلك من الرواية التى فى مسئلة الغدير يتغير بروث الماشية ومثله البئر اذا تغير بورق الشجر.
ورد عليه صاحب الطراز وقال ان ذلك فاسد وانما تردد فيه مالك لاشتباه الأمر فيه هل يمكن الاحتراز وذكر ابن ناجى رحمه الله تعالى.
وأما الحوض ونحوه فقال فى المدونة ولا يغتسل الجنب فى الماء الدائم فان فعل أفسده اذا كان مثل حياض الدواب الا أن يكون غسل موضع الأذى قبل دخولها فلا بأس به قال ابن ناجى أشار ابن الحاجب الى أن قوله أفسدها يحتمل الكراهة والتنجيس والصواب حملها على التنجيس مثل ما نص عليه ابن رشد رحمه الله تعالى أن آنية الغسل لا تنجسها القطرة ونحوها من النجاسة بل ما له بال كالذى على جسد الجنب.
وهذا الذى اختاره ابن ناجى رحمه الله تعالى انما يأتى على مقابل المشهور أن اليسير اذا حتله نجاسة أفسدته وان لم تغيره وهو قول ابن
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 55 نفس الطبعة
(2)
الطحلب هو الخضرة التى تعلو الماء
(3)
الخز بالخاء المعجمة والزاى هو ما ينبت فى جوانب الجدر الملاصقة للماء
(4)
الزغلان بالزاى والغين المعجمة هو حيوان صغير يتولد فى الماء
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 56 نفس الطبعة
(6)
السبخة هى الأرض المالحة فان وصفت بها الأرض كسرت الموحدة، والحمأة بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبعدها ألف مهموزة هى طين أسود منتن
(7)
المغرة بضم الميم وسكون الغين المعجمة وقد تفتح ويقال لها المشق بفتح الميم وسكون الشين المعجمة هى شراب أحمر
(8)
مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل ج 1 ص 57 الطبعة السابقة
القاسم رحمه الله تعالى ورواية المصريين عن ذلك
(1)
.
وأما الحيوان الذى لا يتوقى النجاسة اذا عصر الاحتراز منه كالهر والفأرة فأنه لا يكره استعمال سؤره من الماء لمشقة الاحتراز منه ولما ورد فى الهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الهرة ليست بنجس انما هى من الطوافين عليكم والطوافات هكذا رواه مالك فى الموطأ
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب: أنه اذا اختلط بالماء شئ طاهر ولم يتغير به لقلته لم يمنع الطهارة به لأن الماء باق على اطلاقه وان لم يتغير به لموافقته الماء فى الطعم واللون والرائحة كماء ورد انقطعت رائحته ففيه وجهان:
أحداهما ان كانت الغلبة للماء جازت الطهارة به لبقاء اسم الماء المطلق وان كانت الغلبة للمخالط لم يجز لزوال اطلاق اسم الماء.
والثانى ان كان ذلك قدرا لو كان مخالفا للماء فى صفاته لم يغيره لم يمنع وان كان قدرا لو كان مخالفا له غيره منع لأن الماء لما لم يغير بنفسه غير بما يغيره وان تغير أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة نظرت فان كان مما لا يمكن حفظ الماء منه كالطحلب وما يجرى عليه الماء من الملح والنورة وغيرهما جاز الوضوء به لأنه لا يمكن صون الماء عنه فعفى عنه كما عفى عن النجاسة اليسيرة والعمل القليل فى الصلاة وان كان مما يمكن حفظ الماء منه نظرت فان كان ملحا انعقد فى الماء لم يمنع الطهارة به لأنه كان ماء فى الأصل فهو كالثلج اذا ذاب فيه وان كان ترابا خرج فيه لم يؤثر لأنه يوافق الماء فى التطهير فهو كما لو طرح فيه ماء آخر فتغير به وان كان شيئا سوى ذلك كالزعفران والتمر والدقيق والملح الجبلى والطحلب اذا اخذ ودق وطرح فيه وغير ذلك مما يستغنى الماء عنه لم يجز الوضوء به لأنه زال عنه اطلاق اسم الماء بمخالطة ما ليس بمطهر والماء مستغن عنه فلم يجز الوضوء به كماء اللحم وماء البقلا وان وقع فيه ما لا يختلط به فتغيرت به رائحته كالدهن الطيب والعود ففيه قولان.
قال فى البويطى لا يجوز الوضوء به كما لا يجوز بما تغير بالزعفران وروى المزنى رحمه الله تعالى أنه يجوز الوضوء به لأن تغيره عن مجاوره فهو كما لو تغير بجيفة بقرب وان وقع فيه قليل كافور فتغير به ريحه ففيه وجهان احدهما لا يجوز الوضوء به كما لو تغير بالزعفران والثانى يجوز لأنه لا يختلط به وانما يتغير من جهة المجاورة
(3)
.
اما اذا أوقعت فى الماء نجاسة فلا يخلو من ان يكون الماء راكدا أو جاريا أو بعضه جاريا فان كان راكدا نظرت فى النجاسة فان كانت نجاسة يدركها الطرف من خمر أو بول أو ميتة لا نفس سائلة نظرت فان تغير أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شئ الا ما غير طعمه أو ريحه فنص على الطعم والريح وقسنا اللون عليهما لأنه فى معناهما وان تغير بعضه دون بعض نجس الجميع لأنه ماء واحد فلا يجوز أن ينجس بعضه دون بعض فان لم يتغير نظرت فان كان الماء دون القلتين فهو نجس وان كان قلتين فصاعدا فهو طاهر لقوله صلى الله عليه وسلم اذا كان الماء قلتين فانه لا يحمل الخبث ولأن القليل يمكن حفظه من النجاسة فى الظروف والكثير لا يمكن حفظه من النجاسة فجعل القلتان حدا فاصلا بينهما والقلتان خمسمائة رطل بالببغدادى لأنه روى فى الخبر بقلال هجر قال: ابن جريج رأيت قلال هجر
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 75 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 77 الطبعة السابقة
(3)
المهذب للامام أبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 5 فى كتاب اسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لابن بطال طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر
فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا فجعل الشافعى رحمه الله تعالى الشئ نصفا احتياطا وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل فصار الجميع خمسمائة رطل وهل ذلك تحديد أو تقريب منه وجهان.
احدهما أنه تقريب فان نقص منه رطل أو رطلان لم يؤثر لأن الشئ يستعمل فيما دون النصف فى العادة والثانى أنه تحديد فلو نقص منه ما نقص نجس لأنه لما وجب أن يجعل الشئ نصفا نجس لأنه لما وجب أن يجعل الشئ نصفا احتياطا وجب استيفاؤه فان كانت النجاسة مما لا يدركها الطرف ففيه ثلاث طرق من أصحابنا من قال لا حكم لها لأنها لا يمكن الاحتراز منها فهى كغبار السرجين.
ومنهم من قال حكمها حكم سائر النجاسات لأنها نجاسة متيقنة فهى كالنجاسة التى يدركها الطرف ومنهم من قال فيه قولان احدهما لا حكم لها والثانى لها حكم ووجههما ما ذكرناه وان كانت النجاسة ميتة لا نفس لها سائلة كالذباب والزنبور وما أشبههما ففيه قولان.
احدهما أنها كغيرها من الميتات لأنه حيوان لا يؤكل بعد موته لا لحرمته فهو كالحيوان الذى له نفس سائلة والثانى أنه لا يفسد الماء لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم قال اذا وقع الذباب فى اناء أحدكم فاملقوه فان فى أحد جناحيه داء وفى الآخر دواء وقد يكون الطعام حارا فيموت بالمقل فيه فلو كان يفسده لما أمر بمقله ليكون شفاء لنا اذا أكلناه فان كثر من ذلك ما غير الماء ففيه وجهان.
احدهما أنه ينجس لأنه ماء تغير بالنجاسة والثانى لا ينجس لأن ما لا ينجس الماء اذا وقع فيه وهو دون القلتين لم ينجسه وان تغير به كالسمك والجراد
(1)
.
وان
(2)
كان الماء جاريا وفيه نجاسة جارية كالميتة والجرية المتغيرة فالماء الذى قبلها طاهر لأنه لم يصل الى النجاسة فهو كالماء الذى يصب على النجاسة من ابريق والذى بعدها طاهر أيضا لأنه لم تصل اليه النجاسة وأما ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها فان كان قلتين ولم يتغير فهو طاهر وان كان دونهما فهو نجس.
قال أبو العباس بن القاضى رحمه الله تعالى فيه قول آخر قاله فى القديم أنه لا ينجس الماء الجارى الا بالتغبر لأنه ماء ورد على النجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء المزال به النجاسة وان كانت النجاسة واقفة والماء يجرى عليها فان ما قبلها وما بعدها طاهر وما يجرى عليها ان كان قلتين فهو طاهر وان كان دونهما فهو نجس وكذلك كل ما يجرى عليها بعدها فهو نجس ولا يطهر شئ من ذلك حتى يركد فى موضع ويبلغ قلتين وقال أبو اسحق وأبو العباس القاضى والقاضى أبو حامد ما لم تصل الى الجيفة فهو طاهر والماء الذى بعد الجيفة يجوز أن يتوضأ منه اذا كان بينه وبين الجيفة قلتان والأول أصح لأن لكل جرية حكم نفسها فلا يعتبر فيه القلتان.
وان كان بعض الماء جاريا وبعضه راكدا بأن يكون فى النهر موضع منخفض يركد فيه الماء والماء يجرى بجنبه والراكد زائل عن سمت الجرى فوقع فى الراكد نجاسة وهو دون القلتين فان كان مع الجرية التى يحاذيها يبلغ قلتين فهو طاهر وان لم يبلغ قلتين فهو نجس وتنجس كل جرية التى بجنبها الى أن يجتمع فى موضع قلتان فيطهر هذا وذكر صاحب كتاب المهذب ان
(1)
المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم على بن يوسف الفيروزابادى فى كتاب على هامش النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب ج 1 ص 5، ص 6 طبع بمطابع عيسى اللبابى الحلبى وشركاه بمصر دار احياء المكتبة العربية.
(2)
المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم على بن يوسف الفيروزابادى ج 1 ص 7، ص 8 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر دار احياء المكتبة العربية
ما يفسد الماء من الاستعمال وما لا يفسده ضربان. مستعمل فى طهارة الحدث ومستعمل فى طهارة النجس فأما المستعمل فى طهارة الحدث فينظر فيه فان استعمل فى رفع حدث فهو طاهر لأنه ماء طاهر لاقى محلا طاهرا فكان طاهرا كما لو غسل به ثوب طاهر وهل تجوز به الطاهر أم لا فيه طريقان من أصحابنا من قال فيه قولان المنصوص أنه لا يجوز لأنه زال عنه اطلاق اسم الماء فصار كما لو تغير بالزعفران.
وروى عنه أنه قال يجوز الوضوء به لأنه استعمال لم يغير صفة الماء فلم يمنع الوضوء به كما لو غسل به ثوب طاهر ومن أصحابنا من لم يثبت هذه الرواية فان قلنا لا يجوز الوضوء به فهل تجوز ازالة النجاسة به أم لا فيه وجهان قال أبو القاسم الانماطى وأبو على بن خيران رحمة الله عليهما يجوز لأن للماء حكمين رفع الحدث وازالة النجس فاذا رفع الحدث بقى عليه ازالة النجس والمذهب أنه لا يجوز لأنه ماء لا يرفع الحدث فلم يزل النجس كالماء النجس فان جمع الماء المستعمل حتى صار قلتين ففيه وجهان أحدهما أنه يزول حكم الاستعمال كما يزول حكم النجاسة ولأنه لو توضأ فيه واغتسل وهو قلتان لم يثبت له حكم الاستعمال فاذا بلغ قلتين وجب أن يزول عنه حكم الاستعمال ومن أصحابنا من قال لا يزول لأن المنع منه لكونه مستعملا وهذا لا يزول لأن المنع منه لكونه مستعملا وهذا لا يزول بالكثرة وان استعمل فى نفل الطهارة كتجديد الوضوء والدفعة الثانية والثالثة ففيه وجهان أحدهما أنه لا تجوز الطهارة لأنه مستعمل فى طهارة فهو كالمستعمل فى رفع الحدث والثانى أنه يجوز لأنه ماء لم يرفع به حدث ولا نجس فهو كما لو غسل به ثوب طاهر.
وأما المستعمل فى النجس فينظر فيه فان انفصل من المحل متغيرا فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شئ الا ما غير طعمه أو ريحه وان كان غير متغير ففيه ثلاثة اوجه احدها أنه طاهر وهو قول أبى العباس وأبى اسحاق رحمهما الله تعالى لأنه ماء لا يمكن حفظه من النجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء الكثير اذا وقعت فيه نجاسة والثانى أنه ينجس وهو قول أبى القاسم الانماطى رحمه الله تعالى لأنه ماء قليل لاقى نجاسة فأشبه ما اذا وقعت فيه نجاسة والثالث أنه ان انفصل والمحل طاهر فهو طاهر وان انفصل والمحل نجس فهو نجس وهو قول أبى العباس ابن القاصى رحمه الله تعالى لأن المنفصل من جملة الباقى فى المحل فكان حمه فى النجاسة والطهارة حكمه فاذا قلنا أنه طاهر فهل يجوز الوضوء به فيه وجهان قال أبو على بن خيران رحمه الله تعالى يجوز وقال سائر أصحابنا لا يجوز وقد مضى توجيههما
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى ان الماء اذا طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلا المغلى فانه لا يجوز الوضوء بها ولا الغسل. لا نعلم فيه خلافا الا ما حكى عن ابن أبى ليلى والأصم رحمهما الله تعالى فى المياه المعتصرة انها طهور يرتفع بها الحدث.
ويزال بها النجس واذا خالط الماء طاهر يمكن التحرز منه فتغير احدى صفاته طعمه أو لونه أو ريحه كماء الباقلا وماء الحمص وماء الزعفران فقد اختلف أهل العلم فى الوضوء به واختلفت الرواية عن امامنا رحمه الله تعالى فى ذلك.
فروى عنه أنه لا تحصل الطهارة به.
وقال القاضى أبو يعلى وهى أصح وهى المنصورة عند أصحابنا رحمهم الله تعالى فى الخلاف ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه منهم أبو الحارث والميمونى واسحاق بن منصور انه يجوز الوضوء به لأن الله تعالى قال «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا» وهذا عام فى كل ماء لأنه نكرة فى سياق النفى.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 7، ص 8 نفس الطبعة ومغنى المحتاج الى معرفة متن ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 25 فى كتاب على هامشه متن المنهاج ونهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 1 ص 63، ص 66، ص 69، ص 70 الطبعة السابقة
والنكرة فى سياق النفى تعم. فلا يجوز التيمم مع وجوده.
وأيضا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى ذر رضى الله تعالى عنه (التراب كافيك ما لم تجد الماء) وهذا واجد للماء
(1)
.
واذا خالط الماء ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب وسائر ما ينبت فى الماء وكذلك ورق الشجر الذى يسقط فى الماء أو تحمل الريح فتلقيه فيه وما تجذبه السيول من العيدان والتبن ونحوه فتلقيه فى الماء. وما هو فى قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما اذا جرى عليه الماء فتغير به. أو كان فى الأرض التى يقف الماء فيها وهذا كله يعنى عنه لأنه يشق التحرز منه.
فان أخذ شئ من ذلك فألقى فى الماء وغيره كان حكمه حكم ما يمكن التحرز منه من الزعفران ونحوه لأن الاحتراز منه ممكن.
واذا خالط الماء ما يوافق فى صفتيه الطهارة والطهورية كالتراب اذا غير الماء لا يمنع الطهورية لأنه طاهر ومطهر كالماء أما ان ثخن بحيث لا يجرى على الأعضاء لم تجز الطهارة به لأنه طين وليس بماء. ولا فرق فى التراب بين وقوعه فى الماء عن قصد أو عن غير قصد وكذلك الملح الذى أصله كالبحرى والملح الذى ينعقد من الماء الذى يرسل على السبخة فيصير ملحا. فلا يسلب الطهورية لأن أصله الماء.
فهو كالجليد والثلج وان كان معدنيا ليس أصله الماء فهو كالزعفران وغيره. وما يتغير به الماء بمجاورته من غير مخالطة كالدهن على اختلاف أنواعه والطاهرات الصلبة. كالعود والكافور والعنبر اذا لم يهلك فى الماء ولم يمنع فيه لا يخرج به عن اطلاقه لأنه تغيير مجاورة. اشبه ما لو تروح الماء بريح شئ على جانبه ولا نعلم فى هذه الأنواع خلافا وفى معنى المتغير بالدهن ما تغير بالقطران والزفت والشمع لأن فى ذلك دهنية يتغير بها الماء تغير مجاورة فلا يمنع كالدهن
(2)
. واذا وقع فى الماء مائع لا يغيره لموافقة صفته صفته. وهذا يبعد اذ الظاهر أنه لا بد أن ينفرد عنه بصفة فيعتبر التغير بظهور تلك الصفة فان اتفق ذلك اعتبرناه بغيره مما له صفة تظهر على الماء. كالحر اذا جنى عليه دون الموضحة قومناه كأنه عبد. وان شك فى كونه يمنع بنى على يقين الطهورية لأنها الأصل فلا يزول عنها بالشك وان كان الواقع فى الماء ماء مستعملا عفى عن يسيره قال اسحاق بن منصور قلت لأحمد الرجل يتوضأ فينتضح من وضوئه فى انائه؟ قال لا بأس به قال ابراهيم النخعى لا بد من ذلك روى نحوه عن الحسن وهذا ظاهر حال النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنهم كانوا يتوضأون من الأقداح والأتوار ويغتسلون من الجفان. وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وميمونة رحمها الله تعالى من جفنة فيها أثر العجين. واغتسل هو وعائشة رضى الله تعالى عنها من اناء واحد تختلف أيديهما فيه كل واحد يقول لصاحبه أبق لى ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع فى الماء. وان كثر الواقع وتفاحش منع على احدى الروايتين
(3)
. وان كان الماء قلتين وهو خمس قرب فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد لها طعم ولا لون ولا رائحة فهو طاهر. فقد دلت هذه المسألة بصريحها على أن ما بلغ القلتين فلم يتغير بما وقع فيه لا ينجس. وبمفهومها على أن ما تغير بالنجاسة نجس وان كثر وأن ما دون
(1)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن قدامة ج 1 ص 10 وما بعدها
(2)
المغنى لابن قدامة ج 1 ص 10 وما بعدها الطبعة
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 22، ص 23، ص 24، ص 25 الطبعة السابقة
القلتين ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وان لم يتغير فأما نجاسة ما تغير بالنجاسة فلا خلاف فيه. قال ابن المنذر رحمه الله تعالى أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير اذا وقعت فيه نجاسة فغيرت الماء طعما أو لونا أو رائحة أنه نجس مادام كذلك. وقد روى أبو أمامة الباهلى رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (الماء طهور لا ينجسه شئ الا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه. رواه ابن ماجة. وقال حرب بن اسماعيل. سئل أحمد رحمه الله تعالى عن الماء اذا تغير طعمه وريحه قال: لا يتوضأ به ولا يشرب وليس فيه حديث ولكن الله تعالى حرم الميتة. فاذا صارت الميتة فى الماء فتغير طعمه أو ريحه فذلك طعم الميتة وريحها فلا يحل له وذلك أمر ظاهر وقال الخلال رحمه الله تعالى: انما قال أحمد ليس فيه حديث لأن هذا الحديث يرويه سليمان بن عمر ورشدين بن سعد وكلاهما ضعيف وابن ماجه رواه من طريق رشدين. واما ما دون القلتين اذا لاقته النجاسة فلم يتغير بها فالمشهور المذهب أنه ينجس. هذا وقد روى أبو سعيد رضى الله تعالى عنه قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهى بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن. فقال ان الماء طهور لا ينجسه شئ. رواه أبو داود والنسائى والترمذى وقال حديث حسن قال الخلال قال أحمد. حديث بئر بضاعة صحيح. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التى بين مكة والمدينة. تردها السباع والكلاب والحمر. وعن الطهارة بها فقال: لها ما حملت فى بطونها ولنا ما بقى شراب وطهور ولم يفرق بين القليل والكثير ولأنه لم يظهر عليه احدى صفات النجاسة فلم ينجس بها كالزائد عن القلتين
(1)
. هذا واذا كان الماء كثيرا فوقع فى جانب منه نجاسة فتغير بها نظرت فيما لم يتغير فان نقص عن القلتين فالجميع نجس لأن المتغير تنجس للتغير والباقى تنجس لملاقاته وان زاد عن القلتين فهو طاهر. وذلك لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال اذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شئ ولقوله صلى الله عليه وسلم: الماء طهور لا ينجسه شئ وغير المتغير قد بلغ القلتين ولم يتغير. فيدخل فى عموم الأحاديث. ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو لم يتغير منه شئ ولأن العلة فى نجاسة الماء الكثير التغير فقط. فيختص التنجيس بمحل العلة كما لو تغير بعضه بطاهر.
واذا كان فى جانب النهر ماء واقف مائل عن سنن الماء متصل بالجارى أو كان فى أرض النهر هذه فيها ماء واقف وكان ذلك مع الجرية المقابلة له دون القلتين نجسا جميعا بوجود النجاسة فى احدهما لأنه ماء متصل دون القلتين فينجس بها جميعه. كالراكد وان كان احدهما قلتين لم ينجس واحد منهما مادام متلاقين الا بالتغير لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها.
وعما لاقته. ثم لا يخلو من كون النجاسة فى النهر أو فى الواقف. فان كانت فى النهر وهو قلتان فهو طاهر على كل حال. كذلك الواقف وان كان دون القلتين فهو نجس قبل ملاقاته للواقف فاذا حاذاه طهر باتصاله به.
فاذا فارقه عاد الى التنجس لقلته مع وجود النجاسة فيه. وان كانت النجاسة فى الواقف لم ينجس بحال. ولأنه لا يزال هو وما لاقاه قلتين.
فان كان الواقف دون القلتين والجرية كذلك الا أنهما بمجموعهما يزيدان عن القلتين وكانت النجاسة فى الواقف لم ينجس واحد منهما لأنها مع ما تلاقيه أكثر من قلتين
(2)
.
واذا كانت بئر الماء ملاصقة لبئر فيها بول أو غيره من النجاسات. وشك فى وصولها الى الماء فهو على أصله فى الطهارة قال أحمد رحمه
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 33، ص 34 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 41 نفس الطبعة المرجع السابق ج 1 ص 33، 34 الطبعة السابقة
الله تعالى يكون بين البئر والبالوعة ما لم يغيّر طعما ولا ريحا.
وقال الحسن رحمه الله تعالى: ما لم يتغير لونه أو ريحه فلا بأس أن يتوضأ منها وذلك لأن الأصل فيه الطهارة فلا تزول بالشك وان أحب علم حقيقة ذلك فليطرح فى البئر النجسة نفطا.
فان وجد رائحته فى الماء علم وصوله اليه والا فلا. وان تغير الماء تغيرا يصلح أن يكون من النجاسة ولم يعلم له سببا آخر فهو نجس لأن الملاصقة سبب فيحال الحكم عليه وما عداه مشكوك فيه
(1)
.
واذا مات فى الماء حيوان لا يعلم أهل ينجس بالموت أم لا؟ فالماء طاهر لأن الأصل طهارته والنجاسة مشكوك فيها فلا تزول عن اليقين بالشك وكذلك الحكم ان شرب منه حيوان يشك فى نجاسة سؤره وطهارته لما ذكرنا. والحيوان قسمان نجس وطاهر فالنجس نوعان:
أحدهما ما هو نجس رواية واحدة وهو الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فهذا نجس عينه وسؤره وجميع ما خرج منه روى ذلك عن عروة وهو مذهب الشافعى وأبى عبيد رضى الله تعالى عنهم وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فى السؤر خاصة.
واستدل الحنابلة فى ذلك بما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اذا ولغ الكلب فى اناء أحدكم فليغسله سبعا) متفق عليه.
ولمسلم (فليرقه ثم ليغسله سبع مرات) ولو كان سؤره طاهرا لم تجز اراقته ولا وجب غسله فان قيل انما وجب غسله تعبدا كما تغسل أعضاء الوضوء وتغسل اليد من نوم الليل. قلنا الأصل وجوب الغسل من النجاسة بدليل سائر الغسل ثم لو كان تعبدا لما أمر باراقة الماء ولما اختص الغسل بموضع الولوغ لعموم اللفظ فى الاناء كله.
وأما غسل اليد من النوم فانما أمر به للاحتياط لاحتمال أن تكون يده قد أصابتها نجاسة فيتنجس الماء ثم تنجس أعضاؤه به. وغسل أعضاء الوضوء شرع للوضاءة والنظافة ليكون العبد فى حال قيامه بين يدى الله تعالى على أحسن حال وأكملها ثم ان سلمنا ذلك فانما عهدنا التعبد فى غسل اليدين أما الآنية والثياب فانما يجب غسلها من النجاسات.
وقد روى فى لفظ (طهور أناء أحدكم اذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا) أخرجه أبو داود ولا يكون الطهور الا فى محل الطهارة.
وقولهم ان الله تعالى أمر بأكل ما أمسكه الكلب قبل غسله قلنا الله تعالى أمر بأكله والنبى صلى الله عليه وسلم أمر بغسله فيعمل بأمرهما وان سلمنا أنه لا يجب غسله فلأنه يشق فعفى عنه وحديثهم قضية فى عين يحتمل أن الماء المسئول عنه كان كثيرا ولذلك قال فى موضع آخر حين سئل عن الماء وما ينوبه من السباع (اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) ولأن الماء لا ينجس الا بالتغير على رواية لنا وشربها من الماء لا يغيره فلم ينجسه ذلك
(2)
.
والنوع الثانى: ما اختلف فيه وهو سائر سباع البهائم الا السنور ومادونها فى الخلقة وكذلك جوارح الطير والحمار الأهلى والبغل فعن أحمد رحمه الله تعالى أن سؤرهما نجس اذا لم يجد غيره تيمم وتركه روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما انه كره سؤر الحمار وهو قول الحسن وابن سيرين والشعبى والأوزاعى وحماد واسحاق. وعن أحمد انه قال فى البغل
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 41 نفس الطبعة
(2)
المغنى للامام أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه ج 1 ص 41، ص 42 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للامام أحمد بن قدامه المقدسى الطبعة الأولى.
والحمار اذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه.
وهذه الرواية تدل على طهارة سؤرهما لأنه لو كان نجسا لم تجز الطهارة به.
وروى عن اسماعيل بن سعيد لا بأس بسؤر السباع لأن عمر قال فى السباع: ترد علينا ونرد عليها.
ورخص فى سؤر جميع ذلك الحسن وعطاء والزهرى ويحيى الأنصارى وبكير بن الأشج وربيعة وأبو الزناد ومالك والشافعى وابن المنذر لحديث أبى سعيد فى الحياض وقد روى عن جابر أيضا. وفى حديث آخر عن جابر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أنتوضأ بما أفضلته الحمر؟ قال نعم وبما أفضلت السباع كلها) رواه الشافعى فى مسنده وهذا نص ولأنه حيوان يجوز الانتفاع به من غير ضرورة فكان طاهرا كالشاة. ووجه الرواية الأولى أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال:
(اذا بلغ الماء قلتين لم ينجس) ولو كانت طاهرة لم يحده بالقلتين وقال النبى صلى الله عليه وسلم فى الحمر يوم خيبر (انها رجس) ولأنه حيوان حرم أكله لا لحرمته يمكنه التحرز عنه غالبا أشبه الكلب ولأن السباع والجوارح الغالب عليها أكل الميتات والنجاسات فتنجس أفواهها ولا يتحقق وجود مطهرها فينبغى أن يقضى بنجاستها كالكلاب.
وحديث أبى سعيد قد أجبنا عنه ويتعين حمله على الماء الكثير عند من يرى نجاسة سؤر الكلب والحديث الآخر يرويه ابن أبى حبيبة وهو منكر الحديث قاله البخارى وابراهيم بن يحيى وهو كذاب والصحيح عندى طهارة البغل والحمار لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يركبها ونركب فى زمنه وفى عصر الصحابة فلو كان نجسا لبين النبى صلى الله عليه وسلم ذلك ولأنهما لا يمكن التحرز منهما لمقتنيهما فأشبه السنور وقول النبى صلى الله عليه وسلم (انها رجس) أراد أنها محرمة كقول الله سبحانه وتعالى فى الخمر والميسر والأنصاب والأزلام انها رجس ويحتمل أنه أراد لحمها الذى كان فى قدورهم فأنه رجس فان ذبح ما لا يحل أكله لا يطهر
(1)
.
والقسم الثانى طاهر فى نفسه وسؤره وعرقه وهو ثلاثة أضرب.
الأول: الآدمى فهو طاهر وسؤره طاهر سواء كان مسلما أو كافرا عند عامة أهل العلم الا أنه حكى عن النخعى رحمه الله تعالى أنه كره سؤر الحائض وعن جابر بن زيد رضى الله تعالى عنه لا يتوضأ منه.
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المؤمن ليس بنجس).
وفى رواية أخرى (ان المؤمن لا ينجس) وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها كانت تشرب من الاناء وهى حائض فيأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيها فيشرب وتتعرق العرق فيأخذه فيضع فاه على موضع فيها رواه مسلم.
وكانت تغسل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى حائض. متفق عليه وقال لعائشة (ناولينى
(2)
الخمرة من المسجد) قالت انى حائض قال صلى الله عليه وسلم (ان حيضتك ليست فى يدك) رواه الجماعة الا البخارى
(3)
.
الضرب الثانى: ما اكل لحمه فقال أبو بكر ابن المنذر رحمه الله تعالى أجمع أهل العلم على أن سؤر ما أكل لحمه يجوز شربه والوضوء به
(1)
المغنى أعلى الشرح الكبير لابن قدامه ج 1 ص 42، ص 43 الطبعة السابقة
(2)
الخمرة بضم الخاء هى سجاد الصلاة تصنع من سعف النخل وتكون على قدر المصلى فان زادت سميت حصيرة وقبل سجادة الصلاة مطلقا راجع المغنى والشرح الكبير الجزء الأول ص 43 الطبعة السابقة
(3)
المغنى والشرح الكبير ج 1 ص 43 الطبعة السابقة
فان كان جلالا يأكل النجاسات فذكر القاصى روايتين احداهما أنه نجس والثانية طاهر فيكون هذا من النوع الثانى من القسم الأول المختلف فيه.
الضرب الثالث: السنور وما دونها فى الخلقة كالفأرة وابن عرس فهذا ونحوه من حشرات الأرض سؤره طاهر يجوز شربه والوضوء به ولا يكره وهذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين من أهل المدينة والشام وأهل الكوفة وأصحاب الرأى الا أبا حنيفة فانه كره الوضوء بسؤر الهر فان فعل أجزأه وقد روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنه أنه كرهه وكذلك يحيى الأنصارى وابن أبى ليلى رضى الله تعالى عنهما وقال أبو هريرة يغسل مرة أو مرتين وبه قال ابن المنذر وقال الحسن وابن سيرين يغسل مرة وقال طاووس رحمه الله تعالى يغسل سبعا كالكلب وقد روى أبو داود باسناده عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال: (اذا ولغت فيه الهرة غسل مرة) يدل لنا ما روى عن كبشة بنت كعب ابن مالك وكانت تحت أبى قتادة أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا قالت فجاءت هرة فأصفى لها الاناء حتى شربب قالت كبشة فرانى أنظر اليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخى فقلت نعم. فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انها ليست بنجس انها من الطوافين عليكم والطوافات) أخرجه أبو داود والنسائى والترمذى.
وقال هذا حديث حسن صحيح وهذا أحسن شئ فى الباب وقد دل بلفظه على نفى الكراهة عن سؤر الهر وبتعليله على نفى الكراهة عما دونها مما يطوف علينا. وروى ابن ماجه عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انها ليست بنجس انها من الطوافين عليكم).
وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها) رواه أبو داود واذا أكلت الهرة نجاسة ثم شربت من ماء يسير بعد أن غابت فالماء طاهر لأن النبى صلى الله عليه وسلم نفى عنها النجاسة وتوضأ بفضلها مع علمه بأكلها النجاسات وان شربت قبل أن تغيب فقال القاضى وابن عقيل رحمهما الله تعالى بنجس لأنه وردت عليه نجاسة متيقنة أشبه ما لو أصابه بول.
وقال أبو الحسن الآمدى رحمه الله تعالى:
ظاهر مذهب أصحابنا أنه طاهر وان لم تغب لأن النبى صلى الله عليه وسلم عفى عنها مطلقا وعلل بعدم امكان الاحتراز عنها ولأننا حكمنا بطهارة سؤرها مع الغيبة فى مكان لا يحتمل ورودها على ماء كثير يطهر فاها ولو احتمل ذلك فيوشك لا يزيل يقين النجاسة فوجب احالة الطهارة على العفو عنها وهو شامل لما قبل الغيبة
(1)
.
وان وقعت الفأرة أو الهر ونحوهما فى مائع أو ماء يسير ثم خرجت حية فهو طاهر نص عليه أحمد رحمه الله تعالى فانه سئل عن الفأرة تقع فى السمن الذائب فلم تمت قال لا بأس بأكله.
وفى رواية قال اذا كان حيا فلا شئ أنما الكلام فى الميت وقبل أن يحتمل أن ينجس اذا أصاب الماء مخرجها لأن مخرج النجاسة نجس فينجس به الماء يدل لنا ان الأصل الطهارة واصابة الماء لموضع النجاسة مشكوك فيه فان المخرج منضم اذا وقع الحيوان فى الماء فلا يزول اليقين بالشك وكل حيوان حكم جلده وشعره وعرقه ودمعه ولعابه.
حكم سؤره فى الطهارة والنجاسة لأن السؤر انما ثبت فيه حكم النجاسة فى المواضع الذى ينجس لملاقاته لعاب الحيوان وجسمه فلو كان
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 1 ص 44 الطبعة السابقة
طاهرا كان سؤره طاهرا واذا كان نجسا كان سؤره نجسا
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن كل شئ مائع من ماء أو زيت أو سمن أو لبن أو ماء ورد أو عسل أو مرق أو طيب أو غير ذلك أى شئ كان اذا وقعت فيه نجاسة أو شئ حرام يجب اجتنابه أو ميتة فان غير ذلك لون ما وقع فيه أو طعمه أو ريحه فقد فسد كله. وحرم أكله ولم يجز استعماله ولا بيعه فان لم يغير شيئا من لون ما وقع فيه ولا من طعمه ولا من ريحه فذلك المائع حلال أكله وشربه واستعماله.
والوضوء حلال بذلك الماء. والتطهر به فى الغسل أيضا كذلك.
الا أن البائل فى الماء الراكد الذى لا يجرى حرام عليه الوضوء بذلك الماء والاغتسال به لفرض أو لغيره وحكمه التيمم ان لم يجد غيره.
وذلك الماء طاهر حلال شربه له ولغيره ان لم يغير البول شيئا من أوصافه وحلال الوضوء به والغسل به لغيره.
فلو أحدث فى الماء أو بال خارجا منه ثم جرى البول فيه فهو طاهر. ويجوز الوضوء منه والغسل له ولغيره. الا أن يغير ذلك البول أو الحدث شيئا من أوصاف الماء فلا يجزئ حينئذ استعماله أصلا لا له ولا لغيره. وحاشى ما ولغ فيه الكلب فانه يهرق ولا بد
(2)
.
ولو بنجس الماء بما يلاقيه من النجاسات ما طهر شئ أبدا لأنه كان اذا صب على النجاسة لغسلها ينجس على قولهم ولا بد واذا تنجس وجب تطهيره وهكذا أبدا ولو كان كذلك لتنجس البحر والأنهار الجارية كلها. لأنه اذا تنجس الماء الذى خالطته النجاسة وجب أن يتنجس الماء الذى يماسه أيضا ثم يجب أن يتنجس مامسه أيضا كذلك أبدا. وهذا لا مخلص منه.
وأما اذا تغير لون الحلال الطاهر بما مازجه من نجس أو حرام. أو تغير طعمه بذلك أو تغير ريحه بذلك فاننا حينئذ لا نقدر على استعمال الحلال الا باستعمال الحرام. واستعمال الحرام فى الأكل والشرب وفى الصلاة حرام كما قلنا ولذلك وجب الامتناع منه لا لأن الحلال الطاهر حرم ولا تنجست عينه.
ولو قدرنا على تخليص الحلال الطاهر من الحرام والنجس لكان حلالا بحسبه وكذلك اذا كانت النجاسة أو الحرام على جرم طاهر فأزلناها. فان النجس لم يطهر والحرام لم يحل. لكنه زايل الحلال الطاهر. فقدرنا على أن نستعمله حينئذ حلالا طاهرا كما كان.
وكذلك اذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام فبطل عنه الاسم الذى به ورد ذلك الحكم فيه. وانتقل الى اسم آخر وارد على حلال طاهر فليس هو ذلك النجس ولا الحرام بل قد صار شيئا آخر ذا حكم آخر. وكذلك اذا استحالت صفات عين الحلال الطاهر فبطل عنه الاسم الذى به ورد ذلك الحكم فيه.
وانتقل الى اسم آخر وارد على حرام أو نجس. فليس هو ذلك الحلال الطاهر. بل قد صار شيئا آخر ذا حكم آخر. كالعصير يصير خمرا. وكالماء يصير بولا. والطعام يصير عذرة والعذرة والبول تدهن بهما الأرض فيعودان ثمرة حلالا. ومثل هذا كثير. وكنقطة ماء تقع فى خمر أو نقطة خمر تقع فى ماء. فلا يظهر لشئ من ذلك أثر.
وهكذا كل شئ والأحكام للأسماء والأسماء
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 45 الطبعة السابقة
(2)
المحلى لابن محمد على بن احمد بن سعيد ابن حزم ج 1 ص 135، ص 136 مسئلة رقم 136 طبع ادارة الطباعة المنيرية
تابعة للصفات التى هى حد ما هى فيه المفرق بين أنواعه
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أن الذى ينجس من المياه أربعة أنواع الأول مجاورا النجاسة والمجاوران هما الأول وهو الذى يتصل بالنجاسة.
والثانى وهو الذى يتصل بالأول.
وأما نجاسة الأول فمتفق عليها وأما الثانى ففيه الخلاف واختلف فى تحديد المجاور الأول.
فقال بعض العلماء جوهر وهذا ضعيف عندى لأن الجوهر لا يدرك فيلزم طهارة ما يلصق بالنجاسة لأنه اذا فصل عنها بقى منه جوهر وان لم ندركه والظاهر الاجماع على خلاف ذلك وقيل قدر جسم.
النوع الثانى وهو ما غيرته النجاسة بأن أزالت أحد أوصافه فان هذين النوعين من المياه ينجسان مطلقا سواء كان الماء قليلا ام كثيرا.
والنوع الثالث وهو ما وقعت فيه النجاسة فى حال كونه قليلا فانه ينجس بوقوعها فى جملته ولو لم يباشر كل أجزائه سواء تغير بها أو لم يتغير
(2)
.
والنوع الرابع وهو من المياه المتنجسة وهو المتغير بطاهر.
يعنى أو وقعت فيه النجاسة فى حال كونه متغيرا بطاهر كالمسك والكافور ونحوهما فانها تنجسه وان الماء وان كثر الماء المتغير بالطاهر فانه وان كثر حال وقوع النجاسة فيه فانه ينجس ولا تنفع الكثرة حينئذ. حتى يصلح أى يزول تغيره فمتى صلح طهر.
وما عدا هذه الأنواع الأربعة فطاهر.
لا ينجس سواها من المياه
(3)
. هذا واذا غير بعض أوصاف الماء - وهى اللون والطعم والريح - شئ متصل به من غير خلل بينهما فسد الماء بخلاف ما اذا نشأ ذلك عن مجاور وهو المتصل به مع خلل ذكر فعلى هذا لا يصح التطهر بماء الورد.
فأما لو جعل ماء الورد على أعضاء الوضوء ثم توضأ أجزأه الوضوء اذ لا يمازج الماء الا بعد الأجزاء.
وأما ماء الكرم وسائر أعواد الشجر فلا حق بما الورد عند أكثر الأئمة والفقهاء حكاه الانتصار واستثنى عليه السلام من الممازج الذى يفسد الماء وماء البحر والثلج وكذلك ملح البحر ذكره ما اذا كان الممازج مطهرا من نحو المنصور عبد الله بن حمزة وأبو مضر لأن أصله الماء فاذا تغير به الماء لم يخرجه عن كونه مطهرا. وكذا السمك فانه اذا تغير الماء بميتة السمك لم يخرج عن كونه طهورا قال يحيى وقد خرج أبو مضر أنه ينجس الماء اذا كان للسمك دم وكذا ما يتوالد فى الماء فان ما كان متوالدا فى الماء اذا مات فيه وغيره لم يضر ذلك التغير ولا يكفى كونه. متوالدا فى الماء بل لا بد من كونه أيضا مما لا دم له.
فأما اذا كان ذا دم سائل تنجس الماء بموته فيه.
وقال ابن أبى الفوارس ما لا يعيش الا فى الماء لا ينجس الماء بموته فيه ولو كان ذا دم اذا تغير الماء بأصله وهو منبعه نحو أن يكون تابعا من معدن ملح أو غيره فيتغير بمجاورته بعض
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 137، ص 138 نفس الطبعة السابقة
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابن مفتاح الطبعة الثانية ج 1 ص 53، ص 54
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 56 الطبعة السابقة
أوصافه فان هذا التغير لا يضر لتعذر الاحتراز.
واذا تغير الماء من مقره
(1)
أو ممره
(2)
.
فاذا تغير الماء بمجاوراتها أو بما هو ثابت فيها لم يخرجه عن كونه طهورا فأما لو قدرنا أنه فى أصل شجرة فسقط من أوراقها ما تغير به الماء فالذى صحح للمذهب أنه يمنع من التطهر به وقال على خليل وروى عن القاسم أنه يجوز التطهر به قال مولانا وهو الأرجح عندى لأن تعذر الاحتراز عنه فى رأس الشجرة لا ينقص عن تعذره فى أصلها واذا أخذ الطحلب
(3)
من موضع فألقى فى ماء آخر فتغير فقال على خليل أنه يجوز التطهر به لأن ما عفى عنه لتعذر الاحتراز عفى عنه وان لم يتعذر. وقال فى الزوائد والانتصار أنه لا يعفى عنه
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن الماء ينجس بالتغير بالنجاسة فى أحد أوصافه الثلاثة اللون والطعم والريح. دون غيرها من الأوصاف.
واحترز بتغيره بالنجاسة عما لو تغير بالتنجس خاصة فانه لا ينجس بذلك كما لو تغير طعمه بالدبس المتنجس من غير أن تؤثر نجاسته فيه.
والمعتبر من التغير الحسى لا التقديرى على الأقوى ويطهر الماء بزوال التغير ولو بنفسه أو بعلاج ان كان الماء جاريا. وهو التابع من الأرض مطلقا غير البئر على المشهور
(5)
.
وينجس الماء القليل بالملاقاة لغيره على المشهور كالماء الملاقى للخمر قليله وكثيره والمسكر المائع بالأصالة ودم الحدث وهو الدماء الثلاثة على المشهور.
والفقاع بضم الفاء والحق به المصنف فى الذكرى عصير العنب بعد اشتداده بالغليان قبل ذهاب ثلثيه وكذلك ينجس الماء القذرة الرطبة وهى فضلة الانسان والمروى اعتبار ذوبانها وهو تفرق اجزائها. وشيوعها فى الماء.
أما الرطوبة فلا نص على اعتبارها لكن ذكرها الشيخ وتبعه المصنف وجماعة
(6)
.
أما الماء المضاف للشئ الذى لا يصدق عليه اسم الماء باطلاقه مع صدقه عليه مع القيد كالمعتصر من الأجسام والممتزج بها مزجا يسلبه الاطلاق كالامراق دون الممتزج على وجه يسلبه الاسم وان تغير لونه كالممتزج بالتراب أو طعمه كالممتزج بالملح وان أضيف اليهما فهذا الماء المضاف طاهر فى ذاته بحسب الأصل غير مطهر لغيره مطلقا من حدث ولا خبث اختيارا واضطرارا على القول الأصح
(7)
.
أما سؤر
(8)
الحيوان فتابع لصاحبه الذى باشره فى الطهارة والنجاسة والكراهة ويكره سؤر الجلال. وهو المغتذى بعذرة الانسان محضا الى أن ينبت عليها لحمه واشتد عظمه أو سمى فى العرف جلالا قبل أن يستبرى بما يزيل الجلل وآكل الجيف مع خلو موضع الملاقاة للماء عن النجاسة وسؤر الحائض المتهمة بعدم التنزه عن النجاسة والحق بها المصنف فى البيان كل متهم بها وهو حسن.
وسؤر البغل والحمار وهما داخلان فى تبعيته للحيوان فى الكراهية وانما خصهما لتأكد الكراهة فيهما.
وسؤر الفأرة والحية وكل ما لا يؤكل لحمه
(1)
المقر نحو أن ينته الماء الى حفير بمجاورة ذلك الحفير أو بأصول شجر نابت فيه
(2)
البحر هو مجرى الماء
(3)
الطحلب شجر ينبت فى الماء وقيل فى الحضرة التى تعلق بالجدار
(4)
شرح الأزهار لابن مفتاح ج 1 ص 58، ص 59، ص 60 الطبعة السابقة
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للعاملى ج 1 ص 12، ص 13
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 14، ص 15
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 17
(8)
المؤرق الماء القليل الذى باشره جسم الحيوان
الا الهر وولد الزنا قبل بلوغه أو بعده مع اظهاره للاسلام
(1)
.
وذكر صاحب كتاب الخلاف أن الدليل فى ذلك اجماع الفرقة وأيضا لأن الأصل فى الماء الطهارة فمن يحكم بنجاسته يحتاج الى دليل وروى الفضل بن عبد الملك عن أبى عبد الله عليه السلام قال سألته عن فضل الهر والشاة والبقرة والابل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئا الا سألته عنه فقال لا بأس حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس لا تتوضأ بفضله وأصيب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء.
وما لا نفس له سائلة كالذباب والخنفساء والزنابير وغير ذلك لا ينجس بالموت ولا ينجس الماء ولا المائع الذى يموت فيه لما روى عن أبى عبد الله عليه السلام قال سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك تموت فى البئر والزيت والسمن وشبهه قال كل ما ليس لها سم أو له دم فلا بأس به وروى حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عليه السلام. قال لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه لا يجوز أن يستنجى بماء ولغ فيه ذو ناب ككلب وسبع لا كجمل وفرس وقيل بالجواز. وذلك غير الهر. وكذلك لو ولغ فيه ذو مخلب وهو ظفر كل سبع من الماشى والطائر وقد يكون فى منقره وجوز اذا ولغ فيه مثل حية ونحوها من الأفاعى والأماحى وجوز الا ما يضر من سمها
(3)
.
واذا كان الماء كثيرا خلط بنجس لم يغير النجس وصفا من الماء لم ينجس وان غيره نجس على الصحيح وقيل لا حتى يغير جميع الأوصاف اللون والطعم والريح.
وقيل ماء غير المطر ينجس بتغير وصف وماء المطر لا ينجس الا بتغيرها جميعا فاذا شك من وقوع صغيرة فيه أو هل غيره أولا وهو نجس فينجس الماء ان غيره أولا فهو طاهر رافع للحدث ما لم يتيقن أو تغير بمتولد منه ولو جميع أوصافه كطحلب وكالحيوان المتولد منه ان تغير بروثه أو بوله أو غيرهما كميتة خلافا لبعض فيها ومنع بعض ان طبخ فيه كطحلب وان رفع من الماء ما تولد منه ورد فيه وغيره فقيل لا يرفع الحدث ويزيل النجس فقط وقيل يرفعه أيضا وفى المقام بحث لأنه فرض المسألة أولا فى الماء المطلق وفسره بما لم يتغير عن خلقته ثم ذكر أنه يجوز رفع الحدث بما تغير فلعل مراده بالباقى على أوصاف خلقته ما بقى عليها أو تغير بما أصله منه أو بمكانه جاهلا ذلك التغير مثل عدم التغير ومع ذلك يشمل أيضا قوله وبمطروح فيه، أو تغير بطول مكثه أو وعاء أو بقراره كملح بأرضه أى فى أرض الملح أما فى غير أرضه بأن نقل لموضع آخر فتغيره مضر قال بعض اذا وقع فى شئ فهو من جنس الطعام.
وقيل الملح كالتراب لا يضر أصلا فى موضعه أو فى غيره ولو غير واختلف فيه أن طبخ فقيل يتوضأ بماء طبخ فيه وقيل لا ان لم يؤثر لم يبق أثره فى الوضوء وجوز وان أثر أو تغير شئ مطروح فيه وذلك المطروح فى الماء كزرنيخ أصفره وأبيضه وأحمره وهو حجر وكغيره وغيرها مما هو من الأرض كملح أو كبريت أو بجريد.
عليهما أو على مثلهما أو بشجر أو نبات خرج فيه أو بجانبه أو فى غير ذلك كما جاء الماء اليه وهو مغير وصفا والأصح السلب.
ففى التوضؤ بالماء بل بقى الحدث بسبب الشئ الواقع فيه بقصد ان غير لونا أو طعما أو ريحا
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 18
(2)
الخلاف فى الفقه للامام جعفر الطوسى الطبعة الثانية ج 1 ص 52، ص 53
(3)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 40
وهو طاهر وقيل لا سلب وان وقع بقصد
(1)
والأشياء الطاهرة ان وقعت فى بئر. يلحق بها ما فى معناها فى كثرة الماء كالحياض الكبار مثل البركة.
فان كان الواقع طاهرا فهو طاهر. وان كان نجسا وغير وصفا فالماء نجس واختلف فى التوضؤ بماء تغير بحشيش طوى به أو سد بماء جعل فى الفم فقيل ينفك عن الريق فيتوضأ به وقيل لا فلا.
والأصح أيضا السلب بالأوراق والأوراث وغيرها النجسة ان وقعت فيها أو غيرها لنجاسة الماء وغيرت الماء ومقابله طهارة الماء ما لم تجتمع أوصافه تغييرا والتوضؤ بالطاهر ما لم تجتمع وهو شاذ وعلامة الطهارة أنها وقعت بريح وان التغير بنفس الورق والروث ولو نجسا لا بما فيهما من النجس أن كان الروث نجسا بغير ذاته.
وفى الأوراق والأوراث وغيرها الطاهرة المغيرة أقوال. المنع والجواز على الاطلاق ومن أجاز على الاطلاق فانه ممن لم يشترط فى رفع الاحداث بالماء أن يكون مطلقا ومن منع مطلقا فانه يوجب التيمم على الذى لم يجد الا الماء المتغير لرفع الحدث. وان تغير الماء بمخالطة ينفك عنه غالبا - أى لا يوجد فيه غالبا لكونه يقع فيه من خارج فالمختار فيه السلب بالمغير بخلاف ما اذا تغير بمخالطة دائم كشجرة على عين تلقى أوراقها فى الماء وتغيره فانه ليس المختار فيه السلب بالمغير الكثير لأنها كقرار الماء.؟
والماء الراكد قيل هو نجس وان لم يتغير.
لظاهر النهى عن البول فى الماء الدائم ثم التوضؤ منه أو الغسل فيه وأجيب بأن هذا النهى تنفير عن تنجيس ما يحتاج لتناوله لذلك كما فيه من الجفاء وكراهة النفس ولئلا يعتاد ذلك فيكثر حتى يتغير فينجس أو لئلا يتناول من نفس المكان الذى بال فيه فيوافق النجس أو المراد بالماء الدائم ما دون القلتين
(2)
.
والماء الجارى لا يفسد الا ما تغير منه وقالوا ان غمرت النجاسة مجرى الماء فهو نجس الا أن جرى من جانبه أو فوق أو تحت من غير ملاقات نجس وحكم على الماء الجارى المنقطع من أوله ولو لم ينقطع من آخره على الواضح.
ان حمل بعرة من بعر الشاة بالجارى فهو لا يفسد ان لم يغلب عليه النجس ولو أقل من قلتين وان غلبه وعمه فهو نجس كله وان غلب موضعه نجس الموضع وحده كالكثير الراكد فى عدم الفساد فان الكثير الذى ان حرك تحريكا مأولو ضعيفا من طرف لم يصل أثر التحريك طرفا آخر لا ينجس الا الموضع الذى تغير منه وان تغير كله نجس كله والظاهر أن الجارى كغيره فينجس ان كان أقل من قلتين ولو لم يتغير ويظهر أن لم وكان قلتين أو أكثر.
وحكم على بير تجرى تحت الأرض أى يخرج خروجا ما بالجارية فلا تفسد الا بتغيير وان كانت لا تجرى تحت الأرض ففيها قولان النجس وان لم يتغير والطهارة ان لم تتغير وكانت قلتين والجريان من فمها أولى منه من تحتها اذا كان وان تنجست البئر لا غير أى خالطت نجسا فلو وقعت ميتة مثلا فى غير البئر لم ينجس ان لم يتغير وصف من أوصافه
(3)
.
وذكر صاحب شرح النيل أنه لو مات فى ماء ما يعيش فى بر وبحر كضفدع لا يفسده ولا يفسد
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش شرح 1 ص 63، ص 64
(2)
المرجع السابق للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 65، ص 66
(3)
شرح النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد ابن يوسف أطفيس ج 1 ص 67، 68 الطبعة السابقة
ما وقع فيه بعد ذلك من طعام أو غيره لأن موته فى الماء كزكاة فقيل يؤكل وقيل لا يؤكل.
وان مات فى طعام كلبن وخل أفسده وأفسد ما وقع فيه بعد ذلك من ماء وغيره وان مات فى غير ماء ولا طعام فهو نجس أو طاهر قولان وظاهر كونه بحريا أى يعيش فى الماء أنه لا ينجس ما مات فيه ولو مات فى الطعام وهو قول بعض أصحابنا.
وحكى الماوردى عن القفال أن الضفدع لا ينجس بالموت وهو شاذ عندهم
(1)
.
ويحكم بنجاسة طاهر لاقى نجسا. ان ظهر أثر النجس فى الطاهر ظهورا معاينا بالعين كبلل نجس له لون وكشئ نجس يابس له لون كميتة تنجست اتصلت بطاهر ويقى أثرها بعد نفض أو محكوما به لقوة موجبة كما اذا لم يكن له لون يخالف لون البلل الطاهر أو لاقى الطاهر المبلول وهو يابس وأذعن القلب الى أنه قد ارتد البلل من النجس الذى جبد البلل من الطاهر وذلك كأن يكون النجس والطاهر مبلولين أو النجس يكون مبلولا وان كان الطاهر مبلولا فلا ينجس قيل أراد به قولا لا تضعيفا لأن هذا هو الراجح
(2)
.
هذا وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال الماء طاهر الا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته وهو محمول على قدر قلتين فصاعدا وزعم بعض أن ماء البحر لا يزيل النجس وهو خطأ لأن ازالة النجس تصح بما أمكن لأنها معقولة المعنى هذا وأجاز بعض رفع الحدث بماء الورد والشجر والبقول وأجاز بعض استعمال ما سال من غسل النجس ان لم يتغير أو من رفع الحدث فى غسل أو شرب والحوطة ترك ما سال من غسل نجس ولو لم يتغير وأجاز بعض الوضوء والاغتسال بلبن أو خل أو نبيذ ان خلطت بماء وكان الماء فوق الثلثين.
واجاز ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الوضوء والاغتسال بالنبيذ وأجازهما بعض أن لم يجد غيره ورده ابن بركة بقول الله عز وجل «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}
(3)
» وهو الصحيح وان تغير الماء ببعر أو روث طاهر أو ورق جاز فى الوضوء والاغتسال ولو تغير.
وزعم بعض أن ما دون خمس قلل وبعض مادون أربعين ينجس ولو لم يتغير والصحيح أن ذلك فى قلتين كما شهر. ومن بال فى ماء فغلبه البول نجس حتى يدخله ماء أكثر منه وان كثر الماء فغلب على موضع منه حكم النجس وليس بأكثر منه نجس الموضع فاذا خالطه الطاهر فاستهلك عينه حكم بطهارته وان تغير لون الغزير مما يلى الأرض وأعلاه صاف ونزل النجس الى أسفل فطاهر من أعلاه ان لم يغلبه حكمه والجارى الحصى كالجارف فوق يغسل فيه نجس وان كان الماء القليل نجسا وعارضه النجس بالداخل قبل أن يصل آخره ويجرى من أسفله كان طاهرا ما لم يغلبه ويتوضأ بماء قطر فيه ماء الوضوء ان قطر أقل من ثلثه وقيل أقل من نصفه.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يبول أحدكم فى الماء الدائم ثم يتوضأ منه يعنى ان كان قليلا وان بال صبى أو شاة على ثوب أو غيره أجزأ صب الماء عليه بلا عرك قال بعض لا بأس برائحة النجس دون لون وطعم وان غسل المصبوغ بصبغ نجس فى جار وغلبه الصبغ لم ينجس ان كان لا ينجس حتى يغلبه النجس بذاته لا يعارض فى طاهر وان بالت الدواب فى الطرق فأمطر عليها فغلب الماء البول لم يفسد وضوء من مر فيها وقد نقل
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 249 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 271، 272 الطبعة السابقة
(3)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
هذا عن أبى عبيدة ولا يتوضأ به قيل لا ينجس الماء ان كان قدر دلوين وقيل ان كان قدر أربعين دلوا
(1)
.
وهذا وذكر الإباضية ان كل ما يفسد روثه من الطير يفسد بوله وما لا يفسد فلا وقيل يفسد وفى الأثر ان الجمهور ان بول الفأر لا يفسد قلت لا وجه له الا ان قيل ضرورة كثرة ذلك ولا يتم والصواب أنه نجس قال ابن محبوب ان وقت فى مائع وأخرجت حية لم ينجس ويستقذر
(2)
.
ما يفسد الوضوء وما لا يفسده
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع ان الذى ينقض الوضوء الحدث، وهو نوعان حقيقى وحكمى، أما الحقيقى فقد اختلف فيه قال أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى: هو خروج النجس من الآدمى الحى سواء كان من السبيلين - الدبر والذكر أو فرج المرأة - أو من غير السبيلين كالجرح والقرح والأنف - من الدم والقيح والرعاف والقئ، سواء كان الخارج من السبيلين معتادا كالبول والغائط والمنى والودى ودم الحيض والنفاس أو غير معتاد كدم الاستحاضة وقال زفر رحمه الله تعالى: ظهور النجس من الآدمى الحى، لما روى عن أبى أمامة الباهلى رضى الله تعالى عنه أنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت له غرفة فأكلها فجاء المؤذن فقلت:
الوضوء يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: انما علينا الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل. فقد علق الحكم بكل ما يخرج أو بمطلق الخارج من غير اعتبار المخرج الا ان خروج الطاهر ليس بمراد فبقى خروج النجس مرادا.
وروى عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من قاء أو رعف فى صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبين على صلاته ما لم يتكلم، وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت حبيش توضئ فانه دم عرق انفجر فقد أمرها بالوضوء وعلل بانفجار دم العرق لا بالمرور على المخرج، وعن تميم الدارى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الوضوء من كل دم سائل والأخبار فى هذا الباب وردت مورد الاستفاضة حتى روى عن عشرة من الصحابة أنهم قالوا مثل مذهبنا - وهم عمر وعثمان وعلى وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وثوبان وأبو الدرداء وقيل فى التاسع والعاشر انهما زيد بن ثابت وأبو موسى الأشعرى وهؤلاء فقهاء الصحابة متبع لهم فى فتواهم، فيجب تقليدهم، وقيه أنه مذهب العشرة المبشرين بالجنة، ولأن الخروج من السبيلين انما كان حدثا لأنه يوجب تنجيس ظاهر البدن لضرورة تنجس موضع الاصابة فتزول الطهارة ضرورة اذ النجاسة والطهارة ضدان فلا يجتمعان فى محل واحد فى زمان واحد. ومتى زالت الطهارة عن ظاهر البدن خرج عن ان يكون أهلا للصلاة التى هى مناجاة مع الله تعالى فيجب تطهيره بالماء ليصير أهلا لها، أما ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه قاء فغسل فمه فقيل ألا تتوضأ وضوءك للصلاة فقال هكذا الوضوء من القئ فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قاء أقل من ملء الفم وكذا اسم الوضوء يحتمل غسل الفم فلا يكون حجة مع الاحتمال. وأما ما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه حين طعن كان يصلى والدم يسيل منه، فليس فيه أنه كان يصلى بعد الطعن من غير تجديد الوضوء بل يحتمل أنه توضأ بعد الطعن مع سيلان الدم وصلى وبه نقول كما فى الاستحاضة
(3)
. وأما الريح الخارجة من قبل المرأة أو ذكر الرجل فلم يذكر حكمها فى ظاهر الرواية وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال فيها الوضوء لأن كل
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 296، 297 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 303 الطبعة السابقة
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 1 ص 24، ص 25 الطبعة الأولى طبع شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هـ
واحد منهما مسلك النجاسة كالدبر فكانت الريح الخارجة منهما كالخارجة من الدبر فيكون حدثا وذكر الرخى أنه لا وضوء فيها الا ان تكون المرأة مفضاة فيخرج منها ريح منتنة فيستحب لها الوضوء لأن الريح ليست بحدث فى نفسها لأنها طاهرة وخروج الطاهر لا يوجب انتقاض الطهارة وانما انتقاض الطهارة بما يخرج بخروجها من أجزاء النجس، وموضع الوط ء من فرج المرأة ليس بمسلك البول فالخارج منه من الريح لا يجاوره النجس، أما اذا كانت مفضاة فقد صار مسلك البول ومسلك الوط ء مسلكا واحدا فيحتمل أن الريح خرجت من مسلك البول فيستحب لها الوضوء ولا يجب لأن الطهارة الثابتة بيقين لا يحكم بزوالها بالشك، وقيل ان خروج الريح من الذكر لا يتصور وانما هو اختلاج يظنه الانسان ريحا هذا حكم السبيلين أما حكم غير السبيلين من الجرح والقرح فان سال الدم والقيح والصديد عن رأس الجرح والقرح ينتفض الوضوء عندنا لوجود الحدث وهو خروج النجس وهو انتقال النجس من الباطن الى الظاهر خلافا للشافعى رحمه الله تعالى، وعند زفر رحمه الله تعالى ينتقض سواء سال أو لم يسل بناء على ما ذكر فلو ظهر الدم على رأس الجرح ولم يسل لم يكن حدثا عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يكون حدثا سال أو لم يسل بناء على ما ذكرنا من أن الحدث الحقيقى عنده هو ظهور النجس من الآدمى الحى وقد ظهر وجه قوله ان ظهور النجس اعتبر حدثا فى السبيلين سال عن رأس المخرج أو لم يسل فكذا فى غير السبيلين، ويدل لنا ان ظهور ما اعتبر حدثا فى موضع ما وانما انتقضت الطهارة فى السبيلين اذا ظهر النجس على رأس المخرج لا بالظهور بل بالخروج وهو الانتقال من الباطن الى الظاهر على ما بينا كذا ههنا وهذا لأن الدم اذا لم يسل كان فى محله لأن البدن محل الدم والرطوبات الا أنه كان مستترا بالجلدة وانشقاقها يوجب زوال السترة لا زوال الدم عن محله ولا حكم للنجس مادام فى محله ألا ترى أنه تجوز الصلاة مع ما فى البطن من الأنجاس، فاذا سال عن رأس الجرح فقد انتقل عن محله فيعطى له حكم النجاسة، وفى السبيلين وجد الانتقال لما ذكرنا، وعلى هذا خروج القئ ملء الفم يكون حدثا وان كان أقل من ملء الفم لا يكون حدثا، وعند زفر رحمه الله تعالى يكون حدثا قل أو كثر ووجه البناء على هذا الأصل ان الفم له حكم الظاهر عنده بدليل ان الصائم اذ تمضمض لا يفسد صومه فاذا وصل القئ اليه فقد ظهر النجس من الآدمى الحى فيكون حدثا وأنا نقول له مع الظاهر حكم الظاهر كما ذكره زفر وله مع الباطن حكم الباطن بدليل ان الصائم اذا ابتلع ريقه لا يفسد صومه فلا يكون الخروج من الفم حدثا لأنه انتقال من بعض الباطن الى بعض وانما الحدث هو الخروج من الفم لأنه انتقال من الباطن الى الظاهر، والخروج لا يتحقق فى القليل لأنه يمكن رده وامساكه فلا يخرج بقوة نفسه بل بالاخراج فلا يوجد السيلان ويتحقق فى الكثير لأنه لا يمكن رده وامساكه فكان خارجا بقوة نفسه لا بالاخراج فيوجد السيلان.
وحجة زفر فى ذلك ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: القلس حدث من غير فصل بين القليل والكثير ولأن الحدث اسم لخروج النجس وقد وجد لأن القليل خارج نجس كالكثير فيستوى فيه القليل والكثير كالخارج من السبيلين، ويدل لنا ما روى عن على رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عد الأحداث جملة وقال فيها أو دفعة تملأ الفم ولو كان القليل حدثا لعده عند عد الأحداث كلها، وأما الحديث فالمراد منه القئ ملء الفم لأن المطلق ينصرف الى المتعارف وهو القئ ملء الفم أو يحمل على هذا توفيقا بين الحديثين صيانة لهما عن التناقض، وقوله: وجد خروج النجس فى القليل، يجاب عليه بأنا ان سلمنا ذلك ففى قليل القئ ضرورة لأن الانسان لا يخلو منه خصوصا حال الامتلاء ومن صاحب السعال، ولو جعل حدثا لوقع الناس فى الحرج والله تعالى ما جعل علينا فى الدين من حرج ولا ضرورة فى القليل من السبيلين. ولا فرق بين ان يكون القئ مرة صفراء أو سوداء وبين
أن يكون طعاما أو ماء صافيا لأن الحدث اسم لخروج النجس والطعام أو الماء صار نجسا لاختلاطه بنجاسات المعدة ولم يذكر فى ظاهر الرواية تفسير ملء الفم وقال أبو على الدقاق:
هو ان يمنعه من الكلام وعن الحسن بن زياد رحمه الله تعالى هو ان يعجز عن امساكه ورده وعليه اعتمد الشيخ أبو منصور رحمه الله تعالى وهو الصحيح لأن ما قدر على امساكه ورده فخروجه لا يكون بقوة نفسه بل بالاخراج فلا يكون سائلا، وما عجز عن امساكه ورده فخروجه يكون بقوة نفسه فيكون سائلا والحكم متعلق بالسيلان ولو قاء أقل من ملء الفم مرارا هل يجمع ويعتبر حدثا لم يذكر فى ظاهر الرواية، وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه كان فى مجلس واحد يجمع والا فلا، وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه ان كان بسبب غثيان واحد يجمع والا فلا، وقال أبو على الدقاق رحمه الله تعالى:
يجمع كيفما كان. وجه قول أبى يوسف أن المجلس جعل فى الشرع جامعا لأشياء متفرقة كما فى باب البيع وسجدة التلاوة ونحو ذلك وقول محمد أظهر لأن اعتبار المجلس اعتبار المكان واعتبار الغثيان اعتبار السبب، والوجود يضاف الى السبب لا الى المكان.
ولو سال الدم الى مالان من الأنف أو الى صماخ الأذن يكون حدثا لوجود خروج النجس وهو انتقال الدم من الباطن الى الظاهر، وروى عن محمد فى رجل أقلف خرج البول أو المذى من ذكره حتى صار فى قلفته فعليه الوضوء وصار بمنزلة المرأة اذا خرج المذى أو البول من فرجها ولم يظهر، ولو حشا الرجل احليله بقطنة فابتل الجانب الداخل منها لم ييتقض وضوءه لعدم الخروج وان تعدت البلة الى الجانب الخارج ينظر ان كانت القطنة عالية أو محاذية لرأس الاحليل ينتقض وضوءه لتحقق الخروج وان كانت متسفلة لم ينتقض لأن الخروج لم يتحقق، ولو حشت المرأة فرجها بقطنة فان وضعتها فى الفرج الخارج فابتل الجانب الداخل من القطنة كان حدثا وان لم ينفذ الى الجانب الخارج لا يكون حدثا لأن الفرج الخارج منها بمنزلة الاليتين من الدبر فوجد الخروج وان وضعتها فى الفرج الداخل فابتل الجانب الداخل من القطنة لم يكن حدثا لعدم الخروج وان تعدت البلة الى الجانب الخارج.
فان كانت القطنة عالية أو محاذية لجانب الفرج كان حدثا لوجود الخروج وان كانت متسفلة لم يكن حدثا لعدم الخروج وهذا كله اذا لم تسقط القطنة فان سقطت القطنة فهو حدث وحيض فى المرأة سواء ابتل الجانب الخارج أو الداخل لوجود الخروج ولو كان فى أنفه قرح فسال الدم عن رأس القرح يكون حدثا وان لم يخرج من المنخر لوجود السيلان عن محله ولو بزق فخرج معه الدم فان كانت الغلبة للبزاق لا يكون حدثا لأنه ما خرج بقوة نفسه وان كانت الغلبة للدم يكون حدثا لأن الغالب اذا كان هو البزاق لم يكن خارجا بقوة نفسه فلم يكن سائلا وان كان الغالب الدم كان خروجه بقوة نفسه فكان سائلا وان كان سواء فالقياس ان لا يكون حدثا، وفى الاستحسان يكون حدثا.
وجه القياس أنهما اذا استويا احتمل ان الدم خرج بقوة نفسه واحتمل انه خرج بقوة البزاق فلا يجعل حدثا بالشك، وللاستحسان وجهان أحدهما أنهما اذا استويا تعارضا فلا يمكن ان يجعل أحدهما تبعا للآخر فيعطى كل واحد منهما حكم نفسه فيعتبر خارجا بنفسه فيكون سائلا والثانى ان الأخذ بالاحتياط عند الاشتباه واجب وذلك فيما قلنا.
ولو ظهر الدم على رأس الجرح فمسحه مرارا فان كان بحال لو تركه لسال يكون حدثا والا فلا لأن الحكم متعلق بالسيلان ولو ألقى عليه الرماد أو التراب فتشرب فيه أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ونفذ قالوا يكون حدثا لأنه سائل وكذا لو كان الرباط ذا طاقين فنفذ فى أحدهما لما قلنا ولو سقطت الدودة أو اللحم من القرح لم يكن حدثا ولو سقطت من السبيلين كان حدثا، والفرق ان الدودة الخارجة من السبيل
نجسة فى نفسها لتولدها من الأنجاس وقد خرجت بنفسها وخروج النجس بنفسه حدث بخلاف الخارجة من القرح لأنها طاهرة فى نفسها لأنها تتولد من اللحم واللحم طاهر وانما النجس ما عليها من الرطوبات وتلك الرطوبات خرجت بالدابة لا بنفسها فلم يوجد خروج النجس فلا يكون حدثا، ولو خلل أسنانه فظهر الدم على رأس الخلال لا يكون حدثا لأنه ما خرج بنفسه وكذا لو عض على شئ فظهر الدم على أسنانه لما قلنا، ولو سعط فى أنفه ووصل السعوط الى رأسه ثم رجع الى الأنف أو الى الأذن لا يكون حدثا لأن الرأس ليس موضع الأنجاس، ولو عاد الى الفم ذكر الكرخى رحمه الله تعالى أنه لا يكون حدثا لما قلنا وروى على بن الجعد عن أبى يوسف أن حكمه حكم القئ لأن ما وصل الى الرأس لا يخرج من الفم الا بعد نزوله فى الجوف ولو قاء بلغما لم يكن حدثا فى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لأنه شئ صقيل لا يلتصق به شئ من الأنجاس فكان طاهرا على ان الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتادوا أخذ البلغم بأطراف أرديتهم وأكمامهم من غير نكير فكان اجماعا منهم على طهارته.
وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يكون قئ البلغم حدثا لأنه نجس لاختلاطه بالأنجاس لأن المعدة معدن الأنجاس فيكون حدثا كما لو قاء طعاما أو ماء.
ومن مشايخنا من قال لا خلاف فى المسألة لأن جواب أبى يوسف فى الصاعد من المعدة وهو حدث عند الكل وجوابهما فى المنحدر من الرأس وهو ليس بحدث عند الكل ومنهم من قال فى المنحدر من الرأس اتفاقا أنه ليس بحدث وفى الصاعد من المعدة اختلاف.
وذكر أبو منصور أنه لا خلاف فى المسألة فى الحقيقة لأن جواب أبى يوسف - كما أمر - فى الصاعدة من المعدة وهو حدث بالاجماع لأنه نجس وجوابهما فى الصاعدة من حولى الحلق وأطراف الرئة وهو ليس بحدث بالاجماع لأنه طاهر فينظر ان كان صافيا غير مخلوط بشئ من الطعام وغيره تبين انه لم يصعد من المعدة فلا يكون نجسا فلا يكون حدثا وان كان مخلوطا بشئ من ذلك تبين أنه صعد منها نجسا فيكون حدثا وهذا هو الأصح.
وأما اذا قاء دما فلم يذكر فى ظاهر الرواية نصا وذكر المعلى عن أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه يكون حدثا قليلا كان أو كثيرا جامدا كان أو مائعا.
وروى عن الحسن بن زياد عنهما أنه ان كان مائعا بنقض قل أو كثر وان كان جامدا لا ينقض ما لم يملأ الفم.
وروى ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى أنه لا يكون حدثا ما لم يملأ الفم كيفما كان، وبعض مشايخنا صححوا رواية محمد وحملوا رواية الحسن والمعلى فى القليل من المائع على الرجوع وعليه اعتمد شيخنا لأنه الموافق لأصول أصحابنا فى اعتبار خروج النجس لأن الحدث اسم له والقليل ليس بخارج لما مر، واليه أشار فى الجامع الصغير من غير خلاف فانه قال واذا قلس أقل من ملء الفم لم ينتقض الوضوء من غير فصل بين الدم وغيره، وعامة مشايخنا حققوا الاختلاف وصححوا قولهما لأن القياس فى القليل من سائر أنواع القئ أن يكون حدثا لوجود الخروج حقيقة وهو الانتقال من الباطن الى الظاهر لأن الفم له حكم الظاهر على الاطلاق وانما سقط اعتبار القليل لأجل الحرج لأنه يكثر وجوده ولا حرج فى اعتبار القليل من الدم لأنه لا يغلب وجوده بل يندر فبقى على أصل القياس.
هذا حكم الأصحاء، أما أصحاب الأعذار كالمستحاضة وصاحب الجرح السائل والمبطون ومن به سلس البول ومن به رعاف دائم أو ريح أو نحو ذلك ممن لا يمضى عليه وقت صلاة الا ويوجد ما ابتلى به من الحدث فيه فخروج النجس من هؤلاء لا يكون حدثا فى الحال مادام وقت الصلاة قائما حتى ان المستحاضة لو توضأت فى أول الوقت فلها ان تصلى ما شاءت من الفرائض
والنوافل ما لم يخرج الوقت وان دام السيلان لما روى الامام أبو حنيفة رحمه الله تعالى باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة وهذا نص فى الباب ولأن العزيمة شغل جميع الوقت بالأداء شكرا للنعمة بالقدر الممكن واحراز للثواب على الكمال الا أنه جوز ترك شغل بعض الوقت بالأداء رخصة وتيسيرا فضلا من الله ورحمة تمكينا من استدراك الفائت بالقضاء والقيام بمصالح القوم وجعل ذلك شغلا لجميع الوقت حكما فصار وقت الأداء شرعا بمنزلة وقت الأداء فعلا ثم قيام الأداء مبق للطهارة فكذلك الوقت القائم مقامه
(1)
.
وانما تبقى طهارة صاحب العذر فى الوقت اذا لم يحدث حدثا آخر أما اذا أحدث حدثا آخر فلا تبقى لأن الضرورة فى الدم السائل لا فى غيره فكان هو فى غيره كالصحيح قبل الوضوء وكذلك اذا توضأ للحدث أولا ثم سال الدم فعليه الوضوء لأن ذلك الوضوء لم يقع لدم العذر فكان عدما فى حقه وكذا اذا سال الدم من أحد منخريه فتوضأ ثم سال من المنخر الآخر فعليه الوضوء لأن هذا حدث جديد لم يكن موجودا وقت الطهارة فلم تقع الطهارة له فكان هو والبول والغائط سواء فأما اذا سال منهما جميعا فتوضأ ثم انقطع أحدهما فهو على وضوء ما بقى الوقت لأن طهارته حصلت لهما جميعا والطهارة متى وقعت لعذر لا يضرها السيلان ما بقى الوقت فبقى هو صاحب عذر بالمنخر الآخر وعلى هذا حكم صاحب القروح اذا كان البعض سائلا ثم سال الآخر او كان الكل سائلا فانقطع السيلان عن البعض ثم اختلف أصحابنا فى طهارة المستحاضة أنها تنتقض عن خروج الوقت أم عند دخوله أم عند أيهما كان.
قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى:
تنتقض عند خروج الوقت لا غير وقال زفر رحمه الله تعالى: عند دخول الوقت لا غير، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: عند أيهما كان.
وثمرة هذا الاختلاف لا تظهر الا فى موضعين أحدهما: أن يوجد الخروج بلا دخول كما اذا توضأت فى وقت الفجر ثم طلعت الشمس فان طهارتها تنتقض عند أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد لوجود الخروج وعند زفر لا تنتقض لعدم الدخول.
والثانى: أن يوجد الدخول بلا خروج كما اذا توضأت قبل الزوال ثم زالت الشمس فان طهارتها لا تنتقض عند أبى حنيفة ومحمد لعدم الخروج.
وعند أبى يوسف وزفر تنتقض لوجود الدخول وجه قول زفر أن سقوط اعتبار المنافى لمكان الضرورة ولا ضرورة قبل دخول الوقت فلا يسقط وبه يحتج أبو يوسف فى جانب الدخول وفى جانب الخروج يقول كما لا ضرورة الى اسقاط اعتبار المنافى قبل الدخول لا ضرورة اليه بعد الخروج فيظهر حكم المنافى.
ويدل لأبى حنيفة ومحمد ما ذكرنا من أن وقت الأداء شرعا أقيم مقام وقت الأداء فعلا لما بينا من المعنى
(2)
. هذا عن الحدث الحقيقى، أما الحدث الحكمى فنوعان أيضا أحدهما أن يوجد أمر يكون سببا لخروج النجس الحقيقى غالبا فيقام السبب مقام المسبب احتياطا والثانى أن لا يوجد شئ من ذلك لكنه جعل حدثا شرعا تعبدا محضا.
أما الأول فأنواع منها المباشرة الفاحشة وهو أن يباشر الرجل المرأة بشهوة وينتشر لها وليس بينهما ثوب ولم ير بللا فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يكون حدثا استحسانا والقياس أن لا يكون حدثا وهو قول محمد رحمه الله تعالى وهل تشترط ملاقاة الفرجين وهى
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 25 وما بعدها الى ص 28 نفس الطبعة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 28، ص 29 نفس الطبعة
مماستهما على قولهما لا يشترط ذلك فى ظاهر الرواية عنهما وشرطه فى النوادر وذكر الكرخى ملاقاة الفرجين أيضا، وجه القياس أن السبب انما يقام مقام المسبب فى موضع لا يمكن الوقوف على المسبب من غير حرج والوقوف على المسبب ههنا ممكن بلا حرج لأن الحال حال يقظته فيمكن الوقوف على الحقيقة فلا حاجة الى اقامة المسبب مقامها.
أما وجه الاستحسان فهو ما روى أن أبا اليسر بائع العسل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنى أصبت من امرأتى فى كل شئ الا الجماع فقال صلى الله عليه وسلم توضأ وصل ركعتين ولأن المباشرة على الصفة التى ذكرنا لا تخلو عن خروج المذى عادة الا أنه يحتمل أنه جف لحرارة البدن فلم يقف عليه أو غفل عن نفسه لغلبة الشبق فكانت سببا مفضيا الى الخروج واقامة السبب مقام المسبب طريقة معهودة فى الشريعة خصوصا فى أمر يحتاط فيه كما يقام المس مقام الوط ء فى حق ثبوت حرمة المصاهرة بل يقام نفس النكاح مقامه ويقام المصاهرة بل يقام نفس النكاح مقامه ويقام نوم المضطجع مقام الحدث ونحو ذلك كذا ههنا، ولو لمس امرأته بشهوة أو غير شهوة لمس فرجها أو سائر أعضائها من غير حائل ولم ينتشر لها ولا ينتقض وضوءه عند عامة العلماء لما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها سئلت عن هذا الحادثة فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بعض نسائه ثم يخرج الى الصلاة ولا يتوضأ ولأن اللمس ليس بحدث بنفسه ولا سببا لوجود الحدث غالبا فأشبه مس الرجل الرجل والمرأة المرأة ولأن مس أحد الزوجين صاحبه مما يكثر وجوده فلو جعل حدثا لوقع الناس فى الحرج وأما قول الله عز وجل «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ}
(1)
» فقد نقل عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن المراد من اللمس الجماع وابن عباس ترجمان القرآن وذكر ابن السكيت فى اصلاح المنطق أن اللمس اذا قرن بالنساء يراد به الوط ء تقول العرب لمست المرأة أى جامعتها على أن اللمس يحتمل الجماع اما حقيقة أو مجازا فيحمل عليه توفيقا بين الدلائل ولو مس ذكره بباطن كفه من غير حائل لا ينتقض وضوؤه لما روى عن عمر وعلى وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وعمران بن الحصين وحذيفة بن اليمان وأبى الدرداء وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم أنهم لم يجعلوا مس الذكر حدثا حتى قال على رضى الله تعالى عنه لا أبالى مسسته أو أرنبة أنفى وقال بعضهم للراوى ان كان نجسا فاقطعه ولأنه ليس بحدث نفسه ولا سبب لوجود الحدث غالبا فأشبه مس الأنف ولان مس الانسان ذكره مما يغلب وجوده فلو جعل حدثا يؤدى الى الحرج فأما ما رواه الشافعى عن بسرة بنت صفوان عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: من مس ذكره فليتوضأ فقد قيل أنه ليس بثابت لوجوه أحدها أنه مخالف لاجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم وهو ما ذكرنا، والثانى أنه روى أن هذه الحادثة وقعت فى زمن مروان بن الحكم فشاور من بقى من الصحابة فقالوا لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندرى أصدقت أم كذبت والثالثة أنه خبر واحد فيما تعم به البلوى فلو ثبت لاشتهر ولو ثبت فهو محمول على غسل اليدين لأن الصحابة كانوا يستنجون بالأحجار دون الماء فاذا مسوه بأيديهم كانت تتلوث خصوصا فى أيام الصيف فأمر بالغسل لهذا. ومنها الاغماء والجنون والسكر الذى يستر العقل أما الاغماء فلأنه فى استرخاء المفاصل واستطلاق الوكاء فوق النوم مضطجعا وذلك حدث فهذا أولى وأما الجنون فلأن المبتلى به يحدث حدثا ولا يشعر به فأقيم السبب مقام المسبب والسكر الذى يستر العقل فى معنى الجنون فى عدم التمييز وقد انضاف اليه استرخاء المفاصل ولا فرق فى حق هؤلاء بين الاضطجاع والقيام لأن ما ذكرنا من المعنى لا يوجب الفصل بين حال وحال.
ومنها: النوم مضطجعا فى الصلاة أو فى غيرها بلا خلاف بين الفقهاء وحكى عن النظام أنه ليس بحدث ولا عبرة بخلافه لمخالفته الاجماع وخروجه عن أهل الاجتهاد، والدليل عليه ما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نام فى صلاته حتى غط ونفخ ثم قال: لا وضوء على من نام قائما أو قاعدا أو
(1)
الآية رقم 6 من سورة المائدة
راكعا أو ساجدا انما الوضوء على من نام مضطجعا فانه اذا نام مضطجعا استرخت مفاصله نص على الحكم وعلل باسترخاء المفاصل وكذا النوم متوركا بأن نام على أحد وركيه لأن مقعده يكون متجافيا عن الأرض فكان فى معنى النوم
(1)
.
مضطجعا فى كونه سببا لوجود الحدث بواسطة استرخاء المفاصل وزوال مسكة اليقظة فأما النوم فى غير هاتين الحالتين فاما أن يكون فى الصلاة واما أن يكون فى غير الصلاة فان كان فى الصلاة لا يكون حدثا سواء غلبه النوم أو تعمد فى ظاهر الرواية وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه قال سألت أبا حنيفة عن النوم فى الصلاة فقال لا ينقض الوضوء ولا أدرى أسألته عن العمد أو الغلبة وعندى أنه ان نام معتمدا ينتقض وضوءه لما روينا عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم حيث نفى الوضوء فى النوم فى غير حال الاضجاع واثبته فيها بعلة استرخاء المفاصل وزوال مسكة اليقظة ولم يوجد فى هذه الأحوال لأن الامساك فيها باق ألا ترى أنه لم يسقط، وفى المشهور من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اذا نام العبد فى سجوده يباهى الله تعالى به ملائكته فيقول انظروا الى عبدى روحه عندى وجسده فى طاعتى، ولو كان النوم فى الصلاة حدثا لما كان جسده فى طاعة الله تعالى.
أما ما روى عن صفوان بن عسال المراوى من أنه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن لا ينزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها اذا كنا سفرا الا من جنابة لكن من نوم أو بول أو غائط فلا حجة فيه لأن مطلق النوم ينصرف الى النوم المتعارف وهو نوم المضطجع وكذا استطلاق الوكاء فيما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال العينان وكاء الا ست فاذا نامت العينان استطلق الوكاء - يتحقق به لا يكل نوم، ووجه رواية أبى يوسف رحمه الله تعالى أن القياس فى النوم حالة القيام والركوع والسجود أن يكون حدثا لكونه سببا لوجود الحدث الا أنا تركنا القياس حالة الغلبة لضرورة التهجد نظرا للمتهجدين وذلك الغلبة دون التعمد. ويدل لنا ما روينا من الحديثين من غير فصل ولأن الاستمساك فى هذه الأحوال باق لما بينا.
وان كان خارج الصلاة فان كان قاعدا مستقرا على الأرض غير مستند الى شئ لا يكون حدثا لأنه ليس بسبب لوجود الحدث غالبا وان كان قائما أو على هيئة الركوع والسجود غير مستند الى شئ اختلف المشايخ فيه، والعامة على أنه لا يكون حدثا لما روينا من الحديث من غير فصل بين حالة الصلاة وغيرها، ولأن الاستمساك فيها باق على ما مر والأقرب الى الصواب فى النوم على هيئة السجود خارج الصلاة ما ذكره القمى أنه لا نص فيه ولكن ينظر فيه أن سجد على الوجه المسنون بأن كان رافعا بطنه عن فخذيه مجافيا عضويه عن جنبيه لا يكون حدثا وان سجد لا على وجه السنة بأن الصق بطنه بفخذيه واعتمد على ذراعيه على الأرض يكون حدثا لأن فى الوجه الأول الاستمساك باق والاستطلاق منعدم وفى الوجه الثانى بخلافه الا أنا تركنا هذا القياس فى حالة الصلاة بالنص.
ولو نام مستندا الى جدار أو سارية أو رجل أو متكئا على يديه ذكر الطحاوى رحمه الله تعالى أنه ان كان بحال لو أزيل السند لسقط يكون حدثا والا فلا وبه أخذ كثير من مشايخنا وروى خلف بن أيوب عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى انه قال سألت أبا حنيفة عمن استند الى سارية أو رجل فنام ولولا السارية والرجل لم يستمسك، قال اذا كانت اليتة مستوثقة من الأرض فلا وضوء عليه وبه أخذ عامة مشايخنا وهو الأصح لما روينا من الحديث وذكرنا من المعنى ولو نام قاعدا مستقرا على الأرض فسقط وانتبه فان انتبه بعد ما سقط على الأرض وهو نائم انتقض وضوءه بالاجماع لوجود النوم
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 29، ص 30 الطبعة السابقة
مضطجعا وان قل وان انتبه قبل أن يصل جنبه الى الأرض، روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا ينتقض وضوءه لانعدام النوم مضطجعا، وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه ينتقض وضوءه لزوال الاستمساك بالنوم حيث سقط وعن محمد رحمه الله تعالى أنه ان انتبه قبل أن يزايل مقعده الأرض لم ينتقض وضوءه وان زايل مقعده قبل أن ينتبه انتقض وضوؤه.
وأما النوع الثانى من الحدث الحكمى فهو القهقهة فى صلاة مطلقة وهى الصلاة التى لها ركوع وسجود فلا يكون حدثا خارج الصلاة ولا فى صلاة الجنازة وسجدة التلاوة، وهذا استحسان، والقياس أن لا يكون حدثا وهو قول الشافعى رحمه الله تعالى ولا خلاف فى التبسم أنه لا يكون حدثا، ويدل على أن القهقهة حدث ما روى فى المشاهير عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى فجاء أعرابى فى عينيه سوء فوقع فى بئر عليها خصفة فضحك بعض من خلفه فلما قضى النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة قال من قهقه منكم فليعد الوضوء والصلاة ومن تبسم فلا شئ عليه
(1)
.
وروى عن جرير بن عبد الله البجلى أنه قال ما رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تبسم ولو فى الصلاة وروى أنه صلى الله عليه وسلم تبسم فى صلاته فلما فرغ سئل عن ذلك فقال أتانى جبريل عليه السلام وأخبرنى أن الله تعالى يقول من صلى عليك مرة صلّى الله عليه عشرا ولو قهقه الامام والقوم جميعا فان قهقه الامام أولا انتقض وضوءه دون القوم لأن قهقهتهم لم تصادف تحريمة الصلاة لفساد صلاتهم بفساد صلاة الامام فجعلت قهقهتهم خارج الصلاة، وان قهقه القوم أولا ثم الامام انتقضت طهارة الكل لأن قهقهتهم حصلت فى الصلاة، أما القوم فلا اشكال وأما الامام فلأنه لا يصير خارجا من الصلاة بخروج القوم وكذلك ان قهقهوا معا لأن قهقهة الكل حصلت فى تحريمة الصلاة وأما تغميض الميت وغسله وحمل الجنازة وأكل ما مسته النار والكلام الفاحش فليس شئ من ذلك حدثا عند عامة العلماء وقال بعضهم كل ذلك حدث.
ورووا فى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من غمض ميتا فليتوضأ ومن غسل ميتا فليغتسل ومن حمل جنازة فليتوضأ وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت للمتسابين ان بعض ما أنتما فيه لشر من الحدث فجددا الوضوء.
وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال توضؤوا مما مسته النار، ومنهم من أوجب من لحم الابل خاصة وروى توضؤوا من لحوم الابل ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم، ويدل لنا ما روينا عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال انما علينا الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل، وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: الوضوء مما يخرج يعنى الخارج النجس ولم يوجد والمعنى فى المسألة أن الحدث هو خروج النجس حقيقة أو ما هو سبب الخروج ولم يوجد واليه أشار ابن عباس رضى الله تعالى عنه حين بلغه حديث حمل الجنازة فقال أنتوضأ من مس عيدان يابسة ولأن هذه الأشياء مما يغلب وجودها فلو جعل شئ من ذلك حدثا لوقع الناس فى الحرج وما رووا أخبار آحاد وردت فيما تعم به البلوى ويغلب وجوده ولا يقبل خبر الواحد فى مثله لأنه دليل عدم الثبوت اذ لو ثبت لاشتهر بخلاف خبر القهقهة فانه من المشاهير مع ما أنه ورد فيما لا تعم به البلوى لأن القهقهة فى الصلاة مما لا يغلب وجوده ولو ثبت ما رووا فالمراد من الوضوء بتغميض الميت غسل اليد لأن ذلك الموضع لا يخلو عن قذارة عادة، وكذا بأكل مسته النار ولهذا خص لحم الابل فى رواية لأن له من اللزوجة ما ليس لغيره.
وهكذا روى أنه أكل طعاما فغسل يديه، وقال هكذا الوضوء مما مسته النار، والمراد من حديث الغسل فليغتسل اذا أصابته الغسالات النجسة وقوله فليتوضأ فى حمل الجنازة للمحدث
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 30 وما بعدها الى ص 32 الطبعة السابقة
ليتمكن من الصلاة عليه وعائشة رضى الله تعالى عنها انما ندبت المتسابين الى تجديد الوضوء تكفير الذنب سبهما، ومن توضأ ثم جز شعره أو قلم ظفره أو قص شاربه أو نتف ابطه لم يجب عليه ايصال الماء الى ذلك الموضع عند عامة العلماء لأن الوضوء قد تم فلا ينتقض الا بالحدث ولم يوجد، وهذا لأن الحدث يحل ظاهر البدن وقد زال الحدث عن الظاهر أما بالغسل أو بالمسح وما بدا لم يحله الحدث السابق، وبعد بدوه لم يوجد حدث آخر فلا تعقل ازالته ولو مس كلبا أو خنزيرا أو وطئ نجاسة لا وضوء عليه لانعدام الحدث حقيقة وحكما الا أنه اذا التزق بيده شئ من النجاسة يجب غسل ذلك الموضع والا فلا
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أن نواقض الوضوء أحداث وأسباب، فالأحداث جمع حدث وهو ما ينقض الوضوء بنفسه والأسباب جمع سبب
(2)
، وهو فى عرف الفقهاء فى نواقض الوضوء هو ما أدى الى خروج الحدث كالنوم المؤدى الى خروج الريح مثلا واللمس والمس المؤديان الى خروج المذى، والحدث يطلق على الخارج المعتاد على سبيل الصحة والاعتباد
(3)
، قال ابن يونس رحمه الله تعالى: لا شئ على من خرج من دبره دود عند مالك رحمه الله تعالى قال ابن نافع: اذا لم يخالطه أذى.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى: وكذلك الحصاة تخرج من الاحليل الا أن يخرج بأثرها بول، قال ابن رشد رحمه الله تعالى: ان غير المعتاد لا ينقض كدود يخرج من الدبر سواء خرجت نقية أو غير نقية، قال فى الكافى: وكذلك حكم الدم، قال اللخمى رحمه الله تعالى:
وسواء خرج من الذكر أو من الدبر.
قال ابن العربى رحمه الله تعالى: وكذلك الريح من القبل لا وضوء فيه عند مالك وأبى حنيفة رحمهما الله تعالى وهو كالجشاء خلافا للشافعى رحمه الله تعالى
(4)
، هذا عن الحدث الخارج على سبيل الصحة، أما الخارج على وجه السلس ففيه أقوال، فالعراقيون من أصحابنا يقولون ان ما خرج على وجه السلس لا ينقض الوضوء مطلقا وانما يستحب منه الوضوء وذكر المازرى رحمه الله تعالى رواية شاذة أن السلس ينقض مطلقا والمشهور من المذهب طريقة المغاربة أن السلس على أربعة أقسام، الأول أن يلازم ولا يفارق فلا يجب الوضوء ولا يستحب اذ لا فائدة فيه فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد، والثانى أن يكون ملازمته أكثر من مفارقته فيستحب الوضوء الا أن يشق ذلك عليه لبرد أو ضرورة فلا يستحب، والثالث: أن يتساوى اتيانه ومفارقته ففى وجوب الوضوء واستحابه قولان:
قال ابن رشد القفصى رحمه الله تعالى والمشهور أنه لا يجب.
وقال ابن هارون: الظاهر الوجوب.
الرابع أن تكون مفارقته أكثر فالمشهور وجوب الوضوء خلافا للعراقيين فانه عندهم مستحب.
قال فى التوضيح: هذا التقسيم لا يخص حدثا دون حدث، وقد قال الابيانى رحمه الله
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 32، ص 33 الطبعة السابقة
(2)
قال صاحب مواهب الجليل: الاسباب جمع سبب والسبب فى اللغة الحبل ومنه قول الله عز وجل «فليمدد بسبب الى السماء» أى فليمدد بحبل الى سقف بيته ثم استعمل السبب فى علة الشئ المؤدية اليه
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل أبى الضياء سيدى خليل لأبى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب ج 1 ص 291 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1378 هـ
(4)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف العبدرى الشهير بالمواق ج 1 ص 291 فى كتاب على هامش مواهب الجليل للحطاب الطبعة السابقة
تعالى فيمن بجوفه علة وهو شيخ يستنكحه الريح: أنه كالبول.
وسئل اللخمى رحمه الله تعالى عن رجل أن توضأ انتقض وضوؤه وان تيمم لم ينتقض فأجاب بأنه يتيمم، ورده ابن بشير بأنه قادر على استعمال الماء وما يرد عليه يمنع كونه ناقضا واقتصر ابن عرفة رحمه الله على كلام اللخمى ولم يحك خلافه.
قال صاحب مواهب الجليل: والظاهر ما قاله ابن بشير والأبيانى.
قال خليل: أما سلس المذى فاذا كان صاحبه قادرا على رفعه بنحو زواج أو تسر نقض الوضوء ولا يفصل فيه.
قال فى التوضيح فى شرح قول ابن الحاجب رحمه الله تعالى وان كثر المذى للعزبة أو التذكر فالمشهور الوضوء.
وفى قابل التداوى قولان:
ما نصه قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى الخلاف انما هو فى القادر لا كما يعطيه كلام الصنف، وينبغى أن يكون فى زمن طلب النكاح وشراء السرية معذورا، وجعل قوله وفى قابل التداوى قولان راجعا الى سلس البول.
قال خليل رحمه الله تعالى وفيه نظر لأنى لم أر أحدا ذكر هذا فى البول، قال: فى المنتقى:
سلس المنى لا يجب منه الوضوء ذكره فى اعادة الجنب الصلاة والغسل وقال الشيخ زروق رحمه الله تعالى قد يخرج المنى بلا لذة ولا انعاظ وهذا لا يجب به شئ على المشهور
(1)
.
ويعتبر فى الحدث أن يكون خارجا من المخرجين - يعنى القبل والدبر - وينزل منزلة ذلك ما اذا انفتح لخروج الحدث ثقبة تحت المعدة وأنسد المخرجان.
وهكذا نقل فى التوضيح عن ابن بزيزة رحمه الله تعالى ونحوه لصاحب الطراز، فان انسد المخرجان وانفتحت ثقبة فوق المعدة أو لم ينسدا وانفتحت فوق المعدة أيضا أو لم ينسدا وانفتحت الثقبة تحت المعدة ففيه قولان، وهكذا حكى فى التوضيح عن ابن بزيزة، والذى يظهر من كلام صاحب الطراز ترجيح عدم النقض وانه الجارى على المذهب لم يذكر فى ذلك خلافا، فانه قال فى أوائل باب أحكام النجاسة: ان لم ينسد المخرجان فلا وضوء لأنه خارج من غير المخرج المعتاد خلافا لأبى حنيفة رحمه الله تعالى. ثم قال: وان كان المخرج المعتاد منسدا أو كان الفتح فى المعى الأسفل ودون المعدة فهذا ينقض وهذا مذهب أبى حنيفة والشافعى رحمهما الله تعالى، واذا خرج القئ بصفة المعتاد فان كان ذلك نادرا لم ينتقض الوضوء بلا خلاف وان صار ذلك عادة له فحكى ابن الحاجب رحمه الله تعالى فى ذلك قولين:
قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى:
والأظهر أنه ان انقطع خروج الحدث من محله وصار موضع القئ محلا له وجب الوضوء فان كان خروجه من محله أكثر لم يجب، ونقله فى التوضيح.
قال الحطاب رحمه الله تعالى: اما اذا انسد المخرجان فالظاهر أن حكمه حكم الثقبة وان لم ينسد ففيه القولان، والظاهر عدم النقض حينئذ
(2)
.
أما الأسباب فثلاثة أنواع هى زوال العقل ولمس من تشته ومس ذكره المتصل، أما النوع الأول: وهو زوال العقل - فيكون بجنون أو اغماء أو سكر أو بنوم ثقيل
(3)
ولو قصر زمنه
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 1 ص 291، ص 292 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 293، ص 294 نفس الطبعة
(3)
النوم الثقيل مالا يشعر صاحبه بالأصوات أو بسقوط شئ بيده أو سيلان ريقه ونحو ذلك فان شعر بذلك فخفيف ولم يفسر الكلام عنده
بخلاف ما اذا خف النوم ان طال، وندب ان طال
(1)
.
قال الحطاب: وظاهر كلام خليل رحمه الله تعالى: ان زوال العقل بغير النوم لا يفصل فيه كما يفصل فى النوم وهو ظاهر المدونة والرسالة، قال فى المدونة: ومن نام جالسا أو راكبا الخطوة ونحوها فلا وضوء عليه وان استثقل نومه وطال ذلك فعليه الوضوء، ونومه راكبا قدر ما بين العشاءين طويل، ولا وضوء على من نام محتبيا فى يوم جمعة وشبهها لأنه لا يثبت.
قال أبو هريرة رضى الله تعالى عنه: ليس على المحتبى النائم ولا على القائم النائم وضوء قال ابن شهاب رحمه الله تعالى: السنة فيمن نام راكبا أو ساجدا أن عليه الوضوء.
قال ابن وهب قال ابن أبى سلمة: من استثقل نوما على أى حال كان فعليه الوضوء، ثم قال:
ومن خنق نائما أو قاعدا توضأ ولا غسل عليه، ومن فقد عقله باغماء أو سكر أو جنون توضأ وقال فى الرسالة: ويجب الوضوء من زوال العقل بنوم مستثقل أو اغماء أو سكر أو تخبط جنون.
وقال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى فالأول: زوال العقل بجنون أو اغماء أو سكر ولم يتعرض ابن الحاجب رحمه الله تعالى لكيفية نقصها فى طول أو قصر وذلك يدل على أنها ناقضة مطلقا وهو الحق خلافا لبعضهم.
وقال ابن بشير رحمه الله تعالى: والقليل فى ذلك كالكثير.
قال ابن المنير فى تيسير المقاصد ويغتفر النعاس الخفيف والأولى لأئمة المساجد تجديد الوضوء
(2)
.
قال فى الطراز قال مالك رحمه الله تعالى:
من غلبه هم حتى ذهل وذهب عقله عليه الوضوء فاذا كان قاعدا فأحب الى أن يتوضأ وعن ابن القاسم رحمه الله تعالى: أنه لا وضوء على من غلبه هم.
قال الشيخ زروق فى شرح الرسالة: وذكر التادلى أن الوضوء من غيبة العقل بالوجد والحال، ونظره غيره بمن استغرق فى حب الدنيا حتى غاب عن احساسه وفيه نظر لعدم اعتباره.
والنوع الثانى من الأسباب لمس يلتذ صاحبه به عادة وظاهره سواء كان الملموس ذكرا أم أنثى أما الأنثى فلا كلام فيها، وأما الذكر فقال ابن العلاء السبتى فى منسكه، قال بعض العقلاء: ينبغى للطائف أن يتحرز من النظر الى امرأة أو صبى حال طوافه لأن من العلماء من قال ان اللذة بالنظر تنقض الوضوء فيكون طوافه فاسدا على هذا القول. قلت: والقولان فى مذهبنا والمشهور عدم التأثير والقولان ذكرهما ابن الحاجب رحمه الله تعالى وكذلك ينبغى أيضا أن يتحرز من ملامسة الصبى فانها تنقض الطهارة عند قوم وهو مذهب القاضى عياض رحمه الله تعالى ومذهب الاصطخرى من أئمة الشافعية وكذلك ينبغى أيضا التحفظ من مصافحته ومعانقته اذا قدم من سفر.
قال القاضى عياض فى قواعده: من موجبات الوضوء اللمس للذة بين الرجال والنساء فالقبلة والجسة ولمس الغلمان أو فرج سائر الحيوان كلمس النساء قال شارحه سيدى أبو العباس رحمه الله تعالى: قوله والغلمان يعنى أن لمس الغلمان لمن قصد به اللذة كلمس النساء وهذا فعل من لا خلاق
(1)
بلغة السالك لاقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير لسيدى أحمد الدردير ج 1 ص 50، ص 51 فى كتاب على هامشه الشرح الصغير طبع المكتبة التجارية بمصر
(2)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 1 ص 294، ص 295 الطبعة السابقة
له وان وجدها دون قصد توضأ قال فى المدونة: واذا مست امرأة ذكر رجل فان كان شهوة فعليها الوضوء وان كان بغير شهوة من مرض ونحوه فلا ينتقض وضوؤها.
وقال الشارح فى قول القاضى عياض رحمه الله تعالى بين الرجال والنساء: يعنى اذا لمس الرجل المرأة ولمست المرأة الرجل، ورأيت فى بعض النسخ من الرجال والنساء ومعناه أن الوضوء ينتقض من الرجال والنساء، فلا يتوهم انه يختص بالرجال بل يوجب الوضوء على اللامس كيف كان وكما يجب على الرجل اذا لمس المرأة فكذلك يجب على المرأة اذا لمست الرجل. أما اذا لمست المرأة المرأة فلم أر من تكلم عليها والظاهر أنها كذلك.
وقال ابن فرحون رحمه الله تعالى فى شرحه:
ولمس الأمرد بلذة يوجب الوضوء كما تقدم فى المرأة، قاله القاضى عبد الوهاب فى شرح المختصر وابن العربى فى شرح الجلاب
(1)
.
قال صاحب التاج والأكليل قال ابن رشد رحمه الله تعالى اذا ثبت أن الملامسة ما دون الجماع من القبلة والمباشرة واللمس باليد فان قصد بهذه الأشياء الى الالتذاذ فالتذ فلا خلاف فى ايجاب الوضوء وان لم يقصد بها الالتذاذ ولا التذ فلا وضوء عليه فى المباشرة واللمس وأما القبلة فيجب الوضوء منها على رواية أشهب وهو دليل المدونة. وعلة ذلك أن القبلة لا تنفك من اللذة الا أن تكون صبية صغيرة يقبلها على سبيل الرحمة أو ذات محرم يقبلها على سبيل الوداع، وأما أن قصد بالملامسة اللذة فلم يلتذ فروى عيسى أن عليه الوضوء وهو ظاهر المدونة لأنه ابتغاها بلمسه، وأما ان لم يقصد بالملامسة اللذة ولكنه التذ فلا خلاف فى وجوب الوضوء.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى اذا قبل الرجل امرأته على غير الفم أو فعلت ذلك به فليتوضأ الفاعل ولا وضوء على المفعول به الا أن يلتذ، قال ابن يونس رحمه الله تعالى فى المجموعة ان قبلها على الفم مكرهة أو طائعة فليتوضأ جميعا، وروى ابن نافع رحمه الله تعالى أن من غلبته زوجته فقبلته وهو كاره ولا يجد لذة فعليه الوضوء.
وقال ابن يونس رحمه الله تعالى يريد فى هذا القول ولو فى غير الفم.
وكذلك قال أصبغ رحمه الله تعالى ان عليه الوضوء وان أكره واستغفل لما جاء أن القبلة فيها الوضوء مجملا بلا تفصيل
(2)
.
وروى عن سماع أشهب أن الرجل ان مس شعر امرأته أو جاريته تلذذا فعليه الوضوء وان مسه لغير ذلك استحسانا أو غيره فلا وضوء عليه.
وروى عن الجلاب أن مس الشعر والسن والظفر ناقض وقال اللخمى رحمه الله تعالى:
فى ذلك روايتان.
قال فى الشامل: ولا يمنع حائل مطلقا وان خف تأويلان روى ابن القاسم رحمه الله تعالى النقض مطلقا وقيده ابن زياد بما اذا كان خفيفا وحمله ابن الحاجب رحمه الله تعالى على الخلاف، وحوله فى البيان والمقدمات على التفسير، فالأول تأويل ابن الحاجب والثانى تأويل ابن رشد وهو الظاهر
(3)
.
قال ابن أبى زيد رحمه الله تعالى قول ابن بكير لذة القلب تنقض لا أعلم من قاله غير المازرى رحمه الله تعالى وجمهور أصحابنا على أن لذة النظر لا تنقض
(4)
.
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 1 ص 296، ص 297 الطبعة السابقة
(2)
التاج والاكليل لشرح مختصر لأبى عبد الله محمد بن يوسف العبدرى الشهير بالمواق ج 1 ص 296 الطبعة السابقة
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 297، ص 298 الطبعة السابقة
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 297 الطبعة السابقة السابقة
قال اللخمى رحمه الله تعالى فى تبصرته واختلف فى الانعاظ اذا لم يكن معه مسيس، فقيل: لا شئ عليه الا أن يمذى، وقيل عليه الوضوء لأنه لا ينكسر الا عن مذى وهذا مع عدم الاختبار، وأرى أن يحمل على عادته فان كان يعلم أنه لا يمذى كان على طهارته وان كانت عادته أنه يمذى نقض وان اختلفت عادته توضأ أيضا وان اختبر ذلك بالحضرة أو بعد التراخى فلم يجد شيئا كان على طهارته وان انعظ وهو فى الصلاة وكانت عادته أنه لا يمذى مضى عليها وان كان ممن يمذى قطع الا أن يكون ذلك الانعاظ ليس بالبين ولا يخشى من مثله المذى وان كان شأنه المذى بعد زوال الانعاظ ولا يخشى ذلك قبل أن يتم صلاته فانه يتمها الا أن يتبين له أن ذلك كان قبل فيقضى الصلاة ولو شك اختلف هل تجزئه الصلاة أم لا.
وقال فى التوضيح قال ابن عطاء رحمه الله تعالى انه لا وضوء فيه بمجرده فان انكسر عن مذى توضأ والا فلا وليس المذى عندى من الأمور الخفية حتى يجعل له مظنته، وسئل أبو القاسم السيورى رحمه الله تعالى عن الانعاظ بتذكر هل ينقض الوضوء أم لا فأجاب بأنه لو وقع فى الصلاة ما أفسدها فكذلك فى الوضوء وعن بعض أصحابنا هو من شأن الفحل، فان قيل لا ينكسر الا عن بلة قال قد قيل ولا ينتقض الوضوء عندى.
قال البرزلى رحمه الله تعالى ان وقع انكساره عن بلة ظهرت فى الصلاة فهو ناقض الا أن يتكرر ويشق الاحتراز منه ولا يقدر على رفعه فيكون كتكرير المذى وان ظهر بعد الصلاة فالمشهور صحتها
(1)
.
قال الحطاب: كلام سند يدل على أن اللذة بالمحرم تنقض نبه عليه ابن غازى رحمه الله تعالى، وقال فى الشامل فلا أثر لمحرم، ونحوه لابن الحاجب قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى ظاهره أنه لا وضوء وان وجدت اللذة وظاهر كلام بعض أئمة المذهب أنه اذا وجدت اللذة فى لمس ذات المحرم انتقضت الطهارة لا يبعد اجراء ذلك على الخلاف فى مراعاة الصور النادرة، وقال فى التوضيح ظاهر كلامه ولو التذ بالمحرم. وهو ظاهر الجلاب.
وقال ابن رشد رحمه الله تعالى فى أول سماع أشهب النساء على ثلاثة أقسام قسم لا يوجد فى تقبيلهن لذة وهن الصغار اللواتى لا يشته مثلهن فلا وضوء فى تقبيلهن وان قصد بذلك اللذة ووجدها بقبلة الا على مذهب من يوجب الوضوء فى التذكار بالالتذاذ، وقسم لا ينبغى فى تقبيلهن لذة وهن ذوات المحارم فلا وضوء فى تقبيلهن الا مع القصد الى الالتذاذ بذلك من الفاسق الذى لا يتقى الله تعالى لأن القصد فى تقبيلهن الحنان والرحمة فالأمر محمول على ذلك حتى يقصد سواه، وقسم يبتغى فى تقبيلهن اللذة وهن من سوى ذوات المحارم فيجب الوضوء بتقبيلهن مع وجود اللذة أو القصد اليها وان لم توجد، واختلف اذا عدم الأمران على قولين انته، واقتصر ابن عرفة رحمه الله تعالى فى المحرم على كلام ابن رشد هذا ولم يحك فيه خلافا.
والنوع الثالث من الأسباب مس ذكره المتصل ولو خنثى مشكلا أما اذا مس ذكر الغير فان حكمه فى ذلك حكم الملامسة ان قصد اللذة أو وجدها نقض والا فلا، والملموس ان وجد لذة انتقض وضوؤه قاله فى المدونة ولو قطع ذكره ثم مسه فلا أثر لذلك خلافا للشافعية.
قال فى التوضيح: على أن ابن بزيزة حكاه فى المذهب فقال اذا مس ذكر غيره من جنسه أو ذكرا مقطوعا أو ذكر صبى أو فرج صبية فهل عليه الوضوء أم لا. فيه قولان فى المذهب قال فى التوضيح قال ابن هارون رحمه الله تعالى:
ولو مس موضع الجب فلا نص عندنا وحكى الغزالى أن عليه الوضوء والجارى على أصلنا ففيه لعدم اللذة غالبا.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 298 الطبعة السابقة
قال الحطاب
(1)
: نص عليه ابن شعبان رحمه الله تعالى فى الزاهى فقال والخصى المجبوب مثل المرأة والخصى القائم الذكر مثل الرجل فى ذلك خاصة. والعنين والحصور الذى لا يأتى النساء فى ذلك كله سواء على ظاهر الحديث لا القياس. واذا مس المتوضئ ذكره على حائل فحكى ابن الحاجب فيه ثلاثة أقوال يفرق فى الثالث بين الخفيف فينقض وبين الكثيف فلا ينقض، وقال فى المقدمات الأشهر رواية ابن وهب رحمه الله تعالى لا وضوء عليه.
وقال فى البيان وان كان كثيفا فلا وضوء عليه قولا واحدا، والظاهر عدم النقض مطلقا لما فى صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. من أفضى بيده الى فرجه ليس بينهما ستر ولا حجاب فقد وجب عليه الوضوء للصلاة.
وقال ابن العربى: اذا مس خنثى ذكره وقلنا بانتقاض الوضوء بالشك انتقض وضوؤه لاحتمال أن يكون رجلا وكذلك أن مس فرجه فى الفتوى
(2)
.
وذكر صاحب التاج والاكليل: نقلا عن ابن يونس رحمه الله تعالى أن الوضوء لا ينتقض من مس شرج ولا رفغ
(3)
الا من مس الذكر وحده بباطن الكف أو بباطن الأصابع فان مس بظاهر يده أو بباطن ذراعه أو بظاهره لم ينتقض وضوؤه ومن مس ذكره بغير تعمد فأحب الى أن يتوضأ، روى ابن وهب رحمه الله تعالى أنه لا وضوء الا ان تعمده.
وروى عن ابن القاسم رحمه الله تعالى أن من ارتد عن الاسلام ثم راجع الاسلام قبل أن ينتقض وضوؤه فأحب الى أن يتوضأ وقال يحيى ابن عمر: بل واجب عليه أن يتوضأ لقول الله عز وجل «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}
(4)
» وينتقض الوضوء بشك فى حدث بعد طهر، هذا اذا شك قبل الصلاة أما اذا صلى ثم شك هل أحدث أم لا ففيه قولان، ذكرهما الباجى فى المنتقى فى مسئلة من رأى فى ثوبه احتلاما لا يدرى متى وقع منه.
وقال سند: رحمه الله تعالى: الشك فى الحدث له صورتان: احداهما أن يتخيل له الشئ فلا يدرى ما حقيقته أهو حدث أم لا، والأخرى أن يشك هل بال أو تغوط وشبهه أما من شك هل أحدث بعد وضوئه فالمذهب أنه يتوضأ وهل ذلك واجب أم لا؟ ظاهر الكتاب أنه واجب وقال ابن القصار:
روى ابن وهب عن مالك رحمه الله تعالى:
أحب الى أن يتوضأ ثم قال: وأما الصورة الثانية وهى أن يتخيل له الشئ لا يدرى هل هو حدث أو غيره فظاهر المذهب أنه لا شئ عليه وقد نص على ذلك ابن حبيب رحمه الله تعالى.
ويستثنى المستنكح من الشاك - وهو الذى يشك فى كل وضوء وصلاة أو يطرأ له ذلك فى اليوم مرة أو مرتين - ولا ينتقض الوضوء بمس دبرا خلافا للشافعى وحمديس من أصحابنا ولا بمس انثيين - وهما الخصيتان - خلافا لعروة بن الزبير فانه أدخلهما فى معنى الفرج ولا بمس صغيرة وكذا فرج صغيرة خلافا للشافعى، ولا ينتقض بأكل جزور خلافا لأحمد ولا بمس ولا ينتقض بأكل جزور خلافا لأحمد ولا يمس صليب وذبح بهيمة ومس وثن وكلمة قبيحة وقلع ضرس وانشاد شعر خلافا لقوم، ولا بخروج دم حجامة وفصادة خلافا لأبى حنيفة ولا بقهقهة خلافا لأبى حنيفة قاله فى الذخيرة. وفرج البهيمة لا يوجب وضوءا خلافا لليث لأنه مظنة اللذة
(5)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 298، ص 299 الطبعة السابقة
(2)
الرفع بضم الراء وسكون الفاء وبالغين المعجمة ص 299، ص 300 الطبعة السابقة
(3)
الرفع بضم الراء وسكون الفاء وبالغين المعجمة وهو أعلى اصل الفخذ مما يلى الجوف ويقال بفتح الراء وقيل هو العصب الذى بين الشرج والذكر
(4)
الآية رقم 65 من سورة الزمر
(5)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 1 ص 301، ص 302 الطبعة السابقة
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن أسباب الحدث الأصغر أربعة أحدها خروج شئ - عينا كان أو ريحا طاهرا أو نجسا جافا أو رطبا معتادا كبول أو نادرا كدم، انفصل أولا قليلا أو كثيرا طوعا أو كرها - من قبل المتوضئ الحى الواضح ولو بخروج الولد أو من أحد ذكرين يبول بهما أو أحد فرجين يبول بأحدهما ويحيض بالآخر، فان بال بأحدهما أو حاض به فقط اختص الحكم به أما المشكل فان خرج الخارج من فرجيه جميعا فهو محدث وان خرج من أحد فالحكم كما لو خرج من ثقبة تحت المعدة مع انفتاح الأصلى وسيأتى أنه لا نقض بها، أو خروج شئ من دبر المتوضئ الحى والأصل فى ذلك قول الله عز وجل «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ} الآية
(1)
».
وحديث الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى المذى: يغسل ذكره ويتوضأ وفيهما اشتكى الى النبى صلى الله عليه وسلم الذى يخيل اليه انه يجد الشئ فى الصلاة قال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا والمراد العلم بخروجه لا سمعه ولا شمه وليس المراد حصر الناقض فى الصوت والريح بل نفى وجوب الوضوء بالشك فى خروج الريح ويقاس بما فى الآية والأخبار كل خارج مما ذكر وان لم تدفعه الطبيعة كعود خرج من الفرج بعد أن دخل فيه ولو انسد مخرجه الأصلى من قبل أو دبر بأن لم يخرج شئ منه وان لم يلتحم وانفتح مخرج بدله تحت معدته فخرج منه المعتاد خروجه كبول نقض اذ لا بد للانسان من مخرج يخرج منه ما تدفع الطبيعة فأقيم هذا مقامه، وكذا نادر كدود ودم فى الأظهر لقيامه مقام الأصلى، وكما ينقض الخارج النادر منه فكذلك هذا أيضا، والثانى لا لأنا انما أقمناه مقام الأصلى للضرورة ولا ضرورة فى خروج غير المعتاد، وما تقرر من الاكتفاء بأحد المخرجين هو ظاهر كلام الجمهور وهو المعتمد، وان صرح الصيمرى باشراط انسدادهما وقال لو انسد أحدهما فالحكم للباقى لا غير، أو انفتح فوق المعدة - والمراد فوق تحتها حتى تدخل هى بأن انفتح فى السرة أو بمحاذيها أو فيما فوق ذلك - والأصلى منسد، أو تحتها وهو منفتح فلا ينقض الخارج منه فى الأظهر أما فى الأولى فلأن ما يخرج من فوق المعدة أو منها أو من محاذيها لا يكون مما أحالته الطبيعة لأن ما تحيله تلقيه الى أسفل فهو بالقئ أشبه وأما فى الثانية فلا ضرورة الى جعل الحادث مخرجا مع انفتاح الأصلى والقول الثانى فى المقابل للأظهر ينقض فيهما ولو نادرا أما فى الأولى فلأنه لا بد من مخرج وأما فى الثانية فلأنه كالمخرج المعتاد وحيث أقمنا المنفتح كالأصلى انما هو بالنسبة للنقض بالخارج منه فلا يجزئ فيه الحجر ولا ينتقض الوضوء بمسه ولا يجب الغسل ولا غيره من أحكام الوط ء بالايلاج فيه ولا يحرم النظر اليه حيث كان فوق العورة.
قال الماوردى رحمه الله تعالى هذا من الانسداد العارض أما الخلقى فينقض معه الخارج من المنفتح مطلقا والمنسد حينئذ كعضو زائد من الخنثى لا وضوء بمسه ولا غسل بايلاجه والايلاج فيه وظاهر كلام الماوردى ان الحكم حينئذ للمنفتح مطلقا حتى يجب الوضوء بمسه والغسل بايلاجه والايلاج فيه وغير ذلك وهو كذلك كما اعتمده شيخى رحمه الله تعالى وان استبعده بعض المتأخرين ومما يرد الاستبعاد أن الانسان لو خلق له ذكر فوق سرته يبول منه ويجامع به ولا ذكر له سواه ألا ترى أنا ندير الأحكام عليه ولا ينبغى ان يقال أنا نجعل له حكم النقض فقط ولا حكم له غير ذلك
(2)
.
والسبب الثانى زوال العقل أى زوال التمييز بنوم أو غيره كاغماء وسكر وجنون وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: العينان
(1)
الآية رقم 6 من سورة النساء
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 32 وما بعدها الى ص 34 فى كتاب على هامشه المنهاج
وكاء السه
(1)
فمن نام فليتوضأ رواه أبو داود وغيره والمعنى فيه ان اليقظة هى الحافظة لما يخرج والنائم قد يخرج منه الشئ ولا يشعر به وغير النوم مما ذكر أبلغ منه فى الذهول الذى هو مظنة لخروج شئ من الدبر كما أشعر به الخبر أما النعاس وحديث النفس وأوائل نشوة السكر فلا نقض بها، ولو شك هل نام أو نعس أو نام ممكنا أولا لم ينقض ولو تيقن الرؤيا وشك فى النوم انتقض لأنها من علاماتها الا نوم ممكن مقعده من مقره من أرض أو غيرها فلا ينقض وضوؤه ولو مستندا الى ما لو زال لسقط لأمن خروج شئ حينئذ من دبره ولا عبرة باحتمال خروج ريح من قبله لأنه نادر ومثل ذلك ما لو نام متمكنا بالمنفتح الناقض كما يؤخذ من كلام التنبيه ولقول أنس رضى الله تعالى عنه كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون رواه مسلم، وفى رواية لأبى داود:
ينامون حتى تخفق رءوسهم الأرض، وحمل على نوم الممكن جمعا بين الحديثين، ودخل فى ذلك ما لو نام محتبيا، ولا فرق فى ذلك بين النحيف وغيره وهو ما صرح به فى الروضة وغيرها، وقال ابن الرفعة رحمه الله تعالى انه المذهب، ونقل الرافعى رحمه الله تعالى فى الشرح الصغير عن الرويانى ان النحيف ينتقض وضوؤه وقال الأذرعى أنه الحق وجمع شيخى بينهما بأن عبارة الروضة محمولة على نحيف لم يكن بين مقره ومقعده تجاف والشرح على خلافه وهو جمع حسن لكن عبارة الشرح الصغير بين بعض مقعده ومقره تجاف فيكون الفرق التجافى الكامل ولا تمكين لمن نام على قفاه ملصقا مقعده بمقره وكذا لو تحفظ بخرقة ونام غير قاعد، ولو نام متمكنا فسقطت يده على الأرض لم ينتقض ما لم تزل اليته عن التمكن ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لا ينتقض وضوؤه بنومه مضطجعا ويستحب الوضوء من النوم متمكنا خروجا من الخلاف
(2)
.
السبب الثالث: التقاء بشرتى الرجل والمرأة لقول الله عز وجل «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ}
(3)
» أى لمستم فعطف اللمس على المجئ من الغائط ورتب عليهما الأمر بالتيمم عند فقد الماء فدل على أنه حدث كالمجئ من الغائط لا جامعتم لأنه خلاف الظاهر اذ اللمس لا يختص بالجماع قال تعالى «فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}
(4)
».
وقال صلى الله عليه وسلم: (لعلك لمست) ولا فرق فى ذلك بين ان يكون بشهوة أو اكراه أو نسيان أو يكون الذكر ممسوحا أو خصيا أو عنينا أو المرأة عجوزا شوهاء أو كافرة بتمجس أو غيره أو حرة أو رقيقة أو العضو زائدا أو أصليا سليما أو أشل أو أحدهما ميتا لكن لا ينتقض وضوء الميت واللمس الجس باليد والمعنى فيه أنه مظنة ثوران الشهوة ومثله فى ذلك باقى صور الالتقاء فألحق به بخلاف النقض بمس الفرج كما سيأتى فانه يختص ببطن الكف لأن المس انما يثير الشهوة ببطن الكف واللمس يثيرها به وبغيره. والبشرة ظاهر الجلد وفى معناها اللحم كلحم الاسنان واللسان واللثة وباطن العين أما اذا كان على البشرة حائل ولو رقيقا فلا ينقض نعم لو كثر الوسخ على البشرة من العرق فان لمسه ينقض لأنه صار كالجزء من البدن بخلاف ما اذا كان من غبار. ولا ينقض التقاء بشرتى الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة أو الخنثى مع الرجل أو المرأة ولو بشهوة لانتفاء مظنتها ولاحتمال التوافق فى صور الخنثى هذا اذا التقى بشرتا الرجل والمرأة غير المحرم أما المحرم
(5)
له بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا ينقض لمسها ولو بشهوة فى الأظهر لأنها ليست مظنة للشهوة بالنسبة اليه كالرجل وهى من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها والقول الثانى المقابل للأظهر تنقض لعموم الآية والأصح الجواز، وقيل لا ينقض
(1)
السه بسين مشددة مفتوحة وهاء حلقة الدبر والوكاء بكسر الواو والمد: الخيط الذى يربط به الشئ
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 34، ص 35 الطبعة السابقة
(3)
الآية رقم 6 من سورة النساء
(4)
الآية رقم 7 من سورة الأنعام
(5)
المحرم من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها
المحرم من النسب وينقض من غيره ولو شك فى المحرمية لم ينتقض وضوؤه لأن الأصل الطهارة وظاهر كلامهم ان الحكم كذلك وان اختلطت محرمه بأجنبيات غير محصورات وهو كذلك فقول الزركشى ان اللمس فى هذه الحالة ينقض لأنه لو نكحها جاز بعيد لأن الطهر لا يرفع بالشك ولا بالظن. نعم ان تزوج بواحدة منهن انتقض وضوؤه بلمسها لأن الحكم لا يبتعض ومثل ذلك ما لو تزوج بامرأة مجهولة النسب واستلحقها أبوه ولم يصدقه فان النسب يثبت فتصير أختا له ولا ينفسخ نكاحه وينتقض وضوءه بلمسها لما تقدم، ومثله كذلك ما لو شك هل رضع من هذه المرأة خمس رضعات فتصير أمه أولا وما لو شك هل رضعت هذه المرأة على أمه خمس رضعات فتصير أخته أولا فيأتى فى ذلك التفصيل المذكور وهو ان لمسها لا ينتقض وضوءه ان لم يتزوج بها لأنا لا ننقض الطهارة بالشك واذا تزوج بها لا نبعض الأحكام.
وكما أفتى بذلك شيخى رحمه الله تعالى.
والملموس رجلا كان أو امرأة مثل اللامس فى نقض وضوئه فى الأظهر لاستوائهما فى لذة اللمس كالمشتركين فى لذة الجماع فهما كالفاعل والمفعول.
القول الثانى المقابل للأظهر لا نقض وقوفا مع ظاهر الآية وكما فى مس ذكر غيره وفرق المتولى بأن الملامسة مفاعلة وممن لمس انسانا فقد حصل من الآخر اللمس له.
وأما الملموس فلم يحصل منه مس الذكر وانما حصل له مس اليد والشارع أناط الحكم بمس الذكر، وأجيب عما رواه مسلم عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الفراش ليلة فالتمسته فوقعت يدى على بطن قدميه وهو فى سجوده وهما منصوبتان وهو يقول اللهم انى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك الخ باحتمال الحائل. ولا تنقض صغيرة ولا صغير لم يبلغ كل منهما حدا يشته عرفا وقيل من له سبع سنين فما دونها لانتفاء مظنة الشهوة بخلاف ما اذا بلغاها وان انتفت بعد ذلك لنحو هرم. ولا ينقض شعر وسن وظفر وعظم اذا كانت هذه المذكورات متصلات فى الأصح لأن معظم الالتذاذ فى هذه الحالة انما هو بالنظر دون اللمس.
والقول الثانى المقابل للأصح تنقض أما فى الصغيرة فلعموم الآية وأما فى البواقى من لمس ذلك خروجا من الخلاف أما اذا انفصلت فلا تنقض قطعا ولا ينقض العضو المبان غير الفرج، ولو قطعت المرأة نصفين هل ينقض كل منهما أولا؟ وجهان والأقرب عدم الانتقاض.
وقال الناشرى لو كان أحد الجزأين أعظم نقض دون غيره، والذى يظهر أنه ان كان بحيث يطلق عليه اسم امرأة نقض والا فلا، وتقدم أنه ينتقض الوضوء بلمس الميت ونقل ابن الرفعة فى كفايته عن الرافعى رحمه الله تعالى عدم النقض بلمس الميت ونسب للوهم
(1)
.
والسبب الرابع مس قبل الآدمى ذكرا كان أو أنثى من نفسه أو غيره متصلا كان أو منفصلا ببطن الكف من غير حائل لخبر من مس فرجه فليتوضأ «رواه الترمذى وصححه ولخبر ابن حبان رضى الله تعالى عنه اذا أفضى أحدكم بيده الى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ» والافضاء لغة المس ببطن الكف، فثبت النقض فى فرج نفسه بالنص، فيكون فى فرج غيره أولى لأنه أفحش لهتك حرمة غيره ولهذا لا يتعدى النقض اليه، وقيل فيه خلاف الملموس، وتقدم الفرق بينهما، وأما خبر عدم النقض بمس الفرج.
فقال ابن حبان رحمه الله تعالى وغيره أنه منسوخ، والمراد بالمس مس جزء من الفرج بجزء من بطن الكف - وبطن الكف الراحة مع بطون الأصابع - والأصابع الزائدة ان كانت
(1)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 35 وما بعدها الى ص 37 الطبعة السابقة
على سنن الأصابع انتقض بالمس بها والا فلا خلافا لما نقله فى المجموع عن الجمهور من اطلاق النقض بها، والمراد بفرج المرأة ملتقى الشفرين على المنفذ فلا نقض بمس الانثيين ولا باطن الأليين ولا ما بين القبل والدبر ولا العانة، وما أفتى به القفال رحمه الله تعالى من ان مس شعر الفرج ينقض ضعيف، ومس بعض الذكر المبان كمس كله الا ما قطع فى الختان اذ لا يقع عليه اسم الذكر قاله الماوردى رحمه الله تعالى: وأما قبل المرأة والدبر فالمتجه أنه ان بقى اسمهما بعد قطعهما نقض مسهما والا فلا لأن الحكم منوط بالاسم ويؤخذ من ذلك ان الذكر لو قطع ودق حتى صار لا يسمى ذكرا ولا بعضه أنه لا ينقض وهو كذلك، ومن له كفان نقضتا بالمس سواء أكانتا عاملتين أم غير عاملتين لا زائدة مع عاملة فلا تنقض على الأصح فى الروضة بل الحكم للعاملة فقط، وصحح فى التحقيق النقض بغير العامل أيضا، وعزاه فى المجموع لاطلاق الجمهور.
ثم نقل الأول عن البغوى رحمه الله تعالى فقط، وجمع ابن العماد رحمه الله تعالى بين الكلامين فقال كلام الروضة فيما اذا كان الكفان على معصومين، وكلام التحقيق فيما اذا كانتا على معصم واحد، أى وكانت على سمت الأصلية كالأصبع الزائدة - ومن له ذكران نقض المس لكل منهما سواء أكانا عاملين أم غير عاملين لا زائد مع عامل ومحله كما قال الاسنوى رحمه الله تعالى نقلا عن الفورانى اذا لم يكن مسامتا للعامل والا فهو كأصبع زائدة مسامتة للبقية فينقض، وكذا فى الجديد ينقض الوضوء مس حلقة دبر الآدمى لأنه فرج وقياسا على القبل بجامع النقض بالخارج منهما، والقديم لا نقض بمسها لأنه لا يلتذ بمسها، والمراد بها ملتقى المنفذ لا ما وراءه جزما. ولا ينقض مس فرج بهيمة أو طير فى الجديد قياسا على عدم وجوب ستره وعدم تحريم النظر اليه والقديم - وحكاه جمع جديد - أنه ينقض لأنه كفرج الآدمى فى وجوب الغسل بالايلاج فيه فكذا فى المس، وينقض مس فرج الميت والصغير لشمول الاسم ومحل الجب - أى القطع للفرج - والذكر الأشل - وهو الذى ينقبض ولا ينبسط أو بالعكس - وينبغى ان يكون مثل ذلك الفرج الأشل، وينقض المس باليد الشلاء - وهو التى بطل عملها - فى الأصح لأن محل الجب فى معنى الفرج ومحل الخلاف اذا جب الذكر من أصله فان بقى منه شاخص نقض قطعا ولشمول الاسم فى الباقى والقول الثانى المقابل للأصح لا تنقض المذكورات لانتفاء الفرج فى محل الجب ولانتفاء مظنة الشهوة فى غيره قال فى المجموع: ولو نبت موضع الجب جلدة فمسها كمسه بلا جلدة، هذا كله اذا كان الممسوس واضحا فان كان مشكلا فاما ان يكون الماس له واضحا أو مشكلا وفى ذلك تفصيل وهو أنه ان مس مشكل فرجى مشكل أو فرجى مشكلين بأن مس آلة الرجال من أحدهما وآلة النساء من الآخر، أو فرجى نفسه انتقض وضوءه لأنه مس فى غير الثانية ومس أو لمس فى الثانية الصادقة بمشكلين غيره وبنفسه ومشكل آخر لكن يعتبر فيها ان لا يمنع من النقص مانع من محرمية أو غيرها ولا ينتقض بمس أحدهما فقط لاحتمال زيادته، ولو مس أحدهما وصلى الصبح مثلا ثم مس الآخر وصلى الظهر مثلا أعاد الأخرى ان لم يتوضأ بين المسين عن حدث أو عن المسن احتياطا ولم يظهر له الحال لأنه محدث عندها قطعا بخلاف الصبح اذ لم يعارض شئ وان مس رجل ذكر خنثى أو مست امرأة فرجه انتقض وضوء الماس اذا لم يكن بينهما محرمية أو غيرها مما يمنع النقض كما علم مما مر لأنه ان كان مثله فقد انتقض وضوءه بالمس والا فباللمس، بخلاف ما اذا مس الرجل فرج الخنثى أو مست المرأة ذكره فانه لا نقض لاحتمال زيادته، ولو مس أحد مشكلين ذكر صاحبه والآخر فرجه أو فرج نفسه انتقض واحد منهما لا بعينه لأنهما ان كانا رجلين فقد انتقض الماس الذكر وان كانا امرأتين فلماس الفرج وان كانا مختلفين فلكليهما باللمس واذا لم يكن بينهما ما يمنع النقض كما مر الا ان هذا غير متعين فلم يتعين الحدث فيهما فلكل ان يصلى،
ولا ينقض المس برأس الأصابع وما بينهما وحرفها وحرف الكف لخروجها عن سمت الكف وضابط ما ينقض ما يستر عند وضع احدى اليدين على الأخرى مع تحامل يسير
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن نواقض الوضوء ثمانية أنواع:
أحدها: الخارج من السبيلين الى ما هو فى حكم الظاهر، ويلحقه حكم التطهير من الحدث والخبث لقول الله عز وجل «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ}
(2)
.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولكن من غائط أو بول) الحديث، وقوله فى المذى يغسل ذكره ويتوضأ، وقوله لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.
ويستثنى من ذلك من حدثه دائم فلا يبطل وضوءه بالحدث الدائم للحرج والمشقة قليلا كان الخارج أو كثيرا لعموم ما تقدم، نادرا كان أو معتادا، أما المعتاد كالبول والغائط والودى والمذى والريح فلما تقدم وأما النادر كالدم والدود والحصى.
فلما روى عروة عن فاطمة بنت حبيش رضى الله تعالى عنها أنها كانت تستحاض فسألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال اذا كان دم الحيض فانه أسود يعرف فاذا كان كذلك فامسكى عن الصلاة واذا كان الآخر فتوضئ وصلى فانما هو دم عرق رواه أبو داود والدار قطنى وقال اسناده كلهم ثقات فأمرها بالوضوء ودمها غير معتاد فيقاس عليه ما سواه وسواء كان طاهرا - كولد بلا دم - أو نجسا كالبول وغيره فينقض الخارج من السبيلين ولو كان ريحا من قبل أنثى أو من ذكر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (لا وضوء الا من حدث أو ريح) رواه الترمذى وصححه من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه وهو الشامل للريح من القبل.
وقال ابن عقيل رحمه الله تعالى يحتمل أن يكون الأشبه بمذهبنا أن لا ينقض لأن المثانة ليس لها منفذ الى الجوف ولم يجعلها أصحابنا جوفا فلم يبطلوا الصوم بالحقنة فيها قال فى المغنى ولا نعلم لخروج الريح من القبل وجودا ولا نعلم وجوده فى حق أحد فلو احتمل المتوضئ فى قبل أو دبر قطنا أو ميلا ثم خرج ولو بلا بلل نقض صححه فى مجمع البحرين ونصره.
وقال فى تصحيح الفروع: وهو الصواب، وخروجه بلا بلة نادر جدا فعلق الحكم على المظنة وقيل لا ينقض ان خرج بلا بلل قال فى تصحيح الفروع والأنصاف: وهو ظاهر نقله عبد الله عن الامام أحمد وذكره القاضى فى المجرد وصححه ابن حمدان وقدمه ابن رزين فى شرحه قال فى شرح المنتهى وهو المذهب. ولو قطر فى احليله دهنا أو غيره من المائعات ثم خرج نقض لأنه لا يخلو من بلة نجسة تصحبه أو خرجت الحقنة من الفرج نقضت أو ظهر طرف مصران أو رأس دودة نقض.
قال فى الأنصاف على الصحيح من المذهب وكلامه فى الفروع كخروج المقعدة فعليه لا نقض بلا بلل، ولو وطئ دون الفرج فدب ماؤه فدخل فرجها ثم خرج نقض، ولو استدخلت منى الرجل أو استدخلت منى امرأة أخرى ثم خرج نقض الوضوء لأنه خارج من السبيلين ولم يجب عليها الغسل لأنه لم يخرج دفقا بشهوة فان لم يخرج من الحقنة شئ أو لم يخرج من المنى شئ لم ينقض الوضوء لكن ان كان المحتقن أو الحاقن قد أدخل رأس الزراقة ثم أخرجه نقض لأنه خارج من سبيل، ولو ظهرت مقعدته فعلم أن عليها بللا ولو لم ينفصل انتقض وضوءه بالبلل الذى عليها لأنه خارج من سبيل ولا ينقض وضوءه ان جهل ان عليها بللا لأنه لا نقض بالشك ولو صب دهنا أو غيره فى أذنه فوصل الى دماغه ثم خرج منها أو خرج من فيه لم ينقض لأنه خارج طاهر
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 37، ص 38 نفس الطبعة
(2)
جزء من الآية رقم 6 من سورة المائدة
من غير السبيل أشبه البصاق. ولا ينقض يسير نجس خرج من أحد فرجى خنثى مشكل غير بول وغائط فانه ينقض مطلقا وكذا اليسير اذا خرج منها لأن أحدهما أصلى ولا بد
(1)
.
الثانى من النواقض خروج النجاسات من بقية البدن فان كانت النجاسات غائطا أو بولا نقض ولو قليلا من تحت المعدة أو فوقها سواء كان السبيلان مفتوحين أو مسدودين لما تقدم من عموم قول الله عز وجل «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ}
(2)
».
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولكن من غائط وبول) ولأن ذلك معتاد خارج أشبه الخارج من المخرج لكن لو انسد المخرج وفتح غيره فأحكام المخرج باقية مطلقا وفى النهاية الا ان يكون سد خلقة فسبيل الحدث المنفتح والمسدود كعضو زائد من الخنثى. ولا يثبت للمنفتح أحكام المعتاد فلا ينقض خروج ريح منه ولا يجزئ الاستجمار فيه وغير ذلك كوجوب الغسل بالايلاج فيه وخروج المنى منه لأنه ليس بفرج وان كانت النجاسات الخارجة من غير السبيلين غير الغائط والبول كالقئ أو الدم والقيح ودود الجرح لم ينقض الا كثيرها أما كون الكثير ينقض فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث فاطمة رضى الله تعالى عنها أنه دم عرق فتوضئ لكل صلاة رواه الترمذى ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيلين وأما كون القليل من ذلك لا ينقض فلمفهوم قول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى الدم اذا كان فاحشا فعليه الاعادة.
قال احمد رحمه الله تعالى عدة من الصحابة تكلموا فيه، ابن عمر عصر بثرة فخرج الدم فصلى ولم يتوضأ وابن أبى أوفى عصر دملا وذكر غيرهما ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان اجماعا والكثير ما فحش فى نفس كل أحد بحسبه نص عليه واحتج بقول ابن عباس: الفاحش ما فحشى فى قلبك.
وقال ابن عقيل انما يعتبر ما يفحش فى نفوس أوساط الناس، فلو مص علق أو قراد - لا ذباب وبعوض - دما كثيرا نقض الوضوء وكذا لو استخرج كثيره بقطنة لأن الفرق بين ما خرج بنفسه أو بمعالجته لا أثر له فى نقض الوضوء أو عدمه بخلاف مص بعوض وبق وذباب وقمل وبراغيث لقلته ومشقة الاحتراز منه، ولو شرب انسان ماء أو نحوه وقذفه فى الحال فنجس ولو لم يتغير لأن نجاسته بوصوله الى الخوف لا باستحالته وينقض كثير مقذوف فى الحال لما روى معدان بن أبى طلحة، عن أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ قال فلقيت ثوبان فى مسجد دمشق فقال صدق أنا سكبت له وضوءه رواه الترمذى وقال هذا أصح شئ فى هذا الباب ولا ينقض بلغم معدة وصدر ورأس لطهارته كالبصاق والنخامة لأنها تخلق من البدن ولا ينقض أيضا جشاء نصا - وهو القلس
(3)
.
الثالث من النواقض: زوال العقل كحدوث جنون أو برسام كثيرا كان أو قليلا - أو تغطيته باغماء أو سكر قليل أو كثير.
قال فى المبدع اجماعا على كلا الأحوال لأن هؤلاء لا يشعرون بحال بخلاف النائم، ولو كانت تغطيته بنوم.
قال أبو الخطاب محفوظ وغيره ولو تلجم فلم يخرج منه شئ الحاقا بالغالب لأن الحس يذهب معه، ولعموم حديث على العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
وعن معاوية قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين وكاء السه فاذا نامت العينان
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 1 ص 90 وما بعدها الى ص 92 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
الآية رقم 6 من سورة المائدة
(3)
القلس بالتحريك وقيل بسكون اللام هو ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقئ لكن حكمه حكم القئ فى النجاسة فان عاد فهو قئ
استطلق الوكاء رواه أحمد والدار قطنى ولأن النوم ونحوه مظنة الحدث فأقيم مقامه، الا نوم النبى صلى الله عليه وسلم ولو كثيرا على أى حال كان فانه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، والا النوم اليسير عرفا من جالس وقائم لقول أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفف رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون رواه أبو داود باسناد صحيح.
ولقول ابن عباس فى تهجده صلى الله عليه وسلم فجعلت اذا غفيت يأخذ بشحمة أذنى رواه مسلم ولأن الجالس والقائم يشتبهان فى الانحفاظ واجتماع المخرج وربما كان القائم أبعد من الحدث لكونه لو استثقل فى النوم سقط فان شك فى هل كان نومه كثيرا أو يسيرا لم يلتفت اليه لتيقنه الطهارة وشكه فى نقضها، وان رأى فى نومه رؤيا فهو كثير نص عليه.
قال الزركشى رحمه الله تعالى: لا بد فى النوم الناقض من الغلبة على العقل فمن سمع كلام غيره وفهمه فليس بنائم فان سمعه ولم يفهمه فيسير قال واذا سقط الساجد عن هيئته أو القائم عن قيامه ونحو ذلك بطلت طهارته لأن أهل العرف يعدون ذلك كثيرا، وان خطر بباله شئ لا يدرى أرؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه لتيقنه الطهارة وشكه فى الحدث وينقض النوم اليسير من راكع وساجد كمضطجع وقياسهما على الجالس مردود بأن محل الحدث فيهما منفتح بخلاف الجالس، وينقض اليسير أيضا من مستند ومتكئ ومحتب كمضطجع بجامع الاعتماد
(1)
.
الرابع من نواقض الوضوء مس ذكر آدمى الى أصول الأنثيين مطلقا أى سواء كان الماس ذكرا أو أنثى بشهوة أو غيرها ذكره أو ذكر غيره لحديث بسرة بنت صفوان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من مس ذكره فليتوضأ رواه مالك والشافعى وأحمد وغيرهم وصححه أحمد وابن معين.
وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال اذا أفضى أحدكم الى ذكره فقد وجب عليه الوضوء رواه الشافعى وأحمد، وفى رواية له: وليس دونه ستر.
وما روى قيس بن طلق عن أبيه ان النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره وهو فى الصلاة هل عليه وضوء؟ قال لا انما هو بضعة منك. فضعفه الشافعى وأحمد. وانما ينقض الوضوء مس الذكر اذا كان المس بيده فلا ينقض المس بغير يده لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه السابق، وسواء كان المس ببطن كفه أو بظهره أو بخرقة للعموم فالمراد باليد من رؤس الأصابع الى الكوع كالسرقة غير ظفر فلا ينقض المس به لأنه فى حكم المنفصل من غير حائل لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم وليس دونه ستر، فان مسه من وراء حائل لم ينقض لأنه انما مس الحائل ولا فرق فى نقض الوضوء اذا مس ذكرا بيده بين أن تكون اليد أصلية أو زائدة للعموم وينقض مس الذكر بفرج غير ذكر فينقض مس الذكر بقبل أنثى أو دبر مطلقا بلا حائل لأنه أفحش من مسه باليد ولا ينقض مس ذكر بذكره ولا ينقض وضوء ملموس ذكره أو ملموس قبله أو ملموس دبره لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم أمر الماس بالوضوء ولو انتقض وضوء الملموس لأمره أيضا به، ولا ينقض مس ذكر بائن لذهاب حرمته، ولا ينقض أيضا مس محل الذكر المقطوع من أصول الاثنيين كسائر البدن لأنه لم يمس ذكرا، ولا ينقض أيضا مس قلفة
(2)
بعد قطعها لزوال الاسم والحرمة وأما قبل قطعها فينقض مسها كالحشفة لأنها من الذكر ولا ينقض مس فرج امرأة بائن لما تقدم ولا ينقض
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 92، ص 93 نفس الطبعة
(2)
القلفة بضم القاف وسكون اللام هى الجلدة التى تقطع فى الختان (انظر ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة لطاهر أحمد الزاوى ج 3 ص 603 مادة قلف الطبعة الأولى طبع مطبعة الاستقامة بمصر سنة 1959
مس غير فرج كالمنفتح فوق المعدة أو تحتها مسدودا كان الأصلى أو منفتحا بأصل الخلقة أولا لأنه عضو زائد لا يثبت له حكم المعتاد ولا ينقض مس الذكر بغير يد كالذراع غير ما تقدم من مس الذكر بفرج غيره فانه ينقض، ولا ينقض مس ذكر زائد لأنه ليس فرجا فان لمس رجل أو امرأة أو خنثى قبل خنثى مشكل وذكره ولو كان الخنثى اللامس لقبل نفسه وذكره نقض الوضوء لأن لمس الفرج متيقن لأن الخنثى ان كان ذكرا فقد لمس ذكره وان كان أنثى فقد لمس فرجها، ولا ينقض الوضوء ان لمس ذكر الخنثى أو قبله فقط لاحتمال أن يكون غير فرج فلا ينقض الوضوء مع قيام الاحتمال الا ان يمس الرجل ذكر الخنثى بشهوة فانه ينقض وضوء اللامس لأن الخنثى ان كان ذكرا فقد مس ذكرا أصليا وان كان أنثى فقد مس الرجل امرأة لشهوة وينقض الوضوء اذا مست فرج الخنثى بشهوة لأن الخنثى ان كان امرأة فقد لمست المرأة فرج امرأة وان كان ذكرا فقد لمسته بشهوة وينقض مس حلقة دبر من الماس - بأن يمس حلقة دبر نفسه أو حلقة دبر من غيره بأن يمس حلقة دبر غيره ذكرا كان أو أنثى، وينقض أيضا مس امرأة فرجها الذى بين شفريها - وهو مخرج بول ومنى وحيض - لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس فرجه فليتوضأ رواه ابن ماجه وغيره.
والفرج اسم جنس مضاف فيعم، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ رواه أحمد من حديث عمرو بن شعيب رضى الله تعالى عنه واسناده جيد اليه ولا ينقض مس امرأة شفريها - وهما اسكتاها - وينقض مس امرأة فرج أخرى، وينقض مس رجل فرجها وينقض مسها ذكره ولو من غير شهوة لأنه اذا انتقض وضوء الانسان بمس فرجه نفسه مع كون الحاجة تدعو الى مسه وهو جائز فلأن ينقض بمس فرج غيره مع كونه معصية أولى
(1)
الخامس من النواقض مس بشرة الذكر بشرة أنثى لشهوة لقول الله عز وجل «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ}
(2)
» وأما كون اللمس لا ينقض الا اذا كان لشهوة فللجمع بين الآية والأخبار لأنه روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدى على بطن قدميه وهو فى المسجد وهما منصوبتان «رواه مسلم» ونصبهما دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى.
وروى عنها أيضا قالت: كنت أنام بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاى فى قبلته فاذا سجد غمزنى فقبضت رجلى، متفق عليه، والظاهر ان غمزه صلى الله عليه وسلم رجليها كان من غير حائل ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبى العاص بن الربيع اذا سجد وضعها واذا قام حملها، متفق عليه.
والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لا يسلم من مسها، ولأن المس ليس بحدث فى نفسه وانما هو داع الى الحدث فاعتبرت الحالة التى يدعو فيها الى الحدث وهى حالة الشهوة.
وكذا من النواقض مس بشرة أنثى بشرة ذكر بشهوة لأنها ملامسة تنقض الوضوء فاستوى فيها الذكر والأنثى كالجماع هذا اذا كان المس المذكور من غير حائل لأنه مع الحائل لم يلمس بشرتها أشبه ما لو لمس ثيابها لشهوة والشهوة لا توجب الوضوء بمجردها كما لو وجدت من غير لمس شئ.
ولا ينقض مس الرجل الطفلة ولا مس المرأة الطفل أى من دون السبع، وينقض اللمس بشهوة كما تقدم ولو كان اللمس بزائد أو لزائد أو شلل أى ينقض المس لأشل والمس به كغيره وينقض اللمس أيضا لشهوة ولو كان الملموس ميتا أو عجوزا أو محرما أو صغيرة تشته وهى بنت سبع فأكثر لعموم قول الله عز وجل «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» لامس من دون السبع كما تقدم،
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 1 ص 93 وما بعدها الى ص 95 الطبعة السابقة
(2)
الآية رقم 6 من سورة المائدة
ولا ينقض وضوء ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة لأنه لا نص فيه وقياسه على اللامس لا يصح لفرط شهوته ولا ينقض وضوء بانتشار ذكر عن فكر وتكرار نظر لأنه لا نص فيه، ولا ينقض لمس شعر وظفر وسن ولا المس به لأنه فى حكم المنفصل، ولا ينقض مس عضو مقطوع لزوال حرمته ولا ينقض وضوء رجل مس أمرد
(1)
.
ولو بشهوة لعدم تناول الآية له، ولأنه ليس بمحل للشهوة شرعا، ولا ينقض مس خنثى مشكل من رجل أو امرأة ولو بشهوة ولا بمسه رجلا أو امرأة ولو لشهوة لأنه متيقن الطهارة شاك فى الحدث، ولا ينقض مس الرجل الرجل ولا المرأة المرأة ولو بشهوة فيما تقدم من الصور.
واذا لم ينقض مس أنثى استحب الوضوء نص عليه وذكره فى الفروع
(2)
.
السادس من نواقض الوضوء: غسل الميت أو بعضه ولو فى قميص لما روى عطاء أن ابن عمر وابن عباس رضى الله تعالى عنهم كانا يأمران غاسل
(3)
الميت بالوضوء، وكان شائعا لم ينقل عنهم الاخلال به، وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه: أقل ما فيه الوضوء، ولم يعرف لهم مخالف لأن الغاسل لا يسلم من مس عورة الميت غالبا فأقيم مقامه كالنوم مع الحدث، ولا ينقض تيمم الميت لتعذر غسل لعدم النص فيه، ولا فرق فى الميت بين المسلم والكافر والرجل والمرأة والكبير والصغير للعموم.
السابع من النواقض: أكل لحم الجزور لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم توضئوا من لحوم الابل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم رواه أحمد وأبو داود والترمذى من حديث البراء ابن عازب وروى مسلم معناه من حديث جابر ابن سمره، والأول صححه أحمد واسحق وقال ابن عازب وروى مسلم معناه من حديث جابر الخبر صحيح.
قال الخطابى رحمه الله تعالى: ذهب الى هذا عامة علماء الحديث، فعلى هذا لا فرق بين قليله وكثيره وكونه نيأ أو غير نئ ولا بين كون الآكل عالما بالحديث أو جاهلا. ووجب الوضوء من آكل لحم الجزور تعبدا لا يعقل معناه فلا يتعدى الى غيره فلا يجب الوضوء بشرب لبنها ومرق لحمها وأكل كبدها وطحالها وسنامها وجلدها وكرشها ونحو ذلك كمصرانها لأن النص لم يتناوله ولا ينقض الوضوء طعام محرم أو نجس ولو كلحم خنزير لأن الحكم فى لحم الابل غير معقول المعنى فيقتصر على مورد النص فيه وما روى أسيد بن خضير أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن البان الابل فقال توضئوا من ألبانها رواه أحمد وابن ماجة، أجيب عنه بأن فى طريقه الحجاج عن أرطأة قال أحمد والدارقطنى:
لا يحتج به
(4)
.
والثامن المتمم للنواقض: موجبات الغسل كالتقاء الختانين وانتقال المنى واسلام الكافر أصليا كان أو مرتدا، وكغير ذلك من موجبات الغسل، فموجبات الغسل كلها توجب الوضوء غير الموت فانه يوجب الغسل ولا يوجب الوضوء.
ولا نقض بكلام محرم كالكذب والغيبة والقذف والسب ونحوها بل يستحب الوضوء من الكلام المحرم، ولا نقض بازالة شعر وأخذ ظفر ونحوهما خلافا لما حكى عن مجاهد والحكم وحماد لأن غسله أو مسحه أصلى لا بدل عما تحته بخلاف الخف ونحوه، ولا نقض بقهقهة
(5)
(1)
الأمرد شاب طر شاربه ولم تنبت لحيته ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة لطاهر أحمد الزاوى مادة (مرد)
(2)
كشاف القناع عن متن الاقتناع للشيخ منصور بن ادريس ج 1 ص 95، ص 96 الطبعة السابقة
(3)
غاسل الميت من يقلبه ويباشره ولو مرة لا من يصب الماء ونحوه. المرجع السابق ج 1 ص 96 نفس الطبعة
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 96، ص 97 نفس الطبعة
(5)
القهقهة أن يضحك حتى يحصل من ضحكه حرفان ذكره ابن عقيل المرجع السابق ج 1 ص 97، ص 98 نفس الطبعة
ولو فى صلاة، اما ما روى امامة عن أبيه رضى الله تعالى عنهما قال بينما نحن نصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ أقبل رجل ضرير البصر فتردى فى حفرة فضحكنا منه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باعادة الوضوء كاملا واعادة الصلاة من أولها فقد رواه الدارقطنى من طرق كثيرة وضعفها وقال انما روى هذا الحديث عن أبى العالية مرسلا، وقال بنحو ذلك أحمد وعبد الرحمن بن مهدى، قال ابن سيرين لا تأخذوا بمراسيل الحسن وأبى العالية فانهما لا يباليان عمن اخذا.
ولا نقض بأكل ما مست النار لقول جابر رضى الله تعالى عنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والترمذى وابن ماجة، ولا يستحب الوضوء من القهقهة وأكل ما مست النار
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن النوم فى حد ذاته ينقض الوضوء سواء قل أو كثر أو وسواء نام قاعدا أو قائما فى صلاة أو فى غير صلاة، أو راكعا كذلك أو ساجدا كذلك أو متكئا أو مضطجعا أيقن من حواليه أنه لم يحدث أو لم يوقنوا برهان ذلك ما حدثناه يونس بن عبد الله وعبد الله بن ربيع، عن عاصم بن أبى النجود زر بن حبيش باسناده.
قال سالت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا اذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم الا من جنابة فعم صلى الله عليه وسلم كل نوم ولم يخص قليله من كثيره ولا حالا من حال وسوى بينه وبين الغائط والبول وهذا قول أبى هريرة وأبى رافع وعروة ابن الزبير وعطاء والحسن البصرى وسعيد بن المسيب وعكرمة والزهرى والمزنى وغيرهم كثير، رضى الله تعالى عنهم
(2)
.
أما ذهاب العقل بأى شئ ذهب من جنون أو اغماء أو سكر من أى شئ سكر فليس من نواقض الوضوء
(3)
خلافا لمن ذهبوا الى ذلك ولا يقاس شئ من ذلك على النوم لأن النوم لا يشبه الاغماء ولا الجنون ولا السكر فيقاس عليه. والمذى والبول والغائط من أى موضع خرجا من الدبر والاحليل أو من جرح فى المثانة أو البطن أو غير ذلك من الجسد أو من الفم ينقض الوضوء فأما المذى فلما روينا عن أحمد بن محمد بن الجسور باسناده عن المقداد بن الأسود أن على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل اذا دنا من امرأته فخرج منه المذى قال فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال اذا وجد احدكم ذلك فلينضح فرجه بالماء وليتوضأ وضوءه للصلاة وأما البول والغائط فاجماع متيقن وأما قولنا من أى موضع خرج فلعموم أمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء منهما ولم يخص خروجهما من المخرجين دون غيرهما وهذا الاسمان واقعان عليهما فى اللغة التى بها خاطبنا صلى الله عليه وسلم من حيث ما خرجا
(4)
. والريح الخارجة من الدبر - خاصة لا من غيره - سواء خرجت بصوت أم بغير صوت تنقض الوضوء وهذا أيضا اجماع متيقن ولا خلاف فى أن الوضوء من الفسو والضراط، وهذان الاسمان لا يقعان على الريح
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 97، ص 98 الطبعة السابقة
(2)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 1 ص 222، ص 223 مسئلة رقم 158 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر سنة 1347 هـ
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 221، ص 222 مسئلة رقم 157 نفس الطبعة
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 222 مسئلة رقم 159 نفس الطبعة
البتة الا أن خرجت من الدبر، والا فانما يسمى جشاء أو عطاسا
(1)
فقط.
فمن كان مستنكحا بشئ مما ذكرنا توضأ ولا بد لكل صلاة فرضا كانت أو نفلا، ثم لا شئ عليه فيما خرج منه من ذلك فى الصلاة أو فيما بين وضوئه وصلاته ولا يجزئه الوضوء الا فى أقرب ما يمكن أن يكون وضوءه من صلاته، ولا بد للمستنكح ايضا من أن يغسل ما خرج منه من البول والغائط والمذى حسب طاقته مما لا حرج عليه فيه، ويسقط عنه من ذلك ما فيه عليه الحرج منه، برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رويناه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وقول الله عز وجل «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}»
(2)
» وقوله تعالى «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»
(3)
» فصح أنه مأمور بالصلاة والوضوء من الحدث، وهذا كله حدث، فالواجب أن يأتى من ذلك ما يستطيع وما لا حرج عليه فيه ولا عسر. وهو مستطيع على الصلاة وعلى الوضوء لها ولا حرج عليه فى ذلك فعليه أن يأتى بهما وهو غير مستطيع للامتناع مما يخرج عنه من ذلك فى الصلاة وفيما بين وضوئه وصلاته فسقط عنه، وكذلك القول فى غسل ما خرج منه من ذلك
(4)
. فهذه الوجوه تنقض الوضوء عمدا كان أو نسيانا أو بغلبة وهذا اجماع ما ذكرنا مما فيه الخلاف
(5)
. وينقض الوضوء مس الرجل ذكر نفسه خاصة عمدا بأى شئ مسه من باطن يده أو من ظاهرها أو بذراعه - حاشا مسه بالفخذ أو الساق أو الرجل من نفسه فلا يوجب وضوءا - ومس المرأة فرجها عمدا كذلك أيضا سواء سواء، ولا ينقض الوضوء شئ من ذلك بالنسيان وينقض الوضوء مس الرجل ذكر غيره من صغير أو كبير ميت أو حى بأى عضو مسه عمدا من جميع جسد من ذى رحم محرمة أو من غيره ومس المرأة فرج غيرها عمدا أيضا كذلك سواء سواء، لا معنى للذة فى شئ من ذلك فان كان كل ذلك على ثوب رقيق أو كثيف للذة أو لغير لذة، باليد أو بغير اليد، عمدا أو غير عمد لم ينقض الوضوء، وكلك ان مسه بغلبة أو نسيان فلا ينتقض الوضوء برهان ذلك ما حدثناه حمام بن أحمد باسناده عن عروة بن الزبير رضى الله تعالى عنه قال تذاكر هو ومروان الوضوء فقال مروان حدثتنى بسره بنت صفوان انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من مس الفرج ولفظ هذا الحديث عام يقتضى كل ما ذكرنا.
وأما مس الرجل فرج نفسه بساقه ورجله وفخذه فلا خلاف فى ان المرء مأمور بالصلاة فى قميص كثيف وفى مئزر وقميص ولا بدله ضرورة فى صلاته كذلك من وقوع فرجه على ساقه ورجله وفخذه فخرج هذا بهذا الاجماع المنصوص عليه من جملة هذا الخبر. قال أبو محمد: والماس على الثوب ليس ماسا ولا معنى للذة لأنه لم يأت بها نص ولا اجماع، وانما هى دعوى بظن كاذب، وأما النسيان فى هذا فقد قال الله تعالى «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}
(6)
» وهذا قول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وروينا عن طريق وكيع عن خصيف عن عكرمة عنه انه قال: مس الذكر عمدا ينقض الوضوء ولا ينقضه بالنسيان
(7)
. وينقض الوضوء أكل لحوم الابل نيئة أو مطبوخة أو مشوية عمدا وهو يدرى أنه لحم جمل أو ناقة، ولا ينقض الوضوء أكل شحومها محضة ولا أكل
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 232 مسئلة رقم 160 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 78 من سورة الحج.
(3)
الآية رقم 285 من سورة البقرة
(4)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 1 ص 233 وما بعدها الى ص 235 مسئلة رقم 161 الطبعة السابقة
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 235 - مسئلة رقم 162 نفس الطبعة
(6)
الآية رقم 5 من سورة الأحزاب
(7)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 1 ص 235 وما بعدها الى ص 241 مسئلة رقم 163 الطبعة السابقة
شئ منها غير لحمها فان كان يقع على بطونها أو رؤسها أو أرجلها أسم لحم عند العرب نقض أكلها الوضوء والا فلا، ولا ينقض الوضوء كل شئ مسته النار غير ذلك، وبهذا يقول أبو موسى الأشعرى وجابر بن سمرة رضى الله تعالى عنهم، وذلك لما روينا عن عبد الله ابن يوسف باسناده عن جابر بن سمرة قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ان شئت فتوضأ وان شئت فلا تتوضأ، قال: أأتوضأ من لحوم الابل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الابل. وأما الوضوء مما مست النار فانه قد صحت فى ايجاب الوضوء منه احاديث ثابتة من طريق عائشة وأم حبيبة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنهما، وأبى أيوب وأبى طلحة وأبى هريرة وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهم، لكنها نسخت بما حدثنا عبد الله بن ربيع باسناده عن محمد بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله قال (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) أما اكل لحوم الابل بنسيان أو بغير علم أنه من لحوم الابل فقد ذكرنا قول الله عز وجل «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ» فمن فعل شيئا من غير قصد مسواء ذلك وتركه الا أن يأتى نص فى ايجاب حكم النسيان فيوقف عنده
(1)
.
وينتقض الوضوء كذلك مس الرجل المرأة والمرأة الرجل بأى عضو مس أحدهما الآخر اذا كان عمدا دون أن يحول بينهما ثوب أو غيره سواء كانت المرأة أمه أو ابنته وسواء كان الرجل الذى مسته المرأة ابنها أو أباها، صغيرا كان أو كبيرا بلذة أو بغير لذة فلا معنى للذة فى شئ من ذلك. برهان ذلك قول الله تبارك وتعالى «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}
(2)
» والملامسة فعل من فاعلين، وبيقين ندرى أن الرجال والنساء مخاطبون بهذه الآية لا خلاف بين أحد من الأمة فى هذا لأن أول الآية وآخرها عموم للجميع من الذين آمنوا فصح أن هذا الحكم لازم للرجال اذا لامسوا النساء وللنساء اذا لامسن الرجال ولم يخص الله تعالى امرأة من امرأة ولا لذة من غير لذة فتخصيص ذلك لا يجوز وهو قول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه.
فان كان المس على ثوب لم ينتقض الوضوء ولو كان للذة
(3)
. وايلاج الذكر فى الفرج يوجب الوضوء سواء كان معه انزال أو لم يكن برهان ذلك ما حدثنا عبد الله بن يوسف عن أبى أيوب الأنصارى عن أبى بن كعب رضى الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يصيب من المرأة ثم يكسل قال يغسل ما اصابه من المرأة ثم يتوضأ ويصلى
(4)
.
وينقض الوضوء كذلك حمل الميت فى نعش أو فى غيره فقد حدثنا عبد الله بن ربيع باسناده عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل ميتا فليغتسل ومن حملها فليتوضأ) قال أبو محمد:
يعنى الجنازة، وروينا مسندا الى حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى، عن محمد بن سيرين قال كنت مع عبد الله بن عتبة بن مسعود فى جنازة فلما جئنا المسجد فدخل عبد الله بهته يتوضأ ثم خرج الى المسجد فقال لى أما توضأت؟ قلت:
لا، فقال: كان عمر بن الخطاب ومن دونه من الخلفاء اذا صلى أحدهم على الجنازة ثم أراد أن يصلى المكتوبة توضأ حتى أن أحدهم كان يكون فى المسجد فيدعو بالطشت فيتوضأ فيها. قال أبو محمد: لا يجوز أن يكون وضوؤهم رضى الله تعالى عنهم لأن الصلاة على الجنازة حدث، ولا يجوز أن يظن بهم الا اتباع السنة التى ذكرنا والسنة تكفى
(5)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 241 وما بعدها الى ص 244 مسئلة رقم 164 نفس الطبعة
(2)
الآية رقم 6 من سورة المائدة
(3)
المحلى لأبى محمد على بن حزم ج 1 ص 244 وما بعدها الى ص 249 مسئلة رقم 165 الطبعة السابقة
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 249، ص 250 مسئلة رقم 166 نفس الطبعة
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 250، ص 251 مسئلة رقم 167 نفس الطبعة
وظهور دم الاستحاضة أو العرق السائل من الفرج اذا كان بعد انقطاع الحيض فانه يوجب الوضوء ولا بد لكل صلاة تلى ظهور ذلك الدم سواء تميز دمها أو لم يتميز، عرفت أيامها أو لم تعرف، برهان ذلك ما حدثنا يونس بن عبد الله باسناده عن عائشة رضى الله تعالى قالت: استحيضت فاطمة بنت أبى حبيش فسألت النبى صلى الله عليه وسلم: قالت: يا رسول الله انى استحاض فلا أطهر، فأدع الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم فانما ذلك عرق وليست بالحيضة قال على: نعم صلى فاذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة فاذا أدبرت فاغسلى عنك أثر الدم وتوضئ وصلى فانما ذلك عرق وليست بالحيضة ولم يخص، وأوجب الوضوء منه لأنه عرق
(1)
.
قال على: لا ينقض الوضوء شئ غير ما ذكرنا لا رعاف ولا دم سائل من شئ من الجسد أو من الحلق أو من الأسنان أو من الاحليل أو من الدبر، ولا حجامة ولا فصد ولا قئ كثير أو قل ولا قلس ولا قيح ولا ماء ولا دم تراه الحامل من فرجها ولا أذى المسلم ولا ظلمه ولا مس الصليب والوثن ولا الانعاظ للذة أو لغير لذة، ولا المعاصى من غير ما ذكرنا، ولا شئ يخرج من الدبر لا عذرة عليه سواء فى ذلك الدود والحجر والحيات ولا حقنة ولا تقطير دواء فى المخرجين ولا مس حيا بهيمة ولا قبلها ولا حلق الشعر بعد الوضوء ولا قص الظفر ولا شئ يخرج من فرج المرأة من قصة بيضاء أو صفراء أو كدرة أو كغسالة اللحم أو دم أحمر لم يتقدمه حيض، ولا الضحك فى الصلاة ولا شئ غير ذلك لأنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا إجماع بايجاب وضوء فى شئ من ذلك ولا شرع الله تعالى على أحد من الانس والجن الا من أحد هذه الوجوه وما عداها فباطل ولا شرع الا ما أوجبه الله تبارك وتعالى وأتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار وحواشيه أن نواقض الوضوء سبعة أمور: والأصل فى هذا قول الله عز وجل «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ}
(3)
» الآية وعن على رضى الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله الوضوء كتبه الله علينا من الحدث فقط، قال: لا بل من سبع، من حدث وتقطار بول ودم سائل وقئ ذراع دسعة
(4)
تملأ الفم ونوم مضطجع وقهقهة فى الصلاة.
فالأول من السبعة ما خرج من نحو السبيلين - فيشمل الثقب الذى تحت السرة - وهما القبل والدبر من ريح وبول وغائط ومنى كالمقعدة والولد، فخروج المقعدة ينقض الوضوء، وكذا ما خرج من أحد سبيلى الخنثى ومما انفتح من المعدة فان كان فى أسفلها فهو رجيع وان كان فى اعلاها فهو قئ ولا ينقضه ما داخل الفرج من غير خروج شئ، وكذا لو أدخل شيئا فى فرجه وأخرجه فانه ناقض عندنا لا عند القاسم فأما لو لم يخرجه لم ينقض الوضوء ولا تصح صلاته الا فى آخر الوقت حيث يمكنه اخراجه فان كان لا يمكنه اخراجه صحت الصلاة ولو فى أول الوقت ولا يؤم أكمل منه، وأما ما خرج من السرة أو فوقها فحكمه حكم القئ. فالخارج من نحو السبيلين ينقض الوضوء وان قل الخارج أو كان نادرا كالحصاة والدودة والريح من القبل والودى والمذى.
وقال القاسم عليه السلام: اذا خرجت
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 251 وما بعدها الى ص 255 مسئلة رقم 168 نفس الطبعة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 255 وما بعدها الى ص 256 مسئلة رقم 169 نفس الطبعة
(3)
الآية رقم 6 من سورة المائدة
(4)
جاء فى حاشية شرح الأزهار: الدسعة الواحدة من القئ ملأ الفم فقط، والقئ الذارع أكثر من ملء الفم (شرح الأزهاز ج 1 ص 95 هامش رقم 7
الحصاة أو الدودة انتقض الوضوء لأنها لا تخرج الا ببلة فأخذ من مفهوم كلامه انها اذا خرجت من غير بلة لم تنقض. أما لو خرجت الدودة من الجرح لم تنقض ذكره فى الحفيظ وهو ظاهر.
وكذا ينقض الوضوء ولو رجع الخارج من نحو السبيلين أو بقى على حاله، نحو أن تخرج الدودة رأسها ثم ترجع فان الظاهر من اطلاقات أصحابنا أنه ينقض لأنه خارج من السبيلين ولو رجع، ولو توضأ ورأس الدودة باد صح وضوؤه لا الصلاة لكونه حاملا لنجس فان رجعت لم تنقض وضوؤه لأنها لم تخرج بعد الوضوء، وقيل أنها اذا رجعت انتقض الوضوء. واطلاقاتهم أن ما خرج من السبيلين نقض.
وقال فى الانتصار لا ينقض على رأى أئمة العترة.
والثانى: زوال العقل بأى وجه من نوم أو اغماء أو جنون
(1)
.
وقال زيد بن على أن النوم فى حال الصلاة لا ينقض سواء كان قائما أم راكعا أم ساجدا أم قاعدا، قال عليه السلام: ولما كان فى النوم ما يعفى عنه أخرجناه بقولنا الا خفقتى نوم - والخفقة هى ميلان الرأس من شدة النعاس - فيعفى عن خفقتين وان توالتا - وصورة التوالى أن يميل رأسه ثم ينتبه انتباها غير كامل بحيث لا يستكمل رفع رأسه عن ذلك الميل حتى يستيقظ الا ويعود فى النعاس - أو خفقات متفرقات بأن يميل النعاس برأسه ثم ينتبه انتباها كاملا يعود فى نعاسه ثم كذلك. وحد الخفقة أن لا يستقر رأسه من الميل حتى يستيقظ، ومن لم يمل رأسه عفى له عن قدر خفقة وهى ميل الرأس فقط حتى يصل ذقنه صدره قياسا على نوم الخفقة.
وقال أبو موسى: لا ينتقض النوم مطلقا
(2)
.
والثالث من نواقض الوضوء قئ نجس، وهو القئ من المعدة الى الفم دفعة واحدة ملء الفم سواء كان بلغما أو غيره، فان كان خارجا من اللهاة أو الرأس فظاهر لا ينقض الوضوء.
وكذا ان كان الخارج دون الفم فانه طاهر ولو كان دما عند الهدوية. وقال يزيد بن على أنه ينقض وان قل
(3)
.
والرابع دم أو نحوه كالمصل والقيح سال قال الفقهيه حسن والفقيه على: والهادى وأحمد بن الحسين يتفقان فى أنه لا ينقض الا السائل لكن اختلف فى حده ففى الشرح عن أحمد بن الحسين والفقيه على أن حده أن يتعدى من موضعه الى الموضع الصحيح.
قال أبو مضر فلو غرز بالابرة فخرج الدم من موضعها فهو سائل وقال الفقيه على والفقيه محمد بن سليمان: يقدر بالشعيرة اذا سال على قول الهادى أو القطرة اذا لم يسل، وقال الباقر والصادق أن الدم لا ينقض الوضوء اذا خرج من غير السبيلين لأن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم ولم يتوضأ.
وعلى القول بأن الدم ينقض اذا كان سائلا فانه يستوى اذا كان سيلانه تحقيقا أو تقديرا، فالتحقيق ظاهر والتقدير نحو أن ينشف بقطنة على وجه لولاه لسال - ومن التقدير جموده
(1)
جاء فى حاشية شرح الأزهار: حقيقة النوم هو استرخاء البدن وزوال الاستشعار وخفاء كلام الناس وليس فى معناه النعاس وحديث النفس فانهما لا ينتقضان بحال.
قال الامام يحيى: النوم أمر ضرورى من جهة الله تعالى يلقيه فى الدماغ ثم يحصل فى العينين ثم ينزل فى الأعضاء ستسرخى فلهذا يسقط أن كان قائما أو قاعدا. وقال فى الانتصار: الاغماء زوال العقل بشدة الألم والمرض والجنون زوال العقل من غير مرض ويطلق على فساد العقل على جهة الدوام فى الأغلب، فالصرع فساد العقل فى حال دون حال (شرح الازهار) ج 1 ص 96 هامش رقم 2
(2)
شرح الازهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 95، ص 96 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 96، ص 40 نفس الطبعة
على وجه لولاه لسال، قال قرز ولو من الأنف، والعلق اذا مص نقض لأنه يسيل بعده، أما البق اذا مس فلا ينقض ما لم يسل بعد سقوطه، وقال الفقيه يحيى التحقيق أنه لا فرق بين البق والبرغوث ونحوه فى أنه لا ينقض الا ما سال بعد سقوطها ولا عبرة بما يأخذنه فى بطونهما وان كثر لأنه يصير اليهما قبل أن يجاوز المحل ذكره المنصور والامام يحيى عليه السلام.
وقال أبو مضر وأحد قولى المؤيد بالله:
لا ينقض اذ المعتبر السيلان الحقيقى نعم ولا يكفى كونه سائلا بل لا بد من أن يسيل هذا القدر من موضع واحد فلو خرج من مواضع دون قطرة بحيث لو اجتمع كان أكثر من قطرة لم ينقض.
قال الفقيه على: والجرح الطويل موضع واحد ما لم يتخلل موضع صحيح. ولا يكفى كونه من موضع واحد بل لا بد من أن يكون سيلانه من ذلك الموضع فى وقت واحد، وقدره بعض المتأخرين بما اذا نشف لم ينقطع ولا بد مع هذه القيود من أن يكون سيلانه الى ما يمكن تطهيره من الجسد، أما اذا سال من الرأس دم الى موضع فى الأنف لا يبلغه التطهير فانه لا ينقض ولو جمع القيود أما اذا بلغ موضع التطهير فانه ينقض. ومن رعف ثم توضأ ثم خرج من داخل أنفه باقى الدم جامدا لم ينقض، ذكره المنصور، وقال قرز أنه لا ينقض ما لم يكن قد استحال، اذا كان جموده استحالة والا نقض حيث بلغ النصاب، وقيل أنه كالطارئ لا ينقض مطلقا، ولعل هذا أولى الا أن يغلب فى الظن أنه خرج من نفس الجرح فيكون ناقضا. ولو خرج مع الريق وقدر الذى مع الريق - ولو فى غالب الظن بقطرة لا دونها فانه لا ينقض، وقال أبو طالب: ينقض ما خرج مع الريق ان كان غالبا لا مغلوبا.
قال الفقيه على: وكذا لا ينقض عنده المساوى ولا الملتبس، وقال القاضى زيد: بل ينقض المساوى، وقوى مولانا عليه السلام: كلام الفقيه على
(1)
.
والخامس: من نواقض الوضوء التقاء الختانين مع توارى الحشفة لأنه يوجب الغسل والحدث الأصغر يدخل تحته، قال قرز: أما لوجوب الغسل فلا بد من توارى الحشفة وأما لنقض الوضوء فينقض وان لم يحصل توار.
والسادس: من النواقض دخول الوقت فى حق المستحاضة والدم سائل أو قد سال بعد الوضوء وفى أثنائه قال قرز وهذا شرط مجمع عليه، ومثل المستحاضة سلس البول ومن به جراحة يستمر اطراؤها.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه ينتقض وضوء المستحاضة بمجرد الخروج وقال المنصور أنه ينتقض بمجموعهما، وفائدة الخلاف حيث توضأت بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس فعلى قولنا ينتقض بدخول وقت الظهر فى الصورتين وعلى قول أبى حنيفة بطلوع الشمس فى الأولى وبدخول وقت العصر فى الثانية، وعلى قول المنصور بطلوع الشمس فى الأولى وبدخول وقت الظهر فى الثانية
(2)
.
والسابع: من النواقض كل معصية كبيرة فانها ناقضة للوضوء عند القاسم والهادى والناصر الأطروش، والخلاف فى ذلك مع الفقهاء وزيد ابن على وأحمد بن الحسين فى أحد قوليه فانهم قالوا لا ينقض الوضوء شئ من المعاصى الا ما كان ناقضا بنفسه كالزنا وشرب الخمر مع زوال العقل وسواء كانت المعصية كفرا أم فسقا فان الخلاف فيها على سواء واختلف علماء الكلام فيما تعرف به الكبيرة فالمحكى عن أهل البيت
(1)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 96 وما بعدها الى ص 98 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى سنة 1357 هـ
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 98 الطبعة السابقة
عليهم السّلام أن الكبيرة ما ورد الوعيد عليها كقول الله عز وجل «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}
(1)
» وهو قول بعض البغدادية من المعتزلة وقال بعض البغدادية كل عمد كبيرة وما عداه فملتبس، قال مولانا عليه السلام وهذا ظاهر السقوط لأنه عقاب على ما ليس عمدا.
وقالت عامة المعتزلة ما ورد عليه الوعيد مع الحد. ولما كان فى الكبائر ما لا ينقض الوضوء وهو كبيرة واحدة وهى الاصرار على الكبيرة أخرجه عليه السلام بقوله غير الاصرار على الكبيرة فانه لا ينقض - والاصرار هو الامتناع من التوبة فقط وان لم يعزم على العود والاستمرار على المعاصى.
قال عليه السلام: والأقرب أنه قول الجمهور لأنه لا واسطة بين التائب والمصر.
وقال أبو هاشم وأبو على: بل الاصرار هو العزم على معاودة المعاصى. ولما كان فى المعاصى ما لا يعلم كونه كبيرا وقد ورد الأثر أنه ناقض للوضوء أدخله عليه السلام فى النواقض بقوله: أورد الأثر بنقضها كتعمد أحد خمسة أشياء منها تعمد الكذب
(2)
لا بالاشارة من الصحيح فلا تنقض، والمختار وأما من لا يمكنه النطق فينقض اتفاقا، قال فى الغايات: واذا جاز الكذب لم ينقد ككذب الزوج على الزوجة والامام العادل لمصلحة وكذا ما كان فيه صلاح الدين بالصلح بين الناس. ومنها تعمد النميمة
(3)
، ومنها تعمد غيبة المسلم سواء كان صغيرا أو كبيرا حيا أو ميتا.
وقال قرز: الذى ينقض غيبة المؤمن لا الفاسق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذكروا الفاسق بما فيه كيما تحرزه الناس، وينتقض الوضوء حال النطق فى الغيبة ولو كان المغتاب غائبا والعبرة بحال النطق فى الأذى، وقيل العبرة بحال الأذى مطلقا ولو تقدم السبب. ومنها تعمد أذى المسلم
(4)
فانه ناقض، وأما ضرب البهائم الذى لا يجوز فانه لا يكون ناقضا وكذا أذيه الكافر بما لا يجوز على ظاهر مفهوم الصفة فانه لا ينقض، وقيل ينقض فى الكافر.
قال فى التقرير: فلو قال يا كلب أو يا ابن الكلب انتقض وضوؤه ولا عبرة بصلاح الأب وفساده، فأما أذى الفاسق بما يستحقه من الآحاد فلا كلام وأما بما لا يستحقه من الآحاد فناقض ان كان كبيرا كالقذف وان لم يعلم كونه كبيرا أو علم مع القصد لذلك فعلى الخلاف فى سائر المعاصى.
قال عليه السلام: واذا بنينا على الظاهر لزم فيمن أكل من الخضراوات ما يتأذى برائحته وصلى مع جماعة يتأذون بذلك أن ينتقض وضوؤه مع القصد، ونظائر ذلك كثيرة لكنها تستبعد للعادة بين المسلمين. انما نقض ذلك لما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الغيبة والكذب ينقضان الوضوء، وكان يأمر بالوضوء من الحدث ومن أذى المسلم
(5)
.
ومن النواقض تعمد القهقهة فى الصلاة وذلك لما روى أن ابن أم مكتوم وقع فى بئر فلما رآه أهل الصف الأول ضحكوا لوقعته وضحك
(1)
الآية رقم 283 من سورة البقرة
(2)
قال صاحب شرح الأزهار: اختلف فى ماهية الكذب فالمذهب أنه ما خالف مقتضاه فى الوقوع نحو أن تقول زيد فى الدار وهو فى المسجد وسواء كنت معتقدا أنه فى الدار أم لا وقال قوم: هو ما خالف الاعتقاد فلو قلت زيد فى الدار معتقدا أنه فيها وليس فيها كان صدقا عندهم ولو قلت زيدا فى الدار معتقدا أنه ليس فيها وهو فيها كان كذبا عندهم شرح الأزهار ج 1 ص 100
(3)
النميمة فى الظاهر أن تسمع من شخص كلاما يكرهه الغير فترفعه الى ذلك الغير لادخال الشحناء بينهما أن عرف أنها تحصل ولو لم يقصد
(4)
اختلف فى تحقيق الأذى فقيل: هو القذف فقط وان كان حقا قال مولانا عليه السلام: والظاهر من كلام أهل المذهب أن المراد كل ما يتأذى به من قول أو فعل
(5)
شرح الأزهار ص 99 وما بعدها الى ص 001 الطبعة السابقة
لضحكهم أهل الصف الثانى فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أهل الصف الأول باعادة الصلاة وأهل الصف الثانى باعادة الوضوء والصلاة. وأما اشتراط تعمدها فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ضحك فى صلاته قرقرة فعليه الوضوء والقرقرة تقتضى التعمد لأنها تكرير الضحك.
وعند أحمد بن الحسين والمنصور أن القهقهة تنقض وان لم يتعمد لما روى إنه صلى الله عليه وسلم أمر من قهقه فى الصلاة باعادة الوضوء والصلاة. قلنا محمول على أنه تعمدها بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: الضاحك فى صلاته والمتلفت سواء ومعلوم أن الالتفات فى الصلاة لا يوجب الوضوء. ولقوله صلى الله عليه وسلم:
المقهقه يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء.
وقال السيد يحيى بن الحسين: القهقهة فى الصلاة تنقض الوضوء اذا قهقه فى فريضة لا نافلة فاذا كانت فى نافلة لم تنقض الوضوء لأن له أن يتكلم فيها، قال فى البحر: وفيه نظر لعموم الخبر، قال فى الحاشية: وظاهر الأزهار يقتضيه لأن الكلام فى المعاصى.
قال مولانا عليه السلام: وفى المعاصى ما جعلوه ناقضا للوضوء لزعمهم أنه كبير وهو ضعيف فأشرنا اليه بقولنا قيل ومنها لبس الذكر الحرير.
وفى الشرح عن المؤيد بالله فى أحد قوليه أن الكبائر تنقض وأن لبس الحرير كبير وانما يكون توضأ لابسا له فانه لا ينقض الوضوء باستمراره قال محمد بن سليمان والفقيه على، لأن ذلك اصرار والاصرار لا ينقض الوضوء وفى الشرح عن أحمد ابن الحسين فى أحد قوليه أن الكبائر تنقض وان لبس الحرير كبيرة وانما يكون كبيرة حيث يلبسه لغير عذر عالما بتحريمه متعمدا والمذهب أنه لا ينقض لكن لا تصح الصلاة به سواء لبنسه قبل الوضوء أو بعده. ومنها مطل الفنى والوديع اذا كان عليه دين أو معه وديعة قدر نصاب القطع فطولب فامتنع من القضاء والرد والوقت متسع أو مضيق وخشى فوت المالك أو تضرره وهو متمكن من التخلص فانه ناقض للوضوء لكونه كبيرا قياسا على سرقته لاشتراكهما فى الغضب فأما دونه فلا ينقض
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة الوثقى أن نواقض الوضوء أمور الأول والثانى منها: البول والغائط من الموضع الأصلى اجماعا كما روى عن المعتبر والمنتهى والدلائل وغيرها، بل لعله اجماع من المسلمين والنصوص بذلك متواترة سواء كان معتادا أو غير معتاد بلا خلاف - كما فى الحدائق - بل هو اجماع كما فى المستند وكذا ينقض الوضوء البول والغائط من غير الموضع الأصلى مع انسداد الأصلى، أو بدون انسداده بشرط الاعتياد أو الخروج على حسب المتعارف، فانه مع الانسداد لا اشكال فى النقض ولا خلاف ظاهر وعن المنتهى والمدارك الاجماع وفى الخروج من غير الأصلى مع عدم الاعتياد وعدم كون الخروج على حسب المتعارف اشكال، والأحوط النقض مطلقا خصوصا اذا كان دون المعدة، ولا فرق فيهما بين القليل والكثير حتى مثل القطرة (ومثل تلوث رأس شيشة الاحتقان بالعذرة للاطلاق الذى لا يقدح فيه التعارف كما عرفت نعم الرطوبات الأخر غير البول والغائط الخارجة من المخرجين ليست ناقضة - لما عرف من روايات الحصر فى البول والغائط - وكذا الدود أو نوى التمر ونحوهما اذا لم يكن متلطخا بالعذرة الثالث الريح الخارج من مخرج الغائط اذا كان كان من المعدة اجماعا كما فى البول بل قيل لا خلاف فيه بين المسلمين، سواء صاحب صوتا أم لا كما نص عليه فى الصحيح، دون ما خرج من القبل أو لم يكن من المعدة كنفخ الشيطان أو اذا دخل من الخارج ثم خرج أما ما خرج من القبل فلعدم
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 1010، ص 102 نفس الطبعة.
الدليل عليه، بل ظهور الريح فى نصوص الحصر فيما يخرج من الدبر دليل العدم.
فما فى المعتبر عن التذكرة وشرح الموجز من النقض بما يخرج من قبل المرأة لأن لها منفذا من الجوف فيمكن خروج الريح من المعدة اليه ضعيف نعم لو خرج منه ما من شأنه أن يخرج من الدبر كان ناقضا كما أنه كذلك لو خرج من غيرهما.
وأما الخارج من غير المعدة فلما جاء فى صحيح معاوية قال أبو عبد الله عليه السلام ان الشيطان ينفخ فى دبر الانسان حتى يخيل أنه قد خرج منه ريح فلا ينقض الوضوء الا ريح يسمعها أو يجد ريحا.
الرابع من نواقض الوضوء: النوم مطلقا وان كان فى حال المشى اذا غلب على القلب والسمع والبصر كما هو المشهور، بل حكى عليه الاجماع صريحا وظاهرا جماعة منهم السيد والشيخ والفاضلان وغيرهم ويقتضيه اطلاق كثير من النصوص وخصوص جملة منها نفى رواية عبد الحميد عن أبى عبد الله عليه السلام: من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش أو على أى الحالات فعليه الوضوء.
وصحيح ابن الحجاج المروى فى الوافى:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفقة والخفقتين فقال: ما أدرى ما الخفقة والخفقتين ان الله تعالى يقول: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}
(1)
».
فان عليا عليه السلام كان يقول: من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء. وربما نسب الى الصدوق عدم النقض بالنوم قاعدا مع عدم الانفراج لقوله فى فقهه:
وسئل موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يرقد وهو قاعد هل عليه وضوء؟ فقال عليه السلام: لا وضوء عليه ما دام قاعدا ان لم ينفرج وقريب منها رواية الخضرمى عن أبى عبد الله عليه السلام المروية عن التهذيب لكنهما لا يصلحان لمعارضته ما عرفت مما هو أكثر عددا وأصح سندا ومعول عليه عند الأصحاب، بل ذكره الرواية لا يدل على عمله بها لما تقدم من شهادة غير واحد من الاساطين بعدوله عما ذكر فى صدر كتابه من انه لا يذكر فيه الا ما يعتمد عليه ويكون حجة بينه وبين ربه وان كان ذلك بعيدا. وعلى كل فلا تنقض الخفقة اذا لم تصل الى الحد المذكور كما يظهر من صحيح ابن الحجاج المتقدم، وعليه يحمل موثق سماعة عن الرجل يخفق رأسه وهو فى الصلاة قائما أو راكعا فقال عليه السلام:
ليس عليه وضوء.
الخامس: كل ما أزال العقل مثل الاغماء والسكر والجنون دون مثل البهت، لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم كما روى عن المنتهى، وعن الغنية والمستدرك والدلائل والكفاية اجماع الأصحاب، وعن التهذيب اجماع المسلمين
(2)
.
السادس: الاستحاضة القليلة، بل الكثيرة والمتوسطة وان أوجبنا الغسل أيضا وأما الجنابة فهى تنقض الوضوء لكن توجب الغسل فقط.
واذا شك فى طرو أحد النواقض بنى على العدم للاستصحاب، وكذا اذا شك فى أن الخارج بول أو مذى مثلا الا أن يكون قبل الاستبراء فيحكم بأنه بول فان كان متوضأ انتقض وضوءه كما مر.
واذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شئ من الغائط لم ينتقض الوضوء، وكذا لو شك فى خروج شئ من الغائط معه، والقيح الخارج من مخرج البول أو الغائط ليس بناقض لأنه ليس بولا ولا غائطا فينفى نقضه بأدلة الحصر وكذا الدم الخارج منهما الا اذا علم أن بوله أو غائطه صار دما وكذا المذى والوذى والودى
(3)
لاقتضاء أدلة الحصر نفى ناقضيتها
(4)
.
(1)
الآية 14 من سورة القيامة.
(2)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 2 ص 209 وما بعدها الى ص 215 الطبعة الثانية طبع مطبعة النجف سنة 1376 هـ، سنة 1957 م
(3)
المذى ما يخرج بعد الملاعبة والوذى ما يخرج بعد خروج المنى، والودى ما يخرج بعد خروج البول.
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 216 وما بعدها الى ص 219 الطبعة السابقة.
وذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذى والودى والكذب والظلم والاكثار من الشعر الباطل والقئ والرعاف والتقبيل بشهوة ومس الكلب ومس الفرج ولو فرج نفسه ومس باطن الدبر والاحليل ونسيان الاستنجاء قبل الوضوء والضحك فى الصلاة والتخليل اذا أدمى لكن الاستحباب فى هذه الموارد غير معلوم والأولى أن يتوضأ برجاء المطلوبية ولو تبين بعد هذا الوضوء كونه محدثا بأحد النواقض المعلومة كفى، ولا يجب عليه ثانيا، كما أنه لو توضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث ثم تبين كونه محدثا كفى ولا يجب ثانيا
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن الوضوء ينتقض بخارج من مخرجى البول والغائط مطلقا أو مدخليه - وهما الفم والأنف - ان كان ما خرج منهما مثل قئ ورعاف لا نحو ريق ومخاط بدليل طهارتهما، وذلك كخروج بول وغائط وكل شئ ولو يابسا كحصاة وريح من دبر لا بريح من قبل. وقيل ينتقض به الا ان كان من بكر فلا ينقض، وعن بعض أن ريح القبل وريح الفم ليسا من جنس ريح الدبر وان ريح القبل دخل من خارج وريح الفم لم يخرج من الطعام النجس بخلاف ريح الدبر، والذى عندى أن ريح القبل من خارج نعم يمكن أن يكون من غير محل الطعام ولا يشك أحد أن فرج المرأة متصل بفضاء البطن لأنها تبول منه والبول من الماء المشروب، وريح الفم عندى من الطعام كالذى من الدبر وانما رخص فيه ترخيصا من الله تعالى، ومن شك فى خروج الريح منه استصحب الأصل حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا سواء كان فى الصلاة أو فى غيرها.
وكذا ينتقض بخروج دابة ولو من أنف أو فم ولو لم تتلطخ بنجس ولو خرج البول والغائط من غير محل خروجهما نجسا ونقضا خلافا للشافعى رحمه الله تعالى، وينقض الوضوء خروج ودى، ومذى ومنى ودم فائض من مدخل أو مخرج وطهر من امرأة ان اتصل منها بغيرها أو جاء فى أوقات صلاتها أو صلت بجفوف ثم جاء بعد وينقضه رطوبة من فرج امرأة مثل كدرة وصفرة وينقضه قئ وقلس ورعاف وروى قولان فى النقض بدم مرتفع ذى ظل غير مسفوح لجهة - والناقض به يعتبر ارتفاعه سفحا وهو الصحيح عندى وان كان من قرعة فى رأس
(2)
أو شقاق فى رجل أو غيرها أو بقلع شعرة من أصل - وقال بعض المشارقة هى ناقضة وان كانت من غير أصل - أو قلع ضرس بلا دم أو جلد حى أو ظفر حى ولا بأس بالميت، وأما الجلد الميت من حى فلا ينقض لأنه طاهر، وقيل ينقض لأنه نجس وقيل ان كان من غير متولى لا ان كان منه، وقيل طاهر ان غسل وهذا فى مسه مطلقا حين النزع وبعده كمس الميت وقيل النقض سنة لا لنجاسة الجلد الميت وأما ما وقع من الشعر أو الضروس وما بعد ذلك بلا قطع ولا مصادمة شئ فلا نقض، وقيل بالنقض لخروجه من الأصل.
والصوف والوبر والشعر من الدواب والريش كذلك ان قلعها قالع من أصلها قولان فى نجاستها والنقض بها والراجح النجس والنقض، وكذا الانتتاف بمصادمة وان خرجت من أصلها بلا قلع قالع ولا مصادمة فطاهرة على المشهور ولا نقض وقيل نجسة وتنقض واذا قلنا بالنجاسة فهل النجس ذلك كله أو ما كان داخل الجلد فقط لا ما فوق قولان، ومن قال بالنقض وبالنجس فى شعر مثلا فمن له لحية تنتف ويمس أصل الشعرة سائر شعره غسله ان كان مبلولا بماء مثلا حين الوضوء وهذا تشديد لم يرد حديث به والأرفق
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 219 وما بعدها.
(2)
ذكر صاحب شرح النيل: قرعة بفتح القاف والراء أى قرحة. شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 1 ص 78 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى.
أن لا نقض ولا نجس بما خرج وحده ولو من أصل.
وكذا القول فى الدم الخارج بكى بلغ لحما حيا - سواء كوى نفسه أو كواه غيره بعود أو حديد أو غيرهما جمرة، والحرق وطئ النار كالكى والعمد وغيره سواء - أو بجرح بلا دم، والصحيح أن لا نقض به، وكذا قيل فى الدم الخارج فى عين أو أنف بعد العظم أو أذن أو فى جرح أو قرح أو شقاق من موضعه بلا فيض الى خارج العين والأنف والأذن والصحيح النقض به
(1)
. ولا بأس ان غلب البزاق
(2)
الدم فى الضم فى اللون وهو الصحيح وقيل فى الكثرة، وينتقض بعكسه وهو أن يغلب الدم البزاق فى اللون وقيل فى الكثرة، وفى الانتقاض بمس المخ من حى انسان أو حيوان خلاف. وينتقض بالنوم الثقيل - وهو أن تحتبى بيديك فتفترقا أو يقع ما فى يدك ولم تشعر وهو يزول معه الحسى كله وان كان النوم قصيرا أو النائم قاعدا أو قائما لا بخفيفة وان تطاول مع اتكاء أو قعود أو ركوع أو سجود أو قيام على المختار ان لم يكن باضطجاع وان كان به نقض ان تطاول وان خف على المختار، وقيل لا ينقض ولو ثقيلا طويلا باضطجاع الا أن تيقن الحدث استصحابا للأصل، ويرده حديث انما الوضوء على من نام مضطجعا، وقيل ينقض ولو خفيفا غير متطاول ولو قائما، وقيل ينقض ان كثر ولو خف أو قائما، لا ان قل ولو ثقل، وقيل لا ينقض الا أن ثقل مضطجعا أو مستلقيا وقيل الا أن ركع أو سجد وثقل، وقيل الا أن سجد، وقيل ان لم يكن فى الصلاة، وقيل الا ان لم تتمكن مقعدته من الأرض وقيل الثقيل ينقض مطلقا والخفيف لا ينقض مطلقا، وقيل الخفيف القصير لا ينقض مطلقا والخفيف الطويل ينقض مضطجعا، والظاهر أن مراد صاحب النيل بالاضطجاع ما يعم الاستلقاء
(3)
. وينتقض الوضوء بالجنون والسكر - وانما أراد السكر لمرض أو لطعام أو سراب غير مسكر وانما سكر به لعلة فى نفسه لا تقبله فى عادة أو حدث عدم قبولها اياه فان هذا غير نجس لكن لا يجوز له استعماله اذا علم، والسكر لنحو شمس أو جوع أو نحو ذلك، وأما السكر بطعام أو شراب مسكر فليس ناقضا وانما الناقض مسه لتقدمه على السكر الا من قال بطهارة عين المسكر فالنقض بالسكر، وأما الأفيون والبنج وجوزة الطيب فطاهرة وانما ينقض السكر بها لامسها، ووجه النقض بالسكر والجنون خروج الريح كالنوم، وقيل هما والنوم نواقض بالذات.
وكذا ينتقض الوضوء بالاغماء - ويعتبر فى الجنون والسكر والاغماء ما مر فى النوم من ثقل وطول واضطجاع - وأضدادهما وقيل لا ينتقض بالثلاثة ما لم يتيقن انتقاضه وينتقض بالكلام المحرم الذى هو كبيرة على الاطلاق كالدعاء الى الزنا والغيبة، وقيل لا ينتقضه ذكر المتولى بما فيه اذا لم يرد تنقيصه، ويستثنى من ذلك المتولى المفارق لأخلاق السوء فانه لا يكون ذكره بها غيبة محرمة ولا ناقضة للوضوء. بل اذا خيف الاقتداء به وجب اشهاره بذلك والنقض عليه ومن الكلام المحرم الذى ينقض النميمة واليمين الفاجرة ولعن غير مستحق وشتمه كطفل ومجنون على ما صدر منه فى جنونه - لا على صادر منه فى غير جنونه ولم يثب منه، وكشتمه بقوله يا كلب أو نحو ذلك أو يا جاهل ان قصد الشتم ولا يتبرأ منه السامع لعدم علمه أنه شتم أم لا لأن كل الناس جاهلون لأكثر الأشياء فان حصل له علم برئ منه، وقيل ان قال المتولى يا جاهل فى كذا أو كذا لكذا تبرأ منه، وينقض الوضوء أيضا شتم أو لعن من يستحق لكن لا على الوجه الذى يستحق به ذلك.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 77 وما بعدها الى ص 79 الطبعة السابقة.
(2)
البزاق والبساق والبصاق بضمهن ماء الفم اذا خرج منه، وما دام فيه فهو ريق وانما سماه بزاقا مع أنا فى الفم مجازا اعتبارا بما يئول اليه شرح النيل ج 1 ص 79 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 80 الطبعة السابقة.
وكذا ينتقض الوضوء بالطعن فى الدين والتكلم بموجب كفر نعمة أو منعم مطلقا بأى لفظ كان أو بمنكر أو فحش وقيل لا ينقض الوضوء من الكبائر الا الغيبة أو النميمة أو الزنا أو الارتداد أو نظر الشهوة أو الكذب أو اليمين الفاجرة، وقيل الأربعة الأولى. وينقض بذكر فرج أو عذرة أو بول بأقبح اسم عند الناطق ولو لم يقبح عند غيره ولا سيما أن قبح عند غيره، أو يشتم بهما أو ببول ولو بغير أقبح أسمائها، وقيل لا ينتقض الا أن شتم بهما أحدا، وقيل الا أن شتم بهما ونسبهما للمشتوم ويستثنى شتم المتعزى بعزاء الجاهلية باعضاضه بهن أبيه تصريحا فانه مأمور به فى الحديث فلا يكون ناقضا. والكلام شامل لكل كبيرة فمن دخل الصلاة الفريضة وتعمد الخروج عنها أو افسادها بلا ضرورة ولا شبهة اصلاح فساد كفر نفاقا ولزمته مغلطة أو مرسلة وانتقض وضوءه عند من ينقضه بالكبائر مطلقا، وقال صاحب الأصل: لا ينقض الوضوء بافساد الصلاة بغير القهقهة وفى نقض وضوء من خرج من صلاة النفل عمدا كذلك قولان، وينقض الوضوء بالكذب عن عمد لا عن غلط أو نسيان أو تقليد أو خطأ
(1)
. وينقض الوضوء بالقهقهة فى الصلاة
(2)
لحرمتها فان ضحك بدون قهقهة أو تبسم لم ينتقض الوضوء ونقضت الصلاة وقيل لا نقض بالتبسم وهو الصحيح لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم لجبريل حين تبسم له فى الصلاة، وقيل لا ينقض الوضوء الضحك فى الصلاة الا خلف الامام العدل.
ولا ينتقض بها الوضوء فى غير الصلاة الا ان كانت لغير عجب أو لمعصية من الضاحك أو غيره فتكون كبيرة وتنقض الوضوء، وقيل لا
(3)
. وينتقض بمس النجس الرطب والميتة مطلقا رطبة أو يابسة سواء كانت اليد التى مستها رطبة أو يابسة وان كانت الميتة لمتولى على المختار ولو بعد الغسل وقيل لا نقض ولو لغير متول، وقيل لا نقض بالمتولى الا قبل الغسل وقيل لا نقض مطلقا سواء كان متوليا أو غيره، والمشهور أن الميتة اليابسة هى واليد تنقض للسنة لا للنجاسة وغير اليد بمس فرج غير الدابة سواء كان فرج نفسه أو فرج غيره عمدا فقيل مطلقا وفرج الدابة لا ينتقض مثلها وخص اليد لأنها الغالبة فى العمل، وينتقض الا بنجس أو بشهوة وفى مس فرج الانسان الصبى أقوال النقض به وعدم النقض لا لرطوبة أو اشتهاء، هذان قولان ثالثهما: المختار النقض بفرج الأنثى وقيل ينتقض بفرج المراهق والمراهقة، وقيل ينتقض بفرج الحيوان حال الانتشار وينقض بمس الفرج المقطوع بنظره على الخلف والحاصل أن مس الفرج المقطوع والنظر اليه كمس غير المقطوع والنظر اليه، وزاد بعضهم الشعر وكل لحم اذا كان عورة ويزيد المقطوع بأنه ميتة وهكذا كل ما كان عورة فعورته باقية بعد قطعه وهكذا كنت أقول والنظر كالمس فى ذلك كله وأقول الآن لا نقض بنظر المقطوع من ذلك اذا كان لا يشته كما لا نقض بالنظر الى من لا تشته الا فرج الأنثى فانه مطلقا مشته فالنظر اليه ناقض ولو مقطوعا من عجوز وفى الديوان رخص بعض أن لا نقض بمس الانسان عورته المقطوعة وفيه نظر لأنها ميتة.
والخلف فى موجب النقض فهل هو المس بالعانة والأنثيين وما بين الفرجين والدبر والموضع الذى يقربه وجوانبه أو بالذكر فقط لا بالدبر أو به وبالدبر أو بالثقبتين فقط وهو أوسع الأقوال أو بالسرة والركبة وما بينهما على الخلف فى دخولهما وهو أضيقها، وسواء فى ذلك مس الذكر نفسه أو ذكرا آخر ومس الأنثى نفسها أو أنثى أخرى والأمة مع الرجل كرجلين.
اختير النقض بالمحلين أى الذكر والدبر الذى هو الثقبة وما يليها وهو المنخفض عن المقعدتين،
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 80 وما بعدها الى ص 83 الطبعة السابقة.
(2)
قل صاحب شرح النيل: القهقهة مأخوذة من قول الضاحك قهقه فهى اختصار حكاية شرح النيل ج 1 ص 86 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 86 نفس الطبعة.
وان كان المس بنسيان أنه على وضوء أو نسيان أن المس ناقضا أو نسيان أن ذلك عورة أو نحو ذلك
(1)
.
وينتقض بمس فرج الغير وان كان الغير زوجة أو سرية
(2)
. كما ينتقضه مس فرج نفسه على الحد السابق الا أن مس فرج نفسه لأجل حدث ظن خروجه سواء كان فى الصلاة أو غيرها وسواء فى الليل أو النهار ولكن ان مس مع امكان النظر كخلوة فى نهار وامكانه ووجود نار ليلا نقض ولم يجئ فى الحديث أن المس للبحث عن النجس فى الصلاة لا ينقضها والصحيح النقض فان وجده توضأ واستأنف الصلاة.
وينتقض الوضوء من كل شخص ملموس فى عمد نقض عورة باليد قال بعضهم أو غيرها، وفى نفس وضوء الزوجين بجماع غير الفرج بلا خروج بلل قولان ولو بالذكر والسرية كالزوجة وقيل من مس أجنبية ولو بلا عمد انتقض وضوءه وقيل لا ولو بعمد، ولا ينتقض بمس كفها ووجهها بلا شهوة ولو عمدا، وقيل ينتقض وكذا باطن القدم على القول بأنه ليس عورة وكذا كل ما حل نظره من الأجنبيات من قواعد ومتبرجات وتهامية وأمة ونحو ذلك هل يحل مسه بلا شهوة أو يحرم، وعلى الآخر ينقض مسه الوضوء ولو بلا شهوة وينتقض بلمس بدن أجنبية بالغة مشتهاة - ولو شعرا أو ظفرا أو سنا - لا كعجوز ونحوها ممن لا تشته وذلك بأن يلمسها بيد سالمة غير شلاء وقيل غير اليد مثل اليد اذا كان اللمس لغير معالجة أو لاضطرار أو تنجية بلا حائل مطلقا وان كان اللمس لغير شهوة. والأمرد المشته مثل المرأة فى الأظهر فيما قيل وليس كذلك بل هو كالرجل فيباح نظره ومسه بلا شهوة ولا نقض. وهل ينتقض الوضوء بأكل ميتة أو دم أو لحم خنزير أبيح أو خمر على القول بجواز تنجية المضطر بها نفسه قياسا على الثلاثة قبله أو لا ينتقض؟ هذان قولان وجه القول بعدم النقض انه انما نجست تلك الأشياء فى غير حال الاضطرار أما فى حال الاضطرار فهى طاهرة فى حق المضطر ووجه القول بالنقض أنها باقية على النجس فأباح الله أكل النجس للاضطرار ويدل للأول عموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتوضأ من طعام أحل الله أكله.
وينتقض الوضوء بالنظر لغير وجه حرة بالغة أجنبية وكفيها مع عمد، ولا ينتقض بالنظر الى الوجه والكفين ولو فيهما زينة وقيل ان لم تكن، وينتقض بالنظر لما بين سرة وركبة أمة واختلف فى دخولهما ومارق من الفخذ ومختار صاحب النيل عدم دخول السرة والركبة كما هو صريح قوله بين، والأمة فى ذلك كالرجل لغير شهوة، فان كان النظر بشهوة نقض وكذا لمس الأجنبية فى غير الوجه والفم والعين والكف والرجل والأمة بين السرة والركبة فى النقض لا شهوة وقيل لمس وجهها أو كفها ناقض أيضا، وينتقض بالشهوة لمسا ونظرا مطلقا ولو للوجه والكف منها وغير ما بين السرة والركبة من الرجل والأمة ورخص النظر لمتبرجة ولو شابة مشتهاة فينظر منها ما أظهرت من فوق السرة والركبة بلا شهوة والتحقيق عندى المنع وأنها كغيرها لأن الله جل وعلا جعل لها حرمة وليست اباحتها حرمتها بمزيلة لها فالواجب الاغضاء عنها ما استطاع.
وينتقض بالنظر لحرمة جوف منزل الغير بغير اذنه يعمد ولو لم يرفيه شيئا عند ابن محبوب، وبدخول بيت بغير اذن وقال بعض لا، وقال بعض أصحابنا لا نقض بالنظر لجوف المنزل الا أن رأى فيه حرمة كامرأة مكشوفة أو رجل عريان وبالنظر لكتاب سر لغير كاتبه وغير من علم ما فيه ولا ينتقض بالنظر لبسملة أو عنوان أو بالنظر لكتاب تاجر أبيح أو لكتاب حساب أو دفتر ان كان الدفتر لحاكم فان لم يكن لحاكم نقض الا أن كان دفتر علم لم ينقض النظر اليه وفيه الا أن الأدب
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 88 وما بعدها الى ص 90 نفس الطبعة.
(2)
سرية بضم السين وتشديد الراء والباء نسبة الى السر بكسر السين على غير قياس الكسر والسر النكاح وهى الأمة التى بوأتها بيتا للجماع كالزوجة.
الاستئذان فى ذلك وقيل لا نقض على ناظر كتاب السر أو جوف المنزل بلا اذن ولا على فاعل كبيرة الا الكذب واليمين الفاجرة ونظر الشهوة والغيبة والنميمة وينتقض باستماع السر الا ان كان المستمع هو الذى وقع كلام السر فيه أما اذا كان هو الذى وقع فيه السر فلا نقض عليه.
وينتقض باستماع لباطل كاستماع لكذب أو بهتان أو استماع للهو بما هو معصية فينقض وضوء المستمع ولو لم ينتقض وضوء المسموع، أو استماع لمزمار وغناء ونياح وذلك اذا كان بمحرم وبكل محرم شرعا ولو صغيرة قولا وفعلا وقيل لا نقض بالصغيرة الا أن أصر عليها
(1)
.
ما يفسد التيمم وما لا يفسده
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الذى ينقض التيمم نوعان عام وخاص، أما العام فكل ما ينقض الوضوء من الحدث الحقيقى والحكمى ينقض التيمم.
وأما الخاص وهو ما ينقض التيمم على الخصوص لوجود الماء وجملة الكلام فيه أن المتيمم اذا وجد الماء لا يخلو اما أن يجده قبل الشروع فى الصلاة واما أن يجده فى الصلاة واما أن يجده بعد الفراغ منها فان وجده قبل الشروع فى الصلاة انتقض تيممه عند عامة العلماء.
وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن رحمه الله تعالى أنه لا ينتقض التيمم بوجود الماء أصلا لأن الطهارة بعد صحتها لا تنقض الا بالحدث ووجود الماء ليس بحدث ويدل لنا ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال التيمم وضوء المسلم ولو الى عشر حجج ما لم يجد الماء أو بحدث جعل التيمم وضوء المسلم الى غاية وجود الماء والمحدود الى غاية ينته عند وجود تلك الغاية، ولأن التيمم خلف عن الوضوء ولا يجوز المصير الى الخلف مع وجود الأصل كما فى سائر الأخلاف مع أصولها، وأما كون وجود الماء ليس بحدث فهو مسلم وعندنا أن المتيمم لا يصير محدثا بوجود الماء بل الحدث السابق يظهر حكمه عند وجود الماء الا أنه لم يظهر حكم ذلك الحدث فى حق الصلاة المؤداة ثم وجود الماء نوعان: وجوده من حيث الصورة والمعنى وهو أن يكون مقدور الاستعمال له فينقض التيمم ووجوده من حيث الصورة دون المعنى وهو أن لا يقدر على استعماله وهذا لا ينقض التيمم حتى لو مر المتيمم على الماء الكثير وهو لا يعلم به أو كان غافلا أو نائما لا يبطل تيممه.
كذا روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى، وكذا لو مر على ماء فى موضع لا يستطيع النزول اليه لخوف عدو أو سبع لا ينتقض تيممه.
كذا ذكر محمد بن مقاتل الرازى رحمه الله تعالى، وقال هذا قياس قول أصحابنا لأنه غير واجد للماء فكان ملحقا بالعدم وكذا اذا أتى بئرا وليس معه دلو أو رشا أو وجد ماء وهو يخاف على نفسه العطش لا ينتقض تيممه لما قلنا وكذا لو وجد ماء موضوعا فى الغلاة فى جب أو نحوه على قياس ما حكى عن أبى نصر محمد بن محمد بن سلام لأنه معد للسقيا دون الوضوء الا أن يكون كثيرا فيستدل بالكثرة على أنه معد للشرب والوضوء جميعا فينتقض تيممه والأصل فيه أن كل ما منع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم وما لا فلا ثم وجود الماء انما ينقض التيمم اذا كان القدر الموجود يكفى للوضوء أو الاغتسال فان كان لا يكفى لا ينقض عندنا.
وعلى هذا يخرج ما ذكره محمد فى الزيادات لو أن خمسة من المتيممين وجدوا من الماء مقدار ما يتوضأ به أحدهم انتقض تيممهم جميعا لأن كل واحد منهم قدر على استعماله على سبيل البدل فكان كل واحد منهم واجدا للماء صورة ومعنى فينتقض تيممهم جميعا ولأن كل منهم قدر
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 94، ص 95 من الطبعة السابقة.
على استعماله بيقين وليس البعض أولى من البعض فينتقض تيممهم احتياطا ولو كان لرجل ماء فقال أبحث لكم هذا الماء يتوضأ به أيكم شاء، وهو قدر ما يكفى لوضوء أحدهم انتقض تيممهم جميعا لما قلنا، ولو قال هذا الماء لكم لا ينتقض تيممهم باجماع بين أصحابنا أما على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى فلأن هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تصح فلم يثبت الملك رأسا، وأما على أصلهما فالهبة وان صحت وأفادت الملك لكن لا يصيب كل واحد منهم ما يكفى لوضوئه فكان ملحقا بالعدم حتى أنهم لو أذنوا لواحد منهم بالوضوء انتقض تيممه عندهما لأنه قدر على ما يكفى للوضوء، وعنده الهبة فاسدة فلا يصح الاذن
(1)
وان وجد الماء فى الصلاة فان وجده قبل أن يقعد قدر التشهد الأخير انتقض تيممه وتوضأ به واستقبل الصلاة لأن طهارة التيمم انعقدت ممدودة الى عاية وجود الماء بالحديث الذى روينا، فتنته عند وجود الماء فلو أتمها لأتم بغير طهارة، وهذا لا يجوز، وبه تبين أنه لم تبق حرمة الصلاة وان وجده بعد ما قعد قدر التشهد الأخير أو بعد ما سلم وعليه سجدتا السهو وعاد الى السجود فسدت صلاته عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ويلزمه الاستقبال، وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يبطل تيممه وصلاته تامة وهذه من المسائل المعروفة بالأثنى عشرية، والأصل فيها أن ما كان من أفعال المصلى يفسد الصلاة لو وجد فى أثنائها لا يفسدها أن وجد فى هذه الحالة باجماع بين أصحابنا مثل الكلام والحدث العمد والقهقهة ونحو ذلك وأما ما ليس من فعل المصلى بل هو معنى سماوى لكنه لو اعترض فى أثناء الصلاة يفسد الصلاة، فاذا وجد فى هذه الحالة هل يفسدها.
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يفسدها وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يفسدها وذلك كالمتيمم يجد ماء والماسح على الخفين اذا انقضى وقت مسحه، والعارى يجد ثوبا والأمى يتعلم القرآن وصاحب الجرح السائل ينقطع عنه السيلان وصاحب الترتيب اذا تذكر فائتة ودخول وقت العصر يوم الجمعة وهو فى صلاة الجمعة، وسقوط الخف عن الماسح عليه اذا كان واسعا بدون قلعه وطلوع الشمس فى هذه الحالة لمصلى الفجر والمومى اذا قدر على القيام والقارئ اذا استخلف أميا. والمصلى بثوب فيه نجاسة أكثر من قدر الدرهم ولم يجد ماء ليغسله فوجد فى هذه الحالة، وقاضى الفجر اذا زالت الشمس، والمصلى اذا سقط الجبائر عنه برء.
ومن مشايخنا من قال أن حاصل الاختلاف يرجع الى أن خروج المصلى من الصلاة بفعله فرض عند أبى حنيفة وعندهما ليس بفرض، ومنهم من تكلم فى المسئلة من وجه آخر، وجه قولهما أن الصلاة قد انتهت بالقعود قدر التشهد لانتهاء أركانها قال النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه حين علمه التشهد: اذا قلت هذا وفعلت هذا فقد تمت صلاتك والصلاة بعد تمامها لا تحتمل الفساد ولهذا لا تفسد بالسلام والكلام والحدث العمد والقهقهة ودل الحديث على أن الخروج بفعله ليس بفرض لأنه وصف الصلاة بالتمام، ولا تمام يتحقق مع بقاء ركن من أركانها.
ولهذا قلنا أن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة ليست بفرض وكذا اصابة لفظ السّلام لأن تمام الشئ وانتهاءه مع بقاء شئ منه محال الا أنه لو قهقه فى هذه الحالة تنتقض طهارته لأن انتقاضها يعتمد قيام التحريمة وانها قائمة فأما فساد الصلاة فيستدعى بقاء التحريمة مع بقاء الركن ولم يبق عليه ركن من أركان الصلاة لما بينا، ولأن الخروج من الصلاة ضد الصلاة لأنه تركها وضد الشئ كيف يكون ركنا له، ولأن عند أبى حنيفة يحصل الخروج بالحدث
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 1 ص 56، ص 57 الطبعة الأولى طبع شركة المطبوعات العالمية بمصر سنة 1327 هـ.
العمد والقهقهة والكلام، وهذه الأشياء حرام ومعصية فكيف تكون فرضا والوجه لتصحيح مذهب أبى حنيفة فى عدة من هذه المسائل من غير البناء على الأصل الذى ذكرنا أن فساد الصلاة ليس لوجود هذه العوارض بل بوجودها يظهر أنها كانت فاسدة، وبيان ذلك أن المتيمم اذا وجد الماء صار محدثا بالحدث السابق فى حق الصلاة التى لم تؤد لأنه وجد منه الحدث ولم يوجد منه ما يزيله حقيقة لأن التراب ليس بطهور حقيقة الا أنه لم يظهر حكم الحدث فى حق الصلاة المؤداة للحرج كيلا تجتمع عليه الصلوات فيخرج فى قضائها فسقط اعتبار الحدث السابق دفعا للحرج ولا حرج فى الصلاة التى لم تؤد، وهذه الصلاة غير مؤداة فان تحريمة الصلاة باقية بلا خلاف وكذا الركن الأخير باق لأنه وان طال فهو فى حكم الركن كالقراءة اذا طالت فظهر فيها حكم الحدث السابق فتبين أن الشروع فيها لم يصح كما لو اعترض هذا المعنى فى وسط الصلاة، وعلى هذا يخرج انقضاء مدة المسح لأنه اذا انقضى وقت المسح صار محدثا بالحدث السابق لأن الحدث قد وجد ولم يوجد ما يزيله عن القدم حقيقة لكن الشرع أسقط اعتبار الحدث فيما أدى من الصلاة دفعا للحرج فالتحق المانع بالعدم فى حق الصلاة المؤداة ولا حرج فيما لم يؤد فظهر حكم الحدث السابق فيه
(1)
.
هذا اذا وجد فى الصلاة ماء مطلقا فان وجد سؤر حمار مضى على صلاته لأنه مشكوك فيه وشروعه فى الصلاة قد صح فلا يقطع الشك، بل يمضى على صلاته فاذا فرغ منها توضأ به وأعاد لأنه ان كان مطهرا فى نفسه ما جازت صلاته وان كان غير مطهر فى نفسه جازت به صلاته فوقع الشك فى الجواز فيؤمر بالاعادة احتياطا، وان وجد نبيذا لتمر انتقض تيممه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لأنه بمنزلة الماء المطلق عند عدمه عنده، وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا ينتقض لأنه لا يراه طهورا أصلا.
وعند محمد رحمه الله تعالى يمضى على صلاته ثم يعيدها كما فى سؤر الحمار.
هذا كله اذا وجد الماء فى الصلاة فأما اذا وجده بعد الفراغ من الصلاة فان كان بعد خروج الوقت فليس عليه اعادة ما صلى بالتيمم بلا خلاف وان كان فى الوقت فكذلك عند عامة العلماء لأن الله تعالى علق جواز التيمم بعدم الماء فاذا صلى حالة العدم فقد أدى الصلاة بطهارة معتبرة شرعا فيحكم بصحتها فلا معنى لوجوب الاعادة.
وروى أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تيمما من جنابة وصليا وأدركا الماء فى الوقت فأعاد أحدهما الصلاة ولم يعد الآخر فقال صلى الله عليه وسلم للذى أعاد:
أما أنت فقد أوتيت أجرك مرتين، وقال للآخر:
أما أنت فقد أجزأتك صلاتك عنك، أى كفتك، وهذا ينفى وجوب الاعادة
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أن التيمم يبطله ما يبطل الوضوء من النواقض سواء كان ذلك التيمم للحدث الأصغر أو للحدث الأكبر، ويبطل التيمم أيضا بوجود الماء قبل الدخول فى الصلاة.
قال فى التوضيح: يريد اذا كان الوقت متسعا وان كان الوقت ضيقا ان توضأ فيه لم يدرك الصلاة لم يجب استعماله على الصحيح من المذهب.
قال اللخمى رحمه الله تعالى. وقال ابن عرفة رحمه الله تعالى: ووجود ماء فى وقت يسعه يبطله فلو ضاق عن استعمال فانتقض لا يبطله وخرجه اللخمى على التيمم. حينئذ قال وان وجد الماء بعد دخوله فى الصلاة فان ذلك لا يبطل تيممه
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 57 وما بعدها الى ص 59 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 59، ص 60 نفس الطبعة.
ولو كان الوقت متسعا كما صرح به اللخمى وغير واحد.
قال فى التوضيح ويحرم عليه قطع الصلاة.
قال ابن العربى: وخرج اللخمى قولا بالقطع.
قال التلمسانى: اذا قلنا أنه لا يجب عليه أن يقطع فهل المذهب أنه لا يستحب له القطع أو يستحب له القطع.
قال ابن العربى: بل يحرم عليه ذلك ويكون عاصيا ان فعل وحكمه كحكمه اذا وجده بعد الصلاة لا يستحب له أن يعيده.
قال فى الطراز وهذا فبمن تيمم وهو على اياس من الماء وأما من تيمم وهو يرتجى الماء فهذا لا يبعد أن يقال فيه يقطع لأن الصلاة انما أسندت الى تخمين وقد تبين فساده.
ومن تيمم ثم طلع عليه ركب يظن أن معهم الماء فيجب عليه سؤالهم اذا طلعوا عليه قبل شروعه فان لم يجد معهم وجب عليه أن يعيد تيممه وكذلك لو رأى ماء فقصده فحال دونه مانع نقله سند عن الشافعى قال وهو موافق لمذهب مالك فان الطلب اذا وجب كان شرطا فى صحة التيمم ولا يصح التيمم الا بعد الطلب ولأنا نشترط اتصال الصلاة بالتيمم فمتى فرق بينهما تفريقا فاحشا لم يجزه، فان طلعوا عليه وهو فى الصلاة لم يقطع الصلاة ولو كان معهم الماء كما صرح به فى المدونة وقد نبه على ذلك صاحب الطراز فى شرحها. ومن كان معه ماء فى رحله فنسيه وتيمم وشرع فى الصلاة فتذكر فيها أن الماء فى رحله فانه يقطع الصلاة لتفريطه فانه تيمم والماء موجود معه كمن شرع فى صوم الظهار ثم تذكر أنه قادر على الرقبة
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن من تيمم لفقد ماء فوجده ان لم يكن فى صلاة بطل تيممه وان ضاق الوقت بالاجماع كما قاله ابن المنذر، ولخبر أبى ذر رضى الله تعالى عنه: التراب كافيك ولو لم تجد الماء عشرة حجج فاذا وجدت الماء فأمسه جلدك.
رواه الحاكم وصححه الترمذى وقال حسن صحيح، ولأنه لم يشرع فى المقصود فصار كما لو رآه فى أثناء التيمم ووجود ثمن الماء عند امكان شرائه كوجود الماء، وكذا توهم الماء وان زال سريعا لوجوب طلبه بخلاف توهم السترة فانه يجب عليه طلبها بذلك لأن الغالب عدم وجدانها بالطلب للبخل بها.
ومما يبطل التيمم أيضا الردة كما مر فى الوضوء ومن التوهم رؤية سراب
(2)
أو رؤية غمامة مطبقة بقربه أو رؤية ركب طلع أو نحو ذلك مما يتوهم معه الماء فلو سمع قائلا يقول عندى ماء لغائب بطل تيممه لعلمه بالماء قبل المانع ولو سمعه يقول عندى لغائب ماء لم يبطل تيممه لمقارنة المانع وجود الماء، ولو قال عندى لحاضر ماء وجب طلبه منه، ولو قال لفلان ماء ولم يعلم السامع غيبته ولا حضوره وجب السؤال عنه وبطل تيممه فى الصورتين لما مر من أن وجوب الطلب يبطله ولو سمعه يقول: عندى ماء ورد فهل يبطل تيممه أولا؟ فيه نظر ولم أر من تعرض له ثم رأيت بعض المتأخرين تعرض له وجزم يبطلان التيمم، ووجود ما ذكر قبل تمام تكبيرة الاحرام كوجوده قبل الشروع فيها.
أما بعد الشروع فى الصلاة فلا بطلان بتوهم أو شك أو ظن، هذا اذا تيمم لفقد ماء، فان تيمم لمرض ونحوه فانه انما يبطل تيممه بالقدرة على استعماله ولا أثر لوجوده.
وانما يبطل التيمم وجود الماء أو توهمه أن لم يقترن بمانع يمنع من استعماله كعطش
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب ج 1 ص 356، ص 357 ق كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.
(2)
السراب ما يرى نصف النهار كأنه ماء.
وسبع لأن وجوده والحالة هذه كالعدم، أو ان وجد الماء فى صلاة لا يسقط قضاؤها بالتيمم بأن صلى فى مكان يغلب فيه وجود الماء بطلت صلاته على المشهور اذ لا فائدة بالاشتغال بها لأنه لا بد من اعادتها.
والقول الثانى المقابل للمشهور: لا تبطل صلاته محافظة على حرمتها ويعيدها وهو وجه ضعيف فالخلاف كما فى الروضة وغيرها وجهان
(1)
ولو رأى الماء فى صلاته التى تسقط بالتيمم بطل تيممه بسلامه منها وان علم تلفه قبل سلامه لأنه ضعف برؤية الماء وكان مقتضاه بطلان الصلاة التى هو فيها لكن خالفناه لحرمتها ويسلم الثانية لأنها من جملة الصلاة كما بحثه صاحب المنهاج تبعا للرويانى وان خالف فى ذلك والد الرويانى. ولو تيممت حائض لفقد الماء ورأت الماء وهو بجامعها حرم عليها تمكينه كما قاله القاضى أبو الطيب وغيره ووجب النزع كما فى المجموع وغيره لبطلان طهرها، ولو رآه وهو دونها لم يجب عليه النزع لبقاء طهرها خلافا لما فى الأنوار من وجوب النزاع ولو رأى الماء فى أثناء قراءة تيمم لها بطل تيممه بالرؤية سواء أنوى قراءة قدر معلوم أم لا لبعد ارتباط بعضها ببعض قاله الرويانى.
أما المنتفل الواجد للماء فى صلاته الذى لم ينو قدرا فالأصح أن لا يجاوز ركعتين بل يسلم منهما لأنه الأحب والمعهود فى النفل هذا اذا رأى الماء قبل قيامه للثالثة فما فوقها والا أتم ما هو فيه كما صرح به القاضى أبو الطيب وغيره، وقيل: له أن يزيد ما شاء كما له تطويل الأركان وقيل: يقتصر على ركعة بناء على أن حمل النذر المطلق عليها.
أما من نوى عددا أو ركعة فيتمه لانعقاد نيته عليه فأشبه المكتوبة المقدرة ولا يزيد عليه لأن الزيادة كافتتاح نافلة بدليل افتقارها الى قصد جديد، ولو رأى الماء فى أثناء الطواف.
قال الفورانى ان قلنا يجوز تفريقه - وهو الأصح - توضأ والا فكالصلاة
(2)
ولا تيمم لغرض قبل دخول وقت فعله لقول الله عز وجل:
«إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}
(3)
» الآية والقيام اليها بعد دخول الوقت خرج الوضوء بدليل فبقى التيمم، ولأنها طهارة ضرورة فلا تباح الا عند وقت الضرورة وهو قبل الوقت غير مضرور اليها ولا بد من العلم بدخول الوقت يقينا أو ظنا فلو تيمم شاكا فيه لم يصح وان صادف الوقت كما فى زيادة الروضة، ويشترط أخذ التراب المقرون بالنية فى الوقت أيضا فلو أخذه قبله ثم مسح به بعده لم يصح
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن التيمم يبطل بخروج الوقت لقول على رضى الله تعالى عنه: التيمم لكل صلاة ولأنه طهارة ضرورة فتقيد بالوقت كطهارة المستحاضة حتى التيمم من جنب لقراءة ولبث فى مسجد، وحتى التيمم من حائض لوط ء وحقى التيمم لطواف، وحتى التيمم من نجاسة ببدن ولصلاة جنازة ونافلة ونحوها كالتيمم من نفساء لوط ء فيبطل فى هذه الصور كلها بخروج الوقت كالتيمم للمكتوبة ما لم يكن فى صلاة جمعة ويخرج الوقت وهو فيها فلا يبطل مادام فيها ويتمها لأنها لا تقضى فيلزم من تيمم لقراءة ووط ء ونحوه كلبث بمسجد اذا خرج الوقت يلزمه الترك حتى يعيد التيمم.
لكن لو نوى الجمع فى وقت الثانية ثم تيمم للمجموعة أو تيمم لفائتة فى وقت الأولى لم يبطل التيمم بخروج وقت الأولى لأن نية الجمع صيرت الوقتين كالوقت الواحد، ويبطل التيمم
(1)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 103، ص 104 فى كتاب على هامشه متن المنهاج.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 101، ص 102 نفس الطبعة
(3)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
(4)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 107 الطبعة السابقة.
بوجود الماء لعادمه اذا قدر على استعماله بلا ضرر لأن مفهوم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصعيد الطيب وضوء المسلم وان لم يجد الماء عشر سنين فاذا وجد الماء فأمسه جلدك «يدل على أنه ليس بوضوء عند وجود الماء، ويبطل التيمم بزوال عذر مبيح للتيمم كما لو تيمم لمرض فعوفى بزوالها ثم ان وجد الماء بعد صلاته أو طوافه لم يجب اعادته.
لما روى عطاء بن يسار رضى الله تعالى عنه قال خرج رجلان فى سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء فى الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذى لم يعد أجزأتك صلاتك، وقال للذى أعاد لك الأجر مرتين» رواه أبو داود.
وان وجد الماء فى الصلاة أو الطواف بطلت صلاته وطوافه ولو اندفق الماء قبل استعماله لأن طهارته انتهت بانتهاء وقتها فبطلت صلاته وطوافه كما لو انقضت مدة المسح وهو فى الصلاة ووجبت الاعادة ان كانت الصلاة أو الطواف فرضا، ويبطل التيمم بمبطلات وضوء كخروج شئ من سبيل وزوال عقل ومس فرج اذا كان تيممه عن حدث أصغر لأنه بدل عن الوضوء فحكمه حكمه.
ويبطل التيمم عن حدث أكبر بما يوجبه كالجماع وخروج المنى بلذة الا غسل حيض ونفاس اذا تيممت له فلا يبطل بمبطلات غسل ووضوء بل بوجود حيض ونفاس فلو تيممت بعد طهورها من الحيض له ثم أجنبت فله الوط ء لبقاء حكم تيمم الحيض والوط ء انما يوجب حدث الجنابة وان تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه كعمامة وجبيرة أو خف لبسه على طهارة ثم خلعه بطل تيممه نصا فى رواية عبد الله على الخفين وفى رواية حنبل عليهما وعلى العمامة وظاهره لا فرق بين أن يكون مسح عليه قبل التيمم أولا وكذا اذا انقضت مدة المسح لأنه معنى يبطل الوضوء وهو ان اختص صورة بعضوين فانه متعلق بالأربعة حكما
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن كل حدث ينقض الوضوء فانه ينقض التيمم، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من أهل الاسلام
(2)
.
وينقض التيمم أيضا وجود الماء سواء وجده فى صلاة أو بعد أن صلى أو قبل أن يصلى فان صلاته التى هو فيها تنتقض لانتقاض طهارته ويتوضأ أو يغتسل ثم يبتدئ الصلاة ولا قضاء عليه فيما قد صلى بالتيمم.
لما حدثنا حماد باسناده عن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى القوم جنب فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فتيمم وصلى، ثم وجدنا الماء بعد فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل ولا يعيد الصلاة.
وقد ذكرنا حديث حذيفة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا اذا لم نجد الماء فصح بهذه الأحاديث أن الطهور بالتراب انما هو ما لم يوجد الماء، وهذا لفظ يقتضى أن لا يجوز التطهر بالتراب الا اذا لم يوجد الماء، ويقتضى أن لا يصح طهور بالتراب الا أن لا نجد الماء الا لمن أباح له ذلك نص آخر.
واذا كان هذا فلا يجوز أن يخص بالقبول
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 1 ص 129، ص 130 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
المحلى لأبى محمد على أحمد بن سعيد بن حزم ج 2 ص 122، مسئلة رقم 233 بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر طبع مطبعة النهضة بمصر سنة 1347 هـ.
أحد المعنيين دون الآخر، بل فرض العمل بهما معا، وصحح هذا أيضا أمره صلى الله عليه وسلم الجنب بالتيمم بالصعيد ثم أمره بالصلاة ثم أمره عند وجود الماء بالغسل فصح ما قلنا
(1)
.
والمريض المباح له التيمم مع وجود الماء بخلاف ما ذكرنا فان صحته لا تنتقض طهارته، لأن الخبر الذى اتبعنا انما جاء فيمن لم يجد الماء فهو الذى تنتقض طهارته وأما من أمره الله تعالى بالتيمم والصلاة مع وجود الماء فان وجود الماء قد صح يقينا أنه لا ينقض طهارته بل هى صحيحة مع وجود الماء فاذ ذاك كذلك فان الصحة ليست حدثا أصلا اذ لم يأت بأنها حدث لا قرآن ولا بسنة
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار ان التيمم للحدثين ينتقض بأحد ستة أمور:
الأول الفراغ مما فعل بالتيمم له من صلاة أو قراءة أو لبث فى المسجد أو وط ء اذ شرعية التيمم لاستباحة الصلاة ولا يرفع الحدث اذ لو كان التيمم رافعا للحدث لم يجب عليه أن يغتسل بعد التيمم عند وجود الماء ولم يقل بذلك أحد فثبت أنه مبيح لا رافع.
الثانى: الاشتغال بغير ما تيمم له ذكره أبو مضر، وقال المنصور: الاشتغال بغيره لا ينقضه بحال.
قال مولانا عليه السلام وقد استشكل المتأخرون قول أبو مضر، وربما قالوا انه غير صحيح لأنه لا وجه يقتضى كون ذلك ناقضا ولأنه قد ذكر أن من تيمم جاز له أن يقرأ قبل الصلاة وذلك اشتغال بغير الصلاة ولهذا حمل بعضهم كلامه على أن مراده الاشتغال بمباح غير ما تيمم له ينقض لا غير مباح لئلا يتدافع الكلام.
قال مولانا عليه السلام: والأقرب عندى أن كلامه صحيح قيم لا عوج له فى هذه المسألة على أصل من أوجب التأخير على المتيمم، ومراده الاشتغال بغير ما تيمم له مما لا تعلق له به وهو مانع من فعله أو فعل ما يتعلق به ويستغرق وقتا ظاهرا يعتد به، أما اذا كان ما اشتغل به مما لا تعلق بما تيمم له لم ينقض لأنه لو تيمم ثم سار الى المسجد المعتاد لصلاته ولو بعد فقد انتقل بغير الصلاة وهذا ليس بناقض لتعلقه بالصلاة وكذلك مسئلة القراءة قبل الصلاة على ما تقدم. وان كان ما اشتغل به لا يمنع من فعل ما تيمم له أو فعل ما يتعلق به لم ينتقض التيمم وذلك نحو أن يتيمم لقراءة أو لبث فى المسجد فيقرأ أو بلبث وهو يخيط ثوبا أو غير ذلك مما لا يمنع وجود القراءة فان ذلك لا ينقض ونحو أن يتيمم لصلاة ثم يسير الى المسجد وهو فى خلال المسير يحدث غيره أو يقود فرسه أو نحو ذلك مما لا يمنع من المسير المتعلق بالصلاة فان هذا الشغل لا ينقض.
وكذا لا ينتقض التيمم اذا اشتغل بغير ما تيمم لم ولم يستغرق وقتا ظاهرا يعتد به وذلك نحو أن يتيمم لقراءة فيأخذ فيها ثم يتكلم خلالها بكلمتين أو ثلاث أو أكثر مما لا يظهر له تأثير فى الوقت فان ذلك لا ينقض لأن وقته لا يعتد به، ونحو أن يتيمم لدخول المسجد فيزيل صخرة من على الطريق أو بهيمة من زرع بالقرب منه أو نحو ذلك مما لا يعتد بوقته.
قال مولانا عليه السلام: والوجه فى اعتبار هذه القيود اجماع المسلمين على أن نحو هذه الأشياء التى استثنت غير ناقضة لأنه لم يسمع عن أحد من السلف والخلف أنه أعاد التيمم لكلمة تكلمها قبل فعل ما تيمم له ونحو ذلك.
قال عليه السلام: وهذه المسألة مبنية على كلام من أوجب التأخير مع العذر المأيوس - وهو
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 122 وما بعدها الى ص 138 مسئلة رقم 234 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 128 مسئلة رقم 235 نفس الطبعة.
المذهب - وقول المنصور انه لا ينقض بالاشتغال بغيره مبنى على قوله بجواز التيمم فى أول الوقت اذا كان العذر مأيوسا.
الثالث: من نواقض التيمم زوال العذر الذى يجوز معه العدول الى التيمم نحو أن تزول علة يخشى معها من استعمال الماء أو نحو ذلك فانه حينئذ ينتقض تيممه، وهل يعيد ما قد صلى به حكمه حكم واجد الماء.
والرابع: وجود الماء قبل كمال الصلاة فانه ينتقض التيمم بشرط أن لا يحتاجه لنفسه أو لبهائمه المحترمة أو المجحفة ولا يخشى من استعماله ضررا، سواء وجده قبل الدخول فى الصلاة أو بعده وسواء خشى فوت الصلاة باستعماله أم لا، وسواء كان يكفيه لكمال الوضوء أم لا يكفيه عندنا خلافا لأبى مضر وابنى الهادى، وان وجد الماء بعد كمال الصلاة فانه يعيد الصلاتين بالوضوء ان أدرك الصلاة الأولى وركعة من الثانية قبل خروج الوقت بعد الوضوء وان لم يبق من الوقت ما يسع ذلك فالأخرى من الصلاتين يعيدها بالوضوء وان أدرك ركعة كاملة منها أى أن غلب فى ظنه أنه يدرك ذلك لزمته الاعادة والا لم تلزم هذا مذهب الهدوية فعلى هذا يعتبر فى المقيم أن يبقى له من النهار ما يتسع لخمس ركعات فيعيد الظهر والعصر.
وفى المسافر ما يتسع لثلاث ركعات وفى المغرب والعشاء ما يتسع لأربع مقيما كان أو مسافرا وان لم يبق الا ما يتسع لثلاث فقط فان كان مقيما صلى العشاء فقط وان كان مسافرا.
فقال الفقيه محمد بن سليمان: يصلى العشاء أولا ركعتين لأنه يأتى بها تامة ويدرك بعدها ركعة من المغرب.
وقال السيد يحيى بن الحسين: بل يصلى المغرب لأن الترتيب واجب عند الهدوية.
قال مولانا عليه السلام: وهذا هو الصحيح مع وجوب الترتيب.
وقال أحمد بن الحسين أنه لا يلزم اعادة العصر.
قال السيد أبو العباس وروى عنه السيد يحيى ابن الحسين انه لا يوجب الاعادة الا اذا أدرك الصلاتين معا.
قال مولانا عليه السلام: والأول أصح.
وعن أحمد بن الحسين أن المتيمم فى الحضر اذا وجد الماء بعد الوقت أعاد لأنه من الأعذار النادرة.
والخامس: من نواقض التيمم خروج وقت الصلاة التى تيمم لها.
والسادس: من نواقض التيمم نواقض الوضوء ولا كلام فى أنه ينتقض بها التيمم للحدث الأصغر، أما التيمم للحدث الأكبر فاختلفوا فيه.
فقال المنصور: ينتقض بها أيضا.
وقال النووى فى الأذكار: لا ينتقض لأنه قائم مقام الغسل والحدث الأصغر لا يبطل الغسل.
قال فى الانتصار: اذا تيمم من الحدث الأكبر بطل بمثله وأما بالحدث الأصغر فقال المنصور يبطل.
وقال الشافعى رحمه الله تعالى: لا يبطل وهو الذى يظهر على رأى أئمة العترة، وهو المختار بدليل أن الحائض اذا تيممت لعدم الماء جاز جماعها مع أن المذى لا يخلو منها فى الغالب وكذا الايلاج فى الابتداء.
قال مولانا عليه السلام: والأقرب عندى أن كلام الأئمة يقضى بمثل كلام المنصور أعنى أن التيمم للحدث الأكبر ينتقض بالحدث الأصغر.
أما ما ذكره الامام يحيى فى الحائض فليس بطريق الى ما ذكر لأن حكم الحائض فى ذلك مخالف للقياس لأنهم لو جروا على القياس فى ذلك لأدى الى تحريم ما قد أباحه الشرع من تحريم وط ء من
طهرت من الحيض ولم تجد ماء فتيممت للوط ء لأنه لو انتقض تيممها بما ينقض الوضوء لأدى الى أنه لا يجوز له الايلاج رأسا لأنه حين يلتقى الختانان ينتقض تيممها فلا يجوز له الاتمام، ثم كذلك اذا أعادت التيمم فلا يصح منه الوط ء الكامل رأسا وقد ورد الشرع بجوازه مع أنه حدث أكبر ولا يبطل به التيمم فدل على أن هذا النوع من النواقض لا ينقض هذا النوع من التيمم - وهو تيمم الحائض للوط ء - لأجل الضرورة فلا يقاس عليه ما لا ضرورة فيه، وفائدة الخلاف تظهر فى الجنب اذا تيمم للبث فى المسجد وأحدث أو نام هل ينتقض تيممه فيلزمه الخروج أولا؟ على الخلاف
(1)
.
مذهب الأمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة أن التيمم ينقضه ما ينقض الطهارة المائية والتمكن من استعمال الماء أيضا لأنه بدل منه قال فى المدارك انه لا خلاف فيه بين العلماء وفى التذكرة أنه قول العلماء الا ما نقل عن أبى سلمة بن عبد الرحمن والشعبى أنهما قالا: لا يلزمه استعمال الماء لأنه وجد المبدل بعد الفراغ من البدل.
فاذا وجد الماء أو تمكن منه قبل الشروع فى الصلاة بطل تيممه وقد نقل على ذلك اجماع أهل العلم سوى شاذ من العامة فى الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة.
وفى المدارك: لا خلاف فيه بين العلماء وفيه وفى جامع المقاصد وغيرهما أنه يشترط فى انتقاض التيمم مضى مقدار زمان الطهارة المائية متمكنا من فعلها ولا يكفى مجرد وجود الماء والتمكن من استعماله وان لم يمض مقدار زمان الطهارة ومستندهم أصل بقاء الصحة وهو معارض بأصل بقاء شغل الذمة، وبعد التعارض تبقى الأوامر سليمة عن المعارض.
وليعلم أن القول بانتقاض تيممه مع التمكن من الماء قد قيده بعضهم بعدم خوف فوت الوقت وأطلق الباقون كما سمعت
(2)
.
وليعلم أنهم اختلفوا فيما اذا حكم باتمام الأصحاب فى المقدمات يدل على أن المراد فى الصلاة مع وجود الماء اما لكونه قد تجاوز محل القطع أو قلنا بالاكتفاء بالشروع فهل يعيد التيمم لو فقد الماء بعد الصلاة؟ ظاهر المبسوط:
نعم واختاره أبو العباس، واختار المحقق فى المعتبر والشهيد فى الدروس عدم الاعادة، وتردد صاحب القواعد المختلفة وجملة من كتبه.
وقال الأسناذ أدام الله حراسته: ان كلام الأصحاب فى المقدمات يدل على أن المراد فى الضيق المشترط فى التيمم الضيق العرفى لا التحقيقى.
قال صاحب القواعد: ولو وجد الماء بعد التلبس بتكبيرة الاحرام استمر فى صلاته، وهو خيرة المقنعة والخلاف وغيرهما، واختار فى النهاية ومجمع البرهان أن يقطع صلاته ما لم يركع وحكاه جماعة عن الصدوق، وحكى عن الكاتب أنه يقطع الصلاة ما لم يركع الركعة الثانية الا مع الضيق واحتمل فى الاستبصار استحباب ذلك.
وفى قول رابع أنه ينقض التيمم وجود الماء مع التمكن من استعماله الا أن يجده وقد دخل فى صلاة وقراءة ذهب اليه أبو يعلى ووجهه بعض بأنه يأتى بأكثر الأركان وهى النية والقيام والتكبيرة وأكبر الأفعال وهى القراءة ووجه بعض باعتبار مسمى الصلاة.
(1)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 145 وما بعدها الى ص 149 وحواشيه الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(2)
مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة للسيد محمد الجواد بن محمد بن محمد الحسينى العاملى ج 1 ص 557 فى كتاب أعلاه المتن المذكور طبع المطبعة الرضوية بمصر سنة 1324 هـ.
وذكر الشهيد عن الواسطة قولا خامسا وهو أنه اذا وجد الماء بعد الشروع وغلب على ظنه أنه ان قطعها وتطهر بالماء لم تفته الصلاة وجب عليه قطعها والتطهر بالماء وان لم يمكنه ذلك لم يقطعها اذا كبر وقيل يقطع ما لم يركع وهو محمول على الاستحباب، وذهب أبو العباس فى الموجز الحادى الى أنه اذا وجد الماء فى صلاة غير مغنية عن القضاء قطعها والا فلا قطع اذا تلبس بها، ولو كان المتيمم فى نافلة ووجد الماء استمر ندبا كما فى المبسوط والمنتهى وغيرهما وفى نهاية الأحكام وجامع المقاصد: احتمال تعيين القطع، وفى كشف اللثام: يستمر ان لم يتضيق وقت فريضة وطهارتها فان تضيق كذلك أو ظن الفقد ان أتم النافلة فالأحوط القطع.
واذا حكمنا باتمام الصلاة مع وجود الماء أما لكونه قد تجاوز محل القطع أو قلنا بالاكتفاء بالشروع فهل يعيد التيمم لو فقد الماء قبل فراغه من الصلاة أم لا؟ فيه قولان الأول أنه يعيد لأنه ينتقض تيممه بالنسبة الى غيرها من الصلوات وهو خيرة المبسوط والموجز الحاوى، والثانى: أنه لا يعيد وهو خيرة المحقق فى المعتبر
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن التيمم ينقضه ناقض أصله باتفاق فان كان التيمم للحدث الصغير فأصله الوضوء وان كان للجنابة فأصله الاغتسال، فاذا تيمم للجنابة فحدثت جنابة أخرى أعادة باتفاق من يقول يتيمم للجنابة وقيل يتيمم للجنابة عند كل صلاة، واذا كان حكم التيمم حكم أصله فمن تيمم بيدين منجوستين أو تيمم وفى بدنه نجس يقدر على ازالته يريد أن يزيله بعد التيمم لم يصح تيممه، كما لا يصح وضوءه مع نجس وجوز ذلك التيمم لأنه تيمم له بخلاف ما اذا حدث حال التيمم أو بعده فانه لم يتيمم له، ويبحث بأنه لا يتيمم لنجس قدر على نزعه فكيف يعلل بأنه تيمم له كأصله الذى هو الوضوء، وأما أصله الذى هو الغسل فلا ينقضه نجس موجود، وان كان لا يقدر على تطهير يديه جاز له التيمم بهما اجماعا.
ومن به قرح أو جرح لا يرقأ دمه أو استحاضة فهل يتيمم لكل صلاة أو يجزيه تيمم واحد ما لم يقطعه وحدث سوى ما به من دم ومثله كل نجس لا يرقأ كبول؟ قولان؟ الراجح منهما الثانى لأنه وجد معه حال الدخول فى التيمم وفى وسط التيمم وفى آخره فلا وجه لاعتباره بعد حتى يعادله، وهل ينقض التيمم وان كان لجنابة ارادة الصلاة الثانية فمادام لم يردها فهو على طهارته يمس بها مصحفا أو يدخل المسجد ونحو ذلك أو لا تنقضه؟ خلاف وكذا جامع بين صلاتين وأكثر هل يجزيه تيمم واحد لهما أو لا يجزيه بل يفصل بينهما بالتيمم للثانية خلاف أيضا مثاره هل التيمم مبيح للصلاة للضرورة مع بقاء الحدث غير مرفوع أو التيمم رافع للحدث فيصلى به ما لم يحدث بما ينقضه. ورجح ثانيهما وهو كونه رافعا
(2)
.
واذا تقرر ذلك فأقول عندنا وجود الماء حدث ينقض التيمم الذى أبيح لعدم الماء سواء كان للوضوء أو للجنابة أو غيرهما، وقيل لا ينقصه الا حدث مثل مس النجس الرطب فاذا مسه مثلا انتقض وتوضأ أو اغتسل، وكذا اذا كان التيمم لعدم القدرة على استعمال الماء فانه ينتقض اذا قدر ووجده، وان لم يجده فقيل ينتقض لأنه تيمم أو لا لعدم القدرة وثانيا لعدم وجود الماء وقيل لا ينتقض، وقال بعض قومنا لا ينتقض عن عادم الصحة بوجودها ولا عن عادم الماء بوجود الماء بل اذا تيمم لعدم صحة أو لعدم ماء لم ينقضه الا اذا أحدث ونحوه مما ينقضه ولا ينقضه وجود الصحة ولا الماء.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 558 وما بعدها الى ص 560 نفس الطبعة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 239، ص 240 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى.
ويرى صاحب هذا القول أن التيمم رافع للحدث رفعا مطلقا، وعندنا هو رافع للحدث رفعا مؤقتا بارتفاع المانع
(1)
.
والتيمم على هذا القول الذى هو انتقاضه بوجود الماء أو الصحة كأصله الذى هو الوضوء أو الغسل فكما أنه من استعمل الماء لا ينقض استعماله بوجود ماء كذلك لا ينقض التيمم وجود الماء عندنا وينتقض التيمم بوجود الماء قبل الشروع فى الصلاة بتكبيرة الاحرام أو بعدها بالسلام اتفاقا عندنا والخلف المذكور فى انتقاض التيمم بوجود الماء بعد الشروع فى الصلاة وقبل الخروج منها، فقيل تمت له لشروعه فيها، وقيل لا بل انتقضت ويقطعها لحدوثه قبل الفراغ منها، ثم الناقض للتيمم هل هو رؤية الماء وان لم يمكنه استعماله أو امكان استعماله مع دخول الوقت فان لم يمكنه استعماله أو وجده قبل الوقت لم ينقض تيممه وذلك أنه تيمم وصلى ووجد الماء قبل وقت الصلاة الثانية فتيممه صحيح باقى لأنه لم يخاطب بالوضوء قبل وقت الصلاة فلا ينقضه وجود الماء قبل وقتها فاذا دخل الوقت انتقض لخطابه بالوضوء بالماء وهو المختار لأنه غير واجد اذ لم يقدر على استعماله. وان وجد الماء وضاق الوقت على استعماله فقيل ينتقض وقيل لا، وان وجده وقد احتاج اليه لشرب أو اطعام على ما مر لم ينتقض، وان تيمم اثنان لعدم الماء ثم وجدا ما يكفى أحدهما وهما فيه على حد سواء اذ وصلا اليه بمرة فقيل هما على استصحابه بناء على أنه اذا لم يجد أحد من الماء ما يكفيه يعدل الى التراب وقيل ينتقض ويتوضأ كل بسهمه الى حيث وصل أو ينتقض ويعيدان التيمم وان وهب سهمه لصاحبه انتقض تيمم صاحبه لوجود ما يكفيه وان سبق اليه أحدهما كان له فينتقض تيممه ويتوضأ به، وكذا مقيم أو مسافر تيمم لعذر ثم استراح ولم يجد ماء هل ينتقض تيممه عليه أو لا ينتقض حتى يجده بعد دخول الوقت ويمكنه استعماله قولان ثالثهما أنه ينتقض بوجوده ولو لم يمكن استعماله ورابعها أنه لا ينتقض حتى يجئ ما ينقضه غير الماء
(2)
.
ما يفسد الصلاة وما لا يفسدها
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن المفسد للصلاة أنواع منها الحدث العمد قبل تمام أركانها بلا خلاف حتى يمتنع عليه البناء واختلف فى الحدث السابق وهو الذى سبقه من غير قصد وهو ما يخرج من بدنه من بول أو غائط أو ريح أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دمل به بغير صنعه قال أصحابنا رحمهم الله تعالى لا يفسد الصلاة فيجوز البناء استحسانا ووجه الاستحسان النص واجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم أما النص فما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قاء أو رعف فى صلاته انصرف وتوضأ وبنى على صلاته ما لم يتكلم وكذا روى ابن عباس وأبو هريرة رضى الله تعالى عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم. وأما اجماع الصحابة فان الخلفاء الراشدين والعبادلة الثلاثة وأنس بن مالك وسلمان الفارسى رضى الله تعالى عنهم قالوا مثل مذهبنا وروى أن أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه سبقه الحدث فى الصلاة فتوضأ وبنى وعمر رضى الله تعالى عنه سبقه الحدث وتوضأ وبنى على صلاته وعلى رضى الله تعالى عنه كان يصلى خلف عثمان رضى الله تعالى عنه فرعف فانصرف وتوضأ وبنى على صلاته فثبت البناء من الصحابة رضى الله تعالى عنهم قولا وفعلا والقياس يترك بالنص والاجماع
(1)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 240 الطبعة السابقة
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 241، ص 242 الطبعة السابقة.
وقال الشافعى رحمه الله تعالى يفسد الصلاة فلا يجوز البناء قياسا
(1)
.
ووجه القياس ان التحريمة لا تبقى مع الحدث كما لا تنعقد معه لفوات أهلية أداء الصلاة فى الحالين بفوات الطهارة فيهما اذ الشئ كما لا ينعقد من غير أهلية لا يبقى مع عدم الأهلية فلا تبقى التحريمة لأنها شرعت لأداء أفعال الصلاة ولهذا لا تبقى مع الحدث العمد ولأن صرف الوجه عن القبلة والمشى فى الصلاة مناف لها وبقاء الشئ مع ما ينافيه محال.
ومن مفسدات الصلاة أيضا الكلام عمدا أو سهوا لما روينا عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قاء أو رعف فى صلاته انصرف وتوضأ وبنى على صلاته ما لم يتكلم جوز البناء الى غاية التكلم فيقتضى انتهاء الجواز بالتكلم وروى عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه قال خرجنا الى الحبشة وبعضنا يسلم على بعض فى صلاته فلما قدمت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فسلمت عليه فلم يرد على فأخذنى ما قدم وما حدث فلما سلم قال يا ابن أم عبد أن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء وان مما أحدث أن لا يتكلم فى الصلاة
(2)
.
وروى عن معاوية بن الحكم السلمى رضى الله تعالى عنه أنه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعطس بعض القوم فقلت يرحمك الله فرمانى بعض القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه مالى أراكم تنظرون الى شزار فضربوا أيديهم على أفخاذهم فعلمت أنهم يسكتوننى فلما فرغ النبى صلى الله عليه وسلم دعانى فو الله ما رأيت معلما أحسن تعليما منه ما نهرنى ولا زجرنى ولكن قال ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هى التسبيح والتهليل وقراءة القرآن وما لا يصلح فى الصلاة فمباشرته مفسد للصلاة كالأكل والشرب ونحو ذلك ولهذا لو كثر كان مفسدا ولو كان النسيان فيها عذرا لاستوى قليله يقال له ذو اليدين فقال يا رسول الله أقصرت أبو هريرة رضى الله تعالى عنه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بنا احدى صلاتى العشى أما الظهر وأما العصر فسلم على رأس الركعتين فخرج سرعان القوم فقام رجل وكثيره كالأكل فى باب الصوم وأما ما رواه الصلاة ام نسيتها فقال صلى الله عليه وسلم كل: ذلك لم يكن، فقال والذى بعثك بالحق فقد كان بعض ذلك ثم أقبل على القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما فقال صلى الله عليه وسلم أحق ما يقول ذو اليدين فقالا نعم صدق ذو اليدين صليت ركعتين فقام وصلى الباقى وسجد سجدتى السهو بعد السّلام.
فمحمول على الحالة التى كان يباح فيها التكلم فى الصلاة وهى ابتداء الاسلام بدليل أن ذا اليدين وأبا بكر وعمر رضى الله تعالى عنهم تكلموا فى الصلاة عامدين ولم يأمرهم بالاستقبال مع أن الكلام العمد مفسد للصلاة بالاجماع وما قيل من أن كلام الناسى بمنزلة سلام الناسى غير سديد فان الصلاة تبقى مع سلام العمد فى الجملة وهو قوله السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين والنسيان دون العمد فجاز أن تبقى مع النسيان فى كل احوال وفقهه أن السّلام بنفسه غير مضاد للصلاة لما فيه من معنى الدعاء الا أنه اذا قصد به الخروج فى أوان الخروج جعل سببا للخروج شرعا فاذا كان ناسيا وبقى عليه شئ من الصلاة لم يكن السّلام موجودا فى أوانه فلم يجعل سببا للخروج بخلاف الكلام فانه مضاد للصلاة ولأن النسيان فى أعداد الركعات
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 1 ص 220 الطبعة الأولى طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هـ.
(2)
المرجع السابق فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 233 الطبعة السابقة.
يغلب وجوده فلو حكمنا بخروجه عن الصلاة يؤدى الى الحرج فأما الكلام فلا يغلب وجوده ناسيا فلو جعلناه قاطعا للصلاة لا يؤدى الى الحرج فبطل الاعتبار.
أما النفخ فى الصلاة فعلى ضربين نفخ مسموع ونفخ غير مسموع وغير المسموع منه لا يفسد الصلاة بالاجماع لأنه ليس بكلام معهود وهو الصوت المنظوم المسموع ولا عمل كثير الا أنه يكره لما مر أن ادخال ما ليس من أعمال الصلاة فى الصلاة من غير ضرورة مكروه وان كان قليلا فأما المسموع منه فانه يفسد الصلاة فى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى سواء أراد به التأفيف أو لم يرد وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول أولا ان أراد به التأفيف بأن قال أف أو تف على وجه الكراهة للشئ وتبعيده يفسد وان لم يرد به التأفيف لا يفسد ثم رجع وقال لا يفسد أراد به التأفيف كان من كلام الناس لدلالته على الضمير فيفسد واذا لم يرد التأفيف لم يكن من كلام الناس لعدم دلالته على الضمير فلا يفسد كالتنحنح ووجه قوله الأخير أنه ليس من كلام الناس فى الوضع فلا يصير من كلامهم بالقصد والارادة ولأن أحد الحرفين ههنا من الزوائد التى يجمعها قولك اليوم ننساه والحرف الزائد ملحق بالعدم يبقى حرف واحد وأنه ليس بكلام حتى لو كانت ثلاثة أحرف أصلية او زائدة أو كانا حرفين أصليين يوجب فساد الصلاة ويدل لأبى حنيفة ومحمد أن الكلام فى العرف اسم للحروف المنظومة المسموعة وأدنى ما يحصل به انتظام الحروف حرفان وقد وجد المنظومة كلاما فى العرف أن تكون مفهومة المعنى فى التأفيف وليس من شرط كون الحروف فان الكلام العربى نوعان مهمل ومستعمل ولهذا لو تكلم بالمهملات فسدت صلاته مع أن التأفيف مفهوم المعنى لأنه وضع فى اللغة للتعبيد على طريق الاستخفاف حتى حرم استعمال هذا اللفظ فى حق الأبوين احتراما لقوله تعالى «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ}
(1)
».
وهذا النص من أقوى الحجج لهما لأن الله تعالى سمى التأفيف قولا فدل أنه كلام والدليل على أن النفخ كلام ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لغلام يقال له رباح حين مر به وهو ينفخ التراب من موضع سجوده فى صلاته لا تنفخ فان النفخ كلام وفى رواية أما علمت أن من نفخ فى صلاته فقد تكلم وهذا نص فى الباب وأما التنحنح عن عذر فانه لا يفسد الصلاة بلا خلاف وأما من غير عذر فقد اختلف المشايخ فيه على قولهما، قال بعضهم يفسد لوجود الحرفين من حروف الهجاء وقال بعضهم ان تنحنح لتحسين الصوت لا يفسد لأن ذلك سعى فى أداء الركن وهو القراءة على وصف الكمال.
وروى امام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدى السمرقندى عن الشيخ أبى بكر الجوزجانى صاحب أبى سليمان الجوزجانى رحمهم الله تعالى أنه قال اذا قال أخ فسدت صلاته لأنه له هجاء ويسمع فهو كالنفخ المسموع وبه تبين أن ما ذكره أبو يوسف رحمه الله تعالى من المعنى غير سديد لما ذكرنا أن الله تعالى سماه قولا ولما ذكرنا أن الحروف المنظومة المسموعة كافية للفساد وان لم يكن لها معنى مفهوم كما لو تكلم بمهمل كثرت حروفه وأما قوله ان أحد الحرفين من الحروف الزوائد فنعم هو من جنس الحروف الزوائد لكنه من هذه الكلمة ليس هو بزائد والحاق ما هو من جنس الحروف الزوائد من كلمة ليس هو فيها زائدا بالزوائد
(2)
محال وكذا قوله بامتناع التغير بالقصد والارادة غير صحيح بدليل أن من قال لا يبعث الله من يموت وأراد به قراءة القرآن يثاب عليه ولو أراد به الانكار للبعث بكفر فدل أن ما ليس من كلام الناس فى الوضع يجوز أن يصير من كلامهم بالقصد والارادة
(1)
الآية رقم 23 من سورة الاسراء.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 234، 235 الطبعة السابقة.
ولو أن فى صلاته أو بكى فارتعع بكاؤه فان كان ذلك من ذكر الجنة أو النار لا تفسد الصلاة وان كان من وجع أو مصيبة يفسدها لأن الأنين أو البكاء من ذكر الجنة أو النار يكون لخوف عذاب الله وأليم عقابه ورجاء ثوابه فيكون عبادة خالصة ولهذا مدح الله خليله عليه السلام بالتأوه فقال:
«إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ}
(1)
».
وقال فى موضع آخر «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ}
(2)
» لأنه كان كثير التأوه فى الصلاة وكان لجوف رسول الله صلى الله عليه وسلم أزير كأزير الرجل فى الصلاة واذا كان كذلك فالصوت المنبعث عن مثل هذا الأنين لا يكون من كلام الناس فلا يكون مفسدا ولأن التأوه والبكاء من ذكر الجنة والنار يكون بمنزلة التصريح بمسئلة التصريح بمسئلة الجنة والتعوذ من النار وذلك غير مفسد كذا هذا واذا كان ذلك من وجع أو مصيبة كان من كلام الناس وكلام الناس مفسد.
وروى عن أبى يوسف أنه قال اذا قال آه لا تفسد صلاته وان كان من وجع أو مصيبة واذا قال أوه تفسد صلاته لأن الأول ليس من قبيل الكلام بل هو شبيه بالتنحنح والتنفس والثانى من قبيل الكلام والجواب ما ذكرنا ولو عطس رجل فقال له رجل فى الصلاة يرحمك الله فسدت صلاته لأن تشميت العاطس من كلام الناس لما روينا من حديث معاوية بن الحكم السلمى ولأنه خطاب للعاطس بمنزلة قوله أطال الله تعالى بقاءك.
وكلام الناس مفسد بالنص وان أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله أو أخبر بما يتعجب منه فقال سبحان الله فان لم يرد جواب المخبر لم تقطع صلاته وان أراد به جوابا لا يقطع عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وان أراد به الجواب فان الصلاة لو فسدت انما تفسد بالصيغة أو بالنية لا وجه للأول لأن الصيغة صيغة الأذكار ولا وجه للثانى لأن مجرد النية غير مفسد.
وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يقطع لأن هذا اللفظ لما استعمل فى محل الجواب وفهم منه ذلك صار من هذا الوجه من كلام الناس وان لم يصر من حيث الصيغة ومثل هذا جائز كمن قال لرجل اسمه يحيى وبين يديه كتاب موضوع «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ}
(3)
» وأراد به الخطاب بذلك لا قراءة القرآن انه يعد متكلما لا قارئا وكذا اذا قيل للمصلى بأى موضع مررت فقال «بئر معطلة وقصر مشيد» وأراد به جواب الخطاب لما ذكرنا كذا هذا وكذلك اذا أخبر بخبر يسوؤه فاسترجع لذلك فان لم يرد به جوابه لم يقطع صلاته وان أراد به الجواب قطع لأن معنى الجواب فى استرجاعه أى أعينونى فانى مصاب ولم يذكر خلاف أبى يوسف فى مسئلة الاسترجاع فى الأصل والأصح أنه على الاختلاف ومن ساوى فرق بينهما فقال الاسترجاع اظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله فأما التحميد الشكر والصلاة شرعت لأجله ولو مر المصلى بآية فيها ذكر الجنة فوقف عندها وسأل الله الجنة أو بآية فيها ذكر النار فوقف عندها وتعوذ بالله من النار فان كان فى صلاة التطوع فهو حسن اذا كان وحده لما روى عن حذيفة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة وآل عمران فى صلاة الليل فما مر بآية فيها ذكر الجنة الا وقف وسأل الله تعالى وما مر بآية فيها ذكر النار الا وقف وتعوذ وما مر بآية فيها مثل الا وقف وتفكر وأما الامام فى الفرائض فيكره له ذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفعله فى المكتوبات وكذا الأئمة بعده الى يومنا هذا فكان من المحدثات ولأنه يثقل على القوم وذلك مكروه ولكن لا تفسد صلاته لأنه يزيد فى خشوعه والخشوع زينة الصلاة وكذا المأموم يستمع وينصت لقوله تعالى «وَإِذا قُرِئَ}
(1)
الآية رقم 214 من سورة التوبة.
(2)
الآية رقم 75 من سورة هود.
(3)
الآية رقم 12 من سورة مريم
{الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
(1)
» ولو استأذن على المصلى انسان فسبح وأراد به اعلامه أنه فى الصلاة لم يقطع صلاته.
لما روى عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال كان لى من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان فى كل يوم بأيهما شئت دخلت فكنت اذا أتيت الباب بأن لم يكن فى الصلاة فتح الباب فدخلت وان كان فى الصلاة رفع صوته بالقراءة فانصرفت ولأن المصلى يحتاج اليه لصيانة صلاته لأنه لو لم يفعل ربما يلح المستأذن حتى يبتلى هو بالغلط فى القراءة فكان القصد به صيانة صلاته فلم تفسد وكذا اذا عرض للامام شئ فسبح المأموم لا بأس به لأن القصد به اصلاح الصلاة فسقط حكم الكلام عنه للحاجة الى الاصلاح
(2)
ولا يسبح الامام اذا قام الى الآخرين لأنه لا يجوز له الرجوع اذا كان للقيام أقرب فلم يكن التسبيح مفيدا ولو فتح على المصلى انسان فهذا على وجهين أما ان كان الفاتح هو المقتدى به أو غيره فان كان غيره فسدت صلاة المصلى سواء كان الفاتح خارج الصلاة أو فى صلاة أخرى غير صلاة المصلى وفسدت صلاة الفاتح أيضا ان كان هو فى الصلاة لأن ذلك تعليم وتعلم فان القارئ اذا استفتح غيره فكأنه يقول ماذا بعد ما قرأت فذكرنى والفاتح بالفتح كأنه يقول بعد ما قرأت كذا فخذ منى ولو صرح به لا يشكل فى فساد الصلاة فكذا هذا وكذا المصلى اذا فتح على غير المصلى فسدت صلاته لوجود التعليم فى الصلاة ولأن فتحه بعد استفتاحه جواب وهو من كلام الناس فيوجب فساد الصلاة وان كان مرة واحدة هذا اذا فتح على المصلى عن استفتاح فأما اذا فتح عليه من غير استفتاح لا تفسد صلاته بمرة واحدة وانما تفسد عند التكرار لأنه عمل ليس من أعمال الصلاة وليس بخطاب لأحد فقليله يورث الكراهة وكثيره يوجب الفساد وان كان الفاتح هو المقتدى به فالقياس هو فساد الصلاة الا أنا استحسنا الجواز.
لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة المؤمنون فترك حرفا فلما فرغ فقال الم يكن فيكم أبى قال نعم يا رسول الله قال هلا فتحت على فقال ظننت أنها نسخت فقال صلى الله عليه وسلم لو نسخت لأنبأتكم.
وعن على رضى الله تعالى عنه أنه قال اذا استطعمك الامام فاطعمه.
وعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قرأ الفاتحة فى صلاة المغرب فلم يتذكر سورة فقال نافع اذا زلزلت فقرأها ولأن المقتدى مضطر الى ذلك لصيانة صلاته عن الفساد عند ترك الامام المجاوزة الى آية أخرى أو الانتقال الى الركوع حتى أنه لو فتح على الامام بعد ما انتقل الى آية أخرى فقد قيل أنه ان أخذه الامام فسدت صلاة الامام والقوم وان لم يأخذه فسدت صلاة الفاتح خاصة لعدم الحاجة الى الصيانة ولا ينبغى للمقتدى أن يعجل بالفتح ولا للامام أن يحوجهم الى ذلك بل يركع أو يتجاوز الى آية أو سورة أخرى فان لم يفعل الامام ذلك وخاف المقتدى أن يجرى على لسانه ما يفسد الصلاة فحينئذ يفتح عليه لقول على اذا استطعمك الامام فاطعمه وهو مليم أى مستحق الملامة لأنه أحوج المقتدى واضطره الى ذلك.
وقد قال بعض مشايخنا ينبغى للمقتدى أن ينوى بالفتح على امامه التلاوة وهو غير سديد لأن قراءة المقتدى خلف الامام منهى عنها عندنا والفتح على الامام غير منهى عنه فلا يجوز ترك ما رخص له فيه بنية ما هو منهى عنه وانما يستقيم هذا اذا كان الفتح على غير امامه فعند ذلك ينبغى له أن ينوى التلاوة دون التعليم ولا يضره ذلك ولو قرأ المصلى من المصحف فصلاته فاسدة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تامة ويكره.
(1)
الآية رقم 204 من سورة الأعراف.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 235 الطبعة السابقة.
وقال الشافعى رحمه الله تعالى لا يكره واحتجوا بما روى أن مولى لعائشة رضى الله تعالى عنها يقال له ذكوان كان يؤم الناس فى رمضان وكان يقرأ من المصحف ولأن النظر فى المصحف عبادة والقراءة عبادة وانضمام العبادة الى العبادة لا يوجب الفساد الا أنه يكره عندهما لأنه تشبه بأهل الكتاب والشافعى يقول ما نهينا عن التشبه بهم فى كل شئ فانا نأكل ما يأكلون ولأبى حنيفة طريقتان احداهما أن ما يوحد منه من حمل المصحف وتقليب الأوراق والنظر فيه أعمال كثيرة ليست من أعمال الصلاة ولا حاجة الى تحملها فى الصلاة فتفسد الصلاة وقياس هذه الطريقة أنه لو كان المصحف موضوعا بين يديه ويقرأ منه من غير حمل وتقليب الأوراق أو قرأ ما هو مكتوب على المحراب من القرآن لا تفسد صلاته لعدم المفسد وهو العمل الكثير والطريقة الثانية ان هذا يلقن من المصحف فيكون تعلما منه ألا ترى أن من يأخذ من المصحف يسمى متعلما فصار كما لو تعلم من معلم وذا يفسد الصلاة كذا هذا وهذه الطريقة لا توجب الفصل بين ما اذا كان حاملا للمصحف مقلبا للأوراق وبين ما اذا كان موضوعا بين يديه ولا يقلب الأوراق وأما حديث ذكوان فيحتمل أن عائشة ومن كان من أهل الفتوى من الصحابة لم يعلموا بذلك وهذا هو الظاهر بدليل أن هذا الصنيع مكروه بلا خلاف ولو علموا بذلك لما مكنوه من عمل المكروه فى جميع شهر رمضان من غير حاجة ويحتمل أن يكون قول الراوى كان يؤم الناس فى رمضان وكان يقرأ من المصحف اخبارا عن حالتين مختلفتين أى كان يؤم الناس فى رمضان وكان يقرأ من المصحف فى غير حالة الصلاة اشعارا منه أنه لم يكن يقرأ القرآن ظاهره فكان يؤم ببعض سور القرآن دون أن يختم أو كان يستظهر كل يوم ورد كل ليلة يعلم أن قراءة جميع القرآن فى قيام رمضان ليست بفرض
(1)
ولو دعا فى صلاته فسأل الله تعالى شيئا فان دعا بما فى القرآن لا تفسد صلاته لأنه ليس من كلام الناس وكذا لو دعا بما يشبه ما فى القرآن وهو كل دعاء يستحيل سؤاله من الناس لما قلنا ولو دعا بما لا يمنع سؤاله من الناسى تفسد صلاته عندنا نحو قوله اللهم أعطنى درهما وزوجنى فلانة والبسنى ثوبا وأشباه ذلك. لأن ما يجوز أن يخاطب به العبد فهو من كلام الناس وضعا ولم يخلص دعاء وقد جرى الخطاب فيما بين العبد بما ذكرنا ألا ترى أن بعضهم يسأل بعضا ذلك فيقول أعطنى درهما أو زوجنى امرأة وكلام الناس مفسد ولهذا عد النبى صلى الله عليه وسلم تشميت العاطس كلاما مفسدا للصلاة فى ذلك الحديث لما خاطب الآدمى به وقصد قضاء حقه وان كان دعاء صيغة وهذا صيغته من كلام الناس وان خاطب الله تعالى فكان مفسدا بصيغته والكتاب والسنة محمولان على دعاء لا يشبه كلام الناس أو على خارج الصلاة وأما حديث على رضى الله تعالى عنه فلم يسوغوا له ذلك الاجتهاد حتى كتب اليه موسى الأشعرى أما بعد فاذا أتاك كتابى هذا فأعد صلاتك وذكر فى الأصل رأيت لو أنشد شعرا أما كان مفسدا لصلاته ومن الشعر ما هو ذكر الله تعالى كما قال الشاعر: ألا كل شئ ما خلا الله باطل ولا ينبغى للرجل أن يسلم على المصلى ولا للمصلى أن يرد سلامه باشارة ولا غير ذلك أما السّلام فلأنه يشغل قلب المصلى عن صلاته فيصير مانعا له عن الخير وأنه مذموم وأما رد السّلام بالقول والاشارة فلأن رد السّلام من جملة كلام الناس لما روينا من حديث عبد الله بن مسعود وفيه أنه لا يجوز الرد بالاشارة لأن عبد الله قال فسلمت عليه فلم يرد على فيتناول جميع أنواع الرد ولأن فى الاشارة ترك سنة اليد وهى الكف لقوله صلى الله عليه وسلم كفوا أيديكم فى الصلاة غير أنه اذا رد بالقول فسدت صلاته لأنه كلام ولو رد بالاشارة لا تفسد لأن ترك السنة لا يفسد الصلاة ولكن يوجب الكراهة.
ومنها السّلام متعمدا وهو سلام الخروج من الصلاة لأنه اذا قصد به الخروج من الصلاة
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 236 الطبعة السابقة.
صار من كلام الناس لأنه خاطبهم به وكلام الناس مفسد.
ومنها القهقهة عامدا كان أو ناسيا لأن القهقهة فى الصلاة أفحش من الكلام ألا ترى أنها تنقض الوضوء والكلام لا ينقض ثم لما جعل الكلام قاطعا للصلاة ولم يفصل فيه بين العمد والسهو فالقهقهة أولى ومنها الخروج من المسجد من غير عذر لأن استقبال القبلة حال الاختيار شرط جواز الصلاة هذا كله من الحدث العمد والكلام والسّلام والقهقهة والخروج من المسجد اذا فعل شيئا من ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد الأخير فأما اذا قعد قدر التشهد ثم فعل شيئا من ذلك فقد أجمع أصحابنا على أنه لو تكلم أو خرج من المسجد لا تفسد صلاته سواء كان منفردا أو اماما خلفه لاحقون أو مسبوقون وسواء أدرك اللاحقون الامام فى صلاته وصلوا معه أو لم يدركوا وكذلك لو قهقه أو أحدث متعمدا وهو منفرد وان كان اماما خلفه لاحقون أو مسبوقون فصلاة الامام تامة بلا خلاف بين أصحابنا وصلاة المسبوقين تامة.
فى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وفاسدة فى قول أبى حنيفة وجه قولهما أن القهقهة والحدث لم يفسدا صلاة الامام فلا يفسدان صلاة المقتدى وان كان مسبوقا لأن صلاة المقتدى لو فسدت انما تفسد بافساد الامام صلاته لا بافساد المقتدى لانعدام المفسد من المقتدى فلما لم تفسد صلاة الامام مع وجود المفسد من جهته فلأن لا تفسد صلاة المقتدى أولى وصار كما لو تكلم أو خرج من المسجد.
وفى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى تفسد للفرق بين الحدث العمد والقهقهة وبين الكلام والخروج من المسجد والفرق ان حدث الامام افساد للجزء الذى لاقاه من صلاته فيفسد ذلك الجزء من صلاته ويفسد من صلاة المسبوق الا أن الامام لم يبق عليه فرض فيقتصر الفساد فى حقه على الجزء وقد بقى للمسبوق فروض فتمنعه من البناء فأما الكلام فقطع للصلاة ومضاد لها كما ذكرنا فيمنع من الوجود ولا تفسد وشرح هذا الكلام أن القهقهة والحدث العمد ليسا بمضادين للصلاة بل هما مضادان للطهارة والطهارة شرط أهلية الصلاة فصار الحدث مضاد للأهلية بواسطة مضادته شرطها والشئ ينعدم بما لا يضاده.
فلم تنعدم الصلاة بوجود الحدث لأنه لا مضادة بينهما وانما تنعدم الأهلية فيوجد جزء من الصلاة لانعدام ما يضاده ويفسد هذا الجزء لحصوله ممن ليس بأهل ولا صحة للفعل الصادر من غير الأهل واذا فسد هذا الجزء من صلاة الامام فسدت صلاة المقتدى لأن صلاته مبنية على صلاة الامام فتتعلق بها صحة وفسادا لأن الجزء لما فسد من صلاة الامام فسدت التحريمة المقارنة لهذا الفعل الفاسد لأنها شرعت لأجل الأفعال فتتصف بما تتصف الأفعال صحة وفسادا فاذا فسدت هى فسدت تحريمة المقتدى فتفسد صلاته الا أن صلاة الامام ومن تابعه من المدركين اتصف بالتمام بدون الجزء الفاسد فأما المسبوق فقد فسد جزء من صلاته وفسدت التحريمة المقارنة لذلك الجزء فبعد ذلك لا يعود الا بالتحريمة ولم يوجد فلم يتصور حصول ما بقى من الأركان فى حق المسبوق فتفسد صلاته بخلاف الكلام فأنه ليس بمضاد لأهلية أداء الصلاة بل هو مضاد للصلاة نفسها ووجود الضد لا يفسد الضد الآخر بل يمنعه من الوجود فان أفعال الصلاة كانت توجد على التجدد والتكرار فاذا انعدم فعل يعقبه غيره من جنسه فاذا تعقبه ما هو مضاد للصلاة لا يتصور حصول جزء منها مقارنا للضد بل يبقى على العدم على ما هو الأصل عندنا فى المتضادات وانتهت أفعال الصلاة فلم تتجدد التحريمة لأن تجددها كان لتجدد الأفعال وقد انتهت فانتهت هى أيضا وما فسدت وبانتهاء تحريمة الامام لا تنته تحريمة المسبوق كما لو سلم فان تحريمة الامام منتهية وتحريمة المسبوق غير منتهية لما ذكرنا فلم تفسد صلاة المسبوقين بخلاف ما نحن فيه وأما اللاحقون فانه ينظر ان أدركوا
الامام فى صلاته وصلوا معه فصلاتهم تامة وان لم يدركوا.
ففيه روايتان فى رواية أبى سليمان تفسد وفى رواية أبى حفص لا تفسد هذا
(1)
اذا كان العارض فى هذه الحالة فعلى المصلى فاذا لم يكن فعله كالمتيمم اذا وجد ماء بعد أن قعد قدر التشهيد الأخير أو بعد ما سلم وعليه سجود السهو وعاد الى السجود فسدت صلاته عند أبى حنيفة ويلزمه الاستقبال.
وعند أبى يوسف ومحمد صلاته تامة وهذه من المسائل الاثنى عشرية ولو أن أميا صلى بعض صلاته ثم تعلم سورة فقرأها بقى من صلاته فصلاته فاسدة مثل الأخرس يزول خرسه فى خلال الصلاة وكذلك لو كان قارئا فى الابتداء فصلى بعض صلاته بقراءة ثم نسى القراءة فصار أميا فسدت صلاته وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.
وقال زفر رحمه الله تعالى لا تفسد فى الوجهين جميعا.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تفسد فى الأول ولا تفسد فى الثانى استحسانا وجه قول زفر أن فرض القراءة فى الركعتين فقط ألا ترى أن القارئ لو ترك القراءة فى الأوليين وقرأ فى الأخريين أجزأه واذا كان قارئا فى الابتداء فقد أدى فرض القراءة فى الأوليين فعجزه عنها بعد ذلك لا يضره كما لو ترك مع القدرة واذا تعلم وقرأ فى الأخريين فقد أدى فرض القراءة فلا يضره عجزه عنها فى الابتداء كما لا يضره لو تركها.
ووجه قول أبى يوسف ومحمد أنه لو استقبل الصلاة فى الأول لحصل الأداء على الوجه الأكمل فأمر بالاستقبال ولو استقبلها فى الثانى لأدى كل الصلاة بغير قراءة فكان البناء أولى ليكون مؤديا البعض بقراءة ولأبى حنيفة أن القراءة ركن فلا يسقط الا بشرط العجز عنها فى كل الصلاة فاذا قدر على القراءة فى بعضها فات الشرط فظهر أن المؤدى لم يقع صلاة ولأن تحريمة الأمى لم تنعقد للقراءة بل انعقدت لأفعال صلاته لا غير فاذا قدر صارت القراءة من أركان صلاته فلا يصح أداؤها بلا تحريمة كأداء سائر الأركان والصلاة لم توجد بدون أركانها ففسدت ولأن الأساس الضعيف لا يحتمل بناء القوى عليه والصلاة بقراءة أقوى فلا يجوز بناؤها على الضعيف كالعارى اذا وجد الثوب فى خلال صلاته والمتيمم اذا وجد الماء واذا كان قارئا فى الابتداء فقد عقد تحريمته لأداء كل الصلاة بقراءة وقد عجز عن الوفاء بما التزم فيلزمه الاستقبال ولو اقتدى الأمى بقارئ بعد ما صلى ركعة فلما فرغ الامام قام الأمى لاتمام الصلاة فصلاته فاسدة فى القياس وقيل هو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.
وفى الاستحسان يجوز وهو قولهما وجه القياس أنه بالاقتداء بالقارئ التزم أداء هذه الصلاة بقراءة وقد عجز عن ذلك حين قام للقضاء لأنه منفرد فيما يقضى فلا تكون قراءة الامام قراءة له فتفسد صلاته وجه الاستحسان أنه انما التزم القراءة ضمنا للاقتداء وهو مقتد فيما بقى على الامام لا فيما سبقه به ولأنه لو بنى كان مؤديا بعض الصلاة بقراءة ولو استقبل كان مؤديا جميعها بغير قراءة ولا شك أن الأول أولى
(2)
.
ومنها انكشاف العورة فى خلال الصلاة اذا كان كثيرا لأن استتارها من شرائط الجواز فكان انكشافها فى الصلاة مفسدا الا أنه سقط اعتبار هذا الشرط فى القليل عندنا خلافا للشافعى رحمه الله تعالى للضرورة كما فى قليل النجاسة كعدم امكان التحرز عنه على ما بينا
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 236، 237، 238 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 238 نفس الطبعة.
فيما تقدم وكذلك الحرة اذا سقط قناعها فى خلال الصلاة فرفعته وغطت رأسها بعمل قليل قبل أن تؤدى ركنا من أركان الصلاة أو قبل أن تمكث ذلك القدر لا تفسد صلاتها لأن المرأة قد تبتلى بذلك فلا يمكنها التحرز عنه فأما اذا بقيت كذلك حتى أدت ركنا أو مكثت ذلك القدر أو غطت من ساعتها لكن بعمل كثير فسدت صلاتها لانعدام الضرورة وكذلك الأمة اذا عتقت فى خلال صلاتها وهى مكشوفة الرأس فأخذت قناعها فهو على ما ذكرنا فى الحرة وكذلك المدبرة والمكاتبة وأم الولد لأن هؤلاء ليست بعورة على ما يعرف فى كتاب الاستحسان فاذا عتقن أخذن القناع للحال لأن خطاب الستر توجه للحال الا أن تبين أن عليها الستر من الابتداء لأن رأسها انما صارت عورة بالتحرير وهو مقصور العارى اذا وجد صيرورة الرأس عورة بخلاف العارى اذا وجد كسوة فى خلال الصلاة حيث تفسد صلاته لأن عورته ما صارت عورة للحال بل كانت عند الشروع فى الصلاة الا أن الستر كان قد سقط لعذر العدم فاذا زال تبين أن الوجوب كان ثابتا من ذلك الوقت وعلى هذا اذا كان الرجل يصلى فى أزار واحد فسقط عنه فى خلال الصلاة وهذا كله مذهب علمائنا الثلاثة رحمهم الله تعالى وهو جواب الاستحسان والقياس أن تفسد صلاته فى جميع ذلك.
وهو قول زفر والشافعى لأن ستر العورة فرض بالنص والاستار يفوت بالانكشاف وان قل الا أنا استحسنا الجواز وجعلناه ما لا يمكن التحرز عنه عفوا دفعا للحرج وكذلك اذا حضرته الصلاة وهو عريان لا يجد ثوبا جازت صلاته لمكان الضرورة ولو كان معه ثوب نجس.
ولو كان معه ثوب نجس فلا يخلو اما ان كان الربع منه طاهرا وأما ان كان كله نجسا فان كان ربعه طاهرا لم يجزه أن يصلى عريانا بل يجب عليه أن يصلى فى ذلك الثوب لأن الربع فما فوقه فى حكم الكمال كما فى مسح الرأس وحلق المحرم ربع الرأس وكما يقال رأيت فلانا وان عاينه من احدى جهاته الأربع فجعل كأن الثوب كله طاهرا وان كان كله نجسا أو الطاهر منه أقل من الربع فهو بالخيار.
وفى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ان شاء صلى عريانا وان شاء مع الثوب لكن الصلاة فى الثوب أفضل.
وقال محمد رحمه الله تعالى لا تجزئه الا مع الثوب وجه قوله ان ترك استعمال النجاسة فرض وستر العورة فرض الا أن ستر العورة أهمهما وأكدهما لأنه فرض فى الأحوال أجمع وفرضية ترك استعمال النجاسة مقصورة على حالة الصلاة فيصار الى الأهم فتستر العورة ولا تجوز الصلاة بدونه ويتحمل استعمال النجاسة ولأنه لو صلى عريانا كان تاركا فرائض منها ستر العورة والقيام والركوع والسجود ولو صلى فى الثوب النجس كان تاركا فرضا واحدا وهو ترك استعمال النجاسة فقط فكان هذا الجانب أهون.
وقد قالت عائشة رضى الله تعالى عنها ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين الا اختار أهونهما فمن ابتلى ببليتين فعليه أن يختار أهونهما ولهما ان الجانبين فى الفرضية فى حق الصلاة على السواء الا ترى أنه كما لا تجوز الصلاة حالة الاختيار عريانا لا تجوز مع الثوب المملوء نجاسة ولا يمكن اقامة أحد الفرضين فى هذه الحالة الا بترك الآخر فسقطت فرضيتهما فى حق الصلاة فيخير فيجزئه كيف ما فعل الا أن الصلاة فى الثوب أفضل لما ذكر محمد رحمه الله تعالى
(1)
.
ومنها محاذاة المرأة الرجل فى صلاة مطلقا يشتركان فيها فسدت صلاته عندنا استحسانا والقياس أن لا تكون المحاذاة مفسدة صلاة الرجل وبه أخذ الشافعى رحمه الله تعالى حتى لو قامت امرأة خلف الامام وفوت صلاته وقد نودى الامام امامة النساء ثم حازته فسدت صلاته
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 1 ص 117 الطبعة الأولى.
عندنا وعنده لا تفسد وجه القياس أن الفساد لا يخلو اما أن يكون لخساستها أو لاشتغال قلب الرجل بها والوقوع فى الشهوة لا وجه للأول لأن المرأة لا تكون أخس من الكلب والخنزير ومحاذاتهما غير مفسدة ولأن هذا المعنى يوجد فى المحاذاة فى صلاة لا يشتركان فيها والمحاذاة فيها غير مفسدة بالاجماع ولا سبيل الى الثانى لهذا أيضا ولأن المرأة تشارك الرجل فى هذا المعنى فينبغى أن تفسد صلاتها أيضا ولا تفسد بالاجماع والدليل عليه أن المحاذاة فى صلاة الجنازة وسجدة التلاوة غير مفسدة فكذا فى سائر الصلوات وجه الاستحسان.
ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال اخروهن من حيث أخرهن الله عقيب قوله خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها والاستدلال بهذا الحديث من وجهين أحدهما لما أمر بالتأخير صار التأخير فرضا من فرائض الصلاة فيصير بتركه التأخير تاركا فرضا من فرائضها فتفسد والثانى أن الأمر بالتأخير أمر بالتقدم عليها ضرورة فاذا لم تؤخر ولم يتقد فقد قام مقاما ليس بمقام له فتفسد كما اذا تقدم على الامام والحديث ورد فى صلاة مطلقة مشتركة فبقى غيرها على أصل القياس وانما لا تفسد صلاتها لأن خطاب التأخير يتناول الرجل ويمكنه تأخيرها من غير أن تتأخر هى بنفسها ويتقدم عليها فلم يكن التأخير فرضا عليها فتركه لا يكون مفسدا ويستوى الجواب بين محاذاة البالغة وبين محاذاة المراهقة التى تعقل الصلاة فى حق فساد صلاة الرجل استحسانا والقياس أن لا تفسد محاذاة غير البالغة لأن صلاتها تخلق واعتياد لا حقيقة صلاة وجه الاستحسان انها مأمورة بالصلاة مضروبة عليها كما نطق به الحديث فجعلت المشاركة فى أصل الصلاة والمشاركة فى أصل الصلاة تكفى للفساد اذا وجدت المحاذاة واذا عرف أن المحاذاة مفسدة فنقول اذا قامت فى الصف امرأة فسدت صلاة رجل عن يمينها ورجل عن يسارها ورجل خلفها بحذائها لأن الواحدة تحاذى هؤلاء الثلاثة ولا تفسد صلاة غيرهم لأن هؤلاء صاروا حائلين بينها وبين غيرهم بمنزلة اسطوانة أو كارة من الثياب فلم تتحقق المحاذاة ولو كانتا اثنتين أو ثلاثة.
فالمروى عن محمد رحمه الله تعالى أن المرأتين تفسدان صلاة أربعة نفر من على يمينها ومن على يسارهما ومن خلفهما بحذائهما والثلاث منهن يفسد صلاة من على يمينهن ومن على يسارهن وثلاثة خلفهن الى آخر الصفوف.
وعن أبى يوسف روايتان فى رواية قال الثنتان يفسدان صلاة أربعة نفر من على يمينها ومن على يسارهن واثنان من خلفهما بحذائهما والثلاث يفسدن صلاة خمسة نفر من كان على يمينهن ومن كان على شمالهن وثلاثة خلفهن بحذائهن وفى رواية الثنتان تفسدان صلاة رجلين عن يمينهما ويسارهما وصلاة رجلين رجلين الى آخر الصفوف والثلاث يفسدن صلاة رجل عن يمينهن ورجل عن يسارهن وصلاة ثلاثة ثلاثة الى آخر الصفوف ولا خلاف فى أنهن اذا كن صفا تاما فسدت صلاة الصفوف التى خلفهن وان كانوا عشرين صفا وجه الرواية الأولى لأبى يوسف رحمه الله تعالى أن فساد الصلاة ليس لمكان الحيلولة لأن الحيلولة انما تقع بالصف التام من النساء بالحديث ولم توجد وانما يثبت الفساد بالمحاذاة ولم توجد المحاذاة الا بهذا القدر وجه الرواية الثانية له أن للمثنى حكم الثلاث بدليل أن الامام يتقدم الاثنين ويصطفان خلفه كالثلاثة ثم حكم الثلاثة هذا فكذا حكم الاثنين وجه المروى عن محمد رحمه الله تعالى أن المرأتين لا تحاذيان الا أربعة نفر فلا تفسدان صلاة غيرهم وفى الصف التام القياس هكذا أن تفسد صلاة صف واحد خلفهن لا غير لانعدام محاذاتهن لمن وراء هذا الصف الواحد الا أنا استحسنا فحكمنا بفساد صلاة الصفوف أجمع لحديث عمر رضى الله تعالى عنه موقوفا ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له جعل
صف النساء حائلا كالنهر والطريق ففى حق الصف الذى يليهن من خلفهن وجد ترك التأخير منهم والحيلولة بينهم وبين الامام بهن وفى حق الصفوف الأخر وجدت الحيلولة لا غير وكل واحد من المعنيين بانفراده علة كاملة للفساد ثم الثنتان ليستا بجمع حقيقة فلا يلحقان بالصف من النساء التى هى اسم جمع فانعدمت الحيلولة فيتعلق الفساد بالمحاذاة لا غير والمحاذاة لم توجد الا بهذا القدر فأما الثلاث منهن فجمع حقيقة فالحقن بصف كامل فى حق من صرن حائلات بينه وبين الامام ففسدت صلاة ثلاثة ثلاثة الى آخر الصفوف وفسدت صلاة واحد عن يمينهن وواحد عن يسارهن لأن هناك الفساد بالمحاذاة لا بالحيلولة ولم توجد المحاذاة الا بهذا القدر
(1)
.
ولو وقفت بحذاء الامام فأتمت به وقد نوى الامام امامتها فسدت صلاة الامام والقوم كلهم أما صلاة الامام فلوجود المحاذاة فى صلاة مطلقة مشتركة وأما صلاة القوم فلفساد صلاة الامام.
وكان محمد بن مقاتل الرازى رحمه الله تعالى يقول لا يصح اقتداؤها لأن المحاذاة قارنت شروعها فى الصلاة ولو طرأت كانت مفسدة فاذا اقترنت منعت من صحة اقتدائها به وهذا غير سديد لأن المحاذاة انما تؤثر فى فساد صلاة مشتركة ولا تقع الشركة الا بعد شروعها فى صلاة الامام فلم يكن المفسد مقارنا للشروع فلا يمنع من الشروع وان كانت بحذاء الامام ولم تأتم به لم تفسد صلاة الامام لانعدام المشاركة وكذا اذا قامت أمام الامام فأتمت به لأن اقتداءها لم يصح فلم تقع المشاركة وكذا اذا قامت الى جنبه ونوت فرضا آخر بان كان الامام فى الظهر ونوت هى العصر فأتمت به ثم حاذته لا تفسد على الامام صلاته وهذا على رواية
(2)
باب الحدث لأنها لم تصر شارعة فى الصلاة أصلا فلم تتحقق المشاركة فأما على رواية باب الآذان تفسد صلاة الامام فى الظهر وقد نوى امامتها فأتمت به فنوى المحاذاة فى صلاة مشتركة ففسدت صلاته وفسدت صلاتها بفساد صلاة الامام وعليها قضاء التطوع لحصول الفساد بعد صحة شروعها كما اذا كان الامام فى الظهر وقد نوى امامتها فأتمت به فنوى التطوع ثم قامت بجنبه تفسد صلاته وصلاتها وعليها قضاء التطوع فكذا هذا.
وبعض مشايخنا قالوا الجواب ما ذكر فى باب الأذان وتأويل ما ذكر فى باب الحدث أن الرجل لم ينو امامتها فى صلاة العصر - فتجعل هى فى الاقتداء به بنية العصر بمنزلة ما لم ينو امامتها أصلا فلهذا لا تصير شارعة فى صلاته تطوعا ولو قام رجل وامرأة يقضيان ما سبقهما لامام لم تفسد صلاته ولو كانا أدركا أول الصلاة وكانا ناما أو أحدثا فسدت صلاته لأن المسبوقين فيما يقضيان كل واحد منهما فى حكم المنفرد ألا ترى أن القراءة فرض على المسبوق ولو سها يلزمه سجود السهو فلم يشتركا فى صلاة فلا تكون المحاذاة مفسدة صلاته فأما المدركان فهما كأنهما خلف الامام بعد بدليل سقوط القراءة عنهما وانعدام وجوب سجدتى السهو عند وجود السهو كأنهما خلف الامام حقيقة فوقعت المشاركة فوجدت المحاذاة فى صلاة مشتركة فتوجب فساد صلاته
(3)
.
ومرور المرأة والحمار والكلب بين يدى المصلى لا يقطع الصلاة عند عامة العلماء.
وقال أصحاب الظواهر يقطع واحتجوا بما روى أبو ذر رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال يقطع الصلاة مرور المرأة والحمار والكلب وفى بعض الروايات والكلب الأسود فقيل لأبى ذر وما بال الأسود من غيره
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 241 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 240، ص 241 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 240، 241 الطبعة السابقة.
فقال أشكل على ما أشكل عليكم فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال الكلب الأسود شيطان ولنا ما روى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا يقطع الصلاة مرور شئ وادرؤا ما استطعتم وأما الحديث الذى رووا فقد ردته عائشة رضى الله عنها فأنها قالت لعروة يا عروة ما يقول أهل العراق قال يقولون يقطع الصلاة مرور المرأة والحمار والكلب فقالت يا أهل العراق والنفاق والشقاق بئسما قرنتمونا بالكلاب والحمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل وأنا نائمة بين يديه معترضة كاعتراض الجنازة وقد ورد فى المرأة نص خاص وكذا فى الحمار والكلب.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى فى بيت أم سلمة فأراد ابنها عمر أن يمر بين يديه فأشار عليه أن قف فوقف ثم أرادت زينب بنتها أن تمر بين يديه فأشار اليها أن قفى فلم تقف فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال انهن أغلب.
وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال زرت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخى الفضل على حمار فى بادية فنزلنا فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فصلينا معه والحمار يرتع بين يديه.
وفى بعض الروايات والكلب والحمار يمران بين يديه ولو دفع المار بالتسبيح أو بالاشارة أو أخذ طرف ثوبه من غير شئ ولا علاج لا تفسد صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم فأدرؤا ما استطعتم وقوله اذا نابت أحدكم نائبة فى الصلاة فليسبح فان التسبيح للرجال والتصفيق للنساء وذكر فى كتاب الصلاة اذا مرت الجارية بين يدى المصلى فقال سبحان الله وأومأ بيده ليصرفها لم تقطع صلاته وأحب الى أن لا يفعل منهم من قال معناه أى لا يجمع بين التسبيح والاشارة باليد لأن باحداهما كفاية ومنهم من قال أى لا يفعل شيئا من ذلك وتأويل قول النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان فى وقت كان العمل فى الصلاة مباحا ..
ومنها الموت فى الصلاة والجنون والاغماء فيها أما الموت فظاهر لأنه معجز عن المضى فيها وأما الجنون والاغماء فلأنهما ينقضان الطهارة ويمنعان البناء لما بينا فيما تقدم أن اعتراضهما فى الصلاة نادر فلا يلحقان بمورد النص والاجماع فى جواز البناء وهو الحدث السابق وسواء كان منفردا أو مقتديا أو اماما حتى يستقبل القوم صلاتهم عندنا وعند الشافعى.
يقوم القوم فيصلون وحدانا كما اذا أحدث الامام ومنها العمل الكثير الذى ليس من اعمال الصلاة فى الصلاة من غير ضرورة.
فأما القليل فغير مفسد واختلف فى الحد الفاصل بين القليل والكثير.
قال بعضهم الكثير ما يحتاج فيه الى استعمال اليدين والقليل ما لا يحتاج فيه الى ذلك حتى قالوا اذا زر قميصه فى الصلاة فسدت صلاته واذا حل أزراره لا تفسد.
وقال بعضهم كل عمل لو نظر الناظر اليه من بعيد لا يشك أنه فى غير الصلاة فهو كثير وكل عمل لو نظر اليه ناظر ربما يشتبه عليه أنه فى الصلاة فهو قليل وهو الأصح وعلى هذا الأصل يخرج ما اذا قاتل فى صلاته فى غير حالة الخوف أنه تفسد صلاته لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة.
وكذا اذا أخذ قوسا ورومى بها فسدت صلاته لأن أخذ القوس وتثقيف السهم عليه ومده حتى يرمى عمل كثير ألا ترى أنه يحتاج فيه الى استعمال اليدين.
وكذا الناظر اليه من بعيد لا يشك أنه فى غير الصلاة
(1)
.
وكذا لو دهن أو سرح رأسه أو حملت امرأة صبيها وأرضعته لوجود حد العمل الكثير على العبارتين.
فأما حمل الصبى بدون الارضاع فلا يوجب فساد الصلاة.
لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم كان يصلى فى بيته وقد حمل أمامة بنت أبى العاصى على عاتقه فكان اذا سجد وضعها واذا قام رفعها ثم هذا الصنيع لم يكره منه صلى الله عليه وسلم لأنه كان محتاجا الى ذلك لعدم من يحفظها أو لبيانه الشرع بالفعل ان هذا غير موجب فساد الصلاة.
ومثل هذا فى زماننا أيضا لا يكره لواحد منا لو فعل ذلك عند الحاجة أما بدون الحاجة فمكروه ولو صلى وفى فيه شئ يمسكه ان كان لا يمنعه من القراءة ولكن يخل بها كدرهم أو دينارا ولؤلؤة لا تفسد صلاته لأنه لا يفوت شئ من الركن ولكن يكره لأنه يوجب الاخلال بالركن حتى لو كان لا يخل به ولا يكره وان كان يمنعه من القراءة فسدت صلاته لأنه يفوت الركن وان كان فيه سكرة لا تجوز صلاته لأنه أكل.
وكذلك
(2)
أن كان فى كفه متاع يمسكه جازت صلاته غير أنه ان كان يمنعه عن الأخذ بالركب فى الركوع أو الاعتماد على الراحتين عند السجود يكره لمنعه عن تحصيل السنة والا فلا ولو رمى طائرا بحجر لا تفسد صلاته لأنه عمل قليل ويكره لأنه ليس من أعمال الصلاة ولو أكل أو شرب فى الصلاة فسدت صلاته لوجود العمل الكثير.
وسواء كان عامدا أو ساهيا فرق بين الصلاة والصوم حيث كان الأكل والشرب فى الصوم ناسيا غير مفسد والفرق أن القياس أن لا يفصل فى باب الصوم بين العمد والسهو أيضا لوجود ضد الصوم فى الحالتين وهو ترك الكف الا أنا عرفنا ذلك بالنص والصلاة ليست فى معناه لأن الصائم كثيرا ما يبتلى به فى حالة الصوم فلو حكمنا بالفساد يؤدى الى الحرج بخلاف الصلاة لأن الأكل والشرب فى الصلاة ساهيا نادر غاية الندرة فلم يكن فى معنى مورد النص فيصل فيها بالقياس المحض وهو أنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة.
ألا ترى أنه لو نظر الناظر اليه لا يشك أنه فى غير الصلاة ولو مضغ العلك فى الصلاة فسدت صلاته كذا ذكره محمد لأن الناظر اليه من بعد لا يشك أنه فى غير الصلاة وبهذا تبين أن الصحيح من التحديد هو العبارة الثانية حيث حكمنا بفساد الصلاة من غير الحاجة الى استعمال اليد رأسا فضلا عن استعمال اليدين ولو بقى بين أسنانه شئ فابتلعه ان كان دون الحمصة لم يضره لأن ذلك القدر فى حكم التبع لريقه لقلته ولأنه لا يمكن التحرز عنه لأنه يبقى بين الأسنان عادة فلو جعل مفسدا لوقع الناس فى الحرج ولهذا لا يفسد الصوم به وان كان قدر الحمصة فصاعدا فسدت صلاته ولو قلس أقل من ملء فيه ثم رجع فدخل جوفه وهو لا يملكه لا تفسد صلاته لأن ذلك بمنزلة ريقه ولهذا لا ينقض وضوؤه وكذا المتهجد باليل قد يبتلى به خصوصا فى ليالى رمضان عند امتلاء الطعام عند النظر فلو جعل مفسدا لأدى الى الحرج وقتل الحية والعقرب فى الصلاة لا يفسدها.
لقول النبى صلى الله عليه وسلم اقتلوا الأسودين ولو كنتم فى الصلاة.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 240، 241 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 241، 242 نفس الطبعة.
وروى أن عقربا لدغ الرسول صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فوضع عليه نعله وغمزه حتى قتله فلما فرغ من صلاته قال لعن الله العقرب لا تبالى نبيا ولا غيره أو قال مصليا ولا غيره وبه تبين أنه لا يكره أيضا.
لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليفعل المكروه خصوصا فى الصلاة ولأنه يحتاج اليه لدفع الأذى فكان موضع الضرورة هذا اذا أمكنه قتل الحية بضربة واحدة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العقرب وأما اذا احتاج الى معالجة وضربات فسدت صلاته كما اذا قاتل فى صلاته لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة.
وذكر شيخ الاسلام السرخسى أن الأظهر أنه لا تفسد صلاته لأن هذا عمل رخص فيه للمصلى فأشبه المشى بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضؤ هذا الذى ذكرناه من العمل الكثير الذى ليس من أعمال الصلاة اذا عملها المصلى فى الصلاة من غير ضرورة فأما فى حالة الضرورة فأنه لا يفسد الصلاة.
كما فى حالة الخوف واذا فسدت الصلاة وجب اعادتها مادام الوقت باقيا لأنها اذا فسدت التحقت بالعدم فبقى وجوب الأداء فى الذمة فيجب تفريغها عنه بالأداء.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح منح الجليل: أن سقوط النجاسة على المصلى مبطل لصلاته ان تعلقت به أو استقرت عليه واتسع الوقت ووجد ما يزيلها به أو وجد ثوبا آخر.
وذلك كأن رعف المصلى
(1)
. قبل دخول الصلاة واستمر الدم خارجا من الأنف وتحقق أو ظن انقطاعه فى الوقت المختار أو شك فيه آخر الصلاة وجوبا فى هذه التسع صور لآخر الوقت الاختيارى فان انقطع غسله وصلى.
وان لم ينقطع صلى بالدم فى آخر المختار ولعجزه عن ازالته بحيث يصليها كلها أو ركعة منها فيه ويحرم تقديمها قبل آخره لعدم صحتها بالدم مع تحفظه أو ظنه أو شكه فى انقطاعه فى الوقت وان تحقق أو ظن دوامه الآخر المختار فلا يؤخر الصلاة عن أول وقتها المختار لتفويته فصلاته بلا فائدة
(2)
.
وهذا وان حصل الرعاف فى الصلاة ولم يظن دوامه الآخر الوقت فله ثلاث حالات الأولى أن يكون يسيرا يذهبه الفتل بل يكون الدم يرشح لا يسيل ولا يقطر فهذا لا يجوز له قطع الصلاة ولا أن يخرج منها فان قطع أفسد صلاته وان كان اماما أفسده عليه وعلى المأمومين بل يفتله بأصابعه وكيفية فتله أن يجعل أنملة الأصبع فى أنفه ويحركها مديرا لها واختلف فى الفتل هل هو باليدين جميعا وهو ظاهر المدونة وصرح به أبو الحسن الصغير رحمه الله تعالى ووقع فى بعض نسخ الشار مساحى أو بيد واحدة.
وهو الذى حكاه الباجى عن مالك رحمهما الله تعالى.
وذكر خليل أن الفتل انما يؤمر به فيما اذا كان يرشح فقط أما اذا سال أو قطر فلا ولو كان الدم الذى يسيل ثخينا يذهبه الفتل وكأنه اعتمد كلام اللخمى رحمه الله تعالى فانه قال الرعاف أربعة أقسام يسير يذهبه الفتل وكثير لا يذهبه الفتل ولا يرجى انقطاعه حتى لو حرج لغسله لعادة علمها من نفسه فهذا ان لا يخرجان من الصلاة يغتل هذا ويكف الآخر ما استطاع
(1)
رعف بفتح العين وضمها وكذا مضارعه ويبنى للمفعول كزكم أى خرج دم من أنف مريد الصلاة سائلا كالخيط أو قاطرا كالمطر أو راشحا كالعرق. يراجع شرح منح الجليل ج 1 ص 125
(2)
شرح منح الجليل ج 1 ص 125
ويمضى فى صلاته وكثير يرجو انقطاعه متى غسله فهذا يخرج لغسله ويعود وكثير يذهبه الغتل لتخانته.
واختلف فيه هل يفتله ويمضى أو يخرج يغسله.
فقال ابن حبيب رأيت ابن الماجشون رحمه الله تعالى يصيبه الرعاف فى الصلاة فيمسحه بأصابعه حتى تختضب فيغمس أصابعه فى حصباء المسجد ويردها ثم يمضى فى صلاته.
وذكر فى المدونة أن المصلى ينصرف من الرعاف فى الصلاة اذا سال أو قطر سواء قل ذلك أو كثر فليغسله ثم يبنى على صلاته وان كان غير سائل ولا قاطر فليغتله بأصابعه.
وحمل صاحب الطراز كلام المدونة وكلام ابن حبيب على الوفاق وان معنى قوله فى المدونة ينصرف اذا سال أو قطر وان قل وأنه ليس عليه أن يستبرئ أمره هل يذهبه الفتل أم لا بل متى سال أو قطر جاز له أن ينصرف لأن القدر المؤذن بذلك قد وجد وهو الدم السائل فان لم ينصرف وتربص وانقطع بالقتل فلا تفسد صلاته
(1)
.
هذا وقد ذكر المالكية أن من شروط البناء على الصلاة أن لا يسقط على ثوبه أو بدنه من الدم ما لا يغتفر لكثرته لأنه أن سقط من الدم على ثوبه أو جسده كثير بطلت صلاته باتفاق
(2)
.
وان الامام اذا رعف فاستخلف بكلام جاهلا أو عامدا بطلت صلاته وصلاتهم فجعل قطع صلاته بالكلام بعد الرعاف يبطل صلاتهم كما لو تكلم جاهلا أو متعمدا بغير رعاف والصواب ما فى المدونة أن صلاتهم لا تبطل لأنه اذا رعف فالقطع له جائز فى قول أو مستحب فى قول فكيف تبطل صلاة القوم بفعله ما يجوز له أو يستحب له فهذه ثلاثة أقوال
(3)
.
وحكى ابن عرفة وابن ناجى رحمهما الله تعالى فى شرح الرسالة قولا رابعا بأنهما سواء لا مزية لأحدهما على الآخر، قالا نقله غير واحد كصاحب التلقين.
وزاد ابن عرفة رحمه الله تعالى خامسا بأنه يقطع ومشى خليل على استحباب البناء لأنه قول مالك رضى الله تعالى عنه على أنه حى الباجى رحمه الله تعالى عن الامام مالك من رواية ابن نافع وعلى بن زياد ترجيح القطع وعليه اقتصر ابن بشير رحمه الله تعالى وعلله الباجى بأنه يخرج من الخلاف ويؤدى الصلاة باتفاق قال فى المقدمات ولا يخرج الراعف عن حكم الصلاة وحرمتها على مذهب من يجيز له البناء الا بأن يقطع بسلام أو كلام أو فعل ما لا يصح فعله فى الصلاة.
وهذا وجه قول ابن حبيب رحمه الله تعالى أن من رعف وهو جالس فى وسط صلاته أو ساجد أو راكع أن قيامه من الجلوس أو رفعه من السجود والركوع لرعافه يعتد به من صلاته.
وقال فى الطراز فان اختار الراعف أن يبتدئ فليقطع صلاته بما ينافيها من غير فعل الراعف باتفاق فان لم يفعل.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى فى المجموعة أن ابتدأ ولم يتكلم أعاد الصلاة وهذا
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب ج 1 ص 475، 476 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف ابن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر 1328 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 477
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 478 وما بعدها الى ص 482 نفس الطبعة.
صحيح لأنا اذا حكمنا بأن ما هو فيه من العمل لا يقطع البناء حكمنا بأنه باق على حكم احرامه الأول فاذا كان قد صلى ركعة ثم ابتدأ الأولى أربعا صار كمن صلى خمسا جاهلا.
قال صاحب مواهب الجليل: والمشهور أن الرفض مبطل فيكفى فى الخروج من الصلاة رفضها وابطالها.
فاذا أراد البناء وخرج يغسل الدم أمسك أنفه لئلا يتطاير عليه الدم فيلطخ ثوبه أو جسده فتبطل صلاته، واشترط فى ذلك شروط:
أحدهما: أن لا يجاوز أقرب مكان يمكنه غسل الدم فيه فان تعدى الأقرب الى غيره بطلت صلاته.
قال فى المقدمات باتفاق وذلك لأنه أتى فى الصلاة بزيادة مستغنى عنها.
والثانى: أن يكون المكان الذى يغسل الدم فيه قريبا فان كان بعيدا بطلت صلاته.
والثالث: أن لا يستدبر القبلة من غير عذر فان استدبرها من غير عذر بطلت صلاته.
قال اللخمى: واذا استدبر الراعف القبلة لطلبه الماء لم تبطل صلاته.
الرابع أن لا بطأ فى مشيه نجاسة. فان وطئ المصلى فى مشية نجاسة فسدت صلاته سواء كانت رطبة أو يابسة وسواء كانت من أرواث الدواب وو أبوالها أو من غير ذلك سواء وطئها عمدا أو سهوا.
قال فى المقدمات ان وطئ على نجاسة رطبة انتقضت صلاته باتفاق واختلف ان مشى على قشب يابس فقال ابن سحنون تنتقض صلاته.
وقال ابن عبدوس لا تنتقض وأما مشيه فى الطريق لغسل الدم وفيها أرواث الدواب وأبوالها فلا تنتقض بذلك صلاته لأنه مضطر الى المشى فى الطريق لغسل الدم كما يضطر للصلاة فيها وليس بمضطر الى المشى
(1)
على القشب
(2)
. قاله ابن حارث.
وقال صاحب الجمع: قالوا ان مشى على نجاسة - أى عذرة وما فى معناها - وكانت رطبة بطلت باتفاق ثم ذكر الخلاف فى القشب اليابس، ثم قال: وهو عندى اذا مشى عليها غير عالم بها، وأما اذا تعمد المشى عليها بطلت صلاته بلا خلاف.
وقال ابن فرحون رحمه الله تعالى فى شرح ابن الحاجب - ان كانت العذرة رطبة فظاهر المذهب الاتفاق على البطلان.
ولذلك قال ابن غلاب النجاسة الرطبة متفق على ابطالها والظاهر أن مراده العذرة الرطبة لأنه قال: وأرواث الدواب وأبوالها لا تبطل وقد علم أن البول رطب. قال: وأما عدم البطلان فى زيل الدواب وأبوالها فمعلل بضرورة المشى عليها لكثرتها فى الطرقات وللاختلاف أيضا فى نجاستها وأما الدم الزائد على القدر المعفو عنه وزيل الكلاب وما فى معنى ذلك من النجاسات فغير مغتفر.
وقال صاحب الجمع قال ابن رشد: وأما مشيه على أرواث الدواب وأبوالها فى الطريق ومباشرته لغسل الدم فمغتفر، قاله ابن حارث.
قال صاحب مواهب الجليل: وينبغى أن يقيد بما اذا وطئها ناسيا أو مضطرا لذلك لعمومها وانتشارها فى الطريق، وأما ان وطئها عامدا
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 481، 482 نفس الطبعة السابقة
(2)
القشب بفتح القاف وسكون الشين المعجمة العذرة اليابسة.
من غير عذر لسعة الطريق وعدم عمومها وامكان عدوله عنها فينبغى أن تبطل صلاته لانتفاء العلة التى هى الضرورة.
الشرط الخامس: أن لا يتكلم فان تكلم عامدا أو جاهلا بطلت صلاته باتفاق قاله فى المقدمات:
فان تكلم ساهيا فحكى فى المقدمات فيه قولين.
قال ابن حبيب رحمه الله تعالى: لا يبنى لأن السنة انما جاءت فى بناء الراعف ما لم يتكلم ولم يخص ناسيا من متعمد.
وحكى ابن سحنون عن أبيه أنه يبنى ويسجد لسهوه الا أن يكون يكون كلامه والامام لم يفرغ من صلاته فانه يحمله عنه. واختلف فى المأموم اذا انصرف لغسل الدم هل يخرج من حكم الامام أم لا على أربعة أقوال حكاها صاحب المقدمات وغيره.
أحدها أنه يخرج من حكمه حتى يرجع اليه جملة من غير تفصيل.
الثانى أنه لا يخرج من حكمه جملة من غير تفصيل.
الثالث ان رعف قبل أن يعقد معه ركعة خرج من حكمه حتى يرجع اليه وان عقد معه ركعة لم يخرج من حكمه.
الرابع النظر الى ما آل اليه أمره فان أدرك ركعة من صلاة الامام بعد رجوعه كان فى حكمه حال خروجه عنه وان لم يدرك معه ركعة حين خروجه لم يكن فى حكمه فى حال خروجه.
قال فى المقدمات فمن رأى أنه يخرج من حكمه حتى يرجع يقول ان أفسد الامام صلاته متعمدا قبل أن يرجع لم تفسد عليه وان تكلم سهوا سجد بعد السّلام ولم يحمل عنه ذلك الامام خلافا لأصل ابن حبيب الذى يرى أن ذلك يبطل عليه البناء وان ظن الامام قد أتم صلاته فأتم صلاته فى موضعه ثم تبين له أنه لو مضى لأدرك الامام فى الصلاة أجزأته صلاته وان سها الامام لم يلزمه سهوه ومن رأى أنه لا يخرج من حكمه يقول ان أفسد الامام صلاته متعمدا فسدت عليه هو صلاته وان أتم صلاته فى موضعه ثم تبين أنه لو مضى لأدرك الامام فى الصلاة لم تجزه صلاته وان سها الامام لزمه سهوه وان تكلم ساهيا حمله عنه الامام
(1)
.
ومن حصل له شئ مما ينافى الصلاة من سبق حدث أو تذكره أو سقوط نجاسة أو تذكرها أو غير ذلك مما يبطل الصلاة فانه لا يبنى على ما مضى من صلاته بل يقطعها ويستأنف الصلاة وهذا هو المذهب.
قال فى المدونة ولا يبنى الا فى الرعاف وحده.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى فى العتيبة وان تقيأ بلغما أو قلسا فألقاه فليتماد وان ابتلع القلس بعد ما أمكنه طرحه وظهر على لسانه أفسد الصلاة.
قال فى المجموعة وان كان سهوا يبنى وسجد بعد السّلام.
وقال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: لا يبنى فى قرحة ولا جرح ويعنى بذلك: اذا انفجرت القرحة فى الصلاة وسال منها دم كثير ورجا انقطاعه فانه يقطع الصلاة.
قال ابن فرحون رحمه الله تعالى: لو حصل له رعاف فخرج له وغسل الدم ورجع الى الصلاة ثم حصل له رعاف آخر لم يبن وبطلت صلاته.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 483 نفس الطبعة.
ومن ظن أنه حصل له رعاف فى الصلاة فخرج ليغسله فتبين أنه ليس برعاف وانما هو ماء فأنه لا يبنى على ما مضى من صلاته لأنها بطلت بل يبتدئها وهذا هو المشهور.
ومذهب المدونة قال فى أواخر كتاب الصلاة فى المدونة ومن انصرف من صلاته لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه ثم تبين له أنه لا شئ به ابتدأ واذا تعمد الامام قطع صلاته أفسد على من خلفه
(1)
.
وقال اللخمى رحمه الله تعالى فى تبصرته اختلف فبمن ظن أنه رعف أو أحدث فخرج ثم تبين أنه لم يصبه ذلك هل يبنى؟ وان كان اماما هل تفسد صلاتهم.
قال مالك رحمه الله تعالى: يبتدئ ولا يبنى وظاهر قول ابن القاسم رحمه الله تعالى:
انه اذا كان اماما لا تفسد عليهم لأنه لم يعتمد.
قال ابن سحنون رحمه الله تعالى فى المجموعة لأنه خرج بما يجوز له ويبتدئ الصلاة خلف الذى استخلف.
وقال فى كتاب ابنه ان بنى أبطل عليهم لأنه لا يستطيع أن يعلم ما خرج من قبل أن يخرج من المحراب الا أن يكون فى ليل مظلم.
وقال ابن عبد الحكم رحمه الله تعالى: يبنى ولا يبطل على من خلفه فهو بمنزلة من ظن أنه سلم فخرج ثم عاد فسلم وهو أقيس لحديث ذى اليدين أنه صلى الله عليه وسلم خرج وهو يظن أنه قد أتم وتكلم ثم بنى.
قال صاحب مواهب الجليل: فظهر أن القول ببطلان صلاته المأمومين أرجح لكونه مذهب المدونة.
وقال صاحب الجمع أنه الصحيح.
قال ابن بشير رحمه الله تعالى: ومن ظن بطلان صلاته بتماديه برعاف أو حدث فانصرف ثم تبين له بطلان ظنه أما فى الرعاف اذا لم يتكلم ولم يمش على نجاسة فانه ينتظر فان كان بحيث لا يمكنه التمييز لأنه فى ليل مظلم واجتهد فأخطأ ففى بنائه قولان أحدهما أنه لا يبنى وهو المشهور، والشاذ أنه يبنى.
وأما فى الحدث فان لم يطل فعله بعد الظن كان كالرعاف وان طال فعله أو تكلم عامدا بطلت صلاته لأن هذا انصرف على أن صلاته باطلة والراعف انصرف على أنه يغسل الدم ثم يبنى.
قال الحطاب: الظاهر فى الحدث البطلان مطلقا ولا يظهر للقول بالبناء وجه مطلقا لأن المحدث خرج على اعتقاد البطلان ولا يشبه من ظن أنه سلم لأنه خرج على اعتقاد تمام الصلاة وصحتها. واذا عزم على رفض الصلاة وهم بالوضوء فالظاهر بطلان الصلاة نعم أن تفكر قليلا لما حصل له الشك ثم ذكر أنه متوضئ فهذا يبنى على صلاته.
هذا ومن غلبه القئ فى الصلاة لم تبطل صلاته ويتمادى فيها فان خرج لغسله بطلت صلاته ولو تعمد القئ بطلت صلاته وهذا اذا كان القئ طاهرا ولم يرده بعد انفصاله الى محل يمكن طرحه فان كان القئ نجسا بأن تغير عن هيئة الطعام على المشهور أو قارب أوصاف العذرة على ما اختاره اللخمى وابن رشد رحمهما الله تعالى بطلت الصلاة.
وان كان القئ طاهرا ورده بعد انفصاله الى محل يمكن طرحه ناسيا أو مغلوبا ففى بطلان صلاته قولان وأما أن رده طائعا غير ناسى فلا خلاف فى بطلان صلاته.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 493، 495 نفس الطبعة.
قال ابن رشد أن من ذرعه القئ لا تفسد صلاته كما لا يفسد صيامه بخلاف الذى يستقئ طائعا وهو قول ابن القاسم واختلف قوله ان رده بعد انفصاله فى فساد صلاته وصيامه يريد ان رده ناسيا أو مغلوبا وأما ان رده طائعا غير ناسى فلا اختلاف فى أن ذلك يفسد صومه وصلاته وقد قيل ان المغلوب أعذر من الناسى ولا يوجب ذلك الوضوء وان كان نجسا لتغيره عن حال الطعام الى حال الرجيع أو ما يقاربه اذ لا يوجب الوضوء على مذهب مالك رحمه الله تعالى الا ما خرج من السبيلين من المعتاد على العادة باتفاق أو على غير العادة باختلاف. فتحصل من هذا أن من ذرعه القئ غلبه فالمشهور وهو قول ابن القاسم أن صلاته صحيحه وان من تعمد القئ أو رده بعد انفصاله طائعا فصلاته باطلة كما ذكره ابن رشد.
هذا وذكر ابن غازى عن بعض المقيدات أن القئ الكثير يبطل الصلاة ولو كان طاهرا أو كان غلبه.
وقد نص على ذلك ابن بشير والقلس
(1)
وهو ما يخرج عند الامتلاء أو برد المزاج وقد يكون فيه الطعام غير متغير ليس بنجس لكنه أن خرج فى الصلاة وكثر قطع ليس لنجاسته بل لأنه مشغل عن الصلاة وان قل لم يقطع.
وذكر ابن رشد أن القلس طاهر وأنه لا يفسد الصلاة وقال فى التوضيح حكم القلس حكم القئ فان كان متغير فهو نجس
(2)
. وان كان غير متغير فلا يفسد الصلاة لأنه لا يكون غالبا الا غلبة فان تعمد القلس فحكمه حكم تعمد القئ فتبطل صلاته وان ابتلعه بعد أن وصل الى محل يمكن طرحه فاختلف فى بطلان الصلاة بذلك اذا كان نسيانا أو غلبه.
وقال ابن عرفة رحمه الله تعالى وغلبة القلس لغو فان ابتلعه بعد فصله عمدا ففى بطلانها نقل الشيخ عن ابن القاسم وابن رشد عن رواية ابن نافع أساء ولا قضاء عليه.
هذا وستر العورة المغلظة من واجبات الصلاة على المعروف فى مذهب المالكية وذكر البعض الآخر أن ستر العورة من سنن الصلاة وعلى القول بأنه من فرائضها يخرج ويستخلف من يتم بالقوم صلاتهم فان لم يفعل وتمادى بهم فان استتر بالقرب فصلاته وصلاتهم فاسدة وهو قول سحنون فى كتاب ابنه خلاف.
قال البرزلى سئل ابن أبى زيد عن الرجل يصلى فى ليل مظلم فتنكشف فخذه أو بعض عورته وهو وحده هل تفسد صلاته فقال عليه أن يستر عورته وفخذه فان انكشف عورته فى الصلاة فسدت عليه وأما الفخذ فليستره
(3)
.
قال الباجى رحمه الله تعالى: ومن لم يمكن عنده ما يستر به عورته سقط عنه فرضها وصلى قائما وأجزأه.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى: ولا يعيد ان وجد ثوبا فى الوقت.
وقال المزرى رحمه الله تعالى: المذهب يعيد فى الوقت.
قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: وما يصف من الثياب لرقته أو لتحديده مكروه كالسراويل.
وروى عن المدونة أن مالكا رحمه الله تعالى كره الصلاة فى السراويل.
(1)
القلس ماء حامض تقذفه المعدة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 496 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 497، 498 نفس الطبعة.
قال ابن يونس رحمه الله تعالى: لأنه يصف، والمئزر أفضل منه.
وروى عن المدونة أن مالكا رحمه الله تعالى قال: ان صلت الحرة منتقية لم تعد.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى: وكذا الملثمة.
قال اللخمى: يكرهان وتسدل على وجهها ان خشيت رؤيا رجل.
قال مالك: ومن صلى محتزما جامعا شعره بوقاية أو مشمرا كميه فان كان ذلك لباسه وهيئته قبل ذلك أو كان فى عمل حتى حضرت الصلاة فصلاها كما هو فلا بأس بذلك، وان كان انما فعل ذلك ليكفت به شعرا أو ثوبا فلا خير فيه.
فقال ابن عرفة شدد مالك رحمه الله تعالى كراهة تغطية اللحية فى الصلاة
(1)
.
ولا بأس فى أن يصلى محلول الأزار وليس عليه سراويل ولا مئزر وهو أستر من الذى يصلى متوشحا بثوب، ومن صلى بسراويل أو مئزر وهو قادر على الثياب لم يعد فى وقت ولا غيره
(2)
.
ومن شروط الصلاة مع الأمن والقدرة والذكر - استقبال القبلة فمن عجز عن استقبال القبلة بنفسه حول اليها فان عجز عن تحويله سقط حكم الاستقبال فى حقه وفى الكتاب اذا صلى لغير القبلة أعاد فى الوقت بمنزلة الصحيح.
وأما من صلى وهو قادر على التحول والتحويل فينبغى أن يعيد صلاته أبدا وأما من لم يقدر على ذلك لفقد من يحوله فينبغى أن يختلف فى اعادته ونقل صاحب الذخيرة عن صاحب الطراز أنه اذا أداه الاجتهاد الى جهة فصلى الى غيرها ثم تبين أنه صلى الى الكعبة فصلاته باطلة عندنا خلافا للشافعى وأبى حنيفة رحمهما الله تعالى لتركه الواجب
(2)
. واذا انحرف الى جهة بعد الاحرام من غير عذر ولا سهو فان كانت القبلة فلا شئ عليه فانها الأصل وان كان غيرها بطلت صلاته.
وأما اذا ظن أن تلك طريقة أو غلبته دابته فلا شئ عليه
(3)
. ومن فرائض الصلاة نية الصلاة المعينة.
قال صاحب المقدمات النية الكاملة هى المتعلقة بأربعة أشياء تعيين الصلاة والتقرب بها ووجوبها وآدابها واستشعار الايمان يعتبر ذلك كله فهذه هى النية الكاملة فان سها عن الايمان أو وجوب الصلاة أو كونها أداء أو التقرب بها لم تفسد اذا عينها لاشتمال التعيين على ذلك
(4)
.
قال ابن عرفة رحمه الله تعالى غروب النية وتحويلها بيسير النفل سهوا دون عمل مغتفر.
قال المازرى رحمه الله تعالى: اغتفر غروب النية للمشقة فان خطرت بباله وقصد رفضها وأن يوقع بقية صلاته لهوا فلا يجزئه لقطعه النية، وكذا تبطل فيما اذا سلم ظانا اتمام صلاته ثم أحرم بنافلة وهى فى الصورة اتمام لصلاته وكذلك لو لم يسلم ولكنه ظن أنه أتم فان صلاته تبطل فى الصورتين ان أطال القراءة أو ركع وان لم بطل القراءة ولم يركع لم تبطل صلاته فى الصورتين
(5)
.
وأما ان قام الى نافلة ولم يظن السّلام بل ظن
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 502 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 503 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 508 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 509 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 514، 515 نفس الطبعة.
أنه فى نافلة فان صلاته صحيحة ويجزئه ما صلى بنيته النافلة.
كما صرح بذلك ابن الحاجب رحمه الله تعالى تعالى قال: أجاز أشهب دخول المصلى مع امام جاهلا كونه فى جمعة أو خميس. قال: ابن عزفة رحمه الله تعالى لو نوى منوى امامه جاهلا قصره واتمامه أجزأه.
فقال ابن فرحون رحمه الله تعالى فى شرح ابن الحاجب: وأما العامد فان قصد بنيته رفع الفريضة ورفضها بطلت صلاته وان لم يقصد رفضها لم تكن منافية لأن النفل مطلوب للشارع ومطلق الطلب موجود فى الواجب فتصير نية النفل مؤكدة لا مخصصة
(1)
.
وجاء فى التاج والأكليل ان اللخمى رحمه الله تعالى قال: أجاز أشهب دخول المصلى مع امام جاهلا كونه فى جمعة أو خميس. قال: ابن عرفة رحمه الله تعالى لو نوى منوى امامه جاهلا قصره واتمامه أجزأه.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: اتفاقا فقول المازرى وابن بشير رحمهما الله تعالى فى لزوم نية عدد الركعات قولان خلافه والحجة فى اجازة ذلك أن على بن أبى طالب وأبا موسى الأشعرى رضى الله تعالى عنهما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع محرمين فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بم أحرمتما فكلاهما قال: قلت لبيك اهلالا كاهلال النبى صلى الله عليه وسلم فصور فعلهما وقال مالك رضى الله تعالى عنه من أتى المسجد يوم الخميس فظنه يوم الجمعة فصلى الامام الظهر أربعا فصلاته تجزئه لأن الجمعة ظهر، وان أتى يوم الجمعه فظنه يوم الخميس فوجد الامام فى الصلاة فدخل معه يؤدى الظهر فصلى الامام الجمعة فليعد صلاته.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى وهذا رأى لأن الجمعة لا تكون الا بنية
(2)
.
وجاء فى مواهب الجليل: قال فى النوادر.
قال سحنون رحمه الله تعالى: فان دخل مسافر أو مقيم مع امام لا يدرى أمقيم هو أم مسافر ونوى صلاته أجزأه ما صلى معه فيه، فان خالف فان كان الداخل مقيما أتم بعده وان كان مسافرا أتم معه ويجزئه.
قال أشهب رحمه الله تعالى وكذلك من دخل الجامع مع الامام فى صلاته لا يدرى أهى الجمعة أم ظهر يوم الخميس ونوى صلاة امامه فهذا يجزئه ما صادف وان دخل على أنها احداهما فصادف الأخرى فلا تجزئه عند أشهب فى الوجهين، ويجزئه فى الذى نوى صلاة امامه لأن نيته غير مخالفة وقد قصد ما عليه كمن أعتق نسمة عن واجب عليه لا يدرى فى ظهار أو قتل نفس أنه يجزئه.
وأما اذا لم يدر المصلى هل الامام يصلى فى العصر أو فى الظهر فأحرم على ما أحرم به الامام فانه لا يجزئه لأنه لا بد من مساواة فرض الامام للمأموم ولا بد فى نية الصلاة من تعيينها من ظهر أو عصر. ولو جلس بين السجدتين ولم يرفع يديه فالمشهور أنه يجزئه وعلى القول بوجوبه يرجع له ما لم يعقد ركعة، وهل يرجع فيضع يديه بالأرض ثم يرفعها أو يضعها على فخذيه فقط؟ قولان.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 516 نفس الطبعة.
(2)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 1 ص 516 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل الطبعة السابقة
قال سحنون رحمه الله تعالى: اختلف أصحابنا اذا لم يرفعهما فقال بالأجزاء وقال بعضهم بعدمه
(1)
.
قال الحطاب: وبعدم الأجزاء أدركت من لقيته يفتى، وقد أخبرت أن بعض متأخرى افريقية كان يفتى بالبطلان اذا لم يرفعهما معا وبالصحة اذا رفع واحدة
(2)
.
وقال ابن شعبان رحمه الله تعالى: وان سلم على يساره ثم تكلم بطلت صلاته.
وقال أبو محمد رحمه الله تعالى: وان سلم على يساره ثم تكلم بطلت صلاته.
وقال أبو محمد رحمه الله تعالى لا وجه لفساد صلاته لأنه انما ترك التيامن.
وقال الحطاب: اذا سلم على يساره قاصدا بذلك التحليل ثم تكلم لم تبطل صلاته أما ان قصد به الفضيلة فانها تبطل كما صرح به ابن عرفة رحمه الله تعالى
(3)
.
واذا مرض أمامه انسان فالمذهب أن يدفعه دفعا خفيفا لا يشغله عن الصلاة.
قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: ودرء الماء جهده.
وروى ابن نافع أنه بالمعروف.
وقال أشهب رحمه الله تعالى ان بعد أشار اليه فان مشى أو نازعه لم تبطل.
وقال الشيخ أبو عمر رحمه الله تعالى: ان كثرت بطلت
(4)
. كما أن القنوت مستحب فى صلاة الصبح وهذا هو المشهور.
قال ابن سحنون رحمه الله تعالى هو سنة.
قال يحيى بن عمر هو غير مشروع ومسجده بقرطبة لا يقنت فيه الى حين أخذها أعادها الله للاسلام ولابن زياد ما يدل على وجوبه لأنه قال من تركه فسدت صلاته أو يكون على القول ببطلان صلاة من ترك السنة عمدا.
وقال أشهب رحمه الله تعالى من سجد له فسدت صلاته.
قال الشيخ يوسف بن عمر فى شرح الرسالة اذا نسى القنوت قبل الركوع فأنه يقنت بعد الركوع ولا يرجع مع الركوع اذا تذكره هنالك فاذا رجع فسد صلاته لأنه لا يرجع من الغرض الى المستحب
(5)
.
قال الحطاب رحمه الله تعالى: أما الجهر بالتشهد والقنوت فالمعلوم من المذهب أن الجهر بالذكر لا يبطل الصلاة بل يكون ترك مستحبا خاصة على ما حكى ابن يونس وغيره من رواية ابن وهب رحمهم الله تعالى.
وحكى ابن عبد البر عن بعض المتأخرين عدم صحة الصلاة ولم يرتضه.
وحكى شيخنا الامام رحمه الله تعالى أن بعضهم ذكره عن ابن نافع قال ولا أعرفه الا فى صلاة المسمع خاصة وقياسه على جهر الفريضة ضعيف لأنه وردت فيه سنة.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 517 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 522 نفس الطبعة.
(3)
التاج والاكليل للمواق ومواهب الجليل للحطاب ج 1 ص 532 نفس الطبعة.
(4)
مواهب الجليل للحطاب ج 1 ص 534 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 539 نفس الطبعة.
قال الحطاب: وحكى فى مختصر الواضحة فى بطلان صلاة من جهر فى السرية أو أسر فى الجهرية قولين، وعد فى اللباب من الفضائل أسرار التشهدين.
وقال فى الاستذكار: واخفاء التشهد سنة عند جميعهم واعلانه بدعة وجهل ولا خلاف فيه.
قال فى الطراز: ولو قنت فى غير الصبح لم تبطل الصلاة به
(1)
.
قال فى الجلاب فى القنوت ولا بأس بالدعاء فى الصلاة المكتوبة فى القيام بعد القراءة وفى السجود وبين السجدتين وفى الجلستين بعد التشهدين، ويكره الدعاء فى الركوع ولا بأس بالدعاء فى أركان الصلاة كلها سوى الركوع.
قال فى المسائل الملقوطة: واذا مر ذكر النبى صلى الله عليه وسلم فى قراءة الامام فلا بأس للمأموم فى أن يصلى عليه، وكذلك اذا مر ذكر الجنة والنار فلا بأس فى أن يسأل الله تعالى الجنة ويستعيذ به من النار ويكون ذلك المرة بعد المرة.
وسئل مالك رحمه الله تعالى فيمن سمع الامام يقرأ: قل هو الله أحد الى آخرها فقال المأموم: كذلك الله، هل هذا كلام ينافى الصلاة؟ فقال: هذا ليس كلام أبنا فى الصلاة.
قال فى شرح الجلاب: ولا يجوز الاشتغال بعد سلام الامام بدعاء ولا غيره، هذا والدعاء بعد التشهد الأول مكروه، وصرح فى العتيبة فى سماع أشهب أنه جائز لا كراهة فيه، ولم يحك فى ذلك خلافا.
وقال فى النوادر عن المجموعة،
قال على عن مالك: ليس فى التشهد موضع للدعاء.
وقال عنه ابن نافع رحمه الله تعالى: ولا بأس فى أن يدعو بعده فى الجلسة الأولى والثانية:
فحكى فيه قولين حكاهما الباجى.
وقال فى الكبير: ولم أر من تعرض فيه لتشهير غير أن الشيخ قال: الظاهر الكراهة ولا يكره الدعاء بين السجدتين.
قال الجزولى رحمه الله تعالى: ويستحب الدعاء بين السجدتين ولو قال: يا فلان فعل الله بك كذا لم تبطل صلاته خلافا لابن شعبان رحمه الله تعالى فيما اذا ناداه حيث تبطل عنده
(2)
.
والدعاء بعد التشهد الثانى جائز ولم يحك فيه خلافا وقال فى الكافى وينبغى لكل مسلم أن لا يترك الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم مع تشهده فى آخر صلاته وقبل سلامه فان ذلك مرغب فيه ومندوب اليه وأحرى أن يستجاب له دعاؤه فان لم يفعل لم تفسد صلاته وأما التشهد الأول فلا يزيد فيه دعاء ولا غير فان دعا تفسد صلاته.
وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا جلس فى التشهد الأول خفف حتى كأنه على الرضف
(3)
.
ولو دعا بين السجدتين كأن قال اللهم أفعل بفلان أو فعل الله بفلان فلا يختلف المذهب فى أنه لا تفسد الصلاة.
وفى المدونة قال مالك ولا بأس أن يدعو الله فى الصلاة على الظالم
(4)
.
هذا والالتفات فى الصلاة مكروه لحديث عائشة
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 539 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 544، 545 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 543
(4)
المرجع السابق ج 2 ص
رضى الله تعالى عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات فى الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد رواه البخارى.
ولحديث أبى داود لا يزال الله تعالى مقبلا على العبد وهو فى الصلاة ما لم يلتفت فاذا التفت أعرض عنه.
وأطلق المصنف رحمه الله تعالى: هنا فى كراهة الالتفات وقيد ذلك فى فصل السهو بكونه لغير حاجة وان كان كلامه هناك ليس فيه التصريح بكراهته لكنه لما قرنه مع الأشباه المكروهة دل ذلك على أنه منها فيحمل كلامه المطلق هنا على ما ذكره فى فصل السهو.
قال البراذعى فى تهذيبه ولا يلتفت المصلى فان فعل لم يبطل ذلك صلاته قال صاحب الطراز قوله لا يلتفت مالك فى الكتاب ولا ابن القاسم وانما جرى فى حديث رواه ابن وهب عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال ما التفت عبد فى صلاته قط الا قال الله تعالى أنا خير لك مما التفت اليه والمذهب لا يؤخذ من الحديث لأن الحديث له وجه ومعنى الالتفات على ضربين مباح ومكروه فما كان للحاجة فمباح لحديث أبى بكر رضى الله تعالى عنه حين التفت فى الصلاة فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فتأخر وقال صلى الله عليه وسلم من تابه شئ فى صلاته فليقل سبحان الله فانه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله الا التفت اليه وفى حديث أبى داود عن سهل بن الحنظلية قال ثوب الصلاة يعنى الصبح فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يصلى وهو يلتفت الى الشعب وكان أرسل فارسا الى الشعب من الليل يحرس وأما الالتفات لغير ضرورة فمكروه وذكر ما ذكرناه من الأحاديث فى النهى عنه.
وظاهر كلام صاحب الطراز أن التصفح جائز لغير ضرورة والظاهرة أن ذلك انما هو للضرورة وأما لغير ضرورة فهو من الالتفات الا أن الالتفات يتفاوت فالتصفح بالخد أقرب وأخف من لى العنق ولى العنق أخف من الالتفات بالصدر.
ثم قال فى المدونة قيل لابن القاسم رحمه الله تعالى فان التفت بجميع جسده قال لم أسأل مالكا رحمه الله تعالى عن ذلك وذلك كله سواء واختصر ذلك فى البراذعى فقال ولا يلتفت المصلى فان فعل لم يقطع ذلك صلاته وان كان بجميع جسده زاد فى الأمهات ورجلاه الى القبلة وقوله.
قال أبو الحسن الا أن يستدير القبلة يريد أو يشرق أو يغرب وهو تفسير. واذا وقف مستقبل القبلة ولوى عنقه فقط فجميع جسده مستقبل القبلة فلا وجهه وهو صدره فعل أبى بكر رضى الله تعالى عنه فلما كان جسده مستقبل القبلة كان حق الاستقبال قائما وكذلك اذا التفت بجميع جسده ورجلاه مستقبلتان الى القبلة فحق الاستقبال فى هذه الحالة أيضا قائم لأنه من وسطه الى أسفله مستقبل القبلة وجسده أيضا فى حكم المستقبل وانما هو منحرف يسيرا وانما الاخلال بوجهه فوق الاخلال بصدره أما اذا استقبل برجليه جهة غير جهة القبلة كان تاركا للتوجه منصرفا عن جهة البيت ولو حول وجهه الى جهة القبلة لم ينفعه ذلك كما لو جعل ناحية القبلة خلف عقبيه ثم التفت اليها بوجهه وراء ظهره.
وقال فى العارضة فى حديث البرزاق فى الصلاة قوله فى الحديث اذا كنت فى الصلاة فلا تبزق عن يمينك ولكن خلفك أو تلقاء شمالك وتحت قدماك اليسرى فيه دليل على أن الرأس اذا كان فى الصلاة مخالفا للقبلة تيامنا أو تياسرا أو ادبارا لا تبطل الصلاة الا أن يتبعه البدن فى الأدبار فتبطل الصلاة حينئذ الا أن يصلى معاينا
للبيت فانه ان تياسر خرج عنه وبطلت الصلاة.
ويريد من ذلك جميع البدن حتى الرجلين ولو التفت بجميع بدنه وانما خص المعاين للبيت ببطلان صلاته مع التياسر والتيامن لأن ذلك لا يبطلها فى غير المعاينة وانما يبطل بالتشريق والتقريب والاستدبار كما تقدم
(1)
فى كلام أبى الحسن الصغير رحمه الله تعالى.
ثم قال فى العارضة فى باب الالتفات فى الصلاة:
قد بينا أن ذلك لا يبطل الصلاة ولو رد رأسه كله خلفه ما لم يكن من بدنه ذلك، يعنى ما لم يستدبر بجميع بدنه.
وقال ابن رشد رحمه الله تعالى: الذى ذهب اليه مالك رحمه الله تعالى أن يكون بصر المصلى أمام قبلته من غير أن يلتفت الى شئ أو ينكس رأسه، وهو اذا فعل ذلك خشع ببصره ووقع فى موضع سجوده على ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم، وليس يضيق عليه أن يلحظ بصره الشئ من غير التفات اليه.
فقد جاء ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم.
قال فى اللباب: من المكروهات أن يرفع المصلى بصره الى السماء
(2)
. ويكره تشبيك أصابع وفرقعتها ويكره الاقعاء فى كل جلوس، فى التشهد والجلوس بين السجدتين ولمن صلى جالسا كما صرح به فى الجواهر.
وقال عياض رحمه الله تعالى: من مكروهات الصلاة الاختصار - وهو وضع اليد على الخاصرة فى القيام - وهو من فعل اليهود، وكذا يكره له تغميض بصره ما لم يكن فتح عينيه يشوشه، وأما لو شوشه فلا يكره.
قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى:
وترويح
(3)
رجليه مغتفر من قال فى التوضيح:
ترويح الرجلين أن يرفع واحدة ويعتمد على الأخرى.
قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى: وهذا ان كان لطول قيام وشبهه والا فمكروه.
وظاهر المدونة جواز الترويح مطلقا، وكلامه هذا يقتضى الكراهة مطلقا فهو مخالف لما فى المدونة ولابن عبد السّلام رحمه الله تعالى الا أن يحمل كلامه هنا على ما اذا لم يكن ذلك فى صلاتهم
(4)
.
قال عياض رحمه الله تعالى: ومن مكروهات الصلاة تحدث النفس بأمور الدنيا.
قال فى اللباب: وما كان مشغلا بحيث لا يدرى ما صلى فظاهر المذهب أنه يعيد أبدا.
وصرح فى سماع موسى بن معاوية رحمه الله تعالى من كتاب الصلاة بأنه يكره أن يصلى وفى فمه درهم وخفف أن يصلى ويجعل الدرهم فى أذنه، وقال لا بأس فى ذلك.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى لأن ذلك مما لا يشغله وأما كراهيته لكونه فى فمه فلما فى ذلك من الاشتغال به عند قراءته عما يلزمه من الاقبال على صلاته.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: فى سماع عيسى من كتاب الجامع: وتحسين بناء المساجد وتحصينها مما يستحب وانما الذى يكره هو تزويقها بالذهب وشبه والكتابة فى قبلتها.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 548، 549 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 549 نفس الطبعة.
(3)
ترويح الرجلين أن يعتمد على واحدة ويقدم الأخرى غير معتمد عليها أو يرفعها ويضعها على ساقه (مواهب الجليل للحطاب) ج 1 ص 549 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 550 الطبعة السابقة.
قال ابن رشد، كان مالك رحمه الله تعالى يكره أن يكتب فى القبلة فى المسجد شئ من القرآن أو التزاويق ويقول ان ذلك يشغل المصلى، والعلة فى ذلك ما يخشى على المصلين أن يلهيهم ذلك فى صلاتهم
(1)
.
وجاء فى التاج والاكليل نقلا عن المدونة ان مالكا رحمه الله تعالى قال اذا جعل المصحف فى القبلة ليصلى له فلا خير فيه وان كان ذلك موضعه فلا بأس وأكره أن يصلى الى حجر منفرد فى الطريق، وأما اذا كانت أحجارا كثيرة فجائز.
ومن مكروهات الصلاة أن يعبث بلحيته أو غيرها.
وسمع ابن القاسم رحمه الله تعالى أنه لا بأس فى أن يحول المصلى خاتمه فى أصابعه للركوع فى سهوه.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى هذا نحو ماله فى الذى يحصى الآى بيده فى صلاته فانه أجاز ذلك وان كان الشغل اليسير فى الصلاة مكروها لأنه انما قصد بذلك اصلاح صلاته
(2)
.
قال ابن عرفه رحمه الله تعالى: ومن عجز عن القيام فى الصلاة استند الا الى حائض أو جنب.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى: فان استند الى حائض أو جنب أعاد فى الوقت، قال الشيخ رحمه الله تعالى: اذا كانت ثيابهم طاهرة فلا شئ عليه
(3)
.
قال اللخمى رحمه الله تعالى: ولا يتكئ المصلى على حائط فان فعل وكان الاتكاء خفيفا لم تفسد صلاته وان كان كثيرا بحيث لو زال الحائط لسقط المصلى لكان كمن ترك القيام فان كان عامدا غير جاهل أبطل صلاته ان كان فى فرض وان كان سهوا بطلت الركعة التى فعل فيها ذلك فوجب أن يعيدها نقله ابن عرفة وابن فرحون فى شرحه.
وذكر صاحب الطراز أن الظاهر عنده أنه يجزئه وأساء وظاهره فى العمد.
قال الحطاب: والكلام فى الاتكاء واضح اذا كان فى قيام الفاتحة وأما اذا كان فى قيام السورة فالجارى على أصل المذهب أنه لا شئ عليه لأن القيام للسورة سنة فمن تركه لا شئ عليه
(4)
.
ومن افتتح الصلاة من عذر جالسا ثم صح أتم قائما لأنه لما زال عنه العذر وجب أن يأتى بالأصل - وهذا هو المذهب.
وخرج قول بأنه يبتدئ ولا قائل بأنه يتمها على ما كان عليه فان فعل لم تصح صلاته، وهذا لا شك فيه.
وجاء فى سماع عيسى أنه سئل عن الرجل بعرض له المرض فيصلى قاعدا ثم يذهب ذلك عنه وهو فى الوقت هل يعيد الصلاة قال لا يعيد الصلاة
(5)
.
والسجود للسهو يكون اذا ترك سنة مؤكدة سهوا وأما اذا ترك فريضة أو مستحبا أو سنة غير مؤكدة أو ترك سنة مؤكدة عمدا فلا سجود فى شئ من ذلك.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 551 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 1 ص 552 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 3 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 4 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 5 نفس الطبعة.
أما الفرائض فلا بد من الاتيان بها وأما السنن غير المؤكدة والمستحبات فان سجد لها بطلت الصلاة وأما السنن المؤكدة اذا تركها عمدا فلا سجود أيضا. واختلف هل تبطل الصلاة بتركها أم لا. وان تركها سهوا سجد لها
(1)
.
ومن سها فى صلاته ثم نسى سجدة فلا يدرى أقبل السّلام أو بعده فليسجد قبله.
قال ابن رشد تغليبا لحكم النقصان على حكم الزيادة. وان تيقن أنه سها ولم يدر زاد أم نقص فليسجد قبل السّلام ولو شك فى سجدتى السهو أو أحداهما سجد ولا سجود عليه فى كل سهو سها فيهما والتفرقة بين السهو بالزيادة والسهو بالنقصان دليله فى الزيادة.
خبر ذى اليدين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلم من اثنتين فى احدى صلاتى العشى ثم قام الى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان وخرج سرعان الناس يقولون قصرت الصلاة وفى القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفى القوم رجل فى يديه طول يقال له ذو اليدين فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت قال لم أنس ولم تقصر فقال أحق ما يقول ذو اليدين فقالوا نعم فتقدم فصلى ما ترك ثم سجد سجدتين بعد السّلام.
وحديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا وسجد بعد السّلام ودليل النقصان.
حديث ابن بحينة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من اثنتين ولم يجلس فلما قضى صلاته سجد سجدتين قبل السّلام
(2)
.
سئل أبو محمد عن المستنكح يشك أبدا فى الصلاة فيزيد ركعة الغاء للشك هل زيادته توجب سجودا أو بطلانا أو لا توجب شيئا لاستنكاحه فأجاب اذا كان جاهلا بتأول الزيادة جبرا للنقص فصلاته صحيحة قلت فلو كان عالما قال ليس هذا بعالم بل مقصر فى العلم وحكمه ما ذكرت لك والاستنكاح تخفيف فلا ينته لزيادة تؤدى الى فساد الصلاة ويسجد هذا بعد السّلام قلت وهل لا قبل السّلام لأنه شك فى النقص فقال لم ينقص لكنه ظن النقص. قلت ان كان هذا مما تعرض له الشكوك عموما فهو كما قال الشيخ وان كان يعرض له الشك فى نقص الركعات ويتكرر منه فالصواب أن الآتى بذلك لا يقال زاد عمدا لأنه الواجب عليه لولا كثرة الشكوك
(3)
.
واختلف الشيوخ فيمن أدرك من صلاة الامام السجود البعدى فأحرم وجلس معه حتى سلم ثم قام للعشاء هل تصح صلاته أم لا قيل لا تصح لقولهم هنا ليسنا من الصلاة فقد أدخل الصلاة ما ليس منها وقيل يصح لقوله قبلها ولو قدمه صحت ولو كان من غيرها بطلت
(4)
.
قال الحطاب رحمه الله تعالى ونحو هذا الخلاف ما فى سماع عيسى أنه لو لم يدرك المسبوق شيئا وتبعه فى البعدى جهلا ثم قام للقضاء اقتدى به آخر فقيل تصح صلاة المقتدى وقيل لا تصح.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 16، 17 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 16، 17 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 16، 17 نفس الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 21 نفس الطبعة.
قال الحطاب والجارى على أهل المذهب الصحة لأنه منفرد فى أحكام كالاعادة فى الجماعة اتفاقا.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى فى نوازله:
السّلام من سجود السهو الذى بعد السّلام واجب عند مالك رحمه الله تعالى الا أنه لا يرى على من تركه اعادة السجود مراعاة لقول من يقول لا يجب السّلام من الصلاة فهو على مذهب واجب فى السجود وليس بشرط فى صحته لأن من واجبات الصلاة ما هو شرط فى صحتها ومنها ما ليس بشرط فى صحتها
(1)
.
ومن شك فى صلاته فلم يدرسها فيها أم لا فلا شئ عليه وكذا من شك هل سلم أو لم يسلم.
قال الحطاب: يعنى وتذكر بالقرب ولم ينحرف عن القبلة وأما ان طال جدا بطلت صلاته، وان ذكره بعد طول متوسط سجد.
كما صرح بذلك ابن ناجى رحمه الله تعالى
(2)
.
ولو خرج من سورة الى غيرها سهوا فلا شئ عليه لأنه لم يأت بشئ خارج عن جنس الصلاة.
قال التلمسانى رحمه الله تعالى فى شرح الجلاب فان فعل ذلك عمدا كره له لأن فيه قراءة القرآن على غير نظم المصحف وفيه تخليط على السامع واذا كره للانسان أن يخرج من رواية الى رواية فأولى وأحرى أن يكره له أن يخرج من سورة الى سورة
(3)
.
وجاء فى التاج والاكليل نقلا عن المدونة أن مالكا رحمه الله تعالى قال: من تقيأ عامدا ابتدأ الصلاة ولا يبنى الا فى الرعاف.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى المشهور أن من ذرعه قئ أو قلس فلم يرده فلا شئ عليه فى صلاته ولا صيامه وان رده متعمدا وهو قادر على طرحه فلا ينبغى أن يختلف فى فساد صلاته وأن رده ناسيا أو مغلوبا فقولان عن ابن القاسم.
قال ابن يونس: ان ابتلع القلس بعد ما أمكنه طرحه فظهر على لسانه فان كان سهوا بنى وسجد بعد سلامه
(4)
. واذا لم تبطل الصلاة بترك السّلام من سجدتى السهو فلا تبطل بترك الاحرام لهما من باب أحرى لأن من رجع لاصلاح صلاته يرجع بتكبير هذا
(5)
.
وقال الآبى فى باب النهى عن البصاق فى القبلة فى قوله فى حديث البصاق فأن لم يجد فليفعل هكذا وتفل فى ثوبه فيه دليل على جواز البصاق فى الصلاة لمن احتاج اليه والنفخ اليسير اذا لم يصنعه عبثا اذ لا يسلم منه البصاق وكذلك يجب أن يكون التنحنح والتنخم لمن احتاج اليهما.
وهو أحد قولى مالك رحمه الله تعالى أن ذلك لا يفسد الصلاة وبه قال الشافعى رحمه الله تعالى ولمالك رحمه الله تعالى قول أنه تفسد به.
وفى المدونة النفخ كالكلام وروى على ليس كمثله.
ونقل عن الشيخ ابن قداح ان النفخ الذى
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 21 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 22، 23 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 23 نفس الطبعة.
(4)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 2 ص 23 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 29 الطبعة السابقة.
كالكلام ما نطق فيه بالفاء ثم قال والقولان انما هما فى تنحنح غير المضطر.
وقال الجزولى ومن تنخم فى صلاته عامدا أعادها لأنه كلام وان كان ذلك لضرورة بلغم سقط من دماغه فلا شئ عليه.
قال البرزلى فى مسائل ابن قداح فى رجل بصق وهو فى الصلاة فان أرسلها بصوت عامدا أو جاهلا بطلت صلاته وان كان ساهيا فان كان اماما أو فذا سجد بعد السّلام وان كان مأموما فالامام يحمل ذلك عنه.
وسئل اللخمى عن التنحنح فى الصلاة فأجاب كل ما حضر من البلغم فى الحلق فابتلعه المكلف فلا يفسد صوما ولا صلاة ولو قدر على طرحه ان لم يصل للهوات ولو خرج بلغمه فابتلعه ففيه اختلف هل يعيد صومه وصلاته كالطعام أو لا اذ ليس بمنزلة الطعام والمراد باللهوات خروجه من الفم الى الحلق وهذا لا يحتاج الى التنحنح وان فعل لأمر عرض له يحتاج اليه فلا شئ عليه فى صلاته وأن تنحنح غير محتاج اليه فقيل تبطل صلاته وقيل لا شئ عليه وبه آخذ اذ ليس هذا كلاما منهيا عنه وكذلك التأوح والتأوه والأنين والبكاء بالصوت.
والمختار عدم الابطال بالتنحنح لغير ضرورة
(1)
.
وسمع ابن القاسم رحمه الله تعالى: التنحنح للافهام منكر لا خير فيه.
قال ابن رشد كتنحنح الجاهل للامام اذا أخطأ فى قراءته.
قال ابن يونس روى عن مالك رحمه الله تعالى أنه كالكلام وروى أنه لا شئ فيه قال الأجهورى لأنه كلام وليس حروف هجاء.
قال اللخمى: واختلف فيمن تنحنح مختارا أو نفخ أو جاوب انسانا بالتنحنح أو بآية من القرآن أو فتح على من ليس معه فى صلاة فقال مالك فى النفخ أراه بمنزلة الكلام وقال فى المجموعة أكرهه ولا يقطع الصلاة.
وقال فى مختصر ما ليس فى المختصر: ذلك كلام لقول الله عز وجل «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما}
(2)
».
واخذ الأبهرى بالقول الأول قال لأنه ليس له حروف هجاء والقول ان الصلاة صحيحة اذا تنحنح أو نفخ أحسن وليس هذا من الكلام المراد بالنهى، وفى الرسالة النفخ فى الصلاة كالكلام والعامد لذلك مفسد لصلاته
(3)
.
وقال البرزلى: من كرر أم القرآن سهوا سجد بعد السّلام بخلاف تكرير السورة، ومن كررها عمدا فظاهر كلامه فى المقدمات أن بطلان صلاته خلافا لأنه قال اذا كانت الزيادة عمدا وهى من جنس أفعال الصلاة فقيل أنها تبطل الصلاة وقيل يستغفر الله ولا سجود عليه لأنه لم يسه
(4)
.
قال ابن يونس رحمه الله تعالى واذا رأى وهو يصلى فرجة أمامه أو عن يمينه أو عن يساره حيث يجد السبيل الى سدها فليتقدم اليها ليسدها ولا بأس فى أن يزق اليها صفوفا رفقا، لأن الشأن فى الصلاة سد الفرج.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 28، 29 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 23 من سورة الاسراء.
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 2 ص 20 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 26 الطبعة السابقة.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سد فرجة فى الصف رفعه الله بها فى الجنة درجة وبنى له فى الجنة بيتا.
وسمع ابن القاسم: أرى أن يشير المصلى الى من بجنبه بالتسوية اذا خرج عن الصف اذا كان شيئا يسيرا وأما الصف يتعوج فلا يشتغل به.
قال ابن رشد لأن الاقبال على صلاته مما يخصه بخلاف تقويم الصف.
وروى عن المدونة أنه ان أفلتت دابته وهو يصلى مشى اليها فيما قرب ان كانت عن يمينه أو يساره أو بين يديه وقطع صلاته ان بعدت وطلبها.
قال ابن يونس لأنه يشتغل سره فيها فلا يدرى ما يصلى، وكره له الانحراف أو القطع من الشاة تأكل عجينا أو ثوبا.
قال ابن حبيب رحمه الله تعالى: وان كان فساد كثيرا قطع
(1)
.
وأما الكلام فى الصلاة لاصلاحها بعد السّلام فهو جائز كما يجوز له الكلام فى مسئلة الاستخلاف قبل سلامه وأما المأموم فانه يكلم الامام اذا خالف ولو لم يسلم وقد نص اللخمى على أن الامام اذا قام الى ركعة زائدة وسبح به فلم يفقه فانه يكلمه أحد المأمومين.
ونقل ابن عرفة عن ابن حبيب رحمهما الله تعالى أن المأموم اذا رأى فى ثوب امامه نجاسة يدنو منه ويخبره كلاما.
وأما لو سلم غير معتقد للتمام فسدت صلاته وظاهر كلام المصنف أنه يجوز الكلام والسؤال بعد سلامه على يقين سواء حدث له شك بعد السّلام أم لم يحدث له وهذا هو الذى اقتصر عليه صاحب البيان فى رسم أن أمكن من سماع عيسى وهو ظاهر كلام ابن الحاجب وهو خلاف ما نقل فى التوضيح عن اللخمى والمشاور من أنهما قالا المشهور المعروف انه اذا شك بعد سلامه فلا يسأل بل يبنى على يقينه.
قال ابن الحاجب واذا تيقن الامام اتمام صلاته وشك المأمومون فى ذلك أو تيقنوا خلافه بنى كل واحد منهم على يقين نفسه ولا يرجع الى يقين غيره وقد قيل اذا كثر الجمع رجع الامام الى ما عليه المأمومون
(2)
.
وروى ابن القاسم أن المصلى اذا أرادته حية وهو يصلى قتلها.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: وتمادى ما لم يطل ولو فى المقدمات: أن أرادته العقرب ونسى أنه فى الصلاة وقتلها فلا سجود عليه وأما ان لم ترده ونسى أيضا أنه فى الصلاة وقتلها فقيل يسجد للسهو وقيل بطلت صلاته.
قال ابن عرفه: قال ابن رشد: ان وجب فعله لقتل حية أرادته لم يسجد له وان كره كقتلها ولم تؤذه فى سجوده ففيه قولان وفى العارضة أنها ان كانت دانية منه وتمكن منها بعمل يسير فقتلها وان خاف منها وكانت بعيدة وعمل كثير قتلها واستأنف الصلاة.
وقول خليل: وقتل عقرب تريده يشمل الحية بل الحية أحرى فان لم تريده كان مكروها
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 27 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 30 نفس الطبعة.
ونقله فى التوضيح عن المقدمات وتقدم فى الشامل ويتمادى فى صلاته فى الصورتين الا أن يكون شغل كثير وأما ما سوى الحية والعقرب من طير أو صيد أو فأرة أو حداة أو نحلة أو بعوضة فلا خلاف أن قتل شئ منها فى الصلاة مكروه ولا ينبغى فان فعل لم تبطل الصلاة الا بما فيه شغل كثير.
وقال فى الرواية ان أخذ القوس ورمى به الصيد أو تناول الحجر من الأرض فرمى به الطير لم تفسد صلاته اذا لم يطل ذلك يريد اذا كان جالسا والحجر والقوس الى جانبه فتناولهما ورمى بهما وأما لو كان قائما فتناول الحجر والقوس من الأرض ورمى به لكان مبطلا.
قال الحطاب رحمه الله تعالى ومثله من كان بيده منكاب فقلبه فى الصلاة فان كان فى جلوسه والمنكاب قريب لم تبطل صلاته وكره له ذلك وان كان قائما فطأطأ وتناوله وقلبه فالظاهر بطلان صلاته وأشارة لنحو سلام أو حاجة فى الصلاة فيها خلاف بين العلماء.
قال ابن الماجشون تكره الاشارة لحاجة لا لرد سلام ولا فرق فى الاشارة بين الجواب وبين الابتداء.
قال ابن وهب ولا بأس أن يشير الرجل بلا ونعم فى الصلاة.
قال القاضى هذا مثل ما فى المدونة والأصل فى ذلك ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الى قباء فسمعت الأنصار به فجاءوها يسلمون عليه وهو يصلى فرد عليهم اشارة بيده.
فكان مالك لا يرى بأسا أن يرد الرجل الى الرجل جوابا بالاشارة فى الصلاة وأن يرد اشارة على من سلم عليه ولم يكره شيئا من ذلك.
وقد روى عنه زياد أنه كره أن يسلم على المصلى وأن يرد المصلى على من سلم عليه اشارة برأس أو بيد أو بشئ.
والحجة لهذه الرواية أن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه سلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فلم يرد عليه والأظهر من القولين عند تعارض الأثرين وجوب رد السّلام اشارة لقول الله عز وجل «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها}
(1)
».
وأما اشارة الرجل الى الرجل فى الصلاة ببعض حوائجه فالأولى والأحسن أن يقبل على صلاته ولا يشتغل بذلك الا أن يكون ترك ذلك سببا لتمادى اشتغال باله فى صلاته فيكون فعله كذلك أولى.
قال ابن العربى نزلت نازلة ببغداد فى أبكم أشار فى صلاته فقال بعض شيوخنا بطلت لأن اشارة الأبكم ككلامه.
وقال بعضهم لا تبطل لأن الاشارة فى الصلاة جائزة لورد السّلام بالصريح سواء كان جاهلا أو عامدا فالصواب تبطل صلاته
(2)
.
واذا قال العاطس فى الصلاة الحمد لله فقال له مصل آخر رحمك الله فلا شئ عليهما لأنه ذكر وفى المدونة لا يحمد الله فان فعل ففى نفسه.
وحكى ابن العربى فى ذلك خلافا.
وقال القرطبى فى شرح مسلم وأما تشميت
(1)
الآية رقم 86 من سورة النساء.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 31، 32 نفس الطبعة.
العاطس فهو كلام مع مخاطب يفسد الصلاة وأما تحميده هو فى نفسه.
فروى عن ابن عمر والشعبى رحمهم الله تعالى أنه يحمد الله ويجهر ومذهب مالك رحمه الله تعالى يحمد ولكن سرا فى نفسه.
قال سند فى الاحتجاج على أن النفخ فى الصلاة يبطلها وقد اتفق الناس فى البكاء للمصيبة وللوجع اذا كان بصوت أنه يقطع الصلاة ثم قال أما حركة الشفتين فلا تبطل ولهذا لو حرك الانسان شدقيه وشفتيه من غير كلام لا شئ عليه ولو شهق ونعق من غير حركة شفتيه ولسانه بطلت صلاته
(1)
. ثم قال: وقد أجمعت الأمة على أن النفخ لا ينبغى أن يفعل، وانما اختلف الناس هل هو محرم أو مكروه.
وقال فى الاحتجاج على عدم البطلان به: انه أشبه شئ من التنفس والتأفيف عند البصاق والنفخ من الأنف عند الامتخاط فيعتبر به.
قال الأقفهسى فى شرح الرسالة: والضحك على وجهين بغير صوت وهو التبسم، وبصوت وهو المراد بقول الرسالة ومن ضحك فى الصلاة أعادها ولم يعد الوضوء.
وقال فى النوادر: قال أصبغ لا شئ عليه فى التبسم الا الفاحش منه شبيه بالضحك فأحب الى أن يعيد فى عمده ويسجد فى سهوه، ولا شئ على المصلى فى تعمد بلع ما بين أسنانه.
قال ابن ناجى رحمه الله تعالى: وظاهر كلام المدونة أنه لو رفع الحبة من الأرض وابتلعها فانه يقطع والصواب أنه لا شئ عليه ليسارة ذلك.
قال ابن حبيب وما جاز للرجل أن يتكلم به فى صلاته من معنى الذكر والقراءة فرفع بذلك صوته لينبه رجلا وليستوقفه فذلك جائز وقد استأذن رجل على ابن مسعود رضى الله تعالى عنه وهو يصلى فقال «اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ}
(2)
» ولم يذكر ابن يونس غير هذا المذهب.
وقال المازرى رحمه الله تعالى: تردد بعض أصحابنا فى هذا ثم قال: لو أفرده على وجه التلاوة وقصد به التنبيه لم يبعد أن يقال بصحة صلاته.
وسمع موسى رحمه الله تعالى: لا بأس للمصلى أن يقول سبحان الله ينوى بذلك أخبار من يستأذن عليه أنه يصلى.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى أجاز التسبيح هنا وان كان فيما لا يتعلق باصلاح الصلاة لحديث من نابه شئ فى صلاته فليسبح لأنه كلام قائم مستقل بنفسه فيحمل على عمومه فيما يتعلق باصلاح الصلاة وما لا يتعلق باصلاحها. وان كان الكلام خرج بذلك السبب واختلف فيما عدا التسبيح من ذكر الله وقراءة القرآن اذا رفع بذلك صوته لانتباه رجل فلم ير ذلك أشهب كالكلام ورآه ابن القاسم كالكلام وأفسد به الصلاة.
قال المازرى: واختلف شيوخنا رحمهم الله تعالى فى الصلاة بالسمع فقال بعضهم لا تصح الصلاة به لأن المقتدى به يقتدى بغير امام ثم قال وحديث أبى بكر رضى الله تعالى عنه حجة لمن أجاز.
وسمع ابن وهب رحمه الله تعالى: لو جهر المأموم بربنا ولك الحمد وبالتكبير جهرا يسمع من يليه فلا بأس به وتركه أحب الى.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 33 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 99 من سورة يوسف.
وقال ابن يونس رحمه الله تعالى: يريد الا أن يأذن له فى اسماع من يبعد فذلك حسن وله أجر التنبيه.
وفى آخر كتاب البخارى من الجنائز ما يؤيد هذا، وفى الموطأ الذى رفع صوته بربنا ولك الحمد حمدا كثيرا الى آخره.
قال أبو عمر فيه دليل على أنه لا بأس برفع الصوت وراء الامام بربنا ولك الحمد لمن أراد الاعلام والاسماع للجماعة الكثيرة بقوله ذلك لأن الذكر كله من التهليل والتكبير والتحميد جائز فى الصلاة بل هو محمود وممدوح فاعله بدليل الحديث المسند الى ابن أبى أوفى قال جاء رجل ونحن فى الصف خلف النبى صلى الله عليه وسلم فقال الله أكبر كبيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا قال فرفع الناس رءوسهم واستنكروا الرجل فقالوا من هذا الذى يرفع صوته فوق صوت النبى صلى الله عليه وسلم فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من هذا العالى الصوت فقيل هو هذا يا رسول الله فقال لقد رأيت كلاما يصعد الى السماء حتى فتح له فدخل.
قال أبو عمر ففى مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل وتعريفه الناس بفضل كلامه وفضل ما صنع من رفع صوته بذلك الذكر أوضح الدلائل على جواز ذلك الفعل من كل من فعله على أى وجه جاء لأنه ذكر لله وتعظيم له يصلح مثله فى الصلاة سرا أو جهرا ألا ترى أنه لو تكلم فى صلاته بكل كلام يفهم عنه غير القرآن - والذكر سرا ما جاز كما لا يجوز جهرا.
وهذا واضح.
وروى عن المدونة لا يفتح أحد على من ليس معه فى الصلاة ولا يفتح مصل على مصل آخر.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى: فان فعل أعاد صلاته أبدا وهو كالكلام خلافا لأشهب وابن حبيب رحمهما الله تعالى
(1)
وتبطل الصلاة بالقهقهة.
وذكر مالك رضى الله تعالى عنه فى المدونة أن قهقهة المصلى قطع وابتدأ الصلاة وان كان مأموما تمادى مع الامام فاذا فرغ الامام أعاد الصلاة.
قال سحنون رحمه الله تعالى واذا ضحك الامام ناسيا فان كان شيئا خفيفا سجد لسهوه وان كان عامدا أو جاهلا أفسد عليه وعليهم.
وروى ابن حبيب رضى الله تعالى عنه أن من قهقه عامدا أو ناسيا أو مغلوبا فسدت عليه صلاته فان كان وحده قطع وان كان مأموما تمادى وأعاد وان كان اماما استخلف فى السهو والغلبة
(2)
. ويبتدئ فى العمد.
قال ابن يونس رحمه الله تعالى: القياس ما قاله سحنون لأنه كالكلام لأنهم جعلوا النفخ كالكلام فهذا أشبه منه.
وقول ابن حبيب أحوط. وسمع عيسى بن القاسم: ان كان اماما استخلف فى الغلبة وأتم هو صلاته معهم ثم يعيد اذا فرغوا.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: قوله معهم صحيح على قول مالك رحمه الله تعالى فى المدونة أن المأموم يتمادى ولا يقطع فاذا لم يقطع المأموم من أجل فضل الجماعة التى قد دخل فيها فالامام بمنزلته. وقوله (ثم يعيد) هو على
(1)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 2 ص 33، 34 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 35 نفس الطبعة.
أصله فى المدونة فى المأموم وأما هم فالأظهر أنه لا اعادة عليهم وسواء تعمد النظر والاستماع فى صلاته الى من يضحك فيغلبه الضحك فيها أم لا، وكذلك الناسى كالمغلوب يقدم ان كان اماما ويتمادى مع الامام ان كان مأموما.
قاله ابن حبيب رحمه الله تعالى ورواه عن مالك وهو الآتى على قول ابن القاسم وروايته عن مالك خلافا لسحنون وابن المواز أن الضحك ناسيا بمنزلة الكلام ناسيا وأما الذى يضحك مختارا للضحك ولو شاء أن يمسك عنه أمسك فلا خلاف فى أنه أبطل على نفسه صلاته وصلاة من خلفه ان كان اماما ولا يتمادى عليها فذا كان أو اماما أو مأموما، والضحك فى الصلاة أشد من الكلام لما فيه من اللهو وقلة الوقار ومخالفة الخشوع واذا ذكر الامام بعد فراغه أنه لم يقرأ فليعد الصلاة هو ومن خلفه بخلاف من ذكر أنه كان جنبا.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: اذا نسى المأموم تكبيرة الاحرام وكبر للركوع ولم ينو بها تكبيرة الاحرام تمادى مع الامام وأعاد وان نسيها الفذ والامام فلا بد لهما من استئناف الصلاة فان نووا بتكبيرة الركوع الاحرام أجزأت المأموم ولم تجزئ الفذ والامام وعليهما استئناف الصلاة. وان ذكر اليسير فى صلاة قطع اذا كان فذا وشفع أن ركع لا مؤتم. ويفسد الصلاة طرو الحدث على أى وجه كان من سهو وعمد وغلبة.
قال أشهب رحمه الله تعالى: ومن سجد لترك قنوت أو تسبيح قيل فسدت صلاته.
وقال ابن عرفة رحمه الله تعالى هو دليل المدونة.
قال ابن رشد: من سجد لترك القنوت لم تبطل صلاته بخلاف من سجد لترك التسبيح.
قال فى المدونة ولا يسجد لترك تكبيرة.
وفى التفريع: يسجد، قاله ابن القاسم وابن عبد السّلام رحمهما الله تعالى.
قال ابن بشير رحمه الله تعالى: قال الأشياخ فى المصلى وهو يدافع الحدث: ان منعه الحدث من اتمام الفرض أعاد أبدا وان منعه من اتمام السنن أعاد فى الوقت ولا يعيد بعده، وان منعه من اتمام الفضائل فلا اعادة عليه.
وفى المدونة: ما خف من حقن أو قرقرة صلى به.
قال الباجى رحمه الله تعالى: وان ضم بين وركيه قطع قاله بعض الأصحاب.
قال ابن بشير رحمه الله تعالى: وان زاد المصلى فى الرباعية مثلها فالمشهور المعروف من المذهب بطلان الصلاة.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: أن شك فى الزيادة الكثيرة فى أفعال الصلاة أجزأه فى ذلك سجود السهو باتفاق، بخلاف الذى يوقن بالزيادة.
قال الجزولى رحمه الله تعالى: من قال فى الرباعية تبطل اذا زاد مثلها فيها يختلف فى الثنائية.
وقد قال فى المدونة فى الوتر اذا شفعه سجد وهو قد زاد مثله، واختلف فى الثلاثية، فقيل كالرباعية وقيل كالثنائية
(1)
.
قال فى الذخيرة قال صاحب الطراز: ويبطل الصلاة زيادة نحو ركعة وسجدة عمدا، فان
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 35 نفس الطبعة.
كان سهوا جبره بالسجود فان كانت الزيادة فى تطويل فى القراءة أو الركوع أو السجود لم تبطل
(1)
.
هذا وذكر بعض الفقهاء أن النفخ فى الصلاة كالكلام.
قال ابن الماجشون رحمه الله تعالى فى الواضحة أن النفخ والتنحنح والجشاء كالكلام. وذلك بخلاف بعض العلماء الذين ذكروا أن النفخ لا يبطل الصلاة واحتجوا بحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صلاة الخسوف نفخ فى آخر سجوده. فقال أف أف أخرجه أبو داود ولأن النفخ الذى لا حرف له أشبه شئ بالتنفس والتأليف عند البصاق والنفخ من الأنف فى الامتخاط فلا يعتبر به وما له حرف مثل أف فالهمزة لا عبرة بها لأنها من الزوائد والحرف الواحد لا يكون كلاما ومن قال تبطل تعلق بأن قول مالك رضى الله تعالى عنه أف كلام وأنه ان لم يكن النفخ كلاما حقيقة فهو من بابه وأشباهه وقد اتفق الناس فى البكاء للمصيبة وللوجع اذا كان بصوت أنه يبطل الصلاة وكذلك الضحك وليسا بكلام حقيقة ولكنهما شبيهان بالكلام لأن ذلك صوت خرج من مخارج الكلام وكذلك الأنين يقطع الصلاة لهذا المعنى فكذلك النفخ المسموع
(2)
.
ومن تكلم ساهيا سجد فان كان عامدا بطلت صلاته.
قال ابن شاس رحمه الله تعالى: وكذا من أكره على الكلام فتكلم كرها فان صلاته تبطل.
قال المازرى رحمه الله تعالى: واذا تكلم عمدا لاستنقاذ أعمى مسلم كتحذير أعمى من الوقوع فى مهلكة فانه عندنا يبطل الصلاة وان كان الكلام واجبا.
وقال اللخمى رحمه الله تعالى: وان كان هذا المصلى فى خناق من الوقت لم يبطل كلامه الصلاة قياسا على المسايف فى الحرب لعلة اشتراكهما فى احياء النفس، ولو خاف المصلى على تلف مال كثير له أو لغيره أبطل الكلام صلاته أيضا، وان كان يسيرا لم يتكلم وان فعل أبطل على نفسه
(3)
.
وقال المازرى رحمه الله تعالى: وكلام المتعمد المضطر للكلام لاصلاح الصلاة كما لو تكلم المأموم ليشعر امامه بسهو فى صلاته دخل عليه فالمشهور أنه لا يبطل الصلاة، وقد قيده خليل رحمه الله تعالى بغير الكثير وقال لشارحه انه اعتمد على كلام الجواهر، وكلام الجواهر ليس فيه أن كثرة الكلام لاصلاح الصلاة مبطل، بل قال ما نصه: الأول من الفروع أنه يبنى ان كان قريبا فان طال الأمر وكثر الفعل ووقع اللفظ بينهم والمراء وترددت المراجعة بينهم بعضهم مع بعض بطلت الصلاة واستأنفها، وقيل لا تبطل بل يبنى وان طال.
وقال ابن ناجى رحمه الله تعالى فى شرح المدونة: اذا قلنا أن الكلام لاصلاحها لا يبطلها فلا بد من تقييده بأمرين أحدهما تعذر التسبيح والثانى عدم اطالة الكلام وكثرته.
وقد قال ابن حبيب رحمه الله تعالى أن طال التراجع بين الامام والمأمومين بحيث يؤدى الى المراد بطلت.
وقد صرح ابن الحاجب رحمه الله تعالى بأن الكلام اذا كان سهوا يبطل الصلاة اذا كثر
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 36 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 36 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 36 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 37 نفس الطبعة.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: وان سلم شاكا فى تمام صلاته ثم أيقن بعد سلامه أنه قد كان أتمها فقال ابن حبيب: صلاته جائزة كمن تزوج امرأة لا يدرى أن زوجها حى أم لا ثم انكشف أنه قد مات وانقضت العدة ان نكاحه جائز، وقد قيل ان صلاته فاسدة وهو الأظهر
(1)
.
وروى زياد عن مالك أن من دخل مع الامام فى آخر صلاته ولم يدرك منها شيئا وعلى الامام سجود السهو قبل السّلام أنه يسجد معه ولا يسجد معه ان كان بعد السّلام.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: وقيل انه لا يسجد معه سواء كان السجود قبل السّلام أو بعده وهو قول سفيان الثورى رحمه الله تعالى فى المدونة.
ثم وجه ابن رشد رحمه الله تعالى الأقوال الثلاثة، وفى مختصر الطليطلى: ان سجد القبلى مع الامام أبطل على نفسه الصلاة
(2)
.
قال الحطاب: وان لحق المسبوق مع الامام ركعة فانه يسجد معه السجود القبلى ولو ترك امامه أو لم يدرك موجبه. هذا هو المشهور.
قال فى التوضيح قال أشهب رحمه الله تعالى:
انما يسجد اذا قضى ما فاته ورواه ابن عبدوس عن ابن القاسم، فاذا سجد معه على المشهور ثم سها بعد امامه فقيل يغتنى بالسجود الأول - وهو قول ابن الماجشون وقيل لا يغتنى به وهو قول ابن القاسم وهو المشهور.
قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى بناء على استصحاب حكم المأمومية أم لا
(3)
. قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: ولو سلم المأموم وانصرف لظن سلام امامه ثم رجع قبله حمله عند امامه ولو رجع بعده سلم، وأحببت سجوده بعد.
قال ابن القاسم روى عن مالك رحمه الله تعالى يسجد قبل. ونقل فى رسم العشر قيل لاصبغ ما تقول فى امام صلى بقوم فسها فى صلاته سهوا يكون سجوده بعد السّلام فلما كان فى التشهد الأخير سمع أحدهم شيئا فظن أن الامام قد سلم فسلم ثم سجد سجدتين ثم سمع سلام الامام فسلم أيضا وسجد الامام فسجد معه؟ قال يعيد الصلاة اذا كان قد سلم قبل سلامه وسجد.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: هذا صحيح على القول بأن السّلام على طريق السهو يخرج المصلى عن صلاته فلما كان يخرج به عن صلاته أبطل سجوده الرجوع اليها وأوجب عليه استئنافها وأما على القول بأن السّلام على طريق السهو لا يخرج المصلى عن صلاته فيجب أن يحمل الامام عنه السجود الذى سجد بعد أن سلم قبل أن يسلم الامام لأنه فى حكمه فيرجع الى صلاته بغير تكبير ويسلم بعد سلامه ولا سجود عليه لأن سهوه فى داخل صلاة الامام.
وقد روى على بن زياد رحمه الله تعالى فى المجموعة عن مالك رضى الله تعالى عنه على قياس هذا القول فى امام سلم من اثنتين ساهيا وسجد للسهو ثم ذكر أنه سها يتم صلاته ويعيد سجود السهو، قال سحنون: وكذلك لو كان السجود قبل السّلام أعادهما
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 38 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 38 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 38 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 41 نفس الطبعة.
قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: وان سها عن سجود قبلى سجد بالقرب فان طال فللخمى رحمه الله تعالى عن المدونة أن صلاته بطلت.
قال ابن بشير رحمه الله تعالى: هذا على المشهور.
قال ابن رشد لا تبطل الا ان كان عن ثلاث سنن.
قال ابن يونس رحمه الله تعالى اختلف قول ابن القاسم فى ايجاب اعادة من ترك ثلاث تكبيرات أو ثلاث تسميعات وتذكر ذلك بعد أن تباعد ولم ير أصبغ الاعادة وبه أقول، بخلاف من نقص الجلسة الأولى فلم يختلف أنه يعيد الصلاة اذا تباعد.
قال أبو عمر رحمه الله تعالى: جمهور الفقهاء على أن من ترك غير تكبيرة الاحرام لا شئ عليه
(1)
.
قال ابن عرفة: وذكر ما يبطل تركه فى صلاة افتتحها بعد طول كذكرها فيها وقبل الطول كذكر بعض صلاة.
قال ابن الحاجب: فان كان فى صلاة وحكم ببطلان الأولى فهو كذاكر صلاة وان لم يحكم ببطلانها لسهو وانتفاء طول فهو كتارك بعض وله أربعة أوجه: فرض فى فرض ان طال بطلت ثم قال والا أصلح الأولى
(2)
. واذا انحرف عن القبلة سجد.
قال فى التوضيح المسئلة على أربعة أقسام اما أن يتذكر بعد أن طال جدا أو مع القرب جدا أو بالقرب وقد فارق موضعه أو بعد طول يبنى معه، فالقسم الأول تبطل فيه الصلاة على مذهب المدونة ولا تبطل على ما فى المبسوط.
قال اللخمى رحمه الله تعالى، وأما الثانى فان لم ينحرف عن القبلة سلم ولا شئ عليه وان انحرف استقبل وسجد لسهوه وأما الثالث فاختلف فيه فى ثلاثة مواضع هل يكبر وهل يكون تكبيره وهو قائم أو بعد أن يجلس وهل يتشهد، ثم ذكر أن المشهور أنه يكبر وأن مذهب ابن القاسم أنه يجلس ثم يكبر ثم يتشهد، ثم قال والقسم الرابع يختلف كالقسم الثالث، وهذا كله ما لم يحدث فان أحدث بطلت صلاته بلا اشكال
(3)
.
هذا ومن سها عن الجلوس الأول فى الصلاة الثلاثية والرباعية فانه أن تذكره قبل أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه فانه يرجع للجلوس.
قال فى التوضيح والمشهور لا سجود عليه فى تزحزحه لأن التزحزح لو تعمده لم تفسد صلاته وما لا يفسد عمده لا سجود فى سهوه
(4)
.
وقيل يسجد نقله ابن بشير رحمه الله تعالى.
وفى كلام التوضيح هنا فائدتان: الأولى أن من تزحزح للقيام فى محل الجلوس عامدا لم تبطل صلاته، الثانية أن كل ما لا يفسد عمده لا يسجد لسهوه فان قام بعد أن تذكر ولم يرجع.
قال فى التوضيح فاما أن يكون ناسيا أو عامدا أو جاهلا فالناسى يسجد قبل السّلام والعامد يجرى على تارك السنن متعمدا.
وحكى ابن بطال رحمه الله تعالى أن من قام من اثنتين متعمدا تبطل صلاته اتفاقا وليس
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 43 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 43 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 46 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 46 نفس الطبعة.
بظاهر والمشهور الحاق الجاهل بالعامد. وان فارق الأرض بيديه وركبتيه جميعا فلا يرجع الى الجلوس على المشهور.
وقيل يرجع، فاذا فارق الأرض بيديه فقط ولم يفارقها بركبتيه أو فارقها بركبتيه ولم يفارقها بيديه فانه يرجع كما يفهم ذلك من كلامهم، وفهم من كلام خليل أنه لا يرجع اذا استقل قائما من باب أحرى ولا خلاف فيه، ومن فارق الأرض بيديه وركبتيه اذا قلنا انه لا يرجع فرجع لم تبطل صلاته سواء رجع عمدا أو سهوا أو جهلا.
قال فى التوضيح: مراعاة لمن قال أنه مأمور بالرجوع
(1)
. واذا رجع للتشهد بعد ما نهض وقد كان جلس لم تبطل صلاته كما لا تبطل اذا رجع الى الجلوس. واذا استقل للجلوس الأول قائما ثم رجع الى الجلوس فتذكر قبح ما فعله فالمطلوب منه اتمام الجلوس
(2)
واذا سها الامام وقام ولم يجلس الجلوس الأول حتى اعتدل قائما فليتبعه المأموم فان رجع الامام من قيامه الى الجلوس قبل أن يقوم المأموم فعلى المشهور - وهو قول ابن القاسم - يبقى المأموم جالسا معه ولا يقوم حتى يقوم الامام لأن هذا الجلوس معتبر
(3)
ومن سها عن الركوع وانحط للسجود فتذكر قبل أن يسجد أو وهو ساجد فانه يرجع قائما ثم ينحط للركوع من قيام على المشهور وقيل يرجع محدوديا الى الركوع ومن نسى سجدة واحدة فانه يجلس ليأتى بها من جلوس وأما من نسى السجدتين معا فانه ينحط لهما من قيام. فان ذكر السجدتين وهو جالس أو كان ترك الركوع من الثانية وانحط لسجودها فذكر سجدتى الأولى وهو ساجد.
ذكر عبد الحق أنه يرجع للقيام ليأتى بالسجدتين وهو منحط لهما من قيام قال فان لم يفعل وسجد السجدتين على حاله - يعنى من جلوس أو سجود فقد نقص الانحطاط فيسجد قبل السّلام اذا ترك ذلك سهوا.
قال فى التوضيح نقلا عن المازرى أنه اختلف لو لم يذكر ذلك الا وهو راكع فى الثانية هل يرفع رأسه ليخر للسجود من قيام أولا على الخلاف فى الحركات هل هى مقصودة أم لا؟.
وقال فى التعقيب وفى كتاب التهذيب أيضا: أنه اذا نسى السجدتين من الأولى ثم تذكر وهو راكع فى الثانية أنه ينبغى أن يرفع رأسه بنية اصلاح الأولى فينحط للسجدتين من قيام ولا يضر رفع رأسه من الثانية ولا يكون عقدا لها لأنه انما رفعه بنية اصلاح الأولى فان لم يفعل وسها عن ذلك وانحط للسجدتين من ركوعه فليسجد قبل السّلام لأنه نقص ذلك القيام.
علم من هذا أن الانحطاط للسجدتين من القيام ليس بواجب وأنه لو انحط أولا للسجود ثم سجد السجدتين من جلوس أنه لا تبطل صلاته.
وقد ذكر الجزولى والشيخ يوسف بن عمر أن المصلى اذا جلس ثم سجد فان كان عامدا فلا شئ عليه لأنه يسير وان كان سهوا فقيل يسجد للسهو وقيل لا يسجد.
وقال الشيخ زروق: هذا الجلوس ان وقع سهوا ولم يطل لم يضر وان طال سجد له، وان كان عامدا اختلف فيه والمشهور أنه ان لم يطل لم يضر والمتأول على تأويله
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 46، 47 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 47 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 48 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 47، 48 نفس الطبعة.
قال المازرى رحمه الله تعالى: واذا نسى أربع سجدات من أربع ركعات فعندنا أنه يصلح الرابعة بالسجدة التى أحل بها منها ويبطل ما قبلها وأما ان نسى الثمانى سجدات فانه لم يحصل له سوى ركوع الرابعة فليبن عليها على أصلنا.
قال اللخمى رحمه الله تعالى: واذا نسى سجدة من الرابعة سجدها وأعاد التشهد وسجد بعد السّلام وان نسى سجدة من الثالثة بطلت لأن الرابعة قد حالت بين اصلاحها وأتى بركعة وسجود بعد السّلام، وان نسيها من الأولى أو من الثانية.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى يكون بانيا فيقرأ فى الركعة التى يأتى بها بأم القرآن وحدها وسجوده قبل السّلام لأنه زاد الركعة الملغاة وعادت الثالثة ثانية فنقص منها السورة مع أم القرآن.
خلافا لابن وهب وأشهب رحمهما الله تعالى أنه يكون قاضيا
(1)
. وان شك المصلى فى سجدة ولم يدر محلها وتحقق أنه تركها فلا يخلو اما أن يذكر وهو فى التشهد الأول أو فى قيام الثالثة أو فى قيام الرابعة أو فى التشهد الأخير، والحكم فيه أن يسجدها فى جميع الصور على مذهب ابن القاسم رحمه الله تعالى، ثم ان كان ذكرها فى التشهد الأول قام فأتى بركعة وبالفاتحة وسورة وتكون ثانية لاحتمال أن تكون السجدة من الأولى فتبطل وتصير الثانية أولى وهذه التى أتى بها ثانية فيتشهد ثم يصلى ركعتين ثم يسجد بعد السّلام، وان ذكر السجدة فى الجلسة الأخيرة فانه يسجدها لاحتمال أن تكون من الرابعة ثم يأتى بركعة بالفاتحة فقط لرجوع الثانية أولى والثالثة ثانية والرابعة ثالثة ويسجد قبل السّلام - هذا قول ابن القاسم.
وقيل يأتى بركعة بالفاتحة وسورة ويسجد بعد السّلام - واذا ذكر السجدة فى قيام الثالثة فانه يسجد السجدة من قيام أن تذكر أنه كان جلس الا جلس ثم سجدها ثم يقوم ولا يجلس ولا يتشهد فيأتى بثلاث الأولى منهن بالفاتحة وسورة ويجلس ويتشهد ثم اثنتين بالفاتحة فقط ويسجد بعد السّلام - وهذا هو المشهور - وقيل يسجد السجدة ثم يتشهد ثم يأتى بثلاث، وقيل لا يسجد بل يبنى على ركعة فقط ويأتى بثلاث وان ذكر السجدة فى قيام الرابعة فانه يسجدها ويتشهد ثم يأتى بركعتين بالفاتحة فقط ويسجد قبل السّلام لنقص السورة من الثالثة التى صارت ثانية وان سجد امام سجدة من الركعة الأولى وسها عن السجدة الثانية وقام ولم يتبعه من علم ذلك من المأمومين وسبح به ليرجع، فاذا خيف عقده للركعة الثانية قام المأمومون واتبعوه فاذا جلس فى الثانية على زعمه وهو الأولى فى نفس الأمر له وللمأمومين قاموا وكان كامام جلس فى الأولى فلا يتبع وينتظرونه قياما حتى يقوم الى الثالثة فى زعمه فيصلونها معه فاذا قام الى الرابعة فى زعمه وهى الثالثة فى نفس الأمر قاموا معه واتبعوه ولم يجلسوا وان كان هذا محل الجلوس الأول كما اذا قام الامام من اثنتين ولم يجلس فان المأمومين يتبعونه فان تذكر الامام قبل جلوسه قام فصلى بهم ركعة بأم القرآن وسجد بهم قبل السّلام واذا لم يتذكر وسلم لم يتبعوه فى السّلام وأتوا بركعة وأمهم فيها أحدهم، وان صلوها أفذاذا أجزأتهم وسجدوا قبل السّلام، وسلام الامام هنا على السهو بمنزلة الحدث قاله سحنون رحمه الله تعالى.
قال الحطاب: ويعنى بقوله بمنزلة الحدث أنه
(1)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 2 ص 50 الطبعة السابقة.
تبطل صلاته طال أو لم يطل وأنه بمنزلة طرو الحدث على الامام فيستخلف المأمومون من يتم بهم الصلاة أو يتمون أفذاذا
(1)
.
وقال ابن رشد رحمه الله تعالى المسئلة على قسمين أحدهما أن يسهو الامام عن السجدة وحده فلا يخلو من خلفه أما أن يسجدوا لأنفسهم أو يتبعوه عالمين بسهوه فان فاته الرجوع اليها يعقد الركعة التى بعدها فركعة القدم صحيحة باتفاق ويقضى الامام تلك الركعة التى أسقط منها السجدة فى آخر صلاته وهم جلوس ثم يسلم بهم ويسجد بعد السّلام واختلف اذا تذكر قبل أن يركع فرجع الى السجود هل يسجدون معه ثانية على قولين وأما ان اتبعوه على ترك السجود عالمين بسهوه فصلاتهم فاسدة باتفاق.
والوجه الثانى أن يسهو الامام هو وبعض من خلفه وهى مسئلة السماع فلا يخلو من لم يسه اما أن يسجدوا لأنفسهم أو يتبعوه على ترك السجود عالمين بسهوه فان سجدوا لأنفسهم ولم يرجع الامام الى السجود حتى فاته الرجوع اليه بعقد الركعة التى بعدها ففى ذلك ثلاثة أقوال.
أحدها قول ابن القاسم فى هذه الرواية أن السجدة تجزئهم وتصح لهم الركعة ويلغيها الامام ومن سها معه فان أكمل الامام ثلاث ركعات قام ومن سها الى الرابعة وقعدوا حتى يسلم ويسلموا بسلامه ويسجد بهم جميعا وسجدتى السهو بعد السّلام وهو أضعف الأقوال لاعتدادهم بالسجدة وهم انما فعلوها فى حكم الامام ومخالفتهم اياه فى أعيان الركعات لأن صلاتهم تبقى على نيتها وتصير للامام ومن سها معه الثانية اولى وهكذا.
ولهذا قال ابن القاسم فى الرواية وأحب الى ان لو أعادوا الصلاة انما يسجد الامام بهم بعد السّلام ان تذكر بعد أن ركع فى الثانية لأنه يجعلها أولى ويأتى بالثانية بالحمد وسورة ويجلس فيها فيكون سهوه كله زيادة وأما ان لم يتذكر حتى صلى الثالثة أو رفع من ركوعها فانه يسجد قبل السّلام على ما اختاره من قول مالك فى اجتماع الزيادة والنقصان لأنه جعلها ثانية لأنه قرأ فيها بأم القرآن فقط وقام ولم يجلس واختلف فى هذا الوجه ان ذكر الامام قبل أن يركع فرجع الى السجدة هل يسجدون معه ثانية أم لا على القولين.
والقول الثانى أن صلاتهم فاسدة للمعنى الذى ذكرناه من مخالفة نيتهم نية امامهم فى أعيان الركعات وهو قول أصبغ.
والثالث أن السجود لا يجزئهم وتبطل عليهم الركعة كما بطلت على الامام ومن معه ويتبعونه فى صلاته كلها وتجزئهم. حكى هذا القول محمد ابن المواز فى كتابه
(2)
. وان قام امام لخامسة فتيقن انتفاء موجبها يجلس والا اتبعه. وأن خالف عمدا بطلت فيهما لا سهوا.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى أن صلى امام خامسة فسها قوم كسهوه وجلس واتبعه قوم عامدون فصلاة الامام ومن سها معه أو جلس تامة ويسجدون معه لسهوه وتفسد صلاة
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 2 ص 50، 51 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 52
العامدين
(1)
. وأما ان اتبعوه على ترك السجدة عالمين بسهوه.
فقال فى الرواية أن صلاتهم منتقضة ويخرج على ما فى كتاب محمد رحمه الله تعالى أن تبطل عليهم الركعة ولا تنتقض عليهم الصلاة لأن السجدة اذا كانت على مذهبه لا يجزئهم فعلها فلا يضرهم تركها وظاهر اطلاق ما حكاه خليل وابن الحاجب وابن شاس وصاحب الشامل عن سحنون رحمهم الله تعالى واقتصروا عليه مخالف لما حكاه ابن رشد رحمه الله تعالى من الاتفاق على أنه سها الامام وحده عن السجدة ولم يذكرها حتى عقد الركعة التى بعد ركعتها أن القوم يسجدونها وتجزئهم وأنهم ان اتبعوه على ترك السجدة عالمين بطلت صلاتهم ومخالف له أيضا فيما اذا سها مع الامام بعض من خلفه فانه ذكر أنه أن اتبعه من لم يسه فى ترك السجدة فالرواية ببطلان صلاتهم وجعل القول بصحتها انما هو تخريج
(2)
.
واذا سها المأموم عن الركوع مع الامام حتى فاته أو غفل عنه أو نعس أو زوحم أو اشتغل بحل ازاره أو ربطه ففى المسئلة أربعة أقوال:
الأول: أن تلك الركعة فائتة مطلقا سواء كانت أولى أو كانت غير أولى وسواء كانت الصلاة جمعة أو غير جمعة.
الثانى أن تلك الركعة لا تفوته مطلقا.
الثالث: أن تلك الركعة تفوته ان كانت أولى ولا تفوته فى غير الأولى وهو المشهور.
الرابع أن تلك الركعة تفوته أن كانت جمعة ولا تفوته فى غير الجمعة، ولا تفريع على القول الأول، وأما على الثانى والثالث فيما اذا كانت غير الأولى وعلى الرابع فى غير الجمعة اذا قلنا يتبع الامام فاختلف الى أى حد يتبعه فقيل ما لم يرفع من سجود الركعة.
وقيل ما لم يعقد الثانية والأول هو المشهور.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى وسواء على مذهب مالك رحمه الله تعالى أحرم قبل أن يركع أو بعد أن ركع اذا كان لولاه ما اعتراه من الغفلة وما أشبههما لأدرك معه الركوع وأما لو كبر بعد أن ركع الامام فلم يدرك معه حتى رفع الامام رأسه فقد فاتته الركعة ولا يجزئه أن يركع ويتبعه قولا واحدا وعلم من هذا أنه لو تعمد المأموم ترك الركوع مع الامام لم يجزه قولا واحدا.
وان قام امام فى صلاة رباعية بعد أن صلى أربع ركعات لخامسة أو فى ثلاثية لرابعة أو فى ثنائية لثالثة فالمأمومون على خمسة أقسام كما يفهم من التوضيح الأول متيقن انتفاء ما يوجب تلك الركعة، والثانى متيقن الموجب، والثالث ظان الموجب، والرابع ظان عدم الموجب والخامس شاك فيهما.
أما الأول وهو المتيقن انتفاء ما يوجب تلك الركعة لعلمه بكمال صلاته وصلاة امامه فيجب عليه أن يجلس ويسبح به فان لم يفقه كلمه بعضهم فان تذكر أو شك رجع اليهم وان بقى على يقينه وكان معه النفر اليسير أتم صلاته ولم يرجع الى قولهم وأن كان معه عدد كثير.
فعلى قول ابن مسلمة رحمه الله تعالى يرجع اليهم - وهو الذى مشى عليه خليل - لأن الغالب أن الوهم معه، واذا كانوا قليلا وتمادى فيختلف فيهم هل يسلمون الآن أو ينظرون حتى
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 56، ص 57 الحاشية
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 52، 53 نفس الطبعة
يسلم بهم ويسجدون سجود السهو لأنهم متيقنون أنه سها وعلى القول بأن الصلاة تبطل بزيادة مثل نصفها ينتظرونه حتى يدخل فى السادسة فيسلمون ولا ينتظرونه وان لم يتيقن انتفاء الموجب - وهذا يشمل الأوجه الأربعة الباقية - لزمه أن يتبع الامام فى قيامه للخامسة. ثم اذا خالف المأمومون الامام فان تنبه الامام لمخالفتهم له فان حصل له شك وجب عليه أن يرجع اليهم فان تمادى ولم يفعل.
قال ابن عرفة رحمه الله تعالى عن ابن المواز لا تبطل صلاته ان لم يجمع كلهم على خلافه ولو أجمعوا فخالفهم لشكه بطلت عليه وعليهم لوجوب رجوعه عن شكه ليقينهم فان فعل كل واحد ما أمر به فواضح وان خالف من أمر بالجلوس ما أمر به وتبع الامام أو خالف من أمر باتباع الامام ما أمر به فجلس فان كانت المخالفة المذكورة عمدا بطلت الصلاة فى صورتى المخالفة المذكورة من القيام والجلوس وظاهره: سواء تبين بعد ذلك أن ما فعلوه من المخالفة موافق لما فى نفس الأمر أم لا، أما ان لم يوافق فواضح وأما أن وافق بأن يقوم عامدا من حكمه الجلوس ثم تبين أن الامام قام لموجب وأنه كان يلزمه أن يقوم مع الامام.
فقال الهوارى رحمه الله تعالى وان اتبعه عامدا عالما بأنه لا يجوز له اتباعه يعنى ثم تبين له أن الامام قام لموجب وأيقن ذلك أو شك فيه لأن كلامه فى ذلك.
قال فظاهر قول ابن المواز رحمه الله تعالى أن صلاته تصح.
ورأى اللخمى رحمه الله تعالى أن الصواب أن تبطل واذا قلنا بأنها تصح فهل يقضى ركعة أو تنوب له الركعة التى تبع الامام فيها؟ قولان:
وقال ابن بشير رحمه الله تعالى وان لم يعلم باسقاط الامام ما يوجب قيامه للخامسة وقصد الى العمد فى الاتباع فيجرى على الخلاف فيمن تعمد زيادة فى الصلاة فانكشف وجوب تلك الزيادة عليه لاخلاله بشئ مما تقدم، وفى ذلك قولان وأما من كان حكمه القيام فجلس عمدا ثم تبين له وللامام زيادة تلك الخامسة وأنه لا موجب لها فالظاهر أن صلاته تصح ولا تضره مخالفته ولم أر فى ذلك نصا
(1)
.
هذا اذا كانت المخالفة عمدا فان كانت المخالفة سهوا فلا تبطل الصلاة فى صورتى القيام والجلوس.
وان قال الامام قمت لموجب بأن يقول أسقطت الفاتحة أو أسقطت سجدة من ركعة من الركعات أو نحو ذلك صحت الصلاة لمن لزمه اتباعه بأن يكون من أحد الأقسام الأربعة المتقدمة ويشترط أن يكون تبعه يريد أو جلس سهوا وأنه يأتى بركعة، وتصح الصلاة أيضا لمقابل القسم المتقدم وهو من تيقن انتفاء الموجب من صلاته وصلاة امامه وجلس حتى سلم الامام واستمر متيقنا انتفاء الموجب ولم يؤثر عنده قول الامام قمت لموجب شيئا
(2)
.
قال الهوارى: ولو أن الامام لما سلم قال انما قمت لأنى أسقطت ركنا من الأولى فمن أيقن بتمام صلاته وصلاة امامه وأنه لم يسه وجلس لم يتبعه أو أتبعه ساهيا أو متأولا صحت صلاته.
وقال ابن بشير رحمه الله تعالى: ولابن يونس نحوه
(3)
.
وقال ابن ناجى رحمه الله تعالى: وحيث تصح للجالس فلا بد من اتيانه بركعة اذا أخبره الامام
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 55 نفس الطبعة
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 56، ص 57 نفس الطبعة
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 57 نفس الطبعة
بالموجب وصدقه أو شك فيه وان كذبه لم يلزمه شئ.
قال سحنون رحمه الله تعالى: وانما تصح صلاته ان سبح وان لم يسبح لم تصح.
قال فى التوضيح شرط سحنون فى صحة صلاة الجالس التسبيح، واستبعده أبو عمران رحمه الله تعالى: ومن كان متيقنا انتفاء الموجب وكان حكمه أن يجلس فجهل ذلك وتأول أنه يجب عليه اتباع الامام فتبعه فى الخامسة فاختلف فى صلاته فهل تبطل صلاته أو تصح.
قال ابن بشير رحمه الله تعالى: وان جهل وظن أنه يلزمه اتباعه ففى بطلان صلاته قولان وهما على الخلاف فى الجاهل هل هو كالعامد أو كالناسى. والجارى على المشهور الحاق الجاهل بالعامد لكن مشى خليل هنا على اختيار اللخمى رحمه الله تعالى وهو القول بالصحة، واذا لم تبطل صلاته فان استمر على تيقنه لانتفاء الموجب بعد سلام الامام ولم يؤثر عنده كلام الامام شيئا فلا يلزمه شئ وان زال يقينه بأن تبين له صدق قول الامام أو شك فى ذلك فهل يلزمه بأن يأتى بركعة أو تكفيه الركعة التى صلاها مع الامام.
قال الهوارى: اذا قلنا فى الساهى يقضى ركعة فالمتأول بذلك أولى لأنه انما قام اليها وهو يعلم انها زائدة، واذا قلنا فى الساهى لا يقضى فيجرى فى المتأول قولان ومن كان متيقنا انتفاء الموجب عند قيام الامام الى الخامسة فلم يقم معه لأن حكمه الجلوس، ثم لما سلم الامام قال قمت لموجب تيقن صحة قوله أو شك فان صلاته باطلة لأنه كان يلزمه أن يتبع الامام فى نفس الأمر ولم يتبعه لما كان فى يقينه كما نقل فى التوضيح عن ابن المواز رحمه الله تعالى، وأن كان اللخمى رحمه الله تعالى قد اختار فى هذا أيضا الصحة فيتم لأنه جلس متأولا.
وقال اللخمى قال محمد رحمه الله تعالى: فان قال بعد السّلام كنت ساهيا عن سجدة بطلت صلاة من جلس وتمت صلاة من اتبعه سهوا أو عمدا يريد اذا أسقطوها هم أيضا - والصواب أن تتم صلاة من جلس ولم يتبعه لأنه جلس متأولا والا فهو يرى أنه لا يجوز له اتباعه، وهو أعذر من الناعس والفاضل، وتبطل صلاة من اتبعه عمدا اذا كان عالما أنه لا يجوز له اتباعه، وان كان جاهلا يظن أن ذلك عليه اتباعه صحت صلاته.
وقال ابن ناجى رحمه الله تعالى فى شرحه الكبير قال ابن يونس رحمه الله تعالى: انما تبطل فى قول ابن المواز اذا لم يوقنوا بسلامتها فان أيقنوا أنهم لم يتركوا شيئا فصلاتهم تامة
(1)
.
ولا تجزئ هذه الركعة الخامسة سجدة. فائتة ركعة أو أكثر وتبع الامام فى الركعة التى قام اليها وقد علم بخامستها واذا لم تجزه الركعة فهل تبطل صلاته أم لا.
الحال لا يخلو من أن يكون الامام لم يسقط شيئا وانما قام سهوا أو أن يكون قام لموجب، فان كان لم يسقط شيئا بطلت صلاة المسبوق لأنه كان يجب عليه أن لا يتبعه فيها حيث علم بخامسيتها - نقله فى التوضيح عن ابن يونس والمازرى ونقله الهوارى - وان تبين أن الامام قام لموجب فظاهر كلامه فى التوضيح أن صلاته لا تبطل وأنه اختلف فى أجزاء الركعة التى صلاها والقول بالاجزاء لابن المواز رحمه الله تعالى والقول بعدم الاجزاء لمالك رضى الله تعالى عنه وصدر به.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 58، ص 59 نفس الطبعة
وقال الهوارى رحمه الله تعالى: يجرى فيها الخلاف الذى فيمن تعمد زيادة فى صلاته ثم انكشف له وجوبها عليه قال الا أن يجمع كل من خلف الامام على أنه لم يسقط شيئا فلا خفاء فى البطلان. وهل كذلك لا تجزئه الركعة ان تبع الامام فيها ولم يعلم بخامستها أو تجزئ الركعة الا أن يجمع مأمومه على نفى الموجب. قولان:
قال الحطاب وظاهر هذا أن القول الأول يقول بعدم الاجزاء مطلقا ولم أقف عليه والذى اقتصر عليه فى التوضيح أنه ان لم يعلم تجزئه عند مالك وابن المواز رحمهما الله تعالى، والذى ذكره ابن يونس والهوارى رحمهما الله تعالى أنه تجزئه الا أن يجمع مأمومه على نفى الموجب.
وهذا كله اذا تبين أن الامام انما قام لموجب عنده وأما ان لم يتبين فذكر الهوارى ان صلاته صحيحه .. ولا تجزئه الركعة
(1)
.
ومن ترك سجدة من الأولى ساهيا وفات التدارك بعقد الثانية أو ترك سجدة من الثانية وفات التدارك بعقد الثالثة أو من الثالثة وفات التدارك بعقد الرابعة وقام الى خامسة عمدا ثم تذكر أنه كان أسقط سجدة من الأولى أو من الثانية أو من الثالثة فلا تجزئ هذه الخامسة عن الركعة المتروك منها السجدة واذا لم تجزئه فالمشهور أن صلاته تبطل بزيادة تلك الركعة، وقيل تصبح نقله الهوارى رحمه الله تعالى.
هذا اذا تعمدها فان قام اليها ساهيا أجزأته الصلاة وهو اختيار ابن المواز رحمه الله تعالى وقال أنه الصواب.
وقال ابن القاسم رحمه الله تعالى لا تجزئه ويأتى بركعة وصلاته صحيحه على القولين جميعا نقله فى الذخيرة
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج والمهذب: أن الصلاة تبطل بالنطق بكلام البشر بلغة العرب وبغيرها بحرفين أفهماكقم ولو لمصلحة الصلاة كقوله لا تقم أو أقعد أم لا كعن ومن لخبر مسلم عن زيد ابن أرقم كنا نتكلم فى الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.
وعن معاوية بن الحكم السلمى قال بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ عطس رجل من القوم فقلت له يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت وأثكل أماه ما شأنكم تنظرون الى فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونى سكت فلما صلى النبى صلى الله عليه وسلم قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس. والحرفان من جنس الكلام لأن أقل ما يبنى عليه حرفان للابتداء والوقت وتخصيصه بالمفهم فقط اصطلاح حادث للنحاة أو حرف مفهم نحو ق من الوقاية وع من الوعى وف من الوفاء وش من الوشى.
وكذا مده بغير حرف فى الأصح. وان لم يفهم نحو آو المد ألف أو واو أو ياء فالممدود فى الحقيقة حرفان والثانى لا تبطل لأن المدة قد تتفق لاشباع الحركة ولا تعد حرفا وهذا كله يسير فبالكثير من باب أولى.
والأصح أن التنحنح والضحك والبكاء ولو من خوف الآخرة والأنين والتأوه والنفخ من الفم أو الأنف أن ظهر به أى بواحد مما ذكر حرفان
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 59، ص 60 نفس الطبعة
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 60 نفس الطبعة
بطلت صلاته والا فلا تبطل لما مر والثانى لا تبطل بذلك مطلقا لأنه لا يسمى كلاما فى اللغة ولا يكاد يتبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل وخرج بالضحك التبسم فلا تبطل الصلاة لأن النبى صلى الله عليه وسلم تبسم فيها فلما سلم قال مر بى ميكائيل فضحك لى فتبسمت له.
ويعذر فى يسير الكلام عرفا ان سبق لسانه اليه وذلك لأن الناسى مع قصده الكلام معذور فيه فهذا أولى لعدم قصده. أو نسى أنه فى الصلاة للعذر.
وفى الصحيحين عن أبى هريرة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر مسلم من ركعتين ثم أتى خشبة بالمسجد واتكأ عليها كأنه غضبان فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال لأصحابه أحق ما يقول ذو اليدين قالوا نعم فصلى ركعتين أخرتين ثم سجد سجدتين وجه الدلالة أنه تكلم معتقدا أنه ليس فى الصلاة وهم تكلموا مجوزين النسخ ثم بنى هو وهم عليها. أو جهل تحريم الكلام فيها أن قرب عهده بالاسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء بخلاف من بعد اسلامه وقرب من العلماء لتقصيره بترك التعليم.
قال الخوارزمى والأشبه أن الذمى الذى نشأ بين أظهرنا أنه لا يعذر وان قرب عهده بالاسلام لأن مثل هذا لا يخفى عليه من ديننا ولو سلم امامه فسلم معه ثم سلم الامام ثانيا فقال له المأموم قد سلمت قبل هذا فقال كنت ناسيا لم تبطل صلاة واحد منهما وسلم المأموم ويندب له سجود السهو لأنه تكلم. بعد انقطاع القدوة ولو سلم من ثنتين ظانا كمال صلاته.
فكالجاهل كما ذكره الرافعى وذلك بخلاف الكثير من هذا فانه لا يعذر فيه فيما ذكر من الصور فى الأصح لأنه يقطع نظم الصلاة وهيأتها والقليل يحتمل لقلته ولأن السبق والنسيان فى الكثير نادر والفرق بين هذا وبين الصوم حيث لا يبطل بالأكل الكثير ناسيا عند المصنف أن المصلى متلبس بهيئة مذكرة بالصلاة يبعد معها النسيان بخلاف الصائم والثانى يسوى بينهما فى العذر كما يسوى بينهما فى العمد ومرجع القليل والكثير الى العرف على الأصح وقيل الكلمة والكلمتان ونحوهما وقيل ما يسع زمان ركعة.
وصحح السبكى تبعا للمتولى أن الكلام الكثير ناسيا لا يبطل لقصة ذى اليدين ويعذر فى اليسير عرفا من التنحنح ونحوه مما مر وغيره كالسعال والعطاس للغلبة وان كثرت اذ لا يمكن الاحتراز عنها.
وينبغى أن يكون محل الأول ما اذا لم يصر السعال أو نحوه مرضا ملازما له أما اذا صار السعال ونحوه كذلك فانه لا يضر كمن به سلس بول ونحوه بل أولى. لا تعذر الجهر فلا يعذر فى يسير التنحنح له فى الأصح لأنه سنة وضرورة الى التنحنح له وفى معنى الجهر سائر السنن كقراءة السورة والقنوت وتكبيرات الانتقالات وان قال الأسنوى المتجه جواز التنحنح للجهر بأذكار الانتقالات عند الحاجة الى سماع المأمومين اذ لا يلزمه تصحيح صلاة غيره
(1)
. لو جهل بطلانها بالتنحنح مع علمه بتحريم الكلام فمعذور لخفاء حكمه على العوام ولو علم تحريم الكلام وجهل كونه مبطلا لم يعذر كما لو علم تحريم شرب الخمر دون ايجابه الحد فانه يحد اذ حقه بعد العلم بالتحريم الكف ولو تكلم ناسيا لتحريم الكلام فى الصلاة بطلت كنسيان النجاسة على ثوبه صرح به الجوينى وغيره ولو جهل تحريم ما أتى به مع علمه بتحريم جنس الكلام فمعذور كما شمله كلام
(1)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للعلامة الخطيب الشربينى ج 1 ص 195، 196 وكذلك فى كتاب على هامش متن المهذب
ابن المقرى فى روضه وصرح به أصله وكذا لو سلم ناسيا ثم تكلم عامدا أى يسيرا كما ذكره الرافعى فى الصوم ولو تنحنح امامه فبان منه حرفان لم يفارقه حملا على العذر لأن الظاهر تحرزه عن المبطل والأصل بقاء العبادة وقد تدل كما قال السبكى قرينة حال الامام على خلاف ذلك فتجب المفارقة.
قال الزركشى ولو لحن فى الفاتحة لحنا بغير المعنى وجب مفارقته كما لو ترك واجبا لكن هل يفارقه فى الحال أو حتى يركع لجواز أنه لحن ساهيا وقد يتذكر فيعيد الفاتحة الأقرب الأول لانه لا تجوز متابعته فى فعل السهو. بل الأقرب الثانى لأن امامه لو سجد قبل ركوعه لم تجب مفارقته فى الحال. ولو أكره المصلى على الكلام اليسير فى صلاته بطلت فى الأظهر لأنه أمر نادر كالاكراه على الحدث.
والثانى لا تبطل كالناسى أما الكثير فتبطل به جزما ولو نطق بنظم القرآن بقصد التفهيم كيا يحى خذ الكتاب. مفهما به من يستأذن فى أخذ شئ أن يأخذه ومثل قوله لمن استأذن عليه فى دخول ادخلوها بسلام وقوله لمن ينهاه عن فعل شئ يوسف أعرض عن هذا أن قصد معه أى التفهيم قراءة لم تبطل لأنه قرآن فصار كما لو نصد القرآن وحده.
ولأن عليا رضى الله تعالى عنه كان يصلى لدخل رجل من الخوارج فقال لا حكم الا لله ولرسوله فتلا على فأصبر ان وعد الله حق والا بأن قصد التفهيم فقط أو لم يقصد شيئا بطلت به لأنه فيهما يشبه كلام الآدميين فلا يكون قرآنا لا بالقصد قال فى الدقائق يفهم من قول المنهاج أربع مسائل أحداها اذا قصد القراءة. الثانية اذا قصد القراءة والاعلام الثالثة اذا نصد الاعلام فقط والرابعة أن لا يقصد شيئا ففى الأولى والثانية لا تبطل وفى الثالثة والرابعة من قوله والا بطلت كما يفهم منه الثالثة وهذه الرابعة لم يذكرها المحرر وهى نفيسة لا يستغنى عن بيانها وسبق مثلها فى قول المنهاج وتحمل أذكاره لا بقصد قرآن.
وسومح فى أخذ الأولى والرابعة من كلامه لأنه جعل الكلام فيما لو قصد التفهيم وجعل فى ذلك قسمين وهما قصد القراءة معه وعدم قصدها معه فلا يندرج فى ذلك قصد القراءة فقط وعدم قصد شئ أصلا لأن ما قصد فيه التفهيم يستحيل أن يندرج فيه ما لا يقصد فيه التفهيم وهذا التفصيل يجرى فى الفتح على الامام بالقرآن والجهر بالتكبير أو التسبيح فأنه ان قصد الرد مع القراءة أو القراءة فقط أو قصد التكبير أو التسميع فقط أو مع الاعلام لن تبطل والا بطلت وان كان فى كلام بعض المتأخرين ما يوهم خلاف ذلك ما لو أتى بكلمات منه متوالية مفرداتها فيه دون نظمها كيا ابراهيم سلام كن فأن صلاته تبطل فان فرقها وقصد بها القراءة لم تبطل به نقله فى المجموع عن المتولى وأقره وقضيته أنه لو قصد بها القراءة فى الشق الأول أن صلاته تبطل وهو ظاهر كما قال شيخنا فى شرح البهجة فيما اذا لم يقصد القراءة بكل كلمة على انفرادها والا لم تبطل.
ونقل فى المجموع عن العبادى أنه لو قال الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب النار بطلت صلاته أن تعمد والا فلا ويسجد للسهو ثم قال وفيما قاله نظر.
قال الأذرعى وليس كما قال وما قاله العبادى ظاهر. وهو كذلك
وقال القفال فى فتاويه أنه أن قال ذلك متعمدا معتقدا كفر ولو قال قال الله أو النبى كذا بطلت صلاته كما شمله كلامهم وصرح به القاضى وتبطل
بمنسوخ التلاوة وان لم ينسخ حكمه لا بمنسوخ الحكم دون التلاوة
(1)
.
ولا تبطل الصلاة بالذكر والدعاء وان لم يندبا ولا بنذر.
قال فى المجموع لأنه مناجاة لله تعالى فهو من جنس الدعاء وذلك بأن يقول اللهم أغفرلى أن أردت أو ان شفى الله مريضى فعلى عتق رقبة أو ان كلمت زيدا فعلى كذا فتبطل به صلاته.
وكذا لو كان الدعاء محرما ويشترط النطق بذلك بالعربية ان كان يحسنها. وان لا يكون فيه خطاب مخلوق غير النبى صلى الله عليه وسلم من انس وجن وملك.
كما قال الا أن يخاطب به كقوله لعاطس يرحمك الله ونحو ذلك كسبحان ربى وربك أو قال لعبده لله على أن أعتقك فتبطل به.
واستثنى الزركشى وغيره مسائل احداها دعاء فيه خطاب لما لا يعقل كقوله يا أرض ربى وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما دب عليك.
وكقوله اذا رأى الهلال آمنت بالله الذى خلقك ربى وربك الله ثانيها اذا أحس بالشيطان فأنه يستحب أن يخاطبه بقوله العنك بلعنة الله أعوذ بالله منك لأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك فى الصلاة.
ثالثها لو خاطب الميت فى الصلاة عليه فقال رحمك الله غفر الله لك لأنه لا يعد خطابا ولهذا لو قال لامرأته ان كلمت زيدا فأنت طالق فكلمته ميتا لم تطلق والمعتمد خلاف ما ذكر من الاستثناء.
وقد ذكر المصنف فى شرح مسلم الحديث الذى ورد بأنه خاطب الشيطان بقوله العنك بلعنة الله وقال أنه اما مؤول أو كان ذلك قبل تحريم الكلام.
أما خطاب الخالق كاياك نعبد وخطاب النبى صلى الله عليه وسلم كالسلام عليك أو الصلاة عليك يا رسول الله أو نحوه لم تبطل صلاته ويشبه أن يكون الأرجح بطلانها من العالم لمنعه من ذلك وفى الحاقه بما فى التشهد نظر لأنه خطاب غير مشروع والأوجه عدم البطلان الحاقا له بما فى التشهد كما يؤخذ مما.
وقال الزركشى والظاهر أن اجابة عيسى صلى الله عليه وسلم بعد نزوله كاجابة نبينا صلى الله عليه وسلم لكن مقتضى كلام الرافعى أن خطاب الملائكة وباقى الأنبياء تبطل به الصلاة.
والمقتضى هو المعتمد والمتجه كما قاله الاسنوى أن اجابة النبى صلى الله عليه وسلم بالفعل الكثير كاجابته بالقول ولا تجب اجابة الأبوين فى الصلاة بل تحرم فى الفرض وتجوز فى النفل والأولى الاجابة فيه ان شق عليهما عدمها كما بحثه بعض المتأخرين وتبطل باجابة احداهما لا باشارة الأخرس وان باع بها واشترى ولو قال قاف أو صاد أو نون فان قصد كلام الآدميين بطلت صلاته وكذا ان لم يقصد شيئا كما بحثه بعضهم أو القرآن لم تبطل وعلم بذلك أن المراد بالحرف غير المفهم الذى لا تبطل الصلاة به هو مسمى الحرف لا اسمه ولو قرأ امامه اياك نعبد واياك نستعين فقالها بطلت صلاته ان لم يقصد تلاوة أو دعاء كما فى التحقيق فان قصد ذلك لم تبطل أو قال استعنت بالله أو استعنا بالله بطلت صلاته وان قصد بذلك الثناء أو الذكر كما فى فتاوى شيخى قال اذ لا عبرة بقصد ما لم يفده اللفظ ويقاس على ذلك ما أشبهه ولو سكت طويلا عمدا فى غير ركن قصير بلا غرض لم تبطل صلاته فى الأصح لأن
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 196 وكذلك المهذب للامام أبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 86، ص 87 نفس الطبعة
ذلك لا يحرم هيئة الصلاة والثانى تبطل لاشعاره بالاعراض عنها أما تطويل الركن القصير فتبطل الصلاة بتطويله
(1)
.
ولو فعل فى صلاته غير ما شرع فيها. ان كان المفعول من جنس أفعالها كزيادة ركوع أو سجود أو قعود أو قيام وان لم يطمئن لا على وجه المتابعة من المسبوق بطلت صلاته لتلاعبه لكن لو جلس من اعتداله قدر جلسة الاستراحة ثم سجد أو جلس من سجود التلاوة للاستراحة قبل قيامه لم يضر لأن هذه الجلسة معهودة فى الصلاة غير ركن بخلاف نحو الركوع فانه لم يعهد فيها الا ركنا فكان تأثيره فى تغيير نظمها أشد.
نعم لو انته من قيامه الى حد الركوع لقتل نحو حية لم يضر كما قاله الخوارزمى.
وكذا الشيخان والجهل مع قرب العهد بالاسلام أو البعد عن العلماء كالنسيان.
كما قال الأذرعى وقال فى الأنوار لو فعل ما لا يقتضى سجود سهو فظن أنه يقتضيه وسجد لم تبطل ان كان جاهلا لقرب عهده بالاسلام أو لبعده عن العلماء أما ما فعله على وجه المتابعة لامامه فلا يضر كأن اقتدى بمن اعتدل من الركوع فانه يلزمه متابعته فى الزائد ولو ركع أو سجد قبل الامام كان له العود ثانيا ولا يضر ذلك وان صدق عليه أنه زاد ركوعا أو سجودا لأجل المتابعة ولو قرأ فى صلاته آية السجدة فهوى ليسجد حتى وصل لحد الركوع ثم بدأ له تركه جاز كقراءة بعض التشهد الأول ولو سجد على خشن فرفع رأسه لئلا تنجرح جبهته ثم سجد ثانيا بطلت صلاته ان كان تحامل على الخشن بثقل رأسه فى أحد احتمالين للقاضى حسين يظهر ترجيحه والا فلا تبطل
(2)
.
والاحتمال الثانى تبطل مطلقا هذا اذا كان ما أتى به فعلا.
أما القول فلو نقل ركنا قوليا غير السّلام أو كرره عمدا فانه لا يضر على النص وان لم يكن المفعول من جنس أفعالها كالمشى والضرب فتبطل بكثيره ولو سهوا لأن الحاجة لا تدعوا اليه أما اذا دعت الحاجة اليه كصلاة شدة الخوف أو المتنفل على الراحلة اذا احتاج الى تحريك يده أو رجله فانه لا يضر وان كثر لا قليله ولو عمدا وفارق الفعل القول حيث استوى قليله وكثيره فى الابطال بأن الفعل يتعذر أو يعسر الاحتراز عنه فعفى عن القدر الذى لا يخل بالصلاة بخلاف القول وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل امامة بنت بنته فكان اذا سجد وضعها واذا قام حملها رواه الشيخان.
وأمر بقتل الأسودين فى الصلاة الحية والعقرب وخلع نعليه فى صلاته نعم الأكل القليل العمد يبطلها وكذا الفعل القليل بقصد اللعب والكثرة والقلة بالعرف فى الأصح فما يعده الناس قليلا كخلع الخف ولبس الثوب الخفيف وقتل قملة ودمها عفو فقليل نعم ان حمل جلد القملة المقتولة بطلت صلاته فالخطوتان المتوسطتان أو الضربتان كذلك أو الاشارة برد السّلام قليل لحديث خلع النعلين وما يعده الناس كثيرا مما ذكر أو غيره فكثير وقد مثل له صاحب المنهاج فى قوله والثلاث من ذلك أو غيره كثير ان توالت سواء أكانت من جنس الخطوات أم أجناس كخطوة وضربة وخلع نعل وسواء أكانت الخطوات الثلاث بقدر خطوة واحدة أم لا كما قاله الامام وقيل القليل ما لا يحتاج فيه الى كلتا اليدين والكثير ما يحتاج الى ذلك كعقد الأزار والتعمم وقيل الكثير ما يسع وقته ركعة والقليل خلافه وقيل غير ذلك هذا ان توالت أما لو أتى بالثلاث متفرقة بحيث تعد الثانية مثلا منقطعة عن
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 197، ص 198 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 199، ص 200 الطبعة السابقة
الأولى أو الثانية منقطعة عن الثالثة فانه لا يضر لحديث حمل أمامة وعند البغوى أن يكون بينهما قدر ركعة لو فعل واحدة بنية الثلاث بطلت صلاته.
كما قاله العمرانى واذا تكلم بحرف ونوى أن يأتى بحرفين هل تبطل صلاته قياسا على ذلك أولا لم أر من تعرض له والظاهر الأول ولو تردد فى فعل فعله هل وصل الى حد الكثرة أولا لم يضر.
كما قاله الامام لأن الأصل عدمه. وتبطل بالوثبة لمنافاتها للصلاة لا الحركات الخفيفة المتوالية كتحريك أصابعه. بلا حركة كفه فى سبحة أو عقد أو حل أو حك أو نحو ذلك كتحريك لسانه أو أجفانه أو شفتيه أو ذكره مرارا ولاء فلا تبطل بذلك فى الأصح اذ لا يخل ذلك بهيئة الخشوع والتعظيم فأشبه الفعل القليل.
والثانى تبطل بذلك لأنها أفعال كثيرة متوالية فأشبهت الخطوات فان حرك كفه فى ذلك ثلاثا متوالية بطلت خلافا للزركشى رحمه الله تعالى وما يفهم من كلام الامام من التسوية بينهما وبين الأصابع نعم ان كان به جرب لا يقدر معه على الصبر لم تبطل بتحريك كفه ثلاثا ولاء.
كما قاله الخوارزمى رحمه الله تعالى فى كافيه للضرورة ولو فتح كتابا وفهم ما فيه أو قرأ فى مصحف ولو قلب أوراقه أحيانا لم تبطل لأن ذلك يسير أو غير متوال لا يشعر بالأعراض والقليل من الفعل الذى يبطل كثيره اذا تعمده بلا حاجة مكروه لا فى فعل مندوب كقتل نحو حية وعقرب فلا يكره بل يندب كما مر.
وسهو الفعل المبطل لفحشه أو كثرته كعمده فى بطلان الصلاة به فى الأصح فيبطل كثيره وفاحشه لندور السهو ولانه يقطع نظم الصلاة والثانى واختاره فى التحقيق انه كعمد قليله.
واختاره السبكى وغيره لما مر فى حديث ذى اليدين وجهل التحريم كالسهو وتبطل بقليل الأكل لشدة منافاته لها لأن ذلك يشعر بالاعراض عنها وقيل لا تبطل به كسائر الأفعال القليلة أما الكثيرة فتبطل به قطعا ويرجع فى القلة والكثرة الى العرف كما مر وهل المبطل الفعل أو وصول المفطر جوفه وجهان أصحهما الثانى وسيأتى أن المضغ أيضا من الأفعال وذلك الا أن يكون ناسيا للصلاة أو جاهلا تحريمه لقرب عهده بالاسلام أو لبعده عن العلماء فلا تبطل بقليله قطعا. لعدم منافاته للصلاة أما كثيره فيبطل مع النسيان أو الجهل فى الأصح ولو مفرقا بخلاف الصوم فانه لا يبطل بذلك.
وفرقوا بأن للصلاة هيئة مذكرة بخلافه وهذا لا يصلح فرقا فى جهل التحريم والفرق الصالح لذلك أن الصلاة ذات أفعال منظومة والفعل الكثير يقطع نظمها بخلاف الصوم فانه كف والمكره هنا كغيره لندرة الاكراه.
فلو كان بفمه سكرة فذابت فبلع بكسر اللام وحكى فتحها ذوبها بمص ونحوه لا بمضغ بطلت صلاته فى الأصح لمنافاته للصلاة كما مر والثانى لا تبطل لعدم المضغ ثم أن المضغ من الأفعال فتبطل بكثيره وان لم يصل الى الجوف شئ من الممضوغ
(1)
.
ولا تبطل صلاته بمرور شئ بين يديه كامرأة وكلب وحمار للأخبار الصحيحة الدالة عليه.
وأما خبر مسلم يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار فالمراد منه قطع الخشوع للشغل بها
(1)
المرجع السابق مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 200، ص 201
والظاهر أن بعض الصفوف لا يكون سترة لبعضها كما هو ظاهر كلامهم ويكره الالتفات فى الصلاة بوجهه يمنة أو يسرة فأنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد كما صح فى البخارى ولمنافاته الخشوع.
وقد روى أبو داود والنسائى لا يزال الله مقبلا على العبد فى صلاته ما لم يلتفت فاذا التفت انصرف عنه.
ولهذا قال المتولى رحمه الله تعالى بحرمته.
وقال الأذرعى رحمه الله تعالى والمختار أنه ان تعمد مع علمه بالخبر حرم بل تبطل أن فعله لعبا
(1)
.
وتطويل الركن القصير بسكوت أو ذكر لم يشرع فيه يبطل عمده الصلاة فى الأصح لأن تطويله تغيير لوضعه كما لو قصر الطويل فلم يتم الواجب.
قال الامام رحمه الله تعالى ولأن تطويله يخل بالموالاة فيسجد لسهوه قطعا.
والثانى لا يبطل عمده لما رواه مسلم عن أنس رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى يقول القائل قد نسى وعلى هذا ففى سجود السهو وجهان أصحهما نعم
(2)
.
ولو نسى التشهد الأول مع قعوده أو وحده أو قعوده وحده فيما اذا لم يحسن التشهد فذكره بعد انتصابه لم يعد له أى يحرم عليه العود لأنه تلبس بفرض فلا يقطعه لسنة فأن عاد عامدا عالما بتحريمه بطلت صلاته لأنه زاد قعودا عمدا وقيل يجوز له العود ما لم يشرع فى القراءة أو عاد له ناسيا أنه فى صلاة فلا تبطل لعذره ويلزمه القيام عند تذكره ويسجد للسهو لأنه زاد جلوسا وترك تشهدا أو جاهلا بتحريم العود.
فكذا لا تبطل فى الأصح كالناسى لأنه مما يخفى على العوام ويلزمه القيام عند العلم ويسجد للسهو.
والثانى تبطل لتقصيره بترك التعلم وهذا الخلاف فى المنفرد والامام والمأموم فلا يجوز له أن يتخلف عن امامه للتشهد فان تخلف بطلت صلاته لفحش المخالفة فان قيل قد صرحوا بأنه لو ترك امامه القنوت فله أن يتخلف ليقنت اذا لحقه فى السجدة الأولى.
أجيب بأنه فى تلك لم يحدث فى تخلفه وقوفا وهذا أحدث فيه جلوس تشهد.
فقول بعض المتأخرين من أنه لو جلس امامه للاستراحة فالأوجه أنه له التخلف ليتشهد اذا لحقه فى قيامه لأنه حينئذ لم يحدث جلوسا فمحل بطلانها اذا لم يجلس امامه ممنوع لأن جلوس الاستراحة هنا غير مطلوب ولو قعد المأموم فانتصب الامام ثم عاد قبل قيام المأموم حرم قعوده معه لوجوب القيام عليه بانتصاب الامام ولو انتصبا معا ثم عاد الامام لم يعد المأموم لأنه اما مخطئ به فلا يوافقه فى الخطأ أو عامد فصلاته باطلة بل يفارقه أو ينتظره حملا على أنه عاد ناسيا فان عاد معه عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته أو ناسيا أو جاهلا فلا
(3)
.
ولو نسى من صلاته ركنا وسلم منها بعد فراغها ثم أحرم عقبها بأخرى لم تنعقد لأنه محرم بالأولى فان ذكر قبل طول الفصل بين السّلام وتيقن الترك بنى على الأول وان تخلل
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 302 نفس الطبعة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 207 نفس الطبعة
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 208 نفس الطبعة
كلام يسير ولا يعتد بما أتى به من الثانية أو بعد طوله استأنفها لبطلانها بطول الفصل فان أحرم بالأخرى بعد طول الفصل انعقدت الثانية لبطلان الأولى بطول الفصل وأعاد الأولى
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير أن المصلى اذا أكل أو شرب عامدا فى الفرض بطلت صلاته لا نعلم فيه خلافا.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المصلى ممنوع من الأكل والشرب. وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أكل أو شرب فى صلاة الفرض عامدا أن عليه الاعادة.
وان فعله فى التطوع أبطله فى الصحيح من المذهب وهو قول أكثر الفقهاء. لأن ما أبطل الفرض أبطل التطوع كسائر المبطلات.
وعن أحمد رحمه الله تعالى أنه لا يبطلها.
ويروى عن ابن الزبير وسعيد بن جبير أنهما شربا فى التطوع.
وهذا قول أسحق رحمه الله تعالى لأنه عمل يسير أشبه غير الأكل.
فأما ان كثر فأنه يفسدها بغير خلاف لأن غير الأكل من الأعمال يبطل الصلاة اذا كثر.
فالأكل والشرب أولى. فان كان سهوا وكثر أبطل الصلاة أيضا بغير خلاف لما ذكرنا. وأن كان يسيرا لم يبطل.
ويدل لنا عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم (عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان) ولأنه يسوى بين قليله وكثيره حال العمد فعفى عنه فى الصلاة اذا كان سهوا كالعمل من جنسها.
واذا ترك فى فيه ما يذوب كالسكر فذاب منه شئ فابتلعه أفسد الصلاة لأنه أكل وان بقى بين أسنانه أو فى فيه من بقايا الطعام يسير يجرى به الريق فابتلعه لم تبطل لأنه يشق الاحتراز منه.
وان ترك فى فيه لقمة ولم يبتلعها كره لأنه يشغله عن خشوع الصلاة.
وعن الذكر والقراءة فيها ولا يبطلها لأنه عمل يسير فهو كما لو أمسك شيئا فى يده
(2)
.
وان سلم قبل اتمام صلاته عمدا أبطلها لأنه تكلم فيها عامدا. ولو سلم قبل اتمام صلاته ساهيا ثم علم قبل طول الفصل ولم ينتقض وضوءه فصلاته صحيحة لا تبطل بالسلام وعليه. أن يأتى بما بقى منها ثم يتشهد ويسلم ويسجد سجدتين ويتشهد ويسلم فان لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس لينهض الى الاتيان بما بقى عن جلوس لأن هذا القيام واجب فى الصلاة ولم يأت به لها فلزمه الاتيان به مع النية ولا نعلم فى جواز الاتمام فى حق من نسى ركعة فما زاد خلافا.
والأصل فى هذا ما روى ابن سبرين عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احدى صلاتى العشاء.
قال ابن سبرين رحمه الله تعالى: سماها لنا أبو هريرة ولكن أنا نسيت فصلى ركعتين ثم
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 214
(2)
المغنى لأبى محمد بن عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسى على متن المقنع للامام شمس الدين الطبعة الأولى سنة 1348 طبع مطبعة المنار بمصر ج 1 ص 674، ص 675 فى كتاب على الشرح الكبير
سلم فقام الى خشبة معروضة فى المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من المسجد فقالوا: قصرت الصلاة وفى القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه وفى القوم رجل فى يديه طول يقال ذو اليدين فقال:
يا رسول الله انسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال:
(لم أنسى ولم تقصر) فقال: أكما يقول ذو اليدين) قالوا: نعم قال: فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر. وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر
(1)
. هذا اذا لم يكن الفصل طويلا وأما ان طال الفصل أو انتقض وضوءه فان عليه أن يستأنف الصلاة لأنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل كما لو انتقض وضوؤه والمرجع فى طول الفصل وقصره الى العادة.
والصحيح أنه لا حد له اذ لم يرد بتحديده نص فيرجع فيه الى العادة والمقاربة لمثل حال النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث ذى اليدين.
فاذا لم يذكره حتى شرع فى صلاة أخرى فان طال الفصل بطلت الأولى لما ذكرنا وان لم يطل الفصل عاد الى الأولى فأتمها
(2)
.
واذا سلم يظن أن صلاته قد تمت فتكلم لغير مصلحة الصلاة كقوله يا غلام اسقنى ماء ونحوه بطلت صلاته.
نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه فى رواية يوسف بن موسى وجماعة سواء لقول النبى صلى الله عليه وسلم ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس. انما هى التسبيح والتكبير وقراءة القرآن رواه مسلم.
وعن زيد بن أرقم رضى الله تعالى عنه قال:
كنا نتكلم فى الصلاة يكلم أحدنا صاحبه وهو الى جنبه حتى نزلت ({وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ}) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام رواه مسلم.
وفى رواية ثانية: أن الصلاة لا تفسد بالكلام فى تلك الحال بحال. وان تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات احداها أن الصلاة لا تفسد لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه تكلموا فى صلاتهم فى حديث ذى اليدين وبنوا على صلاتهم وفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أسوة حسنة.
نص على ذلك أحمد فى رواية جماعة من أصحابه وممن روى أنه تكلم بعد أن سلم وأتم صلاته الزبير وأبناه وصوبه ابن عباس رضى الله تعالى عنه. وهو الصحيح ان شاء الله تعالى والثانية تفسد صلاتهم وهو قول الخلال وصاحبه.
ومذهب أصحاب الرأى لعموم أحاديث النهى والثالثة أن صلاة الامام لا تفسد لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان اماما فتكلم وبنى على صلاته المأمومين تفسد لأنه لا يصح اقتداؤهم بأبى بكر رضى الله تعالى عنهم لأنهما تكلما مجيبين للنبى صلى الله عليه وسلم واجابته واجبة عليهما ولا بذى اليدين لأنه تكلم سائلا عن نقص الصلاة فى وقت يمكن ذلك فيها. وهذا غير موجود فى زماننا.
وهذا اختيار الخرقى رحمه الله تعالى وربما خصصناه بالكلام فى شأن الصلاة لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه انما تكلموا فى شأن الصلاة
(3)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 675، ص 676 فى كتاب على الشرح الكبير
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 677 الشرح الكبير
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 678، ص 679 فى كتاب على الشرح الكبير الآية رقم 238 من سورة البقرة
أما ان تكلم فى صلب الصلاة فانها تبطل وعنه لا تبطل اذا كان ساهيا أو جاهلا ويسجد له ومتى تكلم عمدا عالما أنه فى الصلاة مع علمه بتحريم ذلك لغير مصلحة الصلاة ولا لأمر يوجب الكلام بطلت صلاته اجماعا.
حكاه ابن المنذر لقول النبى صلى الله عليه وسلم أن صلاتنا هذه لا تصلح فيها شئ من كلام الناس.
وعن زيد بن أرقم رضى الله تعالى عنه قال كنا نتكلم فى الصلاة يكلم أحدنا صاحبه الى جنبه حتى نزلت ({وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ}) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام رواهمما مسلم.
وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال:
كنا نسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشى سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك فى الصلاة فترد علينا؟ قال (أن فى الصلاة لشغلا) متفق عليه.
ولأبى داود رحمه الله تعالى (ان الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث أن لا تتكلموا فى الصلاة). فأما ان تكلم جاهلا بتحريم ذلك فى الصلاة.
فقال القاضى فى الجامع: لا أعرف عن أحمد نصا فى ذلك.
وقد ذكر شيخنا فيه هاهنا روايتين احداهما:
تبطل صلاته لأنه ليس من جنسه ما هو مشروع فى الصلاة أشبه العمل الكثير والعموم أحاديث النهى والثانية. لا تبطل.
لما روى عن معاوية بن الحكم السلمى قال:
بينا أنا أصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم اذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت: وأثكل أماه ما شأنكم تنظرون الى فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصختوننى لكنى سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبى وأمى ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فو الله ما كهرنى
(1)
ولا ضربنى ولا شتمنى ثم قال (أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هى التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه مسلم فلم يأمره بالاعادة فدل على صحتها وفى كلام الناسى روايتان احداهما لا تبطل لأن النبى صلى الله عليه وسلم تكلم فى حديث ذى اليدين.
وقد ذكرنا حديث معاوية وما عذر فيه بالجهل عذر فيه.
والثانية تفسد صلاته وهو قول اللخمى وأصحاب الرأى لعموم أحاديث المنع من الكلام واذا قلنا أنه لا يبطل الصلاة سجد لعموم الأحاديث ولأن عمده يبطل الصلاة فوجب السجود لسهوه كترك الواجبات
(2)
.
فان تكلم فى صلب الصلاة لمصلحة الصلاة مع علمه أنه فى الصلاة بطلت صلاته لعموم الأحاديث. وذكر القاضى فى ذلك الروايات الثلاث التى ذكرناها فى المسئلة التى قبلها ويحتمله كلام الخرفى رحمه الله تعالى لعموم لفظه.
وهو مذهب الأوزاعى رحمه الله تعالى فانه
(1)
الكهر القهر والانتهار والضحك واستقبالك انسانا بوجه عباس تهاونا به انظر مادة كهر فى لسان العرب والقاموس المحيط
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 679، ص 680، ص 681 نفس الطبعة
قال: لو أن رجلا قام للامام وقد جهر بالقراءة فى القراءة انها العصر لم تفسد صلاته.
ولأن الامام يطرقه حال يحتاج الى الكلام فيها وهو ما لو نسى القراءة فى ركعة فذكرها فى الثانية فقد فسدت عليه ركعة فيحتاج أن يبدلها بركعة فى ظن المأمومين خامسة ليس لهم موافقته فيها ولا سبيل الى اعلامهم بغير الكلام وقد يشك فى صلاته فيحتاج الى السؤال:
قال شيخنا ولم أعلم عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا عن الامام نصا فى الكلام فى غير الحال التى سلم معتقد تمام صلاته ثم تكلم بعد السّلام وقياس الكلام فى صلب الصلاة عالما بها على هذا الحال ممتنع لأن هذه حال نسيان لا يمكن التحرز من الكلام فيها وهى أيضا حال يتطرق الجهل الى صاحبها بتحريم الكلام فيها فلا يصح قياس ما يفارقها فى هذين الأمرين عليها واذا عدم النص والقياس والاجماع امتنع ثبوت الحكم لأنه بغير دليل ولا سبيل اليه
(1)
.
فان تكلم مغلوبا على الكلام وهو ثلاثة أنواع احدها. أن يخرج الحروف من فيه بغير اختياره مثل أن يتشاءب فيقول هاه أو يتنغش فيقول آه أو يسعل فينطق بحرفين أو يغلط فى القرآن فيأتى بكلمة من غير القرآن أو يغلبه البكاء فلا تفسد صلاته فى المنصوص عنه فيمن غلبه البكاء.
وقد كان عمر رضى الله تعالى عنه يبلى حتى يسمع له نشيج.
وقال مهنا رحمه الله تعالى صليت الى جانب أبى عبد الله فتثاءب خمس مرات وسمعت لتشاؤبه هاه هاه وهذا لأن الكلام هنا لا ينسب اليه ولا يتعلق به حكم من أحكام الكلام.
وقال القاضى رحمه الله تعالى فيمن تشاءب فقال هاه. تفسد صلاته وهذا محمول على أن من فعل هذا غير مغلوب عليه لما ذكرنا.
وذكر ابن عقيل رحمه الله تعالى فيه احتمالين احدهما تبطل صلاته لأنه لا يشرع جنسه فى الصلاة أشبه الحدث والثانى لا تبطل لما ذكرنا
(2)
.
النوع الثانى أن ينام فيتكلم فقد توقف أحمد رحمه الله تعالى عن الكلام فيه والأولى الحاقه بالفصل الذى قبله لأن القلم مرفوع عنه.
وكذلك لعتقه ولاطلاقه حكم.
النوع الثالث: أن يكره على الكلام فيحتمل أن يكون ككلام الناس لأن النبى صلى الله عليه وسلم جمع بينهما فى العفو بقوله (عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
قال القاضى رحمه الله تعالى: وهذا أولى بالعفو وصحة الصلاة لأن الفعل غير منسوب اليه ولهذا لو أكره على اتلاف ما لم يضمنه والناسى يضمن ما أتلفه.
قال شيخنا رحمه الله تعالى والصحيح ان شاء الله أن صلاته تفسد لأنه أتى بما يفسد الصلاة عمدا أشبه ما لو أكره على صلاة الفجر أربعا وقياسه على الناسى لا يصح لوجهين أحدهما أن النسيان يكثر بخلاف الاكراه.
الثانى: أنه لو نسى فزاد فى الصلاة أو نقص لم تفسد صلاته ولم يثبت مثله فى الاكراه
(3)
.
وكل كلام حكمنا بأنه لا يفسد الصلاة فانما هو اليسير منه. فان كثر وطال أفسد الصلاة.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 681 نفس الطبعة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 682 فى كتاب نفس الطبعة
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 682، ص 683 نفس الطبعة
قال القاضى رحمه الله تعالى فى المجرد كلام الناسى اذا طال يفسد رواية واحدة.
وقال فى الجامع: لا فرق بين القليل والكثير فى ظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى. لأن ما عفى عنه بالنسيان استوى قليله وكثيره كالأكل فى الصيام ووجه الأول أن دلالة الأحاديث المانعة من الكلام عامة تركت فى اليسير عما ورد فيه من الأخبار فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم. ولا يصح قياس الكثير عليه لعدم امكان التحرز من اليسير ولأن اليسير قد عفى عنه فى العمل من غير جنس الصلاة بخلاف الكثير.
والكلام المبطل ما انتظم حرفين فصاعدا هذا قول أصحابنا لأن الحرفين تكون كلمة كقوله أب وأخ ويد ودم وكذلك لأفعال والحروف لا تنتظم كلمة من أقل من حرفين ولو قال «لا» فسدت صلاته لأنها حرفان لام وألف وان قهقه أو نفخ أو انتحب فبان حرفان فهو كالكلام الا ما كان من خشية الله تعالى.
وقال أصحابنا فى النحنحة مثل ذلك.
وقد روى عن أبى عبد الله رحمه الله تعالى أنه كان يتنحنح فى الصلاة ولا يراها مبطلة الصلاة. اذا ضحك فبان حرفان فسدت صلاته.
وكذلك ان قهقه ولم يتبين حرفان. ذكره شيخنا رحمه الله تعالى فى المغنى.
وقال القاضى فى المجرد: ان قهقه فبان حرف واحد لم تبطل صلاته فان بان حرفان القاف والهاء فهو كالكلام تبطل ان كان عامدا وان كان ساهيا أو جاهلا خرج على الروايتين وهو ظاهر قول الشيخ رحمه الله تعالى فى هذا الكتاب.
وقال ابن المنذر أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة. وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها.
وقد روى الدار قطنى فى سننه عن جابر بن عبد الله رحمه الله تعالى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء) فأما النفخ فمتى انتظم حرفين أفسد الصلاة لأنه كلام والا لم يفسدها.
وقد قال أحمد رحمه الله تعالى النفخ عندى بمنزلة الكلام.
وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: من نفخ فى الصلاة فقد تكلم.
وروى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه الا أن ابن المنذر رحمه الله تعالى: قال لا يثبت عن ابن عباس ولا أبى هريرة.
وروى عن أحمد رحمه الله تعالى أنه قال:
أكرهه ولا أقوله يقطع الصلاة ليس كلاما.
روى عن ابن مسعود وابن عباس وابن سيرين والنخعى واسحق. وجمع القاضى رحمه الله تعالى بين قولى أحمد فقال الموضع الذى قال لا يقطع الصلاة اذا لم ينتظم منه حرفان.
قال شيخنا رحمه الله تعالى والصحيح أنه لا يقطع الصلاة ما لم ينتظم منه حرفان.
لما روى عبد الله بن عمرو رضى الله تعالى عنهما قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكر الحديث الى أن قال ثم نفخ فقال: أف أف وأما البكاء والتأوه والأنين فما كان مغلوبا عليه (1) المرجع السابق ج 1 ص 683، ص 684 نفس الطبعة
لم يؤثر لما ذكرنا من قبل وما كان غير ذلك.
فان كان لغير خشية الله أفسد الصلاة وان كان من خشية الله.
فقال القاضى وأبو الحطاب رحمهما الله تعالى التأوه والبكاء لا يفسد الصلاة. وكذلك الأنين.
وقال القاضى التأوه ذكر مدح الله تعالى ابراهيم عليه السلام به فقال ({إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ}
(1)
والذكر لا يفسد الصلاة. ولأن الله سبحانه وتعالى مدح الباكين فقال ({خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا}
(2)
.
وروى مطرف عن أبيه رضى الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ولصدره أزير كأزير المرجل رواه الخلال قلت: رواه أحمد وأبو داود.
وقال عبد الله بن شداد رضى الله تعالى عنه سمعت نشيج عمر وأنا فى آخر الصفوف.
وقال شيخنا لم أر عن أحمد رحمه الله تعالى فى البكاء ولا فى الأنين شيئا والأشبه بأصوله أنه متى فعله مختارا فسدت صلاته فأنه قال فى رواية مهنا فى البكاء لا يفسد الصلاة ما كان من غلبة ولأن الحكم لا يثبت الا بنص أو قياس أو اجماع أو عموم النصوص تمنع من الكلام كله. ولم يرد فى الأنين والتأوه نص خاص.
والمدح على التأوه لا يخصصه كتشميت العاطس ورد السّلام والكلمة الطيبة
(3)
.
واذا أتى بذكر شروع يقصد به تنبيه غيره فذلك ثلاثة أنواع الأول مشروع فى الصلاة مثل أن يسهو أمامه فيسبح به ليذكره أو يترك امامه ذكرا فيرفع المأموم صوته به ليذكره أو يستأذن عليه انسان فى الصلاة أو بكلمة أو ينوبه شئ فيسبح ليعلم أنه فى صلاة أو يخشى على انسان الوقوع فى شئ فيسبح به ليوقظه أو يخشى أن يتلف شيئا فيسبح به ليتركه فهذا لا يؤثر فى الصلاة فى قول أكثر أهل العلم لقول النبى صلى الله عليه وسلم (من نابه شئ فى الصلاة فليقل سبحان الله فأنه لا يسمعه أحد يقول سبحان الله فانه لا يسمعه أحد يقول سبحان الله الا التفت وفى لفظ (اذا نابكم أمر فلسبح الرجال ولتصفق النساء) متفق عليه وهو عام فى كل أمر ينوب المصلى.
وفى السند عن على رضى الله تعالى عنه كنت اذا استأذنت على النبى صلى الله عليه وسلم ان كان فى صلاة سبح وان كان فى غير صلاة أذن ولأنه نبه بالتسبيح أشبه ما لو نبه الامام ولو كان تنبيه غير الامام كلاما مبطلا لكان تنبيه الامام كذلك
(4)
.
واذا أرتج على الامام فى الفاتحة لزم من وراءه الفتح عليه كما لو نسى سجدة لزمهم تنبيه بالتسبيح فان عجز عن اتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلى بهم لأنه عذر فجاز أن يستخلف من أجله كما لو سبقه الحدث وكذلك لو عجز فى أثناء الصلاة عن ركن يمنع الائتمام كالركوع أو السجود فانه يستخلف من يتم بهم الصلاة كمن سبقه الحدث بل هذا أولى بالاستخلاف لأن من سبقه الحدث قد بطلت صلاته وهذا صلاته صحيحة ويسقط عنه ما عجز عنه وتصح صلاته لأن القراءة ركن عجز عنه فى أثناء الصلاة فسقط كالقيام فأما المأموم فان كان أميا عاجزا عن قراءة الفاتحة صحت صلاته
(1)
الآية رقم 114 من سورة التوبة
(2)
الآية رقم 58 من سورة مريم
(3)
المغنى لابن محمد عبد الله بن أحمد بن قدامه المقدسى ج 1 ص 685، ص 686 الطبعة السابقة
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 711 نفس الطبعة
أيضا وان كان قارئا نوى مفارقته وأثم وحده ولا يصح له اتمام الصلاة خلفه لأن هذا قد صار حكمه حكم الأمى والصحيح أنه اذا لم يقدر على قراءة الفاتحة ان صلاته تفسد لأنه قادر على الصلاة بقراءتها فلم تصح صلاته بدون ذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولا يصح قياس هذا على الأمى لأن الأمى لو قدر على تعلمها قبل خروج الوقت لم تصح صلاته بدونها وهذا يمكنه أن يخرج فيسأل عما وقف عليه ولا يصلى ولا قياسه على أركان الأفعال لأن خروجه من الصلاة لا يزيل عجزه عنها ولا يأمن عود مثل ذلك لعجز بخلاف هذا
(1)
.
والنوع الثانى من الذكر ما لا يتعلق به آدمى الا أنه لسبب من غير الصلاة مثل أن يعطس فيحمد الله أو تلسعه عقرب فيقول بسم أو يسمع أو يرى ما يغمه فيقول ({إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}) أو يرى عجبا فيقول سبحان الله. فهذا لا يستحب فى الصلاة ولا يبطلها نص عليه أحمد رحمه الله تعالى فى رواية الجماعة فبمن عطس فحمد الله لم تبطل صلاته.
وقال فى رواية مهنا فيمن قيل له وهو يصلى ولذلك غلام فقال الحمد لله أو قيل له احترق دكانك قال لا اله الا الله. أو ذهب كيسك فقال لا حول ولا قوة الا بالله. فقد مضت صلاته ولو قيل له مات أبوك فقال ({إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}) فلا يعيد صلاته.
وذكر حديث على رضى الله تعالى عنه حين أجاب الخارجى لما روى عامر بن ربيعة رضى الله تعالى عنه قال عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى الصلاة فقال الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه حتى يرضى ربنا وبعد ما يرضى من أمر الدنيا والآخرة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من القائل الكلمة؟ فأنه لم يقل بأسا ما تناهت دون العرش) رواه أبو داود.
وعن على رضى الله تعالى عنه أنه قال له رجل من الخوارج وهو فى صلاة الغداة فناداه ({لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ}
(2)
قال فأنصت له حتى فهم ثم أجابه وهو فى الصلاة (فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون.
احتج به أحمد رحمه الله تعالى ورواه أبو بكر البنجاد باسناده ولا ما لا يبطل الصلاة ابتداء لا يبطلها اذا أتى به عقيب سببه كالتسبيح لتنبيه امامه.
وقد روى عن أحمد رحمه الله تعالى أن صلاته تفسد لأنه كلام آدمى فقد قال فيمن قال له ولذلك فقال الحمد لله رب العالمين أو ذكر مصيبة فقال: {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}
(3)
قال يعيد الصلاة.
وقال القاضى رحمه الله تعالى هذا محمول على من قصد خطاب آدمى.
قال الخلال رضى الله تعالى عنه اتفق الجميع عن أبى عبد الله على أن العاطس لا يرفع صوته بالحمد وأن يرفع فلا بأس بدليل حديث الأنصارى.
وقال أحمد فى الامام يقول (لا اله الا الله) فيقول من خلفه (لا اله الا الله) يرفعون بها
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 712، ص 713 نفس الطبعة
(2)
الآية رقم 65 من سورة الزمر
(3)
الآية رقم 156 من سورة البقرة
أصواتهم قال: يقولون ولكن يخفون ذلك فى أنفسهم وانما لم يكره أحمد رحمه الله تعالى ذلك كما كره القراءة خلف الامام لأنه يسير لا يمنع الانصات فجرى مجرى التأمين قيل لأحمد فان رفعوا أصواتهم بهذا قال أكرهه قيل فينهاهم الامام قال لا ينهاهم.
قال القاضى انما لم ينههم لأنه قد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم الجهر بمثل ذلك فى صلاة الاخفاء فأنه كان يسمعهم الآية أحيانا.
قيل لأحمد رحمه الله تعالى اذا قرئ ({أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى}
(1)
هل يقول (سبحان ربى الأعلى) قال ان شاء قاله فيما بينه وبين نفسه ولا يجهر به فى المكتوبة وغيرها.
وقد روى عن على رضى الله تعالى عنه أنه قرأ فى الصلاة (سبح اسم ربك الأعلى) فقال سبحان ربى الأعلى.
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قرأ فى الصلاة أليس فى ذلك بقادر على أن يحيى الموتى فقال سبحانك وبلى).
وعن موسى بن أبى عائشة قال: كان رجل يصلى فوق بيته فكان اذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) قال: بسبحانك قبلى.
فسألوه عن ذلك فقال سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود ولأنه ذكر ورد الشرع به فجاز فى التسبيح فى موضعه.
النوع الثالث: أن يقرأ القرآن يقصد به تنبيه آدمى مثل أن يقول ({اُدْخُلُوها بِسَلامٍ}
(2)
يريد الأذن أو يقول لرجل اسمه يحيى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة
(3)
أو يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا
(4)
.
فقد روى عن أحمد رحمه الله تعالى أن صلاته تبطل بذلك وهو مذهب أبى حنيفة لأنه خطاب آدمى فأشبه ما لو كلمه. وروى عنه ما يدل على أنها لا تبطل لأنه قال فيمن قيل له مات أبوك فقال ({إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}) لا يعيد الصلاة.
واحتج بحديث على كرم الله وجهه حين قال للخارجى: ({فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ}
(5)
.
وروى نحو هذا عن ابن مسعود وابن أبى ليلى.
وروى أبو بكر الخلال باسناده عن عطاء من السائب قال استأذنا على عبد الرحمن بن أبى ليلى وهو يصلى فقال: ({اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ}
(6)
فقلنا كيف صنعت فقال استأذنا على عبد الله بن مسعود وهو يصلى فقال أدخلوا مصر ان شاء الله آمنين ولأنه قرأ القرآن فلم تفسد صلاته كما لو يقصد به التنبيه.
وقال القاضى وان قصد التلاوة دون التنبيه لم تفسد صلاته وان قصد التنبيه دون التلاوة فسدت صلاته لأنه خاطب آدميا وان قصدهما جميعا ففيه وجهان.
أحدهما لا تفسد صلاته والثانى تفسد صلاته لأنه خاطب آدميا. أشبه ما لو لم يقصد التلاوة فأما ان أتى ما لا يتميز به القرآن من غيره كقوله لرجل اسمه ابراهيم يا ابراهيم أو لعيسى يا عيسى ونحو ذلك فسدت صلاته لأن هذا كلام الناس ولم يتميز عن كلامهم بما يتميز به القرآن فأشبه ما لو جمع بين كلمات متفرقة فى
(1)
الآية رقم 1 من سورة الأعلى
(2)
الآية رقم 46 من سورة الحجر
(3)
الآية رقم 12 من سورة مريم
(4)
الآية رقم 32 من سورة هود
(5)
الآية رقم 60 من سورة الروم
(6)
الآية رقم 99 من سورة يوسف
القرآن فقال يا ابراهيم هذا الكتاب الكبير
(1)
.
وطهارة موضع الصلاة شرط أيضا وهو الموضع الذى تقع عليه أعضاؤه وتلاقيه ثيابه التى عليه فلو كان على رأسه طرف عمامة وطرفها الآخر يسقط على نجاسة لم تصح صلاته.
وذكر ابن عقيل رحمه الله تعالى احتمالا فيما تقع عليه ثيابه خاصة أنه لا يشترط طهارته لأنه يباشرها بما هو منفصل عن ذاته أشبه ما لو صلى الى جانبه انسان نجس الثوب فالتصق ثوبه به والأول المذهب لأن سترته تابعة له فهى كأعضاء سجوده فأما اذا كان ثوبه يمس شيئا نجسا كثوب من يصلى الى جانبه أو حائط لا يستند اليه
(2)
.
وقال ابن عقيل رحمه الله تعالى لا تفسد صلاته بذلك لأنه ليس بمحل لبدنه ولا سترته ويحتمل أن يفسد لأن سترته ملاقية لنجاسة أشبه ما لو وقعت عليها وان كانت النجاسة محاذية لجسمه فى حال سجوده بحيث لا يلتصق بها شئ من بدنه ولا أعضائه لم يمنع صحة صلاته لأنه لم يباشر النجاسة فأشبه ما لو خرجت عن محاذاته. واذا صلى ثم رأى عليه نجاسة فى بدنه أو ثيابه لا يعلم هل كانت عليه فى الصلاة أو لا فصلاته صحيحة لأن الأصل عدمها فى الصلاة وان علم أنها كانت فى الصلاة لكن جهلها حتى فرغ من الصلاة ففيه روايتان أحداهما.
لا تفسد صلاته هذا قول ابن عمر وعطاء وسعيد بن المسيب وسالم ومجاهد والشعبى والنخعى والزهرى ويحيى والأنصارى واسحق وابن المنذر والثانية يعيد وهو قول أبى قلابة لأنها طهارة مشترطة للصلاة فلم تسقط بجهلها كطهارة الحدث
(3)
. واذا صلى على منديل طرفه نجس وكان تحت قدمه حبل مشدود فى نجاسة وما يصلى عليه طاهر فصلاته صحيحة سواء تحرك النجس بحركته أو لم يتحرك لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها وانما اتصل مصلاه بها أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة.
وقال بعض أصحابنا اذا كان النجس يتحرك بحركته لم تصح صلاته والمعول على ما ذكرنا فأما ان كان الحبل أو المنديل متعلقان بحيث ينجر معه اذا مشى لم تصح صلاته لأنه مستتبع لها فهو كحاملها ولو كان فى يده أو وسطه حبل مشدود فى نجاسة أو حيوان نجس أو سفينة صغيرة فيها نجاسة تنجر معه اذا مشى لم تصح صلاته لأنه مستتبع لها فهو كحاملها وان كانت السفينة كبيرة لا يمكنه جرها أو الحيوان كبيرا لا يقدر على جره اذا استعصى عليه لم تفسد صلاته لأنه ليس يستتبع لها.
قال القاضى رحمه الله تعالى وهذا اذا كان الشد فى موضع طاهر فان كان مشدودا فى نجس غسله صلاته لأنه حامل لما هو ملاق للنجاسة والأولى أن صلاته لا تفسد لأنه لا يقدر على استتباع ما هو ملاق للنجاسة فأشبه ما لو أمسك سفينة عظيمة فيها نجاسة أو غصنا من شجرة عليها نجاسة
(4)
.
قال أحمد رحمه الله تعالى فى رجلين أم أحدهما صاحبه فشم كل واحد منهما ريحا أو سمع صوتا يعتقد أنه من صاحبه وكى يقول ليست منى يتوضآن ويصليان انما فسدت صلاتهما لأن كل
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 713، ص 714، ص 715 نفس الطبعة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 716، ص 717 نفس الطبعة
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 718، ص 917 نفس الطبعة
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 719، ص 720 نفس الطبعة
واحد منهما يعتقد فساد صلاة صاحبه وأنه صار فذا وهذا على الرواية التى تقول بفساد صلاة كل واحد من الامام والمأموم بفساد صلاة صاحبه لكونه صار فذا وعلى الرواية المقصورة ينوى كل واحد منهما الانفراد ويتم الصلاة ويحتمل أنه انما قضى بفساد صلاتهما اذا أتما الصلاة على ما كان عليه من غير فسخ النية فأن المأموم يعتقد أنه مؤتم بمحدث اذ ليس لأحدهما أن يأتم بصاحبه أو يؤمه مع اعتقاد حدثه ولعله أو بذلك احتياطا أما اذا صليا منفردين لا يجب الوضوء والامام يعتقد أنه يؤم محدثا وأما الوضوء فلعل الامام أحمد رحمه الله تعالى انما أراد بقوله يتوضأن لتصح صلاتهما جماعة واحد منهما لأن يقين الطهارة موجودة فى كل واحد منهما والحدث مشكوك فيه فلا يزول اليقين بالشك
(1)
.
مذهب الظاهرية
جاء فى المحلى أنه لا يحل تعمد الكلام مع أحد من الناس فى الصلاة. لا مع الامام فى اصلاح الصلاة ولا مع غيره. فان فعل بطلت صلاته.
ولو قال فى صلاته رحمك الله يا فلان بطلت صلاته.
وذلك قد روى عن أبى وائل عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنهم قال: كنا نسلم فى الصلاة ونأمر بحاجتنا فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى. فسلمت عليه فلم يرد على السّلام فأخذنى ما قدم وما حدث فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: ان الله يحدث من أمره ما يشاء وأن الله قد أحدث ألا تكلموه فى الصلاة فرد على السّلام ولا يجوز لأحد أن يفتى الامام الا فى أم القرآن وحدها فان التبست القراءة على الامام فليركع. أو فلينتقل الى سورة أخرى فمن تعمد أفتاءه وهو يدرى أن ذلك لا يجوز له بطلت صلاته. برهان ذلك ما ذكر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتقرأون خلفى؟ قالوا: نعم: قاله فلا تفعلوا الا بأم القرآن) فوجب أن من أفتى الامام لا يخلو من أحد وجهين أما أن يكون قصد به قراءة القرآن.
أو لم يقصد به قراءة القرآن. فان كان قصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ المأموم شيئا من القرآن حاشا أم القرآن وان كان لم يقصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز لأنه كلام فى الصلاة.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس.
وهو قول على بن أبى طالب وغيره
(2)
.
ومن تكلم ساهيا فى الصلاة فصلاته تامة. قل كلامه أو كثر. وعليه سجود السهو فقط.
وكذلك ان تكلم جاهلا.
هذا وقد روى عن عطاء ابن يسار عن معاويه ابن الحكم السلمى رضى الله تعالى عنهما قال:
بينا أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ عطس رجل من القوم فقلت:
يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت وأشكل أمياه ما شأنكم تنظرون الى؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتوننى لكنى سكت. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبأبى هو وأمى ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه.
فو الله ما كهرنى ولا ضربنى ولا شتمنى. قال ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 750 نفس الطبعة
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 2 مسألة رقم 378 وص 3 مسألة رقم 379
أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
هذا وروى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال (بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ركعتين فقام رجل من بنى سليم. فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أقصر ولم أنس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أنا صليت ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحق ما يقول ذو اليدين؟ قالوا نعم. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعتين.
وقد روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه قال. كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشى سلمنا عليه فلم يرد علينا. وقال ان فى الصلاة شغلا.
ولا خلاف فى أن ابن مسعود شهد بدرا بعد أقباله من أرض الحبشة
(2)
. ولا يحل للمصلى أن يضم ثيابه أو يجمع شوه قاصدا بذلك الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرناه باسناده أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكفت شعرا ولا ثوبا. وفرض على المصلى أن يغض بصره عن كل ما لا يحل له النظر اليه. لقول الله عز وجل. {(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}
(3)
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ} {فُرُوجَهُنَّ}
(4)
فمن فعل فى صلاته ما حرم عليه فعله ولم يشتغل بها فلم يصل كما أمر. فلا صلاة له اذا لم يأت بالصلاة التى أمر بها.
وفرض على المصلى أيضا أن لا يضحك ولا يبتسم عمدا. فان فعل بطلت صلاته. وان سها بذلك فسجود السهو فقط.
أما القهقهة فاجماع. وأما التبسم فان الله تعالى يقول: {(وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ}
(5)
والقنوت والخشوع والتبسم ضحك قال الله عز وجل:
{(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها}
(6)
ومن ضحك فى صلاته فلم يخشع. ومن لم يخشع فلم يصلى كما أمر.
روينا عن محمد بن سيرين أنه سئل عن التبسم فى الصلاة. فتلا هذه الآية. وقال لا أعلم التبسم الا ضحكا
(7)
.
وان صلت امرأة الى جنب رجل لا تأتم به ولا بامامه فذلك جائز فان كان لا ينوى أن يؤمها ونوت هى ذلك فصلاته تامة وصلاتها باطلة. فان نوى أن يؤمها وهى قادرة على التأخر عنه فصلاتهما جميعا فاسدة فان كانا جميعا مؤتمين بامام واحد ولا تقدر هى ولا هو على مكان آخر فصلاتهما تامة. وان كانت قادرة على التأخر وهو غير قادر على تأخيرها فصلاتهما باطلة وصلاته تامة. فلو قدر على تأخيرها فلم يفعل فصلاتهما جميعا باطلة.
وروى عن موسى بن أنس بن مالك عن أبيه رضى الله تعالى عنهم قال صلى بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأمرأة من أهلى. فأقامنى عن يمينه والمرأة خلفنا
(8)
. ومن تعمد فى الصلاة
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 3، ص 4 مسألة رقم 380
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 5 نفس الطبعة.
(3)
الآية رقم 30 من سورة النور.
(4)
الآية رقم 31 من سورة النور.
(5)
الآية رقم 238 من سورة البقرة.
(6)
الآية رقم 19 من سورة النمل.
(7)
المرجع السابق ج 4 ص 7 مسألة رقم 381، 382، 383 نفس الطبعة.
(8)
المرجع السابق ج 4 ص 17 مسألة رقم 387
وضع يده على خاصرته بطلت صلاته وكذلك من جلس فى صلاته متعمدا أن يعتمد على يده أو يديه.
وذلك لما روى عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال: نهى عن التخصر فى الصلاة.
وكذلك روى عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أنها رأت رجلا فى الصلاة واضعا يده على خاصرته فقالت: هكذا أهل النار فى النار
(1)
. والآتيان بعدد الركعات والسجدات فرض لا تتم الصلاة الا به. لكل قيام ركوع واحد. ثم رفع واحد. ثم سجدتان بينهما جنسة. هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة فمن نسى سجدة واحدة وقام عند نسيانه الى ركعة ثانية فأن الركعة الأولى لم تتم. وصار قيامه الى الثانية لغوا ليس بشئ ولو تعمده ذاكرا لبطلت صلاته. حتى اذا ركع ورفع كل ذلك لغو.
لأنه عمله فى غير موضعه نسيانا. والنسيان مرفوع فاذا سجد تمت له حينئذ ركعة بسجدتيها ولو نسى من كل ركعة من صلاته سجدة لكان - ان كانت الصبح أو الجمعة أو الظهر أو العصر أو العتمة فى السفر. قد صحت له ركعة.
فليأت بأخرى ثم يسجد للسهو. وان كان ذلك فى المغرب فكذلك أيضا. وليسجد سجدة واحدة ثم يقوم الى الثانية. فاذا أتمها جلس قام الى الثالثة ثم يسجد للسهو. وان كانت الظهر أو العصر أو العتمة فى الحضر فقد صحت له ركعتان كما ذكرنا. فعليه أن يأتى بركعتين ثم يسجد للسهو.
برهان ذلك قول الله تعالى: ({أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى}) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فصح يقينا أن كل عمل عمله المرء فى موضعه كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معتد له به وكل عمل عمله المرء فى غير موضعه الذى أمره صلى الله عليه وسلم فيه فهو رد. وهذا نص قولنا
(2)
.
وفرض على المصلى أن لا يبصق أمامه ولا عن يمينه. فى صلاة كان أو فى غير صلاة. وحكمه أن يبصق فى الصلاة فى ثوبه أو عن يساره تحت قدمه أو على بعد على يساره. ما لم يلق البصقة فى المسجد. أو يبصق خلفه ما لم يؤذ بذلك أحدا.
ولا يجوز البصاق فى المسجد البته وان كان فى غير صلاة الا أن يدفنه.
وذلك لما روى عن ربعى بن حراش عن طارق بن عبد الله المحاربى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا صليت فلا تبصق بين يديك ولا عن يمينك وأبصق تلقاء شمالك ان كان فارقا والا فتحت قدمك وأشار برجله
(3)
فعلى الأرض. ولا تحل الصلاة فى عطن إبل وهو الموضع الذى تقف فيه الإبل عند ورودها الماء وتبرك وفى المراج والمبيت فان كان الرأس واحد من الإبل أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة وإنما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا ثم استدركنا فقلنا الخ ولا تجوز الصلاة فى البتة فى الموضع المتخذ لبروك جمل واحد فصاعدا ولا فى المتخذ عطنا لبعير واحد فصاعدا. فمن صلى فى عطن إبل بطلت صلاته عامدا كان أو جاهلا.
وذلك لما روى عن جابر بن سمرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ان رجلا سأله أصلى
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 18، ص 19
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 20، ص 21
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 22
فى مبارك الأبل قال لا
(1)
ولا يحل لأحد أن يقرأ القرآن فى ركوعه ولا فى سجوده فان تعمد بطلت صلاته. وان نسى فان كان ذلك بعد أن اطمأن وسبح كما أمر أجزأه سجود السهو وتمت صلاته.
لأنه زاد فى صلاته ساهيا ما ليس منها وان كان ذلك فى جميع ركوعه وسجوده الغى تلك السجدة أو الركعة وكان كأن لم يأت بها. وأتم صلاته وسجد للسهو. لأنه لم يأت بذلك كما أمر.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
(2)
. ومن تعمد فرقعة أصابعه أو تشبيكها فى الصلاة بطلت صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم: ان الصلاة لشغلا. ومن صلى معتمدا على عصا أو على جدار أو على انسان أو مستندا فصلاته باطلة.
لأمره صلى الله عليه وسلم بالقيام فى الصلاة فان لم يقدر فقاعدا فان لم يقدر فمضطجعا وكان الاتكاء فى الصلاة والاستناد عملا لم يأت به أمر.
وقال صلى الله عليه وسلم: ان فى الصلاة لشغلا
(3)
. ومن تختم فى السبابة أو الوسطى أو الابهام أو البنصر. الا الخنصر وحده. وتعمد الصلاة كذلك فلا صلاة له.
وذلك لما روى عن أبى بردة هو ابن أبى موسى الأشعرى قال سمعت على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه يقول: نهانى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخاتم بالسبابة والوسطى. هذا ولو حرف نيته فى الصلاة متعمدا الى صلاة أخرى أو الى تطوع عن فرض أو الى فرض عن تطوع بطلت صلاته. لأنه لم يأت بها كما أمر. فلو فعل ذلك ساهيا لم تبطل صلاته. ولكن يلغى ما عمل بخلاف ما أمر به.
طال أم قصر. ويبنى على ما صلى كما أمر.
ويتم صلاته
(4)
ثم يسجد للسهو. وأيما رجل صلى خلف الصف بطلت صلاته ولا يضر ذلك المرأة شيئا.
وذلك لما روى عن عمرو بن راشد عن وابصة - هو ابن معبد الأسدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة
(5)
.
وفرض على كل مأموم أن لا يرفع ولا يركع ولا يسجد ولا يكبر ولا يقوم ولا يسلم قبل إمامه.
ولا مع إمامه. فإن فعل عامدا بطلت صلاته لكن بعد تمام كل ذلك من إمامه. فان فعل ساهيا فليرجع ولا بد حتى يكون ذلك كله منه بعد كل ذلك من امامه وعليه سجود السهو.
وذلك لما روى عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما يخشى أحدكم أو لا يخشى أحدكم اذا رفع رأسه قبل الامام أن يجعل الله رأسه رأس حمار. أو يجعل الله صورته صورة حمار
(6)
.
ولا يحل للرجل أن يصفق بيديه فى صلاته.
فان فعل وهو عالم بالنهى بطلت صلاته.
لكن أن نابه شئ فى صلاته فليسبح.
وأما المرأة فحكمها أن نابها شئ فى صلاتها أن تصفق بيديها. فان سبحت فحسن ذلك.
لما روى عن سهل بن سعد فذكر حديثا وفيه.
أن الناس صفحوا
(7)
اذ رأوا رسول الله صلى
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 24
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 42
(3)
المحلى ج 4 ص 49
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 10
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 52 نفس الطبعة.
(6)
المرجع السابق ج 4 ص 60، ص 61 نفس الطبعة.
(7)
قال على لا خلاف فى أن التصفيق والتصفيح بمعنى واحد وهو الضرب باحدى صفحتى الاكف على الأخرى.
الله عليه وسلم جاءوهم يصلون خلف أبى بكر - وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: انا رأيكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء فى الصلاة
(1)
.
ولا يحل لأحد أن يؤم وهو ينظر ما يقرأ به فى المصحف لا فى فريضة ولا نافلة فان فعل عالما بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته وصلاة من ائتم به عالما بحاله بأن ذلك لا يجوز
(2)
.
روى عن عبد الله الرقاشى عن أبى موسى قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنة الخير وعلمنا صلاتنا فقال:
إذا صليتم فأقيموا صفوفكم. ثم ليؤمكم أحدكم.
فإذا كبر فكبروا. وإذا قال. غير المغضوب عليهم ولا الضالين - فقولوا آمين. يجيبكم الله. فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الامام يركع قبلكم ويرفع قبلكم. فتلك بتلك. وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا. فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم. فتلك بتلك. وذكر باقى الحديث.
وروى عن عبد الله بن زيد الأنصارى. عن البراء بن عازب. قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده.
لم يعن أحد منا ظهره حتى يقع النبى صلى الله عليه وسلم ساجدا. ثم تقع سجودا بعده
(3)
. وايما عبد أبق عن مولاه فلا تقبل له صلاة حتى يرجع. الا أن يكون أبق لضرر محرم لا يجد من ينصرف منه فليس آبقا حينئذ.
اذا نوى بذلك البعد عنه فقط.
وذلك لما روى عن المغيرة عن الشعبى قال: كان جرير بن عبد الله البجلى يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذا أبق العبد لم تقبل له صلاة. وبهذا يقول أبو هريرة.
وذلك لما روى عن شعبة عن حبيب بن أبى ثابت قال سمعت وأنا صبى عن أبى هريرة أنه قال فى الآبق لا تقبل صلاة
(4)
. ومن صلى من الرجال وهو لابس معصفرا. بطلت صلاته اذا كان ذاكرا عالما بالنهى والا فلا فان كان مصبوغا بعصفر لا يظهر فيه الا أنه لا يطلق عليه اسم (معصفر) فصلاته فيه جائزة.
والصلاة فيه جائزة للنساء.
لما روى عن نافع عن ابراهيم بن عبد الله ابن حنين عن أبيه عن على بن أبى طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسى
(5)
وعن لبس المعصفر وعن تختم الذهب وعن القراءة فى الركوع وبهذا يقول بعض السلف الصالح.
كما روينا عن معمر عن قتادة. أن عمر بن الخطاب رأى على رجل ثوبا معصفرا فقال دعوا هذه البراقات للنساء
(6)
.
ومن صلى وهو يحمل شيئا مسروقا ومغصوبا أو اناء فضة أو ذهب بطلت صلاته الا أن يحمل المأخوذ بغير حقه ليرده الى صاحبه. أو يحمل الأناء ليكسره فصلاته تامة فان صلى وفى كفه أو حجرته حلى ذهب يتملكه لأهله أو ليبيعه أو ثوب حرير كذلك أو دنانير فصلاته تامة وكذلك لو صلى وفى فيه دينار أو لؤلؤ يحرزهما بذلك
(1)
المجلى لابن حزم ج 4 ص 77، ص 78 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 223 المسألة رقم 493 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 61
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 69 مسألة رقم 423
(5)
القلس بفتح القاف وتشديد السين المهملة بعدها باء تشبه الى بلد يقال لها القس وفرو قسرها على بن أبى طالب بقوله ثياب تأتينا من قبل الشام مضلعة فيها أمثال الاثر انظر سند أحمد ج 1 ص 134، ص 154
(6)
المحلى لابن حزم الظاهر ج 4 ص 69، ص 70 مسألة رقم 424 نفس الطبعة.
فصلاته تامة. برهان ذلك أنه عمل فى صلاته ما لا يحل له ومن عمل فى صلاته ما لا يحل له فلم يصل الصلاة التى أمره الله عز وجل بها فاذا حمل ذلك لما أمر به فلم يعمل فى صلاته الا ما أمر به فصلاته صحيحة
(1)
.
وفرض على الرجل ان صلى فى ثوب واسع أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه. فان لم يفعل بطلت صلاته فان كان ضيقا اتزر به وأجزأه. كان معه ثياب غيره أو لم يكن.
وذلك لما روى عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلى أحدكم فى الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ. قال على لأنه متى ألقى بعض الثوب على عاتقه فلم يصل فى ثوب ليس على عاتقه منه شئ. بل صلى فى ثوب على أحد عاتقيه منه شئ.
وروى عن أبى هريرة عن عبادة بن الوليد ابن عبادة بن الصامت قال: أتينا جابر بن عبد الله أنا وأبى فحدثنا فى حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا جابر: اذا كان واسعا فخالف بين طرفيه واذا كان ضيقا فأشدده على حقوك يعنى ثوبه
(2)
. ولا يجوز لأحد أن يصلى وهو مشتمل الصماء. وهو أن يشتمل المرء ويداه تحته. الرجل والمرأة سواء.
لما روى عن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيتين وعن لبستين فذكر الحديث وفيه عن اشتماله الصماء
(3)
. ولا تجزئ الصلاة ممن جر ثوبه خيلاء من الرجال. وأما المرأة فلها أن تسبل ذيل ما تلبس ذراعا لا أكثر. فان زادت على ذلك عالمة بالنهى بطلت صلاتها.
وحق كل ثوب يلبسه الرجل أن يكون الى الكعبين لا أسفل البتة. فان أسبله فزعا أو نسيانا فلا شئ عليه.
لما روى عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينظر الله يوم القيامة الى من جر ثوبه خيلاء فهذا عموم للسراويل والأزار والقميص وسائر ما يلبس.
وعن مجاهد كان يقال: من مس ازاره كعبه لم يقبل الله له صلاة.
قال على فمن فعل فى صلاته ما حرم عليه فعله فلم يصل كما أمر. ومن لم يصل كما أمر فلا صلاة له.
روى عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة.
فقال أبو بكر الصديق أن أحد جانبى ازارى يسترخى الا أن أتعاهد ذلك منه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لست ممن يفعله خيلاء.
وروى عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله اليه.
قالت أم سلمة يا رسول الله فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: ترخينه شبرا. قالت:
اذن تنكشف أقدامهن قال ترخينه ذراعا لا يزدن عليه
(4)
. والصلاة جائزة فى ثوب الكافر
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 73 مسألة رقم 425 نفس الطبعة.
(2)
المحلى لابن حزم الأندلسى ج 4 ص 71، ص 72 مسألة رقم 426
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 73 مسألة رقم 427
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 73، ص 74، ص 75 نفس الطبعة مسألة رقم 428
والفاسق. ما لم يوقن فيها شيئا يجب اجتنابه لقول الله تعالى: ({خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)}.
وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فى جبة رومية. ونحن على يقين من طهارة القطن والكتان والصوف والشعر والوبر والجلود والحرير للنساء. واباحة كل ذلك فمن أدعى نجاسة أو تحريما لم يصدق الا بدليل من نص قرآن أو سنة صحيحة قال تعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم. وقال تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} . فأن قيل: قد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم آنيتهم الا بعد غسلها وأن لا يوجد غيرها. قلنا نعم:
والآنية غير الثياب وما كان ربك نسيا، ولو أراد الله تعالى تحريم ثيابهم لبين ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل بالآنية
(1)
. ولا يحل للمرأة اذا شهدت المسجد أن تمس طيبا. فان فعلت بطلت صلاتها سواء فى ذلك الجمعة والعتمة والعيد وغير ذلك من جميع الصلوات.
وروى عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شهدت أحداكن المسجد فلا تمس طيبا.
ويروى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: لا تمنعوا اماء الله مساجد الله ولكن يخرجن وهن تغلات.
قال على ان أمكن المرأة أن تتطيب يوم الجمعة طيبا تذهب ريحه قبل الجمعة فذلك عليها. والا فلابد لها من ترك الطيب أو ترك الجمعة. أى ذلك فعلت فمباح لها
(2)
. ولا يحل للمرأة أن تصلى وهى واصلة شعرها بشعر انسان أو غيره أو صوف أو بأى شئ كان وكذلك الرجل أيضا.
وأما التى تضفر غديراتها أو غدائرها بخيط من حرير أو صوف أو كتان قطن أو سير أو فضة أو ذهب فليست واصلة ولا اثم عليها.
ولا صلاة للتى تعظم رأسها بشئ تختر عليه.
وروى عن فاطمة بنت أنذر تقول أنها سمعت أسماء بنت أبى بكر الصديق تقول: سألت امرأة النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ان ابنتى أصابتها الحصبة فأفرق شعرها وأنى زوجتها. أفأصل فيه. قال: لعن الله الواصلة والموصولة
(3)
. وأما التى تتولى وصل شعر غير شعرها والواشمة والمستوشمة
(4)
.
والمتفلجة والنامصة والمنمصة
(5)
فكل من فعلت ذلك فى نفسها أو فى غيرها فملعونات من الله عز وجل وصلواتهن تامة أما اللعنة فقد صح لعن كل من ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما تمام صلاتهن فأنهن بعد حصول هذه الأعمال فيهن ومنهن لا يقدرن على التبرئ من تلك الأحوال.
ومن عجز عما كلف سقط عنه. فاذا عجزن عن ازالة تلك الأحوال فقد سقط عنهن ازالتها. وهن مؤمورات بالصلاة فيؤدينها كما يقدرن وأما الواصلة فى شعر نفسها فقادرة على ازالته. فاذا لم تزله فقد استصحب فى صلاتها عملا هى فيه عاصية لله عز وجل فلم تصل كما أمرت. فلا صلاة لها
(6)
.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 75، ص 76 مسألة رقم 429 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 78، مسألة رقم 432 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 87، ص 79 مسألة رقم 433 نفس الطبعة
(4)
الوثم النقس فى الجلد ثم يعمل بالكحل الأسود
(5)
الفحص هو نتف الشعر من الوجه.
(6)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 79، ص 80 مسألة رقم 434 نفس الطبعة.
ومن صلى وفى قبلته نار أو حجر أو كنيسة أو بيعة أو بيت نار أو انسان مسلم. أو كافر أو حائض أو أى جسم كان حاشا الكلب والحمار وغير المضطجعة من النساء فكل ذلك جائز لأنه لم يأت بالفرق بين شئ مما ذكرنا وبين سائر الأجسام كلها قرآن ولا سنة ولا اجماع. ولا بد من أن يكون بين يدى المصلى جسم من أجسام العالم فالتفريق بينها باطل. لأنه دعوى بلا برهان
(1)
.
وكل حدث ينقض الطهارة بعمد أو نسيان فأنه متى وجد يغلبه أو باكراه أو بنسيان فى الصلاة ما بين التكبير للاحرام لها الى أن يتم سلامه منها. فهو ينقض الطهارة والصلاة معا.
ويلزمه ابتداؤها.
ولا يجوز له البناء فيها. سواء كان اماما أو مأموما أو منفردا فى فرض كان أو فى تطوع الا أنه لا تلزمه الاعادة فى التطوع خاصة.
روى ابن مليكة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان قاء أحدكم فى صلاته أو رعف أو قلس فلينصرف ويتوضأ ليبن على ما مضى من صلاته
(2)
.
وروى عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا رعف فى الصلاة توضأ وبنى على ما مضى من صلاته.
ومن اشتغل باله بشئ من أمور الدنيا فى الصلاة كرهناه. ولم تبطل لذلك صلاته ولا سجود سهو فى ذلك. اذا عرف ما صلى ولم يسه عن شئ من صلاته برهان ذلك ما قد ذكرناه باسناده من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل وهذا نفس قولنا. فان قيل فانكم تبطلون الصلاة بأن ينوى فيها عمدا لخروج عن الصلاة جملة أو الخروج عن امامة الامام بلا سبب يوجب ذلك عليه أو الخروج عن فرض الى تطوع أو من تطوع الى فرض أو من صلاة الى صلاة أخرى.
اذا عمد كل ذلك ذاكرا ويوجبون فى سهوه بكل ذلك سجود السهو. وحكم السهو فى القاء ما عمل فى تلك الحال من واجبات صلاته.
قلنا نعم لأن هذا قد أخرج ما حدث به نفسه بعمل فعزل شيئا ما. فى صلاته عمدا بخلاف ما أمر به. بطلت صلاته. أو سها بذلك العمل. فوجب عليه سجود السهو
(3)
.
ومن بكى فى الصلاة من خشية الله تعالى أو من هم عليه ولم يمكنه رد البكاء فلا شئ عليه. ولا سجود سهو ولا غيره. فلو تعمد البكاء عمدا بطلت صلاته.
روى عن ثابت البنانى عن مطرف عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى. ولجوفه أزيز كأزيز المرجل يعنى يبكى أو أما غلبة البكاء فقال تعالى ({لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}
(4)
.
وقال عليه السلام. اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وأما تعمد البكاء فعمل لم يأت باباحته نص.
وقال عليه السلام أن فى الصلاة لشغلا.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 81 مسألة رقم 437 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 153، ص 155 مسألة رقم 762 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 187، ص 179 مسألة رقم 477
(4)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
فصح أن كل عمل فهو محرم فى الصلاة الا عملا جاء باباحاته نص أو اجماع
(1)
.
ومن صلى جنبا أو على غير وضوء عمدا أو نسيانا فصلاة من ائتم به صحيحة تامة. الا أن يكون علم ذلك يقينا فلا صلاة له. لأنه ليس مصليا فاذا لم يكن مصليا فالمؤتم بمن لا يصلى عابث عاص مخالف لما أمر به. ومن هذه صفته فى صلاته فلا صلاة له.
قال على برهان صحة قولنا قول الله تعالى:
({لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}) وليس فى وسعنا علم الغيب من طهارته وكل امام يصلى وراءه فى العالم ففى الممكن أن يكون على غير طهارة عامدا أو ناسيا تصح أننا لم نكلف علم يقين طهارتهم. وكل أحد يصلى لنفسه ولا يبطل صلاة المأموم ان صحت بطلان صلاة الامام ولا يصح صلاة المأموم وان بطلت صحت صلاة الامام
(2)
.
قال على وأما الألثغ والألكن والأعجمى اللسان.
واللحان فصلاة من ائتم بهم جائزة لقول الله تعالى: ({لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}) يكلفوا الا ما يقدرون عليه لا ما لا يقدرون عليه. فقد أدوا صلاتهم. كما أمروا ومن أدى صلاته كما أمر فهو محسن.
قال تعالى: ({ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}) والعجب كل العجب ممن يجيز صلاة الألثغ واللحان والألكن لنفسه. ويبطل صلاة من ائتم بهم فى الصلاة وهم مع ذلك يبطلون صلاة من صلى وهو جنب ناسيا. ويجزون صلاة من ائتم به وهو لا صلاة له
(3)
.
ولا تجوز امامة من لم يبلغ الحلم لا فى فريضة ولا نافلة ولا أذانه. وصلاة المرأة بالنساء جائزة ولا يجوز فى أن تؤم الرجال.
قال على أما منعهن من امامة الرجال فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن المرأة تقطع صلاة الرجل وأن موقفها فى الصلاة خلف الرجال. والامام لا بد له من التقدم أمام المؤتمين. أو من الوقوف عين يسار المأموم اذا لم يكن معه غيره.
فلو تقدمت المرأة أمام الرجل لقطعت صلاته وصلاتها وكذلك لو صلت الى جنبه. لتعديها المكان الذى أمرت به. فقد صلت بخلاف ما أمرت وأما امامتها النساء فان المرأة لا تقطع صلاة المرأة اذا صلت أمامها أو الى جنبها.
ولم يأت بالمنع من ذلك قرآن ولا سنة. وهو فعل خير.
وقد قال تعالى: ({وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}) وهو تعاون على البر والتقوى وكذلك ان أذن وأقمن فهو حسن).
روى عن ميسرة بن حبيب النهدى عن ربطة الحنفية: أن عائشة أم المؤمنين أمتهن فى الفريضة.
قال على. وقال الأوزاعى وسفيان الثورى وأبو ثور: يستحب أن تؤم المرأة النساء وتقدم وسطهن
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 187، ص 188 مسألة رقم 484
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 214، ص 215، ص 216 مسألة رقم 489 نفس الطبعة.
(3)
المحلى لأبى حزم الظاهرى المرجع السابق الجزء الرابع ص 217 مسألة رقم 489 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 219، ص 220 مسألة رقم 491 نفس. الطبعة.
ولا يحل لأحد أن يؤم وهو ينظر ما يقرأ به فى المصحف لا فى فريضة ولا نافلة. فان فعل عالما بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته وصلاة من ائتم به عالما بحاله بأن ذلك لا يجوز.
قال على: من لا يحفظ القرآن فلم يكلفه الله تعالى قراءة ما لا يحفظ. لأنه ليس ذلك فى وسعه قال تعالى: ({لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}).
فاذا لم يكن مكلفا ذلك فتكلفه ما سقط عنه باطل ونظره فى المصحف عمل لم يأت باباحته فى الصلاة نص.
وقد قال عليه السلام: ان فى الصلاة لشغلا، وكذلك صلاة من صلى معتمدا على عصا أو الى حائط لضعفه عن القيام لأنه لم يؤتمر بذلك. وحكم من هذه صفته أن يصلى جالسا وليس له أن يعمل فى صلاته ما لم يؤمر به. ولو كان ذلك فضلا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك. لكنه لم يفعله بل صلى جالسا اذ عجز عن القيام وأمر بذلك من لا يستطيع فصلاة المتعمد مخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه السلام من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
وهو قول سعيد بن المسيب والحسن
(1)
وغيرهما.
ولا تجوز امامة من لم يبلغ الحلم لا فى فريضة ولا نافلة ولا أذانه. حجته فى ذلك ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقرار وقول وعمل. ولو علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف هذا أو أقره لقلنا به.
فأما اذا لم يأت بذلك أثر فالواجب عن التنازع أن يرد ما اختلفنا فيه الى ما افترض الله علينا الرد اليه من القرآن والسنة فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: اذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم اقرؤكم، فكان المؤذن مأمور بالأذان والامام مأمور بالامامة بنص هذا الخبر. ووجدناه صلى الله عليه وسلم قد قال:
ان القلم رفع عن الصغير حتى يحتلم فصح أنه غير مأمور ولا مكلف. فاذ هو كذلك فليس هو المأمور بالأذان ولا بالامامة واذ ليس مأمورا بهما فلا يجزئان الا من مأمور بهما. لا ممن لم يؤمر بهما. ومن ائتم بمن لم يؤمر أن يأتى به. وهو عالم بحاله. فصلاته باطلة فان لم يعلم بأنه لم يبلغ وظنه رجلا بالغا. فصلاة المؤتم به تامة كمن صلى خلف جنب أو كافر لا يعلم بهما ولا فرق.
وأما الفرق بين امامة من لم يبلغ فى الفريضة وبين امامته فى النافلة. فكلام لأوجه له أصلا.
لأنه دعوى بلا برهان
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: أن الصلاة تفسد باختلال شرط أو فرض. فيقضى العامد مطلقا والجاهل والناسى بعيدان فى الوقت لا بعده
(3)
.
هذا ومما يفسد الصلاة نحو الأكل والشرب من الأفعال الكثيرة. كاللطمة والضربة والخياطة والوراقة ووضع اليد اليمنى على اليسرى أو العكس. كما أنه يفسد نحو ثلاث خطوات متوالية فما فوقها وأما الانحراف عن القبلة فان كان يسيرا لم يضر وان كان كثيرا أفسد وقد حد اليسير بقدر التسليم فما زاد على التفات التسليم أفسد. والانحراف المفسد له صورتان أحدهما أن يزيد فى انحرافه على التفات التسليم وذلك حيث ينحرف عن القبلة بخديه معا والصورة الثانية أن يلتفت قدر التفات التسليم ثم يستمر
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 223 مسألة رقم 493 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 217، ص 217، ص 218، ص 219 مسألة رقم 490 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الزخار ج 1 ص 286
فيه حتى يصير كثيرا يطول وقته هذا وما ظنه فاعله فى الصلاة لاحقا بالفعل الكثير فى أنه كثير فانه يفسد الصلاة وسواء كان هذا الفعل الملتبس يلحق بالكثير مستقلا بنفسه فى حصول الكثرة فيه نحو أن يثبت وثبة أو نحوها أو لا يلحق بالكثير الا بالضم. نحو أن يفعل فعلا يسيرا. ويكرره حتى يصير بضم بعضه الى بعض كثيرا كثلاثة أفعال فسدت الصلاة ولا بد من التوالى والا لم يفسد.
وقال سيدنا عامر. ولو كان الثلاثة الأفعال من ثلاثة أعضاء فى حالة واحدة فسدت الصلاة نحو أن يلتفت التفاتا يسيرا ويخطو خطوة واحدة ويحك جسمه يسيرا كل ذلك حصل فى وقت واحد هل تفسد الأقرب. عندى أن ذلك اذا غلب فى الظن أنه لو كان من جنس واحد كان كثيرا أن يكون مفسدا. فعلى هذا لو حك جسمه بثلاث من أصابعه فسدت صلاته والمختار أن الحك ونحوه ولو بالخمس الأصابع فعل واحد فلا يفسد.
وقال فى الزوائد أنها اذا حصلت ثلاثة أفعال من أول الصلاة الى آخرها أفسد هذا واذا التبس عليه الفعل أى لم يحصل ظن كونه قليلا ولا ظن كونه كثيرا فان هذا يلحق بالكثير فى كونه مفسدا. قالوا لأن الأصل فى الصلاة تحريم الأفعال لقوله تعالى: ({وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ}) أى خاشعين ساكنين وقوله صلى الله عليه وسلم (اسكنوا فى الصلاة) وقوله صلى الله عليه وسلم (تحريمها التكبير) الخبر يقال ان جعلنا الأمر بالشئ نهى عن ضده والنهى يدل على فساد المنهى عنه فالاحتجاج شديد لشموله للقليل.
فضلا عما فوقه ثم خص منه القليل بفعله صلى الله عليه وسلم والاجماع ونفى ما عداه داخل فى حيز النهى المقتضى للافساد وان لم نقم ذلك فقد ثبت أن القليل لا يفسد والملتبس أحق بالحاقه لأن الأصل القلة فى الفعل والصحة فى الصلاة
(1)
.
ومن الفعل المفسد للصلاة العود من فرض فعلى الى مسنون تركه وذلك كمن نسى التشهد حتى سلم على اليمين فذكر فعاد الى أول التشهد هل تفسد لأنه عاد من فرض فعلى الى مسنون أو لا يفسد لأن العود يجب للواجب والمسنون تبعا له.
قال الفقيه يوسف بن أحمد بن عثمان أنها لا تفسد لأنه مخاطب بالرجوع الى التشهد الواجب هذا ولو رجع من الركوع الى القراءة فى الركعة الأولى فانه يفسد لأنه عاد من مفروض الى مسنون ولأنه يمكنه أن يأتى بالقراءة فى الثانية والثالثة
(2)
.
وظاهر الكلام أن الرجوع للتشهد لا يفسد ما لم يشرع فى القراءة.
وقال السيد أبو العباس ما لم يقف فى قيامه قدر ثلاث تسبيحات.
وعن مالك بن أنس رضى الله تعالى عنه اذا رجع بعد أن رفع اليتيه من الأرض أفسد.
وقال فى الزوائد لأبى جعفر وغيره اذا عاد للقنوت بعد وضع يديه على الأرض أفسد وهكذا فى مذاكرة الدوارى. ويعفى عن الفعل اليسير فى الصلاة فلا تفسد به. ولكن قد يجب الفعل اليسير. فانه تفسد الصلاة بتركه نحو أن ينحل ازاره أو نحو ذلك وهو اذا لم يصلح ذلك انكشف عورته. وهو يمكن بفعل يسير فان ذلك يجب.
وظاهر قول يحيى والقاسم أنه ولو كان كثيرا اذا كان لاصلاح الصلاة لم تفسد به. وقد يندب
(1)
شرح الأزهار ج 1 ص 265، 266 والبحر الزخار ج 1 ص 287. المسألة رقم 493 نفس الطبعة.
(2)
شرح الأزهار ج 1 ص 266، ص 267 والبحر الزخار ج 1 ص 288
الفعل اليسير فى الصلاة كعد المبتلى بالشك الاذكار. نحو أن يعد آى الفاتحة أو الآيات بعدها. والأركان وهو الركوع والسجود ونحوهما بالأصابع نحو أن يقبض عند كل ركن أصبعا. ويرسلها عند قبض الأخرى فان تركها قدر ثلاث تسبيحات أفسد الا أن لا يمكنه معرفة الصلاة الا باستقرار القبض لم يضر لكن لا يؤم غيره. ومن المندوب تسوية الرداء أو الحصى لموضع سجوده. وقد يباح الفعل اليسير كتسكين المصلى ما يؤذيه. من جسمه وهى تسكن بالحك فان ذلك يجوز له الغمز والحك اذا كان يسيرا لكن ذلك على وجهين أحدهما أن يكون هذا الذى يؤذيه يشغل قلبه عن الصلاة فاذا أسكنه حسنت صلاته فأنه حينئذ يلحق بالمندوب فأما اذا كان يسيرا لا يشغل كان تسكينه مباحا ومن هذا الضرب الاتكاء عند النهوض للقيام على حائط أو نحوه اذا كان ثم ضعف يقتضى ذلك.
وقد يكره الفعل اليسير كالحقن وهو أن يصلى حاقنا أو مدافعا لبول أو غائط أو تنفس فيجد فى حبس ذلك فى حال الصلاة فان ذلك مكروه الآثار.
وردت فيه وانما يكون مكروها حيث يمكنه استكمال أركان الصلاة وفروضها على الوجه المشروع فأما لو أدى مدافعة ذلك الى الاخلال بشئ من الواجب فيها كان مفسدا
(1)
.
وتفسد الصلاة أيضا بكلام فيها ليس هو من القرآن ولا من أذكارها أو كلام منهما لكن المتكلم قصد به خطابا للغير. نحو أن يقول يا عيسى ويريد نداء أو نحو ذلك فأنه يفسد وانما يفسدها الكلام اذا تكلم. بحرفين فصاعدا.
سواء كان عمدا أو سهوا فأما اذا كان حرفا واحدا لم يفسد. فاذا كان متصلا بجملة نحو زاى من زيد وأما اذا كان مستقلا فأنها لا تفسد نحو باء وباء ألف وميم ونحو ذلك. اللهم الا أن يتخلل فى لفظه يخرجها عن معناها فانها تفسد لأجل اللقطة لا لأجل الحرف نحو أن يزيد حاء بعد اللام من الضالين فيقول الضالحين.
وقال أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أن ما وقع سهوا من الكلام لم يفسد مطلقا أو عمدا لاصلاح الصلاة ومما الحق بالكلام فى الافساد وان لم يسم كلاما تسعة أشياء.
الأول: القراءة الشاذة وهى ما لم تكن من السبع القراءات المشهورة. فانها تفسد صلاة من قرأ بها عندنا.
وعن الحقينى والامام يحيى بن حمزة والزمخشرى. أنها لا تفسد.
والثانى مما الحق بالكلام المفسد قطع اللفظة من وسطها ثم أعادتها فذلك مفسد الا لعذر وأعلم أن ذلك ان كان لانقطاع نفسى لم يفسد وان لم يكن فلا يخلو الذى وقف عليه أما أن يوجد مثله فى القرآن. أو اذكار الصلاة أولا ان وجد لم يفسد ما لم يقصد الخطاب وان لم يوجد نحو أن يقول الحم من الحمد لله أو السلا من السّلام.
فقال الحقينى تفسد صلاته وصحح للمذهب.
وعن المنصور الامام عبد الله بن حمزة وأبى مضر لا تفسد
(2)
.
والثالث مما ألحق بالكلام المفسد تنحنح من المصلى فيه حرفان فصاعدا.
(1)
شرح الأزهار ج 1 ص 268، ص 269
(2)
شرح الأزهار ج 1 ص 270، ص 271
وقال الناصر أنه لا يفسد مطلقا
(1)
.
والرابع: أنين يقع فى حال الصلاة من أى مصيبة كانت غالبا احترازا من أن يكون الأنين لأجل خوف الله تعالى فان ذلك لا يفسد.
وقال الناصر الأطروش الحسن بن على.
أن الأنين لا يفسد مطلقا. لأنه ليس بحروف منظومة.
وقال الناصر الأطروش الحسن بن على.
يفسد اذا كان من خوف الآخرة. ولا يفسد اذا كان من وجع.
قال مولانا. واعلم أن من قال ان الأنين يفسد فقد دخل تحته التأوه لأنه أبلغ منه ولهذا لم نذكره فى الأزهار. استفتاء بذكر الأنين هذا وظاهر كلام أهل المذهب أن السعال والعطاس لا يفسد الصلاة سواء أمكن دفعه أم لا
(2)
. ومما ألحق بالكلام المفسد لحن واقع فى الصلاة اما فى القرآن أو فى سائر أذكارها بعد تكبير الاحرام وحقيقة اللحن فى الاصطلاح هو تغيير الكلام عن وجهه بزيادة أو نقصان أو تعكيس أو بدال وانما يكون اللحن مفسدا فى حالين.
الحال الأولى اذا كان لا يوجد له نظير لا فى القرآن ولا فى سائر أذكار الصلاة مثال ذلك أن يخفض الباء من قوله النجم الثاقب فانه لا يوجد لذلك نظير فى القرآن ولا فى أذكارها فما أشبه لذك كان مفسدا.
الحال الثانى قوله اذا كان لحنا له نظير فى القرآن أو أذكار الصلاة. لكنه وقع فى القدر الواجب من القراءة والأذكار ولم يعده المصلى صحيحا حتى خرج من الصلاة فان ذلك يفسد فأما لو وقع ذلك فى الزوائد على القدر الواجب من القراءة أو فى القدر الواجب وأعاده صحيحا لم يفسد مثاله أن يقرأ ونادى نوحا سهوا منه.
فان قرأ ذلك عمدا.
فلأحمد من الحسين قولان فى صحة صلاة من جمع بين لفظتين متباينتين عمدا.
والسادس مما الحق بالكلام المفسر بالجمع بين لفظتين متباينتين نحو يا عيسى بن موسى أو يا موسى بن عمران فان هذه الألفاظ افرادها فى القرآن لا تركيبها فاذا أجمع القارئ بين الأفراد المتباينة وركبها فان كان ذلك عمدا
(3)
. فسدت صلاته ذكره أحمد بن الحسين فى أحد قولين فى الزيادات بخلاف ما لو كان سهوا فانه لا يفسد قولا واحدا. وكذا لو جمع بين آيات متفرقة نقلها بتركيبها وجمع آية الى أنه فان ذلك يصح ولا تفسد به الصلاة.
قال مولانا فأما ما قاله الفقيه محمد بن سليمان ابن أبى الرجال من أن فى هذا الكلام أعنى الحكم بفساد الصلاة بالجمع بين اللفظتين المتباينتين اشارة الى أن الموالاة بين القدر الواجب من الآيات يلزم فذلك غير صحيح عندنا ولا مأخذ فيه الى آخر ما ذكره.
والسابع مما الحق بالكلام المفسد. الفتح على امام ومثاله أن يحضر الامام فى بعض السور بمعنى لا يذكر الآية التى بعد ما قد قرأه من السورة فان المؤتم اذا قرأ تلك الآية لينبه الامام على ما التبس عليه فسدت صلاته ان اتفق أحد أمور خمسة.
الأول: أن يكون ذلك الامام. قد أدى القدر الواجب من القراءة. وحصل اللبس بعد ذلك
(1)
شرح الأزهار ج 1 ص 271 وكذلك البحر الزخار ج 1 ص 289
(2)
شرح الأزهار ج 1 ص 271، ص 272
(3)
شرح الأزهار ج 1 ص 272، ص 273، ص 274 وكذلك البحر الزخار ج 1 ص 279
فانه حينئذ لا ضرورة تلجئ الى الفتح عليه فتفسد لأنه لا يجوز الا لضرورة وهذا حكاه الفقيه محمد ابن يحيى جنس عن المذاكرين.
قال يحيى بن حمزة وهذا فيه نظر لأن الأخبار الواردة فى الفتح لم تفرق بين القدر الواجب والزائد.
الأمر الثانى أن يكون ذلك الامام قد انتقل من تلك الآية أو السورة التى حصر فيها لأنه اذا قد انتقل استغنى عن الفتح فكان الفتح مفسدا.
الأمر الثالث أن يحصر الامام ويفتح المؤتم عليه فى غير القراءة. من أذكار الصلاة أو أركانها نحو أن يلتبس على الامام كم قدر ركع فيقوم المؤتم بعده ويرفع صوته بالتكبيرة ليعلمه لأن ذلك جار مجرى الخطاب.
الأمر الرابع: أن يحصر الامام ويفتح عليه المؤتم. فى القراءة السرية فأن الفتح حينئذ مفسد.
الأمر الخامس: أن يفتح عليه بغير ما أجصر فيه ولا يزيد على ما يذكر الامام فان زاد فسدت.
وذلك نحو أن يتلو عليه بغير الآية التى نسيها أو سبح أو تنحنح
(1)
.
واختلف العلماء فى حكم الفتح على الامام اذا كملت شروط جوازه.
فقال يحيى بن أحمد جنس أنه يستحب على ظاهر قول أصحابنا.
وقال المنصور الامام عبد الله بن حمزة أنه واجب.
والثامن مما ألحق بالكلام المفسد ضحك وقع من المصلى حتى منع من استمراره على القراءة فأنه مفسد اذا بلغ هذا الحد ذكره.
وقال أحمد بن الحسين فى الافادة الضحك المفسد أن يظهر معه صوت فجعلها على خليل خلافيه بين السيدين وحاصل هذه المسئلة أنه ان ما يبدوا صوته أولى والأول اما أن يختار الضحك أو سببه أولا.
فالأول يفسد اجماعا حيث بدأ صوته واختار الضحك.
والثانى لا يفسد وهو حيث لا يختار الضحك ولا سببه مع بدو صوته.
وذلك على ما يقتضيه ظاهر المذهب ككلام الساهى.
وقال على خليل يحتمل أن يفسد كالسعال الغالب وان لم يكن معه صوت فان كان تبسما لم يفسد بالاجماع وان ملأ فاه حتى يمنعه من القراءة تحقيقا أو تقديرا فالخلاف بين السيدين.
والتاسع مما ألحق بالكلام المفسد رفع الصوت بشئ من أذكار الصلاة اذا قصد بالرفع اعلاما لغيره أنه فى الصلاة. الا أن يقصد الاعلام للمار خوفا منه أو عليه أو اختلال الصلاة بفعل مكروه فيها كالمرور بين مسجده وقدميه أو يقصد به اعلان المؤتمين به نحو رفع الصوت بتكبير النقل أو بلفظ التسميع أو بالقراءة ليعلم المؤتمين بذلك وهل يجوز ذلك للمؤتمين اذا ارادوا اعلام من بعدهم كما يجوز للامام.
ذكر الفقيه يوسف بن أحمد ابن عثمان فى باب صلاة الجماعة عن الشرح أنه يجوز أن يرفع بعض المؤتمين صوته للتعريف على أصل المذهب وفى هذه المسئلة أقوال:
(1)
شرح الأزهار ج 1 ص 274، 275 البحر الزخار ج 1 ص 289.
الأول: المذهب وهو أن قصد الاعلام برفع الصوت يفسد ولو قصد مجموع الاعلام والقراءة الا فى الموضوعين المقدم ذكرهما.
القول الثانى أن ذلك لا يفسد مطلقا.
وهو مروى عن الناصر - ولو قصد بالرفع مجرد الاعلام.
والقول الثالث: وهو للمنصور الامام عبد الله بن حمزة أنه ان قصد الأمرين معالم تفسد وان قصد الاعلام فقد أفسد
(1)
.
والنوع الرابع: من المفسدات وهو أن تفسد الصلاة بتوجه واجب على المصلى خشى فوته كانقاذ غريق. فانه يلزمه الخروج من الصلاة لفعل هذا الواجب فان لم يفعل فسدت وسواء كان عروض هذا الواجب فى أول الوقت أم فى آخره فانه يجب تقديمه ولو فات الوقت ومثل انقاذ الغريق ازالة منكر تضيق أورد وديعة يخشى فوت صاحبها. أو عرض واجب لم يخش فوته لكنه قد تضيق وجوبه بمعنى أنه لا يجوز تأخيره عن تلك الحال وهى أى الصلاة التى قد دخل فيها موسعة بمعنى أنه لما يتضيق وجوبها مثال ذلك أن تدخل فى الصلاة فى أول الوقت فلما أحرمت أتى غريمك بالدين أو من له عندك وديعة فطالبك بهما وحرج عليك فى التأخير حتى يتم الصلاة فأنه حينئذ يجب الخروج من الصلاة عندنا فان لم يخرج فسدت الصلاة عندنا وذلك أنه اذا كان بينه وبين ماله مسافة وقت الصلاة فطالبه صاحب الدين أول وقت الصلاة كان له أن يصلى أول الوقت ثم يسير لأن مقدار الصلاة مستثنى له وليس السير مقصودا فى نفسه والمختار وجوب السير مطلقا وهو ظاهر.
وانما المقصود تعجيل المال وقد عفى له هذا المقدار فاستوى أول الوقت وآخره لأن تعجيل الصلاة لا يوجب تأخير الفضاء وان كان المال فى مسافة أقل من ذلك لزم الخروج فان لم يخرج فسدت. وانما تفسد حيث كان الغريم موسرا يمكنه التخلص قبل خروج الوقت والا لم تفسد ولم يلزم تأخيرها لارتفاع علة وجوبه
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة: أن الصلاة تبطل عمدا أو سهوا بفعل كل ما ينقض الطهارة. أما بطلان صلاة من أحدث فيها عمدا فباجماع العلماء كافة وأما من أحدث ساهيا ففيه خلاف.
ففى التذكرة وغيرها الاجماع على أن الحدث سهوا يبطل الصلاة.
هذا وأما من سبقه الحدث فالأكثر من العلماء على أنه تبطل صلاته. وخالف فى ذلك غيرهم
(3)
.
هذا وعمد الكلام بحرفين فصاعدا مما ليس بدعاء ولا قرآن مبطل للصلاة.
ونقل فى الاجماع على عدم بطلانها بالحرف الواحد غير المفهم سواء كان هذا الكلام لمصلحة الصلاة أو لمصلحة غيرها أما الحرف الواحد المفهم فقد تردد فى بطلان الصلاة به فى التحرير والتذكرة وذلك لأنه لا يعد كلاما الا ما انتظم من حرفين والحرف الواحد ينبغى أن يسكت عليه بالهاء. ولأنه خارج عن الكلام
(4)
وأما كلام المكره عليه فقد تردد فيه
(1)
شرح الأزهار ج 1 ص 276، ص 277
(2)
شرح الأزهار ج 1 ص 277، ص 278 وكذلك البحر الزخار.
(3)
مفتاح الكرامة ج 3 ص 2،، 3، 4
(4)
مفتاح الكرامة ج 3 ص 6
فى الذكرى والدردى وارشاد الجعفرية ففى البيان هو كالناسى فى قول والبطلان فى قول آخر وهو غير هذا ولأن المصلى اذا أكره على الاتيان به فى جزئ لا غير أتى به فى الجزئ الآخر لأنه يمكنه أن يأتى به من غير مناف فتبطل هذه الصلاة ويجب عليه غيرهما ولأنه نادر فلا يكون عذرا اذ العذر فيما يستلزم الحرج المنفى بالآية لا يتحقق فى النادر ومن أن المنافى انما هو الكلام عامدا مختارا ولقوله صلى الله عليه وسلم:
«رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
أما التنحنح فجائز. لأنه لا يعد كلاما وان بان منه حرفان لأنه ليس من جنس الكلام ولا يكاد يبين منه حرف متحقق فأشبه الصوت.
وفى البيان لو خرج منه حرفان مميزان بطلت صلاته. هذا التأوه لو خرج منه حرفان بطلت.
وفى المعتبر ان تأوه بحرفين خوف النار.
فقال أبو حنيفة أنه لا بأس به هذا ولو تكلم بأن قال ادخلوها بسلام آمنين على قصد القراءة جاز وان قصد التفهيم ولم يقصد سواه بطل
(1)
.
وقال فى جامع المقاصد أن المتلو ان كان قليلا بحيث لا يشتمل على نظم يقتضى كونه قرآنا فاذا أتى به للافهام خاصة بطلت به الصلاة لأنه من كلام الآدميين اذ ليس قرآنا بأسلوبه والسكوت الطويل ان خرج به عن كونه مصليا مبطل والا فلا أى أنه لا بد من الموالاة بين الكلمات فى القراءة.
وقد نص عليه فى المقام فى التذكره
(2)
.
وكذلك الالتفات الى ما وراءه فهو أيضا مبطل للصلاة.
وقد نقل عليه الاجماع فى كشف اللثام
(3)
.
والنهى فى كره الالتفات ما ورد فى الخبر أنه لا صلاة لملتفت.
وفى خبر آخر عنه صلى الله عليه وسلم:
أما يخاف الذى يحول وجهه فى الصلاة أن يحول الله وجهه وجه حمار) والمراد تحويل وجه قلبه كوجه قلب الحمار فى عدم اطلاعه على الأمور العلوية وعدم اكرامه بالكمالات العلية
(4)
. ومن المبطل القهقهة وهى الضحك المشتمل على صوت - فلو قهقه عمدا بطلت
(5)
هذا والدعاء بالمحرم أى يبطل عمدا لا سهوا كما صرح بذلك جماعة وفى التذكرة وكشف اللثام الاجماع عليه وقد ترك ذكره الأكثر لأنه من الكلام المنهى عنه.
وفعل الكثير عادة مما ليس من الصلاة.
اختلف الناس فى حد الكثرة والذى عول عليه علماؤنا البناء على العادة. وقيل المرجع فيه الى العرف وقال آخرون ما يخرج به فاعله عن كونه مصليا كما فى المعتبر.
وفى السرائر أن الكثير ما يسمى فى العادة كثيرا مثل الأكل والشرب واللبس وغير ذلك مما اذا فعله الانسان لا يسمى مصليا بل أكلا وشاربا ولا يسمى فى العادة مصليا فهذا تحقيق الفعل الكثير الذى يفسد الصلاة. فكل فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا ومتى ثبت أنه ليس بكثير فهو ليس بمبطل ومتى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا لأن اشتراط الصحة بتركه يحتاج الى دليل بناء على
(1)
مفتاح الكرامة ج 3 ص 9، ص 10
(2)
مفتاح الكرامة ج 3 ص 11
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 13
(4)
الروضة البهية ج 1 ص 86
(5)
مفتاح الكرامة ج 3 ص 21، ص 22
أن الصلاة اسم للاركان المعينة مطلقا فتكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها ويحتمل القول بالبطلان ووجوب الاعادة لتوقف البراءة اليقينية من التكليف الثابت عليه
(1)
.
هذا والبكاء خوفا من الله سبحانه وتعالى وخشية من عقابه غير مبطل للصلاة وان أنطق بحرفين فصاعدا وان كان لأمور الدنيا بطلت صلاته وان لم ينطق فحرفين عند علمائنا
(2)
.
هذا والأكل والشرب مبطل للصلاة ولو بقى بين أسنائه من بقايا الغذاء فابتلعه فى الصلاة لم تفسد قولا واحدا. وكذلك لو وضع فى فيه شيئا يذاب كالسكر فذاب وابتلعه لم تفسد صلاته عندنا وعند الجمهور تفسد
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل مما يوجب نقض الصلاة وزيادة ونقصا فيها فمن الزيادة تكرير الفاتحة فى الفرض أو بعضها عمدا لا لفساد وضعف فى القراءة الأولى فذلك مفسد وقيل وأما بالسهو فلا فساد فى القراءة الأولى أو ضعف ومن الزيادة السكوت بين عملين أكثر من بلع ريق أو تنفس فتفسد لعمد بلا ضرورة ولا فساد بتكرير الفاتحة فى النفل أو بعضها لبطسها ولو مرارا ومن الزيادة تحريك الأجفان فى الصلاة وتفسد به عمدا بلا ضرورة. فالزيادة أقوال وأفعال والأقوال ان كانت من جنسها كالتكبير والتعظيم والتحميد لله مما يتلى فى القرآن.
وان قال الله أكبر أو زاد معه الحمد لله فقد رخص بعض أيضا فى السهو ما لم يرد به نحو أمر أو نهى. أو سؤال أو جواب فاذا أراد به ذلك فسدت صلاته الا أن أراده سهوا فلا فساد وقيل فسدت وقيل لا تفسد الصلاة بزيادة ما أشبه ما فى القرآن أو ما هو من جنس الصلاة ولو عمدا.
كما روى أن أبا عبيدة قال لا بأس بالتعظيم والتسبيح والتحميد بعد تكبيرة الاحرام
(4)
.
وان كانت الأقوال من جنس الكلام أعاد وان كانت بسهو أو نسيان. ولم يرد أمرا ونهيا والمراد بالسهو غلط واللسان فقط وبالنسيان زوال الشئ عن الحافظة فليس فى قلبه هنا وفعل سواء على الأصح وهو مشهور المذهب وقيل لا يعتد بهما ومن أكره على الكلام تكلم وأعاد.
وذكر ابن زياد أنه من تكلم لاصلاح الصلاة عمدا قيل يعيد وقيل لا يعيد وان تكلم لغير اصلاحها عمدا أعاد اجماعا وان تكلم لغير اصلاحها سهوا ففى الاعادة قولان.
ومن تعمد الكلام لكن ظن أنه قد أتم الصلاة فاذا هى لم تتم أو تعمد الكلام فى صلاة فرض أو سنة لتذكر أنه قد صلاها فاذا هو لم يصلها أو لظنه أنه بلا وضوء أو بلا طهارة مكان أو ثوب فاذا الأمر بخلاف ذلك وما أشبه ذلك فبعض يقول انتقضت وهو الصحيح وبعض يقول لا بعد ذلك عمدا فلا يقول بانتفاضها والصحيح أنه عمد.
وقال الشيخ أن ذلك غير عمد فى قصة ذى اليدين وقد أطلق الكلام عليها فى الشامل
(5)
.
وان تلفظ بما ليس كلاما لغة لكنه صوت غير مبين فسدت وقيل لا ان لم يتعمد وان القى سمعه وقطع القراءة لخوف كعدو أو لمهم لم تفسد
(1)
مفتاح الكرامة ج 3 ص 24، ص 25 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 31
(3)
مفتاح الكرامة ج 3 ص 33
(4)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 555، ص 556 طبع محمد بن يوسف البارونى.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 557، ص 558 نفس الطبعة.
وان لغير خوف فسدت ولو لم يقطعها كرعد وكلام وصوت هامة وقيل لا وأجيز أن أستمع لقراءة أو وعظ أو نحوهما ولم يقطع والصحيح الفساد وقيل من قطع ولو لمهم أعاد وقيل لا تفسد الا ان قطع وأصفى لغير الصلاة قدر ثلاث تسبيحات أعاد
(1)
.
ومن تثاءب فليكظم ما استطاع ولو فى غير الصلاة وان قال ها هاه ضحك الشيطان منه وانما بكظمه وبوضع اليد على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخول فيه ويضحك منه أو تثاءب وسمعه من خلفه قال أخ أو أوه أو نفخ أو تنحنح فسدت وهو الصحيح.
وقيل لا الا أن تعمد شيئا مما ذكرنا وان زاد فى تثاؤبه أو غيره فسدت وفى التاج أن بعضا رخص ان لا تفسد باستنشاق رائحة حتى تعرف ولا فساد على من تجشأ مفتح فاه لتخرج منه ريح وان تكلم قبل بالذكر شكاية وتوجعا فسدت وان ذكر النار فاستجار منها لم تفسد ان لم يحرك لسانه ومن تنحنح لتحسين قراءته او لشئ فى حلقة وقد وجدهما بدون تنحنح صحت صلاته وكذا من قطعها لنحو تثاؤب وقد وجدها مبنية بلا قطع ومن تنحنح يريده كلاما أو أسماعا فسدت ولو سهوا
(2)
.
ومن رأى قملة والقاها فسدت وقيل أن ظن أن ذلك من مصالحها وفى بعض كتب المغرب من صلى بقملة معقودا عليها أعاد. قلت لا اعادة الا أن وجدها ميتة ولم يحتمل أنها ماتت بعد الصلاة
(3)
.
وفى التاج من حرك خاتما بابهام يد هى فيه فلا عليه عند أبى عبد الله قلت وقيل فسدت والقولان فيمن تعمد وكذا فيمن لم يتعمد. وان حركها باصبع من يد أخرى ولو ابهاما فسدت.
واختار الشيخ خميس عدمه ان لم يشغله عن الصلاة وان تعمم أو هل العمامة فسدت وان استرخت شدها بواحدة قلت وقيل ان فعل فسدت والقولان فى السهو والعمد
(4)
.
هذا والعمل سهوا من غير جنس الصلاة لا ينقض وذلك كمن سلم سهوا ومشى خطوات قليلة أو كثيرة وسوى رداءه ودعا ولو بالعجمية لدنيوى وعمل غير ذلك غير أكل وشرب وكلام واستدبار ونقض وضوء فلا تفسد صلاته فتحصل ان الخلاف فيمن سكت سهوا أو زاد أعمالا من أعمال الصلاة متى تنتقض وذلك مقدار العمل على اختلافهم فى العمل وادعاء الاتفاق غلط.
وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة سهوا فمشى واستند وقعد وحرك يديه وتكلم فلما ظهر له بنى ونسج الكلام وباقى ذلك غير منسوخ وذلك كله فى سهو. وان كان العمل عمدا انتقض بالواحد فصاعدا وقيل لا نقض بعمل واحد خفيف عمدا.
كما قيل ان الالتفات والنظر الى السماء عمدا لا يفسدانها الا أن نظر من خلفه والصحيح الفساد بذلك.
هذا ولو كسر حبة تين أو عنب لضرورة القاء أسنانه عليها لقراءة أو لبلع ريق أو نحو ذلك مما يجمع الاسنان فلا افساد وان بلعها ولو غير مكسورة فسدت مطلقا. لأن الأكل أعظم.
هذا والتسبيح والتحيات والتسليم لا يعيد ناس منها شيئا. ولو دام على نسيانه حتى يخرج
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 558 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 560
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 562
(4)
شرح النيل ج 1 ص 393، ص 394
من الصلاة ان لم يكن فى أكثر صلاته. وهو ما فوق النصف وانما يعتبر كل نوع على حدة مثل أن يترك أكثر التكبير أو أكثر التعظيم وذلك أن تكون الصلاة مثناة. فيترك تعظيم الركعة الأولى كله وتعظيم الثانية الا تعظيمه أو يترك تعظيم الأولى الا تعظيمه وعلى ذلك فاذا فعل فى ركعة ما يجزئ صحت صلاته لأنه قد عظم فى نصف صلاته اذا كانت مثناة وكذا التسبيح فى السجود ان ما يعدها يجزئ منه فى السجدة جزء ولو قل وان ترك سمع الله لمن حمده فى ركعة وترك بعضه فى أخرى فسدت لأن ذلك أكثر من النصف ولو تركه من ثلاثية فى ركعتين وقاله فى الأخرى أو تركه فى ركعة وقال أقل من نصفه فى أخرى لفسدت ولو ترك التعظيم فى ثلاث ركعات أو عظم فيهن ما لا يجزى وعظم فى أخرى ما يجزئ لفسدت أيضا ولو ترك فيها أو فى الثلاثة تحية وقرأ ما لا يجزئ من التحيات الأخرى لفسدت وقس على ذلك ولم يشترط الشيخ يوسف بن ابراهيم صاحب العدل فى عدم فسادها ترك الأكثر وظاهره انها لا تفسد بترك السنن سهوا ولو ترك الأكثر من نوع منها أو نوعا منها كله
(1)
.
هذا ولا يصلى الحاقن ببول. أى حابس بوله. ولا مدافع لأخبثيه يشتدان عليه ويدفعهما وهما البول والغائط. فاذا صلى الانسان وهو يدفع بولا وغائطا أو أحدهما فسدت دخل بهما الصلاة أو حدثا فيها.
وقيل لا تفسد ان أتى بها كما أمر
(2)
.
هذا ويجب الترتيب وان للسورة مع الفاتحة ولا سيما فيما بين أجزأء الفاتحة أو أجزاء السورة وان لم يرتب بأن قدم السورة على الفاتحة أو قرأ السطر الآخر قبل الأول مثلا من الفاتحة أو قرأ من الآخر للأول سواء فى ذلك كله بحرف أو بكلمة أو بآية فسدت صلاته ان تعمد عدم الترتيب
(3)
.
وان قرأ بمعناه بالعربية أو قرأه بغير العربية أو قرأ غيره من الكتب المنزلة كالتوراة ولو بالعربية فسدت صلاته ولا تجوز قراءة القرآن بغير العربية أو بمعناه ولو فى غير الصلاة وكذلك لا يقرأ بالشاذ ولو فى غير الصلاة وتفسد به اذا قرأ بالعربية ما يجزئيه ثم زاد بغير العربية أو بغير القرآن فسدت
(4)
.
وان أمسك يديه على خاصرتيه أو فخذيه.
أو وضعهما على فخذيه أو على خاصرتيه بلا أمساك أو تحت ركبتيه أو جعل احداهما فيما ذكر والأخرى فى موضعها أو تدلى بهما أرسلهما الى أسفل. أو بواحدة بلا وضع على ركبته أو وضعهما جميعا على ركبة أو فخذ أو غيرهما أو وضع اليمنى على الركبة اليسرى واليسرى على الركبة اليمنى. فسدت.
وقيل لا تفسد ان تعمد خلاف السنة
(5)
.
ويجب أن يسد الفرجة تاليها وهو الأبعد من الامام يمينا وشمالا. والا فسدت صلاته وحده وان سدها القريب أو أحد من الصف أو من صف آخر أو من غير صف أجزأ وان لم تسد فى الصف الأول فسدت من الأبعد الى آخر الصف لأنهم لم يقابلوا. ومن أبطأ فى ركوع أو سجود أو غيرهما. حتى رجع الامام مرة أخرى الى موضع الركوع من تلك الركعة بأن قام منه وهوى للأرض وبلغ الموضع أو السجود الأخير من تلك الركعة أو من التى بعدها. فقيل فسدت عليه.
ولو كان رجوعه الى السجود من تلك الركعة.
وقيل لا حتى يفوته بعملين. أو أكثر.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 565، ص 566
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 586
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 589
(4)
شرح النيل ج 1 ص 394
(5)
شرح النيل ج 1 ص 394
وذلك لأن صاحب هذا القول يرى أن الركعة كلها عمل والا فأن أبطأ فى السجدة الأولى حتى رجع للثانية لم تفسد عليه فان الرفع من الأولى بعض عمل والانحناء للثانية بعض عمل.
وان بطأ حتى رجع للسجود من الركعة الأولى آو أبطأ فى الركوع حتى رجع للأخرى فسدت آن فى ذلك أكثر من عملين وان سبقه الامام بعمل فقد خالفه فتفسد. عليه مثل أن يكون الامام فى الركوع والمأموم فى القراءة أو الامام فى الانحناء للسجود والمأموم فى التعظيم على حد الخلف ففى هذا القول ان كان رأسه فى السجود والمأموم قائم فسدت
(1)
. واذا غلط الامام فاراد منبه أن ينبهه كأن أراد تنبيهه بالتسبيح فغلط الى غيره مثل بسم الله ففى فساد الصلاة المنبه قولان وان كان أصم فرماه بحصاة فسدت على الرامى وقيل لا لأنه فى اصلاحها وكذا ان تنحنح له وان لم يسمع الامام فمضى اليه المنبه فسدت على المنبه وحده. وقيل لا تفسد لأنه فى اصلاح الصلاة وان اتبعوه فى الغلط بلا عمد ورجع ورجعوا صحت وان تعمدوا فسدت عليهم.
وليس على النساء تنبيه ان كان معهن رجل. غير محرم لهن وان نبهته امرأة ولو أجنبية بحضرة الرجال ففى فساد صلاتها خلف والصحيح أنها لا تفسد لأن ذلك أصلاح للصلاة ان لم ينبهه الرجال أو كانت هى ومحرمته فقط ولم تنبهه المحرمة ولا تفسد أن نهته بالتحريك
(2)
.
هذا وان سها المصلى فى صلوات فلكل صلاة سجدتان وان سها ولم يسجد لم تفسد صلاته لكن منزلته خسيسة وقيل بوجوبها وهما أرغام للشيطان وقيل لجبر الخلل.
والسجدة تكون بعد التسليم مطلقا على المختار فان سجد قبل التسليم فسدت صلاته وقيل يجوز قبله
(3)
.
ما يفسد صلاة الجمعة وما لا يفسدها
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أنه يفسد الجمعة على العموم ما يفسد سائر الصلوات على ما تقدم ذكره ويفسدها على الخصوص أشياء منها خروج وقت الظهر فى خلال الصلاة عند عامة المشايخ رحمهم الله تعالى بناء على أن الجمعة فرض مؤقت يوقت الظهر فلا يجوز أداؤها فى وقت العصر وكذا يفسدها خروج الوقت بعد ما قعد قدر التشهد عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى.
وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا تفسد ومن الافساد أيضا فوت الجماعة الجمعة قبل أن يقيد الامام الركعة بالسجدة بأن نفر الناس عنه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا تفسد وأما فوتها بعد تقييد الركعة بالسجدة فلا تفسد عند أصحابنا الثلاثة.
وعند زفر تفسد
(4)
ولو افتتح الامام الجمعة وخلفه قوم ونفروا منه وبقى الامام وحده فسدت صلاته ويستقبل الظهر لأن الجماعة شرط انعقاد الجمعة ولم توجد ولو جاء قوم آخرون فوقفوا خلفه ثم نفر الأولون فأن الامام يمضى على صلاته لوجود الشرط
(5)
.
ويكره للخطيب أن يتكلم فى حالة الخطبة ولو فعل لا تفسد الخطبة لأنها ليست بصلاة فلا
(1)
شرح النيل ج 1 ص 448
(2)
شرح النيل ج 1 ص 471
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 548
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 1 ص 269 الطبعة الأولى طبع مطبعة.
(5)
بدائع الصنائع ج 1 ص 265 نفس الطبعة السابقة.
تفسدها كلام الناسى لكنه يكره لأنها شرعت منظومة كالآذان والكلام يقطع النظم
(1)
. وأما حكم فسادها فان فسدت بخروج الوقت أو بفوت الجماعة يستقبل الظهر وان فسدت بما تفسد به عامة الصلوات من الحدث العمد والكلام وغير ذلك يستقبل الجمعة عند وجود شرائطها وأما اذا فاتت عن وقتها وهو وقت الظهر سقطت عند عامة العلماء لأن صلاة الجمعة لا تقضى لأن قضاءها على حسب الاداء ولأداء فات بشرائط مخصوصة يتعذر تحصيلها على كل فرد فتسقط بخلاف سائر المكتوبات اذا فاتت عن أوقاتها
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن من شروط صحة صلاة الجمعة أن يفعلها بخطبتيها قبل الغروب وهذا رواية مطرف وابن الماجشون عن مالك رحمهم الله تعالى وظاهر هذا أنها لا تصلح بادراك ركعة بسجدتيها قبل الغروب، والمعول عليه صحتها.
قال الشيخ أبو بكر التونسى فان عقد ركعة بسجدتيها قبل الغروب فخرج وقتها أتمها وجمعة وان لم يعقد ذلك بنى وأتمها ظهرا وهذا اذا دخل معتقد اتساع الوقت لركعتين أو لثلاث أما لو دخل على أن الوقت لا يسع الا ركعة بعد الخطبة فانه لا يعقد بذلك الركعة ولا يتمها جمعة بعد الغروب.
هنا حاصل ما ارتضاه الشيخ مصطفى الرماصى، ومن شرط صحتها أن يصليها جماعة مستوطنون فى بلد مستوطنة، فلو مرت جماعة بقرية خالية فنووا الاقامة فيها شهرا وصلوا الجمعة بها لم تصح لهم كما لا تجب عليهم
(3)
.
ويشترط لصحة الجمعة أن تقام فى مسجد متحد فلا يجوز تعدده على المشهور ولو كان البلد كبيرا مراعاة لما كان عليه السلف وجمعا للكل وطلبا لجلاء الصدور، فان تعدد المسجد لم تصح فى الكمال والجمعة للعتيق - والعتاقة هنا تعتبر بالنسبة للصلاة لا بالنسبة للبناء - فلا تصح الجمعة فى الجديد ولو صلى فيه السلطان فان لم يكن هناك عتيق بأن بنيا فى وقت واحد ولم يصل فى واحد منهما صحت الجمعة فيما أقيمت فيه باذن السلطان أو نائبة فان أقيمت فيهما بغير اذنه صحت للسابق بالاحرام ان علم والا حكم بفسادها فى كل منهما ووجب اعادتها للشك فى السبق فتعاد جمعة كان وقتها باقيا والا أعيدت ظهرا.
وان تأخر العتيق أداء فى غير الجمعة الأولى التى أثبتت له كونه عتيقا بأن أقيمت الجمعة فيهما وفرغوا من صلاتها فى الجديد قبل جماعة للعتيق فهى فى الجديد باطلة ومحل بطلانها فى الجديد ما لم يهجر العتيق وينقلوا صلاة الجمعة للجديد، وما لم يحكم حاكم بصحتها فى الجديد تبعا لحكمه بصحة عتق عبد معين علق على صحة الجمعة فيه، وما لم يحتاجوا الى الجديد لضيق المسجد العتيق وعدم امكان توسعته أو لحدوث عداوة بين أهل البلد، فان هجر العتيق وصلوها فى الجديد فقط صحت.
كما قال اللخمى رحمه الله تعالى، وان قال يا بنى المسجد أو غيره لعبد معين مملوك له ان صحت صلاة الجمعة فى هذا المسجد فأنت حر فبعد الصلاة فيه يذهب ذلك المسجد ويثبت
(2)
بدائع الصنائع ج 1 ص 265 الطبعة السابقة.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 269 الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه لشمس الدين الشيخ محمد عرفه الدسوقى ج 1 ص 372 فى كتاب على هامشه شرح المذكور مع تقريرات الشيخ محمد عليش طبع دار احياء الكتب العربية بمصر.
عنده أنه صلى فى المسجد جمعة صحيحة فيقول ذلك القاضى لاعتقاده صحتها فى الجديد حكمت بعتقك فيسرى حكمه بالعتق الى صحة الجمعة المعلق عليها العتق لا فرق بين الجمعة السابقة على الحكم والمتأخرة عنه فالحكم بالصحة تابع للحكم بالعتق لأن الحكم بالمعلق يتضمن الحكم بحصول المعلق عليه.
واذا حصلت عداوة بين أهل البلد وصاروا فرقتين وكان الجامع الذى فى البلد فى ناحية فرقة وخافت الفرقة الأخرى على نفسها اذا أتوا ذلك الجامع فلهم أن يحدثوا جامعا فى ناحيتهم ويصلون فيه الجمعة فان زالت العداوة فلا تصح الجمعة للكل الا فى العتيق فان عادت العداوة صحت فى الجديد
(1)
.
ويشترط أن يكون المسجد مسقوفا وعدم اشتراطه تردد، كذا وفى اشتراط قصد تأييد الجمعة به وعدم اشتراط ذلك - وهو الأرجح - تردد وفى اشتراط اقامة الصلوات الخمس فى المسجد لصحة الجمعة به وعدم اشتراطه تردد أيضا، فان بنى المسجد على أن لا تقام به الا الجمعة أو تعطلت به الخمس عنه لغير عذر لم تصح به على القول باشتراط ذلك، أما على القول بعدم اشتراط ذلك فالجمعة صحيحة وهو المعتمد.
وتصح الصلاة لمأموم برحبة
(2)
المسجد وطرق متصلة به ولا حد لها ولو قدر ميلين من غير حائل من بيوت أو حوانيت ومثلها دور حوانيت غير محجورة وكذا مدرسة فيما يظهر كالمدارس التى حول الجامع الأزهر، ومحل الصحة بهما ان ضاق الجامع أو اتصلت الصفوف ولم يضق لمنع التخطى بعد جلوس الخطيب على المنبر، أما أن انتفى الضيق والاتصال فلا تصح والمعتمد الصحة مطلقة لكنه عند انتقائهما قد أساء والظاهر الحرمة
(3)
.
ويشترط لصحة الجمعة أن تقع مع جماعة تستغنى وتأمن بهم قرية بحيث يمكنهم المثوى صيفا وشتاء والدفع عن أنفسهم فى الغالب بلا حد أولا، أى أن شرط صحة الجمعة وقوعها بالجماعة المذكورة أول جمعة أقيمت فان حضر منهم فى أول جمعة أقيمت من لا تتعدى بهم القرية ولو كانوا اثنى عشر لم تصح وان لم يكن أولا بل فيما بعد فتجوز باثنى عشر رجلا أحرارا متوطنين غير الامام باقين مع الامام بحيث لم تفسد صلاة واحد منهم الى سلامهم منها فان كان بعضهم غير متوطن لم تصح جمعتهم وان فسدت صلاة واحد منهم ولو بعد سلام الامام بطلت على الجميع
(4)
.
وجاء فى التاج والاكليل نقلا عن المدونة.
قال مالك رحمه الله تعالى: لو جهل الامام المسافر فصلى الجمعة بأهل قرية لا تجب فيها الجمعة لصغرها لم تجزهم ولم تجزه
(5)
.
قال مالك واذا جهل الامام فصل الجمعة بهم قبل الخطبة أعاد الصلاة وحدها لأن الخطبة فرض قبل الصلاة
(6)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: اشترط الشافعية لصحة صلاة الجمعة وجود أربعين كما يشترط أن يكون هذا العدد موجودا وقت الخطبة أيضا
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 374، ص 375 نفس الطبعة.
(2)
الرحبة ما زيد خارج محيط المسجد لتوسعته.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 375، ص 376 نفس الطبعة.
(4)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل ج 2 ص 161 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 165 نفس الطبعة.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 165 نفس الطبعة.
فلو انفض الأربعون الحاضرون أو بعضهم فى الخطبة لم يحسب المفعول وان انفضوا فى الصلاة. بطلت الجمعة لفوات العدد المعتبر فى صحتها فيتموها ظهرا. نعم لو عاد المنفضون لزمهم الاحرام بالجمعة اذا كانوا من أهل وجوبها.
كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى اذ لا تصح ظهر من لزمته الجمعة مع امكان ادراكها وليس فيما نشاء جمعة بعد أخرى لبطلان الأولى.
فلو أحرم الامام بأربعين ثم انفض الأربعون الذين أحرم بهم أو نقصوا فلا جمعة بل يتمها الامام ومن بقى معه ظهرا لأنه قد تبين بفساد صلاة الأربعين أو من نقص منهم فسادها
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن من شروط صحة صلاة الجمعة بقاء الوقت. وآخر وقت صلاة الجمعة هو آخر وقت صلاة الظهر بغير خلاف. فان خرج وقتها قبل الشروع فيها امتنعت الجمعة وصلوا ظهرا لفوات الشرط واذا خرج الوقت وقد صلوا منها ركعة أتموا الجمعة لأن الوقت اذا فات لم يمكن استدراكه فسقط اعتباره وان خرج قبل أن يصلوا ركعة بعد التحريمة استأنفوا ظهرا لأنهما صلاتان مختلفان فلم تبنى أحداهما على الأخرى ويشترط لصحتها أيضا وجود أربعين مستوطنين استيطان اقامة لا يرحلون عنها صيفا ولا شتاء. لأن ذلك هو الاستيطان فلا تجب ولا تصح فى بلد يسكنها أهلها بعض السنة دون بعض لعدم الاقامة
(2)
.
مذهب الظاهرية
جاء فى المحلى أن الجمعة هى ظهر يوم الجمعة ولا يجوز أن تصلى الا بعد الزوال وآخر وقتها آخر وقت الظهر فى سائر الأيام.
وروينا عن عبد الله بن سيلان قال شهدت الجمعة مع أبى بكر الصديق فقضى صلاته وخطبته قبل نصف النهار. ثم شهدت الجمعة مع عمر بن الخطاب فقضى صلاته وخطبته مع زوال الشمس
(3)
.
وفرض على كل من حضر الجمعة. سمع الخطبة أو لم يسمع أن لا يتكلم مدة خطبة الامام بشئ البتة. الا التسليم ان دخل حينئذ. ورد السّلام على من سلم ممن دخل حينئذ. وحمد الله تعالى ان عطس وتشميت العاطس ان حمد الله والرد على المشمت والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم اذا أمر الخطيب بالصلاة عليه.
والتأمين على دعائه. وابتدأ مخاطبة الامام فى الحاجة تعن. ومجاوبة الامام ممن استبدأه الامام بالكلام فى أمر ما فقط. ولا يحل أن يقول أحد حينئذ لمن يتكلم أنصت ولكن يشير اليه أو يغمزه أو يحصبه ومن تكلم بغير ما ذكرنا ذاكرا عالما بالنهى فلا جمعة له.
فان أدخل الخطيب فى خطبته ما ليس من كر الله تعالى ولا من الدعاء المأمور به فالكلام مباح حينئذ وكذلك اذا جلس الامام بين الخطبتين فالكلام حينئذ مباح وبين الخطبة وابتداء الصلاة أيضا ولا يجوز المسى للحصى مدة الخطبة.
روى عن أبى صالح عن أبى هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام.
ومن مس الحصى فقد لغا.
(1)
نهاية المحتاج ج 2 ص 296، ص 297 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 1 ص 344 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 42 مسألة رقم 521 الطبعة الأولى.
روى عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
اذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والامام يخطب فقد لغوت
(1)
.
قال أبو محمد أن الصحابة كلهم يبطل صلاة من تكلم عامدا فى الخطبة. وبه نقول وعليه أعادتها فى الوقت لأنه لم يصلها والعجب ممن قال. معنى هذا أنه بطل أجره.
قال أبو محمد واذا بطل أجره فقد بطل عمله بلا شك
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه اذا اختل شرط من الشروط المعتبرة فى صلاة الجمعة فلا يخلو ذلك الشرط اما أن يكون هو الامام الأعظم بأن مات أو فسق أو نحوهما أو غيره نحو أن يخرج وقتها أو ينخرم العدد المعتبر بموت أحدهم أو نحوه ان كان المختل هو الامام لم يضر ذلك بل تتم الجمعة ولا خلاف فيه وان كان المختل شرطا غير الامام أو لم يدرك اللاحق من آى الخطبة قدر آيه فى حال كونه متطهرا فاذا اتفق أى هذين الأمرين أتم ظهرا وبطلت عندنا ولو كان الخلل وقد دخلوا فى الصلاة وأتوا بركعة مثلا ثم انخرم العدد أو خرج ففرض امام الجماعة أن يؤمهم متما لها ظهرا بانيا على ما قد فعل وكذا الجماعة وكذا اذا جاء اللاحق وقد فرغت الخطبة دخل مع الجماعة مؤتما بامامهم ناويا صلاة الظهر ثم يتم بعد تسليم الامام واذا سمع قراءة الامام كان متحملا عنه فلا يقرأ فان لم يسمع فهل يقرأ سرا أم جهرا
(3)
ومتى أقيم جمعتان فى مكانين فى بلد واحد كبير بينهما دون الميل فان لم يعلم تقدم أحدهما بل علم وقوعهما فى حالة واحدة أو التبس الحال أعيدت الجمعة والخطبة ويؤم بعضهم بعضا اذا للبس مبطل.
وقال فى منهاج ابن معرف اذا وقعتا فى حالة واحدة صحت جمعة من فيهم الامام الأعظم فان علم تقدم أحدهما ولم يلتبس المتقدم أعاد الآخرون ظهرا. لأن جمعتهم غير صحيحة.
قال يحيى بن حمزة ولو فيهم الامام الأعظم.
وقال فى الانتصار اذا كان فيهم الامام الأعظم صحت جمعتهم فان التبسوا أى ألبس المتقدمون بالمتأخرين بعد أن علم أن أحد الفريقين متأخر أعادوا جميعا ظهرا ولا تعاد جمعة ذكره محمد ابن سليمان بن أبى الرجال وأطلق للمذهب فى التذكرة.
وقال فى الانتصار ويحيى البحبيح يعيدون جميعا الجمعة لأنها سقطت بيقين ولا يعيدون الظهر لأنه مشكوك فيه
(4)
.
مذهب الإمامية
جاء فى الخلاف أنه اذا انعقدت الجمعة بالعدد المراعى فى ذلك وكبر الامام تكبيرة الاحرام ثم انفضوا لا نص لأصحابنا فيه والذى يقتضيه مذهبهم أنه لا تبطل الجمعة سواء انفض بعضهم أو جميعهم حتى لا يبقى الا الامام وأنه يتم الجمعة ركعتين دليلنا اجماع الفرقة وأنه قد دخل فى صلاة الجمعة وانعقدت بطريقة معلومة فلا يجوز ابطالها الا بيقين ولا دليل على شئ ومن هذه الأقوال فيجب العمل على ما قلناه
(5)
.
واذا دخل فى الجمعة وخرج الوقت قبل الفراغ
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 61، ص 62، ص 63 مسألة رقم 529 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 63
(3)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 355، ص 356
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 358، ص 359
(5)
كتاب الخلاف فى الفقه ج 1 ص 236، مسألة رقم 6
منها لا يلزمه الظهر والدليل فى ذلك هو ما ذكر فى المسألة الأولى
(1)
ووجود العدد شرط فى الخطبة كما هو شرط فى نفس الصلاة فان خطب وحده ثم حضر العدد فأحرم بالجمعة لم تصح لأنه طريقة الاحتياط فانه لا خلاف اذا خطب مع حضور العدد فى أن الجمعة منعقدة وليس هاهنا دليل على أنها تنعقد اذا لم يحضروا الخطبة فاقتضى الاحتياط ما قلناه
(2)
ولا يجب على العبد والمسافر الجمعة بلا خلاف وهل تنعقد بهم دون غيرهم أم لا فان عندنا أنهم اذا حضروا انعقدت بهم الجمعة اذا تم العدد وذلك لأن ما دل على اعتبار العدد عام وليس فيه تخصيص بمن لم يكن عبدا ولا مسافرا وانما قالوا لا تجب على العبد ولا المسافر الجمعة وليس اذا لم تجب عليهم لا تنعقد بهم كما أن المريض لا تجب عليه بلا خلاف ولو حضر انعقدت به بلا خلاف
(3)
ومن شرط الخطبة الطهارة ودليلنا أنه لا خلاف اذا خطب مع الطهارة أنه جائز وماض والذمة تبرأ وتصح الصلاة وكل ذلك مفقود اذا خطب بغير طهارة توجب فعلها تبرء الذمة بيقين
(4)
.
واذا دخل فى الجمعة وهو فيها فدخل وقت العصر قبل فراغه منها تمها جمعة لأنه قد ثبت أنه قد دخل فى صلاة الجمعة وانعقدت جمعة بلا خلاف فمن أوجبها ظهرا أو أبطلها فعليه الدلالة.
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأقضوا ولم يفرق
(5)
.
ومن أدرك مع الامام ركعة من طريق المشاهدة أو الحكم فقد أدرك الجمعة فالمشاهدة أن يدركها معه من أولها أعنى أول الثانية والحكم أن يدرك راكعا فى الثانية فيركع معه وان رفع الامام رأسه من الركوع صلى الظهر أربعا والدليل فى ذلك اجماع الفرقة.
وأيضا روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.
هذه رواية سفيان عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة.
وروى جماعة عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من أدرك من الجمعة ركعة فليصل اليها أخرى وفى بعضها فليضف اليها أخرى.
وروى الحلبى عن أبى عبد الله صلى الله عليه وسلم قال سألته عن من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة قال يصلى ركعتين فان فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا وقال اذا أدركت الامام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة فان أنت أدركته بعد ما رفع أى ركع فهى الظهر أربع.
وروى الفضل بن عبد الملك عن أبى عبد الله قال اذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة وان فاتته فليصل أربعا
(6)
. واذا أدرك مع الامام ركعة فصلاها معه ثم سلم الامام وقام وصلى ركعة أخرى ثم ذكر أنه ترك سجدة فلم يدر هل هى من التى صلاها مع الامام أو من الأخرى فليسجد تلك السجدة ويسجد سجدتى السهو وتمت جمعة لأن من لحق مع الامام ركعة فقد
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 236 مسألة رقم 7
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 241 مسالة رقم 19
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 241 مسألة رقم 21
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 245 مسألة رقم 32
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 246، ص 247 مسألة رقم 37
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 349 مسألة رقم 38 الطبعة السابقة
أدرك الجمعة وهذا قد لحقه ومن فائته سجدة فليس عليه استئناف الصلاة ولا اسقاط الركعة التى ترك فيها السجود بل يقضى تلك السجدة ويسجد سجدتى السهو على ما مضى القول فيه ومن أوجب عليه الاستقبال أو اكمالها ظهرا فعليه الدلالة
(1)
. من شرط انعقاد الجمعة الامام أو من يأمره الامام بذلك من قاض أو أمير ونحو ذلك ومتى أقيمت بغير أمره لم تصح.
وبه قال الأوزاعى ودليلنا أنه لا خلاف أنها تنعقد بالامام أو بأمره وليس انعقاد ما اذا لم يكد امام ولا من أمره دليل فان قيل اليس قد رويتم فيما مضى أنه يجوز لأهل القرى والسواد والمؤمنين اذا اجتمع العدد الذى تنعقد بهم أن يصلوا الجمعة قلنا ذلك مأذون فيه ورغب فيه فجرى ذلك مجرى أن ينصب الامام من يصلى بهم وأيضا عليه اجماع الفرقة فأنهم لا يختلفون أن من شرط الجمعة الامام أو أمره.
وروى محمد بن مسلم عن أبى جعفر رضى الله عنه قال تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم الامام وقاضية والمدعى حقا والمدعى عليه والشاهدان والذى يضرب الحدود بين يدى الامام وأيضا فان من عهد النبى صلى الله عليه وسلم الى وقتنا هذا ما أقام الجمعة الا الخلفاء والأمراء ومن ولى الصلاة فعلم أن ذلك اجماع أهل الأمصار ولو انعقدت بالرعية لصلوها كذلك
(2)
.
ويجوز أن يكون العبد اماما فى صلاة الجمعة وان كان فرضا ساقطا عنه الا أنه اذا تكلفها جاز أن يكون اماما فيها.
لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال يؤمكم أقرأكم فالعبد اذا كان أقرأ الجماعة تناوله الخبر.
وروى محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عن العبد يؤم القوم اذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا قال لا بأس.
وروى سماعة قال سألته عن المملوك يؤم الناس قال لا الا أن يكون أفقهم وأعلمهم
(3)
.
لا يجوز أن يكون امام الجمعة فاسقا لأنه اجماع الفرقة وأيضا لما ذكر أنه لا يجوز امامة الفاسق فى الجماعة وكل من قال ذلك فى الجماعة قال مثله فى الجمعة وليس فى الأمة من فرق بينهما.
والصبى اذا لم يبلغ لا تعقد به الجمعة وان كان تصح منه صلاة التطوع لأن انعقاد الجمعة به يحتاج الى دليل وليس فى الشرع ما يدل عليه
(4)
.
ولا يجمع فى مصر واحد وان عظم وكثرت مساجده الا فى مسجد واحد الا أن يكون البلد أكثر من ثلاثة أميال فيكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فتصح الجمعتان لاجماع الفرقة ولا خلاف فى أنه اذا صلى فى موضع واحد صحت الجمعة واذا أقيمت فى موضعين فيه فلا خلاف.
وروى محمد بن مسلم عن أبى جعفر قال تكون بين الجمعتين ثلاثة أميال وليس تكون الجمعة جمعة الا بخطبة واذا كان بين الجماعتين فى الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس بأن يجمع بهؤلاء ويجمع بهؤلاء أيضا فلا خلاف أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلى الا فى موضع واحد وقد قال
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 247، ص 248 مسألة رقم 39
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 248، ص 249 مسألة رقم 33
(3)
المرجع السابق ص 249 مسألة رقم 43
(4)
المرجع السابق ص 249، ص 250 مسألة 45
صلّى الله عليه وسلّم صلوا كما رأيتمونى أصلى والاقتداء به واجب
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال صاحب الايضاح قال أبو محمد رحمه الله تعالى: اختلف أصحابنا رحمهم الله تعالى فى صلاة الجمعة خلف الجبابرة. فقال بعضهم - وهم الأقل - لا تجوز معهم، وحجتهم فى ذلك أن الجمعة وجبت فى الأصل مع الامام العادل باتفاق الأمة وهى واجبة مع الامام العادل بالاجماع على ذلك، واختلفوا فى لزومها مع غير العادل وقالوا لا نوجبها الا حيث أوجبها بالاجماع ولا دليل لنا على وجوبها مع غير العادل.
وقال الباقون: الجمعة تجب مع العادل ومع غير العادل لأن فرضها واجب لأمر الله تعالى فى قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ}
(2)
» وهذا أمر عام فلا يزول فرضها الا بالاجماع، ولم يكن فى الأمر عادل ولا غير عادل، وهذا القول الأخير عندى أشبه القولين وأقربهما فى الحجة.
وقال أبو الحوارى رحمه الله تعالى: تجوز صلاة الجمعة خلف الجبابرة فى الأمصار التى مصرها أبو حفص عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ولا تجوز فى غيرها، والذى عليه نحن ومضى عليه أسلافنا أنه لا بأس بالصلاة خلف أئمة قومنا اذا أقاموا الصلاة لوقتها.
وقد كان جابر بن زيد رحمه الله تعالى يصلى الجمعة خلف الحجاج وقيل أن جابر صلى بالايماء يوم الجمعة والحجاج يخطب الى أن فات الناس الوقت.
وقال جابر: اليوم ينفع كل ذى علم علمه
(3)
ومن شروط الجمعة الوقت والأذان والخطبة أما الوقت فوقتها هو الزوال لأنها لما كانت بدلا من الظهر كان وقتها وقت الظهر الذى هى بدل منه فان كانت الخطبة قبل الزوال والصلاة بعده.
قال الشيخ أبو بكر رحمه الله تعالى لا تجوز الخطبة والصلاة الا بعد الزوال
(4)
والخطبة من شروط صحة الصلاة للجمعة واذا لم تكن خطبة لم تكن جمعة وصلوا أربعا ولم تكن بدلا من الركعتين كما قال بعض مخالفينا لأن المصلى يستقبل القبلة بالاجماع والخطيب يستدبرها وكذلك من فاتته الخطبة كان مدركا للجمعة ولم يبدل شيئا.
وقال قوم المقصود بالخطبة الموعظة المقصودة من سائر الخطب وهى ليست من شروط الصلاة وعلى هذا القول فان صلى الامام ركعتين من غير خطبة فلا اعادة عليه والقول الأول أصح وعليه العمل
(5)
والخطيب يوم الجمعة اذا تكلم بما لا ينبغى له أن يتكلم به فسدت صلاته لنفسه وصلاة من صلى خلفه ان كان هو الامام بالقوم والا فسدت صلاته لنفسه دون غيره
(6)
واختلف أصحابنا رحمهم الله تعالى فى حكم الكلام لمن يحضر الجمعة والامام يخطب قال بعضهم تفسد صلاته ويأمرونه بالخروج من المسجد ثم يدخل من باب آخر فيكون حكمه كحكم من دخل معهم فى ذلك الوقت وفاته ما كان يستحقه من الثواب بالسبق الذى أفسده بالكلام كما فات من دخل مع توالى السابقين اليها بالعدد.
وقال بعضهم من تكلم بما يقرب الى الله
(1)
المرجع السابق ص 250 مسألة رقم 47
(2)
الآية رقم 9 من سورة الجمعه
(3)
الايضاح ج 1 ص 605
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 609
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 610، ص 611
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 613
كالتسبيح فليس بلغو انما اللغو فى القول المكروه.
وقال آخرون: اللغو لا يفسد الفرض وانما ورد النهى لكمال الثواب وعلى هذا ان لم يخرج من المسجد فلا نقض عليه
(1)
.
ما يفسد الصوم وما لا يفسده
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الصوم لا يوجد بدون ركنه لأن انتقاض الشئ عند فوات ركنه أمر ضرورى وذلك بالأكل والشرب والجماع سواء كان صورة ومعنى أو صورة لا معنى أو معنى لا صورة وسواء كان بغير عذر أو بعذر وسواء كان عمدا أو خطأ طوعا أو كرها بعد أن كان ذاكرا لصومه لا ناسيا ولا فى معنى الناسى والقياس أن يفسد وان كان ناسيا.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لولا قول الناسى أن أبا حنيفة خالف الأمر لقلت يقضى لكنا تركنا القياس بالنص وهو ما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فان الله عز وجل أطعمه وسقاه حكم ببقاء صومه وعلل بانقطاع نسبة فعله عنه باضافته الى الله تعالى لوقوعه من غير قصده.
وروى عن أبى حنيفة أنه قال لا قضاء على الناسى للأثر المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس أن يقضى ذلك ولكن تباع الأثر أولى اذا كان صحيحا وحديث أبو حنيفة حيث قال وليس حديث شاذ نجترئ على رده وكان من صيارفة الحديث.
وروى على وابن عمر وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم مثل مذهبنا ولأن النسيان فى باب الصوم فما يغلب وجوده ولا يمكن دفعه الا بحرج فجعل عذرا دفعا للحرج.
وعن عطاء والثورى أنهما فرقا بين الأكل والشرب وبين الجماع ناسيا فقالا يفسد صومه فى الجماع ولا يفسد فى الأكل والشرب لأن القياس يقتضى الفساد فى الكل لفوات ركن الصوم فى الكل الا أنا تركنا القياس بالخبر وأنه ورد فى الأكل والشرب فبقى الجماع على أصل القياس وأنا نقول نعم الحديث ورد فى الأكل والشرب لكنه معلول بمعنى يوجد فى الأكل وهو أنه فعل مضاف الى الله تعالى على طريق التخصيص بقوله فأنما أطعمه الله وسقاه، قطع اضافته عن العبد لوقوعه فيه من غير قصد. واختياره هذا المعنى يوجد فى الكل والعلة اذا كانت منصوصا عليها كان الحكم منصوصا عليه ويتعمم الحكم بعموم العلة وكذا معنى الحرج يوجد فى الكل ولو أكل فقيل له انك صائم وهو لا يتذكر أنه صائم ثم علم بعد ذلك فعليه القضاء.
فى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وعند زفر والحسن وزياد رحمهما الله تعالى لا قضاء عليه لأنه لما تذكر أنه كان صائما تبين أنه أكل ناسيا فلم يفسد صومه.
وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى عليه القضاء لأنه أكل متعمدا لأن عنده أنه ليس بصائم فيبطل صومه ولو دخل الذباب حلقه لم يفطره لأنه لا يمكنه الاحتراز عنه فأشبه الناسى ولو أخذه فأكله فطره لأنه تعمد أكله وان لم يكن مأكولا كما لو أكل التراب ولو دخل الغبار أو الدخان أو الرائحة فى حلقه لم يفطره لما قلنا وكذا لو ابتلع البلل الذى بقى بعد المضمضة فى فمه مع البزاق أو ابتلع البزاق الذى اجتمع فى
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 614، ص 615
فمه لما ذكرنا ولو بقى بين أسنانه شئ فابتلعه ذكر لا يفسد صومه وان أدخله حلقه متعمدا.
روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه أن تعمد عليه القضاء ولا كفارة عليه.
ووفق ابن أبى مالك فقال ان كان مقدار الحمصة أو أكثر يفسد صومه وعليه القضاء ولا كفارة.
كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وقول أبى يوسف محمول عليه وان كان دون الحمصة لا يفسد صومه كما ذكر فى الجامع الصغير والمذكور فيه محمول عليه وهو الأصح
(1)
. ولو أكره على الأكل أو الشرب فأكل أو شرب بنفسه مكرها وهو ذاكر لصومه لم يفسد صومه عند زفر رحمه الله تعالى لأن هذا أعذر من الناسى لأن الناسى وجد منه الفعل حقيقة وانما انقطعت نسبته عنه شرعا بالنص وهذا لم يوجد منه بالفعل أصلا فكان أعذر من الناسى ثم لم يفسده صوم الناسى فهذا أولى أما عندنا فيفسد صومه لأن معنى الركن قد فات لوصول المغذى الى جوفه بسبب لا يغلب وجوده ويمكن التحرز عنه فى الجملة فلا يبقى الصوم كما لو أكل أو شرب بنفسه مكرها وهذا لأن المقصود من الصوم معناه وهو كونه وسيلة الى الشكر والتقوى وقهر الطبع الباعث على الفساد على ما بينا ولا يحصل شئ من ذلك اذا وصل الغذاء الى جوفه.
وكذا النائمة الصائمة جامعها زوجها ولم تنتبه أو المجنونة جامعها زوجها فسد صمها عندنا خلافا لزفر والكلام فيه على نحو ما ذكرنا ولو تمضمض أو استنشق فسبق الماء حلقه ودخل جوفه فان لم يكن ذاكرا لصومه لا يفسد صومه لأنه لو شرب لم يفسد فهذا أولى وان كان ذاكرا فسد صومه عندنا.
وقال ابن ليلى رحمه الله تعالى ان كان وضوؤه للصلاة المكتوبة لم يفسد وان كان للتطوع فسد.
وقال بعضهم ان تمضمض ثلاث مرات فسبق الماء حلقه لم يفسد وان زاد على الثلاث فسد ولو احتلم فى نهار رمضان فأنزل لم يفطره لقول النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يفطرون الصائم القئ والحجامة والاحتلام ولأنه لا صنع له فيه فيكون كالناسى. ولو نظر الى امرأة وتفكر فأنزل لم يفطره فان تتابع النظر لم يفطر أيضا لأنه لم يوجد الجماع لا صورة ولا معنى لعدم الاستمتاع بالنساء فأشبه الاحتلام بخلاف المباشرة
(2)
.
ولو كان يأكل أو يشرب ناسيا ثم تذكر فأبقى اللقمة أو قطع الماء أو كان يتسحر فطلع الفجر وهو يشرب الماء فقطعه أو يأكل فألقى اللقمة فصومه تام لعدم الأكل والشرب بعد التذكر والطلوع ولو كان يجامع امرأته فى النهار ناسيا لصومه فتذكر فنزع من ساعته أو كان يجامع فى الليل فطلع الفجر وهو مخالط فنزع من ساعته.
وقال زفر رحمه الله تعالى فسد صومه وعليه القضاء لأن جزأ من الجماع حصل بعد طلوع الفجر والتذكر وأنه يكفى لفساد الصوم لوجود المضادة له وان قل وأما عندنا فصومه تام وأن الموجود منه بعد الطلوع والتذكر هو النزع والنزع ترك الجماع وترك الشئ لا يكون محصلا له بل يكون اشتغالا بضده فلم يوجد منه الجماع بعد الطلوع والتذكر رأسا فلا يفسد صومه ولهذا لم يفسد فى الأكل والشرب وكذا فى الجماع وهذا اذا نزع بعد ما تذكر أو بعد ما طلع الفجر فأما
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 90 الطبعة الأولى طبع
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 91 الطبعة السابقة
اذا لم ينزع وبقى فعليه القضاء وكفارة عليه فى ظاهر الرواية.
وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه فرق بين الطلوع والتذكر فقال فى الطلوع عليه الكفارة وفى التذكر لا كفارة عليه
(1)
. والجماع العمد يوجب الكفارة وأما فى التذكر فابتدأ الجماع كان ناسيا وجماع الناسى لا يوجب فساد الصوم فضلا عن وجوب الكفارة وجه ظاهر الرواية أن الكفارة انما تجب فساد الصوم وأفساد الصوم يكون بعد وجوده وبقاؤه فى الجماع يمنع وجود الصوم فاذا امتنع وجوده استحال الافساد فلا تجب الكفارة. ووجوب القضاء لانعدام صومه اليوم لا لافساده بعد وجوده ولا هذا جماع لم يتعلق بابتدائه وجوب الكفارة فلا يتعلق بالبقاء عليه لأن الكل فعل واحد. وله شبهة الاتحاد وهذه الكفارة لا تجب مع الشبهة.
ومن قاء فلا قضاء عليه لأن ذرع القئ مما لا يمكن التحرز عنه بل يأتيه على وجه لا يمكنه دفعه فأشبه الناسى ولأن الأصل أن لا يفسد الصوم بالقئ سواء ذرعه أو تقيأ لأن فساد الصوم متعلق بالدخول شرعا.
قال النبى صلى الله عليه وسلم الفطر مما يدخل والوضوء مما يخرج علق كل جنس الفطر بكل ما يدخل ولو حصل لا بالدخول لم يكن كل جنس الفطر معلقا بكل ما يدخل لأن الفطر الذى يحصل بما يخرج لا يكون ذلك حاصلا بما يدخل وهذا خلاف النص الا أنا عرفنا الفساد بالاستيفاء بنص آخر وهو قول النبى صلى الله عليه وسلم ومن استقاء فعليه القضاء فبقى الحكم فى الذرع على الأصل ولأنه لا صنع له فى الذرع وهو سبق القئ بل يحصل بغير قصده واختياره والانسان لا يؤاخذ بما لا صنع له فيه فلهذا لا يؤاخذ الناسى بفساد الصوم فكذا هذا لأن هذا فى معناه بل أولى لأنه لا صنع له فيه أصلا بخلاف الناسى على ما مر فان عاد الى جوفه فان كان أقل من ملء الفم لا يفسد بلا خلاف وان كان ملء الفم.
فذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى ان فى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يفسد.
وفى قول محمد رحمه الله تعالى لا يفسد وذكر القدورى فى شرحه مختصر الكرخى الاختلاف على العكس فقال فى قول أبى يوسف لا يفسد.
وفى قول محمد يفسد وجه قول من قال يفسد أنه وجد المفسد وهو الدخول فى الجوف لأن القئ ملء الفم له حكم الخروج بدليل انتقاض الطهارة والطهارة لا تنتقض الا بخروج النجاسة فاذا عاد فقد وجه الدخول فيدخل تحت قول النبى صلى الله عليه وسلم والفطر مما يدخل ووجه قول من قال لا يفسد أن العود ليس صنعه بل هو صنع الله تعالى على طريق التمحض يعنى به مصنوعه لا صنع للعبد فيه رأسا فأشبه ذرع القئ وأنه غير مفسد كذا عود القئ فان أعاده فان كان ملء الفم فسد صومه بالاتفاق لوجود الادخال متعمدا لما ذكرنا ان القئ ملء الفم له حكم الخروج حتى يوجب انتقاض الطهارة فاذا أعاده فقد أدخله فى الجوف عن قصد فيوجب فساد الصوم وان كان أقل من ملء الفم.
ففى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يفسد.
وفى قول محمد رحمه الله تعالى يفسد لأنه وجد الدخول الى الجوف بصنعه فيفسد.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 91 الطبعة السابقة
وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يفسد لأن الدخول انما يكون بعد الخروج وقليل القئ ليس له حكم الخروج بدليل عدم انتقاض الطهارة به فلم يوجد الدخول فلا يفسد هذا الذى ذكرنا كله اذا ذرعه القئ فأما اذا استقاء فان كان ملء الفم يفسد صومه بلا خلاف لقول النبى صلى الله عليه وسلم. ومن استقاء فعليه القضاء وان كان أقل من ملء الفم لا يفسد.
وفى قول أبى يوسف أفسد وعند محمد رحمه الله تعالى يفسد واحتج بقول النبى صلى الله عليه وسلم ومن استقاء فعليه القضاء مطلقا من غير تفصيل بين القليل والكثير ولا يفسد فى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لما ذكرنا أن الأصل أن لا يفسد الصوم الا بالدخول بالنص الذى روينا ولم يوجد ههنا فلا يفسد والحديث محمول على الكثير توفيقا بين الدليلين بقدر الامكان ثم كثير المستقاء ولا يتفرغ عليه العدد والاعادة لأن الصوم قد فسد بالاستقاء وكذا قليله فى قول محمد لأن عنده فسد الصوم بنفس الاستقاء وان كان قليلا.
وأما على قول أبى يوسف فان عاد لا يفسد أن أعاده
(1)
.
ففيه عن أبى يوسف روايتان فى رواية يفسد وفى رواية لا يفسد وما وصل الى الجوف أو الى الدماغ من المخارق الأصلية كالأنف والأذن والدبر بان استقطر أو احتقن أو أقطر فى أذنه فوصل الى الجوف أو الى الدماغ فسد صومه أما اذا وصل الى الجوف فلا شك فيه لوجود الأكل من حيث الصورة وكذا اذا وصل الى الدماع لأنه له منفذا الى الجوف فكان بمنزلة زاوية من زوايا الجوف.
وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال للقيط بن صبرة بالغ فى المضمضة والاستنشاق الا أن تكون صائما ومعلوم أن استثناءه حالة الصوم بلا احتراز عن فساد الصوم والا لم يكن للاستثناء معنى ولو وصل الى الرأس ثم خرج لا يفسد بأن استعط بالليل ثم خرج بالنهار لأنه لما خرج علم أنه لم يصل الى الجوف أو لم يستقر فيه وأما ما وصل الى الجوف أو الى الدماغ عن غير المخارق الأصلية بأن داوى الجائفة والامة فان دواها بدواء يابس لا يفسد لأنه لم يصل الى الجوف ولا الى الدماغ ولو علم أنه وصل يفسد فى قول أبى حنيفة وان دواها بدواء رطب يفسد عند أبى حنيفة ولا يفسد عندهما لأنهما اعتبر المخارق الأصلية لأن الوصول الى الجوف من المخارق الأصلية متيقن به ومن غيرها مشكوك فيه فلا يحكم بالفساد مع الشك.
ولأبى حنيفة أن الدواء اذا كان رطبا فالظاهر هو الوصول لوجود المنفذ الى الجوف فيبنى الحكم على الظاهر.
وأما الافطار فى الأحليل فلا يفسد فى قول أبى حنيفة وعندهما يفسد قيل أن الاختلاف بينهم بناء على أمر خفى وهو كيفية خروج البول من الأحليل فعندهما أن خروجه منه لأن له منفذا فاذا قطر فيه يصل الى الجوف كالاقطار فى اذن.
وعند أبى حنيفة أن خروج البول منه من طريق الترشح كترشح الماء من الخزف الجديد فلا يصل الاقطار فيه الى الجوف والظاهر أن البول يخرج منه خروج الشئ من منفذه كما قالا.
وروى الحسن عن أبى حنيفة مثل قولهما وعلى هذه الرواية اعتمد أستاذى رحمه الله تعالى.
وذكر القاضى فى شرحة مختصر الطحاوى وقول محمد مع أبى حنيفة وأما الاقطار فى قبل المرأة.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكسائى ج 2 ص 91، 92.
فقد قال مشايخنا أنه يفسد صومها بالاجماع لأن لمسانتها منفذا فيصل الى الجوف كالاقطار فى الاذن ولو طعن برمح فوصل الى جوفه أو الى دماغه فان أخرجه مع النصل لم يفسد وان بقى النصل فيه فسد.
وكذا قالوا فبمن ابتلع لحما مربوطا على خيط ثم انتزعه من ساعته أنه لا يفسد وان تركه فسد.
وكذا روى عن محمد فى الصائم اذا أدخل خشبة فى المقعد أنه لا يفسد صومه الا اذا غاب طرفا الخشبة وهذا يدل على أن استقرار الداخل فى الجوف شرط فساد الصوم ولو أدخل أصبعه فى دبره.
قال بعضهم يفسد صومه وقال بعضهم لا يفسد وهو قول الفقيه أبى الليث لأن الأصبع ليست بآلة الجماع فصارت كالخشب ولو اكتحل الصائم لم يفسد وان وجد طعمه فى حلقه عنه عامة العلماء.
وقال ابن أبى ليلى يفسد وجه قوله أنه لما وجد طعمه فى حلقه فقد وصل الى جوفه ولنا ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان وعيناه مملوأتان كحلا كحلتهما أم سلمة ولأنه لا منفذ من العين الى الجوف ولا الى الدماغ وما وجد من طعمه فذاك أثره لا عينه وأنه لا يفسد كالغبار والدخان. وكذا لو دهن رأسه أو أعضاءه فتشرب فيه أنه يضره لأنه وصل اليه الأثر لا العين
(1)
.
ولو أكل حصاة أو نواه أو خشبا أو حشيشا أو نحو ذلك مما لا يؤكل عادة لا يحصل به قوام البدن يفسد صومه لوجود الأكل صورة ولو جامع امرأته فيما دون الفرج فأنزل وباشرها أو قبلها أو لمسها بشهوة فأنزل يفسد صومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه وكذا اذا فعل ذلك فأنزلت المرأة لوجود الجماع من حيث المعنى وهو قضاء الشهوة بفعله وهو المس بخلاف النظر فأنه ليس بجماع أصلا لأنه ليس بقضاء للشهوة بل هو سبب لحصول الشهوة على ما نطق به الحديث اياكم والنظرة فأنها تزرع فى القلب الشهوة.
ولو عالج ذكره فأمنى اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يفسد وقال بعضهم يفسد.
وهو قول محمد بن سلمة والفقيه أبى الليث لوجود قضاء الشهوة بفعله فكان جماعا من حيث المعنى.
وعن محمد فبمن أولج ذكره فى امرأته قبل الصبح ثم خشى الصبح فانتزع منها فأمنى بعد الصبح أنه لا يفسد صومه وهو بمنزلة الاحتلام ولو جامع بهيمة فأنزل فسد صومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه لأنه وان وجد الجماع صورة ومعنى وهو قضاء الشهوة لكن على سبيل القصور لسعة المحل ولو جامعها ولم ينزل لا يفسد ولو حاضت المرأة أو نفست بعد طلوع الفجر فسد صومها لأن الحيض والنفاس منافيان للصوم لمنافاتهما أهلية الصوم شرعا بخلاف القياس باجماع الصحابة رضى الله عنهم على ما بينا فيما تقدم
(2)
.
هذا ويتعلق بفساد الصوم أحكام بعضها يعم الصيامات كلها وبعضها يخص البعض دون البعض أما الذى يعم الكل فالاثم اذا أفسد بغير عذر لأنه أبطل عمله من غير عذر وابطال العمل من غير عذر حرام لقول الله سبحانه
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكسائى ج 2 ص 93.
(2)
بدائع الصنائع ج 2 ص 93، ص 94
وتعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ}
(1)
» وأما صيام التطوع فهو خلاف ذلك. لأنه ليس بموجب واذا خفف الحكم بالعذر فلا بد من معرفة الأعذار المسقطة للاثم والمؤاخذة. وهى المرض والسفر والاكراه والحبل والرضاع والجوع والعطش وكبر السن ولكن بعضها مرخص وبعضها مبيح مطلق بلا موجب.
أما المرض فالمرخص منه هو الذى يخاف أن يزداد بالصوم واليه وقعت الاشارة فى الجامع الصغير فأنه قال فى رجل خاف أن لم يفطر يزداد عيناه وجعا أو حماة شدة أفطر. وذكر الكرخى فى مختصره أن المرض الذى يبيح الافطار هو ما يخاف منه الموت أو زيادة لعلة كائنا ما كانت العلة.
وروى عن أبى حنيفة أنه ان كان بحال يباح له أداء صلاة الفرض قاعدا فلا بأس بأن يفطر والمبيح المطلق بل الموجب هو الذى يخاف منه الهلاك لأن فيه القاء النفس الى التهلكة لا لاقامة حق الله تعالى وهو الوجوب والوجوب لا يبغى فى هذه الحالة وأنه حرام
(2)
.. وأما حبل المرأة وارضاعها اذا خافت الضرر بولدها فمرخص لقوله تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ}
(3)
. وعلى ذلك فان المريض الذى لا يضره الصوم ليس له أن يفطر فكان ذكر المرض كتابة عن أمر يضر الصوم معه وقد وجد ههنا فتدخل تحت رخصة الافطار.
وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال يفطر المريض والحبلى اذا خافت أن تضع ولدها والمرضع اذا خافت الفساد على ولدها.
وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ان الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع الصيام وعليهما القضاء ولا فدية عليهما عندنا
(4)
.
وأما المريض فلو جاء وقت الصوم وهو مريض مرضا لا يستطيع معه الصوم أو يستطيع مع ضرر أفطر وقضى هذا ما يعم الصيامات كلها.
وأما الذى يخص البعض دون البعض.
فأما صوم رمضان فيتعلق بفساده حكمان.
أحدهما وجوب القضاء.
والثانى وجوب الكفارة أما وجوب القضاء فأنه يثبت بمطلق الافساد سواء كان صورة ومعنى أو صورة لا معنى أو معنى لا صورة وسواء كان عمدا أو خطأ وسواء كان بعذر أو بغير عذر لأن القضاء يجب جبر الغائب فيستدعى فوات الصوم لا غير والفوات يحصل بمطلق الافساد فتقع الحاجة الى الجبر بالفضاء ليقوم مقام الفائت فينجبر الفوات معنى.
وأما وجوب الكفارة فيتعلق بافساد مخصوص وهو الافطار الكامل بوجود الأكل أو الشرب أو الجماع صورة ومعنى متعمدا من غير عذر مبيح ولا مرخص ولا شبهة الاباحة ونعنى صورة الأكل والشرب ومعناهما ايصال ما يقصد به التغذى أو التداوى الى جوفه من الفم لأن به يحصل قضاء شهوة البطن على سبيل الكمال.
ونعنى بصورة الجماع ومعناه ايلاج الفرج فى القبل لأن كمال قضاء شهوة الفرج لا يحصل الا به ولا خلاف فى وجوب الكفارة على الرجل بالجماع والأصل فيه حديث الأعرابى وهو ما روى أن اعرابيا جاء الى رسول الله صلى
(1)
الآية رقم 33 من سورة محمد.
(2)
بدائع الصنائع 2 ص 94.
(3)
الآية رقم 184 من سورة البقرة.
(4)
بدائع الصنائع 2 ص 97.
الله عليه وسلم وقال يا رسول الله هلكت وأهلكت فقال ماذا صنعت قال واقعت امرأتى فى نهار رمضان متعمدا وأنا صائم فقال اعتق رقبة وفى بعض الروايات قال له من غير عذر ولا سفر قال نعم فقال أعتق رقبة وأما المرأة فكذلك يجب عليها عندنا اذا كانت مطاوعة فقد تبين أنه لا سبيل الى التحمل لأن الكفارة انما وجبت عليها بفعلها وهو أفساد الصوم ويجب مع الكفارة القضاء عند عامة العلماء.
وقال الأوزاعى رحمه الله تعالى أن كفر بالصوم فلا قضاء عليه وزعم أن الصومين يتداخلان وهذا غير سديد لأن صوم الشهرين يجب تكفيرا زجرا عن جناية الافساد
(1)
ورفعا لذنب الافساد وصوم القضاء يجب جبرا للفائت فكل واحد منهما شرع لغير ما شرع له الآخر.
فلا يسقط صوم القضاء بصوم شهرين كما لا يسقط بالاعتاق.
وقد روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم أو الذى واقع أمرأته أن يصوم يوما.
ولو جامع فى الموضع المكروه فعليه الكفارة فى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لأنه يجب به الحد فلأن تجب به الكفارة أولى.
وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى روايتان روى الحسن عنه أنه لا كفارة عليه.
وروى أبو يوسف عنه اذا توارت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل وعليه القضاء والكفارة وجه رواية الحسن أنه لا يتعلق به وجوب الحد فلا يتعلق به وجوب الكفارة والجامع أن كل واحد منهما شرع للزجر والحاجة الى الزجر فيما يغلب وجوده وهذا يندر ولأن المحل مكروه فأشبه وط ء الميته ووجه رواية أبى يوسف أن وجوب الكفارة يعتمد افساد الصوم بافطار كامل وقد وجد لوجود الجماع صورة ومعنى ولو أكل أو شرب ما يصلح به البدن أما على وجه التغذى أو التداوى متعمدا فعليه القضاء والكفارة عندنا وذلك لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من أفطر فى رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر وعلى المظاهر الكفارة بنص الكتاب فكذا على المفطر متعمدا ولنا أيضا الاستدلال بالموافعة والقياس عليها أما الاستدلال بها فهو أن الكفارة فى المواقعة وجبت لكونها افساد لصوم رمضان من غير عذر ولا سفر على ما نطق به الحديث والأكل والشرب افساد لصوم رمضان متعمدا من غير عذر ولا سفر. فكان ايجاب الكفارة هناك ايجابا ههنا دلالة والدليل على أن الوجوب فى المواقعة لما ذكرنا. وجهان:
أحدهما مجمل والآخر مفسر.
أما المجمل فالاستدلال بحديث الأعرابى ووجهه ما تقدم ذكره وأما الدليل المفسر فلأن افساد صوم رمضان ذنب ورفع الذنب واجب عقلا وشرعا لكونه قبيحا والكفارة تصلح رافعة لأنها حسنة.
وقد جاء الشرع بكون الحسنات من التوبة والايمان والأعمال الصالحات رافعة للسيئات الا أن الذنوب مختلفة المقادير
(1)
. ولو أكل مالا يتعذى به ولا بتداوى كالحصاة والنواة والتراب وغيرها فعليه القضاء ولا كفارة عليه عند عامة العلماء ولأن هذا افطار صورة لا معنى لأن معنى الصوم الكف عن الأكل والشرب الذى هو وسيلة الى العواقب الحميدة قائم وانما الفائت صورة الصوم الا أنا حقنا الصورة بالحقيقة وحكمنا بفساد الصوم احتياطا ولو بلع جوزة صحيحة يابسة أو لوزة يابسة فعليه القضاء
(1)
بدائع الصنائع 2 ص 97، ص 98 نفس الطبعة.
وكفارة عليه لوجود صورة لا معنى لأنه يعتاد أكله على هذا الوجه. ولو أكل مسكا أو غالية أو زعفران فعليه القضاء والكفارة لأن هذا يؤكل ويتداوى به.
وروى عن محمد رحمه الله تعالى فيمن تناول سمسمة قال فطرته ولم يذكر عليه الكفارة أولا.
واختلف المشايخ فيه. قال محمد بن مقاتل الرازى عليه القضاء والكفارة.
وقال أبو القاسم الصفار عليه القضاء ولا كفارة عليه وقد ذكر أن السمسمة لو كانت بين أسنانه فابتلعها لا يفسد لأنه لا يمكن التحرز عنه.
وروى عن أبى يوسف فيمن امتص سكرة بفيه فى رمضان متعمدا حتى دخل الماء حلقه عليه القضاء والكفارة لأن السكر هكذا يؤكل ولو مص أهليلجة فدخل الماء حلقه قال لا يفسد صومه ذكره فى الفتاوى. ولو خرج من بين أسنانه دم فدخل حلقه أو ابتلعه فان كانت الغلبة للدم فسد صومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه وان كانت الغلبة للبزاق فلا شئ عليه وان كانوا سواء فالقياس ان لا يفسد وفى الاستحسان يفسد احتياطا ولو أخرج البزاق من فيه ثم ابتلعه فعليه القضاء ولا كفارة عليه وكذا اذا ابتلع بزاق غيره لأن هذا مما يعاف منه حتى لو ابتلع لعاب حبيبه أو صديقه ذكر الشيخ الامام الزاهد شمس الأئمة الحلوانى ان عليه القضاء والكفارة لأن الحبيب لا يعاف ريق حبيبه أو صديقه
(1)
.
ومن أصبح فى رمضان لا ينوى الصوم فأكل أو شرب أو جامع عليه قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليه عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر عليه الكفارة بناء على أن صوم رمضان يتأدى بدون نية عنده فوجد افساد صوم رمضان بشرائطه وعندنا لا يتأدى فلم يوجد الصوم فاستحال الافساد.
وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه أن أكل قبل الزوال فعليه القضاء والكفارة وان أكل بعد الزوال فلا كفارة عليه كذا ذكر القدورى الخلاف بين أبى حنيفة ومحمد وبين أبى يوسف فى شرحه مختصر الكرخى.
وذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى الخلاف بين أبى حنيفة وبين صاحبيه وجه قول من فصل بين ما قبل الزوال أو بعده ان الامساك قبل الزوال كان بفرض أن يصبر صوما قبل الأكل والشرب والجماع لجواز أن ينوى فاذا أكل فقد أبطل الفرضية وأخرجه من أن يصبر صوما فكان أفسادا للصوم معنى بخلاف ما بعد الزوال لأن الأكل بعد الزوال لم يقع ابطالا للفرضية لبطلانها قبل الأكل
(2)
. ولو جامع فى رمضانين ولم يكفر للأول فعليه لكل جماع كفارة فى ظاهر الرواية وذكر محمد فى الكيسانيات أن عليه كفارة واحدة وكذا حكى الطحاوى عن أبى حنيفة وجه ظاهر الرواية أنه تكرر سبب أفساد الصوم والحكم يتكرر بتكرر سببه وهو الأصل الا فى موضع فيه ضرورة كما فى العقوبات البدنية وهى الحدود
(3)
.
وأما صيام غير رمضان فلا يتعلق بافساد شئ منه وجوب الكفارة لأن وجوب الكفارة بافساد صوم رمضان عرف بالتوقيف وأنه صوم شريف فى وقت شريف لا يوازيهما غيرهما من الصيام
(4)
. وكره أبو حنيفة رحمه الله تعالى أن يمضغ الصائم العلك لأنه لا يؤمن أن ينفصل شئ منه فيدخل خلقه فكان المضغ تعريضا لصومه للفساد فيكره ولو فعل لا يفسد صومه لأنه لا يعلم وصول شئ منه الى الجوف
(5)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 99
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 101.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع 2 ص 101
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 102
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 106
مذهب المالكية
جاء فى مواهب الجليل أنه يستحب للصائم أن يكف لسانه عن الاكثار من الكلام المباح والكلام بغير ذكر الله سبحانه.
وأما كف اللسان عن الغيبة والنميمة والكلام الفاحش فواجب فى غير الصوم ويتأكد وجوبه فى الصوم ولكنه لا يبطل به الصوم.
قال فى شرح قول الرسالة وينبغى للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه لأن كف اللسان عن المعصية فى النميمة وغير ذلك وان كان واجبا الا أنه لا تأثير له فى فساد الصوم حمل على الاستحباب.
وقال فى الاحباء قال أبو سفيان الغيبة تفسد الصوم وعن مجاهد خصلتان يفسدان الصوم الغيبة والكذب.
قال القسطلافى فى شرح البخارى والجمهور على أن الكذب والغيبة والنميمة لا تفسد الصوم
(1)
. واذا ابتلع الصائم فى النهار ما يبقى بين أسنانه من الطعام لم يجب عليه قضاء لأنه أمر غالب.
وقال ابن الماجشون وان كان معتمدا لأنه ابتدأ أخذه فى وقت يجوز له واذا احتقن الصائم فى فرض أو واجب بشئ يصل الى جوفه فليقض صومه ولا يكفر
(2)
.
قال فى تهذيب الطالب عن السليمانية فبمن تبخر بالدواء فوجد طعم الدخان فى حلقه يقضى صومه.
وقال أبو محمد أخبرنى بعض أصحابنا عن ابن لبابة أنه قال من استنشق بخورا لم يفطر وأكره له ذلك وعلى ذلك فيحمل قول ابن لبابة على من شم الرائحة ولم يجد طعم البخور فى حلقه فيتفق النقلان
(3)
. والقئ والبلغم اذا عرف صاحبه أنه رجع الى حلقه منه شئ بعد وصوله الى فيه فليقض فى الواجب ولا يقضى فى التطوع.
وقال اللخمى ان رجع الى حلقه قبل فصله فلا شئ عليه فان رجع بعد فصله مغلوبا أو غير مغلوب وهو ناسى فقد اختلف فى ذلك عند من مالك
(4)
.
قال الجزولى مفسدات الصوم عشرون عشرة متفق عليها وعشرة مختلف فيها فالمتفق عليها تعوى الصوم من النية والأكل والشرب والجماع وان لم يكن انزال والانزال وان لم يكن جماع والمذى ومداومته والحيض والنفاس وخروج الولد والاستقاء اذا رجع من القئ شئ والمختلف فيها الفلقة من الطعام وغبار الدقيق وغبار الطريق وما وصل من غير مدخل الطعام والشراب بل من أنف وأذن أو عين وما ينحدر من الرأس وابتلاع ما لا يتحلل مثل الحصاة والمذى اذا لم يتعمد سببه والاستقاء اذا لم يرجع من القئ شئ والقئ غلبة اذا رجع منه شئ والردة ورفض النية. ومن أكره أو كان نائما فصب فى حلقه ماء فى رمضان أو فى نذر أو ظهار أو صيام كفارة القتل أو فى صيام متتابع أو جومعت امرأة نائمة فى رمضان فالقضاء ذلك كله يجزى بلا كفارة وتصل القضاء فى ذلك بما كان من الصوم متتابعا وان كان فى صوم تطوع فلا قضاء عليه
(5)
.
(1)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل لأبى عبد الله المعروب بالحطاب ج 2 ص 396 فى كتاب على هامش التاج والاكليل.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 424 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 426 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 426 نفس الطبعة.
(5)
مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل أبى عبد الله المعروف بالحطاب ج 2 ص 427 نفس الطبعة.
واذا أكره المرأة على الوط ء ورجلان فالكفارة على الأول منهما دون الثانى وذلك أن الثانى لم يفسد صومها ولا أوجب عليها بوطئه ما لم يكن واجب
(1)
. ومن تسحر قرب الفجر فظن أن صومه بطل وان ذلك يبيح له الافطار فأفطر بعد ذلك متعمدا فعلبه القضاء ولا كفارة والعذر فى هذا أضعف من المسئلتين قبله ان لم يقل أحد أن من تسحر قرب الفجر يبطل صومه
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن شرط صحة الصوم من حيث الفعل الامساك عن الجماع. بالاجماع ولو بغير انزال لقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ}
(3)
» والرفث والجماع نعم فى اتيان البهيمة أو الدبر اذا لم ينزل خلاف فقيل لا يفطر بناء على أن فيه التعزير فقط.
وكذلك الاستقاءة أى القئ يجب على الصائم القضاء اذا كان عالما بالتحريم عامدا مختارا لذلك فان كان جاهلا لقرب عهده بالاسلام أو نشأ بعيد عن العلماء أو قاسيا أو مكرها فانه لا يفطر.
وقال فى البحر الى أن الجاهل. يعذر مطلقا والمتعمد خلافه كما قيده القاضى حسين بما ذكر.
والصحيح أنه لو تيقن أنه لم يرجع شئ الى جوفه. بالاستقاءة كأن تقاربا منكسا بطل صومه بناء على أن المفطر عينهما كالانزال لظاهر الخبر ووجه مقابله البناء على أن المفطر رجوع شئ مما خرج وان قل. ولو غلبة القئ فلا بأس أى لم يضر. ولو اقتلع نخامة من الباطن وهى الفضلة الغليظة التى يلفظها الشخص من فيه ويقال لها أيضا النخاعة بالعين ولفظها أى رماها فلا بأس بذلك فى الأصح. سواء أقلعها من دماغه أم من باطنه لأن الحاجة اليه تتكرر فرخص فيه والثانى يفطر به كالاستقاء ورجح فى الروضة والمجموع القطع بالأول ولو لفظها مع نزولها بنفسها بغلبة أو سعال فلا بأس به جزما واحترز بلفظها عما اذا بقيت فى محلها فأنه لا يفطر جزما وعما اذا ابتلعها بعد أن خرجت الى الظاهر فأنه يفطر جزما فلو نزلت من دماغه وحصلت فى حد الظاهر من الفم بأن أنصبت من الدماغ فى الثقبة النافذة منه الى أقصى الفم فوق الحلقوم فليقطعها من مجراها وليمجها ان أمكن حتى لا يصل شئ الى الباطن فان تركها مع القدرة على ذلك فوصلت الجوف أفطر فى الأصل لتقصيره والثانى لا يفطر لأنه لم يفعل شيئا وانما أمسك عن الفعل فلو لم تصل الى حد الظاهر من الفم وهو مخرج الخاء المعجمة وكذا الحاء المهملة
(4)
لم يضر التقطير فى باطن الأذن وان لم يصل الى الدماغ وباطن الأحليل وهو مخرج البول من الذكر واللبن فى الثدى وان لم بيصل الى المثانة ولم يجاوز الحشفة أو الحلمة مفطر فى الأصح. وينبغى الاحتراز حالة الاستنجاء فأنه لو أدخل طرف أصبعه دبره بطل صومه وكذا حكم فرج المرأة ولو طعن نفسه أو طعنه غيره باذنه فوصل السكين جوفه أو أدخل فى احليله أو أذنه عود أو نحوه فوصل الى الباطن بطل صومه. وان أكره حتى أكل أو شرب أفطر فى الأظهر لأنه حصل من فعله لدفع الضرر عن نفسه فأفطر به كما لو أكل لدفع الضرر والجوع.
وقال النووى الأظهر لا يفطر. لأن حكم اختياره ساقط بخلاف من أكل خوفا على نفسه فأشبه الناسى بل هو أولى منه لأنه مخاطب بالأكل لدفع ضرر الاكراه عن نفسه وان أكل ناسيا لم يفطر لخبر الصحيحين من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فانما أطعمه الله وسقاه الا أن
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 436 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 237 الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج ج 1 ص 404، ص 415.
(4)
مغنى المحتاج ج 1 ص 415
يكثر فيفطر به فى الأصح لأن النسيان مع الكثرة نادر
(1)
.
ومن وطئ بتغييب جميع الحشفة أو قدرها من قطر مقطوعها عامدا مختارا عالما بالتحريم فى الفرج ولو دبرا. من آدمى أو غيره فى نهار رمضان ولو قبل اتمام الغروب وهو مكلف صائم آثم بالوط ء بسبب الصوم فعليه وعلى الموطؤة المكلفة القضاء. لافساد صومها بالجماع وعليه وحده الكفارة دونها لنقصان صومها بتعرضه للبطلان بعروض الحيض أو نحوه فلم تكمل حرمته حتى تتعلق بها الكفارة. فتختص بالرجل الواطئ ولأنها غرم مالى يتعلق بالجماع. كالمهر.
فلا يجب على الموطؤة. ولا على الرجل الموطوء. كما نقله ابن الرفعة رحمه الله تعالى وللواط واتيان البهيمة حكم الجماع فيما ذكر.
كما شمله ما ذكر فى الحد. أما الفطر بغير الوط ء كالأكل والشرب والاستمناء والمباشرة فيما دون الفرج المفضية الى الانزال. فلا كفارة به. وأن أدخل بعض الحشفة فلا كفارة به لعدم فطره به ولا كفارة على من جامع ناسيا أو عامدا بعد الأكل ناسيا وظن أنه أفطر بالأكل لأنه يعتقد أنه غير صائم وان كان الأصح بطلان صومه بهذا الجماع، كما لو جامع على ظن بقاء الليل فبان خلافه
(2)
. والانزال ولو قطرة عن مباشرة بنحو لمس كقبلة بلا حائل يفطر الصائم. لأنه يفطر بالايلاج بغير انزال فبالانزال مع نوع شهوة أولى بخلاف ما لو كان بحائل أو نظر أو فكر ولو بشهوة لأنه انزال بغير مباشرة كالاحتلام
(3)
.
ومما يفطر الصائم ما وصل من عين وان قلت كسمسمة. عمدا مختارا عالما بالتحريم الى مطلق الجوف من منفذ مفتوح سواء أكان يحيل الغذاء أو الدواء أم لا كباطن الحلق والبطن والأمعاء وباطن الرأس لأن الصوم هو الامساك عن كل ما يصل الى الجوف فلا يضرر وصول دهن أو كحل يتشرب مسام جوفه ولا يفسد ولا يضر ريقه من معدته جوفه. أو وصول ذباب أو بعوض أو غبار طريق أو غربلة دقيق الى جوفه. لعسر التحرز عنه والتقطير فى باطن الأذن مفطر. ولو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق الى جوفه نظر ان بالغ أفطر. والا فلا ولو بقى طعام بين أسنانه فجرى به ريقه من غير قصد لم يفطر أن عجز عن تمييزه وحجيه. لأنه معذور فيه غير مفرط
(3)
. ومما يفطر الصائم كذلك الحقنة وهى ادخال دواء أو نحوه فى الدبر. أو من أحد السبيلين وذلك بالتقطير فى باطن الأحليل أو ادخال عود أو نحوه فيه فهو مفطر. وكالحقنة دخول طرف أصبع فى الدبر حالة الاستنجاء فيفطر به الا أن أدخل الميسور مقعدته بأصبه فلا يفطر به كما صححه البغوى لاضطراره اليه والقئ عمدا يفطر الصوم وان تيقن أنه لم يرجع منه شئ الى الجوف كأن تقايأ منكسا. لخبر ابن حبان وغيره (من ذرعه القئ). أى غلبه وهو صائم فليس عليه قضاء. ومن استقاء فليقض الصوم
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: ان من أكل ولو ترابا أو ما لا يغذى، ولا يماع فى الجوف كالحصى أو شرب فسد صومه لقوله تعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}
(6)
» فأباحهما الى غاية وهى تعيين
(1)
مغنى المحتاج ج 1 ص 416، ص 417 الطبعة السابقة.
(2)
الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع 2 ص 131، ص 132.
(3)
الاقناع 2 ص 125، ص 126
(4)
الاقناع 2 ص 425
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 125
(6)
الآية رقم 187 من سورة البقرة.
الفجر ثم أمر بالامساك منهما الى دليل لأن حكم ما بعد الغاية مخالف لما قبلها وقوله صلى الله عليه وسلم «كل عمل ابن آدم له الا الصوم فانه لى وأنا أجزى به انه ترك طعامه وشرابه من أجلى» متفق عليه ولا فرق بين القليل والكثير.
ومن استعط فى أنفه بدهن أو غيره فوصل الى حلقه أو دماغه. وفى الكافى أو استعط فى خياشيمه فسد صومه لنهيه صلى الله عليه وسلم الصائم عن المبالغة فى الاستنشاق ولأن الدماغ جوف والواصل اليه يغذيه فيفطر كجوف البدن.
ولو احتقن فى دبره فسد صومه لأنه يصل الى الجوف ولأن غير المعتاد كالمعتاد فى الواصل ولأنه أبلغ وأولى من الاستعاط ولو داوى الجائفة أو جرحا بما يصل الى جوفه فسد صومه لأنه أوصل الى جوفه شيئا باختياره أشبهه ما لو أكل وكذا لو اكتحل بكحل أو جمر أو قطور أو ذرور أو أثمد ولو غير مطيب يتحقق معه وصوله الى حلقه غصب عليه لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بالأثمد المروح عند النوم وقال ليتقه الصائم رواه أبو داود والبخارى فى تاريخه من حديث عبد الرحمن بن النعمان بن سعيد ابن هوذة عن أبيه عن جده.
ولأن العين منفذ لكنه غير معتاد وكالواصل من الأنف. وان لم يتحقق وصوله الى حلقه. فلا فطر لعدم تحقق ما ينافى الصوم.
ويفسد الصوم أيضا اذا استقاء فقاء طعاما أو مرارا أو بلغما أو دما أو غيره ولو قل.
لحديث أبى هريرة المرفوع من ذرعه القئ فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض رواه الخمسة.
وقال الترمذى حسن غريب. رواه الدارقطنى ويفسد الصوم لو أدخل الى جوف أو مجوف فى جسده كدماغه وحلقه وباطن فرجه كالدبر.
مما ينفذ الى معدته شيئا من أى موضع كان ولو خيطا ابتلعه كله أو ابتلع بعضه أو رأس سكين من فعله أو فعل غيره باذنه فغاب فى جوفه فسد صومه ويعتبر العلم بالواصل وجزم فى منتهى الغاية بأنه يكفى الظن واختار الشيخ تقى الدين أنه لا يفطر بمداوة جائفة ومأمومة ولا بحقنة ولو داوى المأمومة فوصل الى دماغه أفطر لأن الدماغ أحد الجوفين فالواصل اليه يغذيه فأفسد الصوم كالآخر .. ويفسد الصوم لو استمنى فأمنى أو أمذى لأنه اذا فسد بالقبلة المقترنة بالانزال فلأن يفسد به بطريق أولى فان لم ينزل فقد أتى محرما ولم يفسد صومه وان أنزل لغير شهوة فلا يفسد كالبول. ولو قبل أو لمس أو باشر دون الفرج فأمنى أو أمذى أفطر.
لما روى أبو داود عن عمر رضى الله عنه أنه قال نسيت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله انى فعلت أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو تمضمت من اناء وأنت صائم قلت لا بأس به وعلل فمه فشبه القبلة بالمضمضة من حيث انها من مقدمات الفطر فأن القبلة اذا كان معها نزول أفطر والا فلا.
ذكره فى المغنى والشرح وفيه نظر لأن غايته انها قد تكون وسيلة وذريعة الى الجماع وعلم منه أنه لا فطر بدون الانزال لقول عائشة وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم وكان أملككم لا ربه رواه البخارى
(1)
ويفسد الصوم لو كرر النظر فأمنى لأنه انزال بفعل يلتذ به ويمكن التحرز منه أشبه الانزال باللمس. ولا يفطر ان أمذى بتكرار النظر وأنه لا نص فيه والقياس على انزال المنى لا يصبح لمخالفته اياه فى الأحكام - ولا يفطر ان أمنى من غير تكرار النظر لعدم امكان التحرز من النظرة الأولى وعلم منه أنه لو كرر. النظر فلم ينزل فلا فطر
(2)
. ويفسد الصوم لو حجم أو احتجم فى القنا أو الساق وظهر دم نص
(1)
كشاف القناع 1 ص 513، ص 514
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 514 والمغنى والشرح الكبير ج 3 ص 50، ص 51
عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم رواه أحمد والترمذى من حديث رافع بن خديج
(1)
.
ولو فعل الصائم هذه الأشياء المذكورة عن الأكل والشرب وغيرهما عامد أو قاصدا للفعل.
ذاكرا لصومه مختارا لفعله فسد صومه ولو جهل التحريم فلا يفطر اذا كان غير قاصد الفعل
(2)
.
ويفطر الصائم بردة مطلقا لقوله تعالى «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» وكذلك كل عبادة حصلت الردة فى أثنائها فانها تفسدها. ويفطر الصائم يموت فيطعم من تركته فى نذر وكفارة مسكين لفساد ذلك اليوم الذى مات فيه لتعذر قضائه. وان دخل حلقه ذباب أو غبار طريق أو غبار دقيق أو دخان من غير قصد لم يفطر لعدم القصد كالنائم وعلم منه أن من ابتلع الدخان قصدا فسد صومه. ولو قطر فى أحليله دهنا أو غيره لم يفطر. ولو وصل مثانته لعدم المنفذ وانما يخرج البول رشحا كمداواة جرح عميق لم يصل الى الجوف
(3)
.. ولو ولج بفرج أصلى فى فرج غير أصلى كفرج الخنثى المشكل أو أولج بفرج غير أصلى فى فرج غير أصلى كما لو جامع خنثى مشكل خنثى مشكلا فلا كفارة على واحد منهما لاحتمال الزيادة ولم يفسد صوم واحد منهما الا أن ينزل كالغسل فان أنزل وجب عليه القضاء فقط وان أولج بغير فرج أصلى فى فرج أصلى فسد صومها فقط دون صوم الخنثى لأن داخل فرجها فى حكم الباطن فيفسد صومها.
بادخال غير الفرج الأصلى كأصبعها وأصبع غيرها وأولى أى افساد صومها بادخال الفرج غير الأصلى أولى من افساده بادخال أصبع فى فرجها وكلام الأصحاب هنا يخالفه حيث قالوا لا يفسد صوم واحد منهما الا أن ينزل
(4)
..
واذا ظهر دم حيضها اليه ولم يخرج معه فسد صومها ولو كان فى حكم الباطن لم يفسد صومها حتى يخرج منه ولم يجب غسله كالدبر واذا ثبت أنه فى حكم الظاهر فهو كفمها وعمق سرتها وطى تمكنها وانما فسد صومها بايلاج ذكر الرجل فيه لكونه جماعا لا لكونه وصولا الى باطن بدليل انه لو أولج أصبعه فى قبلها فانه لا يفسد صومها والجماع يفسد لكونه مظنة الانزال فأقيم مقام الانزال كما أقيم مقامه فى وجوب الغسل ولهذا يفسد به صوم الرجل وان لم ينزل ولم يصل الى جوفه شئ. وان جامع دون الفرج عامدا فأنزل ولو مذيا فسد الصوم لأنه اذا فسد بالمس مع الانزال مقيما ذكر بطريق الأولى ولا كفارة لأنه ليس بجماع وان لم ينزل لم يفسد صومه كاللمس والقبلة.
واذا أنزل مجبوب أو امرأتان بمساحقة فسد الصوم ولا كفارة
(5)
وان اندفعت شهوته بغير الجماع. كالاستمناء بيده أو يد زوجته أو يد جاريته ونحوه كالمفاخذة لم يجز له الوط ء. وأن أمكنه ان لا يفسد صوم زوجته أو أمته المسلمة البالغة بأن يطأ زوجته أو أمته الكتابيتين أو يطأ زوجته أو أمته الصغيرتين أو المجنونتين أو اندفعت شهوته بالوط ء دون الفرج فلا يباح له افساد صومها لعدم الضرورة اليه. وان لم يمكنه عدم أفساد صوم الزوجة أو الأمة المسلمة البالغة جاز له افساد صومها للضرورة كأكل الميتة للمضطر
(6)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن من نوى وهو صائم صمة
(1)
كشاف القناع ج 1 ص 514
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 514
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 515
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 517
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 517
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 518
بطل. اذا تعمد ذلك ذاكرا أنه فى صوم وان لم يأكل ولا يشرب ولا يطأ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «انما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى» فصح يقينا أن من نوى ابطال ما هو فيه من الصوم فله ما نوى
(1)
ويبطل الصوم تعمد الأكل أو تعمد الشرب أو تعمد الوط ء فى الفرج أو تعمد القئ وهو ذلك ذاكرا لصومه. وسواء قل ما أكل أو كثر. أخرجه من بين أسنانه أو أخذه من خارج فمه فأكله. وهذا كله مجمع عليه اجماعا متيقنا. لقول الله تعالى: «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ}
(2)
».
وروى محمد بن سبرين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض فليقض
(3)
.
ويبطل الصوم أيضا تعمد كل معصية. اذا فعلها عامدا ذاكرا لصومه كمباشرة من لا يحل له من أنثى أو ذكر أو تقبيل غير امرأته وأمته المباحتين له من أنثى أو ذكر. أو اتيان فى دبر امرأته أو أمته أو غيرهما أو كذب. أو غيبة.
أو نميمة. أو تعمد ترك الصلاة أو ظلم أو غير ذلك من كل ما حرم على المرء فعله.
لما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصيام جنة فاذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ. ولا يصخب فان سابه أحد أو قاتله فليقل. انى صائم.
ولما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه).
ولما روى عن سليمان التيمى عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس. فقال لهما قيئا.
ققاءتا قيحا ودما ولحما عبيطا. ثم قال صلى الله عليه وسلم ها ان هاتين صامتا عن الحلال.
وأفطرتا على الحرام
(4)
. فمن تعمد ذاكرا لصومه شيئا مما ذكر فقد بطل صومه. ولا يقدر على قضائه ان كان فى رمضان أو فى نذر معين الا فى تعمد القئ لخاصة فعلية القضاء.
وذلك لما سبق أن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وجوب القضاء فى تعمد القئ قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت فى فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوط ء نص بايجاب
(5)
القضاء.
لما روى عن أبى هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلكت يا رسول الله قال: وما أهلكت قال: وقعت على امرأتى فى رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.
قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا. ثم جلس فأتى النبى صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر. فقال: تصدق بهذا فقال:
أفقر منا؟. لأبتيها أهل بيت أحوج اليه منا.
(1)
المحلى لابن حزم ج 6 ص 174، ص 175
(2)
الآية رقم 187 من سورة البقرة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 175 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 6 ص 177، ص 178 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 6 ص 180، ص 181 الطبعة السابقة.
فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك
(1)
.
ويبطل صوم من لاط بانسان فى دبره فأمنى أو ببهيمة فى قبل أو دبر فأمنى. ومن بقى الى بعد الزوال لا ينوى صوما. ومن قبل داكرا لصومه فأمنى. ومن لمس كذلك فأمنى. أو جامع كذلك دون الفرج فأمنى ومن تمضمض فدخل الماء فى حلقه وهو ذاكرا لصومه.
ومن أكل أو شرب أو جامع بعد طلوع الفجر وهو غير عالم بطلوعه ثم علم. ومن فعل شيئا من ذلك وهو يرى أن الشمس قد غربت فاذا بها لم تغرب. ومن جن فى يوم من رمضان أو أياما أو الشهر كله الا ساعة واحدة منه - ومن أغمى عليه شهر كله. ومن أغمى عليه بعد ما دخل رمضان. حاشا يوم الليلة التى أغمى عليه فيها. ومن أصبح صائما فى السفر ثم جامع أو أكل أو شرب عامدا ذاكرا. ومن جامع أو أكل أو شرب عمدا ثم مرض من نهاره ذلك أو حاضت ان كانت امرأة.
ومن أصبح فى رمضان لا ينوى صوما ثم أكل أو شرب أو جامع فى صدر النهار أو فى آخره.
والمرأة تجامع وهى نائمة أو مجنونة أو مكرهة ومن احتقن أو استعط أو قطر فى أذنه قطورا. واختلف فبمن قطر فى احليله قطورا فمرة أبطل صومه ومرة لم يبطله وأبطل صوم من داوى جائغة به أو مأمومة بدواء رطب والا فلا - وأبطل صوم من بلع حصاة عامدا. أو بلع جوزة رطبة أو يابسة أو لوزة يابسة ومن رفع رأسه الى السماء فوقع فسقط من المطر فى حلقه وأوجبوا فى كل ذلك القضاء ولكن لا تجب فيه الكفارة
(2)
.
ولا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام ولا استمناء ولا مباشر الرجل امرأته أو أمته المباحة له فيما دون الفرج تعمد الأمناء أم لم يمن أمذى أم لم يمذ ولا قبلة كذلك فيهما. ولا قئ غالب ولا قيئ خارج من الحلق ما لم يتعمد رده بعد حصوله فى فمه وقدرته على رميه ولا دم خارج من الأسنان أو الجوف ما لم يتعمد بلعه ولا حقنه ولا سعوط ولا تقطير فى أذن. أو فى احليل أو فى أنف ولا استنشاق وان بلغ الحلق ولا مضمضة دخلت من غير تعمد. ولا كحل بعقاقير أو بغيرها ولا غبار طحن أو غربلة دقيق أو حناء أو غير ذلك أو عطر أو حنظل أو أى شئ كان ولا ذباب دخل الحلق بغلبة ولا من رفع رأسه فوقع فى حلقه نقطة ماء بغير تعمد لذلك منه ولا مضغ زفت أو مصطلكى أو علك ولا من تعمد أن يصبح جنبا ما لم يترك الصلاة. ولا من تسحر أو وطئ وهو يظن أنه ليل فاذا بالفجر قد كان طلع ولا من أفطر بأكل أو وط ء ويظن أن الشمس قد غربت فاذا بها لم تغرب ولا من أكل أو شرب أو وطئ ناسيا لأنه صائم ولا مضغ طعام أو ذوقة ما لم يتعمد بلعه ولا مداواته جائغة أو مأمومة بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك ولا طعام وجد بين الأسنان أى وقت من النهار وجد
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أنه يندب للصائم توقى مظان الأفطار. ويكره للصائم مضاجعة أهله فى النهار ومقدمات الجماع سيما للشباب ولا كراهة لمن تتحرك شهوته. وينبغى للصائم أن يتحرز عند تمضمضه واستنشاقه من دخول الماء الى حلقه ووصوله الى خياشيمه فان نزل الى جوفه من فيه أو خياشيمه فسد صومه وعليه القضاء ويعفى عما بقى بعد الاستقصاء.
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 185، ص 186 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 164، ص 195.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 203، ص 204 الطبعة السابقة.
وعن أبى مضر وأن الاستقصاء بأن يبصق ثلاث مرات. كما ينبغى للصائم أن يتحرز من دخول الغبار والذباب فمه لأنه ربما اجتمع فصار بحيث يمكنه اخراجه باليد أو بالريق من فيه فيصل مع ذلك الى جوفه فيفسد صومه فان دخلا بغير اختياره لم يفسد صومه
(1)
.
واذا استاك نهارا توقى أن يدخل حلقه مما جمعه السواك من خلاف ريقه لأن ذلك يؤدى الى فساد صومه. ويكره للصائم مضغ العلك وهو كل ما يعلك فى الفم من الكندر والمصطكى والشمع واللبان
(2)
.
ومن شك فى فساد صومه بعد صحة انعقاده حكم بالأصل وهو الصحة فلو شك هل تناول شيئا من المفطرات لم يفسد صومه لأن الأصل الصحة ولو تسحر وهو شاك فى طلوع الفجر حكم بالأصل وهو بقاء الليل فيصح صومه وهكذا لو أفطر وهو شاك فى غروب الشمس حكم بالأصل وهو بقاء النهار فيفسد صومه ويكره للصائم الحجامة. لقوله صلى الله عليه وسلم أفطر الحجام والمحجوم له وكراهة الحجامة للصائم وذلك لأنه بيخشى منه الضعف من أجلها ولا يفسد صومه لأن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم ورخص للصائم فيها
(3)
.
ويفسد أمور ثلاثة:
الأول الوط ء وهو التقاء الختانين مع توارى الحشفة وقدرها من المقطوع فما أوجب الغسل أفسد الصوم وهكذا يعتبر فى الخنثى.
والثانى الامناء وهو انزال المنى لشهوة ولم يكن بجماع اذا وقع ذلك فى يقظة أو أمنى من غير شهوة أو لأجل احتلام أو جومعت وهى نائمة، ليس عدم فساده لكونها نائمة بل لأنها لم يبق لها فيه فعل والا لزم أن النائم ولو وطئ لا يفسد صومه كذلك بل يفسد صومه كما لو أكل وهو نائم. ولا خلاف فى أن الامناء مفسد اذا كان بسبب مباشرة أو مماسة كتقبيل ولمس وأما اذا وقع لأجل النظر لشهوة أو لأجل فكر فاختلف فيه أما النظر فقال بعض الأئمة أنه يفسد وقال البعض الآخر أنه لا يفسد.
وأما الأفكار فقال بعض العلماء وحكاه أبو جعفر عن الهادى والقاسم والناصر أنه يفسد أيضا واحد احتالى السيدين أنه لا يفسد. ومن جومعت مكرهة من دون أن يكون منها تمكين ولا استطاعة فانه يفسد صومها ومن جومعت وهى مجنونة جنونا عارضا ولم يكن منها فعل فانه لا يفسد صومها.
والثالث مما يفسد الصوم هو ما وصل الجوف. ومن ابتلع طرف خيط وبقى طرفه خارجا أفسد. وسواء ما وصل الى الجوف مما يؤكل أم لا كالحصاة والدرهم ونحوهما وانما يفسد الصوم بشروط:
الأول: أن يكون مما يمكن الصائم الاحتراز منه فان كان مما يتعذر الاحتراز منه كالدخان لم يفسد وهكذا الغبار اذا كان يسيرا بحيث لا يمكن الاحتراز منه ولو تعمد دخولهما:
الشرط الثانى: أن يكون جاريا فى الحلق فلو وصل الجوف من دون أن يجرى فى الحلق لم يفسد عندنا وذلك كالحقنة والطعنة والرمية دواء الجائفة بما بصل الى الجوف وقال بعض العلماء بل يفسده الحقنة.
والشرط الثالث: أن يكون جاريا فى الحلق من خارجه فلو جرى فى الحلق ولم يجر من خارحه
(1)
شرح الأزهار لابن مفتاح ج 2 ص 14، 15
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 15
(3)
شرح الأزهار ج 2 ص 15، 16
بل نزل من الدماغ أو العين أو الخيشوم كالنخامة اذا نزلت من مخرج الخاء فانه لا يفسد وكالقئ لو رجع من مخرج الخاء ولو عمدا.
الشرط الرابع: أن يكون جريه فى حلق الصائم بفعله أو سبه فأما لو كان ذلك بغير فعله ولا سبه لم يفسد صومه كمن أو جر ماء فدخل بغير اختياره وكمن جومعت مكرهة لا فعل لها أو نائمة فأن ذلك لا يفسد وفعله نحو أن يرد رده وأما سببه فنحو أن يفتح فاه للدخول قطر المطر أو البرد فيدخل ولم يرد رده فان ذلك مفسد لأن السبب كالفعل فأما لو فتح فاه للتساؤب لم يفسد وأما لو فتحه لغير غرض رأسا فدخله ذباب أو مطر أو نحوهما لم يفسد صومه ذكره البعض للمذهب
(1)
ومن السبب أن يتعمد القئ فيرجع منه شيئا فأنه يفطر لذلك ومنه أن يتعمد استخراج النخامة فنزلت الجوف من فمه فأنها تفسد لأنها قد مرت فى الحلق من خارجه بسببه وضابط النخامة ان تعمد الدخول أو الخروج أفسد والا فلا، والمراد بالفم حيث يبلغه التطهير وهو ما يصله الماء عند المضمضة.
ومن السبب أن يتعمد القئ فيرجع منه شئ فانه يفطر بذلك ومنه أن يتعمد الدخول أو الخروج أفسد والا فلا. والمراد بالفم حيث يبلغه التطهير. وهو ما يصله الماء عند المضمضة.
قال الغزالى بل اذا رجعت من مخرج الخاء المعجمة فسد الصوم واختاره الفقيه فى التذكرة.
قال مولانا عليه السلام. وفيه نظر لأنه مخالف لاطلاق أصل المذهب من اعتبار رجوعها من الفم لا من الحلق والحاء والخاء جميعا من حروف الحلق
(2)
.
ولو أفطر بأى أسباب الافطار وكان فى تلك الحال ناسيا لصومه فان الناسى فى هذا الباب كالعامد.
وعند أبى على والناصر والفقهاء أنه اذا أكل ناسيا أو جامع ناسيا فلا قضاء عليه ولا يفسد صومه عندهم. حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم. الله أطعمه وسقاه فيتم صومه أو اذا أفطر الصائم بأى أسباب الافطار مكرها على ذلك فأنه يفسد صومه اذا وقع الافطار بفعله أو فعل سببه ولو كان مكرها بالوعيد على أن يفعل ذلك فلا تأثير فلا اكراه فى عدم الفساد فأما لو أكره على وجه لم يبق له فعل لم يفسد صومه
(3)
.
وكل ما وصل الى الجوف جاريا فى الحلق من خارجه بفعل الصائم أو سببه أفسد الصوم الا ثلاثة أشياء:
الأول: الريق فان ابتلاعه لا يفسد الصوم اذا ابتلعه الصائم من موضعه. ومضعه هو الفم واللسان واللهوات
(4)
فلو أخرجه الى كفه ثم ابتلعه فسد صومه.
وقال أبو مضر لا يفسد وهكذا لو أخرجه الى خارج الشفتين ثم نشفه وابتلعه.
وأما اذا أخرج الريق على طرف اللسان ثم ابتلعه فانه لا يفسد فان أخرج لسانه واسترسل الريق منها فى السواء وهو متصل وابتلعه فسد صومه اذ قد خرج عن موضعه. وقيل لا يفسد ذكره الامام على الدين
(5)
.
والثانى: من المستثنيات هو يسير الخلالة وهو اللحم ونحوه الذى يبقى بين الأسنان بعد الأكل فأنه لا يفسد الصوم اذا كان يسيرا بحيث يجرى مع الريق وسواء ابتلعه عمدا أو سهوا. قال عليه السلام وليس المقصود بقولنا ويسير
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 18، 19
(2)
شرح الأزهار 2 ص 19
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 19، 20
(4)
اللهوات بالفتح جمع لها وهو ما بين الشفتين ذكره فى مثلثة فطرب وهى اللحمة المشرفة على الحلق.
(5)
شرح الأزهار ج 2 ص 20
الخلالة معه أن ينزل مصاحبا للريق وانما المقصود أنه يعفى عنه مهما بقى مع الريق أى فى موضعه يعنى من داخل الفم لو بذق الخلالة اليسيرة الى يده ثم ابتلعها عمدا فسد صومه كالريق.
الثالث: من المستثنيات ما نزل من الخيشوم الى الجوف من سقوط الليل
(1)
. وضابطه أنه اذا استسعط فى وقت يباح له لم يفسد ولو نزل فى النهار وان كان فى وقت لا يباح له أفسد ولو تخلل الليل. وعلى ذلك فان سقوط الليل لا يفسد الصوم فأما سقط النهار فانه يفسده
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أنه يجب على الصائم. الكف نهارا عن الأكل والشرب مطلقا المعتاد منهما وغيره. والجماع كله قبلا ودبرا لآدمى وغيره على أصح القولين. والاستمناء وهو طلب الامناء بغير الجماع مع حصوله.
لا مطلق طلبه وان كان محرما أيضا. وايصال الغبار المتعدى الى الحلق غليظا كان أم لا بمحلل كدقيق وغيره كتراب وتقييده. بالغليظ فى بعض العبارات ومنها الدروس لا وجه له.
والبقاء على الجنابة مع علمه بها سواء نوى الغسل أم لا. ومعاودة النوم جنبا بعد انتباهتين.
متأخرتين عن العلم بالجنابة وان نوى الغسل اذا طلع الفجر عليه جنبا لا بمجرد النوم كذلك فيكفر من لم يكف عن أخذ هذه السبعة اختيارا فى صوم واجب متعين أو فى شهر رمضان مع وجوبه بقرينة المقام ويقضى الصوم مع الكفارة لو تعمد الاخلال بالكف المؤدى الى فعل أحدهما. والحكم فى الستة السابقة قطعى وفى السابعة مشهورى ومستنده غير صالح.
وهذا حكم المتعمد بخلاف الجاهل بتحريمها وافسادها. وخرج الناسى فلا قضاء عليه
(3)
.
ولما روى عن جميل بن دراج عن أبى عبد الله صلى الله عليه وسلم. أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا. فقال ان رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله فقال: مالك. فقال: النار يا رسول الله. قال: ومالك قال: وقعت على أهلى. قال: تصدق واستغفر الله. فقال الرجل: فو الذى عظم حقك ما تركت فى البيت شيئا لا قليلا ولا كثيرا. قال فدخل رجل من الناس بمكثل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصدع بصاعنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ هذا التمر فتصدق به.
فقال: يا رسول على من أتصدق به وقد أخبرتك أنه ليس فى بيتى قليل ولا كثير. قال فخذه وأطعمه عيالك واستغفر الله
(4)
.
ولو أرتمس الصائم بأن غمس رأسه أجمع فى الماء دفعة واحدة عرفية وان بقى البدن متعمدا فيجب على الصائم القضاء. والأقوى تحريمه من دون افساد.
وفى الدروس أوجب به القضاء والكفارة وحيث يكون الارتجاس فى غسل مشروع يقع فاسدا مع التعمد للنهى ولو نسى صح الصوم
(5)
.
ويفسد صوم ممن تعمد القئ مع عدم رجوع شئ منه الى حلقه اختيارا. والا وجبت الكفارة.
وذلك بخلاف ما لو كان القئ بغير اختياره فانه لا قضاء عليه فانه مع تحفظه
(6)
.
(1)
بالسين مفتوحة والطاء الدوى الذى يصب فى الأنف وبالصاد الدال نقيض الهبوط.
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 20، 21
(3)
الروضة البهيه شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 139، 140
(4)
الفروع من الكافى للرازى ج 4 ص 101، 102
(5)
الروضة البهية ج 2 ص 140
(6)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 144
ويفسد الصوم اذا نظر الصائم الى امرأة محرمة بقرينة. أو نظر الى غلام فأمنى مع عدم قصده الامناء ولا اعتياده ولو كان بقصد فالأقرب الكفارة وخصوصا مع الاعتياد اذ لا ينقص عن الاستمناء بيده أو ملاعبته ويجب القضاء على الصائم.
انما وجب القضاء مع النظر الى المحرم مع عدم الوصفين للنهى عنه فأقل مراتبه الفساد كغيره من المنهيات فى الصوم من الارتماس والحقنة وغيرهما. والأقوى عدم القضاء بدونهما كغيره من المنهيات وان أثم واذ لا دلالة فى التحريم على الفساد لأنه أعم. فلا يفسد الا مع النص عليه. كالتناول والجماع ونظائرهما.
ولا فرق حينئذ بين المحللة والمحرمة الا فى الاثم وعدمه ولا يفسد الصيام بمص الخاتم.
وشبهه وأما مص النواة فكمروه وزق الطائر ومضغ الطعام وزق المرق وكل ما لا يتعدى الى الحلق
(1)
.
وروى عن أبى عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رجل يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقصه فقال. ان ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المنى.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه يجب على الصائم الامساك عن كل مفطر يصل الى الجوف أى المبطن. واختلف فيما خرج عن حد الفم الى داخل والتصق به فأنه كالبطن سواء كان من أى منفذ يصل الى مطلق البطن لا بخصوص دخول المعدة أو المصارين. سواء كان ذلك مغذيا أو غير مغذ كذهب وفضة ونحاس ورصاص وتراب وصوف وحرير وغير ذلك.
وعن بعض أهل الخلاف لا فطر بما وصل الجوف من طعام وشراب وغيرهما من غير الموضع المعتاد للأكل والشرب والمأخوذ به الأول فمن جعل ماء ونحوه لحاجة فى المجارى التى تؤدى الى الحلق أو الى البطن انتقض صومه كله وقيل يومه ولزمته المغلظة والصحيح أنه لا شئ عليه الا أن تبين له أنه وصل الحلق والجوف فالاعادة فقط ومن أمسك فى فيه حديدا أو نحاسا أو فضة أعاد الصوم صوم ما مضى أو اليوم ولزمه الكفارة أن تعمد والا أعاد يومه ذكرا كان أو امرأة
(4)
.
ومن جعل فى فيه نحو حصاة فسبقت الى حلقه أعاد يومه وقيل لا والظاهر عندى أن المراد بقولهم أمسك حديدا أو نحاسا أو فضة فى فيه أنه أمسكه وكان كحاله قبل الامساك من بلع الريق لأنه ان بلعه فقد بلع الصدى وأما ان لم يبلع فلا فساد قطعا ويشير الى ذلك قولهم أنه لا يفسد بامساك الذهب فى الفم وذلك لأنه لا يصدى فلو خلط به فضة أو نحاس أو حديد أو غير ذلك مما ينحل منه شئ لفسد أيضا
(5)
.
كما يجب الامتناع عن اخراج المنى بعمد زمان الصوم سواء بتحريك العورة باليد أو بغير اليد أو بادامة النظر والفكر أو الاستماع الى كلام أو بمس الذكر الى جسد أو ثوب أو غيرهما أو سواء كان ذكرا أو أنثى فيما بين الزوج والزوجة أو السيد وأمته وأما غيرهم فأن ذلك منه كبيرة تنقض الوضوء والصوم ولو لم ينزل
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 142، 43
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 152
(3)
المرجع الفروق من الكافى ج 4 ص 11
(4)
شرح النيل ج 2 ص 189 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 189، 190
النطفة ولو حرك ذكره بيده أو حركت فرجها تشهيا وقيل لا ينقض فى غير النظر والانزال ولا نقض بالنظر ومس الزوج والسيد ما لم يكن انزال ولا نقض بانزال بلا عمد ولو كان أصله من نظر أو مس أو سماع اذا كان النظر والمس والسماع بلا تعمد ولا قصد وقيل يعيد يومه والصحيح أن لا اعادة وعن كل ما يفسد الصوم مما ذكر وكذلك يفسده أيضا الافطار بالحرام من مال مغصوب أو مسروق على العمد ونحو ذلك وقيل لا يفسد الصوم.
وفى الديوان ان أفطر بالحرام وبدأ بالفاحة فى وقت الافطار كفر وصح صومه وقبل يبدل
(1)
يومه، وقيل انهدم ما صام كله.
ومن انعط ذكره. حتى أمنى لا بمس أو نظر أو فكر وأن بكيد بمثل يد ولا يتفكر أو نظر مدام بل خطر له فى قلبه أمر الجماع ضرورة ولم يستعمل اليه أو نظر بلا عمد فكيف ووقع فى قلبه ذلك ضرورة أو مس بلا عمد ووقع فى قلبه ضرورة أو سمع بدون استماع فوقع ذلك ضرورة أو فعل مثل ذلك فيجب على الصائم أن يبدل يومه وقيل لا يجب ابداله ان لم يعالجه ولم يرده وكذلك يفسده أيضا الافطار بالحرام من مال مغصب أو مسروق على العمد ونحو ذلك وقيل لا يفسد الصوم بالافطار بالحرام لكن يلزمه رد مثله لمولاه أو قيمته وفى الديوان أن أفطر بالحرام أو بدأ بالفاحشة فى وقت الافطار كفر وصح صومه ومن أكل أو شرب أو فعل مفسد للصوم بعد الاصباح وقد نظر الى الفجر ولم يره لخلل فى نظره كسحاب رقيق لم يظنه سحابا ولم يره وكضعف بصره لنوم أو غيره هل يقضى يومه أو لا يقضى؟ فمن يقول بأن موجب الامساك هو تبين الفجر لا يوجبه، ومن ثم فعلى القول الأول أوجب القضاء على من ظن أن الشمس قد غابت فأكل فاذا هى لم تغب لكن هل يعيد ما مضى أو يومه فقط قولان والثانى هو الأصح وعليه الأكثر وقيل انهدم صومه ولزمته المغلظة ذكره فى الديوان ولا يأكل منتبه من نوم ليلة غيم حتى يسأل فان تعمد أكلا قبل السؤال ثم بان أن الأكل بعد الصباح فسد ماضيه ويومه
(3)
.
وفسد الماضى كله أو اليوم بالوارد جوفا ولو حلقا عمدا ولو دمعا أو مخاطا وخلا من فم أو كان فى الفم من الأنف أو ريقا بأن عن فم منقطعا لا ان خرج متصلا ورجع متصلا، وفى لزوم مغلظة بالرميق البائن والمخاط البائن قولان ورخص فى عدم فساده فلا مغلظة والأول وهو الفساد أصح وعليه الأكثر والأصح أيضا لزوم المغلظة ولا يجعل الصائم وهنا أو دواء أو ماء أو غير ذلك فى مجرى مؤدى للحلق ولو أذن عند من قال بأن الأذن توصل الحلق من الفم - فخلافا لمن أجاز ذلك وكره أبو الحسن ذلك.
ومن سقط أو احتقن فى الدبر فقد لزمه القضاء والكفارة وكره بعضهم السعوط والاحتقان كراهة ولا بأس بالاحتقان فى الذكر ولا بأس يفطر الدواء فى الأذن تضرر لأنه يوصل الى الدماغ لا الى الجوف وفى الافطار يطالع من صدر ونازل من رأس ولو لم يصلا حد الفم أقوال أحدها عدم الافطار بهما لأنهما فى داخل كالريق، والآخر الافطار بهما، ثالثها المختار الافطار بالطالع لا النازل.
قال الشيخ يحيى رحمه الله تعالى: والذى نزل الرأس اذا كان متعمدا ينقض الصوم ولا بأس به فى الصلاة وما يطلع من الصدر اذا كان متعمدا ينقض الصلاة لا الصوم وقيل ما نزل من
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 160 الطبعة السابقة.
(2)
أى اشتد لأمر الجماع واصل الالفاظ أن ينسب للرجل أو المرأة ويكون بمعنى شدة اشتهاء الجماع وأما الذكر فيقال مع حفظ بفتح العين أى قام ويجوز أن يكون انعط لموافقة نعظ وعلى الأول فيكون من نسبة ما للكل للبعض.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 160 الطبعة السابقة.
الرأس ينقض الصلاة لا الصوم وما طلع من الصدر ينقض الصوم لا الصلاة وقيل ما نزل من الرأس ينقضها والذى يطلع لا ينقضهما وقيل ما طلع ينقضمها وما نزل لا ينقضهما، وقيل ينقضهما الطالع والنازل، وقيل لا ينقضهما الطالع ولا النازل.
وفى الديوان وان بلع دموعه أو مخاطه وهما متصلان فقد انهدم صومه وعليه مغلظة، ومنهم من يرخص، وان طلع العقدة التى تجئ من الرأس فقد انهدم صومه وعليه مغلظة ومنهم من يرخص ولا ينهدم بالعقدة التى تجئ من الصدر وقيل ينهدم
(1)
.
ومن عبث بذكره أو أدام نظرا بشهوة أو أدام فكرا فى الجماع أو مس البدن باليد أو الذكر أو غيرهما أو قيل عمدا انهدم صومه ولزمته مغلظة عند الأكثر ان أمنى - وقيل ولو لم يخرج من ذكره اذا انفصل عنه فى داخله - كالمجامع الغائب الحشفة مطلقا ان أمنى أو لم يمن لا أن أمذى أو أوذى ذلك العابث أو مديم النظر أو الفكر أو المقبل وقيل الامذاء والابذاء كالامناء وهو قول من ألزم الغسل بهما، ومن ثم كره التقبيل لصائم ولو شيخا على الأصح وأوجب بعض به أفطارا مطلقا ولو بلا امذاء.
وروى بعض قومنا عن جابر بن زيد رضى الله تعالى عنه أنه لا شئ على من مردد النظر حتى أمنى.
وعن مالك رحمه الله تعالى أن لم يتابع النظر فعليه قضاء ما مضى وان قبل بشهوة من لا يحل له أو نظره بشهوة أو فكر فيه أعاد ما مضى، وقيل أعاد يومه واختلف فى الكفارة سواء أمنى أو لم يمن، وقيل أن من أمنى بيده يلزمه ما يلزم من زنا.
وان نظرت امرأة أو فكرت فيما يحل أو فيما لا يحل حتى أتاها بلل لم يضرها ذلك فى صومها.
وقيل ينهدم كذا فى الديوان ووجهه أنها فكرت معرضة عن قصد الامناء ففاجأها، وأجاز بعضهم التقبيل للشيخ ومن يملك أربه وأجازه بعض للشيخ والشاب ومن لا يملك أربه بلا كراهة، ومن خاف الانزال بالتقبيل وقبل فسبقه المنى أفطر لأنه متعرض له، ومن لزمته الجنابة ليلا باحتلام ولم يعلم حتى أصبح ولم يفق حتى أصبح.
قال أصحابنا صح يومه ولا بدل عليه اذ لو احتلم نهارا لم يلزمه بدل ان لم يضيع الغسل، وأما ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصبح جنبا أصبح مفطرا» فمحمول على من أصبح جنبا عمدا
(2)
.
ومن انعظ ذكره
(3)
حتى أمنى لا يمس أو نظر أو فكر وان ترامع بمثل يد ولا بتفكر أو نظر مدام بل خطر له فى قلبه أمر الجماع ضرورة ولم يستعمل اليه أو نظر بلا عمد ووقع فى قلبه ذلك ضرورة أو مس بلا عمد وقع فى قلبه ضرورة أو سمع بدون اسماع فوقع ذلك ضرورة أو فعل مثل ذلك فيجب على الصائم أن يبدل يومه وقيل لا يجب ابداله ان لم يعالجه ولم يرده
(4)
.
ويفسد صوم اليوم أو الماضى على من ادخلت
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 190، ص 191 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 195، ص 196 الطبعة السابقة.
(3)
قال صاحب شرح النيل: اشتد لأمر الجماع واصل الانعاظ أن ينسب للرجل أو المرأة ويكون بمعنى شدة اشتهاء الجماع وأما الذكر فيقال فيه نفظ بفتح العين أى قام ويجوز أن يكون انعظ لموافقة نعظ وعلى الأولى فيكون من نسبة ما للكل للبعض انظر شرح النيل ج 1 ص 196 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف 1 ط بشرح 2 ص 196، ص 197 الطبعة السابقة.
فى فرجها عودا أو أصبعا ان التذت به ولزمتها مغلظة قولان وقيل لا تلزمها المغلظة بل ينهدم ما صامت فقط وقيل يومها وقل لا تلزمها المغلظة ولا ما مضى ولا يومها بل الاثم
(1)
.
وفى الديوان: ان التذت بذلك وكان منها بلل انهدم صومها ولزمتها مغلظة وان لم يكن بلل فلتعد يومها.
والصحيح أنه ان أمنت لزمتها المغلظة وقضاء يومها وما مضى والا فيومها فقط وانهدم صوم المتراكبتين بالبلل أو بالامناء على ما مر، ولزمت كل واحدة منهما مغلظة.
ومن لم يغتسل حتى أصبح أو لزمه غسل نهارا فى نوم أو ضرورة أو نسيان من الليل فضيعه أو قدر ما يؤدى فيه الاغتسال مع مقدماته التى يصبح بها أفطر وأعاد ما مضى، وقيل أعاد يومه وقيل تلزمه المغلظة ذكره فى جامع أبى مسئلة وقيل ان منع مانع من الاغتسال فلا افطار حتى يضيع قدر الاغتسال وكذلك الكلام فيما اذا تيمم للجنابة لمانع وزال المانع وضيع بعد زواله نهارا، ومن انتبه من النوم بعد الاصباح أو قبله بقدر ما لا يغتسل مثلا فليغتسل من حين انتبه ووجد الجنابة.
وقال قومنا الجنابة لا تضر الصوم.
وفى الديوان: وقيل من ضيع الغسل قدر ما يغسل فيه شيئا من جسده انهدم صومه، وقيل ينهدم ان ضيع مقدار ما يتيمم فيه ومنهم من يرخص لجنب أن يؤخر الغسل الى وقت صلاة الأولى ان أجنب بعد صلاة الفجر وكذلك أن أجنب بعد صلاة الظهر وآخر الغسل الى العصر وان أجنب بعد العصر وأخره الى غروب الشمس انهدم ورخص بعضهم ان أخره الى صلاة المغرب، وان أجنب بعد العصر وقد بقى من النهار ما لا يدرك فيه الغسل فضيع حتى غابت الشمس فلا ينهدم وقيل ينهدم، وكذلك ان نزلت عليه الجنابة قبل طلوع الشمس بمقدار ما لا يتم فيه الغسل الا طلعت عليه.
وذكر فى الديوان أنه من توانى أو رقد حتى دخل عليه النسيان انهدم وان علمه ونسى أنه فى رمضان فلا ينهدم، وان رقد ناويا أن يقوم فأنتبه بعد الاصباح أو فى وقت لا يدرك الغسل انهدم قلت وقيل الا يومه وفيه: وان انتبه بليل فنزع النجس وأفاض الماء على رأسه فأصبح انهدم ورخص بعض ومن ضيع بليل حتى لا يدركه فحدثت اليه علة تمنعه من الغسل فيتيمم قبل الصبح انهدم ورخص وان بقى له ما يغتسل فلا ينهدم
(2)
. واصح النقض ليومه وقيل للماضى كله بكذب عمدا وبكل كبيره كالغيبة والتحريمة وترك الصلاة، وقيل بالكذب عمدا والغيبة والنميمة فقط، وزعم بعض أنه لا ينقض بالثلاثة أيضا وينتقض بكبيرة الشرك، وقيل ينتقض بالكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة ونظر الشهوة لحديث انهن ينتقضن الوضوء ويبطل الأعمال ويسقين أصول الشر، ولا ينقض الصوم عند بعضهم بكبيرة الا ما ورد به الحديث من الكبائر وهو تلك الخمسة، وقيل لا نقض بكذب الا بأن كان كذبا عن الله ورسوله أو أضاع به شيئا أو كان ظلما مطلقا، وقيل ان تاب عن كذب فى حينه صح صومه
(3)
.
ويفسد الصوم بالقئ العمد وقيل تلزم به الكفارة المغلظة أيضا الا أن غلبه الصوم القئ وقيل لا ينتقض الصوم ولو عمدا أو لشبع.
وقيل من تقيأ بشبع أعاد يومه. وقيل من ذرعه
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 1297 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 197، ص 198 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 298 نفس الطبعة.
القئ ولا لم يكن بشبع أعاد يومه ويردهما الحديث ان النقض على من استقاء لا على من ذرعه القئ وان رجع منه شئ غلبة فالحكم كحكم من بلع شيئا غلبة قيل يعيد يومه وقيل لا.
ولا نقض بالتبشم عن شبع وهو مكروه وكره احتجام نهارا مطلقا وقيل فى آخره وقيل فى أوله لا لفساده بل لخوف الضعف فيؤدى للافطار أو ليصوم يومه معه لليل وكذا القاء التفث
(1)
.
والأكثر على اجازة الاكتحال نهارا مطلقا ولو كان فيه طعام وهذا لا يظهر الى أنه أخذه من قول الشيخ رحمه الله تعالى. وقيل ان لم يخلط بدواء يؤكل جاز وان خلط بدواء يوكل فلا يجوز وهذا يناسب قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يفطر الا بما يؤكل. وجوز مع الكراهة لصائم ان يذوق طعم خل أو قدر أو عجين أو غير ذلك بلسانه وأن يمضغ لصبى مع حذر من أن يبلع شيئا وسواء كان الصائم ذكرا أو أنثى
(2)
.
والاغماء مفسد للصوم مطلقا ان بهت اليه من الليل. أو يفرق بين أن يغمى على شخص قبل الفجر أو بعده واذا أغمى عليه بعده. فأما أن يكون بعد مضى أكثر النهار أو أقله أقوال فالأول يوجب قضاء كل يوم وقع الاغماء فيه والثانى لا الا أن أفطر بأكل أو شرب أو جماع أو نحو ذلك وان لم يبيت النية من الليل. والمفسد له ان أغمى عليه قبل الفجر أوجب قضاء كل يوم طلع فجره على من لا يعقل صومه وهذا أحوط لدخوله فيه أى لشروعه فيه مع الفجر
(3)
.
ولزم من قاء عمدا بأصبعه أو مداومة النظر الى شئ قضاء للماضى وقيل ليومه فقط. لأنه الوارد فى الحديث دون الكفارة وقيل تلزمه كفارة أيضا لفعله المحرم.
فان كل فعل يفسد الصوم حرام أصله ومنه القئ. والأكل فان أكل عمدا يلزمه القضاء والمغلظة فكذا القائى عمدا وقيل يعيد يومه فقط وقيل مع الكفارة
(4)
.
ما يفسد الاعتكاف وما لا يفسده
مذهب الحنيفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن المعتكف لا يخرج من معتكفه فى الاعتكاف الواجب ليلا ولا نهارا الا لما لا بد له منه من الغائط والبول وحضور الجمعة لأن الاعتكاف لما كان لبا واقامة فالخروج يضاده ولا بقاء للشئ مع ما يضاده فكان ابطالا له وابطال العبادة حرام. لقول الله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ}
(5)
» الا أنا جوزنا له الخروج لحاجة الانسان اذ لا بد منها وتعذر قضاؤها فى المسجد فدعت الضرورة الى الخروج ولأن فى الخروج لهذه الحاجة تحقيق هذه القربة لأنه لا يتمكن المرء من أداء هذه القربة الا بالبقاء ولا بقاء بدون الفوت عادة ولا بد لذلك من الاستفراغ على ما عليه مجرى العادة فكان الخروج لها من ضرورات الاعتكاف ووسائله وما كان من وسائل الشئ كان حكمه حكم ذلك الشئ فكان المعتكف فى حال خروجه عن المسجد لهذه الحاجة كأنه فى المسجد.
وقد روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج من
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 198، ص 199 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق 2 ص 199، ص 200 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق 2 ص 226 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 243 نفس الطبعة السابقة.
(5)
الآية رقم 33 من سورة محمد.
معتكفه ليلا ولا نهارا الا لحاجة الانسان وكذا فى الخروج فى الجمعة ضرورة لأنها فرض عين ولا يمكن اقامتها فى كل مسجد فيحتاج الى الخروج اليها كما يحتاج الى الخروج لحاجة الانسان فلم يكن الخروج اليها مبطلا لاعتكافه. ولأن اقامة الجمعة فرض لقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ}
(1)
» والأمر بالسعى الى الجمعة أمر بالخروج من المعتكف ولو كان الخروج الى الجمعة مبطلا للاعتكاف لما أمر به لأنه يكون أمرا بابطال الاعتكاف وأنه حرام ولأن الجمعة لما كانت فرضا حقا لله تعالى عليه والاعتكاف قربة ليست هى عليه فمتى أوجبه على نفسه بالنذر لم يصح نذره فى ابطال ما هو حق لله تعالى عليه بل كان نذره عدما فى ابطال لهذا الحق ولأن الاعتكاف دون الجمعة فلا يؤذن بترك الجمعة لأجله وأما وقت الخروج الى الجمعة ومقدار ما يكون فى المسجد الجامع.
فذكر الكرخى رحمه الله تعالى وقال ينبغى أن يخرج الى الجمعة عند الآذان فيكون فى المسجد مقدار ما يصلى قبلها أربعا وبعدها أربعا أو ستا وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى مقدار ما يصلى قبلها أربعا وبعدها وهو على الاختلاف فى سنة الجمعة بعدها أنها أربع فى قول أبى حنيفة وعندهما ستة على ما ذكرنا فى كتاب الصلاة.
وقال محمد رحمه الله تعالى اذا كان منزله بعيدا يخرج حين يرى أنه يبلغ المسجد عند النداء وهذا أمر يختلف بقرب المسجد وبعده فيخرج فى أى وقت يرى أنه يدرك الصلاة والخطبة ويصلى قبل الخطبة أربع ركعات لأن اباحة الخروج الى الجمعة اباحة لها بتوابعها وسننها من توابعها بمنزلة الأذكار المسنونة فيها ولا ينبغى أن يقيم فى المسجد الجامع بعد صلاة الجمعة الا مقدار ما يصلى بعدها أربعة أو ستا على الاختلاف ولو أقام يوما وليلة ينتقض اعتكافه لكن يكره له ذلك أما عدم الانتقاض فلأن الجامع لما صلح لابتداء الاعتكاف فلأن يصلح للبقاء أولى لأن البقاء أسهل من الابتداء وأما الكراهة فلأنه لما ابتدأ الاعتكاف فى مسجد فكأنه عينه للاعتكاف فيه فيكره له التحول عنه مع امكان الاتمام فيه ولا يخرج لعبادة مريض ولا لصلاة جنازة لأنه لا ضرورة الى الخروج لأن عيادة المريض ليست من الفرائض بل من الفضائل وصلاة الجنازة ليست بفرض عين بل فرض كفاية تسقط عنه بقيام الباقين بها فلا يجوز ابطال الاعتكاف لأجلها.
وما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من الرخصة فى عبادة المريض وصلاة الجنازة فقد قال أبو يوسف رحمه الله تعالى أن ذلك محمول عندنا على الاعتكاف الذى يتطوع به من غير ايجاب فله أن يخرج متى شاء ويجوز أن تحمل الرخصة على ما اذا كان خرج المعتكف لوجه مباح كحاجة الانسان أو للجمعة ثم عاد مريضا أو صلى على جنازة من غير أن يكون خروجه
لذلك قصدا وذلك جائز وأما المرأة اذا اعتكفت فى مسجد بيتها لا تخرج منه الى منزلها لا لحاجة لانسان لأن ذلك فى حكم المسجد لها على ما بينا. فان خرج من المسجد الذى يعتكف فيه لعذر بأن انهدم المسجد أو اخرجه المسجد مكرها أو غير السلطان فدخل مسجدا آخر غيره من ساعته لم يفسد اعتكافه استحسانا والقياس أن يفسد وجه القياس أنه وجد ضد الاعتكاف وهو الخروج الذى هو ترك الاقامة فيبطل كما لو خرج عن اختيار ووجه الاستحسان أنه خرج
(1)
الآية رقم 9 من سورة الجمعة.
(2)
بدائع الصنائع ج 2 ص 114
لضرورة أما عند انهدام المسجد لظاهر لأنه لا يمكنه الاعتكاف فيه بعد ما انهدم فكان الخروج منه أمرا لا بد منه بمنزلة الخروج لحاجة الانسان وأما عند الاكراه فلأن الاكراه من أسباب العذر فى الجملة فكان هذا القدر من الخروج ملحقا بالعدم كما اذا خرج لحاجة الانسان وهو يمشى مشيا رفيقا فان خرج من المسجد لغير عذر فسد اعتكافه.
فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان كان ساعة.
وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يفسد حتى يخرج أكثر من نصف يوم.
قال محمد قول أبى حنيفة أقيس.
وقول أبى يوسف أوسع وجه قولهما أن الخروج القليل عفوا لأبى حنيفة أنه ترك الاعتكاف باشتغاله بضده من غير ضرورة فيبطل اعتكافة لفوات الركن وبطلان الشئ بفوات ركنه يستوى فيه الكثير والقليل.
وفى الخروج لحاجة الانسان ضرورة وأحوال الناس فى المشى مختلفة لا يمكن ضبطها فسقط اعتبار صفة المشى وههنا لا ضرورة فى الخروج
(1)
. ولو صعد المئذنة لم يفسد اعتكافه بلا خلاف وان كان باب المئذنة خارج المسجد لأن المئذنة من المسجد ألا ترى أنه يمنع فيه كل ما يمنع فى المسجد من البول ونحوه ولا يجوز بيعها فأشبه زاوية من زاويا المسجد.
وكذا اذا كان داره بجنب المسجد فأخرج رأسه الى داره لا يفسد اعتكافه لأن ذلك ليس بخروج.
وروى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه من المسجد فيغسل رأسه وان غسل رأسه فى المسجد فى اناء لا بأس به اذا لم يلوث المسجد بالماء المستعمل فان كان بحيث يتلوث المسجد يمنع منه لأن تنظيف المسجد واجب
(2)
.
وأما اعتكاف التطوع فهو يفسد بالخروج لغير عذر كالخروج لعيادة المريض وتشييع الجنازة فيه روايتان فى رواية الأصل لا يفسد.
وفى رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى بناء على أن اعتكاف التطوع غير مقدر على رواية الأصل فله أن يعتكف ساعة من نهار أو نصف يوم أو ما شاء من قليل أو كثير أو يخرج فيكون معتكفا ما أقام تاركا ما خرج.
وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى هو مقدر بيوم كالصوم ولهذا قال أنه لا يصح بدون الصوم وجه رواية الحسن أن الشروع فى التطوع موجب للاتمام على أصل أصحابنا صيانة المؤدى عن البطلان كما فى صوم التطوع وصلاة التطوع ومست الحاجة الى صيانة المؤدى ههنا لأن القدر المؤدى انعقد قربة فيحتاج الى صيانته وذلك بالمضى فيه الى آخر البوم وجه رواية الأصل أن الاعتكاف لبث واقامة فلا يتقدر بيوم كامل كالوقوف بعرفة وهذا لأن الأصل فى كل فعل قام بنفسه فى زمان اعتباره فى نفسه من غير أن يقف اعتباره على وجود غيره وكل لبث واقامة توجد فهو فعل تام فى نفسه فكان اعتكافا فى نفسه فلا تقف صحته واعتباره على وجود أفعاله الى آخر اليوم هذا هو الحقيقة الا اذا جاء دليل التغيير فتجعل الأفعال المتعددة المتغايرة حقيقة متحددة حكما كما فى الصوم
(3)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 114، 115
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 115
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 115
ولو جامع فى حال الاعتكاف يفسد اعتكافه لأن الجماع من محظورات الاعتكاف لقوله تعالى:
«وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}
(1)
» قيل المباشرة كفاية عن الجماع.
كذا روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن ما ذكر الله عز وجل فى القرآن من المباشرة والرفث والغشيان فانما عنى به الجماع لكن الله تعالى حى كريم يكنى بما شاء دلت الآية على أن الجماع محظور فى الاعتكاف فان حظر الجماع على المعتكف ليس لمكان المسجد بل لمكان الاعتكاف وان كان ظاهر النهى عن المباشرة فى حال الاعتكاف فى المسجد بقوله عز وجل «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» لأن الآية الكريمة نزلت فى قوم كانوا يعتكفون فى المساجد وكانوا يخرجون يقضون حاجتهم فى الجماع ثم يغتسلون ثم يرجعون الى معتكفهم لا أنهم كانوا يجامعون فى المساجد فنهوا عن ذلك بل المساجد فى قلوبهم كانت أجل وأعظم من أن يجعلوها مكانا لوط ء نسائهم فثبت أن النهى عن المباشرة فى حال الاعتكاف لأجل الاعتكاف فكان الجماع من محظورات الاعتكاف ليلا ونهارا وسواء كان عامدا أو ناسيا بخلاف الصوم فان جماع الناسى لا يفسد الصوم والنسيان لم يجعل عذرا فى باب الاعتكاف وجعل عذرا فى باب الصوم والفرق من وجهين أحدهما أن الأصل أن لا يكون عذرا لأن فعل الناسى معذور الامتناع عنه فى الجملة اذ الوقوع فيه لا يكون الا لنوع تقصير ولهذا كان النسيان جائزا لمؤاخذة عليه عندنا وانما رفعت المؤاخذة ببركة دعاء النبى صلى الله عليه وسلم بقوله «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا}
(2)
» ولهذا لم يجعل عذرا فى باب الصلاة الا أنه جعل عذرا فى باب الصوم بالنص فيقتصر عليه
(3)
.
والثانى أن المحرم فى الاعتكاف عين الجماع فيستوى فيه العمد والسهو والمحرم فى باب الصوم هو الافطار لا عين الجماع أو حرم الجماع لكونه افطارا لا لكون جماعا فكانت حرمته لغيره وهو الافطار والافطار يختلف حكمه بالعمد والنسيان ولو أكل أو شرب فى النهار عامدا فسد صومه وفسد اعتكافه لفساد الصوم ولو أكل ناسيا لا يفسد اعتكافه لأنه لا يفسد صومه والأصل ان كان من محظورات الاعتكاف وهو مانع عنه لأجل الاعتكاف لا لأجل الصوم يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل كالجماع والخروج من المسجد
(4)
.
ولو باشر فأنزل فسد اعتكافه لأن المباشرة منصوص عليها فى الآية وقد قيل فى بعض وجوه التأويل أن المباشرة الجماع وما دونه ولأن المباشرة مع الانزال لا يكون فى معنى الجماع لكى يكون حراما وكذا التقبيل والمعانقة واللمس انه ان أنزل فى شئ من ذلك فسد اعتكافه والا فلا يفسد لكنه يكون حراما بخلاف الصوم. ولو نظر فأنزل لم يفسد اعتكافه لانعدام الجماع صورة ومعنى فأشبه الاحتلام.
ولا يأتى الزوج امرأته وهى معتكفة اذا كانت اعتكفت باذن زوجها لأن اعتكافها اذا كان باذن زوجها فأنه لا يملك الرجوع عنه. فلا يجوز وطؤها لما فيه من افساد عبادتها
(5)
.
ويفسد الاعتكاف بالردة لأن الاعتكاف قربة والكافر ليس من أهل القربة ولهذا لم ينعقد مع الكفر فلا يبقى مع الكفر أيضا. ونفس الاغماء لا يفسده بلا خلاف حتى لا ينقطع التتابع ولا يلزمه أن يستقبل الاعتكاف اذا أفاق
(1)
الآية رقم 187 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
(3)
بدائع الصنائع فى الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 115، ص 116
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 216
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 116
وان أغمى عليه أياما أو أصابه ألم فسد اعتكافه وعليه اذا برئ أن يستقبل لأنه لزمه متتابعا وقد فاتت صفة التتابع فيلزمه الاستقبال.
ولو حاضت المرأة فى حال الاعتكاف فسد اعتكافها لأن الحيض ينافى أهلية الاعتكاف لأنه لا صنع له فيه فلم يكن جماعا ولا فى معنى الجماع ثم ان أمكنه الاغتسال فى المسجد من غير أن يتلوث المسجد فلا بأس به والا فيخرج فيغتسل ويعود الى المسجد ولا بأس للمعتكف أن يبيع ويشترى ويتزوج ويراجع ويلبس ويتطيب ويدهن ويأكل ويشرب بعد غروب الشمس الى طلوع الفجر ويشرب بعد غروب الشمس الى طلوع الفجر ويتحدث ما بداله بعد أن لا يكون مأثما وينام فى المسجد
(1)
والمراد من البيع والشراء هو كلام الايجاب والقبول من غير نقل الأمتعة الى المسجد لأن ذلك ممنوع عنه لأجل المسجد لما فيه من اتخاذ المسجد متجرا لا جل الاعتكاف
(2)
.
ما يترتب على فساد الاعتكاف:
واذا فسد - فالذى فسد منه لا يخلو اما أن يكون واجبا وأعنى به المنذور وأما أن يكون تطوعا فان كان واجبا يقضى اذا قدر على القضاء الا الردة خاصة لأنه اذا فسد التحق بالعدم فصار فائقا معنى فيحتاج الى القضاء جبرا للفوات.
غير أن المنذور به ان كان اعتكاف شهو بعينه يقضى قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور به فى شهر بعينه واذا فطر يوما انه يقضى ذلك اليوم ولا يلزمه الاستئناف كما فى صوم رمضان. واذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال لأنه يلزمه تتابعا فيراعى فيه صفة التتابع وسواء فسد بصنعه من غير عذر كالخروج والجماع والأكل والشرب فى النهار الا الردة أو فسد بصنعه لعذر كما اذا مرض فاحتاج الى الخروج فخرج أو بغير صنعه رأسا كالحيض والجنون والاغماء الطويل لأن القضاء يجب جبرا للفائت والحاجة الى الجبر متحققة فى الأحوال كلها الا أن سقوط القضاء فى الردة عرف بالنص وهو قوله تعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ}
(3)
» وقول النبى صلى الله عليه وسلم الاسلام يجب ما قبله والقياس فى الجنون الطويل ان سقط القضاء كما فى صوم رمضان الا أن فى الاستحسان يقضى لأن سقوط القضاء فى صوم رمضان انما كان لدفع الحرج لأن الجنون اذا طال قلما يزول فتكرر عليه صوم رمضان فيخرج فى قضائه وهذا المعنى لا يتحقق فى الاعتكاف
(4)
.
وأما اعتكاف التطوع اذا قطعه قبل تمام اليوم فلا شئ عليه فى رواية الأصل وفى رواية الحسن رحمه الله تعالى يقضى بناء على أن اعتكاف التطوع غير معتد فى رواية محمد عن أبى حنيفة وفى رواية الحسن عنه مقدر بيوم
(5)
.
مذهب المالكية
جاء فى بلغة السالك. أن من اعتكف فى غير الجامع وهو ممن تلزمه الجمعة ووجبت عليه الجمعة وهو فى معتكفه وجب عليه أن يخرج لها وقت وجوب السعى لها وفى بطلان اعتكافه بذلك الخروج وعدم بطلانه أقوال ثلاثة:
فيها الجمعة.
البطلان مطلقا. وهو المشهور وعدمه وهو رواية ابن الجهم رحمه الله تعالى عن ذلك والتفصيل وذلك اذا نذر أو نوى أياما فأخذه
وأما لو نذر أياما لا تأخذه فيها الجمعة فمرض فيها بعد أن شرع ثم خرج ثم رجع يتم وصادف
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 116
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 117
(3)
الآية رقم 38 من سورة الأنفال.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع المرجع السابق مسعود الكاسانى ج 2 ص 117
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 117
الجمعة قال فلا خلاف أن هذا يخرج اليها ولا يبطل اعتكافه. ومفهوم ذلك أنه ان ارتكب النهى ولم يخرج لم يبطل على الظاهر اذ لم يرتكب كبيرة وانما ارتكب صغيرة لأن ترك الجمعة لا يكون كبيرة الا اذا كان ثلاثا متوالية فاذا حصل الترك فى ثلاث جرى على الخلاف فى الكبائر هل تبطل الاعتكاف أم لا
(1)
.
فاذا فرض أحد أبويه مسلمين كانا أو كافرين فانه يجب عليه أن يخرج من اعتكافه بخلاف الأجداد والجدات فلا يجب الخروج من المعتكف لعبادتهم فان لم يخرج لأحد أبويه جرى فى اعتكافه التأويلان فى البطلان بالكبائر لأن العقوق من جملتها. فاذا مات أحد أبويه والآخر حيا. فانه يجب عليه الخروج جبرا للحى منهما فأن لم يكن الثانى حيا لم يجب عليه الخروج
(2)
.
واختلف فى فعله الكبائر غير المسكر كالغيبة والنميمة والقذف والسرقة والعقوق فقيل يبطل اعتكافه بذلك وقيل لا يبطل. ويبطل الاعتكاف بالوط ء فأن وطئ عمدا أو سهوا بطل اعتكافه واستأنفه من أوله ويفسد على الموطؤة ولو نائما والوط ء المذكور مفسد وان لغير مطيفة لأن أدناه أن يكون كلمس الشهوة
(3)
.
قال ابن الحاجب والجماع ومقدماته من القبلة والمباشرة وما فى معناها مفسدة ليلا ونهارا ولو كانت حائضه
(4)
. حاصلة أن المعتكفة اذا حاضت وخرجت وعليها حرمة الاعتكاف فحصل منها ما ذكر ناسية لاعتكافها فأنه يبطل وتستأنفه من أوله ومثل الحائضة غيرها من بقية أرباب الأعذار المانعة. من الصوم كالعبد
(5)
.
ما يترتب على أفساد الاعتكاف
قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: اذا فسد الاعتكاف فانه اذا كان ما فعله المعتكف على سبيل العمد فهو مبطل لجميع الاعتكاف لأنه لما كانت سنته التتابع تنزل بذلك منزلة العبادة الواحدة فلذلك كله يفسد صومه بفساد جزئه وان لم يكن عمدا بأن كان سهوا أو غلبة فانه يجب القضاء متصلا بآخره. وظاهر ذلك أن القبلة والمباشرة بل والوط ء سهوا مما يقضى فيه ويبنى وليس كذلك
(6)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج: أن الاعتكاف يبطل بالجماع من عالم بتحريمة ذاكر للاعتكاف سواء أجامع فى المسجد أم خارجة عند خروجه لقضاء حاجة أو نحوها لمنافاته العبادة البدنية. وأعلم أن جماعه فى المسجد حرام مطلقا اذا أدى الى مكث فيه سواء كان معتكفا أم لا وسواء كان اعتكافه فرضا أم نفلا. وأما اذا جامع خارج المسجد وكان معتكفا فان كان الاعتكاف منذورا وحرام وان كان تطوعا لم يحرم اذ غايته الخروج من العبادة وهو جائز قال فى المهمات والحكم بالبطلان انما هو بالنسبة الى المستقبل وأما الماضى ان كان منذورا متتابعا فيستأنف وان لم يكن متتابعا لم يبطل ما مضى سواء أكان منذورا أم نفلا. ولو شتم انسانا أو اغتابه أو أكل حراما لم يبطل اعتكافه وبطل ثوابه.
قال فى الأنوار ولو أولج فى دبر خنثى بطل اعتكافه أو أولج فى قبله أو أولج الخنثى فى رجل أو امرأة أو خنثى ففى بطلان اعتكافه الخلاف المذكور فى قوله.
(1)
بلغة المسالك لأقرب المسالك للصاوى ج 1 ص 238، ص 239
(2)
بلغة المسالك لأقرب المسالك ج 1 ص 239
(3)
المرجع السابق لأقرب المسالك ج 1 ص 239
(4)
الحطاب على خليل ج 2 ص 457
(5)
بلغة المسالك لأقرب المسالك ج 1 ص 239
(6)
الحطاب على خليل ج 2 ص 457
وأظهر الأقوال أن المباشرة بشهوة فيما دون الفرج كلمس وقبلة تبطل الاعتكاف أن أنزل والا فلا تبطله.
والثانى: تبطله مطلقا لعموم قوله تعالى «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}
(1)
.
والثالث: لا تبطله مطلقا كالحج وعلى قول هى حرام فى المسجد ان لزم منها مكث فيه وهو جنب وكذا خارجه ان كان الاعتكاف واجبا بخلاف ما اذا كان نفلا. واذا نظر أو تفكر فأنزل فأنه لا يبطل واذا قبل بدون شهوة بل بقصد الاكرام ونحوه أو بلا قصد فلا يبطله اذا أنزل جزما والاستمناء كالمباشرة
(2)
.
ولا يصح اعتكاف كافر ومجنون ومبرسم وسكران ومغمى عليه ومن لا تمييز له لعدم صحة فيتهم ولا حائض ونفساء وجنب لحرمة مكثهم فى المسجد وكل من حرم مكثه فى المسجد لا يصح اعتكافه فيه
(3)
.
ومحل عدم صحة اعتكاف المغمى عليه فى الابتداء أما لو طرأ عليه فى أثناء اعتكافه فأنه لا يبطل ويحسب زمنه من اعتكافه
(4)
.
ولو ارتد المعتكف أو سكر معتديا بطل اعتكافه فى زمن ردته وسكره لعدم أهليته أما غير المعتدى فيشبه كما قال الأذرعى أنه كالمغمى عليه.
والمذهب بطلان ما مضى من اعتكافهما المتتابع.
فلا بد من استئنافه لأن ذلك أشد وأقبح من الخروج من المسجد بلا عذر وهو يقطع التتابع
(5)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير: أن المعتكف اذا خرج لما له منه بدعامدا بطل اعتكافه ألا يكون اشتراط وان خرج ناسيا فقال القاضى رحمه الله تعالى ألا يفسد اعتكافه لأنه فعل المنهى عنه ناسيا فلم تفسد العبادة كالأكل فى الصوم.
وقال ابن عقيل رحمه الله تعالى يفسد لأنه ترك للاعتكاف وهو لزوم للمسجد وترك الشئ عمده وسهوه سواء كترك النية فى الصوم فان أخرج بعض جسده لم يفسد اعتكافه عمدا كان أو سهوا لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف الى عائشة رضى الله تعالى عنها فتغسله وهى حائض
(6)
. والوط ء مفسد للاعتكاف فهو محرم بالاجماع والأصل فيه قول الله تعالى «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها}
(7)
».
فان وطئ فى الفرج متعمدا أفسد اعتكافه باجماع أهل العلم حكاه ابن المنذر رحمه الله تعالى عنهم ولأن الوط ء اذا حرم فى العبادة أفسدها كالحج والصوم. وان كان ناسيا فكذلك عند امامنا رحمه الله تعالى لأن ما حرم فى الاعتكاف استوى عمده وسهوه فى افساده كالخروج من المسجد ولا يسلم أنها لا تفسد الصوم ولأن المباشرة دون الفرج لا تفسد الاعتكاف الا اذا اقترن بالانزال اذ ثبت هذا فلا كفارة بالوط ء فى ظاهر المذهب وهو ظاهر كلام الخرفى وعطاء والنخعى وأهل المدينة وغيرهم من العلماء.
واختيار القاضى رحمه الله تعالى لأنه عبادة يفسدها الوط ء لعينه فوجبت الكفارة بالوط ء فيها
(1)
الآية رقم 187 من سورة البقرة
(2)
مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 437
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 439
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 439
(5)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 440
(6)
المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 139
(7)
الآية رقم 187 من سورة البقرة.
كالحج وصوم رمضان. ويدل لنا أنها عبادة لا تجب بأصل الشرع فلم تجب بافسادها كفارة كالنوافل ولأنها عبادة لا يدخل المال فى جبرانها فلم تجب الكفارة بافسادها كالصلاة ولأن وجوب الكفارة انما يثبت بالشرع ولم يرد الشرع بايجابها فتبقى على الأصل وما ذكروه ينتقض بالصلاة وصوم غير رمضان.
والقياس على الحج لا يصح لأنه مباين لسائر العبادات ولهذا يمضى فى فاسده ويلزم بالشروع فيه ويجب بالوط ء فيه بدنة بخلاف غيره ولأنه لو وجبت الكفارة ههنا بالقياس عليه للزم أن يكون بدنة ون الحكم فى الفرع يثبت على صفة الحكم فى الأصل
(1)
. فأما المباشرة دون الفرج فان كانت لغير شهوة فلا بأس بها مثل أن تغسل رأسه أو تغلبه أو تناوله شيئا لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدنى رأسه الى عائشة رضى الله تعالى عنها وهو معتكف فترجله.
وان كانت عن شهوة فهى محرمة لقول الله تعالى «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» ولقول عائشة رضى الله تعالى عنها السنة للمعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها. رواه أبو داود ولأنه لا يأمن افضاءها الى افساد الاعتكاف.
وما أفضى الى الحرام كان حراما. فأن فعل فأنزل فسد اعتكافه وان لم ينزل لم يفسد
(2)
.
وان ارتد المعتكف فسد اعتكافه لقوله تعالى «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» ولأنه خرج بالردة عن كونه من أهل الاعتكاف. وان شرب ما أسكره فسد اعتكافه لخروجه عن كونه من أهل المسجد.
ما يترتب على افساد اعتكافه:
وكل موضع فسد اعتكافه فأن كان تطوعا فلا قضاء عليه لأن التطوع لا يلزم بالشروع فيه فى غير الحج والعمرة. وان كان نذرا نظرنا فان كان نذر أياما متتابعة فسد ما مضى من اعتكاف واستئناف لأن التتابع وصف فى الاعتكاف قد أمكن الوفاء به فلزمه. وان كان نذر أياما معينة كالعشر الأواخر من شهر رمضان ففيه وجهان.
أحدهما: يبطل ما مضى ويستأنف لأنه نذر اعتكافا متتابعا فبطل بالخروج منه كما لو قيده بالتتابع بلفظه.
والثانى: لا يبطل لأن ما مضى منه قد أدى العبادة فيه أداءا صحيحا فلم يبطل بتركها فى غيره واذا لم يكن بد من الاخلال بأحدهما ففيما حصل ضرورة أولى. ولأن وجوب التتابع من حيث الوقت لا من حيث النذر فالخروج فى بعضه لا يبطل ما مضى منه كصوم رمضان اذا أفطر فيه.
فعلى هذا يقضى ما أفسد فيه فحسب. وعليه الكفارة على الوجهين جميعا لأنه تارك لبعض ما نذره
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يحل للرجل مباشرة المرأة ولا للمرأة مباشرة الرجل فى حال الاعتكاف بشئ من الجسم الا فى ترجيل المرأة للمعتكف خاصة.
فهو مباح. وله اخراج رأسه من المسجد للترجيل. لقول الله تعالى «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}
(4)
».
فصح أن من تعمد ما نهى عنه من عموم المباشرة ذاكرا لاعتكافه فلم يعتكف كما أمر. فلا
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 143
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 144، ص 145
(3)
المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 145، ص 146
(4)
الآية رقم 187 من سورة البقرة.
اعتكاف له فان كان نذرا قضاه. والا فلا شئ عليه وقوله تعالى: «وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» }.
خطاب للجميع من الرجال والنساء فحرمت المباشرة بين الصنفين.
ومن طريق البخارى عن ابراهيم النخعى عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف. فأرجله وأنا حائض.
فخرج هذا النوع من المباشرة من عموم نهى الله عز وجل
(1)
.
وجائز للمعتكف أن يشترط ما شاء من المباح له والخروج له. لأنه بذلك انما التزم الاعتكاف فى خلال ما استثناه وهذا مباح له أن يعتكف اذا شاء ويترك اذا شاء. لأن الاعتكاف طاعة.
وتركه مباح فان أطاع أجر وان ترك لم يقض.
وان العجب ليكثر ممن لا يجيز هذا الشرط.
والنصوص كلها من القرآن والسنة موجبة لما ذكرنا.
ثم يقول: بلزوم الشروط التى أبطلها القرآن والسنن. من اشتراط الرجل للمرأة أن تزوج عليها أو تسرى فأمرها بيدها.
والداخلة بنكاح طالق والسرية حرة. وهذه شروط الشيطان. وتحريم ما أحل الله عز وجل وقد أنكر الله تعالى ذلك فى القرآن
(2)
.
وكل فرض على المسلم فأن الاعتكاف لا يمنع منه. وعليه أن يخرج اليه. ولا يضر ذلك باعتكافه وكذلك يخرج لحاجة الانسان. ومن البول وللغائط وغسل النجاسة وغسل الاحتلام وغسل الجمعة ومن الحيض. ان شاء فى حمام أو فى غير حمام. ولا يتردد على أكثر من تمام غسله. وقضاء حاجته فان فعل بطل اعتكافه وكذلك يخرج لابتياع ما لا يد له ولأصله منه.
من الأكل واللباس ولا يتردد على غير ذلك. فان تردد بلا ضرورة بطل اعتكافه وله أن يشيع أصله الى منزلها وانما يبطل الاعتكاف خروجه لما ليس فرضا عليه.
وقد افترض الله تعالى على المسلم ما روينا من طريق البخارى عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حق المسلم على المسلم خمس رد السّلام وعيادة المريض واتباع الجنائز واجابة الدعوة وتشميت العاطس.
وأمر عليه السلام من دعى ان كان مفطرا فليأكل. وأن كان صائما فليصل. بمعنى أن يدعو لهم وقال تعالى: «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}
(3)
».
وقال تعالى: «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا}
(4)
».
وقال تعالى: «اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً}
(5)
».
فهذه فرائض لا يحل تركها للاعتكاف وبلا شك عند كل مسلم أن كل من أدى ما افترض الله تعالى عليه فهو حسن.
(1)
المحلى للامام محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى الاندلس. ج 5 ص 187 مسألة رقم 626 الطبعة الأولى.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 187، ص 188 مسألة رقم 627
(3)
الآية رقم 9 من سورة الجمعة.
(4)
الاية رقم 282 من سورة البقرة.
(5)
الآية رقم 41 من سورة التوبة.
قال الله تعالى: «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}
(1)
» ففرض على المعتكف أن يخرج لعبادة المريض مرة واحدة. يسأل عن حاله واقفا وينصرف لأن ما زاد على هذا فليس من الفرض.
وانما هو تطويل. فهو يبطل الاعتكاف. وكذلك يخرج لشهود الجنازة فاذا صلى عليها انصرف لأنه قد أدى الفرض. وما زاد فليس فرضا.
وهو به خارج عن الاعتكاف وفرض عليه أن يخرج اذا دعى فان كان صائما بلغ الى دار الداعى ودعا وانصرف ولا يزد على ذلك. فرض عليه أن يخرج الى الجمعة بمقدار ما يدرك أول الخطبة فاذا سلم رجع. فان زاد على ذلك خرج من الاعتكاف فان خرج كما ذكرنا ثم رأى أن فى الوقت فسحة فان علم أنه ان رجع الى معتكفه ثم خرج أدرك الخطبة فعليه أن يرجع والا فليتم.
وكذلك ان كان عليه فى الرجوع حرج. لقول الله تعالى: «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
(2)
.
وكذلك يخرج للشهادة اذا دعى سواء قبل أو لم يقبل لأن الله تعالى أمر الشهداء بأن لا يأبوا اذا دعوا.
ولم يشترط من يقبل ممن لا يقبل. وما كان ربك نسيا. فاذا أداهما رجع الى معتكفه فان تردد لغير ضرورة بطل اعتكافه وهو كله قول أبى سليمان وأصحابنا وروينا من طريق سعيد ابن منصور عن عاصم بن حمزة قال: قال على ابن أبى طالب: اذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليحضر الجنازة وليعد المريض وليأت أصله بأمرهم بحاجته وهو قائم
(3)
.
ولا يبطل الاعتكاف شئ الا خروجه عن المسجد لغير حاجة عامدا ذاكرا. لأنه قد فارق العكوف وتركه. وبمباشرة المرأة فى غير الترجيل لقول الله تعالى: «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}
(4)
. وتعمد معصية الله تعالى: أى معصية كانت. لأن العكوف الذى ندب الله تعالى اليه هو الذى لا يكون على معصية ولا شك عند أحد من أهل الاسلام فى أن الله تعالى حرم العكوف على المعصية فمن عكف فى المسجد على معصية فقد ترك العكوف على الطاعة فيبطل عكوفه
(5)
.
ومن عصى ناسيا أو خرج ناسيا أو مكرها أو باشر أو جامع ناسيا أو مكرها. فالاعتكاف تام لا يكدح كل ذلك فيه شيئا. لأنه لم يعمد ابطال اعتكافه وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
(6)
.
ويؤذن فى المئذنة ان كان بابها فى المسجد أو فى صحته ويعمد على ظهر المسجد لأن كل ذلك من المسجد. فان كان باب المئذنة خارج المسجد بطل اعتكافه اذا تعمد ذلك، واذا حاضت المعتكفة أقامت فى المسجد كما هى تذكر الله تعالى وكذلك اذا ولدت فانها ان اضطرت الى الخروج خرجت ثم رجعت اذا قدرت لما ذكر أن الحائض تدخل المسجد. ولا يجوز منعها منه ان لم يأت بالمنع لها منه نص ولا اجماع
(7)
.
وهو قول أبى سليمان.
(1)
الآية رقم 91 من سورة التوبة.
(2)
الآية رقم 78 من سورة الحج
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 188 مسألة رقم 628
(4)
الآية رقم 187 من سورة البقرة
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 192 مسألة رقم 630
(6)
المرجع السابق ج 5 ص 192، ص 193 مسألة رقم 631
(7)
المرجع السابق ج 5 ص 192، ص 193 مسألة رقم 631
وروينا من طريق البخارى. عن عكرمة عن عائشة أم المؤمنين قالت: اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة. فربما وضعت الطست تحتها وهى تصلى
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أن ما يفسد الاعتكاف ثلاثة أمور وذكر بعضهم أن ما يفسد الاعتكاف أربعة وذلك باضافة الردة.
أحدها الوط ء والامناء كما سبق ذكره فى باب الصيام. وسواء وقع الوط ء فى النهار أم فى الليل اذا كان معتكفا بالليل مع النهار فأما حيث يعتكف نهارا فقط فلا يفسده الوط ء بالليل.
والثانى: ما يفسد الصوم من الأمور التى يفطر بها الصائم لأن الصوم شرط فى صحة الاعتكاف فاذا بطل الشرط بطل المشروط.
والثالث: الخروج من المسجد الذى اعتكف فيه لغير حاجة بكل بدنه فانه يفسد بذلك اعتكافه ولو لحظة واحدة الا أن يخرج لواجب سواء كان فرض عين كالجمعة ونحوها أم فرض كفاية كصلاة الجنازة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. أو كان خروجه مندوبا كعيادة المرضى أو كان خروجه لمباح دعت اليه حاجة. نحو أن يخرج ليأمر أهله وينهاهم أو يقضى لهم حاجة أو يخرج لقضاء الحاجة فان هذه كلها اذا خرج لها لم يفسد اعتكافه عندنا بشرط أن لا يلبث خارج المسجد الا فى الأقل من وسط النهار. (هو مادون النصف أو نصفه لأن الأكثر ما زاد على النصف) أما لو خرج لها أول جزء من النهار أو آخر جزء منه وذلك عند الغروب أو لبث أكثر وسط النهار خارج المسجد فسد بذلك اعتكافه ولو كان لهذه الأمور الثلاثة
(2)
.
قال عليه السلام هذا هو الصحيح من المذهب عندنا. واذا أراد أن يعتكف من أول الليل.
ثم تعرض له حاجة عند طلوع الفجر فخرج لها فأنه لا يفسد بخروجه فى أول جزء من النهار.
ولو خرج آخر جزء من النهار وفى عزمه اعتكاف الليلة المستقبلة لم يفسد اعتكافه
(3)
.
واذا فرغ المعتكف من الحاجة التى خرج لها فأنه يرجع الى موضع الاعتكاف اذا كان رجوعه من غير مسجد.
فأما اذا كانت الحاجة التى خرج لها فى مسجد فأنه لا يجوز له الرجوع منه الى المسجد الذى ابتدأ فيه الاعتكاف الا اذا عرضت له حاجة أخرى والا لزمه اتمام الاعتكاف فى المسجد الذى خرج اليه وأما اذا كانت الحاجة التى خرج لها فى غير مسجد لزمه الرجوع الى مسجده فورا والا بطل اعتكافه. فاذا كان له غرض فى المسجد الذى ابتدأ الاعتكاف فيه رجع اليه فان لم يكن له غرض فيه ووجد مسجدا أقرب اليه فى تلك الحال لزمه اتمام الاعتكاف فيه. فان رجع الى الأول فسد اعتكافه.
وهكذا اذا انهدم المسجد الذى هو فيه أن أكره على الخروج منه انتقل الى أقرب مسجد اليه
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية وكتاب الخلاف: أنه
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 196، ص 197 مسألة رقم 634 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار ج 2 ص 49، ص 50
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 50
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 50، ص 51
يحرم على المعتكف ما يحرم على الصائم ذلك حيث يكون الاعتكاف واجبا. ويفسده الصوم من حيث فوات الصوم الذى هو شرط الاعتكاف فاذا باشر امرأته فى حال اعتكافه فيما دون الفرج أو لمس ظاهرها بطل اعتكافه أنزل أو لم ينزل.
وكذلك يفسده الاستمتاع بالنساء لمسا وتقبيلا وغيرهما وقيل لا يفسد به الاعتكاف على الأقوى بخلاف الجماع.
واذا فسد الاعتكاف الواجب بالجماع فانه يجب عليه كفارتان. ان كان شهر رمضان واحداهما عن الصوم والأخرى عن الاعتكاف وقيل تجب الكفارتان بالجماع فى الواجب مطلقا.
وهو ضعيف. نعم لو كان وجوبه متعينا بنذر وشبهة وجب بافساده كفارة يسببه. ووجب فى الجماع ليلا كفارة واحدة فى رمضان وغيره الا أن يتعين بنذر وشبهة فيجب كفارة يشبه أيضا لافساده
(1)
.
دليلنا فى ذلك قول الله تعالى: «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}
(2)
» وهذا عام فى كل مباشرة أنزل أو لم ينزل والنهى يدل على فساد المنهى عنه
(3)
. ولو كان افساده للاعتكاف بباقى مفسدات الصوم غير الجماع وجب نهارا كفارة واحدة ولا شئ ليلا الا أن يكون متعينا بنذر وشبهة فيجب كفارته أيضا.
ولو فعل غير ذلك من المحرمات على المعتكف كالتطيب والبيع والمجاراة أثم ولا كفارة ولو كان بالخروج فى واجب متعين بالنذر وشبهه وجبت كفارته
(4)
.
واذا سكر المعتكف بطل اعتكافه. دليلنا فى ذلك أن الاعتكاف هو المقام واللبث للعبادة فاذا سكر نقض حقيقة الاعتكاف لأنه فسق فوجب أن يبطل اعتكافه وكذلك اذا ارتد المعتكف بطل اعتكافه. دليلنا فى ذلك أنه اذا ارتد وهو مولود على الفطرة وجب قتله على كل حال وان كان أسلم ثم ارتد فهو محكوم بنجاسته فلا يجوز أن يقيم فى المسجد ولا تصح منه الطاعة وذلك ينافى مع الاعتكاف
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن من شروط الاعتكاف ترك الجماع وان كان ليلا لا التقبيل ومن تعمد الجماع ليلا لزمه البدل والكفارة المغلظة ولو لم يصم نهارا بناء على أن الاعتكاف يصح بلا صوم.
وقال مالك وغيره يفسد بالتقبيل واللمس فليسوا مجتمعين على أن التقبيل يفسد كما قيل.
ومن تعمد انزال فأنزل بأى وجه كان فكالمجامع عمدا
(6)
.
ومن حاضت قبل الغروب فسد يومها وتدخل قبل الفجر اذا طهرت.
ويفسد صوم الاعتكاف ما يفسد صوم غيره
(7)
. واذا خرج المعتكف لما لا بد منه
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 158 وكتاب الخلاف للطوسى ج 1 ص 403
(2)
الآية رقم 187 من سورة البقرة
(3)
الخلاف للطوسى ج 1
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 159
(5)
الخلاف للطوسى ج 1 ص 407
(6)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 256، ص 257
(7)
المرجع السابق ج 2 ص 257
فأنه لا يفسد اعتكافه بالخروج ولا قائل بفساد الاعتكاف به وانما الخلاف فيما لا بد منه وأمكنه أن يعمله فى المسجد وكل خروج مخير فيه غير مضطر اليه فهو مفسد للاعتكاف ولا يعمل دنيويا باختيار كبيع وشراء
(1)
.
ما يفسد الحج والعمرة وما لا يفسدها
مذهب الحنيفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الذى يفسد الحج الجماع عند وجود شرطه فيقع الكلام فيه فى موضعين فى بيان أن الجماع يفسد الحج فى الجملة وفى بيان شرط كونه مفسدا أما الأول فالدليل عليه ما روى عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم أنهم قالوا فيمن جامع امرأته وهما محرمان مضيا فى احرامهما وعليهما هدى ويقضيان من قابل ويفترقان ولأن الجماع فى نهاية الارتفاق بمرافق المقيمين فكان فى نهاية الجنابة على الاحرام فكان مفسدا للاحرام.
وأما شرط كونه مفسدا فشيئان أحدهما أن يكون الجماع فى الفرج حتى لو جامع فيما دون الفرج أو لمس بشهوة أو عانق أو قبل أو باشر لا يفسد حجه لانعدام الارتفاق البالغ لكن تلزمه الكفارة سواء أنزل أو لم ينزل لوجود استمتاع مقصود
(2)
.
ولو وطئ بهيمة لا يفسد حجه ولا كفارة عليه الا اذا أنزل لأنه ليس باستمتاع مقصود بخلاف الجماع فيما دون الفرج وأما الوط ء فى الموضع المكروه فأما على أصلهما فيفسد الحج لأنه فى معنى الجماع فى القبل عقدهما حتى قالوا بوجوب الحد.
وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان فى رواية يفسد لأنه مثل الوط ء فى القبل فى قضاء الشهوة ويوجب الاغتسال من غير انزال.
وفى رواية لا يفسد لعدم كمال الارتقاق لقصد قضاء الشهوة فيه لسوء المحل فأشبه الجماع فيما دون الفرج.
ولهذا قال محمد رحمه الله تعالى: أنه لا يجب الحد.
والثانى أن يكون قبل الوقوف بعرفة فان كان بعد الوقوف بها لا يفسد الحج عندنا لأن الركن الأصلى للحج هو الوقوف بعرفة لقول النبى صلى الله عليه وسلم الحج عرفة أى الوقوف بعرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه أخبر عن تمام الحج بالوقوف ومعلوم أنه ليس المراد منه التمام الذى هو ضد النقصان لأن ذا لا يثبت بنفس الوقوف فعلم أن المراد منه خروجه عن احتمال الفساد والفوات ولأن الوقوف ركن مستقل بنفسه وجودا وصحة لا يقف وجوده وصحته على الركن الآخر وما وجد ومضى على الصحة لا يبطل الا بالردة ولم توجد واذا لم يفسد الماضى لا يفسد الباقى لأن فساده بفساده ولكن يلزمه بدنة لما نذكره ويستوك فى فساد الحج بالجماع الرجل والمرأة لاستوائهما فى المعنى الموجب للفساد وهو ما بينا
(3)
.
وذلك لما روى أن جماعة من الصحابة رضى الله تعالى عنهم أفتوا بفساد حجهما حيث أوجبوا القضاء عليهما ويستوى فيه العامد والخاطئ والذاكر والناسى عند أصحابنا.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 254
(2)
بدائع الصنائع ج 2 ص 216
(3)
المرجع السابق وكذلك حاشية الطحاوى ج 1 ص 524، 526
وقال الشافعى لا يفسد الخطأ والنسيان والكلام فيه بناء على أصل أن فساد الحج لا يثبت الا بفعل محظور فزعم الشافعى أن الحظر لا يثبت مع الخطأ والنسيان وقلنا نحن يثبت وانما المرفوع هو المؤاخذة عليهما. ويستوى فيه الطوع والاكراه لأن الاكراه لا يزيل الحظر ولو كانت المرأة مكرهة فانها لا ترجع بما لزمها على المكره لأنه حصل لها استمتاع بالجماع فلا ترجع على أحد كالمغرور اذا وطئ الجارية ولزمه الغرم أنه لا يرجع به على الغار كذا هذا ويستوى فيه كون المرأة المحرمة مستيقظة أو نائمة حتى يفسد حجها فى الحالين سواء كان المجامع لها محرما أو حلالا لأن النائمة فى معنى الناسية والنسيان لا يمنع فساد الحج كذا النوم ويستوى فيه كون المجامع عاقلا بالغا أو مجنونا أو صبيا بعد أن كانت المرأة المحرمة عاقلة بالغة حتى يفسد حجها لأن التمكين محظور عليها
(1)
.
وأما بيان حكمه اذا فسد ففساد الحج يتعلق به أحكام منها وجوب الشاة عندنا.
وقال الشافعى وجوب بدنة وجه قوله أن المجامع بعد الوقوف انما أوجب البدنة لتغليظ الجنابة والجنابة قبل الوقوف أغلظ لوجودها حال قيام الاحرام المطلق لبقاء ركنى الحج وبعد الوقوف يبعد الا أحدهما فلما وجبت البدنة بعد الوقوف فلأن تجب قبله أولى.
ولنا ما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنه أنه قال البدنة فى الحج فى موضعين أحدهما اذا طاف للزيارة جنبا ورجع الى أهله ولم يعد والثانى اذا جامع بعد الوقوف.
وروينا عن جماعة من الصحابة رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا وعليهما هدى واسم الهدى وان كان يقع على الغنم والابل والبقر لكن الشاة أدنى والأدنى متيقن به فحمله على الغنم أولى على أنه روينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الهدى فقال أدناه شاة ويجزئ فيه شركه.
فى جزور أن بقرة لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرك بين أصحابه رضى الله عنهم فى البدن عام الحديبية فذبحوا البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة واعتباره قبل الوقوف غير سديد لأن الجنابة قبل الوقوف أخف من الجنابة بعده لأن الجماع قبل الوقوف أوجب القضاء لأنه أوجب فساد الحج والقضاء خلف عن الفائت فيجبر معنى الجنابة فتخف الجنابة فيوجب نقصان الموجب وبعد الوقوف لا يفسد الحج عندنا لما ذكرنا فلم يجب القضاء فلم يوجد ما تجب به الجنابة فبقيت متغلظة فتغلظ الموجب.
ولو جامع قبل الوقوف بعرفة ثم جامع فان كان فى مجلس لا يجب عليه الا دم واحد استحسانا والقياس أن يجب عليه لكل واحد دم على حدة لأن سبب الوجوب قد تكرر فتكرر الواجب الا أنهم استحسنوا فما أوجبوا الا دما واحدا لأن أسباب الوجوب اجتمعت فى مجلس واحد من جنس واحد فيكتفى بكفارة واحدة لأن المجلس الواحد يجمع الأفعال المتفرقة كما يجمع الأقوال المتفرقة كايلاجات فى جماع واحد أنها لا توجب الا كفارة واحدة وان كان كل ايلاجة لو انفردت أوجبت الكفارة كذا هذا وان كان فى مجلسين مختلفين يجب دمان فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف.
وقال محمد يجب دم واحد الا اذا كان كفر للأول كما فى كفارة الافطار فى شهر رمضان وجه قول محمد أن الكفارة انما وجبت بالجماع الأول
(1)
بدائع الصنائع ج 2 ص 216، 217 وكذلك حاشية الطحاوى ج 1 ص 526
جزاء لهتك حرمة الاحرام والحرمة حرمة واحدة اذا انتهكت مرة لا يتصور انتهاكها ثانيا كما فى صوم شهر رمضان.
وكما اذا جامع ثم جامع فى مجلس واحد واذا كفر فقد جبر الهتك فالتحق بالعدم وجعل كأنه لم يوجد فلم يتحقق الهتك ثانيا ولهما ان الكفارة تجب بالجنابة على الاحرام وقد تعددت الجنابة فيتعدد الحكم وهو الأصل اذا قام دليل يوجب جعل الجنابات المتعددة حقيقة متحدة حكما وهو اتحاد المجلس ولم يجد ههنا بخلاف الكفارة للصوم فأنها لا تجب بالجنابة على الصوم بل جبرا لهتك حرمة الشهر على ما ذكرنا. فيما تقدم ولا يجب عليه فى الجماع الثانى الا شاة واحدة لأن الأول لم يوجب الا شاة واحدة فالثانى أولى ولو جامع بعد الوقوف بعرفة ثم جامع ان كان فى مجلس واحد لا يجب عليه الا بدنة واحدة وان كان فى مجلسين يجب عليه بدنة للأول وللثانى شاة على قول أبى حنيفة وأبى يوسف وعلى قول محمد ان كان ذبح للأول بدنة يجب للثانى شاة والا فلا يجب هذا اذا لم يرد بالجماع بعد الجماع رفض الاحرام فأما اذا أراد به رفض الاحرام والاحلال فعليه كفارة واحدة فى قولهم جميعا سواء كان فى مجلس واحد أو فى مجالس مختلفة لأن الكل مفعول على وجه واحد فلا يجب بها الا كفارة واحدة كالايلاجات فى الجماع الواحد ومنها وجوب المضى فى الحجة الفاسدة لقول جماعة من الصحابة رضى الله تعالى عنهم يمضيا فى احرامهما ولأن الاحرام عقد لازم لا يجوز التحلل عنه الا بأداء أفعال الحج أو لضرورة الاحصار ولم يوجد أحدهما فيلزمه المضى فيه فيفعل جميع ما يفعله فى الحجة الصحيحة ويجتنب جميع ما يجتنبه فى الحجة الصحيحة ومنها وجوب القضاء لقول الصحابة رضى الله تعالى عنهم بقضيانه من قابل ولأنه لم يأت بالمأمورية على الوجه الذى أمر به لأنه أمر بحج خال عن الجماع ولم يأت به فبقى الواجب فى ذمته فيلزمه تفريغ ذمته عنه ولا يجب عليه العمرة لأنه ليس بفائت الحج ألا ترى أنه لم تسقط عنه أفعال الحج بخلاف المحصر اذا حل من احرامه بذبح الهدى أنه يجب عليه قضاء الحجة والعمرة أما قضاء الحجة فظاهر وأما قضاء العمرة فلفوات الحج فى ذلك العام وهل يلزمها الافتراق فى القضاء.
قال أصحابنا الثلاثة لا يلزمهما ذلك لكنهما ان خانا المعاودة يستحب لمها أن يفترقا.
وقال زفر ومالك والشافعى يفترقان واحتجوا بما روينا من قول جماعة الصحابة رضى الله عنهم يفترقان ولان الاجتماع فيه خوف الوقوع فى الجماع ثانيا فيجب التحرز عنه بالافتراق ثم اختلفوا فى مكان الافتراق.
قال مالك اذا خرجا من بلدهما يفترقان حسما للمادة.
وقال زفر يفترقان عند الاحرام لأن الاحرام هو الذى حظر عليه الجماع فأما قبل ذلك فقد كان مباحا ولنا أنهما زوجان والزوجة علة الاجتماع لا الافتراق وأما ما ذكروا من خوف الوقوع يبطل بالابتداء فأنه لم يجب الافتراق فى كل من يفعل فعلا فى مكان يتذكر ذلك الفعل اذا وصل اليه ثم ان كانا يتذكران ما فعلا فيه يتذكران ما لزمهما من وبال فعلهما فيه أيضا فيمنعهما ذلك عن الفعل ثم يبطل هذا بلبس المخيط والتطيب فانه اذا لبس المخيط أو تطيب فدل أن الافتراق ليس بلازم لكنه مندوب اليه ومستحب عند خوف الوقوع فيما وقعا فيه على هذا يحمل قول الصحابة رضى الله تعالى عنهم يفترقان
(1)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 217 وكذلك حاشية الطحاوى ج 1 ص 527 الطبعة السابقة
وهذا اذا كان مفردا بالحج فأما اذا كان قارنا فالقارن اذا جامع فان كان قبل الوقوف وقبل الطواف للعمرة أو قبل أكثره فسدت عمرته وحجته وعليه دمان لكل واحد منهما شاة وعليه المضى فيهما واتماهما على الفساد وعليه قضاؤهما ويسقط عنه دم القران أما فساد العمرة فلوجود الجماع قبل الطواف وهو مفسد للعمرة فلوجود الجماع قبل الطواف وهو مفسد للعمرة كما فى حال الانفراد وأما فساد الحجة فلحصول الجماع قبل الوقوف بعرفة وهو مفسد للحج كما فى حال الانفراد وأما وجوب الدمين فلأن القارن محرم باحرامين عندنا فالجماع حصل جناية على احرامين فأوجب نقصا فى العبادتين فيوجب كفارتين كالمقيم اذا جامع فى رمضان وأما لزوم المضى فيهما فلأن وجوب الاحرام عقد لازم وأما وجوب قضائهما فلافسادهما فيقتضى عمرة مكان عمرة وحجة مكان حجة وأما سقوط دم القران عنه فلأنه أفسدهما والأصل أن القارن اذا فسد حجته وعمرته أو أفسد أحداهما يسقط عنه دم القران لأن وجوبه ثبت شكرا لنعمة الجمع بين القربتين بالفساد بطل معنى القربة فسقط الشكر ولو جامع بعد ما طاف لعمرته أو طاف أكثره وهو أربعة أشواط أو بعد ما طاف لها وسعى قبل الوقوف بعرفة فسدت حجته ولا تفسد عمرته أما حجته فلما ذكر وهو حصول الجماع قبل الوقوف بعرفة وأما عدم فساد عمرته فلحصول الجماع بعد وقوع الفراغ من ركنها فلا يوجب فسادها كما فى حال الانفراد وعليه دمان أحدهما لفساد الحجة بالجماع والآخر لوجود الجماع فى احرام العمرة لأن احرام العمرة باق عليه وعليه المضى فيهما واتمامهما.
وعليه قضاء الحج دون العمرة لأن الحجة هى التى فسدت دون العمرة ويسقط عنه دم القران لأنه فسد أحدهما وهو الحج ولو جامع بعد طواف العمرة وبعد الوقوف بعرفة فلا يفسد حجه ولا عمرته أما فساد عدم الحج فلأن الجماع وجد بعد الوقوف بعرفة وهو لا يفسد الحج.
وأما عدم فساد العمرة فلأنه جامع بعد الفراغ من ركن العمرة وعليه اتمامها لأنه لما وجب اتمامها على الفساد فعلى الصحة والجواز أولى وعليه بدنة وشاة البدنة لأجل الجماع بعد الوقوف والشاة لأن الاحرام للعمرة باق والجماع فى احرام العمرة يوجب الشاة وههنا لا يسقط عنه دم القران لأنه لم يوجد فساد الحج والعمرة ولا فساد احدهما فأمكن ايجاب الدم شكرا فان جامع مرة بعد أخرى فهو على ما ذكر من التفصيل فى المفرد بالحج أنه ان كان فى مجلس واحد فلا يجب عليه غير ذلك وان كان فى مجلس آخر فعليه دمان
(1)
. على الاختلاف الذى ذكرنا فان جامع أول مرة بعد الحلق قبل الطواف للزيارة فعليه بدنة وشاة لأن القارن يتحلل من الاحرامين معا ولم يحل له النساء بعد احرام الحجة فكذا فى احرام العمرة كما يقع له التحلل من غير النساء بالحلق فيهما جميعا ولو جامع بعد ما طاف طواف الزيارة كله أو أكثره فلا شئ عليه لأنه قد حل له النساء فلم يبق له الاحرام رأسا الا اذا طاف طواف الزيارة قبل الحلق والتقصير فعليه شاتان لبقاء الاحرام لهما جميعا.
وروى ابن سماعة عن محمد فى الرقيات فيمن طاف طواف الزيارة جنبا أو على غير وضوء وطاف أربعة أشواط طاهرا ثم جامع النساء قبل أن يعيده.
قال محمد أما فى القياس فلا شئ ولكن أبا حنيفة استحسن فيما اذا طاف جنبا ثم جامع ثم أعاده طاهرا أنه يوجب عليه دما.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 217، ص 218، 219 الطبعة الأولى
وكذا قول أبى يوسف وقولنا وجه القياس أنه قد صح من مذهب أصحابنا أن الطهارة ليست بشرط لجواز الطواف واذا لم تكن شرطا فقد وقع التحلل بطوافه والجماع بعد التحلل من الاحرام لا يوجب الكفارة وجه الاستحسان أنه اذا أعاده وهو طاهر فقد انفسخ الطواف الأول على طريق بعض مشايخ العراق وصار طوافه المعتبر هو الثانى لأن الجنابة توجب نقصانا فاحشا فتبين أن الجماع كان حاصلا قبل الطواف فيوجب الكفارة بخلاف ما اذا طاف على غير وضوء لأن النقصان هناك يسير فلم ينفسخ الأول فبقى جماعه بعد التحلل فلا يوجب الكفارة.
وذكر ابن سماعة عن محمد فى الرقيات فيمن طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة فى جوف الحجر أو فعل ذلك فى طواف العمرة ثم جامع انه تفسد العمرة وعليه عمرة مكانها وعليه فى الحج بدنة لأن الركن فى الطواف أكثر الأشواط وهو أربعة فاذا طاف فى جوف الحجر فلم يأت بأكثر الاشواط فحصل الجماع قبل الطواف.
وروى ابن سماعة عن محمد فيمن فانه الحج فجامع أنه يمضى على احرامه وعليه دم الجماع والقضاء للفوات أما وجوب المضى فلبقاء الاحرام
وأما وجوب الدم بالجماع فى الاحرام وليس عليه قضاء العمرة لأن هذا تحلل بمثل أفعال العمرة وليس بعمرة بل هو بقية أفعال حج قد وجب قضاؤه بخلاف العمرة المبتدأة وأما المتمتع اذا جامع فحكمه حكم المفرد بالحج والمفرد بالعمرة لأنه يحرم بعمرة أولا ثم يحرم بحجة
(1)
.
ولو أحرم بالعمرة فى أشهر الحج ثم أفسدها وأتمها على الفساد وحل منها ثم أحرم بالحج وحج من عامه ذلك قبل أن يقضيها لم يكن متمتعا لأنه لا يصير متمتعا الا بحصول العمرة والحجة ولما أفسد العمرة لم تحصل له العمرة والحجة فلا يكون متمتعا ولو قضى عمرته وحج ومن عامه ذلك فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه فان فرغ من عمرته الفاسدة وحل منها ورجع الى أهله ثم عاد الى مكة وقضى عمرته وأحرم بالحج وحج من عامه ذلك فانه يكون متمتعا بالاجماع لأنه لما لحق بأهله صار من أهل التمتع وقد أتى به فكان متمتعا واذا فرغ من عمرته الفاسدة وحل منها لكنه لم يخرج من الحرم أو خرج منه لكنه لم يجاوز الميقات حتى قضى عمرته وأحرم بالحج لا يكون متمتعا بالاجماع لأنه لما حل من عمرته الفاسدة صار كواحد من أهل مكة ولا تمتع لأهل مكة ويكون مسيئا وعليه لاساءته دم، وان فرغ من عمرته الفاسدة وحل منها وخرج من الحرم وجاوز الميقات حتى قضى عمرته ولحق بموضع لأهله التمتع والقران كالبصرة وغيرها ثم رجع الى مكة وقضى عمرته الفاسدة ثم أحرم بحج وحج من عامه ذلك لم يكن متمتعا فى قول أبى حنيفة كأنه لم يبرح من مكة.
وفى قول أبى يوسف ومحمد يكون متمتعا كأنه لحق بأهله وجه قولهما أنه لما حصل فى موضع لأهله التمتع والقران صار من أهل ذلك الموضع وبطل حكم ذلك السفر ثم اذا قدم مكة كان هذا انشاء سفر وقد حصل له نسكان فى هذا السفر وهو عمرة وحجة فيكون متمتعا كما لو رجع الى أهله ثم عاد الى مكة وقضى عمرته فى أشهر الحج وأحرم بالحج وحج من عامه ذلك أنه يكون متمتعا كذا هذا بخلاف ما اذا اتخذ مكة دارا لأنه صار من أهل مكة ولا تمتع لأهل مكة ولأبى حنيفة أن حكم السفر الأول باق لأن الانسان اذا خرج من وطنه مسافرا فهو على حكم السفر ما لم يعد الى وطنه واذا كان حكم السفر الأول باقيا فلا عبرة بقدومه البصرة واتخاذه دارا بها فصار كأنه أقام بمكة لم يبرح منها
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 219 وكذلك حاشية الطحاوى ج 1 ص 527 الطبعة السابقة
حتى قضى عمرته الفاسدة واذا كان كذلك لم يكن متمتعا ولم يلزمه الدم لأنه لما أفسد العمرة لزمه أن يقضيها من مكة وهو أن يحرم بالعمرة من ميقات أهل مكة للعمرة وذلك دليل الحاقه بأهل مكة فصارت عمرته وحجته مكيتين لصيرورة ميقاته للحج والعمرة ميقات أهل مكة فلا يكون متمتعا لوجود الالمام بمكة كما فرغ من عمرته وصار كالمكى اذا خرج الى أقرب الآفاق وأحرم بالعمرة ثم عاد الى مكة وأتى بالعمرة ثم أحرم بالحج وحج من عامه ذلك لم يكن متمتعا كذا هذا بخلاف ما اذا رجع الى وطنه لأنه اذا رجع الى وطنه فقد قطع حكم السفر الأول بابتداء سفر آخر فانقطع حكم كونه بمكة بعد ذلك اذا أتى مكة وقضى العمرة وحج فقد حصل له النسكان فى سفر واحد فصار متمتعا هذا اذا أحرم بالعمرة فى أشهر الحج ثم أفسدها وأتمها على الفساد فأما اذا أحرم بها قبل أشهر الحج ثم أفسدها وأتمها على الفساد فان لم يخرج من الميقات حتى دخل أشهر الحج وقضى عمرته فى أشهر الحج ثم أحرم بالحج وحج من عامه ذلك فانه لا يكون متمتعا بالاجماع
(1)
.
وأما بيان ما يفسد العمرة فالذى يفسدها الجماع لكن عند وجود شرط كونه مفسدا وذلك شيئان أحدهما الجماع فى الفرج لما ذكرنا فى الحج.
والثانى أن يكون قبل الطواف كله أو أكثره وهو أربعة أشواط لأن ركنها الطواف والجماع حصل قبل أداء الركن فيفسدها كما لو حصل قبل الوقوف بعرفة فى الحج واذا فسدت يمضى فيها ويقضيها وعليه شاة لأجل الفساد عندنا.
وقال الشافعى بدنة كما فى الحج فان جامع بعد ما طاف أربعة أشواط أو بعد ما طاف الطواف كله قبل السعى أو بعد الطواف والسعى قبل الحلق لا تفسد عمرته لأن الجماع حصل بعد أداء الركن وعليه دم لحصول الجماع فى الاحرام وان جامع بعد الحلق لا شئ عليه لخروجه عن الاحرام بالحلق فان جامع ثم جامع فهو على التفصيل والاتفاق والاختلاف الذى ذكرنا فى الحج
(2)
أن يحرم بالعمرة من ميقات أهل مكة للعمرة وذلك دليل الحاقه بأهل مكة فصارت عمرته وحجته مكيتين لصيرورة ميقاته للحج والعمرة ميقات أهل مكة فلا يكون متمتعا لوجود الالمام بمكة كما فرغ من عمرته وصار كالمكى اذا خرج الى أقرب الآفاق وأحرم بالعمرة ثم عاد الى مكة وأتى بالعمرة ثم أحرم بالحج وحج من عامه ذلك لم يكن متمتعا كذا هذا بخلاف ما اذا رجع الى وطنه لأنه رجع الى وطنه فقد قطع حكم السفر الأول بابتداء سفر آخر فانقطع حكم كونه بمكة بعد ذلك اذا أتى مكة وقضى العمرة وحج فقد حصل له النسكان فى سفر واحد فصار متمتعا هذا اذا أحرم بالعمرة فى أشهر الحج ثم أفسدها وأتمها على الفساد فأما اذا أحرم بها قبل أشهر الحج ثم أفسدها وأتمها على الفساد فان لم يخرج من الميقات حتى دخل أشهر الحج وقضى عمرته فى أشهر الحج ثم أحرم بالحج وحج من عامه ذلك فانه لا يكون متمتعا بالاجماع
(3)
.
مذهب المالكية
جاء فى شرح منح الجليل أن الجماع ومقدماته يفسد الحج والعمرة مطلقا عن التقييد سواء كان عمدا أو سهوا أو جهلا أو اكراها فى قبل أو دبر من آدمى أو غيره بعد فعل شئ من أفعال الحج أو قبله ولا بد من كونه من بالغ وموجبا
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 219
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 171
(3)
بدائع الصنائع ج 2 ص 171
للغسل كما يفيده قول ابن عرفة ويفسد الحج مغيب الحشفة كما مر فى الغسل والجماع الموجب للغسل وشبهه فى الافساد للحج كاستدعاء منى بقبلة أو مباشرة بل وان استدعاه فخرج بادامة نظر وكذا بادامة فكر فان لم يدم فلا يفسد ويندب الهدى كما فى المواق عن الأبهرى.
وفى الحطاب يفيد أن هذا مقابل الراجح من وجوب الهدى وهو ظاهر كلام خليل وقيد الافساد بقوله ان وقع الجماع قبل الوقوف بعرفة فيفسده مطلقا سواء فعلا شيئا كطواف القدوم والسعى أم لا
(1)
.
ولو وقع الجماع بعد الوقوف أفسد أن وقع الجماع قبل طواف الافاضة ورمى جمرة عقبة يوم النحر أو قبله ليلة المزدلفة وان لم يقع الجماع قبلهما يوم النحر أو قبله بأن وقع قبلهما بعد يوم النحر أو بعد أحدهما يوم النحر فهدى واجب فى الصور الثلاثة من غير أفساد كانزال المنى ابتداء بمجرد نظر أو فكر ولو قصد بهما لذة فان خرج بلا لذة أو غير معتادة فلا شئ فيه
(2)
واذا وقع الجماع من معتمر بعد فراغ سعى فى عمرته قبل تحلله منها فلا يفسدها لتمام أركانها وفيه هدى وأن لم يقع الجماع بعد سعى فى العمرة بأن وقع فى السعى أو قبله فسدت عمرته فالذى يفسد الحج فى بعض أحواله ويوجب الهدى فى بعض آخر وهو الجماع والانزال يفسد العمرة فى بعض الأحوال ويوجب الهدى فى بعض آخر وأما ما لا يفسد الحج ويوجب الهدى فقط فلا يوجبه فى العمرة اذ هى أخف.
ووجب على المكلف لتمام النسك المفسد بضم الميم وفتح السين من عمرة أو حج أدرك وقوفه وان كان الفساد قبله فيمته بالوقوف ونزول مزدلفة ومبيتها ووقوف المشعر الحرام ورمى جمرة العقبة والافاضة والسعى عقبه ان لم يكن قدمه ومبيت منى ورميها والتحصيب فان فاته وقوفه وجب تحلله منه بفعل عمرة ولا يجوز له البقاء على احرامه الفاسد لعام كامل فأنه تماد على فاسد يمكن التحلل منه وهو لا يجوز.
وان أفسد ثم فات أو بالعكس وان بعمرة التحلل تحلل وقضاه دونهما وان لم يتمه سواء ظن اباحة قطعه أم لا فالاحرام الفاسد باق عليه أن لم يحرم بالقضاء بل وان أحرم بغيره فهو لغو ولو قصد به قضاء المفسد فلا يكون ما أحرم به قضاء عنه عند امامنا مالك رضى الله تعالى عنه ولا قضاء عليه لما أحرم به واتمامه اتمام للمفسد.
ولا يقع قضاء المفسد الا فى سنة ثالثة ان لم يطلع عليه الا بعد فوات وقوف الثانى والا أمر بالتحلل من الفاسد بفعل عمرة ولو فى أشهر الحج ويقضيه فى العام الثانى
(3)
.
ووجب فورية القضاء لما أفسده من حج أو عمرة بعد التحلل من فاسدهما ولو على القول بتراخى الحج ولم يخف فواته.
وسواء كان ما أفسده فرضا بل وان كان تطوعا لأن تطوع الحج والعمرة من النفل الذى يجب تكميله بالشروع فيه والقضاء من جملة التكميل.
(1)
شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل للشيخ محمد عليش ج 1 ص 520، 521 وكذلك بلغة السالك لأقرب المسالك للصاوى ج 1 ص 272 وكذلك المدونة الكبرى للامام مالك ج 2 ص 175
(2)
شرح منح الجليل ج 2 ص 522
(3)
شرح منح الجليل ج 1 ص 521 وكذلك بلغة المسالك لأقرب المسالك ج 1 ص 272، 273
وظاهر كلام ابن عبد السّلام والتوضيح تقديم قضاء التطوع على حجة الاسلام
(1)
.
ووجب قضاء القضاء من حج أو عمرة ان أفسده فيأتى بحجتين عند ابن القاسم أحدهما قضاء عن الحاجة الأولى والثانية قضاء عن قضائها الذى أفسده ويهدى مع كل حجة هديا وفى قضاء القضاء المفسد مع الأول قولا ابن القاسم ومحمد والمشهور ان لا قضاء فى قضاء رمضان كما قاله ابن رشد فى قضاء رمضان على أن المشهور هنا القضاء والفرق بينهما أن الحج لما كانت كلفته شديدة فيه بقضاء القضاء حدا للذريعة لئلا يتهاون به وفرق آخر أن القضاء فى الحج على الفور واذا كان على الفور صارت حجة القضاء كأنها حجة معينة بزمان معين فيلزمه القضاء أن أفسدها كحجة الاسلام وأما زمان قضاء الصوم فليس بمعين
(2)
.
ووجب نحر هدى فى زمن القضاء لحج أو عمرة ولا يقدمه زمن اتمام المفسد فيؤخره على المشهور ليجتمع الجابر والنسكى والمالى والوجوب منصب على الهدى وعلى كون نحره فى القضاء ولكنه غير شرط بدليل.
ووجوب الهدى ليس للقضاء بل للفساد.
ويتحد هدى الفساد أن اتحد موجب الفساد بل وان تكرر موجبه بوط ء فى نساء. وأجزاء هدى الفساد ان عجل بضم فكسر مثقلا مع اتمام المفسد ووجب هدايا ثلاثة أن أفسد الحج حال كونه قارنا أو متمعا ثم بعد أخذه فى اتمامه فاته وقوفه أو فاته وقوفه ثم أفسده. وقضى قارنا أو متمتعا هدى للافساد وهدى للفوات وهدى للقران أو التمتع الصحيح الذى جعله قضاء وسقط هدى القران أو التمتع الذى فسد وفات لانقلابه عمرة فلم يحج القارن باحرامه ولا المتمتع من عامة
(3)
.
ووجب على من أكره امرأة على جماعه اياها حرة كانت أو أمة اذن لها فى الاحرام أم لا.
احجاج مكرهته. بضم فسكون ففتح وهدى عنها من ماله ومفهوم مكرهة ان الطائعة لا يجب عليه احجاجها ويجب عليها الحج والهدى من مالها وطوع أمته اكراه الا أن تطلبه عند ابن القاسم أو تتزين له ان كانت المكرهة باقية فى عصمته أو ملكه بل وان طلقها ونكحت الزوجة المكرهة غير المكره ويجبر الزوج الثانى على اذنه لها فى قضاء المفسد أو باع الأمة التى أكرهها وبيعها جائز على المنصوص ويجب بيان وجوب قضاء المفسد عليها والا فللمشترى ردها به
(4)
.
ويجب عليه مفارقة من أفسد معها من حين احرامه بالقضاء لتحلله خوفا من عوده لمثل ما مضى ولا يراعى فى القضاء من احرامه بالمفسد فلمن أحرم فى المفسد من شوال أو يحرم بالقضاء من ذى الحجة بخلاف الميقات المكانى ان شرع فانه يراعى فمن أحرم بالمفسد من الحجفة مثلا تعين احرامه بالقضاء منها بخلاف ما اذا لم يشرع بأن أحرم فى العام الأول قبل المواقيت فلا يجب الاحرام فى القضاء منها فان تعدى الميقات المشروع الذى أحرم منه أولا فدم ولو تعداه بوجه جائز كما استمر بعد الفساد بمكة الى قابل وأحرم بالقضاء منها وأما لو تعداه فى عام الفساد فلا يتعداه فى عام القضاء
(5)
. وأجزأ تمتع قضاء عن افراد مفسد لأن التمتع أفراد
(1)
شرح منح الجليل ج 1 ص 522 وكذلك بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 272، 273
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 522
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 523 وكذلك بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 273
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 523، 524
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 273، 274 وكذلك منح الجليل ج 1 ص 524
وزيادة وأجزأ عكسه أيضا وهو افراد قضاء عن تمتع مفسد اذ المفسد انما هو الحج والعمرة قد تمت قبله صحيحة.
ولا يجزى قران قضاء عن تمتع مفسد لأن القران عمل واحد والتمتع عملان ولا يجزى عكس الصورتين السابقتين.
ولم ينب بفتح فضم لمن أحرم بحج تطوع قبل حجة الفرض وأفسده وقضاه قضاء حج واجب عليه اصالة وهى حجة الاسلام
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن الجماع من محرمات الحاج بالاجماع ولو لبهيمة فى قبل أو دبر ويحرم على المرأة الحلال تمكين زوجها المحرم من الجماع لأنه اعانة على معصية ويحرم على الحلال جماع زوجته المحرمة وقد يفهم من ذلك أن غير الجماع لا يحرم وليس كذلك بل تحرم المباشرة فيما دون الفرج بشهوة قبل التحللين وعليه دم وكذا الاستمناء باليد ويجب عليه الدم أن أنزل لكن يسقط عنه الدم فى الصورتين أن جامع بعد ذلك لدخوله فى بدنة الجماع. وتفسد به العمرة المفردة قبل الفراغ منها أما غير المفردة فهى تابعة للحج صحة وفسادا وكذا يفسد الحج بالجماع المذكور قبل التحلل الأول قبل الوقوف باجماع وبعده خلافا لأبى حنيفة لأنه وط ء صادف احراما صحيحا لم يحصل فيه التحلل الأول فأشبه ما قبل الوقوف ولو كان المجامع فى العمرة أو الحج رقيقا أو صبيا مميزا للنهى عنه فى الحج بقوله تعالى «فَلا رَفَثَ}
(2)
» أى لا ترفثوا فلفظه خبر ومعناه النهى اذ لو بقى على الخبر امتنع وقوعه فى الحج لأن اخبار الله تعالى صدق قطعا مع أن ذلك وقع كثيرا والأصل فى النهى اقتضاء الفساد وقاسوا العمرة على الحج أما غير المميز من صبى أو مجنون فلا يفسد ذلك بجماعه.
وكذا الناسى والجاهل والمكره .. وما ذكره من التحلل الأول فهو خاص بالحج لأن العمرة ليس لها الا تحلل واحد. واذا وقع الجماع بعده فان الحج لا يفسد به وكذا العمرة التابعة له وقيل تفسد ولو أحرم مجامعا لم ينعقد احرامه على الأصح فى زوائد الروضة.
ولو أحرم حال النزع صح فى أحد أوجه يظهر ترجيحه لأن النزع ليس بجماع. ويجب بالجماع المفسد الحج أو عمرة على الرجل بدنة بصفة الأضحية لقضاء الصحابة رضى الله تعالى عنهم بذلك.
وخرج بالجماع المفسد مسئلتان احداهما أن يجامع فى الحج بين التحللين الثانية أن يجامع ثانيا بعد جماعه الأول قبل التحللين.
ففى الصورتين انما يلزمه شاة وخرج بالرجل المرأة وان شملتها عبارته فأنها على الخلاف المار فى الصوم فلا فدية عليها على الصحيح سواء أكان الواطئ زوجا أم غيره محرما أم حلالا وان كانت عبارة المجموع تدل على أنها اذا كانت محرمة دونه أن عليها الفدية
(3)
.
ويجب المضى فى فاسده من حج أو عمرة لاطلاق قوله تعالى «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ» فانه لم يفصل بين الصحيح والفاسد وروى ذلك عن أفتاء جمع من الصحابة ولا يعرف
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 525
(2)
الآية رقم 197 من سورة البقرة
(3)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج ج 1 ص 504، 505، وكذلك حاشية البجيرمى ج 2 ص 151
لهم مخالف والمراد بالمضى فيه أن يأتى بما كان به قبل الجماع وتجنب ما كان يتجنبه قبله فان ارتكب محظورا لزمته الفدية فى الأصح وهذا بخلاف سائر العبادات لا يلزمه المضى فى فاسدها للخروج منها بالفساد اذ لا حرمة لها بعده.
ويجب القضاء اتفاقا وان كان نسكه تطوعا لأنه يلزم بالشروع فيه فصار فرضا بخلاف باقى العبادات واذا جامع صبى أو عبد فسد نسكه ويجزئه القضاء حال الصبا والرق ويلزم المفسد فى القضاء الاحرام مما أحرم به فى الأداء من ميقات أو قبله من دوبره أهله أو غيرها فان كان جاور الميقات ولو غير مريد نسكا لزمه فى القضاء الاحرام منه الا أن سلك فيه غير طريق الأداء فانه يحرم من قدر مسافر الاحرام فى الأداء ان لم يكن جاوز فيه الميقات غير محرم والا أحرم من قدر مسافة الميقات.
وعلم من ذلك أنه لو أفرد الحج ثم أحرم بالعمرة من أدنى الحل ثم أفسدها كفاه أن يحرم فى قضائها من أدنى الحل وأنه لا يتعين عليه سلوك طريق الأداء لكن يشترط أن يحرم من قدر مسافته ولا يلزمه فى القضاء أن يحرم فى الزمن الذى أحرم فيه بل له التأخير عنه والتقديم عليه فى الوقت الذى يجوز الاحرام فيه وفارق المكان فانه ينضبط بخلاف الزمان ولو أفسد القضاء الثانى بالجماع فعليه بدنة وقضاء واحد لأن المقضى واحد فلا يلزمه أكثر منه
(1)
.
والأصح أن قضاء الفاسد يجب على الفور لأنه وان كان وقته موسعا يضيق بالشروع فيه واستشكل تسمية ذلك قضاء بأن من أفسد الصلاة ثم أعادها فى الوقت كانت أداء لا قضاء لوقوعها فى وقتها الأصلى خلافا للقاضى وأجاب السبكى بأنهم أطلقوا القضاء هنا على معناه اللغوى وبأنه يتضيق بالاحرام وان لم يتضيق وقت الصلاة لأن آخر وقتها لم يتغير بالشروع فيها فلم يكن بفعلها بعد الافساد موقعا لها فى غير وقتها والنسك بالشروع فيه تضييق وقته ابتداء وانتهاء فانه ينته بوقت الفوات ففعله فى السنة الثانية خارج وقته فصح وصفه بالقضاء وأيد ولده فى التوشيح الأول بقول ابن يونس أنه أداء لا قضاء وتصور قضاء العمرة على الفور وأما الحج فيتصوب وعام الافساد بأن يتحلل بعده للاحصاء ثم يطلق من الحصر أو بأن يرتد بعده أو يتحلل كذلك لمرض شرط التحلل به ثم يشفى والوقت باق فيشتغل بالقضاء
(2)
.
ولو أفسد مفرد نسكه فتمتع فى القضاء أو قرن جاز وكذا عكسه ولو أفسد القارن نسكه لزمه بدنة واحدة لانغمار العمرة فى الحج ولزمه دم القران الذى أفسده لأنه لزمه بالشروع فلا يسقط بالافساد ولزمه دم آخر للقران الذى التزمه بالافساد فى القضاء ولو أفرده لأنه متبرع بالافراد ولو فات القارن الحج لفوات الوقوف فاتت العمرة تبعا له ولزمه دمان دم للفوات ودم لأجل القران وفى القضاء دم ثالث ولو ارتد فى أثناء نسكه فسد احرامه فيفسد نسكه كصومه وصلاته فلا كفارة عليه ولا يمضى فيه وان أسلم لعدم ورود شئ فيهما بخلاف الجماع فانه وان أفسد به نسكه لم يفسد به احرامه حتى يلزمه المضى فى فاسده كما مر
(3)
.
ولو أفسد الرقيق نسكه بالجماع لم يلزم السيد الاذن فى القضاء ولو أحرم بأذنه لأنه لم
(1)
مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج ج 1 ص 505، 506
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 506، وكذلك حاشية البجيرمى ج 2 ص 151، 152
(3)
مغنى المحتاج السابق ج 1 ص 506
يأذن له فى الفساد وما لزمه من دم بفعل محظور كاللباس أو بالفوات لا يلزم السيد ولو أحرم بأذنه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن من محظورات الحاج الجماع فى فرج أصلى لقول الله عز وجل «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ}
(2)
.
قال ابن عباس هو الجماع بدليل قوله تعالى «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ}
(3)
».
يعنى الجماع قبلا كان الفرج أو دبرا من آدمى أو غيره حى أو ميت لوجوب الحد والغسل فمن فعل ذلك أى جامع فى فرج أصلى قبل التحلل الأول ولو بعد الوقوف بعرفه نقله الجماعة عن أحمد خلافا لأبى حنيفة. فسد نسكهما حكاه ابن المنذر رحمه الله تعالى عنهم العلماء أنه لا يفسد النسك الا به وفى الموت بلغنى أن عمر وعليا وأبا هريرة رضى الله تعالى عنهم سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم فقالوا ينفذ ينفذان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج من قابل والهدى ولم يعرف لهم مخالف ولو كان المجامع ساهيا أو جاهلا أو مكرها أو نائما نقله الجماعة لأن من تقدم من الصحابة قضوا بفساد النسك ولم يستفصلوا ويجب بالجماع قبل التحلل الأول فى الحج بدنة لقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أهد ناقة ولتهد ناقة
(4)
.
ولا يفسد الاحرام بشئ من المحظورات غير الجماع لعدم النص فيه والاجماع وعلى الواطئ والموطوءة المضى فى فاسده وحكم الاحرام الذى أفسده بالجماع حكم الاحرام الصحيح فيفعل بعد الفساد كما كان يفعل قبله من الوقوف وغيره ويجتنب ما يجتنب قبل الفساد من الوط ء وغيره وعليه الفدية اذا فعل محظورا بعده لما روى الدار قطنى باسناد جيد الى عمرو بن شعيب عن أبيه أن رجلا أتى عبد الله بن عمرو رضى الله تعالى عنهما فسأله عن محرم وقع بامرأة فأشار الى عبد الله بن عمر رضى الله تعالى نهما فقال اذهب الى ذلك واسأله قال شعيب فلم يعرفه الرجل فذهب معه فسأل ابن عمر فقال بطل حجك فقال الرجل أفأقعد قال لا بل تخرج مع الناس وتصنع ما يصنعون فاذا أدركت قابلا فحج واهد فرجع الى عبد الله بن عمرو فأخبره ثم قال اذهب الى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فاسأله فقال شعيب فذهبت معه فسأله فقال له مثل ما قال ابن عمر فرجع الى عبد الله بن عمرو فأخبره ثم قال ما تقول أنت قال: أقول مثل ما قالا ورواه الأثرم وزاد وهل اذا حلوا فاذا كان العام المقبل فاحج أنت وامرأتك واهديا هديا فان لم تجدا فصوما ثلاثة أيام فى الحج وسبعة اذا رجعتما وعمرو بن شعيب حديثه حسن
(5)
.
ومن فسد حجه يجب عليه القضاء على الفور ولو نذرا أو نفلا لأنه لزم بالدخول فيه ولأن من تقدم من الصحابة لم يستفصلوا ان كان الواطئ والموطوءة مكلفين لأنهما لا عذر لهما فى التأخير مع القدرة على القضاء وان لم يكونا مكلفين حال الافساد قضياه بعد التكليف بعد حجة الاسلام
(6)
.
ووط ء الصبى كوط ء البالغ ناسيا بمضى فى
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 517
(2)
الآية رقم 197 من سورة البقرة
(3)
الآية رقم 187 من سورة البقرة
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 586، 587 الطبعة الأولى
(5)
كشاف القناع ج 1 ص 586 المرجع السابق
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 586
فاسده ويلزمه القضاء بعد البلوغ نصا ولا يصح قضاؤه قبل بلوغه نص عليه لأنه افساد لاحرام لازم وذلك يقتضى وجوب القضاء ونية الصبى تمنع التكليف بفعل العبادات البدنية لضعفه عنها
(1)
.
ومتى بلغ الصبى فى الحجة الفاسدة التى وطئ فيها. فى حال يجزئه عن حجة الفرض لو كانت صحيحة بأن بلغ وهو بعرفة وبعده وعاد فوقف فى وقته ولم يكن سعى بعد طواف القدوم فان الحال أن يمضى فى تلك الحجة التى بلغ فى أثنائها ثم يقضيها فورا ويجزئه ذلك الحج القضاء عن حجة الاسلام والقضاء
(2)
.
وان أفسد من حجة بالوط ء ولزمه المضى فيه كالحر. ولزمه قضاء ما أفسده لأنه مكلف ويصح القضاء فى رقه لأنه وجب فيه تصح كالصلاة والصيام بخلاف حجة الاسلام وليس للسيد منعه من القضاء ان كان شروع القن فيما أفسده باذنه لأن اذنه فى موجبه ومن موجبه قضاء ما أفسده على الفور وعلم منه أنه اذا لم يكن بأذنه لأن أذنه فى موجبه ومن موجبه قضاء قبل أن يأتى بما لزمه من ذلك قبل القضاء لزمه أن يبتدئ بحجة الاسلام لأنها آكد فان خالف فبدأ بالقضاء فحكمه كالحر يبدأ بنذر أو غيره قبل حجة الاسلام فيقع عن حجة الاسلام ثم يقضى فى القابل فان عتق القن فى الحجة الفاسدة فى حال يجزئه عن حجة الفرض لو كانت صحيحة بأن عتق وهو واقف بعرفة أو بعده وعاد فوقف فى وقته ولم يكن سعى بعد طواف القدوم فانه يمضى فى الحجة الفاسدة كالحر ثم يقضيها فورا ويجزئه ذلك الحج عن حجة الاسلام والقضاء خلافا لابن عقيل رحمه الله تعالى لأن القضاء له حكم الأداء
(3)
.
والعمرة فى ذلك كالحر لأنها أحد النسكين فيفسدها الوط ء قبل الفراغ من السعى كالحج قبل التحلل الأول ولا يفسدها الوط ء بعد الفراغ من السعى وقبل حلق.
ويجب المضى فى فاسد العمرة ويجب القضاء فورا كالحج والدم وهو شاة لنقص العمرة عن الحج.
لكن أن كان المفسد لعمرته مكيا أو حصل بمكة مجاورا أحرم للقضاء من الحل سواء كان قد أحرم بالعمرة التى أفسدها منه أو من الحر لأن الحل هو ميقاتها.
وان أفسد المتمتع عمرته ومضى فى فاسدها وأتمها خرج الى الميقات فأحرم منه بعمرة مكان التى أفسدها لأن الحرمات قصاص فان خاف فوت الحج أحرم به من مكة وعليه دم فاذا فرغ من حجه خرج فأحرم من الميقات بعمرة فكأن التى أفسدها وعليه هدى يذبحه اذا قدم مكة لما أفسد من عمرته نص عليه وان أفسد المفرد حجته وأتمها فله الاحرام بالعمرة من أدنى الحل لأنه ميقاتها.
وان أفسد القارن نسكه فعليه فداء واحدا
(4)
.
وأن جامع المحرم بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثانى بأن رمى جمرة العقبة وحلق مثلا ثم جامع قبل الوقوف لم يفسد حجه قارنا كان أو مفردا أو متمتعا لقول ابن عباس فى رجل
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 550
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 551
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 551، ص 552
(4)
كشاف القناع ج 1 ص 586، 587
أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر ينحران جزورا بينهما وليس عليه الحج من قابل رواه مالك ولا يعرف له مخالف فى الصحابة
(1)
.
وأما المباشرة فيما دون الفرج لشهوة أو قبلة أو لمس وكذا نظر لشهوة لأنه وسيلة الى الوط ء المحرم فكان حراما.
فان فعل فأنزل فعليه بدنة. نقله الجماعة لأنها مباشرة اقترن بها الانزال فأوجبتها كالجماع فى الفرج ولم يفسد نسكه لعدم الدليل ولأنه استمتاع لم يجب بنوعه الحد فلم يفسده كما لو لم ينزل وكما لو لم يكن الانزال لشهوة والفرق بينه وبين الصوم أنه يفسده كل واحد من محظوراته بخلاف الحج لا يفسده الا الجماع والرفث مختلف فيه فلم نقل بجميعه مع أنه يلزم القول به فى الفسق والجدال
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه يبطل الحج تعمد الوط ء فى الحلال من الزوجة والأمة ذاكرا لحجه أو عمرته فان وطئها ناسيا أنه فى حج أو عمرة فلا شئ عليه وكذلك يبطل بتعمده أيضا حج الموطوءة وعمرتها قال: الله عز وجل «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ}
(3)
» والرفث الجماع فمن جامع فلم يحج ولا اعتمر كما أمر:
«وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
دخلت العمرة فى الحج الى يوم القيامة» وأما الناسى والمكره فلا شئ عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه «ولقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}
(4)
».
وهو قول أصحابنا
(5)
.
وان وطئ وعليه بقية من طواف الافاضة أو شئ من رمى الجمرة فقد بطل حجه.
قال تعالى: «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ» }.
فصح أن من رفث ولم يكمل حجه فلم يحج كما أمر.
وهو قول ابن عمر رضى الله تعالى عنهما وقول أصحابنا وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: لا يبطل الحج بالوط ء بعد عرفة وان وطئ يوم النحر بعد رمى الجمرة لم يبطل حجه.
وان وطئ بعد يوم النحر قبل رمى الجمرة لم يبطل حجه.
قال الله تعالى: «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
(6)
».
وقال عز وجل أيضا: «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ}
(7)
».
وهو الذى أمر برمى الجمرة فلا يجوز الأخذ ببعض قوله دون بعض.
وقد قال الله تعالى: «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}
(8)
».
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 587
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 587
(3)
الآية رقم 197 من سورة البقرة
(4)
الآية رقم 33 من سورة الأحزاب
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 189
(6)
الآية رقم 33 من سورة الحج
(7)
الآية رقم 198 من سورة البقرة
(8)
الآية رقم 97 من سورة آل عمران
فكان الطواف بالبيت هو الحج كعرفة ولا فرق وقوله عليه السلام الحج عرفة لا يمنع من أن يكون الحج غير عرفة أيضا وقد وافقنا المخالف على أن امرءا لو قصد عرفة فوقف بها فلم يحرم ولا لبى ولا طاف ولا سعى فلا حج له. فبطل تعلقهم بقوله عليه السلام «الحج عرفة
(1)
».
ومن وطئ عامدا فبطل حجه فليس عليه أن يتمادى على عمل فاسد باطل لا يجزئ عنه لكن يحرم من موضعه فان أدرك تمام الحج فلا شئ عليه غير ذلك وان كان لا يدرك تمام الحج فقد عصى وأمره الى الله تعالى: ولا هدى فى ذلك ولا شئ الا أن يكون لم يحج قط فعليه الحج والعمرة وقد اختلف السلف فى هذا.
فروينا عن عمر رضى الله تعالى عنه أن يتماديا فى حجهما. ثم يحجان من قابل ويتفرقا من الموضع الذى يجامع فيه وعليه هدى وعليهما.
وهذا مرسل عن عمر لأنه عن مجاهد عن عمر ولم يدرك مجاهد عمر.
وروينا عن على رضى الله تعالى عنه على كل واحد منهما بدنة ويتفرقان اذا حجا من قابل.
وهذا مرسل عن على لأنه عن الحكم عن على والحكم لم يدرك عليا.
وروينا عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أقوالا منها أن يتماديا على حجهما ذلك وعليهما هدى وحج من قابل ويتفرقان من الموضع الذى جامعها فيه وعن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهم مثله قالوا: فان لم يجد هديا صام صيام المتمتع وقول آخر مثل هذا سواء بسواء الا أنه لم يعوض من الدم صياما
(2)
.
وأما من جامع بعد عرفة فعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما من وطئ قبل أن يطوف بالبيت فعليه الحج والهدى وروى عنه أيضا عليه الحج من قابل وبدنة.
قال أبو محمد واذا بطل حجه أجزاه هدى شاة واذا تم حجه لم يجزه الا بدنة وهذا تقسيم ما روى عن أحد.
فان تعلق بابن عباس كما ذكر وعن غيره من الصحابة رضى الله تعالى عنهم.
وليس قول بعضهم أولى من بعض وهذا جبير بن مطعم لم يوجب فى ذلك هديا أصلا ولا أمر بالتمادى على الحج. قال على: قال الله تعالى: «إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} فمن الخطأ تماديه على عمل لا يصلحه الله عز وجل لأنه مفسد بلا خلاف منا ومنهم فالله تعالى لا يصلح عمله بنص القرآن.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج انما يجب مرة. ومن ألزمه التمادى على ذلك الحج حيث لا يختلف أحد فى أن من أبطل صلاته أنه لا يتمادى عليها
(3)
.
وقد روينا من طريق مجاهد وطاووس فيمن وطئ امرأته وهو محرم ان حجه يصير عمرة وعليه حج قابل وبدنة فلم يريا عليه التمادى فى عمل الحج.
وروينا عن قتادة أنهما يرجعان الى حدهما يعنى الميقات ويهلان بعمرة ويتفرقان ويهديان هديا هديا. وعن الحسن فيمن وطئ قبل طواف الافاضة قال عليه حج قابل ولم يذكر هديا أصلا
(4)
.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 189
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 189، ص 190
(3)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 190
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 190، ص 191
ومباح للمحرم أن يقبل امرأته ويباشرها ما لم يولج لأن الله تعالى لم ينه الا عن الرفث والرفث الجماع فقط.
وروينا من طريق الجذافى عن عبد الرازق عن محمد بن راشد عن شيخ يقال له أبو هرم قال: سمعت أبا هريرة يقول يحل للمحرم من امرأته كل شئ الا هذا وأشار بأصبعه السبابة بين أصبعين من أصابع يده يعنى الجماع.
وعن عبد الرازق ابن جريح أخبرنى عثمان بن عبد الرحمن أنه قبل امرأته وهو محرم فسألت سعيد بن جبير: فقال ما تعلم فيها شيئا فليستغفر الله عز وجل قال ابن جريح:
وسمعت عطاء يقول مثل قول سعيد بن جبير.
ومن طريق ابن جريح أيضا عن عطاء لا يفسد الحج الا التقاء الختانين فاذا التقى الختانان فسد الحج ووجب الغرم.
ومن طريق ابن أبى شيبة حدثنا ابن عليه عن غيلان ابن جرير قال: سألنى على بن عبد الله. وحليم بن الدريم محرم. فقال:
وضعت يدى من امرأتى موضعا فلم أرفعها حتى أجنبت فقلنا: كلنا ما لنا بهذا علم؟ فمضى الى أبى الشعثاء جابر بن زيد فسأله. ثم رجع الينا يعرف البشر فى وجهه؟ فسألناه ماذا أمناك؟ فقال: انه استكتنى فهؤلاء كلهم لم يروا فى ذلك شيئا
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: أنه لا يفسد الاحرام الا بالوط ء فى أى فرج ولو مكرها له فعل أو مجنونا قبل التحلل برمى جمرة العقبة أو بمضى وقته أداء أو قضاء. أو دخول وقت الرمى قدرا يمكن فيه. وقال أبو حنيفة يفسد قبل الوقوف لا بعده.
ولنا موجب الفساد وقوعه قبل جواز التحلل. ومن فسد حجه لزمه اتمامه ولو نفلا.
لقول على عليه السلام: «اذا وقع الرجل على امرأته» الخبر
(2)
.
ويلزم الحج القضاء فورا كالأداء على الخلاف والأصح الفور.
لقول بعض العلماء. فعليه الحج من قابل وعليه بدنة الزوجة المكروهة لا المطاوعة فعليها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكما الهدى، والمكرهة خصها القياس.
بل على الزوج مطلقا. اذ هو الفاعل. قلنا المطاوعة كالفاعلة عليهما هدى واحد لظاهر الخبر.
قلنا فصله فتوى الصحابة بدنتها عليها وان أكرهت اذ لم يفصل الدليل. قلنا: نصل القياس.
ولا يفسد به حج نائمة ومجنونة ومكرهة لا فعل الهش.
وان لزمت البدن بوطئهن مع بدنته اذ فعل فيهن محظورا يوجبها كمن حلق رأس نائم.
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 255
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأنصار ج 2 ص 324
قلت والوجوب عليه فلا يفتقر الى اذن منهم ولو أخرجن لم يجزه
(1)
.
ولا تكرر الكفارة بتكرر الوط ء ككفارة الوط ء فى الصوم ما لم يتخلل الاحرام.
والاحرام الواجب بعد الفساد غير الاحرام الذى قبله. اذ وجب بغير الأمر الذى وجب به
(2)
.
ولا قضاء عقب الافساد لوجوب تمام ما أفسد. بل يمكن فى صورة وهى حيث يحضران أو الزوج فيتحلل بالهدى ثم يزول الحصر قبل الوقوف قال أن يحرم بالقضاء اذ قد انحل الأول بل يلزمه الاتمام ان أدرك الوقوف كالصحيح للأمر باتمامه واذا المحصر لا ينحر قبل أيام التشريق. والناسى كالعامد اذ لم يفصل الدليل.
وقيل لا لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتى الخطأ قلنا المرفوع الاثم لا الحكم.
والعمرة كالحج فى حكم الافساد وفسادها بالوط ء. قبل السعى اذا السعى تمامها كالرمى للحج.
وان وطئ قبل أربعة من الطواف فسدت والا فلا.
وعليه شاة فى الحالين الأولى للافساد والثانية جبرا. اذ تمام الأكثر ككله. قلنا لا نسلم فان وطئ قبل الحلق احتمل أن لا يلزمه شئ اذ له التحلل حينئذ ويحتمل أن يلزمه دم اذ الحلق نسك لها.
وعلى القارن كفاراتان اذ أفسد احرامين.
ويقضى قارنا اذ الواجب مثل الفائت
(3)
.
ولا فدية ولا جزاء ولا كفارة على الصغير لرفع القلم عنه فلا يصح احرامه فعلى سيده ان نسى أو اضطر الا أنه لا يصوم منه فى الأصح والا ففى ذمته وللسيد منعه من الصوم واذا فسد لزمه القضاء اذ لم يفصل الدليل
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(5)
: أن ما يفسد الحج هو الوط ء عامدا عالما بالتحريم قبلا ودبرا قبل المشعر وان وقف بعرفة على أصح القولين.
ويجب عليه من الكفارة بدنة. ويتم حجه ويأتى به من قابل فورا ان كان الأصل كذلك.
وان كان الحج نفلا.
ولا فرق فى ذلك بين وط ء الزوجة والأجنبية ولا بين وط ء الحرة والأمة. ووط ء الغلام كذلك فى أصح القولين. دون الدابة فى الأشهر.
وهل الأولى فرضه والثانية عقوبة أو بالعكس قولان. والمروى الأول.
الا أن الرواية مقطوعة. وتظهر الفائدة فى الأجير لتلك السنة أو مطلقا.
وجاء فى شرائع الاسلام: أن الصبى اذا وطئ فى الفرج عامدا فقد روى أصحابنا أن
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 324، 325
(2)
البحر الزخار ج 2 ص 325
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 236
(4)
المرجع السابق ج 7 ص 326
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 209 وشرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 143
عمد الصبى وخطأه سواء فعلى هذا لا يفسد حجه ولا تتعلق به كفارة وان قلنا ان ذلك عمد يجب أن يفسد الحج وتتعلق به الكفارة لعدم الاخبار فيمن وطئ عامدا أنه يفسد حجه كان قويا الا أنه لا يلزمه القضاء لأنه ليس بمكلف ووجوب القضاء يتوجه الى المكلف ولكن هل يجب عليه القضاء بالافساد فهو على قولين أحدهما لا قضاء عليه لأنه غير مكلف كما سبق والثانى عليه القضاء فاذا قال بالقضاء فهل يصح منه القضاء وهو صغيرا؟ منصوص الشافعى رضى الله تعالى عنه أنه يصح ومن أصحابه من قال لا يصح فاذا قال يصح منه وهو صغير ففعل. فلا كلام واذا قال لا يصح أو قال يصح ولم يفعل حتى بلغ فحج بعد بلوغه فهل يجزيه عن حجة الاسلام أم لا نظرت فى التى أفسدهما فان كانت لو سلمت من الفساد أجزأت عن حجة الاسلام وهو أن يبلغ قبل فوات وقت الوقوف فكذلك القضاء
(1)
.
وجاء فى الخلاف أن من وطئ فى الفرج قبل الوقوف بعرفة فسد حجه بلا خلاف ويلزمه المضى فيها ويجب عليه الحج من قابل ويلزمه بدنة دليل ذلك اجماع الفرقة وطريقة الاحتياط وروى عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا من وطئ قبل التحلل أفسد وعليه ناقة ولا مخالف لهما.
واذا وطئ بعد الوقوف بعرفة وقبل الوقوف بالمشعر فسد حجه وعليه بدنة وان وطئ بعد لا الوقوف بالمشعر قبل التحلل لزمه بدنة ولم يفسد حجه ودليلنا فى ذلك اجماع الفرقة وأيضا فكل من قال الوقوف بالمشعر الحرام ركن قال عاقلناه وقد دللنا على أنه ركن فثبت ما قلناه لفساد التفرقة وأيضا رواية ابن عمر وابن عباس رضى الله تعالى عنهم تدل على ذلك وما بعد الوقوف بالمشعر نخرجه بدليل اجماع الفرقة.
ودليل قولهم أن من أفسد حجه وجب عليه المضى فيه واستيفاء أفعاله اجماع الفرقة بل اجماع الأمة الا داود فانه قال يخرج بالفساد منه لا يمضى فى أفعاله.
وردوا على ذلك بأن داود قد سبقه الاجماع وطريقة الاحتياط تقتضى ذلك وأيضا قول الله عز وجل «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}
(2)
».
فيتناول هذا الموضع لأنه لم يفرق بين حجة أفسدها وبين ما لم يفسده وما قلناه.
روى عن على وابن عباس وعمر وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم ولا مخالف لهم فى الصحابة
(3)
.
واذا وطئ فى الفرج بعد التحلل الأول لم يفسد حجه وعليه بدنة دليل ذلك اجماع الفرقة وأيضا تبنى هذه المسألة على وجوب الوقوف بالمشعر فكل من قال بذلك قال بما قلناه وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال من وطئ بعد التحلل وفى بعضها بعد الرمى فحجه تام وعليه بدنة
(4)
.
واذا وطئ المحرم ناسيا لا يفسد حجه.
ودليلنا: اجماع الفرقة وأيضا الأصل براءة الذمة.
وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 1 ص 464
(2)
الآية رقم 196 من سورة البقرة
(3)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 1 ص 465 وكذلك شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 143
(4)
الخلاف فى الفقه للطوس ج 1 ص 465، ص 466
أنه قال رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وهذا خطأ.
واذا وطئ المحرم فيما دون الفرج لا يفسد حجه سواء أنزل أو لم ينزل.
دليلنا فى ذلك اجماع الفرقة وأيضا افساد الحج يحتاج الى دليل والأصل صحته لأنه انعقد صحيحا وليس على ما قالوه دليل
(1)
.
ومن أصحابنا من قال اتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء واتيانها فى دبرها كل ذلك يتعلق به فساد الحج.
ومنهم من قال لا يتعلق الفساد الا بالوط ء فى القبل من المرأة دليلنا فى ذلك على الأول طريقة الاحتياط.
وعلى الثانى براءة الذمة
(2)
.
ومن أفسد عمرته كان عليه بدنة والدليل فى ذلك اجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
والقارن اذا أفسد حجه لزمه بدنة وليس عليه دم القران والدليل اجماع الفرقة وبراءة الذمة ولأنا قد بينا فساد ما يقولونه فى كيفية القران.
ومن وجب عليه دم فى افساد الحج فلم يجد فعليه بقرة فان لم يجد فسبع شياه على الترتيب. فان لم يجد فقيمة البدنة دراهم ويشترى بها. أو ثمنها طعاما يتصدق به فان لم يجد صام عن كل مد يوما. والدليل اجماع الفرقة واخبارهم وطريقة الاحتياط
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(4)
أن الحج يمنع من الوط ء لقول الله عز وجل «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ}
(5)
» والرفث والجماع وهو قول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه.
وقيل التعريض به للنساء وذكره بالكتابة بين أيديهن أى بحضرتهن.
وقال ابن عباس وطاووس رضى الله تعالى عنهم التصريح به وهو يبطل الاحرام سواء كان عمدا أو نسيانا وسواء كان الاحرام بحج أو عمرة أو بهما لأنه من جنس الجماع والأولى أن عليه دما كالفسوق والجدال فى الآية بعده فان أبطل احرامه به وان بنسيان أبدله من عامة أن قدر ولو بأن يخرج من عرفات الى بعض الحرم القريب ويحرم منه ويرجع اليها قبل الغروب والا أعاده من عام قابل. وهو فى ذمته ان لم يعده من عام أعاده من آخر ولا بأس عليه ما لم يمت غير حاج ولا موصى به على حد ما مر.
ولزمه هذى مطلقا أى قدر فأبدله أو لم يقدر.
وقيل يتمه كذلك ان قدر. ويعيده من قابل يهدى فى القابل بقرة أو بعير ورخص بشاة وذلك الابطال متفق عليه ان وقع الجماع بغيوب الحشفة قبل الوقوف بعرفات. ويفسد العمرة كذلك قبل الطواف بالبيت لكن ان وقع نسيانا فخلاف وان وقع بعد الوقوف وقبل جمرة العقبة فسد الحج ولزمه الهدى أيضا والقضاء من قابل عندنا.
(1)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 1 ص 467
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 467
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 467، ص 468
(4)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 325
(5)
الآية رقم 197 من سورة البقرة
ومن وطئ بعد الرمى وقبل طواف الزيارة الذى هو طواف الافاضة فسد حجه.
عند ابن عمر رضى الله تعالى عنهما وقيل لا يفسد.
ويقول ابن عمر أخذ أصحابنا بأن للحج تحليلين كالتسليم من الصلاة أحدهما بعد رمى جمرة العقبة وهو التحليل الأصغر يحل به كل شئ الا النساء والطيب والصيد
(1)
.
ومن أفسد حج التطوع بجماع أو غيره لزمه الهدى والحج من قابل عند الأكثر وقيل لا هدى ولا قضاء. ولا تحرم به زوجته وزعم بعض أنها تحرم ان تعمد ويرده ان عمر بن الخطاب قال سمعت من نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقول لا تحرم امرأته بذلك وأنه يلزمها الهدى وأنهما يحجان من قابل: ولا يبعث بمنهى عنه فى شأن الصورة مثل أن ينظر الى صورته تلذذا أو يمسها تلذذا. ولا يتلذذ بنظر لامرأة وان كانت زوجة أو سرية له. ولا يقبلها ولا يمس ما تحت ثيابها فان فعل ذبح شاة بمكة وتم حجه الا أن أنزل.
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما يفسد الحج بمقدمات الجماع بلا انزال كالنظر والقبلة والمس
(2)
.
ويكره للمحرم ذكر الجماع حتى يستلذ ذكرا كان أو امرأة ويكره نوم الرجل مع زوجته أو سريته وتكليمه اياها بخضوع ولا ينبغى لمن لا يملك نفسه اذا استيقظ من نومه أن ينام معها فى عقباء واحد ولزم الدم قيل بكل ما حرك الذكر اذا فعله على عمد وفسد الاحرام بكل انزال عمدا بمس أو نظر أو تفكر أو جماع أو بعث بذكر وغير ذلك كتحريك دابة وان كان حجه تطوعا فأفسده لزمه من قابل وينبغى أن يهدى.
أما الاحتلام فقيل لا يفسد بالانزال بغير جماع.
واذا جامع زوجته بمطاوعتها فعلى كل منهما بدنة وفسد حجهما وان أكرهها فسد حجه ولزمته بدنة وأحجها وأهدى عنها ومن رأى أنه قد فرغ من الحج فجامع وهو لم يرم أو لم يزر سواء اعتقد اتمام الحج قبل الرمى أو نسى لزمه دم وتم حجه وتنبغى له الاعادة ان وجد ميسرة واذا فسد حج الرجل وزوجته بالجماع فليحجا من قابل مفترقين ولا بأس ان حجا مجتمعين والأمر بتفرقهما فى الحج عقوبة لهما على ما فعلا.
وفى الأثر من جامع فى أشهر الحج أو غيرها وهو محرم بالحج فليهد بدنة ويحج من قابل
(3)
واذا جامع قبل ركعتى عمرته فسدت واذا لم يبق الا الحلق فقولان ومن عبث بذكره فأنزل فليرجع للمكان الذى أحرم منه فليحرم وليهد وان كان فى أشهر الحج فليرجع الى الحل ان قدر فليحرم وليهد ما تيسر قابل ويحج
(4)
ومن تعمد النظر لفرج زوجته ففى الدم قولان وان وجد شهوة بلا نظر فلا عليه ان أنزل ما لم يعين نفسه فيكون كالمجامع وقيل عليه بدنة وفسد احرامه ويرجع ليحرم من الميقات ان أمكن والا قضى مناسكه وحج من قابل
(5)
.
وكل من يمنع منه حاج فى فرض ومعتمر فى فرض يمنع منه أيضا الحاج فى قفل ومعتقل فى نفل
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 325، ص 326
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 326
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 326، ص 327
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 327
(5)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 327
وما يلزم من تمتع وجزاء وفداء على فرض يلزم على نفل كعمرات التنعيم فى رمضان
(1)
.
افساد النكاح بالرضاع وأثره
مذهب الحنيفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الرجل اذا تزوج صغيرة فأرضعتها أمه من النسب أو من الرضاع حرمت عليه لأنها صارت أختا له من الرضاع فتحرم عليه كما فى النسب.
وكذا وأرضعتها أخته أو بنته من النسب أو من الرضاع لأنها صارت بنت أخته أو بنت بنته من الرضاعة وأنها تحرم من الرضاع كما تحرم من النسب ولو تزوج صغيرتين رضيعتين فجاءت امرأة أجنبية فأرضعتهما معا أو على التعاقب حرمتا عليه لأنهما صارتا أختيه من الرضاعة فيحرم الجمع بينهما فى حالة البقاء كما يحرم فى حالة الابتداء كما فى النسب ويجوز أن يتزوج أحداهما أيتهما شاء لأن المحرم هو الجمع كما فى النسب.
فان كن ثلاثا فأرضعتهن جميعا معا حرمن عليه لأنهن حرن أخوات من الرضاعة فيحرم الجمع بينهن وله أن يتزوج واحدة منهن أيتهن شاء لما قلنا وان أرضعتهن على التعاقب واحدة بعد واحدة حرمت عليه أولتان وكانت الثالثة زوجته لأنها لما أرضعت الأولى ثم الثانية صارتا أختيه فبانتا منه فاذا أرضعت الثالثة فقد صارت أختا لهما لكنهما أجنبيتان فلم يتحقق الجمع فلا تبين منه.
وكذا اذا أرضعت البنتين معا ثم الثالثة حرمتا والثالثة امرأته لما تقدم ولو أرضعت الأولى ثم البنتين معا حرمتا جميعا لأن الأولى لم تحرم كذا الارضاع لعدم الجمع فاذ أرضعت الآخرتين معا صرنا اخوات فى حالة واحدة فيفسد نكاحهن ولو كن أربع صبيات فأرضعتهن على التعاقب واحدة بعد واحدة حرمن جميعا لأنهما كما أرضعت الثانية فقد صارت أختا للأولى فحصل الجمع بين الأختين من الرضاعة فبانتا ولما أرضعت الرابعة فقد صارت أختا للثالثة فحصل الجمع فبانتا وحكم المهر والرجوع فى هذه المسائل سيذكر فى المسألة الآتية وهى ما اذا تزوج صغيرة وكبيرة فرضعت الكبيرة الصغيرة أما حكم النكاح فقد حرمتا عليه لأن الصغيرة صارت بنتا لها والجمع بين الأم والبنت من الرضاع نكاحا كما يحرم من النسب ثم ان كان ذلك بعد ما دخل بالكبيرة لا يجوز له أن يتزوج واحدة منهما أبدا كما فى النسب وان كان قبل أن يدخل بالكبيرة جاز له أن يتزوج الصغيرة لأنها ربيبته من الرضاع لم يدخل بأمها فلا يحرم عليه نكاحها كما فى النسب لا يجوز له أن يتزوج الكبيرة أبدا لأنها أم من الرضاع فتحرم بمجرد نكاح دخل بها أو لم يدخل بها كما فى النسب وأما حكم المهر فأما الكبيرة فان كان قد دخل بها فلها جميع مهرها سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد لأن المهر قد تأكد بالدخول فلا يحتمل السقوط بعد ذلك فلها مهرها ولها السكنى ولا نفقة لها لأن السكنى حق الله تعالى فلا تسقط بفعلها والنفقة تجب حقا لها بطريقة الصلة وبالأرضاع خرجت عن استحقاق الصلة فان كان لم يدخل بها سقط مهرها فلا مهر لها ولا سكنى ولا نفقة سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد لأن الأصل أن الفرقة الحاصلة قبل الدخول توجب سقوط كل المهر لأن المبدل يعود سليما الى المرأة وسلامة المبدل لأحد المتعاقدين يوجب سلامة البدل للآخر لئلا يجتمع المبدل والبدل فى ملك واحد فى عقد المبادلة
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 328
كان ينبغى أن لا يجب على الزوج شئ سواء كانت الفرقة بغير طلاق أو بطلاق الا أن الشرع أوجب عليه فى الطلاق قبل الدخول ما لا مقدرا بنصف المهر المسمى ابتداء بطريق المتعة صلة لها تطيبا لقلبها لما لحقها من وحشة الفراق بثبوت نعمة الزوجية عنها من غير رضاها فاذا أرضعت قد رضيت بارتفاع النكاح فلا تستحق شيئا وأما الصغيرة فلها نصف المهر على الزوج عند عامة العلماء.
وقال مالك لا شئ لها وجه قوله أن الفرقة جاءت من قبلها لوجود علة الفرقة منها وهى ارتضاعها لأنه بذلك يحصل اللبن فى جوفها فينبت اللحم وينشر العظم فتحصل الجزئية التى هى المعنى المؤثر فى الحرمة وانما الموجود من المرضعة التمكين من ارتضاعها بالقامها ثديها فكانت محصلة للشرط والحكم للعلة لا للشرط فلا يجب على الزوج للصغيرة شئ ولا يجب على الزوج للمرضعة شئ أيضا.
ولنا ما ذكرنا أن الفرقة من أيهما كانت توجب سقوط كل المهر لما تقدم وانما يجب نصف المهر مقدرا بالمسمى ابتداء صلة للمرأة نظرا لها ولم يوجد من الصغيرة ما يوجب خروجها عن استحقاق النظر لأن فعلها لا يوصف بالخطر وليست هى من أهل الرضا لنجعل فعلها دلالة الرضا بارتفاع النكاح فلا تحرم نصف الصداق بخلاف الكبيرة لأن اقدامها على الارضاع دلالة الرضا بارتفاع النكاح وهى من أهل الرضا وارضاعها جناية فلا تستحق النظر بايجاب نصف المهر لها ابتداء اذا الجانى لا يستحق النظر على جنايته بل يستحق الزجر وذلك بالحرمان لئلا يفعل مثله فى المستقبل فلا يجب لها شئ سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد لأن فعلها جناية فى الحالين.
ويرجع الزوج بما أدى على الكبيرة ان كانت تعمدت الفساد وأن كانت لم تتعمد لم يرجع عليها كذا ذكر المشايخ.
وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف.
وروى عن محمد أن له أن يرجع سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد.
وقول زفر وبشر المريسى والشافعى وجه قولهم أن هذا ضمان الاتلاف وأنه لا يختلف بالعمد والخطأ والدليل على أن هذا ضمان الاتلاف ان الفرقة حصلت من قبلها بارضاعها ولهذا لم تستحق المهر أصلا ورأسا سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد واذا كان حصول الفرقة من قبلها بارضاعها صارت بالارضاع مؤكدة نصف المهر على الزوج لأنه كان محتملا للسقوط بردتها أو تمكينها من ابن الزوج أو تقبيلها اذا كبرت فهى بالارضاع أكدت نصف المهر بحيث لا يحتمل السقوط فصارت متلفة عليه ماله فتضمن وجه قول محمد أنها وان تعمدت الفساد فهى صاحبة شرط فى ثبوت الفرقة لأن علة الفرقة هى الارتضاع للصغيرة لما بينا والحكم يضاف الى العلة لا الشرط على أم ارضاعها ان كان سبب الفرقة فهو سبب محض لأنه طرأ عليه فعل اختيارى وهو ارتضاع الصغير والسبب اذا اعترض عليه فعل اختيارى يكون سببا محضا والسبب المحض لا حكم له وان كان صاحب السبب متعمدا فى مباشرة السبب كفتح باب الأصطبل والقفص حتى خرجت الدابة وضلت أو طار الطير وضاع ولأن الضمان لو وجب عليها اما أن يجب باتلاف ملك النكاح أو باتلاف الصداق أو بتأكيد نصفه على الزوج لا وجه للأول لأن ملك النكاح غير مضمون بالاتلاف على أصلنا ولا وجه للثانى لأنها ما أتلفت الصداق بل أسقطت نصفه والنصف الباقى بقى واجبا بالنكاح السابق.
ولا وجه للثالث لأن التأكيد لا يماثل التفويت فلا يكون اعتداء بالمثل.
ولأبى حنيفة وأبى يوسف أن الكبيرة وان كانت محصلة شرط الفرقة وعلة الفرقة من الصغيرة كما ذكره محمد لكن الأصل أن الشرط مع العلة اذا اشتركا فى الحظر والاباحة أى فى سبب المؤاخذة وعدمه فاضافة الحكم الى العلة أولى من اضافته الى الشرط فأما اذا كان الشرط محظورا والعلة غير موصوفة بالحظر فاضافة الحكم الى الشرط أولى من اضافته الى العلة كما فى حق البئر على قارعة الطريق فالكبير اذا لم تكن تعمدت الفساد فقد استوى الشرط والعلة فى عدم الحظر فكانت الفرقة مضافة الى العلة وهى ارتضاعها وان كانت تعمدت الفساد كان الشرط محظورا وهو ارضاع الكبيرة والعلة غير موصوفة بالحظر وهى ارتضاع الصغيرة فكان اضافة الحكم الى الشرط أولى واذا أضيفت الفرقة الى الكبيرة عند تعمدها الفساد وجب نصف المهر للصغيرة على الزوج ابتداء ملازما للفرقة صارت الفرقة الحاصلة منها كأنها علة لوجوبه لا أنه بقى النصف بعد الفرقة واجبا بالنكاح السابق لأن ذلك قول بتخصيص العلة لأنه قول ببقاء نصف المهر على وجود العلة المسقطة لكله وانه باطل فصارت الكبيرة متلفة هذا القدر من المال على الزوج اذ الاداء مبنى على الوجوب فيثبت له حق الرجوع عليها.
ولهذا المعنى وجب الضمان على شهود الطلاق قبل الدخول اذا رجعوا بالاجماع بخلاف ما اذا لم تعمد الفساد لأن عند عدم التعمد لا تكون الفرقة مضافة الى فعل الكبيرة فلم يوجد منها علة وجوب نصف المهر على الزوج فلا يرجع عليها.
وأما مسئلة فتح باب الاصطبل والقفص فكما يلزمهما يلزم محمد الآن عنده يضمن الفاتح وان اعترض على الفتح فعل اختيارى فقد خرج الجواب عن الباقى فانهم ثم تعمد الفساد ويثبت بثلاثة أشياء بعلمها بنكاح الصغيرة وعلمها بفساد النكاح بارضاعها وعدم الضرورة وهى ضرورة خوف الهلاك على الصغيرة لو لم ترضعها والقول قولها فى أنها لم تتعمد الفساد مع يمينها لأن الزوج بدعوى تعمد الفساد يدعى عليها الضمان وهى تنكر فكان القول قولها وعلى هذا حكم المهر والرجوع فى المسائل المتقدمة من الاتفاق والاختلاف ولو تزوج كبيرة وصغيرتين فأرضعتهما الكبيرة فان أرضعتهما معا حرمن عليه لأنهما صارتا بنتين للمرضعة فصار جامعا بينهن نكاحا فحرمن عليه ولا يجوز له أن يتزوج الكبيرة أبدا سواء كان دخل بها لأنها أم منكوحته فتحرم بنفس العقد على البنت ولا يجوز له أن يجمع بين الصغيرتين نكاحا أبدا لأنهما صارتا أختين من الرضاع ويجوز أن يتزوج باحداهما ان كان لم يدخل بالكبيرة لأنها ربيبته من الرضاع فلا تحرم بمجرد العقد على الأم كما فى النسب وان كان قد دخل بها لا يجوز كما فى النسب وأن أرضعتهما على التعاقب واحدة بعد أخرى فقد حرمت الكبيرة مع الصغيرة الأولى لأنها لما أرضعت الأولى صارت بنتا لها فحصل الجمع بين الأم والبنت فبانتا منه وأما الصغيرة الثانية فاما أرضعتهما بعد ما بانت الكبيرة فلم يصر جامعا لكنها ربيبته من الرضاع فان قد دخل بأمها تحرم عليه والا فلا.
ولا يجوز نكاح الكبيرة بعد ذلك ولا الجمع بين الصغيرتين لما تقدم ولو تزوج كبيرة وثلاث صبيات فأرضعتهن على التعاقب واحدة بعد أخرى حرمن عليه جميعا لأنها لما أرضعت الأولى صارت بنتا لها فحصل الجمع بين الأم والبنت فحرمتا عليه ولما أرضعت الثانية فقد أرضعتها والكبيرة والصغيرة الأولى مبانتان فلا يحرم بسبب الجمع لعدم الجمع ولكن ينظر ان كان قد دخل بالكبيرة تحرم عليه للحال لأنها ربيبته وقد دخل بأمها فان كان لم يدخل بأمها لا تحرم عليه
للحال حتى ترضع الثالثة فاذا ارتضعت الثالثة حرمتا عليه لأنهما صارتا أختين والحكم فى تزوج الكبيرة بعد ذلك والجمع بين صغيرتين وتزوج احدى الصغائر ما تقدم ولو تزوج صغيرتين وكبيرتين فعمدت الكبيرتان الى احدى الصغيرتين فأرضعتاها احداهما بعد أخرى ثم أأرضعتا الصغيرة الثانية واحدة بعد أخرى بانت الكبيرتان والصغيرة الأولى والصغيرة الثانية امرأته لأنهما لما أرضعتا الصغيرة الأولى صارت كل واحدة من الكبيرتين أم امرأته وصارت الصغيرة بنت امرأته فصار جامعا بينهن فحرمن عليه فلما أرضعتا الثانية فقد أرضعتاها بعد ثبوت البينونة فلم يصر جامعا فلا تحرم هذه الصغيرة بسبب الجمع ولكنها ابنة منكوحة كانت له فان كان لم يدخل بها لا تحرم عليه وان كان قد دخل بها تحرم ولا يجوز له نكاح واحدة من الكبيرتين بعد ذلك بحال والأمر فى جواز نكاح الصغيرة الأولى على التفصيل الذى مر ولو كانت احدى الكبيرتين أرضعت الصغيرتين واحدة بعد الأخرى ثم أرضعت الكبيرة الأخرى الصغيرتين واحدة بعد الأخرى ينظر ان كانت الكبيرة الأخيرة بدأت بالتى بدأت بها الكبيرة الأولى بانت الكبيرتان والصغيرة الأولى والصغيرة الأخرى امرأته وان كانت بدأأت بالتى لم تبدأ بها اولى حرمن عليه جميعا وانما كان كذلك لأن الكبيرة الأولى لما أرضعت الصغيرة الأولى والصغيرة الأخرى امرأته وان كانت بدأأت بالتى لم تبدأ بها اولى حرمن عليه جميعا وانما كان كذلك لأن الكبيرة الأولى لما أرضعت الصغيرة الأولى فقد صارت بنتها فحصل الجمع بين الأم والبنت فحرمنا عليه فلما أرضعته الأخرى أرضعتها وهى أجنبية فلم يتحقق الجمع لكن صارت الأخرى ربيبته فان كان لم يدخل بأمها لا تحرم وان كان قد دخل بها تحرم فلما جاءت الكبيرة الأخيرة فأرضعت الصغيرة الأولى فقد صارت أم منكوحة فحرمت عليه فلما أرضعت الصغيرة الأخرى فقد أرضعتها وهى أجنبية فصارت ربيبته فلا تحرم اذا كان لم يدخل بأمها وان كان قد دخل بأمها تحرم واذا كانت الكبيرة الأخيرة بدأت بالتى لم تبدأ بها الكبيرة الأولى فقد صارت بنتا لها فصار جامعها مع أمها فحرمتا عليه كما حرمت الكبيرة الأولى مع الصغيرة الأولى فحرمن جميعا ولو كان تحته صغيرة وكبيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة بانتا لأنهما صارتا أختين.
وكذا اذا أرضعت أخت الكبيرة الصغيرة لأنها صارت كبنت أخت امرأته والجمع بين المرأة وبين بنت أختها لا يجوز فى الرضاع كما لا يجوز فى النسب ولو أرضعتها عمة الكبيرة أو خالتها لم تبن لأنها صارت بنت عمه امرأته أو بنت خالتها ويجوز للانسان أن يجمع بين امرأة وبين بنت عمتها أو بنت خالتها فى النسب فكذا فى الرضاع ولو طلق رجل امرأته ثلاثا ثم أرضعت المطلقة قبل انقضاء عدتها امرأة له صغيرة بانت الصغيرة لأنها صارت بنتا له فحصل الجمع فى حال العدة والجمع فى حال قيام العدة كالجمع فى حال قيام النكاح ولو زوج ابنه وهو صغير امرأة لها لبن فارتدت وبانت من الصبى ثم أسلمت فتزوجها رجل فحملت منه ثم أرضعت بلبنها ذلك الصبى الذى كان زوجها حرمت على زوجها الثانى.
كذا روى بشر بن الوليد عن محمد لأن ذلك الصبى صار ابنا لها لزوجها فصارت هى منكوحة ابنه من الرضاع فحرمت عليه ولو زوج رجل أم ولده مملوكا له صغيرا فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها وعلى مولاها لأن الزوج صار ابنا لزوجها فصارت هى موطؤة أبيه فتحرم عليه ولا يجوز للمولى أن يطؤها بملك اليمين لأنها منكوحة ابنه ولو تزوج صغيرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه لأنها صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت
(1)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام أبى بكر ابن مسعود الكاسانى الجزء الرابع ص 11، 12، 13، 14 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ 1910 م
مذهب المالكية
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن الزوجة تحرم على الزوج صاحب اللبن ان أرضعت بلبنه طفلا كان زوجا لها سابقا وذلك بأن تتزوج المرأة رضيعا بولاية أبيه ثم يطلقها الأب عليه لمصلحة فتتزوج تلك المرأة رجلا بالغا يطؤها فيحدث لها لبن فترضع الطفل الذى كان زوجها من ذلك اللبن فانها بذلك تحرم على الزوج لأنها والحالة هذه زوجة ابنه من الرضاع فالبنوة طرأت بعد الوط ء وقد علمت أن حليلة الابن تحرم على الأب لقول الله عز وجل «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}
(1)
» وذلك كتحريم زوجة أرضعت رضيعة كان أبائها زوجها بأن تزوج برضيعة ثم طلقها وعنده زوجة كبيرة وطئها وبها لبن أرضعت تلك الرضيعة التى كان أبائها فان المرضعة تحرم على زوجها لأنها صارت أم زوجته والعقد على البنات يحرم الأمهات وكتحريم شخص مرتضع من مبانته واللبن من غيره وذلك بأن يطلق الرجل زوجته المدخول بها فتتزوج من غيره فيحدث لها لبن من الثانى فترضع طفلة فهذه الطفلة تحرم على من كان طلقها لأنها صارت بنت زوجته رضاعا والدخول بالأمهات يحرم البنات ولو طرأت الأمومة كما هنا وان أرضعت امرأة تحل له بناتها ولم يكن تلذذ بها زوجته الرضيعتين اختار واحدة منهما.
وكذا لو كن أكثر لصيروتهن اخوة من الرضاع وان كانت التى يختارها الأخيرة منها عقدا أو رضاعا أن ترتبا.
وما ذكره خليل رحمه الله تعالى من جواز اختيار واحدة من الزوجتين الرضيعتين اللتين أرضعتهما أجنبية أو زوجة غير مدخول بها هو المشهور كمن أسلم عن أختين.
وقال ابن بكير رحمه الله تعالى لا يختار واحدة بمنزلة من تزوج أختين فى عقد واحد وفرق للمشهور بأن العقد وقع هنا بينهما صحيحا وطرأ ما أفسده بخلاف مسئلة متزوج الأختين فى عقد واحد فانه وقع فاسدا وان كان الزوج قد بنى بالزوجة التى أرضعت حرم الجميع المرضعة للعقد على الرضعتين والعقد على البنات يحرم الأمهات والرضيعتان للتلذذ بأمها من الرضاع والتلذذ بالأمهات يحرم البنات وأدبت المتعمدة بارضاعها من ذكر للافساد أى أن المرأة المتعمدة للافساد تؤدب لعلمها بالتحريم الموجب لتأديب وفسخ نكاح الزوجين المكلفين اذا تصادقا على الرضاع فانه يفسخ نكاحهما قبل الدخول وبعده سواء كان تصادقهما قبل الدخول أو بعده والفسخ بغير طلاق عند ابن القاسم رحمه الله تعالى ولها اذا فسخ المسمى الحلال والا فصداق المثل بالدخول سواء كانا عالمين بالرضاع حين العقد أو كانا جاهلين أو علم فقط الا أن تعلم هى فقط بالرضاع وأنكر هو العلم فتكون كالغارة للزوج بانقضاء عدتها وتزوجت فيها عالمة بالحكم فلها ربع دينار بالدخول ولا شئ قبله وان أدعى الزوج الرضاع بعد العقد وقبل البناء فأنكرت أخذ باقراره بالنسبة للغرم اذا لا يعمل باقراره بالنسبة لغرم الصداق اذا لو عمل به لما وجب عليه شئ فيفسخ نكاحه ولها النصف لأنه يتهم على أنه أقر ليفسخ بلا شئ وان أدعته بعد العقد وقبل البناء أو بعده فأنكر لم يندفع النكاح عنها بالفسخ لاتهامها على قصد فراقه ولا مخلص لها من الزوج الا بالغاء منه أو يطلق باختياره فان طلق باختياره قبل البناء فلا شئ لها
(2)
.
(1)
الآية رقم 23 من سورة النساء
(2)
الشرح الكبير ج 2 ص 505، ص 506
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج انه لو كان الزوج تحته زوجة صغيرة فأرضعتها الأرضاع المحرم أم الزوج أو أخته من أو رضاع أو زوجته الأخرى له أو غيرهن ممن يحرم عليه بنتها كزوجة أبيه أو ابنه أو أخيه بلبنهن انفسخ نكاحه من الصغيرة وحرمت عليه أبدا لأنها صارت أخته أو بنت أخته أو بنت زوجته أو أخته أيضا أو بنت أبنه أو بنت أخيه لأن ما يوجب الحرمة المؤبدة كما يمنع ابتداء النكاح يمنع استدامته بدليل أن الابن اذا وطئ زوجة أبيه بشبهة انفسخ النكاح وحرمت عليه وليس ذلك كطرو الردة والعدة لعدم ايجابهما التحريم المؤبد.
أما اذا كان اللبن من غير الأب والأبن والأخ فلا يؤثر لأن غايته أن تصير ربيبة أبيه أو أبنه أو أخيه وليست بحرام عليه وانفسخ نكاح زوجته الأخرى أيضا اذا كانت هى المرضعة لأنها صارت أم زوجته وللصغيرة على الزوج نصف مهرها المسمى ان كان صحيحا والا فنصف مهر مثلها لأنه فراق حصل قبل الدخول لا بسببها فشطر المهر كالطلاق وله على المرضعة نصف مهر مثل على النص أما الغرم فلأنها فوتت عليه ملك النكاح سواء أقصدت بارضاعها فسخ النكاح أم لا تعين عليها لخوف تلف الصغيرة أم لا لأن غرامة المتلفات لا تختلف بهذه الأسباب وأما النصف فلأنه الذى يغرمه فاعتبر ما يجب له بما يجب عليه ولو أوجر الصغير أجنبى لبن أم الزوج كان الرجوع عليه ولو أكره أجنبى الأم على ارضاعها فأرضعتها فالغرم عليها طريقا والقرار على المكره ليوافق قاعدة الاكراه على الاتلاف والفرق بين الأبضاع لا تدخل تحت اليد وبان الغرم هنا للحيلولة وهى منتفية فى المكره مردود بأن الحر لا يدخل تحت اليد مع دخول اتلافه فى القاعدة.
وفى قول مخرج للزوج على المرضعة المهر كله وفرق الأول بأن فرقة الرضاع حقيقة فلا توجب الا النصف كالمفارقة بالطلاق وفى الشهادة النكاح باق بزعم الزوج والشهود ولكنهم بشهادتهم أحالوا بينه وبين البضع ففرقوا قيمته كالغاضب الحائل بين المالك والمغصوب.
وقال الماوردى أن الغرم عليها اذا لم يأذن الزوج لها فى الارضاع فان أذن لها فلا غرم واكراهه لها على الارضاع أذن وما ذكر محله فى الزوج الحر فلو كان عبدا فأرضعت أمه يؤخذ من كسبه للصغير نصف المسمى ان كان صحيحا والا فنصف مهر المثل والغرم على المرضعة للسيد وان كان النكاح لم يفت الا على العبد ولا حق للسيد منه لأن ذلك بدل البضع فكان للسيد كعوض الخلع ومثله أيضا اذ لم تكن المرضعة مملوكة للزوج ان كانت مملوكته ولو مدبرة ومستولده فلا رجوع له عليها وان كانت مكاتبة رجع عليها بالغرم ما لم تعجز.
وأما مهر الكبيرة فحكمه ان كان مدخولا بها فلها المهر والا فلا.
ولو نكح عبد أمة صغيرة مفوضة بتفويض سيدها فأرضعتها أمه مثلا فلها المتعة فى كسبه ولا يطالب سيدة المرضعة الا بنصف مهر المثل وانما صوروا ذلك بالأمة لأنه لا يتصرا بالحرة لعدم المكافأة ولو دبت صغيرة ورضعت خمس رضعات من كبيرة نائمة أو مستيقظة سألته فلا غرم على أرضعته لأنها لم تضع شيئا ولا مهر للمرتضعة لأن الانفساخ حصل بفعلها وذلك يسقط المهر قبل الدخول ويرجع الزوج فى مالها بنسبة ما غرم فالكبيرة لأنها أتلفت عليه بضع الكبيرة ولا فرق فى غرامة المتلفات بين الكبيرة والصغيرة ولو كان تحته زوجتان كبيرة وصغيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة انفسخت الصغيرة أى نكاحها
لأنها صارت أختا للكبيرة ولا سبيل الى الجمع بين الأختين.
وكذا الكبيرة ينفسخ نكاحها أيضا فى الأظهر لما تقدم والثانى يختص الانفساخ بالصغيرة لأن الجمع بارضاعها.
ونسبه الماوردى للجديد والأول للقديم وعلى الأظهر له نكاح من شاء منها على الانفراد ولأنها أختان والمحرم عليه جمعها ولو كان تحته صغيرة فطلقها فأرضعتها امرأة صارت أم امرأته فتحرم عليه أبدا ولا نظر الى حصول الأمومة قبل النكاح أو بعده الحاقا للطارئ بالمقارنة كما هو شأن التحرير المؤبد ولو نكحت مطلقته الحرة الصغيرة وأرضعته بلبنه حرمت على المطلقة والصغير أبدا.
أما المطلق فلأنها صارت زوجة أبنه وأما الصغير فلأنها صارت أمه أو زوجة أبيه ان كان المطلقة أمه لم تحرم على المطلق لبطلان النكاح لأن الصغير لا يصح نكاحه أمة لم تصر حليلة أبنه ولو فسخت كبيرة نكاح صغير بعيب فيه مثلا ثم تزوجت كبيرا فارتضع الصغير بلبنه منها أو من غيرها حرمت عليه أبدا لأن الأبن الصغير صار أبنا للكبير فهى زوجة أبن الكبير وزوجة أبى الصغير بل أمه ان كان اللبن منها. آ
ولو زوج السيد أم ولده عبده الصغير فأرضعته لبن السيد حرمت عليه أى العبد أبدا لأنها أمه موطؤة أبيه وعلى السيد كذلك لأنها زوجة أبنه هذه المسألة مبنية على أن السيد يجيز عبده الصغير على النكاح والأظهر أنه لا يجيز فهذا مبنى على رجوع واحترز بقوله لبن السيد عما لو أرضعته بلبن غيره فان النكاح ينفسخ لكونها أما له ولا تحرم على السيد لأن الصغير لم يصر أبنا له فلم تكن هى زوجة الأبن ولو أرضعت موطؤته الأمة زوجة صغيرة تحت أى السيد بلبنه أو لبن غيره بأن تزوجت غيره أو وطئها بشبهة حرمتا الموطؤة والصغيرة عليه أى السيد أبدا لضرورة الأمة أم زوجته والصغيرة بنته ان رضعت لبنه أو بنت موطؤته ان رضعت لبن غيره ولو كان تحته صغيرة وكبيرة فأرضعتها أى الكبيرة والصغيرة انفسخا لصيرورة الصغيرة بنتا للكبيرة وامتنع الجمع بينهما وحرمت الكبيرة أبدا لأنها أم زوجته.
وكذا الصغيرة حرمت أبدا ان كان الارضاع بلبنه لأنها صارت بنته والا بأن كان الارضاع بلبن غيره فربيبة له تحرم عليه أبدا ان دخل بالكبيرة والا فلا وفى الغرم للصغيرة والكبيرة ما تقدم فلو كانت الكبيرة أمة غيره تعلق الغرم برقبتها أو أمته فلا شئ عليها الا أن كانت مكاتبة فعليها الغرم فان عجزها سقطت المطالبة بالغرم.
ولو كان تحته كبيرة وثلاث صغائر فأرضعهن معا أو مرتبا بلبنه أو لبن غيره حرمت أى الكبيرة أبدا لأنها صارت أم زوجاته.
وكذا الصغائر أرضعتهن بلبنه حرمن بناته أو لبن غيره وهى أى الكبيرة موطؤة له لأنهن حرمن بنات زوجته المدخول بها والا بأن لم يكن اللبن له ولم تكن موطؤة له فان أرضعت معا بايجارهن المرضعة الخامسة انفسخت لصيروتهن اخوات ولاجتماعهن مع الأم فى النكاح وايجارهن الخامسة وذلك بأن تلقم اثنتين ثديها وتوجر الثالثة لبنها المحلوب ولا يحرمن أى الصغائر مؤبدا الانتفاء الدخول بأمهن فله تجديد النكاح من شاء منهن بلا جمع فى نكاح أو أرضعتهن مرتبا لم يحرمن مؤبدا لما تقدم وتنفسخ الأولى أى نكاحها بارضاعها مع الكبيرة لاجتماع الأم وبنتها فى النكاح ولا ينفسخ نكاح الثانية بمجرد ارضاعها اذ لا موجب له والثالثة أى وينفسخ نكاح الثالثة بارضاعها
لصيرورتها أختا للثانية الباقية فى نكاحه وتنفسخ الثانية بارضاع الثالثة لأنها صارت أختين معا فأشبه ما لو أرضعتهما معا وفى قول لا ينفسخ نكاح الثانية بل يختص الانفساخ بالثالثة لأن الجمع انما حصل بها كما لو نكح امرأة على أختها واقتصر المصنف فى الترتيب على ماذا أرضعتهن متعاقبا وبقى فى الترتيب حالان أحدهما ترضع اثنتين معا ثم الثالثة فينفسخ نكاح الأولتين مع الكبيرة لثبوت الأخوة بينهما ولاجتماعها مع الأم فى النكاح ولا ينفسخ نكاح الثالثة لانفرادها ووقوع أرضاعها بعد اندفاع نكاح أمها وأختيها ثانيهما أن ترضع واحدة أولا ثم اثنتين معا فينفسخ نكاح الأربع.
أما الأولى والكبيرة فلاجتماع الأم والبنت فى النكاح وأما الأخريان فلانهما صارتا أختين معا ويجرى هذان القولان فيمن تحته زوجتان صغيرتان أرضعتهما أجنبية مرتبا أو ينفسخان أم الثانية يختص الانفساخ بها فقط والأظهر منهما انفساخهما لما ذكر وخرج بقوله مرتبا ما اذا أرضعتهما معا فانه ينفسخ نكاحهما قولا واحدا لأنهما صارتا أختين معا ولا خلاف فى تحريم المرضعة على التأييد لأنها صارت أم زوجته.
ومن أفسد
(1)
نكاح امرأة بالرضاع المنصوص أنه يلزمه نصف مهر المثل ونص فى الشاهدين بالطلاق اذا رجعا على قولين أحدهما يلزمها مهر المثل والثانى يلزمها نصف مهر المثل.
واختلف أصحابنا فيه فنقل أبو سعيد الأصطخرى جوابه من احدى المسئلتين الى الأخرى وجعلهما على قولين أحدهما يجب مهر المثل لأنه أتلف البضع فيوجب ضمان جميعه والثانى يجب نصف مهر المثل لأنه لم يغرم للصغيرة الا نصف بدل البضع فلم يجب له أكثر من نصف بدله.
وقال أبو اسحق يجب فى الرضاع نصف المهر لأنه وفى الشهادة يجب الجميع والفرق بينهما أن فى الرضاع وقعت الفرقة ظاهرا وباطنا وتلف البضع عليه وقد رجع اليه بدل النصف فوجب له بدل النصف وفى الشهادة لم يتلف البضع فى الحقيقة وانها حيل بينه وبين ملكه فوجب ضمان جميعه والصحيح طريقة أبى اسحق
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن الرجل اذا تزوج كبيرة لم يدخل بها وثلاث صغائر فأرضعت الكبيرة احداهن فى الحولين حرمت الكبيرة على التأييد وثبت نكاح الصغيرة وعنه ينفسخ نكاحها واذا تزوج كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة قبل دخوله بها فسد نكاح الكبيرة فى الحال وحرمت على التأييد وبه قال الثورى وأبو ثور وأصحاب الرأى.
وقال الأوزاعى نكاح الكبيرة ثابت وتنزع منه الصغيرة ولا يصح ذلك فان الكبيرة صارت من أمهات النساء فتحرم أبدا لقول الله سبحانه وتعالى «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ}
(3)
» ولم يشترط دخوله بها فأما الصغيرة ففيها روايتان احداهن نكاحها ثابت لأنها ربيبة ولم يدخل بأمها فلا تحرم لقول الله تعالى «فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ}
(4)
».
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 388، 389
(2)
المهذب فى فقه الامام الشافعى للشيخ أبى اسحق ابراهيم بن على يوسف الفيروزأبادى الشيرازى الجزء الثانى ص 158، 159 طبع مطبعة عيسى البابى بمصر
(3)
الآية رقم 23 من سورة النساء
(4)
الآية رقم 23 من سورة النساء
والرواية الثانية ينفسخ نكاحهما لأنهما صارتا أما وبنتا واجتمعا فى نكاحه والجمع بينهما محرم فانفسخ نكاحهما كما لو صارتا أختين وكما لو عقد عليهما بعد الرضاع عقدا واحدا وذلك لأنه أمكن ازالة الجمع بانفساخ نكاح الكبيرة وهى أولى به لأن نكاحها محرم على التأييد فلم يبطل نكاحهما به كما لو ابتدأ العقد على أخته وأجنبية ولأن الجمع طرأ على نكاح الأم والبنت فاختص الفسخ بنكاح الأم كما لو أسلم وتحته امرأة وبنتها وفارق الأختين لأنه ليست احداهما أولى بالفسخ من الأخرى وفارق ما لو ابتدأ العقد عليهما لأن الدوام أقوى من الابتداء وان أرضعت اثنتين منفردتين انفسخ نكاحهما على الرواية الأولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الأولى ويثبت فصار فى الثانية أما انفساخ نكاح الصغيرتين فلأنهما صارتا أختين واجتمعتا فى الزوجية فينفسخ نكاحهما كما لو أرضعتهما معا وهذا على الرواية الأولى التى تقول ينفسخ نكاح الكبيرة وحدها.
فأما على الرواية التى تقول ينفسخ نكاحهما معا فانه يثبت نكاح الأخيرة من الصغيرتين لأن الكبيرة لما أرضعت الصغيرة أولا انفسخ نكاحهما ثم أرضعت الأخرى فلم تجتمع معهما فى النكاح فلم ينفسخ نكاحهما واذا أرضعت الصغيرة أجنبية انفسخ نكاحهما أيضا وذلك أنه جمع بين الأختين فى النكاح فانفسخ نكاحهما كما لو أرضعتهما معا وفارق ما لو عقد عى واحدة بعد أخرى فان عقد الثانية لم يصح فلم يصر به جامعا بينهما وههنا حصل الجمع برضاع الثانية ولا يمكنه القول بأنه لم يصح فحصلنا معا فى نكاحه وهما أختان لا محالة له وان أرضعت الثلاث متفرقات انفسخ نكاح الأولتين وثبت نكاح الثالثة على الرواية الأولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الجمع لأنهما صارتا أختين فى نكاحه وثبت نكاح الثالثة لأن رضاعها بعد انفساخ نكاح الكبيرة والصغيرتين اللتين قبلها فلم يصادف اخوتها فى النكاح وان أرضعت أحداهن منفردة واثنتين بعدها معا بأن تلقم كل واحدة منها ثديا فيمتصان معا أو تحلب من لبنها فى اناء فتسقيهما معا انفسخ نكاح الجميع لأنهن صرن اخوات فى نكاحه لأنها اذا أرضعت أحداهن منفردة لم ينفسخ نكاحها لأنها منفردة ثم اذا أرضعت اثنتين بعد ذلك مجتمعات انفسخ نكاح الجميع لأنهن اخوات فى النكاح هذا على الرواية الأولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الأم والأولى بالاجتماع ثم ينفسخ نكاح الاثنتين لكونهما صارتا أختين
(1)
معا وكل امرأة تحرم ابنتها عليه كأمه وأخته وجدته وربيبته اذا أرضعت طفلة حرمتا عليه لأنها تصير ابنتها وكل رجل تحرم ابنته كأخيه وأبنه وأبيه اذا أرضعت امرأته بلبنه طفلة حرمتها عليه وفسخت نكاحها لأنها صارت ابنة من تحرم ابنته عليه وان أرضعتها امرأة أحد هؤلاء بلبن غيره لم تحرم عليه لأنها صارت ربيبة زوجها وان أرضعتها من لا تحرم بنتها كعمته وخالته لم تحرما عليه ولو تزوج بنت عمه فأرضعت جدتها أحدهما صغيرا انفسخ النكاح لأنها ان أرضعت الزوج صار عم زوجته وان أرضعت الزوجة صارت عمته وان أرضعتهما جميعا صار عمها وصارت عمته وأن تزوج بنت عمته فأرضعت جدتها أحدهما صغيرا انفسخ النكاح لأنها ان أرضعت الزوج صار خالها وأن أرضعت الزوجة صارت عمته وان تزوج بنت خاله فأرضعت جدتهما الزوج صار عم زوجته وان أرضعتها صارت خالته وان تزوج ابنة خالته فأرضعت الزوج صار خال زوجته وان أرضعتها صارت خالة زوجها وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول فان الزوج يرجع
(1)
المفتى للامام أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع للامام أبى عمر محمد بن أحمد بن مقدامة المقدسى الجزء التاسع ص 206، 207 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار سنة 1348 هـ
عليه بنصف مهرها الذى يلزمه لها لأنه قرره عليه بعد أن كان بعرض السقوط وفرق بينه وبين زوجته فلزمه ذلك كشهود الطلاق اذا رجعونا وانما لزمه نصف مهر الصغيرة لأن نكاحها انفسخ قبل دخوله بها غير جهتها والفسخ اذا جاء من أجنبى كان كطلاق الزوج فى وجوب الصداق عليه وان أفسدت نكاحها قبل الدخول فلا مهر لها لأن فسخ نكاحها بسبب من جهتها فسقط صداقها كما لو ارتدت.
وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأى ولا نعلم فيه خلافا فعلى هذا ان أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ نكاح الصغرى فعلى الزوج نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى لما ذكرنا.
وقال أصحاب الرأى ان كانت المرضعة أرادت الفساد رجع عليها بنصف الصداق والا فلا يرجع بشئ ولنا على أنه يرجع عليها بالنصف لأنها قررته عليه وألزمته اياه وأتلفت عليه ما فى مقابلته فوجب عليها الضمان.
كما لو أتلفت عليه الجمع والواجب نصف المسمى لا نصف مهر المثل لأنه انما يرجع بما غرم والذى غرم نص ما فرض لها فرجع به وذلك لأنه خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له بدليل ما لو قتلت نفسها أو أرتدت وأرضعت من ينفسخ نكاحها بارضاعه فأنها لا تغرم له شيئا وانما الرجوع ههنا بما نحرم فلا يرجع بغيره ولأنه لو رجع بقيمة المتلف لرجع بمهر المثل كله ولم يختص بالنصف ولأن شهود الطلاق قبل الدخول اذا رجعوا لزمهم نصف المسمى كذلك ههنا وان أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول لم يسقط مهرها ويجب على زوجها وان أفسده غيرها وجب مهرها ولم يرجع به على أحد.
ونص أحمد على أنه يرجع بالمهر كله قال شيخنا الصحيح أنه لا يرجع على من أفسده بعد الدخول بشئ لأنه لم يقرر على الزوج شيئا ولم يلزمه اياه فلم يرجع عليه بشئ كما لو أفسدت المرأة نكاح نفسها ولأنه لو ملك الرجوع بالصداق بعد الدخول لسقط اذا كانت المرأة هى المفسدة للنكاح كما قبل الدخول ولأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقدم على ما تقدم وكذلك لا يجب مهر المثل وانما رجع الزوج بنصف المسمى قبل الدخول لأنها قررته عليه وكذلك يسقط اذا كانت هى المفسدة لنكاحها قبل الدخول.
ولم يوجد ذلك ههنا وان فسدت نكاح نفسها بعد الدخول لم يسقط مهرها.
قال شيخنا لا نعلم بينهم خلافا فى ذلك وان الزوج لا يرجع عليها بشئ اذا كان أداه اليها ولا فى أنها اذا أفسدته قبل الدخول أنه يسقط وأنه يرجع بما أعطاها فاذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ نكاحها فعله نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى.
ولا مهر للكبرى ان كان قبل الدخول لأنها أفسدت نكاح نفسها لو دبت الصغرى الى الكبرى وهى نائمة فارتضعت منها خمس رضعات انفسخ نكاح الكبيرة وحرمت على التأييد فان كان دخل بالكبيرة فحرمت الصغيرة وانفسخ نكاحها ولا مهر للصغيرة لأنها فسخت نكاح نفسها وعليه مهر الكبيرة يرجع به على الصغيرة.
عند أصحابنا ولا يرجع به على ما اخترناه وان لم يكن دخل بالكبيرة فعليه نصف صداقها يرجع به فى مال الصغيرة لأنها فسخت نكاحها وان أرتضعت الصغيرة منها رضعتين وهى نائمة ثم انتهت الكبيرة فأتمت لها ثلاث رضعات فقد حصل الفساد بفعليها فيسقط الواجب عليها وعليه مهر الكبير وثلاثة أعشار مهر الصغيرة ويرجع به
على الكبيرة وان لم يكن دخل بالكبيرة فعليه خمس مهرها يرجع به على الصغيرة وهل ينفسخ نكاح الصغيرة على روايتين
(1)
.
وان كان لرجل ثلاث بنات امرأة لهن لبن فأرضعت ثلاثة نسوة صغار حرمت الكبيرة لأنها من جدات النساء وجدة الزوجة محرمة ولم ينفسخ نكاح الصغار لأنهن لسن اخوات وانما هن بنات خالات ولبن الربيبة لا يحرم الا بالدخول بالأم وان كان دخل بالأم حرم الصغار أيضا لأنهن ربائب مدخول بأمهن وان لم يكن دخل بها فهل ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أو لا على روايتين بناء على ما اذا أرضعت زوجته الكبرى زوجته الصغرى فان الكبرى تحرم وهل ينفسخ نكاح الصغرى على روايتين ذكرنا توجيههما فيما مضى وان أرضعن واحدة كل واحدة منهن رضعتين فهل تحرم الكبرى بذلك على وجهين:
أحدهما تحرم لأنها كونها جدة فرع على كون ابنتها أما ولم تثبت الأمومة فما هو فرع عليها أولى أن لا يثبت
(2)
.
واذا تزوج كبيرة ثم طلقها فأرضعت صغيرة بلبنه صارت بنتا له وان أرضعتها بلبن غيره صارت ربيبته فان كان قد دخل بالكبيرة حرمت الصغيرة على التأييد وان كان لم يدخل بها لم تحرم لأنها ربيبة لم يدخل بأمها وان تزوج صغيرة ثم طلقها فأرضعت امرأة له المرضعة على التأييد لأنها من أمهات نسائه وان تزوج كبيرة وصغيرة ثم طلق الصغيرة فأرضعتها الكبيرة حرمت الكبيرة وانفسخ نكاحها فان كان لم يدخل بها فلا مهر لها وله نكاح الصغيرة وان كان دخل بها مهرها وتحرم هى والصغيرة على التأبيد وان طلق الكبيرة وحدها قبل الرضاع فأرضعت الصغيرة ولم يكن دخل بالكبيرة ثبت نكاح الصغيرة وأن كان دخل بها حرمت الصغيرة وانفسخ نكاحها ويرجع على الكبيرة بنصف صداقها وان طلقهما جميعا فالحكم فى التحريم على ما مضى.
ولو تزوج رجل كبير وآخر صغيرة ثم طلقاهما ونكح كل واحد منهما زوجة الآخر ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما وانفسخ نكاحها وان كان زوج الصغيرة دخل بالكبيرة حرمت عليه وانفسخ نكاحها والا فلا
(3)
.
واذا طلقت امرأته ولها منه لبن فتزوجت بصبى فأرضعته بلبنه وانفسخ نكاحها منه لأنها أمه من الرضاع وحرمت عليه لأنها صارت أمه من الرضاع وان تزوجت بآخر ودخل بها ومات عنها لم يجز أن يتزوجها الأول لأنها صارت من حلائل الأبناء لما أرضعت الصبى الذى تزوجت به ولو تزوجت الصبى أولا ثم فسخت نكاحه لعيب ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبى حرمت عليهما على الأبد على الزوج الثانى لأنها صارت من حلائل أبنائه وعلى الصبى لأنها صارت أمه ولو زوج رجل أم ولده أو أمته بصبى مملوك فأرضعته بلبن سيدها خمس رضعات انفسخ نكاحه وحرمت على سيدها على التأييد لأنها صارت من حلائل أبنائه فان كان الصبى حرا لم يتصور هذا الفرع عندنا لأنه لا يصح نكاحه لأن من شرط نكاح الحر للأمة خوف العنت ولا يوجد ذلك فى الطفل فان تزوج بها كان النكاح فاسدا وان أرضعته لم تحرم على سيدها لأنه ليس بزوج فى الحقيقة.
قال شيخنا رحمه الله تعالى فان أفسد النكاح جماعة يقسط المهر عليهم فلو جاء خمس فسقين زوجة صغيرة من لبن أم الزوجة خمس مرات انفسخ نكاحها ولزمهن نصف مهرها بينهن فان سقتها واحدة شربتين وأخرى ثلاثا فعلى الأولى الخمس وعلى الثانية خمس وعشرون
(1)
المرجع السابق ص 209، 210 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 211، 212، 213
(3)
المرجع السابق ج 9 ص 217، 218
وان سقاها واحدة شربتين وسقاها ثلاث ثلاث شربات فعلى الأولى الخمس وعلى كل واحدة من الثلاث عشر.
وان كان له ثلاث نسوة كبار وواحدة صغيرة فأرضعت كل واحدة من الثلاث الصغيرة أربع رضعات ثم حلبن فى اناء وسقينه الصغيرة حرم الكبار وانفسخ نكاحهن فان لم يكن دخل بهن فنكاح الصغيرة ثابت على احدى الروايتين وعليه لكل واحدة منهن ثلث صداقها ترجع به على ضرتيها لأن نكاحها حصل بفعلها وفعلهما فسقط ما قابل فعلها وهو سدس الصداق وبقى عليه الثلث فرجع به على ضرتيها فان كان صداقهن متساويا سقط ولم يجب شئ لأنه يتقاص مالها على الزوج بما يرجع به عليها اذ لا فائدة فى أن يجب لها عليه ما يرجع به عليها وان كان مختلفا وهو من جنس واحد تقاص منه بقدر أقلهما ووجبت الفضيلة لصاحبها وان كان من أجناس ثبت التراجع على ما تقدم.
وان كان قد دخل باحدى الكبار حرمت الصغيرة أيضا وانفسخ نكاحها ووجب لها نصف صداقها ترجع به عليهن أثلاثا وللتى دخل بها المهر كاملا وفى الرجوع به ما تقدم من الخلاف وأن حلبن فى اناء فسقته احداهن الصغيرة خمس مرات كان صداق ضراتها يرجع به عليها أن كان قبل الدخول بهن لأنها أفسدت نكاحهن ويسقط مهرها ان لم يكن دخل بها فان دخل بها فلها مهرها لا يرجع به على أحد وان كانت كل واحدة من الكبار أرضعت الصغيرة خمس رضعات حرم الثلاث فان كان لم يدخل بهن فلا مهر لهن عليه وان كان دخل بهن فعليه لكل واحدة مهرها ولا يرجع به على أحد وتحرم الصغيرة ويرجع بما لزمه من صداقها على المرضعة الأولى لأنها التى حرمتها عليه وفسخت نكاحها ولو أرضع الثلاث الصغيرة بلبن الزوج فأرضعتها كل واحدة رضعتين صارت بنتا لزوجها فى الصحيح وينفسخ نكاحها وترجع بنصف صداقها عليهن على المرضعتين الأولتين أربعة أخماسه وعلى الثالثة خمسه لأن رضعتها الأولى هى التى حصل بها التحريم والثانية لا أثر لها ولا ينفسخ نكاح الأكابر لأنهن لم يصرن أمهات لها فان قيل فلم لا ترجع به عليهن على عددهن لكون الرضاع مفسدا فيستوى قليله وكثيره كما لو طرح الجماعة نجاسة فى مائع فى حالة واحدة قلنا لأن التحريم يتعلق بعدد الرضعات فكان الضمان متعلقا بالعدد بخلاف النجاسة فان التنجيس لا يتعلق بقدر فيستوى قليله وكثيره لكون الكثير والقليل سواء فى الافساد.
فنظير ذلك أن يشرب فى الرضعة من أحداهما أكثر ما يشرب من الأخرى
(1)
.
وان كانت له زوجة أمة فأرضعت امرأته الصغيرة فحرمتا عليه وفسخت نكاحها كان ما لزمه من صداق الصغيرة فى رقبة الأمة لأن ذلك من جنايتها وان أرضعتها أم ولده أفسدت نكاحها وحرمتها عليه لأنها ربيبته دخل بأمها وتحرم أم الولد عليه أبدا لأنها من أمهات نسائه ولا غرامة عليها لأنها أفسدت على سيدها وان كانت مكاتبته وحرمتها عليه لأنها صارت أخته وان أرضعت رجع عليها لأن المكاتبة يلزمها أرش جنايتها وان أرضعت أم ولده امرأته ابنه بلبنه فسخت نكاحها زوجة أبيه بلبنه حرمتها عليه لأنها صارت بنت أبنه ويرجع الأب على أبنه بأقل الأمرين مما غرمه لزوجته أو قيمتها لأن ذلك من جناية أم ولده وان أرضعت واحدة منهما بغير لبن سيدها لم تحرمها لأن كل واحدة منهما صارت بنت أم ولده
(2)
.
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 219، 220 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 220، 221 الطبعة السابقة
وأن تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول هى أختى من الرضاع انفسخ النكاح فان صدقته فلا مهر لها وان كذبته فلها نصف المهر وان قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح لما ذكرنا ولها المهر بكل حال لأن المهر يستقر بالدخول
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لو أن رجلا تزوج امرأتين فأرضعتهما امرأة رضاعا محرما حرمتا جميعا وانفسخ نكاحهما اذ صارتا بذلك أختين وكذلك لو دخل بهما فأرضعت أحدهما الأخرى رضاعا محرما ولا فرق فلو لم يدخل بهما فأرضعت احداهما الأخرى رضاعا محرما انفسخ نكاح التى صارت أما للأخرى وبقى نكاح التى صارت لها أبنة صحيحا لأن الله تعالى قال «وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ}
(2)
» فصارت بنت امرأته التى لم يدخل بها ولا هى فى حجره فثبت نكاحها وصارت الأخرى من أمهات نسائه فحرمت جملة
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب أنه اذا كان لرجل امرأتان واحدة كبرى والأخرى صغرى فرضعت الصغرى من الكبرى فانه ينفسخ نكاحهما ويتأبد تحريم الكبرى عليه مطلقا.
وكذا الصغرى اذا كان قد دخل بالكبرى أو لمسها أو نظر اليها بشهوة والا فلا.
ويكون الرجوع بما لزم الزوج من المهر للصغرى على الكبرى حيث تكون هذه المرضعة لها مختارة ولم يأذن الزوج.
وكذا لو دبت الصغرى على الكبرى وتركتها ترضع منها فان التخلية منها كالفعل اذ لبنها معها أمانة فيسقط مهرها معا ولا رجوع على أحد.
وأما المدخولة فلا يسقط مهرها بحال ولو انفسخ نكاحهما بأى وجه ولا يرجع به على أحد لأنه قد استوفى ما فى مقابلته وهو الوط ء وكذلك القول على الصغرى حيث تكون هى التى رضعت بغير فعل الكبرى ولا تخليتها كأن تدب الصغرى وتتناول ثدى الكبرى وهى نائمة فيسقط مهر الصغرى ويرجع الزوج على الصغرى بنصف المهر الكبرى وبجميعه ان كان قد خلى بها أو يكون ذلك بفعل الغير كأن يقرب الصغرى الى الكبرى أو يكره الكبرى على ارضاع الصغرى رجع عليه الزوج بمهر الكبرى كاملا أن كان بعد خلوة أو نصفه قبلها ونصف مهر الصغرى ولو كان من الصغرى فعل يتناول الثدى ومص اللبن اذ هى كالملجأة الى ذلك الا أن يكون الذى فعل الارضاع جاهلا أنه يحرم وينفسخ به النكاح محسنا فى ارضاعه بأن يخشى على الطفل التلف أو الضرر فأرضعه ولو كانت الكبرى هى المرضعة للصغرى فانه لا يرجع عليها بما يلزمه للصغرى وهو نصف المهر بهذين الشرطين وهما الجهل بأن هذا الرضاع يفسخ النكاح وأن تكون محسنة لخشية التلف أو الضرر على الطفل وأما مهر الكبرى فان كان قبل الدخول بها فلا مهر لها ولو كانت جاهلة محسنة وان كان بعد الدخول لم يسقط مهرها اذ قد استوفى الزوج ما فى مقابله وهو الوط ء.
وأما مع العلم أن هذا الرضاع يفسخ النكاح أو مع الجهل بذلك وليست محسنة بأن لا تخشى
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 223، 224 الطبعة السابقة
(2)
الآية رقم 23 من سورة النساء
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 6، 7 مسألة رقم 1865
على الطفل التلف أو الضرر فانه يرجع عليهما بما لزمه للصغرى وهو ما تقدم ذكره
(1)
.
واذا تصادق الزوجان على الرضاع بينهما ثبت حكمه كما تقدم.
واذا ثبت باقرار الزوج وحده وهى منكرة يبطل النكاح بينهما لا الحق الذى لها عليه وهو المهر ونفقة العدة والكسوة فلا يبطل ويجوز لها أن تتزوج بعد انقضاء العدة وان لم تظن صدقه وليس لها أن تطالبه ولا للحاكم اجباره أن يحتاط بالطلاق لأن اقراره فى معنى الطلاق وان رجعت الزوجة الى تصديق الزوج فى حصول الرضاع بينهما صح منها ذلك بعد النكار وسقطت به حقوقها واذا أقرت المرأة بالرضاع بينهما صح وأنكر الزوج ذلك ولا بينة لها بطل حقها من الزوج من نفقة وكسوة وغيرهما ولا يبطل النكاح الا المهر فلا يسقط اذا أقرت بالرضاع بعد الدخول لا الخلوة فتستحق الأقل من المسمى ومهر المثل اذ قد استوفى الزوج ما فى مقابله وهو الوط ء ويجب عليها أن تمنع نفسها وتدافعه ولو بقتله لانه مع علمها بالرضاع يريد أن يفعل بها محظورا واذا مات لم ترثه الا أن ترجع الى تصديق زوجها وتكذيب نفسها فى ذلك كله فتستحق ما قد سقط من حقوقها وأخذت ميراثها لأن رجوعها يوجب عليها حكم النكاح وهى العدة فيثبت المهر والميراث ولو بعد الموت
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أن الرضاع المحرم يمنع من النكاح سابقا ويبطله لاحقا فلو تزوج رضيعة فأرضعتها من يفسد نكاح الصغيرة بارضاعها كأمه وجدته وأخته وزوجة الأب أو الأخ اذا كان لبن المرضعة منهما فسد النكاح فان انفردت المرتضعة بالارتضاع مثل أن سعت اليها فامتصت ثديها من غير شعور المرضعة سقط المهر مهرها لبطلان العقد الذى باعتباره يثبت المهر ولو تولت المرضعة ارضاعها مجتازة قبل كان للصغيرة نصف المهر لأنه فسخ حصل قبل الدخول ولم يسقط لأنه ليس من الزوجة وللزوج الرجوع على المرضعة بما أداه ان قصدت الفسخ وفى الكل تردد مستنده الشك فى ضمان منفعة البضع ولو كان له زوجتان كبيرة ورضيعة فأرضعتها الكبيرة حرمتا أبدا ان كان دخل بالكبيرة والا حرمت الكبيرة حسب وللكبيرة مهرها ان كان دخل بها والا فلا مهر لها لأن الفسخ جاء منها وللصغيرة مهرها لانفساخ العقد بالجمع وقيل يرجع به على الكبيرة ولو أرضعت الكبيرة له زوجتين صغيرتين حرمت الكبيرة والمرتضعتان ان كان قد دخل بالكبيرة والا حرمت الكبيرة.
وان كان له زوجتان وزوجة رضيعة فأرضعتها احدى الزوجتين أولا ثم أرضعتها الأخرى حرمت المرضعة الأولى والصغيرة دون الثانية لأنها أرضعتها وهى بنته.
وقيل بل تحرم أيضا لأنها صارت أما لمن كانت زوجته وهو أولى.
وفى كل هذه الصور ينفسخ نكاح الجميع لتحقق الجمع المحرم وأما التحريم فعلى ما صورناه ولو طلق زوجته فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا عليه
(3)
.
واذا قال هذه أختى من الرضاع أو بنتى على وجه يصح فان كان قبل العقد حكم عليه
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للشيخ أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الجزء الثانى ص 302، 303 الطبعة الأولى 1366 هـ 1947 م طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 305 الطبعة السابقة
(3)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للشيخ المحقق الحلى ج 4 ص 14، 15 منشورات دار مكتبة الحياة بيروت
حكم بها فان كان قبل الدخول فلا مهر وان كان بعده كان لها المسمى وان فقد البينة وأنكرت الزوجة لزمه المهر كله مع الدخول ونصفه مع عدمه على قول مشهور ولو قال المرأة ذلك بعد العقد لم يقبل دعواها فى حقه الا ببينة ولو كان قبله حكم عليها بظاهر الاقرار هذا ولا يقبل الشهادة بالرضاع الا مفصلة لتحقق الخلاف فى الشرائط المحرمة واحتمال أن يكون الشاهد استند الى عقيدته.
وأما اخبار الشاهد بالرضاع فيكفى مشاهدته ملتقما ثدى المرأة ماصا له على العادة حتى يصدر واذا تزوجت كبيرة بصغير ثم فسخت أما لعيب فيه واما لأنها كانت مملوكة فأعتقت أو لغير ذلك ثم تزوجت بكبير آخر فأرضعته بلبنه حرمت على الزوج لأنها كانت حليلة أبنه وعلى الصغير لأنها منكوحة أبيه ولو زوج أبنه الصغير بأبنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت جدتهما أحدهما انفسخ نكاحهما لأن المرتضع ان كان هو الذكر فهو عم لزوجته واما خال وأما أنثى فقد صارت اما عمة واما خالة
(1)
.
ولو كان أمة يطأها فأرضعت زوجته الصغيرة حرمتا جميعا عليه ويثبت مهر الصغيرة ولا يرجع به على الأمة لأنه لا يثبت للمولى مال فى ذمة مملوكته نعم لو كانت موطوءة بالعقد يرجع به عليها ويتعلق برقبتها وعندى فى ذلك تردد ولو قلنا بوجوب العود بالمهر لما قلنا ببيع المملوكة فيه بل تتبع به اذا تحررت ولو كان لاثنين زوجتان صغيرة وكبيرة وطلق كل واحد منهما زوجته وتزوج بالأخرى ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما وحرمت الصغيرة على من دخل بالكبيرة
(2)
.
ما يفسد عقد الشركة وما لا يفسده
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع لمن يبطل به عقد الشركة نوعان: أحدهما يعم الشركات كلها والثانى يخص البعض دون البعض.
أما الذى يعم الكل فأنواع منها: الفسخ من أحد الشريكين لأنه عقد جائز غير لازم فكان محتملا للفسخ فاذا فسخه أحدهما عند وجود شرط الفسخ ينفسخ ومنها موت أحدهما أيهما مات انفسخت الشركة لبطلان الملك وأهلية التصرف بالموت سواء علم بموت صاحبه لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه وموت الموكل يكون عزلا للوكيل علم به أو لم يعلم لأنه عزل حكمى فلا يقف على العلم.
ومنها ردة أحدهما مع اللحاق بدار الحرب بمنزلة الموت ومنها جنونه جنونا مطبقا لأن به يخرج الوكيل عن الوكالة وجميع ما يخرج به الوكيل عن الوكالة يبطل به عقد الشركة لأن الشركة تتضمن الوكالة على نحو ما سبق.
وأما الذى يخص البعض دون البعض فأنواع منها هلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء فى الشركة بالأموال سواء كان المالان من جنسين أو من جنس واحد قبل الخلط لأن الدراهم والدنانير يتعينان فى الشركات فاذا هلكت فقد هلك ما تعلق العقد بعينه قبل ابرام العقد وحصول المعقود به فيبطل العقد بخلاف ما اذا اشترى شيئا بدراهم معينة ثم هلكت الدراهم قبل القبض فان العقد لا يبطل لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان فى المعاوضات وتتعين فى الشركات لأنهما جعلا ثمنين شرعا فلو تعينا فى المعاوضات لانقلبا مثمنين اذ الثمن اسم لعين يقابلها عوض فلو تعينت الدراهم والدنانير فى المعاوضات لكان عينا يقابلها عوض فكان مثمنا فلا يكون ثمنا وفيه تغيير حكم الشرع فلم يتعين وليس فى تعينها
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 15 الطبعة السابقة
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للشيخ المحقق الحى ج 4 ص 14، 15 منشورات دار الكتب الحياة بيروت
فى باب الشركة تغيير حكم الشرع لأنها لا يقابلها عند انعقاد الشركة عليهما عوض ولهذا يتعينان فى الهبات والوصايا ومما يبطل الشركة فوات المساواة بين رأس المال فى شركة المفاوضة بالمال بعد وجودها فى ابتداء العقد لأن وجود المساواة بين المالين فى ابتداء العقد كما هو شرط انعقاد هذا العقد على الصحة فبقاؤها شرط بقائها منعقدة لأنها مفاوضة فى الحالين فلا بد من معناها فى الحالين وعلى هذا يخرج ما اذا تفاوضا والمال مستوى ثم ورث أحدهما ما لا تصح فيه الشركة من الدراهم والدنانير وصار ذلك فى يده انه تبطل المفاوضة لبطلان المساواه التى هى معنى العقد.
وان ورث عروضا لا تبطل وكذا لو ورث ديونا لا تبطل ما لم يقبض الديون لأنها قبل القبض لا تصلح رأس مال الشركة وكذا لو ازداد أحد المالين على الآخر قبل الشراء بأن كان أحدهما دراهم والآخر دنانير فان زادت قيمة أحدهما قبل الشراء بطلت المفاوضة لما قلنا لأن عقد الشركة يقف تمامه على الشراء فكان الموجود قبل الشراء كالموجود وقت العقد كالبيع لما كان تمامه بالقبض كان هلاك المبيع قبل القبض كهلاكه وقت العقد والزيادة وقت العقد تمنع من الانعقاد فاذا طرأ عليه يبطله.
قال محمد وكذلك لو اشترى بأحد المالين ثم ازداد الآخر لأن الشركة لا تتم ما لم يشترط المال فصار كأن الزيادة كانت وقت العقد فان زاد المال المشترى فى قيمته كانت المفاوضة بحالها لأن تلك الزيادة تحدث على مالكها لأنها ربح فى المال المشترى فلا يفضل أحدهما على الآخر.
قال محمد رحمه الله تعالى القياس اذا اشترى بأحد المالين قبل صاحبه أنه تنتقض المفاوضة لأن الألف التى لم يشتر بها بقيت على ملك صاحبها وقد ملك صاحبها نصف ما اشتراه الآخر فصار ماله أكثر فينبغى أن تبطل المفاوضة الا أنهم استحسنوا وقالوا لا تبطل لأن الذى اشترى وجب له على شريكه بنصف الثمن دينا فلم يفضل المال فلا تبطل المفاوضة
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أن حكم الشركة ابتداء الجواز فان انعقدت لزمت.
قال ابن عرفة رحمه الله تعالى وحكمها الجواز لجزئتها البيع والوكالة وعروض ما يوجبها بعيد بخلاف موجب حرمتها وكراهتها.
قال صاحب مواهب الجليل وأما لزومها بعد العقد ففيه طريقان.
قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى فى شركة الأموال المذهب لزومها بالعقد دون الشروع واختلف فى شركة الحرث هل هى كشركة الأموال وهو قول سحنون رحمه الله تعالى أو لا تلزم الا بالعمل وهو قول ابن القاسم رحمه الله تعالى.
وقال ابن عرفة قول ابن عبد السّلام أن المذهب لزوم الشركة بالعقد دون الشروع هو مقتضى قول ابن الحاجب يجوز التبرع بعد العقد بخلاف قول ابن رشد رحمه الله تعالى فى سماع ابن القاسم انها من العقود الجائزة ونحو قوله فى المقدمات هى من العقود الجائزة لكل منهما أن ينفصل عن شريكه متى شاء ونقل صاحب التوضيح فى المقدمات هى من العقود الجائزة (1) بدائع الصنائع ج 6 ص 78
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 78، ص 79
لكل واحد أن ينفصل متى شاء الا الشركة فى الزروع ففى لزومها خلاف
(1)
.
ولا يفسد شركة المفاوضة أن يعيد كل صنف للآخر يعمل فيه ويشتركان فى غيرهما فى العمل كما أنه لو عمل كل فى مال لنفسه لا يفسدها اذا استويا فى عمل الشركة.
وقال فى التوضيح ولا يفسدها عند وجود مال لأحدهما على حدته خلافا لأبى حنيفة رحمه الله تعالى.
قال فى المدونة وان أخر أحدهما غريما بدين أو وضع له منه نظرا أو استئلافا فى التجارة ليشترى منه فى المستقبل جاز ذلك.
وقال اللخمى تأخير أحد الشريكين على وجه المعروف لا يجوز ولشريكه أن يرد التأخير فى نصيبه من ذلك الدين وأما نصيب صاحبه فان كان لا ضرر عليهما فى قسمة الدين حينئذ مضى التأخير فى نصيب من أخر وان كان عليهما فى ذلك ضرر.
وقال من أخر لم أظن أن ذلك يفسد على شيئا من الشركة رد جميع ذلك وان لم يعلم بتأخيره حتى الأجل لم يكن على من أخر فى ذلك مقال
(2)
.
قال ابن الحاجب ولو تبرع أحد الشريكين بعد العقد فجائز من غير شرط وكذا لو أسلفه أو وهبه.
قال ابن عبد السّلام: يعنى اختلاف نسبة الربح والعمل مع رأس المال انما يفسد الشركة ان كان شرطا فى عقدها ولو تبرع به أحدهما بعده جاز
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن عقد الشركة جائز من الطرفين فلكل من الشريكين فسخه متى شاء كالوكالة وينعزلان عن التصرف جميعا بفسخ كل منهما فان لم يفسخا ولا أحدهما ولكن قال أحدهما للآخر عزلتك أو لا تتصرف فى نصيبى انعزل المخاطب ولم ينعزل العازل فيتصرف فى نصيب المعزول لأن العازل لم يمنعه أحد بخلاف المخالط فان أراد المخالط عزله فليعزله وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه واغمائه كالوكالة ولا ينتقل الحكم فى الثالثة عن المغمى عليه لأنه لا يولى عليه فاذا أفاق تخير بين القسمة واستئناف الشركة ولو بلفظ التقرير ان كان المال عرضا واستثنى فى البحر اغماء لا يسقط به فرض الصلاة فلا فسخ به لأنه خفيف.
قال ابن الرفعة رحمه الله تعالى وظاهر كلامهم خلافه وعلى ولى الوارث رشيدا فى الأولى والمجنونة فى الثانية استئنافها لهما ولو بلفظ التقرير عند الغبطة فيها بخلاف ما اذا انتفت الغبطة فعليه القسمة أما اذا كان الوارث رشيدا فيتخير بين القسمة واستئناف الشركة ان لم يكن على الميت دينا ولا وصية والا فليس له ولا لولى غير الرشيد استئنافها الا بعد قضاء دين أو وصية لغيره معين كالفقراء لأن المال حينئذ كالمرهون والشركة فى المرهون باطلة فان كانت
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل لأبى عبد الله عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 5 ص 123 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 126 نفس الطبعة
(3)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 129 فى كتاب على هامش مواهب الجليل للحطاب فى الطبعة الأولى السابقة.
الوصية لمعين فهو كأحد الورثة فيفصل فيه بين كونه رشيدا وغير رشيد وتنفسخ أيضا بطرو الحجر بالسفه والفلس فى كل تصرف لا ينفذ منهما كنظيره فى الوكالة وتنفسخ بطرو الاسترقان والرهن كما بحثه الاسنوى رحمه الله تعالى
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى
(2)
المغنى أن الشركة من العقود الجائزة تبطل بموت أحد الشريكين وجنونه والحجر عليه للسفه وبالفسخ من أحدهما أنه عقد جائز فبطلت بذلك الوكالة وان عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول فلم يكن أن يتصرف الا فى قدر نصيبه وللعازل أن يتصرف فى الجميع لأن المعزول لم يرجع عن اذنه هذا اذا كان المال ناضا وان كان المال عرضا.
فذكر القاضى أن ظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى أنه لا ينعزل بالعزل وله أن يتصرف حتى ينض المال كالمضارب واذا عزله رب المال وينبغى أن يكون له التصرف بالبيع دون المعاوضة بسلعة أخرى أو التصرف بغير ما ينض به المال.
وذكر أبو الخطاب رحمه الله تعالى أنه يعزل مطلقا وهو مذهب للشافعى رحمه الله تعالى لأنه عقد جائز فأشبهه بالوكالة فعلى هذا ان اتفقا على البيع أو القسمة فعلا وان طلب أحدهما القسمة والآخر البيع أجيب طالب القسمة دون طالب البيع خلافا لما فى المضاربة لأن فى المضاربة حق العامل فى الربح ولا يظهر الربح الا بالبيع فاستحقه العامل لوقوف حصول حقه عليه.
أما هنا فان ما يحصل من الربح يستدركه كل واحد منهما فى نصيبه من المتاع فلم يجد على البيع.
فان مات أحد الشريكين وله وارث رشيد فله أن يقيم على الشركة وياذن له الشريك فى التصرف وله المطالبة بالقسمة فان كان موليا عليه قام وليه مقامه فى ذلك الا أنه لم يفعل الا ما فيه المصلحة للمولى عليه فان كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين فللموصى له كالوارث فيما ذكرنا وان وصى به الغير معين كالفقراء لم يجز للموصى الأذن فى التصرف لأنه قد وجب دفعه اليهم فيعزل نصيبهم.
يفرقه بينهم وان كان على الميت دين يتعلق بتركته فليس للوارث امضاء الشركة حتى يقضى دينه فانه قضاه من غير مال الشركة فله الاتمام وان قضاه منه بطلت الشركة فى قدر ما قضى.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح
(3)
الأزهار أنه متى غبن أحد شريكين فى شركة المفاوضة فيما باع أو اشترى غبنا فاحشا أو وهب أحد الشريكين نقدا أو عرضا أو أقرض أو استقرض ولم يجز الآخر فقد تفاضلا فى النقد وكذا اذا استنفق أحدهما من مالهما أكثر منه لأن نفقتهما يجب أن تكون من جميع المال على السواء فان استنفق أحدهما أكثر مما أستنفق صاحبه فان أبرأه شريكه فالشركة باقية وان لم يبرءه وغرم قيمة حصة الشريك نقدا فسدت وصارت عنانا لأجل التفاضل.
وأما لو غرم الكل لم تبطل وان قبض قيمتها عرضا صحت لعدم التفاضل فى النقد فان لم يقبض منه شيئا بل بقيت فى ذمته حتى انفسخت لم تبطل المفاوضة أو ملك أحدهما نقدا زائدا ولو من غير جنسه هبة أو ميراث أو عوض جناية
(1)
مغنى المحتاج ج 2 ص 200
(2)
المغنى لابن قدامة ج 5 ص 133، 134
(3)
شرح الأزهار ج 3 ص 357، 358
أو نحو ذلك فمتى اتفق أى هذه الخمسة صارت عنانا ولا تبطل المفاوضة بمجرد الملك للزائد الا بعد قبضه له هو أو وكيله لأن الملك قبل القبض معرض للبطلان فاذا قبض استقر لا اذا ملك أحدهما نقدا زائدا وأحال به غريما وقبضه المحتال لم يكن قبض حويله كقبض المالك ووكيله فلا تبطل المفاوضة بقبض المحتال ولا تصير عنانا قبل القبض النقد الزائد الذى حدث له ملكه لا فى ميراث المنفرد وهو أن يملكه من طريق الأرث ولا يكون معه وارث سواه فانها تبطل المفاوضة بملكه ولو قيل قبضه فأما لو كان معه وارث آخر لم تبطل حتى يقبضه وقال المؤيد بالله والناصر تبطل بالميراث قبل القبض والقسمة ولو كان معه شريك وتنفسخ الشركة باختلاف الصانعين فى الأجرة والضمان نحو أن يقول أحدهما لى نصف الأجرة وقال الآخر بل ثلثها أو نحو أن يقول أحدهما عليك من الضمان يعنى من العمل نصفه وقال الآخر بل ثلثه فانها تنفسخ فيما بينهما فى المستقبل والقول لكل فيما هو يده فى الماضى لا يترك أحدهما العمل فانها لا تنفسخ ويستحق تارك العمل نصيبه من الأجرة وتنفسخ الشركة الصحيحة بأمور أربعة وهى: الفسخ والجحد والرد والموت أما الفسخ فظاهر وأما الجحد فهو أن يجحد أحدهما عقد الشركة فتبطل لأن ذلك عزل لنفسه من الوكالة ولصاحبه من التوكيل قال البعض وهذا يستقيم اذا كان فى حضرة صاحبه فان كان فى غيبته لم ينعزل.
وأما الردة فذكرها بعض الفقهاء فقال يعنى اذا ارتد أحد الشريكين انفسخت الشركة يدخلها التعليق والتوقيت أما التعليق فهو أن يعلقها على شرط مستقبل نحو اذا جاء زيد فأن حصل الشرط انعقدت والا فلا والتوقيت أن يقيداها بسنة أو شهر أو نحو ذلك
(1)
.
أنه يجوز فى الشركة الرجوع فى الأذن بالمطالبة بالقسم لأنها فى معنى التوكيل والتوكل فيصح العزل والرجوع بقوله لا تتصرف وعزلتك.
وفى المبسوط ما حاصله لو قال أحد الشريكين لصاحبه عزلتك عن التصرف انعزل المخاطب ولا ينعزل العازل الا بعزل صاحبه.
وقال فى التذكرة انه لو قال أحدهما فسخت الشركة ارتفع العقد وانفسخ من تلك الحال وانعزلا جميعا عن التصرف لارتفاع العقد فى مجمع البرهان أنه لو عزل نفسه انعزل والظاهر أنه لا يحتاج حينئذ للتصرف الى اذن جديد.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة الشركة من العقود الجائزة من الطرفين اجماعا وليس حدهما مطالبة الشريك باقامة رأس المال بل يقتسمان الأعراض اذا لم يتفقا على البيع كما فى الشرائع وغيرها للأصل السالم عن المعارض ولأنه تكليف فيحتاج الى دليل وتنفسخ بالجنون والموت ان عرض لأحدهما وزيد فى التذكرة انفساخها بالاغماء والحجر والسفه وزيد فى التحرير وجامع المقاصد والمسالك على الثلاثة المذكورة انفساخها بالفلس والوجه فى الجميع أنها عبارة عن توكيل وتوكل والمراد بانفساخها ارتفاع ما اقتضاه عقدها من جواز التصرف ولا يصح التأجيل فيهما كما فى الشرائع والتذكرة ..
والمراد بعدم صحته عدم ترتب أثره ولزومها الى الأجل لأنها عقد جائز فلا يؤثر شرط التأجيل فيها بل لكل فسخها قبل الأجل وعليه ينزل ما فى المنفعة والنهاية حيث قالا فيها الشركة بالتأجيل باطلة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن شركة المفاوضة تنفسخ
(1)
مفتاح الكرامة ج 7 ص 400، 401
ان دخل لأحدهما أرث أو دية بأن قتل وليه أو من يجرى مجرى وليه كلقيطه ومن أسلم على يده على قول ان لم يكن لهما وارث أو جرح هو أو اذ هبت حاسة من حواسه أو عقله أو بعض ذلك أو كسر أو أصيب بصفراء أو حمراء أو سوداء ويمكن ادخال الكسر وما بعده فى الجرح لأن ذلك جرح فى الباطن أو صداق لعقيدة ان تزوجت أو لم يتزوج أو عقر له أو صداق له لسيد أمة ولو تبرأ من تلك الأشياء من دخلته الى من لزمه له ولو لزمت له عقيدة أو تبرع بها للفقراء أو للمسجد أو لفلان أو غير ذلك ولو تبرأ منها قبل أن يقبضها وقبل أن يعلم كم هى وما هى.
وكذا ان دخلته وصية بموت الموصى ولو لم يقبضها ولم يعلم كم هى وما هى ولو تبرأ منها أيضا كذلك ومن قال لا تدخل الوصية ملك الموصى له الا بالقبول فانه ان تبرأ منها قبل القبول لم تنفسخ شركته وسواء فى ذلك كله علم بدخول ذلك أو لم يعلم فاذا علم بعد وان لم يعلم حكم بانفساخها منه حين دخل وقيل من حين علم وان قال تركت دية وليى أو دية جرحى قبل أن يعطاها لم تنفسخ وان دعى لقبضها وأبى انفسخت ولو تركها قبل أن يعطاها وذلك لأن عقد الشركة على العموم والعموم زال بالحادث من تلك الحوادث وذلك الحادث ناقض للعقد الأول فان أراد اجداده بعد الدخول وكذا ان قسما ولو شئ يسيرا بحضرتهما أو بحضرة وكيلهما أو نائبيهما مطلقا أو بحضرة واحد وحضرة وكيل الآخر أو نائبه أو باجازة أحدهما للآخر قسمة شئ ولو بعد القسمة ولو أكل سهمه فى موضعه ولم يغب به لو تصدق به أو وهبه فى حينه أو أهداه أو تلفه فى حينه أو فعل شيئا من ذلك بعد موضعه بصحبة من لم يغيبا عنه فلم يرياه اتجر به لأن الشرط مفاوضة الشركة فى كل شئ فاذا اختص كل بسهمه ولو من نحو اللحمة والقرصة صدق فى حينه أنه أختص ولو أفناه عقب ذلك فاذا صدف أنه اختص انفسخت فاذا انفسخت لم ترجع الا بالعقد
(1)
.
وان وهب أحدهما لصاحبه بعض حصته على الشيوع كنصف سهمه أو ربعه أو نحو ذلك لم تنفسخ بذلك لأنه اذا كان مثلا على نصفين فوهب أحدهما للآخر نصف سهمه كان للموهوب له ثلاثة أرباع وللواهب ربع وهكذا فكأنهما عقدا على المرابعة من أول وان وهب له حصته فى شئ معين انفسخت لامتيازه وان وهب أحدهما حصته كلها كان الموهوب له شريكا للآخر ولم تنفسخ ويجبره على القسمة ان أمكنت.
وان وهب أحدهما بعض حصته على الشيوع لغير صاحبه شاركهما ولم تنفسخ.
فلو كان أنصافا فوهب أحدهما نصف سهمه لأحد كانوا أرباعا ربعان لصاحبه وربع له وربع للموهوب وله ويجبرهما على القسمة ان أمكنت وان وهب أحدهما حصته كلها كان الموهوب له شريكا للآخر ولم تنفسخ. ويجبره على القسمة ان أمكنت.
وكذا كل من الشركاء يجبر غيره ان أمكنت وان لم تمكن القسمة فليتفقا أو يتفقوا على ما يصلح وما ذكرته من عدم الفسخ انما هو اذا لم يكن للموهوب له شئ ولو فعلا أو شاشية أصلا أو كان له شئ فوهبه لأحد هبة توليج أو للعقدين قبله أو لأحدهما والا انفسخت لأنه لا يملك أحد المتفاوضين شيئا دون الآخر.
ومن قال لا تصح شركة المفاوضة فوق ثلاثة أنصباء فأنه يفسخها اذا وهب لأحدهما نصف ما بيده لأنهم حينئذ أرباع أو ثلث ما بيده لأنهم حينئذ أسداس وهكذا ولو كان أحدهما ثلثان فوهب ثلثا لم تنفسخ ومن منع أن تكون ثلاثة
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 5 ص 273، 274
فصاعد فسخها ولو وهب صاحب الثلثين ثلثا واذا وهبه توليخا تم حل الأجل انفسخت فيقتسمون أن أمكنت ولا يجوز له التصدق من مال المفاوضة وان فعل حسب عليه وجاز لمن يأخذه ما لم يكن أكثر من سهمه ولا يأخذ من علم بالشركة أكثر من سهم الشريك المعطى وجاز له الاعطاء فى مصلحة المال ولا يعد عليه
(1)
به معينا وان وهب أحدهما بعض حصته فى شئ معين انفسخت لامتيازه به معينا.
ما يفسد القسمة وما لا يفسدها
وما يترتب على ذلك
مذهب الحنفية:
جاء فى
(2)
بدائع الصنائع أن الذى يوجب نقض القسمة بعد وجودها أنواع منها ظهور دين على الميت اذا طلب الغرماء ديونهم ولا مال للميت سواه ولا قضاه الورثة من مال أنفسهم أبيان ذلك أن الورثة اذا اقتسموا التركة ثم ظهر على الميت فهذا لا يخلوا من أحد وجهين اما أن يكون للميت مال آخر سواه واما أن لا يكون فان لم يكن له مال سواه ولا قضاه الورثة من مال أنفسهم تنقض القسمة سواء كان الدين محيطا بالتركة أو لم يكن لأن الدين مقدم على الأرث قليلا كان أو كثيرا.
قال عز وجل «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» قدم سبحانه وتعالى الدين على الميراث من غير فصل بين القليل والكثير لأن الدين اذا كان محيطا بالتركة بين أنه لا ملك للورثة فيها الا من حيث الصورة بل هى ملك للميت يتعلق بها حق الغرماء وقيام ملك الغير فى المحل يمنع صحة القسمة فقيام الملك والحق أولى.
واذا لم يكن الدين محيطا بالتركة فملك الميت وحق الغرماء وهو حق الاستبقاء ثابت فى قدر الدين من التركة على الشيوع فيمنع جواز القسمة فان لم يكن للميت مال آخر سواه يجعل الدين فيه وتمضى القسمة لأن القسمة تصاعد عن النقص ما أمكن وقد أمكن صيانتها بجعل الدين فيه.
وكذا الورثة اذا قضوا الدين من مال أنفسهم لا تنقض القسمة لأن حق الورثة كان متعلقا بصورة التركة وحق الغرماء كان متعلقا بمعناها وهو المالية فاذا قضوا الدين من مال أنفسهم فقد استخلصوا التركة لأنفسهم صورة ومعنى فتبين أنهم فى الحقيقة اقتسموا مال أنفسهم مال وصورة ومعنى فتبين أنها وقعت صحيحة فلا تنقض.
وكذلك اذا أبرأه الغرماء من ديونهم لا تنقض القسمة لأن النقض لحقهم وقد أسقطوه بالابراء.
وكذلك اذا ظهر لبعض المقتسمين دين على الميت بأن أدعى دينا على الميت وأقام البينة عليه فله أن ينقض القسمة لما قلنا ولا تكون قسمته ابراء من الدين لأن حق التغريم يتعلق بمعنى الشركة وهو ماليتها لا بالصورة ولهذا كان للورثة حق الاستخلاص واذا كان كذلك فلا يكون اقدامه على القسمة اقرار منه لأنه لا دين له على الميت فلم يكن مناقضا فى دعواه فسمعت ومنها ظهور الوصية حتى لو اقتسموا ثم ظهر موصى له بالثلث نقضت قسمتهم لأن الموصى له شريك الورثة ألا ترى أنه لو هلك من التركة شئ قبل القسمة يهلك من الورثة والموصى له جميعا والباقى على الشركة بينهم ولو اقتسموا وثمة وارث آخر غائب تنقض فكذا هذا وهذا اذا كانت القسمة بالتراضى فان كانت بقضاء القاضى لا تنقض لأن الموصى له وان كان كواحد من الورثة لكن القاضى اذا قسم عند غيبة أحد الورثة لا تنقض قسمته لأن القسمة فى هذا الموضع محل الاجتهاد
(1)
شرح النيل وشفاء العليل المرجع السابق ج 5 ص 275، 276
(2)
بدائع الصنائع ج 6، ص 37 - 38 وما بعدها.
وقضاء القاضى اذا صادف محل الاجتهاد ينفذ ولا ينقض.
ومنها ظهور الوارث حتى لو اقتسموا ثم ظهر أن ثمة وارث آخر نقضت قسمتهم ولو كانت القسمة بقضاء القاضى لا تنقض لما ذكرنا.
ولو أدعى وارث وصية لأبن له صغير بعد القسمة لا تصح دعواه حتى لا تسمع منه البينة لكونه مناقضا فى الدعوى اذ لا تصح قسمتهم الميراث وثم موصى له فكان اقدامه على القسمة اقرارا منه بانعدام الوصية فكان دعوى وجود الوصية مناقضة فلا تسمع ولكن لا يبطل حق الصغير بقسمة الأب لأنه لا يملك ابطال حقه.
وكذلك لو ادعى بعض الورثة ان أخا له من أبيه وأمه ورث أباه معهم وأنه مات بعد موت الأب وورثه هذا المدعى وحجر الباقون ذلك فأقام على البينة لا تقبل بينته لأنه هنا قضى فى دعواه لدلالة اقراره بانعدام وارث آخر باقدامه على القسمة وكذلك كل ميراث يدعيه أو شراء أو هبة أو صدقة أو وصية بعد القسمة للتناقض بدلالة الاقدام على القسمة.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة أن القاضى اذا قسم بين قوم دورا أو رقيقا أو عروضا فلم يرض أحدهم ما أخرج السهم له أو لغيره أو لو قال لم أظن أن هذا يخرج له فقد لزمه وقسم القاسم ما من سواء كان فى ربع أو حيوان أو غيره واذا قالوا للقاسم غلطت أو لم تعدل أتم قسمه ونظر الامام فى ذلك فان كان قد عدل أمضاه والا رده ولم ير مالك رحمه الله تعالى قسم القاسم بمنزلة حكم القاضى
(1)
.
وجاء فى مواهب الجليل أنه اذا تفاحش الجور والغلط أو ثبت نقضت القسمة.
قال أبو الحسن الصغير رحمه الله تعالى قال الباجى فى وثائقه انما يرجع بالغبن فى القرب.
وقال فى معين الحكام قال بعض الأندلسيين وأما ما يقام بالغبن فهو ما قرب وأما ما بعد أمره وطال تاريخه فلا يقام فيه بغبن.
وقال ابن سهل عن أبى ابراهيم وحد ذلك العام ويقينه أيضا البناء والغرس قال فى معين الحكام واذا ثبت الغبن فى القسمة انتقضت ما لم تفت الاملاك ببناء أو هدم أو غير ذلك من وجوه الفوات فان فاتت الأملاك بما ذكرنا رجعا فى ذلك الى القيمة يقتسمونها وان فات بعض وبقى سائره اقتسم ما لم يفت مع قيمة ما فات.
قال ابن حبيب واذا ادعى أحدهما الغلط بعد القسم فان قسموا بالتراضى بلا سهم وهم حائزوا الأمر فلا ينظر الى دعوى ذلك وان كان الغلط ببينة أو بغير ذلك من أمر ظاهر لأنه كبيع التساوم يلزم فيه التغابن وان قسم بالسهم على تعديل القسم فلا يقبل قوله الا ببينة أو يتفاحش الغلط فترد فيه القسمة كبيع المرابحة.
قال أبو عمران انما يصح قول ابن حبيب على وجه وهو اذا تولوا القسمة بأنفسهم وأما أن أدخلوا بينهم من يقوم لهم ثم ظهر فيها الغبن فسخت القسمة بينهم لأنا وان سميناه تراضيا فلم يدخلوا فيه الا على التساوى وظاهرها أن الشركاء اذا لم يدخلوا مقوما وانما قوموا لأنفسهم أنه لا يقام فى ذلك بالغبن والظاهر أن ذلك ليس بمراد وانما المراد أن قسمة المراضاة اذا كانت بتعديل وتقويم فانما يقام فيها بالغبن.
قال اللخمى رحمه الله تعالى دعوى الغلط
(1)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 345 فى كتاب على هامش مواهب الجليل
بعد القسم على أربعة أوجه: أحدها أن يعدل ذلك بالقيمة ثم يقترعا أو يأخذ ذلك بغير قرعة ثم يدعى أحدهما غلطا فهذا ينظر اليه أهل المعرفة فان كان سواء أو قريبا من السواء والا نقض القسم وكان القول قول من أدعى الوهم الغلط والثانى أن يقولا هذه الدار تكافئ هذه وهذا العبد يكافئ هذا من غير ذكر القيمة ثم يقترعان أو يأخذان ذلك بغير قيمة والجواب فيه كالأول لأن ذلك مفهوم ذلك التعديل والمساواة فى القيم وكذلك اذا قالوا هذه الدار تكافئ هذا المتاع أو هذه العبيد ثم أخذ كل واحد منهم أحد الصنفين بالتراضى بغير قرعة ثم تبين أن القيمة غير مختلفة والثالث أن يقول أحدهما خذ هذه الدار وهذا العبد من غير تقويم ولا ذكر مكافأة فان كانت القسمة بالتراضى مضت المغابنة على ما كانت فى نصيبه الا على قول من لم يمضها فى البيع وان كانت القسمة بالقرعة وهما عالمان بتغابنهما كانت فاسدة تفسخ بالجبر وان لم يدع واحد منهما اليه لأن القرعة على ذلك غرر وان كان يظنان أنها متساوية كانت جائزة والقيام فى ذلك كالعيب والرابع أن يختلفا فى الصفة التى وقع عليها القسم مثل أن يقتسما عشرة أثواب فكان بيد أحدهما ستة وقال هى نصيبى على هذا اقتسمنا وقال الآخر الواحد منها لى وأنا سلمته غلطا فاختلف فيه على ثلاثة أقوال.
وقال ابن القاسم رحمه الله تعالى القول قول الحائز له مع يمينه اذا أتى بما يشبه لأن الآخر أقر بالقسم وأدعى ما فى يد صاحبه.
وقال أشهب رحمه الله تعالى القول قول الحائز مع يمينه.
وقال محمد بن عبدوس رحمه الله تعالى يتحالفان ويتقاسمان ذلك الثوب وحده.
قال الرجراجى رحمه الله تعالى اذا أدعى أحدهم الغلط فى القسمة فذلك على وجهين أحدهما أن يلوا القسمة بأنفسهم والثانى أن يقدموا من يقسم بينهم فان تولوا القسمة بأنفسهم ثم أدعى أحدهم الغلط فذلك على أربعة أوجه وذكر الأوجه الأربعة التى ذكرها اللخمى ثم قال واما اذا قدموا من يقسم بينهم فأدعى أحدهم أن القاسم جار أو غلط.
فقال ابن القاسم فى المدونة لا يلتفت القاسم الى قولهم وليتم القسمة فاذا فرغ منها نظر السلطان فيها فان وجدها على التعديل مضى ما قسم ولا يرد فان رضى جميعهم برده ونقضه ليستأنفا القرعة أو التراضى بقسمته مرة أخرى لم يجز لأنهم ينتقلون من معلوم الى مجهول وهو ما يخرج لهم فى المستقبل ولو تراضوا بنقضه بشرط أن يأخذ كل واحد شيئا معلوما معينا جاز وان وجد السلطان غبنا فاحشا نقضه قولا واحدا وان كان غير فاحش.
فقال ابن القاسم فى المدونة أنه يرد.
وقال أشهب لا يرد وان وجد أحد الشريكين بعد القسم فى حظه عيبا فان كان المعيب وجهه أو كثر رد الجميع وابتدأ القسم فان فات ما بيد صاحبه رد قيمته يوم قبضه يقتسمانها مع المردود وان كان الأقل رده ولم يرجع فيما بيد شريكه وان لم يفت فان كان المعيب سبع ما بيده رجع على صاحبه بقيمة نصف سبع ما أخذ ثمنا ثم يقتسمان المعيب كان قسمة قرعة أو تراض فان فات ما بيد صاحبه بنحو هدم رد نصف قيمته يوم قبضه وما سلم بينهما وما بيده رد نصف قيمته وما رد بينهما
(1)
.
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب ج 5 ص 345، ص 346 ص 347، ص 348، ص 349 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق الطبعة السابقة.
وقال ابن عرفة ولو اقتسما قمحا فظهر عيب بحظ أحدهما بعد طحنه ففيه قولان رد قيمته أورد مثله وفيه قول ثالث وهو أنه يكون شريكا بقيمة الطحن فى الدقيق وما بقى وحصة الآخر بينهما لها.
ولأبن عبدوس عن أشهب قال سحنون ليس الطحن قوتا فكذا فى الخشب وان كان المعيب الأقل رده ولم يرجع فيما بيد شريكه وان لم يفت اذا لم ينقض القسم ولكن ينظر فان كان المعيب قدر سبع ما بيده رجع على صاحبه بقيمة نصف سبع ما أخذ ثمنا ثم يقتسمان هذا المعيب
(1)
.
ونقل صاحب التاج والاكليل عن المدونة أنه ان اقتسما عبدين فأخذ هذا عبدا وهذا عبدا فاستحق نصف عبد أحدهما فللذى استحق ذلك من يده أن يرجع على صاحبه بقيمة ربع العبد الذى فى يديه ان كان قائما وان فات رجع على صاحبه بربع قيمته يوم قبضه ولا خيار له فى غيره هذا.
قال أبو محمد لما استحق نصف ما صار اليك لم يكن لك رد باقيه بخلاف مبتاع عبد يرده باستحقاق يسيره لضرر الشركة.
وروى عن المدونة أيضا أنه لا ينتقض القسم الا باستحقاق جل نصيبه فان استحق نصيب أحدهما لم ينتقض القسم ورجع على صاحبه بربع قيمة ما بيده ولا ينتقض القسم فى مثل هذا.
قال ابن يونس رحمه الله تعالى وبلغنى عن بعض فقهائنا القرويين أن الذى يتحصل فى وجود العيب أو الاستحقاق يطرأ بعد القسم أن ينظر فان كان ذلك كالربع فأقل رجع بحصة ذلك ثمنا وان كان نحو النصف أو الثلث فيكون بحصة ذلك شريكا فيما بيد صاحبه ولا ينتقض القسم وان كان فوق النصف انتقض القسم.
قال ابن يونس وهذا التحصيل حسن ليس فى هذا الباب ما يخالفه الا مسئلة الدار يأخذ أحدهما ربعها والآخر ثلاثة أرباعها فيستحق نصف نصيب أحدهما فانه قال يرجع بقيمة ذلك فيما بيد صاحبه ولو قال يرجع فيما بيد صاحبه لاستوت المسائل وحسن التأويل
(2)
.
وجاء فى مواهب الجليل أنه كما تنتقض القسمة بالاستحقاق على ما مر وتنتقض كذلك فى المسائل الأربعة الآتية الأولى أن يطرأ غريم الورثة بعد أن اقتسموا التركة الثانية أن يطرأ موصى له بعدد على الورثة بعد القسمة أيضا الثالثة أن يطرأ غريم على الورثة والموصى لهم بالثلث بعد القسمة الرابعة أن يطرأ موصى له بعدد على الورثة والموصى لهم الثلث بعد القسمة أيضا الا أن خليلا شرط فى نقض القسمة فى تلك المسائل أن يكون المقسوم دارا أو ما يشبه الدار يريد المقومات كالعبيد والثياب ونحوها بخلاف ما اذا كان المقسوم عينا أو مثليا فان القسمة لا تنقض ويشترط فى نقض القسمة اذا كان المقسوم نحو دار أن لا يدفع الورثة أو أحدهم جميع الدين فان دفعوا من أموالهم أو دفع بعضهم لم تنتقض وكذلك اذا دفعوا العدد الموصى به لم تنتقض القسمة
(3)
.
ونقل عن المدونة أن من هلك وعليه دين وترك دورا ورقيقا وصاحب الدين غائب فجهل الورثة أن الدين قبل القسمة أو لم يعلموا بالدين فاقتسموا ميراثه ثم علموا بالدين فالقسمة ترد حتى يستوفى
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 347، ص 348 نفس الطبعة
(2)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 5 ص 349
(3)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 5 ص 350 فى كتاب على هامش مواهب الجليل
الدين وان كان ما قتسموا قائما فان أتلف بعضهم حظه وبقى فى يد بعضهم حظه فلرب الدين أخذ دينه مما بيده فان كان دينه أقل مما بيده أخذ قدر دينه وضم ما بقى بيد هذا الوارث بعد الدين الى ما أتلف بقية الورثة فان كان هو التركة وما بقى بيد الغارم كان له ويتبع جميع الورثة بتمام موروثه من مال الميت بعد الدين ان بقى له شئ ويضمن كل وارث ما أكل وما استهلك مما أخذ وما باع فعليه ثمنه ان لم يحاب.
قال مالك رحمه الله تعالى وما فات بأيديهم من حيوان أو هلك بأمر من الله من عرض وغيره فلا ضمان على من هلك ذلك بيده وضمانه من جميعهم.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى لأن القسمة كانت بينهم باطلة للدين الذى على الميت ثم قال وان قسم القاضى بينهم ثم طرأ دين انتقضت القسمة كقسمتهم بغير أمر قاض وهم رجال ثم قال بعد هذا واذا طرأ على الورثة وارث أو موصى له بالثلث بعد القسمة والتركة عين أو عرض فانما يتبع كل واحد بقدر ما صار اليه من حقه ان قدر على قسم ما بيده من ذلك ولا يكون لهذا الوارث الذى طرأ على ورثة الميت أن يتبع الملئ بما على المعدم وليس كغريم طرأ على وارث ولكن كغريم طرأ على غرماء ولو قسموا مال الميت اجمع وأعدم بعضهم فلا يتبع الملئ الا بما عنده من حصته بالحصاص وان كانت التركة دورا وليس فيها عين فاقتسمها الورثة ثم قدم وارث أو موصى له بثلث نقض القسم كانوا قد جمعوا الدور فى القسم أو قسموا كل دار على حدة ولو قدم موصى له بدنانير أو دراهم والثلث يحملها كان كلحوق دين أدون أو نقض القسم ولا يجبر الورثة على آدائه من مالهم ومال الميت قائم ثم قال: ولو طاع أكثرهم بأداء الوصية والدين وأبى أحدهم وقال انقضوا القسم وبيعوا لذلك واقتسموا ما بقى فذلك له.
ثم قال: ولو دعوا الى نقض القسم الا واحدا قال انا أؤدى جميع الدين أو الوصية عينا كانت أو طعاما ولا أتبعكم بشئ ولا تنقضوا القسم لرغبته فى حظه وقد قسموا ربعا وحيوانا فذلك له
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه لو تمت قسمة مال المفلس فظهر غريم يجب ادخاله فى القسمة أى انكشف أمره - شارك بالحصة ولم تنقض القسمة لأن المقصود يحصل بذلك فلو قسم ماله وهو خمسة عشر على غريمين لأحدهما عشرون وللآخر عشرة فأخذ الأول عشرة والآخر خمسة ثم ظهر غريم له ثلاثون رجع على كل منهما بنصف ما أخذه فان أتلف أحدهما ما أخذه وكان معسرا جعل ما أخذه كالمعدوم وشارك من ظهر الآخر وكان ما أخذه كأنه كل المال فلو كان المتلف أخذ الخمسة استرد الحاكم من أخذ العشرة ثلاثة أخماسها لمن ظهر ثم اذا أيسر المتلف أخذ منه الآخران نصف ما أخذه وقسماه بينهما بنسبة دينهما وقس على ذلك وقيل تنقض القسمة كما لو اقتسمت الورثة ثم ظهر وارث آخر فان القسمة تنقض على الأصح وفرق الأول بأن حق الوارث فى عين المال بخلاف حق الغريم فانه فى قيمته وهو يحصل بالمشاركة ولو خرج شئ باعه المفلس قبل الحجر مستحقا والثمن المقبوض تالف فكدين ظهر سواء أتلف قبل الحجر أم بعده لثبوته قبل الحجر فيشارك المشترى الغرماء من غير نقض القسمة أو مع نقضها.
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 350، ص 351
أما اذا كان الثمن باقيا فانه يرد
(1)
.
وجاء فى المهذب ان الوارث ان تصرف فى التركة قبل مضى الدين ففيه وجهان:
أحدهما لا يصح لأنه مال تعلق به دين فلا يصح التصرف فيه من غير رضى من له الحق كالمرهون.
والثانى يصح لأنه حق تعلق بالمال من غير رضى المالك فلم يمنع التصرف كمال المريض وان قلنا أنه يصح فان قضى الوارث الدين نفذ تصرفه وان لم يقض فسخنا وان باع عبدا ومات وتصرف الوارث فى التركة ثم وجد المشترى بالعبد عيبا فرده أو وقع فى بئر كان حفرها بهيمة ففى تصرف الورثة وجهان:
أحدهما أن يصح لأنهم تصرفوا فى ملك لهم لا يتعلق به حق أحد.
والثانى يبطل لأنا تبينا أنهم تصرفوا والدين متعلق بالتركة فان كان فى غرماء الميت من باع شيئا ووجد عين ماله فان لم تف التركة بالدين فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بالثمن وبين أن يفسخ ويرجع فى عين ماله.
لما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال فى رجل أفليس: هذا الذى قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه اذا وجده بعينه فان كانت التركة تفى بالدين ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبى سعيد الاصطخرى رحمه الله تعالى أن له أن يرجع فى عين ماله لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه.
والثانى لا يجوز أن يرجع فى عين ماله وهو المذهب لأن المال يفى بالدين فلم يجز الرجوع فى المبيع كالحى الملئ
(2)
.
وجاء فى مغنى المحتاج أنه لو ثبت ببينة أو باقرار الخصم وباليمين المردودة أو الشاهد ويمين غلط ولو غير فاحش أو ثبت حيف فى قسمة اجبار نقدت تلك القسمة كما لو قامت بينة على ظلم القاضى أو كذب الشهود فان لم يكن بينة ولا ثبت ذلك بغيرها مما مر وأدعى الغلط أو الحيف واحد من الشريكين فأكثر وبين قدر ما ادعاه فله تحليف شريكه لأن من ادعى على خصمه ما لو أقر به لنفعه فأنكر كان له تحليفه فان حلف مضت على الصحة وان نكل وحلف المدعى نقضت القسمة كما لو أقر بسماع الدعوى على القاسم بذلك ولا يحلف كما لا يحلف الحاكم أنه لم يظلم فان اعترف به القاسم وصدقوه نقضت القسمة فان لم يصدقوه لم تنقض ورد الأجرة كالقاضى يعترف بالغلط أو الحيف فى الحكم ان صدقه المحكوم له رد المال المحكوم به الى المحكوم عليه والا فلا وغرم القاضى للمحكوم عليه بدل ما حكم به ولو أدعى الغلط أو الحيف فى قسمة تراض بأن نصبا قاسما أو اقتسمها بأنفسهما ورضى بعد القسمة وقلنا قسمة التراضى بيع فالأصح أنه لا أثر للغلط وعلى هذا فلا فائدة لهذه الدعوى وان تحقق الغبن لأنه رضى بترك الزيادة له فصار كما لو اشترى شيئا بغبن.
والقول الثانى المقابل للأصح يكون لهذه الدعوى أثر فتنقض القسمة لأنهما تراضيا لاعتقادهما أنها قسمة عدل فبان خلافه وان قلنا أن قسمة التراضى أفراز نقضت تلك القسمة بادعاء الغلط فيها ان ثبت الغلط ببينة والا فيحلف شريكه ولو
(1)
مغنى المحتاج ج 2 ص 143
(2)
المهذب ج 1 ص 327
استحق بعض المقسوم شائعا كالربع بطلت تلك القسمة فى البعض المستحق وفى الباقى بعده خلاف تفريق الصفقة كما فى الروضة ومقتضاه أن الأظهر الصحة وثبت الخيار والثانى المقابل للأظهر: البطلان.
قال فى المهمات وهذا ما صححه الأكثرون وهو المفتى به فى المذهب واذا لم يستحق بعض المقسوم شائعا بأن استحق من النصيبين قدر معين متساو بقيت تلك القسمة فى الباقى والا بان كان المعين من أحد النصيبين أكثر من المعين من نصيب الآخر بطلت تلك القسمة لأن ما يبقى لكل واحد لا يكون قدر حقه بل يحتاج أحدهما الى الرجوع على الآخر وتعود الاشاعة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير أنه اذا أدعى أحد المتقاسمين غلطا فى القسمة وأنه أعطى دون حقه نظرت فان كانت قسمته تلى زم بالقرعة ولا تقف على تراضيهما فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ولا تقبل دعوى المدعى الا ببينة عادلة فان أقأم شاهدين عدلين نقضت القسمة وأعيدت وان لم تكن بينة وطلب يمين شريكه أنه لا فضل معه أحلف له وانما قدمنا قول المدعى عليه لأن الظاهر صحة القسمة وأداء الأمانة فيها وان كانت مما لا تلزم الا بالتراضى كالذى قسماه بأنفسهما ونحوه لم تسمع دعوى من ادعى الغلط.
هكذا قال أصحابنا لأنه قد رضى بذلك ورضاه بالزيادة فى نصيب شريكه تلزمه والصحيح عندى أن هذه كالتى قبلها وأنه متى أقام البينة بالغلط نقضت القسمة لأن ما أدعاه محتمل ثبت ببينة عادلة فأشبهه ما لو شهد على نفسه بقبض الثمن أو المسلم فيه ثم أدعى غلطا فى كيله أو ولأنه وقولهم ان حقه من الزيادة سقط برضاه لا يصح فانه فانما يسقط مع علمه.
أما اذا ظن أنه أعطى حقه فرضى بناء على هذا ثم بان له الغلط فلا يسقط به حقه كالثمن والمسلم فيه فانه لو قبض المسلم فيه بناء على أنه عشرة مكاييل راضيا بذلك ثم ثبت أنه ثمانية أو أدعى المسلم اليه أنه غلط فأعطاه أثنى عشر وثبت ذلك ببينة لم يسقط حق واحد منهما بالرضى ولا يمنع سماع دعواه وبينته ولأن المدعى عليه فى مسئلتنا لو أقر بالغلط لنقضت القسمة ولو سقط حق المدعى بالرضا لما نقضت القسمة باقراره كما لو وهبه الزائد ولأن من رضى بشئ بناء على ظن تبين خلافه لم يسقط به حق كما لو اقتسما شيئا وتراضيا به ثم بان نصيب أحدهما مستحقا وانما لم يعط المظلوم حقه فى هاتين المسئلتين ولا تنقض القسمة كما لو تبين الغلط فى الثمن أو المسلم فيه قلنا لأن الغلط ههنا فى نفس القسمة بتفويت شرط من شروطها وهو تعديل السهام فتبطل لفوات شرطها.
وفى السلم والثمن الغلط فى القبض دون العقد فان العقد تم بشروطه فلا يؤثر الغلط فى قبض عوضه فى صحته
(2)
.
واذا اقتسم الشريكان شيئا فبان بعضه مستحقا نظرت فان كان المستحق معينا فى نصيب أحدهما بطلت القسمة لأنها قسمة لم تعدل فيها السهام فكانت باطلة كما لو فعل ذلك مع علمهما بالحال وان كان المستحق فى نصيبهما على السواء لم تبطل القسمة لأن ما يبقى لكل واحد منهما
(1)
مغنى المحتاج ج 4 ص 391
(2)
المغنى لابن قدامة ج 11 ص 507، ص 508، ص 509
بعد المستحق قدر حقه ولأن القسمة افراز حق أحدهما من الآخر وقد أفرز كل واحد منهما حقه الا أن يكون ضرر المستحق فى نصيب أحدهما أكثر مثل أن يسد طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه أو نحو هذا فتبطل القسمة لأن هذا يمنع التعديل.
وان كان المستحق فى نصيب أحدهما أكثر من الآخر بطلت لما ذكرناه وان كان المستحق مشاعا فى نصيبهما بطلت القسمة كذلك لأن الثالث شريكهما وقد اقتسما من غير حضوره ولا أذنه فأشبه ما لو كان لهما شريك يعلمانه فاقتسما دونه وان كانا يعلمان المستحق حال القسمة أو احدهما فالحكم فيها كما لو يعلمان
(1)
.
واذا ظهر فى نصيب أحدهما عيب لم يعلمه قبل القسمة فله فسخ القسمة أو الرجوع بأرش الغيب لأنه نقص فى نصيبه فملك ذلك كالمشترى ويحتمل أن تبطل القسمة لأن التعديل فيها شرط ولم يوجد بخلاف البيع
(2)
.
واذا اقتسما دارين فأخذ كل واحد منهما دارا وبنى فيها أو اقتسما أرضين فبنى أحدهما فى نصيبه أو غرس ثم استحق نصيبه ونقض بناؤه وقلع غرسه فانه يرجع على شريكه بنصف البناء والغرس لأن هذه القسمة بمنزلة البيع فان الدارين لا يقسمان قسمة اجبار على أن تكون كل واحدة منهما نصيبا وانما يقسمان كذلك بالتراضى فتكون جارية مجرى البيع ولو باعه الدار جميعها ثم بانت مستحقة رجع عليه بالبناء كله فاذا باعه نصفها رجع عليه بنصفه وكذلك يخرج فى كل قسمة جارية مجرى البيع وهى قسمة التراضى الذى فيه رد عوض وما لا يجير على قسمته لضرر فيه ونحو ذلك
(3)
.
واذا اقتسم الورثة تركة الميت ثم بان عليه دين لا وفاء له الا مما اقتسموه لم تبطل القسمة لأن تعلق الدين بالتركة لا يمنع صحة التصرف فيها لأنه تعلق بها بغير رضاهم فأشبه تعلق دين الجناية برقبة الجانى ويفارق الرهن لأن الحق يتعلق به برضا مالكه واختياره فعلى هذا يقال لورثة ان شئتم وفيتم الدين والقسمة بحالها وان شئتم نقضت القسمة وبيعت التركة فى الدين فان أجاب أحدهم وامتنع الآخر ببيع نصيب الممتنع وحده وبقى نصيب المجيب بحاله وان كان ثم وصية يجزء من المقسوم فالحكم فيه كما لو ظهر مستحقا على ما مر من التفصيل فيه لأنه يستحق أخذه وان كانت الوصية بمال غير معين مثل أن يوصى بمائة دينار فحكمها حكم الدين
(4)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يحل لأحد من الشركاء انفاذ شئ من الحكم فى جزء معين مما له فيه شريك ولا فى كله سواء قل ذلك الجزء أو أكثر لا بيع ولا صدقة ولا هبة ولا اصداق ولا اقرار فيه لأحد ولا تحبيس ولا غير ذلك كمن باع ربع هذا البيت أو ثلث هذه الدار أو ما أشبه ذلك أو كان شريكه حاضرا أو مقاسمته له ممكنة لأن كل ما ذكرنا كسب غيره لأنه لا يدرى أيقع له عند القسمة ذلك الجزء أم لا وقد قال الله تعالى «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ}
(1)
المغنى لموفق الدين محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن أبى عبد الله بن حمد الخرقى ج 11 ص 508، 509 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة الطبعة الأولى طبعة بالمنار بمصر 1348
(2)
المرجع السابق ج 11 ص 509 نفس الطبعة
(3)
المرجع السابق ج 11 ص 510
(4)
المرجع السابق ج 11 ص 510، ص 511، ص 512
(1)
» ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام
(2)
.
فان وقع شئ مما ذكرنا فسخ أبدا سواء وقع ذلك الشئ بعينه بعد ذلك فى حصته أو لم يقع لا ينفذ شئ مما ذكرنا أصلا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد وكل ما ذكرنا فانه عمل وقع بخلاف أمر الله تعالى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو رد وأيضا فكل عقد لم يجز حين عقده بل وجب ابطاله فمن المحال الباطل أن يجوز فى وقت آخر لم يعقد فيه وكل قول لم يصدق حين النطق به فمن الباطل الممتنع أن يصدق حين لم ينطق به الا أن يوجب شيئا من ذلك فى مكان من الأمكنة قرآن أو سنة فيسمع له ويطاع ومن كان بينه وبين غيره أرض أو حيوان أو عرض فباع شيئا من ذلك أو وهبه أو تصدق به أو أصدقه فان كان شريكه غائبا ولم يجب الى القسمة أو كان حاضرا يتعذر عليه أن يضمه الى القسمة أو لم يجبه الى القسمة فله تعجيل أخذ حقه والقسمة والعدل فيها لأنه لا فرق بين قسمة الحاكم اذا عدل وبين قسمة الشريك اذا عدل اذ لم يوجب الفرق بين ذلك قرآن ولا سنة ولا معقول ومنعه من أخذ حقه جور وكل ذى حق أولى بحقه فينظر حينئذ فان كان أنفذ ما ذكرنا فى مقدار حقه فى القيمة بالعدل غير متزيد ولا محاب لنفسه بشئ أصلا فهى قسمة حق وكل ما أنفذ من ذلك جائز نافذ أحب شريكه أم كره فان كان حاب نفسه فسخ كل ذلك لأنها صفقة جمعت حراما وحلالا فلم تنعقد صحيحة فلو غرس وبنى وعمر نفذ كل ذلك فى مقدار حقه وقضى بما زاد للذى يشركه ولا حق له فى بنائه وعمارته وغرسه الا قلع عين ماله كالغصب ولا فرق فلو كان طعاما فأكل منه ضمن ما زاد على مقدار حقه وان كان مملوكا فأعتق ضمن حصة شريكه
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أن القسمة تنقض بالغلط كاعطاء النصف من له الربع ولو بحكم اذ خالف قطعيا وتنقض بظهور الغبن الفاحش لا المعتاد ولا تسمع دعوى الغبن من حاضر غير مجبر اذ قد رضى به كالبيع واذا استحق بعض الأنصباء فكالغلط تبطل به القسمة وتبطل بانكشاف دين على الميت ببينة أو اقرار الورثة جميعا فان خلصوه قررت فان أقر بعضهم فعليه حصته فى حصته وانكشاف الوصية كالاستحقاق وتنقض كذلك بعدم استيفاء المرافق فى الأنصباء كالطريق والمسيل اجماعا اذا الغرض بالقسمة الصلاح فان كان فى المقتسم حق كطريق ولم يذكر عندها بقى كما كان اذ لم تتناوله القسمة ومن البذر والدفين وينقض باختلافهم فى التعيين مع التحالف فينقض كالبيع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم تحالفا وترادا الخبر وتنقض باشتراطه ثمر ما تدلى الى نصيبه من نصيب شريكه للجهالة ولتضمنه بيع المعدوم بخلاف اشتراط الحقوق
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه اذا أدعى بعد القسمة الغلط عليه لم تسمع دعواه فان أقام بينة سمعت وحكم ببطلان القسمة لأن فائدتها
(1)
الآية رقم 164 من سورة الأنعام.
(2)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 133، ص 134 نفس الطبعة
(3)
المرجع السابق ج 8 ص 134
(4)
البحر الزخار ج 4 ص 109
تميز الحق ولم يحصل ولو عدمها فالتمس اليمين كان له ان ادعى على شريكه العلم بالغلط واذا اقتسما ثم ظهر البعض مستحقا فان كان المستحق معينا فى أحدهما بطلت القسمة لبقاء الشركة فى النصيب الآخر ولو كان المستحق فيهما بالسوية لم تبطل لأن فائدة القسمة باقية وهو أفراد كل واحد من الحقين ولو كان المستحق فيهما لا بالسوية بطلت لتحقق الشركة وان كان المستحق مشاعا معهما فللشيخ قولان:
أحدهما لا تبطل فيما زاد عن المستحق.
والثانى تبطل لأنها وقعت من دون اذن الشريك وهو الأشبه ولو قسم الورثة التركة ثم ظهر على الميت دين فان قام الورثة بالدين لم تبطل القسمة وان امتنعوا نقضت وقضى منها الدين
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه لا تنقض قسمة ولا رجوع فيها الا أن تراضوا على نقضها ان كانوا كلهم ممن له الرضا أو ظهر لقائم اليتيم أو المجنون الصلاح فى نقضها واتفقوا.
قال الشيخ أحمد رحمه الله تعالى واذا صحت القسمة بين الشركاء وأرادوا أن يفسخوا قسمتهم بعد ما صحت فلا يصيبون ذلك ولو تراضوا وقيل اذا اتفقوا على ذلك عن تراض منهم والا أن طرأ عليها موجب فسخ كاستحقاق لبعض ما قسم كما اذا تبين وقف فى المقسوم بمسجد أو غيره وهى من العقود اللازمة كالبيع فاذا استحق بعض سهم من الأسهم أو السهم كله من الأسهم ولا سيما أكثر من ذلك فسخت قسمتهم فى نظائر ذلك الذى استحق منها وأما ما قسم قبل ذلك أو بعده على حده فلا فسخ فيه وانما الفسخ فى القسمة المستحقة بعضها لاقتسامهم ما لهم وما ليس لهم ولكان ذلك البعض المستحق الذى خرج ملكا لغيرهم مقدار غبن زائد فى سهم بحيث تبين لما استحق أن السهام استوت بعد ذلك لأن كونه تستوى السهام بزواله بالاستحقاق لا يخرج القسمة عن كونها مشتملة على ما ليس لهم وان استحق من جميع الأسهم أجزاء متساوية لانفسخت أيضا لاشتمالها على ما ليس لهم وان كان المستحق أقل مما يعد غبنا انفسخت القسمة أيضا لوجود العلة المذكورة وهى اقتسام ما ليس لهم وقيل لا فسخ بالاستحقاق بل يرد سائر الشركاء لمن خرج الاستحقاق فى سهم مقدار ماستحق عليه وان رضى بعض بالغبن فالقول قول من أراد اعادة القسمة.
قال أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر رحمهم الله تعالى والغبن الذى يتداركه الشركاء فيما بينهم هو ما يكون غبنا بين الناس فى البيع والشراء.
أما ما يصيبه الناس فى بيعهم وشرائهم فلا يتداركه الشركاء فيما بينهم ومنع بعض العلماء أن يقبل فيه قول بعض من الشركاء على بعض الا أن ثبت ببينة عادلة تبين وجود الاستحقاق وأما الغبن بدون استحقاق.
فقد قال أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر رحمهم الله تعالى اذا صحت القسمة بين الشركاء ثم بعد ذلك ادعى بعضهم خروج الغبن فى نصيبه فلا يلتفت اليه الا بشهادة الأمناء على ذلك الغبن ومقداره فان لم يبنوا مقداره فلا تجوز شهادتهم، واذا صح الغبن بقول الأمناء أو باقرار الغابن سواء بين الغابن المقر مقدار الغبن أو لم يبين فانهم يترادون الغبن ولا تنفسخ قسمتهم ومنهم من يقول قد انفسخت قسمتهم ولما تنفسخ القسمة بالاستحقاق تنفسخ ان خرج وارث لم يعلموا به أو علموا به وقسموا دونه ولم يجعلوا له سهما أو جعلوا له بلا حضور منه ولا حضور نائبه ولم يجوز لهم ذلك أو أوصى
(1)
شرائع الاسلام ج 2 ص 222
موروثهم بماله أن يخرج منه وصيته أو ديونه أو تبعاته فلا يصح مع ذلك فعل فى المال حتى تخرج منه الوصية وان نفذوها من مالهم ثم قسموا جاز.
أو أوصى بمعلوم من ماله أن تخرج منه وصيته أو ديونه أو تبعاته أو كل ذلك. وان أوصى بشئ معلوم فى ذمة الموصى أن يخرج من ماله أو من شئ معلوم من ماله فقسموا قبل اخراجه ففى الفسخ به قولان:
قول بفسخها لقول الله تعالى «مِنْ بَعْدِ 1 وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» }.
وقول بعدم فسخها لأن الوصية يجوز أن ترجع الى ذمة الورثة بعد القسمة كالدين،.
قال الشيخ لأنها غير معينة أى لم يتعين فى الشرع أن تخرج
(2)
من ذلك.
وان خرج غبن أثر فى قسمة القرعة أو قسمة المخايرة لا يؤثر فى نحو بيع فهل تنفسخ قسمة القرعة به فهو يؤثر فيها الفسخ فيعيدوا القسمة ان شاءوا هم أو بعضهم وان لم يشاءوا بل رضوا كلهم على ابقاء الشركة بقوا عليها ولا يحل ابقاءها أو يرد بعضهم لبعض ما غبن به حتى تستوى السهام فيما بينهم مع بقاء القسمة بلا فسخ وعليه العمل عند أشياخنا ورجحوه، والقياس يقتضى القول الأول لأن قسمتهم لم تتم بعد لأنهم مشتركون فى الغبن.
وفى الأثر: ان احتج أحدهم أن القسمة كانت بلا حضور أحد معهم وانها مجهولة وتمسك الباقون بسهامهم فلا ينصت اليه لأنه اذا عرف كل منابه فلا نقض ولا تأثير الا أن اتفقوا على النقض أو تبين الغبن فان تبين وقدروا على استخراجه من غابنه والقسم بحاله جاز والا فسد القسم الا أن علمه المغبون ورضى أو عمر عليه بعد معرفته أو أحدث فيه حدثا كبيع أو هبة أو صداق أو رهن فانه يثبت عليه الغبن.
وقيل لا تنقض القسمة وانما يزاد المغبون.
واذا كانت القسمة بالمخايرة فمن اختار سهما ثبت له وعليه ولو غبن وان استحق شئ منها من أحدهم فالقسم بحاله ويرد عليه سائرهم قدر ما استحق وان كانت بمخايرة أو قرعة وكان الغبن فقال بعض ان شئتم أتممناه وان شئتم نقضناه ثم مرض أحدهم وحضروا عنده وقالوا جميعا نقضناه ومات فانه منتقض
(3)
.
ولا تنفسخ القسمة بعيب ان لم يكن ذلك العيب غبنا.
قال الشيخ أحمد بن محمد بن بكر يرحمهم الله تعالى وأما العيب اذا خرج فى بعض أسهم الشركاء فلا تنفسخ به القسمة ولا يتداركون رد ذلك العيب أيضا الا أن كان فى ذلك العيب غبن.
وقيل تنفسخ القسممة بالعيب فى وجه واحد هو أن يظهر سهم أحدهم كله أو أكثره خلاف المقصود، كأرض مشتركة ليس فيها شجر الا نوى التمر نابتا ان قسمت قبل اثمارها فخرج سهم أو أكثره ذكورا وسهم أو أكثره اناثا، وكذا سائر الشجر اذا خرج سهم منه ذكورا أو أكثره وسهم أو أكثره اناثا
(4)
.
(1)
الآية رقم 12 من سورة النساء
(2)
شرح النيل ج 5 ص 419 وما بعدها الى ص 422 الطبعة السابقة
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 428، ص 429 نفس الطبعة
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 435، ص 436 نفس الطبعة
ما يفسد عقد الصلح وما لا يفسده
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن ما يبطل به الصلح بعد وجوده أشياء منها:
الاقالة فيما سوى القصاص لأن ما سوى القصاص لا يخلو عن معنى معاوضة المال بالمال فكان محتملا للفسخ كالبيع ونحوه.
فأما فى القصاص فالصلح فيه اسقاط محضن لأنه عفو والعفو اسقاط فلا يحتمل الفسخ كالطلاق ونحوه ومنها الحاق المرتد بدار الحرب أو موته على الردة.
عند أبى حنيفة بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عنده على الاسلام أو اللحوق بدار الحرب والموت فان أسلم نفذ وان لحق بدار الحرب وقضى القاضى به أو قتل أو مات على الردة تبطل وعندهما نافذة والمرتدة اذا لحقت بدار الحرب يبطل من صلحها ما يبطل من صلح الحربية لأن حكمها حكم الحربية ومنها الرد بخيار العيب أو الرؤية لأنه يفسخ العقد ومنها الاستحقاق وأنه ليس ابطالا حقيقة بل هو بيان أن الصلح لم يصح أصلا لا أنه بطل بعد الصحة الا أنه ابطال من حيث الظاهر لنفاذ الصلح ظاهرا فيجوز الحاقه بهذا القسم لكنه ليس بابطال حقيقة ومنها هلاك أحد المتعاقدين فى الصلح على المنافع قبل انقضاء المدة لأنه بمعنى الأجارة وأنها تبطل بموت أحد المتعاقدين.
وأما هلاك ما وقع الصلح على منفعته هل يوجب بطلان الصلح فلا يخلو أما أن يكون حيوانا كالعبد والدابة أو غير حيوان كالدار والبيت فان كان حيوانا لا يخلو أما أن هلك بنفسه أو باستهلاك فان هلك بنفسه يبطل الصلح اجماعا وان هلك باستهلاك فلا يخلو من ثلاثة أوجه.
اما أن استهلكه أجنبى واما أن استهلكه المدعى عليه واما أن استهلكه المدعى فان استهلكه أجنبى بطل الصلح عند محمد.
وقال أبو يوسف لا يبطل ولكن للمدعى الخيار ان شاء نقض الصلح وان شاء اشترى له بقيمته عبدا يخدمه الى المدة المضروبة وجه قول محمد أن الصلح على المنفعة بمنزلة الأجارة تمليك المنفعة بعوض وقد وجد ولهذا ملك اجارة العبد من غيره بمنزلة المستأجر.
وجه قول أبى يوسف أن هذا صلح فيه معنى الاجارة وكما أن معنى المعاوضة لازم فى الاجارة فمعنى استيفاء عين الحق أصل فى الصلح فيجب اعتبارهما جميعا ما أمكن ومعلوم أنه لا يمكن استيفاء الحق من المنفعة لأنها ليست من جنس المدعى فيجب تحقيق معنى الاستيفاء من محل المنفعة وهو الرقبة ولا يمكن ذلك الا بعد ثبوت الملك له فيها فتجعل كأنها ملكه فى حق استيفاء حقه منها وبعد القتل ان تعذر الاستيفاء من عينها يمكن من بدلها فكان له أن يستوفى من البدل بأن يشترى له عبدا فيخدمه الى المدة المشروطة وله حق النقض أيضا لتعذر محل الاستيفاء وان استهلكه المدعى عليه بأن قتله أو كان عبدا فأعتقه يبطل الصلح أيضا.
وقيل هذا قول محمد فأما على أصل أبى يوسف فلا يبطل وتلزمه القيمة ليشترى له بها عبدا آخر يخدمه الى المدة المشروطة.
كما اذا قتله أجنبى وكالراهن اذا قتل العبد المرهون أو أعتقه وهذا لأن رقبة العبد وان كانت مملوكة للمدعى عليه لكنها مشغولة بحق الغير وهو المدعى لتعلق حقه بها فتجب رعايتها
جميعا بتنفيذ العتق ويضمن القيمة كما فى الرهن.
وكذا لو استهلكه المدعى بطل الصلح عند محمد.
وعند أبى يوسف لا يبطل، وتؤخذ من المدعى قيمة العبد، ويشترى عبدا آخر يخدمه.
وهل يثبت الخيار للمدعى فى نقض الصلح على مذهبه؟ فيه نظر.
هذا اذا كان الصلح على منافع الحيوان.
فأما اذا كان على سكنى بيت فهلك بنفسه، بأن انهدم، أو باستهلاك بأن هدمه غيره لا يبطل الصلح ولكن لصاحب السكنى وهو المدعى الخيار ان شاء بناه صاحب البيت بيتا آخر يسكنه الى المدة المضروبة وان شاء نقض الصلح ولا يتعذر هنا خلاف محمد لأن اجارة العبد تبطل بموته بالاجماع واجارة الدار لا تبطل بانهدامها ولصاحب الدار أن يبنيها مرة أخرى فى بعض اشارات الروايات عن أصحابنا على ما تقدم ولو تصالحا عن انكار المدعى عليه على مال ثم أقر المدعى عليه بعد الصلح لا ينفسخ الصلح لأن الاقرار مبين أن الصلح وقع معاوضة من الجانبين فكان مقرا للصلح لا مبطلا له.
ولو أقام المدعى البينة بعد الصلح لا تسمع بينته الا اذا ظهر ببدل الصلح عيب وأنكر المدعى عليه فأقام البينة ليرده بالعيب فتسمع بينته وتبين أن للصلح الماضى حكم الصلح عن اقرار المدعى عليه فكل حكم ثبت فى ذلك ثبت فى هذا
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى من صالح عن دم عمد أو خالع على عبد فذلك جائز وان وجد بالعبد عيبا يرد من مثله فى البيوع فرده رجع بقيمة العبد صحيحا اذ ليس للدم والطلاق قيمة يرجع بها وكذلك النكاح فى هذا قال ابن القاسم واذا قطع جماعة يد رجل أو جرحوه عمدا فله صلح أحدهم والعفو عمن شاء منهم والقصاص ممن شاء وكذلك الأولياء فى النفس.
وروى يحيى عن ابن القاسم أن من قتل رجلين عمدا وثبت ذلك عليه فصالح أولياء أحدهما على الدية وعفوا عن دمه وقام أولياء الآخر بالقود فلهما القود فان اسقادوا بطل الصلح ورجع المال الى ورثته لأنه انما صالحهم
(2)
على النجاة.
وروى صاحب مواهب الجليل عن المدونة أن من قطعت يده عمدا فصالح القاطع على مال أخذه ثم نزى فيها فمات فللأولياء أن يقسموا ويقتلوا ويرد المال ويبطل الصلح وان أبوا أن يقسموا كان المال الذى أخذوا فى قطع اليد
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب الأم أنه ان أدعى رجل حقا فى دار أو أرض فأقر له المدعى عليه وصالحه من
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام أبى بكر ابن مسعود الكاسانى الجزء السادس ص 54، 55 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328، 1910
(2)
التاج واكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 86 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى سنة 1329
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 5 ص 86 كتاب على هامش التاج والاكليل للمواق الطبعة السابقة
دعواه على خدمة عبد أو ركوب دابة أو زراعة أرض أو سكنى دار أو شئ مما يكون فيه الاجارات ثم مات المدعى والمدعى عليه أو أحدهما فالصلح جائز ولورثة المدعى السكنى والركوب والزراعة وما صالحهم عليه المصالح.
قال الشافعى ولو كان الذى أتلف الدابة التى صالح على ركوبها أو المسكن الذى صالح على سكنه أو الأرض التى صولح على زراعتها فان كان ذلك قبل أن يأخذ منه المصالح شيئا فهو على حقه فى الدار وقد انتقضت الاجارة وان كان بعد ما أخذ منه شيئا تم من الصلح بقدر ما أخذ ان كان نصفا أو ثلثا أو ربعا وانتقض من الصلح بقدر ما بقى يرجع به فى أصل السكن الذى صولح عليه قال وهكذا لو صالحه على عبد بعينه أو ثوب بعينه أو دار بعينها فلم يقبضه حتى هلك انتقض الصلح ورجع على أصل ما أقر له به
(1)
.
قال الشافعى ولو قبضه فهلك فى يديه وبه عيب رجع بقيمة العيب ولو لم يجد عيبا ولكنه استحق نصفه أو سهم من ألف سهم منه كان لقابض العبد الخيار فى أن يجيز من الصلح بقدر ما فى يديه من العبد ويرجع بقدر ما استحق منه أو ينقض الصلح كله ولو ادعى رجل حقا فى دار فأقر له رجل أجنبى على المدعى عليه وصالحه على عبد بعينه فهو جائز وان وجد بالعبد عيبا فرده أو استحق لم يكن له على الأجنبى شئ ورجع على دعواه فى الدار.
وهكذا لو صالحه على عرض من العروض ولو كان الأجنبى صالحه على دنانير أو دراهم أو عرض بصفة أو عبد بصفة فدفعه اليه ثم استحق كان له أن يرجع عليه بمثل تلك الدنانير والدراهم وذلك العرض بتلك الصفة ولو كان الأجنبى انما صالحه على دنانير بأعيانها فهى مثل العبد بعينه يعطيه اياها وان استحقت أو وجد عيبا فردها لم يكن له على الأجنبى اتباعه وكان له أن يرجع على أصل دعواه والأجنبى اذا كان صالح بغير اذن المدعى عليه فتطوع بما أعطى عنه فليس له أن يرجع على صاحبه المدعى عليه وانما يكون له أن يرجع به اذا أمره أن يصالح عنه قال ولو ادعى رجل على رجل حقا فى دار فصالحه على بيت معروف سنين معلومة يسكنه كان جائزا أو على سطح معروف ببيت عليه كان جائزا فان انهدم البيت أو السطح قبل السكنى رجع على أصل حقه وان انهدم بعد السكنى تم من الصلح بقدر ما سكن وبات وانتقض منه بقدر ما بقى ولو ادعى رجل حقا فى دار وهى فى يد رجل عارية أو وديعة أو اكراء تصادق على ذلك أو قامت به بينة فلا خصومة بينه وبين من الدار فى يديه ومن لم ير أن يقضى على الغائب لم يقبل منه فيها بينة وأمره أن خاف على بينته الموت أن يشهد على شهادتهم ولو أن الذى فى يديه أقر له بدعواه لم يقض له باقراره لأنه أقر له فيما لا يملك ولو صالحه على شئ من دعواه فالصلح جائز والمصالح متطوع والجواب فيه كالجواب فى المسائل قبلها من الأجنبى يصالح عن الدعوى
(2)
.
ولو ادعى رجل فى دار دعوى فأقر بها المدعى عليه وصالحه منها على عبد قيمته مائة درهم ومائة درهم والعبد بعينه فلم يقبض المصالح العبد حتى جنى على حر أو عبد فسواء ذلك كله وللمصالح الخيار فى أن يقبض العبد ثم يفديه أو يسلمه فيباع أو يرده على سيده وينقض الصلح
(1)
كتاب الأم للامام محمد بن ادريس الشافعى على هامش الامام أبى ابراهيم اسماعيل بن يحيى المزنى الجزء الثالث ص 197 الطبعة الأولى طبع مطبعة الأميرية ببولاق سنة 1321
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 198 الطبعة السابقة
وليس له أن يجيز من الصلح بقدر المائة ولو كان قبضه ثم جنى فى يديه كان الصلح جائزا وكان كعبد اشتراه ثم جنى فى يديه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن من أقسام الصلح الصلح على الانكار وذلك بأن يدعى انسان عليه عينا فى يده أو دينا فى ذمته فينكر المدعى عليه أو يسكت وهو يجهله أى المدعى عليه به ثم يصالحه على مال فيصح الصلح فى قول أكثر العلماء لعموم ما تقدم فان قيل.
قال عليه السلام الا صلحا أحل حراما وهذا داخل فيه لأنه لم يمكن له أن يأخذ من مال المدعى عليه فحل بالصلح فالجواب أنه لا يصح دخوله فيه ولا يمكن حمل الخبر عليه لأمرين:
أحدهما أن ما ذكرتم يوجد فى الصلح بمعنى الهبة فانه يحل للمرهون ما كان حراما.
الثانى لو حل به المحرم لكان الصلح صحيحا لأن الصلح الفاسد لا يحل الحرام وانما معناه ما يتوصل به الى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه نحو أن يصالح حرا على استرقاقه بنقد ونسيئة متعلق بيصح لأن المدعى ملجأ الى التأخير بتأخير خصمه ويكون الصلح على المال المصالح به بيعا فى حق المدعى لأنه يعتقده عوضا عن حقه فيلزمه حكم اعتقاده فان وجد المدعى فيما أخذه من المال عيبا فله رده وفسخ الصلح أو امساكه مع أرشه كما لو اشترى شيئا فوجده معيبا
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ومن صالح عن دم أو كسر سن أو جراحة أو عن شئ معين فذلك جائز فان استحق بعضه أو كله بطلت المصالحة وعاد على حقه فى القود وغيره لأنه انما حرك حقه بشئ لم يصلح له والا فهو على حقه فاذا لم يصح له ذلك الشئ فلم يترك حقه وكذلك لو صالح عن سلفة بعينها بسكنى دار أو خدمة عبد فمات العبد وانهدمت الدار أو استحق بطل الصلح وعاد على حقه
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء
(4)
فى البحر الزخار أن الصلح أما بيع كالمصالحة عن عين أو دين بغير جنسه فكأنه اشتراه فيفسده ما يفسد البيع ويصح عن العين بدين أو عين لا عن الدين الا بحاضر واما كالاجارة كالمصالحة عن دين أو عين بمنفعة فيفسده ما يفسدها (4).
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة
(5)
أن الصلح لازم من الطرفين كما فى الشرائع والنافع والتحرير والتذكرة من أنه اذا تم لم يكن لأحدهما رجوع على الآخر ولا خيار بعد انعقاده الا باتفاقهما على فسخه كما صرح به فى أكثر ما تقدم وهو قضية كلام الباقين.
وفى الرياض نفى الخلاف عن فسخه بالتقايل قلت ولأنه تجارة عن تراض وكل مال بطيب نفس مضافا الى أدلة استحيا بها وعن مجمع البرهان الاجماع عليه.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 199
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور ابن ادريس الحنبلى على هامش شرح المنتهى للشيخ منصور ابن يونس البهوتى الجزء الثانى ص 194 الطبعة الأولى
(3)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 168 مسألة رقم 1274 الطبعة السابقة
(4)
البحر الزخار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5 ص 94 الطبعة الأولى سنة 1368 سنة 1949 بالسنة المحمدية
(5)
شرائع الاسلام ومختصر التاقع من باب الصلح وكتاب مفتاح اكرامة
ما يفسد الوكالة وما لا يفسدها
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن ما يخرج به الوكيل عن الوكالة أشياء منها عزل الموكل اياه ونهيه لأن الوكالة عقد غير لازم فكان محتملا للفسخ بالعزل والنهى ولصحة العزل شرطان:
أحدهما علم الوكيل به لأن العزل فسخ للعقد فلا يلزم حكمه الا بعد العلم به كالفسخ فاذا عزله وهو حاضر انعزل.
وكذا لو كان غائبا فكتب اليه كتاب العزل فبلغه الكتاب فعلم بما فيه انعزل لأن الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر وكذلك لو أرسل اليه رسولا فبلغ الرسالة وقال ان فلانا أرسلنى اليك ويقول انى عزلتك عن الوكالة فانه ينعزل كائنا ما كان لأن الرسول قائم مقام المرسل معبر وسفير عنه فتصح سفارته بعد أن صحت عبارته على أى صفة كان وان لم يكتب كتابا ولا أرسل رسولا ولكن أخبره بالعزل رجلان عدلان كانا أو غير عدلين. أو رجل واحد عدل ينعزل فى قولهم جميعا سواء صدقه الوكيل أو لم يصدقه اذا ظهر صدق الخبر لأن خبر الواحد مقبول فى المعاملات وان لم يكن عدلا فخبر العدلين أو العدل أولى وان أخبره واحد غير عدل فان صدقه ينعزل بالاجماع وان كذبه لا ينعزل وان ظهر صدق الخبر فى قول أبى حنيفة وعندهما ينعزل اذا ظهر صدق الخبر
(1)
وان عزله الموكل وأشهد على عزله وهو غائب ولم يخبره بالعزل أحد لا ينعزل ويكون تصرفه قبل العلم بعد العزل كتصرفه قبل العزل فى جميع الأحكام.
وعن أبى يوسف فى الموكل اذا عزل الوكيل ولم يعلم به فباع الوكيل وقبض الثمن فهلك الثمن فى يد الوكيل ومات العبد قبل التسليم الى المشترى وللمشترى أن يرجع بالثمن على الوكيل ويرجع الوكيل على الموكل كما قبل العزل سواء لأن العزل لم يصح لانعدام شرط صحته وهو العلم.
والثانى أن لا يتعلق بالوكالة حق الغير فأما اذا تعلق بها حق الغير فلا يصح العزل بغير رضا صاحب الحق لأن فى العزل ابطال حقه من غير رضاه ولا سبيل اليه
(2)
.
ولو قال الموكل وقت التوكيل كلما عزلتك فأنت وكيلى وكالة مستقبلة فعزله ينعزل ولكنه يصير وكيلا ثانيا وكالة مستقبلة كما شرط لأن تعليق الوكالة بالشرط جائز ولو قال الموكل للوكيل كنت وكلتك وقلت لك كلما عزلتك فأنت وكيلى فيه وقد عزلتك عن ذلك كله لا يصير وكيلا بعد الا بتوكيل جديد لأن من علق التوكيل بشرط ثم عزله عن الوكالة قبل وجود الشرط ينعزل الوكيل ولا يصير وكيلا بعد ذلك بوجود الشرط
(3)
.
وتبطل الوكالة بموت الموكل لأن التوكيل بأمر الموكل وقد بطلت أهلية الآخر بالموت فتبطل الوكالة علم الوكيل بموته أم لا ومنها جنونه جنونا مطبقا لأن الجنون المطبق مبطل لأهلية الآمر ومنها أى ابطال الوكالة للحاقة بدار الحرب مرتدا عند أبى حنيفة وعندهما لا يخرج به الوكيل عن الوكالة بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عنده فكانت وكالة الوكيل موقوفة فان أسلم الموكل نفذت وان قتل على الردة أو لحق بدار الحرب بطلت وعندهما تصرفاته نافذة.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام أبى بكر مسعود الكاسانى الجزء السادس ص 37 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى المرجع السابق ج 6 ص 37، 38
(3)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 38
فكذا الوكالة وان كان الموكل امرأة فارتدت فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب اجماعا لأن ردة المرأة لا تمنع نفاذ تصرفها لأنها لا تؤثر فيما رتب عليه النفاذ وهو الملك ومنها عجز الموكل والحجر عليه بأن وكل المكاتب رجلا فعجز الموكل.
وكذا اذا وكل المأذون انسانا فحجر عليه لأنه بالعجز والحجر عليه بطلت أهلية آمره بالتصرف فى المال فيبطل الأمر فتبطل الوكالة ومنها موت الوكيل لأن الموت مبطل لأهلية التصرف ومنها جنونه المطبق لما ذكر وان لحق بدار الحرب مرتدا لم يجز له التصرف الا أن يعود مسلما لأن أمره قبل الحكم بالحاقه بدار الحرب كان موقوفا فان عاد مسلما هل تعود الوكالة.
قال أبو يوسف لا تعود.
وقال محمد تعود وجه قوله ان نفس الردة لا تنافى الوكالة ألا ترى أنها لا تبطل قبل لحاقه بدار الحرب الا أنه لم يجز تصرفه فى دار الحرب لتعذر التنفيذ لاختلاف الدارين فاذا عاد زال المانع فيجوز ونظيره من وكل رجلا ببيع عبد بالكوفة فلم يبعه فيها حتى خرج الى البصرة لا يملك بيعه بالبصرة ثم اذا عاد الى الكوفة ملك بيعه فيها.
كذا هذا وجه أبى يوسف ان الوكالة عقد حكم ببطلانه بلحاقه بدار الحرب فلا يحتمل العود وأما الموكل اذا ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما لا تعود الوكالة فى ظاهر الرواية.
وروى عن محمد أنها تعود ووجه أن بطلان الوكالة لبطلان ملك الموكل فاذا عاد مسلما عاد ملكه الأول فيعود بحقوقه.
ووجه ظاهر الرواية ان لحوقه بدار الحرب بمنزلة الموت ولو مات لا يحتمل العود.
فكذا اذا لحق بدار الحرب
(1)
ومنها أن يتصرف الموكل بنفسه فيما وكل به قبل تصرف الوكيل نحو ماذا وكله ببيع عبده فباعه الموكل أو أعتقه أو دبره أو كاتبه أو وهبه.
وكذا اذا استحق أو كان حر الأصل لأن الوكيل عجز عن التصرف لزوال ملك الموكل فينته حكم الوكالة كما اذا هلك العبد ولو باعه الموكل بنفسه ثم رد عليه بعيب بقضاء هل تعود الوكالة.
قال أبو يوسف لا تعود وقال محمد تعود لأن العائد بالفسخ عين الملك الأول فيعود بحقوقه وجه قول أبى يوسف أن تصرف الموكل نفسه يتضمن عزل الوكيل لأنه أعجزه عن التصرف فيما وكله به والوكيل بعد ما انعزل لا يعود وكيلا الا بتجديد التوكيل ولو وكله أن يهب عبده فوهبه الموكل بنفسه ثم رجع فى هبته لا تعود الوكالة حتى لا يملك الوكيل أن يهبه
(2)
ولو وكله بتزوج امرأة فتزوجها لأنه عجز عن تزويجها منه بطلت الوكالة.
وكذا اذا وكله بعتق عبده أو بالتدبير أو بالكتابة أو الهبة ففعل بنفسه لما سبق ومنها هلاك العبد الذى وكل بيعه أو باعتاقه أو بهبته أو بتدبيره أو بكتابته أو نحو ذلك لأن التصرف فى المحل لا يتصور بعد هلاكه والوكالة بالتصرف فيما لا يحتمل التصرف محال فبطل ثم هذه الأشياء التى ذكرنا له أن يخرج بها الوكيل من الوكالة سوى العزل والنهى لا يفترق الحال فيها بين ما اذا علم الوكيل أو لم يعلم فى حق الخروج عن الوكالة لكن تقع المفارقة فيما بين البعض والبعض من وجه آخر وهو أن الموكل اذا باع العبد الموكل ببيعه بنفسه ولم يعلم به الوكيل فباعه الوكيل وقبض الثمن فهلك الثمن
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 38، 39
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى المرجع السابق ج 6 ص 39
فى يده ومات العبد قبل التسليم الى المشترى ورجع المشترى على الوكيل بالثمن رجع الوكيل على الموكل ولو وكله بقبض دين له رجل ثم ان الموكل وهب المال للذى عليه الدين والوكيل لا يعلم بذلك فقبض الوكيل المال فهلك فى يده كان لدافع الدين أن يأخذ به الموكل ولا ضمان على الوكيل لأن يد الوكيل يد نيابة عن الوكيل لأنه قبضه بأمره وقبض النائب كقبض المنوب عنه فكأنه قبضه بنفسه بعد ما وهبه منه ولو كان كذلك لرجع عليه فكذا هذا
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل والتاج والاكليل نقلا عن ابن رشد أن للموكل أن يعزل وكيله عن الوكالة متى شاء الا أن تكون الوكالة فى الخصام فليس له أن يعزله عن الوكالة ويوكل غيره ولا يخاصم عن نفسه اذا كان قد قاعد خصمه المرتين والثلاث الا من عذر هذا هو المشهور فى المذهب ومفهوم ذلك أن له عزله قبل ذلك وهو كذلك اذا أعلن بعزله وأشهد عليه ولم يكن منه تفريط فى تأخير اعلام الوكيل بذلك.
وأما ان عزله سرا فلا يجوز عزله ويلزمه ما فعله الوكيل وما أقربه عليه ان كان جعل له الاقرار وفى كتاب الرهون من الذخيرة عن الجلاب اذا وكلت وكيلا فى بيع رهن فليس لك عزل الوكيل الا برضا المرتهن لأن القاعدة أن الوكالة عقد جائز من الجانبين ما لم يتعلق بها حق للغير.
وفى المبسوط لك العزل كسائر الوكالات.
ثم قال فى التوضيح واختلف اذا وكله على بيع سلعة أو اشترائها أو سمى له شخصا معينا هل له أن يعزله كما لو أطلق أولا على قولين.
قال المازرى رحمه الله تعالى وعدها الاشياخ من المشكلات والأصح عنده فى ذلك أن عين له المشترى وسمى له الثمن وقال له شاورنى ان له عزله وان لم يسم له الثمن ولا قال له شاورنى فهذا موضع الأشكال والاضطراب واختلف اذا وكله أن يملك زوجته أمرها فهل له أن يعزله رأى اللخمى وعبد الحميد وغيرهما أنه ليس ذلك قالوا بخلاف ما اذا وكله على أن يطلق زوجته فان فيه قولين ورأى غيرهم أنه يختلف فيه كالطلاق
(2)
.
قال ابن عرفة رحمه الله تعالى المعروف له انعزال الوكيل بموت موكله.
قال ابن القاسم من أمر رجلا أن يشترى له سلعة ولم يدفع اليه ثمنها أو دفعه اليه فاشتراها الوكيل بعد موت الآمر فذلك لازم للورثة الا أنه يشتريها وهو يعلم بموت الآمر فلا يلزم الورثة ذلك وعليه غرم الثمن لأن وكالته قد انفسخت.
وقال مالك رحمه الله تعالى فيمن له وكيل ببلد يجهز اليه المتاع ان ما باع واشترى بعد موت الآمر ولم يعلم بموته فهو لازم للورثة وما باع أو اشترى بعد علمه بموته لم يلزمهم لأن وكالته قد انفسخت وقد نصوا على أن الوكيل على الخصام ينعزل بمضى ستة أشهر الا أن يكون الخصام متصلا.
قال البرزلى رحمه الله تعالى وقال بعض الموثقين أو كان الوكيل فى قضية معينة.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى فاذا لم يعلم الوكيل بموت موكله أو عزل ولم يعلم بعزله فقيل انه معزول بنفس العزل أو الموت وهو قول
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 39
(2)
مواهب الجليل ج 5 ص 136 وما بعدها الى ص 188
ابن القاسم رحمه الله تعالى فى كتاب الشركة من المدونة فى الذى يحجر على وكيله فيقبض من غرمائه بعد عزله وهم لا يعلمون بذلك أنهم لا يبرعون بالدفع اليه وان لم يعلم هو بعزله فاذا لم يبرأ الغرماء بالدفع اليه فكذلك لا يبرأ هو ويكون للغرماء أن يرجعوا عليه وان تلف المال بيده لأنه أخطأ على مال غيره فهذا يبين أن الوكالة تنفسخ فى حقه وحق من عامله أو دفع اليه بنفس العزل أو الموت وقيل أنه لا يكون معزولا فى حق أحد الا بوصول العلم اليه فيكون معزولا فى حقه بوصول العلم اليه وفى حق من بايعه أو دفع بوصول العلم اليه.
وهذا قول مالك رحمه الله تعالى وعليه لو علم الوكيل بموت موكله فباع ولم يعلم المشترى بذلك فتلفت السلعة المبيعة عنده لكان الوكيل ضامنا لقيمتها لانفساخ الوكالة فى حقه لعلمه بموته وتعديه فيما لا تصرف فيه ولم يكن على المشترى أن يرد الغلة اذا أخذت منه السلعة ولم لم يعلم الوكيل بموته وعلم المشترى لكان عليه أن يرد الغلة اذا أخذت منه السلعة لتعديه بابتياع ما قد انفسخت الوكالة فيه فى حقه
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن الوكالة جائزة من الجانبين أى من جانب الموكل لأنه قد يرى المصلحة فى ترك ما وكل فيه أو فى توكيل آخر ومن جانب الوكيل لأنه قد لا يتفرغ فيكون اللزوم مضرا بهما هذا اذا عزل الموكل الموكل اليه فى حضوره أى أتى بلفظ العزل خاصة أو قال فى حضوره رفعت الوكالة أو أبطلتها أو أزلتها أو فسختها أو نقضتها أو صرفتها أو أخرجتك منها انعزل منها لدلالة كل من الألفاظ المذكورة فان عزله وهو غائب انعزل فى الحال لأنه رفع عقد لا يعتبر فيه الرضا فلا يحتاج الى العلم كالطلاق وقياسا على ما لو وكل أحدهما والآخر غائب وفى قول لا ينعزل حتى يبلغه الخبر ممن تقبل روايته كالقاضى وفرق الأول بتعلق المصالح الكلية بالقاضى فيعظم الضرر بنقض الأحكام وفساد الأنكحة وغير ذلك بخلاف الوكيل.
قال الاسنوى ومقتضاه أن الحاكم فى واقعة خاصة حكمه حكم الوكيل.
قال ابن شهبة ومقتضاه أيضا أن الوكيل العام كوكيل السلطان لا ينعزل قبل بلوغ الخبر لعموم نظره كالقاضى ولم يذكره وربما يلتزم ذلك ولا يصدق موكله بعد التصرف فى قوله كنت عزلته الا ببينة فينبغى له أن يشهد على عزله ولو تلف المال فى يده بعد عزله لم يضمنه ولو باعه جاهلا بعزله فالبيع باطل فان أسلمه للمشترى ضمنه الوكيل اذا قتل بعد العفو تلزمه الدية والكفارة خلافا لما بحثه الرويانى من عدم الضمان.
ولو عزل المودع الوديع وهو غائب لم ينعزل حتى يبلغه الخبر وفرق بينه وبين الوكيل بأن الوديع أمين والوكيل يتصرف والعزل يمنع صحة التصرف ولذلك قلنا الوكيل باق على أمانته بعد عزله كما مر
(2)
.
قال الرافعى ولو عزل أحد وكيليه مبهما لم يتصرف واحد منهما حتى يميز للشك فى أهليته ولو قال الوكيل عزلت نفسى أو رددت الوكالة أو فسختها أو خرجت منها أو نحو ذلك كأبطلتها انعزل لدلالة ذلك عليه وان كانت صيغة الموكل صيغة أمر.
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 214 وص 215
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب على هامش متن المنهاج للنووى الجزء الثانى صفحة 215
وقيل أن كانت صيغته صيغة أمر كاقتق وبع لم ينعزل لأن ذلك اذن واباحة فأشبه ما لو أباح الطعام لغيره فانه لا يرتد برد المباح له وعلى الأول فان قيل كيف ينعزل ذلك مع قولهم لا يلزم من فساد الوكالة فساد التصرف لبقاء الأذن أجيب بأن العزل أبطل ما صدر من الموكل من الأذن فى التصرف فلو قلنا له التصرف لم يفد العزل شيئا بخلاف المسألة المستشهد بها فانه اذا فسد خصوصى الوكالة لم يوجد ما ينافى عموم الأذن ولا فرق بين أن يكون الموكل غائبا أو حاضرا لأنه قطع للعقد فلا يفتقر الى حضور من لا يعتبر رضاه.
قال الأذرعى ولو علم الوكيل أنه لو عزل نفسه فى غيبة موكله لاستملك المال قاض جائر أو غيره فينبغى أن يلزمه البقاء على الوكالة الى حضور موكله أو أمينه على المال
(1)
.
وينعزل بخروج أحدهما أى الموكل والوكيل عن أهلية التعرف بموت أو جنون وان زال عن قرب لأنه لو قارن منع الانعقاد فاذا طرأ قطعه.
قال فى المطلب والصواب أن الموت ليس بعزل بل تنته الوكالة به.
قال الزركشى وفائدة عزل الوكيل بموته انعزال من وكله عن نفسه ان جعلناه وكيلا عنه والاغماء ينعزل به فى الأصح الحاقا له بالجنون والثانى لا ينعزل لأنه لم يلتحق بمن يولى عليه واختاره السبكى تبعا للامام وغيره وعلى الأول يستثنى الوكيل فى رمى الجمار فانه لا ينعزل باغماء الموكل كما مر وانكار الوكالة لنسيان لها أو لغرض له فى الاخفاء كخوف أخذ ظالم المال الموكل فيه ليس بعزل لعذره فان تعمد انكارها ولا غرض له فيه انعزل بذلك لأن الجحد حينئذ رد لها والموكل فى انكارها كالوكيل فى ذلك وما أطلقه الشيخان فى التدبير من جحد الموكل أنه يكون عزلا محمول كما قال ابن النقيب على ما هنا.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير أن الوكالة عقد جائز من الطرفين لكل واحد منهما فسخها متى شاء لأنه أذن فى التصرف فكان لكل واحد منهما ابطاله وتبطل الوكالة بموت الموكل والوكيل وجنون المطلق بغير خلاف علمناه اذا علم الحال وكذلك يبطل بخروجه عن أهلية التصرف كالحجر عليه لسفه لأنه لا يملك التصرف فلا يملكه غيره من جهته كالجنون والموت وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة قياسا على الوكالة فان حجر على الوكيل لفلس فالوكالة بحالها لأنه لم يخرج عن أهلية التصرف وان حجر على الموكل وكانت الوكالة فى أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه وان كانت فى الخصومة أو الشراء فى الذمة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص لم تبطل لأن الموكل أهل لذلك وان فسخه الوكيل ولم ينعزل بفسق أحدهما لخروجه عن أهلية التصرف وان كان وكيلا فى القبول لم ينعزل بفسق موكله لأنه لا ينافى جواز قبوله وهل ينعزل بفسق نفسه على وجهين أولاهما أنه لا ينعزل لأنه يجوز أن يقبل النكاح لنفسه فجاز أن يقبله لغيره كالعدل وان كان وكيلا فيما يشترط فيه الأمانة كوكيل ولى اليتيم وولى الوقف على المساكين ونحو هذا انعزل بفسقه وفسق موكله لخروجهما بذلك عن أهلية التصرف وان كان وكيلا لوكيل من يتصرف فى المال نفسه انعزل بفسقه لأن الوكيل ليس له توكيل فاسق ولا ينعزل بفسق موكله لأن موكله وكيل لرب
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج المرجع السابق ج 2 ص 216
المال ولا ينافيه الفسق بالسكر لما تقدم ولا تبطل بالتعدى فيما وكل فيه مثل لبس الثوب وركوب الدابة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعى.
والثانى تبطل بذلك لأنها عقد أمانة فبطلت بالتعدى ولنا أنه تصرف بأذن موكله فصح كما لو لم يتعد ويفارق الوديعة من حيث أنها أمانة مجردة فنافاها التعدى والخيانة والوكالة اذن فى التصرف تضمنت الأمانة فاذا انتفت الأمانة بقى الأذن بحاله فعلى هذا لو وكله فى بيع ثوب فلبسه صار ضامنا فاذا باعه صح بيعه وبرئ من ضمانه لدخوله فى ملك المشترى وضمانه فاذا قبض الثمن كان أمانة فى يده غير مضمون عليه لأنه قبضه واذا اشترى به وسلمه زال الضمان وقبضه للبيع قبض أمانة وان ظهر بالمبيع عيب فرد عليه أو وجد هو بما اشتراه عيبا فرده وقبض الثمن كان مضمونا عليه لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال به
(1)
.
ويصح توكيل المسلم كافرا فيما يصح تصرفه فيه سواء كان ذميا أو مستأمنا أو حريبا أو مرتدا لأن العدالة لا تشترط فى صحة الوكالة فكذلك الدين كالبيع فان وكل مسلما فارتد لم تبطل وكالته فى أحد الوجهين سواء لحق بدار الحرب أو أقام. وذلك لأنه يصح تصرفه لنفسه فلم تبطل وكالته كما لو لم يلحق بدار الحرب ولأن الردة لا تمنع الوكالة فلا تمنع استدامتها كسائر الكفر.
وفيه وجه آخر أنها تبطل بالردة اذا قلنا أن المرتد تزول أملاكه وتبطل تصرفاته والوكالة تصرف وان ارتد الموكل فيما له التصرف فيه فأما الوكيل فى ماله فينبى على تصرفه نفسه فان قلنا يصح تصرفه لم يبطل توكيله وان قلنا هو موقوف فوكالته موقوفة وان قلنا يبطل تصرفه بطل توكيله وان وكل فى حالى ردته ففيه الوجوه الثلاثة
(2)
وان وكل عبده ثم أعتقه أو باعه لم ينعزل لأن زوال ملكه لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع استدامتها.
وفيه وجه آخر انها تبطل لأن توكيل عبده ليس بتوكيل فى الحقيقة انما هو استخدام بحق الملك فيبطل بزوال الملك وهكذا الوجهان فيما اذا وكل عبد غيره ثم باعه السيد والصحيح الأول لأن سيد العبد اذن له فى بيع ماله والعتق لا يبطل الأذن فكذلك البيع الا أن المشترى ان رضى ببقائه على الوكالة والا بطلت وان وكل عبد غيره فأعتقه.
فقال شيخنا لا تبطل الوكالة وجها واحدا لأن هذا توكيل حقيقة والعتق غير مناف له وان اشتراه الموكل منه لم يبطل لأن ملكه اياه لا ينافى اذنه له فى البيع والشراء وان وكل امرأته ثم طلقها لم تبطل الوكالة لأن زوال النكاح لا يمنع ابتداء الوكالة فلم يمنع استدامتها وان تلفت العين التى وكلت فى التصرف فيها بطلت الوكالة لأن محلها ذهب فذهبت الوكالة كما لو وكله فى بيع عبد فمات.
وكذا لو دفع اليه دينارا ووكله فى الشراء بعينه أو مطلقا لأن ان وكله فى الشراء بعينه فقد استحال الشراء به بعد تلفه فبطلت الوكالة وان وكله فى الشراء مطلقا ونقد الدينار بطلت أيضا لأنه انما وكله فى الشراء به ومعناه أن ينقده ثمن ذلك المبيع أما قبل الشراء أو بعده وقد تعذر ذلك بتلفه ولأنه صح شراؤه للزم الوكيل ثمن لم يلزمه ولا رضى بلزومه وان استقرضه الوكيل
(1)
المغنى والشرح الكبير المرجع السابق ج 5 ص 213 وص 214، 215
(2)
المغنى والشرح الكبير المرجع السابق ج 5 ص 215
وعزل دينارا عوضه واشترى به فهو كالشراء له من غير أذن لأن الوكالة بطلت والدينار الذى عزله لا يصير للموكل حتى يقبضه فاذا اشترى للموكل به شيئا وقف على اجازة الموكل فان أجازه صح ولزمه الثمن والا لزم الوكيل وعنه يلزم الوكيل بكل حال.
وقال القاضى متى اشترى بعين ما له شيئا لغيره بغير اذنه فالشراء باطل لأنه لا يصح أن يشترى بعين ماله ما يملكه غيره
(1)
.
نقل الأثرم عن أحمد فى رجل كان له على آخر دراهم فقال له اذا أمكنك قضاؤها فادفعها الى فلان وغاب صاحب الحق ولم يوصى الى هذا الذى أذن له فى القبض لكن جعله وكيلا وتمكن من عليه الدين من القضاء فخاف أن دفعها الى الوكيل أن يكون الموكل قد مات ويخاف التبعة من الورثة فقال لا يعجبنى أن يدفع اليه لعله قد مات لكن يجمع بين الوكيل والورثة ويبرأ اليهما من ذلك هذا ذكره أحمد على طريق النظر للغريم خوفا من التبعة من الورثة ان كان موروثهم قد مات فانعزل وكيله وصار الحق لهم فيرجعون على الدافع الى الوكيل فاما من طريق الحكم فللوكيل المطالبة وللآخر الدفع اليه فان أحمد قد نص فى رواية حرب اذا وكله وغاب استوفاه الوكيل وهو أبلغ من هذا لكونه يدرأ بالشبهات لكن هذا احتياط حسن وتبرئة للغريم ظاهرا وباطنا وازالة التبعة عنه.
وفى هذه الرواية دليل على أن الوكيل انعزل بموت الموكل وان لم يعلم بموته لأنه اختار أن لا يدفع الى الوكيل خوفا من أن يكون الموكل قد مات فانتقل الى الورثة ويجوز أن يكون اختار أن هذا لئلا يكون القاضى لمن يرى أن الوكيل ينعزل بالموت فيحكم عليه بالغرامة وفيها دليل على جواز تراضى القبول على الايجاب لأنه وكله فى قبض الحق ولم يعلمه ولم يكن حاضرا فيقبل وفيها دليل على صحة التوكيل بغير لفظ التوكيل
(2)
.
وللموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل عزل نفسه وتبطل بموت أحدهما أو جنونه المطبق ولا خلاف فعلمه فى ذلك مع العلم بالحال فمتى تصرف بعد فسخ الموكل أو موته فهو باطل اذا علم ذلك وان لم يعلم بالعزل ولا بموت الموكل ففيه روايتان:
أحدهما ينعزل وهو ظاهر كلام الخرقى فعلى هذا متى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله فتصرفه باطل لأنه رفع عقد لا يفتقر الى رضا صاحبه فصح بغير علمه كالطلاق والعتاق.
والثانية لا ينعزل قبل علمه نص عليه أحمد فى رواية جعفر بن محمد لما فى ذلك من الضرر لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة وربما باع الجارية فيطؤها المشترى أو الطعام فيأكله أو غير ذلك فيتصرف فيه المشترى ويجب ضمانه فيتضرر المشترى والوكيل ولأنه يتصرف بأمر الموكل فلا يثبت حكم الرجوع فى حق المأمور قبل علمه كالفسخ فعلى هذه الرواية متى تصرف قبل العلم صح تصرفه
(3)
.
واذا وقعت الوكالة مطلقة ملك التصرف ابدا ما لم يفسخ الوكالة وتحصل بقوله فسخت الوكالة أو أبطلتها أو نقضتها أو أزلتك أو حرمتك أو عزلتك عنها أو ينهاه عن فعل ما أمر به وما أشبه ذلك من الألفاظ المقتضية عزله والمؤدية معناه أو بعزل الوكيل نفسه أو يوجد
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 216
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 217 نفس الطبعة
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 218 نفس الطبعة
ما يقتضى فسخها حكما على ما تقدم أو يوجد ما يدل على الرجوع عن الوكالة فاذا وكله فى طلاق امرأته ثم وطئها انفسخت الوكالة لأن ذلك يدل على رغبته فيها واختيار لامساكها.
وكذلك لو وطئ الرجعى كان ارتجاعا لها فاذا اقتضى رجعتها بعد طلاقها فلان يقتضى استبقاؤها على نكاحها ومنع طلاقها وأن باشرها دون الفرج أو فعل ما يحرم على غير الزوج فهل تنفسخ الوكالة فى الطلاق يحتمل وجهين بناء على الخلاف السابق فى حصول الرجعة به وان وكله فى بيع عبد ثم كاتبه أو دبره انفسخت الوكالة لأنه على احدى الروايتين لا يبقى محلا للبيع.
وعلى الرواية الأخرى تصرفه فيه بذلك يدل على أنه قصد الرجوع عن بيعه وان باعه بيعا فاسدا لم تبطل الوكالة لأن ملكه فى العبد لم يزل ذكره ابن المنذر
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن فعل الوكيل نافذ فيه أمر به الموكل لازم للموكل ما لم يصح عنده أن موكله قد عزله فاذا صح ذلك عنده لم ينفذ حكمه من حينئذ ويفسخ ما فعله وأما كل ما فعله مما أمر به الموكل من حين عزله الى حين بلوغ الخبر اليه فهو نافذ طالت المدة بين ذلك أو قصرت.
وهكذا القول فى عزل الامام للأمير وللوالى وللقاضى وفى عزل هؤلاء لمن جعل اليهم أن يولوه ولا فرق لأن عزله بغير أن يعلمه بعد أن ولاه وأطلقه على البيع وعلى الابتياع وعلى التذكية والقصاص والانكاح لمسماة ومسما خديعة وغش قال الله تعالى:
«يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ» }.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا فعزله له باطل الا أن يقول أو يكتب اليه ويوصى اليه اذا بلغك رسولى فقد عزلتك فهذا صحيح لأن له أن يتصرف فى حقوق نفسه كما يشاء فاذا بلغه فقد صح عزله وليس للخصم أن يمنع من يخاصمه من عزل وكيله وتولية آخر لأن التوكيل فى ذلك قد صح ولا برهان على أن للخصم منعه من عزل من يشاء وتولية من شاء فان قيل أن فى ذلك ضررا على الخصم قلنا لا ضرر عليه فى ذلك أصلا بل الضرر كله هو المنع من تصرف المرء فى طلب حقوقه بغير قرآن أوجب ذلك ولا سنة وهذا هو الشرع الذى لم يأذن الله تعالى به
(2)
.
والوكالة تبطل بموت الموكل بلغ ذلك الى الوكيل أو لم يبلغ بخلاف موت الامام فانه ان مات فلا ولاة لهم نافذة أحكامهم حتى يعزلهم الامام الوالى وذلك لقول الله تعالى:
«وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها» والمال قد انتقل بموت الموكل الى ورثته فلا يجوز فى مالهم حكم من لم يوكله وليس كذلك الامام لأن المسلمين لا بد لهم ممن يقوم بأمرهم وقد قتل أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم بمؤتة كلهم فتولى الأمر خالد بن الوليد من غير أن يؤمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رجع بالمسلمين وصوب عليه السلام ذلك وقد مات عليه السلام وولاته باليمن ومكة والبحرين وغيرها فنفذت أحكامهم قبل أن يبلغهم موته عليه
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 218 الطبعة المتقدمة
(2)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 246 مسألة رقم 1365
الاسلام ولم يختلف أحد من الصحابة رضى الله تعالى عنهم
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه لا انعزال لوكيل مدافعه حيث طلبه الخصم نحو أن يقول وكل فلانا فى مدافعتى أو نحو ذلك فوكله أو لم يطلبه لكنه نصب بحضرته أو لا أيهما ولكنه قد خاصم بعض الخصومة لم يكن له أن يعزله أيضا ولا له أن يعزل نفسه الا فى وجه ذلك الخصم الذى خاصمه وأما فى غير ذلك وهو حيث لم يكن اتفق أى هذه الوجوه الثلاثة أو لم يكن وكيل مدافعه فانه يجوز أن يعزل ولو فى الغيبة أى غيبته عن الأصل وغيبة خصمه.
ويجوز للوكيل أن يعزل نفسه فى وجه الأصل لا فى غيبته.
هذا قول أبى طالب يحيى بن الحسين الهارونى وأحد قولى أحمد بن الحسين الذى قال بل يجوز له عزل نفسه فى غيبة الأصل
(2)
.
وكل عقد جائز من كلا الطرفين أو من أحدهما فانه ليس لأحد المتعاقدين فى العقود الجائزة من طرفيها أو من أحدهما أن يفسخها الا فى حضرة صاحبه والجائز من كلا الطرفين كبيع فيه الخيار للبائع والمشترى جميعا وكالشركة والمضاربة ومعنى كونه جائزا أن لكل واحد منهما أن يفسخ ذلك متى شاء لكنه يحتاج عند الفسخ الى حضور صاحبه على الخلاف فى عزل الوكيل نفسه والجائز من أحدهما كالخيار، للبائع أو للمشترى والرهن من جهة المرتهن والكتابة جائزة من جهة العبد.
وينعزل الوكيل أيضا بموت الأصل وهو الموكل واذا تصرف الموكل فى الشئ الذى وكل فيه كان تصرفه عزلا للوكيل والتصرف ويجوز أن يبيعه أو يهبه أو يكاتبه.
قال عليه السلام وكذا اذا أجره غير الاستعمال ونحوه كالعارية والتزويج فانهما لا يبطلان الوكالة واذا ارتد الموكل انعزل الوكيل بردته من اللحوق بدار الحرب فان لم يلحق كان تصرف الوكيل موقوفا كتصرف الموكل فأما لو ارتد الوكيل بردة ولحق بدار الحرب فمفهوم كلام صاحب الواقى أن الوكالة تبطل لانقطاع الأحكام فان ارتد ولم يلحق بدار الحرب لم تبطل اذ يصح توكيل المرتد وهذا فيما يصح توكيل الكافر فيه فلا تبطل بالردة نعم فلا يتصرف الوكيل بعد الانعزال بأحد أمور ثلاثة وهى الموت وتصرف الموكل والردة مع اللحوق الا فى حق قد كان تعلق به نحو أن يكون قد باع ما وكل بيعه ثم انعزل قبل قبض الثمن فانه لا يبطل بالانعزال تولية لقبض الثمن ويكفى خبر الواحد بأن موكله قد عزله أو مات أو ارتد ولحق بدار الحرب فلا يصح تصرفه بعد ذلك وسواء كان المجند عدلا أم لا سواء حصل للوكيل ظن بصدقه أم لا.
قال عليه السلام ما لم يغلب فى الظن كذب الخبر.
قال الفقيه بن يحيى على الوشلى والمراد أيضا الحكم فى الباطن أما حكم الظاهر فلا يثبت العزل بشهادة عدلين.
وقال المؤيد بالله أن الخبر ان أفاد الظن صح ولم يعتبر عددا مناصفة وان لم يفد الظن فلا بد من العدد والصفة.
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 247 مسألة 13661
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 256، 257
قال على بن يحيى الوشلى ولعلى أبا طالب لا يخالف المؤيد بالله فى ذلك.
قال مولانا عليه السلام وظاهر حكاية الشرح أنه يخالف.
قال أبو بكر الرازى أما لو كان المجز بالعزل رسول الموكل فلا خلاف أنه يقبل وكذا فى الكافى ما لم يغلب فى الظن كذبه.
واذا زال عقل الوكيل فقد خرج عن الوكالة ولكنها تعود وكالته بعود عقله.
ذكره صاحب الوافى ولم يفصل بين أن يكون باغماء أو بجنون.
وقال المؤيد بالله لا يبطل بالاغماء وشبهه بالنوم وقول صاحب الواقى فان رجع عقله عاد وكيلا فيه ضعف ولعله فخالف لقول أهل المذهب ان كل ولاية مستقادة اذا بطلت لم تعد بلا تجديد والوكالة أضعف من الولاية
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة أن الوكالة عقد جائز من الطرفين لكل منهما فسخها.
وفى مجموع البرهان الظاهر أنه لا خلاف فيه وقد تجب فى عقد لازم وقال كأنه لا خلاف فى جواز فسخ الوكيل وكالة نفسه بحضور الموكل وغيبته بأذنه وعدمه ولكأنه مجمع عليه.
وكذا الموكل فى الجملة بأن يعزل الوكيل بحضوره والظاهر أن العزل باخبار الثقة لا يكون فيه خلاف وتبطل بموت كل منهما من غير خلاف وفى الغنية أنها تبطل بموت الموكل بلا خلاف وظاهره ففيه بين المسلمين وما حكاه عنها فى الرياض لم يصادف الواقع وقضية ذلك أنه لو تصرف بعد موت الموكل قبل أن يبلغه خبره وقع باطلا موقوفا على اجازة الورثة وتبطل بجنون كل منهما أو اغمائه.
وفى المسالك لا فرق عندنا بين طول زمان وقصره ولا بين الجنون المطبق والادوارى وكذا لا فرق بين أن أنها تبطل بالجنون المطبق فهو مخالف فيهما ويظهر من التذكرة فى مسئلة العزل الاجماع على أنه لو تصرف بعد جنون الموكل ولما يبلغه الخبر وقع باطلا ولا ريب فى بطلانها بالردة عن فطرة كما صرح به فى جامع الشرائع
(2)
.
وقال الشيخ والقاضى لا تبطل بردة الوكيل والموكل وقد صرح فى التذكرة وغيرها انما لا تبطل بالسكر الا أن يشترط فى الوكيل العدالة كوكيل ولى اليتيم وولى الوقف وفى مجمع البرهان أنها لا تبطل بالنوم المتطاول وزاد فى اللمعة ما لم يؤم الى الاغماء وهو خروج عن محل الفرض لأنها تبطل حينئذ من حيث الاغماء لا من حيث النوم وعدم البطلان بالنوم مطلقا ضرورى والا لم تبق وكالة يوما وليلة فضلا عن الزائد لكنه فى المبسوط لم يقيده بالمتطاول بل اطلق وتبطل بالحجر على الموكل لسفه أو فلس ولا تبطل بفسق الوكيل فلو فسق الوكيل لم ينعزل عن الوكالة اجماعا لأنه من أهل التصرف وبالحكم صرح جماعة ويستثنى من ذلك ما تشترط فيه أمانة الوكيل كولى اليتيم وولى الوقف على المساكين فانه ينعزل فى ذلك بالفسق لخروجه عن أهلية التصرف وحاصله أن كل موضع يشترط فيه لصحة التوكيل كون الوكيل عدلا فان الوكالة تبطل فيه لو فسق الوكيل بخروجه عن أهلية التصرف وذلك كوكيل ولى اليتيم بفسق نفسه ينعزل بفسق موكله لخروجه
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 260 نفس الطبعة.
(2)
مفتاح الكرامة ج 7 ص 615 وما بعدها
عن أهلية التوكيل والتصرف ولا تبطل بالتعدى مثل أن يلبس الثوب أو يركب الدابة وان لزمه الضمان فاذا سلمه الى المشترى برئ من الضمان ولو قبض الثمن لم يكن مضمونا فان رد المبيع عليه بعيب عاد الضمان لانتفاء العقد المزيل له على اشكال وتبطل بعزل الوكيل نفسه فى حضرة الموكل وغيبته وبعزل الوكيل نفسه فى حضرة الموكل وغيبته وبعزل الموكل له سواء أعلن العزل أو لا على رأى لم يوافق عليه أحد بل سالم الناس على خلافه نعم.
قال الفاضل القطيفى انه مقتضى النظر أن الأصل جواز الفسخ والا لكان لازما وأنه يشترط فى صحة فعل الوكيل رضا الموكل وأن التجارة لا بد من أن تكون عن تراض ومن المعلوم عدم الرضا بعد الفسخ والعزل وان العزل رفع عقد لا يفتقر الى رضا صاحبه فلا يفتقر الى علمه كالطلاق والعتق وأنه قد يلزم الحرج والضيق فانه قد تعرض له المصلحة ولا يتمكن من الاعلام والاشهاد والرجعة فى الطلاق فلا بد من أن يكون له سبيل الى ذلك وأنه لو العبد الذى وكله فى بيعه أو أعتقه لانعزل.
وكذا لو باعه فاذا لم يعتبر العلم فى العزل الضمنى ففى صريح العزل أولى.
وللرواية التى أرسلها الشيخ فى الخلاف والمبسوط من أن الوكالة تنفسخ فى الحال ولا يقف الفسخ على علم الوكيل
(1)
.
وتبطل الوكالة بتلف متعلق الوكالة كموت العبد الموكل فى بيعه وكذا تبطل لو وكله فى الشراء فيه سواء وكله فى الشراء بعينه أو مطلقا وذلك.
بدينار دفعه اليه فضاع أو أقرض الوكيل وتصرف لفوات متعلق الوكالة الضمنى لأنه وكله فى الشراء به ومعناه أن ينقده ثمنا قبل الشراء أو بعده كما صرح بذلك كله فى التذكرة وفى جامع المقاصد أن على ظاهره مواخذة لأنه ليس معنى التوكيل فى ذلك أن ينقده ثمنا قبل الشراء وهو ظاهر فلو عزل الوكيل عوضه دينارا واشترى به وقف على الاجازة فانه اجازه والا وقع عن الوكيل.
قال فى التذكرة اذا استقرضه الوكيل ثم عزل دينارا عوضه واشترى به فهو كالشراء له من غير اذن لأن الوكالة بطلت والدينار الذى عزله عوضا لم يصر للموكل حتى يقبضه فان اشترى به للموكل وقف على اجازته فان أجاز لزمه الثمن والا لزم الوكيل الا أن يسميه فى العقد أى فيبطل اذا صدقه البائع أو قامت له البينة على ذلك والا وقع للوكيل ظاهرا ولو وكله فى نقل زوجته أو بيع عبده أو قبض داره من فلان فثبت بالبينة طلاق الزوجة وعتق العبد وبيع الدار بطلت الوكالة كذا فى جامع المقاص لزوال تصرف الموكل الذى هو المدار فى صحة الوكالة وتبطل الوكالة بفعل الموكل متعلق الوكالة اذ لا شك فى ثبوت ذلك له قبل الوكالة ومعلوم عدم اقتضاء الوكالة عدمه له اذ لا منافاه بين التوكيل وجواز فعله لنفسه غاية ذلك أن يكون ذلك فسخا ومن المعلوم أنه لم يبق ما وكل فيه فهو بمنزلة تلف ما وكل فيه والظاهر أن مرادهم بفعله متعلق الوكالة انما هو الفعل الصحيح.
وفى التذكرة أنه لو باعه بيانا فاسدا احتمل البطلان
(2)
.
قال صاحب مفتاح الكرامة ان علم بالفساد لا تبطل لعدم حصول ما يقتضى العزل لأن فاسد العقد لا يقتضى الخروج عن الملك فلا يدل على
(1)
مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة للسيد محمد الجواد بن محمد الحسينى العالمى ج 7 ص 615 وما بعدها طبع مطبعة الشورى بمصر سنة 1326
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 615، 617
العزل بوجه وأما جهله بالفساد فقد استكمل فيه صاحب القواعد.
وفى مجمع البرهان ما حاصله ان قلنا ان عزمه على البيع مثلا مع قصد العزل عزل أو هو معه مع الفعل عزل وان لم يكن الفعل صحيحا وبقى المحل جاء البطلان والا فلا والظاهر لبطلان وقد أفصحت الأخبار عن بقاء الوكالة حتى يبلغه العزل وقد تخص الأخبار بالقول لأنه ينعزل بفعل الموكل ذلك بنفسه اذا كان صحيحا قطعا ولا فرق فى ذلك بين علم الوكيل وعدمه قبل فعله ما وكل فيه ولا فرق فى البيع الصحيح بين كونه بخيار لهما أو لأحدهما كما هو مقتضى اطلاقهم ومثل بيع العبد الموكل فى بيعه اجارته ومثله تزويج جاريته.
وكذا تبطل بفعل ما ينافيها مثل أن يوكله فى طلاق زوجته ثم يطؤها فانه يدل عرفا على الرغبة واختيار الامساك.
وكذا لو وطئها بعد طلاقها رجعيا كان ذلك ارتجاعا فاذا اقتضى الوط ء رجعتها بعد طلاقها فلأن يقتضى استبقاءهما على زوجيها ومنع طلاقها أولى وان باشرها فيما دون الفرج أو قبلها أو فعل ما يحرم على غير الزوج فهل تنفسخ الوكالة فى الطلاق اشكال ينشأ من حصول الرجعة به وعدمه.
وكذا تبطل لو فعل ما يحرم على غير الزوج هذا بخلاف التوكيل فى بيع سريته.
قال فى جامع المقاصد أن الفرق غير ظاهر لأن الوط ء أن نافى الوكالة فى الطلاق من حيث الدلالة على الرغبة نافى الوكالة فى البيع.
قال صاحب مفتاح الكرامة قد تقدم فى باب بيع الحيوان أن وط ء الأمة يمنع من صحة بيعها فلو باعها من غير استبراء أثم وصح ولو وكله فى بيعه عبده ثم أعتقه عتقا صحيحا أو باعه كذلك بطلت الوكالة ولا تبطل مع فساد بيعه وعتقه مع علمه ومع جهله اشكال الأقرب فى التدبير الابطال ولو بلغ الوكيل الوكالة فردها بطلت وافتقر الى تجديد عقد وله أن يتصرف بالأذن مع جهل الموكل مع علمه أشكال وتجدد الوكيل الوكالة مع العلم رد لها على اشكال لا مع الجهل أو غرض الاخفاء وصورة العزل أن يقول الموكل فسخت الوكالة أو نقضتها أو أبطلتها أو عزلتك أو صرفتك عنها أو أزلتك عنها أو ينهاه عن فعل وكل فيه وفى كونه انكار الموكل الوكالة فسخا نظر
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل ان مات موكل قبل أخذ موكله أو مأموره أو خليفته دينه أو حقا له بطلت وكالته أن علم بموته وان أخذ بعد علمه فما أخذ فهو فى ضمانه لمن عليه الحق وورثة الموكل بالخيار ان شاءوا لم يقبضوا ولو قبض ما وافق حقهم وقبضوا ممن عليه الحق وان شاءوا قبضوا وأما التغريم فلا خيار له ان أعطى مع علمه بموت الموكل وان لم يعلم الوكيل بموت الموكل فقبض ممن عليه الحق ففى بطلان وكالته فيما فعل خلاف غير مصرح به بل انما ثبت فى الوجه الأظهر من وجهى التردد فعلى أنها بطلت يرد ما أخذ الى من أعطاه فان ضاع ضاع عليه وللورثة حقهم على من كان عليه الا أن رضى للورثة أخذه ورضى من عليه الحق أن يأخذوه ورضى الوكيل وان لم يرضى واحد من هؤلاء فلا يدرك عليه ما لم يرضى ولو وصل بأيدى الورثة لأن ذلك الحق باطل فلا يصح الا باتمامه وعلى أنها لم تبطل لا يرده بل يوصله الى الورثة فان ضاع بلا تضييع منه ضاع عليهم وهذا الخلاف
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 618 الى ص 624
متخرج من الخلاف فى بطلان وكالة المنزوع من الوكالة بلا علم منه والذى يصح بطريق الاستخراج من كلامهم فى بعض مسائل النكاح بطلان الوكالة بموت الموكل حتى أنه يضمن الوكيل ما يفعل بعد موت الموكل كما تدل له مسائل النكاح.
قالوا فى الديوان وان تزوج له الوكيل ووجده ارتد أن جن فلا يدرك على الموكل ما صرف عليها.
وصرح قومنا بالخلاف فى انقطاع الوكالة وما ترتب عليها ان مات الموكل بلا علم من التوكيل
(1)
وان خرج من الوكالة أو الاستخلاف أو الآمر على أخذ الحق قبل أخذه بلا علمه بالنزاع فأخذه بعد النزع فخلف أيضا بطلان وكالته وما بعدها فى فعله من الآخذ وهو خلاف صريح فقبل بطل أخذه ولصاحب الحق حقه على من كان عليه قبل وان ضاع ضمنه أن علم معطيه بالموت فأعطاه مع ذلك فلا ضمان عليه ان لم يضيع وان رضى الورثة ولم يرجع الآخذ جاز وقيل لم يبطل فقد برئ من عليه الحق وان ضاع بلا تضييع لم يضمن وان ضيع ضمن للورثة والمختار ان فعله صحيح ماض لأنه علم بالنزاع أو بالموت
(2)
.
ما يفسد الوصية وما لا يفسدها
وما يترتب على ذلك
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الوصية عقد غير لازم فى حق الموصى حتى يملك الرجوع عندنا مادام حيا لأن الموجود قبل موته مجرد ايجاب وهو محتمل فى عقد المعاوضة فهو بالتبرع أولى كما فى الهبة والصدقة الا بالتدبر المطلق خاصة فانه لازم لا يحتمل الرجوع أصلا وان كان وصية لأنه ايجاب يضاف الى الموت ولهذا يعتبر من الثلث لأنه سبب لثبوت العتق والعتق لازم.
وكذا بين لأنه حكم لازم وكذا التدبير المقيد لا يحتمل الرجوع نصا ولكنه يحتمل دلالة بالتمليك من غيره لأن العتق فيه يتعلق بموت موصوف بصفة وقد لا توجد تلك الصفة فلا يستحكم السبب ثم الرجوع قد يكون نصا وقد يكون دلالة وقد يكون ضرورة.
أما النص فهو أن يقول الموصى رجعت وأما الدلالة فقد تكون فعلا وقد تكون قولا وهو أن يفعل فى الموصى به فعلا يستدل به على الرجوع أو يتكلم بكلام يستدل به على الرجوع وبيان هذه الجملة أن يفعل فى الموصى به فعلا لو فعله فى المغصوب لانقطع به ملك المالك فانه يكون رجوعا كما اذا أوصى بثوب ثم قطعه وخاطه قميصا أو قباء أو أوصى بقطن ثم عزله أو لم يغزله ثم نسجه أو أوصى بحديدة ثم صنع منها أناء أو سيفا أو سكينا أو أوصى بفضة ثم صاغ منها حليا ونحو ذلك لأن هذه الأفعال لما أوجبت بطلان حكم ثابت فى المحل وهو الملك فلأن توجب بطلان مجرد كلام من غير حكم أصلا أولى ثم وجه الدلالة منها على التفصيل أن كل واحد منها تبديل العين وتصييرها شيئا آخر معنى وأسما فكان استهلاكا من حيث المعنى فكان دليل الرجوع فصار كالمشترى بشرط الخيار اذا فعل فى المبيع فعلا يدل على ابطال الخيار يبطل خياره والأصل فى اعتبار الدلالة اشارة النبى صلى الله عليه وسلم بقوله للمخيرة ان وطئك زوجك فلا خيار لك ولو أوصى بقميص ثم نقضه فجعله قباء فهو رجوع لأن الخياطة فى ثوبه غير
(1)
شرح النيل وشتاء العليل للشيخ محمد أطفيش الجزء الرابع طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاء ص 487، 488
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 488 الطبعة السابقة
كنقوض دليل الرجوع فمع النقض أولى وان نقضه ولم يخطه فالأشهر أنه ليس برجوع لأن العين بعد النقض قائمة تصلح لما كانت تصلح له قبل النقض ولو باع الموصى به أو أعتقه أو أخرجه عن ملكه بوجه من الوجوه كان رجوعا لأن هذه التصرفات وقعت صحيحة لمصادفتها ملك نفسه فأوجبت زوال الملك فلو بقيت الوصية مع وجودها لتعينت فى غير ملكه ولا سبيل اليه.
ولو باع الموصى به ثم اشتراه أو وهبه وسلم ورجع فى الهبة لا تعود الوصية لأنها قد بطلت بالبيع والهبة مع التسليم لزوال الملك والعائد ملك جديد غير موصى به فلا تصير موصى به.
ولو أوصى بعبد فغصبه رجل ثم رده بعينه فالوصية على حالها لأن الغصب ليس فعل الموصى والموصى به على حاله فبقيت الوصية الا اذا استهلكه الغاصب أو هلك فى يده فتبطل الوصية لبطلان محل الوصية وكذا أوصى بعبد ثم دبره أو كاتبه أو باع نفسه منه كان رجوعا لأن التدبير اعتاق من وجه أو مباشرة سبب لازم لا يحتمل الفسخ والنقض وكل ذلك دليل الرجوع والمكاتبة معاوضة الا أن العوض متأخرا الى وقت أداء البدل فكان دليل الرجوع كالبيع وبيع نفس العبد منه اعتاق فكان رجوعا.
ولو أوصى بعبد لانسان ثم أوصى أن يباع من انسان آخر لم يكن رجوعا وكانت الوصية لهما جميعا لأنه لا تنافى من الوصيتين لأن كل واحدة منهما تمليك الا أن احداهما تمليك بغير بدل والأخرى تمليك ببدل فيكون العبد بينهما نصفه لوصى له به ونصفه يباع للوصى له بالبيع.
ولو أوصى أن يعتق عبده ثم أوصى بعد ذلك أن يباع من فلان أو أوصى أولا بالبيع ثم أوصى بالاعتاق كان رجوعا لما بين الوصيتين من التنافى اذ لا يمكن الجمع بين الأعتاق والبيع فكأن الاقدام على الثانية دليل الرجوع عن الأولى وهذا هو الأصل فى جنس هذه المسائل أنه اذا أوصى بوصيتين متنافتين كانت الثانية مبطلة للأولى وهو معنى الرجوع وان كانتا غير متنافتين نفذتا جميعا، ولو أوصى بشاة ثم ذبحها كان رجوعا لأن الملك فى باب الوصية يثبت عن الموت والشاة المذبوحة لا تبقى الى وقت الموت عادة بل تفسد فكان الذبح دليل الرجوع.
ولو أوصى بثوب ثم غسله أو بدار ثم جصصها أو هدمها لم يكن شئ من ذلك رجوعا لأن الغسل ازالة الدرن والوصية لم تتعلق به فلم يكن الغسل تصرفا فى الموصى به وتجصيص الدار ليس تصرفا فى الدار بل فى البناء لأن الدار اسم للعرصة والبناء بمنزلة الصفة فيكون تبعا لدار والتصرف فى التبع لا يدل على الرجوع عن الأصل ونقص البناء فى تصرف البناء والبناء صفة وهى تابعة.
ولو أوصى لرجل أن يشترى له عبد بعينه ثم رجع العبد الى الموصى بهبة أو صدقة أو وصية أو ميراث فالوصية لا تبطل ويجب تنفيذها لأن الوصية ما وقعت بثمن العبد بل بعين العبد وهو مقصود الموصى وانما ذكر الشراء للتوسل به الى ملكه وقد ملكه فتنفذ فيه الوصية. ولو أوصى بشئ لانسان ثم أوصى به الآخر فجملة الكلام فيه أنه اذا أعاد عن الوصية الثانية الوصية الأولى والموصى له الثانى محل قابل للوصية كان رجوعا مالى لفلان ثم قال أوصيت بثلث مالى لفلان آخر ممن تجوز له الوصية فالثلث بينهما نصفان وكذا لو قال أوصيت بهذا العبد لفلان وهو يخرج من الثلث ثم قال أوصيت به لفلان آخر ممن تجوز له الوصية كان العبد بينهما نصفين.
ولو قال أوصيت بثلث مالى لفلان أو بعبدى هذا لفلان ثم قال الذى أوصيت به لفلان أو العبد الذى أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعا عن الأولى وامضاء للثانية وانما كان كذلك لأن الأصل فى الوصية بشئ لانسان ثم الوصية به الآخر هو الاشراك لأن فيه عملا بالوصيتين بقدر الامكان والأصل فى تصرف العاقل صيانته عن الأبطال ما أمكن وفى الحمل على الرجوع ابطال احدى الوصيتين من كل وجه وفى الحمل على الاشراك عمل بكل واحد منهما من وجه فيحمل عليه ما أمكن وعند الاعادة وكون الثانى، محلا للوصية لا يمكن الحمل على الاشراك لأنه لما أعاد علم أنه أراد نقل تلك الوصية من الأول الى الثانى ولا ينتقل الا بالرجوع فكان ذلك منه رجوعا هذا اذا قال الوصية التى أوصيت بها لفلان فهى لفلان وكذا اذا قال الوصية التى أوصيت بها لفلان قد أوصيتها لفلان أو فقد أوصيتها لفلان أما اذا قال وقد أوصيت بها لفلان فهذا يكون اشراكا لأن الواو للشركة والاجتماع ولو قال كل وصية أوصيت بها لفلان فهى باطلة فهذا رجوع لأنه نص على ابطال الوصية الأولى.
وهو من أهل الابطال والمحل قابل للبطلان فتبطل وهو معنى الرجوع ولو قال كل وصية أوصيت بها لفلان فهى حرام أو هى ربا لا يكون رجوعا لأن الحرمة لا تنافى الوصية فلم يكن دليل الرجوع.
ولو قال كل وصية أوصيت بها لفلان وأرثى كان هذا رجوعا عن وصيته لفلان ووصيته للوارث فيقف على أجازة الورثة لأنه نقل الوصية الأولى بعينها الى من يصح النقل اليه لأن الوصية للوارث صحيحة بدليل أنها تقف على أجازة بقية الورثة والباطل لا يحتمل التوقف.
واذا انتقلت اليه لم يبق للأول ضرورة وهذا معنى الرجوع ثم أن أجازت بقية الورثة الوصية لهذا الوارث نفذت وصار الموصى به للموصى له وان ردوا بطلت ولم يكن للموصى له الأول لصحة الرجوع لانتقال الوصية منه وصار ميراثا لورثة الموصى كما لو رجع صريحا.
ولو قال الوصية التى أوصيت بها لفلان فهى لعمرو ابن فلان وعمرو حى يوم قال الموصى هذه المقالة كان رجوعا عن وصيته لأن الوصية لعمرو وقعت صحيحة لأنه كان حيا وقت كلام الوصية فيصح النقل اليه فصح الرجوع.
ولو كان عمرو ميتا يوم كلام الواصى لم تصح الوصية لأن الميت ليس بمحل الوصية فلم يصح ايجاب الوصية له فلم يثبت ما فى ضمنه وهذا الرجوع.
ولو كان عمرو حيا يوم الوصية حتى صحت ثم مات عمرو قبل موت الموصى بطلت الوصية لأن نفاذها يكون عند موت الموصى وقد تعذر تنفيذ تلك الوصية عند موت الموصى له ميتا فكان المال كله للورثة.
ولو قال الثلث الذى أوصيت به لفلان فهو لعقب عمرو فاذا عمرو حى ولكنه مات، قبل موت الموصى فالثلث لعقبه ويكون رجوعا عن وصية فلان لأن قوله لعقب عمرو قد وقع صحيحا اذا كان لعرو عقب يوم موت الموصى لأن عقب الرجل من يعقبه بعد موته وهو ولده.
فلما مات عمرو قبل موت الموصى فقد صار ولده عقبا له يوم نفاذ الايجاب وهو يوم موت الموصى فصحت الوصية كما لو أوصى بثلث ماله لولد فلان ولا ولد له يومئذ ثم ولد له ولد ثم مات الموصى فان الثلث يكون له كذا ههنا.
ثم اذا صح ايجاب الثلث له بطل حق الأول فان مات عقب عمرو بعد موت عمرو وقبل موت الموصى رجع الثلث الى الورثة لأن الايجاب الأول قد صح لكونهم عقبا لعمرو فثبت الرجوع عن الأول.
ثم بطل استحقاقهم بموتهم قبل موت الموصى فلا يبطل الرجوع ولو مات الموصى فى حياة عمرو فالثلث للموصى له لأن الموصى قد مات ولم يثبت للموصى لهم اسم العقب بعد فبطل الايجاب لهم أصلا فبطل ما كان ثبت فى ضمنه وهو الرجوع عن الوصية الأولى.
ولو أوصى ثم جحد الوصية ذكر فى الأصل أنه رجوعا ولم يذكر خلافا قال المعلى عن أبى يوسف فى نوادره.
قال أبو يوسف رحمه الله تعالى فى رجل أوصى بوصية ثم عرضت عليه من الغد.
فقال لا أعرف هذه الوصية قال هذا رجوع منه وكذلك لو قال لم أوصى بهذه الوصية.
قال وسألت محمدا رحمه الله تعالى عن ذلك فقال لا يكون الحجد رجوعا وذكر فى الجامع أنه اذا أوصى بثلث ماله لرجل.
ثم قال بعد ذلك اشهدوا انى لم أوصى لفلان بقليل ولا كثير لم يكن هذا رجوعا منه عن وصية فلان ولم يذكر خلافا فيجوز أن يكون ما ذكر فى الأصل.
قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وما ذكر فى الجامع قول محمد رحمه الله تعالى.
ويجوز أن يكون فى المسئلة روايتان ووجه ما ذكر فى الجامع أن الرجوع عن الوصية يستدعى سابقيه وجود الوصية والحجود انكار وجودها أصلا فلا يتحقق فيه معنى الرجوع فلا يمكن أن يجعل رجوعا.
ولهذا لم يكن جحود النكاح طلاقا ولأن انكار الوصية بعد وجودها يكون كذبا محرضا فكان باطلا لا يتعلق به حكم كالاقرار الكذب حتى لو أقر بجارية لانسان كاذبا.
والمقر له يعلم ذلك لا يثبت الملك حتى لا يحل وطؤها وكذا سائر الأقارير الكاذبة تكون باطلة فى الحقيقة كذا الانكار الكاذب.
ووجه ما ذكر فى الأصل أن معنى الرجوع عن الوصية هو فسخها وابطالها وفسخ العقد كلام يدل على عدم الرضا بالعقد السابق وبثبوت حكمه.
والجحود فى معناه لأن الجاحد لتصرف من التصرفات غير راض به وبثبوت حكمه فيتحقق فيه معنى الفسخ فحصل معنى الرجوع.
وروى ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى لو أن رجلا أوصى بوصايا الى رجل فقيل له انك ستبرأ.
فأخر الوصية فقال أخرتها فهذا ليس برجوع ولو قيل له أتركها.
فقال قد تركها فهذا رجوع لأن الرجوع عن الوصية هو ابطال الوصية والتأخير لا ينبئ عن الابطال.
والترك ينبئ عنه الا يرى أنه لو قال أخرت الدين كان تأجيلا له لا ابطال ولو قال تركته كان ابراء.
روى بشر عن أبى يوسف رحمه الله تعالى فى رجل أوصى بثلث ماله لرجل مسمى وأخبر الموصى أن ثلث ماله ألف.
أو قال هو هذا فاذا ثلث ماله أكثر من ألف فان أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال ان له الثلث من جميع ماله والتسمية التى سمى باطلة لا ينقض الوصية خطوءه فى ماله انما غلط فى الحساب.
ولا يكون رجوعا فى الوصية وهذا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لأنه لما أوصى بثلث ماله.
فقد أتى بوصية صحيحة لأن صحة الوصية لا تقف على بيان مقدار الموصى به.
فوقعت الوصية صحيحة بدونه ثم بين المقدار وغلط فيه والغلط فى قدر الموصى به لا يقدح فى أصل الوصية فبقيت الوصية متعلقة بثلث جميع المال.
ولأنه لا يحتمل أن يكون هذا رجوعا عن الزيادة على القدر المذكور ويحتمل أن يكون غلطا فوقع الشك فى بطلان الوصية.
فلا تبطل مع الشك على الأصل المعهود أن الثابت بيقين لا يزول بالشك
(1)
.
أما الرجوع الثابت من طريق الضرورة فنوعان أحدهما أن يتصل بالعين الموصى به زيادة لا يمكن تسليم العين بدونها.
كما اذا أوصى بسويق ثم لته بالسمن لأن الموصى به اتصل بما ليس موصى به بحيث لا يمكن تسليمه بدونه لتعذر التمييز بينهما.
فثبت الرجوع ضرورة وكذا اذا أوصى بدار ثم بنى فيها أو أوصى بقطن ثم حشاه جبة فيه أو أوصى ببطانة ثم بطن بها أو بظهارة ثم ظهر بها لأنه لا يمكن تسليم الموصى به الا بتسليم ما اتصل به.
ولا يمكن تسليم الا بالنقض ولا سبيل الى التكليف بالنقض لأنه تصرف فى ملك نفسه فجعل رجوعا من طريق الضرورة.
والثانى أن يتغير الموصى به بحيث يزول معناه واسمه سواء كان التغيير الى الزيادة أو الى النقصان.
كما اذا أوصى لانسان بثمر هذا النخل ثم لم يمت الموصى حتى صار سرا أو أوصى له بهذا اللبس.
ثم صار رطبا أو أوصى بهذا العنب زبيبا أو بهذا السنبل فصار حنطة أو بهذا القصيل فصار شعيرا أو بالحنطة المبذورة فى الأرض فنبتت وصارت بقلا أو بالبيضة فصارت فرخا أو نحو ذلك.
ثم مات الموصى بطلت الوصية فيما أوصى به فيثبت الرجوع ضرورة هذا اذا تغير الموصى به قبل موت الموصى به لأنه صار شيئا آخر لزوال معناه واسمه
(2)
.
فتتعذر تنفيذ الوصية فيما أوصى به ولو أوصى برطب هذا النخل فصار مؤبرا.
فالقياس أن تبطل الوصية لتغير الموصى به وهو الرطب من الرطوبة الى البيوسة وزوال اسمه وفى الاستحسان لا تبطل لأن معنى الذات لم يتغير من كل وجه بل بقى من وجه.
ألا يرى أن غاصبا لو غصب رطب انسان فصار ثمرا فى يده لا ينقطع حق المالك بل يكون له الخيار ان شاء أخذه تمرا وأن شاء ضمنه رطبا مثل رطبة.
وتبطل الوصية بجنون الموصى جنونا
(3)
مطبقا لأن الوصية عقد جائز كالوكالة فيكون لبقائه حكم الانشاء.
كالوكالة فتعتبر أهلية العقد الى وقت الموت كما تعتبر أهلية الأمر فى باب الوكالة ولو أغمى عليه لا تبطل
(4)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشمائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 380 الطبعة الأولى بالجمالية سنة 1328 سنة 1910
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 384، 385 نفس الطبعة
(3)
الجنون المطبق هو أن يمتد شهرا عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وعن محمد رحمه الله تعالى يمتد سنة (بدائع الصنائع ج 7 ص 394 الطبعة السابقة
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 394 الطبعة السابقة
لأن الاغماء لا يزيل العقل ولهذا لم تبطل الوكالة بالاغماء.
وتبطل بموت الموصى له قبل موت الموصى لأن العقد وقع له لا لغيره فلا يمكن ابقاؤه على غيره.
وتبطل بهلاك الموصى به اذا كان عينا مشارا اليها لبطلان محل الوصية أعنى محل حكم.
ويستحيل ثبوت حكم التصرف أو بقاؤه بدون وجود محله أو بقاؤه كما لو أوصى بهذه الجارية أو بهذه الشاه.
فهلكت الجارية والشاة وهل تبطل الوصية باستثناء كل الموصى به فى كلام متصل اختلف فيه.
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تبطل وبطل الاستثناء وللموصى له جميع ما أوصى له به.
وقال محمد رحمه الله تعالى يصح الاستثناء.
وتبطل الوصية ولا خلاف فى أن الكل من الكل فى باب الاقرار باطل ويلزم المقر جميع ما أقر به.
وجه قول محمد أن الاستثناء ههنا رجوع عما أوصى به.
والوصية محتملة لرجوع فيحمل على الرجوع.
وبهذا فارقت الاقرار لأن الاقرار بالمال مما لا يحتمل الرجوع فيبطل الاستثناء ويبقى المقر به على حاله.
ولأبى حنيفة وأبى يوسف أن هذا ليس باستثناء ولا رجوع فيبطل الاستثناء رأسا وتبقى الوصية صحيحة وذلك لأن الاستثناء تكلم بالباقى بعد الثنيا والا والاستخراج بعض الجملة الملفوظة.
ولا يوجد ذلك فى استثناء الكل من الكل.
والرجوع فسخ الوصية وابطالها ولا يتصور ذلك فى الكلام المتصل.
ولهذا شرطنا لجواز الفسخ فى الأحكام الشرعية أن يكون النص الناسخ متراخيا عن المنسوخ.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل أن الوصية تبطل بردة الموصى ان مات على ذلك.
وان لم يمت فان تاب وكانت الوصية مكتوبة صحت.
وروى عن المدونة أنه اذا قتل المرتد على ردته بطلت وصاياه قبل الردة وبعدها.
وجاء فى مواهب الجليل أن الوصية تبطل بموت الموصى له قبل موت الموصى
(1)
.
ورجوعه فيها وان بمرض فاذا قال اشهدوا أنى قد أبطلت كل وصية تقدمت فانها تبطل الاوصية.
قال لا رجوع لى فيها فانها لا تبطل حتى ينص عليها.
ونقله فى الشامل وذكر المشذالى رحمه الله تعالى فى حاشيته على المدونة خلافا عن الشيوخ فيما اذا التزم الموصى عدم الرجوع.
(1)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 6 ص 368 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ
عن الوصية ونقل عن ابن عرفة رحمه الله تعالى أنه قال فى مختصر الحوفية فلو التزم عدم الرجوع لزمه على الأصح.
ويدل على رجوعه بقول أو فعل والفعل يكون بأحد وجهين أحدهما ينقل الملك ويمنع من نقله كالبيع والعتق والاستيلاء.
والثانى أن يفعل فعلا يبطل رسم الموصى به وروى صاحب التاج والاكليل عن ابن شاس رحمه الله تعالى.
أن الكتابة رجوع قال ابن عرفه رحمه الله تعالى لم أجده فى المذاهب والأصول توافقه
(1)
.
وروى صاحب مواهب الجليل عن الشامل أن الوقف ان أبطل بالكتابة ثم عجز الكاتب لا يعود الوقف على المنصوص.
وقال فى التوضيح ينبغى اذا عجز المكاتب فى حياة السيد أن تعود الوصية فيه كما يعود فى البيع الموصى به على أحد القولين.
وههنا أولى لأن الكتابة لا تنقل الملك وقال ابن عرفة رحمه الله تعالى.
قال ابن شاس الكتابة ولم أجدها لغير الغزالى وأصول المذهب توافقه لأن الكتابة اما بيع أو عتق وكلاهما رجوع وهى فى البيع الفاسد فوت هذا ان لم يعجز وان عجز فليس بفوت
(2)
.
وروى صاحب التاج والاكليل عن ابن كنانة رحمه الله تعالى عنه أن من مبطلات الوقف الايلاء.
فلو أوصى لرجل بجارية كان لموصى وطؤها ولا تنقض وصيته الا أن تحمل من سيدها.
قال ابن القاسم ولو أوصى بزرع فحصده أو بثمر فجذه أو بصوف فجزه لم يكن ذلك رجوعا الا أن يدرس القمح ويكتاله ويدخله بيته فهذا رجوع.
قال الباجى رحمه الله تعالى بالدرس والتصفية انتقل اسمه عن الزرع الى اسم القمح والشعير فكان رجوعا.
وروى الشيخ عن ابن القاسم رحمهما الله تعالى.
أنه لو أوصى بغزل محاكة ثوبا وأوصى برداء فقطعه قميصا فهو رجوع وقاله أشهب رحمه الله تعالى وزاد أو أوصى بفضه فصاغها خاتما أو بشاه.
ثم ذبحها فهو كله رجوع لأنه لا يقع عليه الاسم الذى أوصى به.
قال وكذا قطن ثم حشى به أو غزله قال فى التوضيح وينبغى أن يقيد حشو القطن بما اذا حشى فى الثياب.
وأما اذا حشى فى المخدة ونحوها فلا.
وسمع أصبغ من أوصى بمزود حرير ثم لتها بسمن أو عسل فليس برجوع ويكون شريكا فيها بقدرها من قدر لتاتها كالثوب يصبغه والبقعة بينهما.
وقال أشهب رحمه الله تعالى ذلك رجوع ومن أوصى بشئ معين لرجل من دار أو ثوب أو عبد ثم أوصى بذلك لرجل آخر فهو بينهما.
وروى ابن عبدوس عن ابن القاسم أن من أوصى بعبد ثم رهنه أو أجره فليس ذلك برجوع.
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 369
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 369
وقال مالك رحمه الله تعالى قال ابن شاس رحمه الله تعالى وتزويج العبد والوط ء مع العزل ليس برجوع.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى واذا أوصى له بدار فهدمها فالعرضة والنقض الموصى له.
وقال الباجى وجهه أن الهدم ليس فيه أكثر من تفريق الأجزاء وذلك لا يمنع نفوذ الوصية، بقطع الثوب قميصا
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب أنه يجوز الرجوع فى الوصية لأنها عطية لم تزل الملك فجاز الرجوع فيها كالهبة قبل القبض.
ويجوز الرجوع بالقول والتصرف لأنه فسخ عقد قبل اتمامه فجاز بالقول والتصرف كفسخ البيع فى مدة الخيار.
وفسخ الهبة قبل القبض وان قال هو حرام عليه فهو رجوع لأنه لا يجوز أن يكون وصية له وهو محرم عليه.
فان قال لوارثى فهو رجوع لأنه لا يجوز أن يكون للوارث.
وللموصى له فان قال هو تركنى ففيه وجهان أحدهما أنه رجوع لأن التركة للورثة.
والثانى أنه ليس برجوع لأن الوصية من جملة التركة وان وصى لرجل بعبد ثم وصى به لآخر لم يكن ذلك رجوعا لامكان أن يكون نسى الأول أو قصد الجمع بينهما.
فان قال ما وصيتك به لفلان فقد وصيت به لآخر فهو رجوع ومن أصحابنا من قال ليس برجوع كالمسألة قبلها.
والمذهب الأول لأنه صرح برجوع وان باعه أو وهبه أو قبض أو أعتقه أو كاتبه أو أوصى أن يباع أو يوهب ويقبض أو يعتق أو يكاتب فهو رجوع لأنه صرفه عن الموصى له.
وان عرضه للبيع أو رهنه فى دين أو هبة ولم يقبض فهو رجوع لأنه تعريضه لزوال الملك صرف عن الموصى له.
ومن أصحابنا من قال أنه ليس برجوع لأنه لم يزل الملك وليس بشئ وان وصى بثلث ماله ثم باع لم يكن ذلك رجوعا لأن الوصية بثلث المال عند الموت لا بثلث ما باعه فان وصى بعبد.
ثم دبره فان قلنا أن التدبير عتق بصفة كان ذلك رجوعا لأنه عرضه لزوال الملك.
وان قلنا أنه وصية وقلنا فى أحد القولين أن العتق يقدم على سائر الوصايا كان ذلك رجوعا لأنه أقوى من الوصية فأبطلها.
وان قلنا أن العتق كسائر الوصايا ففيه وجهان أحدهما أنه ليس برجوع فيكون نصفه مدبرا ونصفه موصى به.
كما لو أوصى به لرجل ثم أوصى به الآخر والثانى أنه رجوع لأن التدبير أقوى لأنه تنجيز من غير قبول والوصية لا تتم الا بالقبول.
فقدم التدبير كما يقدم ما تنجز فى حياته من التبرعات على الوصية وان وصى له بعبد ثم زوجه أو أجره أو علمه صنعة أو ختنة لم يكن ذلك رجوعا لأن هذه التصرفات لا تنافى الوصية فان كانت جارية فوطئها لم يكن ذلك رجوعا لأنه
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 371، 372 نفس الطبعة
استيفاء منفعة فلم يكن رجوعا كالاستخدام وقال أبو بكر بن الحداد المصرى رحمه الله تعالى ان عزل عنها لم يكن رجوعا وان لم يعزل عنها كان رجوعا لأنه قصد التسوى بها وان وصى بطعام معين فخلطه بغيره كان ذلك رجوعا لأنه جعله على صفة لا يمكن تسليمه فان وصى بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بمثلها لم يكن ذلك رجوعا لأن الوصية مختلطة بمثلها والذى خلطه به مثله فلم يكن رجوعا فان خلطه بأجود منه كان رجوعا لأنه أحدث فيه بالخلط زيادة لم يرض بتمليكها فان لخطه بما دونه ففيه وجهان:
أحدهما وهو قول أبى على بن أبى هريرة رضى الله عنه تعالى عنه أنه ليس برجوع لأنه نقص أحدثه فيه فلم يكن رجوعا كما لو أتلف بعضه.
والثانى أنه رجوع لأنه يتغير بما دونه كما يتغير بما هو أجود منه فان نقله الى بلد أبعد من الموصى له ففيه وجهان:
أحدهما أنه رجوع لأنه لو لم يرد الرجوع لما بعده عنه.
والثانى أنه ليس برجوع لأنه باق على صفته فان وصى بحنطة فقلاها أو بذرها كان ذلك رجوعا لأنه جعله كالمستهلك.
وان وصى بحنطة فطحنها أو بدقيق فعجنه أو بعجين فخبزه كان ذلك رجوعا لأنه أزال عنه الاسم الذى جعله للاستهلاك.
وان وصى له بخبز فجعله فتيتا ففيه وجهان.
أحدهما أنه رجوع لأنه أزال عنه اطلاق اسم الخبز فأشبهه ما اذا ترده.
والثانى ليس برجوع الاسم باقى عليه لأنه يقال خبز مدقوق وان وصى برطب فجعله تمرا ففيه وجهان أحدهما أنه رجوع لأنه أزال عنه اسم الرطب.
والثانى ليس برجوع لأنه أبقى له وأحفظ على الموصى له وان وصى بقطن فعزله أو بغزل فنسجه كان ذلك رجوعا لأنه أزال عنه الاسم وان أوصى له بقطن فخشى به فراشا ففيه وجهان:
أحدهما أنه رجوع لأنه جعله للاستهلاك.
والثانى ليس برجوع لأن الاسم باق عليه.
وان أوصى له بثوب فقطعه أو بشاة فذبحها كان أوصى له بثوب فقطعه أو بشاة فذبحها كان رجوعا لأنه أزال عن الاسم ولأنه جعله للاستهلاك وان وصى له بلحم فطبخه أو شواه كان ذلك رجوعا لأنه جعله للآكل وان قدده ففيه وجهان كما قلنا فى الرطب اذا جعله تمرا وان وصى له بثوب فجعله قميصا أو بساج فجعله بابا ففيه وجهان
(1)
.
أحدهما أنه رجوع لأنه أزال عنه اطلاق اسم الثوب والساج ولأنه جعله للاستعمال.
والثانى أنه ليس برجوع لأن اسم الثوب والساج باق عليه وان وصى بدار فهدمها كان رجوعا لأنه تصرف أزال به الاسم فكان رجوعا كما لو وصى بحنطة فطحنها وان تهدمت نظرت فان لم يزل عنها اسم الدار فالوصية باقية فيما بقى وأما ما نفصل عنها فالمنصوص أنه خارج من الوصية لأنه انفصل عن الموصى به فى حياة الموصى.
(1)
المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشعراوى ج 1 ص 462 فى كتاب أسقله النظم المستعذب فى شرح غريب طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر
وحكى القاضى أبو القاسم ابن كج رحمه الله تعالى وجها آخر أنه للموصى له لأنه تناولته الوصية فلم يخرج منها بالانفصال وأنه زال عنها اسم الدار ففى الباقى من العرصة وجهان
(1)
.
أحدهما أنه تبطل فيه الوصية لأنه أزال عنها اسم الدار.
والثانى لا تبطل لأنه لم يوجد من جهته ما يدل على الرجوع وان وصى له بأرض فزرعها لم يكن ذلك رجوعا لأنه لا يراد للبقاء وقد يحصل قبل الموت فلم يكن رجوعا وان غرسها أو بنى فيها ففيه وجهان:
أحدهما أنه رجوع لأنه جعلها المنفعة مؤبدة فدل على الرجوع.
والثانى ليس برجوع لأنه استيفاء منفعة فهو كالزراعة فعلى هذا فى موضوع الأساس وقرار الغرس وجهان:
أحدهما أنه لا تبطل فيه الوصية كالبياض الذى بينهما فاذا مات الغراس أو زال البناء عاد الى الموصى له.
والثانى أنه تبطل الوصية فيه لأنه جعله تابعا لما عليه وان أوصى له بسكنى دار سنة فأجرها دون السنة لم يكن ذلك رجوعا لأنه قد تنقض الاجارة قبل الموت فان مات قبل انقضاء الاجارة ففيه وجهان:
أحدهما يسكن مدة الوصية بعد انقضاء الاجارة.
والثانى أنه تبطل الوصية بقدر ما بقى من مدة الاجارة وتبقى فى مدة الباقى وان مات الموصى له قبل موت الموصى بطلت الوصية ولا يقوم وارثه مقامه لأنه مات قبل استحقاق الوصية وان مات بعد موته وقبل القبول قام وارثه مقامه فى القبول والرد لأنه خيار ثابت فى تملك المال فقام الوارث مقامة كخيار الشفعة
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن أهل العلم أجمعوا على أن للوصى أن يرجع فى جميع ما أوصى به وفى بعض الوصية الا بالاعتاق والأكثرون على جواز الرجوع فى الوصية به أيضا.
روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال يغير الرجل ما شاء من وصيته.
وبه قال عطاء وجابر بن زيد والزهرى وغيرهم وذلك لأنها وصية فملك الرجوع عنها كغير العتق ولأنها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها كهبة ما يفتقر الى القبض قبل قبضه ويحصل الرجوع بقوله رجعت فى وصيتى أو أبطلتها أو غيرتها أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان أو فهو لورثتى أو فى ميراثى وان أكله أو أطعمه أو أتلفه أو وهبه أو تصدق به أو باعه أو كان توبا غير مفصل ففصله ولبسه أو جارية فأحبلها أو ما أشبه هذا فهو رجوع.
وحكى عن أصحاب الرأى أن بيعه ليس برجوع لأنه أخذ بدله بخلاف الهبة.
ويدل لنا أنه أزال ملكه عنه فكان رجوعا كما لوهبه وان عرضه على البيع أو وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له أو كاتبه أو وصى باعتاقه أو دبره كان رجوعا لأنه يدل على اختياره للرجوع يعرضه على البيع وايجابه
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 462 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 462 نفس الطبعة
للهبة ووصيته ببيعه أو اعتاقه لوكنه وصى بما ينافى الوصية الأولى والكتابة بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه ينجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له وان رهنه كان رجوعا لأنه علق به حقا يجوز بيعه فكان أعظم من عرضه على البيع وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع لأنه لا يزيل الملك فأشبهه اجارته.
وكذلك الحكم فى الكتابة
(1)
.
وان وصى بحب ثم طحنه أو بدقيق ثم عجنه أو بعجين ثم خبزه أو بخبز ففته أو جعله فتيتا كان رجوعا لأنه أزال أسمه وعرضه للاستعمال فدل على رجوعه وان وصى بكتان أو قطن فغزله أو بغزل فنسجه أو بثوب فقطعه أو بنقرة فضربها أو شاة فذبحها كان رجوعا وبهذا قال أصحاب الرأى رحمهم الله تعالى لأنه عرضه للاستعمال فكان رجوعا كالتى قبلها واختار أبو الخطاب رحمه الله تعالى أنه ليس برجوع لأنه لا يزيل الاسم.
وان وصى بشئ معين ثم خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعا لأنه يتعذر بذلك تسليمه فيدل على رجوعه فان خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعا لأنه يمكن تسليمه.
وان وصى بقفيز قمح من صبرة ثم خلطها بغيرها لم يكن رجوعا سواء خلطها بمثلها أو بخير منها أو دونها لأنه كان مشاعا وبقى مشاعا وقيل ان خلطه بخير منه كان رجوعا لأنه لا يمكن تسليم الموصى به الا بتسليم خير منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار معتذر التسليم بخلاف ما اذا خلطه بمثله أو دونه واذا حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من غير فعل الموصى مثل أن سقط الحب فى الأرض فصار زرعا أو انهدمت الدار فصارت فضاء فى حياة الموصى بطلت الوصية بها لأن الباقى لا يتناوله الاسم وان كان انهدام الدار لا يزيل اسمها سلمت اليه دون ما انفصل منها لأن الاسم حين الاستحقاق يقع على المتصل دون المنفصل ويتبع الدار فى الوصية ما يتبعها فى البيع وان جحد الوصية لم يكن رجوعا فى أحد الوجهين لأنه عقد فلا يبطل بالجحود كسائر العقود.
والوجه الثانى يكون رجوعا لأنه يدل على أنه لا يريد ايصاله الى الموصى له وان غسل الثوب أو لبسه أو جصص الدار أو سكنها أو أجر الأمة أو زوجها أو علمها أو وطئها لم يكن رجوعا لأن ذلك لا يزيل الملك ولا الاسم ولا يدل على الرجوع ويحتمل ان وط ء الأمة رجوع لأنه يعرضها للخروج عن جواز النقل والأول أولى لأنه انتفاع لا يزيل الملك فى الحال ولا يفضى اليه يقينا فأشبه لبس الثوب فانه ربما أتلفه وهو ليس برجوع واذا وصى برجوع واذا وصى لرجل بمعين من ماله ثم وصى به لآخر أو وصى له بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به ألآخر فهو بينهما ولا يكون ذلك رجوعا فى الوصية الأولى لأنه وصى لها بها فاستويا فيها كما لو قال لها وصيت لكما بالجارية ولو مات الموصى له قبل موت الموصى بطلت الوصية هذا قول أكثر أهل العلم.
روى ذلك عن على رضى الله تعالى عنه لأنها عطية صادفت المعطى ميتا فلم تصح كما لو وهب ميتا وذلك لأن الوصية عطية بعد الموت واذا مات قبل القبول بطلت الوصية أيضا واذا رد الموصى له بالوصية لم بخل من أربعة أحوال:
أحدهما أن يردها قبل موت الموصى فلا يصح الرد ههنا لأن الوصية لم تقع بعد فأشبه رد المبيع قبل ايجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول فلا يكون محلا للرد كما هو الشأن قبل الوصية.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 6 ص 66 وص 67
والثانية أن يردها بعد الموت وقبل القبول فيصح الرد وتبطل الوصية لا تعلم فيه خلافا لأنه أسقط حقه فى حال يملك قبوله وأخذه فأشبهه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع
(1)
.
والثالثة أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه فأشبهه رده لسائر ملكه الا أن يرضى الورثة بذلك فتكون هبته منه لهم تفتقر الى شروط الهبة.
والرابعة أن يرد بعد القبول وقبل القبض فينظر ان كان الموصى به مكيلا أو موزونا صح الرد لأنه لا يستقر ملكه عليه قبل قبضه فأشبهه رده قبل القبول وان كان غير ذلك لم يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه فهو كالمقبوض ويحتمل أن يصح الرد بناء على أن القبض معتبر فيه كل موضع صح الرد فيه فان الوصية تبطل بالرد وترجع الى التركة فتكون للوراث جميعهم لأن الأصل ثبوت الحكم لهم وانما خرج بالوصية فاذا بطلت الوصية رجع الى ما كان عليه كأن الوصية لم توجد
(2)
.
واختلف أصحابنا فيما اذا مات الموصى له قبل القبول والرد بعد موت الموصى فذهب الخرقى رحمه الله تعالى الى أن وارثه يقوم مقامه فى القبول والرد لأنه حق ثبت للمورث فثبت للوارث بعد موته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ترك حقه فلورثته) وكخيار الرد بالهيب.
وذهب أبو عبد الله بن حامد رحمه الله تعالى أن الوصية تبطل لأنه عقد يفتقر الى القبول فاذا مات من له القبول قبله بطل العقد كالهبة.
قال القاضى رحمه الله تعالى هو قياس المذهب لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل بالموت كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة
(3)
.
وقال أصحاب الرأى تلزم الوصية فى حق الوارث وتدخل فى ملكه حكما بغير قبول لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصى وانما الخيار للموصى له واذا مات بطل خياره ودخل فى ملكه كما لو اشترى شيئا على أن الخيار له فمات قبل انقضائه ويدل لنا على أن الوصية لا تبطل بموت الموصى له انها عقد لازم من أحد الطرفين فلم تبطل بموت من له الخيار كعقد الرهن والبيع اذ الشرط فيه الخيار لأحدهما ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب فلا يبطل بموت الآخر كالذى ذكرنا ويفارق الهبة والبيع قبل القبول من الوجهين اللذين ذكرناهما وهو أنه جائز من الطرفين ويبطل بموت الموجب له ولا يصح قياسه على الخيارات لأنه لم يبطل الخيار ويلزم العقد فنظيره فى مسئلتنا قول أصحاب الرأى يدل على ابطال قولهم أنه عقد يفتقر الى قبول المتملك فلم يلزم
(4)
قبل القبول كالبيع والهبة اذا ثبت هذا فان الوارث يقوم مقام الموصى له فى القبول والرد لأن كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل بالموت قام الوارث فيه مقامه فعلى هذا أن رد الوارث الوصية بطلت وان قبلها صحت وثبت الملك بها وان كان الوارث جماعة اعتبر القبول
(5)
أو الرد من جميعهم فان رد بعضهم وقبل بعض ثبت للقابل حصته وبطلت الوصية فى حق من رد فان كان فيهم من
(1)
المغنى لأبى عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 6 ص 66 ص 67 تعليق السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثالثة طبع دار المنار بمصر سنة 1367 هـ
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 67 نفس الطبعة
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 64 نفس الطبعة
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 20 ص 21 نفس الطبعة
(5)
المرجع السابق ج 6 ص 22 وص 23 نفس الطبعة
ليس من أهل التصرف قام وليه مقامه فى القبول والرد وليس له أن يفعل الا ما للمولى عليه الحظ فيه فان فعل غيره لم يصح فاذا كان الحظ فى قبولها فردها لم يصح رده وكان له قبولها بعد ذلك وان كان الحظ فى ردها فقبلها لم يصح قبوله لأن الولى لا يملك التصرف فى حق المولى عليه بغير ماله الحظ فيه فلو أوصى لصبى بذى رحم له يعتق بملكه وكان على الصبى ضرر فى ذلك بأن تلزمه نفقة الموصى به لكونه فقيرا لا كسب له والمولى عليه موسر لم يكن له قبول الوصية وان لم يكن عليه ضرر لكون الموصى به ذا كسب أو كون المولى عليه فقير لا تلزمه نفقته تعين قبول الوصية لأن فى ذلك نفعا للمولى عليه لعتق قرابته وتحريره من غير ضرر يعود عليه فتعين ذلك
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه ان وصى لغير وارث فصار وارثا عند موت الموصى بطلت الوصية له لأن الوصية لا تحل لوارث أصلا ولا تجوز الوصية لميت لأن الميت لا يملك شيئا فمن أوصى لحى ثم مات بطلت الوصية له فان أوصى لحى ولميت جاز نصفها للحى وبطل نصف الميت
(2)
.
وكذلك لو أوصى لحيين ثم مات أحدهما جازت للحى فى النصف وبطلت حصة الميت
(3)
.
وهو قول على ابن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه وجائز للموصى أن يرجع فى كل ما أوصى به الا الوصية بعتق مملوك له يملكه حين الوصية فانه ليس له آن يرجع فيه أصلا الا باخراجه اياه عن ملكه بهبة أو بيع أو غير ذلك من وجوه التمليك وأما من أوصى بأن يعتق عنه رقبة فله أن يرجع فى ذلك
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أن الوصية لا تفتقر الى القبول حيث هى لغير معين اجماعا والمذهب على أنها لا تفتقر حيث هى الآدمى معين لكن تبطل بالرد اذا أشبهت الميراث لوقوفها على الموت وأشبهت الهبة حيث هى تمليك فجعلنا لها حكما بين الحكمين.
قال المؤيد بالله والامام يحيى بل تفتقر كالهبة ولا يضر تراخى القبول عن الموت.
قال الامام يحيى ولا تبطل برد الموصى له فى حياة الموصى اذ لا حق له حينئذ كابطال الشفعة قبل البيع فأما بعد الموت وقبل القبول فوجهان.
قال صاحب البحر والأقرب للمذهب أنها تبطل بالرد مطلقا اذا وقع بعد سبها وهو الايجاب والموت شرط فأشبهت فسخ العقد الموقوف قبل الاجازة فان رد بعد القبول والموت والقبض لم تبطل اجماعا لاستقرار الملك وان رد قبل القبض فوجهان:
أصحهما لا تبطل اذ الملك مستقر والقبض غير معتبر وقيل تبطل اذ هو حق غير مستقر حتى يقبض فان رد ثم قبل لم يصح قبوله اذ قد ملكه الوارث برده وتبطل بانكشافه ميتا قبل الوصية اجماعا اذ لا وصية لميت قالت العترة وكذا لو مات بعدها قبل الموصى اذا مات قبل استحقاقها.
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 24، 25 نفس الطبعة
(2)
المحلى لأبى محمد على ابن أحمد بن سعيد بن حزم ج 9 ص 316 مسألة رقم 1752 طبع إدارة الطباعة المنيرية الطبعة الأولى سنة 1351
(3)
المرجع السابق ج 9 ص 322 مسألة رقم 1755 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 9 ص 340، 341 مسألة رقم 1765 نفس الطبعة
قال الهادى فان مات بعد الموصى وقبل القبول فاللورثة اذ قد ملكها بعدم الرد كموت المشترى قبل الفسخ.
قال الناصر والمؤيد بالله والامام يحيى بل تبطل اذ لم يقبل.
قال صاحب البحر: المعتبر عدم الرد لا القبول باللفظ ولو أوصى باثنين فانكشف أحدهما ميتا استحق الحى نصف الوصية كما لو كان حيين فمات أحدهما قبل موت الموصى.
ومن أوصى لرجل ثم قتله الموصى له عمدا بطلت الوصية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس لقاتل وصية) ونحوه وكالميراث والمذهب أنها لا تبطل بالقتل الخطأ فان تقدمت الجناية على الوصية صحت للخاطئ والعامد فى المال والدية وان تأخرت بطلت فى العمد لا فى الخطأ اذ وجه اسقاط حق القاتل معارضته بنقيض ما ولاهم منه ان قصده بالقتل استعجال الميراث والوصية ومع تقدم الجناية أو وقوعها خطأ لا تهمه وللموصى أن يرجع عن الوصية كالواهب قبل قبول الهبة اذ الموت كالقبول ويصح رجوعه بالقول والفعل كبيع ما أوصى به أو وهبته أو عتقه.
قال الامام يحيى والعترة فلو أوصى بعين من ماله أو ثلثه لشخص ثم أوصى به لآخر ولم يصرح بالرجوع لم يكن رجوعا ويقسم كما لو أوصى لهما به فان قال ما أوصيت به لفلان كان رجوعا لتصريحه وتدبير العبد الموصى به رجوع كما لو أعتقه بخلاف ما لو علمه صنعة أو أجره أو زوجه كما لو استخدمه اذ لا ينافى الوصية.
وكذا لو وطئ أمته الموصى بها أن عزل والا فوجهان.
قال الامام يحيى أصحهمما يكون رجوعا اذ عرضها لزوال الملك وقيل لا يكون رجوعا ما لم تحمل ولو أوصى بطعام متميز ثم خلطه بغيره كان رجوعا اذ لا يمكنه تسليم ما عينه فان أوصى بصاع من صبرة ثم خلط الصبرة بمثلها لم يكن رجوعا لاختلاطه من قبل وان خلطها بأفضل كان رجوعا اذا أحدث بالخلط زيادة لم يرضى بتمليكها الغير وان خلطها بأدنى وجهان.
قال الامام يحيى أصحهما لا يكون رجوعا كالمثل وكما لو أتلف بعضها فان نقله الى بلد آخر فوجهان.
قال الامام يحيى أصحهما لا يكون رجوعا اذ لا تنافى وقيل بل نقله أمارة الرجوع فان طحنه أو أوصى بدقيق ثم عجنه أو أوصى بعجين ثم خبزه فرجوع اذا زال عنه الاسم فاستهلكه فان أوصى بخبز ففته فوجهان.
قال الامام يحيى أصحهما ليس برجوع اذ زاد خيرا فان أوصى برطب ثم رجزه أو لحم ثم طبخه فوجهان.
قال الامام يحيى أصحهما ليس برجوع اذ ليس باستهلاك فان أوصى بقطن ثم غزله أو غزل فنسجه فرجوع اذ هو استهلاك فان حشا القطن فى فراشه فوجهان.
قال الامام يحيى أصحهما ليس باستهلاك فان أوصى بشاة فذبحها فرجوع أو ثوب فلبسه لم يكن رجوعا فان قطعه قميصا أو خشبة فشقها بابا فوجهان.
أصحهما أن ذلك رجوع وان أوصى بدار فهدمها فرجوع اذ أزال الاسم وان انهدمت
بنفسها حتى زال عنها اسم الدار حتى صارت عرضه بطلت الوصية لزوال الاسم.
قال صاحب البحر الزخار انما يستقيم هذا حيث أوصى بدار من دوره ثم هدمها جميعا أو انهدمت الا المعينة اذ الهدم نقصان فقط لا استهلاك فان أوصى بدار فبنى عليها فرجوع اذ يراد للبقاء لا بأرض فزرعها كدار فسكنها فان غرسها فكالبناء ولو رهنها أو عرضها للبيع فرجوع.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أن الموصى له لو قبل الوصية قبل وفاة الموصى جاز ولو قيل بعد الوفاة فهو أكد وان تأخر القبول عن الوفاة ما لم يرد فان رد فى حياة الموصى جاز أن يقبل بعد وفاته اذ لا حكم لذلك الرد وان رد بعد الموت وقبل القبول بطلت.
وكذا لو رد بعد القبض وقبل القبول ولو رد بعد الموت والقبول وقبل القبض قيل تبطل وقيل لا تبطل وهو أشبه أما لو قبل وقبض ثم رد لم تبطل اجماعا لتحقق الملك واستقراره ولو رد بعضا وقبل بعضا صح فيما كتبه ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه فى قبول الوصية والوصية عقد جائز من طرف الموصى ما دام حيا سواء كانت بمال أو ولاية ويتحقق الرجوع بالتصريح أو يفعل ما ينافى فى الوصية فلو باع ما أوصى به أو أوصى ببيعه أو وهبه أو قبضه أو رهنه كان رجوعا.
وكذا لو تصرف فيه تصرفا أخرجه من مسماه كما اذا أوصى بطعام فطحنه أو بدقيق فعجنه أو خبزه.
وكذا لو أوصى بزيت فخلطه بما هو أجود منه أو بطعام فمزجه بغيره حتى لا يتميز.
أما لو أوصى بخبز فدقه فتيتا لم يكن رجوعا
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه ان أوصى بشئ لفلان أو للمسجد أو للكفارة أو نحو ذلك ثم قال انه لآخر وصية منى له أو انه لنحو المسجد أو أوصى به لذلك ثم أوصى به لآخر أو لنحو المسجد ففيه أقوال ثلاثة ثالثها أنه يقسم بينهم أثلاثا فلو كان اثنين لقسموه نصفين ولو كانوا أربعة لقسموه أرباعا.
وهكذا لو أوصى ببعضه فقط لثان أو ثالث فصاعدا وبينه كربع لأخذه والباقى على رؤس سواه على هذا القول.
ووجه هذا القول أن الايصاء للثانى والثالث فصاعدا رجوع فى البعض الذى ينوب من زاد وقيل كله للأول لأنه لم يصرح بالابطال عنه بل أوصى له به أولا فالايصاء به لغيره ايصاء فى مال الغير وهذا يناسب القول بعدم جواز الرجوع فى الوصية فلو أوصى أيضا ببعض مبين لغيره لم يثبت بل كله للأول وقيل للأخير اذا كان ثالثا وكذا لو كان ثانيا أو رابعا وهكذا ووجهه أن الوصية له لكل واحد بعد الأول فسخ للايصاء به لغيره ورجوع فلو أوصى ببعض معينا لغير الأول ثبت البعض فقط للأخير وما سواه قيل للأول وقيل للذى قبل الآخر.
وقال الشيخ أحمد رحمه الله تعالى ان أوصى به لثانى وثالث ورابع تحاصصوا ان كانت الوصايا من أجناس وقيل ذلك رجوع فيكون للأخيرة
(1)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجندى المحقق الحلى ج 1 ص 258 منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت
وقيل للأول فما بقى فاللثانية وهكذا قيل للأخيرة فما بقى فللتى تليها.
وهكذا وفى الأثر وان أوصى بشئ لرجل ثم أوصى به لآخر فهو للأخير وقيل بينهما وقيل للأول ثلاثة أرباعه وللأخير ربعه.
وقيل له ثلثه وللأول ثلثاه واختير أنه للأخير وهو رأى عمر بن الخطاب رحمه الله تعالى عنه.
وبه قال ابن جعفر رضى الله تعالى عنه لأنه رجوع عن الأول وهو المختار عندى وان أوصى لرجل بشئ ثم بنصفه لآخر ثبتا لهما لأن له أن يزيد وينقص وقيل الأول ثلثان وللأخير ثلث وقيل ثلاثة أرباع وللأخير الربع وان أوصى بشئ كعبد لرجل وقال لابل لفلان أو لفلان فهو بينهم عند من يقول ان أوصى لفلان بثلث ماله ثم به لآخر يكون بينهما وهو للأخيرين عند من يقول ان الثلث فى المثال للأخير وقيل لا تثبت لأحدهما وقيل للأول النصف وللأخيرين النصف وقيل للأول لأنه لم يبين الاستثناء فيه ولا الرجوع بعينه وقيل بطلت عنهم جميعا وسواء فى ذلك اذا اتحد كل فريق أو تعدد أو اتحد بعض وتعدد بعض وان أوصى بمعين ثم بسدس ماله الآخر فزاد المعين أو هو والسدس على الثلث نزل صاحب المعين بقيمته وصاحب السدس بالسدس وان أوصى لرجل بماله ثم أوصى به لرجل فقيل ليس ذلك رجوعا فلهم ثلثه سواء فيه وان أوصى به ثم بثلثيه لآخر ثم به ثم بربعه ثم بنصفه ثم بثلثه ثم به ثم بربعه ثم بسدسه ثم به والضمائر للمال استوى من أوصى لهم بالثلث أو أكثر عند من قال ينزل صاحب الأكثر بالثلث ولذى الربع ثلاثة أرباع ذى الثلث ولذى السدس نصف ذى الثلث ولا يعد انتفاعه بشئ مما أوصى به رجوعا كلباسه ما أوصى به من جبة أو قميص أو شملة أو نعل أو شاشية أو نحو ذلك وركوبه على دابة أوصى بها أو حمله عليها أو زجره عليها ونحو ذلك وجزه صوف دابة أوصى به أو جز شعرها أو وبرها أو نحو ذلك ولا يعد أمره بالانتفاع رجوعا سواء انتفع المأمور أو لم ينتفع ولا صرم غلته وحصدها.
وقيل فى اللباس ان لبسه يكون رجوعا.
وكذا ان أمر أحد بلبسه فلبسه المأمور فانه رجوع على هذا القول ووجه هذا القول أن اللبس فيه بعض دوام واستمرار اذ لا يفارقه الا الى مدة مع ما فيه من شدة المباشرة وليس غيره كذلك.
ومن الرجوع كذلك تغيير الموصى به عن ذاته كصوف أو قطن أو كتان أو شعر أو وبر عمل ثيابا أو شواش أو غزلا أو قياما أو خيوطا أو حبا أو كثياب قطع منها جبة أو غيرها أو كشقة كتان مثلا قطعها قميصا أو بغزل أو قيام فجعله نسجا أو أوصى بجلد فجعله خفا أو فى دفة كتاب أو قرابا أو غير ذلك أو أوصى بزبيب أو تمرا وغيرهما فجعله خلا أو نبذا أو لحم فطبخه أو بنحو قطن فحشا به وسادة أو بثوب فهدبه أو ببضه أو غسله.
وكذا لو أوصى بحب فغيره بطحن أو أوصى بسبيكة سككت وكذا لو بذر حبا أو جعل منه خلا أو نبيذا أو نحو ذلك أو جعل الطحين خبزا أو نوعا من الطعام.
وكذا لو أوصى بسبيكة سكها دنانير أو دراهم أو جعلها سوارا أو قرطا أو طوقا أو خلخالا أو نحو ذلك من الحلى أو جعل الدنانير أو الدراهم شيئا من ذلك أو جعل الحلى شيئا من ذلك مثل أن يجعل الدنانير أو الدراهم أو السوار سبيكة فهذا كله رجوع لعدم بقاء الاسم الذى وقع الايصاء به وقيل لا يعد التغيير رجوعا ما دامت عينه موجودة ولو غير شكله فجميع تلك التغييرات المذكورة ليس رجوعا ولو بتغيير التمر أو العنب خلا أو نحو ذلك ولو بزيادة شئ كزيادة ماء
لعصير العنب أو للتمر ومن ذلك ما يتركب به المداد اذا أوصى به ثم جعل مدادا.
وقيل ان قطع منه شيئا ثبتت الوصية فى الباقى ولو نصفا وان أوصى بثوب أو غيره ثم صبغه أو أوصى بجلد ثم دبغه أو دبغه وصبغه أيضا أو أوصى به مدبوغا ثم صبغه لأن تعدد التغيير للرجوع ولو كثر على القول الأخير ما وجدت عين الشئ بل ليس الصبع والدبغ تغييرا فى الذات بل فى الصفة واللون والتغيير الذى عده رجوعا هو تغيير نفس الذات ولذلك قال فليس برجوع.
وكذا سائر الزيادات مثل أن يوصى بثوب فيخيطه أو يرقعه أو يوصى بدار فيجصصها لم يكن رجوعا ونقل غرس أو شجر أو نقض دار أو نقض حائط أو حمام أو بيت أو غير ذلك أو نحو ذلك مما يوضع على الثبوت وليس من شأنه النقل من محل لآخر رجوع عن الايصاء به وان نقص من الدار بعض حجارة أو خشب أو غير ذلك وأخذه أو تركه منزوعا من محله فرجوع منه لامن باقى الدار فما دامت تسمى دارا تكون باقية فى الايصاء ولو نزع كثيرا.
روى قولان وغرس أرض بنخل أو شجر اذا أوصى بتلك الأرض أو بناها أى بناء فيها لدار أو بيت أو غيرها أو حفر فيها لنحو مطمورة أو بئر قيل يكون رجوعا للتصرف فيها ولتبدل الاسم وقيل لا يكون رجوعا الا فى موضع البناء وما أحاط عليه وفى الموضع الذى تثبت عليه الشجرة أو النخلة لبقاء الاسم فيما بقى من الأرض وليس الحرث رجوعا وانما هو انتفاع كركوب وسكنى بضرب بيت شعر ونحوه وسكنى فى مسكن أوصى به.
وفى الأثر الرجوع فى الوصية أن يزيد أو ينقص فى الموصى به كزيادة بناء أو عمارة وكتجصيص وقطع ثمار أو فسيل أو غصن أو كرب أو ردم أرض وسقى وهدم دار وقيل ليس ذلك رجوعا وان قال لا تنفذوا وصيتى لا يشتغلوا به على الصحيح كما فى الديوان فذلك رجوع لا يشتغل به أو لا يعد رجوعا أصلا وعلى كل حال فلينفذوها لأنه لا يخلوا من واجب عليه يوصى به ولم يبين ما لا ينفذون بل عم عدم الانقاذ وعدم انقاذ الواجب معصية فلا يوافقوه على المعصية وان لم يكن ما يجب فيها فانما وجب الانقاذ مع أنه قال لا تنفذوا لأن قوله لا تنفذوا ليس نقضا لها وابطالا ولو أراد الابطال لقال قد أنقذتها فلا تعيدوا لها انقاذا أو قد تركتها أو رجعت عنها أو نزعتها أو مزقها أو محاها أو أتلفها بوجه ومن شأن الوصية الانقاذ والشئ انما ينهى عنه اذا كان يمكن وقوعه فذكره الانقاذ تقرير للوصية ولو ذكره بالنهى اذ نهيه لغو وقيل رجوع فى كل ما لا يجب وفى كل واجب يمكن أداءه قبل فلا بد من أن ينفذوا وصية الأقرب ان أوصى بها ولو قال لا تنفذوا ولا بد من وقوع التدبير لمعين عينه ولو رجع عنه الا أن تبين أنه عجل عتقه أو كاتبه فلو أوصى بدين أو تباعه بلا شهادة يقع الحكم بها وقال لا تنفذوا لم يحكم عليهم بانفاذه.
وقيل لا رجوع فى الوصية فى الحكم فلو أوصى بوصية وأتلفها ولا شهود لها يحفظونها فلا شئ عليهم ولو كان عليها شهود أو لم يتلفها فبقيت تقر أو رجع عنها لزمهم انقاذها وهذا بناء على أن كل ما لزم الانسان فما بينه وبين الله اذا علم به الحاكم باقراره أو بغيره يحكم به وكما أوصى به وجب عليه الوفاء به لأنه وعد بما لم يجب فكان واجبا بالوعد أو وعد بواجب لا يجد عليه الحاكم شهودا أو طالبا الا أنه قد لا ينوى التقرب الى الله بذلك.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف اطنين ج 6 ص 383 وما بعدها الى ص 389 طبع مطبعة محمد ابن يوسف البارونى
من قال يجب الوفاء بالوعد ولو لم ينو التقرب ومن الرجوع فى الوصية اخراجه الشئ من ملكه بصدقة أو هبة أو اهداء أو بيع أو شراء به أو اعطائه أجره لمن عمل له أو اعطائه أرشا أو غير ذلك من أنواع الاخراج.
من الملك فلو أعتق عبدا قد أوصى به أو دبره أو كاتبه أو فعل به ما يعتق به كالمثلة لكان رجوعا بالأولى لأن ذلك فى العبد أشد من اتلافه بالاخراج من الملك لخروجه لذلك عن حد من يملكه.
وان أوصى بعبده لرجل ثم أوصى به أن يعتق أو دبره فرجوع وثبتت فى الباقى أن أخرج بعضه أو أكل بعضه أو أتلف بعضه وكما ثبتت الوصية فى البعض الباقى تثبت فى الشئ كله ان باعه بفسخ أو فعل فيه موجب اخراج كشراء به واجارة واعطاء فى شفقة واصداق ثم بان له فسخ موجب الاخراج مثل أن يشترى به فيظهر أن الشراء منفسخ أو يظهر به عيب على القول بأن يبيع لمعيب منفسخ أو يعطيه أجره فتنفسخ بوجه أو يعطيه فى شفعة فيظهر أنه قد فاتته بوجه أو لا يستحقها أو انفسخ الشراء أو أعطاه صداقا فيظهر أن المرأة محرمة له أو محرمة عليه ولم يدخل عليه لأنه لما انفسخ ذلك ظهر أنه لم ينعقد فكأنه لم يكن فلو باعه فظهر فيه عيب وقلنا بتخيير المشترى فرده ذلك رجوع لأن البيع على هذا منعقد ولكن أجازوا للمشترى.
وفى الأثر ان خرج من ملكه ثم رجع اليه بلا فسخ فقيل يكون رجوعا الا أن أوصى به ثانيا وعليه الأكثر.
وقيل ليس لأن الوصية تجب بعد الموت وهو فى ملكه حال الموت وان أوصى بشئ أو أصدقه ففارقها قبل المسمى فنصفه باق للوصية عند من قال لا يدخل بالعقد الا نصف الصداق ومن قال يدخل به جميعا الا أنه ان فارقها قبل المسمى انفسخ النصف فالنصف لها والنصف له لا للوصية ومن الرجوع كذلك ماذا فعل فيه معلقا كبيع علقة الى رضا فلان أو شراء كذلك شرط ذلك البائع أو المشترى أو بيع أو شراء بتخيير الى وقت كذا أو بيع لغائب أو طفل أو مجنون بلا نائب تكفى نيابته على القول بأن يعلق الى الغائب أو المجنون بعد الافاقة أو الطفل بعد البلوغ وتزوج به تزوجا معلق كذلك فمات قبل أن يتمه فتم بعده ولا سيما ان تم فى حياته أو رهنه فمات وباعه المرتهن فكل ذلك رجوع وأما ان لم يتم بعده أو رجع اليه فى حياته أو فك الوارث الرهن أو تركه المرتهن أو انفسخ الرهن فالوصية ثابته وان هرب العبد أو غضب أو كاره مولاه أو استودعه أو اعاره أو تسرى الأمة ولم يترك من تخرج به حره فالوصية ثابتة وان أوصى بحيوان فذكاه أو قتله فذلك رجوع وان مات أو قتله غيره فليس للموصى له بشئ وان أكره رجل على أن يوصى بوصية فأوصى بها أو أكره على الرجوع منها فرجع فليس فيما أكره عليه شئ لأنه لا عقد على مكره.
ما يفسد عقد الاجارة وما لا يفسدها
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(1)
ان ما ينته به العقد فى الاجارة أشياء:
منها الاقالة لأنه معارضة المال بالمال فكان محتملا للاقالة كالبيع.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام أبى بكر بن مسعود الكاسانى الجزء الرابع ص 222، 223 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر ..
ومنها موت من وقع له الاجارة الا لعذر عندنا.
لأن الاجارة تنعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنافع شيئا فشيئا واذا كان كذلك فما يحدث من المنافع فى يد الوارث لم يملكها المورث لعدمها والملك صفة الموجود لا المعدوم فلا يملكها الوارث اذ الوارث انما يملك ما كان على ملك المورث فما لم يملكه يستحيل وراثته بخلاف بيع العين لأن العين ملك قائم بنفسه ملكه المورث الى وقت الموت فجاز أن ينتقل منه الى الوارث لأن المنافع لا تملكه الا بالعقد وما يحدث منها فى يد الوارث لم يعقد عليه رأسا لأنها كانت معدومة حال حياة المورث والوارث لم يعقد عليها فلا يثبت الملك فيها للوارث.
وعلى هذا يخرج ما اذا أجر رجلان دارا من رجل ثم مات أحد المؤاجرين ان الاجارة تبطل فى نصيبه عندنا وتبقى فى نصيب الحى على حالها لأن هذا شيوع طارئ وانه لا يؤثر فى العقد فى الرواية المشهورة لما بينا فيما تقدم.
وكذلك لو استأجر رجلان من رجل دارا فمات أحد المستأجرين فان رضى الوارث بالبقاء على العقد ورضى العاقد أيضا جاز ويكون ذلك بمنزلة عقد مبتدأ ولو مات الوكيل بالعقد لا تبطل الاجارة لأن العقد لم يقع له وانما هو عاقد.
وكذا لو مات الأب أو الوصى لما قلنا.
وكذا لو مات أبو الصبى فى استئجار الظئر لا تنقض الاجارة لأن الاجارة وقعت للصبى والظئر وهما قائمان ولو مات الظئر انتقضت الاجارة.
وكذا لو مات الصبى لأن كل واحد منهما معقود له والأصل ان الاجارة تبطل بموت المعقود له ولا تبطل بموت العاقد وانما كان كذلك لأن استيفاء العقد بعد موت من وقع له العقد يوجب تغيير موجب العقد لأن من وقع له ان كان هو المؤاجر فالعقد يقتضى استيفاء المنافع من ملكه ولو أبقيناه بعد موته لاستوفيت المنافع من ملك غيره وهذا خلاف مقتضى العقد وان كان هو المستأجر فالعقد يقتضى استحقاق الأجرة من ماله ولو أبقينا العقد بعد موته لاستحقت الأجرة من مال غيره وهذا خلاف موجب العقد بخلاف ما اذا مات من لم يقع العقد له كالوكيل ونحوه لأن العقد منه لا يقع مقتضيا استحقاق المنافع ولا استحقاق الاجرة من ملكه فابقاء العقد بعد موته لا يوجب تغيير موجب العقد.
وكذلك الولى فى الوقف اذا عقد ثم مات لا تنتقض الاجارة لأن العقد لم يقع له فموته لا يفيد حكمه ولو استأجر دابة الى مكة فمات المؤاجر فى بعض المغازة فله أن يركبها أو يحمل عليها الى مكة أو الى أقرب الأماكن من المصر لأن الحكم ببطلان الاجارة ههنا يؤدى الى الضرر بالمستأجر لما فيه من تعريض ماله ونفسه الى التلف فجعل ذلك عذرا فى بقاء الاجارة.
وهذا معنى قولهم أن الاجارة كما تفسخ بالعذر تبقى بالعذر.
وقالوا فيمن اكتزى ابلا الى مكة ذاهبا وجائيا فمات الجمال فى بعض الطريق فللمستأجر أن يركبها الى مكة أو يحمل عليها وعليه المسمى لأن الحكم بانفساخ الاجارة فى الطريق الحاق الضرر بالمستأجر لأنه لا يجد ما يحمله ويحمل قماشه والحاق الضرر بالورثة اذا كانوا غيبا لأن المنافع تفوت من غير عوض فكان فى استيفاء العقد نظر من الجانبين فاذا وصل الى مكة رفع الأمر الى الحاكم لأنه لا ضرر عليه فى فسخ الاجارة عند ذلك لأنه يقدر على أن يستأجر من جمال
آخر ثم ينظر الحاكم فى الأصح فان رأى بيع الجمال وحفظ الثمن للورثة أصلح فعل ذلك وان رأى امضاء الاجارة الى الكوفة أصلح فعل ذلك لأنه نصب ناظرا محتاطا.
وقد يكون أحد الأمرين أحوط فيختار ذلك.
قالوا والأفضل اذا كان المستأجر ثقة أن يمضى القاضى الاجارة والأفضل اذا كان غير ثقة أن يفسخها فان فسخها وقد كان المستأجر عجل الأجرة سمع القاضى بينته عليها وقضاه من ثمنها لأن الاجارة اذا انفسخت فلمستأجر امساك العين حتى يستوفى جميع اجرة.
وأقام القاضى مقام الغائب فنصب له خصما وسمع عليه البينة.
ولو مات أحد ممن وقع له عقد الاجارة قبل انقضاء المدة وفى الأرض المستأجرة زرع لم يستحصد بترك ذلك فى الأرض الى أن يستحصد ويكون على المستأجر أو على ورثته ما سمى من الأجر لأن فى الحكم بالانفساخ.
وقلع الزرع ضررا بالمستأجر وفى الابقاء من غير عوض ضررا بالوارث ويمكن توفير الحقين من غير ضرر بابقاء الزرع الى أن يستحصد بالأجر فيجب القول به وانما وجب المسمى استحسانا.
والقياس أن يجب أجر المثل لأن العقد انفسخ حقيقة بالموت وانما بقيناه حكما فأشبه شبهه العقد واستنيفاء المنافع بشبهه العقد العقد توجب أجر المثل كما لو استوفاها بعد انقضاء المدة وجه الاستحسان ان التسمية تناولت هذه المدة فاذا مست الضرورة الى الترك بعوض كان ايجاب العوض المسمى أولى لوقوع التراخى بخلاف الترك بعد انقضاء المدة لأن التسمية لم تتناول ما بعد انقضاء المدة فتعذر ايجاب المسمى فوجب أجر المثل ومنها هلاك المستأجر والمستأجر فيه لوقوع اليأس عن استيفاء المعقود عليه بعد هلاكه فلم يكن فى بقاء العقد فائدة حتى لو كان المستأجر عبدا أو ثوبا أو حليا أو ظرفا أو دابة معينة فهلك أو هلك الثوب المستأجر فيه للخياطة أو للقصارة بطلت الاجارة لما تقدم
(1)
.
وان كانت الاجارة على دواب بغير أعيانها فسلم اليه دواب فقبضها فماتت لا تبطل الاجارة وعلى المؤاجر أن يأتيه بغير ذلك لأنه هلك ما لم يقع عليه العقد لأن الدابة اذا لم تكن معينة فالعقد يقع على منافع فى الذمة وانما تسلم العين ليقيم منافعها مقام ما فى ذمته فاذا هلك بقى ما فى الذمة بحاله فكان عليه أن يعين غيرها.
هذا ويخرج موت الظئر ان الاجارة تبطل به لأنها مستأجرة ومنها انقضاء المدة الا لعذر لأن الثابت الى غاية ينته عند وجود الغاية فتنفسخ الاجارة بانتهاء المدة الا اذا كان ثمة عذر بأن انقضت المدة وفى الأرض زرع لم يستحصد فانه يترك الى أن يستحصد بأجر المثل بخلاف ما اذا انقضت المدة وفى الأرض رطبة أو غرس انه يؤمر بالقلع لأن فى ترك الزرع الى أن يدرك مراعاة الحقين والنظر من الجانبين لأن لقطعه غاية معلومة فاما الرطبة فليس لقطعها غاية معلومة فلو لم تقطع لتعطلت الأرض على صاحبها
(2)
.
ومنها عجز المكاتب بعد ما استأجر شيئا انه يوجب بطلان الاجارة بلا خلاف لأن الأجرة استحقت من كسب المكاتب وبالعجز يبطل كسبه فتبطل الاجارة اذ لا سبيل الى ايجابها من مال المولى فان عجز بعد ما استأجر فالاجارة باقية فى قول أبى يوسف.
وقال محمد تبطل
(3)
.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 223 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 223 الطبعة السابقة
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 223 نفس الطبعة
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن شاس رحمه الله تعالى: تنفسخ الاجارة بمنع استيفاء المنفعة شرعا كسكون الم السن المستأجر على قلعها والعفو عن القصاص المستأجر على استيفائه.
قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: هذا اذا كان العفو من غير المستأجر.
وجاء فى الواضحة ان من اكترى دارا سنة أو شهرا فقبضها ثم غصبها اياه السلطان فصيبة ذلك على ربها ولا كراء له فيما بقى.
وقال مالك رحمه الله تعالى فى المسودة حين أخرجوا المتكاريين وسكنوا.
وكذا فى سماع ابن القاسم.
قال ابن حبيب رحمه الله تعالى: وسواء غصبوا الدور من أصلها وأخرجوا منها أهلها وسكنوها لا يريدون الا السكنى حتى يرتحلوا.
قال ابن حبيب: وكذلك الحوانيت يأمر السلطان بغلقها الاكراء على مكتريها من ربها.
وقال سحنون رحمه الله تعالى: الجائحة من المكترى.
ولابن حبيب فى ذلك تفريق.
قال ابن يونس: ليس هذا كله بشئ لأن كل ما منع المكترى من السكنى من أمر غالب لا يستطيع دفعه من سلطان أو غاصب فهو بمنزلة ما لو منعه أمر من الله كانعدام الدار أو امتناع ماء السماء حتى منعه حرث الأرض فلا كراء عليه فى ذلك كله لأنه لم يصل الى ما اكترى.
وقال أصبغ رحمه الله تعالى: من اكترى رحا سنة فأصاب أهل ذلك المكان فتنة جلوا بها من منازلهم وجلا معهم المكترى أو بقى آمنا الا أنه لا يأتيه الطعام لجلاء الناس فهو كبطلان الرحا بنقص الماء أو كثرته ويوضع عنه قدر المدة التى جلوا فيها وكذلك الفنادق التى تكرى لأيام الموسم اذا أخطأها ذلك لفتنة نزلت أو غيرها.
بخلاف الدار تكرى ثم ينجلوا لفتنة وأقام المكترى آمنا أو رحل للوحشة وهو آمن فان هذا يلزمه الكراء كله ولو انجلى للخوف سقط عنه كراء مدة الجلاء.
وتنفسخ الاجارة ان حملت المرضع فخافوا على الصبى من لبنها.
ونقل اللخمى رحمه الله تعالى فسخه بمجرد الحمل لا بقيد الخوف على الولد قائلا: لأن رضاع الحامل يضر الولد.
وان مرضت المرضع بحيث لا تقدر على رضاع الصبى فسخت الاجارة فان صحت فى بقية منها جرت على رضاعه بقيتها ولها من الأجر بقدر ما أرضعت ولا عليها ارضاع ما مرضت:
قال غيره الا أن يكونا تفاسخا.
وروى ابن القاسم عن المدونة ان من أجر عبده ثم هرب السيد الى بلد الحرب فالاجارة بحالها لا تنتقض وأما ان هرب العبد لبلد الحرب أو أبق فان الاجارة تنفسخ بينهما الا أن يرجع العبد قبل تمام المدة فيلزمه تمامها.
قال غيره الا أن يكونا تفاسخا أو فسخ ذلك بينهما قبل ذلك فلا يلزمه تمامها.
قال ابن يونس: وكذلك الدار ينهدم بعضها ثم يصلحها ربها قبل الفسخ وقد بقى بعض المدة فيلزمه تمامها.
وأما لو انهدم جميعها ثم بناها فلا يلزم المكترى سكن بقية المدة.
وروى عن العتبية أن العبد المستأجر ان تراوغ حتى تمت المدة انفسخت الاجارة وان عمل شيئا فله بحسابه وهذا فى شهر أو سنة معينة وانما الذى يلزمه عمله بعد ذلك مثل أن يقول اطحن لى فى هذا الشهر فى كل يوم ويبة فهذا لا يضر ذكر الوقت ويلزمه العمل بعد ذلك وليس بواقع على وقت ولكن على عمل مسمى وكمن قال للسقاء أسكب لى فى هذا الشهر ثلاثين قلة فتراوغ فيه فذلك باق عليه.
قال ابن القاسم: واذا اعتلت الدابة المكتراة فى الطريق فسخ الكراء وان صحت بعد ذلك لم يلزمه كراؤها بقية الطريق بخلاف العبد للضرورة فى صبر المسافر عليها وهى ان صحت بعده لم تلحقه وان لحقته فلعله قد اكترى غيرها.
قال ابن يونس رحمه الله تعالى: وكذلك لو كان كراؤه للعبد فى السفر لأنه يلحقه فيه من الضرورة ما يلحقه فى من الضرورة ما يلحقه فى الدابة.
وانما اختلفا لأن مسألة العبد فى الحضر قاله بعض فقهائنا.
قال فى المدونة: ومن استأجر عبدا للخدمة فألقاه سارقا فهو عيب يرد به كالبيع، ولأنه لا يستطيع الحفظ منه بخلاف ما اذا ألغيت المساقى سارقا.
قال ابن يونس: لأن أجير الخدمة قد ملكت جميع منافعه فهو كالشراء والمساقى انما هو أجير فى شئ بعينه فانت تقدر على التحفظ منه.
قال ابن قاسم: ومن أجر يتيما فى حجرة ثلاث سنين فاحتلم بعد سنة ولم يظن ذلك به فلا يلزمه باقى المدة الا أن يبقى كالشهر ويسير الأيام ولا يؤاجر وصى يتيمه ولا أب ولده بعد احتلامه.
قال يحيى ورشده وان أكرى الوصى ربع يتيمة ودوابه ورقيقة سنتين واحتلم الصبى بعد مضى سنة فان كان يظن بمثله انه لا يحتلم فى مثل تلك المدة فعجل عليه الاحتلام وأونس منه الرشد فلا فسخ له ويلزمه باقيها لأن الوصى صنع ما يجوز له
(1)
.
وروى صاحب مواهب الجليل عن الجواهر انه اذا مات البطن الأول من أرباب الوقف بعد الاجازة قبل أن تقضى مدتها انفسخت الاجارة فى باقى مدة الاجارة لأنه تناول بالاجارة ما لا حق له فيه.
وقيل اذا أكرى مدة يجوز الكراء اليها لزم باقيها.
ونقل ابن الحاجب القولين من غير ترجيح.
قال ابن عرفة: ولا أعرف الثانى لغير ابن شاس ولم يعزه ابن هارون ولا ابن عبد السّلام، وظاهر أقوال الشيوخ ففيه.
(1)
التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد ابن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 433، ص 434 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى المعروف بالخطاب الطبعة الأولى سنة 1329 هـ
ثم ذكر عن أبيه رشد والمتيطى وابن فتوح انه ينقض بموت المستحق.
قال فى الارشاد: وتنفسخ بموت الآيل اليه الوقف لا المستأجر
(1)
.
قال فى المدونة: واذا ظهر من مكترى الدار دعارة أو خلاعة وفسق وشرب خمر لم ينتقض الكراء ولكن الامام يمنعه ويكف اذاه عن الجيران وعن رب الدار وان رأى اخراجه أخرجه وكراها عليه.
قال أبو الحسن قال ابن يونس: من أكترى دارا وله جيران سوء فله ردها لأن ذلك عيب
(2)
.
وروى عن المدونة أن من آجر عبده سنة أو أخدمه ثم أعتقه قبل السنة لم يعتق حتى تتم.
ولو مات السيد قبل السنة لم تنتقض الاجارة ولا الخدمة ويعتق العبد لتمام السنة من رأس ماله الا أن يترك المستأجر أو الخدم
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه لا تنفسخ اجارة عينا كانت أو ذممة ولا تنفسخ بعذره فى غير المعقود عليه لمؤجر أو مستأجر.
فالأول كمريض مؤجر دابة عجز عن خروجه معها الذى هو من أعمال الاجارة حيث كانت الدابة غير معينة.
والثانى كتعذر وقود حمام
(4)
على مستأجر وسفر عرض لمستأجر دار مثلا. لأنه لا بد للمسافر من رفقة وهم المسافرون يتعذر خروجهم وكعروض ومن مستأجر دابة لسفر عليها والمعنى فى الجميع انه لا خلل فى المعقود عليه والاستنابة من كل منهما ممكنه ومحل عدم الانفساخ فى غير العذر الشرعى.
أما هو كمن استأجر شخصا لقلع سن مؤلمة فزال الآلم فان الاجارة تنفسخ لتعذر قلعها حينئذ شرعا.
وكذلك فى اجارة الامام ذميا للجهاد وتعذر لصلح حصل قبل مسير الجيش فانه عذر للامام يسترجع به كل الأجرة.
كما قاله الماوردى وافلاس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضى المدة فأنه يوجب للمؤجر الفسخ كما أطلقه فى الروضة
(5)
.
ولو استأجر أرضا لزراعة فزرع فهلك الزرع بجائحة أصابته من سيل أو شدة برد أو حر أو أكل جراد أو غير ذلك فليس له الفسخ ولاحظ شئ من الأجرة لأن الجائحة لحقت زرع المستأجر لا منفعة الأرض فلو تلفت الأرض بجائحة أبطلت قوة الانبات انفسخت الاجارة فى المدة الباقية فلو تلف الزرع قبل تلف الأرض وتعذر ابداله قبل الانفساخ بتلفها لم يسترد من المسمى لما قبل التلف شيئا كما رجحه ابن المقرى لأن صلاحية الأرض لو بقيت لم يكن للمستأجر فيها نفع بعد فوات الزرع.
وأما بعد التلف فيسترد ما يقابله من المسمى لبطلان العقد فيه وان تلفت الأرض أو لا استرد
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للخطاب فى كتاب على هامشه التاج والاكليل للمواق ج 5 ص 434 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 435 نفس الطبعة السابقة
(3)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 5 ص 435 الطبعة السابقة
(4)
الوقود بفتح الواو ما يوقد به من حطب وغيره وبضمها مصدر وقدت النار
(5)
مفتى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب هامش فن المنهاج الجزء الثانى ص 329
أجرة المستقبل وكذا الماضى كما فى جواهر القمولى وان اقتضى كلام ابن المقرى خلافه وتنفسخ الاجارة بموت الدابة والأجير المعينيين وكذا معين غيرهما لكن الانفساخ فى الزمن المستقبل لنوات المعقود عليه وهو المنفعة قبل قبضها.
كما ينفسخ البيع بتلف المبيع قبل قبضه.
ولا فرق بين أن يكون الموت بآفة سماوية أو بغيرها كاتلاف المستأجر فان قيل لو أتلف المشترى المبيع استقر عليه الثمن فهلاكا المستأجر كذلك أجيب بأن البيع ورد على العين فاذا أتلفها صار قابضا لها والاجارة واردة على المنافع ومنافع الزمن المستقبل معدومة لا يتصور ورود الاتلاف عليها. وتنفسخ الاجارة بتلف العين المستأجرة لا فى الزمن الماضى اذا كان بعد القبض ومثله أجره فى الأظهر لاستقرارها بالقبض فيستقر قسطه من المسمى موزعا على قيمة المنفعة لا على الزمان فلو كانت مدة الاجارة سنة مثلا ومضى نصفها وأجره مثله ضعف أجره مثل النصف الباقى وجب من المسمى ثلثاه وان كان بالعكس فثلثه والاعتبار بقيمة المنفعة حالة العقد لا بما بعده قاله القاضى حسين.
والثانى ينفسخ فيه أيضا لأن العقد واحد وقد انفسخ فى البعض فلينفسخ فى الباقى.
أما اذا كان قبل القبض أو بعده ولم يكن لمثله أجرة فانه ينفسخ فى الجميع.
هذا فى المعين أما ما فى الذمة فلا ينفسخ بتلفهما لأن العقد لم يرد عليهما فاذا أحضرا وماتا فى خلال المدة أبدلا.
ولا تنفسخ الاجارة ولو ذمة كما فى البسيط بموت العاقدين أو أحدهما بل تبقى الى انقضاء المدة لأنها عقد لازم فلا تنفسخ بالموت كالبيع.
ويخلف المستأجر وارثه فى استيفاء المنفعة وانما انفسخت بموت الأجير المعين لأنه موردا لعقد لا لأنه عاقد فلا يستثنى من عدم الانفساخ لكن استثنى منه مسائل منها ما لو أجر عبده المعلق عتقه بصفة فوجدت مع موته فان الاجارة تنفسخ على الأصح كما اقتضاه كلام الرافعى.
ومنها ما لو أجر أم ولده ومات فى المدة فان الاجارة تنفسخ بموته خلافا كما اقتضاه كلام الرافعى
(1)
.
ولا تنفسخ بموت متولى أى ناظر الوقف من حاكم أو منصوبه أو من شرط له النظر على جميع البطون ويستثنى من اطلاقه ما لو كان الناظر هو المستحق للوقف وأجر بدون أجرة المثل فانه يجوز له ذلك كما صرح به الامام وغيره.
فاذا مات فى أثناء المدة انفسخت كما قاله ابن الرفعة
(2)
.
ولا تنفسخ الاجارة بسبب انقطاع ماء أرض استؤجرت لزراعة لبقاء الاسم مع امكان زرعها بغير الماء المنقطع بل يثبت الخيار للعيب وهو على التراخى لأن بسببه تعذر قبض المنفعة وذلك يتكرر بمرور الزمان هذا أن لم يسق المؤجر الماء اليها فى موضع آخر مع بقاء وقت الزراعة ولم تمض مدة لمثلها أجرة والا فلا خيار
(3)
.
ويلزم فى الاجارة الفاسدة أجرة المثل سواء أقدرت بعمل أم لا سواء أكانت أكثر من المسمى أم لا - وذلك بما يكون به المسمى فى الصحيحة سواء انتفع بها
(4)
أم لا ولو كرى عينا مدة ولم يسلمها المكرى حتى مضت تلك المدة انفسخت
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 329
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 330
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 330
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 332
تلك الاجارة لفوات المعقود عليه قبل قبضه سواء استوف المكرى تلك المنفعة أم لا وسواء أمسكها لقبض الأجرة أم لغيره فان مضى بعض المدة ثم سلمها انفسخت فى الماضى وثبت الخيار فى الباقى. ولو لم يقدر فى الاجارة مدة وأجر له دابة لركوب الى موضع معين ولم يسلمها اليه حتى مضت مدة امكان السير اليه فاآ أصح أنها أى الاجارة لا تنفسخ لأن هذه الاجارة معلقة بالمنفعة لا بالزمان فلم يتعذر الاستيفاء.
والثانى تنفسخ كما لو حسبها المكترى تلك المدة فان الأجرة تستقر عليه.
ولو أجر عبده ثم أعتقه أو باعه أو وقفه فالأصح المنصوص فى الأم.
وعبر فى الروضة بالصحيح أنها لا تنفسخ الاجارة بان السيد تبرع بازالة ملكه ولم تكن المنفع له وقت العتق فلم يصادف العتق الا الرقبة مسلوبة المنفعة.
والثانى تنفسخ كموت البطن الأول
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن الاجارة عقد لازم من الطرفين لأنها عقد معاوضة كالبيع ولأنها نوع من البيع ويقتضى عقدها تمليك المؤجر الأجر وتمليك المستأجر المنافع كالبيع فليس أحدهما فسخها بعد انقضاء الخيار أى خيار المجلس أو خيار الشرط الا أن يجد المستأجر العين معيبة عيبا لم يكن المستأجر علم به حال العقد فله الفسخ.
قال فى المغنى والمبدع بغير خلاف نعلمه لأنه عيب فى المعقود عليه فأثبت الخيار كالعيب فى المبيع.
والعيب الذى يفسخ به فى الاجارة ما تنقضى به المنفعة ويظهر به تفاوت الأجرة فيفسخ بذلك ان لم يزل العيب بلا ضرر يلحقه أى المستأجر
(2)
وكذلك كأن تكون الدابة جموما أو عضوضا أو نفورا أو شموسا أو بها عيب كتعثر الظهر فى المشى وعرج يتأخر به عن القافلة وربص أى بروك البهيمة بالحمل أو يجد المستأجر المكترى للخدمة ضعيف البصر أو به جنون أو جذام أو برص أو مرض أو يجد المستأجر الدار مهدومة الحائط أو يخاف من سقوطها أو انقطع الماء من بئرها أو تغير بحيث يمنع الشرب والوضوء.
فثبت له خيارا لفسخ ولا يعارضه ما سبق من أنه لا فسخ له بذلك لامكان حمله على أنه لا يحصل الفسخ بمجرد ذلك بقرينة السياق لأنه لو كان هو المعقود عليه لانفسخت الاجارة بمجرد انقطاعه لتعذر المعقود عليه وأشباه ذلك من العيوب فان رضى المستأجر بالمقام ولم يفسخ الاجارة لزمه جميع الأجرة المسماة ولا أرش له.
وان اختلفا أى المؤجر والمستأجر فى الموجود هل هو عيب أولا رجع فيه الى أهل الخبرة مثل أن تكون الدابة خشنة المشى أو انها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيرا فان قالوا أهل الخبرة هو عيب فله الفسخ والا فلا فسخ له ويكفى فيه اثنان منهم على قياس ما فى الشهادات.
هذا ما ذكر من الفسخ اذا كان العقد على عينها أى عين المعيبة فان كانت المؤجرة موصوفة فى الذمة لم ينفسخ العقد بردها لكونها معيبة وعلى المكرى ابدالها. بسليمة كالمسلم فيه لأن اطلاق العقد انما يتناول السليم.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 332
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس على هامش شرح المنتهى للشيخ ادريس بن يونس البهوئى الجزء الثانى ص 307 الطبعة الأولى. المطبعة العامرية
فان عجز المكرى عن ابدالها أو امتنع منه أى من ابدالها ولم يمكنه اجباره عليه فللمكترى الفسخ أيضا استدراكا لما فاته وعلم مما تقدم ان الاجارة الصحيحة ليس للمؤجر ولا غيره فسخها لزيادة حصلت
(1)
ولو كانت العين وقفا.
قال الشيخ تقى الدين باتفاق الأئمة واذا التزم المستأجر بهذه الزيادة على الوجه المذكور لم تلزمه اتفاقا ولو التزمها بطيب نفس منه بناء على أن الحاق الزيادة والشروط بالعقود اللازمة لا تلحق ذكره فى الاختيارات. وان فسخها المستأجر من غير عيب ولا خيار غيره وترك الانتفاع بالمأجور قبل مضى المدة لم تنفسخ الاجارة. وعليه الأجرة ولا يزول ملكه عن المنافع بل قد تذهب على ملكه لما تقدم من انها عقد لازم.
ولا يجوز للمؤجر التصرف فيها. أى فى العين المؤجرة سواء ترك المستأجر الانتفاع بها أولا لأنها صارت مملوكة لغيره كما لا يملك البائع التصرف فى المبيع الا أن يوجد منهما ما يدل على الاقالة.
فان تصرف المؤجر فى العين المؤجرة ويد المستأجر عليها بأن سكن المؤجر الدار أو آجرها لغيره بعد تسليمها للمستأجر لم تنفسخ الاجارة بذلك لما مر وعلى المستأجر جميع الأجرة.
لأن يده لم تزل عن العين وله أى المستأجر على المالك أجرة المثل لما سكنه أو تصرف فيه لأنه تصرف فيها ملكه المستأجر عليه بغير اذنه فأشبه تصرفه فى المبيع بعد قبض المشترى له وقبض العين هنا قام مقام قبض المنافع وان تصرف المالك قبل تسليمها أى العين المؤجرة أو امتنع منه أى من التسليم حتى انقضت المدة انفسخت الاجارة بذلك.
قال فى المغنى والشرح وجها واحدا لأن العاقد قد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فأشبه تلف الطعام قبل قبضه وان سلمها أى سلم المؤجر العين المؤجرة اليه أى المستأجر فى أثنائها أى المدة انفسخت الاجارة فيما مضى من مدة الاجارة وتجب أجرة الباقى بالحصة أى بالقسط من المسمى. وان حوله المالك قبل تقضى المدة المؤجرة أو منعه بعضها أى بعض المدة أو امتنع من تكميل العمل أو من التسليم فى بعض المدة أو المسافة لم يكن له أى المؤجر ولا الأجير أجرة. لما فعل الأجير أو سكن المستأجر نصا قبل أن يحوله المؤجر لأن كلا منهم لم يسلم الى المستأجر ما وقع عليه عقد الاجارة فلم يستحق شيئا كمن استأجر انسانا ليحمل له كتابا الى بلد معين فحمله بعض الطريق فقط أو ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرة وامتنع من حفر الباقى.
وان هرب الأجير قبل اكمال العمل لم تنفسخ الاجارة. أو شردت الدابة المؤجرة لم تنفسخ الاجارة أو أخذها أى المؤجرة المؤجرة وهرب بها - لم تنفسخ الاجارة أو منعه أى منع المؤجر المستأجر من استيفاء المنفعة من غير هرب لم تنفسخ الاجارة. بذلك للزومها
(2)
.
ويثبت للمستأجر خيار الفسخ استدراكا لما فاته. فان فسخ فلا كلام وان لم يفسخ المستأجر الاجارة وكانت الاجارة على مدة انفسخت الاجارة بمضيها يوما فيوما لفوات المعقود عليه.
فان عادت العين المؤجرة فى أثنائها استوفى المستأجر ما بقى من المدة لبقاء الاجارة فيه
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 308 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 308، 309 الطبعة السابقة
وان انقضت المدة كلها قبل عودها انفسخت الاجارة لفوات المعقود عليه وان كانت الاجارة على عمل فى الذمة كأن استؤجر لخياطة ثوبا ونحوه كبناء حائط أو استؤجر لحمل شئ الى موضع معين ثم هرب الأجير قبل اتمام العمل استؤجر من ماله أى استأجر الحاكم من مال الأجير من يعمله له ولايه على الغائب والممتنع فيقوم عنهما بما وجب عليهما من مالهما. فان تعذر بأن لم يكن له مال فله أى المستأجر الفسخ وله الصبر الى أن يقدر عليه فيطالبه بالعمل لأن ما فى ذمته لا يفوت بهربه.
فان لم يفسخ المستأجر وصبر حتى وجد الأجير فله مطالبته بالعمل متى أمكن لبقائه فى ذمته.
وكل موضع امتنع الأجير من اتمام العمل فيه فلا أجرة له لما عمل أو أى وكل موضع منع المؤجر المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة اذا كان بعد عمل البعض فلا أجرة له فيه على ما سبق لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الاجارة فلم يستحق شيئا. الا أن يرد المؤجر العين للمستأجر قبل انقضاء المدة فله الأجرة لأنه سلم العين لكن يسقط منها أجرة المدة التى احتبسها المؤجر لانفساخ الاجارة فيه كما تقدم أو يتم الأجير العمل ان لم يكن العقد على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل. لكونه وفى بالعمل فأما أن شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله أى المؤجر من الأجرة بقدر ما استوفى المستأجر بكل حمال سواء عادت العين فى المدة أو لم تعد لأن للمكترى فيه عذرا وان هرب الجمال ونحوه بدوابه فى بعض الطريق أو قبل الدخول فيها استأجر عليه الحاكم الى أن يرجع وباع ماله فى ذلك ان وجد له مالا لأن له الولاية على الغائب فان تعذر بأن لم يكن حاكم أو كان وتعذر الاثبات عنده أو لم يجد ما يكتريه أو وجده ولم يجد ما يكترى به للمستأجر الفسخ أو كانت الدواب معينة فى العقد فللمستأجر الفسخ. لأنه تعذر عليه قبض العقود عليه ولم يجز ابدالها لأن العقد وقع على عينها ولا أجرة للجمال ونحوه لما مضى قبل هربه لكونه لم يوفى المعقود عليه فان فسخ وكان الجمال ونحوه قبض الأجرة فهى دين فى ذمته وان اختار المقام وكانت على عمل فى الذمة قله ذلك ومطالبته متى قدر عليه وان كانت على مدة وانقضت فى هربه انفسخت فى هربه انفسخت الاجارة وان كان العقد على موصوف غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الأمر الى الحاكم فان وجد له مالا اكترى به كما سبق والا اقترض عليه ما يكترى به فان دفعه له ليكترى لنفسه جاز وان كان القرض من المكترى جاز وصار دينا فى ذمة الجمال
(1)
.
وتنفسخ الاجارة للرضاع بموت الصبى المرتضع لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه لكون غيره لا يقوم مقامه لاختلافهم فى الرضاع وقد يدر اللبن على ولد آخر فان كان موته عقب العقد زالت الاجارة من أصلها ورجع المستأجر بالأجر كله وان كان بعد مضى مدة رجع بحصة ما بقى.
وتنفسخ الاجارة بموت المرضعة لفوات المنفعة بهلاك محلها. وتنفسخ بانقلاع الضرس الذى اكترى لقلعه أو برئه لتعذر استيفاء المعقود عليه كالموت.
وان اكترى دارا أو نحوها فانهدمت فى أثناء المدة انفسخت الاجارة فيما بقى من المدة لأن المقصود بالعقد قد فات أشبه ما لو تلف.
وكذا لو انهدم البعض من الدار ونحوها انفسخت الاجارة فيما انهدم وسقط عن المستأجر
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 309 الطبعة السابقة
قسطه من الأجرة ولمكتر الخيار فى البقية لتفرق الصفقة عليه فان أمسك البقية فبالقسط من الأجرة فتسقط الأجرة على ما انهدم وعلى ما بقى ويلزمه قسط الباقى
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى ان موت الأجير أو موت المستأجر. أو هلاك الشئ المستأجر أو عتق العبد المستأجر. أو لبيع الشئ المستأجر من الدار. أو العبد أو الدابة. أو غير ذلك أو خروجه عن ملك مؤاجرة بأى وجه خرج كل ذلك يبطل عقد الاجارة فيما بقى من المدة خاصة قل أو كثر.
وذلك لقول الله تعالى ({وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها}).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما دماءكم وأموالكم عليكم حرام).
واذا مات المؤاجر فقد صار ملك الشئ المستأجر لورثته أو للفرماء وانما استأجر المستأجر منافع ذلك الشئ والمنافع انما تحدث شيئا بعد شئ فلا يحل له الانتفاع بمنافع حادثة فى ملك من لم يستأجر منه شيئا قط.
وهذا هو أكل المال بالباطل جهارا. ولا يلزم الورثة فى أموالهم عقد ميت قد بطل ملكه عن ذلك الشئ ولو أنه آجر منافع حادثة فى ملك غيره لكان ذلك باطلا بلا خلاف وهذا هو ذلك بعينه.
وأما موت المستأجر فانما كان عقد صاحب الشئ معه لا مع ورثته فلا حق له عند الورثة ولا عقد له معهم ولا ترث الورثة منافع لم تخلق بعد ولا ملكها مورثهم قط
(2)
.
وان اضطر المستأجر الى الرحيل عن البلد أو اضطر المؤاجر الى ذلك فان الاجارة تنفسخ اذا كان فى بقائها ضرر على أحدهما كمرض مانع أو خوف مانع. أو غير ذلك لقول الله تعالى ({وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}).
وان هلك الشئ المستأجر فان الاجارة تنفسخ خلافا لأبى ثور فقال لا تنفسخ الاجارة بل هى باقية الى أجلها والأجرة كلها واجبة للمؤاجر على المستأجر
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب انه يثبت الفسخ فى الاجارة الصحيحة بأحد أربعة أمور والخامس بالتراضى والتقابل.
الأول والثانى: انها تنفسخ بالرؤية فى الأعيان لا فى الأعمال فلا يرد المعمول فيه بخيار الرؤية بعد تمام العمل لأن تمام العمل كتلف المبيع.
والعيب: وفق الصفة والخيانة فى المرابحة والتولية ويعتبر فى العيب الذى يفسخ به أن ينتقص من أجرة المثل ولو بالنظر الى غرض المستأجر كما فى البيع.
وسواء حدث العيب قبل الاجارة أم بعدها ولو بفعله فيضمن ويفسخ.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 310 الطبعة السابقة
(2)
المحلى للامام أبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم الأندلسى المعروف بالظاهرى الجزء الثامن ص 184 مسألة رقم 1291 طبع إدارة الطباعة المنيرية
(3)
المرجع السابق ج 8 ص 187 مسألة رقم 1292 الطبعة السابقة
والثالث بطلان المنفعة بعد القبض فتسقط الأجرة بنفس البطلان وذلك كانقطاع ماء الرما وماء الأرض وغلبة الماء عليها ومرض الأجير الخاص أو المشترك ولو أمكنه الاستنابة وعجز الدابة عن السير وقراب الدار وغصبها اذا لم يمكن المستأجر منع الغصب لها أو ارجاعها بلا عوض.
أما لو أمكن منع الغاصب أو ارجاعها ولم يفعل لزمته الأجرة المسماة للمالك ورجع المستأجر على الغاصب بأجرة المثل.
الأمر الرابع: النذر الزائل معه القرض بعقدها من المستأجر أو العين المستأجرة نحو أن يستأجر من يقلع له سنا أو يقطع عضوا حصلت به علة ثم شفى فانها تبطل الاجارة.
وكذا لو أفلس المستأجر قبل تسليم الأجرة أو كان يمطله ولو علم بذلك عند العقد لأنه يستحق الأجرة حالا فحالا.
وكذا لو استأجر دابة أو خادما للسفر ثم عرض له عذر عن السفر لخوف يغلب الظن معه العطب أو الضرر.
وكذا لو استأجر دارا وعرض له مانع عن الاقامة أو منعه عن التجارة أو الحرفة التى استأجر لها أفلاس اذا أضرب عن عمارة العرصة التى استأجرها للبناء فيها. أو أضرب عن الزرع وقد استأجر الأرض له وسواء لعذر أو لغير عذر فهذه الأعذار كلها يزول معها القرض بعقد الاجارة ولا بد للفسخ بها من التراضى أو حكم الحاكم ومن العذر مرض من لا يقوم به الا الأجير فلو أجر نفسه ثم مرض من به الا الأجير فلو أجر نفسه ثم مرض من لا يجير ممن يقوم فى مرضه رد هو وكذا اذا احتاج الى حفظ بيته لمرض زوجته أو يريد التحلل منها أو يلحقه عار أن لم يحضر موتها فان هذه تكون أعذارا للأجير فى فسخ الاجارة ولو رضى المستأجر ببقاء العقد والعود للعمل بعد مضى العذر.
وكذا لو عرض ذلك للمستأجر وهو يعتاد الحضور أو يحصل تسهيل من الأجير فى العمل أو يقل نصحه ان لم يحضر فللمستأجر الفسخ.
ومن العذر الحاجة الماسة الى ثمنه أو بعضه حيث لم يتمكن من بيع البعض الا بالكل فلو أجر أرضا له أو دارا ثم احتاج الى ثمنها لضرورة نحو دين يرتكبه ولا مال له غير ما يستثنى للمفلس سواها أو يعجزه عن نفقة نفسه أو أهله ولو أمكنه التكسب كان عذرا له فى بيعها وتنفسخ بالبيع.
ومن العذر نكاح من يمنعها الزوج كلو استأجرت امرأة حرة أرضا تزرعها أو أجرت نفسها أن ترعى غنما فلم يأذن لها زوجها بالخروج كان عذرا فى فسخ الاجارة ولو لم يمنعها بل عدم الأذن كاف سواء كانت الاجارة من قبل الزواج أم من بعده اذا لم يمكنها الاستنابة أو أمكنها ولكن عادتها الحضور.
وكذا يجوز الفسخ لكل واجب من رد وديعة أو جهاد لا الحج لأن وقته العمر ويجوز تأجيره للعذر.
ولا تنفسخ الاجارة بموت أيهما أى لا يموت المستأجر ولا المؤجر ولا بموتهما معا بل تتم الاجارة لورثة من مات منهما أو ارتد ولحق وهذا مذهبنا لا أن يكون أجيرا خاصا فانها تبطل بموت الأجير الخاص ولا تنفسخ الاجارة الصحيحة بحاجة المالك الى العين المؤجرة فلو أجر داره أو فرسه ثم احتاج ليسكنها أو ليركبها لم تنفسخ الاجارة بذلك، ولا بجهل قدر مسافة جهة وكتاب ذكر لغيها للبريد والناسخ فلو استأجر رجل رجلا الى موضع أو لنسخ كتاب مشهورين بتسميته
والأجير لا يعرف تفصيل قدرهما فانكشف الموضع بعيدا والكتاب كثيرا فانه لا خبار له يفسخ به اذا لم يكن من المستأجر تقرير ولا تحقير
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن الاجارة عقد لازم من الطرفين لا تبطل الا بالتقايل أو بأحد الأسباب المقتضية للفسخ. ولو تعقبها البيع لم تبطل لعدم المنافاة فان الاجارة تتعلق بالمنافع والبيع بالعين وان تبعتها المنافع حيث يمكن. سواء كان المشترى هو المستأجر أو غيره فان كان هو المستأجر لم تبطل الاجارة على الأقوى بل يجتمع عليه الأجرة والثمن.
وان كان غيره وهو عالم بها صبر الى انقضاء المدة. ولم يمنع ذلك من تعجيل الثمن وان كان جاهلا بها تخير بين فسخ البيع وامضائه مجانا مسلوب المنفعة الى انقضاء المدة.
ثم لو تجدد فسخ الاجارة عادت المنفعة الى البائع لا الى المشترى وعذر المستأجر لا يبطلها وان بلغ حدا يتعذر عليه الانتفاع بها كما لو استأجر حانوتا فسرق ممتاعه ولا يقدر على ابداله لأن العين تامة صالحة للانتفاع بها فيستصحب اللزوم وأما لو عم العذر كالثلج المانع من قطع الطريق الذى استأجر الدابة لسلوكه مثلا فالأقرب جواز الفسخ لكل منهما لتعذر استيفاء المنفعة المقصودة حسا فلو لم يجبر بالخيار لزم الضرر المنفى.
ومثله لو عرض مانع شرعى كخوف الطريق لتحريم السفر حينئذ أو استئجار امرأة لكنس المسجد فحاضت. والزمان معين ينقض مدة العذر ويحتمل انفساخ العقد فى ذلك كله تنزيلا للتعذر منزلة تلف العين
(2)
.
ولا تبطل الاجارة بالموت كما يقتضيه لزوم العقد. سواء فى ذلك فى موت المؤجر والمستأجر الا أن تكون العين موقوفة. على المؤجر وعلى من بعده من البطون فيؤجرها مدة ويتفق موته قبل انقضائها فيبطل لانتقال الحق الى غيره.
وليس له التصرف فيها الا زمن استحقاقه ولهذا لا يملك نقلها ولا اتلافها. نعم لو كان ناظرا وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل بموته. لكن الصحة حينئذ ليست من حيث انه موقوف عليه بل من حيث انه ناظر. ومثله المعرض له بمنفعتها مدة حياته فيؤجرها كذلك. ولو شرط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه بطلت بموته أيضا
(3)
.
ولو طرأ المنع من الانتفاع بالعين المؤجرة فيما أجرت له. فان كان المنع قبل القبض فله الفسخ لأن العين قبل القبض مضمونة على المؤجر فللمستأجر الفسخ عند تعذرها ومطالبة المؤجر بالمسمى لفوات المنفعة وله الرضا بها وانتظار زوال المانع أو مطالبة المانع بأجرة المثل لو كان غاصبا بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضا لكون العين مضمونة عليه حتى يقبض.
ولا يسقط التخيير بزوال المانع فى أثناء المدة لاصالة بقائه وان كان المنع بعده أى بعد القبض فان كان تلفا بطلت الاجارة لتعذر تحصيل المنفعة
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح فن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأحمد بن قاسم العنسى ج 3 ص 117، ص 118، ص 119، ص 120 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبلى العاملى الجزء الثانى ص 2
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 2، 3
المستأجر عليها فان كان غصبا لم تبطل لاستقرار العقد بالقرض وبراءة المؤجر
(1)
.
ولو ظهر فى المنفعة عيب فله الفسخ لفوات بعض المالية بسببه فيجبر بالخيار. ولأن الصبر على العيب ضرر منفى.
وفى ارش لو اختار البقاء على الاجارة نظر من وقوع العقد على هذا المجموع. وهو باق فأما أن يفسخ أو يرضى بالجميع.
ومن كون الجزء الفائت. أو الوصف مقصودا للمستأجر ولم يحصل وهو يستلزم نقص المنفعة التى هى أحد العوضين فيجبر بالأرش وهو حسن
(2)
.
ولو طرأ العيب بعد العقد فكذلك كانهدام السكن وان كان بعد استيفاء شئ من المنفعة ولا يمنع من ذلك كون التصرف مسقطا للخيار لأن المعتبر منه ما وقع فى العوض المعيب الذى تعلقت به المعاوضة وهو هنا المنفعة. وهى تتجدد شيئا فشيئا. وما لم يستوفه منها لا يتحقق فيه التصرف. وانما يتخير مع انهدام المسكن اذا أمكن الانتفاع به وان قل أو أمكن ازالة المانع والا بطلت. ولو أعاده المؤجر بسرعة بحيث لا يفوت عليه شئ معتد به ففى زوال الخيار نظر من زوال المانع وثبوت الخيار بالانهدام فيستصحب وهو أقوى
(3)
.
ما يفسد الاذن بالتجارة وما لا يفسده
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الأذن بالتجارة يبطل بعد وجوده بضده وهو الحجر فيحتاج الى بيان ما يصير العبد به محجورا وذلك أنواع بعضها يرجع الى المولى وبعضها يرجع الى العبد.
أما الذى يرجع الى المولى فثلاثة أنواع صريح ودلالة وضرورة.
والصريح نوعان: خاص وعام.
أما العالم: فهو الحجر باللسان على سبيل الاشهار والاشاعة بأن يحجره فى أهل سوقه بالنداء بالحجر وهذا النوع من الحجر يبطل به الأذن الخاص والعام جميعا لأن الأذن بالتجارة غير لازم فكان محتملا للبطلان والشئ يبطل بمثله وبما هو فوقه
(4)
.
وأما الخاص: فهو أن يكون بين العبد وبين المولى ولا يكون على سبيل الاستفاضة والاشتهار.
وهذا النوع لا يبطل به الأذن العام لأن الشئ لا يبطل بما هو دونه ولأن الحجر اذا لم يشتهر فالناس يعاملونه بناء على الأذن العام، ثم يظهر الحجر فيلحقهم ضرر الغرور وهو اتلاف ديونهم فى ذمة المفلس ومعنى التغرير لا يتحقق فى الأذن العام لأن الناس يمتنعون عن معاملته فلا يلحقهم ضرر الغرور ويبطل به الأذن الخاص لأن الحجر صحيح فى حقهما حسب صحة الأذن فجاز أن يبطل به لأن الشئ يحتمل البطلان بمثله، ومن شرط صحة هذين النوعين علم العبد بهما فان لم يعلم لا يصير محجورا لأن الحجر منع من تصرف شرعى وحكم المنع فى الشرائع لا يلزم الممنوع الا بعد العلم كما فى سائر الأحكام الشرعية.
ولو أخبره بالحجر رجلان أو رجل وامرأتان عدلا كان أو غير عدل صار محجورا بالاجماع وكذلك اذا أخبره واحد عدل رجلا كان أو
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 8، 9
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 9
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 10
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الاشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 206، ص 207 طبع مطبعة الجمالية الطبعة الأولى سنة 1328 هـ سنة 1910 م
امرأة حرا كان أو عبدا أو أخبره واحد غير عدل وصدقه لأن خبر الواحد فى المعاملات مقبول من غير شرط العدد والعدالة والذكورة والحرية اذا صدقه فيه وأما اذا كذبه فلا يصير محجورا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان ظهر صدق المخبر.
وعندهما يصير محجورا صدقه أو كذبه اذا ظهر صدق المخبر ولو كان المخبر رسولا يصير محجورا بالاجماع صدقه أو كذبه ولو اشترى المأذون عبدا فأذن له بالتجارة فحجر المولى على أحدهما فان حجر على الأسفل لم يصح سواء كان على الأعلى يبين أو لم يكن لأنه مأذون من جهة الأعلى لا من جهة المولى.
وان حجر على الأعلى ينظر ان لم يكن عليه دين لا يصير الأسفل محجورا عليه لأنه اذا لم يكن عليه دين فهما عبدان مملوكان للمولى فيصير كأنه اذن لهما ثم حجر على أحدهما ولو كان كذلك فيحجر أحدهما بحجر الآخر كذا هذا.
وان كان على الأعلى دين يصير محجورا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا يصير محجورا بناء على أن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المدين عنده وعندهما يملك. ووجه البناء انه لما لم يملك عبده وقد استفاد الأذن من جهة الأعلى لا من جهة المولى صار حجر الأعلى كموته ولو مات لصار الثانى محجورا كذا ولما ملك عندهما صار الجواب فى هذا وفى الأول سواء.
هذا عن الصريح أما الدلالة فأنواع منها البيع وهو أن يبيعه المولى ولا دين عليه لأنه زال ملكه بالبيع وحدث للمشترى فيه ملك جديد فيزول أذن البائع لزوال ملكه ولم يوجد الأذن من المشترى فيصير محجورا.
ومنها الاستيلاء بان كان المأذون جارية فاستولدها المولى وانما يبطل بذلك استحسانا لأن التجارة لا بد لها من الخروج الى الأسواق وأمهات الأولاد ممنوعات عن الخروج فى العادات فكان الاستيلاء حجرا دلالة.
والقياس أن لا يبطل به الأذن لأنها قادرة على التصرف بعد الاستيلاء.
وأما التدبير فلا يكون حجرا لأنه لا ينفى الأذن اذ الأذن اطلاق والتدبير لا ينافيه.
ومنها لحوقه بدار الحرب مرتدا لأن الردة مع اللحوق توجب زوال الملك وهذا يمنع بقاء الأذن فكان حجرا دلالة فان لم يلحق بدار الحرب فعلى قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ينبغى أن يقف تصرف المأذون بعد الردة وعلى قياس قولهما ينفذ.
وأما النوع الثالث وهو الضرورة فأنواع أيضا منها موته لأن الموت مبطل للملك وبطلان الملك يوجب بطلان الأذن ومنها جنونه مطبقا لأن أهلية الآذن شرط بقاء الآذن بالتجارة غير لازم فكان لبقائه حكم الابتداء ثم ابتداء الآذن لا يصح من غير الأهل فلا يبقى أيضا.
والجنون المطبق مبطل للأهلية فصار محجورا فان أفاق يعود مأذونا لأن بطلان الآذن لبطلان الأهلية مع احتمال العود فاذا أفاق عادت الأهلية مع احتمال العود فاذا أفاق عادت الأهلية فعاد مأذونا وصار كالموكل اذا أفاق بعد جنونه اذ تعود له الوكالة كذا هذا.
وأما الاغماء فلا يوجب الحجر نه لا يبطل الأهلية لكونه على شرف الزوال ساعة فساعة عادة ولهذا لا يمنع وجوب سائر العبادات.
وأما الذى يرجع الى العبد فأنواع أيضا منها اباقه لأنه بالاباق تنقطع منافع تصرفه عن
المولى فلا يرضى به المولى وهذا ينافى الآذن لأن تصرف المأذون برضا المولى ومنها جنونه جنونا مطبقا لأنه مبطل أهلية التجارة على وجه لا يحتمل العود الا على سبيل الندرة لزوال ما هو مبنى عليه وهو العقل فلم يكن فى بقاء الآذن فائدة، فيبطل ولو أفاق بعد ذلك لا يعود مأذونا بخلاف الموكل.
وأما الجنون الذى هو غير مطبق فلا يوجب الحجر لأن غير المطبق منه ليس بمبطل للأهلية فكونه على شرف الزوال فكان فى حكم الاغماء.
ومنها ردته عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا توجب الحجر بناء على وقوف تصرفاته عنده ونفوذها عندهما. ومنها لحوقه بدار الحرب مرتدا لأن اللحوق بدار الحرب مرتدا بمنزلة الموت فكان مبطلا للأهلية فيصير محجورا.
لكن عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى من وقت الردة وعندهما من وقت اللحوق
(1)
.
مذهب المالكية:
مذهب المالكية: جاء فى شرح منح الجليل أن الحجر على الرقيق المأذون له فى التجارة - اذا قام غرماؤه عليه وطلبوا تفليسه أو آراد سيده منعه من التصرف وابطال اذنه له فيه كالحجر على المدين الحر فى كون الذى يتولاه القاضى لا الغرماء ولا السيد، وفى قبول اقراره لمن لا يتهم عليه قبل التفليس لا بعده.
وفى منع العبد المأذون له من التصرف المالى الى غير هذا وليس لسيده اسقاط الدين عنه.
وقيل لسيده الحجر عليه بغير حاكم لأنه ملكه.
قال اللخمى رحمه الله تعالى: هذا اذا لم يطل تجره.
قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى:
لا ينبغى العدول عن تقييد اللخمى بعدم طول زمن تجره.
وتردد النويرى فى كون كلام اللخمى خلافا أو تقييدا، وظاهر كلام ابن شاس الأول.
وقال اللخمى: ما لم يطل تجره يعنى أنه فى قيام غرمائه ومجرهم عليه كالحر فلا يكون ذلك للسيد وانما يكون للحاكم.
ثم ذكر الخلاف فجعل كلام ابن الحاجب مسئلة واحدة وليس كذلك وانما هما مسئلتان:
احداهما أنه فى قيام الغرماء عليه كالحر.
والثانية انه فى الحجر عليه كالحر، ومعنى الحجر عليه ابطال اذنه له فى التجارة
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن العبد المأذون له فى التجارة لا ينعزل باباقه قطعا لأن الاباقه معصية لا توجب الحجر، وله التصرف فى البلد الذى أبق اليه على الصحيح الا أن خص السيد الآذن ببلده فان عاد الى الطاعة تصرف جزما ولو أذن لأمته فى التجارة ثم استولدها لم ينعزل لبقائها على ملكه واستحقاقه منافعها.
ولو باع السيد العبد المأذون له أو أعتقه صار محجورا عليه لأن اذنه له استخدام
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 206، ص 207 طبع مطبعة الجمالية الطبعة الأولى سنة 1328 هـ - سنة 1910 م
(2)
شرح منح الجليل على مختصر خليل للشيخ محمد عليش ج 3 ص 190 فى كتاب على هامشه حاشية المسماة تسهيل منح الجليل
لا توكيل وقد خرج عن أهليته وفى معنى ذلك كل ما يزيل الملك كهبة ووقف وفى كتابته وجهان أوجههما وجزم به فى الأنوار - انها حجر واجارته - كما بحثه شيخنا رحمه الله تعالى - كذلك
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن العبد المأذون له فى التجارة يبطل اذنه بالحجر على سيده لسفه أو فلس وبموته وجنونه المطبق وبسائر ما يبطل الوكالة لأن الأذن له كالوكالة يبطل بما يبطلها وان حجر السيد على العبد المأذون وفى يده مال فأقر به لم يصح اقراره لحق السيد ثم ان أذن السيد له فأقر المأذون بالمال الذى بيده صح اقراره لأن المانع من صحة اقراره الحجر عليه وقد زال ولأن تصرفه صحيح فصح اقراره كالحجر.
ولا يبطل أذن السيد لعبده فى التجارة باباق وتدبير وايلاء وكتابته وحرية وأسر وحبس بدين وغصب لأن ذلك لا يمنع ابتداء الاذن له فى التجارة فلا يمنع استدامته
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار ان الأذن للعبد يرتفع بواحد من ستة أمور.
الأول منها الحجر العلم لجميع التصرفات فان حجره عن شئ مخصوص لم يرتفع الأذن الا فى ذلك الشئ دون غيره.
قال عليه السلام والأقرب أن الصبى المميز الحر كالعبد فى ارتفاع الأذن قال فان حجر الحاكم على سيد العبد فالأقرب أن العبد يصير محجورا بذلك ما لم يكن على العبد دين معاملة فان كان عليه دين ستفرق له ولما فى يده لم يصر حجر السيد حجرا عليه.
وكذا الصبى لو حجر وليه حيث هو متصرف فى مال الولى.
والثانى: بيعه ونحوه فاذا باعه سيده أو نقله عن ملكه بأى وجه ارتفع أذنه ولو رجع بما هو نقض للعقد من أصله اذ مجرد البيع رجوع وقيل هذا اذا لم يرد عليه بما هو نقض للعقد من أصله ولم يجعلوا مجرد البيع رجوعا كما لو كان لهما الخيار.
وظاهر الأزهار الأول أما اذا باعه السيد شرطه له الخيار دون المشترى.
قال عليه السلام: فالأقرب أن الأذن لم يرتفع قال: وكذا لو كان الخيار لهما.
والثالث: عتقه فاذا أعتقه السيد ارتفع الأذن ومثل العتق وقفه على غيره لأنه يتعذر الابقاء من ثمنه وكسبه وكذا رهنه لتعذر الابقاء من ثمنه وكذا جنونه أو ردته مع اللحوق فان لم يلحق بقى موقوفا بخلاف ما اذا دبره أو استولده أو أجره وكذا رهنه وكتابته الا أن يعجز.
والرابع: اباقه.
والخامس: غصبه فاذا أبق على سيده أو غصبه عليه غاصب صار محجورا حتى يعود الى يده فيرجع مأذونا.
(1)
مفتى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 2 ص 95 فى كتاب على هامشه فى المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى
(2)
كشاف القناع عن فن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 2 ص 230، ص 231 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوئى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية 1319 هـ
والسادس: أن يموت السيد فيرتفع أذن العبد بموت سيده لأنه قد انتقل ملكه.
والجاهل لحجر العبد يستصحب الحال فمن علم أن العبد مأذون ثم وقع الحجر ولم يعلم به بقى حكم معاملته فى استصحاب الحال معاملة المأذون فى الجواز والتعليق برقبة العبد وما فى يده
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة أن العبد المأذون ينعزل بالاباق كما فى التذكرة قضاء للعادة وشهادة الحال فان خروجه عن طاعة مولاه يؤذن بكراهية المولى لتصرفه حيث خرج عن الأمانة وأن الشارع نزله منزلة الموت ولهذا يزول نكاحه عن امرأته والموت موجب للبطلان وقيل لا ينعزل بالاباق كما هو خيرة التحرير وجامع المقاصد - لأن الأصل ذلك فيتمسك بصريح الأذن الى أن يتحقق العزل وان الاباق عصيان فلا يوجب الحجر كما لو عصى السيد من وجه آخر والفرق ظاهر، فانه اذا قهر المولى على نفسه فقد قهره على ما فى يده والحال تشهد بأنه لم يأذن له حينئذ بالتصرف فيه وعلى القول ببقاء الأذن له التصرف فى البلد الذى أبق اليه الا اذا خص السيد الأذن بهذا البلد
(2)
.
ما يفسد الوقف وما لا يفسده
مذهب الحنفية:
جاء فى فتح القدير أن المرتد اذا وقف حال ردته ففى قول بى حنيفة هو موقوف ان قتل على ردته ومات بطل وقفه.
وقول محمد اذا انتحل دينا جاز منه ما يجزه لأهل ذلك الدين أما المرتدة فأبو حنيفة يجيز وقفها لأنها لا تقتل وأما المسلم اذا وقف صحيحا فى أى وجه كان ثم ارتد يبطل الوقف ويصير مبراثا سواء قتل على ردته أو مات أو عاد الى الاسلام الا أن أعاد الوقف بعد عوده الى الاسلام.
وحكى الخصاف فى وقف المرتدين خلافا بين أصحابنا مبينا على الخلاف فى الذمى يتزندق يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا.
قال بعضهم أتره على ما اختاره وأقر الجزية عليه لأنى ان أخذته بالرجوع فأنما أرده من كفر الى كفر ولا أرى ذلك.
وقال بعضهم لا أقره على الزندقة وأما الصائبة فان كانوا يقولون ما يهلكنا الا الدهر فمنهم صنف من الزنادقة وان كانوا يقولون يقول أهل الكتاب صح من وقفهم ما يصح من أهل الذمة وجميع أهل الأهواء بعد كونهم من أهل القبلة حكم وقفهم ووصاياهم حكم أهل الاسلام ألا ترى الى قبول شهاداتهم على المسلمين فهذا حكم باسلامهم وأما الخطابية فانما لم يقبلوا لأنه قيل أنهم يشهد بعضهم لبعض بالزور على من خالفهم وقيل لأنهم يتدينون صدق المدعى اذا حلف انه محق
(3)
.
(1)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 155، ص 156 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ
(2)
مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة للسيد محمد جواد بن محمد بن محمد الحسينى العاملى ج 5 ص 292 فى كتاب أعلاه القواعد المذكورة
(3)
شرح فتح القدير للشيخ كمال الدين بن محمد بن عبد الواحد مع تكملته نتائج الأفكار فى كشف الرموز والأسرار للمولى شمس الدين أحمد المعروف بقاضى زاده على الهداية شرح بداية المبتدى للشيخ حان الدين على بن أبى بكر المبرغانى وبهامشه شرح العناية على الهواية للامام محمد بن محمود الجزء الخامس ص 38 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1316 هـ
مذهب المالكية:
جاء فى شرح منح الجليل أن الوقف يبطل ان وقف وارسكناه على محجوره وخرج منها وحوزها لغيره ثم عاد الواقف لسكنى مسكنه الذى أوقفه على محجوره قبل تمام عام من يوم خروجه منه وتحويزه لغيره ومات أو جن أو أفلس وهو ساكن فيه فقد بطل تحبيسه لضعف حوزه عنه باكتنافه سكناه فان لم يسكنها أولا وخبرت عنه ثم عاد لسكناها قبل عام فلا يبطل تحبيسه وكذا عوده بسكناه بعد تمام عام وقيل فيه نظر بل يبطل فلا مفهوم لعاد ولا لسكنى ولا لمسكنه اذ الانتفاع بغير السكنى كالانتفاع بها وغير المسكن كالمسكن كذا النقل وبه شرح الشراح المعتمدون.
وروى ابن يونس عن الامام مالك رضى الله تعالى عنه من حبس حبسا وسكنه زمانا ثم خرج منه فلا اراه الا قد أفسده حبسه وهو ميراث.
وقال ابن القاسم رحمه الله تعالى أن خير عنه بعد ذلك فى صحته حتى مات فهو نافذ فان رجع مكن فيه بكراء بعد ما حيز عنه فان جاء من ذلك أمرين من الحيازة فذلك نافذ قاله مالك رضى الله تعالى عنه.
قال محمد هذا حاز ذلك المجس عليه بنفسه أو وكيله ولم يكن فيهم صغيرا ولا من لم يولد بعد فأما من جعل ذلك بيد من يحوزه على المتصدق عليه حتى يقدم أو يكبر أو يولد أو كان بيده هو يحوزه لمن يحوز حوزه عليه ثم سكنه ذلك قبل أن يلى الصغير نفسه وقبل أن يحوز من ذكرنا فمن حبس عليه فذلك يبطله.
أما حد تلك الحيازة فقيل السنه أقلها.
قاله ابن عبد الحكيم عن مالك رضى الله تعالى عنه.
وقال ابن رشد رحمه الله تعالى انما يصح القول بحيازة العام فى المالكين أمورهم فيقول مالك رضى الله تعالى عنه والمعلوم من مذهب ابن القاسم رحمه الله تعالى ان رجع بعمرى أو كراى أو رفاق أو غير ذلك بعد أن حازها الموقوف عليه سنة ان الوقف نافذ.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى وأما الصغار فمتى سكن أو عمر ولو بعد عام بطل واقتصر عليه ابن عات وابن سلمون وأفتى ابن لب بأنه ان أخلى ما حبسه على صغار ولده عاما كاملا ثم رجع له فلا يبطل رجوعه تحبيسه.
قال المتيطى المشهور المعمول به انه لا فرق بين الصغير والكبير فى نفوذ السكنى اذا أخلاه على ما يشترط أن يكر به فى هذا العام باسم محجورة ويرجع اليه بالكراء ويشهد عليه.
وهذا قول ابن القاسم وعبد الملك ونحوه لأبن العطار ثم ذكر عن محمد أن المحجور ليس كغيره افادة فى الخطاب وأما أن عاد للسكنى بعد عام فلا يبطل وهذا فى حق من يحوز لنفسه وأما من يحوز له الواقف فان عاد لسكناه بطل الحبس والهبة
(1)
.
ويبطل الوقف أن وقف شيئا ثم ظهر دين عليه مستغرق ما بيده وجهل سبق الوقت لديه ظهر على الواقف مستغرق ما وقف وعدم سبقه اياه فيبطل الوقف ان كان الوقف على محجور الواقف احتياطا للواجب وهو قضاء الدين ومفهوم الشرط أنه ان كان على غير محجورة فلا يبطل فى هذه الحالة.
(1)
شرح فتح الجليل على مختصر خليل الحاتى المحقيين الشيخ محمد عليش وبهامشه حاشية فتح الجليل الجزء الرابع ص 44، 45
فقد قال الامام مالك رضى الله تعالى عنه ومن حبس حبسا على ولد له صغار فمات وعليه دين لا يدرى الدين كان قبل أم الحبس وقام الغرماء فعلى الولد اقامته البينة ان الحبس كان قبل الدين والا بطل الحبس.
قال المتيطى ان تحقق سبق الدين بطل الحبس والهبة والصدقة مطلقا وان تحقق سبق العطايا نفذت وبقيت الديون على التحريم وان جهل الشابق متهما فما كان من تحبيس أو صدقة أو هبة على كبير جاز لنفسه أو على صغيرها جاز له أجنبى بأمر أبيه فهو ماض على حبس ما عقد وتبقى الديون فى ذمته وما كان من ذلك على صغير حاز له أبوه فالديون أما من ذلك.
ويبطل الوقف ان وقف على غيره فقط وليس فى حجره ولم يجزه أى الواقف شخص كبير بالغ وقف عليه أى الكبير فيبطل بحصول مانع للواقف قبل حوزه عنه فان حاز الموقوف عليه الكبير قبله فلا يبطل بحصوله له بعده ان كان الكبير رشيدا بل ولو كان سفيها لا يحفظ المال ولا يحسن التصرف فيه فحوزه لنفسه صحيح معتبر.
وقيل لا يصح ولا يعتبر. ولو وقف على صغير محجور لغيره ولم يجزه ولى الصغير حتى حصل للواقف مانع فيبطل وقفه فان حازه ولى الصغير الموقوف عليه قبله فلا يبطل به لأن القصد من الحوز رفع يد واقفه عنه وتسليمه لغيره.
ويبطل أن وقف مسجدا أو قنطرة أو رباطا أو نحوها ولم يخل الواقف بين الناس وبين مسجد ورباط وقنطرة ونحوها وتنازع يجز ويخل قبل فلسه أى للواقف الأعم أو الأخص وقبل مرضه أى الواقف المتصل بموته وقبل جنونه كذلك وقبل موت أى للواقف بأن لم يحز عنه أصلا أو حيز عنه بعد مرضه أو جنونه أو فلسه فيها.
وقال مالك رضى الله تعالى عنه فيمن حبس على ولده الصغار والكبار ولم يقبض الكبار الحبس حتى مات الأب فانه يبطل كله لأن الكبار لم يقبضوا الحبس
(1)
.
ويبطل الوقف على شخص وارث للواقف بمرض موته أى الواقف المخفوف الموجب للحجر عليه فيبطل ويرجع ميراثا لأنه وصية بوارث
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب أنه ان اتلف الواقف أو أجنبى فقد اختلف أصحابنا فيه على طريقين فمنهم من قال يبنى على القولين فان قلنا أنه للموقوف عليه وجبت القيمة له لأنه بدل ملكه وان قلنا انه لله تعالى اشترى به مثله ليكون وقفا مكانه.
وقال الشيخ أبو حامد الافراينى يشترى بها مثله ليكون وقفا مكانه قولا واحدا الا وان قلنا انه ينتقل الى الموقوف عليه الا انه لا يملك الانتفاع برقبته وانما يملك الانتفاع بمنفعة ولأن فى ذلك ابطال حق البطن الثانى من الوقف وان أتلف الموقوف عليه فان قلنا انه اذا أتلفه غيره كانت القيمة له لم تجب عليه لأنها تجب له وان قلنا يشترى بها ما يكون وقفا مكانه أخذت القيمة منه واشترى بها ما يكون مكانه وان كان الوقف جارية فوطئها رجل يشبهه فأتت منه بولد ففى قيمة الولد ما تقدم من الطريقين فى قيمة الوقف اذا أتلف وان كان الوقف عبدا فجنى جناية توجب المال لم يتعلق برقبته لأنها ليست بحمل للبيع فان قلنا انه للموقوف عليه وجب الضمان عليه وان قلنا انه لله تعالى فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما يلزم الواقف وهو قول أبى أسحق وهو الصحيح لأنه منع من بيعه ولم يبلغ به حالة يتعلق الأرش بذمته فلزمه أن يفديه كأم الولد.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 48
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 49، 50
والثانى انه يجب فى بيت المال لأنه لا يمكن ايجابه على الواقف لأنه لا يملكه ولا على الموقوف عليه لأنه لا يملكه فلم يبق الا بيت المال.
والثالث انه يجب فى كسبه لأنه كان محله الرقبة ولا يمكن تعليقه عليها فتعلق بكسبه لأنه مستفاد من الرقبة ويجب أقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية لأنه لا يمكن بيعه كأم الولد
(1)
.
وان وقف مسجدا فخرب المكان وانقطعت الصلاة فيه لم يعد الى الملك ولم يجز له التصرف فيه لأنه ما زال الملك فيه لحق الله تعالى لا يعود الى الملك بالاختلال
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى ان الوقف اذا خرب وتعطلت منافعه كدار انهدمت أو أرض خربت وعادت مواتا ولم تكن عمارة أو مسجدا انتقل أهل القرية منه وصار فى موضع لا يصلى فيه أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه فى موضعه أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه الا بيع بعضه جاز بيعها وصرف ثمنها عليه.
وقال فى رواية صالح يحول المسجد خوفا من اللصوص واذا كان موضعه قذرا.
قال القاضى يعنى اذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه ونص على جواز بيع عرصته فى رواية عبد الله وتكون الشهادة فى ذلك على الامام.
قال أبو بكر وقد روى على بن سعيد أن المساجد لاتباع وانما تنقل اليها قال وبالقول الأول أقول لاجماعهم على جواز بيع الفرس الجيش يعنى الموقوفة على الغزو اذا كبرت فلم تصلح للغزو وأمكن الانتفاع بها فى شئ آخر مثل أن تدور فى الرحى أو يحمل. عليها تراب أو تكون الرغبة فى نتاجها أو حصانا يتخذ للطراق فانه يجوز بيعها ويشترى بثمنها ما يصلح للغزو نص عليه أحمد.
وقال محمد بن الحسن اذا خرب المسجد أو الوقف عاد الى ملك واقفه لأن الوقف انما هو تسبيل المنفعة فاذا زالت منفعته زال حق الموقوف عليه منه فزال ملكه عنه.
وذلك روى أن عمر رضى الله عنه كتب الى سعد لما بلغه انه قد نقب بيت المال الذى بالكوفة أنقل المسجد الذى بالتمارين واجعل بيت المال فى قبلة المسجد فانه لن يزال فى المسجد فصل وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان واجها عامر ولأن فيما ذكرناه استيفاء الوقف بمعناه عند تعذر ابقائه بصورته فوجب ذلك كما لو استولد الجارية الموقوفة أو قبلها غيره.
وقال ابن عقيل الوقف مؤبد فاذا لم يمكن تأبيده على وجه يخصصه استيفاء الغرض وهو الانتفاع على الوجهان فى عين أخرى وايصال الابدال جرى مجرى الأعيان وجودنا على العين مع تعطيلها تضييع للغرض ويقرب هذا من الهدى اذا عطب فى السفر فانه يذبح فى الحال وان كان يختص بموضع فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفى بما أمكن وترك مراعاة المحل الخاص عند نفوذه لأن مرعاته مع تعذره تفضى الى فوات الانتفاع بالكلية وهكذا الوقف المعطل المنافع
(1)
هذا وان الوقف اذا بيع فأى شئ اشترى بثمنه
(1)
المهذب للامام أبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 443 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 445 نفس الطبعة
مما يرد على أهل الوقف جاز سواء كان من جنسه أو من غير جنسه لأن المقصود المنفعة لا الجنس لكن تكون المنفعة معروفة الى المصلحة التى كان الأولى تعرف فيها لأنه لا يجوز تغيير المصرف مع امكان المحافظة عليه كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع مع امكان الانتفاع به واذا لم يف ثمن الفرس الحبيس لشراء فرس أخرى أعيد به فى شراء فرس حبيس يكون بعض الثمن نص عليه أحمد لأن المقصود استيفاء منفعة الوقف الممكن استيفاؤها وصيانتها عن الضياع ولا سبيل الى ذلك الا بهذه الطريقة وان لم تتعطل مصلحة الوقف بالكلية لكن قلت وكان غيره أنفع منه وأكثر رد على أهل الوقف لم يجز بيعه لأن الأصل تحريم البيع وانما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع امكان تحصيل رجع الانتفاع وان قل ما يضيع المقصود اللهم الا أن يبلغ فى قلة النفع الى حد لا يعد نفعا فيكون وجود ذلك كالعدم
(2)
.
قال أحمد فى رواية أبى داود فى مسجد أراد أهله رفعه من الأرض ويجعل تحته سقاية وحوانيت فامتنع بعضهم من ذلك فينظر الى قول أكثرهم واختلف أصحابنا فى تأوييل كلام أحمد فذهب ابن حامد الى أن هذا فى مسجد أراد أهله انشاءه ابتداء واختلفوا كيف يعمل وسمله مسجدا قبل بنائه تجوزا لأن ماله اليه اما بعد كونه مسجدا لا يجوز جعله سقاية ولا حوانيت.
وذهب القاضى الى ظاهر اللفظ وهو أنه كان مسجدا فأراد رفعه وجعل ما تحته سقاية لحاجتهم الى ذلك والأول أصح وأولى وان خالف الظاهر فان المسجد لا يجوز نقله وابداله وبيع مساحته وجعلها سقاية وحوانيت الا عند تعذر الانتفاع به.
والحاجة الى سقاية وحوانيت لا تعطل نفع المسجد فلا يجوز صرفه فى ذلك ولو جاز جعل أسفل المسجد سقاية وحوانيت لهذه الحاجة لجاز تخريب المسجد وجعله سقاية وحوانيت ويجعل بدله مسجدا فى موضع آخر.
وقال أحمد فى رواية أبى بكر بن محمد عن أبيه فى مسجد ليس بحصين من الكلاب وله منارة فرخص فى نقضها وبناء حائط المسجد بها للمصلحة
(3)
. واذا جنى الواقف جناية توجب القصاص وجب سواء كانت الجناية على الموقوف عليه أو على غيره فان قتل بطل الوقف فيه وأن قطع كان باقيه وقفا كما لو تلف بفعل الله تعالى وان كانت الجناية موجبة للمال لم يمكنه نقلها برقبته لأنه لا يمكن بيعها ويجب ارثها على الموقف عليه لأنه ملكه تعلق أرشه برقبته فكان على مالكه كأم الولد ولا يلزمه أكثر من قيمته كأم الولد.
وان قلنا الوقف لا يملك فارض فى كسبه لأنه تعلقه برقبته لكونها لاتباع وبالموقوف عليه لأنه لا يملكه فكان فى كسبه كالهر يكون فى ماله ويحتمل أن يكون فى بيت المال كأرش جناية الحر المعسر وهذا احتمال ضعيف جدا فان الجناية انما تكون فى بيت المال فى صورة تحملها العاقلة عند عدمها وجناية العبد لا تحملها العاقلة وان كان الوقف على المساكين فينبغى أن يكون الأرش فى كسبه لأنه ليس له مستحق معبد يمكن ايجاب الأرش عليه ولا يمكن تعلقه برقبته أتعذر بيعها فتعين فى كسبه ويحتمل أن يجب فى بيت المال واذا جنى على الوقف جناية موجبة للمال وجب (1) المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد ابن قدامه المقدس على مختصر أبى؟؟؟ عمر بن حسين ابن عبد الله بن أحمد الخزمى الجزء الخامس ص 575، 576، 577 طبع السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثالثة دار المنار بمصر
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 577، 578 الطبعة السابقة
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 478 الطبعة السابقة
لأن ماليته لم تبطل ولو بطلت ماليته لم يبطل أرش الجناية عليه فان الحر يجب أرش الجناية عليه فان قتل وجبت قيمته وليس للموقوف عليه العفو عنها لأنه لا يختص بها مثل المجنى عليه يكون وقفا وذلك لأنه ملك لا يختص به فلم يختص ببدله كالعبد المشترك والمرهون وبيان عدم الاختصاص ظاهر فانه يتعلق به حق البطن الثانى فلم يجز ابطاله ولا تعلم قدر ما يستحق هذا منه فنعفوا عنه فلم يصح العفو عن شئ منه كما لو أتلف رجل رهنا أخذت منه قيمته فجعلت رهنا ولم يصح عفو واحد منهما عنه وان كانت الجناية عمدا فحصا من مكافئ له فالظاهر انه لا يجب القصاص لأنه محل لا يختص به الموقوف عليه فلم يجز أن يقتص من قاتله كالعبد المشترك.
وقال بعض أصحاب الشافعى يكون ذلك الى الامام فان قطعت يد العبد أو طرف من أطرافه فالقصاص أو موجبه فعفى عنه وجب نصف قيمته فان أمكنه أن يشترى بها عبد كامل والا اشترى بها شقص من عبد
(1)
.
ويجوز تزويج الأمة الموقوفة لأنه عقد على منفعتها أشبهه الاجارة ولأن الموقوف عليه لا يملك استيفاء هذه المنفعة فلا يتضرر بتمليك غيره واياها ووليها الموقوف عليه لأنها ملكه والمهر له لأنه بدل نفعها أشبهه الأجر فى الاجارة ويحتمل أن لا يجوز تزويجها لأنه عقد على نفعها فى العمر فيفضى الى تفويت نفعها فى حق البطن الثانى ولأن النكاح يتعلق به حقوق من وجوب تمكين الزوج من استمتاعها ومبيتها عنده فتفوت خدمتها فى الليل على البطن الثانى الا أن تطلب التزويج فيتعين تزويجها. لأنه حق لها طلبته فيتعين الاجابة اليه وما فات من الحق به فات تبعا لايفائها حقها فوجب ذلك كما يجب تزويج الأمة غير الموقوفة اذا طلبت ذلك واذا زوجها فولدت من الزوج فولدها وقف معها لأن ولد كل ذات رحم ثبت لها حرمة حكمه حكمها كأم الولد والمكاتبة وان أكرهها أجنبى فوطئها أو طاوعته فعليه الحد اذا انتفت الشبهة وعليه السهر لأهل الوقف لأنه وطئ جارية غيره أشبه الأمة المطلقة وولدها يكون وقفا معها وان وطئها بشبهة يعتقدها حرة فالولد حر ولو كان الواطئ عبدا وتجب قيمته لأنه كان من سبيله أن يكون مملوكا فمنعه اعتقاد الحرية من الرق فوجبت قيمته يشترى بها عبد يكون رقيقا وتعتبر قيمته يوم تضعه حيا لأنه لا يمكن تقويمه قبل ذلك
(2)
وليس للموقف عليه وط ء الأمة الموقوفة لأنا لا نأمن حبلها فتنقص أو تتلف أو تخرج من الوقف لكونها أم ولد ولأن ملكه ناقص فان وطئ فلا حد عليه للشبهة ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب للانسان شئ على نفسه والولد حر لأنه من وطئ شبهة وعليه قيمة الولد يشترى بها عبدا مكانه وتصير أم ولد لأنه أجلها بحر فى ملكه فاذا مات عتق ووجبت قيمتها فى تركته لأنه أتلفها على من بيده من البطون فيشترى بها جارية تكون وفقا مكانها وان قلنا ان الموقوف عليه لا يملكها لم تصر أم ولد له لأنها غير مملوكة له.
وان أعتق العبد الموقف لم ينفذ عتقه لأنه يتعلق به حق غيره ولأن الوقف لازم فلا يمكن ابطاله وان كان نصف العبد وقفا ونصفه طلقا فأعتق صاحب الطلق لم يسر عتقه الى الوقف لأنه اذا لم يعتق بالمباشرة فبالسراية أولى
(3)
.
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 580، 581 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 581 الطبعة السابقة
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 581، 582 الطبعة السابقة
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يبطل الحبس ترك الحيازة فان استغله المحبس ولم يكن سبله على نفسه فهو مضمون عليه كالغصب ولا يحل الا فيما أبقى عليه وهو جائز فى المشاع وغير المشاع فيما ينقسم وفيما لا ينقسم
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أن الوقف اذا انقطع مصرفه لم يعد ملكا للواقف اذ قد خرج عنه كالعتق.
وقال بعض أصحابنا بل يعود ملك له أو لورثته لبطلان وقفيته بانقطاع من عين له اذا هو كالشرط يدل لنا ما مر.
وقال الليثى بن سعد تعود منافعه للواقف أو ورثته كفعله صلى الله عليه وسلم فى وقف عبد الله بن زيد.
وقال المؤيد بالله بل للمصالح اذ الرقبة ملك لله تعالى فتتبعها المنفعة.
قال صاحب البحر، الواقف وورثته أخص اذا خبر وقف عبد الله لم يفصل.
قالت العترة وما بطل نفعه فى المقصود بيع لا عاضته كعبد شاخ أو ثوب خلق أو شجر يبس والمذهب على أن ثمنه يصرف فى عوضه وفاء بغرض الواقف.
قال المؤيد بالله بل يصرف الى المصالح اذ الرقبة ملك لله تعالى ومن أتلفه غرمه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «على اليد ما أخذت حتى ترد»
(2)
.
ولا يصح عتق العبد الموقوف اذا العتق لا يصح الا من مالك
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أن الوقف ينتقل الى ملك الموقوف عليه لأن فائدة الملك موجودة فيه والمنع من البيع لا ينافيه كما فى أم الولد وقد يصح بيعه على وجه نفوذ وقف حصته من عبد ثم أعتقه لم يصح العتق لخروجه عن ملكه ولو أعتقه الموقوف عليه لم يصح أيضا لتعلق حق البطون به ولو أعتقه الشريك مضى العتق فى حصته ولم يقوم عليه لأن العتق لا ينفذ فيه مباشرة فالأولى أن لا ينفذ فيه سراية يلزم من القول انتقاله الى الموقوف عليهم افتكاكه من الرق ويفرق بين العتق مباشرة لأنه يتوقف على انحصار المالك فى المباشر أو فيه وفى شريكه وليس كذلك افتكاكه فانه ازالة للرق شرعا فيسرى باقيه فيضمن الشريك القيمة لأنه يجرى مجرى الاتلاف وفيه تردد ولو جنى العبد الموقوف عمدا لزمه القصاص فان كانت دون النفس بقى الباقى وقفا وان كانت نفسا اقتصى ممنه وبطل الوقف وليس للمجنى عليه استرقاته وان كانت الجناية خطأ تعلقت بمال الموقوف عليه لتعذر استيفائه من رقبته وقيل يتعلق بكسبه لأن المولى لا يعقل عبدا ولا يجوز اهدار الجناية ولا طريقة الى عتقه فيتوقع وهو أشبهه.
فالموجودين من الموقوف عليهم وان كانت نفسا توجب القصاص فاليهم. وان أوجبت دية أخذت من الجانى وهل يقام بها مقامه قيل نعم لأن الدية
(1)
المحلى للامام أبى محمد على بن أحمد بن سعيد الأندلسى الشهير بالظاهرى الجزء التاسع ص 182 مسألة رقم 1653 طبع ادارة الطباعة النبرية
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 4 ص 158
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 160 نفس الطبعة
عوض رقبة وهى ملك للبطون وقيل لا تكون للموجودين من الموقوف عليهم وهو أشبهه لأن الوقف لا يتناول القيمة
(1)
.
وجاء فى الخلاف أنه اذا وقف على من يصح انقراضه فى العادة مثل أن يقف على ولده وسكت على ذلك فمن أصحابنا من قال لا يصح الوقف ومنهم من قال يصح فاذا انقرض الموقوف عليه رجع الى الواقف ان كان حيا وان كان ميتا رجع الى ورثته لأن عوده الى البر بعد انقراض الموقوف عليهم يحتاج الى دليل وليس فى الشرع ما يدل عليه والأصل بقاء الملك عليه أو على ولده
(2)
.
(1)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى ج 1 ص 249، 250
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 257
روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وال التعريف.
وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الألف:
الأبيانى:
انظر ج 1 ص 247
أحمد:
انظر ج 1 ص 215 انظر ابن حنبل.
أحمد بن الحسين:
انظر المؤيد بالله ج 1 ص 275
الشيخ أحمد بن حمدان الأذرعى المتوفى سنة 783 هـ:
أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد أبو العباس شهاب الدين الاذرعى فقيه شافعى ولد بأذرعات بالشام وتفقه بالقاهرة، وولى نيابة القضاء بحلب، وراسل السبكى بالمسائل «الحلبيات» وهى فى مجلد وجمعت «فتاويه» فى رسالة وله «جمع التوسط والفتح، بين الروضة والشرح» عشرون مجلدا. وشرح المنهاج شرحين أحدهما «غنية المحتاج» ثمانى مجلدات، والثانى «قوت المحتاج» ثلاثة عشر جزءا وفى كل منهما ما ليس فى الآخر.
ثم استقر فى حلب الى أن توفى. وكان لطيف العشرة كثير الانشار للشعر وله نظم قليل.
أسحق:
انظر ج 1 ص 243
الأسفرايينى:
أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الأسفرايينى من اعلام الشافعية، ولد فى اسفرايين بالقرب من نيسابور ورحل الى بغداد فتفقه فيها وعظمت مكانته وألف كتبا، منها مطول فى أصول الفقه ومختصر فى الفقه سماه الروفق وتوفى ببغداد.
اسماعيل بن محمد بن أبى وقاص (توفى سنة 134 هـ):
اسماعيل بن محمد بن سعد بن أبى وقاص الزهرى، روى عن أبيه وعميه عامر ومصعب، وأنس، وروى عنه صالح بن كيسان والزهرى ومالك وابن عيينة، وثقه ابن معين والعجلى وأبو حاتم والنسائى.
اسماعيل بن مسعود:
انظر ج 2 ص 244
الاسنوى:
انظر ج 1 ص 249
أشهب:
انظر ج 1 ص 294
أصبع:
انظر ج 1 ص 249
أبو أمامة:
الباهلى (سنة 81 هـ): أبو امامة الباهلى الصحابى رضى الله عنه، أبو امامة صدى بضم الصاد وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء ويقال الصدى بن عجلان وهو منسوب الى باهلة وهو من مشهورى الصحابة روى له عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا حديث وخمسون حديثا روى له البخارى منها خمسة ومسلم ثلاثة سكن مصر ثم حمص وبها توفى وقيل سنة ستة وثمانين.
أمامة بنت أبى العاص بن الربيع:
انظر ج 8 ص 370
الأوزاعى:
انظر ج 1 ص 249
ابن أبى أوفى:
المتوفى سنة 86 هـ وقبل سنة 87 هـ:
الصحابى ابن الصحابى رضى الله عنهما أبو ابراهيم وقيل أبو معاوية وقيل أبو محمد:
عبد الله بن أبى أوفى واسم أبى أوفى علقمة ابن خالد بن الحارث بن أسيد بن رفاعة ابن ثعلبة بن هوازن الاسلمى، شهد بيعة الرضوان وخيبر وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل بالمدينة حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تحول الى الكوفة وهو آخر من بقى من الصحابة بالكوفة، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وتسعون حديثا.
حرف الباء:
البخارى:
انظر ج 1 ص 248
ابن بزيزة:
أبو محمد عبد العزيز بن ابراهيم القرشى التميمى التونسى. من العلماء المتصوفين. بلغ درجة الاجتهاد تفقه بالرعينى السويسى والبرحينى وغيرهما ومن تآليفه: الاسعاد فى شرح الارشاد، وشرح الأحكام الصغرى لعبد الحق الأشبيلى، وشرح التلقين وشرح الأسماء الحسنى وشرح العقيدة البرهانية ومنهاج العارف فى روح المعارف ومختصره وايضاح السبيل وتفسير جمع فيه بين تفسيرى ابن عطية والزمخشرى. توفى رحمه الله تعالى فى ربيع الأول سنة 662 هـ أو 663 هـ ودفن بمقبرة سيدى محرز.
بسرة بنت غزوان:
انظر ج 1 ص 345
بشر المريسى:
سنة 218 هـ، بشر بن غياث بن أبى كريمة عبد الرحمن المريسى، العدوى بالولاء أبو عبد الرحمن فقيه معتزلى عارف بالفلسفة أخذ الفقه عن القاضى أبى يوسف وقال برأى الجهمية عاش نحو 70 عاما.
ابن بشير:
محمد بن سعيد بن بشير بن شراحيل المعافرى الأندلس، قاض من أهل باجة، ولى القضاء بقرطبة فى أيام الحكم بن هشام، وكان صلبا فى قضائه، وله أخبار فى ذلك، وضرب المثل بعدله، توفى الى رحمة الله تعالى بقرطبة سنة 198 هـ.
أبو بكر:
انظر الصديق.
أبو بكر بن محمد:
بكر بن محمد النسائى الأصل أبو أحمد البغدادى المنشأ فقيه حنبلى، ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يقدمه ويكرمه وعنده مسائل كثيرة سمعها من أبى عبد الله، منها قال سألت أبا عبد الله عن رجل استشهدنى على شهادة، وهو يبيع بالربا ثم جاءنى فقال: تعال أشهد عند السلطان؟ قال: لا تشهد له، اذا كان معاملته بالربا.
أبو بكر بن المنذر:
أنظر ابن المنذر.
بهرام:
(مصرى من الطبعة 17) القاضى تاج الدين أبو البقاء بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدميرى. الفقيه الامام الجاحظ حامل لواء مذهب المالكية بمصر أخذ عن خليل تآليفه
وبه تفقه، وانتفع بالرهوى وغيرها ولد فى 724 هـ، وأخذ عنه الأقفهسى والبكرى والبساطى وغيرهم. وعن تآليفه ثلاث شروح على مختصر خليل: كبير ووسيط وصغير واشتهر الوسيط وشرح مختصر ابن الحاجب. والارشاد فى ست مجلدات، وشرح الفية بن مالك. وقد توفى الى رحمة الله تعالى سنة 805 هـ.
حرف التاء:
تميم الدارى توفى سنة 40 هـ:
تميم بن أوس ابن خارجة الدارى أبو رقبة، صحابى، نسبته الى الدار بن هانئ من لخم، أسلم سنة تسع هجرية، وكان يسكن المدينة ثم انتقل الى الشام بعد مقتل عثمان فنزل بيت المقدس وهو أول من أسرج السراج بالمسجد، روى له لبخارى ومسلم، وكان عابد أهل فلسطين ومات بها.
الشيخ تقى الدين:
عبد الله بن أحمد:
هو عبد الله بن أحمد بن تمام الشيخ الامام الأديب تقى الدين الصاحى الحنبلى أخو الشيخ القدوة محمد بن تمام كان فاضلا زاهدا ورعا معرضا عما أغرى بالناس من الرياسة وكان حسن البزة مع الزهد والقناعة حبرا نزها محبوبا الى الفضلاء مليح المحاسن حسن العشرة سمع من ابن قهيرة والمرسى والبلدانى.
حرف الثاء:
الثورى:
انظر ج 1 ص 252
حرف الجيم:
جابر بن زيد توفى سنة 93 هـ:
جابر بن زيد الأزدى البصرى أبو الشعناء:
تابعى فقيه من الأئمة من أهل البصرة أصله من عمان، صحب ابن عباس، وصفه الشماخى - أحد علماء الإباضية - بأنه أصل المذهب. قال قتادة لما مات جابر:
اليوم مات أعلم أهل العراق.
جرير بن عبد الله البجلى - صحابى المتوفى سنة 56 هـ:
جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك ابن نقرة بن ثعلبة بن جشم بن عوف ابن خزيمة بن حرب بن على البجلى الصحابى الشهير بكنى أبا عمرو وقبل بكنى أبا عبد الله، قدمه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى حروب العراق على جميع بجيلة وكان لهم أثر عظيم فى فتح القادسية، روى عنه من الصحابة أنس بن مالك، سكن جرير الكوفة ثم قرقيسيا حتى مات سنة 51 هـ وقيل سنة 54 هـ.
الجزولى:
انظر ج 15 ص 359
حرف الحاء:
ابن حارث، المتوفى سنة 371 هـ:
محمد بن حارث بن أسد الحافظ أبو عبد الله الحسنى القيروانى المغربى تحمل عن أحمد بن نصر وأحمد بن زياد وقاسم بن أصبغ بالأندلس، من تأليفه: الانفاق والاختلاف فى مذهب مالك وكتاب الفتيا وكتاب تاريخ الأندلسيين وروى عنه أبو بكر بن حومل وغيره.
ابن الحاجب:
انظر ج 1 ص 253
ابن حبيب:
انظر ج 3 ص 339
أم حبيبة:
انظر ج 5 ص 366
الحجاج بن منهال، توفى سنة 217 هـ:
حجاج بن منهال البصرى أبو محمد الانماطى الحافظ، سمع شعبة وطائفة وكان دلالا فى الانماط ثقة صاحب سنة.
الحسين:
انظر ج 3 ص 341
الحسين بن زياد:
انظر ج 1 ص 254
حماد، توفى سنة 179 هـ:
حماد بن زيد بن درهم الازدى البصرى أبو اسماعيل - شيخ العراق فى عصره - من حفاظ الحديث، أصله من سجستان، مولده ووفاته بالبصرة.
أبو حنيفة:
انظر ج 1 ص 255
حرف الخاء:
خالد بن الوليد، توفى سنة 14 هـ:
خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى القرشى، كان يلى أعنة الخليل فى قريش، وقد أسلم سنة سبع من الهجرة، وله بطولات نادرة فى حروب الردة وقتال الفرس، توفى بحمص.
الخصاف:
انظر ج 1 ص 256
أبو الخطاب:
انظر ج 1 ص 256
خلف بن أيوب:
انظر ج 1 ص 262
خليل:
انظر ج 1 ص 256
حرف الدال:
أبو داود:
انظر ج 1 ص 257
أبو الدرداء:
انظر ج 1 ص 257
حرف الراء:
ربيعة:
انظر ج 1 ص 258
الرجراجى:
انظر ج 13 ص 361
ابن رستم، توفى سنة 211 هـ:
ابراهيم بن رستم أبو بكر المروزى أحد الأئمة الاعلام سمع منصور بن عبد الحميد وهو شيخ يروى عن أنس بن مالك وسمع أيضا مالك ابن أنس ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى ذئب وسفيان الثورى وغيرهم قدم بغداد غير مرة وحدث بها فروى عنه من العراقيين سعيد بن سليمان سعدويه وأحمد ابن حنبل وزهير بن حرب وغيرهم، قال العباس بن مصعب كان ابراهيم بن رستم من أهل كرمان ثم نزل مرو فى سكة الدباغين وكان أولا من أصحاب الحديث فنقم عليه فخرج الى محمد بن الحسن وغيره من أهل الرأى فكتب كتبهم وحفظ كلامهم وعرض عليه القضاء فلم يقبله فدعاه المأمون فقربه منه وحدثه، روى أنه لما عرض عليه القضاء فأمتنع وأنصرف الى منزله تصدق بعشرة آلاف درهم وأتاه ذو الرياستين الى منزله مسلما فلم يتحرك له فقال أشكاب وكان رجلا متكلما عجبا لك يأتيك وزير الخليفة فلا تقوم له من أجل هؤلاء الدباغين عندك فقال رجل من هؤلاء المتفقهة نحن من دباغى الدين، الذى رفع ابراهيم بن رستم حتى جاءه وزير الخليفة فسكت «أشكاب» وسئل عنه يحيى بن معين فقال ثقة وذكر عن الدرامى توثيقه أيضا، قال اسحاق بن ابراهيم الحفصى مات ابراهيم بن رستم المروزى بنيسابور قدمها حاجا وقد مرض بسرخس فبقى عندنا تسعة أيام وهو عليل ومات فى اليوم العاشر سنة احدى عشرة ومائتين وقيل سنة عشرة ومائتين.
ابن رشد:
انظر ج 1 ص 258
ابن الرفعة:
انظر ج 1 ص 259
الروبانى:
انظر ج 1 ص 252
حرف الزاى:
زر بن حبيشى، توفى سنة 83 هـ:
زر بن حبيشى بن حباشة بن أوسى الأسدى:
تابعى من جلتهم. أدرك الجاهلية والاسلام ولم ير النبى صلى الله عليه وسلم. كان عالما بالقرآن الكريم فاضلا وكان ابن مسعود يسأله عن العربية، سكن الكوفة وعاش مائة وعشرين سنة ومات بوقعة بدير الجماجم.
زفر:
انظر ج 1 ص 259
ابن أبى زيد:
انظر الفيروانى ج 1 ص 272
زيد بن ثابت:
انظر ج 1 ص 260
زيد بن على:
انظر ج 1 ص 260
الزهرى:
انظر ج 1 ص 260
حرف السين:
سحنون:
انظر ج 1 ص 291
أبو سعيد الاصطخرى:
انظر الاصطخرى ج 1 ص 249
ابن سلمون:
انظر ج 2 ص 354
ابن السكيت، سنة 244 هـ:
يعقوب بن اسحاق أبو يوسف بن السكيت امام فى اللغة والأدب أصله من خورستان من البصرة وفارس تعلم ببغداد واتصل بالمتوكل العباسى فعهد اليه بتأديب أولاده، من كتبه اصلاح المنطق والألفاظ والأضداد، والقلب والابدال، وغيرهما.
ابن سيرين:
انظر ج 1 ص 262
حرف الشين:
ابن شاش:
انظر ج 2 ص 254
الشافعى:
انظر ج 1 ص 262
الشعبى:
انظر ج 1 ص 262
ابن شهبة، توفى سنة 851 هـ:
أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر الأسدى الشهبى الدمشقى، تقى الدين: فقيه الشام فى عصره ومؤرخها وعالمها من أهل دمشق اشتهر بابن القاضى شهبة لأن أبا جده ونجم الدين الأغر الأسدى، أقام قاضيا لشهبة «من قرى حوران» أربعين سنة.
ومن تصانيفه «تاريخ كبير ابتدأ به من سنة 200 هـ الى 792 هـ وله ذيل على تواريخ المتأخرين كالذهبى والبرزلى ابتداه سنة 741 هـ» سنة 821 هـ فى ثمانى مجلدات، واختصره وسماه الاعلام بتاريخ أهل الاسلام» فى مجلدين وله طبقات الشافعية ومناقب الامام الشافعى، توفى فى دمشق فجأة وهو جالس يصنف ويكلم ولده.
حرف الصاد:
صالح:
انظر ج 1 ص 262
صفوان بن عسال:
انظر ج 14 ص 414
حرف الطاء:
أبو طالب:
انظر ج 1 ص 264
الطحاوى:
انظر ج 1 ص 265
حرف العين:
عاصم بن أبى النجود:
هو عاصم بن بهدلة المكنى بأبى النجود.
كوفى أسدى بالولاء وهو أحد القراء السبعة تابعى مولده ووفاته بالكوفة.
أبو العباس:
انظر ج 1 ص 266
ابن عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 262
ابن عبد الحكم:
انظر ج 1 ص 266
ابن عبدوس، سنة 260 هـ:
محمد بن ابراهيم بن عبد الله بن عبدوس فقيه زاهد من أكابر التابعين من أهل القيروان له (مجموعة فى الفقه والحديث).
عبد الله بن مسعود:
انظر ج 1 ص 267
عبد الملك:
انظر ابن حبيب ج 1 ص 253
أبو عبيد:
انظر ج 2 ص 357
عثمان:
انظر ج 1 ص 268
ابن عرفة:
انظر ج 1 ص 268
أبو عروة:
انظر ج 1 ص 268
عطاء:
انظر ج 2 ص 357، 358
ابن العطار، توفى سنة 724 هـ:
على
بن ابراهيم بن داود بن سليمان، أبو الحسن علاء الدين بن العطار، من أهل دمشق، كان أبوه عطارا وجده طبيبا، باشر مشيخة المدرسة النورية ثلاثين سنة، له مصنفات منها الوثائق المجموعة، والاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد وغيرهما.
ابن عقيل:
على بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادى وكنيته أبو الوفا أصولى حنبلى واعظ متكلم سمع الحديث الكثير من علمائه وتفقه على القاضى أبى يعلى بن الفراء مال الى مذهب المعتزلة ولكنه عدل عن هذا والتزم مذهب الحنابلة فى الفقه له كتاب الفنون وله فى الفقه كتاب الفصول وعمدة الأدلة وغيرها، دفن ببغداد قريبا من قبر الامام أحمد.
على: انظر ج 1 ص 269
على بن الجعدى:
أبو على الدقاق:
انظر الدقاق.
عمر:
انظر ج 1 ص 269
أبو عمران:
انظر ج 2 ص 359
الغزالى:
انظر ج 1 ص 270
حرف الفاء:
الفاصل القطيعى، توفى سنة 1306 هـ:
العالم الجليل والفاضل النبيل المولى محمد بن محمد باقر الأيروانى النجفى الكربلائى أخذ عن صاحبى الضوابط والجواهر وصاحب أنوار الفقاهة وبالأخير اختص بشيخ الطائفة العلامة الانصارى واستقل بالتدريس بعده وبعد العلامة الكدهكمرى سنة 1299 هـ ونال شهرة طائلة وزعامة دينية كبيرة فطفق يمول الأناضل بعلمه الجم ووفره الواسع فصاروا ببركته من كبار العلماء لهم تراجم ومؤلفات. له رسائل كثيرة فى الفقه والأصول وتعليقه على رسائل أستاذه العلامة الانصارى وحواش على قواعد العلامة وعلى تفسير البيضاوى ورسالة علمية فارسية فى العبادات وأخرى فى المعاملات وكتاب المكاسب المحرمة
ورسالة اجتماع فى الأمر والنهى وغير ذلك ودفن بمدرسته المعروفة فى النجف الأشرف.
فاطمة بنت حبيشى:
ابن عبد المطلب أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية ورد فيها حديث الاستحاضة أخرجه البخارى وأبو داود والنسائى وغيرهم.
الفورانى:
انظر أبو بكر أحمد بن محمد.
حرف القاف:
أبو القاسم:
انظر ج 1 ص 271
القاضى:
انظر ج 1 ص 271
القاضى حسين:
انظر ج 1 ص 271
أبو قتادة:
انظر ج 1 ص 362
حرف الكاف:
الكرخى:
انظر ج 1 ص 273
ابن كنانة، توفى سنة 36 هـ:
كنانة بن بشر التجيبى ثائر كان من رؤساء الجيش الذى زحف من مصر لخلع عثمان أيام الفتنة فى المدينة وشارك فى مقتله وطلبه معاوية بن أبى سفيان، بدم عثمان فقبض عليه بمصر مع ابن حذيفة وابن عديس وسجنهم فى لد «بفلسطين» فهربوا فأدركهم والى فلسطين فقتلهم.
حرف اللام:
اللخمى:
انظر ج 1 ص 273
حرف الميم:
المؤيد بالله:
انظر ج 1 ص 275
المازرى:
انظر ج 1 ص 274
مالك:
انظر ج 1 ص 275
المتيطى:
انظر ج 14 ص 416
محمد:
انظر ج 1 ص 255، ص 275
محمد بن عبدوس:
انظر ابن عبدوس ج 7 ص 296
مروان بن الحكم:
انظر ج 1 ص 275
ابن مسعود:
انظر عبد الله ج 1 ص 217
ابن مضر، سنة 508 هـ:
محمد بن جرير الضبى الأصبهانى أبو مضر:
أول من أدخل مذهب المعتزلة الى خوارزم ونشره فيها - كان عالم عصره باللغة والنحو، يضرب به المثل فى أنواع الفضائل، أقام مدة فى خوارزم وتخرج عليه جماعة منهم الامام الزمخشرى ومات بمرو.
المقداد بن الأسود:
انظر ج 1 ص 277
ابن المقرى:
انظر ج 5 ص 378
ابن المنذر:
انظر ج 1 ص 277
حرف النون:
الناصرى:
انظر ج 1 ص 278
ابن نافع:
انظر ج 1 ص 278
النخعى:
انظر ج 1 ص 279
حرف الهاء:
أبو هريرة:
انظر ج 1 ص 280
حرف الياء:
أبو اليسر، توفى سنة 55 هـ:
الانصارى اسمه كعب بن عمرو بن عياد ابن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، وقيل كعب بن عمرو بن غنم بن سداد بن غنم بن كعب بن سلمة.
وقيل كعب بن عمر بن غنم بن كعب ابن سلمة الانصارى السلمى مشهور باسمه وكنيته شهد العقبة وبدرا وله فيها آثار كثيرة وهو الذى أسر العباس قال ابن اسحاق شهد بدرا والمشاهد وقال البخارى له صحبة شهد بدرا ومات بالمدينة سنة خمس وخمسين وقال ابن اسحاق وكان آخر من مات من الصحابة كأنه يعنى أهل بدر روى عنه عبادة بن الصامت وحديثه مطول وأخرجه مسلم.
أبو يوسف:
انظر ج 1 ص 281
ابن يونس:
انظر ج 1 ص 281
يونس بن عبد الله، توفى سنة 264 هـ (الصدفى):
يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة أبو موسى الصدفى من كبار الفقهاء انتهت اليه رياسة العلم بمصر كان عالما بالأخبار والحديث صحب الشافعى وأخذ عنه، ولد ومات بمصر.