الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استدراك
سقطت من الجزء الأول عبارة فى موضوع الابن خاصة بحكم الزكاة فى ماله وذلك فى السطر الأول من النهر الثانى من ص 214 وصحة العبارة:
ابن البنت
أحكامه:
1 -
نقض الوضوء بالملامسة بين ابن البنت وجدته:
الحكم فى هذا مبنى على الخلاف بين الفقهاء فى أن اللمس بين الرجل والمرأة عامة ينقض أو لا ينقض، وخلافهم فى أن المحارم تأخذ حكم الأجانب فى النقض باللمس أو لا (انظر: لمس).
2 -
الحكم فى تغسيل ابن البنت لجدته أو الجدة له بعد الموت هو حكم سائر المحارم فى هذا (انظر: غسل الميت).
3 -
حكم ابن البنت فى الصلاة على جده وجدته لأمه:
مذهب الحنفية:
قال فى شرح الهداية، فى فصل الصلاة على الميت:«وأولى الناس بالصلاة على الميت السلطان إن حضر، فإن لم يحضر فالقاضى» ، إلى أن قال:«ثم الولى، والأولياء على الترتيب المذكور فى النكاح»
(1)
.
وقال صاحب الهداية فى باب الأولياء والأكفاء: «ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولى بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا، والولى هو العصبة»
(2)
. ثم قال:
«ولغير العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبى حنيفة، معناه: عند عدم العصبات» .
وفى شرح العناية على الهداية تعليقا على قوله «ولاية التزويج عند عدم العصبات» :
ثم عند أبى حنيفة بعد العصبات الأم، ثم ذوو الأرحام، الأقرب فالأقرب: البنت ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن .. إلخ.
ومن هذا يؤخذ أن ابن البنت أولى بالصلاة على جده وجدته لأمه بعد العصبات وبعد البنت وبنت الابن على ما ظهر لنا من تقديمهما فى ولاية النكاح التى أحال عليها صاحب الهداية فى باب «الصلاة على الميت» ، كما أن جده وجدته لأمه مقدمان فى الصلاة عليه بعد العصبات.
وقد قال فى شرح العناية على الهداية:
وهل تقدم الأخت على الجد الفاسد، أو يقدم الجد الفاسد على الأخت؟
فى هذا خلاف طويل فى فتح القدير، قال فى آخره: «وقياس ما صح فى الجد والأخ
(1)
شرح الهداية ج 2 ص 81، 82.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 172.
عن تقدم الجد يقدم الجد الفاسد على الأخت».
ومن هذا يؤخذ أن الجد لأم يقدم على الأخت فى الصلاة على ابن البنت
(1)
.
مذهب الشافعية:
فى الجديد أن الولى أولى بإمامة الصلاة على الميت من الوالى، فيقدم الأب، ثم الجد أبو الأب وإن علا، ثم الابن، ثم ابنه، إلى أن قال: ثم ذوو الأرحام يقدم منهم أولاد البنات ثم أبو الأم ثم الأخ للأم
(2)
.
من هذا يتضح ان ابن البنت يقدم فى الصلاة على جدته وجده أبى أمه بالنسبة لمن عداه من ذوى الأرحام، كما أن جده لأمه مقدم فى الصلاة على ابن البنت بالنسبة للأخ للأم والخال .. إلخ.
مذهب الحنابلة:
يعتبر الحنابلة لذوى الأرحام مرتبة فى الصلاة على الميت، والنص عندهم:
(3)
.
ومن هذا يتضح أن ابن البنت فى صلاته على جده وجدته لأمه تكون مرتبته بعد العصبات، وهو مقدم على من ذكر بعده من الزوج والأجانب، كما يستفاد أن جده لأمه مرتبته بعد العصبات ويقدم على الأجانب.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى كتابه المحلى: وأحق الناس بالصلاة على الميت والميتة الأولياء، وهم الأب وآباؤه والابن وأبناؤه ثم الأخوة الأشقاء ثم الذين للأب ثم بنوهم ثم الأعمام للأب والأم ثم للأب ثم بنوهم ثم كل ذى رحم محرمة، إلا أن يوصى الميت أن يصلى عليه إنسان فهو أولى، ثم الزوج، ثم الأمير أو القاضى، فإن صلى غير من ذكر أجزأ لقوله تعالى:«وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ»
(4)
.
وهذا عموم لا يجوز تخصيصه.
ومن هذا يستفاد أن ابن البنت أحق من غيره بالصلاة على جده وجدته لأمه ما لم يوجد موصى له من الميت بالصلاة عليه أو ولى أقرب، والجد لأم أحق بالصلاة على ابن البنت ما لم يوجد من ذكر
(5)
.
مذهب الزيدية:
ابن البنت لا حق له فى أولوية الصلاة على جده أو جدته لأمه، بل هو فى ذلك كالأجنبى، ومثله الجد لأم، لأن كليهما من ذوى الأرحام، وليس لأحد من ذوى الأرحام ولاية التقدم فى الصلاة على الميت، بل ذلك للإمام الأعظم وواليه ثم الأقرب
(1)
الهداية ج 3 ص 181.
(2)
قليوبى مع شرح الجلال على المنهاج ج 1 ص 336
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 393.
(4)
الانفال: 75.
(5)
المحلى ج 5 ص 143، 144 مسألة 584، 585.
الصالح للإمامة فى الصلاة من عصبة الميت، الأقرب فالأقرب على حسب درجتهم فى القرب، وما ورد فى شرح الأزهار من قوله عليه الصلاة والسلام:«فإن عدمت العصبة فالأقرب من ذوى رحمه» ، لم يؤخذ به فى المذهب، فقد جاء فى الحاشية تعليقا على ذلك قوله:«المذهب أنه لا ولاية لذوى الأرحام»
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية الجزء الأول (أحكام الأموات)
(2)
.
والأولى بميراث الميت أولى بأحكامه، وبما أن ابن البنت صاحب سهم فى الميراث عند الإمامية فيكون صاحب حق فى التقدم للصلاة على جده وجدته لأمه.
وللجد لأم حق التقدم على الغير فى الصلاة على ابن البنت، وترتيبه فى الأولوية ترتيبه فى الميراث (انظر: ميراث).
مذهب الإباضية:
ابن البنت أولى بالصلاة على الميت ودفنه من الأجنبى إذا لم يوجد من هو أقرب منه، أو كان الأقرب منه يجهل الصلاة والدفن
(3)
.
الزكاة
مذهب الحنفية:
الأصل عندهم أن زكاة الفطر تجب على المكلف عن كل من يمونه ويلى عليه، ومن ثم وجبت زكاة الفطر عليه عن أولاده الصغار وعن أولاد أبنائه، وعلى هذا تجب زكاة الفطر عن ابن البنت على جده وجدته متى تحقق أنه يمونه ويلى عليه
(4)
.
مذهب المالكية:
ويجب على الشخص إخراج زكاة الفطر عن كل مسلم يمونه بقرابة كالأولاد الذكور إلى البلوغ والإناث إلى الدخول أو الدعاء له مع الإطاقة والوالدين الفقيرين.
ويؤخذ من هذا أن ابن البنت لا تجب زكاة فطرته على جده ولا جدته، كما لا تجب زكاتهما عليه، لعدم وجوب النفقة لأحدهما على الآخر. وقد صرح بعدم وجوب النفقة
(5)
.
مذهب الشافعية:
ومن وجبت عليه زكاة الفطر لزمته فطرة من تلزمه نفقته، وذلك بملك أو قرابة أو نكاح من المسلمين.
ومن هذا يستفاد أن الفطرة تابعة للزوم النفقة، ويدخل فى ذلك ابن البنت تحملا عن أصوله ذكورا وإناثا، وكذلك يتحمله عنه أصوله ذكورا وإناثا
(6)
.
مذهب الحنابلة:
ويلزم المسلم فطرة من يمونه هو من المسلمين من الزوجات والإماء والموالى والأقارب، ومفاد ذلك أن شأن ابن البنت
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 427، 428.
(2)
ص 38.
(3)
شرح النيل ج 1 ص 679، 680.
(4)
فتح القدير ج 2 ص 220
(5)
الشرح الكبير ج 1 ص 506 والشرح الصغير ج 1 ص 488.
(6)
قليوبى وعميرة على الجلال ج 2 ص 34.
فى زكاة الفطر أن تكون تابعة للنفقة سواء أكانت له أو عليه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ابن البنت لا تلزمه زكاة الفطر عن جده ولا جدته لأمه كما لا تلزم أحدا منهما زكاة فطر ابن البنت، ولا تلزمه الزكاة إلا عن نفسه ورقيقه فقط
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال فى البحر الزخار: وتجب فى مال كل مسلم عنه وعن كل مسلم لزمته نفقته فى فجر أول شوال بالقرابة أو الزوجية أو الرق لقوله صلى الله عليه وسلم «وعمن تمونون» ، وقول على عليه السلام:«من جرت عليك نفقته» وهو توقيف، وقيل لا تجب بالقرابة إلا حيث ثبتت الولاية على المال كالأب كالنفقة كما قيل: إن من كانت نفقته تطوعا لم تلزم عنه، وقيل: بل تلزم المنفق.
ويستفاد من هذا أن ابن البنت تلزمه زكاة الفطر عن جده وجدته لأمه المسلمين إذا لزمته نفقتهما، وهذا فى مشهور المذهب، كما أن زكاة الفطر عن ابن البنت تلزم جده أو جدته لأمه إذا لزمتهما نفقته، وعلى الرأى الثانى لا تجب على ابن البنت زكاة الفطر عن جده ولا عن جدته لأمه، كما لا تجب عليهما زكاة الفطر عنه، لأن أحدا منهم لا تثبت له الولاية على مال الآخر.
أما المصارف فقد جاء فيها قوله فى البحر الزخار: «مسألة» ، ولا تجزئ الزكاة فى أصوله أو فصوله مطلقا إجماعا، إذ هم كالبعض منه، ولا فيمن يلزمه إنفاقه حال الإخراج، إذ ينتفع بها بإسقاط النفقة وكالآباء والأبناء. ولا تجزئ فى أصول المنفق إذ التطهرة له.
ومن هذا يفهم أن ابن البنت لا يجزئه أن يدفع من زكاته لجده أو لجدته لأمه، وكذلك الجد والجدة لأم لا يجزئهما أن يعطيا الزكاة لابن البنت لأنهما من الأصول
(3)
.
مذهب الإمامية:
ابن البنت لا تجب عليه زكاة المال إن كان صبيا، وذلك فى زكاة النقدين بإجماع أئمة المذهب، ولا غيرهما فى أصح القولين. وإن كان يستحب لجده أو جدته لأمه إخراجها عنه إن كان ما له تحت يد أحدهما، ويرى بعض أئمة المذهب وجوبها فى غير النقدين على الصبى.
ولا تجب زكاة الفطر على ابن البنت إن كان صبيا، بل تجب على من يعوله إن كان من أهلها
(4)
.
وعلى ابن البنت البالغ فطرة جده وجدته لأمه إن كان يعولهما، سواء وجبت نفقتهما عليه أم لم تجب.
ويجوز للجد والجدة لأم إعطاء ابن البنت من زكاة مالهما وفطرتهما لسداد
(1)
كشاف القناع ج 1 ص 473.
(2)
المحلى ج 6 ص 137 مسألة 709.
(3)
البحر الزخار ج 2 ص 199، 186.
(4)
الروضة البهية ج 1 ص 120، 131، 132، مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 348، 349.
دينه أو لاعتباره من أبناء السبيل أو غير ذلك فيما عدا جهة الفقر. وكذا لابن البنت إعطاؤهما من زكاة ماله وزكاة فطره، فقد جاء فى الروضة البهية:«ويشترط فى المستحق ألا يكون واجب النفقة على المعطى» من حيث الفقر.
أما من جهة الغرم والعمولة وابن السبيل ونحوه إذا اتصف بموجبه فلا، فيدفع إليه ما يوفى دينه والزائد عن نفقة الحضر، والضابط أن واجب النفقة إنما يمنع من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقرا فى وطنه.
مذهب الإباضية:
لابن البنت أن يعطى زكاة ماله لجده وجدته لأمه ما لم تلزمه نفقتهما، وقيل:
ما لم يحكم عليه بها، كما يجوز للجدة والجد لأم إعطاء ابن البنت من زكاة مالهما ما لم تلزمهما نفقته، وقيل: ما لم يحكم بها.
وجاء فى كتاب «النيل» قوله فى زكاة الفطر: يخرج المرء زكاة الفطر عن نفسه وعمن لزمته نفقته، فيخرج الجد لأم والجدة لأم زكاة الفطر عن ابن البنت، كما يخرج ابن البنت زكاة فطرهما، كل ذلك إذا لزمت النفقة
(1)
.
الميراث
مذهب الحنفية:
ذو الرحم هو كل قريب ليس بذى سهم ولا عصبة.
كانت عامة الصحابة يرون توريث ذوى الأرحام، وبه قال أصحابنا .. وذوو الأرحام أصناف أربعة:
الصنف الأول: ينتمى إلى الميت، وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن.
الصنف الثانى: ينتمى إليهم الميت، وهم الأجداد الساقطون والجدات الساقطات.
والمفتي به عند الحنفية فى توريثهم أن أقرب الأصناف وأقدمهم إلى الميت فى الميراث الصنف الأول ثم الثانى.
ومن هذا نأخذ أن ابن البنت يرث جده وجدته لأمه لأنه ينتمى إليهما، وأن جده وجدته لأمه يرثانه لأن الميت ينتمى إليهما.
وابن البنت لا يرث إلا عند عدم أصحاب الفروض العصبات، فلو مات شخص عن ابن بنت فقط كانت التركة كلالة، فإن تعدد اشتركوا، فإن كان معه بنت بنت كان للذكر مثل حظ الأنثيين
(2)
.
مذهب المالكية والشافعية:
الأصل عندهم أنه لا يرث ذوو الأرحام.
وأفتى المتأخرون بالرد على أصحاب الفروض غير الزوجين إذا لم ينتظم أمر بيت المال، فإن لم يكونوا صرف المال إلى ذوى الأرحام إرثا، والأصح فى توريثهم مذهب أهل التنزيل، وهو أن ينزل كل فرع منزلة أصله الذى يدلى به إلى الميت، فيجعل ولد البنت كأمه
(3)
.
(1)
شرح النيل ج 2 ص 129، ج 1 زكاة الفطر.
(2)
السراجية ص 264 وما بعدها.
(3)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 468 طبعة الحلبى، ونهاية المحتاج ج 6 ص 10، 12 طبعة الحلبى.
مذهب الحنابلة:
قال فى كشاف القناع: وتوريث دوى الأرحام عند عدم أصحاب الفروض والعصبات، وهم أصناف: الأول منها ولد البنات فابن البنت يرث جده وجدته لأمه عند عدم أصحاب الفروض والعصبات، ويكون توريثه بتنزيله منزلة البنت - أمه - فيأخذ ما كانت تأخذه، فإذا أنفرد أحرز المال كله فرضا وردا، وإذا اجتمع مع أخته أخذا المال بالتساوى لأنهم يرثون بالرحم المجرد، ليسوى بين ذكورهم وإناثهم
(1)
.
مذهب الظاهرية:
لا ميراث لابن البنت فى تركة جده وجدته لأمه، ولا ميراث للجد لأم فى تركة ابن البنت لأنهما من ذوى الأرحام ولا ميراث لذوى الأرحام عند الظاهرية
(2)
.
مذهب الإمامية:
ابن البنت يقوم مقام أمه عند عدمها، ويرث الثلث مع بنت الابن. وقيل: يرث الثلثين، ولبنت الابن الثلث مراعاة لذكورته وأنوثة بنت الابن، وللذكر ضعف الأنثى، فقد جاء فى الروضة البهية: أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم، سواء أكان أبوا الميت موجودين أم أحدهما أم لا، خلافا للصدوق حيث شرط فى توريثهم عدم الأبوين، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به، فلابن البنت ثلث، ولبنت الابن ثلثان، وكذا مع التعدد.
هذا هو المشهور بين الأصحاب رواية وفتوى.
وقال المرتضى وجماعة: يعتبر أولاد الأولاد بأنفسهم، فللذكر ضعف الأنثى وإن كان يتقرب لأمه وتتقرب الأنثى بأبيها، لأنهم أولاد حقيقة، فيدخلون فى عموم «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»
(3)
.
إذ لا شبهة فى كون أولاد الأولاد وإن كن أناثا أولادا، فلابن البنت ثلثان، ولبنت الابن ثلث على خلاف قول المشهور
(4)
.
الوصية
مذهب الحنفية:
ومن أوصى لأقاربه فهى للأقرب فالأقرب من كل ذى رحم محرم منه، ولا يدخل فيه الوالدان والولد، وهذا عند أبى حنيفة.
وقال صاحباه: لكل من ينسب إلى أقصى أب له فى الإسلام.
ومن هذا يكون ابن البنت داخلا فى الأقارب فى وصية جدته الساقطة أو جده لأمه، كما تدخل فى وصيته لأقاربه جدته غير الصحيحة أو جده لأمه.
وجاء فى كتاب الوقف: أن من وقف على نفسه وولده ونسله لم يدخل فى وقفه ولد البنت فى الصحيح، وهو ظاهر الرواية، لأن ولد البنت ينسب إلى أبيه لا إلى أبى أمه، والوصية فى الحكم كالوقف
(5)
.
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 584.
(2)
محلى ج 9 ص 312 مسألة 1748.
(3)
سورة النساء: 11.
(4)
الروضة البهية ج 2 ص 309.
(5)
تكملة فتح القدير ج 8 ص 473 وابن عابدين ج 3 ص 604 طبعة استانبول.
مذهب المالكية:
ومن هذا يفهم دخول الجدة الساقطة فى وصية ابن البنت إذا لم يكن له أقارب لأب غير وارثين
(1)
.
مذهب الشافعية:
إذا أوصى لأقارب زيد دخل كل قرابة له وإن بعد، مسلما كان أو كافرا، فقيرا أو غنيا، وارثا أو غير وارث، إلا أصلا وفرعا فى الأصح أى الأبوين والأولاد، إذ لا يسمون أقارب فى العرف، فيدخل الأجداد والأحفاد.
قال القليوبى: وشمل ولد البنت، ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن، لأن الأول أقرب.
وفى الوصية لأقرب أقارب زيد، وفى وصية المرء لأقاربه او لأقرب أقاربه لا يدخل الورثة فى الأصح، لأنهم لا يوصى لهم، فيختص بالوصية الباقون، وهذا الإطلاق يدخل ابن البنت فى الصورتين إذا لم يكن وارثا
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: وإن أوصى لقرابته أو لأقرب الناس إليه أو لأقربهم رحما لا يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب، ولا يدخل فى القرابة من كان من جهة الأم، كالأخوة لأم والجد لها والخال والخالة، وأحال بالحكم على باب الوقف.
وفى باب «الوقف» قال: ولا يدخل ولد البنات فى الوقف على ولده أو أولاده أو ذريته ونحوه إلا بصريح، كقوله:
وقفت على ولدى وأولادهم على أن لولد الإناث سهما ولولد الذكور سهمين ونحوه، أو بقرينة، كقوله: من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده، أو قال: وقفت على ولدى فلان وفلان وفلانة وأولادهم.
ومن هذا يعلم أن ابن البنت يدخل فى وصية جده وجدته لأمه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
لابن البنت حق الوصية بما طابت به نفس الموصى «الجد والجدة لأم» لا حد فى ذلك، على ألا تزيد على الثلث، فان لم يفعل أعطى ابن البنت ولا بد ما رآه الورثة أو الوصى
(4)
.
مذهب الزيدية:
ولا يختلف حكم الوصية لابن البنت أو منه عن مذاهب أهل السنة الأربعة
(5)
.
مذهب الإمامية:
الوصية لابن البنت مستحبة، وارثا كان أم غير وارث، كما أن الوصية من ابن البنت لجده وجدته لأمه كذلك، فقد جاء فى الروضة البهية
(6)
: وتستحب الوصية
(1)
الشرح الصغير ج 2 ص 435.
(2)
قليوبى وعميرة ج 2 ص 170.
(3)
كشاف القناع ج 2 ص 264، 514.
(4)
المحلى ج 9 ص 314، 317 مسألة 1751، 1753.
(5)
البحر الزخار ج 5 ص 308، 309.
(6)
ج 2 ص 55، 54.
لذوى القرابة وارثا كان أم غيره، ولا تصح الوصية لأحد من هؤلاء إذا كان حربيا، إذ الحربى لا تصح الوصية له وان كان رحما، لأن مال الحربى فئ للمسلم فى الحقيقة، ولا يجب على المسلم دفعه إليه، وهذا ينافى صحة الوصية.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية إن على المكلف الحر أن يوصى لأقاربه الذين يرثون إذا لم يوجد من يمنعه من الإرث، ويكون عاصيا إن لم يفعل
(1)
.
الوقف
مذهب الحنفية:
إذا وقف على ولده ثم على المساكين، فلولد صلبه، يستوى فيه الذكر والأنثى.
فإذا لم يكن له ولد وقت الوقف بل ولد ابن كان له، فإن كان ابن بنت لا يدخل فى ظاهر الرواية، وعن محمد يدخل، ولو ضم إلى الولد ولد الولد، فقال: على ولدى وولد ولدى ثم للمساكين، اشترك فيه الصلبيون وأولاد بنيه وأولاد بناته، وأنكر الخصاف رواية حرمان أولاد البنات وقال: لم أجد من يقول برواية ذلك عن أصحابنا، وعلى هذه الرواية الثانية يكون ابن البنت داخلا فى الوقف على ولدى فى الأول إذا لم يوجد إلا هو، كما يدخل فى قوله وولدى وولد ولدى فى الثانية مطلقا
(2)
.
مذهب المالكية:
إذا قال: وقفت على ذريتى أو ذرية فلان، أو قال: على ولد فلان وفلانة، أو على أولادى وأولادهم - فإنه يتناول الذكور والإناث وأولادهم وفيهم الحاقد، وفسروا الحاقد بولد البنت
(3)
.
ومن هذا يظهر أن ابن البنت داخل فى الذرية، وفى أولادى وأولادهم فيدخل فى وقف لجده وجدته لأمه فى هذه الصور.
مذهب الشافعية:
ويدخل أولاد البنات فى الوقف على الذرية والنسل والعقب وأولاد الأولاد، إلا أن يقول على من ينتسب إلى منهم، فإن أولاد البنات لا يدخلون فيمن ذكر، نظرا إلى القيد المذكور، أى إن كان معتبرا شرعا بأن يكون الواقف ذكرا، فإن كان أنثى دخلوا بجعل الانتساب لغويا
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قالوا: وإن وقف على عقبه أو عقب غيره أو نسله أو ولد ولده أو ذريته - دخل فيه ولد البنين وإن نزلوا، ولا يدخل فيه ولد البنات بغير قرينة، لأنهم لا ينسبون إليه.
وعن الإمام أحمد: يدخلون، وهذه الرواية قدمها فى المحرر والرعاية. واختارها أبو الخطاب فى الهداية، لأن البنات أولاده، وأولادهن أولاد أولاده حقيقة.
قال فى الشرح: «والقول فى دخولهم
(1)
شرح النيل ج 6 ص 162.
(2)
فتح القدير ج 5 ص 451.
(3)
الشرح الصغير ج 2 ص 286.
(4)
قليوبى وعميره على الجلال، المحلى ج 3 ص 104
أصح وأقوى».
وعلى هذه الرواية الثانية يكون ابن البنت داخلا فى وقف جده لأمه وجدته الغير الصحيحة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ابن البنت لا يدخل فى الوقف إذا حبس الواقف على عقبه وعلى عقب عقبه، أو على زيد وعقبه، إلا إذا كان ابن البنت ينته بنسب آبائه إلى الواقف.
قال ابن حزم: ومن حبس على عقبه وعلى عقب عقبه، أو على زيد وعقبه - فإنه يدخل فى ذلك البنات والبنون، ولا يدخل فى ذلك بنو البنات إذا كانوا ممن لا يخرج بنسب آبائه إلى المحبس
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: ومن وقف على أولاده وأولادهم عم أولاد البنات، فإن قال: على أولاد أولادى الذين ينتسبون إلى - خرج أولاد البنات
(3)
.
مذهب الإمامية:
إذا قال الواقف: وقفت على أولادى - فإن ابن البنت يعتبر موقوفا عليه، ويشترك مع الأولاد فى الوقف.
فقد جاء فى الروضة البهية قوله: إذا وقف على أولاده اشترك أولاد البنين والبنات، لاستعمال الأولاد فيما يشمل أولادهم استعمالا شائعا لغة وشرعا كقوله تعالى:«يا بَنِي آدَمَ»
(4)
(5)
و «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ»
(6)
، وللإجماع على تحريم ولد الولد ذكرا وأنثى من قوله تعالى «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ»
(7)
، ولقوله عليه الصلاة والسلام:«لا تزرموا ابنى» يعنى الحسن .. إلى أن قال وهذا الاستعمال كما دل على دخول أولاد الأولاد فى الأولاد، دل على دخول أولاد الإناث أيضا، وقيل لا يدخل ابن البنت فى الوقف على الأولاد، لأن الوقف على الأولاد لا يشمل أولاد الأولاد. نعم لو قال وقفت على أولاد أولادى، فإنه حينئذ يدخل أولاد البنين والبنات بغير إشكال.
وعلى القول بدخول ابن البنت فى الوقف فإن القسمة تكون بين الجميع بالسوية إذ الأصل عدم التفاضل، إلا أن يكون التفضيل بالتسريح، أو بقوله: على كتاب الله، ولا يدخل ابن البنت فيما إذا قال:
وقفت على من انتسب إلى. قالوا: وهذا على أشهر القولين عملا بدلالة اللغة والعرف والاستعمال
(8)
.
العتق
مذهب الحنفية:
ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه، وهذا اللفظ مروى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو بعمومه يتناول كل قرابة محرمية أولادا أو غيره. ومفاد ذلك أن ابن البنت إذا دخل فى ملك جده أو
(1)
الكشاف ج 2 ص 462.
(2)
المحلى ج 9 ص 183 مسألة 1656.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 155.
(4)
سورة الأعراف: 31 وغيرها.
(5)
سورة البقرة: 40 وغيرها.
(6)
سورة النساء: 11.
(7)
سورة النساء: 23.
(8)
الروضة البهية ج 1 ص 265، 266.
جدته عتق عليهما، كما أن أحدهما إذا دخل فى ملكه عتق عليه
(1)
.
مذهب المالكية:
وعتق بنفس الملك أصله، أى بمجرد الملك، أى ملك غير المدين نسبا لا رضاعا وإن علا، فينعتق عليه الجد وفرعه وإن سفل بالإناث فأولى بالذكور، وأخوته ولو لأمه بشرط أن يكونا، أى الرقيق والمالك، مسلمين أو أحدهما.
وهذا واضح فى أن ابن البنت يعتق على جده وجدته إذا ملكه أحدهما وأن كليهما يعتق عليه بالملك بشرط ألا يكون المالك مدينا
(2)
.
مذهب الشافعية:
إذا ملك أصله وفرعه عتق عليه، قال عليه الصلاة والسلام:«لن يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتق» أى بمجرد الشراء يصير عتيقا. وسواء فى الأصل الذكر والأنثى وإن علوا، وفى الصريح كذلك وإن سفل.
قال القليوبى تعليقا على قوله «أصله وفرعه» : أى من النسب ولو علا أو اختلفا دينا ومن هذا يتضح أن ابن البنت يعتق على جده أو جدته إذا دخلا فى ملك أحدهما، وكذا يعتقان عليه إذا دخلا أو أحدهما فى ملكه.
قال الشارح: وسواء الملك الاختيارى بالشراء ونحوه، والقهرى بالإرث، ولا يعتق غير الأصل والفرع من الأقارب
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال صاحب كشاف القناع: ويحصل العتق بالقول وبالملك، إلى أن قال: وأما الملك الذى يحصل به العتق فمن ملك ذا رحم محرم ولو مخالفا له فى الدين، بميراث أو غيره ولو حملا - عتق عليه، والمحرم من لا يحل التزوج به للنسب لا رضاعا ولا مصاهرة.
وعلى ذلك إذا دخل ابن البنت فى ملك جده أو جدته عتق عليه كما يعتقان عليه إذا دخلا أو أحدهما فى ملكه
(4)
.
مذهب الظاهرية:
ابن البنت إذا ملك جدته أو جده لأمه أو بعضا منهما عتق عليه ساعة يملكه كما يعتق ابن البنت على جدته أو جده لأمه إذا ملكه أحدهما.
ويجبر ابن البنت على شراء جدته وجده لأمه إذا كان له مال ولو بأغلى من قيمتهم إذا أراد سيدهم بيعهم، فإن أبى لم يجبر السيد على البيع
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: وأسباب العتق خمسة: الأول: أن يملكه أو بعضه أى أصوله أو أى فروعه عند الأكثر، لقوله صلى الله عليه وسلم «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» .
ومن هذا يؤخذ أن ابن البنت يعتق اذا ملكه الجد أو الجدة لأم، كما يعتق كل
(1)
فتح القدير والكفاية ج 4 ص 247.
(2)
الشرح الصغير مع الحاشية ج 2 ص 412.
(3)
القليوبى وعميرة ج 4 ص 354.
(4)
كشاف القناع ج 2 ص 628، 629.
(5)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 200 مسألة 1667.
منهما إذا ملكه ابن البنت، لا فرق فى ذلك بين ملك الكل وملك البعض
(1)
.
مذهب الإمامية:
ابن البنت إذا ملك جده أو جدته لأمه عتق كل منهما عليه، وكذلك يعتق ابن البنت لو ملكه جده أو جدته لأمه، وهذا بالإجماع عندهم فى قرابة النسب، وعلى أصح القولين رضاعا، ولا فرق فى ذلك بين الملك القهرى والاختيارى، ولا بين الكل والبعض. وقرابة الشبهة الناتجة عن الوط ء بشبهة تأخذ حكم الصحيح، بخلاف قرابة الزنا على الأقوى. وهذا الحكم بالاجماع إذا ملك ابن البنت جده أو جدته لأمه وهو مكلف، أما إذا ملكهما وهو صبى - فقيل يعتقان عليه فور الملك، وقيل لا يعتقان عليه إلى أن يبلغ.
وهذا مستفاد من قول صاحب الروضة البهية فى باب البيوع: «ولا يستقر للرجل ملك الأصول، وهم الأبوان وآباؤهما وإن علوا، والفروع وهم الأولاد ذكورا وإناثا وإن سفلن، والإناث المحرمات كالعمة والخالة والأخت نسبا إجماعا ورضاعا على أصح القولين.
ولا يستقر للمرأة ملك العمودين: الآباء وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا، ويستقر على غيرهما وإن حرم نكاحه كالأخ والعم والخال» .. إلخ.
وجاء فى كتاب العتق من الروضة البهية قوله: ويحصل العتق باختيار سببه وغيره، فالأول بالصيغة المنجزة والتدبير والكتابة والاستيلاد، وشراء الذكر أحد العمودين أو المحارم من النساء والأنثى أحد العمودين، كما جاء قوله: وقد يحصل العتق بالملك فيما إذا ملك الذكر أحد العمودين أو إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا والمرأة أحد العمودين
(2)
.
مذهب الإباضية:
ابن البنت نسبا إذا ملكه جده أو جدته لأمه عتق عليه مع تمام الشراء، وكذلك يعتق الجد والجدة لأم إذا ملكهما ابن بنتهما نسبا، وأما رضاعا فلا يعتق أحد من هؤلاء بملك الآخر له.
فقد جاء فى شرح النيل ما نصه: «وإن كانت محرمة لبعض الورثة فاشتراها ذلك البعض وحده أو معهم أو مع بعضهم - حررت عليه مع تمام الشراء، وكان له الولاء. فبتمام الشراء تتحرر، لأن من ملك ذا محرم منه بالنسب أو ملك بعضه خرج حرا. وأما ذو محرم بالرضاع أو بالصهر كأم الزوجة، أو بالزنا - فلا يخرج حرا إذا ملكه ذو محرم منه بذلك
(3)
.
المحرمية
حرمة النكاح بين ابن البنت وجدته لأمه ثابتة بإجماع المذاهب الثمانية
(4)
.
(1)
البحر الزخار ج 4 ص 193، 194.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 190، 195.
(3)
شرح النيل ج 6 ص 329.
(4)
للأحناف فتح القدير ج 3 ص 117، 121.
وللمالكية الشرح الصغير ج 1 ص 371، 478.
وللشافعية قليوبى وعميرة ج 2 ص 240.
وللحنابلة كشاف القناع ج 3 ص 282، 339.
وللظاهرية المحلى ج 9 ص 520، 521.
وللزيدية البحر الزخار ج 3 ص 31.
وللإمامية الروضة البهية ج 2 ص 80.
وللإباضية شرح النيل ج 3 ص 12، 13، 14.
ولاية التزويج
مذهب الحنفية:
ابن البنت من ذوى الأرحام، فليس له ولاية على جده وجدته لأمه إلا على مذهب أبى حنيفة حال ضعف أهليتها، وكذلك ليس للجد من ناحية الأم أو الجدة كذلك ولاية على تزويج ابن البنت ناقص الأهلية عند الصاحبين خلافا للإمام
(1)
.
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة:
ليس لابن البنت ولاية تزويج جده لأمه أو جدته لأمه، كما أنه ليس لهما ولاية تزويجه لعدم العصوبة
(2)
.
مذهب الظاهرية والزيدية والإمامية:
ابن البنت لا ولاية لجده لأمه عليه، كما أنه ليس لابن البنت ولاية تزويج جده أو جدته لأمه إذا كانا فاقدى الأهلية «مجنونين»
(3)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن لابن البنت والجد لأم حق ولاية الإنكاح إذا لم يكن هناك ولى، أو غاب الولى فى مسافة ثلاثة أيام فأكثر، أو امتنع بما لا يقبل ولم يكن ولى دونه، أو كان ولى كالعدم كمجنون ومرتد ومشرك، فذو الرحم حينئذ أولى من السلطان، واختار البعض السلطان ولو جائرا
(4)
.
الشهادات
مذهب الحنفية:
يقولون فى باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل: ولا تقبل شهادة الوالد لولده نسبا وولد ولده، ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده لحديث:«لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته ولا العبد لسيده ولا المولى لعبده ولا الأجير لمن استأجره» ، ولأن المنافع بين الأولاد والآباء متصلة
(5)
.
مذهب المالكية:
ولا تقبل شهادة لمتأكد القرب، لاتهامه بجر النفع لقريبه، كوالد لولده وإن علا كالجد وأبيه، وولد لوالده وإن سفل كابن الابن وابن البنت
(6)
.
مذهب الشافعية:
ولا تقبل الشهادة لأصل ولا فرع للشاهد وتقبل منه عليهما
(7)
.
مذهب الحنابلة:
من موانع الشهادة قرابة الولادة، فلا تقبل شهادة عمودى النسب بعضهم لبعض من والد وان علا ولو من جهة الأم كأب الأم وأبيه وجده، ولا من ولد وإن سفل من ولد البنين أو البنات، لأن كلا من الوالدين والأولاد متهم بالنسبة لصاحبه لأنه يميل إليه بطبعه، وسواء اتفق بعضهم أو اختلف، وسواء جر بها نفعا للمشهود له أو لا. وتقبل شهادة بعضهم على بعض لانتفاء التهمة
(8)
.
(1)
الهداية والفتح ج 2 ص 405 وما بعدها.
(2)
للمالكية: الشرح الصغير ج 1 ص 356، 357
وللشافعية: الجلال لقليوبى وعميرة ج 3 ص 224
وللحنابلة: كشاف القناع ج 3 ص 27، 28، 29
(3)
للظاهرية المحلى ج 9 ص 458 وما بعدها.
وللزيدية: البحر الزخار ج 3 كتاب النكاح.
وللإمامية: الروضة البهية ج 2 كتاب النكاح.
(4)
شرح النيل ج 3 ص 70.
(5)
فتح القدير والكفاية ج 6 ص 477.
(6)
الشرح الصغير ج 2 ص 324.
(7)
القليوبى وعميرة ج 4 ص 322.
(8)
كشاف القناع ج 4 ص 261، 262.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: وكل عدل فهو مقبول لكل أحد وعليه، كالأب والأم لابنهما ولأبيهما، والابن والابنة للأبوين والأجداد والجدات، والجد والجدة لبنى بنيهما، وكذا سائر الأقارب بعضهم لبعض كالأباعد ولا فرق .. إلخ.
ومن هذأ يؤخذ أن الظاهرية يقبلون شهادة ابن البنت إذا كان عدلا، كما تقبل الشهادة عليه من جده أو جدته لأمه
(1)
.
مذهب الزيدية:
تقبل شهادة ابن البنت لجده وجدته لأمه، كما تقبل شهادتهما له بشرط العدالة، فقد جاء فى البحر الزخار: وتصح من الوالد لولده والعكس، لعموم قوله تعالى «ذوى عدل»
(2)
وتقبل من الأقارب بعضهم لبعض.
وجاء فى شرح الأزهار: تجوز شهادة الابن لأبيه والأب لابنه والأخ لأخيه، وكل ذى رحم لرحمه إذا كانوا عدولا
(3)
.
مذهب الإمامية:
اشترط الإمامية فى قبول الشهادة عدم التهمة (وهى أن يجر إليه بشهادته نفعا أو يدفع عنه بها ضرا) ولا يقدح مطلق التهمة، فإن شهادة الصديق لصديقه مقبولة، والوارث لمورثه بدين وإن كان مشرفا على التلف ما لم يرثه قبل الحكم بموجب الشهادة، وعلى هذا تقبل شهادة كل منهما للآخر عند انتفاء التهمة المانعة
(4)
.
مذهب الإباضية:
فقهاء الإباضية يمنعون قبول شهادة ابن البنت لجده أو جدته لأمه، كما يمنعون قبول شهادة أحدهما له، فقد بين صاحب شرح النيل من لا تقبل شهادته وذكر منهم متأكد القرب كأب وإن علا وولد وإن سفل
(5)
.
القضاء
مذهب الحنفية:
كل من تقبل شهادته له وعليه يصح قضاؤه له وعليه
(6)
.
مذهب المالكية:
ولا يحكم الحاكم لمن لا يشهد له كأبيه وابنه وأخيه وزوجته إلا بإقرار المدعى عليه اختيارا وجاز أن يحكم عليه.
ومفاد هذا عدم الحكم من ابن البنت لجده أو لجدته ولا من الجد لابن بنته إلا إذا كان الخصم المدعى عليه مقرا بالاختيار إذ لا تهمة حينئذ
(7)
.
مذهب الشافعية:
ولا ينفذ حكمه لنفسه ورقيقه وشريكه فى المشترك، وكذا أصله وفرعه ورقيق كل منهما وشريكه فى المشترك على الصحيح، والثانى ينفذ حكمه لهم بالبينة.
(1)
المحلى ج 9 ص 415.
(2)
سورة الطلاق: 2
(3)
البحر الزخار ج 5 ص 35، 36 وشرح الأزهار ج 4 ص 198.
(4)
الروضة البهية ج 1 ص 253.
(5)
شرح النيل ج 6 ص 584، 585.
(6)
الدر على هامش ابن عابدين ج 4 ص 495 طبعة استانبول سنة 1326 هـ.
(7)
الشرح الصغير ج 2 ص 316.
فيتضح من ذلك عدم نفاذ حكم الجد لأم لابن بنته، كما أنه لا ينفذ حكم ابن البنت لجده أو لجدته، وعلى القول الثانى ينفذ حكم كل منهما للآخر بالبينة لعموم الأدلة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
أنه لا يصح للقاضى أن يحكم لذى رحم محرم منه وله الحكم عليه
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال فقهاء الإباضية: ويحكم بين القرابة كالأب والابن، فإن تحاكم إليه قريبه مع غيره فليدفعهم إلى غيره، وإن حكم بالحق بينهما فحسن، ويحكم بين قرابته
(3)
.
ويستفاد من هذأ أنه يجوز لابن البنت أن يحكم بين جده لأمه أو جدته لأمه وغيرهم، قريبا كان أم بعيدا، وإن كان ينبغى له دفعهم إلى غيره.
القصاص
مذهب الحنفية:
ولا يقتل الرجل بابنه، لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا يقاد الوالد بولده» ، ولأنه سبب لإحيائه فمن المحال أن يستحق له إفقاده، ولهذا لا يجوز قتله وإن وجده فى صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن، والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا فى هذا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب والأم قربت أو بعدت لما بينا، ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط، ومن هذا يؤخذ أن ابن البنت يقتص منه لجده أو جدته لأمه ولا يقتص منهما له
(4)
.
مذهب المالكية:
إذا قتل الولد أصله عمدا فإنه يقتص منه كالأجنبى، لتحقق شروط القصاص فيه
(5)
.
مذهب الشافعية:
ولا قصاص بقتل ولد للقاتل وإن سفل، لحديث «لا يقاد للابن من أبيه» ، والبنت كالابن، والأم كالأب، وكذا الأجداد والجدات وإن علوا من قبل الأب أو الأم
(6)
.
مذهب الحنابلة:
الشرط الرابع من شروط ثبوت القصاص ألا يكون المقتول من ورثة القاتل، فلا يقتل والد أبا كان أو أما وإن علا بولده وإن سفل من ولد البنين أو البنات للحديث السابق الى أن قال:
«ويفتل الولد المكلف ذكرا كان أو أنثى بقتل واحد من الأبوين المكافئين وإن علوا»
(7)
.
مذهب الظاهرية:
يقاد من ابن البنت لجده وجدته كما يقاد له منهما، فقد جاء فى المحلى قوله:
أن ذا القربى يحد فى قذف ذى القربى، ثم ذكر أن الحدود والقود واجبان على الأب للولد، وقال: أخذا من آية «وَالَّذِينَ}
(1)
القليوبى وعميرة ج 4 ص 303.
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 186.
(3)
شرح النيل ج 6 ص 556.
(4)
تكملة فتح القدير على الهداية ج 8 ص 259.
(5)
الشرح الكبير ج 4 ص 237.
(6)
شرح الجلال لقليوبى وعميرة ج 4 ص 107.
(7)
كشاف القناع ج 3 ص 351، 352.
{يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ»
(1)
إن الله تعالى إذ عم ولم يخص فإنه أراد أن يحد الوالد لولده والولد لوالده بلا شك
(2)
.
مذهب الزيدية:
ابن البنت يقتل إذا قتل جده أو جدته لأمه وتوفرت شروط القصاص، ولا يقتل الجد ولا الجدة لأم بقتل ابن البنت، فقد جاء فى البحر الزخار: ولا يقتل والد بولده لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقاد والد بولده» ، وتلزمه الدية، ثم قال وتجب الكفارة لسقوط القود كالخطأ، قال والجدات من الطرفين كالأباء ولسقوط القود إذ يعمهم لفظ الولد
(3)
.
مذهب الإمامية:
يقتل ابن البنت بجده وجدته لأمه ما لم يكن صبيا أو مجنونا، أو مسلما وجده أو جدته كافرين، أو حرا وهما عبدان، أو كانا غير محقونى الدم. فلو أباح الشرع قتلهما بزنى أو لواط أو كفر فقتلهما ابن البنت فلا قصاص عليه، كذلك الحكم لو قتل الجد أو الجدة لأم ابن البنت فإنهما يقتلان مع توفر الشروط السابقة، فقد جاء فى الروضة البهية: يقتل الأقارب غير الأب بعضهم ببعض كالولد بوالده والأم بابنها والأجداد من قبلها وإن كانت لأب والجدات مطلقا
(4)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن الجد والجدة يقتلان بابن البنت، فقد جاء فى شرح النيل: ولا يقتلان، أى الأب والأم، به أى بولدهما إذا قتلاه. ويقتل به جده وجدته، إلا أن قتلاه لديانته فإنهما يقتلان حدا لا قصاصا، ويقتل الولد بهما
(5)
.
النفقات
مذهب الحنفية:
قال فى الدر المختار: النفقة لأصوله - ولو كان أب أمه - الفقراء ولو قادرين على الكسب.
وفى ابن عابدين تعليقا على قوله «ولد أب» أنه شمل التعميم الجدة من قبل الأب أو الأم، وكذا الجد من قبل الأم كما فى البحر
(6)
.
ويجب للفرع ومنه ابن البنت على أصله والمعتبر فى الوجوب القرب بعد الجزئية دون الميراث
(7)
.
مذهب المالكية:
ولا يجب على الولد نفقة جده وجدته مطلقا من جهة الأب أو الأم، ولا يجب نفقة ولد ابن ذكرا أو أنثى على جده، وبالأولى ابن البنت
(8)
.
مذهب الشافعية:
يلزم الشخص ذكرا كان أو أنثى نفقة الوالد وإن علا من ذكر وأنثى، ويلزمه نفقة الولد وان نزل من ذكر وأنثى
(9)
.
(1)
سورة النور: 4.
(2)
المحلى ج 10 ص 295، 296.
(3)
البحر الزخار باب القصاص 225، 226.
(4)
الروضة البهية ج 2 ص 404، 405، 407.
(5)
شرح النيل ج 8 ص 75.
(6)
ابن عابدين ج 2 ص 696 - 698
(7)
المرجع السابق ج 2 ص 934.
(8)
الشرح الكبير ج 2 ص 523.
(9)
القليوبى وعميرة ج 4 ص 84.
مذهب الحنابلة:
تجب على الشخص نفقة والديه وإن علوا، ويجب على الشخص أيضا نفقة ولده وإن نزل
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ابن البنت وإن سفل تجب عليه نفقة جده الفقير مما ينفق منه على نفسه، فإن لم يفضل له عن نفقته شئ لم يكلف أن يشركه فى ذلك أحد
(2)
.
مذهب الزيدية:
ابن البنت الموسر تلزمه نفقة جديه المعسرين، ولا يلزم بإعفافهما بالتزويج، وقيل يلزم
(3)
.
مذهب الإمامية:
تجب النفقة لابن البنت على جده وإن علا، كما تجب لجده عليه وإن نزل، بشرط أن يفضل عن قوت المنفق وقوت زوجته ليومه الحاضر وليلته، فان لم يفضل شئ فلا شئ عليه، لأنها مواساة وهو ليس من أهلها وليس على أحد منهما تزويج الآخر، كما لا يجب عليه تأجير خادم له ولا النفقة على خادمه إلا مع الزمانة المحوجة اليه
(4)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية أنه تجب عليك نفقة كل من ترثه، ولا تجب للرحم، إلا إذا لم يكن وارث سواك
(5)
.
وقال: لا يدركها الجد من جهة الأم إلا إذا لم يكن لها وارث سواه، فإنه يرثها وينفقها، وهكذا سائر ذوى الأرحام
(6)
.
وتجب على قدر الإرث والوسع والقتر ولو كلاليا على المختار.
ثم قال أيضا: وتجب على قدر الإرث والقتر ولو كلاليا على المختار
(7)
، وعلى هذا الرأى تكون نفقة ابن البنت واجبة على جده لأمه إذا لم يكن لابن البنت وارث سوى الجد، كما أن نفقة الجد واجبة على ابن بنته إذا لم يكن للجد وارث سوى ابن البنت.
الرأى الثانى فى المذهب: عدم وجوب النفقة على ابن البنت لجده لأمه ولا على الجد لأم لابن البنت لأن وجوب النفقة إنما يكون على العصبات فقط
(8)
.
السرقة
مذهب الحنفية:
ومن سرق من أبويه وإن علوا، أو ولده وإن سفل، أو ذى رحم محرم منه، لم يقطع
(9)
.
مذهب المالكية:
لا يقطع الجد ولو لأم اذا سرق من مال ابن ولده، للشبهة القوية فى مال الولد وإن سفل، بخلاف الولد يسرق من مال أصله فيقطع لضعف الشبهة
(10)
.
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 313، 314 طبعة 319 هـ
(2)
المحلى ج 10 المسألة 1933.
(3)
البحر الزخار ج 3 النفقات.
(4)
الروضة البهية ج 2 باب النكاح.
(5)
شرح النيل ج 7 ص 207، 208.
(6)
المرجع السابق ص 209.
(7)
شرح النيل ج 2 باب التفليس.
(8)
شرح النيل ج 7 ص 208، 211.
(9)
شرح الهداية مع فتح القدير ج 5 ص 142 طبعة الحلبى.
(10)
الشرح الكبير ج 4 ص 337.
مذهب الشافعية:
لا قطع بسرقة مال أصل وفرع للسارق، لما بينهم من الاتحاد
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ويشترط للقطع فى السرقة انتفاء الشبهة، فلا يقطع بسرقة مال ولده وإن سفل، وسواء فى ذلك الأب والأم والابن والبنت والجد والجدة من قبل الأب والأم
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم: وقال أصحابنا:
القطع واجب على من سرق من ولد أو من والديه أو من جدته أو من جده أو من ذى رحم محرمة أو غير محرمة، لقوله تعالى:
(3)
، فصح أمر الله تعالى بالقيام عليهم بالقسط وبأداء الشهادة عليهم، ومن القيام بالقسط إقامة الحدود عليهم، ولقوله تعالى:
«وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»
(4)
.
وأوجب رسول الله عليه الصلاة والسلام القطع على من سرق وقال: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» .
فلم يخص الله تعالى فى ذلك، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ابنا من أجنبى ولا خص فى الأموال مال أجنبى من مال ابن، ومن هذا يؤخذ أن ابن البنت بقطع إذا سرق من جده أو جدته لأمه كما يقطع الجد والجدة لأم إذا سرقا من ابن البنت
(5)
.
مذهب الزيدية:
قال فى البحر الزخار: ولا يقطع الوالد لولده وإن سفل، لقوله صلى الله عليه وسلم:«أنت ومالك لأبيك» ، فله شبهة، والأم كالأب اتفاقا.
ثم قال: ويقطع الولد لوالده، ثم قال:
ويقطع سائر الأرحام المحارم وغيرهم
(6)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: لا يقطع من سرق من مال ولده وإن نزل وبالعكس، وهو ما لو سرق الولد مال والده وإن علا، أو سرقت الأم مال ولدها، يقطع كل منهما لعموم الآية، يريد قوله تعالى:
«وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ» خرج منه الوالد، فيبقى الباقى. وقال بعض الفقهاء: لا تقطع الأم بسرقة مال ولدها كالأب، لأنها أحد الوالدين، ولاشتراكهما فى وجوب الإعظام، والجد لأم كالأم.
ومن هذا يستفاد أن ابن البنت يقطع فى سرقته من جده أو جدته لأمه متى توفرت شروط القطع، وكذلك الحكم فيما لو سرق الجد أو الجدة لأم ابن بنتهما، وهذا هو مشهور المذهب وهو الأصح.
(1)
شرح الجلال المحلى بحاشية القليوبى ج 4 ص 188 طبعة دار الكتب العربية.
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 84 المطبعة الشرفية سنة 1319 هـ.
(3)
سورة النساء: 135.
(4)
سورة المائدة: 28.
(5)
محلى ج 11 ص 345، 346.
(6)
البحر الزخار ج 5 ص 172.
وعند أبى الصلاح: لا يقطع الجد أو الجدة لأم إذ هما كالأم، والأم عنده لا تقطع لأنها كالأب
(1)
.
مذهب الإباضية:
يفهم مما ورد فى شرح النيل من قوله:
ولا يقطع الأب بالسرقة من ابنه، وزاد الشافعى الجد وزاد أبو حنيفة كل ذى رحم - أن الإباضية يقولون يقطع الجد لأم والجدة لأم بالسرقة من ابن البنت، كما يقطع ابن البنت بالسرقة منهما أو من أحدهما، لأنه لما خص القطع بالأب، واعتبر قول الشافعى بعدم قطع الجد زيادة على الأب - فهم أن المراد عندهم بالأب هو الأب المباشر، وأن الجد لا يدخل عندهم فى الأب، وإلا لما قال: وزاد الشافعى الجد، ولذلك فإن الجد يقطع عندهم.
وقولهم: وزاد أبو حنيفة كل ذى رحم، يفهم منه أنهم يقولون بالقطع بين ذوى الأرحام
(2)
.
القذف
مذهب الحنفية:
ليس لابن البنت أن يطالب بحد جده لأمه أو جدته لأمه إذا قذفه واحد منهما أو قذف أمه
(3)
.
مذهب المالكية:
وليس لمن قذفه أبوه أو أمه وان علا حدهما على الراجح، وهو مذهب المدونة، ومقابله يحدان بقذفه تصريحا
(4)
.
مذهب الشافعية:
لا يحد الأصل بقذف الولد وإن سفل ذكرا كان أو أنثى، ويبقى ما عدا ذلك على الأصل، وهو وجوب الحد على القاذف
(5)
.
مذهب الحنابلة:
قال فى كشاف القناع: من قذف وهو مكلف مختار محصن ذات محرم - حد، سوى أبوى المقذوف وإن علوا فلا يحدان بقذف ولد وإن نزل.
ثم قال: ويحد الابن بقذف كل واحد من آبائه وأمهاته وإن علوا لعموم الآية
(6)
.
مذهب الظاهرية:
يحد ابن البنت إذا قذف جده أو جدته لأمه كما يحد كل منهما بقذفه، وذلك مفهوم مما جاء فى المحلى لابن حزم من أن ذا القربى يحد فى قذف ذى القربى.
ثم قال: الحدود والقود واجبان على الأب للولد، وقال: إن ذلك مأخوذ من آية: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ»
(7)
وإذ عم الله تعالى ولم يخص علم أنه أراد أن يحد الوالد لولده والولد لوالده بلا شك
(8)
.
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 377.
(2)
شرح النيل ج 7 ص 651.
(3)
فتح القدير ج 4 ص 196.
(4)
الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج 2 ص 396.
(5)
نهاية المحتاج ج 7 ص 415.
(6)
كشاف القناع ج 4 ص 62، 63.
(7)
سورة النور: 4.
(8)
المحلى ج 11 ص 295، 269.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: ولو كان القاذف والدا للمقذوف فإنه يلزمه الحد. ثم قال بعد ذلك: ولا خلاف فى أن الابن إذا قذف أباه لزمه الحد.
وفى البحر الزخار قال: ويحد الوالد للعموم، يريد عموم قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» الآية.
فإذا كان الوالد يحد لقذف ابنه والابن يحد لقذف أبيه فمن باب أولى يحد ابن البنت لقذف جده أو جدته لأمه، كما يحد كل منهما بقذف ابن البنت
(1)
.
مذهب الإمامية:
ابن البنت يحد إذا قذف جده أو جدته لأمه، كما يحد كل منهما إذا قذفه، يدل على ذلك ما جاء فى الروضة البهية من أن الوالد إذا قذف ولده حد، وبالأولى أن الولد يحد بقذف أبيه، وإذا تقرر هذا الحكم فى القذف بين الوالد والولد فأولى أن يتقرر بين ابن البنت وجده وجدته لأمه
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: ويحد الوالد بقذف ولده، ومن هذا يفهم أن الجد والجدة لأم من باب أولى يحد كل منهما بقذف ابن البنت، كما يحد ابن البنت لقذف جده أو جدته لأمه
(3)
.
ابن الخال
تعريف ابن الخال:
ابن الخال هو ابن أخ الأم، وهو من الصف الرابع من ذوى الأرحام «الصف الرابع هو من ينتمى إلى أجداد الميت وجداته» .
عدم محرميته
ابن الخال رحم غير محرم، يحل النكاح بينه وبين «ابنة عمته» شأنه شأن الأجنبى فى ذلك وفى كثير من الأحكام.
أحكام الجنائز
الغسل والتكفين والصلاة
مذهب الحنفية:
ابن الخال - شأنه شأن الأجانب عن الميت - لا حق له دون غيره فى تغسيل ابن عمته وبنت عمته، ولا يلزم بتكفينهما، لأنه رحم غير محرم فلا ينفرد عن الأجنبى بحكم من هذه الأحكام.
(4)
.
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 355 والبحر الزخار ج 5 ص 164.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 365.
(3)
شرح النيل ج 7 ص 652.
(4)
مراقى الفلاح المطبوع على حاشية الطحاوى ص 333 الطبعة الثانية.
«وابن الخال لا تلزمه نفقة لابن عمته ولا لبنت عمته ما لم يكن زوجا لها لأنه ليس ذو رحم محرم منهما» .
وسيأتى بيان ذلك فى نفقة ابن الخال
(1)
.
ولابن الخال الحق فى التقدم على غيره إذا لم يوجد من له حق التقدم عليه فى الصلاة.
فقد جاء فى المصدر السابق: «السلطان أحق بصلاته ثم نائبه ثم القاضى ثم صاحب الشرط
(2)
ثم خليفة الوالى ثم خليفة القاضى ثم إمام الحى ثم الولى الذكر ويقدم الأقرب فالأقرب كترتيبهم فى النكاح»
(3)
.
وعبارة ابن عابدين «بترتيب عصوبة الإنكاح» .
ولما كان لابن الخال ولاية التزويج بترتيبه الوارد فى ولاية النكاح كان له حق التقدم للصلاة على الميت.
وقد استظهر ذلك ابن عابدين فى حاشيته على الدر المختار، قال:
(4)
.
وترتيب ابن الخال فى الصلاة على الميت ترتيبه فى باب الولى فى النكاح - وسيأتى بيانه فى ولاية النكاح لابن الخال.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الخطاب على خليل، فيمن له حق الغسل:
«ثم أقرب أوليائه على ترتيب ولاية النكاح وكذلك حكم التقدم للصلاة عليه» إلا أن يكون زوجا فيقدم على الأولياء فى الغسل بصفته زوجا لا باعتباره ابن خال.
وليس لابن الخال ولاية النكاح كما سيأتى فى ولاية النكاح لابن الخال
(5)
.
وأما التكفين:
«والكفن على المنفق لقرابة ثم قال: إن لم يكن للفقير والد أو ولد أو كانوا فقراء فعلى بيت المال، فإن لم يكن بيت مال أو لم يقدر على ذلك منه فعلى جميع المسلمين.
وابن الخال لا تلزمه نفقة كما سيأتى بيانه فى نفقة ابن الخال
(6)
فى هذا البحث.
مذهب الشافعية:
ابن الخال له حق التقدم على غيره فى تغسيل ابن عمته بصفته من ذوى الأرحام إذا لم يوجد أحد من عصبته النسبية والسببية. ودوره بين ذوى الأرحام يأتى بعد أولاد بنات العم، وكذلك الحكم فى الصلاة عليه.
(1)
المرجع السابق ص 334.
(2)
الشرط جمع شرطى وهم أعوان الحاكم وصاحبهم رئيسهم.
(3)
مراقى الفلاح على حاشية الطحاوى ص 343.
(4)
ابن عابدين ج 1 ص 824.
(5)
الخطاب على خليل ج 2 ص 210، 211 الطبعة الأولى.
(6)
المرجع السابق ص 218.
فقد جاء فى الجزء الثانى من نهاية المحتاج ما نصه: «وأولى الرجال بالرجل إذا اجتمع فى غسله من أقاربه من يصلح لغسله - أولاهم بالصلاة عليه، وهم رجال العصبات من النسب ثم الولاء كما سيأتى بيانهم
(1)
.
ثم قال فى نفس المصدر فى بيان الأولى بالصلاة بعد أن ذكر العصبات النسبية والسببية .. ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب، فيقدم أبو الأم ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم
(2)
.
وقال الشبراملسى فى حاشيته على نهاية المحتاج إضافة إلى ما ذكر: «والظاهر أن بقية ذوى الأرحام يترتبون بالقرب إلى الميت .. » وقال: ودخل فى بقية الأرحام أولاد الأخوات وأولاد بنات العم وأولاد الخال والخالة .. والأقرب أن يقال تقدم أولاد الأخوات ثم أولاد بنات العم ثم أولاد الخال ثم أولاد الخالة.
ولا حق لابن الخال فى تغسيل بنت عمته:
فقد جاء فى المصدر المذكور قوله:
أما حق ابن الخال فى الصلاة على ابن عمته وبنت عمته فثابت له بعد العصبات.
ومن هو أقرب منه من ذوى الأرحام وترتيبه بعد أولاد بنات العم كما ذكر
(3)
.
ولا يلزم ابن الخال بتكفين الميت:
إذ التكفين يلزم من تلزمه نفقة الميت حال حياته.
«ومحل التكفين أى الأصل الذى يجب منه كسائر مؤن التجهيز أصل التركة
(4)
.
ثم قال: فإن لم يكن فعلى من عليه نفقته من قريب أصل أو فرع صغير أو كبير لعجزه بموته أو سيد فى رقيقه وكذا الزوج فى الأصح .. إلخ
(5)
.
مذهب الحنابلة:
ابن الخال أحق الناس بغسل الميت إذا لم يوجد موصى له ولا عاصب ولا ذو رحم أقرب منه، فقد جاء فى المغنى والشرح الكبير فى غسل الميت ما يأتى:
(6)
.
وفى نفس المصدر قال فى ترتيب الأولياء وغيرهم فى الصلاة عليه:
(1)
نهاية المحتاج ج 2 ص 442 طبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ.
(2)
المرجع السابق ص 480.
(3)
نهاية المحتاج ج 2 ص 443، 444.
(4)
المرجع السابق ص 451.
(5)
المرجع السابق ص 452.
(6)
المغنى والشرح الكبير ج 2 ص 309 الطبعة الأولى فى مطبعة المنار 1345 هـ.
«فإن انقرض العصبة من النسب فالمولى المعتق» ثم أقرب عصباته، ثم الرجل من ذوى أرحامه الأقرب فالأقرب ثم الأجانب
(1)
.
أما تكفين الميت فلا يلزم به ابن الخال إلا عند أبى الخطاب من فقهاء الحنابلة، لأن الكفن لا يجب إلا على من تجب عليه نفقة الميت حال حياته.
وجاء فى المرجع السابق فى تكفين الميت قوله:
«ويجب كفن الميت فى ماله مقدما على الدين وغيره
…
إلى أن قال: فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته»
(2)
.
وسيأتى فى النفقات أن ابن الخال لا يلزم بها لأنه من ذوى الأرحام إلا عند أبى الخطاب (انظر: نفقة ابن الخال فى هذا البحث).
وترتيب ابن الخال فى ذلك كله ترتيبه فى الميراث.
(انظر ميراث ذوى الأرحام).
مذهب الظاهرية:
ابن الخال كغيره من عامة الناس، لا حق له فى التقدم للصلاة على الميت، ولا لإنزاله القبر، كما أنه لا يلزم دون غيره بتكفينه.
وقد جاء فى المحلى: «حق تكفين الميت - إذا لم يترك شيئا - واجب على كل من حضر من غريم أو غير غريم
(3)
لقوله تعالى «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»
(4)
.
وفى الصلاة عليه قال:
(5)
.
مذهب الزيدية:
الغسل والصلاة:
ليس لابن الخال حق يختص به دون غيره من سائر الأجانب فى غسل الميت والصلاة عليه.
فقد جاء فى البحر الزخار فى باب غسل الميت: «وأقاربه أولى كالصلاة»
(6)
. وفى صلاة الجنازة، قال: والأولى بالإمامة الإمام وواليه. فإن كان لا إمام فالأقرب الأقرب الصالح من العصبة»
(7)
.
وفى شرح الأزهار قال: «الأولى بالإمامة الإمام الأعظم وواليه ثم الأقرب نسبه إلى الميت الصالح للإمامة فى الصلاة من عصبة الميت»
(8)
.
وأما قول صاحب شرح الأزهار بعد ذلك: قال عليه السلام «فإن عدمت العصبة فالأقرب من ذوى رحمه» فقد علق عليه فى حاشيته من نفس المصدر بقوله «والمذهب أنه لا ولاية لذوى الأرحام»
(9)
.
(1)
المرجع السابق ص 368.
(2)
المغنى الشرح الكبير ج 2 ص 338.
(3)
المحلى ج 5 ص 121 مسألة 566.
(4)
الحجرات: 10.
(5)
المحلى ج 5 ص 143 مسألة 584.
(6)
البحر الزخار ج 2 ص 98.
(7)
المرجع السابق ص 114.
(8)
شرح الأزهار ج 1 ص 427.
(9)
شرح الازهار ج 1 ص 428.
أما الكفن:
فإنه يتبع النفقة. والتكفين. (وسيأتى بيان حكم ابن الخال فى النفقة).
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية «أحكام الأموات» قوله:
«والأولى بميراثه أولى بأحكامه، بمعنى أن الوارث أولى ممن ليس بوارث وإن كان قريبا» مع وجوب المماثلة بين المغسل والمغسل ذكورة وأنوثة. فإن اختلفا أذن صاحب الحق لغيره «المماثل» للميت فى نوعه أن يغسله وذلك فى غير الزوجين فيجوز لكل منهما تغسيل صاحبه اختيارا، والمشهور أنه من وراء الثياب»
(1)
.
ومن هذا يستفاد أن ابن الخال، إن كان وارثا كان أولى بتغسيل الميت والصلاة عليه ممن ليس بوارث، مع وجوب المماثلة بينه وبين من يغسله.
مذهب الإباضية:
ابن الخال أولى بالصلاة على الميت ودفنه إذا لم يوجد أقرب منه
(2)
.
وجاء فى متن كتاب النيل «أولى الناس بالصلاة على الميت أبوه ثم الزوج ثم الابن ثم الأخ ثم العم ثم الأقرب فالأقرب
(3)
.
ولاية النكاح
مذهب الحنفية:
يثبت لابن الخال ولاية تزويج الصغير والصغيرة بالشروط المبينة فى باب الولى من كتاب النكاح إذا لم يوجد عاصب ولا ذو رحم أسبق منه. ويأتى ترتيبه فى هذه الولاية بعد أولاد العمات.
فقد جاء فى الدر المختار ما نصه:
«الولى فى النكاح العصبة بنفسه بلا توسط أنثى على ترتيب الإرث والحجب» .
إلى أن قال: فإن لم يكن عصبة فالولاية للأم ثم لأم الأب. وفى القنية عكسه، ثم للبنت ثم لبنت الابن ثم لبنت البنت ثم لبنت ابن الابن ثم لبنت بنت البنت وهكذا ثم للجد الفاسد ثم للأخت لأب وأم ثم لأب ثم لولد الأم ثم لأولادهم ثم لذوى الأرحام «غير من ذكر» العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام وبهذا الترتيب أولادهم.
وهذا قول أبى حنيفة. والجمهور على أن أبا يوسف معه. وقال محمد ليس لغير العصبات ولاية. إنما هى للحاكم
(4)
.
مذهب المالكية:
ليس لابن الخال ولاية تزويج ابن عمته أو بنت عمته إلا باعتباره من عامة المسلمين إذا لم يوجد عاصب ولا مولى ولا كافل ولا حاكم.
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 38، 39.
(2)
شرح النيل ج 1 ص 379، 680.
(3)
متن كتاب النيل ج 1 ص 111 نسخة دار الكتب.
(4)
الدر المختار وحاشية الطحطاوى على الدر المختار ج 2 باب الولى من كتاب النكاح.
فقد جاء فى الحطاب على خليل فى ولاية النكاح:
«وقدم ابن فابنه فأخ فابنه فجد فعم فابنه» قال ابن عرفة: المعروف أن الأحق الابن وإن سفل ثم الأب ثم الأخ للأب ثم ابنه ولو سفل ثم الجد ثم العم ثم ابنه ولو سفل .. ثم قال: فمولى فكافل فحاكم فولاية عامة مسلم
(1)
.
مذهب الشافعية:
ليس لابن الخال ولاية تزويج المرأة لأنه ليس من العصبة. وولاية التزويج للعصبة على الترتيب
(2)
.
مذهب الحنابلة:
لا ولاية لابن الخال فى تزويج المرأة، لأنه ليس من العصبات، ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم. راجع المغنى والشرح الكبير ونصه:
«ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم والجد أب الأم ونحوهم»
(3)
.
مذهب الظاهرية:
ليس لابن الخال ولاية الانكاح فقد جاء فى المحلى «وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ. إلى أن قال: فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ. وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها.
وأما الصغيرة التى لا أب لها فليس لأحد أن ينكحها حتى تبلغ .. إلخ. وجاء فى المحلى ما يأتى: ولا يجوز للأب ولا لغيره إنكاح الصغير الذكر حتى يبلغ فإن فعل فهو مفسوخ أبدا .. إلخ
(4)
.
مذهب الزيدية:
«ولى النكاح عند الزيدية هو ذو النسب من العصبة ثم ذو السبب ثم الولاية العامة.
بمعنى أنه إذا لم يوجد نسبى ولا ولى سببى.
فالولاية للسلطان أو نائبه، وكذلك إن تشاجر الأولياء لقوله صلى الله عليه وسلم:
فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى لها»
(5)
.
ومن هذا يستفاد أن ابن الخال ليس له ولاية فى النكاح، لأنه ليس من ذوى النسب العصبات عند الزيدية، فقد جاء فى نفس المصدر المذكور
(6)
قولهم: «النسب مقدم إجماعا، وهو البنوة ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة» .. وقال بعد ذلك والابن أولى من الأب، إذ ولاية النكاح تابعة للتعصيب فى الإرث. وقال أيضا:
النكاح مبنى على التعصيب.
(1)
الحطاب على خليل: فى ولاية النكاح، والحطاب على خليل ج 3 ص 429.
(2)
حاشيتى العلامة القليوبى وعميرة على المنهاج ج 2 ص 224.
(3)
المغنى والشرح الكبير ج 7 ص 350.
(4)
المحلى ج 9 فى كتاب النكاح، المسألة 1822 ص 458، 462، مسألة 1823.
(5)
البحر الزخار باب الأولياء ج 3 ص 46.
(6)
المرجع السابق.
وفى شرح الأزهار قال:
«ولى عقد النكاح الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبة النسب» ثم قال بعد أن ذكر العصبات: وقوله «من عصبة النسب» احترازا من القريب الذى ليس بعصبة كالخال والأخ لأم فإنه لا ولاية لذوى الأرحام على النكاح
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية قوله: ولا ولاية فى النكاح لغير الأب والجد لأب وإن علا والولى والحاكم والوصى لأحد الأولين ومن هذا استفاد أن ابن الخال ليس له ولاية فى النكاح
(2)
.
مذهب الإباضية:
لابن الخال حق ولاية الإنكاح إذا لم يوجد ولى أو كان الولى غائبا فى مسافة ثلاثة أيام فأكثر أو امتنع بما لا يقبل. ولم يوجد من هو دونه من الأولياء، أو كان هناك ولى كالعدم كمجنون ومرتد ومشرك.
وهو حينئذ أولى من السلطان بصفته من ذوى الأرحام. واختار البعض السلطان ولو جائرا
(3)
.
الحضانة
مذهب الحنفية:
ليس لابن الخال حق فى الحضانة، فهو والأجنبى سواء، لأنه وإن كان رحما للمحضون إلا أنه رحم غير محرم فقد جاء فى الدر المختار فى باب الحضانة ما نصه:
«ولا حق لولد عم وعمة وخال وخالة لعدم المحرمية»
(4)
.
والمفهوم من تحقيق فقهاء الحنفية أن هذا بالنسبة للأنثى. والرأى فيه للقاضى. فقد نقل الطحطاوى عن الولواجية أن الذكر يدفع إلى مولى العتاقة ولا تدفع إليه الأنثى .. فالذكر يدفع إلى المحرم وغيره، والأنثى لا تدفع إلا إلى المحرم.
وعبارة التحفة تفيد أن الرأى للقاضى، ونصها: إذا لم يكن للأنثى غير ابن العم فالاختيار إلى القاضى: إن رآه أصلح ضمها إليه، وإلا وضعها عند أمينة
(5)
.
مذهب المالكية:
لا حق لابن الخال فى الحضانة.
فقد جاء ما نصه: «الحضانة للأم ثم أمها ثم جدة الأم إن انفردت بالسكنى عن أم سقطت حضانتها ثم الخالة ثم خالتها ثم جدة الأب ثم الأب ثم الأخت ثم العمة»
(6)
.
(تنظر: حضانة).
مذهب الشافعية:
لا حق لابن الخال فى حضانة الصغير (فى الأصح) لضعف قرابته، وقيل له الحضانة لشفقته بالقرابة.
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 222، 223.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 71.
(3)
شرح النيل ج 3 كتاب النكاح ص 70.
(4)
الدر المختار والجزء الثانى من حاشية الطحاوى فى باب الحضانة.
(5)
حاشية الطحاوى الجزء الثانى باب الحضانة.
(6)
الحطاب ج 4 ص 214، 215.
فقد جاء فى حاشيتى القليوبى وعميرة ما نصه: «فإن فقد فى الذكر الإرث والمحرمية كابن الخال وابن العمة، أو الإرث دون المحرمية كالخال والعم للأم وأب الأم - فلا حضانة له فى الأصح لضعف قرابته، والرأى الثانى: له الحضانة لشفقته بالقرابة»
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قال فقهاء الحنابلة: إن لم يكن هناك غير ابن الخال احتمل وجهان:
أحدهما: أنه أولى، لأن له رحما وقرابة يرث بهما عند عدم من هو أولى منه، كذلك الحضانة تكون له عند عدم من هم أولى بها منه.
الثانى: لا حق له فى الحضانة وينتقل الأمر إلى الحاكم. والأول أولى. (انظر باب من أحق بكفالة الطفل)
(2)
.
مذهب الظاهرية:
لابن الخال حق حضانة الصغير والصغيرة إذا كان مأمونا فى دينه ولم يوجد من هو أولى منه بالحضانة.
كما يستفاد من قوله «وذوو الرحم أولى من غيرهم بكل حال والدين مغلب على الدنيا»
(3)
.
مذهب الزيدية:
لابن الخال حق الحضانة بصفته من ذوى الأرحام. وذو الرحم له حق الحضانة إذا لم يوجد عاصب ولا ذو رحم محرم، وذلك كله عند ما تبطل حضانة النساء.
فقد جاء فى البحر الزخار قوله: «ومتي بطلت حضانة النساء فالأقرب الأقرب من العصبة المحارم، فتقدم عصبة محرم ثم ذو رحم محرم ثم ذو رحم»
(4)
.
مذهب الإمامية:
ابن الخال أحق بالحضانة ما لم يوجد من الأقارب من هو أحق منه، فقد جاء فى الروضة البهية قوله:«وإن فقد أب الأب أو لم نرجحه فللأقارب، الأقرب منهم فالأقرب على المشهور، لآية (أولى الأرحام) يريد قوله تعالى: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ»
(5)
فالجدة - لأم كانت أم لأب وإن علت - أولى من العمة والخالة، كما أنهما أولى من بنات العمومة والخئولة، وكذا الجدة الدنيا والعمة والخالة أولى من العليا منهن، وكذا ذكور كل مرتبة .. إلخ
(6)
.
مذهب الإباضية:
لا حق لابن الخال فى الحضانة، لأن حق الحضانة إنما هو لذوات الرحم المحرم ثم العصبة الرجال بالنسبة لحضانة الذكر كابن العم وابن الأخ والمعتق والوصى ومن يقدمه السلطان
(7)
.
(1)
الجزء الرابع ص 89.
(2)
المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 309 مطبعة المنار بمصر.
(3)
المحلى ج 10 ص 323، 324 مسألة 2014.
(4)
البحر الزخار ج 3.
(5)
سورة الأنفال: 75.
(6)
الروضة ج 2 - كتاب النكاح - الرصاع - الحضانة.
(7)
شرح النيل ج 3 ص 567، 568 نسخة دار الكتب
النفقات
مذهب الحنفية:
جاء فى ابن عابدين فى باب نفقة الأقارب ما نصه: «تجب النفقة لكل ذى رحم محرم» وقال فى الحاشية: «ولا بد من كون المحرمية بجهة القرابة فخرج ابن العم إذا كان أخا من الرضاع فلا نفقة له» .
ومن هذا يستفاد أن ابن الخال لا نفقة له ولا عليه لأنه وإن كان رحما فليس بمحرم
(1)
.
مذهب المالكية:
ابن الخال لا يستحق عند المالكية نفقة كما لا تلزمه نفقة، لأن نفقة القرابة عندهم إنما هى لأولاد الصلب والأبوين، وابن الخال لا يدخل فى واحد من الصنفين.
وقد جاء فى كتب المالكية قولهم: «والسبب الثانى للنفقة القرابة، والمستحقون منهم للنفقة صنفان:
أولاد الصلب والأبوان. ولا يتعدى الاستحقاق إلى أولاد الأولاد ولا إلى الجد والجدات بل يقتصر على أول طبقة من الفصول والأصول»
(2)
.
مذهب الشافعية:
ليس لابن الخال ولا عليه نفقة، فقد جاء:«ولا تجب نفقة من عدا الوالدين والمولودين من الأقارب كالأخوة والأعمام وغيرهما» لأن الشرع ورد بايجاب نفقة الوالدين والمولودين، ومن سواهم لا يلحق بهم فى الولادة وأحكام الولادة، فلم يلحق بهم فى وجوب النفقة
(3)
.
مذهب الحنابلة:
ابن الخال لا تجب النفقة له ولا عليه، لأنه من ذوى الأرحام، وقرابة ذوى الأرحام قرابة ضعيفة، وهم إنما يأخذون المال عند عدم الوارث، فهم كسائر المسلمين، فإن المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث، وذلك الذى يأخذه بيت المال، ولذلك يقدم الرد عليهم.
وقال أبو الخطاب من فقهاء الحنابلة يخرج فيهم رواية أخرى أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات وذوى الفروض لأنهم وارثون فى تلك الحالة. (انظر أحكام النفقة على ذوى الأرحام)
(4)
.
مذهب الظاهرية:
لا تجب النفقة لابن الخال كما لا تجب عليه إذ القاعدة أنه لا يجبر على نفقة ذى رحم محرمة إذا لم يكن هو وارثا له، ولا على نفقة مورثه إذا لم يكن ذا رحم محرمة منه
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى باب النفقات «وندبت صلة الرحم» ثم نقل عن بعض أئمة الزيدية وغيرهم قولهم: «وعلى كل موسر نفقة معسر على ملته يرثه بالنسب»
(6)
.
(1)
ابن عابدين ج 2 ص 938.
(2)
هامش التاج والإكليل لمختصر خليل من كتاب الحطاب ج 4 ص 208.
(3)
المهذب ج 2 ص 166.
(4)
المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 260 الطبعة الأولى.
(5)
محلى ج 10 مسألة 1933 باب النفقة.
(6)
البحر الزخار ج 3 ص 280.
وجاء فى شرح الأزهار - باب النفقات قوله: «وتجب على كل موسر نفقة كل معسر بشرطين:
أحدهما: أن يكون على ملته، وهذا فى غير الأبوين.
الثانى: أن يكون وارثا بالنسب فيجب عليه من النفقة بقدر إرثه، وعلى ذلك تجب النفقة لذوى الأرحام كما نص على ذلك صاحب الحاشية على شرح الأزهار، فقد ذكر أن ذوى الأرحام إذا ورثوا أنفقوا
(1)
.
مذهب الإمامية:
تستحب النفقة على ابن الخال، ويتأكد الاستحباب فى الوارث منهم فى أصح القولين.
وقيل: تجب النفقة على الوارث لقوله تعالى: {(وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ)} بعد قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
(2)
.
ولا تجب النفقة على هذا الرأى إلا إذا كان المنفق عليه فقيرا عاجزا عن الكسب وفضلت النفقة عن قوت المنفق وقوت زوجته ليومه الماضى وليلته، فإن لم يفضل شئ فلا شئ عليه، والواجب قدر الكفاية من الطعام والكسوة والمسكن
(3)
.
مذهب الإباضية:
الوارد فى فقه الإباضية قولهم:
«والمذهب أنه تجب عليك نفقة كل من ترثه، ولا تجب لرحم إلا أن لم يكن له وارث سواك، ولا يدركها الجد من جهة الأم إلا إن لم يكن لها وارث سواه فإنه يرثها وينفقها، وهكذا سائر ذوى الأرحام
(4)
.
ومن هذه النصوص يستفاد أن ابن الخال تجب عليه النفقة إن كان وارثا، كما تجب له النفقة على من كان وارثا له من ذوى الأرحام.
والرأى الثانى فى المذهب: أنها لا تجب إلا على من يتوارث معه من العصبة دون غيرهم، وعلى هذا الرأى لا تجب على ابن الخال نفقة لذى رحم منه كما لا تجب له عليه
(5)
.
الميراث
مذهب الحنفية:
ابن الخال من الصنف الرابع من ذوى الأرحام، وترتيبه فى الميراث يأتى بعد الأخوال ومن فى درجتهم، وهم الخالات والعمات والأعمام لأم، فهؤلاء مستوون فى الدرجة لا يأتى فيهم أقربية وأبعدية
(6)
.
وابن الخال من الطائفة الثانية من الصنف الرابع، وهم أبناء الطائفة الأولى، وتشمل الطائفة الثانية فيما تشمل أولاد كل من العمات والخالات والأخوال مطلقا لأبوين أو لأحدهما، فإذا انفرد ابن الخال من أى صورة من صوره الثلاث (الشقيق أو لأب أو لأم) أخذ المال كله.
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 544.
(2)
البقرة: 233.
(3)
الروضة البهية ج 2 النفقات.
(4)
شرح النيل ج 7 ص 207، 208، 209.
(5)
المرجع السابق.
(6)
حاشية الطحطاوى على الدر المختار ج 4 ص 400
فإذا تعدد فالأقرب أولى بالإجماع، فمن كان لأب وأم فهو أولى بالميراث ممن كان لأب، ومن كان لأب فهو أولى ممن كان لأم. فإن كان أولاد الخال فى قوة واحدة بأن كانوا جميعا أولاد خال شقيق أو لأب أو لأم قسم المال عليهم على حسب أبذانهم - أى بالتساوى - إن كانوا ذكورا، وللذكر مثل حظ الأنثيين إن كانوا ذكورا وإناثا، فإن اجتمع ابن الخال مع قرابة الأب ممن هو فى درجته كابن عم لأم أو ابن عمة من أى جهة كانت فلقرابة الأب الثلثان ولقرابة الأم الثلث.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير قوله:
«ولا يدفع ما فضل عن ذوى السهام إذا لم يوجد عاصب من النسب أو الولاء لذوى الأرحام، بل ما فضل لبيت المال، كما إذا لم يوجد ذو فرض ولا عاصب .. » ثم قال: وقيد بعض أئمتنا ذلك بما إذا كان الإمام عدلا وإلا فيرد على ذوى السهام أو يدفع لذوى الأرحام أى إذا لم يكن هناك ذوو سهام. وقال كذلك اتفق شيوخ المذهب بعد المائتين على توريث ذوى الأرحام والرد على ذوى السهام لعدم انتظام بيت المال.
وقال: واعلم أن فى كيفية توريث ذوى الأرحام مذاهب أصحها مذهب أهل التنزيل وحاصله أن ننزله منزلة من أدلوا به للميت
(1)
.
ومن هذا كله يستفاد أن ابن الخال يرث بصفته من ذوى الأرحام على الرأى الراجح فى المذهب، وأنه يرث على طريقة أهل التنزيل، أى أنه ينزل منزلة من يدلى به إلى الميت (انظر: ميراث).
مذهب الشافعية:
أصل المذهب أنه لا ميراث لذوى الأرحام، وأفثى المتأخرون من أصحاب المذهب بميراثهم إذا لم يوجد أحد من ذوى الفروض أو العصبات، فمن انفرد منهم حاز كل المال. وبناء على هذا الرأى يكون لابن الخال حظه فى الميراث بصفته من ذوى الأرحام إذا لم يوجد أحد من ذوى الفروض أو العصبات، وترتيبه بين ذوى الأرحام يأتى بعد الأخوال والخالات، فقد جاء فى نهاية المحتاج: فإن لم يوجد صاحب سهم ولا عاصب صرف المال إلى ذوى الأرحام وهم عشرة أصناف. أب الأم وكل جد وجدة ساقطين وأولاد البنات .. إلى أن قال:
والأخوال والخالات والمدلون بهم
(2)
.
مذهب الحنابلة:
فقهاء الحنابلة يورثون ابن الخال بصفته من ذوى الأرحام، وينزلونه منزلة أبيه عند عدمه، فهم يأخذون فى توريث ذوى الأرحام بطريقة أهل التنزيل. (راجع توريث ذوى الأرحام)
(3)
.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 416
(2)
نهاية المحتاج ج 6 ص 11، 12 وج 2 من حاشية قليوبى وعميرة على شرح المحلى على المنهاج ص 137، 138.
(3)
المغنى والشرح الكبير ج 7
مذهب الظاهرية:
لا ميراث لابن الخال، إذ لا ميراث لذوى الأرحام عند الظاهرية، فما فضل عن سهم ذوى السهام وذوى الفروض ولم يكن هناك عاصب ولا معتق ولا عاصب معتق - ففى مصالح المسلمين، لا يرد شئ من ذلك على ذى سهم ولا على غير ذى سهم من ذوى الأرحام، إذ لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا اجماع، فإن كان ذوو الأرحام فقراء أعطوا على قدر فقرهم والباقى فى مصالح المسلمين
(1)
.
مذهب الزيدية:
للزيدية مذهبان فى توريث ذوى الأرحام:
الأول: مذهب المتقدمين، يورث ذوى الأرحام عند عدم العصبة وذوى السهام، فيرث ابن الخال إذا لم يوجد صاحب فرض ولا عاصب ولا من هو أقرب منه من ذوى الأرحام.
الثانى: مذهب المتأخرين من أئمة المذهب وهم لا يورثون ذوى الأرحام.
فقد ذهب الإمام شرف الدين ومن تابعه من متأخرى أئمة المذهب إلى أنه لا ميراث لهم. قال ابن بطال: وهو قول أهل الحجاز فى الشام فيكون الميراث لبيت المال عند هؤلاء الجميع. (راجع باب ميراث ذوى الأرحام)
(2)
.
مذهب الإمامية:
يورثون ابن الخال بصفته من ذوى الأرحام، ويحلونه محل أبيه عند عدمه، إذ هم يأخذون بطريقة أهل التنزيل. (راجع ميراث الأعمام والأخوال)
(3)
.
مذهب الإباضية:
فقهاء الإباضية يورثون ذوى الأرحام إذا لم يوجد ذو فرض ولا عاصب. ويرون أنهم أحق من بيت المال لأنهم قد اجتمع فيهم سببان: القرابة والإسلام، فهم أولى بالمال من أهل الإسلام الذين ليس لهم إلا سبب واحد وهو الاسلام، قال تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ»
(4)
، ولما روى أنه صلى الله عليه وسلم ورث ذا رحم غير فرض ولا عاصب، وقال:«الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له» .
وابن الخال عند الإباضية كغيرهم من الفقهاء من الصنف الرابع من أصناف ذوى الأرحام، وهو من ينتمى إلى أجداد الميت وجداته، وهم العمومة للأم والعمات مطلقا وبنات الأعمام مطلقا والخئولة مطلقا وإن تباعدوا وأولادهم وإن نزلوا. فإذا انفرد ابن الخال أخذ جميع المال، شأنه فى ذلك شأن جميع ذوى الأرحام. وإن اجتمع مع غيره فأهل التنزيل ينزلون كل فرع منزلة أصله، وأهل القرابة يورثون الأقرب فالأقرب كالعصابة.
وفقهاء الإباضية لا يلتزمون طريقة واحدة أو لا يجمعون على طريقة واحدة
(5)
.
(1)
المحلى لابن حزم ص 9 مسألة 1748.
(2)
البحر الزخار ج 5، ج 2 من تتمة الروض النضير ص 63.
(3)
الروضة البهية ج 2.
(4)
آخر سورة الأنفال: 75.
(5)
كتاب النيل ج 8 توريث ذوى الأرحام متنا وشرحا.
اجتماع ابن الخال وابن الخالة
إذا اجتمع ابن الخال وابن الخالة واتحدا فى قوة القرابة بأن كانا ابنى خال وخالة شقيقين للمتوفى أو لأب أو لأم اشتركا فى الميراث. فعلى طريقة أهل التنزيل .. يأخذ ابن الخال ضعف نصيب ابن الخالة. وعلى طريقة أهل القرابة يقسم المال مناصفة بينهما.
أما إذا كان أحدهما أقوى قرابة من الأخر قدم من كانت قرابته أقوى، فمن كانت قرابته لأب وأم كان أولى بالميراث ممن كان لأب، ومن كان لأب كان أولى ممن كان لأم (انظر المراجع السابقة فى جميع المذاهب).
ابن الخالة
تعريف ابن الخالة:
ابن الخالة هو الذكر من ولد الخالة.
والخالة أخت الأم.
قرابته:
ابن الخالة من الصنف الرابع من ذوى الأرحام «وهو من ينتمى إلى أجداد الميت وجداته» .
عدم محرميته:
ابن الخالة رحم غير محرم يحل النكاح بينه وبين رحمه الأنثى «ابنة خالته» شأنه فى ذلك وفى كثير من الأحكام شأن الأجنبى.
أحكامه فى الفقه:
هى أحكام ابن الخال.
ابن السبيل
1 - تعريف ابن السبيل لغة:
ابن السبيل هو المسافر المنقطع الذى يريد الرجوع إلى بلده ولا يجد ما يتبلغ به. وقيل: هو المسافر الذى لا مال له يكفيه للوصول إلى ما يقصد
(1)
، وهذا أعم مما قبله.
2 - تعريفه فى الاصطلاح الفقهى:
مذهب الحنفية:
هو الغريب المنقطع عن ماله وإن كان غنيا فى وطنه، لأنه فقير فى الحال
(2)
.
وعرفه صاحب تنوير الأبصار وصاحب الدر المختار
(3)
بأنه كل من له مال ليس معه، ومنه ما لو كان ماله مؤجلا أو على غائب أو معسر أو جاحد ولو كان له بينة فى الأصح.
فالتعريف الأول: جعل ابن السبيل خاصا بالمسافر المنقطع عن ماله الذى ببلده، وهو محتاج إليه.
والتعريف الثانى، جعل ابن السبيل حقيقة اصطلاحية عامة شاملة للمسافر
(1)
ينظر القاموس المحيط والمعجم الوسيط ومعجم ألفاظ القرآن ج 3 ص 119.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 46 طبعة سنة 1327 هـ.
(3)
تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار على هامش رد المحتار (حاشية ابن عابدين) ج 2 ص 67.
والمقيم المحتاجين البعيدين عن مالهما، وأخرجه بذلك عن حقيقته اللغوية.
أما فى مذهب الشافعى:
فابن السبيل هو المسافر أو من ينشئ السفر أى من يبدأ السفر ولم يمض فيه، وهو محتاج فى سفره
(1)
.
وقال البجيرمى: أن منشئ السفر ألحق بالمسافر قياسا
(2)
.
ويعرفه الحنابلة:
بأنه هو المسافر المنقطع لسفره فى سفر طاعة أو مباح كطلب رزق دون المنشئ للسفر من بلده، لأن الاسم لا يتناوله حقيقة، وإنما يصير ابن سبيل فى ثانى الحال
(3)
أى بعد ما يمضى فى سفره ويغادر بلده.
وعرفه المالكية:
بأنه غريب حر مسلم غير هاشمى محتاج لما يوصله لبلده ولو غنيا فيها ليس معه ما يوصله وقد تغرب فى غير معصية أو تغرب فى معصية وتاب منها ولم يجد مسلفا وهو ملئ ببلده.
وجملة القول أن الفقهاء فى المذاهب التى ذكرناها وفى باقى المذاهب الثمانية يعتمدون فى بيان ابن السبيل المعنى اللغوى مع إضافة قيود يعتبر معها مصرفا من مصارف الزكاة.
3 - الشروط اللازم توافرها شرعا فى
ابن السبيل ليكون مصرفا للزكاة:
1) الشرط الأول: أن يكون مسافرا فى غير معصية.
مذهب الحنفية:
والمطيع بسفره والعاصى به كلاهما من حيث التمتع بالرخصة سواء، فان السبيل يستحق الزكاة ولو كان عاصيا بسفره
(4)
.
مذهب المالكية:
لا يعطى ابن السبيل من الزكاة إن خرج فى معصية
(5)
.
فإن كان غير عاص أصلا أو كان عاصيا فى سفره فيعطى فى هاتين الحالتين
(6)
.
أما الحنابلة:
فإنهم يرون ما يراه المالكية، غير أنهم اشترطوا توبة ابن السبيل العاصى بسفره، وسواء فى ذلك حالة السفر وحالة الرجوع فلم يعطوه اذا لم يتب، لا فرق بين حالة المسير وحالة الرجوع، وقالوا أيضا: إن من سافر للنزهة لا حق له فى الزكاة لأنه لا حاجة له فى هذا السفر
(7)
.
(1)
المجموع للنووى ج 6 ص 214.
(2)
حاشية البيجرمى على شرح الخطيب ج 2 ص 329، 330.
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 494 ومنتهى الإيرادات على هامش كشاف القناع ص 540 والمحرر ج 1 ص 224 ونيل المآرب ص 94.
(4)
الهداية وشرح العناية على الهداية بهامش فتح القدير ج 1 ص 405، 406 وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 551.
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 497
(6)
المرجع السابق.
(7)
كشاف القناع ج 1 ص 494 ومنتهى الايرادات ج 1 ص 540.
مذهب الشافعية:
لا يعطى ابن السبيل من الزكاة إذا كان عاصيا بسفره أو كان فى سفر مباح فى قول
(1)
.
أما باقى المذاهب الثمانية، عدا الإباضية، فمنعوا إعطاء ابن السبيل مطلقا إذا كان مسافرا فى معصية فقط، لأن إعطاءه - كما قال الزيدية - إعانة على المعصية
(2)
.
أما الإباضية:
فمنهم من شرط أن يكون سفره فى طاعة
(3)
ومفاد ذلك أنه لا حق فى الزكاة لمن سافر فى معصية لا مباح.
ب) الشرط الثانى: أن يكون ابن السبيل مسلما.
ج) الشرط الثالث: ألا يكون ابن السبيل من بنى هاشم ولا من مواليهم.
د) الشرط الرابع: ألا يكون ابن السبيل أصلا ولا فرعا للمزكى.
هـ) الشرط الخامس: ألا يكون ابن السبيل غنيا.
4 - المقدار الذى يعطى لابن السبيل
من الزكاة:
مذهب الحنفية:
وللمزكى أن يدفع زكاته إلى كل مصارف الزكاة المبينين فى آية المصارف «إنما الصدقات للفقراء» الآية، وله أن يعطى زكاته إلى صنف واحد من هذه الأصناف، كما أن له أيضا أن يدفعها إلى فرد واحد من أى صنف من أصنافها السبعة الواردين بالآية الكريمة، إلا المؤلفة قلوبهم، فإن نصيبهم قد سقط
(4)
.
وجاز لابن السبيل أن يأخذ من الزكاة قدر حاجته ولا يحل له أن يأخذ أكثر من حاجته
(5)
.
والأولى له أن يستقرض إن قدر عليه ولا يلزمه ذلك لاحتمال عجزه عن الأداء
(6)
، والاستقراض لابن السبيل خير من قبول الصدقة
(7)
.
مذهب الشافعية:
يعطى ابن السبيل من الزكاة ما يوصله مقصده أو ماله إن كان له فى طريقه مال، ويهيأ له ما يركبه إن لم يطق المشى أو طال سفره وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما
(8)
.
وأما مؤنة إيابه ففيها تفصيل: إن قصد الإياب أعطى مؤنة الإياب، وان لم يقصده فلا يعطى مؤتنه
(9)
.
(1)
المجموع ج 6 ص 264 للنووى وحاشية البيجرمى ج 2 ص 330.
(2)
المحلى لابن حزم ج 6 ص 151، كتاب شرح الازهار ج 1 ص 516، مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 238، 239.
(3)
شرح النيل ج 2 ص 136، 137.
(4)
الهداية وفتح القدير ج 2 ص 18 وابن عابدين ج 2 ص 67، 68 والبدائع ج 2 ص 48، 49.
(6،5)) الزيلعى ج 1 ص 298 والمرجعين السابقين.
(7)
الفتاوى الهندية ج 1 ص 200.
(9،8)) بيجرمى ج 2 ص 331 شرحا وحاشية.
ولا يعطى مؤنة إقامته الزائدة على مدة المسافر وهى ثلاثة أيام
(1)
.
مذهب المالكية:
ابن السبيل إذا كان محتاجا لما يوصله لمقصده وكان تغربه فى غير معصية بالسفر فإن لم يجد مسلفا أصلا أعطى منها سواء كان معدما ببلده أو مليئا
(2)
.
وإن وجد مسلفا أعطى إن كان عديما ببلده، وأما إذا كان مليئا ببلده فلا يعطى من الزكاة شئ
(3)
.
وإن أقام ابن السبيل فى بلد الغربة بعد إعطائه من الزكاة وكان ما أخذه منها لا يزال باقيا فى يده نزعت منه واستردها معطيها له إلا أن يكون ابن السبيل فقيرا ببلده فيسوغ له أخذها لفقره ولا تنزع منه
(4)
.
مذهب الحنابلة:
ويعطى ابن السبيل ما يبلغه بلده ولو موسرا فى بلده لعجزه عن الوصول لماله، كمن سقط متاعه فى بحر أو ضاع منه أو غصب فعجز عنه، أو ما يبلغه منتهى قصده كمن قصد بلدا وسافر إليه واحتاج قبل وصوله فيعطى ما يصل به إليه ثم يعود به إلى بلده
(5)
.
ولو وجد ابن السبيل مقرضا فليس بضرورى أن يقترض، ويعطى له من الزكاة
(6)
.
وإذا فضل مع ابن السبيل شئ بعد انقضاء حاجته رد ما فضل معه لأنه لا يملك من كل وجه بل ملكا مراعى فيه حاجته، فإن صرفه فى جهته التى استحق أخذه لها وإلا استرجع منه
(7)
.
مذهب الظاهرية:
ومن تولى تفريق زكاة ماله أو زكاة فطره أو تولاها الإمام أو أميره يفرقانها ثمانية أجزاء مستوية، لكل صنف من الثمانية جزء منها. أما من فرق زكاته ففى ستة أسهم، ويسقط سهم العمال وسهم المؤلفة قلوبهم. ولا يجوز أن يعطى من أهل سهم أقل من ثلاثة أنفس، إلا أن لا يجد فيعطى من وجده. وكذلك لا يجوز أن يعطى بعض أهل السهام دون بعض، إلا أن لا يجد فيعطى من وجده
(8)
.
مذهب الزيدية:
ويعطى ابن السبيل من الزكاة إذا انقطع ما يبلغه إلى وطنه ولو كان ذلك المسافر غنيا لكن لم يحضر ماله فى حال السفر فإنه يجوز له الزكاة فى هذه الحال
(9)
ولو أمكنه القرض لم يمنع من استحقاقه من الزكاة
(10)
.
(1)
بيجرمى ج 2 ص 331 شرحا وحاشية.
(2)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 498.
(3)
المرجع السابق.
(4)
المرجع السابق.
(5)
منتهى الايرادات ج 1 ص 540، 541 وكشاف القناع ج 1 ص 494.
(6)
المرجعين السابقين.
(7)
المرجعين السابقين.
(8)
المحلى ج 6 ص 143.
(9)
شرح الازهار ج 1 ص 516، 517.
(10)
المرجع السابق.
وإذا أخذ ابن السبيل من الزكاة ما يبلغه إلى وطنه ثم أضرب عن المسير إليها فإنه يرد ما أخذه من الزكاة إلى من دفعه إليه من الإمام أو رب المال. أما إذا وصل لبلده وبقيت معه فضلة من مال الزكاة الذى أخذه فإنه يطيب له ولا يرده
(1)
.
مذهب الإمامية:
ويدفع إلى ابن السبيل قدر الكفاية اللائقة بحاله من الملبوس والمأكول وما يركبه أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره أو يصل إلى محل يمكن تحصيلها بالاستدانة أو البيع أو نحوهما
(2)
.
ويشترط لكى يعطى ابن السبيل من الزكاة عدم تمكنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك
(3)
.
ولو فضل شئ مما أعطى لابن السبيل بعد بلوغه مقصده ولو بالتضييق على نفسه أعاده إلى الحاكم من غير فرق بين النقد والدابة والثياب ونحوها فيدفعه إلى الحاكم ويعلمه بأنه من الزكاة
(4)
.
مذهب الإباضية:
وتعطى الزكاة لثمانية أصناف، أى لفرد أو أكثر من صنف أو أكثر من تلك الأصناف. ولا يجب تفريقها على الأصناف الثمانية ولا سيما إن لم يوجد بعضها
(5)
.
ويعطى ابن السبيل إن لم يكن غنيا فى بلده ولو أكثر مما يوصله ويعطى له قدر ما يبلغه ولو استغنى ببلده.
وهل يرد باقيا بيده إن وصل أهله وماله أو يمسكه؟ قولان.
ويغرم ما أخذ ويرده لمن أعطاه إذا وصل لأهله وماله
(6)
.
5 - ابن السبيل وخمس الغنائم
ابن السبيل الذى يستحق فى الغنيمة هو من سبق بيان المقصود به فى مصرف الزكاة.
ويرى الأحناف:
أن خمس الغنيمة يقسم أثلاثا: لليتامى والمساكين وابن السبيل لكل منهم الثلث، وذلك بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام. ونصوا على جواز صرفه لصنف واحد، إذ ذكر الأصناف إنما جاء لبيان المصرف لا لإيجاب الصرف إلى كل منهم
(7)
.
أما الشافعية والحنابلة:
فيرون أن الخمس يقسم على خمسة أسهم من بينها سهم ابن السبيل، وباقى الأسهم للرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين، وسهم الرسول لا يسقط بوفاته
(1)
شرح الازهار ج 1 ص 516، 517.
(2)
مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 278، 239.
(3)
المرجع السابق ص 238.
(4)
المرجع السابق ص 239.
(5)
النيل ج 2 ص 125.
(6)
النيل ج 2 ص 136، 137.
(7)
الدر المختار ورد المختار ج 3 ص 326 مطبعة درب سعادة سنة 1249 هـ.
بل يخلفه فيه الإمام ويصرفه فى مصالح المسلمين
(1)
.
مذهب الزيدية:
أن مصرف الخمس من فى الآية، ويجوز عندهم إعطاؤه لصنف واحد، ويوجبون تقديم الهاشمى فى المستحقين المذكورين فى الآية ومنهم ابن السبيل، فإن لم يوجد هاشمى صرف إلى أولاد المهاجرين، فإن لم يوجدوا فأولاد الأنصار، فإن لم يوجدوا فلأولاد المسلمين من هذه الأصناف
(2)
.
ويرى المالكية
(3)
.
صرف الخمس الذى ذكر فى الآية لبيت مال المسلمين، يصرفه الإمام باجتهاده فى مصالحهم العامة والخاصة، ويبدأ بالصرف ندبا لآله عليه الصلاة والسلام وهم بنو هاشم ثم للمصالح العائد نفعها للمسلمين من بناء المساجد وترميمها ورزق القضاة وقضاء الديون عن المعسرين وعقل الجراح وتجهيز الموتى ونحو ذلك.
ويرى الإمامية
(4)
.
قسمة الخمس ستة أسهم على الأصح:
1 -
سهم لله سبحانه.
2 -
وسهم للنبى صلى الله عليه وسلم.
3 -
وسهم للإمام ..
وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان.
وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل.
ويشترطون فى أبناء السبيل الحاجة فى بلد التسليم سواء أكان سفره فى طاعة أو فى معصية.
ولا يجب التعميم على الأصناف، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم، وكذا لا يجب استيعاب أفراد كل صنف، بل يجوز الاقتصار على واحد، ولو أراد البسط لا يجب التساوى بين الأصناف أو الأفراد.
مذهب الظاهرية:
ويرى ابن حزم الظاهرى:
أن يقسم خمس الغنيمة على خمسة أسهم:
فسهم يضعه الإمام حيث يرى من كل ما فيه صلاح وبر للمسلمين.
وسهم ثان لبنى هاشم.
وسهم ثالث لليتامى من المسلمين.
وسهم رابع للمساكين من المسلمين.
وسهم خامس لابن السبيل من المسلمين
(5)
.
(1)
البيجرمى ج 4 ص 241، 244.
(2)
شرح الازهار ج 1 ص 567، 570.
(3)
الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 190 - طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 494، 499.
(5)
المحلى لابن حزم ج 7 ص 327، 330.
ابن العم
ابن العم من حيث:
الجهة، والدرجة والقوة
الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية
والظاهرية:
اتفق فقهاء هذه المذاهب على أن ابن العم الشقيق أو لأب من العصبة، لأن جهات العصوبة عندهم أربع:
البنوة، والأبوة، والأخوة، والعمومة.
وأنهم مرتبون على هذا النحو، وأن لهذا الترتيب تأثيرا فى الميراث بحيث يحجب من كان من جهة البنوة ميراث من كان من جهة الأبوة بالتعصيب وإن كان يرث ما فرض له بالنص.
وكذا له تأثير فى بعض الأحكام كاستحقاق القصاص والعقل الذى هو تحمل الدية عن قريبهم العاصب فى القتل الخطأ على خلاف بينهم فى بعض هذه الأمور سيجئ فى موضعه.
واتفقوا على أن ابن العم الشقيق أو لأب فى درجة واحدة، ولكن الشقيق أقوى، ولذا يقدم عليه فى الميراث. وأن جهتهما جميعا هى الجهة الرابعة وهى العمومة.
وفى ذلك يقول الحنفية: «العصبة نوعان، نسبية وسببية. فالنسبية ثلاثة أنواع: عصبة بنفسه، وهو كل ذكر لا يدخل فى نسبته إلى الميت أنثى وهم أربعة أصناف: جزء الميت، وأصله، وجزء أبيه، وجزء جده» .
«والمراد من جزء جده الأعمام وبنوهم وأعمام الأب وبنوهم» والأحق الابن ثم ابنه وإن سفل، ثم الأب، ثم أبو الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم ابن الأخ لأب، ثم الأعمام، ثم أعمام الأب ثم أعمام الجد على الترتيب: أى على الترتيب الذى ذكر فى الأخوة، وهو أن يقدم العم لأب وأم على العم لأب، ثم العم لأب على ولد العم لأب وأم
(1)
.
مذهب المالكية:
أما المالكية فقد ذهبوا إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب من العصبة وأنه من جهة العمومة، وأن جهته فى العصوبة هى الجهة الخامسة لأن الجهات عندهم على النحو التالى كما قد جاء فى الشرح الصغير للدردير، وحاشية الصاوى عليه:
«والعاصب هو من ورث المال كله إذا انفرد، أو ورث الباقى بعد الفرض، وهو الابن فابنه: أى ابن الابن وإن سفل فالأب عاصب يحوز جميع المال عند عدم الابن أو ابنه.
(1)
تبيين الحقائق ج 6 ص 338 المطبعة الأميرية، والمختصر المزنى الملحق بالأم للشافعى ج 8 ص 139 نشر مكتبة كليات الأزهر، والمغنى لابن قدامة ج 7 ص 21، 22 الطبعة الاولى للمنار سنة 1348 هـ وكتاب البحر الزخار ج 5 ص 339 الطبعة الأولى سنة 1368 هـ والمحلى ج 7 ص 253 طبع إدارة الطباعة المنيرية.
فالجد وإن علا عند عدم الأب، والأخوة الأشقاء، ثم الأخوة للأب عند عدم الشقيق، فالعم الشقيق، فالعم لأب، فأبناؤهما، فعم الجد فابنه، يقدم الأقرب فالأقرب فى الدرجة على الأبعد وإن كان الأبعد أقوى منه فجهة البنوة تقدم على جهة الأبوة، وجهة الأبوة تقدم على جهة الجدودة والأخوة، وجهة الأخوة تقدم على جهة العمومة، ثم جهة بنى العمومة فيقدم ابن العم ولو غير شقيق على ابن ابن العم الشقيق للقرب، فلا ينظر إلى القوة إلا مع التساوى، فإنه يقدم الشقيق، ولكن بنى العمومة القريبة يقدمون على الأعمام الأباعد، فأولاد عم الميت يقدمون على أعمام أبيه»
(1)
.
ولا يختلف الشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية عن هذا.
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية الى أن ابن العم شفيقا أو لأب من العصبة كغيرهم من الفقهاء، ولكنهم لم يجعلوا ميراثا بالعصوبة، بل جعلوا العاصب حسب المرتبة التى هو فيها من مراتب الوارثين.
وقد جعلوا المراتب ثلاثة.
فقد جاء فى المختصر النافع: «التعصيب باطل، وفضل التركة يرد على ذوى السهام عدا الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها» . يريد من يحجبها حجب نقصان كولد الميت وأخوته.
ثم قال: ومراتبهم (أى الأنساب) ثلاثة:
الأولى: الآباء والأولاد.
الثانية: الأخوة والأجداد إذا لم يكن أحد الأبوين ولا ولد وإن نزل فالميراث للأخوة والأجداد.
الثالثة: الأعمام والعمات.
ثم قال: ولا يرث الأبعد مع وجود الأقرب مثل ابن خال مع خال أو عم، أو ابن عم مع خال أو عم إلا ابن عم لأب وأم مع عم الأب فابن العم أولى
(2)
.
ويفهم من هذا النص أن ابن العم شقيقا أو لأب أقرب درجة من ابن ابن العم، كما أن القوة عندهم معتبرة، فالشقيق يحجب الذى لأب.
فقد جاء فى المختصر النافع: «ولو كانوا متفرقين أى الأعمام والعمات» فلمن تقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية، والباقى لمن يتقرب بالأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من يتقرب بالأب معهم ويقومون مقامهم عند عدمهم
(3)
.
ومن حيث أن أبناء العمومة يرثون ما كان يرثه آباؤهم كما قد جاء فيه «ويقوم أولاد العمومة والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم» فإن ابن العم الشقيق يكون أقوى فيحجب الذى لأب فقط.
(1)
ج 2 ص 423 - 424 المطبعة الخيرية.
(2)
ص 268، 269، 271 الطبعة الثانية لوزارة الاوقاف.
(3)
ص 271 الطبعة السابقة.
مذهب الإباضية:
والإباضية يجعلون العمومة ومنها ابن العم فى الدرجة الخامسة من العصبات كالمالكية
(1)
.
أما ابن العم لأم فسيجئ الكلام عنه فى عنصر الميراث، لأنه من ذوى الأرحام، وقد اختلف فى توريثهم وطريقة توريثهم على ما سيجئ.
أحكام ابن العم
من حيث: الولاية، والحضانة، والنفقة، والميراث، والوصية، والحج، والزكاة، والإقرار، والقذف والجنايات، والديات، والعتق.
الولاية
مذهب الحنفية:
الولاية عند الحنفية نوعان: ولاية على النفس وولاية على المال. أما الولاية على النفس - ويراد بها ولاية التزويج ونحوه كتأجير الصغير - فإن الحنفية يرون أن ابن العم الشقيق أو لأب يكون وليا على ابن عمه وبنت عمه فى التزويج إن كانا قاصرين أو مما ألحق بالقاصر. وهذا إذا لم يوجد من هو أولى منه بهذه الولاية، فقد جاء فى كتاب فتح القدير:«والترتيب فى العصبات فى ولاية النكاح كالترتيب فى الإرث»
(2)
.
وولاية ابن العم إجبارية فى الصغير والصغيرة ومن فى حكمهما: بمعنى أنه يزوجهما وإن لم يكن لهما إذن، ولكنه إذا زوج أحدا منهما كان له الخيار عند البلوغ أو الإفاقة إن كان مجنونا.
أما ابن العم لأم فإنه ليس من العصبة بل من ذوى الأرحام، وبين علماء الحنفية خلاف فى ولايته للتزويج، فأبو حنيفة ذهب إلى أن له الولاية ككل الأقارب الذين ليسوا بعصبة. وتكون مرتبته بعد مرتبة العصبة، وهذا إنما كان على سبيل الاستحسان.
أما محمد فإنه يذهب إلى أنه لا ولاية لغير العصبات، والولاية بعدهم للحاكم.
وأما أبو يوسف فالرواية عنه فى هذا مضطربة، والأشهر أنه مع محمد.
وعلى ذلك يكون لابن العم لأم تزويج بنت عمه وابن عمه على رأى أبى حنيفة دون الصاحبين متى لم يكن هناك أقرب منه
(3)
.
أما الولاية على المال فإن ابن العم مطلقا:
شقيقا أو لأب أو لأم، فإنه لا تثبت له هذه الولاية.
فقد جاء فى كتاب الدر المختار ورد المحتار لابن عابدين فى شأن الولى على المال: ووليه أبوه ثم وصيه بعد موته، ثم وصى وصيه وإن بعد .. تم من بعدهم
(1)
النيل وشرحه ج 8 ص 292.
(2)
فتح القدير ج 2 ص 407 الطبعة الأميرية.
(3)
فتح القدير ج 2 ص 407، 413.
جده الصحيح وإن علا، ثم وصيه، ثم وصى وصيه.
وقد زاد القهستانى والزيلعى: ثم الوالى بالطريق الأولى، لأن القاضى يستمدها منه، ثم القاضى أو وصيه: أيهما تصرف يصح
(1)
.
ومن حيث أنه قد حصرت الولاية فى المال على من ذكروا فليس لابن العم ولاية فيه على ابن عمه ولا بنت عمه.
المالكية والشافعية والحنابلة:
ذهبوا إلى أن الولاية فى التزويج، وهى ولاية على النفس، نوعان: ولاية إجبار، وولاية اختيار.
وأن ولاية الإجبار لا تكون لأحد من العصبة إلا للأب عند المالكية والحنابلة، وكذا الجد إذا فقد الأب عند الشافعية، فابن العم الشقيق أو لأب ليس له ولاية الإجبار كسائر العصبات، ولكن تكون له ولاية الاختيار إذا لم يوجد من هو أولى منه كالأخوة والأعمام.
وابن العم الشقيق يقدم على ابن العم لأب عند فقهاء هذه المذاهب إلا عند الشافعية والمالكية، ففيه رأيان:
الأول: أنه يقدم، وهو الأصح.
والثانى: أنهما وليان.
وعلى الأول إذا غاب الشقيق لا يزوج ابن العم لأب بل السلطان، وعلى الثانى يزوج.
يقول الدردير المالكى فى الشرح الكبير والدسوقى فى حاشيته عليه: ثم بعد السيد والأب ووصيه لا جبر لأحد من الأولياء لأنثى ولو بكرا يتيمة تحت حجره .. إلخ.
وتثبت لابن العم ولاية الاختيار فقد نص الدردير على ذلك وهو بصدد مراتب هذه الولاية: « .. فالعم فابنه»
(2)
.
وقال صاحب مغنى المحتاج الشافعى فى ولاية الإجبار: «ومن على حاشية النسب كأخ وعم لأبوين أو لأب وابن كل منهما لا يزوج صغيرة بحال: بكرا كانت أو ثيبا، عاقلة أو مجنونة، لأنها إنما تزوج بالإذن، وإذنها غير معتبر» .
أما فى ولاية الاختيار فقد قال: وأحق الأولياء - أى فى التزويج - أب لأن سائر الأولياء يدلون به كما قاله الرافعى، ومراده الأغلب وإلا فالسلطان والمعتق وعصبته لا يدلون به.
ثم جد أبو الأب ثم أبوه وإن علا .. ثم أخ لأبوين أو لأب لأن الأخ يدلى بالأب فهو أقرب من ابنه، ثم ابنه (أى ابن كل منهما) وإن سفل لأنه أقرب من العم، ثم عم لأبوين أو لأب، ثم ابن كل منهما وإن سفل، ثم سائر العصبة من القرابة: أى باقيهم كالإرث لأن المأخذ فيهما واحد ..
ومما قال فى تعليقه على قول صاحب المنهاج:
«ويقدم ابن عم لأبوين على ابن عم لأب
(1)
ج 5 ص 122 طبعة دار الكتب العربية.
(2)
ج 2 ص 224، 225 طبعة دار احياء الكتب العربية.
فى الأظهر الجديد، لزيادة القرب والشفقة كالإرث» .. ثم قال: وعلى القديم هما وليان لأن قرابة الأم لا مدخل لها فى النكاح»
(1)
.
وكذلك جاء فى هذا قول الخرقى الحنبلى وابن قدامة شارح مختصره: «وإذا زوج الأب ابنته البكر فوضعها فى كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت: كبيرة كانت أو صغيرة، وليس هذا لغير الأب، يعنى ليس لغير الأب إجبار كبيرة ولا تزويج صغيرة، جدا كان أو غيره
(2)
.
وقال الخرقى فى الولاية الاختيارية:
وقد علق ابن قدامة فى المغنى على هذا فقال: اختلفت الرواية عن أحمد فى الأخ للأبوين والأخ لأب إذا اجتمعا، فالمشهور عنه أنهما سواء فى الولاية .. والثانية الأخ من الأبوين أولى، ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم عمومة الأب
(3)
.
أما ابن العم لأم فلا ولاية له فى التزويج باعتباره قريبا عند فقهاء هذه المذاهب جميعا، لأنه من ذوى الأرحام
(4)
.
هذه هى الولاية على النفس.
أما الولاية على المال فليس لابن العم مطلقا، شقيقا أو لأب، أو لأم، ولاية مالية على ابن عمه ولا بنت عمه، فى هذه المذاهب.
فقد جاء فى الشرح الكبير للدردير المالكى: «والولى على المحجور من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد بلوغه (الأب الرشيد)، لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب. ثم يلى الأب وصيه فوصى الوصى وإن بعد، ثم يلى الوصى حاكم أو من يقيمه»
(5)
.
وجاء فى كتاب مغنى المحتاج للخطيب الشربينى الشافعى: «ولى الصبى أبوه ثم جده وإن علا ثم وصيهما، ولا ولاية لسائر العصبات كالأخ والعم»
(6)
.
وجاء فى كتاب المحرر لمجد الدين أبى البركات الحنبلى: «والولاية عليهما (أى الصغير والمجنون) للأب ما لم يعلم فسقه، ثم لوصيه بهذا الشرط، ثم للحاكم، وعنه أنها بعد الأب للجد»
(7)
.
مذهب الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى أن ابن العم ليس له ولاية إجبارية، لأنها ليست إلا للأب عند تحقق الصغر والبكارة.
(1)
ج 3 ص 149، 151 طبعة مصطفى البابى الحلبى
(2)
ج 7 ص 279، 382 طبعة المنار سنة 1348 هـ.
(3)
ج 7 ص 246، 247، 248، 249 طبعة المنار سنة 1348 هـ.
(4)
المراجع السابقة للمالكية والشافعية والحنابلة.
(5)
ج 3 ص 299، 300 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(6)
ج 2 ص 173، 174 طبعة مصطفى الحلبى
(7)
ج 1 ص 46 مطبعة السنة المحمدية.
(1)
.
وابن العم الشقيق أو لأب من هؤلاء الأولياء، فليس له الولاية الإجبارية فى الزواج، ولكن له الولاية الاختيارية، وهى تزويج الكبيرة بعد إذنها، كما يفهم مما تقدم.
وقد بيَّن أن ابن العم من الأولياء بقوله: «ولا يحل للمرأة نكاح، ثيبا كانت أو بكرا، إلا بإذن وليها، الأب أو الأخوة أو الجد أو الأعمام أو بنى الأعمام، وإن بعدوا، والأقرب فالأقرب أولى. فإن أبى أولياؤها من الإذن لها زوجها السلطان»
(2)
.
ومقتضى هذا أن الكبيرة يكون لابن عمها العاصب ولاية تزويجها، فلا تتزوج إلا بإذنه، كما لا يزوجها إلا بإذنها. وذلك شأن الولاية الاختيارية.
وأما ولاية ابن العم على المال فليس له فيها عند ابن حزم إلا ما لعامة المسلمين من ولاية
(3)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب له ولاية التزويج، وهى الولاية على النفس، فقد جاء فى البحر الزخار:
(4)
.
والمراد بذى النسب العصبة.
فقد جاء فى شرح الأزهار: «وولى عقد النكاح الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبة النسب»
(5)
.
فابن العم، شقيقا أو لأب، يكون له حق الولاية على النفس بالنسبة لابن عمه وبنت عمه، والشقيق مقدم فى ذلك على الذى لأب.
فقد جاء فى البحر الزخار: «وابن الأخ لأبوين أولى من ابن الأخ لأب إجماعا، اعتبارا بالقرب كالأعمام، إذ ولاية الأعمام وبنيهم تتبع الإرث إجماعا»
(6)
.
وهذه الولاية له ولاية إجبارية علي الصغيرة ومن فى حكمها كالمعتوهة عند القاسمية وزيد بن على، ولكن لها الاختيار إذا بلغت.
فقد جاء فى البحر الزخار: وللأب إجبار الصغيرة ولا خيار إذا بلغت.
(1)
ج 9 ص 458، 459 إدارة الطباعة المنيرية.
(2)
ج 9 ص 451 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى ج 8 ص 323.
(4)
ج 3 ص 46 الطبعة الأولى سنة 1948.
(5)
ج 2 ص 221 - 223 طبعة حجازى.
(6)
ج 3 ص 46 الطبعة السابقة.
ثم قال: وزيد بن على والقاسمية يقولون: وللإمام وسائر الأولياء إجبار الصغيرة كالأب، لكن تخير إذا بلغت»
(1)
.
أما الصغير فقد جاء عنهم فيه أن ابن العم شقيقا أو لأب وغيره من الأولياء يزوجه.
فقد جاء فى البحر الزخار: «يقول أبو العباس: ولا يختص الأب بتزويج الصغير إذ لأوليائه إنكاحه كما لو كان أنثى ويخير متى بلغ كالبنت» .
ونقل عن المرتضى قوله: لا ولاية لغير الأب
(2)
.
أما ابن العم لأم فلا ولاية له على النفس فلا يزوج بنت عمه لأمه.
فقد جاء فى البحر الزخار: «فإن عدما (أى ولى النسب وولى السبب) فالإمام أو واليه»
(3)
.
وقد تقدم ما يدل على أن المراد بولى النسب العصبة لا ذوو الأرحام.
أما الولاية على المال فالزيدية كغيرهم ممن قدمنا فى أنه لا ولاية لابن العم على المال
(4)
.
مذهب الإمامية:
أما الشيعة الإمامية فقد ذهبوا إلى أنه ليس لابن العم ولاية التزويج.
فقد جاء فى المختصر النافع: «لا ولاية فى النكاح لغير الأب، والجد للأب وإن علا، والوصى، والمولى، والحاكم»
(5)
.
أما الولاية على المال فإنه قد جاء فى كتاب شرائع الإسلام ما يدل على أنهما لا ولاية لهما، وذلك قوله: «والولاية فى مال الطفل والمجنون للأب، والجد لأب، فإن لم يكونا فللوصى، فإن لم يكن فللحاكم.
أما السفيه والمفلس فالولاية للحاكم لا غير»
(6)
.
ومن هذا يعلم أيضا أن ابن العم لأم لا ولاية له فى تزويج ولا مال.
مذهب الإباضية:
ذهب الإباضية إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب تكون له الولاية فى النكاح ما لم يوجد أب ولا جد، ولا أخ ولا ابنه ولا عم، ويكون الشقيق مقدما على الذى لأب.
فقد جاء فى كتاب النيل: «وأولى الأولياء بالنكاح الأب فالجد فالأخ فابنه فالعم فابنه .. والشقيق أولى من الأبوى فقط»
(7)
.
وأما الولاية على المال فتجب على أقارب اليتيم الأقرب فالأقرب منهم
(8)
.
(1)
ج 3 ص 56 الطبعة السابقة.
(2)
ج 3 ص 56، 57 الطبعة السابقة.
(3)
ج 3 ص 48 الطبعة السابقة.
(4)
ج 5 ص 88 الطبعة الأولى سنة 1948 م
(5)
ص 196 الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف.
(6)
ج 1 ص 205 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(7)
ج 2 ص 265.
(8)
شرح النيل ج 2 ص 617.
الحضانة:
مذهب الحنفية:
يذهب الحنفية إلى أن لابن العم، شقيقا أو لأب حضانة الصغير الذكر إذا لم يوجد من النساء من يستحق الحضانة، ولا من الرجال من هو أولى منه لتقدمه فى الإرث عليه.
فقد جاء فى الزيلعى: «ثم العصبات:
أى إذا لم يكن للصغير امرأة تكون الحضانة للعصبات على ترتيبهم فى الإرث على ما عرف فى موضعه، يقدم الأقرب فالأقرب، لأن الولاية له».
غير أن الصغيرة لا تدفع إلى غير محرم من الأقارب كابن العم
(1)
.
أما ابن العم لأم فليس له حضانة لا للذكر ولا للأنثى لأنه وإن كان ذا رحم فإنه غير محرم، والحضانة إنما يعتمد فيها بالنسبة لغير العصبة على الرحم والمحرمية:
فقد جاء فى حاشية الشلبى على الزيلعى:
«المراد من ذوى الأرحام هنا غير ذوى الأرحام المذكورين فى الفرائض، فإن ذا الرحم فى الفرائض كل قريب ليس بذى سهم ولا عصبة، فالأخ من الأم ليس من ذوى الأرحام، لأنه صاحب سهم.
وأما ذو الرحم هنا فالمراد به كل قريب ذى رحم محرم من المحضون وهو غير عصبة، فإن كلا ممن ذكره الشارح من الأخ للأم، والعم من الأم والخال، قريب ذو رحم محرم من المحضون، وهو غير عصبة له»
(2)
.
مذهب المالكية:
يذهب المالكية إلى أنها لابن العم مطلقا، تثبت له الحضانة فى مرتبته بين أصحاب الحق فيها، ويقدم الذى لأم على الذى لأب.
فقد جاء فى الشرح الكبير للدردير، بعد أن ذكر الحاضنات وبعض الحاضنين، ثم العم ثم ابنه قرب كل أو بعد، ومعلوم أن الأقرب يقدم على الأبعد.
ثم قال: وقدم الشخص الشقيق ذكرا أو أنثى على الذى للأم، ثم الذى للأم، ثم الذى للأب فى الجميع، أى جميع المراتب التى يمكن فيها ذلك
(3)
.
ولكن يشترط فى حضانته للكبيرة المطيقة للوقاع أن يكون محرما عليها ولو فى زمن الحضانة كأن يتزوج بأمها. وإلا فلا حضانة له.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن لابن العم: شقيقا أو لأب حق الحضانة لابن عمه وبنت عمه ولكن لا تسلم إليه إذا كانت مشتهاة، بل تسلم إلى أنثى ثقة يعينها هو.
(1)
ج 3 ص 48 الطبعة الأميرية.
(2)
المرجع السابق.
(3)
ج 2 ص 528، 529 طبعة دار احياء الكتب العربية.
فقد جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج:
والثانى: لا، لفقد المحرمية، ولا تسلم إليه مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة، بل تسلم إلى ثقة يعينها ولو بأجرة من ماله
(1)
.
أما ابن العم لأم فإنه لا حق له فى الحضانة لابنة عمه لأمه، ولا لابن عمه لأمه بناء على ما سار عليه صاحب المنهاج والمغنى، إذ جاء فيهما:«فإن فقد الإرث والمحرمية معا كابن خال وابن عمة أو الإرث فقط والمحرمية باقية كأبى أم وخال، فلا حضانة لهم فى الأصح. لفقد الإرث والمحرمية فى الأول ولضعف قرابته فى الثانية، لأنه لا يرث بها ولا يعقل، وغير الأصح له الحضانة لشفقته بالقرابة»
(2)
.
وابن العم لأم كابن الخال فى عدم الإرث وعدم المحرمية.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، له حضانة ابن عمه، أما بنت عمه فلا يحق له حضانتها إن كانت كبيرة إلا إذا كانت محرمة عليه برضاع أو غيره مما يقتضى التحريم.
فقد جاء فى المحرر: «لا حضانة إلا لرجل من العصبة، أو لامرأة وارثة أو مدلية بعصبة أو بوارث، فإن عدموا فالحاكم، وقيل: إن عدموا ثبتت لسواهم من الأقارب، ثم الحاكم» .
ثم قال: وليس لابن العم ونحوه حضانة الجارية إذا لم يكن محرما برضاع أو نحوه
(3)
.
أما ابن العم لأم فلا حضانة له كما يؤخذ من النص السابق، إذ خصها بالعصبة.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب، وكذا ابن العم لأمه يكون له حق الحضانة إذا لم يوجد من هو أولى منه.
فقد جاء فى المحلى، عند الكلام على الحضانة بعد الأم: «فإن لم تكن الأم مأمونة فى دينها ودنياها نظر للصغير والصغيرة بالأحوط فى دينهما ثم دنياهما، فحيثما كانت الحياطة لهما فى كلا الوجهين وجبت هنالك: عند الأب أو الأخ أو الأخت أو العمة أو الخالة أو العم أو الخال، وذوو الرحم أولى من غيرهم بكل حال.
فإن استووا فى صلاح الحال فالأم والجدة ثم الأب والجد ثم الأخ والأخت ثم الأقرب فالأقرب»
(4)
.
وقد ذكر أبن العم صراحة فى أنه صاحب حق فى الحضانة حيث ساق حادثة الامام
(1)
ج 3 ص 453، 454 طبعة مصطفى الحلبى
(2)
ج 3 ص 454.
(3)
ج 2 ص 119، 120 طبعة مطبعة السنة المحمدية.
(4)
ج 10 ص 323 طبعة ادارة الطباعة المنيرية.
على رضى الله عنه وأخيه جعفر فى طلب كل منهما لحضانة بنت عمهما حمزة، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر لأنه كان متزوجا خالتها، فقد قال:«ونحن لا ننكر قضاءه صلى الله عليه وسلم بها لجعفر من أجل خالتها، لأن ذلك أحوط لها»
(1)
.
وهذا النص يبين أن القضاء بها إنما كان لابن عمها جعفر، وأنه كان أولى من الإمام على مع أنه أخوه لأن خالتها كانت عند جعفر، وليس القضاء لخالتها لأنها بمركز الأم كما قال غيره من الفقهاء.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب يكون له حق الحضانة للذكر دون الأنثى.
فقد جاء فى شرح الأزهار، بعد أن ذكر حضانة المحارم من العصبة وذوى الأرحام:
«ثم إذا عدم المحارم من العصبات وذوى الأرحام فالأولى بالذكر عصبة غير محرم:
الأقرب فالأقرب، وأما الأنثى فلا حضانة تجب لهم فيها، بل هم وسائر المسلمين على سواء فى حقها، فينصب الإمام أو الحاكم من يحضنها
(2)
.
أما ابن العم لأم فانه لا حق له فى الحضانة إلا للغلام إذا فقد المحارم من العصبة وذوى الأرحام، وفقد أيضا العصبة غير المحارم.
فقد جاء فى شرح الأزهار: «ثم إذا عدمت العصبات المحارم وغير المحارم وذوو الأرحام المحارم، انتقلت الحضانة إلى من وجد من ذوى رحم غير محرم كابن الخال وابن الخالة وابن العمة: الأقرب فالأقرب، وولايتهم كذلك، أى هم أولى بالذكر دون الأنثى كالعصبات غير المحارم
(3)
.
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية، فى قول، إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، أو لأم، يكون له حق الحضانة إذا لم يوجد من هو أولى منه كالأعمام والعمات.
فقد جاء فى شرائع الإسلام: «فإن فقد الأبوان فالحضانة لأبى الأب، فإن عدم قيل كانت الحضانة للأقارب وترتبوا ترتب الإرث، وفيه تردد»
(4)
.
النفقة
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن ابن العم مطلقا، شقيقا أو لأب أو لأم، لا تجب عليه نفقة ولد عمه.
فقد جاء فى الفتاوى الأنقروية:
وأما بيان صفة من تجب له هذه النفقة فهو من كان ذا رحم محرم، وهو الضابط عندنا، والأحراز بالإرث ليس بشرط، حتى وجبت على الخال والخالة دون ابن العم، والميراث له
(5)
.
(1)
ج 10 ص 326 الطبعة السابقة.
(2)
ج 2 ص 526 الطبعة الثانية - مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(3)
ج 2 ص 526 الطبعة السابقة.
(4)
ج 2 ص 45 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(5)
ج 1 ص 105 الطبعة الاميرية.
مذهب المالكية:
قد ذكر الدردير فى كتابه الشرح الكبير من تجب عليهم النفقة للأقارب، فذكر وجوبها على الوالد لولده العاجز عن الكسب وعلى الولد لوالده ووالدته المعسرين إذا عجزا عن الكسب، وذكر أنه لا تجب على الولد نفقة جده ولا جدته ولا ولد ابنه، ولم يذكر ابن العم فيمن تجب عليهم نفقة أولاد عمه، فدل هذا على أن ابن العم مطلقا لا نفقة عليه لأولاد عمه
(1)
.
مذهب الشافعية:
كذلك ذهب الشافعية إلى أنه لا نفقة على ابن العم لابن عمه، لأن النفقة على القريب إنما تعتمد على البعضية.
فقد جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج:
والموجب لها - أى النفقة - قرابة البعضية فقط، يلزمه: أى الشخص ذكرا كان أو غيره نفقة الوالد الحر وان علا من ذكر أو أنثى، والولد الحر وإن سفل من ذكر أو أنثى
(2)
.
مذهب الحنابلة:
يذهب الحنابلة إلى أن ابن العم إن كان شقيقا أو لأب تجب النفقة عليه لأولاد عمه الفقراء ذكورا أو إناثا، وفى رواية لا تجب عليه للإناث.
فقد جاء فى الشرح الكبير للمقدسى:
ظاهر المذهب أن النفقة تجب على كل وارث لمورثه إذا اجتمعت الشروط التى ذكروها:
وحكى ابن المنذر عن أحمد فى الصبى المرضَع لا أب له نفقته وأجرة رضاعه على الرجال دون النساء.
ثم قال: فإن كان اثنان يرث أحدهما قريبه ولا يرثه الآخر، كالرجل مع عمته، أو بنت عمه وابنة أخيه، والمرأة مع ابنة بنتها وابن بنتها، فالنفقة على الوارث دون الموروث. نص عليه أحمد فى رواية ابن زياد فقال: يلزم الرجل نفقة بنت عمه، ولا يلزمه نفقة بنت أخته.
وذكر أصحابنا: لا تجب النفقة على الوارث ههنا، لأنها قرابة ضعيفة، لكونها لا تثبت التوارث من الجهتين
(3)
.
والشروط الذى ذكر أنها سبقت هى: أن يكونوا فقراء، وأن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفقه عليهم فاضلا عن نفقة نفسه
(4)
.
أما ابن العم لأم فإنه من ذوى الأرحام وقد ورد عندهم فى وجوب النفقة عليه لأولاد عمه لأمه روايتان ذكرهما ابن قدامه المقدسى فى الشرح الكبير
(5)
.
(1)
ج 2 ص 522، 523 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(2)
ج 3 ص 446 طبعة مصطفى البابى الحلبى
(3)
ج 9 ص 278، 279، 280 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هـ.
(4)
ج 9 ص 276، 277 من الشرح الكبير طبعة المنار الاولى سنة 1348 هـ.
(5)
ج 9 ص 280 الطبعة السابقة.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب تجب عليه النفقة لأولاد عمه إن كان يرثهم: بأن يكون لا يحجبه حاجب عن ميراثهم، وإلا فلا نفقة عليه، فإنه قد قال فى المحلى - بعد أن ذكر النفقات على الآباء والأبناء، والأخوة والأخوات، والزوجات - فإن فضل عن هؤلاء بعد كسوتهم ونفقتهم شئ أجبر على النفقة على ذوى الأرحام المحرمة، ومورثيه، ان كان من ذكرنا لا شئ لهم، ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنته منه، وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا وبنو الأخوة وإن سفلوا، والمورثون هم من لا يحجبه أحد عن ميراثه إن مات:
من عصبته أو مولى من أسفل. فإن حجب عن ميراثه لوارث فلا شئ عليه من نفقاتهم
(1)
.
أما ابن العم لأم فلا نفقة عليه لأولاد عمه لأمه، فقد جاء فى المحلى: فصح بهذا، أى بقوله تعالى:«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَها، لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ، وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» ،} أن النفقة على الوارث مع ذوى الرحم المحرمة. وخرج من ليس ذا رحم محرمة ولا وارثا من هذا الحكم، ومن تخصيصه بالنفقة منه أو عليه، لأنه كسائر من أدلته الولادات، ولادة بعد ولادة إلى آدم عليه السلام
(2)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب أو لأم، تجب عليه نفقة ابن عمه متى كان ابن عمه هذا معسرا وهو موسر متى توفرت باقى الشروط اللازمة لذلك
(3)
.
مذهب الإمامية:
يذهب الإمامية إلى أنه لا نفقة لابن العم شقيقا أو لأب أو لأم على ولد عمه.
فقد جاء فى شرائع الإسلام: «تجب النفقة على الأبوين والأولاد إجماعا، وفى وجوب الإنفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم تردد، أظهره الوجوب.
ولا تجب النفقة على غير العمودين (أى عمودى النسب، من الآباء والأولاد) من الأقارب كالأخوة والأعمام والأخوال وغيرهم، لكن تستحب وتتأكد فى الوارث منهم
(4)
.
مذهب الإباضية:
ذهب الإباضية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، تكون عليه نفقة ابن عمه وبنت عمه، فقد جاء فى كتاب النيل وشرحه ما حاصله:
لزم أبا نفقة أطفاله ومجانينه وإن كان لهم مال، وله إنفاقهم من مالهم إن كان ..
إلى أن قال: ومن يتوارث معه من ولى:
(أى يرث كل منهما الآخر، وليس هذا شرطا) بل تجب عليك نفقة من ترثه سواء كان يرثك أو لا يرثك.
(1)
المحلى ج 10 ص 100، 101.
(2)
المرجع السابق ص 106.
(3)
شرح الأزهار ج 2 ص 549، 550.
(4)
ج 2 ص 48 الطبعة السابقة.
وكأنه أراد من يقع الميراث بينك وبينه.
أو ترثه ولا يرثك. وأما إن كان يرثك ولا ترثه فلا نفقة له عليك. وهذا معلوم من أن الإنفاق بحسب الإرث: أى مرتب على الإرث.
واختلفوا فى وجوب النفقة على ابن العم لأم، فبعضهم لم يوجبها ولو كان وارثا، وصحح أبو زكريا إيجابها ورجحه صاحب النيل
(1)
.
الميراث
اتفقت كلمة الفقهاء فى المذاهب التى التزمناها إلا الناصر وأبو طالب من الزيدية وإلا الإمامية، على أن ابن العم: شقيقا أو لأب، يرث بجهة التعصيب، لأنه من العصبة، وهم من ليس لهم سهم مقدر، وأجمع هؤلاء على توريثهم بجهة التعصيب، وأن كلا منهما يأخذ كل التركة إذا لم يوجد وارث سواه، وإن وجد مع أصحاب فروض يأخذ ما بقى منهم بعد استيفائهم فروضهم، إذا لم يكن هناك من يقدم عليه من العصبة وهم الأبناء والآباء والأخوة والأعمام
(2)
.
الناصر وأبو طالب من الزيدية:
يذهب هذان إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب وغيرهما من العصبة لا يرث مع البنت، بل يرد عليها - بعد إرثها بالفرض - ما بقى من التركة.
فقد جاء فى البحر الزخار: إن كان معها (أى البنت) عصبة فلهم.
وقال الناصر وأبو طالب: بل تسقطهم كالذكر
(3)
.
مذهب الإمامية:
يذهبون إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب وغيره من العصبة لا يرث ما دام هناك ذو سهم، بل يسقط العصبة ويرد ما بقى من التركة على ذوى السهام، ما عدا الزوج والزوجة والأم فى بعض الحالات.
فقد جاء فى المختصر النافع: والتعصيب باطل، وفاضل التركة يرد على ذوى السهام عدا الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها على تفصيل عندهم
(4)
.
ولكنه يرث بالقرابة إذا لم يوجد ذو سهم، ولا أحد أسبق منه فى الدرجة كالعم، إلا إذا كان هذا العم عما لأب فإنه يقدم ابن العم الشقيق عليه.
فقد جاء فى المختصر النافع: ولا يرث الأبعد مع الأقرب مثل ابن خال مع خال أو عم، أو ابن عم مع خال أو عم، إلا ابن عم لأب وأم مع عم لأب فابن العم أولى
(5)
.
(1)
ج 7 ص 210، 211.
(2)
الحنفية: تبيين الحقائق، الزيلعى ج 6 ص 237، 238 الطبعة الأميرية.
والمالكية: الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 465، 466 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
والشافعية: المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ج 4 ص 9 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر.
والحنابلة: المغنى لابن قدامة ج 3 ص 19، 20 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هـ.
والظاهرية: المحلى ج 9 ص 256، 257، 268 مطبعة إدارة الطباعة المنيرية.
والزيدية: البحر الزخار ج 5 ص 351 الطبعة الأولى سنة 1949 م.
والإباضية: النيل وشرحه ج 8 ص 282، 290.
(3)
ج 5 ص 341، 342 الطبعة الأولى سنة 1949 م.
(4)
ص 268 الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف.
(5)
المختصر النافع ص 271.
وابن العم لأب إنما يرث إذا لم يوجد ابن عم شقيق ولا ابن عم لأم، فإن وجدا ورث من يتقرب بالأم السدس إذا كان أبوه غير موجود وكان واحدا، فإن كانوا أكثر أخذوا تركة ما كان يأخذه أبوهم وهو السدس إن كان واحدا أو ما يخصه من الثلث إن كان مع غيره من أخوته.
والباقى يكون لمن هو شقيق.
ولا يكون لابن العم لأب شئ، لأن أباه لا يرث مع وجود الأخ لأم والأخ الشقيق.
فقد جاء فى المختصر النافع: ويقوم أولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم.
وحينما ذكر نصيب آبائهم قال:
والعمومة والعمات للذكر مثل حظ الأنثيين، ولو كانوا متفرقين (أى ليسوا أشقاء ولا لأب ولا لأم جميعا) فلمن تقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية.
والباقى لمن تقرب بالأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من يتقرب بالأب معهم، ويقومون مقامهم عند عدمهم
(1)
.
أما ابن العم لأم
فإنه من ذوى الأرحام عند الفقهاء، ومن ذوى القرابة النسبية على اصطلاح الإمامية فى الميراث. وقد اختلف الفقهاء فى توريثه على النحو الآتى:
الحنفية والحنابلة والزيدية:
ذهب هؤلاء الفقهاء إلى توريثه إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب ولا من هو أولى منه من ذوى الأرحام
(2)
(انظر ميراث ذوى الأرحام).
مذهب المالكية:
ذهب متقدمو المالكية إلى أن ابن العم لأم لا يرث، لأنه من ذوى الأرحام، وهم لا يورثون ذوى الأرحام، أما متأخروهم فقد أفتوا بإرثهم على تفصيل عندهم
(3)
.
مذهب الشافعية:
وقد جاء عند الشافعية فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج: «ولو فقدوا (أى الورثة) من الرجال والنساء كلهم أو فضل عمن وجد منهم شئ، فأصل المنقول فى المذهب أنه لا يرث ذوو الأرحام أصلا.
وأصل المذهب أيضا أنه لا يرد ما بقى على أهل الفرض فيما اذا فضل منهم شئ، بل المال كله فى فقدهم كلهم أو الباقى فى فقد بعضهم بعد الفروض لبيت المال، سواء انتظم أمره بإمام عادل يصرفه فى جهته أم لا.
هذا هو منقول المذهب فى الأصل، وقد يطرأ على الأصل ما يقتضى مخالفته.
(1)
المرجع السابق.
(2)
تبيين الحقائق للزيلعى ج 6 ص 242 المطبعة الأميرية، والمغنى ج 7 ص 82 الطبعة الأولى، البحر الزخار ج 5 ص 352.
(3)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 468، طبع دار الكتاب العربى.
وأفتى جمهور المتأخرين من الأصحاب - إذا لم ينتظم بيت المال لكون الإمام غير عادل - بالرد: أى بأن يرد على أهل الفرض غير الزوجين ما فضل من فروضهم بالنسبة لسهامهم فإن لم يكونوا صرف لذوى الأرحام
(1)
.
ولكن صاحب مغنى المحتاج - وهو الخطيب الشربينى - اختار أن هذا الرأى ليس لجمهور المتأخرين فقط، بل هو رأى عامة مشايخ الشافعية، متقدميهم ومتأخريهم.
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى فإنه يذهب إلى عدم توريث ذوى الأرحام مطلقا، فلا يكون ابن العم لأم وارثا
(2)
.
مذهب الإمامية:
ذهبوا إلى أن ابن العم لأم يرث باعتباره من ذوى النسب لا من ذوى الرحم، إذ أنهم لم يجعلوا لذوى الرحم منزلة خاصة فى الميراث
(3)
.
مذهب الإباضية:
ذهبوا إلى توريث ابن العم لأم إذا لم يوجد ذو سهم ولا عاصب، وينزل منزلة أبيه فيرث ما كان يرثه أبوه على تفصيل عندهم
(4)
.
هذه هى المذاهب فى توريث ابن العم مطلقا (انظر: إرث وذوى الأرحام).
الوصية
لا يختص ابن العم بأحكام فى الوصية ولكن إن كان وارثا فالوصية له وصية لوارث، وإن كان غير وارث فالوصية له وصية لأجنبى وأحكام ذلك مبينة فى (وصية).
الخلوة ببنت العم
والسفر بها للحج وغيره
لا يختص ابن العم بحكم فى الحج بالنسبة لابنة عمه لكنه إذا كان زوجها أو ثبتت محرميته لها بنسب أو رضاع أو مصاهرة كان حكمه حكم المحارم وإن لم يكن أحد هذه الأربعة أخذ حكم الأجنبى.
(انظر: محارم، أجنبى، خلوة)
(5)
.
غير أن المالكية يذكرون فى الخلوة ما خلاصته: أنه لا تودع المحرم لغير ذى محرم الا أن يكو مأمونا له أهل، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يخلون رجل بامرأة ليس بينه وبينها محرم» ، ويستثنى من ذلك ما إذا وجد الرجل - ابن عم أو
(1)
ج 3 ص 6، 7 طبعة مصطفى البابى الحلبى
(2)
المحلى ج 9 ص 312 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(3)
المختصر النافع ص 271 الطبعة الثانية.
(4)
شرح النيل ج 8 ص 412.
(5)
شرح الهداية وفتح القدير ج 2 ص 128، 130 الطبعة الأميرية، الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 8، 9 طبعة دار إحياء الكتب العربية، مغنى المحتاج ج 1 ص 467 طبعة مصطفى البابى الحلبى والمجموع ج 7 ص 86 طبعة إدارة الطباعة المنيرية، المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 190، 192 الطبعة الأولى للمنار، والمقنع ج 3 ص 190 الطبعة الأولى للمنار بذيل المغنى لابن قدامة، المحلى ج 7 ص 47، 50 طبعة إدارة الطباعة المنيرية، البحر الزخار ج 2 ص 23، 286، الطبعة الأولى، شرائع الإسلام ج 1 ص 115 نشر مكتبة الحياة ببيروت، كتاب النيل ج 2 ص 168، 169.
غيره - امرأة فى مفازة ومكان منقطع وخشى عليها الهلاك فإنه يجب عليه أن يصحبها معه وأن يرافقها وإن أدى إلى الخلوة بها لكن يحترس جهده، وللولى والوصى غير المحرمين أن يسافرا بالصبية إذا لم يكن لها أهل تخلف عندهم وكانا مأمونين، واختلفوا فيه إذا كان للصبية أهل وهو مأمون وله أهل
(1)
.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: جاء فى المنهاج وشرحه ما حاصله: «وتثبت الحضانة لكل ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث وكذا غير محرم كابن عم على الصحيح لوفور شفقته، والثانى: لا، لفقد المحرمية، ولا تسلم إليه مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة، بل تسلم إلى ثقة يعينها.
فإن كان له بنت مثلا يستحى منها جعلت عنده مع بنته
(2)
.
الزكاة
مذهب الحنفية:
ذهبوا إلى أن ابن العم مطلقا يجوز أن يدفع زكاة ماله إلى أولاد عمه.
فقد جاء فى كتاب الهداية والعناية: ولا يدفع المزكى زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل: أى من يكون بينهم قرابة ولاد، أعلى أو أسفل، وأما سواهم من القرابة فيتم الإيتاء بالصرف إليهم، وهو أفضل لما فيه من صلة الرحم
(3)
.
أما صدقة الفطر فلا يجب إخراجها عن أولاد العم.
فقد جاء فى الزيلعى ما حاصله: يخرج صدقة الفطر عن نفسه وولده الصغير الفقير، وعبيده للخدمة، لأن السبب رأس يمونه ويلى عليه، لا زوجته ولا ولده الكبير
(4)
.
مذهب المالكية:
ذهبوا إلى ما ذهب إليه الحنفية.
فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى: «ومصرفها فقير ومسكين إن أسلم كل منهما وتحرر إذا لم يكن عنده شئ، أو كان عنده قليل لا يكفيه عامه، أو ينفق نحو والد أو بيت مال بما لا يكفيه. فمن لزمت نفقته مليئا أو كان له مرتب فى بيت المال يكفيه لا يعطى منها
(5)
.
وقد تقدم فى النفقة أن ابن العم لا تلزمه نفقة ابن عمه، وعلى ذلك يؤخذ مما تقدم أنه إذا كان فقيرا وليس له من تلزمه نفقته أعطى منها.
أما صدقة الفطر فإن ابن العم مطلقا لا يلزمه إخراجها عن أولاد عمه، لأنهم لا تجب لهم عليه نفقة، فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: «يجب الإخراج (أى إخراج صدقة الفطر) عن كل مسلم
(1)
الحطاب ج 2 ص 523، 526 مطبعة السعادة.
(2)
ج 3 ص 453، 454 طبع مصطفى الحلبى.
(3)
ج 2 ص 21 الطبعة الأميرية.
(4)
ج 1 ص 306 طبع الاميرية.
(5)
ج 1 ص 492.
يمونه: أى تلزمه نفقته بقرابته كالأولاد الذكور إلى البلوغ، والإناث إلى الدخول أو الدعوة إليه، والوالدين الفقيرين، والزوجة، وزوجة الأب، وخادم لواحد من هؤلاء إن لم يكن بأجر، كأن كان رقيقا»
(1)
.
مذهب الشافعية:
إلى مثل ما تقدم ذهب الشافعية فى نفقة ابن العم على أولاد عمه.
فقد جاء فى مغنى المحتاج عند الكلام عن شروط من تدفع إليه الزكاة: «ألا يكون ممن تلزمه نفقته»
(2)
.
وكذا ألا تكون مكفية بنفقة على قريب أو زوج. فقد جاء فيه أيضا: «والمكفى بنفقة قريب أو نفقة زوج ليس فقيرا ولا مسكينا، فلا يعطى من سهمهما فى الأصح.
والقول الثانى (أى غير الأصح): نعم هو فقير أو مسكين لاحتياجهما إلى غيرهما، ومحل الخلاف إذا كان يمكن الأخذ من القريب أو الزوج
(3)
.
وقد تقدم عند الكلام على النفقة أنها - عندهم - لا تجب على ابن العم مطلقا، لأن الموجب لها قرابة البعضية، وهى فى الوالد وإن علا، والولد وإن سفل. وعليه يصح إعطاء أولاد العم من الزكاة، أما صدقة الفطر فإنه لا يجب على ابن العم إخراجها عن أولاد عمه، فقد جاء فى مغنى المحتاج: «ومن لزمه فطرة نفسه (أى بأن كان ميسورا تجب عليه صدقة الفطر).
لزمه فطرة من تلزمه نفقته بملك أو قرابة أو زوجية»
(4)
.
وقد عرفنا فيما تقدم أنه لا يلزمه نفقة أولاد عمه.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن أبناء العم، شقيقا أو لأب يصح أن تصرف لهم زكاة مال ابن عمهم حينا، وفى حين آخر لا يصح، لأن صرفها عندهم إلى القريب يعتمد على الإرث والجزئية.
فإن كان غير وارث صح، وإلا فلا، فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى والمغنى: الأقارب غير الوالدين قسمان: من لا يرث منهم يجوز دفع الزكاة إليه، سواء كان انتفاء الإرث لانتفاء سببه لكونه بعيد القرابة ليس من أهل الميراث بحال، أو كان لمانع مثل أن يكون محجوبا عن الميراث كالأخ المحجوب بالابن، والعم المحجوب بالأخ وابنه فيجوز دفع الزكاة إليه، لأنه لا قرابة جزئية بينهما ولا ميراث، فأشبها الأجانب.
والثانى من يرث، كالأخوين اللذين يرث كل واحد منهما أخاه ففيه روايتان: أحدهما
(1)
المرجع السابق ص 506 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(2)
ج 3 ص 12، 1 طبعة مصطفى البابى الحلبى.
(3)
ج 3 ص 107، 108 الطبعة السابقة.
(4)
مغنى المحتاج ج 1 ص 402 الطبعة السابقة.
يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر، وهى الظاهرة عنه.
فقد سئل: أيعطى الأخ والأخت والخالة من الزكاة؟
فقال: يعطى كل القرابة إلا الأبوين والولد.
والرواية الثانية: لا يجوز دفعها إلى الموروث، وهو ظاهر قول الخرقى لقوله، ولا لمن تلزمه مؤنته، وعلى الوارث مؤنة الموروث، فإذا دفع الزكاة إليه أغناه عن مؤنته، فيعود نفع زكاته إليه
(1)
.
وابن العم مع ابن عمه إذا لم يكن لأحدهما ولد ولا والد ولا أخوة ولا أعمام يدخل كل واحد منهما فى الوارث والموروث، فيكون حكمه كذلك، فيصح بناء على هذا أن يأخذ ابن العم زكاة ابن عمه فى الحالين: حالة الإرث فى الحال على الراجح عندهم، وحالة عدم الإرث فى الحال قولا واحدا.
أما ابن العم لأم فإنه يصح صرف الزكاة إليه ولو كان وارثا ويكون أسبق إلى من يدلون به، أو يستوى مع غيره فى الدرجة إليه، أو ليس من ذوى الأرحام سواه مثلا.
فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى: «فأما ذوو الأرحام فى الحال التى يرثون فيها فيجوز دفعها إليهم فى ظاهر المذهب، لأن قرابتهم ضعيفة، لا يرث بها مع عصبة ولا ذى فرض غير الزوجين، فلم تمنع (أى القرابة) دفع الزكاة، كقرابة سائر المسلمين، فإن ماله يصير إليهم عند عدم الوارث»
(2)
.
أما صدقة الفطر فإنه لا يجب عليه إخراجها عنهم، أشقاء أو لأب أو لأم.
فقد جاء فى مختصر الخرقى وشرحه المغنى لابن قدامة: «ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عياله إذا كان عنده فضل عن قوت يومه وليلته. وعيال الإنسان من يعوله:
أى يمونه فتلزمه فطرتهم كما تلزمه مؤنتهم إذا وجد ما يؤدى عنهم، لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون»
(3)
.
وأولاد العم ليسوا ممن يمونهم ابن عمهم، وذكرنا النص الدال على عدم وجوب نفقتهم عليه. ولكن إن تبرع بالإنفاق عليهم أو على بعضهم فى شهر رمضان فإنه تلزمه فطرة من أنفق عليه.
فقد جاء فى المحرر: «ومن تبرع بمؤنة شخص شهر الصوم لزمته فطرته، نص عليه، وقيل: لا تلزمه»
(4)
.
(1)
ج 2 ص 712 - 713 بذيل المغنى لابن قدامة الطبعة الأولى للمنار والمغنى لابن قدامه ج 2 ص 512 طبعة الشرح الكبير نفسها.
(2)
ج 2 ص 713 الطبعة السابقة.
(3)
ج 2 ص 670 الطبعة الأولى للمنار.
(4)
ج 1 ص 226 طبعة انصار السنة المحمدية.
أما صرف صدقة الفطر إليهم فإنه يصح، لأنه يصح أن يصرف إليهم زكاة المال، وصدقة الفطر تعطى لمن تعطى له زكاة المال
فقد جاء فى مختصر الخرقى وشرحه المغنى لابن قدامة: «ويعطى صدقة الفطر لمن يجوز أن يعطى صدقة المال، لأن صدقة الفطر زكاة، فمصرفها مصرف سائر الزكوات»
(1)
.
مذهب الزيدية:
قد اختلفوا، فمنهم من أجاز صرف الزكاة إلى ابن العم: شقيقا أو لأب، ومنهم من لم يجز.
فقد جاء فى البحر الزخار: «ولا تجزئ (أى الزكاة) فى أصوله أو فصوله إجماعا، إذ هم كالبعض منه» .
وقال القاسم والهادى والناصر والمؤيد بالله: ولا تجزئ أيضا فيمن يلزمه نفقته حال الإخراج، إذ ينتفع بها بإسقاط النفقة، وقياسا على الآباء والأبناء.
وقال الإمام يحيى: يجوز، إذ لم يفصل الدليل، ولقوله صلى الله عليه وسلم:
«صدقة وصلة»
(2)
.
ويشير بقوله: صدقة وصلة، إلى ما روى سلمان بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذى الرحم ثنتان:
صدقة وصلة».
وقد ذكرنا أنهم يوجبون على ابن العم الموسر الإنفاق على ابن عمه: شقيقا أو لأب، لأنه يرثه، وبناء على النص السابق يكون بينهم خلاف فى إعطاء ابن العم الصدقة.
أما ابن العم لأم فإنه يصح أن تصرف له الزكاة عندهم جميعا، لأنه لا تجب له النفقة على ابن عمه لأمه، لأنه من ذوى الأرحام، وهم لا يوجبون نفقة لذوى الأرحام، بل تندب فقط، وأما صدقة الفطر فإنها لا تلزمه عن أولاد عمه مطلقا: أشقاء أو لأب أو لأم، لأنه لا تلزمه نفقتهم.
فقد جاء فى البحر الزخار: «وتجب فى مال كل مسلم عنه، وعن كل مسلم تلزمه نفقته فى فجر أول شوال، بالقرابة أو الزوجية أو الرق، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وعمن تمونون»
(3)
.
مذهب الإمامية:
ذهبوا إلى أنه يجوز لابن العم أن يعطى أولاد عمه من زكاة ماله.
فقد جاء فى المختصر النافع فى شروط من تصرف لهم الزكاة: «ألا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك، ويعطى باقى الأقارب»
(4)
.
(1)
ج 2 ص 690 الطبعة السابقة.
(2)
ج 2 ص 186 الطبعة الأولى سنة 1949 م.
(3)
ج 2 ص 199 الطبعة السابقة.
(4)
ص 83 الطبعة الثانية لوزارة الاوقاف.
وكذلك الحكم فى زكاة الفطر فيصح أن يصرفها لابن عمه مطلقا.
فقد جاء فى المختصر النافع مصرفها هو مصرف الزكاة، ويجوز أن يتولى المالك إخراجها.
ويخرجها عن نفسه وعياله: من مسلم وكافر وحر وعبد وصغير وكبير، ولو عال تبرعا
(1)
.
وعلى ذلك لو كان يعول أولاد عمه تبرعا وجب عليه إخراج صدقة الفطر عنهم، لأنه قد تقدم أن النفقة لا تجب إلا على الأبوين والأولاد وإن نزلوا. وفيمن علا من الآباء تردد، وأقوى الأمرين اللزوم.
ولا تجب على غيرهم من الأقارب، بل تستحب، وتتأكد فى الوارث، فإذا كان ابن العم يرث أحدا من أولاد عمه لعدم وارث له تلزمه نفقته، فلا يصح أن يصرف له الزكاة.
مذهب الإباضية:
ذهب الإباضية إلى أن الزكاة لا تعطى لابن العم، شقيقا أو لأب، لأنه ممن تجب نفقتهم على ابن عمهم. وكذا لبنت العم الشقيقة أو لأب.
فقد جاء فى كتاب النيل وشرحه:
(2)
.
فهذا النص يفيد أنها لا تعطى لابن العم الشقيق أو لأب، ولا لبنت العم كذلك، إذا كان لهم حق النفقة على ابن عمهم.
وقد ذكرنا فى عنصر النفقة من مصطلح «ابن العم» أن لأبناء العم الأشقاء أو لأب حق النفقة على ابن عمهم، لأنه يرثهم، وبناء على ذلك لا يصح أن يعطيهم الزكاة.
أما أبناء العم لأم فإنه يصح أن يعطيهم الزكاة، لأنهم ليسوا من قوم أبيه إلا على الرأى القائل بأن النفقة تتبع الإرث وإن لم يكونوا من قوم أبيه، فما دام يرثهم تجب لهم عليه النفقة، فلا يعطيهم الزكاة.
وقد تقدم النص الدال على ذلك فى عنصر «النفقة» نقلا عن شرح النيل
(3)
.
الإقرار
يكون الإقرار بنسب أو مال، وسنجعل كلامنا هنا قاصرا على الأول، أما الثانى وفى غيره من قضايا الإقرار ككون المقر له
(1)
ص 85، 86 الطبعة السابقة.
(2)
ج 2 ص 130، 131.
(3)
ج 7 ص 210، 211.
وارثا، أو غير وارث، وكون الإقرار فى الصحة أو المرض .. إلى غير ذلك فينظر فيه مصطلح «إقرار» .
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، لا يصح إقراره بنسب ابن عمه ولا بنت عمه.
فقد جاء فى حاشية الشلبى نقلا عن شيخ الإسلام الاسبيجابى: «ويجوز إقرار الرجل بالولد والوالد والزوجة، والمولى من فوق ومن تحت إذا صدقه الآخر، لأن الحكم لا يعدوهما، فيكون إقرارا على أنفسهما فيقبل، ولا يجوز الإقرار بغير هؤلاء الأربعة
(1)
.
ومع عدم ثبوت النسب بإقراره يكون للمقر له ما قد تركه المقر من مال إذا لم يوجد للمقر وارث، لأنه فى حكم الوصية.
ولا يلزم فى صرف المال له أن يكون إقرار المقر فى حالة عدم الوارث. ولكن يلزم ألا يكون له وارث عند الموت.
(2)
.
وابن العم لأم كابن العم الشقيق، أو لأب فيما تقدم، لأنه لما أطلق فى النص السابق لفظ ابن عم كان شاملا له، ولأنه ليس من الأربعة الذين يجوز الإقرار بنسبهم.
مذهب المالكية:
ذهب المالكية إلى أن إقرار ابن العم، شقيقا أو لأب، بنسب ولد لعمه، لا يصح، لأن هذا الإقرار إنما يكون من الوالد للولد، ولا يكون من غيره حتى الولد للوالد، وابن العم لأم مثله مثل ابن العم الشقيق أو لأب فى عدم ثبوت النسب بإقراره، لأنه لما نص على أن الإقرار بالنسب لا يكون من غير الوالد، فقد شمل ابن العم لأم
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ما حاصله: «أما إذا ألحق النسب بغيره:
كهذا أخى أو عمى فيثبت نسبه من الملحق به إذا كان رجلا، أما إذا كان امرأة فلا يثبت النسب، لأن استلحاق المرأة لا يقبل على
(1)
على هامش الزيلعى ج 5 ص 27 الطبعة الأميرية.
(2)
ج 1 ص 158 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية.
(3)
الشرح الكبير ج 3 ص 412، 415.
الأصح، فيكون بالأولى استلحاق وارثها وإن كان رجلا، لأنه خليفتها، وإنما يثبت النسب إذا كان الملحق به رجلا، لأن الورثة يخلفون مورثهم فى الحقوق والنسب من جملتها. ولا فرق بين أن يتعدى النسب من الملحق به إلى نفسه بواسطة واحدة كالأب فى قوله: هذا أخى، أو اثنتين كالجد والأب فى قوله: هذا عمى، وقد يكون ثلاثة كقوله: هذا ابن عمى.
ويشترط أن يصدق الملحق ان كان بالغا عاقلا، وأن يكون مجهول النسب، كما يشترط أن يكون الملحق به ميتا، ويشترط ألا يكون الميت قد نفاه، وذلك على رأى قد صححه ابن الصلاح واختاره الأذرعى.
والرأى الثانى: لا يشترط، وقد اختاره النووى، وقال: هو الأصح.
ويشترط أيضا كون المقر وارثا حائزا لتركة الملحق به: واحدا كان أو أكثر. وإن كان أكثر من واحد فلا بد من اتفاقهم جميعا
(1)
.
وابن العم لأم - على القول بإرثه عندهم إذا فسد بيت المال - يكون فى حكم ابن العم الشقيق أو لأب، متى كان وارثا، كما هما إذا كانا وارثين.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى لابن قدامة ما حاصله:
«إن كان الإقرار بالنسب إقرارا عليه وعلى غيره كإقرار بأخ أعتبر أن يكون المقر به مجهول النسب، وألا ينازعه منازع، وإن يمكن صدقه. بأن يولد مثله لمثل من حمل نسبه، وأن يكون المقر به ممن لا قول له كالصغير والمجنون، أو يصدق المقر إن كان ذا قول، وأن يكون المقر جميع الورثة.
فلو كان بعض الورثة لا يثبت النسب إلا إذا أقر باقى الورثة، ما لم يكن باقى الورثة ممنوعين من الميراث بمانع. كأن يكون مخالفا لمورثه فى الدين أو قاتلا أو رقيقا، فإنه فى هذه الحال يثبت النسب بقوله وحده، لأنه حائز لكل الميراث.
كما أنه لا يلزم أن يكون حائزا كل المال وقت الإقرار، بل إذا أقر ومعه من يرث ولكنه مات بعد الإقرار وهو وحده الذى يرثه فإنه يثبت النسب، لأن الإقرار يعتبر صادرا من الحائز لجميع المال، وإذا أقر بمن يحجبه كأن يقر بابن لابن عمه الذى مات، وهو الوارث الوحيد له، فإنه يثبت نسب المقر به ويرث، ويسقط المقر .. وهذا اختيار ابن حامد والقاضى، لأنه ابن ثابت النسب، ولم يوجد فى حقه أحد موانع الإرث، فيدخل فى عموم قوله تعالى:
«يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»
(2)
، أى فيرث، كما لو ثبت نسبه ببينة
(3)
.
وابن العم لأم كابن العم الشقيق أو لأب إذا كان يرث، بألا يوجد من يمنع ذوى الأرحام كأصحاب الفروض، غير أحد
(1)
ج 2 ص 261، 262 طبعة مصطفى الحلبى.
(2)
سورة النساء: 11.
(3)
المغنى لابن قدامه ج 5 ص 327، 330 الطبعة الأولى للمنار.
الزوجين، أو عصبة، وذلك لأن النصوص التى ذكرناها سابقا جاءت مطلقة فتشمله.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن إقرار ابن العم، شقيقا أو لأب، بولد لعمه أو لابن عمه لا يصح، لأن مذهبهم عدم الواسطة.
فقد جاء فى البحر الزخار: «لو أقر أحد الأخوين بأخ وأنكره آخر لا يثبت نسبه إجماعا، إذ النسب لا يتبعض، والمذهب والمؤيد بالله قالا: وكذا لو صادق الآخر، لأجل الواسطة.
وعند المؤيد بالله إن كانوا عدولا ثبت النسب كالبينة.
(1)
.
وكذا ابن العم لأم إذا أقر بولد لعمه لأمه أو لابن عمه لأمه، لأن النصوص الدالة على الحكم جاءت مطلقة فتشمل ابن العم لأم، وابن العم الشقيق أو الذى لأب، ويثبت نسب ابن العم المقر له من أبيه إذا أقر عدلان من الورثة.
فقد جاء فى البحر الزخار: «المذهب والإمام يحيى: إن أقر عدلان من الورثة ثبت النسب لكمال الشهادة»
(2)
.
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية إلى أنه إذا أقر ابن العم لشخص بأنه ابن عمه يصح هذا الإقرار إذا صدقه المقر له إن كان كبيرا، أما إن كان صغيرا فلا يلزمه تصديقه ولكن يشترط عدم المنازع وجهالة نسبه.
واشترطوا لصحة هذا الإقرار ألا يكون للمقر ورثة مشهورون.
فقد جاء فى المختصر النافع، بعد أن بين إقرار الأب بالولد الصغير، وانه لا بد فى الكبير المقر ببنوته من تصديقه:
(3)
.
مذهب الإباضية:
يرون أن ابن العم إذا أقر - وهو وارث - بوارث لابن عمه لم يصح نسبه إذا لم يصدقه باقى الورثة، لكن يلزم هذا المقر باقراره.
(1)
ج 5 ص 12، 13.
(2)
ج 5 ص 12، 13.
(3)
المختصر النافع ص 244.
فقد جاء فى النيل وشرحه: «إذا أقر بعض الورثة بوارث لم يصح نسبه إذا لم يصدقه الوارث الآخر، لكن لزم المقر أن يعطى من أقر به ما ينوبه فى حصته ويمسك الباقى .. وإن كان المقر يحجب بالمقر به أعطاه سهمه ولم يرث، وكذا كل من صدقه، فإن التصديق إقرار»
(1)
.
وقد ذكر قولا آخر فى المذهب فقال:
(2)
.
وابن العم لأم يكون حكمه كذلك إذا كان وارثا بألا يكون لمن نسب إليه المقر به ورثة فرضيون أو عصبة. وورث ذوو الأرحام وكان ابن العم لأم وارثا.
القذف
الذى يتصور فى هذا بالنظر إلى ابن العم أن يحصل منه قذف لابن عمه أو بنت عمه، أو أن يكون له الحق فى المطالبة بإقامة الحد على من قذف ابن عمه أو بنت عمه.
وسنتكلم عنهما.
أما الشروط التى تشترط فى القاذف والمقذوف، وما يعتبر من العبارات قذفا وما لا يعتبر، وغير ذلك مما يلزم توافره لوجوب الحد فينظر فيه مصطلح «قذف»
مذهب الحنفية:
لم نر خلافا بين أئمة الحنفية، ولا بينهم وبين غيرهم من الفقهاء أن ابن العم إذا قذف ابن عمه أو بنت عمه يجب حده متى ثبت القذف، لأنه ليس ممن استثنوا عند بعض الفقهاء كالأباء.
أما من حيث حقه فى المطالبة بإقامة الحد على من قذف ابن عمه أو بنت عمه، فعند الحنفية: ليس له الحق فى ذلك، سواء أكان القذف حال حياة ابن عمه أو بنت عمه أو موتهما.
فقد جاء فى الفتاوى الأنقروية نقلا عن البدائع خاصا بالحى: «المقذوف إن كان حيا: حاضرا أو غائبا، لا خصومة لأحد سواه، وإن كان ولده أو والده»
(3)
.
أما إن كان المقذوف ميتا، فقد جاء فى الهداية وفتح القدير والعناية ما حاصله:
(4)
.
مذهب المالكية:
ذهب المالكية إلى خلاف ما ذهب إليه الحنفية، فقد جعلوه حقا لكل وارث ولو
(1)
ج 8 ص 497.
(2)
المرجع السابق ص 501.
(3)
ج 1 ص 154 الطبعة الاميرية.
(4)
ج 4 ص 195 المطبعة الاميرية.
بالقوة، فيكون لابن العم شقيقا أو لأب الحق فى استيفاء حد القذف. أما ابن العم لأم فإنه لا حق له فيه إلا على الرأى الذى يقول بأنه يرث إذا فسد بيت المال، وهو رأى المتأخرين منهم، والمراد بالميراث بالقوة أن يرث الشخص إذا لم يوجد من هو حاجب له عن الميراث، فهو عند وجود هذا الحاجب وارث بالقوة.
فقد جاء بخصوص أن لكل وارث الحق فى إقامة حد القذف، فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ما حاصله:
«وللمقذوف القيام بحد قاذفه وإن علم أن ما رماه به القاذف صدر من نفسه، لأنه مأمور بالستر على نفسه.
فقد قال فيها (أى فى المدونة): حلال له أن يحده لأنه أفسد عرضه، كوارثه:
له القيام باستيفاء حد القذف لمورثه المقذوف قبل موته، بل وإن قذف بعد موته، وهذا الوارث ولد وولده وإن سفل، وأب وأبوه وإن علا، ثم أخ فابنه، ثم عم فابنه ..
وهكذا باقى الورثة من العصبة والأخوات والجدات، إلا الزوجين فإن المذهب أن لا حق لهما فى ذلك.
ولكل وارث من الورثة القيام بحق الموروث وإن وجد من هو أقرب منه كابن الابن مع وجود الابن، لأن المعرة تلحق الجميع، ولا سيما إذا كان المقذوف أنثى، خلافا لأشهب الذى يقول: يقدم الأقرب فالأقرب فى القيام بحق المورث المفذوف كالقيام بالدم (أى استيفاء حق القصاص)
(1)
.
أما بخصوص أن المراد بالوارث فى استيفاء حد القذف هو الوارث ولو بالقوة.
بأن وجد من يحجبه، فقد صرح به الدسوقى فى حاشيته على الشرح الكبير إذ يقول - فى بيان عبارة الشرح الكبير:
وللمقذوف القيام بحد قاذفه كوارثه - ما نصه: «المراد بقوله كوارثه: الوارث بالقوة لا بالفعل كابن الابن مع وجود الابن. وحينئذ فيشمل ما لو كان الوارث قاتلا أو عبدا أو كافرا، فله القيام بحد من قذف مورثه الحر المسلم: سواء كان ذلك المورث أصلا لذلك الوارث، أو فرعا له، أو غيرهما»
(2)
.
هذا من حيث استيفاء حد القذف.
أما من حيث العفو، فإن لابن العم مطلقا كما لسائر الورثة أن يعفو إلا إذا كان الميت قد أوصاه بالحد، فليس له فى هذه الحال أن يعفو.
فقد جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير نقلا عن البنانى عن ابن عرفة اللخمى:
(3)
.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن ابن العم الوارث:
مطلقا .. يحق له استيفاء حد القذف ولو عفا
(1)
ج 4 ص 331 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق.
(3)
المرجع السابق.
بعض الورثة أو سائرهم سواه على الأصح، فقد جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج فى باب اللعان ما حاصله: «وحد القذف والتعزير فيه (يورثان) كسائر حقوق الآدميين. والأصح أن حد القذف إذا مات المقذوف قبل استيفائه يرثه جميعه كل فرد من الورثة الخاصين (أى دون الوارث العام وهو الإمام) حتى الزوجين على سبيل البدل.
وليس المراد أن كل واحد له حد، وإلا تعدد بتعدد الورثة.
وقيل يرثه جميعهم إلا الزوجين، لارتفاع النكاح بالموت، والأصح أنه لو عفا بعض الورثة عن حقه فللباقين استيفاء جميعه، لأنه لكل فرد منهم، ولأنه عار والعار يلزم الواحد كما يلزم الجميع.
وقيل: يسقط جميعه كما فى القود.
وقيل: يسقط نصيب العافى ويستوفى الباقى، لأنه قابل للإسقاط، بخلاف القود»
(1)
.
وإذا كان ابن العم هو القاذف وكان هو الوارث سقط الحد.
فقد جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج: «ويسقط الحد فى القذف إما بعفو عن جميعه كغيره (من الحدود) أو بأن يرث القاذف الحد»
(2)
.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب يرث حد القذف عن مورثه إذا مات بعد أن طالب به، وليس لهما حق المطالبة به فى حياته أو بعد مماته إذا لم يطالب به، وقد بين هذا صاحب المغنى إذ يقول:
«وإذا مات المقذوف قبل المطالبة بالحد سقط، ولم يكن لورثته الطلب به» .:
(3)
.
وقوله إنه يكون للعصبات النسبية دون غيرهم رأى من آراء، فإنه قد جاء فى المحرر:«ويثبت قذف الميت والقذف الموروث لجميع الورثة حتى الزوجين، نص عليه، وقال القاضى فى موضع يختص به من سواهما من الورثة. وقيل يختص العصبة»
(4)
.
أما إذا قذف وهو ميت فقد بينه صاحب المحرر بقوله: «وإن قذف له موروث ميت فله حد القاذف بشرط إحصانه (أى إحصان الوارث، لأن القذف فى الحقيقة موجه إليه) وإن لم يكن الموروث محصنا» .
(1)
ج 3 ص 372 مطبعة مصطفى الحلبى.
(2)
المرجع السابق.
(3)
ج 9 ص 24، 25 الطبعة الاولى للمنار سنة 1348 هـ.
(4)
ج 2 ص 96 طبعة مطبعة السنة الخمدية.
وقال أبو بكر: «لا حد بقذف ميت، والأول هو الأصح»
(1)
.
ولا يسقط بعفو بعض أصحاب الحق، فقد قال ابن قدامة فى المغنى:«ومتى ثبت للعصبات فلهم استيفاؤه، وإن طلب أحدهم وحده فله استيفاؤه، وإن عفا بعضهم لم يسقط، وكان للباقين استيفاؤه»
(2)
.
أما ابن العم لأم فلا حق له فيما تقدم، لأنه ليس من العصبات، أو له الحق على رأى من يقول: إنه لكل وارث، إذا لم يكن له عصبة.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن حد القذف حق لله تعالى لا يتوقف استيفاؤه على طلب المقذوف ولا يصح العفو عنه لأنه لا حق له فيه.
فقد جاء فى المحلى أثناء الكلام على حد القذف: «أن عائشة أم المؤمنين قالت:
لما نزل عذرى قام النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر فأمر بالمرأة والرجلين أن يضربوا حدهم. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام حد القذف ولم يشاور عائشة أمنا رضى الله عنها أن تعفو أم لا».
ثم قال: «فصح أن الحد من حقوق الله تعالى ولا مدخل للمقذوف فيه أصلا، ولا عفو له»
(3)
.
مذهب الزيدية:
نقل صاحب البحر الزخار عن العترة أنه:
إذا كان المقذوف حيا فهو الذى يطلب حق نفسه ولا يورث ذلك عنه لأنه ليس بمال ولا يؤول إلى مال كخيار القبول فى البيع والنكاح، وإذا كان المقذوف ميتا طالب بالحد ولى نكاحه تقديرا، على تقدير أنه موجود وأراد أن يزوجه
(4)
.
فابن العم الشقيق أو لأب له هذا الحق إذا ثبتت له ولاية النكاح
(5)
.
أما ابن العم لأم فليس له هذا الحق، لأنه لا ولاية له فى نكاح ولد عمه لأمه
(6)
.
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب يرث حد القذف لولد عمه: ذكرا أو أنثى مادام وارثا.
فقد جاء فى شرائع الإسلام: «حد القذف موروث، يرثه من يرث المال من الذكور والإناث عدا الزوج والزوجة»
(7)
.
وإذا كان مع ابن العم المذكور ورثة آخرون غيره لا يسقط الحق فى حد القذف ما لم يعف كل الورثة الذين لهم حق ميراثه.
فقد جاء فى شرائع الإسلام: «إذا ورث الحد (أى حد القذف) جماعة لم يسقط
(1)
المرجع السابق.
(2)
ج 9 ص 25 الطبعة السابقة.
(3)
ج 11 ص 289، 290 الطبعة السابقة
(4)
ج 5 ص 166 الطبعة السابقة.
(5)
ج 3 ص 46، 47.
(6)
المرجع السابق.
(7)
ج 2 ص 250 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
بعضه بعفو البعض، وللباقين المطالبة بالحد تاما ولو بقى واحد»
(1)
.
الجنايات
إذا جنى ابن العم على ولد عمه جناية ما كقتل أو شجة أو غير ذلك من الجنايات يؤاخذ به كغيره من الناس، ولم نر خلافا بين الفقهاء فى هذا (راجع: جناية).
وانما الخلاف فى حقه فى المطالبة بما تستوجبه هذه الجناية شرعا، وفى أن له حق العفو أم لا، وفى أنه لا يقتص منه لعارض استدعى ذلك.
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العم: مطلقا، إذا كان وارثا لابن عمه المقتول استحق استيفاء القصاص هو والورثة الآخرون، وهذا متفق عليه بين أئمة الأحناف، ولا خلاف بينهم إلا من حيث كون هذا الحق ثبت للورثة ابتداء، أو ثبت وراثة، والمآل فى استحقاق الإستيفاء واحد.
فقد قال صاحب الفتاوى الأنقروية نقلا عن الحدادى شارح القدورى: «ويورث دم المقتول كسائر أمواله، ويستحقه من يرث ماله، ويحرم منه من يحرم أرث ماله، ويدخل فيه الزوجان»
(2)
.
وقد جرى فى كونه إرثا هنا على رأى أبى يوسف ومحمد، أما أبو حنيفة فإنه يرى أنه يثبت هذا الحق للورثة ابتداء.
فقد قال فى الفتاوى الأنقروية، نقلا عن الخلاصة:«القصاص حق الورثة ابتداء، وعندهما حق الميت ثم ينتقل إلى الورثة»
(3)
.
ويصح لابن العم، شقيقا أو لأب أو لأم، إن كان وارثا، أن يعفو عن القاتل من غير بدل أو يصالح على بدل فى نصيبه وحينئذ يسقط حق باقى الورثة فى استيفاء القصاص.
فقد جاء فى الهداية: «وإذا عفا أحد الشركاء عن الدم، أو صالح من نصيبه على عوض سقط حق الباقين فى القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية» .
ثم قال: «ومن ضرورة سقوط حق البعض فى القصاص سقوط حق الباقين فيه، لأنه لا يتجزأ»
(4)
.
وحينئذ ينقلب حق الباقين مالا.
مذهب المالكية:
وذهب المالكية إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب، باعتباره أحد العصبة الذكور، يكون له حق استيفاء القصاص ابتداء.
(1)
المرجع السابق ص 251.
(2)
ج 1 ص 173 الطبعة الأميرية.
(3)
ج 1 ص 173 الطبعة الأميرية.
(4)
نتائج الأفكار ج 8 ص 275، 277 الطبعة الأميرية.
فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: «والاستيفاء، أى استيفاء القصاص فى النفس من الجانى لعاصب المقتول لا لغيره من الذكور، ويكون عاصبا بنفسه فلا دخل فيه لزوج إلا أن يكون ابن عم لزوجته المقتولة، ولا لأخ لأم، أو جد لأم، وقدم ابن فابنه كالولاء.
يقدم الأقرب فالأقرب من العصبة فى إرثه، إلا الجد والأخوة فسيان هنا فى القتل والعفو»
(1)
.
هذا ما يتعلق بحق ابن العم فى استيفاء القصاص ابتداء، أما استحقاقه إرثا فإنه يكون إذا كان وارثا لأحد المستحقين
(2)
للاستيفاء ابتداء.
أما ابن العم لأم فلا يرث القصاص، على ما يفهم من النصوص السابقة، إلا فى حالة إرث القصاص ولم يكن لمستحق الاستيفاء الذى مات وارث قبله كأن يكون أبا لزوجة ابن عمه لأمه المقتول، فترك ابنا ورث حق الاستيفاء، ثم مات الابن قبل الاستيفاء، فورثته أمه حيث لا وارث له غيرها. ثم ماتت أيضا قبل الاستيفاء، فورثه أبوها، الذى هو ابن العم لأم.
مذهب الشافعية:
قد ذهبوا إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب يكون له الحق فى استيفاء القصاص فى النفس ابتداء إن كان وارثا، وفى رأى أن هذا الحق ثبت إرثا، لأنه كان حقا للمقتول.
فقد جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج: «الصحيح المنصوص ثبوت القصاص فى النفس ابتداء لا تلقيا من المقتول، لكل وارث خاص من ذوى الفروض والعصبة: أى يرثه جميع الورثة لا كل فرد فرد من أفراد الورثة، وإلا لجاز انفراد الواحد منهم بالقصاص.
ويقسم القصاص بين الورثة على حسب إرثهم، لأنه حق يورث، فكان كالمال.
والقول الثانى: يثبت للعصبة الذكور خاصة، لأن القصاص لرفع العار، فاختص بهم كولاية النكاح.
والثالث: يستحقه الوارثون بالنسب دون السبب، لانقطاع السبب بالموت»
(3)
.
ومقتضى هذا النص ألا يستوفى قصاص النفس إلا باتفاقهم جميعا، وأما قصاص الأطراف إذا مات من يستحقه فقد بينه صاحب مغنى المحتاج فقال:«أما قصاص الطرف إذا مات مستحقه فإنه يثبت لجميع الورثة قطعا»
(4)
.
وإذا عفا ابن العم وكان معه ورثة آخرون صح العفو وسقط القصاص وان لم يعف غيره.
(1)
ج 4 ص 256 الطبعة السابقة.
(2)
ج 4 ص 262 الطبعة السابقة.
(3)
ج 4 ص 39، 40 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر.
(4)
المرجع السابق ص 40.
فقد جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج:
(1)
.
أما ابن العم لأم عند عدم الوارث فرضا أو تعصيبا، فإنه لا يرث القصاص إلا على رأى المتأخرين الذين قالوا بتوريث ذوى الأرحام إذا فسد بيت المال.
وقد بين ذلك صاحب مغنى المحتاج فقال: «وقياس توريث ذوى الأرحام فى غير القصاص أن يقال به: أى بالتوريث فى القصاص أيضا»
(2)
.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن القصاص حق لأولياء القتيل، وهم كل من ورث المال، وابن العم شقيقا أو لأب منهم إن كان وارثا. وكل من ورث المال يرث القود على قدر إرثه من المال، ولا يستوفى القصاص إلا باتفاقهم على استيفائه. فإذا عفا بعضهم سقط القصاص.
فقد قال صاحب المحرر: «كل من ورث المال ورث القود على قدر إرثه من المال» .
وقال فى شروط استيفاء القصاص:
«يشترط اتفاق الأولياء المشتركين فيه على استيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به»
(3)
.
والمراد بالوارث فى عبارة المحرر هو الوارث بالفعل.
فقد جاء فى المغنى لابن قدامة ما يدل على هذا
(4)
.
أما ابن العم لأم فإنه يرث القود كذلك إذا كان وارثا بالفعل.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب، له الخيار فى القصاص أو الدية إذا شاء ذلك، رضى القاتل أو أبى، لأنه أحد الأولياء الذين لهم هذا الحق
(5)
.
وهذا الحق لا يورث، فلو استحقه عم ومات وترك ابنا له، لا يكون له حق الخيار فليس كالمال.
فقد جاء فى المحلى: «ومن مات من الأهل لم يورث عنه الخيار، لأن الخيار للأهل بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لم يكن من الأهل فلا خيار له أصلا، إذ لم يوجب ذلك نص ولا إجماع.
والخيار ليس مالا فيورث»
(6)
.
ولا يلزم أن يكون ولى الدم وارثا
(7)
.
(1)
ج 4 ص 48، 49 الطبعة السابقة.
(2)
ج 4 ص 40 الطبعة السابقة.
(3)
ج 2 ص 131.
(4)
ج 9 ص 364 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى ج 10 ص 360 إدارة الطباعة المنيرية.
(6)
المرجع السابق ص 484 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ص 481.
وإذا أسقط أحد المستحقين حقه فى القصاص دون غيره لم يسقط القصاص، بل يجب
(1)
.
وابن العم لأم ليس كابن العم الشقيق أو لأب، لأن المقتول لا ينتمى إليه، فلا يحق له طلب القصاص.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون له حق استيفاء القصاص إن كان وارثا.
فقد جاء فى البحر الزخار: «ويورث القصاص إجماعا، وقال العترة: يستحقه الوارث بنسب أو سبب»
(2)
.
وإذا أسقط ابن العم حقه فى القصاص بعفو سقط حق باقى الورثة فى القصاص.
فقد جاء فى البحر الزخار: «ويسقط القود بعفو أحد الشركاء» .
أما إذا كان ابن العم، شقيقا أو لأب، هو القاتل فإن القود لا يسقط إلا بعفو بعض من يستحقه، وكذلك يسقط إذا ورث ابن العم هذا، بعض القود: بأن كان للقتيل ابن وبنت ثم مات الابن قبل استيفاء القصاص، فإن ابن العم القاتل يرث بعض القود.
فقد جاء فى التاج المذهب: «يسقط القصاص بإرث القاتل بعض القصاص من مستحقه
(3)
.
أما ابن العم لأم فحكمه كحكم ابنى العم، الشقيق ولأب، لأنه من قرابة النسب.
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية إلى أن ابن العم الوارث يثبت له حق القصاص، ويكون له العفو عن القصاص والدية، أو استبدال الفداء بالقصاص. وذلك إذا كان هو الوارث وحده.
أما إذا كان معه وارث آخر غير الزوج والزوجة فلا يسقط القصاص بصلحه وحده.
فقد جاء فى المختصر النافع: «قتل العمد يوجب القصاص ولا تثبت الدية فيه إلا صلحا، ولا تخيير للولى (أى فى أحد الأمرين: القصاص أو الدية)، ولو اختار بعض الأولياء الدية فدفعها القاتل لم يسقط القود على الأشبه، وللآخرين القصاص بعد أن يردوا على المقتص منه نصيب من فاداه.
وإن عفا البعض (أى عفوا كاملا دون دية أو مفاداة أصطلح عليها) لم يقتص الباقون حتى يردوا على المقتص منه نصيب من عفا»
(4)
.
(1)
المرجع السابق ص 481، 482.
(2)
ج 5 ص 235 الطبعة السابقة.
(3)
ج 4 ص 283 طبعة دار إحياء الكتب العربية
(4)
ص 313، 314 الطبعة السابقة.
وابن العم، شقيقا أو لأب، يرث القصاص كما يرث المال
(1)
.
أما ابن العم لأم فإنه يرث القصاص إذا كان يرث بأن لم يكن للميت من هو أولى منه بالميراث من ذوى الأرحام بناء على أحد رأيين عندهم اعتبارا بإرث المال:
وأما على الرأى الثانى، وهو الأظهر عندهم، فإنه لا يرث القصاص، لأن مقتضاه ألا يرث القصاص إلا العصبة.
مذهب الإباضية:
إذا قتل ابن العم أو بنت العم، شقيقين أو لأب فإن ابن عمهما الشقيق أو لأب يكون له حق إرث القصاص.
فقد جاء فى كتاب النيل وشرحه:
(2)
.
وكما يرث ابن العم، شقيقا أو لأب، دم المقتول باعتباره وليا له فإنه يرثه أيضا عمن مات من أولياء المقتول قبل استيفائه إن كان وارثا لهذا الميت فى الأصح
(3)
.
الديات
لا يختص ابن العم بحكم فى الدية باعتباره ابن عم، وإنما يدور الحكم فى ذلك على كونه قاتلا فيتحمل الدية إذا وجبت على القاتل وهو فى هذا كأى قاتل، وكونه وارثا فيستحق فيها كغيره ممن يرث.
وللمذاهب فى ذلك تفصيلات ليس هنا موضع بيانها، راجع فى ذلك مصطلح:
«دية» .
العتق
الحنفية، والمالكية، والشافعية،
والحنابلة، والظاهرية، والزيدية:
ذهبوا إلى أن من ملك ابن عمه أو ابنة عمه سواء أكانا شقيقين أم لأب أم لأم، بسبب من أسباب الملك فإنه لا يعتق عليه بمقتضى هذا الملك. وذلك لأنه ليس ذا رحم محرم نسبا كما يقول الحنفية والعترة من الزيدية، وابن حزم الظاهرى، أو لأنه ليس من عمود النسب ولا الحواشى القريبة وهم الأخوة والأخوات كما يقول المالكية، أو لأنه ليس ذا رحم محرم على رواية عند الحنابلة، أو ليس من عمود النسب علي رواية أخرى، أو لأنه ليس من عمود النسب كما يقول الشافعية
(4)
.
مذهب الإمامية:
أما الإمامية فقد جاء فى المختصر النافع:
«ولا يملك الرجل ولا المرأة أحد الأبوين وإن علوا، ولا الأولاد وإن سفلوا، وكذا لا يملك الرجل خاصة ذوات الرحم من النساء المحرمات، وينعتق هؤلاء بالملك.
ويملك غيرهم من الرجال والنساء على
(1)
شرائع الإسلام ج 2 ص 281 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(2)
ج 7 ص 621.
(3)
شرح النيل ج 8 ص 168.
(4)
شرح الميدانى على القدورى ج 2 ص 128 طبعة الآستانة، الشرح الكبير ج 4 ص 366 الطبعة السابقة، المنهاج ومغنى المحتاج ج 4 ص 499، 500 الطبعة السابقة، المحرر ج 2 ص 4 الطبعة السابقة، البحر الزخار ج 4 ص 193، 194 الطبعة السابقة، المحلى ج 9 ص 200 الطبعة السابقة.
كراهية، وهل يعتق عليه بالرضاع من ينعتق بالنسب، فيه روايتان أشهرهما أنه ينعتق وثبت الملك
(1)
.
تغسيل ابن العم لبنت عمه
ابن العم حكمه حكم الرجال فى عدم جواز تغسيلهم النساء بعد الوفاة إلا إذا كان زوجا على تفصيل فى المذاهب فى حكم تغسيل الزوج لزوجته (انظر التغسيل فى مصطلح تغسيل الميت).
صلاة ابن العم على ولد عمه
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون أحق بالإمامة فى الصلاة على ولد عمه ذكرا كان أو أنثى إذا لم يوجد من هو أولى منه.
وترتيب ابن العم، شقيقا أو لأب، يجئ بعد درجة البنوة والأبوة والأعمام
(2)
أما ابن العم لأم فلا حق له فى هذه الإمامة، لأنه من ذوى الأرحام، ولا حق لهم.
مذهب المالكية:
ذهب المالكية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون أحق بالإمامة فى الصلاة إذا كان أقرب العصبة إلى الميت بعد الخليفة والوصى، ولا مدخل للزوجية هنا، ويقدم على الجميع حتى الوالى إذا أوصت بنت عمه بأن يصلى عليها ورجى خيره لصلاحه
(3)
.
أما ابن العم لأم فلا حق له فى ذلك، لأنه ليس من العصبة.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون أحق بالإمامة فى الصلاة على بنت عمه إذا كان أقرب العصبة الموجودين ولا مدخل للزوجية هنا حتى ولو أوصت الميتة بأن يصلى عليها
(4)
.
أما ابن العم لأم فإنه يكون أحق إذا لم يوجد عصبة وكان أقرب ذوى الأرحام الموجودين
(5)
.
مذهب الحنابلة:
ابن العم بالنسبة لإمامة الصلاة على ابن عمه أو بنت عمه على ترتيبه فى العصبات إلا إذا كان الميت أوصى إليه خاصة فيقدم على الأولياء ما لم يكن فاسقا أو مبتدعا
(6)
.
ونظرا إلى أن ابن العم الشقيق فى درجة ابن العم لأب فقد ورد فيهما رأيان اذا اجتمعا.
(1)
ص 237 الطبعة السابقة.
(2)
الميدانى شرح القدورى ج 1 ص 136 الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 428 الطبعة السابقة.
(4)
المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ج 1 ص 347 الطبعة السابقة.
(5)
مغنى المحتاج ج 1 ص 347 الطبعة السابقة.
(6)
المغنى ج 2 ص 366، 368 الطبعة السابقة.
فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: «فإن أجتمع أخ من الأبوين وأخ من الأب ففى تقديم الذى من الأبوين أو التسوية بينهما وجهان، والحكم فى أولادهما وفى الأعمام وأولادهم كالحكم فيهما سواء»
(1)
.
أما ابن العم لأم فهو من ذوى الأرحام وله حق الصلاة على ترتيبه بينهم إذا لم يوجد عاصب
(2)
.
مذهب الزيدية:
ابن العم، شقيقا أو لأب، له حق الصلاة كغيره من العصبات على ترتيبه بينهم وعندهم خلاف فى تقديم السلطان على العصبات
(3)
.
أما ابن العم لأم فلا حق له فى ذلك، لأنه ليس من الأولياء.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب النيل: «أولى الناس بالصلاة على الميت أبوه ثم الزوج، ثم الابن ثم الأخ، ثم الأقرب فالأقرب»
(4)
.
ابن العمة
قرابته بين ذوى الأرحام:
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة: شقيقة أو لأب أو لأم، من أولاد الصنف الرابع من ذوى الأرحام والصنف الرابع ينتمى إلى جدى الميت أو جدتيه، وهم الأعمام لأم، والأخوال والخالات ثم أولادهم وإن نزلوا (انظر: ذوى الأرحام)
(5)
.
المالكية والشافعية والحنابلة:
ذهب أصحاب هذه المذاهب إلى أن ابن العمة: شقيقة أو لأب أو لأم ليس له مركز خاص بين ذوى الأرحام بحيث يفضلهم، بل ينزل مثلهم منزلة من يدلى به ويرث ما كان يرثه.
مذهب الزيدية:
الزيدية جعلوا ابن العمة كغيره من ذوى الأرحام، لا يتقدم على أحدهم بصفته هذه، بل بعارض كأن يكون أسبق من غيره.
مذهب الإمامية:
ليس عندهم توريث خاص بالرحم، بل قسموا الميراث بين ذوى النسب وذوى السبب، وقسموا ذوى النسب إلى ثلاث مراتب: الآباء والأولاد، والجد وان علا
(1)
ج 2 ص 368 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق.
(3)
البحر الزخار ج 2 ص 114، 115 الطبعة الأولى.
(4)
ج 1 ص 110.
(5)
السراجية ص 269، 270، 294 طبعة الكردى.
ومعه الأخوة والأخوات، المرتبة الثالثة مرتبة العمومة والخئولة وتشتمل على أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات
(1)
.
مذهب الإباضية:
ذهبوا إلى أن كل واحد من ذوى الأرحام ينزل منزلة من يدلى به، فلا يكون لابن العمة مركز خاص يتعلق بقرابته عندهم.
أحكام ابن العمة
الولاية
اختلف فقهاء الحنفية فى الولاية على النفس، فقال الصاحبان إنها قاصرة على العصبة، فليس لقريب آخر هذه الولاية.
وقال أبو حنيفة: إنها تكون لغير العصبات فتنتقل إلى غيرهم إذا لم يوجدوا، فتكون لذوى الأرحام، فابن العمة له الحق فى هذه الولاية على رأى أبى حنيفة، وليس له ذلك على رأى الصاحبين
(2)
.
أما الولاية على المال فابن العمة لا حق له فيها لأنها ليست إلا للأب ثم وصيه إلى آخر ما ذكر فى الولاية على المال
(3)
.
مذهب المالكية:
والمالكية على أن ابن العمة - باعتباره من ذوى الأرحام - لا تكون له ولاية على النفس، لأن هذه الولاية خاصة بالعصبات عندهم
(4)
.
أما الولاية على المال فكذلك لا يتولاها، لأنها إنما تكون للأب الرشيد أو وصيه إلى آخر ما ذكره
(5)
.
مذهب الشافعية:
والشافعية على أنه ليس لابن العمة ولاية تزويج بنت خاله، لأنهم جعلوها للعصبة الذين من قبل الأب وليس لذوى الأرحام حق فيها
(6)
.
وكذلك ليست له الولاية على المال، لأنها خاصة بالأب ثم الجد إلى آخر ما ذكروه
(7)
.
مذهب الحنابلة:
والحنابلة: على أنه لا ولاية لابن العمة فى تزويج بنت خاله، لأنه ذو رحم لها، ولا ولاية عندهم فى ذلك إلا للعصبات، وكذلك لا ولاية له على المال
(8)
.
مذهب الظاهرية:
ليس لابن العمة ولاية فى تزويج بنت خاله، ولا يختص ابن العمة فى الولاية على المال بحكم وصفه ابن عمة
(9)
.
مذهب الزيدية:
والزيدية على أن ابن العمة ليس له ولاية على ولد خاله: ولدا أو بنتا، لا على النفس ولا على المال إذ الولاية على النفس
(1)
المختصر النافع ص 265، 268، 269، 271.
(2)
فتح القدير ج 2 ص 413 الطبعة الأميرية.
(3)
ابن عابدين ج 5 ص 122 طبعة دار الكتب العربية.
(4)
الشرح الكبير ج 2 ص 225، 226 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(5)
الشرح الكبير ج 3 ص 299.
(6)
مغنى المحتاج ج 2 ص 151، 152.
(7)
المرجع السابق ص 173، 174.
(8)
المغنى ج 7 ص 350 الطبعة السابقة والمحرر لأبى البركات ج 1 ص 246.
(9)
محلى ج 9 ص 456، ج 8 ص 323.
إنما تكون للعصبة، فإذا لم توجد عصبة لا نسبية ولا سببية فإنها تكون للإمام، والولاية على المال، عندهم، قاصرة على الأب العدل ثم الجد إلى آخر ما ذكروه
(1)
.
مذهب الإمامية:
لا ولاية عندهم على النفس لغير الأب، والجد للأب وإن علا، والوصى، والمولى والحاكم، فليس لابن العمة ولاية على النفس، وكذلك ليس له ولاية على المال
(2)
.
مذهب الإباضية:
ذهبوا إلى أنه لا ولاية لابن العمة على ولد خاله الصغير: ذكرا أو أنثى فى النفس لأنه ليس من العصبة.
أما الولاية على المال فإنه له إن يلى مال ولد خاله إذا لم يكن هناك أقرب منه، لأن هذه الولاية تشمل كل الأقارب، الأقرب فالأقرب.
الحضانة
مذهب الحنفية:
ذهبوا إلى أنه ليس لابن العمة حضانة بنت خاله الصغيرة، لأنه وإن كان ذا رحم فإنه ليس محرما لها، وكذا ابن خاله، لأن حق الحضانة يكون لذوى الأرحام المحارم إذا لم يوجد عصبة
(3)
.
مذهب المالكية:
الذى يؤخذ من كلام الدردير فى الشرح الكبير أنه لا حضانة لابن العمة، شقيقة أو لأب أو لأم، لأنه ذكر الحاضنين من أقارب المحضون ولم يذكر فيهم ابن العمة وانتقل منهم إلى المولى الأعلى، أى المعتق
(4)
.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن ابن العمة لا يكون حاضنا على الأصح، فإنه بعد أن ذكر صاحب مغنى المحتاج على متن المنهاج من يكون لهم الحضانة قال:«فإن فقد فى الذكر الحاضن الإرث والمحرمية معا كابن خال وابن عمة، أو الإرث فقط والمحرمية باقية كأبى أم وخال فلا حضانة لهم فى الأصح .. ثم قال: وغير الأصح له الحضانة لشفقته بالقرابة»
(5)
.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة ليس له حق الحضانة، لأنه ليس بعاصب، وقيل إن لم يكن هناك عصبة تثبت له كما تثبت لغيره من الأقارب الذين ليسوا بعصبة على هذا الرأى. ولكن يلزم إذا كانت كبيرة أن تكون محرمة عليه، برضاع ونحوه.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة مطلقا صاحب حق فى الحضانة،
(1)
البحر الزخار ج 3 ص 46، 48 وشرح الأزهار ج 2 ص 221، 223 طبعة حجازى، والبحر الزخار ج 5 ص 88.
(2)
المختصر النافع ص 196 الطبعة السابقة وشرائع الإسلام ج 1 ص 205 الطبعة السابقة.
(3)
الزيلعى ج 3 ص 48 الطبعة الأميرية وحاشية الشلبى عليه.
(4)
ج 2 ص 527، 528 الطبعة السابقة.
(5)
ج 3 ص 454 طبعة مصطفى الحلبى.
ويتولاها إذا كان أحوط لابن خاله وابنة خاله فى دينهما ودنياهما إذا لم يكن هناك عصبة ولا ذوو أرحام محارم، لأنه من ذوى الرحم، وهم أولى من غيرهم بكل حال، ويقدم عليهم إن كان أقرب منهم
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: إذا عدمت العصبات المحارم وغير المحارم وذوو الأرحام المحارم، انتقلت الحضانة إلى من وجد من ذوى رحم غير محرم كابن الخال وابن الخالة وابن العمة، الأقرب فالأقرب، وولايتهم كذلك: أى هم أولى بالذكر دون الأنثى كالعصبات غير المحارم.
وعند الكلام على العصبات غير المحارم قال بخصوص الأنثى: «وأما الأنثى فلا حضانة تجب لهم فيها، بل هم وسائر المسلمين على سواء فى حقها، فينصب الإمام أو الحاكم من يحضنها»
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الإسلام فى الحضانة:
«فإن فقد الأبوان فالحضانة لأبى الأب فإن عدم قيل: كانت الحضانة للأقارب وترتبوا ترتب الإرث، وفيه تردد
(3)
.
النفقة
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة لا تلزمه نفقة ابن خاله أو ابنة خاله، لأنه ليس كل منهما ذا رحم محرم منه وشرط وجوب النفقة عندهم أن يكون من تجب له النفقة على قريبه ذا رحم محرم منه كما لا تجب نفقته على ابن خاله وابنة خاله، فقد جاء فى الفتاوى الأنقرويه
(4)
ما يدل على هذا.
مذهب المالكية والشافعية:
ذهب المالكية إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة ابن خاله ولا بنت خاله مثله فى ذلك مثل ابن العم مطلقا، كما لا تجب نفقته عليهما لأن النفقة عندهم لا تجب إلا للأصول والفروع المباشرين، وكذلك الحكم فى عدم وجوب النفقة من الجانبين عند الشافعية لأنها لا تجب عندهم إلا للأصول والفروع مطلقا (انظر: باب النفقة، نهاية المحتاج)، ونقلا أيضا عن الشرح الكبير
(5)
.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة ابن خاله ولا بنت خاله، ولا تجب له عليهما كذلك، لأن كلا منهما من ذوى الأرحام الذين ليسوا من عمودى النسب، وهذا أحد قولين، وخرج أبو الخطاب فى وجوبها عليهم رواية أخرى، وهى أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات وذوى الفروض، لأنهم وارثون فى تلك الحال، النصوص الدالة على ذلك (انظر:
الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى)
(6)
.
(1)
المحلى ج 10 ص 323 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(2)
ج 2 ص 526 الطبعة السابقة.
(3)
ج 2 ص 45
(4)
ج 1 ص 105.
(5)
ج 1 ص 522، 523.
(6)
ج 9 ص 280.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة لا يجب عليه الإنفاق على ولد خاله، ولا له عليهم، لأنهم جميعا ذوو رحم غير محرم. والنفقة إنما تكون بين ذوى الرحم إذا كانوا محرما، النصوص الدالة على ذلك من المحلى
(1)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة يجب عليه نفقة ابن خاله وبنت خاله، وتجب عليهما له إذا كان من نحكم عليه بالنفقة يرث الآخر، النصوص الدالة على ذلك من شرح الأزهار
(2)
.
مذهب الإمامية:
قد ذهبوا إلى أنه لا تجب النفقة على ابن العمة ولا له على أولاد خاله لأنه لا تجب النفقة على غير عمودى النسب من الأقارب لكن تستحب وتتأكد فى الوارث منهم، والنصوص الدالة على ذلك من شرائع الإسلام
(3)
.
مذهب الإباضية:
ذهب هؤلاء إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة أولاد خاله كما لا تجب له عليهم لأن مدار النفقة عندهم أن يكون المنفق من قوم المنفق عليه ووارثا له وهؤلاء ليس بعضهم من قوم بعض ولو ورثه، لأنهم يورثون ذوى الأرحام ولكن ورد عندهم رأى صححه أبو زكريا منهم أنهم إن كان بعضهم يرث بعضا فيكون عليه بقدر إرثه والنصوص الدالة على ذلك من كتاب شرح النيل
(4)
.
الميراث
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة يرث أولاد خاله إذا لم يوجد لهم صاحب فرض ولا عاصب ولا من هو أولى منه من ذوى الأرحام ولا يمنعه من ذلك وجود الزوج أو الزوجة لأنهما لا يرد عليهما شئ مما بقى من التركة بعد استيفاء الموجود منهما حقه (انظر: إرث ذوى الأرحام).
مذهب المالكية:
قد ذهب متأخروهم إلى توريث ذوى الأرحام (انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقى)
(5)
وهم يسيرون فى توريث ابن العمة على مذهب أهل التنزيل فينزلونه منزلة من يدلى به إلى الميت.
مذهب الشافعية:
ذهب متأخروهم فى رأى، ومتقدموهم أيضا، إلى توريث ذوى الأرحام، وعلى ذلك يرث ابن العمة إذا لم يوجد عاصب ولا ذو فرض يرد عليه ولا يمنعه أحد الزوجين لو كان موجودا.
(1)
ج 10 ص 100، 106.
(2)
ج 2 ص 549، 550.
(3)
ج 2 ص 48.
(4)
ج 7 ص 210، 211.
(5)
ج 4 ص 468.
طريقة توريثه
يورثونه على طريقة أهل التنزيل، وهى الأصح عندهم إذا كان معه غيره من ذوى الأرحام، أما إذا انفرد فإنه يأخذ كل المال (انظر ارث ذوى الأرحام).
مذهب الحنابلة:
ذهبوا كغيرهم ممن تقدم إلى أن ابن العمة، شقيقة أو لأب أو لأم، من ذوى الأرحام، وأن ذوى الأرحام يرثون إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب، المرجع: كتاب المغنى لابن قدامة
(1)
.
طريقة توريثه:
ينزل عندهم منزلة من يدلى به إلى الميت من الورثة، فإذا لم يكن معه أحد من ذوى الأرحام أحق منه أخذ كل المال (أنظر:
إرث ذوى الأرحام).
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة لا يرث، لأنه من ذوى الأرحام وهو لا يورث ذوى الأرحام، أنظر كتاب «المحلى»
(2)
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن ابن العمة يرث، لأنه ذو رحم، وهم يورثون ذوى الأرحام، البحر الزخار
(3)
(أنظر: إرث ذوى الأرحام).
مذهب الإمامية:
ذهبوا إلى أن ابن العمة يرث ما كانت ترثه أمه، فقد جاء فى المختصر النافع
(4)
:
«ويقوم أولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم» .
والمراد من الآباء هنا ما يشمل الأمهات من باب تغليب المذكر علي المؤنث فى التعبير، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر (أنظر: أرث ذوى الأرحام).
مذهب الإباضية:
ذهبوا إلى أن ابن العمة يرث إذا لم يوجد عاصب ولا ذو سهم إن لم يكن من هو أولى منه من ذوى الأرحام، لأنهم يذهبون إلى توريث ذوى الأرحام.
طريقة توريثه:
مذهبهم فى توريث ذوى الأرحام مذهب أهل التنزيل كالشافعية والحنابلة والمالكية، وعلى هذا ينزلون ابن العمة منزلة أمه، وأمه منزلة أب الميت (أنظر أرث ذوى الأرحام).
الوصية
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن الوصية لوارث تتوقف فى نفاذها على إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا عند موت ولد خاله الذى أوصى له، أخذ هذا الحكم وإلا كان
(1)
ج 7 ص 81 طبعة المنار.
(2)
ج 9 ص 312 دار الطباعة المنيرية.
(3)
ج 5 ص 352 الطبعة الأولى.
(4)
ص 271 الطبعة الثانية لوزارة الاوقاف.
حكمه فى الوصية حكم الأجنبى (انظر:
تبيين الحقائق للزيلعى)
(1)
.
مذهب المالكية:
ذهب المالكية فى المشهور عندهم إلى أن الوصية لوارث باطلة، فإذا كان ابن العمة وارثا لا تصح الوصية له ولو بقليل زيادة علي حقه، وعندهم رأى آخر أنها صحيحة متوقفة على اجازة الورثة. ويعتبر وارثا أو غير وارث بحال الموت، والمعتبر فى وقت الإجازة التى تلزم المجيز هو موت الموصى، أو مرضه مرضا لم يبرأ منه، أما فيما عدا ذلك فالإجازة غير لازمة (الشرح الكبير وحاشية الدسوقى)
(2)
.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن الوصية لوارث تتوقف على إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا لا تصح الوصية له إلا إذا أجاز الورثة، وهو الرأى الراجح عندهم، والرأى الأخر أنها باطلة وإن أجازوها، والعبرة بكونه وارثا أو غير وارث هو وقت الموت لا وقت الوصية، وإن العبرة فى الإجازة أو الرد هو ما بعد موت الموصى، فلا يعتبر ما يكون منهم فى حال حياته (مغنى المحتاج والمنهاج)
(3)
.
مذهب الحنابلة:
عندهم أن الوصية للوارث تتوقف فى نفاذها علي إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا كانت الوصية له موقوفة على الإجازة وهو الأشهر، وفى قول أنها باطلة وإن أجازها باقى الورثة. والعبرة بكونه وارثا أو غير وارث هو وقت الموت.
والعبرة فى إجازة الوصية أو ردها بوقت ما بعد موت الموصى (المغنى وكشاف القناع)
(4)
.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة تصح الوصية له، لأنه غير وارث، إذ هو من ذوى الأرحام، وهم لا ميراث لهم عنده ولو لم يكن للميت أقارب سواهم، ما لم تكن وصية أو حقوق أخرى عليه، ولكنه يشترط إذا أوصى لغير وارث ألا تزيد الوصية عن الثلث، حتى ولو أجاز الورثة ذلك (انظر المحلى)
(5)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة إذا كان غير وارث تصح الوصية له إجماعا، ولكنها تنفذ من الثلث، أما ما زاد عليه فلا بد فيه من إجازة الورثة، وإجازتها فى حال حياة الموصى وبعد موته. ولكنها إذا كانت فى حال الحياة فالرجوع فيها قد روى فيه رأيان: رأى بالجواز، ورأى بعده الجواز، أما بعد موت الموصى فلا رجوع فيها قولا واحدا (البحر الزخار)
(6)
.
(1)
ج 6 ص 182، 183 الطبعة الأميرية.
(2)
ج 4 ص 427، 437، 438 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(3)
ج 3 ص 43 طبعة مصطفى البابى الحلبى.
(4)
ج 6 ص 419، 430 الطبعة السابقة، ج 3 ص 1، 5 الطبعة العامرة.
(5)
ج 9 ص 317 الطبعة المنيرية.
(6)
ج 5 ص 308، 309، 306 الطبعة الاولى.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن ابن العمة يصح الإيصاء له ما دام مسلما غير وارث، والمراد بكونه غير وارث أن يكون كذلك عند موت ابن خاله الذى أوصى له، وإذا أذن الورثة للموصى بالوصية فى حال حياته بأكثر من الثلث لم يكن له الرد بعد وفاته على رأى. وفى رأى آخر لهم ذلك (كتاب النيل وشرحه)
(1)
.
الحج والسفر والخلوة
لا يختص ابن العمة فى الحج والسفر والخلوة بحكم فى هذا بالنسبة لابنة خاله لكنه إذا كان زوجها أو ثبتت محرميته لها بسبب آخر كالرضاع والمصاهرة كان حكمه حكم المحارم، وإن لم يكن أحد هذه الأمور أخذ حكم الأجنبى.
غير أن المالكية يجيزون خلوة ابن العمة ببنت خاله عند الضرورة كأن يجدها فى مفازة أو مكان منقطع وخشى عليها الهلاك فإنه يجب عليه أن يصحبها ولو أدى إلى خلوة، وعليه أن يحترس جهده، كما أجازوا له أن يسافر بها إذا كان وصيا لها ولم يكن لها أهل تخلف عندهم، وكان مأمونا، وهذا الحكم يشمل ابن العمة وغيره
(2)
.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: جاء فى المنهاج وشرحه
(3)
ما حاصله: وتثبت الحضانة لكل ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث وكذا غير المحرم كابن العم على الصحيح لوفور شفقته، والثانى: لا، لفقد المحرمية ولا تسلم إليه مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة، فإن كان له بنت مثلا يستحى منها جعلت عنده مع بنته، وابن العمة فى هذا كابن العم (انظر محارم، أجنبى، خلوة).
الزكاة
مذاهب الحنفية والمالكية
والشافعية والإمامية:
ذهب هؤلاء الفقهاء إلى أن ابن العمة يجوز له أن يعطى أولاد خاله زكاة ماله متى توفرت فيهم شروط من تصرف لهم الزكاة:
بأن يكونوا فقراء أو مساكين أو كانوا من العاملين عليها .. إلى آخر ما يذكر فى المصارف.
وقد ذكرنا النصوص الدالة على ذلك عند الكلام على الزكاة فى مصطلح «ابن العم» أخذا من كتاب «العناية والهداية عند الحنفية، والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه عند المالكية.
ومغنى المحتاج عند الشافعية.
والمختصر النافع عند الإمامية
(4)
.
أما صدقة الفطر فلا يجب على ابن العمة اخراجها عن أولاد خاله عند الحنفية والمالكية والشافعية، وقد تقدم ذكر النصوص
(1)
ج 6 ص 215، 203، 205، 213.
(2)
الحطاب ج 2 ص 523.
(3)
ج 1 ص 467.
(4)
ج 2 ص 21، ج 1 ص 492، ج 3 ص 112، ص 83 الطبعات السابقة.
الدالة على ذلك عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح «ابن العم» أخذا من كتاب الزيلعى عند الحنفية، والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ومغنى المحتاج
(1)
.
مذهب الإمامية:
أما الإمامية فانهم مع أنهم يقولون لا يلزم ابن العمة نفقة أولاد خاله، يقولون إذا عالهم تبرعا يجب عليه أن يخرج عنهم صدقة الفطر، وقد تقدم النص الدال على ذلك عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح «ابن العم» أخذا من كتاب المختصر النافع
(2)
.
مذهب الحنابلة:
ذهبوا إلى أن ابن العمة يصح أن يعطى الزكاة إلى ابن خاله، كما يصح أن يأخذها من ابن خاله، وهو ظاهر المذهب لأنهم من ذوى الأرحام.
فقد جاء فى الشرح الكبير للمقدسى:
فأما ذوو الأرحام فى الحال التى يرثون فيها فيجوز دفعها إليهم فى ظاهر المذهب ..
الخ النص الذى ذكرناه عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح «ابن العم»
(3)
.
أما صدقة الفطر فإن ابن العمة لا يجب عليه أن يخرجها عن أولاد خاله، لأنه لا تلزمه مئونتهم، ولكن أن تبرع بها لهم أو لبعضهم فى شهر رمضان فإنه تلزمه فطرة من تبرع له كما يصح أن يصرف لهم صدقة الفطر التى تلزمه، لأنها كزكاة المال، وقد ذكرنا النصوص الدالة على ما تقدم عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح «ابن العم» أخذا من كتاب المغنى لابن قدامة، والمحرر ومختصر الخرقى مع المغنى
(4)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة يجوز له أن يعطى زكاة ماله إلى أولاد خاله، كما يجوز لهم أن يعطوه زكاة أموالهم، لأن بعضهم ذوو رحم لبعض، وأساس منع صرف الزكاة عندهم أن يكون المصروف له أصلا أو فرعا باتفاق، أو من تلزم المزكى نفقته على رأى بعضهم وذوو الأرحام كما يجب لبعضهم النفقة على بعض، كما أن بعضهم ليس أصلا ولا فرعا لبعض.
وعلى هذا يصح أخذ بعضهم زكاة بعض بالاتفاق. وقد ذكرنا النصوص الدالة على ما تقدم عند الكلام على الزكاة فى مصطلح «ابن العم» أخذا من كتاب البحر الزخار
(5)
.
أما صدقة الفطر فإنها لا تلزمه عن أولاد خاله، كما لا تلزم أولاد خاله عنه لأن مبناها وجوب النفقة على من يصرفها، ولا نفقة لذى رحم على ذى رحم، وقد تقدم النص الدال على ذلك عند الكلام على الزكاة فى مصطلح «ابن العم» أخذا من كتاب البحر الزخار
(6)
.
(1)
ج 1 ص 306، ج 1 ص 506، ج 1 ص 402 الطبعات السابقة.
(2)
ص 85 الطبعة السابقة.
(3)
ج 2 ص 713 فى ذيل المغنى الطبعة السابقة.
(4)
ج 2 ص 670، ج 1 ص 226، ج 2 ص 690 الطبعات السابقة.
(5)
ج 2 ص 186.
(6)
ج 2 ص 199 الطبعة السابقة.
مذهب الإباضية:
عند الإباضية فى إعطاء ابن العمة الزكاة لأولاد خاله، وإعطائهم إياها له رأيان:
رأى، وهو الراجح: أنه يصح لكل منهما ذلك، لأنهم ليس واحد منهما من قوم أبى الثانى.
ورأى آخر: لا يصح، لأنه يجب عليه لهم النفقة إن كان وارثا، وهم كذلك، إذ هم يورثون ذوى الأرحام، وما دام يجب لأحدهما النفقة على الآخر لا يصح أن يأخذ منه الزكاة، وقد تقدم بيان ذلك، وذكر النص عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح «ابن العم» من كتاب النيل وشرحه
(1)
.
الإقرار
مذهب الحنفية والمالكية:
الحكم فى إقرار ابن العمة بنسب ابن خاله أو ابنة خاله كالحكم فى إقرار ابن العم بنسب ابن عمه (انظر: ابن العم).
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن ابن العمة إذا أقر بنسب ولد لخاله يكون أخا لابن خاله المعروف نسبه يثبت النسب ممن ألحق به إذا كان الملحق به ميتا، وكان ابن العمة حائزا لجميع الميراث: بأن يكون ابن خاله المعروف النسب قتل أباه المورث أو ارتد مثلا ولا وارث له غيره وهذا على القول الذى سار عليه المتأخرون بأن ذوى الأرحام يرثون ويشترط أن يصدقه الملحق، كما يشترط ألا يكون الميت قد نفاه، فإذا كان هناك ورثة آخرون: زوج أو زوجة، فإنه يلزم موافقتهم للمقر
(2)
.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة إذا أقر بنسب شخص إلى خاله كأن يقول هذا أخ لابن خالى مثلا، أو هذا ابن ابن خالى، فإنه يثبت نسبه إذا استوفى الشروط المطلوبة فى ذلك، وقد ذكرنا الشروط المطلوبة وتفصيل القول فى ذلك عند الكلام على الإقرار فى مصطلح «ابن العم» أخذا من كتاب المغنى لابن قدامة
(3)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة إذا أقر بولد لابن خاله فحكمه حكم ما تقدم فى إقرار ابن العم
(4)
.
مذهب الإمامية:
اذا أقر ابن العمة بابن لخاله أو لابن خاله فحكمة حكم إقرار ابن العم على ما تقدم فى مصطلح «ابن العم» .
القذف
مذهب الحنفية:
عند الأحناف أن ابن العمة إذا قذف ولد خاله ذكرا أو أنثى يحد به متى توفرت الشروط اللازمة لإقامة الحد، وتنظر هذه الشروط فى مصطلح «قذف» .
(1)
ج 2 ص 130، 131.
(2)
المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ج 2 ص 261، 262 الطبعة السابقة.
(3)
ج 5 ص 327، 330 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الزخار ج 5 ص 12، 13، 14.
أما إذا قذف آخر ابن خاله أو بنت خاله فليس له حق المطالبة بحده: سواء أكان المقذوف حيا أو ميتا، لأنه إن كان حيا لا خصومة لأحد سواه. وإن كان ميتا لا خصومة لأحد غير الوالد وإن علا والولد وإن نزل، لأن العار إنما يلتحق بهم
(1)
.
مذهب المالكية:
أما عند المالكية: فابن العمة لة حق فى استيفاء حد القذف الذى يحصل لابن خاله أو بنت خاله على الرأى القائل بأن ذا الرحم يرث إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب عدا الزوجين، إذ هو فى هذا وارث بالقوة، وهم يجعلون الوارث ولو بالقوة ذا حق فى استيفاء حد القذف وسواء فى ذلك أن يكون القذف قد حصل قبل موته أو حصل بعد موته، كما أن له كسائر الورثة حق العفو إلا إذا كان الميت قد أوصى قبل موته باستيفاء الحد، أما إن عفا هو فليس لابن العمة ولا غيره من الورثة استيفاؤه أما إذا لم يوص بالاستيفاء ولم يعف فإن الحق فى ذلك للوارث
(2)
.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية أن ابن العمة إن كان وارثا لابن خاله يرث استيفاء حد القذف.
وذلك على رأى المتأخرين القائلين بتوريث ذوى الأرحام، لأنه حق من حقوق الآدميين، فيورث كسائر حقوقهم، والأصح أن الذى يرثه جميعه كل فرد من الورثة وقيل: يرثه جميعه إلا الزوجين، ويسقط بالعفو أو إرث القاذف للحد، ولا يسقط بعفو بعض الوارثين، لأنه حق لكل منهم
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة: أن ابن العمة ليس له إرث حق القذف لابن خاله أو بنته، لأنه ليس من العصبة، وقد خصوهم به إلا فى رأى عندهم وهو أنه يرثه كل وارث حتى الزوجين.
وقال القاضى فى بعض الروايات عنه:
يختص به من سواهما
(4)
.
وهذا إذا قذف المورث وهو ميت، أما إذا قذف وهو حى فليس لأحد غير المقذوف حق المطالبة به، فإذا مات ولم يطالب به سقط، وإن طالب به ثم مات فإن من ذكرنا يرث حق المطالبة به، وهو ميراث لابن العمة وجميع من يكون معه من ذوى الأرحام الوارثين لأنه لدفع العار والعار يلحقهم جميعا، ولو عفا بعض ذوى الحق لا يسقط بعفوه وللباقين استيفاؤه ولو كان الباقى واحدا
(5)
.
مذهب الظاهرية:
وعند ابن حزم الظاهرى: أن حد القذف حق محض لله تعالى، فليس لأحد العفو عنه حتى المقذوف نفسه، ولا لأحد إرثه، سواء أكان عصبة أو غير عصبة، فليس
(1)
الفتاوى الأنقروية ج 1 ص 154 الطبعة الأميرية وكتاب الهداية والعناية وفتح القدير ج 4 ص 195 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 331 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(3)
مغنى المحتاج ج 3 ص 372 الطبعة السابقة.
(4)
المحرر ج 2 ص 96 طبعة أنصار السة المحمدية
(5)
المغنى لابن قدامة ج 9 ص 24، 25 الطبعة السابقة والمحرر ج 2 ص 96 الطبعة السابقة.
لابن العمة حق المطالبة به ولا العفو عنه لا فى حياة المقذوف ولا بعد مماته
(1)
.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية: أن ابن العمة ليس له حق المطالبة بحد قذف ابن خاله أو ابنة خاله، لأنه لا ولاية له فى نكاحهما عندهم إذ هذه الولاية خاصة بالعصبة
(2)
.
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية: أن ابن العمة إذا كان وارثا له حق استيفاء هذا الحد، لأن هذا الحد يرثه عندهم من يرث المال عدا الزوج والزوجة
(3)
.
الجنايات
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن ابن العمة إذا كان وارثا لابن خاله فإنه يرث القصاص لابن خاله المقتول وحده إن انفرد بالإرث أو مع غيره من الورثة إن لم ينفرد.
ويرى أبو حنيفة أنه يستحقه ابتداء لا إرثا ويجوز له أن يعفو عن القصاص فيسقط حق الباقين فيه وينقلب مالا هو الدية
(4)
.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية: أنه لا يرث ابن العمة حق استيفاء القصاص عن ابن الخال أو بنت الخال، لأنه ليس عصبة له أو لها، وهذا الحق للعصبة الذكور وللنساء الوارثات ولكنه يصح أن يرثه ممن ورث هذا الحق
(5)
.
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية: أن ابن العمة له الحق فى إرث حق القصاص، بناء على رأى المتأخرين القائلين بإرث ذوى الأرحام، فقد جاء فى مغنى المحتاج:«وقياس توريث ذوى الأرحام فى غير القصاص أن يقال به، أى بالتوريث، فى القصاص أيضا»
(6)
.
وعلى هذا إذا كان الوارث وحدة استحقه كله، وإن كان مع غيره استحق منه بقدر نصيبه وإذا عفا هو أو غيره من المستحقين سقط القصاص، وبقيت الدية
(7)
.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة: أن ابن العمة يرث حق القصاص إذا كان وارثا، بألا يكون لابن خاله وارث إلا ذوو الأرحام، فإن كان وحده ورثه كله، وإن كان معه غيره ورث منه بقدر نصيبه وإن عفا سقط القصاص، فليس لأحد آخر حق استيفائه، لأنه لا يستوفى إلا باتفاقهم على الاستيفاء، والمراد من الورثة الورثة بالفعل، نقلا عن المحرر وكتاب المغنى لابن قدامة
(8)
.
مذهب الظاهرية:
ويرى ابن حزم الظاهرى أن ابن العمة ليس له حق فى القصاص عن ابن خاله،
(1)
المحلى ج 11 ص 289، 290 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار ج 3 ص 46، 47 الطبعة السابقة.
(3)
شرائع الإسلام ج 2 ص 251 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(4)
الفتاوى الأنقروية ج 1 ص 173، والهداية ج 8 ص 285، 277، أى فتح القدير الطبعة السابقة.
(5)
الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 256، 258، 262 الطبعة السابقة.
(6)
ج 4 ص 40 الطبعة السابقة.
(7)
مغنى المحتاج ج 4 ص 39، 40، 49 الطبعة السابقة.
(8)
ج 2 ص 131، ج 9 ص 364 الطبعة السابقة.
لأنه ليس من أهله، إذ هو من ذوى الأرحام الذين لم يعتبرهم أهله، ولكن أمه من أهل المقتول فلها الحق، غير أنه لا يرث هذا الحق من أمه إن ماتت قبل استيفائه، لأن عنده أن هذا الحق شخصى لا يورث «الإيصال تكملة المحلى» لابن حزم
(1)
.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن ابن العمة له حق استيفاء القصاص لابن خاله لأنهم جعلوها لجميع قرابة النسب وذوو الأرحام منهم، وإذا سقط حقه فى القصاص سقط كل القصاص فليس لأحد المستحقين استيفاؤه
(2)
.
مذهب الإمامية:
ويرى الإمامية أن ابن العمة لا يرث حق القصاص على الرأى الراجح عندهم، لأنه حق للعصبة وحدهم، وعلى رأى آخر حق لكل وارث عدا الزوج والزوجة، وذوو الأرحام عندهم من الورثة.
وإذا عفا لا يسقط حق الباقين فى القصاص، ولكن لا بد أن يردوا على المقتص منه نصيب من عفا من الدية أو ما فاداه به
(3)
.
مذهب الإباضية:
ويرى الإباضية فى نص عندهم أن حق استيفاء القصاص للعصبة فقط، فابن العمة ليس له هذا الحق بناء على هذا النص.
وجاء عندهم نص آخر أنه لكل وارث كما هو للولى الذى هو العاصب، وإذا عفا أحد أصحاب الحق سقط القصاص وليس لغيره طلبه بشرط علمه بهذا العفو.
وكذلك يرث ابن العمة حق الاستيفاء من موروثه الذى مات قبل استيفاء حق القصاص
(4)
.
الديات
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن ابن العمة إذا قتل ولد خاله عمدا كان عليه القصاص، فإن عفا عنه من له القصاص إلى مال وجبت عليه الدية فى ماله وكذا ما صولح عليه، أما إذا كان القاتل أجنبيا فإن ابن العمة الموجود يكون له حق فى الدية إذا كان وارثا
(5)
.
وإذا لم يعف ابن العمة عن حقه فى الدية وعفا غيره من الورثة كذوى أرحام آخرين أو زوج أو زوجة لا يسقط حقه فيها.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية أن ابن العمة لا حق له فى دية ابن خاله إذا عفا عن القاتل إلى الدية، إلا إذا كان وارثا على رأى من ورثوا ذوى الأرحام عندهم، وهم المتأخرون
(6)
.
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا تلزمه الدية فى ماله إن عفا عنه فى القصاص من له حق العفو.
(1)
ج 10 ص 481، 482، 360 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 235، 239 الطبعة السابقة وكتاب التاج المذهب ج 4 ص 283 الطبعة السابقة.
(3)
المختصر النافع ص 313، 314 الطبعة السابقة وكتاب شرائع الإسلام ج 2 ص 218 الطبعة السابقة.
(4)
النيل وشرحه ج 8 ص 621، 622، ج 8 ص 164، 148، 149، 168.
(5)
حاشية الشلبى ج 6 ص 177 على هامش الزيلعى الطبعة الأميرية، ص 114.
(6)
الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 262 الطبعة السابقة.
وإن كان القتل خطأ فعلى عاقلته وإذا لم يكن هو القاتل فإنه يتحمل فى الدية إذا لم توجد عصبات أو وجدت ولم يوف ما لزمها بما يجب من الدية لقلتها، وهذا إذا كان يرث بناء على رأى المتأخرين الذين يورثون ذوى الأرحام إذا لم ينتظم بيت المال، وكذلك يرث من دية ابن خاله كما يرث من ماله بناء على هذا الرأى
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا وعفى له عن القصاص ممن يستحقه، فإنه تجب عليه الدية فى ماله.
أما إذا كان القتل خطأ فإن الدية تكون على عاقلته، ولا يتحمل منها شيئا ويرث من الدية التى لزمت غيره بقتل ابن خاله إذا لم يحجبه حاجب
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ويرى ابن حزم الظاهرى أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله يكون ككل قاتل إذا عفى من القصاص تلزمه الدية فى ماله هو، ويكون العفو من أهل المقتول جميعا، ولا يلزمه التحمل فى الدية إذا كان ابن خاله هو القاتل لأن الذى يتحملها هم العصبة، وأما من حيث إرثه من الدية فإنه لا يرث منها كما لا يرث من المال
(3)
.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا تجب عليه الدية فى ماله إذا عفا عن القصاص أحد المستحقين.
أما إذا كان القتل خطأ فإن الدية على العاقلة فى رأى، وفى رأى آخر على الأقرب فالأقرب من العصبة.
أما إذا كان ابن خاله قتل شخصا ولزمته الدية فإنه لا يتحمل فيها، لأنه ليس من عصبته، كما أنه لا يرث من دية ابن خاله إن قتله هو، أما إن كان القاتل له غيره فإنه يرث منها إذا كان ذا حق فى الإرث
(4)
.
مذهب الإمامية:
ويرى الإمامية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا وعفى عن القصاص إلى الدية فإن الدية تجب فى ماله ككل قاتل، وكذا فى شبه العمد، أما إذا كان خطأ فإنها تجب على عاقلته.
أما إذا قتل ابن خاله شخصا آخر فإنه لا يتحمل فى الدية التى تلزم عاقلة ابن خاله، لأن ذلك خاص بالعصبة ولكنه يرث من دية ابن خاله إذا لم يكن هو القاتل له وورث من فى رتبته
(5)
.
مذهب الإباضية:
ويرى الإباضية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا وعفى عن القصاص تجب الدية فى ماله، وكذلك عندهم فى شبه العمد على رأى.
(1)
المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ج 4 ص 53، 54، 95، 96، 97، والأم ج 6 ص 34 نشر مكتبة كليات الأزهر.
(2)
المغنى لابن قدامة ج 9 ص 488، 496، 497، 515، 516، 661، 662 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى ج 10 ص 338، ج 11 ص 44، ج 10 ص 484، ج 9 ص 312 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الزخار ج 5 ص 251، 253 الطبعة السابقة.
(5)
شرائع الإسلام ج 2 ص 281، 289، 311، الطبعة السابقة.
أما الخطأ فالدية فيه على العاقلة، وفى قول: يشارك فيها، فإنه لا يرث من ديته التى وجبت عليه، ولا من ماله أيضا فى العمد وشبه العمد، وكذا فى الخطأ إلا إذا كان بحق على رأى، وفى رأى يرث.
أما إذا كان القاتل غيره فإنه يرث منها كما يرث من التركة ما دام وارثا.
العتق
فقهاء المذاهب السبعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والزيدية والإمامية، على أن ابن العمة إذا ملك ابن خاله أو ملكه ابن خاله لا يعتق أحدهما على الأخر بهذا الملك على اختلاف فى التوجيه والتعليل
(1)
.
تغسيل ابن العمة لبنت خاله
ابن العمة حكمه حكم الرجال فى عدم جواز تغسيلهم النساء بعد الوفاة إلا إذا كان زوجا لها على تفصيل فى المذاهب.
فى حكم تغسيل الزوج لزوجته انظر:
«تغسيل الميت» .
صلاة ابن العمة على بنت خاله
يرى الحنفية والمالكية والزيدية أن ابن العمة لا يكون ذا حق فى التقدم للصلاة على بنت خاله ولو كان زوجا لها
(2)
.
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية أن ابن العم يحق له أن يتقدم فى الصلاة على بنت خاله إذا لم يكن لها عصبة بشرط أن يكون أقرب ذوى الأرحام
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة لا يحق له التقدم فى الصلاة على ابنة خاله إلا إذا كان زوجا لها فى رواية عن أحمد، وكان لها عصبة موجودون، وفى الرواية الراجحة أنه إذا وجد عصبة لا يقدم ولو كان زوجا وكذا يحق له أن يتقدم إذا أوصت بصلاته عليها وكان غير فاسق ولا مبتدع أو لم يكن لها عصبة وهو أقدم ذوى الأرحام
(4)
.
مذهب الإمامية:
وذهب الإمامية إلى أن ابن العمة يكون أولى بالصلاة على بنت خاله إماما إذا كانت زوجة له ما لم يوجد الإمام وإن وجد أخوها فهو أولى منه، وفى شرائع الإسلام ما يدل على أنه أولى من العصبة جميعا
(5)
.
مذهب الإباضية:
ذهب الإباضية إلى أن ابن العمة يكون أحق بالإمامة فى الصلاة عليها إذا كان زوجا لها، أما إذا لم يكن زوجا لها فأحقيته فى هذه الإمامة إنما تكون إذا لم يوجد أقرب اليها منه
(6)
.
(1)
الميدانى شرح القدورى ج 2 ص 128 الطبعة السابقة، والشرح الكبير ج 4 ص 366 الطبعة السابقة، ومغنى المحتاج ج 4 ص 499، 500 الطبعة السابقة، المحرر ج 2 ص 4 الطبعة السابقة، والبحر الزخار ج 4 ص 193، 194 الطبعة السابقة، والمختصر النافع ص 237 الطبعة السابقة، والمحلى ج 9 ص 200.
(2)
الميدانى ج 2 ص 136 الطبعة السابقة والجوهرة ج 2 ص 136 وحاشية الدسوقى ج 1 ص 428 الطبعة السابقة، والبحر الزخار ج 2 ص 114، 115 الطبعة السابقة.
(3)
المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ج 1 ص 347 الطبعة السابقة.
(4)
مختصر الخرقى ج 2 ص 366، 367 والمغنى لابن قدامة ج 2 ص 368 الطبعة السابقة.
(5)
المختصر النافع ص 64 الطبعة السابقة وكتاب شرائع الإسلام ج 1 ص 63 الطبعة السابقة.
(6)
النيل ج 1 ص 110.
إبهام
1 - التعريف اللغوى:
أبهم الأمر: اشتبه، والإبهام فى اليد والقدم أكبر الأصابع
(1)
.
2 - وللإبهام بالمعنى الثانى أحكام
عند الفقهاء تتعلق بالجناية عليه، وقد فرق العلماء فى الجناية على الأطراف ومنها الأصابع بين العمد وشبهه والخطأ، فأوجب بعضهم القصاص فى الجناية عن عمد فيما دون النفس.
مذهب الحنفية:
العمد فيه القصاص لقوله تعالى:
«وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» ،} وهو ينبئ عن المماثلة، فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص وما لا فلا.
وعدم جريان القصاص فى بعض صور التعمد لا يخرج الجناية عن العمدية فإنه لمانع، كما إذا قتل الأب ابنه عمدا
(2)
.
وجوز بعض العلماء فى جناية العمد القصاص أو الأرش.
فقال الإباضية
(3)
: إذا صح القصاص فلصاحبه القصاص أو الأرش، وذلك على تفصيل فى شروط القصاص واختلافها عند المذاهب.
قال الحنفية:
لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين، ويجب القصاص فى الأطراف بين المسلم والكافر للتساوى بينهما فى الأرش
(4)
.
وقال المالكية:
كل شخصين يجرى بينهما القصاص فى النفوس من الجانبين يجرى فى الأطراف، فأما إذا كان أحدهما يقتص له من الآخر ولا يقتص للآخر منه فى النفس فقال مالك لا يقتص فى الأطراف، ولو قطع العبد أو الكافر الحر المسلم لم يكن له أن يقتص منهما فى الأطراف .. هذا هو المشهور فى المذهب.
وروى عن مالك: وجوب القصاص هنا.
وقال ابن الحاجب: وقيل أنه الصحيح.
وروى أن المسلم مخير فى القصاص والدية.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ليس له، أى للمسلم، إلا الدية فى الجراح بينه وبين الكافر والعبد
(5)
.
(1)
ترتيب القاموس المحيط ج 1 ص 278.
(2)
نتائج الأفكار وحواشيه: تكملة فتح القدير ج 8 ص 270، 271 الطبعة الاولى بالمطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر 1318 هـ.
(3)
شرح النيل ج 8 ص 280 طبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه.
(4)
نتائج الأفكار وحواشيه تكملة فتح القدير ج 8 ص 271، 272 الطبعة السابقة.
(5)
هامش التاج والإكليل لمختصر خليل على شرح مواهب الجليل طبعة أولى 1329 هـ ج 6 ص 245.
واشترط الحنابلة للقصاص فى الأطراف شروطا:
أولها: أمن الحيف وهو شرط لجواز الاستيفاء وشرط وجوبه إمكان الاستيفاء بلا حيف.
وثانيها: المماثلة فى الإثم والموضع.
وثالثها: استواء الطرفين: المجنى عليه والمقتص منه
(1)
.
ويشترط الإمامية فى جواز الاقتصاص:
التساوى فى الإسلام والحرية، وأن يكون المجنى عليه أكمل، فيقتص للرجل من المرأة ولا يؤخذ الفضل، ويقتص لها منه بعد رد التفاوت فى النفس أو الطرف، ويقتص للذمى من الذمى، ولا يقتص له من مسلم، وللحر من العبد ولا يقتص للعبد من الحر، والتساوى فى السلامة
(2)
.
وأوجب الظاهرية فى عمد الجناية على الأصابع الدية لأنه لا دية عندهم فى الجناية الخطأ على ما دون النفس
(3)
(انظر: جناية - قصاص).
وجمهور الفقهاء على وجوب الدية فى الخطأ وشبه العمد فيما دون النفس خلافا للأحناف الذين يقولون: ليس فيما دون النفس شبه عمد، وإنما هو عمد أو خطأ، وخلافا للظاهرية الذين يقولون: إن الخطأ لا دية فيه، وخلافا للإباضية فى شبه العمد فقد أوجبوا فيه دية العمد، وقيل:
القصاص، إلا أن أراد الولى الدية
(4)
، ويدفع الدية الجانى او العاقلة على تفصيل بين المذاهب (انظر: دية، عاقلة).
3 - القصاص فى الإبهام:
قال الأحناف:
الإبهام لا تؤخذ إلا بالإبهام
(5)
.
وقال المالكية:
ما سبق من قولهم: كل شخصين يجرى بينهما القصاص فى النفوس من الجانبين يجرى فى الأطراف.
وقال ابن رشد: لا خلاف فى أن الأنملة تقطع بالأنملة كانت أطول أو أقصر، والشرط عندهم فى القصاص أتحاد المحل.
قال ابن الحاجب: تشترط المماثلة فى المحل والقدر والصفة وتتعين عند عدم الدية
(6)
.
وقال الشافعية:
وتؤخذ الأصابع بالأصابع والأنامل بالأنامل لقوله تعالى «وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» ولأن لها مفاصل يمكن القصاص فيها من
(1)
هداية الراغب لشرح عمدة الطالب من 520، 521 مطبعة المدنى بمصر.
(2)
شرائع الإسلام ج 2 ص 283، 284 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى طبعة اولى سنة 1349 ادارة الطباعة المنيرية بمصر ج 10 ص 435 وما بعدها.
(4)
شرح النيل ج 8 ص 95.
(5)
بدائع الصنائع للكاسانى طبعة أولى سنة 1328 هـ مطبعة الجمالية بمصر ج 7 ص 297.
(6)
هامش التاج والإكليل لمختصر خليل على شرح مواهب الجليل طبعة أولى سنة 1329 ج 6 ص 246، 256.
غير حيف فوجب فيها القصاص على أن يقطع من أصابع الجانى مثل أصابعه لأنها داخلة
(1)
.
وقال الحنابلة:
وتؤخذ الأصبع بأصبع تماثلها والأنملة بالأنملة كذلك
(2)
.
وقال الزيدية:
إذا وقعت الجناية عمدا على ذى مفاصل كمفاصل الأصابع فالقصاص، ويؤخذ ذو المفاصل بمثله
(3)
.
وقال الشيعة الأمامية:
وتؤخذ الإصبع بالإصبع مع تساويهما، وكل عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده مثل أن يقطع إصبعين وله واحدة
(4)
.
وقال الإباضية:
ويكون القصاص فى عضو بان من مفصل
(5)
.
4 - دية الإبهام:
تتفق أكثر المذاهب على أن الإبهام تؤخذ فيه عشر الدية إلا ما جاء فى بعض المذاهب على ما يبين فيما يلى:
قال الأحناف:
فى أصابع اليدين والرجلين فى كل واحدة منها عشر الدية، وهى فى ذلك سواء، لا فضل لبعض على بعض، والأصل فيه ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«فى كل إصبع عشر من الإبل من غير فضل بين إصبع وإصبع» .
وروى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما انه قال: هذه وهذه سواء، وأشار إلى الخنصر والإبهام. وسواء قطع الأصابع وحدها أو قطع الكف معها، وكذلك القدم مع الأصابع، لأن الأصابع أصل والكف تابعة لها، ولأن المنفعة المقصودة من اليد تحصل بالأصابع لما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: فى الأصابع فى كل إصبع عشر من الإبل من غير فضل بين ما إذا قطع الأصابع وحدها أو قطع الكف التى فيها الأصابع.
وما كان من الأصابع فيه ثلاث مفاصل ففى كل مفصل ثلث دية الاصبع وما كان فيه مفصلان ففى كل واحد منهما نصف دية الإصبع لأن ما فى الإصبع ينقسم على مفاصلها كما ينقسم ما فى اليد على عدد الأصابع
(6)
.
وقال المالكية:
فى كل اصبع عشر الدية وهى عشر من الإبل، وفى كل أنملة ثلث العشر إلا فى الإبهام فهو أنملتان فى كل واحدة منهما
(1)
المهذب لأبى إسحاق الشيرازى طبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر ج 2 ص 180، 181.
(2)
هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 520 مطبعة المدنى بمصر.
(3)
شرح الأزهار ج 4 ص 385 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(4)
شرائع الإسلام ج 2 ص 286 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(5)
شرح النيل ج 8 ص 209 الطبعة السابقة.
(6)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 314 الطبعة السابقة.
نصف الأرش، والمرأة تعاقل الرجل فى الجراح الى ثلث ديته لا تستكملها، فإذا بلغت ذلك رجعت إلى عقل نفسها
(1)
(أنظر:
عقل).
وقال الشافعية:
ويجب فى كل إصبع عشر الدية لما روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: فى كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، ولا يفضل إصبع على إصبع، لما ذكرناه من الخبر، ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مسندا: الأصابع كلها سواء، عشر عشر من الإبل، ولأنه جنس ذو عدد تجب فيه الدية، فلم تختلف ديتها باختلاف منافعها كاليدين، ويجب فى كل أنملة من غير الإبهام ثلث دية الإصبع وفى كل أنملة من الإبهام نصف دية الإصبع، لأنه لما قسمت دية اليد على عدد الأصابع وجب أن تقسم دية الإصبع على عدد الأنامل
(2)
.
وقال الحنابلة:
وفى أصابع اليدين أو الرجلين الدية، وفى كل إصبع من يد أو رجل عشرها وفى أنملة إبهام يد أو رجل نصف عشرها
(3)
.
وقال ابن حزم الظاهرى:
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأصابع سواء. هذه وهذه سواء، يعنى الخنصر والإبهام. وانه صلى الله عليه وسلم قال: الأصابع عشر عشر، فهذا نص لا يسع أحد الخروج عنه.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع عن أمتى الخطأ.
وصح قول الله تعالى: «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ، وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ»
(4)
فسقط أن يكون فى الخطأ فى ذلك دية أصلا.
فرجعنا الى العمد فلم يكن بد من إيجاب دية الأصابع كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالدية واجبة على العامد بلا شك.
وأيضا فإن الله تعالى يقول: «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها»
(5)
وكان العامد مسيئا بسيئته فالواجب بنص القرآن أن يساء إليه بمثلها، والدية إذا أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفى إساءة مسئ فهى مثل سيئة ذلك المسئ بلا شك، وكذلك الحدود إذا أمر الله تعالى بها أيضا، فإذا فاتت المماثلة بالقود فى الأصابع وجبت المماثلة بالدية فى ذلك.
والنبى صلى الله عليه وسلم حكم فى كل إصبع بعشر من الابل، فواجب بلا شك
(1)
شرح مواهب الجليل على مختصر خليل ج 6 ص 263.
(2)
المهذب لأبى إسحاق الشيرازى ج 2 ص 206.
(3)
هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 525 مطبعة المدنى بمصر.
(4)
الاحزاب: 5.
(5)
الشورى: 40.
إن العشر المذكورة مقابلة للإصبع، ففى كل جزء من الإصبع جزء من العشر المذكورة فعلى هذا فى نصف الإصبع نصف العشر وفى ثلث الإصبع ثلث العشر وهكذا فى كل جزء.
عن عبد الرزاق عن سفيان الثورى عن منصور عن ابراهيم النخعى قال: فى كل مفصل من الأصابع ثلث دية الإصبع إلا الإبهام فإنها مفصلان فى كل مفصل النصف
(1)
.
وقال الزيدية
(2)
:
فى كل إصبع، أى إصبع كانت، عشر الدية. هذا قول الأكثر، أى أكثر الزيدية.
وكان عمر رضى الله عنه يفاضل بين أصابع اليدين، فجعل فى الخنصر ستا من الإبل، وفى البنصر تسعا، وفى الوسطى عشرا، وفى السبابة أثنتى عشرة، وفى الإبهام ثلاث عشرة. قيل: ثم رجع عن ذلك.
وأصابع اليدين والرجلين سواء عندنا.
وإذا وجب فى الأصابع الكاملة عشر الدية وجب فى مفصلها منه ثلثه، أى: ثلث العشر، الا الابهام فنصفه، أى نصف العشر، إذ ليس لها إلا مفصلان. وتجب فيما دونه، أى دون المفصل، حصته من الأرش ويقدر بالمساحة.
وقال الشيعة الأمامية:
فى أصابع اليدين الدية، وكذا فى أصابع الرجلين، وفى كل واحدة عشر الدية. وقيل فى الإبهام ثلث الدية، وفى الأربع البواقى الثلثان بالسوية. ودية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية عدا الإبهام فإن ديتها مقسومة بالسوية على أثنين
(3)
.
وقال الإباضية:
وفى الأصابع وإن من رجل وتسمى أصابع الرجل بالبنان الدية بلا تفاضل بين أصابع اليد وأصابع الرجل، ولا بين أصابع اليد ولا بين أصابع الرجل إلا إبهام يد أن قطعت من مفصل ثالث وهو المفصل الأسفل إلى جهة الكف فلها ثلث دية اليد وهو ثلث نصف الدية الكاملة وذلك ستة عشر بعيرا وثلثا بعير، ولكل من أصابع اليد أو الرجل عشرة أبعرة، وقيل: الإبهام وغيرها سواء، وفى كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل لأنه ليس فيه إلا أنملتان، وقيل ثلاثة وثلث على أن فيه ثلاث أنامل فتعد التى تلى الكف. وليس لإبهام الرجل فضل على غيرها
(4)
.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 435، 437، 438، الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة ج 4 ص 447.
(3)
شرائع الإسلام نشر دار مكتبة الحياة ببيروت ج 2 ص 301.
(4)
شرح النيل طبعة محمد بن يوسف البارونى ج 8 ص 28، 29.
اتّباع
التعريف به لغة:
تبع الشئ تبعا وتباعا فى الأفعال، وتبعت الشئ تبوعا سرت فى أثره، واتبعه وأتبعه وتتبعه قفاه وتطلبه متبعا له، وكذلك تتبعه وتتبعته تتبعا، والتابع التالى، والاتباع أن يسير الرجل وأنت تسير وراءه، واتبع القرآن ائتم به وعمل بما فيه
(1)
.
وهو لا يخرج فى استعمالات الأصوليين والفقهاء عن هذا المعنى، قال الآمدى:
اتباع القول هو امتثاله على الوجه الذى أقتضاه القول، والإتباع فى الفعل هو التأسى بعينه
(2)
.
وقال الغزالى: الاتباع هو قبول قول بحجة
(3)
.
اتباع الشريعة
قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:
(4)
.
فقسم الأمر بين الشريعة التى جعله هو سبحانه عليها وأوحى اليه العمل بها وأمى الأمة بها وبين اتباع أهواء الذين لا يعلمون فأمر بالأول ونهى عن الثانى، وقال تعالى:
(5)
.
فأمر باتباع المنزل منه خاصة، وأعلم أن من اتبع غيره فقد أتبع من دونه أولياء
(6)
.
اتباع المستفتى
قال الآمدى: المستفتى إما أن يكون عالما قد بلغ رتبة الاجتهاد أو لم يكن كذلك فإن كان الأول قد اجتهد فى المسألة وأداه اجتهاده إلى حكم من الأحكام فلا خلاف فى امتناع اتباعه لغيره فى خلاف ما أداه إليه اجتهاده.
وذكر أن الراجح عنده عدم الجواز، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد فلا يخلو إما أن يكون عاميا صرفا، لم يحصل له شئ من العلوم التى يترقى بها إلى رتبة الاجتهاد، أو انه قد ترقى عن رتبة العامة بتحصيل بعض العلوم المعتبرة فى رتبة الاجتهاد، فإن كان الأول فقد اختلف فى جواز أتباعه بقول المفتى والصحيح أن واجبه اتباع قول المفتى، وإن كان الثانى فقد تردد أيضا فيه، والصحيح أن حكمه حكم العامى
(7)
.
(1)
لسان العرب لأبن منظور ج 32 ص 28 طبع بيروت وترتيب القاموس المحيط ج 1 ص 296 مادة تبع الطبعة الأولى 1959 مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
(2)
الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ج 1 ص 246 مطبعة المعارف بمصر سنة 1332 هـ.
(3)
المستصفى المغزالى شرح مسلم ثبوت الطبعه الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر سنة 1322 هـ.
(4)
سورة الجاثية: 18.
(5)
سورة الأعراف: 3.
(6)
أعلام الموقعين لأبن القيم ج 1 ص 39، إدارة الطباعة المنيرية.
(7)
الإحكام فى أصول الاحكام للآمدى ج 4 ص 278 وما بعدها، الطبعة السابقة.
وقال الغزالى: العامى يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال لأنه يؤدى الى أن ينقطع الحرث والنسل وتتعطل الحرف والصنائع ويؤدى إلى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بجملتهم لطلب العلم وقد وجب على العامى ما أفتى به المفتى بدليل الإجماع كما وجب على الحاكم قبول قول الشهود، وذلك عند ظن الصدق والظن معلوم ووجوب الحكم عند الظن معلوم، وقال يجب على العوام اتباع المفتى اذ دل الاجماع على وجوب اتباع العامى لمفتيه
(1)
.
وقال ابن حزم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ أمر باتباع سنن الخلفاء الراشدين، يكون قد أمر باتباعهم فى اقتدائهم لسنته، وبهذا نقول، فمن كان متبعا لهم فليتبعهم فى هذا الذى اتفقوا عليه من ترك التقليد وفيما أجمعوا عليه من اتباع سنن النبى صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وقال: إنما نحرم اتباع من دون النبى صلى الله عليه وسلم بغير دليل فوجب اتباع من قام الدليل على اتباعه
(3)
.
وقال: وليس من أتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقلدا لأنه فعل ما أمره الله تعالى به
(4)
(انظر: استفتاء).
اتباع السواد الأعظم
قال الغزالى: متبع السواد الأعظم ليس بمقلد بل علم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب اتباعه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالسواد الأعظم» .
و «من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة» ، و «الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد» ، وذلك قبول قول بحجة
(5)
.
وقال ابن حزم الظاهرى: عليكم بالسواد الأعظم، رواية لا تصح وخبر لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحيح
(6)
.
الفرق بين التقليد والاتباع
أكثر الأصوليين على أن الاتباع هو التقليد وعرفوا التقليد بأنه «العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة»
(7)
.
وقال ابن حزم الظاهرى: أما من أعتقد قولا بغير اجتهاد أصلا لكن إتباعا لمن نشأ بينهم فهو مقلد مذموم بيقين أصاب أو أخطأ وهو آثم على كل حال، عاص لله تعالى عز وجل بذلك، لأنه لم يقصده من حيث أمر من أتباع النصوص
(8)
.
وقد فرق ابن القيم بينهما فقال ردا على من يقول بتقليد الأئمة: وأن مقلديهم على هدى قطعا لأنهم سالكون خلفهم «وسلوكهم
(1)
المستصفى للغزالى ج 2 ص 387، 389 الطبعة السابقة.
(2)
الإحكام فى أصول الإحكام لأبن حزم ج 6 ص 79 مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1345 هـ.
(3)
الاحكام لابن حزم ج 1 ص 70 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 1 ص 70 مسألة 108 إدارة الطباعة المنيرية مطبعة النهضة بمصر سنه 1347 هـ.
(5)
المستصفى ج 2 ص 388
(6)
الاحكام لابن حزم ج 4 ص 192، 194، 200، 201.
(7)
الأحكام للآمدى ج 4 ص 297 الطبعة السابقة.
(8)
الأحكام لابن حزم ج 8 ص 139 الطبعة السابقة.
خلفهم مبطل لتقليدهم لهم قطعا فان طريقتهم كانت اتباع الحجة والنهى عن تقليدهم، فمن ترك الحجة وأرتكب ما نهوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم، وإنما يكون على طريقتهم من اتبع الحجة وانقاد للدليل ولم يتخذ رجلا بعينه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يجعله مختارا على الكتاب والسنة يعرضهما على قوله وبهذا يظهر بطلان قول من فهم أن التقليد إتباع. بل هو مخالف للاتباع، وقد فرق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فرقت الحقائق بينهما فإن الاتباع سلوك طريق المتبع والاتيان بمثل ما أتى به
(1)
.
وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصرى المالكى: التقليد، معناه فى الشرع الرجوع الى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه فى الشريعة، والاتباع ما ثبت عليه حجة.
وقال: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده والتقليد فى دين الله غير صحيح، وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه والإتباع فى الدين سائغ والتقليد ممنوع
(2)
.
وللعلماء فى التقليد والأخذ به لغير المجتهد خلاف ينظر فى مصطلح (تقليد).
اتباع المأموم للإمام
مذهب الحنفية:
يتحقق الاتباع عندهم بألا يكون المأموم متقدما على إمامه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم:«ليس مع الإمام من تقدمه» ولأنه إذا تقدم المأموم الإمام يشتبه عليه حاله أو يحتاج إلى النظر وراءه فى كل وقت ليتابع فلا يمكنه المتابعة، ولأن المكان من لوازمه. ألا ترى أنه إذا كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق لم يصح لانعدام التبعية فى المكان وهذا بخلاف الصلاة فى الكعبة لأن وجهه إذا كان إلى الامام لم تنقطع التبعية ولا يسمى قبله بل هما متقابلان ويشترط كذلك لتحقق التبعية اتحاد مكان الإمام والمأموم لأن الاقتداء يقتضى التبعية فى الصلاة والمكان من لوازم الصلاة فيقتضى التبعية فى المكان ضرورة وعند أختلاف المكان تنعدم التبعية فى المكان فتنعدم التبعية فى الصلاة لانعدام لازمها، ولأن اختلاف المكان يوجب خفاء حال الإمام على المقتدى فتتعذر عليه المتابعة ولو كان بين الإمام والمأموم حائط ذكر فى الأصل أنه يجزئه.
وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا يجزئه، وهذا فى الحاصل على وجهين:
إن كان الحائط قصيرا بحيث يتمكن كل أحد من الركوب عليه كحائط المقصورة لا يمنع الإقتداء لأن ذلك لا يمنع التبعية فى المكان ولا يوجب خفاء حال الإمام، ولو كان بين الصفين حائط إن كان طويلا وعريضا ليس فيه ثقب، يمنع الاقتداء، وان
(1)
أعلام الموقعين لابن القيم ج 2 ص 130 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 137.
كان فيه ثقب لا يمنع مشاهدة حال الإمام لا يمنع بالإجماع.
وإن كان الحائط كبيرا فإن كان عليه باب مفتوح أو خوخة فكذلك، وإن لم يكن عليه شئ من ذلك ففيه روايتان وجه الرواية الأولى التى قال لا يصح أنه يشتبه عليه حال إمامه فلا يمكنه المتابعة، ووجه الرواية الأخرى الوجود وهو ما ظهر من عمل الناس فى الصلاة بمكة فإن الإمام يقف فى مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبعض الناس يقفون وراء الكعبة من الجانب الأخر فبينهم وبين الإمام حائط الكعبة ولم يمنعهم أحد من ذلك فدل على الجواز
(1)
.
وفى الهداية وفتح القدير والعناية
(2)
:
وإن كان - أى المصلى - مقتديا بغيره يجب عليه أن ينوى متابعته فى صلاته.
وجاء فى الفتح أيضا
(3)
: إذا رفع المقتدى رأسه من الركوع قبل الإمام ينبغى أن يعود ولا يصير ركوعين وكذا فى السجود. ولو رفع الإمام من الركوع قبل أن يقول المقتدى سبحان ربى العظيم ثلاثا: الصحيح أنه يتابعه ولو أدركه فى الركوع يسبح ويترك الثناء وفى صلاة العيد يأتى بالتكبيرات فى الركوع.
ولو قام الإمام إلى ثالثة قبل أن يتم المأموم التشهد يتمه وإن لم يتم وقام ليتابع الإمام جاز.
وفى القعدة الثانية إذا سلم أو تكلم الإمام وهو فى التشهد يتمه ولو ترك الإمام القنوت وأمكن المأموم أن يقنت ويدرك الركوع قنت، وإن لم يدرك الركوع تابع الإمام وترك القنوت.
وفى المبسوط للسرخسى
(4)
: قال: رجل أم قوما فنسى أن يتشهد حتى قام إلى الثالثة فعلى القوم أن يقوموا معه لأنهم تبع له.
وقد جاء فى الحديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم «قام من الثانية إلى الثالثة ولم يقعد فسبحوا به فسبح بهم حتى قاموا» وان كان الامام تشهد فنسى بعض من خلفه التشهد حتى قاموا جميعا فعلى من لم يتشهد أن يعود فيتشهد ثم يتبع أمامه وإن خاف أن تفوته الركعة الثالثة لأنه تبع للإمام فيلزمه أن يتشهد بطريق المتابعة بخلاف المنفرد لأن التشهد الأول فى حقه سنة أما هنا فالتشهد فرض عليه بحكم المتابعة وهذا بخلاف ما إذا أدرك الإمام فى السجود فلم يسجد معه السجدتين فإنه يقضى السجدة الثانية إلا إذا خاف فوات ركعة أخرى لأنه سيقضى تلك الركعة بسجدتيها، أما هنا فإنه لا يقضى هذا التشهد فعليه أن يأتى به ثم يتبع أمامه.
وفى الزيلعى
(5)
: يجب على المأموم سجود السهو بسهو الإمام ولا يشترط أن يكون مقتديا به وقت السهو حتى لو أدرك الإمام بعد ما سها يلزمه أن يسجد مع الإمام تبعا له ولو دخل معه بعد ما سجد سجدة السهو يتابعه فى الثانية ولا يقضى
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 145 الطبعة الأولى مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هـ.
(2)
ج 1 ص 188 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميريه ببولاق مصر سنة 1315 هـ.
(3)
ج 1 ص 345 الطبعة السابقة.
(4)
ج 2 ص 111 طبع بمطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ الطبعة الاولى.
(5)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 1 ص 195 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر 1313 هـ.
الأولى وأن لم يسجد الإمام لا يسجد المأموم لأنه يصير مخالفا لإمامه وما التزم الأداء إلا تبعا له بخلاف تكبير التشريق حيث يأتى به المؤتم ولو تركه الإمام وليس على المأموم سجود سهو بسهو نفسه لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه ولو تابعه الإمام ينقلب التبع أصلا لكنه يسجد للسهو لو كان مسبوقا فسها فى قضاء ما سبق به لأنه منفرد فيما يقضيه.
وجاء فى الفتاوى الهندية
(1)
: والمسبوق ببعض الركعات يتابع الإمام فى التشهد الأخير ولو ظن أن الإمام عليه سهو فسجد الإمام للسهو فتابعه المسبوق فيه ثم علم إنه لم يكن عليه سهو فأشهر الروايتين أن صلاة المسبوق تفسد، ولو قام الإمام إلى الخامسة فتابعه المسبوق أن قعد الإمام على رأس الرابعة تفسد صلاة المسبوق.
والمسبوق يتابع الإمام فى السهو ولا يتابعه فى التسليم والتكبير والتلبيه فإن تابعه فى التسليم والتلبية فسدت وإن تابعه فى التكبير وهو يعلم أنه مسبوق لا تفسد صلاته.
ولو تذكر الإمام سجدة تلاوة وعاد إلى قضائها إن لم يقيد المسبوق ركعته بسجدة يرفض ذلك ويتابع الإمام فيها ويسجد معه للسهو ثم يقوم إلى القضاء ولو لم يعد فسدت صلاته، ولو تابعه بعد تقييد ركعته للسجدة فسدت روايه واحدة، وأن لم يتابعه ففى رواية كتاب الأصل تفسد أيضا.
ولو تذكر الإمام سجدة صلبية وعاد إليها تابعه المسبوق فيها، وإن لم يتابعه فسدت.
ولو سجد الإمام للسهو لا يتابعه اللاحق قبل قضاء ما عليه بخلاف المسبوق.
والمقيم إذا اقتدى بمسافر فإنه يتابع الإمام فى سهوه وإذا كان المأموم المقيم قام إلى إتمام صلاته بعد ما تشهد الإمام قبل إن يسلم ثم نوى الإمام الإقامة حتى تحول فرضه أربعا فإن لم يقيد المأموم ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الإمام، وأن لم يعد فسدت صلاته، وإن قيد ركعته بالسجدة فصلاته فاسدة عاد إلى المتابعة أو لم يعد فى الروايات كلها. ولو سها الإمام فى صلاة الخوف سجد للسهو وتابعه فيهما الطائفة الثانية.
مذهب المالكية:
أعتبر المالكية أن من شروط صحة صلاة المأموم نية اتباع امامه أو لا فليس للمنفرد أن ينتقل للجماعة ولا العكس
(2)
.
ومن شروط الإقتداء متابعة المأموم لإمامه فى الإحرام والسلام أى بأن يفعل كلا منهما بعد فراغ الامام منه
(3)
.
(1)
المسماة بالفتاوى العالمكيرية ج 1 ص 90 وما بعدها الطبعة الثانية طبع بالمطبعة الاميرية بمصر سنة 1310 هـ
(2)
شرح الخرشى على مختصر خليل وحاشيته ج 2 ص 37 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 40 الطبعة السابقة.
أما ما يفعله المأموم من حيث نقصان الإمام أو زيادته، فقد جاء فى الدردير
(1)
:
أنه إذا ترك الإمام الجلوس الأول ثم رجع إليه بعد الوقوف فيجب أن يتبعه المأموم فى الرجوع.
قال فى الحاشية: لأن مأمومه يجب عليه أتباعه، وان فات المؤتم ركوع مع أمامه بأن رفع الإمام رأسه من ركوعه واعتدل مطمئنا قبل انحناء المؤتم للركوع فلا يخلو من أربعة أحوال: أما أن يكون الفوات فى الركعة الأولى للمأموم سواء كانت أولى الإمام أيضا أو غيرها أو كانت فى غير أولى المأموم.
وأما أن يكون ذلك الفوات بعذر أو بغير عذر، فإن كان الفوات فى غير أولى المأموم أتبع الإمام بأن يركع ويرفع ويسجد خلفه ما لم يرفع الإمام من سجودهما الثانى فإن رفع الإمام منه فاتته تلك الركعة ووجب عليه أتباعه فى التى قام لها ويجلس معه إن جلس لتشهد: فإن فعل ما فاته بعد رفع أمامه من السجود الثانى بطلت صلاته على المعتمد إن اعتد بتلك الركعة وسواء كان الفوات لعذر أم لا، وإن كان فوات الركوع برفع إمامه معتدلا فى أولى المأموم ولو كانت ثانية أمامه أو ثالثته، فإن كان الفوات لعذر كسهو وازدحام بين الناس أو مرض أو إكراه أو مشى لسد فرجة فإنه فى هذه الحالة لا يأتى بما فاته ويجب عليه إتباع أمامه فى الحالة التى صار اليها من قيام أو جلوس لتشهد لأنه صار مسبوقا فاته الركوع فيتبع أمامه فى الحالة التى هو بها ويقضى الركعة التى فاتته برفع الإمام من ركوعه، وإن كان الفوات لغير عذر بل بإختياره بطلت صلاته، وأن فات المؤتم سجدة فإن طمع فى الإتيان بها وأدراك الركوع قبل عقد أمامه ركوع التى تليها سجدها، وإن لم يطمع فى الإتيان بها أتبع أمامه على ما هو عليه وقضاها بعد الإمام.
وأن قام إمام لزائدة فإن كان المأموم متيقن الزيادة يجلس وجوبا ولا يتبعه، أما من تيقن موجب الزيادة أو ظنه أو شك أو توهم فيتبع الإمام فإن خالفه عمدا بطلت.
وجاء فى المدونة
(2)
: قلت رأيت إماما سها فصلى خمسا فتبعه قوم ممن خلفه يقتدون به وقد عرفوا سهوه، وقوم سهوا بسهوه، وقوم قعدوا فلم يتبعوه.
قال: يعيد من اتبعه عامدا وقد تمت صلاة الإمام وصلاة من اتبعه على غير تعمد وصلاة من قعد ولم يتبعه، ويسجد الإمام ومن سها بسهوه سجدتين بعد السلام، ويسجد معه من لم يتبعه على سهوه ولا يخالف الإمام.
قال ابن القاسم: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أنما جعل الإمام ليؤتم به» ، فعلى من خلف الإمام ممن لم يتبعه وقعد إن يسجد مع الإمام فى سهوه وإن لم يسه.
وفى الدردير
(3)
: وإن سجد أمام سجدة واحدة وترك الثانية سهوا وقام لم يتبعه
(1)
بلغة السالك لاقرب المسالك للصاوى على الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 133.
(2)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 1 ص 134 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ.
(3)
الدردير على الشرح الصغير ج 1 ص 134.
مأمومه بل يجلس ويسبح له لعله يرجع، فإن لم يرجع فإنهم يسجدونها لأنفسهم ولا يتبعونه فى تركها وإلا بطلت عليهم ويجلسون معه ويسلمون بسلامه فإذا تذكر ورجع لسجودها فلا يعيدونها معه على الأصح وإن استمر تاركها حتى سلم وطال الأمر بطلت على الإمام دون المأمومين.
وجاء فى الخرشى
(1)
: المسبوق مأمور بإتباع الإمام على الحالة التى هو فيها من ركوع أو سجود، فإذا اتبعه فى الركوع وتيقن إدراكه بأن مكن يدية من ركبتيه قبل رفع رأسه اعتد بتلك الركعة.
وجاء فى الخرشى أيضا
(2)
: إذا لم يلحق المسبوق مع الإمام من الصلاة ركعة وسجد معه للسهو عمدا أو جهلا فإن صلاته تبطل لأنه ليس بمأموم وقال سحنون يتبع الإمام فى سجوده القبلى لا البعدى.
وجاء فى الخرشى أيضا
(3)
: إذا أحرم الإمام بالقصر للسفر ثم قام من اثنتين سهوا أو جهلا فإن مأمومة يسبح به ليرجع إليهم فإن تمادى لم يتبعه بل يجلس لفراغه حتى يسلم، فإذا سلم سلم المسافر.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(4)
: ولا تصح الجماعة حتى ينوى المأموم الجماعة لأنه يريد أن يتبع غيره فلا بد من نية الإتباع فإن رأى رجلين يصليان على الانفراد فنوى الائتمام بهما لم تصح صلاته لأنه لا يمكنه أن يقتدى بهما فى وقت واحد وإن نوى الإقتداء بأحدهما بغير عينه لم تصح صلاته لأنه إذا لم يعين لم يمكنه الاقتداء به وان كان أحدهما يصلى بالأخر فنوى الاقتدأء بالمأموم منهما لم تصح صلاته لأنه تابع لغيره فلا يجوز ان يتبعه غيره.
وجاء فى المهذب أيضا
(5)
: وينبغى للمأموم أن يتبع الامام ولا يتقدمه فى شئ من الأفعال، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، ولا تختلفوا عليه، فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا ولا ترفعوا قبله» فإن كبر قبله أو كبر معه للإحرام لم تنعقد صلاته لأنه علق صلاته بصلاته قبل أن تنعقد فلم تصح، وإن سبقه بركن بأن ركع قبله أو سجد قبله لم يجز ذلك، ويلزمه أن يعود إلى متابعته لأن ذلك فرض، فإن لم يفعل حتى لحقه فيه لم تبطل صلاته لأن ذلك مفارقة قليلة وإن ركع قبل الإمام فلما أراد الإمام أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فإن كان عالما بتحريمه بطلت صلاته لأن ذلك مفارقة كثيرة، وإن كان جاهلا بذلك لم تبطل صلاته.
ولا يعتد له بهذه الركعة لأنه لم يتابع الامام فى معظمها.
(1)
شرح الخرشى على مختصر خليل وحاشيته ج 2 ص 48 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 1 ص 331، الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 65 الطبعة السابقة.
(4)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 94 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 96 الطبعة السابقة.
وقال فى موضع آخر
(1)
: وإن سها الإمام فى ترك فرض مثل أن يقعد والفرض أن يقوم، أو يقوم والفرض أن يقعد لم يلزم المأموم متابعة الإمام فى هذه الحالة، إنما تلزم المتابعة فى أفعال الصلاة وما يأتى به ليس من أفعال الصلاة وأن كان سهوه فى ترك سنة لزمه متابعته لأن المتابعة فرض، فلا يجوز أن يشتغل عنها بسنة فإن نسى الإمام التسليمة الثانية أو سجود السهو لم يتركه المأموم لأنه يأتى به وقد سقط عنه المتابعة فإن نسيا جميعا التشهد الأول ونهضا للقيام، وذكر الإمام قبل أن يستتم القيام والمأموم قد استتم القيام، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يرجع لأنه قد حصل فى فرض.
والثانى: يرجع وهو الأصح لأن متابعة الإمام آكد ألا ترى أنه إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام لزمه العود إلى متابعته وأن كان قد حصل فى فرض.
وجاء فى موضع آخر
(2)
: إذا سها المأموم خلف الإمام لم يسجد، وأن سها الإمام لزم المأموم حكم السهو لأنه لما تحمل عنه الإمام سهوه لزم المأموم ايضا سهوه فإن لم يسجد الإمام لسهوه سجد المأموم.
وقال المزنى وأبو حفص البابشامى: لا يسجد لأنه أنما يسجد تبعا للإمام، وقد ترك الإمام فلم يسجد المأموم والمذهب الأول لأنه لما سها الإمام دخل النقص على صلاة المأموم لسهوه فإذا لم يجبر الإمام صلاته جبر المأموم صلاته.
وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة وسها فيما أدركه معه وسجد معه ففيه قولان، قال فى الأم: يعيد، لأن الأولى فعله متابعة لإمامه ولم يكن موضع سجوده، وقال فى الاملاء والقديم: لا يعيد لأن الجبر ان حصل بسجوده فلم يعد، وان صلى
(3)
ركعة منفردا فى صلاة رباعية فسها فيه ثم نوى متابعة إمام مسافر فسها الإمام، ثم قام إلى رابعته فسها فيها، ففيه ثلاثة أوجه أصحها أنه يكفيه سجدتان، والثانى يسجد أربع سجدات لأنه سها سهوا فى جماعة وسهوا فى الإنفراد، والثالث يسجد ست سجدات لأنه سها فى ثلاثة أحوال.
وجاء فى موضع آخر
(4)
: وإن أدرك المأموم الإمام فى القيام وخشى أن تفوته القراءة ترك دعاء الاستفتاح واشتغل بالقراءة لأنها فرض فلا يشتغل عنها بالنفل، فإن قرأ بعض الفاتحه وركع الإمام، ففيه وجهان:
أحدهما: يركع ويترك القراءة لأن متابعة الإمام آكد.
وجاء فى المهذب أيضا
(5)
: وإن ائتم مقيم بمسافر أو بمقيم الظاهر منه أنه مسافر جاز أن ينوى القصر خلفه، لأن الظاهر أن الإمام مسافر، فان أتم الامام تبعه فى الاتمام
(1)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 96 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 91
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 92 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 95 الطبعة السابقة.
(5)
ج 1 ص 103 الطبعة السابقة.
لأنه بان له أنه ائتم بمقيم أو بمن نوى الإتمام.
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة
(1)
كغيرهم: وجوب متابعة المأموم للإمام فى الصلاة، فلو سبق الإمام المأموم فى القراءة وركع أتبعه وقطع قراءته لأنها فى حقه مستحبة والمتابعة وأجبة ولا تعارض بين واجب ومستحب بخلاف التشهد إذا سبق به الإمام وسلم فلا يتابعه المأموم بل يتمه.
وأن سلم المأموم قبل إمامه عمدا بلا عذر تبطل صلاته لأنه ترك فرض المتابعة متعمدا.
وجاء فى المغنى لابن قدامة المقدسى
(2)
:
ليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو أمامه فيسجد معه، لأن المأموم تابع للإمام فإذا سها الإمام فعلى المأموم متابعته فى السجود سواء سها معه أو انفرد الإمام بالسهو.
وإذا كان المأموم مسبوقا فسها الإمام فيما لم يدركه فيه فعليه متابعته فى السجود سواء كان قبل السلام أو بعده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد فاسجدوا» . ولأن السجود من تمام الصلاة فيتابعه فيه.
وجاء فى المغنى والشرح الكبير آيضا
(3)
:
إذا سبح أثنان بسهو الإمام فى الصلاة وكان يثق بقولهما لزمه قبوله والرجوع اليه بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«انما أنا بشر أنسى، فاذا نسيت فذكرونى» يعنى بالتسبيح.
فان كان الإمام على يقين من صوابه وخطأ المأمومين لم يجز له اتباعهم.
وقال أبو الخطاب يلزمه الرجوع إلى قولهم.
قال صاحب المغنى والشرح الكبير:
وليس بصحيح، فانه يعلم خطأهم فلا يتبعهم فى الخطأ.
وقال صاحب المغنى: إذا سبح المأمومون فى موضع يلزمه الرجوع فلم يرجع بطلت صلاته، نص عليه أحمد، وليس للمأمومين إتباعه، فإن اتبعوه لم يخل من أن يكونوا عالمين بتحريم ذلك أو جاهلين به، فإن كانوا عالمين بطلت صلاتهم لأنهم تركوا الواجب عمدا.
وقال القاضى: فى هذا ثلاث روايات:
إحداهن أنه لا يجوز لهم متابعته.
والثانية: يتابعونه فى القيام إستحسانا.
والثالثة: لا يتابعونه ولا يسلمون قبله لكن ينتظرونه ليسلم بهم، وهو أختيار ابن حامد، والأول أولى لأن الإمام مخطئ فلا يجوز إتباعه على الخطأ فان تابعوه جهلا
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 300، 301 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
المغنى ج 2 ص 699 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر فى سنة 1341 هـ.
(3)
ج 2 ص 675 الطبعة السابقة.
بتحريم ذلك فإن صلاتهم صحيحه لأن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم تابعوه فى التسليم فى حديث ذى اليدين.
وجاء فى موضع آخر
(1)
: أن صلى مسافر خلف مسافر ونسى الإمام فصلاها تامة صحت صلاته وصلاتهم، وأن علم المأموم أن قيامه لسهو فلا يجب أتباعه لأنه سهو وله مفارقته ان سبح له ولم يرجع، فان تابعه لم تبطل الصلاة لأنهم لو فارقوا الإمام وأتموا صلاتهم فمع الموافقة أولى.
وقال القاضى: تفسد صلاتهم بإتباعه للزيادة عمدا، فإن لم يعلموا هل قام الامام سهوا أو عمدا لزمهم متابعته ولم يكن لهم مفارقته لأن حكم وجوب المتابعة ثابت فلا يزول بالشك.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(2)
: وفرض على كل مأموم ألا يرفع ولا يركع ولا يسجد ولا يكبر ولا يقوم ولا يسلم قبل إمامه، ولا مع إمامه فإن فعل عامدا بطلت صلاته لكن بعد تمام كل ذلك من إمامه فان فعل ذلك ساهيا فليرجع ولا بد حتى يكون ذلك كله منه بعد كل ذلك من إمامه وعليه سجود السهو.
برهان ذلك ما روى عن ابى موسى أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فبين لنا سنة الخير وعلمنا صلاتنا فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» فقولوا «آمين» يجبكم الله.
فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع ويرفع قبلكم فتلك بتلك وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك، حدثنا عبد الرحمن عن البراء بن عازب قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن ظهره حتى يقع النبى صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده» .
وروى عن أبى هريرة رضى الله عنه أيضا أنه قال: «أن الذى يرفع رأسه قبل الإمام ويخفض قبله فان ناصيته بيد الشيطان» .
وقال فى موضع آخر
(3)
: ومن علم أن أمامه قد زاد ركعة أو سجدة فلا يجوز له أن يتبعه عليها، بل يبقى علي الحالة الجائزة، ويسبح بالإمام، وهذا لا خلاف فيه، وقد قال الله عز وجل:«لا تُكَلَّفُ إِلاّ نَفْسَكَ»
(4)
.
وقال أبن حزم الظاهرى أيضا
(5)
: وإذا سها الإمام فسجد للسهو ففرض على المؤتمين أن يسجدوا معه إلا من فاتته معه ركعة
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 2 ص 131، 132 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 60، 61 مسألة رقم 417 طبع إدارة الطباعة المنيرية مطبعة النهضة بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الأولى.
(3)
المحلى لابن حزم ج 4 ص 52 مسألة رقم 414 الطبعة السابقة.
(4)
سورة النساء: 84.
(5)
المحلى لابن حزم ج 4 ص 166، 167 مسألة رقم 469 الطبعة السابقة.
فصاعدا فإنه يقوم إلى قضاء ما عليه فإذا أتمه سجد هو للسهو، إلا أن يكون الإمام سجد للسهو قبل السلام ففرض على المأموم أن يسجدهما معه، وإن كان بقى عليه قضاء ما فاته، ثم لا يعيد سجودهما إذا سلم، برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سها فسجد وسجد المسلمون معه بعلمه بذلك، وأما من عليه قضاء ركعة فصاعدا فإن الإمام إذا سلم فقد خرج من صلاته ولزم المأموم القضاء - أى قضاء ما فاته -. وقال عليه الصلاة والسلام، أى فى روايه أخرى زيادة قوله فإنه لم يتم صلاته بعد.
والسجود للسهو لا يكون إلا فى آخر الصلاة وبعد تمامها، بأمره عليه الصلاة والسلام بذلك، وأما اذأ سجدهما الإمام قبل أن يسلم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الإمام ليؤتم به، فاذا سجد فاسجدوا» ، ففرض عليه الائتمام به فى كل ما يفعله الإمام فى موضعه وإن كان موضعه للمأموم بخلاف ذلك، وكذلك يفعل فى القيام والقعود والسجود.
وقال فى موضع آخر
(1)
: ومن وجد الإمام راكعا أو ساجدا أو جالسا فلا يجوز البتة أن يكبر قائما لكن يكبر وهو فى الحال التى يجد امامه عليها ولا بد، تكبيرتين ولا بد، أحداهما للإحرام بالصلاة والثانية للحال التى هو فيها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الإمام ليؤتم به» ، ولقوله عليه الصلاة والسلام «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» ، فأمر عليه الصلاة والسلام بالائتمام بالامام، والائتمام به هو ألا يخالفه الانسان فى جميع عمله، ومن كبر قائما والإمام غير قائم فلم يأتم به فقد صلى بخلاف ما أمر ولا يجوز ان يقضى ما فاته من قيام أو غيره إلا بعد تمام صلاة الإمام لا قبل ذلك.
وقال ابن حزم الظاهرى
(2)
: ومن زوحم حتى فاته الركوع أو السجود أو ركعة أو ركعات، وقف كما هو، فإن أمكنه أن يأتى بما فاته فعل، ثم إتبع الإمام حيث يدركه وصلاته تامة ولا شئ عليه غير ذلك.
فإن لم يقدر على ذلك إلا بعد سلام الإمام بمدة قصيرة أو طويلة فعل كذلك أيضا، وصلاته تامة والجمعة وغيرها سواء فى كل ما ذكرنا.
وقال فى موضع آخر
(3)
: فإن صلى مسافر بصلاة امام مقيم قصر ولا بد، وان صلى مقيم بصلاة مسافر أتم ولا بد، وكل أحد يصلى لنفسه، وإمامة كل واحد منهما للآخر جائزة ولا فرق.
(1)
المحلى لابن حزم ج 4 ص 264 مسألة رقم 510 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لابن حزم ج 4 ص 157 مسألة رقم 464 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 31، 32 مسألة رقم 518 الطبعة السابقة.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(1)
: من ائتم بإمامه فإنه تجب عليه متابعته فى الأركان والأذكار وفسر الأذكار فى الحاشية بقوله فى التسليم وتكبيرات العيد والإحرام والجنازة.
ومعنى المتابعة ترك المخالفة فى ذلك إلا فى أمر مفسد للصلاة لو تعمد من فعل أو ترك نحو أن يزيد الإمام ركعة أو سجدة أو يترك أيهما أو نحو ذلك، فإذا فعل الإمام ذلك لم تجب متابعته بل لا تجوز، وحينئذ فيعزل المؤتم ويتم فرادى.
وفى الغيث: لو أتم من غير عزل فسدت صلاته، ذكره المؤيد بالله، وذكر أيضا إن المؤتم لو كان فى حال التشهد الأخير فسلم من دون عزل فسدت صلاته.
وقال فى موضع آخر
(2)
: وأما المخالفة فى الأمر المفسد فى الذكر كما فى قراءة جهر فإن المتابعة لا تجب هنا بل يجب على المؤتم أن يخالفه وجوبا ويسكت فى حال جهر الإمام.
وهذا بناء على أن الإمام يتحمل وجوب القراءة عن المؤتم فى الجهريه إذا سمعه لا فى السرية.
وقال الناصر إنه لا يتحمل فيهما ولو قرأ المؤتم فى حال جهر الإمام بطلت صلاته عند الهادويه.
قال المرتضى: ولو كانت قراءته ناسيا وفى الإفادة عن المؤيد بالله أن صلاة المؤتم لا تبطل بقراءته حال جهر الإمام.
وجاء فى شرح الأزهار أيضا
(3)
:
ومن فاتته الركعة الأولى مع الإمام من أربع فلا يتشهد التشهد الأوسط وأن كان يجلس مع الإمام ولا يقعد فى ثانيته لأنها ثالثة الإمام وفى القعود اخلال بالمتابعة الواجبة.
قال فى الحاشية: ولو قعد الإمام سهوا فى الثالثة فلا يقعد معه المؤتم، فان قعد فسدت إن لم يعزل فإن عزل لم تفسد.
وقال فى موضع آخر
(4)
لو فسدت صلاة الإمام بأى وجه من جنون أو لحن أو حدث سهوا كان أم عمدا فلا يتابعه المأموم بل يجب عليه أن يعزل صلاته فورا أى عقيب فساد صلاة الإمام، ولا يتابعه بعد ذلك فى شئ من الصلاة، فان تابعه فسدت ولو جاهلا.
وفى شرح الأزهار
(5)
: يندب فى خطبة العيد متابعة الخطيب فى التكبير والصلاة على النبى وآله.
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ج 1 ص 310 وما بعدها الطبعة الثانية لمطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1257 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 310، 311 الطبعة السابقة.
(3)
ج 1 ص 302 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الأزهار ج 1 ص 306 الطبعة السابقة.
(5)
ج 1 ص 383 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
قال صاحب الروضة
(1)
: ويجب على المأموم المتابعة لإمامه فى الأفعال إجماعا بمعنى ألا يتقدمه فيها بل إما أن يتأخر عنه وهو الأفضل أو يقارنه لكن المقارنة تفوت فضيلة الجماعة وإن صحت الصلاة وإنما أفضلها مع المتابعة.
أما الأقوال، فقال صاحب الروضة:
قطع المصنف بوجوب المتابعة فيها أيضا فى غيره وأطلق هنا بما يشمله، وعدم الوجوب أوضح ألا فى تكبيرة الإحرام فيعتبر تأخره بها، فلو قارنه أو سبقه لم تنعقد، وكيف تجب المتابعة فيما لا يجب سماعه ولا اسماعة إجماعا مع ايجابهم علمه بأفعاله وما ذاك إلا لوجوب المتابعة فيها فلو تقدم المأموم على الإمام فيما يجب فيه المتابعة ناسيا تدارك ما فعل مع الإمام وعامدا يأثم ويستمر على حاله حتى يلحقه الإمام والنهى لإحق لترك المتابعة لا لذات الصلاة أو جزئها.
وقال فى موضع آخر: ولا تصح الجماعة مع جسم حائل بين الامام والمأموم يمنع المشاهدة أجمع فى سائر الأحوال للإمام أو من يشاهده من المأمومين ولو بوسائط منهم فلو شاهد بعضه فى بعضها كفى كما لا تمنع حيلولة الظلمة والعمى الا فى المرأة خلف الرجل فلا يمنع الحائل مطلقا مع علمها بأفعاله التى يجب فيها المتابعة ولا مع كون الإمام أعلى من المأموم بالمعتد به عرفا فى المشهور
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(3)
: وشرط الإقتداء بإمام النية والمتابعة يعمل كل ما يعمل إلا ما يحمله عنه ويكون بعده لا معه ولا قبله.
وجاء فى موضع آخر أيضا
(4)
: يجب إتباع الإمام فى الأقوال غير سمع الله لمن حمده فانه لا يجب اتباعه فيه، بل يجوز والأحسن أن يقول المأموم: ربنا ولك الحمد.
وفى الأفعال أن لم يصل جالسا وان صلى جالسا بأن كان امام عادل أو إمام صلاة حدثت له العلة أو إمام صلاة صلى بهم من أول جالسا على قول باجازته أى باجازة إمام الصلاة قاعدا من أول الأمر أو بعد حادث فلا يجب اتباعه فى فعله الذى هو الجلوس والايماء بل يجب عليهم القيام وقيل يجلسون ولا يجلسون خلف إمام الصلاة الجالس من أول.
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 118 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 116 الطبعة الثانية.
(3)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للإمام يوسف أطفيش ج 1 ص 432، 433 طبع محمد بن يوسف البارونى.
(4)
شرح النيل ج 1 ص 463، 464، الطبعة السابقة.
إتلاف
اتلاف الشئ لغة: إفناؤه، قال فى القاموس: تلف كفرح: هلك، وأتلفه أفناه وذهبت نفسه تلفا وطلفا أى هدرا، ورجل مخلف متلف ومخلاف متلاف.
وفى لسان العرب: التلف الهلاك والعطب وأتلف فلان ماله إتلافا إذا أفناه إسرافا.
والإتلاف فى اصطلاح الفقهاء هو، كما عرفه صاحب البدائع: اتلاف الشئ إخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة مطلوبة منه عادة
(1)
.
أنواع الإتلاف وأحكامه
تختلف أحكام الإتلاف باختلاف ما يرد عليه من أنواع وأحوال إذ هو كما قال صاحب بدائع الصنائع أما أن يرد على بنى أدم أو على غيرهم، وقال يجب الضمان فيما توفرت فيه الشروط الآتية:
1 -
أن يكون المتلف مالا فلا يجب الضمان بإتلاف الميتة والدم وجلد الميتة وغير ذلك مما ليس بمال.
2 -
أن يكون متقوما، فلا يجب الضمان بإتلاف الخمر والخنزير على المسلم سواء كان المتلف مسلما أو ذميا.
3 -
أن يكون المتلف من أهل وجوب الضمان عليه حتى لو أتلف مال إنسان بهيمة لا ضمان على مالكها لأن فعل العجماء جبار فكان هدرا ولا إتلاف من مالكها فلا يجب الضمان عليه.
4 -
أن يكون فى الوجوب فائدة فلا ضمان على المسلم بإتلاف مال الحربى ولا على الحربى بإتلاف مال المسلم فى دار الحرب، وكذا لا ضمان على العادل إذا أتلف مال الباغى ولا على الباغى اذا أتلف مال العادل لأنه لا فائدة فى الوجوب لعدم إمكان الوصول إلى الضمان لانعدام الولاية.
وتفصيلا لذلك وجمعا إجماليا لأهم ما جاءت به أمهات كتب الفقه للمذاهب الثمانية: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والإمامية والزيديه والإباضية فى هذا الموضوع أقول ما يجب فيه الضمان وما لا يجب من المتلفات.
إتلاف الصيد
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية انه اذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه قاتله فعليه ضمانه اذا توفرت شروط الضمان، فان كان الإتلاف جزئياً فعليه قيمة ما نقصه الحيوان ما لم يقصد إصلاحه فان قصد اصلاحه فلا شئ عليه وأن مات، وكذلك الحكم علي هذا البيان اذا قتل الحلال صيد الحرم أو أتلف جزءا منه، فقد جاء فى ابن عابدين
(2)
ما نصه: فان
(1)
البدائع ج 7 ص 164 الطبعة الأولى.
(2)
ج 2 ص 291 طبعة 1324 هـ.
قتل محرم صيدا أى حيوانا بريا متوحشا بأصل خلقته أو دل عليه قاتله مصدقا له غير عالم وأتصل القتل بالدلالة أو الإشارة والدال أو المشير باق على إحرامه وأخذه قبل إن ينفلت بدءا أو عودا سهوا أو عمدا مباحا أو مملوكا فعليه جزاؤه ولو سبعا غير صائل أو مستأنسا أو حماما أو هو مضطر إلى أكله.
وجاء فى المصدر السابق
(1)
: ووجب بجرحه ونتف شعره وقطع عضوه ما نقص ان لم يقصد الإصلاح، فان قصده كتخليص حمامة من سنور أو شبكة فلا شئ عليه وان ماتت.
وجاء فيه
(2)
: ووجبت بتف ريشة وقطع قوائمه وكسر بيضه وخروج فرخ ميت بالكسر وذبح حلال صيد الحرم وحلب لبنه .. قيمة فى كل ما ذكر.
مذهب المالكية:
يرى المالكية ما يراه الحنفية من وجوب الضمان على المحرم اذا قتل الصيد أو أتلف جزءا منه ألا أنهم يرون فى الدلالة على الصيد إساءة فقط، ولا ضمان فيها وان أدت الى الإتلاف كما هو مشهور المذهب كما لا ضمان على المحرم فى اتلاف سباع الوحش.
فقد جاء فى التاج والإكليل للمواق
(3)
:
قال ابن شاش: يحرم صيد البر ما أكل لحمه وما لم يؤكل لحمه من غير فرق بين أن يكون مستأنسا له أو وحشيا مملوكا أو مباحا ويحرم التعرض لأجزائه وبيضه وليرسله أن كان بيده أو رفقته فان لم يرفع يده عنه حتى مات لزمه جزاؤه.
وجاء فيه: ما قتل المحرم من الصيد فعليه جزاؤه. قال ابن شاش: ولو أكله فى مخمصة ضمنه، وفى عدم الضمان بالدلالة ولو أدت الى اتلاف الصيد، قال الحطاب:
دلالة محرم أو حل وكذا إن أعانه بمناولة سوط أو رمح إساءة لا جزاء فيها على المشهور، نقله فى التوضيح عن الباجى، واقتصر صاحب المدخل على القول بوجوب سبب الجزاء على المحرم فى دلالة المحرم على الصيد وفيمن أعطى سوطه أو رمحه لمن يقتل به صيدا.
وجاء فى التاج والإكليل عن التهذيب
(4)
:
إذا دل المحرم على صيد محرما أو حلالا فقتله المدلول عليه فليستغفر الدال ولا شئ عليه، وفى عدم الضمان على من أتلف شيئا من سباع الوحش قال: لا بأس أن يقتل المحرم سباع الوحش التى تعدو وتفترس وان لم تبتدئه ولا يقتل صغار ولدها التى لا تعدو أو لا تفترس، ثم قال:
فله عندنا قتل الذئب والأسد والفهد والكلب العقور وكل ما يعدو.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أنه يحرم على المحرم اصطياد كل صيد مأكول برى طيرا أو غيره
(1)
ابن عابدين ج 2 ص 296.
(2)
المرجع السابق ص 296، 297.
(3)
بهامش الحطاب ج 2 ص 171، 174
(4)
ج 3 ص 176، 173 هامش الحطاب.
كما يحرم ذلك علي المحل فى الحرم فإن أتلف أحدهما شيئا من ذلك ضمنه كما يضمن المحرم بالدلالة اذا كان الصيد فى يده فإن لم يكن فى يده وقتله المدلول أثم الدال فقط ولا ضمان عليه.
قال فى نهاية المحتاج
(1)
: الخامس من المحرمات اصطياد كل صيد مأكول برى من طير أو غيره كبقر وحش وجراد وكذا متولد منه ومن غيره كمتولد بين حمار وحشى وحمار أهلى وبين شاة وظبى إلى أن قال: وكذا يحرم فى الحرم على الحلال.
ثم قال: فان اتلف من حرم عليه ما ذكر صيداً مما ذكر وان لم يكن مملوكا ضمنه، وقيس بالمحرم الحلال فى الحرم، ثم قال:
ولا فرق بين الناس للاحرام أو كونه فى الحرم وجاهل الحرمة.
ثم قال: ولو دل المحرم آخر على صيد ليس فى يده فقتله أو أعانه بآلة أو نحوها أثم ولا ضمان، أو بيده والقاتل حلال ضمن المحرم لأن حفظه واجب عليه ولا يرجع على القاتل.
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة وجوب الضمان على من أتلف صيدا فى الحرم محرما كان أو حلالا، وأتلاف جزء منه أو أتلاف بيضه مضمون بقيمته، ويضمن أتلاف صيد الحرم بالدلالة والإشارة كما يضمن بالقتل ولا شئ بقتل صائل لم يمكن دفعه الا بذلك.
قال فى المغنى والشرح الكبير
(2)
: وصيد الحرم حرام على الحلال والمحرم ..
وفيه الجزاء على من يقتله، ويجزى بمثل ما يجزى به الصيد فى الإحرام، وما يحرم ويضمن فى الإحرام يحرم ويضمن فى الحرم ومالا فلا.
وقال: ومن قتل وهو محرم من صيد البر عامدا أو مخطئا فداه بنظيره من النعم إن كان المقتول دابة.
وقال: وإن كان طائرا فداه بقيمته فى موضعه.
وقال: وإن أتلف جزءا من الصيد وجب ضمانه لأن جملته مضمونة فكان بعضه مضمونا كالآدمى والأموال.
وقال: ويضمن بيض الصيد بقيمته.
وقال فى الضمان بالدلالة أو الإشارة:
ويضمن صيد الحرم بالدلالة والإشارة كصيد الاحرام والواجب عليهما جزاء واحد نص عليه أحمد، وظاهر كلامه أنه لا فرق بين كون الدال فى الحل أو الحرم.
وقال القاضى: لا جزاء على الدال إذا كان فى الحل، والجزاء على المدلول وحده كالحلال إذا دل محرما على صيده.
مذهب الظاهرية:
قتل الصيد عند الظاهرية مبطل للحج إذا قتله عامدا ذاكرا لإحرامه وعليه الجزاء ومثله فى وجوب الجزاء المحل فى الحرم اذا
(1)
ج 3 ص 333.
(2)
ج 2 ص 358، 530، 538، 540، 360.
كان عامدا ذاكرا أنه فى الحرم ومثل ذلك الذمى، فإن انعدم شرط من ذلك فلا شئ عليه.
قال أبن حزم فى المحلى: ومن تصيد صيدا فقتله وهو محرم بعمرة أو بقران أو بحجة تمتع ما بين أول إحرامه إلى دخول وقت رمى جمرة العقبة أو قتله محرم أو محل فى الحرم فان فعل ذلك عامدا لقتله غير ذاكر لإحرامه أو لأنه فى الحرم أو غير عامد لقتله سواء كان ذاكرا لإحرامه أو لم يكن فلا شئ عليه لا كفارة ولا إثم وذلك الصيد جيفة لا يحل أكله، فان قتله عامدا لقتله ذاكرا لإحرامه أو لأنه فى الحرم فهو عاص لله تعالى وحجه باطل وعمرته كذلك.
وقال: وأما المتعمد لقتل الصيد وهو محرم فهو مخير بين ثلاثة أشياء أيها شاء فعله، وقد أدى ما عليه: أما أن يهدى مثل الصيد الذى قتل من النعم، وان شاء أطعم مساكين وأقل ذلك ثلاثة، وان شاء نظر الى ما يشبع ذلك الصيد من الناس فصام بدل كل إنسان يوما إلخ.
وقال: فلو أن كتابيا قتل صيداً فى الحرم لم يحل أكله لقول الله تعالى: «وَأَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ» ،} فوجب أن يحكم عليهم بحكم الله تعالى على المسلمين
(1)
إتلاف بيض النعام وغيره: لا شئ فيه ما لم يكن فيه فرخ حى، فجزاؤه مثله إن مات.
قال فى المحلى: وبيض النعام وسائر الصيد حلال للمحرم وفى الحرم، لأن البيض ليس صيداً ولا يسمى صيداً ولا يقتل، وإنما حرم الله تعالى على المحرم قتل صيد البر فقط، فإن وجد فيها فرخ ميت فلا جزاء له لأنه ليس صيدا ولم يقتله فان وجد فيها فرخ حى فمات فجزاؤه بجنين من مثله لأنه صيد قتله
(2)
.
إتلاف صيد البحر
وما ليس بصيد
لا شئ فى إتلاف صيد البحر ولا فى اتلاف ما ليس بصيد.
قال فى المحلى: «وصيد كل ما سكن الماء من البرك أو الأنهار أو البحر أو العيون أو الآبار حلال للمحرم صيده وأكله
(3)
.
قال: وجائز للمحرم فى الحل والحرم وللمحل فى الحرم والحل قتل كل ما ليس بصيد من الخنازير والأسد والسباع، والقمل والبراغيث وقردان بعيره أو غير بعيره، والحكم كذلك، وهو القراد العظيم.
(1)
المحلى لابن حزم ج 7 ص 214 الى 219 مسألة رقم 876، 877، 878.
(2)
المحلى ج 7 ص 232 مسألة 880.
(3)
المحلى ج 7 ص 235 مسألة 883.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن من محظورات الإحرام قتل الصيد البرى الوحشى إلا ما استثنى كما يحظر على الحلال فى الحرم فإن فعل أحدهما شيئا من ذلك عن عمد وكان الصيد مأمونا وجب الجزاء سواء كان القتل مباشرة أو بسبب أو دلالة أو إشارة بحيث إذا لم يفعل ذلك لما قتل فان فعل ذلك خطأ فلا جزاء فيه.
قال فى شرح الأزهار: من محظورات الإحرام قتل كل حيوان جنسه متوحش سواء كان صيدا أم سبعا كالظبى والضبع والذئب وأن تأهل، أى أستأنس، كما قد يتفق، فانه كالمتوحش فى التحريم، وانما يحرم قتل المتوحش بشرط أن يكون مأمون الضرر، فأما لو خشى المحرم من ضرره جاز له قتله كالضبع حيث تكون مفترسة وعدت عليه، وكذا الأسد ونحوه إذا خاف ضرره، وذلك بأن يعدو عليه، فإن لم يعد لم يجز قتله وسواء قتله مباشرة أو تسبب بما لولاه لما انقتل نحو إن يمسكه حتى مات عنده أو حتى قتله غيره أو حفر له بئرا أو مد له شبكة أو يدل عليه أو يغرى به أو يشير إليه، ولولا فعله لما صيد.
وفى هذه الوجوه كلها يلزمه الجزاء والإثم إن تعمد إلا المستثنى وهى الحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة فإن هذه أباح الشرع قتلها وسواء المحرم والحلال وإلا الصيد البحرى فإنه يجوز للمحرم قتله وأكله، والأهلى من الحيوانات كالحمير والخيل وكل ما يؤكل لحمه فانه لا يجب الجزاء فى قتلها لأنها غير صيد والمحرم هو الصيد ونحوه وان توحش الأهلى لم يجب الجزاء فى قتله لأن توحشه لا يصيره وحشيا، والعبرة بالأم فان كانت وحشية فولدها وحشى وان كانت أهلية فولدها أهلى، ويلزم الإثم والجزاء حيث قتله عمدا لا خطأ، إذ الخطأ لا جزاء عليه والمبتدئ والعائد فى قتل الصيد على سواء فى وجوب الجزاء عليهما ولو قتله ناسيا لإحرامه لزمه الجزاء ويجب فى بيضة النعامة ونحوها اذا كسرها المحرم صوم يوم أو إطعام مسكين
(1)
.
مذهب الإمامية:
يحرم الإمامية على المحرم وعلى المحل فى الحرم صيد الممتنع بأصله من حيوانات البر وقتلها مباشرة أو إعانة أو دلالة أو إشارة، ويوجبون الجزاء على من فعل ذلك ولو جاهلا أو ناسيا ويلزم غير المكلف بذلك فى ماله ولو اجتمعوا على إتلاف صيد فعلى كل جزاء.
فقد جاء فى الروضة البهية
(2)
:
وأما التروك المحرمة فثلاثون، صيد البر، وضابطه الحيوان الممتنع بالأصالة فلا يحرم قتل الأنعام وأن توحشت ولا صيد الضبع والنمر والصقر وشبهها من حيوان البر ولا الفأرة والحية ونحوهما ولا يختص التحريم بمباشرة قتلها بل يحرم الإعانة عليه ولو دلالة عليها وإشارة إليها بأحد الأعضاء وهى أخص من الدلالة ولا فرق فى تحريمها
(1)
شرح الأزهار ج 2 من ص 94 إلى 96
(2)
ج 1 ص 181
على المحرم بين كون المدلول محرما ومحلا ولا بين الخفية والواضحة، نعم، لو كان المدلول عالما به بحيث لم يفده زيادة انبعاث عليها فلا حكم لها.
وقال
(1)
: وفى الحمامة - وهى المطوقة أو ما تعب الماء - شاة على المحرم فى الحل ودرهم على المحل فى الحرم على المشهور ويجتمعان على المحرم فى الحرم.
وقال
(2)
: ولو أغلق على حمام وفراخ وبيض فكالإتلاف مع جهل الحال أو علم التلف فيضمن المحرم والمحل فى الحرم ولو باشر الإتلاف جماعة أو تسببوا فعلى كل فداء.
وقال
(3)
: ولا كفارة على الجاهل والناسى فى غير الصيد، أما فيه فيجب مطلقا حتى على غير المكلف بمعنى اللزوم فى ماله.
مذهب الإباضية:
المحل فى الحرم والمحرم ولو فى غير الحرم مسنوعان من صيد البر وقتله وعليهما الجزاء سواء كان القتل عمدا أو خطأ ولو دلالة عليه أو إشارة إليه.
قال فى كتاب النيل: منع المحرم والمحل من صيد الحرم .. ومن قتله وان أخطأ أو أشار إليه فاصيب أو أزمنه ولم يعلم بصحته بعد أو دل عليه أحدا أو حيوانا ففعل به شيئا مما ذكر لزمه الجزاء ولزم الاثنين أن قتلاه واحد أن أجتمعا عليه وإلا فعلى كل واحد يحكم به عدلان فقيهان
(4)
.
إتلاف نبات الحرم
مذهب الحنفية:
قال ابن عابدين فى حاشيته
(5)
: اعلم أن النابت فى الحرم إما جاف أو منكسر أو اذخر أو غيرها، والثلاثة الأول مستثناة من الضمان. وغيرها اما أن يكون أنيته الناس أولا، والأول لا شئ فيه سواء كان من جنس ما ينبته الناس كالزرع أو لا كأم غيلان، والثانى إن كان من جنس ما ينبتونه فكذلك وإلا ففيه الجزاء، فما فيه الجزاء هو النابت بنفسه وليس مما يستنبت ولا منكسرا ولا جافا ولا اذخرا، وما يتلف من الزرع النابت فى ملك الغير فيه قيمتان إحداهما للمالك والأخرى لحق الله.
مذهب المالكية:
قال فى التاج والإكليل
(6)
: وحرم بالحرم قطع ما ينبت بنفسه إلا الأذخر والسنا، قال ابن يونس: ولا يقطع أحد من شجر الحرم شيئا يبس أو لم ييبس من حرم مكة أو من المدينة، فإن فعل فليستغفر الله ولا جزاء.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(7)
: ويحرم على محرم وحلال قطع أو قلع نبات الحرم الرطب وهذا صادق بما إذا كان القطع أو القلع علي وجه الإتلاف أو لا، مباحا كان أو مملوكا، الذى لا يستنبت أى من شأنه ألا يستنبته الآدميون بأن ينبت بنفسه كالطرفاء شجرا أو غيره لقوله صلى الله عليه وسلم:
(1)
ج 1 ص 206
(2)
ج 1 ص 208
(3)
ج 1 ص 213
(4)
شرح النيل ج 1 ص 331
(5)
ج 2 ص 297
(6)
الحطاب ج 3 ص 178، 179.
(7)
ج 3 ص 342
«ولا يعضد شجره ولا يختلى خلاه» وهو بالقصر الحشيش الرطب وقيس بمكة باقى الحرم. إلى أن قال: والأظهر تعلق الضمان به أى بقطع نبات الحرم الرطب وبقطع الأشجار من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام.
وفى المستنبت يقول صاحب نهاية المحتاج
(1)
:
والمستنبت وهو ما استنبته الآدميون من الشجر كغيره فى الحرمة والضمان على المذهب وهو القول الأظهر لعموم الحديث والثانى المنع تشبيها له بالزرع أى كالحنطة والشعير والبقول والخضروات فانه يجوز قطعه ولا ضمان فيه بلا خلاف، قاله فى المجموع.
قال: ويحل من شجر الحرم الأذخر لاستثنائه فى الحديث ومثل ذلك فى الحكم نبات البقيع.
قال صاحب نهاية المحتاج
(2)
فى باب إحياء الموات: أن من أتلف شيئا من نبات البقيع ضمنه على الأصح.
مذهب الحنابلة:
قال فى المغنى والشرح الكبير
(3)
: يجب فى إتلاف الشجر والحشيش - فى الحرم - الضمان.
قال: ولأنه ممنوع من إتلافه بحرمة الحرم، فكان مضمرنا كالصيد، والشجرة الكبيرة مضمونة ببقرة والصغيرة بشاة، والحشيش بقيمته، والغصن بما نقص، ومن إتلاف الشجر فى الحرم قلعه من مكان وغرسه فى مكان آخر أدى إلى يبسه فيجب الضمان.
قال فى المغنى: ومن قلع شجرة من الحرم فغرسها فى مكان آخر فيبست ضمنها لأنه أتلفها.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(4)
: وصيد الحرمين وشجرهما يجب فيهما القيمة على من قتل الصيد أو قطع الشجر، ويلزم الصغير والمجنون قيمة صيد الحرم وشجره إذا جنى على شئ من ذلك، لأن الجناية تلزم غير المكلف، وتسقط قيمة الشجرة إذا قلعها بالإصلاح لها بأن يردها إلى الحرم ويغرسها فيه.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(5)
: بعد أن قال وتجب شاة فى لبس الخفين، قال: وقلع شجرة من الحرم صغيرة غير ما استثنى، ولا فرق هنا بين المحرم والمحل.
وفى معنى قلعها قطعها من أصلها، والمرجع فى الصغيرة والكبيرة الى العرف والحكم بوجوب شئ للشجرة مطلقا هو المشهور، ومستنده رواية مرسلة.
(1)
ج 3 ص 343
(2)
ج 4 ص 247
(3)
ج 3 ص 368، 367
(4)
ج 2 ص 104، 105
(5)
ج 1 ص 212، 213
ثم قال: وفى الشجرة الكبيرة عرفا بقرة فى المشهور ويكفى فيها وفى الصغيرة كون شئ منها فى الحرم سواء كان أصلها أم فرعها ولا كفارة فى قلع الحشيش وإن أثم فى غير الأذخر وما أنبته الآدمى، ومحل التحريم فيها الإخضرار، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقا لا قلعه أن كان أصله ثابتا، ويجوز تخلية الإبل وغيرها من الدواب للرعى فى الحرم وانما يحرم مباشرة قطعه علي مكلف محرما أو غيره.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن إتلاف شجر الحرم ونباته الرطب محرم ومضمون، وهذا فى غير الأذخر وما يزرعه الآدمى أو يغرسه.
جاء فى شرح كتاب النيل
(1)
: ولا يحل وأن لمحل شجر الحرم وصيده ولقطته وحلت لمعرفها ولا يحل خلاؤه وهو الرطب من النبات لا يحتش ويجوز رعيه، وجوز الأذخر، قيل ولزم بالدوحة بقرة وبالوسطى شاة وبقضيب درهم وبورقتها مسكين - أى إطعامه - وهذا إن لم يزرع أو يغرس.
قال: والأصل فى شجر الحرم إنه غير مستنبت، ففيه الجزاء حتى يصح بثقة أنه مستنبت ولا يحل شجره وإن أخرج للحل.
إتلاف المبيع
قد يحدث إتلاف المبيع من البائع أو من المشترى أو من أجنبى فيترتب عليه هلاكه وتلفه فإذا كان من أجنبى ضمنه بقيمته أو مثله لتعدية بإتلاف مال غيره وإذا كان من البائع قبل قبضه أنفسخ البيع ووجب رد الثمن ان قبض وإن كان من المشترى قبل قبضه عد بذلك قابضا له ولزمه الثمن، وإلى هذا ذهب الحنفية
(2)
وفى استيفاء أحكام هذا الموضوع وتفصيلها يرجع إلى مصطلح تلف المبيع فى مصطلح بيع.
إتلاف الرهن فى يد المرتهن
إن كان من أجنبى فهو اعتداء على مال الغير يوجب ضمانه بمثله أو بقيمته علي حسب ما سبق بيانه ويكون بدله رهنا مكانه وكذلك إن كان من المرتهن لأن المرتهن بالنسبة إليه غير مالك فكان ذلك منه اعتداء على مال الراهن يوجب عليه ضمانه بمثله أو بقيمته وبذلك يصير المرتهن مدينا للراهن بذلك مع كونه دائنا له من قبل وفى تفرقى الدينين، وأحكام ذلك تفصيل يرجع إليه فى أحكام اعتداء المرتهن على الرهن «مصطلح رهن» .
أما إن كان الإتلاف من الراهن فإنه يعد اعتداء على مال له تعلق به حق المرتهن من ناحية أنه قد صار بعقد الرهن ضمانا لدينه وتوثيقا له ومحلا لاستيفائه منه واختصاصه به عند التنازع فوجب لذلك ضمانه ليكون ضمانه رهنا فى يد المرتهن والى هذا ذهب الحنفية
(3)
وفى تفصيل أحكام ذلك يرجع الى مصطلح رهن «هلاكه» .
(1)
ج 1 ص 338
(2)
الدر المختار وحاشيته ج 4 ص 68
(3)
الهداية ج 4 ص 109
إتلاف المسلط على المال
إتلاف الأجير لما في يده
من مال مؤجره:
الأجير إن كان خاصا فهو أمين فلا ضمان عليه إلا بالتعدى أو بالتقصير عند جميع المذاهب ومع هذا فما يتلف من مال مؤجره بعمله يضمنه، إن كان فيه مقصرا تجاوز الحد المألوف المعروف المأذون فيه بحكم العرف والعادة وإلا لم يضمن.
وفى الدر المختار: ولا يضمن الأجير الخاص ما هلك بعمله كتخريق الثوب من دقة فى القصارة إلا إذا تعمد الفساد
(1)
.
وإن كان مشتركا ضمن ما يتلف بعمله لأنه إنما أذن بالعمل المصلح المؤدى إلى المقصود من العقد وهو المعقود عليه حقيقة لا المؤدى إلى التلف، ألا ترى أن ذلك العمل لو حصل بفعل الغير يجب به الأجر وعلى ذلك لم يكن المفسد مأذونا فيه فيجب فيه الضمان.
وذهب زفر إلى أنه لا ضمان عليه لأنه أمر بالفعل مطلقا فينتظم العمل بنوعية المعيب والسليم كالأجير الخاص وإلى هذا ذهب الحنفية
(2)
.
وفى تفصيل أحكام هذا الموضوع وبيانها فى المذاهب يرجع إلى مصطلح ضمان.
الإتلاف بالسراية
ومثالها فى الجرح حدوث مضاعفات غير منتظرة تؤدى إلى التلف.
مذهب الحنفية:
قال صاحب الهداية: وإذا فصد الفصاد أو بزغ البزاغ (البيطار، وهو الخاص بالبهائم) ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك، وفى الجامع الصغير بيطار بزغ دابة بدانق فنفقت أو حجام حجم عبدا بأمر مولاه فمات فلا ضمان عليه.
قال صاحب الهداية: ووجهه أنه لا يمكنه التحرز عن السراية لأنه يبتنى على قوة الطبائع وضعفها فى تحمل الألم فلا يمكن التقيد بالمصلح من العمل، ولا كذلك دق الثوب ونحوه لأن قوة الثوب ورقته تعرف بالاجتهاد، فأمكن القول بالتقييد.
وقال صاحب الدر المختار: ولا ضمان على حجام وبزاغ وفصاد لم يجاوز الموضع المعتاد، فان جاوز المعتاد ضمن الزيادة كلها اذا لم يهلك المجنى عليه وان هلك ضمن نصف دية النفس لتلفها، بمأذون فيه وغير مأذون فيه.
ثم فرع عليه بقوله فلو قطع الختان الحشفة وبرئ المقطوع تجب عليه دية كاملة لأنه لما برئ كان عليه ضمان الحشفة وهى عضو كامل كاللسان، وأن مات فالواجب علية نصفها لحصول تلف النفس بفعلين:
(1)
ابن عابدين ج 5 ص 59، 60
(2)
الهداية ج 3 ص 179
أحدهما مأذون فيه وهو قطع الجلدة، والآخر غير مأذون فيه وهو قطع الحشفة فيضمن النصف
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ما يتلف بالسراية إن كان بسبب مأذون فيه ولا جهل فيه ولا تقصير فلا ضمان، فان حدث عن جهل أو تقصير أو لم يؤذن له بمزاولة ذلك العمل وجب الضمان.
قال فى التاج والإكليل هامش الحطاب
(2)
فى كتاب موجبات الضمان والنظر فى ضمان سراية الفعل، قال أبن القاسم: لا ضمان على طبيب وحجام وخاتن وبيطار إن مات حيوان بما صنعوا به إن لم يخالفوا وضمن ما سرى كطبيب جهل أو قصر، ومثل الطبيب الخاتن والبيطار كما يضمن لو بلا إذن معتبر.
ونقل التاج والإكليل قول المدونة: من أرسل فى أرضه نارا أو ماءا فوصل إلى أرض جاره فأفسد زرعه فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يوصل ذلك إليها فتحاملت النار بريح أو غيره فاحترقت فلا شئ عليه وأن لم يؤمن من ذلك لقربها فهو ضامن.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: الإتلاف بالسراية إذا كان ناشئا عن جناية كان مضمونا ولا ضمان إذا كان بسبب مأذون فيه ولم يحدث خطأ وكان ذا علم بما يمارسه.
قال صاحب نهاية المحتاج. فإن جنى عليه بتعد وهو بيد مالكه أو من يخلفه وتلف بسراية من تلك الجناية فالواجب أقصى القيمة من وقت الجناية إلى التلف لأن ذلك إذا وجب فى اليد العادية ففى الإتلاف أولى
(3)
.
وقال صاحب نهاية المحتاج
(4)
: ومن عالج كأن حجم أو فصد بإذن ممن يعتبر إذنه فأفضى إلى تلف لم يضمن وإلا لم يفعله أحد ولو أخطأ الطبيب فى المعالجة وحصل منه التلف وجبت الدية على عاقلته وكذا من تطبب بغير علم كما قاله فى الأنوار لخبر من تطبب ولم يعرف الطب فهو ضامن.
مذهب الحنابلة:
لا ضمان لما تلف بسبب السراية إذا حذقت الصنعة ولم يحدث تفريط وإلا ضمن
قال فى المغنى والشرح الكبير
(5)
: وإذا فعل الحجام والختان والمتطبب ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين أحدهما أن يكونوا ذوى حذق فى صناعتهم ولهم بها خبرة ومعرفة لأنه اذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع وإذا قطع مع هذا كان فعلا محرما فيضمن سرايته كالقطع ابتداء، الثانى ألا تجنى أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغى إن يقطع فإذا وجد هذان الشرطان لم يضمنوا لأنهم قطعوا قطعا مأذونا فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق فإما إن كان حاذقا وجنت يده مثل إن تجاوز قطع
(1)
ابن عابدين ج 5 ص 58
(2)
ج 6 ص 320، 321
(3)
ج 4 من كتاب الغصب.
(4)
ج 7 ص 183، 184
(5)
ج 6 ص 120، 121
الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها أو قطع فى غير محل القطع أو فى وقت لا يصلح فيه القطع وأشباه هذا ضمن فيه كله لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ فأشبه إتلاف المال ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء.
مذهب الزيدية:
التلف الحادث عن سراية لا ضمان فيه إذا كان الفعل معتادا وحدث من حاذق بصير.
فقد جاء فى شرح الأزهار
(1)
: لا أرش للسراية عن المعتاد من بصير فإذا استؤجر الخاتن أو نحوه فحصل مضرة من عمله لم يضمن بشروط ثلاثة:
الأول: أن يكون عن سراية، فلو كانت عن مباشرة نحو إن يقطع حشفة الصبى ضمن عمدا كان أو خطأ.
الشرط الثانى: أن يفعل المعتاد، فلو فعل غير المعتاد ضمن.
الشرط الثالث: أن يكون بصيراً، فلو كان متعاطبا، أى غير متدرب، ضمن.
أو إذا كان الفعل جناية وسرت الى ذى مفصل وجب القصاص اذا توافرت شروطه وبالعكس يسقط القصاص.
قال فى شرح الأزهار
(2)
: يجب القصاص بالسراية إلى ما يجب فيه فلو جرح إنسان فى غير مفصل ثم سرت الجناية إلى ذى مفصل فأتلفته وجب القصاص ويسقط بالعكس.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(3)
: الطبيب بضمن فى ماله ما يتلف بعلاجه نفسا وطرفا لحصول التلف المستند الى فعله وأن احتاط واجتهد وأذن المريض.
وقال ابن إدريس لا يضمن مع العلم والاجتهاد للأصل ولسقوطه بإذنه ولأنه فعل سائغ شرعا فلا يستصحب ضمانا.
وقد روى أن أمير المؤمنين ضمن ختانا قطع حشفة غلام ولو أبرأه المعالج من الجناية قبل وقوعها فالأقرب الصحة لمسيس الحاجة إلى مثل ذلك إذ لا غنى عن العلاج وإذا عرف الطبيب أنه لا مخلص له عن الضمان توقف عن العمل مع الضرورة إليه فكان من الحكمة شرع الابراء دفع للضرورة.
ولرواية السكونى عن أبى عبد الله قال:
قال أمير المؤمنين: من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو ضامن، وإنما ذكر الولى لأنه هو المطالب على تقدير التلف، فلما شرع الإبراء قبل الاستقرار صرف إلى من يتولى المطالبة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(4)
: الطبيب والختان والبيطار وخالع الضرس والحجام لا ضمان عليهم إن لم يتعدوا وإن أخطأوا فالدية على العاقلة، وفى نفس المصدر
(5)
قال: ولزم طبيبا وخاتنا وحجاما وبيطارا أو نحوهم ان تلف
(1)
ج 3 ص 283، 284
(2)
ج 4 ص 387
(3)
ج 2 ص 418
(4)
ج 5 ص 162.
(5)
ج 5 ص 184
أحد بمعالجتهم قود أن زادوا على ما أمروا به فى الطب والصناعة، وقيل لا قود بل الدية وإن لم يزيدوا فلا قود ولا دية، وقيل القود فيمن عالج الطب أو الختن أو نحو ذلك ولم يتقنه ولو لم يزد على ما أمر به.
وجاء فى شرح النيل
(1)
: ما فعله بمداواة أو معالجة حيث جاز له كقطع وكى وفصد وختن وبيطرة إذا أخطأ فى ذلك فنتج عنه هلاك فيلزمه الضمان لا الإثم وقيل يلزم العاقلة وقيل بيت المال وقيل فى خطأ الختان لا ضمان ولا أثم.
إتلاف المغصوب
له ينظر «غصب» .
ضمان المتلفات بعد غصبها
وبيان القيمة الواجبة ووقتها
مذهب الحنفية:
قال صاحب الدر المختار
(2)
: ويجب رد مثل المغصوب أن هلك وهو مثلى وأن أنقطع المثل بأن لا يوجد فى السوق الذى يباع فيه وإن كان يوجد فى البيوت فقيمته يوم الخصومة أى وقت القضاء. وعند أبى يوسف يوم الغصب، وعند محمد يوم الانقطاع ورجحه تهستانى، وتجب القيمة فى القيمى يوم غصبه إجماعا.
مذهب المالكية:
جاء فى كتاب «بلغة السالك لأقرب المسالك»
(3)
: وضمن الغاصب بالاستيلاء مثل المثلى وقيمة المقوم من عرض أو حيوان وقيمة ما ألحق بالمقوم من المثليات وقال: وأما الكلب غير المأذون فيه فلا قيمة له، ومثل الغاصب من أتلفها أو عيبها. قال: أى هذه المذكورات المتقدمة.
لكن فى الإتلاف يلزم القيمة بتمامها إن كان مقوما والمثل إن كان مثليا.
وقال فى نفس المصدر
(4)
: الموهوب له يرجع عليه بمثل المثلى وقيمة المقوم وتعتبر القيمة يوم الجناية، وأما الغاصب فيوم الغصب.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(5)
: ما يأتى: تضمن نفس الرقيق بقيمته بالغة ما بلغت تلف أو أتلف تحت يد عادية، وسائر الحيوان بالقيمة وأجزاؤه بما نقص منها، وغير الحيوان من الأموال مثلى ومتقوم، فيضمن المثلى بمثله ما لم يتراضيا على قيمته، فإن تعذر المثل فالقيمة.
والأصح أن المعتبر أقصى قيمة من وقت الغصب إلى تعذر المثل، أما لو كان المثل فيها مفقودا عند التلف فيجب الأكثر من الغصب إلى التلف.
قال: ومقابل الأصح عشرة أوجه.
الوجه الثانى: يعتبر الأقصى من الغصب إلى التلف.
والثالث من التلف إلى التعذر.
والرابع: الأقصى من الغصب الى تغريم القيمة والمطالبة بها.
(1)
ج 8 ص 119
(2)
ابن عابدين ج 5 ص 126
(3)
ج 2 ص 197، 198.
(4)
ص 201
(5)
ج 5 ص 161، 162
والخامس: الأقصى من انقطاع المثل إلى المطالبة.
والسادس: الأقصى من التلف إلى المطالبة.
والسابع: الاعتبار بقيمة اليوم الذى تلف فيه المغصوب.
والثامن: بقيمة يوم الأعواز.
والتاسع: بقيمة يوم المطالبة.
والعاشر: إن كان منقطعا فى جميع البلاد فالاعتبار بقيمة يوم الإعذار، وإن فقد فى تلك البقعة فالاعتبار بيوم الحكم بالقيمة
قال
(1)
: وأما المتقوم فيضمنه بأقصى قيمة من الغصب إلى التلف، وفى الإتلاف بقيمة يوم التلف.
مذهب الحنابلة:
قال فى المغنى والشرح الكبير
(2)
: قال القاضى: ولم أجد عن أحمد رواية بأن المغصوبات تضمن بأكثر القيمتين لتغير الأسعار، فعلى هذا تضمن بقيمتها يوم التلف، رواه الجماعة عن أحمد وعنه أنها تضمن بقيمتها يوم الغصب لأنه الوقت الذى أزال يده عنه فيلزمه القيمة حينئذ كما لو أتلفه.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(3)
قوله: وإذا تلف المغصوب وجب على الغاصب فى تالف المثلى مثله إن وجد فى ناحيته، وألا يوجد المثل فى الناحية فقيمته يوم الطلب، وصح للغاصب تملكه، فان لم يصح للغاصب تملكه نحو أن يغصب خمرا على ذمى فقيمته تجب عليه يوم الغصب.
ثم قال: وأما إذا كان التالف قيميا فالواجب قيمته يوم الغصب لا يوم التلف.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية قوله
(4)
: «ويجب رد المغصوب ما دامت العين باقية يمكنه ردها سواء كانت علي هيئتها يوم غصبها أم زائدة أم ناقصة، فان تعذر رد العين لتلف ونحوه ضمنه الغاصب بالمثل إن كان المغصوب مثليا، وإلا يكن مثليا فالقيمة العليا من حين الغصب إلى حين التلف.
وقيل يضمن الأعلى من حين الغصب إلى حين الرد، أى رد الواجب وهو القيمة، وهذا القول مبنى على أن القيمى يضمن بمثله كالمثلى، وإنما ينتقل إلى القيمة عند دفعها لتعذر المثل فيجب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة لأن الزائد فى كل آن سابق من حين الغصب مضمون تحت يده.
وقيل إنما يضمن بالقيمة يوم التلف لا غير لأن الواجب زمن بقائها أنما هو رد العين والغاصب مخاطب بردها حينئذ زائدة كانت أم ناقصة من غير ضمان شئ من النقص إجماعا. فإذا تلفت وجبت قيمة العين وقت التلف لانتقال الحق إليها حينئذ لتعذر البدل.
(1)
ص 165.
(2)
ج 5 ص 421
(3)
ج 3 ص 546، 549
(4)
ج 2 ص 232، 233
ونقل المحقق فى الشرائع عن الأكثر أن المعتبر القيمة يوم الغصب بناء على أنه أول وقت ضمان العين.
إتلاف مال الغير
اتلاف الخمر والخنزير
مذهب الحنفية:
قال صاحب الدر المختار
(1)
: خمر المسلم وخنزيره بأن أسلم وهما فى يده اذا أتلفهما مسلم أو ذمى فلا ضمان، وضمن المتلف المسلم قيمتهما لذمى لأن الخمر فى حقنا قيمى حكما.
قال ابن عابدين: أما الذمى فيضمن مثل الخمر وقيمة الخنزير، وقال نقلا عن الكافى: إذا أتلف المسلم الخنزير علي ذمى فلا ضمان عليه عنده خلافا لهما.
مذهب الشافعية:
قال صاحب نهاية المحتاج
(2)
: ولا تضمن الخمر المغصوبة ولو محترمة لذمى لانتفاء قيمتها كسائر النجاسات ولا تراق على ذمى ألا أن يظهر شربها أو بيعها أو هبتها أو نحو ذلك، ولو من مثله بأن يطلع عليه من غير تجسس، وتراق عليه، وآلة اللهو والخنزير مثلها فى ذلك.
قال الإمام: وبأن يسمع الآلة من ليس فى دارهم، أى محلتهم ومحله حيث كانوا بين أظهرنا وإن انفردوا بمحلة من البلد، فإن انفردوا ببلد أى بأن لم يخالطهم مسلم كما هو ظاهر لم نتعرض لهم وترد عليه عند أخذها ولم يظهرها إن بقيت العين لإقراره عليها، وكذا المحترمة وهى التى عصرت لا بقصد الخمرية فشمل ما لو لم يقصد شيئا على الأصح أو قصد الخلية أى صيرورتها خلا.
ثم قال المؤلف: وقولهم على الغاصب إراقة الخمر محمول على ما لو كانت بقصد الخمرية لعدم احترامها وإلا فلا يجوز أراقتها.
وقال: إذا غصبت من مسلم يجب ردها ما دامت العين باقية إذ له إمساكها لتصير خلا، أما غير المحترمة وهى ما عصر بقصد الخمرية فتراق ولا ترد عليه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير
(3)
: وإن غصب خمر ذمى لزمه ردها لأنه يقر على شربها فإن أتلفها لم يلزمه قيمتها سواء أتلفه مسلم أو ذمى وسواء كان لمسلم أو ذمى نص عليه أحمد فى رواية أبى الحارث فى الرجل يهريق مسكرا لمسلم أو لذمى فلا ضمان عليه وكذا الخنزير.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم قوله
(4)
: ومن كسر إناء فضة أو ذهب فلا شئ عليه وقد أحسن، لنهى الرسول صلى الله عليه وسلم
(1)
حاشية ابن عابدين ج 5 ص 182
(2)
ج 4 ص 122، 123.
(3)
ج 5 ص 376
(4)
ج 8 ص 147 مسألة 1266
عن ذلك، وكذلك من أهرق خمرا لمسلم أو لذمى إذ لا قيمة للخمر، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعها وأمر بهرقها فما لا يحل بيعه ولا ملكه فلا ضمان عليه.
وقال
(1)
: لا يحل كسر أوانى الخمر ومن كسرها من حاكم أو غيره فعليه ضمانها لكن تهرق وتغسل الفخار.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(2)
: ويجب أن يريق خمرا رآها له أو مسلم غيره.
قال فى الحاشية: أو لذمى غير مقرر أى إذا كان فى بلد ليس لهم سكناها ولو كان ابتداء عصرها وقع بنية الخل لكنه كشف الغطاء فوجده لم تكتمل خليته بل هو خمر فإنه يلزمه إراقته، ولو كان عصره بنية الخمر ثم لم يشاهده خمرا فإنه يلزمه إراقته.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(3)
: إذا أتلف كلب الصيد ففى ذلك أربعون درهما على الأشهر، وقيل الواجب فيه قيمته كغيره من الحيوان، وفى كلب الحراسة عشرون درهما أو قيمته، ولو أتلف الخنزير ضمن للذمى مع الاستتار به بقيمته عند مستحله إن أتلفه وأرشه كذلك أن أعابه وكذا لو أتلف المسلم على الذمى المستتر خمرا أو آلة لهو مع استتاره بذلك، فلو أظهر شيئا منهما فلا ضمان على المتلف مسلما كان أم كافرا فيهما».
مذهب الإباضية:
إتلاف خمر الذمى الذى لم يظهرها بوجب الضمان، فإن أظهرها فلا ضمان على متلفها.
جاء فى شرح النيل قوله: وان أفسد لذمى خمرا لم يظهرها فإن ذلك غصب، ويغرم له قيمتها، وان أظهرها فلا شئ على مفسدها وليس ذلك غصبا
(4)
.
إتلاف النجاسات المنتفع بها
مذهب الحنفية:
قال صاحب الدر المختار
(5)
: وفى الأشباه الفحم واللحم ولو نيئا، والأجر قيمى، وفى حاشيتها لابن المصنف هنا، وفيما يجلب التيسير معزيا للفصولين وغيره، وكذا الصابون والسرقين والورق والإبرة والإهاب والجلد والدهن المتنجس، مضمون بالقيمة.
وقال
(6)
فى نفس المصدر: ولا ضمان فى ميتة ودم أصلا ولو لذمى إذ لا يدين بتمولها أحد من أهل الأديان، وهذا فى الميتة حتف أنفها لأن ذبيحه المجوسى ومخنوقته وموقوذته يجوز بيعها عند أبى
(1)
المحلى ج 7 ص 511 مسألة 1104
(2)
ج 4 ص 588
(3)
ج 2 ص 449
(4)
ج 7 ص 57
(5)
أبن عابدين ج 5 ص 127
(6)
ص 145
يوسف خلافا لمحمد، فينبغى أن يجب الضمان وجزم به فى الكفاية ابن عابدين.
وقال
(1)
: ولا ضمان بإتلاف الميتة ولو لذمى ولا بإتلاف متروك التسمية عمدا ولو لمن يبيحه كشافعى لأن ولاية المحاجة ثابتة.
مذهب الشافعية:
النجاسات عندهم غير مضمونة، قال فى نهاية المحتاج: ولا تضمن الخمر ولو محترمة لذمى لانتفاء قيمتها كسائر النجاسات، ومثل ذلك الدهن والماء إذا تنجسا.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(2)
ولأن ما حرم الانتفاع به لم يجب ضمانه كالميتة والدم.
وقال فى المصدر نفسه
(3)
إذا أتلف جلد الميتة أو أتلف ميتة بجلدها لم يضمن لعدم التقوم، لعدم حل البيع فى هاتين الحالتين.
وقال: وإن أتلف كلبا يجوز إقتناؤه لم يغرمه.
مذهب الزيدية:
قال فى شرح الأزهار
(4)
قال فى الهامش: ندبا، وقيل وجوبا، وهذا يفيد عدم الضمان بالإتلاف.
إتلاف آلات اللهو وصليب الذمى
ونحوها وطبل الغزاة ودف العرس
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار: وضمن بكسر معزف قيمته خشبا منحوتا صالحا لغير اللهو.
قال ابن عابدين: وصح بيع هذه الأشياء لأنها أموال متقومة لصلاحيتها للانتفاع بها لغير اللهو فلم تناف الضمان بخلاف الخمر فإنها حرام لعينها.
وقال: وضمن اتفاقا لو كسر صليب ذمى قيمته بالغة ما بلغت لأنه مال متقوم فى حقه.
وقال: وأما طبل الغزاة والصيادين والدف الذى يباح ضربه فى العرس فمضمون اتفاقا، ومثل ذلك كبش نطوح وحمامة طيارة وديك مقاتل حيث يجب قيمتها غير صالحة لهذا الأمر
(5)
.
(1)
ص 146
(2)
المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 277
(3)
ص 445
(4)
ج 1 ص 42، 43
(5)
ابن عابدين ج 5 ص 185
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والأكليل هامش الحطاب
(1)
قوله من شروط المسروق أن يكون محترما فلا قطع على سارق الخمر والخنزير ولا على سارق الطنبور من الملاهى والمزامير والعود وشبهه من آلات اللهو ألا إن يكون فى قيمة ما يبقى منها بعد إفساد صورتها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر. وهذا يفيد وجوب ضمان قيمته بإتلافه.
مذهب الشافعية:
قال صاحب نهاية المحتاج «والأصنام والصلبان وآلات الملاهى كطنبور ومثلها الأوانى المحرمة لا يجب فى إبطالها شئ لأن منفعتها محرمة والمحرم لا يقابل بشئ مع وجوب إبطالها على القادر عليه - أما آلة لهو غير محرمة كدف فيحرم كسرها ويجب أرشها.
والأصح أنها لا تكسر الكسر الفاحش لامكان إزالة الهيئة المحرمة مع بقاء بعض المالية بل تفصل لتعود كما قبل التأليف لزوال اسمها وهيأتها المحرمة بذلك - والرأى الثانى لا يجب تفصيل الجميع بل بقدر ما يصلح للاستعمال - فان عجز المنكر عن رعاية هذا الحد فى الإنكار بسبب منعه من صاحب الآلة لقوته أبطله كيف تيسر ولو بإحراق تعين طريقا وإلا فبكسر فإن أحرقها ولم يتعين غرم قيمته مكسورة بالحد المشروع لتمول رضاضها - أى ما تخلف عنها - واحترامه بخلاف ما لو جاوز الحد المشروع مع إمكانه فانه لا يلزمه سوى التفاوت بين قيمتها مكسورة بالحد المشروع وقيمتها متهيئة الى الحد الذى أتى به.
ويجرى ما تقرر من الأبطال كيف تيسر وقال العلامة شمس الدين الرملى فى كتابه نهاية المحتاج - ولو أتلف ديك الهراش أو كبش النطاح ضمنه غير مهارش ولا ناطح
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير
(3)
: - وإن كسر صليبا أو مزمارا أو طنبورا أو صنما لم يضمنه.
مذهب الظاهرية:
وجاء فى المحلى
(4)
: وبيع الشطرنج والمزامير والمعازف والطنابير حلال كله ومن كسر شيئا من ذلك ضمنه الا أن يكون صورة مصورة فلا ضمان على كاسرها.
مذهب الزيدية:
قال فى شرح الأزهار
(5)
: يجب أن تمزق وتكسر آلات الملاهى التى لا توضع فى العادة إلا لها كرقعة الشطرنج والمزمار والطنبور ونحوه وأن نفعت فى مباح.
فأما إذا كان معمولا للمباح والمحظور كالقدح والقارورة ونحوهما لم يجز كسرها لغير أهل الولايات ويرد من المكسور التى حصلت من آلات اللهو ماله قيمة وأما إذا كانت لا قيمة لها بعد التكسير لأجل انه لا ينتفع بها بوجه من الوجوه فلا وجه لردها إلا أن يرى صاحب الولاية أخذه عليه عقوبة له على معصية جاز له ذلك ويصرفه فى المصالح.
(1)
ج 7 ص 307
(2)
نهاية المحتاج باب الغصب ج 4 ص 123
(3)
ج 5 ص 445
(4)
ج 9 ص 55 مسألة 1565
(5)
ج 4 ص 589
مذهب الإمامية:
يضمن المسلم ما أتلفه من آلة لهو لذمى مستتر بها فان أظهرها فلا شئ على متلفها مسلما كان أو كافرا
(1)
.
10 -
إتلاف الوديعة: (انظر وديعة).
11 -
إتلاف اللقطة (انظر لقطة).
12 -
إتلاف اللقيط (انظر لقيط).
13 -
إتلاف الشريك (انظر شركة).
14 -
إتلاف الموقوف (انظر وقف).
15 -
إتلاف العارية (انظر عارية).
«الإتلاف من البغاة والإتلاف عليهم»
.
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: قوله:
(2)
من شروط وجوب الضمان أن يكون فى الوجوب فائدة فلا ضمان على المسلم بإتلاف مال الحربى ولا على الحربى بإتلاف مال المسلم فى دار الحرب وكذا لا ضمان على العادل إذا أتلف مال الباغى ولا على الباغى اذا أتلف مال العادل لأنه لا فائدة فى الوجوب لعدم إمكان الوصول إلى الضمان لانعدام الولاية.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة
(3)
ولم يضمن متأول أتلف نفسا ومالا ثم قال:
والخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء والأموال ثم تابوا ورجعوا وضعت الدماء عنهم ويؤخذ منهم ما وجد بأيديهم من مال بعينه وما استهلكوه لم يتبعوا به ولو كانوا أملياء لأنهم متأولون.
مذهب الشافعية:
قال فى نهاية المحتاج
(4)
- وما أتلفه باغ على عادل وعكسه أن لم يكن ذلك فى القتال ولم يكن من ضرورته ضمن متلفه نفسا ومالا وقيده الماوردى بما إذا قصد أهل العدل التشفى والانتقام لا إضعافهم وهزيمتهم وإلا فلا ضمان لأمر العادل بقتالهم ولأن الصحابة رضى الله عنهم لم يطالب بعضهم بعضا بشئ نظرا للتأويل وفى نفس المصدر قال: والمتأول بلا شوكة لا يثبت له شئ من أحكام البغاة فحينئذ يضمن ما أتلفه ولو فى القتال كقطاع الطريق وعكسه وهو مسلم له شوكة لا بتأويل كباغ فى عدم الضمان لما أتلفه فى الحرب أو لضرورتها.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير
(5)
- إذا لم يمكن دفع أهل البغى إلا بقتلهم جاز قتلهم ولا شئ على من قتلهم من إثم ولا ضمان ولا كفارة لأنه فعل ما أمر به وقتل من أحل الله قتله وأمر بمقاتلته، وكذلك ما أتلفه أهل العدل على أهل البغى حال الحرب من المال لا ضمان فيه لأنهم إذا لم يضمنوا الأنفس فالأموال أولى ثم قال: وليس على أهل البغى أيضا ضمان ما أتلفوه حال الحرب من نفس ولا مال.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم
(6)
- قوله من تأول من أهل البغى تأويلا يخفى وجهه على
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 449
(2)
ج 7 ص 168 الطبعة الاولى
(3)
الحطاب ج 6 ص 279 باب الباغية
(4)
ج 7 ص 116
(5)
ج 10 ص 60، 61 الطبعة الأولى
(6)
ج 11 ص 107 مسألة 2155 الفقرة الخامسة
كثير من أهل العلم فهم معذورون حكمهم حكم الحاكم المجتهد يخطئ فيقتل مجتهدا أو يتلف مالا مجتهدا ففى الدم دية على بيت المال لا على الباغى ولا على عاقلته ويضمن المال كل من أتلفه وكذلك من تأول تأويلا خرق به الاجماع بجهالة ولم تقم عليه الحجة ولا بلغته. وأما من تأول تأويلا فاسداً لا يعذر فيه فعلى من قتل القود فى النفس فما دونها والحد فيما أصاب بوط ء حرام وضمان ما استهلك من مال .. »
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار - الأمام وأن جاز له تضمين الظلمة فإنه لا يجوز له أن ينقض لأجل التضمين ما وضعوه من أموالهم فى قربة
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب شرائع الاسلام
(2)
- قوله ولو أتلف الباغى على العادل مالا أو نفسا فى حالة الحرب ضمنه.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب النيل وشرحه
(3)
- قوله:
لزم الباغى ضمان المال والدم إلا أن كان فعل ذلك تدينا فلا يلزم عند أصحابنا وقال: قال أصحابنا ما تلف بين أهل البغى والعدل من نفس أو مال فلا ضمان على كل واحد من الفريقين لأن الصحابة ومن معهم تقاتلوا ولم يطالب أحدهم وعن الزهرى وقعت الفتنة العظمى بين الصحابة وهم متوافرون فأجمع رأيهم أن كل دم أريق بتأويل القرآن فهو هدر وكل ما تلف بتأويل القرآن فلا ضمان فيه.
17 -
إتلاف النفس وما دونها من الأطراف (أنظر قود ودية وأرش).
18 -
إتلاف الجنين - فى إتلاف الجناية على الجنين (أنظر غرة).
19 -
إتلاف الصبى ونحوه.
مذهب الحنفية:
يلزم كلا من الصبى والمجنون والنائم ضمان ما أتلفوه: قال صاحب الهداية: - وأن أتلف الصبى والمجنون شيئا لزمهما ضمانه إحياء لحق المتلف عليه وهذا لأن كون الاتلاف موجبا لا يتوقف على القصد كالذى يتلف بانقلاب النائم عليه.
وقال ابن عابدين
(4)
- لو أن ابن يوم انلقب على قارورة إنسان مثلا فكسرها يجب الضمان عليه فى الحال وكذا العبد والمجنون إذا أتلف شيئا لزمهما ضمانه فى الحال لكن ضمان العبد بعد العتق فى إتلافه المال أما فى النفس فيقتص منه فى الحال أن جنى على النفس بما يوجب القصاص، ويدفع أو يفدى أن جنى عليها بما لا يوجب القصاص أو جنى على الطرف عمدا أو خطأ.
وقال فى الدر المختار نقلا عن الأشباه:
الصبى المحجور مؤاخذ بأفعاله فيضمن ما أتلفه من المال للحال وإذا قتل فالدية على عاقلته.
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 558.
(2)
ج 1 ص 158.
(3)
ج 7 ص 341.
(4)
ج 5 ص 125.
مذهب الشافعية:
ما يتلفه الصبى والمجنون مضمون عليهما نفسا أو مالا قال صاحب نهاية المحتاج
(1)
- فى باب قاطع الطريق: «ولا عقوبة على صبى ومجنون ومكره وإن ضمنواً النفس والمال» .
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
ما تتلفه الدواب:
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار نقلا عن الصيرفية:
«حمار يأكل حنطة إنسان فلم يمنعه حتى أكل قال فى البدائع الصحيح أنه يضمن وقال ابن عابدين فى حاشيته تعليقا على ذلك
(3)
.
ذكر الزاهدى هذا الفرع بلفظ رأى حماره قال الخير الرملى فلو الحمار لغيره أفتيت بعدم الضمان ويستمر ابن عابدين فيقول:
ولا يخفى ظهور الفرق بين حماره وحمار غيره فإنه إذا كان الحمار له وتركه صار الفعل منسوبا إليه والنفع عائد عليه بخلاف حمار غيره فإنه وإن كان الإتلاف محققا وهو يشاهده لكنه لا ينتفع به.
وقال صاحب الدر المختار: «وان أرسل طيراً ساقه أولا أو دابة أو كلبا ولم يكن سائقا له أو انفلتت دابة بنفسها فأصابت مالا أو آدميا نهارا أو ليلا لا ضمان فى الكل لقوله صلى الله عليه وسلم «العجماء جبار» أى المنفلتة هدر قال ابن عابدين أى فعلها إذا كانت منفلتة ثم قال صاحب الدر المختار كما لو جمحت الدابة بالراكب ولم يقدر على ردها فإنه لا يضمن كالمنفلتة لأنه حينئذ ليس بمسير لها فلا يضاف سيرها إليه حتى لو أتلفت إنسانا فدمه هدر
(4)
.
مذهب المالكية:
وما أتلفته البهائم ليلا فعلى ربها وإن زاد على قيمتها. ونقل الباجى قول مالك ما أصابت الماشية بالنهار فلا ضمان على أربابها وما أصابت بالليل ضمنوه. قال أبو عمر إنما يسقط الضمان نهارا عن أرباب الماشية إذا أطلقت دون راع، وإن كان معها راع فلم يمنعها فهو كالقائد والراكب والسائق، وقد ضمن مالك القائد والسائق والراكب. وقال الباجى: من المواضع ضرب تنفرد فيه المزارع والحوائط ليس بمكان مسرح. وهذا لا يجوز إرسال المواشى فيه، وما أفسدت فيه ليلا أو نهارا فعلى أربابها - وضرب جرت عادة الناس بإرسال مواشيهم فيه ليلا أو نهارا فاحدث رجل فيه زرعا لا ضمان فيه على أهل المواشى ليلا أو نهارا.
وفى انفلات الدابة يقول صاحب التاج والإكليل على هامش الحطاب
(5)
:
(1)
ج 7 ص 162.
(2)
ج 7 ص 77.
(3)
ج 3 ص 440.
(4)
ابن عابدين ج 5 ص 534.
(5)
الحطاب ج 6 ص 323.
قال ابن سلمون: «وإذا عدت بهيمة على أخرى فقتلتها فلا شئ فى ذلك. قال أبو عمر وكذلك إذا انفلتت ليلا أو نهارا فركبت على رجل نائم فجرحته أو قتلته لأن جرح العجماء جبار» .
مذهب الشافعية:
قال صاحب نهاية المحتاج
(1)
«وأن كانت الدابة وحدها فأتلفت زرعا أو غيره نهارا لم يضمن من وضع يده عليها سواء أكانت بحق كمودع أم بغيره كغاصب فان كان الاتلاف ليلا ضمن اذ العادة الغالبة حفظ الزرع نهارا والدابة ليلا، ولذا لو جرت عادة بلد بعكس ذلك انعكس الحكم أو جرت العادة بحفظهما فيهما ضمن فيهما، والعادة محكمة.
وقال
(2)
: - من كان مع دابة أو دواب فى طريق مثلا ولو مقطورة سائقا أو قائدا أو راكبا ضمن اتلافها نفسا على العاقلة وما لا فى ماله ليلا ونهارا لأن فعلها منسوب اليه وعليه تعهدها وحفظها فإن كان معها سائق وقائد وراكب ضمن الراكب فان لم يكن راكب فعليهما أو ركبها إثنان فعلى المتقدم دون الرديف.
وفى انفلات الدابة: قال فى نهاية المحتاج
(3)
وقال
(4)
: - ولو بالت الدابة أو راثت بطريق فتلف به نفس أو مال فلا ضمان وإلا لامتنع الناس من المرور ولا سبيل إليه.
وإتلاف الطير والنحل لا ضمان فيه وفيما تتلفه الهرة روايتان:
قال فى نهاية المحتاج
(5)
: لا ضمان بإتلاف الطير مطلقا لأنه لا يدخل تحت اليد ما لم يرسل المعلم على ما صار إتلافه له طبعا، وأفتى البلقينى فى نحل قتل جملا بأنه هدر لتقصير صاحبه دون صاحب النحل لأنه لا يمكن ضبطه.
وفى الهرة يقول صاحب نهاية المحتاج
(6)
- وهرة تتلف طيرا أو طعاما أن عهد ذلك منها ضمن مالكها يعنى من يؤويها لأنه كان من حقه ربطها ليكفى غيره شرها فى الأصح ليلا ونهارا وأن لم يعهد ذلك منها فلا يضمن فى الأصح. والرأى الثانى لا ضمان لأن العادة أن الهرة لا تربط.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير: - وما أفسدت البهائم بالليل من الزرع فهو مضمون على أهلها وما أفسدت من ذلك نهارا لم يضمنوه - ثم قال: يعنى اذا لم تكن يد أحد عليها فان كان صاحبها معها أو غيره فعلى من يده عليها ضمان ما أتلفته من نفس أو مال.
وإن لم تكن يد أحد عليها فعلى مالكها ضمان ما أفسدته من الزرع ليلا دون النهار.
(1)
ج 7 ص 188.
(2)
ج 7 ص 186.
(3)
ج 7 ص 187.
(4)
ج 7 ص 188.
(5)
ج 7 ص 188.
(6)
ج 7 ص 190.
قال: وإن أتلفت البهيمة غير الزرع لم يضمن مالكها ما أتلفته ليلا كان أو نهارا ما لم تكن يده عليها لأن البهيمة لا تتلف ذلك عادة فلا يحتاج إلى حفظها بخلاف الزرع
(1)
.
ويقول فى المغنى
(2)
: إذا أكلت بهيمة حشيش قوم ويد صاحبها عليها لكونه معها ضمن وإن لم يكن معها لم يضمن ما أكلته - وأن أتلفت البهيمة شيئا وهى فى يد المستعير فضمانه على المستعير سواء أتلفت شيئا لمالكها أو لغيره لأن ضمانه يجب باليد واليد للمستعير، وإن كانت البهيمة فى يد الراعى فالضمان على الراعى.
وجاء فى المغنى ومن اقتنى كلبا عقورا فأطلقه فعقر إنسانا أو دابة ليلا أو نهارا أو خرق ثوب إنسان فعلى صاحبه ضمان ما أتلفه لأنه مفرط باقتنائه إلا إن يدخل إنسان داره بغير إذنه فلا ضمان فيه لأنه متعد بالدخول متسبب بعدوانه إلى عقر الكلب له. وإن دخل بإذن المالك فعليه ضمان لأنه تسبب إلى إتلافه - وإن أتلف الكلب بغير العقر مثل أن ولغ فى إناء إنسان أو بال لم يضمنه مقتنيه لأن هذا لا يختص به الكلب العقور - وإن اقتنى سنورا يأكل أفراخ الناس ضمن ما أتلفه كما يضمن ما أتلفه الكلب العقور وإن لم يكن له عادة بذلك لم يضمن صاحبه جنايته كالكلب اذا لم يكن عقورا
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم «لا ضمان على صاحب البهيمة فيما جنته فى مال أو دم ليلا أو نهارا لكن يؤمر صاحبه لضبطه فإن ضبطه فذاك وإن عاد ولم يضبطه بيع عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «العجماء جرحها جبار»
(4)
.
وقال كذلك فى جنايات الحيوان: - القول عندنا فى هذا هو ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه من أن العجماء جرحها جبار وعملها جبار فلا ضمان فيما أفسده الحيوان من دم أو مال لا ليلا ولا نهارا فإن أتى بها وحملها على شئ وأطلقها فيه ضمن حينئذ لأنه فعله. ليلا أو نهارا قال: وأما الحيوانات الضارية فقد جاءت فيها آثار - والقول عندنا أن الحيوان أى حيوان كان إذا أضر فى إفساد الزرع أو الثمار فإن صاحبه يؤدب بالسوط ويسجن إن أهمله فإن ثقفه فقد أدى ما عليه وان عاد الى اهماله بيع عليه ولا بد أو ذبح وبيع لحمه أى ذلك كان أعود عليه أنفذ عليه ذلك
(5)
.
مذهب الزيدية:
يقول الزيدية: - أن الواجب على مطلق البهيمة ما جنت فورا مطلقا أى ليلا أم نهارا فى ملك أم مباح أم حق عام أم خاص فإن تراخت جنايتها عن إطلاقها لم يضمن ما وقع منها بعد ذلك. وكذا الواجب على متولى الحفظ من مالك أو مستأجر أو مستعير أو
(1)
ج 10 ص 357.
(2)
ج 5 المغنى ص 455.
(3)
المغنى والشرح الكبير ج 10 ص 358.
(4)
ج 8 ص 146 مسألة 1265.
(5)
المحلى ج 11 ص 5، 6 مسألة 2106.
غاصب ضمان جناية غير الكلب ليلا لأن الحفظ فى الليل واجب عليه إلا الكلب فانه يرسل فى الليل ليحفظ ويربط بالنهار فينعكس الحكم فى حقه. وعلى متولى الحفظ ضمان جناية البهيمة العقور من كلب أو ثور أو فرس أو غير ذلك حيث كان مفرطا مطلقا أى ليلا أم نهارا فى مرعاها أم فى غيره. ولو جنت العقور على أحد فى ملكه أى فى ملك صاحبها على الداخل بإذنه فإنه يضمن فإذا لم يكن بإذنه فهو متعد بالدخول فعادت الجناية كأنها من جهة نفسه لتعديه فهدرت»
(1)
.
قال
(2)
: - وأما بولها وروثها وغلبتها على الراكب حتى لم يملك ردها بل ذهبت حيث شاءت وبطلت حكمته عليها فهدر ما جنت بأى هذه الوجوه غالبا أما أن أوقفها على شئ لتبول عليه فتهلكه فإنه يضمن.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(3)
: - قوله - ويضمن صاحب الماشية جنايتها ليلا لا نهارا على المشهور قال على عليه السلام لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا ويقول على صاحب الزرع حفظه وكان يضمن ما أفسدته ليلا وروى ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم.
ومنهم وهم جلة المتأخرين من اعتبر التفريط فى الضمان مطلقا ليلا ونهارا والحق أن العمل ليس على هذه الرواية بل على إجماع الأصحاب ولما كان الغالب حفظ الدابة ليلا وحفظ الزرع نهارا أخرج الحكم عليه وليس فى حكم المتأخرين رد لقول القدماء وكيف كان فالأقوى اعتبار التفريط وعدمه.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(4)
قوله: - يضمن مطلق مواشيه أن أكلت شجرا أو زرعا أو نحوهما أو أفسدت ذلك أو غيره لأحد وقيل لا يضمن ما فعلت من ذلك نهارا إلا أن تعمد فوجهها إلى ذلك قال صلى الله عليه وسلم «جرح العجماء جبار» أى جرح الدابة مهدور فقيل ذلك إذا خرجت عن طاقة من هى بيده وإلا ضمن ما أكلت ليلا أو نهاراً وقيل لا يضمن ما فعلت نهارا لقوله صلى الله عليه وسلم .. على صاحب الطعام حفظ طعامه نهارا وعلى صاحب الدابة حفظها ليلاً.
«الإتلاف بالمبارزة والتصادم والتجاذب»
مذهب الحنفية:
نقل ابن عابدين ما جاء فى جامع الفصولين قال: وقعت فى بخارى واقعة وهى رجل قال لأخر ارم السهم إلى حتى آخذه فرمى إليه فأصاب عينه فذهبت لم يضمن كما لو قال له أجن على فجنى وهكذا أفتى بعض المشايخ به. وقاسوه على ما لو قال: اقطع يدى. وقال صاحب المحيط: الكلام فى وجوب القود ولا شك أنه تجب الدية فى ماله لأنه ذكر فى الكتاب: لو تضاربا بالوكز فذهبت عين أحدهما يقاد لو أمكن لأنه عمد. وان قال كل منهما لأخر أضرب اضرب وكذا لو بارزا على وجه الملاعبة أو التعليم فأصابت الخشبة عينه فذهبت يقاد أن أمكن وقال
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 441.
(2)
ج 4 ص 427 من شرح الأزهار.
(3)
ج 2 ص 449، 450.
(4)
ج 7 ص 79
العلامة الرملى فى حاشيته عليه أقول فى المسألة قولان قال فى مجمع الفتاوى ولو قال كل واحد لصاحبه اضرب اضرب. ووكز كل منهما صاحبه وكسر سنه فلا شئ عليه بمنزلة ما لو قال أقطع يدى فقطعها كذا فى الخانية والذى ظهر فى وجه ما فى الكتاب أنه ليس من لازم قوله أضرب اضرب. إباحة عينه لاحتمال السلامة مع المضاربة بالوكزة كاحتمالها مع رمى السهم فلم يكن قوله ارم السهم الى قوله اضرب أضرب صريحا فى إتلاف عضوه بخلاف قوله أقطع يدى أو أجن على فلم يصح قياس الواقعة عليه، والمصرح به ان الأطراف كالأموال يصح الأمر فيها
(1)
.
وفى الإتلاف بالتصادم والتجاذب قال صاحب الدر المختار «وضمن عاقلة كل فارس أو راجل دية الآخر ان إصطدما وماتا منه فوقعا على القفا لو كانا حرين غير عامدين، ولو كانا عبدين أو وقعا على الوجه يهدر دمهما
…
ولو كانا عامدين فعلى كل نصف دية الأخر، ولو دفع أحدهما على وجهه هدر دمه فقط
…
كما لو تجاذب رجلان حبلا فإنقطع الحبل فسقطا على القفا وماتا هدر دمهما لموت كل بقوة نفسه فان وقعا على الوجه وجب دية كل واحد منهما على عاقلة الأخر لموته بقوة صاحبه فإن تعاكسا بأن وقع أحدهما على القفا والأخر على الوجه فدية الواقع على الوجه على عاقلة الأخر لموته بقوة صاحبه وهدر دم من وقع على القفا لموته بقوة نفسه
…
ولو قطع إنسان الحبل بينهما فوقع كل منهما على القفا فمات فديتهما على عاقلة القاطع لتسببه بالقطع
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والإكليل
(3)
: وإن تصادما أو تجاذبا مطلقا قصدا فماتا أو أحدهما فالقود - قال مالك: إذا اصطدم فارسان فمات الفرسان والراكبان فدية كل واحد على عاقلة الآخر وقيمة فرس كل واحد فى مال الأخر.
وقال مالك فى السفينتين تصطدمان فتغرق احداهما بما فيها فلا شئ فى ذلك على أحد لأن الريح تغلبهم الا أن يعلم إن النواتية لو أرادوا صرفها قدروا فيضمنوا والا فلا شئ عليهم. وقال ابن الحاجب لو اصطدم فارسان عمدا فأحكام القصاص وإلا فعلى عاقلة كل واحد دية الأخر ثم قال فان أصطدم سفينتان فلا ضمان بشرط العجز عن التصرف والمعتبر العجز حقيقة لا لخوف غرق أو ظلمة.
وقال ابن شاش: ولو تجاذبا حبلا فانقطع فتلف فكاصطدامهما وإن وقع أحدهما على شئ فأتلفه ضمناه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير
(4)
: وإذا اصطدم الفارسان فماتت الدابتان ضمن كل واحد منهما قيمة دابة الآخر - وجملته أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ما تلف من الأخر من نفس أو دابة أو مال سواء كانا مقبلين أو مدبرين فإن كان أحدهما يسير والآخر واقف فعلى السائر قيمة دابة الواقف لأن السائر هو الصادم المتلف فكان
(1)
حاشية ابن عابدين ج 5 ص 483.
(2)
ابن عابدين ج 5 ص 532، 533.
(3)
بهامش الحطاب ج 6 ص 243.
(4)
ج 10 ص 359.
الضمان عليه وإن مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته.
وقال: «وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر» .
قال
(1)
: ولا فرق بين البصيرين والأعميين والبصير والأعمى .. وإن كانتا امرأتين حاملتين فهما كالرجلين فإن أسقطت كل واحدة منهما جنينا فعلى كل واحدة نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها لأنهما اشتركتا فى قتله وعلى كل واحدة منهما عتق ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتهما فى الجنين.
وفى تصادم السفينتين قال:
وإذا وقعت السفينة المنحدرة على الصاعدة فغرقتا فعلى المنحدرة قيمة السفينة الصاعدة أو أرش ما نقصت أن أخرجت إلا أن يكون قيم المنحدرة غلبته الريح فلم يقدر على ضبطها
(2)
وإن كانت إحدى السفينتين قائمة والأخرى سائرة فلا ضمان على الواقفة وعلى السائرة ضمان الواقفة إن كان مفرطا ولا ضمان عليه إن لم يفرط
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى كتابه المحلى بعد إن بين حكم المقتتلين
(4)
.
وأما المصطدمان راجلين أو على دابتين أو السفينتان يصطدمان فإن السفينتين إذا اصطدمتا بغلبة ريح أو غفلة فلا شئ فى ذلك لأنه لم يكن من الركبان فى ذلك عمل أصلا ولم يكسبوا على أنفسهم شيئا.
وأموالهم وأموال عواقلهم محرمة إلا بنص أو إجماع. فان كانوا تصادموا وحملوا وكل أهل سفينة غير غارقة بمكان الأخرى لكن فى ظلمة لم يروا شيئا فهذه جناية والأموال مضمونة لأنهم تولوا إفسادها وقال تعالى:
«وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}
(5)
».
وأما الأنفس فعلى عواقلهم كلهم لأنه قتل خطأ وإن كانوا تعمدوا فالأموال مضمونة كما ذكرنا وعلى من سلم منهم القود أو الدية كاملة. والقول فى الفارسين أو الراجلين يصطدمان كذلك وكذلك أيضا الرماة بالمنجنيق تقسم الدية علية وعليهم وتؤدى عاقلته وعاقلتهم ديته سواء وكذلك القول فى المتصارعين والمتلاعبين ولا فرق.
وأما من سقط من علو على إنسان فماتا جميعا أو مات الواقع أو الموقوع عليه فإن الواقع هو المباشر لإتلاف الموقوع عليه بلا شك وبالمشاهدة لأن الوقعة قتلت الموقوع عليه ولم يعمل الموقوع عليه شيئا فدية الموقوع عليه أن هلك على عاقلة الواقع إن لم يتعمد الوقوع عليه لأنه قاتل خطأ فإن تعمد فالقود واقع عليه إن سلم أو الدية وكذلك الدية فى ماله إن مات الموقوع عليه قبله. فإن ماتا معا أو مات الواقع قبله فلا شئ فى ذلك لما ذكرنا من أن الدية إنما تجب بموت المقتول المجنى عليه لا قبل ذلك
(6)
.
(1)
ج 10 ص 359، 360.
(2)
ص 361.
(3)
ص 362.
(4)
ج 10 ص 501 مسألة 2087
(5)
سورة الشورى آية 40.
(6)
المحلى ج 10 ص 502، 503، 504.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية قوله
(1)
:
«والصادم لغيره يضمن فى ماله دية المصدوم لاستناد التلف إليه مع قصده الفعل ولو مات الصادم فهدر لموته بفعل نفسه أن كان المصدوم فى ملكه أو مباح أو طريق واسع - ولو وقف المصدوم فى موضع ليس له الوقوف فيه فمات الصادم بصدمة ضمن المصدوم الصادم لتعديه بالوقوف فيما ليس له الوقوف فيه. إذا لم يكن له أى للصادم مندوحة فى العدول عنه كالطريق الضيق.
قال: ولو تصادم حران فماتا فلورثة كل واحد منهما نصف ديته ويسقط النصف لاستناد موت كل منهما إلى سببين: أحدهما من فعله والأخر من غيره فيسقط ما قابل فعله وهو النصف ولو كانا فارسين كان على كل منهما نصف قيمة فرس الأخر مضافا إلى نصف الدية».
إتلاف مرخص فيه:
قال صاحب الدر المختار فى كتاب الإكراه - ويرخص للمكره إتلاف مال مسلم أو ذمى بقتل أو قطع ويؤجر لو صبر أنظر (إكراه).
إتلاف بعض ما فى السفينة
لتنجو من الغرق
مذهب الحنفية:
قال صاحب الدر المختار فى كتاب القسمة «ولو خيف الغرق فاتفقوا على إلقاء أمتعة فالغرم بعدد الرءوس لأنها لحفظ الأنفس» .
قال ابن عابدين فى حاشيته «يفهم منه أنهم إذا لم يتفقوا على الإلقاء لا يكون كذلك بل على الملقى وحده وبه صرح الزاهدى فى حاويه. قال رامزا أشرفت السفينة على الغرق فألقى بعضهم حنطة غيره فى البحر حتى خفت يضمن قيمتها فى تلك الحال أى يضمن قيمتها مشرفة على الغرق .. ثم قال الرملى:
ويفهم منه أنه لا شئ على الغائب الذى له مال فيها ولم يأذن بالإلقاء فلو أذن بأن قال إذا تحققت هذه الحالة فألقوا اعتبر إذنه.
قال ابن عابدين نقلا عن الرملى على الأشباه وأقره الحموى. يجب تقييد القول بأن الغرم بعدد الرءوس بما إذا قصد حفظ الأنفس خاصة كما يفهم من تعليله. أما إذا قصد حفظ الأمتعة فقط كما إذا لم يخش على الأنفس وخشى على الأمتعة بأن كان الموضع لا تغرق فيه الأنفس وتتلف فيه الأمتعة فهى على قدر الأموال. وإذا خشى على الأنفس والأموال فألقوا بعد الاتفاق لحفظهما فعلى قدرهما. فمن كان غائبا وأذن بالإلقاء اذا وقع ذلك أعتبر ماله لا نفسه ومن كان حاضرا بماله أعتبر ماله ونفسه ومن كان بنفسه فقط أعتبر نفسه فقط
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال صاحب نهاية المحتاج
(3)
: «ولو أشرفت سفينة بها متاع على غرق وخيف غرقها بما فيها جاز عند توهم النجاة طرح متاعها حفظا للروح. ويجب طرح ذلك لرجاء نجاة الراكب بشرط اذن المالك فى حالة
(1)
ج 2 ص 420
(2)
ج 5 ص 188.
(3)
ج 7 ص 89.
الجواز دون الوجوب. فان طرح ملك غيره ولو فى حالة الوجوب بلا اذن له فيه ضمنه كأكل مضطر طعام غيره بغير اذنه، وهذا لا ينافيه عدم الاثم لأن الاثم وعدمه يتسامح فيهما ما لا يتسامح فى الضمان، وان طرحه باذن مالكه فلا يضمنه.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة أنه: - ان خيف على السفينة الغرق فألقى بعض الركبان متاعه لتخف وتسلم من الغرق لم يضمنه أحد لأنه أتلف متاع نفسه باختياره لصلاحه وصلاح غيره، وان ألقى متاع غيره بغير أمره ضمنه وحده، وان قال لغيره ألق متاعك فقبل منه لم يضمنه له لأنه لم يلتزم ضمانه، وان قال ألقه وأنا ضامن له أو وعلى قيمته لزمه ضمانه له لأنه أتلف ماله بعوض لمصلحة فوجب له العوض على من التزمه»
(1)
.
وقال فى نفس المصدر: واذا خرق سفينة فغرقت بما فيها وكان عمدا وهو مما يغرقها غالبا ويهلك من فيها لكونهم فى اللجة أو لعدم معرفتهم بالسباحة فعليه القصاص ان قتل من يجب القصاص بقتله وعليه ضمان السفينة بما فيها من مال ونفس، وان كان خطأ فعليه ضمان العبيد ودية الأحرار على عاقلته.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم
(2)
قوله: - فان هال البحر وخافوا العطب فليخففوا الأثقل فالأثقل ولا ضمان فيه على أهل المركب لأنهم مأمورون بتخليص أنفسهم، واما من رمى الأخف وهو قادر على رمى الأثقل فهو ضامن لما رمى من ذلك لا يضمنه معه غيره ولا يرمى حيوان الا لضرورة يوقن معها بالنجاة برميه ولا يلقى انسان أصلا لا مؤمن ولا كافر لأنه لا يحل لأحد دفع ظلم عن نفسه بظلم من لم يظلمه والمانع من القاء ماله المثقل للسفينة ظالم لمن فيها فدفع الهلاك عن أنفسهم بمنعه من ظلمهم فرض.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(3)
قوله: سفينة كريت لقوم فغرقت يضمن ربها ان دلس بها أو جهل سياسة البحر والا فالماء عدو قاهر فى الاهلاك فان أصيبت من فوقها بنحو ريح أو ماء أو ضرها الحوت بلا تفريط منه فلا ضمان عليه.
قال: وللقوم ان انكسرت أن يأخذوا من ألواحها وأعوادها ما يركبونه وينجون به أنفسهم من الموت، وان خافوا غرقا خففوا بالقاء بعض المال بشراء من ربه باتفاقهم على المال وعلى الرءوس.
ومن ألقى ماله بلا مشورتهم فمتبرع به وغرمه وحده ان كان لغيره ولا يلقون انسانا ولو مشركا معاهدا.
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 10 ص 363.
(2)
ج 8 ص 200 مسألة 1321.
(3)
ج 5 ص 170.
إثبات
تعريف الإثبات:
فى اللغة:
فى المصباح: ثبت الشئ يثبت ثبوتا:
دام وأستقر، فهو ثابت. وثبت الأمر:
صح. ويتعدى بالهمزة والتضعيف. وثبت فى الحرب فهو ثبيت مثل قرب فهو قريب، والاسم ثبت، ومنه قيل للحجة ثبت.
وفى المختار: ثبت الشئ من باب دخل وثباتا أيضا. وأثبته غيره وثبته.
وتقول: لا أحكم بكذا إلا بثبت، أى إلا بحجة.
فالإثبات على هذا تقديم الثبت، أى الحجة كالإتحاف تقديم التحفة.
فى الاصطلاح:
يؤخذ من استعمال الفقهاء أن الإثبات بمعناه العام: إقامة الدليل على حق أو على واقعة من الوقائع، وبمعناه الخاص: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التى حددتها الشريعة على حق أو على واقعة معينة تترتب عليها آثار.
آراء الفقهاء فى الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى
للعلماء فى بيان الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى طريقان:
الأول: حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من أدلة يتقيد بها الخصوم فلا يقبل منهم غيرها. ويتقيد بها القاضى فلا يحكم إلا بناء عليها، وهذا هو رأى الجمهور من العلماء.
جاء فى الدر المختار وحاشية رد المحتار لابن عابدين: أن طرق القضاء سبعة:
البينة، والإقرار، واليمين، والنكول عنه، والقسامة، وعلم القاضى، والقرينة الواضحة التى تصير الأمر فى حيز المقطوع به
(1)
.
والثانى: عدم تحديد طرق معينة للإثبات يتقيد بها الخصوم أو القاضى. بل للخصوم أن يقدموا من الأدلة ما يستطيعون به إقناع القاضى بصحة دعواهم. وللقاضى أن يقبل من الأدلة ما يراه منتجا فى الدعوى ومثبتا لها، ومن أكبر أنصار هذا الرأى، العلامة ابن القيم، فقد قال
(2)
ومع اتفاق جمهور العلماء على حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من الأدلة فإنهم لم يتفقوا على أنواع هذه الأدلة، فبعضهم يعتبر كلا من اليمين والنكول عنه طريقا للقضاء، وبعضهم لا يعتبره طريقا له ..
وقد يتفقون على اعتبار نوع من الأدلة طريقا للقضاء، ولكنهم يختلفون فى نطاق الاستدلال به كشهادة الشاهدين رجلين أو
(1)
ابن عابدين ج 4 ص 462، 653 طبع المطبعة الأميرية.
(2)
الطرق الحكيمة ص 16 طبع مطبعة مصر سنة 1360 هـ.
رجل وامرأتين، أجمعوا على أنها طريق للقضاء، ولكنهم اختلفوا: هل تكون فى مسائل الأموال والمعاملات فقط أو فيما عدا الحدود والقصاص من الأموال والنكاح والطلاق.
والأدلة التي تردد ذكرها فى كتب الفقه كطرق للقضاء أو أدلة يمكن إثبات الدعوى بها بين متفق عليه ومختلف فيه منها، هى:
الإقرار، والشهادة، واليمين، والشاهد واليمين، والنكول، وعلم القاضى، والقرينة، والخط والقسامة، والقيافة، والقرعة، والفراسة.
وسنتكلم على كل واحد منها بالترتيب الذى أوردناه.
الإقرار
الإقرار: إخبار الشخص بثبوت حق للغير على نفسه ولو كان هذا الحق سلبيا، أى بطريق النفى كإقراره بأن لا حق له على فلان، فإنه يثبت للمقر له على المقر حق عدم مطالبته بشئ من الحقوق.
مذهب الحنفية:
والإقرار عند الحنفية: يكون باللفظ وبالإشارة المفهمة من غير القادر على التلفظ كالأخرس ومعتقل اللسان إذا طال أمده وثبتت له إشارة، وبالكتابة، وبالسكوت كسكوت الوالد بعد تهنئة الناس له بالولد بعد الولادة يكون إقرارا منة بنسبه، وسكوت الزوجة والولد والأجنبى عند بيع العقار بحضرته، يكون إقراراً من الساكت بملكية البائع للعقار المبيع حتى لا تسمع منه دعوى ملكية هذا العقار على المشترى بعد ذلك
(1)
.
مذهب المالكية:
وعند المالكية: يكون الإقرار باللفظ أو ما يقوم مقامه كالإشارة المفهمة من الأبكم والمريض، والكتابة فى صحيفة أو لوح أو خرقة أو على الأرض، والسكوت كسكوت غريم الميت عند بيع التركة أمامه، لا يقبل منه ادعاء الدين فى التركة بعد ذلك إلا أن يكون له عذر
(2)
.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة عند من يجوز الاعتماد عليها، وبالإشارة من الأخرس والمريض العاجز عن الكلام
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة: يكون الإقرار باللفظ والكتابة وبالإشارة المعلومة من الأخرس دون معتقل اللسان والمريض
(4)
.
(1)
ابن عابدين ج 4 ص 688 وما بعدها، وجامع الفصوليين ج 2 ص 182.
(2)
تبصرة الحكام لابن فرحون المالكى ج 2 ص 55.
(3)
الاشباه والنظائر فى فقه الشافعية للإمام جلال الدين السيوطى ص 362، 363.
(4)
المغنى لابن قدامة ج 12 ص 159 وكشاف القناع ج 6 ص 367 وما بعدها.
مذهب الظاهرية:
تحدث ابن حزم فى المحلى عن الإقرار ولم يذكر ما يكون به غير اللفظ من الكتابة والإشارة
(1)
.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة والإشارة المفهمة من الأخرس والمصمت
(2)
.
واستثنى صاحب البحر الزخار: اللعان والإيلاء والشهادة والإقرار بالزنا لأنه يعتبر فيها لفظ مخصوص.
مذهب الإمامية:
وعند الشيعة الإمامية: يكون الإقرار باللفظ وتقوم مقامه الإشارة
(3)
.
حجية الإقرار
والإقرار حجة علي المقر يؤخذ به ويحكم عليه بمقتضاه وهو أقوى الأدلة لأن احتمال الصدق فيه أرجح من احتمال الكذب إذ العاقل لا يقر عادة ولا يرتب حقا للغير على نفسه إلا إذا كان صادقا فى إقراره.
وحجية الإقرار ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى:«وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ» .
أمر صاحب الحق بالإملال، وإملاله هو إقراره، فلو لم يكن حجة عليه ويؤخذ به لما كان فيه فائدة ولما أمر به.
وقال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» والشهادة على النفس هى الإقرار عليها بالحق.
وفى السنة الصحيحة أن النبى صلى الله عليه وسلم، قبل من ماعز ومن الغامدية الإقرار بالزنا على أنفسهما وعاملهما به وأقام عليهما الحد بناء عليه.
وقد أجمعت الأمة من عهد النبى صلى الله عليه وسلم إلى الآن على أن الإقرار حجة على المقر يؤخذ به وجرت على ذلك فى الأقضية والمعاملات.
والإقرار حجة قاصرة على المقر لا يتعداه إلى غيره ولا يمتد أثره إلى من عداه. فمن أقر على غيره بشئ لم يقبل إقراره، ومن ذلك إقرار الوصى والولى على موليه.
وإقرار القيم على محجوره فإنه لا يصح.
وهذا قدر متفق عليه، ولكنهم اختلفوا مع هذا فى إقرار العبد يكون فيه مساس بحق السيد وماله وإقرار المريض مرض الموت يكون فيه مساس بحق الورثة أو بحق الدائنين.
وإذا استثنينا الظاهرية، فإن الجميع متفقون على عدم صحة إقرار العبد والمريض مرض الموت فى بعض الصور رعاية لحق السيد والورثة والدائنين وعدم الإضرار بهم مما تبين تفاصيله فى مصطلح «إقرار» .
(1)
المحلى ج 8 ص 250.
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 4، 7.
(3)
المختصر النافع الطبعة الثانية ص 243.
أما الظاهرية فقد قرر ابن حزم الظاهرى فى كتابه
(1)
: أن إقرار العبد والمريض مرض الموت صحيح فى جميع صوره وأحواله من غير نظر إلى مساس هذا الإقرار بالسيد أو بالورثة والمداينين وتعديه إليهم بالضرر (انظر إقرار).
ولا يكون الإقرار حجة، ولا ينبنى عليه أثره إلا إذا صدر صحيحا ومستوفيا جميع الشروط التى ذكرها الفقهاء فى المقر والمقر له والمقر به وفى الصيغة ولم يتصل به ما يفسده أو يغير من موجبه مما هو مفصل ومبسوط فى مصطلح إقرار (انظر إقرار).
والإقرار حجة بنفسه يثبت به الحق المقر به للمقر له على المقر ويلزمه الوفاء له به دون توقف على قضاء القاضى وحكمه بالاتفاق.
وهناك حالات لا يكفى فيها الإقرار للقضاء والحكم بل لا بد من إقامة البينة معه، كما إذا أدعى شخص على مدين الميت إنه وصيه فى التركة، وصدقه المدين فى دعوى الوصاية والدين، فإن القاضى لا يثبت الوصاية بهذا الإقرار إذ الاقتصار عليه لا يفيد مع مدين آخر ينكر الوصاية.
وهناك حالات تسمع فيها بينة المدعى بطلبه بعد إقرار المدعى عليه بالحق لفائدة أخرى غير ثبوت الحق، كما فى دعوى شخص على مدين أنه وكيل عن الدائن إذا صدقه المدعى عليه فى دعوى الوكالة ولكنه طلب سماع البينة عليها لتكون يده يد أمانة لا يضمن بالهلاك دون تعد ولتبرأ ذمة المدين بالدفع إليه دون رجوع، فيقبل القاضى البينة. وكما فى دعوى الدين على الميت إذا أقر بها أحد الورثة، أو أقر بها الورثة جميعا، وطلب المدعى سماع البينة ليتعدى الحكم إلى بقية الورثة فى الأولى أو إلى بقية الدائنين فى الثانية، تسمع البينة
(2)
.
وقد يتم الإقرار ثم تطرأ أمور تؤثر فيه أصلا أو تؤثر فى مدى حجيته وهى موضع خلاف بين الفقهاء، من ذلك.
دعوى المقر أنه كان كاذبا فى إقراره
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إذا أعطى شخص صكا لآخر يتضمن إقراره بأنه استقرض منه مبلغا من المال، ثم ادعى أنه كاذب فى هذا الإقرار، لا تقبل منه هذه الدعوى عند أبى حنيفة ومحمد وهو القياس لأن الإقرار ملزم شرعا كالبينة بل هو آكد لأن احتمال الكذب فيه أبعد فلا يلتفت إليه، وتقبل عند أبى يوسف فى حق تحليف المقر له اليمين فيحلف على أن المقر صادق فى إقراره بالدين كما تضمنه الصك، فإن حلف ثبت حقه فى الدين وإن نكل فلا شئ له، وهو الإستحسان وعليه الفتوى، لأن العرف جار بكتابة الصك قبل أخذ المال فلا يكون الاقرار دليلا على القبض حقيقة.
(1)
المحلى ج 8 ص 250 وما بعدها.
(2)
ابن عابدين ج 4 ص 701 وما بعدها، الطبعة الاميرية.
ولأن الناس كثرت حيلهم ومخادعتهم، والمقر يضار بعدم التحليف، ولا يضار المقر له بالتحليف إن كان صادقا، فيصار إليه.
وهذا فى غير حقوق الله الخالصة، أما فيها فتقبل دعوى الكذب فى الإقرار، ولا يؤخذ به المقر لما يورثه من الشبهة المؤثرة فى سقوط الحد كما فى الرجوع عن الإقرار
(1)
.
أما إذا كان تكذيب المقر من الشارع كما إذا أقرت المطلقة بانقضاء عدتها بعد مدة تحتمله ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر بعد الإقرار يثبت نسبه شرعا من المطلق لتيقن قيام الحمل وقت الإقرار، ويكون حكم الشارع بثبوت نسب الولد تكذيبا للمطلقة فى إقرارها بانقضاء العدة أو كان التكذيب من الحاكم، كما إذا اشترى شخص عينا من آخر، ثم ادعى ثالث علي المشترى ملكية هذه العين، وأنكر المشترى وقرر أنها ملك البائع الذى اشتراها منه، وأثبت المدعى دعواه وحكم له بالعين، فإنه يكون للمشترى حق الرجوع بالثمن علي البائع رغم إقراره بأن العين ملكه، لأن الحكم بملكية العين للمدعى تكذيب له فى إقراره.
إذا كان التكذيب من الشارع أو من الحاكم يكون معتبرا ويبطل الإقرار به.
وقال الشافعية: أن المقر يؤخذ بما أقر به، ولا يقبل منه دعوى الكذب فى ذلك
(2)
.
وفى مذهب الشيعة الإمامية
جاء فى شرائع الإسلام
(3)
: «إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن ثم قال أنه لم يقبض الثمن وإنما أشهد بذلك تبعا للعادة، قيل لا يقبل قوله لأنه مكذب لإقراره، وقيل يقبل لأنه أدعى ما هو معتاد. وهو الأشبه، إذ هو ليس مكذبا لإقراره بل هو مدع شيئا آخر فيكون على المشترى اليمين.
رجوع المقر عن الإقرار
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إن رجوع المقر عن إقراره بحقوق الله تعالى الخالصة كحد الزنا والشرب والسرقة بالنسبة للقطع، يقبل ويبطل به الإقرار فلا يؤخذ به مطلقا سواء رجع قبل القضاء عليه بموجبه أو بعد القضاء وقبل الشروع فى التنفيذ أو بعد الشروع فيه وقبل تمامه، فلا يحكم عليه إن رجع قبل الحكم ولا يقام عليه إن رجع بعد الحكم وقبل إقامة الحد.
ولا يتم عليه الحد إن رجع بعد الشروع فيه وقبل إتمامه وذلك لاحتمال أن يكون صادقا فى رجوعه فيكون كاذبا فى الإقرار فهو يورث شبهة والحدود تدرأ بالشبهات، ولأنه يستحب للامام أن يلقن
(1)
ابن عابدين ج 4 ص 702.
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطى ص 575.
(3)
ص 250
المقر العدول عن الإقرار كما لقن النبى صلى الله عليه وسلم ما عزا حين أقر بالزنا بقوله: لعلك قبَّلت أو لمست.
ولو لم يكن الرجوع عن الإقرار جائزا لما كانت لهذا التلقين فائدة.
والتعليل بأن الرجوع يورث شبهة وهى تؤثر فى الحدود يدل على أن حقوق الله الخالصة التى لا تدرأ بالشبهة، كالزكاة والكفارات، لا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها، أما بالنسبة للمال فى الإقرار بالسرقة فلا يؤثر الرجوع ويجب على المقر ضمان هذا المال.
أما فى حقوق العباد الخالصة كالأموال والقصاص، والمشتركة بين الله والعباد كحد القذف فلا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها ويبقى الإقرار صحيحا ويؤخذ به المقر حكما وتنفيذا لأن هذه الحقوق تثبت مع الشبهة
(1)
.
مذهب المالكية:
قال صاحب التبصرة
(2)
: «فإن أقر على نفسه وهو رشيد طائع بمال أو قصاص لزمه، ولا ينفعه الرجوع، وإن أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع ولكن يلزمه الصداق والمال.
مذهب الشافعية:
يقول الإمام جلال الدين السيوطى فى الأشباه والنظائر
(3)
مذهب الحنابلة:
يقول صاحب كشاف القناع
(4)
: «ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به إلا فيما كان حدا لله تعالى فيقبل رجوعه عنه لأن الحد يدرأ بالشبهة وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات، فلا يقبل رجوع المقر عن الإقرار بها.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم فى المحلى
(5)
: «من أقر لآخر أو لله تعالى بحق فى مال أو دم أو بشرة، وكان المقر عاقلا بالغا غير مكره، وأقر إقرارا تاما ولم يصله بما يفسده فقد لزمه ولا رجوع له بعد ذلك، فإن رجع لم ينتفع برجوعه وقد لزمه ما أقر به على نفسه من دم أو حد أو مال.
وإن وصل الإقرار بما يفسده بطل كله ولم يلزمه شئ لا من مال ولا من قود ولا حد.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(6)
: «ولا يجوز الرجوع عنه إذ هو خبر ماض إلا فى حق الله تعالى لأنه يسقط بالشبهة» .
(1)
أبن عابدين ج 4 ص 719.
(2)
ج 2 ص 56.
(3)
ص 574.
(4)
ج 6 ص 386، وما بعدها الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(5)
ج 8 ص 250 مسألة رقم 1378.
(6)
ج 5 ص 6 فى باب الاقرار.
مذهب الإمامية:
جاء فى العناوين لميرفتاح
(1)
: أن ذكر ما ينافى الإقرار بعد تحققه غير مسموع لدى ظاهر الأصحاب، ووجهه إطلاق الرواية، فإنه دال على النفوذ مطلقا سواء عقبة بما ينافيه من إنكار وتأويل أو لم يعقبه.
ثم ذكر الخلاف فى مسائل الاستثناء وبدل البعض والفصل والوصل فى ذلك، وهل يتحقق الإقرار بما قبل الاستثناء والبدل فيعتبر منافيا له أو لا يتحقق أصلا لأن الكلام كله واحد.
وجاء فى المختصر النافع فى باب الحدود أن الرجوع عن الإقرار بالزنا والقصاص يقبل ويسقط به الحد، فالرجوع عن الاقرار عندهم غير مقبول إلا فى حدود الله تعالى الخالصة.
رد الإقرار
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إن الإقرار بغير النسب لا يتوقف على قبول المقر له وتصديقه، ولكنه يرتد برده وتكذيبه للمقر، واستثنوا من ذلك الإقرار بالحرية، فإن أقر السيد بحرية عبده ثبتت حريته وإن كذبه العبد فى إقراره وبالنسب فيما يصح الإقرار فيه من الرجل أو المرأة، لا يبطله الرد من المقر له بالنسب وإن توقف على تصديقه، فإن كذبه فى الإقرار ثم عاد وصدقه ثبت النسب دون حاجة الى إعادة الإقرار ثانياً.
وبالطلاق إذا أقر بطلاق زوجته وكذبته ثبت الطلاق.
وبالنكاح، إذا أقر بنكاح امرأة وكذبته ثم صدقته ثبت النكاح دون حاجة إلى إقرار آخر.
وكذا الإقرار بالعتق والرق والوقف وكل ما ليس فيه تمليك مال ولو من وجه لا يرتد بالرد، وما كان فيه تمليك المال ولو من وجه يرتد بالرد، وإذا قبل ثم رد لا يقبل الرد.
وفى كل موضع يرتد فيه الإقرار بالرد إذا أعاد المقر إقراره ثانيا بعد الرد فصدقه المقر له صح الإقرار
(2)
.
مذهب المالكية:
يقول صاحب التبصرة
(3)
: ويشترط أن يكون المقر له أهلا للاستحقاق وألا يكذب المقر، وإذا أكذب المقر له المقر ثم رجع لم يفده إلا أن يرجع المقر إلى الإقرار ومثل ذلك فى العقد المنظم للحكام أبو محمد عبد الله بن عبد الله بن سلمون الكنانى
(4)
.
مذهب الحنابلة:
يقول صاحب كشاف القناع
(5)
: «ومن أقر لكبير عاقل بمال فى يده، فلم يصدقه المقر له بطل إقراره لأنه لا يقبل قوله عليه فى ثبوت ملكه ويستمر بيد المقر لأنه كان فى يده فإذا بطل إقراره بقى كأنه
(1)
ص 373.
(2)
ابن عابدين ج 4 ص 719.
(3)
ج 2 ص 56.
(4)
ج 2 ص 250.
(5)
ج 6 ص 377.
لم يقر به فإن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه ولم يقبل بعد ذلك أن يدعيه المقر له أو لا مطلقا.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(1)
: ولا يصح لمعين إلا بمصادقته، وقال الإمام يحيى: يكفى السكوت فإن رد بطل إذ شهادته على نفسه أولى، ولا يعتبر قبول المقر له إذ ليس بعقد لكن يبطل بالرد ويكون المقر به لبيت المال.
ما يلحق الإقرار من البيان
قد يلحق المقر بإقراره كلاما يغير من معنى الإقرار ودلالته تغييرا كليا أو جزئيا بطريق الاستثناء بأداة من أدواته أو بالمشيئة أو بطريق الاستدراك أو بطريق التكلم بكلام يغير من معنى الإقرار أو يرفع من حكمه بالنسبة للمقر له أو للمقر به فى مقداره أو فى وصفه أو فى نحو ذلك، ويكون ذلك متصلا أو منفصلا.
وقد أفاض الفقهاء فى مختلف المذاهب فى شرح أنواع هذا البيان وأساليبه وما يترتب على كل منها من أحكام وآثار، ومحل ذلك كله ومجاله فى مصطلح إقرار (انظر: إقرار).
نصاب الاقرار
مذهب الحنفية:
لا بد لثبوت الزنا بالإقرار عند الحنفية من أن يقر الشخص على نفسه أربع مرات فى أربعة مجالس بالاتفاق، وفى حد القذف والشرب والسرقة يكفى أن يقر مرة واحدة عند أبى حنيفة ومحمد، ومرتين عند أبى يوسف وزفر، ويكفى الإقرار مرة فيما عدا ذلك
(2)
.
مذهب المالكية:
يكفى الإقرار مرة واحدة لثبوت المقر به ومؤاخذة المقر بإقراره فى كل شئ حتى فى حد الزنا
(3)
.
مذهب الشافعية:
ومذهب الشافعية كمذهب المالكية يكفى الإقرار مرة واحدة فى كل شئ
(4)
.
مذهب الحنابلة:
يشترط الإقرار أربع مرات فى الزنا، ومرتين فى السرقة والحرابة (قطع الطريق) والقصاص، ومرة واحدة فى غير ذلك
(5)
.
مذهب الظاهرية:
يكفى الإقرار مرة واحدة فى كل شئ من حد أو قتل أو مال
(6)
.
مذهب الزيدية:
يشترط فى الإقرار بالزنا تكراره أربع مرات وتكراره مرتين فى الإقرار بالسرقة، ويكفى الاقرار مرة فيما عدا ذلك
(7)
.
(1)
ج 5 ص 4، 5.
(2)
مجمع الأنهر ج 1 ص 594، 610، 612، 622
(3)
مواهب الجليل ج 6 ص 294.
(4)
حواشى التحفة ج 9 ص 113، 150.
(5)
كشاف القناع ج 6 ص 80، 117، 122.
(6)
المحلى ج 8 ص 254 مسألة رقم 1379.
(7)
البحر الزخار ج 5 ص 152 - 195.
مذهب الإمامية:
يلزم الإقرار أربع مرات فى الزنا واللواط والسحق، ومرتين فى القذف والسرقة والشرب والقيادة ومرة واحدة فى غير ذلك
(1)
.
اليمين
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن اليمين ليست من طرق القضاء بالحق لأنها لا تكون عندهم إلا من جانب المدعى عليه حين ينكر الدعوى ويعجز المدعى عن الإثبات ويطلب تحليفه اليمين على نفى دعواه ويوجه القاضى إليه اليمين فإن حلف منع المدعى من دعواه بتقرير رفضها وبقى المدعى به المتنازع عليه فى يد المدعى عليه لعجز المدعى عن إثبات ملكه فيه لا قضاء به للمدعى عليه بناء على اليمين، ويسمى قضاء ترك.
ومن ثم يبقى المدعى على دعواه وعلى حقه إذا أقام بينة عليها قضى له بموجبها ما لم يكن قد قرر أنه لا بينة له فإنه لا تقبل منه البينة ثانيا إلا عند محمد.
ولو كان ترك المدعى به فى يد المدعى عليه قضاء له به بناء علي اليمين لما نقض هذا القضاء بعد ذلك، فجعل اليمين من طرق القضاء عند الحنفية إنما هو بحسب الظاهر فقط باعتبار أن القضاء يقطع الخصومة وفى قضاء الترك قطع للخصومة غالبا لأن الإثبات بالبينة بعد العجز عنها نادر
(2)
.
وليس القصد من هذه اليمين هو التوصل للقضاء بالترك، فهو ليس بقضاء كما ذكرنا، وإنما القصد منها هو توصل المدعى إلى نكول المدعى عليه عن الحلف ليقضى عليه بالحق بناء على هذا النكول الذى يعتبر طريقا للقضاء عند الحنفية.
بناء على أنه بذل أو إقرار كما سيأتى بيانه.
ومن ثم قالوا إن اليمين حق للمدعى ملكه الشارع إياها وأوجبها له على المدعى عليه.
فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم للمدعى «لك يمينه» واللام للتمليك.
وقال: «البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه» .
و «على» تفيد الوجوب، غير أنها لا تجب على المدعى عليه ولا تتوجه عليه ولا يعتبر ناكلا إذا امتنع عن الحلف إلا بشروط سيأتى تفصيلها فى الكلام على النكول ولا يحلف فيما لا يجرى فيه البذل والإقرار كالحدود واللعان والنسب، ولا ترد اليمين على المدعى ولا يقضى له بيمينه وحدها أو بها مع شاهد عند الحنفية مطلقا على ما سيأتى بيانه.
واستدلوا بما رواه الإمامان أحمد ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم، لكن اليمين علي المدعى عليه» ، وأخرجه البيهقى باسناد صحيح
(1)
المختصر النافع ص 292، 302.
(2)
ابن عابدين ج 4 ص 651، 653.
بلفظ «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» . فحصر اليمين فى جانب المدعى عليه ولم يجعلها من جانب المدعى.
مذهب المالكية والشافعية
ويرى المالكية والشافعية: أن اليمين إذا توجهت على المدعى عليه بطلب المدعى حين لا تكون له بينة فإن حلفها سقطت دعوى المدعى، ثم هل يعود إليها ويجددها ويقدم عليها البينة أو لا يعود؟ بحث طويل ليس هنا مجال تفصيله، انظر فى تفصيله مصطلح «دعوى» .
ويشترط المالكية لجواز توجيه اليمين إلى المدعى عليه أن يكون بينه وبين المدعى خلطة وتعامل لئلا يستذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم.
واستثنوا من هذا الشرط الصناع والتجار وأهل الأسواق فيما يدعى عليهم تتوجه عليهم اليمين وإن لم تكن خلطة.
كما استثنوا حالة قيام تهمة أو عداوة أو ظلم.
ولا يحلف إلا فيما يجرى فيه الإقرار، أما إذا نكل المدعى عليه عن الحلف أو اعتبر ناكلا بالامتناع عن الحلف أو بالسكوت عن الجواب فإنه لا يقضى عليه بالنكول عند المالكية والشافعية كما يقول الحنفية.
وإنما ترد اليمين على المدعى بطلب المدعى عليه أو من القاضى دون طلبه بعد أن يعذر إليه بقوله: إن حلفت وإلا حلف المدعى وقضيت له عليك بالحق المطلوب، لأن النكول ليس من طرق القضاء عندهم لأنه يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة كما هو الشأن فى المسلم، والترفع عن اليمين الصادقة كما فعل عثمان رضى الله عنه حين طلب المقداد منه الحلف وامتنع وقال لعمر: أخاف أن يوافينى قضاء فيقول الناس هذا بسبب يمينه الكاذبة، ويحتمل اشتباه الحال على الناكل فلا يدرى أصادق فيحلف أم كاذب فيمتنع.
ومع هذه الاحتمالات لا يمكن اعتبار النكول حجة وطريقا للقضاء وإذا ردت اليمين على المدعى، فإن حلف قضى له بما يدعيه قضاء استحقاق.
وتكون اليمين هنا كبينة المدعى أو كإقرار المدعى عليه، قولان: والأظهر عند أصحاب الشافعى أنها كإقرار المدعى عليه وسواء أكانت كالبينة أو كالإقرار فإنها تعتبر الطريق إلى القضاء بالحق شرعا مع النكول كما سيجئ التصريح به فى النكول.
واستدلوا بما رواه الدار قطنى من حديث نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق، وما روى عن على أنه حلف المدعى بعد نكول المدعى عليه
(1)
.
(1)
التبصرة لابن فرحون المالكى ج 1 ص 130 وما بعدها، وحواشى تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج 10 ص 303، 322 والطرق الحكمية ص 140 وما بعدها مطبعة مصر سنة 1960.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة: أن اليمين تكون من جانب المدعى عليه إذا طلب المدعى تحليفه عند عدم البينة ووجهها إليه القاضى فإن حلف أخلى سبيله لأنه لم يتوجه عليه حق.
وإن نكل عن الحلف قضى عليه بالحق المدعى بناء على النكول إذا طلب المدعى ذلك.
ويجب أن يقول له الحاكم: إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول، لأن النكول ضعيف فوجب اعتضاده بذلك.
ولا ترد اليمين عندهم على المدعى مطلقا لا بطلب المدعى عليه ولا من القاضى لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «اليمين على المدعى عليه» حصرها فى جهة المدعى عليه فلم تشرع لغيره.
وفيما رواه أحمد أن عثمان قضى على ابن عمر بالنكول.
ولا يحلف المدعى عليه عندهم إلا فى حق لآدمى لقوله صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» ، ولا يقضى بالنكول إلا فى الأموال وما يقصد به المال. أما حقوق الله تعالى كالحدود والعبادات والكفارات والنذور فلا يستحلف فيها المدعى عليه ولا يقضى عليه بالنكول إلا أن يتضمن الحد حقا للعبد كدعوى السرقة توصلا للضمان أو لرد المسروق، فإنها تسمع ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمى.
والنكول عندهم كإقامة بينة لا كإقرار إذ لا يتأتى ذلك مع الإنكار ولا كبذل لأنه قد يكون تبرعا ولا تبرع هنا
(1)
.
جاء هذا فى كشاف القناع، ولم يحك فيه خلافا.
ولكن صاحب المغنى حكى خلاف أبى الخطاب فى رد اليمين على المدعى
(2)
فقال:
«واختار أبو الخطاب أن له رد اليمين على المدعى فإن ردها حلف المدعى وحكم له بما ادعاه» .
ثم ساق الاستدلال للقولين.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى المحلى
(3)
: «فإن لم يكن للطالب بينه وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها أحب أم كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شئ من الأشياء أصلا. ولا ترد اليمين على الطالب البتة، ولا ترد يمين أصلا إلا فى ثلاثة مواضع، وهى القسامة، والوصية فى السفر إذا لم يشهد عليها إلا الكفار، وإذا أقام المدعى على دعواه شاهدا واحدا فإنه يحلف معه ويقضى له بالحق، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ فإن نكل أجبر على اليمين.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية
(4)
: إذا أنكر المدعى عليه الدعوى ولم تكن للمدعى بينة فى المجلس
(1)
كشاف القناع ج 6 ص 273.
(2)
ج 12 ص 124.
(3)
ج 9 ص 372 وما بعدها مسألة 1783.
(4)
البحر الزخار ج 4 ص 404.
لزمت اليمين المدعى عليه بطلب المدعى فى غير حقوق الله تعالى المحضة إذ لا يحلف فى هذه الحقوق عندهم وبشروط أخرى. فإن حلف المدعى عليه حكم بسقوط دعوى المدعى وإن نكل حكم عليه بالحق بمقتضى النكول عند الهادى والناصر، إذا كان النكول فى المجلس. وذلك فى غير الحدود والقصاص والنسب.
أما هذه فلا يحكم فيها بالنكول وإن نكل ثم أراد الحلف إن كان قبل الحكم أجيب وأن كان بعده لا يجاب وإن حلف المدعى عليه اليمين ثم أحضر المدعى البينة قبلت منه قبل الحكم ولا تقبل بعده، وفى البحر الزخار: «واليمين شرعت لقطع الخصومة فى الحال إجماعا لا لقطع الحق.
فتقبل البينة بعدها، إذ البينة العادلة حق من اليمين الفاجرة، وقيل لقطع الحق فلا تقبل البينة».
مذهب الإمامية:
جاء فى المختصر النافع
(1)
: وإن قال المدعى لا بينة لى عرفه الحاكم أن له اليمين (أى له تحليف المدعى عليه)، ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعى، فإن تبرع أو أحلفه الحاكم لم يعتد بها وأعيدت مع التماس المدعى ثم المنكر، اما أن يحلف أو يرد أو ينكل فإن حلف سقطت الدعوى ولو ظفر له المدعى بمال لم يجز له المقاصة.
ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه ولو أقام بينة لم تسمع، وقيل يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.
ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته، فإن رد اليمين على المدعى صح فإن حلف استحق وإن امتنع سقطت، ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضى عليه بالنكول وهو المروى، وقيل:«يرد اليمين على المدعى فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل الحق، ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه» .
الشاهد واليمين
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: لا يصح القضاء بالشاهد الواحد ويمين المدعى، لأن اليمين لم تشرع من جانب المدعى مطلقا، وإنما شرعت من جانب المدعى عليه فى الحديث المشهور «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» قسم بينهما، والقسمة تنافى الشركة والألف واللام فى البينة واليمين للجنس، وإذا كان قد جعل من جانب كل منهما جنسا فقبول اليمين من جانب المدعى يخالف ذلك.
وقد رسم الله تعالى طريق الإثبات فى الآية الكريمة: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ.}. الآية
(2)
». وجعل الشاهد الواحد واليمين طريقا للإثبات من جانب المدعى يخالف ذلك
(3)
.
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة
.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى صحة القضاء بالشاهد الواحد واليمين من جانب المدعى، لما رواه أحمد ومسلم وأبو
(1)
ص 281 وما بعدها.
(2)
الآية 282 سورة البقرة.
(3)
تنوير الأبصار وشرحه الدر وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 512.
داود وابن ماجة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قضى بيمين وشاهد وما رواه أحمد والدار قطنى عن على بن أبى طالب أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق.
وقالوا: أن الإثبات بالشاهد واليمين إنما يقبل فى الأموال وما يقصد به المال من العقود كالبيع والشراء والإقالة والحوالة والضمان والشفعة والرهن، ونكول اليمين بعد إقامة الشاهد وتعديله
(1)
.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية، يقول ابن حزم فى المحلى
(2)
: «قال أبو محمد قد صح ما قد أوردناه آنفا من قول النبى صلى الله عليه وسلم بالقضاء باليمين على المدعى عليه، وأنه لو أعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «بينتك أو يمينه، ليس لك إلا ذلك» .
فصح يقينا أنه لا يجوز أن يعطى المدعى بدعواه دون بينة. وبطل أن يعطى شيئا بنكول خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه لأنه أعطى بالدعوى.
وصح أن اليمين بحكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام على المدعى عليه.
ووجب بذلك ألا يعطى المدعى يمينا أصلا إلا حيث جاء النص بأن يعطاها.
وليس ذلك إلا فى القسامة فى المسلم يوجد مقتولا وفى المدعى يقيم شاهدا عدلا فقط.
وهذا صريح فى القول بصحة القضاء بالشاهد الواحد واليمين من جانب المدعى.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار وهامشه: واعلم أنه يكفى شاهد واحد ويمين المدعى فتقوم اليمين مقام شاهد ولو كان الحالف فاسقا فإن يمينه تقوم مقام شاهد.
وقال الناصر: لا تكفى يمين المدعى مع الشاهد الواحد إلا حيث يكون عدلا مرضيا.
ويقبل الشاهد الواحد مع يمين المدعى فى كل حق لآدمى محض دون حق الله المحض وبعض حق الله المشوب أيضا فلا يقبل فيه ذلك، وذلك كالحدود والقصاص لقوله صلى الله عليه وسلم:«أمرنى جبريل عليه السلام أن أحكم بشاهد ويمين» .
وفى البحر الزخار: ويحكم بشاهد ويمين إذ قضى به صلى الله عليه وسلم فى روايات وقضى به عمر وعثمان رضى الله عنهما، ولا يحكم بذلك إلا فى حق لآدمى محض لا فى الحدود والقصاص اجماعا
(3)
.
(1)
التبصرة ج 1 ص 217 وما بعدها وحواشى تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج 10 ص 247 وما بعدها وكشاف القناع ج 6 ص 351 وما بعدها.
(2)
ج 9 ص 382 وما بعدها.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 403 وشرح الازهار ج 4 ص 208.
مذهب الإمامية:
جاء فى المختصر النافع
(1)
: «ويقضى بالشاهد واليمين فى الأموال والديون ولا يقبل فى غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص» .
ويشترط شهادة الشاهد أولا وتعديله ولو بدأ باليمين وقعت لاغية ويفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة (أى إقامة الشاهد).
وجاء فيما كتبه بعض علمائهم للجنة الموسوعة أن طائفة منهم تأملوا فى اشتراط الترتيب واختاروا عدم اشتراطه وقواه فى مستند الشيعة فى باب القضاء.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية
(2)
: «ولا يجوز عند أصحابنا أن يحكم الحاكم بشاهد ويمين المدعى .. » .
يمين الاستظهار
الأصل عند الحنفية أنه متى أقام المدعى بينة شرعية على دعواه حكم له بالحق الذى يدعيه دون توقف على شئ آخر.
وتسمى هذه اليمين عندهم يمين الاستظهار وهى حق للتركة، ومن ثم يوجهها القاضى إلى المدعى ولو لم يطلب الخصم المدعى عليه كالوصى والوارث توجيهها لاحتمال أن يكون هناك غريم آخر أو موصى له، وهذا باتفاق الإمام وصاحبيه وهذه اليمين ليست جزءا من الدليل وإنما هى شرط فلو حكم بدون استحلاف لا ينفذ حكمه.
وهناك مسائل يستحلف فيها المدعى بعد الإثبات بدون طلب من الخصم، على رأى أبى يوسف، احتياطا
(3)
.
مذهب المالكية:
وعند المالكية: تسمى هذه اليمين يمين القضاء ويمين الاستبراء.
قال صاحب التبصرة فى باب القضاء بالبينة المقامة مع اليمين
(4)
.
«وصورة ذلك أن يشهد شاهدان لرجل بشئ معين فى يد آخر، فإنه لا يستحقه حتى يحلف أنه ما باع ولا وهب
(1)
ص 283 الطبعة الثانية.
(2)
شرح النيل ج 6 ص 589.
(3)
ابن عابدين ج 4 ص 536.
(4)
ج 1 ص 221 وما بعدها.
ولا خرج عن يده بطريق من الطرق المزيلة للملك وهو الذى عليه الفتيا والقضاء.
وقال ابن رشد: «ويمين القضاء متوجهة على من يقوم على الميت أو الغائب أو على اليتيم أو على الأحباس أو على المساكين وعلى كل وجه من وجوه البر وعلى بيت المال وعلى من استحق شيئا من الحيوان، ولا يتم الحكم إلا بها.
ثم ذكر مسألة دعوى الدين فى تركة الميت ووجوب التحليف فيها، وذكر أن هذه اليمين واجبة مع شهادة السماع لاحتمال أن يكون أصل السماع من شاهد واحد، والشاهد الواحد لا بد معه من اليمين».
ويدل كلامه على أن هذه اليمين متممة للدليل.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: يحلف المدعى اليمين مع البينة فى الدعوى على الغائب والصبى والمجنون والميت، وتسمى عندهم يمين الاستظهار كالحنفية، وقالوا: إنه لا يتعرض فى هذا اليمين لصدق الشهود بخلاف اليمين مع الشاهد الواحد يتعرض فيها لصدق الشاهد.
وعلل الشروانى فى حاشيته هذا الحكم بقوله «لكمال الحجة هنا» وهذا صريح فى أن هذه اليمين ليست جزءا من الدليل.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة: لا يلزم تحليف المدعى اليمين مع البينة التامة فى الدعوى على الغائب والصغير والمجنون والمستتر والممتنع «أن حقه باق» لقوله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» ولكن الاحتياط تحليفه خصوصا فى هذه الأزمنة لاحتمال أن يكون قضاه أو غير ذلك
(1)
.
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية: «جاء فى المختصر النافع
(2)
النكول
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن النكول طريق للقضاء وحده يبنى عليه القاضى حكمه بالحق لصاحبه بناء عليه دون حاجة الى شئ آخر، كرد اليمين على المدعى.
لما روى عن سالم بن عبد الله بن عمر:
أن أباه باع عبدا وأراد المشترى أن يرده بعيب، ولما اختصما إلى عثمان رضى الله عنه قال لابن عمر: احلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه فأبى فقضى عليه برد العبد.
(1)
كشاف القناع ج 6 ص 285 وما بعدها.
(2)
ص 281 الطبعة الثانية.
وكان شريح يجرى فى قضائه فى خلافة عمر على ذلك.
والنكول: إما حقيقى، وهو أن يقول المدعى عليه: لا أحلف.
وإما حكمى، وهو أن يسكت عن الحلف والامتناع عنه مع عدم الآفة من صمم أو خرس.
ولا يصير النكول حجة عند الحنفية يباح للقاضى أن يحكم بناء عليها إلا إذا توافرت شروط صحته، بأن يكون فى مجلس القضاء وبعد عرض اليمين فيه، فإذا حصل العرض فى غير المجلس أو حصل العرض فيه وحصل النكول فى غيره لم تتوفر الحجة ولم يجز الحكم بمقتضاه، وأن يكون النكول عن يمين واجبة على المدعى عليه شرعا، وأن تكون بناء على عرض القاضى حتى لو امتنع عن حلف يمين موجهة من الخصم لا يعتبر ناكلا.
ولا تكون اليمين واجبة شرعا إلا إذا كان المدعى عليه منكرا للحق المدعى به وكانت بطلب المدعى إلا فى الأشياء التى يحلف فيها القاضى من غير طلب. وألا تكون للمدعى بينة حاضرة بمجلس القضاء. وأن تكون الدعوى صحيحة شرعا. وألا يكون المدعى به حقا خالصا لله تعالى كالحدود وما فى حكمها كاللعان.
وأن يكون المدعى به مما يجوز الإقرار به شرعا من المدعى عليه ولا يقضى بالنكول فى القصاص فى النفس، وإنما يحبس الناكل حتى يحلف أو يقر عند الامام أبى حنيفة.
ويجب عليه المال عند الصاحبين، وللمدعى عند النكول أن يقدم بينة على دعواه ليبنى الحكم عليها ويتعدى إلى غير المدعى عليه، لأن النكول فى معنى الإقرار وهو حجة قاصرة على صاحبه لا يتعداه إلى غيره بخلاف البينة.
والقضاء بالنكول لا يمنع المقضى عليه من أن يدفع دعوى المدعى المحكوم فيها بدفع يبطلها ويقيم عليه البينة فيثبت وينقض به الحكم المبنى على النكول، بشرط ألا يكون الدفع مناقضا لما تضمنه النكول الذى هو بمثابة الإقرار.
ولو قضى بالنكول ثم أراد المدعى عليه أن يحلف لا يلتفت إليه لأنه أبطل حقه، أما لو أراد الحلف قبل القضاء جاز لأن النكول لا يعتبر حجة ملزمة إلا إذا اتصل به القضاء.
وقد اختلف الإمام والصاحبان فى اعتبار النكول بذلا أو إقرارا وترتب على هذا الخلاف خلاف فى بعض المسائل والأحكام، مجال تفصيلها فى مصطلح نكول (انظر:
نكول)
(1)
.
مذهب المالكية والشافعية:
ويرى المالكية والشافعية أن النكول ليس طريقا للقضاء، ولا يحكم القاضى بالمدعى بناء عليه وحده، وانما ترد اليمين
(1)
ابن عابدين ج 4 ص 652 وما بعدها.
على المدعى بطلب المدعى عليه أو من القاضى فإن حلف قضى له به بما طلب وإن نكل سقطت دعواه، لأن النكول ليس بينة ولا إقرارا، وهو حجة ضعيفة فلا يقوى على الاستقلال بالحكم فإذا حلف معه المدعى قوى جانبه فاجتمع اليمين من جانبه والنكول من جانب المدعى عليه فقام مقام الشاهدين أو الشاهد واليمين
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة أن النكول حجة يبنى عليه الحكم، فإذا توجهت اليمين على المدعى عليه من القاضى بطلب المدعى ونكل قال له القاضى إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول، فإن لم يحلف قضى عليه بالنكول إذا سأله المدعى ذلك. ولا ترد اليمين على المدعى إلا فى رأى أبى الخطاب على ما ذكره صاحب المغنى: «والنكول عندهم كإقامة بينة وليس بمثابة الإقرار لأنه لا يتأتى جعل الناكل مقرا مع إنكاره كما أنه ليس بمثابة البذل لأن البذل قد يكون تبرعا ولا مجال للتبرع هنا.
ولا يقضى بالنكول إلا فى الأموال وما يقصد به المال كالعقود والمعاملات مما تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو رجل ويمين المدعى
(2)
.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية فإن لم يكن للطالب بينه وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها أحب أم كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شئ من الأشياء أصلا. ولا ترد اليمين على الطالب البتة
(3)
».
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية: جاء فى شرح الأزهار
(4)
: وإذا لم يكن للمدعى بينة فى المجلس فطلب يمين المنكر فنكل عن اليمين فإنه يجب عليه ذلك الحق بالنكول وهذا مذهب الهادى والناصر.
وإنما يحكم بالنكول إذا وقع فى مجلس الحاكم سواء نكل مرة أو أكثر إلا فى الحد والنسب فإنه لا يحكم فيهما بالنكول وإذا سكت المدعى عليه ولم يجب أو قال:
لا أقر ولا أنكر، فلا يحكم عليه بالنكول ولكن يحبس حتى يقر أو ينكر فيطلب منه اليمين وإن نكل، ولو نكل المدعى عليه عن اليمين ثم أجاب إلى الحلف وجب أن يقبل اليمين بعد النكول ما لم يحكم فلا يقبل، لأن النكول ليس بإقرار حقيقة ولا يجب به الحق إلا بعد الحكم.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية، جاء فى المختصر النافع
(5)
: «ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضى عليه بالنكول، وهو المروى. وقيل يرد اليمين على المدعى، فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل، وان بذل
(1)
التبصرة ج 1 ص 152 وما بعدها وحواشى التحفة ج 10 ص 320 وما بعدها.
(2)
كشاف القناع ج 6 ص 273.
(3)
المحلى ج 9 ص 372 وما بعدها مسألة 1783
(4)
شرح الأزهار ج 4 ص 145 وما بعدها.
(5)
ص 282 الطبعة الثانية.
المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه».
الشهادة
إتفق الفقهاء جميعا على أن الشهادة من طرق القضاء، لقوله تعالى:«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ»
«وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ»
(1)
.
«وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}
(2)
».
وقوله صلى الله عليه وسلم: «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» وإجماع الأمة على أنها حجة يبنى عليها الحكم، غير أنها ليست حجة بنفسها إذ لا يثبت بها الحق ولا يلزم من عليه أن يؤديه إلا إذا اتصل بها القضاء.
هل فى الشهادة معنى الولاية؟
ما فى الشهادة من معنى الولاية
صرح الحنفية والشافعية بأن الشهادة فيها معنى الولاية ورتبوا على ذلك عدم قبول شهادة بعض الطوائف لعلة انعدام الولاية فيهم، وندد ابن القيم بذلك وقال إنه معلوم البطلان والشهادة لا تستلزمه
(3)
.
ومجال ذلك وبيانه فى مصطلح «شهادة» (انظر شهادة).
مراتب الشهادة ونصابها
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية إن الشهادة على أربع مراتب:
المرتبة الأولى: الشهادة على الزنا ونصابها أربعة رجال، فلا تقبل فيها شهادة النساء، ولا شهادة عدد من الرجال أقل من أربعة، لقوله تعالى:«وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» {، «لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ»
(4)
.
وهذا إذا أريد إثبات الزنا لأجل إقامة الحد أما إذا أريد إثباته لأجل حق آخر يترتب على ثبوته، فلا يشترط فيه هذا العدد بل يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو بالنكول، كما إذا علق الزوج طلاق زوجته على الزنا، وادعت الزوجة حصوله وأنكر الزوج فأثبتته بالبينة أو طلبت تحليفه فنكل يثبت وتطلق المرأة ولكن لا يحد الزوج.
المرتبة الثانية: الشهادة على بقية الحدود والقصاص فى النفس أو فيما دونها، ونصابها رجلان، ولا تقبل فيها شهادة النساء لأنها تندرئ بالشبهات:«إدرأوا الحدود بالشبهات» . وشهادة النساء فيها شبهة البدلية عن شهادة الرجال، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، وإن لم تكن بدلا عنها حقيقة، ولما قال الزهرى «مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفيتين من بعده لا شهادة للنساء فى الحدود والقصاص» .
(1)
آية 15 سورة النساء.
(2)
آية 2 سورة الطلاق.
(3)
ابن عابدين ج 4 ص 573 وما بعدها وحواشى التحفة ج 10 ص 212 والطرق الحكمية.
(4)
آية 13 سورة النور.
وهذا إذا أريد بإثبات ما ذكر إقامة الحدود والقصاص، أما إذا أريد إثبات حق آخر فلا تشترط الذكورة، كما إذا علق عتق عبده على شرب الخمر، فإنه يجوز إثبات الشرب بشهادة رجل وامرأتين، ويعتق العبد ولكن لا يحد المشهود عليه بالشرب لعدم توفر الشرط فى الشهادة.
المرتبة الثالثة: الشهادة على ما لا يطلع عليه الرجال عادة من عيوب النساء فى المواضع التى لا يطلع عليها الرجال كالبكارة والثيوبة والولادة والرتق والقرن، وفيها تكفى شهادة امرأة واحدة وثنتان أحوط لقوله صلى الله عليه وسلم:«شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه» وقول حذيفة رضى الله عنه: «أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة القابلة على الولادة» .
المرتبة الرابعة: سائر الحقوق والمسائل غير ما تقدم، كالبيع والشراء وسائر العقود والمعاملات والحقوق المالية والنكاح والطلاق والوصية والوقف والقتل الذى موجبه المال، ونصاب ذلك كله رجلان أو رجل وامرأتان، لقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» والآية وإن كانت فى مقام حفظ الحق والتوفق له إلا أن القصد من الحفظ إثبات هذه الحقوق عند التجاحد والتخاصم أمام الحاكم وذلك يقتضى إقامة الشهادة عند الحاكم ووجوب أخذ الحاكم بها وإلا لما ظهرت مزية الحفظ
(1)
.
مذهب المالكية:
وقال المالكية: إن البينات أنواع:
الأول الشهادة على رؤية الزنا، وهذا متفق على أن نصابه أربعة رجال ولا تقبل فيه شهادة النساء، وقد ألحقوا بهذا النوع أحكاما لا بد فيها من أربعه شهود وحكوا فيها خلافا، منها الشهود الذين يحضرون لعان الزوجين، والمذهب أن أقلهم أربعة.
الثانى: الشهادة فيما ليس بمال ويطلع عليه الرجال غالبا، كالنكاح والطلاق والنسب والشرب والقذف والوكالة وقتل العمد، وهذه لا تثبت إلا بشهادة رجلين ولا مدخل فى شئ منها للنساء.
الثالث: الشهادة فى الأموال وحقوقها كالآجال والخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطأ والقرض والبيع وما فى بابه، وكذا ما يتعلق بالمال كإثبات التوارث والوكالة بطلب المال، ونصاب الشهادة فيها اثنان:
رجلان أو رجل وامرأتان.
والرابع: أحكام لا يطلع عليها الرجال غالبا كالولادة والبكارة والثيوبة وعيوب النساء مما تحت ثيابهن، وهذه تجزئ فيها شهادة امرأتين.
وهناك ما يقبل فيه رجل واحد يؤدى علما وخبرة كالطبيب والقائف والترجمان، وما تقبل فيه امرأة واحدة كما فى عيوب الأمة التى لا يطلع عليها الرجال إذا كانت حاضرة، وفى ثبوت الرضاع
(2)
.
(1)
ابن عابدين ج 4 ص 574 وما بعدها.
(2)
التبصرة ج 1 ص 170 وما بعدها، 213 وما بعدها.
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية: يشترط للزنا واللواط وإتيان البهيمة والميتة، أربعة رجال بالنسبة للحد أو التعزير، لقوله تعالى «ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ»
(1)
.
أما بالنسبة لوقوع طلاق علق عليه، فيثبت برجلين لا بغيرهما.
ويشترط للمال عين أو دين أو منفعة، ولكل ما قصد به المال من عقد أو فسخ مالى كبيع وإقالة ورهن وشفعة ووراثة، ولكل حق مالى كخيار وأجل وجناية توجب مالا: رجلان أو رجل وامرأتان. ويشترط لغير ذلك مما ليس بمال ولا يقصد منه المال من عقوبة لله تعالى كحد شرب، أو لآدمى كقود وحد قذف، ولما يطلع عليه الرجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وإسلام وإعسار، رجلان لا رجل وامرأتان. إذ لا تقبل فيه شهادة النساء لقول الزهرى:
ويشترط لما يختص بمعرفته النساء أو لا يراه الرجال غالبا، كبكارة وضدها، ورتق وقرن، وولادة وحيض وعيوب تحت الثياب، رجلان أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة وحدهن للحاجة، ولا يحكم بشاهد واحد إلا فى هلال رمضان
(2)
.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: إن أقسام المشهود به سبعة: أحدها الزنا واللواط فلا يقبل فيهما أقل من أربعة رجال لقوله تعالى:
وقول النبى صلى الله عليه وسلم لهلال ابن أمية: «أربعة شهداء وإلا حد فى ظهرك» .
واللواط من الزنا، وكذا الشهادة على الإقرار بهما، لا بد فيها من أربعة رجال يشهدون أنه أقر أربعا.
والثانى: دعوى الفقر، فلا يقبل قول من عرف بالغنى أنه فقير إلا بثلاثة رجال، لحديث مسلم:«حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة» .
والثالث: بقية الحدود كحد القذف والشرب وقطع الطريق فلا تثبت بأقل من رجلين وكذا القود، لقول الزهرى:
«مضت السنة على عهد النبى صلى الله عليه وسلم ألا تقبل شهادة النساء فى الحدود» .
والرابع: ما ليس بعقوبة ولا مال ويطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والطلاق والنسب والإيصاء، والتوكيل فى غير المال فلا يقبل فيه أقل من رجلين.
(1)
الآية 13 سورة النور.
(2)
حواشى تحفة المحتاج ج 10 ص 245 وما بعدها.
والخامس: فى موضحة ونحوها (نوع من جراحة الرأس) وداء بعين وداء دابة فيقبل فيه طبيب واحد وبيطار واحد إن تعذر إشهاد اثنين عليه فان لم يتعذر فلا بد من اثنين.
والسادس: فى مال وما يقصد به المال كالبيع وأجله وخياره والرهن والمهر والشركة والشفعة وجناية الخطأ فيقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان، لقوله تعالى:
«فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ» وسياق الآية يدل على الاختصاص بالأموال والإجماع منعقد على ذلك، ولا تقبل شهادة أربع نسوة فأكثر مقام رجلين.
والسابع: ما لا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والحيض والولادة والاستهلال. وجراحة فى حمام وعرس ونحوهما مما لا يحضره الرجال.
فتقبل فيه شهادة امرأة واحدة، لما روى حذيفة:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها» .
وروى أبو الخطاب عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يجزئ فى الرضاع شهادة امرأة واحدة» ، والأحوط اثنتان وإن شهد به رجل كان أولى لكماله
(1)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم فى المحلى
(2)
: «ولا يجوز أن يقبل فى الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين، أو رجلين وأربع نسوة أو رجلا واحدا وست نسوة، أو ثمان نسوة فقط. ولا يقبل فى سائر الحقوق كلها من الحدود والدماء وما فيه القصاص والنكاح والطلاق والرجعة والأموال إلا رجلان مسلمان عدلان أو رجل وامرأتان كذلك أو أربع نسوة كذلك.
ويقبل فى كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب، ويقبل فى الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(3)
: واعلم أنه يعتبر فى الزنا وإقراره أربعة رجال أصول، فلا يقبل فى الشهادة على الزنا ولا على الإقرار به شهادة دون أربعة رجال ولا شهادة النساء والفروع «أى الشهادة على الشهادة) وفى حق الله كحد الشارب ولو مشوبا كحد القاذف والسارق للقطع، وفى القصاص: يعتبر رجلان أصلان، ولا تقبل فيه شهادة النساء ولا الفروع وفى عورات النساء وما لا يطلع عليه الرجال منهن تقبل معه امرأة عدلة: الحرائر والإماء سواء، وفيما عدا حقوق الله المحضة والمشوبة والقصاص وما ذكر يقبل فيه رجلان أو رجل واحد وامرأتان أو شاهد ويمين المدعى سواء فى نكاح أو طلاق أو
(1)
كشاف القناع ج 6 ص 350 وما بعدها.
(2)
ج 9 ص 395 مسألة 1786.
(3)
ج 4 ص 185 وما بعدها.
نسب أو مال، ولا يقبل شاهد ويمين فى أصل الوقف بل لا بد من رجلين أصليين.
مذهب الإمامية:
فى مذهب الشيعة الإمامية: جاء فى المختصر النافع
(1)
ولا تقبل شهادة النساء فى الهلال والطلاق، وفى قبولها فى الرضاع تردد أشبهه القبول، ولا تقبل فى الحدود، وتقبل مع الرجال فى الرجم على تفصيل يأتى. وفى الجراح والقتل بأن يشهد رجل وامرأتان، ويجب بشهادتهن الدية لا القود، وفى الديون مع الرجال، ويقبلن منفردات فى البكارة وعيوب النساء الباطنة، وتقبل شهادة القابلة فى ربع ميراث المستهل الذى يصرخ عند الولادة، وامرأة واحدة فى ربع الوصية، وكذا كل امرأة يثبت شهادتها فى الربع حتى يكملن أربعا فتقبل شهادتهن فى الوصية أجمع.
وفى كفاية الأحكام من باب الشهادات تقبل فى عيوب النساء والاستهلال والنفاس والحيض والولادة والرضاع شهادة امرأتين مسلمتين وإذا لم يوجد إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه.
وفى كتاب شرائع الإسلام وتقبل شهادة امرأتين مع رجل فى الديون والأموال.
وفى المختصر
(2)
وجاء فيه أن حد القذف والسكر والسرقة يثبت بشهادة عدلين وكذا المحارب، وفى القصاص يثبت بالبينة شاهدين لا شاهد وامرأتين، وفى إتيان البهائم ووط ء الأموات يثبت بشهادة رجلين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمات.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(3)
: وتقبل من عدلين حرين بالغين عاقلين أو امرأتين كذلك مع عدل ولو وجد عدلان إلا فى زنا. وترد من نساء فى الحدود مطلقا، الرجم والجلد والتعزير والنكال والحد وقطع السارق، فلا تقبل مع الرجال كما لا تقبل منهن وحدهن
وقيل ترد منهن فى الزنا رجما أو جلدا وتقبل فى غيره، وتقبل منهن فيما لا يباشره الرجال كرتق وعفل وبكارة وثيوبة وبيان حمل وحياة مولود وموته عند ولادته، ومن قابلة أمينة فإن قولها بحياة المولود وموته ونحو ذلك مقبول، إن لم تجر لنفسها أو لمن لا تشهد له نفعا أو تدفع ضررا.
واختلفوا فى نصاب النساء فيما لا يباشره الرجال فقيل أمينة وقيل أمينتان بمنزلة رجل، وقيل أربع، كل اثنتين بمنزلة رجل
(1)
ص 287 وما بعدها الطبعة الثانية.
(2)
المختصر النافع ص 292، 298، 300، 302، 304.
(3)
ج 6 ص 584 وما بعدها.
شهادة غير المسلمين
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية: إن الشهادة فيها معنى الولاية، ومن ثم لا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم لانعدام الولاية «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»
(1)
.
«وتقبل شهادة المسلم على غير المسلم لتحقق المعنى» .
وكذا شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض، وإن اختلفت مللهم لأن الذمى من أهل الولاية على نفسه وأولاده وهو يجتنب ما يعتقده محرما فى دينه والكذب محرم فى الأديان كلها.
ولا تقبل شهادة المستأمن على مثله مع اختلاف الدار بينهما لانقطاع الولاية، وقالوا أيضا لا تقبل شهادة غير العاقل ولا الصبى ولا المملوك لأنهم ليسوا من أهل الولاية
(2)
.
مذهب المالكية والشافعية:
وقال المالكية والشافعية: لا تجوز شهادة غير المسلمين مطلقا لا على المسلمين، ولا على بعضهم البعض سواء اتحدت ملتهم أو اختلفت وسواء أكان فى السفر أم فى الحضر، لقوله تعالى «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» }.
وقوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» .
وذكر ابن القيم فى الطرق الحكمية
(3)
:
إن الإمام مالكا أجاز شهادة الطبيب الكافر حتى علي المسلم للضرورة.
وذكر ابن حزم فى المحلى
(4)
: أن المالكية أجازوا شهادة طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيب مسلم
(5)
.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: لا تجوز شهادة غير المسلم ولو كان من أهل الذمة مطلقا لا على مسلم ولا على مثله اتحدت ملتهم أو اختلفت لقوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» ،} وغير المسلم ليس منا ولأنه غير مأمون.
واستثنوا حالة الوصية فى السفر، فأجازوا شهادة أهل الكتاب بالوصية فى السفر ممن حضره الموت من مسلم وكافر عند عدم وجود مسلم، فتقبل شهادتهم فى هذه الحالة فقط ولو لم تكن لهم ذمة لقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}
(6)
»، وأجاب غيرهم بأن معنى قوله «أو آخران من غيركم» أى من غير عشيرتكم، أو أن الآية منسوخة بقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ»
(7)
.
(1)
آية 141 سورة النساء
(2)
ابن عابدين ج 4 ص 572 وما بعدها.
(3)
ص 209.
(4)
ج 9 ص 409.
(5)
التبصرة ج 1 ص 173 وما بعدها وحواشى التحفة ج 10 ص 211.
(6)
الآية 106 سورة المائدة.
(7)
كشاف القناع ج 6 ص 337 وما بعدها.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى المحلى
(1)
: «لا يجوز أن يقبل كافر أصلا لا على كافر ولا على مسلم، حاشا الوصية فى السفر فقط، فإنه يقبل فى ذلك مسلمان أو كافران من أى دين كانا، أو كافر وكافرتان أو أربع كوافر، ويحلف الكفار ههنا مع شهادتهم، بعد الصلاة بالله لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذن لمن الآثمين.
برهان ذلك قول الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}
(2)
». والكافر فاسق فوجب ألا يقبل.
وقال الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ .. » الآية، فوجب أخذ حكم الله تعالى كله، وأن يستثنى الأخص من الأعم ليتوصل بذلك إلى طاعة الجميع.
مذهب الزيدية:
(3)
ولا تصح من كافر حربى وثنى أو ملحد أو مرتد مطلقا، ولا من غيرهم على مسلم إجماعا لقوله تعالى:«وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» . وقوله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يعلو» .
ويقبل الذمى على أهل ملته كالمسلم على مثله بخلاف الحربى لانقطاع أحكامهم، فأشبه المرتد، ولا تقبل على مسلم إجماعا ولو على وصيته فى السفر لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تقبل شهادة ملة على ملة إلا ملة الإسلام، فإنها تجوز على الملل كلها» .
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية، جاء فى المختصر النافع
(4)
: وتقبل شهادة المؤمن على أهل الملل، ولا تقبل شهادة أحدهم على المسلم ولا غيره. وهل تقبل علي أهل ملته؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة، والأشبه المنع.
وفى كتاب شرائع الإسلام: أن شهادة غير المسلم تقبل على المسلم وغيره فى الوصية مع عدم حضور عدول المسلمين، ولا يشترط كون الموصى فى غربة.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية، جاء فى شرح النيل
(5)
: والإجماع على عدم قبول شهادة الكفار على المسلمين، وتجوز شهادة مشرك على مشرك من ملته، وبعضهم يجيز شهادة أعلاهم على من دونه كنصرانى على يهودى، ويهودى على مجوسى.
وتقبل من كتابى على مثله فى ملته، ويهودى على يهودى، ونصرانى على نصرانى، وترد من ذى ملة على أخرى فوقها أو دونها
(6)
.
(1)
الآية 6 سورة الحجرات.
(2)
ج 9 ص 405 وما بعدها مسألة 1787.
(3)
البحر الزخار ج 5 ص 23 وما بعدها وص 38 وما بعدها وشرح الأزهار ج 4 ص 192 وما بعدها.
(4)
ص 286.
(5)
ج 6 ص 585.
(6)
المرجع السابق ص 600.
وقيل يجوز كل ملة شرك على ملة شرك أخرى، وجوزت من أهل ملة على أهل ملة دونها لا فوقها.
ومن قال: الشرك كله ملة واحدة أجاز شهادة كل ملة على أخرى.
الشهادة على النفى
مذهب الحنفية:
الأصل عند الحنفية أن الشهادة على النفى لا تقبل، ولكنهم قالوا: إذا توافرت شروط التواتر فى الشهادة على النفى تقبل، كما إذا ادعى شخص على آخر أنه اعتدى عليه بالضرب أو بالقذف فى يوم كذا فى مكان كذا، وحدده. فأقام المدعى عليه بينة على أنه لم يكن فى ذلك اليوم فى ذلك المكان بل كان فى مكان كذا، وتواتر بين الناس أنه كان حقيقة فى المكان المذكور فى اليوم المذكور، وكذلك إذا كان النفى شرطا لثبوت أمر وجودى مترتب عليه، كقول الشخص إن لم أدخل الدار اليوم فامرأتى طالق أو عبدى حر، فبرهنت المرأة أو العبد على أنه لم يدخل الدار في هذا اليوم تقبل، لأن الغرض من إثبات الشرط فى الواقع إثبات الجزاء وهو الطلاق أو العتق، وكذلك إذا كان النفى يحيط به علم الشاهد، كما إذا قال الزوج للمرأة: بلغك النكاح؟ فسكتت، وقالت رددت، فأقام بينة على سكوتها، تقبل.
لأن السكوت فى مجلس محدد الطرفين مما يحيط به الشاهد القائم علي المجلس وكذلك لو كان النفى ضمن إثبات، كما إذا اختلفا فى أن المرضع أرضعت الصغير بلبن شاة أو بلبن نفسها، فشهدت البينة بأنها أرضعته بلبن شاة لا بلبن نفسها تقبل، لأن النفى هنا داخل ضمن الإثبات فإن قولهما أرضعته بلبن شاه يتضمن أنها لم ترضعه بلبن نفسها، وقولهما بعد ذلك: لا بلبن نفسها تصريح بالنفى الذى تضمنه الإثبات، وكشهادة الشاهدين بانحصار إرث المتوفى فى أولاده زيد وعمرو وخالد، ولا وارث له سواهم.
جاء فى فروع الدر من باب القبول وعدمه فى الشهادات: «شهادة النفى المتواتر مقبولة» .
وفى تعليق ابن عابدين فى الحاشية على ذلك: «وذكر فى الهامش فى النوادر عن الثانى، شهدا عليه بقول أو فعل يلزم عليه بذلك إجارة أو بيع أو كتابة أو طلاق أو عتاق أو قتل أو قصاص فى مكان أو زمان وصفاه، فبرهن المشهود عليه أنه لم يكن ثمة يومئذ، لا تقبل.
لكن قال فى المحيط فى الحادى والخمسين: إن تواتر عند الناس، وعلم الكل عدم كونه فى ذلك المكان والزمان فلا تسمع الدعوى ويقضى بفراغ الذمة لأنه يلزم تكذيب الثابت بالضرورة، والضروريات مما لا يدخله الشك عندنا.
وفى هذا التعليق أيضا: «وذكر الناطفى: أمن الإمام أهل مدينة من دار الحرب فاختلطوا بمدينة أخرى وقالوا كنا جميعا فشهدا أنهم لم يكونوا وقت الأمان فى تلك المدينة يقبلان، إذا كانا من غيرهم.
وذكر الإمام السرخسى: أن الشرط وإن نفيا كقوله إن لم أدخل الدار اليوم فامرأته كذا، فبرهنت على عدم الدخول اليوم يقبل .. لأن الغرض إثبات الجزاء، وقد علل صاحب الفتح قبول بينة الزوج على سكوت المرأة فى مجلس بلوغها النكاح بقوله: لأنها لم تقم على النفى بل على حالة وجودية فى مجلس يحاط بطرفيه أو هو نفى يحيط به الشاهد فيقبل.
وقد ذكرت هذه الفروع وغيرها فى جامع الفصولين، وذكر أن الشهادة فيها قبلت على النفى
(1)
.
مذهب المالكية:
وفى مذهب المالكية يقول صاحب التبصرة
(2)
: «قال القرافى: اشتهر على ألسنة الفقهاء أن الشهادة علي النفى غير مقبولة، وفيه تفصيل. فإن النفى قد يكون معلوما بالضرورة أو بالظن الغالب الناشئ عن الفحص، وقد يعرى عنهما.
فهذه ثلاثة أقسام:
الأول: تجوز الشهادة به اتفاقا كما لو شهد أنه ليس فى هذه البقعة التي بين يديه فرس ونحوه، فإنه يقطع بذلك، وكذلك يجوز أن يشهد أن زيدا لم يقتل عمرا بالأمس لأنه كان عنده فى البيت لم يفارقه، أو أنه لم يسافر لأنه رآه فى البلد فهذه شهادة صحيحة بالنفى.
الثانى: يجوز الشهادة بالنفى مستندا إلى الظن الغالب، ومن ذلك الشهادة على حصر الورثة وأنه ليس له وارث غير هذا، فمستند الشاهد الظن، وقد يكون له وأرث لم يطلع عليه، فهى شهادة على النفى مقبولة.
الثالث: ما عرى عنهما، مثل أن يشهد أن زيدا لم يوف الدين الذى عليه أو ما باع سلعته ونحو ذلك، فهذا نفى غير منضبط، وإنما تجوز الشهادة علي النفى المضبوط قطعا أو ظنا.
مذهب الشافعية:
وفى مذهب الشافعية: يقول الإمام الجلال السيوطى فى الأشباه والنظائر
(3)
:
«الشهادة على النفى لا تقبل إلا فى ثلاثة مواضع:
أحدها: الشهادة علي أنه لا مال له وهى شهادة الإعسار.
الثانى: الشهادة على أنه لا وارث له.
مذهب الحنابلة:
وفى مذهب الحنابلة: أن الشهادة على النفى مقبولة إذا كان النفى مضبوطا ويحيط به علم الشارع أو كان يستند الى علم أو دليل ظنى.
(1)
التبصرة ج 2 ص 13 وما بعدها.
(2)
ابن عابدين ج 4 ص 600 وجامع الفصولين ج 1 ص 122 وما بعدها.
(3)
ص 608 وما بعدها.
جاء فى كشاف القناع
(1)
: «وإن شهدا لمن ادعى إرث ميت أنه وأرثه لا يعلمان له وارثا سواه حكم له بتركته سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة بصحبة أو معاملة أو جوار أو لا، لأنه قد ثبت إرثه والأصل عدم الشريك فيه.
وإن قالا: لا نعلم له وارثا غيره فى هذا البلد أو بأرض كذا، فكذلك. لأن الأصل عدمه فى غير هذا البلد وقد نفيا العلم به فى هذا البلد فصار فى حكم المطلق.
إلى أن قال الموفق فى فتاويه: إنما احتاج إلى إثبات أن لا وارث له سواه لأنه يعلم ظاهرا، فإنه بحكم العادة يعرفه جاره ومن يعرف باطن أمره بخلاف دينه علي الميت لا يحتاج إلى إثبات ألا دين له سواه لخفاء الدين ولا ترد الشهادة على النفى المحصور بدليل المسألة المذكورة ومسألة الإعسار، والبينة فيه تثبت ما يظهر ويشاهد، بخلاف شهادتهما: لا حق له عليه ويدخل فى كلامهم إن كان النفى محصورا قبلت كقول الصحابى، دعى النبى صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، وكان يأكل لحما مشويا من شاة يحتز منه بالسكين فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ.
قال القاضى: لأن العلم بالترك والعلم بالفعل سواء فى هذا المعنى، ولهذا نقول إن من قال صحبت فلانا فى يوم كذا فلم يقذف فلانا قبلت شهادته كما تقبل فى الإثبات.
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية: لا تقبل الشهادة على النفى إلا إذا كان النفى يقتضى الإثبات وكان متعلقا به.
جاء فى شرح الأزهار
(2)
: «واعلم أن الشهادة لا تصح على نفى نحو أن يشهد الشهود أنه لا حق لفلان على فلان أو أن هذا الشئ ليس لفلان، إلا أن يقتضى الإثبات ويتعلق به نحو أن يشهدوا أنه لا وارث لزيد سوى فلان، فإن هذا نفى لكنه يقتضى أن فلانا هو الذى يستحق جميع الميراث، فاقتضى النفى الإثبات مع كونه متعلقا به لأن كونه الوارث وحده يتعلق بأنه يستحق جميع الميراث، فلو اقتضاه ولكن ليس بينهما تعلق لم تصح نحو أن يشهدوا أنه قتل أو باع فى يوم كذا فى موضع كذا، ثم شهد آخران أن الفاعل أو الشهود أو المشهود بقتله فى ذلك اليوم فى موضع آخر غير الذى شهدوا على وقوع الفعل فيه، فإنها شهادة على النفى أى أنه ما قتل وما باع فى ذلك الموضع فلا تصح، لأنها وإن تضمنت العلم ببراءة المشهود عليه. لكن ليس بين كونه فى موضع كذا فى يوم كذا وبين القتل والبيع تعلق، فلم تصح لعدم التعلق.
وقال بعضهم: تصح، لأنها تضمنت العلم ببراءة الفاعل وهذا غاية التعلق فصحت.
(1)
ج 6 ص 333 وما بعدها.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 229 وما بعدها.
وفى البحر الزخار: «ولا تصح على نفى كلا حق لفلان ونحوه، إلا حيث يمكن اليقين كعلى إقرار بنفى، أو أنه لم يكن بحضرتنا
(1)
».
وهذا يضيف جواز الشهادة على النفى الذى يتيقن به.
مذهب الإمامية:
تقبل شهادة فى دعوى الإعسار، فلو شهدت البينة بالإعسار مطلقا دون تعرض لتلف المال المعلوم أصله وغيره لم تقبل حتى تكن مطلعة على باطن أمره بالصحبة المؤكدة، وكذا تقبل فى دعوى المواريث فى دار فى يد إنسان ادعى آخر أنها له ولأخيه الغائب إرثا عن أبيهما وأقام بينة، فإن كانت كاملة وشهدت أنه لا وارث له سواهما سلم إليه النصف ونعنى بالكاملة ذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة
(2)
.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية جاء فى شرح النيل
(3)
: وإن شهد الشاهدان أنه قتله فى موضع كذا وقت كذا، وشهد آخران له أنه فى ذلك الوقت فى موضع كذا، فإنه يقتل وبطلت بينته.
وقال وائل بن أيوب: «سقط القتل عنه» . فهو يذكر رأيين فى المسألة كما ذكر فى مذهب الزيدية.
الشهادة على الشهادة
تقبل الشهادة على الشهادة فى المذاهب الثمانية
(4)
بشروط وأوضاع مفصلة فى المذاهب ومجال بيانها فى مصطلح «شهادة» (أنظر شهادة).
علم القاضى
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية: إذا كان القاضى قد استفاد علمه بحقيقة الحادثة المعروضة عليه فى زمن قضائه وفى المكان الذى يتولى القضاء فيه، فإن كانت الحادثة فى حد خالص لله تعالى كحد الزنا والشرب فلا يجوز له القضاء فيها بعلمه للشبهة الموجبة لدرء الحد، وإن كانت فى حد فيه حق للعبد كحد القذف أو فى حقوق العباد الخالصة كالأموال والعقود المقصود منها المال من البيع والشراء والقرض أو غير الأموال كالنكاح والطلاق والقتل، يجوز القضاء فيها بعلمه، وهذا بالاتفاق بين الإمام وصاحبيه.
أما إذا كان قد استفاد علمه بحقيقة الحادثة قبل توليه القضاء أو بعد توليه القضاء ولكن فى غير المكان الذى يتولى القضاء فيه ولو علم بها فى مصر آخر حال قضائه ثم عاد إلى مصره فرفعت إليه وعلم بها وهو قاض فى مكان قضائه ثم عزل ثم
(1)
البحر الزخار ج 5 ص 52.
(2)
شرائع الإسلام من باب القضاء ص 334.
(3)
ج 6 ص 621.
(4)
ابن عابدين ج 4 ص 607، والتبصرة ج 1 ص 292 وحواشى التحفة ج 10 ص 274، وكشاف القناع ج 6 ص 355، المحلى ج 9 ص 438 مسألة 1814 وكفاية الأحكام باب الشهادة، والمختصر النافع ص 289، والبحر الزخار ج 5 ص 39، وشرح النيل ج 6 ص 576، 587.
أعيد إلى القضاء فعرضت عليه الحادثة، ففى هذه الحالات كلها، لا يجوز له أن يقضى بعلمه عند الإمام أبى حنيفة، سواء كانت فى حدود الله الخالصة أو فى غيرها من الحدود الأخرى أو حقوق العباد المالية أو غير المالية.
وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد:
يجوز له أن يقضى بعلمه فى تلك الحالات جميعها إلا فى حدود الله الخالصة، فإنه لا يجوز له أن يقضى فيها بعلمه كما قال الإمام
غير أنه فى حد الشرب إذا أتى بشخص فى حالة سكر ينبغى له أن يعزره لأجل التهمة ولا يكون ذلك من باب القضاء ولا إقامة الحد إذ له تعزير المتهم فإن لم يثبت عليه، هذا هو رأى المتقدمين من فقهاء الحنفية، أما المتأخرون منهم فقد أفتوا بعدم جواز قضاء القاضى بعلمه فى زماننا فى شئ أصلا لغلبة الفساد فى القضاة.
وقد روى عن الإمام أبى حنيفة أن القاضى إذا علم بطلاق أو عتق أو غصب، أمر بأن يحال بين المطلق ومطلقته والمعتق وأمته والغاصب وما غصبه، بأن يجعل المطلقة أو الأمة أو المغصوبة تحت يد أمين إلى أن يثبت ما علمه القاضى بطريق شرعى ببينة أو إقرار أو نكول وذلك لكيلا يقربها المطلق أو السيد أو الغاصب، وهذا علي وجه الحسبة لا على وجه القضاء.
ومذهب المتأخرين هو المعتمد وعليه الفتوى وعليه العمل الآن، ومن ثم يمكن القول بأن علم القاضى ليس طريقا للقضاء على المعتمد فى مذهب الحنفية.
جاء فى تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار: «واعلم أن الكتابة بعلمه كالقضاء بعلمه فى الأصح، فمن جوزه جوزها ومن لا فلا، إلا أن المعتمد عدم حكمه بعلمه فى زماننا «أشباه» وفيها الإمام يقضى بعلمه فى حد قذف وقود وتعزير.
قلت: فهل الإمام قيد؟ لم أره.
لكن فى شرح الوهبانية للشرنبلالى، والمختار الآن عدم حكمه بعلمه مطلقا كما لا يقضى بعلمه فى الحدود الخالصة لله تعالى كزنا وخمر مطلقا، غير أنه يعزر من به أثر السكر للتهمة.
وعن الإمام أن علم القاضى فى طلاق وعتاق وغصب يثبت الحيلولة على وجه الحسبة لا القضاء.
وعلق ابن عابدين فى الحاشية على ذلك بما يأتى ملخصا: «وشرط جوازه عند الإمام أن يعلم فى حال قضائه فى المصر الذى هو قاضيه بحق غير حد خالص لله تعالى من قرض أو بيع أو غصب أو تطليق أو قتل عمد أو حد قذف، فلو علم قبل القضاء فى حقوق العباد ثم ولى فرفعت إليه تلك الحادثة أو علمها فى حال قضائه فى غير مصره، ثم دخله فرفعت إليه لا يقضى عنده، وقالا يقضى.
وكذا الخلاف لو علم بها وهو قاض فى مصره ثم عزل ثم أعيد.
وأما فى حد الشرب وحد الزنا فلا ينفذ قضاؤه بعلمه اتفاقا، إلا أن المعتمد عند المتأخرين عدم جواز حكمه بعلمه لفساد قضاة الزمان.
وعبارة الأشباه: والفتوى اليوم على عدم العمل بعلم القاضى فى زماننا، وهذا موافق لما مر من الفرق بين الحد الخالص لله تعالى وبين غيره. ففى الأول: لا يقضى اتفاقا بخلاف غيره فيجوز القضاء فيه بعلمه وهذا على قول المتقدمين وهو خلاف المفتى به، وإذا علم القاضى بالسكر يعزره للتهمة لأن القاضى له تعزير المتهم وان لم يثبت عليه، وإن علم بالطلاق أو العتق أو الغصب، يأمر بالحيلولة بين المطلق وزوجته والمعتق وأمته أو عبده، والغاصب وما غصبه، بأن يجعله تحت يد أمين إلى أن يثبت ما علمه القاضى بوجه شرعى على وجه الاحتساب وطلب الثواب لئلا يطأها الزوج أو السيد الغاصب لا على طريق الحكم بالطلاق أو العتاق أو الغصب
(1)
.
مذهب المالكية:
وفى مذهب المالكية: إن القاضى يقضى بعلمه ويعتمد عليه فى الجرح والتعديل فى الشهود اتفاقا، أما غير ذلك من الأشياء ففيه خلاف، والعمل علي أنه لا يعتمد على علمه.
جاء فى التبصرة
(2)
ثم قال: «واختلف فى حكمه بما أقر به الخصمان بين يديه، فقال مالك وابن القاسم لا يحكم بعلمه فى ذلك.»
وقال عبد الملك بن الماجشون: يحكم وعليه قضاة المدينة، ولا أعلم أن مالكا قال غيره.
وبه قال مطرف وسحنون وأصبغ، والأول هو المشهور.
وقال فى المتيطية: قال الشيخ عبد الرحمن فى مسائله: قول ابن القاسم أصح لفساد الزمان ولو أدرك عبد الملك وسحنون زماننا لرجعا عما قالاه، ولو أخذ بقولهما لذهبت أموال الناس وحكم عليهم بما لم يقروا به، ثم إذا حكم بعلمه فى ذلك فعلى قول مالك وأبن القاسم ينقضه هو كما ينقضه غيره.
(1)
ابن عابدين ج 4 ص 534 وما بعدها.
(2)
ج 2 ص 46 وما بعدها.
وجاء فى كتاب العقد المنظم للحكام للقاضى الفقيه بن سلمون الكنانى على هامش التبصرة
(1)
: «يعتمد القاضى على علمه فى التجريح والتعديل اتفاقا، ولا يحكم بعلمه فى شئ من الأشياء كان مما أقر به أحد الخصمين عنده أم لا، إلا أن يشهد عليه بذلك شاهد عدل، قاله ابن القاسم وبه العمل.
وقال ابن الماجشون: يحكم عليه بما أقر به عنده وإن لم يشهد عليه، وهو قول عيسى وأصبغ وسحنون، وليس به عمل.
مذهب الشافعية:
وفى مذهب الشافعية: يجوز للقاضى أن يقضى بعلمه فى غير الحدود الخالصة لله تعالى، أما فيها فلا يقضى بعلمه لسقوطها بالشبهة ولأنه يندب فيا الستر.
جاء فى حواشى التحفة
(2)
: «والأظهر أن القاضى يقضى بعلمه، أى بظنه المؤكد الذى يجوز له الشهادة مستندا إليه، وأن استناده قبل ولايته بأن يدعى عليه مالا وقد رآه القاضى أقرضه ذلك أو سمع المدعى عليه أقر بذلك.
ولا بد أن يصرح بمستنده ليقول: علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمى. فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه ولا بد أن يكون ظاهر التقوى والورع، إلا فى حدود وتعازير الله تعالى. كحد زنا أو محاربة أو سرقة أو شرب لسقوطها بالشبهة مع ندب سترها فى الجملة، أما حقوق الآدميين فيقضى فيها سواء المال والقود وحد القذف، ويقضى بعلمه فى الجرح والتعديل والتقويم قطعا.
مذهب الحنابلة:
وفى مذهب الحنابلة: ليس للقاضى أن يقضى بعلمه مطلقا إلا فى الجرح والتعديل
جاء فى كشاف القناع
(3)
: «ولا خلاف أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة فى مجلسه وهو محل نفوذ حكمه إذا سمعه معه شاهدان، لأن التهمة الموجودة فى الحكم بالعلم منتفية هنا، فإن لم يسمعه أى الإقرار أو البينة معه أحد أو سمعه معه شاهد واحد فله الحكم أيضا فى رواية حرب، لأنه ليس حكما بمحض العلم ولا يضر رجوع المقر.
وقال القاضى: ليس له الحكم لأنه حكم بعلمه.
والأولى أن يحكم إذا سمعه معه شاهدان خروجا من الخلاف، فأما حكمه بعلمه فى غير ذلك مما رآه أو سمعه قبل الولاية أو بعدها فلا يجوز لقول النبى صلى الله عليه وسلم:«إنما أنا بشر مثلكم وأنتم تختصمون إلى، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع» متفق عليه.
فدل على إنه يقضى بما سمع لا بما علم، إلا فى الجرح والتعديل فيعمل بعلمه فى
(1)
ج 2 ص 200.
(2)
ج 10 ص 148 وما بعدها.
(3)
ج 6 ص 270.
ذلك لأن التهمة لا تلحقه فيه، لأن صفات الشهود معنى ظاهر.
بل قال القاضى وجماعة: ليس هذا بحكم، لأنه يعدل هو ومجرح غيره، ويجرح هو ويعدل غيره، ولو كان حكما لم يكن لغيره نقضه. وفى الطرق الحكمية:
«الحكم بالاستفاضة ليس من حكمه بعلمه فيحكم بما استفاض وإن لم يشهد به أحد عنده» .
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى المحلى
(1)
: «وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه فى الدماء والقصاص والأموال والفروج والحدود، وسواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم «أن يكون» بعلمه لأنه يقين الحق ثم بالإقرار ثم بالبينة».
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الزيدية، جاء فى شرح الأزهار وهامشه
(2)
: وله القضاء بما علم إلا فى حد غير القذف فلا يجوز له أن يحكم فيه بعلمه لقوله تعالى: «لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ}
(3)
»، ومن حكم بعلمه فقد حكم بما أراه الله وعلم القاضى أبلغ من الشهادة، ولقول أبى بكر: لو رأيت رجلا على حد لم أحده حتى تقوم به البينة عندى.
فأما فى حد القذف والقصاص والأموال فيحكم فيها بعلمه سواء علم ذلك قبل قضائه أو بعده لتعلق حق الآدمى بحد القذف، وفى السرقة يقضى بعلمه لأجل المال لا لأجل الحد.
وفى البحر الزخار
(4)
: وله القضاء بما علم فى حق الآدمى وإن لم تقم بينة لعموم قوله تعالى: «فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ» ، ولإذنه صلى الله عليه وسلم لهند أن تأخذ الكفاية من مال زوجها وإن كره، وذلك قضاء بالعلم، ولأن الشهادة إنما تثمر الظن فالعمل بالعلم أولى، ولا يقضى بعلمه فى حد غير القذف لخبر أبى بكر ولندب ستره، وجاز فى حد القذف لتعلق حق الآدمى به.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الإمامية: أجازوا للإمام أن يحكم بعلمه مطلقا، واختلفوا فى غيره من الحكام، فقيل يجوز له أن يحكم بعلمه مطلقا وهو الأشهر، وقيل يجوز ذلك فى حقوق العباد دون حقوق الله، وقيل بالعكس.
وفى كفاية الأحكام من باب القضاء:
الإمام يحكم بعلمه مطلقا، والأشهر فى غيره جواز الحكم بالعلم مطلقا، وقال ابن إدريس: يجوز حكمه فى حقوق الناس دون حقوق الله. ونقل فى المسالك عن ابن الجنيد عكس ذلك.
(1)
ج 9 ص 426.
(2)
ج 4 ص 320.
(3)
آية 105 سورة النساء.
(4)
ج 5 ص 130 وما بعدها.
وفى المختصر النافع
(1)
: «للإمام أن يقضى بعلمه مطلقا فى الحقوق، ولغيره فى حقوق الناس، وفى حقوق الله قولان.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية يقول صاحب شرح النيل
(2)
: «ولا يحكم الحاكم بعلمه فى شئ علمه قبل أن يكون قاضيا أو بعد أن كان قاضيا إلا ما علمه فى مجلس قضائه أو التزكية.
وقيل: يحكم بما علم فى منزله الذى يقضى فيه، وقيل فى البلد الذى هو قاض عليه، ومعنى مجلس القضاء المكان الذى يجلس للقضاء فيه. وقيل ما علمه من لسان الخصمين حال محاكمتهما عنده، والقولان فى المذهب.
إلى أن قال: والمذهب أنه يقضى بما علم فى مجلس قضائه، والصحيح أن مجلس القضاء مجلسه حين تداعى الخصمين.
القرينة القاطعة
وهى التى توجد عند الإنسان علما بموضوع النزاع والاستدلال يكاد يكون مماثلا للعلم الحاصل من المشاهدة والعيان.
مذهب الحنفية:
قد ذكر ابن الغرس من فقهاء الحنفية فى كتابه «الفواكه البدرية» : أن طريق القاضى إلى الحكم يختلف باختلاف المحكوم به والطريق فيما يرجع إلى حقوق العباد المحضة عبارة عن الدعوى والحجة.
وهى إما البينة أو الإقرار أو اليمين أو النكول عنه أو القسامة أو علم القاضى بما يريد أن يحكم به أو القرائن الواضحة التى تصير الأمر فى حيز المقطوع به، فقد قالوا:
لو ظهر إنسان من دار بيده سكين وهو متلوث بالدماء سريع الحركة عليه أثر الخوف فدخلوا الدار على الفور فوجدوا فيها إنسانا مذبوحا بذلك الوقت ولم يوجد أحد غير ذلك الخارج، فإنه يؤخذ به، وهو ظاهر إذ لا يمترى أحد فى أنه قاتله.
والقول بأنه ذبحه آخر ثم تسور الحائط أو أنه ذبح نفسه، احتمال بعيد. إذ لم ينشأ عن دليل، وبذلك كانت القرينة القاطعة طريقا للقضاء مثل البينة والإقرار.
هذا ما ذكره ابن الغرس، وقد تعقبه الخير الرملى فى حاشية المنح بأن هذا غريب خارج عن الجادة فلا ينبغى التعويل عليه ما لم يعضده نقل من كتاب معتمد ونقل فى تكملة رد المحتار عن صاحب البحر، أنه قال: إن مدار القرينة القاطعة على ابن الغرس وأنه لم ير ما قاله لغيره.
وقال صاحب التكملة: والحق أن هذا محل تأمل، ولا يظن أن فى مثل ذلك يجب القصاص مع أن الإنسان قد يقتل نفسه، وقد يقتله آخر ويفر، وقد يكون أراد قتل الخارج فأخذ السكين وأصاب نفسه فأخذها الخارج وفر منه وخرج مذعورا، وقد يكون اتفق دخوله فوجده مقتولا فخاف من ذلك وفر وقد تكون السكين بيد
(1)
ص 280.
(2)
ج 6 ص 577.
الداخل فأراد قتل الخارج ولم يتخلص منه إلا بالقتل، فصار من باب دفع الصائل، (الدفاع عن النفس، فلينظر التحقيق فى هذه المسألة)
(1)
.
وفى رسالة نشر العرف فى بناء بعض الأحكام على العرف من مجموعة رسائل ابن عابدين قال، بعد أن ذكر طائفة من المسائل والفروع التى بنى فيها المتأخرون الأحكام والفتاوى على العرف المتغير:
«ويقرب من ذلك مسائل كثيرة أيضا حكموا فيها قرائن الأحوال العرفية كالحكم بالحائط لمن له اتصال أثر بيع ثم لمن له عليه أخشاب لأنه قرينة على سبق اليد، وجواز الدخول بمن زفت إليه ليلة العرس وإن لم يشهد عدلان بأنها زوجته» وساق مسائل كثيرة منها ما ذكره ابن الغرس سالف الذكر.
ثم قال: ولكن لا بد لكل من المفتى والحاكم من نظر سديد واشتغال مديد ومعرفة بالأحكام الشرعية والشروط المرعية فإن تحكيم القرائن غير مطرد ألا ترى لو ولدت الزوجة ولدا أسود وادعاه رجل أسود يشبه الولد من كل وجه فهو لزوجها الأبيض ما لم يلاعن.
وحديث ابن زمعة فى ذلك مشهور، عن عائشة رضى الله عنها قالت: اختصم سعد ابن أبى وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ابن وليدة زمعة) فقال سعد: يا رسول الله، ابن أخى عتبة بن أبى وقاص، عهد إلى أنه ابنه، انظر إلى شبهه.
وقال عبد بن زمعة: هذا آخى يا رسول الله ولد على فراش أبى.
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة، فقال:«هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، احتجبى منه يا سودة بنت زمعة» .
قال فلم ير سودة قط
(2)
: والقرائن مع النص لا تعتبر، وكذا لو شهد الشاهدان بخلاف ما قامت عليه القرينة فالمعتبر هو الشهادة .. إلى أن قال: فلذا كان الحكم بالقرائن محتاجا إلى نظر سديد وتوفيق وتأييد
(3)
.
فإذا كان مدار اعتبار القرينة القاطعة من طرق القضاء فى مذهب الحنفية على ابن الغرس ولم ينسب القول به إلى أمام من أئمة المذهب ولم ينقل عن كتاب معتمد فى المذهب، حتى قال فيه الخير الرملى وصاحب البحر ما سلفت الإشارة إليه.
وقال ابن عابدين إن تحكيم القرائن غير مطرد وبين عدم اعتبارها فى كثير من المسائل - إذا كان الأمر كذلك - فإنه يمكن القول بأن القرينة القاطعة ليست من طرق القضاء عند الحنفية.
(1)
ابن عابدين ج 4 ص 462، 653.
(2)
نيل الأوطار للشوكانى ج 6 ص 279.
(3)
مجموعة رسائل ابن عابدين ص 127، 129.
مذهب المالكية:
وفى مذهب المالكية: أن القرينة طريق للقضاء، فقد عقد فى التبصرة بابا للقضاء بما يظهر من قرائن الأحوال والأمارات ذكر فيه طرفا من أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالأمارات فقال:
«ومنها ما ورد فى الحديث فى قضية الأسرى من قريظة كما حكم فيهم سعد، أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية، فكان بعضهم يدعى عدم البلوغ.
فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزريهم فيعلمون بذلك البالغ من غيره، هذا من الحكم بالإمارات، ومنها حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده بالقافة وجعلها دليلا على ثبوت النسب، وليس فيها إلا مجرد الإمارات والعلامات، ومنها حكم عمر بن الخطاب رضى الله عنه والصحابة معه متوافرون برجم المرأة إذا ظهر بها حمل ولا زوج لها.
وقال بذلك مالك وأحمد بن حنبل اعتمادا على القرينة الظاهرة ومنها حكم عمر بن الخطاب وابن مسعود وعثمان رضى الله عنهم، ولا يعلم لهم مخالف بوجوب الحد على من وجد من فيه رائحة الخمر أو قاءها اعتمادا على القرينة الظاهرة.
ثم قال: قال ابن العربى: على الناظر أن يلحظ العلامات إذا تعارضت فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح ولا خلاف فى الحكم بها.
وقد جاء العمل بها فى مسائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة. وبعضها قال به المالكية خاصة:
الأولى: أن الفقهاء كلهم يقولون بجواز وط ء الرجل المرأة إذا زفت إليه ليلة الزفاف وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال بأنها زوجته اعتمادا على القرينة الظاهرة وعد نحو خمسين مسألة: اعتمد فى الحكم فيها على القرائن والأمارات
(1)
.
مذهب الحنابلة:
وفى مذهب الحنابلة: يقول صاحب كشاف القناع
(2)
: «ولو وجد على دابة مكتوب: حبيس فى سبيل الله، أو وجد على باب دار أو على حائطها، وقف أو مسجد أو مدرسة حكم بما هو مكتوب على هذه الأشياء المذكورة، لأن الكتابة عليها أمارة قوية فعمل بها، لا سيما عند عدم المعارضة، وأما إذا عارض ذلك بينة لا تتهم ولا تستند إلى مجرد اليد، بل نذكر سبب الملك واستمراره، فإنها تقدم على هذه الأمارات.
وأما إن عارضها مجرد اليد لم يلتفت إليها، فأن هذه الأمارات بمنزلة البينة والشهادة واليد ترفع لذلك.
قال ابن القيم فى الطرق الحكمية فى آخر الطريق الثالث والعشرين: ولو وجد على
(1)
تبصرة الحكام ج 2 ص 96 وما بعدها.
(2)
ج 6 ص 354 وما بعدها.
كتب علم فى خزانة مدة طويلة «وقف» فكذلك يحكم بوقفها عملا بتلك القرينة.
وأما إن لم يعلم مقر الكتب ولا من كتب عليها الوقفية توقف فيها وعمل بالقرائن، فإن قويت حكم بموجبها، وإن ضعفت لم يلتفت إليها، وإن توسطت طلب الاستظهار وسلك طريق الاحتياط.
مذهب الزيدية:
(1)
.
ذكروا أنه عند التداعى فى بيت الخص يحكم لمن تليه معاقد القمط إذ هى أمارة الملك فى العرف ولإجازته صلى الله عليه وسلم قضاء حذيفة لمن إليه عقود القمط.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الإمامية: جاء فى المختصر النافع الطبعة الثانية
(2)
: إذا تداعيا خصا قضى لمن إليه القمط (الحبل الذى يشد به الخص)، وهى رواية عمرو بن شمر عن جابر. وفى عمرو ضعف.
وعن منصور بن حازم عن أبى عبد الله أن عليا عليه السلام قضى بذلك، وهى قضية فى واقعة، وهذا قضاء بالأمارة، فقد عد صاحب التبصرة المالكى من باب القضاء بالأمارات فقال: إذا تنازعا جدارا حكم به لصاحب الوجه ومعاقد القمط والطاقات والجذوع، وذلك حكم بالأمارات
(3)
.
الخط
مذهب الحنفية:
اختلف فقهاء الحنفية فى اعتبار الكتابة حجة يؤخذ بها فى إثبات الحق ويعتمد عليها فى القضاء وعدم اعتبارها كذلك، وبالرغم من اقتناع الكثيرين من عدم جواز العمل بالخط معللين ذلك بأحد أمرين:
الأول: احتمال أن الكاتب لم يقصد بما كتبه إفادة المعانى الحقيقية للكلمات والألفاظ التى كتبها وإنما قصد تجربة خطه أو مجرد اللهو والتسلية.
والثانى: احتمال التزوير فى الخط إذ الخطوط تتشابه كثيرا إلى درجة كبيرة ..
وقد قسموا الكتابة إلى ثلاثة أقسام.
أولا: كتابة مرسومة، أى معنونة، ومصدرة بعنوان على ما جرى به العرف المتبع، كأن يكتب من فلان ابن فلان إلى فلان ابن فلان، أو وصلنى فلان ابن فلان، من فلان ابن فلان مبلغ كذا، أو بذمتى لفلان ابن فلان كذا، وهكذا، ومستبينة، أى ظاهرة ومقروءة.
ثانيا: كتابة مستبينة، غير مرسومة كالكتابة على غير الوجه المعتاد عرفا أو الكتابة على الحائط وأوراق الشجر.
ثالثا: كتابة غير مستبينة، كالكتابة على الماء أو فى الهواء.
وقالوا: إن ما ينبغى فيه الاحتمال الأول، وهو قصد التجربة أو اللهو مع
(1)
راجع البحر الزخار ج 4 ص 401.
(2)
ص 284.
(3)
ج 2 ص 99.
استثناء الاحتمال الثانى، يكون حجة ويعمل به دفعا للضرر عن الناس، ولا سيما التجار، وأخذا بالعرف، وذلك كالكتابة المستبينة المرسومة مطلقا وهى التى عناها الفقهاء حين قالوا إن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان، وألحقوها بالصريح من القول فى عدم توقف دلالتها على شبه أو إشهاد أو إملاء. وكالكتابة المستبينة غير المرسومة إذا وجدت نية أو كان معها إشهاد عليها أو إملاء على الغير ليكتبها مما ينفى احتمال التجربة أو اللهو.
أما اذا لم يوجد معها شئ من ذلك فلا يعمل بها لقيام الاحتمال وكذلك إذا قضت العادة بأنه لا يكتب إلا على سبيل الجدية وجرى العرف باعتباره حجة كما فى دفاتر السمسار والتاجر والصراف، وما يكتبه الأمراء والكبراء ممن يتعذر الإشهاد عليهم من سندات وصكوك، ويعترفون بها أو يعدهم الناس مكابرين حين ينكرونها أو توجد بعد موتهم فإنها تكون حجة عليهم ويعمل بها.
وكذلك من توجد فى صندوقه صرة مكتوب عليها هذه أمانة فلان الفلانى يؤخذ بها لأن العادة تقضى بأن الشخص لا يكتب ذلك علي ملكه.
وقالوا: إن ما ينبغى فيه الاحتمالان معا يكون حجة ويعمل به كما فى سجلات القضاة المحفوظة عند الأمناء ولو كانت حديثة العهد، فإنه يؤخذ بما فيها من أقوال الخصوم وشهادة الشهود ويحكم بها ويعتمد عليها فى ثبوت وشروط ومصارف الأوقاف المنقطعة الثبوت المجهولة الشرائط والمصارف وكما فى البراءات، والقرارات السلطانية المتعلقة بالوظائف فإنها تعتبر حجة فيما تضمنته واشتملت عليه، إذ العرف جرى باعتبارها من أقوى الحجج والأدلة لبعدها عن احتمال التزوير والتجربة واللهو.
أما الكتابة غير المستبينة أصلا فهى لغو ولا أثر لها
(1)
.
مذهب المالكية:
قال فى الجواهر: لا يعتمد على الخط لإمكان التزوير فيه، وإذا وجد فى ديوانه حكما بخطه ولم يتذكره لا يعتمد عليه لإمكان التزوير، ولو شهد به عنده شاهدان فلم يذكر.
قال القاضى أبو محمد: ينفذ الحكم بشهادتهما، أى لا يعتمد على المدون، وما وجد فى ديوان القاضى من شهادات الناس لا يعتمد القاضى منه إلا ما دونه بخطه أو بخط كاتبه العدل المأمون إذا لم يستنكر فيه شيئا
(2)
.
ونقل ابن القيم فى الطرق الحكمية أن ابن وهب روى عن مالك فى الرجل يقوم فيذكر حقا قد مات شهوده ويأتى بشاهدين عدلين على خط كاتب الخط، قال: تجوز شهادتهما على كاتب الكتاب إذا كان عدلا مع يمين الطالب، وهو قول ابن القاسم، وأنه يجوز عند مالك الشهادة على الوصية المختومة
(3)
.
(1)
ابن عابدين ج 4 ص 478 وما بعدها، وص 546 وما بعدها.
(2)
التبصرة ج 1 ص 38 وج 2 ص 50.
(3)
الطرق الحكمية ص 244 وما بعدها.
مذهب الشافعية:
المشهور من مذهب الشافعى أنه لا يعتمد على الخط لا فى القضاء ولا فى الشهادة، لاحتمال التزوير فيها، فإن كانت محفوظة وبعد التزوير فيها وتذكرها القاضى أو الشاهد يجوز الاعتماد عليها، وإن لم يتذكرها فالصحيح عدم جواز الاعتماد
(1)
.
مذهب الحنابلة:
إذا رأى القاضى حجة فيها حكمه لإنسان وطلب منه إمضاؤه، فعن أحمد ثلاث روايات:
إحداها: أنه إذا تيقن أنه خطه نفذه، وإن لم يذكره، وأختاره فى الترغيب، وقدمه الشيخ مجد الدين فى التحرير ومثله الشاهد إذا وجد شهادة بخطه.
الثانية: أنه لا ينفذه إلا إذا تذكره فان لم يتذكره لم ينفذه.
الثالثة: إذا كان فى حرزه وحفظه كقمطره نفذه، وإلا فلا.
وقال إسحاق بن إبراهيم: قلت لأحمد رضى الله عنه: الرجل يموت وتوجد له وصية تحت رأسه من غير أن يكون قد أشهد عليها أحداً، فهل يجوز إنفاذ ما فيها؟
قال: إن كان قد عرف خطه وهو مشهور الخط، فإنه ينفذ ما فيها.
قال الزركشى: نص عليه الإمام أحمد رضى الله عنه واعتمده الأصحاب.
وقد نص فى الشهادة على أنه إذا لم يذكرها ورأى خطه لا يشهد حتى يذكرها.
وقال الإمام فيمن كتب وصيته وقال اشهدوا على بما فيها: أنهم لا يشهدون إلا أن يسمعوها منه أو تقرأ عليه فيقر بها.
فنص الإمام رضى الله عنه على الصحة وجواز التنفيذ بعد معرفة الخط فى الصورة الأولى.
ونص على عدم الصحة وعدم جواز الشهادة إلا بعد السماع أو الإقرار بعد القراءة فى الصورة الثانية.
وقد أختلف أصحاب أحمد فى ذلك، فمنهم من خرج فى كل مسألة حكم الأخرى وجعل فيها وجهين بالنقل والتخريج، فجوز عدم الصحة فى الأولى أخذا من الثانية، وجعل فى الثانية وجها بالصحة أخذا من الأولى، ومنهم من منع التخريج وأقر النصين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وفرق بين الحالتين بأنه فى الحالة الأولى انتفى احتمال التغيير فى الوصية بالزيادة والنقص بعد موت الموصى، فلم تمنع الشهادة عليها.
وفى الثانية هذا الاحتمال قائم لوجود الموصى فمنعت الشهادة عليها ما لم يتأكد بالسماع أو الإقرار .. فالروايات عن الإمام مختلفة فى الأخذ بالخط واعتباره حجة
(2)
.
(1)
الأشباه والنظائر للجلال السيوطى ص 362.
(2)
الطرق الحكمية ص 239 وما بعدها.
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية لا يحكم القاضى بما وجده فى ديوانه من خطه ولو عرفه لأن الخطوط تشتبه.
جاء فى البحر الزخار
(1)
: ولا يحكم بما وجد فى ديوانه ولو عرف خطه لقوله تعالى: «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}
(2)
».
وقال ابن أبى ليلى وأبو يوسف يصح بمعرفة الخط، قلنا تشتبه الخطوط.
وفى باب الشهادة منه أنه لا تجوز الشهادة ولو عرف خطه أو خط غيره بإقرار بحق لاحتمال التزوير
(3)
.
وجاء فى شرح الأزهار
(4)
: ولا يجوز للحاكم أن يحكم بما وجد فى ديوانه مكتوبا بخطه وختمه سجلا أو محضرا إن لم يذكر، هذا مذهبنا، فقيده بما إذا لم يذكر.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية: جاء فى كشف اللثام من باب القضاء: لا يجوز للحاكم أن يعتمد على خطه إذا لم يتذكره وكذا الشاهد وإن شهد معه آخر ثقة لإمكان التزوير عليه.
واكتفى الحفيد والقاضى وأبو على بخطه مع شهادة ثقة والصدوقان كذلك مع ثقة المدعى، وجاء فيه أنه لا يكتفى بما يجده مكتوبا بخطه وإن كان محفوظا عنده. وعلم عدم التزوير، وكذا ما يجده بخط مورثه كما هو الشأن فى الشهادة، لاحتمال اللعب أو السهو أو الكذب فى الكتابة.
واعتمد الشيخ جعفر الكبير على الكتابة فى اثبات الوقف اذا كانت مضبوطة مرسومة تظهر منها الصحة وإن لم تبلغ حد العلم وإلا ضاعت الأوقاف، لأن طريقها الكتابة وفى الجواهر من باب القضاء: التحقيق أن الكتابة من حيث هى كتابة لا دليل على حجيتها من إقرار أو غيره.
نعم، اذا قامت القرينة على إرادة الكاتب بكتابته مدلول اللفظ المستفاد من رسمها فالظاهر جواز العمل بها للسيرة المستمرة فى الأعصار والأمصار علي ذلك بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك.
كتاب القاضى إلى القاضى
ويتصل بما نحن فيه كتاب القاضى إلى القاضى، وهو عند الحنفية إما بنقل الحكم إلى المكتوب إليه للتنفيذ أو بنقل الشهادة اليه للحكم بها ويقبل عندهم فيما عدا الحدود والقصاص، ويعنونه القاضى الكاتب من فلان إلى فلان بما يميزه ويدون فيه ما قام لديه، ويقرؤه على الشهود ويختمه أمامهم، ولا يقبله المكتوب إليه الا بحضور الشهود والخصم ولا بد من تعديلهم
(5)
.
(1)
ج 5 ص 133.
(2)
الإسراء: 36.
(3)
ج 5 ص 20.
(4)
ج 4 ص 233.
(5)
ابن عابدين ج 4 ص 543 وما بعدها.
مذهب المالكية:
وعند المالكية، كذلك يكون كتاب القاضى تارة بنقل الحكم للتنفيذ والتسليم واختلفوا فيما إذا كان الحكم على غير رأى المكتوب إليه، كما إذا كتب قاض حنفى لقاض مالكى بأن يمكن رجلا من امرأة زوجت نفسها منه بغير ولى، هل يجب عليه التنفيذ أو لا.
فعن سحنون لا ينبغى له تنفيذه لأنه خطأ عنده، وعن أشهب يجب التنفيذ لأنه صدر من صاحب سلطة وتعلق به حق المحكوم له فلا يجوز له أن يبطله، وتارة يكون بما ثبت عند القاضى الكاتب من حق لرجل على غريم غائب ويطلب إليه الحكم بما ثبت، وهذا لا خلاف فى وجوب قبوله والعمل به وهل يلزم أن يشهد عليه شاهدان يشهدان عند المكتوب إليه، أو يكفى أن يختمه ويقبله المكتوب إليه بعد معرفة الخط والختم؟ خلاف.
ويقبل كتاب القاضى عندهم فى جميع الحقوق والأحكام
(1)
.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية، تارة يكون كتاب القاضى إلى القاضى وجوبا بناء على طلب المدعى بما قام لديه من دعوى وإثبات على غائب بشروطها ليحكم له بها أو ينهى إليه بحكم أصدره على غائب بشروطه لينفذه عليه فى ماله.
وفى صورة أخرى يكون المدعى به عينا فى بلد تحت ولاية المكتوب إليه فيكتب إليه يطلب إرسال العين بكفالة ليِشهد عليها البينة بالمعاينة. أو يتداعى الخصمان هناك لدى المكتوب إليه إذا لم يمكنه أو تعذر إرسال العين
(2)
.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة يكون الكتاب بنقل الحكم لتسليم المحكوم به أو تنفيذه فى مال الغائب أو الهارب، وتارة بنقل الشهادة المعدلة عند الكاتب أو عند المكتوب إليه ليحكم بها، وكتاب القاضى إلى القاضى عندهم بمثابة الشهادة علي الشهادة، ويشترط أن يقرأ الكاتب الكتاب على عدلين ويشهدهما عليه للتحمل. ثم يقرؤه المكتوب إليه ويشهدان بما فيه عنده. ولا يكفى معرفة الخط والختم للاشتباه وإمكان التزوير.
ويقبل فى دعوى العين لإرسالها بكفالة أو مع أمين للشهادة عليها بالمعاينة كما عند الشافعية.
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية: للقاضى أن يكتب إلى حاكم آخر بحكمه إن كان قد حكم وينفذه المكتوب اليه ولو خالف مذهبه. وقيل ينفذه إن وافق مذهبه.
ورد ببطلان فائدة الحكم ونصب الحكام.
وإن كان لم يحكم وكتب إليه يعرفه أن فلانا وفلانا شهدا عندى بكذا لم ينفذه المكتوب اليه ما لم يحكم الكاتب.
(1)
التبصرة ج 2 ص 38 وما بعدها.
(2)
حواشى تحفة المحتاج ج 10 ص 163 وما بعدها.
وللمكتوب إليه أن يحكم بشهادتهما إن وافق مذهبه واجتهاده لكن بشروط تضمنها الفروع، وهى أن يشهد القاضى الكاتب شاهدين على الكتاب وأن يقرأه عليهما أو يقرأ بحضرته عليهما، ويقول أشهدكما أنى كتبت إلى فلان أبن فلان، فإن ختمه ولم يقرأه عليهما لم يعمل به.
وقال الإمام يحيى: إذا ختمه وأشهدهما أنه كتابه فقد حصل أمان التحريف. وكذا يشترط أن يكتب اسم المكتوب إليه فى باطنه ولا يعمل به إذا مات الكاتب قبل بلوغ الكتاب إلى المكتوب إليه، وكذا إذا فسق أو عزل، ولو مات المكتوب إليه أو فسق أو عزل قبل بلوغه الكتاب لم يعمل به من ولى مكانه لأنه موجه إلى غيره، ولا يعمل بالكتاب إلا ببينة كاملة أنه كتابه وقيل يعمل به من غير شهادة لعملهم بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير شهادة وقيل إن عرف الخط والختم عمل به وإلا فلا ورد بأن الخطوط والختوم تشتبه وعلى الرأى الأول لا بد أن يقرأ الكاتب الكتاب على الشاهدين أو يقرأ الكتاب عليهما بحضرته ويقول أشهدكما أنى كتبت إلى فلان بن فلان
(1)
.
مذهب الإمامية:
وعند الشيعة الإمامية: المشهور عند علمائهم عدم جواز العمل بكتاب القاضى إلى القاضى وقال ابن الجنيد لا يجوز ذلك فى حقوق الله تعالى، أما فى حقوق العباد وفى الأموال وما يجرى مجراها فيجوز العمل بكتاب القاضى إلى القاضى إذا كان القاضى من قبل الإمام.
وقال ابن حمزة: لا يجوز للحاكم أن يقبل كتاب حاكم آخر إلا بالبينة فإن شهدت البينة على التفصيل حكم به
(2)
.
وفى المختصر النافع
(3)
: لا يحكم الحاكم بأخبار حاكم آخر ولا بقيام البينة لثبوت الحكم عند غيره، نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم وأشهد على نفسه فشهد شاهدان بحكمه عند آخر وجب على المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(4)
: الخطاب فى عرفهم فى الأحكام أن يكتب قاضى بلد إلى قاضى بلد آخر بما يثبت عنده من حق لشخص فى بلد الكاتب على آخر فى بلد المكتوب إليه لينفذه فى بلده وذلك واجب إن طلبه ذو الحق ويقبل كتاب القاضى فى الأحكام والحقوق بمجرد معرفة خطه بلا شهادة ولا خاتم وليس ذلك قضاء بعلمه بل لقبول بينة.
وقال بعض أصحابنا لا يحكم القاضى بكتاب القاضى إليه، وقال بعضهم يحكم، ويجوز كتاب القاضى فى الحقوق كلها الا الحدود والقصاص، وانما يكتب فيما
(1)
البحر الزخار ج 5 ص 127.
(2)
مختلف الشيعة ج 2 ص 154، وكفاية الأحكام باب القضاء.
(3)
ص 283.
(4)
ج 6 ص 573 وما بعدها.
اختصم عليه الخصمان وليس حاضرا فى بلده فيكتب الدعوى والجواب والشهادة إلى حاكم البلد الذى فيه الشئ بكتابه وكذا يكتب الدعوى والشهادة إن لم يحضر المدعى عليه إلى قاضى بلد هو فيه.
القسامة
مذهب الحنفية:
القسامة عند الحنفية أيمان يحلفها أهل محلة أو قرية أو موضع قريب منهما أو دار اذا وجد فى شئ منها قتيل به أثر يدل على القتل من جراحة أو ضرب أو خنق ولا يعرف قاتله، يحلف هذه الأيمان خمسون رجلا منهم يتخيرهم ولى القتيل يقول كل منهم بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا، وإن نقص الموجودون منهم عن الخمسين كررت الأيمان على الموجودين ولو واحدا حتى تبلغ الخمسين.
وشروطها: الدعوى بشروطها من أولياء القتيل على من وجد بينهم أو على بعض منهم ولو واحدا أنهم قتلوه عمدا أو خطأ إذ اليمين لا تجب إلا فى دعوى وإنكار المدعى عليهم دعوى القتل، إذ اليمين بنص الحديث على من أنكر، والمطالبة من أولياء القتيل بالقسامة لأن اليمين حق المدعى تستوفى بطلبه، وألا يعلم القاتل وإلا وجب عليه القصاص فى العمد والدية فى الخطأ بعد الثبوت ولا قسامة.
وأن يكون المقسم بالغا عاقلا حرا فلا قسامة على صبى ومجنون وعبد، وأن تكمل الأيمان خمسين، وأن يكون الموضع الذى وجه فيه القتيل ملكا لأحد أو تحت يد أحد وأن يوجد فى القتيل أثر يدل على القتل، وحكمها القضاء بوجوب الدية إن حلفوا والحبس حتى يحلفوا إن نكلوا، وهذا فى دعوى القتل العمد، أما فى دعوى الخطأ فحكمها القضاء بالدية عند النكول والبراءة عند الحلف وحين يقضى بالدية تكون على العاقلة فى ثلاث سنين، ويجمع بينها وبين حلف اليمين على خلاف المقر فى الدعاوى.
ولا يحلف أولياء القتيل عند الحنفية لا ابتداء ولا برد اليمين عليهم، جريا علي قاعدتهم فى الدعاوى: البينة على المدعى واليمين على من أنكر، وعلى رأيهم فى عدم رد اليمين على المدعى .. ولا قسامة عند الحنفية فيما دون النفس ولا فى سقط لم يتم خلقه.
ودليل مشروعية القسامة السنة النبوية فى الصحيحين أن عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل وعماهما حويصة ومحيصة خرجوا فى التجارة إلى خيبر، وتفرقوا لحوائجهم، فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلا فى قليب من خيبر يتشحط فى دمه، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبروه فأراد عبد الرحمن أن يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الكبر، الكبر» .
فتكلم أحد عميه حويصة أو محيصة الأكبر منهما وأخبره بذلك.
قال: «ومن قتله؟» .
قالوا: ومن يقتله سوى اليهود.
قال عليه الصلاة والسلام: «تبرئكم اليهود بأيمانها» .
فقالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه.
فقال عليه الصلاة والسلام: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» .
فقالوا: كيف نحلف على أمر لم نعاين ولم نشاهد.
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه، فوداه بمائة من إبل الصدقة وفى رواية من عنده.
فقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وجوب القسامة، بقوله تبرئكم اليهود بأيمانها، وإنما لم يجر القسامة بينهم لعدم طلب أولياء القتيل القسامة وهو شرط لإجرائها، حيث قالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه.
ودفع الرسول الدية من عنده أو من مال الصدقة كان على سبيل الجعالة عن اليهود لأنهم من أهل الذمة وهم موضع للبر
(1)
.
واحتج من قال بتحليف أولياء القتيل ووجوب القصاص فى العمد بقول الرسول:
أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم. ورد القائلون بوجوب الدية بأن التقدير:
وتستحقون بدل دم صاحبكم.
مذهب المالكية:
وعند المالكية: إذا وجد قتيل وكان هناك لوث تثبت القسامة، واللوث أن توجد قرينة أو ظاهر حال على القتل يوحى بصدق أولياء القتيل فى ادعائهم القتل.
كشهادة واحد عدل أو امرأتين بالقتل أو وجود شخص بالقرب من القتيل معه آلة قتل أو أثر جراح بالقتيل، أو قول القتيل قتلنى فلان أو نحو ذلك على اختلاف فى التقدير.
والحلف عندهم على أولياء القتيل لا على المدعى عليهم بعد الدعوى بالقتل على معين، ويحلف فى دعوى القتل العمد من له القصاص من الرجال المكلفين اثنان أو أكثر وتوزع عليهم الأيمان على عدد الرءوس ويستحقون الدم فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا.
ويبدأ بأولياء الدم، ولهم أن يستعينوا بالعصبة. ولا يحلف الواحد وحده ولكن يستعين من عصبة الميت بمر يحلف معه.
وفى دعوى الخطأ: المكلفون من الورثة رجالا ونساء على قدر ميراثهم، وإن كان الوارث واحدا حلف خمسين يمينا متوالية.
وإستحق الدية إن كان ذكرا ونصفها إن كان أنثى، وإن تعددوا وزعت عليهم على قدر الميراث كما توزع عليهم الأيمان كذلك، ولا قسامة فيمن لا وارث له ولا يحلف بيت المال.
والحلف يكون بالله تعالى إن فلانا قتل ولينا أو مورثنا فلانا، أو أنه ضربه ومن
(1)
فتح القدير ج 8 ص 383 وما بعدها.
ضربه مات. وبعد الحلف على النحو المذكور، يجب القود فى العمد والدية فى الخطأ.
وترد الأيمان على المدعى عليهم فى دعوى القتل العمد، واختلفوا فى ردها فى دعوى القتل الخطأ، ولا قسامة عندهم فى الجراح والأطراف ولا فى العبيد والكفار ولا فى أهل الذمة وأن تحاكموا إلينا
(1)
.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: تثبت القسامة إذا وجد القتيل ولو عبدا فى المحلة أو القرية مع اللوث وقيام دعوى القتل عمداً أو خطا أو شبه عمد بشروطها.
وليس من اللوث أن يقول القتيل: قتلنى فلان، والحلف عندهم على أولياء القتيل ومن يستحقون بدل دمه يحلفون خمسين يمينا بالله أن هذا يشير إلى المدعى عليه أو يعرفه: قتل ابنى أو أخى عمداً أو شبه عمد أو خطأ منفردا أو مع فلان، وإن مات الولى قبل تمام الأيمان انتقل الأمر إلى ورثة القتيل وحلفوا من جديد، وتوزع عليهم الأيمان على حسب الميراث، فإن حلف الأولياء أو الورثة، وجبت الدية علي المدعى عليه فى العمد وعلى عاقلته فى الخطأ وشبه العمد، ولا يجب القود فى العمد لأن القسامة حجة ضعيفة، ولم يتعرض حديث البخارى فى القسامة للقود. وما فى حديث عبد الله بن سهل:«أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم» فتقديره: بدل دم صاحبكم.
وإن لم يكن هناك لوث، أو أنكره المدعى عليه فى نفسه، وقال: لست أنا من رأيت السكين معه، ولا بينة، حلف وبرئت ذمته.
وهل يحلف يمينا واحدة أو يحلف خمسين يمينا أو يجمع فيحلف يمينا لنفى اللوث وخمسين لنفى القتل؟ أقوال.
ولو ظهر لوث بقتل مطلق لم يوصف بالعمد ولا بغيره، فلا قسامة لأنه لا يفيد مطالبة القاتل ولا العاقلة، ولا قسامة عندهم فى الجروح والأطراف وإتلاف الأموال غير العمد والقول فى الجروح والأطراف قول المدعى عليه مع يمينه كان لوث أولا واليمين هنا خمسون يمينا لأنها يمين دم
(2)
.
مذهب الحنابلة:
ولا تثبت القسامة عند الحنابلة إلا بدعوى القتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ من ولى القتيل على واحد معين مكلف ولو كان أنثى أو عبدا أو ذميا أو كان المقتول واحدا ممن ذكروا لأن ما كان حجة فى قتل المسلم الحر يكون حجة فى قتل العبد والذمى. وأن يكون هناك لوث وليس منه قول القتيل قتلنى فلان.
ولا يشترط وجود أثر أو جرح بالقتيل،
(1)
التبصرة ج 1 ص 266 وما بعدها، الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 295 طبعة الحلبى.
(2)
حاشية البجرمى على شرح المنهج ج 4 ص 192 وما بعدها.
فإن لم يوجد اللوث حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ.
وإن نكل قضى عليه بالدية ويسقط القود لأنه يندرئ بالشبهة كالحد، وأن يتفق أولياء القتيل على دعوى القتل على واحد معين.
فإن كذب بعضهم بعضا أو لم يوافق أحد منهم على الدعوى أو ادعوا على أهل محلة أو قرية أو على واحد غير معين لم تثبت القسامة.
وإن نكل أحدهم بعد الادعاء لم يثبت القتل لأن الحق فى محل الوفاق إنما يثبت بالأيمان التى تقوم مقام البينة ولا ينوب أحد عن غيره فى الأيمان كما فى سائر الدعاوى وأن يكون فى المدعين ذكور مكلفون ولو واحدا، إذ لا مدخل للنساء والصبيان والمجانين فى القسامة.
والحلف عندهم على أولياء القتيل بحضرة الحاكم وبحضور المدعى عليه: بالله لقد قتل فلان هذا - ويشير إلى المدعى عليه أو يعينه بالاسم - ابنى فلانا منفردا عمدا بسيف أو بما يقتل غالبا ..
وإذا ردت على المدعى عليه يحلف بالله ما قتلته ولا شاركت فى قتله ولا فعلت شيئا مات منه ولا كنت سببا فى موته ولا معينا على موته، وإن مات الولى انتقل ما عليه من الأيمان إلى ورثته على حسب الميراث.
فإن حلف الأولياء استحقوا القود فى العمد والدية فى الخطأ وشبه العمد، وإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه ولو امرأة خمسين يمينا وبرئ، وإن نكل لم يحبس ولزمته الدية. ولا قصاص لأن النكول حجة ضعيفة، وأن لم يرض الأولياء بيمين المدعى عليه وداه الإمام من بيت المال، فإن تعذر لم يجب على المدعى عليه شئ.
ولو رد المدعى عليه اليمين على المدعى ليس له أن يحلف ولكن يقال للمدعى عليه إما أن تحلف وإما أن تعتبر ناكلا ويقضى عليك بالدية ولا تجرى القسامة عندهم فى الجراح والأطراف
(1)
.
مذهب الزيدية:
القسامة مشروعة عندهم، وحكى عن الناصر أنها غير مشروعة ولكن تجب الدية من بيت المال والأصل فى ثبوت القسامة أن رجلا أتى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخى قتل بين قريتين، فقال:
يحلف منهم خمسون رجلا.
فقال: ما لى غير هذا؟
فقال: ومائة من الإبل، فاقتضى وجوب القسامة والدية عليهم.
وإنما تجب القسامة عندهم فى الموضحة فصاعداً لا فيما دونها ولا تلزم القسامة إلا بطلب الوارث ولو كان الورثة نساء أو عفا عنها بعضهم فلا يسقط حق الباقين، ولا يسقط حق من عفا عن القسامة من الورثة فى الدية لأنهما حقان مختلفان فمن وجد كله قتيلا أو جريحا أو وجد أكثره
(1)
كشاف القناع ج 6 ص 55 وما بعدها.
فى موضع يختص بمحصورين ولو كان امرأة ولم يدع الوارث على غيرهم لزمت القسامة، فيختار من المستوطنين الحاضرين وقت القتل الذكور المكلفين الأحرار خمسين يحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتله، ويحبس الناكل حتى يحلف ويكرر اليمين على من شاء إن نقصوا عن الخمسين ولا تكرار مع وجود الخمسين المستوفين للشروط ولو تراضوا لأن اليمين لا يجرى فيها التوكيل ولا التبرع وتتعدد القسامة بتعدد القتيل، وبعد الحلف تلزم الدية عواقل أهل البلد الحالفين وغيرهم فإن لم يكن لهم عواقل أو كانت وتمردت حتى نقصت الدية وجبت فى أموالهم وإن لم يكن لهم ولا لأهل البلد أموال وجبت فى بيت المال، وإن لم تتوفر الشروط فى أهل الموضع فالدية والقسامة على عواقلهم، فإن كان الموضع لا يختص بمحصورين أو كان عاما فلا قسامة وتجب الدية فى بيت المال، وكذلك إن وجد القتيل فى مكان يختص به على سبيل الملك أو الاستئجار كداره وبستانه وبئره وإن وجد بين قريتين متساويتين فى القرب منه وفى تردد أهلهما وجبت القسامة على أهل القريتين جميعا.
فإن كانت إحداهما أقرب وجبت على أهلها ولا تجب القسامة إن أدعى وارث القتيل على غير أهل الموضع. وإن كان فى أهل الموضع من هو على صفة تدفع عنه التهمة كأن كان شيخا هرما أو مريضا مدنفا وقت القتل لا تجب عليه القسامة لأن التهمة مرتفعة عنه
(1)
.
مذهب الإمامية:
يرى الشيعة الإمامية أن القسامة هى الأيمان أو الجماعة التى تحلفها، فإذا وجد قتيل فى موضع ولا يعرف من قتله ولا تقوم عليه بينة، ويدعى الولى على واحد أو جماعة من أهل ذلك الموضع بالقتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ ويكون هناك لوث - قرينة أو ظاهر حال يشعر بصدق الولى فى دعوى القتل - يحلف من أولياء القتيل خمسون رجلا على حصول القتل العمد.
وإن نقصوا كررت الأيمان على الموجودين ولو كان واحدا حتى تكمل خمسين يمينا.
أما فى الخطأ والشبيه بالعمد فيحلف الأولياء خمسا وعشرين يمينا.
ومنهم من سوى بينهما فأوجب خمسين يمينا فى الخطأ وشبه العمد.
فإن حلفوا وجب القصاص فى العمد:
ووجبت الدية على القاتل فى شبه العمد وعلى العاقلة فى الخطأ، وقيل تجب على القاتل فى الخطأ أيضا.
وإن لم يحلفوا وتعدد المدعى عليهم فالأظهر أن على كل واحد منهم خمسين يمينا، وأن كان المدعى عليه واحدا وأحضر من قومه خمسين رجلا يشهدون ببراءته حلف كل واحد منهم يمينا، وأن كانوا أقل كررت عليهم الأيمان حتى تكمل خمسين، وإن لم يحضر أحد كررت عليه الأيمان حتى تكمل وان نكل ألزم الدعوى عمدا أو خطأ، وتجرى القسامة عندهم فى النفس والأطراف.
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 459 وما بعدها.
واختلف فى عدد الأيمان فى الأطراف، فقيل خمسون يمينا إن كانت الجناية فى الطرف تبلغ دية النفس كالأنف واللسان، وإلا فبنسبتها من الخمسين.
وقيل: ست أيمان فيما فيه دية النفس، وبحسابه من الست فيما دون ذلك
(1)
.
مذهب الإباضية:
وتثبت القسامة عند الإباضية إذا وجد قتيل حر به علامة قتل فى بلدة أو محلة أو فى مكان قريب منها ولم يدع على معين ولم يوجد فى مسجد ولا فى زحام ولا عداوة بينه وبين قوم من أهل البلد، لزمت القسامة أهل البلد أو المحلة بأن يحلف منهم خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتله وإن نقصوا عن الخمسين كررت اليمين على من يوجد منهم ولو واحدا حتى تكمل الأيمان خمسين، فإن حلفوا وجبت الدية على الحالفين ومن أبى الحلف حبس حتى يحلف أو يقر ولا قسامة عندهم على أعمى وصبى ومجنون وامرأة إلا إذا لم يوجد غيرها فتحلف وتجب على عاقلتها
(2)
.
القافة
القافة: جمع قائف، وهو الذى يعرف الآثار.
والخلاف بين الفقهاء فى اعتبار القافة دليلا يعتمد عليه فى الحكم، يكاد ينحصر فى إثبات النسب بها.
والأصل فى هذا الباب ما ورد فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل على مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال:
«ألم ترى أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض» رواه الجماعة.
وفى لفظ أبى داود وابن ماجة ورواية لمسلم والنسائى والترمذى: «ألم ترى أن مجززا المدلجى رأى زيدا وأسامة قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض» . قال أبو داود: كان أسامة أسود وكان زيد أبيض.
ذكر الشوكانى هذا الحديث فى نيل الأوطار، وقال وقد أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء والأوزاعى ومالك والشافعى وأحمد.
وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا يعمل بقول القائف فى إلحاق الولد، بل يحكم بالولد الذى ادعاه اثنان لهما، واحتج لهم صاحب البحر بحديث: الولد للفراش.
وروى عن الإمام يحيى أن حديث القافة منسوخ
(3)
.
وإليكم بيان المذاهب فى ذلك:
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أنه لا يجوز العمل بقول القافة ولا الاعتماد على رأيهم فى الحاق الولد وإثبات نسبه ممن يشبهه للحديث
(1)
شرائع الإسلام ص 273 وما بعدها من باب القصاص، والمختصر النافع ص 312 وما بعدها.
(2)
شرح النيل ج 8 ص 126 وما بعدها.
(3)
نيل الأوطار ج 6 ص 282 وما بعدها.
الصحيح «الولد للفراش وللعاهر الحجر» جعل أساس ثبوت النسب الفراش ولأن القافة يعتمدون على الشبه والشبه قد يتحقق بين الأجانب وينتفى بين الأقارب فلا يصلح أساسا لإثبات النسب.
وحديث مجزز المدلجى لا حجة فيه لأن نسب أسامة بن زيد من أبيه كان ثابتا بالفراش، ولم يثبت بقول مجزز وسرور النبى صلى الله عليه وسلم بما قاله مجزز إنما كان لقضائه على تمادى الناس فى نسب أسامة وخوضهم فيه مما كان يتأذى به النبى صلى الله عليه وسلم، وكان العرب يعتقدون صحة قول القافة ويعتمدون عليهم فى إلحاق الولد منذ الجاهلية، فجاء قول مجزز قاضيا على خوضهم فى نسب أسامة، وسر النبى صلى الله عليه وسلم لذلك.
فإن تنازع اثنان نسب صغير، فإن كان أحدهما صاحب فراش قضى له بنسب الصغير، وإن لم يكن أحدهما صاحب فراش ولا مرجح ألحق الولد بهما وثبت نسبه منهما.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية أنه يعمل بقول القافة فى إلحاق الولد وثبوت نسبه أخذا من حديث مجزز المذكور لأن النبى صلى الله عليه وسلم قد أقر قول مجزز وسر به ولو لم يكن حجة فى ثبوت النسب لما أقره إذ لا يقر إلا ما هو حق.
وقد اختلفت الرواية عن الإمام مالك:
هل يكتفى بقائف وأحد كالأخبار وهى رواية ابن القاسم، أو لا بد من قائفين كالشهادة، وهى رواية أشهب.
وهل يشترط فى القائف أن يكون عدلا أو لا يشترط؟ روايتان.
والمشهور عند المالكية أنه لا يحكم بقول القائف إلا فى أولاد الإماء دون أولاد الحرائر.
وقال ابن وهب: يعمل به فى أولاد الحرائر واختاره اللخمى.
وقال ابن يونس: إنه أقيس، وهل يجوز عندهم إلحاق الولد باثنين، قال الصردى: مذهب مالك أنه يكون للرجل أبوان فإن أشركتهما القافة فى الولد كان ابنا لهما جميعا فى قول ابن القاسم وغيره، وقيل لا يقبل قول القائف فى الإشراك بينهما ويدعى غيره حتى يلحقه بأصحهما شبها وإذا لم توجد القافة يوقف إلى أن يكبر فيوالى من شاء منهما، ولا تعتمد القافة إلا على أب موجود على قيد الحياة وقيل تعتمد على الأب الميت الذى لم يدفن، وقيل تعتمد على العصبة
(1)
.
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية أنه يعمل بقول القافة فى إلحاق الولد وثبوت نسبه لحديث مجزز المذكور سواء فى ذلك أولاد الاماء وأولاد الحرائر.
(1)
التبصرة ج 2 ص 93 وما بعدها.
ويشترط أن يكون القائف حرا مسلما عدلا ذكرا مجربا.
ولا يشترط التعدد فى الأصح.
وإن اختلف القائفان يرجح الأكثر حذقا ومهارة أو يؤتى بثالث ويؤخذ بموافقته أحد الاثنين، ويعمل بقول القافة عند تنازع رجلين نسب صغير وعند تنازع امرأتين على الصحيح عند عدم تيقن الأم
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة العمل بقول القافة فى ثبوت النسب للحديث فى أولاد الإماء وأولاد الحرائر على السواء فى تنازع رجلين.
ويجوز ثبوت النسب منهما معا وفى تنازع امرأتين.
روى ابن الحكم أن يهودية ومسلمة ولدتا وادعت اليهودية ولد المسلمة فقيل للإمام أحمد: تكون فى هذا القافة؟
فقال: ما أحسنه.
وهل يكفى قائف واحد أو لا بد من اثنين؟
فى رواية جعفر بن محمد النسائى ومحمد بن داود المصيصى والأثرم لا بد من اثنين.
وفى رواية أبى طالب وإسماعيل بن سعيد أنه يكفى قائف واحد، وهو اختيار القاضى وصاحب المستوعب.
وأخذ بعضهم من نص الإمام أحمد على الاكتفاء بالطبيب والبيطار الواحد إذا لم يوجد سواه رواية ثالثة بالاكتفاء بالقائف الواحد إذا لم يوجد سوأه، لأن القائف مثل الطبيب بل هو أولى إذ الأطباء أكثر وجودا من القافة
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ويقول ابن حزم الظاهرى فى المحلى: إن الأخذ بقول القافة فى إلحاق الولد واجب فى أولاد الحرائر والإماء أخذا من حديث مجزز المذكور لأن سرور النبى صلي الله عليه وسلم تقرير له ودليل على اعتباره طريقا للإلحاق
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(4)
: قالت العترة لا يثبت النسب بالقافة وهو الشبه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«الولد للفراش» وهذا فى معنى النفى والإثبات، كقوله:
«الأعمال بالنيات» .
وقال الشافعى: بل يثبت لقوله صلى الله عليه وسلم لامرأة هلال إن جاءت به أصيهب أثيبج حمش الساقين فهو لزوجها، فأثبت النسب بالشبه، قلنا: معارض
(1)
حواشى التحفة ج 10 ص 348 وما بعدها.
(2)
كشاف القناع ج 6 ص 374 والطرق الحكمية لابن القيم ص 252 وما بعدها.
(3)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 435.
(4)
ج 3 ص 144، 146.
بقوله صلى الله عليه وسلم للذى قال له إن امرأتى أتت بولد أسود «عسى أن يكون عرق نزعه» فلم يعتبر الشبه.
وقوله فى امرأة هلال: أراد أنه خلق من ماء من أشبهه، وإن لم يثبت نسبه شرعا وقال الإمام يحيى أو كان قبل نسخ العمل بالقافة لقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش.
وتحدث عن مسألة اتفاق فراشين للحرة كنكاح امرأة المفقود حيث رجع وقد تزوجت، ونكاح المعتدة جهلا والأعمى غير زوجته غلطا، وعن إلحاق الولد بأحدهما دون الآخر عند الإمكان وعدم إلحاقه بأيهما عند التعذر، ثم قال: وقال الشافعى بل يعمل بالقافة إذ لا ترجيح لأيهما.
قلنا: بل الترجيح بما ذكرنا، والقافة غير ثابتة شرعا. وهذا صريح فيما يفيد أن الزيدية لا يثبتون النسب بالقيافة.
مذهب الإمامية:
لا يجيز الشيعة الإمامية الأخذ بقول القائف فى إلحاق الولد ويكادون يجمعون على تحريم العمل بها لمنافاتها لما هو كالضرورى من الشرع من عدم الالتفات إلى هذه العلامات وهذه المقادير والمدار عندهم فى إلحاق النسب على الإقرار والولادة على الفراش أو نحو ذلك، مما جاء به الشرع
(1)
.
القرعة
جاء فى نيل الأوطار للشوكانى: عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه.
وقال الشوكانى: استدل بذلك على مشروعية القرعة فى القسمة بين الشركاء وغير ذلك.
والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة.
قال القاضى عياض: هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الحظر والقمار وحكى عن الحنفية إجازتها
(2)
.
وفى الطرق الحكمية لابن القيم
(3)
: ومن طرق الأحكام الحكم بالقرعة، قال تعالى:
(4)
وقال تعالى: «وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
{إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ»
(5)
.
ثم ساق عدة أحاديث فى القرعة بين الزوجات فى السفر وفى العتق فى مرض الموت بما يزيد عن الثلث.
وفى القسمة بين الشركاء وفى اليمين إذا أكره الرجلان عليها أو استحباها فليستهما عليها وفى الطلاق، وقال ان مذهب الامام
(1)
جواهر الكلام للمحقق النجفى من باب المتاجر وجامع المقاصد للكركى من هذا الباب.
(2)
نيل الأوطار ج 6 ص 217 وما بعدها، طبع المطبعة العثمانية المصرية سنة 1357 هـ.
(3)
ص 337 وما بعدها.
(4)
الآية رقم 44 من سورة آل عمران.
(5)
الآية رقم 139 من سورة الصافات.
أحمد أن القرعة طريق للقضاء، وذكر خلاف الأئمة الثلاثة فى استعمالها فى الطلاق وإليكم بيان المذاهب:
مذهب الحنفية:
لا يعتبر الحنفية القرعة طريقا من طرق القضاء والحكم، ومن ثم قرروا أنه لا يجوز استعمالها فى دعاوى النسب والمال، وفى الطلاق، والعتق حين يكون الطلاق أو العتق لغير معين أو لمعين، ويتسنى قبل موت المطلق أو المعتق وحين يتأخر بيانه حتى الموت.
وقرروا أنها حين تجرى فيما تجرى فيه عندهم لا تكون الطريق لإثبات الحق والملك أو الإلزام به وإنما تكون لتطييب القلوب ونفى التهمة.
جاء فى شرح العناية على الهداية وتكملة فتح القدير تعليقا علي قول صاحب الهداية فى باب القسمة «والقرعة لتطييب القلوب» هذا هو الاستحسان والقياس يأباها لأن فى استعمال القرعة تعليق الاستحقاق بخروجها.
وذلك قمار أو هو فى معنى القمار، وهو حرام.
ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمالها فى دعوى النسب والمال، وتعيين المطلقة والعتق ولكنا تركنا القياس هنا بالسنة والتعامل الظاهر من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير.
وليس هذا من باب القمار لأن أصل الاستحقاق فى القمار يتعلق بما يستعمل فيه وفيما نحن فيه لا يتعلق أصل الاستحقاق بخروج القرعة لأن القاسم لو قال: عدلت فى القسمة، فخذ أنت هذا الجانب وخذ أنت ذاك الجانب ولم يستعمل القرعة كان مستقيما إلا أنه ربما يتهم فى ذلك فيستعمل القرعة لتطبيب قلوب الشركاء ونفى تهمة الميل عن نفسه وذلك جائز
(1)
.
ومثل ذلك فى تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه من باب القسم بين الزوجات
(2)
.
مذهب المالكية:
لا يعتبر المالكية القرعة طريقا للقضاء بثبوت الحق والملك وإنما يعتبرونها طريقا لقطع النزاع على الاختصاص بالحق والأولوية به ولا تجرى عندهم فى الطلاق.
جاء فى التبصرة لابن فرحون المالكى:
قال القرافى رحمه الله تعالى فى الفروق:
الفرق الأربعين والمائتين: اعلم أنه متى تعينت المصلحة أو الحق فى جهة فلا يجوز الاقراع بينه وبين غيره لأن فى القرعة ضياع ذلك الحق المعين. والمصلحة المعينة.
ومتي تساوت الحقوق والمصالح فهذا هو موضع القرعة عند التنازع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار
(3)
.
ثم ذكر صاحب التبصرة أن القرعة مشروعة فى مواضع: وعد اثنين وعشرين موضعا منها، بين الأب والأم عند التنازع
(1)
فتح القدير ج 8 ص 215 وما بعدها.
(2)
ابن عابدين ج 2 ص 411 الطبعة الثالثة الأميرية سنة 1323 هـ.
(3)
ج 2 ص 92.
على حضانة الصغير، وبين الزوجات عند السفر، وبين الشركاء فى القسمة، وبين المؤذنين والأئمة للصلاة، والخلفاء عند التنازع والاستواء فى الكل. وبين العبيد إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم فى المرض ثم مات ولم يتسع الثلث للوصية، وبين المتابعين إذا اختلفا فيمن يبدأ باليمين عند التحالف والتناسخ
(1)
.
مذهب الشافعية:
تعتبر القرعة عند الشافعية طريقا لقطع الخصومة والنزاع، ويجرونها فى العتق والقسمة والقسم بين الزوجات والسفر بهن وغير ذلك، ولا يجيزون استعمالها فى الطلاق لعدم ورود النص فيه.
جاء فى شرح المنهج: ولو اعتق فى مرض موته عبدا لا يملك غيره ولا دين عليه عتق ثلثه، ولو أعتق ثلاثة معا لا يملك غيرهم وقيمتهم سواء عتق أحدهم، ويتميز عتقه بقرعة لأنها شرعت لقطع المنازعة فشرعت طريقا.
وقال البجرمى فى حاشيته أن القرعة لا تحصل العتق بل هو حاصل وقت إعتاق المريض وإنما هى تميز العتيق عن غيره.
وجاء فى الشرح المذكور: ولو علق بهما أى بنقيضين لزوجته وعبده، كأن قال: إن كان هذا الطائر غرابا فزوجتى طالق وإلا فعبدى حر.
وجهل الحال منع منهما لزوال ملكه عن أحدهما، فلا يتمتع بالزوجة ولا يتصرف فى العبد إلى بيان لتوقعه، فإن مات قبل بيانه لم يقبل بيان وارثه بل يقرع «أى يعمل قرعة» فلعل القرعة تخرج على العبد فإنها مؤثرة فى العتق دون الطلاق، فإن خرجت القرعة على العبد عتق، وإن خرجت على الزوجة بقى الإشكال، إذ لا أثر للقرعة فى الطلاق
(2)
.
مذهب الحنابلة:
أما الحنابلة فإنهم يعتبرون القرعة طريقا من طرق القضاء والحكم، بل هى عندهم كالحكم، وتجرى عندهم فى الطلاق والنكاح والعتق والأموال والقسم بين الزوجات والسفر بهن وغير ذلك لما يجرى فيه النزاع والتخاصم.
جاء فى كشاف القناع
(3)
فى باب القسمة:
فإذا تمت القسمة بأن عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة لأن القاسم كالحاكم وقرعته كالحكم. نص عليه لأنه مجتهد فى تعديل السهام كاجتهاد الحاكم فى طلب الحق فوجب أن تلزم قرعته.
وفى الطرق الحكمية لابن القيم
(4)
: قال أحمد فى رواية إسحاق بن إبراهيم وجعفر ابن محمد: القرعة جائزة.
وقال يعقوب بن بختان: سئل أبو عبد الله عن القرعة ومن قال إنها قمار، قال:
إن كان ممن سمع الحديث، فهذا كلام رجل سوء يزعم أن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قمار.
(1)
المرجع السابق.
(2)
حاشية البجرمى على شرح المنهج ج 4 ص 20، 418.
(3)
ج 6 ص 306.
(4)
ص 337 وما بعدها.
قال إسحاق: قلت لأبى عبد الله أتذهب إلى حديث عمران بن حصين فى العبيد؟
قال: نعم.
وقال مهنا: سألت أحمد عن رجل قال لامرأتين إحداكما طالق أو لعبدين أحدكما حر، قال: قد اختلفوا فيه.
قلت: ترى أن يقرع بينهما؟
قال: نعم.
قلت: أتجيز القرعة فى الطلاق؟
قال: نعم، وفى النكاح إذا زوج الوليان، ولم يعلم السابق منهما يقرع بينهما. فمن خرجت عليه القرعة حكم له بالنكاح وأنه الأول هذا منصوص أحمد فى رواية ابن منصور وحنبل.
ونقل أبو الحارث ومنها لا يقرع فى ذلك وفى الدابة تكون فى يد رجل لا يملكها وهى لأحد رجلين لا يعرفه عينا أقرع بينهما فمن قرع صاحبه «أى خرجت له القرعة» حلف وسلمت إليه.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية ذكر أبن حزم الظاهرى فى المحلى أن من أوصى بعتق رقيق له لا يملك غيرهم أو كانوا أكثر من ثلاثة لا ينفذ من ذلك شئ إلا بالقرعة.
ثم ذكر صورا للوصية: يعتق عبيده الذين لا مال له غيرهم: أو يعتق أكثر من ثلث كل واحد منهم بإجمال ودون ذكر أسمائهم، فإن الوصية يكون فيها حق لله تعالى وحق للورثة، ولا بد من القسمة ليتميز حق الله من حق الورثة، ولا سبيل إلى تمييز الحقوق والأنصباء فى القسمة إلا بالقرعة، فوجب الإقراع بينهم. فمن خرج عليه سهم العتق علمنا أنه هو الذى استحق العتق بموت الموصى وأنه حق الله تعالى ومن خرج عليه سهم علمنا أنه لم يوص فيه الموصى وصية جائزة وأنه من حق الورثة، وهذا صريح فى اعتبار القرعة وجوازها، فى العتق والقسمة
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(2)
: القرعة مشروعة فى القسمة إجماعا وفى غيرها الخلاف، وعند الزيدية هى توجب الملك لإقراعه صلي الله عليه وسلم بين نسائه وعمله بما اقتضت.
وعند الإمام يحيى وبعض الأصحاب إنما شرعت لتطييب النفوس لا للملك، أو تعيين الحاكم أو التراضى بعد الإفراز أو التقويم كالعقد، وإقراعه صلى الله عليه وسلم بين نسائه لتطييب نفوسهن فقط إذ له السفر بمن شاء.
وجاء فى البحر أيضا
(3)
: قالت العترة يصح تعليق العتق فى الذمة كأحدكم حر إذ هو قربة كالنذر بخلاف الطلاق ويؤخذ بالتعيين كمن نذر بمجهول، فإن مات قبله عتقوا جميعا إذ لا مخصص لبعضهم فاستحق كل منهم قسطا فسرى إلى باقيه.
وقال الشافعى والليث بن سعد: بل يقرع بينهم كفعله صلى الله عليه وسلم إذ أقرع بين ستة أعبد لرجل أعتقهم فى مرضه
(1)
محلى ج 9 ص 342.
(2)
ج 4 ص 108.
(3)
ج 4 ص 205.
فأرق أربعة وأعتق اثنين، ولإقراعه بين نسائه فى السفر، ولمساهمة يونس عليه السلام وفى كفل مريم عليها السلام.
قلنا: أما الأعبد فمخالف للأصول، إذ الحرية لا يطرأ عليها الرق إجماعا. وأما غيرهم فلتطييب النفوس لا لأمر أوجبه.
وليست طريقا شرعيا. وما استدلوا به معرض للاحتمال.
وجاء فى البحر الزخار أيضا
(1)
: وقالت العترة إذا أوقعه - أى الطلاق - علي غير معينة فى نيته كأحداكن كذا وقع على واحدة لا بعينها، وبه قال القاسمية فليس له صرفه إلى من يشاء لأنه لا يتعلق بالذمة.
وعن المؤيد بالله له تعيين من شاء إذ يجوز ثبوته فى الذمة.
وهذا كله ظاهر فى أن القرعة معتبرة عند الزيدية فى القسمة، والخلاف بينهم فى أنها تثبت الملك أو لا.
أما فى غير القسمة كالعتق والطلاق، فإن القرعة غير معتبرة إذ ليست طريقا شرعيا.
مذهب الإمامية:
ويقرر الشيعة الإمامية أن القرعة مشروعة بالكتاب والسنة، ويقولون أن موارد القرعة على قسمين:
أحدهما: ما كان الحق فيه معينا فى الواقع واشتبه علينا ظاهرا لعارض.
وثانيهما: ما كان مرددا بين شيئين أو أكثر ولم يكن معينا فى الواقع. ويطلب فيه التعيين.
ومن هذا القسم الأمور المشتركة بين شركاء ولم يتراضوا على القسمة بينهم، وقد اختلفوا فى معنى القضاء بالقرعة، فقيل إنها بنفسها فاصلة وميزان للقضاء دون حاجة إلى اليمين معها، وقيل أن المشهور أن القضاء بها يحتاج إلى اليمين
(2)
.
وفى المختصر النافع: ولو أعتق مماليكه عند الوفاة أو أوصى بعتقهم ولا مال سواه عتق ثلثهم بالقرعة، فهى تجرى عندهم فى العتق، وهو من القسم الثانى من مواردها فيما ذكره صاحب عوائد الأيام.
مذهب الإباضية:
والقرعة مشروعة عند الإباضية، وقد عقد صاحب شرح النيل بابا فى قسمة القرعة وقال إنها هى الأصل وتكون بعد تقويم الأنصباء وتعديلها، وإذا حلف الشركاء أن يقتسموا يبرون فى حلفهم بقسمة القرعة وقال: وقد ذكر أن القرعة فى القرآن فقال:
«فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» ،} «وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ» .
وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه أيتهن وقع سهمها أخذها معه.
وقال لرجلين لما اختلفا: «أستهما» .
وأمر أن يقرع بين حمزة وقتيل آخر فى ثوبين ليكفن كل منهما فى الثوب الذى يخرج له.
واختصم ثلاثة إلى على فى ولد لأمة وقعوا عليها فى طهر واحد، فقال: أنا مقرع
(1)
ج 3 ص 170.
(2)
عوائد الأيام للقرافى ص 228، والقضاء للاشتيانى ص 390، والمختصر النافع ص 191.
بينكم فمن وقع السهم له فله الولد وعليه لكل من صاحبيه ثلث الدية، وعجب من ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يصح أنه أنكره، وهذا دليل على أن القرعة مشروعة عندهم كطريق لقطع النزاع وأنها تجرى فيما ذكر كله
(1)
.
الفراسة
تعريف الفراسة:
الفراسة: هى النظر الفاحص المثبت الناشئ عن جودة القريحة وحدة النظر وصفاء الفكر.
قال ابن القيم الحنبلى فى الطرق الحكمية
(2)
: ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرارا.
وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم اذا ارتاب بالشهود فرقهم وسألهم: كيف تحملوا الشهادة وأين تحملوها. وذلك واجب عليه، متي عدل عنه أثم وجار فى الحكم.
وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعى عن سبب الحق وأين كان ونظر فى الحال، هل يقتضى صحة ذلك.
وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله والمدعى عليه، وجب عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال.
وقل حاكم أو وال اعتنى بذلك وصار له فيه ملكة إلا وعرف المحق من المبطل وأوصل الحقوق إلى أهلها.
ثم ذكر فراسة عمر بن الخطاب وقضائه بها فى بعض المسائل، وفراسة على بن أبى طالب كذلك وفراسة بعض القضاة السابقين كشريح وإياس بن معاوية وأبى حازم وغيرهم.
وذكر شواهد من فراسة بعض الحكام والأمراء وما كان لها من أثر فى كشف الحقيقة والوصول إلى الحق، وأن هؤلاء الخلفاء والقضاة والحكام والأمراء كانوا يبنون الأحكام فى كثير من المسائل على الفراسة، وهو يرى أن الفراسة طريق من طرق القضاء والحكم.
مذهب المالكية:
وفى مذهب المالكية: النص الصريح على عدم جواز القضاء بها، وأن القضاء بها من باب الظن والتخمين، وذلك فسق وجور
(3)
.
ونقل القرطبى فى تفسيره عن القاضى أبى بكر بن العربى أنه قال: الفراسة لا يترتب عليها حكم، فإن مدارك الأحكام معلومة شرعا، مدركة قطعا وليست الفراسة منها.
وقال صاحب التبصرة: والحكم بالفراسة مثل الحكم بالظن والحزر والتخمين وذلك فسق وجور من الحاكم، والظن يخطئ ويصيب.
(1)
شرح النيل باب قسمة القرعة.
(2)
ص 28 وما بعدها.
(3)
التبصرة ابن فرحون المالكى ج 2 ص 106 وما بعدها.
أثر
المعنى اللغوى:
أثر الشئ بقيته، والجمع آثار، والأثر أيضا ما بقى من رسم الشئ، والأثر أيضا ما نتج عن شئ فدل على أن ذلك الشئ قد كان، كقولهم: النبات أثر للقطر لأنه حصل به ودل عليه، ومنه قوله تعالى:
«فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها»
(1)
.
ومواقع الأقدام آثار يستدل بها على السائرين، ومنه قوله تعالى:«فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ»
(2)
«قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي»
(3)
.
فذلك تعبير عن سلوكهم طريق من سبقهم، متتبعين آثارهم، والأثر أيضا:
الخبر، لأنه بقية تؤثر لمن يخبر عنه، ومنه اطلاق الآثار على السنن المروية عن النبى صلى الله عليه وسلم.
والآثر (بسكون الثاء بعد الهمزة المفتوحة): (6) نقل الحديث وروايته، ومنه أثرت العلم آثره أثرا، أى رويته، وأصله تتبعت أثره
(4)
.
معنى الأثر فى مصطلح الحديث:
علماء مصطلح الحديث يطلقون «الأثر» أحيانا على ما يروى من السنة مرفوعا أو موقوفا أو مقطوعا، وأحيانا يفرقون بين المرفوع فيسمونه خبرا، والموقوف فيسمونه أثرا.
ويوضح ذلك ما ذكره السيوطى
(5)
فى التدريب، والنووى فى التقريب، إذ يقولان ما نصه:
«الموقوف هو المروى عن الصحابة قولا لهم أو فعلا أو نحوه» أى تقريرا «متصلا كان» إسناده «أو منقطعا، ويستعمل فى غيرهم» كالتابعين «مقيدا، فيقال: وقفه فلان على الزهرى ونحوه، وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر» قال أبو القاسم الفورانى أحد فقهاء خراسان: الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، والأثر ما يروى عن الصحابة.
المراد بالأثر فى استعمال الفقهاء:
1) يستعمل الفقهاء أحيانا كلمة الأثر
أو الأثار، فيما يروى من السنة عن النبى صلى الله عليه وسلم مرفوعا، أو موقوفا، أو غير ذلك، كقولهم: والأثار دالة على كذا، أو وقد استدل على هذا بالأثر المروى عن فلان، أو المرفوع أو
(1)
سورة الروم: 50.
(2)
سورة الصافات: 70.
(3)
سورة طه: 84.
(4)
انظر مادة «أثر» فى كل من القاموس ولسان العرب ومفردات الراغب الاصفهانى.
(5)
انظر ص 109 من كتاب تدريب الراوى شرح تقريب النواوى للسيوطى المطبوع بمصر 1379 هـ.
المنقطع، أو المتصل الى غير ذلك، جريا على التوسع فى المعنى الاصطلاحى للأثر.
ب) وأحيانا يستعملون كلمة الأثر مضافة، فيقولون: أثر العقد، وأثر الفسخ، وأثر النكاح الفاسد، وأثر الاقرار، وأثر اللعان ونحو ذلك ويذكرون الأثر حين يتكلمون عن الاستدلال بآثار الأقدام وما يتصل بها من القافة «انظر قافة» ويذكرون أثر كل فى المصطلح المضاف اليه.
إثم
1 - المعنى اللغوى:
الاثم: الذنب وأن يعمل الانسان ما لا يحل له، وجمعه آثام، ويقال أثم فلان (بكسر الثاء) يأثمَ (بفتحها) إذا وقع فى الإثم فهو آثم.
2 - المعنى الاصطلاحى:
والفقهاء يستعملون كلمة الإثم، بمعنى المعصيه، كقولهم: إذا حلف على أثم يريدون فعل معصية، فيجب عليه ألا يفعله ويكفر عن يمينه. وكقولهم: شرب الخمر إثم وقذف المحصنات إثم، والغصب إثم، والغش إثم، وهكذا.
كما يستعملونه بالمعنى اللغوى كقولهم هل يأثم اذا أكره على تناول المحرم، وهل يأثم من أخر زكاة الفطر عن وقتها.
إجَابَة
التعريف اللغوى:
الإجابة والاستجابة، بمعنى، وهو رجع الكلام، تقول أجابه عن سؤاله، واستجاب الله دعاءه، قال الله تعالى: «فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}
(1)
.. »
وفعله: أجاب يجيب، والمصدر الإجابة.
والمجاوبة والتجاوب: التجاور، وتجاوب القوم: جاوب بعضهم بعضا
(2)
أما عند الفقهاء
فلا يكادون يخرجون بها عن هذا المعنى اللغوى.
أولا - إجابة المؤذن للصلاة:
مذهب الحنفية:
يذهب الحنفية إلى وجوب إجابه المؤذن، وقال الحلوانى بالندب، وذلك فى إجابة اللسان وبالوجوب فى المشى بالقدم على من سمع الأذان، ولو جنبا لا حائضا ونفساء وسامع خطبة، وفى صلاة جنازة وجماع ومستراح وأكل وتعليم علم وتعلمه بخلاف القرآن بأن يقول بلسانه مثل ما
(1)
الآية رقم 186 من سورة البقرة.
(2)
لسان العرب: مادة جوب.
يقول المؤذن إذا كان يؤذن بالعربية من غير لحن فى الأذان إلا فى الحيعلتين فيحوقل، وفى «الصلاة خير من النوم» فيقول صدقت وبررت، ولو تكرر سماع الأذان أجاب الأول
(1)
.
مذهب الشافعية:
أما الشافعية فيذهبون إلى استحباب الاجابة على المؤذن لمن سمعه ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم لما روى عبد الله ابن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على، فإنه من صلى على مرة صلى الله عليه بها عشرا» .
فإن سمع ذلك وهو فى الصلاة لم يأت به فى الصلاة، فإذا فرغ أتى به وإن كان فى قراءة أتى به ثم رجع إلى القراءة لأنه يفوت والقراءة لا تفوت
(2)
.
ويقول الشافعية أن الإقامة كالأذان فى الإجابة إلا أنه يقول عند التلفظ بإقامة الصلاة: أقامها الله وأدامها
(3)
.
مذهب الحنابلة:
أما الحنابلة فيقولون يسن لمن سمع المؤذن أن يقول كقوله إلا فى الحيعلة فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ويستدلون على ذلك بما فى الصحيحين عن أبى سعيد مرفوعا «اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول» .
ويفصلون الأمر فيقول صاحب النكت والفوائد السنية: وظاهر الأمر على الوجوب وقد قال به هنا بعض العلماء وأكثرهم على الاستحباب كقولنا وقد ورد ما يؤخذ منه صرفه عن ظاهره وهو ما رواه جماعة منهم مسلم عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فان سمع أذانا أمسك وإلا أغار، فسمع رجلا يقول الله أكبر الله أكبر فقال النبى صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: خرجت من النار.
وقد نص الامام أحمد فى رواية الأثرم وغيره على أنه لا يجب إجابة المؤذن.
وظاهر كلام صاحب المحرر وكلام الأصحاب أنه يكرر مثل ما يقول المؤذن بتكرر سماع الأذان للصلاة الواحدة، وأنه إذا سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة فإذا فرغ عاد عليها لأنها لا تفوت وكذا إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن وافقه ثم أخذ فى التحية
(4)
.
مذهب المالكية:
ويقول المالكية: وندب حكاية الأذان لسامعه بأن يقول مثل ما يقول المؤذن من تكبير أو تشهد لمنتهى الشهادتين على المشهور ولو كان السامع فى صلاة نفل فيندب له حكايته أما حكايته فى الفرض
(1)
حاشية أبن عابدين جزء أول صفحة 367 وما بعدها.
(2)
المهذب جزء أول صفحة 58.
(3)
شرح المنهاج بهامش حاشية قليوبى وعميرة ج 1 ص 131 طبع الحلبى.
(4)
المحرر فى الفقه ج 1 ص 38 وما بعدها.
فمكروهة مع الصحة إن اقتصر على منتهى الشهادتين أو أبدل الحيعلتين بالحوقلتين وإلا فتبطل
(1)
.
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى فيقول: ومن سمع المؤذن فليقل كما يقول المؤذن سواء من أول الأذان إلى آخره وسواء كان فى غير صلاة أو فى صلاة فرض أو نافلة، حاشا قول المؤذن حى على الصلاة، حى على الفلاح، فإنه لا يقولهما فى الصلاة ويقولهما فى غير صلاة، فإذا أتم الصلاة فليقل ذلك، مستشهدا فى ذلك بالحديث السابق ذكره فى مذهب الشافعية
(2)
.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن يقول السامع كالمؤذن لقوله صلى الله علية وسلم «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن» وقال:
«من قال حين يسمع ذلك دخل الجنة» .
ويقول كالمقيم أيضا، ويحوقل فى الحيعلة فيهما، ويقطع ما هو فيه لذلك إلا الصلاة، فإن فعل، فكالدعاء فيها ونسب إلى يحيى من فقهائهم أنه يقول أقامها الله وأدامها، عند قول مقيم الصلاة «قد قامت الصلاة»
(3)
.
ويقول الزيدية أيضا: «وندب لسامع الأذان أن يحوقل بأن يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ويدعو»
(4)
.
مذهب الإمامية:
ويقول الشيعة الجعفرية: ويستحب الحكاية لغير المؤذن إذا سمع كما يقول المؤذن وإن كان فى الصلاة إلا الحيعلات فيها فيبدلها بالحوقلة ولو حكاها بطل لأنها ليست ذكرا، وكذلك يجوز ابدالها فى غيرها، ويردد المجيب عبارة المؤذن فى سكتته بين كل عبارة وأخرى أو يرددها معه، ووقت حكاية الفصل بعد فراغ المؤذن منه أو معه، وليقطع الكلام إذا سمعه غير الحكاية وإن كان قرآنا، ولو دخل المسجد أخر التحية إلى الفراغ منه
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب الوضع فى الفقه الاباضى الحديث الوارد فى اجابة المؤذن وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «اذا سمعتم الأذان فقولوا مثل ما يقول المؤذن»
(6)
.
ثانيا - إجابة الدعوة إلى الوليمة:
مذهب الحنفية:
يذهب الأحناف إلى أن إجابة الدعوة سنة، قال عليه الصلاة والسلام:«من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم» .
قال فى الهداية: ومن دعى إلى وليمة أو طعام فوجد ثمة لعبا أو غناء فلا بأس بأن يقعد ويأكل، وهذا إذا كان بعد الحضور، ولو علم قبل الحضور لا يحضر لأنه لم يلزمه حق الدعوة
(7)
.
(1)
الدردير ج 1 ص 87، 88 والحاشية.
(2)
المحلى لابن حزم ج 3 ص 148.
(3)
البحر الزخار ج 1 ص 198.
(4)
شرح الأزهار ج 1 ص 226.
(5)
الروضة البهيه - شرح اللمعة الدمشقية - ج 1 ص 73.
(6)
كتاب الوضع ص 83 طبعة مطبعة الفجالة الجديدة بمصر.
(7)
كتاب الهداية: الجزء الرابع ص 59.
مذهب المالكية:
ويذهب المالكية الى وجوب اجابة الدعوة، وهو فى الأكل بالخيار، وفى الترمذى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من دعى فليجب، فإن شاء طعم وأن شاء ترك» .
وقال أبن رشد: الأكل مستحب لقوله عليه السلام «فإن كان مفطرا فليأكل وأن كان صائما فليصل (أى يدعو) لصاحب الوليمة»
(1)
.
ويسقط وجوب الدعوة وجود غناء ورقص نساء وآلة لهو غير دف.
مذهب الشافعية:
أما الشافعية فيقولون: من دعى إلى وليمة العرس، وجب عليه الإجابة لما روى ابن عمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«إذا دعى أحدكم إلى وليمة فليأتها» .
ومن الشافعية من قال: هى فرض على الكفاية لأن القصد اظهارها، وذلك يحصل بحضور البعض
(2)
، وقيل إنها سنة.
وأما وليمة الختان والولادة فالاجابة إليها مستحبة قولا واحدا وقيل على الخلاف
(3)
.
وإنما تجب أو تسن بشرط
(4)
ألا يخص الأغنياء بالدعوة وبشرط إسلام الداعى، وإلا يكون المدعو مرخصا فى ترك الجماعة أو الجمعة، وألا يكون المقصود المباهاة وألا يكون الداعى فاسقا أو شريرا، وألا يكون المدعو قاضيا إلا مع أصله أو فرعه وألا تتعارض الدعوة مع ما هو أهم كأداء الشهادة وأن يتعين المدعو.
وإن دعى مسلم إلى وليمة ذمى ففيه وجهان: أحدهما تجب الإجابة للخير، والثانى لا تجب لأن الإجابة للتواصل وإختلاف الدين بمنع التواصل.
وأن كانت الوليمة ثلاثة أيام أجاب فى اليوم الأول والثانى وتكره الاجابه فى اليوم الثالث لما روى أن سعيد بن المسيب رحمه الله دعى مرتين فأجاب ثم دعى الثالثة فحصب الرسول.
وعن الحسن رحمه الله أنه قال: الدعوة أول يوم حسن والثانى حسن والثالث رياء وسمعة. وإن دعاه اثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لحق السبق، فإن استويا فى السبق أجاب أقربهما رحما، فان أستويا فى الرحم أجاب أقربهما دارا، فإن استويا فى ذلك أقرع بينهما.
وإن دعى إلى موضع فيه دف أجاب لأن الدف يجوز فى الوليمة، فإن دعى إلى موضع فيه منكر من زمر أو خمر فان قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الاجابة
(1)
بلغة المسالك ج 1 ص 404.
(2)
المهذب ج 2 ص 64.
(3)
شرح المحلى على منهاج الطالبين ج 3 طبعة الحلبى.
(4)
شرح المحلى على منهاج الطالبين ج 3 طبعة الحلى.
ولإزالة المنكر، وأن لم يقدر على أزالته لم يحضر، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس على مائدة يدار فيها الخمر.
ومن حضر الطعام فان كان مفطرا ففيه وجهان: أحدهما يلزمه أن يأكل، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصل» .
والثانى: لا يجب، لما روى جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعى أحدكم الى طعام فليجب فان شاء طعم، وإن شاء ترك» .
وأن دعى وهو صائم لم تسقط عنه الإجابة للخبر، ولأن القصد التكثير والتبرك بحضوره، وذلك يحصل مع الصوم، فإن كان الصوم فرضا لم يفطر، وإن كان تطوعا فالمستحب أن يفطر لأنه يدخل السرور على من دعاه وإن لم يفطر جاز
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة وجوب إجابة الدعوة إذا كان الداعى مسلما وعين المدعو، وقيل هى فرض كفاية، وقيل مستحبه. ولا تجب مع من يجوز هجره ولا من عمم بدعوته ولا من دعى بعد اليوم الأول، ولا يجوز لمن حضر الوليمة قطع صوم واجب ويستحب الأكل للمتنفل والمفطر. وقيل أن لم ينكسر قلب الداعى باتمام النفل فهو أولى. وادا علم فى الدعوه منكرا كالخمر والزمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا فلا يحضر ولو حضر فشاهد منكرا أزاله أن قدر وجلس وإلا إنصرف وأن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس
(2)
.
مذهب الظاهرية:
أما أبن حزم الظاهرى فيقول: وفرض على كل من دعى إلى وليمة أو طعام أن يجيب الا من عذر فان كان مفطرا ففرض عليه أن يأكل، فإن كان صائما فليدع الله لهم، فإن كان هنالك حرير مبسوط أو كانت الدار مغصوبة أو كان الطعام مغصوبا أو كان هناك خمر ظاهر فليرجع ولا يجلس. عن نافع أن ابن عمر كان يقول عن النبى صلى الله عليه وسلم: إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو نحوه.
وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل، وأن كان مفطرا فليطعم» .
(1)
المهذب ج 2 ص 65.
(2)
المحرر ج 2 ص 39، 40.
وصح عن أبى هريرة: من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله
(1)
.
مذهب الزيدية:
ويندب عند الزيدية حضور الوليمة بشروط سبعة: أولها أن تعم الفقير والغنى، والثانى: حيث تكون فى اليوم الأول والثانى، والثالث: ألا يكون هناك منكر، والرابع: أن يعين الداعى من يدعوه بنفسه أو برسوله أو بكتاب، والخامس ألا يدعوه لخوف منه أو لطمع فى جاهه أو اعانته على باطل، والسادس: ألا يكون الداعى فاسقا أو شريرا، والسابع: ألا يكون أكثر مال الداعى حراما.
وندب أيضا اجابة المسلم إلى طعامه وإن لم يكن معه وليمة، وإذا اتفق داعيان أو أكثر فيستحب له أجابتهم جميعا، ويندب له تقديم إجابة الأول ثم الأقرب نسبا ثم الأقرب بابا، فإذا أستويا أقرع بينهما
(2)
.
مذهب الإمامية:
أما الشيعة الجعفرية: فيستحبون إجابه الدعوة للوليمة عند الزفاف
(3)
وقد حكم فى الشرائع بكراهة الصوم ندبا لمن دعى إلى طعام، واستدل عليه فى الجواهر بما دل على النهى عن معارضة المؤمن وترك إجابته
وقد قيل أن مقتضى اطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين من هيأ لهم طعاما وغيره وبين من يشق عليه المخالفة وغيره، ونص الفاضلان على اشتراط كونه مؤمنا ولعله لكونه المتبادر من الأخ، ولأنه الذى رعايته أفضل من الصوم
(4)
.
ثالثا - إجابة المستفتى:
يقول ابن القيم
(5)
: إن سأل سائل عن الحكم فللمسئول حالتان: أحداهما أن يكون عالما به، والثانية أن يكون جاهلا به، فإن كان جاهلا حرم عليه الافتاء، وإن كان عالما بالحكم فللسائل حالتان: أحداهما أن يكون حضر وقت العمل (أى جاء السائل إلى المفتى لسؤاله عن واقعة حدثت) وقد احتاج إلى السؤال، فيجب على المفتى المبادرة على الفور إلى جوابه، الثانية أن يكون قد سأله عن الحادثة قبل وقوعها فهذا لا يجب على المفتى أن يجيب عنها، وأطال فى ذكر الأدلة (أنظر: أفتاء).
رابعا - أجابه الاستغاثة:
يقول الأحناف
(6)
: يجب إغاثة الملهوف بقطع الصلاة، سواء استغاث بالمصلى أو لم يعين أحدا فى الاستغاثة (انظر: إغاثة).
خامسا - إجابة الخصوم عند القاضى:
لا خلاف بين الفقهاء فى الزام المدعى عليه بالإجابة على الدعوى اذا ما طلب منه ذلك.
(1)
المحلى ج 9 ص 450، 451.
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 480، 481.
(3)
جامع المقاصد - للمحقق الكركى - باب النكاح
(4)
الجواهر باب الصوم ج 3 ص 250.
(5)
أعلام الموقعين ج 4 ص 157 طبع مصطفى محمد
(6)
أبن عابدين ج 1 ص 483.
جاء فى البدائع
(1)
وفى المغنى
(2)
إذا حرر المدعى دعواه فللحاكم أن يسأل خصمه الجواب قبل أن يطلب المدعى ذلك.
وفى الدردير وحاشية الدسوقى
(3)
: يلزم المدعى عليه أن يجيب المدعى على دعواه بشئ محقق أو بالانكار (انظر: دعوى، وقضاء).
سادسا - إجابة المرأة فى النكاح:
جاء فى كتاب الهدايه فى الفقه الحنفى:
النكاح ينعقد بالايجاب والقبول، فلو استأذن الثيب فلا بد من رضاها بالقول لقوله عليه الصلاة والسلام «الثيب تشاور» ولأن النطق لا يعد عيبا منها وقل الحياء بالممارسة فلا مانع من النطق فى حقها
(4)
.
وفى الكنز وشرحه للعينى
(5)
ان استأذن الولى البكر البالغة فسكتت أو ضحكت فهو اذن منها (انظر: نكاح).
سابعا - إجابة طالب الضيافة:
للفقهاء خلاف وتفصيل فى إجابه الضيف إلى طلب الضيافة، فيذهب الظاهرية - كما ينقل عنهم ابن حزم
(6)
- إلى أنها فرض.
وكذلك المالكية
(7)
على تفصيل.
ونقل الشوكانى
(8)
أنها ليست واجبة عند الجمهور (انظر: ضيافة).
ثامنا - الإجابة إلى الإسلام:
يقول الحنفية: إن الإجابة إلى الإسلام بعد الدعوة إليه تقتضى الكف عن القتال وكذا فى الجزية بالنسبة لغير المرتدين ومشركى العرب.
جاء فى الهداية
(9)
: إذا دخل المسلمون دار الحرب فحاصروا حصنا أو مدينة دعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا كفوا عن قتالهم، وأن أمتنعوا دعوهم إلى أداء الجزية، وهذا فى حق من تقبل منه الجزيه ومن لا تقبل منه كالمرتدين وعبدة الأوثان لا يقبل منهم إلا الإسلام فان بذلها من تقبل منهم الجزية فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين (انظر: جهاد).
وقالوا
(10)
فى المرتد: يعرض عليه الإسلام فان كانت له شبهة كشفت عنه ويحبس ثلاثة أيام فان أجاب إلى الإسلام وإلا قتل (انظر:
مرتد).
(1)
ج 6 ص 224.
(2)
ج 9 ص 86 طبعة المنار.
(3)
ج 4 ص 144.
(4)
الهداية ج 1 ص 137 وما بعدها.
(5)
ج 1 ص 145.
(6)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 174 طبعة منير.
(7)
الدردير ج 2 ص 487 والحاشية.
(8)
نيل الأوطار ج 8 ص 157 - الطبعة الأولى - المطبعة العثمانية المصرية.
(9)
الهداية مع فتح القدير ج 4 ص 286.
(10)
الهداية مع فتح القدير ج 4 ص 286.
إجارة
1 - التعريف بها لغة:
يقال أجر الشئ اكراه وأجر العامل صاحب العمل رضى أن يكون أجيرا عنده وجمعه أجراء، ومنه قوله تعالى:«عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ»
(1)
.
وأجر فلانا على كذا أعطاه أجرا.
والفعل من باب قتل، وعند بنى كعب من باب ضرب.
ويقال آجرت الدار فأنا مؤجرها، كما يقال آجرت فأنا مؤاجر.
وأجر من فلان الدار أكراها له وأجر فلانا الدار أكراه اياها وآجره مؤاجرة استأجره، واستأجره اتخذه أجيرا كما يقال ائتجر على فلان بكذا عمل له بأجر، ويقال فى معنى أجره أكراه فهو مكر وكاراه فهو مكار واكتراه استأجره فهو مكتر وأكرانى دابته أجرنى اياها.
والأجرة الكراء والكروة.
والاجارة الأجرة على العمل.
والأجر عوض العمل وجمعه أجور وجمع الأجرة أجر
(2)
.
2 - التعريف بها شرعا:
يعرفها الفقهاء بأنها عقد يفيد تمليك المنفعة بعوض، وبذلك تميزت من الجعالة لأن الجعالة ليست عقدا وانما تنشأ بارادة الجاعل وحدها، ومن البيع والهبة لأنهما يفيدان تمليك الأعيان، ومن العارية والوصية بالمنفعة لأن التمليك بهما بالمجان.
وليس فى تعريف الاجارة بذلك اختلاف بين الفقهاء جميعا، وانما يختلفون فى العبارة الدالة على هذا المعنى من ناحية استعمال لفظ بدل لفظ له معناه أو من ناحية زيادة بيان وتفصيل كما فى تعريف بعض الحنابلة لها فى «كشاف القناع» بأنها عقد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئا فشيئا مدة معلومة من عين معلومة أو موصوفة فى الذمة أو عمل معلوم بعوض معلوم.
واستثنوا من المدة ما فتح من الأرض عنوة وترك لأهله بالخراج على أن يكون أجرة له مراعاة للمصلحة العامة التى استوجبت ذلك فانه فى نظر الحنابلة يعد متروكا فى يد أهله بطريق الاجارة دون تقدير مدة لذلك، ولذا يبقى فى أيديهم لا ينزع منهم.
وينتقل بالوراثة الى ورثتهم فيتوارثون منافعها كما تتوارث الأعيان
(3)
.
وكذلك استثنوا الصلح مع صاحب أرض على حق ادعى عليه نظير بدل أو عوض هو أن يجرى المصالح فى تلك الأرض ماء أرضه الفاضل من ريها أو حاجتها من الماء فى ريها على أن يكون ذلك حقا له دائما، فقد أجازوا ذلك على أنه اجارة للمجرى، فى أرض المصالح بلا اشتراط مدة بل تعد اجارة مستمرة
(4)
.
(1)
الآية 27 بسورة القصص.
(2)
القاموس والمصباح والمعجم الوسيط، مادة «أجر» .
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 688.
(4)
منتهى الارادات ج 1 ص 422 طبعة مكة المكرمة.
وقد شاع عند كثير من الفقهاء استعمال اسم الاجارة وما اشتق منها فى استئجار الآدميين واستعمال اسم الكراء وما اشتق منه فى استئجار غيرهم ومع ذلك فقد يستعملون اللفظين دون تفرقة بينهما فى الاستعمال
(1)
.
وفى الشرح الكبير للدردير
(2)
أن المالكية يسمون العقد على منافع الآدمى وما يقبل الانتقال كالثياب والأوانى ما عدا السفن والحيوان اجارة، والعقد على منافع ما لا يقبل الانتقال كالأرض والدور، وكذلك منافع السفن والدواب كراء، وهذا هو الاستعمال الغالب عندهم، وقد يستعملون أحد اللفظين محل الآخر.
الاجارة - محلها
محل الاجارة المنافع فلا ترد الا على منفعة، والمنفعة نوعان:
منفعة أشياء: وهى ما يكتسب من الأعيان كمنافع الدور والثياب والحيوان ونحو ذلك.
ومنفعة أعمال: وهى ما يقوم به العمال من الأعمال التى تطلب منهم كالخياطة والصياغة والصناعة والنجارة والبناء والحمل ونحو ذلك.
ولما كان محلها المنافع كان الواجب فيها عند تمامها تسليم ذلك المحل الى من تملكه استيفاء لحقه، غير أن المنافع لا يتصور فيها التسليم بذاتها لأنها أعراض، فقام مقام ذلك تسليم العين التى تطلب منها المنفعة وتمكين المنتفع من الانتفاع بها، واعتبر ذلك تسليما للمنفعة نفسها، وذلك واضح فى اجارة الأشياء.
أما فى اجارة العمال على الأعمال فان تسليم العمل المطلوب يتم اما بقيام العامل الأجير بالعمل فعلا والتخلية بينه وبين المؤجر، واما بتسليم نفسه الى مستأجره واستعداده لأن يقوم به كما فى الأجير الخاص (الوحد).
ولذا لو سلم نفسه الى مستأجره مدة الاجارة كلها مستعدا للقيام بالعمل استحق الأجرة، وان لم يعمل لأنه فعل ما يطلب منه وما يستطيع أن يقوم به وذلك محل اتفاق بين المذاهب.
وبناء على ما ذكر لم تجز اجارة الشجر والكرم لأخذ ثمره كما فى استئجار البساتين لأخذ أثمارها لأن الثمر عين لا منفعة فلا ترد عليه الاجارة، وكذلك لم يجز استئجار شاة لأخذ لبنها أو أولادها أو صوفها ولا استئجارها لترضع جديا أو طفلا ولا استئجار الآجام والبرك لأخذ ما يكون فيها من السمك ولا استئجار المراعى المملوكة لرعى ما فيها من الكلأ ولا استئجار الفحل للضراب وغير ذلك مما يراد من استئجاره تملك عين لا منفعتها، والى هذا ذهب الحنفية
(3)
ومالك
(4)
والشافعية
(5)
والحنابلة
(6)
كما ذهب الى ذلك أيضا ابن حزم من الظاهرية
(7)
والزيدية
(8)
.
(1)
شرح النيل ج 5 ص 5 للإباضية.
(2)
ج 4 ص 2.
(3)
البدائع ج 5 ص 175.
(4)
الشرح الكبير ج 4 ص 20.
(5)
نهاية المحتاج ج 5 ص 266.
(6)
كشاف القناع ج 2 ص 293.
(7)
المحلى ج 8 ص 189.
(8)
شرح الأزهار ج 3 ص 249.
وأما الشيعة الإمامية:
فقد جاء فى كتاب تحرير الأحكام
(1)
والحكم الأول الخاص باستئجار الشجر لأخذ ثمره يدل على أن الشيعة الإمامية كغيرهم فى أنهم لا يجوزون ورود عقد الاجارة على الأعيان ومن ثم كان فى قولهم بجواز استئجار الغنم لأخذ لبنها وصوفها اشكال، وربما دل هذا على وجود خلاف فى الفقه الشيعى فى تجويز اجارة عين لأخذ ما تنتجه من ماء أو لبن ونحوه، ومن ثم جاز استئجار البئر لأخذ مائه نتيجة لهذا الخلاف وان لم يشر صاحب الكتاب الى هذا الخلاف، وربما كان ذلك من قبيل الاستثناء وأن المذهب الشيعى يرى عدم الجواز الا فيما نص على جوازه.
الإباضية:
أما الإباضية فقد جاء فى شرح النيل جواز كراء البئر أو العين لأخذ مائه، وان ذلك محل خلاف عندهم
(2)
.
وأجاز ذلك الحنفية لعموم البلوى
(3)
واستثنى الفقهاء من هذا الأصل اجارة الظئر للارضاع مراعين فى ذلك أن الاجارة فى هذه الحال على ما تقوم به الظئر من أعمال ومنافع للطفل من حمل ورعاية وحفظ وغير ذلك من الأعمال التى تصلح أن تكون محلا لعقد الاجارة، أما اللبن فتابع لذلك.
وذهب ابن عقيل من الحنابلة الى جواز استئجار البئر ليستقى منه أياما معلومة أو ليؤخذ منه دلاء معلومة.
وفى المغنى أن القول بهذا يقتضى جواز استئجار بركة ليصطاد منها السمك مدة معلومة.
كما نصوا على جواز الاستئجار على الكتابة وعندئذ يكون التزام الكاتب بالحبر والأقلام ودخوله فى الاجارة من قبيل دخول التابع ومثله خيط الخياط وكحل الكحال ومرهم الطبيب وصبغ الصابغ
(4)
وماء الحمام، وذلك مع ملاحظة ما فى الحمام من الانتفاع بالأدوات والمكث فيه، ومثل هذه المسائل كثير فيما جرى به العرف.
وفى المحلى لابن حزم
(5)
: ولم يجز مالك اجارة الشاة ولا الشاتين للحلب وأجاز اجارة القطيع من ذوات اللبن للحلب، كما أجاز استئجار البقرة للحرث مع اشتراط لبنها.
وقد جاء بالتاج والاكليل للمواق ما يدل على ذلك
(6)
.
فقد جاء فيه جواز أن يكترى البقرة ويشترط حلابها لأن الغرر خف بما انضاف
(1)
ج 1 ص 243.
(2)
شرح النيل ج 5 ص 39.
(3)
الدر المختار ج 5 ص 43.
(4)
كشاف القناع ج 2 ص 293.
(5)
ج 8 ص 189 مسألة 1296.
(6)
هامش ج 5 من الحطاب ص 422.
اليها من الكراء كما خف فى الغنم اذا كثرت وجاء فى متن خليل ما يدل على أن شرط جواز الاجارة فى هذه المسائل ألا يكون القصد منها أصالة الحصول على عين والا كانت ممنوعة
(1)
.
وجاء فى الشرح الكبير للدردير: ولا يجوز استئجار شجر لأخذ ثمره ولا استئجار شاة لأخذ لبنها، ثم ذكر بعد ذلك: أنه اذا اكتريت أرض أو دار وكان فيها شجر مثمر جاز أن يشترط فى عقد الاجارة دخول هذا الشجر فيه فيكون للمستأجر ثمره، وذلك اذا توافرت الشروط الآتية:
1 -
ألا يكون ثمر هذا الشجر قد بدا صلاحه، فأما اذا بدا صلاحه فانه يجوز اشتراطه مطلقا بلا قيد ولو كان ثمره كثير القيمة، وذلك على أساس أن ذلك الشرط حينئذ يجعل العقد عقدين، عقد على اجارة العين وعقد على شراء الثمر واجتماع عقد الاجارة مع عقد البيع جائز.
2 -
أن يكون بدو صلاح هذا الثمر فى مدة الاجارة فان كان بدو صلاحه عادة بعد المدة لم يجز ذلك الشرط وفسدت به الاجارة وان كان قليل القيمة.
3 -
أن يكون هذا الشرط قد قصد به دفع الضرر عن العاقدين.
4 -
أن تكون مدة الاجارة وجيبة لا مشاهرة.
5 -
أن تكون قيمة الثمر ثلث مجموع ما تؤجر به العين مضافا اليه قيمة الثمر أو أقل، فان زادت على الثلث لم يجز وفسد العقد.
وليس يجوز مثل هذا الشرط فى الأرض المستأجرة يكون فيها زرع الا اذا نقصت قيمته عن ثلث مجموع ما تؤجر به الأرض مضافا الى ذلك قيمة الزرع
(2)
.
وفى اغاثة اللهفان
(3)
الحنبلى: أن مالكا يرى جواز اجارة الشاة مدة معلومة بعلفها لأخذ لبنها، وخالفه فى ذلك الباقون ووجه قوله أن اللبن يحدث بعلفه وخدمته كحصول الغلة ببذر الزرع وخدمته لا فرق بينهما، وقد جاز اجارة الأرض لذلك كما أنه يجوز اجارة بئر لمائها مدة معلومة مع أن حصول الماء ليس من عمله، ويجوز اجارة بركة لأخذ ما فيها من السمك.
ومما يتصل بهذا الموضوع، ما أشرنا اليه من اجارة الظئر واجارة الحمام «كراء الحمام» وهاك تفصيل حكمهما.
اجارة الظئر
وللمسترضع أن يستأجر ظئرا لقوله تعالى: «وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ»
(4)
.
ويجوز استئجارها بأجر معين كما يجوز استئجارها بطعامها وكسوتها ولها عند ذلك
(1)
التاج للمواق ج 5 ص 422.
(2)
ج 2 ص 20، 21 من الدردير طبعة الحلبى.
(3)
ج 2 ص 39.
(4)
الآية 233 من سورة البقرة.
الوسط عند الامام لجريان العادة بالتوسعة على الظئر شفقة على الولد بالانفاق ولها الأجر عند الحنفية ان أرضعته أو دفعته الى من أرضعته من جارة لها أو ظئر أخرى استأجرتها لذلك لأن الغرض من الاجازة غذاء الطفل وقد تحقق ذلك بعملها وعمل الثانية يعتبر كعملها لأنه حدث بأمرها وللعامل أن يعمل بنفسه وبغيره ما لم ينهه المؤجر عن ذلك ويشترط عليه أن يعمل بنفسه واذا كانت المرضع زوجا كان لزوجها فسخ هذه الاجارة اذا لم تكن باذنه متى كان النكاح ظاهرا فان لم يعلم الا بتصادقهما فليس له الفسخ، وللمستأجر فسخها بحبل المرضع ومرضها وفجورها فجورا بينا وغير ذلك من الأعذار.
وتنتقض بوفاة الصبى لا بوفاة أبيه لأنه انما عقد للطفل لا لنفسه وعليها كل ما يقضى العرف بالزامها به كغسل الطفل وغسل ثيابه واعداد طعامه اذ الأصل فى توابع العقود التى لا ذكر لها فى العقد أنها تحمل على عادة كل بلد، ولهذه الملاحظة صحت هذه الاجارة من حيث أنها تعد اجارة على ما حصل الطفل عليه من منافع بحسب العرف واللبن تابع كالصبغ فى الاستئجار على الصباغة ونحو ذلك، والأجرة فيها على الأب المؤجر فى ماله ان لم يكن للطفل مال والا ففى مال الطفل، واذا أرضعته بلبن شاة أو غذته بطعام ومضت المدة فلا أجر لها اذ لم تأت بالعمل الواجب عليها بالعقد وهو الارضاع
(1)
.
والى هذا ذهب مالك
(2)
، غير أن مالكا جعل لها الفسخ بموت الأب اذا لم يعجل لها الأجر ولم يترك مالا ولم يتطوع به متطوع من وارث أو غيره.
ويرى الشافعى جواز اجارة الظئر للحاجة اليها ولا بد فيها عنده من تعيين مدة الارضاع ومكانه ومن تعيين الرضيع برؤيته أو وصفه لاختلاف شربه باختلاف سنه وتكلف المرضع بأن تتناول ما يكثر به اللبن وتترك ما يقلله ولو سقته لبن غيرها استحقت الأجرة ان لم يشترط عليها ذلك
(3)
.
والى هذا ذهب الحنابلة
(4)
، فصححوا اجارة الظئر بطعامها وكسوتها للعرف وتنته الاجارة بانقطاع اللبن واذا لم ترضعه وسقته اللبن من شاة أو أطعمته أو دفعته الى غيرها فأرضعته فلا أجرة لها لأنها تعرف ما التزمت به من قيامها بارضاعه.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم
(5)
: وجائز استئجار المرأة ذات اللبن لارضاع الصغير مدة مسماة لقوله تعالى: «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»
(6)
.
ثم قال بعد ذلك: ولا يجوز استئجار شاة للحلب أصلا، وأجاز مالك اجارة القطيع لا الشاة والشاتين للحلب.
مذهب الزيدية:
ولا يختلف مذهب الزيدية عما ذهب اليه غيرهم من جواز اجارة الظئر بأجرة مسماة
(1)
البدائع ج 4 ص 170، ص 209.
(2)
الشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج 4 ص 13.
(3)
نهاية ج 5 ص 292.
(4)
كشاف ج 2 ص 286.
(5)
المحلى ج 8 ص 189 مسألة رقم 1295.
(6)
الآية 6 من سورة الطلاق.
غير أنهم يجعلون حكمها حكم الأجير الخاص ان أفاد العقد معها ذلك، وعندئذ لا تصح اجارتها بنفقتها للجهالة الا أن تقدر قيمتها فتصح، وليس لها أن تؤجر نفسها من آخر الا باذن مستأجرها ولا تحضن غيره ولا ترضعه الا باذن واذا تعيبت بمرض أو حبل كان للمسترضع فسخها ولها أن تفسخ لما يلحقها من المضرة بعد ابتداء مدتها ولا بد فيها كما تقدم من تعيين المدة والمكان والطفل، ولا بد من اذن زوجها.
ويرى الزيدية أنها تضمن ما يصيب الطفل من عيب غير غالب أو عيب ناتج عن اهمالها وتقصيرها أو مخالفتها للعقد فاذا سقته لبن شاة فمرض فعليها علاجه ودواؤه حتى يبرأ واذا مات وكان هذا مما يتلف به الأطفال ألزمت بديته
(1)
.
مذهب الإمامية:
ويرى الشيعة الإمامية أن استئجار الظئر بطعامها وكسوتها غير جائز للجهالة وكذلك استئجار الخادم على هذا الوضع ولو بين ذلك بما ترتفع به الجهالة جاز بشرط تعيين وقت الدفع اليها، واذا كانت الاجارة بعوض معلوم وشرط لها نفقتها من طعام وكسوة ففى جواز ذلك نظر عندهم
(2)
.
ولا بد فى استئجار الظئر من تعيين المدة والصبى بالمشاهدة ومكان الارضاع وبيان العوض وبيان المعقود عليه أهو خدمة الصبى
وحمله وما الى ذلك مما جرت به العادة فى رعايته وحضانته واللبن تابع حينئذ كماء البئر فى الدار، والصبغ فى الصباغة والخيط فى الحياكة أم المعقود عليه الارضاع وما عدا ذلك تابع.
والأقرب الثانى وهو أن المعقود عليه للارضاع ولذا تستحق الأجرة به وان لم تخدمه دون العكس.
وجواز الاجارة فى هذه الحال مع أن المعقود عليه عين ترخيص دعا اليه الاستحسان، ويكون ارضاع الولد على وضع يصلح به حاله، ولو سقته لبن الغنم أو دفعته الى غيرها فأرضعته لم تستحق أجرا ولا يجوز اجارة زوجة للارضاع الا باذن زوجها.
وفى جواز اجارة الرجل زوجته لارضاع ولدها منه رأيان:
المذهب: عدم جوازه، وجوزه ابن ادريس وهو جيد يؤيده أن ليس للرجل اجبار زوجته على ارضاع ولدها منه ولكن يجوز له استئجار زوجته على ارضاع ولده من غيرها وتنته الاجارة بوفاة الطفل وأجرة الارضاع على الطفل ان كان له مال لأن العقد له ولذا لا يبطل بموت والده
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: اجارة المرضع واردة فى القرآن، قال تعالى:«فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» ،} وهى سنة جرت فى
(1)
شرح الأزهار وحاشيته ج 3 ص 278، 279.
(2)
تحرير الاحكام ج 2 ص 244.
(3)
تحرير الاحكام ج 2 ص 245.
الجاهلية والاسلام، وقد استرضع رسول الله فى بنى سعد، وينبغى تخير المرضع فلا تكون مجنونة ولا برصاء ولا مجذومة ولا مشركة، وتجوز اجارتها الى سنتين وعليها حفظه واطعامه وشبعه وغسل ثيابه ولا تخرج به الا باذن والده ولا تعطيه لغيرها من النساء لترضعه الا على الاضطرار ولا تطعمه قبل المدة الا اذا استغنى عن اللبن ولا تترك ارضاعه الى لبن الأنعام.
فان مات الطفل أو انته لبنها انتهت اجارتها ولا تستأجر الا باذن زوجها والأجرة لها اذا أرضعت أذن لها أم لم يأذن ولا تأخذ رضيعا آخر الا باذن من أبى الأول، ولها ارضاع ولدها معه، فان أضر ذلك بالرضيع ردته لوليه وللأم أن ترضع ولدها بأجرة وان كانت فى نكاح أبيه ولا تستحق أجرا الا بالارضاع بنفسها
(1)
.
اجارة الحمام
وجازت اجارة الحمام استحسانا للعرف وان انعقدت على جهالة فى مقدار المكث فيه ومقدار ما يستعمل من مائه.
وتضمنت كذلك تملك عين هو الماء الذى يستعمله المستأجر لغسل بدنه، ذهب الى ذلك الحنفية
(2)
، وكراهة عثمان رضى الله عنه محمولة على ما فيه من كشف العورة.
والى هذا ذهب المالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
.
وفى المحلى لابن حزم
(6)
، واستئجار الحمام جائز ويكون البئر والساقية تبعا فى اجارته ولا يجوز عقد اجارة مع الداخل فيه ولكن يعطى مكارمة فان لم يرض صاحب الحمام بما أعطى ألزم الداخل فيه بعد خروجه بما يساوى بقاءه فيه فقط لأن مدة بقائه قبل أن يستوفيه مجهولة ولا يجوز عقد الكراء على مجهول.
مذهب الإمامية:
وذهب الشيعة الإمامية الى جوازها
(7)
، وقد جاء فى شرح النيل، ويجوز كراء الحمام جميعه ان أكراه بأجر معلوم الى مدة معلومة ولا يجوز له أن يدخل صاحبه فيه ولا غيره الا باذن المكترى، ويستنفع المكترى بمائه وبما فيه من المراجل والقدور وغيرها ولا ينتفع بالازار، وقيل يستعمل كل ما يصلح لدخول الحمام ولا يتفق صاحب الحمام مع من يدخل فيه على أجرة، ولكن يأخذ ما يعطيه اياه وقيل يجوز الاتفاق
(8)
.
الاجارة - أركانها
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن ركنها الصيغة التى يصدرها العاقدان دالة على معناها وانشائها وهى تتكون من الايجاب والقبول، والايجاب هو ما يصدر أولا منهما دالا على معناها من كل لفظ يدل عليه كالاجارة
(1)
شرح النيل ج 5 ص 74، 75.
(2)
الدر المختار ج 5 ص 35.
(3)
الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 43.
(4)
نهاية المحتاج ج 5 ص 317 طبعة الحلبى.
(5)
كشاف القناع ج 2 ص 294.
(6)
ج 8 ص 200 مسألة 1322.
(7)
شرائع الإسلام ج 1 ص 237.
(8)
شرح النيل ج 5 ص 84.
والاستئجار والاكراء والاكتراء أو كتابة تدل على ذلك أو اشارة ممن يعجز عنها كذلك.
والقبول هو ما يصدر ثانيا مفيدا للرضى كقبلت ورضيت ونحوه مما أشرنا اليه آنفا.
وفى انعقادها لاضافة الايجاب الى المنافع كأجرتك سكنى دارى شهرا بكذا خلاف بين الحنفية.
ذكر فى البحر أنها لا تنعقد بذلك لأن المنافع معدومة.
جاء فى البزازية أن فى المسألة قولين
(1)
وهما قولان عند الشافعية والزيدية
(2)
.
ويرى غير الحنفية من الفقهاء كالشافعية والمالكية والحنابلة، أن أركانها الايجاب والقبول، ويعبر عنهما بالصيغة والعاقدان والأجرة والمنفعة، بينما يرى الحنفية أن ما عدا الايجاب والقبول من قبيل الشروط وفى بيان ما يشترط فى أركانها مما سبق بيانه ما عدا الأجرة والمنفعة يرجع الى مصطلح «ايجاب، قبول، عاقد» .
والعاقدان فيها المؤجر، وهو مملك المنفعة، والمستأجر وهو متملك المنفعة، ويقال للمؤجر: آجر، ومؤاجر، ومكر، ومكارى، وللمستأجر مكترى.
الاجارة: شروطها
للاجارة شروط فى عاقديها وشروط فى الصيغة وشروط فى محلها وهو المنفعة وشروط فى الأجرة وهى بدل المنفعة، وهذه الشروط منها شروط تتعلق بانعقادها، فاذا لم يتوفر شرط منها فيها لم تنعقد وشروط تتعلق بصحتها فاذا لم يتوفر شرط منها كانت غير صحيحة.
وشروط تتعلق بنفاذها فاذا لم يتوافر شرط منها فيها كانت موقوفة لم يترتب عليها أثرها.
وشروط تتعلق بلزومها على ما ذهب اليه الجمهور من أنها عقد لازم، فاذا لم يتوفر شرط منها فيها كانت غير لازمة عند جميع الفقهاء.
ومما يتعلق من هذه الشروط بالعاقدين أو بالصيغة شروط عامة يجب توافرها فى كل عقد، ولذا يرجع الى بيانها فى مصطلح «شرط» ولا نعرض هنا الا ما يتعلق بشروط محلها وهو المنفعة.
وشروط بدل المنفعة وهو الأجرة، وقد ذكرنا ستة شروط تشترط فى محلها خمسة منها تعد شروط صحة والأخير يعد شرط نفاذ ولذا كانت الاجارة عند فقده موقوفة على اجازة مالك المنفعة ان كان لها مالك كما سيأتى بيان ذلك تفصيلا.
شروط محلها: وهو المنفعة
أما المنفعة فقد بينا فيما سبق أنها محل عقد الاجارة أى المعقود عليه، وهى عرض ليس له وجود عند انشاء العقد، ولذا رأى
(1)
ابن عابدين ج 5 ص 3 طبعة الحلبى.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 271، شرح الازهار ج 3 ص 254.
الفقهاء من الحنفية قيام الأعيان فى الاجارة مقام منافعها واعتبار وجودها وجودا لمنافعها حتى يتعلق العقد بموجود فى الخارج، وذلك نتيجة لما يراه الحنفية من أن الأصل فى العقود أن ترد على موجود عند التعاقد، وذلك أصل فيه اختلاف الفقهاء (انظر مصطلح: عقد «محله» ).
ويشترط فى المنفعة الشروط الآتية:
الشرط الأول
يجب لصحة الاجارة أن تكون معلومة
عند التعاقد
علما تنتفى به الجهالة المؤدية الى النزاع وسواء فيه أن يكون نتيجة لعرف أو نتيجة لذكرها مع أوصافها أو لذكرها مع الاشارة اليها.
فأما علمها بالعرف ففى مثل اجارة الدور والحوانيت فى الأماكن المختلفة، ذلك لأن استعمال الدور معروف عرفا وكذلك استعمال حوانيت كل ناحية من نواحى السوق أو البلد، ففى هذه الحال تنعقد الاجارة فيها على منفعتها المتعارفة لأن المعروف عرفا يعد فى حكم المشروط نصا فيتقيد بها المستأجر ولا يخرج عنها.
ومن ذلك اجارة الأرض لزراعتها اذا قضى العرف بزراعتها بصنف معين فلا يجوز للمستأجر أن يتجاوزه الى ما يضر بالأرض أو يضر بغيره ولكن اذا نص فى العقد على أن يزرع فيها ما يشاء لم يتقيد بالعرف حينئذ لأن النص أقوى دلالة منه.
وأما معرفتها بذكرها مع أوصافها ففى مثل الاستئجار على صبغ هذا الثوب بلون كذا أو على خياطته بشكل كذا أو على نقل المتاع المعين من جهة كذا الى جهة كذا وغير ذلك من الأمثلة.
وأما معرفتها بالاشارة ففى مثل الاستئجار على حمل هذا المتاع من هذه الجهة الى هذه الجهة أو على هدم هذا البناء ونحو ذلك.
هذا ومن عناصر العلم بها بيان محلها وبيان مكانها.
بيان محل العقد
فأما بيان محلها فيكون ببيان العين التى وقعت عقد الاجارة على منفعتها كما فى استئجار هذه الدار للسكنى واستئجار هذه الأرض للزراعة، فلو قال أجرتك احدى هاتين الدارين لم يصح العقد لأن المعقود عليه مجهول لجهالة محله جهالة مفضية الى النزاع.
مذهب الحنفية:
ولما ذكر. قال أبو حنيفة: ان اجارة المشاع غير جائزة وان كان المستأجر مبين القدر كنصف أو ثلث أو غير ذلك لأن المحل المستأجر لشيوعه فى العين المسماة مجهول.
وذهب صاحباه الى جواز اجارة المشاع لأن الشيوع فيه لا يمنع الانتفاع به لامكان انتفاع المستأجر به كانتفاع مالكه.
ولم يفرق أبو حنيفة فى الحكم بين اجارته للشريك فى العين واجارته لأجنبى للسبب نفسه وهو جهالة المحل.
وعلى هذا الأصل لو استأجر انسان طريقا من دار ليمر فيها وقتا معلوما لم يجز فى قياس أبى حنيفة لأن البقعة المستأجرة غير معلومة عن بقية الدار وعندهما يجوز.
ومما يتفرع على ما تقدم أنه لو استأجر علو منزل يبنى عليه لا يجوز فى قياس أبى حنيفة، لأن البناء عليه يختلف خفة وثقلا ومن الثقل ما يضر بالسفل ولا ضابط لذلك فصار المعقود عليه مجهولا بخلاف ما اذا استأجر أرضا ليبنى عليها لأن الأرض لا تتأثر بثقل البناء، وتجوز هذه الاجارة على قول صاحبيه لأن بناء العلو يحدده العرف حينئذ فلا يتناول العقد ما يضر السفل وعلى هذا الأساس يعرف حكم كثير من الفروق المماثلة
(1)
.
بيان مكان المنفعة
وأما بيان مكانها فانما يكون فيما يحتاج فيه الى هذا البيان كما فى اجارة الدواب وما يشبهها، اذ أن عدم بيانه يفضى الى النزاع، فاذا استأجر دابة للركوب دون بيان مكان فالاجارة فاسدة الا أن يسمى موضعا معلوما كأن يستأجرها ليركبها الى بلدة كذا، واذا استأجر دابة ليحمل عليها متاعا وجب بيان ما يراد حمل المتاع اليه وبيان المتاع المحمول لأن ما يحمل يختلف خفة وثقلا.
مدة الاجارة
وكذلك من عناصر بيانها، بيان مدتها، اذا كانت المنفعة المعقود عليها قابلة للاستمرار والبقاء، اذ أن بيانها حينئذ بذكر اسمها غير كاف للعلم بها علما لا يؤدى الى النزاع اذ أنها فى هذه الحال تكون غير معينة المقدار، وذلك كالاستئجار للسكنى والزراعة واللبس والخدمة واستئجار الأجير الخاص ونحو ذلك، ففى مثل هذه الأحوال يجب ذكر المدة لتكون معيارا لما وقع عليه العقد والمنفعة.
فاذا أغفل ذكر المدة فى هذه الأحوال فسد العقد.
والمدة فى هذه الأحوال يجب اتفاقا أن تكون محددة، وهى اما أن تذكر منكرة كسنة وشهر ويوم أو محددة كسنة كذا أو شهر كذا، فان ذكرت منكرة ابتدأت الاجارة من وقت العقد اذا لم ينص فيه على وقت لابتدائها، ولم يكن فى العقد خيار شرط، فان عين فى العقد وقت لبدايتها ابتدأت منه كاستئجار الدار ابتداء من الشهر الآتى، وان كان فى عقد الاجارة خيار شرط ابتدأت من وقت سقوط الخيار، وان ذكرت المدة محددة معينة تقيدت الاجارة بها وانتهت بانهائها، واذا بينت المدة فى العقد على أنها مشاهرة أو مسانهة دون بيان مدة تنته بانتهائها الاجارة وجب بيان أجرة الشهر والسنة فتقع الاجارة حينئذ على الشهر الأول التالى للعقد، فاذا انته كان لكل من العاقدين فسخها قبل مضى اليوم الأول من الشهر التالى بشرط اعلام العاقد الآخر بذلك فاذا مضى اليوم الأول دون فسخ لزمت الاجارة فيه وهكذا، وكذلك الحكم فى المسانهة.
(1)
البدائع للكاسانى ج 4 ص 179 وما بعدها.
وهذا اذا لم يبين للاجارة مدة اجمالية تنته بانتهائها أما اذا بين كأجرتك دارى عشر سنين على أن يكون كل شهر بكذا فانها تصح فى كل المدة.
واذا عجل المستأجر فى مثل هذه الأحوال أجرة مدتين أو أكثر كان ذلك التعجيل بيانا لمدة بقاء الاجارة لازمة فتلزم فى المدة التى عجلت عنها الأجرة، وعلى ذلك لا يصح استئجار عامل بدون ذكر بيان العمل الذى يطلب منه ولا بدون ذكر مدته اذا كان العمل من الأعمال التى تمتد، كما لا يصح استئجار مسكن أو أرض بلا بيان مدة الاجارة ولا استئجار دابة للركوب دون بيان مدة الركوب أو مسافته، وهكذا مما يتفرع على ما سبق بيانه
(1)
.
واذا استأجر أجيرا ليعمل له عملا فقد قالوا ان كان العرف أن يكون العمل من طلوع الشمس الى العصر فهو على ذلك وان كان الى الغروب فهو على ذلك وعلى الجملة فان بيان ما يتعلق بالمدة من بداية وانتهاء خاصا بالعمل يرجع فيه الى العرف، واذا استأجر شخص رجلا للعمل عنده يومين فعمل فى اليوم الأول وامتنع من العمل فى اليوم الثانى أجبر عليه فان مضى اليوم الثانى لم يطلب منه أن يعمل لانتهاء الاجارة بانتهاء مدتها وله أجر مثل ما عمل
(2)
.
الترديد فى المنفعة
ومما يتصل بذلك أن يتضمن العقد ترديدا بين عينين أو ترديدا بين منفعتين، كما اذا قال أجرتك هذه الدار شهرا بكذا أو هذه الدار الأخرى شهرا بكذا أو أجرتك هذه الدابة لتركبها الى بلدة كذا بكذا أو الى بلدة كذا بكذا، والعقد فى هذه الأحوال جائز عند أبى حنيفة وصاحبيه، وكذلك الحكم اذا كان الترديد بين ثلاثة أمور قياسا على جواز ذلك فى البيع المشتمل على خيار التعيين لأن الاجارة معاوضة كالبيع فان ردد بين أربعة أمور فسد العقد.
وعلى هذا الحكم الترديد فى أنواع الخياطة وأنواع الصباغة ومثل ذلك فى الحكم ما اذا قال له ان خطت هذا الثوب فبدرهم وان خطت هذا الثوب الآخر فبدرهم والعمل فيهما سواء اذ أن مثل هذه الجهالة لا تؤدى الى المنازعة فالتخيير فى الواقع انما هو بين ايفاء منفعتين معلومتين فلا جهالة ولأن الأجر على أصل أصحابنا لا يجب الا بالعمل، وحين يأخذ فى أحد العملين تعين الأجر المستحق.
واذا أجره الحانوت على أنه ان جعله مكانا للحدادة فبعشرة دراهم، وان جعله لبيع الأقمشة فبخمسة دراهم. جاز فى قول أبى حنيفة وخالفه فى ذلك صاحباه.
وجه قولهما أن الأجر عند ذلك انما يجب بالتسليم وهو يتم بالتخلية وعندهما لا يدرى أى المنفعتين ستستوفى فكان البدل
(1)
البدائع ج 4 ص 183 وما بعدها، والدر المختار وابن عابدين ج 5 ص 6، 7، 19، 20، 35.
(2)
الفتاوى الهندية ج 4 ص 416.
مجهولا بخلاف التخيير بين أنواع الخياطة لأن الأجرة حينئذ تجب بابتداء العمل وبابتدائه يتعين أحد العملين وعند ذلك تتعين الأجرة ويصير العمل معلوما عند بدايته.
ووجه قول أبى حنيفة أن التخيير بين منفعتين معلومتين فجاز العقد دون جهالة مفضية الى النزاع لأنه بالتخلية فى الحانوت يجب أقل الأجرين، وانما تجب الزيادة عند ابتداء العمل وتعينه عند ذلك، وهذا الخلاف يجرى فى كل ما يجب فيه الأجر بالتسليم ولا يعلم الواجب به وقت التسليم فهو باطل عندهما جائز عند أبى حنيفة
(1)
.
واذا حصل التخيير فى العامل كما اذا قال المستأجر للأجير ان خطته أنت بنفسك فأجرك كذا وان خاطه تلميذك فالأجر كذا، فهذا والترديد بين أنواع الخياطة سواء فى الحكم
(2)
.
مذهب المالكية:
يشترط المالكية فى المنفعة أن تكون لها قيمة بأن تكون مملوكة على وجه خاص بحيث يمكن منعها.
كما يشترطون وجوب العلم بها على وجه لا يؤدى الى النزاع ولا الى عدم امكان التنفيذ، فيجب لذلك بيان العين فى اجارة الأعيان اذا انعقدت الاجارة على منفعة عين معينة ولا يكفى فى ذلك وصفها بخلاف ما اذا انعقدت على منفعة فى الذمة كما اذا استأجر دابة لتوصله الى مكان كذا.
كما يجب بيان ما يحمل فى الاجارة على الحمل وبيان المدة فيما يمتد من المنافع وتكون المدة معيارا له، وذلك على الوجه الذى سبق بيانه فى مذهب الحنفية.
وقد أجاز المالكية الكراء لمدة معينة كسنة وشهر بدون ذكر مبدأ لها وعندئذ يكون المبدأ وقت العقد سواء أكان الكراء مشاهرة أو وجيبة (مدة محددة) كسنتين واذا كان الكراء مشاهرة دون ذكر مدة تنته عندها الاجارة كأن استأجر دارا للسكنى كل شهر بكذا صح العقد، وكان لكل من العاقدين فسخه فى أى وقت شاء سواء أكان ذلك فى الشهر الأول أو فيما بعده.
وللمكترى أن يخرج متى شاء ويلزمه من الأجرة بقدر ما سكن وهذا أحد أقوال ثلاثة عند المالكية.
ثانيها لزوم العقد فى الشهر الأول فقط، ولكل من العاقدين الفسخ فيما بعده.
وثالثها: لزوم العقد فى أى شهر سكن فى بعضه، فلا يكون لأحدهما أن يفسخها بالنسبة لهذا الشهر، ولزم المكترى جميع أجرة هذا الشهر وان لم يشغل المسكن فى باقيه، وهذا اذا لم يعجل المكترى أجرة شهر أو أكثر فان عجل لزمت الاجارة فيما نقد من أجرته، فلو عجل أجرة عشرة أشهر لزمت فيها واذا شرط عدم لزوم العقد مع التعجيل ببعض الأجرة فسد لما يلزم عليه من كراء بخيار مع نقد الأجرة وهذا غير جائز.
(1)
البدائع ج 4 ص 185، 186.
(2)
البدائع ج 4 ص 187.
أما اذا كان العقد وجيبة على مدة معينة كسنة أو سنتين أو كان على مدة نص فى العقد على نهايتها كأجرتك منزلى الى أول سنة كذا فان العقد فى هذه الحال يكون لازما حدث تعجيل فى الأجرة أم لم يحدث ما لم يشترط أحدهما من الفسخ بنفسه ولم يكن نقد الأجرة
(1)
.
مذهب الشافعية:
ولا يختلف الشافعية عن الحنفية فيما ذهبوا اليه من وجوب العلم بالمنفعة محل العقد على ما مضى بيانه، غير أنهم لا يجوزون الاجارة بالمشاهرة الا أن تكون لمدة كأجرتك هذه الدار لمدة سنتين كل شهر بكذا أو أجرتكها شهرا بكذا وما زاد فبحسابه
(2)
.
وتبدأ المدة من وقت العقد ولا يرى الشافعية صحة العقد اذا ما تضمن تخييرا بين منفعتين بأجرتين قياسا على البيع اذ لا يرون فيه قبوله لخيار التعيين.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة كذلك وجوب العلم بالمنفعة علما لا يؤدى الى النزاع والعلم بها يكون اما بالعرف أو بذكرها مع وصفها أو نحو ذلك ولا يجوز تجاوز ما يقضى به العرف فيها، ويكفى العرف لتعيين المنفعة التى وقع عليها العقد عند عدم النص عليها اذا ما وجد عرف يبينها كاستئجار دار فى حى سكنى سنة دون ذكر ما يقصد من استئجارها فى صلب العقد.
ويرون فساد العقد اذا ما تضمن التخيير بين منفعتين بأجرين فى عقد واحد كاستئجاره خياطا بعشرة دراهم لخياطة هذا الثوب ان خاطه على وصف معين وبخمسة ان خاطه على وصف آخر واجارته الأرض سنة بعشرين جنيها ان زرعها قطنا وبخمسة عشر ان زرعها قمحا ونحو ذلك لجهالة الأجرة الواجبة عند العقد
(3)
.
ويجب عند الحنابلة فى الاجارة لمدة أن تكون معينة كشهر كذا أو معينة البداية كشهر ابتداء من يوم كذا، فلو استأجره دارا شهرا بلا تعيين لم يصح العقد، واذا وقعت على شهر معين على أن ما زاد عليه فبحسابه صح العقد عن الشهر الأول فقط للعلم به دون ما بعده واذا وقعت مشاهرة صح العقد عن الشهر الأول وكلما دخل شهر لزم المستأجر الأجرة ان لم يفسخ العقد أحدهما فى أوله لأن دخوله لشهر بمنزلة ابتداء عقد جديد عليه بسبب شروعه فى الانتفاع فيه مع تحقق الرضا من الجانبين والاتفاق على الأجرة، ولكل من العاقدين الفسخ عقب كل شهر ينقضى على الفور فى أول الشهر التالى
(4)
.
مذهب الظاهرية:
يرى ابن حزم فى المحلى وجوب بيان المنفعة التى ورد عقد الاجارة عليها بيانا يمكن من التنفيذ دون منازعة، واذا كانت مما يمتد فلا بد من ذكر مدتها لتكون معيارا لها كالسكنى فى الدور والركوب فى الدواب
(1)
الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 22، 39، 40، 44 طبعة الحلبى.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 277، 278، ج 6 ص 26 وما بعدها.
(3)
كشاف القناع ج 2 ص 283، 289.
(4)
كشاف القناع ج 2 ص 289، 290.
ونحو ذلك، لأن الاجارة على خلاف ذلك أكل للمال بالباطل
(1)
.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن الاجارة لا تصح الا فى منفعة معلومة علما لا يؤدى الى النزاع فلا تصح فى أجرتك احدى دوابى لركوبها الا بخيار لأحدهما مدة معلومة، وذلك هو خيار التعيين، ويجب ذكر المدة فى كل ما يقبل الامتداد من المنافع كالسكنى والزراعة ونحوهما، وتبتدئ المدة من وقت العقد اذا لم تعين بدايتها فيه كأجرتك الدار سنة، ويجب تعيين المنفعة اذا ما تعددت منافع العين المستأجرة واختلفت أضرارها وآثارها مثل أن يستأجر ما يصلح أن يكون سكنا ومحلا للتجارة أو عاملا يعمل أعمالا مختلفة أو أرضا تصلح لزراعة كثير من النبات المختلف، أما اذا كانت العين لا تصلح الا لمنفعة واحدة، أو كانت منافعها المتعددة مستوية الضرر والأثر لم يجب التعيين.
وكذلك اذا قضى العرف بتعيين احداهما ومن استأجر عينا لمنفعة معينة فله أن يستعملها فى غير تلك المنفعة اذا كانت مضرتها مماثلة أو أقل ما لم يشترط عليه ألا يستعملها فى غيرها
(2)
.
واذا عقدت الاجارة على مدة ولم يذكر فيه وقت ابتدائها كسنة مثلا صح العقد وابتدأت من وقت العقد ومدة الاجارة لا حد لأكثرها، أما أقلها فهو ماله أجرة عادة أما ما لا أجرة له فلا تصح الاجارة معه، كأن يستأجر دارا لحظة واذا أجر الدار كل شهر بكذا أو كل سنة بكذا فالاجارة فاسدة لجهالة مدة الاجارة.
مذهب الإمامية:
يشترط الشيعة الإمامية لصحة الاجارة أن تكون المنفعة معلومة اما بتحديد العمل وتقديره كخياطة هذا الثوب واما بالمدة مع ذكرها كالسكنى فى الدار، وقيل ما يؤدى الى العلم بها علما يمنع المنازعة كالعرف، كبيان المحمول فى الاجارة على الحمل مع ذكر المدة أو المكان.
ولو جمع بين المدة والعمل كأن يقول المؤجر للأجير ان عملت هذا العمل اليوم فلك درهمان وان عملته فى غد فلك درهم كان الأظهر جواز الاجارة، ويستحق الأجير الأجرة بنفس العمل سواء أكان ذلك فى ملكه أو فى ملك المستأجر.
ولا يتوقف تسليم الأجرة على تسليم العمل، ولا تسليم العمل على تسليم الأجرة، ولو جمع بين العمل والمدة، كأن يستأجره على أن يخيط هذا الثوب اليوم قيل يبطل لأن استيفاء العمل فى المدة قد لا يتفق فيه تردد.
واذا لزمت المدة فى العقد قيل يجب اتصالها بالعقد حتى لو أطلق أو أضاف بطلت، وقيل عند الاطلاق تبدأ المدة من وقت العقد واذا عين شهرا متأخرا من العقد بطلت فى قول، وفى قول تجوز، وهذا ما جاء فى كتاب تحرير الأحكام اذ جاء فيه ما نصه: ولا يشترط فى مدة الاجارة اتصالها
(1)
ج 8 ص 183 مسألة 1288.
(2)
شرح الأزهار ج 3 ص 255 وما بعدها.
بالعقد فلو آجره المحرم وهما فى رجب صح حتى لو أجر لاثنين فى زمنين متواليين صحت الاجارة.
ويجب تعيين ما سيحمل على الدابة اما بالمشاهدة أو بالوصف واذا تعين ليس له حمل غيره ما لم يشترط، وفى استئجار العين لا بد من تعيينها وفى استئجارها للركوب يجب تعيين الوقت والمسافة وفى استئجار الصانع لا بد من تعيينه لاختلاف الصناع فى الصناعة والدقة
(1)
.
ولا تجوز مع التخيير بين عينين كدارين واذا تضمنت المنفعة مدة وجبت أن تكون مضبوطة لا تحتمل الزيادة ولا النقص كسنة وشهر ويوم، ولو استأجر الدار كل شهر بكذا ولم يعين الأشهر قال الشيخ يصح ويكون له المسمى فى شهر واحد وأجرة المثل فى الزائد عليه والوجه البطلان فى الجميع ويكون له أجر المثل عند الاستيفاء، واذا كانت الاجارة فى الذمة مثل أن يستأجر دابة للركوب جاز أن تكون معجلة أو مؤخرة، واذا ذكرت المدة بالأشهر ففى حسابها يتبع ما بين فى مذهب الحنفية
(2)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية وجوب العلم بالمنفعة لصحة الاجارة
(3)
، فهذا شرط لا خلاف فيه بين الفقهاء، وقد قدمنا فى بيان المذاهب السابقة طريق العلم بها وبأى درجة يكون كما قدمنا كذلك ضرورة ذكر مدة محددة لما يمتد من المنافع لتكون المدة معيارا لها وليس فى ذلك خلاف بين المذاهب فيجب عند الإباضية.
ويجب فى التعريف بالمنفعة ذكر المدة فيما يحتاج فيه الى المدة وهو ما تعد المدة معيارا له كالمنافع الممتدة من الخدمة والسكنى ونحو ذلك، أما فيما لا يمتد من الأعمال فلا يلزم فيه ذكر مدة الا بقصد التعجيل، ولا بد أن تكون المدة محددة كيوم أو شهر أو سنة بشرط ألا تكون مما لا يحتمل الاستيفاء فيها كألف سنة فى استئجار أجير أو مدة لا يبلغها عمر الانسان عادة أو يبلغها ولكن العادة تقضى بعدم امكان استمرار العامل فى العمل المستأجر عليه طيلة تلك المدة كما ذكروا أنه لا يجوز الاستئجار على مدة مجهولة كاستئجار أياما، ولا التخيير بين مدد أو مختلفة بأجرة هى كذا، ولا التخيير بين أماكن متفرقة متباعدة للعمل فيها كالاستئجار على أن يخدم سنة اما فى الاسكندرية أو القاهرة فى مدة هى كذا بأجرة هى كذا.
كما لا يجوز تقييد العمل بزمن معين كأن يستأجر حائكا على خياطة هذا الثوب اليوم لأن خياطته قد لا تتم فى اليوم.
وحاصل ما جاء فى الديوان أن الاجارة تجوز بثلاثة أوجه بأجرة معلومة بصنف معلوم الى أجل معلوم مما تجوز فيه
(1)
شرائع الاسلام ص 233، وما بعدها ج 2 ص 245، 246، 247.
(2)
تحرير الاحكام. باب الاجارة.
(3)
شرح النيل ج 5 ص 46.
الاجارة، وكل ما كان حاضرا فاستؤجر من يعمله فلا يحتاج فيه الى ذكر الأجل مثل أن يستأجره على أن يبذر له هذا البذر أو يحصد له هذا الزرع أو يكيل له هذا الشعير أو يطحنه أو يقطع له هذا الثمر أو غير ذلك مما قد يحتاج فى انجازه الى أيام ولكن لا يعد الزمن معيارا له لتعينه بالمشاهدة أما ما لا يستغنى فيه عن ذكر الأجل لأنه المعيار المعرف له فلا بد فيه من ذكر الأجل كرعاية الحيوان وحراسته وسكنى المنازل والارضاع والخدمة ونحو ذلك، وهذا بخلاف ما ينقل أو يحمل فلا يحتاج فيه الى ذكر الأجل، وانما يشترط بيان مكان ابلاغه.
ولا يجوز عند ذكر الأجل أن يكون مجهولا لأن الجهالة فيه جهالة لما جعل معيارا له، وذلك مفسد للاجارة.
وان عقدوا الاجارة الى أجل معلوم والعمل فى هذا الوقت أو على أن يكون العمل والأجر الى أجل معلوم أو عقدوا على أن ينقدوا الأجر ويكون العمل الى أجل معلوم فذلك جائز على ما اتفقوا عليه
(1)
.
والرأى فى حساب الأشهر وتقديرها فى المذاهب يرجع فيه الى مصطلح «أجل» .
ويحتسب يوم العمل بالشروع فيه عند طلوع شمسه على الأقل، فاذا شرع فى العمل بعد طلوع الشمس لم يحتسب له، ويحتسب له ابتداء من الغد، ويجوز عندهم التأجير سنة غير معينة البداية فيجب العمل حينئذ شاغلا للذمة، وعند ذلك يجب الشروع فيه عند طلب المؤجر اياه كالدين الثابت فى الذمة حالا يجب أداؤه عند طلبه من الدائن، واذا أدى الأجير العمل بلا طلب أجزأه ذلك، وجاز العقد على سنة كل شهر منها بكذا فيستحق الأجير من المؤجر بحساب ما عمل فى الشهر وقيل لا يستحق أجرا على المؤجر الا اذا عمل الشهر كله ولكل من العاقدين فى هذه الحال خيار الفسخ متى شاء، وقيل ليس للأجير حق الفسخ اذا شرع فى العمل الا عند تمام الشهر، ولا يقبل الفسخ منه فى أثنائه كما لا يقبل أيضا من المؤجر فى هذه الحال واذا تضمن العقد بداية المدة ألزم الأجير بالعمل من حينه فاذا لم يبدأ حين العقد صح العقد ويجبر ما فات من العمل اما بعمل فى وقت آخر بعد المدة واما بنقص الأجرة
(2)
.
الشرط الثانى
أن يكون استيفاؤها مقدورا
،
وهو شرط لصحة الاجارة.
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن تكون المنفعة ممكنة التحقق مقدورا استيفاؤها حقيقة ودون حرج شرعى، ذلك لأن العقد لا يكون وسيلة الى نيل المعقود عليه بدون ذلك، ورتبوا على ذلك عدم جواز استئجار الآبق لعدم القدرة على استيفاء المنفعة المطلوبة منه وعدم جواز اجارة المغصوب لغير غاصبه وعدم جواز اجارة المشغول بمال المؤجر اذا كان ذلك
(1)
شرح النيل ج 5 ص 49، 50.
(2)
راجع شرح النيل ج 5 ص 49 وما بعدها الى ص 54.
يحول بين المستأجر وبين كمال انتفاعه به، ومما خرج على هذا الشرط أيضا عدم جواز استئجار الفحل للضراب والكلب للاصطياد لأن المنفعة المطلوبة منهما غير مقدورة التسليم والاستيفاء، اذ لا يمكن اجبار الفحل على الضراب ولا اجبار الكلب على الصيد.
ومما خرج على ذلك أيضا عدم جواز الاستئجار على تعليم القرآن والصناعات، اذ أن الأجير لا يستطيع تسليم العمل بنفسه فان تعليم التلميذ يتوقف على قبوله اياه وذلك غير مقدور للمعلم ومثله عدم جواز الاستئجار على المحظور شرعا لأن المعصية غير مقدورة الاستيفاء شرعا لحظرها كاستئجار النائحة للنوح واستئجار انسان للقتل والضرب والسب وما الى ذلك مما يحرم فعله واجارة مكان ليتخذ كنيسة أو حانوتا لبيع الخمور، وكذلك الاستئجار على حمل الخمر لشاربها أو بائعها لا لمن يريقها.
وكذلك لا يجوز استئجار الشخص أباه ليستخدمه ولو كان أبوه ذميا أو رقيقا لما فى ذلك من الاستخفاف به وكل ذلك محظور
(1)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية رأى الحنفية فى أنه يشترط فى المنفعة القدرة على تسليمها حسا وشرعا وفرعوا على ذلك عدم جواز استئجار آبق أو بعير شارد أو عين غير مملوكة لمؤجرها هى ولا منفعتها، أو عين بعيدة بحيث لا يتيسر الوصول اليها للانتفاع بها، كما فرعوا على ذلك عدم جواز استئجار الأخرس للتدريس والأعمى للكتابة والأشل لعمل يعمل باليد اذا كان مشروطا عليه أن يعمل بنفسه
(2)
.
مذهب الشافعية:
واشترط الشافعية أن يكون المؤجر قادرا على تسليم المنفعة بتسليم محلها حسا وشرعا ليتمكن المستأجر من استيفائها والقدرة على ذلك تشمل ملك الأصل أو ملك المنفعة فكان للمستأجر أن يؤجر ما استأجر والمقطع له أن يؤجر ما أقطعه اياه الامام خلافا لمن ذهب الى أن المقطع له لا يملك المنفعة وانما أبيحت له وهذا ما لم يؤذن بأن يؤجر والا كان له أن يؤجر اتفاقا للقدرة على التسليم.
ومما فرعوه على ذلك عدم جواز استئجار آبق أو مغصوب لغير غاصبة اذا لم يكن المؤجر قادرا على انتزاعه منه قبل التسليم وعدم جواز استئجار أعمى لحفظ أمتعة يحتاج حفظها الى النظر وعدم جواز استئجار أرض لزراعتها ولا ماء لها، أو كانت سبخة لا تنبت بخلاف ما لو كانت صالحة وكان لها ماء ولو بالمطر المعتاد.
وذهبوا كما أشرنا، الى أن امتناع التسليم شرعا فى الحكم كامتناعه حسا، وفرعوا على ذلك عدم جواز الاستئجار على فعل محظور كقتل وضرب واستئجار حائض لخدمة
(1)
البدائع ج 4 ص 187، وما بعدها.
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 19.
مسجد وتعليم قرآن اجارة عين بخلاف اجارة الذمة كالاستئجار على تعليم القرآن مطلقا، ومثله استئجار زوجة حرة لرضاع أو غيره بغير اذن زوجها على الأصح لاستغراق أوقاتها بحقه ما لم يكن هو المستأجر لها، وقيل يجوز لأن محل العقد غير محل النكاح، اذ لا حق له فى لبنها وخدمتها وان كان يجوز له فسخ الاجارة حفظا لحقه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
والى هذا الشرط ذهب الحنابلة بناء على أنها بيع للمنافع فى واقع الأمر وان كان لمدة فاشبهت بيع الأعيان فى وجوب القدرة على التسليم وبنوا على ذلك ما بناه غيرهم عليه من عدم جواز اجارة الآبق والجمل الشارد والمغصوب ممن لا يقدر على أخذه من يد غاصبة
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى جواز الاجارة على تعليم القرآن والعلم مشاهرة وجملة، ومما خرج على هذا الشرط استئجار عين لا منفعة لها كاستئجار أرض لا ماء لها مطلقا أو أرض سبخة للزراعة ونحو ذلك كما فرع على هذا الشرط حكم اجارة المشاع وذلك نظرا الى عدم القدرة على تسليمه لشيوعه واستلزام ذلك عدم قدرة المستأجر على استيفاء حقه لعدم تحديد محله، وسيأتى بيان حكم اجارة المشاع
(3)
.
مذهب الزيدية:
وكذلك ذهب الزيدية الى هذا الاشتراط وفرعوا على ذلك عدم جواز استئجار أجير لنزح البحر وحائض لكنس المسجد، وكذلك الاستئجار على المعاصى كالاستئجار على السحر والنوح، وكذلك الاستئجار على حجتين فى سنة واحدة.
وذهب الناصر والمؤيد بالله الى صحة التأجير على التعليم وكذلك لا يصح استئجار الفحل للضراب لأن المؤجر لا يقدر على تسليم محل العقد لأنه من فعل الحيوان
(4)
.
مذهب الإمامية:
ويرى الشافعية الإمامية أنه يشترط فى المنفعة أن يكون استيفاؤها مقدورا فلو أجر عبدا آبقا لعمل لم تجز له الاجارة
(5)
.
اجارة المشاع
رأى الحنفية، والشافعية، والزيدية،
والشيعة الإمامية، وابن حزم، والإباضية:
يرى أبو حنيفة رحمه الله أن اجارة الحصة الشائعة لغير الشريك لا تجوز وان كانت معلومة القدر كنصف وثلث، وذهب الى هذا الرأى الإباضية وعللوا ذلك بانتفاء الانتفاع بها وحدها مع الشيوع، لأن كل جزء من أجزائها مشترك ولم يفصل صاحب شرح النيل بين أن يكون الكراء للشريك أو لأجنبى كما هو مذهب أبى حنيفة والعلة
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 268 وما بعدها طبعة الحلبى، 289 من النهاية.
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 194.
(3)
المحلى ج 8 ص 194 وما بعدها.
(4)
شرح الازهار ج 3 ص 250.
(5)
تحرير الأحكام ج 1 ص 248 وشرائع الاسلام ج 2 ص 236.
المذكورة تقتضى جواز تأجيرها للشريك لامكان الانتفاع بها حينئذ متى لم يكن هناك شريك آخر
(1)
.
وجوز صاحباه تأجير الحصة الشائعة فى جميع الأحوال من غير تفصيل وهو مذهب الشافعية
(2)
، والزيدية
(3)
، والشيعة الإمامية
(4)
واليه ذهب ابن حزم فى المحلى
(5)
.
ذلك لأن الاجارة ضرب من المعاوضة كالبيع، واذا جاز بيع المشاع جاز تأجيره والمشاع الانتفاع به مقدور بالمهايأة، وكما جازت اجارته للشريك اتفاقا تجوز اجارته لغيره، واذا كان الشيوع الطارئ لا يفسد الاجارة فكذلك المقارن، اذ الواقع أن الطارئ فيها مقارن أيضا لتجدد الاجارة آنافآنا.
ووجه قول أبى حنيفة أن المعقود عليه مجهول لجهالة محله اذ الشائع اسم لجزء من الكل غير محدد كالثلث، وهو غير معين، فأشبه اجارة عامل من عاملين، ثم أن منفعة الشائع غير مقدورة التسليم والاستيفاء اذ لا يتصور تسليمه بنفسه حقيقة وانما يتم تسليمه بتسليم باقى العين معه وذلك غير معقود عليه والانتفاع به بطريق التهايؤ ليس هو الانتفاع الذى يقتضيه العقد وهو الانتفاع بالحصة فى كل المدة اذ أن التهايؤ انتفاع بالكل فى بعض المدة وهذا غير مقتضى العقد ان كانت المهايأة زمنية، أما اذا كانت مكانية فان الانتفاع فيها يكون ببعض المستأجر وبغيره.
وفى الاجارة للشريك روايتان عن أبى حنيفة، كما أن الشيوع الطارئ فيه روايتان عنه كذلك، فى رواية يفسد الاجارة كالشيوع المقارن وفى رواية لا يفسد وهى المشهورة لأن ما يشترط لابتداء العقد ليس بلازم أن يشترط لبقائه.
وسواء عند أبى حنيفة أن تكون العين كلها لرجل فأجر نصفها لآخر أو كانت لاثنين فأجر أحدهما حصته فيها، وهذا ما ذكره الكرخى فى جامعه نصا عن أبى حنيفة وذكر أبو طاهر الدياس أن أبا حنيفة انما يرى عدم جواز اجارة المشاع فيما اذا أجر المالك بعض ما يملك، أما اذا أجر كل ما يملك فالعقد جائز بلا خلاف، والصحيح ما ذكره الكرخى.
وسواء فى هذا الحكم عنده أيضا أن تكون العين المشتركة مما يحتمل القسمة أو مما لا يحتملها غير أن المالك اذا أجر مشاعا ثم سلم بعد الافراز والقسمة صح العقد.
ويجوز عند أبى حنيفة اجارة مالكين لواحد، لأن المنافع تدخل فى يده جملة واحدة من غير شيوع ثم يستوفيها من غير مهايأة، واذا مات أحد المؤجرين فانقضت الاجارة بموته لم تفسد لطروء الشيوع عليها.
(1)
شرح النيل ج 5 ص 55.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 276.
(3)
شرح الازهار ج 3 ص 249.
(4)
تحرير الاحكام ج 2 ص 243.
(5)
ج 8 ص 200 مسألة 1324.
وكذلك يجوز عنده أن يؤجر واحد العين لاثنين بعقد واحد لأن المنافع تخرج من يده جملة واحدة ثم يثبت الشيوع نتيجة لاختلاف المستأجرين وذلك ما يزول بالتهايؤ
(1)
.
ومما خرج على عدم جواز الاجارة فى الشائع عند أبى حنيفة ما اذا استأجر شخص آخر على العمل فى شئ هو فيه شريك، كما اذا كان لاثنين متاع أو طعام مشترك غير مقسوم فاستأجر أحدهما صاحبه على أن يحمل نصيبه الى مكان معلوم فحمل الطعام أو المتاع كله الى ذلك المكان، فعلى رأى أبى حنيفة لا تجوز هذه الاجارة ولا يستحق أجرا على هذا الحمل، لأن المنفعة فى هذه الحال غير مقدورة الاستيفاء لتعذر تسليم الشائع بنفسه ومحل الاجارة شائع فلم تكن المنفعة فيه مقدورة التسليم، وانما لم يجب أجر المثل لأن وجوب أجر المثل يقف على استيفاء المعقود عليه ولم يوجد بخلاف ما اذا استأجر رجل بيتا ليضع فيه طعاما مشتركا بينه وبين صاحب البيت أو سفينة لينقل بها متاعا مشتركا بينه وبين صاحب السفينة فوضع المتاع فى البيت أو نقله بالسفينة فان الاجارة هنا جائزة لأن التسليم فيها يتحقق بتسليم البيت أو السفينة ولو لم يتم وضع المتاع أو نقله.
أما فى مسألة الحمل فان التسليم الموجب للأجر لا يتحقق بدون العمل وهو الحمل والمشاع غير مقدور الحمل بنفسه.
وعبارة البدائع صريحة فى أن هذا الحكم محل اتفاق بين أبى حنيفة وصاحبيه اذ يقول ان هذه الاجارة غير جائزة عند أصحابنا.
ثم ذكر أن الأصل فى ذلك أن كل موضع لا يستحق فيه الأجر الا بالعمل لا تجوز فيه الاجارة على العمل فى الحمل مشتركا وما يستحق فيه الأجر من غير عمل تجوز الاجارة فيه لوضع العين المشتركة فى المكان المستأجر.
وفقه هذا الأصل ما ذكرناه من أن ما لا يجب فيه الأجر الا بالعمل لا بد فيه من امكان ايفاء العمل ولا تمكين فى العين المشتركة فلا يكون المعقود عليه مقدور التسليم فلا يكون مقدور الاستيفاء فلم تجز الاجارة وما لا يقف وجوب الأجر فيه على العمل يكون المعقود عليه مقدور التسليم والاستيفاء بدونه فتجوز فيه الاجارة، وعلى هذا يخرج ما اذا استأجر رجل آخر على أن يحمل له طعاما بعينه الى مكان مخصوص بمقدار معين منه فانه لا يصح وهى المسألة المعروفة بقفيز الطحان المصورة فى الاجارة على طحن مقدار من البر بقفيز منه.
ذلك لأن الاجارة لو صحت لفسدت من حيث صحت اذ الأجير فى هذه الحال يصير شريكا بأول جزء من العمل بقدر أجره فيكون عمله بعد ذلك عملا فيما هو شريك فيه، وذلك لا يجوز لما تقدم ولكن فى هذه الحال يكون للأجير أجر مثله لأن المؤجر قد استوفى المنفعة بعقد فاسد فيجب عليه أجر المثل لا يتجاوز به قيمة الأجر المتفق عليه لأن الواجب فى الاجارة الفاسدة
(1)
البدائع ج 4 ص 180، 187، 188.
الأقل من الأجرين أجر المثل والأجر المتفق عليه
(1)
.
مذهب المالكية:
أجاز المالكية اجارة المشاع فى كل ما لا تختلف أجزاؤه فى الانتفاع به جودة ورداءة فان اختلفت بأن كان الانتفاع بجانب منه خيرا من الانتفاع بجانب آخر جازت ان عينت الجهة التى تقع فيها الحصة المشاعة المستأجرة، وذلك منعا للنزاع
(2)
.
مذهب الحنابلة:
لا تصح اجارة حصة شائعة فى عين مشتركة بين اثنين لغير أحد الشريكين فيها لأنها اذا أجرت لغيره لم يملك مؤجرها أن يسلمها الا بتسليم نصيب صاحبه فى العين ولا ولاية له عليه أما اذا كانت العين كلها لمالك واحد فانه يجوز له أن يؤجر حصة شائعة منها لآخر لقدرته على التسليم اذ العين كلها له فيستطيع أن يسلمها الى المستأجر فان أجر باقيها فى هذه الحال لآخر ففى صحة العقد حينئذ وجهان، واذا أجرها لاثنين أو لأكثر لم يصح، واذا أجرها مالكاها لواحد بعقد واحد صح لعدم المانع.
وكذلك ان أجرها أحدهما لصاحبه أو لآخر باذن صاحبه، واذا كان لجماعة فأجر أحدهما حصته لواحد منهم بغير اذن الباقين لم يصح العقد، وفى رواية عن الامام أن اجارة الشائع جائزة فى جميع أحواله وعليه العمل
(3)
.
الشرط الثالث
أن تكون المنفعة مقصودة
وهذا شرط صحة، فقد جاء فى البدائع
(4)
: ويجب أن تكون المنفعة مقصودة اذ يعتاد استيفاؤها بعقد الاجارة، ويجرى التعامل بها بين الناس فلا يجوز استئجار الأشجار لتجفيف الثياب عليها ولا للاستظلال بها لأن هذه المنفعة غير مقصودة من الشجر عادة وقال أبو يوسف: اذا استأجر ثيابا ليبسطها فى بيته ليزينه بها ولا يجلس عليها فالاجارة فاسدة لأن بسط الثياب ليس منفعة مقصودة عادة.
وفى كشاف القناع
(5)
: ويشترط فى الاجارة أن تكون المنفعة فيها مباحة لغير ضرورة مقصودة عادة، فلا تصح اجارة نقد أو شمع أو ثياب ليحلى به الدكان، ولا اجارة طعام ليجعل على المائدة تجميلا لها ثم يرد. لأن هذه منافع غير مقصودة
وفى نهاية المحتاج
(6)
يشترط أن تكون المنفعة مقصودة فلا تصح اجارة تفاحة لشمها، والى ذلك ذهب الشيعة الجعفرية
(7)
والمالكية
(8)
فلم يجوزوا استئجار البساتين ونحوها للفرجة والشم.
ولكن جاء فى كشاف القناع أيضا أنه يصح استئجار النقد ليتحلى به أو ليوزن به فخالفوا غيرهم فى اعتبار هذه المنفعة غير مقصودة، ويصح استئجار الشجر
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 180، 187، 188.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 46
(3)
كشاف القناع ج 2 ص 294.
(4)
ج 4 ص 292.
(5)
ج 2 ص 291.
(6)
ج 5 ص 267.
(7)
تحرير الأحكام ج 1 ص 245.
(8)
الشرح الكبير ج 4 ص 19.
لتبسط عليه الثياب وتجفف أو للاستظلال بظله، واستئجار الطيب لشمه، وخالفوا غيرهم فى أن هذه المنفعة غير مقصودة أيضا أو لا قيمة لها
(1)
.
كما أجازوا استئجار الكتب للقراءة والنظر لا المصحف فى حين أن غيرهم لم يجوز ذلك لأن المنفعة فى هذه الاجارة ليست لها قيمة، كما جاء فى تحرير الأحكام للشيعة الجعفرية
(2)
.
ويجوز اجارة الحلى والثياب للزينة والتجمل، والأقرب جواز اجارة الدراهم والدنانير للنظر والتحلى مدة معلومة، كما يجوز استئجار الحبال والشجر لتجفيف الثياب أو لبسطها عليها حتى يستظل بظلها سواء أكانت ثابتة أم مقطوعة، واستئجار الفحل للضراب مع الكراهة بشرط التقييد بالمرة أو بالمرات، واستئجار الطيب والند للشم للصحيح والمريض، وأساس ذلك اختلاف المذاهب فى عد هذه المنافع مقصودة أم غير مقصودة، ويظهر أن ذلك مرجعه الى اختلاف الأعراف:
الشرط الرابع
ألا تكون المنفعة مطلوبة من الأجير
فعلها قبل الاجارة
وهذا شرط صحة وفى هذا الشرط ذهب الحنفية الى عدم جواز الاجارة على ما هو فرض أو واجب على الأجير قبل الاجارة فان كان فرضا أو واجبا عليه قبل الاجارة لم تصح وفسدت لأن من أتى بعمل مستحق عليه قبل طلبه منه بالأجر لا يستحق عليه أجرا، وبناء على هذا لا تجوز الاجارة على الصوم والصلاة والحج لأن ذلك من فروض الأعيان ولا على تعليم العلم لأنه فرض عين ولا على تعليم القرآن لأن ذلك استئجار على عمل مفروض كالصوم والصلاة، ولأن تعليم القرآن من ناحية أخرى غير مقدور الاستيفاء فى حق الأجير لتعلقه بالمتعلم وتوقفه عليه فكان استئجارا على ما لا يستطيعه.
وقد روى أن أبى بن كعب أقرأ رجلا فأعطاه قوسا فسأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال عليه السلام: أتحب أن يقوسك الله بقوس من نار، قال لا، فقال عليه السلام رده.
ولا تصح الاجارة على الجهاد لأنه فرض عين عند عموم النفير، ولا على الأذان والاقامة والامامة.
فقد روى عن عثمان بن أبى العاص الثقفى أنه قال: آخر ما عهد به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصلى بالقوم صلاة أضعفهم، وأن أتخذ مؤذنا لا يأخذ أجرا على الأذان.
ولكن يجوز الاستئجار على تعليم اللغة والأدب لأن ذلك ليس بفرض ولا واجب، وكذلك يجوز على بناء المساجد والربط والقناطر لذلك، ولا يجوز الاستئجار على غسل الموتى لأنه واجب، أما على حملهم الى القبر فقد ذكر فى بعض الفتاوى أنه جائز على الاطلاق، وفى بعضها أنه جائز ان وجد من يقوم بالحمل غير الأجير والا
(1)
ج 2 ص 292.
(2)
ج 1 ص 231، 232.
لا، ويخرج على هذا أنه لا يجوز أن يستأجر الرجل ابنه لخدمته لأن خدمة الأب واجبة على الابن، ولا استئجار الزوج زوجته لخدمة منزل الزوجية لأنها واجبة عليها لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الأعمال بين على وفاطمة، فكان عليها العمل فى البيت، ولأنه من ناحية أخرى عمل ينتفع به الأجير فلا يستحق عليه أجرا، ولا يجوز استئجار الرجل زوجته على ارضاع ولده منها بخلاف ارضاع ولده من غيرها، ولكن يجوز استئجارها لارضاعه اذا كانت الأجرة من مال الولد ليساره لأنها من نفقته ونفقة الولد فى ماله اذا كان له مال، ومن ثم جاز أن تستأجر المرأة زوجها للخدمة فى البيت أو لرعى غنمها لأن ذلك غير واجب عليه
(1)
.
ومفاد ما تقدم من الفروع وتوجيهها جواز الاستئجار على ما هو مندوب أو فرض كفاية عند انشاء عقد الاجارة لأن المنفعة التى وقع عليها العقد حينئذ غير متعينة على الأجير لأنه انما يستحق الأجر بعمل يلزمه بعقد الاجارة لا بغيره.
مذهب المالكية:
وذهب المالكية الى أنه لا تجوز الاجارة على ما هو مطلوب من الأجير بعينه قبل العقد ولو لم يكن فرضا كركعتى الفجر، بخلاف ما هو مطلوب منه على وجه الكفاية كغسل الميت أو حمله فيصح الاستئجار عليه ما لم يتعين ذلك على الأجير بخلاف صلاة الجنازة فلا يجوز الاستئجار عليها مطلقا.
ومقتضى ذلك أن المندوب من الصلاة والصوم لا يجوز الاستئجار عليه كما صرح بذلك الدسوقى فى تعليقه على هذا الموضوع، وقد صرح أيضا أن المندوبات مثل غيرها كالذكر والقراءة يجوز الاستئجار عليها، وجازت الاجارة على تعليم فقه وتعليم الفرائض، كما ذكر ذلك ابن يونس مخافة أن يقل تعلم العلم الشرعى ووسائله كعلم النحو والبيان ونحوها، وكذلك تجوز الاجارة على تعليم القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم ان أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله تعالى
(2)
.
وسواء فى ذلك أن تكون الاجارة على تعليمه مشاهرة كل شهر بكذا أو وجيبة أو على حفظه جميعه أو جزء معين معلوم منه
(3)
.
مذهب الشافعية:
وذهب الشافعية الى أنه لا يصح الاستئجار على فعل عبادة تجب فيها النية بحيث يتوقف حصولها على النية كالصلاة والصوم والامامة، ويدخل فى ذلك النفل والجهاد لأنه فرض وجوزوا الاستئجار على الحج والعمرة عن ميت ومعضوب (زمن لا يستطيع الحركة) وعلى نفقة وزكاة وكفارة وأضحية وهدى وذبح وصوم عن ميت،
(1)
البدائع ج 4 ص 191، 192.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 14، 21، 22.
(3)
الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 16.
وسائر ما يقبل النيابة، وان توقف على النية، لما فيها من شائبة المال.
كما تصح فى كل ما لا تجب فيه نية، وتصح فى المباحات كالاصطياد وتصح فى تجهيز ميت ودفنه وفى تعليم القرآن كله أو بعضه وان تعين على الأجير تعليمه للحديث السابق ذكره، ولا تصح لقضاء ولا لتدريس علم الا اذا عين المتعلم وما سيتعلمه ولا تصح لقراءة شئ من القرآن أو الحديث
(1)
.
مذهب الحنابلة:
وذهب الحنابلة الى أنه لا تصح الاجارة على عمل لا يقع من فاعله الا قربة له كالحج والعمرة والأذان والاقامة والامامة والصلاة وتعليم القرآن والفقه والحديث والقضاء، لما روى عبادة بن الصامت قال: علمت ناسا من أهل الصفة القرآن فأهدى لى رجل منهم قوسا فذكرت للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: «ان سرك أن يقلدك الله قوسا من نار فاقبلها» رواه أبو داود.
وتصح الاجارة على ذبح الأضحية والهدى وتفرقة الصدقة وعلى تعليم الخط والحساب والشعر المباح وعلى بناء المساجد والقناطر وفى استئجار والد ولده لخدمته خلافا للحنفية
(2)
.
مذهب الظاهرية:
وقال ابن حزم الظاهرى فى المحلى: ولا تجوز الاجارة على الصلاة ولا على الأذان ولكن يعطى عليهما الامام من أموال المسلمين على وجه الصلة ويصح أن يستأجر الامام والمؤذن من أهل المسجد على الحضور معهم عند حلول أوقات الصلاة مدة معينة فيقومان بهما فى وقتهما لحضورهما كما لا تجوز الاجارة على واجب تعين على الأجير من صوم أو صلاة أو حج أو فتيا أو غير ذلك ولا على معصية أصلا لأن كل ذلك أكل للمال بالباطل، لأن الطاعة المفترضة لا بد من عملها، والمعصية مفترض اجتنابها، فأخذ الأجرة على ذلك لا وجه له
(3)
.
ثم قال بعد ذلك: وجاز للمرء أن يأخذ الأجرة على فعل ذلك عن غيره مثل أن يحج عنه التطوع أو يصلى عنه التطوع أو يؤذن عنه التطوع أو يصوم عنه التطوع لأن كل ذلك ليس واجبا على أحدهما ولا عليهما والعامل يعمله عن غيره لا عن نفسه فلم يطع فى ذلك ولم يعص، أما المستأجر فقد أنفق ماله فى ذلك تطوعا لله تعالى فله أجر ما اكتسب بماله.
ثم قال: ولا تجوز الاجارة فى أداء فرض من ذلك الا عن عاجز أو ميت لما ورد فى ذلك من نصوص فى الحج والصيام تدل على جواز أن يعملها المرء عن غيره، فكان الاستئجار فى ذلك جائزا لأنه لم يأت عنه نهى.
وكذلك الصلاة المنسية وما فات وقتها بالنوم والمنذورة اذ هى لازمة للمرء الى
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 287 وما بعدها.
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 292، 300 وما بعدها.
(3)
المحلى ج 8 ص 191 مسألة 1302، ص 192، 1303.
حين موته فالاجارة فى أدائها عنه جائزة، أما المتروكة عمدا فليس على تاركها أن يصليها اذ ليس بقادر عليها لفوات وقتها فلا يجوز أن يؤدى عنه ما ليس مأمورا بأدائه
(1)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية الى أن الاجارة لا تصح على واجب سواء أكان فرض عين أم فرض كفاية على الأصح كالقضاء والجهاد وغسل الميت المسلم والصلاة عليه والأذان وتعليم القرآن والشهادة وسائر العلوم الدينية، وتجوز فى المندوب والمباح والمكروه دون المحظور
(2)
.
مذهب الإمامية:
وذهب الشيعة الإمامية الى أنه لا تجوز الاجارة على الصلاة بالناس ولا على الأذان ولا على صلاة الانسان لنفسه وحجه لنفسه ولا على أداء زكاته عن نفسه بلا خلاف.
وتجوز الاجارة على الصلاة عن الميت كما تجوز الاجارة على الحج وتعليم القرآن مع الكراهة وتعليم الشعر والحساب والفقه ونحو ذلك، ويجوز استئجار كتب العلم والفقه والأدب للنظر فيها والحفظ منها على اشكال
(3)
.
مذهب الإباضية:
أما الإباضية فقد ذهبوا الى أن الاجارة لا تجوز الا على منفعة لها قيمة على انفراد أى قيمة فى نفسها كالحمل، فلا تجوز على تعليم مطلقا كعلم الفقه والنحو واللغة ونحو ذلك من علوم الاسلام.
وكذلك لا تجوز على طاعة ولو كانت نافلة لأن الأكل بالدين حرام.
وفى كتاب الديوان: لا يصلى خلف من يأخذ الأجرة على صلاته فان صلى أحد خلفه فلا اعادة عليه، ولعل مبنى ذلك على أن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الامام وذهب بعضهم الى جواز اجارة الامام وتكون على مداومة حضوره فى وقت معين الى المسجد ومراقبة مصالحه لا على نفس الصلاة، ومن ثم لا تجوز الاجارة على الصلاة والصيام، وتجوز الاجارة على الامامة مع الأذان والقيام بالمسجد لا على الصلاة بانفرادها.
ولا تجوز على منفعة محظورة بل يجب أن تكون مباحة فتجوز على الدلالة على الغريم وعلى القاتل وتجوز على الشهادة ان خاف فوت قوته وقوت أهله
(4)
.
الشرط الخامس
عدم انتفاع الأجير بعمله المعقود عليه
فان كان ينتفع بعمله لم تجز الاجارة لأنه حينئذ يكون عاملا لنفسه فلا يستحق الأجرة اذ لا يستحق انسان أجرا على عمله لنفسه.
وعلى هذا يخرج الاستئجار على الطاعات فرضا كانت أو واجبة أو تطوعا لأن المتطوع يستحق الثواب على الطاعة فيكون منتفعا
(1)
المحلى ج 8 ص 192 مسألة 1304.
(2)
شرح الأزهار ج 3 ص 302.
(3)
تحرير الاحكام ج 1 ص 233.
(4)
شرح النيل ج 5 ص 9، 10، 11، 43، 44.
بعمله فلا يستحق أجرا، والى هذا ذهب الحنفية وبنوا على ذلك أن الاجارة على طحن مقدار من البر بجزء معلوم منه مطحون فاسدة، وأن الاجارة على عصر مقدار من السمسم بجزء معلوم من دهنه فاسدة، وأن الاجارة على نسج مقدار من الغزل بجزء منه بعد نسجه فاسدة، واذا قام الأجير بذلك لم يكن له الا أجر مثل عمله.
وقد جوز هذه الاجارة بعض مشايخ بلخ، ومنهم محمد بن سلمة، ونصر بن يحيى.
وهذه المسألة هى المعروفة عند الفقهاء بقفيز الطحان والأصل فيها ما رواه الدار قطنى عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان.
وقد فسره كثير من العلماء بطحن الطعام بجزء معلوم منه مطحونا، وقد جعلوا ذلك أصلا قاسوا عليه غيره وعللوا فساد الاجارة حين ذلك بأنها تتضمن استحقاق الأجير أجرة على عمله فى ماله ولا يستحق الانسان ما لا نظير قيامه بالعمل فى ماله يأخذه من غيره اذ أنه أكل للمال بالباطل، ذلك لأنه يصير شريكا بأول جزء من العمل لاستحقاقه الأجر عليه فيكون عمله بعد ذلك عملا فيما هو شريك فيه فلا يجوز
(1)
.
وبيان ذلك أن الأجر يستحقه الأجير بالشروع فى العمل عند الحنفية ويستحق منه بقدر ما عمل فاذا كان الأجر جزءا غير معين مما يعمل فيه كان شائعا فى محله كله وكان الأجير شريكا للمؤجر فى ذلك المحل وكان عمل الأجير عملا فيما هو مشترك بينهما ولا تصح الاجارة على عمل فى مال مشترك بين المؤجر والأجير وعلى هذا فسدت الاجارة على طحن مقدار من الحبوب على أن يكون للأجير مقدار معين منها بعد الطحن كثلث أو قفيز أو نحو ذلك، ولا تفسد اذا ما انعقدت على طحن هذا المقدار بقفيز من الدقيق أو بقدح من الدقيق يدفعه المؤجر من أى دقيق شاء اذ أن الأجر فى هذه الحال ليس جزءا من العمل واستحقاقه لا يجعل الحبوب مشتركة بين المؤجر والأجير.
مذهب المالكية:
وذهب المالكية الى أن الاجارة تفسد اذا كانت على حمل طعام ونحوه لبلدة كذا بنصفه مثلا اذا لم يقبض الأجير الجزء الذى استؤجر به حين العقد أو يشترط قبضه وان لم يقبضه فعلا أو جرى العرف بتعجيله وعجله فان تم ذلك صحت والا فسدت.
ويغتفر التأخير اليسير كاليومين والثلاثة وكذلك تفسد الاجارة عندهم اذا قال المستأجر للأجير: اعصر زيتونى وما عصرت فلك نصفه مثلا، أو احصد زرعى وأدره ولك نصفه.
ولكنهم لم يذهبوا هذا المذهب للعلة التى علل بها الحنفية مذهبهم فى مثل هذه المسائل بل عللوا ذلك بعلة أخرى، ففى حمل الطعام بنصفه قالوا ان الأجر عين، واذا كان الأجر عينا كنصف هذا الطعام
(1)
البدائع ج 4 ص 191، 192.
أو كدابة ونحو ذلك لم يجز تأخير قبضه اذا كان أجرا على منفعة فى الذمة كالحمل فان ذمة الأجير تشغل به بناء على العقد فاذا لم يقبض كان ذلك كبيع معين تأخر قبضه اذ الأمر حينئذ لا يعدو أن يكون معاوضة بين الأجر الذى هو عين والمنفعة التى التزم بها الأجير، وقد تملك الأجير بناء على ذلك العين بما التزم من منفعة هى الحمل.
ولكن اذا سلمت العين التى جعلت أجرا حين العقد انتفى تأخير القبض فتصح الاجارة.
وكذلك اذا اشترط فى العقد قبضه فى الحال أو جرى العرف بذلك، اذ المعروف كالمشروط لأن العقد حينئذ يكون قد تم على أساس القبض فى الحال فكان التأخير فيه غير مراعى، وفى الزيتون والزرع عللوا الفساد بجهالة الأجر لأنه لا يدرى مقدار ما يخرج من الزيت بعد عصر الزيتون ولا مقدار ما يكون من الحبوب بعد الحصد ولذا أجازوا الاجارة اذا قال المستأجر للأجير انفض زيتونى ولك نصفه أو التقط زيتونى ولك نصفه لانتفاء الجهالة حينئذ.
وفى الشرح الكبير للدردير: وجازت الاجارة بصاع دقيق يدفعه رب القمح لمن يطحنه له منه أو فى غيره نظير طحنه أو بصاع زيت يدفعه رب الزيتون لمن يعصره له أجرا لعصره اذا لم يختلف كل من الحب أو الزيتون فى الخروج، فان اختلف بأن كان تارة يخرج منه الدقيق أو الزيت وتارة لا يخرج منع ذلك للجهالة، فان شك فى الأمر حمل فى الزيتون ونحوه كالسمسم على عدم الخروج لكون الشأن فيه ذلك فتمنع الاجارة وفى الحنطة ونحوها يحمل على الخروج فيجوز لأن الشأن خروج الدقيق من الحب
(1)
.
مذهب الشافعية:
وفى نهاية المحتاج للرملى الشافعى
(2)
:
ولا تجوز الاجارة على سلخ شاة مذبوحة بجلدها ولا على طحن بر ببعض الدقيق أو بالنخالة التى تخرج منه للجهل بثخانة الجلد ورقته بعد السلخ وبنعومة الدقيق وخشونته بعد الطحن لانتفاء القدرة عليها حالا (أى عند العقد) ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان، وقد فسر بأن يجعل أجر الطحن لحب معلوم قفيزا مطحونا.
قال السبكى ومنه ما يقع فى زماننا من جعل أجرة الجابى عشر ما يجيبه من النقود وذلك للجهل بمقدار الأجر عند العقد، ثم قال: ولا أثر لوقوع العمل المكترى له فى ملك غير المكترى (وهو الأجير) لوقوعه بطريق التبعية كما لو ساقى شريكه وشرط له زيادة من الثمر.
واختار السبكى أنه ان استأجر على الكل أو أطلق ولم تدل قرينة على أن المراد الاستئجار على العمل فى حصته فقط امتنع وهو مراد النص لوقوع العمل فى ملك غير المكترى قصدا فان كان الاستئجار على
(1)
الخرشى ج 7 ص 7 والشرح الكبير ج 4 ص 9 وحاشية الدسوقى عليه.
(2)
ج 5 ص 266.
حصة المستأجر فقط جاز وهذا هو ما نحا اليه الحنفية.
مذهب الحنابلة:
وفى مطالب أولى النهى من كتب الحنابلة
(1)
: ولا بأس بحصد زرع بسدس ما يخرج منه أو نصفه لحديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر لأهلها على الشطر ولا يعارض هذا ما سبق ذكره من حديث الدار قطنى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان لحمله على قفيز من المطحون فلا يدرى مقدار الباقى بعده وقد لا يبقى الا القليل فتكون المنفعة مجهولة، وعلى ذلك لم ير الحنابلة فى النهى عن قفيز الطحان ما رآه الحنفية.
مذهب الظاهرية:
وفى المحلى
(2)
: وجاز اعطاء الغزل للنسج بجزء منه مسمى كربع أو ثلث أو نحو ذلك فان تراضيا على أن ينسجه النساج ويكونا شريكين فيه جاز ذلك وان اتفقا على أن يكون لأحدهما لم يلزمه وكان للنساج من الغزل أجر بمقدار عمله حتى اذا تم نسجه استحق جميع ما سمى له وكذلك يجوز اعطاء الثوب للخياط بجزء منه مشاع أو معين واعطاء الطعام للطحين بجزء منه كذلك، واعطاء الزيتون للعصير كذلك، وكذلك الاستئجار بجميع هذه الزيوت بجزء منها.
مذهب الزيدية:
وفى شرح الأزهار للزيدية
(3)
: ويصح أن يستأجر آخر على حمل طعام ببعض المحمول كسدسه بعد الحمل أو على رعى غنم بنصفها، نص عليه الهادى فى المنتخب.
وقال زيد بن على والناصر لا تصح هذه الاجارة لأن الأجير قد استؤجر على حمل ملك نفسه وملك غيره، أما لو استأجره على حمل نصف هذا الطعام بنصفه الآخر فلا خلاف فى صحة هذه الاجارة ولو استأجر من ينسج له غزلا بنصف ما ينسجه أو يعمل له سكاكين بنصفها بعد العمل، فان ذلك لا يصح، ذكره الهادى فى الفنون.
قال ابن أبى الفوارس للهادى قولان فى المحمول والمصنوع قول يصح فيهما جميعا وقول لا يصح فيهما جميعا، وقيل بل الهادى يفرق بين المحمول والمصنوع لأن الصنعة معدومة فلا تصح أجرة بخلاف المحمول فهو موجود، قال وقد أشير فى الأزهار الى ضعف هذا القول.
مذهب الإمامية:
وفى تحرير الأحكام للامامية
(4)
: ولو استأجر آخر لسلخ شاة ميتة بجلدها أو مذبوحة بجلدها لم يجز.
وقال الشيخ - أى الطوسى -: يجوز ولو استأجره لرعى الغنم مدة معينة بنصفها
(1)
ج 3 ص 543.
(2)
ج 8 ص 198 مسألة 1319.
(3)
ج 3 ص 288.
(4)
ج 2 ص 243، 245.
جاز والنماء بينهما من حين العقد فى النسبة وكذا لو استأجره لرعيها بشاة معينة فيها ولو كانت مجهولة لم يجز ولو استأجره لحصد الزرع بجزء منه معلوم كالسدس جاز وكذا استئجار الطحان بالنخالة أو بقفيز من الدقيق جائز.
مذهب الإباضية:
وفى شرح النيل للإباضية
(1)
: وان دفع له صوفا أو كتانا ليعمله ثوبا أو دفع له جلودا ليدبغها أو ذهبا أو فضة ليصنعهما حليا بتسمية قدر منها لم يجز، ولو فعل كان له أجر مثله، وقيل يجوز.
الشرط السادس
أن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر
،
وهذا شرط نفاذ.
اتفقت المذاهب الثمانية التى نحن بصدد بيان الحكم فيها على أنه يشترط فى ترتب آثار الاجارة عليها أن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر، وهذا الشرط يتضمن ما اشترطه من ذهب الى أن المنافع أموال وهو أن تكون المنفعة متقومة، أى ذات قيمة فى نفسها، لأنه لا يملك الا ما كان له قيمة والاتفاق على هذا الشرط أساسه أن عقد الاجارة يفيد تمليك المنفعة كما قدمنا، ولا يملك الا ما كان مملوكا فوجب لذلك أن يكون المؤجر مالكا للمنفعة حتى يستطيع تمليكها للمستأجر.
وقد جاء فى كتاب شرائع الاسلام للشيعة الإمامية: يشترط فى الاجارة أن تكون المنفعة مملوكة، اما تبعا لملك العين أو منفردة، ولذا كان للمستأجر أن يؤجر، الا أن يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه، واذا أجر الفضولى بطلت اجارته، وقيل:
وقفت على اجازة المالك وهو حسن.
ومما ينبغى ملاحظته أن ملك العين يترتب عليه ملك منافعها، ومن ثم كان لمالك العين أن يؤجرها لتمليك منافعها للمستأجر وقد ينفصل ملك المنافع عن ملك العين كما هو الحال فى المستأجر لعين والموصى له بالمنفعة والمستعير عند الحنفية والمالكية والموقوف عليه والمقطع عند من يرى أن الاقطاع تمليك للمنفعة لا للعين، وفى هذه الحال يلاحظ أن ليس كل من يملك المنفعة يملك أن يملكها غيره بالاجارة بل يرى أن بعض من يملك المنفعة لا يملك أن يملكها غيره وهاك البيان:
بالنسبة للمستأجر يرى أنه يملك أن يؤجر فى بعض الأحوال دون بعضها عند الحنفية، وسيأتى بيان ذلك وبيان آراء المذاهب فيه عند كلامنا على تصرف المستأجر فى المنفعة.
وبالنسبة للموصى له بالمنفعة فان الوصية له بها قد تكون مطلقة وقد تكون مقيدة بالاستعمال وقد تكون مقيدة بالاستغلال وقد تكون عامة.
(1)
ج 5 ص 80.
ويرى الحنفية أنه لا يملك التأجير اذا كانت مقيدة بالاستعمال
(1)
لأنه ملكه بالمجان والتمليك بالاجارة تمليك بعوض وهو أقوى من التمليك مجانا ومن ملك الأضعف لا يملك الأقوى وبيان الآراء فى ذلك بالنسبة لجميع المذاهب يرجع اليه فى الوصية عند الكلام على تصرف الموصى له.
وبالنسبة للمستعير يرى الحنفية أنه لا يملك التأجير
(2)
لأن ملكه بالمجان فلا يملك أن يؤجر كما تقدم، ولأن الاعارة عقد غير لازم والاجارة عقد لازم، ولا يبنى اللازم على غير اللازم وبيان الآراء فى ذلك يرجع اليه فى الاعارة عند الكلام على تصرف المستعير.
وبالنسبة للموقوف عليه فانه مع كونه مالكا للمنفعة لا يملك أن يؤجر عند الحنفية الا اذا كان له ولاية التأجير بأن جعل ناظرا على الوقف أو أعطى له الواقف حق التأجير أو خلا الوقف من ناظر وانحصر الاستحقاق فيه
(3)
.
وبيان الآراء فى ذلك يرجع اليه عند الكلام فى الولاية على الوقف ومن له ولاية استغلاله.
وبالنسبة للمقطع له فانه يملك التأجير على رأى من يقول ان الاقطاع تمليك للعين، وعلى رأى من يقول انه تمليك للمنافع، وبيان الأحكام فى ذلك يرجع اليه عند الكلام على الاقطاع
(4)
.
وانما يكون هذا الشرط شرط نفاذ يترتب على عدم تحققه وقف العقد على الاجازة من ذى الشأن اذا كان محل العقد وهو المنفعة مملوكا أما اذا لم يكن له مالك كأن تكون منفعة مباحة أو منفعة محظورة يحرم تملكها أو غير متقومة كان حينئذ شرط صحة والاجارة عند فقده غير صحيحة، أو شرط انعقاد كما يأتى بيان ذلك.
وقد رتب الفقهاء على هذا الشرط أنه لا يجوز استئجار حائط يستظل بظله لأنها منفعة غير مملوكة لمالك الحائط
(5)
.
وكذلك اجارة الأعيان المباحة للانتفاع بمنافعها.
وكذلك لا ينفذ استئجار دابة من غير مالكها ولا دار من غير مالكها لأن المؤجر لا يملك منافع عين هى ملك غيره، وهذه هى اجارة الفضولى وهى متوقفة على اجازة المالك فان أجازها قبل استيفاء المنفعة نفذت والا بطلت، وان أجازها بعد استيفاء المنفعة لم تجز الاجارة وكانت الأجرة للعاقد الفضولى لا للمالك، لأن المنافع باستيفائها قد انعدمت وخرجت عن احتمال انشاء العقد عليها.
وان وقعت الاجازة فى أثناء الانتفاع قبل انتهاء مدة الاجارة صحت الاجارة فى
(1)
الدر المختار وابن عابدين ج 5 ص 490.
(2)
تبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 85.
(3)
الدر المختار وابن عابدين ج 3 ص 417.
(4)
الاشباه للسيوطى ص 382.
(5)
البدائع ج 4 ص 177، 178.
قول أبى يوسف لبقاء مدة الاجارة فاعتبر بقاء المدة بقاء لها، فصلحت لأن تكون محلا للاجازة.
وفى قول محمد صحت فيما يأتى من المدة ولم تصح فيما مضى، لأن كل جزء من أجزاء المنفعة معقود عليه، فكان كأنه قد عقد عليه بعقد مبتدأ، وبمضى الزمن ينعدم ما استوفى فيه من المنافع فلا تلحقه الاجازة بخلاف ما لم يستوف ولا تطيب الأجرة للعاقد عند ما تكون له لأنها بدل ما لا يملك وهذا بخلاف استئجار الفضولى فانه اذا أضاف العقد الى نفسه وقع له ولا يتوقف
(1)
.
وكذلك نص المالكية على أنه لا يجوز استئجار زهور لشمها أو للتمتع بنظرها واستئجار نار للاستضاءة، وكذلك استئجار آلات اللهو للعزف لأن جميع هذه المنافع غير متقومة شرعا
(2)
.
والى ذلك ذهب الشافعية
(3)
والحنابلة
(4)
فقد جاء فى كشاف القناع: ولا تصح اجارة نقد أو شمع وأوان لتجميل بيت أو دكان اذ لا يقابل مثل ذلك بعوض، وكذلك لا يجوز اجارة كتاب لقراءة فيه
(5)
والى هذا ذهب الزيدية أيضا
(6)
، والشيعة الإمامية
(7)
ويتضمن هذا الشرط أيضا ألا تكون المنفعة محظورة شرعا لأن المحظور شرعا لا يملك، وعلى هذا لا تجوز الاجارة على المعاصى كالاجارة على السرقة والقتل والسب ونحو ذلك، وعلى هذا اتفقت كلمة المذاهب الثمانية
(8)
.
ومما فرعه الحنفية على هذا الشرط عدم جواز استئجار الولد والده للخدمة لأن اهانة الولد باستخدامه محظور، وأجاز ذلك الحنابلة مع الكراهة وعلى ذلك فليس كل محظور عندهم لا تصح الاجارة عليه بل فيما يكون محرما
(9)
.
ويلاحظ أن الاستئجار على المعاصى الاجارة فيه باطلة ولا تملك بها الأجرة، ويعد الاستيلاء عليها غصبا ولذا كان هذا الشرط فى ذلك الموضع شرط انعقاد كما يعد شرط انعقاد أيضا فى اجارة ما لا يتقوم من المنافع أما فى اجارة ما لا يلى عليه المؤجر من المنافع فهو شرط نفاذ عند الحنفية وشرط صحة عند الشافعية (ارجع الى مصطلح فضولى).
الأجرة وشروطها
الأجرة أو الأجر فى الاجارة هو بدل المنفعة التى وقع عليها عقد الاجارة فهو فى الاجارة كالثمن فى البيع اذ كلاهما عقد معاوضة ولذا كان كل ما يصلح ثمنا فى البيع يصلح أجرة فى الاجارة وما لا يصلح ثمنا
(1)
بدائع الصنائع ج 4 ص 177.
(2)
الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 19 طبعة الحلبى
(3)
نهاية المحتاج ج 5 ص 266.
(4)
كشاف القناع ج 2 ص 291، 294.
(5)
منتهى الأرادات ج 1 ص 479.
(6)
حاشية شرح الأزهار ج 3 ص 253 و 254.
(7)
تحرير الأحكام ج 1 ص 245.
(8)
كشاف القناع ج 2 ص 291 ونهاية المحتاج ج 5 ص 270 والبدائع ج 4 ص 289 والشرح الكبير ج 4 ص 20 وشرح الأزهار ج 3 ص 302، والمحلى ج 8 ص 192 وما بعدها، وتحرير الاحكام ج 1 ص 248.
وشرح النيل ج 5 ص 10.
(9)
البدائع ج 4 ص 190 وكشاف القناع ج 2 ص 292.
فى البيع لا يصلح أجرة فى الاجارة ولكن ليس كل ما يصلح أجرة يصلح ثمنا، فالمنفعة تصلح أجرة فى الجملة وذلك عند اختلاف المنفعتين المتقابلتين ولكنها لا تصلح ثمنا فى البيع اذ البيع لا يكون الا بمبادلة عين بعين.
مذهب الحنفية:
يرون أنه يجب فى الأجرة أن تكون مالا معلوما متقوما، والأصل فى اشتراط العلم بالأجرة قوله صلى الله عليه وسلم: من استأجر أجيرا فليعلمه أجره، ويحصل العلم بالاشارة اليها وبالتعيين والبيان، ويكون العلم بها اذا كانت عينا بالاشارة أو بالتعيين والبيان وعند الاشارة اليها لا يحتاج الى ذكر جنسها ولا نوعها ولا صفتها سواء أكانت مما يتعين بالتعيين أم مما لا يتعين بالتعيين كالنقود، واذا لم تكن عينا كان العلم بها بالبيان والوصف المزيلين للجهالة المؤدية الى النزاع وذلك يكون ببيان الجنس والنوع والصفة والقدر غير أنه اذا لم يكن فى البلد الا نوع واحد من النقود لم يحتج فى العلم بها الى ذكر النوع والوزن واكتفى بذكر الجنس والقدر، وان كان فى البلد نقود مختلفة كانت من النقد الغالب، وان تعدد النقد الغالب وجب البيان والا فسد العقد، ولا بد من بيان مكان ايفائها اذا ما كان لها حمل ومئونة عند الامام، وعند أبى يوسف ومحمد لا يشترط ذلك، ويتعين مكان العقد مكانا للايفاء، وما صلح من الأجور أن يكون دينا فى الذمة كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة لا يشترط ذكر أجل للوفاء، ويصح اشتراط تعجيله وتأجيله، وعند عدم الاشتراط يرجع فى الوفاء به الى التراضى، وعند المشاحة لا يستحق الا باستيفاء المنفعة المعقود عليها على ما سيأتى بيانه.
وأما ما لا يصلح ان لا يكون دينا فى الذمة فمنه ما يصح فيه السلم كالثياب ونحوها فانها عند عدم الاشارة اليها تكون معرفتها بأوصافها وعندئذ لا بد من ذكر أجل للوفاء والتسليم لأن الوضع فيها عندئذ كالسلم فلا تثبت دينا فى الذمة الا بالتأجيل ولذا وجب معها ذكر الأجل ومنه ما لا يجرى فيه السلم كالدواب والأرض ونحوهما فانه لا يصير معلوما بذكر جنسه ونوعه وصفته وقدره لعدم انضباطه بل لا بد من تعيينه بالاشارة اليه ألا ترى أن ذلك لا يصلح أن يكون ثمنا فى البياعات وانما يعد مبيعا دائما له حكم المبيع فلا يصلح أن يكون أجرا فى الاجارات حتى يشار اليه وما كان منها مشارا اليه كان حكمه حكم الثمن اذا كان عينا حتى لو كان منقولا لم يصح التصرف فيه قبل قبضه وان كان عقارا فعلى الخلاف فى ذلك بين الشيخين ومحمد، ولو استأجر أجيرا بأجر معلوم مع طعامه أو دابة بأجر معلوم مع علفها لم يجز لجهالة مقدار الأجر بسبب الجهالة فى مقدار الطعام والعلف وكان ذلك هو القياس فى استئجار الظئر الا أنه قد أجيز للعرف، وفرعوا على ذلك أن من استأجر دارا بأجر معلوم وشرط عليه المؤجر تجصيصها أو اصلاح شئ من جدرها أو أبوابها أو نحو ذلك كان العقد فاسدا لأن المشروط صار جزءا من الأجرة وقيمته مجهولة فكان الأجر مجهولا، ومثل ذلك الأرض تستأجر بأجر معلوم على أن يكون على المستأجر كرى مراويها وحفر مصارفها ونحو ذلك.
ولا يصح أن تكون الأجرة منفعة هى من جنس المنفعة المعقود عليها كاجارة دار للسكنى بسكنى دار أخرى واجارة أرض لزراعتها بزراعة أرض أخرى ويجوز أن تكون منفعة من غير جنس المنفعة المعقود عليها كاجارة دار للسكنى بزراعة أرض، وفى اجارة منفعة بمنفعة من جنسها اذا استوفى أحد العاقدين دون الآخر.
روى عن أبى يوسف أنه لا أجر عليه للآخر، وقال الكرخى: الظاهر أن عليه أجر المثل، وجه رواية أبى يوسف أنه حين قوبلت المنفعة بجنسها ولم تصح هذه المقابلة كان بازاء المنفعة المستوفاة ما لا قيمة له وهو المنفعة فكان الآخر راضيا ببذل المنفعة لصاحبه بلا بدل، ووجه ما ذكره الكرخى أنه قد استوفى المنفعة بعقد فاسد وبه تتقوم المنافع كما تتقوم بالعقد الصحيح كما فى استئجار شئ لم يسم له عوضا أصلا فاذا سمى العوض وهو المنفعة كان ذلك أولى بالتقويم
(1)
واذا ردد المؤجر بين أجرين فى زمنين بأن قال: ان عملت هذا العمل اليوم فلك دينار، وان عملته غدا فلك نصف دينار، ذهب الامام الى أنه يستحق الدينار ان عمله فى اليوم الأول، وان عمله فى اليوم الثانى فليس له الا أجر مثله لا ينقص عن نصف دينار ولا يزيد على دينار، وقال أبو يوسف ومحمد: الشرطان صحيحان جائزان فله دينار ان عمله فى اليوم الأول، وله نصف دينار ان عمله فى اليوم الثانى، وقال زفر والشافعى: الشرطان باطلا والاجارة فاسدة لأن الترديد بين عمل فى يومين ترديد فى الواقع بين عملين فكان المعقود عليه مجهولا مترددا بين عمل اليوم الأول وعمل اليوم الثانى، ووجه قول الصاحبين أن ما تم ليس عقدا واحدا بل هما عقدان بين فى كل منهما محله وأجره، والأجير ان نفذ العقد الأول استحق الأجر المبين به، وان عدل عنه الى الثانى لما جعل له من خيار فعمل العمل فى اليوم الثانى كان له أجره، ووجه قول أبى حنيفة أنه قد اجتمع فى اليوم الثانى بدلان مختلفان قدرا، ذلك لأن بدل العمل فى اليوم الأول يستمر الى اليوم الثانى بدليل أنه اذا لم يذكر لليوم الثانى بدل وقام الأجير بالعمل فيه استحق على عمله المسمى فى العقد وان لم يقم به فى اليوم الأول وعليه يكون أجر العمل فى اليوم الثانى مترددا بين أجر اليوم الأول وأجر اليوم الثانى فكان مجهولا، وذلك مفسد للاجارة فى اليوم الثانى فاذا عمل استحق أجر المثل لا ينقص عن نصف دينار ولا يزيد على دينار لاتفاق الطرفين على ذلك فى العقد
(2)
.
استحقاق الأجرة
يرى الحنفية:
أن الأجرة لا يستحقها آجر العين على مستأجرها ولا الأجير على مستأجره بمجرد العقد، وانما تستحق باستيفاء المنفعة أو بالتمكن من استيفائها فلا يستحقها مؤجر العين الا اذا خلى بينها وبين مستأجرها، ولا يستحقها الأجير الا بالعمل ان كان أجيرا مشتركا أو الا بتسليم بنفسه اذا كان أجيرا خاصا
(3)
، واذا كان الأجر عينا مشارا اليها وكان مما له حمل ومئونة احتيج
(1)
البدائع ج 4 ص 193، 194.
(2)
البدائع ج 4 ص 186.
(3)
البدائع ج 4 ص 180.
الى بيان مكان ايفائه عند أبى حنيفة
(1)
، وعند أبى يوسف ومحمد لا يشترط ذلك، ويتعين مكان العقد للايفاء فاذا لم يبين مكان الايفاء فسد العقد عند الامام، أما عند صاحبيه فلا يفسد، وانما يكون مكان الايفاء مكان العقد حيث تكون العين المستأجرة كالدار والأرض، أما فى الاجارة على العمل فحيث يوفى العمل، وفى الحمل حيث استوفى المؤجر، فكلما حمل له مسافة أخذ حصته من الأجر مع مراعاة أن تكون هذه المسافة مما يستأجر عليها عادة، وهذا اذا لم يعين للوفاء مكان، فاذا تضمن العقد تعيينه وجب أن يكون الوفاء فيه واذا كان الأجر مما ليس له حمل ولا مئونة فان المؤجر يطلبه من المستأجر حيث وجده بعد أن يكون قد استحقه، واذا كان الأجر عينا معينة أشير اليها أو وصفت بما يعينها كأن تستأجر دار للسكنى سنة نظير هذه الدابة وجب تسليمها عند استحقاقها، أما اذا كان دينا فانه يثبت فى الذمة بالعقد وذلك كالنقود أو المثليات أو المنافع وحينئذ فقد يكون حالا واجب الوفاء عند استحقاقه، وقد يكون مؤجلا اذا شرط فى العقد تأجيله الى أجل معين وعندئذ يوفى عند حلول أجله ويصح حينئذ تعجيله وذلك بدفعه قبل أجله كما يصح اشتراط تعجيله فى العقد وعندئذ يجب أداؤه قبل الانتفاع والتمكن منه، غير أن ذلك لا يصح الا اذا كانت الاجارة منجزة أما اذا كانت مضافة فان شرط التعجيل يكون شرطا فاسدا مفسدا للعقد
(2)
لأنه يتنافى مع مقتضاه فان مقتضاه ارجاء آثاره الى الوقت الذى أضيف اليه، ومن آثاره تملك الأجرة وأداؤها فيكونان مرجأين الى ذلك الوقت فلا يصح مخالفة هذا المقتضى باشتراط تعجيلها لأنه الغاء لمقتضى العقد، ولاشتراط تعجيل الأجرة وتأجيلها أثر فى حكم الاجارة يبين فى حكمها، والأجر المسمى هو ما تم الاتفاق عليه فى العقد بين المتعاقدين ويستحق فى العقد الصحيح بانتفاع المستأجر أو بتمكنه من الانتفاع، وأجر المثل هو ما تقوم به المنفعة فى عرف الناس وتعاملهم، ويجب بالانتفاع فعلا فى الاجارة الفاسدة بسبب جهالة التسمية أو جهالة المنفعة كما يجب لوصى مقابل عمله اذا لم يقدر له أجر ولا يعمل مثله الا بأجر، وللمضارب فى المضاربة الفاسدة بسبب مشاركة رب المال له فى العمل
(3)
، ومن القواعد التى ذهب اليها الحنفية لا يجتمع أجر وضمان فلا أجر على المستأجر اذا انتفع بالعين المستأجرة انتفاعا خلاف ما تم عليه العقد لأنه بمخالفته العقد لم يصر أمينا وكانت يده على العين يد ضمان.
مذهب المالكية:
يشترط المالكية فى الأجر ما يشترطونه فى الثمن وهو أن يكون ما لا متقوما طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه معلوما ذاتا وأجلا أو حلولا على وضع لا يؤدى الى النزاع، وعلمه ذاتا يكون اما بوصفه وذلك ببيان جنسه ونوعه وقدره واما برؤيته والاشارة اليه، وعلمه أجلا يكون ببيان
(1)
البدائع ج 4 ص 193، والهندية ج 4 ص 412 عن محيط السرخسى.
(2)
الدر المختار وابن عابدين ج 5 ص 7.
(3)
الدر المختار وابن عابدين ج 5 ص 503، ج 4 ص 383 طبعة الحلبى.
أجله أو حلوله وبناء على ما ذكر لا يصلح النجس أجرا وكذلك المتنجس الذى لا يقبل التطهير ولا مالا ينتفع به انتفاعا مباحا شرعا كآلة اللهو ولا البعير الشارد لعدم القدرة على تسليمه وللاكتفاء فيه بالعلم الذى لا يكون معه نزاع عادة.
وأجاز مالك أن يؤجر الخياط على خياطة ما يحتاج اليه المؤاجر هو وأهله من الثياب فى السنة وان يؤجر الخباز على خبز ما يحتاج اليه المؤاجر من الخبز فيها اذا ما عرف حال المؤاجر وما يحتاج اليه من ذلك مع جهالة المنفعة المعقود عليها وذلك لجريان العرف بذلك ولهذا أجيزت اجارة الظئر بنفقتها مع ما فى النفقة من الجهالة لأنها جهالة لا تؤدى الى النزاع، وقال أصبغ فى استئجار العامل للعمل فى الكرم على النصف مما يخرج منه لا بأس فيه ومثله الأجير يستأجر لحراسة الزرع وله بعضه لتعارف الناس ذلك ولذا قال سحنون: لو حملت أكثر الاجارات على القياس لبطلت وأصاب الناس حرج
(1)
، ولذلك جاز كراء دابة بعلفها أو بطعام صاحبها كما جاز كراء دابة بدراهم معلومة على أن يكون طعام المكترى على صاحبها مدة ركوبه
(2)
.
واذا كانت الأجرة دينا تشغل به ذمة المستأجر بالعقد كدينار وجب تعجيلها ان شرط فى العقد تعجيلها أو جرى العرف بذلك سواء أكانت المنفعة المعقود عليها دينا فى الذمة كحمل متاع الى جهة معينة واصلاح آلة أم لم تكن دينا كسكنى دار معينة غير أنه اذا كانت المنفعة المعقود عليها دينا وجب تعجيل الأجرة لحق الله تعالى حتى لا يترتب على ذلك ابتداء دين بدين وهو منهى عنه لأنه ان لم تعجل كانت دينا فى مقابلة منفعة هى دين أيضا فى ذمة الأجير ولكون التعجيل فى هذه الحال حقا لله تعالى لا يجوز التنازل عنه ممن يكون منه التنازل وتفسد الاجارة اذا لم تعجل الأجرة، أما اذا لم تكن المنفعة دينا فان تعجيل الأجرة فى هذه الحال يجب حقا لمستحقها تنفيذا للشرط الصريح أو المعروف عرفا وله حينئذ أن يتنازل عنه ولا يترتب على ذلك فساد الاجارة كمن يستأجر دارا من آخر شهرا ليسكنها بثلاثة دنانير مثلا فلا يجب لصحتها عندئذ تعجيل الأجرة واذا شرط التعجيل أو كان ذلك مقتضى العرف وجب على المستأجر التعجيل لذلك بخلاف ما اذا استأجر شخصا عاملا ليصلح له آلة بدينار فان المنفعة فى هذا المثال دين تشغل به ذمة العامل والأجر كذلك دين تشغل به ذمة المستأجر فيجب لكى يتجنب ابتداء الدين بالدين اشتراط تعجيل الأجر أو جريان العرف بذلك ثم تعجيله فعلا مراعاة لحق الله تعالى حتى اذا لم يشرط التعجيل ولم يكن عرف فسدت الاجارة وان عجل فعلا ذلك لأن الاجارة حين تنعقد فى هذه الحال تنعقد على ابتداء دين بدين اذ لا يقتضى عقد الاجارة بحسب طبيعته الا تأخير الأجر الى وقت العمل وذلك ما يصير به الأجر دينا ويلاحظ أن ذلك مشروط بألا تكون المنفعة قد شرع فيها أو لم يتأخر الشروع فيها الى ثلاثة أيام والا كانت الاجارة صحيحة حينئذ لعدم ترتب
(1)
الشرح الصغير للدردير ج 2 ص 232 (بلغة السالك). والمواق ج 5 ص 390 هامش الحطاب.
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 35.
المحظور وهو ابتداء الدين بالدين اذ تعد المنفعة حينئذ مقبوضة جميعها بناء على ما ذهبوا اليه من أن قبض الأوائل يعد قبضا للأواخر وقيل لا بد من التعجيل أيضا فى هذه الحال وذلك على رأى من يرى أن قبض الأوائل لا يعد قبضا للأواخر ولا يكفى فى تعجيل الأجرة عند وجوبه تعجيل بعضها بل لا بد من تعجيلها كلها الا عند الضرورة فعند ذلك يكفى تعجيل البعض ومثلوا لذلك بعقد كراء الحاج مع جمال فى مصر فى رمضان أو أوائل شوال على أن يحمله الى مكة فانه يكفى فى هذه الحال تعجيل اليسير من الأجرة لأن تعجيلها كلها يؤدى الى ضياع الأموال بسبب هرب الجمالين اذا قبضوا الأجر كله فان لم تكن المنفعة دينا سواء شرع فيها أم لا أو كانت دينا وقد شرع فيها فلا يجب تعجيل الأجر بل يجوز تأخيره، وأما اذا كانت الأجرة عينا معينة كهذه الدابة أو هذا الثوب ونحو ذلك فانه يجب لصحة الاجارة فى هذه الحال اشتراط تعجيلها فى العقد أو جريان العرف بذلك حتى لا يترتب على العقد بدون ذلك بيع معين يتأخر قبضه وذلك غير جائز اذ أن الأجرة فى هذه الحال هى عين قوبلت بمنفعة وقد جعلت عوضا عنها وبها تملكها المؤجر فتكون كمبيع معين لا يقبل التأخير فى قبضه فان لم يكن شرط بالتعجيل ولم يكن العرف قد جرى بذلك كانت الاجارة فاسدة، ولو عجلت الأجرة فعلا لأن عقد الاجارة بحسب وضعه وطبيعته لا ينعقد موجبا لقبض الأجرة فى الحال وانما يقتضى تأخير قبضها الى استيفاء المنفعة التى قوبلت بها ولا يلزم المستأجر فيه من الأجر الا بقدر ما انتفع ألا ترى أنه اذا حال بين المستأجر وبين انتفاعه فى أثناء مدة الاجارة مانع لم يلزم من الأجر الا بقدر انتفاعه وذلك بخلاف عقد البيع فانه يوجب نقد الثمن فى الحال اذا لم يشترط تأجيله لما يترتب عليه من قبض المبيع حتى تتحقق المعادلة بين البدلين فى القبض أما الركوب والسكنى مثلا فى عقد الاجارة فلا يقبضان دفعة واحدة فلم يجب لذلك قبض بدلهما دفعة واحدة فى الحال وبذلك يتضح أن عقد الاجارة بدون اشتراط تعجيل نصا أو عرفا ينعقد على تأخير قبض ما يجب قبضه فى الحال وهو الأجرة المعينة وذلك ما يوجب فساده ولا فرق فى هذه الحال بين أن تكون المنفعة المعقود عليها دينا فى الذمة كنقل متاع أو ليست بدين كسكنى دار، وقد نصوا على أنه يغتفر التأخير الى ثلاثة أيام، وبناء على ما تقدم اذا لم يكن الأجر معينا ولم يكن فى العقد شرط بتعجيله ولم يجر العرف بتعجيله ولم تكن المنفعة التى هى محل العقد دينا ثابتا فى الذمة لم يجب تعجيل الأجر وكان على المستأجر منه ما يعادل ما استوفاه من المنفعة، فكلما تمكن من استيفاء مقدار منها لزمه أجره فيدفعه مياومة أو مشاهرة عند عدم المشاحة فى التعجيل والتأخير وهو الأصل فى الاجارة فى مثل اجارة العقار والرواحل والآدمى للخدمة والأوانى للاستعمال
(1)
أما فى مثل اجارة الصناع والأجراء فليس لهم الأجر الا بعد تمام العمل الا عن تراض بدفعه قبل ذلك أو عن شرط بتعجيل دفعه قبل ابتداء العمل أو شرط بتأجيله الى ما بعد العمل
(1)
الشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج 4 ص 3 وما بعدها. والشرح الصغير والصاوى عليه ج 2 ص 233 وما بعدها. والمواق هامش الحطاب ج 5 ص 393 وما بعدها.
وذلك هو الأصل فى الاجارة، وفى المدونة:
اذا أراد الصانع أو الأجير تعجيل الأجر قبل الفراغ وامتنع رب الشئ حملوا على المتعارف بين الناس فان لم يكن لهم سنة لم يقض لهم بشئ الا بعد الفراغ وأما فى الأكرية فى دار أو راحلة أو فى اجارة بيع السلع ونحوها فبقدر ما مضى وليس لخياط خاط نصف القميص أخذ نصف أجرته اذا لم يأخذه على ذلك بل حتى يتمه، ومقتضى هذا أن ذلك انما يكون عند المشاحة والا فليس على رب الشئ من حرج أن يعجل للأجير أجرته، وذكر الدسوقى أن ذلك فيما اذا بقى العقد الى اتمام العمل فان انفسخ قبل اتمامه لم يكن للأجير أو الصانع من الأجر الا بحساب ما عمل، ثم ذكر الدردير فرقا بين ما يسمى أجيرا وصانعا فذكر أن بائع منفعة يده ان كان لا يحوز ما فيه عمله كالبناء والنجار فهو أجير وان كان يحوز ما يعمل فيه فان كان لم يدخل فيه شيئا من عنده كالحداد والخياط فصانع وان كان يدخل فيه شيئا من عنده كالصباغ فبائع صانع.
ولا يستحق المؤجر أن يعجل له شئ من الأجر الا بتمكن المستأجر كما لا يستحق الأجير شيئا من أجره الا باتمام عمله فمستأجر الدار لا يلزمه أن ينقد الا بقدر ما سكن ما لم يكن شرط بتعجيل الأجر وكذلك الأجير
(1)
.
واذا ردد المؤجر بين أجرين فى زمنين فسدت الاجارة وذلك نحو أن يقول للأجير الخائط ان خطت ثوبى هذا اليوم فلك نصف دينار وان خطته غدا فلك ربع دينار وذلك للجهل بقدر الأجر فان خاطه لم يكن له الا أجر مثله بالغا ما بلغ ومحل ذلك اذا وقع العقد ملزما ولو لأحدهما فان وقع على الخيار لكل منهما جاز العقد اذ لا عبرة بالغرر مع الخيار فاذا تم الاتفاق على أحد الأمرين كان هو المعقود عليه
(2)
.
مذهب الشافعية:
يشترط الشافعية فى الأجرة ما يشترط فى ثمن المبيع فيجب أن تكون معلومة جنسا وقدرا وصفة اذا لم تكن معينة فان كانت معينة كفت رؤيتها والاشارة اليها فلا تصح اجارة دار بعمارتها ولا دابة بعلفها ولا سلخ شاة بجلدها ولا طحن بر ببعض دقيقه كثلثه للجهل بثخانة الجلد وسلامته وبنعومة الدقيق وقدره ولعدم القدرة على تسليم الأجرة فى الحال.
والأجرة فى اجارة الذمة كرأس المال فى السلم لأنها فى واقع الأمر سلم فى المنافع، ولذا يجب قبضها فى المجلس ولا يصح الابراء منها ولا أن يستبدل بها غيرها ولا يحال بها ولا يحال عليها ولا تؤجل.
أما فى اجارة العين فهى كالثمن فلا يجب قبضها فى مجلس العقد سواء أكانت دينا أم عينا معينة، واذا كانت دينا جاز الابراء منها والاستبدال بها والحوالة بها وعليها وجاز فيها التعجيل والتأجيل بالشرط واذا أطلقت عن ذكر ذلك وجبت معجلة كثمن المبيع المطلق
(1)
المواق ج 5 ص 443 والشرح الكبير للدردير ج 4 ص 50.
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 7. والشرح الصغير للدردير ج 2 ص 134 وما بعدها.
لأن المؤجر يملكها بالعقد ولكن لا يستحق استيفاءها الا بالتمكين من العين فان تنازعا فيمن يبدأ به فالحكم فى ذلك حكم البيع واذا كانت الأجرة معينة لم يجز تأجيلها لأن الأعيان لا تقبل التأجيل وملكت فى الحال بنفس العقد كما يملك المستأجر المنفعة به فى اجارة العين ويكون ملك الأجرة ملكا مراعى فكلما مضى جزء من الزمان على السلامة ظهر أن ملك المؤجر قد استقر على ما يقابل ذلك ولا يستقر ملكها كلها الا باستيفاء المنافع كلها أو تفويتها ومتى قبض المكترى العين المكتراة وأمسكها حتى مضت مدة الاجارة استقرت الأجرة عليه وان لم ينتفع ولو لعذر منعه من الانتفاع كخوف أو مرض وذلك لتلف المنفعة تحت يده حقيقة أو حكما، وكذلك لو كان الأجير حرا وسلم نفسه حتى مضت مدة الاجارة استقر له الأجر على مؤجره وان لم يعمل
(1)
ويتعين محل العقد مكانا لتسليم الأجرة الى المؤجر عينا كانت أم دينا
(2)
.
مذهب الحنابلة:
يشترط فى الأجر أن يكون معلوما لأنه عوض فى عقد معاوضة فلزم أن يكون معلوما كالثمن فى البيع ان كان يثبت دينا فى الذمة وكالمبيع ان كان أجرا وأن يكون معلوما بوصفه الكاشف عنه ان كان منفعة وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: من استأجر أجيرا فليعلمه أجره والعلم يكون بالرؤية مع الاشارة أو بالصفة وذلك بذكر الجنس والنوع والقدر واذا علم بالمشاهدة وكان ذا أجزاء كالصبرة - أى كونه القمح ونحوه - ولم يعلم قدره ففيه وجهان أشبههما الجواز لأنه عوض معلوم فجازت به الاجارة كما جاز به البيع، والثانى لا يجوز لأن العقد قد ينفسخ بعد تلف الصبرة فلا يدرى بكم يرجع فوجب معرفة القدر لذلك والأول أولى، وكل ما جاز ثمنا فى البيع جاز عوضا فى الاجارة ولذا جاز أن يكون الأجر عينا أو منفعة، واذا كان منفعة جاز أن يكون من جنس المنفعة المعقود عليها كسكنى دار بسكنى دار أخرى وجاز أن يكون من غير جنسها كسكنى دار بزراعة أرض وجازت الاجارة بطعام موصوف ولم تجز الاجارة على سلخ بهيمة بجلدها لأنه لا يدرى أيخرج سليما أم معيبا ثخينا أم رقيقا فان سلخت وجب أجر المثل، ولو استأجر راعيا لرعى غنم بثلث لبنها أو صوفها لم يجز نص عليه أحسد لأن الأجر غير معلوم وليس هذا كدفع دابة الى من يعمل عليها بنصف ربحها لأنه انما جاز تشبيها بالمضاربة لأنها عين تنمى بالعمل فجاز اشتراط جزء من النماء لمالكها، والأمر فى الغنم ليس كذلك لأن النماء الحاصل فى الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها فلم يجز الحاقه بذلك ولكن ان استأجره على رعيها مدة معلومة بنصفها صح لأن العمل والأجر كلاهما معلوم ويكون النماء بينهما بحكم الملك لأنه ملك الجزء الذى جعل أجرا منها فى الحال فكان له نماؤه، واختلفت الرواية عن أحمد فيمن استأجر أجيرا بطعامه وكسوته أو جعل له أجرا وشرط معه طعامه وكسوته فقد روى عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك واسحاق وروى عن أبى بكر وعمر وأبى موسى رضى الله عنهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم وروى عنه أيضا أن ذلك انما يجوز
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 322.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 263.
فى الظئر فقط دون غيرها واختاره القاضى وروى عنه رواية ثالثة هى أن ذلك لا يجوز بحال لا فى الظئر ولا فى غيرها للجهالة، وفى اغاثة اللهفان
(1)
: يجوز استئجار الدابة بعلفها والمرضع بنفقتها وهو مذهب مالك ومنعه الشافعى وجوزه أبو حنيفة فى المرضع دون غيرها، ولا بأس فى الاستئجار على حصد الزرع بجزء مشاع منه وتجوز الاجارة اذا كان الأجر معلوما بالعرف والعادة وان لم يذكر فى العقد، فمن دفع ثوبه الى خياط ليخيطه أو قصار ليقصره من غيره عقد بلفظ ولا شرط ولا تعريض بأجر مثل أن يقول له خذ هذا فخطه أو اقصره وأنا أعلم أنك انما تعمل ذلك بالأجر وكان الخياط أو القصار محترفين لذلك ففعلا فلهما الأجر المعتاد لأن العرف الجارى بذلك يقوم مقام القبول فصار كما لو دخل حماما أو جلس فى سفينة فنقلته اذ شاهد الحال يقتضيه فحل ذلك محل الاتفاق بالعبارة، فأما اذا لم يكونا محترفين لذلك لم يستحقا الأجر الا بالشرط أو بالتعريض به لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد فكان العمل تبرعا نص على ذلك احمد، واذا قال شخص لخياط: ان خطت هذا الثوب اليوم فلك ربع دينار وان خطته غدا فلك نصف ذلك لم تصح الاجارة لأن العقد واحد تردد العوض فيه بين أمرين فثبتت فيه الجهالة وتجب الأجرة بنفس العقد فتثبت فى الذمة وان تأخرت المطالبة بها كالثمن والصداق سواء أكانت فى اجارة عين أم فى اجارة ذمة ويجوز اشتراط تأجيلها أو تعجيلها اذا كانت دينا كما يجوز العقد دون اشتراط تأجيل أو تعجيل
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى: وتجوز الاجارة بكل ما يحل ملكه وان لم يحل بيعه كالكلب والهر والماء والثمرة التى لم يبد صلاحها والسنبل الذى لم ييبس فتستأجر الدار بكلب معين أو كلب موصوف فى الذمة أو بثمرة قد ظهرت ولم يبد صلاحها وبماء موصوف فى الذمة أو معين محرز أو بهر كذلك، وقياس الاجارة على البيع فى ذلك باطل
(3)
واجارة المنفعة بالمنفعة جائزة كمن أجر سكنى دار بسكنى دار أخرى أو خدمة عبد بخدمة عبد آخر أو سكنى بخدمة أو بخياطة فكل ذلك جائز اذ لم يأت نص بالنهى عن ذلك وهو قول مالك خلافا لأبى جنيفة الا أن تختلف المنفعتان وكذلك الدواب ويستحق من الكراء بقدر ما قطع من الطريق لأن العمل الذى هو محل العقد محدود، وقال مالك: لاكراء الا أن يبلغ الغاية وهذا خطأ لأنه تسخير بلا أجرة وبلا طيب نفس وهذا لا يعضده قرآن ولا سنة ولا قياس وليس له وجه، ولا تجوز الاجارة الا بمضمون مسمى محدود فى الذمة أو بعين معينة متميزة معروفة الحد والمقدار وقال مالك: يجوز كراء الأجير بطعامه واحتج بخبر أبى هريرة: كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطنى وعقبة رجلى.
(1)
ج 2 ص 30 مطبعة انصار السنة.
(2)
المغنى ج 6 ص 9 وما بعدها وكشاف القناع ج 2 ص 286 وما بعدها ص 318 ومنتهى الارادات ج 1 ص 477 مطبعة أنصار السنة.
(3)
المحلى ج 8 مسألة 1300، 1315، 1320، 1326.
قال أبو محمد: وهذا لا دليل فيه فقد يكون هذا تكارما من غير عقد والا فمقدار الأجر ها هنا مجهول لاختلاف الناس فى الأكل اختلافا متفاوتا.
مذهب الزيدية:
ويشترط فى الأجرة العلم بها ويكون العلم بها بالاشارة اليها أو ببيان جنسها ونوعها وقدرها وكل ما يعلم به الثمن فى البيع ويصح أن تكون عينا معينة وأن تكون دينا فى الذمة ويصح أن تكون منفعة مثل أن يستأجر دارا سنة بزراعة قطعة أرض معينة سنة، فان اختلفت المنفعتان فذلك جائز باتفاق أئمة الزيدية وان كانت من جنس واحد كسكنى دار بسكنى دار أخرى فالمذهب جواز ذلك وهو قول القاسم ويحيى، وجاء فى الكافى عن أكثر الأصحاب: أن ذلك لا يجوز وما يصلح أن يكون ثمنا فى البيع يصلح أن يكون أجرة فى الاجارة وما لا يصلح ثمنا لا يصلح أجرة وقال الصادق والناصر:
لا تصح اجارة الأراضى بالطعام وتملك الأجرة فى الاجارة الصحيحة بالعقد، وجاء فى شرح الابانة أنها لا تملك بالعقد بل لا بد من القبض وسيأتى تفصيل ذلك، ويصح الاستئجار على حمل طعام ببعض المحمول كنصفه أو ثلثه وعلى رعى الغنم بثلثها نص على ذلك الهادى، وروى عن على فى المنتخب وقال زيد بن على والناصر: لا يصح لأنها اجارة على حمل ملك نفسه وملك غيره، أما لو استأجره على حمل نصف هذا الطعام بنصفه فلا خلاف فى صحة ذلك، ولو استأجر من ينسج له غزلا بنصف المنسوج بعد العمل لم يصح، ذكره الهادى وعلى
(1)
.
الشيعة الإمامية:
الأجرة لازمة فى عقد الاجارة وركن فيه ويشترط أن تكون معلومة بالوزن أو الكيل فيما يدخلانه بعد معرفة جنسها ونوعها أو المشاهدة مع الاشارة وفى الاكتفاء بالمشاهدة عن بيان مقدارها بالكيل أو بالوزن فيما يدخلانه اشكال وجزم الشيخ بجواز الاكتفاء بها وما جاز أن يكون ثمنا فى البيع جاز عوضا فى الاجارة فجاز أن تكون الاجارة عينا أو منفعة اختلف جنسها مع المنفعة المعقود عليها أو اتفق كسكنى دار بسكنى دار أخرى وكاستخدام بسكنى وجاز فيها الاطلاق بشرط وصفها وصفا يرفع الجهالة، وأن تكون معينة موصوفة معلومة المقدار، وجازت بطعام موصوف، واستئجار دار بعمارتها جائز مع التعيين والا فلا، واستئجار سلخ شاة بجلدها لا يجوز، وقال الشيخ:
يجوز، واستئجار على رعى غنم مدة معينة بنصفها أو بشاة معلومة منها جائز، والنماء بين العاقدين من حين العقد على النسبة، وفسدت لو استأجر بلبنها أو نسلها كما يفسد استئجار الأجير بطعامه وكسوته سواء أكان ظئرا أم غيرها، ولو عين الطعام والكسوة بما يرفع الجهالة جاز بشرط تعيين وقت الدفع، واستئجار الدابة بعلفها جائز ان عين والا لا، ولو استأجره لحصد الزرع بجزء معلوم منه كالسدس
(1)
شرح الازهار ج 3 ص 255 وما بعدها وص 287 وما بعدها.
جاز وكذلك اذا استأجر الطحان بالنخالة أو بقفيز منها فان ذلك جائز، واذا استأجر الخياط لخياطة ثوب بدرهم ان خاطه اليوم وبنصف درهم ان خاطه الغد فللشيخ فى صحة هذه الاجارة قولان أحدهما الجواز، وله المسمى، وثانيهما الجواز فى اليوم الأول والفساد فى اليوم الثانى فله فيه أجر المثل لا يزاد على درهم ولا ينقص عن نصف درهم، ولو قيل بالبطلان فيهما وثبوت أجر المثل كان وجيها
(1)
.
مذهب الإباضية:
يشترط الإباضية لصحة الاجارة العلم بالأجرة كما يشترطون العلم بالمنفعة المعقود عليها لأنهما عوضان فى عقد معاوضة يعتمد على التراضى ويجوز أن يكون الأجر عملا على عمل من جنسه أو من غير جنسه كاجارة على حرث أرض بحرث أرض أخرى فى زمن آخر واجارة على حرث أرض بحفر بئر، ومنع أصحاب الديوان أن يكون الأجر منفعة وقالوا لا يجوز الكراء الا بكيل معلوم مما يكال أو يوزن أو يعد أو يمسح كالأرض أو بما يشاهد وان جهل كيله أو وزنه أو عدده أو مساحته مع العلم بنوعه والا لم يجز، وكل ما يجوز البيع به تجوز به الاجارة ويجوز فى الأجر أن ينقد وقت العقد وأن يؤخر نقده عنه، واذا كان على عمل كان نقده بعد الفراغ منه الا اذا كان منجما فعلى نجومه كأن يقول المؤجر: كل يوم بكذا أو كل شهر أو كل متعدد من ذلك فاذا تمت مدة نقدت أجرتها، ولا تجوز الاجارة بالمجهول غير الحاضر كالثياب والأوانى
(2)
، ومن الإباضية من أجاز بيع المنافع ومن استؤجر بعمل معين على أنه ان عمله اليوم فأجره دينار وان عمله غدا فأجره نصف دينار سواء اقتصر على ذلك أم زاد فقال وان عملته بعد غد فلك ربع دينار أو قال له المؤجر ان عملته اليوم فلك هذه الدابة، وان عملته غدا فلك هذه الدابة مشيرا الى أخرى أو قال له المؤجر: ان ركبت هذه الدابة الى بلدة كذا فالأجر نصف دينار وان ركبتها الى بلدة كذا وهى أبعد من الأولى فالأجر دينار ففى جواز ذلك وعدم جوازه قولان كما هو حكم ذلك فى البيع يخير فيه بين سلعتين بثمنين والمختار المنع كما فى البيع.
تأجيل الأجر وتعجيله
اذا كان عقد الاجارة خاليا مما يدل على وجوب تعجيل الأجر أو تأجيله ولم يكن عرف يوجب تأجيلا أو تعجيلا فان استحقاق المؤجر للأجرة لا يثبت الا عند استيفاء المستأجر المنفعة المعقود عليها عند الحنفية على الوضع الذى سنبينه ولكن اذا عجلها المستأجر فى هذه الحال فدفعها الى المؤجر فانه يتملكها فى جميع الأحوال دون انتظار لاستيفائه المنفعة ولم يكن له حينئذ أن يستردها وذلك محل اتفاق بين جميع المذاهب، واذا شرط فى عقد الاجارة تعجيل الأجرة صح هذا الشرط ولزم ووجب
(1)
تحرير الأحكام ج 2 ص 244، 245.
(2)
شرح النيل ج 5 ص 45، ص 47، ص 63 وما بعدها.
الوفاء به اذا كان العقد منجزا وعندئذ يكون للمؤجر أن يمتنع من تسليم العين المستأجرة الى أن تؤدى اليه الأجرة المشترط تعجيلها سواء أكانت دينا أم عينا معينة فان لم تؤد اليه كان له حق طلب فسخ الاجارة بسبب ذلك ويتملكها المستأجر حينئذ بالشرط فتكون ملكا له منذ انشاء العقد، ولا يعد هذا الشرط منافيا لمقتضى العقد بالنظر الى أنه عقد معاوضة يقتضى المساواة بين البدلين فى ثبوت الملك فى كل منهما فى وقت واحد لأن ذلك انما يكون عند خلوه من شرط التعجيل، أما عند اشتراطه فمقتضاه معاوضة بشرط التعجيل اعتبارا بشرطهما لقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم ويكون اشتراط التعجيل اسقاطا لحقه فى المساواة بين البدلين كاشتراط تأجيل الثمن فى البيع يعتبر اسقاطا لحقه فى قبض الثمن حالا ويكون للمؤجر حينئذ أن يحتبس ما وقع عليه العقد حتى يستوفى الأجر وهذا ما ذكره الكرخى فى جامعه اعتبارا بحق البائع فى حبس المبيع الى أن يستوفى الثمن لأن المنافع فى الاجارة كالمبيع فى البيع، والأجر فى الاجارة كالثمن فى البيع، ولا يقال: لا فائدة فى هذا الحبس لأن الاجارة اذا وقعت على مدة وحبس المؤجر العين بطلت الاجارة فيها أو فى مدة حبسها اذ أن حبسها وسيلة الى أدائها، فاذا أصر المستأجر على عدم الأداء كان للمؤجر الفسخ ويلاحظ أن هذا لا يجرى فى الاجارة على المسافة فيما اذا أجر دابة مسافة معلومة لأنه لا يترتب على حبس الدابة انتهاء مدة تبطل بفواتها الاجارة وانما يترتب عليه اتخاذه حاملا على أداء الأجرة على وفق الشرط والا كان للمؤجر حق الفسخ وكذلك يكون للأجير اذا لم تسلم اليه الأجرة فى هذه الحال أن يمتنع عن العمل المعقود عليه حتى يستوفى أجرته طبقا للشرط ويكون له حق الفسخ اذا لم تؤد اليه أما فى الاجارة المضافة فان اشتراط تعجيل الأجر فيها غير صحيح ولا يترتب عليه أثر لأنه فى هذه الحال يتنافى مع ما صرح به فى العقد بالنظر الى اضافته اذ معنى اضافته ارجاء آثاره ومن آثاره قبض الأجرة واستحقاقها فيكونان مرجأين باضافته الى وقت الاضافة واشتراط التعجيل مخالفة لذلك المعنى والغاء له ولأن العقد المضاف الى وقت لا يكون موجودا بالنظر الى آثاره قبل حلول ذلك الوقت ولا يجوز أن يتغير معناه هذا بالشرط فيعد موجودا موجبا لتعجيل الأجرة فى حين أنه غير موجود فلا يصح الشرط لذلك والشروط الفاسدة تفسد عقد الاجارة وعند عدم الاضافة لا يجب تعجيل الأجر لاقتضاء العقد المساواة بين العوضين وهو فى هذه الحال ليس بمضاف صريحا فيبطل هذا عند التصريح بخلافه وذلك باشتراط التعجيل واذا شرط تأجيل الأجرة صح ذلك الشرط سواء أكانت الاجارة منجزة أم مضافة غير أنه يلاحظ ألا يكون مع اشتراط تأجيلها حال اضافتها ما يستوجب تعجيلها الى وقت قبل الوقت الذى أضيفت اليه لما نقدم بيانه ويجوز فى هذه الحال أن يكون تأجيلها الى ما بعد انقضاء مدة الاجارة اذ أن ذلك يتسق مع مقتضى العقد فيما ذهب اليه الامام لأن الأجرة لا تجب عنده الا فى آخر المدة فلا حرج أن تؤجل الى ذلك الوقت أو بعده وكذلك الوضع على القول بأنها انما تجب شيئا فشيئا لأنها فى وضعها كالثمن فى
البيع يجوز فيه التأجيل الى الوقت الذى يتم الاتفاق عليه ومقتضى قولهم أن الأجرة فى الاجارة اذا كانت عينا كانت كالمبيع فى البيع أنها لا تقبل التأجيل فى هذه الحال الى ما بعد استحقاقها واذا عجلت الأجرة فى هذه الحال صح ذلك لأن التأخير فى أدائها انما ثبت حقا للمستأجر باشتراطه فيملك ابطاله بالتعجيل كما لو كان عليه دين مؤجل فعجله ولأن العقد سبب لاستحقاق الأجرة فاذا ما استحقت بالتعجيل فقد استحقت بعد انعقاد سبب الاستحقاق وتعجيل الحكم قبل الوجوب وبعد وجود سبب الاستحقاق جائز واذا لم يكن شرط وكان عرف وجب اتباع العرف فاذا اقتضى تأجيلا أو تعجيلا كان الأمر كما يقتضى
(1)
، وقد سبق بيان مذهب المالكية عند كلامنا على الأحكام المتعلقة بالاجارة اذا ما كانت الأجرة دينا أو عينا.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية الى وجوب قبض الأجرة فى مجلس العقد فى اجارة الذمة وهى اجارة موصوف من دابة ونحوها لحمل أو ركوب ونحو ذلك أو عامل لالزامه فى ذمته بعمل من الأعمال كخياطة وبناء لأن الأجرة فى هذه الحال كرأس مال فى سلم اذ أن الاجارة فى مثل ذلك تعد سلما فى المنافع فيجب قبضها فى المجلس ولا يصح الابراء منها ولا أن يستبدل بها ولا يحال بها ولا عليها ولا يجوز تأجيلها سواء تأخر العمل فيها عن العقد أم لا وأما فى اجارة العين كما فى اجارة معين من عقار أو حيوان ونحوها فهى فى الحكم كثمن فى البيع فلا يجب قبضها فى المجلس معينة كانت أو دينا ويجوز أن تشغل بها الذمة كما يجوز حينئذ الابراء منها والاستبدال عنها والحوالة بها وعليها واشتراط تعجيلها واشتراط تأجيلها ان كانت دينا اذ أنها فى حكم الثمن فان كانت معينة لم يجز تأجيلها لأن الأعيان لا تقبل التأجيل
(2)
.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة الى أن المؤجر يملك الأجرة كاملة فى وقت العقد الا أن يكون شرط بتأجيلها، جاء فى المغنى فى كلامه على أحكام الاجارة: الحكم السادس: اذا شرط تأجيل الأجر فهو الى أجله وان شرط منجما يوما يوما أو نحو ذلك فهو على ماتم الاتفاق عليه لأن اجارة العين كبيعها وبيعها يصح بثمن حال أو مؤجل فكذلك اجارتها
(3)
.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية جواز اشتراط تعجيل الأجرة فى الاجارة واشتراط تأجيلها
(4)
، واذا لم يشترط فيها تأجيل ولا تعجيل وجبت باستيفاء المنفعة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم: ولا يجوز اشتراط تعجيل الأجرة ولا تعجيل شئ منها ولا اشتراط تأخيرها الى أجل ولا تأخير شئ منها كذلك ولا يجوز أيضا اشتراط تأخير الشئ المستأجر ولا تأخير العمل المستأجر له طرفة عين فما فوق ذلك لأنه شرط ليس فى
(1)
البدائع ج 1 ص 202 و 203 و 204 وتبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 108، ص 109.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 261 وما بعدها.
(3)
المغنى ج 6 ص 4، 16.
(4)
شرح الأزهار ج 3 ص 287، 288.
كتاب الله فهو باطل ومن هذا استئجار دار مكتراة أو عبد مستأجر أو دابة مستأجرة أو عمل مستأجر أو غير ذلك كذلك قبل تمام الاجارة التى هو مشغول فيها لأن فى هذا العقد اشتراط تأخير قبض الشئ المستأجر أو العمل المستأجر له وقد أجاز بعض الناس اجارة ما ذكرنا قبل انقضاء مدته باليومين ومنع عند الأكثر وهذا تحكم فاسد ودعوى باطلة بلا برهان وليس الا حراما فيحرم جملة أو الا حلالا فيحل جملة، وقالوا: هو فى المدة الطويلة غرر، فقلنا: وهو أيضا فى الساعة غرر، ولا فرق اذ لا يدرى أحد ما سيحدث بعد طرفة عين الا الله تعالى وأيضا فيكلفون الى تحديد المدة التى لا غرر فيها والمدة التى فيها غرر وأن يأتوا بالبرهان على ذلك والا فهم قائلون فى الدين ما لا علم لهم به فان تأخر كل ذلك بلا شرط فلا بأس به
(1)
.
مذهب الشيعة الإمامية:
يملك المؤجر الأجرة بمجرد العقد مع خلوه من شرط التعجيل أو التأجيل كما يملكها كذلك بالعقد مع اشتراط التعجيل سواء أكان محل العقد منفعة فى الذمة أو منفعة عين معينة ولا يشترط فى ذلك استيفاء المنفعة ولا مضى وقتها، واذا كانت الاجارة على عمل ملك المؤجر الأجر بالعقد أيضا وفى استحقاق قبضه قبل العمل نظر، واذا اشترط تأجيل الأجر صح الشرط أن يكون الأجل مضبوطا ولو شرطه منجما يوما بيوم أو شهرا بشهر مثلا جاز ولو خالف فى توقيت النجوم صح أيضا بشرط الضبط
(2)
.
مذهب الإباضية:
ذهب الإباضية الى جواز تأجيل الأجر بشرط أن يكون الأجل معلوما كما ذهبوا الى جواز الاجارة على أن يكون العمل والأجر الى أجل معلوم أو على أن يكون العمل الى أجل معلوم وأن يكون الأجر غير مؤجل بل ينقد فكل ذلك جائز على ما اتفق عليه العاقدان
(3)
وجاء فى شرح النيل أيضا أن ما قيل من أن عدم قبض الأجر فى مجلس العقد يؤدى الى الشبه ببيع الدين بالدين، وأن ذلك يوجب بطلان العقد حينئذ نظر ضعيف للاجماع على جواز الاجارة بلا قبض ولم نر أحدا منعها أو أبطلها اذا لم يحدث فى المجلس قبض وفى الأثر من عمل بالاجارة الى أجل جاز ولو عمل ذهبا أو فضة بوزن من الذهب أو الفضة لأنه عمل لا يدخله الربا
(4)
:
5 - الاجارة - صفتها - حكمها:
الاجارة قد تكون صحيحة، وقد تكون غير صحيحة - فالصحيحة هى ما توافرت فيها جميع شروط انعقادها وصحتها وكذلك شروط نفاذها على ما ذهب اليه الشافعية ومن رأى رأيهم وغير الصحيحة خلافها، ومرد ذلك الى اختلاف اصطلاح الفقهاء فيما يعد صحيحا من العقود وما يعد غير صحيح منها فالحنفية ومن يرى رأيهم يرون أن العقد الصحيح هو ما كان سببا صالحا لترتب آثاره الشرعية عليه، وذلك عند ما يتحقق معناه وتسلم أركانه ومحله ولم يعرض له من الأوصاف ما يجعله منهيا عنه شرعا، وغير الصحيح ما كان على خلاف ذلك فأصابه الخلل بنقص بعض أركانه أو لعدم وجود
(1)
المحلى ج 8 مسألة 1290 ص 183.
(2)
تحرير الأحكام ج 2 ص 253.
(3)
شرح النيل ج 5 ص 49، 50.
(4)
شرح النيل ج 5 ص 143.
محله أو لانتفاء معناه أو لعدم سلامته مما اقتضى كراهة الشارع له فنهى عنه، غير أن الحنفية يقسمون غير الصحيح قسمين: فاسد وباطل فان كان عدم صحته لخلل فى أركانه أو محله أو لانتفاء معناه كان هو الباطل وان كان لصفة فيه كرهها الشارع فنهى عنه فهو الفاسد ويقولون أنه ما شرع بأصله لا بوصفه وغير الحنفية لا يفرقون فى الحكم بين الحالين، وعلى هذا الأساس ذهب الحنفية الى أن الاجارة قد تكون صحيحة وقد تكون فاسدة وقد تكون باطلة ولكل نوع من هذه الأنواع حكمه وذهب غيرهم الى أنها اما صحيحة واما غير صحيحة ولكل من هذين النوعين حكمه «راجع مصطلح عقد» .
الاجارة الصحيحة:
صفتها:
جمهور الفقهاء على أنها عقد لازم ما عدا بعض الإباضية وشريح وغيرهم ممن سيأتى ذكرهم فقد كان شريح يرى أنه يفيد اباحة لا ملكا والاباحة لا توصف باللزوم ولذا كان يرى جواز فسخها بلا عذر من أحد طرفيها أما من يرى لزومه من الفقهاء فيرى أنه لا يجوز لأحد عاقديه أن يستبد بفسخه وانما يفسخ باتفاقهما وهذا ما يسمى بالاقالة، ويكون لازما اذا ما خلا من الخيارات التى تجيز فسخه كخيار الشرط والرؤية والعيب انظر مصطلح «خيار» وفيما يلى بيان المذاهب فى ذلك.
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن عقد الاجارة عقد لازم فاذا اقترن القبول فيه بالايجاب تم العقد ولزم ولم يجز لأحد العاقدين أن ينفرد بفسخه متى كان خاليا من خيار الشرط أو خيار الرؤية أو خيار العيب أو غيرها من الخيارات وما يستوجب فسخه من الأعذار التى سيأتى بيانها غير أنه اذا كان مضافا كأن يؤجره داره التى فى جهة كذا ابتداء من السنة التى تلى سنة العقد فقد اختلف الحنفية فى لزومها قبل مجئ وقت اضافتها، ذهب بعضهم الى أنها تكون لازمة فلا يملك المؤجر أن يتصرف فى العين المستأجرة بمجرد تمام العقد باخراجه عن ملكه وذهب آخرون الى عدم لزومها فأجاز أن يتصرف فى العين المؤجرة بما يخرجها عن ملكه والقولان مصححان كما جاء فى الدر المختار ونقل ابن عابدين عن الخانية «لو كانت الاجارة مضافة الى الغير ثم باع من غيره قال فى المنتقى فيه روايتان والفتوى على أنه يجوز البيع وتبطل الاجارة المضافة وهو اختيار الحلوانى ثم قال: والظاهر عدم لزومها من الجانبين لا من جانب المؤجر فقط فلكل فسخها كما هو مقتضى اطلاقهم»
(1)
.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية أنها عقد لازم كالبيع متى كان العاقد لها رشيدا مكلفا سواء أكانت منجزة أم مضافة
(2)
فقد جاء فى الشرح الصغير وشرط لزومها التكليف والرشد والطوع
(3)
.
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية أنها عقد لازم كذلك فلا يستقل أحد العاقدين بفسخها.
(1)
البدائع ج 4 ص 201 والدر المختار وابن عابدين ج 5 ص 66.
(2)
الشرح الكبير والدسوقى عليه ج 5 ص 3.
(3)
ج 2 ص 232.
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة - أنها عقد لازم أيضا فقد جاء فى المغنى: والاجارة عقد لازم من الطرفين ليس لواحد منهما فسخها لأنها عقد معاوضة كالبيع سواء أكان له عذر أم لا
(1)
- ولذا يلزم مؤجر العين بتسليمها الى مستأجرها ويلزم الأجير بالعمل الذى استؤجر عليه فاذا هرب الأجير أو شردت الدابة أو هرب بها المؤجر لم تنفسخ الاجارة وانما يثبت للمستأجر خيار الفسخ فان فسخ فلا كلام وان لم يفسخ وعادت العين فى أثناء المدة كان له أن ينتفع بها ليستوفى ما بقى له واذا كانت الاجارة على عمل فى الذمة استؤجر من مال الأجير من يقوم به فان تعذر كان للمستأجر الفسخ
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ويرى ابن حزم من أهل الظاهر - أنها عقد لازم كذلك فقد جاء فى المحلى: وقد روى عن شريح والشعبى وصح عنهما أن كل واحد من طرفيها ينقض الاجارة اذا شاء قبل تمام المدة وان كره الآخر وكانا يقضيان بذلك ولا نقول بهذا لأنه عقد عقداه فى مال يملكه المؤاجر فهو مأمور بانفاذه وكذلك معاقده ما داما حيين وما دام ذلك الشئ فى ملك من أجره
(3)
.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية - أنها عقد لازم يجبر الممتنع عنه على المضى فيه والوفاء لصاحبه بما يستحقه ولا ينفسخ بموت أحدهما
(4)
.
وجاء فى شرح الأزهار: - ان الأصم وابن علية والنهروانى والقاسانى يرون أنها عقد غير لازم
(5)
.
مذهب الإمامية:
يرى الشيعة الإمامية - أنها عقد لازم أيضا فقد جاء فى تحرير الأحكام
(6)
: وهى عقد لازم من الطرفين ولا يبطل الا بالتقايل أو أحد الأسباب الموجبة للفسخ كوجود عيب فى الأجر المعين أو فى العين المستأجرة أو افلاس المستأجر له ولا تنفسخ بالأعذار.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: هل عقد الاجارة لازم كالبيع والرهن سواء قبضت الأجرة أم لم تقبض شرع فى العمل أم لم يشرع فيجبر لذلك الأجير على العمل والمستأجر على نقد الأجرة؟ هذا هو الظاهر بالنظر الى القياس على سائر العقود وللأمر بالوفاء بالعهود، وقيل هو جائز - أى غير لازم - ولكل من العاقدين الرجوع فيه ولو بعد قبض الثمن والدخول فى العمل ما لم يتمه وهو ظاهر قول أبى زكريا فى كتاب الأحكام وقيل اذا قبضت الأجرة لزم العقد ولو لم يدخل فى العمل ويجبر حينئذ على العمل وقيل اذا دخل فى العمل لزم العقد ولو لم ينقد الأجرة وقيل اذا دخل فى العمل ونقد الأجرة لزم.
وفى الديوان: فتحصل فى عقد الاجارة انه لازم مطلقا أو جائز مطلقا وهو المعمول به فى بلادنا أو لازم بالشروع فى العمل أو
(1)
المغنى ج 6 ص 20.
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 309.
(3)
ج 8 ص 188.
(4)
التاج المذهب ج 2 ص 112، 119.
(5)
شرح الأزهار ج 3 ص 248.
(6)
ج 2 ص 231.
بالشروع فى العمل مع قبض الأجر أو لازم بالقبض ولو بلا شروع أقوال ثم قال والصحيح عندى القول باللزوم مطلقا
(1)
.
حكمها:
مذهب الحنفية:
الاجارة اما صحيحة واما فاسدة واما باطلة.
حكم الصحيحة:
اذا ما استوفت الاجارة شروط نفاذها فنفذت ترتب عليها آثارها الآتية، وقبل ذكر هذه الآثار نلخص ما ذكره الحنفية فى حكم الاجارة المطلقة فقد قالوا ان حكمها لا يثبت بنفس العقد لأن العقد فى حق الحكم ينعقد على حسب حدوث المنافع فكان العقد فى حقه مضافا الى حين حدوث المنفعة فيثبت حكمه عند ذلك، ولأن المنفعة لا تحدث فى وقت واحد بل تحدث متجددة بتجدد الزمن كان ثبوت الحكم أيضا على هذا الوضع وكان عقد الاجارة بمثابة عقود متجددة بتجدد المنافع والزمن ومن ثم لم يكن لمستأجر العين اذا ما أخر مالكها تسليمها اليه فلم يسلمها الا بعد مضى بعض المدة أن يمتنع عن تسلمها فى باقى المدة للانتفاع بها الا اذا ترتب على ذلك ضرر بأن كان له غرض صحيح فى انتفاعه بالعين فى الجزء المنقضى من المدة
(2)
.
أما الآثار التى وعدنا بذكرها فهى.
أولا - تسليم البدلين - المنفعة والأجر - أما تسليم المنفعة التى هى محل العقد فانه يتم بتسليم العين التى وقع عليها العقد أو التى تطلب منها المنفعة فى اجارة الأعيان كما فى اجارة الدور والدواب والآلات والثياب وتقوم التخلية بين العين وبين المستأجر مقام تسليمها اليه حيث لا يكون مانع من أن يتسلمها تسلما يؤدى الى الانتفاع بها كما يتم أيضا بتسليم العين محل العمل المستأجر عليه منفذا فيها العمل فى اجارة الأجراء المشتركين وبتسليم الأجير الخاص نفسه فى اجارة الأجراء الوحديين - أى الخاصين - ويجب أن يتم ذلك اثر العقد اذا ما كانت الاجارة منجزة ولم يكن فيها خيار شرط فان كانت مضافة وجب ذلك الأثر عند مجئ الوقت الذى أضيفت اليه وان كان فيها خيار شرط وجب عند انتهاء الخيار ويكون تسليم محل العقد وهو المنفعة ابتداء على الوجه الذى شرحناه متى لم يكن هناك شرط بتعجيل الأجرة أما اذا شرط تعجيل الأجرة فلا يحق ذلك التسليم الا بدفع الأجرة فعلا
(3)
.
وأما تسليم الأجرة فان كان هناك شرط بتعجيلها أو بتأجيلها لزم فلا تسلم الا فى موعدها على حسب الشرط فاذا شرط تعجيلها وجب البدء بتسليمها الى المؤجر وكان له أن يمتنع من تسليم العين المطلوبة منفعتها كما يكون للأجير أن يمتنع من العمل حتى تؤدى الأجرة اليهما تنفيذا للشرط لأنهما لما شرطا تعجيل
(1)
شرح النيل ج 5 ص 99، ص 143.
(2)
البدائع ج 4 ص 179.
(3)
بدائع ج 4 ص 204.
الأجرة لزم اعتبار شرطهما لحديث: المسلمون عند شروطهم، وتملك المؤجر أو الأجير البدل كما قدمنا وجاز تصرفه فيه بالهبة والابراء والشراء وبكل تصرف يملكه البائع فى الثمن واذا شرط تأجيلها صح الشرط ووجب على المؤجر أن يسلم الى المستأجر ما وقع العقد عليه دون أن يكون له حق فى طلب الأجرة الا حين يحل وقت دفعها كما يجب على الأجير العمل كذلك دون طلب للأجرة ويلاحظ أن شرط التعجيل فى الاجارة المضافة شرط فاسد على ما بيناه سابقا لمخالفته لمقتضى العقد وانه لذلك يكون مفسدا للعقد، اما اذا لم يكن فى العقد شرط يقضى ذلك فكان العقد مطلقا فان الأجرة يجب تسليمها حينئذ عند استحقاقها للمؤجر أو للأجير وهى لا تستحق الا بتملكها وذلك ما سيأتى بيانه فيما يلى. وعندئذ يجب البدء بتسليم ما وقع عليه العقد فيجب على المؤاجر تسليم العين المستأجرة ويجب على الأجير تسليم نفسه أو الوفاء بالعمل المطلوب منه وهذا اذا كانت الاجارة منجزة أما اذا كانت مضافة فلا يتأتى فيها اشتراط التعجيل للأجرة لما مر وانما يصح فيها التأجيل الى ما بعد انتهاء الاجارة أو الاطلاق وفى هذين الحالين يكون حكم تسليمها هو نفس الحكم فى الاجارة المنجزة عند التأجيل أو الاطلاق.
ثانيا - ملك المنفعة والأجرة، أما ملك المنفعة فلا يجب بالعقد وحده لأن المنافع معدومة والمعدوم لا يملك وانما يتحقق بالعقد عند استيفائها لأن ذلك هو وقت وجودها فكلما استوفى المستأجر قدرا من المنافع تملكه ولهذا كان حكم عقد الاجارة بالنسبة للتملك مرجأ الى وقت الاستيفاء سواء فى المنجزة والمضافة - أما ملك الأجرة فانما يثبت عند تملك المنفعة أو عند تعجيلها أو عند اشتراط تعجيلها فالأجرة عند الحنفية لا تملك بالعقد الا بأحد معان ثلاثة، أحدها: شرط تعجيلها فى العقد ثانيها: تعجيلها من غير اشتراط ثالثها: استيفاء ما يقابلها وهو المعقود عليه.
فأما تملكها باستيفاء ما يقابلها من المعقود عليه فلأن عقد الاجارة عقد معاوضة ومقتضى المعاوضة المطلقة عدم ثبوت الملك فى أحد العوضين دون الآخر فاذا لم يثبت فى أحدهما لم يثبت فى الآخر اذ لو ثبت فيه لم تكن المعاوضة حقيقة اذ لا يقابله حينئذ عوض والمساواة فى عقود المعاوضات مطلوبة للعاقدين ولا مساواة الا بثبوت الملك فى العوضين فى وقت واحد ولما كانت المنفعة معدومة عند انشاء العقد ولم يثبت الملك فيها عند انشائه لذلك لم يثبت أيضا فى الأجرة فى الحال كدين فى ذمة المستأجر ان كان الأجر غير عين كما يثبت فيها فى الحال ان كانت عينا تحقيقا للمساواة التى هى مقتضى المعاوضة - وقد كان أبو حنيفة يقول أولا ان الأجرة لا تجب الا بعد مضى مدة الاجارة ان كان هناك مدة أو بعد استيفاء المنفعة ان لم تكن مدة وهو قول زفر ثم رجع فقال انها تجب يوما فيوما عند وجود مدة أو حالا فحالا عند الاستئجار على قطع المسافات وهكذا، وذكر الكرخى أنه تسلم أجرة كل مرحلة اذا انته اليها فى قطع المسافات وهو قول الصاحبين ووجه قول الامام الأول أن منافع المدة أو المسافة من حيث أنها معقود عليها شئ واحد فما لم يستوفها كلها لا يجب شئ
من بدلها كمن يستأجر خياطا ليخيط له ثوبا فخاط بعضه فلا يستحق الأجر حتى يخيطه كله ووجه قوله الثانى وهو المشهور أن ملك البدل وهو المنفعة انما يحدث على حسب حدوثها شيئا فشيئا فكذلك ما يقابله وهو الأجر ومقتضى هذا أن تسليم الأجر يجب ساعة فساعة الا أن ذلك متعذر فاستحسن فقال يوما فيوما ومرحلة فمرحلة لأنه أيسر وعن أبى يوسف فيمن استأجر بعيرا الى مكة أنه عليه من الأجر ثلث الطريق أو نصفه اذا بلغ ذلك استحسانا ووجهه أن السير الى ثلث الطريق أو نصفه منفعة مقصودة فى الجملة فاذا وجد ذلك القدر لزمه تسليم بدله وعلى هذا يخرج ما اذا أبرأ المؤاجر المستأجر من الأجر أو وهبه له فانه لا يجوز فى قول أبى يوسف عينا كان الأجر أو دينا وقال محمد ان كان دينا جاز ووجه قول أبى يوسف ان الأجر لم يملكه المؤاجر بمطلق العقد الخالى من شرط التعجيل ولا ابراء عما ليس بمملوك للمبرئ وكذلك لا تصح الهبة اذ هبة غير المملوك للواهب غير صحيحة ووجه قول محمد ان الابراء لا يصح الا بقول من المبرأ فاذا قبل المستأجر فقد قصدا صحة الابراء ولا صحة له الا بثبوت الملك فيثبت له الملك بمقتضى التصرف تصحيحا له وأيضا الابراء اسقاط واسقاط الحق بعد وجود سبب الوجوب جائز كالعفو عن القصاص بعد الجرح المؤدى الى الموت وسبب الوجوب هنا موجود وهو العقد ولو أبرأه عن بعض الأجرة جاز فى قولهما أما على أصل محمد فانه يجوز ابراء الكل فأولى أن يجوز الابراء من البعض وأما على أصل أبى يوسف فلأن ذلك حط من الأجرة فيلحق بأصل العقد وحط الكل لا يمكن الحاقه بأصل العقد ولا سبيل الى تصحيحه للحال لعدم الملك واذا كانت الأجرة عينا من الأعيان ووهبها المؤجر للمستأجر قبل استيفاء المنافع لم يكن ذلك نقضا لعقد الاجارة عند أبى يوسف وذلك لعدم صحة الهبة لعدم الملك فالتحقت بالعدم وقال محمد ان قبل المستأجر الهبة بطلت الاجارة وان ردها لم تبطل ذلك لأن الأجرة اذا كانت عينا كانت فى حكم المبيع وما يقابلها فى حكم الثمن والمشترى اذا وهب المبيع قبل القبض من البائع فقبله يبطل البيع كذا هنا أما اذا رد المستأجر الهبة لم تبطل الاجارة لعدم تمام الهبة فاذا ردت التحقت بالعدم هذا اذا وقع العقد خاليا عن شرط تعجيل الأجرة فاما اذا شرط فيه تعجيلها فانها تملك بالشرط ووجب التعجيل وذلك لأن ثبوت الملك فى العوضين فى زمن واحد واجب لتحقق معنى المعاوضة المطلقة وتحقيق المساواة التى هى مطلوب العاقدين فاذا شرط التعجيل لم تكن المعاوضة المطلقة هى المطلوبة بل المطلوب معاوضة معتبرة بشرط التعجيل فيجب اعتبار شرطها لقوله صلى الله عليه وسلم. المسلمون عند شروطهم فثبت الملك فى العوض قبل ثبوته فيما يقابله وللمؤجر حينئذ حبس ما وقع عليه العقد حتى يستوفى الأجرة ذكره الكرخى فى جامعه لأن المنافع فى باب الاجارة كالمبيع فى باب البيع والأجرة فى الاجارة كالثمن فى البيع وللبائع حبس المبيع الى أن يستوفى الثمن فكذلك للمستأجر حبس المنفعة الى أن يستوفى الأجرة المعجلة فان قيل لا فائدة فى هذا الحبس لأن الاجارة اذا وقعت على مدة فحبست فيها المنفعة بطلت الاجارة فى تلك المدة ولا شئ فيها من الأجر
فلم يكن الحبس مفيدا فالجواب ان الحبس يفيد من ناحية أنه مصاحب بطلب الأجرة فاما أن يعجل واما فسخ العقد على أن هذا لا يلزم عند ما تكون الاجارة على المسافة اذ لا يبطل العقد هنا بالحبس واذا شرط فى عقد الاجارة أن لا تسلم الأجرة الا بعد انقضاء مدة الاجارة أو بعد الاستيفاء فهو جائز لأنه شرط صحيح موافق لمقتضى العقد أما اذا عجل الأجرة من غير شرط فلأنه لما عجل فقد غير مقتضى مطلق العقد وله هذه الولاية لأن تأخيرها ثبت حقا له فيملك ابطاله بتعجيلها كما لو كان عليه دين مؤجل فعجله وبالاضافة الى هذا فان تعجيل الحكم قبل الوجوب وبعد وجود سببه جائز كتعجيل الكفارة بعد الجرح المؤدى الى الموت.
وعلى الجملة فعقد الاجارة ان كان مطلقا عن شرط التعجيل والتأجيل وجب على المؤجر تسليم العين ابتداء وعلى الأجير الخاص تسليم نفسه وعلى الأجير المشترك الوفاء بالعمل لأن الأجرة لا تجب بالعقد المطلق أما ان تضمنت شرطا بتعجيل الأجرة أو تأجيلها فانه يلزم ذلك وعند اشتراط التعجيل يكون للمؤجر أن يمتنع عن تسليم العين المستأجرة حتى يستوفى الأجرة وللأجير الخاص أن يمتنع عن تسليم نفسه وللأجير المشترك أن يمتنع عن ايفاء العمل حتى تؤدى الأجرة وعند شرط التأجيل لا يجب تسليم الأجرة الا عند انقضاء الأجل
(1)
.
واذا حدث بعد ابتداء الاجارة ما يحول بين المستأجر وبين انتفاعه بمقتضى عقد الاجارة بسبب ليس من قبله كغصب العين أو مرض الأجير أو انقطاع ماء رى الأرض فان الأجرة تسقط مدة عدم الانتفاع فضلا عن أن ذلك يعد عيبا يوجب خيار الفسخ لمن أصابه الضرر وهذا أصل عام عند الحنفية ومحل اتفاق بينهم وبين غيرهم من الفقهاء
(2)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن عقد الاجارة انما يفيد معاوضة بين المنافع وبدلها وان المنافع لا تحدث مرة واحدة بل تحدث جزءا فجزءا بحسب ما يقبض منها وما يحدث بحدوث الزمن وعلى ذلك فلا تتحقق المعاوضة بين المنافع وبدلها الا على هذا الأساس ولذا لا يملك الأجر الا على حسب ما يقبض من المنافع الا أن يكون هناك ما يوجب تقديم قبض عن شرط أو غيره.
وعلى ذلك فمذهب المالكية يقارب مذهب الحنفية فيما يترتب على عقد الاجارة من الملك فى البدلين وفى الشرح الكبير للدردير ان الأصل فى ثمن المبيع هو الحلول والأصل فى الأجرة التأجيل الا فى مسائل قاله ابن القاسم وقد ذكرنا فيما مضى ان الأجر قد يكون معينا وقد يكون غير معين وفى كلا الحالين قد يكون فى مقابلة منافع معينة أو مضمونة فى الذمة وفى كل اما أن يحدث من المستأجر أو الأجير شروع فيها أم لا وفى كل اما أن يشترط فى العقد تعجيل
(1)
البدائع ج 4 ص 179 الى ص 203.
(2)
تحفة المحتاج ج 3 ص 519.
الأجر أو لا يشترط واذا لم يشترط فقد يكون العرف جاريا بتعجيله أو لا يكون فيه عرف فهذه أحوال بينا فيها جميعها الحكم بالنظر الى صحة العقد وفساده بناء على تعجيل الأجرة وعدم تعجيلها وذلك فيما سبق وذكرنا أنه اذا لم يكن الأجر معينا ولم يشترط تعجيله ولم يجر بذلك عرف ولم تكن المنفعة التى تقابله مضمونة لم يجب فى هذه الحال تعجيله واذن فيجب مياومة فى مثل كراء العقار والرواحل والأوانى والأدوات والعمال للخدمة فكلما استوفيت منفعة يوم أو جزء من الزمن معين أو تمكن من استيفائها لزم ما يقابلها من الأجر.
أما فى الصانع والأجير على عمل فلا يستحقان الأجرة ولا يملكانها الا بالتمام فقد جاء فى المدونة اذا أراد الصناع أو الأجراء تعجيل أجورهم قبل الفراغ من العمل وامتنع المؤجر حملوا على المتعارف بين الناس فى ذلك فان لم يكن للناس سنة ولا عرف لم يقض لهم بشئ الا بعد الفراغ من العمل أما فى غير ذلك فيقضى بقدر ما مضى وقد تقدم تفصيل ذلك وبيانه ونتيجة ذلك أن عقد الاجارة عند المالكية عند ما يكون صحيحا يفيد ملك الأجرة فى الحال وذلك فى الأحوال التى يجب لصحة العقد فيها تعجيل الأجرة سواء أكان ذلك نتيجة شرط أو عرف وكذلك فيما تعجل فيه الأجرة فعلا ولا يترتب عليه فى غير هذه الأحوال عند ما يكون صحيحا الا أجرة ما بقى من عمل أو زمن وذلك فى غير الصناع والأجراء أما فى عقودهم فان الأجرة لا تملك ولا تستحق الا بتمام العمل ما لم يكن شرط أو عرف بالتعجيل فيفيد العقد الملك عند ذلك فيما شرط أو تعورف تعجيله وعلى أساس ملك الأجرة تملك المنفعة
(1)
.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أن عقد الاجارة يفيد ملك المنفعة المعقود عليها والأجر فى الحال بمجرد انعقاده وبه يملك المؤجر الأجر فى الحال سواء أكان الأجر دينا أم عينا وسواء أكان الدين مؤجلا أم غير مؤجل غير أن المؤجر لا يستحق استيفاء الأجر الا بتمكين المستأجر من الانتفاع أو بانتفاعه فعلا ويتحقق التمكين بتسليم العين المستأجرة الى المستأجر فاذا تسلمها وظلت تحت يده الى انتهاء مدة الاجارة ان كان لها مدة أو بقيت معه المدة التى تمكنه من الانتفاع بها الانتفاع المعقود عليه استقرت الأجرة دينا فى ذمته وان لم ينتفع فعلا وكذلك الوضع فى استئجار الأجير تثبت الأجرة دينا فى ذمة المؤجر بمجرد العقد ولا يستحق الأجير قبضها الا بمضى المدة ان كان خاصا أو ما يعمل ان كان مشتركا وهذا اذا لم تكن الأجرة عينا فان كانت عينا تملكها المستأجر أو الأجير فى الحال أيضا ويكون ملك الأجرة ملكا مراعى، بمعنى أنه كلما مضى جزء من الزمن على وجه السلامة بأن بدلها من الأجر قد استقر باستيفاء ما يقابلها. وكما تملك الأجرة بالعقد وتستقر فى ذمة المستأجر بتمكنه من الانتفاع وان لم ينتفع فعلا تملك المنفعة أيضا به فى اجارة العين واذا نص فى العقد على تعجيل الأجرة أو تأجيلها لزم ذلك واذا لم ينص على ذلك
(1)
البداية لابن رشد ج 2 ص 188 والشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج 4 ص 4.
ولم يكن عرف كانت معجلة كالتى فى البيع - ويلاحظ أن الأجرة اذا كانت عينا لم تقبل التأجيل واذا كانت الأجرة دينا بدأ المؤجر بتسليم العين الى المستأجر
(1)
كما فى البيع.
(انظر مصطلح: بيع)
ووجه ما ذهب اليه الشافعية ان عقد الاجارة انما هو عقد معاوضة كعقد البيع المنفعة فيه كالمبيع فى البيع والأجر فيه كالثمن فاذا ما انعقد انعقد على المعاوضة بين البدلين فأفاد الملك فيهما كما فى البيع.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى لابن قدامة ان الاجارة اذا تمت وكانت على مدة فان المستأجر يملك المنافع المعقود عليها الى تلك المدة ويكون حدوثها على ملكه وبهذا قال الشافعى وقال أبو حنيفة تحدث المنافع على ملك المؤجر ولا يملكها المستأجر بمجرد العقد واستدل لمذهب الحنابلة بأن الملك عبارة عن حكم يترتب عليه تصرف مخصوص وقد كانت هذه المنفعة المستقلة ملكا لمالك العين يتصرف فيها كتصرفه فى العين فلما أجرها صار المستأجر مالكا للتصرف فيها كما كان يملكه المؤجر فثبت أنها كانت ملكا لمالك العين ثم انتقلت الى المستأجر - وكذلك يملك المؤجر الأجرة بمجرد العقد اذا أطلق ولم يشترط المستأجر أجلا كما يملك البائع الثمن بالبيع وقال مالك وأبو حنيفة لا يملكها بالعقد ولا يستحق المطالبة بها الا يوما فيوما أو اذا اشترط تعجيلها وجه قولنا أن الأجر عوض أطلق ذكره فى عقد معاوضة فيستحق بمطلق العقد كالثمن والصداق وأما اذا كانت الاجارة على عمل فان الأجر يملك بالعقد أيضا ولكن لا يستحق تسليمه الا عند تسليم العمل قال ابن أبى موسى، من استؤجر لعمل معلوم استحق الأجر عند ايفاء العمل وان استؤجر فى كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل يوم عند تمامه وقال أبو الخطاب الأجر يملك بالعقد ويستحق بالتسليم ويستقر بمضى المدة وانما توقف استحقاق تسليم الأجر على العمل لأنه عوض فلا يستحق الا مع تسليم المعوض كالثمن فى المبيع وهذا بخلاف الاجارة على الأعيان لأن تسليمها جرى مجرى تسليم منافعها ومتى كان العقد على منفعة فى الذمة لم يحصل تسليم المنفعة ولا ما يقوم مقامها فتوقف استحقاق تسليم الأجر على تسليم العمل
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى ان الاجارة عقد لازم الوفاء به واجب
(3)
وهو عقد يقتضى مقابلة المنفعة بالأجر فكل ما عمل الأجير شيئا مما استؤجر عليه من العمل استحق من الأجر بقدر ما عمل فله طلب ذلك وأخذه وله تأخيره بغير شرط حتى يتم عمله أو يتم منه جملة لأن الأجر انما هو على العمل فلكل جزء من العمل جزء من الأجر وكذلك كل ما استغل المستأجر الشئ الذى استأجره فعليه من الأجرة بقدر ذلك أيضا
(4)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية الى أن الأجر يملك بالعقد ولكنه يستقر بمضى المدة أو ما فى حكمها
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 263، 322.
(2)
المغنى ج 6 ص 13 وما بعدها.
(3)
ج 8 ص 185.
(4)
المحلى ج 8 مسألة 1299.
من تسليم العمل ومعنى استقراره أنه لا ينقضى ويصير حقا تصح المطالبة به بأحد أمور ثلاثة: أحدها تعجيله قبل الوفاء بالعمل فاذا عجل صار حقا للمؤجر مستقرا لا يجوز استرداده ما لم يفسخ العقد من أصله - ثانيها اشتراط تعجيله فاذا اشترط ذلك فى العقد لزم وكان للمؤجر أن يطالب بأدائه، ثالثها تسليم العمل فى الاجارة على الأعمال أو التمكين من الاستيفاء فاذا مكن المستأجر من أن يستوفى المنفعة من دون مانع من الانتفاع استحق المؤجر الأجرة واذا استوفى المستأجر المنفعة فعلا استحق المؤجر الأجرة بالأولى
(1)
وكما تملك الأجرة بالعقد تملك به المنفعة أيضا عند الزيدية ويجبر الحاكم كلا من العاقدين على الوفاء بما تعاقد عليه لأنه قد لزمه بالعقد.
مذهب الإمامية:
الاجارة عقد لازم من الطرفين لا يبطل الا بالتقايل أو بأحد الأسباب المستوجبة للفسخ ويملك المستأجر المنفعة المعقود عليها بالعقد ويزول ملك المؤجر عنها ويلزمه الأجر بالتمكن من الانتفاع ولو لم ينتفع. واذا تمت الاجارة بأركانها ملك المستأجر المنافع المعقود عليها الى المدة ويكون حدوثها على ملكه لا على ملك المؤجر ويملك المؤجر الأجرة بمجرد العقد مع الاطلاق أو اشتراط التعجيل ولا يشترط فى ذلك استيفاء المنفعة ولا مضى وقتها سواء أكانت معينة كالثوب أو غير معينة واذا كانت الاجارة على عمل ملك الأجير الأجر بالعقد أيضا وهل يستحق تسلمه قبل أن يسلم العمل؟ فيه نظر فان قلنا بذلك وكان العمل فى ملك الصانع لم يبرأ من العمل ولا يستحق الأجر حتى يسلم العين محل العمل وان كان فى ملك المستأجر استحق الأجر بنفس العمل ولو استؤجر كل يوم بأجر معلوم استحق أجر كل يوم فيه واذا استوفى المستأجر المنفعة استقر الأجر وكذلك اذا سلمت العين الى المستأجر ومضت المدة من غير مانع استقر الأجر وأن لم ينتفع وكذلك اذا استؤجر للعمل ومضت مدة يمكن استيفاؤه فيها مثل أن يستأجر دابة ليركبها الى موضع معين ومضت مدة يمكن ركوبها فيها وكذلك لو بذل المؤجر العين فامتنع المستأجر من أخذها مع امكانه ومضت مدة الاستيفاء، استقرت الأجرة ففى كل ذلك يستقر الأجر
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن عقد الاجارة يفيد مقابلة الأجرة جميعها بالمنفعة المعقود عليها جميعها لا مقابلة جزء من الأجرة بجزء من المنفعة ومن ثم لا يملك المؤجر الأجرة الا بتمام استيفاء المنفعة وعلى الأجير الاتيان بالعمل أول الوقت واذن فلا يجوز أن يتصرف المؤجر فى الأجرة الا بعد تمام استيفاء المنفعة ولا الأجير فى أجرته الا بعد تمام العمل ولا يجوز أن يتصرف كل منهما فى جزء منها مقابل استيفاء جزء من المنفعة فلعل المستأجر لا يصل الى تمام الاستيفاء فكيف يجوز التصرف فى أجرة ما لم يستوف ذلك مقتضى العقد ومن الإباضية من جوز للمؤجر التصرف فى كل الأجرة قبل العمل وعندئذ يجب على المستأجر الاستيفاء وذلك
(1)
شرح الأزهار ج 3 ص 287، 288.
(2)
تحرير الأحكام ج 2 ص 254، 248، 231.
قول من قال أن عقد الاجارة لازم وان الأجرة تملك بالعقد كما يملك الثمن بالبيع واستيفاء المنفعة لازم للمستأجر بالعقد ويجبر على أداء الأجرة بالعقد كما يجبر الأجير على العمل به واختار الشيخ جواز تصرف المؤجر فيما يقابل ما تم استيفاؤه من المنفعة على أساس أن الأجرة مقابل المنفعة وانه كلما حصل جزء من الاستيفاء حصل جزء من الأجرة يجبر المستأجر على أدائه
(1)
ويجوز له التصرف فى الأجرة كلها سواء دخل فى العمل أم لم يدخل ان أخذها بضمان العمل كأن يقول ان العمل فى ذمتى التزم به ولا أعدل عنه. ومن هذا يتبين رأى الإباضية فيما يفيده عقد الاجارة من حكم.
الاجارة: الخيارات فيها:
بينا أن عقد الاجارة من عقود المعاوضات كالبيع ومن ثم كان قابلا لما يقبله البيع من الخيارات فيقبل خيار الشرط وخيار الرؤية وخيار العيب وخيار التعيين وخيار فوات الوصف على ما بين فى الخيارات (ارجع الى مصطلح خيار) غير أننا نذكر هنا ما تقتضيه طبيعة عقد الاجارة من الأحكام.
خيار الشرط:
يجوز لأى من العاقدين منفردا ولهما جميعا اشتراط الخيار فى امضاء العقد وفسخه وتفصيل القول فى ذلك يرجع فيه الى مصطلح «خيار الشرط» واشتراطه يمنع انعقاد العقد فى حق حكمه ما دام الخيار قائما لحاجة من اشترطه لنفسه الى دفع الغبن عن نفسه وعلى هذا يكون لمن له حق الخيار أن يفسخ العقد فى مدته أو أن يمضى فيه وذلك بأن يصدر منه ما يدل على ذلك من قول أو فعل أو تصرف فاذا مضت المدة دون أن يصدر منه ما يدل على فسخ أو امضاء لزم العقد وقد علمت ما ذهب اليه الحنفية من أن عقد الاجارة لا يفيد ملكا فى الأجرة ولا فى المنفعة بمجرد صدوره على الوجه الذى شرحناه وعليه فليس يترتب على العقد فى مدة الخيار الا عدم لزومه بالنظر الى من شرطه لنفسه فلا يكون لأى منهما ملك بمقتضاه واذا كان مشروطا للأجير فان خياره يسقط بشروعه فى العمل كما يسقط كذلك بالنظر الى المستأجر الذى شرط لنفسه الخيار بشروعه فى الانتفاع واذا كان مشروطا للمؤجر سقط خياره بتمكين المستأجر أو الأجير من الانتفاع أو من العمل وليس لاشتراط تعجيل الأجرة أثر عند اشتراط خيار الشرط لعدم انعقاد العقد حينئذ فى حق الحكم الا أن يسقط الخيار فيظهر أثره وتبدأ مدة العقد من وقت سقوط الخيار، ذلك ما ذهب اليه الحنفية وفى تفصيل ذلك وبيانه فى المذاهب يرجع الى مصطلح خيار الشرط. غير أن مما يختص بعقد الاجارة من أحكام خيار الشرط ما ذكره الزيدية.
فى شرح الأزهار وحاشيته ما حاصله
(2)
أن عقد الاجارة اذا تضمن اشتراط الخيار فقد تجعل مدته من مدة الاجارة وقد تجعل قبل ابتداء مدة الاجارة وقد لا ينص على شئ من ذلك فاذا جعلت مدته قبل مدة الاجارة كأن يستأجر شخص دارا شهر كذا وله الخيار ثلاثا من آخر الشهر السابق عليه
(1)
شرح النيل ج 5 ص 103.
(2)
ج 3 ص 257.
فعلى رأى من يرى صحة اضافة الاجارة صح العقد والشرط. وعلى رأى من يرى عدم صحة الاجارة المضافة لم يصح العقد.
واذا جعلت مدته من مدة الاجارة بان جعلت مدة الخيار ثلاثة الأيام الأولى من مدة العقد وكان شرط الخيار للمؤجر فصدر من المؤجر فيها ما يدل على فسخه العقد انفسخ كأن يسكن المؤجر الدار فى المدة وذلك لاعراضه عن العقد بذلك. وان كان شرط الخبار فيها للمستأجر صح العقد والشرط وكان له الخيار فى تلك المدة ويسقط خياره بسكناه فيها على قول لدلالة ذلك على امضائه العقد وقيل لا يسقط خياره بذلك لأن الخيار قد جعل له ليتروى ولا بد له من مدة يتروى فيها قبل امضائه العقد والتزامه به ولم يجعل له هذا الحق الا فى مدة العقد التى جعل له فيها حق الانتفاع بمقتضاه وعلى ذلك يكون اقدامه على السكنى أمرا متفقا عليه نتيجة اشتراط الخيار فلا يعد دليلا على الرضا فاذا أمضى العقد مع ذلك كان عليه أجر المدة كلها وان فسخ لم يلزمه الا أجر مدة انتفاعه ان انتفع.
وان أطلق اعتبرت الثلاث من مدة الاجارة لابتدائها عقب العقد ان سكن فيها المستأجر وان لم يسكن لم يبدأ العقد الا بعدها قيل وفى هذا نظر اذ يلزم من ذلك فساد الاجارة لجهالة المدة اذ عند انشاء العقد لا يعلم هل ابتدأت مدته اثره أم بعد أيام الخيار ويحتمل أن يقال انه عند الاطلاق تكون مدة الخيار من مدة العقد كما يحتمل أن يقال ان العقد لا يستقر حتى تمر مدة الخيار فتبدأ المدة من آخر مدة الخيار.
خيار الرؤية
يرى الحنفية أنه يمنع لزوم العقد بعد تمامه ولا يحول دون نفاذه وترتب أثره عليه ولا يحتاج الفسخ بسببه الى قضاء أو رضا ويترتب عليه أثره بقول صاحبه فسخت ويثبت فى عقد الاجارة للمستأجر اذا استأجر من الأعيان ما لم ير كما يثبت كذلك للأجير المشترك فى كل عمل يختلف باختلاف المحل اذا لم ير المحل قبل العقد
(1)
فيكون له بعد تمام العقد أن يفسخه بما يفيد ذلك من قول أو فعل. ذلك ما ذهب اليه الحنفية والشيعة الجعفرية وفى بيان أحكامه على التفصيل وثبوته فى عقد الاجارة اختلاف فى المذاهب بيانها فى مصطلح خيار الرؤية.
خيار العيب
يثبت للمستأجر خيار الفسخ بسبب العيب باتفاق المذاهب سواء أكان العيب قديما قبل انشاء عقد الاجارة أم حدث بعده قبل ابتداء الانتفاع أم بعد ابتدائه اذ أنه فى هذه الأحوال جميعها يفوت به غرض المستأجر وبفوات غرضه يزول ما يجب فى المعاوضة من توافر التراضى المبنى على التعادل بين البدلين فى زعم الطرفين ورأيهما ولما لو حظ فى عقد الاجارة من تجدد المبادلة واستمرارها طيلة مدته وما يتبع ذلك من استمرار التعادل والتكافؤ بين البدلين كان انعدامها بالعيب الحادث سببا فى ثبوت الخيار بخلاف البيع لانتهاء المبادلة فيه بانتهاء الايجاب والقبول. والمراد بالعيب ما يوجب
(1)
الدر المختار وابن عابدين ج 4 ص 70، ج 5 ص 53، ط الحلبى، وتحرير الأحكام ج 2 ص 231.
نقص أجر مثل العين المستأجرة أو ما يفوت به غرض المستأجر والغالب عدمه فى العادة
(1)
مما يضر بالانتفاع. والعيب فى عقد الاجارة نوعان: نوع يترتب عليه انعدام الانتفاع كلية. ونوع يترتب عليه نقصه.
وما يترتب عليه انعدام الانتفاع سواء أكان قبل ابتدائه وقبل التمكن منه أم حدث بعد ابتداء العقد وفى أثناء الانتفاع ينفسخ به العقد دون حاجة الى قيام المستأجر بفسخه كما تفيدها بعض الروايات عند الحنفية فقد جاء فى اجارة الأصل لمحمد بن الحسن اذا سقطت الدار كلها كان لمستأجرها أن يخرج منها سواء أكان صاحب الدار شاهدا أم غائبا. فان هذا الحكم دليل الانفساخ حيث أجاز للمستأجر الخروج من الدار مع غيبة المؤجر ولو لم تنفسخ توقف جواز خروجه والفسخ على حضوره ووجه ذلك الحكم أن المنفعة المطلوبة من الدار قد بطلت بالسقوط اذ المطلوب منها الانتفاع بالسكنى وقد بطل ذلك وبذلك انعدم المعقود عليه فيبطل بانعدامه العقد. وجاء فى روايات أخرى ما يدل على أن العقد لا ينفسخ ولكن يثبت للمستأجر حق الخيار فى الفسخ فقد ذكر فى كتاب الصلح من الأصل اذا صالح على سكنى دار فانهدمت لم ينفسخ الصلح وروى هشام عن محمد فيمن استأجر بيتا فقبضه ثم انهدم فبناه المؤجر فقال المستأجر بعد بنائه: لا حاجة لى فيه، أنه قال: ليس للمستأجر ذلك، وكذلك لو أراد المستأجر أخذه وأبى عليه المؤجر لم يكن للمؤجر ذلك اذ أن هذا يدل على أن الاجارة لم تنفسخ ووجهه ان الدار بعد انهيارها لم تنعدم منفعتها به اذ بقى لها الانتفاع بسكناها بواسطة خيمة تضرب فيها فلم يفت بانهدامها المنفعة المعقود عليها رأسا فلم ينفسخ العقد على أنه ان فات نهائيا فقد فات على وجه يتصور عوده ولو باعادة البناء وهذا يكفى لبقاء العقد والأصل فى ذلك أن العقد المنعقد بيقين يبنى ما دام لم يفقد فائدته نهائيا بيقين اذ اليقين لا يزول بالشك. وقال القدورى: الصحيح أن العقد ينفسخ فى مثل هذه الحال لأن المنفعة المطلوبة من الدار قد بطلت وضرب الخيمة فى الدار ليس بالمنفعة المطلوبة منه ولا من الدار عادة فلا يعتبر بقاؤها لبقاء العقد.
وقال محمد فيمن استأجر رحى ماء سنة فانقطع الماء بعد ستة أشهر وأمسك الرحى حتى مضت المدة فعليه أجر ستة أشهر مدة وجود الماء ولا شئ عليه لما مضى بعد ذلك لأن منفعة الرحى قد بطلت فيه فانفسخ العقد.
وفى الأشباه أن الأجرة للأرض كالخراج على المعتمد فاذا استأجر الأرض للزراعة فأهلك الزرع آفة وجب من الأجرة ما قابل المدة قبل الاهلاك وسقط ما بعد ذلك وهذا ما اعتمده صاحب الولواجية لكن جزم فى الخانية برواية عدم سقوط شئ من الأجرة حيث قال: أصاب الزرع آفة فهلك أو غرق ولم ينبت لزم الأجر كله لأنه قد زرع فعلا ولو غرقت قبل أن يزرع فلا أجر عليه.
وذلك لانفساخ الاجارة بذلك
(2)
.
(1)
أبن عابدين ج 4 ص 79.
(2)
الدر المختار ج 5 ص 52.
وأما ما يترتب عليه نقص الانتفاع من العيوب فان العقد به يصير غير لازم فيكون للمستأجر حق الفسخ بخيار العيب فلو استأجر دابة يركبها أو دارا يسكنها فعرجت الدابة أو انهدم بعض بناء الدار فالمستأجر بالخيار ان شاء مضى على الاجارة وان شاء فسخ اذ الاجارة بيع المنافع وهى تحدث شيئا فشيئا فكان كل جزء من أجزاء المنافع معقودا عليه فاذا حدث العيب كان هذا عيبا قد حدث بعد العقد وقبل القبض فأوجب الخيار لذلك واذا أمضى المستأجر العقد فلم يفسخ كان عليه كمال الأجرة لأنه رضى بالمعقود عليه مع العيب فيلزمه البدل جميعه واذا زال العيب قبل أن يفسخ العقد بأن شفيت الدابة أو بنى المؤجر ما سقط من البناء بطل خيار المستأجر لأن الموجب للخيار قد زال والعقد قائم فيزول الخيار.
واذا كان العيب مما لا يترتب عليه اخلال ولا ضرر بالانتفاع لم يكن للمستأجر بسببه خيار اذ أن ذلك لم يمس المعقود عليه وهو المنفعة بنقص ولا يثبت الخيار الا عند نقصها وليس للمستأجر ان يفسخ عند ثبوت الخيار له الا بحضرة المؤجر لأن فسخ العقد لا يجوز الا بحضرة عاقديه أو من يقوم مقامهما فان لم يتمكن من ذلك فى حضرته رفع أمره الى القضاء
(1)
.
مذهب المالكية:
تنفسخ الاجارة بتلف العين المستأجرة ومثله فى الحكم زوال الانتفاع المعقود عليه منها وذلك لانعدام محل العقد فان نقص الانتفاع بها لعيب طرأ سواء أكان ذلك قبل ابتداء الانتفاع أم فى أثنائه كان للمستأجر خيار الفسخ بالعيب
(2)
ومن العيوب أن تكون الدابة عضوضا أو لا تبصر ومثل ذلك كل ما ينقص الانتفاع عن القدر المعتاد وفقه المسألة أن الضرر اذا كان يسيرا لم يكن له اعتبار كسقوط شرفات منزل السكنى اذ لا تنقص به السكنى واذا زاد عن ذلك بحيث يمس السكنى كقلع البلاط وسقوط البياض لزم العقد وحط من الأجر بقدر ذلك واذا ضر ضررا غير معتاد خير المستأجر بين الامضاء والفسخ.
مذهب الشافعية:
الأصح عند الشافعية أن الاجارة تنفسخ بزوال المنفعة المعقود عليها نهائيا كما فى انهدام الدار المستأجرة ولو بفعل المكترى غير أنه يلزم بالعوض وسواء فى الحكم أن يحدث ذلك قبل تسلم العين المستأجرة أم بعده واذا حدث بعد التسلم ومضى مدة يجب لمثلها أجرة انفسخت فيما يأتى بعدها من الزمن ووجب على المستأجر أجرة ما انتفع أما اذا ترتب على العيب نقص الانتفاع لا زواله لم تنفسخ الاجارة وانما يكون للمستأجر خيار الفسخ وهو على التراخى ان لم يبادر المؤجر بالاصلاح فان قام به قبل الفسخ سقط الخيار ومن العيوب الموجبة للخيار غصب العين المستأجرة وانما يكون الخيار على التراخى اذا لم يترتب عليه تفريق الصفقة والا وجب أن يكون على الفور ولا
(1)
البدائع ج 4 ص 195، 197.
(2)
الشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج 4 ص 30، 31، 42، 50.
يثبت خيار العيب فى اجارة الذمة اذ يجب فيها الاتيان بالبدل فلا يترتب على العيب نقص الانتفاع
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبين الانتفاع بها فذلك على ثلاث صور:
احداها أن تتلف العين فان كان ذلك قبل قبضها انفسخت الاجارة بغير خلاف نعلمه لتلف المعقود عليه قبل تسليمه وان كان عقب قبضها انفسخت أيضا فيما بقى من مدتها ويجب الأجر فيما مضى ان كان لمثله أجر ويسقط أجر ما بقى من المدة، ثانيا أن يحدث للعين ما يمنع نفعها فان لم يبق لها نفع أصلا فالحكم كما تقدم فى الصورة الأولى وان بقى لها نفع خلاف ما استؤجرت لأجله كدار انهدمت فان من الممكن الانتفاع بعرصتها فى وضع أحطاب أو نصب خيمة فالحكم انفساخ العقد كما تقدم أيضا لأن المنفعة التى وقع العقد عليها قد انعدمت فانفسخت لذلك الاجارة لزوال محلها وخالف القاضى فى الأرض المستأجرة ينقطع ماؤها وأثبت للمستأجر خيار الفسخ وهو منصوص الشافعى لأن المنفعة لم تبطل جملة اذ يمكن الانتفاع بعرصتها فاشبه ذلك ما لو نقص نفعها.
واذا كان النفع الباقى فى الأعيان مما لا يباح استيفاؤه بالعقد كدابة استأجرها لركوب فصارت لا تصلح الا للحمل أو بالعكس انفسخ العقد وجها واحدا لأن المنفعة الباقية لا يملك استبقاؤها مع سلامتها فلا يملك تعيبها وأما اذا أمكن الانتفاع بالعين فيما اكتراها له على ضرب من القصور مثل أن يمكنه زرع الأرض بغير ماء لم تنفسخ الاجارة لأن المنفعة المعقود عليها لم تزل بالكلية فأشبه ما لو تعيبت وكان للمستأجر خيار الفسخ الا فى الدار اذا انهدمت فان فيها وجهين أحدهما لا تنفسخ الاجارة وثانيهما تنفسخ لزوال اسمها بهدمها وذهاب المنفعة المقصودة منها، ثالثها: أن تغصب العين المستأجرة وعند ذلك يثبت للمستأجر خيار الفسخ فاذا مضت المدة ولم يفسخ كان له مطالبة الغاصب بأجر المثل عوضا عن حقه وذلك قيمة ما كان يملك بالعقد، وعلى القول بعدم ضمان منافع الغصب ينفسخ العقد بالغصب دون حاجة الى فسخه من المستأجر.
وعلى الجملة اذا اكترى عينا فوجد بها عيبا لم يكن له علم به فله فسخ العقد بغير خلاف نعلمه وان رضى به ولم يفسخ لزمه جميع الأجر ومما يوجب الخيار ان يحدث خوف عام يمنع من سكنى الدار المستأجرة أو أن تحصر البلد فيمتنع الذهاب الى الأرض المستأجرة للزرع أو انقطع الطريق فى استئجار دابة لركوبها الى محل معين وكان هو الطريق اليه أو نحو ذلك مما يحول بين المستأجر وبين الانتفاع مما لا يد له فيه
(2)
(راجع مصطلح خيار العيب فى بقية الأحكام).
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم أنه تنفسخ الاجارة بهلاك المستأجر أو بخروجه عن ملك
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 317، 319.
(2)
المغنى ج 1 ص 25، 31.
مؤاجره بالبيع أو بالهبة أو بأى وجه من الوجوه وينفذ البيع والهبة والاخراج عن الملك بأى سبب يقتضى ذلك فكل ذلك مبطل للاجارة ان حدث قبل القبض وفيما يبقى من المدة ان حدث بعده وان هذا هو قول الشعبى والحسن البصرى والثورى وغيرهم
(1)
.
مذهب الزيدية:
اذا ذهب العيب بمنفعة العين كلها كخراب الدار المستأجرة وغصبها بطل العقد قولا واحدا اذا حدث ذلك قبل القبض، وفى حدوثه بعد القبض قولان أحدهما يبطل وثانيهما يكون للمستأجر الخيار فلا يبطل الا بالفسخ وانما يبطل العقد بزوال الانتفاع بالعين لانعدام محل العقد واذا حدث بعد القبض ثم زال قبل الفسخ لم يبطل العقد على أحد القولين وعلى المستأجر الاستمرار فيه لزوال موجب الفسخ وعليه أجرة المدة التى انتفع فيها واذا أخل العيب ببعض الانتفاع كان للمستأجر فسخ العقد وعليه ترك الانتفاع فورا اذ الاستمرار فيه بعد ظهوره يعد رضا بالعيب فيبطل به الخيار وانما يجب عليه الترك فورا اذا لم يكن هناك خوف على نفسه فان خيف على النفس من الترك فورا كان له الترك على التراخى دون أن يعد ذلك رضا حتى يتمكن منه. وقيل اذا ترتب على الترك خوف ضرر بالنفس أو بالمال لم يجب فورا وانما يجب اذ يؤمن عدم الضرر بهما فاذا استأجر دابة لركوبها فظهر له عيب فيها فى أثناء الطريق وخاف على نفسه ان ترك ركوبها أو على ماله فلا يلزمه ترك ركوبها فورا فى هذه الحال بل حتى يصل بها الى حيث يأمن على نفسه وماله على القول الثانى ويجب عليه أجر انتفاعه عن مدته بعد حدوث العيب وحصة ما انتفع قبل حدوثه من الأجر المسمى وتقدير الأجر الواجب بعد حدوث العيب ان ينظر الى أجرة العين سليمة والى أجرتها معيبة وينسب الفرق بين الأجرتين الى أجرتها سليمة وعلى هذا الأساس ينقص الأجر المسمى فاذا كانت الأجرة وهى سليمة ثلاثين والأجرة وهى معيبة عشرين كان الفرق عشرة وهو ثلث الأجرة سليمة فينقص الثلث من الأجرة المسماه وعلى هذا الأساس تقدر الأجرة الواجبة
(2)
.
مذهب الشيعة الجعفرية
جاء فى تحرير الأحكام اذا استأجر دارا أو أرضا للزراعة فانهدمت الدار أو غرقت الأرض أو انقطع ماؤها فى أثناء المدة فان لم يبق فيها نفع أصلا فهى كالتالفة فتنفسخ الاجارة فيما بقى وليس للمستأجر الفسخ فيما مضى وبناء عليه اذا حدث ذلك قبل ابتداء الانتفاع انفسخ العقد ولا أجر على المستأجر وان لم يذهب العيب بجميع الانتفاع فالأقرب ثبوت الخيار للمستأجر بين الفسخ والامضاء بالجميع ولا تبطل الاجارة بدون فسخ واذا لم يختر أحدهما لجهله أو لغير ذلك كان له الفسخ بعد ذلك. ولو كان
(1)
المحلى ج 8 ص 184، 187 مسألة 1291، 1292.
(2)
شرح الأزهار ج 3 ص 263، 268، 269، 293، 298.
النفع الباقى لا يجوز له استيفاؤه بالعقد كما لو استأجر دابة للركوب فصارت لا تصلح الا للحمل أو بالعكس انفسخت الاجارة من غير فسخ واذا أمكن الانتفاع مع نقصه كأن يمكنه الزرع بغير ماء أو كان الماء ينحسر عن الأرض التى غرقت على وجه يمنع معه بعض الزرع فيخير المستأجر بين الفسخ والامضاء ولا ينفسخ العقد من تلقاء نفسه واذا كان الحادث لا يضر لم يكن للمستأجر الخيار ولو حدث العيب ببعض العين المستأجرة دون بعض خير المستأجر بين الفسخ فى الجميع أو فى البعض مع امساك الباقى بحصته من الأجرة لا بكل الأجرة.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(1)
ما يدل على أن من استأجر أجيرا فهلك أثناء مدة اجارته بمرض أو هرب أو بأية آفة بعد أن قام المستأجر بدفع أجره الى ربه عن مدة الاجارة كلها فليس للمستأجر استرداد ما يقابل بقية مدة الاجارة من الأجر المدفوع وكان عطب الأجير عليه كمن اشترى دابة فتسلمها ثم عطبت بعد تسلمها فانها تهلك عليه، وقيل: له أن يسترد من الأجرة ما يقابل المدة الباقية بحسابها واذا لم يحصل قبض للأجرة فعلى قدر العمل ان وقع من العيوب ما يمنع منه ولو بحبس ظالم كما يجب الرد ان كان امتناع العمل من جهة المؤجر، واذا انهدمت الدار المستأجرة قبل تمام مدة الاجارة وقد قبضت أجرتها أجبر ربها على بنائها واصلاحها ويسقط عنه من الأجرة ما يقابل مدة عدم الانتفاع بها ويعوض عنها أياما أخرى فان امتنع رد ما يقابل باقى مدة الاجارة على قول من الأقوال فى لزوم عقد الاجارة واذا تم البناء بعد انقضاء المدة وجب رد ما يقابل الفائت أو الاتفاق على أن يسكن مدة أخرى وقيل ان له أن يسكن مدة أخرى وليس له الاسترداد لما يقابل تلك المدة ان لم يتفقا واذا لم تقبض الأجرة فللمؤجر أجرة مدة الانتفاع فقط وترد الأعيان المستأجرة بعيب اذا كان العيب من المؤجر الا أن يشاء المستأجر فيمضى الاجارة بلا نقض وبذلك يكون له خيار العيب الا أن يرضى بالعيب فيلزمه الأجر بتمامه وقيل اذا ثبت الخيار لأحد العاقدين ثبت للآخر منهما فلا يمضى العقد الا برضاهما جميعا والا وجب فسخه وقيل ليس للمستأجر فسخ العقد بالعيب فى العين المستأجرة وانما ينقص الأجر بقدر ما يقابل العيب (ويرجع الى باقى أحكام الخيار بالعيب فى مصطلح خيار العيب.)
خيار التعيين
أجاز الحنفية فى الاجارة خيار التعين كما أجازوه فى البيع خلافا لزفر وأحمد والشافعى وذلك بأن يخير المؤجر المستأجر فى اجارة احدى عينين كما يخير البائع المشترى فى شراء احدى عينين وانما أجازوا ذلك فى اثنين أو فى ثلاثة لا أكثر مع بيان ثمن كل عين فى حال البيع - وقد اختلفوا فى اشتراط توقيته وفى اشتراط الخيار فيه حال البيع فاشترط بعضهم ذلك لصحته وخالف آخرون - راجع مصطلح (خيار التعيين فى البيع).
(1)
شرح النيل ج 5 ص 150 الى ص 160.
وقياسا على ذلك أجاز الحنفية التخيير فى الاجارة بين عينين أو ثلاث لا أكثر استحسانا كأن يقول أجرتك احدى هاتين الدارين بعشرة جنيهات لكل منهما شهريا أو هذه بعشرة والأخرى بتسعة كما أجازوا التخيير فيها بين مسافتين مختلفتين بأجرين مثل أجرتك هذه الدابة الى قليوب بخمسين قرشا أو الى امبابة بعشرين قرشا أو بين عملين كأجرتك لخياطة هذا الثوب بعشرة قروش أو هذا الثوب بخمسة عشر قرشا لا يزيد فى ذلك على أن يخيره بين ثلاثة ووجه جواز ذلك أن المؤجر خير المستأجر بين عقدين معلومين فى محلين متقومين ببدلين معلومين فكان له قبول أحد العقدين كما لو قال له ان رددت بعيرى من موضع كذا فلك خمسة قروش وان رددته من موضع كذا فلك عشرة قروش وكما لو قال له ان سرت بدابتى هذه الى موضع كذا فبثلاثين قرشا وان سرت عليها الى موضع كذا فبثلاثين درهما والمسافة واحدة وقد أجازوا هذا التخيير فى الاجارة دون خلاف بينهم فى عدم اشتراط الخيار فى العقد معه وعدم اشتراط التوقيت بخلاف البيع لأن باب الاجارة أوسع من باب البيع وكذلك أجازوا التخيير فى صفة العمل كأن يقول المؤجر ان خطت هذا الثوب بصفة كذا فلك عشرة دراهم وان خطته بصفة كذا فلك عشرون درهما كما أجازوا التخيير فى الصباغة مثل أن يقول ان صبغت هذا الثوب بكذا فلك عشرون قرشا وان صبغته بكذا فلك خمسة وعشرون فكل ذلك جائز عند الحنفية لا ضير فيه لأن الجهالة فيه لا تفضى الى منازعة وانما يفسد العقود من الجهالة ما يفضى الى المنازعة وخالف زفر فى ذلك فذهب الى فساد العقد لما فيه من الجهالة.
ولو قال المؤجر للمستأجر أجرتك هذه الدار شهرا على أنك ان عملت فيها حدادة فباربعة جنيهات وان سكنتها فبثلاثة فالاجارة جائزة فى قول أبى حنيفة خلافا لصاحبيه، وجه قولهما ان الأجر لا يجب بالانتفاع فعلا وانما يجب بالتمكين والتخلية وعند ذلك لا يدرى أيستعملها للحدادة أو للسكنى فكان البدل مجهولا بخلاف ما اذا كانت الاجارة على العمل اذ يجب الأجر به وعند البدء فيه يتعين فيتعين الأجر عندئذ وترتفع الجهالة ووجه قوله أن التخيير فى هذا العقد بين منفعتين معلومتين فيجوز كما فى التخيير بين عملين والغالب هو تعيين احدى المنفعتين عند التمكين والتخلية فكان المدار على الغالب على أنه لا جهالة فى الأجرة عند التمكين اذا لم تعين المنفعة اذ الواجب حينئذ أقل البدلين وعلى هذا الخلاف كل ما كان أجره يجب بالتسليم ولا يعلم الواجب به وقت التسليم فهو فاسد عندهما صحيح عنده وأى المنفعتين استوفى وجب أجرها واذا امسك الدار ولم ينتفع حتى مضت المدة فعليه أقل المسميين واذا خير فى العامل فقال ان خطته أنت فالأجر عشرون وان خاطه تلميذك فالأجر خمسة عشر فهو جائز وقد تقدم حكم ما اذا ردد فى الأجر فى زمنين
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب ان أجرت خياطا يخيط لك ثوبا على أنه ان خاطه اليوم فبدرهم وان
(1)
البدائع ج 4 ص 185، 186.
خاطه غدا فبنصف درهم، أو قلت له ان خطته على صفة كذا فبدرهم وان خطته على صفة كذا فبنصف درهم لم يجز اذ هو من وجه بيعتان فى بيعة فان خاطه فله أجر مثله زاد على التسمية أم نقص وقال بعض المالكية فى المسألة الأولى الا أن يزيد أجر المثل على الدرهم أو ينقص عن نصف درهم فلا يزاد ولا ينقص. وهذا كما يرى يدل على أن التخيير فى جميع صوره غير جائز فى الاجارة لأنه بيعتان فى بيعة. لكن جاء فى الدسوقى تعليقا على القول بفساد الاجارة فى الصورة الأولى: اعلم أن محل الفساد فى هذه الصورة اذا وقع العقد على الالزام ولو لاحد المتعاقدين فان وقع على أن الخيار فيه لكل منهما جاز وذلك لأن الغرر لا يعتبر مع الخيار لأنه اذا اختار أمرا فكأنه ما عقد الا عليه اذ عقد الخيار منحل.
أما دفع دراهم بعد العقد زيادة على المسمى ليسرع فى العمل فذلك جائز. وظاهر هذا أن التخيير على الحيلة فى عقد الاجارة جائز اذا لم يكن هناك الزام لاحد المتعاقدين بالعقد بل كان لكل منهما الخيار فى امضائه ومقتضى هذا أنه جائز عند المالكية مع اشتراط الخيار لكل منهما فى العقد
(1)
.
مذهب الشافعية:
نص الشافعية على أن الأجرة تملك بالعقد فاذا حصل فى العقد تخيير وترديد فأية أجرة تملك به.
وهذا يفيد عدم جواز خيار التعيين فى الاجارة عندهم ويؤيد هذا ما نقله الكاسانى عنهم
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى - ان قال ان خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم فعن أحمد فيه روايتان:
احداهما لا تصح الاجارة وله أجر المثل ان خاط وهذا مذهب مالك والثورى والشافعى واسحاق وأبى ثور، ثانيهما - تصح الاجارة لأنه سمى لكل عوضا معلوما فصح - ولو قال ان خطته روميا فلك درهم وان خطته فارسيا فلك نصف درهم ففيه وجهان بناء على التى قبلها والخلاف فيها كالخلاف فيما قبلها
(3)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية الى أن التخيير للعامل اما فى العمل مثل أن يقول على أن تخيط هذا الثوب قميصا أو قباء واما فى العين مثل أن يقول على أن تزرع هذه الأرض أو هذه، أو فى الأجرة مثل أن تقول على أن تخيط هذا الثوب بخمسة أو هذا الثوب بعشرة واما فى نوع الاستعمال فى العين المؤجرة مع الأجرة مثل أن تقول أجرتك هذا الدكان على أنك ان عملت فيه حدادا فالأجرة عشرة وان بعت فيه قماشا فالأجرة خمسة فان مضت المدة مع التخلية والخيار فيها للمستأجر ولم يفعل أيهما لزمه الأقل من الأجرين لأنه المتيقن والأصل براءة الذمة من الزائد فان فعلهما معا فالمختار أنه يلزمه أجر الثوب الأول ولا شئ له على الثوب الثانى لأن الشروع فى الأول اختيار له فلم يكن له أن يعمل الثانى. وفى مسألة الدكان يلزمه أجر ما شرع فيه من الاستعمالين
(1)
الحطاب ج 5 ص 403، والشرح الكبير ج 4 ص 7
(2)
البدائع ج 4 ص 185 والمنهج ج 3 ص 186.
(3)
ج 6 ص 87.
لتعيينه بالاختيار وفى الاستعمال الثانى أجر المثل وفى الثوبين يستحق أكثر الثمنين ولا شئ للآخر لأنه متبرع وقد يكون التخيير فى المسافة مثل أن يستأجر الدابة الى موضع كذا بكذا أو الى موضع كذا بكذا فالاجارة فى هذه الصور كلها صحيحة وان لم يشترط لأحدهما خيار فى مدة معلومة ويكون عليه أجر ما قطعه من المسافتين. أما الخيار فى الأعمال والأعيان فهو للاجير وفى مسألة الركوب ونحوه للمستأجر ولا بد من ذكر الخيار لأحدهما مدة معلومة نحو أن يقول أكريتك هذه الحانوت أو هذه ولى الخيار ثلاثة أيام أو لك فان لم يذكر خيارا معلوما فسدت الاجارة كالبيع
(1)
.
مذهب الإمامية:
اذا استأجر احدى الدارين لم يجز
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(3)
ومن استؤجر لعمل معين ان عمله فى يومه فبأربعة دراهم وان فى غيره فبثلاثة دراهم وان استأجر الدابة الى مكان كذا فبعشرة دراهم والى مكان كذا فبثمانية دراهم فقولان والمختار المنع لشبه ذلك ببيعتين فى بيعة.
(راجع مصطلح خيار).
أحوال الصيغة
قد تكون الصيغة منجزة وقد تكون مضافة وقد تكون معلقة وعلى كل قد تقترن بشروط وقد لا تقترن.
التنجيز:
تكون الصيغة لعقد الاجارة منجزة اذا لم يضف الايجاب فيها الى زمن مستقبل ولم يعلق على شرط غير موجود محتمل الوقوع كأجرتك هذه السيارة شهرا أو هذه الدار شهرا فتنشأ الاجارة عند قبول الايجاب اثر الانتهاء منه، وهو ما يراد بالتنجيز وليس ينافى ذلك ما يلاحظ فى عقد الاجارة من أنه عقد على المنافع ومن أن المنافع لا تحدث دفعة واحدة مما يستوجب أن يكون استيفاء المستأجر لحقه فى أزمان متعاقبة تجئ بعد تمام عقد الاجارة فان ذلك لا يعد اضافة فى العقد وانما هو من طبيعته وليس فى صحة الاجارة على التنجيز خلاف بين المذاهب فذلك هو الأصل فى العقود ما عدا الوصية والايصاء.
الاضافة:
تكون صيغة الاجارة مضافة اذا أضيف الايجاب فيها الى زمن مستقبل كأجرتك هذه الدار ابتداء من السنة المقبلة أو بعد يومين مثلا أو نحو ذلك فصحة الاجارة مع الاضافة محل اختلاف بين الفقهاء.
مذهب الحنفية:
فالحنفية يرون جواز اضافة عقد الاجارة فاذا أضيف الى زمن معين ابتدأ العقد بحلول ذلك الزمن ولذا يجب أن تكون بدايته معلومة فاذا كانت مجهولة فسد العقد للجهالة مثل أن يقول شخص لآخر أجرتك هذه الدار يوم ينزل المطر أو يوم تهب الرياح أو استأجرتك لعمل كذا فى أرض كذا يوم أملكها اذ لا يعلم متى يبتدئ العقد وهو
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 75.
(2)
تحرير الاحكام ج 1 ص 35.
(3)
ج 5 ص 63.
من عقود التمليكات والجهالة تفسدهما.
وفى جامع الفصولين لو قال أجرتك غدا فيه اختلاف والمختار الجواز وفيها اذا باع المؤجر أو وهب قبل مجئ الوقت المضاف اليه يفتى بجواز ما صنع وتبطل الاجارة ثم لورد المبيع على البائع بقضاء أو رجع الواهب فى هبته قبل الوقت عادت الاجارة ولكن لو عادت اليه بملك جديد لا تعود
(1)
.
مذهب المالكية:
كذلك أجازوا اضافتها فقد جاء فى الشرح الكبير للدردير
(2)
يفيد جواز استئجار أى شئ من حيوان أو غيره مدة تلى مدة أخرى باجارة سابقة لنفس الشئ المستأجر لمن استأجره ولغيره مثل أن يكون قد أجر شخص دارا لفلان مدة سنة معينة ثم يؤجرها له فى أثناء المدة سنة أخرى تلى هذه السنة أو يؤجرها لغيره مدة تلى هذه السنة.
مذهب الشافعية:
يفرقون بين اجارة الذمة واجارة الأعيان فيجوزون اضافة اجارة الذمة الى زمن مستقبل. كأن يؤجر شخص آخر ليحمل متاعه من بلدة كذا الى بلدة أخرى أول الشهر الآتى وذلك لثبوت الالتزام فى ذمة الأجير دينا عليه والدين يقبل التأجيل. أما اجارة الأعيان فلم يجوزوا فيها الاضافة فلا تجوز اجارة عين لمنفعة مستقبلة كأجرتك هذه الدار السنة المقبلة أو الشهر الآتى بعد أيام مثلا وهذا كما يرى من قبيل اضافة العقد الى زمن مستقبل. وقد استثنوا من هذا المنع بعض صور منها أن تكون الاجارة ليلا لمنفعة فى النهار التالى له ووجه الاستثناء فى هذا ظاهر اذ الليل تابع للنهار كما أجازوا اجارة أرض لزراعتها قبل ريها اذ المعنى فى ذلك تسكين المستأجر من اعدادها للزراعة وكذلك أجازوا اجارة شخص للحج عن الغير مع خروج قافلة بلده وهذا كما يظهر عن اجارة الذمة فى الواقع وكذلك أجازوا اجارة دار ببلد غير بلد العاقدين أو مشغولة بأمتعة اثر اخراجها منها بشرط عدم مضى مدة لها أجر والوجه فى هذا ظاهر أيضا وكذلك استثنوا اجارة عين لمستأجر مدة تلى مدة أخرى لو استأجر فيها هذه العين أو لموصى له بمنفعتها اذا كانت المدة تلى مدة انتفاعه بالوصية وذلك لاتصال المدتين فاشبه ما لو استأجرها مدة واحدة تساوى مجموع المدتين وقيل لا يصح ذلك أيضا كما لو أجرت لغيره. ولو قال شخص لآخر أجرتك هذه الدار سنة فاذا انقضت فقد أجرتكها سنة أخرى لم يصح لأن ذلك تعليق والاجارة لا تصح مع التعليق كما لو علق اجارتها بمجئ الشهر الآتى ولو استأجر شخص دارا من مستأجرها كان للمالك أن يؤجره للمستأجر الثانى مدة تلى مدته لأنه المستحق لمنفعتها وبه جزم صاحب الأنوار وهو مقتضى كلام القاضى والبغوى واليه مال صاحب الروضة. وفى اجارة الوارث الدار لمستأجر استأجرها من مورثه فى حياته مدة تلى مدة اجارته تردد والأقرب الجواز لأن الوارث نائب عن المورث قال الزركشى وهذا كله بشرط اتصال المدتين والا لم يصح
(3)
.
(1)
الدر المختار لابن عابدين ج 4 ص 260 طبعة الحلبى.
(2)
ج 4 ص 10 طبعة صبيح والمواق ج 5 ص 407 هامش الحطاب.
(3)
نهاية المحتاج ج 5 ص 273.
مذهب الحنابلة:
يرون جواز اضافة الاجارة الى زمن مستقبل مطلقا سواء أكانت اجارة ذمة أم اجارة عين
(1)
.
وفى المغنى: ولا يشترط فى مدة الاجارة أن تلى عقدها بل لو أجره سنة خمس وهم فى سنة ثلاث صح العقد وقال الشافعى لا يصح كما ذهب الى أنه لا يجوز أن يكترى بعيرا بعينه الا عند خروجه لذلك ولنا أن هذه اجارة يصح العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس كالتى تلى العقد وانما تشترط الأجرة على تسليم العين عند وجوب تسليمها كالمسلم فيه ولا فرق بين كونها مشغولة وغير مشغولة عند العقد الا ترى أنه يجوز أن يؤجرها من المكترى مدة تلى اجارته ولا تلى العقد واذا صح ذلك فلا بد من بيان ابتداء المدة كما لا بد من بيانه نهائيا فاذا أطلق ابتدأت من حين العقد
(2)
مذهب الظاهرية:
ويرى ابن حزم الظاهرى انه لا يجوز اشتراط تأخير الشئ المستأجر ولا تأخير العمل المستأجر له طرفة عين فما فوق ذلك لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل ومن هذا استئجار دار مكتراة أو عبد مستأجر أو دابة مستأجرة أو عامل مستأجر أو غير ذلك. كذلك قبل تمام الاجارة التى هو مشغول فيها لأن فى هذا العقد اشتراط تأخير قبضه الشئ المستأجر أو العمل المستأجر له وهذا صريح فى عدم جواز اضافة الاجارة وعدم جواز تعليقها أيضا
(3)
.
مذهب الزيدية:
والزيدية يذهبون الى عدم جواز اجارة الأعيان فى زمن مستقبل سواء أكانت مؤجرة أم لا ويرى المؤيد بالله والناصر أنها تصح مع الاضافة وقيل ان كانت مؤجرة فعلا لم تصح والا جازت اضافتها أما اجارة الذمة وهى الاجارة على الأعمال فتصح اضافتها الى وقت مستقبل
(4)
.
مذهب الإمامية:
والشيعة الإمامية أجازوا اضافة الاجارة بدليل أنهم أجازوا السلم فيها وليس الاضافة
(5)
ولكن جاء قبل ذلك فى تحرير الأحكام ولو شرط فى عقد الاجارة مدة متأخرة عن العقد قال الشيخ لم يجز العقد وقال صاحب التحرير وعندى فيه نظر وجاء فى موضع آخر فى الصفحة نفسها لا يشترط فى مدة الاجارة اتصالها بالعقد ولو أجره عن شهر المحرم وهما فى رجب صحت والخلاصة أن عندهم فى جواز اضافتها قولين كما فى شرائع الاسلام
(6)
وفى اجارة الذمة يجوز التعجيل والتأجيل لأن الالتزام فيها دين ولكن لو استأجره لخياطة ثوب فى خمسة أيام بعد شهر لم يجز ولو استأجره هذا الوقت شهرا بكذا وما زاد فبحسابه صح فى شهر فقط.
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 297.
(2)
المغنى ج 6 ص 6.
(3)
المحلى ج 8 ص 183 مسألة 1290.
(4)
شرح الأزهار ج 3 ص 267، 268.
(5)
تحرير الأحكام ج 1 ص 245، 257.
(6)
ج 1 ص 234.
مذهب الإباضية:
ويرى الإباضية كما جاء فى شرح النيل
(1)
ما يدل صراحة على جواز اضافة البيع والهبة والرهن والصدقة والاصداق بل وعلى جواز تعليقها. ومن السائغ أن يجعل ذلك دليلا على أنهم يجوزون اضافة الاجارة وتعليقها.
التعليق
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية عدم جواز تعليق الاجارة على الشرط لأنها تمليك والتعليق عندهم مفسد للتمليكات سواء أكانت فى الأعيان أم فى المنافع لأنها انما شرطت لافادة آثارها فى الحال واستثنوا من ذلك الوصية لأنها بطبيعتها عقد مضاف وذلك ما يجعله قابلا للتعليق اذ هو فى الحقيقة ضرب من الاضافة وبناء على هذا اذا أجر شخص آخر أرضه فى جهة كذا ان زوجه ابنته مثلا فالعقد فاسد
(2)
.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية عدم جواز تعليق الاجارة فقد نص القرافى فى فروقه على أن الاجارة فاسدة مع التعليق كان قدم زيد فقد أجرتك كذا
(3)
.
مذهب الشافعية:
وكذلك يرى الشافعية عدم جواز تعليقها كما نص على ذلك فى نهاية المحتاج
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى مطالب أولى النهى ولا يشترط أن تلى مدة الاجارة العقد فتصح اجارة عين لسنة خمس فى سنة أربع. وهذا ما يدل على جواز اضافة الاجارة لمعرفة ابتداء مدتها ولا يدل على جواز تعليقها لجهالة ابتداء المدة بسبب جهالة حدوث الشرط المعلق عليه ولكن جاء فى الاختيارات لابن القيم
(5)
: ومن الحكام من يرى أن الاجارة لا تجوز الا اذا أمكن الانتفاع بالعين المستأجرة عقب العقد فان أراد أن يستأجر أرضا للازدراع ذكر أنه يستأجرها مقيلا ومراحا ومزدرعا ونحو ذلك حتى تكون المنفعة ممكنة أثر العقد. وهذا يدل على عدم جواز اضافة الاجارة وتعليقها وعلى ذلك يكون فى جواز اضافتها رأيان عندهم وفى تعليقها رأى واحد هو عدم الجواز.
مذهب الظاهرية:
ويرى ابن حزم الظاهرى: عدم جواز تعليق الاجارة كما أشير الى ذلك فى حكم اضافتها عنده
(6)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: ان عقد الاجارة على وقت مستقبل لا يصح سواء أكانت العين مؤجرة أم لا وفى الابانة ان كانت مؤجرة لم تجز والا جاز وهذا فى غير الأعمال فانه يصح عقدها على وقت مستقبل مطلقا وهذا يدل على عدم صحة تعليقها اذا التعليق اجارة فى وقت مستقبل فى غير الأعمال
(1)
ج 5 ص 101.
(2)
جامع الفصولين ج 2 ص 2.
(3)
الفروق للقرافى ج 1 ص 229 طبعة دار احياء الكتب.
(4)
ج 5 ص 274 طبعة الحلبى.
(5)
مطالب أولى النهى ج 3 ص 323 والاختبارات ص 91.
(6)
المحلى ج 8 ص 183 مسألة 1290.
ولكن جاء فى حاشية شرح الأزهار: ولعل التعليق يدخل الاجارة الصحيحة فيكون الحكم لما وقع به الشرط
(1)
.
مذهب الإمامية:
مقتضى ما نقل عن الشيخ فى الاضافة عدم جواز تعليقها عنده
(2)
.
مذهب الإباضية:
مقتضى ما أشير اليه فى اضافتها أنهم يجوزون تعليقها أيضا
(3)
.
الاشتراط فى الاجارة
لكل عقد آثار شرعية رتبها الشارع عليه دون حاجة الى النص عليها عند انشائه وهذه الآثار قد لا تفى برغبات العاقدين وأغراضهما وعندئذ يحتاجان الى اشتراط فى العقد عند انشائه ما يحقق لهما ما يرغبان فيه من انشاء العقد غير أن هذه الشروط التى يرى العاقدان اضافتها اليه عند انشائه تحقيقا لغرضهما شروط متعددة مختلفة ومنها ما يتفق وما شرع لأجله العقد ومنها ما يخالف مقتضاه ويتعارض مع آثاره الشرعية لذلك لم يترك أمر الاشتراط فى العقود فوضى بدون ضوابط بل حددت لها حدود يجب ألا يتجاوزها الاشتراط وهذه الحدود تختلف سعة وضيقا باختلاف أنظار الفقهاء فأوسعهم حدودا الحنابلة والشيعة وأضيقهم حدودا الظاهرية وفيما بين ذلك سائر المذاهب على اختلاف بينها وقد جعل الحنفية منها شروطا صحيحة ومنها شروطا فاسدة ومنها شروطا باطلة. وعرفوا الشرط الصحيح بأنه ما جاء به شرع أو جرى به عرف أو جاء مؤكدا لمقتضى العقد كما عرفه الشافعية بانه ما كان فى مصلحة العقد اشتراطه وأريد به غرض صحيح واقتران عقد الاجارة وغيره من العقود بالشرط الصحيح لا يؤثر فى صحته بل يلزم الوفاء به مع العقد أما اقترانه بغير الصحيح فانه يفسده عند الحنفية اذا كان الشرط فاسدا وهو ما لم تتوفر فيه شروط الصحيح وفيه منفعة لأحد العاقدين أو لآخر غيرهما.
وجاء فى الدر المختار أن الاجارة تفسدها الشروط المخالفة لمقتضى العقد وان كل ما يفسد البيع يفسدها كجهالة المستأجر أو الأجرة أو المدة وكاشتراط اصلاح محل المنفعة أو القيام بمغارمه كما تفسد بعدم التسمية ولكن اذا كان باطلا بطل وصح العقد وفى بيان الشروط الصحيحة وغير الصحيحة وبيان أثرها اذا اقترنت بعقد الاجارة خلاف بين المذاهب يرجع اليه فى مصطلح «اشتراط أو شرط»
(4)
.
المدة فى عقد الاجارة
ذكرنا فيما سبق أن محل عقد الاجارة اذا كان منفعة ممتدة تستمر مع سير الزمن وجب لصحتها بيان مدتها لتكون معيارا وتقديرا لمحل العقد سواء أكانت تلك المنفعة عملا يقوم به عامل كالخدمة فى منزل وحراسة المنازل ورعى الأغنام ونحو ذلك وكذلك الحكم اذا كان محل الاجارة مجرد انتفاع
(1)
ج 3 ص 59، 267.
(2)
تحرير الأحكام ج 1 ص 245.
(3)
شرح النيل ج 5 ص 101.
(4)
الدر المختار لابن عابدين ج 5 ص 4 طبعة الحلبى.
ممتد يبغيه المستأجر من العين التى استأجرها كالسكنى فى المنازل والركوب فى الدواب اذا لم يقيد بمسافة معينة واللبس فى الثياب وما الى ذلك. وأما اذا كان المحل منفعة معينة محددة كاصلاح آلة ونسخ كتاب وشق طريق وبناء منزل والتوصيل الى مكان معين فلا تحتاج الاجارة الى ذكر مدة لها لتعين محلها بوصفه. ويلاحظ أنه لا فرق فى ذلك بين أن تتعلق المنفعة بعين كدار ودابة وبين أن تتعلق بشخص من الأشخاص سواء أكان أجيرا خاصا كموظف فى مصلحة أو أجيرا مشتركا كحداد وخياط وراع للغنم وحارس للمزارع غير أنه بالنسبة الى الأجير الخاص لا تعرى الاجارة عن المدة لأن العقد يقع عليها فى الواقع وبالنسبة الى الأجير المشترك قد يجب فيها ذكر المدة كما فى الراعى يرعى الغنم بكل من يطلب اليه ذلك وقد لا يجب فيها ذكر المدة كالحداد والنجار وما الى ذلك أما الأعيان فالكثير الغالب فى استئجارها أنها تستأجر بمنفعة لها تمتد مع الزمن ولذا لا تعرى اجارتها عن مدة اللهم الا اذا استأجر قلما لنسخ كتاب ففى مثل ذلك لا تتوقف صحة الاجارة على مدة واذا ما لزم فى عقد الاجارة وجب أن تكون محددة حتى تصلح معيارا ووجب بيان بدايتها فان لم يذكر لها بداية ابتدأت من وقت العقد وعند بيان بدايتها فان العقد يبتدئ من ذلك الوقت مع ملاحظة ما سبق ذكره بالنسبة الى الشافعية ومن ذهب مذهبهم وهو وجوب ابتداء الوقت فى الاجارة من وقت العقد دائما وعدم صحة اضافتها وأقل مدة تصح بها الاجارة هو ماله أجر عرفا فاما مالا يعطى فيه أجر عرفا لقصره كاستئجار دار للسكنى خمس دقائق فلا تصح معه الاجارة. ولا حد لأكثرها عند الحنفية. جاء فى الفتاوى الهندية
(1)
ويصح عقد الاجارة على مدة معلومة أية مدة كانت قصرت المدة كاليوم ونحوه أم طالت كالسنين كذا فى المضمرات واذا وقع عقد الاجارة على أشهر مثلا معدودات فان كان فى غرة الشهر وقع على الأهلة بلا خلاف حتى اذا نقص الشهر يوما كان عليه كمال الأجرة وان وقع فى أثناء الشهر احتسب ثلاثين يوما بالاجماع وكمل من أيام الشهر التالى ان كانت المدة شهرا واحدا فان كانت أشهرا معدودات ففى احتساب المدة حينئذ روايتان عن أبى حنيفة احداهما تقضى باعتبار الشهور كلها بالأيام وثانيتهما تقضى باكمال الشهر الأول من أيام آخر الشهور مع احتساب ما بين ذلك بالأشهر الهلالية وهذا اذا لم يقض العرف بخلاف ذلك فان كان العرف يقضى بارادة الأشهر الشمسية لا القمرية اعتمد العرف وارجع فى تفصيل هذه الأحكام وبيانها فى المذاهب الى مصطلح «أجل» .
واذا وجب لصحة عقد الاجارة ذكر مدة له كان الشرط فيها أن تكون مدة للعمل الذى تم عليه العقد فيها أجر عرفا فان لم يكن له فيها أجر عرفا لم تصح الاجارة لفوات شرط تقويم المنفعة محل العقد وهذا ما يحد به أقلها ولا حد لأكثرها عند الحنفية فيجوز أن تقع على سنين معدودة تعجل أجرتها أو لا تعجل على حسب ما يتم عليه العقد واستثنوا اجارة الأعيان الموقوفة
(1)
ج 4 ص 415.
فقالوا لا يجوز أن تزيد مدة الاجارة فى الضياع على ثلاث سنين وجاء فى الجوهرة ان الحكم كذلك فى أرض اليتيم وجاء فى حاشية الرملى أنه يجرى أيضا فى أراضى بيت المال وان الفتوى على ذلك صونا لها عن دعوى الملكية فيها استنادا الى طول المدة
(1)
«وارجع فى تفصيل ذلك وبيان أحكام المذاهب فيه الى مصطلح «اجارة الوقف»
مذهب المالكية:
وذهب المالكية الى أنه يجوز كراء الدار الى مدة لا تتغير فيها غالبا وينقد الأجرة عليها ذكر ذلك ابن شاش فاما ما لا يؤمن تغيرها فيه لطول المدة أو لضعف البناء وشبه ذلك فيجوز العقد دون نقد الأجرة ما لم يغلب على الظن أنها لا تبقى الى المدة المعينة فلا يجوز كراؤها اليها قال مالك لا بأس باجارة العبد عشر سنين الى خمس عشرة سنة وقال ابن يونس تجوز اجارة الدور الى ثلاثين سنة بنقد وبأجل لأنها مأمونة
(2)
.
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية
(3)
صحة عقد الاجارة فى العين على مدة تبقى فيها تلك العين بصفاتها المقصودة على ما يظن غالبا كسنة فى نحو ثوب وعشر سنوات فى الدابة ومائة سنة أو أكثر فى الأرض سواء أكانت وقفا أم لا وفى قول لا يزاد فى مدة الاجارة على سنة لأن الحاجة تندفع بذلك وفى قول لا تزيد على ثلاثين سنة لأن الغالب تغير الأشياء بعدها.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة ان سدة الاجارة لا حد لأكثرها بل يجوز اجارة العين المدة التى تبقى فيها وان طالت وهذا قول كافة أهل العلم وعند الشافعية فى ذلك قولان
(4)
.
مذهب الظاهرية:
وفى المحلى لابن حزم: وجائز استئجار الدور والدواب وغير ذلك الى مدة قصيرة أو طويلة اذا كان مما يمكن بقاء المؤجر والمستأجر والشئ المستأجر اليها فان كان لا يمكن بقاء أحدهم اليها لم يجز العقد وكان مفسوخا أبدا
(5)
.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أنه لا حد لأكثرها أيضا أما أقلها فهو ماله أجرة عرفا أو ما فى حكم ذلك كالأعمال المحصورة المعينة كالخياطة ونحوها
(6)
.
مذهب الإمامية:
وفى تحرير الأحكام للشيعة ليس لمدة الاجارة حد لأكثرها بل يجوز على ما يتفق عليه العاقدان سنة أو ثلاثين سنة أو أكثر واذا ذكرت المدة لم يجب تقسيط الأجرة فيها على الأيام أو على الأشهر أو على السنين ولو قسطت جاز.
مذهب الإباضية:
وجاء فى شرح النيل ومن شرط المدة تحديدها كيوم وجمعة وشهر وسنة لا الى أجل لا يبلغ اليه عادة كخدمة عبد ألف سنة أو
(1)
الدر المختار لابن عابدين ج 5 ص 4 طبعة الحلبى.
(2)
الحطاب والمواق ج 5 ص 407 وما بعدها والشرح الكبير ج 4 ص 12.
(3)
نهاية المحتاج ج 5 ص 302.
(4)
المغنى ج 6 ص 8.
(5)
المحلى ج 8 ص 188 مسألة 1294.
(6)
التاج المذهب ج 3 ص 72.
عشرة آلاف سنة مما لا يعاش اليه عادة أو مما يعاش اليه لكن العادة ألا يطيق تلك الخدمة من عاش اليه.
المدة فى عقد الاجارة
مذهب الحنفية:
واذا شرطت المدة فى عمل محدد معين لا يمتد كأن يستأجر شخص آخر ليخيط له هذا الثوب اليوم ونحوه قدم ذكر اليوم أو أخره فالعقد فاسد عند أبى حنيفة وعند صاحبيه العقد جائز وعلى هذا الخلاف اذا استأجر دابة لتوصله الى بلدة كذا فى ثلاثة أيام مثلا وجه قولهما ان المعقود عليه هو العمل لأنه المقصود من العقد وهو معلوم فكان ذكر المدة للتعجيل ولم تكن المدة معقودا عليها فلم يمنع ذكرها من صحة العقد فان وقع العمل فى المدة المبينة وجب الأجر كله وان لم ينته فى المدة المعينة وجب اتمامه بعد المدة بمقتضى العقد غير أنه اذا لم يتم الا بعد المدة المعينة تبين ان استحقاق المسمى لم تتوافر شروطه ووجب بذلك أجر المثل لا يزاد على ما شرط فى العقد ومعنى ذلك أن العقد يتبين فساده بانتهاء المدة قبل تمام العمل اذ أن وجوب أجر المثل دون المسمى دليل صيرورة العقد فاسدا - ووجه قول أبى حنيفة أن المعقود عليه مجهول لأن العقد تضمن أمرين كل منهما يجوز أن يكون معقودا عليه وهما العمل والمدة أما العمل فالأمر فيه ظاهر وأما المدة فلأنه لو استأجر شخصا يوما للخبازة من غير ذكر مدة جاز وحكمها مختلف لأن العقد على المدة يقتضى وجوب الأجر من غير عمل لصيرورته بذلك أجيرا خاصا والعقد على العمل يقتضى وجوب الأجر بالعمل لأنه يصير أجيرا مشتركا واذا صلح كل منهما لأن يكون محلا للعقد وليس أحدهما بأولى من الآخر فى اعتباره محلا له كان المعقود عليه مجهولا وذلك يوجب فساد العقد وليس هذا مثل الاجارة على العمل بشرط أن ينته فى يومه اذا لم يجعل الوقت فى مثل هذا معقودا عليه بل جعل صفة للعمل بدليل انه لو لم يعمل شيئا فى اليوم الأول وعمل فى اليوم الثانى استحق أجر المثل لأنه قام بعمل غير ما تم عليه العقد، ذلك ما ذهب اليه الحنفية
(1)
.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية أنه اذا جمع بين العمل والزمن فان كان الزمن مساويا للعمل بحيث يقضى العرف أو العادة باتمام العمل فيه فقد ذكر ابن رشد ان الاتفاق على المنع وفساد العقد وذكر فيه ابن عبد السّلام أن القول بعدم الجواز أحد قولين مشهورين ثانيهما عدم الفساد، وان كان الزمن أوسع من العمل عادة فقد ذكر فيه ابن عبد السّلام الاتفاق على الجواز وذكر ابن رشد فيه أنه ممنوع على المشهور وجائز على خلافه وعلى القول بالفساد فالواجب باتمام العمل أجر المثل بالغا ما بلغ
(2)
.
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية انه اذا جمع بين الزمن والعمل بأن استأجره ليخيط هذا الثوب هذا
(1)
البدائع ج 4 ص 185.
(2)
الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 12، ص 13 وحاشية الدسوقى عليه.
اليوم لم يصح العقد فى الأصح للغرر اذ قد يتقدم العمل أو يتأخر كما لو أسلم فى قفيز حنطة على أن يكون وزنه كذا حيث لا يصح السلم لاحتمال زيادته أو نقصه وذهب السبكى الى أن الثوب اذا كان صغيرا يفرغ من خياطته فى الزمن المحدد صح ولا عبرة باحتمال حصول عائق لأنه خلاف الغالب فلا يلتفت اليه وهذا اذا لم يقصد بالزمن الاستعجال بل قصد به التقدير فان قصد به الاستعجال فقط صح العقد لأنه فى هذه الحال يكون غير منظور اليه عند المتعاقدين والقول الثانى يصح العقد
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة أنه اذا جمع بين الزمن والعمل كما لو استأجر أجيرا ليخيط له هذا الثوب فى هذا اليوم لم يصح العقد لأنه قد يفرغ منه قبل انقضاء اليوم فانه استكمل فى بقية اليوم فقد زاد على المعقود عليه وان لم يعمل فقد ترك العمل فى بعض زمنه الذى تضمنه العقد وذلك غرر يفسد به العقد ولكن يصح الجمع بين المدة والعمل جعالة لأنه يفتقر فيها ما لا يفتقر فى الاجارة واذا تم العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل فى بقيتها لأنه وفى ما عليه قبل مدته فلا يلزمه شئ آخر كالمدين يقضى الدين قبل أجله وان مضت المدة قبل تمام العمل كان للمستأجر فسخ العقد لأن الأجير لم يف له بشرطه فان رضى البقاء على العقد لم يملك الأجير الفسخ لأن الاخلال من قبله وعند اختيار امضاء العقد يكون الأجير مطالبا بالعمل لا غير وان فسخ العقد كان للأجير أجر مثل ما عمل
(2)
.
مذهب الزيدية:
اذا جمع بين العمل والزمن بأن شرط المستأجر على الأجير عملا معينا فى زمن حدده كأن شرط عليه أن يوصل هذا الحمل الى بلدة كذا فى خمسة أيام فزاد عليها فسدت الاجارة واذا فعل كان له أجر المثل لا يزيد على المسمى وانما فسدت الاجارة فى هذه الحال لأنه لا يعلم محل العقد أهو العمل أم المدة.
مذهب الإمامية:
جاء فى تحرير الأحكام اذا جمع بين المنفعة والزمن كما لو استأجره ليخيط هذا الثوب فى هذا اليوم قال الشيخ لا يجوز لامكان الفعل فى أقل من ذلك الزمان أو أكثر - ويحتمل الجواز لأن الاجارة وقعت على العمل والمدة انما ذكرت للاستعجال وحينئذ ان انفرد قبل المدة لم يكن له أن يلزمه بالعمل فى باقيها والا كان للمستأجر فسخ العقد فان فسخه قبل البدء فى العمل فلا أجرة وان أتم شيئا منه كان له أجر مثله واذا اختار المستأجر الامضاء كان له الزام الأجير بباقى العمل خارج المدة لا غير وليس للأجير حق الفسخ
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه عند الجمع بين المدة والعمل فى عقد الاجارة اختلاف فقيل
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 279.
(2)
مطالب أولى النهى شرح غاية المنتهى ج 3 ص 636.
(3)
تحرير الأحكام ج 3 ص 245.
بالجواز وقيل بعدمه لأنه قد يتم العمل قبل الأجل أو بعده
(1)
.
الاجارة الصحيحة أنواعها
والاجارة ضربان: اجارة ذمة واجارة عين:
ذلك لأنها قد تقع على منفعة عين أو شخص ولهذا النوع صورتان: أولهما أن تكون هذه المنفعة مستمرة الى أمد معلوم كاجارة دار للسكنى وثوب للبس وأجير للخدمة وضابطها أن تكون منفعة مستمرة معيارها الزمن لا تقدر الا به وثانيهما أن تكون هذه المنفعة غير مقدرة بالزمن ولا يتوقف تعيينها عليه كاصلاح آلة أو حمل متاع الى مكان كذا أو شق طريق الى جهة كذا أو غزل مقدار من الصوف أو نسج مقدار من الغزل أو هدم جدار معين أو نشر خشبة - والمنفعة فى هاتين الصورتين كما يرى قد تكون منفعة عين وقد تكون منفعة شخص واذا كانت منفعة عين فقد تكون عينا معينة بالاشارة اليها أو بالتسمية والوصف كهذه الدار أو كدارك بجهة كذا وقد تكون غير معينة وانما دل عليها بأوصاف تنطبق على أعيان كثيرة تجمعها وتندرج تحتها - وفى هذه الحال الأخيرة تكون الاجارة اجارة ذمة وذلك لشغل ذمة المؤجر بتقديم هذه العين التى دل عليها بأوصافها ليستوفى منها المستأجر المنفعة التى وقع عليها العقد وذلك بخلاف الحال السابقة عليها اذ لا تشغل ذمة المؤجر بشئ وليس عليه الا أن يمكن المستأجر من العين المستأجرة والفرق بين الحالين واضح ففى الحال السابقة حال اجارة الذمة اذا قدم المؤجر العين الى المستأجر فتلفت قبل تمام المعقود عليه لم تنفسخ الاجارة وكان عليه أن يقدم عينا أخرى وهكذا حتى يستوفى ما تم التعاقد عليه
(2)
وفى الحال الأولى اذا مكن المؤجر المستأجر من العين فتسلمها ثم هلكت قبل تمام العمل انفسخت الاجارة لانعدام محلها وهو منفعة هذه العين التالفة بسبب تلفها بخلاف الحالة فى غير التعيين فان محل العقد لا يزول ولا ينعدم بتلف العين فيها اذ محلها منفعة تشغل ذمة المؤجر عليه الوفاء بها بأى عين يقدمها وهذه الحال هى ما تسمى باجارة الأعيان أو الأشياء واذا كانت المنفعة التى وقع عليها العقد منفعة شخص فقد تكون هذه المنفعة مستمرة يتوقف تقديرها على الزمن كالخدمة فى المنازل وحراسة المزرعة ورعى الأغنام وقد تكون منفعة لا يتوقف تقديرها على الزمن كاصلاح آلة وخياطة ثوب وحمل متاع الى جهة كذا وصناعة مكتب ونحو ذلك - وهذه الحال هى ما تسمى باجارة الأشخاص أو العمال والمستأجر فيها يسمى أجيرا وهو اما خاص ويقال له الأجير الواحد اذا ما قصر على العمل للمستأجر فى زمن معين كيوم أو شهر فلم يكن له أن يعمل لغيره فيه أو أجير مشترك وهو ما يجوز له أن يتقبل العمل ممن يطلبه اليه وان تعدد فى وقت واحد ومحل العقد فى الأجير الخاص هو الزمن المعين فى عقد الاجارة ولذا لم يكن عليه الا ان يسلم نفسه فيه سواء عمل أم لم
(1)
شرح النيل ج 5 ص 49، 50.
(2)
بدائع ج 4 ص 181. الشرح الكبير ج 4 ص 22 ونهاية المحتاج ج 5 ص 300 وص 301 والمغنى ج 6 ص 50
يمكن من العمل فيه ومحل العقد فى الأجير المشترك هو منفعته التى شغلت ذمته ووجب عليه الوفاء بها ولذا كانت اجارة الأجير المشترك من اجارة الذمة دائما ذلك بيان عام لأنواع الاجارة وفيما يلى بيان أحكامها.
اجارة الأعيان
مذهب الحنفية:
لقد علمت أن الاجارة لا ترد الا على المنافع فهى محل العقد أو المعقود عليه فى عقد الاجارة وهى كما يلاحظ معدومة عند انشاء العقد ولهذا يرى الحنفية اقامة الأعيان مقام منافعها فى عقد الاجارة واعتبر وجودها وجودا لمنافعها حتى يتحقق الارتباط بين المتعاقدين ومن ثم لم تصح اجارة معدوم - وبناء على ذلك اذا وقع عقد الاجارة على منفعة عين من الأعيان فقد يكون من قبيل اجارة الذمة كما قدمنا وقد يكون اجارة لعين معينة غير أن من الأعيان ما لا تتصور فيه اجارة الذمة وهو العقار لوجوب تعيينه فى عقد الاجارة.
فان كان من قبيل اجارة الذمة التزم المؤجر بموجبه أن يأتى بالعين التى تؤدى بها المنفعة محل العقد وان تكون على وفق ما تضمنه العقد من شروط وأوصاف فيها والا كان له ان يمتنع من تسلمها وليس للمؤجر أن يمتنع من تسليم العين للمستأجر حتى يؤدى اليه الأجر الا اذا كان قد شرط تعجيله اذ أنه لا يستحق الأجر بالعقد وانما يستحقه بتمكن المستأجر من الانتفاع أو باشتراط تعجيله ولذا لم يكن له الامتناع عن التسليم الا عند اشتراط التعجيل كما يلاحظ ان اشتراط التعجيل لا يصح فى الاجارة المضافة لما قدمنا وأنه يكفى فى التسليم التخلية بين العين وبين المستأجر على وضع لا يوجد معه مانع يمنعه من تسلمها والانتفاع بها وهذا اذا كان العقد خاليا من خيار الشرط أما عند ثبوت خيار الشرط فانما يجب التسليم بعد سقوطه
(1)
واذا كانت العين المستأجرة دابة وجب مع بيانها بيان من يركبها ان كانت الاجارة للركوب وما سيحمل عليها ان كانت للحمل لأن ذلك مما يتفاوت ويختلف باختلاف الناس وبيان الغاية التى استؤجرت اليها وبيان المدة والمكان الى غير ذلك مما يحدث النزاع بسبب ترك بيانه واذا كانت أرضا وجب بيان ما يزرع فيها والا فسدت الاجارة واذا كانت دارا للسكنى لم يجب بيان الساكن كما سيأتى
(2)
.
واذا مضى بعض مدة الاجارة دون تسليم للعين فأراد المؤجر تسليمها بعد مضى بعضها فليس للمستأجر أن يمتنع من تسلمها فى باقى المدة اذا لم يكن فى المدة المعينة وقت يرغب فيها لغرض فيه قد فات فان فات بتأخير تسليمها كان للمستأجر الخيار فى تسلمها وفسخ العقد لذلك
(3)
.
ويجب أن تكون العين سليمة من العيوب التى تحول دون الانتفاع بها أو تؤدى الى نقصه نقصا يفوت به غرض المستأجر والا بطلت أو كانت غير لازمة وكان للمستأجر
(1)
بدائع ج 4 ص 179.
(2)
بدائع ج 4 ص 184.
(3)
البدائع ج 4 ص 188 والدر المختار ج 5 ص 9.
خيار الفسخ كما قدمنا فى الخيار بسبب العيب
(1)
- أما الأجرة وأداؤها فعلى حسب ما اتفق عليه المتعاقدان قدرا وتعجيلا وتأجيلا اذا اختار امضاء العقد وهذه الأحكام كلها لا تختص باجارة العين التى هى من قبيل اجارة الذمة بل تثبت أيضا فى اجارة العين المعينة طلب منفعتها - ذلك ما ذهب اليه الحنفية.
مذهب المالكية:
ولم يخالف المالكية فيما ذكرنا من أحكام مع مراعاة ما فصلناه فيما سبق خاصا بالأجرة وحلولها وقبضها
(2)
ومع ملاحظة أنهم أجازوا كراء دابة أو دار أو سفينة لمدة معينة بأجر معلوم على أن المستأجر ان استغنى فى أثناء هذه المدة أو فى أثناء المسافة المعينة فى العقد كان له حق الفسخ وحاسب المؤجر وأعطاه بنسبة ما انتفع مع مراعاة الصعوبة والسهولة وتصديقه فى استغنائه لأنه أمين - أما ان استأجر ذلك على أنه اذا زاد على ذلك فبحسبانه لم يجز الا اذا عين غاية لما يريد زيادته لاشتمال التعاقد حينئذ على صفقتين فى صفقة
(3)
.
واذا وقعت الاجارة على منافع فى الذمة كأجرتك على فعل كذا فى ذمتك ان شئت فعلته بنفسك أو بغيرك أو على أن تحملنى على دوابك وجب تعجل الأجرة حتى لا يقابل دين بدين
(4)
.
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية - أنه يجب فى اجارة الذمة ان عقدت بلفظ سلم أو بلفظ اجارة وجوب تسليم الأجرة فى المجلس كما يجب تسليم رأس مال السلم فى مجلس العقد لأنها تعد حينئذ سلما فى المنافع فيمتنع فيها تأجيل الأجرة سواء تأخر العمل فيها عن وقت العقد أم لا كما يمتنع حينئذ الاستبدال بها والحوالة بها. أما فى اجارة العين كما سيأتى فيجوز فى الأجرة التأجيل والتعجيل غير أنها اذا كانت عينا معينة لم يجز تأجيلها لأن الأعيان لا تقبل التأجيل
(5)
ويشترطون فى اجارة الذمة للركوب لا للحمل ذكر جنس نوع الدابة وذكورتها وانوثتها ويوجبون على المؤجر فى اجارة الذمة الخروج مع العين ان كانت دابة ليتعهدها وليعين الراكب فى ركوبه ونزوله بحسب العرف والحاجة وعليه رفع الحمل وحطه وشده وحله وعليه الرعاية والمعونة فى غير الدابة بحسب العرف وليس عليه فى اجارة العين الا التخلية بين العين والمستأجر.
ويرون أيضا أن تقدير المنفعة بالزمن لا يتأتى فى اجارة الذمة اذا كانت الاجارة على عمل معين لأن الذى يشغل الذمة هو العمل فلا تصح الاجارة اذا قال له الزمتك خياطة هذا الثوب فى يومين مثلا
(6)
.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة - أنه يشترط استقصاء صفات السلم فى عين مستأجرة موصوفة فى
(1)
تحفة الفقهاء ج 2 ص 518.
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 11 الى 16، 22.
(3)
الشرح الكبير ج 4 ص 10.
(4)
الشرح الكبير ج 5 ص 3.
(5)
نهاية المحتاج ج 5 ص 262.
(6)
نهاية المحتاج ج 5 ص 279، 286، 298 وما بعدها.
الذمة كما يراعى ذلك فى عين معينة غائبة عن مجلس العقد لكونها غير مشاهدة ويجب قبض الأجرة فى اجارة الذمة بمجلس العقد حتى لا يصير بيع دين بدين وليس لهم أحكام مخالفة فيما سبق متعلقا بوجوب التسليم وخلو العيب من العين ونحوه ووجوب خروج المكرى مع العين كالدابة للمعونة والرعاية بحسب ما يقضى به العرف
(1)
.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية ما يراه سائر الفقهاء فى اجارة الأعيان مطلقا سواء كانت اجارة ذمة أو اجارة عين فى وجوب تسليم العين على المكرى أو التخلية بينها وبين المكترى بحيث لا يكون هناك مانع من الانتفاع بها واذا كان المستأجر أرضا للزراءة بين ما سيزرعه فيها واذا كان دابة بين ما سيركب ان كانت للركوب وما سيحمل ان كانت للحمل وتنفسخ الاجارة بالتلف اذا كانت لعين معينة ويجب الاستبدال على المكرى ان كانت اجارة ذمة دون أن يكون للمكترى خيار ويصحب المكرى العين المؤجرة بحسب ما يقضى به العرف
(2)
ويجوزون تعجيل الأجرة وتأجيلها.
مذهب الإمامية:
ويرى الإمامية وجوب تسليم العين المستأجرة على المؤجر أو التخلية بينها وبينه واذا كانت مشغولة وجب عليه تفريغها قبل ابتداء مدة الاجارة
(3)
كما يجب بيان ما يطلب منها من منفعة يترتب على عدم ذكرها نزاع
(4)
وقال الشيخ يجوز السلم فى المنافع فان ذكر العقد بلفظ السلم كان من شرطه قبض الأجرة فى المجلس وان تم العقد بلفظ الاجارة مثل أن يقول استأجرت منك ظهرا صفته كيت وكيت لكذا ففيه وجهان أحدهما اشتراط القبض فى المجلس والثانى عدم اشتراطه ولم يرجح الشيخ أحدهما.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: الاجارات وجهان:
منافع فى معين محسوس، ومنافع بذمة ففى الوجه الأول يجب رؤية ما تعلقت به المنفعة ويكفى الوصف والرؤية المتقدمة كرعى غنم أو حصد زرع أو حرث الأرض فيجب رؤية الغنم والزرع والأرض ونحوه مما يقصد اليه كخياطة هذا الثوب ونسخ هذا الكتاب وفى الثانى يكفى وصف المنفعة وتعيين مدتها ان احتاجته
(5)
.
اجارة الأعيان المعينة
مذهب الحنفية:
يترتب على استئجار العين المعينة وجوب تسليمها الى مستأجرها عقب العقد أو عند ابتدائه اذا كانت الاجارة مضافة الى زمن مستقبل وليس له أن يحبسها لقبض الأجرة الا عند اشتراط تعجيلها.
(1)
المغنى ج 6 ص 95 وما بعدها.
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 78 وما بعدها الى ص 96 والأزهار ج 2 ص 271 وما بعدها.
(3)
تحرير الأحكام ص 248.
(4)
تحرير الأحكام ص 249، 250.
(5)
النيل ج 5 ص 66.
واذا كانت العين دارا للسكنى لم يلزم لصحتها بيان من يسكنها بل تصح وان لم يذكر فى العقد بيان ما سيعمل فيها لأن بيان العرف كاف فى ذلك ولأن منافع السكنى غير متفاوته والتفاوت فيها متسامح فيه عرفا ولذا كان له أن يسكن بنفسه وأن يسكن غيره وليس له أن يفعل فيها ما يضر ببنائها كأن يسكن نجارا وحدادا أو يجعلها مدرسة بخلاف ما اذا استأجر أرضا للزراعة فان العقد لا يجوز حتى يبين ما سيزرعه فيها أو ان يشترط أن يزرع فيها ما يشاء لأن منافع الزراعة مختلفة واذا كانت مشغولة بزرع غيره لم تصح الا اذا سلمها فارغة عند ابتداء الاجارة وهذا اذا لم يكن الزرع مستحصدا فسلمها مع أمره بحصده.
ولو استأجر دابة ولم يسم ما يحمل عليها لم يجز لأن ذلك مما يتفاوت واذا تنازعا ينفسخ العقد وان مضت المدة وقد حمل عليها وجب المسمى استحسانا لتعين المعقود عليه ما لا ينته فينقلب العقد جائزا وقد كان القياس وجوب أجر المثل
(1)
ويجب فى هذه الحال رؤية العين عند العقد أو قبله بمدة لا يظن فيها التغيير ويكفى الوصف وصفا كافيا واذا لم تحدث رؤية كان للمستأجر خيار الرؤية واذا شرط فى عقد الاجارة انتفاع شخص معين وجب التقيد به فيما يختلف باختلاف المستعمل ولم يجب فيما لا يختلف بل يبطل الشرط ويصح العقد لأنه لغو من القول لعدم تحقق الغرض الصحيح من اشتراطه. وبقاء الاجارة فى هذه الحال مرتبط ببقاء العين فاذا تلفت انفسخت الاجارة وليس للمستأجر أن يطالب المؤجر باحضار بدل عنها كما هو الحال فى اجارة الذمة - ويصح فيها تأجيل الأجرة وتعجيلها - وجاز استئجار جدار للبناء عليه بشرط بيان قدره طولا وعرضا وبيان مادة البناء بخلاف اجارة الأرض فلا يشترط فى استئجارها للبناء عليها ذلك.
مذهب المالكية:
المالكية لا يخالفون فى شئ من ذلك غير أنهم يرون فى استئجار العين المعينة اذا لم يكن هناك عرف بتعجيل أجرتها أو كان هناك عرف بتأجيلها انها اجارة فاسدة ما لم يشترط فى عقدها التعجيل سواء عجلت الأجرة فعلا أم لم تعجل فان اشترط صحت الاجارة وان لم يعجل الأجر فعلا
(2)
.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية فى استئجار الدار للسكنى أنها تفسد اذا شرط فيها على المستأجر ان يسكنها وحده
(3)
ويعلق على ذلك الشبراملسى بأن ذلك اذا كان اشتراطا من المؤجر لا ان كان اشتراطا من المستأجر بأن قال استأجرتها على أن أسكنها وحدى والا صح ويرون أن استئجار الأرض للبناء يجب فيه بيان الموضع الذى سيبنى عليه بطوله وعرضه وسمك الجدار
(4)
ويشترط فى اجارة العين
(1)
تحفة الفقهاء ج 3 ص 15، 18 والدر المختار ج 5 ص 21، 24.
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 3 وما بعدها بالنظر الى بقية الفروع.
(3)
نهاية المحتاج ج 5 ص 278.
(4)
نهاية المحتاج ج 5 ص 284.
المعينة تعيينها وفى اشتراط رؤيتها الخلاف فى صحة بيع الغائب والأظهر الاشتراط
(1)
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة أنه لا يشترط فى الاجارة لركوب الدابة بيان الذكورة والأنوثة أو النوع كعربى أو برذون لأن التفاوت بسبب ذلك يسير ويشترط فى الحمل بيان المحمول وفى الحرث معرفة الأرض
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جوز ابن حزم اجارة الأشياء والأعيان اذا بين ما يقتضيه العقد من بيان كذكر المدة وبيان الشئ المستأجر وبيان المنفعة
(3)
ولا يجوز اجارة الأرض أصلا لا للحرث ولا للغرس ولا للبناء عليها ولا لشئ من الأشياء أصلا لا لمدة قصيرة ولا لمدة طويلة ولا لغير مدة مسماة ولا بدنانير ولا بدراهم ولا بشئ أصلا فمتى وقع فسخ أبدا ولا يجوز فى الأرض الا المزارعة بجزء مسمى مما يخرج منها أو المغارسة كذلك فقط أما ان كان فيها بناء قل أو كثر جاز استئجار ذلك البناء وتكون الأرض تبعا له غير داخلة فى الاجارة أصلا، برهان ذلك ما روى عن رافع أنه قال سمعت عمى وكانا قد شهدا بدرا يحدثان أهل الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض فذكر الحديث وفيه ان ابن عمر ترك كراء الأرض قال: وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين
(4)
.
مذهب الزيدية:
وكذلك يرى الزيدية فى اجارة العين المعينة وجوب وجودها فى ملك المؤجر عند العقد لأنه فى الحقيقة بائع أما المؤجر فاذا كان مؤجرا للحمل لم يلزم أن يكون المحمول موجودا فى ملكه يوم العقد اذا لم يعينه أما اذا عينه فلا بد أن يكون موجودا فى ملكه والا لم تصح الاجارة لأن العمل لا يمكن تسليمه عقب العقد واذا تلف المحمول بعد تعيينه بطلت الاجارة، وتعيين المحمول اما بالمشاهدة أو بالوصف بما يتعين به وليس للمكرى استبدال الاعيان المستأجرة الا برضا المستأجر ويجب على المكرى اذا لزم عليه السير مع المكترى عرفا وضع الحمل على الدابة وحطه ونحو ذلك مما يقضى به العرف
(5)
وهم يوافقون الحنفية فى بقية الأحكام السابقة.
مذهب الإمامية:
كل ما صحت اعارته صحت اجارته فكل عين أمكن استيفاء منفعتها مع بقائها صحت اجارتها وتجوز اجارة الأرض للزراعة دون كراهة سواء أكان ذلك بذهب أم بفضة أم بمطعوم غير خارج منها أم من جنس ما يخرج منها أما اذا استأجرها بما يخرج منها فانه لا يجوز ولا خلاف بين العلماء فى جواز استئجار العقار والدواب والأعيان المشاهدة والموصوفة ويجب فى الأعيان المشاهدة رؤية كل ما يتعلق الغرض به فان كانت دارا احتيج الى رؤيتها لتعرف سعتها وضيقها ومرافقها وهكذا
(6)
.
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 285.
(2)
غاية المنتهى ج 3 ص 583 وما بعدها.
(3)
المحلى ج 8 ص 183.
(4)
المحلى ج 8 ص 190.
(5)
التاج المذهب ج 3 ص 90 وما بعدها.
(6)
تحرير الأحكام ج 2 ص 242.
مذهب الإباضية:
جوزوا اجارة الأشياء والأعيان ما عدا الأراضى فقيل لا تجوز اجارتها ولا يجوز فيها الا المزارعة بجزء خارج ولا يجوز اجارتها بخارج منها ولا بغيره ولا بالدنانير ولا بالدراهم وقيل تجوز اجارتها بالعين ذهب أو فضة
(1)
.
يد المستأجر على العين
يد المستأجر على العين المستأجرة يد أمانة اتفاقا بين المذاهب ما دام لم يتجاوز حقه فى الانتفاع بها بمقتضى العقد وما شرط فيه ولم يخرج فى انتفاعه عن المعروف بالعرف وعلى ذلك اذا تلفت العين فى يده فى هذه الحال بلا تعد ولا تقصير فى المحافظة عليها فلا ضمان عليه أما اذا تعدى أو قصر فى المحافظة عليها فانه يكون ضامنا لما يلحق العين من تلف أو نقصان وكذلك الحكم اذا تجاوز فى الانتفاع بها حقه فيه فتلفت عند ذلك
(2)
.
وجاء فى الشرح الكبير للدردير
(3)
:
والمستأجر أمين فلا ضمان عليه إن ادعى الضياع أو التلف سواء فيما يغاب عليه وما لا يغاب عليه ويحلف ان كان متهما، ولو شرط عليه الضمان - ان لم يأت به ميتا - فلا ضمان، وتفسد الاجارة بهذا الشرط لأنه مناقض لمقتضى العقد وله أجر المثل زاد على المسمى أو نقص. واذا انقضت الاجارة بانتهاء العمل مع السلامة انقلبت الاجارة صحيحة وجاء فى التوضيح من استأجر معونا أو غيره فلا ضمان عليه فى هلاكه فى يده وهو مصدق الا أن يتبين كذبه ويحلف ان كان متهما قاله ابن القاسم وقيل يحلف مطلقا والقول قول المستأجر فى رد الشئ المستأجر الا ان يكون قد قبضه ببينة نص عليه ابن رشد، وقال ابن الحاجب والمستأجر أمين على الاصح والقول قوله فى تلف الذات التى قبضها لاستيفاء منفعتها سواء أكانت مما يغاب عليه أم لا
(4)
.
مذهب الحنابلة:
وفى المغنى
(5)
- والعين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر لا يضمنها الا بتعد أو تفريط ولا يعلم فى هذا خلاف واذا انتهت مدة الاجارة فعليه رفع يده وليس عليه الرد أومأ اليه فى رواية ابن منصور بخلاف العارية اذ يجب عليه الرد بخلاف الاجارة لأنه عقد لا يوجب على المستأجر الرد ولا مؤنته وهذا قول بعض الشافعية واذا شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فسد العقد لأنه شرط ينافى مقتضاه واذا فسدت الاجارة لم تكن العين مضمونة أيضا اذا تلفت من غير تفريط ولا تعد لان حكم العقود الفاسدة من حيث الضمان حكم الصحيحة.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية ان العين أمانة فى يد المستأجر أيضا ولكنها تصير مضمونة فى يده اذا شرط عليه الضمان فيضمن هلاكها ونقصها بغير الاستعمال المعتاد المأذون فيه
(1)
شرح النيل ج 5 ص 39.
(2)
الدر المختار ج 5 ص 27 وما بعدها. والحطاب ج 5 ص 417 والشرح الكبير ج 4 ص 41. والمواق ج 5 ص 416. ونهاية المحتاج ج 5 ص 325، 305 ومنتهى الارادات ج 2 ص 265 هامش الكشاف والتاج المذهب ج 3 ص 96 وتحرير الأحكام ج 2 ص 244. وشرائع الاسلام ص 233. والنيل ج 5 ص 87.
(3)
ج 4 ص 24.
(4)
الحطاب ج 5 ص 427، 428.
(5)
ج 6 ص 117.
ولا يترتب على اشتراط ذلك فساد العقد بل يصح العقد ويلغى شرط التضمين فى ذلك
(1)
.
واذا خالف المستأجر فأصبحت يده يد ضمان ثم عدل فرجع عن خلافه وعاد الى الوفاق فهل تعود يده يد أمانة فلا يضمن بعد ذلك بهلاك العين فى يده؟ كان أبو حنيفة يرى أنه يعود الى الوفاق فلا يضمن ثم رجع فذهب الى أنه لا يعود الى الوفاق فيضمن.
ما يجب على المؤجر
وما يجب على المستأجر
فى اجارة الأعيان يجب على المؤجر أن يسلم العين المستأجرة الى المستأجر خالية من العيوب التى تنقص من منفعتها ولا يرضاها المستأجر أو يخلى بينها وبين المستأجر وذلك عند ابتداء عقد الاجارة حتى يتمكن المستأجر من استيفاء حقه فاذا وجد بها المستأجر عيبا ينقص من انتفاعها على ما بينا فى خيار العيب كان له خيار الفسخ ما لم يزل العيب قبل فسخه العقد ولأن المؤجر هو مالك العين المستأجرة كان الاصلاح عليه فيما تلف أو نقص بسبب الاستعمال المأذون فيه وهو ما يستوجبه عقد الاجارة أو كان بسبب سماوى لا يد للمستأجر فيه أما اذا كان بسبب اهمال المستأجر وتقصيره فعليه الضمان لتعديه بذلك وهذا اذا كانت العين المستأجرة دابة فنفقتها مدة الاجارة على مالكها لأن نفقة المملوك على مالكه وليس على المؤجر أن يزيد فى عمارة العين واصلاحها عن الحال التى رضيها المستأجر ورآها عليها عند العقد الا اذا كان ذلك مشروطا فى العقد وقد قالوا فى توابع العقود التى لا يتعرض لها فى العقد أنها تحمل على عادة كل بلد وعرفه لأن المعروف عرفا كالمشروط ولذا يكون الخيط على الخياط وفى الحمال أنه يجب عليه ادخال الحمل الى المنزل متى كانت العادة تقضى بذلك وليس عليه أن يصعد به الا اذا شرط ذلك فى العقد وهكذا
(2)
أما المستأجر فيجب عليه ان يكون انتفاعه بالعين المستأجرة فى حدود ما يخوله له العقد أو العرف دون تجاوز لذلك ويجب عليه باعتباره ذا يد عليها وهى فى يده أمانة المحافظة عليها كما يحافظ على أمواله وعلى ذلك يكون حكمه بالنظر الى ذلك حكم الوديع وعلى ذلك يكون ضامنا بالتقصير فى ذلك كما يضمن اذا تجاوز فى انتفاعه ما يخوله له العقد والعرف وكما يلزم بازالة ما أحدثه من الأوساخ أو تسبب من الأذى عن اهماله.
وجاء فى التاج المذهب للزيدية:
ولا يجب على المستأجر الانفاق على الدابة المستأجرة لا فى مدة الاجارة ولا فى مدة ردها بل كل ذلك على المالك كالحكم فى الوديعة والعارية فان شرط ذلك فسدت الاجارة لجهالة الأجرة حينئذ لاعتبار ذلك من الأجرة الا أن يبين ما ينفق عليها قدرا وجنسا لانتفاء الجهالة حينئذ
(3)
.
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 76.
(2)
البدائع ج 4 ص 209. ونهاية المحتاج ج 5 ص 295، 209. والشرح الكبير ج 4 ص 23. والتاج المذهب ج 3 ص 79. وكشاف القناع ج 2 ص 305.
(3)
ج 2 ص 78.
وجاء فى الشرح الكبير للدردير: ولا يجبر مؤجر كمالك دار على اصلاح احتاجت اليه الدار سواء أضر تركه بالساكن أم لا حدث بعد العقد أم لا وانما يكون للساكن الخيار وهو مذهب ابن القاسم ولو أنفق المستأجر فى ذلك حمل على التبرع واذا انقضت المدة خير المالك فى دفع قيمته منقوضا أو أمره بنقضه وهذا بخلاف ما لو تم ذلك بأذنه فيأخذه بقيمته قائما ان لم يقل فى اذنه ما صرفته عليه فعلى فيأخذ ما صرف عليه
(1)
.
كيف ينتفع المستأجر
يجب أن يكون انتفاع المستأجر على وفق ما بين فى العقد وتم الاتفاق عليه فيه مع مراعاة العرف لأن الأمر المعروف كالمشروط ويلاحظ أن الرضا بما تم عليه العقد يعد رضا بما هو مثله وما هو خير منه وأقل ضررا بالعين المستأجرة وأن الاذن بالشئ اذن بما هو مثله أو دونه وهذا محل اتفاق بين المذاهب فى الجملة وبيان الحكم فى ذلك على التفصيل فيما يلى:
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن خلاف ما دل عليه العقد غير جائز وهو سبب لوجوب الضمان لأن مباشرته تعد غصبا وهو اما فى الجنس واما فى القدر واما فى الصفة واما فى المكان واما فى الزمان والخلاف من هذه الوجوه قد يكون فى استئجار الدواب وقد يكون فى استئجار العمال كالحائك والصباغ والخياط ما عدا المكان فان الخلاف فيه بالنسبة اليه لا يعد خلافا معتبرا. أما استئجار الدواب فالمعتبر فيه الخلاف فى الجنس والقدر والصفة فان كان الخلاف فى الجنس وكان ضرر الدابة فيه بالخفة والثقل اعتبر هذا الخلاف فاذا أدى الى ضرر أكثر ضمن القيمة اذا عطبت الدابة لأنه يصير غاصبا لها وان أدى الى ضرر مثل الضرر الأول أو دونه لم يضمن لأن الاذن بالشئ اذن بما هو مثله أو دونه فكان مأذونا بهذا الانتفاع دلالة.
أما ان كان ضرر الدابة الناشئ عن الخلاف من وجه آخر كالخلاف فى القدر اعتبر هذا الخلاف من حيث الزيادة والنقص والجنس والثقل وأسس ضمانه على ذلك فاذا استأجر دابة لحمل عشرة أرادب من الشعير فحمل عليها عشرة أرادب من الحنطة فعطبت ضمن قيمتها لأن الحنطة أثقل من الشعير وهى من جنس آخر فلم يكن مأذونا فى ذلك أصلا وصار بذلك متعديا فيضمن كل قيمتها ولا أجر عليه لأن الأجر مع الضمان لا يجتمعان وبالعكس لا يضمن لما هو ظاهر من خفة الشعير وثقل الحنطة وقد استثنوا من عدم اجتماع الأجر والضمان مال اليتيم والمال الموقوف والمعد للاستغلال واذا استأجرها ليحمل عليها اردبين من الحنطة فحمل عليها مكيلا آخر ثقله كثقل الحنطة وضرره كضررها فعطبت لم يضمن لتساوى الوزن وتماثل الجنس واذا استأجر أرضا ليزرع فيها نوعا سماه فزرع غيره مساويا له فى الضرر بالأرض لم يضمن وهذا كله استحسان وهو قول أصحابنا الثلاثة والقياس ضمانه وهو قول زفر لأنه بالخلاف خرج عن الاذن فتحقق الغصب ووجه قول
(1)
ج 4 ص 54.
الأئمة أن الخلاف الى المثل أو الى ما هو أدنى ضررا ليس خلافا معنى لأن الرضا بالشئ رضا بما هو مثله أو دونه ولو استأجر الدابة ليحمل عليها عشرة أرادب حنطة فحمل عليها اثنى عشر وسلمت فعليه ما سمى من الأجر ولا ضمان عليه وان عطبت ضمن جزأين من اثنى عشر جزءا من قيمة الدابة وهو قول عامة العلماء وقال زفر وابن أبى ليلى يضمن القيمة كلها لأن التلف حصل بالزيادة وهو فيها مخالف ووجه قول الأئمة أن التلف نتيجة الثقل وبعضه مأذون فيه وبعضه غير مأذون فيه فوجب قسمة القيمة على هذه النسبة ولو استأجر دابة ليحمل عليها مائة رطل من قطن فحمل عليها مثل وزنه حديدا أو أقل من ذلك فعطبت الدابة يضمن قيمتها لأن ما يصيب الدابة هاهنا من الضرر ليس بسبب الثقل بل بسبب الانبساط والاجتماع فالقطن ينبسط على ظهر الدابة والحديد لا ينبسط فكان الضرر به أشد فوجب الضمان ولو استأجرها ليركبها فحمل عليها أو ستأجرها ليحمل عليها فركبها حتى عطبت ضمن لأن الجنس قد اختلف وقد يكون الضرر فى أحدهما أكثر ولو استأجرها ليركبها فأركبها من هو مثله فى الثقل أو أخف منه ضمن لأن الخلاف هاهنا ليس من وجهة الخفة والثقل بل من حيث الحذق والعلم فان خفيف البدن اذا لم يحسن الركوب يضر بالدابة والثقيل الذى يحسن الركوب لا يضر بالدابة والثقيل الذى يحسن الركوب لا يضر بها فاذا عطبت علم أن التلف حصل من عدم حذقه بالركوب فضمن ولا أجر عليه لما قلنا .. ولو استأجرها ليركبها بنفسه فأركب معه غيره فعطبت فهو ضامن لنصف قمتها ولا يعتبر الثقل ها هنا لأن تلف الدابة ليس من ثقل الراكب بل من قلة معرفته بالركوب فصار تلفها بركوبها بمنزلة تلفها بجراحتها وركوب أحدهما مأذون فيه وركوب الآخر غير مأذون فيه فيضمن نصف قيمتها. وعليه الأجر لأنه استوفى المعقود عليه وزيادة على ذلك وهو اركاب غيره غير أن الزيادة استوفيت من غير عقد فلا يجب بها أجر وهذا اذا كانت الدابة تطيق اثنين فان كانت لا تطيقهما فعليه جميع قيمتها لأنه أتلفها باركاب غيره وأما الخلاف فى المكان فنحو أن يستأجر دابة للركوب أو للحمل الى مكان معلوم فيجاوزه وحكمه أنه بمجاوزته دخلت الدابة فى ضمانه حتى لو عطبت قبل العود الى المكان المأذون فيه ضمن كل القيمة ولو عاد الى المكان المأذون فيه وهى سليمة هل يبرأ عن الضمان ويعود الى الوفاق؟ كان أبو حنيفة أولا يقول يبرأ ويعود الى الوفاق كالمودع اذا خالف ثم عاد الى الوفاق وهو قول زفر ثم رجع أبو حنيفة عن ذلك وقال لا يبرأ حتى يسلمها الى صاحبها سليمة كالعارية بخلاف الوديعة. واذا استأجرها ليركبها الى مكان عينه فركبها الى مكان آخر ضمن اذا هلكت وان كان الثانى أقرب من الأول لأنه صار مخالفا لاختلاف الطرق فكان بمنزلة اختلاف الجنس ولا أجر عليه لما قلنا ولو ركبها الى ذلك المكان الذى عينه من طريق آخر فان كان الناس يسلكونه لا يضمن لأنه لا يصير بذلك مخالفا لاعتياد الناس سلوكه وان كانوا لا يسلكونه ضمن اذا هلكت لصيرورته غاصبا بسلوكه واذا لم تهلك وبلغ الموضع المعلوم ثم رجع وسلم الدابة الى صاحبها فعليه الأجر.
وأما الخلاف فى الزمان فكأن يستأجر دابة ليركبها أو يحمل عليه مدة معلومة فزاد عليه فعطبت فى يده فانه يضمن لأنه يصير غاصبا بالزيادة عن المدة. ذلك فى استئجار الأعيان أما استئجار العمال فالخلاف ان كان فى الجنس بأن دفع ثوبا الى صباغ ليصبغه لونا فصبغه لونا آخر فصاحب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض وسلم الثوب للأجير وان شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد الصبغ فيه ان كان الصبغ مما يزيد.
أما خيار التضمين فلفوات غرضه لأن الأغراض تختلف باختلاف الألوان فله أن يضمنه قيمة ثوب أبيض لأنه فوت عليه منفعة مقصودة فصار متلفا للثوب عليه فكان له أن يضمنه وله أن يأخذ الثوب ان شاء لأن الضمان وجب حقا له فكان له أن يسقطه ولا أجر له لأنه لم يأت بما وقع عليه العقد رأسا حيث لم يوف بالعمل المعقود عليه فلا يستحق الأجر كالغاصب اذا صبغ الثوب المغصوب أخذه المغصوب منه وأعطى ما زاد الصبغ فيه ان كان الصبغ مما يزيد لأنه عين مال قائم بالثوب فلا سبيل الى أخذه بالمجان وان كان الصبغ مما لا يزيد فيه لم يعطه شيئا بل يضمنه نقصان الثوب ان ترتب على ذلك نقص فى قول أبى حنيفة، ولو دفع الى خياط ثوبا ليخيطه قميصا بدرهم فخاطه قباء فان شاء ضمنه قيمة الثوب وان شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به المسمى وذلك لأن القباء والقميص مختلفان فى الانتفاع فصار مفوتا لمنفعة مقصودة وذلك يعد اتلافا للثوب فكان له التضمين بسبب ذلك وله أن يأخذه ويعطيه أجر مثله.
وان كان الخلاف فى الصفة بأن دفع الى صباغ ثوبا ليصبغه بصبغ مسمى فصبغه بصبغ آخر من نفس لون المسمى فلصاحب الثوب أن يضمنه قيمته أبيض ويترك له الثوب وأن يأخذ الثوب ويعطيه أجر مثله لا يجاوز به ما سمى. أما ثبوت الخيار فلما ذكرنا من الخلاف فى الجنس وانما وجب الأجر ها هنا لأنه خلاف فى الصفة وذلك لا يخرج العمل من أن يكون معقودا عليه فقد أتى بأصل المعقود عليه الا أنه لم يأت بوصفه فمن حيث أنه لم يأت بوصفه المأذون فيه لم يجب المسمى ومن حيث أنه أتى بالأصل وجب أجر المثل لا يجاوز به المسمى لأن هذا شأن أجر المثل. وهكذا عند ثبوت الخلاف فى الصفة دون الأصل.
وان كان الخلاف فى القدر وذلك نحو ما ذكره محمد فى الأصل. فى رجل دفع غزلا الى حائك لينسجه له سبع أذرع فى أربع فخالف بالزيادة أو بالنقصان فان خالف بالزيادة فان صاحب الغزل بالخيار ان شاء ضمن النساج مثل غزله وترك له الثوب وان شاء أخذ الثوب وأعطاه الأجر المسمى.
وان كان الخلاف بالنقصان ففيه روايتان ذكر فى الأصل أن له أن يأخذه ويعطيه من الأجر بحسابه لأن العقد وقع على عمل مقدر ولم يأت الا ببعضه وذكر فى رواية أخرى أن عليه أجر المثل لأنه لما نقص فى القدر فقد فوت الغرض المطلوب من الثوب فصار كأنه عمل باجارة فاسدة
(1)
.
(1)
راجع البدائع ج 4 ص 213 الى 217.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية أنه يجوز للمستأجر فعل المستأجر عليه ومثله ودونه قدرا وضررا لا أكثر ولو كان أقل ضررا كما لا يجوز له أن يفعل ما كان دونه قدرا ولكنه أكثر ضررا فان خالف ضمن وهذا فى الحمل والركوب - أما فى المسافة فلا يفعل المساوى مسافة لاختلاف الطرق وكذا لا يفعل ما هو أقل مسافة لاختلاف الطرق كما لا يجوز أن يركبها لبلد آخر وان كانت مسافتها مساوية فى البعد والسهولة والصعوبة لما فى ذلك من فسخ ما فى الذمة وهو الأجرة المستحقة بالعقد فى مؤخر وهو السير الى بلد آخر ولأن أحوال الطرق تختلف بالنظر الى ما قد يلابسها من خوف الأعداء والغصاب وقد يكون الاعتداء موجها الى رب الدابة فان فعل شيئا من ذلك عد غاصبا فيضمن بالتلف ولو لأمر سماوى، والفرق بين المخالفة فى الحمل والمسافة اذ عد فعل المساوى فى المسافة تعديا دون الحمل هو أن المسافة تختلف فيها الاغراض ورب مسافة تظن فيها السلامة وهى فى الواقع ليست كذلك - على أن فعل ما هو أقل مسافة لا يعد مخالفة ولا تعديا عند بعض المالكية
(1)
.
وخلاصة القول فى أحكام التعدى والمخالفة ما ذكره الباجى فى شرحه على الموطأ فى كراء الدابة يتعدى فيه المكترى عقد الكراء أن لرب الدابة أن يأخذ كراء دابته الى الموضع الذى تعدى اليه مع الكراء المسمى المتفق عليه فيكون له الكراء المسمى مع كراء الزيادة فى المسافة بالغا ما بلغ ويسترد دابته ان أحب وان أحب كانت له قيمة دابته من المكان الذى تعدى منه المكترى مع الكراء الأول ذلك لأنه لما تعدى بالدابة وتجاوز المكان الذى اكترى اليه الى مكان بعيد عنه لا يتساهل فيه عرفا ثبت له حكم التعدى ولحقه الضمان وذلك على قسمين:
أحدهما أن يرد الدابة على حالها - ثانيهما - ان يردها وقد تغيرت. فان ردها على حالها وقد أمسكها فى تعديه امساكا يسيرا - اليوم ونحوه أو البريد والبريدين فلا ضمان عليه وانما لمالكها كراؤها فى أيام التعدى مع الكراء الأول قاله مالك وأكثر أصحابه لأن الدابة اذ لم يؤثر فيها التعدى لا فى عين ولا فى قيمة ولا فى فوات أسواق لم يلزمه ضمانها وعليه قيمة كرائها فى الأيام الزائدة رواه ابن القاسم عن مالك فى المدونة وان حبسها الأيام الكثيرة شهرا ونحوه كما فى الواضحة. وقال اصبغ كحول - فصاحبها مخير بين الكراء المسمى مع كراء ما تعدى بحبسها فيه من الزمن وبين الكراء المسمى مع قيمة دابته قاله ابن حبيب فى الواضحة وقاله ابن القاسم فى المدونة ذلك لأنه قد غصبه منافع الدابة ومن منافعها بيعها فى أسواقها وقد فات ذلك عليه فيها فكان عليه قيمتها لأن ذلك بمنزلة بيعها.
وان رد الدابة وقد تغيرت فان كان التغير شديدا ولم يمسكها الا أياما يسيرة فلا شئ لرب الدابة غير كرائها فى تلك الأيام وهو مخير بين أخذ كرائها المسمى وبين أخذ قيمتها - ذلك حكم التعدى فى المسافة أما التعدى فى زيادة الثقل والحمل فعلى وجهين
(1)
الشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج 4 ص 37، 41.
أحدهما الزيادة فيه من جنسه وثانيهما حمل غير الجنس ففى الحال الأولى اذا كانت الزيادة يسيرة لا تعطب بمثلها الدابة عادة فلا ضمان عند عطبها اذ لا يعد مثل هذا مخالفة وان كانت عظيمة بمثلها يحصل العطب فلصاحب الدابة الكراء المسمى وكراء الزيادة بالغا ما بلغ أو قيمة الدابة يوم التعدى فقط دون الكراء فهو مخير فى ذلك وان كان لا يعطب بمثلها فليس له الا الكراء المسمى وكراء الزيادة وقال سحنون اذا زاد فى الحمل ولو رطلا واحدا ضمن وفى الحال الثانية فان كانت مضرة المخالفة كمضرة ما تكارى عليه فلا ضمان اذ الرضى بما تكارى عليه يعد رضا بمثله وبما دونه وان كانت أشد ضررا فعطبت الدابة ضمن - وفى الركوب يعد مخالفا متعديا اذا أركب من هو أثقل منه أو غير مأمون وبذلك يصير ضامنا وعلى هذا الأساس يمكن التطبيق فى غير ذلك من صور المخالفة مع ملاحظة أن ذلك هو الحكم فى كل اجارة غير صحيحة وأن الأجر الواجب فيها هو أجر المثل بالغا ما بلغ
(1)
.
مذهب الشافعية:
يعتبر فى الاستيفاء العرف فتستوفى المنفعة التى بينت فى العقد مع مراعاة العرف فى صفتها وفيما تقيد به فاذا استأجر ثوبا يلبسه لم يلبسه وقت نومه اذ العرف يقضى بهذا وللمكترى استيفاء المنفعة لنفسه وبغيره الأمين لأنه قد ملكها بالعقد فلو شرط عليه المكرى استيفاءها بنفسه فسد العقد كما لو شرط على المشترى ألا يبيع ما اشتراه وعلى ذلك له الركوب والسكنى ويركب ويسكن مثله فى الضرر الذى يلحق العين ومن كان دونه فى ذلك من طريق أولى لأن ذلك يعد استيفاء للمنفعة من غير زيادة وليس له أن يسكن فى الدار حدادا ولا قصارا اذا لم يكن قد استأجرها لذلك لنفسه دون شرط منه بذلك وعليه لا يجوز ابدال ركوب بحمل ولا حديد بقطن ولا قصار بحداد وكذلك العكس وان قال أهل الخبرة بعدم تفاوت الضرر لأن جواز ذلك عند اتحاد الجنس لا عند اختلافه ولذا يضمن المستأجر لو اكترى لحمل مائة رطل حنطة فحمل مائة من الشعير أو عكس لاختلافهما حجما لسبب اختلافهما كثافة فيختلف محلهما فكان الضرر مختلفا وكذلك حكم كل مختلف الضرر كحديد وقطن ويضمن لو اكترى لحمل مقدار من الشعير كيلا فحمل مثله حنطة لأنها أثقل دون العكس أو اكترى لحمل مائة فحمل مائة وعشرين وحينئذ يلزمه المسمى مع أجر مثل الزائد
(2)
.
ويجوز الابدال فيما تستوفى به المنفعة كثوب يخاط بدل ثوب آخر مثله فى الأصح وان امتنع الأجير لأن ذلك وسيلة الى الاستيفاء وليس معقودا عليه حتى يكون له حق الامتناع فأشبه الراكب فى الدابة والمتاع فى الحمل والقول الثانى. المنع ومحل الخلاف فى الابدال بلا اتفاق على معاوضة أما بطريق المعاوضة فجائز قطعا كما يجوز لمستأجر دابة أن يعاوض عنها بسكنى دار - وابدال المستوفى فيه كطريق بمثلها مسافة وسهولة وصعوبة وأمنا جائز بشرط ألا
(1)
المنتقى للباجى ج 5 ص 264 وما بعدها.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 310.
يختلف محل التسليم اذ لا بد من بيان موضعه لصحة الاجارة ولو استأجر دابة ليركبها الى محلة ليس عليه ردها حيث تسلمها بل يسلمها فى المحلة اليه أو الى وكيله أو الحاكم أو الأمين فان لم يجد ردها للضرورة وحاصل ما مر أنه يجوز ابدال المستوفى كالراكب والمستوفى به كالمحمول والمستوفيه كالطريق بمثلها أو دونها ما لم يشترط عدم الابدال فى المحمول والطريق بخلاف الأول لأنه من المكرى يفسد العقد لا من المكترى
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى. أن من استأجر عقارا للسكنى فله أن يسكنه وأن يسكن فيه من شاء ممن يقوم مقامه فى الضرر أو دونه وأن يضع فيه ما جرت عادة الساكن بوضعه فيه مما لا يضر به ولا يسكن ما يضر به كحداد وقصار ولا يجعله حظيرة للدواب ولا أن يرفع على سقفه شيئا ثقيلا وهكذا يجتنب كل ما يعده العرف مخالفة والى هذا ذهب الشافعى وأصحاب الرأى ولا نعلم فيه خلافا واذا اكترى دارا جاز فيها اطلاق العقد دون حاجة الى ذكر السكنى وصفتها وهذا قول الشافعى وأصحاب الرأى وقال أبو ثور لا يجوز حتى يبين من يسكنها ولنا أن الدار لا تكترى الا للسكنى فاستغنى عن ذكرها بما هو معروف والتفاوت فى السكنى يسير فلم يحتج الى ضبطه. واذا اكترى ظهرا ليركبه فله ان يركبه مثله ومن هو أخف منه دون من هو أثقل منه لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة بذلك الراكب فلا يزاد عليها لا يملك أكثر مما عقد عليه ولا يشترط التساوى فى الطول والقصر ولا الحذق فى الركوب وقال القاضى يشترط التساوى فى هذه الأوصاف كلها لأن قلة المعرفة بالركوب تضر بالدابة ولنا أن التفاوت فى هذه الأمور بعد التساوى فى الثقل يعد يسيرا معفوا عنه ولهذا لا يشترط ذكره فى الاجارة فان شرط ألا يستوفى المنفعة بمثله ولا بمن هو دونه فقياس قول أصحابنا صحة العقد وبطلان الشرط ويحتمل أن يصح الشرط والعقد لأن المستأجر انما يملك المنفعة من جهة المؤجر فلم يملك ما لم يرض به وقد يكون له غرض فى هذا التخصيص وقالوا فى الوجه الآخر أن الشرط يبطل لمنافاته لموجب العقد اذ موجبه ملك المنفعة وذلك يقتضى استيفاءها بنفسه وبغيره وهل يبطل العقد بهذا الشرط فيه وجهان أصحهما أن لا يبطله لأنه لا يؤثر فى حق المؤجر نفعا ولا ضررا فألغى لذلك وبقى العقد على مقتضاه والآخر يبطل به لأنه ينافى مقتضاه فأشبه ما لو شرط على المستأجر أن لا ينتفع وكل عين استأجرها لمنفعة فله أن يستوفى مثل تلك المنفعة أو ما دونها فى الضرر قال أحمد اذا استأجر دابة ليحمل عليها تمرا فحمل عليها حنطة أرجو ألا يكون فيه بأس اذا كان الوزن واحدا فان كانت المنفعة التى يستوفيها أكثر ضررا أو مخالفة للمعقود عليها فى الضرر لم يجز لأنه يستوفى حينئذ أكثر من حقه أو غير ما يستحقه فاذا اكترى دابة ليحمل عليها قطنا لم يحمل عليها حديدا وكذلك العكس. وان اكتراها للركوب لم يجز له الحمل وان اكتراها للحمل لم يجز له الركوب لأن الراكب يقعد
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 303، 305.
فى موضع واحد فيشتد على الظهر والمتاع يتفرق على جنبيه وان اكترى دابة ليركبها فى مسافة معلومة أو يحمل عليها فى مسافة معينة فأراد العدول بها الى ناحية أخرى مثلها فى القدر هى أضر منها أو تخالفها ضررا بأن تكون احداهما آمن والأخرى أخوف لم يجز وان كانت مثلها فى السهولة والصعوبة والأمن فاذا كانت التى يعدل اليها أقل ضررا فقد ذكر القاضى أنه يجوز فأشبه المحمول اذا تغير نوعه والراكب ويقوى عندى أنه متى كان للمكترى غرض فى تلك الجهة المعينة لم يجز العدول الى غيرها مثل أن يكرى جمله الى مكة ليحج معه فلا يجوز للمكترى أن يذهب به الى غيرها ثم ذكر فروعا أخرى عديدة طبق الحكم فيها على الأصل السابق
(1)
.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أنه يجوز للمستأجر فعل المساوى ضررا والأقل ضررا وان عين غيره فمن استأجر عينا لمنفعة معينة فله أن يستعملها فى غير تلك المنفعة اذا كانت المضرة التى يؤدى اليها ذلك الاستعمال مثل مضرة ما عين من المنفعة أو دونها فان شرط فيها ألا يستوفى الا تلك المنفعة دون ما يساويها وما هو دونها فسدت الاجارة اذا كان ذلك الشرط من المؤجر حال العقد ولا تفسد اذا كان من المستأجر أو كان بعد العقد مطلقا والمذهب أن العقد يصح ويلغو الشرط ويجوز للمستأجر أن يستعمل الدار مراعيا العرف فى ذلك دون ما يقضى العرف بتجنبه
(2)
.
وجاء فى التاج المذهب أيضا
(3)
ما خلاصته.
واذا حمل المستأجر على الدابة المستأجرة غير الحمل الذى ذكره فى العقد أو سلك بها طريقا آخر غير المعين فى العقد فانه لا يضمن بالمخالفة اذا كانت الدابة متعينة أما اذا عين المحمول فلا يحمل على الدابة غيره ولو دونه وذلك لأنه لم يملك بالعقد الا منفعة معينة هى منفعة حمل هذا المحمول وانما لم يضمن للمخالفة بحمل مثل الحمل الذى بين فى العقد وزنا أو يسير مثل المسافة التى بين فى العقد قدرها اذا تحققت المماثلة فى الصفة كالخشونة والصلابة والصعوبة والسهولة والخوف والأمن لعدم اعتبار ذلك مخالفة عرفا أما اذا زاد فى القدر أو الصفة بما يؤثر فى الدابة عادة فتلفت فى يده بعد الحمل ضمن قيمتها كلها ولزمه الأجرة المتفق عليها أيضا سواء تلفت بالزيادة أم بغيرها اذ قد صار بالمخالفة متعديا فلا يعد بعد ذلك أمينا ولو زاد التعدى ويلزم المستأجر مع المخالفة المؤثرة أجرة ما زاد مراعى فى ذلك أجرة المثل فى تلك الزيادة - ويلاحظ أن محل ذلك اذا كان الذى فعل ذلك هو المستأجر أما اذا فعله المالك أو فعل بأمره فلا ضمان على المستأجر ولو كان المالك جاهلا بالزيادة، واذا حملها المالك ولكنه لم يسق الدابة وانما ساقها المستأجر أو ساقاها معا فالضمان على المستأجر ولو شارك المالك المستأجر فى التحميل كان الضمان عليهما مناصفة وكذلك أجر الزيادة.
(1)
المغنى ج 6 ص 51 وما بعدها.
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 73.
(3)
ج 3 ص 93 وما بعدها.
مذهب الإمامية:
أجازوا لمن استأجر عينا أن يؤجرها غيره ممن يساويه أو هو دونه فى استيفاء المنفعة ما لم يشترط عليه المالك عدم ذلك قبل تسليم العين وسواء فى ذلك أن يكون للمؤجر أو غيره ولو شرط المؤجر عليه استيفاء المنفعة بنفسه لم يجز له أن يستوفيها بغيره وضمن اذا ما فعل واذا استأجر دارا جاز اطلاق العقد ولا يجب ذكر السكنى ولا صفتها عملا بالعرف وجاز أن يسكنها بنفسه وعياله وان لم يذكر ذلك فى العقد وأن يسكنها غيره ممن يقوم مقامه فى الضرر أو دونه على الوضع الذى تجرى به العادة ولا يسكنها من هو أضر منه كالحداد ولو اكترى ظهرا ليركبه جاز له أن يركبه غيره ممن هو أخف منه ولا يركبه الأثقل ولا يشترط التساوى فى الطول والقصر والمعرفة بالركوب وليس للمالك منعه من ذلك ولو شرط فى العقد اختصاص المستأجر باستيفاء المنفعة لزم الشرط
(1)
- وذكروا أيضا أنه اذا استأجر دابة لمنفعة كان له أن يستوفى تلك المنفعة أو ما يساويها أو ما هو دونها فلو استأجرها لحمل شئ معلوم جاز له أن يحملها ما يساويه فى المقدار والضرر ولو استأجر دابة لحمل حديد لم يجز له أن يحمل قطنا وكذلك العكس ولو استأجرها للركوب أو للحمل فى مسافة معينة لم يجز أن يسلك بها اليها فى غيرها سواء كان أكثر ضررا اما لخوف وصعوبة أو أقل ولو فعل ضمن وهل يجب الأجر المسمى مع الزيادة ان كانت أو يجب أجر المثل؟ فيه نظر. ولو استأجرها للركوب أو للحمل الى غاية فتجاوزها كان عليه المسمى وأجر المثل على الزائد ويضمن من حين التعدى ولا خيار للمالك مع بقائها بين مطالبته بالأجرة وبالقيمة يوم التعدى وان بعدت مسافة التجاوز ولا فرق فى الضمان بين أن يكون التلف فى الزيادة أو بعد ردها الى المسافة المتفق عليها وهذا اذا كان صاحبها غائبا فان كان حاضرا ولم يعترض حتى تعدى فيها لم تكن مضمونة لبقاء يد صاحبها عليها ولو استأجرها لحمل شئ فزاد عليه وجب المسمى وأجر المثل للزائد ويلزمه الضمان
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: انه اذا اكترى دابة لعمل مخصوص فلا يعمل غيره وكذا ان عين مقدار ما يحمل عليها كهذا الطعام
(3)
وجاء فيه أيضا ومن أكرى دابة ليركبها أحد فلا يجوز الا اذا سماه وقيل يجوز ويركب عليها المكترى من أراد صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى وان كراها ليركبها هو فلا يجوز له أن يركب عليها غيره وقيل يركب عليها من كان مثله أو أقل منه وان كراها لركوب رجل مقصود اليه فسمن فزاد فى الثقل أو مرض فخف وزنه فله الكراء وليس له أن يقاتل عليها ولا أن يصيد بها ولا أن يقف عليها ولا أن يضطجع
(4)
.
(1)
تحرير الأحكام ج 2 ص 245، ص 247.
(2)
تحرير الأحكام ج 2 ص 250.
(3)
النيل ج 5 ص 85.
(4)
النيل ج 5 ص 90.
وجاء فى الايضاح
(1)
.
واذا اكترى رجل دابة ليحمل عليها متاعا معروفا الى بلد معين فأراد صاحب المتاع أن يحمل عليها غيره بقدره فله أن يحمل عليها مثل متاعه بالمكيل ان كان مما يكال أو بالوزن ان كان مما يوزن وما أشبه ذلك ولو اختلف العوض والمعوض كالقطن والرصاص لم يجز حتى يكون البدل مما يماثله أو أسهل منه أو أخف منه ضررا وكذلك الحال فى الركوب.
رد العين المستأجرة الى مالكها
مذهب الحنفية:
اذا انتهت مدة الاجارة وجب على المستأجر أن يسلم العين المستأجرة الى مؤجرها عند طلبه فاذا منعها عنه بعد طلبها وبعد انتهاء مدة الاجارة كان بمنعه هذا متعديا وعد غاصبا فاذا هلكت ضمن قيمتها سواء أكان هلاكها بتعد منه أم لم يكن له يد فيه. أما اذا لم يطلبها مالكها من المستأجر فلا ضمان عليه ببقائها تحت يده وهلاكها عنده فى هذه الحال الا اذا كان هلاكها لتعد أو لتقصير منه ذلك لأن رد العين المستأجرة وما يتطلبه من نفقات لا يجب على المستأجر ولكنه يجب على المالك فعليه أن يحضر بعد انتهاء مدة الاجارة ليتسلمها من المستأجر وذلك أمر يقتضيه ملكه.
واذا كانت العين المستأجرة أرضا مشغولة بالزرع ولم يحن أوان استحصاده أو بشجر مثمر لم ينضج ثمره. وانتهت مدة الاجارة كان للمستأجر استبقاؤها الى ان يستحصد الزرع وينضج الثمر وكان عليه أجر المثل فى مدة استبقائها دفعا للضرر عن الطرفين أما اذا كانت مشغولة ببناء أو بشجر غير مثمر فانه يجب على المستأجر هدم البناء وقلع الشجر ان لم يضر ذلك بالأرض فان أضر بها كان لمالكها أن يتملكه جبرا عن المستأجر بقيمته مستحق القلع.
واذا استأجر دابة من موضع مسمى فى المصر ليركبها الى مكان معلوم ذاهبا وآيبا كان على المستأجر أن يأتى بها الى ذلك الموضع الذى تسلمها فيه لأن انتهاء الاجارة يكون بوصوله الى هذا الموضع فعليه أن يأتى بها اليه ليتسلمها فيه المؤجر فان أتى بها الى غير ذلك المكان وأمسكها فيه كان ضامنا اذ ليس على المؤجر أن يذهب الى غير مكان العقد لتسلمها وانما عليه أن يتسلمها فى مكان العقد ولو قال المؤجر للمستأجر اذا انتهت الاجارة فرد العين الى منزلى وعلى نفقات ردها لم يجب ذلك على المستأجر واذا قام به كان متفضلا
(2)
.
مذهب المالكية:
فى التبصرة
(3)
ما نصه: ويضمن مستأجر الدابة ان حبسها عن صاحبها بعد مدة الاجارة مثل أن يحبسها الشهر ونحوه لا ان حبسها شيئا يسيرا وربها مخير حين حبسها الشهر ونحوه بين أخذ كرائها مدة حبسها أو أخذ قيمتها يوم التعدى بحبسها اذا هلكت واذا ضاعت أو ضلت فأدى المستأجر جعلا لمن جاء بها فالجعل على صاحبها - وهذا
(1)
ج 3 ص 354.
(2)
تحفة الفقهاء ج 2 ص 521.
(3)
ج 2 ص 3.
بظاهره يدل على أن مذهب المالكية يتفق مع مذهب الحنفية فى حكم رد العين المستأجرة الى مالكها بعد المدة فى أنه على المالك بدليل وجوب الجعل عليه وبدليل تعبيرهم بحبسها اذ لا يتحقق الحبس الا مع طلب المالك.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: لو اكترى دابة ليركبها الى محل معين فليس عليه ردها بل يسلمها الى وكيل المالك هناك والا فعلى الحاكم ثم الى الابن فان لم يجده ردها للضرورة وليس لمستأجر العين أن يسافر بها بعد انتهاء الاجارة وسفره بها بعد انتهائها يوجب ضمانه ان لم تدع اليه الضرورة كما فى سفر الوديع بالوديعة وهى أمانة فى يده بعد انتهاء الاجارة كما كانت أثناءها على الأصح استصحابا لحكمها ولأنه لا يلزمه بعد انتهاء الاجارة الا التخلية بينها وبين مالكها ولا يلزمه الرد ولا مؤنته ومقابل الأصح أنه يضمن لأن الاذن له بالامساك كان مقيدا بالعقد وقد زال وكان قبضها لمصلحة نفسه فأشبه المستعير وعلى القول الأول لا يجب على المكترى اعلام المكرى بتفريغ العين كما هو مقتضى كلامهم بل الشرط ألا يستعملها ولا يحبسها وان لم يطلبها صاحبها فلو أغلق الدار أو الحانوت بعد تفريغه لزمته أجرة المثل فيما يظهر فقد صرح البغوى فيمن استأجر حانوتا شهرا فأغلق بابه وغاب شهرين لزمه المسمى للشهر الأول وأجرة المثل للشهر الثانى وذلك لأن امساكها مع الاغلاق يعد استعمالا لها حيث حال بين الحانوت ومالكه باغلاقه وقد قال الشيخ القفال فيمن استأجر دابة يوما فبقيت عنده ولم ينتفع بها ولا حبسها عن مالكها لا يلزمه أجرة المثل لليوم الثانى لأن الرد ليس واجبا عليه وانما عليه التخلية اذا طلبها مالكها بخلاف الحانوت لأن احتباس مفتاحه مع غلقه حبس له فوجب عليه الأجر
(1)
.
وفى هذا دليل على أن حكم رد العين الى مالكها عند الشافعية كحكمه عند الحنفية والمالكية.
مذهب الحنابلة:
أنه اذا انقضت مدة الاجارة أو استوفى العمل من العين المستأجرة وجب رفع المستأجر يده عنها ولم يلزمه ردها ولا مؤنته كالوديع على المذهب. لأن عقد الاجارة لا يقتضى الضمان ولا يقتضى الرد ولا مؤنته وهو كمرتهن أدى دينه فلا يلزمه رد الرهن الى ربه ولا مؤنته وتكون العين بعد انقضاء مدة الاجارة أمانة فى يد المستأجر كما كانت كذلك قبل انتهائها فان تلفت قبل ردها فلا ضمان الا اذا كان التلف بتعد أو تفريط
(2)
.
مذهب الزيدية:
يجب رد العين المستأجرة بعد انقضاء مدة الاجارة على من استأجرها الى موضع قبضها لا الى موضع العقد الا اذا شرط ذلك فيه وهذا اذا كانت منقولة فان كانت عقارا فالواجب التخلية فورا ليتمكن المالك من ملكه ومثل الأجير المستعير فى وجوب الرد ما لم يشترط عدمه لا الوديع فلا يجب عليه الرد واذا لم يرد المستأجر العين المستأجرة
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 305، ص 306.
(2)
غاية المنتهى ج 3 ص 696.
ان كانت منقولة أو يخليها ان كانت دارا بعد انتهاء الاجارة ضمنها ولزمه أجر مثلها من يوم انقضاء المدة وان لم ينتفع لأنه صار غاصبا الا أن يترك الرد لعذر فانه لا يضمن العين ولا أجرتها ومؤنة الرد على المستأجر وعليه تفريغ الأرض من جذور زرعه ليردها فارغة
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى تحرير الأحكام
(2)
العين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر لا يضمنها الا بتعديه أو بتقصيره واذا انقضت مدة الاجارة وجب عليه رفع يده وليس عليه الرد الا مع المطالبة ولا يضمنها بعد المدة بدون تفريط ولو طلبها صاحبها بعد المدة وجب عليه ردها مع المكنة فان امتنع ضمنها وعليه أجرة المثل مدة الامساك وان لم يستعملها - ولو شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين لم يصح الشرط.
مذهب الإباضية:
على المستأجر أن يسعى فى ايصال العين الى ربها ان لم يكن لها حمل ولا مؤونة والا لم يجب عليه ذلك وانما يجب عليه الحفظ حتى يحضر ربها لأخذها فان ضاع بلا تضييع لم يلزمه ضمانه قال شارح النيل وعندى أنه لا يضمن ان تلف بلا تضييع ولو لم يكن له مؤونة اذ لا يلزمه ايصاله الا ان كان ربه لا يعلم انه قد تم عمل المستأجر
(3)
.
التصرف فى العين المستأجرة
التصرف فى العين المستأجرة قد يكون تصرفا فيها بالبيع والهبة والوصية والوقف والرهن وقد يكون تصرفا فى منفعتها وذلك بالاجارة والاعارة والوصية.
والتصرف فيها بالبيع والهبة والوصية والوقف والرهن انما يعتمد الملك ولذا لا يملكه الا مالكها وذلك ما ليس محلا للخلاف بين المذاهب وعليه اذا صدر من مستأجرها أى تصرف من هذه التصرفات فانه يكون صادرا من غير ذى ولاية وكان المستأجر فيه فضوليا يطبق عليه أحكام الفضولى راجع مصطلح «فضولى» .
أما اذا صدر من مالك العين فباع العين المستأجرة مالكها فان هذا البيع يمس ما تعلق به من حق لازم هو حق المستأجر وعلى ذلك لا يستطيع تسليمها الى مشتريها دون مساس بحق المستأجر ولذا يقع العقد صحيحا موقوفا على اجازة المستأجر أو سقوط حقه بانتهاء الاجارة فان أجازه نفذ وكذلك اذا انتهت الاجارة بسبب من أسباب انتهائها فان لم يوجد شئ من ذلك لم يكن للمستأجر ولا للبائع حق فسخه وانما يجوز للمشترى فى هذه الحال أن يفسخه عند أبى حنيفة ومحمد سواء أقدم على الشراء وهو عالم بالاجارة أم أقدم عليه وهو غير عالم بها وذهب أبو يوسف الى أنه ان أقدم على الشراء عالما بالاجارة لم يكن له حق الفسخ ولزمه أن ينتظر حتى تنته مدة الاجارة وان أقدم عليه غير عالم كان له الخيار فى الفسخ وفى الانتظار الى انتهاء مدة الاجارة
(4)
.
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 76.
(2)
ج 2 ص 252.
(3)
شرح النيل ج 5 ص 183.
(4)
الفتاوى الهندية ج 3 ص 110 وفتح القدير ج 5 ص 185. والبدائع ج 4 ص 208
وان كان البيع للمستأجر انفسخت الاجارة بتمامه لتملكه ما يستأجر وكذلك الحكم فى الهبة فاذا وهب المالك ما أجره وكانت هبته للمستأجر انفسخت الاجارة بقبوله الهبة لتمامها لأن العين فى يده وان كانت لآخر لم يكن من الميسور تسليمها اليه لتعلق حق المستأجر بها وهو حق لازم فيتوقف تمامها ونفاذها على تسليمها الى الموهوب له بعد انتهاء الاجارة ولأنها عقد غير لازم فلكل من الواهب والموهوب له فسخها.
أما التصرف فيها بالوصية فهو تصرف صحيح لا يمس حق المستأجر اذ ليس للوصية أثر الا بقبول الموصى له بعد وفاة الموصى وفى هذا الوقت تكون الاجارة قد انتهت بوفاة المؤجر الموصى. واقدام المالك على وقف العين المستأجرة لا يحول دون صحة وقفها ولزومه عند أبى يوسف لأنه لا يتوقف عنده على التسليم وانما يتوقف استحقاق المستحق على اجازة المستأجر أو انتهاء الاجارة خلافا لمحمد اذ يتوقف لزوم الوقف عنده على تسليم العين الموقوفة الى المولى وذلك ما يمنع منه حق المستأجر فلا بد من الانتظار حتى تنته الاجارة أو يجيز المستأجر ثم تسلم العين ليلزم الوقف - وكذلك الحكم فى رهن المالك ما أجره للغير لتوقف لزوم الرهن على تسليم العين المرهونة الى المرتهن وذلك ما يمنع منه حق المستأجر فلا بد من اجازته أو انتهاء الاجارة ثم تسليم العين المرهونة الى المرتهن واذا افتكها الراهن وجب عليه التسليم الى المشترى ويلاحظ أن الهبة أو الرهن اذا كانا للمستأجر فان الاجارة تنفسخ بقبوله الهبة أما الرهن له فلا يمس حقه وليس ما يمنع أن تكون لديه مرهونة مستأجرة
(1)
- أما تصرف مالك العين المستأجرة فى منفعتها فان كان بالوصية فانه لا يمس حق المستأجر لأنه لا أثر له الا بعد انتهاء الاجارة بوفاة المؤجر الموصى ولذلك ينفذ بقبول الموصى له الوصية وان كان بالاجارة أو بالاعارة فان نفاذه يتوقف على اجازة المستأجر لمساسه بحقه فاذا أجاز انتهت الاجارة والا بقيت الاجارة الى انتهاء مدتها دون أن يكون لتصرف المالك بذلك أثر فى استمرارها وأما اذا كان التصرف فى منفعة العين المستأجرة صادرا من المستأجر فان الحكم فيه يختلف باختلاف حال المنفعة التى هى محل عقد الاجارة ذلك لأن من المنافع ما يختلف باختلاف المنتفع بها كركوب الدابة ولبس الثياب ومنها ما لا يختلف باختلاف المنتفع كالقراءة فى الكتب وركوب القطار وعند تملك هذين النوعين بعقد الاجارة قد ينص فيه على المنتفع فيهما وقد ينص على التعميم وعدم التقيد بمنتفع مخصوص وقد لا يتعرض للنص فيه لشئ من ذلك.
ويرى الحنفية أنه اذا نص فى عقد الاجارة على المنتفع وكانت المنفعة مما تختلف باختلافه فاستؤجرت الدابة على أن يركبها فلان فان المستأجر يتقيد به فليس له أن يمكن غيره من ركوبها سواء أكان ذلك باجارة أم باعارة أم باباحة واذا فعل ذلك كان مخالفا وعد غاصبا فاذا هلكت الدابة عند ذلك كان ضامنا وليس عليه أجر لقاء هذا الانتفاع وان سلمت الدابة الا أن يكون قد انتفع
(1)
الدر المختار ج 3 ص 399 وما بعدها، ص 412.
انتفاعا مأذونا فيه وصاحبه ما لم يؤذن به بأن أردف من يستمسك بنفسه مثلا وهلكت الدابة بعد ذلك فان عليه الأجر المسمى لقاء ما انتفع وعليه ضمان نصف قيمة الدابة لخروجه عن الأمانة بمخالفته وانما لم يلزمه أجر فى الحال الأولى لأنه قد صار غاصبا بانتفاعه وهو مخالف. ومنافع المغصوب غير مضمونة وان لم يترتب على ذلك هلاكها لأنه يصير فى هذه الحال ضامنا ولا يجتمع عند الحنفية أجر وضمان وانما لزمه الأجر فى الحال الثانية لانتفاعه بمقتضى العقد ووجب ضمان نصف القيمة لركوب غيره معه فان ضمن المالك المستأجر لم يرجع بشئ على الرديف لأنه جزاء مخالفته وان ضمن الرديف رجع على المستأجر اذا كان مستأجرا من المستأجر لأنه قد غره ولا يرجع عليه بشئ اذا كان ركوبه بطريق الاعارة أو الاباحة اذ لم يكن بينهما عقد يقتضى السلامة، واذا كان الهلاك قبل بلوغ الغاية لم يجب عليه من الأجر المسمى الا بحسب ما انتفع
(1)
.
وان نص فى العقد على التعميم أو أطلق تعين المنتفع بأول من ينتفع بها وكأنه قد شرط فى العقد ألا ينتفع بها سواه وعليه فالحكم كما تقدم ووجه ذلك انه عند الاطلاق تكون الاجارة فاسدة ففى الثانى اذا استأجر دابة للركوب ولم يسم من يركبها لا تصح الاجارة كما اذا استأجر ثوبا للبس ولم يبين من يلبسه أو قدرا للطبخ ولم يسم ما سيطبخ فيه أو أرضا للزراعة ولم يسم ما سيزرع فيها كما جاء ذلك فى شرح الطحاوى وذلك لاختلاف المنفعة باختلاف الناس فتتعدد المنافع بتعددهم فيكون المعقود عليه مجهولا فلا يصح العقد فاذا عين المنتفع عملا قبل الفسخ التحق ذلك بالعقد وصحت الاجارة بذلك وهذا استحسان وفى القياس يجب أجر المثل لفساد الاجارة لاستبقاء المنفعة بعقد فاسد ووجه الاستحسان أن المفسد هو الجهالة المفضية الى المنازعة وقد زال ذلك بجعل التعيين فى الانتهاء كالتعيين فى الابتداء ولذا لا ضمان عند هلاك العين فى هذه الحال - واذا عمم فقال على أن أركب من أشاء فأركب نفسه أو غيره فان الأمر يصبح مرده الى مشيئة المستأجر وتتعين مشيئته بأول راكب وكأنه نص عليه فى الابتداء فلا يجوز له أن يركب غيره، نص على ذلك فى الكافى
(2)
.
واذا كانت المنفعة لا تختلف باختلاف المستعمل لم يتقيد المستأجر بمنتفع خاص سواء أشرط ذلك عليه فى العقد أم لم يشرط والشرط بذلك باطل وعلى ذلك له أن يؤجر العين لغيره وأن يعيرها اياه لأنه مالك للمنفعة ومتقضى الملك جواز التصرف فيها وليس فى التقييد فائدة غير أنه اذا أراد أن يؤجر العين وجب أن تكون الاجارة لغير مالكها اذ لا يجوز أن يستأجر الانسان ملك نفسه لأن المنافع حين تنشأ تنشأ على ملك مالك العين وعنه تنتقل الى المستأجر كما يجب ألا تزيد الأجرة فى عقد الاجارة الصادر من المستأجر لغيره على الأجرة الواجبة عليه بعقد اجارته مع المالك الا فى حالتين، الأولى
(1)
الدر المختار ج 5 ص 25.
(2)
الزيلعى والشلبى عليه ج 5 ص 115.
أن تكون الأجرة من جنس خلاف جنس الأجرة الواجبة عليه للمالك - الثانية أن يكون المستأجر قد أصلح فى العين أو زاد فيها زيادة لها انتفاع - ووجه ذلك أن المنافع قد تقومت بعقد الاجارة الأول على المستأجر بقيمة معينة فاذا أجرها بأكثر منها كانت الزيادة بلا مقابل فلا تحل له وكانت من أكل المال الباطل - واذا انتهت مدة الاجارة الأولى أو انفسخت الاجارة الأولى بسبب من الأسباب قبل انتهاء مدة الاجارة الثانية ولم يجز مالك العين استمرار الاجارة الثانية انفسخت فى باقى المدة ولا يكون المستأجر الثانى مطالبا بالأجرة للمالك بل يعد مطالبا للمستأجر الأول والمستأجر الأول هو المطالب للمالك
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المواق عن المدونة قال ابن القاسم وان استأجرت ثوبا تلبسه الى الليل فلا تعطه لغيرك يلبسه لاختلاف اللبس والأمانة فان هلك بيدك لم تضمنه وان دفعته الى غيرك ضمنته ان تلف. وقد كره مالك لمكترى الدابة لركوبه أن يكريها لغيره وان كان أخف منه فان أكراها لم أفسخه وان تلفت لم يضمن اذا كان قد أكراها فيما اكتراها فيه من مثله فى حالته وخفته وأمانته ولو بدا له السفر أو مات أكريت من مثله وكذلك الثياب فى الحياة والممات وليس ذلك ككراء الحمولة والسفن والدور فان للمكترى أن يكريها من مثله فى مثل ما اكتراها له، أى من غير كراهة بدليل ما جاء فى الشرح الكبير:
وكره ايجار مستأجر دابة لركوبه أن يؤجرها لمثله خفة وأمانة ولا ضمان عليه ان ضاعت بلا تفريط أو ماتت أما لو كان قد استأجرها للحمل عليها فيجوز كراؤها لمثله اذ للمستأجر أن يفعل مثل المأذون فيه لا الأكثر ضررا وقال الحسن عن ابن يونس فى ذلك يعنى من غير كراهة ومال اللخمى الى اشتراط اذن المالك فى كراء المستأجر ما اكتراه الى شخص آخر قال فى العمدة ويجب فى الاجارة تعيين المركوب لا الراكب وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه أو بمثله خفة وحذقا بالمسير ثم قال ومن اكترى دارا فله أن يسكنها أو يسكنها غيره أو يؤجرها سواء أأجرها لأجنبى أو لمؤجرها له بمثل الأجرة أو بأقل أو بأكثر وقال مثل هذا فى كتاب الارشاد وجاء أيضا فى العمدة محل استيفاء المنفعة لا يتعين وان عين بل للمستأجر أن يستوفى المنفعة بنفسه وبغيره وله أن يؤجر مؤجره وغيره بمثل الأجرة أو بأقل منها أو بأكثر وجاء فى شرحه أن له ذلك ولو عين نفسه للركوب أو للسكنى لأنه قد ملك المنفعة فكان له أن يملكها لمن شاء كسائر أملاكه ولهذا يكون له اجارة ما استأجره ممن شاء وبما شاء قال ابن الحاجب لا يتعين راكب الدابة وان عين لم يلزم تعينه
(2)
- وجاء فى الحطاب: ويجوز للمالك أن يستأجر ما أجره لغيره منه أو من وارثه بعد موته ما لم يؤد ذلك الى دفع قليل فى كثير بأن يؤجر بأجر مؤجل ويستأجر بأجر أقل حالا فيأخذ المستأجر أجرة حالة ليدفعها الى المالك بعد مدة مضاعفة فان ذلك ممنوع كما فى بيوع الآجال
(3)
- وجاء فى
(1)
الدر المختار وابن عابدين عليه ج 5 ص 24 والفتاوى الهندية ج 4 ص 472.
(2)
الحطاب والمواق ج 5 ص 416 و 417 والشرح الكبير والدسوقى عليه ج 4 ص 17، 18.
(3)
الحطاب ج 5 ص 406 والشرح الكبير ج 4 ص 10
المواق
(1)
- ويجوز لمن استأجر أجيرا يعمل له أن يؤاجره من غيره لأنه قد استحق منافعه ذكر ذلك عن سماع عيسى وجاء فى الشرح الكبير والدسوقى عليه
(2)
- وضمن المكترى ان أكرى الدابة أو العين المستأجرة لغير أمين أو أقل أمانة أو لأثقل منه أو أشد ضررا ولو كان دونه فى الثقل فيضمن القيمة عند التلف والنقص عند التعيب وللمالك الرجوع على الثانى ان علم بتعدى الأول فان كان ممنوعا من كرائها وعلم ذلك، وان لم يعلم فقولان ويجوز لمؤجر العين أن يبيعها فان باعها من مكتريها جاز وانفسخت الاجارة فيما تفى من مدتها ويرى الشيخ أبو عمرو أن بقية الكراء يضاف الى ثمن الدار فيجعل كله ثمنا للدار وذهب غيره الى خلافه فيتم البيع بما وقع عليه فقط وصوبه ابن سهل وان باعها لغير مكتريها فالمستأجر لها أولى ان بقى من مدة الاجارة اليوم أو اليومان فان زادت فسخ البيع الا اذا رضى المشترى البقاء على البيع الى انتهاء مدة الاجارة واختلف رأيهم فيمن يستحق أجر المدة الباقية عند بقاء العقد ذهب بعضهم الى أنها للبائع وذهب آخرون الى أنها للمشترى
(3)
.
مذهب الشافعية:
يجوز لمالك العين المستأجرة فى مدة الاجارة أن يبيعها لمستأجرها ولا تنفسخ الاجارة بسبب ذلك على الأصح لاختلاف محل العقدين فعقد البيع يرد على رقبة العين وعقد الاجارة وارد على منفعتها فلا تعارض بين العقدين ولا منافاة والقول الثانى تنفسخ الاجارة بذلك لأن المستأجر اذا ملك الرقبة بعقد الشراء حدثت المنافع على ملكه فلا يستوفيها بالاجارة وهى ملكه ولو باعها المالك لغير المستأجر أو وقفها أو وهبها أو أوصى بها وذلك فى مدة الاجارة جاز فى الأظهر وان لم يأذن المستأجر لما مر من اختلاف موردى العقدين ويد المستأجر لا تعد حائلة فى الرقبة لأن يده عليها يد أمانة ومن ثم لم يمنع المشترى من تسلمها لحظة لطيفة ليستقر ملكه ثم ترجع الى المستأجر ويغتفر ذلك القدر اليسير للضرورة - والقول الثانى لا يجوز ذلك لأن يد المستأجر تحول دون التسليم وعلى القول الأول لا تنفسخ الاجارة قطعا بل تبقى العين فى يد المستأجر الى انقضاء أمد الاجارة فان جهل المشترى أنها مؤجرة خير بين الفسخ والانتظار واذا أجاز المشترى لم يستحق أجر المدة الباقية من الاجارة
(4)
.
وجاء فى النهاية:
وللمستأجر أن يستوفى المنفعة بنفسه وبغيره الأمين لأنها ملكه فلو شرط عليه أن يستوفيها بنفسه فسد العقد كما لو شرط على المشترى ألا يبيع فيركب ويسكن ويلبس مثله فى الضرر اللاحق بالعين وفيما دونه بالأولى لأن ذلك يعد استيفاء للمنفعة فلا يسكن حدادا أو نحوه. وجاء فى مغنى المحتاج: وللمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة لغيره وهذا باطلاقه يشمل تأجيرها
(1)
ج 5 ص 416.
(2)
ج 4 ص 41.
(3)
الحطاب ج 2 ص 407.
(4)
نهاية المحتاج ج 5 ص 424 وما يعدها وص 303
للمؤجر دون تقييد بنقص أو زيادة فى الأجرة الواجبة باجارته لغيره
(1)
.
مذهب الحنابلة:
واذا تصرف المؤجر فيما أجره فقد يتصرف فى رقبته وقد يتصرف فى منفعته - فاذا تصرف فى رقبته فباع العين التى أجرها صح بيعه سواء أباعها لمستأجرها أم لغيره نص على ذلك أحمد وبه قال الشافعى فى أحد قوليه أحدهما ان باعها لغير المستأجر لم يصح بيعه لأن يد المستأجر حائلة فيها تمنع تسليمها الى المشترى فمنعت صحة البيع كما فى بيع المغصوب. وللحنابلة أن الاجارة عقد على المنافع والبيع عقد على الرقبة فاختلف موردهما ويد المستأجر انما هى على المنافع فلا يمنع ثبوتها من تسليم الرقبة لمشتريها بقدر ما يستقر البيع ولئن منعت من التسليم فى الحال فلا تمنع منه فى الوقت الذى يجب فيه التسليم وهو وقت انقضاء الاجارة وزوال يد المستأجر والمشترى فى هذه الحال انما يملك العين مسلوبة المنفعة الى حين انقضاء عقد الاجارة ولا يستحق تسلم العين الا عند انقضائها حيث يبدأ حقه فى الانتفاع بها اما اذا باعها لمستأجرها فان بيعه يصح أيضا اذا العين فى يده وفى انفساخ الاجارة بهذا البيع وجهان أحدهما لا تنفسخ لأن المستأجر تملك المنفعة بعقد ثم ملك الرقبة مسلوبة المنفعة بعقد آخر فلم يتنافيا كمن يملك ثمرة شجرة بشرائها ثم يملك بعد ذلك رقبتها ولذا لو أجر الموصى له بالمنفعة العين الموصى له بمنفعتها لمالك رقبتها صحت الاجارة وكذلك تصح اجارة العين المستأجرة لمالكها - وعلى ذلك يجب على المشترى ثمنها وأجر انتفاعه بها مدة الاجارة. وثانيهما: ان الاجارة تنفسخ فيما بقى من مدتها لأنها عقد على منفعة العين وهى تابعة للعين فى التملك فاذا تملك المستأجر العين بعقد البيع تملك منفعتها فلم تصح أن تكون محلا لملك جديد لمالكها وذلك بواسطة الاجارة فتبطل الاجارة لذلك وعلى هذا يسقط عن المشترى أجر المدة الباقية واذا كان قد دفعه لمالكها احتسب من الثمن واذا ورث المستأجر العين كان الحكم فى ذلك هو الحكم فيما لو اشتراها فى بطلان الاجارة أو بقائها وعلى هذا لو استأجر انسان من أبيه دارا ثم مات أبوه عنه وعن أخ له كانت الدار بينهما نصفين وكان المستأجر منهما أحق بها لأن النصف الذى ورثه أخوه لا تزال الاجارة فيه باقية والنصف الذى ورثه المستأجر قد استحقه اما بحكم الملك واما بحكم الاجارة بالنظر الى منفعته وما عليه من الأجر يكون بينهما نصفين فان كان الأجر قد أدى الى المورث لم يرجع المستأجر بأجر نصفه على أخيه ولا على التركة لأنه لو رجع بشئ أفضى ذلك الى اختلاف الأخوين فى الميراث أحدهما قد ورث النصف بمنفعته وهو المستأجر لبطلان الاجارة فى نصفه فقط والآخر قد ورث النصف مسلوب المنفعة لبقاء الاجارة فيه والله سبحانه وتعالى قد سوى بينهما فى الميراث
(2)
.
واذا اشترى المستأجر العين المستأجرة فردها بعيب على مالكها فى المدة فان قلنا لا
(1)
مغنى المحتاج ج 2 ص 324.
(2)
المغنى ج 6 ص 46 وما بعدها.
تنفسخ بذلك فالاجارة باقية بعد رد العين كما كانت قبله وان قلنا قد انفسخت بشراء المستأجر العين فلا تعود بردها وان كان المشترى أجنبيا فرد المستأجر العين المستأجرة على مؤجرها بعيب فينبغى أن تعود المنفعة فى باقى المدة الى بائعها لا الى مشتريها لأنه يستحق عوضا على المستأجر فاذا سقط عاد اليه بدله.
أما تصرف مالك العين المستأجرة فى منفعتها مدة اجارتها فغير جائز لأنها صارت مملوكة لغيره وهو المستأجر فان تصرف نظرنا فى ذلك - فان كان تصرفه فى حال بدا للمستأجر فيها أن يتركها وكان ذلك قبل انقضاء المدة مثل أن يكترى دارا سنة فيسكنها شهرا ويتركها فيؤجرها المالك لغيره احتمل أن ينفسخ عقد المستأجر الأول فيما تصرف فيه المالك لأنه قد تصرف فيه قبل قبض المستأجر له لانعقاد المبادلة فى الاجارة آنا فآنا ويكون على المستأجر أجر ما مضى فلو كانت العين دارا فسكن المستأجر شهرا وتركها شهرا وأجرها المالك عشرة أشهر لزم المستأجر أجر شهرين فقط
(1)
.
وللمستأجر أن يؤجر العين لغيره ممن يساويه فى الانتفاع بها أو يكون دونه فى ذلك ويجوز أن يؤجرها لمالكها مطلقا لرضاه ذلك باقدامه على استئجارها وانما جاز له ذلك لأنه قد ملك منفعة العين بالاجارة فجاز له أن يستوفيها وأن يتصرف فيها وعلى هذا اذا اكترى دابة ليركبها كان له أن يركبها بنفسه وأن يركبها غيره ممن هو مثله أو أخف منه لأن العقد انما اقتضى استيفاء منفعة مقدرة بذلك الراكب فله أن يستوفيها بنفسه أو بنائبه وله أن يستوفى أقل منها لأنه استيفاء لبعض ما يستحقه فان شرط عليه المالك ألا يستوفى الا لنفسه فقياس قول أصحابنا أن العقد صحيح والشرط باطل فقد ذكروا فيمن شرط عليه أن يزرع فى الأرض حنطة ولا يزرع فيها غيرها أن الشرط يبطل ويصح العقد ويحتمل أن يصح الشرط وهو أحد وجهين لأصحاب الشافعى. أحدهما يبطل الشرط لأنه ينافى مقتضى العقد - وانما يجوز للمستأجر أن يؤجر العين لغير مؤجرها اذا تسلمها نص على ذلك أحمد وهو قول سعيد بن المسيب وأصحاب الرأى، وذكر القاضى فيه رواية أخرى مقتضاها عدم جواز اجارة العين المستأجرة لأنها تمليك لما لم يدخل فى ضمان المملك اذ المنافع قبل استيفائها معدومة فلم تدخل فى ضمان المستأجر لذلك وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن والرواية الأولى أصح لأن قبض العين يقوم مقام قبض منافعها بدليل جواز التصرف فيها وكذلك اجارة المنافع قبل قبض العين لا تجوز من غير مؤجرها فى أحد وجهين لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر فى جواز العقد عليها القبض كالأعيان - والوجه الآخر يجوز - اما اجازتها لمؤجرها قبل القبض ففيه أيضا وجهان عند من يرى عدم جواز الاجارة لغير المؤجر. اما عند من يرى جوازها فان ذلك يجوز عنده لثبوت يد المؤجر فى هذه الحال واما بعد القبض فجائزة واليه ذهب الشافعى
(2)
.
(1)
المغنى ج 6 ص 22 وما بعدها.
(2)
المغنى ج 6 ص 53.
وجاء فى اغاثة اللهفان لابن القيم أنه يجوز للمستأجر ان يؤجر ما استأجره لغيره مؤجرا كان أم غيره خلافا لأبى حنيفة فى المؤجر
(1)
ولم يقيد ذلك بقيد من القيود السابقة واذا جاز للمستأجر ان يؤجر العين المستأجرة كان له اجارتها بمثل الأجرة التى أجرها بها وبزيادة عليها نص على ذلك أحمد وعن أحمد أنه ان أحدث زيادة فى العين جاز له أن يكريها بزيادة والا لم يجز فان فعل تصدق بالزيادة. ووجه الرواية الأولى أنه ملك المنفعة فيملك أن يملكها بما يشاء كالعين يشتريها فيملكها غيره بما يشاء ونقل الاثرم عن أحمد أنه سأله عن الرجل يتقبل العمل من الأعمال فيقبله غيره بأقل مما تقبله به أيجوز له الفضل؟ قال ما أدرى هى مسألة فيها بعض الشئ
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يرى ابن حزم ان اقدام مالك العين المستأجرة على بيعها أو اخراجها من ملكه بأى وجه كل ذلك يبطل الاجارة فيما بقى من مدتها وينفذ تصرفه بالبيع والاخراج عن الملك بالهبة والاصداق والصدقة فان كل ذلك تصرف فيما يملكه فينفذ واذا نفذ فقد خرجت العين عن ملكه واذا خرج عن ملكه بطل عقده فيه اذ لا حكم له فى مال غيره ولا يحل للمستأجر منافع حادثة فى ملك غير مؤاجرة
(3)
.
وقال فى مسألة 1314. ومن استأجر دارا أو دابة أو شيئا تم أجره بأكثر مما استأجره به أو بأقل أو بمثله فهو حلال جائز وكذلك الصانع المستأجر لعمل شئ فيستأجر هو غيره ليعمله بأقل أو بأكثر أو بمثله فكل ذلك حلال والفضل جائز لهما الا ان تكون المعاقدة وقعت على ان يسكنها بنفسه أو يركبها بنفسه أو يعمل العمل بنفسه فلا يجوز غير ما وقعت عليه الاجارة
(4)
.
مذهب الزيدية:
اجاز الزيدية للمستأجر ان يؤجر العين المستأجرة بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون ذلك بعد قبضها فليس له أن يؤجرها قبل أن يتسلمها. والثانى: ان تكون الاجارة لغير مؤجرها سواء أكان هو المالك أم غيره.
الثالث: أن تكون الاجارة لمثل العمل الذى استأجرها لأجله أو لما هو دونه وبمثل الأجرة التى استأجرها بها أو بما هو دون ذلك - ذلك هو المذهب وهو قول الهادى وأكثر العلماء وقيل لا يجوز ذلك الا باذن مالك العين مطلقا سواء أكانت الاجارة بمثل الأجرة أم بدونها أم بأكثر منها ولمثل العمل أو لأكثر منه أو لما هو دونه - اما اعارة المستأجر العين المستأجرة فجائزة من غير اذن المالك اجماعا - واذا لم يكن المستأجر قد تسلم العين المستأجرة أو أراد أن يؤجرها لمالكها أو لعمل أكثر من العمل الذى استأجرها لأجله أو بأجرة أكثر مما استأجرها به ولو بعد قبضها فلا يجوز ذلك الا باذن من المالك أو باجازته فيما اذا أجر لأكثر مما استأجر لأجله وذلك باجماع الآراء أو أجر بأكثر مما استأجر به من الأجرة وذلك هو المذهب فقال
(1)
ج 1 ص 39.
(2)
المغنى ج 6 ص 51 وما بعدها.
(3)
المحلى ج 8 ص 184 وص 185 وما بعدها مسألة 1291.
(4)
محلى ج 8 ص 197.
المؤيد بالله يجوز ذلك من غير اذن كما يجوز ذلك فى المذهب اذا زاد المستأجر فى العين المستأجرة زيادة ترغب فيها كبناء أو اصلاح اذ فى هذه الحال تطيب له الزيادة وان لم يأذن المالك لأنها فى مقابلة زيادته - أما قبل قبض العين المستأجرة فلا يجوز للمستأجر اجارتها من المالك ولو مع اذنه
(1)
.
مذهب الإمامية:
اذا باع المؤجر العين المستأجرة فى مدة الاجارة صح البيع ولا يقف على اجازة المستأجر سواء أباعها للمستأجر أم لغيره واذا حدث البيع والمشترى يعلم بالاجارة لزم البيع ولا يخير المشترى بين الفسخ والامضاء - واذا لم يكن عالما فاختار الامضاء أو كان عالما ملك العين المستأجرة مسلوبة المنفعة الى حين انتهاء مدة الاجارة ولا يستحق تسلم العين الا بانقضاء من الاجارة واذا فسخ المستأجر الاجارة فى المدة لحدوث عيب مثلا فالأقرب رجوع المنفعة الى انتهاء المدة للبائع لا الى المشترى - واذا كان المشترى هو مستأجر العين صح البيع بتمام العقد والأقرب حينئذ عدم بطلان الاجارة بشرائه فيكون عليه الأجر فى باقى المدة كما يلزم بالثمن واذا ردها المشترى «المستأجر» فى هذه الحال بعيب انفسخ البيع له برده والاجارة على حالها - ولو قيل اذا كان المشترى للعين هو المستأجر انفسخت الاجارة ولم يكن للمشترى ان يرجع بالأجرة على البائع اذا عجلها لكان وجها - واذا ورث المستأجر العين المستأجرة فان قلنا أن موت المؤجر يبطل الاجارة بطلت الاجارة فى باقى المدة - ورجع المستأجر على التركة بما له من الأجر عن المدة الباقية ان كان قد دفعه.
وان قلنا بعدم الابطال على ما اخترناه فالأقرب فى هذه الحال عدم البطلان وان أصبح المستأجر هو المالك ولو مات المؤجر وترك ابنين أحدهما المستأجر كانت رقبة العين المستأجرة بينهما نصفين والمستأجر أحق بوضع يده عليها بسبب عقد الاجارة الى أن تنته مدتها وعليه نصف الأجرة لأخيه اذا لم يكن قد أداها فان كان قد أداها الى المورث لم يرجع بشئ على أخيه ولا على التركة.
ويجوز للمستأجر ان يؤجر العين المستأجرة بشرطين: أحدهما أن يؤجرها لمثله أو لمن هو دونه فى الاستعمال. والثانى الا يكون عقد الاجارة الذى صدر له من المالك قد شرط فيه ما يمنع تأجيرها أو ما يقضى بتخصيصه باستعمالها. فلو أجره المالك بشرط الا يسكن غيره أو لا يركبه لم يجز المخالفة
(2)
وجاء فيه بعد ذلك - ولو استأجر انسان عينا جاز له أن يؤجرها غيره ممن يساويه أو يكون دونه فى استيفاء المنفعة التى اجرت لها العين ما لم يشترط عليه المالك عدم ذلك قبل قبضه العين سواء فى ذلك المؤجر وغيره - ثم ان المستأجر ان أحدث فى العين حدثا كحفر نهر أو بناء حائط أو عمل باب أو غير ذلك، وان قل العمل جاز ان يؤجرها بأكثر مما استأجرها به سواء أكان من جنسه
(1)
شرح الأزهار ج 3 ص 266، ص 267.
(2)
تحرير الأحكام ج 2 ص 242، ص 244، ص 245
أم من غيره فان لم يحدث فيها حدثا ففى جواز اجارتها بأكثر مما استأجر به من جنس أجرتها قولان أقربهما المنع ولو أجرها بغير الجنس جاز سواء أكان ذلك بزيادة أم بنقص ولو أجرها من جنس أجرتها بأزيد مما استأجرها به ففى بطلان العقد حينئذ نظر ومع القول بصحته تطيب الزيادة ولو سكن بعض الدار وأجر الباقى بغير جنس جاز بالزيادة ولو كان من الجنس لم يجز أن يؤجر بالزيادة الا ان يحدث فى العين حدثا يستوجبها فعند ذلك تجوز الزيادة. والصانع اذا تقبل عملا بشئ معلوم لم يجز له أن يقبله غيره بأقل من ذلك ما لم يحدث حدثا مما استؤجر له كتفصيله الثوب أو خياطة شئ منه أو اعطائه خيوطا أو ابرا فعند ذلك يجوز أن يقبله بأقل مما أخذ من الجنس وغيره. وليس له ذلك اذا شرط عليه أن يعمل لنفسه
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل ما خلاصته:
من أجر دابة هى له أو دارا أو غيرها فلا يجوز له أن يخرجها عن ملكه ببيع أو اصداق أو هبة أو تصدق أو بوجه من الوجوه كما لا يجوز له أن يرهنها ولا يفعل بها ما تفوت به منافعها أو بعضها عن مستأجرها ولا يقسمها ولا يتصرف فيها تصرفا ما الا لاصلاحها وتحسينها على وضع لا يعطل المستأجر الى أن تنته مدة الاجارة فاذا انتهت فعل ذلك الا أن يتعلق بالعين شئ فات على المستأجر وثبت له حق استدراكه بحكم الشرع فيها فان مالكها لا يفعل شيئا مما سبق حتى يستدركه المستأجر - واذا فعل شيئا من هذه التصرفات معلقا جاز مثل ان يكريها لسنة مستقبلة أو يبيعها مؤجلة الى سنة أو يصدقها كذلك وذلك على القول بان العين تقبلها الذمة، ولكن الصحيح انها لا تقبلها. ومثال ذلك ان يكريها لسنة فيقول لانسان آخر اذا انتهت السنة فهى لك صدقة أو هى لك بكذا من بيع أو اصداق أو غيره أو فهى لك رهن. كما يجوز له ان يفعل ذلك بشرط اتمام مدة الاجارة على القول بصحة ذلك بناء على قوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، وباعتبار ذلك يجوز فيها كل تصرف باخراجها عن ملك مالكها ولا سيما الهبة مثل ان يقول أعطيتها لك بشرط الا تتصرف فيها حتى تتم مدة الاجارة أو رهنتها لك بشرط ذلك وان أجاز المكترى بيع ما اكتراه أو اخراجه من ملك مالكه بوجه من الوجوه أو رهنه أو نحو ذلك جاز قطعا
(2)
.
وكذلك لا يجوز للمؤجر ان يتصرف فى الأجرة ببيع أو هبة أو اصداق أو صدقة أو اخراج من الملك وان قبضها حتى يتم العمل الذى استؤجر لأجله وقيل يجوز له التصرف قبل الاتمام وعليه اتمامه وهذا على القول بان عقد الاجارة غير لازم. واما على القول بلزومه فيجوز له التصرف فيها بقدر ما قابل ما اتمه من عمل وهذا هو المختار.
وللمستأجر أن يؤجر العين التى استأجرها بمثل ما أجرها به لا بأكثر فاذا كراها بأكثر
(1)
تحرير الأحكام ج 2 ص 245.
(2)
شرح النيل ج 5 ص 100، 101.
لم تحل له الزيادة بل هى لمالك العين الا ان يكون قد زاد فى العين شيئا من مال نفسه على الا يحسبه على صاحب العين وان له نزعه عند تمام المدة أو العمل وعند ذلك تكون الزيادة للمستأجر وقيل تكون أيضا للمؤجر فى هذه الحال - وجاء فى الديوان:
وان كرى دارا أو بيتا من رجل فلا يجوز له ان يكريه لغيره بأقل من الكراء الأول أو بأكثر وكل ما كراها به من قليل أو كثير فهو لصاحبها زاد فيها شيئا أم لم يزد - وقيل يجوز له أن يؤجرها لغيره بما أراد ان زاد فيها شيئا نحو الباب والبناء وقيل جائز ذلك ولو لم يزد فيها شيئا وقيل لا يكريها لغيره فان فعل فالكراء له ويؤدى للمالك ما اتفقا عليه أولا وكذلك العمال لا يجوز لهم أن يعطوا لغيرهم ما أخذوه على الأجرة فان فعلوا فليؤدوا الأجرة لمن استأجروه ان سلم الشئ ويأخذوا من صاحبه ما اتفقوا عليه
(1)
.
الاجارة على الأعمال وأحكامها:
مذهب الحنفية:
أ) قد يكون محل الاجارة عمل عامل كما يكون منفعة عين وقد سبق بيان ذلك فاذا كان محلها عمل عامل كالخياطة والنسج والرعى والخدمة والحمل والبناء والهدم وغير ذلك من الأعمال فان العقد يتم بين من يطلب العمل وينتفع به وهو المؤجر أو المستأجر وبين من سيقوم بهذا العمل وهو الأجير وهذا العمل قد يكون مما لا يتحدد ولا يتقدر الا بالزمن وفيه يجب بيان مدته لتحديده وتقديره كالخدمة والرعى والحراسة وقد يكون مما يتحدد ويتعين بذكر نوعه وصفته كالحمل والبناء والكتابة والخياطة والنسج وفى هذا لا يجب ذكر مدة معه واذا ذكرت معه المدة كان ذكرها للاستعجال وقد سبق الحكم فى ذلك. والأجير الذى سيقوم بالعمل بمقتضى عقد الاجارة ان وقع العقد معه على مدة معينة لكى يقوم فيها بالعمل الذى تم التعاقد عليه سواء أكان له امتداد مع الزمن كالرعى والحراسة أم لم يكن له امتداد كاصلاح الآلات وكى الثياب على ألا يقوم فيها بعمل لغير مؤجره واحدا كان أو أكثر بل يكون مختصا به فلا يتقبل من غيره عملا كالطاهى تستأجره ليطهى لك شهرا بمرتب شهرى هو كذا والموظف فى شركة أو مؤسسة لمدة يقوم فيها بما يكلف به فيها من أعمال يسمى بالأجير الخاص أو الأجير الوحد وان وقع العقد معه على أن يقوم بعمل معين سواء أجعل الزمن معيارا له أم لا وكان له أن يتقبل من أى شخص ما يطلبه منه من أعمال ولو فى زمن قيامه بالعمل الذى تعاقد عليه فهو الأجير المشترك ومقتضى ذلك أن الأجير المشترك كل أجير هو يجوز له أن يتقبل العمل من كثير من الناس فى وقت واحد سواء أعمل لشخص واحد فعلا أم عمل لكثير وسواء أجعل الزمن معيارا له عند الحاجة الى ذلك بأن كان ضروريا لتحديده كالحراسة والرعى أم لم يجعل الزمن معيارا له كاصلاح آلة معينة وذلك كالمهندس والمحامى والطبيب اذا لم يقصروا على العمل لشخص معين أو أشخاص معينين ولم يمنعوا من أن يعملوا لكل من يطلب منه عملا وعلى ذلك فالراعى الذى
(1)
شرح النيل ج 5 ص 102، 103، 104.
تستأجره لرعى غنمك شهرا بكذا اذا كان يرعى لغيرك أيضا فى هذا الوقت أو لم يكن ممنوعا من ذلك كان أجيرا مشتركا.
ب) والمعقود عليه فى اجارة الأجير المشترك هو العمل أو الأثر والوصف الذى يحدثه العامل فى العين محل عمله بعمله ويستحق المؤجر الذى تعاقد معه هذا العمل عليه ويثبت دينا فى ذمته كثبوت الدين فى ذمة المدين ولهذا لا تزدحم ذمته بكثرة الأعمال كما لا تزدحم ذمة المدين بكثير من الديون ويجب عليه الوفاء بالقيام به نتيجة للعقد ويستوجب الأجر بالوفاء به ولذا يجب لصحة العقد معه بيان محل العمل اما بالاشارة اليه واما بوصفه بما يتعين به مع بيان مدته فيما يمتد ويكون الزمن معيارا له ويثبت للأجير فيه خيار الرؤية فى كل عمل يختلف باختلاف محله اذا لم ير المحل قبل العقد كالخياطة والحفر فله الفسخ والامضاء عند رؤيته محل عمله أما اذا كان لا يختلف باختلاف محله فلا يكون له بعدم رؤيته خيار بل يلزم العقد بتمامه كالكيل فانه لا يختلف باختلاف الحنطة مثلا واذا جمع فى هذه الحال بين المدة والعمل كأن يستأجر حائكا ليخيط له هذا لثوب اليوم كان ذكر المدة للتعجيل ويرى الامام فساد الاجارة فى هذه الحال وقد تقدم بيان ذلك.
أما المعقود عليه فى اجارة الأجير الوحد فهو عمله أو منفعته هو فى المدة المبينة بالعقد وبذلك أصبحت منافعه فى تلك المدة ملكا للمستأجر والمناط فى ذلك استعداده فى هذه المدة وتمكين المؤجر من الانتفاع به فيها فى سبيل تحقيق المنفعة التى تم التعاقد عليها ولذا كان فى معنى التعاقد على تسليم نفسه فى تلك المدة تسليما لا يصاحبه مانع من العمل وكان لا بد لصحة العقد فى هذه الحال من بيان العمل والمدة والا فسد العقد ولذا يستحق الأجرة المسماة بتسليم نفسه فى المدة وان لم يعمل شيئا لعدم ما يعمل فيه أو ما يعمله كالموظف يستحق مرتبه اذا ما ذهب الى محل عمله مستعدا له قادرا عليه ولم يجد عملا يقوم به وكالطاهى يستحق أجرته وان لم يحضر له مؤجره ما يطهيه من الطعام واستحقاق هذا الأجير لأجرته يكون بحسب المدة لا بحسب العمل الذى يقوم به فيها ويمتنع عليه - لما تقدم بيانه من أن منفعته فى المدة ملكا للمستأجر - أن يعمل فى مدة الاجارة لغير مستأجرة فان عمل فيها لغيره نقص من أجرته بقدر ما أضاع من الزمن فى العمل لغيره كما لا يجوز له أن يعمل فيها شيئا لنفسه الا ما يقضى العرف بالتسامح فيه وهذا بخلاف الأجير المشترك اذ لا يستحق أجرا الا بالعمل
(1)
.
وعلى ذلك اذا أضاع فى العمل للغير ربع المدة نقص من أجره ربعه.
ج) ضمانهما لما فى أيديهما.
الأجير الوحد أمين فيما يسلم اليه من الأشياء التى هى محل لعمله فاذا كان قصارا أو خياطا فهلك ما فى يده من الثياب لا يصنعه لم يضمن اجماعا وكذلك لو تخرقت الثياب بصنعه الذى يعد من عمله المأذون فيه فلا ضمان عليه
(2)
- ويضمن اذا تعمد
(1)
البدائع ج 4 ص 184 والدر المختار وابن عابدين ج 5 ص 44، 48 طبعة الحلبى.
(2)
التحفة ج 2 ص 522.
الفساد كالوديع وكذلك ان أمره بعمل فعمل غيره ضمن.
أما الأجير المشترك فهو بمقتضى أن يده على محل العمل يد محقة مأذون فيها لا يضمن الا عند تعديه أو تقصيره لكنه رؤى فى زمن الصحابة والتابعين أن المصلحة تستوجب ضمانه حتى لا تتخذ أمانته وسيلة لضياع أموال الناس واستلابها لكثرة العمال واختلاف أخلاقهم وحتى لا يؤدى ذلك الى خوف أرباب الأموال على أموالهم من الصناع فيحجمون عن استئجارهم للعمل فيها وفى ذلك مضرة بهم ولهذا انته الحنفية الى تفصيل الحكم فى ضمانه على الوضع الآتى الذى ذكره ابن عابدين.
أولا: اذا كان هلاك المحل بفعل الأجير سواء أكان نتيجة تعديه أم كان بغير تعديه فلا ضمان عليه اتفاقا بين الامام وصاحبيه.
ثانيا: اذا كان هلاكه بغير فعل الأجير وكان بسبب لا يمكن الاحتراز عنه كحريق غالب ونحوه فلا ضمان عليه اتفاقا أيضا.
ثالثا: اذا كان الهلاك بسبب يمكن الاحتراز عنه لم يضمن عند الامام لأنه أمين وعندهما يضمن. وذهب المتأخرون بالصلح على نصف القيمة وذهب آخرون الى أنه ان كان معروفا بالصلاح لم يضمن وان كان معروفا بغير ذلك ضمن وان كان مستور الحال كان الحكم هو الصلح على نصف القيمة.
قال فى الخيرية: فهذه أربعة أقوال كلها مصححة ومفتى بها وأحسنها التفصيل الأخير والأول قول أبى حنيفة وهو قول عطاء وطاووس وهو قول عمر وعلى
(1)
.
د) استحقاقهما الأجرة:
اذا سلم الأجير الخاص نفسه فى مدة الاجارة استحق أجره وان لم يعمل متى كان متمكنا من أن يقوم بعمله وان منعه منه المستأجر فاذا سلم نفسه مريضا لا يستطيع عملا فلا يستحق بذلك أجره.
وليس للمستأجر أن يمتنع عن اعطائه أجر المدة كلها حسب العقد وان استغنى عنه فيها بل يجب عليه أن يؤديها اليه متى لم يكن بالأجير عذر يمنعه من العمل المطلوب منه فيها.
أما الأجير المشترك فلا يستحق أجره الا بالعمل وعلى حسبه كما تقدم ولا بد لاستحقاقه الأجر من تسليم العمل وذلك يكون بانتهاء مدة الاجارة وهو يعمل أو الفراغ من العمل حتى قالوا فى الحمال أن الأجر لا يجب له ما لم يحط المتاع عن رأسه لأن الحط من تمام العمل فكل جزء من العمل غير مقصود اذ لا ينتفع ببعضه دون بعض فكان الكل كشئ واحد تقابله الأجرة كلها اذا تم واذا تضمن عقد الاجارة بين المستأجر والأجير شرطا يقضى بأداء الأجرة فى وقت معين اتبع ذلك الشرط فان اتفقا على دفعها فى أول المدة أو آخرها ان كانت مدة أو قبل تمام العمل أو بعده لزم ذلك وان لم يشترطا
(1)
ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 45 والتحفة ج 2 ص 526.
ففى الأجير الوحد تعطى له الأجرة عند انتهاء كل مدة. ذلك لأن الأجر فى الواقع مقابل لها وفى الأجير المشترك يكون له طلب الأجرة لما تم من عمل ان كان هذا الأجير يعمل فى منزل المستأجر ولعمله أثر ظاهر فى العين اذ أن العين حينئذ تعد فى يد صاحبها فكلما أتم جزءا من العمل يصير بسبب ذلك مسلما الى المستأجر فيجب عليه ما يقابله من الأجر وان لم يكن قد تم العمل وان لم يكن العمل فى منزل المستأجر ولم تكن العين فى يد صاحبها فليس للأجير أن يطلب شيئا من الأجرة المسماة الا بعد تمام العمل وتسليم محله الى المستأجر وقيل لا يستحق الأجر فى الحالين الا بعد تمام العمل لأنه لا ينتفع ببعضه قبل الاتمام كما فى الخياطة ولكن لو عجل له المستأجر الأجر جاز وتملكه الأجير وان لم يكن لعمله أثر ظاهر فى العين كالحمال فانه يعتبر مسلما لكل جزء يقوم به من العمل لحصوله فى ملك المستأجر فبقدر ما يعمله يصير مسلما الى صاحب العين فيستحق عليه الأجرة وان لم يسلم العين الى صاحبها.
هـ) حبس الأجير محل العمل لأخذ الأجرة:
واذا أراد الأجير حبس العين بعد الفراغ من العمل لاستيفاء الأجرة كان له ذلك ان كان لعمله أثر فى العين ظاهر كالخياط والصباغ اذ أن ذلك الأثر هو المعقود عليه فى هذه الحال والأجر يقابله فكان كالمبيع يحبس لاستيفاء الثمن فكذلك هنا تحبس العين لاستيفاء الأجرة اذ فى حبسها حبس للأثر واذا هلكت العين قبل التسليم سقطت الأجرة كهلاك المبيع قبل التسليم يسقط به الثمن ولا يجب على الأجير ضمان عند أبى حنيفة خلافا لهما أما اذا لم يكن لعمله أثر ظاهر فى العين كالحمال لم يكن له حبس العين المحمولة لاستيفاء الأجرة لأن ما لا أثر له فى العين ظاهرا فالبدل فيه مقابل بالعمل فاذا فرغ منه حصل العمل فى يد المستأجر بحصوله فى العين المملوكة له فلا يملك بعد ذلك حبسه عن المؤجر كالمبيع يسلم الى المشترى قبل القبض لا يعود البائع بعد ذلك الى حبسه لاستيفاء الثمن ولو حبسه فهلك قبل تسليمه فعلا لم يسقط الأجر لأنه حين وقع العمل وتم حصل مسلما الى المستأجر لوقوعه فى يده فتقررت عليه الأجرة بذلك فلا تحتمل السقوط بالهلاك ثم يضمن مع ذلك لأن حبسه كان بغير حق فصار به غاصبا وهذا كله اذا كان محل العمل فى يد الأجير أما اذا كان فى يد المؤجر فان أى جزء يتم من العمل يصير مسلما الى يده فكان للأجير حق المطالبة بأجره الذى يقابله اذا كان ينتفع بهذا الجزء دون اتمام فاذا استأجره لحفر قناة فى أرضه فحفر بعضها كان له أن يطالبه بما يقابل ذلك البعض من الأجر نصفا أو ثلثا وعلى ذلك اذا استأجر خياطا ليخيط له قميصا فى منزله فان خاط له بعضه لم يكن له أجر على ما فعل لأن هذا العمل لا ينتفع ببعضه قبل الاتمام فلا تلزم له أجرة اذ أنه غير مقابل بشئ منها ولا يستحق الأجر الا باتمام خياطته وبما أن العمل حصل فى منزل المؤجر فاذا فرغ منه ثم هلك فله الأجرة فى قول أبى حنيفة لأن العمل قد صار مسلما اليه بعمله فى داره والعين غير مضمونة على قوله لأنه أمين أما على قولهما فالعين مضمونة ولا يبرأ عن
ضمانها الا بتسليمها الى مالكها بعد تمام الخياطة فاذا هلك الثوب فان شاء ضمنه قيمته صحيحا ولا أجر له وان شاء ضمنه قيمته مخيطا وله الأجر
(1)
.
انابة الأجير غيره فى العمل
لا يجوز للأجير الواحد فى جميع أحواله انابة غيره فيما تم التعاقد عليه معه من الأعمال ذلك لأن العقد وقع على عمله بنفسه لا على عمل غيره والعملان مختلفان ولكن يجوز للأجير المشترك اذا لم يشترط عليه أن يعمل بنفسه أن ينيب غيره بعمل ما استؤجر عليه لأن العقد وقع على العمل ذاته لا على عمله ولذلك فسواء قام به هو أم قام به نائبه جاز ذلك واستحق الأجر بذلك ويكون حينئذ ضامنا لما يتلف فى يد من أنابه اذا شرط عليه أن يعمل بنفسه اذ لا يجوز له حينئذ انابة غيره لأن العقد وقع على عمله وهو يتعين بنسبته اليه والتعيين هنا مفيد لا لتفاوت العمال فى صلاحية العمل واتقانه. أما اذا لم يشترط عليه ذلك فيجوز له انابة غيره فى العمل من معينيه وتلاميذه وهم يضمنون ما أتلفوه اذا كان التلف نتيجة عمل منهم غير مأذون فيه بمقتضى عقد الاجارة كما اذا تخرق الثوب من وطئهم له اذ أنهم غير مأذونين فى ذلك واذا وقع السراج من يد أحدهم فأحرق الثوب فالضمان على الأستاذ الأجير لأن الذهاب بالسراج عمل مأذون فيه اذ يقتضيه العمل فينتقل الى الأستاذ وكأنه فعله بنفسه فيجب الضمان عليه عند وجوبه عليه ولو حصل خرق الثوب حين العمل بطريق الخطأ نسب ذلك أيضا الى الأستاذ لأن ذلك مضاف الى العمل ولا يخلو منه العمل عادة وهكذا تراعى الأحوال فى بيان من يجب عليه الضمان
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير ما خلاصته: ليس لراع استؤجر على رعى غنم أن يتقبل رعى غنم أخرى معها اذا لم يكن ذا قوة وكفاية لرعيها معا ولكن يكون له ذلك اذا قدر عليه بمشارك يشاركه فى الرعى - وهذا ذا لم يشترط عليه رب الغنم الأولى أن لا يرعى غيرها معها فاذا اشترط عليه ذلك لم يرع غيرها معها مطلقا فان خالف فرعى غيرها كان أجره على ذلك لمستأجره صاحب الغنم الأولى وان شاء نقص من أجره المسمى ما نقص بسبب مخالفته وطريق معرفة هذا النقص أن يتعرف على مقدار أجرة رعى الأولى وحدها بحسب العرف فاذا قيل عشرة مثلا نظر الى أجرة رعيها مع غيرها فاذا قيل ثمانية فقد نقص الخمس وعندئذ يخير مستأجره بين أن ينقصه خمس المسمى له فى العقد الأول وبين أخذ ما أجر به فى العقد الثانى ويدفع له أجره المسمى بتمامه ومثل ذلك فى الحكم أجير الخدمة اذا أجر نفسه لغير مخدومه الذى استأجره حتى فوت عليه بعض ما استأجره مخدومه عليه أو كله فان اجرته تكون لمستأجره الأول ان شاء وان شاء أسقط عن نفسه أجرة ما فوته عليه بالطريقة التى شرحت فان لم يفوت عليه
(1)
البدائع ج 4 ص 204 وما بعدها، والمبسوط ج 11 ص 24، ج 15 ص 107، 103 والبدائع ج 4 ص 210.
(2)
البدائع ج 4 ص 212. والدر المختار ج 5 ص 52
شيئا مما استأجره عليه بل وفى بكل ما يطلب منه فلا كلام لمستأجره الأول عليه ولو عمل مجانا سقط من كرائه بقدر قيمة أجر مثل ما عمل
(1)
- وجاء فى المدونة أن المستأجر يخير بين ذلك وبين أن يسقط حصة الزمن الذى شغله بالعمل للآخر ونصها: وكذلك أجيرك للخدمة يؤاجر نفسه من غيرك يوما أو أكثر فلك أخذ أجره على ذلك أو تركه له واسقاط حصة ذلك اليوم من الأجر عنك وهذا اذا شغل الزمن بعقد اجارة أما اذا شغله بغير ذلك فليس للمؤجر الا اسقاط حصة ذلك الزمن
(2)
.
ومن هذا يفهم أن الأجير الخاص له العمل لغير مستأجره على ما نقله الدردير اذا لم يفوت على مستأجره غرضا له خلافا للحنفية وان كان المفهوم مما نقله الحطاب أن ليس له العمل لغير مستأجره مطلقا لاطلاق عبارته الا أن يحمل المطلق على المقيد.
والأجير سواء أكان أجيرا لا يعمل الا لمستأجر واحد أو كان يعمل لكثير أمين بالنسبة الى ما تحت يده من الأعيان التى جعلت محلا لعمله فلا ضمان عليه إن ادعى الضياع أو التلف سواء أكانت العين مما يغاب عليه كالثوب أم لا كالدابة غير أنه ان كان متهما حلف على أنه قد ضاع أو تلف وما كان ذلك بتفريط أو تعد وقيل أنه يحلف عند ادعاء التلف أما الضياع فيصدق فيه من غير يمين لأنه لا ينشأ الا عن تفريط غالبا وسواء فى هذا الحكم أن يكون قد شرط عليه الضمان اذا لم يأت بسمة ما تلف أم لم يشترط عليه ذلك غير أن العقد يفسد عند ذكر هذا الشرط لأنه مناقض لمقتضى العقد ولذا يكون له أجر مثل عمله فيه سواء أزاد على المسمى أم لا عند ابن القاسم الا أن يسقط هذا الشرط بالتنازل عنه قبل الفوات والا صح العقد، والفوات يكون بانتهاء العمل واسقاط الشرط قبل الانتهاء له حكم اسقاطه قبل العمل وبناء على ما ذكر فان الأجير على حمل دهن أو طعام أو آنية اذا عثر أو عثرت الدابة الحاملة فانكسر المحمول أو تلف ولم يكن ذلك نتيجة لتعد من الأجير بفعل أو بسوق الدابة سوقا غير معتاد لا ضمان عليه على المعتمد فى المذهب وهذا الحكم لا ينافى المقرر فى المذهب من أن العمد والخطأ فى أموال الناس سواء فى الحكم لأنه مقيد بما اذا لم يكن المخطئ أمينا وهو هنا أمين الا ترى أن من أذن له فى تقليب شئ فسقط من يده لا ضمان عليه وان سقط على شئ فانكسر ضمن ما سقط عليه لا ما سقط لأنه لم يؤذن بعمل فيما سقط عليه عندئذ وفى حاشية السيد ان السقاء الذى استؤجر على ملء الزير اذا سقط الغطاء من يده فانكسر الغطاء والزير ضمن الزير دون الغطاء لأنه مأذون برفع الغطاء وكذلك لا ضمان عليه اذا كان التلف نتيجة انقطاع الحبل المشدود به المتاع وكذلك لا ضمان على الخياط اذا أتى بقطعة قماش وقيل له هل تكفى فأجاب نعم وفصلها فظهر أنها غير كافية فلا ضمان عليه اذا لم يشرط عليه عدم تفصيلها اذا رأى أنها لا تكفى ومحل هذا اذا لم يكن الأجير متهما بأن صدقه رب المتاع أو كان التلف بحضرته أو بحضرة وكيله أو قامت بينة على صدقه
(1)
الشرح الكبير ج 4 ص 23.
(2)
الحطاب ج 5 ص 426.
أو كان قد صاحبه فى بعض الطريق وان فارقه فى باقيها والا ضمن كما نصوا كذلك على أنه لا يعد أمينا فى حمل ما تتسارع اليه الأيدى كالطعام بخلاف البز والعروض اذ القول له فيها ثم قال الدسوقى وحاصل فقه المسألة أن المستأجر للأعيان أمين مصدق فى دعواه التلف أو الضياع سواء أكان ما استأجره منها دابة أو ثوبا أو غير ذلك.
أما الأجير ففيه تفصيل فاذا كان المستأجر عليه غير طعام كالعروض والدواب للرعى أو طعاما لا تتسارع اليه الأيدى كالقمح فانه يصدق فى دعواه التلف أو الضياع ما لم يقم دليل على كذبه أما اذا كان المستأجر عليه طعاما تتسارع اليه الأيدى كالسمن والعسل فلا يصدق ويحمل على الخيانة حتى يثبت صدقه بدليل. واذا ما حصل التلف أثناء العمل أو فى أثناء الطريق فى حال الاستئجار على الحمل هل يكون للأجير أجر ما عمل بحسابه أولا أجر له؟ ذكروا أنه اذا ضمن ما تلف كان له الأجر كله على أظهر القولين وعليه اقتصر ابن رشد فى البيان والقول الآخر له بحساب ما عمل أو سار وهو ما ذكر فى التوضيح وفى الشرح الكبير ان الأجير اذا ضمن له من الأجر بحساب ما سار ككل متعد فى المحمولات فان لم يضمن فلا كراء له قال الدسوقى وحاصل القول أن الأجير فى حمل متاع اذا تعدى على المحمول وضمن فان له من الأجر بحساب ما سار أما اذا لم يضمن فلا كراء له قال النباتى وهذا كلام غير صحيح اذا لم يوافق قولا من الأقوال الأربعة التى ذكرها فى المقدمات فى مسألة تلف المحمولات وهى: له الكراء مطلقا ويلزمه حمل مثله من موضع الهلاك سواء هلك بسبب حامله أم بسبب سماوى وهذا هو المشهور عند ابن رشد، الثانى له بحساب ما سار مطلقا الثالث ان هلك بسبب حامله فله بحساب ما سار وان هلك بسبب سماوى فله الكراء كله ويلزمه حمل مثله من محل الهلاك، والرابع مذهب المدونة وهو ان هلك بسبب حامله فلا كراء له وان هلك بسبب سماوى فله الكراء كله ويلزمه حمل مثله والظاهر فى جميع هذه الأقوال أنها فى الحالين حال الضمان وحال عدمه سواء كان المحمول طعاما أو غيره. ولا ضمان على الحراس لدار أو بستان أو طعام أو ثياب أو غيرها لأنهم أمناء الا بالتعدى أو بالتفريط ولا عبرة بالشرط عليهم من الضمان وفى الدسوقى ان ذلك هو أصل المذهب ولكن استحسن بعض المتأخرين تضمينهم نظرا للمصلحة العامة. ولا ضمان على أجير الصانع الذى استأجره لمعونته عمل بحضرته أم لا ما ظهر خيره بأن كان معروفا بالصلاح على الأظهر وفى المدونة يضمن القصار ما أفسده أجيره ولا شئ على الأجير الا أن يتعدى أو يفرط وفى سماع أصبغ من تضمين الصناع فى الغسال يكثر عليه المتاع فيستأجر الأجراء يبعثهم الى البحر بالثياب انهم ضامنون، وفى هذا قال ابن رشد ان هذا لا يخالف ما فى المدونة من أنه لا ضمان على أجير القصار لأنهم لما انقلبوا بالثياب يعملون وغابوا عليها كانوا كالصناع سواء
أخذ ذلك من التجار أو من الصناع مثلهم
(1)
تضمين الصناع، وضمان القيمة عند الضمان يوم التلف فى موضعه
الصناع أجراء كغيرهم من العاملين الذين يستأجرون لأعمالهم ولذا كان الأصل فيهم كما قال ابن رشد أن لا ضمان عليهم وانهم مؤتمنون لأنهم اجراء وقد أسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم الضمان عن الأجير ولكن العلماء قد خصوا ذلك بالصناع فلم يتناولهم هذا الحكم نظرا واجتهادا مراعاة للمصلحة العامة وضرورة الناس ولهذا قال مالك أنهم ضامنون لما غابوا عليه وادعوا تلفه ولم يعلم ذلك الا منهم ولكن لا ضمان عليهم فيما ثبت ضياعه ببينة من غير تضييع وتابعه على ذلك جميع أصحابه الا أشهب فانه قد ضمنهم وان قامت البينة على التلف ولقوله حظ من النظر لأنه كما وجب أن يضمنوا للمصلحة العامة لم يسقط الضمان عنهم بالبينة حسما للذريعة لأن ما طريقه المصالح وقطع الذرائع لا يخصص فى موضع دون موضع وقول مالك أصح
(2)
.
وانما يضمن الصانع ما كان له فيه صنعة لا غيره ولو كان فى حاجة الى حضوره معه كالكتاب ينسخ منه الناسخ. وقال ابن شاس قال محمد: يضمن الصانع أيضا ما لا صنعة له فيه اذا كان مما لا يستغنى عن حضوره عند الصانع كالكتاب الذى ينسخ منه لا ما يستغنى عنه كأحد زوجى الحذاء اذا أحضره مع الآخر الذى يريد اصلاحه والى هذا ذهب أشهب فى سماعه. وقال سحنون لا ضمان عليه فى ذلك كله. وقد اختلف الشيوخ فى طريقة تقويم الذى يجب عليه ضمان هل يقوم وحده على أنه لا صاحب له أو يقومان معا ثم يقوم الباقى منهما وحده والفرق قيمة الضمان. وسياق فى هذا الحكم أن يكون عمل الصانع فى بيته أو فى حانوته وان يكون عمله بأجر أم بغير أجر وسواء كان التلف بصنعته فيه أم بغير صنعته ما لم يكن فى صنعته تغرير أى تعريض للاتلاف. كنقش الفصوص ونقش اللؤلؤ فلا ضمان الا أن يتعدى فى ذلك فيضمن هذا ويشترط لضمان الصانع مصنوعه شروط منها أن ينصب نفسه فى صنعته هذه لعامة الناس.
قال اللخمى وانما يعد كذلك اذ أقام معيشته التى امتهنها واستعملها سواء أكان يعمل فى سوقها أم فى داره اما من لم يقم نفسه عليها ولا منها معاشه فلا يعد أنه ينصب نفسه عليها. وبناء على ذلك اذا كان أجيرا خاصا فى هذا العمل لشخص أو لجماعة مخصوصين فلا ضمان عليه ومنها أن يغيب على الذات المصنوعة اما اذا لم يغب عليها بأن عملها فى بيت ربها بحضرته أو غائبا أو فى غير بيته بحضرته فلا ضمان وعلى ذلك فالمراد بالغيبة عليها الا يعملها بحضرة ربها أو فى بيته ومنها أن يكون مصنوعه مما يغاب عليه أما لو دفع شخص غلامه لمن يعلمه وقد نصب نفسه لذلك وغاب عليه وادعى هربه لم يكن عليه ضمان ومنها ألا يكون فى الصنعة تغرير أى تعريض للاتلاف فاما ان كان فيها تغرير كثقب اللؤلؤ فلا ضمان عليه واذا ضمن الصانع فانما يضمن ذلك الشئ الذى تلف عنده
(1)
الشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج 4 ص 24 وما بعدها الى ص 27 والمواق ج 5 ص 429 هامش الحطاب. الحطاب ج 5 ص 428 وما بعدها.
(2)
المواق ج 5 ص 430.
بقيمته يوم دفعه ربه اليه وليس لربه ان يقول أنا أدفع الاجرة وآخذ قيمته مصنوعا الا أن يقر الصانع أنه تلف بعد العمل واذا كان الضمان بقيمته يوم دفعه فذلك يستلزم عدم لزوم الأجرة لأنه انما ضمن القيمة قبل الصنع. والضمان هنا أصلى ولذا كان بالنظر الى يوم القبض لا الى يوم التلف.
واذا شرط عدم الضمان فى هذه الأحوال فسد العقد والشرط لمنافاة الشرط مقتضى العقد وله ان عمل وسلم أجر المثل. ويضمن الصانع بالتلف ولو سبقه دعاء ربه لتسلمه اذا لم يكن الصانع قد قبض أجره أما اذا كان قد قبض أجره فلا ضمان لأنه صار كالمودع حينئذ ولا ضمان ان قامت بينة على التلف وحينئذ تسقط الأجرة سواء شهدت البينة بالتلف قبل العمل أم بعده. وقال بعضهم ان شهدت به بعد العمل لم تسقط الأجرة والا سقطت واذا أحضر الصانع مصنوعه الى ربه مصنوعا على الصفة التى طلبت منه وتسلم الأجرة ثم تركه ربه لديه فهلك فلا ضمان لانتهاء الاجارة وصيرورته وديعة بذلك الترك
(1)
.
قال فى الكافى: الصانع تضيع عنده السلعة فيضمن قيمتها ثم توجد بعد ذلك تكون له لا لصاحبها وكذلك المكترى تضل عنده الدابة لتعديه عليها بالضرب ونحوه فيغرم قيمتها ثم توجد تكون له.
ومما تقدم يرى أن الأجير أمين عند المالكية لا يضمن الا بالتعدى أو التفريط وان مالكا قد استثنى الصناع من الاجراء مراعاة للمصلحة العامة ولما تقتضيه ضرورة الناس
(2)
واذا ما استأجر الصانع أجيرا ليعينه فى عمله فلا ضمان عليه لا للصانع ولا لرب الشئ المصنوع الذى تلف لأنه أمين للصانع وذلك ما لم يفرط وليس عليه ضمان سواء غاب على مصنوعه أم لا وقال اشهب فى الغسال تكثر عنده الثياب فيؤاجر آخر يبعثه الى البحر بشئ منها يغسله فيدعى تلفه أنه ضامن وكلام التوضيح والمواق عن ابن رشد يفيد أن كلام اشهب تقييد للمشهور لا مقابل له وحينئذ فيقيد القول السابق بما اذا لم يغب الأجير عن الصانع بالشئ المصنوع خلافا لمن ذهب من المالكية الى ان كلام أشهب قول آخر مقابل للمشهور وهو عدم ضمان أحد من الصناع مطلقا
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج ولو تلف المال فى يد أجير بلا تعد كثوب استأجر خياطا لخياطته أو صباغا لصبغه لم يضمن الخياط ولا الصباغ اذا لم ينفرد أحدهما باليد بان حدث العمل فى منزل رب الثوب أو حضرة ربه وكذلك لو صاحبه أو مشى خلفه فتلف - وكذلك لا يضمن ان انفرد الأجير باليد بان انتفى ما ذكر فى اظهر الاقوال لان يده انما
(1)
الخرشى ج 6 ص 33 وما بعده والمواق ج 5 ص 427 والحطاب ج 5 ص 429 وما بعدها والشرح الكبير للدردير والدسوقى ج 4 ص 24 وما بعدها.
(2)
الحطاب ج 5 ص 430.
(3)
الشرح الكبير والدسوقى عليه ج 4 ص 26.
كانت لغرض المالك فكان شبيها بالمستأجر والقول الثانى يضمن كالمستعير والثالث يضمن ان كان أجيرا مشتركا بين الناس وهو كل من يلتزم العمل فى ذمته كخياطة لا الأجير المنفرد وهو من أجر نفسه مدة معينة من العمل أو أجر نفسه على ان لا يعمل لغير المؤجر فكان مختصا بمستأجر معين وبذلك صار فى حكم الوكيل ولا تجرى هذه الأقوال فى أجير للحفظ والحراسة اذا سرق متاع مما عهد اليه بحراسته فلا يضمنه قطعا لأنه لم يسلم اليه وانما هو بمنزلة حارس سكة سرق بعض بيوتها
(1)
جاء فى المهذب
(2)
اذا استأجر صانعا على عمل من خياطة أو صباغة فعمل فهل له أن يحبس العين حتى يقبض الأجرة؟ فيه وجهان أحدهما لا يجوز لأن المؤجر لم يرهن العين عنده فلم يجز له احتباسها كما لو استأجر مما لا يحمل له متاعا فحمله ثم اراد ان يحبس المتاع على الأجرة. ثانيهما يجوز لأن عمله ملكه فجاز له حبسه على العوض وذلك بحبس العين كالمبيع فى يد البائع.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى: والأجير على ضربين: خاص ومشترك فالخاص هو الذى يقع العقد عليه فى مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه فى جميعها كرجل استؤجر لخدمة أو لعمل سمى خاصا لاختصاص مستأجره بنفعه فى تلك المدة دون سائر الناس والمشترك هو الذى يقع العقد معه على عمل معين سواء أعينت له مدة لا يستحق المؤجر نفعه فيها جميعها بل يكون له أن يعمل لغيره كالطبيب فى مستشفى استؤجر للعمل فيه سنة أو أكثر على الا يختص المستشفى به بل يكون له أن يعمل فى غيره وان يعالج غير مرضى المستشفى ام لم تعين له مدة كالنجار والحداد والحمال سمى مشتركا لأنه يتقبل العمل من كثيرين فى وقت أو مدة واحدة.
والمشترك ضامن لما جنت يده كالحائك اذا أفسد حياكته ضامن لما أفسد نص على ذلك أحمد، والحمال ضامن لما يسقط من فوق رأسه أو لما يسقط منه أو يتلف من عثرته أو عثرة دابته أو من سقوط حملها لانقطاع حبله وهكذا وقد روى ذلك عن عمر وعلى وهو قول أبى حنيفة ومالك وأحد قولى الشافعى وفى قوله الآخر لا يضمن الا اذا تعدى ولنا ما روى عن على أنه كان يضمن الصناع وقال لا يصلح أمر الناس الا على ذلك ولأن عمل الأجير المشترك مضمون عليه اذ لا يستحق الأجر الا به فما تولد منه يجب أن يكون كذلك مضمونا كالعدوان بقطع عضو والثوب اذا تلف فى حرزه بعد تمام العمل فيه لم يكن له أجر فيما عمل فيه وكان ذهاب عمله من ضمانه بخلاف الأجير الخاص لاستحقاقه الأجر بمضى المدة وان لم يعمل
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 307، ص 308.
(2)
المهذب ج 1 ص 416.
وما عمل فيه من شئ فيتلف فى حرزه لم يسقط من أجره شئ بتلفه.
وقد ذكر القاضى أن الأجير المشترك انما يضمن اذا كان يعمل فى ملك نفسه مثل الخباز يخبز فى تنوره وملكه والخياط فى دكانه ولو فعلا عند مؤجرهما فخاط الخياط فى دار مؤجره وخبز الخباز فى دار مؤجره لم يضمن أحدهما ما تلف على يده ما لم يفرط لأنه لما سلم نفسه صار كالأجير الخاص ولو كان صاحب المتاع مع الملاح فى السفينة أو راكبا على الدابة فوق حمله فتلف الحمل لم يضمن الملاح ولا المكارى لأن يد صاحب المتاع لم تزل. ولو كان العمل فى دكان الأجير والمستأجر حاضر أو اكتراه ليعمل له شيئا وهو معه لم يضمن لأن يده عليه لم تزل ويجب له أجر عمله لأن يده عليه فكلما عمل شيئا صار مسلما اليه.
ولكن اذا تلف المتاع بجناية الأجير وتعديه ضمن لأن وجوب الضمان عليه حينئذ لجناية يده وعندئذ لا فرق فى ذلك بين حضور المالك وغيبته.
وأما الأجير الخاص فهو غير ضامن ما لم يتعد قال أحمد فى رواية مهنى فى رجل أمر غلامه بأن يكيل لآخر برا فسقط المكيال من يده فانكسر لا ضمان عليه فقيل أليس هو بمنزلة القصار؟ قال لا. القصار مشترك وانما لم يضمن الأجير الخاص لأنه نائب عن المالك فى صرف منافعه الى ما أمره به فلم يضمن من غير أن يتعدى كالوكيل أما ما يتلف بتعديه فيجب فيه الضمان.
واذا استأجر الأجير المشترك أجيرا خاصا ليعمل فى دكانه كالخياط يستأجر أجيرا مدة يستعمله فيها فتقبل صاحب الدكان خياطة ثوب ودفعه الى أجيره فخرقه أو أفسده لم يضمنه لأنه أجير خاص ويضمنه صاحب الدكان لأنه أجير مشترك.
واذا أتلف الصانع الثوب بعد عمله فان صاحبه يكون مخيرا بين أن يضمنه اياه غير معمول ولا أجر له وبين أن يضمنه اياه معمولا ويدفع اليه أجره - واذا وجب على الأجير ضمان المتاع المحمول فصاحبه مخير بين تضمينه قيمته فى الموضع الذى سلمه اليه ولا أجر له وبين تضمينه اياه فى الموضع الذى أفسده. ويعطيه الأجر الى ذلك المكان لأنه ملكه فى الموضعين فله الخيار بين قيمته فيهما وعليه أجر ما حمل لوصول نفع ذلك اليه.
واذا عمل الأجير فى حانوته لم يكن العمل مسلما الى المؤجر حتى يسلم العين اليه ولا يستحق الأجر حتى يسلمها مصنوعة مفروغا من العمل فيها اما اذا عمل فى ملك المؤجر مثل أن يحضره المؤجر الى داره ليخيط فيها فانه يعد مسلما لعمله
كلما فرغ منه. ويستحق الأجر بمجرد عمله لأنه فى يد المؤجر فيصير مسلما للعمل حالا فحالا فلو استأجر بناء ليبنى له حائطا فى داره استحق أجره بمجرد عمله أما الأجير الخاص فيستحق أجره بمضى المدة سواء تلف ما عمله أم لم يتلف نص عليه أحمد ذلك لأنه يلزمه تسليم نفسه وعمل ما يستعمل فيه وقد وجد ذلك منه بخلاف الأجير المشترك.
وقد اختلفت الرواية عن أحمد فى الأجير المشترك اذا تلفت العين من حرزه من غير تعد منه ولا تفريط فروى عنه انه لا يضمن وهو قول طاووس وعطاء وأبى حنيفة والشافعى وروى عنه ان كان هلاكه بما يستطاع دفعه ضمن وان كان بما لا يستطاع دفعه كالحريق الغالب والعدو الغالب فلا ضمان وقال احمد فى رواية أبى طالب اذا جنت يده أو ضاع من بين متاعه ضمنه وان كان عدوا أو غرقا فلا ضمان واذا حبس الأجير المشترك العين بعد عمله حتى يستوفى أجره ضمنه لأن صاحبه لم يرهنه عنده ولم يأذن له فى امساكه فلزمه الضمان كالغاصب.
واذا أخطأ القصار فدفع الثوب الى غير مالكه فعليه ضمانه لأنه فوته على مالكه ولا يسع من أخذه لبسه اذا علم أنه ليس ثوبه وعليه رده الى القصار ومطالبته بثوبه واذا حدث له تلف أو نقص عنده كان ضامنا لما نقص منه.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى:
ولا ضمان على أجير مشترك أو غير مشترك ولا على صانع أصلا الا ما ثبت أنه تعدى فيه أو أضاعه، والقول فى كل ذلك قوله مع يمينه ما لم تقم عليه بينة، فان قامت عليه بينة بالتعدى أو الاضاعة ضمن وله فى كل ذلك الأجرة فيما أثبت أنه كان عمله فان لم تقم بينة حلف صاحب المتاع أنه ما يعلم أنه عمل ما يدعى أنه عمله ولا شئ عليه حينئذ، وقالت طائفة: الصناع كلهم ضامنون ما جنوا وما لم يجنوا، قالوا: وكان عمر يضمن من الصناع ما كان يعمل بيده وكان على يضمن الأجير وهو مذهب كثير من التابعين وقالت طائفة: يضمن الأجير المشترك وهو العام وهو ما يستأجر على الأعمال ولا يضمن الخاص وهو الذى استؤجر لمدة وهو قول أبى يوسف ومحمد وقالت طائفة: يضمن الصانع ما غاب عليه الا أن يقيم بينة أنه تلف من غير فعله فلا يضمن
(1)
(1)
المحلى ج 8 ص 201. مسألة 1325.
مذهب الزيدية:
يعرف الزيدية الأجير الخاص بأنه الذى يعمل لك فقط ويعرفون المشترك بأنه هو الذى يعمل لك ولجميع الناس ويرون صحة العقد مع الأجير الخاص اذا ذكرت فيه المدة ولم يذكر معها العمل كأن يقول استأجرتك هذا اليوم أو هذه السنة ولا يذكر عملا وتبدأ المدة من العقد ان لم تعين كما يصح العقد أيضا اذا بينت فيه المدة والعمل على أن تذكر المدة أولا مثل أن يقول استأجرتك اليوم على أن تخيط لى فيه هذا الثوب
(1)
.
واذا سلم الأجير الخاص نفسه استحق الأجر بمضى المدة وان لم يعمل الا أن يمتنع من العمل أو يعمل لنفسه أو للغير فى تلك المدة، فان عمل للغير أو لنفسه فى تلك المدة عملا يمنعه من العمل للمستأجر أو ينقصه دون اذن من المستأجر - ولو كان حاضرا شاهدا ساكتا - سقط من أجرته بقدر المدة التى عمل فيها للغير ويكون له على ذلك الغير أجر مثله، واذا أذن له المؤجر بأن يعمل لغيره كانت الأجرة للمؤجر اذا كان عمله للثانى ينقص من عمله، فان كان لا ينقص منه ولا يترتب عليه ضرر استحق الأجير الأجرتين.
والأجير الخاص لا يضمن الا اذا فرط أو كان أجيرا على الحفظ فانه فى هذه الحال الأخيرة يضمن ضمان الأجير المشترك، وللمؤجر فسخ العقد معه بطروء عيب يمنعه من العمل أو ينقصه، كما له أن يفسخه أيضا بخيار الرؤية بعد رؤيته ومشاهدة عمله.
والأجير المشترك ضامن الا من أمر غالب لا يستطاع دفعه ولا الاحتراز منه كالسيل والحريق العام والزلزال واللصوص المتغلبين، وللأجير المشترك الأجرة بتسليم العمل الذى استؤجر عليه الى المستأجر اما بقبضه واما بتخليه، وما تلف من العمل قبل تسليمه سقط من الأجرة بحصته، وللأجير خاصا كان أو مشتركا حبس العين حتى يستوفى أجرته وما غرمه الحابس عليها يرجع به على مالكها. واذا تلف المصنوع فى يد الصانع أو المحمول فى يد الحامل قبل التسليم الى صاحبه فضمن قيمته فان أجرته لا تسقط بضمان القيمة ان ضمنه للمالك مصنوعا أو فى محل وصوله، وللأجير سواء أكان خاصا أم مشتركا أن ينيب غيره ليعمل عمله لعذر أو لغير عذر فيما لا يختلف باختلاف العاملين، فاذا كان مما يختلف لم تجز الانابة الا أن يؤذن له فى ذلك أو يجرى بذلك العرف، وحاصل هذه المسألة أن المالك اما أن يأذن للأجير بالأنابة أو يمنعه أو لا يتعرض لذلك فان أذن له فأناب غيره لم يكن متعديا، وان كان عمل الثانى دون عمل الأول وكان ضمانهما ضمان الأجير المشترك اذا كان الأجير الثانى مشتركا، وان كان
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 98.
خاصا فلا يضمن فان كان الأجير الأول خاصا والثانى مشتركا ضمن للمالك، اذ الأول كالوكيل للمالك، وان منع المالك من الانابة فأناب الأجير غيره كان متعديا بذلك، ولو كان الثانى أحسن منه عملا ولا أجر لهما، ويضمنان ضمان الغصب الا أن يكون الثانى جاهلا فله أجر مثله على الأول للتغرير به، وللمالك مطالبة أيهما شاء بالضمان واستقرار الضمان على الثانى ان جنى أو علم بأنه للغير والا فعلى الأول لأنه قد غرر الثانى، وان أطلق كان متعديا بالانابة اذا كان عمل الثانى دون الأول ولا أجرة لهما اذا كان الثانى عالما بهذا التعدى، وان كان مساويا فالمختار أن الأنابة لا تعد اعتداء
(1)
مذهب الشيعة الجعفرية:
والأجير: اما خاص واما مشترك، والخاص هو الذى يستأجر لمدة معينة والمشترك هو الذى يستأجر للعمل مجردا عن المدة والأول لا يجوز له العمل لغير مستأجره فى المدة الا باذنه والثانى يجوز، والصانع كالقصار والخياط والحائك والطباخ وأشباههم يضمنون ما تلف بفعلهم سواء كانوا فى ملك المستأجر أو ملكهم وسواء أكان المستأجر حاضرا أم غائبا والحمال يضمن ما يسقط من حمله عن رأسه أو يتلف من عثرته والجمال يضمن ما يتلف بقوده وسوقه وانقطاع جبله سواء حصل منهم تعد أم لا وسواء كان صاحب العمل حاضرا أم غائبا وكذلك الأجير الخاص يضمن ما يتلف بفعله سواء أكان عن تفريط أم لا واذا أتلف الصانع الثوب بعد عمله تخير المالك بين تضمينه اياه معمولا وعليه الأجر له وبين تضمينه اياه قبل عمله ولا أجر له عليه وكذلك لو أتلف الحامل ما يحمله تخير المالك بين تضمينه اياه محمولا فى موضع وصوله وعليه الأجر له وبين تضمينه اياه فى موضع تسلمه منه ولا أجر له، واذا استأجره لعمل فى عين فتلفت فى يد الأجير من غير تفريط لم يضمن سواء أكان الهلاك بما يستطاع دفعه أو بغيره وعليه الأجرة له فيما عمل فيها ان كان العمل فى ملك المستأجر وهو غائب وان كان فى ملكه وهو حاضر قال الشيخ: له الأجرة لأنه سلم العمل حالا فحالا ولو حبس الصانع الثوب حتى يستوفى الأجرة فتلف ضمنه الا أن يجعله المستأجر رهنا ولو دفع الصانع الثوب الى غير مالكه للاشتباه بثوب آخر ضمنه
(2)
.
مذهب الإباضية:
الأجير عندهم خاص وهو من يؤجر نفسه مدة معلومة، ومشترك وهو من يلتزم عملا بذمته، وقيل: الخاص من عين له العمل وموضعه، والمشترك من قيل له: اعمل حيث شئت، وليس على الأجير الخاص ضمان وكذلك قالوا: ليس على المشترك ضمان كراع الا بتفريط وتضييع، وقيل الراعى ضامن لما يهلك من مرعيه الا ما كان هلاكه بسبب أمر غالب لا يستطيع دفعه كسيل
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 97 - 110.
(2)
تحرير الأحكام ج 2 ص 253، ص 255.
وأسد وعدو وقيل: لا يضمن الأجير الذى يعمل بدار مستأجره أو يخدم فيها خدمة مخصوصة أو عملا خاصا أو خدمة عامة أو عملا عاما، ومثله من استؤجرت قوته كلها فى عمل مخصوص لمدة معينة ويضمن من لم يعمل بدار مستأجره أو محله لأن هذا مشترك اذ الغالب فيه أن يؤجر على عمل فى ذمته لمدة محدودة غير معينة أو على عمل فى ذمته لمدة محدودة غير معينة أو على عمل محدود فى نفسه بلا حد زمان، فلو استؤجر على عمل فى غير الدار أو المحل فى مدة معينة لعمل غير محدود بكمية كان خاصا، ووجه القول بضمان المشترك دون الخاص: أن المشترك له أن يتأخر بالعمل الى وقت يطمئن فيه قلبه ويسكن فيجيد العمل وانه لعله يجيئه الملل من جهة اشتغال قلبه بعمل الناس لأن له أن يؤجر نفسه بخلاف الخاص فوقته محدود ليس له الا التفرغ للعمل وقد استؤجرت قوته كلها وقيل يضمن الأجير سواء أكان عمله فى الدار أم فى غيرها ان لم يكن سبب التلف أو الهلاك أمرا غالبا، وفى الديوان:
كل من أخذ الأجرة على شئ مما فى يده فهو ضامن له ما خلا الراعى اذا غلب ولكن ان ضيع ضمن وكذا الحارس للمال أو للنفس لا يضمن الا ان ضيع والرقاد تضييع
(1)
وعلى الأجير الخاص أن يعمل كل وقته المعين له فلا يشغله بغير العمل لمخدومه على حسب العادة والعرف، وليس له النوم الا فى الوقت المعتاد للنوم والا نقص من أجره بقدر ما نام
(2)
، ولمستأجره أجر ما عمل لغيره فى مدة الاجارة ويتخلص من عمل له الأجير بدفع الأجرة للمستأجر الأول لا بدفعها للأجير الا اذا أذنه مستأجره بذلك، وقيل:
ان الأجرة للأجير وليس لمستأجره الا نقص أجرته بقدر ما عمل لغيره لأن أجرته بدل منفعة مملوكة له قام بها وهى مظهر قوته وقوته له واشتغاله لغير مستأجره يعد خيانة تستوجب تضمينه وذلك بنقص أجرته وحط ذلك النقص عن مستأجره
(3)
، وللأجير حبس ما بيده من العين التى يعمل فيها حتى يستوفى أجره ولكن ان تلف وضمن ضمن قيمته معمولا وأخذ أجرته.
وقيل: يضمن قيمته غير معمول ولا أجر له وظاهر عبارة النيل: أن الأجير مطلقا له أن يحبس حتى يستوفى أجرته، وأن حبس العين يستوجب ضمانها لقولهم: ان للأجير منع ما بيده حتى يأخذ أجرته فان تلف معمولا ضمن قيمته وأخذ أجرته، وقيل:
ضمن قيمته غير معمول ولا أجر له ولا ضمان عليه ان تلف بأمر غالب وله أجره - قال شارح النيل: والظاهر أن الحكم خاص بالأجير المشترك لأنه هو الذى يتصور فيه الحبس ولأنه ضامن لما يهلك تحت يده اذا لم يكن بأمر غالب وحبسه العين للأجر لا يدفع عنه هذا الضمان فكان ضامنا حال الحبس كما كان ضامنا قبله وانما كان له أجره ولا ضمان عليه اذا كان التلف أو الهلاك بغالب لأن الذى حدث مصيبة نزلت بصاحب العين بعد أن استحق الأجير أجره فلا يسقط لأمر نزل بصاحب العين، وقيل: لا ضمان ولا أجر اذ لم يسلم العمل لصاحبه والأول أصح لأن اتصال العمل بالعين واحداثه فيها يعد
(1)
شرح النيل ج 5 ص 168.
(2)
المرجع السابق ص 51.
(3)
المرجع السابق ص 69، ص 70.
تسليما لصاحبها اذ هى فى يد الأجير باذنه فكانت يده كيده
(1)
.
حكم الاجارة غير الصحيحة
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن الخلل اذا أصاب الاجارة فى أركانها أو فى محلها أو انعدم معناها كانت باطلة وان أصاب الخلل وصفها بأن كانت مشروعة بأصلها دون وصفها كانت فاسدة وفيما يلى حكم كل منها عندهم.
اذا كانت الاجارة فاسدة بأن فقدت شرطا من شروط صحتها ولم يصب الخلل أصلها فكانت مشروعة بأصلها لم يترتب على العقد أى أثر فلا يلزم المؤجر بتسليم العين المستأجرة ولا يلزم الأجير بالشروع فى العمل ولا يطالب المستأجر للعين بالأجرة ولو شرط تعجيلها كما لا يطالب الأجير المؤجر بأجره ولو مع شرط التعجيل وذلك كما فى الاجارة مع جهالة مدتها ان كانت المنفعة لا تقدر الا بالمدة أو مع عدم بيان المدة أو مع تأجيل الأجرة الى أجل مجهول أو مع عدم بيان مقدار الأجرة أو مع عدم ذكرها أو مع عدم بيان المنفعة أو على جعل الأجرة جزءا من المال الذى هو محل العمل كأن يستأجر على طحن البر بجزء من دقيقه ففى جميع هذه الصور وأمثالها الاجارة فاسدة ولا يترتب على العقد أى أثر ولكن اذا ترتب عليه استيفاء فعلا وكان ذلك بناء على تسليم المؤجر أو نائبه العين المستأجرة الى المستأجر فى الاجارة على منفعتها وجب على المستأجر بدل انتفاعه تعويضا لصاحب العين والواجب حينئذ هو أجرة المثل وهو الواجب الأصلى لأن المؤجر لم يرض باستيفاء المنافع الا ببدل ولا وجه الى ايجاب المسمى اذا كانت التسمية فاسدة فيجب لذلك أجر المثل وهو القيمة الا أنها مجهولة لا تعرف الا بالحزر والظن وتختلف باختلاف المقومين فيعدل عنها الى المسمى عند صحة تسميته لأن الرضا قد تم بناء عليه ولذا لا يزاد عليه فى أية حال اذا ما صحت تسميته ولهذا كان الواجب فى الاجارة الفاسدة اذا ما صحت فيها التسمية أجر المثل لا يزاد عن المسمى لأن زيادته على أجر المثل تسقط باتفاق المتعاقدين ويعد اتفاقهما عليه تنازلا عنها، أما اذا ما فسدت التسمية أو انعدمت فالواجب أجر المثل بالغا ما بلغ وهذا بناء على أن المنافع غير متقومة شرعا عند الحنفية وانما تتقوم بالعقد بتقويم المتعاقدين وهما ما قوماها الا بالقدر المسمى ولو وجبت الزيادة عليه لوجبت تلك الزيادة بلا عقد وذلك بخلاف البيع الفاسد اذ أن المبيع فيه مضمون بقيمته بالغة ما بلغت لتقوم الأعيان فى ذاتها فوجبت قيمتها وخالف زفر فى قول له فلم يخالف بين الاجارة والبيع وأوجب أجر المثل بالغا ما بلغ والعين أمانة فى يد المستأجر فى هذه الحال لأنه قد قبضها باذن من مالكها ولذا لا يضمن بهلاكها الا ان كان متعديا أو مفرطا وكذلك الحكم فى الأجير الخاص بالنسبة لما يكون تحت يده بمقتضى عمله يعد أمينا فى ذلك كما هو الحكم فى الاجارة الصحيحة وكذلك الحال فى الأجير المشترك يعد ضامنا لما هو مضمون تحت يده فى الاجارة الصحيحة وأمينا فيما ليس بمضمون تحت يده اذ لا يكون الحكم فى
(1)
المرجع السابق ص 181 وما بعدها.
الاجارة الفاسدة أحسن وضعا منه فى الصحيحة
(1)
والأصل أن كل ما قبض بجهة التملك تكون اليد عليه يد ضمان وكل ما قبض لا بجهة التملك لم يضمن الا بالتعدى أو بالتفريط
(2)
أما الاجارة الباطلة التى فاتها شرط من شروط الانعقاد أو هى ما لم تشرع أصلا فلا حكم لها رأسا ولا يستحسن بالانتفاع بها شئ كاستئجار المجنون دارا لسكناه فيسكنها أو تمكن من سكناها وكالاستئجار على الفرض أو على القتل لأن العقد يعد فى الحال معدوما والمعدوم لا يترتب عليه وجود غير أنه قد جاء فى الدر المختار أن الاجارة الباطلة لا أجر فيها بالاستعمال وقد جاء فى ابن عابدين أن ظاهر هذا الاطلاق يفيد أنه حكم عام فى الموقوف ومال اليتيم، والمعد للاستغلال، فى حين أن المعد للاستغلال يجب الأجر فيه اذا لم يستعمل بتأويل عقد أو ملك فى حين أن الاستعمال هنا بتأويل عقد باطل الا ان قيل ان الباطل لا حكم له أصلا فوجوده كالعدم كما فى البدائع
(3)
وينبغى وجوبه فى الوقف ومال اليتيم، وجاء فى كتاب الغصب أن منافع الغصب غير مضمونة الا أن يكون المغصوب وقفا أو مال يتيم أو معدا للاستغلال، والى ذلك ذهب المتأخرون وعليه الفتوى، واذا لوحظ الأصل السابق فان يد المستأجر اجارة باطلة تكون يد أمانة على العين المستأجرة لأنها لم تقبض على وجه التملك هذا ويجب فسخ الاجارة الفاسدة على كل من طرفيها لأنها عقد غير مشروع
(4)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن الاجارة تكون صحيحة اذا ما توافرت شروط صحتها عندهم وهى شروط أوجب الشارع توافرها فيها لكى تفيد حكمها وتكون سببا شرعيا تترتب عليه آثارها وتفسد اذا فقدت شرطا من هذه الشروط وعندئذ لا تكون سببا شرعيا يفيد ملك المنفعة التى هى محلها ولا يفيد ملك بدلها وهو الأجر ومن ثم يكون ما يترتب عليه من الانتفاع انتفاعا بغير حق وبسبب غير مشروع وذلك ما يعده المالكية اعتداء أو من قبيل الاعتداء على ملك الغير وحقوقه، ذلك لأن الاجارة اذا كان محلها منفعة عين من الأعيان أو شخص من الأشخاص كان الانتفاع المترتب عليها انتفاعا بملك الغير بطريق غير مشروع وان كان محلها منفعة غير متقومة أو منفعة محظورة كان الانتفاع بها انتفاعا غير مأذون فيه من الشارع وكان أخذ المال تعويضا عنه من قبيل أكله بالباطل وكل ذلك محظور غير أن المنفعة اذا كانت جائزة ومتقومة مملوكة استتبع الانتفاع بها تعويض مالكها ووجب على المنتفع أداؤه اليه واذا كانت غير متقومة أو محظورة لم يجب فيها عوض وكان أخذه أكلا له بالباطل وذلك كاستئجار الرياحين لشمها والدنانير للتزين بها والجدر للاستظلال بظلها ولا تجب
(1)
البدائع ج 4 ص 218. والدر المختار ج 5 ص 42.
(2)
جامع الفصولين ج 2 ص 59 الطبعة الأميرية.
(3)
ابن عابدين ج 5 ص 131، 145.
(4)
الاشباه والنظائر ج 2 ص 221.
فيها أجرة ان وقعت
(1)
وقد جاء فى الحطاب:
التعدى هو الانتفاع بملك الغير دون حق فيه والخطأ فيه كالعمد أو هو التصرف فيه بغير اذن من مالكه أو ممن يقوم مقامه من ولى أو قاض بدون قصد تملكه ويدخل فيه سائر الأجراء اذا خالفوا وسيان فى التعدى أن تكون يد المتعدى باذن من المالك أم لا كما فى القراض والودائع والاجارات وقد فرق الفقهاء بينه وبين المغتصب من وجوه، منها: أن الغاصب ضامن للسلعة المغصوبة يوم الغصب لأنه يوم وضع يده عليها اعتداء وأن المعتدى انما يضمنها يوم تعدى عليها لا يوم وضع يده عليها وان الغاصب يضمن الفساد القليل اليسير والمتعدى لا يضمن الا الكثير وأن على المعتدى كراء ما تعدى عليه وأجرته بكل حال عند مالك بينا قال فى الغاصب: لا كراء عليه، وفى كثير من هذه الأصول اختلاف بين أصحابنا معلوم، ويؤخذ من هذا: أن من تعدى على دابة فركبها مخالفا فعليه أجرتها
(2)
، وأن الفرق بين الغصب والتعدى: أن الغاصب يقصد باستيلائه أن يتملك المغصوب وأن المتعدى لا يقصد الا الانتفاع وقد يكون ذلك بعد صدور اذن من المالك بوضع اليد كما فى العارية والاجارة عند مخالفة المستعير والمستأجر وقد لا يكون ذلك بعد اذن سابق، والخلاصة: أن عقد الاجارة اذا لم يتوافر فيه شرط من شروط صحته التى أوجبها الشارع فانتفع المستأجر بناء عليه كان انتفاعه بناء على عقد فاسد غير مشروع وكان لذلك اعتداء على منافع العين التى هى ملك لصاحبها وكان على المنتفع أجر مثل العين لمالكها بالغا ما بلغ لأن المنفعة مال عندهم وقد استهلكها المستأجر بغير حق فوجب عليه ضمانها وذلك بأجر مثلها وهذا اذا كانت منفعة متقومة، أما اذا كانت غير متقومة فلا يعتاض عنها ولا يجب لها عوض ومن ثم لا يجب على المنتفع بها أجر بانتفاعه كما فى استظلاله بجدار بيت أو استضاءته بسراج انسان فى منزله وكذلك اذا كانت المنفعة محظورة كما فى الاستئجار على قتل بغير حق أو اعتداء فارتكب المستأجر ما طلب منه لم يستحق أجرا اذ لا أجر على معصية ترتكب وانما الواجب فيها الحد أو التعزير أما الأجير اذا عمل بناء على عقد فاسد وقام بعمل متقوم ليس بمعصية لمن طلبه منه كان له كذلك أجر مثله وذلك لتقوم عمله واستفادة المستأجر منه وانتفاء نية التبرع فيه ويجب على عاقديها فسخها لأنها عقد غير مشروع وما كان غير مشروع يجب تركه، واذا تجاوز المستأجر المنفعة المستأجر عليها فزاد فيها كأن استأجر دابة لمسافة معينة فزاد عليها أو لحمل ثقل معين فزاد عليه بما يعد مخالفة عرفا فانه بذلك ينتقل من حال الأمان الى حال الضمان فاذا هلكت العين بعد ذلك ضمنها سواء أكان هلاكها بسبب المخالفة أم بغيرها واذا سلمت كان عليه الأجر المسمى مضافا اليه أجر الزيادة وقد اختلف المالكية فى أجر الزيادة أيقدر بأجر مثلها بالغا ما بلغ أم يقدر على أساس الأجر المسمى؟ قولان لابن القاسم وقال عنه عيسى وكراء المثل أحب الى الا أن ينقص عن الكراء المسمى فعندئذ يؤخذ بالمسمى
(3)
.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 19، ص 21.
(2)
الحطاب ج 5 ص 274.
(3)
العقد المنظم للأحكام ج 1 ص 273.
مذهب الشافعية:
ولا يختلف مذهب الشافعية عن مذهب المالكية فى أن عقد الاجارة اذا فقد شرطا من شروط صحته التى أوجب الشارع توافرها فيه كان عقدا غير صحيح ولم يكن سببا شرعيا لافادة آثاره وعلى ذلك يكون انتفاع المستأجر بالعين المستأجرة بناء عليه انتفاعا غير مشروع وكان عليه بسبب ذلك أجر مثل انتفاعه للمالك وذلك بناء على أن المنفعة مال وقد استهلكها المستأجر لمصلحته فوجب عليه بدلها وهو أجر المثل بالغا ما بلغ ما لم تكن منفعة غير متقومة أو معصية نهى الشارع عنها كما قدمنا فى بيان مذهب المالكية ويقدر أجر المثل بمراعاة مكان الانتفاع بالعين
(1)
وتستقر أجرة المثل فى الاجارة الفاسدة بما يستقر به الأجر المسمى فى الاجارة الصحيحة مما ذكرناه فيما سبق، ولو لم ينتفع المستأجر مع ملاحظة أن تخلية العقار المستأجر ووضعه بين يدى المستأجر فيها وعرضه عليه، وان امتنع لا يكفى فى وجوب أجرة المثل فى الاجارة الفاسدة بل لا بد من القبض الحقيقى
(2)
ويجب على طرفيها فسخها لأنها عقد غير مشروع.
مذهب الحنابلة:
ولا يختلف مذهب الحنابلة عن مذهب الشافعية فى أن الواجب فى الاجارة غير الصحيحة هو أجر المثل بالغا ما بلغ اذا تسلم المستأجر العين المعقود عليها وبقيت فى يده حتى انقضت مدة الاجارة أو بعضها أو مدة يمكن استيفاء المنفعة المطلوبة فيها أولا فيجب عليه أجر مثل المدة التى ظلت فيها تحت يده سواء انتفع أم لم ينتفع لأن منافعها تلفت تحت يده فوجب عليها بدلها واذا لم تسلم العين لم يلزمه أجرة ولو بدلها المالك لأن المنافع لم تتلف تحت يده والعقد الفاسد لا أثر له بخلاف العقد الصحيح
(3)
وتكون الاجارة غير صحيحة اذا لم يتوافر فيها شرط من شروط صحتها التى أشير اليها فيما مضى ويجب على طرفيها فسخها لأنها غير مشروعة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: والاجارة الفاسدة ان أدركت فسخت وكذلك ما أدرك منها فان فاتت أو فات شئ منها قضى فيها أو فيما فات منها بأجر المثل لقوله تعالى «وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ» فمن استغل مال غيره بغير حق فهى حرمة انتهكها فعليه أن يقاص بمثله من ماله
(4)
.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن الاجارة غير الصحيحة اما فاسدة وهى ما اختل فيها شرط غير ركن من أركانها والباطلة هى ما اختل ركن من أركانها الأربعة وهى العاقدان والمنفعة المتقومة والأجرة كأن يؤجر مكلف نفسه من مجنون أو تقع الاجارة على منفعة غير متقومة ويشترك النوعان فى الأحكام الآتية (1) أن القاضى لا يجبر الممتنع فيهما لأن العقد لا حكم له فى الزام طرفيه (2) أن الأجر لا يستحق فيهما بما يستحق به فى الاجارة
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 264.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 223.
(3)
كشاف القناع ج 2 ص 341.
(4)
المحلى ج 8 ص 191 مسألة 1301.
الصحيحة (3) أن الأجر المستحق فيهما هو أجر المثل لا المسمى فاذا كان الفساد أصليا أى فى بداية العقد فأجر المثل هو المستحق وان كان طارئا لزم لما مضى حصته من الأجر المسمى ولما يلى ذلك الأقل من حصته فى المسمى وأجر مثله ولا تستحق الأجرة فيهما الا باستيفاء المنافع لا بالتخلية ويتم ذلك بقبض المنقول والتخلية بالنسبة الى غيره وان لم يحدث انتفاع بالفعل كما يتم ذلك بتسليم العمل تاما فى الأجير المشترك والخاص فمتى تم العمل استحق الأجر وله حبس العين محل عمله حتى يستوفى أجرته ان كانت حالة فان تلفت العين عنده فلا ضمان عليه ولا أجرة له وان كانت مؤجلة فليس له حبسها وان حبسها كانت فى ضمانه
(1)
ومما يلاحظ فى الاجارة الفاسدة أن مقدمات العمل اذا أتى بها العامل استحق عنها أجر مثلها بخلاف الصحيحة فانه لا يستحق عنها أجرا الا اذا كان ثمة شرط بذلك أو عرف والفرق بينهما أن الأجر فى الصحيحة مقابل بالعمل تاما يقوم به الأجير من العمل تاما ولا غرض له فى مقدماته، أما الفاسدة فالأجرة فيها تقابل العمل أيا كان
(2)
مذهب الشيعة الجعفرية:
جاء فى تحرير الأحكام أن الاجارة غير الصحيحة يترتب على استيفاء المنفعة فيها أجر المثل سواء أكانت فاسدة أم باطلة بالغا ما بلغ
(3)
واذا عرضت العين فيها على المستأجر فامتنع من أخذها مع امكانه ومضت مدة الاستيفاء فلا أجر عليه ولو قبضها ومضت المدة المشترطة أو مدة يمكن استيفاء العمل فيها احتمل وجوب أجر المثل وعدمه أما لو استوفى المنفعة فانه يلزمه أجر المثل بالغا ما بلغ
(4)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية ان الاجارة غير الصحيحة تجب فيها أجرة المثل بالعمل أو الانتفاع بالغة ما بلغت لأنها بدل مال استهلك وهو المنفعة اذا لم تكن تلك المنفعة معصية فان كانت معصية لم يجب بفعلها أجر واذا كانت من العبادات التى لا يصح الاستئجار عليها ففعلت لم يجب الأجر أيضا واذا أعطى الأجر فعلا هل يسترد لمن أخذه؟ رأيان
(5)
.
فسخ الاجارة
ليس لأحد العاقدين أن يستقل بفسخ الاجارة لأنه عقد لازم متى كان خاليا من الخيارات ولكن إذا كان فيه خيار شرط أو خيار رؤية أو خيار عيب أو خيار فوات وصف أو غير ذلك من الخيارات كان غير لازم بالنظر الى من له الخيار وكان لمن له الخيار حق فسخه بمقتضى خياره ما دام ثابتا له وعلى ذلك يكون لكل منهما أن ينفرد بفسخه اذا كان الخيار لكل منهما كما يكون لهما فسخه بالاقالة فى حال لزومه وهى عقد يقصد به رفع عقد سابق «راجع مصطلح اقالة» وخلاصة ما سبق أن عقد الاجارة عقد لازم ما دام خاليا من الخيارات لا يملك أحد عاقديه فسخه وانما يجوز فسخه حينئذ بالاقالة فاذا ثبت فيه خيار لأحد عاقديه كان له أن يستقل بفسخه
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 113.
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 115.
(3)
ج 2 ص 244.
(4)
ج 2 ص 254.
(5)
شرح النيل ج 5 ص 161، 360.
وهذا الحكم لا خلاف فيه بين الفقهاء انما الخلاف بينهم فى ثبوت بعض الخيارات فيه وذلك ما يرجع فيه الى مصطلح خيار أو فيما يثبت به خيار الفسخ بسبب طارئ لا يرجع الى عيب لحق محل العقد وانما يرجع الى أمر خارج عنه وذلك ما يرى فى حالتين:
الأولى حال غصبه والثانية طروء عذر على المستأجر يقتضى عدم تمكنه من الانتفاع أو على المؤجر تقتضى عدم تمكين المستأجر من الانتفاع.
حال الغصب
مذهب الحنفية:
اذا غصبت العين المستأجرة فحيل بسبب ذلك بين المستأجر والعين فعلى قولين عند الحنفية: قيل لا تنفسخ الاجارة ولكن يحق للمستأجر الفسخ اذا لم يستطع استرداد العين بوسيلة لا تكلفه مالا كالشفاعة والالتجاء الى الحكام، أما اذا استطاع ذلك فلا يحق له أن يفسخ لأن التقصير من قبله وقيل تنفسخ بالغصب وعلى أية حال فان الأجرة تسقط عن المستأجر مدة غصبها
(1)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن غصب العين المستأجرة أو غصب منفعتها يترتب عليه حق فسخ الأجارة اذا كان الغاصب لا تناله الأحكام كما تفسخ كذلك اذا كان من السلطان أمر يحول دون الانتفاع بها بحيث لا يتمكن المستأجر من الانتفاع ويلزم السلطان أجرتها لربها اذا كان قصده غصب المنفعة فقط دون الذات اذ أن غاصب الذات لا يضمن منفعة المغصوب الا اذا استعمله ولا يضمن منفعة ما عطله، أما غاصب المنفعة فعليه بدلها مطلقا انتفع أم لا - ومحل فسخ الاجارة بغصب العين المستأجرة أو غصب منفعتها ما اذا شاء ذلك المستأجر ففسخها وله أن يبقى على اجازته، فان فسخها كان للمالك الأجرة على الغاصب وان أبقاها من غير فسخ صار مستأجرها مع غاصبها بمنزلة المالك اذا زرع الغاصب أو انتفع فعليه الأجر للمستأجر
(2)
.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أن العين المستأجرة اذا غصبها غاصب طيلة مدة الاجارة انفسخت الاجارة وان ارتفع الغصب وبقى من المدة شئ كان الخيار للمستأجر فى الابقاء على العقد وفى فسخه لتفرق الصفقة عليه وله الخيار على الفور فان فسخ فالأمر ظاهر وان لم يفسخ حتى انقضت المدة انفسخت الاجارة فى مدة الغصب ولزمه أجر ما قبل الغصب
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى: اذا غصبت العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ اذ فى الغصب تأخير حقه فان فسخ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين وان لم يفسخ حتى انقضت مدة الاجارة فله الخيار بين الفسخ وبين الابقاء على العقد فاذا فسخ فالأمر واضح لم يطالب الا بما يخص مدة انتفاعه من المسمى واذا لم
(1)
الدر المختار ج 5 ص 8.
(2)
الشرح الكبير والدسوقى عليه ج 4 ص 31.
(3)
نهاية المحتاج ج 5 ص 319.
يفسخ كان عليه المسمى للمالك ومطالبة الغاصب بأجر المثل لأن المعقود عليه لم يفت مطلقا بل الى بدل وهو القيمة واذا كانت الاجارة على عمل كخياطة ثوب أو حمل شئ الى موضع معين فغصبت الدابة التى يحمل عليها أو حبس الخياط الذى يخيط لم ينفسخ العقد وللمستأجر مطالبة الأجير بعوض المغصوب ليقوم بالحمل أو اقامة من يعمل العمل لأن العقد على ما فى الذمة فان تعذر الاتيان بالبدل ثبت الخيار بين الفسخ أو الصبر الى وجود ما يتم به العمل المستأجر عليه
(1)
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن غصب العين قبل تسليمها تنفسخ به الاجارة ما لم تسترد العين وتسلم الى المستأجر فى مدتها، أما غصبها فى أثناء مدة الاجارة فلا تنفسخ به الاجارة وانما يكون للمستأجر حق الفسخ بسبب الغصب فى بقية المدة فان فسخها لم يكن عليه الا أجر ما انتفع وان لم يفسخها كان عليه الأجرة كلها ورجع على الغاصب بأجر مثلها مدة انتفاعه لأن المنافع مضمونة عند الزيدية سواء فى ذلك أن يكون الغاصب قد انتفع أم لم ينتفع
(2)
.
مذهب الشيعة الجعفرية:
يرى الشيعة الجعفرية أن غصب العين المستأجرة ولو فى أثناء مدة العقد تنفسخ به الاجارة فاذا غصبت فى أثناء المدة لم يكن على المستأجر الا أجر ما انتفع وتنفسخ الاجارة فى باقى المدة
(3)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن غصب العين المستأجرة تنفسخ به الاجارة سواء أحدث قبل ابتدائها أم فى أثنائها فاذا حدث فى أثنائها لم يكن على المستأجر من الأجر الا حصة ما انتفع قبل الغصب وليس عليه من أجر المدة الباقية شئ لانفساخ العقد بالغصب حتى لو استأجر شخص دابة لحمل طعام الى بلد معين فغصبها فى أثناء الطريق غاصب بما عليها ثم سار بحملها الى نفس البلد المعين وفيه أمكن أن تسترد منه لم يكن على المستأجر الا أجر المسافة التى كانت يد المستأجر عليها فيها أى أجر انتفاعه قبل الغصب أما أجر باقى المسافة الى البلد المعين فعلى الغاصب على الرغم من أنه قد وصل بها الى المحل التى استؤجرت لتحمل الطعام اليه
(4)
وجاء فى الايضاح:
وان أكرى رجل لرجل دارا بكراء معلوم سنة معلومة فنقدها الأجرة ثم انه سكن فيها نصف تلك السنة فأخذت الدار من يده قهرا وظلما ومنع من سكناها حتى انقضت المدة فقد ذهب بعضهم أنه ليس على رب الدار ما ينوب المستأجر من نوازل تنزل به تمنعه من السكنى الا أن يكون أمر عام للناس فله عليه رد ما يخص مدة منعه من الأجر وكانت تلك مصيبة نزلت به أما ان حدث ذلك قبل ابتداء المدة فله استرداد ما نقد لرب الدار
(5)
(1)
المغنى ج 6 ص 28، 29.
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 79، 356.
(3)
تحرير الأحكام ج 1 ص 240.
(4)
النيل ج 5 ص 132.
(5)
الايضاح ج 3 ص 375.
طروء العذر
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن الاجارة تفسخ بالأعذار، جاء فى البدائع أن العذر قد يكون فى جانب المستأجر وقد يكون فى جانب المؤجر وقد يكون فى جانب المستأجر (بفتح الجيم) أما ما يكون فى جانب المستأجر فكأن يفلس فيترك السوق لفلسه أو يريد سفرا يحول بينه وبين الانتفاع أو ينتقل من حرفة الى أخرى لا يستطيع أن يباشرها فى العين المستأجرة فالمفلس اذا كان لا ينتفع بالحانوت المستأجر يكون فى ابقاء العقد من غير استيفاء منفعة منه اضرار به لم يلتزمه بالعقد فلا يجبر على ذلك وكذلك يرى أن فى ترك السفر مع العزم عليه ضررا به وفى ابقاء العقد مع سفره ضرر به أيضا لما فى ذلك من الزامه الأجر من غير استيفاء المنفعة، وكذلك الحكم فى الانتقال من عمل الى عمل آخر اذ فى منعه من الانتقال ضرر به، وفى ابقاء العقد كذلك ضرر التزامه بالأجر من غير استيفاء منفعة وكذلك يعد من الأعذار ما لو ترتب على الابقاء على العقد ضرر بماله أو ببدنه ثم بدا له أن يفسخ العقد كما لو استأجر رجلا ليهدم داره أو ليقلع ضرسه أو ليحدث له فى ملكه شيئا من بناء أو حفر ثم بدا له ألا يفعل فله فسخ الاجارة لذلك ولا يجبر على شئ من ذلك لما يترتب عليه من نقص أو اتلاف أو ضرر بماله أو ببدنه فاذا بدا له وعلم ألا مصلحة له فيه فيبقى الفعل ضررا فى نفسه فكان له الامتناع من الضرر بالفسخ اذ الانسان لا يجبر على الاستئجار لضرر نفسه وعلى ذلك له الفسخ اذا استأجر ما يحمله الى الحج فبدا له ألا يحج ونحو ذلك ولهذا قالوا: ان المؤجر لو قال: ان هذا تعلل وهو لا يريد ترك السفر ولكن يريد فسخ الاجارة قال له الحاكم: انتظره فان خرج فيما استؤجر لأجله أو لا فلك الأجر المتفق عليه ولو استأجر أجيرا للحفر فحفر فظهر أن الأرض صلبة أو رخوة بحيث يخاف التلف كان ذلك عذرا يجيز الفسخ ولو استأجر كاتبا ليكتب له كتابا على أن عليه الحبر والورق كان له الفسخ لما يترتب على ابقاء الاجارة من استهلاك ماله، وأما الذى يكون فى جانب المؤجر فنحو أن يلحقه دين فادح لا يجد وفاء له الا من ثمن المستأجر فاذا كان الدين ثابتا قبل عقد الاجارة أو ثبت بعده بالبينة فللمؤجر الفسخ أما لو كان ثابتا بعد عقد الاجارة بالاقرار فكذلك عند أبى حنيفة خلافا لهما لاتهامه فى الاقرار به، ويقول الامام: ان الانسان لا يقر بالدين على نفسه كاذبا وكذا لو استأجر شيئا ثم أجره فاطلع على عيب فيه بعد ذلك كان له حق الفسخ اذ لا يستطيع الرد بالعيب مع بقاء عقد الاجارة وأما الذى يرجع الى المستأجر (بفتح الجيم) فكمرض الأجير مرضا يناله من العمل معه ضرر وكبلوغ الصبى اذا أجره أبوه فله الفسخ ان شاء وهذا بخلاف اجارة أملاكه فيبلغ فى أثناء المدة فليس له الفسخ
(1)
، وجملة القول فى ذلك عند الحنفية أن الاجارة اذا وقعت على استهلاك عين بغير عوض كالاستكتاب يقع على استهلاك الورق والحبر فلا ضير أن يفسخ العقد صونا لماله ويعد ذلك عذرا وهى
(1)
البدائع ج 4 ص 197 وما بعدها.
تفسخ بالأعذار اذا تحققت وذلك على احدى روايتين وفى رواية أخرى لا تفسخ بالأعذار ووفق بعض المشايخ بين الروايتين فقالوا ان كانت الاجارة لغرض ولم يبين ذلك الغرض أو كان العذر يمنعه من الجرى على مقتضى العقد شرعا انفسخت الاجارة من غير فسخ كما لو استأجر انسانا لبتر يده لمرض فزال المرض قبل بترها أو لقلع سن فشفى السن أو استأجر دابة لاحضار زائر فحضر قبل سفرها انفسخت الاجارة ذكر ذلك قاضيخان فى فتاويه وكل عذر لا يمنع المضى فى موجب العقد شرعا ولكن ما يلحقه بسببه بعض ضرر كان من آثاره ثبوت حق الفسخ لمن يصيبه الضرر ببقاء العقد واذا تحقق العذر ومسلت الحاجة الى النقض هل ينفرد صاحب العذر بالفسخ أو يحتاج الى القضاء أو الرضا، اختلفت الروايات والصحيح أن العذر اذا كان ظاهرا انفرد صاحبه بالفسخ وان كان مشتبها فيه لا ينفرد كذا فى قاضيخان وعلى ذلك قالوا اذا أجر داره ثم أراد فسخ الاجارة لأنه لا يجد ما ينفق منه على نفسه وعياله وأراد بيعها فله ذلك.
مذهب المالكية:
جاء فى البهجة شرح التحفة - كل ما تستوفى به المنفعة لا تنفسخ الاجارة بتلفه أو بوجود عائق كموت المكترى للدابة أو مرضه أو حبسه أو عدم حصوله على رفقة له ونحو ذلك كتلف المتاع المحمول على الدابة أو أخذ اللصوص له وسواء أكان ذلك قبل الخروج أم بعده وكل ما تستوفى منه المنفعة تنفسخ الاجارة بتلفه كموت الدابة المعينة وانهدام الدار المكتراة ونحو ذلك واستثنوا مما سبق من عدم انفساخ الاجارة بتلف ما تستوفى به المنفعة أربع مسائل: (1) متعلم استؤجر على تعليمه مدة (2) أو رضيع استؤجر على ارضاعه مدة فمات كل منهما قبل تمام مدة الاجارة أو الشروع فيها (3) أو فرس نزو ماتت قبل النزو عليها (4) أو رياضة دابة ماتت قبل ترويضها. ففى هذه المسائل تنفسخ الاجارة كما تنفسخ اذا كانت على قلع سن فسكن ألمها وألحقوا بذلك المؤاجرة على الحصاد فيتلف الزرع وليس لربه غيره وعلى بناء حائط فيمنع من البناء مطر ونحوه وثوب يدفع الى الخياط أو غزل يدفع الى النساج فيتلف كل منهما وليس لربهما غيره والطبيب يستأجر لعلاج فيموت العليل قبل الشروع.
والمؤاجرة على ثقب جوهرة فتنكسر ونحو ذلك والعلة فى هذا كله تعذر الخلف وعليه فالمدار على تعذر خلف المستوفى به والحق ان هناك قولين: مذهب المدونة وهو أن الاجارة لا تنفسخ فى ذلك وعلى المستأجر جميع الكراء وله أن يستعمل العين المستأجرة فى مثل ما استأجرها لأجله وصححه ابن شاس وابن الحاجب، والقول الآخر أنها تنفسخ وعليه درج بعض الكتب فى مسألة التخلف عن زفاف العروس وشهره فى المقدمات قائلا المشهور انفساخ الاجارة اذا تلف ثوب الخياطة ومراده اذا تعذر الخلف للعمل فيه فهذان قولان شهر كل منهما ولكن محل الخلاف اذا لم يجر العرف بالفسخ عند تعذر المستوفى به أو وجود مانع والا فيعمل بالعرف لأنه كالشرط وكأنه اشترط عليه أن عاقه عائق انفسخ العقد بينهما ويؤيد ذلك قول ابن عرفة لا يدخل الخلاف فى نوازل
وقتنا فى تونس لأن العرف قد تقرر فيها بفسخ الاجارة بكثرة المطر ونزول الخوف، وهذا كله فى تخلف المكترى للعذر أما لو خالف المكرى فلم يأت بالدابة فليس له الأجر وليس له الا دابته وان كراها أياما فتخلف بعضها فبحسابه كالعبد المستأجر شهرا بعينه يمرض فى بعضه فتنفسخ اجارته أيام مرضه
(1)
وفى المواق عن مالك اذا استؤجرت دابة فى يوم لزفاف عروس فلم تزف فيه أن عليهم الكراء وجاء فى قول أن الكراء ينفسخ لذهاب اليوم المعين ويرد الكراء ان دفع ولا يستعمل ليوم آخر لأنه فسخ دين فى دين وبالقول الأول أخذ بعض المالكية غير أنه قيده بما اذا كان التأخير اضطرارا والا كان الكراء واجبا
(2)
، والظاهر من هذه النصوص أن المذهب فى مسائل العذر الطارئ على القول باعتباره هو أن الاجارة تنفسخ دون احتياج الى فسخها من صاحب العذر وأنه لا عذر للمكرى معتبرا انما المعتبر عذر المكترى وجاء فى العقد المنظم: اذا مرض الأجير فى مدة الاجارة لم تنفسخ الاجارة بمرضه فاذا صح قبل انتهاء المدة لزمه العمل فى باقيها وله من الأجر بقدر عمله الا أن يتفقا على الفسخ
(3)
وجاء فيه أيضا: اذا انقطع طحن الرحا من فتنة نزلت بالبلد حتى خلا أهله ولم يفشها أحد سقط الكراء عن المكترى فى مدتها وكذلك الفنادق المعدة لنزول الواردين اذا انقطع ورودهم بسبب فتنة فى البلد وكذلك الحال فى الأفران اذا حدث غلاء أو جوع وهرب الناس فلم يكن فى جيرانه من يطبخ فيه أو قل فيه الطبخ فتلك جائحة يحط من الكراء بقدرها اذا علم ذلك قاله الحافظ أبو عمرو وغير واحد من الشيوخ وفى مسائل ابن رشد: اذا قل الواردون للرحا المكتراة لجهد أصاب ذلك المكان وما أشبه ذلك أو قل الواردون لسكنى الفنادق المكتراة المتخذة للنزول فيها من فتنة أو خوف أو ما أشبه ذلك أو حدث ذلك بالنسبة للرحا المكتراة كان المكترى لها مخيرا بين أن يتمسك بكرائه أو يفسخه فان سكت حتى مضت المدة أو بعضها لزمه جميع الكراء ولا يسقط الكراء الا بجلاء أهل ذلك الموضع حتى تبقى الرحا معطلة والفنادق خالية ولا يلزم المكرى اذا قلت الفائدة أن يحط عن المكترى من كرائه ما نقصه بغير رضاه وانما يكون الخيار للمكترى على ما ذكرناه.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية: أن الاجارة لا تنفسخ بالأعذار سواء أكانت عينية أم فى الذمة فلا يفسخها أحد العاقدين بعذر لا يوجب خللا فى المعقود عليه كتعذر وقود حمام على من استأجره أو عدم دخول الناس فيه لفتنة أو خراب ما حوله وتعذر سفر فى اجارة دابة للسفر بسبب خوف أو مرض مستأجرها ولكن التعذر الشرعى يوجب الانفساخ كأن استأجر طبيبا لخلع ضرس فبرئ قبل أن يخلعه
(4)
.
مذهب الحنابلة:
لا يرى الحنابلة أن الاجارة تفسخ بعذر يطرأ على المستأجر انما تفسخ بتلف العين
(1)
ج 2 ص 198.
(2)
المواق ج 5 ص 432.
(3)
العقد المنظم ج 1 ص 283، 292.
(4)
نهاية المحتاج ج 5 ص 312.
سواء أكان ذلك قبل قبضها أو فى أثناء مدة الاجارة أو بأن يحدث فى العين ما يمنع نفعها أو بأن تغصب على ما بينا أو بأن يحدث خوف عام يمنع من الانتفاع بها كأن يحضر البلد العدو فيمتنع الخروج منها الى الأرض المستأجرة للزرع ونحو ذلك ففى مثل ما تقدم تنفسخ الاجارة أو يثبت حق الفسخ للمستأجر على حسب اختلاف الأحوال مثل ما لو استأجر دابة ليركبها أو يحمل عليها الى مكان معين فينقطع الطريق اليه لخوف حادث أو اكترى للحج فلم يحج الناس هذا العام فانه يكون للمستأجر فسخ العقد ان أحب أو الابقاء عليه الى حين امكان استيفاء المنفعة ويثبت هذا الحق لكل من المتعاقدين كما يكون الابقاء على العقد باتفاقهما فأما اذا كان الخوف خاصا بالمستأجر مثل أن يخاف وحده لقرب أعدائه من الموضع الذى أراده أو وجودهم فى طريق لم يكن له حق الفسخ لأنه عذر خاص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية فأشبه مرضه وكذلك لو حبس المستأجر أو مرض أو ضاعت نفقته أو تلف متاعه لم يملك فسخ الاجارة لذلك لأن عدم الانتفاع فى هذه الحال لمعنى من جهته فلم يمنع ذلك وجوب الأجر عليه كما ترك الانتفاع اختيارا
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم وان اضطر المستأجر الى الرحيل عن البلد أو اضطر المؤاجر الى ذلك فان الاجارة تنفسخ اذا كان فى بقائها ضرر على أحدهما كمرض مانع أو خوف مانع أو غير ذلك لقوله تعالى «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» وقوله: «ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
(2)
». وهذا قول أبى حنيفة
(3)
.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن فسخ الاجارة بالأعذار جائز غير أنه يجب أن يكون فى مواجهة العاقد الآخر أو يعلمه به بكتاب أو برسول وانما تنفسخ بالعذر الذى يزول معه الغرض من عقدها سواء أكان من جهة المستأجر أم من جهة العين المستأجرة مثل أن يستأجر من يقلع له ضرسا فيبرأ ضرسه قبل قلعه فان الاجارة تبطل فى هذه الحال وكذلك لو أفلس المستأجر قبل تسليم الأجرة أو ماطل فى دفع الأجرة الواجبة الأداء وكذلك لو استأجر دابة أو خادما للسفر ثم عرض له عذر يمنعه من السفر لخوف يغلب معه العطب ظنا أو لعذر أو استأجر دارا وعرض له مانع من الاقامة فيها أو حانوتا ليتجر فيه فمنعه افلاس من التجارة أو أضرب عن عمارة الأرض التى استأجرها للبناء عليها أو أضرب عن الزرع وقد استأجر له الأرض سواء أكان الاضراب لعذر أو لغير عذر فهذه الأعذار كلها يزول معها الغرض من عقد الاجارة ولا بد فى الفسخ بناء عليها من تراضى العاقدين أو حكم القاضى بذلك وانما يعتبر العذر فى حق المستأجر لا فى حق المؤجر كذا فى الزوائد ولا يكون العدول عذرا الا اذا كان عدولا تاما لا مثنوية فيه أى «لا رجوع فيه» ومن العذر مرض من لا يقوم برعاية شئونه فى مرضه الا الأجير ومن الأعذار أن يحتاج الى حفظ بيته مرض زوجته وتشييع جنازتها ومن الأعذار
(1)
المغنى ج 6 ص 29، ص 30.
(2)
سورة الحج: 78.
(3)
ج 8 ص 187 مسألة 1292.
حاجة المؤجر الى ثمن العين المستأجرة فلو أجر أرضا ثم احتاج الى ثمنها لضرورة نحو دين لزمه ولا مال له سواها وكان من الواجب بيعها فيه عد عذرا ينفسخ به عقد الاجارة ومن الأعذار منع الزوج زوجته من المضى فى اجارتها نفسها فى عمل من الأعمال بل ان من الأعذار عدم الاذن لها ولو لم يمنعها سواء أكانت الاجارة قبل الزواج أم بعده اذا لم يمكنها الاستنابة فيما أجرت نفسها له
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى تحرير الأحكام: والاجارة عقد لازم لا ينفسخ الا بالتقايل أو بأحد الأسباب الموجبة للفسخ ولا ينفسخ بالعذر فلو اكترى دابة للحج ثم بدا له أو مرض لم يكن له فسخ العقد وكذا لو استأجر حانوتا للتجارة فاحترق وتلف ماله لم يكن له حق الفسخ أو استأجر دارا للسكنى ثم بدا له أن يسافر لم يكن له فسخ الاجارة قبل انقضاء المدة
(2)
.
مذهب الإباضية:
وعند الإباضية
(3)
أنه يصح فسخ الاجارة من أحد العاقدين بعد نقد الثمن والدخول فى العمل على القول بأنها عقد غير لازم وأنه لا يجوز فسخها بعد الشروع فى العمل على القول بأنها تلزم بالشروع وان الأجير يجبر على المضى فى العمل اذا ما شرع فيه وكذلك يجبر المستأجر على نقد الأجرة اذا ما أمكن اتمام العمل - ولا يجوز فسخ العقد من أحد العاقدين عند من يقول انه يلزم بمجرد تمام الايجاب والقبول - والأعذار عندهم قد تتصل بالعمل ذاته كما اذا استأجر دابة لحمل طعام معين الى بلد معين فهلك الطعام أو استأجر أجيرا لرعى غنم فهلكت الغنم فان حصل ذلك قبل الشروع بطل العقد وان حصل فى أثناء المدة فليس لرب الدابة من الكراء الا بقدر ما سارت الدابة بالطعام وليس للراعى الا بقدر ما رعى من السنة قبض الكراء أم لم يقبضه اذ أن هذا طارئ سماوى ولا يكلف رب الطعام أو الغنم أن يأتى بطعام آخر يحمل أو بغنم يرعى فكان ذلك كهلاك العين المستأجرة - ومعنى ذلك انفساخ عقد الاجارة ومن الإباضية من يرى أن ذلك اذا حدث بعد قبض الكراء لم يكن على صاحب الدابة ولا على الراعى رد ما يخص باقى الطريق أو بقية المدة من الأجر وكذلك اذا استأجره لردم حفرة فجاء السيل فردمها فى مروره لم يكن للأجير من الكراء الا بقدر ما ردم هو ان كان قد فعل شيئا والا لم يكن له شئ من الأجرة نقدت الأجرة أم لم تنقد وكذلك اذا استأجر دابة لحمل طعام معروف الى بلد معين فغصبها غاصب فى الطريق مع حملها وسار بها الى الموضع المتفق عليه وفيه أخذت منه الدابة لم يكن على رب المتاع من الكراء الا بقدر ما كان من العمل قبل أن تغصب منه الدابة دون ما تم تحت يد الغاصب واذا استأجر أجيرا لحفر بئر بكراء معلوم فتبين بعد ابتداء الحفر أن التربة ألين أو أشق مما كان يعرف عنها فان لرب العمل منعه فى الحال الأولى من تمام العمل حتى يتفقا على الكراء مرة أخرى وان
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 118.
(2)
تحرير الأحكام ج 1 ص 231.
(3)
الايضاح ج 3 ص 311 وما بعدها.
تركه حتى أتم العمل فله كراؤه المسمى كما ان للأجير فى الحال الثانية خيار الفسخ وعندئذ ليس له من الكراء الا بقدر ما عمل.
انتهاء الاجارة
اذا انتهت الاجارة بانتهاء مدتها أو بسبب فسخها بناء على سبب من الأسباب التى يترتب عليها فسخها سواء أكان ذلك لقيام أحد العاقدين بفسخها بناء على ما له من حق الخيار فى ذلك أم كان باتفاقهما عليه فانه يجب رد العين المستأجرة الى مالكها عند طلبها منه ان كانت الاجارة على الأعيان ولا يلزم الأجير بشئ من العمل ان كانت الاجارة على الأعمال وقد بينا فيما مضى أن رد العين المستأجرة الى مالكها غير واجب على المستأجر فلا يطالب بالرد ولا بمؤنته عند الجمهور خلافا لمن ذهب الى غير ذلك كالزيدية وامساك العين قبل طلبها من صاحبها لا يعد اعتداء بل تبقى أمانة حتى يمنعها مستأجرها من صاحبها فيكون حينئذ ضامنا لها اذا هلكت ولا يجوز بعد انفساخ الاجارة أو انتهائها بقاء العين فى يد مستأجرها منتفعا بها الا لعذر يقتضى بقاءها كما اذا استأجر أرضا لزراعة صنف من الأصناف فانتهت الاجارة وفى الأرض زرع لم يستحصد أو استأجر سفينة لمدة معينة فانتهت المدة والسفينة فى عرض البحر لم تصل الى غرضها أو دابة فانتهت الاجارة والدابة فى صحراء أو فى مكان مخوف ولم تنته الى غايتها ففى هذه الأحوال وأمثالها تبقى العين وجوبا رغم أنف صاحبها بأجر المثل حتى يدرك الزرع أو تبلغ السفينة أو الدابة غايتها وهكذا ذلك ما ذهب اليه الحنفية
(1)
.
وهذا بخلاف ما اذا انتهت الاجارة بموت المستأجر وفى الأرض المستأجرة زرع لم يستحصد فان الاجارة حينئذ لا تنفسخ بموته بل يبقى الزرع فى الأرض بالأجر المسمى الى نهاية مدة الاجارة فان استحصد فيها والا ترك فى الأرض بعد ذلك بأجر المثل الى أن يدرك الزرع
(2)
.
وذهب المالكية والشافعية الى أن اجارة الأرض للزراعة تنته بانتهاء مدتها ولكن اذا انتهت المدة وفى الأرض زرع لم يدرك لم يقلع وانما يبقى فيها الى الادراك بأجر المثل مدة بقائه فى الأرض الى أن يدرك وليس لرب الأرض قلعه
(3)
.
وقال الحنابلة: اذا استأجر أرضا للزراعة مدة فانقضت وفيها زرع لم يبلغ حصاده لم يخل الأمر من حالين احداهما أن يكون ذلك بتفريط من المستأجر مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بادراكه قبل انقضاء المدة الباقية المسماة فى العقد فحكمه حينئذ حكم زرع الغاصب فاذا انقضت المدة خير المالك بين أن يأخذ الزرع بقيمته أو يتركه فى الأرض بأجر المثل عن المدة الزائدة ولكن اذا اختار المستأجر قطع زرعه فى الحال وتفريغ الأرض فله ذلك لأن الزرع زرعه، والثانية: أن يكون بقاء الزرع بعد المدة بغير تفريط مثل أن يزرع زرعا يدرك عادة فى المدة الباقية من
(1)
الفتاوى الهندية ج 4 ص 460، 464.
(2)
الفتاوى الهندية ج 4 ص 464.
(3)
الشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج 4 ص 47 وحاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج ج 5 ص 313.
مدة الاجارة فيبطئ ادراكه بسبب برد أو غيره ففى هذه الحال يلزم المؤجر أن يتركه الى أن يدرك وله المسمى عن مدة الاجارة وأجر المثل بما زاد عليها ذلك أن الزرع حصل فى أرض غيره باذنه من غير تفريط فلزم تركه بأجر المثل وهذا بخلاف الغرس اذا انقضت مدة الاجارة وهو قائم فانه لا يترك فى الأرض بأجر المثل الا باتفاق المالك والمستأجر
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه اذا استأجر أرضا للزراعة فانقضت المدة والزرع لم يدرك أو استأجر سفينة لغاية معينة فانقضت المدة قبو وصولها الى الغاية وكان ذلك بغير تفريط أبقى الزرع فى الأرض والسفينة فى يد المستأجر بأجر المثل الى ادراك الزرع ووصول السفينة الى الغاية أما اذا حدث ذلك بتفريط كان للمالك الخيار بين أن يفسخ العقد وأن يعقد اجارة أخرى
(2)
.
مذهب الشيعة الجعفرية:
جاء فى تحرير الأحكام
(3)
ولو استأجر أرضا للزراعة فمضت المدة والزرع لم يدرك فان كان بتفريط من المستأجر كما لو زرع ما لا يدرك فى المدة فكالغاصب يتخير المالك بين قطعه وابقائه بالأجرة ولو اختار المستأجر قطع زرعه فى الحال كان له ذلك وليس للمالك أخذه بالقيمة بدون رضا صاحبه وان كان بغير تفريط كأن تأخر ادراكه لبرد أو لقلة ماء أو غير ذلك فيجب على المؤجر تركه بالمسمى عن مدة الاجارة وبأجر المثل فيما زاد عليها.
انفساخ الاجارة
يرى الحنفية أن الاجارة تنفسخ بما يأتى أولا: بوفاة كل من المستأجر والمؤجر فلا يحل ورثة كل محل مورثهم فى العقد لأنه التزام ولا الزام بغير التزام ولأن المنافع لا بقاء لها حتى تكون متروكة على ملك المتوفى المستأجر فيرثها عن ورثته ولهذا تنته الاجارة بوفاته وترد العين الى مالكها الا اذا اقتضى بقاءها عذر كما فى الأرض يكون فيها زرع لم يستحصد هذا بالنسبة الى المستأجر أما بالنسبة الى المؤجر فان العين المستأجرة تنتقل بوفاته الى ورثته وذلك يستلزم انفساخ عقد الاجارة لأنه يتجدد كما قدمنا بحسب تجدد المنافع وما يتجدد من المنافع بعد وفاة المؤجر يكون للورثة فلا ينفذ فيه عقده ومحل ذلك كما قدمنا ألا يوجد عذر يستوجب بقاء العين فى يد المستأجر كما اذا توفى المؤجر قبل وصول الدابة المستأجرة براكبها الى الغاية التى استؤجرت لأجلها فان العين تبقى بأجر المثل فى هذه الحالة والمراد بكل من المستأجر والمؤجر من كان العقد له سواء أباشره بنفسه أم بنائب عنه لا من باشر العقد لغيره فلا تأثير بوفاة كل من وكيل المؤجر ووكيل المستأجر فى عقد الاجارة ولا لوفاة ولى الصغير أو للوصى عليه أو الناظر على الوقف اذا ما باشروا عقد الاجارة بحكم ولايتهم لأنهم لا يتصرفون لأنفسهم واذا توفى المؤجر وقد عجل له المستأجر أجرة المدة التالية لوفاته فان أجرة هذه المدة وقد انفسخت
(1)
المغنى ج 8 ص 64 وما بعدها وكشاف القناع ج 2 ص 320.
(2)
ج 3 ص 270.
(3)
ج 1 ص 249.
الاجارة فيها تعتبر دينا فى تركته للمستأجر فتؤدى اليه ويكون المستأجر بالنسبة اليها مقدما على غرمائه الآخرين فى الاستيفاء من ثمن العين المستأجرة اذا بيعت فى الدين ولذا يكون له حبسها لديه حتى يستوفى ما عجله فان لم يوف ثمنها بالأجرة كان المستأجر فيما بقى منها كسائر الغرماء
(1)
.
مذهب المالكية:
وذهب المالكية: الى أن الاجارة تنفسخ بتلف ما تستوفى منه المنفعة كموت الدابة المعينة وانهدام الدار المستأجرة وموت الأجير خاصا أو مشتركا لا بتلف ما تستوفى به المنفعة وما عقد من أجله العقد فلا تنفسخ بموت المستأجر وانما يحل ورثته محله اذا أرادوا بذلك بشرط أن يلتزموا للمؤجر بما بقى له من أجرة فيجب ذلك فى أموالهم وعندئذ يقومون مقام مورثهم فيما بقى له من المنافع اذا رضى المؤجر بذمتهم فان لم يرض كان له حينئذ أن يفسخ العقد وان أبى الورثة عند وفاة المستأجر أن يلتزموا له بالأجرة وأن يقوموا مقام مورثهم أجرت العين المستأجرة فى المدة الباقية وأعطيت أجرتها للمؤجر حتى يستوفى ما بقى له من أجرة فان بقى له بعد ذلك شئ استوفاه من تركة المستأجر وان فضل منها شئ ضم اليها
(2)
كما يرون أن وفاة المؤجر لا تأثير لها فى عقد الاجارة بل يحل ورثته محله فى وراثة ماله من الأجرة وفى الزامهم بالعقد.
مذهب الشافعية والحنابلة:
وذهب الشافعية والحنابلة الى أن عقد الاجارة لا ينفسخ بوفاة المستأجر لأنه قد تملك به من المنافع ما يورثه ورثته عند الوفاة فيقوم ورثته مقامه بعد وفاته فى استيفاء ما ورثوه عنه من المنافع واذا لم يكن قد عجل الأجرة فانها تكون دينا فى تركته تؤدى الى المؤجر كما تؤدى غيرها من الديون ومرد ذلك الى أن المنافع عندهم أموال تعد موجودة حكما حين العقد عليها وكذلك لا تنفسخ عندهم بوفاة المؤجر بل يبقى التزامه فى تركته ولا يلزم به ورثته بأشخاصهم فى أموالهم الخاصة بهم التى لم يرثوها عن المؤجر وانما يستمر تنفيذه فى ماله ويرتبون على ذلك أن المستأجر قد ملك جميع هذه المنافع بالعقد وأن العين المستأجرة قد انتقلت بالوفاة الى ورثة المؤجر مسلوبة تلك المنافع لأنها ملكت لغيرهم بعقد الاجارة السابق فيجب عليهم تبعا لذلك أن يسلموا العين الى المستأجر ليستوفى منها منافعه التى تملكها ويجب عليهم ألا يتعرضوا له فيها اذا ما تسلمها حتى يستوفى منها كل ما ملك وهذا اذا كانت العين معينة فى العقد أما اذا لم تكن قد عينت وكانت المنفعة المعقود عليها دينا فى ذمة المؤجر فان الواجب حينئذ أن يستأجر من تركة المؤجر من يقوم بأداء تلك المنفعة المعقود عليها فان لم تكن له تركة خيرت الورثة فان شاءوا وفوا بالمنفعة فاستحقوا بذلك الأجر على المستأجر والا فسخت الاجارة وكذلك الحال بالنسبة لوفاة الأجير اذا كان العقد قد تم على مجرد العمل وتنفيذه بواسطته أو بواسطة غيره ممن يكلفه
(1)
الفتاوى الهندية ج 4 ص 463 والدر المختار وابن عابدين عليه ج 5 ص 57 وما بعدها.
(2)
العقد المنظم للاحكام ج 1 ص 179 وما بعدها.
بذلك فعند ذلك يستأجر من تركة الأجير من يقوم بهذا العمل فان لم تكن له تركة خير الوارث كما تقدم بين المضى فى العقد وحينئذ يستحق الأجر، وبين أن يفسخ العقد أما اذا تعلق العقد بعين الأجير كأن شرط عليه أن يقوم بنفسه بالعمل أو كان ذلك العمل مما يختلف باختلاف من يقوم به وتتفاوت أجرته تبعا لذلك أو كان للأجير ميزة خاصة عرف بها فان الالتزام فى هذه الحال يبطل بالوفاة اتفاقا وترد الأجرة الى التركة ان كانت قد عجلت
(1)
ولم يخالف المالكية فى شئ من هذا.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: وموت الأجير أو المستأجر أو هلاك العين المستأجرة ينفسخ به عقد الاجارة فان العين المستأجرة تصير الى وارث المؤجر بوفاته وكذلك منافعها تبعا لها وانما استأجر المستأجر منافع هذه العين وهى ملك للمؤجر فلا يستحق بعقد الاجارة ما صار ملكا لورثته ولا يلزم الورثة فى أموالهم عقد ميت قد بطل ملكه بموته، ولو أنه أجر منافع عين مملوكة لغيره لم يجز، فكذلك ما صار ملكا لغيره وأما موت المستأجر فالعقد انما كان معه لا مع ورثته فلا حق للمؤجر عند ورثته ولا عقد له معهم، ولا ترث الورثة منافع لم تخلق ولم توجد بعد ولم يملكها مورثهم وهذا قول الشعبى والثورى والليث
(2)
.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن الاجارة لا تنفسخ بموت المؤجر ولا بموت المستأجر ولا بموتها جميعا بل يحل ورثة كل منهما محل مورثه ولكنها تنفسخ بموت الأجير الخاص ولا يحل ورثته محله اذ لا التزام عليهم ولا يجب على الورثة فى الاجارة على الأعمال أن يعملوا واذا أرادوا ذلك ولم يكن مانع كان لهم هذا سواء فى هذا الصحيحة والفاسدة اذا كان ورثهم قد شرع فى العمل فعمل ماله أجرة
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى تحرير الأحكام: اختلف علماؤنا فقال بعضهم ان الاجارة تبطل بموت أحد المؤاجرين سواء أكان الميت هو المؤجر أو المستأجر أو الأجير وقال بعضهم: تبطل بموت المستأجر دون موت المؤجر، وقال آخرون: لا تبطل بموت أى منهما وهو الأقوى سواء أكان الموت قبل استيفاء المنفعة أم بعد الشروع فيها، ولكن لو مات المستأجر ولا وارث له يحل محله فى استيفاء المنفعة أو كان الوارث غائبا كالمستأجر لدابة يموت فى الطريق ولا وارث معه وليس على الدابة ما تحمله احتمل انفساخ العقد لوجود ما يمنع من استيفاء المنفعة، والأقرب عدم الفسخ، وأما اذا كان عليها متاع لم تنفسخ الاجارة لوجود سبيل الى الانتفاع بها يحمله الى غايته كما لو كان هناك وارث يستوفى المنفعة
(4)
، أما وفاة الأجير الخاص فينفسخ بها العقد باتفاق.
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 229، ص 230 والبهجة ج 2 ص 170. وكشاف القناع ج 2 ص 310. والمغنى ج 6 ص 42.
(2)
ج 8 ص 184 مسألة 1291.
(3)
التاج المذهب ج 3 ص 119.
(4)
تحرير الأحكام ج 1 ص 241.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن عقد الاجارة لا ينفسخ بوفاة المؤجر ولا بوفاة المستأجر بل يحل ورثة كل محله، أما لزوم العقد بعد ذلك وبقاؤه فمرده الى خلافهم فى لزوم العقد هل هو جائز أم لازم؟، واذا كان لازما فمتى يكون ذلك؟ وقد تقدم بيان هذا فى الكلام على لزوم العقد، غير أنه اذا استؤجر أجير لعمل معين فقبض أجرته قبل تمام العمل ثم توفى قبل تمامه فورثته بالخيار ان شاءوا أتموا العمل وليس لهم استرداد شئ من الأجر وان شاءوا فسخوا العقد واستردوا أجر ما لم يتم من العمل ذلك لأنهم قائمون مقام مورثهم ولا يجبرون على العمل اذ لم يلتزموه، وانما لهم الاتمام اذا أرادوا، وهذا اذا لم يكن العمل متعينا على مورثهم لا تقبل فيه انابة، فان كان كذلك انفسخ العقد بوفاته الا اذا رضى رب العمل بنيابتهم.
واذا مات رب العمل قبل اتمام الأجير العمل فان ورثته يكون لهم الخيار بين الابقاء على العقد وترك الأجير فى عمله الى اتمامه وبين فسخ العقد مع رد أجر ما لم يتم من العمل وهذا على القول بأن عقد الاجارة غير لازم، أما على القول بلزومه فليس لهم حق فسخه
(1)
ثانيا: بتلف العين المستأجرة أو بزوال منفعتها التى استؤجرت من أجلها زوالا كليا اذا كانت معينة وذلك لانعدام محل العقد بذلك، فاذا استأجر شخص دابة معينة للركوب فنفقت أو استأجر حيوانا للحمل فتقرح ظهره الى درجة لا يستطيع معها الحمل أو أرضا فصارت سبخة أو علت الرمال عليها انفسخت الاجارة سواء أكان ذلك قبل استيفاء المنفعة أم فى أثنائها أما اذا كانت المنفعة باقية على وضع ناقص فان ذلك يكون عيبا يثبت الخيار به للمستأجر، وليس هذا محل خلاف بين المذاهب، وبناء على ذلك اذا استأجر دارا فانهدمت - ذهب بعض الفقهاء الى أن ذلك لا يذهب بجميع منافعها لامكان الانتفاع بعرصتها فى اقامة مخيم عليه وعلى ذلك لا ينفسخ العقد بذلك، وانما يكون للمستأجر الخيار، وذهب آخرون الى أن مثل هذه المنفعة الباقية لم يقصد اليها المستأجر، وعلى ذلك تعد منافعها المقصودة للعقد قد زالت فينفسخ العقد
(2)
وهذا باتفاق بين جميع المذاهب.
ثالثا: غصب العين المستأجرة - ذهب بعض الحنفية الى أن الاجارة تنفسخ به وذهب آخرون منهم الى أنها لا تنفسخ، ولكن الأجرة تسقط مدة الغصب فقط ويكون للمستأجر بسبب الغصب خيار الفسخ، وفائدة الخلاف تظهر فيما اذا ردت العين قبل انتهاء مدة الاجارة، فعلى القول الأول لا يلزم المستأجر بأن ينتفع بالعين بقية المدة، وعلى الثانى يلزم بذلك، وعليه حصتها من الأجرة الا اذا كان قد اختار
(1)
الايضاح ج 3 ص 369، 371.
(2)
تحرير الأحكام ج 2 ص 254، 255 وكشاف القناع ج 2 ص 310 والدردير ج 4 ص 30 والدر المختار ج 5 ص 53، 56 ونهاية المحتاج ج 5 ص 317 وتحفة المحتاج ج 3 ص 519. وتحرير الأحكام ج 1 ص 248 والدردير ج 4 ص 20.
الفسخ عند حدوث الغصب، وقد تقدم مبينا حكمه فى جميع المذاهب.
رابعا: وجود عذر من الأعذار التى لا ترتفع، كما اذا استأجر طبيبا لخلع سن أو لقطع عضو أو لاجراء عملية فبرئ قبل قيامه بالعمل وزال المقتضى لذلك فان الاجارة تنفسخ اتفاقا بين جميع المذاهب، ومن ذلك وفاة الرضيع بالنسبة للظئر وهلاك الغنم المعينة بالنسبة للراعى وتلف الطعام المطلوب حمله بالنسبة للدابة، ووفاة العروس بالنسبة للطاهى الذى استؤجر للوليمة، وان شئت قلت فى ذلك فوات محل العمل الذى عقد لأجله عقد
(1)
.
خامسا: تملك المستأجر للعين المستأجرة وذلك عند الحنفية خاصة سواء أكان ذلك بميراث أو بشراء أو بهبة اذ لا يتملك الانسان ما يملك فعلا، وذلك بناء على أن منافع العين فى الاجارة انما تكون لمالك العين ابتداء، وعنه تنتقل الى المستأجر فاذا كان المستأجر هو المالك فلا يتصور ذلك، وخالف فى ذلك غيرهم من الفقهاء على ما بينا فى حكم تصرف المستأجر للمؤجر وسبق القول فى ذلك.
إجَازة
الإجازة لغة:
فى المصباح: جاز المكان يجوزه جوزا وجوازا سار فيه وأجازه قطعه وأجاز الشئ أنفذه - قال ابن فارس وجاز العقد وغيره نفذ ومضى على الصحة وأجزت العقد جعلته جائزا وأجاز له فعل كذا سوغه له وأجاز رأيه أنفذه كجوزه وأجاز له البيع أمضاه وأجاز الموضع خلفه
(2)
.
الإجازة فى استعمال الفقهاء:
لا تخرج فى استعمال الفقهاء عن هذا المعنى العام فيستعملونها فى إنفاذ العقود الموقوفة بمعنى ترتيب أثرها عليها وإنفاذها فيقولون إن العقد الموقوف ينفذ وترتب عليه آثاره بإجازته ممن له ولاية إنفاذه فعقد الفضولى عند من يراه موقوفا لا تترتب عليه آثاره ولكنه يصير نافذا وتترتب عليه آثاره بإجازته من صاحب الشأن وهو المالك أو الولى علية أو وكيله مثلا وكذلك تصرف ناقص الأهلية المتردد بين النفع والضرر يصدر موقوفا ولكنه ينفذ بإجازته ممن له الولاية على ناقص الأهلية وتزويج العبد نفسه موقوف ينفذ بإجازته من سيده والوصية للوارث أو بأكثر من الثلث موقوفة وتنفذ بإجازتها من الورثة وهكذا، وكذلك يستعملونها بمعنى الإمضاء وذلك فى العقود النافذة إذا كان فيها خيار لأحد العاقدين فيقولون أنها تصير لازمة بإجازتها ممن له
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 310. والدردير ج 4 ص 27 و 30 وتحرير الأحكام ج 1 ص 255 والدر المختار ج 5 ص 56.
(2)
المصباح المنير والقاموس المحيط مادة: «جوز»
الخيار فى فسخها ويسقط خياره بإجازتها أى بإمضائها كما فى البيع فيه خيار الرؤية أو خيار الشرط - وإذا كانت فى الفعل كان معناها الرضا به وبما يترتب عليه من أثر كما فى أجازه الإيفاء بالدين يقوم به أجنبي أو تسليم العين الموهوبة يقوم به غير الواهب.
ما تتحقق به الإجازة
تتحقق الإجازة بكل ما يفيد الرضا صراحة أو دلالة من قول أو فعل فتكون باللفظ وما يقوم مقامه كالكتابة أو الإشارة ممن لا يستطيع النطق وسواء أكانت بالعربية أو بأية لغة من اللغات من كل عبارة تدل على الإنفاذ والرضا كأجزت ونحوه وهى اما صريحة إذا دلت على ذلك صراحة كأجزت وأنفذت أو غير صريحة إذا ما دلت على ذلك بطريق اللزوم وإلاشارة كأن يقول نعم ما صنعت أو بارك الله لنا فيما فعلت أو يهنأ فيشكر أو يتقبل التهنئة وذلك ما ذهب اليه الفقيه أبو الليث وبه كان يفتي الصدر الشهير ما لم يظهر أن مثل ذلك قد صدر منه على سبيل الإستهزاء ومرد ذلك الى القرائن وهذا هو المختار
(1)
ومن الإجازة بطريق الدلالة أمره فضوليا زوجه امرأة بأن يطلقها عند ما علم بالزواج لأن الطلاق لا يكون إلا فى زواج صحيح نافذ، وفى جامع الفصولين: الطلاق فى النكاح الموقوف قيل يعد إجازة وقيل لا ..
وتكون بالفعل إذا ما كان أثرا للعقد وتوقفت سلامته عليه كقبض المهر ودفعه وإرساله وقبض الثمن ودفعه وتسلم المبيع وتسليم العين المرهونة إلى المرتهن وتسليم الهبة إلى الموهوب له ونحو ذلك من كل ما يدل على الرضا بخلاف قبض المرأة هدية الزواج إذا زوجها منه فضولى اذ أن ذلك لا يعد أثرا للعقد ولا تتوقف سلامته على العقد فقد تكون الهدية من غير الزوج وقد تقبضها لغرض آخر غير الرضا بالعقد
(2)
وقيل إنها تتحقق مبعث الهدية الى الزوجة ولا تختلف المذاهب فى هذا الذى ذكرنا. ولكن الزيدية حين تعرضوا للإجازة الفعلية مثلوا لها بالمثال الآتى فقالوا: لو علمت المرأة بالعقد وما سمى لها فيه فلم يصدر منها لفظ إجازه ولكن مكنت الزوج من نفسها كان تمكينها له كالإجازة للعقد والمهر معا حيث وقع التمكين بالوط ء أو بمقدماته بعد العلم بالعقد أو التسمية فأما لو جهلت العقد لم يكن التمكين اجازة وتحد ان مكنته من نفسها لأنها زانية ما لم تلحق منها الإجازة بعد أن تعلم فيسقط الحد للشبهة وهو تعذر العقد وأما لو علمت العقد وجهلت التسمية فلا إشكال أن التسمية تبقى موقوفة على أجازتها وقد يبقى العقد موقوفا أيضا فيبطل إذا ردت التسمية ولم ترض بها
(3)
.
هل يعد السكوت إجازة
ذكرنا أن الاجازة تكون بكل ما يفيد الرضا من قول أو فعل فهل تكون أيضا بالسكوت عند العلم بالعقد أو بالتصرف أو عند مشاهدته؟
(1)
جامع الفصولين ج 1 ص 228.
(2)
فتح القدير ج 3 ص 431 طبعة بولاق.
(3)
التاج المذهب ج 2 ص 55، ص 56.
من القواعد التى ذكرها الفقهاء أنه لا ينسب الى ساكت قوله وقد جاء ذكر هذه القاعدة فى كثير من كتب الحنفية ومنها الأشباه والنظائر لابن نجيم إذ جاءت تحت عنوان القاعدة الثانية عشرة ومقتضاها أن السكوت لا يعد إجازة قولية كما أنه لا يعد فعلا من الأفعال وذلك كله لا ينفى أنه قد يفيد الرضا وإن لم يكن قولا أو فعلا ومن الظاهر أن إفادته الرضا مردها الى القرائن التى تحيط به.
وقد جاء فى الأشباه والنظائر: أن الوكالة لا تثبت بالسكوت فإذا رأى أجنبيا يبيع ماله فسكت ولم ينههه لم يكن سكوته توكيلا خلافا لابن أبى ليلى وأن السكوت لا يعد إذنا للصبى والمعتوه بالتصرف إذا كان من القاضى وحدث السكوت منه وقت تصرفه وكذلك لا يعد سكوت المرتهن إذنا للراهن ببيع العين المرهونة ولا يكون أذنا بإتلاف المال إذا ما رأى غيره يتلف ماله فسكت - وإذا كانت الاجازة اللاحقة كالاذن السابق فما لا يثبت به الاذن لا تثبت به الإجازة وبناء على ذلك لا يكون السكوت إجازة فيما ذكرنا من المسائل ولا فيما يشبهها ويترتب على ذلك أن السكوت لا يعد إجازة كما لا يعد إذنا.
غير أنهم قد استثنوا من هذا المبدأ مسائل عديدة ذكرها صاحب الأشباه والحموى بلغت الأربعة والأربعين مسألة ومن هذه المسائل ما عد السكوت فيه رضا وإجازة كسكوت البكر البالغة بعد تزويج وليها إياها وسكوتها بعد قبض وليها مهرها وسكوتها إذا بلغت وقد زوجها غير أبيها وجدها وسكوت الواهب عند قبض الموهوب له العين الموهوبة فى حضرته. وسكوت الموقوف عليه بعد الوقف عليه وسكوت الولى إذا رأى الصبى المميز يبيع ويشترى وسكوت الإنسان عند رؤيته غيره يشق زقه إلى غير ذلك من المسائل
(1)
التى ذكرها - وفى جامع الفصولين أن سكوت المالك الحاضر وقت بيع الفضولى لا يعد إجازة وذكر الخير الرملي أن صاحب المحيط ذكر أن سكوته عند البيع وقبض المشترى المبيع يعد رضا وإجازة قال صاحب جامع الفصولين أن مرد الحكم فى ذلك الى القرأئن إذ العبرة فى الإجازة إنما هو تحقق الرضا بالتصرف بأي دليل يدل عليه هذا عند الحنفية وتفصيل القول فى ذلك فى جميع المذاهب يرجع فيه إلى مصطلح (سكوت)
(2)
.
الفرق بين الإجازة والإذن
الإجازة كما بينا إما تنفيذ لتصرف موقوف ومن ثم يترتب عليها إستتباع هذا التصرف لأثاره المترتبة عليه أو إمضاء العقد غير اللازم وإبرامه ومن ثم يترتب عليه سقوط الحق فى فسخه ممن أجازه كما فى البيع بشرط الخيار يجيزه من شرط له الخيار وكما فى شراء عين قبل رؤيتها يجيزه المشترى بعد رؤيتها وعلى ذلك لا تكون إلا تالية للتصرف اما الإذن فيكون سابقا عليه ولذا كان وكالة. أو فى معناها ومن ثم يكون
(1)
الأشباه والنظائر الفن الاول ص 184 طبعة اسلامبول.
(2)
ابن عابدين ج 2 ص 383 طبعة بولاق 1323.
التصرف الصادر بمقتضاه تصرفا من ذى ولاية بخلاف التصرف الصادر قبل الإجازة فإنه يكون من غير ذى ولاية وقد جاء فى حاشية ابن عابدين فى الفرق بينهما ان الاذن انما يكون لما سيقع والاجازة انما تكون لما وقع وأن الأذن يكون بمعنى الإجازة إذا حدث بعد التصرف وكان لأمر وقع وعلم به الأذن
(1)
- ومما يجب ملاحظته ان الآذن أو الوكالة يكون فى كل ما يجوز للآذن او الموكل مباشرته من التصرفات والأفعال عند الحنفية إما الإجازة فلا تكون فى كل تصرف يصدر وانما تختص بالتصرفات الموقوفة بسبب يرجع الى نقص الولاية أو عدمها أو تعلق حق الغير على ما يجئ بيانه كما يلاحظ ان الآذن بالعقد أو بالتصرف يعد توكيلا فيه فيقبل عند الحنفية الرجوع عنه قبل حدوثه من المأذون إما الإجازة فتستتبع أثرها في المال ومن ثم لا يقبل الرجوع فيها من المجيز إذ بمجرد الاجازة ينفذ العقد واذا نفذ لم يتوقف بعد نفاذه.
أثر الإجازة فى الأقوال والأفعال
بينا أن الإجازة فى العقود النافذة التى من شأنها أو من حكمها أن تكون لازمة وقد عرض لها عدم اللزوم بسبب ثبوت خيار فيها سواء أكان خيار شرط ام خيار رؤية أم خيار عيب أم خيار فوات وصف أو نحو ذلك يكون أثرها إمضاء العقد ولزومه وسقوط الخيار بالنسبة لمن صدرت منة الإجازة وهذا الخلاف فيه بين المذاهب أما إذا كانت فى التصرفات الموقوفة فان أثرها يكون نفاذ هذه التصرفات وترتب آثرها عليها وكأنها قد صدرت من ذى الولاية عليها فإذا كان قد باشرها فضولى أعتبرت صادرة من وكيل بمباشرتها وإذا صدرت من صبى مميز اعتبرت صادرة من الولى عليه وإذا صدرت من المالك ماسة بحق الغير أعتبر المالك مأذونا فيها من صاحب ذلك الحق وهكذا ولهذا قرر الحنفية ان الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ومعنى ذلك أنها تجعل لمباشر التصرف حكم الوكيل فى مباشرته فيترتب على مباشرته جميع الأحكام التى تترتب على مباشرة الوكيل ويلزم المجيز بما يلزم به الموكل وذلك مع ملاحظة أن ذلك إنما يكون فى الإجازة الصحيحة المستوفية لشروطها وعلى ذلك ترجع حقوق العقد إلى الفضولى فى العقود التى ترجع فيها حقوق العقد الى الوكيل كالبيع وغيره من المعاوضات ولا ترجع اليه فى العقود التى لا ترجع فيها حقوقها إلى الوكيل بل يكون فيها سفيرا ومعبرا كالزواج وما ماثله من كل عقد يعتبر فيه الوكيل سفيرا ومعبرا وذلك فى رأى من يرى أن حقوق العقد ترجع إلى الوكيل لا إلى الموكل كالحنفية وتفصيل ذلك يعرف فى مصطلح «وكالة» وجملة القول فى ذلك ان إجازة العقد الموقوف تصيره نافذا فى جميع المذاهب وذلك ما يجعلها فى حكم الإذن السابق أو الوكالة السابقة فيكون لها أحكامها على حسب اختلاف المذاهب فى أحكام الوكالة وهذا إذا كانت الإجازة فى التصرفات القولية إما إذا كانت فى تصرف فعلى فقيل أنها لا تلحق الأفعال وقيل إنها تلحق الأفعال كما تلحق الأقوال وعلى القول الأول لا يكون
(1)
جامع الفصولين ج 1 ص 231 بولاق.
لها أثر ويكون للفعل حكمه وأثره الشرعى الذى يستوجبه حين يصدر ممن لا ولاية له عليه وعلى القول الثانى يكون لها حكم الإذن السابق به: جاء فى الدر المختار
(1)
: الاجازة لا تلحق الإتلاف فلو أتلف مال غيره تعديا فقال المالك أجزت أو رضيت لم يبرأ المتلف من الضمان ذكره صاحب الأشباه نقلا عن البزازية ولكن نقل صاحب التنوير عن العمارية أن الإجازة تلحق الأفعال وهو الصحيح وبناء عليه تلحق الإتلاف لأنه من جملة الأفعال وجاء فى ابن عابدين تعليقا على ذلك أن الملتقط لو تصدق باللقطة ثم جاء ربها فأجاز الفعل صحت إجازته وكان لها حكم اذنه وذلك ما يدل على أنها تلحق الأفعال ثم نقل عن البيرى على الأشباه أن أحد الورثة إذا اتخذ ضيافة من التركة حال غيبة الآخرين ثم قدموا بعد ذلك وأجازوا ثم أرادوا بعد إجازتهم الرجوع فيها وتضمين ذلك الوارث كان لهم ذلك لأن الاتلاف لا يتوقف حتى تلحقه الإجازة وذلك يدل على أن الإجازة لا تلحق الأفعال. وعلل ذلك بأن الأفعال لا تتوقف حتى تلحقها الإجازة ومعنى ذلك ان الفعل حين يصدر إنما يصدر عن ولاية فيكون بحق أو عن غير ولاية فيكون تعديا ولا تغير الإجازة من طبيعته فلا تجعل ما صدر تعديا صادرا عن حق فيه وعلى ذلك فلا تلحق الإجازة الأفعال وذلك ما يخالف الفرع الخاص بإجازة صاحب اللقطة تصدق الملتقط بها إذ جعلت إجازته كالإذن فلم يكن له حق المطالبة بالضمان وذلك ما يتفق مع القول بصحته - وقد ذكر صاحب الدر فى مسائل شتى من كتاب الخنثى أن الإجازة تلحق الأفعال على الصحيح فلو غصب إنسان عينا لآخر فأجاز المالك أخذه واياها صحت اجازته وبرئ الغاصب من الضمان
(2)
وفى جامع الفصولين غصب شيئا وقبضه فأجاز المالك قبضه برئ من الضمان ولو أودع مال الغير فأجاز المالك إيداعه برئ من الضمان ثم قال والإجازة لا تلحق الأفعال عند أبى حنيفة وتلحقها عند محمد كما تلحق العقود حتى أن الغاصب لو رد المغصوب على أجنبى فأجاز المالك برئ الغاصب عند محمد لا عند الامام ولو بعث بدينه على يد رجل إلى الدائن فجاء الرجل الى الدائن وأخبره ورضى بذلك وقال له اشتر لى به شيئا ثم هلك المال قيل يهلك من مال المدين وقيل يهلك من مال الدائن وهو الصحيح اذ الرضا بقبضه فى الانتهاء كاذنه بقبضه فى الإبتداء وهذا التعليل يدل على أن الإجازة تلحق الأفعال وهو الصحيح
(3)
.
وجملة القول أن المسألة خلافية. وعلى القول لصحة الإجازة فى الأفعال يصير الفعل بها وكأنه صدر من فاعله بناء على أنه مأذون به فينسب إلى إذنه وتكون القاعدة عامة فى الأقوال والأفعال أما علي القول الآخر فإنها تكون خاصة بالإجازة فى الأقوال وفى بيان حكم ذلك فى بقية المذاهب يرجع الى مصطلح «تعدى أو اعتداء» .
(1)
ج 5 ص 139.
(2)
الدر المختار ج 5 ص 528 طبعة الحلبى.
(3)
جامع الفصولين ج 1 ص 237.
وبناء على ما تقدم فليس بين الإجازة والإذن فرق من حيث صيرورة الفعل مأذونا به منذ وقع على القول بلحوقها للأفعال أما فى الأقوال فإنه يلاحظ أن الإذن بالعقد يجعله نافذا مترتبا عليه أثره منذ نشأ على حسب وصفه وصورته منجزا أو مضافا أو معلقا أما الإجازة فيختلف الحكم فيها عن ذلك فقد ذهب الحنفية الى أنها إذا كانت فيما يقبل التعليق ترتب عليه أثره من وقت الإجازة كالطلاق والعتق والكفالة فلا تطلق الزوجة إلا من وقت إجازة الطلاق ولا يصير الكفيل ملتزما إلا من وقت أجازته الكفالة أما إذا كانت فيما لا يقبل التعليق فإنها تجعل العقد نافذا منذ صدر وترتب عليه آثاره من ذلك الوقت كالبيع وعلى ذلك إذا أجيز البيع الموقوف نفذ من وقت نشأته وكان للمشترى زوائد البيع وثمراته ومنافعه منذ وقع العقد لا فرق بين ما يحدث قبل الإجازة وما يحدث بعدها وعللوا ذلك بأن الموقوف كالمعلق على الإجازة فى المعنى وما يقبل التعليق تقتصر آثاره على وقت حدوث الشرط المعلق عليه إذا ما علق. والشرط هنا هو الإجازة وعلى ذلك تقتصر آثار هذا النوع من العقود على وقت الإجازة - وهذا فى عقد موقوف يقبل التعليق أما ما لا يقبل التعليق من العقود الموقوفة فلا يكون توقفه على الإجازة فى معنى التعليق لأنه لا يقبله ولذا يستند أثره الى وقت إنشائه كالبيع
(1)
ولمعرفة حكم المذاهب فى ذلك يرجع الى العقد الموقوف فى مصطلح «عقد» .
محل الإجازة
تكون الإجازة فى نوعين من العقود والتصرفات:
الأول: العقود والتصرفات الموقوفة على إجازة ذوى الشأن فيها ويمكن أجمالها فى العقود والتصرفات التى تصدر ممن لا ولاية له كالفضولى. والصبى المميز بالنسبة إلى ما يتردد بين النفع والضرر والسفيه وكذلك التصرفات التى تصدر فى محل تعلق به حق الغير كبيع المرهون والمستأجر والتبرع فى مرض الموت صريحا او ضمنا كالمحاباة فى المعاوضات وبيع المورث لبعض ورثته والوصية لهم والوصية بأكثر من الثلث وتبرع المحجور عليه للمدين وتبرع من أحاط الدين بماله عند بعض الفقهاء وان لم يحجر عليه وتصرف الرقيق ويضاف الى ذلك تزوجه وتزوج الصبى المميز وغير ذلك من العقود والتصرفات الموقوفة - وفى بيان هذه العقود وتفصيل القول فيما يعد من العقود والتصرفات موقوفا او باطلا او نافذا فى مختلف المذاهب يرجع إلى مصطلح «عقد وتصرف» - غير أنه مما يستحسن الإشارة إليه باجمال هنا ان من العقود ما يعد فى بعض المذاهب موقوفا وفى بعضها باطلا كعقد الفضولى وتصرفه وعقد الصبى المميز فيما يتردد بين النفع والضرر فذلك يعد موقوفا عند الحنفية إذا كان له مجيز وقت إنشائه وحينئذ ينفذ بالإجازة اما عند الشافعية فيعد باطلا لا تلحقه الإجازة.
وتبرعات الفضولى تعد باطلة عند الشافعية والمالكية وعلى رواية عند الحنابلة فلا تلحقها الإجازة وتعد موقوفة عند الحنفية فتنفذ بالاجازة ولسنا هنا بصدد بيان الموقوف فى
(1)
ابن عابدين ج 2 ص 539.
مختلف المذاهب ولذا نكتفى فيه بهذا القدر - وكذلك يلاحظ أن العقد قد يعد موقوفا بالنظر إلى شخص فلا ينفذ بالنسبة إليه الا بإجازته بينما يعد نافذا لازما بالنظر الى آخر فلا يتوقف ولا يكون بحاجة الى إجازته وذلك كما فى بيع المرهون وبين المستأجر ويرجع الى ذلك فى مصطلح «بيع» وكذلك يلاحظ أن تبرع من أحاط الدين بماله محل خلاف بين الفقهاء فى كونه موقوفا على الإجازة عند من يرى وقفه أو غير موقوف عند غيره.
النوع الثانى: العقود والتصرفات اللازمة التى دخلها خيار فصارت به غير لازمة أو روعى أن لزومها يمس حق الغير فجعل له حق فسخها أو طلب فسخها دفعاَ للضرر عن نفسه وذلك كعقود المعاوضات التى دخلها خيار الشرط أو خيار الرؤية أو خيار العيب او فوات الوصف مثل البيع والإجارة والصلح، وكذلك تزويج المرأة البالغة العاقلة نفسها من غير كفء أو بأقل من مهر مثلها، فإن العقد يكون غير لازم، إذ لوليها العاصب حق الإعتراض. وطلب الفسخ واجازته فى هذه الحال تسقط حقه فى الاعتراض وتجعل العقد لازما.
تصرفات المكره
من التصرفات التى تلحقها الإجازة فى بعض المذاهب تصرف المكره وإن لم يعد موقوفا فيها.
وقد اختلف فقهاء الحنفية فى وصف العقد الصادر من المكره فقال زفر هو عقد موقوف على إجازته منه بعد زوال الإكراه فإذا كان بيعا لا يثبت به الملك الا بعد الاجازة أما باقى فقهاء المذهب فقد قالوا هو عقد فاسد يثبت به الملك عند القبض وبإجازة المالك بعد زوال الاكراه يرتفع المفسد وهو الإكراه وعدم الرضا، بناء على أن ركن العقد قد صدر من أهله مضافا الى محله والفساد إنما كان لفقد شرط هو الرضا وبارتفاع المفسد وهو الاكراه وعدم الرضا ينفذ العقد
(1)
وفى ذلك يقول السرخسى فى مبسوطه «الإكراه لا يمنع انعقاد أصل البيع فقد وجد ما به ينعقد البيع من الايجاب والقبول من أهله فى محل قابل له ولكن إمتنع نفوذه لإنعدام تمام الرضا بسبب الإكراه فإذا أجاز البيع غير مكره فقد تم رضاه به ولو أجاز بيعا باشره غيره نفذ بإجازته فإذا أجاز بيعا باشره هو كان بالنفاذ أولى وبيع المكره فاسد
(2)
ويرى الجمهور أنه باطل لا تلحقه إجازة، ويرجع فى تفصيل أحكام المذاهب فى ذلك الى مصطلح «إكراه»
تصرف الهازل
يجرى على لسان فقهاء الحنفية أن تصرف الهازل باطل إلا فيما أستثنى بالحديث ونزل فيه الهازل منزلة الجاد لقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والوصية وفى رواية العتق.
وفى ذلك يقول الكاسانى فى بيع الهازل «ولا يصح بيع الهازل لأنه متكلم بكلام البيع لا على ارادة حقيقته فلم يوجد الرضا
(1)
شرح النهاية. والنهاية وتكملة فتح القدير ج 7 ص 292 كتاب الإكراه وما بعدها مطبعة المكتبة التجارية.
(2)
المبسوط للسرخسى ج 24 ص 93، ص 94.
بالبيع فلا يصح بخلاف طلاق الهازل فإنه واقع لأن الهزل فى باب الطلاق ملحق بالجد شرعا، قال صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد الطلاق والنكاح والعتاق.
فألحق الهازل بالجاد فيه ومثل هذا لم يرد بالبيع، والهزل يمنع البيع لأنه يعدم الرضا بمباشرة السبب» ولكن جاء فى الحموى على الأشباه أن مراد الفقهاء ببطلانه أنه كالباطل فى الحكم من حيث انه لا يفيد ملكا بالقبض ولكن الواقع أنه فاسد بدليل أن فساده يرتفع بعدول الهازل عن هزله وبالعدول يصح العقد وينفذ بلا حاجة الى تجديده وذلك صريح فى أن تصرف الهازل تلحقه إجازة الهازل له وهو جاد فى إجازته فينفذ وإن وصف بالبطلان وبالفساد راجع مصطلح «هزل» لبيان أحكام المذاهب فى ذلك.
شروط الإجازة
إذا كانت إجازه لعقد معاوضة أشترط فيها ما يأتى عند الحنفية:
الأول: أن تصدر حال حياة من باشر العقد من غير ولاية إذا كان سينقلب بها وكيلَا يرجع إليه حقوق العقد وذلك يكون فى عقود المعاوضات التى يباشرها فضولى مثل البيع والإجارة إذ بالإجازة ينقلب وكيلا وترجع إليه حقوق العقد فإذا باشر فضولى عقدا من هذه العقود ثم توفى قبل إجازته بطل العقد ولم تلحقه إجازة بعد ذلك ممن عقد له العقد وهذا اذا لم ينفذ العقد على الفضولى كما فى الشراء والاستئجار لأنه فى هذه الحال لا يتوقف بل ينفذ عليه «راجع مصطلح فضولى» لهذا لزم أن تكون الإجارة حال حياته ليقوم بما التزم به من حقوق نتيجة لعقده أما العقود الأخرى التى يعتبر فيها الوكيل سفيرا ومعبرا فلا ترجع إليه فيها الحقوق ومن ثم إذا باشرها فضولى وانقلب بالإجازة وكيلا كان حكمه حكم الرسول فصار فيها سفيرا ومعبرا وأنتهت مهمته فيها بإنتهاء عبارته فإذا توفى ثم أجيزت بعد وفاته نفذت ولزمت اذ ليس هناك حق لزمه بعقد وفات بوفاته وبناء على ذلك إذا زوج فضولى إمرأة ثم توفى كان للزوجة أن تجيز هذا العقد بعد وفاته ويصير العقد بإجازتها نافذا لازما وكذلك الحكم إذا كان الفضولى قد باشر العقد عن الزوج كان للزوج إجازته بعد وفاة الفضولى.
ويلاحظ إشتراط هذا الشرط فى التصرف الموقوف الصادر من الصبى المميز أو من السفيه أو من الراهن أو من المؤجر أو من المتبرع فى مرض الموت أو من المحجور عليه للمدين - فيجب أن تكون إجازته فى حياتهم إذ بوفاتهم قبل أجازته تبطل لعدم تمامه قبل الوفاة أما إجازه الوصية للوارث أو بأكثر من الثلث فلا تصح عند الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض الزيدية إلا بعد وفاة المتصرف وهو الموصى وذهب عطاء وربيعة الرأى وحماد وعبد الملك بن يعلى
والأوزاعى وأبن أبى ليلى الى صحتها حال حياة الموصى وبعد وفاته وهذا الرأى هو المعتمد عند الزيدية والإباضية وكذلك هو المعتمد عند الشيعة الجعفرية بالنظر إلى الوصية بأكثر من الثلث أما الوصية للوارث فنافذة عندهم.
ويرى مالك صحة الإجازة حال حياة الموصى إذا كانت فى أثناء مرضه مرضا مخوفا يغلب فيه الموت وقدمات منه ولم يكن هناك ما يحمل الوارث عليها - وأرجع إلى تفصيل الأحكام الى مصطلح «وصية» عند الكلام عن اجازتها.
الثانى: أن تصدر الإجازة حال حياة من عقد العقد له فإذا كان بين فضولى وآخر وجب أن تصدر حال حياة من عقد له الفضولي وإذا كان بين فضوليين وجب أن تصدر حال حياة من عقد العقد لهما وذلك يظهر معنى نفاذها بمطالبة من نسب اليه العقد بما يوجبه عليه بعد نفاذه بالإجازة وعلى ذلك لا يصح اجازة بيع الفضولى بعد وفاة المشترى منه ولا بعد وفاة البائع بإجازته من ورثته إذ يبطل العقد حينئذ بوفاة البائع المالك إذ ليس لورثته حق إجازته كما لا تصح اجازة عقد النكاح بعد وفاة أحد الزوجين وبعد وفاة الموصى له ولا تصح بعد وفاة من باشر العقد مع الصبى المميز أو السفيه لبطلان العقد بوفاته قبل تمامه وارجع فى تفصيل أحكام هذأ الموضوع الى العقد الموقوف فى مصطلح «عقد»
الثالث: أن تصدر الإجازة حال بقاء محل العقد حتى يظهر أثرها فيه عند صدورها فلا تصح اجازة البيع بعد هلاك المبيع وإذا كان الثمن عرضا أى عينا كان بقاؤه الى صدورها شرطا فى صحتها أيضا لأنه فى هذه الحال يعد مبيعا اشتراه لنفسه فينفذ عليه، والإجازة هنا تعد إجازة بنقد ثمن هذه العين من مال المجيز فاذا لم يصر اليه كان عليه مثله ان كان مثليا وقيمته ان كان قيميا للمجيز
(1)
.
الرابع: أن يكون المجيز أهلا لمباشرة التصرف الذى أجازه فيجب أن يكون أهلا للتبرع إذا كان التصرف تبرعا وأهلا للمعاوضة إذا كان التصرف بيعا أو إجازة ونحو ذلك اذ أن الاجازة لها حكم الانشاء فيجب فيها من الشروط ما يجب فى الانشاء وعلى ذلك لا تصح اجازة المحجور عليه للدين لتبرع باشره عنه فضولى ولا اجازة صبى مميز أو سفيه لمعاوضة باشرها عنه فضولى ولا أجازته لوصية لوارث أو بأكثر من الثلث - ويرى الحنابلة صحة اجازة المحجور عليه للدين لوصية متوقفة وذلك على القول بان الإجازة تنفيذ لا على القول بأنها عطية
(2)
.
الخامس: أن يكون المجيز عالما محل العقد من وجود أو عدم عند أبى يوسف رحمة الله خلافا لمحمد فإذا أجاز المالك وهو غير عالم لقيام محل العقد لم تصح الإجازة عند أبى يوسف وصحت عند محمد رحمه الله
(3)
.
(1)
فتح القدير ج 5 ص 312.
(2)
المغنى ج 6 ص 429.
(3)
الهداية والفتح والعناية ج 5 ص 311، ص 312، ص 313.
إجٌبارُ
تعريف الإجبار لغة:
الجبار صفة من الإجبار وهو القهر والإكراه - قال أبن الأثير ويقال جبر الخلق وأجبرهم ويقال رجل جبار مسلط قاهر ومنه قوله وما أنت عليهم بجبار - وأجبره أكرهه.
يقال أجبر القاضى الرجل على الحكم إذا أكرهه عليه. وتميم تقول جبرته على الأمر أجبره جبرا وجبورا. قال الأزهرى وهى لغة معروفة وكان الشافعى يقول جبر السلطان وهو حجازى فصيح فهما لغتان جيدتان وهما جبرته وأجبرته
(1)
.
الإجبار اصطلاحا:
ليس له تعريف مخصوص فى كتب الفقه ويمكن تعريفه أخذا من إستعمالات الفقهاء بأنه حمل الغير من ذى ولإية بطريق الإلزام على عمل تحقيقا لحكم الشرع
من تعريف كل من الإجبار والإكراه فى الاصطلاح يمكن معرفة الفرق بينهما لأن المعنى اللغوى لكل منهما قد يكون متقاربا اذ الإكراه فى اللغة يتضمن القهر
(2)
.
وفى الاصطلاح:
هو الحمل على الفعل بالابعاد والتهديد مع وجود شرائطه المقررة فى باب الإكراه وإذاً يكون الفرق بينهما أن الإجبار يكون ممن له ولاية شرعية فى حمل الغير على فعل مشروع أما الإكراه فيكون من ذى قوة على تنفيذ ما توعد به فى سبيل حمل الغير على فعل أمر غير مشروع على تفصيل موضعه مصطلح إكراه
(3)
.
ما يرد فيه الإجبار:
يرد الإجبار فى كثير من أبواب الفقه المختلفة. كالإجبار فى القسمة والإجبار فى حقوق الجوار. والإجبار على كرى النهر والإجبار على الشركة والاجبار فى الشفعة والإجبار على الوفاء بالدين والإجبار على الارضاع والإجبار على النكاح وألاجبار على الكلالة والإجبار على تولى القضاء والإجبار على تولى الخصومة والإجبار على رد المغصوب والمستأجر والإجبار على الزكاة والإجبار على عمارة المشترك من دار أو جدار وغير ذلك.
ولما كان بعض الفقهاء قد عبر عن الإجبار بالمعنى المذكور بكلمة «جبر» فانظر أحكامه فى مصطلح «جبر» .
(1)
لسان العرب ص 16 ص 114، ص 116
(2)
المصباح ج 3 مادة: جبر.
(3)
البدائع ج 7 باب الإكراه.
يلاحظ أن الأعلام الواردة فى هذا الجزء روعى فى ترتيبها أول حرف منها دون اعتداد بألفاظ (أب)، (أم)، (ابن)، (آل) التى للتعريف.
وقد أشرنا بالنسبة للأعلام التى وردت بهذا الجزء وسبق ورودها بالجزء الأول إلى موضعها هناك.
مقرر اللجنة محمد سلام مدكور
حرف الهمزة:
الآمدى:
انظر ج 1 ص 247
ابراهيم النخعى:
انظر (النخعى) ج 1 ص 279.
ابى بن كعب:
انظر ج 1 ص 247.
الأثرم:
انظر ج 1 ص 247.
ابن الاثير:
انظر ج 1 ص 247.
احمد بن حنبل:
انظر (ابن حنبل) ج 1 ص 255.
ابن ادريس:
فقيه امامى من شيوخه محمد بن محمد بن النعمان الذى تلقى عن شيخه ابى جعفر الصدوق، من كتبه «السرائر» فى الفقه.
ابن ادريس: زكريا بن ادريس بن عبد الله أبو جرير القمى يروى عن الأئمة الصادق والكاظم والرضا، له كتاب رواه عنه أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه وروى عنه كثيرون.
الازهرى سنة 370 هـ:
أبو منصور بن أحمد بن طلحة الازهرى بن نوح بن أزهر الهودى اللغوى صاحب التهذيب فى اللغة شافعى المذهب توفى بمدينة هراه.
الأذرعى:
انظر ج 1 ص 248.
أسامة بن زيد:
انظر ج 1 ص 248.
الأسبيجابى سنة 535 هـ:
على بن محمد بن اسماعيل بن على بن أحمد الأسبيجابى السمرقندى شيخ الاسلام فقيه حنفى تفقه عليه صاحب الهداية (الميرغينانى) ولم يكن بما وراء النهر فى زمانه من يحفظ المذهب ويعرفه مثله. له شرح مختصر الطحاوى.
اسحاق بن ابراهيم سنة 275 هـ:
اسحاق بن ابراهيم بن هانئ النيسابورى أبو يعقوب. خدم الامام أحمد وذكره أبو بكر الخلال فقال أخا دين وورع ونقل عن الامام أحمد مسائل كثيرة مات ببغداد.
اسماعيل بن سعيد:
اسماعيل بن سعيد الشالنجى أبو اسحاق قال عنه أبو بكر الخلال ما أحسب أحدا من أصحاب أبى عبد الله روى عنه أحسن مما روى ولا أكثر مسائل منه، وكان عالما بالرأى وله كتاب ترجمه بالبيان على ترتيب الفقهاء.
أشهب:
انظر ج 1 ص 249.
أصبغ:
انظر ج 1 ص 249.
الأصم سنة 631 هـ:
عثمان بن أبى عبد الله بن أحمد أبو عبد الله قاض من فقهاء الإباضية بعمان له تصانيف منها «التاج. البصيرة. النور» ولم يكن بأصم وانما لقب بذلك لقصة ذكرت فى اللباب لابن الأثير ج 1 ص 57.
الأصم سنة 346 هـ:
محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الاموى بالولاء أبو العباس محدث من أهل نيسابور وتوفى بها. أخذ عن رجال الحديث بمكة ومصر ودمشق وغيرها فى رحلة واسعة. وأصيب بالصمم بعد ايابه حدث ستا وسبعين سنة. كان ثقة أمينا.
انس:
انظر ج 1 ص 249.
الأوزاعى:
انظر ج 1 ص 249.
اياس بن معاوية سنة 122 هـ:
اياس بن معاوية بن قرة المزنى أبو واثلة قاضى البصرة يضرب به المثل فى الفطنة والذكاء قال عنه الجاحظ من مفاخر مضر ومن مقدمى القضاة وللمدائنى كتاب سماه ركن اياس توفى بواسط.
حرف الباء:
الباب الشامى:
عمر بن عبد الله بن موسى أبو حفص امام كبير من متقدمى أصحاب الشافعى ومن أئمة أصحاب الوجوه. فقيه جليل ومن كبار المحدثين والرواة وأعيان النقلة. نسب الى باب الشام وهى احدى المحال الأربعة المشهورة القديمة بالجانب الغربى من بغداد.
الباجى:
انظر ج 1 ص 250.
البجيرمى:
انظر ج 1 ص 250.
انظر ج 1 ص 250.
البدخشى:
محمد بن الحسن البدخشى له كتاب مناهج العقول فى الأصول شرح به منهاج البيضاوى.
البراء:
أبو عمارة البراء بن عازب بن الحارث بن عدى بن مجدعة بن حارثة الأنصارى الاوسى. أبوه عازب صحابى. روى للبراء عن النبى صلى الله عليه وسلم ثلثمائة حديث وخمسة أحاديث اتفق البخارى ومسلم منها على اثنين وعشرين، وروى عنه بعض من الصحابة وجماعة من التابعين نزل الكوفة وتوفى بها شهد أحدا.
أبو بردة 103 هـ:
عامر بن أبى موسى عبد الله بن قيس الأشعرى قاضى الكوفة.
بسرة «بنت غزوان» القرن الاول:
بسرة بنت غزوان المازنى أخت عتبة بن غزوان الصحابى المشهور أمير البصرة جاء فى الحلية بسند صحيح أن أبا هريرة كان يعمل عندها أجيرا بطعام بطنه على عهد النبى صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها بعد ذلك لما كان مروان يستخلفه فى امرة المدينة.
ابن بطال سنة 404 هـ:
سليمان بن محمد بن بطال البطليوسى فقيه باحث تعلم بقرطبة واشتهر بكتابه المقنع فى أصول الأحكام الذى قيل فيه أنه لا يستغنى عنه الحكام.
ابن بطال سنة 449 هـ:
على بن خلف بن عبد الملك بن بطال عالم بالحديث من أهل قرطبة له شرح البخارى.
البغوى سنة 510 هـ:
الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوى فقيه محدث مفسر ينسب الى بغاه من قرى خراسان وله التهذيب فى فقه الشافعية وشرح السنة فى الحديث ومعالم التفسير وتوفى بمرو الروز.
ابن البقال سنة 440 هـ:
أنظر أبو طالب «أحمد بن عبد الله بن سهل» .
ابو بكر:
أنظر (ابن العربى) ج 1 ص 268.
أبو بكر: انظر ج 1 ص 251.
أبو بكر سنة 275 هـ:
احمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز ابو بكر المروذى فقيه حنبلى من المقدمين من أصحاب أحمد ورعا فاضلا يأنس اليه ابن حنبل. وهو الذى تولى اغماض ابن حنبل لما مات وغسله. وروى عنه مسائل كثيرة.
أبو بكر القرن الثالث:
أحمد بن محمد بن خالد بن شيرزاد أبو بكر المعروف بالنورانى فقيه حنبلى قاضى تكريت حدث عن ابى عمار المروزى ومحمد بن سليمان وغيرهما وكان من الأصحاب.
أبو بكر سنة 279 هـ:
أحمد بن خيثمة زهير بن حرب بن شداد أبو بكر فقيه حنبلى أخذ علم الحديث عن الامام أحمد ويحيى بن معين. وسمع من منصور بن مسلمة الخزاعى وغيره. وكان ثقة عالما راوية للادب وبصيرا بأيام الناس. روى عنه خلق كثير وله كتاب التاريخ.
أبو بكر سنة 293 هـ:
أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة أبو بكر من فقهاء الحنابلة نقل عن الامام مسائل وأشياء كثيرة.
أبو بكر بن حزم سنة 120 هـ:
أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم انصارى مدنى من تابعى التابعين تولى القضاء والامرة والموسم فى زمن سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز وكان محدثا ثقة توفى بالمدينة.
ابو بكر:
أبو بكر عنبر الخراسانى فقيه حنبلى سكن بغداد وحدث عن الامام أحمد باشبانة.
ألبلقينى سنة 868 هـ:
صالح بن عمر بن رسلان البلقينى شيخ الاسلام قاض من العلماء بالحديث والفقه مصرى تفقه بأخيه عبد الرحمن بالقاهرة وناب عنه فى الحكم ثم تصدر للافتاء والتدريس بعد موته ولى قضاء الديار المصرية وعزل وأعيد ست مرات. وتوفى وهو على القضاء. من كتبه ديوان خطب ست مجلدات.
وتتمة التدريب أكمل به كتاب أبيه. وغير ذلك توفى بالقاهرة.
البلقينى سنة 805 هـ:
عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكنانى العسقلانى الاصل ثم البرقينى المصرى الشافعى أبو جعفر مجتهد حافظ للحديث من العلماء بالدين ولد فى بلقينه وتعلم بالقاهرة وولى قضاء الشام وتوفى بالقاهرة من كتبه «التدريب» فى فقه الشافعية، وتصحيح المنهاج، وحواش على الروضة وغيرها.
البنانى سنة 1198 هـ:
عبد الرحمن بن جاد الله المغربى فقيه أصولى قدم مصر وجاور بالأزهر له حاشية على شرح المحلى فى أصول الفقه جزءان.
البنانى سنة 1245 هـ:
محمد بن محمد بن محمد العربى بن عبد السّلام البنانى النفذى المغربى المكى مفتى المالكية بمكة أصله من فاس سكن مكة وتوفى فيها له تصانيف منها شرح البخارى.
ابن بيرى 1099 هـ:
ابراهيم بن حسين بن احمد بن بيرى، كان فقيها مفتيا بمكة، له حواش وشروح فى الفقه والحديث، وله فى الاصول «غاية التحقيق فى عدم جواز التلفيق» فى التقليد وله كتاب فى العمرة وجمرة العقبة.
البيهقى:
انظر ج 1 ص 251.
حرف التاء:
الترمذى:
انظر ج 1 ص 251.
ابن تيمية:
انظر ج 1 ص 251.
ابن تيمة:
«مجد الدين» : سنة 652 هـ:
عبد السّلام بن عبد الله بن الخضر بن تيمية الحرانى فقيه حنبلى. محدث مفسر ولد بحران ورحل الى بغداد فأقام ست سنين ثم عاد الى حران وتوفى بها وكان وحيد زمانه فى معرفة المذهب الحنبلى وله كتب كثيرة.
حرف الجيم:
جابر:
انظر ج 1 ص 252.
جعفر:
انظر ج 1 ص 263.
جعفر سنة 676 هـ:
جعفر بن يحيى أبو القاسم الحلى احد أئمة الفقه الشيعى وله كتاب المعتبر فى شرح المختصر وكتاب نكت النهاية وكتاب المسائل المصرية والمسلك فى أصول الدين والمعارج فى اصول الفقه.
جعفر بن أبى طالب سنة 8 هـ:
جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب، صحابى هاشمى يلقب بالطيار وهو أخو على بن أبى طالب، وكان أسن منه بعشر سنين وكان من السابقين الى الاسلام وهاجر للحبشة فى الهجرة الثانية وحضر واقعة مؤته بالبلقاء واستشهد بها.
جعفر النسائى القرن الثالث:
جعفر بن محمد النسائى الشعرانى. أبو محمد كان عالما رفيع القدر ثقة ورعا قتل بمكة فى شئ من الأمر والنهى من تلامذة الامام أحمد بن حنبل.
أبو جعفر سنة 114 هـ:
محمد بن على زين العابدين بن الحسين الطالبى الهاشمى القرشى أبو جعفر الباقر خامس الأئمة الاثنا عشر عند الامامية وكان ناسكا عابدا له فى العلم وتفسير القرآن آراء وأقوال ولد بالمدينة ودفن بها.
جلال الدين السيوطى:
انظر ج 1 ص 262.
ابن الجنيد:
انظر ج 1 ص 253.
حرف الحاء:
ابن الحاجب:
انظر ج 1 ص 253.
أبو الحارث القرن الثالث:
أحمد بن محمد أبو الحارث الصائغ كان من أصحاب الامام أحمد وكان الامام يأنس به ويقدمه روى عن الامام مسائل كثيرة.
ابو الحارث المروذى القرن الثالث:
أحمد بن محمد بن عبد ربه المروذى من أصحاب الامام أحمد وروى عنه
ابو حازم سنة 135 هـ:
سلمة بن دينار المدنى الأعرج الزاهد الفقيه وهو مخزومى سمع سهل بن سعد وأكثر الرواية عنه فى الصحيحين وغيرهما وسمع عن سعيد بن المسبب وعطاء وغيرهما.
ابن أبى حازم سنة 184 هـ:
عبد العزيز بن أبى حازم سلمة بن دينار المدنى أبو تمام فقيه محدث قال ابن حنبل لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه من ابن أبى حازم.
ابن حامد سنة 403 هـ:
الحسن بن حامد بن على بن مروان أبو عبد الله البغدادى امام الحنبلية فى زمانه ومدرسهم ومفتيهم له المصنفات فى العلوم المختلفة فله الجامع فى المذهب وله شرح الخرقى وشرح أصول الدين وشرح أصول الفقه توفى بقرب واقصة حين رجوعه من مكة.
ابن حبيب:
انظر ج 1 ص 253.
الحدادى سنة 800 هـ:
أبو بكر بن على بن محمد الحداد الزبيدى فقيه حنفى يمانى من أهل العبادية.
«قرية فى تهامة» استقر فى زبيد وتوفى بها وله فى مذهب أبى حنيفة مصنفات جليلة منها «السراج الوهاج» فى ثمانى مجلدات فى شرح مختصر القدورى وهو مخطوط وله سراج الظلام مخطوط فى شرح منظومة الهاملى.
حذيفة:
انظر ج 1 ص 254.
حرب من فقهاء القرن الثالث:
حرب بن اسماعيل بن خلف الحنظلى الكرمانى أبو محمد ذكره أبو بكر الخلال فقال: رجل جليل أخذ العلم عن أحمد بن حنبل وروى عنه.
ابن حزم:
انظر ج 1 ص 254.
الحسن:
انظر ج 1 ص 254.
الحسن البصرى:
انظر ج 1 ص 254.
الحسن سنة 438 هـ:
الحسن بن محمد بن ابراهيم أبو على المالكى عالم بالقراءات من أهل بغداد له الروضة فى القراءات الاحدى عشرة.
الحسن سنة 1102 هـ:
الحسن بن مسعود بن محمد أبو على نور الدين اليوسى فقيه مالكى أديب بنعت بغزال عصره تنقل فى الأمصار فأخذ من علمائها واستقر بفاس مدرسا واشتهر حتى قيل عنه. من فاته الحسن البصرى فليصحب الحسن اليوسى يكفيه من كتبه «قانون أحكام العلم» حاشية على شرح السنوسى فى التوحيد الكوكب الساطع فى شرح جمع الجوامع لم يتمه» وغيرها.
الحسن سنة 50 هـ:
الحسن بن على بن أبى طالب الهاشمى القرشى أبو محمد خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم وثانى الأئمة الاثنى عشر عند الامامية ولد فى المدينة المنورة وأمه فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم بايعه أهل العراق بالخلافة بعد مقتل أبيه وكلات تقع بين أتباعه وأتباع معاوية حرب لولا أنه حكم عقله وحبه للخير وصالح المسلمين فخلع نفسه من الخلافة وسلم الأمر لمعاوية توفى بالمدينة.
أبو الحسن الرضا سنة 203 هـ:
على بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ثامن الأئمة الاثنا عشر عند الامامية من أجلاء أهل البيت وفضلائهم، ولد فى المدينة وكان أسود اللون أمه حبشية وأحبه المأمون العباسى فعهد اليه بالخلافة من بعده وزوجه ابنته وضرب اسمه على الدينار والدرهم، مات فى حياة المأمون بطوس فدفنه الى جانب أبيه الرشيد.
ابن أبى الحصين سنة 37 هـ:
عبد الله بن أبى الحصين الأسدى فارس ممن كان مع على بن أبى طالب فى حرب صفين قتل فيها.
الحطاب:
انظر ج 1 ص 254.
ابن الحكم سنة 251 هـ:
عبد الوهاب بن الحكم بن نافع أبو الحسن الوراق صحب الامام أحمد وسمع منه ومن غيره. كان يسكن الجانب الغربى ببغداد وكان من الصالحين.
اختلف فى وفاته فقيل سنة 250، سنة 251 وهو أثبت دفن بباب البردان ببغداد.
الحلى سنة 676 هـ:
أبو القاسم الحلى جعفر بن يحيى أحد أئمة الفقه الشيعى «أنظر جعفر»
الحلوانى:
انظر ج 1 ص 255.
حماد:
انظر ج 1 ص 255.
حمزة أبن عبد المطلب سنة 3 هـ:
حمزة بن عبد المطلب بن هاشم يلقب بأسد الرحمن وأسد رسول الله، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم واخوه من الرضاعة، وكان أسن منه بسنتين وآخى رسول الله بينه وبين زيد بن حارثة، أسلم فى السنة الثانية من بعثة الرسول.
واستشهد يوم أحد فى نصف شوال.
حمزة سنة 61 هـ:
حمزة بن عمرو بن عويمر الأسلمى روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أحاديث، وروت عنه أم المؤمنين عائشة وعروة وسليمان بن يسار وغيرهم.
ابن حمزة سنة 834 هـ:
جعفر بن محمد بن حمزة شرف الدين داعية اسماعيلى من علمائهم له، الرسالة الموقظة. مخطوط.
أبو حمزة:
الحسن بن على أبى حمزة البطائنى من وجوه الواقعة له كتب منها كتاب الفتن وهو كتاب الملاحم روى عنه كثيرون.
الحموى سنة 1098 هـ:
العلامة السيد أحمد بن محمد الحنفى المعروف بالحموى نسبة الى حماه، من مؤلفاته حاشيته على الاشباه والنظائر وكتاب كشف الرمز عن خبايا الكنز.
حنبل سنة 273 هـ:
حنبل بن اسحاق بن حنبل، أبو على الشيبانى، ابن عم الامام أحمد بن حنبل سمع كثيرين، منهم أبو نعيم الفضل بن ركين وأحمد بن حنبل وسمع منه المسند ونقل عنه مسائل اجاد فيها الرواية ومات بواسط.
أبو حنيفة:
انظر ج 1 ص 255.
حويصة صحابى:
أبو سعيد حويصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدى الأنصارى الأوسى الحارثى المدنى الصحابى شهد أجدا أو الخندق وسائر المشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أسلم على يد أخيه محيصة.
حرف الخاء:
الخرشى سنة 1101 هـ:
محمد بن عبد الله الخراشى المالكى أبو عبد الله أول من تولى مشيخة الأزهر كان فقيها فاضلا ورعا من كتبه الشرح الكبير على متن خليل والشرح الصغير على نفس المتن وهما فى مذهب المالكية وغيرهما أقام وتوفى بالقاهرة.
الخرقى:
انظر ج 1 ص 256.
الخصاف:
انظر ج 1 ص 256.
أبو الخطاب:
انظر ج 1 ص 256.
الخطيب الشربينى:
انظر ج 1 ص 256.
خليل:
انظر ج 1 ص 256.
الخير الرملى سنة 1081:
خير الدين بن احمد بن على الأيوبى العليمى فقيه باحث من أهل الرملة بفلسطين ولد ومات فيها ورحل الى مصر سنة 1007 هـ فمكث فى الأزهر ست سنين وعاد الى بلده فأفتى بها ودرس الى أن توفى .. له الفتاوى «الخيرية» ومظهر الحقائق حاشية على البحر الرائق.
حرف الدال:
الدار قطنى:
انظر ج 1 ص 257.
ابن داود القرن الثالث:
محمد بن داود بن صبيح أبو جعفر المصيصى كان من خواص الامام أحمد ورؤسائهم وله مسائل كثيرة عن الامام.
أبو داود:
انظر ج 1 ص 257.
الدباس:
محمد بن محمد بن الحسن بن سفيان أبو طاهر الدباس. كان امام أهل الرأى بالعراق وكان من أهل السنة والجماعة كان من أقران عبد الله الكرخى كان يوصف بالحفظ ومعرفة الروايات. ولى القضاء بالشام أخرج منها الى مكة فمات بها. ذكر الحموى أن الدباس نسبة الى بيع الدبس المأكول.
الدردير:
انظر ج 1 ص 257.
الدسوقى:
انظر ج 1 ص 257.
حرف الراء:
الرافعى:
انظر ج 1 ص 258.
ابن راهويه سنة 238 هـ:
اسحاق بن ابراهيم بن مخلد الحنظلى المروزى المعروف بابن راهويه أحد أعلام نيسابور نقل عنه أنه أملى أحد عشر ألف حديث من حفظه وكان فقيها ومحدثا.
ربيعة الرأى:
انظر ج 1 ص 258.
الرحمتى سنة 1205 هـ:
مصطفى بن محمد بن رحمة الله الأيوبى الأنصارى فقيه دمشقى من علماء الحنفية مات بجهة السيل أثناء الحج ودفن بمكة من كتبه حاشية على مختصر شرح التنوير للعلائى وحاشية على المنح واختصر شرح الشهاب الخفاجى على الشفا.
ابن رشد:
انظر ج 1 ص 258.
الرشيدى سنة 1096 هـ:
أحمد بن عبد الرزاق بن محمد الرشيدى مغربى الأصل مولده ووفاته برشيد بمصر وكان شيخ الشافعية فيها له كتب منها حاشية عى شرح المنهاج للرملى.
الرملى:
انظر ج 1 ص 259.
الرويانى سنة 450 هـ:
أحمد بن محمد بن أحمد الرويانى أبو العباس فقيه شافعى من أهل رويان بنواحى طبرستان له الجرجانيات.
الرويانى سنة 505 هـ:
شريح بن عبد الكريم بن أحمد الرويانى أبو نصر فقيه شافعى ولى القضاء فى آمل طبرستان ومن كتبه روضة الأحكام وزينة الحكام فى أدب القضاء.
الرويانى سنة 502 هـ:
عبد الواحد بن اسماعيل بن أحمد أبو المحاسن فخر الاسلام الرويانى فقيه شافعى بنى بآمل طبرستان مدرسة وتنقل فى البلاد ثم عاد الى آمل وقتل بها وبلغ من تمكنه فى الفقه وحفظه له أن قال: لو احترقت كتب الشافعى لأمليتها. له تصانيف منها بحر المذهب من أصول كتب الشافعية وغيره.
حرف الزاى:
الزاهدى:
انظر ج 1 ص 259.
الزركشى:
انظر ج 1 ص 259.
أبو زكريا:
يحيى بن صالح امام من أئمة الإباضية قرأ على عالم فى جربة أسمه الشيخ يوسف بن محمد وذكره صاحب النيل وأثنى عليه فى مقدمة كتابه وعرض عليه الكتاب ملقبا اياه بالاستاذ. اى المعلم الماهر.
الزهرى:
انظر ج 1 ص 259.
ابن زياد القرن الثالث:
ابراهيم بن زياد فقيه حنبلى معاصر للامام أحمد ونقل عنه بعض المسائل.
زيد بن حارثة:
هو أبو أسامة زيد بن حارثة بن شراحيل صحابى هاشمى بالولاء وهو أشهر موالى النبى صلى الله عليه وسلم. قيل أنه أول من أسلم. وقد هاجر مع النبى وشهد المشاهد المشهورة. وقد زوجه النبى مولاته أم أيمن فولدت له أسامة وتزوج زينب قبل النبى فى القصة المشهورة.
زيد بن على:
انظر ج 1 ص 260.
الزيلعى:
انظر ج 1 ص 260.
حرف السين:
سالم سنة 106، 108 هـ:
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد فقهاء المدينة من سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم روى عن أبيه وغيره وروى عنه الزهرى ونافع.
السبكى:
انظر ج 1 ص 260.
سحنون:
انظر ج 1 ص 261.
السرخسى:
انظر ج 1 ص 261.
سعد بن أبى وقاص سنة 55 هـ:
سعد بن مالك بن أهيب أحد العشرة المبشرين بالجنة روى عن النبى صلى الله عليه وسلم كثيرا وروت عنه عائشة وابن عباس وابن عمر.
أبو سعيد:
انظر ج 1 ص 261.
سعيد بن المسيب:
انظر ج 1 ص 261.
سفيان الثورى:
انظر (الثورى) ج 1 ص 252.
السكونى:
اسماعيل بن مسلم أبى زياد السكونى الشعيرى؛ قاضى الموصل روى عن الصادق، مختلف فى مذهبه فذهب جماعة الى كونه من الامامية ونقل عن الامامية الاجماع على العمل بروايته.
السكونى: عبد الله بن عجلان السكونى محدث عن أبى جعفر الصدوق وجاء فى المستدرك أن الصدوق من رواة الأحاديث المرسلة عنه لأنه لم يذكر طريقه اليه فى المشيخة.
سلمان بن عامر صحابى:
سلمان بن عامر بن أوس بن حجر بن عمرو بن الحارث صحابى نزل البصرة.
روى عنه محمد وحفصة ولدا سيرين وغيرهما، وروى له البخارى حديثا واحدا.
ابن سلمون سنة 741 هـ:
عبد الله بن على بن عبد الله بن على بن سلمون الكنانى؛ أبو محمد ولد بغرناطة وتوفى فى رقعة طريف من كتبه الشافعى فى تحرير ما وقع من الخلاف بين التبصرة والكافى فى فروع المالكية.
سهيل سنة 18 هـ:
سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشى خطيب قريش وأحد سادتها فى الجاهلية أسره المسلمون يوم بدر حتى أسلم بمكة يوم الفتح وسكنها ثم سكن المدينة وهو الذى تولى أمر الصلح بالحديبية مات بالشام.
سودة بنت زمعة سنة 54 هـ:
سودة بنت زمعة بنت قيس بن عبد شمس احدى زوجات النبى تزوجها النبى بعد وفاة زوجها السكران وبعد وفاة خديجة وتوفيت بالمدينة.
السيوطى:
انظر ج 1 ص 262.
حرف الشين:
ابن شاس سنة 616 هـ:
عبد الله بن محمد بن نجم بن شاس بن نزار الجذامى السعدى المصرى جلال الدين أبو محمد شيخ المالكية فى عصره بمصر. من أهل دمياط مات فيها مجاهدا. من كتبه: الجواهر اليمنية فى فقه المالكية.
الشافعى:
انظر ج 1 ص 262.
الشبراملسى:
انظر ج 1 ص 262.
شرف الدين ابن اسماعيل سنة 1223 هـ:
شرف الدين بن اسماعيل بن محمد الحسينى اليمنى زيدى من أهل صنعاء له رسائل واسئلة وأجوبة فى مجلد ضخم.
الشرنبلالى:
انظر ج 1 ص 263.
الشروانى سنة 1200 هـ:
على بن محمد على الزهرى الشروانى المدنى رئيس علماء الحنفية فى عصره بالمدينة له حاشية على ديباجة الدرر وهوامش على المختصر.
الشروانى سنة 1134 هـ:
يوسف بن ابراهيم بن محمد أكمل الدين الزهرى الشروانى فقيه حنفى ولد بشروان واشتهر وتوفى بالمدينة له كتب فى الفقه منها هدية الصحيح شرح مشكاة المصابيح وشرح ملتقى الأبحر.
شريح:
انظر ج 1 ص 263.
الشعبى:
انظر ج 1 ص 263.
الشلبى:
انظر ج 1 ص 263.
ابن شمر:
عمرو بن شمر بن يزيد أبو عبد الله الجعفى الكوفى، من أصحاب الباقر والصادق؛ له كتاب رواه عنه ابراهيم بن سليمان الخزاز وروى عنه النضر بن سويد وغيرهما.
الشوكانى:
انظر ج 1 ص 263.
حرف الصاد:
الصاوى:
انظر ج 1 ص 264.
ابن الصباغ سنة 477 هـ:
أبو نصر بن الصباغ الفقيه عبد السيد بن محمد البغدادى الشافعى أحد الأئمة ومؤلف الشامل كان نظيرا لأبى اسحاق وكان حجة ولى القطامية توفى ببغداد.
الصدوق سنة 381 هـ:
محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى أبو جعفر من كبار المحدثين والفقهاء عند الشيعة الامامية نشأ فى قم وتعلم بها وقد نبغ واحصى له أكثر من مائتى مؤلف ما بين مطبوع ومخطوط ومن كتبه من لا يحضره الفقيه توفى بالرى ودفن بها.
الصفار سنة 265 هـ:
يعقوب بن الليث الصفار أبو يوسف من أبطال العالم وأحد الأمراء الدهاة الكبار. تزهد وغلب على سجستان وامتلك كرمان وشيراز واستولى على فارس توفى بجنديسابور.
ابن الصلاح:
انظر ج 1 ص 264.
حرف الطاء:
أبو طالب:
انظر ج 1 ص 264.
أبو طالب سنة 244 هـ:
أحمد بن حميد أبو طالب المشكانى المتخصص بصحبة الامام احمد بن حنبل وقد روى عنه مسائل كثيرة وكان احمد يكرمه ويعظمه. وقد صحب الامام الى أن مات وكان صالحا تعلم من امامه مذهب القنوع والاحتراف.
أبو طالب سنة 440 هـ:
أحمد بن عبد الله بن سهل أبو طالب المعروف بابن البقال صاحب الفتيا والنظر سمع أبا العباس الهاشمى وأبا بكر بن شاذان ودرس الفقه على أبى عبد الله بن حامد وكانت له حلقة بجامع المنصور. توفى فى شهر ربيع الاول ودفن فى مقبرة الامام أحمد.
أبو طالب سنة 244 هـ: عصمة بن أبى عصمة أبو طالب العكبرى فقيه حنبلى روى عن الامام أحمد اشياء وصحبه الى أن مات. وكان صالحا روى عن الامام مسائل كثيرة كما ذكر ابن الخلال.
طاووس اليمانى سنة 106 هـ:
أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليمانى الحميرى مولاهم وقيل الهدمانى مولاهم. من كبار التابعين والعلماء سمع ابن عباس وابن عمر وجابرا وغيرهم وروى عنه خلائق من التابعين واتفقوا على فضيلته ووفور علمه وحفظه وتثبته توفى بمكة.
الطحاوى:
انظر ج 1 ص 265.
الطحطاوى:
انظر ج 1 ص 265.
الطوسى:
انظر ج 1 ص 265.
حرف العين:
عائشة:
انظر ج 1 ص 265.
ابن عابدين:
انظر ج 1 ص 265.
عبادة بن الصامت سنة 34 هـ:
عبادة بن الصامت بن قيس الانصارى الخزرجى أبو الوليد؛ صحابى من الموصوفين بالورع. شهد العقبة، وكان احد النقباء وشهد بدرا وسائر المواقع، وحضر فتح مصر، مات بفلسطين، وكان من سادات الصحابة.
ابن عباس:
انظر «عبد الله» ج 1 ص 267.
ابن العباس:
انظر ج 1 ص 266.
عبد الرحمن:
انظر (ابن القاسم) ج 1 ص 271.
عبد الرحمن ابن سهل صحابى:
عبد الرحمن بن سهل بن زيد الانصارى الحارثى المدنى شهد أحدا والخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استعمله عمر ابن الخطاب على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان.
عبد الرزاق سنة 211 هـ:
عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميرى بالولاء من حفاظ الحديث الثقاة من أهل صنعاء له كتاب الجامع الكبير فى الحديث وله كتاب فى تفسير القرآن روى عنه أئمة الاسلام منهم سفيان بن عينيه وكان من شيوخه - وأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم وتوفى باليمن.
عبد بن زمعة صحابى:
عبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدون وينته نسبه الى عامر بن لؤى القرشى العامرى أخو سودة أم المؤمنين ثبت خبره فى الصحيحين فى مخاصمة سعد بن أبى وقاص فى ابن وليدة زمعة أسلم يوم الفتح وكان من سادات الصحابة.
ابن عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 266.
أبو عبد الله:
انظر ج 1 ص 263.
ابو عبد الله: ابن خواز منداد البصرى أبو بكر المالكى فقيه أصولى نقل عنه ابن القيم فى كتابه اعلام الموقعين وغيره.
عبد الله بن سهل سنة 7 هـ:
عبد الله بن سهل بن زيد الأنصارى الحارثى المدنى الصحابى الذى قتله اليهود بخيبر وكان خرج الى خيبر بعد فتحها مع أصحاب له يمتارون تمرا فوجد قتيلا بها رضى الله عنه.
ابو عبيد سنة 319 هـ:
أبو عبيد بن حربويه على بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادى الشافعى وهو من أئمة أصحاب الشافعى وأصحاب الوجوه قاضى مصر وهو من تلامذة أبى ثور وداوود الظاهرى توفى ببغداد وصلى عليه أبو سعيد الاصطخرى.
أبو عبيد سنة 224 هـ:
أبو عبيد بن سلام البغدادى وهو معدود فيمن أخذ الفقه عن الشافعى وكان اماما فى علوم كثيرة منها القراءات والحديث والتفسير والفقه واللغة أقام ببغداد وولى قضاء طرسوس ثم سكن مكة حتى مات بها وقد صنف كثيرا من الكتب فى كل فن.
ابن عتبة سنة 98 هـ:
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أبو عبد الله مفتى المدينة وأحد الفقهاء السبعة فيها من أعلام التابعين. قال ابن سعد كان ثقة عالما فقيها كثير الحديث والعلم بالشعر وقد ذهب بصره ومات بالمدينة.
عتبة ابن أبى وقاص:
عتبة بن أبى وقاص بن وهب ويقال أهيب بن زهرة القرشى الزهرى أخو سعد واختلف فى أنه من الصحابة مات مقتولا بالمدينة وقيل فى غزوة أحد بعد أن كسرت رباعية الرسول.
عثمان:
انظر ج 1 ص 268.
عثمان ابن أبى العاص:
انظر ج 1 ص 268.
ابن عرفة:
انظر ج 1 ص 268.
عزمى زادة سنة 1040 هـ:
مصطفى بن محمد المعروف بعزمى زاده قاض تركى مستعرب من فقهاء الحنفية ولى قضاء الشام سنة 1011 هـ وقضاء مصر سنة 1013 هـ ثم ولى القضاء باستامبول ومن كتبه العربية نتائج الأفكار حاشية على شرح المنار فى أصول الفقه، وحاشية على درر الحكام فى الفقه.
عطاء سنة 114 هـ:
عطاء بن أبى أسلم بن صفوان تابعى من أجلاء الفقهاء ولد فى جند باليمن ونشأ بمكة وتوفى فيها وكان مفتى أهلها ومحدثهم.
عطاء سنة 115 هـ:
عطاء بن أبى رباح المكى القرشى مولى أبى خيثم وهو من كبار التابعين ولد فى خلافة عثمان ونشأ بمكة وسمع العبادلة الأربعة وغيرهم من الصحابة وروى عنه جماعات من التابعين كالزهرى وقتادة وهو من مفتى أهل مكة ومشاهيرهم وهو أحد شيوخ الشافعيين فى سلسلة الفقه.
عطاء الخراسانى سنة 135 هـ:
أبو أيوب بن أبى مسلم الخراسانى البلخى، من التابعين سكن الشام وروى عن معاذ بن جبل وكعب بن عجرة وابن عباس وسمع ابن المسيب وروى عنه عطاء بن أبى رباح توفى بأريحياء ودفن ببيت المقدس.
عطاء بن يسار سنة 94 هـ:
العطاء بن يسار الهلالى المدنى مولى ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين أخو سليمان وعبد الملك وعبد الله بن يسار وهو من كبار التابعين سمع ابن مسعود وابن أبى كعب وعبد الله بن سلام وغيرهم وروى عنه جماعة من التابعين كان ثقة كثير الحديث توفى سنة ثلاث أو أربع ومائة وقيل الأصح أنه توفى سنة 94 هـ.
ابن عقيل سنة 513 هـ:
على بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادى وكنيته أبو الوفا أصولى حنبلى واعظ متكلم سمع الحديث الكثير من علمائه وتفقه على القاضى أبى يعلى ابن الفراء مال الى مذهب المعتزلة ولكنه عدل عن هذا والتزم مذهب الحنابلة فى الفقه له كتاب الفنون وله فى الفقه كتاب الفصول وعمدة الأدلة وغيرها. دفن ببغداد قريبا من قبر الامام أحمد.
علاء الدين المرداوى سنة 885 هـ:
على بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوى الملقب بعلاء الدين المكنى بأبى الحسن. فقيه حنبلى أصولى ولد ببلدة «مردا» سنة 817. حفظ بها القرآن ثم غادرها شابا الى مدينة الخليل ورحل الى دمشق وتوفى بها.
واشتغل بالعلم وتفقه على تقى الدين بن قندس شيخ الحنابلة. انتهت اليه رياسة المذهب. ومن كتبه «الانصاف فى معرفة الراجح من الخلاف فى أربعة مجلدات، والتنقيح الشيق فى تحرير أحكام المقنع وغيرها.
على:
انظر ج 1 ص 269.
ابو على:
الحسين بن أبى العلا خالد بن طهمان الخفاف الزندجى أبو على الأعور، معدود من أصحاب الباقر والصادق، كوفى مولى بنى عامر من بنى أسد، له كتب منها ما يعد من الأصول روى عنه خلق كثير.
ابن علية سنة 193 هـ:
اسماعيل بن ابراهيم بن مقسم أبو بشر الأسدى مولاهم، ويعرف بابن علية.
وهو منسوب الى أمه. من أهل البصرة وأصله كوفى. سمع من أبى التياح الضبعى حديثا وأحدا وروى الكثير عن عبد العزيز بن صهيب وأيوب السختيانى. وقد سمع منه الامام أحمد وابن جريج وشعبة وغيرهم.
وذكره الخلال فيمن روى عن أحمد ولى المظالم ببغداد أيام هارون الرشيد كما ولى صدقات البصرة.
ابن عمر:
انظر (عبد الله) ج 1 ص 267.
عمر:
انظر ج 1 ص 269.
أبو عمر سنة 463 هـ:
ابن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد النمرى القرطبى المالكى من كبار حفاظ الحديث يقال له حافظ المغرب، صاحب الاستيعاب والدرر، وله مؤلفات كثيرة بعضها مطبوع وبعضها الآخر مخطوط منها «الانصاف فيما بين العلماء من الاختلاف» و «الكافى فى الفقه» توفى بشاطبة.
عمرو بن شمر:
انظر ابن شمر.
ابو عمرو:
انظر (ابن الحاجب) ج 1 ص 253.
ابو عمرو سنة 442 هـ:
عثمان بن أبى بكر حمود الصدفى أبو عمر المعروف بابن الضابط عالم بالحديث والأدب من أهل المغرب قرأ فى القيروان ورحل الى الشرق بالأندلس وكان المعز بن باديس ينتد به لبعض المهمات فرحل فى احداها فانقطع خبره له عوالى الحديث والاقتصاد فى القراءات السمع.
ابو عمرو سنة 444 هـ:
عثمان بن سعيد بن عثمان أبو عمرو الدانى أحد حفاظ الحديث ومن الأئمة فى علم القرآن ورواياته وتفسيره من أهل دانية بالأندلس دخل المشرق فحج وزار مصر وعاد فتوفى فى بلده له أكثر من مائة تصنيف منها التيسير فى القراءات السبع والمقنع فى رسم المصاحف ونقطها وطبقات القراء وغير ذلك
عمران بن الحصين 52 هـ:
أبو نجيم عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر سنة سبع من الهجرة وروى له 180 حديثا نزل البصرة وكان قاضيها وتوفى بها.
عميرة:
انظر ج 1 ص 270.
عيسى سنة 212 هـ:
عيسى بن دينار بن واقد الغافقى أبو عبد الله فقيه الاندلس فى عصره وأحد علمائها المشهورين. قام برحلة فى طلب الحديث وعاد فكانت الفتيا تدور عليه بالاندلس لا يتقدمه أحد.
عيسى سنة 823 هـ:
عيسى بن علال الكتانى الصمودى أبو مهدى قاض له تعليق على مختصر ابن عرفة فى فقه المالكية كان اماما لجامع القرويين بفاس وولى القضاء بها والخطابة.
عيسى سنة 1062 هـ:
عيسى بن عبد الرحمن السكتانى مفتى مراكش وقاضيها وعالمها فى عصره مولده ووفاته فيها تفوق فى فقه المالكية والتفسير وصنف كتبا منها حاشية على شرح أم البراهين للسنوسى فى التوحيد.
حرف الغين:
الغامدية:
فى اسمها خلاف، قيل أبية، وقيل: سبيعة، وفى الاصابة أنها سبيعة القرشية وروى عن عائشة حديث فحواه أنها أقرت على نفسها بالزنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمت بعد أن وضعت حملها وفطمته.
ابن الفرس سنة 894 هـ:
محمد بن محمد بن خليل البدر بن الغرس أبو اليسر من فقهاء الحنفية مولده ووفاته بالقاهرة كان غاية فى الذكاء له كتب منها الفواكه البدرية فى الأقضية الحكمية يعرف برسالة ابن الغرس فى القضاء وحاشيته على شرح التفتازانى فى العقائد النسفية.
الغزالى:
انظر ج 1 ص 270.
ابنة غزوان:
انظر بسرة.
حرف الفاء:
ابن فارس سنة 395 هـ:
احمد بن فارس بن زكريا القزوينى الرازى أبو الحسين من أئمة اللغة والأدب أصله من قزوين واقام مدة فى هزان ثم انتقل الى الرى وتوفى بها. من تصانيفه فى علم العربية. مقاييس اللغة ستة أجزاء. والمجمل. والصاحبى وله جامع التأويل فى تفسير القرآن أربع مجلدات.
فاطمة:
انظر ج 1 ص 271.
ابن فرحون:
انظر ج 1 ص 271.
الفنرى:
محمد بن حمزة بن محمد شمس الدين الفنرى الرومى عالم بالمنطق والأصول ولى القضاء.
ابن أبى الفوارس:
محمد بن أبى الفوارس توران شاه بن خشرو شاه الجيلى العلامة الفقيه، يروى مذهب الزيدية وغيره وله مؤلفات منها تعليق الشرح ومنتزع شرح التجريد وله مقالات وعناية بمذهب الزيدية.
الفورانى القرن الثالث:
انظر أبو بكر «أحمد بن محمد
…
»
حرف القاف:
القاسم:
انظر ج 1 ص 271.
أبو القاسم سنة 191 هـ:
عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقى المصرى فقيه تفقه بالامام مالك ونظرائه. جمع بين الزهد والعلم وله المدونة وهى من اجل كتب المالكية رواه عن الامام مالك. مولده ووفاته بمصر.
أبو القاسم الفورانى سنة 461 هـ:
عبد الرحمن بن محمد بن احمد بن فوران أبو القاسم فقيه من علماء الأصول والفروع ومن كتابه الابانة فى مذهب الشافعية وتتمة الابانة وكان مقدم الشافعية بمرو.
القاسانى القرن السادس:
محمد بن أحمد القاسانى نسبة الى قاسان من بلاد الترك وقيل أنها من بلاد خراسان. وقيل القاشانى. وقال صاحب كتاب طبقات الزيدية انه كان من أصحاب داوود الظاهرى الا أنه خالفه فى مسائل كثيرة فى الأصول والفروع.
القاضى سنة 306 هـ:
أحمد بن عمر بن سريح القاضى أبو العباس البغدادى فقيه شافعى كان يقال له الباز الأشهب وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعى. ولى القضاء بشيراز برع فى الفقه وعلم الكلام له مصنفات كثيرة منها الرد على ابن داود فى القياس. والرد عليه فى مسائل اعترض بها الشافعى.
القاضى سنة 462 هـ:
الحسين بن محمد بن أحمد أبو على القاضى المرورذى امام جليل من أصحاب الشافعى كان فقيها روى الحديث عن عبد الملك الاسفرايينى وروى عنه عبد الرزاق المنيعى وتلميذه محيى السنة البغوى وغيرهما وتفقه على القفال المروزى وكان يقال له حبر الأمة.
القاضى أبو محمد:
انظر عبد الوهاب.
القاضى سنة 459 هـ:
محمد بن اسماعيل بن محمد بن اسماعيل بن احمد بن عمرو القاضى أبو على العراقى الطوسى من اهلها ولى القضاء مدة بالطابران ولقب بالعراقى لطول مقامه ببغداد وكان فقيها فاضلا - تفقه ببغداد على أبى حامد الاسفرايينى
القاضى:
طاهر بن عبد الله.
القاضى سنة 449 هـ:
محمد بن على بن عثمان الكراجكى أبو الفتح باحث أمامى من كبار أصحاب الشريف المرتضى له كتب منها «كنز الفوائد» و «النوادر» و «معونة الفارض فى الفرائض وغيرها. توفى بصور.
القاضى سنة 486 هـ:
أبو على يعقوب بن ابراهيم بن سطور البرزينى فقيه حنبلى صنف كتبا فى الأصول والفروع، ولى القضاء ثم رفع يده عنه ثم عاد اليه، وكان متشددا فى السنة متعففا فى القضاء ومات وهو على القضاء.
القاضى سنة 476 هـ:
أبو الفتح عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن حلبة الحرانى فقيه حنبلى كان يلى القضاء بحران، وكان ناشرا للمذهب وتولى الافتاء والخطابة والتدريس، استشهد عند اضطراب أهل حران على ابن قريش.
قاضى خان:
انظر ج 1 ص 271.
القاضى عبد الجبار سنة 415 هـ:
عبد الجبار بن أحمد أبو الحسن الهمذانى الاسدابادى المعتزلى صاحب التصانيف.
القاضى عبد الوهاب سنة 422 هـ:
عبد الوهاب بن على بن نصر الثعلبى البغدادى أبو محمد من فقهاء المالكية ولد ببغداد، ولى القضاء ورحل الى الشام وتوجه الى مصر فعلت شهرته وتوفى فيها وله كتب منها التلقين فى فقه المالكية وعيون المسائل وشرح المدونة والنصرة لمذهب مالك وغيرها.
«القاضى» عياض سنة 544 هـ:
عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبى السبتى أبو الفضل عالم الغرب وأمام أهل الحديث فى وقته كان من أعلم الناس بأنساب العرب وكلامهم ولى قضاء سبتة ومولده فيها ثم قضاء غرناطة وتوفى بمراكش له تصانيف كثيرة منها الشفا بتعريف حقوق المصطفى وشرح صحيح مسلم.
أبو قتادة سنة 40 هـ:
هو ابن ربعى الأنصارى شهر باسم الحارث وأمه كبشة بنت مطهر بن حرام ابن سواد بن غنيم وكان يقال له فارس رسول الله شهد أحدا وما بعدها واختلفوا فى شهوده بدرا توفى بالكوفة.
ابن قدامة:
انظر ج 1 ص 271.
القدورى:
انظر ج 1 ص 272.
القرافى:
انظر ج 1 ص 272.
القرطبى:
انظر ج 1 ص 272.
القصار سنة 271 هـ:
حمدون بن أحمد بن عمارة القصار النيسابورى أبو صالح صوفى وكان عالما فقيها يذهب مذهب الثورى.
القفال:
انظر ج 1 ص 272.
القليوبى:
انظر ج 1 ص 273.
القهستانى سنة 953 هـ:
محمد القهستانى شمس الدين فقيه حنفى كان مفتيا ببخارى له كتب منها فى الفقه جامع الرموز فى شرح النقاية مختصر الوقاية.
القيروانى «عبد الرحمن» سنة 380 هـ:
عبد الرحمن بن محمد بن رشيق القيروانى مؤرخ فقيه حافظ للحديث صنف كتبا فى فقه المالكية وفى أخبار العلماء والصالحين من كتبه «المستوعب» لزيادات مسائل المبسوط مما ليس فى المدونة. حج وأخذ عن جماعة من علماء المشرق.
ابن القيم:
انظر ج 1 ص 273.
حرف الكاف:
الكرخى:
انظر ج 1 ص 273.
حرف اللام:
اللخمى:
انظر ج 1 ص 274.
الليث بن سعد:
انظر ج 1 ص 274.
أبو الليث سنة 314 هـ:
نصر بن القاسم أبو الليث البغدادى الفرائضى نسبة الى علم الفرائض الذى هو علم المواريث روى عن شريح بن يونس وأقرانه وكان ثقة من فقهاء أهل الرأى.
ابن ابى ليلى:
انظر ج 1 ص 274.
حرف الميم:
ابن الماجشون سنة 212 هـ:
عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله التيمى بالولاء أبو مروان ابن الماجشون فقيه مالكى فصيح دارت عليه الفتيا فى زمانه وعلى أبيه قبله.
ابن ماجة:
انظر ج 1 ص 274.
ماعز:
ماعز بن مالك الأسلمى الصحابى، عده ابن عبد البر فى المدنيين: له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واقعة مشهورة وهى اعترافه على نفسه بالزنا فرجم لذلك، كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلام قومه.
مالك:
انظر ج 1 ص 275.
الماوردى:
انظر ج 1 ص 275.
المؤيد بالله:
انظر ج 1 ص 275.
مجزز المدلجى صحابى:
مجزز بن الأعور بن جعدة بن معاز عتواره بن مدلج الكنانى مذكور فى الصحيحين من طريق الزهرى سمى مجززا لأنه كان اذا أسر أسيرا جز ناصيته وأطلقه شهد فتح مصر وبعض الفتوح بعد النبى صلى الله عليه وسلم، وكان معروفا بالقيافة.
محمد:
انظر (محمد بن الحسن) ج 1 ص 275.
ابو محمد:
انظر «ابن حزم» ج 1 ص 254.
محمد بن سلمة سنة 278 هـ:
أبو عبد الله محمد بن سلمة الفقيه البلخى تفقه على شداد بن حكيم ثم على أبى سليمان الجوزانى. ولد سنة 192.
محيصة صحابى:
محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدى الانصارى الأوسى الحارثى الصحابى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أهل فدك يدعوهم الى الاسلام وشهد أحدا والخندق وما بعدهما من المشاهد وكان اسلامه قبل الهجرة روى عنه ابنه سعد وحفيده مرام ومحمد بن أبى سهل وغيرهم.
المرتضى:
انظر ج 1 ص 275.
المرداوى سنة 885 هـ:
على بن سليمان بن احمد المرداوى ثم الدمشقى فقيه حنبلى ولد فى مزدى قرب نابلس انتقل الى دمشق وتوفى بها من كتبه الانصاف فى معرفة الراجح من الخلاف وغيره من كتب الفقه وله فى الأصول تحرير المنقول وشرح التحبير فى شرح التحرير.
المزنى:
انظر ج 1 ص 276.
ابن مسعود:
انظر (عبد الله) ج 1 ص 267.
مسلم:
انظر ج 1 ص 276.
المصيصى القرن الثالث:
محمد بن داوود بن صبيح أبو جعفر المصيصى. كان من خواص الامام أحمد وكان يحدثه بأشياء لا يحدث بها غيره وله روايات كثيرة عن الامام أحمد وروى عنه كثيرون.
مطرف بن مازن سنة 22 هـ:
مطرف بن مازن راوية الامام مالك مات بالمدينة.
المقداد بن الاسود سنة 33 هـ:
المقداد بن الأسود الكندى من السابقين للاسلام وهاجر الهجرتين وشهد بدرا وجميع المشاهد. روى عنه على وأنس توفى فى خلافة عثمان.
المقدسى:
انظر (ابن قدامة) ج 1 ص 271.
ابن المنذر:
انظر ج 1 ص 277.
ابن منصور سنة 265 هـ:
أحمد بن منصور بن سيار الرمادى أبو بكر فقيه حنبلى سمع من عبد الرزاق ابن همام وغيره، وروى عنه جماعة، وروى عن الامام أحمد.
ابن منصور سنة 251 هـ:
اسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب، فقيه حنبلى ولد بمرو ودخل الى العراق والحجاز والشام فسمع سفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع وغيرهم، دون عن الامام أحمد مسائل فى الفقه، وكان ثقة مأمونا.
ابن منصور سنة 254 هـ:
محمد بن منصور بن داود بن ابراهيم أبو جعفر العابد المعروف بالطوسى فقيه حنبلى تلقى عن الامام احمد ونقل عنه مسائل لم يروها غيره وكان مقربا لصلاحه وورعه.
منصور بن حازم:
أبو أيوب البجلى من جملة أصحاب الشيعة الامامية وفقهائهم، روى عن الصادق والكاظم، وله كتب منها «أصول الشرائع» و «كتاب الحج»
منصور سنة 132 هـ:
منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمى أبو عتاب من كبار تابعى التابعين ومن أعلام رجال الحديث بالكوفة ولم يكن فيها أحفظ للحديث منه سمع النخعى والشعبى والزهرى وسعيد بن جبير وروى عنه الثورى وهو أثبت الناس فيه.
المهدى سنة 1251 هـ:
عبد الله بن احمد بن المتوكل بن على من حفدة الهادى من أئمة الزيدية من أهل صنعاء مولدا ووفاة.
مهنا القرن الثالث:
مهنا بن يحيى الشامى السلمى أبو عبد الله من كبار أصحاب الامام وروى عنه مسائل كثيرة وكتب عنه عبد الله بن احمد عدة مسائل. قال مهنا لزمت أبا عبد الله ثلاثا وأربعين سنة.
ابن المواز:
انظر ج 1 ص 278.
المواق سنة 897 هـ:
محمد بن يوسف بن القاسم بن يوسف العبدلى الغرناطى أبو عبد الله فقيه مالكى كان عالم غرناطة وامامها فى وقته. له مؤلفات منها «التاج والاكليل فى شرح مختصر خليل. مطبوع مع الخطاب وله أيضا سنن المهتدين فى مقامات الدين.
أبو موسى:
انظر ج 1 ص 278.
ابن ابى موسى القرن الثالث:
محمد بن موسى النهرتيرى البغدادى أبو عبد الله فقيه حنبلى تتلمذ على أحمد ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان عنده عن أبى عبد الله جزء مسائل كبار جياد. وذكره الدار قطنى فقال شيخ لأهل بغداد جليل. وقال عنه الخطيب:
كان ثقة فاضلا جليلا وكان مقربا وصحب ابن سعدان وروى عنه جماعة منهم أبو حسين بن النادى.
الموفق:
انظر (ابن قدامة) ج 1 ص 271.
حرف النون:
الناصر:
انظر ج 1 ص 278.
الناطفى:
انظر ج 1 ص 278.
نافع:
انظر ج 1 ص 278.
ابن نجيم:
انظر ج 1 ص 279.
نصر بن يحيى سنة 268 هـ:
نصر بن يحيى البلخى أخذ الفقه عن أبى سليمان الجوزجانى عن محمد بن الحسن وكان معاصرا لمحمد بن سلمة وزامله فى الدرس على الجوزجانى.
النهروانى سنة 556 هـ:
ابراهيم بن دينار بن أحمد النهروانى الرزاز أبو حكيم. فرضى. أى من المتخصصين فى التوريث - من فقهاء الحنابلة من أهل بغداد له تصانيف فى الفقه والفرائض منها «شرح الهداية وكتب منه تسعة مجلدات ولم يكمله»
النهروانى سنة 917 هـ:
انظر المعافى النهروانى ج 1 ص 276.
النووى:
انظر ج 1 ص 279.
حرف الهاء:
الهادى:
انظر ج 1 ص 280.
أبو هريرة:
انظر ج 1 ص 280.
هشام:
هشام بن عبد الله الرازى تفقه على أبى يوسف ومحمد ومات محمد فى منزله بالرى ودفن فى مقبرته، له النوادر وصلاة الأثر؛ كان صدوقا عظيم القدر ثقة.
هشام سنة 199 هـ:
هشام بن الحكم أبو محمد مولى كندة من أكابر أصحاب الصادق وكان تقيا روى أحاديث كثيرة. ولد بالكوفة ونشأ بواسط وتحول الى بغداد ثم تحول منها الى الكوفة وبها مات.
هلال بن أمية صحابى:
هلال بن أمية بن عامر بن قيس الأنصارى الواقفى. شهد بدرا وما بعدها وهو أحد الثلاثة الذين ثاب الله عليهم بعد أن تخلفوا عن غزوة تبوك، له ذكر فى الصحيحين فى قصة اللعان مطولة عاش الى خلافه معاوية.
حرف الواو:
ابن وهب سنة 197 هـ:
عبد الله بن وهب بن مسلم الفهرى بالولاء المصرى أبو محمد فقيه من الأئمة من أصحاب مالك جمع بين الفقه والحديث والعبادة له كتب منها الجامع فى الحديث والموطأ فى الحديث وكان حافظا عرض عليه القضاء فخبأ نفسه، مولده ووفاته بمصر.
حرف الياء:
يحيى:
انظر ج 1 ص 280.
ابن يسار سنة 109، 103 هـ:
سليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم كان عالما ثقة روى عن ابن عباس وأبى هريرة وروى عنه الزهرى وجماعة، وهو من الفقهاء السبعة بالمدينة.
يعقوب بن بختان من فقهاء القرن الثالث:
يعقوب بن اسحق بن بختان أبو يوسف أحد فقهاء الحنابلة وأحد الصالحين الثقاة كان جار أبى عبد الله وصديقه وروى عنه مسائل كثيرة فى الورع والسلطان وروى عنه أبو بكر بن أبى الدينار وجعفر الصندلى وغيرهما.
ابو يوسف:
انظر ج 1 ص 281.
ابن يونس:
انظر ج 1 ص 281.