الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إفطار
التعريف بالافطار:
جاء فى المصباح المنير ومختار الصحاح
(1)
: فطرت الصائم بالتثقيل أعطيته فطورا (بفتح الفاء) أو أفسدت عليه صومه فأفطر هو، ويفطر بالاستمناء ونحوه أى يفسد صومه، والفطور وزان رسول:
ما يفطر عليه، والفطور بالضم المصدر والإسم الفطر بالكسر. ورجل فطر وقوم فطر (بكسر الفاء) لأنه مصدر فى الأصل ولهذا يذكر فيقال:
كان الفطر بموضع كذا ورجل مفطر والجمع مفاطير مثل مفلس مفاليس.
استعماله فى لسان الفقهاء:
يطلق الفقهاء إسم الافطار على فعل ما لا يتفق مع الصيام بعد الإمساك يوما كاملا بنية الصوم كما يطلقونه على فعل الصائم شيئا من ذلك قبل الغروب أو على ترك الإمساك فى يوم يطلب صومه شرعا.
وقت الإفطار شرعا بالنسبة للصائم:
يفطر الصائم عند غروب الشمس من يوم الصيام ويستمر إلى طلوع الفجر لقوله تعالى «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}
(2)
» «وقال صلى الله عليه وسلم» لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل وكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستنير المنتشر
(3)
ومن المستحب تعجيل الإفطار لقوله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من أخلاق المرسلين: تعجيل الإفطار وتأخير السحور والسواك
(4)
وعند انتهاء رمضان يكون الإفطار بالإخبار بهلال شوال (أنظر أخبار) وأن يكون على رطبات فتمرات فإن لم يجد حسا حسوات من ماء وأن يكون ذلك وترا. وندب أن يقول اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فاغفر لى ما قدمت وما أخرت. وفى حديث اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله (راجع باب الصيام فى جميع المذاهب)
أحكام الإفطار بترك الصيام:
يكون الإفطار واجبا أو محرما أو مستحبا أو مكروها تبعا لحكم الصيام فمتى كان الصيام محرما كان الإفطار واجبا ومتى كان الصيام واجبا كان الإفطار محرما ومتى كان الصيام مكروها كان الإفطار مستحبا ومتى كان الصيام مستحبا كان الإفطار مكروها (أنظر صوم أو صيام)
ما به الإفطار
مذهب الحنفية:
إذا أكل أو شرب أو جامع نهارا ناسيا لم يفطر
(5)
لقوله صلى الله عليه وسلم للذى أكل وشرب ناسيا:
أتم صومك فإنما أطعمك الله وسقاك ولا فرق بين النفل
(6)
والفرض، وإن أكل فى رمضان ناسيا وظن أن ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فسد صيامه. وإذا أفطر مخطئا أو مكرها فعليه القضاء
(7)
وأما حديث رفع الخطأ فالمراد به رفع الإثم
(8)
فإذا تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع أو أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا هى لم تغرب أمسك بقية يومه وفسد صيامه [أنظر ذلك فى مصطلح صوم].
(1)
ترتيب القاموس المحيط مادة فطر
(2)
الآية رقم 187 من سورة البقرة
(3)
الهداية شرح بداية المبتدى ج 1 ص 129 طبعة مطبعة مصطفى البابى الحلبى.
(4)
الدر المختار ط ج ص 197
(5)
الهداية ج 1 ص 122
(6)
الهداية ج 1 ص 122
(7)
شرح الدر ج 1 ص 199
(8)
الهداية ج 1 ص 129
مذهب المالكية:
من أكل أو شرب أو جامع ناسيا أفطر وكذلك إذا أكل أو شرب لضرورة أفطر وعلى كل منهما القضاء
(1)
أما من أفطر ساهيا فلا قضاء عليه ولا يفطر أن يبلع ما بين الأسنان طعاما عمدا
(2)
ويفطر إن وصل مائع إلى الحلق من الأنف أو الأذن أو العين أو الفم سواء كان المائع ماء أو غيره وصل عمدا أو سهوا أو غلبة كماء غلب من المضمضة أو السواك حتى وصل الى الحلق أو وصل خطأ كأكله نهارا معتقدا بقاء الليل أو غروب الشمس أو شاكا فى ذلك ما لم يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس [أنظر مصطلح صوم].
مذهب الشافعية:
إذا دخل فى الصوم ونوى الخروج منه بطل الصوم لأن النية شرط فى جميعه فإذا قطعها فى أثنائه بقى الباقى بلا نية فبطل
(3)
وإذا فعل ما يوجب الإفطار من أكل أو جماع أو نحوهما وكان ناسيا لم يبطل صومه لما روى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل ناسيا أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله تعالى» فنص على الاكل والشرب وقيس عليهما كل ما يبطل الصوم من الجماع وغيزه، فإن فعل ذلك وهو جاهل بتحريمه لم يبطل صومه لأنه يجهل تحريمه فهو كالناسى، وان فعل ذلك بغير اختياره بأن أوجد الطعام فى حلقه مكرها لم يبطل صومه وأن استدخلت المرأة ذكر رجل وهو نائم لم يبطل صومه، وإن أكره حتى أكل بنفسه أو أكره المرأة حتى مكنته من وطئها ففيه قولان.
أحدهما يبطل الصوم كما لو شرب لدفع عطش
(4)
.
والثانى لا يبطل لأنه وصل إلى جوفه بغير اختياره.
وما يصل الى جوفه بغير اختياره من غبار الطريق وغربلة الدقيق والذباب والبعوض. لا يبطل الصوم لأن الاحتراز عن ذلك من شأنه المشقة، وإن أكل أو جامع وهو يظن أن الفجر لم يطلع وكان قد طلع أو يظن أن الشمس قد غربت فأفطر ولم تكن غربت لزمه القضاء لما روى حنظلة قال: كنا فى المدينة فى شهر رمضان فى السماء شئ من السحاب فظننا أن الشمس قد غربت فأفطر بعض الناس فأمر عمر رضى الله عنه من كان أفطر أن يصوم يوما مكانه ولأنه مفرط لأنه كان يمكن أن يمسك إلى أن يعلم فلم يعذر
(5)
فإن طلع الفجر وفى فيه طعام فأكله أو كان مجامعا فاستدام بطل الصوم وإن أكل وهو يشك فى طلوع الفجر صح الصوم لأن الأصل بقاء الليل وإن أكل وهو يشك فى غروب الشمس لم يصح لأن الأصل بقاء النهار
(6)
وإن أكل الصائم وشرب وهو ذاكر لصومه عالم بالتحريم مختار بطل صومه لأنه فعل ما ينافى الصوم من غير عذر فبطل
(7)
(ينظر: مصطلح صوم) فإن استعط (تناول سعوطا) أو صب ماء فى أذنه فوصل إلى دماغه بطل صومه
(8)
، وان قلع ما بين أسنانه بلسانه وابتلعه بطل صومه وإن جمع فى فمه ريقا كثيرا فابتلعه ففيه وجهان.
أحدهما أنه يبطل صومه لأنه ابتلع ما يمكن الاحتراز منه مما لا حاجة إليه به فأشبه إذا قلع ما بين أسنانه وابتلعه.
والثانى لا يبطل لأنه وصل إلى جوفه من معدته فأشبه ما يبلعه من ريقه على عادته، وإن أخرج البلغم من صدره وقذفه إلى الخارج لم يبطل صومه أما لو بلعه بعد وصوله واستقراره فى فمه فإنه يفطر.
(1)
متن الرسالة لعبد الله بن أبى زيد القيروانى ص 52
(2)
الدسوقى ج 4 ص 523
(3)
المهذب ج 1 ص 181
(4)
المهذب ج 1 ص 183
(5)
المهذب ج 1 ص 83
(6)
المهذب ج 1 ص 182
(7)
المهذب ج 1 ص 182
(8)
المهذب ج 1 ص 182
مذهب الحنابلة:
يفطر الصائم بالأكل والشرب والجماع بدلالة الكتاب والسنة
(1)
قالوا يفسد الصوم الحجامة ويفطر بالحجامة الحاجم والمحجوم به لقوله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم
(2)
ويفطر الصائم بكل ما أدخله إلى جوفه إذا وصل باختياره وكان مما يمكن التحرز منه سواء وصل من الفم أو الأنف أو ما يدخل من الأذن الى الدماغ أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة فهذا كله يفطره لأنه وصل إلى جوفه باختياره سواء استقر فى جوفه أو عاد فخرج منه
(3)
(انظر فى تفصيل ذلك مصطلح صوم)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: للمرء أن يفطر فى صوم التطوع ولا يكره له ذلك إلا أن عليه أن أفطر عامدا قضاء يوم مكانه
(4)
ومن أجهده الجوع أو العطش حتى غلبه الأمر ففرض عليه أن يفطر
(5)
لقوله تعالى:
({وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ})«وقوله تعالى» ({يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)} «وقوله تعالى» {(وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)} «ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم) ولا ينقض الصوم ذباب دخل الحلق بغلبة ولا من رفع رأسه فوقع فى حلقه نقطة ماء بغير تعمد لذلك ولا من تعمد أن يصبح جنبا ما لم يترك الصلاة ولا من تسحر أو وطئ وهو يظن أنه ليل فإذا بالفجر طلع ولا من أفطر بأكل أو وطئ ويظن أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب ولا من أكل أو شرب أو وطئ ناسيا لأنه صائم
(6)
ولا من أكره على ما ينقض ويبطل الصوم تعمد المعصية أى معصية كانت إذا فعلها عامدا ذاكرا لصومه. ولا يقدر على القضاء إن كان فى رمضان أو فى نذر معين
(7)
، ومن تعمد الفطر فى يوم رمضان عاصيا الله تعالى لم يحل له أن يأكل فى باقيه ولا أن يشرب ولا أن يجامع وهو عاص بتعمد الفطر ولا صوم له
(8)
مع ذلك. واذا طهرت الحائض والنفساء قبل الفجر فأخرت الغسل عمدا إلى طلوع الفجر ثم اغتسلت وأدركت الدخول فى صلاة الصبح قبل طلوع الشمس لم يضرها شئ وصومها تام فان فاتتها الصلاة بطل صيامها لأنها عاصية بترك الصلاة عمدا.
(9)
(انظر مصطلح صوم).
مذهب الزيدية
يفسد الصوم بثلاثة أمور:
أولها الوط ء وهو التقاء الختانين مع توارى الحشفة فما أوجب الغسل أفسد الصوم، وهكذا يعتبر فى الخنثى
ثانيها: الإمناء وهو إنزال المنى لشهوة ولو لم يكن بجماع إذا وقع ذلك فى يقظة، وإلا فلا كما لو أمنى من غير شهوة أو لأجل احتلام أو جومعت وهى نائمة. ولا خلاف فى أن الامناء يفسد اذا كان بسبب مباشرة أو مماسة كتقبيل أو لمس. أما إذا وقع لأجل النظر لشهوة أو لأجل فكر فاختلف فيه، فأما النظر فالمذهب أنه يفسد أيضا، وأما الأفكار فقيل لا يفسد. ولا يفسد صيامها اذا جومعت مكرهة دون أن يكون منها تمكين ولا استطاعة مدافعة.
وثالثها: هو ما يصل الجوف سواء أكان مما يؤكل أم لا كالحصاة والدرهم ونحوهما وقالوا:
إنما يفسد الصيام بشروط.
الأول: أن يكون مما يمكن الاحتراز منه، فان
(1)
المغنى ج 1 ص 103
(2)
المغنى ج 1 ص 105
(3)
المحلى ج 6 ص 268 المسألة رقم 773
(4)
المحلى ج 6 ص 229 المسألة رقم 775
(5)
المحلى ج 6 ص 203 المسألة رقم 752
(6)
الآية رقم 29 من سورة النساء
(7)
الآية رقم 185 من سورة البقرة
(8)
الآية رقم 78 من سورة الحج
(9)
المحلى ج 6 ص 117 المسألة رقم 734 وصفحة 180 المسألة رقم 735 وص 204 المسألة رقم 753
كان مما لا يمكن الاحتراز منه كالدخان والغبار لم يفسد اذا كان يسيرا بحيث لا يمكن الاحتراز منه.
والثانى: أن يكون جاريا فى الحلق فلو وصل إلى جوف دون أن يجرى فى الحلق لم يفسد وذلك كالحقنة والطعنة والرمية ودواء الجائفة مما يصل إلى الجوف واستثنى مما يصل جاريا فى الحلق الريق ويسير الخلالة بغير فعله وسعوط الليل.
والثالث: أن يدخل فى الحلق من خارجه فلو لم يجر فيه من خارجه بل نزل من الدماغ أو العين أو الخيشوم كالنخامة نزلت من مخرج الخاء فإنه لا يفسد.
والرابع: أن يكون جريه فى حلق الصائم يفعله وبسببه. وأما لو كان بغير ذلك لم يفسد صومه كمن أوجر ماء فدخل بغير اختياره وكمن جومعت مكرهة لا فعل لها أو نائمة، ولو أفطر بأى سبب وكان فى تلك الحال ناسيا لصومه فإن الناسى لاقضاء عليه ولا يفسد صومه وقال البعض الناسى كالعامد.
وإن أفطر مكرها فان صومه يفسد إذا وقع الإفطار بفعله أو بسببه ولو كان مكرها. وأما إن أكره على وجه لم يبق له فعل لم يفسد صومه كما تقدم وقيل غير ذلك
(1)
(ينظر مصطلح صوم).
مذهب الإمامية:
يجب الإمساك عن كل مأكول معتادا كان كالخبز والفواكه أو غير معتاد كالحصى والبرد، وعن كل مشروب ولو لم يكن معتادا كمياه الأنهار وعصارة الاشجار وعن الجماع فى القبل إجماعا وفى غير المرأة على الأظهر ويفسد صوم المرأة.
(2)
وقيل أن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام يفسد الصوم وقيل لا وهو الأشبه.
وفى إيصال الغبار إلى الحلق خلاف وفى الأظهر التحريم وفساد الصوم.
ولو استمنى أو لمس امرأة فسد صومه.
ولو احتلم بعد نية الصوم نهارا لم يفسد صومه، وكذا لو نظر إلى إمرأة فأمنى على الأظهر أو استمع فأمنى
(3)
.
والحقنة بالجامد جائزة، وبالمائع محرمة. ويفسد بها الصوم على تردد.
(4)
ولا يفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق عدا الحقنة بالمائع وقيل صب الدواء فى الإحليل إلى الجوف يفسده وفيه تردد.
ولا يفسد الصوم بابتلاع النخامة والبصاق ولو كان عمدا ما لم ينفصل عن الفم وما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل فتعدى الحلق من غير قصد لم يفسد الصوم، ولو تعمد ابتلاعه أفسد.
(5)
(ينظر مصطلح صوم)
مذهب الإباضية:
يجب على الصائم الإمساك عن كل مفطر يصل إلى الجوف ولو رجع من حينه من أى منفذ كان الى مطلق البطن لا بخصوص دخول المعدة والمصارين وإن كان غير مغذ كذهب وتراب وصوف وغير ذلك. فمن جعل ماء ونحوه لحاجة فى المجارى التى تؤدى إلى الحلق أو البطن انتقض صومه كله، وقيل: يومه ولزمته المغلظة. والصحيح أنه لا شئ عليه إلا إذا تبين أنه وصل الحلق أو الجوف. ومن أمسك فى فيه حديدا أو نحاسا أو فضة غير متعمد أو متعمدا انتقض صومه كله إذا كان متعمدا أما إذا كان غير متعمد انتقض صوم يومه فقط ومن جعل فى فيه نحو حصاة فسبقت الى حلقه أعاد صوم يومه
(6)
وقيل لا. وإذا نظر الزوج أو السيد أو مس متعمدا وأنزل انتقض صومه وقالوا إذا كان الإفطار بالحرام من مال مغصوب أو مسروق عمدا وميتة ونحو ذلك يفسد الصوم وقيل لا يفسد بالإفطار
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 16 وما بعدها
(2)
شرائع الاسلام ص 99
(3)
شرائع الاسلام ص 101
(4)
و 6 شرائع الاسلام ص 100
(5)
و 2 و 3 شرائع الاسلام ص 100
(6)
شرح النيل ج 2 ص 189
الحرام لكن يلزمه رد مثله لمولاه أو قيمته.
وفى الديوان: إن أفطر بالحرام أو بدأ بالفاحشة فى وقت الإفطار كفر وصح صومه، وقيل يبدل يومه. وقيل انهدم ما صام كله ومن ظن ان الشمس قد غابت فأكل فإذا هى لم تغب فسد صومه وعليه القضاء لما مضى أو يومه فقط قولان: الأصح اعادة يومه فقط ولو أكل متنبه من نوم ليلة غيم قبل السؤال عمدا ثم بان أن الأكل بعد الإصباح فسد صوم ما مضى ويومه لأن أكله قبل السؤال مساهلة فى أمر الدين
(1)
ويفسد الصوم كله او اليوم بالوارد جوفا عمدا ولو دمعا أو مخاطا أو ريقا بأن عن فم منقطعا وفى الإفطار يطالع من صدر أو نازل من رأس أقوال ثالثها الإفطار بالطالع لا النازل ومن لم يتعمد شيئا فعليه بدل يومه.
(2)
ومن أصبح جنبا فسد صومه لقوله صلى الله عليه وسلم «من أصبح جنبا أصبح مفطرا»
(3)
ومن لم يغتسل حتى أصبح أو لزمه غسل نهارا أو التيمم اللازم لفقد ماء أو صحة وضاع وقت الغسل أو التيمم أفطر وأعاد ما مضى. وقيل يومه، وقيل تلزمه المغلظة، من كذب عمدا أو ارتكب كبيرة أو قاء فسد صوم يومه وقيل للماضى كله ومن تقيأ بشبع أعاد يومه، وينتقض الصوم بالغيبة والنميمة واليمين الكاذبة ونظر الشهوة لحديث «إنهن ينقضن الوضوء ويبطلن الأعمال» ومن أكل أو شرب ناسيا فسد صومه وعليه بدل يومه وكذا من جامع ناسيا وقيل تلزمه المغلظة والانهدام ويفسد صوم الناسى لغسل من جنابة أو حيض أو نفاس وكذا من وطئ بنسيان ومن جعل بفيه ماء لحاجة أو ذاق طعم خل أو مضغ لصبى أو مريض فسبق لحلقه وكذا ما أكره على أكل أو جماع والمكرهة على الوط ء ولو زنى وعلى مكره المرأة على الوط ء ما على مفسد رمضان عمدا من وزر وكفارات وقضاء.
(4)
. (ينظر مصطلح صوم)
الاعذار المبيحة للافطار
مذهب الحنفية:
من كان مريضا فى رمضان فخاف إن صام زاد مرضه أفطر
(5)
وقضى وكذلك الصحيح إذا خاف على نفسه المرض، وخادمة خافت الضعف بغلبة الظن أو بتجربة باخبار طبيب مسلم صادق مستور.
ومن أغمى عليه فى رمضان لم يقض اليوم الذى حدث فيه الإغماء لوجود الصيام فيه وقضى ما بعده لانعدام النية
(6)
.
وإن كان مسافرا لا يستضر بالصوم فصومه أفضل وإن أفطر جاز لأن السفر لا يخلو من المشقة فجعل لنفسه عذرا بخلاف المرض فإنه قد يخف بالصوم فشرط كونه مقضيا إلى
(7)
. الحرج، وإذا قدم المسافر فى بعض النهار أمسك بقية يومه.
وإذا نوى المسافر الإفطار ثم قدم المصر قبل الصيام فنوى الصيام أجزاه وإن كان فى رمضان فعليه أن يصوم
(8)
وإذا حاضت المرأة أو نفست وأفطرت قضت فإذا طهرت فى بعض النهار أمسكت بقية يومها
(9)
.
والحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما أفطرتا وقضتا دفعا للحرج ولا كفارة عليهما لأنه إفطار بعذر، ولا فدية عليهما
والشيخ الفانى الذى لا يقدر على الصيام يفطر ويطعم كل يوم مسكينا كما يطعم فى الكفارات
(1)
شرح النيل ج 2 ص 191
(2)
شرح النيل ج 2 ص 195
(3)
شرح النيل ج 2 ص 296
(4)
شرح النيل ج 2 ص 245
(5)
الهداية ج 1 ص 126
(6)
الهداية ج 1 ص 129
(7)
الهداية ج 1 ص 128
(8)
الهداية ج 1 ص 129
(9)
الهداية ج 1 ص 127
لقوله تعالى «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ»
ويباح الإفطار فى صوم التطوع بغير عذر على قول. وقيل لا يباح إلا بعذر وعليه القضاء. وهل تعد الضيافة عذرا؟ فقيل نعم، وقيل: لا، وقيل: هى عذر قبل الزوال لا بعده، إلا اذا كان فى عدم الفطر بعده عقوق لأحد الوالدين لا غيرهما وقيل: إن كان صاحب الطعام يرضى بمجرد حضوره وإن لم يأكل، لا يباح الفطر. وإن كان يتأذى بذلك يباح له.
والمخطئ والمكره يفطران وعليهما القضاء.
مذهب المالكية:
المريض
(1)
الذى يخاف بالصوم زيادة المرض أو تأخر البرء أو حصول مشقة شديدة أو غلب على ظنه الهلاك بسبب الصوم أو الضرر الشديد وجب عليه الفطر. والصحيح إذا ظن بالصوم هلاكا أو أذى شديدا وجب عليه الفطر كالمريض. والحامل والمرضع سواء كانت المرضع اما للولد من النسب أم غيرها إذا خافتا بالصوم مرضا أو زيادة على أنفسهما أو ولدهما يجوز لهما الإفطار وعليهما القضاء ولا فدية على الحامل بخلاف المرضع فعليها الفدية أما إذا خافتا بالصوم هلاكا أو ضررا شديدا فيجب عليهما الفطر وإنما يباح للمرضع الفطر إذا تعين الرضاع عليها والمسافر سفرا يبيح له قصر الصلاة ويجوز له الفطر وإذا بيت المسافر نية الصوم وأصبح صائما ثم أفطر لزمه القضاء والكفارة سواء أفطر متأولا أو لا.
ويجب على من حاضت أو نفست الفطر وعليها القضاء، ومن الأعذار المبيحة للفطر الجوع والعطش الشديدان اللذان لا يقدر معهما على الصوم فله الفطر وعليه القضاء ومنها كبر السن فالشيخ الهرم الفانى يفطر ويستحب له الفدية على المشهور وقيل: لا فدية عليه ومثله المريض الذى لا يرجى برؤه.
ومنها الجنون: فإذا طرأ على الصائم ولو لحظة لم يجب عليه الصوم فإذا جن يوما كاملا أو جله سلم فى أوله أو لا فعليه القضاء وإن جن نصف اليوم أو أقله ولم يسلم أوله فيهما فعليه القضاء أيضا، وإلا فلا
مذهب الشافعية:
قال الشافعى لا يجب الصيام على المجنون حتى يفيق فإن أفاق لا يجب عليه قضاء ما فاته فى حال الجنون لأنه صوم فات فى حال يسقط فيه التكليف فإن أفاق فى أثناء اليوم من رمضان استحب له الامساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يلزمه ذلك، فإن زال عقله بإغماء لم يجب عليه الصيام فى الحال لأنه لا يصح منه فإن أفاق وجب عليه القضاء لقوله تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ}
(2)
وإذا نوى الصوم من الليل ثم أغمى عليه جميع النهار لم يصح صومه وعليه القضاء وقبل: يصح صومه وإذا نام جميع النهار فقيل لم يصح صومه والمذهب أنه يصح صومه لأن النائم ثابت العقل إذ أنه انتبه وإن نوى الصوم ثم جن فقد قال فى الجديد يبطل الصوم وقال فى القديم هو كالاغماء
(3)
. وإذا أسلم الكافر فى نهار رمضان وبلغ الصبى المفطر استحب لهما الإمساك بقية اليوم ولا يلزمهما ويجب على الكافر قضاؤه لأنه أدرك جزءا من وقت الفرض وقيل لا يجب عليه لأنه لم يدرك ما يمكن الصوم
(4)
فيه.
والحائض والنفساء لا يجب عليهما الصوم لأنه لا يصح منهما فاذا طهرتا وجب عليهما القضا.
ومن لا يقدر على الصوم بحال وهو الشيخ الذى يجهده الصوم والمريض الذى لا يرجى برؤه فإنه لا
(1)
حاشية الدسوقى ج 1 ص 514، 516
(2)
المهذب ج 1 ص 177
(3)
المهذب ج 1 ص 115
(4)
المهذب ج 1 ص 177
يجب عليهما الصوم لقوله عز وجل: «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
(1)
«أما قوله {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» فقد قال ابن عباس: إنه قد نسخ. وإن لم يقدر على الصوم لمرض يخاف زيادته ويرجو البرء منه لم يجب عليه الصوم للآية، فإذا برئ وجب عليه القضاء لقوله تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ» فإن أصبح صائما وهو صحيح ثم مرض أفطر لأنه أبيح له الفطر للضرورة
(2)
. واذا برئ المريض وهو صائم ففى إفطاره وجهان
(3)
. أما المسافر فإن كان سفره دون مسافة القصر لم يجز له أن يفطر لأنه اسقاط لغرض. وإن كان سفره فى معصية لم يجز له أن يفطر لأن ذلك إعانة على المعصية وإن كان سفره فى غير معصية فله أن يصوم وله أن يفطر. وإن كان ممن لا يجهده السفر فالأفضل أن يصوم. فإن صام المسافر وأراد أن يفطر فله ذلك لأن العذر قائم ومن أصبح فى الحضر قائما ثم سافر لم يجز له أن يفطر فى ذلك اليوم وقيل له أن يفطر والمذهب على الأول وإذا قدم المسافر ففى جواز افطاره وجهان
(4)
. وان خافت المرضع أو الحامل على نفسها من الصوم أفطرت
(5)
مذهب الحنابلة:
الكبير أو المريض
(6)
مرضا لا يرجى برؤه يفطر ويطعم لكل يوم فقيرا. وإن خافت المرضع أو الحامل على ولديهما أفطرتا وأطعمتا فقيرا لكل يوم، والسنة لمن سافر قصر ولمن مرض فخاف ضررا بالصوم أن يفطر فان صاما أجزأهما، ولا يجوز أن يصوما فى رمضان عن غيره. وللمسافر أن يفطر رمضان أو غيره بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، وانما يباح الفطر فى السفر الطويل الذى يبيح القصر. فإذا دخل عليه شهر رمضان وهو فى السفر فلا خلاف فى أباحة الفطر وإذا سافر فى أثناء الشهر ليلا فله الفطر فى صبيحة الليلة التى يخرج منها وما بعدها وقيل لا يفطر لقوله تعالى «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» وهذا قد شهده. والأول أظهر واذا سافر فى أثناء يوم رمضان فحكمه كمن سافر فى ليله ولا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره يعنى أن يجاوزها ويخرج من بين بنيانها وقيل يفطر فى بيته ان شاء يوم يريد أن يخرج، والأول أرجح لأنه شاهد للشهر ولا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد
(7)
وليس للمسافر أن يصوم فى رمضان عن غيره كالنذر والقضاء لأن الفطر يباح رخصة وتخفيفا فاذا لم يرد التخفيف عن نفسه لزمه أن يأتى بالأصل.
(8)
وإذا نوى المسافر الصوم فى سفره ثم بداله أن يفطر فله ذلك
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم من أجهده الجوع أو العطش حتى غلبه الأمر ففرض عليه أن يفطر لقوله تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» ومن سافر فى رمضان سفر طاعة أو سفر معصية أو لا طاعة ولا معصية ففرض عليه الفطر إذا جاوز ميلا أو بلغه أو إزاءه وقد بطل صومه حينئذ ويقضى بعد ذلك فى أيام أخر. فإن نوى من الليل وهو فى سفر أن يرحل غدا فلم ينو الصوم فلما كان من الغد حدثت له إقامة فهو مفطر لأنه مأمور بما فعل، وقالوا الحامل والمرضع والشيخ الكبير كلهم مخاطبون بالصوم فلو خافت الحامل على جنينها أو المرضع من قلة اللبن أو عجز الشيخ عنه لكبره أفطروا ولا قضاء عليهم ولا إطعام
(1)
المهذب ج 1 ص 177
(2)
المهذب ج 1 ص 177
(3)
المهذب ج 1 ص 178
(4)
المهذب ج 1 ص 178
(5)
المهذب ج 1 ص 178
(6)
المحرر ج 1 ص 228
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 129
(8)
المرجع السابق ج 2 ص 123
فإن أفطروا لمرض بهم عارض فعليهم القضاء
(1)
.
ومن أسلم بعد ما تبين الفجر له أو بلغ كذلك أو رأت الطهر من الحيض أو من النفاس أو أفاق من مرضه أو قدم من سفره فإنهم يأكلون باقى نهارهم ويستأنفون الصوم من غد ولا قضاء على من أسلم أو بلغ وتقضى الحائض والنفساء والمفيق والقادم.
مذهب الزيدية:
يرخص فى الإفطار لثلاثة أمور:
أولها
(2)
. السفر إذا كانت مسافته توجب القصر، ولا يجوز الإفطار الا إذا خرج من الميل كالقصر وقيل إذا خرج من العمران، فلو خرج من الميل ثم أضرب عن السفر لم يلزمه الإمساك بقية اليوم.
ثانيها: الإكراه على الفطر بأن يتوعده وهو قادر على إنفاذ ما توعده بأن يحبسه أو يضربه أو يضره ضررا مجحفا إن لم يفطر فانه حينئذ يجوز له الإفطار، واختلف فى حد الإحجاف، فقيل أن يخشى التلف فقط لأن هذا إكراه على فعل محظور وقيل خشية الضرر وهو القوى عندهم.
ثالثها: خشية الضرر من الصوم وذلك كالمريض يخشى إن صام حدوث علة أو زيادة فيها، وكذلك الشيخ الكبير يخشى ذلك ونحوهما كالمستعطش فإنه رخص لهؤلاء فى الافطار لخشية الضرر مطلقا.
ويجب الإفطار لخشية التلف فإن خشى التلف جوعا أو عطشا أو علة تحدث بسبب الصيام أو تقوى لزمه الإفطار.
ولخشية ضرر الغير كرضيع أو جنين خافت أمهما عليهما أنها إذا صامت لحقهما ضرر.
ولا يجزئ صوم الحائض والنفساء وعليهما القضاء، ويجب على من ترك الصوم بعد تكليفه ولو لعذر أن يقضى بنفسه بشرط أن لا يكون فى زمن يجب فيه صوم آخر. وإن لا يكون فى زمن يجب فيه الافطار كالعيدين، ويثبت لمن زال عذره أن يمسك فإن قدم المسافر أو طهرت الحائض وكل من جاز له الإفطار لعذر فزال ذلك العذر وفى اليوم بقية فإنه يستحب له أن يمسك بقية اليوم لحرمة الشهر ولئلا تلحقه تهمة.
مذهب الإمامية:
من الأعذار المبيحة للفطر المرض إذا كان يخاف، الزيادة بالصوم ويبنى فى ذلك على ما يعلمه من نفسه أو بظنه لأمارة كقول الطبيب العارف، ولو صام مع تحقق الضرر متكلفا قضاه. والمسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب الإفطار ولو صام عالما بوجوبه قضاه، وان كان جاهلا لم يقض.
والشرائط المعتبرة فى قصر الصلاة معتبرة فى قصر الصوم ويزيد على ذلك تبييت النية، وقيل لا يعتبر بل يكفى خروجه قبل الزوال، وقيل لا يعتبر أيضا بل يجب التقصير ولو خرج قبل الغروب والأول أشبه، وكل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم. ولا يفطر الصائم حتى يتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه أذان مصره فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء الكفارة.
الهرم والمرأة الكبيرة وذو العطاش يفطرون فى رمضان ويتصدقون عن كل يوم بمد من الطعام. ثم إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط، وقيل إن عجز الشيخ أو الشيخة سقط التكفير كما يسقط الصوم، وإن أطاقا بمشقة كفرا والأول أظهر والحامل الى قاربت الوضع والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار فى رمضان وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من الطعام والحائض والنفساء يجب عليهما الإفطار ولا يصح صومهما وعليهما القضاء.
ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلى المغرب إلا أن تنازعه نفسه
(3)
مذهب الإباضية:
يباح الإفطار لمريض عجز عن أكل مبلع ليلا غير
(1)
المحلى ج 2 م 762، 770، 760
(2)
شرح الازهار ج 2 ص 16 وما بعدها باب الافطار.
(3)
شرائع الاسلام ج 1 ص 107.
مطيق بذلك العجز صوما، وقيل إن كان لا يشته طعاما وعجز عن الصوم.
والمسافر فى مباح جاوز فرسخين من بيته أو بلده عمران بلده، وقيل من سافر ناويا وهل هو الخروج من الحوزة أو مجاوزة ثلاثة أيام فأكثر قولان، والصحيح الأول لأنه صلى الله عليه وسلم قصر لما جاوز الفرسخين من المدينة والإفطار والقصر أخوان.
والإفطار رخصة والصوم فيه أفضل وعليه أن يبيت نية الافطار من الليل إذا صار فى حد السفر كالمريض
ولا يفطر المسافر ناويا حتى يجاوز الفرسخين مع انتهاء إلى حد أبيح فيه وقيل يباح له إذا برز من منزله للنائى وجاوزهما وقد أكل وقصر قبل أن يجاوزهما وإن رئى من أكل نهارا سئل فإن أقر بنسيان أو اضطرارا بجوع أو مرض ترك، ونكل إن أقر بعمد.
ويباح الإفطار لكبير لا يطيق صوما أن يفطر ولا يقضى كمريض لا يرجى برؤة ولزمهما الإطعام عن كل يوم وقيل بسقوط الإطعام عنهما كالصوم لأنهما لم يكلفا بالصوم فكيف يلزمهما الاطعام عنه.
ويجوز الإفطار لحامل ومرضع إن خافتا ضياع ولدهما اتفاقا والمجنون إن جن فى بعضه صام ما أدرك فقط وقيل يقضى ما مضى لأن من شهد بعضه فقد شهد كله ويلزم الإفطار للحائض والنفساء.
ويندب الفطر من فرض قبل صلاة المغرب ومن نفل بعدها، ومن دخل صوم تطوع ثم قطعه قضاه إن تعمده لا لعذر وقيل مطلقا وقيل لا مطلقا ولا يصام فى سنة من السنة يومى الفطر والأضحى وثلاثة أيام بعده ويوم الشك
(1)
.
آثار الإفطار
مذهب الحنفية:
قد يترتب على الإفطار القضاء فقط أو الفدية دون القضاء أو القضاء والكفارة.
فأما القضاء فقط دون الكفارة فيكون إذا أكل خطأ أو ظن أن الفجر لم يطلع أو أن الشمس قد غربت. وكذا إذا أكل ما بين أسنانه فى مقدار الحمصة عند أبى يوسف. وعند زفر عليه القضاء والكفارة ولو قل عن ذلك لأنه طعام متغير.
واختلف فيمن رأى الهلال ورد قوله وأفطر قبل الرد يقضى فقط أم عليه الكفارة أيضا والراجح عدم وجوبها. أو بعده فتجب الكفارة. ومن ابتلع حصاة او حديدا قضى بلا كفارة، ومن استقاء عامدا يقضى بلا كفارة ولو جامع فيما دون الفرج ولم ينزل يقضى بلا كفارة أو جامع ميتة أو بهيمة أو صغيرة لا تشته أنزل أم لم ينزل فلا كفارة.
وكذا المجنونة والنائمة إذا جومعت وهى صائمة تقضى بلا كفارة
(2)
والمسافر والمريض والحائض والنفساء وذوو الأعذار يقضون بلا كفارة.
واما الفدية فهى تجب على الشيخ الفانى إن أفطر.
ولو مات المريض أو المسافر وهما على حالهما لم تلزم الوصية بالإطعام لأنه لم يلزمهما القضاء ولو صح المريض أو أقام المسافر ثم مات لزمهما.
وأما الكفارة والقضاء فلا يكونان إلا على من أفطر فى رمضان، أما فى غير رمضان فلا كفارة ويكون القضاء فقط.
(1)
شرح النيل ج 2 ص 206
(2)
الهداية ج 1 ص 130
فإذا أكل أو شرب ما يتغذى به أو ما يداوى به فعليه القضاء والكفارة، ومن أصبح غير ناو الصيام فأكل قبل الزوال فعليه الكفارة عند زفر ومحمد ولا تجب عليه عند أبى يوسف. ومن أكل من بين أسنانه قدر حمصه عليه الكفارة عند زفر وليس عليه كفارة عند أبى يوسف.
وإذا احتجم وظن أن ذلك يفطر فأكل فعليه كفارة لانه لا يستند إلى دليل شرعى إلا إذا أفتى بالفساد. وكذا إذا جامع فى أحد السبيلين فعليه القضاء والكفارة لتكامل الجنابة وقال أبو حنيفة لا تجب الكفارة فى الموضع المكروه. (الدبر) وتجب الكفارة على المرأة والرجل بالوقاع، والكفارة فى الصيام ككفارة الظهار (انظر كفارة).
مذهب المالكية:
يجب القضاء فقط على من أفطر لعذر أو ضرورة فى رمضان دون كفارة ومن أفطر لعذر أو ضرورة فى غير رمضان فلا قضاء عليه وليس على من أفطر فى غير رمضان كفارة.
ومن أفطر لمرض أو ضرورة فعليه القضاء ومن سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فله أن يفطر ولو لم ينله ضرر وعليه القضاء والصوم أحب.
ومن سافر أقل من مسافة القصر فظن أن الفطر مباح له فأفطر فلا كفارة عليه وعليه القضاء. وكل من أفطر متأولا فلا كفارة عليه.
ومن أمذى فى نهار رمضان بمباشرة أو قبلة فعليه القضاء. ولا كفارة فيما يصل الى الجوف من أنف وأذن وعين ونحوها.
(1)
لأن الكفارة معللة بالانتهاك الذى هو أخص من العمد. وتكون الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أو جماع مع القضاء.
ومن تعمد المباشرة أو القبلة فى نهار رمضان حتى أمنى فعليه الكفارة. والكفارة اطعام ستين مسكينا وهو على المكلفين المعتادين وله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين. (انظر:
مصطلح كفارة).
والحامل التى تخاف على ما فى بطنها تطعم فى قول ولا تطعم فى قول آخر. والمرضع التى تخاف على ولدها ولم تجد من تستأجره له تفطر وتطعم.
ويستحب للشيخ الكبير أن يطعم والإطعام فى هذا كله عن كل يوم تقضيه.
مذهب الشافعية:
من أفطر فى رمضان بغير جماع من غير عذر وجب عليه القضاء لأن الله تعالى أوجب القضاء على المريض والمسافر مع وجود العذر فلأن يجب مع عدم العذر أولى ويجب عليه الإمساك بقية النهار لأنه افطر بغير عذر فلزمه الإمساك
(2)
وكذلك من أفطر بعذر يجب عليه الامساك بقية النهار حتى لا يتعرض للتهمة وعقوبة السلطان
(3)
. ولا يجب عليه الكفارة لأن الأصل عدم الكفارة إلا فيما ورد به الشرع وإن بلغ ذلك السلطان عزره لأنه محرم ليس فيه حد ولا كفارة فثبت فيه التعزير كالمباشرة فيما دون الفرج
(4)
.
(1)
الدسوقى ج 1 ص 528
(2)
المهذب ج 1 ص 183، 184، 185
(3)
المهذب ج 1 ص 184
(4)
المهذب ج 1 ص 185
والحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما وأفطرتا فعليهما القضاء دون الكفارة كالمريض فإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء
(1)
.
ومن أفطر بالجماع بغير عذر وجب عليه القضاء والكفارة ويجب عليه إمساك بقية النهار لانه أفطر بغير عذر، ووط ء المرأة فى الدبر واللواط كالوط ء من إفساد الصوم ووجوب الكفارة والقضاء.
وأما إتيان البهيمة ففيه وجهان: فإن قلنا يجب فيه الحد أفسد الصوم وأوجب الكفارة كالجماع فى الفرج (القبل والدبر) وإن قلنا يجب فيه التعزير لم يفسد ولم تجب به الكفارة لأنه كالوط ء فيما دون الفرج. ومن أصحابنا من قال يفسد الصوم ويوجب الكفارة قولا واحدا لأنه يوجب الغسل فجاز أن يتعلق به فساد الصوم وايجاب الكفارة كوط ء
(2)
المرأة وفى وجوب الكفارة على الرجل والمرأة ثلاثة أقوال.
أحدها تجب على الرجل دون المرأة لأنه حق مالى يختص بالجماع فاختص به الرجل دون المرأة كالمهر.
والثانى تجب على كل واحد منهما كفارة لأنها عقوبة تتعلق بالجماع فاستوى فيها الرجل والمرأة كحد الزنا.
والثالث: تجب عليه عنه وعنها كفارة لان الاعرابى سأل النبى عليه الصلاة والسلام عن فعل مشترك بينهما فأوجب عتق رقبة فدل على ان ذلك عنه وعنها
(3)
(أنظر مصطلح كفارة) فمن كان من أهل الإعتاق أعتق ومن كان من أهل الإطعام أطعم ومن كان من أهل الصوم صام.
وإن قدم الرجل من السفر وهو مفطر وهى صائمة فقالت: أنا مفطرة، فوطئها - فإن قلنا إن الكفارة عليه لم يلزمه ولم يلزمها وإن قلنا: إن الكفارة عنه وعنها، وجب عليها الكفارة فى مالها لأنها غرته بقولها: إنى مفطرة. وإن أخبرته بصومها فوطئها وهى مطاوعة - فإن قلنا: إن الكفارة عنه دونها لم يجب عليه شئ وإن قلنا: إن الكفارة عنه وعنها، لزمه أن يكفر عنها إن كانت من أهل العتق أو الإطعام وأن كانت من أهل الصيام لزمها أن تصوم. وإن زنى بها فى رمضان فلا يتحمل الرجل كفارتها لأن الكفارة تتحمل بالملك ولا تملك هنا.
وإن جامع فى يومين وجب عليه لكل يوم كفارة، وإن جامع مرتين فى يوم لم يلزم كفارة للثانى.
وكفارة الصوم تجب عند المأثم ولا تجب مع اعتقاد الإباحة كالحد، وإن أكل ناسيا فظن أنه مفطر فجامع لم تجب عليه الكفارة (6).
وإن أفطر بجماع وهو مريض أو مسافر لم تجب الكفارة، وإن جامع ثم سافر لم تسقط عنه الكفارة، وإن جامع ثم مرض أو حبس ففيه قولان:
أحدهما لا تسقط عنه الكفارة.
والثانى تسقط ومن وطئ وطأ يوجب الكفارة ولم يقدر على الكفارة ففيه قولان:
أحدهما يجب عليه، لما رواه أبو هريرة: «أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر الذى وقع على امرأته فى يوم من شهر رمضان أن يعتق رقبة قال: لا أجد، قال: صم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال: أطعم ستين مسكينا قال: لا أجد، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم بعرق من تمر فيه خمسة عشر صاعا قال: خذه وتصدق به قال: على أفقر من أهلى والله ما بين لابتى المدينة أحوج من أهلى - فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه قال: خذه واستغفر الله تعالى واطعم أهلك «ولأنه حق مالى يجب لله تعالى لا على وجه البدل بل يجب مع العجز.
(1)
المهذب ج 1 ص 185
(2)
المهذب ج 1 ص 185
(3)
المغنى ج 3 ص 102
والثانى: أنها تثبت فى الذمة فإذا قدر لزم أداؤها.
وفى فدية من لا يقدر على الصوم وهو الشيخ الكبير والمريض الذى لا يرجى برؤه قولان:
أحدهما أنها لا تجب لأنه أسقط عنهما فرض الصوم فلم تجب عليهما الفدية كالصبى والمجنون.
والثانى يجب عن كل يوم فدية من طعام قال: فى المهذب وهو الصحيح لما روى عن أبى هريرة وابن عمر فى ذلك.
مذهب الحنابلة:
من أكل أو شرب أو احتجم أو أسعط أو أدخل إلى جوفه شيئا من أى موضع كان أو قبل فأمنى أو أمذى أو كرر النظر فأنزل أى ذلك فعل عامدا وهو ذاكر لصومه فعليه القضاء بلا كفارة إذا كان الصوم واجبا
(1)
.
ومن أدركه الفجر مجامعا فاستدام لزمه أن يقضى ويكفر، وأن نزع فكذلك عند القاضى وقيل لا شئ عليه ويتخرج إن قضى لا يكفر. وإذا وطئ فى دبر أو قبل من آدمى أو بهيمة عمدا أو سهوا فعليه الكفارة مع القضاء نص عليه أحمد وذلك إذا كان فى شهر رمضان وعنه لا كفارة عليه مع العذر كالناسى والمكره والواطئ بظنه ليلا فتبين نهارا، وأما المرأة الموطوءة فيلزمها القضاء ولا تلزمها الكفارة مع العذر فإن لم يكن لها عذر فعلى روايتين
(2)
. ومن مرض أو جن أو سافر فى يوم قد وطأ فيه لم تسقط الكفارة عنه. ومن أكل ثم جامع لزمته الكفارة وكذلك كل مفطر وطئ
(3)
. ومن وطئ فى يوم مرتين فكفارة واحدة إلا أن يكفر بينهما فتلزمه ثانية وأن وطئ فى يومين ولم يكفر فكفارتان قال أبو بكر كفارة
(4)
.
ومن باشر دون الفرج أو قبل أو كرر النظر فأمنى لزمه القضاء وفى الكفارة روايتان ورواية ثالثة لا كفارة بذلك إلا بالوط ء دون الفرج واختارها الخرقى والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا (انظر مصطلح كفارة) والمفطر لكبر سن والمريض لا يرجى برؤه يطعم كل يوم فقيرا ولا يقسط الإطعام لعجزه عنه وإطعام المسكين من بر أو نصف صاع تمر أو شعير والمرضع والحامل إن خافتا على ولديهما وافطرتا قضتا وتطعمان لكل يوم فإن عدمت الطعام فإنه يسقط وأن افطرتا خوفا على نفسيهما كفاهما القضاء.
مذهب الظاهرية:
قالوا لا قضاء إلا على خمسة فقط وهم الحائض والنفساء فإنهما يقضيان أيام الحيض والنفاس، والمريض والمسافر سفرا تقصر فيه الصلاة لقوله تعالى «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
(5)
«والمتقئ» عمدا لأن وجوب القضاء فى تعمد القئ قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(6)
.
ولا كفارة على من تعمد فطرا فى رمضان بما لم يبح له إلا من وطئ فى الفرج من إمرأته أو أمته المباح له وطؤهما فإن هذا عليه الكفارة ولا يقدر على القضاء
(7)
.
ومن وطئ عمدا فى نهار رمضان ثم سافر فى يومه ذلك أو جن أو مرض لا تسقط عنه الكفارة.
وصفة الكفارة عتق رقبة فإن لم يقدر عليها فصوم
(1)
المحرر ج 1 ص 229
(2)
المحرر ج 1 ص 230
(3)
المحرر ج 1 ص 230
(4)
المحرر ج 1 ص 230
(5)
المحلى ج 6 المسألة 776
(6)
المحلى ج 6 المسألة 737
(7)
المحلى ج 6 المسألة 739، 770
شهرين متتابعين فإن لم يقدر عليها لزمه إطعام ستين مسكينا ولا يجزئ إطعام أقل من ستين ولا صيام أقل من شهرين.
والحامل إن خافت على جنينها أو المرضع من قلة اللبن والشيخ الكبير لهم أن يفطروا ولا قضاء عليهم ولا إطعام إلا أن أفطروا لمرض بهم عارض فعليهم القضاء.
ومن وطئ مرارا فى اليوم عامدا فكفارة واحدة، ومن وطئ فى يومين عامدا فصاعدا فعليه لكل يوم كفارة سواء أكفر قبل أن يطأ الثانية أم لم يكفر ومن أفطر عامدا فى قضاء رمضان فليس عليه إلا قضاء يوم واحد. وعن قتاده أن عليه الكفارة كمن فعل ذلك فى رمضان لأنه بدل عنه وعن بعض السلف عليه قضاء يومين يوم رمضان ويوم القضاء ومن أقطر فى صوم نذر عامدا أو لعذر فلا قضاء عليه إلا أن يكون نذر أن يقضيه فيلزمه.
مذهب الزيدية
(1)
:
قالوا إن أفطر الصائم لأى سبب من الأسباب التى ذكرت آنفا لغير عذر فإنه يلزمه أربعة أحكام.
إثنان يستوى فيهما الناسى والعامد.
وإثنان يختص بهما العامد.
وما يستوى فيه الناسى والعامد.
الأول إتمام الصوم بالامساك رعاية لحرمة الشهر ولو كان يسمى مفطرا غير صائم.
وأما ما يخص العامد فقد قالوا فيه: يفسق المتعمد بالإفطار ولو يوما واحدا ويندب له كفارة والمستحب أن يرتبها كالظهار، فإن أمكنه العتق قدمه على الصوم وإن لم يمكنه قدم الصوم على الإطعام، وقيل أن الكفارة تجب مرتبة على المجامع عامدا فى الفرج دون الأكل والمجامع فى غير الفرج.
وقيل إذا جامع الصائم فى رمضان ثم تعقب الجماع مرض أو حيض أو سفر فى ذلك اليوم فإنه يعتبر الانتهاء وتسقط الكفارة
…
وفيه نظر.
ويجب على كل مسلم ترك الصوم بعد أن صار مكلفا ولو لعذر أن يقضى بنفسه ولا يجب على الكافر والصبى والمجنون الأصلى فلا يلزمهم القضاء، ولا بد أن يكون قضاؤه فى زمان غير الزمن الذى هو واجب فيه فلا يقضى رمضان فى رمضان ولا فى أيام نذر صيامها بعينها ولا فى الزمان الذى يجب فيه الإفطار كأيام الحيض والعيدين والتشريق، وندب الولاء، أى أن يقضى ما فاته من رمضان متواليا غير مفرق فإن فاته من رمضان شئ ثم لم يقضه فى بقية السنة حتى حال عليه رمضان مستقبل لزمته فدية مع القضاء مطلقا سواء أترك القضاء لعذر أم لغير عذر، وقيل أن ترك الأداء لغير عذر وجبت الفدية وإلا فلا، وقيل إن ترك القضاء فى ذلك العام فلا لعذر فلا فدية عليه، وإن تركه لغير عذر وجبت وقدر الفدية نصف صاع من أى قوت عن كل يوم وإذا حالت عليه أعوام كثيرة لم تتكرر بتكرر الأعوام وقيل تتكرر لكل عام.
ويجب على من أفطر لعذر مأيوس أيس عن قضاء ما أفطره كالذى ضعف بالشيخوخة أن يكفر بنصف صاع عن كل يوم ولا يجزى التعجيل.
وإذا مرض من عليه صوم ولم يقضه أو كفارة صوم ولم يخرجها فإنه يجب عليه الإيصاء بها وقيل لا يجب عليه الإيصاء بالكفارة.
والنذر المعين كرمضان أداء وقضاء، ولا يجزئ صوم الحائض والنفساء فإن صامتا لم يجزهما ولزمهما القضاء بعد مضى رمضان.
مذهب الإمامية:
من أفطر يوما من شهر رمضان عمدا وجب
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 21، 22، 26، وما بعدها
عليه مع القضاء كفارة مخيرة بين عتق أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا فإن عجز تصدق بما يطيق. ومن أكل أو شرب أو جامع ناسيا لم يفسد صومه واجبا كان أو ندبا ووجب عليه إتمامه ان كان واجبا ولم يجب عليه قضاء ولا كفارة ومن أكره زوجته على الجماع نهارا فى شهر رمضان أو وطئها وهى نائمة لم يبطل صومها وبطل صومه ووجب عليه كفارتان وعزر بخمسين سوطا ولا شئ عليها فإن طاوعته فعلى كل منهما كفارة والتعزيز بخمسة وعشرين سوطا ومن أجنب ليلا فى رمضان ناويا للغسل حتى طلع الفجر صح صومه ولا قضاء ولا كفارة عليه وإذا تعذر عليه الغسل فلم يتمكن منه حتى طلع الفجر فلا شئ عليه ومن تعمد البقاء على الجنابة فى شهر رمضان حتى طلع الفجر وجب عليه القضاء والكفارة.
ومن أفطر فى شهر رمضان عامدا عالما عزر مرة فإن عاد عزر كذلك فإن عاد قتل.
ومن أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه وعليه القضاء وفى وجوب الكفارة تردد، والأشبه الوجوب. ولو وجر فى حلقه أو أكره اكراها يرتفع معه الاختيار لم يفسد صومه ولو خوف فأفطر وجب القضاء على تردد ولا كفارة
لا تجب الكفارة ولا القضاء بالارتماس، وقيل يجبان به والأول أشبه ويجب القضاء بالحقنة بالمائع على الأظهر، وقالوا تجب الكفارة مع القضاء بسبعة أشياء.
الأكل المتعمد وغيره، والشرب المعتاد وغيره، والجماع حتى تغيب الحشفة فى قبل المرأة أو دبرها، وتعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، والاستمناء وإيصال الماء إلى الحلق. يجوز الجماع حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل ولو تيقن ضيق الوقت فواقع فسد صومه وعليه الكفارة ولو فعل ذلك ظانا سعته فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شئ وإن أهمل فعليه القضاء. من أجنب ونام ناويا الغسل ثم انتبه ونام - وكذلك ثم إنتبه ونام ثالثا ناويا حتى طلع الفجر لزمته الكفارة على القول المشهور وفيه تردد.
الكفارة فى شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا فى ذلك. وقيل: بل هى على الترتيب، وقيل: يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات وبالمحلل كفارة.
ولا تجب الكفارة إلا فى صوم رمضان أو قضائه بعد الزوال والنذر المعين وفى صوم الاعتكاف إذا وجب وما عداه لا تجب فيه الكفارة مثل صوم الكفارات والنذر غير المعين والمندوب وإن فسد الصيام.
وإذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء وكفارة كبرى
(1)
.
مذهب الإباضية:
إذا شهد عدلان برؤية الهلال ولم يصم فعليه الكفارة ومن أفطر بخبر واحد ظانا الجواز لزمه إعادة رمضان والكفارة إن وافق رمضان وإلا فلا ولو علم قولهم أن الواحد لا يقبل فى الإفطار لزمه إعادة رمضان والكفارة، ولو وافق شوالا، قيل فى الإعادة إنه يعيد يوما. ومن أهمل ترك نية الصوم فى رمضان وأصبح لزمه القضاء والكفارة.
ومن جعل ماء ونحوه لحاجة فى المجارى التى تؤدى إلى الحلق أو البطن وتبين أنه وصل الحلق أو الجوف فعليه الإعادة فقط ومن أمسك فى فيه حديدا أو نحاسا أو نحوهما أعاد صوم يومه إذا كان غير متعمد، أما إذا تعمد فيلزمه صوم ما مضى واليوم والكفارة. ولا يقضى مجنون ولا يطعم إن جن قبل رمضان وأفاق بعده وإن جن فى بعضه صام ما
(1)
وسائل الشيعة ج 2 مسألة 4 ج 4 وكتاب الخلاف ص 384 وشرائع الإسلام ص 100، ص 101
أدرك فقط، وقيل يقضى ما مضى لأن من شهد بعضه فقد شهد كله. والمغمى عليه وهو كالمجنون فلا يقضى وقيل هو كالنائم والمريض فيقضى ولزم صبيا بلغ فى بعضه ومشركا أسلم فيه قضاء ماض، ومن جعل كل يوم وحده فرضا لزمهما ما أدركا فقط والحائض والنفساء عليهما القضاء وأوجبوا القضاء على من ظن أن الشمس قد غابت فأكل فإذا هى لم تغب ثم هل يقضى ما مضى أو يومه فقط وهو الأصح وعليه الأكثر ولو أكل متنبه من نوم ليلة غيم قبل السؤال عمدا ثم بان أنه بعد الاصباح فسد ماضيه ورخص فى إعادة يومه.
وعلى هذا الخلف من اعتاد تسحره لسماع تحرك جاره لسحوره فسمعه يوما تحرك لغيره فظنه السحور فأكل كعادته فإذا هو قد أصبح. ويفسد بالوارد جوفا عمدا ولو دمعا أو مخاطا أو ريقا بان عن فم، وفى لزوم مغلظة به قولان، ورخص فى عدم فساده، والأول أصح وعليه الأكثر ورخص أن لا يعيد متجامعان بنسيان ولو ليومهما. ومن أتعظ حتى أمنى لا بمس أبدل يومه، وقيل لا إن لم يعالجه ومن أدخلت بفرجها عودا أو اصبعا ففى فساد الصوم كله أو يومها أقوال والصحيح أنها إن أمنت لزمتها المغلظة وقضاء يومها وما مضى وإلا فيومها فقط.
والمسافر إن أفطر وقد أصبح فى بلده يوم خروجه أعاد ما مضى وعليه الأكثر، وقيل يومه، وإن أفطر المسافر والمريض بعد ما أصبحا صائمين بلا مخوف على أنفسهما فسد صومهما ولا كفارة عليهما وقيل لا يبدل مسافر بعد ما أصبح صائما ما مضى ولو أفطر يوم خروجه من يومه لزمه بدل يومه واستحسن كون المريض كذلك. ومن خرج من منزله فأكل قبل أن يجاوز الفرسخين ثم ظهر له الرجوع قبل أن يجاوزهما ثم أكل بمنزله بعد دخوله فسد صومه ولزمته المغلظة لأكله أو لا قبل أن يصير مسافرا. وإن أكل المريض بعد ما صح ولم يخف ضررا انهدم صومه وعليه المغلظة، ومن صام فى سفره فأفطر بعذر أو بغير عذر انهدم ما صام فى سفره وقيل: لا ينهدم إن كان بعذر. ومن أفطر بمرض أو فى سفر ثم مات لم يلزمه قضاء ولا صوم على وارثه وقيل: على المريض أن يصوم ولزمه الايصاء به والأول أصح، وإن عفى من مرضه أو قدم من سفره ولم يصم حتى دخل الثانى صام الحاضر وأطعم عن الماضى كل يوم مسكينا غداء وعشاء ان ضيع قدر ما لزمه صومه. وإن لم يطعم لجهل أو نسيان حتى انقضى الحاضر لم يلزمه إطعام وعليه صوم الماضى فقط ومن دام مرضه أو سفره حتى استهل رمضان الثانى صام الحاضر إن قدر ولا يلزمه إطعام عن الماضى ولا إيصاء بصومه عند احتضاره وقيل: يلزمهما.
ومن جعل بفيه ماء لحاجة أو ذاق طعم خل أو مضغ لصبى أو مريض فسبق لحلقه أبدل يومه وقيل: لا إن كان لأخروى كوضوء، ومن دخل حلقه نحو ذباب أو وتراب أو دخان بلا عمد لا بأس عليه فإن كان عمدا - بأن بلعه - ففى لزوم القضاء والكفارة عليه قولان، الأصح منهما لزوم القضاء فقط. ولزم على من قاء عمدا قضاء وقيل كفارة لفعله المحرم، ومن تقيأ بشبع أعاد يومه. ومن أكل أو شرب ناسيا فلا عليه - وقيل يبدل يومه. وصائم بنسيان غسل من جنابة أو حيض أو نفاس يعيد صوم الأيام التى نسى فيها ويعيد الصائم يومه إن وطئ بنسيان وقيل بسقوطه وقالوا: من تعمد إفساد الصوم بجماع لزمه القضاء والعتق إن وجد وإلا صام شهرين متتابعين فإن عجز أطعم ستين مسكينا، وكفارة القضاء مخير فيها بين الخصال على الأصح. وكذا من أفسد صومه عمدا بأكل أو شرب أو نحوهما ولزمت الكفارة الزوجة إن طاوعته
ما لزم الزوج. والمتعمد بإنزال النطفة بتفكر أو نظر كالواطئ المتعمد. ولا كفارة على من ضيع غسلا أو تيمما لصبح أو احتلم ليلا حتى أصبح ولزمه قضاء ماض على المشهور وقيل يومه.
ومن نام عن جنابة على أن يقوم فلم ينتبه لصبح فاغتسل من حينه لزمه قضاء ماض بلا كفارة ومن أكل وجامع فعليه كفارتان. ومن أكل محرما وزنى نهارا فعليه ثلاثة وليلا فعليه ثنتان ومن عمل كبيرة لزمته مغلظة قياسا على نقض الميثاق.
والمكرهة على الوط ء ولو زنا تعيد يومها وقيل لا وعلى مكره المرأة على الوط ء ما على مفسد رمضان عمدا ومن تعمد إفطار آخر يوم منه ثم ظهر أنه من شوال قيل عليه كفارة وفسد يوم منه وقيل أساء ولزمته توبة على الأصح.
وتلزم الكفارة صحيحا تعمد أكله ثم نزل به فيه مرض مبيح لأكله وكذا إمرأة تعمدت ثم حاضت أو نفست فيه لزمهما قضاء ما مضى وقيل ما عليهما.
والشيخ الكبير الذى لا يطيق الصوم والمريض الذى لا يرجى برؤه عليهما إطعام مسكين كل يوم وقيل بسقوطه عنهما كالصوم.
والحامل والمرضع إن خافتا ضياع ولدهما لزمهما إن أفطرتا إطعام عن كل يوم أكلتاه، ثم قضاء بعد، وقيل عليهما القضاء دون إطعام، قالوا من أفسد القضاء عمدا لم يكفر ولم تلزمه المغلظة لأنه فى ذمته متى قضاه فذلك، وقيل يكفر ولزمته لأنه أبطل عمله والله يقول:«لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» ولأن حكم البدل حكم المبدل منه
(1)
افلاس
تعريفه لغة:
الفلس بالتحريك - هو عدم النيل من أفلس الرجل اذا لم يبق له مال كأنما صارت دراهمه فلوسا وزيوفا أو أنه صار الى حال بحيث يقال فيها: ليس معه فلس. وحقيقته الانتقال من حالة اليسر الى حالة العسر. وقد فلسه القاضى تفليسا حكم بإفلاسه، ونادى عليه وشهره بين الناس بأنه صار مفلسا ويفلس افلاسا صار مفلسا
(2)
. وهم قوم مفاليس اسم جمع مفلس او جمع مفلاس. وهو مفلس مفلس وهو الذى فلسه القاضى أى نادى عليه بالافلاس
(3)
.
تعريفه فى اصطلاح الفقهاء:
مذهب الحنفية:
الافلاس هو أن يحكم القاضى بتفليس الشخص الذى يكون عليه ديون تستغرق كل أمواله أو تزيد على أمواله
(4)
. والمفلس قد يراد به الذى لا مال له أصلا. وقد يراد به الذى يدعى الافلاس وان كان غنيا فى نفسه. وقد يراد به من حاله حال المفلس
(5)
.
مذهب المالكية:
قال ابن رشد: الافلاس فى الشرع يطلق على معنيين: (أحدهما - أن يستغرق الدين مال المديون فلا يكون فى ماله وفاء يدينه. (والثانى) ألا يكون له مال معلوم أصلا
(6)
. وهو ينقسم الى قسمين:
عام وخاص فالافلاس العام: هو قيام الدائن على مديونه الذى ليس له مال يفى بدينه. والافلاس الخاص: هو قضاء القاضى بخلع كل مال المديون.
(1)
شرح النيل ج 2 ص 188، 200، 189، 226، 191، 196، 206، 208، 213، 216، وما بعدها
(2)
القاموس المحيط ج 2 ص 235
(3)
أساس البلاغة ص 247
(4)
حاشية ابن عابد من ج 5 ص 99
(5)
نتائج الأفكار على الهداية ج 7 ص 227
(6)
بداية المجتهد ج 2 ص 274
والمفلس: هو المحكوم عليه بالافلاس والمفلس هو كل من عدم المال
(1)
.
مذهب الشافعية:
الافلاس: هو جعل القاضى المديون مفلسا بمنعه من التصرف فى أمواله لتعلق الدين بها. والمفلس هو من حجر عليه لنقص ماله عن دين عليه لآدمى
(2)
.
مذهب الحنابلة:
الافلاس شرعا: هو عجز الشخص عن قضاء الديون الحالة عليه
(3)
. والمفلس شرعا: هو من كان دينه أكثر من ماله الموجود، وخرجه أكثر من دخله. وسمى مفلسا وان كان ذا مال، لأن ماله مستحق الصرف فى جهة دينه فكأنه معدوم، ويجوز أن يكون قد سمى بذلك لما يؤول اليه من عدم ماله بعد وفاء دينه
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: المفلس هو من لا يبقى له شئ بعد قضاء دين الدائنين
(5)
.
مذهب الزيدية:
المفلس: هو من لا يفى ماله وان كثر بدينه.
والمعسر: هو من لا يملك شيئا غير ما إستثنى له فى باب الزكاة وقد يجتمع المفلس والمعسر وذلك حيث كان المعسر لا يفى ماله بدينه فهو حينئذ يعتبر مفلسا ومعسرا. وينفرد المعسر عن المفلس حيث كان ماله المستثنى له يفى بدينه، فهو معسر ولا يسمى مفلسا. وينفرد المفلس عن المعسر حيث كان ماله أكثر مما استثنى له. إلا أنه لا يفى بدينه فهو يسمى مفلسا لا معسرا
(6)
.
مذهب الإمامية:
المفلس من عليه ديون ولا مال له يفى بها
(7)
.
وهو شامل لمن ينقص ماله عن الديون ومن لا مال له أصلا. والمفلس هو الذى جعل مفلسا أى منع من التصرف فى أمواله
(8)
.
مذهب الإباضية:
الافلاس هو نزع القاضى مال المفلس أو حجره عليه. وهذا هو ما يسمى بالتفليس الخاص أما مجرد قيام الدائنين على المفلس الذى ليس له ما يفى بدينه فهو التفليس العام «والمفلس - بتشديد اللام - هو المحكوم عليه بحكم الافلاس وفى المنهاج: المفلس هو الذى يقضى عليه القاضى بحقوق تثبت عليه ويصح عنده أنه معدم. والمفلس بكسر اللام - من يكون عليه ديون ولا تفى أمواله بها
(9)
.
الحجر على المفلس وشرائطه
مذهب الحنفية:
اذا طلب الدائنون من القاضى الحكم بافلاس المديون الذى يدعى الافلاس والحجر عليه ومنعه من كل تصرف يضر بقضاء ديونهم، وبيع ماله ونحوه من كل ما يترتب على الحجر بسبب الافلاس فعند أبى حنيفة: لا يجوز للقاضى أن يحجر عليه. بل يحبسه فقط كما سيأتى فى هذا البحث فى هذا المصطلح. وذلك لأن فى الحجر عليه اهدارا لأهليته والحاقا له بالبهائم، وهو ضرر عظيم يفوق ضرر المال فلا يجوز الحاقه به لدفع ضرر خاص يمكن دفعه عن الدائن بالحبس. وعند أبى يوسف ومحمد: يحجر عليه القاضى، وذلك لما روى كعب بن مالك:
«أن النبى صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله
(1)
شرح الخرشى ج 5 ص 302، 303
(2)
أسمى المطالب ج 2 ص 183
(3)
كشاف القناع ج 2 ص 136، 206
(4)
المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 456
(5)
المحلى ج 8 ص 635 مسألة رقم 283 الطبعة للأولى مطبعة الاتحاد العربى سنة 1389 هـ
(6)
شرح الأزهار ج 4 ص 276 طبع مطبعة حجازى الطبعة الثانية سنة 1358 هـ.
(7)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 310
(8)
وشرائع الإسلام ج 1 ص 200
(9)
شرح النيل ج 7 ص 163، 164 وجوهر النظام ج 1 ص 398
وباعه فى دين كان عليه.» ولأن فى الحجر على المفلس نظرا ومصلحة للدائنين كى لا يلحق بهم الضرر بالاقرار بماله للغير أو تلجئته ونحوها
(1)
.
ويرى أبو حنيفة أن بيع النبى صلى الله عليه وسلم مال معاذ - فى الحديث المشار اليه - كان بإذنه، والدليل على ذلك أن بيع مال المفلس لا يجوز حتى يأمره القاضى ويأبى، ولا يظن معاذ أنه أبى وخالف أمر النبى صلى الله عليه وسلم. وقولهما هو الذى عليه الفتوى، وهو المعتمد وبناء على قولهما أيضا يشترط لصحة الحكم بالافلاس أن يطلب الدائنون ذلك من القاضى. وبناء على قولهما يتوقف الحجر بسبب الافلاس على القاضى كما يشترط لصحة الحجر على المفلس - عندهما أن يقضى القاضى بالافلاس أولا، ثم يقضى بالحجر بناء عليه
(3)
، حتى لو حجر عليه من غير أن يقضى عليه بالافلاس لا يصح حجره بلا خلاف
(2)
.
وينبغى للقاضى أن يشهر ويعلن أنه حجر على المفلس فى ماله لأنه يتعلق بهذا الحجر أحكام، وربما يقع التجاحد فيحتاج الى إثباته، فيشهد إحتياطا ليقع الأمن عند الانكار. وكذلك ينبغى له أن يبين أن الافلاس هو سبب الحجر. ويبين أيضا اسم الدائن الذى تم الحجر لأجله فيقول: حجرت عليه بسبب الدين لفلان ابن فلان، وذلك لاختلاف أسباب الحجر عندهما، ولأنه يرتفع بإبراء الدائن، وبوصول حقه اليه فيحتاج الى معرفته
(3)
. ولا يشترط لصحة الحكم بالافلاس والحجر بناء عليه أن يكون المديون حاضرا، فيصح الحكم بهما وإن كان المدعى عليه المديون غائبا. إلا أنه يشترط علم المحجور عليه بعد الحجر حتى أن كل تصرف باشره بعد الحجر قبل العلم به يكون صحيحا عندهما.
وكذلك يصح هذا الحجر سواء كان قبل حبس المفلس أو بعده من حق صاحب الدين المؤجل أن يطلب حبس المديون أو الحكم بإفلاسه والحجر عليه بسبب ذلك قبل حلول الأجل، لأن صاحب الدين هو الذى أخر حق نفسه بالتأجيل فلا يملك مطالبته قبل حلول الأجل.
مذهب المالكية:
اذا عجز المديون عن قضاء ما لزمه من ديون ورفع الدائنون أمره للقاضى جاز للقاضى أن يحكم بإفلاسه ويحجر عليه وذلك بأن يحكم بخلع ما بيده من ماله لدائنيه. فاذا تعذر وصول الدائنين لديونهم إلا بحكم القاضى بذلك فإنه يجب على القاضى أن يحكم به. وجوبه عليه حينئذ أمر عارض لا لذات الافلاس لأنه من أصله جائز
(4)
. وهذا هو ما يسمى بالافلاس الخاص. ويحتاج لحكم القاضى به. واستدلوا لذلك بحديث معاذ السابق الذى أستند اليه أبو يوسف ومحمد فى مذهب الحنفية فى الحجر على المفلس. وقد روى الحجر على المديون واعطاء الدائنين ماله من فعل عمر كما فى الموطأ والدار قطنى وابن أبى شيبة والبيهقى وغيرهم، ولم ينقل أنه أنكر ذلك عليه أحد من الصحابة
(5)
وسواء فى ذلك أن يكون المديون حاضرا أو غائبا ولم يعلم يساره حين سفره فيحكم بإفلاسه ولا يتوقف الحكم على حضوره فإن علم يساره حين سفره لم يحكم بإفلاسه إستصحابا لحالة غيبته وهذا فى الغيبة البعيدة كشهر أو المتوسطة كعشرة أيام أما القريبة
(1)
العناية على الهداية والفتاوى الهندية ج 5 ص 62 الطبعة السابقة
(2)
الفتاوى الهندية ج 5 ص 61
(3)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 331، البدائع ج 7 ص 173
(4)
الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج 2 ص 139 طبعة المطبعة الاميرية سنة 1289 هـ، الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 264 مطبعة السعادة الطبعة الأولى سنة 1328 هـ شرح الخرشى بحاشية العدوى ج 5 ص 305 الطبعة السابقة
(5)
بداية المجتهد لابن رشد ج 2 ص 284 الطبعة السابقة وشرح الخرشى ج 5 ص 303، نيل الأوطار للشوكانى ج 5 ص 245 المطبعة العثمانية الطبعة الاولى سنة 1357 هـ
كثلاثة أيام فحكمه فيها كحكم الحاضر، فيكتب اليه ويكشف عن حاله.
واذا حضر المديون وغاب ماله غيبة بعيدة وشك فى قدره أو وجوده فإنه يحكم بإفلاسه بالاتفاق، وإن علم وجوده وفيه وفاء بالدين فابن القاسم لا يرى الحكم بإفلاسه وهو المشهور أما ان غاب المال غيبة متوسطة فابن القاسم يقول: لا يحكم بإفلاسه وأشهب يقول: يحكم به وأما اذا كانت الغيبة قريبة فإنه يكشف عن المال ويفحص عنه هل يفى بالدين فلا يحكم بإفلاسه أو لا يفى به فيحكم بإفلاسه ويشترط للحكم بالافلاس ما يأتى: -
(1)
أولا: أن يطلب الدائنون - كلهم أو بعضهم - من القاضى الحكم بافلاس المديون والحجر عليه فلا يجوز للقاضى أن يحكم بذلك بدون طلب من واحد من الدائنين فإن طلب ذلك واحد وأبى غيره فإنه يحكم بإفلاسه لحق الطالب. وإذا حكم القاضى بإفلاسه بطلب البعض فللآخرين مشاركة ذلك البعض الذى حكم بإفلاس المديون بناء على طلبه، لأن تفليس المديون لواحد من الدائنين تفليس للجميع.
وكذلك ليس للمديون المفلس أن يرفع أمر نفسه للقاضى ويثبت فقره وعجزه عن ايفاء الدين ويطلب الحكم بإفلاسه بدون طلب الدائنين ذلك. ثانيا:
أن يكون الدين المطلوب افلاس المديون به حالا من الأصل أو حل لانتهاء أجله فلا يصح الحكم بالافلاس بدين مؤجل لم يحل أجله. ثالثا: أن يكون الدين الحال زائدا على ما بيد المفلس من مال.
أو غير زائد على ذلك ولكن ما بقى من مال المفلس بعد وفاء الدين الحال لا يفى بالدين المؤجل عليه ان كان. فمثلا لو كان عليه مائتان مائة حالة ومائة مؤجلة ومعه مائة وخمسون فقط فالباقى بعد وفاء المائة الحالة لا يفى بالدين المؤجل فيحكم بإفلاسه حينئذ على المذهب ولو أتى بكفيل. وقيده ابن محرز بما اذا كان الباقى من ماله لا يعامله الناس فيه، ولا يرجى من استثماره له ما يقضى به الدين المؤجل وبما اذا لم يأت بكفيل والا لم يحكم بإفلاسه. وظاهر كلام ابن عرفة أن هذا التقييد هو المذهب فيحمل القول بالحكم بإفلاسه على هذا وقال المازرى لا يحكم بافلاسه فى هذه الحالة مطلقا، لأن الديون المؤجلة لا يحكم بالافلاس بها. واذا كان ما بيد المديون مساويا للدين الذى عليه فإنه لا يحكم بإفلاسه ولا تهتك حرمته اتفاقا. رابعا: أن يكون المديون ملدا - أى مماطلا - فى دفع دينه بعد حلول أجله فلا يحكم بإفلاسه بطلب بعض الدائنين إلا اذا تبين لدده .. أما اذا دفع لهم جميع ما بيده ولم يتهم بإخفاء شئ لم يحكم بإفلاسه. خامسا: ألا يقدم المديون لطالب الحكم بإفلاسه كفيلا بماله، فإذا قدم له لا يجوز إفلاسه.
مذهب الشافعية:
اذا ركبت الديون شخصا ورفع الدائنون أمره الى القاضى وطلبوا منه أن يحجر عليه فإنه يجب على القاضى أن يحجر عليه فى ماله أن استقل - أى كان رشيدا - أو على وليه فى مال موليه ان لم يستقل وذلك اذا وجدت شروط الحجر على المفلس وهى:
أولا: أن يكون ذلك بطلب الدائنين أو من ينوب عنهم، فلا يجوز الحجر على المفلس بدون طلب منهم ان كانوا من أهل الرشد، لأنه لمصلحتهم. ولا يشترط أن يطلب ذلك جميعهم بل لو طلب بعضهم ذلك وجب الحجر أيضا بشرط أن يكون دين ذلك البعض زائدا على مال المديون وإلا فلا حجر. ثم اذا حجر فلا يختص أثر الحجر بالطالب بل يعم جميع الدائنين. وكذلك يجب الحجر بطلب المفلس نفسه أو وكيله على الأصح ولكن بعد دعوى الدائنين بالدين واثباتهم له بالبينة أو الاقرار بدون طلبهم الحجر، لأن له غرضا ظاهرا من ذلك وهو صرف ما له إلى ديونه. وروى أن الحجر على معاذ كان
(1)
شرح الخرشى بحاشية العدوى ج 5، 305 - 306 الطبعة السابقة، الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 263 - 264 الطبعة السابقة، الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج 2 ص 139 - 140 الطبعة السابقة
بطلبه
(1)
. ومقابل الأصح: لا يحجر على المفلس بطلبه لأن الحلق للدائنين فى ذلك والحجر ينافى الحرية والرشد. وإنما يحجر عليه بطلب الدائنين للضرورة وأنهم لا يتمكنون من تحصيل مقصودهم إلا بالحجر خشية الضياع بعكس المفلس فإن غرضه الوفاء وهو متمكن منه ببيع أمواله وقسمتها على دائنيه.
ويستثنى من هذا الشرط ما اذا كان الدين لمحجور عليه لصغر أو جنون أو سفه وقصر وليه فى طلب الحجر على المديون المفلس فانه يجب على القاضى الحجر عليه بدون
(2)
طلب من الدائن أو وليه لأنه ناظر لمصلحته ومثله ما لو كان الدين أجرة مكان لمسجد مثلا قد تجمدت على المفلس أو كان لجهته عامة كالفقراء أو المسلمين فيمن مات بدون وارث فورثوه وله مال على مفلس. ولا يحجر على المفلس بسبب افلاسه بدين غائب رشيد بدون طلب، لأنه ليس للقاضى إستيفاء مال الغائبين من الذمم وإنما له حفظ أعيان أموالهم. ومحله - كما قال الفارقى - اذا كان المديون ثقة فإن كان غير موثوق فللقاضى الحجر عليه حينئذ بدون طلب.، ثانيا: أن يكون الدين عينيا، فلا حجر للافلاس بالمنافع نحو أن يلتزم حمل جماعة الى مكة مثلا. وقيل: يحجر عليه بها
(3)
ثالثا: أن يكون الدين لازما فلا حجر للافلاس بالثمن فى مدة خيار المشترى لانتفاء اللزوم
(4)
.
رابعا: أن يكون الدين لآدمى فلا حجر للافلاس بدين الله تعالى وإن كان فوريا كالزكاة اذا حال الحول وحضر المستحقون
(5)
. خامسا: أن يكون الدين حالا، فلا حجر للافلاس بدين مؤجل، ولا يحسب من الديون المقابلة بمال المفلس، لأنه لا حق لصاحبه فى المطالبة به فى الحال
(6)
. سادسا: أن يكون الدين زائدا على مال المفلس الذى يتيسر أداء الدين منه عينا كان أو منفعة يتمكن من تحصيل أجرتها أو دينا على مقربه غنى حاضر بنفسه أو ماله.
فلا يعتبر ضمن مال المفلس المال المغصوب منه أو الغائب عنه أو المنافع التى لا يتمكن من تحصيل أجرتها. ولو كانت الديون مساوية للمال فإن كان المديون كسوبا ينفق من كسبه فلا حجر عليه، لعدم الحاجة. بل يلزمه القاضى بقضاء الديون.
وإن لم يكن كسوبا وكانت نفقته من رأس ماله فكذلك لا حجر عليه فى الأصح، لتمكن الدائنين من المطالبة فى الحال. وقيل: يحجر عليه كى لا يضيع ماله فى النفقة
(7)
. واذا كان المديون المفلس لا مال له أصلا فالأصح أنه لا حجر عليه لأن الحجر إنما يكون على ماله دون نفسه وما يحدث له من المال إنما يدخل فى الحجر تبعا لا استقلالا، وما جاز تبعا لا يجوز قصدا، وقال الرافعى: يجوز الحجر عليه منعا له من التصرف فيما عساه يحدث له من مال باصطياد ونحوه وكان يخاف عليه اتلافه فيحجر عليه القاضى حتى اذا وجد فى يده مال كان للدائنين وكان هو ممنوعا من إتلافه
(8)
. سابعا: أن يكون الحاجر على المفلس هو القاضى دون غيره من محكم أو مصلح، لأن ذلك يحتاج الى نظر واجتهاد.
وقيل: أن مثل القاضى فى ذلك المحكم
(9)
. والمراد بالقاضى هو قاضى بلد المحجور عليه لا قاضى بلد ماله خلافا للأزرعى
(10)
. ويكفى فى الحجر بسبب الافلاس لفظ يدل عليه على الأوجه نحو حجرت
(1)
قال الحافظ: ان هذه الرواية خلاف ما صح من الروايات المشهورة ففى المراسيل لابى داود التصريح بأن الدائنين التمسوا ذلك (انظر نيل الاوطار ج 5 ص 245).
(2)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 308، 310، 311، شرح المحلى على المنهاج بحاشية القليوبى ج 2 ص 286 طبعة دار إحياء الكتب العربية للحلبى سنة هـ، مغنى المحتاج للخطيب ج 2 ص 146 - 147 طبعة مصطفى محمد
(3)
شرح المحلى على النهاج بحاشية القليوبى ج 2 ص 286، حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 2 ص 364 المطبعة الاميرية الطبعة الثالثة سنة 1309
(4)
حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 2 ص 365
(5)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 308
(6)
شرح المحلى على المنهاج بحاشية القليوبى السابق
(7)
المرجع السابق، نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 310
(8)
المرجع السابق 2 ص 309 واسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 184
(9)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 309، حاشية القليوبى على شرح المحلى للمنهاج ج 2 ص 285
(10)
حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 2 ص 366
بالفلس على فلان أو منعته من التصرف فى أمواله أو أبطلت تصرفاته فيها. وقيل المعتبر أن يقول القاضى: حجرت بالفلس إذا منع التصرف من أحكام الحجر المترتبة عليه فلا يقع به الحجر ويستحسن ويستحب للقاضى أن يشهد على حجر المفلس وأن يشهر النداء عليه فيأمر مناديا ينادى فى البلد أن القاضى حجر على فلان بن فلان ماله ليحذر الناس معاملته وأجرة المنادى أن احتيج اليها تكون من مال المفلس فان لم يكن له شئ فمن بيت المال.
مذهب الحنابلة:
اذا رفع الى القاضى شخص عليه دين فطلب دائنوه من القاضى الحجر عليه لم يجبهم حتى تثبت ديونهم عنده بالبينة أو باقرار المديون. فاذا ثبتت نظر فى ماله فإن كان وافيا بدينه لم يحجر عليه ويأمره بقضاء دينه فإن أبى حبسه فإن لم يقضه وصبر على الحبس قضى القاضى دينه من ماله. وإن احتاج الى بيع ماله فى قضاء دينه باعه عليه، وإن كان ماله لا يفى بدينه الحال وطلب دائنون كلهم أو بعضهم من القاضى أن يحجر عليه لافلاسه فإنه يلزمه اجابتهم لذلك ويحجر عليه بعد اثبات ديونهم بما ذكر.
ولا يثبت الحجر بسبب الافلاس الا بحكم القاضى ولا يجوز للقاضى إن يحجر على المفلس بغير طلب الدائنين لأنه لا ولاية له فى ذلك. إنما يفعله لحق الدائنين فاعتبر رضاهم. وكذلك لا يجوز له أن يحجر على من لا مال له يوفى منه شيئا من الدين، لأنه تحرم مطالبته كما لا يجوز له أن يحجر على المديون بدين مؤجل لم يحل لأنه لا يلزمه أداؤه قبل حلول تظهر عليه أمارات الافلاس ولأن الدائنين لا يمكنهم طلب حقوقهم فى الحال فلا حجر. واذا طلب المفلس من القاضى أن يحجر عليه بدون طلب الدائنين ذلك فلا يلزم القاضى اجابته الى ذلك لأن الحجر عليه حق لدائنيه لا له. ويستحب للقاضى اظهار الحجر على المفلس، ليعلم الناس حالة فلا يعاملوه الا على بصيرة حتى لا تضيع أموالهم كما يستحب له أن يشهد عليه لينشر ذلك وربما عزل القاضى أو مات فيثبت الحجر عليه عند القاضى الآخر فلا يحتاج الى ابتداء حجر ثان بخلاف ما اذا لم يشهد
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: لا يجوز الحجر على أحد فى ماله الا على من لم يبلغ، أو على مجنون فى حال جنونه. وقال ايضا: إنه ليس لدائنى المفلس فى الحكم الا إن يقضى القاضى لهم بعين ماله، ثم يباع لهم ويقسم عليهم بالحصص، لأنه لا سبيل الى انصافهم بغير هذا، ولما روى عن عمر: «أن رجلا من جهينة كان يشترى الرواحل الى أجل فيغالى بها فأفلس، فرفع الى عمر بن الخطاب قال:
أما بعد أيها الناس فإن الاسفع أسفع بنى جهينة رضى من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج، وأنه أدان معرضا فأصبح قد دين به فمن كان له عليه شئ فليغد بالغداة فأنا قاسمون ماله بالحصص «وكذلك لما روى أنه عليه السلام باع للدائنين مال معاذ فنحن نقول به وإن لم يصح من طريق السند لأنه مرسل
(2)
.
مذهب الزيدية:
يجب على القاضى أن يحجر على المديون المفلس اذا ثبت الدين عليه سواء كان الدين لآدمى أو لله
(1)
كشاف القناع وشرح المنتهى بهامشه ج 2 ص 139، 141، 206، 209 الطبعة السابقة، المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 456، 462، 488 الطبعة السابقة
(2)
المحلى ج 9 ص 170 وج 8 ص 627 ص 629
تعالى ماليا ولا يصح الحجر للافلاس بالدين الا من القاضى اذ ولاية الاموال اليه. ويصح منه ولو كان المديون المطلوب الحجر عليه غائبا. والحجر هو أن يقول القاضى: حجرت عليك التصرف فى مالك، أو منعتك من التصرف، أو حصرتك أو عزلتك عن التصرف فى مالك وما فى معناه. ويدخله التعميم نحو أن يقول القاضى: حجرتك عن التصرف فى كل شئ من مالك. كما يدخله التخصيص أيضا اما بزمان نحو حجرتك سنة، أو بمكان نحو حجرتك عن التصرف فى غير بلدك، أو فى سلعة نحو حجرتك عن التصرف فى السلعة الفلانية، أو فى قدر من المال نحو حجرتك عن التصرف فى ثلث مالك أو فى شخص معين نحو حجرتك أن تبيع لفلان، اذ لا مانع من حجر البعض كالكل. ولا يصح تعليقه بمستقبل عند الامام يحيى اذ هو أمر ناجز فلا يعلق بمجهول والاقرب عند صاحب البحر الزخار صحته وإنما يصح الحجر على المديون بدين حال لا بدين مؤجل قبل حلول أجله وإن كان يدخل فى الحجر تبعا للدين الحال. وهذا إن لم يخش القاضى ضياع المال قبل حلول الاجل والا كان له أن يحجر عليه وكذا اذا رأى القاضى فى ذلك اصلاحا - ويصح الحجر لكل دين سواء كان نقدا أو غيره. وليس للقاضى أن يحجر على المديون الا اذا طلب ذلك خصومه وهم أصحاب الدين فلو حجر عليه من غير طلب لم يصح حجره ولا يجوز. ولا يشترط اقامة الدعوى من كل الدائنين، بل يكفى أى يطلب احدهم الحجر على المديون المفلس فإنه يلزم القاضى أن يحجر عليه لذلك الطلب، ويكون هذا حجرا عليه لكلهم ولو كانوا غائبين. وهذا اذا أطلق القاضى الحجر. أما لو قال: حجرت عليك حتى توفى فلانا دينه لم يكن للكل فلا يرتفع الحجر عنه الا بفك بقية الدائنين الحجر له حجرا لغيره. والصحيح أنه يكون حجرا الذين دخلوا تبعا واذا ادعى رجل دينا على شخص وطلب الحجر عليه قبل أن يقيم البينة على الدين جاز للقاضى إن يحجر عليه ولو قبل اثبات الدين بثلاثة ايام، وهذا اذا غلب على ظن القاضى صدق المدعى والا لم يصح الحجر عليه. ولا يشترط ذكر الايام الثلاثة فإن بين المدعى خلالها استمر الحجر والا بطل ويستحب للقاضى أن يشهد على الحجر بسبب الافلاس ويأمر مناديا فى البلد: أن فلانا قد حجر عليه القاضى لئلا يفتر الناس، وليمضيه القاضى الآخر إن مات الاول ولا يحتاج الى تجديد.
(1)
ويصح الحجر على الموسر المديون حيث خشى من اخفاء لماله أو تفريط فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» وقوله: «ليس على مال امرئ توى» ويتناول الحجر المال الزائد على الدين «فلا يتصرف المحجور عليه فيه أيضا.
وهذا هو المذهب فى الحجر على المديون المفلس وغيره. وقال زيد بن على والناصر: أنه لا يجوز على المديون سواء كان مفلسا أم لا. بل يحبسه القاضى حتى يقضى دينه لقوله صلى الله عليه وسلم:
«لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة من نفسه»
(2)
.
مذهب الإمامية:
اذا جاء دائنو المفلس الى القاضى وسألوه الحجر عليه لافلاسه بديونهم فإن هذا يكون سببا فى أنه يجب على القاضى أن يحجر عليه فى ماله إلا مقدار نفقته. ولا يثبت الحجر على المفلس الا بحكم القاضى. وكذلك الولاية على المفلس فى ماله للقاضى دون غيره. ولا يتحقق الحجر على المفلس الا بشروط خمسة.
الاول: المديونية:
الثانى: اثبات الدائنين لديونهم عند القاضى لأن
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 284 - 285 الطبعة السابقة، التاج المذهب ج 4 ص 160 - 161 مطبعة الحلبى الطبعة الاولى سنة 1366 هـ، البحر الزخار ج 5 ص 89 - 91 مطبعة الخانجى الطبعة الاولى سنة 1368 هـ
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 91 والتوى الهلاك والضياع من توى نرضى.
الحجر إنما يقع من القاضى وحينئذ فلا بد من ثبوت الديون عنده. وتثبت الديون بالبينة أو باعتراف المفلس لها.
الثالث: أن تكون الديون حالة غير مؤجلة، لأنها اذا كانت مؤجلة فلا وجه للحجر عليه لعدم استحقاق المطالبة وربما يجد الوفاء عند توجه المطالبة فلا وجه لتعجيل العقوبة. ولو كان بعض الديون حالا والباقى مؤجلا فإن وفت أمواله بالديون الحالة فقط دون المؤجلة لم يحجر عليه لعدم اعتبار الديون المؤجلة وإن لم تف أمواله بالديون الحالة وجب الحجر إن طلب أصحابها الحجر. وكما لا يحجر على المفلس بالديون المؤجلة ابتداء فكذلك لا يدام الحجر عليه لاصحابها. (الرابع) أن تكون أموال المفلس أقل من ديونه التى يجب عليه قضاؤها - وإن قل التفاوت - لأنها إن كانت زائدة أو مساوية لديونه فلا حجر عليه اجماعا. بل يكلف قضاء الديون فإن امتنع تخير القاضى بين حبسه الى أن يقضى الدين بنفسه، وبين أن يقضى عنه من ماله ولو ببيع ما خالف جنس الدين. ولا فرق فى ذلك بين من ظهرت عليه أمارات الافلاس مثل أن تكون نفقته من رأس ماله أو يكون ما فى يده من مال بازاء دينه ولا وجه لنفقته الا مما فى يده. وبين من لم تظهر عليه أمارات ذلك كمن كان كسوبا ينفق من كسبه وربح رأس ماله فلا يحجر عليه أيضا وإن طلب ذلك الدائنون. بل يجرى عليه ما سبق ذكره من الخيار بين حبسه الى إن يقضى الدين وبين أن يقضى عنه من ماله. ويقوم القاضى أعيان مال المفلس الى أثمانها عليه، وتحتسب من أمواله وإن كان لاصحابها الرجوع فيها .. (الخامس) أن يطلب الدائنون كلهم أو بعضهم - من القاضى أن يحجر عليه لأنه ليس للقاضى أن يتولى ذلك تبرعا منه بدون طلب الدائنين لأن ذلك حق لهم وهم ناظرون أنفسهم لا ولاية للقاضى عليهم نعم لو كانت الديون لمن للقاضى عليه ولاية كالمجانين والاطفال والمحجور عليهم لسفه وكان وليهم القاضى فإنه يكون له أن يحجر على من أفلس بدينهم بدون طلب منهم لأنه هو الدائن فى الحقيقة فله التماس ذلك من نفسه وفعله. واذا طلب بعض الدائنين الحجر على المديون دون البعض فلا يحجر عليه القاضى الا اذا كان ماله لا يفى بديون من طلب ذلك منهم لأن دين غير الطالب بالنسبة الى الحجر بمنزلة المعدوم فليس للقاضى الحجر لاجله فاذا حجر القاضى على المفلس لاجل البعض الطالبين لم يختص الحجر بهم بل يعم أثره جميع الدائنين بلا فرق بين طلب ومن لم يطلب لأن الجميع مستحقون للمطالبة كما أن ديونهم جميعا ثابتة فلا يختص بأمواله من انفرد بطلب الحجر عليه. وقرب صاحب التذكرة جواز حجر القاضى عليه بطلب البعض وإن كانت أمواله تفى بديونهم دون غيرهم ولا ينتظر طلب الباقين لئلا يضيع على الطالب ماله. ولو حجر القاضى على المفلس لظهور افلاسه تبرعا منه بدون طلب من الدائنين أو بطلب المفلس نفسه لم ينفذ حجره على المشهور لأن الحجر عقوبة فلا يصار اليه إلا بدليل صالح، وإنما يتحقق ذلك بالتماس الدائنين وقال صاحب التذكرة: الاقرب عندى جواز الحجر على المفلس اذا طلب ذلك لأن فى الحجر مصلحته كما أن فيه مصلحة الدائنين، وكما أجبنا الدائنين لذلك حفظا لحقوقهم كذا يجب أن يجاب المفلس تحصيلا لحقه وهو حفظ أموال الدائنين ليسلم من المطالبة والاثم، وقد روى أن حجر النبى صلى الله عليه وسلم على معاذ كان بالتماس منه دون طلب من دائنيه. ويستحب للقاضى اظهار الحجر على المفلس واعلانه والاشهاد عليه لئلا يتضرر من يعامله.
وهذا كله فى الحجر على المفلس اذا كان الدائنون حاضرين. أما اذا كانوا غائبين فلا ولاية للقاضى فى الحجر لهم بسبب افلاس مديونهم لأن القاضى ليس من شأنه أن يستوفى ما للغائبين فى الذمم بل يحفظ
أعيان أموالهم فقط.
(1)
مذهب الإباضية:
يجب على القاضى الحجر على المفلس اذا كانت أمواله لا تفى بديونه.
(2)
كما يصح تفليس من لم يملك ما يصدق عليه اسم مال زائد على ما تقوم به بينته وما لا بد له منه من ثوب ونعل ونحو ذلك وكان حقيرا وبالاولى يصح تفليس من لم يكن له شئ من ذلك، وسواء فى ذلك أنه لم يكن له مال أصلا أو كان وزال.
(3)
والقضاء بذلك أن يقول القاضى فى مجلس حكمه: اعلموا إنى فلست فلانا بن فلان فلا تبايعوه.
(4)
ولا يحكم القاضى بافلاس المفلس وفى ملكه شئ مما يباع ويعطى منه الدائنون ديونهم. كما لا يحكم بافلاسه اذا كان له ديون على الناس سواء حل أجلها أو لم يحل، وسواء علم قدرها أم جهل كالمتعة أو صداق المثل إن كان المفلس امرأة، ومثل الجروح التى لا يجب فيها الا الدية أو وجبت له دية الخطأ، أما ما يجب فيه القصاص من النفس وما دونها فإنه يحكم بافلاسه حتى يرفع الامر للقاضى ويطلب الارش أو الدية. وكذلك يحكم بافلاس المفلس اذا كان ما فى يده من مال مما حرمه الله كخمر وخنزير أو كان مما يجب عليه أن يرده لأصحابه. مثل ما أخذ بطريق العدوان أو الربا أو الرشوه ونحوها من كل مال يحل له أخذه أو كان من الضوال أو المشاع وما أشبه ذلك مما لا يحل له. كما يحكم بافلاسه على الرهن اذا لم يكن فيه زيادة على دينه. ولا يحكم بافلاس الشخص اذا كان له مال وقفه على غيره أو وقفه غيره عليه. وكذلك لا يحكم بافلاس أصحاب الصناعات - فى قول - لأنه إنما يلحق من لا صناعة له ولا مال خاصة.
(5)
ويشترط فى المفلس لكى يحكم بافلاسه أن يكون حرا بالغا عاقلا أو مأذونا له اذا كان غير بالغ سواء كان مسلما أم لا، وسواء كان ذكرا أم أنثى.
ويحكم بافلاسه لجميع الناس. وقيل: لا يحكم بافلاس الاب بدين الابن، وضعفه، فى الديوان كما لا يحكم بافلاس الاب لما كان على ابنه الذى يلى أمره الا ما لزمه غرمه من ماله. وكذلك الخليفة لا يحكم بافلاسه بما على اليتيم أو غيره ممن يلى أمره الا أن لزمه غرمه. ويحكم القاضى بافلاس المفلس فى كل ما يجب عليه من أموال - سوى النفقة ونحوها - سواء كان الدين ناشئا من تعد أو من معاملة أو غيرها.
ويشترط فى الدين الذى يحكم بافلاس المفلس به أن يكون حالا أو مؤجلا حل أجله.
(6)
كما يشترط فى الحجر بسبب الافلاس أن يكون بطلب الدائن.
وليس للقاضى أن يحجر على المديون المفلس حال غيبته فى قول البعض وقال البعض يحجر عليه فى ماله إن غاب أيضا. واذا حكم القاضى بافلاس المفلس نادى عليه واعلم به الناس وشهره فى مجامعهم لئلا يخدعهم واذا أراد القاضى أن يشهر المفلس فإنه يأمره أن يلبس لباسا يتبين به فى الناس ويخضب بديه بالحناء ويركبه على الدابة ويطاف به فإن أبى أجبره على ذلك. ولا يختص ذلك بالامام ولا بزمانه لكن يكون بأمر القاضى واشهاره هو الذى عليه العمل ووجهه ظاهر وهو أن يعرف الناس حاله فلا يعامله أحد الا على بصيرة من أمره
(1)
مفتاح الكرامه ج 5 ص 311 - 314 الطبعة السابقة، الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 346 - 347 طبع مطبعة دار الكتاب العربى، شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 200، 205 الطبعة السابقة، الخلاف فى الفقه للاطوسى ج 1 ص 618، تحرير الاحكام ليوسف بن مطهر الحلى ج 1 ص 211 - 212 الطبعة السابقة، قواعد الاحكام لحسن بن مطهر الحلى ج 1 ص 171 - 172 طبعة حجر سنة 1329
(2)
جوهر النظام ج 1 ص 398 الطبعة السابقة
(3)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 165
(4)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 164 الطبعة السابقة
(5)
المرجع السابق ج 7 ص 166 الطبعة السابقة
(6)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 167 الطبعة السابقة
والاصل فى ذلك فعل عمر رضى الله تعالى عنه
(1)
طرق اثبات الافلاس
مذهب الحنفية:
يثبت الافلاس أمام القاضى باحدى الطرق الآتية: - أولا - البينة يقيمها مدعى الافلاس بعد حبس القاضى له مدة يقدرها باجتهاده ولو يوما على الصحيح. وتقبل حينئذ بالاتفاق وأما اذا أقامها قبل حبسه ففى رواية عن محمد لا تقبل وعليه عامة المشايخ وهو الاصح. لأن هذه بينة على النفى فلا تقبل الا اذا تأيدت بمؤيد وقبل الحبس ما تأيدت فاذا حبس ومضت مدة فقد تأيدت به، اذ الظاهر أن القادر على خلاص نفسه من مرارة الحبس لا يتحملها. وفى رواية عنه أيضا تقبل، وبه كان يفتى ابو بكر محمد بن الفضل، وهو قول اسماعيل بن حماد. وفى كيفية الشهادة على الافلاس قال ابو القاسم الصغار: ينبغى أن يقول الشهود: نشهد أنه مفلس لا نعلم له مالا سوى كسوته التى عليه، وثياب ليله وقد اختبرنا آمره سرا وعلانية. ولا يشترط حضور الدائن عند اقامة البينة على الافلاس وهذا كله اذا لم يقم الدائن البينة على يسار مدعى الافلاس أما اذا أقام كل منهما البينة على ما أدعاه فبينة اليسار أحق بالقبول من بينة الافلاس، لأن اليسار أمر عارض والبينات للاثبات اللهم الا أن يدعى الدائن أنه موسر، وهو يقول: أعسرت بعد ذلك وأقام بينة بذلك فإنها تقدم لأن معها علما بأمر حادث وهو حدوث ذهاب المال - ثانيا: اذا لم يقم المفلس البينة على افلاسه وطلب من الدائن أن يحلف أنه ما يعلم أنه مفلس فإنه يلزمه أن يحلف فإن امتنع من الحلف أطلق القاضى المفلس ولو قبل حبسه ثالثا: يثبت افلاس المديون المشتبه حاله أيضا بسؤال القاضى عن حاله بعد حبسه المدة المذكورة ويسأل جيرانه وأهل الخبرة به ممن يخالطونه فى المعاملات، والواحد يكفى إن كان من أهله الثقة والاثنان أحوط وكيفيته أن يقول المخبر: إن حاله حال المعسرين فى نفقته وكسوته، وحاله ضيقة وقد اختبرنا حاله فى السر والعلانية ولا يشترط فى ذلك لفظ الشهادة ولا حضور الدائن والسؤال هنا لا يجب على القاضى وإنما ينبغى له ذلك احتياطا، لأن الشهادة بالافلاس شهادة بالنفى وهى ليست بحجة فكان للقاضى الا يسأل ويعمل برأيه. وهذا كله فى الديون التى لا يقبل فيها قول المديون ودعواه الافلاس بها، وهو كل دين يكون بدلا عن مال حصل فى يده كالقرض ولو لذمى، والثمن ولو لمنفعة كالاجرة. أو يكون قد التزمه بعقد كالمهر المعجل وبدل الخلع وما لزمه بكفالة لأنه اذا دخل المال فى يده ثبت غناه به وزواله عن الملك محتمل والثابت لا يترك بالمحتمل، ولأن اقدامه عى التزامه ذلك المال باختياره دليل يساره وقدرته على الاداء، لأن العاقل لا يلتزم ما لا قدرة له عليه. فيكون كالمتناقض فى دعواه الفقر لوجود دلالة اليسار. والمراد بالغنى المذكور هو القدرة على قضاء الدين لا ملك النصاب لأن الدين قد يكون دون النصاب فى الزكاة أما ما عدا ذلك من الديون كنفقة القريب والمهر المؤجل وما لزم الشخص حكما لفعله لا لعقد كضمان الاتلاف والغصب فإنه يثبت اعسار المديون بها بمجرد دعواه ذلك مع يمينه ما لم يكذبه ظاهر حالة أو يثبت الدائن بالبينة إن له مالا، لأنه لم توجد دلالة قدرته على أداء الدين المدعى به فيكون القول قول من عليه الدين وعلى المدعى اثبات غناه. وكذلك الحكم اذا ادعى الاعسار بنفقة الزوجة لأن دين النفقة ليس بدين
(1)
جوهر النظام ج 1 ص 398
مطلق بل هو صلة واجبة، ولذا يسقط بالموت بالاتفاق وقال الخصاف: القول قول من عليه الدين فى كل ذلك لأن الاصل هو العسرة فى حق كل إنسان لأنه خلق عديم المال. وروى أيضا: أن القول للمديون الا فيما بدله ماله كالقرض والثمن.
والاول هو المعتمد.
(1)
مذهب المالكية:
يثبت افلاس المديون المجهول الحال أو ظاهر اليسار ان ادعى الافلاس وكذبه الدائن أمام القاضى بالآتى: أولا: بشهادة عدلين فأكثر عند القاضى ولو قبل حبسه، ويقول الشهود فى شهادتهم: انه لا يعرف له مال ظاهر ولا باطن ثم يحلف بعد ذلك مدعى الافلاس وجوبا على طبق شهادة الشهود أنه لا يعلم له مالا ظاهرا ولا باطنا ويستحب أن يزيد فى يمينه وان وجد مالا ليقضين الدائنين حقهم، وفائدة هذه الزيادة تظهر فى المستقبل اذا ادعى الدائن على المفلس انه استفاد ما لا ولم يأت ببنية فلا يمين عليه لتقدم هذه اليمين، ولولاها لحلفه كما يستحب أن يزيد فيه أيضا، وليؤدين الدين عاجلا ويمين المديون هذه من تمام النصاب عند ابن رشد بمعنى أنه يتوقف عليها ثبوت افلاسه قضاء. وقال اللخمى: هى يمين استظهار لا يتوقف عليها ثبوت افلاسه، وهو المشهور. والمذهب عند ابن رشد أنه يحلف على البت بأن يقول: ليس عندى مال ظاهر ولا باطن، وعليه اقتصر ابن عرفة والارجح عند ابن سلمون:
هو أن يحلف على نفى العلم كما ذكره، لاحتمال أن يكون له مالا لا يعلمه بنحو ارث أو وصية وعليه اقتصر خليل فى مختصره. وهذا الخلاف فى اليمين.
أما الشهادة فهى على نفى العلم لا على البت والا بطلت اتفاقا، لاحتمال أن يكون له مال فى الواقع ولا يعلم الشاهد به. هذا فى مجهول الحال وظاهر اليسار. أما معلوم اليسار اذا ادعى الافلاس فلا تنفعه سوى البينة التى تشهد بذهاب ما بيده من مال بنحو حريق أو سلب، ولا يكفى قول البينة: لا نعرف له مالا ظاهرا ولا باطنا. ومثل معلوم اليسار فى ذلك من كان عليه دين مقسط يؤدى منه شيئا فشيئا فأدى البعض وادعى الافلاس فى الباقى وكذلك من طولب بنفقة ولده بعد طلاق أمه فادعى العجز عن ذلك، لانه كان ينفق عليه وعلى أمه قبل الطلاق وهو الآن أقدر لزوال نفقة الام.
(ثانيا:) اذا ادعى المديون على الدائن أنه يعلم افلاسه وفقره وكذبة الدائن فان اليمين على الدائن لازمة، فيحلف أنه ما يعلم افلاسه المديون فان نكل عن اليمين ردت اليمين على المديون فان حلف ثبت افلاسه وحكم به. (ثالثا) اذا كان المديون مدعى الافلاس معلوم الفقر، أو كان ظاهر حاله يدل على ذلك فان ذلك يكون دليلا على افلاسه ويحكم بموجبه. (رابعا) لو شهد قوم بافلاس المديون وفقره، وشهد آخرون بيساره فان بينة اليسار تقدم ان بينت سبب يساره أى عينت ما هو موسر به بأن قالت: له مال باطن أخفاه. وسواء بينت بينة الافلاس سببه بأن قالت: ماله حرق أو غرق أم لا.
فان لم تبين بينة اليسار ما هو موسر به رجحت بينة الافلاس سواء بينة سبب الافلاس أم لا. وهذا هو الراجح. ولكن الذى به العمل تقديم بينه اليسار وان لم تبين سببه والقاعدة تقديم ما به العمل على المشهور
(2)
.
مذهب الشافعية:
اذا ادعى المديون أنه مفلس أو أن ماله المعروف تلف أو قسم بين الدائنين وزعم أنه لا يملك غيره وأنكر دائنوه ذلك فان لم يعهد له مال ولزمه الدين لا فى مقابلة مال كصداق وضمان واتلاف فانه يصدق فى دعواه الافلاس بيمينه فى الاصح، لانه خلف ولا مال له والاصل بقاء ذلك. وقيل: لا يصدق
(1)
فتح القدير والعناية والهداية ج 5 ص 472 - 476 مطبعة مصطفى محمد سنة 1356 هـ، الجوهرة واللباب للميدانى ج 1 ص 247 الطبعة الاولى للمطبعة الخيرية سنة 1322 هـ، حاشية عابدين على الدر المختار ج 4 ص 329 - 332 الطبعة السابقة، الفتاوى الهندية وبهامشها الفتاوى البزازية ج 5 ص 63 - 64، 226 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب شرح الحرج باب الافلاس ج 5 ص 305 وما بعدها كتاب الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 263 وما بعدها.
الا ببينة لان الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا.
وقيل: ان لزمه الدين باختياره كالصداق والضمان لم يصدق الا ببينة وان لزمه بغير اختياره كأرش الجناية وغرامة المتلف صدق بيمينه، والفرق أن الظاهر أنه لا يشغل ذمته بمالا يقدر عليه. وان عهد له مال ولزمه الدين فى معاملة مال كشراء أو قرض لغير النفقة أم بغيرها فعليه البينة بافلاسه من الاصل أو بأنه لا يملك غير المال التالف أو الذى قسم بين الدائنين لان الاصل بقاء ما وقعت عليه المعاملة ومحل ذلك فى مال يبقى ما غيره كلحم ونحوه فهو من القسم الاول فيقبل قوله بيمينه فيه. ويحلف المفلس مع هذه البينة ان طلب الدائن ذلك وتقبل بينة الافلاس من المفلس فى الحال بدون مضى مدة يحبس فيها ليختبر حاله كما تقبل فى غيبة الدائن ولا يتوقف ثبوت الافلاس على حضوره. ويكفى فى بينة الافلاس رجلان ولا يشترط ثلاثة، ولا يكفى فيها رجل وأمرأتان ولا شاهد ويمين ويشترط فى شاهد الافلاس خبرة باطن المفلس بطول الجوار أو المعاملة أو المرافقة فى السفر، لان الاموال تخفى فلا يجوز الاعتماد على ظاهر الحال ويعتمد قول الشاهد:
انه خبير بباطن المفلس، وان عرفه القاضى كفى.
ويقول الشاهد فى شهادته: هو معسر لا يملك الا قوت يومه، وثياب بدنه. ولا يقتصر فى شهادته على أنه لا يملك شيئا، لانه لا يمكن الاطلاع عليه.
وكذلك يثبت الافلاس باليمين المردودة بأن يدعى المفلس علم دائنه بافلاسه ويطلب تحليفه أنه لا يعلم افلاسه فينكل الدائن عن اليمين فيحلف المديون أنه مفلس فيثبت افلاسه بذلك. وللمفلس تكرير طلب يمين الدائن بذلك ويحلفه القاضى حتى يظهر له أن قصده الايذاء فلا يجيبه لذلك. وكذلك يثبت افلاس المفلس بعلم القاضى ذلك فيجوز له الحكم به خلافا لامام الحرمين واذا عجز غريب لا يعرف حاله عن اثبات افلاسه وجب على القاضى بعد حبسه أن يعهد الى اثنين فأكثر من الرجال البحث بقدر الطاقة عن حاله فاذا غلب على الظن افلاسه شهدوا به. وثبت بذلك افلاسه وأجرة الموكل اليه بالبحث عن بيت المال. فان لم يكن ففى ذمة المديون الى أن يوسر فيما يظهر فإن لم يرض أحد بذلك سقط الوجوب عن القاضى فيما يظهر أيضا.
واذا تعارضت بينة اليسار وبينة الافلاس قدمت بينة اليسار حيث لم يعرف لمدعى الافلاس مال وبينت سبب يساره لانها نافلة. فان عرف له مال قبل ذلك قدمت بينة الافلاس. واذا ثبت افلاس المديون بالنسبة لقدر من المال ثبت به افلاسه بالنسبة لما هو أكثر منه من الديون دون ما هو أقل منه قدرا.
(1)
مذهب الحنابلة:
من وجب عليه دين فطولب
(2)
به فادعى الافلاس وأنه لا شئ معه يؤديه فى الدين، فان لم يظهر له مال وصدقة دائنه كان بها وثبت بذلك افلاسه. وان كذبه فى دعوى الافلاس وكان دين يدعى ذلك عن عوض مالى كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق والغالب بقاء ذلك المال فلا بد لمدعى الافلاس من اقامة بينة تشهد بافلاسه. فان شهدت البينة بتلف ماله أو بقاؤه ولم تشهد بافلاسه قبلت شهادتهم، سواء كان الشهود ممن يعرفون حال المفلس ظاهرا وباطنا أم لا، لان تلف المال يطلع عليه من عرف باطن حال المفلس وغيره. وان طلب الدائن تجليف المديون على ذلك لم يجب اليه لانه تكذيب للبينة.
أما ان طلب تحليفه اليمين على افلاسه وأنه ليس له مال آخر استحلف على ذلك، لانه غير ما شهدت به البينة فان حلف المفلس ثبت افلاسه. وان لم تشهد البينة بتلف ماله وانما شهدت بافلاسه لم تقبل الشهادة الا من ذى خبرة بباطن حال المفلس لان الافلاس والاعسار من الامور الباطنة التى لا يطلع عليها فى الغالب الا أهل الخبرة والمخالطة ويكتفى فيها بشهادة اثنين، ولا يحلف المفلس مع بينته الشاهدة
(1)
نهاية المحتاج ج 3 ص 323 وما بعدها
(2)
المفتى والشرح الكبير ج 4 ص 459 وما بعدها وكشاف القناح وشرح الازدات ج 2 ص 140 وما بعدها
بافلاسه، لانه تكذيب للبينة. ويكفى أن تشهد البينة بالتلف أو الافلاس فلا يعتبر الجمع بينهما وفى التلخيص: لا يكتفى بالشهادة بالافلاس بل لا بد من الشهادة بالتلف والافلاس معا. وفى الفائق وغيره: لا بد أن تشهد بذهاب مال المديون وافلاسه ولا يكفى ان تشهد بأنه لا يملك شيئا. وتسمع البينة على الافلاس أو التلف ونحوه فى الحال، سواء قبل حبس المفلس أو بعده ولو بيوم لان كل بينة جاز سماعها بعد مدة جاز سماعها فى الحال كسائر البينات لكن قال ابن تيمية: وان كان دين مدعى الافلاس ثبت عليه فى غير مقابلة مال أخذه كأرش جناية وقيمة متلف ومهر أو ضمان أو كفالة أو عوض خلع ان كان امرأة، ولم يعرف له مال الغالب بقاؤه ولم يسبق منه اقرار بالغنى فان القول حينئذ يكون قول مدعى الافلاس بيمينه فيحلف أنه لا مال له وبذلك يثبت افلاسه ويخلى سبيله. الا اذا أقام الدائن البينة على يساره فيعمل بها. وكذلك يثبت الافلاس ولو فى المواضع التى لا بد فيها من البينة بيمين المديون أنه مفلس اذا طلب من الدائن أن يحلف أنه لا يعلم افلاسه وامتنع الدائن من الحلف، واذا عجز الغريب عن اثبات افلاسه بالبينة يأمر القاضى من يسأل عنه فاذا ظن السائل افلاسه شهد به عند القاضى وثبت بذلك افلاسه.
(1)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: إن كانت الحقوق التى على المفلس نشأت من معاملة ببيع أو قرض فإنه يلزمه اثبات افلاسه بالبينة ولا يكفى فى ذلك يمينه لأنه صح أنه قد ملك مالا، ومن صح أنه قد ملك مالا فواجب أن يقضى دينه من ذلك المال حتى يصح أن ذلك المال قد تلف وهو فى تلفه مدع وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبينة على المدعى.
أما إن كانت الحقوق التى على المفلس من نفقات أو صداق أو ضمان أو جناية فإنه يكفى فى اثبات افلاسه بذلك يمينه أنه معدم لا مال له، لأن الاصل فى الانسان أن يولد ولا شئ له. فالناس كلهم قد صح لهم الفقر فهم على ما صح منهم حتى يصح أنهم كسبوا مالا، وهو فى أنه قد كسب مالا مدعى عليه، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه، فاذا حلف فلا سبيل اليه حتى يثبت خصمه أن له مالا
(2)
.
مذهب الزيدية:
يقبل قول مدعى الافلاس مع يمينه لأجل حق يدعى عليه به حيث ظهر من حاله الافلاس. واذا كان الظاهر من حاله الافلاس وحكم له به فادعى دائنه إنه قد صار موسرا وجب إن يحلف المفلس على القطع، ولا ترد لأنها تشبه التهمة، ثم كلما لبث مدة ثم ادعى يساره حلف له ايضا اذا تحلل بين الدعويين مدة يمكن فيها يساره فى مجرى العادة والكسب. فإن لم يظهر حال مدعى الافلاس بأن كان الظاهر يساره أو التبس حاله لزمه إن يقيم البينة إنه فقير، مفلس، ويحلف مع البينة إن طلب الدائن منه ذلك، لأن البينة غير محققة الا إن تكون البينة على اقرار الدائن بعسره وافلاسه فلا يمين عليه حينئذ. وحكى عن المؤيد بالله وأبى العباس إنه لا يستحلف مع بينته. وبينة المفلس ويمينه إنما يسمعان بعد حبسه مدة يغلب على الظن إنه لا يبقى فيه وهو متمكن من التخلص من ذلك بوفاء دينه. وهذا اذا لم يكن المفلس مشهورا بالعدالة والفضل. فإن بينا معا فبينة المفلس اولى، اذا هى كالخارجة ولو قال المفلس لدائنه
(3)
.
انت تعلم عسرى وافلاسى بدينك فأنا أطلب يمينك بالله ما تعلمه فإنه يجب تحليف الدائن إنه ما يعلمه ولا يظنه مفلسا ولا ترد اليمين لأنها يمين تهمة فإن لم يحلف الدائن ثبت افلاس المديون ولم يحبس،
(1)
المراجع السابقة ج 4، ج 2 ص 460
(2)
المحلى ج 8 ص 630 بالرقم 1277
(3)
شرح الازهار ج 4 ص 277، 278 والتاج المذهب ج 4 ص 154 وما بعدها.
ذكر ذلك المؤيد بالله وظاهر مذهب يحيى إنه يحبس من غير يمين صاحب الدين.
مذهب الإمامية:
يثبت افلاس المديون الذى يدعى ذلك باقرار الدائن واعترافه بذلك. اما إن كذبه الدائن ولم يكن لمدعى الافلاس بالدين مال ظاهر فإن كان اصل الدين مالا كالقرض او عوضا عن مال كثمن المبيع او عرف له أصل مال وادعى تلفه فإنه يلزمه أن يثبت افلاسه بالبينة المطلعة على باطن امره بكثرة مخالطته وصحبته إن شهدت بالاعسار مطلقا او بتلف المال حيث لا يكون منحصرا فى أعيان مخصوصة والا كفى اطلاع البينة على تلف المال إن كان المال منحصرا فى اعيان مخصوصة. وإن لم تكن البينة مطلعة على باطن امره يسرا وعسرا. وتشهد البينة باثبات يتضمن النفى لا بالنفى الصرف بإن يقول الشاهد فى الاثبات: إنه معسر وفى النفى:
لا يملك الا قوت يومه وثياب بدنه، ونحو ذلك.
واذا أقام المديون البينة على افلاسه وطلب الدائنون من القاضى تحليفه اليمين كان لهم ذلك، لأن الشاهدين يشهدان على ظاهر حاله، ويجوز إن يكون له مال لا يقف عليه احد فيتوجه عليه اليمين والاحتياط يقتضيه ولا يؤدى هذا الى تكذيب الشهود، لأنهم شهدوا على ظاهر حاله دون باطنه. وهذا اذا شهدت البينة بالاعسار مطلقا اما لو شهدت بتلف ماله فلا يكلف اليمين ولو لم تكن البينة مطلعة على باطن امره. واذا قامت البينة على الافلاس وجب سماعها فى الحال وتقبل لأن هذه الشهادة ليست على مجرد النفى، وإنما يتضمن النفى اثبات صفة الحال وهى الاعسار فوجب أن تكون مقبولة مثل سائر الحقوق والصفات. وإن كان أصل الدين عليه من جناية او اتلاف مال وادعى الافلاس ولم يعرف له أصل مال فإنه لا يلزمه اثبات ذلك بالبينة، وتقبل دعواه بدونها، لأن الأصل عدم المال، وللدائنين مطالبته باليمين
(1)
.
مذهب الإباضية:
يثبت افلاس المديون بشهادة رجلين أمينين أو رجل أمين وامرأتين امينتين فصاعدا، ولا يثبت بقول شهادة غيرهم. واذا أراد الشهود إن يشهدوا على رجل بالافلاس فإنهم يقولوا: شهدنا ان هذا الرجل مفلس. وليس له شئ الا إن كان له ما لم نعلم. وإن قالوا: هذا الرجل مفلس، او قالوا:
قد حكم القاضى فلان بافلاسه فأنه يجوز قولهم فى ذلك يكون مفلسا. اما إن قالوا: إن هذا الرجل فقير أو مسكين أو مملوك فلا يفلسه القاضى بذلك.
وإن شهر عليه الدائنون بانه قد فلسه القاضى بدينهم فلا تجوز شهادتهم بذلك. ولا يشهد عليه أنه مفلس الا من اختبر حاله وعلم سره بأن يكون قد علم أنه مفلس من الأصل، أو علم أنه تلف ماله بمعنى من المعانى. وأما من لم يخالطه ولم يختبره الا أنه لم يعلم له مالا هكذا فلا يشهد عليه أنه مفلس وإن لم يعرف للمفلس مال إلا ما كان فى يد غاصب له او لم يعرف له الا حيوان ضال أو مال له على آخر وجحده، وحلف فإن الشهود يستثنونه فى شهادتهم بافلاسه ويقولون: لكن له كذا وكذا بيد الغاصب او نحو ذلك. ولا تقبل شهادة الرجل لابنه ولغيره من كل من يتهم بشهادته له. وإن رجع الشهود عن شهادتهم بالافلاس بعد الحكم بها فلا عبرة برجوعهم هذا اما إن رجعوا قبل الحكم بها فلا يحكم بافلاسه. وإن كتموا شهادتهم بافلاس المديون أثموا ولا ضمان عليهم. وإن شهدوا بالزور إنه مفلس ضمنوا ما أتلفوا لأصحاب الديون الا إن دفع المديون ما طلب منه والشهادة بالافلاس واجبة على الناس كغيرها من الشهادة. وقيل لا تجب عليهم الا
(1)
شرائع الاسلام ج 1 ص 203 والروضة ج 1 ص 346 وتحرير الاحكام ج 1 ص 216، 217 وقواعد الاحكام ج 1 ص 176 والخلاف فى الفقه ج 1 ص 623، 624.
اذا طلبهم لادائها من له دخل فى ذلك ولو لم يتحملوها. وإن ادعى المديون الافلاس وادعى الدائن يساره طالب القاضى كلا منهم ببينة وحكم بما صح عنده منهما. وقيل: إن كان المدين الذى عليه مما له بدل فهو مدع فى الافلاس لا بد له من اثباته بالبينة. وإن كان مما لا عوض له ولا بدل كالصداق والجرح فالقول قوله مع يمينه على ما ذكر فان ادعى الدائن ان له مالا كلفه القاضى بيانه. وان لم يدع الدائن ذلك سأل القاضى عن حاله.
وسيأتى فى حبس المفلس تمام هذا الموضوع. وان لم يثبت المفلس افلاسه فلا يمين له على الدائن ان جحد الافلاس، قال صاحب شرح النيل: والذى عندى انه يكون له تحليف الدائن اليمين على علمه بما جحده فيحلف الدائن والله ما علمت انه مفلس
(1)
.
تصرفات المفلس قبل الحكم
بأفلاسه والحجر عليه
مذهب الحنفية:
المفلس قبل الحكم بافلاسه والحجر عليه أهل لكل التصرفات الشرعية من البيع والشراء والهبة والصدقة والاقرار وغيره حتى لو فعل شيئا من ذلك نفذ ولا يملك دائنوه ولاية منعه من ذلك ولا ابطاله بعد صدوره منه وسواء فى كل ذلك كان المفلس محبوسا لأجل دين الدائنين أم لا، لأن الحبس لاجل ذلك لا يوجب بطلان أهليته للتصرفات
(2)
.
مذهب المالكية:
المفلس الذى أحاط الدين بماله - أى زاد عليه أو ساواه - له ثلاث أحوال الأولى: قبل قيام الدائنين عليه وقبل تفليسه والحجر عليه فلا يجوز له فى هذه الحالة التصرف فى ماله بغير عوض فيما لا يلزمه مما لم تجر العادة بفعله من هبة وصدقة ووقف وقرض وما اشبه ذلك. وكذلك لا يجوز اقراره بدين لمن يتهم فى اقراره له كابن وأخ وزوجة يميل اليها وصديق ملاطف فللدائنين منعه من ذلك على المختار والأصح. كما لا يجوز له ان يعطى كل ما بيده من مال لبعض الدائنين دون البعض، ومثل اعطاء الكل ما اذا بقى فى يده فضلة من المال لا يعامله الناس عليها. وكذلك لا يجوز له ان يعجل لاحد الدائنين دينه قبل حلول أجله لأن من عجل ما أجل يعتبر مقرضا، والقرض من جملة التبرعات فيرد كل ما أعطاه لهذا الدائن. وقال بعضهم: لا يرد كل ما أعطاه له بل بعضه لأن قيمة الدين المؤجل أقل من قيمته معجلا، فالزائد على قيمته مؤجلا هبة ترد اتفاقا كما يمنع من التزوج بأكثر من امرأة واحدة على المختار، لأنها تعفه عادة. واذا فعل شيئا من ذلك كان لاصحاب الديون الحالة ابطاله وقت ان يعلموا به ولو بعد طول زمان، أما ما جرت العادة به ككسرة خبز لسائل وأضحية ونفقة عيدين، أو كان واجبا عليه كنفقة ابنه وأبيه المعدمين دون سرف فى الجواز فانه جائز ولا يمنع منه .. كما لا يمنع من تصرفاته المالية كالبيع والشراء بدون غبن ونحوهما من كل ما فيه تنمية المال وكذا الهبة بشرط العوض، والاقرار بدين لمن لا يتهم فى اقراره له. وكذلك لا يمنع من اعطاء بعض ما بيده من مال لدائن حل دينه بشرط ان يكون البعض الباقى يصلح للمعاملة عليه. كما لا يمنع من رهن بعض ماله لبعض دائنيه فى معاملة حادثة بعد احاطة الدين بماله او قبلها ولا يمنع أيضا من الزواج بامرأة واحدة، بشرط ان تكون ممن تشبه نساءه، وأن يصدقها صداق مثلها فان أصدقها أكثر من صداق مثلها فللدائنين الزائد يرجعون عليها به حتى ولو كان الزائد ما زال دينا لها عليه. اما الحج فان كان تطوعا فيمنع منه من أحاط الدين بماله اتفاقا، وكذا ان كانت حجة الفريضة على المختار لأن ماله الآن للدائنين. وسواء فى كل هذا كان صاحب الدين واحدا أو متعددا، وسواء كان دينه حالا أو مؤجلا. وهذا كله فيما اذا علم يقينا احاطة الدين بمال المديون. أما من شك فى احاطة الدين بماله فلا يمنع من شئ من ذلك.
وكذلك لا يمنع من ذلك ان ادعى اليسار الا بعد
(1)
شرح النيل ج 7 ص 166، 167، 179، 170.
(2)
بدائع الصنائع ج 7 ص 174.
كشف القاضى عن ماله فان وجد وفاء لم يفلس والا فلس، وهو المشهور. ولا يحتاج هذا الى حكم من القاضى. الثانية: التفليس العام وهو قيام الدائنين عليه قبل الحجر عليه ولهم فى هذه الحالة حبسه والحيلولة بينه وبين ماله ومنعه من جميع التصرفات حتى المالية منها كالبيع والشراء والأخذ والعطاء ولو بدون غبن وكذلك لهم منعه من التزوج ولو بامرأة واحدة من هذا المال الموجود فى يده كما يكون للدائنين حينئذ قسمة ماله بينهم بنسبة دين كل منهم. الا أن الدين المؤجل على المفلس لا يحل بذلك ولا يحتاج هذا التفليس ايضا الى حكم القاضى.
الثالثة: تفليسه تفليسا خاصا، وهو حكم القاضى بخلع مال المفلس للدائنين لعجزه عن قضاء ما لزمه من الديون وقد سبق تفصيل شروطه فى الحجر على المفلس وشرائطه اما ما يترتب عليه فسنذكره فى الفصل التالى وهو ما يترتب على الحكم بافلاس المفلس والحجر عليه
(1)
.
مذهب الشافعية:
المفلس قبل الحجر عليه بسبب افلاسه يصح تصرفه مطلقا حتى وان زادت الديون الحالة على ماله وطالبه الدائنون بها وامتنع من الأداء. كما يصح منه ان يقسم أمواله - اذا أراد بين الدائنين كيف شاء قال السبكى: لكن ينبغى اذا استووا وطالبوا حقهم على الفور ان تجب عليه التسوية بينهم وبينه ومع ذلك لو فاضل بينهم نفذ فعله لبقاء الحق فى ذمته وعدم تعلقه بعين ماله. وكذلك لا يحل الدين المؤجل عليه بلا خلاف
(2)
.
مذهب الحنابلة:
كل ما فعله المفلس فى ماله قبل الحجر عليه من البيع والهبة والاقرار وقضاء بعض الدائنين ديونهم وغير ذلك فهو جائز نافذ ولو استغرق التصرف جميع ماله، لأنه من مالك جائز التصرف فينفذ تصرفه كغيره ولأن سبب المنع عن ذلك هو الحجر فلا يتقدم على سببه. الا أنه مع ذلك يحرم على المديون التصرف فى ماله بما يضر به بدائنه.
واختار الشيخ ابن تيميه: ان من ضاق ماله عن ديونه وطالبه الدائنون بها فلا ينفذ منه تصرف من ذلك ويصير محجورا عليه بغير قضاء القاضى به، قال: وهو رواية عن أحمد. كما ذكر ايضا ان من عليه نفقة واجبة فلا يملك التبرع بما يخل بالنفقة الواجبة قال وكلام احمد يدل عليه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: اقرار المفلس بالدين قبل ان يقضى القاضى بماله للدائنين لازم مقبول ويدخل المقر له مع الدائنين لأن الاقرار واجب قبوله وليس لأحد ابطاله بغير نص قرآن أو سنة
(4)
.
مذهب الزيدية:
للمفلس أن يتصرف فى ماله بعد افلاسه كل تصرف من بيع او هبة او وقف او قضاء احد الدائنين بجميع ماله او نحو ذلك ويكون هذا التصرف منه صحيحا نافذا اذا وقع قبل ان يصدر الحكم بالحجر عليه من القاضى ولو بعد مطالبته بالدين ورفع طلب الحجر عليه من الدائنين للقاضى الا انه يأثم اذا قضى بعض الدائنين بجميع ماله بعد مطالبة الباقين وكذلك لو اقر بسلعة او دين للغير صح اقراره ما لم يثبت انه اقر توليجا فلا حكم
(5)
له.
(1)
الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 261، 263 والشرح الصغير ج 2 ص 138، 139 وشرح الخرش ج 5 ص 303، ص 305
(2)
حاشية الباجورى ج 1 ص 479 واسنى المطالب ج 2 ص 191 ونهاية المحتاج ج 3 ص 319.
(3)
كشاف القناع ج 2 ص 209 والاختبارات لابن تيمية ج 1 ص 80
(4)
المحلى ج 8 ص 645 مسألة رقم 1281
(5)
شرح الأزهار ج 4 ص 283
مذهب الإمامية:
كل ما يفعله المفلس قبل الحجر عليه من التصرفات يكون نافذا سواء كان التصرف بعوض أم بغير
(1)
.
مذهب الإباضية:
الافلاس العام: وهو مجرد قيام الدائنين على المفلس المذهب فيه انه لا يمنع المفلس من شئ فله ان يفعل فى ماله ما شاء ما لم يحكم القاضى بافلاسه ويحجر عليه. وهناك قول فى المذهب إنه يمنع من ذلك
(2)
.
ما يترتب على الحكم بافلاس
المديون والحجر عليه
الأول منع المفلس من
التصرفات:
مذهب الحنفية:
المحجور عليه بسبب الافلاس يمنع - عند أبى يوسف ومحمد - من كل تصرف يؤدى الى ابطال حق الدائنين او يضرهم وذلك كالهبة والصدقة ونحوهما من كل التبرعات اما البيع فان كان يمثل القيمة جاز من المفلس وان كان بأقل منها لا يجوز منه سواء كان الغبن يسيرا أو فاحشا، ويخير المشترى حينئذ بين ازالة الغبن وبين الفسخ ورد المبيع
(3)
.
وان باع شيئا من عقاره او عروضه للدائن الذى حجر لاجله ليصير الثمن قصاصا بدينه جاز بيعه وهذا اذا كان الدائن واحدا. فان كانا اثنين فاكثر وحجر عليه بسبب افلاسه بديونهم فباع لاحدهم شيئا بمثل قيمته صح بيعه. ولكن المقاصة لا تصح فلا يصير كل الثمن قصاصا بدين هذا المشترى لان فيه ايثار بعض الدائنين على البعض، ولكن يكون الثمن بين الدائنين بالحصص. وكذلك يمنع المحجور عليه للدين من قضاء دين بعض الدائنين، فان فعل كان لباقى الدائنين ان يشاركوا القابض فيما قبض فيسلم للقابض حصته ويدفع ما زاد على حصته الى غيره من الدائنين ولو تزوج المحجور عليه للدين امرأة صح نكاحه فان زاد مهرها على مهر المثل فمقدار مهر مثلها يظهر فى حق الدائنين الذين حجر عليهم لاجلهم فيكون لها ان تزاحمهم وتقاسمهم فيما فى يد الزوج المديون من مال اما ما زاد على مهر مثلها فلا يظهر فى حق الدائنين ويظهر فى حق المال الحادث له بعد الحجر
(4)
. وان اقر المفلس فى حالة الحجر عليه بدين لانسان فانه يصح اقراره بالنسبة لذمته ويلزمه ان يقضيه بعد قضاء الديون التى حجر لاجلها. اما بالنسبة للدائنين الذين حجر عليه لافلاسه بديونهم فلا يصح اقراره فى حقهم لانه تعلق بهذا المال حق الاولين فلا يتمكن من ابطال حقهم بالاقرار لغيرهم ولاحتمال ان يكون كاذبا فيرد اقراره للتهمة حتى لو كان سبب وجوب الدين المقر به ثابتا عند القاضى بعلمه او بشهادة الشهود على الاستقراض او الشراء بمثل القيمة مثلا فان اقراره يكون صحيحا ويكون من حق المقر له حينئذ ان يشارك الدائنين بحصته.
ولو اقر المحجور عليه بحد او قصاص صح اقراره، والقاعدة فى هذا أن كل تصرف لا يحتمل الفسخ ولا يبطله الهزل ينفذ منه ولا يحجر عليه فيه اتفاقا. اما ما يحتمل الفسخ ويبطله الهزل فلا ينفذ منه الا باذن القاضى ويحجر عليه فيه عند الصاحبين. ولتفصيل هذا (انظر مصطلح حجر). ولو استهلك المفلس مال انسان فى حالة الحجر وثبت استهلاكه له بشهادة الشهود فانه يلزمه ضمان ذلك ويكون من حق من له الضمان ان يشارك الدائنين الذين حجر لاجلهم فيما يكون فى يد المفلس من مال لان الاستهلاك فعل حسى مشاهد فيشاركهم لانتفاء التهمة
(5)
(1)
قواعد الاحكام ج 1 ص 177.
(2)
شرح النيل ج 7 ص 164
(3)
الفتاوى الهندية ج 5 ص 62
(4)
الفتاوى الخانية بهامش الهندية ج 3 ص 635، ص 637 والفتاوى الهندية ج 5 ص 61 وما بعدها
(5)
المرجع السابق.
مذهب المالكية:
يترتب على افلاس الشخص افلاسا خاصا منعه من كل التصرفات التى سبق ذكرها فى تصرفات المفلس قبل الحكم بافلاسه والحجر عليه وهو الافلاس العام، لانه كلما وجد الافلاس الخاص وجد الافلاس العام ولا عكس اذ قد يقوم الدائنون على المديون من غير ان يرفعوا الامر الى القاضى فيمنع المفلس افلاسا خاصا من كل تصرف مالى بيده من مال كبيع وشراء وتأجير واستئجار وزواج ونحوه سواء كان بغبن ومحاباة ام لا فان وقع منه شئ من هذه التصرفات لم يبطل بل يوقف على نظر الدائنين ورأيهم فى حالة اتفاقهم او نظر القاضى ورأيه عند عدم اتفاق الدائنين واختلافهم فى رد وامضاء هذا التصرف منه. وكذلك يمنع من جميع التبرعات كالهبة والصدقة ونحوها بالاولى، لانه يمنع من ذلك بمجرد احاطة الدين بماله قبل الحكم بافلاسه والحجر عليه كما سبق.
اما ان التزم المفلس شيئا فى ذمته لغير الدائنين على ان يوفيه من مال يحدث له غير الذى حجر عليه فيه كأن يقترض شيئا فى ذمته او يشترى او يستأجر بشئ فى ذمته الى أجل معلوم فلا يمنع من دفع ما التزمه فى ذمته من المال الحادث له لكن اذا بقى من هذا المال شئ بعد وفاء الدين الذى فى الذمة وكان دين الدائنين باقيا عليه فلهم منعه من التصرف فى هذا المال الباقى حتى يوفيهم دينهم. وان اقر بدين فى ذمته فإنه يقبل منه اذا أقر به لمن لا يتهم عليه فى المجلس الذى حكم بافلاسه او قام الدائنون عليه فيه او قريبا منه عرفا، فيدخل المقر له حينئذ مع الدائنين فى قسمة المال. وذلك بشرط ان يكون الدين الذى حكم بخلع مال المفلس لاجله أو قام الدائنون عليه لاجله قد ثبت باقرار المفلس أيضا واما ان كان ثابتا بالبينة الشرعية فان اقرار المفلس به فى المجلس او قربه لا يقبل ولا يفيد شيئا بالنسبة الى المال الموجود فى يده حتى ولو علم تقدم معاملة بين المقر والمقر له.
اما بالنسبة لتعلقه بذمته فيقبل ويفيد فيما تجدد للمفلس من مال بعد الحجر عليه. ويكون من حق المقر له حينئذ ان يقاسم الدائنين فى هذا المال الحادث. وكذلك يتعلق بذمة المفلس ما اقر به من دين لمن لا يتهم عليه بعد مجلس الافلاس بمدة طويلة عرفا او لمن يتهم عليه كابن وأخ وزوج حتى ولو كان الدين الاول الذى فلس بسببه ثابتا باقراره، فلا يدخل المقر له فى قسمة مال المقر المفلس مع الدائنين الا بالنسبة للمال الحادث له بعد الافلاس فقط، وهذا هو المعتمد. وقيل: يقبل اقرار المفلس سواء كانت الديون ثابتة عليه باقرار أو بينة واختاره بعض الشيوخ واستظهره ابن عبد السّلام ولمالك فى الموازية قول ثالث هو: ان من اقر له المفلس ان كان يعلم تقدم مداينة وخلطة بينه وبين المقر حلف المقر له ودخل فى قسمة مال المفلس مع من له بينة بدينه.
ويقبل اقرار المفلس افلاسا خاصا أو عاما وتعيينه مال المضاربة الذى تحت يده أو الوديعة بأن يقول:
هذا المال مضاربة تحت يدى أو وديعة لفلان وذلك بشرط أن تقوم بينة بأصل ما ذكر بأن تشهد تلك البينة بأن عنده مال مضاربة أو وديعة لفلان أو على اقراره بذلك قبل تفليسه ويقبل منه ذلك سواء كان المتهم عليه م لا، وسواء كان بالمجلس وقربه أم لا على المعتمد، فان لم تقم بينة بأصل ذلك فلا عبرة باقراره ولا تقبل تعيينة ما ذكر سواء كان المفلس صحيحا او مريضا، وكذلك لا يقبل اقراره بذلك ان لم يعين المال بأن قال: لفلان عندى وديعة أو مال مضاربة وهذا كله هو ما ذهب اليه ابن القاسم خلافا لاصبغ حيث قال: يقبل تعيين المفلس لمال المضاربة والوديعة ولو لم تشهد بينة بأصلهما، واختاره اللخمى. والمختار قبول قول الصانع اذا افلس فى تعيين ما بيده لاصحابه بلا بينة بأصله، ويكتفى بقوله: هذا الثوب أو هذا الغزل مثلا لفلان مع يمين المقر له، لان الشأن ان ما بيد الصانع هو امتعة الناس وليس العرف والعادة الاشهاد عليه عند الدفع ولا يعلم صاحبه لا من قوله فيبعد ان يقربه لغير صاحبه. وسواء كان فلان ممن يتهم عليه ام لا، وسواء كان الاقرار بمجلس التفليس وقربة ام لا.
ولا يمنع المفلس من تصرف لا يضر بحقوق الدائنين مثل خلع الرجل لزوجته فإنه يجوز وينفذ، لانه قد يأخذ منها ما لا يستعين به على قضاء دينه أو تحط عنه
دين مهرها أو دينا غيره. وأما المرأة المفلسة فلا يجوز لها أن تخالع زوجها على مال الا اذا كان فى ذمتها من مال يحدث لها غير ما فلست فيه، لأنه تصرف مالى كتزوج الرجل المفلس وهى ممنوعة منه. وكذلك لا يمنع المفلس من طلاق زوجته ولو ادى الى حلول مؤخر مهرها، لأنه يسقط عنه بسبب الطلاق بنفقتها، اما المهر فمن حقها ان تطالب به وتدخل به عند قسمة المال مع الدائنين سواء طلقها زوجها ام لا، فليس الطلاق موجبا لذلك. وكذلك لا يمنع المفلس من ان يتقص ممن وجب له عليه قصاص فله ذلك وليس للدائنين ان يلزموه العفو على مال ومثل القصاص فى النفس جراح العمد التى ليس فيها شئ مقدر. ولا يمنع ايضا من العفو عن قصاص او حد مما لا مال فيه بخلاف الخطأ وجراح العمد الذى فيه مال مقدر، فللدائنين منعه من العفو عن ذلك بدون عوض مالى
(1)
مذهب الشافعية:
اذا حجر على المفلس بطلب او بدونه - تعلق حق الدائنين بماله عينا كان او دينا او منفعة، حتى لا ينفذ تصرفه فيه بما يضرهم. وضابط ذلك انه لا يصح ممن حجر عليه بسبب الافلاس كل تصرف مالى بالنقد منشأ منه ابتداء يفوت على دائنيه شيئا من أعيان ماله فى خلال حياته لا مضافا الى ما بعد موته. فلا يصح بيع المفلس حينئذ ولا شراؤه بالنقد ولو باذن الدائنين ولا هبته ولا وقفة ولا رهنة ولا ابراؤه من دين له ولو مؤجلا، ويبطل تصرفه هذا فى الحال لأنه محجور عليه بحكم القاضى فلا يصح تصرفه بما يخالف المقصود من الحجر. وهذا هو الاظهر وقيل:
يوقف تصرفه المذكور فان فضل ذلك عن الدين لارتفاع القيمة او ابراء الدائنين او بعضهم نفذ وإلا لغا. وكذا لو باع ماله كله أو بعضه لدائنيه بدينهم من غير اذن القاضى بطل البيع فى الاصح لأن الحجر يثبت على العموم ومن الجائز أن يكون له دائن آخر.
أما باذن القاضى فيصح بشرط أن يقع العقد لجميع الدائنين بلفظ واحد، وأن يكون دينهم من نوع واحد. وقيل: يصح لأن الاصل عدم غيرهم، وقياسا على صحة بيع المرهون للمرتهن. ويستثنى من منع المفلس من الشراء بالنقد ما لو دفع له القاضى مالا لنفقته ونفقة عياله فاشترى به شيئا من النفقة فانه يصح جزما فيما يظهر كما قاله الاذرعى وغيره. وهذا كله فيما اذا تصرف المفلس تصرفا ماليا بالنقد.
أما اذا تصرف فى ذمته كما لو باع فى ذمته سلما أو غيره او اشترك او استأجر او اقترض شيئا فى الذمة فالصحيح صحته وعدم منعه منه، ويثبت البيع والثمن ونحوهما فى ذمته لأنه لا ضرر على الدائنين فى ذلك بل فيه نفعهم. وكذلك تصح وصيته اثناء الحجر عليه ولا يمنع منها لتعلقها بما بعد موته فلا ضرر على الدائنين كما يصح نكاح المفلس بمهر فى ذمته، ورجعته وطلاقه والخلع على مال ولو قال ان كان رجلا.
أما المرأة المفلسة فان خالعت زوجها على عين من أعيان مالها لم يصح. وان خالعته على دين فى ذمتها صح. كما يصح استلحاقه النسب ونفيه له باللعان، واجازة وصية زادت على الثلث، واستيفاؤه القصاص واسقاطه ولو بدون مال، ولا يلزمه ترك القصاص الواجب له بجناية عليه او على غيره لاجل الارش، وليس للمفلس العفو عن المال الواجب له بجناية، لما فيه من تفويت الحاصل فيمنع منه لمنافاته غرض الحجر. وكذلك ليس له المسامحة بصفة مقصودة مشروطة فى السلم فيه او نحوه عند قبضة له. ويجوز للمفلس ان يرد بالعيب ما كان اشتراه قبل افلاسه والحجر عليه ان كانت المصلحة فى رده بان كان ثمنه اكثر من قيمته او استوى الامران على ما صرح به امام الحرمين، لأن هذا ليس تصرفا مبتدأ بل من أحكام البيع السابق الذى لم يشمله الحجر.
والحجر لا ينعطف على ما مضى، ولأن هذا من مصلحته ومصلحة الدائنين ومثل ذلك الاقالة.
وكذلك يجوز له الفسخ بالخيار مطلقا، سواء كان الثمن اكثر من القيمة او العكس لعدم استقرار ملكه
(1)
شرح الخرشى بحاشية العدوى ج 5 ص 306 - 309 الطبعة السابقة، الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 264 - 267 الطبعة السابقة، الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج 2 ص 140 - 142 الطبعة السابقة.
وان اقر المفلس بعين كقوله غصبتها أو استعرتها أو استودعتها قبل الحجر او بعده فانه يقبل منه ذلك فى حقه اتفاقا وفى حق الدائنين ايضا فى أظهر الاقوال، فيأخذ المقر له العين بدون ان يحلف المفلس على المعتمد. وكذلك يقبل اقراره بالدين فى حق الدائنين فى الاظهر ان اسند وجوب الدين الى ما قبل الحجر بمعاملة مثلا وان لم يلزم الا بعد الحجر كبيع مع خيار لأن الضرر فى حقه بالاقرار بالعين أو الدين أكثر منه فى حقهم فتبعد تهمة المواطأة، وعلى هذا لو طلب الدائنون تحليفه على ذلك لم يحلف على الاصح، لأنه لو امتنع لم يفد امتناعه شيئا اذ لا يقبل رجوعه على الصحيح. بخلاف ما اذا طلبوا تحليف المقر له ان المقر المفلس صادق فى اقراره فانهم يجابون ويلزمه ان يحلف بذلك.
والفرق بين الانشاء فى التصرفات السابقة من بيع ونحوه حيث يمنع منها وبين اقراره هذا حيث يقبل منه ان مقصود الحجر منع التصرف فالغى انشاؤه اما الاقرار فاخبار والحجر بسبب الافلاس لا يسلب العبارة عن المفلس وقيل: لا يقبل اقراره فى حق الدائنين لئلا تضرهم المزاحمة، ولأنه ربما واطأ المقر له.
قال الرويانى فى الحيلة والاختيار فى زماننا الفتوى به لأنا نرى مفلسين يقرون للظلمة حتى يمنعوا اصحاب الحقوق من مطالبتهم وحبسهم أما ان اقر بدين وأسند وجوبه الى ما بعد افلاسه والحجر عليه اسنادا مقيدا بمعاملة او اسنادا مطلقا بان لم يقيده بمعاملة ولا غيرها، أو أسنده الى معاملة ولم يسنده الى ما قبل الحجر ولا الى ما بعده وتعذرت مراجعته فانه لا يقبل فى حق الدائنين فلا يزاحمهم المقر له فى مال المفلس. بل يطالب به بعد فك الحجر، لأنه قصر فى معرفة حال من تعامل معه وان اقر بدين وقال: عن جناية او استهلاك ولو بعد الحجر قيل فى الاصل، فيزاحم المجنى على الدائنين لعدم تقصيره ولا يحلف للمفلس ولا المقر له. ومثل ذلك ما حدث بعد الحجر وتقدم سببه عليه كانهدام بناء اجرة المفلس قبل افلاسه. ولو اقر المفلس بالمال الذى معه لمجهول لم يقبل والدائنين اخذه وكذا اذا اقر به لمعين حاضر فكذبه المقر له لظهور كذبه فى صرف المال عنه وأن أقر به لغائب انتظر قدومه فان صدقه اخذه والا اخذه الدائنون قال الأذرعى: والظاهر ان الطفل ونحوه كالغائب فينتظر والظاهر انه ان صدقه الولى فلا انتظار. ولو شهد شاهد بدين للمفلس وامتنع المفلس من الحلف معه فليس للدائنين ان يحلفوا مع الشاهد اذ ليس لهم اثبات حق المفلس لمصلحتهم بل اذا ثبت تعلق حقهم به. وكذلك ليس لهم ابتداء الدعوى اذا تركها المفلس
(1)
.
مذهب الحنابلة:
متى حجر على المفلس تعلق حق الدائنين بماله فلا يصح تصرفه فى شئ من ماله فان تصرف فيه ببيع أو هبة أو وقف أو اصداق امرأة مالا له أو صدقه بشئ قليل أو كثير أو نحو ذلك لم يصح لأنه محجور عليه فيه أشبه الراهن يتصرف فى الرهن ولأنه متهم فى ذلك. وهذا اذا كان التصرف متبدأ. اما ان تصرف المفلس تصرفا غير مبتدأ كامضاء ما تصرف فيه قبل الحجر أو فسخ مما اشتراه قبل الحجر لعيب أو لشرط الخيار بتدليس ونحوه فانه يصح لأن ذلك اتمام لتصرف سابق على حجره فلم يمنع منه كاسترداد وديعة له أودعها قبل حجره ولا يتقيد ذلك بكونه فيه مصلحة للمفلس. وان أقر المفلس بدين لم يقبل فى الحال، ويطالب به بعد فك الحجر عنه، سواء اضاف ما اقر به الى ما قبل الحجر أو بعده أو اطلق ولو كان المفلس صانعا تحت يده متاع فأقر به لاصحابه لم يقبل اقراره ايضا لأنه متهم فيه، وتباع العين التى تحت يده حيث لا بينة بها وتقسم بين الدائنين كسائر امواله، وتكون قيمتها واجبة على المفلس لصاحبها اذا قدر عليها بعد فك الحجر عنه، لأنها صرفت فى دينه بسبب من جهته فكانت
(1)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 311 - 313، شرح منهج الطلاب بحاشية البجرمى ج 2 ص 366 - 368، اسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 184 - 186، 188، تحفة المحتاج بحاشية الرملى ج 2 ص 126 - 127، شرح المنهاج المحلى بحاشية القليوبى ج 2 ص 286 - 287، 292، مغنى المحتاج للخطيب ج 2 ص 148 - 149، ابن القاسم بحاشية الباجورى ج 1 ص 479 - 480 طبع المطبعة الاميرية سنة 1298
قيمتها عليه كما لو أذن فى ذلك. وان ادعى شخص على المفلس دينا فأنكر فطلب المدعى يمينه فنكل المفلس عنها فقضى عليه بالنكول فحكمه حكم اقراره يلزم فى حقه دون الدائنين، فلا يشاركهم المقر له للتهمة، وانما يطالب به المفلس بعد فك الحجر عنه وكذلك لا يصح بيع المفلس ماله لدائنيه كلهم أو بعضهم ولو بكل الدين، لاحتمال ظهور دائن غيرهم وان تصرف المفلس فى ذمته بشراء أو ضمان أو اقرار أو اصداق ونحوه صح، لأنه اهل للتصرف والحجر يتعلق بماله لا بذمته لكن لا يشارك اصحاب هذه الديون الدائنين له قبل الحجر سواء علم من عامله بعد الحجر بافلاسه ام لا، لأن من علم بافلاسه ثم عامله فقد رضى بالتأخير، ومن لم يعلم فقد فرط فى ذلك فان هذا فى مظنة الشهرة.
فعلى هذا يطالب المفلس بهذه الديون بعد فك الحجر عنه، لأنه حق عليه منع تعلقه بماله حق الدائنين السابق عليه، فاذا استوفوا ديونهم فقد زال المعارض. واذا جنى المفلس بعد الحجر عليه جناية وجبت مالا أو قصاصا واختار المجنى عليه أو وليه المال فانه يلزمه ذلك المال فى الحال، فيشارك المجنى عليه أو وليه الدائنين بارش الجناية لأن سبب هذا المال ثبت على المفلس بغير اختيار صاحبه ولم يرض بتأخيره
(1)
. وان كان للمفلس حق له به شاهد واحد وحلف المفلس معه ثبت المال وتعلقت حقوق الدائنين به كسائر امواله فان ابى المفلس ان يحلف مع شاهده لم يجبر على ذلك لاحتمال كذب الشاهد ولم يكن من حق دائنيه ان يحلفوا مع شاهده، لأنهم يثبتون ملكا لغيرهم لتتعلق حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز
(2)
. وليس للمفلس اسقاط شئ من ثمن مبيع أو أجرة مستأجر ولا قبض ردئ ولا قبض المسلم فيه بدون صفاته الا بأذن الدائنين
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: ان اقر المفلس بدين بعد ان قضى القاضى بماله للدائنين فأنه يلزمه ما أقر به فى ذمته ولم يدخل المقر له مع الدائنين فى مال قد قضى لهم به وملكوه قبل اقراره
(4)
.
مذهب الزيدية:
اذا حجر القاضى على المفلس فالمذهب ان تصرفاته بعد ذلك تكون موقوفة وليست باطلة فلا ينفذ منه فيما تناوله الحجر تصرف الا باجازة القاضى الذى حجر عليه أو غيره أو باجازة الدائنين أو بعد فك الحجر عنه بان يقضى الدائنين ديونهم أو يسقط دينهم باى وجه من الوجوه. وعند العترة:
يبطل كل تصرف له فيما تناوله الحجر اذ تعلق به حق الدائنين. ولو باع المفلس المحجور عليه شيئا من ماله ليقضى الدائنين أو لحاجته الماسة لنفقته صح ذلك البيع ان كان بدون غبن ومن باع بخيار ثم حجر عليه لافلاسه فقبل: هو على خياره. وقيل: يتعين الاصلح للدائنين من فسخ أو امضاء. وللمحجور عليه لافلاسه ان يشترى بثمن فى ذمته ويصح منه هذا اذ لم يتناول الحجر عليه الا تفويته لما له ويبقى الثمن فى ذمته حتى يفك الحجر عنه وللبائع ان يفسخ لتعذر تسليم الثمن ان جهل افلاسه والحجر عليه لسببه واذا قضى المفلس بعض الدائنين بجميع ماله فان كان بعد الحجر لا يصح. وان كان قبله يصح ولا يأثم الا اذا كان الآخرون قد طالبوه بديونهم. واقرار المفلس كتصرفه - اى موقوف - ولو اضافة الى ما قبل الحجر. ولو اقام المحجور عليه لافلاسه البينة بدين عليه لغائب من قبل الحجر سمعت بينته، لأن له حقا فى دعواه وهو ترك حصته المقر له من ماله، ولا يقال: ان هذه بينة لغير مدعى. وان ادعى المفلس على غيره مالا وله شاهد واحد وامتنع من اليمين معه فوجهان أصحهما ما قاله الامام يحيى: وهو انه لا يصح للدائنين ان يحلفوا مع
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 463 - 464، 489 - 491 الطبعة السابقة، كشاف القناع وشرح المنتهى بهامشه ج 2 ص 141، 209 - 210 الطبعة السابقة
(2)
كشاف القناع وشرح المنتهى ج 2 ص 220
(3)
المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 500 - 501، 507
(4)
المحلى ج 8 ص 635 مسألة رقم 1281 الطبعة السابقة
هذا الشاهد لأنهم يثبتون بشهادتهم معه ملكا لغيرهم. ومن ادعى انه اشترى من المفلس المحجور عليه قبل الحجر أو ان المفلس قضاه دينه قبل الحجر وانكر الدائنون ذلك فانه يلزم المشترى والمستوفى دينه اقامة البينة على ذلك، لأن ظاهر الحال يشهد بالمنع ولئلا يؤدى ذلك الى عدم تأثير الحجر لو قلنا بغير ذلك الاحتمال. ولا يجب الحج على المفلس المحجور عليه، لأنه ممنوع من الانتفاع بماله فاشبه مال الغير. ولا يجوز له ان يكفر بالصوم اذا حنث فى يمينه بعد الحجر، لأن المال باق على ملكه ويتوقع فك الحجر عنه بأى وجه من الوجوه لأن المانع شرعى أما ان كان الحنث متقدما على الحجر فان الكفارة تشارك الدين. ويجوز للمفلس حتى ولو كان محجورا عليه حجرا عاما ان يتصرف فى ماله بدفع زكاته لأنها فى عين المال. بخلاف زكاة الفطر، لأنها تكون دينا فى الذمة
(1)
.
مذهب الإمامية:
يمنع المفلس المحجور عليه من كل تصرف مبتدأ فى أعيان أمواله اذا كان هذا التصرف يضر بحقوق الدائنين فلو صادف تصرفه عين ماله فى الحال بالاتلاف بمعاوضة كالبيع والاجارة، أو بغير معاوضة كالهبة والوقف أو بالمنع من الانتفاع كالرهن فانه يبطل سواء كان العوض مثل المعوض أو أزيد أو اقل لأنه ممنوع على وجه سلبت أهليته فيه فكانت عبارته كعبارة الصبى فلا يصح تصرفه حتى وان لحقته الاجازة، وهذا هو المناسب للحجر،
فان معنى قول القاضى حجرت عليك منعتك من التصرف ومعناه تعذر وقوع هذه العقود منه.
وقيل: يحتمل ان يكون تصرفه هذا موقوفا والوجه فيه انه لا يقل عن التصرف فى مال الغير كالفضولى وحينئذ فلا ينافيه منعه من التصرف المنافى لحق الدائنين فعلى هذا اذا اجازه الدائنون جميعا نفذ وان لم يجيزوه أخر الى ان يقسم ماله بين دائنيه الذين حجر عليهم لاجلهم. وان كان مورد المصرف بالامس الذمة لا عين المال - فانه يصح كما لو اشترى بثمن فى ذمته أو باع سلما أو قترض، وليس للبائع الفسخ وان كان جاهلا لأنه فرط بأقدامه على معاملة من لم يعلم حاله فكان كما بعسره ويسره. وقيل:
يشارك الدائنين وقيل: يكون له حق الفسخ ويختص بعين ماله. وقيل: يصبر، اما العالم بأفلاسه فانه يصبر ولا يشارك الدائنين اجماعا. وكذلك لا يمنع المفلس من التصرفات التى تصادف ماله بالاتلاف بعد موته كالوصية لأنها تخرج من الثلث بعد وفاء الدين وعبارة المفلس معتبرة فيما لا يكون مصادفا للمال وقت الحجر، فتصرفه فى ذلك ونحوه جائز اذ لا ضرر على الدائنين فيه. وكذلك لا يمنع من التصرفات التى تصادف المال بالتحصيل كالاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية لان فى ذلك كله جلب المال للدائنين فكيف يمنع منه؟ ولا يمنع المفلس ايضا من التصرفات التى لا تصادف المال كالنكاح والطلاق واستيفاء القصاص والعفو عنه.
واستلحاق النسب ونفيه والخلع واللعان اما النكاح فلان الصداق اذا كان فى الذمة فلم يصادف التصرف المال الموجود عند الحجر، وأما مؤنة النكاح فسيأتى بيانها فى الانفاق على المفلس، وأما الطلاق واستيفاء القصاص وكذلك استلحاق النسب فلانه ليس تصرفا فى المال وان وجبت المؤنة ضمنا. وكذلك الخلع لأنه اذا صح له الطلاق مجانا كانت صحة الخلع الذى هو فى الحقيقة طلاق بعوض أولى بالجواز. وهذا اذا كان المفلس المحجور عليه رجلا. اما اذا افلست المرأة وحجر عليها فانها.
تمنع من مخالعة زوجها على عوض. ولو وهب المديون بشرط العوض ثم أفلس لم يكن له اسقاط العوض عن الموهوب له لأنه مال ثبت له فلا يكون له اسقاطه لأنه تصرف فى المال بالاسقاط فيكون ممنوعا منه. فان كان العوض غير معين فلا يجوز للمفلس ان يأحذ عوضا اقل من قيمة الموهوب.
وقيل: يأخذ ما جرت العادة ان يعوض بمثله فليس
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 285 - 286، 290 الطبعة السابقة، التاج المذهب ج 4 ص 161، 163، 167 الطبعة السابقة، البحر الزخار ج 5 ص 90 - 91 الطبعة السابقة.
له ان يرضى بدونه. وقيل: له ان يأخذ ما يرضى به وان قل ولا حق للدائنين فى الاعتراض على ذلك.
ولو باع المفلس للدائن ولا دين عليه سواه صح على الاقوى لأن سقوط الدين يسقط الحجر. ولو اشترى بخيار ثم أفلس فى مدة الخيار كان له اجازة البيع وفسخه لأن هذا ليس بابتداء تصرف منه بل هو اثر امر سابق على الحجر، وكذا لو ظهر له عيب فيما اشتراه سابقا فله الفسخ به. والاقوى أنه يجوز له الفسخ بذلك سواء كان فيه مصلحة له ام لا فلا اعتبار لها نظرا الى اصل الحكم وان تخلفت الحكمة وقيل: تعتبر المصلحة فى فسخه لظهور عيب فيما اشتراه دون الخيار لأن الخيار ثابت بأصل العقد على غير جهة المصلحة فلا يتقيد بها بخلاف العيب.
ولو أقر المفلس فى حال الافلاس بدين سابق على الحجر لزمه قولا واحدا، لأن الاقرار اخبار عن حق سابق لم يتعلق به الحجر ولم يقتض الحجر سلب أهلية العبارة عن المفلس المحجور عليه فاذا تعلق له غرض ببراءة ذمته بالاقرار وجب قبوله منه وهذا بدون خلاف وانما الخلاف فى نفوذ اقراره ومشاركة المقر له للدائنين. فاختبر نفوذه على الدائنين والمشاركة لهم فى المبسوط والخلاف والشرائع وهو الذى قربه الامام الشهيد بشرط ان يكون المفلس عدلا.
وذلك لمساواة الاقرار للبينة ولا تهمة فيه، لأن ضرر الاقرار فى حق المفلس اكثر منه فى حق الدائنين. وفى التحرير - بعد ان اختار النفوذ - قال: وهل يفتقر الى اليمين؟ فيه اشكال -!! واختار عدم النفوذ وعدم المشاركة جماعة لما فى ذلك من التهمة على الدائنين لأن المفلس يريد اسقاط حقهم من المال الموجود وتأخيره بمواطأة بينه وبين المقر له فلا يتحقق الضرر الا عليهم فلا يشاركهم المقر له ويتعلق حقه بذمة المفلس يطالبه بعد ذلك الحجر عنه جمعا بين الحقين. ولو اقر المفلس بدين واسنده الى ما بعد الحجر فان كان قد لزمه باختيار صاحب الدين كالبيع والقرض وغيرهما من المعاملات المتجددة بعد الحجر فانه يكون فى ذمته خاصة ولا يشارك المقر له الدائنين بالاتفاق لأن صاحب الدين رضى بذلك ان علم انه مفلس وان لم يعلم فقد فرط فى ذلك فيلزمه الصبر الى فك الحجر ولا يشارك الدائنين. وان اقر به واسنده الى ما بعد الحجر وقال: انه لزمه باتلاف مال او جناية اى انه لزمه من غير رضا او اختيار من صاحب الدين والمجنى عليه فان فى نفوذه على الدائنين الخلاف السابق. وكذلك يجئ هذا الخلاف فيما اذا اقر المفلس بعين من أعيان الاموال التى بيده لشخص فى حال الافلاس وصدقه فى اقراره لكن هنا مع القبول تسلم العين الى المقر له سواء كان هناك وفاء للدائنين الباقين أم لا. وكذلك لو ادعى اجنبى شراء عين من المفلس قبل الحجر وصدقه فان فى نفوذ ذلك على الدائنين الخلاف السابق سواء كانت العين فى يد المفلس او يد الاجنبى ولا كلام فى نفوذه فى حق المفلس فيجب عليه مثلها أو قيمتها قسمت على الدائنين ولو أقر بان هذا المال الذى فى يده مضاربة لفلان فان كان غائبا كان القول قول المفلس مع يمينه انه الغائب فاذا حلف اقر لمال فى يده للغائب ولا حق للدائنين فيه. وان كان حاضرا فان صدقه ثبت اليه وان كذبه بطل اقراره ووجب قسمته بين الدائنين ولو اقر المفلس بمال واطلق - اى لم يسنده الى ما قبل الحجر والى ما بعده ولا الى اتلاف ولا الى غيره - لم يشارك المقر له الدائنين لاحتمال كون السبب لا يستحق المشاركة ولو ادعى شخص على المفلس مالا فجحده المفلس فان لم تكن للمدعى بينه به كان على المفلس ان يحلف اليمين فان امتنع حلف المدعى وثبت الدين وشارك الدائنين كالاقرار ولو كان للمفلس حق من سلم وغيره لم يكن له قبض ما هو اقل منه صفة او كمية الا برضا الدائنين. ولو اتلف المفلس مالا بعد الحجر عليه ضمنه وشارك صاحب المال مع الدائنين بقيمة المتلف، وكذلك الحكم اذا جنى المفلس جناية على آخر توجب أرشا على المفلس لأنه لم يوجد من كل من صاحب المال المتلف والمجنى عليه تقصير ولا رضا، وانما ثبت حق كل منهما بوجه قهرى فثبت لكل منهما استحقاق المشاركة ويبعد تكليفهما الصبر والانتظار .. لو شهد للمفلس عدل بمال جاز له ان يحلف معه لثبته فيتعلق
به حق الدائنين فان امتنع من الحلف معه لم يكن للدائنين ان يحلفوا معه
(1)
.
مذهب الإباضية:
اذا حجر على المديون لافلاسه منع من التصرف فى ماله
(2)
، فلا يجوز له تبرع ولا معاملة بغير عوض ولا محاباة الا ما تجرى العادة بفعلة، كما يمنع من مطلق البيع والشراء. وان أقر بعد الحجر عليه بشئ من الدين كان ذلك لازما للمقر له ولم يدخل مع الدائنين الا ان ثبت وصح أن هذا الدين المقر به كان على المفلس قبل أن يحجر عليه فيدخل
(3)
. وكذلك يمنع المفلس من ابراء الناس من حقوقه المالية عليهم، لعارض حق الدائنين
(4)
. ومن حجر عليه ماله لافلاسه فليس له ابراء جارحه ولا يبرأ الجارح ان أبرأه. وله العفو عن القصاص، لأن القصاص له لا للدائنين. فاذا عفا عنه رجع للأرش أو الدية وهما مال لا يصح ابراؤه منهما. وان أبرأ الأب نفسه مما عليه لابنه المفلس لم يجز، لأن الدائنين أولى به واذا أبرأ نفسه قبل الحجر فانه يصح ويبرأ
(5)
. وان تزوج المفلس امرأة بصداق أو جرح رجلا لم تدخل المرأة مع الدائنين بصداقها حتى ولو طلقها اما الجريح فيدخل معهم بأرش جرحه. ولا يجوز للمرأة بعد الحكم بافلاسها أن تخالع زوجها بصداقها، كما لا يجوز لها أيضا أن تبرئ زوجها من صداقها وأما ان فعلت ما تبطل به صداقها فانه يسقط عن الزوج. ويجوز لها أن تتزوج بصداق قليل أو كثير، ولا يكون للدائنين الحق فى طلب ابطال زواجها ان تزوجت بقليل كما لا يملكون مطالبة زوجها باعطائها مهرا كثيرا
(6)
. ومن باع للمفلس ولم يعلم انه مفلس كان له أن يسترد ما باعه له ان وجده قائما بعينه، ولا يتقاسم معه الدائنون فيه، ويعتبر المفلس بمنزلة السارق. أما ان علم أنه مفلس فانه يكون أسوة الدائنين ولا يكون له سوى ما ينوبه من مال المفلس بحصة دينه وقيل: هو أحق بشيئه الذى باعه. وقيل: لا يأخذ ولا يقاسم مع الدائنين لأنه هو الذى ضيعه وان استفاد المفلس بعد ذلك مالا حكم له بماله
(7)
. ولا يجوز للمفلس فى القضاء ولا فيما بينه وبين الله أن يعطى لبعض الدائنين دينهم دون البعض حتى ولو كان ما أعطاه له هو ما ينوبه من ماله بحصة دينه
(8)
. واذا صار المفلس فى حال ضرورة يلزم فيها احباؤه وانقاذه مما يخشى تولد الضرر منه عليه وجبت مبايعته والصدقة عليه، ولا يترك بسوء حال مع القدرة على انقاذه منه
(9)
.
الثانى: مما يترتب على الحكم بافلاس
المديون والحجر عليه
حلول الدين المؤجل على المفلس أو عدم حلوله:
مذهب الحنفية:
الحكم بافلاس المديون والحجر عليه لا أثر له بالنسبة للديون المؤجلة عليه قبل حلول أجلها فلا يكون من حق الدائن قبل حلول أجل دينه أن يشارك الدائنين الذين حلت ديونهم فيما فى يد المفلس من مال. ومن أفلس وعنده متاع لرجل ابتاع منه فصاحب المتاع أسوة للدائنين فيه وصورته: رجل اشترى من رجل فلم يؤد ثمنه حتى أفلس وليس له غير هذا الشئ فادعى البائع بأنه أحق من سائر الدائنين وادعى الدائنون تسوية ثمنه فانه يباع ويقسم الثمن بينهم بالحصص ان كانت الديون كلها حالة. وان كان بعضها مؤجلا وبعضها حالا
(1)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 314 - 316، شرائع الاسلام ج 1 ص 200، الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 345، الخلاف فى الفقة ج 1 ص 622 رقم 12، تحرير الاحكام للمحلى ج 1 ص 212
(2)
جوهر النظام ج 1 ص 398 الطبعة السابقة
(4،3)) شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 164 - 165
(5)
المرجع السابق ج 7 ص 174 الطبعة السابقة
(6)
المرجع السابق ج 7 ص 169
(7)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 170
(8)
المرجع السابق ج 7 ص 169 - 170
(9)
المرجع السابق ج 7 ص 169
يقسم الثمن من الدائنين الذين حلت ديونهم ثم اذا حل الاجل شاركهم أصحاب الديون المؤجلة فيما قبضوا بالحصص
(1)
.
(2)
واذا مات الرجل وعليه ديون مؤجلة فانها تحل بموته سواء كان مفلسا أم لا، لأن الدين كان متعلقا بذمته وقد خربت فلم يبق للدين محل معلوم فتعلق بالتركة ومقتضاها الحلول
(3)
مذهب المالكية:
اذا قضى القاضى بافلاس المديون وحجر عليه لذلك فان الدين المؤجل عليه يحل بهذا الافلاس على المشهور لأن ذمته قد خربت بالنسبة للمال الموجود تحت يده وقت الافلاس من حيث عدم التصرف فيه. واذا كان الدين المؤجل أجرة لدار أو دابه مثلا فانه يحل أيضا بافلاس المستأجر وان لم يستوف شيئا من المنفعة ان ترك المؤجر العين المستأجرة للمفلس الى أن تنته مدة الاجارة ويكون من حق المؤجر حينئذ ان يقاسم الدائنين بقدر أجرة عينه حالا كما يكون من حقه أيضا أن يفسخ العقد ويأخذ عينه المستأجرة ان شاء. وان كان المفلس قد استوفى بعض المنفعة فقط فان المؤجر يكون من حقه أن يقاسم الدائنين بأجرة بعض المنفعة التى استوفاها المفلس ويأخذ حصته منها حالا، ويخير فى الباقى بين ان يفسخ العقد ويسترد عينه. وبين أن يبقيها للمفلس ويقاسم الدائنين بجميع الأجرة المؤجلة سواء ما استوفاه المفلس وما لم يستوفه. ومحل حلول الدين المؤجل بالافلاس ما لم يشترط المديون على الدائن أنه لا يحل عليه الدين اذا أفلس وإلا عمل بشرطه ولو طلب بعض أصحاب الديون المؤجلة بقاء دينه مؤجلة على المفلس كما كان قبل الافلاس والحجر لم يجب الى ذلك لأن للمديون حقا فى تخفيف ذمته بحكم الشرع وأما لو طلب جميع الدائنين بقاء ديونهم مؤجلة كأن لهم ذلك. ولو حكم القاضى بافلاس شخص غائب والحجر عليه وحلول ما عليه من الدين المؤجل ثم قدم المديون موسرا فان الحكم بحلول الدين المؤجل عليه لا ينقص ولا يرد الى الأجل الذى كان مؤجلا.
واختار بعض القرويين عدم حلول الدين الذى كان مؤجلا عليه فى هذه الصورة ورده الى الاجل الذى كان مؤجلا له، لأن الغيب كشف خلاف ما حكم به القاضى فصار كحكم تبين خطؤة.
قال ابن عبد السّلام: الاول أقرب، وهو ظاهر قول أصبع لأن القاضى حين قضى بافلاسه كان مجوزا لما قد ظهر من اليسار. وأيضا فهو حكم واحد وقد وقع الاتفاق على أن من قبض شيئا من دينه المؤجل لا يرد ذلك اذا قدم الغائب موسرا فكذلك من بقى.
وذهب السيورى الى أن الدين المؤجل لا يحل بافلاس المديون مطلقا، سواء كان حاضرا أو غائبا.
وقال اللخمى: القياس أنه ان أتى المفلس بكفيل أن يبقى دينه المؤجل لأجله، لأن تعجيله انما هو لخوف ألا يكون له عند حلول الأجل شئ.
وهذا كله فى الدين الذى على المفلس.
وأما الدين الذى له على آخر فانه الى أجله ولا يحل بالحكم بافلاسه. وان كان المفلس قد شرط أن الدين المؤجل له يحل بافلاسه فالظاهر أنه يعمل بشرطه ويحل وذلك اذا كان الشرط غير واقع فى صلب عقد البيع مثلا فان وقع فى صلب البيع فالظاهر فساد البيع لأنه آل أمره الى البيع بأجل مجهول.
وهذا كله مما يترتب على الافلاس الخاص. أما الافلاس العام فلا يحل الدين المؤجل به ولو مع تمكين المفلس للدائنين من بيع ماله وقسمته. ومثل الافلاس فى ذلك الموت على المشهور ومقابله أن الدين المؤجل لا يحل بهما.
(4)
(1)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 99 الطبعة السابقة
(2)
الفتاوى الهندية ج 5 ص 64 الطبعة السابقة
(3)
الجوهرة على مختصر القدورى ج 1 ص 248 الطبعة الاولى طبع المطبعة الخيرية سنة 1322 هـ
(4)
شرح الخرشى ج 5 ص 207، 208 وحاشية الدسوقى ج 3 ص 265، 266 والشرح الصغير ج 2 ص 141
مذهب الشافعية:
الدين المؤجل لا يحل بافلاس ذلك المدين قبل الحجر عليه بلا خلاف وكذلك بعد الحجر عليه بدين حال فى أظهر الاقوال، لأن الأجل مقصود له فلا يفوت عليه وذمة المفلس باقية بحالها لم تخرب بافلاسه بخلاف الموت وقيل: يحل بالحجر عليه لأن الحجر للافلاس يوجب تعلق الدين بالمال فيسقط الأجل كما فى الموت وبناء على الأظهر اذا بيعت أموال المفلس فلا يدخر منها شئ للدين المؤجل فان حل الدين قبل القسمة أو معها التحق بالحالة لعدم خروج المال عن ملك المفلس وقت حلوله.
هذا فى الديون المؤجلة على المفلس.
أما الديون المؤجلة له على غيره فانهاوان كانت لا تحل أيضا بافلاسه الا أنها تعتبر من الاموال التى يشملها الحجر، فلا يصح من المفلس التصرف فيها بابراء ونحوه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
لا يحل الدين المؤجل بافلاس من عليه هذا الدين رواية واحدة على ما قاله القاضى، لأن الأجل حق للمفلس فلا يسقط بافلاسه كسائر حقوقه بخلاف الموت على الرواية التى توجب حلول الدين المؤجل به، لخراب الذمة بالموت دون الافلاس. وبناء على ذلك فاذا حجر على المفلس فلا يشارك أصحاب الديون المؤجلة أصحاب الديون الحالة، بل يقسم مال المفلس الموجود بين أصحاب الديون الحالة فقط، ويبقى المؤجل فى الذمة إلى وقت حلوله ولا يوقف الدين المؤجل شئ من مال المفلس. ولا يرجع صاحبه على الدائنين بشئ لذا حل دينه لأنه لم يستحق مشاركتهم حال القسمة فلا يستحق الرجوع عليهم بعد ذلك لكن ان حل دينه قبل القسمة شاركهم لمساواته لهم. وان حل دينه بعد قسمة بعض المال شارك فى الباقى من المال بحصة دينه كله.
ويقاسم باقى الدائنين معه ببقية ديونهم قال صاحب المحرر فى الفقة: والقول بعدم حلول الدين المؤجل بالافلاس هو المذهب. وذكر أبو الخطاب فى الدين المؤجل على المفلس رواية أخرى أنه يحل بافلاسه لأن الافلاس يتعلق بسببه الدين بالمال فأسقط الأجل كالموت، وبناء على هذه الرواية فصاحب الدين المؤجل كصاحب الدين الحال سواء. وهذا اذا كان الدين المؤجل على المفلس. اما اذا كان له على آخر دين مؤجل فان افلاسه لا يوجب حلوله على هذا المديون الآخر اتفاقا
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: لا يحل الدين المؤجل على المفلس بافلاسه، سواء طلب الدائن ذلك أم لم يطلب لأن من لم يحل أجل حقه فلا حق له بعد. وهذا فيمن أفلس فى حال حياته. أما من مات مفلسا أو غير مفلس فيحل الدين المؤجل عليه أو له لأن الآجال تحل كلها بموت الذى له الحق أو الذى عليه الحق
(3)
، لقوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ}
(4)
، فصح أن يموت الإنسان بطل حكمه عن ماله وانتقل إلى ملك الدائنين وعقد الدائنين أو المديونيين فى تأجيل ما لهم أو عليهم انما كان بلا شك بينهم وبين المتوفى اذا كان حيا، وقد انتقل الآن عن ملكه الى ملك غيره فلا يحل للورثة امساك مال دائن ميتهم الا بطيب نفس منه لأن عقده انما كان مع المتوفى فلا يلزمه أن يبقى ماله بأيدى ورثة لم يعاملهم قط، كما لا يحل للمديونين استيفاء شئ من مال الورثة والموصى لهم بغير طيب أنفسهم فبطل حكم التأجيل فى ذلك ووجب للورثة والموصى لهم أخذ حقوقهم
(5)
مذهب الزيدية:
لو حجر على المفلس لأجل ديون حالة وعليه ديون
(1)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 309 - 311، شرح المنهاج للمحلى بحاشية قليوبى وعميرة ج 2 ص 286
(2)
المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 185، 501، 502 والمحرر فى الفقة ج 1 ص 345، كشاف القناع وشرح المنتهى بهامشه ج 2 ص 149، 218
(3)
المحلى ج 8 ص 634 مسألة رقم 1280
(4)
الاية رقم 12 من سورة النساء
(5)
المحلى ج 8 ص 476 مسألة رقم 1207
مؤجلة فالمذهب أن الديون المؤجلة عليه لا تحل بالحجر عليه. كما لا تحل بموته لأنه لا وجه لسقوط الأجل. لكن إذا قسم مال المفلس عزل نصيب أصحاب الديون المؤجلة الى وقت حلولها ثم يدفع لهم، ولا يمكن منها من عليه الدين. وانما كان كذلك لأن الدين المؤجل قد دخل ضمنا فى الحجر فكان كالحال، ولا ستوائهم جميعا فى تعلق حقهم بذمته، وسواء فى ذلك الموت والحجر بسبب الافلاس. واذا رأى القاضى مصلحة فى قضاء أصحاب الديون المؤجلة فله ذلك، وقد ذكر معنى ذلك فى السحولى قال:«ويكون تسليمه الى الدائنين أو تبقيته الى حلول الأجل خاضعا لنظر القاضى فى الأصح» وخالف فى هذا الفقية يحيى بالنسبة للافلاس حال الحياة فقال: يقسم مال المفلس على اصحاب الديون الحالة فقط، ولا يعزل للدين المؤجل شئ بل يبقى فى ذمة المفلس الى وقت حلولة، بخلاف ما اذا مات فانه يعزل للدين المؤجل حصته على ما ذكر، لأن الميت لا ذمة له. واذا أسقط المديون المفلس حقه فى التأجيل سقط وحل الدين لأن التأجيل تأخير مطالبة لا صفة
(1)
ولا يطالب المديون بدين مؤجل قبل حلول الأجل ولا كفيل ولو أراد سفرا
(2)
.
مذهب الإمامية:
اذا حجر القاضى على المفلس لافلاسه بالديون الحالة فلا تحل الديون المؤجلة عليه بذلك على الأصح، لأن المقصود من التأجيل التخفيف ليكتسب فى مدة الأجل، ولأنه، دين مؤجل على حى فلا يحل قبل أجله كغير المفلس. وتقسم أموال المفلس - بناء على ذلك - أصحاب الديون الحالة، ولا يدخر شئ لاصحاب الديون المؤجلة التى لم تحل حالة القسمة حتى ولو كان فى الديون المؤجلة ثمن مبيع قائم عند المفلس فلا حق لصاحبه فيه بل يقسم على باقى الدائنين. ولا يستمر الحجر على المفلس بعد القسمة لاصحاب الديون المؤجلة. فاذا حل الاجل بعد فك الحجر عنه ابتدئ الحجر عليه ان كان فى يده شئ لا يفى بما عليه. ولو حل الدين المؤجل بعد قسمة بعض مال المفلس فان صاحبه يشارك الدائنين فى الباقى من مال المفلس فيأخذ منه بنسبة دينه كله، ويأخذ باقى الدائنين منه بنسبة بقية ديونهم. وهذا كله فى الافلاس حال حياة المفلس أما اذا مات المديون بديون مؤجلة فانها تحل عليه اتفاقا. سواء كان محجورا عليه لافلاسه أم لا، وسواء وثق الورثة الدائن برهن ونحوه أم لا. وسواء فى ذلك مال السلم والدية المؤجلة
والفرق هو تضرر ورثة البيت ان منعوا من التصرف فى التركة الى أن يحل الدين المؤجل عليه وتضرر صاحب الدين ان لم يمنع الورثة من ذلك.
ولأن الميت لا يتوقع منه الاكتساب فضلا عن أن ذمته قد بطلت تماما بخلاف المفلس فان ذمته باقية.
وقال ابن الجنيد: تحل الديون المؤجلة على المفلس الحى أيضا بالحجر عليه قياسا على الميت، وهو ضعيف لما ذكر من الفرق بينهما. وكذلك لا يحل الدين المؤجل الذى يكون للمفلس على غيره بافلاسه هذا والحجر عليه على الأقوى. وقال ابن الجنيد:
يحل أيضا. أما اذا مات المديون ولو مفلسا وله ديون مؤجلة على آخرين فانها لا تحل بالاجماع
(3)
.
مذهب الإباضية:
قال صاحب المنهاج: أجمعوا على أن الدين المؤجل لا يحل بالافلاس. قال صاحب شرح النيل: وقوله وذا مصروف إلى غير الموت فيحل الدين المؤجل به
(4)
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 290 - 291 الطبعة السابقة، التاج المذهب ج 4 ص 166 - 167 الطبعة السابقة، البحر الزخار ج 5 ص 92 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 80 الطبعة السابقة
(3)
مفتاح الكرامة ج 3 ص 313، 343 الروضة البهية ج 1 ص 343 وما بعدها شرائع الإسلام ج 1 ص 202
(4)
شرح النيل ج 7 ص 164
الثالث: مما يترتب على الحكم بافلاس
المديون والحجر عليه
بيع مال المفلس وقسمة ثمنه بين الدائنين
وما يتبع ذلك:
مذهب الحنفية:
اتفق الحنفية على أنه ان كان مال المفلس دراهم ودينه دراهم فالقاضى أن يقضى الدين منها بغير أمره وكذا لو كان كلاهما دنانير، لأنه يجوز للدائن اذا وجد جنس حقه أن يأخذه بغير رضى المديون فدفع للقاضى أولى. وان كان دينه دراهم وماله دنانير أو العكس فللقاضى أن يبيع أحدهما بالآخر ويقضى بها دين المفلس بدون أمره أيضا بالاتفاق، أما عند الصاحبين فظاهر، لأنه يجوز عندهما الحكم بافلاسه والحجر عليه. أما عند أبى حنيفة فيجوز هذا استحسانا ووجهه أنهما متحدان جنسا فى الثمنية والمالية، ولهذا يضم أحدهما الى الآخر فى الزكاة أما ان كان مال المفلس عروضا أو عقارا فعند أبى حنيفة: لا يجوز للقاضى ان يبيع عليه شيئا من ذلك لأن البيع لا يجوز الا بالتراضى بالنص، وهو قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} «ولم يوجد الرضا فكان فعل القاضى باطلا. ولما روى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه» ونفسه لا تطيب بفعل القاضى بغير رضاه. ولكن يحبسه حتى يبيعه المفلس بنفسه فى دينه لأن قضاء الدين واجب عليه والمماطلة ظلم فيحبسه القاضى دفعا لظلمه وايصالا للحق الى مستحقه. وقال أبو يوسف ومحمد: يبيع القاضى كل ذلك جبرا على المحجور عليه بسبب الدين ان امتنع من بيعه بنفسه ويقسم ثمنه بين الدائنين بالحصص على قدر ديونهم لأن البيع واجب عليه لايفاء دينه حتى يحبس لاجله فاذا امتنع ناب القاضى منابه وقولهما هو الذى عليه الفتوى كما سبق فى الحجر على المفلس ومال المفلس الذى يباح جبرا عليه - عندهما يشمل المرهون والمؤجر والمعار وكل ما هو ملك له. ويبدأ القاضى ببيع النقود، لأنها معدة للتقلب، ولا ينتفع بعينها فيكون بيعها أهون على المديون. فان بقى شئ من الدين باع العروض لأنها قد تعد للتقلب والاسترباح فلا يلحقه كبير ضرر فى بيعها فان لم يف ثمنها بالدين باع العقار، لأن العقار يعد للاقتناء فيلحقه ضرر ببيعه فلا يبيعه الا عند الضرورة. وهذا احدى الروايتين عنهما.
وقال بعضهم: يبدأ القاضى ببيع ما يخشى عليه الهلاك أو التلف من عروضه ثم ما لا يخشى عليه التلف منه، ثم يبيع العقار. فالحاصل: أن القاضى نصب ناظرا فينبغى أن ينظر الى المديون كما ينظر الى الدائن فيبيع ما كان انظر وأفضل له، وبيع ما يخشى عليه التلف انظر له. ويترك له القاضى من ثياب بدنه بدلة واحدة ويباع الباقى لأن بها كفايته وقيل:
يترك له بدلتين، لأنه اذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس آخر. وقال البعض: اذا كان المفلس يكتفى بدون البدلة فان القاضى يبيعها ويقضى الدين ببعض ثمنها ويشترى بما بقى ثوبا يلبسه لأن ذلك للتجمل وقضاء الدين فرض عليه ويبيع القاضى على المفلس كل ما لا يحتاج اليه فى الحال ففى الشتاء مثلا يبيع عليه ملابس الصيف وكذا العكس وعلى هذا القياس اذا كان للمفلس مسكن ويمكن له أن يجتزئ بدون ذلك فان القاضى يبيع ذلك المسكن ويصرف بعض الثمن الى الدائنين ويشترى بالباقى مسكنا ليبيت فيه.
ونقل ابن عابدين عن حاشية المدنى أنه لو كان عند المفلس عقارات وقف سلطانى زائدة على سكناه أو صدقات فى الدفاتر السلطانية فلا يؤمر ببيعها كما أفتى به غير واحد من العلماء وقال: أى لا يؤمر بالفراغ عنها اذ لا يجوز بيعها
(1)
.
مذهب المالكية:
يجب على القاضى اذا حكم بافلاس المديون ان يبيع ماله ان خالف جنس دينه او صفته مثل العقار
(1)
تبين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 199 - 200، الفتاوى الهندية ج 5 ص 62، حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 98 - 99 تكملة فتح القدير والعناية والهداية ج 7 ص 328.
والعروض والمثليات، وذلك بعد ان يثبت كل دائن دينه، وبعد اعذار القاضى للمفلس فى كل بينة وبعد اعذار كل واحد من الدائنين فى بينة صاحبه وبعد حلف كل دائن انه لم يقبض شيئا من دينه ولا اسقطه ولا احال به وانه باق فى ذمة المفلس الى الآن. ومال المفلس الذى يباع جبرا عليه يشمل ايضا الدين الذى له على الغير كما نص عليه ابن رشد واختار الا ان يتفق الدائنون على ابقائه حتى يقبض. وقيل:
لا يباع ويبقى على حاله. ويشمل ايضا كتبه ولو كان محتاجا لمراجعتها والمطالعة فيها فى الظاهر، لان هذا امر جبرى وشأن العلم ان يحفظ فى الصدور.
وكذلك يباع على المفلس ثياب جمعته وعيده ان كثرت قيمتها عرفا بالنسبة له ويشترى له دونها قيمة. أما ثياب جسده التى لا بد منها فلا تباع عليه كما أن دار سكناه تباع عليه ان كان فيها فضل ويشترى له دار تكفيه فان كان لا فضل فيها فلاتباع. واذا كان المفلس من أرباب الصنائع فتباع عليه آلة صنعته اذا كان غير محتاج لها من غير خلاف.
وكذلك تباع عليه بدون خلاف اذا كانت قيمتها كثيرة سواء كان محتاجا لها أم لا أما ان كان محتاجا لها وهى قليلة القيمة فالراجح انها تباع عليه ايضا. وقيل: لاتباع ويعجل القاضى ببيع ما يخشى فساده أو تغيره عن حالته التى هو بها أو كساده لو تأخر بيعه مثل الفواكه واللحم ونحوهما فلا يستأنى بها الا ساعة من الزمان. وأما يسير العروض كدلو وسوط وحبل فيباع من حينه بدون انتظار ثم بعد ذلك يعجل ببيع الحيوان بعد ان ينتظر مدة يسيرة كثلاثة ايام طلبا لزيادة ثمنه لأن الحيوان سريع التغير ويحتاج الى مؤنة وفى ذلك نقص لمال الدائنين.
وأما العقار والعروض التى لا يخشى فسادها ولا تغيرها فانه لا يتعجل ببيعها بل يجب عليه ان ينتظر بالمناداة عليها شهرين وما قاربهما ثم تباع بعد ذلك مراعاة لحال المفلس، لأن العقار لا يخشى عليه التغير ولا يحتاج الى مؤنة وكلفة فان باع القاضى بغير انتظار فالمفلس يخير حينئذ بين امضاء البيع وبين رده، ولا يضمن القاضى الزيادة التى حدثت فى ثمن سلع المفلس حيث باعها بدون انتظار اذا امضى المفلس بيع القاضى لأن الزيادة غير محققة وقت بيع القاضى والذمة لا تلزم الا بأمر محقق. ويستحب ان يكون البيع بحضور المفلس لانه أقطع لحجته.
ويكون البيع مع الاستقصاء فى الثمن وعدم وجود من يزيد فيه ومع الخيار فيه للقاضى ثلاثة ايام فى كل سلعة سواء كانت حيوانا أو عروضا أو عقارا وان لم يشترط ذلك فى العقد، وذلك لطلب الزيادة فى الثمن خلالها فان زاد احد فى تلك المدة على ثمن المشترى الاول رد القاضى بيع الاول وباع لهذا الثانى. ثم ان بيع القاضى بالخيار هذا وان كان غير لازم من جهته فهو لازم من جهة المشترى ولذا تلزم منه حفظ البيع ونفقته واذا ضاع من ضمنه.
ولا يجوز للقاضى ترك هذا الخيار. فان باع بغير خيار - بأن اشترط البت والقطع فلكل من الدائنين والمفلس رده، لضررهم بذلك. ويستثنى من خيار القاضى هذا ما ذكر من السلع التى يعجل ببيعها خشية فسادها ويسير العروض فهذه لا خيار فيها.
ثم بعد البيع يقسم القاضى مال المفلس المجتمع من اثمان ما بيع عليه ومن نقد ان كان. بنسبة مال المفلس لجملة الديون وبتلك النسبة يأخذ كل دائن من دينه فمثلا لو كان جميع مال المفلس عشرين دينارا وجميع الديون أربعون فنسبة العشرين الى الاربعين النصف فيأخذ كل واحد من الدائنين نصف دينه. ولا يشترط لهذه القسمة ان يقيم دائنو المفلس بينة تثبت انه لا دائن سواهم لأن الديون يقصد اخفاؤها غالبا فيكون اثبات حصر الدائنين متعذرا. ويقسم القاضى مال المفلس فورا بدون انتظار الا اذا كان المفلس غائبا غيبة بعيدة وكان يخشى ان يكون عليه دين لغير هؤلاء الدائنين فانه يجب عليه ان ينتظر بالقسمة مدة من الزمن يقدرها باجتهاده.
أما ان لم يخش ذلك فحكمه حكم الحاضر. واذا كان على المفلس ديون مختلفة لاحد دائنيه مائة درهم ولأحدهم عرض ولأحدهم طعام مثلا فان ما خالف النقد من مقوم ومثلى يقوم يوم قسمة المال فاذا كانت قيمة الطعام مائة درهم وقيمة العرض كذلك ومال
المفلس مائة فانها تقسم بين الدائنين اثلاثا فيأخذ صاحب النقد حصته ويشترى لصاحب العرض بحصته عرضا من جنس دينه وصفته، ولصاحب الطعام كذلك فان وفت نصف دينه فالامر ظاهر وان وفت دينه كله لحصول رخص فى العروض أو الطعام فاز به وصار لا شئ له قبل المفلس. وان وفت اقل من منابه فى القسمة لحصول غلاء فيها تقرر له ما بقى فى ذمة المفلس. وهذا كله عند المشاحة والاختلاف أما عند التراضى فانه يجوز له اخذ الثمن نقدا دون ان يشترى له طعاما أو عروضا ما لم يمنع من ذلك مانع شرعى كما لو كان الدين ذهبا ونابه فى القسمة فضة أو بالعكس فلا يجوز للدائن اخذ ما نابه لأنه يؤدى الى بيع وصرف متأخر فيتعين الشراء له من جنس دينه. هذا اذا كان مال المفلس نقدا.
واما لو كان الدين كله عروضا موافقة لمال المفلس فى النوع والصفة فلا حاجة للتقوم بل يتقاسمون بنسبة عرض كل واحد منهم لمجموع العروض. وزوجة المفلس تدخل فى قسمة ماله بين الدائنين بصداقها كله ولو مؤجلا سواء حكم بافلاسه بعد الدخول أو قبله لأنه دين فى ذمته حل بافلاسه فان اخذت حصتها ثم طلقها قبل الدخول بها لزمها ان ترد ما زاد على حصته نصف صداقها، ولا دخول لها مع الدائنين فى قسمة ما ردته على الظاهر. ولو طلقها قبل الدخول والقسمة فانها تقاسم مع الدائنين بنصف صداقها. وكذلك تقاسم الدائنين بما انفقته على نفسها بشرط ان يكون زوجها موسرا حين نفاقها وسواء كان ما انفقته على نفسها من مالها أو اقترضته وسواء كان الدين الذى حكم بافلاسه او قام الدائنون عليه لأجله قبل الأنفاق أو بعده وسواء كانت تلك النفقة محكوما بها ام لا. اما ان انفقت فى حالة اعساره فلا يكون لها ان تقاسمهم مطلقا لأن نفقتها تسقط باعساره (انظر مصطلح اعسار) وكذلك لا تقاسمهم بما انفقته على ولدها من زوجها المفلس الا بشرطين: ان يكون انفاقها فى حال يسار الاب وان يكون قد حكم بها قاض، فانها حينئذ تقاسمهم. كما لا تقاسمهم بما انفقته على أبوى زوجها المفلس الا بالشرطين المذكورين فى نفقة الولد مع زيادة شرط ثالث:
وهو أن تكون الزوجة قد استدانت تلك النفقة.
وان شهد شاهد واحد بحق للمفلس على شخص وامتنع المفلس من حلف اليمين المكملة للحجة مع الشاهد فان الدائنين ينزلون حينئذ منزلة المفلس ويحلفون مع الشاهد على ذلك الحق كما كان المفلس يحلف فيحلف كل واحد منهم ان ما شهد به الشاهد خق، لحلول كل منهم محل المفلس. فان حلفوا كلهم تقاسموا ذلك الحق وان نكلوا كلهم فلا شئ لهم منه. وان حلف بعضهم فلا يأخذ الحالف سوى حصته التى أوجبتها له القسمة فقط من ذلك الحق مع حلفه على الجميع على الاصح وهو المشهور أما من نكل فلا شئ له. وقال ابن عبد الحكم: يأخذ الحالف جميع دينه من ذلك الحق ان نكل غيره لا نصيبه من القسمة فقط. وبناء على الاصح يسقط حق الناكل من الدائنين ان حلف المدعى عليه بنفى حق المفلس عليه. فان امتنع من الحلف غرم بقية ما عليه ويقسم على جميع الدائنين من حلف ومن لم يحلف فيأخذ الحالف حصته بالحلف وحصة بالقسمة مع الناكلين على الظاهر. ولو طلب من نكل الدائنين العود الى حلف اليمين فالمعتمد انه لا يمكن منها، سواء طلب ذلك قبل حلف المدعى عليه بنفى حق المفلس عليه أم بعد حلفه.
ولا يتوقف قسمة مال المفلس بين الدائنين على حضورهم جميعا بل يقسم ماله حتى ولو غاب بعضهم ويكون القاضى أو نائبه حينئذ وكيله عن الدائن الغائب فيعزل نصيبه الى قدومه. فان تلف هذا النصيب او ضاع بعد عزله فضمانه من الدائن الغائب اتفاقا، لأن القاضى أو نائبه امين لا ضمان عليه الا اذا فرط. ومحل ذلك اذا كان ذلك النصيب المعزول من جنس دينه. فان لم يكن من جنس دينه بل عزله القاضى ليشترى له به من جنس دينه فضاع فضمانه من المفلس وكذلك يكون ضمانه من المفلس ان عزله الدائنون لا القاضى فضاع ويكون فى ذمته فيطالب به حين يوسر. واذا جمع القاضى مال المفلس ليقسمه على دائنيه فتلف ذلك المال او ضاع
قبل دفعه لهم فالمشهور انه ان كان نقدا فضمانه من الدائنين، لتفريطهم فى قسمته، اذ لا كلفة فى قسمته لانه مهيا لذلك واما ان كان غير نقد كالعروض والحيوان والطعام وجمعه القاضى ليعطى للدائنين ان وافق دينهم أو ليباع ويعطى ثمنه لهم ان خالفه فضاع او تلف قبل دفعه لهم أو قبل بيعه فضمانه من المفلس لا من الدائنين لأن العرض ونحوه معد للنماء ولما كان للمفلس نماؤه كان عليه هلاكه وهذا هو الراجح.
وقال ابن رشد: اذا كان هذا العرض ونحوه موافقا فضمانه من الدائنين لا من المفلس
(1)
مذهب الشافعية:
بعد الحجر على المفلس بسبب افلاسه يستحب للقاضى أو نائبه ان يبادر ببيع مال المفلس بقدر الحاجة لئلا يطول زمن الحجر عليه او حبسه إن حبس. لكن لا يجوز له أن يبالغ فى الاستعجال لئلا يطمع فيه بثمن بخس ويبيع القاضى بنفسه أو نائبه لمال المفلس شرط فى صحة البيع، فليس لغيره البيع حتى ولو كان محكما عند من قال بجواز حجر المحكم على المفلس.
والمراد بالقاضى هنا ايضا هو قاضى بلد المفلس كما سبق فى الحجر على المفلس لأن الولاية له على مال المفلس حتى ولو كان المال ببلد اخر تبعا للمفلس ويستحب ان يكون البيع بحضور المفلس والدائنين أو وكيلهم لأن ذلك انفى للتهمة وأطيب للقلوب وليبين المفلس ما فى ماله من العيوب فلا يرد.
ومن الصفات المطلوبة فتكثر الرغبات ولأن الدائنين قد يزيدون فى ثمن السلعة. والاولى ان يتولى المفلس أو وكيله بيع المال باذن القاضى ليقع الاشهاد عليه. ويكتفى فى بيع مال المفلس منه أو من القاضى بوضع اليد، ولا يحتاج الى بينة تثبت ان المال ملك له على المعتمد وبيع القاضى هذا ليس حكما بأن المال ملك للمفلس على المعتمد. ويقدم بيع ما يسرع اليه الفساد كالفاكهة لئلا يضيع، ثم ما تعلق به حق كمرهون لتعجيل حق مستحقه ثم الحيوان لاحتياجه للنفقة وتعرضه للتلف، ثم النقولات لخوف ضياعها ويقدم الملبوس منه على النحاس ونحوه. ثم العقار لأنه يؤمن عليه التلف والسرقة ويشهد بيعه، ويقدم البناء على الارض قال الاذرعى: والظاهر ان الترتيب يستحب فيما عدا ما يخشى فساده أو نهبه أو استلاء نحو ظالم عليه فيجب وقد تقتضى المصلحة تقديم العقار ونحوه على غيره عند الخوف عليه مما ذكر فالأحسن اذا هو تفويض الامر فى ذلك الى اجتهاد القاضى وعليه بذل الوسع فيما يراه الاصلح. ويستحب للقاضى ان يبيع كل شئ فى سوقه لأن الرغبة فيه اكثر والتهمة فيه ابعد. ومحل ذلك اذا لم يكن فى نقله مؤنة كبيرة فان كانت ورأى القاضى المصلحة فى استدعاء المشترين اليه فعل وهذا اذا لم يتعلق بالسوق غرض معتبر للمفلس والا وجب حتى ولو كان فى النقل مؤنة كبيرة وكذلك لو ظن القاضى زيادة الثمن فى غير سوقه وجب ان يفعل ذلك كما يجب على القاضى ان يبيع مال المفلس بثمن مثله فاكثر وان يكون الثمن حالا من نقد البلد لأن التصرف لغيره فوجب فيه رعاية المصلحة. فان خالف فى شئ مما يجب لم يصح البيع الا اذا رضى المفلس والدائنون بشئ من ذلك ولو دون ثمن المثل فانه يجوز ولو باع القاضى مال المفلس بثمن مثله ثم ظهر راغب بزيادة وجب القبول فى المجلس وفسخ البيع فان لم يقبل فسخ القاضى عليه.
ولو تعذر من يشترى مال المفلس بثمن مثله من نقد البلد وجب الصبر. ولا يجوز للقاضى أو نائبه ان يسلم البيع من مال المفلس قبل قبض ثمنه احتياطا ولو مع وجود ضامن ثقة أو رهن فان فعل ذلك ضمن المبيع بقيمته إن تلف وقيل يضمن الثمن وقيل: يضمن اقل الامرين. ويستثنى من ذلك - عند الاذرعى ما لو باع شيئا من مال المفلس لاحد الدائنين له وعلم أنه يحصل له عند القسمة مثل الثمن الذى اشتراه به اخر أكثر فإنه يجوز للقاضى ان
(1)
شرح الخرسى ج 5 ص 808 وما بعدها والشرح الكبير ج 3 ص 266 وما بعدها والشرح الصغير ج 2 ص 141 وما بعدها
يسلمه له قبل قبض الثمن، ويبقى الثمن فى ذمته بدلا من أخذه وإعادته إليه. ويبيع القاضى على المفلس كل ماله حتى ولو كان مركوبا أو فراشا أو كتبا أو مسكنا محتاجا اليه لمنصبه أو لغيره فى الاصح لأنه يسهل تحصيل هذه الاشياء بأجرة من كسبه أو من بيت المال فان تعذر فعلى مياسير المسلمين مواساة لا قرضا. وكذلك تباع على المفلس آلات حرفته ان كان محترفا، ورأس مال تجارة وان توقف الكسب عليهما على المعتمد. ويترك للمفلس من الثياب كسوة كاملة ولو غير جديدة بشرط ان يبقى فيها نفع عرفا فيما يظهر. وان تكون مما تليق به حال الافلاس وان كان من عادته ان يلبس فوق ما يليق به. ولو كان يلبس قبل الافلاس دون اللائق به تقتيرا لم يزد عليه. ويترك له هذا ان وجد ضمن ماله فان لم يوجد اشتراه له القاضى لأن الحاجة الى الكسوة كالحاجة الى النفقة، ويترك لعياله من الثياب كما يترك له. وكذلك يتسامح للمفلس فى الفراش القليل القيمة كحصير وليد، وكذلك آلة الاكل والشرب التافهة القيمة ويترك للعالم المفلس كتبه ما لم يستغن بغيرها من كتب الوقف اما المصحف فلا يترك للمفلس الا اذا كان بمحل لا حافظ فيه للقرآن كما يترك قوت يوم القسمة للمفلس ولمن تلزمه نفقته لأنه موسر فى أوله بخلاف ما بعده لعدم ضبطه ولأن حقوقهم لم تجب فيما بعده اصلا واذا قبض القاضى شيئا من اثمان اموال المفلس فانه يستحب له ان يقسم ما قبضه منها على التدريج بين الدائنين بنسبة ديونهم لتبرأ منه ذمته ويصل الحق الى مستحقه. وهذا الاستحباب ان لم يطلب الدائنون قسمته اما ان طلبوا ذلك كلهم أو واحد منهم فانها تجب عليه الا ان يعسر قسم ما حصل من المال بينهم لقلته وكثرة الدائنين فللقاضى ان يؤخر القسمة ليجتمع ما تسهل قسمته وان ابى الدائنون.
ولا يكلف الدائنون عند القسمة الاثبات بان لا دائن سواهم لاشهار الحجر، فلو كان ثم دائن لظهر ولأن وجود دائن اخر لا يمنع الاستحقاق من أصله ولا يتحتم مزاحمته لجواز ابرائه المفلس من دينه وان كان النقد الذى بيع به مال المفلس من غير جنس دين الدائن أو من غير نوعه أو صفته ولم يرض الدائن الا بجنس حقه أو نوعه أو صفته اشترى له القاضى ذلك وجوبا، لأنه واجبه وان رضى بذلك جاز صرف النقد اليه الا فى السلم ونحوه من كل ما يمتنع الاعتياض عنه كبيع فى الذمة فلا يجوز صرفه اليه وان رضى لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه ونحوه قبل قبضه. ولو رضى الدائنون المتصرفون لأنفسهم بأخذ اعيان مال المفلس فى ديونهم من غير بيع جاز.
ولو غاب دائن وعرف قدر حقه قسم عليه. وان لم يعرف ولم تمكن مراجعته ولا حضوره رجع فى قدره الى المفلس فان حضر الدائن الغائب وظهر له زيادة فهو كظهور دائن بعد القسمة وسيأتى تفصيله وان امكنت مراجعته وجب الارسال اليه. ومؤنة المال كأجرة الكيال والحمال والقاسم والبيت الذى فيه المال مقدمة على سائر الدائنين ان عدم متبرع بها ولم يتسع بيت المال لها، والا فلا يصرف اليها من مال المفلس شئ. واذا تأخرت قسمة ما قبضه القاضى فالأولى الا يجعله عنده للتهمة بل يقرضه أمينا موسرا يرتضيه الدائنون غير مماطل، ولا يكلف رهنا لأنه انما قبله لمصلحة المفلس فان لم يوجد أودعه القاضى عند ثقة يرضاه الدائنون .. فان اختلفوا فيمن يوضع عنده أو عينوا غير ثقة فمن رأه القاضى من العدول أولى واذا تلف المال عنده فمن ضمان المفلس ولو بعد مماته لا من ضمان الحاكم أو المودع. ولو تلف بيد القاضى ما افرز للدائن الغائب بعد اخذ الحاضر حصته أو أفرازها فعلى القاضى: ان الغائب لا يزاحم من قبض أى فيبقى دينه فى ذمة المفلس. واذا استحق شئ مما باعه القاضى أو امينه على المفلس قبل القسمة أو بعدها والثمن المقبوض غير باق قدم المشترى ببدله على الدائنين ولا يقاسم معهم على الاصح لئلا يرغب الناس عن شراء مال المفلس فكان التقديم من مصالح الحجر وليس القاضى ولا أمينه طريقا فى الضمان لأنه نائب الشرع
(1)
(1)
نهاية المحتاج ج 3 ص 315 وما بعدها شرح منهاج الطلاب ج 2 ص 369 وما بعدها أسنى المطالب ج 2 ص 185 وما بعدها تحفه المحتاج ج 2 ص 128 وما بعدها
مذهب الحنابلة:
اذا حجر على المفلس بسبب افلاسه وجب على القاضى أن يبيع ماله لما ذكر عن حديث معاذ، ولأن هذا هو مقصود الحجر ومحل وجوب ذلك ان كان مال المفلس من غير جنس الديون. أما إن كانت ديون الدائنين من جنس الأثمان فإنهم يأخذون الأثمان إن وجدت فى مال المفلس. ولا يحتاج القاضى الى استئذان المفلس فى البيع لأنه محجور عليه يحتاج الى قضاء دينه فجاز بيع ماله بغير اذنه. لكن يستحب للقاضى احضار المفلس أو وكيله وقت البيع لفوائد.
منها احصاء ثمن متاعه وضبطه.
ومنها أنه أعرف بثمن متاعه وجيده ورديئه.
فإذا حضر تكلم عليه وعرف الغبن من غيره ومنها ان الرغبة تكثر فيه فان شراءه من صاحبه أحب الى المشترين.
ومنها أن تلك أطيب لنفسه.
وكذلك يستحب له أيضا احضار الدائنين عند البيع، لأن مال المفلس يباع لهم وربما رغبوا فى شئ من مال المفلس فيكون أصلح لهم وللمفلس وأنه أطيب لقلوبهم وأبعد عن التهمة.
وربما يجد أحدهم عين ماله فيأخذها. فإن لم يفعل القاضى ذلك وباع مال المفلس من غير حضوره ولا حضور الدائنين فانه يجوز لأن ذلك مفوض اليه وموكول الى اجتهاده فربما أذاه اجتهاده الى خلاف ذلك والمبادرة الى البيع قبل احضارهم.
ويأمر القاضى كلا من المفلس والدائنين أن يقيموا مناديا ينادى على المتاع لأنه مصلحة فان تراضوا بثقة أمضاه القاضى وان لم يكن ثقة رده.
وان اختار المفلس رجلا واختار الدائنون آخر أقر القاضى الثقة منهما. فان كان كل منهما ثقة قدم القاضى المتطوع منهما لأنه أوفر فان كانا متطوعين ضم القاضى أحدهما الى الآخر ويستحب للقاضى أو أمينه أن يبيع كل شئ فى سوقه لأنه أحوط وأكثر لطلابه ومعرفة قيمته ويجوز بيعه فى غير سوقه لأن الغرض تحصيل الثمن وربما أدى الإجتهاد الى أن ذلك أصلح من بيعه فى سوقه بشرط أن يبيعه بثمن مثله المستقر وقت البيع أو أكثر منه فلا اعتبار بحال الشراء. فان باعه القاضى بدون ثمن المثل لم يجزه ويبيعه بنقد البلد لأنه أصلح فان كان فى البلد نقود متعددة باعه بأغلبها رواجا فإن تساوت باعه بجنس الدين وان زاد فى ثمن السلعة أحد بعد بيعها فى مدة الخيار لزم القاضى أو أمينه الفسخ لأنه أمكنه بيعه بثمين فلم يجز بيعه بدونه كما لو زيد فيه قبل البيع.
وان زيد فى السلعة بعد لزوم البيع استحب للقاضى أو أمينه سؤال المشترى الاقالة. ويستحب للمشترى ان يستجيب الى ذلك لأنه معاونة على قضاء دين المفلس. ولا يحرم كل هذا للحاجة الماسة اليه.
ويبدأ القاضى أو أمينه بيع أقل مال للمفلس بقاء وأكثره مؤنة فيبيع أولا ما يسرع اليه الفساد كالطعام والرطب والفاكهة ثم يبيع الحيوان لانه معرض للاتلاف ويحتاج الى مؤنة فى بقائه ثم يبيع السلع والأثاث لأنه يخاف عليه وتتناوله الأيدى، ثم يبيع العقار، لانه لا يخاف تلفه وبقاؤه اشهر له واكثر لطلابه. ويجب على القاضى أو أمينه أن يترك للمفلس من ماله ما يحتاجه من مسكن صالح لمثله لأنه لا غنى للمفلس عنه فلا يباع فى دينه كثيابه وقوته. وان كان له مسكن واسع يفضل عن سكنى مثله باعه القاضى واشترى له مسكنا مثله، لاندفاع حاجته به ويرد الفضل من ثمنه على الدائنين جميعا بين المصلحتين. وكذلك ثياب المفلس إذا كانت رفيعة لا يلبس مثله مثلها. يجب على القاضى أيضا أن يترك للمفلس آلة حرفته ان كان ذا صنعة فلا يبيعها عليه لحاجته اليها كثيابه ومسكنه. فان لم يكن المفلس صاحب حرفة وجب على القاضى أن يترك له شيئا من ماله يتجر به لتحصيل مؤنته ان كان تاجرا.
وهذا إذا لم يكن الشئ الواجب تركه للمفلس من مسكن وثياب وآلة عين مال أحد الدائنين فان كان ذلك عين مال أحدهم أو كان مال المفلس كله أعيان أموال أفلس بأثمانها ووجدها أصحابها فلهم أخذها بشروطها التى سيأتى بيانها ولا يترك للمفلس شئ من ذلك حتى ولو كان محتاجا اليه لأن حق الدائن تعلق بالعين فكان أقوى سببا من المفلس. ولأن
منعهم من أخذ أعيان أموالهم يفتح باب الحيل بأن يجئ من لا مال له فيشترى بثمن فى ذمته ثيابا يلبسها أو دارا يسكنها أو طعاما له ولعائلته ويمتنع على أصحابها أخذها لتعلق حاجة المفلس بها فيضيع أموالهم ويستغنى هو بها، فعلى هذا يؤخذ ذلك من المفلس ولا يترك له شئ منه لأنه اعيان أموال الناس فكانوا أحق بها منه كما لو كانت فى أيديهم أو أخذها منهم غصبا، ومتى باع القاضى شيئا من مال المفلس دفع ثمنه للدائن ان كان واحدا، لأنه لا حاجة الى تأخيره. وكذلك إن كان الدائن متعددا واجتمع من مال المفلس ما يمكن قسمته عليهم فانه يجب على القاضى أن يقسمه بينهم بنسبة دين كل واحد منهم على الفور لأن فى تأخير ذلك ظلم لهم. ولا يلزم الدائنين الحاضرين إقامة البينة بأن لا دائن للمفلس سواهم. وقسمة القاضى لمال المفلس على الدائنين الحاضرين ليست حكما منه بأنه لا يوجد للمفلس دائن سواهم. وأجرة المنادى ونحوه ككيال ووزان وحمال وحافظ لم يتبرع بعمله تكون من مال المفلس لأن البيع حق على المفلس لكونه طريقا الى وفاء دينه فمؤنته عليه، وتقدم أجرة ذلك على ديون الدائنين، لأنه من مصلحة المال. وقيل: تكون أجرة كل ذلك من بيت المال من مال المفلس لأنه من المصالح ثم يبدأ القاضى عند قسمة مال المفلس بوفاء دين من له رهن لازم فيختص المرتهن بثمن الرهن اذا كان ثمنه بقدر دينه سواء كان المفلس حيا أو ميتا، لأن حقه متعلق بعين الرهن وذمة الراهن بخلاف غيره من الدائنين يتعلق حقهم بالذمة دون العين فكان حقه أقوى وإن كان ثمن الرهن أقل من دينه قاسم مع الدائنين بالباقى من دينه. وان كان ثمن الرهن أكثر من دينه أعطى قدر دينه ورد الباقى على مال المفلس ليقسم بين الدائنين لانه انفك من الرهن بالوفاء فصار كسائر. أموال المفلس ثم بعد ذلك يبدأ بمن له عين مال باعها للمفلس قبل الحجر. أو استأجرها المفلس منه ولم يمض من مدتها زمن له أجرة فيأخذها صاحبها بشروطه ثم يقسم الباقى من مال المفلس بين الدائنين بقدر ديونهم لأن فيه تسوية بينهم ومراعاة لكلمية حقوقهم. فان كانت ديونهم من جنس الاثمان أخذوها وإن كان فيهم من دينه من غير جنس الاثمان كالقرض بغير الاثمان وليس من مال المفلس من جنسه ورضى أن ياخذ عوض بحقه فى الاثمان جاز وان امتنع وطلب جنس حقه اشترى له بحصته من الثمن من جنس دينه لانه الواجب ولا يجبر على الاعتياض. ولو أراد الدائن الأخذ من مال المفلس المجموع وقال المفلس لا أقضيتك الا من جنس دين قدم قول المفلس لانه طالب للأصل الواجب فلا يجبر على المعاوضة. وان كان فى الدائنين من له دين سلم لم يجز أن يأخذ الا من جنس حقه حتى وان تراضيا على دفع عوضه لأن ما فى الذمة من السلم لا يجوز أخذ البدل عنه. ولو قضى القاضى أو المفلس بعض الدائنين دون البعض لم يصح، لأنهم شركاء من قضاه دينه فلم يجز إختصاصه بذلك دونهم. وان لم يكن قسمة ما اجتمع من قال المفلس أودع عند ثقة الى ان يجتمع منه ما يمكن قسمته فيقسم. وان احتاج فى حفظه الى غرامة دفع الى من يحفظه. وان تلف شئ من مال المفلس تحت يد القاضى أو أمينه أو المودع من غير تعد ولا تفريط فالتالف من ضمان المفلس وماله لأن نماءه له فتلفه عليه
(1)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: من ثبت للناس عليه حقوق من مال أو مما يوجب غرم مال ببينة عدل أو باقرار صحيح
(2)
منه ان كان كل ما يوجد له من مال لا يفى بما عليه أو يفى بما عليه ولا يفضل له شئ فانه يقضى بما وجد له للدائنين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع معاذ، ثم يباع لهم كل ما يوجد له ان اتفقوا على ذلك وان شاءوا اقتسموه بالقيمة
(3)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 491، 493 - 501، كشاف القناع وشرح المنتهى وبهامشه ج 2 ص 146 - 148، 214 - 218
(2)
المحلى ج 8 ص 624 مسألة رقم 1276
(3)
المحلى ج 8 ص 633 مسألة رقم 1279
وهذا ان كان ما يوجد له من غير نوع الديون التى عليه. أما ان كان ما يوجد له من مال من نوع ما عليه فانه ينصف الناس منه بغير بيع كمن عليه دراهم ووجدت له دراهم أو عليه طعام ووجد له طعام وهكذا فى كل شئ
(1)
.
ويقسم مال المفلس الذى يوجد له بين الدائنين بالحصص بالقيمة على الدائنين الحاضرين الطالبين الذين حلت آجال حقوقهم فقط، فيأخذ كل واحد بقدر دينه مما وجد ولا يدخل فيهم حاضر لم يطلب ولا غائب لم يوكل، ولا حاضر ولا غائب لم يحل أجل دينه أو حقه - سواء طلب أو لم يطلب - لأن من لم يحل أجل حقه فلا حق له بعد، ومن لم يطلب يلزم أن يعطى ما لم يطلب، وقد وجب فرضا إيقاف الحاضر الطالب فلا يحل محل مفلس فما فوقه. وأما الميت مفلسا فإنه يقضى لكل من حضر أو غاب سواء طلبا أو لم يطلبا، ولكل ذى دين كان سواء كان حالا أو كان الى أجل مسمى، لأن الآجال كلها تحل بموت الذى له الحق أو الذى عليه الحق لما سبق ذكره فى أثر الافلاس فى حلول الدين المؤجل وأما من لم يطلب فلقوله تعالى فى المواريث:«مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ»
(2)
.
فلا ميراث الا بعد الوصية والدين فواجب اخراج الديون الى اصحابها وكذلك الوصايا ثم يعطى الورثة حقوقهم مما بقى
(3)
. وحقوق الله مقدمة على حقوق الناس، فيبدأ بما فرط فيه المفلس من زكاة أو كفارة فى الحى والميت بالحج فى الميت فإن لم يفى ماله كل عليه من حقوق ماله على كل هذه الحقوق بالحصص لا يبدى منها شى على شئ
(4)
. وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «دين الله أحق أن يقضى وقوله أيضا: اقضوا الله فهو أحق بالوفاء
(5)
».
وإن تلف مال المفلس بعد القضاء به للدائنين فضمانه من الدائنين ويسقط عن المفلس من دينهم بقدر ذلك، لأن عين ماله قد صار لهم إن شاءوا اقتسموه بالقيمة وإن اتفقوا على بيعه بيع لهم
مذهب الزيدية:
يجوز للقاضى أن يبيع على المفلس المحجور عليه ماله لقضاء دين الدائنين. وانما يفعل القاضى ذلك فى حالة تمرد المفلس وامتناعه عن بيع ماله بنفسه، أو عند غيبة يجوز معها الحكم. والاصل فى جواز بيع مال المفلس لافلاسه بما عليه من ديون هو ما سبق ذكره من الاحاديث والاجماع منعقد على جوازه. وحكى صاحب الكافى عن زيد بن على والناصر: أن القاضى لا يجوز له بيع مال المفلس بل يحبسه حتى يبيعه بنفسه إلا الدراهم والدنانير. وبناء على الاول - وهو المذهب - يستحب للقاضى احضار المفلس والدائنين عند البيع، لان المفلس أعرف بقيمة ماله ولعل فى الدائنين من يرغب فى شراء شئ من ماله فيرتفع الثمن لكثرة الطلب وان باع القاضى من غير حضور الجميع صح بيعه اذ الولاية اليه. كما يستحب أن يراضى المفلس الدائنين بمن نادى بالسلعة. لمعرفتهم الاصلح. واذا رضوا بمناد غير ثقة لم يقبله القاضى، اذ لا تؤمن خيانته.
ولا يستأجر ان وجد مجانا، ولا بأكثر ان وجد بأقل وأجرة السمسار وهو الدلال من بيت المال ان كان فى بيت المال فضله والا فمن مال المفلس لان العمل من أجله وينادى بكل متاع فى سوق جنسه ويقدم بيع ما يخشى فساده كاللحم والفواكه ونحوها، ثم الحيوان لتسقط مؤنته ثم المنقول لخشية ذهابه ثم العقار ولا ينادى به بل يعرض بحسب العادة. ولا يبيع الا بنقد البلد.
واذا لم يوجد من يشترى مال المفلس الا بعين ظاهر فللقاضى أن يمتنع من بيعه مدة يقدرها برأيه أو حسب القرائن حتى يأتى يوم السوق أو نحو ذلك.
قال فى البيان «واذا طلب الدائنون تأخير بيع ضيعة المفلس ونحوها حتى يستغلوها بما زاد من ديونهم على قيمتها ثم تباع بباقى ديونهم فلهم ذلك. ويندب للقاضى طلب الاقالة ان حصل من زاد فى الثمن بعد تمام البيع، ولا يجبر المشترى على الاقالة والمفلس
(1)
المحلى ج 8 ص 624 مسألة رقم 1276
(2)
الاية رقم 12 من سورة النساء
(3)
المحلى ج 8 ص 634 مسألة رقم 1280
(4)
المحلى ج 8 ص 635 مسألة رقم 3382
(5)
لم اعثر له على تخريج.
بالنسبة لما يترك له من ماله اما كسوب - وهو من له مهنة يدخل عليه منها رزق. واما متفضل وهو كل من له دخل يكفى مؤنته من أصل لا يجوز بيعه كوقف أو وصية بالمنافع ونحوهما ويفضل منه شئ واما خال عنهما. فالخالى عنهما ومثله من له دخل من مهنة أو غلة ما لا يباع ولا بفضل منه شئ فهذا يترك له ثوب يستره ويقيه الحر والبرد حسب ما يعتاد الفقراء، لانه فى حكم الفقراء، لتعلق حق الغير بماله يستثنى له الا مثل حالهم من غير اضرار.
وقال الامام يحيى: يترك له كسوة مثله المعتادة قبل الافلاس من خشن ونفيس.
كذلك يترك له منزله المحتاج اليه الا اذا كان نفيسا أو كبيرا، فيباع الزائد أو الكل ويؤخذ له ببعض ثمنه منزل على عادة الفقراء من أهل بلده، ويوفر بقية الثمن للدائنين ومن لم يكن له منزل أصلا لم يترك له مع افلاسه من ماله قيمة المنزل. وكذلك يترك للمفلس الكسوب آلة صنعته التى يتكسب بها فلا تباع عليه ولو كانت تفى بالدين الا زيادة النفيس اذا كان يجد غيرها بالاجرة.
وقال الفقيه يوسف ان كانت تفى بالدين فانها تباع له. ويباع عليه خاتمة وسلاحه ان كان غير محتاج اليه. أما المفلس الكسوب أو المتفضل فلا يترك القاضى له منزلة الذى يسكنه اذا كان يجد غيره بالاجرة لا بالاعارة ولا من بيت المال، فيباع عليه ويستأجر له غيره وتكون الاجرة من كسب الكسوب ومما يفضل للمتفضل لان الاجرة معه مستمرة موجودة لا تنقطع بخلاف غيره. وأما الثياب فلا تباع عليه وتترك له، لان العادة لم تجر باستئجارها. وقال الفقيه يحيى: لوجرت العادة باستئجارها تباع ويستأجر له غيرها من دخله والاصح الاول حتى ولو جرت العادة بذلك.
وكذلك يستثنى من بيع مال المفلس الميت جهازه للدفن من كفن وغيره فلا يباع لقوله صلى الله عليه وسلم فى الميت المديون: «صلوا على أخيكم» فلو لم يستثن ذلك لامرهم بنزع كفنة اذ هو من ماله ولا يزاد على ثوب واحد وان كان كفن مثله أكثر على الارجح اثار للدين. وقيل: لا يزاد على كفن مثله. وقيل: ما يستر العورة فقط. وسيأتى فى الاتفاق على المفلس تفصيل ما يترك له من النفقة.
واذا كان الدائن واحد سلم اليه القاضى ثمن ما يباع أولا بأول، اذ لا وجه للتأخير. فان كانوا جماعة حفظه حتى يجتمع ما يمكن قسمته فيقسمه بينهم بحصة كل واحد منهم من الدين والمرتهن أولى بثمن رهنه من سائر الدائنين لتعلق حقه بعين الرهن وتعلق حق الدائنين بذمة المفلس ويقدم بيعه بالجواز أن ينقص الرهن عما رهن فيه فيحتاج المرتهن الى توفيته من مال المفلس. وفى اختصاص الدائنين الاولين بما اشتراه المفلس بثمن فى ذمته بعد الحجر عليه وجهان: أصحهما ما قاله الامام يحيى: ان البائعين له أحق به، فلا يقسم على الدائنين لقوله صلى الله عليه وسلم: «فصاحب المتاع أحق بمتاعة
(1)
» وقيل: بل يكون للدائنين الاولين فيباع ويقسم عليهم كالاعيان المتقدمة من مال المفلس وللقاضى ان يحتاط عند تقسيم مال المفلس بأخذ الكفلاء من الدائنين برد ما يلزم رده، ولا سيما ممن كان غريبا
(2)
.
مذهب الإمامية:
يجوز للقاضى أن يبيع مال المفلس عينا كان أو منفعة كالمنفعة المؤجرة أو المصالح عليها، ويضاف العوض الى أثمان ما يباع. وذلك لما روى كعب بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله فى دينه. وهذا يقتضى أنه باعه جبرا عليه بغير اختياره. ويحتسب من جملة أموال المفلس الذى يراد تعلق الحجر بها الاموال التى ملكها بعوض ثابت فى ذمته كالاعيان التى اشتراها أو أستدانها لانها ملكه الآن وان كان أصحابها بالخيار بين أن يرجعوا فيها وألا يرجعوا ويطالبوا بعوضها المحتسب من جملة ديونه. وينبغى للقاضى المبادرة
(1)
يأتى تخريجه فى اختصاص الدائن بعين ماله عند المفلس.
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 82 - 83، شرح الأزهار ج 4 ص 287 - 289، التاج المذهب ج 4 ص 163، سبق تخريجه فى الحجر على المفلس.
الى بيع مال المفلس لئلا تطول مدة الحجر، ولا يفرط فى الاستعجال كيلا يطمع المشترون فيه بثمن بخس ويستحب له أن يحضر كل متاع الى سوقه لان بيعه فيه أكثر لطلابه وأضبط لقيمته. وهذا اذا تأكد من انتفاء الزيادة اذا باعه فى غير سوقه. وأما اذا تأكد من نقصان قيمته اذا بيع فى غير سوقه فيجب عليه بيعه فى سوقه. كما يستحب له أحضار الدائنين حالة البيع لان المال يباع لهم فربما رغبوا فى شراء بعض المتاع فزاد فيكون أوفر للثمن وأبعد عن التهمة. كما ينبغى احضار المفلس لانه اخبر بمتاعه وأعرف بجيده من رديئه وبثمنه ويعرف المعيب من غيره، ولانه تكثر رغبة المشترين فيه بحضوره. فان باعه القاضى حال غيبة المفلس أو الدائنين جاز.
ويبدأ القاضى ببيع ما يخشى تلفه. فان تأكد له تلفه وجب المبادرة ببيعه أولا، لوجوب الاحتياط على الامناء والوكلاء فللقاضى أولى، لان تصرفه قهرى فلا يجوز له تعريض مال من حجر عليه للتلف، فيبيع الفاكهة والطعام ونحوهما أولا، ثم يقدم بيع ما يخشى فساده ثم الحيوان لحاجته الى النفقة وكونه عرضه للهلاك ثم سائر المنقولات ثم العقار. وقال صاحب: اذا أراد القاضى بيع متاع المفلس يقول للمفلس والدائنين: ارتضوا بمناد ينادى ويكون ثقة صادقا، لان القاضى لا يتولى ذلك، ولا يكلف الدائنون أن يتولوا ذلك. فان اتفقوا على رجل فان كان ثقة أمضاه القاضى وان كان غير ثقة رده، لان ذلك يتعلق بنظره فان اختلفوا فاختار المفلس رجلا والدائنين آخر فان كان احدهما ثقة والآخر غير ثقة أمضى الثقة وقبله دون الآخر وان كانا ثقتين الا ان أحدهما بغير أجرة قبله وأمضاه. وان كانا جميعا بأجرة قبل اوثقهما وأصلحهما للبيع. وان كانا متطوعين ضم أحدهما الى الآخر، لانه أحوط أ. هـ. وأجرة المنادى اذا لم يوجد من يتبرع بذلك ولم تبذل من بيت المال يجب أخذها من مال المفلس لان البيع واجب عليه ولا يسلم المبيع قبل قبض الثمن بل متأخرا عنه أو معا فان امتنع المشترى أجبر على التسليم والاخذ، لان من يتصرف للغير لا بد وان يحتاط. فان خالف الواجب وسلم المبيع قبل قبض الثمن ضمن وأثم ولا سبيل الى عدم جبر المشترى على ذلك لتعلق حق الدائنين بالثمن وهو حال فلا سبيل الى تأخيره بل لو رضى المفلس والدائنون بالتأخير لم يكن للقاضى أن يرضى بذلك، لاحتمال ظهور دائن آخر فدينه يتعلق بالمال فتعين الجبر، ويحتمل أيضا أن يجبر على تسليم الثمن الى عدل. وانما يبيع القاضى مال المفلس بثمن المثل فصاعدا ان أمكن بدون سعى، والا فيلزمه السعى لبيعه فلو كان بقرب بلد أموال المفلس بلد فيه قوم يشترون العقار، مثلا فى بلد المفلس أعلمهم القاضى ليتوفر الثمن على المفلس ويبيع بنقد البلد وان كان من غير جنس حق الدائنين، لانه أوفر، ولان التصرف على الغير يراعى فيه المتعارف وان كان الثمن من غير جنس مال الدائنين ولم يرض الدائنون الا بجنس حقهم صرف الى جنس حقهم لان ذلك معاوضة لا تجوز الا مع التراضى فان رضوا جاز صرفه اليهم برضا المفلس وان كان الثمن هو جنس حقهم دفعه اليهم. واذا باع القاضى أو نائبه مال المفلس بثمن مثله ثم طلب بزيادة فى الثمن بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار لم يفسخ العقد الا انه يستحب للقاضى أن يسأل المشترى الاقالة أو بذل الزيادة، ويستحب للمشترى الاجابة الى ذلك لان فيه مصلحة المفلس وان لم يجبه المشترى الى ذلك لم يجبر عليه لان البيع الاول قد لزم. والمشهور أنه لا يجوز بيع دار المفلس التى يسكنها الا اذا كانت الدار نفيسة ويكفية دار بقيمة بعضها فانه يجب بيعها، وتشترى له دار تكفيه، وكذلك اذا كانت كبيرة فانه يجب أن يباع منها ما يفضل عن حاجته.
وكذلك لا تباع ثياب تجمله ويعتبر فيها ما يليق بحالة كما وكيفا. وقال ابن الجنيد. يستحب للدائن اذا علم عسر من عليه الدين الا يحوجه الى بيع مسكنه الذى لا يجد غنا عنه ولا ثوبه الذى يتجمل به وأن ينظره. فان لم يفعل وطالب القاضى ببيع ذلك فلا بأس أن يجعل القاضى ذلك رهنا فى يد الدائن. فان أبى الدائن الا استيفاء حقه أمر القاضى المفلس بالبيع وتوفية أهل الدين حقوقهم. فان امتنع حبسه الى أن يفعل ذلك فان دافع باع عليه القاضى. والروايات
متضافرة بالاول وعليه العمل. وزاد فى الغنية الاجماع على عدم بيع دابة المفلس التى يجاهد عليها.
إلا اذا كانت نفيسة فتباع ويشترى له دابة تكفيه وسيأتى تفصيل ما يترك لنفقة المفلس فى يد الانفاق على المفلس وما يقبضه القاضى من أثمان المبيع من أموال المفلس يسلمه الى الدائن من غير تأخير ان كان الدائن واحدا وكذلك يسلمه بدون تأخير ان أمكنت قسمته بين الدائنين على نسبة ديونهم بسرعة. وان كان يعسر قسمته لقلته وكثرة الديون فله أن يؤخر القسمة ليجتمع المال. فان امتنعوا من ذلك وطلبوا تعجيل قسمة الاثمان الموجودة بينهم قسمها بينهم على نسبة الديون الحالة فقط. ولو اقتضت المصلحة تأخير القسمة فقيل: يجعل المال فى ذمة موسر احتياطا كان يقرض الموسر ليكون مضمونا. فان تعذر وجعل وديعة لانه موضع ضرورة وينبغى ان يودع عند من يرتضيه الدائنون فان اختلفوا أو عينوا من ليس بعدل لم يقبله القاضى ويعين من أراد من الثقات ولا يودعه من ليس بعدل، وقيل: ينبغى اعتبار رضا المفلس ايضا.
واذا طلب أصحاب الديون الحالة قسمة مال المفلس عليهم لم يكلفهم القاضى اقامة البينة على انه لا دائن سواهم ويكتفى القاضى فى ذلك بالاعلان والاشهاد بالحجر عليه والسابق اذ لو كان هناك دائن لظهر وطالب بحقه. ولو مات المفلس قبل قسمة ماله قدم كفنه على ديون الدائنين ويقتصر على الواجب منه فلا يكفن بأزيد من الواجب الا باذن الدائنين وكذلك تقدم مؤنة تجهيزه من طيب وماء وغيرها.
وصرح جماعة بأنه يقدم كفن من تجب نفقته ممن يجب تكفينه عليه قبل الافلاس وكذلك تقدم على سائر ديون الدائنين أجرة الكيال والوزان والحمال والمنادى وأجرة البيت الذى فيه المال وكل ما يتعلق بمصلحة الحجر، لان فى كل ذلك مصلحة الحجر وايصال الحق الى اصحابة ولو لم يقدم ذلك لم يرغب أحد فى تلك الاعمال وحصل الضرر للمفلس والدائنين. وهذا كله اذا لم يوجد متطوع بذلك ولا فى بيت المال سعة له. فان وجد متطوع أو كان فى بيت المال سعة له لم يصرف مال المفلس اليها. ولو تلف المال من المودع قبل قسمته على الدائنين فهو من مال المفلس، سواء كان التالف الثمن أو العين، لان المال للمفلس تلف فى يد أمينة. وهو ظاهر اذا كان غنيا. وكذا اذا كان ثمنا، لانه دخل فى ملكه بالبيع عنه، وانما يملكه الدائنون بقبضه وهذا اذا لم يكن التلف بالتعدى أو التفريط، ولا فرق فى ذلك بين حال حياة المفلس أو بعد موته
(1)
مذهب الإباضية:
سبق فى الحجر على المفلس أن الإباضية لا يجيزون للقاضى أن يحكم بإفلاس المفلس وفى ملكه شئ مما يباع ويعطى منه الدائنون ديونهم. كما سيأتى فى حبس المفلس أنه يؤجل لبيع ماله، فإن انقضى الأجل ولم يؤد ما عليه حبس حتى يؤديه فإن تمادى فى الحبس ولم يؤد باع القاضى ماله وقضى عنه دينه وبناء عليه يبيع القاضى ماله بعد أن يشهد للمشترى، ويشترط له الضمان على المفلس صاحب المال ان ظهر أن المال المباع - كله أو بعضه - مستحق لغير المفلس
(2)
. ولا يترك له القاضى من ماله إلا ما يستره من اللباس وغداءه وعشاءه.
واختلفوا فى سلاح المفلس وسكناه.
فقال بعضهم يترك له ما كان من السلاح والسكنى قبل ذلك ولو كانت قيمته كثيرة. وقال بعضهم: يردونه الى أدنى السلاح والسكنى، ويباع ما فضل منهما لقضاء الديون. وذكر البعض: أنه لا يترك للمفلس شئ ان كان سبب الدين عليه من جهة التعدى كالغصب، أما غير ذلك من الدين الناشئ من المعاملات وغيرها فان القاضى يترك له ثلث ما فى يده من المال وقيل: يترك له نفقة سنة. وفى المنهاج: اذا رفع المفلس للقاضى فللدائنين ما سوى ازاره من ماله ويترك له ازارة فقط
(1)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 325، 328 - 333، 336، 339، شرائع الاسلام ج 1 ص 202، الخلاف فى الفقه ج 1 ص 621 - 623 رقم 10، 16، 17، الروضة البهية ج 1 ص 346 - 347، مختلف الشيعة ج 1 ص 250
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 166، 171
وقيل: يترك له الازار والرداء، وفى الشتاء يترك له ما يدفئه ان كان فيما يحتاج فيه الى الدثار. وقيل:
يترك له ثوبان وقوت يومه له ولعياله، وكسوته وكسوتهم سنة.
وقيل: لاتباع على المفلس كسوته ولا نعله ولا مصحفه ولا كتبه ان كان من أهل العلم. ويباع سيفه وخاتمه وفرسه وحماره الا ان عجز عن المشى فإنه يترك له حماره عند البعض. وتباع مواشيه إلا ما يزرع عليه كما تباع آلة صنعته التى يعمل بها.
وقال الحسن بن أحمد: لاتباع آلة الصناعة على المفلس، وتترك له ان كان من أهل الصناعة
(1)
.
ويقسم ثمن مال المفلس بعد ذلك على الدائنين بحصة دين كل منهم. ولو حضر بعض الدائنين دون البعض أعطى من حضر حصة ورفع سهم من لم يحضر. فان ضاع ضاع على المفلس. لا على من حضر من الدائنين ولا على من لم يحضر منهم. إلا ان حكم القاضى بإفلاسه فلمن لم يحضر أن يتبع المفلس بحصته، وله أن يتبع من حضر من الدائنين
(2)
الرابع: مما يترتب على الحكم بافلاس
المديون والحجر عليه
إختصاص الدائن بعين ماله
الموجود تحت يد المفلس
مذهب الحنفية:
من اشترى سلعة وقبضها باذن البائع ثم أفلس والسلعة موجودة تحت يده قبل أن يدفع الثمن أو بعد ما دفع جزءا منه، وعليه ديون لاناس شتى فبائع السلعة أسوة الدائنين فيها، فيشاركهم بثمنها اذا كان حالا، ولا يكون أحق بها ولا بثمنها منهم لأن البائع لما سلمها الى المشترى برضاه فقد رضى بإسقاط حقه من سلعته ورضى به دينا فى ذمة المشترى
(3)
. والذمة بعد الافلاس باقية كما كانت قبله فلا فرق بين المفلس والغنى فى ذلك. وما روى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس أو انسان قد أفلس فهو أحق به من غيره» لا يدل على أن بائع السلعة أحق بها من غيره، لأن المبيع ليس بعين مال البائع ولا متاع له وإنما هو مال المشترى اذ قد خرج عن ملك البائع وعن ضمانه بالبيع والقبض. وإنما ماله بعينه يقع على المغصوب والعوارى والودائع والعين المؤجرة والمرهونة فذلك ماله بعينه فهو أحق به من سائر الدائنين فى حالة افلاس الغاصب والمستعير والمودع والمستأجر والمرتهن والحديث ورد فيه وبه نقول. هذا فضلا عن أن الحديث المذكور معارض بما روى الخصاف بإسناده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه فهو أسوة غرمائه فيه
(4)
» وهذا كله اذا قبضها المشترى بإذن البائع ثم أفلس. أما ان أفلس المشترى قبل قبض السلعة فانه ينظر فإن كان الثمن مؤجلا فكذلك الجواب. وإن كان حالا فالبائع أحق بالثمن من سائر الدائنين إجماعا وله أن يحبس السلعة حتى يقبض الثمن.
وكذا اذا قبضها المشترى بغير اذن كان للبائع أن يستردها ويحبسها بالثمن. واذا مات المشترى قبل دفع الثمن - والمسألة بحالها - فحكمه حكم المفلس الحى، سواء مات مفلسا أم لا إلا أن الثمن يحل بموته ان كان مؤجلا. واذا بيع الرهن فى حال حياة الراهن وعليه ديون لاخرين فالمرتهن احق من سائر الدائنين بإستيفاء دينه كله من ثمن الرهن
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 165 - 166، جوهر النظام ج 1 ص 339
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 170، وجوهر النظام السابق.
(3)
الجوهرة النيرة على مختصر القدوري ج 1 ص 247 - 248 المطبعة الخيرية، حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 99 الطبعة الثالثة للمطبعة الاميرية سنه 1315 هـ
(4)
العناية على الهداية بهامش نتائج الافكار ج 7 ص 331 مطبعة مصطفى محمد
لأن المرتهن بعقد الرهن ثبت له الاختصاص بالمرهون، فيثبت له الاختصاص ببدله وهو الثمن
(1)
.
مذهب المالكية:
من باع سلعة وجازها المشترى وقبل أن يقبض البائع ثمنها حكم القاضى بافلاس المشترى والسلعة موجودة بعينها فلبائعها - وهو الدائن بثمنها - الخيار بين أن يأخذ عين سلعته الثابتة له ببينه أو بإقرار المفلس قبل الحكم بإفلاسه والحجر عليه وهو أحق بها من سائر الدائنين. وبين أن يتركها للمفلس ويقاسم بثمنها مع الدائنين وهذا إن حدث الافلاس بعد البيع ونحوه كالهبة بشرط العوض والقرض. فإن وقع الافلاس قبل البيع لكن بعد قبض المشترى السلعة ليقلبها أو ليتروى فى أخذها ثم عقد البيع بعد الافلاس فلا يكون البائع أحق بها حتى وأن لم يعلم حين البيع بافلاسه لعدم تثبته بأن هذا الذى إشترى منه مفلس، ولا يكون لهذا البائع سوى أن يتبع بالثمن ذمة المفلس ولا دخول له مع الدائنين فى المال الذى خلعوه من تحت يد المفلس سواء وقع البيع بعد قسمة ذلك المال أو قبله لأنه عامل المفلس بعد الحكم بخلغ ماله لهم. وهذا فى حالة الحياة أما فى حالة موت المشترى مفلسا أم غير مفلس فلا يكون بائع السلعة له أحق بها من الدائنين بل هو أسوتهم فيها لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم قال:«أيما رجل باع متاعا فأفلس الذى ابتاعه ولم يقبض الذى باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به، وان مات المشترى فصاحب المتاع أسوة الغرماء» ولأن ذمة الميت قد خربت بالكلية بخلاف المفلس فإن ذمته موجودة فى الجملة فيتعلق بها دين الدائنين الاخرين وإن كانت السلعة ما زالت فى يد البائع لم يسلمها للمشترى فإنه - أى البائع يكون أحق بها من سائر الدائنين سواء فى حالة افلاس المشترى أو موته. واذا أراد البائع أخذ سلعته الموجودة عند المفلس ورضى الدائنون جميعا بذلك لم يحتج الى حكم القاضى بذلك وان لم يسلموا له ذلك فلا بد من حكم القاضى به وهو الظاهر. وهذا كله اذا كانت السلعة عرضا أو مثليا أو حيوانا. أما إذا كان عين ماله الموجود عند المفلس دراهم مسكوكة فعند ابن القاسم له أن يأخذه أيضا حيث عرف بعينه بأن كان مطبوعا عليه أو كان هناك بينة لازمت القابض لهذه الدراهم حتى حكم بإفلاسه قياسا للثمن على المثمن.
وقال أشهب: ليس له إلا أن يقاسم بها غيره من دائنى المفلس ولا يأخذها لأن الموجود فى الأحاديث من وجد سلعته أو متاعه فهو أحق به والنقدان - أى الذهب والفضه - لا يطلق عليهما ذلك عرفا.
ثم أن مثل الدائن فى كل ذلك من تزول منزلته بارث أو هبة الثمن أو صدقة عليه أو حوالة.
أما من اشترى الثمن من بائع السلعة فليس له الا مقاسمة الدائنين بالثمن، وليس له أخذ السلعة.
ويشترط لرجوع الدائن فى عين ماله الموجود عند المفلس وأخذه له ثلاثة شروط.
الشرط الأول: ألا يعطيه الدائنون ثمن سلعته الذى على المفلس. فإن أعطوه ذلك من مالهم الخاص بهم أو من مال المفلس فليس له أخذ سلعته حينئذ، وكذلك لا يأخذها إن ضمنوا له ثمنها وهم ثقات أو أقاموا له به كفيلا ثقة. الشرط الثانى: أن يكون عين شئ الدائن الذى خرج منه مما يمكن أخذه واستيفاؤه فإن لم يمكن ذلك فلا رجوع له فيه كما اذا تزوجت أمرأة بصداق معلوم ثم حكم بإفلاس الزوج قبل قبضها له فليس لها أن ترجع فى بضعها الذى خرج منها لعدم إمكان ذلك بل تدخل مع الدائنين فى قسمة مال زوجها بجميع صداقها. وهذا ظاهر فى المدخول بها لأن الكلام فيما قبض وكذلك غير المدخول بها اذا لم ترد التطليق. أما ان أرادت ذلك فيكون لها لأن الزوج لم يقبض البضع، وتقاسم الدائنين بنصف المهر على الأرجح لانها ملكته بالعقد. وكذلك من خالعته امرأته على شئ معلوم ولم يقبض المخالع العوض حتى حكم بافلاس
(1)
البدائع ج 6 ص 153 (الطبعة السابقة).
المرأة فإن الزوج لا يكون له أن يرجع فى العصمة التى خرجت منه لعدم إمكان ذلك بل يقاسم دائنيها بعوض الخلع وكذلك من صالح فى دم عمد بشئ معلوم وقبل قبضه حكم بافلاس الجانى فلا رجوع للمجنى عليه أو وارثه فيما خرج من يده وهو الدم، لتعذر الرجوع شرعا فى القصاص بعد العفو، وليس له إلا أن يقاسم الدائنين بما صالح عليه. ويلحق بذلك أيضا صلح الانكار اذا أفلس المنكر فإن المدعى يقاسم بما صولح به من مال معين ولا يرجع فى الدعوى.
الشرط الثالث: ألا ينتقل عين مال الدائن عن هيئته التى كان عليها حين البيع. أما أن تغير كطحن الحنطة. أو خلط مال الدائن بغير مثله بحيث لا يتيسر تمييزه منه كقمح بشعير أو صار الزبد سمنا، أو فصل الثوب قميصا أو ذبح الكبش فإنه لا رجوع لصاحبه فيه وتتعين مقاسمته مع الدائنين.
وأما أن خلط مال الدائن بمثله كالحنطة تخلط بمثلها والزيت والعسل بمثله فلا يفوت حقه فى إسترداده اذا أفلس مشتريه وكذلك دبغ الجلد وصبغ الثوب ونسج الغزل لا يفوت حق صاحبه فى إسترداده من المفلس. ويكون البائع أحق من سائر الدائنين بسلعته التى لم يقبض ثمنها من المفلس حتى ولو كان المفلس قد رهنها فى دين عليه وجازها المرتهن، فله فك الرهن بدفع الدين الذى رهنت فيه وأخذها ويقاسم الدائنين بما دفعه وان شاء تركها وقاسم الدائنين بثمنها. وكذلك هو أحق بها حتى ولو قاسم الدائنين بثمنها لبيع المفلس لها قبل الافلاس مثلا اذا ردت على المفلس بعيوب أو فساد للبيع بعد افلاسه وقسمت ماله فيأخذها ويرد ما أخذه عند القسمة من ثمنها، لأن ردها بالعيب نقض لبيعها فكأنها لم تخرج عن ملك المفلس. وله البقاء على القسمة ويسلمها للدائنين ويتقاسم معهم فى ثمنها كما حدث.
وأما اذا ردت على المفلس بإقالة أو شراء أو هبة أو وصية أو ارث فليس لبائعها نقض القسمة وأخذها وإنما يقاسم مع الدائنين فى ثمنها، لأنها ردت على المفلس بملك جديد. واذا وجد البائع عين سلعته عند المشترى المفلس فلما أخذها وجد بها عيبا سماويا أو ناشئا عن فعل المفلس سواء عادت السلعة المبيعة لهيئتها الأولى أم لا، أو ناشئا من فعل أجنبى وعادت لهيئتها سواء أخذ المفلس له ارشا أم لا فذلك البائع بالخيار ان شاء رضى بأخذها بجميع الثمن ولا شئ له من ارإ العيب الذى أخذه المفلس من الأجنبى لأنها لما عادت لهيئتها صار ما أخذها المفلس من الأرش كالغلة. وان شاء تركها للمفلس وقاسم الدائنين بجميع ثمنها.
أما ان كان العيب ناشئا من جناية أجنبى ولم تعد لهيئتها التى كان عليها وقت البيع فإن صاحبها يخير بين أن يتمسك بها ويقاسم الدائنين بنسبة ما نقصه العيب من ثمنها سواء أخذ المفلس أرشا لعيبها أم لا وبين أن يتركها للمفلس ويقاسم الدائنين بجميع ثمنها. واذا وجد البائع عين سلعته قائمة عند المفلس وكان قد قبض بعض ثمنها من المفلس قبل الحكم بإفلاسه فهو مخير بين أن يرد ما قبضه من ثمنها ويأخذ سلعته وبين أن يقاسم الدائنين بباقى الثمن. وسواء فى كل ذلك أن يكون ما قبضه من ثمنها قليلا أو كثيرا، وسواء اتحد المبيع أو تعدد.
ومن باع سلعتين فأكثر ثم أفلس المشترى فوجد البائع بعض المبيع قائما وبعضه الاخر فات لموته أو بيع المفلس له فهو بالخيار ان شاء أخذ بعض المبيع الموجود وقاسم الدائنين بحصة ما فات من الثمن سواء كان الفائت مقوما أو مثليا وسواء كان أحسن الصفقة أم لا. وان شاء ترك ما وجد وقاسم الدائنين بجميع الثمن أو بباقيه ان كان قبض منه شيئا.
هذا فى إسترداد البائع لعين ماله الموجود لدى المشترى اذا أفلس. أما بالنسبة لغلة العين ومنافعيها وثمرتها فان المفلس يفوز بغلة العين ومنافعيها التى حدثت بعد العقد وقبل الحكم بإفلاسه كاللبن والصوف الذى لم يتم عند البيع والاستخدام والسكنى وأجرة العمل ونحوه، وكذلك يفوز بالثمرة التى لم تؤبر وقت شراء أصلها اذا قطعها فإن لم يقطعها لم يفز بها وتكون للبائع يأخذها مع أصولها على المشهور، ويرجع عليه المفلس بسقيه وعلاجه
حتى ولو زاد ذلك على قيمة الثمرة. وكذلك يكون للبائع الحق فى أخذ صوف تم حين شراء المشترى المفلس للغنم، وثمرة تم تلقيحها حين الشراء وقبل افلاس المشترى، فيأخذ البائع غنمه مع صوفها حتى ولو جزه المفلس ما دام موجودا بعينه.
فإن تصرف فيه المفلس فإنه يكون للبائع أن يقاسم مع الدائنين بثمنه. وكذلك الثمرة إلا أنه إن جذها المفلس عن أصولها فإنه لا يكون للبائع حق أخذها حتى ولو كانت موجودة بعينها، وليس له إلا أن يقاسم مع الدائنين بثمنها على المشهور. والفرق أن الصوف لما كان تاما يوم البيع كان مستقبلا بنفسه اذ يجوز بيعه منفردا عن أصله فلا يفوته على البائع إلا ذهاب عينه بخلاف الثمرة المؤبرة يوم البيع فإنها لم تكن مستقلة حينئذ اذ لا يجوز بيعها منفردة عن أصلها فمجرد قطعها يفوتها على البائع.
ومن إشترى سلعة شراء فاسدا بنقد دفعة لبائعها أو أخذها عن دين فى ذمة بائعها ثم أفلس البائع قبل فسخ المبيع لفساده فإن المشترى يكون أولى بالسلعة الى أن يستوفى ثمنه. وهذا هو المشهور من أقوال ثلاثة: ثانيها: لا يكون أولى بها من غيره بل هو أسوة الدائنين، لأنه أخذها عن شئ لم يتم.
وثالثها: ان كان إشتراها بالنقد فهو أولى وأحق بها من الدائنين. وان كان أخذها عن دين فى ذمة البائع فلا يكون أحق بها منهم. والقول الأول لسحنون والثانى لابن المواز، والثالث لابن الماجشون ومحل ذلك اذا لم يطلع المشترى على سبب فساد البيع الا بعد الحكم بافلاس البائع أما لو أطلع عليه قبله فهو أحق بها باتفاق ومحل ذلك أيضا اذا كانت السلعة قائمة وتعذر رجوع المشترى بثمنه. فأما اذا كان الثمن قائما بعينه وهو مما يعرف بعينه تعين أخذ المشترى له ولا علاقة له بالسلعة. ومحل الخلاف مقيد بما اذا كانت السلعة وقت الافلاس بيد المشترى. أما لو ردت للبائع ثم حكم بإفلاسه بعد ذلك فهو أسوة الدائنين بالثمن المدفوع على المعتمد، وهو قول ابن رشد. وقيل: المشترى أحق بها، سواء كانت وقت افلاس البائع بيد المشترى أو بيد البائع وهو قول الأجهورى.
وحكم موت البائع فى هذه المسألة مفلسا أم لا لحكم افلاسه حال الحياة لأن البيع لما كان فاسدا كان أشبه الوديعة فلذلك إختص به. وأرباب الصنائع كالخياطين والنجارين اذا أسلم لهم شئ ليضعوه ثم أفلس صاحب الشئ المصنوع أو مات فإن الصانع أحق من الدائنين بالشئ الذى فى يده حتى يستوفى منه أجرته لأنه تحت يده كالرهن.
أما ان لم يكن الشئ المصنوع تحت يده بأن رده الصانع لصاحبه قبل افلاسه أو كان لا يحاز كالبنا أو كان يصنع الشئ عند صاحبه ثم اذا انصرف يتركه فى بيت صاحبه فلا يكون الصانع أحق به بل تتعين مقاسمته للدائنين الافلاس أو الموت. وهذا اذا لم يضف الصانع لصنعته شيئا من عنده - أى ليس له فيه الا عمل يده - كالخياط والبناء وما أشنبه ذلك.
وأما أن أضاف لصنعته شيئا من عنده كالصباغ يصبغ الثوب بصبغة وما أشبه ذلك ثم يفلس صاحبه وقد أسلمه الصانع له فإنه يشارك الدائنين فى الثوب بقيمة ما زاده فيه من عنده لتعذر فصله وتمييزه، وتعتبر القيمة يوم الحكم سواء نقص المصنوع بالصنعة أو زاد أو ساوى وأما قيمة عمله فيكون بها أسوة الدائنين فى كل مال المفلس. وهذا فى الافلاس خاصة دون الموت، لأنه لما كان له فى الافلاس أخذ عين شيئه ولا يمكن أخذه شارك بقيمته. وأما فى الموت فليس له أخذ عين شيئه ويكون أسوة الدائنين.
ومحل هذا كله اذا حكم بإفلاس صاحب الشئ المصنوع بعد تمام عمل الصانع فيه.
أما اذا أفلس صاحبه قبل العمل فيخير الصانع بين أن يعمل ويقاسم مع الدائنين بالأجرة وبين أن يفسخ. وإذا حكم بإفلاس المستأجر لدابة أو سفينة أو أرض أو دار قبل دفع الأجرة وقبل استيفاء جميع المنفعة فإن المؤجر يخير ان شاء أخذ دابته وأرضه وداره وفسخ الاجارة فيما بقى ويقاسم مع الدائنين بأجرة المرة التى استوفى المفلس فيها المنفعة قبل الافلاس. وان شاء ترك ذلك للمفلس وقاسم مع الدائنين بجميع الأجرة لحلولها بالافلاس.
واذا كانت الأرض مزروعة فصاحبها أحق بأخذ
الزرع من باقى الدائنين حتى يستوفى منه حصة السنة المزروعة وما قبلها وكذا ما بعدها اذا ترك الأرض للمفلس وسواء كان المفلس قد حصد الزرع أو لا، لأن الزرع يعتبر كجزء من الأرض ثم اذا بقيت من الزرع بقية بعد استيفاء المؤجر أجرته قدم على الدائنين من استؤجر على خدمة الأرض وخدمة زرعها سقيا واصلاحا بأخذ أجرته المعلومة فى ذمة المفلس، اذ لولاه لما انتفع بالزرع ثم يليه فى ذلك مرتهن الزرع الحائز له ثم ان فضل شئ من الزرع كان للدائنين. ومثل الزرع كل ذلك الغرس والبناء.
وكذلك اذا أفلس مستأجر السفينة أو الدابة فصاحبها أحق من الدائنين بالمحمول على ظهرها من أمتعة المفلس حتى يستوفى أجرة دابته أو سفينته منه، وسواء كان صاحب السفينة أو الدابة معها أم لا. ومحل ذلك اذا لم يسلم المؤجر المتاع المحمول للمستأجر المفلس. أما اذا سلمه له وطال الزمن عرفا بعد قبض المفلس له فلا يكون المؤجر لهما أحق بالمحمول عليهما بل يكون أسوة الدائنين. فإن لم يطل الزمن كما اذا طالب بذلك حال نزول الأحمال فى منزل المفلس ونحوه فإنه يكون أحق بالأمتعة المحمولة ولو قبضها المفلس.
وهذا بخلاف ما اذا أفلس مستأجر الحانوت والدار قبل دفع الأجرة فإن صاحب كل منهما لا يكون أحق من الدائنين بما فيهما من أمتعة يستوفى منها ما تجمد له من أجرة على المستأجر المفلس بل يكون أسوة الدائنين فى كل ما تحتويه الدار أو الحانوت من مال. والفرق بين المسألتين أن حيازة الظهر أقوى من حيازة الحانوت والدار لما فيها من الحمل والنقل وهو مظنة التنمية والتأثير فى المحمول غالبا فكان منزلة الزيادة. واذا أفلس صاحب الدابة المستأجرة بعد أن قبض أجرتها من المستأجر فإن كانت الدابة معينة فالمستأجر يكون أحق بها حتى يستوفى من منافعها ما يقابل الأجرة التى دفعها وسواء قبضها المستأجر قبل افلاس صاحبها أم لا، لأن تعيينها يقوم مقام قبضها وحقه تعلق بعينها وان كانت غير معينة فكذلك هو أحق بها إلى أن يستوفى المنفعة بشرط أن يكون قد قبضها من صاحبها قبل افلاسه لأنها صارت بمجرد قبضها واستعمال المستأجر لها كالمعينة وسواء كان صاحبها يدير الدواب تحت المستأجر - أى كلما هزلت دابة أو ماتت أتى له صاحبها ببدلها - أم لا. إما أن لم تكن مقبوضة حين افلاس صاحبها فلا تمييز للمستأجر لها على غيره بل يكون أسوة الدائنين وكذلك الأجير لرعى غنم أو ماشية أو لعلفها ونحوه كحارس زرع وأمتعة لا يكون كل منهم أحق بما فى يده من أمتعة أو ماشية يستوفى منها أجرته اذا أفلس صاحبها قبل دفع أجرته بل يقاسم مع الدائنين بماله من أجرة لأن الأجير هنا لم يتعلق حقه بعين الماشية مثلا بل تعلق بذمة صاحبها بخلاف ما ذكر
(1)
مذهب الشافعية:
ان كان بين الدائنين للمفلس من باع له شيئا قبل افلاسه والحجر عليه ولم يأخذ من ثمنه شيئا حتى حجر عليه وجد عين ماله عند المفلس فهو بالخيار بين ان يترك مبيعه ويقاسم الدائنين بثمنه. وبين ان يفسخ البيع ويسترد عين ماله بالشروط الاتية.
وذلك للحديث المتفق عليه: «اذا افلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء
(2)
.
«وسياق الحديث يفيد ان الثمن لم يقبض.
وكذلك الحكم إذا مات المشترى مفلسا، سواء كان قد حجر عليه قبل موته أم لا، لما ورد فى حديث ابى هريرة: «من أفلس أو مات فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به
(2)
. «والاصح أنه
(1)
شرح الخرشى بحاشية العدوى ج 5 ص 324 - 332 الطبعة السابقة، الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 3 ص 282 - 291 الطبعة السابقة، الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج 2 ص 149 - 151 الطبعة السابقة، الحطاب والتاج والاكليل بهامشه ج 5 ص 50 الطبعة الاولى سنة 1328 طبع مطبعة السعادة بمصر، شرح ابى الحسن بحاشية العدوى ج 2 ص 304 طبعة المطبعة العامرة سنة 1294.
(2)
رواه الجماعة (هو هنا بلفظ ابن حبان عن ابى هريرة انظر نيل الاوطار ج 5 ص 242 - 243 الطبعة الاولى للمطبعة العثمانية سنة 1357 هـ)
يصح له الفسخ ولو بدون حكم من القاضى، لأنه فسخ ثبت بنص السنة.
وقال أبو اسحاق: لا يصح له الفسخ الا باذن القاضى لأنه مختلف فيه.
وإذا حكم قاض بمنع فسخه لم ينقض حكمه على الأصح، لأن المسألة اجتهادية والخلاف فيها قوى اذ النص وهو الحديث كما يحتمل أنه أحق بمتاعه يحتمل أنه أحق بأخذ ثمنه وان كان الإحتمال الأول أظهر.
وقال الاصطخرى ينقض. ولو وقع البيع ممن يلزمه التصرف بالمصلحة كالولى وكانت المصلحة فى الفسخ واسترداد عين مال المولى عليه من المفلس فانه يجب عليه ذلك.
ويشترط لرجوع الدائن فى عين ماله الموجود عند المفلس الشروط الآتية: أولا: أن يكون رجوعه عقب علمه بالحجر، وهذا بناء على الأصح ان خيار الفسخ بسبب الافلاس يكون على الفور كالرد بالعيب بجامع دفع الضرر. فان أخره عالما بجوازه بطل حقه لتقصيره اما ان أخره وادعى الجهل بالفورية فلا يبطل حقه فى الرجوع ويعذر فى جهله لأن مثل هذا مما يخفى على غالب الناس. وقيل:
يكون على التراخى كخيار الرجوع فى الهبة للولد.
ثانيا: ان يكون رجوع الدائن وفسخه لذلك بالقول لا بالفعل ويكفى فيه قوله: فسخت البيع أو نقضته ونحوه أما أن تصرف فيه بفعل يدل على الفسخ كبيعه أو وقفه فلا يكون فسخا ويلغو، لمصادقته ملك الغير.
ثالثا: أن يكون عين مال الدائن الذى فى يد المفلس ناشئا عن معاوضة محضة تفسد بفساد العوض مثل البيع والقرض والسلم والاجارة فإذا أسلمه دراهم قرضا أو رأس مال سلم حال ثم أفلس وحجر عليه والدراهم باقية بعينها فلصاحبها الرجوع فيها بالفسخ. وإذا أجره دارا بأجرة حال لم يقبضها حتى أفلس المستأجر وحجر عليه فللمؤجر الرجوع فى الدار بالفسخ فى الأصح، تنزيلا للمنفعة منزلة العين فى البيع ولا رجوع ولا فسخ فيما لا عوض فيه كالهبة بدون عوض والهدية والصدقة. وكذلك لا رجوع ولا فسخ فى معاوضة غير محضة كالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد، فإذا خالع الزوج زوجته على عوض فى ذمتها ثم أفلست وحجر عليها فليس له فسخ عقد الخلع والرجوع فى المرأة وكذلك إذا تزوجها وأصدقها عينا فى ذمته ولم تقبضها حتى أفلس وحجر عليه فليس لها الرجوع فى بضعها نعم للزوجة باعسار زوجها بالصداق أو المنفعة فسخ النكاح لكن ذلك لا يختص بالحجر بسبب الافلاس (انظر مصطلح اعسار) وسواء فيه وفى الخلع قبل الدخول وبعده. وكذلك إذا صالحه عن دم العمد على عوض حال لم يقبض حتى أفلس الجانى وحجر عليه فليس للمستحق فسخ الصلح والرجوع الى القصاص، لتضمن الصلح العفو عنه ولأن كل ذلك ليس فى معنى المنصوص عليه لانتفاء العوض فى الهبة ونحوها. ولتعذر استيفاء العوض فى الصور الثلاثة الاخيرة لفواته.
رابعا: ان يكون الثمن فى البيع أو العوض فى غيره دينا حالا وقت الرجوع وان كان مؤجلا قبله وحل وقت الرجوع فلا فسخ ولا رجوع اذا كان الثمن أو العوض مؤجلا على المفلس ولم يحل، وقت الرجوع لأن المؤجل لا يطالب به فى الحال فيصرف المبيع أو غيره حينئذ لديون الدائنين. ومن هذا أخذ ابن الصلاح وأقره الأسنوى وغيره أن الاجارة بأجرة تحل كل آخر شهر لا فسخ ولا رجوع فيها للمؤجر فى عينه المستأجرة بسبب إفلاس المستأجر والحجر عليه، لأنه لا يتأتى الفسخ قبل مضى الشهر لعدم حلول الأجرة، ولا بعد مضيه لفوات المعوض، وهو المنفعة المعقود عليها فصار كتلف المبيع وهكذا فى كل شهر فلا يتصور فسخ الا اذا كانت الأجرة حالة أو بعضها حال وبعضها مؤجل فيفسخ فى الحال بالقسط.
خامسا: ان يتعذر استيفاء الثمن أو العوض بسبب الافلاس. فلو انتفى الافلاس وامتنع المشترى من دفع الثمن مع يساره أو هرب أو مات مليئا وامتنع الوارث من تسليم الثمن فلا فسخ فى الأصح لأن التوصل الى اخذه بواسطة القاضى ممكن. وقيل: يثبت له الفسخ لتعذر الوصول اليه
حالا وتوقعه ما لا فأشبه المفلس. وكذلك لا فسخ ولا رجوع ان لم يتعذر الثمن أو العوض مع افلاسه كأن كان هناك رهن يفى بالثمن أو العوض عادة وكذلك ان كان بأيهما ضامن غنى مقر أو عليه بينة فلا رجوع لامكان الوصول الى الثمن أو الغرض من الضامن فلم يحصل التعذر بالافلاس فلو كان الضامن جاحدا ولا بينه أو معسرا رجع لتعذر الثمن بالافلاس. ولو قال دائنوا المفلس أو قال وارثه لمن له حق الفسخ والرجوع فى عين ماله: نحن نقدمك بالثمن أو العوض ولا تفسخ فله الفسخ ولا تلزمه الاجابة، لما فى التقديم من المنة وخوف ظهور دائن آخر فيزاحمه فيما أخذ، وسواء قالوا من مالنا أو من مال المفلس. وكذلك لا تلزمه الاجابة ان تبرع بدفع الثمن له أجنبى أو دائن فله الفسخ وان دفعه له بالفعل، ولما فى ذلك من اسقاط حقه فان أجاب الدائن المتبرع ثم ظهر دائن آخر لم يزاحمه فيما أخذه لأنه فى وجه لا يدخل فيه فى ملك المفلس وفى وجه يدخل فيه لكن ضمنا وحقوق الدائنين انما تتعلق بما دخل ملكه اصالة وورثه الميت المفلس فى ذلك كالدائنين ان قالوا: من مال المفلس. أما ان قالوا:
من مالهم فانه يلزمه اجابتهم على الاقرب لأن التركة مال المورث فأشبه فك المرهون، ولأن الوارث خليفة المورث فله تخليص المبيع. والفرق انه اذا اخذ من تركة المفلس يحتمل ظهور مزاحم بخلاف ما اذا اخذ من مال الوارث. وكذلك لو قال الدائنون للقصار ونحوه لا نفسخ ونقدمك بالأجرة فانه يجبر على ذلك لأنه لا ضرر عليه بفرض ظهور دائن آخر، لتقدمه عليهم ابتداء.
سادسا: ان يكون المبيع أو نحوه باقيا فى ملك المشترى بالمفلس فلو فات ملك المفلس عنه حسا بأن مات المبيع أو تلف أو أتلف أو فات ملكه عنه حكما بأن باعه المفلس أو وقفه أو وهبه وقبضه الموهوب له فلا رجوع للبائع فى عين مبيعه، وليس له فسخ تصرفات المشترى فيه لأن حق الرجوع لم يكن ثابتا له حين تصرف لأنه انما يثبت بالإفلاس والحجر عليه.
ولو أقرضه المشترى لغيره وأقبضه اياه ثم أفلس المشترى وحجر عليه أو باعه ثم أفلس وحجر عليه فى زمن الخيار فللبائع الرجوع فيه كالمشترى ذكره الماوردى.
قال البلقينى: يتخرج عليه ما لو وهب المشترى المبيع لولده وأقبضه له ثم أفلس فللبائع الرجوع فيه كالواهب له. كما يتخرج عليه أنه لو باعه المشترى المبيع لولده وأقبضه له ثم أفلس فللبائع الرجوع فيه كالواهب له. كما يتخرج عليه انه لو باعه المشترى الآخر ثم أفلسا وحجر عليهما كان للبائع الاول الرجوع. ولو زال ملك المشترى عن المبيع ثم عاد اليه ولو بعوض قبل افلاسه والحجر عليه أو بعده فالأصح أنه لا رجوع للبائع فيه لتلقى الملك من غيره ولأنه تخللت حالة تمنع الرجوع فيستصحب حكمها.
سابعا: ألا يتعلق بالمبيع حق لازم وقت الرجوع كرهن مقبوض فلو زال التعلق هذا جاز الرجوع ولو قال البائع للمرتهن: انا أدفع اليك حقك الذى على المفلس وآخذ عين مالى فالأرجح أن المرتهن لا يجبر على القبول. بخلاف ما لو عرض الدائنون تقديم المرتهن بدينه فإنه يجبر على القبول ويسقط حقه من المرهون، وذلك لأن فى دفع البائع منه قوية إما تقديم الدائنين له فلا منة فيه أو فيه منة ضعيفة لتعلق حق المرتهن بالمال المقدم أيضا.
ثامنا: ألا يكون هناك مانع يمنع تملك البائع فلا رجوع إذا كان المعوض صيدا والبائع فى حالة احرام، لأنه ليس أهلا لتملكه حينئذ، فإذا حل من احرامه كان له أن يرجع فيه ان لم يبع ضمن أمواله المفلس لحقه وحق غيره من الدائنين.
تاسعا: أن يكون العوض الذى له على المفلس نقدا، فلو كان عينا قدم بها على غيره من الدائنين ولا فسخ له ولا رجوع فى عين ماله.
عاشرا: ألا يكون البائع قد قبض من ثمن البيع فلو كان قبض شيئا منه ثبت له الرجوع فيما يقابل الباقى فقط. واذا وجد البائع المبيع ناقصا فى يد المفلس فان كان نقصان جزء يفرد بالعقد وينقسم عليه الثمن كثوبين تلف أحدهما أو نخلة تلفت ثمرتها فالبائع بالخيار بين أن يقاسم الدائنين بالثمن وبين أن يفسخ البيع فيما بقى ويأخذه بحصته من الثمن ويقاسم مع الدائنين بحصة ما تلف من الثمن وسواء كان التلف قبل افلاس
المشترى أو بعده لأنه ثبت للبائع الرجوع فى الكل فلم يسقط بتلف البعض ولا يلتقت الى تفريق الصفقة، لأن مال المفلس لا يبقى بل يباع كله. وان كان نقصان جزء لا يفرد بالعقد ولا ينقسم عليه الثمن كالعمى وسقوط عضو مثلا فان لم يجب له أرش بأن أتلفه المشترى أو البائع قبل القبض أو ذهب بآفة سماوية فالبائع بالخيار بين أن يأخذ مبيعه ناقصا بلا أرش وبين أن يتركه ويشارك الدائنين بالثمن الذى له على المفلس. وان وجب له أرش بان اتلفه اجنبى فالبائع بالخيار بين ان يتركه ويشارك الدائنين بالثمن وبين أن يأخذه ويشارك الدائنين بما نقص من الثمن لأن الأرش فى مقابلة جزء كان البائع يستحقه فاستحق ما يقابله.
وان وجد المبيع زائدا فى يد المفلس فان كانت الزيادة متصلة به غير متميزة عنه كحمل الحيوان وسمنة وكبر الشجر واختار البائع الفسخ فانه يرجع فى المبيع مع هذه الزيادة من غير شئ يلزمه فى مقابلها. وان كان المبيع حبا فصار زرعا، أو زرعا فصار حبا أو بيضا فصار فرخا بعد الافلاس أو قبله ففيه وجهان احدهما: لا يرجع فيه لان الفرخ غير البيض والزرع صغير الحب، والثانى: يرجع فيه وهو المنصوص لأن كل ذلك عين مال البائع الا انه اكتسب صفة أخرى فأشبه الوادى اذا صار نخلا والجدى إذا صار كبشا.
وان كانت الزيادة منفصلة فان كانت ظاهرة كالولد واللبن الحادثين بعد البيع المنفصلين عند المفلس قبل رجوع البائع فانه يرجع فى الاصل دون الزيادة فانها تكون للمفلس لانه نماء ظاهر متميز حدث فى ملكه فلم يتبع الاصل فى الرد وان كانت الزيادة غير ظاهرة كطلع غير مؤبر وما أشبهه من التجار.
ففيه قولان: أصحهما أنه يرجع فى النخل والثمر لأنه يتبع الأصل فى البيع فيتبعه فى الفسخ. ولو كانت الدابة المبيعة للمفلس حاملا فولدت أو غير حامل فحملت عند المفلس فالأصح أن للبائع أن يفسخ ويرجع فيها مع الولد فى الصورة الأولى كما لو اشترى المفلس شيئين بناء على أن الحمل يعرف، ومع الحمل فى الصورة الثانية لأن الحمل يتبع الأصل فى البيع فكذا فى الرجوع. ووقت رجوع البائع عين ماله عند المفلس هو المعتبر فى إنفصال الزيادة دون وقت الإفلاس والحجر، لأن ملك المفلس باق الى أن يرجع البائع ومتى رجع البائع فى الأصل من الشجر أو الأرض وبقيت الثمرة أو الزرع للمفلس وللمفلس والدائنين تركه الى وقت الحصاد بدون أجرة إذ لا تعدى منهم. وان كان المبيع أرضا فغرس المفلس أو بنى فيها قبل إفلاسه أو بعده وأراد البائع الرجوع فيها فإن اتفق المفلس والدائنون على تفريغها من الغراس والبناء فعلوا، لان الحق لهم لا يعد وهم، وتجب تسوية الحضر وغرامة نقص القلع ان كان - من مال المفلس، ويقدم البائع بما لزم له من ذلك على سائر الدائنين، لأنه لتخليص ماله واصلاحه وليس له أن يلزمهم بأخذ قيمة الغراس والبناء ليتملكها مع الارش، لأن المبيع قد سلم له وان امتنعوا من القلع أو اختلفوا لم يجبروا عليه لأن المشترى حين بنى وغرس لم يكن متعديا بل وضعه بحق فيخدم بل للبائع أن يقاسم بالثمن مع الدائنين، وله أن يرجع فى الأرض ويتملك الغراس والبناء بقيمته وله أن يقطع ويضمن أرش النقص لأن مال المفلس مبيع كله والضرر يندفع بكل منها فيجاب البائع لما طلبه منها، بخلاف ما لو أفلس بعد زرعه الأرض ورجع البائع فيها فأنه لا يتمكن من تملك الزرع بالقيمة لأن الزرع أمد ينتظر فسهل احتماله بخلاف الغراس والبناء. وان اختلفوا بأن طلب المفلس القلع وطلب الدائنون أخذ القيمة من البائع ليتملكه أو بالعكس، أو وقع هذا الاختلاف بين الدائنين فطلب بعضهم البيع وبعضهم القيمة عملا بما فيه مصلحة الجميع. الا انه ليس للبائع على الاظهر أن يرجع فى الأرض وحدها ويبقى الغراس والبناء للمفلس، لما فيه من الضرر بنقص قيمتها بلا ارش. والرجوع انما شرع لرفع الضرر فلا يزال ضرر البائع بضرر المفلس والدائنين. وان كان المبيع حبا فطحنه المشترى أو دقيقا فخبزه أو ثوبا فخاطه أو شاة فذبحها أو لحما فشواه ونحو ذلك من كل ما يصح الاستئجار عليه ويظهر به أثره عليه ثم أفلس المشترى وحجر عليه أو تأخر ذلك عن الإفلاس والحجر فإن لم تزد قيمته بذلك واختار البائع الرجوع رجع فيه ولا يكون المفلس شريكا له بقدر عمله لأن المبيع موجود من غير زيادة وإن نقصت
قيمته بذلك فليس للبائع غيره. وإن زادت قيمته بذلك فالأصح أنه يباع ويصير المفلس شريكا بالزيادة لأنها حصلت بفعل محترم متقوم فوجب ألا يضيع، وللمفلس من ثمنه بنسبة ما زاد بالعمل وللبائع امساك المبيع وإعطاء المفلس حصة الزيادة.
وإن كان المبيع من ذوات الأمثال كالحبوب والأدهان فخلطه المشترى بمثله أو أردأ منه من جنسه ثم أفلس كان للبائع إذا أراد الفسخ أن يرجع فيأخذ قدر مبيعه من المخلوط، لبقائه فى ملك المفلس بغير تعلق حق لازم به، ويكون فى الأردأ مساما يعيبه كعيب الدابة ونحوها، ولو طلب البيع وقسمة الثمن فلم يجب اليه فى الأصح وهذا إذا خلطه المفلس، أما إذا خلطه أجنبى فإنه يكون للبائع أن يأخذه ويشارك الدائنين بنسبة ما نقصه الخلط وان خلطه المفلس بأجود منه من جنسه فليس للبائع الرجوع فيه على الأظهر، بل يقاسم مع الدائنين بالثمن فقط لأن الطريق الموصل الى أخذه وهو القسمة متعذر هنا لأنه لا سبيل اليهما بإعطاء قدر حقه منه لأن فيه ضررا بالمفلس ولا باعطاء ما يساوى حقه منه لأنه ربا. ومقابل الأظهر أن له الرجوع ويباعان ويوزع الثمن على نسبة القيمة.
وكذلك لا رجوع للبائع فيه ان خلطه المفلس بغير جنسه كزيت بعسل أو قمح بأرز لعدم جواز القسمة لانتفاء التماثل فهو كالتالف فيشارك الدائنين بالثمن. وإذا أفلس مستأجر الدابة أو الأرض قبل تسليم الأجرة الحالة وقبل استيقاء شيئ من المنافع فللمؤجر الفسخ والرجوع فى عينه المؤجرة فإن أجاز العقد شارك الدائنين بكل الأجرة ويؤجر القاضى العين المؤجرة على المفلس لأجل الدائنين.
أما ان أفلس المستأجر وقد أستوفى بعض منافع العين المستأجرة له فأنه يكون للبائع أن يفسخ أيضا ويشارك مع غيره من الدائنين بحصة ما استوفاه المفلس من منافع عينه. وان فسخ مؤجر الدابة لافلاس المستأجر فى أثناء الطريق أو مؤجر الأرض وهى مزروعة فعليه فى الأولى حمل المتاع من غير مأمن الى مكان آمن، لئلا يضيع ويكون له أجرة المثل يقدم بها على الدائنين، لأنه لصيانة المال وإيصاله الى الدائنين فأشبه أجرة الكيال وعليه فى الثانية تبقية الزرع الى وقت حصاده ان لم يستحصده، وله على المفلس أجرة المثل عن المدة الباقية يقدم بها عن الدائنين لما مر. هذا ان أراد المفلس والدائنون إبقاء الزرع. والا فإن أرادوا قطعه فلهم ذلك.
واذا أفلس مؤجر العين فلا فسخ لمستأجرها ويقدم المستأجر بمنفعتها كما يقدم المرتهن بحقه، وتباع العين وهى مؤجرة لأجل الدائنين بطلبهم أو طلب المفلس بناء على جواز بيع المؤجر ولا يبالى بما ينقص من ثمنها بسبب الاجارة، إذ لا يلزم الدائنين الصبر لتنمية مال المفلس. وان التزم شخص فى ذمته عملا كنقل متاع الى بلد مثلا ثم أفلس والأجرة فى يده فللمستأجر الرجوع فيها بفسخ الإجارة. فإن تلفت الأجرة لم يفسخ وشارك مع الدائنين بأجرة المثل.
وإذا أفلس صاحب الثوب مثلا فللأخير على خياطته ونحوها حق حبس الثوب المخيط ونحوه بوضعه عند عدل حتى يستوفى أجرته. وان انهدمت الدار المستأجرة بعد إفلاس المؤجر والحجر عليه وقبضه الأجرة فإن الإجارة تنفسخ وللمستأجر أن يقاسم مع الدائنين بالأجرة حتى ولو كان إنهدامها بعد قسمة مال المفلس وهذا إن لم يمض بعض المدة فإن مضى بعضها قاسم الدائنين فيما بقى من المدة فقط
(1)
.
مذهب الحنابلة:
من وجد عين ما باعه للمفلس أو عين ما أقرضه أو عين ما أعطاه له رأس مال سلم أو غير ذلك كشقص أخذه منه المفلس بشفعة، أو عين استأجرها وأفلس قبل أن يمضى من مدتها زمن له أجرة فإنه يكون من حق البائع ونحوه أن يفسخ
(1)
اسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 194 - 203، تحفة المحتاج ج 2 ص 134 - 139، نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 326 - 337، شرح المنهاج للمحلى بحاشية قليوبى ج 2 ص 293 - 297، شرح منهج الطلاب بحاشية البجرمى ج 2 ص 378 - 386، مغنى المحتاج على متن المنهاج للخطيب ج 2 ص 158 - 163، المهذب ج 1 ص 322 - 327.
العقد بينه وبين المفلس المحجور عليه ويرجع فى عين ماله بالشروط التى ستذكر وله إن شاء - ألا يفسخ ويكون أسوة الدائنين فيما يستحقه، وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر، لان الافلاس سبب يثبت جواب الفسخ فلا يوجبه كالعيب والخيار. وسواء كان ذلك قبل الافلاس والحجر أم بعده حيث كان البائع جاهلا بذلك فان كان عالما بالحجر فلا فسخ ولا رجوع له فى عين ماله لدخوله على بصيرة ويطالب ببدلها بعد فك الحجر عن المفلس. وخيار الرجوع فى ذلك يكون على التراخى فى أحد الوجهين، لانه حق رجوع يسقط الى عوض فكان على التراخى كالرجوع فى الهبة.
والثانى: يكون على الفور، لأن جواز تأخيره يقضى الى الضرر بالدائنين لافضائه الى تأخير حقوقهم فأشبه خيار الأخذ بالشفعة. وهذا هو الأصح عند القاضى أبى يعلى. ويصح الرجوع فى العين المبيعة وغيرها مما ذكر بالقول كرجعت فى متاعى أو أخذته أو استرجعته أو فسخت البيع أو نحوه، ويكون رجوعه هذا فسخا حقيقة أو حكما. فلا يصح رجوعه بفعل فقط كأخذه العين ولو نوى به الرجوع. ولا يفتقر الفسخ بسبب افلاس المشترى ونحوه الى حكم القاضى به اذا استوفى شرائطه لأنه فسخ ثبت بالنص فلم يفتقر الى حكم. ولو حكم قاض يكون الذى وجد متاعه عند المفلس أسوة الدائنين فانه يجوز لقاض آخر أن ينقضه نصا. وكذلك لا يفتقر الفسخ والرجوع الى شروط البيع من معرفة الرجوع فيه والقدرة على تسليمه ونحو ذلك لأنه فسخ لا بيع، فلو رجع البائع ونحوه فى حيوان ضال صح رجوعه وصار الحيوان ملكا له فان وجده أخذه وان لم يجده أو تبين تلفه بموت أو غيره بعد الرجوع فهو من مال الراجع لدخوله فى ملكه بالرجوع وان تبين تلفه أو موته قبل الرجوع بطل الرجوع السابق فيه لفوات محل الفسخ بهلاكه فلا يمكن الرجوع فيه. ويقاسم مع الدائنين بالثمن فى مال المفلس. وان رجع فى شئ اشتبه بغيره من أموال المفلس واختلف المفلس وصاحبه فى تعيينه قدم تعيين المفلس لأنه ينكر دعوى استحقاق الراجع والاصل عدمه. وان بذل الدائنون الثمن ونحوه لصاحب السلعة لم يلزمه قبوله سواء بذلوه من أموالهم أو من أموال المفلس لأنه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه فلا يجبر صاحب الحق على قبضه.
وكذلك لا يلزم القبول وله أن يأخذ سلعته ان قال له المفلس: أنا أبيعها وأعطيك ثمنها أما ان دفع الدائنون الى المفلس الثمن فبذله المفلس لصاحب السلعة لم يكن له الفسخ واستقر البيع كما لو لم يفلس لزوال الاداء منه، أو زاد ثمن أعيان ماله فصارت قيمتها وافية بحقوق الدائنين بحيث يمكنه أداء الثمن كله.
ويشترط لاستحقاق البائع ونحوه الرجوع فى عين ماله عند المفلس الشروط الآتية:
أولا: أن يكون المفلس حيا الى حين أخذ السلعة من يده. فان مات فالبائع أسوة الدائنين، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم قال: «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذى ابتاع ولم يقبض الذى باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وان مات المشترى فصاحب المتاع أسوة
(1)
الغرماء ولأن الملك انتقل من المفلس الى الورثة هذا فضلا عن أن ذمة المفلس تخرب بالموت خرابا لا يعود فاختصاص أحد الدائنين بالعين يتضرر به باقى الدائنين كثيرا بخلاف حال الحياة.
ثانيا: أن يكون عوض العين كله باقيا فى ذمة المفلس لم يقبض البائع منه شيئا ولم يبرئ المفلس من بعضه فان أدى المفلس بعض الثمن أو الاجرة أو القرض أو السلم ونحوه أو ابرئ منه فصاحب ذلك أسوة الدائنين فى الباقى ولا رجوع له فى عين ماله لما تقدم من الحديث، ولأن فى الرجوع فى قسط باقى العوض تبعيضا للصفقة الأمر الذى يؤدى الى ضرر المفلس والدائنين لكونه لا يرغب فيه كالرغبة فى الكامل. ثالثا: أن تكون السلعة باقية بعينها لم يتلف بعضها، فان تلف جزء منها كبعض أطراف الحيوان أو ذهبت عينه أو تلف بعض الثوب أو انهدم بعض الدار، أو نحو هذا لم يكن للبائع الرجوع فى عينه هذه ويكون أسوة الدائنين. وهذا ان كانت السلعة
(1)
سبق تخريج هذا الحديث فى مذهب المالكية فى هذا الموضوع.
عينا واحدة. أما ان كانت عينين كثوبين ونحوهما فتلف أحدهما أو بعض أحدهما وبقى الاخر ففى جواز الرجوع فى الباقى روايتان: احداهما: يرجع فيه لأن السالم من المبيع وجده البائع بعينه فيدخل فى عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به» لأنه مبيع وجد بعينه فكان للبائع الرجوع فيه كما لو كان جميع المبيع. والثانية: لا يرجع فيه ويكون أسوة الدائنين لأنه لم يجد المبيع بعينه لأن بعضه تالف فلم يملك الرجوع كما لو كان عينا واحدة. وان نقصت مالية المبيع لذهاب صفة من صفاته مع بقاء عينه كحيوان طرأ عليه عند المفلس هزال أو كبر أو مرض وكثوب بلى لم يمنع من الرجوع، لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين ماله لكنه يتخير بين أخذه ناقصا بجميع حقه، وبين أن يقاسم مع الدائنين بكمال ثمنه، لأن الثمن لا يتقسط على صفة السلعة من سمن أو هزال أو نحوه فيصير كنقصه لتغير الأسعار. وان تغيرت صفة العين بما يزيل اسمها كطحن الحنطة أو زرعها أو خبز الدقيق أو عمل الزيت صابونا أو قطع الثوب قميصا أو نسج الغزل ثوبا أو نجر الخشب أبوابا أو كان بيضا فصار فراخا ونحو ذلك من كل تغير يزيل الاسم الأول للعين فانه يسقط حق الرجوع لصاحب ذلك ان أفلس مشتريه ونحوه قبل دفع الثمن ويكون صاحبه أسوة الدائنين لأنه لم يجد متاعه بعينه فصار كما لو تلف عند المفلس.
وكذلك يسقط حق الرجوع فى العين ان خلطها المفلس بما لا تتميز منه فلو كانت زيتا فخلطه بنحو زيت أو كانت قمحا فخلطه بقمح أو ما لا يمكن تمييزه منه فلا رجوع لصاحبه فيه أيضا، لأنه لم يجد عين ماله ولأن ما يأخذه من غير عين ماله انما يأخذه عوضا عن ماله فلا يختص به دون الدائنين وقول النبى صلى الله عليه وسلم:«من أدرك متاعه بعينه» أى من قدر عليه وتمكن من أخذ أخذه من المفلس. رابعا: أن تكون العين كلها باقية فى ملك المفلس، فان أفلس بعد خروجها عن ملكه يبيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك لم يكن للبائع ونحوه الرجوع، لأنه لم يدرك متاعه عند المفلس، سواء كان يمكن للمفلس استرجاعه بخيار له أو عيب فى ثمنه أو رجوعه فى هبة ولده أو غير ذلك أم لا وخروج بعض المبيع من ملك المفلس بشئ مما ذكر كخروجه كله لما تقدم. أما ان وجد دائن المفلس سلعته بعينها ضمن ماله وكان المفلس قد أخرجها عن ملكه قبل الافلاس ثم عادت اليه ففى رجوع الدائن فيها حينئذ ثلاثة أوجه.
أحدها: أن له الرجوع للحديث، ولأنه وجد عين ماله خاليا عن حق غيره فأشبه ما لو لم يبيعها المفلس.
والثانى: لا يرجع لأن حقه متعلق بالعقد الأول المتلقى عنه. أما الثانى فغير متلق عنه فلا يستحق فيه رجوعا.
والثالث: أنه ان عاد المبيع مثلا الى المفلس بسبب جديد كبيع أو هبة أو ارث أو وصية أو نحو ذلك لم يكن للبائع ونحوه الرجوع، لأنه لم يصر اليه بسبب من جهته. وان عاد اليه بفسخ كالاقالة والرد بعيب أو خيار ونحو ذلك فللبائع الرجوع، لأن الملك العائد بالفسخ تابع للملك الاول لأن الفسخ رفع للعقد الحادث فيعود الملك كما كان.
خامسا: ألا يتعلق بالعين حق الغير، فان رهنها المفلس قبل افلاسه لم يملك البائع ونحوه الرجوع لسبق حق المرتهن ولأن الرجوع اضرار بالمرتهن ولا يزال الضرر بالضرر. فان كان دين المرتهن دون قيمة الرهن بيع كله فقضى منه دين المرتهن والباقى يرد على مال المفلس ليقسم معه بين سائر الدائنين، وان بيع بعضه لوفاء دين المرتهن فباقيه لهم يباع ايضا ولا يرجع فيه البائع. وكذلك ان اشترى شقصا مشفوعا أى الغير بالشفعة ثم أفلس فلا رجوع للبائع فيه. ويكون أسوة الدائنين لسبق حق الشفيع لكونه ثبت بالبيع والبائع ثبت حقه بالافلاس والحجز.
وقيل: البائع أحق به لأنه اذا رجع فيه عاد الشقص اليه فيزول الضرر عن الشفيع لأنه عاد كما كان قبل البيع. فان أسقط الشفيع حقه من الشفعة أو أسقط المرتهن حقه من الرهن فكما لو لم يتعلق بالعين حق فلصاحبها أخذها لأنه أدرك عين ماله عند المفلس.
وان أفلس المشترى والبائع حرم وكان المبيع صيدا
فلا يأخذه البائع المحرم حال احرامه ولا يباع مع مال المفلس بل يؤخر لبائعه الى أن يحل من احرامه فيأخذه.
سادسا: ألا تكون السلعة زادت عند المفلس زيادة متصلة كسمن وكبر وتعلم وتجدد حمل فان زادت كذلك فلا رجوع، لان الزيادة للمفلس لحدوثها فى ملكه فلم يستحق صاحب السلعة اخذها كالمنفصلة وكالحاصلة بفعله وهذا هو ما ذهب اليه الخرقى وروى الميمونى عن احمد: انها لا تمنع الرجوع، للحديث السابق ولانه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة فلا تمنعه المتصلة أما الزيادة المنفصلة كالولد والثمرة فلا تمنع الرجوع بغير خلاف، وسواء نقص بها المبيع ونحوه أو لم ينقص اذا كان نقص صفة، والزيادة للمفلس على الصحيح وهو اختيار الخرقى وهو المذهب لما ذكر فى الزيادة المتصلة وقال ابو بكر الخلال الزيادة للبائع.
وان صبغ المشترى الثوب أولت السويق بزيت ثم أفلس لم يمنع الرجوع لان العين قائمة مشاهدة لم يتغير اسمها، ويكون المفلس شريكا لصاحب الثوب والسويق بما زاد عن قيمتهما. وذلك ما لم ينقص الثوب بذلك فان نقصت قيمته لم يرجع لانه نقص بفعل المفلس فأشبه اتلاف البعض. وقيل: يرجع لان هذا النقص نقص صفة فلا يمنع الرجوع.
ولا رجوع فى نحو مسامير سمر المفلس بها بابا ولا فى حجر بنى عليه ولا خشب سقف به ولا يمنع الرجوع فى الارض زرع المفلس فيها، ويبقى الزرع الى حصاده بلا اجرة وكذا ان غرس المفلس او بنى فيها لان البائع ونحوه ادرك متاعه بعينه ومال المشترى المفلس دخل على وجه التبع كالصبغ. واذا رجع فى الارض فله دفع قيمة الغرس والبناء فيملكه كما يكون له قطعة وضمان نقصه الا أن يختار المفلس والدائنين القلع. فان اختاروه ملكوه ويلزمهم حينئذ تسوية الارض وعوض نقصها الحاصل بالقلع ويقاسم البائع به مع الدائنين كسائر ديون المفلس.
سابعا: أن يكون صاحب السلعة حيا الى حين الرجوع فإن مات قبل ذلك لا تقوم ورثته مقامه فى الرجوع فيها. وهذا الشرط اشترطه جمع من الأصحاب، وظاهر كلام أكثر الأصحاب هو عدم اشتراطهم ذلك فتقوم ورثته مقامه فى الرجوع وأخذ السلعة. كما لو كان صاحبها حيا.
قال فى الانصاف وهو صحيح. وكذلك لا يشترط أن يكون الثمن حالا، فاذا افلس المشترى مثلا وفى يده عين مال ثمنها مؤجل وقلنا بعدم حلول الدين المؤجل بالافلاس.
فقال أحمد فى رواية الحسن بن ثواب: يكون للبائع أن يرجع فيها ويأخذها عند حلول الأجل، فتوقف الى ان يحل الاجل فيختار البائع الفسخ او الترك، ولا تباع، لان حق البائع تعلق بها فقدم على غيره وان كان دينه مؤجلا كالمرتهن والمجنى عليه. وإذا باع شخص سلعة ثم أفلس قبل تسليمها للمشترى فالمشترى أحق بها من سائر الدائنين، سواء كانت من المكيل والموزون أو غيرهما لان المشترى قد ملكها، وثبت ملكه فيها فكان أحق بها كما لو قبضها ولا فرق بين أن يكون البائع قد قبض الثمن قبل افلاسه أو لم يقبضه. وان كان عليه سلم ثم افلس فيجد المسلم الثمن موجودا بعينه فهو أحق به وان لم يجده فهو أسوة الدائنين لانه لم يتعلق حقه بعين مال ولا ثبت ملكه فيه، ويقاسم مع الدائنين بالمسلم فيه الذى يستحقه دون الثمن الذى دفعه.
وان أفلس المستأجر لارض أو غيرها قبل مضى مدة لها أجرة فللمؤجر فسخ الاجارة لانه ادرك عين ماله عند من أفلس، وان كان الإفلاس والحجر عليه بعد مضى المدة أو بعد مضى بعضها لم يملك الفسخ والرجوع وهو دائن بالأجرة يقاسم بها مع سائر الدائنين، لانه لم يجد عين ماله تنزيلا للمدة منزلة المبيع، ومضى بعض المدة بمنزلة تلف بعض العين المبيعة وهو مسقط للرجوع. وان أفلس المؤجر حجر عليه فالمستأجر أحق من سائر الدائنين بالعين المعنية التى استأجرها حتى يستوفى حقه لان حقه متعلق بعين المال والمنفعة مملوكة له فى هذه المدة فكان أحق بها أما ان استاجر جملا مثلا فى الذمة ثم افلس المؤجر فالمستأجر اسوة الدائنين لان حقه يتعلق بعين معينة. وان أجر دارا ثم افلس فاتفق الدائنون والمفلس على بيع الدار قبل انقضاء مدة
الاجارة فلهم ذلك ويبيعونها مستأجرة فاذا استوفى المستأجر سلمت للمشترى، فان اختلفوا قدم قول من طلب بيعها فى الحال، لانه أحوط من التأخير.
وان اتفقوا على تأخير بيعها حتى تنقضى مدة الاجارة فلهم ذلك لان الحق لا يخرج عنهم
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: من أفلس من حى أو ميت فوجد انسان سلعته التى باعها أو أقرضها بعينها عند المفلس فهو أولى بها من سائر الدائنين وله أن يأخذها فان كان قد قبض من ثمنها شيئا رده سواء كان أكثره أو أقله وان شاء تركها وكان أسوة الدائنين. فان وجد بعضها لا كلها فسواء وجد أكثرها أو أقلها فلا حق له فى أخذها وهو أسوة الدائنين لانه لم يجدها بعينها.
وكذلك من وجد عند المفلس وديعته أو ما غصب منه أو ما باعه بيعا فاسدا أو أخذ منه بغير حق فهو له ضرورة ولا خيار له فى غيره لان ملكه لم يزل قط عن هذا
(2)
.
مذهب الزيدية:
اذا أفلس المشترى بثمن سلعة اشتراها بعد قبضه لها فان البائع يكون له حق طلب بعينها وهو فى ذلك أولى من سائر الدائنين، فاذا لم يطلبها يكون اسوة الغرماء وهل الطلب على الفور أو على التراخى خلاف والمختار انه على التراخى ولكنه لا يكون أولى بسلعته المبيعة للمفلس الا اذا كانت باقية فى يد المشترى لم يرهنها ولم يخرجها عن ملكه ببيع أو هبة أو نحوهما. فأما اذا كان قد حدث بها أحد هذه الاشياء لم يكن أولى بها حتى ولو عادت الى ملك المفلس مرة اخرى. وكذا اذا كان قد تلف بعض المبيع وبقى بعضه فالبائع أولى بهذا البعض الباقى منه وكذا اذا كان قد قبض بعض الثمن فانه يكون أولى بالبعض الذى تعذر ثمنه حيث كان تعذر ثمنه حيث كان تعذر لافلاس المشترى الحادث بعد البيع والقبض، أو كان افلاس المشترى موجودا فعلا حالة البيع إلا ان البائع كان يجهله أما لو كان البائع عالما بإفلاس المشترى حالة البيع فانه يبطل حقه فى الأولوية. ويكون هو والدائنون سواء وقيل:
لا يبطل حقه فى ذلك حتى ولو كان عالما بإفلاسه عند البيع. وان مات المشترى مفلسا لم يبطل حق البائع فى أخذ مبيعه وأولويته بذلك. ولا يؤخذ المبيع من المشترى المفلس قسرا إلا بعد الحكم بذلك. وان اضطر المفلس الى العين المبيعة له لستر عورة أو زمانة مثلا فقيل: هو أحق بها. وقال صاحب البحر الزخار بل حق البائع أسبق للأحاديث الواردة بذلك. ما لم يخش على المفلس التلف ان أخذها البائع منه. ولا أرش للبائع إذا تعيب المبيع فى يد المشترى المفلس بزمانة أو عور أو انكسار شجر أو نحو ذلك. مما لا يصح افراده بالعقد، سواء حدث ذلك بعد إفلاس المشترى أو قبله فيأخذه البائع ولا يطالب بأرش العيب، سواء كان العيب بجناية من المشترى أم من غيره أم بغير جناية.
ولا يستحق المشترى لمفلس على البائع عوضا لما كان قد غرم فيه إذا كانت الغرامة لبقاء المبيع كعلف ودواء لمرض حادث عنده أما إذا كانت الغرامة للنماء كسقى الأرض والحرث والزيادة فى علف الدابة فتجب على البائع فيغرم عوضها للمشترى المفلس، ولا فرق بين أن يكون المبيع قد زادت قيمته لاجل هذه الزيادة أم لا وقال الفقيه حسن: انما يغرم البائع ذلك إذا كانت قيمة المبيع قد زادت بذلك والا فلا.
وان كانت العين المبيعة للمفلس قد زادت زيادة متصلة عنده كان من حق البائع أن يأخذها ايضا، لان الزيادة المتصلة لا تتميز فتتبع الأصل. وقيل هى للمشترى. وأما الزيادة المنفصلة كالولد والصوف واللبن والثمرة المنفصلة فتكون للمشترى المفلس ان حدثت بعد عقد البيع لانها نماء ملكه،
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 454، 456 - 474، 476، 481، 483، 492، 499، 500، 505، الطبعة السابقة، كشاف القناع وشرح المنتهى ج 2 ص 142 - 145، 210 - 214، القواعد لابن رجب ج 1 ص 52 قاعدة 40، المحرر فى الفقه ج 1 ص 345 - 346 طبع مطبعة المحمدية سنة 1369 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى ج 8 ص 635 - 643 مسألة رقم 1283.
وكذلك كسب المبيع يكون للمشترى المفلس.
وأما الزيادة فى القيمة فشبهها الامير الحسن بالزيادة المتصلة فقال: يأخذها البائع بدون عوض. وشبهها القاضى جعفر بالزيادة المنفصلة فقال: يخير البائع بين أن يأخذ المبيع ويسلم زيادة القيمة وبين أن يباع فيأخذ مقدار الثمن فقط. ولو اشترى مسامير فسمر بها بابا مثلا ثم افلس فلا سبيل للبائع عليها حينئذ وان كانت العين المبيعة أرضا فغرسها المشترى أو بنى فيها ونحوه مما لا حد له ينته اليه ثم أفلس فللمفلس قيمة ذلك اذا أخذه البائع، وله رفع ذلك وعليه تعويض نقص الارض، لانه حصل من تخليص ملكه. واذا كان المشترى قد شغل المبيع بزرع او نحوه مما له وقت ينته إليه ثم أخذه البائع لافلاس المشترى فانه يجب على البائع إبقاؤه حتى يبلغ الحصاد بلا اجرة تلزم المشترى لبقائه. وما كان قد شفع فيه المشترى وافلس عنه قبل تسليم ثمنه استحق البائع ثمنه وكان أولى به من سائر الدائنين والشفيع أولى بالمبيع. وهذا كله عند القاسمية.
وقال زيد بن على والناصر: لا حق للبائع فى المبيع حيث قد سلمه للمشترى وأفلس المشترى أو انكشف إفلاسه قبل تسليم الثمن ويكون البائع أسوة الدائنين بثمن مبيعه لان المشترى ملكه بالثمن والثمن فى ذمته. أما اذا أفلس المشترى قبل أن يقبض المبيع فلا خلاف أن البائع أولى به ومن باع شيئا ثم أفلس قبل تسليمه للمشترى فلا حق للدائنين فى المبيع لزوال ملك البائع المفلس عنه قبل إفلاسه فإن تعذر تسليم المبيع كله أو بعضه رجع المشترى بما قد سلم من الثمن وهو احق بباقى المبيع من سائر الدائنين.
(1)
.
مذهب الإمامية:
إذا أفلس الشخص وحجر عليه بسبب ذلك فمن وجد من الدائنين عين ماله التى نقلها إلى المفلس قبل الحجر ولم يستوف عوضها الحق فى انتزاعها ويكون أحق بها من غيره من سائر الدائنين، ولا فرق بين أن يكون للمفلس مال سوى العين المذكورة أو لا. وروى أنه يكون أسوة الدائنين ولا يكون أحق بها من غيره إلا إذا كان للمفلس من المال غيرها ما يوفى به كل الدائنين ويتصور هذا بتجدد مال المفلس بارث أو اكتساب أو نحوه، وذلك لان دينه ودين غيره متعلق بذمته وهم مشتركون فى ذلك فلا وجه للتخصيص، ولأن المال قد انتقل إلى المفلس فلا يعود إلى مالكه إلا بوجه شرعى. والصحيح الأول لما سبق ذكره من حديث أبى هريرة ولما رواه عمر بن يزيد فى الصحيح عن الكاظم قال: سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه، قال: لا تحاصه الغرماء. ولأنه لم يسلم له العوض فكان له الرجوع إلى المعوض، دفعا للضرر. وبناء على الصحيح إذا لم يرد الدائن انتزاع عين ماله كان له أن يقاسم مع الدائنين بنسبة دينه، ودينه يكون الثمن لا القيمة ومع اختياره العين يثبت له سواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أكثر أو أقل. وخياره فى ذلك قيل: يكون على الفور لأن القول بالتراخى يؤدى إلى الاضرار بالدائنين من حيث أنه يؤدى إلى تأخير حقوقهم. وقيل: يكون على التراخى لأنه حق رجوع لا يسقط إلى عوض، فكان على التراخى كالرجوع فى الهبة ولا يفتقر الفسخ والرجوع فى ذلك إلى حكم القاضى به. ويفتقر الرجوع هذا إلى أركان ثلاثة: العوض والمعوض والمعاوضة. أما العوض وهو الثمن المتعذر تحصيله فشرطه أمران:
الأول: أن يتعذر استيفاؤه بسبب الافلاس فلو وفى المال به فلا رجوع ولا فسخ ولا يسقط حق رجوع الدائن فى عين ماله بدفع الدائنين لما فى ذلك من المنة ولجواز ظهور دائن آخر وفرض المسألة فيما إذا قالوا له: نوفر عليك ثمنها بكماله وتسقط حقك من العين وتكون فائدتهم أن العين تساوى أكثر من دينه الذى هو ثمنها فيوفروا عليه الثمن ليرتفقوا بقيمتها فى ديونهم. أما إذا دفعوا من مالهم للمفلس على سبيل الهبة فيجب عليه القبول حيث يشترطون
(1)
البحر الزخار ج 5 ص 83 - 85 الطبعة السابقة شرح الأزهار ج 4 ص 279 - 284 الطبعة السابقة.
عليه فى عقد الهبة ايفاء صاحب العين.
الثانى: أن يكون العوض حالا، فلو كان مؤجلا وحجر على المفلس قبل حلوله لم يختص الدائن بالعين ولا يشارك الدائنين، ولا يجب ايقاف السلعة حتى يحل الأجل بل تقسم على أصحاب الديون الحالة لأنه لا مطالبة بالدين المؤجل فى الحال فلا يفسخ البيع اللازم بغير موجب، وقد تعلق حق الدائنين بالعين ولا دليل على سقوطه. ولو حل الأجل قبل انفكاك الحجر عن المفلس ففى الرجوع حينئذ اشكال منشؤه عموم الخبر وتعلق حق الدائنين وقد قرب فى التذكرة رجوع صاحب العين فيها وعدم مشاركته الدائنين إن حل أجل دينه قبل انفكاك الحجر. وقال فى التحرير: إن كان مال المفلس قد قسم وبيعت العين فلا رجوع لصاحبها فيها ولو لم يفك الحجر عن المفلس وإن لم تبع كان له الرجوع فيها. ولو أفلس المشترى بعد اقباض بعض الثمن كان للبائع الرجوع فى العين بقدر ما بقى من الثمن ولا يشترط فى رجوعه فى العين رد ما قبضه ليرجع فى العين كلها. وأما المعاوضة وهى التى انتقل بها الملك إلى المفلس فلها شرطان:
الأول: كونها معاوضة محضة فلا يثبت حق الفسخ والرجوع للدائن فى عين ماله القائم عند المفلس إلا إذا كان سبب الانتقال معاوضة محضة مثل البيع والاجارة والهبة المعوضة والسلم والصلح ونحوه. أما غير ذلك مما فيه شائبة المعاوضة كالنكاح والخلع والعفو عن القصاص على مال فلا فسخ ولا رجوع فيه بمعنى أن الزوجة لا تفسخ النكاح لتعذر استيفاء الصداق بسبب افلاس الزوج وليس للزوج فسخ الخلع، ولا للعافى فسخ العفو لافلاس الزوجة أو الجانى بالعوض المتقاعد عليه. نعم لو طلق الزوج زوجته قبل الدخول فسقط نصف المهر وبقى نصفه وعينه موجودة وقد أفلست الزوجة فالزوج أحق بعين ماله من سائر الدائنين.
الثانى: سبق المعاوضة وسببها على الحجر، فلا فسخ ولا تعلق للدائن بعين ماله إذا كان سبب وجوب دينه على المفلس حادثا. بعد الحجر عليه لعلمه بافلاسه فليس له الرجوع ولا مشاركة غيره من الدائنين بل يصبر حتى يوسع الله على المفلس.
ويحتمل فى الجاهل بالافلاس والحجر مشاركته للدائنين فى مال المفلس بحصة دينه واختصاصه بعين ماله. والصبر. ولو أفلس مؤجر الدار مثلا وهى فى يد المستأجر فانهدمت بعد الحجر وقسمة المال فللمستأجر الرجوع إلى الأجرة أو الباقى منها، ويشارك الدائنين بدينه هذا لاستناده إلى عقد سابق على الحجر وهو الاجازة فصار كما لو انهدمت الدار قبل القسمة. وقيل: لا يكون له مشاركة الدائنين به لأنه دين حدث على المفلس بعد قسمة ماله وأما المعوض فله شرطان:
الأول: بقاؤه فى ملك المفلس فلو تلف أو باعه المفلس أو رهنه فليس لصاحبه إلا أن يشارك الدائنين بحصة ثمنه سواء زادت القيمة عن الثمن أم لا. ولو عاد إلى ملك المفلس بلا عوض كالهبة والوصية أو بفسخ كالاقالة والرد بعيب احتمل الرجوع وهو الوجه لأنه وجد عين ماله ويحتمل عدم الرجوع لتلقى المفلس الملك من غيره. وإن عاد بعوض كالشراء فإن وفى المفلس الثمن للبائع الثانى فكالأول وإن لم يوفه احتمل عوده إلى البائع الأول لسبق حقه، وإلى الثانى لقرب حقه، وتساويهما فيشارك كل منهما الدائنين بنصف الثمن ولا يشترط لصحة الرجوع والفسخ بسبب الافلاس معرفة البيع مثلا، ولا القدرة على تسليمه ولا امتيازه عن غيره فلو روجع البائع فى الغائب بعد مضى مدة يمكن التغير فيها صح رجوعه فإن بان تالفا وقت الرجوع بطل وقاسم بالثمن مع الدائنين. ولو رجع فى البعير الشارد صح فإن قدر عليه أخذه، وإن تلف كان من ماله إلا أن يكون التلف قبل الرجوع ولو تنازعا فى تعيين المبيع بعد الرجوع لاشتباهه بغيره مثلا فالقول قول المفلس لأنه منكر فيقاسم البائع الدائنين بالثمن خاصة ولا يكون له اختصاص بأخذ مبيعه.
الثانى: عدم تغيره، فإن تغيرت السلعة فوجدها البائع عند المفلس ناقصة نقصا يقابله عوض ويصح أفراده بالبيع كما لو وجد بعض الثياب المبيعة دون البعض فإنه يتخير بين ترك الباقى والمشاركة مع الدائنين بالثمن كله وبين ما أخذ الباقى بحصته من
الثمن ومشاركة الدائنين بثمن ما نقص. وإن لم يقابله عوض مثل أن يسقط بعض أطراف الحيوان فإن لم يجب فى مقابلته عوض بأن حصل بفعل الله تعالى أو بفعل المفلس تخير الدائن بين أخذ العين ناقصة بجميع الثمن، وبين تركها مشاركة الدائنين بجميع الثمن. وإن وجب فى مقابلته عوض بأن حصل بجناية أجنبى تخير بين تركه ومشاركة الدائنين بجميع ثمنه وبين المرجوع فيه ومشاركة الدائنين بحصة ما نقص من الثمن فينظركم نقص من قيمته فيرجع بذلك الجزء من الثمن لا من القيمة ولو تغير المعوض بالزيادة المتصلة كالسن والنمو عند المفلس لم يكن لمالكه أخذه لحصول الزيادة على ملك المفلس فيمتنع أخذ العين بدونها ومعها.
وقيل: يجوز له أخذه مع هذه الزيادة مجانا لأن هذه الزيادة صفة محضة، وليست من فعل المفلس.
فلا تعد مالا له، بل نماء يتبع الأصلى، ولعموم حديث «من وجد عين ماله فهو أحق به» .
وفى قول ثالث: يجوز له أخذه. لكن يكون المفلس شريكا لمالكه بمقدار الزيادة. ولو تغير بالزيادة المنفصلة كاللبن والولد وإن لم ينفصل والثمرة وإن لم تقطف لم يمنع ذلك من أخذه الأصل فقط بجميع الثمن. أما الزيادة فتكون للمفلس.
ولو اشترى حبا فزرعه أو بيضة فأحضنها ثم أفلس بعد أن أحصد الزرع أو صارت البيضة فرخا لم يكن لصاحبه أخذه، لأنه ليس عين ماله. ولو اشترى نخلا لا ثمر فيه أو أرضا فارغة فأثمر النخل وزرع الأرض ثم أفلس بعد تلقيح الثمر كان للبائع الرجوع فى الأرض والنخل دون الثمرة والزرع، وليس له المطالبة بقطع الثمرة ولا قلع الزرع قبل الجذاذ والحصاد ولا أجرة له فى ذلك. فإن طلب المفلس والدائنون كلهم أو بعضهم قطعة.
قال الشيخ: يجاب الطالب. ولو قيل: يعمل ما فيه المصلحة كان حسنا. ولو اشترى أرضا بيضاء فبنى فيها المشترى أو غرس ثم أفلس كان صاحب الأرض أحق بها، وليس له ازالة البناء ولا الغرس حتى ولو بذل أرش النقصان على الأوجه.
بل يباعان ويكون له ما قابل الأرض فإن امتنع بقيت له الأرض وبيعت الغروس والأبنية منفردة. ولو أفلس المشترى بعد مزج البيع بغيره فإن كان مساويا له أو أردأ منه تخير البائع بين الرجوع فى العين وبين مشاركة الدائنين بالثمن. إلا أن له فى حالة مزجه بالأردأ المطالبة ببيعه فيأخذ ما يساوى ماله ويدفع الباقى للدائنين. أما لو طلب البيع فى حالة مزجه بالمماثل له فالوجه عدم وجوب اجابته إلى ذلك.
وأما أن مزجه بما هو أجود منه فإنه يسقط حق البائع فى الرجوع فيه، ويشارك بالثمن مع الدائنين ولو نسج المشترى الغزل أو طحن الحنطة أو خبز الدقيق أو خاط الثوب بخيوط من عنده ثم أفلس كان للبائع أخذ العين وكان للمفلس أجرة ما زاد بعمله. ولو لم تزد القيمة أو نقصت بالعمل الذى عمله المفلس فإنه يسقط حكم العمل. ومع الزيادة إن كان المفلس وعمل: ذلك بنفسه أو بأجرة وفاها لأجير فإنه يكون شريكا للبائع بمقدار الزيادة فإن دفعها البائع أجبر المفلس على قبولها للدائنين. وإن لم يدفعها بيع الجميع ودفع الثمن الأصلى بغير الزيادة إلى البائع، وما قابل الزيادة إلى الدائنين. وإن كان العامل أجيرا لم يستوف أجرته كان له حبس العين إلى أن يستوفى أجرته وتقدم أجرته على سائر الدائنين. فإن كانت أجرته بقدر الزيادة دفعت إليه. وإن كانت أكثر أخذ بقدر الزيادة وشارك بالباقى مع الدائنين. وإن كانت أقل كان له بقدر أجرته والباقى للدائنين ولو صبغ الثوب ثم أفلس تشاركا أيضا على التفصيل السابق. ويثبت الفسخ فى السلم أيضا إن أفلس المسلم إليه فيرجع المسلم إلى رأس المال ويكون أحق به من سائر الدائنين إن وجد عند المفلس بعينه. وإن لم يجده قال الشيخ يشارك الدائنين بقيمة المسلم فيه. وقيل: يشاركهم بالثمن - وهو رأس المال - لتعذر الوصول إلى حقه فيتمكن من فسخ السلم.
وإن كان فى مال المفلس من جنس المتاع أعطى منه بقدر ما يخصه من القيمة إن كان مثليا. وإن لم يكن اشترى له بقدر الذى يخصه من القيمة مثل المتاع وسلم إليه وليس له أخذ بدل المتاع من القيمة التى تخصه لأنه لا يجوز صرف المسلم فيه إلى غيره قبل قبضه. ولو اشترى شقصا مما يجب فيه الشفعة ثم
أفلس وحجر عليه القاضى ثم علم الشريك بالبيع وأراد الأخذ بالشفعة وأراد البائع الرجوع فى الشقص دفع إلى الشفيع، وكان الثمن أسوة بين الدائنين لا يختص به البائع. ولو أفلس مشترى الصيد والبائع محرم فلا رجوع له فيه، ولو كان حلالا والصيد فى الحل جاز الرجوع حتى وإن كان المشترى محرما أو كان البائع فى الحرم. ولو اقترض ثم أفلس كان للمقرض الرجوع فى العين إن كانت موجودة. ولو أفلس مستأجر الدابة أو الأرض مثلا قبل دفع الأجرة وقيل مضى شئ من المدة فللمؤجر الرجوع فى المنافع وفسخ الاجارة تنزيلا للمنافع منزلة الأعيان ولأنه قد وجد عين ماله لم يتلف منه شئ وإن اختار المؤجر امضاء الاجارة فله ذلك ويقاسم مع الدائنين بالأجرة. ويؤجر القاضى العين على المفلس كما يؤجر أعيان أمواله التى لا يمكن بيعها، ويصرف الأجرة إلى الدائنين إذا كانت الاجارة على عين معينة أو فى الذمة وحصل التعيين.
فإن لم يكن المؤجر قد عين ولم يفسخ طالبه القاضى بتعيين العين ثم يؤجر العين حينئذ. ولو بذل الدائنون للمؤجر أجر عينه حتى لا يفسخ لم يلزمه الامضاء، لمنة وخوف ظهور دائن آخر ولأنه قد ثبت له الخيار فلا يزول بذلك. وهذا كله إذا لم يمض من مدة الاجارة شئ فلو مضى شئ منها له قسط من الأجرة فإن فسخ المؤجر قاسم مع الدائنين بجميع الأجرة. ولو أفلس مستأجر الدابة وحجر عليه فى أثناء الطريق ففسخ المؤجر لم يكن له طرح متاع المفلس فى موضع غير محرز أو يغلب فيه هلاك المتاع أو ضياعه. بل يجب عليه نقله إلى مكان أمين بأجرة المثل. ويقدم بذلك على الدائنين، لأنه لصيانة مال المفلس وحفظه وايصاله إلى الدائنين فأشبه أجرة الكيال والحمال وكيف كان لا يسلم المؤجر مال المفلس إلا إلى القاضى أو الحاكم، ومع التعذر يحفظه حتى يوصله إليه، ويمكن تسليمه إلى عدل ليوصله إليه. ولعل الأولى أن يحفظه ويعلمه به، لئلا يحصل التصرف والنقل من غير إذن. ولو كانت الاجارة لركوب المفلس وحصل الفسخ فى أثناء المسافة فكذلك أيضا ينقل المفلس إلى المأمن بأجرة مقدمة على الدائنين، دفعا للضرر عن نفسه الذى هو أولى من حفظ ماله. ولو فسخ المؤجر للأرض بسبب إفلاس المستأجر فإن كانت فارغة أخذها. وإن كانت الأرض مشغولة بالزرع فإن كان قد استحصد طالب المؤجر المفلس بحصاده وتفريغ أرضه. وإن لم يستحصد فإن كان له قيمة إذا قطع واتفق المفلس والدائنون على قطعه كان لهم ذلك. وإن اتفقوا على تبقيته وبذلوا لصاحب الأرض أجرة فلهم ذلك بشرط أن يقدموا المؤجر بأجرة المثل. وإن أرادوا تبقيته بدون عوض لم يكن لهم ذلك. ولو اختلفوا أجيب من طلب القطع، ويحتمل اجابة من طلب الأنفع هذا إذا أفلس المستأجر. أما إذا أفلس المؤجر بعد تعيين العين المستأجرة فلا فسخ بل يقدم المستأجر بالمنفعة كما يقدم المرتهن بالعين المرهونة عنده على غيره من دائنى المراهن المفلس، لأنه عقد لازم عقده قبل الحجر، والمنافع المستحقة للمستأجر متعلقة بعين ذلك المال فيقدم بها. ولا فرق فى التعيين بين أن يكون فى أصل العقد أو بعد وروده على الذمة ويكون للدائنين حينئذ الخيار بين الصبر حتى تنقضى مدة الاجارة ثم يبيعوها وبين البيع فى الحال، ولا مبالاة بما ينقص من الثمن بسبب الاجارة إذ لا يجب على الدائنين الصبر إلى أن يزيد مال المفلس. ولو اختلف الدائنون فى الصبر والبيع أجيب من يطلب البيع وحيث يختارون الصبر هل يبقى الحجر على المفلس مستمرا إلى انقضاء الاجارة وجهان: ولعل الأقوى عدم بقائه. أما إذا أفلس المؤجر قبل تعيين العين المؤجرة فللمستأجر الرجوع فى الأجرة إن كانت باقية لأنه دائن ظفر بعين ماله عند المفلس فله الرجوع فيها. وإن كانت الأجرة تالفة قاسم مع الدائنين بقيمة المنفعة، لأن المفروض عدم التعيين فيكون كسائر الدائنين ولا يقدم عليهم فى الاستيفاء. وليس له الفسخ ومقاسمة الدائنين بما دفعه من الأجرة وهذا كله فى اختصاص الدائن بعين ماله الموجودة تحت يد المفلس الحى المحجور عليه لافلاسه أما إذا مات المديون مفلسا أى لم يترك مالا يوفى كل الديون التى عليه - ولو غير محجور عليه
فدائنوه كلهم سواء فى تركته، فتقسم على نسبة ديونهم سواء فى ذلك صاحب العين وغيره فلا يكون واحد منهم أحق من غيره بعين ماله الموجودة فى التركة. أما إذا ترك الميت المديون ما يوفى جميع ما عليه من ديون فإنه يجوز لصاحب العين حينئذ أن يأخذها ويكون أحق بها من سائر الدائنين على المشهور، سواء كانت التركة بقدر الدين أم أزيد، ومستند المشهور هذا صحيحه أبى ولاد عن الصادق، وبه. قال: ابن ادريس. وقال ابن الجنيد: يختص بها صاحبها وإن لم يكن بتركة الميت وفاء بديونه كلها قياسا على المفلس واستنادا إلى رواية مطلقة فى جواز الاختصاص
(1)
مذهب الإباضية:
يجوز للبائع أو المقرض أو غيره ممن تعامل معاملة ما من المعاملات الجائزة مع المفلس الذى حكم بإفلاسه سلطان أو قاض أو جماعة أو نحو ذلك - أن يأخذ شيئه إن وجده عند المفلس بعينه. كما يجوز له أن يأخذ ثمنه إذا كان قائما عند المفلس أيضا، ويكون أحق بذلك من باقى دائنيه ولو لم يكن للمفلس غيره. لأن المفلس أخفى إفلاسه فكان فى معاملته كالسارق، فمن عامله بعد ذلك يسترد شيأه كما يسترد المسروق منه ما سرق المفلس إن قام بعينه أو ثمنه. وذلك كله إن لم يعلم من باع للمفلس أو أقرضه بأنه محكوم عليه بالافلاس
(2)
. وكذلك إن كان ذلك منه سابقا على الحكم فافلاسه والحجر عليه كما هو ظاهر الأحاديث الواردة فى ذلك والتى سبق ذكرها، وهو الظاهر أيضا عند علماء المذهب. قال صاحب شرح النيل: فالذى عندى حمل الأحاديث على العموم لما قبل الحكم بالافلاس ولما بعده إذا عامله بعده ولم يعلم به. وحاصله أن للدائن ما وجده مما تعامل به مع المفلس قبل الحجر، وكذلك بعده إن لم يعلم بالحجر. وصريح كلام الدعائم وشرحها: أنه لا يكون أحق بمتاعه إلا إذا باعه بعد الحكم عليه بالافلاس وكان جاهلا بذلك،
قال ابن وصاف: المسألة من الجامع، ونصها من أخذ من قوم مالا ثم أفلس فهو بين الغرماء. وإن أخذه بعد أن أفلس ولم يعلم فتلك خيانة وصاحب المال أحق به إذا أدركه بعينه وبكلام الدعائم قال أبو الحسن
(3)
. والظاهر أن للدائن أخذ شيئه من المفلس بدون حكم القاضى به، وهو الصحيح كما هو ظاهر الأحاديث الواردة. وقيل: ليس له أخذه بدون قضاء القاضى به كما أن افلاسه صح بحكم القاضى.
أما إن كان المتعامل مع المفلس عالما بافلاسه والحجر عليه فليس له إلا أن يقاسم مع الدائنين بحصة دينه حتى ولو كان ماله باقيا بعينه عند المفلس لأنه ضيع ماله. وقيل: يكون له ما يفضل عن الدائنين أو ما يسعى فيه المفلس مع قضاء ديونهم، ولا يأخذ متاعه ولا يقاسم مع الدائنين بحصة دينه، لما ذكر ومن كان حاضرا فى بلد المفلس أو قريبا منها وادعى عدم العلم بافلاسه لم يعذر. وقيل: يعذر أن تبين عذره. أما من كان غائبا عن ذلك فيعذر أن ادعى عدم العلم بافلاسه. وقيل: لا. وإن باع المفلس المحجور عليه ما أقرضه أو باعه له إنسان فلا يختص صاحب الشئ بما فى ذمة من باع له المفلس، كما لا يختص بشيئه إذا سلمه المفلس للمشترى. وقيل:
إن باعه المفلس وقبضه المشترى منه كان لصاحبه أن يأخذه من المشترى ويرجع المشترى على المفلس بالثمن يقاسم به مع الدائنين. والوديعة صاحبها كذلك أحق بها على كل حال إذا أفلس المودع لأن ملك صاحبها لم يزل عنها. فإن دخلت الوديعة فى
(1)
مفتاح الكرامة وشرح قواعد العلامة ج 5 ص 339 - 348 الطبعة السابقة، وقواعد الاحكام فى معرفة الحلال والحرام ج 1 ص 174 - 177 طبعة حجر اسماعيل الجيلانى سنة 1329، تحرير الاحكام للمحلى ج 1 ص 213 - 215 طبعة سنة 1314، الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 344 الطبعة السابقة، شرائع الإسلام ج 1 ص 201 - 202 الطبعة السابقة، مختلف الشيعة فى احكام الشريعة ج 1 ص 248 طبعة حجر احمد الشيرازى سنة 1324، الخلاف فى الفقة للطوسى ج 1 ص 619 رقم 2 طبعة طهران مطبعة رنكين.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 179 - 180.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 181 - 182.
ضمان المودع المفلس لأى سبب من الأسباب فصاحبها أسوة الدائنين
(1)
. وإن وجد البائع مثلا مبيعه بعينه عند المفلس بعد الحجر عليه إلا أنه قد تغير بالنقص فى ذاته أو فى صفته فلا يكون البائع أحق به من الدائنين بل يكون أسوتهم فيه وفى غيره
(2)
. أما إذا وجد الدائن ماله عند المفلس بعينه وقد تولدت منه زوائد منفصلة وهى موجودة بيده كصوف مجزوز ولبن محلوب فظاهر الحديث أنه لا يكون أحق بها فلا يأخذها لأن المذكور فى الحديث ادراك عين المتاع وليست هذه بعين المتاع، ولأنها حدثت على ملك المشترى
(3)
. وإن كان المبيع أرضا فزرعها المشترى أو بنى فيها أو غرس ثم أفلس والزرع أخضر فالزرع والبناء والغرس للمفلس، والأرض للبائع، ويخير أن تكون له قيمتها فارغة، وفى أن يكون مع الدائنين فيها وفيما عليها، فيباع الكل ويحسب ثمنها فارغة والباقى للدائنين. وأما الثمرة فيها وفى النخل إذا أثمر فى يد البائع وباعها مثمرة فزادة فى يد المشترى المفلس فللبائع المال والثمرة لأنها عين ماله. وإن أفلس المؤجر قبل أن يعمل الأجير فقال أبو سعيد: إن كان العقد بينهما وهو مفلس لم يقع ويطل فإن عمل الأجير كان له أجر مثله مع الدائنين. وإن كان العقد بينهما قبل إفلاس المؤجر ثم أفلس بعد العمل فالأجير أسوة الدائنين حتى ولو كان المال بيده أيضا. وإن أفلس قبل العمل خير الأجير بين أن يعمل وله أجرته مع الدائنين، وبين أن يفسخ. ومن استأجر أرضا وزعها ثم أفلس فإن صاحب الأرض الذى أجرها أحق بزرعها حتى يستوفى أجرة أرضه لأن الزرع إنما نشأ عن الأرض فكانت كالحيازة له. ومن باع شيئا ولم يخرجه من يده حتى أفلس المشترى فالبائع أحق بما فى يده حتى يستوفى ثمنه وكذلك من استصنع فى خياطة أو غيرها والمصنوع فى يده ثم أفلس صاحبه فالصانع أحق بما فى يده حتى يستوفى أجرته. ومن اشترى شيئا ودفع ثمنه ثم وجد به عيبا فرده على بائعه ثم أفلس البائع قبل أن يسترد المشترى ثمنه منه فلا يكون المشترى أحق بذلك الشئ الذى رده. وإن رده المشترى بعد افلاس البائع ففيه خلاف. قال العاصمى: لا يكون المشترى أولى به أيضا. ومن اشترى سلعة شراء فاسدا وقد دفع ثمنها أو قدر له دين فى ذمة البائع ثم أفلس البائع والسلعة لم تفت وهى بيد المشترى فإن البيع يفسخ ويختص بها المشترى
(4)
. وهذا كله فى المفلس حال حياته. أما إن مات فليس لصاحب الشئ إلا المقاسمة مع الدائنين بعوض شيئه وليس له أخذه وإن كان موجودا بعينه ضمن التركة. وإن أراد الدائنون أو الورثة اعطاء صاحب السلعة الثمن ودفعوه له فإنه يلزمه قبوله
(5)
.
خامسا: ما يترتب على الحكم بافلاس
المديون والحجر عليه
حبس المفلس وانظاره وملازمته وما يتبع ذلك
إن ادعى المديون الافلاس ولم يعرف له مال وطلب دائنوه من القاضى - بعد اثبات ديونهم أمامه - أن يحبسه حبسه اتفاقا، لأن قضاء الدين واجب عليه،، والمماطلة ظلم فيحبسه القاضى دفعا لظلمه والحبس جزاء المماطلة بقوله صلى الله عليه وسلم:«لى الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته»
(6)
قال أحمد قال وكيع: عرضه شكايته وعقوبته حبسه والمقصود من الحبس حمل المديون على قضاء الدين من أى طريق شاء من استقراض واتهاب وسؤال صدقة واستظهر ابن عابدين أن حبس المفلس لا يكون لغير القاضى فلا يحبسه المحكم وقال: لكن نقل الحموى عن صدر الشريعة أن له
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 179، 180 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 8 ص 180 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 181 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 172 - 183.
(5)
المرجع السابق ج 7 ص 181 الطبعة السابقة.
(6)
رواية احمد وابو دواد والنسائى وابن ماجه، واخرجه ايضا البيهقى والحاكم وابن حبان عن عمرو بن الشريد عن ابيه (انظر نيل الاوطار ج 5 ص 24).
الحبس ويحسبه القاضى ولو ادعى الافلاس فى كل دين لا يقبل منه مجرد دعوى الافلاس به. وقد سبق ذكر هذه الديون فى طرق اثبات الافلاس» ولا يحبسه فيما سوى ذلك من الديون أن ادعى الافلاس. ويستثنى من ذلك دين نفقة زوجته وولده الصغير الفقير فإنه يحبس به إن طلبت حبسه وكانت النفقة مقضيا بها أو متراضى عليها وعن مدة ماضيه وكذلك نفقة القريب إذا كانت مستدانة بأمر القاضى. وذلك لظلمه بالامتناع عن ذلك. ولا يحبس أصل وان علا فى دين فرعه لأن الحبس نوع عقوبة فلا يستحقه الولد على والده وسواء كان الأصل موسرا أم معسرا. إلا إذا امتنع من الانفاق عليه على ما ذكر ويحبس المسلم بدين الذمى والمستأمن وعكسه، وإذا حبس الكفيل يحبس المكفول عنه معه ولا يحبس الصغير المحجور بدين الاستهلاك بل يحبس والده أو وصية حتى يوفى الدين أو يظهر اعسار الصغير وكذلك لا يحبس المديون فى دين مؤجل لأنه لا يطالب به قبل حلول الأجل.
ومدة حبس القاضى لمن يدعى الافلاس بدينه غير مقدرة بزمن معين. بل يرجع أمر تقديرها إلى رأى القاضى واجتهاده على الأرجح، إذ المقصود بالحبس أن يضجر قلب المديون فيقضى الدين إن كان له مال أو من أى طريق وهذا يختلف باختلاف أحوال الأشخاص فإذا حبسه القاضى هذه المدة سأل عنه على التفصيل السابق فى طرق اثبات الافلاس. فإن لم يظهر له مال أطلقه من الحبس ولو بدون رضا الدائن، ولا يطالبه بكفيل إلا فى ثلاث: مال اليتيم، والوقف، وإذا كان الدائن غائبا. وهذا إذا كان حاله مشكلا يسارا واعسارا. وأما غيره فقال أبو حنيفة: إذا كان المديون معروفا بالعسرة لم أحبسه أى ولو كان الدين ثمنا أو قرضا كما هو ظاهر الاطلاق وفى الفتاوى الخانية: ولو كان المديون ظاهر الفقر سأل القاضى عنه عاجلا وقبل بينته على افلاسه وخلى سبيله. وكذلك يخلى سبيل المفلس إذا أقام البينة بعد حبسه أنه لا مال له، لأنه استحق النظرة إلى المسيرة، قال تعالى:«وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»
(1)
فتكون حبسه بعد ذلك ظلما. وإذا أطلق القاضى المفلس بعد ثبوت افلاسه والحكم به فلا يحبسه ثانيا لا للدين الأول ولا لغيره حتى يثبت الدائن أنه موسر. وفيما عدا هذا لا يجوز اطلاق المفلس من الحبس إلا إذا رضى بذلك كل الدائنين الذين طلبوا حبسه بسبب افلاسه بديونهم أو إذا أحضر المحبوس الدين للقاضى فى غيبة الدائن. ويحبس المديون فى موضع متوحش ليس به فراش، ولا يدخل عليه أحد ليستأنس به إلا أقاربه وجيرانه، لأن اجتماعه بهؤلاء واستشارتهم قد يفضى إلى المقصود من الحبس وهو ايفاد الدين ولا يمكثون عنده طويلا. ولا يخرج من حبسه لصلاة جماعة أو جمعة أو عيد، ولا لحج ولو فرضا، ولا لعيادة مريض ولا لحضور جنازة ولو كان بكفيل. والمفتى به أنه يخرج بكفيل لجنازة أصوله وفروعه دون غيرهم. وإذا مرض فى حبسه ولم يجد من يمرضه ويخدمه أخرج من السجن بكفيل وهذا إذا كان الغالب عليه الهلاك وعليه الفتوى لأنه قد يموت بسبب عدم الممرض ولا يجوز أن يكون الدين مفضيا للتسبب فى هلاكه فإن وجد من يخدمه فى حبسه أو لم يجد من يكفله لا يطلقه من حبسه ولا يخرج من السجن ليتكسب كما لا يمكن المحترف من الاشتغال بحرفته فى الحبس على الصحيح من المذهب لأن الحبس مشروع ليضجر قلبه فيقضى دينه، ومتى تمكن من الاكتساب لا يضجر فيكون السجن له بمنزلة الحانوت. وقال البعض: لا يمنع من الاكتساب فى السجن لأن فيه نظر للجانبين، لجانب المديون لأنه ينفق على نفسه وعياله ولجانب صاحب الدين لأنه إذا فضل منه شئ بعد ذلك صرف فى قضاء دينه. ولا يضرب المفلس فى حبسه ولا يغل ولا يقيد ولا يخوف ولا يجرد من ثيابه ولا يؤاجر ولا يقام بين يدى صاحب الحق اهانة له. ولا يضيق القاضى على المحبوس لأجل الدين فى مأكوله ومشروبه وملبوسة كما يمنعه من الاسراف فى ذلك، ويقدر له الوسط مع الاقتصاد. وإذا أطلق القاضى
(1)
الاية رقم 280 من سورة البقرة.
المفلس من الحبس بعد ظهور افلاسه فلا يحول بينه وبين الدائنين بعد الاطلاق. بل يكون منم حقهم عند أبى حنيفة - أن يلازموه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لصاحب الحق يد ولسان» أراد باليد الملازمة، وباللسان التقاضى، ولأن المال غاد ورائح فيمكن أن يحصل فى كل ساعة وفى كل لحظة، والملازمة لا تنافى الانظار المذكور فى الآن، لأن وقوف الشهود على افلاس المديون لا يتحقق حقيقة، وإنما يثبت بالاستدلال على ظاهر حاله، فيمكن أن يكون له مال قد أخفاه عن الدائنين لأن كثيرا من الناس يتزيون بزى الفقراء وهم أغنياء، فيلازمونه لاحتمال أن يظهر له مال أو يضجر من الملازمة فيعطيهم حقهم. وقال أبو يوسف ومحمد:
إذا حكم القاضى بافلاس المديون حال بينه وبين دائنيه إلا أن يقيموا البينة أن له مالا، للآية ولأن القضاء بالافلاس عندهما يصح فتثبت العسرة فيستحق الانظار إلى الميسرة. وفى رواية أخرى لمحمد أنه يجوز لصاحب الدين أن يلازم مديونه المفلس حيث أحب من المصحر. وظاهر الرواية هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وهو الصحيح. والملازمة هى أن يدور الدائنون مع المفلس حيث دار، ولا يحبسونه فى موضع واحد، ولا يمنعونه من التصرف فى البيع والشراء حال الملازمة كما لا يمنعونه من السفر. وإن دخل بيته لحاجة لا يتبعونه بل ينتظرونه أمام باب بيته حتى يخرج. ويأخذون ما زاد من كسبه بعد نفقته ونفقة عياله فيقسم بينهم بقدر حصة كل واحد منهم من الدين لاستواء حقوقهم فى القوة وهذا إذا أخذوا ما زاد من كسبه بغير اختياره، أو أخذه القاضى وقسمه بينهم بدون اختياره. وأما المديون فى حال صحته فله أن يقضى ديونه بنقسه وله أن يؤثر أحد الدائنين على غيره بقضاء الدين - عند أبى حنيفة لأنه يتصرف فى خالص ملكه ولم يتعلق به حق أحد فيتصرف فيه حسب مشيئته. وبهذا أيضا قال أبو يوسف ومحمد: بالنسبة لكسبه وماله الحادث له بعد الحكم بافلاسه والحجر عليه. وللدائن أن يلازم مديونه المفلس بدون أمر القاضى إن كان المفلس مقرا بدينه. وله أن يلازمه بنفسه أو غيره ممن أحب من عياله أو أجيره أو نائبه فإن رفض المفلس ألا يلازمه غير الدائن فله ذلك. ولو اختار المفلس الحبس والدائن الملازم فالخيار إلى الدائن لأنه أبلغ فى حصول المقصود لاختياره الأضيق والأشد عليه.
إلا إذا علم القاضى أنه يتعدى على مديونه ويضره ضررا بينا بملازمته مثل ألا يمكنه من دخول داره أو يتبعه فى الدخول أو يمنعه من الاكتساب بقدر قوت يومه له ولعياله فحينئذ يحبسه دفعا للضرر عنه. وإن كانت الملازمة تضر الدائن أو عياله لكونه ممن يكتسب بالسعى فى الأسواق فله أن يكلف المفلس أن يقيم كفيلا بنفسه ثم يخلى سبيله. ووقت الملازمة هو كل وقت يتوهم وقوع مال للمفلس فيه، سواء كان ليلا أم نهارا، فليس للدائن أن يلازمه فى وقت لا يتوهم فيه ذلك كما لو كان مريضا مثلا، لعدم
(1)
الفائدة فى الملازمة حينئذ. ولو كان المديون المفلس فى كل ذلك امرأة والدائن رجلا، فلا يلازمها لما فيه من الخلوة بالاجنبية ولكن يبعث امرأة أمينة ولو بالأجرة تلازمها. وقيل له أن يلازمها بالنهار فى موضع لا يخاف وقوع الفساد فيه ولا يختلى بها. أما بالليل فتلازمها النساء. وفى الواقعات: له أن يلازمها ويجلس معها ويقبض على ثيابها ولو فى خلوة، لأن هذا ليس بحرام إذا كان يأمن على نفسه لأن له ضرورة فى هذه الخلوة وليس من حق صاحب الدين المؤجل أن يمنع المديون من السفر، سواء قرب محل سفره أو بعد بحيث يحل الأجل قبل
(1)
الجوهرة النيرة وبهامشها اللباب للميدانى ج 1 ص 146 - 147 الطبعة الاولى للمطبعة الخيرية سنة 1322 هـ، الفتاوى الهندية بهامشها الفتاوى البزازية ج 5 ص 63 - 64، 223 - 229، حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 4 ص 327 - 334 الطبعة الثالثة المطبعة الاميرية سنة 1325 هـ ج 5 ص 335 الطبعة الثانية للحلبى سنة 1386 تبين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 200، 201، فتح القدير وتكملة العناية والهداية ج 5 ص 471 - 476، ج 7 ص 329 - 330.
قدومه من سفره. إلا أن له أن يسافر معه حتى إذا حل الأجل منعه من المضى فى سفره إلى أن يوفيه دينه. فإن كان الدائن يتضرر من سفره هذه فالراجح أن من حقه أن يطالب المديون باعطاء كفيل قبل سفره. وقيل: ليس له أن يطالبه باعطاء الكفيل وإن قرب حلول الأجل. وقيل: إن عرف المديون بالمطل والتسويف ألزمه الدائن باعطاء كفيل عنه وإلا فلا.
مذهب المالكية:
يحبس المديون المجهول حاله يسارا واعسارا اذا ادعى الافلاس ولم يعلم صدقه، اختيارا لحالة ومحل ذلك ما لم يطلب تأخير حبسه مدة من الزمن حتى يثبت افلاسه، فان طلب ذلك وقدم كفيلا بالوجه أو بالمال فانه لا يحبس. ثم ان أثبت افلاسه خلال هذه المدة، وحلف أنه لا مال له أنظر ولم يحبس.
وان هرب أوغاب عند الأجل قبل أن يثبت افلاسه أو بعد أن أثبته بالبينة وقبل أن يحلف فإن الكفيل يغرم ما على المديون من دين إلا أن يثبت الكفيل إفلاس المديون المكفول عنه فإن أثبته وكان المديون ممن لا يظن به كتمان المال والمماطلة فلا يغرم لأنه انما ضمنه ليثبت افلاسه وهذا هو المشهور.
وقال ابن رشد: يغرم الكفيل الدين فى هذه المسألة حتى ولو أثبت افلاس المديون لأن يمين المديون نفسه يتوقف عليها افلاسه. وكذلك يحبس المديون الظاهر من حالة اليسار اذا ادعى الافلاس ولم يطلب تأخير حبسه لاثبات افلاسه أو لقضاء دينه. فان طلب ذلك أجيب اليه فلا يحبس، ويؤجل مدة أقصاها خمسة أيام بشرط أن يقدم كفيلا بالمال خلال هذه المدة. وكذلك يحبس معلوم اليسار ان ادعى الافلاس. ولا يندفع عنه هذا الحبس مهما طال الا اذا أدى الدين أو شهدت له بينة بذهاب ما كان بيده من مال. أما لو شهدت له بينة بافلاسه وفقره فلا يطلقه القاضى بذلك سواء قبل الحبس أو بعده. وفيما عدا معلوم اليسار هذا ان أثبت كل من ذكر افلاسه - ولو قبل حبسه - على الوجه السابق ذكره فى اثبات الافلاس فانه يحكم بانظاره الى أن يوسر، فلا يحبس ولا يطالب بما عليه قبل ذلك، للآية السابق ذكرها. وكذلك ينظر المديون المجهول الحال يسارا واعسارا اذا حبس لعجزه عن اثبات افلاسه وطال حبسه بحيث يغلب على الظن أنه لو كان عنده مال ما صبر على الحبس هذه المدة، فيخرجه القاضى من الحبس ويخلى سبيله بعد حلفه انه لا مال له ظاهرا ولا باطنا وان وجد مالا ليقضين الدائنين حقهم. ويرجع فى تقدير مدة حبسه هذه طولا وقصرا الى رأى القاضى واجتهاده لأنه يدخل فى تقدير ذلك قدر الدين قلة وكثرة وحال المفلس فليس الوجيه كالحقير ولا القوى كالضعيف. أما ظاهر اليسار فانه لا ينظر ولا يخرج من حبسه الا بشهادة بينة بأفلاسه مهما طال حبسه وهذا كله فى غير معلوم الاعسار فانه يجب انظاره ابتداء ولا يحبس، للآية السابقة. وكذلك لا يحتبس الوالدان نسبيا فى دين ولدهما مطلقا سواء كانا مفلسين أم لا. الا أن الأب يحبس فى نفقة ولده الصغير اذا امتنع من الانفاق عليه. أما الولد فيحبس فى دين أبيه وأمه، وكذلك يحبس الجد والجدة فى دين والد الولد، لأن حظ الجد دون حظ الأب فى الجملة واذا كان المديون غير بالغ فلا يحبس. ولا يجوز الحبس فى الدين اذا تمكن القاضى من استيفائه من مدعى الافلاس بأى طريق. فاذا وجد له أى شئ يباع فى دينه سواء كان رهنا أم لا باعه ولم يحبسه وكذلك اذا رأى عليه فى الحبس من الثياب والقماش ما يمكن استيفاء الدين منه أخذه منه قهرا وباعه فيما عليه من دين ولا يحبسه، لأن فى ذلك تعجيلا لدفع الظلم وايصال الحق لمستحقه بحسب الامكان. وتحبس النساء عند امرأة أمينة، سواء كانت منفردة عن الرجال او ذات رجل امين معروف بالخير والصلاح من زوج أو أب أو ابن.
واذا حبس الأخوان معا فى دين عليهما فانه لا يفرق بينهما، ومثلهما اذا حبس اى واحد من الأبوين مع ولده وغيرهما من الاقارب. وكذلك اذا حبس الزوجان فى دين فطلب الدائن أن يفرق بينهما.
وطلب الزوجان أن يجتمعا فذلك لهما ان كان السجن خاليا. فان لم يخل حبست المرأة فى محل لا رجال فيه. والمحبوس لأجل الدين لا يمنع ممن يسلم عليه من حيث انه يسلم. أما من حيث أنه يعلمه الحيلة فى خلاصة ونحو ذلك فيمنع. وكذلك يمنع من يخدمه الا اذا اشتد مرضه على المعتمد. أما الزوجة غير المحبوسة فتمنع من الاقامة مع زوجها فى السجن بقدر ما يجتمع بها، لأن المقصود من السجن التضييق عليه حتى يدفع الحق لأهله، وهذا اذا حبس فى غير دينها والا لم تمنع من الاقامة والبيات معه، لأنها ان شاءت لم تحبسه واذا وجب على المحبوس بالدين حد لشخص فانه يخرج ليقام عليه حتى ولو كان الحد قتلا، وحينئذ يؤخذ الدين من تركته ان كان له مال والا ضاع على أصحابه.
وكذلك يخرج من السجن بغير كفيل أصلا اذا ذهب عقله لعدم الفائدة فى حبسه، لأنه لا يشعر بالتضييق عليه المقصود من السجن، ويستمر خروجه الى أن يعود له عقله فيعود الى السجن. ولا يقضى بخروجه لعيادة مريض قريب له كأبيه وابنه وزوجته ولو كان مرضه شديدا. وكذلك لا يمكن من الخروج لأداء واجب شرعى كحجة الاسلام وصلاة الجمعة والعيد. كما لا يخرج للدعوى عليه.
ويوكل من يسمع عنه الدعوى. فان امتنع تسمع البينة عليه. فاذا ثبت عليه الدين يزاد السجن عليه بالاجتهاد بعد اعزاره. كما لا يمكن من الخروج لأجل عدو معه فى الحبس الا أن يخاف عليه أن يقتله العدو فى السجن فانه يخرج من ذلك الى موضع آخر يحبس فيه ويجوز ضرب مدعى الافلاس المحبوس لأجل الدين. أما وضع الحديد أو نحوه فى عنقه فلا يجوز الا ان عرف بالعداء، أى سرعة العدو. واذا ثبت افلاس المفلس قبل الحبس أو بعده وقضى القاضى بانظاره لليسار وخلى سبيله فلا يكون من حق الدائن أن يلازم المفلس بحيث كلما يأتيه شئ يأخذه منه، لأن الله سبحانه قد أوجب انظاره للميسرة. وليس للدائن منع المديون من السفر اذا ثبت اعساره حتى ولو كان الدين يحل فى غيبته أما ثابت الاعسار سواء كان موسرا أو كان الدين يحيط بماله فان للدائن منعه من السفر ان كان الدين يحل قبل عودته ولم يوكل فى قضائه ولم يضمنه موسر والا فلا يمنعه ما لم يكن معروفا بالمماطلة
(1)
.
مذهب الشافعية:
يحرم حبس المديون اذا ثبت افلاسه عند القاضى باحدى الطرق السابقة فى اثبات الافلاس ويجب امهاله حتى يوسر للآية السابقة وتقبل بينته فقره وافلاسه فى الحال بدون توقف على حبسه. أما اذا ادعى المديون الافلاس ولم يثبت ذلك عند القاضى أو كان غريبا مجهول الحال وعجز عن اثبات افلاسه قبل حبسه فانه يحبس سواء كان محجورا عليه بسبب الافلاس أم لا، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لى الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» (3)، أى يحل ذمه وشتمه وتعزيره وحبسه ويظل فى الحبس لا يطلق منه الا اذا اثبت افلاسه أو رضى الدائنون جميعا بالاطلاقه. ولو قال مدعى الافلاس قبل حبسه: لى بينة بذلك وطلب امهاله أمهل ثلاثة أيام حتى ولو طالب الدائن حبسه فان أقامها لم يحبس، والا حبس الى ثبوت افلاسه ولا يحبس الوالد ذكرا كان أو أنثى وان علا فى دين ولده وان سفل ولو صغيرا أو زمنا، ولا فرق بين دين النفقة وغيرها.
كما لا يحبس قن استؤجر على عمل يتعذر فى الحبس تقديما لحق من استاجره كالمرتهن ولا يحبس ولو فى غير أوقات العمل لكن للقاضى أن يستوثق عليه مدة العمل. فان خاف هربه فعل ما يراه: وكذلك لا يحبس مريض لا ممرض له فى الحبس ولا مخدرة ولا طفل ولا مجنون كما لا يحبس وصى ولا قيم ولا وكيل بدين لا يتعلق بمعاملتهم فان وجب بمعاملتهم حبسوا. وان حبست المرأة بسبب
(1)
شرح الخرشى بحاشية العدوى ج 5 ص 319 - 314 الطبعة السابقة، الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 278 - 282 الطبعة السابقة، الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج 2 ص 147 - 149 الطبعة السابقة، شرح أبى الحسن بحاشية العدوى ج ص 306 - 307 طبعة المطبعة العامرة سنة 1294.
افلاسها بدين سقطت نفقتها مدته حتى ولو كان الدين باذن زوجها على الأصح وللقاضى منع المحبوس مما يرى المصلحة وللقاضى منع المحبوس مما يرى المصلحة فى منعه منه كمنعه من صلاة الجمعة والجماعة ومن الاستمتاع بزوجته والاستئناس بمحادثة الأصدقاء ويغلق باب الحبس عليه وللقاضى ضربه ونحوه ان لم ينزجر بالحبس ويجوز تقييده على الأصح ان كان لجوجا صبورا على الحبس ولا يمنع المفلس المحبوس من عمل صنعه فى الحبس وان كان مماطلا، وأجره السجان والسجن ونفقته فى ماله ان كان له مال ظاهر. والا ففى بيت المال ثم على مياسير المسلمين. ولو انفلت من الحبس لم يلزم القاضى طلبه واعادته الا بطلب خصمه ان قدر عليه، ويسأله لم هرب فان علله بافلاسه ونحوه لم يعزره. والا عزره ان رآه مصلحة. ولا يخرج من الحبس الا باذن القاضى الا لضرورة كسماع دعوى أورد جوابها. فان لزمه حق آخر حبس بهما ولم يطلق بقضاء أحدهما دون الآخر. واذا ثبت افلاس المديون قبل الحبس أو بعده وأنظره القاضى فلا يجوز ان يلازمه الدائن بل يحرم عليه ذلك لأنه منظر بالشرع وهذا بخلاف من لم يثبت افلاسه فانه يجوز ملازمة الدائن له الى أن يثبت افلاسه ما لم يختر المديون الحبس. فان اختاره أجيب اليه وأجرة الملازمة تكون على المديون. وليس لدائن منع المديون بدين مؤجل من السفر ولو كان السفر مخوفا كجهاد أو كان الأجل قريبا، اذ لا مطالبة به فى الحال ولا يكلف من عليه المؤجل وهنا ولا كفيلا ولا اشهادا، لأن صاحبه هو المضيع لحظ نفسه حيث رضى بالتأجيل من غير ذلك وللدائن أن يسافر معه ليطالبه بالدين عند حلول أجله بشرط ألا يلازمة ملازمة الرقيب، لأن فيه اضرارا به. أو ان الدين حالا فكذلك ليس للدائن منع المديون من السفر ولا السفر معه ان كان معسرا. أما ان كان موسرا فله منعة، سواء كان السفر مخوفا أم لا، وذلك بأن بشغله عن السفر برفعه الى القاضى ومطالبته حتى يوفيه دينه. لأن أداء الدين فرض عين بخلاف السفر. نعم ان استناب المديون من يؤديه من ماله الحاضر فليس له منعه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يحبس المديون ان ادعى الافلاس وأنه لا شئ معه يؤديه فى الدين ولم يصدقه الدائن ولم يثبت ذلك بطريق من الطرق المذكورة فى اثبات الافلاس.
وظاهر كلامهم أنه متى ثبت حق حبسه حبس ولو كان أجيرا فى مدة الاجارة أو امرأة متزوجة، لأن الاجارة والزوجية لا تمنع الحبس. ويظل محبوسا لا يجوز للقاضى اخراجه منه حتى يتبين له أنه مفلس حقا فيجب عليه اطلاقه، سواء رضى الدائن أم لا.
وكذلك يجب عليه اطلاقه من الحبس اذا برئ من الدين بوفاء أو ابراء أو حوالة كما يجب عليه اطلاقه وتخلية سبيله اذا طلب الدائن ذلك، لأن حبس المديون حق للدائن وقد أسقطه ولا يجب حبس المديون المفلس فى مكان معين بل المقصود منعه من التصرف حتى يؤدى الدين فيحبس ولو فى دار نفسه بحيث لا يمكن من الخروج. واذا أصر المديون على الحبس وصبر عليه ضربه القاضى. وان طلب المديون امهالا بقدر ما يتمكن فيه من أداء الدين أمهل بقدر ذلك ولم يجز حبسه، لأنه عقوبة غير محتاج اليها حينئذ. ومتى ثبت افلاس المديون عند القاضى لم تجز ملازمته ولا مطالبته، لأنه وجب انظاره بنص القرآن فتحرم ملازمته ولما روى عن أبى سعيد قال: «أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار أبتاعها فكثر دينه فقال:
تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: «خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك
(2)
».
وهذا اذا ثبت افلاسه أما اذا طلب المديون الامهال
(1)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 325 - 326 الطبعة السابقة، تحفة المحتاج ج 2 ص 134 الطبعة السابقة، شرح المحلى على المنهاج بحاشية القليوبى ج 2 ص 292 الطبعة السابقة، شرح منهج الطلاق بحاشية البجرمى ج 2 ص 377 الطبعة السابقة اسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 186 - 189 الطبعة السابقة.
(2)
رواه الجماعة الا البخارى انظر نيل الاوطار ج 5 ص 241 والغرماء جمع غريم يطلق على الدائن والمديون والمراد هنا الدائنون.
لأداء الدين وخاف الدائن هربه فانه يجوز له أن يحتاط على المديون بملازمته أو كفيل أو ترسيم عليه أى تحديد الأماكن التى يحق له ارتيادها وكذلك اذا امتنع الموسر من قضاء الدين فلدائنه ملازمته ومطالبته والاغلاظ له بالقول، لما سبق ذكره من حديث «لى الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» كما يحبس المديون الموسر اذا امتنع من قضاء الدين وتجرى عليه الأحكام السابقة الا أنه ان أصر على الحبس والضرب والتعزيز ولم يقض الدين مع كل هذا باع القاضى ماله وقضى دينه. وان أراد المديون سفرا وهو عاجز عن وفاء دينه فلدائنه منعه من ذلك حتى يقيم كفيلا ببدنه قاله الشيخ تقى الدين لأنه قد تحصل له ميسرة فى البلد الذى سافر اليه فلا يتمكن الدائن من مطالبته لغيبته عن بلده فيطلبه من الكفيل وان منع الدائن المديون من السفر فسافر كان عاصيا لأن له ولايه حبسه لاستيفاء حقه الحال منه.
وان لم يمنعه فهل له الاقدام على السفر؟ ذكر أبو الوفاء بن عقيل فيه وجهين: أحدهما يجوز لأن الحبس عقوبة لا يتوجه بدون الطلب. والثانى: لا لأنه يمنع بسفره حقا واجبا لثبوت الحبس فى حقه ولما يلزم فى سفره من تأخير الحق الواجب عليه وكذلك للدائن منع المديون بدين مؤجل من السفر اذا كان الدين يحل على المديون قبل رجوعه من سفره. وكذلك اذا لم يحل عليه قبل رجوعه ولم يكن بالدين رهن يفى به ولا كفيل ملئ لما فيه من الضرر على الدائن بتأخير حقه، وقدوم المديون عند حلول الدين غير متيقن ولا ظاهر فملك الدائن منعه، وسواء كان السفر مخوفا أم لا، الا اذا كان لجهاد متعين ونحوه فلا يمنع المديون من السفر له لتعيينه عليه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: ان لم يوجد للمفلس مال يمكن قضاء دينه أو بعضه منه فانه يلزم حبسه حتى يثبت فقره وافلاسه بطريق من الطرق السابقة فى اثبات الافلاس. ولا يمنع المفلس من الخروج من حبسه فى طلب شهود له بذلك ولا يمنع خصمه أو وكيله من ملازمته حينئذ والمشى معه حيث مشى فان أثبت فقره وافلاسه أطلقه القاضى من حبسه بعد أن يحلفه اليمين أنه ليس له مال باطن. وحينئذ يمنع خصمه من ملازمته وينظر حتى يظهر له مال فيقضى دينه منه.
أما ان كان للمديون ما يمكن قضاء الدين أو بعضه منه فلا يحل أن يحبس أصلا، لأن حبسه مع القدرة على انصاف دائنيه ظلم له ولهم معا، ولحديث «خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك»
(2)
السابق.
مذهب الزيدية:
يحبس مدعى الافلاس الذى لا يظهر عليه الاعسار أو التبس حاله ان لم يجد بينة تثبت افلاسه على التفصيل السابق فى اثبات الافلاس. وكذلك يحبس وإن وجد بينة تثبت افلاسه ابتداء فلا تسمع منه الا بعد حبسه حتى يغلب على ظن القاضى افلاسه تأكيدا لصحة الشهادة عند أبى طالب والهادى. وقال الناصر والامام يحيى والمؤيد بالله لا حبس للمفلس مع وجود البينة بافلاسه كسائر الشهادات. وانما يحبسه القاضى اذا طلب الدائن من القاضى ذلك أو طالبه بفعل ما يجب شرعا.
ومدة حبسه تختلف باختلاف الاشخاص فتخضع لرأى القاضى فى طولها وقصرها حتى يغلب فى ظنه الافلاس لأن أحوال الناس تختلف فبعضهم يتضرر بالحبس اليسير، وبعضهم يؤثر المال على نفسه. واذا كان للمفلس صفقة يتمكن من فعلها وهو فى الحبس فذلك راجع الى نظر القاضى فى منعه أو تركه وقيل: اذا حبس لم يمنع صنعة أمكنته فى الحبس. وقيل: يمنع لئلا يهون عليه السجن. قال صاحب البحر الزخار: والأقرب أن هذا موضع اجتهاد. وان مرض أوجن أخرج لمن يعالجه لئلا يضربه المرض. واذا غلب على ظن القاضى افلاسه من
(1)
كشاف القناع وشرح المنتهى بهامشه ج 2 ص 137 - 139، 206 - 208 الطبعة السابقة، المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 458، 462، 488، 501، 502، 505، 506 الطبعة السابقة، القواعد ج 1 ص 87 قاعدة رقم 53 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى ج 8 ص 630 - 631 مسألة رقم 1277 الطبعة السابقة. المرجع السابق ج 8 ص 624 - 627 مسألة رقم 1276 الطبعة السابقة.
الابتداء لم يجز له حبسه فان حبسه مع ذلك كان ظلما تبطل به ولايته، وكذلك الحكم فى الامام واذا انتهت مدة حبس المفلس أخرج من الحبس وان لم يأذن الدائنون. وكذلك اذا ثبت عند القاضى افلاسه بالبينة أو مما ظهر من حاله مع اليمين فانه يخرجه ويخلى سبيله وينظر فلا يطالب بدين سواء كان حالا أو مؤجلا حتى يجوز يساره عادة وذلك للآية السابقة ولحديث أبى سعيد «خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك» . وحيث لا يطلب المفلس حينئذ فلا يمكن الدائنون من ملازمته ويحال بينه وبينهم الى أن يوسر لأن ملازمة المفلس وعدم الحيلولة بينه وبين الدائن تؤدى الى الاضرار به وبهم، لأن الناس يمتنعون من مشكلات التعامل معه ولأن انظار المعسر بنص الآية وبالقضاء انما يكون بترك ملازمته
(1)
.
مذهب الإمامية:
يحبس المديون غير ظاهر الفقر وليس له مال ظاهر ان ادعى الافلاس بديونه قبل اثباته. ويظل محبوسا حتى يظهر اعساره أو يثبت افلاسه بأى طريق من الطرق المذكورة قبل ذلك فى اثبات الافلاس فاذا ثبت افلاسه أو ظهر اعساره ولو قبل حبسه فلا يجوز حبسه حينئذ أى مدة كانت فيخلى القاضى سبيله وينظر الى أن يوسع الله عليه. ويجوز حبس الوالد فى دين ولده.
وقيل بالمنع. وكذلك لا تمنع الاجارة المتعلقة بعين الأجير المفلس من حبسه.
واذا ثبت الافلاس للمديون وعدم قدرته على أداء الدين شرعا وخلى القاضى سبيله لم يجز للدائن ملازمته الى أن يستفيد مالا لقوله صلى الله عليه وسلم للدائنين: «خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك» وهذا يدل على أنه ليس لهم ملازمته وليس لهم الا ما وجدوه. وأيضا لقوله تعالى: «فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» وحيث لم يذكر سبحانه وتعالى الملازمة. ولصاحب الدين الحال أن يمنع المديون من السفر قبل قضاء الدين، لا أداء الدين الحال مع المطالبة والتمكن من الأداء واجب على الفور.
وله المنع من كل ما ينافيه. أما اذا كان الدين مؤجلا فليس لصاحبه منع المديون من السفر، سواء كان السفر مخوفا مثل السفر للجهاد أم لا وسواء ترك ما لا يفى بدينه هذا أم لا، اذ ليس للدائن مطالبته فى الحال بالدين. وكذلك ليس له مطالبته برهن ولا كفيل ولا اشهاد، لأنه ليس المطالبة بنفس الدين فبالأولى لا تكون له المطالبة بالرهن، والكفيل، وهو المفرط فى حق نفسه حيث رضى بالتأجيل ابتداء بدون رهن ولا كفيل. ولا فرق بين أن يكون الأجل قليلا أو كثيرا، ولا بين أن يكون السفر الى موضع بعيد يستغرق سنة أو قريب يستغرق يوما. فلو بقى من الأجل نصف نهار ثم أراد المديون إنشاء سفر طويل يزيد على الأجل لم يكن لصاحب الدين المؤجل منعه من هذا السفر الذى يحل فيه الدين قبل رجوعه من سفره هذا فى حبس وملازمة المديون المفلس الذى ليس له مال ظاهر. أما اذا كان فى يده مال وادعى الافلاس وامتنع من دفع دينه خير القاضى بين حبسه وتعزيره، وبين بيع ماله عليه وقضاء دينه منه. كما يكون لدائنه ملازمته ومطالبته والاغلاظ فى القول له مثل يا ظالم يا متعدى
(2)
.
مذهب الإباضية:
اختلف فى حبس المفلس المجهول الحال يسارا واعسارا كما جاء فى المنهاج - قبل أن يثبت افلاسه على الوجه السابق ذكره فى اثبات الافلاس. فقيل:
يحبس ويطلب منه اثبات افلاسه. وقيل: يحلف ما عنده ما يؤدى به ما عليه كله ولا بعضه. وقيل:
(1)
التاج المذهب ج 4 ص 155 - 156 الطبعة السابقة، البحر الزخار ج 5 ص 81 - 82 الطبعة السابقة، شرح الأزهار ج 4 ص 277 - 278 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 346 ومفتاح الكرامة ج 5 ص 18، ص 327 والشرائع ج 1 ص 202، ص 203 الخلاف ج 1 ص 624، ص 625 قواعد الأحكام ج 1 ص 176 وتحرير الأحكام ج 1 ص 216، 217
لا يمين عليه فى هذا. وقيل يسأل القاضى عنه من يعرفه ولا يبدأ بالحبس
(1)
.
وقال صاحب شرح النيل: وما ذكرته عن المنهاج من حبس من جهل حالة يسارا أو اعسارا لا تحديد فيه بأجل معين بل يكون ذلك بنظر القاضى وما يظهر له من أمر المحبوس. وقيل: يحبس فى الدين القليل كالدريهمات مقدار نصف شهر، وفى الوسط شهرين وفى الكثير أربعة أشهر. وان أتى المفلس بكفيل بالوجه لم يحبس بل يختبر حاله غير محبوس. فان ظهر من حاله ما يوجب السجن سجن والا انتظر
(2)
ولا سبيل الى حبسه قبل اختياره اذا جاء بالكفيل.
وجاء فى المنهاج أيضا: أن الدين الذى يجوز حبس مدعى الافلاس به هو الذى ثبت عن عوض يستغنى به لأنه فى الظاهر مستغن بالمال اذا حصل فى يده، ولأنه ممتنع عن الأداء مع التمكن، فكل دين لم تكن هذه صفته لم يحبس فيه من أفلس به حتى يعلم غناه، مثل ما لزمه من الأرش والدية والصداق أما من لحقته تهمة اخفاء ماله قصدا لحرمان الدائن، أو لكونه أخذ مال الناس وادعى تلفه فهذا يحبس حتى يؤدى دينه أو يثبت افلاسه فيحلف ولا يبرئه من الحبس سوى كفيل المال لا كفيل الوجه
(3)
.
ومن أجل لبيع ماله وانقض الأجل ولم يحضر ما عليه فانه يحبس حتى يؤديه فان تمادى فى الحبس ولم يؤد باع القاضى من ماله وأدى، وهو رأى سليمان.
وقيل: يحبس حتى يبيعه ويؤدى وهو رأى ابن محبوب. واختلف من مدة حبسه فقال سليمان:
ثلاثة أشهر. وقيل يحبس حتى يبيع والا باع القاضى وقضى عنه
(4)
.
ولا حبس على المفلس فى نفقة ولده، للأم أن تقبل منه ما قدر عليه أو تترك له ولده
(5)
.
ما يؤمر به المفلس فى سبيل وفائه
الدين وما لا يؤمر به
مذهب الحنفية:
المديون الذى لا مال له يؤدى منه دينه أو الباقى من دينه بعد بيع ماله وقسمة ثمنه بين الدائنين لا يجبره القاضى على أن يؤجر نفسه أو يؤجره هو ليقضى الدين من أجرته
(6)
. وروى عن أبى يوسف: أنه يؤجره لقضاء دينه. وكذلك لو كان المفلس امرأة فلا يأمرها بالزواج ليقضى دينها من مهرها
(7)
.
وجاء فى البزازية لو وجد المديون من يقرضه فلم يفعل فهو ظالم.
مذهب المالكية:
اذا حكم بافلاس الشخص وأخذ ما بيده فلا يلزمه أن يتكسب لدائنيه ليوفى ما بقى عليه من الدين وسواء كان قادرا على التكسب أم لا، لأن الدين انما تعلق بذمته، لقوله تعالى:«فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» ولو عامله الدائنون على التكسب وشرطوا عليه ذلك اذا أفلس فلا يعمل بذلك الشرط، سواء كان صانعا أو تاجرا على المعتمد. وقال اللخمى: يجبر المفلس على التكسب اذا كان صانعا لا تاجرا وشرط عليه التكسب اذا أفلس فى عقد الدين وكذلك لا يلزم المفلس أن يطلب مالا من أجد على وجه القرض لوفاء دينه. كما لا يلزمه قبول القرض ان عرض عليه غيره ذلك من غير طلب منه. كما لا يلزمه قبول الهبة والصدقة لذلك. ولا يلزمه أن يأخذ بالشفعة لطلب الزيادة فيما يأخذه بها، لأن فيه ابتداء ملك واستحداثه وهو لا يلزمه، لأنها معاملة أخرى، وكذلك لا يلزمه أن يعفو عن قصاص وجب له ليأخذ الدية يوفى بها ما عليه. بخلاف ما تجب فيه الدية لكونه خطأ أو عمدا لا قصاص فيه فيلزم بعدم العفو فيها، لأنها مال. وليس للدائن ولا للقاضى
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 170 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 171 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق وشفاء العليل ج 7 ص 172 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق وشفاء العليل ج 7 ص 171.
(5)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 168 الطبعة السابقة.
(6)
العناية على الهداية بهامش نتائج الافكار ج 5 ص 471 الطبعة السابقة.
(7)
تبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 199 الطبعة السابقة، الدر المختار بحاشية ابن عابدين ج 4 ص 328 الطبعة السابقة.
الزام المفلس بانتزاع ما وهبه لولده الصغير أو الكبير قبل افلاسه. أما ما وهبه له بعد افلاسه فهو كالتبرع فلهم رده وأخذه. وان كان المفلس امرأة فليس للدائنين ولا للقاضى اجبارها على الزواج لأجل استيفاء الديون من مهرها. وان تزوجت بعد افلاسها فليس للدائنين أن يأخذوا معجل مهرها، سواء قبل الدخول أو بعده بأيام يسيرة لأنه يلزمها أن تتجهز به للزوج ولا يجوز لها أن تقضى منه دينها. الا اذا كان الدين شيئا يسيرا كالدينار ونحوه وأما ما تداينته بعد دخول زوجها فان مهرها يؤخذ فيه كما فى رواية يحيى عن ابن القاسم. وأما مؤخر الصداق فالظاهر أن للدائنين بيعه فى دينهم لانه لا يلزمها أن تتجهز به للزوج
(1)
.
مذهب الشافعية:
ان بقى على المفلس شئ من الدين بعد قسمة ماله فلا يلزمه أن يكتسب أو يؤجر نفسه لوفاء ما بقى من الدين، لقوله تعالى:«فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» أمر بانظاره ولم يأمر باكتسابه، ولقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى سعيد السابق:
«خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك» . وكذلك لا يلزمه قبول الهدية والصدقة لوفاء الدين ولا يلزمه ترك القصاص الواجب له بجناية عليه او على غيره لأجل الأرش، لأنه فى معنى الكسب، وقاعدة الباب أن المفلس لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل فان قيل: يجب الاكتساب فى نفقة القريب مع أن الدين أقوى منها فانها تسقط بمضى الزمان بخلافه كان ذلك مثلها؟. أجيب أن نفقة القريب فيها احياء النفس فلزمه الاكتساب لها كما يلزمه الاكتساب لاحياء نفسه بخلاف الدين. ولا يمكن المفلس من تفويت حاصل فليس له ولا لوارثه العفو عن المال الواجب له بجناية لما فيه من تفويت الحاصل، فيؤمر بتحصيله ويرد عفوه. والأصح أن المفلس يلزم بعد قسمة ماله باجارة العين الموقوفة عليه أو الموصى له بمنفعتها لوفاء بقية الدين لأن منفعة المال مال كالعين، فيصرف يدل منفعتهما للدين. ويؤجر ان مرة بعد أخرى الى البراءة من الدين فان المنافع لا نهاية لها. قال السبكى: أو يؤجران دفعة بأجرة معجلة ما لم يظهر تفاوت بسبب تعجيل الأجرة الى حد لا يتغابن به الناس فى غرض قضاء الدين والتخلص من المطالبة. وقيل: يلزم المفلس اجارة ذلك لأن المنفعة لا تعد مالا حاصلا. وهذا ان لم يشترط الواقف أو الموصى عدم اجارة ذلك. فان شرط شيئا اتبع. ومثل ذلك النزول عن الوظائف ورفع اليد عن الاختصاصات اذا اعتيد النزول عنها بمال فيجبر المفلس على التنازل عنها بمال يدفع لدائنيه. وهذا كله ان كان سبب الدين مباحا وأفلس. أما ان افلس بدين سببه معصية كغصب أو اتلاف مال الغير عمدا فانه يؤمر بالكسب ولو بايجار نفسه كما نقله الأسنوى عن ابن الصلاح واعتمده، لأن التوبة من ذلك واجبة وهى متوقفة فى حقوق الآدميين على الرد
(2)
.
مذهب الحنابلة:
اذا قسم مال المفلس الموجود على دائنيه وبقيت عليه بقية من الدين فان كان ذا صنعة أو حرفة كحداد وحائك أجبره القاضى على الكسب أو على ايجار نفسه فى حرفة يحسنها لقضاء ما بقى عليه من الديون. وان كان له صنائع مختلفة أجبره على ايجار نفسه فيما يليق به منها، وذلك لحديث سرق وكان سرق رجلا دخل المدينة وذكر أن وراءه مالا فداينه الناس وركبته الديون، ولم يكن له مال وراءه، فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم سرفا، وباعه بخمسة أبعرة
(3)
ولما كان الحر لا يباع ثبت أنه باع
(1)
شرح الخرشى بحاشية العدوى ج 5 ص 311 - 312، الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 270 - 271، الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج 2 ص 143.
(2)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 322 - 323 الطبعة السابقة، شرح منهج الطلاب بحاشية البجرمى ج 2 ص 375 - 376 الطبعة السابقة، شرح المنهج للمحلى حاشية قليوبى ج 2 ص 291 الطبعة السابقة، اسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 192 - 194 الطبعة السابقة، مغنى المحتاج للخطيب ج 2 ص 154 - 155 الطبعة السابقة.
(3)
رواه الدار قطنى بمعناه من رواية خلد بن مسلم الربحى. الا ان فيه كلاما (انظر الشرح الكبير والمغنى ج 4 ص 506.
منافعه. اذا المنافع تجرى مجرى الاعيان فى صحة العقد عليها وثبوت الغنى بها، فكذلك فى وفاء الدين منها، ولأن الاجارة عقد معاوضة فجاز اجبار المفلس عليها لقضاء دينه منها كبيع ماله.
ولا يعارض هذا قوله تعالى: «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» لعدم دخول ذى الصنعة والمحترف تحت عمومها فانه فى حكم الأغنياء فى حرمان الزكاة وسقوط نفقته عن قريبه ووجوب نفقة قريبه عليه. كما لا يعارضه حديث «خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك» لأنه قضية عين لا يثبت حكمها الا فى مثلها ولم يثبت أنه كان لذلك المديون حرفة يتكسب بها ما يفضل عن قدر نفقته ودعوى فسخ حديث سرق لا دليل عليها. اذا لم يثبت أن بيع الحر كان جائزا فى شريعتنا - فحمل لفظ بيعه على بيع منافعة أسهل من حمله على بيع رقبته المحرم فان حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه شائع وكثير فى القرآن وفى كلام العرب قال تعالى: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ»
(1)
أى أهل القرية وهذا هو الصحيح وهو احدى الروايتين فى المذهب.
الرواية الثانية: ان المفلس لا يجبر على ذلك لما ذكر من الآية والحديث. ولأن هذا تكسب للمال فلا يجبر عليه ويجبر المفلس على ايجار موقوف عليه يستغنى عنه، لأنه قادر على وفاء دينه منه فلزمه كمالك ما يقدر على الوفاء منه ويظل الحجر على المفلس مدة اجارة نفسه أو الموقوف عليه حتى يوفى دينه أو يحكم القاضى بفكه عنه.
وان وهب هبة بشرط العوض ثم أفلس فبذل له العوض لزمه قبوله ولم يكن له اسقاطه لأنه يأخذه على سبيل العوض عن الموهوب فلزمه قبوله كالثمن فى المبيع. ولا يجبر المفلس على الزواج اذا بذلت له امرأة مالا ليتزوجها عليه. كما لا يجبر على خلع أو طلاق زوجته على مال يوفى منه دينه سواء كان البازل لهذا المال الزوجة أم غيرها لما فى ذلك من تضرره بتحريم زوجته عليه وقد يكون ميالا اليها.
ولا تجبر المرأة المفلسة على تزويج نفسها لمن يرغب فى زواجها لتأخذ مهرها وتوفى منه دينها لأنه يترتب على الزواج من الحقوق ما قد تفجر عنه. ولا يجبر المفلس أيضا على قبول هبة أو وصية أو قرض أو هدية أو صدقة حتى ولو كان المتبرع بذلك ابنا له لما فيه من الضرر عليه بتحمل المنة التى تأباها نفوس ذوى المروءات. ولا يملك القاضى قبض ذلك عن المديون ووفاء دينه منه بدون اذن لفظى أو عرفى من المديون لأنه لا يملك اجباره على ذلك فلم يملك فعله عنه. وكذلك لا يجبر المفلس على أخذ دية عن قصاص وجب له بجناية عليه أو على مورثه، لأن ذلك يفوت المعنى الذى شرع لأجله القصاص. ثم ان اقتصى فلا شئ للدائنين. وان عفا على مال ثبت وتعلقت حقوق الدائنين به أما ان عفا مطلقا أو بدون مال ففى رواية تثبت الدية ولم يصح اسقاطه لها، لأن عفوه عن القصاص يثبت له الدية ولا يصح اسقاطها. وفى رواية أخرى لا يثبت شئ. ولا يجبر المفلس على رد مبيع لعيب أو خيار شرط ونحوه، ولا على امضائه ولو كان فى ذلك مصلحته
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: يجبر المفلس على أن يؤجر نفسه لقضاء دين دائنيه ان كان قادرا على ذلك بالاجارة لأن ترك من ثبت افلاسه لا يؤاجر لدائنيه مطل وظلم لا يجوز. وهو مفترض عليه انصاف دائنيه واعطاؤهم حقهم فان امتنع من ذلك وهو قادر عليه بالاجارة أجبر عليه
(3)
. وقوله تعالى: «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» ولا يمنع من استئجاره بل يوجب ذلك لأن الميسرة لا تكون الا بأحد وجهين: اما بسعى واما بلا سعى. وقد قال سبحانه: «فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ}
(4)
». فنحن نجبر المفلس على ابتغاء فضل الله
(1)
الاية رقم 82 من سورة يوسف.
(2)
كشاف القناع شرح المنتهى بهامشه ج 2 ص 150 - 151، 219 - 220 الطبعة السابقة المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 498، 501، 505، 507 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى ج 8 ص 630 - 631 مسألة رقم 1276، 1277.
(4)
الاية رقم 10 من سورة الجمعة.
الذى أمره تعالى بابتغائه فنأمره ونلزمه التكسب ليقضى دين دائنيه ويقوم بعياله ونفسه ولا ندعه يضيع نفسه وعياله والدين اللازم عليه
(1)
. وان ثبت أن لمن يدعى الافلاس ما لا غيبة أدب وضرب حتى يحضره أو يموت لقوله صلى الله عليه وسلم:
«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه
(2)
». ومن المنكر مطل الغنى فمن صح غناه ومنع خصمه حقه فقد أتى منكرا وظلما فواجب على القاضى تغييره باليد
(3)
.
مذهب الزيدية:
من ثبت افلاسه لا يلزمه أن يتكسب لقضاء دينه، فلا يؤجر المفلس بالدين سواء كان له حرفة أم لا وله أن يؤجر نفسه ان أحب ولو بدون أجرة المثل، فاذا اكتسب من ذلك قبضت الزيادة عن مؤنته لصالح الدائنين. ولا يلزم المفلس أيضا قبول الهبة ولو من ولده لأجل قضاء الدين وكذلك النذر والوصية فله رد ذلك. وكذلك لا يلزمه أخذ أرش جناية العمد الموجبة للقصاص لاجل الدين. أما لو لم يجب القصاص فإنه يلزمه أحد الأرش ولم يكن له أن يبرئ الجانى منه بعد الحجر وكذا لو عفا عن القصاص. واذا أفلست المرأة فكذلك لا يلزمها التزوج لتقضى بالمهر دينها. واذا أرادت التزوج فلا يلزمها التزوج بمهر المثل بل لها أن تتزوج بدونه والمفلس المتفضل الذى يفضل له شئ يعد نفقته (وهو الذى له دخل من أصل لا يجوز له بيعه) من دخل مال له لا يباع ينجم عليه القاضى ديون الدائنين على حسب ما يراه اما فى كل سنة أو فى كل شهر أو نحو ذلك بلا اجحاف بحاله فى التنجيم.
وحد الاجحاف ألا يبقى له ما استثنى لنفقته وغيرها وكذلك المفلس الكسوب اذا تكسب مختارا نجم عليه الدين أيضا بدون ضرر يلحقه من ذلك.
ومتى أراد المفلس أن يسلم ما نجم عليه لدائنيه فانه لا يلزمه ايصال الدين الى الدائنين لأنه يؤدى الى الاضرار بكسبه وسواء كان الدين مما يجب حمله الى موضع الابتداء كالقرض ونحوه أم لا. بل عليهم أن يقصدوه الى. موضعه لقبض ما نجم عليه. وهذا خاص بالمفلس بعد الحجر عليه لا قبله.
وقال الفقيه يحيى: ليس هذا خاصا بالمفلس المحجور عليه. بل هو حكم كل مديون سواء كان مفلسا أم لا.
وقال الفقيه على: ظاهر كلام المؤيد بالله فى الزيادات أنه يلزم المديون حمله وايصاله الى الدائنين مرة واحدة فان امتنعوا من قبضه لم يجب عليه تكرار الحمل
(4)
.
مذهب الإمامية:
اذا ثبت افلاس من عليه الدين لم يكن للدائنين مؤاجرته ولا استعماله. ولا يجبر على التكسب حتى وان كان ذا صنعة ليدفع للدائنين ما بقى لهم من ديون بعد قسمة ما فى يده من مال عليهم لأن الله سبحانه وتعالى أمر بانظاره ولم يأمره بالكسب فى الآية السابقة
(5)
.
وعن على أنه كان يحبس فى الدين ثم ينظر فان كان له مال اعطى الدائنين وان لم يكن له مال دفع المفلس الى الدائنين فيقول: «اصنعوا به ما شئتم ان شئتم فأجروه وان شئتم استعملوه» وهو يدل على وجوب التكسب واجبار المفلس عليه لوفاء الدين.
واختاره ابن حمزة والعلامة فى المختلف ومنعه الشيخ الطوسى وابن ادريس للآية ولأصالة البراءة.
قال صاحب اللمعة الدمشقية: والأول أى وجوب التكسب على المفلس أقرب لوجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة والمتكسب قادر ولهذا تحرم عليه الزكاة وحينئذ فهو خارج من الآية.
وانما يجب عليه التكسب فيما يليق بحاله عادة
(1)
المحلى ج 8 ص 633 مسألة رقم 1278 الطبعة السابقة.
(2)
الحديث رواه مسلم فى صحيحه ج 1 ص 29 مطولا.
(3)
المحلى ج 8 ص 621 مسألة رقم 1277 الطبعة السابقة.
(4)
التاج المذهب ج 4 ص 155، 165 - 166 الطبعة السابقة، شرح الأزهار ج 4 ص 277، 286 الطبعة السابقة، البحر الزخار ج 5 ص 80، 82 الطبعة السابقة.
(5)
تحرير الاحكام ج 1 ص 217 الطبعة السابقة، الخلاف فى الفقة للطوسى ج 1 ص 622 رقم 15 الطبعة السابقة، مفتاح الكرامة ج 5 ص 336 الطبعة السابقة.
ولو بمؤاجرة نفسه، وعليه تحمل الرواية
(1)
.
ولا يجب على المفلس قبول الهبة ولا الصدقة ولا الوصية ولا القرض لوفاء الدين الذى أفلس به كما لا تجبر المرأة المفلسة على تزويج نفسها ليقبض مهرها فى دينها. وكذلك لا يجبر الرجل المفلس على خلع زوجته لذلك ولا على الاحتشاش والاحتطاب والاصطياد
(2)
.
ويجب على المفلس اجارة أعيان أمواله التى لا يمكن بيعها. فان امتنع من اجارتها آجرها القاضى عليه وصرف الأجرة الى الدائنين
(3)
.
واذا جنى شخص على المفلس جناية فان كانت عمدا كان بالخيار بين القصاص وأخذ الدية ان بذلها الجانى له ولا يجبر على قبول الدية لأن ذلك اكتساب وهو غير واجب عليه ولأن القصاص شرع لتشفى ورفع الفساد، وكذلك يكون له العفو مجانا، أما لو وجبت الدية بالأصالة كما فى جناية الخطأ فانه ليس للمفلس اسقاطها، لأن ذلك بمنزلة الابراء من الدين، فبجبر على قبولها ويتعلق حق الدائنين بها
(4)
.
مذهب الإباضية:
يجوز للمفلس أن يشتغل بسعاية المال أو يؤاجر نفسه ويشتغل فى صنعة يستفيد بها المال. ولا يدرك عليه أصحاب الديون أن يشتغل بسعاية المال، أو أن يشتغل بصنعة يسفيد بها المال. ولكن يلزمه ديانة أن يجتهد فى قضاء ما عليه من الديون بالسعاية أو الصنعة أو غير ذلك. وقال البعض: يدرك الدائنون على المفلس أن يخدمهم بأجرة تحسب له وجاء فى التاج أن المفلس ان كانت له صناعة أو حرافة فابى أن يعمل أجبر بالحبس حتى يعمل أو يعذر ويفرض عليه القاضى فى كسبه لدائنيه فريضة يؤديها لهم لأجل، ولا كفيل عليه ولا يلزم المفلس قبول الهبة ولو بغير عوض وقيل: يلزمه ذلك ان كانت بغير عوض.
ولا يلزمه الرجوع فى هبته لولده ولا نزعها منه. كما لا يلزمه قبول القرض ولا الوصية ولا المطالبة بالشفعة التى فيها ربح أحد لأن الدائنين لم يعاهدوه على ذلك
(5)
. واذا أقر شخص للمفلس بمال فانه يجبر على اجازة اقرار من أقر له لحق الدائنين فى الظاهر
(6)
.
أثر الافلاس فى المال الحادث
للمفلس بعد الحكم بافلاسه:
مذهب الحنفية:
الحجر بسبب الافلاس - عند الصاحبين - لا يشمل الا ما تحت يد المفلس من مال وقت الحكم بالافلاس والحجر. أما ما يحدث له من المال بعد ذلك بالاكتساب أو غيره فلا تأثير للحجر فيه، وينفذ تصرف المفلس فيه
(7)
فلو أقر المفلس حالة الحجر عليه لانسان بدين فانه يصح اقراره فيما اكتسب من مال بعد الحجر، ويقضى ما أقر به حتى ولو كان دين الدائن الاول قائما
(8)
، لان حق الدائن لم يتعلق بهذا المال الحادث لانعدامه وقت الحجر
(9)
.. وكذلك تنفذ تبرعات المفلس فى هذا المال الحادث ولو كان دين الدائن الاول باقيا.
وكذلك ما زاد على مهر المثل ينفذ أيضا من المال الذى حدث له بعد الحجز.
مذهب المالكية:
ان تجدد للمفلس مال بعد الحكم بافلاسه والحجر عليه فانه يكون له التصرف فيه حتى يحجر عليه دائنوه الذين حجروا عليه أولا أو غيرهم بالشروط التى ذكرها فى الحجر على المفلس. وسواء كان هذا المال المتجدد عن أصل كربح مال للمفلس
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 346 الطبعة
(2)
مفتاح الكرامة السابق، تحرير الاحكام السابق.
(3)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 346، شرائع الاسلام ج 1 ص 202 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 202 الطبعة السابقة، مفتاح الكرامة ج 5 ص 316 الطبعة السابقة.
(5)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 168 - 169 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق وشفاء العليل ج 7 ص 174 الطبعة السابقة.
(7)
الفتاوى الهندية ج 5 ص 62 الطبعة السابقة.
(8)
الفتاوى الخانية بهامش الهندية ج 3 ص 635 الطبعة السابقة.
(9)
نتائج الافكار على الهداية ج 7 ص 329 الطبعة السابقة.
تركه بيده بعض من طلب تفليسه من دائنيه. أو كان عن معاملة جديدة كشراء وبيع، أو كان عن غير أصل كميراث وهبة ووصية ودية وغير ذلك، لان الحجر الاول كان فى مال مخصوص أخذ من تحت يده، فانفك حجره، فيتصرف فى ماله المتجدد له الى أن يحجر عليه فيه. وسواء تجدد المال للمفلس بعد قسمة الدائنين للمال الذى أخذوه منه فيما بينهم أم قبلها. ولو تداين المفلس بعد ذلك وحكم القاضى بافلاسه وحجر عليه ثانيا بهذه الديون الجديدة فلا يدخل من حجر لهم أولا مع من حجر لهم ثانيا فى مال تجدد للمفلس من اثمان ما أخذه من الدائنين الاخرين الذين حجر لهم ثانيا.
الا أن يفضل بيد المفلس عن دين الاخرين فضلة فانها تقسم على الدائنين الاولين بحصة ما بقى من دين كل منهم، وذلك كما لو كانت السلع عند المفلس وقت التفليس قيمتها أقل من الدين لكسادها ثم بعد التفليس حصل فيها رواج وسارت أكثر من الدين. وكذلك ان كان المال المتجدد للمفلس من غير أموال الاخرين كميراث وهبة ووظيفة ووصية وخلع وأرش جناية عليه أو على وليه فانه يدخل فيه الاولون والاخرون ويقسم عليهم كل بحصة دينه.
وكذلك ان مكن المديون الدائنين مما بيده فباعوه من غير رفع للقاضى - وهو الافلاس العام - واقتسموا الثمن على قدر دين كل واحد منهم وبقيت لهم بقية ثم داين غيرهم ففلس ثانيا فليس للاولين دخول فى اثمان ما أخذه من الاخرين وفيما تجدد من ذلك الا أن يفضل عن دين الاخرين فضلة والا ان يتجدد له مال من غير مال الاخرين كارث وصلة فللاولين الدخول مع الآخرين
(1)
.
مذهب الشافعية:
اذا أفلس المديون وحجر عليه القاضى فالاصح هو تعدى هذا الحجر الى كل مال يحدث للمفلس وهو محجور عليه، فلو وهب له مال وهو محجور عليه أو اصطاده أو اشتراه بثمن فى ذمته أو حصل له بطريق الوصية أو الميراث ونحوه من سائر الاكساب فأنه يدخل فى الحجر ويقسم بين الدائنين لان المقصود الحجر بسبب الافلاس هو وصول الديون الى اصحابها وذلك لا يختص بمال المفلس الموجود فقط بل يشمل المال الحادث بعد الحجر ايضا.
ويتعدى الحجر الى ذلك بنفسه بدون توقف على حكم القاضى يتعدى الحجر اليه.
وقال صاحب أسنى الطالب: ومحل تعدى الحجر الى المال الحادث للمفلس اذا كان ملك المفلس فيه مستقرا والا فليس للدائنين تعلق به. قال ايضا: وظاهر كلامهم تعدى الحجر الى المال الحادث حتى ولو زاد مال المفلس به على الديون، اذ يغتفر فى الدوام ما لا يغتفر فى الابتداء ومقابل الاصح: ألا يتعدى الحجر بسبب الافلاس الى ما ذكر، كما أن حجر الراهن على نفسه فى العين المرهونة لا يتعدى الى غيرها من أعيان أمواله
(2)
.
وسيأتى ذكر حكم رجوع من باع للمفلس متاعا فى ذمته فى «الدين لحادث على المفلس» .
مذهب الحنابلة:
حكم المال الحادث للمفلس بارث أو وصية أو هبة أو صدقة ونحوها بعد افلاسه والحجر عليه كحكم ماله الموجود حال الحجر بلا فرق، فلا يصح تصرف المفلس فيه، ويباع فى ديون الدائنين الذين حجر لاجلهم لتعلق ديون الدائنين به كالرهن
(3)
. وكذلك حكم المال الحادث له بعد افلاسه والحجر عليه بتصرف فى ذمته كالاقتراض والشراء وقد سبق تفصيله فى منع المفلس من التصرف.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى بعد ان ذكر أنه لا حجر
(1)
شرح الخرشى بحاشية العدوى ج 5 ص 309 - 310 الطبعة السابقة، الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 268 - 269 الطبعة السابقة، الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج 2 ص 144 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 315 الطبعة السابقة، اسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 185 الطبعة السابقة، تحفة المحتاج ج 2 ص 127 - 128 الطبعة السابقة، شرح المنهج بحاشية البجرمى ج 2 ص 369 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع شرح المنتهى بهامشه ج 2 ص 136، 141، 209 الطبعة السابقة.
على أحد فى ماله بسبب الدين وأنه ليس للدائنين سوى بيع مال المفلس الموجود تحت يده فقط - قال: ومتى ظهر للمفلس مال أنصف الدائنين من هذا المال
(1)
.
مذهب الزيدية:
يتناول الحجر على المفلس ما يملكه فى المستقبل وبعد الحجر عليه من أموال
(2)
سواء كان تملكه لهذا المال الحادث بعد الحجز ناشئا من تصرف فى ذمته أم لا
(3)
مذهب الإمامية:
يتعلق الحجر على المفلس بالاموال المتجددة له، سواء كانت حاصلة له من معاملة كقرض أو شراء أو اتعاب ونحوه أو كانت حاصلة من غير معاملة كارث ووصية ودية واحتطاب ونحوه لانها أموال للمفلس وقد حكم القاضى بتعلق الدين بأمواله والحجر عليه فيها، وأن الغرض من منع تصرفه فيها هو صرف أمواله فى الدين وعدم تضييع حق الناس وأنه قد ثبت وجوب قسمة أمواله فى الدين وهو مشترك فى ماله الموجود فعلا والمتجدد. وقيل: ان عدم تعلق الحجر بالاموال المتجددة للمفلس بعد الحجر عليه هو الاولى لان الاصل عدم الحجر، وأن الناس مسلطون على أموالهم، وقد ثبت الحجر فى المال الموجود حال الحجر بالاجماع وبقى غيره على الاصل. ولانه انما حجر عليه فى ماله الموجود لنقص فيه والمعدوم لم يتعلق به الحجر والا لزاد المال على الدين
(4)
.
مذهب الإباضية:
كل ما استفاده المفلس
(5)
من مال فله ديانة وقضاء ان يأكل منه ويلبس هو وعياله ولا يمنعه أصحاب الديون من ذلك. وان طلبوا منه كل ما فى يده بعد ذلك أن يتقاسموه بحصة دين كل منهم فانهم يدركون عليه ذلك. وان استدان المفلس دينا بعد ظهور افلاسه والفرض عليه لدائنه ثم اكتسب مالا فانه يقسم بين من أفلس بسبب ديونهم ولا يدخل الدائن الاخير فى هذا المال حتى يستوفوا ثم يأخذ دينه.
ظهور دين على المفلس بعد الحكم
بافلاسه والحجر عليه:
مذهب الحنفية:
اذا ظهر على المفلس دين بعد الحكم بافلاسه والحجر عليه فلو كان سبب وجوب هذا الدين ثابتا عند القاضى بعلمه أو بشهادة الشهود بأن شهدوا على استقراض المفلس له أو شرائه سلعة بمثل قيمتها حالة الحجر فانه يكون لصاحب هذا الدين مشاركة سائر الدائنين الذين حجروا على المفلس بسبب افلاسه بديونهم فيما كان فى يده من مال. وسواء كان سبب وجوب هذا الدين على المفلس قبل الحكم بافلاسه والحجر عليه أم بعده. وكذلك اذا استهلك المفلس مال الغير أو أتلفه حالة الحجر عليه وثبت عليه ذلك بغير اقراره فانه يؤاخذ بضمانه مع قضاء الديون فى الحال ويكون المتلف عليه ماله أسوة لسائر الدائنين بلا خلاف وكذلك الحكم لو تزوج المفلس امرأة بمهر مثلها فى خلال الحجر عليه
(6)
.
مذهب المالكية:
اذا اقسم الدائنون مال المفلس ثم طرأ عليهم دائن ولم يعلموا به فانه يرجع على كل واحد من الدائنين بالحصة التى تنوبه لو كان حاضرا القسمة، لانهم اقتسموا ما كان يستحقه، فلو كان مال المفلس عشرة مثلا وعليه لثلاثة كل واحد عشرة أحد هم غائب فاقتسم الحاضران ماله فأخذ كل واحد منهما خمسة ثم قدم الغائب فانه يرجع على كل واحد منهما بواحد وثلثين، ولا يضمن الموسر عن المعسر
(1)
المحلى ج 8 ص 631 مسألة رقم 277 ..
(2)
التاج المذهب ج 4 ص 285 الطبعة السابقة، شرح الأزهار ج 4 ص 285 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الزخار ج 5 الطبعة السابقة.
(4)
مفتاح الكرامة فى شرح قاعدة العلامة ج 5 ص 311، 319 الطبعة السابقة، قواعد الاحكام فى معرفة الحلال والحرام للحلى ج 1 ص 171 الطبعة السابقة.
(5)
شرك النيل ج 7 ص 170
(6)
الفتاوى الهندية ج 5 ص 62 وما بعدها وج 3 ص 635 وما بعدها
ولا الحاضر عن الغائب ولا الحى عن الميت. وهذا اذا لم يعلموا به حال القسمة. أما اذا كانوا عالمين به حالها فانه يرجع عليهم بحصته ولكن يأخذ الموسر عن المعسر والحاضر عن الغائب والحى عن الميت.
وكذلك اذا بيعت سلعة من مال المفلس قبل افلاسه ثم استحقت تلك السلعة من يد مشتريها بعد قسمة مال المفلس فان المستحق من يده وهو مشتريها - يرجع على كل واحد من الدائنين بالحصة التى كانت تنوبه فى القسمة فقط، أما ان كان المشترى قد اشتراها بعد الافلاس ثم استحقت بعد القسمة فانه يرجع على الدائنين بجميع الثمن الذى دفعه لا بالحصة فقط. لانه دائن طرأ على الدائنين، ولان الثمن المستحق قبل الافلاس من جملة الديون الثابتة فى الذمة فلا يتوهم فيه عدم الرجوع. ولا يأخذ المستحق منه فى الصورتين أحدا من الدائنين عن أحد كما سبق. وهذا اذا كان الدائن الطارئ غائبا وقت قسمة مال مديونه المفلس. أما ان كان حاضرا حالة القسمة وسكت عن المطالبة بدينه بلا عذر فانه لا يرجع على أحد بشئ ان ادعى دينا بعد ذلك على نفس المفلس لان سكوته يعد رضا منه ببقاء ما ينوبه فى ذمة المفلس. ويجرى هذا التفصيل فى حال حياة المفلس وكذلك فى حال موته. الا اذا كان الميت مشهورا بالدين أو علم وارثه أو وصيه بأنه مديون وأقبض الدائنين فان الدائن الطارئ يرجع بحصته على الوارث أو الوصى، لتفريطه واستعجاله، ويؤخذ موسر أو حاضر أو حى من الورثة من معسر وغائب وميت منهم ما لم يجاوز دين الدائن الطارئ ما قبضه الوارث لنفسه من التركة والا فلا يدفع له سوى ما قبضه فقط ثم يرجع الوارث أو الوصى على الدائنين بما دفع للدائن الطارئ. وكذلك لو حضر انسان قسمة التركة ولم يدع شيئا من غير مانع يمنعه ثم ادعى بعد ذلك بدين فلا تسمع دعواه حيث حصل قسمة جميع التركة
(1)
.
مذهب الشافعية:
ان قسم القاضى مال المفلس على الدائنين ثم ظهر دائن كان يجب ادخاله فى القسمة بأن سبق دينه الحجر أو حدث دين سبق سببه الحجر ونحو انهدام ما أجره المفلس قبل الحجر وقبض أجرته وأتلفها سواء حدث الانهدام قبل القسمة أم بعدها. فان هذا الدائن الطارئ يشارك الدائنين فى كل ما ذكر فيما أخذوه بالحصة. ولا تنقض القسمة على الاصح، لحصول المقصود بالرجوع على الدائنين ومشاركتهم فلو قسم مال المفلس وهو خمسة عشر على دائنين لاحدهما عشرون وللاخر عشرة فأخذ الاول عشرة والاخر خمسة ثم ظهر دائن له ثلاثون رجع على كل واحد منهما بنصف ما أخذه. فان أتلف أحدهما ما أخذه وكان معسرا جعل ما أخذه وكان معسرا جعل ما أخذه كالمعدوم ورجع صاحب الدين الطارئ على الاخر ويكون ما أخذه هذا الاخر كأنه كل مال المفلس فلو كان المعسر هو اخذ الخمسة فى المثال المذكور استرد القاضى ممن أخذ العشرة ثلاثة أخماسها للدائن الذى طرأ ثم اذا أيسر المعسر أخذ منه الاخران ما كان يؤخذ منه لو لم يعسر - وهو النصف - وقسماه بينهما بنسبة دين كل منهما. وقيل: تنقض القسمة وتستأنف فيسترد القاضى منهما ما أخذاه، ويستأنف القسمة على الثلاثة. وهذا اذا تلف ثمن الشئ المستحق. أما ان كان باقيا فى مال المفلس فانه يلزمه رده. وقد سبق فى بيع مال المفلس وقمسته حكم استحقاق ما باعه القاضى أو نائبه من أموال المفلس
(2)
. وهذا كله اذا سبق الدين أو سببه الحجر على المفلس. أما اذا كان سبب وجوب الدين حادثا بعد افلاس المفلس والحجر عليه كما اذا باع شخص لمفلس متاعا بثمن فى ذمته فان كان البائع يجهل افلاسه فالاصح أن له الخيار بين فسخ البيع والرجوع فى عين متاعه
(1)
شرح الخرشى بحاشية العدوى ج 5 ص 315 - 317، الشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 274 - 276، الشرح الصغير للدردير بحاشية الصاوى ج 2 ص 145 - 146.
(2)
شرح منهج الطلاب بحاشية البجرمى ج 2 ص 372 - 373، نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 319 - 320، شرح المنهاج للمحلى بحاشية قليوبى ج 2 ص 289، اسنى المطالب للرملى ج 2 ص 191.
ان كان موجودا لانتفاء تقصيره لان الافلاس كالعيب فيفرق فيه بين العلم والجهل. أما ان كان يعلم افلاسه فليس له الفسخ لتقصيره. وقيل: له ذلك لتعذر الوصول الى الثمن. وقيل: ليس له ذلك مطلقا سواء كان يجهل افلاسه أم يعلمه وهو مقصر فى الجهل بافلاسه لتركه البحث عن حالته والاصح أنه اذا لم يمكنه التعلق بعين متاعه لعلمه بالافلاس أو لعدم وجود متاعه ضمن أموال المفلس أو لاختيار الجاهل به عدم الفسخ فانه لا يشارك الدائنين بثمن متاعه المبيع للمفلس لانه دين حادث بعد الحجر برضا مستحقه فلا يزاحم الدائنين الاولين بل ان فضل شئ عن دينهم أخذه والا بقى فى ذمة المفلس يطالبه به عند يساره. ومقابل الاصح: أنه يشاركهم به لانه فى مقابلة ملك جديد زاد به مال المفلس. وهذا الخلاف يجرى فى كل دين يحدث بعد افلاس المفلس والحجر عليه برضا مستحقه بمعاوضة. أما ما وجب على المفلس بدون رضا مستحقيه كبدل ما اتلفه وأرش جنايته ولو بعد الحجر عليه فان المستحق لذلك يشارك الدائنين فى الاصل لانه لم يقصر فلا يكلف الانتظار ليسار المفلس
(1)
.
مذهب الحنابلة:
لو قسم القاضى مال المفلس بين دائنيه ثم ظهر له دائن اخر لم تنقض القسمة ويرجع الدائن الذى ظهر على كل واحد من الدائنين بقدر حصته لانه لو كان حاضرا قاسمهم فكذا اذا ظهر بعد ذلك وليس قسم القاضى مال المفلس حكما وانما هو قسمة بان الخطأ فيها فلو كان للمفلس الف اقتسمه دائناه نصفين ثم ظهر ثالث دينه كدين احدهما رجع على كل واحد منهما بثلث ما قبضه. واذا أتلف أحدهما ما قبضه فالظاهر أنه يرجع عليه بحصته ولو أفلس شخص وله دار مستأجرة فانهدمت بعد قبض المفلس الاجرة وبعد قسمة ماله بين الدائنين فان المستأجر يرجع على الدائنين بحصته وهى أجرة ما بقى من المدة، لان سبب وجوب هذا الدين قبل الحجر
(2)
. وهذا اذا كان سبب وجوب هذا الدين قبل الحجر أما ان كان حادثا بعده فليس له ذلك كما سبق فى منع المفلس من التصرف
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: اذا قسم مال المفلس بين الدائنين الحاضرين الطالبين ثم ظهر دين لغائب لم يوكل أو لحاضر لم يطلب، أو أقر به المفلس فانه لا يكون لاحد من هؤلاء أن يشارك الدائنين فيما قضى لهم به وأخذوه فعلا من مال المفلس لقوله صلى الله عليه وسلم للدائنين «خذوا ما وجدتم» فاذا أخذوه فقد ملكوه فلا يحل أخذ شئ مما ملكوه قبل ظهور هذه الديون وتتعلق هذه الديون بذمة المفلس الى أن يظهر له مال
(3)
.
مذهب الزيدية:
اذا قسم القاضى مال المفلس بين دائنيه وأخذ كل منهم حصته ثم ظهر له دائن اخر دينه سابق الحجر فالمذهب أن هذا الدائن يشارك سائر الدائنين فيما أخذوه من مال المفلس ويسترد له القاضى حصته من الدائنين سواء كان باقيا فى أيديهم أم قد تلف فيغرمون له حصته، وذلك لان الحجر لبعض الدائنين حجر لكلهم اذ حقهم فى مال المفلس على سواء فهو مستحق قطعا فينقض له الحكم كما لو خالف القاضى النص. فلو تعذر الرد غرم القاضى من بيت المال مع الخطأ حصة هذا الدائن الذى ظهر. وقد سبق فى قسمة مال المفلس أن للقاضى أن يحتاط عند التقسيم بأخذ الكفلاء من الدائنين برد ما يلزم رده ولا سيما ممن كان غريبا. وهذا كله ان
(1)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 315 الطبعة السابقة، اسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 185، شرح المنهج بحاشية البجرمى ج 2 ص 369 الطبعة السابقة، شرح المنهاج بحاشية قليوبى ج 2 ص 288 الطبعة السابقة، تحفة المحتاج ج 2 ص 127 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 218 الطبعة السابقة، المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 491، 502 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى ج 8 ص 634 مسألة رقم 1280، 1281 الطبعة السابقة.
ظهر دين هذا الدائن بالبينة أو علم القاضى أو اقرار الدائنين أو نكولهم أوردهم اليمين. أما ان ظهر باقرار المديون المفلس أو نكوله أو رده اليمين فانه يكون فى ذمته. ولا يشارك صاحب هذا الدين غيره من الدائنين فيما أخذوه من مال المفلس ولا يسترد له القاضى شيئا منهم. وقيل: ان نكول المفلس يعتبر كالبينة فيترتب عليه حكمها المفصل سابقا. هذا وأما الدين اللازم ذمة المفلس بعد الحجر عليه فلا يدخل ضمن المال المحجور حتى ولو كان لزومه بجناية جناها المفلس فى حالة حجره على وديعة كانت معه من قبل افلاسه والحجر عليه فان صاحب الوديعة لا يشارك الدائنين للمفلس قبل الحجر، ولا يأخذ من ماله حصة ذلك الارش. ذكر ذلك المؤيد بالله والقاضى زيد وقال ابو طالب وصاحب الوافى: بل يشاركهم ويقسط مال المفلس بين الجميع
(1)
. هذا وقد سبق ذكر اختصاص الدائن بسلعته التى اشتراها منه المفلس بعد الحجر فى «منع المفلس من التصرف» .
مذهب الإمامية:
اذا قسم القاضى مال المفلس بين دائنيه ثم ظهر دائن اخر بعد ذلك فاما أن يطالب هذا الدائن الطارئ بعين معينة من مال المفلس بأن يكون قد باع للمفلس مبيعا قبل افلاسه وعينه قائمة فى أموال المفلس بعد الحجر عليه وتوفرت شروط رجوعه فيها. وأما أن يطالب بدين فى ذمة المفلس قبل افلاسه والحجر عليه. وعلى الاول فاما أن تكون تلك العين قد صارت بالقسمة فى حصة أحد الدائنين أو فى يد أجنبى باعها القاضى له وقسم ثمنها على الدائين. وأما ان تكون قد صارت للدائنين جميعا بالسوية فهى فى ايديهم جميعا، فهنا أربع صور:
ففى صورتى ما اذا كانت عينا واختص بها احد الدائنين أو باعها القاضى لاجنبى وقسم ثمنها بين الدائنين لا سبيل الى قضاء هذا الدائن الطارئ حصته من مال المفلس الا بنقص القسمة فتنقص ويشاركهم هذا الدائن فيما أخذوه، لان العين اذا انتزعت من أحدهما وردت لبائعها بقى الاخر بغير حق. وأما فى صورتى ما اذا كان يطالب بدين أو عين ولكنها فى يد جميع الدائنين بالسوية ففيه خلاف فقيل: لا تنقض القسمة وانما يرجع هذا الدائن على كل واحد من الدائنين الذين قسم عليهم مال المفلس بحصة يقتضيها الحساب، لان كل واحد منهم قد ملك ما هو قدر نصيبه بالاقباض الصادر من اهله فى محله فلا يجوز النقض لانه يقتضى ابطال الملك السابق. أما الحصة الزائدة على قدر نصيبه باعتبار الدائن الطارئ فانها غير مملوكة له فتسترد لمستحقيها. وقيل: يحتمل نقض القسمة هنا ايضا، لان ملك الدائنين لا عيان مال المفلس كان مبنيا على الظاهر من انحصار الحق فيهم وقد تبين خلافه بظهور المشارك فى الاستيفاء فلم تصح القسمة الاولى.
وحصة هذا الدائن الطارئ مشاعة فى جميع مال المفلس وقد قسم بغير اذنه فلا تصح القسمة أصلا.
واستظهر صاحب مفتاح الكرامة القول بنقضها هنا أيضا وعلى القول بنقض القسمة مطلقا ففى الشركة فى النماء المتجدد اشكال. ولو تلف المال فى يد الدائنين بغير تفريط بعد ظهور دائن اخر ونقض القاضى القسمة ففى احتسابه عليهم بحيث يجب عليهم الغرم أشكال ينشأ من عدم التفريط منهم وأصالة البراءة ومن انهم قبضوه للاستيفاء والقبض يضمن بفاسده كما يضمن بصحيحه. والاصح انه يضمن ويحتسب على الدائنين كما فى جامع المقاصد.
ولو خرج المبيع من مال المفلس مستحقا بعد قبض الدائنين لثمنه وتلفه فى أيديهم - وهو حينئذ مضمون عليهم لقبضهم اياه للاستيفاء - فيتخير المشترى بين الرجوع على الدائنين كل بقدر ما تلف فى يده وبين الرجوع على المفلس ويقدم به على الرأى الاقرب أو يقاسم به مع الدائنين فى المال الباقى بعد المستحق. فان رجع على الدائنين لم يرجعوا به على المفلس سواء كانوا عالمين أو جاهلين لان قبضهم كان مضمونا نعم لهم الرجوع بدينهم لانه باق.
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 286 - 287 الطبعة السابقة. التاج المذهب ج 4 ص 162 - 263 الطبعة السابقة، البحر الزخار ج 5 ص 90 - 91 الطبعة السابقة.
وان رجع المشترى على المفلس رجع هو على الدائنين لما ذكر ولو تلف الثمن فى يد القاضى أو أمينه قبل قبض الدائنين له فانه يكون كتلفه فى يد المفلس فينحصر الضمان فيه فيقدم المشترى - وهو المستحق منه المبيع - على غيره من الدائنين بثمنه وهو الاقرب لانه من مصالح الحجر، لئلا يرغب الناس عن الشراء. ويحتمل ان يقاسم مع الدائنين به لانه دين لزم المفلس. وقيده فى جامع المقاصد بما اذا لم يكن غصب المبيع المستحق لصاحبه معلوما عند القاضى أو أمينه والا استقر الضمان عليه لانه غاصب واذا فسخ المستأجر الاجارة لانهدام الدار المستأجرة مثلا بعد افلاس المؤجر وبعد قسمة ماله على الدائنين احتمل أمرين (أحدهما) مقاسمته مع الدائنين بأجرة المدة الباقية لاستناد هذا الدين الطارئ بعد الحجر الى عقد سابق على الحجر وهو الاجارة فصار كما لو انهدمت قبل القسمة.
والثانى: المنع من ذلك لانه دين حدث على المفلس بعد قسمة ماله
(1)
وقد سبق بيان حكم من حدث له دين على المفلس بعد الحجر عليه عالما أو جاهلا بافلاسه فى منع المفلس من التصرفات.
الاتفاق على المفلس وعلى
من تلزمه نفقته:
مذهب الحنفية:
ينفق على المفلس من ماله، وكذلك زوجته وأولاده الصغار وذوو أرحامه ممن تجب نفقتهم عليه لان ذلك من حوائجه الاصلية. وهى مقدمه على حق الدائنين ولانه حق ثابت لغيره فلا يبطله الحجر عليه.
(2)
وقد سبق فى بيع مال المفلس حكم ما يلزمه من لباس ومسكن.
مذهب المالكية:
ينفق المفلس على نفسه من كسبه ويلزمه أن يكتسب لذلك ان كان قادرا عليه ولا يترك القاضى من ماله الذى يباع عليه شيئا لقوته حيث كان كسبه يكفيه
(3)
، أو كان له صنعة يقتات منها. وقيل:
يترك القاضى لمن له صنعة نفقة يومين خوف عطله.
أما ان كان كسب المفلس لا يكفيه أو كان غير قادر على الاكتساب فان القاضى يترك له من ماله الذى يبيعه عليه ما يقتات به هو ومن تلزمه نفقته شرعا من زوجاته ووالديه وأولاده الى وقت يظن - بحسب الاجتهاد أنه يحصل له ما يأتى به المعيشة عادة لان الدائنين عاملوه على ذلك ويكون ما يتركه القاضى له من خشن الطعام مما تقوم البينة به لا مما فيه ترفه حتى ولو اعتاد المفلس عليه فلا يترك له ذلك. وكذلك يترك القاضى للمفلس كسوته وكسوة من تلزمه نفقته ولا يترك لكل واحد منهم الا ما يوارى عورته بين الناس ويقيه الحر والبرد وتجوز الصلاة به بدون كراهة. وأما الثياب التى للزينة فلا تترك له ولا لمن تلزمه نفقته على المشهور. وقد سبق تفصيل ما يترك للمفلس من مسكن فى بيع مال المفلس.
مذهب الشافعية:
يجب على القاضى أن ينفق على المفلس من ماله يوما بيوم نفقة المعسرين حتى يقسم ماله لانه موسر أى لا تجب نفقته على أحد ما لم يزل ملكه عن ماله بالقسمة ويستمر الانفاق عليه من ماله حتى يمضى يوم وليلة بعد قسمة ماله بين الدائنين وكذلك يجب على القاضى الانفاق على زوجة المفلس التى تزوجها قبل إفلاسه والحجر عليه أما من تزوجها بعد ذلك فلا ينفق عليها كما يجب عليه الانفاق على من يطلب ذلك من أقارب المفلس الذين تلزمه نفقتهم وتحققت فيهم شروطها حتى وان حدثوا بعد افلاسه والحجر
(1)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 314، 323 وما بعدها والخلاف ج 1 ص 620، 621 وما بعدها.
(2)
تكملة فتح القدير والهداية ج 7 ص 329
(3)
شرح الخرش بحاشية العدوى ج 5 ص 318 والشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 277 وما بعدها والشرح الصغير ج 2 ص 146 وما بعدها.
عليه. وينفق القاضى على الزوجة نفقة المعسرين على المعتمد الموافق لنص الشافعى. وقال الرويانى:
ينفق عليها نفقة الموسرين لانه لو انفق نفقة المعسرين لما أنفق على القريب ومثل النفقة فى كل ذلك الكسوة والاسكان والاخدام وتجهيز من مات منهم قبل قسمة المال لان كل ذلك واجب على المفلس.
ومحل ذلك ما لم يتعلق بعين مال المفلس حق اخر.
وأما اذا تعلق حق اخر بماله كان يكون جميع ماله مرهونا فلا ينفق عليه ولا على عياله منه. ومحل ذلك أيضا ان لم يكن للمفلس كسب لائق به. فان كان له كسب مباح لائق به فان القاضى حينئذ لا ينفق عليهم ولا يكسوهم من ماله بل يصرف كسبه إلى ذلك فإن فضل من كسبه شئ أضيف الى المال وان لم يوف بذلك كمل من ماله. أما الكسب غير اللائق به كالعدم، ولو رضى بما لا يليق به من كسب - وهو مباح - فلا يمنع منه قال الاذرعى وكفانا مؤنته. وهذا ان اكتسب المفلس بالفعل.
أما ان كان يستطيع الاكتساب وامتنع منه فانه لا يكلف الاكتساب ولا يجبر عليه وينفق عليه القاضى وعلى من يعوله من ماله فى الصحيح، وهو ما اختاره الاسنوى لما سبق ذكره فى فصل ما يؤمر به المفلس لاداء الدين «واختار السبكى ما قاله المتولى: أنه لو امتنع المفلس من الاكتساب المباح غير المزرى به لم ينفق عليه ولا على من يعولهم من ماله. بل يجبر على الاكتساب بالنسبة لمن يعولهم من أولاده وأقاربه أما بالنسبة لنفسه فلا يجبر على ذلك، وكذلك زوجته لقد ردتها على فسخ النكاح
(1)
..
وقد سبق فى بيع مال المفلس «بيان ما يترك للمفلس من كسوة ومسكن» .
مذهب الحنابلة:
اذا حجر على المفلس وكان ذا كسب يفى بنفقته ونفقة من تلزمه نفقته فنفقته فى كسبه لانه لا حاجة الى اخراج ماله مع غناه بكسبه. وان لم يكن ذا كسب أنفق عليه القاضى من ماله مدة الحجر وان طالت. وان كان كسبه دون نفقته كملت من ماله كما لو لم يكن له كسب، لان ملكه باق على ماله قبل القسمة وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك ثم بمن تعول
(2)
.. والنفقة هنا تشمل المأكل والمشرب والكسوة والواجب منها أدنى ما ينفق على مثله بالمعروف وأدنى ما يكتسب به مثله. وان مات المفلس كفن من ماله لأن نفقته كانت واجبة من ماله فى حال حياته فوجب تجهيزه منه بعد الموت.
وكذلك كفن من تلزمه نفقته سوى زوجته لانه بمنزلته. ويمتد انفاق القاضى على المفلس من ماله إلى حين فراغه من قسمة ماله بين الدائنين لانه لا يزول ملكه عن ماله إلا بذلك
(3)
.
مذهب الزيدية:
المذهب أن المفلس المحجور عليه لافلاسه ينفق على نفسه وعلى من تلزمه نفقته من زوجته وطفله وخادمه ووالديه المعسرين من كسبه إن كان له كسب، وإلا فنفقته من ماله يوما فيوما على عادة الفقراء حتى يقتسمه الدائنون
(4)
. والقياس ان النفقة عليه وعلى من ذكر تكون من ماله فلا يجب عليه التكسب لها فإن تكسب كان من جملة المال ولا تتعين عليه النفقة من الكسب
(5)
وعند قسمة مال المفلس الذى لا كسب له ولا دخل يفضل منه ما يكفى مؤنته يبقى القاضى له من ماله على عادة الفقراء من بلده قوت يوم (أى وجبتين) له ولطفله وولده المجنون ولوغنيين وزوجته وخادمه ووالديه المعسرين وان لم يكونا عاجزين، وهذا هو الاصح. وقال فى الحفيظ: يبقى لهم قوت سنة.
(1)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 321 الطبعة السابقة، تحفة المحتاج ج 2 ص 131 الطبعة السابقة، شرح منهج الطلاب بحاشية البجرمى ج 2 ص 372، 373، شرح المحلى للمنهاج بحاشية قليوبى ج 2 ص 290، اسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 192 - 193، مغنى المحتاج للخطيب ج 2 ص 153.
(2)
رواه احمد ومسلم وابو داود والنسائى عن جابر بلفظ اخر (انظر نيل الاوطار ج 6 ص 321).
(3)
المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 492 - 493 وكشاف القناع وشرح المنتهى بهامشه ج 2 ص 216.
(4)
البحر الزخار ج 5 ص 82 والتاج المذهب ج 4 ص 161 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الأزهار ج 4 ص 286.
وأما المفلس الذى له فضله من مهنة يتكسب منها أو غلة وقف ونحوه مما لا يباع فانه يبقى له كفايته وكفاية من يعولهم الى وقت ذلك الدخل الذى يعود عليه سواء قصرت المدة أم طالت. والفرق بين الكسوب وغيره حيث جعل لغيره النفقة بيوم واحد - أن الكسوب ونحوه يعلم لتقدير النفقة له أجل محدد وهو الدخل بخلاف غيره حيث لا يعلم له ذلك
(1)
. واذا حبس المفلس ففى نفقته فى الحبس وجهان: الاول: أنها على الدائن لانه حبس من أجله والثانى: أنها فى ماله نفسه لانه حبس لواجب عليه
(2)
. وقد سبق تفصيل ما يترك للمفلس بنوعيه من الكسوة والمسكن فى بيع مال المفلس.
مذهب الإمامية:
يجرى القاضى على المفلس نفقته وكسوته ويتبع فى ذلك عادة أمثاله وكذلك يجرى نفقة من تجب على المفلس نفقته بالمعروف الى يوم قسمة ماله بين الدائنين، فيعطيه هو وعياله نفقة ذلك اليوم خاصة لانه موسر فى أول ذلك اليوم ولا يزيد على ذلك لانه لا ضابط لما بعده. وهذا اذا لم يكن له كسب يصرفه الى هذه الجهات. فان كان ذا صفة صنعة تكفيه لذلك أو كان يقدر على تكسب ذلك لم يترك له القاضى شيئا. ولو أنفقت القسمة فى طريق سفر المفلس فالاقرب إجراء النفقة والكسوة عليه الى يوم وصوله إلى منزله
(2)
. وقد سبق ذكر حكم مسكن المفلس وكسوته فى بيع مال المفلس.
مذهب الإباضية:
سبق ذكر نفقة المفلس وكسوته وسكناه وما يتركه له القاضى منها - عندهم فى بيع مال المفلس فيرجع الى تفصيلها هناك
(3)
.
انتهاء حالة الافلاس
وما يترتب عليها
مذهب الحنفية:
يرتفع الافلاس والحجر عن المديون المفلس بابراء الدائنين أو بوصول حقهم اليهم
(4)
مذهب المالكية:
ينفك الحجر عن المفلس متى حكم القاضى بخلع ماله وأخذ المال من تحت يده وبقيت من ديون الدائنين بقية وينفك عنه حينئذ حتى ولو لم يقسم ماله الذى أخذ منه على الدائنين، لان العلة فى تفليسه والحجر عليه كانت خوف اتلاف ماله والعلة اذا زالت معلولها. وللدائنين تحليف المفلس أنه لم يخف شيئا من ماله عنهم فان امتنع من الحلف فلا ينفك حجره، ويظل مستمرا عليه حتى يحلف أو يوافقه الدائنون على أنه لم يخف مالا عنهم.
ولا يحتاج فك الحجر عن المفلس إلى حكم القاضى به على المعتمد، لانه لا يحتاج الى اجتهاد. وقال ابن القصار: وتلميذه عبد الوهاب البغدادى:
لا ينفك عنه إلا بقضاء القاضى به لاحتياجه للاجتهاد الذى لا يضبطه إلا القاضى. وإذ لم يتجدد للمفلس مال بعد أخذ المال منه وثبوت عدمه وانفكاك الحجر عنه فلا يجوز الحجر عليه ثانيا ولو طال زمان عدم تجدد المال. وهذا هو الذى به العمل وقال الباجى: يكشف عن حاله كل ستة أشهر، لان الغالب تغير الاحوال خلالها وحصول الكسب فيها فان وجد عنده مال حجر عليه والا فلا. ويترتب على انفكاك الحجر عن المفلس نفوذ تصرفاته التى كان ممنوعا منها حتى يحجر عليه دائنوه الذين حجروا عليه أولا أو غيرهم اذا تجدد له مال
(5)
على ما سبق تفصيله فى اثر الافلاس فى المال الحادث
(1)
البحر الزخار السابق والتاج المذهب السابق ص 165، شرح الازهار السابق ص 288.
(2)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 332 وما بعدها، شرائع الإسلام ج 1 ص 202.
(3)
شرح النيل ج 7
(4)
تكملة فتح القدير والعناية على الهداية ج 7 ص 324 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الخرش ج 5 ص 309 وما بعدها حاشية الدسوقى ج 3 ص 268 وما بعدها والشرح الصغير ج 2 ص 144
مذهب الشافعية:
المعتمد أن الحجر على المفلس يستمر الى قضاء الديون بل يستمر بعد قضائها أو الابراء منها مثلا، فلا ينفك بمجرد قسمة مال المفلس وقضاء الديون ولا باتفاق الدائنين على رفعه لاحتمال ظهور دائن اخر غيرهم وانما يفكه القاضى لا غيره لانه لا يثبت الا باثباته فلا يرتفع الا برفعه، لانه يحتاج الى نظر واجتهاد. واذا لم يبق للمفلس بعد قسمة ماله سوى الموقوف عليه والموصى بمنفعته له فالظاهر أنه يجوز للقاضى فك الحجر عنه فيما عداهما. وقال بعض مشايخ المذهب: لا يجوز للقاضى فك الحجر عن المفلس قبل وفاء الدين ولو فى الموقوف على المفلس أو الموصى له بمنفعته. ولو فك القاضى الحجر عن المفلس ثم ظهر له مال قديم كان موجودا قبل الحجر وأخفاه أو لم يعلم به فانه يتبين استمرار الحجر على الاصح سواء حدث له بعد فك الحجر مال ودائنون أم لا. والمال الذى ظهر أنه كان موجودا قبل فك الحجر يكون للدائنين القدماء فقط، لتعلق حقهم به قبل فك الحجر. أما ان حدث للمفلس مال بعد فك الحجر عنه فلا تعلق لاحد فيتصرف فيه كيف شاء
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ينفك حجر المفلس بلا حكم إذا لم يبق عليه شئ من الدين لأن المعنى الذى حجر عليه من أجله قد زال أما أن بقى على المفلس شئ من الدين بعد قسمة ماله على الدائنين فلا ينفك الحجر عنه إلا بحكم القاضى بفكه لأنه حجر ثبت بحكمه فلا يزول إلا بحكمه، ولأن فراغ مال المفلس يحتاج إلى معرفة وبحث ونظر فى الأصلح من بقاء الحجر وفكه فوقف ذلك على القاضى، وهذا هو الأولى وقيل: يزول الحجر عن المفلس بمجرد قسمة ماله بدون حاجة إلى فكه من القاضى لأنه حجر عليه لأجل ماله فإذا زال ملكه عنه زال سبب الحجر فزال الحجر كزوال حجر المجنون لزوال جنونه. وإذا فك القاضى الحجر عن المفلس لأحد مطالبته ولا ملازمته حتى يملك مالا. فإن جاء الدائنون عقب فك الحجر عن المفلس فادعوا أن فى يده مالا لم تقبل دعواهم هذه إلا ببينة لأنه خلاف الظاهر. فإن ادعوا ذلك بعد مدة أو ادعوا ذلك عقب فك الحجر، وبينوا سبب المال أحضره القاضى وسأله عما ذكره الدائنون فإن أنكر أن بيده مالا فالقول قوله لأنه ما فك الحجر عنه إلا بعد أن لم يبق له شئ. وإن أقر أن بيده مالا فعلا، وقال: هو لفلان وأنا وكيله أو عامله فإن كان المقر له حاضرا سأله القاضى فإن صدقه فهو له، ويستحلفه القاضى لجواز أن يكونا تواطأ على ذلك ليدفع المطالبة عن المفلس وإن كذبه أو صدقه ولم يحلف تبين كذب المفلس فيعاد الحجر عليه إن طلب الدائنون ذلك وكان المال لا يفى بدينه وإلا وفاء منه ولا حاجة إلى الحجر. وإن كان المقر له غائبا أقر المال فى يد المفلس حتى يحضر الغائب ويسأل على الوجه المذكور فى الحاضر. وإذا انفك الحجر على المفلس بقضاء القاضى وعليه بقية من دين ثم لزمته ديون أخرى وظهر له مال فحجر عليه ثانيا ولو يطلب أصحاب الديون التى لزمته بعد الحجر فإنه يكون من حق دائنى الحجر الأول مشاركة دائنى الحجر الثانى فى ماله الموجود حينئذ، سواء حدث له بمعاملة أم بغيرها كميراث ونحوه لأنهم تساووا جميعا فى ثبوت حقوقهم فى ذمته فتساووا فى الاستحقاق إلا أن الأولين يضرب لهم فى ماله الموجود ببقية ديونهم أما الآخرون فيضربون بجميع ديونهم
(2)
.
(1)
نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج 3 ص 323 الطبعة السابقة، تحفة المحتاج ج 2 ص 132 الطبعة السابقة، حاشية القليوبى على شرح المنهج للمحلى ج 2 ص 291 الطبعة السابقة، اسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 194 الطبعة السابقة، حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 2 ص 375 الطبعة السابقة. حاشية القليوبى على شرح المحلى للمنهاج ج 2 ص 289 الطبعة السابقة، اسنى المطالب بحاشية الرملى ج 2 ص 191 الطبعة السابقة.
(2)
المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 501 - 502، 508 الطبعة السابقة، كشاف القناع وشرح المنتهى بهامشه ج 2 ص 151، 220 الطبعة السابقة.
مذهب الزيدية:
يفك الحجر عن المفلس إذا قضى الدائنين ديونهم وكذا إذا سقطت ديونهم بأى وجه من الوجوه
(1)
.
كما ينته بانتهاء المدة المحددة له عند الحكم به
(2)
.
وإذا رأى القاضى صلاحا فى رفع الحجر حتى يقر المفلس بدين عليه أو نحوه جاز بشرط رضاء الدائنين بذلك وسواء كان هو الحاجر عليه أو غيره
(3)
.
وكذلك يفك الحجر على المفلس بعد قسمة ماله على الدائنين ولا يحتاج بعد ذلك إلى حكم يفك الحجر إذا قد زال مقتضيه. وقيل: يحتاج إلى ذلك لأنه قد ثبت بحكم فلا ينقض إلا به
(4)
. ويترتب على فك الحجر عن المفلس نفوذ تصرفاته واقراره. وإذا انفك الحجر بعد العقد الذى وقع من المفلس فى حال الحجر نفذ أيضا
(5)
.
مذهب الإمامية:
إذا قسم مال المفلس بين الدائنين ولم يبق له مال واعترف بذلك الدائنون فك حجره ولا يحتاج ذلك إلى حكم من القاضى على الأولى لأن الحجر كان لحفظ المال وتفريقه على الدائنين وقد حصل. وكذا لو اتفق الدائنون على رفع الحجر عن المفلس رفع بدون حاجة إلى اذن من القاضى لأن الحجر لهم وهو حقهم وإذا أفلس المؤجر واختار الدائنون عدم بيع العين المؤجرة والصبر حتى تنته مدة اجارتها فيبيعها القاضى لهم أو يقسمها بينهم فالأقوى عدم بقاء الحجر مستمرا إلى انقضاء الاجارة. ولو باع المفلس ماله للدائن ولا دين له سواء فك الحجر عنه لأن سقوط الدين يسقط الحجر
(6)
. وإذا انفك الحجر عن المفلس فادعى الدائنون أنه استفاد مالا بعد فك الحجر عنه سأله القاضى فى ذلك فإن أنكر فالقول قوله مع اليمين. وإن صدقهم وكان المال وافيا بالديون لم يحجر عليه وإلا حجر عليهم مع طلبهم ذلك. وإن صدقهم وادعى أنه مضاربة فإن كانت لغائب فالقول قوله مع اليمين وإن كانت لحاضر وصدقه فكذلك القول قوله ولم يحجر عليه.
ولو تجدد للمفلس دائنون قبل الحجر الثانى قسم مال المفلس بين الدائنين الذين حدثوا بعد فك الحجر الأول وبين الأوائل ولا يختص به المتأخرون وإن استفادة من جهتهم
(7)
.
مذهب الإباضية:
إن استفاد المفلس بعض ما فلسه عليه القاضى من دين فلا يخرجه ذلك من التفليس حتى يستفيد جميع ما فلسه عليه القاضى. وقيل: لا يخرج المفلس من التفليس حتى يستفيد أكثر مما فلسه عليه القاضى
(8)
. ولا يرفع التفليس عن المفلس بعد ثبوته بقول قائل: لك على كذا من قبل كذا، مثل أن يقول: لك على عشرون دينارا من قبل البيع وهذا إن لم يجز اقراره كما لا يرفع التفليس بمجرد الهبة وهى التى وهبها المفلس بقول القائل أعطيتك هذا. وهذا بناء على القول بأنه لا يلزم المفلس قبول الهبة ولا اجازة اقرار من أقر له
(9)
وإذا خرج المفلس من التفليس فعلى القاضى أن يعلم الناس أنه قد خرج من التفليس ليعامله الناس
(10)
(1)
6) شرح الازهار ج 4 ص 286 الطبعة السابقة.
(2)
التاج المذهب ج 4 ص 161 - 162 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الزخار ج 5 ص 91 الطبعة السابقة.
(4)
التاج المذهب ج 4 ص 162 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار ج 5 ص 83 الطبعة السابقة.
(6)
مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة ج 5 ص 337 - 338، 348 الطبعة السابقة، شرائع الإسلام ج 1 ص 203 الطبعة السابقة.
(7)
تحرير الاحكام ج 1 ص 217 والخلاف فى الفقه ج 1 ص 625 رقم 25.
(8)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 168 الطبعة السابقة.
(9)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 174 الطبعة السابقة.
(10)
المرجع السابق ج 7 ص 168 الطبعة السابقة.
أقارب
تعريفه لغة:
أقارب الرجل وأقرباؤه وأقربوه - عشيرته الأدنون. والقربة والقربى القرابة، ويقال: هو قريبى وذو قرابتى، ولا يقال: قرابتى بدون «ذو»
(1)
.
تعريفه شرعا:
وتعريف الأقارب فى اصطلاح الفقهاء لا يختلف عن معناه فى اللغة إلا أنهم اختلفوا فى ترتيبهم وأولوية بعضهم عن البعض إذا كان هناك وقف أو وصية ونحوها لهم. فيرجع فى تفصيل ذلك وبيان الأحكام المترتبة عليه إلى هذه المصطلحات كل فى بابه.
والقرابة على ثلاثة أنواع:
الأول: القرابة القربية وهم قرابة ذى الرحم المحرم. أما بطريق الأصلية كالأبوين والاجداد والجدات وإن علوا وإما بطريق الفرعية كالأولاد وأولاد الاولاد وإن سفلوا.
الثانى: القرابة المتوسطة وهى قرابة المحارم من غير الأخوة والأخوات وأولادهما وإن سفلوا (العمودين أى قرابة) وقرابة الأعمام والعمات والأخوال والخالات دون أولادهم.
الثالث: القرابة البعيدة وهى قرابة ذى الرحم غير المحرم كأولاد الأعمام والأخوال
(2)
.
إقالة
التعريف فى اللغة:
اقالة مصدر فعله أقال المزيد بالهمزة فى أوله فأصل مادته قال يقيل قيلا، يقال قال فلان فلانا البيع إذا فسخه كما يقال: أقال فلان البيع أو العهد إذا فسخه فالهمزة مزيدة للتعدية وكذا يقال: أقال الله عثرة فلان يعنى صفح عنه وتجاوز وأقال فلانا من عمله أعفاه منه ونحاه عنه وتقايل البيعان: تفاسخا صفقتهما واستقال فلان: طلب أن يقال، ويقال
(3)
استقاله عمله: طلب أن يعفيه منه، واستقاله عثرته: سأله أن يصفح عنه واستقاله البيع: طلب إليه أن يفسخه.
تعريف الاقالة فى اصطلاح الفقهاء:
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر الرائق
(4)
: أن الاقالة شرعا هى رفع العقد، كذا ذكره فى الجوهرة، وهو تعريف للأعم من اقالة البيع والاجارة ونحوهما وإن أردت خصوصها فقل: هى رفع عقد البيع.
مذهب المالكية:
جاء فى منح
(5)
الجليل: أن ابن عرفة قال:
الاقالة هى ترك المبيع لبائعه بثمنه أو أكثر واستعمالها قبل قبض المبيع.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم
(6)
أن الاقالة فسخ البيع فلا بأس بها قبل القبض لأنها ابطال لمقدة البيع بين المتبايعين والرجوع إلى حالهما قبل أن يتبايعا فى موضع آخر
(7)
فى الأم قال: الاقالة ليست ببيع وإنما هى
(1)
لسان العرب ج 2 ص 159 الطبعة الاولى للمطبعة الاميرية سنة 1300، القاموس المحيط ج 1 ص 113 الطبعة الثالثة للمطبعة الاميرية سنة 1301 مادة قرب.
(2)
شرح السراجية للجرجانى ص 72 - 73 طبع مطبعة الاعتماد.
(3)
انظر كتاب المعجم الوسيط طبع مجمع اللغة العربية مادة قيل ج 2 ص 773 وما بعدها.
(4)
انظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين ج 6 ص 111 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.
(5)
انظر كتاب شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل لخاتمة المحققين وتاج الموقعين للعلامة الشيخ محمد عليش وبهامشه حاشيته المسماه تسهيل منح الجليل ج 2 ص 704 وما بعد طبع المطبعة العامرة الكبرى سنة 1294 هـ بمصر وانظر كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر ابى الضياء سيدى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لابى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 4 ص 484 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الاولى.
(6)
انظر كتاب الام للامام ابى عبد الله محمد بن ادريس الشافعى فى فروع الفقه برواية الربيع بن سليمان المرادى عنه وبهامشه مختار الامام الجليل ابراهيم اسماعيل بن يحيى المزنى الشافعى ج 3 ص 67 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1322 هـ.
(7)
المرجع السابق ج 3 ص 116 وما بعدها الطبعة السابقة.
نقض بيع تراضى البائع والمشترى فيما بينهما على نقض العقدة الأولى التى وجبت لكل واحد منهما.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف
(1)
القناع: أن الاقالة هى فسخ العقد لأنها عبارة عن الرفع والازالة يقال: أقل الله عثرتك أى ازالها.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: الاقالة بيع مبتدأ لا يجوز فيها إلا ما يجوز فى سائر البيوع لا تحاشى شيئا
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج
(3)
المذهب: أن الإقالة شرعا هى رفع العقد الواقع بين المتعاقدين.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(4)
ان الإقالة هى فسخ فى حق المتعاقدين سواء كان قبل القبض أو بعده وفى حق غيرهما.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(5)
: أن الإقالة هى ترك مبيع لبائعه بثمنه لا بأقل او اكثر ولا بخلاف جنسه وذلك التعريف مبنى على أن الإقالة فسخ أما على اعتبار أن الإقالة بيع فقد قالوا: هى ترك مبيع لبائعه بثمنه أو بمخالف ثمنه جنسا أو مقدارا وإن كان لغير البائع.
حكم الإقالة ودليل مشروعيتها:
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر
(6)
الرائق: أن الاقالة مندوب إليها لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أقال نادما بيعته آقال الله عثرته يوم القيامة» وإذا كان العقد مكروها تحريما فإنها تكون واجبة دفعا للمعصية وينبغى كذلك أن تكون واجبة إذا كان البائع غار للمشترى وكان الغبن يسيرا أما إذا كان الغبن فاحشا فإنه يوجب الرد أن عره البائع على الصحيح والدليل على مشروعيتها السنة والإجماع وذلك للحاجة إليها.
مذهب المالكية:
جاء فى منح
(7)
الحليل ومثله فى التاج والإكليل:
أن الإقالة رخصة وعزيمة أما الرخصة فتكون فيما يمتنع بيعه قبل قبضه وشرط الرخصة عدم تغير الثمن بما تختلف فيه الأغراض غالبا.
مذهب الشافعية:
جاء فى حاشية
(8)
الشبراملسى على نهاية المحتاج:
(1)
انظر كشاف القناع على متن الاقناع للعلامه الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 2 ص 85 طبع المطبعة العامرة الشرقية سنة 1319 هـ الطبعة الاولى والمغنى لشيخ الاسلام موفق الدين ابى عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامه المقدسى على مختصر ابى القاسم عمر بن الحسين عبد الله بن احمد الخرقى وبهامشه الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين ابى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام ابى عمر محمد بن احمد بن قدامه المقدسى ج 4 ص 121 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الاولى بمصر.
(2)
المحلى للامام احمد بن على بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 9 ص 2 مسألة رقم 1508 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنبرية بمصر سنة 350 الطبعة الاولى
(3)
انظر كتاب التاج المذهب لاحكام المذهب متن الازهار فى فقه الائمة الاطهار للقاضى العلامه احمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعائى ح 2 ص 476 مسألة رقم 227 وهامشه الطبعة الاولى طبع مطبعة ادارة دار احياء لكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.
(4)
انظر من كتاب الخلاف فى الفقه الاسلامى الجعفرى لشيخ الطائفة الامام ابى جعفر محمد بن الحسن بن على لطوسى المجلد الاول ص 294 مسألة رقم 13 طبع مطبعة زنكين فى طهران الطبعة الثانية سنة 1373 هـ.
(5)
انظر من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لشيخ الاسلام العلامه الشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 4 ص 529 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1344 هـ.
(6)
انظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق وبهامشه منحه الخالق للعلامة ابن عابدين ج 6 ص 110، ص 111 الطبعة السابقة.
(7)
انظر كتاب التاج والاكليل للمواق ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب فى كتاب ج 4 ص 484 الطبعة السابقة.
(8)
انظر كتاب نهاية المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج لشمس الدين ابن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشيته الشبراملسى عليه وبهامشه المغربى ج 4 ص 56 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبلى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.
أن الإقالة مطلوبة فى الجملة لأمر الشارع بها من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف
(1)
القناع: أن الاقالة مستحبة لما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أقال بيعة مسلما أقال الله عثرته يوم القيامة.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم
(2)
الظاهرى: أما الإقالة فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحض عليها روينا من طريق أبو داود حدثنا يحيى ابن معين حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أقال نادما أقال الله عثرته» .
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج
(3)
المذهب وشرح الأزهار: أنه لا خلاف فى أن الإقالة مشروعة والأصل فى مشروعيتها السنة والإجماع أما السنة فما ورد عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أقال مسلما بيعته أقال الله عثرته» وأما الاجماع فلا خلاف فى صحتها.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة
(4)
البهية: أنه تصح اقالة النادم قال الصادق عليه السلام: أيما عبد مسلم أقال مسلما فى بيع أقال الله عثرته يوم القيامة وهو مطلق فى النادم وغيره إلا أن ترتيب الغاية مشعريه والدليل على مشروعيتها ما روى أبو صالح عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من أقال نادما فى بيع أقاله الله نفسه يوم القيامة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(5)
النيل أن الإقالة جائزة وذلك لما فيها من الفضل وتكفير السيئات واليمن والبركة فى مال من أقال صاحبه ونزع البركة من مال من منعها، ودليل مشروعيتها الحديث المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:«من أقال أخاه المسلم فى بيع ندم عليه أقال الله عثرته يوم القيامة» قالوا فى الديون وقيل إنها كفارة لذنوبه فمن لم يفعل نزعت البركة من ذلك الشئ وكذلك روى: رحم الله تاجرا أقال أخاه المسلم رحم الله تاجرا نصح له فى بضاعة أى فى بضاعة أخيه المسلم.
ما تنعقد به الإقالة
مذهب الحنفية: جاء فى البحر
(6)
الرائق: أن ركن الإقالة الإيجاب والقبول الدالان عليها بلفظين سواء كانا ماضيين أو كان أحدهما مستقبلا والآخر ماضيا مثل أن يقول المشترى أقلنى فيقول البائع له أقلتك وهذا عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى كالنكاح وقال محمد رحمه الله تعالى: لا تنعقد الإقالة إلا بلفظين ماضيين كالبيع ثم قال صاحب
(1)
انظر كتاب كشاف القناع على متن الاقناع للعلامه الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات للبهوتى ج 2 ص 85 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 2 مسألة رقم 1408 الطبعة السابقة.
(3)
انظر التاج المذهب لاحكام المذهب على متن شرح الازهار فى فقه الائمة الاطهار ج 2 ص 436 الطبعة السابقة وانظر كتاب شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار مع حواشيه للعلامه الشيخ أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 7 ص 165 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(4)
انظر من كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 289، ص 290 وما بعدهما طبع مطابع دار الكتاب العربى زنكين فى طهران سنة 1377 هـ الطبعة الثانية
(5)
انظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 23 الطبعة السابقة.
(6)
انظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم وبهامشه منحة الخالق على البحر الرائق ج 6 ص 110 الطبعة السابقة.
البحر وقد يكون القبول بالفعل كما لو قطعه قميصا فى فور قول المشترى أقلتك، وكذلك تنعقد بقوله فاسختك وتركت وتاركتك ودفعت وتنعقد كذلك بالتعاطى كالبيع كما فى الخانية والخلاصة وفى البزازية ينعقد به كالبيع من أحد الجانبين وهو الصحيح.
مذهب المالكية:
ذكر الحطاب فى كتابه مواهب
(1)
الجليل: أنه وقع فى كلام بعض المشايخ أن الإقالة لا تكون بلفظ الإقالة قال الحطاب ومرادهم والله أعلم فيما إذا وقعت الإقالة فى الطعام قبل قبضه، وأما فى غيره فهى بيع من البيوع ينعقد بما يدل على الرضا من قول أو إشارة أو كتابة من الجانبين أو أحدهما ويظهر ذلك من كلام المدونة فى ترجمة الشركة والقولية حيث جاء فيها: وإن أسلمت إلى رجل فى طعام ثم سألك أن تولية ذلك ففعلت جاز ذلك إذا فقدك وتكون اقالة وإنما التولية لغير البائع.
قال أبو الحسن قال عياض فأجاز الإقالة بغير لفظها وهم لا يجيزونها بلفظ البيع قال ابن محرز لأن لفظ التولية لفظ رخصة ولفظ الإقالة مثله فعبر بأحدهما عن الآخر بخلاف البيع.
وقد ذكر ابن فرحون فى تبصرته فى الكلام بين ألفاظ حكم العقود التى تفتقر للصيغة ولم يذكر الإقالة وذكر فى المسائل الملفوظة كلامه ولم يزد عليه.
مذهب الشافعية:
جاء فى حاشية الشبراملسى على نهاية
(2)
المحتاج:
تحصل الإقالة بلفظ من البائع والمشترى كقول البائع أقلتك فيقول المشترى قبلت وتكون بإيجاب وقبول من الطرفين وذكر فى الاشباه
(3)
والنظائر للسيوطى: العقود التى تفتقر إلى الإيجاب والقبول وعد الإقالة من هذه العقود ثم قال السيوطى بعد ذلك فى موضع
(4)
. آخر: ليس لنا عقد يختص بصيغة إلا النكاح والسلم.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف
(5)
القناع ومثله فى قواعد ابن رجب: أن الإقالة تصح بلفظها بأن يقول البائع أقلتك وكذلك تصح بلفظ المصالحة وظاهر كلام كثير من الأصحاب أن الإقالة تصح بلفظ البيع وأنها تنقعد بذلك وتكون معاطاة لأن المقصود هو المعنى فكل ما يتوصل به إليه أجزأ إلا أن القاضى خالف فى ذلك فقال: أن ما يصلح للعقد لا يصلح للحل وما يصلح للحل لا يصلح للعقد فلا ينعقد البيع بلفظ الإقالة ولا تنعقد الإقالة بلفظ البيع.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(6)
: الإقالة بيع مبتدأ تكون بتراضى البائع والمشترى لا يجوز فيها إلا
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى أبى الضياء خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 4 ص 486 الطبعة السابقة وانظر كتاب منح الجليل على مختصر العلامه خليل للعلامه الشيخ محمد عليش وبهامشه حاشيته المسماه تسهيل الجليل ج 2 ص 706 وما بعدها طبع المطبعة العامرة الكبرى بمصر وانظر كتاب حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامه شمس الدين محمد عرفه الدسوقى على الشرح الكبير لابى البركات سيدى احمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامه المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 3 ص 3 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لاصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1219 هـ.
(2)
انظر من كتاب نهاية المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج ج 4 ص 55، ص 56 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(3)
انظر من كتاب الاشباه والنظائر فى قواعد فروع فقه الشافعية للامام العلامه جلال الدين عبد الرحمن السيوطى ج 2 ص 578، 579 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر الطبعة الاخيرة سنة 1378 هـ، سنة 1959 م.
(4)
المرجع السابق ص 280 الطبعة السابقة.
(5)
انظر كتاب كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 2 ص 860 الطبعة السابقة وانظر كتاب القواعد للحافظ ابى الفرج عبد الرحمن ابن رجب الحنبلى المتوفى سنة 795 فى الفقه الاسلامى ص 380، ص 381 طبع مطبعة الصدق الخيرية بمصر سنة 1933 م الطبعة الأولى.
(6)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 2 وج 8 ص 250
ما يجوز فى البيوع لا تحاشى شيئا ثم قال ابن حزم فى مكان آخر: لا يجوز البيع إلا بلفظ البيع أو بلفظ الشراء أو بلفظ التجارة أو بلفظ يعبر به فى سائر اللغات عن البيع والأسماء كلها توقف من الله تعالى لا سيما أحكام الشريعة التى لا يجوز فيها الأحداث ولا تعلم إلا بالنصوص
مذهب الزيدية:
(1)
تنعقد الإقالة بالإيجاب والقبول من المتبايعين فقد جاء فى التاج المذهب: يعتبر فى الاقالة القبول من الآخر بعد الإيجاب أو تقدم السؤال أو قبض الآخر ما هو له فى مجلس الإقالة أو مجلس علمها لأن مجلس العلم فى حق الغائب كمجلس اللفظ فى الحاضر فلا يصح من الحاضر فى غير مجلسها وكذا من الغائب فى غير مجلس علمه، ويشترط أن يأتى المقيل بلفظ الإقالة وهو أن يقول: أقلتك أو قايلتك أو تقايلنا أو لك الإقالة أو لك القيلة أو أنت مقال، وكذا أقالك الله حيث جرى به العرف، وتصح الإقالة بالكتابة وبالاشارة من الأخرس والمصمت وتصح من السكران المميز وأن أتى المقيل بغير لفظ الإقالة وهو يمكنه النطق به لم تلحقه أحكامها، وهذا مبنى على أن الإقالة بيع أما على اعتبار أنها فسخ فإن انفساخ العقد يصح بما جرى به العرف كقوله أبطلنا العقد أو رفعناه أو فسخناه أو خذ حقك وانا آخذ حقى أو نحو ذلك ولو بلفظ مستقبل فمع حصول القبول أو القبض يكون فسخا ولكن لا يكون بيعا فى حق الشفيع ولا غيره فلا تثبت له الشفعة
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن الإقالة فسخ لا بيع عندنا فهى تصح سواء وقعت بلفظ الفسخ أم الإقالة ولا بد أن يقول ذلك البائع والمشترى معا أو متلاحقين من غير فصل يعتد به أو يقول أحدهما أقلتك فيقيل الآخر وإن لم يسبق التماس
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(4)
النيل: أنه ينعقد البيع من بائع بألفاظ تدل عليه وإن أعطيت لك أو وهبت لك وهذا بذا أو بإشارة أو كتابة من أخرس وممنوع من كلام ونحو ذلك مما يدل على رضى ومن مشتريا اشتريته وقبلته وبنعم أثر قبلته أو رضيته وإن قال بع لى هذا الشئ بكذا فقال له بعته لك بكذا لزمه على الراجح ومقابله أنه لا يلزمه حتى يقول فى المسالة الأولى اشتريته أو رضيته بكذا أو نحو ذلك بعد قول البائع بعته لك بكذا أو حتى يقول البائع فى الثانية بعته لك ونحو هذا بعد قول المشترى اشتريته به وكذا الإقالة واختار بعضهم فى البيع أنه لا يلزم فى ذلك وفى الإقالة أنها تلزم إذا قال له أقلنى فقال له أقلتك ولو لم يقل له بعد قبلت القيلولة ثم قال صاحب شرح النيل: ومن اشترى متاعا ثم ندم ورده إلى صاحبه ولم يقبله باللفظ وصار المال والثمن عند البائع وقال قبلت ما رددته والثمن لى لأنى لم أقلك فقيل: إن ثبت البيع فالإقالة لا تكون إلا بلفظ يوجهها وليس قبض البائع المال إقالة منه فى الحكم ولا له فيه إلا الثمن حتى يتفقا على إقالة البيع
(5)
.
شرائط صحة الاقالة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن من شرائط صحة الإقالة:
أولا: رضا المتقايلين أما على أصل أبى يوسف رحمه الله تعالى فظاهر لأنه بيع مطلق والرضا شرط صحة البايعان.
(1)
انظر التاج المذهب لاحكام المذهب ج 2 ص 479 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 476، ص 477 الطبعة السابقة وانظر شرح الازهار المنزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 127 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357
(3)
انظر كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 340، ص 341 الطبعة السابقة.
(4)
انظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل للامام محمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 540 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 119، ص 120 الطبعة السابقة.
وأما على أصل أبى حنيفة ومحمد وزفر رحمهم الله تعالى فلأنها فسخ العقد والعقد لم ينعقد على الصحة إلا بتراضيهما أيضا.
ثانيا: المجلس لأن معنى البيع موجود فيها فيشترط لها المجلس كما يشترط للبيع.
ثالثا: تقابض بدلى الصرف فى إقالة الصرف وهذا على أصل أبى يوسف ظاهر وكذلك على أصل أبى حنيفة لأن قبض البدلين إنما وجب حقا لله تعالى ألا ترى أنه لا يسقط باسقاط العهد، والإقالة على أصله وإن كانت فسخا فى حق العاقدين فهى بيع جديد فى حق ثالث فكان حق الشرع فى حكم ثالث فيجعل بيعا فى حقه.
رابعا: أن يكون المبيع بمحل الفسخ بسائر أسباب الفسخ كالرد بخيار الشرط والرؤية والعيب عند أبى حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى فإن لم يكن بأن ازداد زيادة تمنع الفسخ بهذه الاسباب لا تصح الإقالة عندهما.
وعند ابى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. هذا ليس بشرط، أما على أصل أبى حنيفة وزفر فظاهر لأن الإقالة عندهما فسخ للعقد فلا بد وأن يكون المحل محتملا للفسخ فإذا خرج عن احتمال الفسخ خرج عن احتمال الإقالة ضرورة وأما على أصل أبى يوسف رحمه الله تعالى فلأنها بعد القبض بيع مطلق وهو بعد الزيادة محتمل للبيع فبقى محتملا للإقالة وأما على أصل محمد رحمه الله تعالى وإن كانت فسخا لكن عند الامكان ولا إمكان ها هنا لأنا لو جعلناها فسخا لم يصح ولو جعلناها بيعا لصحت فجعل بيعا لضرورة الصحة ولهذا اتفق جواب محمد مع جواب أبى يوسف فى هذا الفصل.
خامسا: قيام البيع وقت الإقالة، فإن كان هالكا وقت الإقالة لم تصح فأما قيام الثمن وقت الاقالة فليس بشرط، ووجه الفرق بين المبيع والثمن أن إقالة المبيع رفعه فكان قيامها بالبيع وقيام البيع بالبيع لا بالثمن لأنه هو المعقود عليه على معنى أن العقد ورد عليه لا على الثمن لأنه يرد على المعين والمعين هو المبيع لا الثمن لأنه لا يحتمل التعيين وإن عين لأنه اسم لما فى الذمة فلا يتصور إيراد العقد عليه فدل أن قيام البيع بالمبيع لا بالثمن فإذا هلك لم يبق محل حكم البيع فى الحقيقة وإذا هلك الثمن فمحل حكم البيع قائم فتصح الإقالة وعلى هذا يخرج ما إذا تبايعا عينا بدين كالدراهم والدنانير سواء عينا أو لم يعينا والفلوس والمكيل والموزون والعدديات المتقاربة الموصوفة فى الذمة ثم تقايلا أنهما أن تقايلا والعين قائمة فى يد المشترى صحت الإقالة سواء كان الثمن قائما فى يده أو هالكا لقيام حكم البيع بقيام المعهود عليه وإن تقابلا بعد هلاك العين لم تصح وكذا إن كانت قائمة وقت الإقالة ثم هلكت قبل الرد على البائع بطلت الإقالة سواء كان الثمن قائما أو هالكا لان الإقالة فيها معنى البيع وكذا إذا كان المبيع عبدين وتقابضا ثم هلكا ثم تقايلا انه لا تصح الإقالة لما ذكرنا أن المعقود عليه إذا هلك لم يبق محل الفسخ بالإقالة.
وكذا لو كان أحدهما هالكا وقت الإقالة والآخر قائما وصحت الإقالة ثم هلك القائم قبل الرد بطلت الإقالة لان المعقود عليه هلك قبل القبض.
ولو تبايعا عينا بعين وتقابضا ثم هلك إحداهما فى يد مشتريها ثم تقابلا صحت الإقالة وعلى المشترى الهالك قيمة الهالك إن لم يكن له مثل ومثله إن كان له مثل فيسلمه إلى صاحبه ويسترد منه العين لان كل واحد منهما مبيع على حدة لقيام العقد فى كل واحد منهما.
ثم خرج الهالك من أن يكون قيام العقد به فيقوم بالآخر، وإذا بقى المبيع بقى محل الفسخ فيصح أو نقول البيع أحدهما والآخر ثمن إذ المبيع لا بد له من الثمن فاذا هلك أحدهما تعين الهالك للثمن والقائم للمبيع لما فيه من تصحيح العقد وفى القلب إفساده فكان التصحيح أولى فبقى المبيع ببقاء المبيع فاحتمل الإقالة، وكذا لو تقايلا والعينان قائمان ثم هلك أحدهما بعد الإقالة قبل الرد لا تبطل الإقالة لان هلاك احداهما قبل الإقالة لما لم يمنع صحة الإقالة فهلاكها بعد الاقالة لا يمنع بقاءها على الصحة من طريق الاولى لان البقاء أسهل من الابتداء وهذا بخلاف بيع العرض بالعرض انه لا ينعقد بأحد العرضين ابتداء وإذا انعقد بهما ثم هلك أحدهما قبل
القبض يبطل البيع لأن البيع مبادلة المال بالمال فلا ينعقد بأحد البدلين ويبطل بهلاك أحد العرضين قبل القبض لان كل واحد من العرضين بمبيع وهلاك المبيع قبل القبض يبطل البيع.
فأما الاقالة فرفع البيع فتستدعى بقاء حكم البيع وقد بقى ببقاء احدهما، وعلى هذا يخرج إقالة السلم قبل قبض المسلم فيه فإقالة السلم قبل قبض المسلم فيه جائزة سواء كان رأس المال دينا أو عينا وسواء كان قائما فى يد المسلم إليه أو هالكا لان المبيع هو المسلم فيه وأنه قائم وهذا لان المسلم فيه.
وإن كان دينا حقيقة فله حكم المعين حتى لا يجوز استبداله قبل القبض فكان كالمعقود عليه وأنه قائم فوجد شرط صحة الإقالة، واذا صحت فان كان رأس المال عين حال قائمة رده المسلم اليه بعينه وان كانت هالكة فان كان مما له مثل رد مثله وان كان مما لا مثل له رد قيمته وإن كان دينا رد مثله قائما كان أو هالكا لانه لا يتعين بالتعيين فهلاكه وقيامه سواء.
وكذلك لو كانت الإقالة بعد قبض المسلم فيه وأنه قائم فى يد رب المسلم أنه تصح الإقالة ثمة لإنها صحت حال كونه دينا حقيقة فحال صيرورته عينا بالقبض أولى وإذا صحت فعلى رب السلم رد عين المقبوض بعقد السلم كأنه عين ما ورد عليه العقد بدليل أنه يجوز بيعه مرابحة على رأس المال والمرابحة بيع ما اشتراه البائع بمثل الثمن الاول مع زيادة ربح، وإذا كان المقبوض عين ما ورد عليه العقد فى التقدير والحكم وجب رد عينه فى الإقالة.
وجاء فى البحر الرائق
(1)
: قال فى الكنز:
وهلاك المبيع يمنع صحتها لما قدمنا آن من شرطها بقاء المبيع لانها رفع العقد وهو محله قيد بالمبيع لان هلاك الثمن لا يمنعها لكونه ليس بمحل لكونه يثبت العقد فكان حكما وهو يعقبه فلا يكون محلا لان المحل شرط وهو سابق فتنافيا وكذا بطل البيع بهلاك المبيع قبل القبض دون الثمن وهلاك بعضه بقدره أى هلاك بعض المبيع يمنعها بقدر الهالك لان الجزء معبر بالكل وفى بيع المقايضة إذا هلك أحدهما صحت فى الباقى منهما وعلى المشترى فيه الهالك إن كان قيميا ومثله إذا كان مثليا فيسلمه إلى صاحبه ويسترد العين إلا إذا هلكا بخلاف البدلين فى الصرف إذا هلكا لعدم التعيين ولذا لا يلزمهما إلا رد المثل بعدها وفى السراج الوهاج اشترى عبدا بنقرة فضة أو بمصوغ مما يتعين فتقابضا ثم هلك العبد فى يد المشترى ثم تقايلا والفضة قائمة فى يد البائع صحت وعلى البائع رد الفضة بعينها ويسترد من المشترى قيمة العبد وفى البزازية تقايلا فأبق العبد من يد المشترى وعجز عن تسليمه تبطل الإقالة اه وأشار إلى أن المبيع إذا هلك بعد الإقالة بطلت وعاد البيع قيد بالهلاك لانه لو باع صابونا رطبا ثم تقايلا بعد ما جف فنقص وزنه لا يجب على المشترى شئ لان كل المبيع باق كذا فى فتح القدير وأشار بعدم اشتراط بقاء جميع المبيع على حاله إلى انه لو اشترى أرضا مع الزرع وحصده المشترى ثم تقايلا صحت فى الارض بحصتها من الثمن بخلاف ما إذا أدرك الزرع فى يده ثم تقايلا فأنها لا تجوز لان العقد إنما ورد على الفصيل دون الحنطة كذا فى القنية والى أن الاعتبار لما دخل فى البيع مقصودا فلو اشترى ارضا فيها اشجار فقطعها ثم تقايلا صحت الإقالة بجميع الثمن ولا شئ للبائع من قيمة الاشجار وتسلم الأشجار للمشترى هذا إذا علم البائع بقطعها فان لم يعلم به وقتها خير إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء ترك وإن اشترى عبدا فقطعت يده وأخذ ارشها ثم تقايلا صحت الإقالة ولزمه بجميع الثمن ولا شئ للبائع من ارش اليد إذا علم وقت الإقالة أنه قطعت يده وأخذ ارشها وإن لم يعلم يخير بين الاخذ بجميع الثمن وبين الترك كذا فى القنية ورقم برقم آخر ان الاشجار لا تسلم للمشترى وللبائع أخذ قيمتها منه لانها موجودة وقت البيع بخلاف الارش فإن لم يدخل فى المبيع أصلا لا قصدا ولا ضمنا أهـ ثم أعلم أنه لا يرد على اشتراط قيام المبيع لصحة الاقالة، إقالة السلم قبل قبض المسلم
(2)
فيه لانها صحيحة سواء كان رأس
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 114، ص 115 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 116 الطبعة السابقة
المال عينا أو دينا وسواء كان قائما فى يد المسلم إليه أو هالكا لان المسلم إليه وان كان دينا حقيقة فله حكم العين حتى لا يجوز الاستبدال قبل قبضه وإذا صحت فإن كان رأس المال عينا قائمة ردت وان كانت هالكة رد المثل إن كان مثلها والقيمة إن كان قيميا وان كان دينا رد مثله قائما أو هالكا لعدم التعيين وكذا اقالته بعد قبض المسلم إليه إن كان قائما ويرد رب المسلم عين المقبوض لكونه متعينا كذا فى البدائع والله سبحانه وتعالى أعلم.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(1)
: وحاشية الدسوقى عليه: الإقالة بيع فيشترط فيها ما يشترط فى البيع ويمنعها ما يمنع البيع فهى تجرى مجرى البيع فيما يحل ويحرم فإذا وقعت وقت نداء الجمعة فسخت وإذا حدث بالمبيع عيب وقت ضمان المشترى ولم يعلم به البائع الا بعد الإقالة فله الرد به وهذا بخلاف الإقالة من الطعام قبل قبضه فهى فى الطعام ليست بيعا وإنما هى حل بيع ويشترط فيها كما قال الدسوقى فى حاشيته:
(2)
اتفاق الثمنين قدرا أى كونها بالثمن الأول لا بزيادة ولا نقص وإلا لم تجز لأنها حينئذ مع موثوق لا حل بيع وأن تكون بلفظ الإقالة لا بلفظ البيع وأن تقع الإقالة فى كل المبيع وتعجيل رد الثمن إن كان قد قبضه البائع، قال فى منح الجليل
(3)
:
لا يجوز أن تقيله من طعام وتفارقه قبل قبض رأس المال ولا أن يعطيك به مثيلا أو رهنا أو يحيلك به على أحد أو يؤخرك يوما أو ساعة لأنه يصير دينا فى دين وبيع الطعام قبل قبضه فإن أخرك به حتى طال انفسخت الإقالة وبقى الطعام المبيع بينكما على حاله وإن نقدك قبل ان تفارقه فلا بأس به فلو اختل شرط من الشروط السابقة كانت الإقالة بيعا مؤتنفا. وقال فى المدونة
(4)
: وان ابتعت من رجل سلعة معينة ونقدته ثمنها ثم أقلته وافترقتما على أن تقبض رأس مالك أو أخرته به إلى سنة جاز لأنه بيع حادث الإقالة والإقالة تجرى مجرى البيع فيما يحل ويحرم، أما الإقالة من بعض الطعام فقد قال فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى
(5)
عليه: وتمنع الاقالة من بعض الطعام وأخذ البعض وهو مسلم إن غاب البائع على الثمن المثلى وسواء كان عينا أو طعاما لأن فيه بيعا وسلفا فالبيع ما كان من الثمن فى مقابلة البعض الذى لم تقع الإقالة فيه والسلف ما كان فى مقابلة البعض الذى وقعت فيه الإقالة فان لم يغب عليه اما لعدم قبضه أو أنه قبضه ولكنه لم يغب عليه أو كان مما يعرف بعينه كعرض سواء غاب عليه أم لا جازت الإقالة من البعض والحاصل كما قال الدسوقى أنه إذا كان رأس المال عرضا يعرف بعينه سواء غاب عليه المسلم اليه أم لا أو كان عينا أو طعاما لا يعرف بعينه ولم يقبضه المسلم اليه أو قبضه ولم يغب عليه جازت الإقالة فى البعض وإن كان عينا أو طعاما وقبضه المسلم إليه وغاب عليه لم تجز الإقالة فى البعض والإقالة من جميع الطعام قبل قبضه تجوز ولو تغير سوق الثمن المدفوع فى الطعام المقابل منه قبل القبض بغلاء أو رخص لان المدار على عينه وهى باقية أما إذا تغير بدنه بزيادة كسمن دابة دفعها ثمنا وكبرها وزوال عيبها أو نقصان كعورها وهزالها عند البائع فلا تجوز الإقالة لانها بيع مؤتنف لتغير رأس المال فيلزم بيع الطعام قبل قبضه وهذا بخلاف تغير الأمة المدفوعة ثمنا فى الطعام الذى أريد الإقالة منه بسمن أو هزال فان ذلك التغير لا يفت الإقالة والعبد أولى وفرق بين الدواب تشترى للحمها والرقيق ليس كذلك، وفى التاج والاكليل من المدونة
(6)
: وكل ما ابتعته مما يكال أو يوزن من
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 155 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب حاشية الدسوقى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 157، ص 158 الطبعة السابق.
(3)
انظر كتاب منح الجليل على مختصر خليل وبهامشه حاشيته المسماه تسهيل منح الجليل ج 2 ص 711 وما بعدها طبع المطبعة العامرة الكبرى بمصر سنة 1290 هـ.
(4)
انظر كتاب منح الجليل ج 2 ص 711 الطبعة السابقة.
(5)
انظر كتاب الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 154 الطبعة السابقة.
(6)
انظر كتاب التاج والاكليل للمواق ج 4 ص 485 الطبعة السابقة، مواهب الجليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 4 ص 484 وما بعدها الطبعة السابقة.
طعام أو عرض فقبضه فأتلفته فجائز أن تقيل منه وترد مثله بعد علم البائع بهلاكه وبعد أن يكون المثل حاضرا عندك وتدفعه إليه بموضع قبضه وإن حالت الاسواق قال ابن يونس، قيل: وهذا إذا كان الموضع الذى نقله إليه قريبا وإن كان الموضع بعيدا صارت إقالة على تأخير فلأ يجوز ذلك.
مذهب الشافعية:
الأصح أن الإقالة فسخ عند الشافعية ويشترط فيها أن تكون بالثمن الأول فلا تصح بزيادة عن الثمن الاول ولا بأنقص منه فقد جاء فى الأم
(1)
أن من اشترى من رجل سلعة فسأله أن يقيله منها بأن يعطيه البائع شيئا أو يعطيه المشترى نقدا أو إلى أجل فلا خير فى الإقالة على ازدياد ولا نقص بحال لأنها إنما هى فسخ بيع وهكذا لو باعه اياها فاستقاله على إن ينظر بالثمن لم يجز لأن النظرة ازدياد ولا خبر فى الإقالة على زيادة ولا نقصان ولا تأخير فى كراء ولا بيع ولا غيره وهكذا ان باعه سلعة إلى أجل فسأله أن يقيله فلم يقله لا على أن يشركه البائع ولا خير فيه لأن الشركة بيع وهذا بيع ما لم يقبض ولكنه إن شاء أن يقبله فى النصف إقالة ولا يجوز أن يكون شريكا له ويشترط كذلك فى الإقالة العلم بالمقابل فيه ولذلك لا تصح المقابلة مع الأعمى فقد جاء فى نهاية المحتاج
(2)
: أنه لا تصح المقابلة مع الاعمى فقد نص فى الام على انه لا بد فى الإقالة من العلم بالمقابل فيه بعد نصه على انها فسخ وقد افتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى وفى الأشباه والنظائر للسيوطى
(3)
: أنه لا يثبت فيها الخيار ولا يتجدد حق الشفعة ولا يشترط فيها القبض وهذا على القول بأنها فسخ أما على القول بأنها بيع فإنها تجرى مجرى البيع فيثبت فيها الخيار وكذلك يثبت الرد بالعيب وإذا تقايلا فى عقود الربا يشترط التقابض فى المجلس بناء على أنها بيع، وفى نهاية المحتاج
(4)
: قال تصح الإقالة بعد تلف المبيع ويؤخذ من ذلك أنها تصح بعد بيع المشترى وهو الاوجه أخذا من قولهم يغلب فيها أحكام الفسخ وإذا جعل المبيع كالتالف فيسلم المشترى الاول مثل المثلى وقيمة المتقوم وأخذ البلقينى من ذلك صحة الإقالة بعد الإجازة سواء علم البائع أولا والأجرة المسماة للمشترى وعليه للبائع أجرة المثل لما بقى بعد الإقالة من المدة وذلك لان الإقالة لما كانت مطلوبة فى الجملة كان البائع مجبرا عليها لامر الشارع بها فاستحق الاجرة، وقال ايضا فى نهاية المحتاج
(5)
: لو اقال البائع المشترى بعد حدوث عيب بيده، وسواء علم به البائع قبل الإقالة أولا فللبائع طلب أرشه لصحة الإقالة بعد تلف المبيع بالثمن فكذا بعد تلف بعضه ببعض الثمن وقيل لو فسخ المشترى والبائع جاهل بالحادث ثم علمه فله فسخ الفسخ وقياسه هنا أن البائع إذ أقال جاهلا بحدوث العيب ثم علمه كان له فسخ الإقالة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى قواعد
(6)
ابن رجب: يشترط فى الإقالة على القول بأنها بيع معرفة المقال فيه القدرة على تسليمه وتمييزه عن غيره ولا يشترط ذلك على القول بأنها فسخ ذكره صاحب المغنى فى التفليس، ولو تقايلا العبد وهو غائب بعد مضى مدة يمكن أن يتغير فى مثلها أو بعد إباقه واشتباهه بغيره فلا يصح على القول بأنها بيع ويصح على القول بأنها فسخ ولو تقايلا مع غيبة أحدهما بأن طلبت منه الإقالة فدخل الدار وقال على الفور أقلتك فلا يصح على القول بأنها بيع ويصح على القول بأنها فسخ ذكره القاضى أبو الخطاب فى تعليقهما لأن البيع يشترط له حضور المتعاقدين فى المجلس وفى كلام القاضى ايضا
(1)
انظر كتاب الام فى فقه الامام الشافعى ج 3 ص 32، ص 33 الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب نهاية المحتاج الى شرح المنهاج وحاشية الشبراملسى عليه وبهامشه المغربى ج 3 ص 408 الطبعة السابقة.
(3)
انظر كتاب الاشباه والنظائر للسيوطى فى فروع فقه الشافعية ج 3 ص 157 الطبعة السابقة.
(4)
انظر كتاب نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 4 ص 56 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 55 الطبعة السابقة.
(6)
انظر كتاب القواعد للحافظ ابى الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلى ج 1 ص 381 الطبعة السابقة.
وانظر: كتاب كشاف القناع على متن الاقناع ج 2 ص 86 الطبعة السابقة.
ما يقتضى ان الإقالة لا تصح فى غيبة الآخر على الروايتين لأنها فى حكم العقود لتوقفها على رضى المتبايعين بخلاف الرد بالعيب والفسخ بالخيار، ولا تصح الإقالة بعد النداء للجمعة على القول بأنها بيع وتصح على القول بأنها فسخ ذكره القاضى وابن عقيل وترد الإقالة بالعيب على القول بأنها بيع أما على القول بأنها فسخ فيحتمل أن لا يرد به لأن الاصحاب قالوا: الفسخ لا يفسخ ويحتمل أن يرد به كما جوزوا فسخ الإقالة والرد بالعيب لاحد الشفيعين وافتى الشيخ تقى الدين بفسخ الخلع بالعيب فى عوضه، ويشترط أن تكون الإقالة بالثمن الاول لا بأزيد منه ولا بأنقص فقد جاء فى كشاف القناع: ولا تصح الإقالة بزيادة على الثمن المعقود به أو بأنقص منه أو بغير جنسه لأن مقتضى الإقالة رد الأمر الى ما كان عليه والملك باق للمشترى لأنه شرط التفاضل فيما يعتبر فيه التماثل فبطل كبيع درهم بدرهمين وإن طلب أحدهما الإقالة وأبى الاخر واستأنفا بيعا جاز بزيادة عن الثمن الأول ونقص عن الثمن الأول وبغير جنسه الا أنه فى قواعد ابن رجب
(1)
اعتبر هذا الشرط على القول بأنها فسخ لأن الفسخ رفع للعقد فتبين إذن أن العوضين على وجههما كالرد بالعيب وغيره ثم قال: أما على القول بأنها بيع فوجهان حكاهما أبو الخطاب ومن بعده:
أحدهما يصح وقاله القاضى فى كتاب الروايتين كسائر البيوع والثانى: لا يصح وهو المذهب عند القاضى فى خلافه وصححه السامرى لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ورجوع كل واحد إلى ماله فلم يجز بأكثر من الثمن وإن كانت بيعا فبيع التولية وهذا ظاهر ما نقله ابن منصور عن احمد فى رجل اشترى سلعة فندم فقال أقلنى ولك كذا وكذا قال أحمد أكره أن تكون ترجع إليه سلعته ومعها فضل إلا أن يكون تسعرت السوق أو تاركا البيع فباعه بيعا مبتدأ فلا بأس به ولكن أن جاء إلى نفس البيع فقال: أمكنى فيها ولك كذا وكذا فهذا مكروه فقد كره الإقالة فى البيع الأول بزيادة بكل حال ولم يجوز الزيادة إلا إذا أقر البائع بحاله وتبايعاه بيعا مستأنفا إذا تسعرت السوق جازت الإقالة بنقص فى مقابلة نقص السعر وكذا لو تغيرت صفة السلعة ونص فى رواية أحمد بن القاسم وحنبل على الكراهة بكل حال سواء كان البيع نقدا أو تسيئة بعد نقل الثمن أو قبله معللا كشبهة مسائل العينة لأنه ترجع السلعة الى صاحبها ويبقى له على المشترى فضل درهم ولكن محذور الربا هنا بعيد جدا لأنه لا يقصد أحد أن يدفع عشرة ثم يأخذ نقدا خمسة مثلا لا سيما والدافع هنا هو الطالب لذلك الراغب ونقل عنه ما يدل على جوازه قال فى رواية الأثرم:
وسأله عن بيع العربون فذكر له حديث عمر فقيل له: تذهب إليه؟ فقال: أى شئ اقول وهذا عن عمر ثم قال: أليس كان ابن سيرين لا يرى بأسا إن يرد السلعة إلى صاحبها إلا إذا ذكرهما ومعهما شئ ثم قال: هذا مثله فقد جعل بيع العربون من جنس الإقالة بربح، فأما البيع المبتدأ فيجوز بأكثر من ثمنه كما نقله عنه ابن منصور وكذلك نقله عنه حرب فيمن باع ثوبا بعشرين وقبضها ثم احتاج الى الثوب فاشتراه باثنين وعشرين فقدا قال لا بأس به ولا يجوز نسيئة ولم ير بأسا أن يشتريه بمثل الثمن نقدا ونسيئة ونقل عنه أبو داود فيمن باع ثوبا بنقد ثم احتاج إلى ذلك الثوب يشتريه نسيئة؟ قال إذا لم يرد بذلك الحيلة كأنه لم يرد به بأسا وصرح أبو الحطاب وطائفة من الأصحاب بأن كل بيع وإن كان ينفذ لا يجوز لبائعه شراؤه بدون ثمنه قبل نقد الثمن ويجوز بعده وكذلك نقل ابن منصور عن احمد أنه بعد القبض ببيعه كيف شاء واختلف فى صحة الاقالة بعد تلف العين قال ابن رجب فى قواعده
(2)
: هل تصح الإقالة بعد تلف العين؟ قال القاضى برة لا تصح لأنها عقد يقف على الرضا من الجانبين فهى كالبيع بخلاف الرد بالعيب ثم قال فى موضع
(1)
انظر كتاب القواعد لابن رجب ج 1 ص 380 الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب القواعد ج 1 ص 109
آخر
(1)
: قياس الذهب صحتها بعد التلف إذا قلنا هى فسخ وتابعه ابو الخطاب فى الانتصار وابن عقيل فى نظرياته وحكى صاحب التلخيص فيها وجهين بخلاف الرد بالعيب وفرق بأن الرد يستدعى مردودا بخلاف الفسخ وهو ضعيف فإن الرد فسخ أيضا والاقالة تستدعى مقالا فيه ولكن البدل يقوم مقام المبدل هنا للضرورة.
مذهب الظاهرية:
الإقالة عند الظاهرية بيع مبتدأ ولذلك يشترط فيها شروط البيع قال ابن حزم فى المحلى
(2)
: الإقالة بيع مبتدأ لا يجوز فيها إلا ما يجوز فى سائر البيوع لا تحاش شيئا ويحرم فيها ما يحرم فى البيوع ولذلك تجوز بأكثر مما وقع عليه البيع الأول أو بأقل وما وقع عليه البيع الأول وتجوز حالا وفى الذمة وإلى أجل فيما يجوز فيه الأجل ثم قال بن حزم فى المحلى
(3)
من باع من اخر دنانير بدارهم فلما تم البيع بينهما بالتفرق أو التخير اشترى منه أو من غيره بتلك الدراهم دنانير تلك أو غيرها أقل أو أكثر فكل ذلك حلال ما لم يكن عن شرط لأن كل ذلك عقد صحيح وعمل منصوص على جوازه وأما الشرط فحرام لانه لشرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل، ثم قال ابن حزم فى المحلى: ولا تجوز الإقالة فى السلم لأن الإقالة بيع صحيح وقد صح نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض وعن بيع المجهول لانه غرر لكن يبرئه مما شاء منه فهو فعل خير وعلى ذلك فلا تجوز إقالة من لا يقيل ولا إقالة جملة مجهولة القدر ولا إقالة شئ لم يعرف برؤية ولا صفة ولا إقالة من أكره على الإقالة وإن وقع فهو مردود ولا تصح الإقالة بغير ثمن مسمى لأنه غرر فهو باطل ولا تجوز الإقالة متى تزول الشمس من يوم الجمعة إلى مقدار تمام الخطبتين والصلاة ولا إقالة فى شئ فيه معصية
(4)
(انظر بيع).
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(5)
: أن الإقالة تصح بشروط ستة.
الشرط الأول: أن يأتى المقيل بلفظ الإقالة وهو أن يقول البائع للمشترى أقلتك أو يقول له: قايلتك أو تقايلنا أو لك الإقالة أو لك القيلة أو انت مقال وكذا تصح بلفظ أقالك الله إذا كان قد جرى بذلك عرف، وتصح بالكتابة وبالإشارة من الأخرس والمصمت ومن السكران المميز فإن أتى بغير لفظ الإقالة وهو يمكنه النطق به لم يلحقه أحكامها.
وأما انفساخ العقد ليصبح بما يجرى به العقد ليصح بما جرى به العرف كقوله ابطلنا العقد أو رفعناه أو فسخناه أو خذ حقك وأنا آخذ حقى او نحو ذلك ولو بلفظ مستقبل فمع حصول القبول أو القبض يكون فسخا ولكن لا يكون بيعا فى حق الشفيع ولا غيره فلا تثبت له الشفعة فلو ادعى الشفيع أن المقيل أقال بلفظها وقال البائعان تقايلنا بغير لفظها كان القول قوله حيث تصادقا على الإقالة بخلاف ما إذا ادعى الشفيع الإقالة وقال البائعان:
تفاسخنا فعليه البينة لان الإقالة صفة على مدعيها ويصح الإلتزام بالإقالة أو الفسخ نحو ان يقول الزمت نفسى الإقالة أو الفسخ لفلان فى كذا.
والشرط الثانى من شروط صحة الإقالة إن تقع الإقالة بين المتعاقدين والأولى أن يقال بين المالكين ولو وكلا فى العقد أو الإقالة وتصح أن تكون الإقالة بين الوليين بمصلحة تحصل لا الوكيل ولا الفضولى فلا تصح منهما الإقالة وكذا الفسخ؟ إلا إذا كان ذلك بتوكيل فى الإقالة فإنه يصح التوكيل فيها وإنما لم تصح من وكيل البيع أو الشراء لأنه ينعزل بالفعل الأول فلا بد من توكيل فى الإقالة إذ لا يكفى التوكيل فى العقد فلو كان العاقد وكيلا لغيره فى البيع أو الشراء صحت الإقالة وكذا الفسخ ممن وكله لأنه المالك ولان ذلك لا يصح من الوكيل لو فعله،
(1)
المرجع السابق ج 1 ص الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 2 مسألة رقم 1508 الطبعة السابقة وص 2 مسألة رقم 1905.
(3)
المرجع السابق ج 8 ص 512 مسألة رقم 1500 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 9 ص 115 مسألة رقم 623 الطبعة السابقة.
(5)
التاج المذهب ج 2 ص 476 وما بعدها.
الشرط الثالث من شروط صحة الإقالة: إن تقع الإقالة فى مبيع باق فلو كان قد تلف جميعه حسا أو حكما لم تصح الإقالة إلا إن يتراضيا على تسليم القيمة فإن ذلك يصح أما لو تلف بعضه وبقى بعضه فإن الإقالة تصح فى البعض الباقى ويقسم الثمن على قدر القيمة حيث لم تتميز الأثمان فلو نقص المبيع نقصانا غير مميز نحو أن تهزل البهيمة أو يذهب بصرها أو نحو ذلك فإن الإقالة تصح فى هذه الحالة إذ هو عين المبيع ولم ينقص منه ما يمكن تقسيط الثمن عليه وتصح الإقالة فى بعض المبيع حتى ولو كان جميع المبيع باقيا ومن استقال فى شئ ثم وجد فيه عيبا حدث عند المشترى فله رده كما لو اشترى منه سواء قلنا ان الإقالة بيع أو فسخ إذ الواجب فى الفسخ رد المبيع كما قبض.
الشرط الرابع من شروط صحة الإقالة
(1)
: أن يكون المبيع على حاله لم يزد فإن كان قد زاد زيادة حسية لا يمكن فصلها وذلك كالكبر وزيادة الثمن والشجر وصبغ الثوب وقصارته ودبغ الأديم ونحو ذلك فلا تصح الإقالة وكذا لو زاد ثم عاد إلى حالته الأصلية كما لو هزل بعد السمن فلا تصح الإقالة أيضا أما لو زاد بعضه دون بعض فإن الإقالة فى هذه الحالة تصح فى البعض الذى لم يزد ويقسم الثمن على قدر القيمة إذا لم تكن الأثمان متميزة، وهذا بالنسبة للزيادة الحسية أما لو زاد المبيع زيادة معنوية مثل تعليم الصنعة ومثل الشفاء من الألم فلا تمنع الإقالة بل تصح وكذلك تصح الإقالة أيضا فيما لو زاد المبيع زيادة حسية يمكن فصلها مثل الصوف والولد والثمر فإن هذه الزيادة لا تمنع الإقالة بل تصح أما الفسخ فيصح ولو كانت الزيادة مما لا يمكن فصلها.
الشرط الخامس من شروط صحة الإقالة: أن يعتبر فيها القبول من الآخر بعد الايجاب أو تقدم السؤال أو قبض الآخر ما هو له فى مجلس الإقالة أو مجلس علمها لأن مجلس العلم فى حق الغائب مجلس اللفظ فى حق الحاضر فلا يصح من فى غير مجلسها وكذلك لا يصح من الغائب فى غير مجلس علمه.
الشرط السادس من شروط صحة الإقالة: أن تقع الإقالة بعد البيع فلا تصح الإقالة: أن تقع الإقالة بعد البيع فلا تضح الإقالة قبل البيع ولو أضيفت إليه بعد وذكر صاحب التاج المذهب
(2)
أيضا أنه يشترط أن يكون الثمن قيميا باقيا أو مثليا ولو قد تلف المثلى فيرد مثله لأن من أحكام الإقالة أن يرجع المشترى على البائع بالثمن الأول فقط من غير زيادة ولا نقصان ولو سكت عنه ولم يذكره عندهما لإن الإقالة فسخ فيرجع لكل ما يملك أما لو كان الثمن قيميا تالفا فلا تصح الإقالة لتعذر الثمن وكذا لو نسى الثمن لم تصح ايضا وهكذا فى كل فسخ إذا نسى الثمن امتنع الرد لان من حق الفسخ أن يرد الثمن لا أقل ولا أكثر.
هذا ولا يصح
(3)
شرط خلاف الثمن فى الإقالة فلو شرط أحدهما فى الإقالة خلاف الثمن واتى بشرط على وجه العقد نحو أن يقيله على أن يحط عنه من الثمن كذا أو يزيد على الثمن كذا فإن هذا الشرط يلغو وكذا لو شرط خلاف الثمن فى الصفة نحو أن يكون قد دفع دراهم سوداء فأقاله على أن يرد مثلها دراهم بيضاء فإن هذا الشرط يلغو وتصح الإقالة ولا يلزم المشترى إلا الثمن الاصلى وهذا إذا أتى بالشرط على جهة العقد أما لو اتى به على جهة الشرط المحصن كأن يقول ان أردت كذا أو نقصت كذا بطلت الإقالة.
وفى التاج أيضا: أن الإقالة تصح بالشروط المستقبلة ولو مجهولة بزمان أو مكان ويدخل فى ذلك تعليق الإقالة برد مثل الثمن إلى المشترى أو من يقوم مقامه وهو بيع الرجاء المعروف قالوا: فيؤخذ من هنا حجته ما لم يكن فيه ما يقتضى الربا كأن يريد المشترى التوصل إلى الغلة فقط ولا غرض له فى أخذ رقبة المبيع فإن التبس القصد عمل بالعرف فان التبس ولا يوجد عرف حصل على الصحة لأن العقد إذا احتمل وجهى صحة وفساد وحمل على
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 479 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 479، ص 480 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 477 الطبعة السابقة.
الصحة نعم وحيث يصح تعليقها برد مثل الثمن يكون الحق فيها للبائع فإن قال: لك ولوارثك أو أطلق ورث عنه ذلك الحق، وقد جرت العادة عند كثير من الناس أن يقول البائع: بعث وأنا مقال إلى يوم كذا وكذا المشترى قد يقول اشتريت وأنا مقال أو يقول: اشتريت ولى الإقالة الى يوم كذا وقد عرف من قصدهم أن ذلك خيار شرط بلفظ الإقالة لكن إذا كان إلى يوم معلوم كان البيع والشرط صحيحين فإن قال: اشتريت منك وإن سلمت ما عندك إلى يوم كذا فأنت مقال فإن كان مراد المشترى الرقبة ولا غرض له الى الغلة وحدها كان البيع صحيحا وإن كان مراده الغلة وحدها فهو بيع الرجاء المعروف المتضمن للربا فلا يجوز ولا يصح
(1)
.
مذهب الإمامية:
الإقالة عند الإمامية فسخ فى حق المتعاقدين سواء كان قبل القبض أو بعده، وفى حق غيرهما وليست ببيع فلا يشترط فيها ما يشترط فى البيع وإنما يشترط أن تكون الإقالة بمثل الثمن الذى وقع عليه البيع سابقا فقد جاء فى اللمعة الدمشقية
(2)
: ولا تصح.
بزيادة فى الثمن الذى وقع عليه البيع سابقا ولا بنقصه الثمن لأنها فسخ ومعناه رجوع كل عوض الى مالكه فإذا شرط فيها ما يخالف مقتضى الإقالة كشرط الزيادة أو النقيصة فسد الشرط وفسدت الإقالة بفساده ولا فرق بين الزيادة الحسية كما لو طلب البائع زيادة فى الثمن عند طلب المشترى الإقالة والزيادة الحكمية كما لو قال المستقيل أقلنى وقبل البائع كالإقالة لكنه استمهل من المشترى فى رد الثمن شهرا مثلا كالانتصار بالثمن، وفى شرائع الاسلام
(3)
: أن الإقالة تصح فى العقد وفى بعضه سلما كان أو غيره وفى ذلك فروع ثلاثة الأول لا تثبت الشفعة بالإقالة لأنها تابعة للبيع والثانى لا تسقط أجرة الدلال بالتقايل لسبق الاستحقاق والثالث: إذا تقايلا رجع كل عوض الى مالكه فإن كان موجودا أخذه وإن كان مفقودا ضمن بمثله ان كان مثليا وإلا بقيمته وفيه وجه اخر.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(4)
النيل: أنه يشترط لصحة الإقالة ذكر الثمن عند العقد لا قبله فإن حصل قبل العقد توقفت صحته على ذكره بعد ذلك متصلا، وإن ذكره بعد ذلك منفصلا على المقاسمة صحت وهذا على القول بأن الإقالة بيع أما على القول بأنها فسخ بيع الى المشترى أو إلى البائع أو إلى غيرهما فان علمه الفاسخ والمفسوخ إليه لم يحتاجا إلى ذكره إلا ان طالت المدة بقدر ما ينسى فليذكره ومنهم من يقول: تجوز الإقالة بلا ذكر للثمن إن عرفا قبل ذلك، ومن أجاز البيع والشراء مع السكوت إذا علم الثمن والثمن أجاز الإقالة بلا ذكر للثمن إذا علم قال صاحب شرح النيل: والذى عندى أن الإقالة لغير البائع والمشترى ليست فسخا وأما بينهما ففسخ ثم قال: وإذا قلنا إن الإقالة بيع فإنه يشترط فيها ما يشترط فى البيع وتنفسخ بما ينفسخ به البيع وترد بما يرد به البيع وتكون أحكامها أحكام البيع وليس كذلك إذا قلنا أنها فسخ بيع، وجاء فى موضع
(5)
آخر:
أن الشيخ أحمد بن محمد بن بكر ذكر أن الإقالة لا تكون إلا للبائع وأنها تكون بالثمن والاقل أو أكثر والوفاق والخلاف وأن الإقالة لا يحتاج فيها إلى ذكر الثمن يعنى لأنها لا تكون إلا للبائع وقد عرفه لكن ان وقعت بأقل أو بأكثر أو بخلاف أو مضت مدة ينسى فيها احتيج إلى ذكر ذلك، ثم قال: والسلم
(6)
(1)
انظر المرجع السابق ج 2 ص 477 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر منشورات جامعة النجف الدينية اللمعة الدمشقية للشهيد محمد بن جمال الدين مكى العاملى ج 2 ص 170، ص 546، ص 547، ص 548 وما بعدهم وهامشها طبع مطبعة الاداب فى النجف الاشرف سنة 1387 هـ، سنة 1967 م.
(3)
انظر كتاب شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 190 وما بعدها طبع مطابع دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ
(4)
انظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 533 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 529 وما بعدها الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 4 ص 529 الطبعة السابقة.
لا تجوز الإقالة فيه إلا بالقبض لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض وأما بعد القبض فجائز، كذلك لا تجوز الإقالة فى الطعام قبل القبض أما بعده فجائز وهذا على القول بأن الإقالة بيع ومن قال بأن الإقالة ليست بيعا فسخ بيع أجاز الإقالة بين المتبايعين ولو قبل قبض المسلم إليه ثم قال
(1)
:
ولا شك فى أثبات الإقالة فيما أصله بالبيع إذا قلنا أنها فسخ ووقعت بين البائعين ثم قال: وجازت فى كل شئ وجائز بيعه وهذا نص آخر على اختصاص الإقالة بما كان بالبيع وهو البيع المحض، وفى شرح النيل
(2)
: وان قال البائع للمشترى أقلنى وأزيدك فى الثمن أو قال المشترى للبائع أقلنى وأمسك من الثمن كذا وكذا فإن اجتمعت الزيادة مع الشئ لم يجز وإن لم تكن معه الزيادة فلا بأس بها للمشترى والبائع وقيل: لا يجوز منهما ذلك من الوجهين جميعا ومنهم من يقول: لا بأس عليهما فى الوجهين جميعا قالوه فى الديوان، وفى بعض الاثار اختلف فى شرط القبول بالعرض على الإقالة فأجازه قوم دون آخرين وذلك مثل أن يبيع الرجل متاعا ثم يندم فيقول لصاحبه أعطيك عشرة دراهم أو أقل أو أكثر وخذ متاعك فقيل: ان هذا مكروه وقيل: إنه جائز لأنه لم يلزمه أن يرده عليه بعد أن استحقه إلا بما يشاء فإن شاء أقاله وأخذ ما شاء وإن شاء ترك وأختير الأول وإن طلبها البائع من المشترى فله أن يزداد عليها شيئا من البائع، وإن طلبها منه المشترى على أن يرد عليه شيئا فالخلاف السابق، ومن قال لرجل: أحب أن تقيلنى فى الدراهم التى أسلفتها إياى فقال أقلتك وفسخت السلف عنك ولم يعطه شيئا فلما جاءت الثمرة قال أعطنى حقى فقال أنت أقلتنى ولم تعطنى وأنا راجع عليك فهذه إقالة تامة وقد انفسخ السلف وليس له إلا رأس ماله ثم قال فى شرح
(3)
النيل: ويجوز للمشترى أن يقيل وارث البائع لأن المقيل هو المباشر للبيع فقد وجد شرط الإقالة وهذا على القول بأن الإقالة تجوز لغير البائع ولا يجوز لوارث المشترى أن يقيل للبائع بالنسبة للمقال فيه فقد قال فى شرح النيل:
بالإرث لا بالشراء وقد علمت أن المقيل يكون هو الذى تولى الشراء أو البيع أما حكم الزيادة أو النقص بالنسبة للمقال فيه فقد قال فى شرح
(4)
النيل:
ويلزم الإخبار فى الإقالة بما حدث فى المبيع من عيب أما النقص القليل الذى لا يؤثر ولا يعد عيبا فى ذاته فلا يلزم الإخبار به وأما النقص الكثير الذى يعد عيبا فلا بد من الإخبار به ثم قال ولا تصح الإقالة بعد زيادة من خارج كصبغ ثوب أو غرس أرض وذلك على القول بعدم جواز الإقالة بأقل أو بأكثر وأما على القول بالجواز فتجوز بعد الزيادة من خارج ثم قال فى موضع
(5)
آخر: وما ينتفع به المشترى من غلة مبيع كثمار وزبد وسمن ولبن وما يتولد من ذلك وحطبه وكراء منزل ودابة وصوف وشد دوبر وكل ما ينتفع به من حمل وركوب وغير ذلك وسكنى دار وبيت ولباس لثوب فان المشترى لا يلزمه أن يخبر بشئ من ذلك من أقاله بل له ذلك الذى ينتفع به كله سواء بقى ولم يحضر فى مقام الإقالة أو فنى أما ما بقى وحضر فى مقام الإقالة ولو وجد بعد الشراء وما حضر وقت الصفة الأولى ولو فنى قبل وقت الإقالة لأن له قسطا من الثمن فى ذلك فيتبع الإقالة فيكون للمقال كصوف ولو جزا إن حضر فى مقام الاقالة وتمر وإن صرم إن حضر فى مقام الإقالة فمن اشترى دابة ذات حمل فإنه إذا أقال فيها بعد ولادتها تبع ولده وكان للمقال.
ومن اشترى نخلا أو شجرا وفيها ثمار غير مدركة أو غير مدبرة فذلك له لا يدخل فى الإقالة إن أدرك بعد ذلك فى ملكه قبل الإقالة فأتلفه وإن أدركت الثمار حين الشراء تبعت الإقالة لكن ذلك على القول بجواز بيع أشياء مختلفة بثمن واحد فى عقدة واحدة أو على أن الثمر ما لم يقطع فهو جزء من شجرته ولو
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 529 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 529 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 536 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 542 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 538، ص 539 وما بعدهما الطبعة السابقة.
أدرك
(1)
، وجاء فى شرح النيل
(2)
: وكذلك يضمن ما تلف وقد حضر الصفقة إلا إن استثناه فإنه لا يلزمه غرمه ان استثناه بناء على جواز الإقالة بأقل أو أكثر فيكون مقيلا منقص من حيث أنه أنقص ما استثناه وإن شئت فقل بزيادة من حيث أنه أقال فى بعض ما اشترى بجميع الثمن لا ببعضه فقط وما لم يحضر حال الشراء ووجد حال الإقالة بمنزلة ما حضر حال الشراء على ما مر وحيث لزم الغرم فإنما يغرم المثل إن أمكن وإلا فالقيمة وقيل القيمة ولو أمكن المثل والواضح أن ما حضر الصفقة الأولى يتبع الإقالة ولو فنى قبلهما وما حدث بعدها وحضر معها ولم يغب تبعها فيبقى حمل كلام المصنف على ذلك كله ويفيد قوله ولو جز وقوله وان حرم بما حضر الصفقة الأولى ولعله قال يتبع الحادث لأن الإقالة بيع والبيع يمر الحاضر كما قال وجرت ما يجر البيع، وفى الديوان
(3)
وأما ما كان من الغلة فى حين البيع مثل الصوف فجزها أو التمر فغرمها أو مثل ولو يتبع أمه فهذا كله يرده مع ذلك الشئ وإذا رده بالقيلولة ولو تلف ذلك كله فان رد ذلك الشئ بالقيلولة فإنه يغرم له مثل ذلك والحمل والتمر إن لم يدرك مثل ما كان فى أول حال البيع ومنهم من يقول هذا كله مثل ما حدث من الغلات بعد البيع فلا يرد شيئا منه ومنهم من يقول إذا اشترى النخل وتمرها قد أدرك فأقاله بعد ذلك فى النخل ولم يذكر التمر ولم يسم الثمن.
إن الإقالة لا تجوز وكذلك الدابة مع صوفها فى ذلك وقبل فى الولد الذى قد خرج من البطن لا يدخل فى الشراء الأول إلا إن ذكروه فلو اشتراه بعد على حدة وثم أقال فيها لم يدخل فى الإقالة ولو حضر وتبع أمه وفى الأثر ومن باع لرجل حبا أو تمرا أو علفا كتبن أو قصب ثم طلب الإقالة فقال له المشترى لا أقبلك إلا أن أبرأتنى مما أذهبت منه وكان نحو نصفه أو أكثر أو أقل فقال له أبرأتك منهم ثم رجع يطلب منه فقد أبرأه ولا شئ له عليه إن عرفه ما أذهب منه وإلا وطلبه البائع انتقضت الإقالة ورجع على المشترى بتمام الثمن الا ان قبل ما بقى ولا يرجع على المشترى بشئ فله ذلك إذا أقاله ومن اشترى قبل متاعا ثم ندم ورده إلى صاحبه ولم يقيله باللفظ وصار المال والثمن عند البائع وقال قبلت ما رددته والثمن لى لأنى لم أقلك فقيل إن ثبت المبيع فالإقالة لا تكون إلا بلفظ يوجبها وليس قبض البائع المال إقالة منه فى الحكم ولا له فيه الا الثمن حتى يتفقا على إقالة البيع وقيل من اشترى عبدا فاستخدمه أو مالا فاستغله ثم استقبل فيه فإن طلبها هو لزمه أن يرد الغلة وإن طلبها البائع لم تكن له لموجب الخراج بالضمان وإذا طلبها المشترى من البائع فأقاله فهلك البيع عنده قبل أن يوصله إليه فمن ماله إلا إن قال له البائع قد أقلتك فيه وقال له قد أسلمته إليك فمن مال البائع ومن باع لأحد دابة ثم اختلفا فى الثمن فقال له البائع أقالك الله ولم تحضر الدابة ولا تمسك بها مشتريها جازت الإقالة وإن غابت وقيل ليس ذلك باقالة ولا إن قال له: الله أقالك اتفاقا وإن قال أقلتك أو أقيلك ثبت بذلك ومن اشترى من رجل دابة فولدت عنده ثم أقاله فيها فقيل يردها وأولادها وقيل ما وقع عليه البيع فقط لأنها قبل فسخ لأول وقيل بيع ثان وكذا من اشترى أرضا وفسلها وأقال البائع فيها فقيل هى كالدابة فى الخلاف وقيل تفارقها كلام الأثر، وجرت الإقالة
(4)
ما يجره البيع مما وجد مال البيع الأول أو حدث بعده فلو اشترى فرسا بلا لجام وجعل له لجاما فأقال فيه وهو فيه وحاضر تبع الإقالة ولو اشترى شاة غير حامل ثم أقال فيها أو أقالها تابعا لها ولدها واشتراها لا صرف فيها ثم أقالها وفيها الصرف ولم يستثن ذلك تبع الإقالة ففى الديوان كل ما يدخل فى البيع مما لم يذكره البائعان عند عقدة البيع فهو داخل أيضا فى القيلولة قال الشيخ احمد بن
(1)
انظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 538، ص 539 وما بعدهما طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر سنة 1344 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 539 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
انظر شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 540 وما بعدها طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1344 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 141 وما بعدها الطبعة السابقة
محمد بن بكر رحمهم الله تعالى وما كان من نماء الشئ وغلاته فى حال البيع فهو مع الشئ فى القيلولة إلا إن استثناه المشترى وما حدث بعد البيع من النماء والغلات فلا تجره الإقالة إلا ما يجره البيع من ذلك وتدرك فيه الشفعة أيضا بالإقالة ثم قال حول مبيع عن حاله الأول كحب وطحن وصوف نسج وليف فتل أو عود أو حديد عمل آنية صحت الإقالة فيه لغير البائع بإخبار بحادث فيه من تحويل وفى الإقالة فيه للبائع به أى بالمبيع المحول عن حاله بلا اخبار قيل بالجواز لأنه عالم يخلو مبيعه عن ذلك الحادث فى حال البيع فإذا رده مغيرا حال إقالته فيه فرض الإقالة فذلك قبول له مع تغيره وقيل بعدم الجواز للتغير ولقصد تمام الصدق والموافقة عند عقد الإقالة وقول اخر التغيير مطلقا يمنع الإقالة ولو مع إخبار ففى الديوان وكل ما اشتراه فغيره عن حاله الذى كان عليه أولا مثل القمح والشعير فطحنها والدقيق فعجنه وخبزه والقطن والصوف والكتان فعمل منها ثيابا فلا يجوز القيلولة فى هذا كله.
من يملك الإقالة ومن لا يملكها
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر الرائق
(1)
أنهم قالوا من يملك البيع ملك إقالته فصمت إقالة الموكل ما باعه وكيله وإقالة الوكيل بالبيع ويضمن إلا فى مسائل، الأولى:
الوصى لو اشترى من مديون اليتيم دارا بعشرين وقيمتها خمسون فلما استوفى الدين أقاله لم تصح إقالته، الثانية: العبد المأذون اشترى غلاما بألف وقيمته ثلاثة آلاف لا تصح إقالته ولا يملكان الرد بالعيب بخلاف الرد بخيار الشرط والرؤية كذا فى بيوع القينة، الثالثة: المتولى على الوقف إذا اشترى شيئا بأقل من قيمته لا تصح اقالته وكذا إذا أجر ثم أقال ولا صلاح فيها للوقف لم يجز وفى بعض المواضع ان كان قبل القبض جازت وإلا
الرابعة: الوكيل بالشراء لا تصح إقالته بخلاف الوكيل بالبيع تصح ويضمن. الخامسة الوكيل بالسلم على تفصيل فيه. قال ابن عابدين فى حاشيته
(2)
على البحر تعليقا على قوله، الخامسة الوكيل بالسلم قال الرملى وعليك أن تتأمل ما فى الظهيرية ويتضح إذا كان معناه فيملكها على الموكل فى قول محمد وهو صريح فى أن أبا حنيفة يقول بأنه لا يملكها عليه بل تصح على نفسه ويضمن وقال الحموى فى حواشى الأشباه بعد ذكره ما نقله المؤلف، وفى جامع الفصولين: الوكيل لو قبض الثمن لا يملك الإقالة إجماعا فتأمل ما بين كلام الظهيرية وكلام جامع الفصولين، وتخصيص قول محمد فى كلام الظهيرية غير ظاهر، وفى البزازية الوكيل بالبيع يملك الإقالة قبل القبض أو بعده من عيب او من غير عيب ومثله فى جامع الفتاوى.
اهـ قال ابن عابدين: كلام جامع الفصولين فيما بعد قبض الثمن فلا ينافى ما فى الظهيرية وما نقله عن البزازية لم أره فى إقالتها بل رأيت فى الوكالة بالبيع منها ما نصه: إقالة الوكيل بالسلم وإقالة الوكيل بالبيع جائزة عند الإمام ومحمد بخلاف الوكيل بالشراء فإنه لا يملكها اجماعا ونقل ابن عابدين عن القنية أن بإقالة الوكيل بالبيع يسقط الثمن عن المشترى عندهما ويلزم المبيع الوكيل وعند أبى يوسف لا يسقط الثمن عن المشترى أصلا، قال فى العصامى: ولو باع الوكيل ثم أقال قبل قبض أو بعده بعيب أو غير عيب لزمه بدون الأمر قال رضى الله تعالى عنه اقالة الموكل بالشراء مع البائع لما صحت فكذلك إقالة الموكل بالبيع مع المشترى ثم قال صاحب البحر: إنما يضمن الوكيل بالبيع إذا أقال إذا كان بعد قبض الثمن أما قبله فيملكها فى قول محمد كذا فى الظهيرية والوكيل بالاجارة اذا ناقض مع المستأجر قبل استيفاء المنفعة وقبل قبض الأجر صح سواء كان الأجر عينا أو دينا وفى فتاوى الفضلى إذا باع المتولى أو الوصى شيئا بأكثر من قيمته لا تجوز إقالته وإن
(1)
انظر كتاب البحر الرائق لابن نجيم ج 6 ص 111 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 111 وما بعدها الطبعة السابقة.
كانت بمثل الثمن الأول وفى القنية: باعت ضيعة مشتركة بينها وبين ابنها البالغ وأجاز الابن البيع ثم أقالت وأجاز الابن الإقالة ثم باعتها ثانيا بغير إجازته يجوز ولا يتوقف على اجازته لأن بالاقالة يعود المبيع الى ملك العاقد لا إلى ملك الموكل والمجيز ووجهه أن الإقالة بيع جديد فى حق العاقدين فصارت البائعة وكيلة بالبيع بالاجازة لأن الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ثم لما أقالت البيع صارت مشترية لنفسها والشراء لا يتوقف متى وجد نفاذا على العاقد فصار الشراء لها وإن أجاز الابن لعدم التوقف فإذا باعت ثانيا فقد باعت ملكها فلا يتوقف على إجازة الابن.
مذهب المالكية:
يملك الوكيل الإقالة عن موكله فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية
(1)
الدسوقى عليه: الوكالة تصح فى أمر يقبل النيابة شرعا من عقد كبيع وإجارة ونكاح وصلح وفسخ عقد يجوز فسخه كمزارعة قبل بذر وبيع فاسد ويدخل فيه الإقالة، وفى التاج والإكليل بهامش الحطاب
(2)
: قال يجوز جميع ما صنع الوكيل المفوض من اقالة أورد بعيب ونحوه على الاجتهاد وبلا محاباة، وجاء فى المدونة الكبرى: قلت أرأيت لو وكلت رجلا أن يسلم فى طعام ففعل ثم أقال الوكيل بغير أمرى أيجوز ذلك فى قول مالك قال لا يجوز ذلك عند مالك لأن الطعام انما وجب للآمر، قلت أرأيت إن وكلت رجلا أن يسلم فى طعام ففعل ثم ان الآمر أقال البائع أو ترك ذلك له أو وهبه له قال أرى أن الطعام إنما وجب للآمر فكل شئ صنع فى طعامه مما يجوز له فذلك جائز ولا ينظرها هنا إلى المأمور فى شئ من ذلك، وكذلك تجوز اقالة الشريك فى شركة المفاوضة وهى التى يطلق فيها التصرف لكل من الشريكين على حدة فقد جاء فى الشرح
(3)
الكبير: ويجوز للشريك فى شركة المفاوضة أن يقيل من سلعة باعها هو أو باعها شريكه لأن كلا منهما كوكيل عن صاحبه فى البيع والشراء والأخذ والعطاء وجاء فى المدونة
(4)
: قلت أرأيت ما باع أحد المتفاوضين أو ولى أو أقال أليس ذلك جائزا على شريكه وان كان بغير أمره قال: نعم فى قول مالك قلت: أرأيت إذا باع أحد الشريكين جارية من شركتهما فأقاله شريكه الآخر أتجوز الاقالة قال: ان كان حاباه فى الإقالة يعلم الناس أن إقالته محاباة لا يضاع ثمنها وكثرة ما باعها به صاحبه من الثمن وأن صاحبها الذى اشتراها ملى بالثمن فلو شاء أن يأخذ الثمن أخذه فأقاله فهذا لا يجوز ولا يجوز له إلا قدر حصته ولا يجوز له أن يصنع المعروف فى مال شريكه إلا ما يعلم أنه إنما أراد بذلك التجارة وما يجربه إلى التجارة والمعروف كله لا يجوز لمن يصنعه فى مال شريكه وهو يجوز عليه هو من ذلك قدر حصته ولو كان انما أقاله لعدم به خاف أن يذهب الثمن كله فأ قاله على وجه النظر لنفسه ولشريكة فذلك جائز على شريكه لأن هذا ليس من المعروف وهذا شراء حادث قلت وهو قول مالك أقال: هذا رأيى وبالنسبة للولى على المحجور قال فى الشرح
(5)
الكبير: والولى على المحجور وهو الأب الرشيد له البيع لمال ولده المحجور عليه مطلقا وإن لم يذكر سببا للبيع بل وان لم يكن سبب لحمله على السداد عند كثير من أهل العلم ثم يلى الأب وصية فوصى الوصى وأختلف فى أنه كالأب فيكون له البيع مطلقا وإن لم يذكر أولا يلزمه بيان السبب إلا فى القصار إذا باعه فيبين السبب وبالنسبة للمقاس المحجور عليه قال فى
(1)
انظر كتاب مواهب الجيل ج 5 ص 195.
(2)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 86.
(3)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 10 ص 83 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1321 هـ.
(4)
انظر كتاب الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 352 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
انظر كتاب المدونة الكبرى للامام مالك ج 12 ص 820 وما بعدها الطبعة السابقة.
وانظر كتاب حاشية الدسوقى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 299 وما بعدها الطبعة السابقة
الشرح الكبير
(1)
: من احكام الإفلاس منع المفلس من التصرف فى المال وبيع ماله وحبسه ورجوع الإنسان فى عين شيئة فإن وقع التصرف لم يبطل بل يوقف على نظر الحاكم أو الغرماء وبالنسبة للورثة إذا أقال مورثهم فى مرض موته قال فى المدونة
(2)
: قلت أرأيت لو أتى أسلمت إلى رجل مائة درهم فى مائة أردب حنطة ثمنها مائتا درهم ولا مال لى غيرها فأقلته فى مرضى ثم مت أيجوز له من ذلك شئ أم لا قال:
يجيز الورثة فإن أحبوا أن يقبلوه ويأخذ رأس المال فذلك جائز وإن أبوا قطعوا له بثلث ما عليه من الطعام وأخذوا ثلثين وإن كان الثلث يحمل جميعه جاز ذلك له وتمت وصيته قلت أرأيت ان لم يكن فيه محاباة إنما كان الطعام يساوى مائة درهم وانما كان رأس مال المريض مائة درهم فأقاله أيجوز أم لا قال نعم. وجاء فى المدونة
(3)
: قلت أرأيت أن وكلت رجلا أن يسلم لى دنانير فى عشرة أرادب حنطة ففعل الوكيل ذلك ثم إن الوكيل أقاله بعد ذلك قال ابن القاسم إن كان ذلك قد ثبت للذى ابتاع له بالبينة أو باعتراف من الوكيل قبل أن يقيله أنه انما ابتاع ذلك للذى وكله فلا يجوز اقالته إلا بأمر الآمر الذى وجب له الطعام قلت وهذا قول مالك قال نعم قلت أرأيت أن وكلت وكيلا أن يسلم لى فى طعام أو يبتاع لى سلعة بعينها ففعل ولم يذكر عند عقدة الشراء للبائع أنه انما يبتاع لغيرة وقد شهد الشهود عليه أنه أقر بأنه إنما ابتاع لى وأشهد الشهود عليه حين أمرته بذلك لمن تكون العهدة ها هنا أو للوكيل على البائع أم للآمر قال ولكنها للآمر على البائع قلت فإن أصاب الوكيل عيبا بعد ما اشترى لم يكن له أن يرد لأن العهدة إنما وقعت لغيره قال إذا كان إنما أمره أن يشترى له سلعة بعينها منوية فقال له اشترى عبد فلان لم يكن له أن يرد إن كانت سلعة موصوفة ليست بعينها فللوكيل أن يردها إن وجد فيها عيبا قلت لم قال لأن الوكيل هاهنا ضامن لأنه لو اشترى سلعة بها عيب تعمد ذلك ضمن فلذلك إذا وجد بها عيبا بعد مشتراها وهو يقدر على أن يردها فلم يفعل فهو ضامن قال وإنما يعطى الناس أن تشترى لهم السلع على وجه السلامة وقال أشهب السلعة بعينها أو غير عينها العهدة على البائع للآمر والآمر المقدم فى الاجازة والرد عن نفسه والآمر بالخيار فيما فعل المأمور من الرد إن شاء أجاز رده وان شاء نقضه وارتجع السلعة الى نفسه إن كانت قائمة وإن كانت قد فاتت فله أن يضمن المأمور لأنه المتعدى فى الرد لسلعة قد وجبت للآمر قلت لابن القاسم ولم يرد الوكيل هذه السلفة التى يغير عينها أمن قبل أن للوكيل على البائع عهده قال لاقت فلأى شئ جعلته يرد إذا أصاب عيبا وليست له عهدة قال لأنه ضامن اذا شترى عيبا ظاهرا فلهذا الوجه جعلته يرد السلعة لغير عينها قلت وكذلك لو وكل وكيلا يبيع له سلعة فباعها لم يكن له أن يقبل ولا يضع من ثمنها شيئا قال نعم قلت وهذا قول مالك قال نعم قال ابن القاسم وهذا فى الوكيل على اشتراء شئ بعينه أو بيعه فى الشئ القليل المفرد وأما الوكيل المفوض إليه الذى يشترى ويبيع باجتهاده فهذا الذى يكون كل ما صنع على النظر أقاله أورد بعيب أو ابتداء اشتراء عيب جائز على الآمر اذا لم يكن فيما فعل محاباة قلت أرأيت إن وكلت رجلا يسلم لى فى طعام ففعل فلما حل الأجل أخذ الوكيل الذى عليه الطعام من غير أن يأمره بذلك الآمر قال لا يجوز ذلك عند مالك وقد فسرنا ما يشبه هذا.
مذهب الشافعية:
يجوز للوكيل أن يقيل عن موكله فقد جاء فى حاشية الباجورى
(4)
: يشترط فى الموكل فيه أن يكون معلوما ولو بوجه كوكلتك فى بيع أموالى وعتق أرقائى ويشترط أن يكون قابلا للنيابة من عقد
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 256 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر من كتاب المدونة الكبرى للامام مالك ج 12 ص 82، ص 83 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 83، ص 84، ص 85 وما بعدهم الطبعة السابقة.
(4)
انظر كتاب حاشية العلامه الفاضل القدوه الكامل الشيخ ابراهيم الباجورى على شرح العلامه ابن قاسم الغزى على متن الشيخ ابى شجاع فى مذهب الامام الشافعى ج 1 ص 657.
كبيع وهبة وكل فسخ كإقالة ورد بعيب، وفى المهذب
(1)
: يجوز التوكيل فى فسخ العقود لأنه إذا جاز التوكيل فى عقدها ففى فسخها أولى وبالنسبة للشريك جاء فى المهذب
(2)
: لا يجوز لأحد الشريكين أن يتصرف فى نصيب شريكه الا باذنه فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه فى التصرف تصرفا وإن أذن أحدهما ولم يأذن الآخر تصرف المأذون فى الجميع ولا يتصرف الآخر فى نصيبه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(3)
: تصح الاقالة من مضارب وشريك تجارة سواء كانت شركة عنان أو شركة وجوه بغير إذن شريكه فيما اشتراه شريكه لظهور المصلحة فيها كما يملك المضارب ونحوه الفسخ بالخيار لعيب ونحوه، ومن وكل فى بيع فباع لم يملك الإقالة بغير إذن موكله أو وكل فى شراء فاشترى لم يملك الإقالة بغير اذن الموكل لأنه لم يوكل فى الفسخ وتصح الإقالة من مؤجر وقف إن كان الاستحقاق له لأنه كالمالك وظاهره إن كان الاستحقاق مشتركا أو لمعين غيره أو كان الوقف على جهة لم تصح الإقالة وعمل الناس على خلافه وفى الفروع فى الحج من استؤجر عن ميت يعنى لكى بحج عنه فإن قلنا تصح الإجارة فهل تصح الإقاله لأن الحق للميت؟ يتوجه احتمالان قال فى تصحيح الفروع الجواز لأنه قائم مقامه فهو كالشريك والمضارب وقياسها جوازها من الناظر ومن ولى اليتيم لمصلحة وتصح الإقالة كذلك من مفلس بعد حجر الحاكم عليه بلا شروط بيع والحاكم عليه لمصلحة كفسخ البيع لخيار.
مذهب الظاهرية:
الإقالة عند ابن حزم بيع من البيوع يجرى فيها ما يجرى فى البيوع من شروط وخلافه وقد أورد ابن حزم ما يدل على جواز بيع الوكيل لموكله إذا كان بإذنه فقد قال ابن حزم فى المحلى
(4)
: لا يحل لأحد أن يبيع مال غيره بغير إذن صاحب المال له فى بيعه فإن وقع بغير إذنه فسخ أبدا سواء كان صاحب المال حاضرا يرى ذلك أو كان غائبا ولا يكون فى سكوته رضا بالبيع طالت المدة أو قصرت ولو بعد مائة عام أو أكثر بل يأخذ ماله أبدا هو وورثته بعده ولا يجوز لصاحب المال أن يمضى ذلك البيع أصلا إلا أن يتراضى هو والمشترى على ابتداء عقد بيع فيه وهو مضمون على من قبضه ضمان الغصب وكذلك لا يلزم أحدا شراء غيره له إلا أن يأمره بذلك فإن اشترى له دون أمره فالشراء للمشترى ولا يكون للذى اشتراه له أراد كونه له أو لم يرد إلا بابتداء عقد شراء مع الذى اشتراه الا الغائب الذى يوقن بفساد شئ من ماله فسادا يتلف به قبل أن يشاور فإنه يبيعه له الحاكم أو غيره ونحو ذلك ويشترى لأهله مالا بدلهم منه ويجوز ذلك أو ما بيع عليها بحق واجب لينصف غريم منه أو فى نفقة من تلزمه نفقته فهذا لازم له حاضرا كان أو غائبا رضى أم سخط برهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ 5 إِلاّ عَلَيْها» وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم» أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام» فليس لأحد أن يحل ما حرم الله تعالى من ماله ولا من بشرته ولا من عرضه ولا من قومه إلا بالوجه الذى أباحه به نص القرآن الكريم أو السنة ومن فعل ذلك فهو مردود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد أو السكوت ليس رضا إلا من اثنين فقط أحدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم المأمور بالبيان الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الذى لا يقر على باطل والذى ورد النص بأن ما سكت عنه فهو عفو جائز والذى لا حرام إلا ما فصل لنا تحريمه ولا واجب إلا ما أمرنا به فما لم يأمرنا به ولا نهانا عنه فقد خرج عن أن يكون فرضا
(1)
انظر من كتاب المهذب ج 1 ص 349 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 346 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
انظر كتاب كشاف القناع على متن الاقناع ج 2 ص 85، ص 86 وما بعدهما الطبعة السابقة وانظر كتاب الاقناع فى فقه الامام احمد بن حنبل ج 2 ص 113 الطبعة السابقة.
(4)
انظر كتاب المحلى لابن حزم الظهرى ج 8 ص 434 مسألة رقم 1460 الطبعة السابقة.
(5)
الاية رقم 164 من سورة الانعام.
أو حراما فبقى أن يكون مباحا ولا بد فدخل سكوته الذى ليس أمرا ولا نهيا فى هذا القسم ضرورة، والثانى: البكر فى نكاحها للنص الوارد فى ذلك فقط، وأما كل من عدا ما ذكرنا فلا يكون سكوته رضا حتى يقر بلسانه لأنه راض به منفذ ويسأل من قال إن سكوت من عدا هذين رضا ما الدليل على صحة قولكم وقال
(1)
ابن حزم فى موضع آخر من المحلى: من وكل وكيلا ليبتاع له شيئا سماه فابتاعه له بغبن بما لا يتغابن الناس بمثله أو وجده معيبا عيبا يحط به من الثمن الذى اشتراه فله الرد أو الإمساك أو الاستبدال أو فسخ الصفقة لأن يد وكيله هى يده.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج
(2)
المذهب: أنه تصح الإقالة من صبى بلغ فيما باعه وليه قبل بلوغه وكذلك تصح الاقالة من مجنون أفاق ولا يعتبر بقاء الولى، إما لو مات أحد المالكين فلا تصح الإقالة من الوارث ولكن إذا وصى بالإقالة أو الفسخ لزم الوصى ذلك فإن امتنع ناب الحاكم عن الموصى
(3)
ثم قال: وعلى القول بأن الإقالة فسخ فيصح فيها قولى واحد طرفيها بالولاية أو بالوكالة لا بالفيضلة «أى الفضولى» وصورة الولاية أن يبيع رجل من آخر وبعد البيع يجنان فإن وليهما تصح منه الإقالة وهذا بخلاف ما إذا قيل إن الاقالة هى بيغ، وقال فى موضع
(4)
آخر:
يشترط أن تقع الإقالة بين المتعاقدين والأولى أن يقال بين المالكين ولو وكلا فى العقد أو الإقالة، وتصح أن تكون بين لوليين بمصلحة تحصل لا الوكيل ولا الفضولى فلا تصح منهما الإقالة وكذا الفسخ أما إذا وكل بالإقالة أو الفسخ صح وإنما لم تصح من وكيل البيع أو الشراء لأنه ينعزل بالفعل الأول فلا بد من توكيل فى الإقالة إذ لا يكفى التوكيل بالعقد فلو كان العاقد وكيلا لغيره بالبيع أو الشراء صحت الإقالة.
مذهب الإمامية:
جاء فى مختصر
(5)
النافع: بالنسبة للشريك يقتصر فى تصرف الشريك على ما تناوله الإذن ولو كان الإذن مطلقا صح التصرف ولو شرط الاجتماع لزم ثم قال فى موضع اخر
(6)
الوكيل: تصح الوكالة فى كل فعل لا يتعلق غرض الشارع فيه بمباشر معين كالبيع والنكاح ثم قال فى الوصية
(7)
. ويتصرف الكامل حتى يبلغ الصبى ثم يشتركان وليس للصبى إذا بلغ نقض ما أنفذه الكامل.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(8)
: ولوكيل على شراء أو خليفة أو مأمور بذلك لغائب أو حاضر أو مجنون أو يتيم أو مسجد أو نحو ذلك الرد بالإقالة مثل أن يبيع شيئا من ماله ويرده لهؤلاء بالإقالة ومثل أن يبيع إنسان ماله أو مال غيره فيرده وكيل هؤلاء أو خليفتهم أو المأمور لهؤلاء بالإقالة والتولية وذلك على أن الاقالة بيع وإلا لم يصح ذلك الا للخليفة ينوى بالإقالة نفس الشراء لمن وكله أو استخلفه ثم قال ولبائع ما بيده من مال غيره كيتيم ومجنون وغائب وحاضر ونحو ذلك بأمر أو خلافه أو وكالة الرد بالإقالة وإن لنفسه ولا سيما لغيره ممن قام عليه وناب ممن لم يكن أصل المال له كيتيم آخر أو ممن له أصل المال وذلك أن يرده بالإقالة لنفسه على القول بجواز الاقالة لغير البائع لإن البائع هو اليتيم مثلا بواسطة
(1)
المحلى لابن حرم ج 8 ص 434، 435 وج 9 ص 71.
(2)
التاج المذهب ج 2 ص 478.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 481.
(4)
الازهار ج 3 ص 169، وما بعدها.
(5)
مختصر النافع ص 169.
(6)
المرجع السابق ص 167.
(7)
المرجع السابق ص 189.
(8)
شرح النيل ج 4 ص 534، 535.
وكيله ولما رده وكيله لنفسه لا للطفل كانت لغير البائع وغيره هو الوكيل وإيضاح ذلك أن الوكالة كانت على البيع والشراء وكذا الأمر، ومعلوم أن الاقالة بيع وشراء فإذا رد ما باع له بالإقالة تصح ولو إلى البائع فقد اشترى له وإذا اشترى له شيئا ثم أقال بائعه أو غيره فقد باع ماله واذا باع مال عيره فرده لنفسه بالإقالة فقد اشتراه لنفسه فمن قال انها فسخ فإذا رده بالإقالة لم يصح الرد إلا إن رضى به من كان أصل المال له لأنه موكل أو مأمور على البيع فقط لا على البيع ثم الفسخ فإذا رضى به كان له لا لمن رده بالإقالة ولو رده لنفسه إلا إن رضى بأن يكون له بعد الرد وكذا الشراء إذا رده بأحداهما (أى الاقالة أو التولية) إلا لخليفة لعموم الخلافة فله الاخذ أو الرد بالإقالة بلا إذن لمن قام عليه ولو قلنا إنها فسخ قالوا فى الديوان وإن اشترى رجل من رجلين شيئا فأراد أن يقيل واحدا منهما دون الآخر فإنه جائز بثمن معلوم وكذلك إن اشترى رجلان من رجلين على هذا الحال وهذا كله فى نصيبه من الشئ بما نابه من الثمن وإذا باع ماله فله أن يرده بالقيلولة لمن ولى أمره مثل ابنه الطفل أو اليتيم أو المجنون أو الغائب إن كان لهم خليفة وكذلك الوكيل على الشراء يرد ما باع من ماله بالقيلولة لمن وكله على الشراء وكذلك من باع ما فى يده من مال غيره فإنه يرده لنفسه أو لغيره بالقيلولة وما اشتراه المشترى لغيره فمن ولى أمره مثل الطفل والمجنون فإنه يرده بألقيلولة لمن أشتراه منه أن رأى ذلك أصلح ويجوز للغائب وللطفل وللمجنون رد ما اشترى لهم بالإقالة وذلك بأن يقولوا لمن باع لقائمهم أقلناك فيه وإنما يصح ذلك بعد قدوم الغائب وبلوغ الطفل وإفاقة المجنون وصحو من الأبكم فهم مثل خلائفهم لهم الإقالة حيث أن خلائفهم لهم الإقالة قبل صحو المجنون وبلوغ الطفل وقدوم الغائب وكذلك الوكيل والمأمور لهما الإقالة حيث صح الأمر والتوكيل وكذلك الحاضر العاقل السالم البالغ إذا استخلف أو أمر أو وكل فله الرد والجلب بالإقالة، أما الوكيل على الشراء إن اشترى لمن وكله ما وكله عليه فلا يرده بالإقالة، وما باع العبد المأذون له فى التجر من مال مولاه فإنه يرده ذلك العبد ويرده مولاه إن شاء وكذلك ما باعه المقارض من مال القراض فإنه يرده بالإقالة لنفسه وكذلك للمقارض إن شاء ويرده صاحب المال أيضا بالإقالة إن شاء.
هل الإقالة فسخ أم بيع
وما يترتب على ذلك:
مذهب الحنفية:
قال صاحب متن الكنز
(1)
: الإقالة فسخ فى حق المتعاقدين بيع فى حق ثالث «قال صاحب البحر وهذا عند أبى حنيفة إلا ان تعذر جعلها فسخا بأن ولدت المبيعة بعد القبض أو هلك المبيع فإنها تبطل
(2)
ويبقى البيع على حاله أطلقه فشمل ما اذا كان قبل القبض أو بعده وروى عن أبى حنيفة أنها فسخ قبل القبض بيع بعده كذا فى البدائع وظاهره ترجيح الإطلاق وقال أبو يوسف رضى الله تعالى عنه هى بيع إلا إن تعذر بأن كانت قبل القبض ففسخ إلا إن تعذر فتبطل بأن كانت قبل القبض فى المنقول بأكثر من الثمن الأول أو بأقل منه أو بجنس آخر أو بعد هلاك المبيع وقال محمد هى فسخ إلا إن تعذر بأن تقايلا بأكثر من الثمن الأول أو بخلاف جنسه أو ولدت المبيعة بعد القبض فبيع إلا إن تعذر بأن كانت قبل القبض بأكثر من الثمن الاول فتبطل والخلاف المذكور انما هو فيما إذا وقعت بلفظها اما بلفظ الفسخ أو الرد أو الترك فإنها لا تكون بيعا وفى السراج الوهاج: أما إذا كانت بلفظ البيع كانت بيعا إجماعا كما إذا قال البائع له بعنى ما اشتريت فقال بعت كان بيعا وفائدة كونها فسخا فى حقهما عنده
(1)
انظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام العلامه الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه منحة الخالق ج 6 ص 111 طبع المطبعة العلمية بمصر الطبعة الاولى سنة 1310 هـ وانظر أيضا بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 316 وما بعدها الطبعة الاولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 112 وبهامشه منحة الخالق الطبعة السابقة.
تظهر فى خمس مسائل الأولى: وجوب الثمن الاول وتسمية خلافه باطل، الثانية: أنها لا تبطل بالشروط المفسدة ولكن لا يصح تعليقها بالشرط كأن باع فورا من زيد فقال اشتريته رخيصا فقال زيد إن وجدت مشتريا بالزيادة فبعه منه فوجد بأزيد لا ينعقد البيع الثانى لأنه تعليق الإقالة لا الوكالة بالشرط كذا فى السراج الوهاج: الثالثة: إذا تقايلا ولم يرد المبيع حتى باعه منه ثانيا جاز ولو كانت بيعا لفسد وهذه حجة على أبى يوسف رحمه الله تعالى لأن البيع جائز بلا خلاف بين أصحابنا الا أن يثبت عنه الخلاف فيه كذا فى البدائع ولو باع من غير المشترى لم يجز لكونه بيعا جديدا فى حق ثالث واذا تبايعا بعدها يحتاج المشترى إلى تجديد القبض لكونه بعدها فى يده مضمونا بغيره وهو الثمن فلا ينوب عن قبض الشراء كقبض الرهن بخلاف قبض الغصب كذا فى المكافى هنا وفيه من باب المتفرقات تقابضا متقايلين فاشترى أحدهما ما أقال صار قابضا بنفس العقد لقيامهما فكان كل واحد مضمونا بقيمة نفسه كالمغصوب ولو هلك أحدهما فتقايلا ثم جدد العقد فى القائم لا يصير فابضا بنفس العقد لأنه يصير مضمونا بقيمة العرض الآخر فشابه المرهون، الرابعة: اذا وهب المبيع من المشترى بعد الإقالة قبل القبض جازت الهبة ولو كانت بيعا لا تفسخ لأن البيع ينفسخ بهبة المبيع للبائع قبل القبض، الخامسة: لو كان المبيع مكيلا أو موزونا وقد باعه منه بالكيل أو الوزن ثم تقايلا واسترد المبيع من غير أن يعيد الكيل أو الوزن جاز قبضه وهذا لا يطرد على أصل أبى يوسف لكونها بيعا عنده ولو كانت بيعا لما صح قبضه بلا كيل ووزن كذا فى البدائع وتظهر فائدة كونها بيعا فى حق غيرهما فى خمس أيضا: الأولى: لو كان المبيع عقار فسلم الشفيع الشفعة ثم تقايلا يقضى له بالشفعة لكونه بيعا جديدا فى حقه كأنه اشتراه منه قال ابن عابدين: فلو لم يسلم الشفيع الشفعة بأن أقال قبل أن يعلم الشفيع بالبيع فله الأخذ بالشفعة إن شاء بالبيع الأول وإن شاء بالبيع الحاصل من الإقالة، الثانية: إذا باع المشترى المبيع من اخر ثم تقايلا ثم اطلع
(1)
على عيب كان فى يد البائع فاراد أن يرده على البائع ليس له ذلك لأنه بيع فى حقه فكأنه اشتراه من المشترى الثالثة: إذا اشترى شيئا وقبضه ولم ينقد الثمن حتى باعه من آخر ثم تقايلا وعاد إلى المشترى فاشتراه من قبل فقد ثمنه بأقل من الثمن الأول جاز وكان فى حق البائع كالمحوك بشراء جديد من المشترى الثانى، الرابعة: إذا كان البيع موهوبا فباعه الموهوب له ثم تقايلا ليس للمواهب أن يرجع فى هبته لأن الموهوب له فى حق الواهب بمنزلة المشترى من المشترى منه، الخامسة: اذا اشترى بعروض التجارة عبدا للخدمة بعد ما حال عليها الحول فوجد به عيبا فرده بغير قضاء واسترد العروض فهلكت فى يده فإنه لا تسقط عنه الزكاة لكونه بيعا جديدا فى حق الثالث وهو الفقير لان الرد بالعيب بغير قضاء أقاله وقال ابن عابدين فى حاشيته على البحر: قال فى النهر: زاد فى النهاية مسألة سادسة وهى ان قبض بدلى الصرف شرط لصحة الإقالة فيجعل فى حق الشرع كبيع جديد وسئلت عن الإقالة بعد الرهن فأجبت بأنها موقوفة كالبيع أخدا من قولهم إنها بيع جديد فى حق ثالث وهو هنا المرتهن وهى مسألة سابعة وعلى هذا لو أجره ثم تقايلا فهى مسألة ثامنة قال ابن عابدين: والإقالة بعد الرهن موقوفة على إجازة المرتهن أو قضاء الراهن دينه وبعد الإجازة موقوفة على إجازة المستأجر إن أجاز نفذت وإلا بطلت ويزاد أيضا ما نقله السيد الحموى عن ابن قرشته وهو ما إذا اشترى جارية وقبضها ثم تقايلا البيع نزل هذا التقايل منزلة البيع فى حق ثالث حتى لا يكون للبائع الأول وطؤها إلا بعد الاستبراء لأن وجوب الاستبراء حق الله تعالى فالله تعالى ثالثهما كذا فى حاشية أبى السعود.
(1)
انظر من كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 113 وبهامشه منحة الخالق للامام العالم السيد محمد امين الشهير بابن عابدين طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هـ الطبعة الاولى.
مذهب المالكية:
اختلف فى حقيقة الإقالة عند المالكية فقال خليل
(1)
: الإقالة بيع إلا فى الطعام والشفعة والمرابحة قال الحطاب: اختلف فى الإقالة هل هى حل بيع أو بيع مبتدأ والمشهور ما ذكره خليل من أن الإقالة بيع من البيوع وفى
(2)
حاشيتى حجازى والأمير:
الإقالة بيع يجوزها ما يجوز البيع ويمنعها ما يمنع البيع كنداء الجمعة وتهمة سلف جر نفعا كما إذا دخل المبيع صنعة كالخياطة والنسج والدبغ فى الجلد ونحو ذلك لأنه يفهم أنه سلفه الشئ ليرده مصنوعا إلا إن يعطيه أجرة عمله وكوقوعها بأقل نقدا أو لدون الأجل أو بأكثر لأبعد قال ابن عيشون: ومن أقال فى بيع أو ابتاع فوجد شيئه قد زاد أو نقض أو مات وهو لا يعلم لم تلزمه الإقالة وفى الشرح الكبير: وإذا
(3)
حدث بالمبيع عيب وقت ضمان المشترى ولم يعلم به البائع إلا بعد الإقالة فله الرد به وأما الإقاله فى الطعام فإنها ليست ببيع وإنما هى حل للبيع السابق ولذلك جازت الإقالة فيه قبل قبضه بشروطه والإقالة بالنسبة للآخذ بالشفعة أيضا ليست بيعا ولا حل بيع بل هى لاغية ولو كانت بيعا لكان الشفيع بالخيار بين الاخذ بالبيع الأول أو الثانى وعهدته على من أخذ مبيعه ولو كانت حلا للبيع لم تثبت شفعة فمن باع حصته من عقار مشترك ثم أقال المشترى منه لا يعفو بها وللشريك الأخذ بالشفعة ولو تعدد المبيع مرة بعد أخرى وله الخيار فى الأخذ بأى بيع شاء وعهدة الشفيع على المشترى الذى يأخذ منه فلو أقال المشترى البائع أعنى مالك الحصة أولا فان ذلك لا يسقط الشفعة
(4)
واختلف قول مالك فى العهدة فمذهب المدونة أنه لا خيار للشفيع وإنما عهدته على المشترى وبه أخذ محمد وابن حبيب وقال مرة: يخير فإن شاء جعل العهدة على المشترى وإن شاء جعلها على البائع قال أشهب وسواء كان المستقيل هو المشترى أو البائع واستشكل مذهب المدونة بأن الإقالة اما حل بيع فيلزم منه بطلان الشفعة أو ابتداء بيع فيخير الشفيع كما لو تعدد البيع من غير البائع فلا وجه للحصر فى المشترى وأجيب باختيار الأول وإنما ثبتت الشفعة وكانت العهدة على المشترى لأنهما يتهمان فى قطع شفعة الشفيع قاله فى باب الشفعة عن التوضيح قال الحطاب فيكون معنى ما اختير أن الإقالة فى الشفعة أنها ملغاة ولا يلتفت إليها ولا يحكم عليها حل بيع ولا ابتداء بيع وأما بالنسبة للمرابحة فإن الإقالة ليست ببيع وإنما هى حل بيع وذلك أنهم قالوا فيمن أراد أن يبيع السلعة مرابحة وكان قد باعها قبل ذلك ثم استقالة المشترى منها يجب عليه أن يبين ذلك فمن اشترى سلعة بعشرة وباعها بخمسة عشر ثم تقايلا فلا يبيع مرابحة على الثمن الثانى إلا أن يبين بخلاف ما لو باعها ثم ملكها باشتراء فانه لا يجب عليه بيان، وكذا لو كانت الإقالة بزيادة فى الثمن أو نقص إلا أن ابن عرفة يعتبر أن الإقالة فى المرابحة بيع فقد جاء فى التاج والإكليل
(5)
: وقال ابن عرفة ان الإقالة فى المرابحة بيع وإنما وجب عليه التبيين من أجل أن المبتاع قد يكره ذلك واختلف فقهاء المالكية هل يعمل بالشرط فى الاقالة أم لا قال البرزلى
(6)
:
سئل المازرى عمن باع أرضا ثم استقالة فأقاله على أنه متى باعها كان أحق بها من الثمن الأول فباعها فأراد المشترى الأول فسخ البيع والأخذ بشرطه فأجاب اختلفت أقوال المذهب فى ذلك ففى العتبية له شرطا والمشهور فسادها لما فيها من التحجير وهى بيع من
(1)
انظر من كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل الشهير بالمواق ج 4 ص 485، ص 486 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1351 هـ الطبعة الاولى.
(2)
انظر كتاب الجزء الثانى من حاشية العلامتين المحققين والامامين المدققين للشيخ حجازى العدوى الشهير والثانية المسماه بضوء الشموع لخاتمة المحققين سيدى محمد الامير وكلتاهما على شرح مجموعة الفقهى فى مذهب الامام مالك ج 2 ص 61 طبع المطبعة البهية الشرفية بمصر سنة 1304 هـ.
(3)
انظر كتاب الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 155 وما بعدها فى كتاب الطبعة السابقة.
(4)
مواهب الجليل فى شرح مختصر خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل الشهير بالمواق ج 4 ص 485، ص 486 الطبعة السابقة وانظر كتاب الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 155 وما بعدها فى كتاب الطبعة السابقة.
(5)
التاج والاكليل للمواق ج 4 ص 485 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 4 ص 486 الطبعة السابقة وانظر مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب نفس الصفحة السابقة.
البيوع فإن ترك فسخت الإقالة وإن طال ذلك وفاتت الأرض بالبيع مضى البيع وفاتت الإقالة لأنه صحيح.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم: الإقالة
(1)
فسخ البيع فلا بأس بها قبل القبض لأنها إبطال عقدة البيع بينهما والرجوع إلى حالهما قبل أن يتبايعا ويغلب فيها أحكام الفسخ لصحتها بعد تلف المبيع ويكون للبائع طلب أرشه وفى موضع آخر من الأم
(2)
: قال الإقالة ليست ببيع وإنما هى نقض بيع تراضيا بنقض العقدة الأولى التى وجبت لكل واحد منهما إلا أن السيوطى فى الأشباه
(3)
والنظائر: ذكر فيها الخلاف فقال هل الإقالة فسخ أو بيع قولان والترجيح مختلف فى الفروع ثم ذكر ما يترتب على ذلك فقال: لو اشترى رجل عبدا كافرا من كافر فأسلم العبد ثم أراد الإقالة فإن قلنا إن الإقالة بيع لم يجز وأن قلنا أنها فسخ جاز ذلك كالرد بالعيب فى الأصح ثم قال: والأصح عدم ثبوت الخيار بين فى الإقالة وذلك على القول بأنها فسخ والثانى نعم بناء على أنها بيع والأصح أن حق الشفعة لا يتجدد بناء على أن الإقالة فسخ ويؤيد ذلك ما جاء فى قليوبى
(4)
وعميرة: أنه لو وجد المشترى بالشفعة عيبا فأراد رده بالعيب وأراد الشفيع أخذه ويرضى بالعيب فالأظهر إجابة الشفيع حتى لا يبطل حقه من الشفعة والثانى إجابة المشترى، وإنما يأخذ الشفيع إذا استقر العقد وسلم عن الرد ولو لم يعلم الشفيع بالبيع إلا بعد الرد بالإقالة فله الأخذ بالشفعة وإبطال الرد من حينه على الأوجه والزوائد بين الرد والأخذ للبائع قال شيخنا ولعله فى الزوائد المنفصلة لأن الثمرة غير المدبرة حالة الأخذ للشفيع ومقابل الأصح كما قال السيوطى
(5)
: أن حق الشفعة يتحدد وذلك على القول بأنها بيع وإذا تقايلا فى عقود الربا فعلى القول بأنها بيع يجب التقايض فى المجلس ولا يجب ذلك بناء على القول بأنها فسخ وهو الأصح، ولو تقايلا بعد تلف المبيع فعلى القول بأنها فسخ جاز ذلك وهو الأصح ويرد مثل المبيع أو قيمته وإن قلنا ان الإقالة بيع فلا يجوز ذلك ولو اشترى عبدين فتلف أحدهما جازت الإقالة فى الباقى ويستتبع التالف على القول بالفسخ وهو الأصح وعلى مقابلة فلا وإذا تقايلا واستمر فى يد المشترى نفذ تصرف البائع فيه على القول بأن الإقالة فسخ وهو الأصح أما على القول بأنها بيع فلا ينفذ ولو تلف فى يده بعد التقايل انفسخت إن كانت بيعا وبقى البيع الأصلى بحاله وإن قلنا فسخ ضمنه المشترى كالمستام وهو الأصح وفى نهاية
(6)
المحتاج: لو اختلفا بعد التقايل فقال البائع فى عيب يحتمل حدوثه وقدمه على الإقالة عند المشترى وقال المشترى كان عندك قال الجلال البلقينى أفتيت فيها بأن القول قول المشترى مع عينه لأن الاصل براءة الذمة من غرم أرأين العيب، وقال السيوطى
(7)
: لو تعيب فى يد المشترى غرم الأرش على القول بالفسخ وهو الأصح وعلى القول الاخر ويتخير البائع بين أمر يجيز ولا أرش له أو يفسخ ويأخذ الثمن، ولو استعمله بعد الإقالة فعلى القول بأنها فسخ فعليه الأجرة وهو الأصح وعلى القول بأنها بيع واعتبر
(8)
البلقينى صحة الإقالة بعد الإجازة سواء علم البائع أولا والأجرة للسماة للمشترى وعليه للبائع أجرة المثل لما بقى بعد الإقالة من المدة وقال السيوطى لو اطلع البائع على عيب حدث عند
(1)
انظر كتاب الام للامام الشافعى ج 3 ص 32، ص 33، ص 67 الطبعة السابقة وانظر نهاية المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 4 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب الام للامام الشافعى ج 3 ص 116 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
انظر كتاب الاشباه والنظائر للسويطى ج ص 172، ص 173 الطبعة السابقة.
(4)
انظر كتاب قليوبى وعميره ج 3 ص 44 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية.
(5)
الاشباه والنظائر للسويطى ص 174 وما بعدها الطبعة السابقة.
(6)
انظر نهاية المحتاج الفاظ المنهاج ج 4 ص 63 وما بعدها الطبعة السابقة.
(7)
الاشباه والنظائر ج ص 182 وما بعدها الطبعة السابقة.
(8)
نهاية المحتاج ج 4 ص 56 وما بعدها الطبعة السابقة.
المشترى فلا رد له على القول بأن الإقالة فسخ وهو الأصح أما على القول بأن الإقالة بيع فله الرد وتجوز الإقالة قبل القبض على القول بأنها فسخ وهو الأصح وعلى القول بأنها بيع فلا.
مذهب الحنابلة:
جاء فى القواعد لابن
(1)
رجب: الإقالة هل هى فسخ أو بيع؟ فى المسألة روايتان منصوصتان اختار الخرقى والقاضى والاكثرون أنها فسخ وحكاه القاضى عند أبى بكر فى التنبيه لأبى بكر التصريح باختيار أنها بيع ولهذا الخلاف فوائد عديدة الأولى:
إذا تقايلا قبل القبض مما لا يجوز بيعه قبل قبضه فيجوز على القول بأن الإقالة هى فسخ أما على القول بأن الإقالة بيع فلا يجوز إلا على رواية حكاها القاضى فى المجرد فى الإجارات أنه يصح بيعه من بائعه خاصة قبل القبض، الفائدة الثانية: هل يجوز فى المكيل والموزون بغير كيل ووزن فإن قلنا هى فسخ جازت كذلك وإن قلنا هى بيع فلا تجوز هذه طريقة أبى بكر فى التنبيه والقاضى والأكثرين وحكى عن أبى بكر أنه لا بد فيها من كيل ثان على الروايتين كما أن الفسخ فى النكاح يقوم مقام الطلاق فى ايجاب العدة الفائدة الثالثة: إذا تقايلا بزيادة على الثمن أو أنقص منه أو بغير جنس الثمن فإن قلنا هل فسخ لم يصح وإن قلنا هى بيع فوجهان حكاهما أبو الخطاب ومن بعده أحدهما يصح وقال القاضى والثانى لا يصح وهو المذهب عند القاضى فى خلافه الفائدة الرابعه:
تصح الإقالة بلفظ الاقالة والمصالحة وإن قلنا هى فسخ وإن قلنا هى بيع لم ينعقد بذلك وظاهر كلام كثير من الأصحاب انعقادها بذلك وتكون معاطاة الفائدة الخامسة: إن قلنا هى فسخ لم يشترط لها شروطا لبيع ويشترط ذلك على القول بأنها بيع الفائدة السادسة: لا تصح الإقالة بعد النداء للجمعة أن قلنا هى بيع وإلا صحت، الفائدة السابعة: انماء البيع نماء منفصلا ثم تقايلا فان قلنا إن الإقالة بيع لم يتبع النماء بغير خلاف وإن قلنا هى فسخ فقال القاضى النماء للمشترى وينبغى تخريجه على الوجهين كالرد بالعيب والرجوع للمفلس الفائدة الثالثة:
باعه نخلا حائلا ثم تقايلا وقد أطلع فإن قلنا المقايلة بيع الثمرة إن كانت مؤبرة فهى للمشترى الاول وإن لم تكن مؤبرة فهى للبائع الاول وإن قلنا هى فسخ تبعت الاصل بكل حال سواء كانت مؤبرة أم لا لأنه نماء منفصل، الفائدة التاسعة: هل يثبت فيها خيار المجلس؟ إن قلنا هى فسخ لم يثبت الخيار وإن قلنا هى بيع ففى التلخيص ويثبت الخيار كسائر العقود ويحتمل عندى أن لا يثبت أيضا لان الخيار وضع للنظر فى الحظ القليل دخل على أنه لاحظ له وإنما هو متبرع والمستقيل لم يطلب الإقالة بعد لزوم العقد إلا بعد ترد ونظر وعلم بأن الحظ له فى ذلك وندم على العقد الأول فلا يحتاج بعد ذلك الى مهلة لإعادة النظر، الفائدة العاشرة هل يرد بالعيب إن قلنا هى بيع ردت به وان قلنا هى فسخ فيحتمل أن لا يرد به الفائدة الحادية عشرة: الإقالة
(2)
فى المسلم فيه قبل قبضه وفيها طريقان: أحدهما على الخلاف فان قلنا هى فسخ جازت وإن قلنا بيع لم يجز وهى طريقة القاضى وابن عقيل فى روايتيهما وصاحب الروضة وابن الزغوانى والثانى جواز الإقالة فيه على الروايتين وهى طريقة الأكثرين ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، الفائدة الثانية عشرة: من باع جزءا مشاعا من أرضه ثم تقايل هو والمشترى فإن قلنا إن الإقالة فسخ لم يستحق ولا من حدث له شركة فى الارض قبل المقايلة شيئا من الشقص بالشفعة وإن قلنا هى بيع ثبتت لهم الشفعة وكذلك لو باع أحد الشريكين حصته ثم نص الآخر عن شفعته ثم تقايلا وأراد العافى أن يعود إلى الطلب فإن قلنا إن الإقالة فسخ لم يكن له ذلك وإلا فله الشفعة، الفائدة الثالثة عشرة: من اشترى شقصا مشفوعا ثم تقايل هو والمشترى قبل الطلب فإن قلنا هى بيع لم يسقط كما لو باعه لغير
(1)
انظر كتاب القواعد لابن رجب ج 1 ص 379 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر من كتاب القواعد للحافظ ابى الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلى فى الفقه الاسلامى ج 1 ص 379 وما بعدها طبع بمطبعة الصدق الخيرية ومكتبة الخانجى لاصحابها أولاد محمد امين الخانجى بمصر سنة 1352 هـ، سنة 1933 م الطبعة الاولى.
بائعه وإن قلنا هى فسخ فقيل لا تسقط أيضا وهو قول القاضى وأصحابه لأن الشفعة استحقت بنفس البيع فلا تسقط بعده وقيل يسقط وهو المنصوص عن أحمد فى رواية محمد بن الحكم وهو ظاهر كلام أبى حفص والقاضى فى خلافه، الفائدة الرابعة عشرة: هل يملك الضارب أو الشريك الإقالة فيما اشتراه؟ من الاصحاب من قال إن قلنا إن الإقالة بيع ملكه وإلا فلا لأن الفسخ ليس من التجارة المأذون فيها وهى طريقة ابن عقيل، والأكثرون على أنه يملكها على أن القولين مع المصلحة كما يملك الفسخ بالخيار. الفائدة الخامسة عشرة: هل يملك المفلس بعد الحجر المقايلة لظهور المصلحة؟ إن قلنا هى بيع لم يملكه وإن قلنا هى فسخ فالاظهر أنه يملكه كما يملك الفسخ بخيار أو عيب ولا تقيد بالأحظ على الأصح لأن ذلك ليس بتصرف مستأنف بل من تمام العقد الأول ولواحقه الفائدة السادسة عشرة: لو وهب الوالد لابنه شيئا فباعه ثم رجع إليه بإقالة فإن قلنا هى بيع امتنع رجوع الأب فيه وإن قلنا هى فسخ فوجهان وكذلك حكم المفلس إذا باع السلعة ثم عادت إليه بإقالة ووجدها عنده، الفائدة السابعة عشرة: من باع أمة ثم أقال فيها قبل القبض فهل يلزمه الاستبراء؟ فيه طريقان؟ أحدهما قاله أبو بكر وابن أبى موسى وهى إن قلنا الإقالة بيع وحب الاستبراء وإن قلنا فسخ لم يجب والثانى أن فى المسألة روايتين مطلقا من غير بناء على هذا الأصل ثم قيل إنه مبنى على انتقال الضمان عن البائع وعدمه واليه أشار ابن عقيل وقيل بل يرجع إلى تجدد الملك مع تحقق البراءة من الحمل هل يوجب الاستبراء وهذا أظهر الفائدة الثامنة عشرة: لو حلف لا يبيع أو ليبيعن أو علق على البيع طلاقا أو عتقا ثم أقال فإن قلنا هى بيع ترتب عن أحكامه من البر والحنث وإلا فلا، الفائدة التاسعة عشرة: تقايلا فى بيع فاسد ثم حكم الحاكم بصحة العقد ونفوذه فهل يؤثر حكمه؟ إن قلنا هى بيع فحكمه بصحة العقد الاول صحيح لأن العقد باق وقد تأخر ترتب عقد آخر عليه وإن قلنا هى فسخ لم ينفذ لأن العقد ارتفع بالإقالة فصار كانه لم يوجد ويحتمل أن ينفذ وتلغى الإقالة لأنها تصرف فى بيع فاسد قبل الحكم بصحته فلم ينفذ ولم يؤثر فيه شيئا هذا ظاهر ما ذكره ابى عقيل فى عهد الأدلة الفائدة العشرون: لو باع ذمى ذميا آخر خمرا وقبضت دون ثمنها ثم أسلم البائع وقلنا يجب له الثمن فأقال المشترى فيها فإن قلنا إن الإقالة بيع لم يصح لأن شراء المسلم للخمر لا يصح وان قلنا ان الإقالة فسخ احتمل أن يصح فيرتفع بها العقد ولا يدخل فى ملك السلم فهى فى معنى اسقاط الثمن عن المشترى واحتمل إن لا يصح لأنه استرداد لملك الخمر كما قال أصحابنا فى المحرم أنه لا يسترد الصيد بخيار ولا غيره فإن رد عليه بذلك صح الرد ولم يدخل فى ملكه فيلزمه إرساله وفى التلخيص: لورد العبد المسلم على بائعه الكافر بعيب صح ودخل فى ملكه لأنه قهرى كالإرث فيمكن أن يقال فى رد الصيد على المحرم بعيب ورد الخمر على المسلم بالعيب كذلك اذا قلنا يملكان بالقهر، الفائدة الحادية والعشرون: الإقالة هل تصح بعد موت المتعاقدين؟ ذكر القاضى فى موضع عن خلافه أن خيار الإقالة يبطل بالموت ولا يصح بعده وقال فى موضع آخر: إن قلنا هى بيع صحت من الورثة وإن قلنا فسخ فوجهان.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى
(1)
: الإقالة بيع مبتدأ لا يجوز فيها إلا ما يجوز فى البيوع لا تحاشى شيئا
(2)
ثم قال ولا يحل فسخ عقد صححه الله تعالى فى كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بنص آخر ولا نص فى جواز فسخه مطارقة بتراضيهما إلا فيما جاء نص بفسخه كالشفعة وما فيه الخيار بالنص فإن ذلك كذلك ولم يكن من أجاز الفسخ نص أصلا فقد صح أن الإقالة بيع من البيوع بتراضيهما يجوز فيها ما يجوز فى البيوع ويحرم فيها ما يحرم فى البيوع ولذلك تجوز بأكثر مما وقع عليه البيع الأول
(1)
انظر كتاب المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 2 مسألة رقم 1508 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 5 مسألة رقم 1509 الطبعة السابقة.
أو بأقل وبغير ما وقع به البيع الأول وتجوز حالا وتجوز فى الذمة وتجوز إلى أجل فيما يجوز فيه الاجل وقال ابن حزم
(1)
: من باع من آخر دنانير بدراهم فلما تم البيع بينهما بالتفرق أو التخير اشترى منه أو من غيره بتلك الدراهم دنانير تلك أو غيرها أقل أو أكثر فكل ذلك حلال ما لم يكن عن شرط لان كل ذلك عقد صحيح وعمل منصوص على جوازه وأما الشرط فحرام لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل قال ابن حزم
(2)
الظاهرى ومن باع سلعة بثمن مسمى حالة أو إلى أجل مسمى قريبا أو بعيدا فله أن يبتاع تلك السلعة من الذى باعها منه بثمن مثل الذى باعها منه وبأكثر منه وبأقل حالا أو إلى أجل مسمى أقرب من الذى باعها منه إليه أو أبعد ومثله وكل ذلك حلال لا كراهية فى شئ منه ما لم يكن ذلك عن شرط مذكور فى نفس العقد فإن كان عن شرط فهو حرام مفسوخ أبدا فحكم فيه بحكم الغصب برهان ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ 3 الْبَيْعَ} وقول الله عز وجل «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ 4 عَلَيْكُمْ» فهذان بيعان فهما حلالان بنص القرآن ولم يات تفصيل تحريمها فى كتاب ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان ربك نسيا
(5)
فليسا بحرام وأما اشتراط ذلك فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط» .
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: الإقالة بيع فى حق الشفيع إجماعا قال فى التاج المذهب
(6)
: يعنى أن الإقالة متى حصلت بلفظها فى عقد صحيح كان لمن له سبب أن يشفع المستقبل ولو بطلت الشفعة فى البيع لأنها تجدد له حق الشفعة وكذلك لو لم يملك السبب إلا بعد البيع قبل الإقالة لأن الإقالة إذا كانت صحيحة وتابعة لعقد صحيح فهى بمنزلة عقد آخر فلو أقاله وأسقط عنه بعض الثمن كان للشفيع أن يشفع بالمدفوع وإذا كان مالكا للسبب من قبل البيع ولم تسقط شفعته فى عقد البيع فله أن يشفع بمدفوع من شاء كما لو تنوسخ المبيع ولا يشترط أن الإقالة بعد قبض المشترى لأنهم لا يعتبرون القبض فى حق الشفيع الا فى الصرف والسلم فإن الإقالة فيهما قبل القبض تكون فسخا ولو فى حق الشفيع فلا تصح الشفعة وذلك مثل أن يكون شريكان فى السلم أو فى الصرف فأقال أحدهما المسلم أو المصروف إليه فيشفع الآخر من الشريكين فلا تصح الشفعة فى ذلك لأنها فسخ أما لو عين المسلم إليه وقت حلول أجله فى شئ مشترك ثم وقع التقابل فشفع الشريك فالقياس الصحة وليس هذا من الصرف قبل القبض إذ لو كان من الصرف قبل القبض لما صحت الشفعة فى المبيع قبل قبضه مع أنها تصح ثم قال فى البحر الزخار
(7)
: والإقالة فسخ فى الصرف والسلم قبل القبض إجماعا إذ جعلها فيه بيعا يستلزم بيع المعدوم وهى فسخ فيما عدا الشفعة إذ هى لفظ يقتضى رد المبيع ولا يصح به التمليك ابتداء وفى شرح الأزهار
(8)
: إذا وقعت الإقالة بغير لفظها فلا خاف فى أنها فسخ فى الجميع أى فى حق الشفيع وغيره وفى الروض النضير
(9)
: بعد أن أورد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أقال نادما أقاله
(1)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 512 مسألة رقم 512 ومسألة رقم 512 ومسألة رقم 1500 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 47 مسألة رقم 1528 الطبعة السابقة.
(3)
الاية رقم 275 من سورة البقرة.
(2)
الاية رقم 119 من سورة الانعام.
(4)
الاية رقم 119 من سورة مريم.
(5)
انظر من كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 3 ص 375 وما بعدها الطبعة السابقة.
(6)
انظر من كتاب التاج المذهب لاحكام المذهب شرح متن الازهار فى فقه الائمة الاطهار ج 2 ص 480، ص 481 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(7)
انظر البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 3 ص 575 وما بعدها الطبعة السابقة.
(8)
انظر كتاب شرح الازهار ج 3 ص 171 الطبعة السابقة.
(9)
انظر الروض النضير ج 3 ص 333، ص 334 وما بعدهما الطبعة السابقة.
الله نفسه يوم القيامة قال الإمام يحيى يؤخذ من الحديث أن الإقالة فسخ فيما عدا الشفعة وذلك لأن الإقالة حقيقتها الرفع فإذا تقابل المتعاقدان فكأنهما رفعا العقد الواقع بينهما وقال زين بن على الإقالة بمنزلة البيع يفسدها ما يفسد البيع ويجيزها ما يجيز البيع، وفى شرح الأزهار
(1)
: والتاج المذهب
(2)
: قال واعلم أن للخلاف فى كون الإقالة فسخا أم بيعا فوائد تظهر ثمرة الخلاف فيها وقد ذكرها الهادى عليه السلام فى الأزهار مستوفاة الفائدة الأولى على إعتبار أن الإقالة فسخ فلا يعتبر أن يقيل فى المجلس لأن ذلك إنما يعتبر فى البيع وهذا الحكم إنما يثبت فى القايل الغائب عن مجلس الإقالة فيصح له أن يقيلها فى مجلس علمه بها ولو لم يكتب ولو لم يرسل إليه إلا بعده فلا يصح أن يقيل وهذا بخلاف البيع فإنه إذا أخبر أن فلانا باع منه كذا لم يصح إلا أن يكتب أو يرسل إليه رسولا وهذا يكفى العلم ولو لم يكتب ولم يرسل إليه وهذا هو الفرق بين البيع والإقالة وإذا حصلت فوائد فى الوقت الذى بين الإقالة والقبول فتكون للمشترى إذ لا تصح الإقالة إلا بعد القبول نعم أما إذا كان حاضرا فى المجلس حال الإقالة فقام من غير قبول كان هذا عراضا فلا يصح أن يقيلها بعده وإن كانت فسخا، الثانى من أحكامها: إذا وقعت الإقالة من فضولى فحيث أنها فسخ لا تلحقها الإجازة من أحد البيعين ولا من كليهما وحيث لا يصح أن تلحقها الإجازة فلا شفعة لكن إذا كانت عقدا صحت وتفصيل ذلك أن الإجازة لا تلحق مطلقا إذا كانت غير عقد وإن كانت عقدا لحقت مطلقا فى حق الشفيع وغيره، الحكم الثالث حيث أنها فسخ تصح من المشترى قبل القبض للمبيع ولو جعلناها بيعا لم تصح لكن فى حق الشفيع قد جعلت الإقالة قبل القبض بيعا وصحت الشفعة، الرابع من الأحكام: لو باع المستقيل فحيث أنها فسخ يصح البيع ولو وقع قبله أى قبل القبض وبعدها أى بعد الإقالة ولو جعلت بيعا لما صح إلا بعد القبض ولما كانت فسخا صح البيع قبله وكذا الهبة والنذر والصدقة تصح أيضا وإذا تلف المبيع بعد الإقالة وقبل قبض البائع تلف من مال المشترى سواء جعلت بيعا أم فسخا وكذلك فى كل فسخ كان رافعا للعقد من حينه، الخامس من الأحكام: حيث أنها فسخ تصح مشروطة بالشروط المستقبلة
(3)
ولو كان الشرط مجهولا لا بزمان أو مكان إذا حصل الشرط قبل حصول أحد الموانع ويدخل فى الشرط المجهول زمانه تعليق الإقالة برد البائع متى أيسر مثل الثمن إلى المشترى أو ما يقوم مقامه وهذا هو بيع الرجاء المعروف فى صنعاء اليمن ونواحيها فيؤخذ من هنا صحته ما لم يكن فيه ما يقتضى الربا، السادس من الأحكام: حيث أنها فسخ فيصح فيها تولى واحد طرفيها بالولاية أو الوكالة لا بالفضيلة، وصورة الولاية أن يبيع رجل من آخر وبعد البيع يجنان فإن وليهما تصح منه الإقالة وهذا بخلاف ما إذا جعلت بيعا، السابع من الأحكام: حيث أنها تصح فسخ فإنه لا يصح أن يرجع عنها المعتدى فيها قبل قبولها من الآخر وسواء كان الآخر حاضرا أم غائبا لأن الرجوع عن المفسوخات لا يصح وهذا بخلاف ما لو جعلت بيعا، وجاء فى التاج المذهب
(4)
: أن للإقالة حيث أنها فسخ أربعة أحكام غير ما سبق منها اختلاف الصاعين فلا يعتبر فيها، ومنها أنها تصح بماض ومستقبل ومنها أنها إذا شرط فيها خلاف الثمن جنسا أو صفة أو أكثر لم يلزم ذلك، وتصح الإقالة إذا كان عقدا لا شرطا فلا تصح، ومنها أنه لا يدخلها خيار الرؤية ولا خيار الشرط وأما خيار العيب فيدخل إذا حدث عند المشترى والبينة عليه أنه حصل عند المشترى، ومن أحكام الإقالة أيضا:
إذا وقعت بغير لفظها أو كانت تابعة لعقد فاسد فإنها فسخ فى الجميع أى فى حق الشفيع وغيره، وإذا
(1)
شرح الازهار ج 3 ص 170، ص 171 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب التاج المذهب ج 2 ص 481، ص 482 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(3)
انظر كتاب شرح الازهار ج 3 ص 169، ص 170 وما بعدهما الطبعة السابقة وانظر كتاب التاج المذهب ج 2 ص 481، ص 482 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(4)
التاج المذهب ج 2 ص 482، 483 وما بعدهما الطبعة السابقة.
تقايل المبيعان فى المبيع بعد مدة وقد حدثت فيه فوائد كانت تلك الفوائد للمشترى سواء كانت بيعا أو فسخا وسواء أكانت بلفظها أم بلفظ الفسخ وسواء حدثت الفوائد قبل قبض المشترى أم بعده لأن الإقالة رفع للعقد من حينه وسواء كانت الفوائد فرعية أم أصلية متصلة أو منفصلة وقت الاقالة ويلزم بقاؤها للصلاح بلا أجرة إذا كانت زرعا أو ثمرا.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(1)
: أن الإقالة فسخ فى حق المتعاقدين سواء كان قبل القبض أو بعده وفى حق غيرهما دليلنا ما روى أبو صالح عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنهما عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال «من أقال نادما فى بيع أقاله الله نفسه يوم القيامة وأقاله نفسه هى العفو والترك فوجب أن تكون الإقالة فى البيع هى الترك والعفو وأيضا فلو كانت الإقالة بيعا لوجب أن يكون إلى المتبايعين نقصان الثمن وزيادته والتأهيل والتعجيل فلما أجمعنا على أن الإقالة لا يصح فيها شئ من ذلك دل على أنها ليست ببيع وأيضا لو كانت الإقالة بيعا لم تصح الإقالة فى السلم لأن البيع فى السلم لا يجوز قبل القبض فلما صحت الإقالة فيه إجماعا دل على أنها ليست ببيع وأيضا فقد أجمعنا على أن رجلا لو اشترى عبدين فمات أحدهما ثم تقايلا صحت الإقالة فلو كانت بيعا وجب أن لا يصح لأن البيع بيع الميت مع الحى لا يصح، وإذا قاله بأكثر من الثمن أو بأقل أو بجنس غيره كانت الإقالة فاسدة والمبيع على ملك المشترى كما كان، دليلنا أن كل من قال بأن الإقالة فسخ على كل حال قال بهذه المسألة فالفرق بين الأمرين خارج عن الإجماع، وتصح الإقالة فى بعض السلم كما تصح فى جميعه دليلنا ما رويناه عن النبى صلى الله عليه وسلم «من أقال نادما فى بيعه أقاله الله نفسه يوم القيامة وهذا إقاله وروى ابن عباس رضى الله تعالى عنه أنه قال لا بأس بذلك وهو من المعروف ولا مخالف له» .
مذهب الإباضية:
اختلف الإباضية
(2)
هل الإقالة فسخ أم بيع ولذلك اختلفوا فى تعريفها كما سبق فعلى القول بأنها فسخ لا تجوز بأقل من الثمن الأول ولا بأكثر منه ولا بخلاف جنسه وعلى القول بأنها بيع فإنها تجوز بمخالف لثمنه جنسا أو مقدارا ثم قال صاحب شرح النيل والذى اختاره بعد استفراغ الوسع أن الإقالة بيع سواء كانت الإقالة لغير البائع أو له لما روى النبى صلى الله عليه وسلم أنه دخل السوق فقال يا أهل البقيع لا يفترق البائعان إلا عن تراض، البيع بيع والحوالة والتولية بيع والإقالة بيع، والإقالة تصح للبائع فقط بجنس الثمن الأول أو بما يساويه من غيره بالقيمة لأن مفهوم الإقالة أن البائع أصابته حسرة وضيق على ما باع فوسع عليه بتركه له وقولى هذا جامع للقولين ولولا الحديث لقلت أن الإقالة فسخ بيع ثم قال فى شرح النيل
(3)
: قيل أن الإقالة فى الإجارة بيع وعلى القول بأن الإقالة فسخ بيع فإنها تجوز بين البائعين ولو قبل قبض السلم والمنقد إليه وأما ما أخذ فى الدين فمن قال القضاء ليس بيعا فلا يجيز الإقالة لغيرهما وأما بينهما فيجيز الإقالة فيه ولا إشكال فى جواز الإقالة فيه بينهما ومن قال إنه بيع فإنه يجيز الإقالة للبائعين ولغيرهما إلا من قال لا تكون الإقالة لغيرهما وجاء فى موضع اخر من شرح النيل
(4)
: الذى عندى أن الاقالة لغير البائع والمشترى ليست فسخا وأما بين البائع والمشترى فهى فسخ ما اذا قلنا ان الإقالة بيع فإنه يشترط فيها ما يشترط فى البيع وتنفسخ بما ينفسخ به البيع وترد بما يرد به البيع وتكون أحكامها أحكام البيع وليس كذلك إذا قلنا إنها فسخ بيع.
(1)
انظر كتاب الخلاف فى الفقه ج 1 ص 594، ص 595 وما بعدهما مسألة رقم 13 ومسألة رقم 14 ومسألة رقم 15، ومسألة رقم 16 الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 529 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 531 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 533 وما بعدها الطبعة السابقة.
ما تصح الإقالة فيه من العقود
سوى البيع وما لا تصح:
مذهب الحنفية:
الإقالة فى السلم:
جاء فى البحر الرائق
(1)
نقلا عن الفتاوى الصغرى أن إقالة بعض السلم وإبقاءه فى البعض جائز، وأما إقالة المسلم على مجرد الوصف بأن كان المسلم فيه جيدا فتقايلا على الردئ وعلى أن يرد المسلم إليه درهما لا يجوز عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى خلافا لأبى يوسف رحمه الله تعالى فى رواية، لكنه عند أبى يوسف يجوز لا بطريق الإقالة بل بطريق الحط عن رأس المال، وفى الظهرية
(2)
:
لو أن رب السلم وهب المسلم فيه للمسلم إليه كانت إقالة للمسلم ولزمه رد رأس المال إذا قبل، وفى البسوط: أنه إذا أبرأ رب السلم المسلم إليه عن طعام السلم صح إبراؤه فى ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يصح ما لم يقبل المسلم إليه وإذا قبل كان فسخا لعقد المسلم، ولو أبرأ المسلم إليه رب السلم عن رأس المال وقبل الإبراء بطل السلم وإن رده لا يبطل، والفرق بين رأس المال والمسلم فيه أن المسلم فيه لا يستحق قبضه فى المجلس بخلاف رأس المال، وذكر فى الذخيرة قولين فى مسألة الإبراء عن بعض المسلم فيه هل هو إقاله فيرد ما قابله أو حط له فلا يرو وبه اندفع الإشكال وذكر القولين أيضا فيما إذا أبرأه عن الكل وقبل فقيل يرد رأس المال كله وقيل لا يرد شيئا، وفى البزازية: أسلم فى ثوب وسط وجاء بالجيد فقال: خذ هذا وزدنى درهما فإن كان المسلم فيه كيليا بأن أسلم فى عشرة أقفزة فجاء بأحد عشر فقال خذ هذا وزدنى درهما جاز لأنه باع معلوما بمعلوم ولو جاء بتسعة وقال خذه وأرد عليك درهما جاز أيضا لأنه إقالة البعض وإقالة الكل تجوز فكذا إقالة البعض ولو جاء بالاجود أو الأردأ وقال خذ واعط درهما لا يجوز عندهما خلافا للثانى وفى الثوب ان باع بذراع أزيد وقال زدنى درهما جاز لأنه بيع ذراع بملك تسليمه بدرهم فاندفع بيعه مفردا وكذا لو زاد فى الوصف يجوز عندهم وإن جاء بأنقص ذراعا ورد لا يجوز عندهما لأنه أقالة فيما لا يعلم حصته لكون الذراع وصفا مجهول الحصة ولو جاء بأنقص من حيث الوصف لا يجوز ولو بأزيد وصفا يجوز لأنه أقالة فيما لا يعلم وهذا إذا لم يبين لكل ذراع حصة أما إذا بين جاز فى الكل بلا خلاف فإن تقايلا السلم لم يصح أن يشترى من المسلم إليه شيئا برأس المال يعنى قبل قبضه بحكم الإقالة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك، أى سلمك حال قيام العقد أو رأس مالك حال انفساخه فامتنع الاستبدال نصا ورأس المال بعد الإقالة بمنزلة المسلم فيه قبله فيأخذ حكمه من حرمة الاستبدال بغيره فحكم رأس المال بعدها كحكمه قبلها إلا أنه لا يجب قبضه فى مجلسها كما كان يجب قبلها لكونها ليست بيعا من كل وجه ولهذا جاز ابراؤه عنه وإن كان لا يجوز قبلها وفى الإيضاح للكرمانى أن الإقالة فيه بيع جديد فى حق ثالث وهو الشرع وفى البدائع: قبض رأس المال إنما هو شرط حال بقاء العقد فأما بعد ارتفاعه بطريق الإقالة أو بطريق آخر فقبضه ليس بشرط فى مجلس الإقالة بخلاف القبض فى مجلس العقد، وقبض بدل الصرف فى مجلس الإقالة شرط لصحة الإقالة كقبضها فى مجلس العقد ووجه الفرق أن القبض فى مجلس العقد فى البدلين ما شرط لعينه وإنما شرط للتعيين وهو أن يصير البدل معينا بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين ولا حاجة إلى التعيين فى مجلس الإقالة فى السلم لأنه لا يجوز استبداله فيعود إليه عينه فلا تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض فكان الواجب نفس القبض فلا يراعى له المجلس بخلاف الصرف لأن التعيين لا يحصل إلا بالقبض لأن استبداله جائز فلا بد من شرط القبض فى المجلس للتعيين ثم قال صاحب البحر: والإقالة فى السلم بعد نفاذها لا تحتمل الفسخ بسائر أسباب الفسخ ألا يرى أنهما لا لو قالا نقضنا الاقالة لا تنقض، وكذا
(1)
انظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 6 ص 179 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 180 وما بعدها الطبعة السابقة.
لو كان رأس المال عرضا فقبضه المسلم إليه ثم رد عليه بعيب بقضاء ثم هلك قبل التسليم إلى رب السلم لا يعود السلم، والفقه فيه أن المسلم فيه سقط بالإقالة فلو انفسخت الإقالة لكان حكم انفساخها عود المسلم فيه والساقط لا يحتمل العود بخلاف الإقالة فى البيع لأنه عين فأمكن عوده إلى ملك المشترى، ومن هنا يعلم أن فسخ الإبراء لا يصح بالأولى وفى الذخيرة من باب السلم لو اختلفا فى رأس المال بعد الإقالة فالقول للمسلم إليه ولا يتحالفان ثم قال: لو تقايلا بعد ما سلم المسلم إليه المسلم فيه ثم اختلفا فى رأس المال تحالفا لان المسلم فيه عين قائمة وليس بدين فالإقالة هنا تحتمل الفسخ قصدا وقيد بالسلم لأن الصرف إذا تقايلا جاز الاستبدال عنه ويجب قبضه فى مجلس الإقالة بخلاف السلم ولو اسلم أمة
(1)
فى كر وقبضت الأمة فتقايلا وماتت فان عقد الإقالة يبقى فيما إذا تقايلا وهى حية ثم ماتت وصح إنشاء عقد الإقالة فيما تقايلا بعد موتها ووجب على المسلم إليه قيمة الجارية فى المسألتين يوم قبضها لأن شرط صحة الإقالة بقاء العقد وهو يبقى ببقاء المعقود عليه والمعقود عليه فى السلم فيه وهو باق فى ذمة المسلم إليه بعد هلاك الجارية فإذا انفسخ العقد وجب عليه رد الجارية وقد عجز بموتها فيجب عليه قيمتها كما لو تقايضا ثم تقايلا بعد هلاك أحدهما بعد الإقالة وإنما اعتبر يوم القبض لأنه سبب الضمان كالغصب وأما إذا ماتت الجارية المبيعة قبل الإقالة لم تصح الإقالة وإذا تقايلا ثم ماتت قبل أن تقبض بطلت الإقالة لأن المعقود عليه الجارية فلا بد من قيامها لصحة الإقالة وبقائها إلى أن تقبض وقيد به لأن الإقالة فى الصرف صحيحة بعد هلاك البدلين أو أحدهما باقية بعد الهلاك لأن المعقود عليه فى الصرف ما وجب لكل واحد منهما فى ذمة الآخر وهو غير معين فلا يتصور هلاكه والمقبوض عين ولذا لو كان المقبوض قائما لم يتعين للرد بعد الإقالة وفى القنية تقايلا البيع فى العبد فأبق من يد المشترى فإن لم يقدر على تسليمه بطلت الإقالة والبيع بحاله.
الإقالة فى الصرف:
جاء فى بدائع الصنائع
(2)
: أن الإقالة تصح فى الصرف ثم إن قبض بدلى الصرف فى المجلس كما هو شرط بقاء العقد على الصحة فقبضهما فى مجلس الإقالة شرط بقاء الإقالة على الصحة أيضا حتى لو تقايلا الصرف وتقابضا قبل الافتراق مضت الإقالة على الصحة وان افترقا قبل التقابض بطلت الإقالة أما على أصل أبى يوسف رحمه الله تعالى فظاهر لأن الإقالة على أصله بيع جديد فكانت مصارفة مبتدأة فلا بد من التقابض فى المجلس وعلى أصلهما إن كانت فسخا فى حق المتعاقدين فهى بيع جديد فى حق ثالث واستحقاق القبض حق للشرع ها هنا ثالث فيعتبر بيعا جديدا فى حق هذا الحكم فيشترط فيه التقابض بخلاف السلم فإن قبض رأس مال السلم فى مجلس الإقالة ليس بشرط لصحة الإقالة على ما تقدم ذكره فى السلم، ولو وجد
(3)
ببدل الصرف عيبا وهو عين كما إذا اشترى قلب فضة بذهب فرد، ثم افترقا قبل قبض الثمن فإن رده عليه بقضاء القاضى فالرد صحيح على حاله وإن كان بغير قضاء القاضى فلا ينبغى أن يفارقه حتى يقبض الثمن لأن القبض بغير قضاء يكون فسخا فى حق الكل ورفعا للعقد عن الأصل كأنه لم يكن وإعادة المالك إلى قديم ملكه كأنه لم يزل عن ملكه فلا حاجة إلى القبض والرد بغير قضاء يكون فسخا فى حق المتعاقدين بيعا جديدا فى حق ثالث وحق الشرع وهو القبض يعتبر ثالثا فيجعل بيعا جديدا فى حق هذا الحكم.
الإقالة فى الشركة:
جاء فى بدائع الصنائع
(4)
: أنه يجوز لأحد الشريكين سواء كانت شركة عنان أو مفاوضة أن
(1)
انظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 183 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 218 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 219 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 71، ص 75 وما بعدهما الطبعة السابقة.
يقايل فيما باعه الآخر لأن الإقالة فيها معنى الشراء وهو يملك الشراء على الشركة فيملك الإقالة.
الإقالة فى النكاح والطلاق والعتاق والإبراء:
جاء فى الدر المختار
(1)
: أنه لا إقالة فى نكاح وطلاق وعتاق وإبراء وتجوز فى الإجارة.
مذهب المالكية:
جاء فى منح الجليل
(2)
: أنه جاز لمن اشترى طعاما على وجه السلم إقالة لبائعه من الجميع أى جميع المبيع قبل قبضه بتركه لبائعه بثمنه وصفة عقده لأنه حل البيع واحترز بقوله من الجميع عن الإقالة من بعضه قبل قبضه فلا تجوز ونحوه لابن جماعة القباب قال ويشترط كونها على جميع الطعام ولا يختص هذا الشرط به بل هو فى الإقالة من كل مسلم فيه ففى سلمها (أى المدونة) الثالث: ومن أسلم إلى رجل دراهم فى طعام أو عرض أو باقى الأشياء فاقاله بعد الأجل أو قبله من بعضه وأخذ بعضه فلا تجوز ودخله فضة نقدا بعضه وعرض إلى أجل وبيع وسلف مع ما فى الطعام من بيعه قبض قبضة، اهـ لكن إنما تمتنع الإقالة من بعض الطعام إذا كان رأس المال لا يعرف بعينه وغاب عليه المسلم إليه وإلا جاز ففى سلمها الثانى: إذا كان رأس المال عينا أو طعاما أو مالا يعرف بعينه وقبضها البائع وغاب عليه فلا يجوز أن تأخذ بعد الأجل أو قبله نصف رأس المال ونصف ثمنك لأنه بيع وسلف ما ارتجعت من الثمن فهو سلف وما أمضيت فهو بيع وإن لم يفترقا جاز أن تقيله من بعض وتترك بقية السلم إلى أجله قال ابن يونس وكأن البيع إنما وقع على ما بقى ثم قال فى المدونة: فأما بعد التفرق فلا نأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس مالك ثم قال فيها وإن كان رأس المال عروضا تعرف بأعيانها أسلمتها فى خلافها من عروض أو حيوان أو طعام وأقلته من نصف ما أسلفت فيه على أن تأخذ رأس مالك بعينه بعد افتراقكما أو قبله جاز على العقد الأول.
الإقالة فى المساقاة:
جاء فى التاج والإكليل
(3)
: أن العامل: إذا عقد المساقاة على حائط ثم أراد المقايلة من رب الحائط أو من صار إليه ببيع أو إرث فإن ذلك جائز إذا تقايلا هدرا من غير أن يدفع أحدهما للاخر شيئا قال فى المدونة ومن ساقى رجلا ثلاث سنين فليس لأحدهما المتاركة حتى تنقضى لأن المساقاة تلزم بالعقد وإن لم يعمل وليس لاحدهما الترك إلا أن يتتاركا بغير شئ يأخذه أحدهما من الآخر لأن هذا ليس بيع ثمر لم بيد صلاحه اذ للعامل أن يساقى غيره فرب الحائط كأجنبى إذا تركه، ومن ساقيته حائطك لم يجز أن يعيلك على شئ تعطيه إياه سواء كان قد شرع فى العمل أم لا لأنه غرر فإن كان النخل قد أثور فهو بيع الثمرة قبل زهوه وإن كان لم يثمر فهو أكل المال.
بالباطل فإن خرج من المساقاه قبل العمل أو بعده فلرب الحائط أو للمبتاع على شئ يعطاه لم يجز باتفاق فإن وقع وفم يعثر على ذلك حتى فات بالعمل رد فيما عمل إلى إجارة مثله وإن خرج على جزع مسمى فإن كان قبل العمل فلا خلاف فى جواز ذلك وإن كان بعد العمل فأجاز ذلك ابن القاسم فى رسم الاقضية من سماع أصبع ومنعه فى رسم البيوع من سماع اشهب خوف إن تكون المساقاة التى أظهر أولا واخرا ذريعة لاستئجار العامل فى المدة التى عمل فيها بالجزء الذى جعل له من الثمرة فان وقع ذلك رد إلى إجارة مثله قال ابن رشد فإن فعلا ذلك لأمر بدا لهما دونولسة فلا حرج عليهما لأنها
(1)
انظر كتاب الدر المختار شرح تنوير الابصار على رد المختار ج 4 ص 513 الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب شرح منح الجليل ج 2 ص 723 طبع الطبعة السابقة.
(3)
انظر كتاب التاج والاكليل على مختصر خليل سيدى ابى الضياء الخليل الشهير بالمواق ومعه كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل لسيدى ابى الضياء خليل المعروف بالحطاب ج 5 ص 382، 383 مع الحطاب الطبعة السابقة.
بانفرادها مساقاة صحيحة وظاهر كلام ابن رشد أن هذا هو المذهب وحكاه فى التوضيح.
الاقالة فى الصرف:
جاء فى المدونة
(1)
: قلت أرأيت إن صارفت رجلا دنانير بدارهم ثم لقيته بعد ذلك فقال أفلنى من الصرف فدفعت إليه دنانيره وافترقنا قبل أن أقبض دراهمى قال لا يجوز هذا عند مالك قلت فإن اشتريت سيفا محلى كثير الفضة الفصل للفضة تبع بدنانير ثم انا التقينا بعد ذلك فتقايلنا فدفعت إليه السيف وافترقنا قبل أن أقبض الدنانير أيجوز هذا أم لا قال لا يجوز هذا لأن مالكا قال لا يباع هذا الا يدا بيد فالإقالة هاهنا بيع مستقبل فلا يصلح له أن يقيله ويفترقا قبل أن يقبض دنانيره لأن مالكا قال لى فى الإقالة هى بيع من البيوع يحلها ما يحل البيع ويحرمها ما يحرم البيع.
الاقالة فى الإجارة:
جاء فى المدونة
(2)
قال مالك من تكارى ظهرا على حمولة إلى بلد من البلدان أو إلى الحج فنفده الكراء أو لم ينفده حتى يبدو للمكرى أو للمتكارى فسأل أحدهما صاحبه أن يقبل برأس المال أو بزيادة أما ما لم يبرحا ولم يرتحلا فإن كان لم ينقده فلا بأس بالزيادة من كانت من المكرى أو المكترى وفسخ الأمر بينهما وأما إن كان نقده وتفرقا فلا بأس بالزيادة من المكترى ولا خير فيها من المكرى إذا انتقد لأنه يصبر كأنه أسفله مائة فى عشرين ومائة وكان القول بينهما فى الكراء محللا وإن سار من الطريق وما يتهم فى قربه ما يخاف أن يكونا إنما جعلا لقلته تحليلا بينهما وذريعة إلى الربا فلا خير فى أن يزيده المكرى فالتهمة بينهما بحالها وإن سارا من الطريق ما يعلم أنهما لم يعتزيا ذلك لبعد ما سارا فلا بأس بأن تكون الزيادة من قبل المكرى وإن كان قد انتقد لانه لا تهمة فيه وإن زاده أكثر مما أعطاه بكثير ولا يؤخره فإن دخله تأخير كان من الدين بالدين قال: وإن زاده المكترى فلا بأس بذلك قبل الركوب وبعد الركوب وان كان إنما سار الشئ القليل فزاده المكرى فالت همة بينهما بحالها قال وهذا الذى وصفت لك من الإقالة فى أمر الكراء هو مخالف للبيوع قال وهذا كله قول مالك قال وإذا أقاله وقد كان نقده مائة دينار كراءه كله بأقالة على أن يزيده المتكارى عشرة دنانير على أن المكرى إلى المتكارى المائة التى أخذها قال فلا يصلح أن يعطيه المتكارى العشرة دنانير التى يزيده إلا أن يعطيه إياها من المائة دينار التى يأخذها مقاصة لأنه يدخله دنانير وعروض بدنانير ألا ترى أنه اشترى من المتكارى ركوبه وعشرة دنانير بمائة دينار فلا يجوز هذا فإذا رد إليه من المائة عشرة دنانير فهذا لا يدخله البيع إنما هذا رجل أقاله من الكراء الذى كان له على أن وضع المتكارى عن المكرى عشرة دنانير فلا بأس بهذا قال ابن القاسم وهذا الذى ذكرته من أمر الكراء والمتكارى كله عن مالك إلا تفسير إذا زاد المتكارى المكرى عشرة دنانير من غير الذهب التى يأخذ فإن هذا رأيى وقال غيره لا يزيد المكرى المتكارى إذا غاب على النقد قبل الركوب القليل منه ولا الكثير فإنه لا خير فيه لأنه سلف جر منفعة.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأشباه والنظائر للسيوطى
(3)
: الإقالة تجوز فى البيع والسلم والحوالة فيما صححه البلقينى تبعا للخوارزمى وكذلك تجوز فى الصداق فيما ذكره القاضى حسين فى فتاويه بناء على ضمان العقد
(4)
ثم قال: إن السلم يتطرق اليه الفسخ
(1)
انظر كتاب المدونة للامام مالك ج 9 ص 69 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب المدونة الكبرى للامام الهجرة مالك بن انس الاصبحى رواية الامام سحنون بن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن بن القاسم العتقى رضى الله تعالى عنهم اجمعين ج 7 ص 145، ص 146 وما بعدهما طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1321 هـ لصاحبها محمد اسماعيل بالفحامين بمصر.
(3)
انظر كتاب الاشباه والنظائر للسيوطى ج 1 ص 456 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 288، ص 289 وما بعدها الطبعة السابقة.
بالاقالة والرهن يتطرق إليه الفسخ بالإقالة وكذلك الإجارة يتطرق إليها الفسخ بالإقالة أما الإقالة فى السلم فقد جاء فى الأم
(1)
: قال الامام الشافعى رحمه الله تعالى: من سلف ذهبا فى طعام موصوف فحل السلف فإنما له طعام فى ذمة بائعه فإن شاء أخذه به كله حتى يوفيه اياه وإن شاء تركه كما يترك سائر حقوقه إذا شاء وإن شاء أخذ بعضه أو أنظره ببعض وإن شاء أقاله منه كله وإذا كان له أن يقيله من كله إذا اجتمعا على الاقالة كان له إذا اجتمعا أن يقيله من بغضه فيكون ما أقاله منه كما لم يتبايعا فيه وما لم يقله منه كما كان لازما لهم بصفته فإن شاء أخذه وإن شاء تركه ولا فرق بين السلف فى هذا وبين طعام له عليه من وجه غير السلف، وقال ولكن إن حل له طعام فقال أعطيك مكان مالك من الطعام على طعاما غيره أو عرضا من العروض لم يجز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه وإنما لهذا السلف طعام فإذا أخذ غيره فقد باعه قبل أن يستوفيه وإذا أقاله منه أو من بعضه فالإقالة ليست ببيع إنما هى نقض بيع تراضيا بنقض العقدة الأولى التى وجبت لكل واحد منهما على صاحبه، والحجة فى هذا القياس والمعقول يكتفى به فيه اخبرنا الربيع قال
(2)
أخبرنا الشافعى قال أخبرنا سعيد عن ابن جريح أنه قال العطاء رجل اسلف بزامن طعام فدعا إلى ثمن البز يومئذ فقال لا إلا رأس ماله أو بزه قال الشافعى قول عطاء فى البز أن لا يباع البز أيضا حتى يستوفى فكأنه يذهب مذهب الطعام أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعى قال أخبرنا سعيد عن ابن جريح أنه قال لعطاء طعام أسلفت فيه فحل فدعانى إلى طعام غيره فرق بفرق ليس للذى يعطينى على الذى كان يدلى عليه فضل قال لا بأس بذلك ليس ذلك ببيع إنما ذلك قضاء قال الشافعى هذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى وذلك أنه سلف فى صفة ليست بعين فإذا جاءه بصفته فإنما قضاه جميعه قال سعيد بن سالم ولو أسلفه فى بر الشام فأخذ منه برا غيره فلا بأس به وهذا كتجاوزه فى مذهبه. هذا إلى ما روى عن ابن عباس وعن عطاء وعمر بن دينار رضى الله تعالى عنهم أنهم لا يرون فيه بأسا قال الشافعى رحمه الله تعالى أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريح أن عطاء كان لا يرى بأسا بأن يقيل رأس ماله منه أو ينظره أو يأخذ بعض السلعة وينظره بما بقى قال الربيع أخبرنا الشافعى قال أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جربح أنه قال العطاء أسلفت دينارا فى عشرة أفراق فحلت أفأقبض منه إن شئت خمسة أفراق وأكتب نصف الدينار عليه دينارا فقال نعم قال الشافعى لأنه إذا أقاله منه فله عليه رأس مال ما أقاله منه وسواء انتقده أو تركه لأنه لو كان عليه مال حال جاز أن يأخذه وأن ينظره به متى شاء أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعى قال أخبرنا سعيد بن سالم عن بن جربح عن عمرو بن دينار أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ بعض رأس ماله وبعضا طعاما أو يأخذ بعضا طعاما ويكتب ما بقى من رأس المال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعى قال أخبرنا سفيان عن سلمة بن موسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم قال ذلك المعروف أن يأخذ بعضه طعاما وبعضه دنانير فإن قال فهل فيه أثر عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل روى عن ابن عباس هذا ولو حلت مائة فرق اشتراها بمائة دينار فأعطاه بها ألف درهم لم يجز فيه إلا أقالته فإذا أقاله صار له عليه رأس ماله فاذا برئ من الطعام وصارت له عليه ذهبا تبايعا بعد بالذهب ما شاء أو تقايضا قبل أن يفترقا من عرض أو غيره وجاء فى موضع اخر من الأم
(3)
: أن من سلف رجلا دابة أو عرضا فى طعام إلى أجل فلما حل الأجل فسأله أن يقيله منه فلا بأس بذلك كانت الدابة فائتة بعينها أو قائمة لأنه لو كانت الإقالة بيعا للطعام قبل أن يقبض لم يكن له إقالته فيبيعة طعاما له عليه بدابة للذى عليه طعام ولكنه كان فسخ البيع وفسخ البيع إبطاله لم يكن بذلك بأس كانت الدابة
(1)
انظر كتاب الام للامام الشافعى ج 3 ص 216، ص 217 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 117 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 67 وما بعدها الطبعة السابقة.
قائمة أو مستهلكة فهى مضمونة عليه وعليه قيمتها إذا كانت مستهلكه قال الشافعى ومن أقاله رجلا فى طعام وفسخ البيع وصارت له عليه دنانير ومضمونة فليس له أن يجعلها سلفا فى شئ قبل أن يقبض كما لو كانت له عليه دنانير سلف أو كانت له فى يديه دنانير وديعة لم يكن له أن يجعلها سلفا فى شئ قبل أن يقبضها ومن سلف مائة فى صنفين من التمر وسمى رأس المال كل واحد منهما فأراد أن يقيل فى أحدهما دون الآخر فلا بأس لأن هاتين بيعتان مفترقتان وإن لم يسم رأس مال كل واحد منهما فهذا بيع أكرهه وقد أجازه غيرى فمن أجازه لم يجعل له أن يقيل من البعض قبل أن يقبض من قبل أنهما جميعا صفقة لكل واحد منهما حصة من الثمن لا تعرف إلا بقيمة والقيمة مجهولة، ومن سلف رجلا فى مائة أردب فاقتضى منه عشرة أو أقل أو أكثر ثم سأله الذى عليه الطعام أن يرد عليه العشرة التى أخذ منه أو ما أخذ ويقيله فإن كان متطوعا بالرد عليه تمت الإقالة فلا بأس وإن كان ذلك على شرط أنى لا ارده عليك إلا أن نفسخ البيع بيننا فلا خبر فى ذلك ومن كانت له على رجل دنانير فسلف الذى عليه الدنانير رجلا غيره دنانير فى طعام فسأله الذى عليه الدنانير أن يجعل له تلك الدنانير فى سلعة أو يجعلها له تولية فلا خبر فى ذلك لأن التوليه بيع وهذا بيع الطعام قبل أن يقبض ودين بدين وهو مكروه فى الأجل والحال، ومن ابتاع من رجل مائة أردب طعام فقبضها منه ثم سأله البائع الموفى أن يقيله
(1)
منها كلها أو بعضها فلا بأس بذلك وقال مالك لا بأس أن يقيله من الكل ولا يقيله من البعض قال الشافعى ولو أن نفرا اشتروا من رجل طعاما فأقاله بعضهم وأبى بعضهم فلا بأس وذلك قال الشافعى الشركة والتولية بيع من البيوع يحل فيه ما يحل فى البيوع ويحرم فيه ما يحرم فى البيوع فمن ابتاع طعاما أو غيره فلم يقبضه حتى أشرك فيه رجلا أو يوليه إياه فالشركة باطلة والتولية وهذا بيع الطعام قبل أن يقبض والإقالة فسخ للبيع قال الشافعى ومن ابتاع طعاما فاكتال بعضه ونقد ثمنه ثم سأله أن يقيله من بعضه فلا باس بذلك مال الشافعى ومن باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل فقبضه المبتاع وغاب عليه ثم ندم البائع فاستقاله وزاده فلا خبر فيه من قبل أن الإقالة ليست ببيع فإن أحل أن يجدد فيه بيعا بذلك فجائز.
الإقالة فى الهبة:
جاء فى نهاية المحتاج
(2)
: أنه لو تفاسخ المتواهبان الهبة أو تقايلا حيث لا رجوع لم تنفسخ كما جزم به فى الأنوار.
الإقالة فى المساقاة:
جاء فى نهاية المحتاج
(3)
: أنه تصح الإقالة فى المساقاة كما قاله الزركشى قال فإن كان ثم ثمرة لم يستحقها العامل.
الإقالة فى الإجارة:
تصح الإقالة فى الإجارة فقد جاء فى نهاية المحتاج
(4)
: أنه لو أجر إنسانا عينا فأجرها المستأجر لغيره ثم تقايلا أى المؤجر والمستأجر الأول فالظاهر كما قاله السبكى وغيره صحة الإقالة.
مذهب الحنابلة:
الإقالة فى السلم جاء فى المغنى لابن قدامة المقدسى
(5)
: قال أما الإقالة فى المسلم فيه فجائزة لانها فسخ قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الإقالة فى جميع ما أسلم فيه جائزة لأن الإقالة فسخ للعقد ورفع له من أصله وليست بيعا قال القاضى ولو قال لى عندك هذا الطعام صالحنى منه على ثمنه جاز وكانت صحيحة فأما الإقالة فى
(1)
انظر كتاب الام ج 3 ص 68 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر من كتاب نهاية المحتاج ج 5 ص 417، 418، ص 419 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 258 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
انظر كتاب نهاية المحتاج ج 5 ص 225 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
انظر كتاب المغنى لابن قدامه المقدسى ج 4 ص 343 وما بعدها الطبعة السابقة.
بعض المسلم فيه فاختلف عن أحمد فيها فروى عنه أنها لا تجوز ورويت كراهتها عن ابن عمرو وسعيد بن المسيب والحسن وروى حنبل عن احمد أنه قال لا بأس بها وروى ذلك عن ابن عباس وعطاء وطاووس ومحمد بن على وحميد بن عبد الرحمن وعمرو بن دينار وابن المنذر ولان الإقالة مندوب إليها وكل معروف جاز فى الجميع جاز فى البعض كالإبراء والانتظار، وجه الرواية الأولى أن السلف فى الغالب يزاد فيه فى الثمن من أجل التأجيل فإذا أقاله فى البعض بقى البعض بالباقى من الثمن ويمنعه الجزء الذى حصلت الإقالة فيه فيم يجز كما لو اشترط ذلك فى ابتداء العقد ويخرج عليه الإبراء والإنظار فانه لا يتعلق به شئ من ذلك واذا أقاله
(1)
رد الثمن إن كان باقيا أو مثله إن كان مثليا أو قيمته إن لم يكن مثليا فإن أراد أن يعطيه عوضا عنه فقال الشريف ابو جعفر ليس له صرف ذلك الثمن فى عقد آخر حتى يقبضه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ومن أسلم فى شئ فلا يصرفه إلى غيره» ولأن هذا مضمون على المسلم اليه يعقد المسلم فلم يجز التصرف فيه قبل قبضه كما لو كان فى يد المشترى وقال القاضى ابو يعلى يجوز أخذ العوض عنه ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد فجاز أخذ العوض عنه كالثمن فى البيع اذا فسخ والمسلم فيه مضمون بالعقد وهذا مضمون بعد فسخه والخير أراد به المسلم فيه فلم يتناول هذا فإن قلنا بهذا فحكما فحكمه حكم ما لو كان قرضا أو ثمنا فى بيوع الأعيان لا يجوز جعله سلما فى شئ آخر لانه يكون بيع دين بدين، ويجوز فيه ما يجوز فى القرض واثمان البياعات إذا فسخت وجاء فى كشاف القناع
(2)
: أنه تصح إقالة فى سلم لأنها فسخ وتصح إقالة فى بعضه لأنها مندوب إليها وكل مندوب إليه صح فى شئ وصح فى شئ صح فى بعضه فتصح الإقالة فيه كالإبراء بدون قبض رأس مال المسلم ان وجد أو بدون قبض عوض رأس مال المسلم إن تعذر رأس المال لتلفه فى مجلسها لأن الإقالة فسخ فإذا حصلت بقى الثمن بيد البائع أو ذمته فلم يشترط قبضه فى المجلس كالقرض ويفسخ المسلم ويجب على المسلم اليه رد ما أخذه من رأس ماله ان بقى لرجوعه لمشتر وإن لم يكن باقيا فعليه مثله إن كان مثليا ثم قيمته ان كان متقوما أو تعذر المثل لأن ما تعذر رده رجع ببدله فإن أخذ بدله ثمنا أى نقدا وهو ثمن فهو صرف لا يجوز فيه التفرق قبل القبض وفى غير ما ذكر بأن كان العوضان أو أحدهما عرضا يجوز تفرق قبل قبض إن لم يتفقا فى علة الربا أو يعوض عنه موصوفا فى الذمة.
الإقالة فى الإجارة:
جاء فى كشاف القناع
(3)
: أنه تصح الإقالة فى الإجارة كما تصح فى البيع وتصح الإقالة من مؤجر وقف إن كان الاستحقاق له لانه كالمالك وظاهره إن كان الاستحقاق مشتركا أو لمعين غيره أو كان الوقف على جهة لم تصح الإقالة وعمل الناس على خلافه، وفى الفروع فى الحج من استؤجر عن ميت يعنى ليحج عنه إن قلنا تصح الإجارة فهل تصح الإقالة لأن الحق للميت يتوجه احتمالان قال فى تصحيح الفروع الصواب الجواز لأنه قائم مقامه فهو كالشريك والمضارب أهـ وقياسها جوازها من الناظر وولى اليتيم لمصلحة وتصح الإقالة من مفلس بعد حجر الحاكم عليه بلا شروط بيع الحاكم عليه لمصلحة كفسخ البيع لخيار.
الإقالة فى الوقف:
جاء فى كشاف القناع
(4)
: أن الوقف عقد لازم لا يجوز فسخه بإقالة ولا غيرها لأنه عقد يقتضى التأييد فكان من شأنه ذلك ويلزم الوقف بمجرد القول دون حكم حاكم.
مذهب الظاهرية:
اقال ابن حزم فى المحلى
(5)
: أنه لا تجوز الإقالة فى
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 344 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب كشاف القناع عن متن الاقناع ج 2 ص 85 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 85 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 470 وما بعدها الطبعة السابقة وانظر كتاب الاقناع فى فقه الامام احمد ابن حنبل ج 3 ص 27 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
انظر كتاب المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 115 مسألة رقم 1623 الطبعة السابقة.
السلم لأن الإقالة بيع صحيح على ما بينا قبل وقد صح نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض وعن بيع المجهول لانه غرر لكن يبرئه من شاء منه فهو فعل خير.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(1)
: أنه تصح الإقالة فى السلم كالبيع وهى هاهنا فسخ لا بيع قولا واحدا، وتصح فى البعض كالكل لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أقال نادما بيعته» الخبر وقال البعض لا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس لك إلا سلمك أو رأس مالك قلنا مخصص بالقياس. قال البعض فان شرط فيها خلاف الثمن الأول لم تصح الاقالة إذا لم يسقطا حقهما من الثمن والمسلم فيه إلا بشرط العوض وشرط خلافه باطل فإذا بطل الشرط بطل المشروط قال البعض بل تصح الإقالة ويلغو الشرط قلت وهو الأقرب للمذهب والضمين بالسلم فيه لا تصح مصالحته عنه إذ لا يملكه فإن صالح المسلم إليه بمثل رأس المال صح، وكان إقالة إذ ليست أكثر من ذلك.
الإقالة فى الإجارة:
جاء فى التاج المذهب
(2)
: أن الإجارة من العقود التى يثبت الفسخ فيها بالتقايل، وجاء فيه
(2)
أيضا:
أن الإجارة يدخلها أمور منها التولية والمرابحة بالإذن أو الزيادة مرغب والإقالة.
الإقالة فى الخلع:
جاء فى الروض النضير
(3)
: أنه إذا تقايلا عقد الخلع وتراجعا إلى ما كان عليه بتراضيهما لم تمنع قواعد الشرع ذلك بخلاف ما بعد العدة فإنها قد صارت منه أجنبية محضة فهو خاطب من الخطاب.
الإقالة فى القسمة:
جاء فى التاج المذهب
(4)
أنه يصح لكل من المقتسمين أن يرد نصيبه بالخيارات والإقالة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(5)
: أنه تصح الإقالة فى بعض السلم كما تصح فى جميعه ودليلنا ما رويناه عن ابى هريرة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «من أقال نادما فى بيعه أقاله الله نفسه يوم القيامة وهذا أقالة» ، وروى ابن عباس رضى الله عنه أنه قال لا بأس بذلك وهو المعروف ولا مخالف له، وإذا أقاله جاز أن يأخذ مثل ما أعطاه من غير جنسه مثل أن يكون أعطاه دنانير فيأخذ دراهم أو عرضا فيأخذ دراهم وما أشبه ذلك دليلنا قول الله تبارك وتعالى «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}
(6)
» وقول الله عز وجل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
(7)
» وهذا عام وقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم ولم يفرق فهو على عمومه.
الإقالة فى الرهن:
جاء فى الروضة البهية
(8)
: أن الرهن لازم من جهة الراهن حتى يخرج من الحق بادائه ولو من متبرع غيره وفى حكمه ضمان الغير له مع قبول المرتهن والحوالة به وإبراء المرتهن له منه وفى حكمه الإقالة المسقطة للثمن المرهون به أو للثمن المسلم فيه المرهون به والضابط براءة ذمة الراهن من جميع
(1)
انظر كتاب التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 117 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 74 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
انظر كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 4 ص 168 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
انظر كتاب التاج الذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 213 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
انظر كتاب الخلاف فى الفقه الامامى الجعفرى ج 1 ص 595 وما بعدها مسألة رقم 15 ومسألة رقم 16 طبع مطابع مطبعة رنكين فى طهران سنة 1377 هـ الطبعة الثانية.
(6)
الاية رقم 275 من سورة البقرة.
(7)
الاية رقم 1 من سورة المائدة.
(8)
انظر كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للامام الشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 356 وما بعدها طبع مطابع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1375 هـ.
الدين ولو خرج من بعضه ففى خروج الرهن أجمع أو بقائه كذلك أو بالنسبة أوجه ويظهر من العبارة بقاؤه أجمع وبه صرح فى الدروس.
الإقالة فى الإجارة:
جاء فى شرائع الاسلام
(1)
: أن الإجارة عقد لازم لا تبطل إلا بالتقايل أو بأحد الأسباب المقتضية للفسخ.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: أن السلم والنقد وما أخذ فى الدين والعطية للثوب والإجارة والصداق وما أشبه ذلك من وجوه غير البيع لا تجوز الإقالة فيها قال الشيخ والذى يوجبه النظر عندى ان السلم والنقد لا تجوز الإقالة فيهما حتى يقبضا لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض وأما بعد القبض فجائز، وقوله وما أشبه ذلك المذكور من الاجارة والصداق فإنهما غير بيع ولو أشبها بيعا فلم يجز فيهما الإقالة وقيل فى الإجارة أنها بيع فتجوز فيها الإقالة وأما السلم والنقد فإنهما بيع لكن لا تجوز الإقالة فيهما لأنهما تؤديان فى السلم والنقد إلى بيع ما لم يقبض سواء كان طعاما أو غيره وإلى بيع الطعام قبل أن يستوفى إن كان طعاما ولذلك جازتا فيهما بعد القبض وان وقعتا من النقد والسلم عليه لغير منهما له جاز عند بعض ومنع عند بعض وهذا مثل أن يقول أن على لزيد عشرة أمداد سلما أو نقدا قيمة درهمين فخذ منى يا بكر درهمين واعط زيدا عشرة أمداد ومن قال إن الإقالة ليست بيعا بل فسخ بيع أجاز الإقالة بين البائعين ولو قيل قبض المسلم والنقد إليه ثم قال فى موضع اخر
(3)
:
واختير فى بيع النقد والسلم الإقالة فيهما حتى يقبضا أى حتى يقبض المنقود إليه أو المسلم إليه من طعام أو غيره لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض وعن بيع الطعام قبل أن يستوفى وللتضييق فى السلم والنقد شبيه به ولأنه لا بد من الأجل فى السلم فإن أقال فيه قبل حلوله الى أجله فقد باع ما فى الذمة قبل إن يستحقه وإن أقال فيه بعد حلوله بلا أجل فقد أوقع السلم بلا أجل وإن جدد أجلا آخر فقد حدده لما فى الذمة ولا يجدى ذلك شيئا ووجه جواز الإقالة فيهما البناء على أنها فسخ بيع إلى غير المشترى كأن المشترى اشترى للمقال وما ذكره المصنف هو اختيار الشيخ إذ قال فى الاثر وأما السلم والنقد وما أخذ فى الدين والعطية للثوب والإجارة والصداق وما أشبه ذلك من وجوه غير البيع فلا تجوز فيها الإقالة على هذا الحال عند هؤلاء والذى يوجبه النظر عندى أن السلم والنقد لا تجوز الإقالة فيها حتى يقبضا لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض.
اقامة
تعريف الاقامة فى اللغة:
اقامة مصدر فعله أقام المزيد بالهمزة فأصل مادته قام، يقال: قام يقوم قوما وقياما اذا انتصب واقفا، والقيام نقيض الجلوس، ويأتى بمعنى العزم كقول العمانى الراجز للرشيد عند ما هم بأن يعهد الى ابنه قاسم: قل للامام المقتدى بأمه .. ما قاسم دون مدى ابن أمه، فقد رضيناه فقم فسمه، أى فاعزم ونص عليه .. ومنه قوله تعالى:«وَأَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ»
(4)
أى لما عزم، وقوله تعالى:«إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»
(5)
أى عزموا فقالوا، وقد يجئ القيام بمعنى المحافظة والاصلاح ومنه
(6)
قول الله تعالى: «الرِّجالُ}
(1)
انظر كتاب شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق المحلى ج 1 ص 232 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر من كتاب شرح النيل وشفاء العليل للامام العلامة محمد ابن يوسف اطفيش ج 4 ص 530، 531 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 537 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
الاية رقم 19 من سورة الجن.
(5)
الاية رقم 14 من سورة الكهف.
(6)
الاية رقم 34 من سورة النساء.
(1)
» وقوله تعالى: «إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً}
(2)
» أى ملازما محافظا. ويجئ القيام بمعنى الوقوف والثبات، يقال للماشى: قف لى أى تحبس فى مكانك حتى آتيك، وكذلك قم لى بمعنى قف لى وعليه فسروا قول الله سبحانه وتعالى:
«وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا}
(3)
» فقد قال أهل اللغة والتفسير: قاموا هنا بمعنى وقفوا وثبتوا فى مكانهم غير متقدمين ولا متأخرين، ومنه التوقف فى الأمر وهو الوقوف عنده من غير مجاوزة له، ومنه أقام بالمكان بمعنى الثبات، يقال: أقام بالمكان اقاما واقامة ومقاما اذا لبث فيه واتخذه وطنا، وأقام الشئ أدامه وأقام الشئ أنشأه موفى حقه، وعلى المعنيين قوله تعالى:«وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ» ،} وأقام الشئ أتمه ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسوية الصف من اقامة الصلاة، أى من تمامها وكمالها فأما قوله: قد قامت الصلاة، فمعناه: قد قام أهلها أوحان قيامهم، وأقام للصلاة نادى لها، وأقام العود والبناء ونحوهما اذا عدله وازال عوجه، وأقام الشرع أو الحد أظهره وعمل به
(4)
.
الاقامة فى استعمال الفقهاء:
ذكرت الاقامة فى عدة أبواب بمعان مختلفة، وهى فى كل استعمالاتها لا تكاد تخرج عن المعنى اللغوى ومن ذلك ما جاء فى باب الأذان والاقامة حيث ذكرت الاقامة وقصد بها الاعلام للشروع فى الصلاة والنداء لها على ما سيأتى بيانه ومنه مآ جاء فى باب صلاة المسافر حيث ذكرت الاقامة وقصد بها اللبث فى مكان سواء كانت الاقامة على سبيل الدوام والاستقرار أم كانت الاقامة محددة بفترة معينة وسيتضح بيان ذلك، ومن هذا القبيل ما جاء فى باب المسح على الخفين وباب الصوم وباب الحج وغير ذلك، ومن استعمالات الفقهاء للفظ الاقامة أيضا ما جاء فى باب الحدود حيث ذكرت الاقامة مضافة الى الحد بمعنى اظهاره والعمل به. ولكل استعمال من ذلك أحكامه الخاصة عند الفقهاء نوردها على الوجة الآتى:
أولا:
اقامة الصلاة:
تعريفها:
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن الاقامة للصلاة معناها شرعا الاعلام بالشروع فى الصلاة
(5)
.
مذهب المالكية:
وجاء فى الحطاب: من كتب المالكية: الاقامة اعلام النفس بالتأهب للصلاة
(6)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن الاقامة فى الأصل مصدر أقام، وسمى الذكر المخصوص بها لأنه يقيم الى الصلاة
(7)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن الاقامة مصدر أقام وحقيقته اقامة القاعد أو المضطجع فكأن المؤذن اذا أتى بالفاظ الاقامة أقام القاعدين وأزالهم عن
(1)
الاية رقم 75 من سورة آل عمران
(2)
الآية رقم 30 من سورة البقرة
(3)
الآية رقم 30 من سورة البقرة
(4)
لسان العرب ج 52 ص 498
(5)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 1 ص 153 الطبعة الاولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر الاية رقم 14 من سورة الكهف.
(6)
كتاب مواهب الجليل ج 1 ص 464
(7)
من مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للعلامة الامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج لابى زكريا يحيى بن شرف النووى ج 1 ص 135 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ الاية رقم 75 من سورة ال عمران.
قعودهم، وهى الاعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص فيها
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن الاقامة أمر بالمجئ الى الصلاة
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أن الاقامة شرعا: اعلام المتأهبين للصلاة بالقيام اليها بألفاظ الأذان وزيادة على الصفة المشروعة
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: الاقامة هى اعلام النفس بالتأهب للصلاة
(4)
.
مشروعية الاقامة
مذهب الحنفية:
الأصل فى مشروعية الاقامة هو حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصارى رضى الله تعالى عنه فقد روى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تفوتهم الصلاة مع الجماعة لاشتباه الوقت عليهم وأراد أن ينصبوا لذلك علامة، قال بعضهم: نضرب بالناقوس تكرهوا ذلك لمكان النصارى وقال بعضهم نضرب بالشبور
(5)
، فكرهوا ذلك لمكان اليهود، وقال بعضهم: نوقد نارا عظيمة، فكرهوا ذلك لمكان المجوس، فتفرقوا من غير رأى اجتمعوا عليه، فدخل عبد الله بن زيد منزله فقدمت امرأته العشاء فقال: ما أنا بآكل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهمهم أمر الصلاة الى أن قال: كنت بين النائم واليقظان اذ رأيت نازلا نزل من السماء وعليه بردان أخضران وبيده ناقوس فقلت له: أتبيع منى هذا الناقوس؟ فقال: ما تصنع به؟ فقلت: أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضرب به لوقت الصلاة، فقال: ألا أدلك الى ما هو خير منه؟ فقلت: نعم.
فوقف على حذم حائط
(6)
مستقبل القبلة وقال: الله اكبر
…
الأذان المعروف الى اخره قال: ثم مكث هنيهة ثم قام فقال مثل مقالته الأولى إلا أنه زاد فى آخره: قد قامت الصلاة مرتين، قال: فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انه لرؤيا حق فالقها الى بلال فانه أندى وأمد صوتا منك فألقيتها عليه فقام على سطح أرملة كان أعلى السطوح بالمدينة وجعل يؤذن، فجاء عمر رضى الله تعالى عنه فى اذار وهو يهرول ويقول: يا رسول الله والذى بعثك بالحق لقد طاف بى الليلة مثل ما طاف بعبد الله إلا أنه قد سبقنى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله وانه لأثبت، وروى أن سبعة من الصحابة رضى الله تعالى عنهم رأوا تلك الرؤيا فى ليلة واحدة
(7)
. وعلى هذا انعقد الاجماع.
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 1 ص 160 طبع المطبعة الشرقية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الاولى الاية رقم 30 من سورة البقرة.
(2)
المحلى للامام محمد بن على بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 3 ص 140 طبع مطبعة ادارة الطباعة بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الاولى لمحمد بن عبده اغا الدمشقى الاية رقم 3 من سورة البقرة.
(3)
شرح الازهار المنتزع من الغيب المدرار فى فقه الائمة الاطهار مع حواشيه للعلامة ابو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 217 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(4)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 323 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.
(5)
الشبور: البوق ينفخ فيه.
(6)
الحذم: المراد به قطعة حائط مرتفعة.
(7)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 147 الطبعة السابقة وكتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 127، 129 الطبعة الاولى مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ طبع الساسى.
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة
كمذهب الحنفية
(1)
مذهب الظاهرية:
ذكر أبن حزم الظاهرى فى مشروعية الاقامة ما روى عن مالك بن الحويرث قال: أتى رجلان الى النبى صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال النبى صلى الله عليه وسلم: اذا خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبر كما، وما روى عن عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء: صليت لنفسى الصلاة فنسيت أن أقيم لها، قال: عد لصلاتك أقم لها ثم أعد، وما روى من طريق محمد بن المثنى: حدثنا ابن فضيل عن ليث بن أبى سليم عن مجاهد قال: اذا نسيت الاقامة فى السفر فأعد الصلاة، وممن قال بوجوب الأذان والاقامة فرضا أبو سليمان وأصحابه، ولو لم يكن دليلا على فرضية الأذان والاقامة إلا استحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم دماء من لم يسمع عندهم أذانا - وأموالهم وسبيهم لكفى فى وجوب فرض ذلك. وهو اجماع متيقن من جميع من كان معه صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضى الله تعالى عنهم بلا شك فهذا هو الاجماع المقطوع على صحته
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أن الدليل على مشروعية الاقامة هو فعل النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضى الله تعالى عنهم من بعده، ولا خلاف فى كونها مشروعة وان اختلف فى الوجوب
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة الوثقى أن العلماء اجمعوا على مشروعية الأذان والاقامة للصلوات الخمس وقال فى الحدائق: ولا اشكال فى رجحان الآذان والاقامة فى الصلوات الخمس المفروضة أداء وقضاء لجملة المصلين ذكورا واناثا فرادى وجماعة، بل هى اجماع من المسلمين، بل ضرورى من الدين
(4)
.
ألفاظ الاقامة
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى الهندية والبدائع أن الاقامة مثنى مثنى كالأذان عند عامة العلماء وألفاظها هى الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا اله إلا الله، أشهد أن لا اله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة حى على الصلاة، حى على الفلاح حى على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله واستدلوا على أن الاقامة مثنى بحديث عبد الله بن زيد، أن النازل من السماء أتى بالأذان ومكث هنيهة ثم قال مثل ذلك إلا أنه زاد فى آخره مرتين: قد قامت الصلاة، وهذا الحديث هو الأصل، وانما تكون الاقامة كذلك اذا كانت بمثنى، وقد مر الأمام على رضى الله تعالى عنه بمؤذن يوتر الاقامة فقال اشفعها لا أم لك، ولأن الاقامة أحد الأذانين وهو مختص بقوله: قد قامت الصلاة، فلو كان من سنتها الأفراد لكان أولى به هذه الكلمة
(5)
.
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 421 الطبعة السابقة ونهاية المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج لشمس الدين بن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى عليه وبهامشه المغربى ج 1 ص 381، ص 382 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاء بمصر سنة 1357 هـ كشاف القناع عن الاقناع للعلامة الشيخ منصور ابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 160 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 224، ص 125 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 217 الطبعة السابقة.
(4)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محمد الطباطبائى الحكيم ج 5 ص 525 طبع مطبعة النعمان بالنجف الاشرف سنة 1381 هـ، سنة 1961 م.
(5)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 148 الطبعة السابقة والمبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 129 الطبعة السابقة والفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمية وبهامشه فتاوى قاضيخان للامام فخر الدين حسن بن منصور الاوزجندى ج 1 ص 55 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1310 هـ.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى
(1)
أن ألفاظ الاقامة هى:
الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا اله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حى على الصلاة حى على الفلاح قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله، قال فى الحطاب
(2)
: ألفاظ الاقامة كلها مفردة حتى قوله: قد قامت الصلاة إلا التكبير فى أولها واخرها فانه مثنى، وهذا هو المشهور، وروى المصريون عن مالك أنه يشفع قد قامت الصلاة، ثم قال فى الحطاب ولو شفع الاقامة غلطا فالمشهور أنها لا تجزئ ونقل المازرى عن بعض أصحابنا الأجزاء ونقله ابن عرفة وابن ناجى وغيرهما، وألفاظ الاقامة تكون معربة، وقيل مبنية.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب أن ألفاظ الاقامة هى: الله أكبر الله اكبر، أشهد أن لا اله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حى الصلاة حى على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله وقال فى القديم: الاقامة مرة مرة. والأول أصح لما روى أنس رضى الله تعالى عنه قال: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الاقامة، ولأن سائر الفاظ الاقامة قد قضى حقه فى أول الأذان إلا الاقامة فأعيدت على النقصان كآخر الأذان ولفظ الاقامة لم يقض حقه فى الأذان فلم يلحقه النقصان
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الشرح الكبير على هامش المغنى
(4)
: أن الاقامة احدى عشرة كلمة، فان ثنى فى الاقامة (أى فى ألفاظها كلها) فلا بأس، وجملة ذلك أن الاقامة المختارة عند امامنا رحمه الله تعالى، هى اقامة بلال التى وردت فى حديث عبد الله بن زيد رضى الله تعالى عنه وهى: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا اله الا الله أشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة حى على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله. والدليل على ذلك ما روى عن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال: انما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين، والاقامة مرة الا أنه يقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة - رواه أحمد وأبو داود والنسائى وفى حديث عبد الله بن زيد أنه وصف الاقامة كما ذكرنا وفى كشاف القناع
(5)
: أنه ان ثنى الاقامة لم يكره.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن الفاظ الاقامة: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا اله الا الله أشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة حى على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله، ودليل ذلك ما روى عن أبى قلابة قال: كان بلال يوتر الاقامة ويثنى الاذان الا قوله قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وقد روى عن أنس بن مالك قال:
أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الاقامة
(6)
.
(1)
المدونة الكبرى للامام مالك بن انس الاصبحى رواية الامام سحنون بن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن بن قاسم العتقى ج 1 ص 58 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ طبع محمد المغربى.
(2)
مواهب الجليل على مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق فى كتاب المعروف بالحطاب ج 1 ص 461 الطبعة السابقة.
(3)
من كتاب المهذب للامام ابى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزبادى الشيرازى مع النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لابن بطال الركبى ج 1 ص 57 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(4)
الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين ابى الفرج بن احمد بن قدامة المقدسى على هامش المغنى ج 1 ص 401، ص 402 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ الطبعة الاولى.
(5)
كشاف القناع وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 161 الطبعة السابقة.
(6)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 153 الطبعة السابقة.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(1)
أن الاقامة مثنى الا التهليل فى اخرها، ومن جملة الفاظ الاقامة: حى على خير العمل. وذلك للأدلة الواردة المشهورة عند أئمة العترة وشيعتهم وأتباعهم وكثير من الأمة المحمدية التى شحنت بها كتبهم، قال الهادى الى الحق يحيى بن الحسين فى الأحكام: وقد صح لنا أن حى على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تطرح الا فى وقت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فانه أمر بطرحها وقال:
انى أخاف أن يتكل الناس على ذلك ويتركوا الجهاد، وهو خير العمل.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(2)
أن الاقامة سبعة عشر فصلا على ترتيب فصول الأذان وهى الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا اله الا الله أشهد أن لا اله الا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة حى على الصلاة حى على الفلاح حى على الفلاح حى على خير العمل حى على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله لا اله الا الله، وينقص منه التكبيرات فى أولها تكبير ثان، ويزاد فيها بدلها قد قامت الصلاة مرتين بعد قول حى على خير العمل، وينقص من التهليل مرة واحدة، ومن أصحابنا من قال: أن عددها اثنان وعشرون فصلا أثبت عدد فصول الأذان على ما حكيناه وزاد فيها: قد قامت الصلاة مرتين وذلك لاجماع الفرقة فانهم لا يختلفون فى أن ما قلناه من الاقامة والأذان، وذكر فى الروضة البهية
(3)
أنه لا يجوز اعتقاد شرعيه غير هذه الفصول فى الأذان والاقامة كالتشهد بالولاية لعلى عليه السلام وأن محمدا وآله خير البرية أو خير البشر وان كان الواقع كذلك فما كل واقع حقا يجوز ادخاله فى العبادات الموظفة شرعا المحدودة من الله تعالى فيكون ادخال ذلك فيها بدعة وتشريعا كما لو زاد فى الصلاة ركعة أو تشهدا أو نحو ذلك من العبادات.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(4)
: أن ألفاظ الأذان والاقامة مثنى وقيل مثنى الا الشهادتين فمربعتان، ويزيد فى الاقامة بعد حى على الفلاح: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة وكان بعض قومنا يفرد الاقامة وأول من أفردها معاوية.
حكم الاقامة
مذهب الحنفية:
ذكر صاحب بدائع الصنائع
(5)
: أن الأذان والاقامة من واجبات الصلاة التى تكون قبل الشروع فيها ودليل الوجوب هو حديث عبد الله ابن زيد بن عبد ربه الأنصارى رضى الله تعالى عنه الذى سبق، وهو الأصل فى هذا الباب، وذكر محمد رحمه الله تعالى ما يدل على الوجوب فى قوله: انه اذا أصر أهل المصر على ترك الأذان والاقامة أمروا بهما فان أبوا قوتلوا على ذلك بالسلاح كما يقاتلون عند الاصرار على ترك الفرائض والواجبات، ثم قال بعد ذلك فى البدائع: وعامة مشايخنا قالوا: انهما سنتان مؤكدتان لما روى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه قال فى قوم صلوا الظهر أو العصر فى المصر جماعة بغير أذان ولا اقامة: لقد أخطئوا السنة
(1)
شرح الازهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 217، ص 218 الطبعة السابقة.
(2)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محمد الطباطبائى الحكيم ج 5 ص 525 طبع مطبعة النجف الاشرف الطبعة الثانية سنة 1381 هـ، سنة 1961 م.
(3)
من كتاب الخلاف فى الفقه للطوسى ج 1 ص 93 الطبعة السابقة.
(4)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 323 الى ص 327 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.
(5)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 146، ص 147 الطبعة السابقة وكتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 123 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ طبع الحاج محمد ساسى المغربى التونسى بمصر.
وخالفوا وأثموا، وقال صاحب البحر الرائق
(1)
: أن الاقامة سنة ثم قال والظاهر أن الاقامة اكبر فى السنية من الاذان كما صرح به فى فتح القدير، ولهذا قالوا:
يكره تركها للمسافر دون الأذان وقالوا: ان المرأة تقيم ولا تؤذن وفى الخلاصة أن الاقامة أفضل من الآذان، قال صاحب البدائع: والقولان لا يتنافيان لأن السنة المؤكدة والواجب سواء خصوصا السنة التى هى من شعائر الاسلام فلا يصح تركها ومن تركها فقد أساء لأن ترك السنة المتواترة يوجب الاساءة وان لم تكن من شعائر الاسلام، فهذا أولى الا ترى أن أبا حنيفة سماه سنة ثم فسره بالواجب حيث قال: أخطئوا السنة وخالفوا وأثموا والاثم انما يلزم بترك الواجب.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب
(2)
أن الاقامة سنة ولا خلاف أعلمه فى عدم وجوبها، وقال ابن عبد السّلام: لم يذكروا فيه خلافا فى المذهب ووقع فيها وفى الأذان الأعادة فى الوقت وقال ابن ناجى فى شرح المدونة قال فى الاكمال: روى عندنا اعادة الصلاة لمن ترك الاقامة عمدا، فحمله بعضهم على القول بوجوبها، وليس بشئ اذ لو كانت واجبة لاستوى فيه العمد والنسيان، وكافة شيوخنا قالوا: انما ذلك لان الاستخفاف بالسنن وتركها عمدا يؤثر فى الصلاة، وقال ابن بشير: لا خلاف فى المذهب أن الاقامة سنة فى حق الرجال فهى مشروعة لكل مصلى صلاة فرض سواء وقتية أو فائتة لكن حكمها فى الجماعات اكد منه فى الانفراد وحكمها على الرجال آكد منه على النساء.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(3)
أن الاقامة مشروعة بالاجماع لكن اختلف فى كيفية مشروعيتها فقال جماعة هى سنة لأن النبى صلى الله عليه وسلم يأمر بها فى حديث الأعرابى مع ذكر الوضوء والاستقبال وأركان الصلاة، ولقوله صلى الله عليه وسلم لو يعلم الناس ما فى النداء والصف الأول لاستهموا عليه، رواه البخارى، ولأن الأذان والاقامة للاعلام بالصلاة فلم يجبا، وفى المجموع: هما سنة على الكفاية فى حق الجماعة كما فى سائر سنن الكفاية كابتداء السّلام أما المنفرد فهما فى حقه سنة عين، وقيل هما فرض كفاية لحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصارى، ولأنهما من الشعائر الظاهرة وفى تركهما تهاون، فلو اتفق أهل البلد على تركهما قوتلوا على هذا، وقيل هما فرض كفاية فى الجمعة دون غيرها لأنهما دعاء الى الجماعة والجماعة واجبة فى الجمعة مستحبة فى غيرها فيكون الدعاء اليها كذلك.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(4)
: الاقامة فرض كفاية للصلوات الخمس المؤداة والجمعة لما روى عن أبى الدرداء رضى الله تعالى عنه مرفوعا: ما من ثلاثة لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة الا استحوذ عليهم الشيطان، ولأنه من شعائر الاسلام فكان فرض كفاية كالجهاد، فالاقامة فرض كفاية للرجال جماعة فلا تجب على الرجل المنفرد بمكان، والمراد بالجمع هنا اثنان فأكثر، قال فى المنتهى هى فرض كفاية على الرجال الأحرار، اذ فرض الكفاية لا يلزم رقيقا فى الجملة فى الامصار والقرى وغيرهما حضرا، وان ترك الاقامة أهل بلد قاتلهم الامام أو نائبه حتى
(1)
كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه الحواشى المسماه بمتمة الخالق على البحر الرائق للسيد محمد امين الشهير بابن عابدين ج 1 ص 272 الطبعة الاولى المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.
(2)
مواهب الجليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 461 الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 1 ص 135، ص 136 طبع المطبعة المنيرية بمصر سنة 1306 هـ.
(4)
كشاف القناع على متن الاقناع وبهامشه منتهى الارادات للشيخ منصور بن يوسف البهوتى ج 1 ص 191، 162 الطبعة السابقة.
يفعلوها لانها من أعلام الدين الظاهرة فيقاتلون على تركها، ومع ذلك فان الاقامة ليست بشرط للصلاة فتصح الصلاة بدونها لأن ابن مسعود رضى الله عنه صلى بعلقمة والأسود بلا أذان ولا اقامة، واحتج به أحمد لكن ذلك مع الكراهة. ذكره الخرقى وغيره وقال فى الكشاف: ولا تشرع الاقامة لكل واحد ممن فى المسجد بل تحصل الفضيلة باقامة واحد منهم كقراءة الامام تكون قراءة للمأموم، ولأنه قام بها من يكفى فسقط عن الباقين كسائر فروض الكفاية، ويكفى متابعة المقيم فى الاقامة، وجاء فى المحرر
(1)
: أن الاقامة سنة للمسافر فرض كفاية على المقيم يقاتل على تركة وليس بشرط للصلاة ولا مسنون للنساء.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى ان الاقامة واجبة بالنسبة لصلاة الفرض جماعة فلا تجزئ صلاة فريضة فى جماعة - اثنين فصاعدا - الا باقامة، فان صلى شيئا من ذلك بلا اقامة فلا صلاة لهم حاشا الظهر والعصر بعرفة والمغرب والعشاء بمزدلفة فانهما يجمعان بأذان لكل صلاة واقامة للصلاتين معا، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بلال بأن يوتر الاقامة وروى عن مالك بن الحويرث قال: أتى رجلان الى النبى صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال النبى صلى الله عليه وسلم: اذا خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما، وليس هذا قاطعا فى السفر بل هو مشروط بالخروج وهذا يقتضى الخروج من عند النبى صلى الله عليه وسلم لشأنهما، وهذا كله عموم لكل صلاة فرض مقضية أو غير مقضية فقد روى عبد الرازق عن ابن جريج قلت لعطاء: صليت لنفسى الصلاة فنسيت أن أقيم لها قال: عد لصلاتك أقم لها ثم أعد
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(3)
: أن الاقامة واجبة على الرجال دون النساء والخناثى فأنه لا يجب عليهم اجماعا ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا اقامة فتكون مكروهة حظرا لشبههن بالرجال، وقيل كراهة تنزيه، وروى فى الكافى عن زيد بن على والناصر أن الاقامة سنة.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة الوثق أن المحكى المشهور عن جماعة كثيرة استحباب الآذان والاقامة وعن الجمل وشرحه والمبسوط والرسالة وغيرهما من كتب الإمامية أنهما واجبان على الرجال فى الجماعة وعن القاضى نسبته الى الأكثر وعن القنية وفى اطلاق وجوبهما فى الجماعة من دون تقييد بكونه على الرجال، وعن الشيخ ما نصه: متى صليت جماعة بغير أذان ولا اقامة لم تحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية وعن ابن أبى عقيل وابن الجنيد وجوب الاقامة فى الصلوات مطلقا، قال فى المستمسك أما القول بوجوبهما مطلقا فغير ظاهر ولعل المراد الوجوب فى الجملة، نعم قال فى المختلف القول باستحباب الأذان فى كل المواطن ووجوب الاقامة فى بعضها خارق للاجماع، وخرق الاجماع باطل ومقتضاه عدم الفصل بين الأذان والاقامة فى الوجوب والاستحباب، فمن قال بوجوب الاقامة لزمه القول بوجوب الاذان وإلا لزم خرق الاجماع. وكيفية الأذان والاقامة أن ينويهما أولا لأنهما عبادة فيفتقر فى الثواب عليها الى النية. وجاء فى الخلاف أن الاذان والاقامة سنتان مؤكدتان فى صلاة الجماعة ومن أصحابنا من قال: هما واجبان
(1)
المحرر فى الفقه على مذهب الامام احمد بن حنبل للشيخ الامام محمد الدين ابى البركات ومعه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين بن تيمية ج 1 ص 39 طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ، سنة 1950 م.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 122، ص 123 مسألة رقم 315 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار ج 1 ص 217.
فى صلاة الجماعة وذلك لأن الأصل براءة الذمة وايجاب شئ عليها يحتاج الى دليل ولقول الله تبارك وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
(4)
إلى آخر الآية فاوجب على من يقيم الصلاة الوضوء ولم يوجب عليه الآذان والاقامة.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب الوضع
(1)
: أن علماء الإباضية اختلفوا فى الاقامة فقال بعضهم بوجوبها واحتجوا بقول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ}
(2)
إلى آخر الاية، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أفضلكما وقال بعض آخر: هما سنتان غير واجبتين، وحجة أهل هذا الرأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى بعض الصلوات بغير أذان (ولا اقامة) وقال بعض: بوجوبهما على الكفاية، وهما سنتان لكل واحد فى خاصة نفسه، والمعتمد على هذا القول الثالث.
ما شرعت فيه الاقامة
من الصلاة وما لم يشرع
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(3)
أن الاقامة تكون للصلوات المفروضة فقط التى تؤدى بجماعة مستحبة فى حال الاقامة، فلا أذان ولا اقامة فى صلاة الجنازة لأنها ليست بصلاة على الحقيقة اذ لا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ولا قعود فلم تكن صلاة على الحقيقة، ولا أذان ولا اقامة فى النوافل لأن ذلك مختص بأوقات معينة دون النوافل، ولا أذان ولا اقامة فى السنن ولا فى الوتر، ولا أذان ولا اقامة فى صلاة العيدين وصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء لأنها ليست بمكتوبة، ولا أذان ولا اقامة فى جماعة النسوان والصبيان والعبيد لأن هذه الجماعة غير مستحبة، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
ليس على النساء أذان ولا اقامة ولأنه ليس عليهن الجماعة فلا يكون عليهن الأذان والاقامة، والجمعة فيها أذان واقامة لأنها مكتوبة تؤدى بجماعة مستحبة .. وصلاة العصر بعرفة تؤدى مع الظهر فى وقت الظهر بأذان واحد للفريضتين لكن باقامتين.
لكل صلاة اقامة .. وصلاة المغرب مع العشاء بمزدلفة يكتفى فيهما بأذان واحد واقامة واحدة عند الأئمة الثلاثة، وعند زفر بأذان واحد واقامتين كما فى الجمع الأول.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب أن الاقامة انما شرعت لكل مصلى صلاة فرض وقتية كانت أو فائته، ولا أذان ولا اقامة فى السنن والنوافل وصلاة الجنازة والعيدين
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(5)
أن الاقامة شرعت للمكتوبة من الخمس، ويخرج بذلك المنذورة وصلاة الجنازة وسائر النوافل فلا يؤذن لها ولا يقيم لعدم ورودها فيها بل تكره لغير المكتوبة كما صرح فى الانوار.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف
(6)
القناع: أن الاقامة تشرع للصلوات الخمس وللجمعة دون غيرها فلا تشرع
(1)
كتاب الوضع مختصر فى الاصول والفقه للعلامة الامام ابى زكريا يحيى بن ابى الخير الجنائى ج 1 ص 84 الطبعة الاولى طبع مطبعة الفجالة الجديدة بمصر
(2)
الآية رقم 9 من سورة الجمعة.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 152 الطبعة السابقة والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 270 الطبعة السابقة.
(4)
مواهب الجليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 461، ص 423 الطبعة السابقة.
(5)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين الرملى المعروف بالشافعى الصغير ج 1 ص 384، ص 386 الطبعة السابقة.
(6)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن منصر بن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات ج 1 ص 161 الطبعة السابقة.
الاقامة لصلاة منذورة ولا نافلة ولا جنازة ولا عيد.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
ما يفيد أنه لا يقام لشئ من النوافل كالعيدين والاستسقاء والكسوف وغير ذلك وان صلى كل ذلك فى جماعة وفى المسجد، ولا يقام لصلاة فرض على الكفاية كصلاة الجنازة وانما يستحب اعلام الناس بذلك مثل الصلاة جامعة، وهذا مما لا تعلم فيه خلافا. ولا يجب ذلك الا فى الفرائض المتعينة ولا يلزم فى النوافل فلا أذان فيها ولا اقامة واعلام الناس بذلك تنبيه على الخير.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر
(2)
الزخار: أن الاقامة تشرع للصلوات الخمس فقط ولا تشرع فى الجنازة ونوافل الانفراد اجماعا اذ لم يؤثر ولا أذان ولا اقامة فى العيدين.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(3)
أن استحباب الاذان والاقامة ثابت فى الخمس اليومية خاصة دون غيرها من الصلوات وان كانت واجبة بل يقول المؤذن للواجب منها: الصلاة. الصلاة ثلاثا، ويسقطان عن الجماعة الثانية اذا حضرت لتصلى فى مكان فوجدت جماعة أخرى قد أذنت وأقامت وأتمت الصلاة، اذا لم تتفرق الجماعة الاولى فلو انقضت أذن الآخرون وأقاموا، وفى الجمع بين الصلاتين فى أيام الجمع أو فى كل وقت يجوز فيه الجمع يكفى أذان واحد لهما ويقام لكل منهما.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب الوضع أن الصلوات التى يشرع لها الاقامة هى الصلوات الخمس المفروضة، ولا تشرع الاقامة فى السنن كالعيدين وغيرها وانما ينادى لها بقوله: الصلاة
(4)
جامعه.
الاقامة للفائتة:
مذهب الحنفية:
جاء فى البدائع
(5)
: أن الصلاة الفائتة لا تخلو اما أن تكون من الصلوات الخمس وأما أن تكون صلاة الجمعة، فان كانت من الصلوات الخمس وكانت الفائتة صلاة واحدة فقط قضاها باذان واقامة وكذلك اذا فاتت الجماعة صلاة واحدة قضوها بالجماعة بأذان واقامة، وذلك لما روى أبو قتادة الانصارى رضى الله تعالى عنه فى حديث ليلة التعريس
(6)
: قال: كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة أو سرية فلما كان فى اخر السحر عرسنا فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس فجعل الرجل يثبت دهشا وفزعا فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ارتحلوا من هذا الوادى فانه وادى شيطان فارتحلنا بواد آخر فلما ارتفعت الشمس وقضى القوم حوائجهم أمر بلالا بأن يؤذن فأذن وصلينا ركعتين ثم أقام فصلينا صلاة الفجر وهكذا روى عمر بن حصين هذه القصة، وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين شغلهم الكفار يوم الاحزاب عن اربع صلوات قضاهن فأمر بلالا أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن حتى قالوا:
أذن وأقام وصلى الظهر ثم أذن وأقام وصلى العصر ثم
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 140 مسألة رقم 322 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام احمد ابن يحيى المرتضى ج 1 ص 187، ص 188 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1361 هـ، سنة 1948 م.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 71 الطبعة السابقة.
(4)
كتاب الوضع مختصر فى الاصول والفقه لابى زكريا بن يحيى بن ابى الخير الجناونى ج 1 ص 90 الطبعة السابقة.
(5)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 154 الطبعة السابقة والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 276 الطبعة السابقة وكتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 138 الطبعة السابقة.
(6)
فى لسان العرب التعريس النزول فى اخر الليل وفى اول الليل وقيل فى اى حين كان وفى القاموس المحيط عرس القوم نزلوا من السفر للاستراحة ثم يرتحلوا.
أذن وأقام وصلى المغرب ثم أذن وأقام وصلى العشاء، ولان القضاء على حسن الاداء وقد فاتتهم الصلاة بأذان واقامة فتقضى كذلك قال صاحب البدائع فاذا فاتته صلوات فان أذن لكل واحدة وأقام فحسن وان أذن للاولى واقتصر على الاقامة للبواقى فهو جائز وقد اختلفت الروايات فى قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات التى فاتته يوم الخندق ففى بعضها أنه أمر بلالا فأذن وأقام لكل صلاة على ما روينا وفى بعضها أنه أذن وأقام للاولى ثم أقام لكل صلاة بعدها، وفى بعضها أنه اقتصر على الاقامة لكل صلاة، وهذا إذا كانت الفائتة من الصلوات الخمس، أما ان كانت الفائتة صلاة الجمعة فعليه أن يصلى الظهر بغير أذان ولا أقامة لان الاذان والاقامة للصلاة التى تؤدى بجماعة مستحبة، وأداء الظهر بجماعة يوم الجمعة مكروه فى المصر، كذا روى عن على رضى الله تعالى عنه وذكر صاحب البحر الرائق أن الضابط عندنا: أن كل فرض سواء كان أداء أو قضاء يؤذن له ويقام سواء أدى منفردا أو بجماعة الا الظهر يوم الجمعة فى المصر فان أداه بأذان واقامة مكروه، ونقل صاحب البحر عن الفتح قوله:
ويستثنى أيضا كما فى الفتح ما تؤديه النساء أو تقضيه لجماعتهن لان عائشة رضى الله تعالى عنها أمتهن بغير أذان ولا اقامة حين كانت جماعتهن مشروعة.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة: قال ابن القاسم قال مالك: من نسى صلوات يجزئه أن يقضى كلا منها باقامة بلا أذان.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(2)
: أن المصلى يقيم للفائتة المفروضة حين يريد فعلها لانها لافتتاح الصلاة وهو موجود ولا يؤذن لها كما فى الجديد لزوال وقتها وقد فات النبى صلى الله عليه وسلم صلوات يوم الخندق فقضاها ولم يؤذن لها.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(3)
: أن الاقامة مسنونة لقضاء فريضة من الفرائض الخمس لحديث عمرو ابن أمية الضمرى قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض أسفاره فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تنحوا عن هذا المكان .. الى آخر الحديث المتقدم ذكره فى مذهب الحنفية، ثم قال فى الكشاف: ومن قضى فوائت أذن للصلاة الاولى فقط ثم أقام لكل صلاة لما روى أبو عبيدة عن أبيه عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنهم أن المشركين يوم الخندق سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء.
رواه النسائى والترمذى.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(4)
أنه لا تجزئ صلاة فريضة فى جماعة الا باقامة سواء كانت فى وقتها أو كانت مقضية متى قضيت فان صلى شيئا من ذلك بلا اقامة فلا صلاة لهم. لما روى عن أبى سعيد الخدرى عن ابيه قال: شغلنى المشركون عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس يوم الخندق .. الى آخر الحديث المار.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار: أنه اذا اجتمعت فوائت أذن للاولى وأقام لكل صلاة
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف أن من فاتته صلاة أو صلوات (1) المدونة للامام مالك بن انس ج 1 ص 61، ص 62 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى المعروف بالشافعى الصغير ج 1 ص 387 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 162 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 122 مسألة رقم 315 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 218 الطبعة السابقة.
يستحب له أن يؤذن ويقيم لكل صلاة منها، وان اقتصر على الاذان فى الصلاة الاولى وأقام لها وللباقى كان أيضا جائزا وان اقتصر على الاقامة فى جميعها كان أيضا جائزا وذلك لاجماع الفرقة
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب الوضع
(2)
: أنه ليس للفائتة اقامة عند الإباضية، وذكر صاحب شرح النيل
(3)
: أن من نام عن صلاة أو نسيها صلاها باقامة حين انتباه من نوم أو ذكر من نسيان وهو وقت الصلاة بل هو الصحيح لانه فعل النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل هو وقت قضاء فلا اقامة.
سنن الاقامة ومكروهاتها وشروطها
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن من سنن
(4)
الاقامة الجهر بها لكن دون الجهر بالأذان لان المطلوب من الاعلام بها دون المقصود من الأذان ومن السنة أيضا الا يفصل بين كلمتى الاقامة بل يجعلها كلاما واحدا لان الاعلام المطلوب من الاقامة يحصل بدون فصل بخلاف الاعلام المطلوب من الأذان فلا يحصل الا بالفصل بين كلمات الأذان ومنها أن يحدر فى الاقامة أى يسرع لقول النبى صلى الله عليه وسلم لبلال رضى الله عنه اذا أذنت فترسل واذا أقمت فاحدر ولان الأذان لاعلام الغائبين بهجوم الوقت وذا فى الترسل ابلغ، والاقامة لاعلام الحاضرين بالشروع فى الصلاة وانه يحصل بالحدر، ولو ترسل فى الاقامة أجزأ لحصول المقصود وهو الاعلام، ومنها أن يرتب بين كلمات الاقامة حتى لو قدم البعض على البعض ترك المقدم ثم يرتب ويؤلف ويعيد المقدم لانه لم يصادف محله فلغا، وكذلك اذا ثوب بين الاذان والاقامة فى الفجر فظن أنه فى الاقامة فأتمها ثم تذكر قبل الشروع فى الصلاة، فالافضل ان يأتى بالاقامة من أولها إلى آخرها مراعاة للترتيب، ودليل كون الترتيب سنة أن النازل من السماء رتب وكذا المروى عن مؤذنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما رتبا، ومنها: أن يوالى بين كلمات الاقامة لان النازل من السماء والى وعليه عمل مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه لو أخذ فى الاقامة وظن أنه فى الاذان ثم علم فالافضل أن يبتدئ الاقامة وعلى هذا اذا غشى عليه فى الاقامة ساعة أو مات أو ارتد عن الاسلام ثم أسلم أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فالافضل هو الاستقبال والاولى اذا أحدث فى الاقامة أن يتمها ثم يذهب ويتوضأ ويصلى لان ابتداء الاقامة مع الحدث جائز فالبناء أولى، ويكره للمقيم أن يتكلم فى اقامته لما فيه من ترك سنة الموالاة ولانه ذكر معظم كالخطبة فلا يسع ترك حرمته ومن سنن الاقامة أن يقيم وهو مستقبل القبلة لان النازل من السماء هكذا فعل وعليه اجماع الامة، ولو ترك الاستقبال يجزيه لحصول المقصود لكنه يكره لتركه السنة المتواترة، ومنها الفصل فيما سوى المغرب بين الاذان والاقامة لان الاعلام المطلوب من كل واحد منهما لا يحصل الا بالفصل، والفصل فيما سوى المغرب بالصلاة أو بالجلوس مسنون والوصل مكروه، وأصله ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال: اذا أذنت فترسل واذا أقمت فاحدر وليكن بين أذانك واقامتك مقدار ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر اذا دخل لقضاء حاجته ولا تقوموا فى الصف حتى ترونى، قال صاحب البدائع: ولم يذكر فى ظاهر الرواية مقدار الفصل، وروى عن الحسن عن أبى حنيفة فى الفجر مقدار ما يقرأ عشرين آية وفى الظهر قدر ما يصلى أربع ركعات يقرأ فى كل ركعة نحوا من عشر آيات وفى العصر مقدار ما يصلى ركعتين
(1)
من كتاب الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الامام الطوسى ج 1 ص 92 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب الوضع مختصر فى الاصول والفقه للحناونى ج 1 ص 85 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 327 الطبعة السابقة.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 149، ص 150 الطبعة السابقة.
يقرأ فى كل ركعة نحوا من عشر آيات وفى المغرب يقوم مقدار ما يقرأ ثلاث آيات وفى العشاء كما فى الظهر، وهذا ليس بتقدير لازم فينبغى أن يفعل مقدار ما يحضر القوم مع مراعاة الوقت المستحب وأما المغرب فلا يفصل فيها بالصلاة عندنا لما روى النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: بين كل أذانين صلاة لمن شاء الا المغرب. وهذا نص ولان مبنى المغرب على التعجيل، وهل يفصل بالجلوس؟ قال أبو حنيفة لا يفصل وقال ابو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: يفصل بجلسة خفيفة كالجلسة التى بين الخطبتين، ومن سنن الاقامة ما رواه الحسن عن أبو حنيفة من أن الأحسن أن يجعل أصبعيه فى أذنيه فى الأذان والاقامة ومنها أن يكون المقيم على طهارة فقد روى أبو يوسف عن أبى حنيفة أنه قال: أكره اقامه المحدث، وقيل: تجوز الاقامة على غير وضوء كالاذان، ومنها أن يكون القيم هو المؤذن، فان أقام غيره فان كان المؤذن يتأذى بذلك يكره لأن اكتساب أذى المسلم مكروه، وان كان لا يتأذى به لا يكره وذلك لما روى أن عبد الله بن زيد لما قص الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:
لقنها بلالا، فأذن بلال. ثم أمر النبى صلي الله عليه وسلم عبد الله بن زيد فأقام وروى أن ابن أم مكتوم كان يؤذن وبلال يقيم وربما أذن بلال وأقام بن أم مكتوم ومنها: أن لا يأخذ أجرا على الاقامة فلا يحل له أخذ الأجرة على ذلك لأنه استئجار على الطاعة وذلك لا يجوز لأن الانسان فى تحصيل الطاعة عامل لنفسه فلا يجوز له أخذ الأجرة عليه، وجاء فى البحر الرائق
(1)
: أن العدالة والذكورة والطهارة صفات كمال للمؤذن والمقيم لا شرائط صحة، وأما الاسلام فينبغى أن يكون شرط صحة، لكن هل يكون مسلما بذلك، قال البزازى فى فتاواه من باب السير: وان شهدوا على الذمى أنه كان يؤذن ويقيم كان مسلما سواء كان ذلك فى السفر أو الحضر والحاصل أنه لا يكون مسلما الا اذا صار ذلك عادة له مع اتيانه بالشهادتين.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب
(2)
: نقلا عن صاحب الطراز:
أن النية معتبرة فى الأذان والاقامة فان أراد أن يؤذن فغلط فأقام لم يكن ذلك آذانا من حيث الصفة ولا ينبغى أن يعتد به اقامة لأنه لم يقصد به الاقامة، وان أراد أن يقيم فأذن لم يكن ذلك اقامة من حيث الصفة، ولا ينبغى أن يصلى بغير اقامة وقال فى الذخيرة عن الجلاب: ان أراد الأذان فأقام أو الاقامة فأذن أعاد حتى يكون على نية لفعله فيحتمل أن يريد نية التقرب لأنه قربة من القربات وقد صرح بذلك الأبهرى فى شرح مختصر ابن عبد الحكيم، واحتج بأنه قربة فتجب فيه النية لقول النبى صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى ويحتمل أن يريد نية الفعل وهى أعم من نية التقرب لوجودها فى المحرمات والمباحات بدون نية التقرب وكذلك يقول بعض الشراح: يعيد حتى يكون على صواب من فعله والأول هو الأظهر من قول الأصحاب وقال أبو الطاهر: وقيل ان أراد الأذان فأقام لا يعيد مراعاة للقول بأنها مثنى، وهذا مما يؤيد عدم اشتراط نية التقرب فانه صحح الاقامة مع أنه لم يقصد التقرب بها، وجاء فى حاشية
(3)
الدسوقى أنه لا يقيم أحد لنفسه بعد الاقامة ومن فعله خالف السنة قال ابن رشد: لأن السنة اقامة المؤذن دون الامام والناس. وفى كتاب ارشاد اللبيب قال المازرى كان السيورى يقيم لنفسه ولا يكتفى باقامة المؤذن، ويقول: انها تحتاج لنية والعامى لا ينويها ولا يعرف النية قال المازرى: وكذلك أنا أفعل فأقيم لنفسى، قال شيخنا: والحق أن الاقامة يكفى فيها نية الفعل كالأذان ولا تتوقف على نية القربة ونية الفعل حاصلة من المعانى، فما كان يفعله المازرى والسيورى انما يتم على اشتراط نية القرية. وقال ابن فرحون: ولا يفصل المؤذن والمقيم اذا شرعا فيه
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم ج 1 ص 278 الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 424، ص 425 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامه شمس الدين محمد عرفه الدسوقى على الشرح الكبير لابى البركات سيدى احمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامه المحقق سيدى الشيخ محمد عيسى ج 1 ص 199 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لاصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
بسلام ابتداء ولا يرد سلام ولا بتشميت عاطس ولا كلام البتة، فان فرق واحد منهما الأذان والاقامة بما ذكر أو بغيره من سكوت أو جلوس أو شرب أو غير ذلك فان كان التفريق يسيرا بنى وان كان متفاحشا استأنف، وقال الشيبى فى شرحه
(1)
: ولا يسلم على المؤذن والمقيم ولا يردان على من سلم عليهما وقيل: يردان اشارة وقيل: يردان بعد الفراغ، قيل: يردان كلاما، قاله ابن أبى حازم وابن مسلمة، وقال اللخمى: يرد بعد فراغه، وللمقيم جعل اصبعيه فى أذنيه وقيل انه يستحب
(2)
. وكره أخذ الأجرة على الاقامة وحدها فرضا أو نفلا من المصلين أما الأخذ من بيت المال أو وقف المسجد فلا يكره لأنه من الاعانه لا الاجارة
(3)
وقال الحطاب
(4)
: رواية عن الشيبى فى شرح الرسالة:
تكون الاقامة جهرا للجماعة سرا للغذ وذكر اللخمى أن شرط الاقامة أن تعقبها الصلاة فان تراخى ما بينهما أعاد الاقامة وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: التوسعة فى ذلك وقال ابن القاسم عن مالك: ومؤذن أقام الصلاة فأخره الامام لأمر يريده فان كان قريبا كفتهم تلك الاقامة، وان بعد أعاد الاقامة وقال فى المختصر:
واذا أقام فتأخر الامام قليلا أجزأه فان تباعد أعاد الاقامة، فتحصل من هذا أن اتصال الاقامة بالصلاة سنة وأن الفصل اليسير لا يضر، والكثير يبطل الاقامة ولذلك تكره اقامة راكب لأنه ينزل بعدها ويعقل دابته ويصلح متاعه وفى ذلك طول فعل بينها وبين الصلاة فان طال الفعل كثيرا بين الاقامة والصلاة بطلت، وروى ابن وهب جواز اقامة الراكب لأن النزول عمل يسير فلم يكن فاصلا كأخذ الثوب وبسط الحصير، وذكر صاحب الطراز أنه ان أقام راكبا ثم نزل وأحرم من غير كبير شغل أجزأه ذلك، ومن السنة أن يقيم المؤذن للصلاة دون الامام وسائر المصلين، وتكره الاقامة لمن أراد الصلاة بجماعة بعد أن صلاها منفردا أما معيد الصلاة لبطلان الأولى فانها لا تكره بالنسبة له. ومن أذن لقوم وصلى معهم فلا يؤذن لآخرين ولا يقيم فإن فعل ولم يعيدوا حتى صلوا أجزأهم.
ومن سنن الاقامة القيام لها. وإن أقامت المرأة لنفسها سرا فمندوب وأن صلت مع جماعة أكتفت باقامتهم ولا يجوز أن تكون هى المقيمة للجماعة ولا تحصل السنة باقامتها لهم
(5)
. وجاء فى الشرح
(6)
الكبير: أنه يندب للمقيم طهارة وقيام واستقبال وفى حاشية الشيخ كريم الدين البرمونى عن ابن عرفة أن الوضوء شرط فيها بخلاف الأذان لأن اتصالها بالصلاة صيرها كالجزء منها ولأنها آكد من الأذان بدليل أن المنفرد الحاضر تسن فى حقه دون الاذان، وذكر مالك فى المدونة
(7)
أن المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء ولا يقيم الا على وضوء.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(8)
: أنه يسن إدراج كلمات الاقامة وهو الاسراع بها إذ الادراج الطى ثم استعير لادخال بعض الكلمات فى بعض، وقد صح الأمر به ولأن الاقامة للحاضرين فالادراج معها أشبه والاذان للغائبين فالترتيل فيه أبلغ، ويسن أن يؤذن قائما لأمر النبى صلى الله عليه وسلم بلالا بالقيام ولأنه أبلغ فى الاعلام فيكره للقاعد وللمضطجع أشد، ويكره للراكب المقيم بخلاف المسافر لا يكره له ذلك لحاجته للركوب والاقامة كالاذان فى ذلك
(1)
مواهب الجليل على شرح مختصر خليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 429 الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 439 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 198 الطبعة السابقة
(4)
الحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 464، ص 465 الطبعة السابقة.
(5)
الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى ص 200 الطبعة السابقة وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 460، ص 461، ص 466 الطبعة السابقة.
(6)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ص 190 الطبعة السابقة.
(7)
المدونة للامام بن مالك بن أنس الاصبعى ج 1 ص 60 الطبعة السابقة.
(8)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن ابى العباسى الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى وبهامشه المغربى ج 1 ص 390 وما بعدها طبع شركة ومطبعة البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.
وسن أن يتوجه للقبلة لأنه المنقول سلفا وخلفا ولأنها أشرف الجهات فلو ترك ذلك مع القدرة عليه كره وأجزأه لأنه لا يخل ويسن آن يلتفت فى الأذان والاقامة بوجهه لا بصدره من غير أن ينتقل من محله وإنما لم يكره فى الاقامة بل يندب لأن القصد منها الاعلام فليس فيه ترك أدب، ويسن للمؤذن جعل أصبعين فى صماخيه لما صح من فعل بلال بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم بخلاف الاقامة فلا يسن فيها ذلك، ويكره أذان محدث غير متيمم والاقامة من كل منهما أغلظ من الآذان لقربها من الصلاة فان انتظره القوم ليتطهر شق عليهم والا ساءت به الظنون، ويسن أن يتحول المؤذن من مكان الآذان للاقامة ولا يقيم وهو يمشى، وأن يفصل المؤذن والامام بين ألاذان والاقامة بقدر اجتماع الناس فى محل الصلاة وبقدر فعل السنة التى قبلها. وتدخل الاقامة فى الاستئجار على الآذان ضمنا فيبطل أفرادها باجارة اذ لا كلفة فيها وفى الآذان كلفة لرعاية الوقت، والفرق بينها وبين الآذان من وجهين أحدهما أن الآذان فيه مشقة الصعود والنزول ومراعاة الوقت والاجتهاد فيه بخلاف الاقامة والثانى: أن الأذان يرجع إلى المؤذن والاقامة لا ترجع للمقيم بل تتعلق بنظر الامام بل فى صحتها بغير أذن الامام خلاف، وشرط الاجارة أن يكون العمل مفوضا للأجير ولا يكون محجورا عليه فيه وهو محجور عليه فى الاتيان بالاقامة لتعلق أمرها بالامام فكيف يستأجر على شئ لم يفوض إليه وكيف تصح إجارة عين على أمر مستقبل لا يتمكن من فعله بنفسه، ويشترط ترتيب الاقامة للاتباع ولأن تركه يوهم اللعب ويخل بالاعلام فان عكس ولو ناسيا لم يصح ويبنى على المنتظم منه والاستئناف أولى ولو ترك بعض الكلمات فى خلاله أتى بالمتروك وأعاد ما بعده، ويشترط موالاة الأذان وكذا الاقامة لأن ترك ذلك يخل بالاعلام فلا يفصل بين كلماته بسكوت أو كلام طويل. نعم لا يضر يسيرهما ولو عمدا كيسير نوم وإغماء وجنون لعدم إخلاله بالاعلام، ويسن أن يستأنف فى غير الأولين، وكذا فيهما فى الاقامة فكأنها لقربها من الصلاة وتأكدها لم يسامح فيها بفاصل النية بخلاف الآذان، ولو عطس سن له أن يحمد الله فى نفسه وأن يؤخر رد السّلام وتشميت العاطس الى الفراغ وإن طال الفصل كما هو مقتضى كلامهم ووجهه أنه لما كان معذورا سومح له فى التدارك مع طوله لعدم تقصيره بوجه، فان لم يؤخر ذلك للفراغ فخلاف السنة كالتكلم ولو لمصلحة وقد يجب الانذار لنحوحية تقصد محترما أو رأى نحو أعمى يقع فى بئر ويشترط فى كل من الأذان والاقامة عدم بناء غيره على ما أتى به لأن صدور ذلك يورث اللبس غالبا فلا فرق بين أن يشتبها صوتا أولا وفى قول: للشافعى: لا يضر كلام وسكوت طويلان بين كلماتهما كبقية الأذكار، ومحل الخلاف حيث لم يفحش الطول فان فحش بحيث لا يسمى مع الأول والثانى آذانا فى الآذان واقامة فى الاقامة استأنف جزما، ويشترط
(1)
فى المؤذن والمقيم أن يكون مسلما فلا يصحان من كافر لأن فى اتيانه بهما نوع استهزاء اذ لا يعتقد حقيقة ذلك فلو فعل الكافر ذلك حكم باسلامه لنطقه بالشهادتين ما لم يكن عيسويا لاعتقاده أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله الى العرب خاصة ولو ارتد المؤذن ثم أسلم قريبا بنى لأن الردة لا تبطل ما مضى الا أن اتصلت بالموت، وإن ارتد بعده ثم أسلم ولو بعد طول الفصل جازت اقامته، نعم يسن أن يصير ذلك غيره لأن ردته تورث شبهة فى حاله ويشترط أيضا فى المؤذن والمقيم التمييز ولو صبيا فيتأذى بأذانه واقامته الشعار وان لم يقبل خبره بدخول الوقت أما غير المميز كالمجنون والمغمى عليه فلا يصح منه ذلك لعدم أهليته للعبادة. نعم يصح من سكران فى أوائل نشأته لانتظام قصده حينئذ، ويشترط كذلك فى المؤذن والمقيم أن يكون ذكرا ولو عبدا فلا يصح من غير الذكر.
(1)
المرجع السابق وحاشية الشبراملسى عليه ج 1 ص 392، ص 395 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(1)
: أنه يسن للمقيم أن يحدر الاقامة أى يسرع فيها لما روى جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبلال: يا بلال اذا أذنت فترسل واذا أقمت فاحدر - رواه الترمذى ولأن الاقامة للحاضرين فلا حاجة إليه فى الترسل ويسن ألا يعرب الاقامة بل يقف على كل جملة منها، قال ابراهيم النخعى: شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما: الآذان والاقامة ويسن أن يقيم قائما لما روى أبو قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبلال: قم فأذن ويستحب أن يكون المقيم متطهرا من الحدثين الأصغر والأكبر.
ويسن أن يأتى بالاقامة فى موضع
(2)
أذانه، ويستحب أن يتولى الاقامة من أذن فلا يقيم غيره لما فى حديث يزيد بن الحرث الصدائى حين أذن فأراد بلال أن يقيم فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يقيم أخو صداء فان من أذن فهو يقيم رواه أحمد ولأنهما ذكران يتقدمان الصلاة فسن أن يتولاهما واحد كالخطبتين، ويسن أن يؤخر
(3)
الاقامة بعد الاذان بقدر ما يفرغ الانسان من حاجته - أى بوله وغائطه - وبقدر وضوئه وصلاة ركعتين وحتى يفرغ الآكل من أكل ونحوه كالشارب من شربه لحديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبلال: يا بلال اجعل بين أذانك واقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمقتضى اذا دخل لقضاء حاجته - رواه داوود والترمذى ويسن فى المغرب أن يجلس قبل الاقامة جلسة خفيفة لما روى تمام فى فوائده باسناده عن أبى هريرة مرفوعا جلوس المؤذن بين الآذان والاقامة سنة فى المغرب، ولأن الآذان شرع للاعلام فسن تأخير الاقامة فى غير المغرب وكذا كل صلاة يسن تعجيلها فيؤخر الاقامة بقدر ركعتين خفيفتين ثم يقيم بعد ذلك، وجاء فى المحرر
(4)
: أنه يسن أن يجعل المقيم أصبعيه فى أذنيه حين الاقامة، وجاء فى كشاف القناع
(5)
: أنه لا تصح الاقامة الا مرتبة لأنها ذكر معتد به فلا يجوز الاخلال بنظمها كأركان الصلاة ولا تصح إلا متوالية عرفا لأنه لا يحصل المقصود منها الا متوالية ولا تصح الا من واحد فلو أتى واحد ببعض الاقامة وكملها اخر لم يعتد بها كالصلاة ولو كان ذلك لعذر، وان أذن اثنان واحد بعد واحد يقيم من أذن أولا، وفى الكشاف
(6)
: أيضا أنه يكره قول المقيم قبل الاقامة: اللهم صلى على محمد ونحوه لأن ذلك من المحدثات وتكره الاقامة من قاعد وراكب وماشى لغير عذر فان كان لعذر جاز، وتكره اقامة النساء والخنائى ولو بلا رفع صوت، وقال صاحب المغنى
(7)
وروى عن أحمد أنه قال: إن فعلن فلا بأس وإن لم يفعلن فجاز.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(8)
: أنه لا يجوز أن يقيم الا رجل بالغ، ثم قال ابن حزم: وتجزئ الاقامة قاعدا وراكبا وعلى غير طهارة وجنبا والى غير القبلة وأفضل من ذلك ألا يؤذن الا قائما الى القبلة على طهارة، ومن عطس فى اقامته ففرض عليه أن يحمد الله تعالى، وان سمع عاطسا يحمد الله تعالى ففرض عليه أن يشمته فى إقامته وإن سلم عليه فى اقامته ففرض عليه أن يرد بالكلام ثم الكلام المباح كله جائز فى نفس الاقامة
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامه الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 1 ص 165 طبع المطبعة الشرقية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الاولى.
(2)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 1 ص 393 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 168 الطبعة السابقة.
(4)
المحرر فى الفقه على مذهب الامام احمد بن حنبل للشيخ الامام مجد الدين ابى البركات ومعه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين بن تيمية ج 1 ص 37 طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ، سنة 1850 م.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 166، ص 167 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 165 الطبعة السابقة.
(7)
كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منتهى الارادات ج 1 ص 161 الطبعة السابقة.
(8)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 140، ص 141 المسألة رقم 323 الطبعة السابقة.
قال الله تعالى: «وَإِذا حُيِّيتُمْ 1 بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً» فلم يخص الله تعالى حالا من حال، وما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال، وليقل أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، ويقول هو: يهديك الله ويصلح بالكم، فلم تخص النصوص حال الاقامة من غيرها والكلام جائز بين الاقامة والصلاة طال الكلام أو قصر ولا تعاد الاقامة لذلك لما روى عن أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة والنبى صلى الله عليه وسلم يناجى رجلا فى جانب المسجد فما قام الى الصلاة حتى نام الناس، ولا دليل يوجب اعادة الاقامة أصلا، وجائز أن يقيم
(2)
غير الذى أذن لانه لم يأت عن ذلك نهى يصح، ولا يجوز تنكيس
(3)
الآذان ولا الاقامة ولا تقديم مؤخر منها على ما قبله، فمن فعل ذلك فلم يقم ولا يصلى باقامة، ولا أذان
(4)
على النساء ولا إقامة فإن آذن وأقمن فحسن، برهان ذلك أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآذان انما هو لمن افترض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فى جماعة بقوله صلى الله عليه وسلم: فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم، وليس النساء ممن أمرن بذلك فإن فعلن فبالآذان والاقامة ذكر لله تعالى وهو فعل حسن
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(6)
: أنه يشترط أن يكون المقيم مسلما فلا تصح الاقامة من كافر اجماعا، وفى كونه اسلامه منه وجهان أصحهما اسلام ان لم يفهم منه الحكاية ولا تصح من غير مميز اجماعا ولا تصح اقامة الجنب ولا تصح اقامة المحدث اذ لم يكن على عهده صلى الله عليه وسلم، ولا تجزئ من فاسق وجاء فى شرح الأزهار
(7)
، أنه يشترط أن يكون المقيم هو المؤذن وهذا اذا أرادوا الصلاة والا أقام كل منهم لنفسه، ويشترط أن يكون متطهرا ولو بالتيمم حيث هو فرضه ولا يشترط أن يكون المقيم قائما بل يصح ولو من قعود، وقال فى ضياء ذوى الأبصار ولا تجوز الاقامة على الراحلة كالفرض ولا يجوز من قعود لأن الخلف والسلف أجمعوا على أنها من قيام واختار الامام شرف الدين خلافه وهو أنها تصح من قعود وعلى الراحلة وهو المختار ولا تجزئ اقامة من قد صلى وظاهره ولو أراد التنفل معهم، وتكفى الاقامة الصحيحة من واحد ممن صلى فى ذلك المسجد تلك الصلاة فقط لا غيرها من الصلوات نجد أن تقيم للظهر فتكفى من صلى الظهر لا العصر وسواء تلك الصلاة التى أقيم لها أم كان غائبا عن المسجد ثم جاء بعد فراغ الصلاة فانها تجزيه ثم قال وهل حكم البيت والصحراء حكم المسجد فى أنه إذا أقيم فيه مرة كفت من صلى فيه بعد ذلك.
الاقرب أنها تجزئ الحاضرين يعنى الداخلين فى الجماعة ولا تجزئ من بعدهم، ثم قال: ولا يضر احداثه ولا ردته ولا فسقه بعد الاقامة، فقد أجزأتها اقامته أهل المسجد ولا تلزمهم الاعادة لها، وهل تجزيه هو فلا يعيدها بعد الوضوء؟ ظاهر كلام أحمد بن الحسين أنها لا تجزيه فقد قال: ولو أحدث المقيم بعد الاقامة للجماعة كانت مجزئة لهم وبطل اجزاؤها له، لكن قد ضعف ذلك المتأخرون لأن إقامته وقعت صحيحة فكما أنه لو أقام غيره اكتفى به ولو توضأ بعد إقامة المقيم فأولى وأحرى اذا أقام هو بنفسه إقامة صحيحة ثم أحدث بعدها،
(1)
الآية رقم 86 من سورة النساء
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 162 مسألة رقم 334 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 147 مسألة رقم 328 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج ص 161 مسألة رقم 332 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 129 مسألة رقم 32 الطبعة السابقة.
(6)
من كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد ابن يحيى المرتضى ج 1 ص 199، ص 200 الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
(7)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 222 الطبعة السابقة.
وحمل كلام أحمد بن الحسين على أنها فسدت عليه بطول الفصل بينهما وبين الصلاة لا بمجرد الحدث لكن المعروف أنه يكره الفصل، ولم يفرقوا بين طوله وقصره، وقال فى هامش شرح الأزهار: بل الدليل مصرح بأن طول الفصل لا يفسد فقد أخرج البخارى عن أنس قال: أقيمت الصلاة والنبى صلى الله عليه وسلم يناجى رجلا فى جانب المسجد فما قام الى الصلاة متى نام الناس، واذا عرض للمقيم
(1)
ما يمنع من اتمام الاقامة فانها تصح النيابة فيها فيما قد بقى فيقيم ذلك الغير ويبنى على ما قد فعله الأول ولا يجب الاستئناف، واذا عرض عارض يؤخر المؤذن عن الاقامة وقتا يتضرر به المنتظرون أو وقتا يسع الوضوء فان لغيره أن يقيم، والاذن للنيابة من المؤذن كالعذر فكما تصح النيابة للعذر عندنا تصح للاذن فاذا أذن المؤذن وأمر غيره بالاقامة صحت إقامة الغير وإن لم يكن ثم عذر للمؤذن .. ولو أذن
(2)
جماعة أيهم يقيم؟ قيل السابق إلى الآذان أولى من الراتب ولو غير راتب لتقديم النبى صلى الله عليه وسلم الصدائى للاقامة حين سبق بلالا بالأذان، وتجب نية الاقامة والواجب منها أن ينويها للصلاة التى هى لها، وقيل: أن النية لا تجب، وتفسد الاقامة بالنقص عنها عمدا لا سهوا نحو أن يترك ألفاظها المعروفة ونعنى بفسادها أن ما فعله لا يسقط به فرضها ما لم يحصل التمام وقيل: لا فرق بين العمد والسهو إن لم يعد من حيث نقص ويفسدها التعكيس وهو ألا يأتى بها على الترتيب المعروف بل يقدم ويؤخر فاذا أتى بها كذلك لم يسقط فرضها، ومن التعكيس أن يقدم الاقامة على الأذان فيعيد الاقامة فقط، ولا تفسد الاقامة بترك الجهر، ويندب
(1)
كون المقيم حرا ولا يكره المعتق كبلال ولا كراهة للأعمى كابن أم مكتوم، وتصح من ولد الزنا إجماعا، ويكره حال الاقامة إلا للضرورة نحو أن يرد السّلام ويخشى فوات المسلم أن أخر السّلام حتى يفرغ فان لم يخشى فوته كره التعجيل ويكره الكلام أيضا بعد الاقامة، ويستحب أن يقيم بأمر الامام وجاء فى شرح الأزهار أن الأذان والاقامة واجبان على الرجال دون النساء فانه لا يجب عليهن اجماعا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: ليس على النساء جمعة ولا أذان ولا إقامة فيكون مكروها حظرا لشبههن بالرجال وقيل كراهة تنزيه
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة
(3)
الوثقى: أنه يستحب فى الاذان والاقامة أمور: الأول الاستقبال أما فى الاذان فلما ورد عن على عليه السلام:
يستقبل المؤذن القبلة فى الاذان والاقامة فاذا قال:
حى على الصلاة حى على الفلاح حول وجهه يمينا وشمالا وأما فى الاقامة فخبر سليمان ابن صالح عن أبى عبد الله عليه السلام: وليتمكن فى الاقامة كما يتمكن فى الصلاة فانه اذا أخذ فى الاقامة فهو فى صلاة والثانى: القيام والثالث: الطهارة فى الاذان وأما الاقامة فان الأحوط والأقوى كما هو المشهور اعتبار الطهارة فيها كما أن الأحوط اعتبار الاستقبال والقيام فى الاقامة وأن كان الأقوى الاستحباب، والرابع: عدم التكلم فى أثنائهما بل يكره بعد (قد قامت الصلاة) للمقيم ولغيره أيضا فى صلاة الجماعة الا فى تقديم أمام، بل مطلق ما يتعلق بالصلاة كتسوية صف ونحوه بل يستحب له اعادتها حينئذ الخامس: الاستقرار فى الاقامة، السادس: الجزم فى أواخر فصولهما مع التأنى فى الأذان والحدر فى الاقامة على وجه لا ينافى قاعدة الموقف، السابع:
الافصاح بالألف والهاء من لفظ الجلالة فى آخر كل فصل هو فيه، الثامن: وضع الأصبعين فى الأذنين فى الاذان، التاسع: مد الصوت فى الأذان ورفعه، ويستحب الرفع فى الاقامة أيضا الا انه دون الأذان، العاشر: الفصل بين الأذان والاقامة بصلاة ركعتين
(1)
المرجع السابق لاحمد بن الحسين بن مفتاح ج 1 ص 223 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 224 الطبعة السابقة.
(3)
مستمسك العروة الوثقى ج ظ ص 327، 328
أو خطوة أو قعدة أو سجدة أو ذكر أو دعاء أو سكوت بل أو تكلم لكن فى غير الغداة
(1)
بل لا يبعد كراهة فيها، ففى صحيح سليمان بن جعفر الجعفرى سمعته يقول: افرق بين الأذان والاقامة وبجلوس أو بركعتين وفى موثق عمار أبى عبد الله عليه السلام وافصل بين الأذان والاقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه يشترط فى الاقامة الطهارة وذلك لأن حكمها فى الطهارة كحكم الصلاة وأجازها بعض بثوب غير طاهر، وعليه فلا تجوز بحدث أو فى موضع نجس أو بممارسة ما لا يصلى به كالنجاسة كذا يشترطون فيها أن يرفع المقيم صوته ويعيد ان أسر وقيل: تجوز بمماسة ما لا يصلى به ولو نجسا ان كان يابسا لا ينقض الوضوء، ولا ينتقل بمكان الى آخر لا تسمع منه الاقامة فى الأول، ولا يجوز التنكيس فى الاقامة ولا يفرد أو يثلث وبنى ان ذهب لاصلاح الفساد ما لم يستدبر أو يذهب الى مكان لا تسمع منه ولم يرجع للأول وان انتقل حيث لا يسمع ولم يرجع أعاد وقيل: لا كما فى الديوان وكذلك يشترط فى الاقامة الموالاة والترتيب وكون المقيم أمينا فقيها أى عالما بأحكام الشرع واعتقاده وأن يكون ورعا حافظا للاوقات عارفا بها، وأن يكون مجتهدا فى ضبط الأوقات ثم قال فى شرح النيل: ويجوز اتمام الاقامة حال المشى فى موضع يصلى فيه ويستر عورته، وجاء فى كتاب الوضع. أنه ينبغى أن لا يقيم الصلاة الا من أذن فان أقام غيره فجائز وينبغى أن يصلى بين الأذان والاقامة لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: بين كل أذانين صلاة إلا صلاة المغرب ففى الأثر أنه لا يصلى قبل المغرب، وفى شرح النيل
(2)
: أنه تكره الاقامة لامام مسجد لئلا يستدبر القبلة عند الذهاب للاقامة.
إجابة المقيم:
مذهب الحنفية:
السامع للاقامة يجيب على سبيل الندب ويقول عند قد قامت الصلاة أقامها الله وأدامها وفى رواية داود بزيادة ما دامت السموات والأرض وجعلنى من صالحى أهلها وقيل لا يجيبها ولا بأس بأن يشتغل بالدعاء
(3)
، وجاء فى الفتاوى الهندية
(4)
: أنه لا ينبغى للسامع أن يتكلم أثناء الاقامة ولا يشتغل بقراءة القرآن ولا بشئ من الأعمال سوى الاجابة ولو كان فى القراءة ينبغى أن يقطع ويشتغل بالاستماع والاجابة
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب
(4)
: مما يفيد أن سامع الإقامة لا يجيب المقيم ولكن يدعو لأنها ساعة الدعاء، وجاء فى الحطاب: أن عبد الملك قال يستجيب له الدعاء عند الأذان وعند الاقامة. وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«من قال حين يسمع الأذان والاقامة اللهم رب هذه الدعوة النافعة والصلاة القائمة صلى على محمد عبدك ورسولك وأعطه الوسيلة والفضيلة حلت له شفاعتى يوم القيامة.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(5)
: أنه يستجيب لمن سمع الاقامة أن يقول مثل ما يقول إلا فى الحيعلة فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وفى لفظ الاقامة يقول أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض لما
(1)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 5 ص 594 الى ص 602 طبع مطبعة النجف الاشرف الطبعة التالية سنة 1381 هـ، سنة 1961 م.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 327، ص 328 وما بعدها
(3)
رد المحتار على الدار المختار ج 1 ص 371
(4)
مواهب الجليل ج 1 ص 466
(5)
المهذب ج 1 ص 59
روى أبو امامة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشف القناع
(1)
: أنه يسن لمن سمع المقيم أن يقول متابعة لقوله سرا كما يقول المقيم ولو كان السامع فى طواف فرض أو نفل أو كان السامع امرأة أو تاليا للقران أو ذاكرا فيقطع القراءة أو الذكر ويجيبه ولا يجيب إن كان مصليا أو كان فى الخلاء لقضاء حاجته ويقضى المصلى والمتخلى ما سمعه من اقامة إذا فرغ من صلاته أو خرج من قضاء حاجته على صفة ما يجيبه عقبه ويقول المجيب عند قول المقيم قد قامت الصلاة «أقامها الله وأدامها» والأصل فى استحباب اجابة المقيم ما روى أبو داود باسناده عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بلالا أخذ فى الاقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبى صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها وقال فى سائر الألفاظ الاقامة ما يقال فى الآذان وكذلك يستحب للمقيم أن يجيب نفسه ليجمع بين أجر الاقامة والاجابة، ويستحب الدعاء عند الاقامة كما يستحب عند الأذان وفعله أحمد ورفع يديه.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة
(2)
الوثقى: ما يفيد أنه يستحب حكاية الاقامة بأن يقول مثل ما يقول المقيم لكن ينبغى إذا قال المقيم قد قامت الصلاة أن يقول السامع اللهم أقمها وأدمها واجعلنى من خير صالحى أهلها والأولى تبديل الحيعلات بالحوقلة بأن يقول لا حول ولا قوة إلا بالله، وجاء فى جواهر
(2)
الكلام: ما يفيد أنه إذا قال المؤذن الله اكبر فقل الله أكبر فإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله فقل أشهد أن لا إله إلا الله إلى أن قال - فإذا قال قد قامت الصلاة فقل اللهم قمها وأدمها واجعلنا من خير صالحى أهلها، وجاء فى مستمسك العروة الوثقى عن أبى عبد الله عليه السلام إذا قال المؤذن الله أكبر فقل الله أكبر فإذا قال أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قال قد قامت الصلاة فقل اللهم أقمها واجعلنا من خير صالحى أهلها عملا
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب الوضع
(3)
: أنه روى عن الامام الربيع فى المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على الحديث.
الاقامة للمنفرد والمسافر
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(4)
: إذا صلى الرجل منفردا فى بيته واكتفى باذان الناس واقامتهم أجزأه من غير كراهة وإن أقام فهو حسن لأنه إن كان قد عجز عن تحقق الجماعة بأسفه فإنه لم يعجز عن التشبه فيندب إلى أن يؤدى الصلاة على هيئة الصلاة فى الجماعة وأما المسافر فإن كان فى جمع فالأفضل لهم أن يؤذنوا ويتيمموا ويصلوا بجماعة لأن الأذان والاقامة من لوازم الجماعة المستحبة والسفر لم يسقط الجماعة فلا يسقط هو من لوازمها فإن صلوا بجماعة وأقاموا وتركوا الأذان أجزأهم ولا يكره لكن يكره لهم ترك الاقامة بخلاف أهل المصر إذا تركوا الأذان والاقامة فإنه يكره لهم ذلك لأن السفر سبب الرخصة وقد آثر فى سقوط شطر فجاز أن يؤثر فى سقوط أحد الأذانين إلا أن الاقامة آكد ثبوتا من الأذان فيسقط شطر الأذان دون الاقامة وأصله ما روى عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال:
(5)
(1)
كشاف القناع ج 1، ص 169، 170، 171
(2)
مستمسك العروة الوثقى ج 5 ص 576، 577
(3)
كتاب الوضع المختصر فى الاصول والفقه لابى زكريا بن يحيى بن ابى الخير الجناونى ج 1 ص 88 الطبعة الاولى طبع مطبعة الفجالة الجديدة.
(4)
رد المختار على الدار المختار المعروف بحاشية ابن عابدين ج 1 ص 371 الطبعة السابقة ومنها بدائع الصنائع ج 1 ص 152، 153 الطبعة السابقة.
(5)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية ج 1 ص 57 الطبعة السابقة.
المسافر بالخيار: إن شاء أذن وأقام وإن شاء أقام ولم يؤذن وإن كان المسافر وحده فإن ترك الأذان فلا بأس به وإن ترك الاقامة يكره والفرق بين المقيم والمسافر أن أذان أهل المحلة وإقامتهم يقع لكل واحد من أهل المحلة فأما فى السفر فلم يوجد الأذان والاقامة للمسافر من غيره غير أنه سقط الأذان فى حقه رخصة وتيسيرا فلا بد من الاقامة.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب
(1)
الجليل نقلا عن المدونة أن من دخل مسجدا قد صلى أهله فليبتدئ الاقامة لنفسه ولا تجزئ اقامتهم وهذا يقتضى أنها متأكدة فى حقه ووجه تأكدها أن الاقامة شرعت أهبة للصلاة المكتوبة حتى شرعت فى الفوائت وقال فى المبسوط: لأن يقيم لنفسه أحب إلى من أن يصلى بغير اقامة فجعله مستحبا، أما المرأة فإذا كانت تصلى وحدها تبقى الاقامة فى حقها أقوال الأول:
أن اقامة المرأة مستحبة وهو المشهور والثانى: أنه ليس على النساء أذان ولا اقامة والثالث: أنه يكره لها الاقامة. ومن صلى فى بيته لم يجزه اقامة
(2)
أهل المصر.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية
(3)
المحتاج: أن الاقامة فى حق المنفرد سنة عين، ويسن أن يؤذن قائما فيكره للقاعد وللمضطجع أشد وللراكب المقيم بخلاف المسافر لا يكره له ذلك لحاجته للركوب ولكن الأولى له أن لا يؤذن الا بعد نزوله لأنه لا بد له منه للفريضة وقضية كلام الرافعى أنه لا يكره ترك القيام ولو غير راكب ويوجه بأن من شأن السفر التعب والمشقة فسومح له ومن ثم قال إلا سنوى ولا يكره له أيضا ترك الاستقبال ولا المشى لاحتماله فى صلاة النفل ففى الأذان أولى والاقامة كالأذان فيما ذكر والأوجه أن كلا منهما يجزى من الماشى وإن بعد عن محل ابتدائه بحيث لا يسمع آخره من سمع أوله إن فعل ذلك لنفسه فإن فعلهما لغيره كأن كان ثم معه من يمشى وفى محل ابتدائه غيره اشترط أن لا يبعد عن محل ابتدائه بحيث لا يسمع آخر من سمع أوله وإلا لم يجزه كما فى المقيم ويندب لجماعة
(4)
النساء الاقامة بأن تفعلها احداهن فلو صلت وحدها أقامت لنفسها أيضا ولو أقامت لرجل أو خنثى لم يصح لا الآذان على المشهور فيهما لأن الآذان يخشى من رفع المرأة صوتها به الفتنة والاقامة لاستنهاض الحاضرين وليس فيها رفع كالآذان ومقابل الأشهر قولان أولهما أنهما يندبان بأن تأتى بهما واحدة منهن لكن لا ترفع صوتها فوق ما تسمع صواحبها ثانيهما أنهما لا يندبان الآذان لما مر والاقامة تبع له ولو أذنت المرأة للرجال أو الخناثى لم يصح أذانها وأتمت
(5)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(6)
: أن الاقامة ليست واجبة على الرجل المنفرد بمكان، وتسن
(7)
الاقامة لمصل وحده مسافر وراع ونحوه لخبر عبقة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يعجب ربك من راعى غنم فى رأس الشظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلى فيقول الله عز وجل انظروا إلى
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 467، ص 468 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 463، 464 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 1 ص 384 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 292 الطبعة السابقة.
(5)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 1 ص 388 الطبعة السابقة.
(6)
كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 161 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 162 الطبعة السابقة.
عبدى هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف منى قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة رواه النسائى أما فى المسجد فلا تشرع لكل واحد ممن فى المسجد بل تحصل الفضيلة بقيام واحد منهم ولأنه يقوم بها من كفى فتسقط عن الباقين كسائر فروض الكفاية ولو صلى المنفرد بدون الاقامة لم يكره وكذلك لو صلى بدون اقامة فى مسجد صلى فيه يكره كما ذكره وعليه يحمل فعل بن مسعود رضى الله تعالى عنه.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
: أنه لا يلزم المنفرد اقامة فإن أقام فحسن وإنما قلنا إن فعل فحسن لأنه ذكر الله تعالى لا تجزئ
(2)
صلاة فريضة فى جماعة إلا بقامة والسفر والحضر سواء فى كل ذلك فإن صلى شيئا من ذلك بلا اقامة فلا صلاة لهم ما روى من طريق محمد بن المثنى عن مجاهد قال: إذا نسيت الاقامة فى السفر فأعد الصلاة فإن كان قوم فى سفينة
(3)
لا يمكنهم الخروج إلى البر إلا بمشقة أو تبضيعها فليصلوا فيها كما يقدرون بامام وأذان واقامة ولا بد فإن عجزوا عن اقامة الصفوف وعن القيام لمبدأ «الحركة والميل» أو لكون بعضهم تحت السطح أو لترجح السفينة صلوا كما يقدرون لقول الله تبارك وتعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}
(4)
»
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة
(5)
الوثقى: أنه يجوز للمسافر والمستعجل ترك الأذان والاكتفاء بالاقامة لما روى عن يزيد بن معاوية عن أبى جعفر عليه السلام: الأذان يقصر فى السفر كما تقصر الصلاة الأذان واحدا واحدا والاقامة واحدة ولعل آخره قرينة على إرادة الاقامة من الآذان فى أوله واحدة تغلبت له لم تكبر واحدة ولو أذن منفردا
(6)
وأقام ثم بدا له الإمامية يستحب له اعادتهما على المشهور كما روى عن غير واحد عن أبى عبد الله سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلى وحده فيجئ رجل آخر فيقول له تصلى جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الآذان والاقامة قال لا ولكن يؤذن ويقيم.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(7)
: أن الفذ يقيم لنفسه إن صلى الوقت ومن أوجب الاقامة ألزم تاركها اعادة الصلاة باقامة وهى شرط كالوضوء على هذا ولا يعيدها عند من لم يوجهها وعند بعضهم إن لم يتعمد تركها بأن نسى حتى كبر تكبيرة الاحرام ولا اقامة إن لم يصل بوقت يقيم الفذ
(8)
قاعدا لعذر وإن أطاق الاقامة قائما أقام قائما وصلى قاعدا أو موميا لعذر مشيرا لأفعال صلاته ولا يقيم إن صلى مضطجعا لأن الاضطجاع ليس من صلاة القادر بخلاف القعود فإنه فى سجود القادر وفى سجدتيه وفى التحيات
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 120 مسألة رقم 316 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 122، ص 125 مسألة رقم 315 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 185 مسألة رقم 481 الطبعة السابقة.
(4)
الاية رقم 286 من سورة البقرة.
(5)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محمد الطباطبائى الحكيم ج 5 ص 547، 548 الطبعة السابقة.
(6)
مستمسك العروة الوثقى لطباطبائى الحكيم ج 5 ص 612 الطبعة السابقة.
(7)
من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 327 الطبعة السابقة.
(8)
المرجع السابق لابن يوسف اطفيش ج 1 ص 328 الطبعة السابقة.
وكذا إن أقامها لجماعة يصلون قعودا أو مومين لعذر مثله عند مجيز صلاتهم جماعة أو أقامها كذلك لمن يصلى قائما بلا ايماء عند مجيز هذا مطلقا أو مع الامام العادل ويجوز لكل أحد أن يقيمها قاعدا صحيحا ولكن يقوم إذا بلغ حى على الصلاة فيقوله قائما ثم قال وتجزئ اقامة فذ لنفسه دخل معه غيره فى الصلاة وإن لم يحضرها ولم يقل أقمت ويصدقه إن قال أقمت بل يجزيه أن يحمله على أنه أقام ولو لم يقل هو أو غيره معهم سواء أو مع جماعة أخرى وتجزى اقامة جماعة من لم يصل معها كذا أطلق العلماء ولعل ذلك قبل انتقاض الصفوف وفى القواعد من دخل فى المسجد قبل أن ينقض الصفوف فإنه يكتفى باقامة الجماعة وقال من قال إن لم يدخل معهم فليقم وحده قلت هو الصحيح وظاهر اطلاقهم إن من قال تجزيه يقول سواء اتصل بصف أم لا وقيل الاجزاء خاص بالمسجد وقيل خاص بصلاة لا يركع قبلها وبالمسجد معا، ومن أقام بنية الثواب أو ذاهلا بلا نية لصلاة معينة أجزأته وإن نوى بها صلاتين صحت للأولى وقيل لا تصح لواحدة وهو أصح، ثم قال: وليس على النساء
(1)
اقامة، وقيل يؤمر النساء بالاقامة أمرا يجاب إلى قوله أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخول الغاية وقيل إلى آخرها ويخفضن الصوت.
الاقامة بمعنى اللبث والدوام:
يطلق الفقهاء على المكان الذى يقيم فيه الانسان على سبيل الدوام والاستقرار الوطن الأصلى ويطلقون على المكان الذى يقيم فيه بمدة محدودة تنقطع بها رخص السفر وطن الاقامة فإذا كانت المدة المحدودة لا تنقطع بها رخص السفر فقد أطلق بعض الفقهاء عليه وطن السكنى
(2)
. وتفصيل الكلام فى ذلك على الوجه الآتى:
الوطن الأصلى:
تعريفه:
الوطن الأصلى - ويسمى بالأهلى ووطن الفطرة والقرار هو موطن ولادة الانسان، أو موطن تأهله أى تزوجه - ومن قصده التعيش به لا الارتحال عنه أو مكان توطن فيه أى عزم على القرار فيه وعدم الارتحال عنه وإن لم يتأهل به ولا يحتاج الوطن الأصلى إلى نية الاقامة
(3)
.
هذا مذهب الحنفية وقريب من ذلك مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية
(4)
مع اختلافات يسيرة فى بعض المسائل تتبين فيما يأتى:
أ -
مكان الزوجة:
يعتبر الحنفية على ما نقل ابن عابدين فى حاشية عن شرح المنية والمحيط وغيره: أن المسافر لو تزوج ببلد ولم ينو الاقامة به فقيل: لا يصير مقيما، وقيل: يصير مقيما، وهو الأوجه. ولو ماتت زوجته وبقى له فى هذا المكان. دور وعقار قيل لا يبقى وطنا له إذ المعتبر الأهل دون الدار، وقيل:
يبقى وطنا له. ويشترط المالكية فى المكان الذى تأهل به تكون الزوجة مدخولا بها غير ناشر فإن ذلك يلحقه بالوطن الأصلى من حيث الأحكام التى تتعلق به ولو لم يتخذه وطنا، ويلحق بمكان الزوجة مكان السرية وأم الولد كما قال ابن الحاجب وابن عرفة ولو انتقلت الزوجة لبلد بإذنه فإنه يصير وطنا أيضا فلو ماتت وعلم بها فلا يعتبر موضعها حينئذ
(1)
من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لابن اطفيش ج 1 ص 329، ص 326، ص 327، ص 322 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 103 الطبعة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 103 الطبعة السابقة ورد المحتار على الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ج 1 ص 742، ص 743 الطبعة السابقة.
(4)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 362، 364 الطبعة السابقة ومغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 1 ص 262، ص 279 الطبعة السابقة وكشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 327، ص 335 الطبعة السابقة والمغنى لابن قدامة المقدسى ج 2 ص 173 الطبعة السابقة والمحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 24، ص 25 الطبعة السابقة.
وطنا اذا كان مستوطنا غيره
(1)
. والأصح من قولين مشهورين عند الشافعة ان بلد الأهل والعشرة لا يأخذ حكم الوطن إذا لم يكن مستوطنا الآن. وبهذا قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجى
(2)
يعتبرون المكان الذى له فيه زوجته أو البلد الذى تزوج فيه له حكم الوطن الأصلى قال فى كشاف القناع:
وظاهره ولو بعد فراق الزوجة
(3)
.
مكان الأقارب:
يقول الحنفية لو كان للشخص أبوان ببلد غير مولده وهو بالغ ولم يتأهل به فليس ذلك وطنا له إلا إذا عزم على القرار فيه وترك الوطن الذى كان له قبله
(4)
، وهذا أيضا هو رأى المالكية والشافعية والحنابلة
(5)
.
المكان الذى له فيه دور وعقار وماشية: يختلف رأى الحنفية فى المكان الذى ليس للانسان به أهل وله فيه دور وعقار أيعتبر وطنا أم لا؟ قال فى الفتاوى الهندية نقلا عن الزاهرى: ولو انتقل الانسان بأهله ومتاعه إلى بلد وبقى له دور وعقار فى الأول قيل بقى الأول وطنا له وإليه أشار محمد رحمه الله فى الكتاب
(6)
، وقال ابن عابدين فى حاشيته نقلا عن النهر ولو نقل أهله ومتاعه وله دور فى البلد لا تبقى وطنا له وقيل تبقى كذا فى المحيط وغيره
(7)
.
أما المالكية والشافعية: والحنابلة فلا يعتبرونه وطنا
(8)
.
والظاهرية يعتبرونه وطنا كما يؤخذ من كلام ابن حزم حيث يقول: فإن ورد على ضيعة له أو ماشية أو دار فنزل هنالك أتم فإن رحل ميلا فصاعدا قصر
(9)
.
وبقى بعد ذلك رأى الزيدية والإمامية والإباضية فى تعريف الوطن الأصلى وهو على النحو الآتى: -
مذهب الزيدية:
الوطن هو ما نوى الحر البالغ العاقل أن يتخذه وطنا وقيل: إنما يصير بشرط أن يعزم على اللبث فيه أبدا غير مقيد الانتهاء، وأما الوطن المستوطن لآباء الشخص مثلا وهو ساكن فيه فلا يحتاج إلى نية بل هو وطن إلا أن يضرب عنه وكذا يعتبر وطنا إذا نوى استيطانه مدة لا يعيش أكثر منها عادة وقيل:
أقل الاستيطان سنة ولو نوى أن يستوطن فى زمان مستقبل نحو أن يقول عزمت على أنى أستوطن بلد فلان بعد مضى شهرين من وقتى هذا أو أكثر فإنه يصير وطنا بهذا العزم، وتتبعه أحكام الوطن، قيل بشرط أن يكون ذلك الزمان الذى وقت بمضيه مقدرا بدون سنة فأما لو عزم على أن يستوطنه بعد مضى سنة فصاعدا لم يصر بذلك العزم وطنا حتى يبقى منه دون سنة
(10)
.
ويقول الإمامية: الوطن هو كل موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا متوالية كانت أو متفرقة أو بلده الذى لا يخرج عن حدودها المعتبرة ستة أشهر فصاعدا بنية الاقامة الموجبة للاتمام متوالية
(1)
حاشية ابن عابدين ج 1 ص 743 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الخرشى مع حاشية العدوى عليه ج 2 ص 61 الطبعة السابقة.
(3)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 4 ص 350 الطبعة السابقة ومغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 1 ص 262 الطبعة السابقة.
(4)
كشاف القناع مع هامش منتهى الارادات فى كتاب ج 1 ص 328 الطبعة السابقة.
(5)
حاشية ابن عابدين ج 1 ص 742 الطبعة السابقة.
(6)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 363 الطبعة السابقة ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب مع التاج والاكليل للمواق فى كتاب ج 2 ص 149 الطبعة السابقة والمجموع شرح المهذب للنووى ج 4 ص 350 الطبعة السابقة وكشاف القناع مع هامش منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 328 الطبعة السابقة.
(7)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية للاوزجندى وبهامشها فتاوى قاضيخان ج 1 ص 142 الطبعة السابقة.
وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 742، ص 743 الطبعة السابقة.
(8)
الحطاب لشرح مختصر خليل ج 2 ص 149 الطبعة السابقة والمجموع للنووى شرح المهذب وبهامشه فتح العزيز ج 4 ص 350 الطبعة السابقة ومغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشربينى الخطيب ج 1 ص 262 الطبعة السابقة وكشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 328 الطبعة السابقة.
(9)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 22 مسألة رقم 515 الطبعة السابقة.
(10)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار وهامشه ج 1 ص 368، ص 369 لابى الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة السابقة.
أو متفرقة أو المكان المنوى الاقامة فيه على الدوام مع استيطانه المدة وإن لم يكن له به ملك
(1)
.
والوطن عند الإباضية: كل مكان يتخذه الانسان وطنا أرضا مبنية أو غير مثبتة طاهر تمكن فيه الصلاة، أو هو محل قصد أن يتم فيه الصلاة فالمدار على نية الاتمام لا على نية الاقامة.
ومما تقدم يتبين أن الوطن الأصلى يتحقق عند أغلب الفقهاء بالاقامة الدائمة على نية التأييد وسواء كان فى مكان ولادته أو فى مكان آخر ويلحق بذلك مكان الزوجة ويتحقق عند الإمامية بإقامة مدة كسنة أو كستة أشهر بل ويتحقق بالنية عند الزيدية ولو لم يحصل دخوله وذلك حيث نوى أن يستوطن مكانا فى مدة مستقبلة فإنه يصير وطنا بمجرد النية والإباضية لا يقيدون الوطن إلا بكونه مكانا منوى الاتمام فيه
(2)
.
امكان تعدد الوطن الأصلى:
الوطن الأصلى يجوز أن يكون واحدا أو أكثر من ذلك، وذلك مثل أن يكون له أهل ودار فى بلدتين أو أكثر ولم يكن من نية أهله الخروج منها وإن كان هو ينتقل من أهل إلى أهل فى السنة حتى أنه لو خرج مسافرا من بلدة فيها أهله ودخل بلدة أخرى فيها أهله فإنه يصير مقيما من غير نية الاقامة هذا مذهب الحنفية ومثله بقية المذاهب
(3)
.
وطن الاقامة:
تعريفه وشروطه:
وطن الاقامة ويسمى الوطن المستعار والحادث وهو كما عرفه الحنفية المكان الصالح للاقامة الذى يقصد المسافر الاقامة فيه خمسة عشر يوما أو أكثر على نية أن يسافر بعد ذلك
(4)
. وعلى هذا بقية المذاهب
(5)
، عدا الإباضية فإنهم يخالفون بالنسبة لمقدار الاقامة التى تقطع حكم السفر ويخالفون كذلك فى اشتراطه صلاحية المكان للاقامة.
شرائطه:
جاء فى بدائع الصنائع: ذكر الكرخى فى جامعه روايتين عن محمد الرواية الأولى أن المكان يصير وطن اقامة بشرطين:
احداهما: أن يتقدمه سفر والثانى: أن يكون بين وطنه الأصلى وبين هذا الموضع الذى نوى الاقامة فيه مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا وبدونها لا يصير وطن اقامة وإن نوى الاقامة خمسة عشر يوما ولو كان ذلك فى مكان صالح للاقامة حتى أن الرجل المقيم إذا خرج من مصره إلى قرية من قراها لا لقصد السفر ونوى أن يتوطن بها خمسة عشر يوما لا تصير تلك القرية وطن اقامة له وإن كان بينهما مسيرة سفر إذ لم يتحقق السفر الشرعى لانعدام نيته وكذا إذا قصد مسيرة سفر وخرج حتى وصل إلى قرية بينهما وبين وطنه الأصلى مسيرة ما دون السفر ونوى أن يقيم بها خمسة عشر يوما لا يصير مقيما ولا تصير تلك القرية وطن اقامة له والرواية الثانية هى -
(1)
شراح الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 75 الطبعة السابقة والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 124 للشهيد السعيد الجبعى العاملى الطبعة السابقة.
(2)
المراجع السابقة.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 103، ص 104 الطبعة السابقة وشرح الخرشى مع حاشية العدوى عليه ج 2 ص 61 الطبعة السابقة وشرح النيل وشفاء العليل لابن يوسف اطفيش ج 1 ص 526 الطبعة السابقة والمحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 22 الطبعة السابقة وشرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 75 الطبعة السابقة وكشاف القناع مع هامش منتهى الارادات فى كتاب ج 1 ص 328 الطبعة السابقة وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار وهامشه ج 1 ص 368، ص 369 وشرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 529، ص 530 الطبعة السابقة.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 103، ص 104 الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 743 وما بعدها الطبعة السابقة وفتح القدير وحاشية الهداية ج 1 ص 403 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الخرشى مع حاشية العدوى عليه ج 2 ص 62 الطبعة السابقة والمهذب للشيرازى ج 1 ص 103 الطبعة السابقة وكشاف القناع مع هامش منتهى الارادات ج 1 ص 328 الطبعة السابقة والمحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 22 المسألة رقم 515 الطبعة السابقة وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 366 الطبعة السابقة.
رواية ابن سماعة عنه وهى أنه يصير مقيما من غير هذين الشرطين كما هو ظاهر الرواية
(1)
، ونقل ابن عابدين فى حاشيته عن القهستانى أن رواية ابن سماعة عن محمد هى المختارة عند الأكثرين
(2)
. (ينظر مصطلح سفر) والمالكية يشترطون تقدم السفر ويشترطون كذلك مسافة القصر إذا وجدت نية الاقامة فى ابتداء السير، أما إن حدثت النية فى أثناء السير فلا تشترط المسافة على المعتمد
(3)
والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية:
يشترطون كذلك مسافة السفر بين الوطن الأصلى ووطن الاقامة
(4)
وليس عند الإباضية ما يسمى بوطن الاقامة كما هو الظاهر من كلامهم فقد جاء فى شرح النيل:
اتخاذ الوطن ليس هو نية الاقامة بل نية الاتمام فيه فالمسافر يقصر ما دام على نية السفر وإن أقام فى بلد عشرين عاما أو أكثر
(5)
ما ينتقض به وطن الاقامة:
يذهب الحنفية على ما جاء فى بدائع الصنائع وحاشية ابن عابدين إلى أن وطن الاقامة ينتقض بالوطن الأصلى لأنه فوقه قال القهستانى كما إذا توطن بمكة نصف شهر ثم تأهل بمنى، وينتقض بوطن الاقامة أيضا لأنه مثله والشئ يجوز أن ينسخ بمثله وقال القهستانى سواء كان بينهما مسيرة سفر أولا، وينتقض كذلك بانشاء السفر منه لأن توطنه فى هذا المقام ليس للقرار ولكن لحاجة فإذا سافر منه يستدل به على قضاء حاجته فصار معرضا عن التوطن به فصار ناقضا له. أما إنشاء السفر من غيره.
فإن وطن الاقامة ينتقض به إذا لم يكن فيه مرور عليه أو كان يمر عليه ولكن يعدد سير ثلاثة أيام أو كان المرور عليه قبل مسير ثلاثة أيام فلا يبطل وطن الاقامة بل يبطل السفر لأن قيام الوطن مانع من صحته، ولا ينتقض وطن الاقامة بوطن السكنى لأنه دونه فلا ينسخه
(6)
ومذهب المالكية:
قريب من مذهب الحنفية فى أن وطن الاقامة ينتقض بالوطن الأصلى وبوطن الاقامة ويرون أيضا: أن المسافر إن خرج من محل اقامته إلى محل دون مسافة القصر ثم عاد إلى محل اقامته فلا يبطل وطن الاقامة أما إذا رجع إليه بعد مسافة القصر فإن وطن الاقامة
(7)
ينتقض ورأى الشافعية يوافق المالكية
(8)
فى ذلك.
وعند الحنابلة ينتقض وطن الاقامة بالوطن الأصلى وجاء فى كشاف القناع: من رجع إلى بلد كان أقام به ما يمنع القصر ولم ينو حال العود اقامة به تمنع القصر قصر حتى فيه نصا وليس كمن مر بوطنه
(9)
ويقول الزيدية:
وطن الاقامة يبطل بالخروج منه مع الاضراب عنه أما لو خرج منه ولم يضرب عنه فقيل يقصر وقيل لا يقصر
(10)
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 104 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية ابن عابدين ج 1 ص 723 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 363 الطبعة السابقة.
(4)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 102 الطبعة السابقة ومغنى المحتاج للشربينى الخطيب ج 4 ص 262 الطبعة السابقة وكشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 328 الطبعة السابقة وشرح الازهار لابن مفتاح ج 1 ص 366 الطبعة السابقة وشرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 875 الطبعة السابقة.
(5)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 530 الطبعة السابقة.
(6)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 104 الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 743 وما بعدها الطبعة السابقة.
(7)
من كتاب حاشية الخرشى مع العدوى عليه ج 2 ص 60 الطبعة السابقة والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 262، ص 263 الطبعة السابقة.
(8)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشربينى الخطيب ج 1 ص 262 الطبعة السابقة والمجموع شرح المهذب للنووى ج 4 ص 349 الطبعة السابقة.
(9)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 331 الطبعة السابقة.
(10)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 370 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
وطن السكنى:
وطن السكنى هو المكان الذى يقصد المسافر المقام فيه أقل من خمسة عشر يوما أى أقل من المدة القاطعة لحكم السفر
(1)
ولأنها تختلف عند المذاهب كما سيأتى: وهذا تعريف الحنفية على ما ورد فى كتبهم ولم تذكر بقية المذاهب تعريفا لوطن السكنى وإن كانوا يتفقون مع الحنفية فى أن الاقامة بمكان مدة لا تقطع حكم السفر لا توجب الاتمام لبقاء السفر على أن بعض الحنفية لم يعتبر هذا الوطن فقد جاء فى الفتاوى الهندية نقلا عن الكفاية وعبارة المحققين من مشايخنا أن الوطن وطنان وطن أصلى ووطن اقامة ولم يعتبروا وطن السكنى وطنا وهو الصحيح
(2)
، وذكر صاحب بدائع الصنائع مثل ذلك عن الفقيه الجليل أبو أحمد العياض.
شرائطه:
ذكر ابن عابدين فى حاشيته أنه لا بد أن يكون بين وطن السكنى وبين الوطن الأصلى أقل من مدة السفر وكذلك بين وطن الاقامة ووطن السكنى
(3)
، كذلك يعتبر من شرائطه نية عدم الاقامة المدة القاطعة لحكم السفر وكذلك يعتبر مسافرا بهذه النية وإن طال مقامه لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة
(4)
، وروى عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أنه أقام بقرية من قرى نيسابور شهرين وكان يقصر الصلاة
(5)
، إلا أن هذا الحكم ليس الاتفاق عليه كاملا بين المذاهب فعند بعض المذاهب يعتبر مقيما إذا زاد مدة اقامته عن المدة القاطعة لحكم السفر ولو بدون نية لتردد فى السفر أو لجهاد أو لقضاء حاجة وسيأتى بيان ذلك.
ما ينتقض به وطن السكنى:
جاء فى بدائع الصنائع: أن وطن السكنى ينتقض بالوطن الأصلى وبوطن الاقامة لأنهما فوقه وينتقض بوطن السكنى لأنه مثله وينتقض بالسفر لأن توطنه فى هذا المقام ليس للقرار ولكن لحاجة فإذا سافر منه يستدل به على قضاء حاجته فصار معرضا عن التوطن به فصار ناقضا له
(6)
.
عدم انتقاض الوطن الأصلى بالوطنين الآخرين:
ينتقض الوطن الأصلى بمثله لا غير، إذا لم يبق له بالأول أهل فلو بقى له بالأول أهل لم يبطل بل يتم فيهما والمثل الذى ينتقض به وطنه الأول هو أن يتوطن الانسان فى بلدة أخرى وينقل الأهل إليها من بلدته مضربا عن الوطن الأول ورافضا سكناه فإن الوطن الأول يخرج بذلك عن أن يكون وطنا أصليا له حتى لو دخل فيه مسافرا لا تصير صلاته أربعا وأصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين من أصحابه رضى الله عنهم كانوا من أهل مكة وكان لهم بها أوطان أصلية ثم لما هاجروا وتوطنوا بالمدينة وجعلوها دارا لأنفسهم انتقض وطنهم الأصلى بمكة حتى كانوا إذا أتوا مكة يصلون صلاة المسافر ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم حين صلى بهم: أتموا يا أهل مكة صلاتكم فانا قوم سفرا
(7)
. ولا ينتقض الوطن الأصلى بوطن الاقامة ولا بوطن السكنى لأنهما دونه والشئ لا يفسخ بما هو دونه وكذا لا ينتقض بنية السفر والخروج من وطنه حتى أنه يصير مقيما بالعودة إليه من غير نية
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 103، ص 104 الطبعة السابقة وفتح القدير شرح الهداية وبهامشه شرح العناية وحافية سعد حلبى ج 1 ص 403 الطبعة السابقة.
(2)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية وبهامشها فتاوى قاضيخان للاوزجندى ج 1 ص 142 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 1 ص 343 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
رواه احمد وابو داود والبيهقى.
(5)
الاختيار لتعليل المختار ج 1 ص 100 طبعة دار الشعب بالقاهرة والبدائع للكاسانى ج 1 ص 103، ص 104 الطبعة السابقة.
(6)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 104 الطبعة السابقة.
(7)
رواه ابو داود.
الاقامة هذا مذهب الحنفية وقريب منه بقية المذاهب
(1)
.
متى يصير المسافر مقيما:
المسافر اذا صح سفره يظل على حكم السفر ولا يتغير هذا الحكم الا أن ينوى الاقامة أو يدخل وطنه وحينئذ تزول حالة السفر ويصبح مقيما تنطبق عليه أحكام المقيم ولكل من الاقامة ودخول الوطن أحكامه الخاصة به.
أولا: الاقامة من السفر للاقامة شرائط هى:
أ - نية الاقامة ومدتها المعتبرة:
نية الاقامة أمر لا بد منه عند الحنفية حتى لو دخل مصرا ومكث فيه شهرا أو اكثر لانتظار قافلة أو لحاجة أخرى يقول: أخرج اليوم أو غدا ولم ينو الاقامة فانه لا يصير مقيما وذلك لاجماع الصحابة رضى الله عنهم فانه روى عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أنه أقام بقرية من قرى نيسابور شهرين وكان يقصر الصلاة وعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه أقام بأذريجان شهرا وكان يقصر الصلاة، وروى عن عمران بن حصين رضى الله عنه أنه قال:
شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلى الا الركعتين ثم قال لأهل مكة: صلوا أربعا فانا قوم سفر
أما مدة الاقامة المعتبرة:
فأقلها خمسة عشر يوما لما روى ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم أنهما قالا: اذا دخلت بلدة وأنت مسافر وفى عزمك أن تقيم بها خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة وان كنت لا تدرى متى تظعن فأقصر وهذا باب لا يوصل اليه بالاجتهاد لأنه من جملة المقادير ولا يظن بهما التكلم جزافا فالظاهر أنهما قالا سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعند المالكية:
لا بد من النية وأقل مدة الاقامة: أربعة أيام صحاح مع وجوب عشرين صلاة فى مدة الاقامة ولا يحتسب من الايام يوم الدخول ان دخل بعد طلوع الفجر، ولا يوم الخروج إن خرج فى أثنائة ولا بد من اجتماع الأمرين: الأربعة أيام والعشرين صلاة، واعتبر سحنون العشرين صلاة فقط، ثم ان نية الاقامة اما أن تكون فى ابتداء السير واما تكون فى أثنائه فان كانت فى ابتداء السير وكانت المسافة بين النية وبين محل الاقامة مسافة قصر الصلاة حتى يدخل محل الاقامة بالفعل وإلا أتم من حين النية أما ان كانت النية فى أثناء السفر فانه يقصر حتى يدخل محل الاقامة بالفعل، ولو كانت المسافة بينهما دون مسافة القصر على المعتمد ويستثنى من نية الاقامة نية العسكر بمحل خوف فانها لا تقطع حكم السفر، واذا أقام بمحل فى أثناء سفر، دون أن ينوى الاقامة به فان اقامته به لا تمنع القصر ولو أقام مدة طويلة الا أنه اذا علم أنه سيقيم أربعة أيام فى مكان عادة فان ذلك يقطع حكم السفر ولو لم ينو الاقامة لأن العلم بالاقامة كالنية بخلاف الشك فانه لا يقطع حكم السفر
(2)
.
ويقول الشافعية:
لو نوى المسافر المستقل ولو محاربا اقامة أربعة
(3)
أيام تامة لياليها أو نوى الاقامة وأطلق بموضع عينه انقطع سفره بوصوله ذلك الموضع سواء أكان مقصده أم فى طريقه أو نوى بموضع وصل اليه اقامة أربعة أيام انقطع سفره بالنية مع مكثه ولو أقام أربعة
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 103، ص 104 الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 743 وما بعدها الطبعة السابقة وشرح الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 2 ص 62 الطبعة السابقة والمجموع شرح المهذب للنووى ج 4 ص 350 الطبعة السابقة وكشاف القناع مع هامش منتهى الارادات فى كتاب ج 1 ص 328 الطبعة السابقة وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 366 الطبعة السابقة والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد العاملى ج 1 ص 113 الطبعة السابقة والمحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 22 مسألة رقم 515 الطبعة السابقة وشرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 526 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 97، ص 98 الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 361.
أيام بلا نية انقطع سفره بتمامها لأن الله تعالى أباح القصر بشرط الضرب فى الأرض والمقيم والعازم على الاقامة غير ضارب فى الأرض والسنة بينت أن ما دون الأربع لا يقطع السفر ففى الصحيحين يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وكان يحرم على المهاجرين الاقامة بمكة ومساكنة الكفار فالترخص فى الثلاث يدل على بقاء حكم السفر بخلاف الأربعة وألحق باقامة الأربعة نية اقامتها، ولا يحسب من الأربعة يوما دخوله وخروجه اذا دخل نهارا على الصحيح ومقابله أنما يحسبان بالتلفيق فلو دخل زوال السبت ليخرج زوال الأربعاء أتم وقبله قصر فان دخل ليلا لم تحسب بقية الليلة ويحسب الغد واختار السبكى من الشافعية أن الرخصة لا تتعلق بعدد الأيام بل بعدد الصلوات فيترخص باقامة مدة يصلى فيها احدى وعشرين صلاة مكتوبة لأنه المحقق من فعله صلى الله عليه وسلم حين نزل بالأبطح ولو أقام ببلد بنية أن يرحل اذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت، أو حبسه الريح بموضوع فى البحر قصر ثمانية عشر يوما غير يومى الدخول والخروج لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقامها بمكة عام الفتح لحرب هوازن يقصر الصلاة
(1)
، وروى خمسة عشر وسبعة عشر وتسعة عشر وعشرين رواها أبو داود وغيره الا تسعة عشر فالبخارى عن ابن عباس قال البيهقى وهى أصح الروايات وقيل يقصر أربعة أيام غير يومى الدخول والخروج وفى قول يقصر أبدا لأن الظاهر أنه لو زادت حاجة النبى صلى الله عليه وسلم على الثمانية عشر لقصر فى الزائد، ولو علم المسافر بقاء حاجته مدة طويلة فلا قصر له على المذهب لأنه ساكن مطمئن بعيد عن هيئة المسافرين
(2)
.
وعند الحنابلة:
لو نوى اقامة أكثر من عشرين صلاة أتم لحديث جابر وابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة ذى الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس وصلى الصبح فى اليوم الثامن ثم خرج الى منى وكان يقصر الصلاة فى هذه الأيام وقد أجمع على اقامتها ولو نوى المسافر اقامة مطلقة بأن لم يحدها بزمن معين فى بلد أثم لزوال السفر المبيح للقصر بنية الاقامة ولو شك فى نيته هل نوى اقامة ما يمنع القصر أولا؟ أتم لأنه الأصلى وان أقام المسافر لقضاء حاجة يرجو نجاحها أو جهاد عدو بلا نية اقامة تقطع حكم السفر ولا يعلم قضاء الحاجة قبل المدة ولو ظنا أو حبس ظلما أو حبسه مطر قصر أبدا لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة فان علم أو ظن أنها لا تنقضى فى أربعة أيام لزمه الاتمام كما لو نوى اقامة أكثر من أربعة أيام وأن نوى اقامة بشرط كأن يقول: ان لقيت فلانا فى هذا البلد أقمت فيه والا فلا فان لم يلقه فى البلد فله حكم السفر، لعدم الشرط الذى علق عليه وان لقيه به صار مقيما لاستصحابه حكم نية الاقامة ان لم يكن فسخ نيته الأولى للاقامة قبل لقائه أو حال لقائه وان فسخ النية بعد لقائه فهو كمسافر نوى الاقامة فليس له أن يقصر فى موضع اقامته لأنه محل ثبت له فيه حكم الاقامة فأشبه وطنه
(3)
.
أما الظاهرية:
فان الاقامة عندهم لا تحتاج الى نية أصلا، وأما مدة الاقامة المعتبرة: فهى أن يقيم أكثر من عشرين يوما بلياليها ولو بزيادة صلاة واحدة فمن أقام أكثر من عشرين يوما بلياليها ولو مدة صلاة واحدة أتم ولا بد لاقامة النبى صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة
(4)
.
ويقول الزيدية:
لو عزم المسافر على اقامة عشرة أيام فصاعدا غير يومى الدخول والخروج أتم ولو دخل بلدا وتردد
(1)
رواه أبو داود عن عمران بن حصين والترمذى وحسنه.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 1 ص 262 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 330 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 22 مسألة رقم 515 الطبعة السابقة.
هل يخرج منه قبل مضى عشرة أيام أو بعدها فانه يقصر وقيل بل يتم ويكون ذلك منتهى سفره ورجح المتأخرون منهم: أن المتردد يقصر ومن زاد وقوفه فى أى موضع على شهر وكان فى عزمه النهوض قبل مضى عشرة أيام لكنه يقول: اخرج اليوم أو غدا فيعرض له ما يثبطه فانه يقصر حتى يتعدى مكثه شهرا ومتى زاد على الشهر أثم
(1)
.
ومذهب الإمامية:
كمذهب الزيدية فى أن المقيم يتم اذا عزم على اقامة عشرة أيام أو متى كملت اقامته ثلاثين يوما بغير نية
(2)
.
وعند الإباضية:
اذا نوى المسافر المقام فى بلد والاتمام فيه أثم فان كان على نية السفر قصر ولو طالت اقامته
(3)
.
اتحاد مكان المدة المشترطة للاقامة:
المدة التى يقيمها المسافر ويصير بها مقيما يشترط فيها أن تقضى فى مكان واحد أو ما يشبه المكان الواحد لأن الاقامة قرار والانتقال يضاده فاذا نوى المسافر الاقامة خمسة عشر يوما فى موضعين فان كانا فى مصر واحدا أو قرية واحدة صار مقيما لأنهما متحدان حكما، وان كانا مصرين نحو مكة ومنى أو الكوفة والحيرة أو كانا قريتين أو كان أحدهما مصرا والآخر قرية فلا يصير مقيما ولا تزول حالة السفر لأنهما مكانان متباينان حقيقة وحكما فان نوى المسافر أن يقيم بالليالى فى أحد الموضعين ويخرج بالنهار الى الموضع الآخر فان دخل أولا الموضع الذى نوى المقام فيه بالليل يصير مقيما ثم بالخروج الى الموضع الآخر لا يصير مسافرا لأن موضع اقامة الرجل حيث يبيت
(4)
فيه هذا مذهب الحنفية.
ويقول الحنابلة:
ان عزم المسافر على اقامة طويلة فى رستاق أى ناحية من أطراف الاقليم ينتقل فيه من قرية الى قرية لا يعزم على الاقامة بواحدة منها مدة تبطل حكم السفر أى فوق أربعة أيام فانه يقصر
(5)
.
ويقول الزيدية:
من عزم على اقامة العشر فى موضعين
(6)
متقاربين بأن يكون بينهما دون مبل فانه يتم ولا يضر تنقله فى خلال العشر بين الموضعين المتقاربين لأنهما فى حكم الموضع الواحد، فأما لو كان بينهما ميل فصاعدا فهما متباعدان فلا تنفع نية الاقامة فيهما فى قطع حكم السفر وقال الفقية يوسف ولا بد أن يكون هذه العشرة الأيام متصلة فلو عزم مسافر على اقامة فى موضع سنة أو أكثر على أن يخرج فى كل عشرة أيام إلى موضع خارج من ميل البلد لزيارة رحم أو لقضاء حوائجه من سوق أو نحوه فيحتمل أن يقال لا يزال يقصر لانه لم ينو اقامة عشرة أيام متصلة ويحتمل أن يقال يتم لان مثل هذه الأمور يفهمها المقيم وأيضا فانه لا يسمى مسافرا وهذا أقرب
(7)
.
صلاحية المكان للاقامة:
من شرائط الاقامة التى تقطع حكم السفر عند الحنفية أن يكون المكان الذى يقيم فيه المسافر صالحا للاقامة والمكان الصالح للاقامة عندهم هو موضع اللبث والقرار فى العادة نحو الأمصار والقرى وأما المغازة والجزيرة والسفينة فليست مكانا صالحا
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 363، ص 364 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 114 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 530 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 98 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع مع هامش منتهى الارادات ج 1 ص 331 الطبعة السابقة.
(6)
المدة القاطعة لحكم السفر عندهم.
(7)
شرح الازهار وهامشه ج 1 ص 364 الطبعة السابقة.
للاقامة حتى لو نوى الاقامة فى هذه المواضع خمسة عشر يوما لا يصير مقيما كذا روى عن أبى حنيفة وهذا اذا سار المسافر ثلاثة أيام، والا فتصح الاقامة ولو فى المغازة لأن نية الاقامة قبل تمام مدة السفر تكون نقصا للسفر كنية العود الى بلده، والسفر قبل استحكامه يقبل النقض وروى عن أبى يوسف فى الأعراب والاكراء والتركمان اذا نزلوا بخيامهم فى موضع ونووا الاقامة خمسة عشر يوما صاروا مقيمين وعلى هذا اذا نوى المسافر الاقامة فيه خمسة عشر يوما يصير مقيما كما فى القرية وفى رواية أخرى عنه أنهم لا يصيرون مقيمين والصحيح قول أبى حنيفة لأن موضع الاقامة هو موضع القرار والمغازة ليست موضع القرار فى الأصل فكانت النية لغوا ولو حاصر المسلمون مدينة من مدائن أهل الحرب ووطنوا أنفسهم على اقامة خمسة عشر يوما لم تصح نية الاقامة ويقصرون صلاتهم وكذا اذا نزلوا المدينة حاصروا أهلها فى الحصن بخلاف ما اذا دخلوا المدينة بأمان فانهم يتمون لأن أهل الحرب لا يتعرضون لهم لأجل الأمان وقال أبو يوسف ان كان المسلمون الذين حاصروا مدينة من مدائن أهل الحرب فى الأخبية والفساطيط خارج البلدة فانهم يقصرون وان كانوا فى الأبنية صحت نية الاقامة وقال زفر فى الفصلين جميعا ان كانت الشوكة والغلبة للمسلمين صحت نيتهم وان كانت للعدو لم تصح، ولو انفلت الأسير من الكفار وتوطن فى غار ونوى الاقامة فيه خمسة عشر يوما لم يصير مقيما لتردده لأنه اذا وجد الفرصة قبل تمام المدة خرج هذا مذهب
(1)
الحنفية.
أما المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية:
فلا يشترطون أن يكون المكان صالحا للاقامة فلو نوى المسافر الذى سار مسافة القصر الاقامة مدة قاطعة لحكم السفر فى مكان أى مكان كان ولو كان غير صالح للاقامة كالمفازة صحت نيته وامتنع القصر
(2)
. هذا اذا كانت الاقامة بالاستقلال.
أما اذا كانت الاقامة بطريق التبعية: فان الأصل فى حال السفر أن العبرة بنية الأصل لانه المتبوع فكذلك فى حال الاقامة العبرة فيها بنية المتبوع كما يقول الحنفية فاذا صار الأصل مقيما صار التابع مقيما باقامة الاصل كالعبد التابع لسيده، والعبد يشمل القن والمدبر وأم الولد دون المكاتب لأن له السفر بغير اذن المولى فلا تلزمه طاعته وكالزوجة التابعة لزوجها وكالأسير مع العدو قال ابن عابدين فى حاشيته: ذكر فى المنتقى أن المسلم اذا أسره العدو ان كان مقصدهم ثلاثة أيام قصد وان لم يعلم سألهم فان لم يخبره وكان العدو مقيما أتم وان كان مسافرا قصر.
قال ابن عابدين وكذا ينبغى أن يكون حكم كل تابع يسأل متبوعه فان اخبره عمل بخبره والا عمل بالأصل الذى كان عليه من اقامة وسفر حتى يحلق خلافه وتعذر السؤال بمنزلة السؤال عند عدم الاخبار، وكل من لزمه طاعة غيره، فأنه يتبع ذلك الغير كالجندى اذا كان يرتزق من الأمير أو من بيت المال وكالأجير اذا كانت اجارته مشاهرة أو مسانهة وكالمتعلم اذا كان يرتزق مع معلمه الملازم له وذلك لأن الحكم فى التبع ثبت بعلة الأصل ولا تراعى له علة على حدة لما فيه من جعل التبع أصلا، وأما الغريم مع صاحب الدين فقد ذكر فى البدائع أنه ان كان الغريم مليا فالنية اليه لأنه يمكنه قضاء الدين والخروج من يده وان كان مفلسا فالنية الى الطالب لأنه لا يمكنه الخروج من يده فكان تابعا له وفى تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار: لا بد من علم التابع بنية المتبوع فلو نوى المتبوع الاقامة ولم يعلم التابع فهو مسافر حتى يعلم على الأصح والقول الثانى:
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 98 الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 1 ص 738 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 360 الطبعة السابقة ومغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشربينى الخطيب ج 1 ص 262 الطبعة السابقة وهداية الراغب لشرح عمدة الطالب لعثمان احمد النجدى الحنبلى ج 1 ص 174 طبع مطبعة المدنى المؤسسة السعودية بمصر سنة 1379 هـ وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابن مفتاح ج 1 ص 364 الطبعة السابقة.
ذكره ابن عابدين أنه يلزمه الاتمام كالعزل الحكمى أى بموت الموكل وهو الأحوط وهو ظاهر الرواية
(1)
هذا مذهب الحنفية وقريب منه مذهب الحنابلة والإباضية
(2)
.
ويقول المالكية:
كما جاء فى الحطاب: اذا سافر العبد بسفر سيده والمرأة بسفر زوجها والجند بسفر الأمير ولا يعلمون قصدهم لم يترخص واحد منهم فان علموا قصدهم ونووا القصر قصروا وفى الموطأ سئل مالك عن صلاة الأسير فقال: مثل صلاة المقيم - 1 هـ هذا فى الأسير المقيم قال فى المدونة ويتم الأسير بدار الحرب إلا أن يسافر به فيقصر
(3)
.
ويقول الشافعية:
لو تبع العبد أو الزوجة أو الجندى فى مالك أمره أى السيد أو الزوج أو الأجير فى السفر ولا يعرف كل واحد منهم مقصده فلا قصر لهم لأن الشرط وهو قصد موضع معين لم يتحقق وهذا قبل بلوغهم مسافة القصر فان قطعوها قصروا فلو نوى العبد، أو الزوجة أو الجندى مسافة يقصر وحدهم دون متبوعهم أو جهلوا حالهم قصر الجندى غير المثبت فى الديوان دون الزوجة والعبد، لأن الجندى حينئذ ليس تحت يد الأمير وقهره بخلاف العبد والزوجة فنيتهما كالعدم أما الجندى المثبت فى الديوان فلا يقصر لأنه تحت يد الأمير ومثله الجيش اذ لو قيل بأنه ليس تحت يد الأمير وقهره كالآحاد لعظم الفساد
(4)
.
ويقول الزيدية:
يصير التابع مسافرا بسفر المتبوع كالعسكر مع السلطان والعبد مع سيده والمرأة مع زوجها والأجير الخاص مع المستأجر والملازم بقضاء الدين حيث ألزمه الحاكم الا يفارق غريمه حتى يوفيه والملازم أيضا حيث حلف أو عزم إلا يفارق غريمه حتى يقضيه
(5)
.
وقال الإمامية:
لو ظن التابع بقاء الصحبة قصر مع قصد المسافة ولو تبعا وحيث يبلغ مسافة القصر يقصر فى الرجوع مطلقا
(6)
.
ثانيا: دخول الوطن:
اذا دخل المسافر وطنه زال حكم السفر وصار مقيما سواء دخل وطنه للاقامة أو للاجتياز أو لقضاء حاجة أو لجأته الريح الى دخوله ولا يحتاج فى ذلك الى نية لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج مسافرا الى الغزوات ثم يعود الى المدينة ولا يجدد نية الاقامة ولأن وطنه متعين للاقامة فلا حاجة الى التعيين بالنية. وهذا الحكم متفق عليه بين المذاهب الثمانية
(7)
ولدخول الوطن الذى يتغير به فرض المسافر شرائط تختلف باختلاف المذاهب وهى على الوجه الآتى:
مذهب الحنفية:
الشرط الأول: الانتهاء الى بيوت الوطن. وهو أن يعود الى المكان الذى بدأ منه القصر فاذا قرب من مصره فحضرت الصلاة فهو مسافر ما لم يدخل لما روى أن عليا رضى الله عنه حين قدم الكوفة من البصرة صلى صلاة السفر وهو ينظر الى أبيات
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 101، ص 94 الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين على المختار ج 1 ص 744، ص 745 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منتهى الارادات ج 1 ص 325 الطبعة السابقة وشرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 520 الطبعة السابقة.
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب والتاج والاكليل للمواق ج 2 ص 147 الطبعة السابقة.
(4)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 1 ص 269 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 364 الطبعة السابقة.
(6)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 114 للشهيد السعيد الجبعى العاملى الطبعة السابقة.
(7)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 103 الطبعة السابقة.
الكوفة وروى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال للمسافر: صل ركعتين ما لم تدخل منزلك ولأن هذا موضع لو خرج اليه على قصد السفر يصير مسافرا فلأن يبقى مسافرا بعد وصوله اليه أولى
(1)
.
الشرط الثانى: أن يدخل وطنه فى الوقت: اذا دخل المسافر وطنه فى الوقت تغير فرضه الذى دخل فى وقته من القصر الى التمام واذا دخل وطنه بعد خروج الوقت فلا يتغير فرضه فى هذا الوقت ويصليه قصرا لأنه تقرر عليه فرض السفر بخروج الوقت فلا يتغير بالدخول فى وطنه والمعتبر فى تغيير الفرض آخر الوقت وهو قدر ما يسع التحريمة فان كان المكلف فى آخره مسافرا وجب ركعتان والا فأربع لأن آخر الوقت هو المعتبر فى السببية عند عدم الأداء قبله وعلى هذا قالوا: لو صلى الظهر أربعا ثم سافر فى الوقت فصلى العصر ركعتين ثم رجع الى منزله لحاجة فتبين أنه صلاهما بلا وضوء صلى الظهر ركعتين والعصر أربعا لأنه كان مسافرا فى آخر وقت الظهر ومقيما فى العصر وفائدة ذلك أيضا اعتبار حال المكلف فيه فلو بلغ صبى أو أسلم كافر فى آخره لزمتهم الصلاة ولو كان الصبى قد صلاها فى أوله
(2)
مذهب المالكية:
الشرط الأول: الانتهاء الى بيوت الوطن:
المسافر اذا رجع الى وطنه لا يزال يقصر حتى يرجع الى المكان الذى قصر منه فى خروجه فاذا أتاه أتم حينئذ لأن منتهى القصر فى الدخول هو مبدؤه فى الخروج هذا ما جاء فى الخرشى والعدوى ونقل الخرشى عن المدونة قولا آخر وهو أن المسافر اذا رجع من سفره فليقصر حتى يدخل البيوت أو قربها وهذا يدل على أن منتهى القصر ليس كمبدئه ومثل ذلك فى الرسالة قال العدوى وتظهر ثمرة الخلاف فيمن نزل خارج البلد فى العودة بأقل من الميل وعليه العصر ولم يدخل البلد حتى غربت الشمس فعلى القول الأول يصلى العصر سفرية وعلى القول الثانى يصليها حضرية
(3)
.
الشرط الثانى:
أن يدخل وطنه فى الوقت:
المعتبر فى تغيير الفرض عند المالكية آخر الوقت بمقدار ركعة كاملة
(4)
. (انظر أوقات الصلاة)
مذهب الشافعية:
الشرط الأول: الانتهاء الى بيوت الوطن: اذا رجع المسافر من السفر الطويل انته سفره ببلوغه ما شرط مجاوزته ابتداء من سور أو غيره فيترخص الى أن يصل الى ذلك والسفر ينقطع بمجرد الوصول الى مبدأ سفره من وطنه وان لم يدخل
(5)
.
الشرط الثانى: أن يدخل وطنه فى الوقت:
يختلف الشافعية فيما تدرك به الصلاة آخر الوقت فقيل بقدر ركعة وقيل بقدر تكبيرة الاحرام
(6)
(أنظر أوقات الصلاة)
مذهب الحنابلة:
الشرط الأول: الانتهاء الى بيوت الوطن:
يقصر المسافر الصلاة حتى يرجع الى المكان الذى بدأ منه القصر وهو مفارقة الخيام وبيوت القرية العامرة بما يقع عليه اسم المفارقة بنوع من البعد عرفا، وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة لم يزد على الركعتين حتى يرجع اليها
(7)
.
(1)
المرجع السابق.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 103 الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 1 ص 742 الطبعة السابقة.
(3)
شرح المحقق ابى عبد الله من الخرشى وبهامشه الشيخ على العدوى ج 2 ص 59 الطبعة السابقة طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هـ.
(4)
بلغة السالك لاقرب المسالك للشيخ احمد الصاوى على الشرح الصغير لسيدى احمد الدرديرى ج 1 ص 81، ص 82 الطبعة السابقة.
(5)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 1 ص 262 الطبعة السابقة.
(6)
المهذب لابى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 53 الطبعة السابقة
(7)
كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 326 الطبعة السابقة والمغنى على الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 2 ص 98 الطبعة السابقة.
الشرط الثانى: أن يدخل وطنه فى الوقت:
المعتبر فى ادراك الصلاة عند الحنابلة اخر الوقت هو بمقدار تكبيرة الاحرام (انظر أوقات الصلاة)
(1)
مذهب الظاهرية:
الشرط الأول: الانتهاء الى بيوت الوطن: جاء فى المحلى من رجع من سفره فكان على أقل من ميل فانه يتم صلاته لأنه ليس فى سفر يقصر فيه
(2)
.
الشرط الثانى: أن يدخل وطنه فى الوقت: تدرك الصلاة عند الظاهرية آخر الوقت بمقدار التكبيرة كما يفهم من كلام ابن حزم فى المحلى
(3)
(انظر أوقات الصلاة)
مذهب الزيدية:
الشرط الأول: الانتهاء الى بيوت الوطن:
المسافر اذا رجع إلى وطنه فانه يتم اذا دخل ميل بلده
(4)
.
الشرط الثانى: أن يدخل وطنه فى الوقت:
تدرك الصلاة آخر الوقت بمقدار ركعة (أنظر أوقات
(5)
الصلاة).
مذهب الإمامية:
الشرط الأول: الانتهاء الى بيوت الوطن: جاء فى شرائع الاسلام أن المسافر اذا عاد فلا يزال يقصر حتى يبلغ سماع الأذان من مصره وقيل يتم عند دخوله منزله والأول أظهر
(6)
.
الشرط الثانى: أن يدخل وطنه فى الوقت:
تدرك الصلاة اخر الوقت بمقدار
(7)
ركعة (انظر أوقات الصلاة).
مذهب الإباضية:
الشرط الأول: الانتهاء الى بيوت الوطن:
يقصر المسافر فى الرجوع حتى يدخل وطنه ولو أقام فى الأميال أياما كثيرة وقيل اذا دخل عمرانه أتم وقيل: اذا دخل الأميال أتم
(8)
.
الشرط الثانى: أن يدخل وطنه فى الوقت:
تدرك الصلاة عند الإباضية آخر الوقت بمقدار ركعة
(9)
(انظر أوقات الصلاة).
ثالثا: العزم على العودة الى الوطن:
اذا كان الانسان مسافرا ثم عزم على العودة الى وطنه فان كان بين المكان الذى عزم فيه على العودة الى الوطن وبين الوطن أقل من مسيرة مدة السفر فانه يصير مقيما من حين عزم على العودة ويصلى تماما لأن العزم على العودة الى الوطن قصد ترك السفر، بمنزلة نية الاقامة هذا مذهب الحنفية ومثله بقية المذاهب الا أن الشافعية اشترطوا مع ذلك أن ينوى وهو ماكث أما لو نوى وهو سائر فلا يقصر حتى يدخل وطنه
(10)
، وان كان بين المكان الذى عزم فيه على العودة الى الوطن وبين الوطن مدة سفر فلا يصير مقيما لأنه بالعزم على العودة قصد ترك السفر الى جهة وقصد السفر الى جهة أخرى فلم
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منتهى الارادات ج 1 ص 176 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 21، ص 22 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 164، ص 165 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 363 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 207، 208 الطبعة السابقة.
(6)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 75 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق للمحقق الحلى ج 1 ص 44، ص 45 الطبعة السابقة.
(8)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 519 الطبعة السابقة.
(9)
المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيس ج 1 ص 320، ص 321 الطبعة السابقة.
(10)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 104 والخرشى مع حاشية العدوى عليه ج 2 ص 61 الطبعة السابقة ومغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 1 ص 262 الطبعة السابقة وكشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 327 الطبعة السابقة والمحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 21، ص 22 الطبعة السابقة شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 362 الطبعة السابقة والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 115 الطبعة السابقة وشرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيس ج 1 ص 519 الطبعة السابقة.
يكمل العزم على العود لوقوع التعارض فبقى مسافرا كما كان الى أن يدخل وطنه وجميع المذاهب متفقة
(1)
فى هذا.
أثر الاقامة فى العبادات:
للاقامة الدائمة أو المؤقتة أحكام تتصل بالعبادات ومن ذلك: المسح على الخفين والصلاة، الصوم، الحج وتفصيل ذلك ما يلى:
المسح على الخفين:
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(2)
: أن المسح على الخفين جائز للمقيم وللمسافر لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يسمح المقيم على الخفين يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها وهذا حديث مشهور رواه جماعة من الصحابة مثل عمر وعلى وخزيمة بن ثابت وأبى سعيد الخدرى وصفوان بن عسال وعوف ابن مالك وأبى عمارة وابن عباس وعائشة رضى الله تعالى عنهم، فلو توضأ انسان ولبس خفيه
(3)
وهو مقيم ثم سافر فان سافر بعد استكمال مدة الاقامة لا تتحول مدته الى مدة مسح السفر لأن مدة الاقامة لما تمت سرى الحدث السابق الى القدمين فلو جوزنا المسح لصار الخف رافعا للحدث لا مانعا وليس هذا عمل الخف فى الشرع وان سافر قبل أن يستكمل مدة الاقامة فان سافر قبل الحدث أو بعد الحدث قبل المسح تحولت مدته الى مدة السفر من وقت الحدث بالاجماع وكذلك الأمر ان سافر بعد المسح لقول النبى صلى الله عليه وسلم: والمسافر ثلاثة أيام ولياليها وهذا مسافر ولا حجة له فى صدر الحديث لأنه يتناول المقيم وقد بطلت الاقامة بالسفر هذا اذا كان مقيما فسافر أما اذا كان مسافرا فأقام فإن أقام بعد استكمال مدة السفر نزع خفيه وغسل رجليه لما ذكرنا وان أقام قبل استكمال مدة السفر فان أقام بعد تمام يوم وليلة أو أكثر فكذلك ينزع خفيه ويغسل رجليه لأنه لو مسح لمسح وهو مقيم أكثر من يوم وليلة وهذا لا يجوز وان أقام قبل تمام يوم وليلة أتم يوما وليلة لأن أكثر ما فى الباب أنه مقيم فيتم مدة المقيم. (انظر مصطلح مسح على الخفين).
مذهب المالكية:
لا أثر للاقامة
(4)
عندهم فى المسح على الخف وهم قد اختلفوا فى جواز المسح على الخف ومن قال بجواز المسح على الخف لم يقدر حدا يجب نزع الخف بعده وان قالوا بندب نزعه قل جمعه (انظر مصطلح مسح على الخفين).
مذهب الشافعية:
ذكر صاحب المهذب
(5)
: أن فى تحديد المسح بوقت قولين أولهما فى القديم حيث قال هو غير موقت لما روى أبى بن عمار قال قلت يا رسول الله أمسح على الخف قال نعم قلت يوما قال ويومين قلت وثلاثة قال نعم وما شئت وروى وما بدالك وروى حتى يبلغ سبعا قال نعم وما بدا لك ولأنه مسح بالماء فلم يتوقف كمسح الجبائر ورجع عنه قبل أن يخرج الى مصر وقال يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن لما روى على بن أبى طالب كرم الله وجهه أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة ولأن الحاجة لا تدعو الى أكثر من يوم وليلة للمقيم والى أكثر من ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر فلم تجز الزيادة عليه والسفر فى معصية لا يبح أن المسح أكثر من يوم وليلة لأن ما زاد يستفيده بالسفر
(1)
المراجع السابقة نفس الطبعات السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 7، ص 8 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق للكاسانى ج 2 ص 8، ص 9 الطبعة السابقة.
(4)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 141، ص 142 الطبعة السابقة.
(5)
كتاب المهذب للامام ابى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروز ابادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب ج 1 ص 20 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1376 هـ
والسفر معصية فلا يجوز أن يستفاد به رخصة ويعتبر ابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخف لأنها عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن المقيم
(1)
: يمسح يوما وليلة ويمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن لما روى على رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم رواه مسلم وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفين فى غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم رواه الامام أحمد، (انظر مصطلح مسح على الخفين).
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(2)
ما يفيد أن الخف: اذا لبس على وضوء جاز المسح عليه للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، ثم لا يحل له المسح فاذا انقض أحد هذين الأمرين لمن وقت له صلى بذلك المسح ما لم تنقض طهارته، فان انتقضت لم يحل له أن يمسح لكن يخلع ما على رجليه ويتوضأ ولا بد فان أصابة ما يوجب الغسل خلعهما ولا بد ثم مسح كما ذكرنا ان شاء وهكذا أبدا كما وصفنا فقد حدثنا عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال «كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر وضوءه عليه السلام قال المغيرة «ثم أهويت لأنزع الخفين» فقال صلى الله عليه وسلم: دعهما فانى أدخلتهما طاهرتين ومسح عليهما، ولو مسح قبل انقضاء أحد الأمدين بدقيقة كان له أن يصلى به ما لم يحدث
(3)
لأن النهى انما ورد عن المسح بعد مضى المدة بالمسح السابق فلم يبين عنها.
مذهب الزيدية:
للاقامة عندهم أثر فى المسح على الخفين فجعلوا المدة فى الاقامة يوما وليلة وفى السفر ثلاثة أيام ولذلك قالوا لو مسح المسافر يوما وليلة ثم دخل فى الصلاة نوى الاقامة وبطلت صلاته
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أن لا أثر للاقامة عندهم
(5)
بالنسبة للمسح على الخفين لأنهم لا يجيزون المسح على الخفين اطلاقا لا حال الاقامة ولا حال السفر الا للضرورة أو للتقية.
مذهب الإباضية:
لا أثر للاقامة عندهم
(6)
بالنسبة للمسح على الخفين لانهم لا يجيزون المسح على الخفين لا فى حال الاقامة ولا فى حال السفر لعدم صحة الأحاديث الواردة فيه عندهم.
أثر الاقامة بالنسبة للصلاة:
للاقامة أثر
(7)
بالنسبة للصلاة اذا يجب على المقيم أن يوديها تامة لا قصر فيها وقد عرف ذلك بفعل
(1)
المغنى لابن قدامه المقدسى ومعه الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين ابى الفرج بن احمد بن قدامه المقدسى ج 1 ص 293، ص 294 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 2 ص 80، ص 81 مسألة رقم 212 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 95 مسألة رقم 213 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الزخار ج 1 ص 68، ص 69 الطبعة السابقة.
(5)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 27 الطبعة السابقة.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيس ج 1 ص 50 الطبعة السابقة.
(7)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 91 الطبعة السابقة وما بعدها للحنفية وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 1 ص 358 الطبعة السابقة وبداية المجتهد ج 1 ص 131 الطبعة السابقة وللشافعية المهذب لابى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 101 الطبعة السابقة وللحنابلة كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 324 الطبعة السابقة وللظاهرية المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 265 الطبعة السابقة وللزيدية شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 361 الطبعة السابقة وللامامية الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 115 الطبعة السابقة وللإباضية شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيس ج 1 ص 566 الطبعة السابقة
النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال: صلوا كما رأيتمونى أصلى، فاذا انتقل انسان من حال الاقامة الى حال السفر وصارت الصلاة الرباعية ركعتين فى حقه عند الحنفية لان قصر الصلاة عندهم فى السفر لما ورد فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها فرضت الصلاة ركعتين الا المغرب فانها وتر فأقرت صلاة السفر وزيدت صلاة الحضر وما أخرجه مسلم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: ان الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعا وغير الحنفية خالفهم فى حكم قصر الصلاة. فقالوا ان القصر سنة (انظر مصطلح قصر الصلاة)
حكم نية المسافر الاقامة فى أثناء الصلاة:
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع
(1)
الصنائع: اذا نوى المسافر الاقامة فى الصلاة فانه يصير مقيما بتلك النية فى الصلاة فيتغير فرضه من القصر الى الاتمام سواء نوى الاقامة فى أول الصلاة أو فى وسطها أو فى آخرها بعد أن كان شئ من الوقت باقيا وان قل وسواء كان المصلى منفردا أو مقتديا مسبوقا أم مدركا الا اذا أحدث المدرك أو تام خلف الامام فتوضأ أو انتبه بعد ما فرغ الامام من الصلاة ونوى الاقامة فانه لا يتغير فرضه عند الامام وصاحبيه خلافا لزفر وانما كان كذلك لأن نية الاقامة نية الاستقرار والصلاة لا تنافى نية الاستقرار فتصح نية الاقامة فيها فاذا كان الوقت باقيا والفرض لم يؤد بعد كان محتملا للتغيير فيتغير بوجود المغير وهو نية الاقامة واذا خرج الوقت أو أدى الفرض لم يبق محتملا للتغيير فلا يعمل المغير فيه والمدرك الذى نام خلف الامام أو أحدث وذهب للوضوء كأنه خلف الامام ألا ترى أنه لا يقرأ ولا يسجد للسهو فاذا فرغ الامام فقد استحكم الفرض ولم يبق محتملا للتغيير فى حقه فكذا فى حق اللاحق بخلاف المسبوق وعلى ذلك فاذا صلى المسافر ركعة ثم نوى الاقامة فى الوقت تغير فرضه لما ذكرنا من أن الفرض فى الوقت قابل للتغيير وكذا لو نوى الاقامة بعد ما صلى ركعة ثم خرج الوقت فلا يتغير الفرض بالنسبة له ولو خرج الوقت وهو فى الصلاة ثم نوى الاقامة لا يتغير فرضه لأن فرض السفر قد تقرر عليه بخروج الوقت فلا يحتمل التغيير بعد ذلك ولو صلى الظهر ركعتين وقعد قدر التشهد ولم يسلم ثم نوى الاقامة تغير فرضه وان نوى الاقامة بعد ما قعد قدر التشهد وقام الى الثالثة فان لم يقيد الركعة بالسجدة تغير فرضه لأنه لم يخرج عن المكتوبة بعد الا أنه يعيد القيام والركوع لأن ذلك نفل فلا ينوب عن الفرض وهو بالخيار فى الشفع الأخير ان شاء قرأ وان شاء سبح وان شاء سكت فى ظاهر الرواية، وان قيد الثالثة بالسجدة ثم نوى الاقامة لا يتغير فرضه لأن الفرض قد استحكم بخروجه منه فلا يحتمل التغيير ولكنه يضيف إليها ركعة اخرى لتكون الركعتان له تطوعا لأن التقرب الى الله تعالى بالبتراء جائز .. ولو أفسد تلك الركعة ففرضه تام وليس عليه قضاء الشفع الثانى عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر هذا اذا قعد على راس الركعتين قدر التشهد فأما اذا لم يقعد ونوى الاقامة وقام الى الثالثة تغير فرضه ثم ينظر؟ ان لم يقم صلبه عاد إلى القعدة وان أقام صلبه لا يعود كالمقيم اذا قام من الثالثة الى الرابعة وهو فى القراءة فى الشفع الأخير بالخيار.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج
(2)
والإكليل نقلا عن المدونة أن مالكا رحمه الله تعالى قال اذا صلى المسافر ركعة ثم نوى الاقامة فى أثناء الصلاة شفعها وسلم وكانت له نافلة وابتدأ صلاة مقيم قال ابن القاسم وان كان اماما قدم غيره وخرج وأنشأ هو الصلاة معهم قال مالك ومن نوى الاقامة بعد تمام الصلاة لم أر الاعادة عليه واجبة وأحب الى أن يعيد وفى التفريع لا يجب عليه اعادتها فى وقت ولا بعده وقد قيل يعيد فى الوقت
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 99 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل للمواق ج 2 ص 150 الطبعة السابقة.
صلاة مقيم استحبابا قال ابن المواز ان أحرم المسافر بالعصر عند غروب الشمس فبعد ركعة نوى الاقامة ان كان ركع قبل غروب الشمس صيرها نافلة وابتدأ صلاة مقيم وان ابتدأها بعد غروب الشمس لم تضره نية الاقامة.
مذهب الشافعية:
يقول الشافعية فى مغنى المحتاج
(1)
: أن المسافر لو نوى وهو فى الصلاة الاقامة القاطعة للترخص أو شك هل نواها أولا أتم، ولو شك فى أنه نوى القصر أم لا؟ أتم.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(2)
: لو عزم المسافر فى صلاته على ما يلزمه به الاتمام من الاقامة لزمه أن يتم تغليبا له لكونه الأصل ولو نوى القصر حيث يحرم وهو يعلم أنه لا يباح له القصر كمن نوى القصر خلف مقيم عالما بأن امامه مقيم وأنه لا يباح له القصر لا تنعقد صلاته.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(3)
: أنه من ابتدأ صلاة وهو مسافر فنوى فيها الاقامة فهو مقيم بعد لا مسافر.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(4)
: أنه لو عرض للمسافر العزم على الاقامة بعد دخوله فى الصلاة وقد نوى القصر فانه يتمها أربعا ويبنى على ما قد فعل وقيل بل يستأنفها بنية التمام.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(5)
: من دخل فى صلاة بنية القصر ثم عن له الاقامة أتم.
ثانيا: أثر الاقامة فى الاقتداء:
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(6)
: أنه يصح اقتداء المسافر بالمقيم فى الوقت وينقلب فرض المسافر أربعا عند عامة العلماء لأنه لما اقتدى به صار تبعا له لان متابعته واجبة عليه لقول النبى صلى الله عليه وسلم:
إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا
(8)
عليه، وأداء الصلاة فى الوقت مما يحتمل التغيير وهو التبعية فيتغير فرضه أربعا فصارت صلاة المقتدى مثل صلاة الامام فصح اقتداؤه به.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى
(7)
عليه: أنه يجوز اقتداء المسافر بالمقيم مع الكراهة ويلزمه الاتمام ولو نوى القصر لمتابعة الامام وهذا اذا أدرك معه ركعة واختلف فى الاعادة فمخالفة سنة القصر.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(8)
: أنه لو اقتدى مقصر بمتم لزمه الاتمام لخبر الامام أحمد إسناد صحيح عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما سئل ما بال المسافر يصلى ركعتين اذا انفرد وأربعا اذا أئتم بمقيم؟ قال:
تلك السنة
مذهب الحنابلة:
الحنابلة مثل الشافعية
(9)
فى انه لو اقتدى مقصر بمقيم لزمه الاتمام مستدلين بحديث ابن عباس السابق
(10)
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 1 ص 267، ص 268 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 1 ص 329 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 30 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الأزهار ج 1 ص 364 الطبعة السابقة.
(5)
شرائع الإسلام ج 1 ص 76 الطبعة السابقة.
(6)
بدائع الصنائع ج 1 ص 93 الى ص 101 الطبعة السابقة.
(7)
ورد فى البخارى ومسلم وغيرهما.
(8)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 1 ص 365، ص 366 الطبعة السابقة.
(9)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 1 ص 266، ص 267 الطبعة السابقة.
(10)
كشاف القناع ج 1 ص 328 الطبعة السابقة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
: ما يفيد أنه لا أثر للاقامة فى اقتداء المسافر بالمقيم فلا يتم المأموم المسافر بالمقيم وإن صلى مقيم بصلاة مسافر أتم ولا بد وذلك لأن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال لداود بن أبى عاصم وهم فى سفر صل ركعتين ان شئت أودع قال ابن حزم: وهذا بيان جلى بأمر ابن عمر أن المسافر يصلى خلف المقيم ركعتين فقط.
مذهب الزيدية:
لا أثر للاقامة فى اقتداء
(2)
المسافر بالمقيم فلا يتم المأموم المسافر بالقيم وان اختلفوا فى أنه هو يصح أن يصلى المسافر خلف المقيم فى الركعتين الأوليين من الرباعية (انظر تفصيل ذلك فى موضعه).
مذهب الإمامية:
لا أثر للاقامة فى أقتداء المسافر بالمقيم فلا يتم المأموم المسافر بالمقيم
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(4)
: أنه اذا صلى المسافر خلف المقيم أتم لان فرضه أصبح أربعا.
أثر الاقامة فى صلاة الفائتة
قضاء فائتة الحضر فى السفر وعكسه:
مذهب الحنفية:
لا أثر للاقامة فى قضاء فائتة السفر فتقضى الرباعية ركعتين
(5)
.
مذهب المالكية:
كمذهب الحنفية
(6)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(7)
: أنه اذا فاتته صلاة فى السفر قضاها فى الحضر ففيه قولان: قال فى القديم: له أن يقصر لانها صلاة سفر فكان قضاؤها كأدائها فى العدد كما لو فائته فى الحضر فقضاها فى السفر وقال فى الجديد لا يجوز له القصر وهو الأصح لأنه تخفيف تعلق بعذر فزال بزوال العذر.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(8)
: أنه اذا نسى صلاة حضر فذكرها فى السفر أو نسى صلاة سفر فذكرها فى الحضر، صلى فى الحالتين صلاة حضر، نص عليه أحمد فى رواية أبى داود والاثرم لان القصر رخصة من رخص السفر فيبطل بزواله.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(9)
: أن من ذكر وهو فى سفر صلاة نسيها أو نام عنها فى اقامة صلاها ركعتين ولا بد، فان ذكر فى الحضر صلاة نسيها فى سفر صلاها أربعا ولا بد لأن النبى صلى الله عليه وسلم جعل وقت الصلاة وقت أدائها لا الوقت الذى نسيها فيه أو نام عنها فكل صلاة تؤدى فى سفر فهى صلاة سفر وكل صلاة تؤدى فى حضر فهى صلاة حضر ولا بد.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(10)
: أنه يقضى الفائت كما فات فان فات وكان قصرا قضاه قصرا ولو كان فى
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 31، ص 32 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ص 283، ص 284 الطبعة السابقة.
(3)
المختصر النافع ج ص 76 الطبعة السابقة والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 118 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 599 الطبعة السابقة.
(5)
فتح القدير ج 1 ص 405 الطبعة السابقة.
(6)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 2 ص 126، ص 127 الطبعة السابقة
(7)
المهذب ج 1 ص 103، ص 104 الطبعة السابقة.
(8)
المغنى لابن قدامة المقدسى مع الشرح الكبير ج 2 ص 126، ص 127 الطبعة السابقة.
(9)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 30 الطبعة السابقة.
(10)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن.
مفتاح ج 1 ص 338 الطبعة السابقة.
حال قضائه مقيما ولو فاتت عليه صلاة رباعية فى حال اقامة وأراد أن يقضيها فى السفر قضاها تماما.
مذهب الإمامية:
جاء فى المختصر النافع
(1)
: أن الاعتبار فى القضاء بحال فوات الصلاة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: أن من نسى صلاة سفرية أو نام عنها فلم ينتبه الا فى الحضر صلاها حضرية ولو فى الوقت وصلاها سفرية فى عكسها لقول النبى صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها اذا ذكرها فذلك وقتها واختلف فى وقت تذكرها وقت وجوب أدائها؟ ورجح أو وقت قضائها؟ خلاف.
أثر الاقامة فى الجمعة والعيدين:
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(3)
: أن الاقامة شرط فى وجوب صلاة الجمعة فلا تجب الجمعة على المسافرين لأن المسافر يحتاج الى دخول المصر وانتظار الامام والقوم فيتخلف عن القافلة فيلحقه الحرج والدليل أنه لا جمعة على المسافر ما روى عن جابر رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعلية الجمعة الا مسافرا أو مملوكا أو صبيا أو امرأة أو مريضا، وجاء فى الدر المختار
(4)
: أنه لو قدم مسافر يوم الجمعة على عزم أن لا يخرج يومها ولم ينو الاقامة نصف شهر فلا تلزمه الجمعة وللجمعة أحكام وشرائط وتفاصيل تنظر فى مواضعها، وجاء فى بدائع الصنائع
(5)
: أن الاقامة شرط من شرائط وجوب صلاة العيدين فلا تجب على المسافر.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير
(6)
:
أنه يشترط لصحة الجمعة الاستيطان ببلد وهو العزم على الاقامة بنية التأييد فى اخصاص - جمع خص وهو البيت من قصب ونحوه.
مذهب الشافعية:
المسافرون لا تنعقد بهم الجمعة لانها لا تجب عليهم
(7)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(8)
: ما يفيد أن الاقامة شرط فى وجوب الجمعة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(9)
أن الاقامة ليست شرطا فى وجوب صلاة الجمعة.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(10)
: أن الجمعة تجب على نازل واقف مقدار الوضوء والصلاة والخطبة وهذا حيث ثمة مقيم قدر نصابها اذ لو كانوا مسافرين معا كانت رخصة فى حقهم.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(11)
: أن المسافر اذا نوى الاقامة فى بلد عشرة أيام فصاعدا وجبت عليه
(1)
المختصر النافع ص 76 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 597، ص 598 الطبعة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 1 ص 258 الطبعة السابقة.
(4)
الدر المختار وشارحه على حاشية ابن عابدين ج 1 ص 771 الطبعة السابقة.
(5)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 275 الطبعة السابقة.
(6)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 373 الطبعة السابقة.
(7)
المهذب ج 1 ص 110 الطبعة السابقة.
(8)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 2 ص 173 الطبعة السابقة.
(9)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 49 مسألة رقم 523 الطبعة السابقة.
(10)
شرح الازهار وهامشه ج 1 ص 343، ص 344 الطبعة السابقة.
(11)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 60 الطبعة السابقة.
الجمعة وكذا اذا لم ينو الاقامة ومضى عليه ثلاثون يوما فى مصر واحد.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: أن الاقامة شرط فى فرض صلاة الجمعة على كل حر بالغ ذكر مقيم وقيل يجب على من فى الفرسخين وقيل فى أربعة أميال وقيل ثلاثة
أثر الاقامة فى الصوم:
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(2)
: ما يفيد أن الاقامة شرط فى وجوب أداء صوم رمضان فلا يجوز له الفطر.
مذهب المالكية:
كمذهب الحنفية
(3)
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(4)
: أن الاقامة من شروط وجوب الصوم فى رمضان.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(5)
: ما يفيد أن الاقامة من شروط وجوب الصوم فى رمضان.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(6)
: أن من أقام قبل الفجر ولم يسافر الى بعد غروب الشمس فى سفر فعليه اذا نوى الاقامة المذكورة أن ينوى الصوم ولا بد سواء كان فى جهاد أو عمرة أو غير ذلك لانه انما الزم الفطر اذا كان على سفر وهذا مقيم فان أفطر عامدا فقد أخطأ ان كان جاهلا متأولا وعصى ان كان عالما ولا قضاء عليه لأنه مقيم صحيح ظن أنه مسافر فان نوى من الليل وهو فى سفره أن يرحل غدا فلم ينو الصوم فلما كان من الغد حدثت له اقامة فهو مفطر لأنه مأمور بما فعل وهو على سفر ما لم ينو الاقامة المذكورة. ثم قال
(7)
: واذا كان الأسير فى دار الحرب مقيما وعرف رمضان لزمه صيامه لأنه مخاطب بصومه فى القرآن وذلك لقول الله تعالى «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ}
(8)
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(9)
وهامشه: أن الاقامة من شروط وجوب الصوم فى شهر رمضان.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(10)
ان من شروط الصوم الاقامة أو حكمها فلا يجب على المسافر ولا يصح منه بل يلزمه القضاء ولو صام لم يجزه مع العلم ويجزيه مع الجهل.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(11)
: عن أبو عبيدة السلمانى وسويد بن علقمة وأبو مخلد أن من دخل عليه رمضان وصام بعضه لا يجوز له أن يفطر ان سافر والصحيح جوازه ولكن المستحب أن يصوم كما نص عليه الشيخ يحيى.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 501 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 83 الطبعة السابقة.
(3)
التاج والاكليل للمواق ج 2 ص 443 الطبعة السابقة.
(4)
المهذب لاحكام المذهب ج 1 ص 177، 178 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 508 الطبعة السابقة.
(6)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 6 ص 259 مسألة رقم 763 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 6 ص 261 مسألة رقم 769.
(8)
الآية رقم 185 من سورة البقرة.
(9)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2 ص 3 الطبعة السابقة.
(10)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 104 الطبعة السابقة.
(11)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيس ج 2 ص 204، 203 الطبعة السابقة.
أثر الاقامة فى الحج والعمرة:
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(1)
: أن طواف الصدر لا يجب على المقيم فى مكة لأن من شرائط وجوب طواف الصدر أن يكون الحاج من أهل الافاق فليس على أهل مكة ولا من كان منزله داخل المواقيت الى مكة طواف الصدر اذا حجوا لأن هذا الطواف انما وجب توديعا للبيت ولهذا يسمى طواف الوداع ويسمى طواف الصدر لوجوده، عند صدور الحجاج ورجوعهم الى وطنهم، وقال:
أبو يوسف: أحب الى أن يطوف المكى طواف الصدر لأنه وضع لختم أفعال الحج وهذا المعنى يوجد فى أهل مكة، ولو نوى الآفاقى الاقامة بمكة أبدا بأن توطن بها واتخذها دارا فهذا لا يخلو من أحد وجهين.
اما أن ينوى الاقامة بها قبل أن يحل النفر الأول.
واما أن ينوى الاقامة بها بعد ما حل النفر الأول فان نوى الاقامة بها قبل أن يحل النفر الأولم سقط عنه طواف الصدر أى لا يجب عليه بالإجماع، وإن نوى الإقامة بها بعد ما حل النفر الأول لم يسقط عنه وعليه طواف الصدر فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف يسقط عنه الطواف الا اذا كان شرع فيه لأنه لما نوى الاقامة صار كواحد من أهل مكة وليس على أهل مكة طواف الصدر الا اذا شرع فيه لأنه وجب عليه بالشروع.
ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله أنه اذا حل له النفر فقد وجب عليه الطواف لدخول وقته الا أنه مرتب على طواف الزيارة كالوتر مع العشاء فنية الاقامة بعد ذلك لا تعمل كما اذا نوى الاقامة بعد خروج وقت الصلاة وجاء فى موضع آخر
(2)
، ليس لأهل مكة ولا لمن هو بمكة داخل المواقيت التى بينها وبين مكة قران ولا تمتع وذلك لقول الله تعالى «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ 3 حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» فقد جعل التمتع لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام على الخصوص لأن اللام للاختصاص ثم حاضروا المسجد الحرام هم أهل مكة وأهل الحل الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة لأن الذين هم داخل المواقيت الخمسة منازلهم من توابع مكة بدليل أنه يحل لهم أن يدخلوا مكة لحاجة بغير احرام فكانوا فى حكم حاضرى المسجد الحرام وروى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال: ليس لأهل مكة تمتع ولا قران ولأن دخول العمرة فى أشهر الحج ثبت رخصة لقول الله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ}
(4)
» قبل فى بعض وجوه التأويل أى للحج أشهر معلومات واللام للاختصاص فيقتضى اختصاص هذه الاشهر بالحج وذلك بأن لا يدخل فيها غيره الا أن العمرة دخلت فيها رخصة للافاقى ضرورة تعذر انشاء السفر للعمرة نظرا له باسقاط أحد السفرين وهذا المعنى لا يوجد فى حق أهل مكة ومن بمعناهم فلم تكن العمرة مشروعة فى أشهر الحج فى حقهم وكذا روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أيضا انه قال: كنا نعد العمرة فى أشهر الحج من أكبر الكبائر ثم رخص والثابت بطريق الرخصة يكون ثابتا بطريق الضرورة والضرورة فى حق أهل الآفاق لا فى حق أهل مكة فبقيت العمرة فى أشهر الحج فى حقهم معصية ولأن من شرط التمتع أن تحصل العمرة والحج للتمتع فى أشهر الحج من غير أن يلم بأهله فيما بينهما وهذا لا يتحقق فى حق المكى لأنه يلم بأهله فيما بينهما لا محالة فلم يوجد شرط التمتع فى حقه.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل للمواق
(5)
: أنه المقيم بمكة سواء أكان متوطنا بها أم لا سواء أكانت الاقامة
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 142 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 169 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 196 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 197 من سورة البقرة.
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 29، 30 الطبعة السابقة والحطاب على خليل ج 3 ص 55، ص 56 الطبعة السابقة.
تقطع حكم السفر أم لا يتعين عليه الاحرام من مكة إذا أراد الحج - لا القران ولا العمرة - ولا يجوز له الاحرام من غيرها وقيل يجوز له الاحرام من غيرها كما صرح به ابن الحاجب وغيره ولو خرج المقيم الى الحل جاز له الاحرام من الحل على الأشهر وفى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: ان الاحرام من مكة للمقيم بها هو الأولى لمن ليس له سعة من الوقت للخروج أما من عنده سعة من الوقت فالأولى له أن يخرج لميقاته ليحرم منه. ومن يريد الاحرام بالعمرة أو القران فيتعين عليه الخروج الى الحل لأن الشرط أن يجمع بين الحل والحرم. والمقيم بمكة إقامة استيطان بنية عدم الانتقال لادم عليه فى إحرامه بقران أو تمتع ومن كان له أهل فى مكة وأهل فى غيرها ثم تمتع فإنه يستحب له أن يهدى، قبل الاستحباب مطلقا وهو الأحوط عند الامام مالك وأبى اسحاق التونسى ولو كانت إقامته بأحدهما أكثر، وقيل اذا أقام بمكة أكثر فهو مكى ولادم عليه وإن أقام بمكة أقل فهو غير مكى وعليه دم والخارج من مكة إذا قصد التردد لها فليس عليه طواف الوداع
(1)
مطلقا وصل للميقات أم لا وإن قصد مسكنه أو الاقامة طويلا فعليه طواف الوداع مطلقا وإن خرج لاقتضاء دين أو زيارة أهل نظر فإن خرج لنحو أحد المواقيت طاف طواف الوداع وان خرج لدونها كالتنعيم فليس عليه طواف الوداع
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(3)
: أن المتمتع اذا كان من حاضرى المسجد الحرام فلا دم عليه لقول الله تعالى «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» وحاضر المسجد الحرام أهل الحرم ومن بينه وبينه مسافة لا تقصر فيها الصلاة لأن الحاضر فى اللغة هو القريب ولا يكون قريبا إلا فى مسافة لا تقصر فيها الصلاة. واذا فرغ
(4)
من الحج فأراد المقام لم يكلف طواف الوداع فإن أراد الخروج طاف الوداع وصلى ركعتى الطواف للوداع وإن طاف للوداع ثم أقام لم يعتد بعد طوافه عن الوداع لأنه توديع مع المقام فاذا أراد أن يخرج أعاد طواف الوداع وإن طاف ثم صلى فى طريقه أو اشترى زادا لم يعد الطواف لأنه لا يصير مقيما.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(5)
: أنه يجب على المتمتع دم إجماعا لقول الله تبارك وتعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»
(6)
الاية إذا لم يكن المتمتع من حاضرى المسجد الحرام لقول الله تبارك وتعالى «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ»
(7)
أهل مكة وأهل الحرم ومن كان منه أى من الحرم لا من نفس مكة دون مسافة القصر لأن حاضرى الشئ من حل فيه أو قرب منه وجاوره بدليل رخص السفر فمن له منزلان متأهل بهما أحدهما دون مسافر القصر من الحرم والآخر فوقها أو مثلها لم يلزمه دم التمتع ولو كان احرامه من المنزل البعيد أو كان أكثر اقامته فى البعيد أو كان أكثر إقامة ماله فيه أى البعيد لأن بعض أهله من حاضرى المسجد الحرام فلم يوجد الشرط وإن استوطن مكة من آفاقى فحاضر لازم عليه لعموم الآية فإن دخل مكة متمتعا ناويا الاقامة بها بعد فراغ نسكه أو نوى الاقامة بعد فراغه من النسك أو استوطن مكى بلدا بعيدا ثم عاد إلى مكة مقيما متمتعا لزمه دم التمتع لأنه حال الشروع فى النسك لم يكن من حاضرى المسجد الحرام وجاء فى الاقناع
(8)
: أنه إذا أراد الحاج أن يخرج لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف
(1)
التاج والاكليل للمواق على هامش مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 3 ص 57. ص 58 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 53 الطبعة السابقة.
(3)
شرح المهذب لاحكام المذهب وهامشه ج 1 ص 20 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 234 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 567، ص 568 والاقناع ج 1 ص 351 الطبعة السابقة.
(6)
الآية رقم 196 من سورة البقرة.
(7)
الآية رقم 196 من سورة البقرة.
(8)
الاقناع ج 1 ص 394، ص 395 الطبعة السابقة وكشاف القناع ج 1 ص 624، ص 625 الطبعة السابقة.
إذا فرغ من جميع أموره إن لم يقم بمكة أو بحرمها ومن كان خارجه فعليه الوداع وهو على كل خارج من مكة فإن ودع ثم اشتغل بغير شد رحل أو اتجر أو أقام أعاد الوداع لا أن اشترى حاجة فى طريقه أو صلى فإن خرج قبله فعليه الرجوع اليه لفعله إن كان قريبا ولم يخف على نفسه أو ماله أو فوات رفقته أو غير ذلك ولا شئ عليه اذا رجع فإن لم يمكنه الرجوع أو أمكنه ولم يرجع أو بعد مسافة قصر فعليه دم رجع أولا وسواء تركه عمدا أو خطأ أو نسيانا ومتى رجع من القرب لم يلزم احرام ويلزمه مع البعد الاحرام بعمرة يأتى بها ثم يطوف للوداع وجاء فى كشاف القناع
(1)
: أنه يرجع من أفاض الى مكة بعد الطواف والسعى الى منى فيبيت بها ثلاث ليال ويصلى بها ظهر يوم النحر ويرمى الجمرات بها فى أيام التشريق كل يوم بعد الزوال الا الشقاة والرعاة فلهم الرمى ليلا ونهارا ولو فى يوم واحد أو فى ليلة واحدة من أيام التشريق وان رمى غيرهم قبل الزوال لم يجزئه فيعيده.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(2)
: أن المتمتع إن كان من غير أهل مكة والحرم ولم يكن أهله معه قاطنين هنالك ففرض عليه أن يهدى هديا ولا بد فإن لم يقدر على هدى ففرضه أن يصوم ثلاثة أيام ما بين أن يحرم بالحج إلى أول يوم من النحر فإن فاته ذلك فليؤخر طواف الأفاضة وهو الطواف الذى ذكرنا يوم النحر - إلى أن تقضى أيام التشريق ثم يصوم الثلاثة ايام ثم يطوف بعد تمام صيامهن طواف الافاضة ثم يصوم سبعة أيام إذا رجع عن عمل الحج كله ولم يبق منه شئ، فان كان أهله بمكة لم يلزمه إن كان متمتعا هدى، ولا صيام وهو محسن فى كل ذلك، والمتمتع هو من اعتمر ممن ليس أهله من سكان الحرم ثم حج من عامه سواء رجع إلى بلده أو إلى الميقات أو لم يرجع، ومن كان له أهل حاضروا
(3)
المسجد الحرام وأهل غير حاضرين فلا هدى عليه ولا صوم لان أهله حاضروا المسجد الحرام فمن حج بأهله فتمتع، فإن أقام بأهله بمكة عشرين يوما فأقل فليس ممن أهله حاضروا المسجد الحرام فإن بقى أكثر من عشرين يوما منذ دخل مكة إلى أن يهل بالحج فهو ممن أهله حاضروا المسجد الحرام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة وإن كان مكى لا أهل له أصلا وله أهل فى غير الحرم فتمتع فعليه هدى أو صوم لأنه ليس ممن أهله حاضروا المسجد الحرام، والأهل هم العيال خاصة هاهنا لأن كل من حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش فإن أهلهم كانوا بمكة يعنى أقاربهم فلم يسقط هذا عنهم حكم الهدى أو الصوم الذى على المتمتع، وعلى الحاج أن يرجع
(4)
إلى منى فيقيمون بها ثلاثة أيام بعد يوم النحر يرمون كل يوم بعد زوال الشمس الجمرات الثلاث بسبع حصيات سبع حصيات سبع حصيات يبدأ بالقصوى ثم بالتى تليها ثم جمرة العقبة التى رمى يوم النحر يقف عند الأولتين للدعاء ولا يقف عند جمرة العقبة ومن أراد أن
(5)
يخرج عن مكة فليجعل آخر عمل يعمله أن يطوف بالبيت سبعا، ثم يخرج أثر تمامه موصولا به ولا بد فإن تركه لامر ما اعاد الطواف إذا أراد الخروج عن مكة فإن خرج ولم يطف ففرض عليه الرجوع ولا بد ولو من أقصى الدنيا حتى يجعل آخر عمله الطواف بالبيت.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(6)
: أنه يشترط فى المتمتع أن لا يكون من أهل مكة ولا من أهل المواقيت
(1)
كشاف القناع ج 1 ص 622، ص 623، ص 624 الطبعة السابقة والاقناع ج 1 ص 392، ص 393، ص 394 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 119 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 149 مسألة رقم 836 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 118، ص 119 مسألة رقم 835 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 119 الطبعة السابقة.
(6)
شرح الازهار ج 2 ص 140، ص 141 الطبعة السابقة.
ولا ممن داره بين الميقات ومكة لقول الله تعالى «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ 1 أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» فلا يصح التمتع من هؤلاء على أصل يحيى عليه السلام، فلو خرج المكى الى خارج الميقات فعن أبى على أنه يصح منه التمتع على مذهب يحيى عليه السلام.
وقال المنصور بالله وابن معرف لا يصح فلو كان للمكى وطن آخر خارج الميقات فعلى قول أبى على يصح تمتعه إذا أتى من خارج الميقات ومن أقام أياما بمكة بعد أن
(2)
طاف طواف الوداع وجب عليه أن يعيده وذلك لأنه قد بطل وداعه باقامته قال المهدى عليه السلام وظاهر كلام أبو طالب وغيره أنه لا يبطل باقامته يوما أو يومين لأنه قال أياما وأقل الجمع ثلاثة.
وقال المنصور بالله أن له بقية يومه فقط لأن الوداع ليوم الصدر وهو يوم العزم على السفر.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة
(3)
الوثقى: أن من كان له وطنا أحدهما فى الحد والآخر فى خارجه لزمه فرض أغلبهما لصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السلام من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة ولا متعة له فقلت لأبى جعفر عليه السلام أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة فقال عليه السلام فلينظر أيهما الغالب فإن تساويا كان مستطيعا من كل منهما تخير بين الوظيفتين وإن كان الأفضل اختيار التمتع وإن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة.
واذا صار
(4)
الآفاقى مقيما فى مكة فان كان ذلك بعد استطاعته ووجوب التمتع عليه فلا إشكال فى بقاء حكمه سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة ولو بأزيد من سنتين وأما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته فى مكة فلا إشكال فى انقلاب فرضه إلى فرض المكى فى الجملة كما لا اشكال فى عدم الانقلاب بمجرد الاقامة - وإنما الكلام فى الحد الذى به يتحقق الانقلاب فالأقوى ما هو المشهور من أنه بعد الدخول فى السنة الثالثة لصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السلام من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة ولا متعة له أو صحيحة عمر بن زيد عن الصادق عليه السلام «المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطنا وليس له أن يتمتع، وقيل بأنه بعد الدخول فى الثانية لجملة الاخبار وهو ضعيف. والظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما اذا كانت الاقامة بقصد المجاورة فلو كانت بقصد التوطن فينقلب بعد قصده من الأول فما يظهر من بعضهم من كونها أعم لا وجه له كصحيح حفص بن البحترى عن أبى عبد الله عليه السلام «فى المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع إلى مكة بأى شئ يدخل» قال عليه السلام ان كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع وان كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع وصحيح محمد بن مسلم «من أقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة» وخبر الحسين بن عثمان وغيره عمن ذكره عن ابى عبد الله عليه السلام قال «ومن أقام بمكة خمسة أشهر فليس له أن يتمتع» .
وأما المكى اذا خرج الى سائر الأمصار مقيما بها فلا يلحقه حكمها فى تعين التمتع عليه لعدم الدليل وبطلان القياس إلا اذا كانت الاقامة فيها بقصد التوطن وحصلت الاستطاعة بعده فانه يتعين عليه التمتع بمقتضى القاعدة ولو فى السنة الأولى وأما إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة فى
(1)
الاية رقم 196 من سورة البقرة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 2 ص 132 الطبعة السابقة.
(3)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى وعليها تعليقات لاشهر مراجع العصر وزعماء الشيعة الإمامية ج 10 ص 465 وما بعدها مسألة رقم 1 طبع مطبعة الكتب الاسلامية للشيخ محمد الاجوندى بطهران الطبعة الثانية سنة 1388 هـ.
(4)
المرجع السابق لمحمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 10 ص 470 وما بعدها الطبعة السابقة مسألة رقم 3 الطبعة السابقة
مكة فلا. وجاء فى موضع آخر
(1)
: أن الحاج إذا بقى فى مكة إلى هلال ذى الحجة وأتى بعمرة مفردة فى أشهر الحج استحب له أن يتمتع بها ويتأكد اذا بقى الى يوم التروية بل روى عن القاضى وجوبه حينئذ ولكن الظاهر تحقق الاجماع على خلافه.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: أن من كان مقيما بمكة يحرم بحج من مكة ويخرج للعمرة إلى الحل من التنعيم وهو على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة أقرب أطراف الحل الى البيت.
وقال الشيخ اسماعيل أن على المقيم بمكة مكيا كان أو أفقيا أن يخرج إلى الحل بخطوة فى ابتداء الاحرام فإن لم يفعل حتى طاف أو سعى لم يعتد بعمرته لأنه لم يجمع بين الحل والحرم وأما الحاج فقد جمع بينهما بوقوف عرفة لأنهما من الحل ولا يجب على
(3)
المقيم بمكة مكيا كان أو أفقيا هدى للتمتع لقول الله تبارك وتعالى «لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ 4 الْحَرامِ» المراد لم يكن هو إلا أن من شأن الانسان أن يكون له أهل كزوج وولد وخديم فجاءت الآية بذلك والأهل من استوطن معه الموضع مطلقا وهذا أيضا على الغالب لأنه لا يكون وحده وحاضر المسجد الحرام من كان فى الحرم.
حكم اقامة المستأمن بأرض المسلمين
وما يترتب على ذلك
مذهب الحنفية:
جاء فى فتح القدير
(5)
شرح الهداية إذا دخل الحربى إلينا مستأمنا لم يمكن أن يقيم فى دارنا سنة ثم يرجع بل يقول له الامام ان أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية وأصل هذا أن الحربى لا يمكن من اقامة دائمة فى دارنا إلا بالاسترقاق أو بالجزية لانه يصير عينا لهم أى جاسوسا لهم وعونا علينا فتلتحق المضرة بالمسلمين ويمكن من الاقامة اليسيرة لأن فى منعها قطع الميرة والجلب (وهو ما يجلب من حيوان وغيره) وسد باب التجارة ففصلنا بين الاقامة الدائمة والاقامة اليسيرة بسنة لانها مدة تجب فيها الجزية فان رجع قبل السنة فلا سبيل عليه وان أقام سنة بعد تقدم الامام إليه أى قوله له ما يعتمده فى ضرب الجزية عليه صار ذميا فلا يمكن بعدها من العود إلى داره لان عقد الذمة لا ينقض إذ فيه قطع الجزية وتصييره وولده حربا علينا وفيه مضرة بالمسلمين ولا يؤخذ منه جزية للسنة التى أقامها إلا إن قال له الامام ان أقمتها أخذت منك الجزية، وهل يشترط تقدم الامام إليه فى منعه من العود إذا أقام سنة صرح بذلك العتابى فقال لو أقام سنين من غير أن يتقدم إليه الامام فله الرجوع ولفظ المبسوط يدل على أن تقدم الامام ليس شرطا لصيرورته ذميا فإنه قال ينبغى للامام أن يتقدم إليه فيأمره إلى أن قال وان لم يقدر له مدة فالمعتبر الحول وليس بلازم لأنه يصدق بقوله ان أقمت طويلا منعتك من العود فان أقام سنة منعه وفى هذا اشتراط التقدم غير أنه لم يوقت له مدة خاصة والوجه أن لا يمنعه حتى يتقدم إليه ولا أن يوقت مدة قليلة كالشهر والشهرين ولا ينبغى أن يلحقه عسر بتقصير المدة جدا
(1)
مستمسك العروة الوثقى لمحمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 10 ص 488 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 2 ص 293، ص 294 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيس ج 2 ص 305، ص 306 طبع مطبعة يوسف البارونى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.
(4)
الاية رقم 196 من سورة البقرة.
(5)
فتح القدير شرح الهداية للامام كمال الدين بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام ج 4 ص 351 وما بعدها فى كتاب على هامش العناية شرح الهداية وحاشية سعد حلبى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر طبعة أولى سنة 1316 هـ.
خصوصا إذا كان له معاملات يحتاج فى اقتضائها إلى مدة مديدة.
وقال فى الهداية
(1)
وللامام أن يؤقت فى ذلك ما دون السنة كالشهر والشهرين فإذا اقامها بعد مقالة الامام يصير ذميا ثم لا يترك أن يرجع إلى دار الحرب لأن عقد الذمة لا ينقض كيف؟ وان فيه قطع الجزية وجعل ولده حربا علينا وفيه مضرة بالمسلمين وقال الامام فاضيخان
(2)
إذا مضت سنة بعد مضى المدة المضروبة كان عليه الخراج لأنه انما يصير ذميا بمجاورة المدة المضروبة فيعتبر الحول بعد ما صار ذميا إلا أن يكون شرط عليه أنه إذا جاوز السنة يأخذ الخراج فحينئذ يأخذ منه وفى فتح القدير
(3)
قال لو مات المستأمن فى دار الاسلام عن مال وورثته فى دار الحرب وقف ماله لورثته فإذا قدموا فلا بد أن يقيموا البينة على ذلك فيأخذوا فان أقاموا بينة من أهل الذمة قبلت استحسانا لانهم لا يمكنهم اقامتها من المسلمين لان أنسابهم فى دار الحرب لا يعرفها المسلمون فصار كشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال فإذا قالوا لا نعلم له وارثا غيرهم دفع إليهم المال وأخذ منهم كفيلا لما يظهر فى المال من ذلك قيل هو قولهما لا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى كما فى المسلمين وقيل بل هو قولهم جميعا ولا يقبل كتاب ملكهم ولو ثبت أنه كتابه وإذا رجع إلى دار الحرب لا يمكن أن يرجع معه بسلاح اشتراه من دار الاسلام بل بالذى دخل به فان باع سيفه أو اشترى به قوسا أو نشابا أو رمحا لا يمكن منه وكذا لو اشترى سيفا أحسن منه فان كان مثل الاول أو دونه مكن منه ومن وجد فى دارنا بلا أمان فهو وما معه فئ، فان قال دخلت بأمان لم يصدق وأخذ ولو قال أنا رسول فان وجد معه كتاب ملكهم بعلامة تعرف بذلك كان آمنا فان الرسول لا يحتاج إلى أمان خاص بل بكونه رسولا يأمن وان لم يعرف فهو زور فيكون هو وما معه فيئا وإذا دخل دار الاسلام بلا أمان فأخذه واحد من المسلمين لا يختص به عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى بل يكون فيئا لجماعة المسلمين وهو رواية بشر عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وظاهر قول أبى يوسف وهو قول محمد يختص به ولو دخل الحرم قبل أن يؤخذ فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يؤخذ ويكون فيئا للمسلمين وعلى قولهما لا يطعم ولا يسقى ولا يؤذى حتى يخرج وان دخل الحربى دارنا بأمان واشترى أرض خراج فإذا وضع عليه الخراج صار ذميا لان خراج الأرض بمنزلة خراج الرأس فإذا التزمه صار ملتزما المقام فى دارنا أما بمجرد الشراء لا يصير ذميا لانه قد يشتريها للتجارة وإذا لزمه خراج الارض فبعد ذلك تلزمه الجزية لسنة مستقبلة لأنه يصير ذميا يلزم الخراج فتعتبر المدة كمن وقت وجوبه قال فى فتح القدير وكذا لو اشترى عشرية فانها تستمر عشرية على قول محمد فانها وظيفة مستمرة وعلى قول أبى حنيفة تصير خراجية فتؤخذ منه جزية سنة مستقبلة من وقت وضع الخراج وتثبت أحكام الذمى فى حقه من منع الخروج إلى دار الحرب وجريان القصاص بينه وبين المسلم وضمان المسلم قيمة خمرة وخنزيره إذا أتلفه ووجوب الدين عليه إذا قتله خطأ ووجوبه كف الاذى عنه فتحرم غيبته كما تحرم غيبة المسلم فضلا عما يفعله السفهاء من صفعة وشتمة فى الاسواق ظلما وعدوانا والمراد بوضع الخراج الزامه به وأخذه منه عن حلول وقته ومنذ باشر السبب وهو زراعتها أو تعطيلها مع التمكن منها إذا كانت فى ملكه بالاجارة وهى فى غير ملك غيره إذا كان خراجا فقاسمه فانه يؤخذ منه لا من المالك فيصيبه ذميا بخلاف ما لو كانت الارض التى استأجرها خراجها على مالكها فانه لا يصير ذميا اذا دخل وقت الأخذ لعدم الاخذ منه وكذا إذا أخذ منه العشر على قول محمد ولا يظن بوضع الامام وتوظيفه أن يقول وظفت على هذه الارض الخراج ونحوه لان الامام قط لا يقول فى كل قطعة أرض كذلك بل الخراج من حين استقر وظيفته للاراضى المعلومة
(1)
الهادية شرح بداية المبتدى فى كتاب مع فتح القدير ج 4 ص 352 الطبعة السابقة.
(2)
العناية شرح الهداية فى كتاب مع فتح القدير ج 4 ص 351 الطبعة السابقة.
(3)
فتح القدير ج 4 ص 351 الطبعة السابقة.
استمر كل من صارت إليه نعم لا يصير ذميا بمجرد شرائها قبل لانه التزمه لأنه غير لازم لجواز أنه اشتراها للتجارة فلا يحكم بالذمة عليه بمجرده حتى يزول هذا الاحتمال باستمرارها فى يده حتى يؤخذ منه الخراج بتعطيلها أو زراعتها وإذا دخلت حربية دارنا بأمان فتزوجت ذميا صارت ذمية لأنها التزمت المقام تبعا للزوج وفى تزوجها مسلما
(1)
أولى وعكسه ما لو دخل حربى فتزوج ذمية لا يصير ذميا كما قال به الائمة الثلاثة فى الحربية أيضا قياسا على الرجل والفرق بأن تزوجه ليس دلالة التزامه المقام فان فى يده طلاقها والمضى عنها بخلافها فحين أقدمت عليه كانت ملتزمة بما يأتى منه ومنه عدم الطلاق ومنعها من الخروج إلى دارها فتصير ذمية فيوضع الخراج على أرضها ونحو ذلك ولو أن حربيا دخل دارنا بأمان ثم عاد إلى دار الحرب وترك وديعة عند مسلم أو ذمى أو دينا فى ذمتهم فقد صار دمه مباحا بالعود لانه أبطل أمانه وما فى دار الاسلام من ماله له مادام حيا وان مات فهو لورثته وكذا إذا قيل من غير أن يظهر على دارهم كما إذا مات فى دار الاسلام لان ماله مشمول بأماننا مادام فى دارنا وبه قال الشافعى وأحمد رحمه الله تعالى فان قيل ينبغى أن يصير فيئا كما اذا أسلم الحربى فى دار الاسلام وله وديعة عند مسلم فى دار الحرب ثم ظهر على دارهم تكون فيئا ولا تكون يد المودع كيده فى دار الاسلام وأجيب بأن ما فى دار الحرب معصوم من وجه لا من كل وجه فان دار الحرب دار اباحة لا عصمة فلا يصير معصوما بالشك بخلاف ما فى دار الاسلام تثبت من كل وجه فينبغى إلى أن يثبت المزيل هو أن يصير نفسه مغنوما وذلك بأن يؤسر أو يظهر على داره فيقتل فحينئذ تصير الوديعة فيئا لعامة المسلمين توضع فى بيت المال لانها فى يده تقديرا فإذا غنم غنمت بخلاف ماله من الوديعة فى دار الحرب عند المسلم لأنها ليست فى يده كذلك بل من وجه كما ذكرنا ثم هذا ظاهر الرواية وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنها يختص بها المودع وأما الدين فيسقط عمن فى ذمته لان ثبوت يده عليه منتف إذا صار ملكا للمديون وانما هى ثابتة باعتبار ثبوت حق المطالبة وقد سقطت باستغنامه فيسقط الدين وجاء فى الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه أن أهل الذمة يمنعون من استيطان مكة والمدينة لانهما من أرض العرب فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع فى أرض العرب دينان والحديث أخرجه
(2)
اسحق ابن راهويه فى مسنده أخبرنا النضر بن شميل حدثنا صالح ابن أبى الاحوص حدثنا الزهرى عن سعيد ابن المسيب عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى مرضه الذى مات فيه لا يجتمع دينان فى جزيرة العرب ورواه عبد الرازق قال أنبأنا معمر عن الزهرى عن سعيد ابن المسبب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع بأرض العرب أو قال بأرض الحجاز دينان ورواه فى الزكاة وزاد فيه فقال عمر لليهود من كان منكم عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليات به وإلا فأنى مجليكم قال فأجلاهم عمر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك فى مرض موته قال الدار قطنى فى علله هذا صحيح ورواه مالك فى الموطأ قال مالك قال ابن شهاب ففحص عمر عن ذلك حتى اتاه اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان فى جزيرة العرب فأجلى يهود خيبر وأجلى يهود نجران وفدك وفى صحيح البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وجزيرة العرب من أقصى عدن إبين إلى ريف العراق فى الطول وأما العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام وقال المنذرى فى مختصره قال مالك جزيرة العرب المدينة نفسها وروى أنها الحجاز واليمن واليمامة وحكى البخارى عن المغيرة قال هى أرض
(1)
فتح القدير للامام كمال الدين بن الهمام ج 4 ص 353 الطبعة السابقة.
(2)
الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 3 ص 379 وما بعدها فى كتاب مع حاشية الامام محمد الشهير بابن عابدين طبع مطبعة دار سعادات بالقاهرة الطبعة الاولى.
مكة والمدينة وفى الدر المختار
(1)
وحاشية ابن عابدين عليه أنه لو دخل الذمى أرض العرب لتجارة ولا يطيل فيمنع من أن يطيل فيها المكث حتى يتخذ فيها مسكنا لأن حالهم فى المقام فى أرض العرب مع التزام الجزية كحالهم فى غيرها بلا جزية وهناك لا يمنعون من التجارة بل من اطالة المقام فكذلك فى أرض العرب وإذا جاز الدخول لتجارة فانهم يمنعون من دخول المسجد الحرام كما ذكر فى السير الكبير لمحمد رحمه الله تعالى
(2)
.
مذهب المالكية:
-
جاء فى الحطاب
(3)
أن لغير المسلمين سكنى غير مكة والمدينة قال ابن عرفة لا يقر كافر ولو بجزية فى جزيرة العرب لاجلاء عمر رضى الله عنه كل كافر قال فى الذخيرة والجزيرة مأخوذ من الجزر وهو القطع ومنه الجزار لقطعه أعضاء الحيوان والجزيرة لإنقطاع المياه عن وسطها إلى أجنابها وجزيرة العرب قد احتف بها بحر القلزوم من جهة المغرب وبحر فارس من جهة المشرق وبحر الهند من جهة الجنوب وقال ابن عرفة وانما قال لا جزيرة لانقطاع ما كان فائضا عليها من ماء البحر قال اللخمى اختلف فى مسمى جزيرة العرب فقال مالك مكة والمدينة واليمن وأرض العرب وقال القرطبى فى سورة براءة وأما جزيرة العرب وهى مكة والمدينة واليمامة واليمن ومخالفيها فقال مالك يخرج من هذه المواضع كل من كان على غير الاسلام ولا يمنعون من التردد بها مسافرين وكذلك قال الشافعى إلا أنه استثنى من ذلك اليمين فيضرب لهم ثلاثة أيام كما ضرب لهم عمر رضى الله تعالى عنه حين أجلاهم ولا يدفنون فيها ويلجئون إلى الحل وقال القرطبى رحمه الله تعالى المحدث فى شرح حديث تمامه فى كتاب بالجهاد من مسلم ومنع مالك رضى الله عنه دخول الكفار جميع المساجد والحرم وهو قول عمر بن عبد العزيز وقتادة والمزنى ولعله يريد بقوله يمنعون دخول الحرم أى الإقامة ومفهوم كلام المصنف أن لهم سكنى غير ذلك من مكة والمدينة واليمن وهو صحيح لكنه بشرط أن يسكن حيث يناله حكمنا ولا يسكن حيث يناله حكمنا ولا يسكن حيث يخشى منه أن ينكث ويؤمر بالإنتقال فإن أبوا قوتلوا قال فى الذخيرة وللذمى أن ينقل جزيته من بلد إلى بلد من بلاد الإسلام قال بعض المحققين إذا أسلم أهل جهة وخفنا عليهم الإرتداد إذا فقد الجيش فإنهم يؤخذون بالإنتقال قاله ابن عبد السّلام وظاهر كلام المصنف ان حكم العبيد حكم الأحرار فى عدم السكنى فى جزيرة العرب وهو قول عيسى خلاف قول ابن سيرين رضى الله تعالى عنه قاله فى التوضيح ولهم الأجتياز قاله ابن عرفة وضرب لهم عمر ثلاثة أيام يستوفون وينظرون فى حوائجهم وفى. التاج والإكليل قال الباجى لا يمنعون منها مسافرين لدخولهم إياها بجلبهم الطعام من الشام إلى المدينة.
وفى الحطاب
(4)
قال فى الجواهر فلو أقرهم من غير جزية أخطأ ويخيرون بين الجزية والرد إلى المأمن.
وجاء فى الدسوقى
(5)
على الشرح الكبير أن لهم سكنى غير مكة والمدينة واليمن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقين دينان بجزيرة العرب ولهم الإجتياز بجزيرة العرب غير مقيمين بها وكذا لهم إقامة ثلاثة أيام لمصالحهم ان دخلوا لمصلحة كجلب طعام وللإمام أن يأذن للكافر أن يسكن فى غير جزيرة العرب على ما يبذلونه له بل فى الحقيقة نفس المال المضروب عليهم لإستقرارهم تحت حكم الإسلام وصونهم والجزية للعنوى أربعة دنانير شرعية ان كان من أهل الذهب وأربعون درهما شرعيا ان كانوا من أهل الفضة وأهل مصر أهل
(1)
الدر المختار مع رد المختار فى كتاب ج 3 ص 379، ص 380 الطبعة السابقة.
(2)
فتح القدير ج 4 ص 379 الطبعة السابقة.
(3)
من كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل تأليف امام المالكية ابى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المكى المولد خلفة المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل المختصر خليل لعلم الاعلام ابى عبد الله سيدى محمد بن يوسف.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 381، 382 نفس الطبعة السابقة.
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لشمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لابى البركات سيدى احمد الدرديرى بهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 2 ص 201، 202 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه نفس الطبعة السابقة.
ذهب وان تعومل فيها بالفضة فى كل سنة قمرية والظاهر عند ابن رشد أخذها آخرها أى السنة كما نص الشافعى وهو القياس كالزكاة وقال أبو حنيفة أولها وكذلك الصلحية إذا وقعت مبهمة ونقص الفقير وأخذ منه بوسعه ولو درهما فإن أيسر بعد لم يؤخذ منه ما نقص لضيقه ولا يزاد على ما ذكره لكثرة يسار.
وجاء فى التاج والإكليل
(1)
: أن من أمن أحدا وقد نهى الإمام عنه فقال ابن حبيب لا ينبغى لأحد من أهل الجيش أن يؤمن أحد غير الإمام وحده ولذلك قدم وينبغى أن يتقدم الى الناس فى ذلك ثم إن أمن أحد أحدا قبل نهى الإمام أو بعده فالإمام مخير اما أمنه أو رده إلى مأمنه وفى المدونة أن عمر كتب إلى سعيد بن عامر إذا نهيتم عن الأمان فأمن أحد منكم أحد منهم ناسيا أو عاصيا أو لم يعلم أو جاهلا رد إلى مأمنه ولا سبيل لكم عليه إلا أن يشاء أن يقيم فيكم فيكون على الحكم فى الجزية وأما مسألة من جهل إسلامه فإنهم إذا قالوا ظننا الذمى مسلما ردوا لمأمنهم فكان المناسب أن يقول أو جهل كفره وجاء فى كتاب محمد لا أمان لذمى فإن قالوا ظننا أن له جوارا بمكان الذمة فلا أمان لهم قال اللخمى أرى أن يردوا لمأ منهم وإن أخذو مقبلا بأرضهم وقال جئت أطلب الأمان او بأرضنا وقال ظننت انكم لا تعرضون تجر أو بينهما رد لمأمنه وإن قامت قرينة فعليها ومن المدونة إذا أخذ الرومى ببلد العدو وهو مقبل إلينا فيقول جئت أطلب الأمان فقال مالك: هذه أمور مشكلة وأرى رده لمأمنه قيل فمن أخذ حربيا دخل بلاد الإسلام دون أمان أيكون له أم فئ قال لم أسمعه من مالك إلا أنه قال فيمن وجدوا بساحل المسلمين زعموا أنهم تجار لا يصدقون وليسوا لمن وجدهم ويرى الإمام رأيه قال الحطاب إن نزل تاجر دون أمان وقال ظننت أنكم لا تعرضون لتاجر قال هذا كقول مالك أولا أما قبل قوله أورد لمأمنه قال ابن بشير وإذا وجد أحد بين أهل الحرب فى أرض المسلمين أو فى مواضع بين أرضهم أو أرضا فإن علم أنهم محاربون حكم فيهم بحكم أهل الحرب وإن علم أنهم مستأمنون حكم فيهم بحكم المستأمنين وإن شك فقولان قال اللخمى إن قام دليل على صدقه كان آمنا ولم يسرق وإن قام دليل على كذبه لم يقبل قوله وكان رقيقا وان لم يقم دليل على صدقه ولا كذبه فهو موضع خلاف رأى مرة أنه صار رقيقا بنفس الأخذ يدعى وجها يزيل ذلك عنه من غير دليل ورأى مرة أخرى أن يقبل قوله لامكان أن يكون صدق ولا يسترق بشك وهو أحسن وإن قال جئت رسولا ومعه مكاتبة أو جئت لفداء وله من يفديه كان دليلا على صدقه وإن رد بريح فعلى أمانه حتى يصل ومن المدونة قال مالك إذا نزل تجارهم بأمان فباعوا وانصرفوا فأين ما رمتهم الريح من بلاد الإسلام فالأمان لهم ما داموا فى تجرهم حتى يردوا لبلادهم وإن مات عندنا فماله فئ إن لم يكن معه وارث ولم يدخل على التجهيز قال ابن البشير إن مات عندنا وقد كان استأمن على رجوعه بانقضاء أربه فماله لأهل الكفر وفى رده لوارثه أو لحكامهم قولان ولعله خلاف فى حال ان انتقل لنا حقيقة توريثهم دفع لوارثهم والا فلحكامهم قال ابن عرفة رابع الأقوال ماله لوارثه وديته لحاكمهم من المدونة قال مالك وإن مات عندنا. حربى مستأمن وترك مالا فليرد ماله إلى ورثته ببلده وكذلك إن قتل فتدفع ديته إلى ورثته ويعتق قاتله رقبة وكذلك فى كتاب محمد قال ودية المستأمن خمسمائة دينار قال ابن يونس وانما يرد ماله لورثته إذا مات عندنا إذا استأمن على أن يرجع إذا كان شأنهم الرجوع واما لو استأمن على المقام أو كان ذلك شأنهم فإن ما ترك يكون للمسلمين كذلك فى كتاب ابن سحنون وقال فيه وإن كان شأنه الرجوع فله الرجوع وميراثه إن مات يرد إلى ورثته ببلده إلا أن تطول إقامته عندنا فليس له أن يرجع ولا يرد ميراثه وإذا لم يعرف حالهم ولا ذكروا
(1)
من التاج والاكليل لمختصر خليل لعلم الاعلام ابى عبد الله سيدى محمد بن يوسف ابى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 3 ص 362، 363، 364، 365، 366 طبع مطبعة دار السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1326 هـ.
رجوعا فميراثه للمسلمين ولقاتله إن أسر ثم قتل والا أرسل مع ديته لوارثه كوديعته وهل وإن قتل فى معركة أو فئ قولان قال ابن المواز إذا أودع المستأمن عندنا مالا ثم رجع إلى بلده فمات فليرد ماله إلى ورثته وكذلك لو قتل فى محاربته للمسلمين فإنا نبعث بماله الذى له عندنا وأما لو أسر ثم قتل صار ماله فيئا لمن أسره وقتله لأنهم ملكوا رقبته قبل قتله وقاله ابن القاسم وأصبغ وكذلك قال ابن حبيب ان قتل بعد أن أسر قال وأما ان قتل فى المعركة فهو فئ لا خمس فيه لأنه لم يوجف عليه وقاله ابن القاسم وأصبغ قال ابن رشد قول ابن القاسم أن الأسير إذا بيع فى المقاسم أو مات أو قتل بعد الأسر يكون المال الذى كان له فى بلد الاسلام مستودعا فيئا للمسلمين معناه يكون غنيمة للجيش فيخمس وتجرى فيه السهام فهو كما أصابوا معه من ماله وإن كان عليه دين فغرماؤه أحق به من الجيش بخلاف ما غنم معه قاله ابن القاسم وأما إذا قتل فى المعركة ولم يؤسر فجعله ابن القاسم بمنزلة إذا مات بأرضه فيرد المال المستودع إلى ورثته وقال ابن حبيب انه يكون فيئا لجميع المسلمين وعزاه لابن القاسم ولا يخمس ولكلا القولين وجه من النظر وكره لغير المالك اشتراء سلعة ومن المدونة قال مالك لا احب ان يشترى من العدو وما أحرزوا من متاع مسلم أو ذمى فأتوا به ليبيعوه قال ابن المواز واستحب غيره أن يشترى ما بأيديهم للمسلمين ويأخذه ربه بالثمن قال ابن بشير إذا حصلت أموال المسلمين عند أهل الحرب ثم صارت لمسلم فإن كان مصيرها اليه فى أرض الحرب فلا يخلو أن يكون بمعاوضة أو بغير معاوضة فإن كان أخذه بمعاوضة فلصاحبه أخذه بعد دفع الثمن وإن أخذه بغير معاوضة فلصاحبه أخذه بغير ثمن فإن لم يقم صاحبه حتى باعه من أخذه فأما من صار إليه بمعاوضة فالبيع ماض وأما من صار إليه بغير معاوضة فهل لربه نقض البيع قولان فى الكتاب وإذا قلنا ليس له النقض فله الثمن وإن قدم أهل الحرب مستأمنين فى أيديهم أموال المسلمين والذميين فقال ابن القاسم يكره لغير أربابها شراؤها منهم وفى كتاب محمد أنه يستحب وهذا على الخلاف هل يكون أربابها أحق بها بالثمن أم لا فعلى أنهم أحق بها يستحب شراؤها منهم ليتوصل أربابها إن شاءوا وهذا قياس ما اشترى منهم بأرضهم فإن أخذها أحد منهم بغير معارضة فهل لأربابها أخذها قولان وفاتت به وبهبتهم لها قال اللخمى إذا قدم الحربى بلاد المسلمين ومعه مال المسلمين لم يعرض له فيه ما دام فى يده قال ابن القاسم فى المدونة ولا أحب لمسلم أن يشتريه منه فإن إشتراه لم يكن لصاحبه أن يأخذه بالثمن فإن وهبه لأحد لم يأخذه سيده على حال والذى يشبه على مذهب مالك أن له أن يأخذ بالثمن الذى اشتراه به وفى الهبة يأخذه بغير ثمن وهذا أحسن ولا فرق بين أن يشتريه منه وهو بأرض الحرب أو هو بأرض الإسلام وإنتزع ما سرق ثم عيد به على الأظفر قال يحيى عن ابن القاسم لو سرق أهل الذمة أموالنا وعبيدا وكتموا ذلك حتى حاربوا ثم صولحوا على أن رجعوا إلى حالهم من غرم الجزية لا ينزع منهم شئ وقال عيسى عن ابن القاسم فى النفر من العدو ينزلون بأمان فإذا فرغوا سرقوا عبيد المسلمين أو بعض الأحرار ثم رجعوا وهم معهم فنزلوا على أمان ولم يعرفوا فأرادوا أن يبيعوهم قال لا يتركوا وإنما مثل ذلك عندى مثل ما لو نزلوا بأمان فداينوا المسلمين ثم هربوا والدين عليهم ثم رجعوا فنزلوا بأمان فأنه يقضى عليهم بتلك الديون ثم رجع ابن القاسم وقال لا أرى أن يخرجوا من أيديهم وأرى أن يوفى لهم لأنهم قد أحرزوهم ولا يتبعوا بما داينوا عليه المسلمين لأن العهد والأمان شديد قال ابن رشد لا ينبغى على قول ابن القاسم الأول أن يزلهم الامام على أن لا يأخذ منهم شيئا فان فعل أنفذ لهم الشرط ولم ينتزع منهم شيئا قاله ابن القاسم فى أهل الحرب يقدمون بأمان للتجارة فيشترطون أن لا يرد عليهم الا من جنون أو جذام أو برص أن لهم شرطهم قال ابن رشد واختلاف قوله فى هذه المسألة داخل فى مسألة أهل الذمة إذ لا فرق بين المسألتين فى المعنى وأصح القولين أن يؤخذ ذلك منهم ولا يترك لهم لا سيما فى مسألة أهل الذمة إذا حاربوا ثم رجعوا إلى غرم الجزية قال اللخمى إذا قدم
فقال ابن القاسم له أن يرجع بهم ان أحب وقال عبد الملك ليس له ذلك ويعطى فى كل مسلم أو فى القيمة وينتزع منه وعن ابن القاسم أنه يجبر على بيع المسلمة يريد بخلاف الذكر قال ابن القصار وقال إذا عاقد الأمان على شرط من جاء مسلما رده إليهم يوفى لهم بذلك فى الرجال ولا يوفى لهم به فى النساء فأمضى لهم ذلك ابن القاسم فى القول الأول لحديث البخارى ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضى أهل مكة عام الحديبية على من أتاه من أهل مكة مسلما رده إليهم ولم يمض ذلك على القول الآخر لأن ذلك كان أول الاسلام وقبل أن يكثر المسلمون فلا يجوز.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(1)
أنه يجوز أمان الحربى بأن يقيم بأرض الاسلام مدة لا تزيد على أربعة أشهر سواء كان المؤمن الامام أم غيره لقول الله تبارك وتعالى «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ» وفى قول يجوز ما لم تبلغ المدة سنة فان بلغتها امتنع قطعا لئلا يترك الجزية ومن ثم جاز فى الانثى والخنثى من غير تقييد فان زاد على الجائز بطل فى الزائد فقط عملا بتفريق الصفقة ومحل ما تقرر حيث لا ضعف بنا فان كان رجع فى الزائد الى نظر الامام كالهدنة ولو أطلق الأمان حمل على الأربعة الأشهر وبلغ المأمن بعدها بخلاف الهدنة لكون بابها أضيق ولا يجوز ولا ينفذ ولو من امام يضر المسلمين كجاسوس وطليعة كفار لخبر لا ضرر ولا ضرار فى الاسلام ولا يستحق تبليغ المأمن اذ دخوله مثله خيانة أما ما لا يضر فجائز وان لم تظهر فيه مصلحة نعم قيد ذلك البلقينى بغير الامام أما هو فلا بد فيه من المصلحة وليس للامام ولا لغيره بأولى نبذ الأمان الصادر منه أو من غيره كما هو ظاهر ان لم يخف خيانة للزومه من جهتنا فان خافها نبذه الامام والمؤمن بكسر الميم أما المؤمن بفتحها فله نبذه متى شاء لكنه متى ابطل أمانه وجب تبليغه مأمنه ولا يدخل فى الامان ماله وأهله أى فرعه غير المكلف وزوجته الموجودان بدار الحرب اذ القصد تأمين ذاته من قتل ورق دون غيره فيغنم ماله وتسبى ذراريه ثم، نعم ان شرط الأمام أو نائبه أو دخوله دخل والا فلا وكذا ما معه بدار الاسلام منهما ومثلهما ما معه لغيره فلا يدخل ذلك كله فى الأصح لما ذكر الا بشرط حيث كان المؤمن غير الامام، نعم ثيابه ومركوبه وآلة استعماله ونفقة مدة أمانه الضروريات تدخل من غير شرط وحاصل ذلك دخول ما معه فى الأمان مما لا بد له منه غالبا كثيابه ونفقة مدته مطلقا وما زاد على ذلك يدخل أيضا ان كان المؤمن الامام والا لم يدخل إلا بشرط وما خلفه فى دار الحرب يدخل ان أمنه الامام وشرط دخوله والا فلا والمسلم بدار كفر أى حرب والأوجه أن دار الاسلام التى استولوا عليها كذلك ان أمكنه اظهار دينه لشرفه أو شرف قومه وأمن فتنة فى دينه ولم يرج ظهور الاسلام ثم بمقامه استحب له الهجرة الى دار الاسلام لئلا يكثر سوادهم وربما كادوه ولم تجب لقدرته على اظهار دينه ولم تحرم لأن من شأن المسلم بينهم القهر والعجز ومن ثم لو رجا ظهور الاسلام بمقامه ثم كان مقامه أفضل أو قدر على الامتناع والاعتزال ثم ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقامه واجبا لأن محله دار الاسلام فلو هاجر لصار دار حرب ثم ان قدر على قتالهم ودعائهم للاسلام لزمه والا فلا وأعلم أنه يؤخذ من قولهم لأن محله دار الاسلام أن كل محل قدر أهله فيه على الامتناع من الحربين صار دار اسلام وحينئذ فيتجه تعذر عوده دار كفر وان استولوا عليه كما صرح به فى خبر الاسلام يعلو ولا يعلى عليه فقولهم لصار دار حرب المراد به صيرورته كذلك صورة لا حكما والا لزم أن ما ستولوا عليه من دار الاسلام يصير دار حرب وهو بعيد والا بأن لم يمكنه اظهار دينه وخاف فتنة فيه
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن ابى العباس بن احمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصرى الانصارى الشهير بالشافعى الصغير ج 8 ص 77، 78، 79 فى كتاب بهامشه حاشية ابى الشيماء نور الدين على بن على الشراملسى القاهرة بالهامش حاشية احمد بن عبد الرازق بن محمد احمد المعروف بالمغربى.
وحيث الهجرة ان أطاقها وعصى باقامته ولو أنثى لم تجد محرما مع أمنها على نفسها أو كان خوف الطريق أقل من خوف الاقامة كما لا يخفى فان لم يطلقها فمعذور لقول الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً» ولخبر لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار، وخبر لا هجرة بعد الفتح أى من مكة لكونها صارت دار الاسلام الى يوم القيامة ولو قدر أسير على هرب لزمه وان أمكنه اظهار دينه كما صححه الامام وتبعه القمولى وهو الأصح لأن الأسير فى يد الكفار مقهور مهان فكان ذلك عليه تخليصا لنفسه من رق الأسر ولو أطلقوه بلا شرط فله اغتيالهم قتلا وسبيا وأخذا للمال لأنهم لم يستأمنوه وليس المراد هنا حقيقة الغيلة وهى أن يخدعه فيذهب به لمكان خال ثم يقتله أو أطلقوه على أنهم فى أمانه أو عكسه حرم عليه اغتيالهم لأن الأمان من أحد الجانبين متعذر نعم ان قالوا أمناك ولا أمان لنا عليك جاز له اغتيالهم فان تبعه قوم أو واحد منهم بعد خروجه فليدفعهم حتما ان حاربوه وكانوا مثيله فأقل والافندبا على ما قال بعضهم وهو مردود بما مر أن الثبات للضعف انما يجب فى الصف ولو بقتلهم ابتداء ولا يلزمه رعاية التدريج كالصائل لانتقاض أمانهم أى حيث قصدوا نحو قتلهم والا لم ينتقض فيدفعهم كالصائل اذ الذمى ينتقض عهده بقتالنا فالمؤمن أولى ولو شرطوا عليه أن لا يخرج من دارهم لم يجز له الوفاء بهذا الشرط بل يلزمه الخروج حيث أمكنه فرارا بدينه من الفتن وبنفسه من الذل ما لم يمكنه اظهار دينه والا فلا يلزمه الخروج كما مر لكن يندب ولو حلفوه على ذلك بطلاق أو غيره مكرها على الحلف لم ينعقد حلفه والا حنث وان كان حين حلفه محبوسا ومن الاكراه قوله لا نطلقك الا أن حلفت لنا أن لا تخرج من هنا ولو عاقد الامام علجا هو الكافر الغليظ الشديد سمى به لدفعه عن نفسه ومنه العلاج لدفعه الداء يدل على نحو بلد أو قلعة باسكان اللام وفتحها سواء كانت معينة أم مبهمة من قلاع محصورة فيما يظهر أو على أصل طريقها أو أسهل أو أرفق طريقيها وله منها جارية مثلا ولو حرة مبهمة ويعينها الامام جاز وان كان الجعل مجهولا غير مملوك مع أن الحرة ترق بالأسر وتستحق بالدلالة ولو من غير كلفة كأن يكون تحتها فيقول هى هذه للحاجة أيضا وبه فارق ما مر فى الاجارة والجعالة كذا قال به بعضهم والأوجه حمل ما هنا على ماذا كان فيه كلفة ليوافق ما مر ثم اما المسلم فلا تجوز معه هذه المعاقدة على ما قاله جمع لأن فيها أنواعا من الغرر واحتملت الكافر لأنه أعرف بقلاعهم وطرقهم والمعتمد صحتها معه أيضا كما رجحه الأذرعى والبلقينى وغيرهما واقتضى كلام المصنف كالرافعى فى الغنيمة اعتماده فيعطاها ان وجدناها حبة وان اسلمت فلو ماتت بعد الظفر فله قيمتها وخرج بقوله منها قوله مما عندى فلا يصح للجهل بالجعل بلا حاجة فان فتحت عنده عنوة بدلالته وفاتحها من عاقده ولو فى مرة اخرى وفيها تلك الأمة المعينة أو المبهمة حية ولم تسلم أصلا أو أسلمت معه أو بعده لا عكسه أعطيها وان لم يوجد سواها وان تعلق بها حق لازم من معاملتهم مع بعضهم كما هو ظاهر اذ لا اعتداد بمعاملتهم فى مثل ذلك لأنه استحقها بالشرط قبل الظفر أو فتحها معاقدة بغيرها أى دلالته أو غير معاقدة ولو بدلالته فلا شئ له فى الأصح لانتقاء الشرط وهو دلالته والثانى يستحقها بالدلالة فان لم تفتح فلا شئ له لتعلق جعالته بدلالته مع فتحها فالجعل مقيد به حقيقة وان لم يجر لفظه وقيل وان لم يعلق الجعل بالفسخ فله.
أجرة مثل لوجود الدلالة ويرده ما تقرر هذا ان كان الجعل فيها والا لم يشترط فى استحقاقه فتحها اتفاقا على ما قاله الماوردى وغيره فان فتحها معاقدة بدلالته لم يكن فيها جارية أصلا أو بالوصف المشروط أو ماتت قبل العقد فلا شئ له لانتفاء المشروط أو ماتت بعد الظفر وقبل التسليم اليه وجب بدل لأنها حصلت فى قبضته فالتلف من ضمانه أو ماتت قبل
الظفر فلا شئ له فى الأظهر كما لو لم تكن فيها لأن الميتة معدومة لعدم القدرة عليها والثانى تجب لأنها حاصلة وتعذر تسليمها وان اسلمت المعينة الحرة على ما قيد به بعض الشراح والأقرب عدم الفرق والقول بأن الحرة اذا اسلمت قبل الظهر لا يعطى قيمتها مردود فالمذهب وجوب يدل اذا اسلامها منع رقها والاستيلاء عليها فيعطى بدلها من أصل الغنيمة كما هو أوجه احتمالين فان لم تكن غنيمة اتجه وجوبه فى بيت المال وهو أى البدل أجرة مثل وقيل قيمتها وهذا هو المعتمد كما فى الروضة وأصلها عن الجمهور نعم لو كانت مبهمة فمات كل من فيها وجبت قيمة من تسلم اليه قبل الموت فى أصح احتمالين فعين له واحدة ويعطيه قيمتها كما يعنيها له لو كن أحياء وخرج بعنوة ما لو فتحت صلحا بدلالته ودخلت فى الأمان فان امتنع من القبول بدل وهم من تسليمها نبذنا الصلح وبلغناهم المأمن وان رضوا بتسليمها ببدلها أعطوه من محل الرضخ ويقول لهم (1) الامام أو نائبه أقركم بدار الاسلام غير الحجاز لكنه لا يشترط التنصيص على اخراجه حال العقد اكتفاء باستثنائه شرعا وان جهله العاقدان فيما يظهر على أن هذا من اصله قد لا يشترط فقد نقرهم بها فى دار الحرب أو اذنت فى قامتكم بها أو نحو ذلك على أن تبذلوا أى تعطوا جزية فى كل حول نعم يتجه عدم اعتبار ذكر كونها أول الحول أو آخره فيحتمل قول الجراجانى بذكر ذلك على الأكمل وينقادوا لحكم الاسلام أى لكل حكم من أحكامه غير نحو العبادات مما لا يرونه كالزنا والسرقة لا كشرب المسكر ونكاح فى المجوس للمحارم ومن عدم تظاهرهم مما يعتقدون اباحته وقسر الصغار فى الآية بالتزام ذلك وانما وجب التعرض لهذا مع أنه من مقتضيات عقدها لانه مع الجزية عوض عن تقريرهم فأشبه الثمن فى البيع والأجرة فى الاجارة ولا يشترط التعرض لنفى اجتماعهم على قتالنا كما آمنوا منا خلافا للماوردى وغيره لدخوله فى الانقياد ولا يرد على المصنف صحة قول الكافر أقرونى بكذا الى آخره فيقول له الامام قررتك لأنه مما اراد عقدها الأصلى من الموجب أما النساء فيكفى فيهن الانقياد لحكم الاسلام لانتفاء الجزية عنهن وظاهر كلامهم صراحة هذه الاشياء وأنه لا كناية هنا لفظا ولو قيل ان كنايات الأمان لو ذكر معها على أن تبذلوا الى آخره تكون كناية هنا لم يبعد والأصح اشتراط ذكر قدرها أى الجزية كالثمن والآجرة والثانى لا يشترط ذكرها وينزل المطلق على الأقل لا كف اللسان منهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه بسوء فلا يشترط ذكره لدخوله فى الانقياد ولا يصح العقد للجزية معلقا ولا مؤقتا على المذهب لانه بدل عن الاسلام فى العصمة وهو لا يؤقت فلا يكفى أقركم ما شاء الله وأما قوله صلى الله عليه وسلم أقركم الله فلأنه كان يعلم ما عند الله بالوحى وكذا ما شئت أو شاء فلان بخلاف ما شئتم للزومها من جهتنا وجوازها من جهتهم بخلاف الهدنة وفى قول أو وجه يصح والطريق الثانى القطع بالأول ويشترط لفظ من كل منهم لما أوجبه العاقد ولو بنحو رضيت وباشارة أخرى أخرى مفهمة وبكتابة بينه ومنها الكتابة ويشترط هنا أيضا سائر ما مر فى البيع من نحو اتصال قبول بايجاب وتوافق فيهما فيما يظهر وانما اشتراط القبول أنه لو دخل حربى دارنا ثم علمناه لم يلزمه شئ بخلاف من سكن دارا مدة غصبا لان عماد الجزية القبول ولو فسد عقدها من الإمام أو نائبه لزم لكل سن دينار لأنه أقلها بخلاف ما لو بطل كأن صدر من الآحاد فانه لا يلزم شئ وبهذا علم أن لنا ما يفرق فيه بين الباطل والفاسد سوى الأربعة المشهورة ولو وجد كافر بدارنا فقال دخلت لسماع كلام الله تعالى أو لاسلم أو لأبذل جزية أو دخلت رسولا ولو بما فيه مضرة لنا أو دخلت بأمان مسلم يصح أمانة صدق وحلف ندبا ان أتهم تغليبا لحقن الدم نعم ان اسر لم يصدق فى ذلك الا ببينه وفى الأولى يمكن من الاقامة
وحضور مجالس العلم قدرا تقضى العادة بازالة الشبهة فيه ولا يزاد على أربعة أشهر وفى دعوى الامان وجه أنه لا يصدق بغير بينه لسهولتها ورد بأن الظاهر من مال الحربى أنه لا يدخل الا به أو بنحوه ويشترط لعقدها الامام أو نائبه العام أو فى عقدها لكونها من المصالح العظام فاختصت بذى للنظر العام وعليه أى أحدهما الاجابة اذا طلبوها للأمر به فى خبر مسلم ومن ثم لم يشترط هنا مصلحة بخلاف الهدنة الا أسيرا أو جاسوسا منهم وهو صاحب سر الشر بخلاف الناموس فأنه صاحب سر الخبر نخافه فلا تجب إجابتهما بل لا تقبل من الثانى للضرورة ولهذا لو ظهر له ان طلبهم لها مكيدة منهم لم يجبهم ولا تعقد الا لليهود النصارى وصابئة وسامرة لم تعلم مخالفتهم لهم فى أصل دينهم سواء فى ذلك العرب والعجم لأنهم أهل الكتاب فى ايتها. والمجوس لأخذه لها صلى الله عليه وسلم من مجوس هجر وقال سنو بهم سنة أهل الكتاب رواه البخارى ولان لهم شبهة كتاب وأولاده من تهود أو تنصر قبل الفسخ أو معه ولو بعد التبديل وان لم يجتنبوا المبدل تغليبا لحق الدم وبه فارق عدم حل نكاحهم وذبيحتهم مع أن الأصل فى الأبضاع والميتات التحريم بخلاف ولد من تهود بعد بعثة عيسى بناء على أنها ناسخة أو تنصر بعد بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام واكتفاؤهم بالبعثة وان كان الفسخ قد يتأخر عنها لكونها مظنته وسببه وقضيه كلامه أن المضر دخول كل من أبويه بعد الفسخ لا أحدهما وهو الأوجه خلافه للبلقينى بدليل عقدها لمن أحد أبوية وثنى كما يأتى أو شككنا فى وقته أى التهود أو التنصر أكان قبل المفسخ أم بعده تغليبا للحقن أيضا ولو شهد عدلان بكذبهم فان شرط فى العقد قتالهم ان بان كذبهم اغتالهم والا فوجهان أوجههما أنه كذلك لتلبيسهم علينا واطلاقه اليهود والنصارى وتقييده أولادهم لأن اليهود والنصارى الأصليين الذين لا انتقال لهم هم الأصل ثم لما ذكر الانتقال عبر فيه بالأولاد ومراده بهم الفروع وان سفلوا لأن الغالب أن الانتقال انما يكون عند طرد البعثة وذلك قد انقطع فلم يبق الا أولاد المتنقلين فذكرهم ثانيا فاندفع القول بأنه لو عكس لكان أولى ودعوى أنه يوهم أنه من تهود أو تنصر قبل الفسخ يعقد لأولاده مطلقا وليس كذلك انما يعقد لهم أن لم ينتقلوا عن دين آبائهم بعد البعثة مرودودة لأن الكلام فى أولاد لم يحصل منهم انتقال والا لم يكن للنظر الى آبائهم وجه وكذا زاعم التمسك بصحف ابراهيم وزبور داود صلّى الله على نبينا وعليهما وسلم وصحف شيث وهو ابن ادم لصلبه لأنها تسمى كتبا فاندرجت فى قوله تعالى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} ومن أحد أبويه كتابى ولو الأم اختار الكتابى أم لم يختر وفارق كون شرط حل نكاحها اختيارها الكتابى بأن ماهنا أوسع وما أوهمه شرح المنهج من أن اختيار ذلك قيد هنا أيضا غير مراد وانما المراد أنه لتسميته كتابيا لا لتقريره والآخر وثنى على المذهب فى المسألتين تغليبا لذلك أيضا وهو فى الأولى أصح وجهين وقطع به بعضهم وفى الثانية فى أصل الروضة أصح الطرق وقول من طريق ثان قطع بعضهم بمقابلة نعم لو بلغ ابن وثنى من كتابية وتدين بدين أبيه لم يقر جزما ويقبل قولهم فى كونهم ممن يعقد لهم الجزية إذا لا يعلم ذلك غالبا الا منهم والأوجه استحباب تحليفهم وأفهم كلامه عدم عقدها لغير المذكورين كعابد شمس أو ملك أو وثن وأصحاب الطبائع والمعطلين والفلاسفة والدهريين وغيرهم كما مر فى النكاح ولا جزية على امرأة بالاجماع ولا يعتد بخلاف ابن حزم فيه وخنثى لاحتمال أنوثته فلو بذلاها أعلمناها بعدم لزومهما لهما فان رغبا بها فهبة فلو بان ذكر أخذ منه عما مضى وفارق ما مر فى حربى لم يعلم به إلا بعد مدة بأن صورة ماهنا فى عقد الجزية له حال خنوثته بخلاف الأولى ومن فيه رق لو مبعضا لنقصه ولا على سيده بسببه وخبر لا جزية
على العبد لا أصل له وصبى ومجنون لعدم التزامهما فان تقطع جنونه قليلا كساعة من شهر ونحو يوم من سنة لزمته والأوجه ضبطه بأن تكون أوقات الجنون فى السنة لو لفقت لم تقابل بأجرة غالبا وقد يؤخذ هذا من قولهم أو تقطع كثيرا كيوم ويوم فالأصح تلفيق الاقامة ان أمكن فان بلغت أيام الافاقة سنة وجبت الجزية لسكناه سنة بدارنا وهو كامل فان لم يمكن أجرى عليه حكم الجنون فى الجميع كما هو المتجه وكذا لو قلت بحيث لا يقابل مجموعها بأجرة وطرو جنون أثناء الحول كطرو موت أثنائه والثانى لا يجب والثالث يجب كالعاقل والرابع يحكم بموجب الأغلب فان استوى الزمانان وجبت ولو بلغ ابن ذمى أو أفاق أو عتق قن ذمى أو مسلم ولم يبذل بالمعجمة أى يعط جزية ألحق بمأ منه ولا يغتال لأنه كان فى أمان أبيه أو سيده تبعا فان بذلها ولو سفيها عقد له عقد جزية لاستقلاله حينئذ وقيل كجزية أبيه
(1)
ويكتفى بعقد متبوعة لأنه لما تبعه فى أصل الامان تبعه فى أصل الذمة وعلى الأول فالمتجه أنه لو مضت عليهم مدة بلا عقد لزمتهم أجرة مثل سكناهم بدارنا اذ المغلب فيها مضى الأجرة ويظهر أنها هنا أقل الجزية والمذهب وجوبها على زمن وشيخ وهرم لا رأى لهما وأعمى وراهب وأجير لأنها أجرة فلم يفارق المعذور فيها غيره أما من له رأى فتلزمه جزما وفقير عجز عن كسب أصلا أو يفضل به عن مؤنته يومه وليلته آخر الحول ما يدفعه فيها وذلك لما مر فأكثر حتى يوسر كسائر الديون ويمنع كل كافر من استيطان الحجاز يعنى الاقامة به ولو بلا استيطان كما أفهمه قوله الآتى وقيل له الاقامة الى آخره وأفهم كلامه جواز شراء أرض فيه لم يقم بها وهو الأوجه لكن الصواب منعه لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كالأوانى وآلات اللهو واليه يشير قول الشافعى ولا يتخذ الذمى شيئا من الحجاز دارا وان رد بأن هذا ليس من ذاك وانما منع من الحجاو لقوله صلى الله عليه وسلم عند موته «أخرجو اليهود من الحجاز» وفى إخرى «أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب» وليس المراد جميعها بل الحجاز منها لأن عمر أجلاهم منه وأقرهم باليمين مع أنه منها اذ هى طولا من عدن الى ريف العراق وعرضا من جدة وما ولاها من ساحل البحر الى الشام سميت بذلك لاحاطة بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات بها وهو أى الحجاز سمى بذلك لأنه بين نجد وتهامه مكة والمدينة واليمامة مدينة على اربع مراحل من مكة ومرحلتين من الطائف وقال بعض شراح البخارى بينها وبين الطائف مرحلة واحدة سميت باسم الزرقاء التى كانت تبطر من مسيرة ثلاثة أيام وقراها أى الثلاثة كالطائف وجدة وخيبر والينبع وقبل له الاقامة فى طرقه الممتدة بين هذه البلاد لأنها لم تعتد فيها نعم التى يحرم مكة يمنعون منها قطعا كما يعلم من كلامه الآتى ولا يمنعون من ركوب بحر خارج الحرم بخلاف جزائره المسكونة أى وغيرها وأنما قيدوا للغالب قال القاضى ولا يمكنون من المقام فى المركب أكثر من ثلاثة أيام كالبر ولعل مراده كما قاله ابن الرافعة اذا أذن الامام وأقام بموضع واحد، ولو دخل كافر أى الحجاز بغير اذن الامام أو نائبه أخرجه وعزره ان علم أنه ممنوع منه لتعديه بخلاف
(1)
ما لو جهل ذلك فيخرجه ولا يعزره فان أستأذن فى دخوله أذن له حتما كما اقتضاه صنيعه لكن صرح غيره بأنه جائز فقط والمعتمد الأول ان كان دخوله مصلحة للمسلمين كرسالة وحمل وما يحتاج اليه كثيرا من طعام وغيره وكارادة عقد جزية أو هدنة لمصلحة وهنا لا يؤخذ منه شئ فى مقابلة دخوله أما مع عدم المصلحة فيمتنع الاذن كما لا يخفى فان كان دخولهخ ولو امرأة لتجارة ليس فيها كبير حاجة كعطر لم يأذن أى لم يجز له الاذن فى دخوله الا ان كان ذميا كما نقله البقينى عن الأصحاب بشرط أخذ شئ منها أى من متاعها أى ومن ثمنه فيملهم
(1)
نهاية المحتاج ج 8 ص 85، 86 ص 87 وما بعدها.
للبيع نظير قولهم فى داخل دارنا لتجارة لم يضطر اليها وشرط عليه شئ منها جاز فان شرط عليهم عشر الثمن امهلوا البيع وظاهر أنهم لا يكلفونه بدون ثمن المثل وحينئذ فيؤخذ منهم بدله ان رضوا والا فبعض امتعتهم عوضا عنه ويجتهد فى قدره ولا يؤخذ فى السنة سوى مرة كالجزية ولا يقيم بالحجاز حيث دخله ولو بتجارته ولو المضطر اليها فى موضع واحد يعد الاذن فى دخوله الا ثلاثة أيام فأقل غير يومى دخوله وخروجه اقتداء بعمر رضى الله تعالى عنه فان أقام بمحل ثلاثة أيام ثم بآخر مثلها وهكذا لم يمنع ان كان بين كل محلين مسافة القصر ويمنع كل كافر دخول حرم مكة ولو لمصلحة عامة لقول الله تبارك وتعالى فلا يقربوا المسجد الحرام الخ أى الحرم بالاجماع فان كان رسولا لمن بالحرم من امامه أو نائبه خرج اليه امام أو نائبه ليسمعه ويخبر الامام فان قال لا أؤديها الا مشافهة تعين خروج الامام اليه لذلك أو مناظر خرج اليه سيناظره وحكمة ذلك أنهم لما خرجوا الى النبى صلى الله عليه وسلم بكفرهم عوقب جميع الكفار بمنعهم منه مطلقا وان دعت لذلك ضرورة كما فى الأم وبه يرد قول ابن كج يجوز للضرورة لطبيب احتيج اليه وحمل بعضهم له على ماذا مست الحاجة اليه ولم يمكن اخراج المريض له غير ظاهر فان مرض فيه أى الحرم نقل وان خيف موته بالنقل لظلمة بدخوله ولو باذن الامام فان مات وهو ذمى لم يدفن فيه تطهيرا للحرم عنه فان دفن نبش وأخرج لأن بقاء جيفته فيه أشد من دخوله حيا نعم لو انقطع ترك ولا يلحق حرم المدينة بحرم مكة فى ذلك وجوبا بل ندبا لأفضليته تميزه بما لم يشارك فيه وصح أنه صلى الله عليه وسلم أنزلهم مسجده سنة عشر بعد نزول براءة سنة تسع وناظر فيه أهل نجران منهم فى أمر المسيح وغيره وان مرض فى غيره أى غير الحرم من الحجان عظمت المشقة فى نقله أو خيف نحو زيادة مرضه ترك تقديما لاعظم الضررين والا بأن لم تعظم نقل حتما لحرمه المحل وهذا هو المعتمد وان ذكل فى الروضة كأصلها عن الامام أنه ينقل مطلقا وعن الجمهور عدم ذلك مطلقا فان مات فيه وتعذر نقله منه لنحو خوف تغير دفن هناك للضرورة فان لم يتعذر نقل أما الحربى أو المرتد فلا يجرى ذلك فيه لجواز اغراء الكلاب على جيفته فان آذى ريحه غيبت جيفته.
مذهب الحنابلة:
(1)
جاء فى المغنى لا يجوز لاحد من أهل الذمة سكنى الحجاز وبهذا قال مالك والشافعى الا أن مالكا قال أرى ان يجلوا من أرض العرب كلها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يجتمع دينان فى جزيرة العرب» وروى داود باسناده عن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها الا مسلما) قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح وعن ابن عباس قال أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالث» رواه أبو داود وجزيرة العرب ما بين الوادى وأقصى اليمن قاله سعيد بن عبد العزيز وقال الأصمعى وأبو عبيدة هما من ريف العراق الى عدن طولا ومن تهامة وما وراءها الى أطراف الشام عرضا وقال أبو عبيدة هى من حفر أبى موسى إلى اليمن طولا ومن رمل تبرين الى منقطع السماوة عرضا قال الخليل انما قيل لها جزيرة لان بحر الحبش وبحر فارس والفرات قد أحاطت بها ونسبت إلى العرب لأنها أرضها ومسكنها ومعدتها وقال أحمد جزيرة العرب المدينة وما والاها يعنى أن الممنوع من سكنى الكفار المدينة وما والاها وهو مكة واليمامة وخيبر وفدك ومخالفيها وما والاها وهذا قول الشافعى لأهم
(1)
المغنى لأبن قدامة ظ ص 113، 118
لم يجلوا من تيماء ولا من اليمن وقد روى عن ابى عبيدة بن الجراح أنه قال ان آخر ما تكلم به النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال أخرجوا اليهود من الحجاز فأما اخراج أهل نجران منه فلأن النبى صلى الله عليه وسلم صالحهم على ترك الربا فنقضوا عهده فكأن جزيرة العرب فى تلك الأحاديث أريد بها الحجاز وانما سمى حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد ولا يمنعون أيضا فى أطراف الحجاز كتيماء وفيد ونحوهما لأن عمر لم يمنعهم من ذلك.
ويجوز لهم دخول الحجاز للتجارة لان النصارى كانوا يتجرون الى المدينة فى زمن عمر رضى الله تعالى عنه وأتاه شيخ المدينة فقال أنا الشيخ النصرانى وان عاملك عشرنى مرتين فقال عمر وأنا الشيخ الحنيف وكتب له عمر أن لا يعشروا فى السنة الا مرة ولا يأذن لهم فى الاقامة أكثر من ثلاثة أيام على ما روى عن عمر رضى الله عنه ثم ينتقل عنه وقال القاضى يقيم أربعة أيام حد ما يتم المسافر الصلاة والحكم فى دخولهم إلى الحجاز فى المتبامر الأذن كالحكم فى دخول أهل الحرب واذا مرض بالحجاز حازت له الاقامة لأنه يشق الانتقال على المريض وتجوز الاقامة لم يمرضه لأنه لا يستغنى عنه وان كان له دين على أحد وكان وحالا أجبر غريمه عليو فائه فان تعذر وفاؤه لمطل أو تغيب عنه فينبغى أن يمكن من الاقامة ليستوفى دينه لان التعدى من غيره وفى اخراجه ذهاب ماله وان كان الدين مؤجلا لم يملن من الاقامة ويوكل من يستوفيه له لأن التفريط منه وان دعت الحاجة الى الاقامة ليبيع بضاعته أحتمل أن يجوز لأن فى تكليفه تركها أو حملها معه ضياع ماله وذلك مما يمنع من الدخول بالبضائع الى الحجاز فتفوت مصلحتهم وتلحقهم المضرة بانقطاع الجلب عنهم ويحتمل أن يمنع من الاقامة لأن له من الاقامة بد فان أراد الانتقال الى مكان آخر من الحجاز جاز ويقيم فيه أيضا ثلاثة أيام أو أربعة على الخلاف فيه وكذلك اذا انتقل منه الى مكان آخر جاز ولو حصلت الاقامة فى الجميع شهرا واذا مات بالحجاز دفن به لأنه يشق نقله واذا جازت الاقامة للمريض فدفن الميت أولى وأما الحرم فليس لهم دخوله بحال وبهذا قال الشافعى وقال أبو حنيفة لهم دخوله كالحجاز كله ولا يستوطنون به ولهم دخول مكة والمنع من الاستيطان لا يمنع الدخول والتصرف كالحجاز ولنا قول الله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا} والمراد به الحرم بدليل قول الله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} يريد ضررا بتأخير الجلب على الحرم دون المسجد وتجوز تسمية الحرم المسجد الحرام بدليل قول الله تعالى {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} وانما أسرى به من بيت أم هانئ من خارج المسجد ويخالف الحجاز لأن الله تعالى منع منه مع أذنه فى الحجاز فان هذه الآية نزلت واليهود بخيبر والمدينة وغيرهما من الحجا ولم يمنعوا من الاقامة به وأول من أجلاهم عمر رضى الله عنه ولان الحرم إشرف لتعلق النسك به ويحرم صيده وشجره والملتجئ اليه فلا يقاس غيره عليه فان أراد كافر الدخول اليه منع منه قال فان كانت معه ميرة أو تجارة خرج اليه من يشترى منه ولم يترك هو يدخل وان كان رسولا الى امام الحرم خرج اليه من يسمع رسالته ويبلغها اياه فان قال لا بد لى من لقاء الامام وكانت المصلحة فى ذلك خرج اليه الامام ولم يأذن له فى الدخول فان دخل الحرم عالما بالمنع عزّر وان دخل جاهلا نهى وهذذ فان مرض بالحرم أو مات أخرج ولم يدفه به لان حرمة الحرم أعظم ويفارق الحجاز من وجهين احداهما أن دخوله الحرم حرام واقامته به حرام بخلاف الحجاز والثانى ان خروجه من الحرم سهل ممكن لقرب الحل منه وخروجه من الحجاز فى مرضه صعب ممتنع وان دفن نبش واخرج الا أن يصعب اخراجه لنتنه وتقطعه وان صالحهم
الامام على دخول الحرم بعوض فالصلح باطل فان دخلوا الى الموضع الذى صالحهم عليه لم يرد عليهم العوض لأنهم قد استوفوا ما صالحهم عليه وان وصلوا الى بعضه أخذ من العوض بقدره ويحتمل ان يرد عليهم بكل حال لأن ماستوفوه لا قيمة له والعقد لم يوجب العوض لكونه باطلا. فأما مساجد الحل فليس لهم دخولها بغير اذن المسلمين لأن عليا رضى الله عنه بصر بمجوسى وهو على المنبر وقد دخل المسجد فنزل وضربه وأخرجه من أبواب كندة فان أذن لهم فى دخولها جاز فى الصحيح من المذهب لأن النبى صلى الله عليه وسلم قد عليه وفد أهل الطائف فأنزلهم من المسجد قبل اسلامهم وقال سعيد بن المسيب قد كان أبو سفيان يدخل مسجد المدينة وهو على شركه وقدم عمير بن وهب فدخل المسجد والنبى صلى الله عليه وسلم فيه ليفتك به فرزقه الله الاسلام وفيه رواية أخرى ليس لهم دخوله بحال لأن أبا موسى دخل على عمر ومعه كتاب قد كتب فيه حساب عمله فقال له ادع الذى كتبه ليقرأه قال أنه لا يدخل المسجد قال ولم قال انه نصرانى وفيه دليل على شهرة ذلك بينهم وتقرره عندهم ولان حدث الجنابة والحيض والنفاس يمنع المقام فى المسجد فحدث الشرك أولى.
حكم اقامة المستأمن فى دار الاسلام:
جاء فى المغنى: وإذا
(1)
دخل حربى دار الاسلام بأمان فأودع ماله مسلما أو ذميا أو أقر أقرضهما اياه ثم عاد إلى دار الحرب نظرنا فان دخل تاجرا أو رسولا أو متنزها أو لحاجة يقضيها ثم يعود إلى دار الاسلام فهو على أمانة فى نفسه وماله لأنه لم يخرج بذلك عن نية الاقامة بدار الاسلام فأشبهه الذمى إذا دخل لذلك وان دخل مستوطنا بطل الامان فى نفسه وبقى فى ماله لانه لم يخرج بذلك عن نية الاقامة بدار الاسلام فأشبهه الذمى إذا دخل لذلك وإن دخل مستوطنا بطل الامان فى نفسه وبقى فى ماله لانه بدخوله دار الاسلام بأمان ثبت الامان لماله الذى معه فإذا بطل فى نفسه بدخوله دار الحرب بقى فى ماله لاختصاص المبطل نفسه فيخص البطلان به فإن قتل فانما يثبت الامان لماله تبعا فإذا بطل فى المتبوع بطل فى التبع قلنا بل يثيب له الامان لمعنى وجد فيه وهو ادخاله معه وهذا يقتضى ثبوت الامان له وان لم يثبت فى نفسه بدليل ما لو بعثه مع مضارب له أو وكيل فإنه يثبت الامان ولم يثبت الامان فى نفسه ولم يوجد فيه هاهنا ما يقتضى الامان فيه فبقى على ما كان عليه ولو أخذه معه إلى دار الحرب لنقض الامان فيه كما ينتقض فى نفسه لوجود المبطل منهما فإذا ثبت هذا فإن صاحبه ان طلبه بعث إليه وان تصرف فيه يبيع أو هبة أو غيرهما صح تصرفه وان مات فى دار الحرب انتقل إلى وارثه ولم يبطل الامان فيه وقال ابو حنيفة يبطل فيه وهو قول الشافعى لانه قد صار لوارثه ولم يعقد فيه أمانا فوجب ان يبطل فيه كسائر أمواله ولنا أن الامان حق له لازم تتعلق بالمال فإذا انتقل إلى الوارث انتقل لحقه كسائر الحقوق من الرهن والضمين والشفعة وهذا اختيار المازنى ولانه مال له أمان فينتقل إلى وارثه مع بقاء الامان فيه كالمال الذى مع مضاربه وان لم يكن له وارث صار فيئا لبيت المال فان كان له وارث فى دار الاسلام فقال القاضى لا يرثه لاختلاف الدارين والاولى أنه يرثه لان ملتهما واحدة فيرثه كالمسلمين وان مات المستأمن فى دار الاسلام فهو كما لو مات فى دار الحرب سواء لان المستأمن حربى تجرى عليه أحكامهم وان رجع إلى دار الحرب فسبى واسترق فقال القاضى يكون ماله موقوفا حتى يعلم اخر أمره بموت أو غيره فان مات كان فيئا لان الرقيق لا يورث وان عتق كان له وأن لم يسترق ولكن من عليه الامام أو فاداه فماله له وان قتله فمالة لورثته وان لم يسب ولكن دخل دار الاسلام بغير أمان ليأخذ ماله
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 10 ص 437، 438، 439
وجاز قتله وسبيله لان ثبوت الامان لمال لا يثبت الأمان له كما كان ماله وديعه بدار الاسلام وهو مقيم بدار الحرب.
ثم جاء فى موضع آخر من المغنى ان من طلب الامان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الاسلام وجب ان يعطاه ثم يرد إلى مأمنه لا نعلم فى هذا خلافا وبه قال قتادة ومكحول والاوزاعى والشافعى وكتب عمر بن عبد العزيز بذلك الى الناس وذلك لقوله الله سبحانه وتعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} قال الاوزاعى هى إلى يوم القيامة ويجوز عقد الأمان للرسول والمستأمن لان النبى صلى الله عليه وسلم كان يؤمن مرسل المشركين ولما جاءه رسول مسيلمة قال (لولا أن الرسول لا تقتل لقتلتكما) ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فاننا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا فتفوت مصلحة المراسلة ويجوز عقد الامان لكل واحد منهما مطلقا ومقيدا بمدة سواء كانت طويلة أو قصيرة بخلاف الهدنة فانها لا تجوز الا مقيدة لان فى جوازها مطلقا تركا للجهاد وهذا بخلافه قال القاضى ويجوز أن يقيموا مدة الهدنة بغير جزية وقال ابو بكر وهذا ظاهر كلام أحمد لأنه قيل له قال الاوزاعى لا يترك المشترك فى دار الاسلام الا أن يسلم أو يؤدى فقال أحمد اذا أمنته فهو على ما أمنته وظاهر هذا أنه خالق الأوزاعى وقال أبو الخطاب عندى لا يجوز أن يقيم سنة بغير جزية وهذا قول الاوزاعى والشافعى لقول الله تبارك وتعالى {حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ} ووجه الاول ان هذا كافر أبيح له الاقامة فى دار الاسلام من غير التزام جزية كالنساء والصبيان ولان الرسول ممن لا يجوز أخذ الجزية منه يستوى فى حقه السنة فما دونها فى أن الجزية لا تؤخذ منه فى المدتين فإذا جازت له الاقامة فى أحدهما جازت فى الاخرى قيسا لها عليها وقوله سبحانه وتعالى {حَتّى} {يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} أى يلتزمونها ولم يرد حقيقة الاعطاء وهذا مخصوص منها بالاتفاق فانه يجوز له الاقامة من غير التزام لها ولان الآية تخصصت بما دون الحول فتقيس على الحمل المخصوص.
حكم اقامة أهل الذمة فى الحجاز
وغيرها من مدن المسلمين ومساجدهم
مذهب الزيدية:
أنه جاء فى الازهار
(1)
أن أهل الذمة لا يسكنون فى غير خططهم وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم أخرجوهم من جزيرة العرب يعنى اليهود والنصارى وروى أن قال صلى الله عليه وسلم لا يجتمع دينان فى جزيرة وروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأخرجن اليهود من جزيرة العرب قال الامام يحيى والمراد بجزيرة العرب هى مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها والخطط هى البلد الذى اختطوه من قبل أى اتخذوه مسكنا واختطوا به خططهم هى (ايلة وهى ما بين مصر والشام)(وعمورية وفلسطين)(بيت المقدس) وخيبر فهذه البلدان كانت لهم دون غيرهم فليس لهم ان يسكنوا غيرها من بلاد الإسلام إلا باذن المسلمين وليس لهم أن يأذنوا لهم بذلك إلا لمصلحة مرجحة لتبقيتهم اما لينتفع المسلمون بقربهم لاجل الجزية أو لصنائع يختصون بها أو نحو ذلك وأما لغير مصلحة فلا يجوز تقريرهم.
حكم الاقامة بالنسبة للرسل والامان لهم:
جاء فى التاج والمذهب
(2)
أن من دخل ليسمعن كلام الله أو الوعظ أو أرسل إلينا من جهة الكفار فهو آمن وان لم يصدر له أما من أحد المسلمين لكن لا بد من قرينة تدل على أنه رسول اما كتاب استصحبه أو شهادة ولو من واحد على جهة الاخبار أو نحو
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 568 وما بعدها.
(2)
التاج المذهب ج 4 ص 447 وما بعدها وص 454، ص 442
ذلك مما يدل على صدقه أو أمنه قبل نهى الامام لاصحابه عن أن يؤمنوا أحدا مكلفا ولو سكرانا لم يكن لاحد من المسلمين خرم أمانه بالتعدى على ذلك المؤمن سواء كان المؤمن المكلف ذكرا أم أنثى حرا أم عبدا ولا بد ان يكون ذلك الامان من مسلم لا كافر ولو ذمى فلا حكم «متمنع منهم» بأن يكون فى جانب المسلمين أو معه جماعة ولو كفارا فى دار الحرب يمنعون أنفسهم من الاسر والقهر فأما لو كان أسيرا للكفار أو يمكنهم قهره فى حال عقده للامام لم ينعقد أمانه نعم ومتى كملت هذه الشروط جاز له أن يعقد أمانه لشخص معين أو جماعة معينين من الكفار المحاربين دون سنة وليس له أن يعقد سنة فصاعدا الا الامام ووليه فيجوز له أن يؤمن فوق السنة حسبما يرى من المصلحة وان يؤمن غير منحصرين كأهل مصر أو قطر.
فان اختل قيد من هذه القيود التى تقدمت رد مأمنه ولا يمكن من المضى الى مراده بالأمان غالبا وجاء فى موضع آخر من التاج أن أهل الذمة لا يسكنون فى غير خططهم التى كان عقد الذمة لهم وهو ساكنون بها ولا يقبلون مهاجرا إليهم ولم يكن وجاء فى موضع آخر من التاج ان أهل الذمة لا يسكنون فى غير خططهم التى كان عقد الذمة لهم وهم ساكنون بها ولا يقبلون مهاجرا إليهم ولم يكن تحت ذمتنا سواء كان من ملتهم أم لا إلا باذن أهل الحل والعقد وهم أهل الرأى من المسلمين ولهم الرجوع عن الاذن وليس لهم أن يأذنوا لهم بذلك إلا لمصلحة مرجحة زائدة على مصلحة الترك وأما لغير مصلحة فلا يجوز تقريرهم وان كان لمصلحة جاز ومتى بطلت المصلحة أزعجوا منها فورا وهدمت البيع والكنائس لانها انما فعلت تبعا للمصلحة فإذا زال المتبوع زال التابع وجاء فى موضع آخر من التاج المذهب ولايف المستأمن بمحظور شرطه لهم على نفسه فى مقابلة الأمان من لبث معهم سنة فى دار الحرب وغيره كالعود إليهم والاعانة لهم على المسلمين ويستحب الوفاء منه لهم بالمال ما لم يكن سلاحا وتحرم الاقامة فى دار الحرب سنة فما فوقها أو مع الاستحلال ولو قلّت المدة وله أى المسلم المستأمن الكفار استرجاع العبد على المسلمين إلى دار الحرب ما لم تثبت يد منهم عليه لانهم يملكونه بذلك ويجوز لغير المستأمن من المسلمين أو من غيرهم إذا دخل دار الحرب أخذ ما ظفر به من أموالهم فى غير هدنة سواء أخذه أو بالتلصص أو بأى وجه أمكنه التوصل إلى أخذه ولا خمس عليه فيما أخذه بغير القهر ولو بأمر الامام ثم قال فى موضع آخر من التاج: وأعلم أن من أسلم من الحربيين أو دخل فى الذمة وهو حال إسلامه فى دارنا يحض فى دارهم طفله الموجود وولده المجنون حال الإسلام ولو بالغا فلا يجوز للمسلمين إذا استولوا على دار الحرب أن يسبوا طفله وولده المجنون ولا مال طفله المنقول لأنه قد صار مسلما بإسلام والده وأما أمواله التى فى دار الحرب من منقول أو غيره فانها لا تحصن بإسلامه فى دار الاسلام بل للمسلمين اغتنامها إذا ظفروا بتلك الدار ولو كانت وديعة بدار الحرب من قبل إسلامه عند مسلم لا إذا أسلم فى دارهم فطفله ومالهما المنقول محصنات محترمات بإسلامه سواء كانت فى يده أو فى يد ذمى فأما غير المنقول من ما لهما فلا يتحصن بإسلامه لأن دار الحرب لا تتبعض إلا أنه يستثنى له من المنقول ثلاثة اشياء فلا تتحصن باسلام مالكها الأول ما استودعه عند حربى غيره قبل إسلامه أو قبل دخوله فى الذمة فإنه لا يتحصن بل يجوز للمسلمين اغتنامه وأما لو أودعه بعد الاسلام أو بعد دخوله فى الذمة فلا يجوز اغتنامه لأنه قد حصنه بالاسلام، وبدخوله فى الذمة وأما ما أودعه عند مسلم أو ذمى أحرزه بإسلامه وسواء بقى بعد
الإسلام فى دار الحرب أو خرج.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الإسلام
(1)
أن الإمام يذم لأهل الحرب عموما وخصوصا وكذا من نصبه الإمام للنظر فى جهة يذم لأهلها ويجب الوفاء بالذمام ما لم يكن متضمنا لما يخالف الشرع ولو أكره العاقد لم ينعقد وأما العبارة فهو أن يقول أمنتك وأجرتك وأنت فى ذمة الإسلام وكذا كل لفظ دال على هذا المعنى صريحا وكذا كل كناية علم بها ذلك من قصد العاقد ولو قال لا بأس عليك أو لا تخف لم يكن ذماما ما لم ينضم إليه ما يدل على الأمان وقته فقبل الأسر ولو أشرف جيش الإسلام على الظهور فستذم الخصم جاز مع نظر المصلحة ولو استذموا بعد حصولهم فى الاسر فأذم ما لم يصح ولو أقر المسلم أنه أذم المشترك فإن كان فى وقت يصح منه إنشاء الأمان قيل ولو ادعى الحربى على المسلم الأمان فأنكر المسلم فالقول قوله ولو حيل بينه وبين الجواب بموت أو اغماء لم يسمع دعوى الحربى وفى الحالين يرد إلى مأمنه ثم هو هرب وإذا عقد الحربى لنفسه الأمان ليسكن فى دار الإسلام دخل ماله تبعا ولو التحق بدار الحرب للاستيطان انتفض أمانه لنفسه دون ماله ولو مات انتقض الأمان فى المال أيضا إن لم يكن له وارث مسلم وصار فيئا ويختص به الإمام لأنه لم يوجف عليه وكذا الحكم لو مات فى دار الإسلام ولو أسره المسلمون فاسترق منلك ماله تبعا لرقبته ولو دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فسرق وجب اعادته سواء كان صاحبه فى دار الإسلام أو فى دار الحرب ولو أسر وأطلقوه وشرطوا الأقامة عليه فى دار الحرب وأمن منه لم يجب الإقامة وحرمت عليه أموالهم بالشرط ولو أطلقوا على ما لم يجب الوفاء به ولو أسلم الحربى وفى ذمته مهر لم يكن لزوجته مطالبته ولا لوارثها ولو ماتت ثم أسلم أو أسلمت قبله ثم ماتت طالب وارثها المسلم دون الحربى ويجوز أنه يعقد العهد على حكم الإمام أو غيره ممن نصبه للنظر ويراعى فى الحاكم كمال العقل والإسلام والعدالة وهى يراعى الذكورة والحرية؟ قيل نعم وفيه تردد ويجوز المهادنة على حكم من يختاره الإمام دون أهل الحرب إلا أن يعينوا رجلا يجتمع فيه شروط الحاكم ولو - مات قبل الحكم بطل الأمان ويردون إلى مأمنهم ويجوز أن يستند الحكم إلى اثنين وأكثر ولو مات أحدهم بطل حكم الباقين ويتبع ما يحكم به الحاكم إلا أن يكون منافيا لوضع الشرع ولو حكم بالسبى والقتل وأخذ المال فأسلموا سقط الحكم فى القتل خاصة ولو جعل للشرك فدية من أسراء المسلمين لم يجب الوفاء لأنه لا عوض للحر ثم قال ومن تؤخذ ممن يقر على دينه وهم اليهود والنصارى ومن لهم شبهة كتاب وهم المجوس ولا يقبل من غيرهم إلا الإسلام والفرق الثلاث إذا التزموا شرائط الذمة أقروا سواء كانوا عربا أو عجما ولو ادعى أهل حرب أنهم منهم وبذلوا الجزية ولم يكلفوا البينة وأقروا ولو ثبت خلافها انتقض العهد ولا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء وهل تسقط عن الهمّ قيل نعم وهو المروى وقيل لا وقيل تسقط عن المملوك وتؤخذ ممن عدا هؤلاء ولو كانوا رهبانا أو مقعدين وتجب على الفقير وينظر بها حتى يوسر ولو ضرب عليهم جزية فاشترطوها على النساء لم يصح الصلح ولو قتل الرجال قبل عقد الجزية فسئل النساء اقرارهن ببذل الجزية قيل يصلح وقيل لا وهو الأصح ولو كان بعق عقد الجزية كان الاستصحاب حسنا ولو أعتق العبد الذمى منع من الإقامة فى دار الإسلام إلا بقبول الجزية والمجنون المطبق لا جزية عليه فإن كان يفيق وقتا قيل يعمل بالأغلب ولو أفاق حولا وجبت عليه ولو جن بعد
(1)
شرائع الاسلام ج 1 ص 118، 119، ص 154، ص 155
ذلك وكل من بلغ من صبيانهم يؤمر بالإسلام أو بذل الجزية فإن امتنع صار حربيا ثم قال فى شرائط الذمة وهى ستة الأول قبول الجزية الثانى أن لا يفعلوا ما ينافى الأمان مثل العزم على حرب المسلمين أو امداد المشركين ويخرجون عن الذمة بمخالفة هذين الشرطين الثالث أن لا يؤذوا المسلمين كالزنا بنسائهم واللواط بصبيانهم وال سرقة لأموالهم وإيواء عين المشركين والتجسس لهم فإن فعلوا شيئا من ذلك وكان تركه مشترطا فى الهدنة كان نقضا وإن لم يكن مشترطا كانوا على عهدهم وفعل بهم ما يقتضيه جانيتهم من حد أو تعزير ولو سبوا النبى صلى الله عليه وسلم قتل الساب ولو نالوه بما دونه عزروا إذا لم يكن شرط عليهم الكف الرابع: أن لا يتظاهروا بالمناكير كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات ولو تظاهروا بذلك نقض العهد وقيل لا ينقض بل يفعل معهم ما يوجبه شرع الإسلام من حد أو تعزيز الخامس: أن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوسا ولا يطلبوا بناء ويعزرون لو خالفوا ولو كان تركه مشترطا فى العهد انتقض السادس أن يجرى عليهم أحكام المسلمين وإذا خرقوا الذمة فى دار الإسلام كان الإمام ردهم إلى مأمنهم وهل لهم قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم قيل نعم وفيه تردد واذا أسلم بعد خرق الذمة قبل الحكم سقط الجميع عدا القود والحد واستعادة ما أخذ ولو أسلم بعد الاسترقاق أو المفاداة لم ترتفع ذلك عنه إذا مات الإمام وقد ضرب لما قرره من الجزية أمدا معينا أو اشترط الدوام وجب على القائم مقامه بعده امضاء ذلك وإن أطلق الأول كان للثانى تغييره بحسب ما يراه صالحا ثم قال وفى حكم الأبنية والنظر والبيع فى الكنائس والمساجد لا يجوز استئناف البيع والكنائس فى بلاد الإسلام ولو استجدت وجب إزالتها سواء كان البلد مما استجده المسلمون أو فتح عنوة أو صلحا على أن تكون الأرض للمسلمين ولا بأس بما كان قبل الفتح وما استجدوه فى أرض فتحت صلحا على أن تكون الأرض لهم وإذا انهدمت كنيسة مما لهم استدامتها جاز اعادتها وقيل لا إذا كانت فى أرض المسلمين وأما إذا كانت فى أرضهم فلا بأس وأما المساكن فكل ما يستجده الذمى لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من مجاوريه ويجوز مساواته على الأشبه ويقر ما ابتاعه من مسلم على علوه كيف كان ولو انهدم لم يجز أن يعلو به على المسلم ويقتصر على المساواة فيما دون وأما المساجد فلا يجوز أن يدخل المسجد الحرام اجماعا ولا غيره من المساجد عندنا ولو أذن لهم لم يصح الاذن استيطانا ولا اجتيازا ولا امتيارا ولا يجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور قيل المراد به مكة والمدينة وفى الاجتياز به والا متيار منه تردد ومن أجازه حدده بثلاثة أيام ولا جزيرة العرب وقيل المراد بها مكة والمدينة واليمن ومخالفيها وقيل هى من عدن إلى ريف عبادان طولا ومن تهامة وما ولاها الى اطراف الشام عرضا ثم قال
(1)
وفى المهادنة وهى المعاقدة على ترك الحرب مدة معينة وهى جائزة إذا تضمنت مصلحة للمسلمين أما لقلتهم عن المقاومة أو لما يحصل به الاستظهار أو لرجاء الدخول فى الاسلام مع التربص ومتى ارتفع ذلك وكان فى المسلمين قوة على الخصم لم يجز ويجوز الهدنة أربعة أشهر وقيل لا لقول الله تبارك وتعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وقيل نعم لقول الله عز وجل {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها} والوجه مراعاة الأصلح ولا تصح إلى مدة مجهولة ولا مطلقا إلا أن يشترط الامام لنفسه الخيار فى النقض متى شاء ولو وقعت الهدنة على ما لا يجوز فعله لم يجب الوفاء مثل التظاهر بالمناكير واعادة من يهاجر من النساء فلو هاجرت وتحقق إسلامها لم تعد لكن يعاد على زوجها ما سلم
(1)
شرائع الاسلام ج 1 ص 156 وما بعدها وص 152
إليها من مهر خاصة إذا كان مباحا ولو كان محرما لم يعد ولا قيمته.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب شرح النيل
(1)
وشفاء العليل من أن غير المسلمين يمنعون من المقام فى أرض الحجاز وهى مكة والمدينة واليمامة بل من جزيرة العرب وجاء فى السؤالات عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أنا برئ من مسلم مع مشرك قيل لما يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم لا تتراءى نارهما إلا عن حرب هذه تدعو إلى الله وهذه تدعو إلى الشيطان وأمر رسول صلى الله عليه وسلم باخراج اليهود من جزيرة العرب قال بعضهم جزيرة العرب ما بين حفر أبى موسى وأقصى اليمين فى الطول وأما العرض فمن جدة إلى أطوار الشام وقيل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجاز ومكة والطائف وهو قول مالك بن أنس وقيل كل ما ملكه العرب وقيل كل ما بلغه التوحيد لان النبى صلى الله عليه وسلم عربى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضى الله عنه أمرهم حين احتضر بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة ما إن سكت عنها واما ان قالها فنسيها ثم قال وان امتنعوا من أداء الجزية والتزام أحكام أهل الملة انتقض عهدهم وأن زنى أحد معهم بمسلمة أو أصابها بنكاح أو أى عينا للكفار أو دل على عورة المسلمين أو فتن مسلما عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق تنتقض ذمته ولا جزية على النساء والمماليك والصبيان والمجانين والشيوخ والرهبان والامراء ثم قال ولما اقتحم المسلمون حصن الاسكندرية وخاف المقوقس على نفسه ومن معه سأل عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنه الصلح ودعاه إليه على أن يفرض للعب على القبط دينارين على كل رجل فأجابه عمرو إلى ذلك وهو أمير العساكر على فتحها من قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ويعطى سلطانهم وأكابرهم كغيرهم وان دخل مشرك غير معط للجزية يتجر أرض الإسلام بأمان ولو استأمنه رجل واحد ترك وأخذ منك كما يؤخذ من تجار المسلمين وهو الزكاة فقط قبل ذلك وما ينوب فى اصلاح الطرق وغيرها بحسب المصالح يؤخذ من تجار المسلمين ذلك لما ذكر فيؤخذ مثل ذلك عن المشركين ان بان للمسلمين وامامهم ذلك المذكور مما يؤخذ من تجار المشركين قيل ويأخذ المسلمون ذلك وان بلا امام أو لم يأخذوا من تجار المسلمين شيئا لعدم دوران الحول للزكاة والذى فى الاصل أنه يجوز للامام بنظر أهل المشورة من المسلمين أن يأخذ ما ظهر لهم أو كان أهل الإسلام لا يدخلون أرض الشرك وان يبعد غياب هذا لتوهم أنه لما لم يطيقوا دخولها ببعدهم لم يدركوا عليهم شيئا فانه ولو لم يقدروا على أرضه لكن قدروا عليه وأما عدم القدرة بمجرد البعد فأقرب إلى الاخذ معه فالمراد فى قوله وان ببعد للحال فقط ففهم بالاولى حكم ما إذا انتفى الدخول لمانع أو لعدم القدرة أو الطاقة أو المؤنة ثم ظهر أن صاحب الأصل قال ان شاء المسلمون تركوه وان شاءوا أخذوا منه ما يأخذ المشركون من مسلم إذا دخل إليهم وقيل يأخذون ما ظهر لهم ولو كان المشركون لا يأخذون من المسلمين شيئا خوفا أو لعدم دخول المسلمين على البعد أو غيره وان دخل ذلك المشرك التاجر أرض الإسلام بلا أمن فعل معه الامام ما بان له من سبى وغنم.
(1)
شرح النيل ج 10 ص 411، 412، 413
اقامة الحدود
مذهب الحنفية
شرائط جواز اقامة الحد جاء فى بدائع
(1)
الصنائع أنه يشترط لجواز اقامة الحد أن يقيمه الامام أو من ولاه الامام لأن الحد حق الله تعالى اذا المقصود اخلاء العالم عن الفساد ولهذا لا يسقط باسقاط العبد فيستوفيه من هو نائب عن الشرع وهو الامام أو نائبه.
ولا يقيم المولى الحد على عبده الا باذن الامام لأن ولاية اقامة الحدود ثابتة للامام بطريق التعيين والمولى لا يساويه فليما شرع له بهذه الولاية فلا يثبت له ولاية الاقامة ولأن ولاية اقامة الحد انما تثبت للامام لمصلحة العباد وهى صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم والموالى لا يساوى الامام فى هذا المعنى لان ذلك يقف على الامامة والامام قادر على الاقامة لشوكته ومنعته وانقياد الرعية له قهرا وجبرا ولا يخاف تبعة الجناة واتباعهم لانعدام المعارضة بينهم وبين الامام وتهمة الميل والمحاباة والتوانى عن الاقامة منتفية فى حقه فيقيم على وجهها فيحصل الغرض المشروع له الولاية بيقين والمولى لا يساوى الامام فى تحصيل ما شرع له اقامة الحد فلا يزاحمه فى الولاية وللامام أن يستخلف على اقامة الحدود لأنه لا يقدر على استيفاء الجميع بنفسه لأن أسباب وجوبها توجد فى أقطار دار الإسلام ولا يمكنه الذهاب اليها وفى الاحضار الى مكان الامام حرج عظيم فلو لم يجز الاستخلاف لتعطلت الحدود وهذا لا يجوز ولهذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يجعل إلى الخلفاء تنفيذ الأحكام واقامة الحدود.
ويجوز للخليفة أن يقيم الحد اذا نص له الامام فى توليه على اقامة الحدود وكذلك اذا ولاه ولاية عامة مثل امارة أقليم أو بلد عظيم فان له ان يقيم الحدود وان لم ينص عليها لأنه لما قلده امارة البلد فقد فوض اليه القيام بمصالح المسلمين واقامة الحدود معظم مصالحهم فيملكها أما اذا ولاه الامام ولاية خاصة مثل جباية الخراج ونحو ذلك فانه لا يملك اقامة الحد لأن هذه التولية لم تتناول اقامة الحدود.
ولو استعمل أمير على الجيش الكبير فان كان أمير مصر أو مدينة فغزا بجنده فانه يملك اقامة الحدود فى معسكره لأنه كان يملك الاقامة فى بلده فاذا خرج بأهله أو ببعضهم ملك عليهم ما كان يملك فيهم قبل الخروج وأما من أخرجه أمير البلد غازيا فلا يملك اقامة الحد.
والامام العدل له أن يقيم الحدود وينقذ القضاء فى معسكره كما له أن يفعل ذلك فى المصر لأن للامام ولاية ثابتة على جميع دار الاسلام وكذا إذا استعمل قاضيا له أن يفعل ذلك فى المعسكر لانه نائب الامام .. وكذا يشترط لجواز اقامة الحدود أهلية أداء الشهادة للشهود عند الاقامة فى الحدود كلها حتى لو بطلت الأهلية بالفسق أو الردة أو الجنون أو العمى أو الخرس أو حد القذف بأن فسق الشهود أو ارتدوا أو جنوا أو عموا أو خرسوا أو ضربوا حد القذف كلهم أو بعضهم لا يقام الحد على المشهود عليه لأن اعتراض أسباب الجرح على الشهادة عند امضاء الحد بمنزلة اعتراضها عند القضاء به واعتراضها عند القضاء يبطل الشهادة فكذا عند الامضاء وأما موت الشهود وغيبتهم عند الاقامة فلا يمنعان من الاقامة فى سائر الحدود الا الرجم حتى لو ماتوا كلهم أو غابوا كلهم أو بعضهم يقام الحد على المشهود عليه إلا الرجم لأنهما ليسا من أسباب الجرح لأن أهلية الشهادة لا تبطل بالموت والغيبة بل تتناهى وتتقرر وتختم بها العدالة على وجه لا يحتمل الجرح وفى حد الرجم انما يمنعان الاقامة لا لأنهما يجرحان فى الشهادة بل لأن البداية من الشهود شرط جواز الاقامة ولم توجد وروى عن محمد فى الشهود
(1)
بدائع الصنائع ج 7 ص 57، 58 وفتح القدير ج 4 ص 129، ص 130
اذا كانوا مقطوعين الأيدى أو بهم مرض لا يستطيعون الرمى أن الامام يرمى ثم الناس.
وكذا يشترط لجواز اقامة الحد ألا يكون فى اقامة الجلدات خوف الهلاك لان هذا الحد شرع زاجرا لا مهلكا فلا يجوز الاقامة فى الحر الشديد والبرد الشديد لما فى الاقامة فيهما من خوف الهلاك ولا يقام على مريض حتى يبرأ لأنه يجتمع عليه وجع المرض وألم الضرب فيخاف الهلاك ولا يقام على النفساء حتى ينقضى النفاس لان النفاس نوع مرض ويقام على الحائض لأن الحيض ليس بمرض ولا يقام على الحامل حتى تضع وتطهر من النفاس لأن فيه خوف هلاك الولد والوالدة ويقام الرجم فى هذا كله الا على الحامل لأن ترك الاقامة فى هذه الأحوال للاحتراز عن الهلاك والرجم حد مهلك فلا معنى للاحتراز عن الهلاك فيه الا انه لا يقام على الحامل لأن فيه اهلاك الولد بغير حق.
كيفية اقامة الحد:
جاء فى الهداية وشروحها
(1)
أنه اذا وجب الحد وكان حد زنا وكان الزانى محصنا رجم بالحجارة حتى يموت لأن النبى صلى الله عليه وسلم رجم ما عزا وقد أحصن وقال فى الحديث المعروف زنا بعد إحصان وعليه إجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم ثم إذا كان الحد قد ثبت بشهادة الشهود برجمه ثم الامام ثم الناس كذا روى عن على رضى الله تعالى عنه ولأو الشاهد قد يتجاسر على الأداء ثم يستعظم المباشرة فيرجع فكان فى بدائته احتيال للدرء وابتداء الشهود بالرجم شرط جواز اقامة الحد حتى لو امتنع الشهود عن الابتداء سقط الحد عن المشهود عليه وكذا اذا ماتوا أو غابوا فى ظاهر الرواية لفوات الشرط وفى المبسوط عن أبى يوسف قال يؤمر الشهود بالبداية اذا كانوا حاضرين حتى اذا امتنعوا لا يقام الرجم فاذا ماتوا أو غابوا يقام الرجم هنا لأنه قد تعذر البداية بهم بسبب لا يلحقهم فيه تهمة فلا يمتنع اقامة الرجم هذا اذا كان الحد ثبت بالشهادة.
فان كان الحد ثبت باقرار ابتدأ الامام ثم الناس كذا روى عن على رضى الله تعالى عنه وروى رسول الله صلّى الله عليه وسلما لغامدية بحصاة مثل الحمصة وكانت قد اعترفت بالزنا وان لم يكن الزانى محصنا وكان حرا فحده مائة جلدة ويأمر الامام بضربه بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا لأن عليا رضى الله تعالى عنه لما أراد أن يقيم الحد كسر ثمرته والضرب المتوسط بين المبرح وغير المؤلم لإفضاء الأول الى الهلاك وخلو الثانى عن المقصود وهو الانزجاب وتنزع عنه ثيابه دون الإزار لأن عليا رضى الله تعالى عنه كان يأمر بالتجريد فى الحدود ولأن التجريد أبلغ فى ايصال الألم اليه وهذا الحد مبناه على الشدة فى الضرب ويفرق الضرب على أعضائه لأن الجمع فى عضو واحد قد يفضى الى التلف والحد زاجر لا متلف.
ولا يضرب على رأسه ووجهه وفرجه لقول النبى صلى الله عليه وسلم للذى أمره ضرب الحد اتق الوجه والمذاكر ولأن الفرج مقتل والرأس مجمع الحواس وكذا الوجه وهو مجمع المحاسن أيضا فلا يؤمن فوات شئ منها بالضرب وذلك اهلاك معنى فلا يشرع حدا.
وقال أبى يوسف رحمه الله تعالى يضرب الرأس أيضا ويضرب فى الحدود كلها قائما غير ممدود لقول على رضى الله تعالى عنه يضرب الرجال فى الحدود قياما ويضرب النساء قعودا ولأن مبنى اقامة الحد على التشهير والقيام أبلغ فيه وان كان عبدا جلده خمسين جلدة لقول الله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ} والمرأة لا ينزع من ثيابها الا الفرو والحشو لأن فى تجريدها كشف العورة والفرو والحشو يمنعان وصول الألم الى المضروب والستر حاصل بدونهما فينزعان وتضرب
(1)
فتح القدير وشرح الهداية ج 4 ص 121 وما بعدها
جالسة لقول على السابق ولأنه أستر لها وان حفر لها فى الرجم جاز لأن النبى صلى الله عليه وسلم حفر للغامدية الى ثندويتها (لحم الثديين» وحفر على رضى الله تعالى عنه لشراحه الهمدانية وان ترك الحفر لا يضره لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك وهى مستورة بثيابها والحفر أحسن لأنه أستر ويحفر الى الصدر ولا يحرف للرجل لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يحفر لما عز ولأن مبمى الإقامة على التشهير فى الرجال قال الكمال لا حاجة الى التخصيص بل الحد مطلقا مبنى على التشهير غير أنه يزداد فى شهرته فى حق الرجل لأنه لا يضره ذلك ويكتفى فى المرأة بالاخراج والاتيان بها إلى مجتمع الامام والناس وخصوصا فى الرجم وأما فى الجلد فقد قال الله تعالى {وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أى الزانية والزانى فاستحب أن يأمر الامام طائفة أى جماعة أن يحضروا اقامة الحد والربط والإمساك غير مشروع لأن ما عزا انتصب لهم قائما لم يمسك ولم يربط الا اذا لم يصبر وأعياهم فحينئذ يمسك ويربط فاذا هرب فى الرجم فان كان مقرا لا يتربع وترك وان كان مشهودا عليه اتبع ورجم حتى يموت لأن هربه رجوع ظاهر ورجوعه يعمل فى اقراره ثم قال الكمال وذكر الطحاوى صفة الرجم فى قوله أن يصفوا ثلاثة صفوف كصفوف الصلاة كلما رجمه صف تنحوا وفى حديث على فى قصة شراحة من رواية البيهقى وفيه أحاط الناس بها وأخذوا الحجارة قال:
ليس الرجم هكذا اذا يصيب بعضكم بعضا صفوا كصف الصلاة صفا خلف صف الى ان قال ثم رجمها ثم أمرهم فرجم صف ثم صف وجاء فى بدائع الصنائع
(1)
ان أشد حدود الجلد ضربا حد الزنا ثم حد الشرب ثم القذف لأن جناية الزنا أعظم من جناية الشرب والقذف وانما كان ضرب القذف أخف الضربين لوجهين.
الوجه الاول ان وجوده ثبت بسبب متردد لان القاذف يحتمل ان يكون صادق فى قذفه ولا حد عليه والوجه الثانى أنه انصاف اليه وارد الشهادة على التأييد فجرى فيه نوع تخفيف وينبغى أن يكون الجلاد عاقلا بصيرا بأمر الضرب ويضرب ضربة بين ضربتين ليس بالمبرح ولا بالذى لا يوجد فيه مس.
وكما يجرد الرجل فى حد الزنا فانه يجرد فى حد الشرب أيضا فى الرواية المشهورة وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه لا يجرد ووجه هذه الرواية أن ضرب الشرب أخف من ضرب الزنا فلا بد من اظهار آية التخفيف وذلك بترك التجريد ووجه الرواية المشهورة أنه قد جرى التخفيف فيه مرة فى الضرب فلو خفف فيه ثانيا بترك التجريد لا يحصل المقصود من الحد وهو الزجر ولا يجرد فى حد القذف بلا خلاف لأن وجوبه ثبت متردد محتمل فيراعى فيه التخفيف بترك التجريد كما روى فى أصل الضرب بخلاف حد الشرب لأن وجوبه ثبت بسبب لا تردد فيه.
مكان اقامة الحد:
جاء فى فتح
(2)
القدير أنه لا يصح أن يقام حد فى مسجد باجماع الفقهاء ولا تعزير إلا ما روى عن مالك رحمه الله تعالى من أنه لا بأس بالتأديب فى المسجد خمسة أسواط قال أبو يوسف أقام ابن أبى ليلى الحد فى المسجد فخطأه أبو حنيفة وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وشراء كما وبيعكم واقامة حدودكم وعمروها فى جمعكم وصفوا على أبوابها المطاهر ثم اذا كان الحد الذى يقام حد الزنا أخرج الامام من يقام عليه الحد الى أرض
(1)
بدائع الصنائع ج 7 ص 60 وما بعدها
(2)
فتح القدير ج 4 ص 129 وما بعدها
فضاء لأن فى الحديث الصحيح قال فرجمناه يعنى ما عزا بالمصلى وفى مسلم وأبى داود فانطقلنا به الى بقيع الفرقد لأن المصلى كان به اذ المراد مصلى الجنائز فيتفق الحديثان وأما ما فى الترمذى من قوله فأمر به فى الرابعة فأخرج الى الحرة فرجم بالحجارة فان لم يتأول على أنه اتبع حين هرب حتى أخرج الى الحرة والا فهو غلط لأن الصحاح والحسان متضافرة على أنه انما صار اليها هاربا لا أنه أذهب به اليها ابتداء ليرجم بها لأن الرجم بين الجدران يوجب ضررا من بعض الناس لبعض.
مذهب المالكية:
جاء فى - شرائط جواز اقامة الحد.
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى
(1)
أن الحاكم هو الذى يقيم حد الزنا رجما أو جلدا دون غيره وكذا السيد فى رقيقه ان لم يتزوج رقيقه الذكر والأنثى بغير ملكه بأن لم يتزوج أصلا أو تزوج بملكه فان تزوج بغير ملكه بأن تزوج بحر أو بمملوك غير السيد لم يقمه الا الحاكم ومحل اقامة الحاكم أو السيدان ثبت الزنا بغير علم الحاكم أو السيد بان ثبت باقرار أو ظهور حمل أو بأربعة عدول ليس الحاكم أحدهم ان أقامه الحاكم وليس السيد أحدهم ان اقامه السيد وتكفى شهادة السيد عند الحاكم والعكس ومثل حد الزنا فى ذلك حد الخمر والقذف لا السرقة فلا يقيمها الا الحاكم فإن قطعه سيده أدب للافتيات على الحاكم ثم أن السيد لا يقيم على رقيقه الا الجلد دون الرجم واذا ثبت الزنا بعلم السيد فليس له أن يقيم احد على العبد وانما يقيمه الحاكم وفى تلك الحالة تكفى شهادة السيد عند الحاكم وكذا اذا ثبت الزنا على شخص بعلم الحاكم فلا يقيم الحاكم الحد على ذلك الزانى بل يرفع الأمر لحاكم اخر أو لجماعة المسلمين أو للسيد اذا كان له حده وتكفى شهادة الحاكم مع غيره من العدول وانما منع السيد من اقامة حد السرقة على عبده واختص باقامته الحاكم دون السيد لئلا يمثل الناس برقيقهم ويدعون سرقتهم وهذا لا يتأتى فى غير السرقة لأن حد السرقة فيه تمثيل بالقطع بخلاف غيره وجاء فى الخطاب أنه قال فى مختصر عيون المجالس يستحب للامام أن يحضر فى اقامة الحد فى الزنا طائفة من المؤمنين كما قال الله تعالى {وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وكذا يستحب للسيد فى اقامة الحد على عبده وأمته احضار طائفة من المؤمنين والطائفة أربعة فصاعدا والفائدة فى ذلك أنه ان قذفه قاذفه وطالبه بحد قاذفه أمكن قاذفه من التخلص من ذلك وباحضار من شهد حده.
وفى الحطاب
(2)
قال ابن عسكر ولا يقيم الحد على الاحرار الا السلطان وليشهد عذابهما طائفة من المسلمين.
وجاء فى حاشية الدسوقى
(3)
تؤخر الزانية ذات الحيض المتزوجة أو السرية بالرجم أو الجلد لحيضة فقط بعد الزنا خشية أن يكون بها حمل من زوجها أو سيدها فان كانت ظاهرة الحمل أخرت لوضعه ووجود من يرضع الطفل أما غير ذات الأزواج والسيد فلا تؤخر الا اذا ظهر بها حمل وتؤخر لوضعه ووجود مرضع أو مكث ماء الزنا فى رحمها أربعين يوما ولم ترحيضا وتؤخر لحيضة لئلا تكون حملت من الزنا ولا تؤخر الآية وكذا ينتظر بالجلد اعتدال الهواء فلا يجلد فى برد أو حر مفرطين خوف الهلاك.
(1)
الحطاب ج 6 ص 295 وما بعدها وحاشية الدسوقى باب حد الزنا
(2)
المرجع السابق من الحطاب ج 6 ص 295 وما بعدها
(3)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 322، 323 وما بعدها
كيفية اقامة الحد:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى أن حدود الزنا والقذف والشرب تكون بسوط جلد له رأس لين لا رأسان لا بقضيب وشراك ودرة ودرة عمر رضى الله تعالى عنه انما كانت للتأديب ويقبض الضارب به عليه بالخنصر والبنصر والوسطى دون السبابة والابهام بل يقبضهما فوق الوسط فارغين ويخرج السوط من بين السبابة والوسطى وضرب ضربا معتدلا متوسطا بين ضربين لا شديدا ولا خفيفا ويكون المضروب قاعدا فلا يحد على ظهره ولا بطنه بلا ربط الا أن يضطرب المضروب اضطرابا لا يصل له الضرب فى موضعه فيربط بلا شد ويكون الضرب على ظهره وكتفيه لا على غير ويجرد الرجل ما عدا بين السرة والركبتين والمرأة تجرد مما يقى ألم الضرب من الثياب الغليظة بأن تلبس ثوبا واحدة رقيقا وندق جعلها حال الضرب فى قفه فيها تراب يبل بماء ستر ويوالى الضرب عليها ولا يفرق الا لخوف الهلاك عليها فيفرق.
مذهب الشافعية:
شرائط جواز اقامة الحد.
جاء فى المذهب
(1)
أنه لا يقيم الحدود على الأحرار الا الامام أو من فوض اليه الامام لأنه لم يقم حد على حر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بإذنه ولا فى أيام الخلفاء الا باذنهم ولأنه حق الله تعالى يفتقر الى الاجتهاد ولا يؤمن فى استيفائه الحيف فلم يجز يغير اذن الامام ولا يلزم الامام أن يحض: ر اقامة الحد ولا أن يبتدئ بالرجم لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر برجم جماعة ولم ينقل أنه حضر بنفسه ولا أنه رماهم بنفسه فان ثبت الحد على عبد باقراره ومولاه حر مكلف عدل فله أن يجلده فى الزنا والقذف والشرب لما روى على كرم الله وجهه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم وقال عبد الرحمن بن أبى ليلى أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم فى مجالسهم اذا زنت وهل له أن يغربه؟ فيه وجهان أحدهما أنه لا يغرب الامام لما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «اذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم اذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم اذا زنت الثالثة فتبين زناها فليبيعها ولو بجعل من شعير» فأمر بالجلد دون النفى.
والوجه الثانى وهو المذهب أن له أن يغرب لحديث على كرم الله وجهه ولان ابن عمر رضى الله تعالى عنه جلد أمة له زنت ونفاها الى فدك ولان من ملك الجلد ملك النفى كالامام وان ثبت عليه الحد بالبينة ففيه وجهان.
أحدهما أنه يجوز أن يقيم عليه الحد وهو المذهب لأنا قد جعلناه فى حقه كالامام وكذلك فى اقامة الحد عليه بالبينة.
والثانى أنه لا يجوز لأنه يحتاج الى تزكية الشهود وذلك إلى الحاكم فعلى هذا اذا ثبت عند الحاكم بالبينة جاز للسيد أن يقيم الحد من غير اذنه وهل له أن يقطعه فى السرقة وجهان: أحدهما أنه لا يملك من جنس القطع ويملك من جنس الجلد وهو التعزيز والثانى أنه يملك وهو المنصوص فى البويطى حديث على كرم الله وجهه ولأن ابن عمر رضى الله تعالى عنه قطع عبدا له سرق وقطعت عائشة رضى الله تعالى عنها أمة لها سرقت ولأنه حد فملك السيد اقامته على مملوكه كالجلد على العبد وعلى قول من منع من القطع يحب أن لا يجوز له القتل والصحيح أن له أن يقتله لأن حفصة رضى الله تعالى عنها قتلت أمة لها سحرتها والقتل بالسحر لا يكون الا فى كفر ولأنه
(1)
المهذب ج 2 ص 269، 270 والمهذب ج 2 ص 11
حد فملك المولى اقامته على المملوك كسائر الحدود وان كان المولى فاسقا ففيه وجهان.
احدهما أنه يملك اقامة الحد لأنه ولاية تثبت بالملك فلم يمنع الفسق منها كتزويج الأمة.
والثانى أنه لا ينكله لأنه ولاية فى اقامة الحد فمنع الفسق منها كولاية الحاكم وان كانت امرأة فالمذهب أنه يجوز لها اقامة الحد لأن الشافعى استدل بأن فاطمة رضى الله عنها جلدت أمة لها زنت وقال أبو على ابن أبى هريرة لا يجوز لها لأنها ولاية على الغير فلا تملكها المرأة كولاية التزويج فعلى هذا فيمن يقيمه وجهان.
أحدهما أنه يقيم وليها فى النكاح قياسا على تزويج أمتها.
والثانى أنه يقيم عليها امام لأن الأصل فى اقامة الحد هو الامام فاذا سقطت الولاية المولى ثبت الأصل وان كان للمولى
(1)
مكاتب ففيه وجهان.
أحدهما ليس من أهل أنه لا يملك اقامته لأنه طريقه الولاية والمكاتب ليس من أهل الولاية ومن أصحابنا من قال أنه يقيم الحد كما يملك الحر فى عبده وله أن يقتص فى الجناية عليه وعلى رقيقه.
كيفية اقامة الحد:
جاء فى المهذب
(2)
أنه يستحب أن يحضر اقامة الحد جماعة لقول الله عز وجل «وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» والمستحب أن يكونوا أربعة لأن الحد يثبت بشهادتهم فان كان الحد هو الجلد وكان صحيحا قويا والزمن معتدل أقام الحد ولا يجوز تأخيره فان الفرض لا يجوز تأخيره من غير عذر ولا يجرد ولا يمد لما روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه قال ليس فى هذه الأمة مد ولا تجريد ولا غل ولا صفد ويفرق الضرب على الأعضاء ويتوفى الوجه والمواضع المخوفة لما روى هنيدة بن خالد الكندى أنه شهد عليا كرم الله وجهه أقام على رجل حدا وقال للجلاد اضربه واعط كل عضو منه حقه واتق وجهه ومذاكيره وعن عمر أنه أتى بجارية قد فجرت فقال اذهبا بها واضرباها ولا تمزقا لها جلدا ولأن القصد الردع دون القتل وان كان الحر شديد أو البرد شديد أو كان مريضا يرجى برؤه أو كان مقطوعا أو أقيم عليه حد آخر ترك الى أن يعتدل الزمان ويبرأ من المرض أو القطع ويسكن ألم الحد لأنه اذا أقيم عليه الحد فى هذه الأحوال أعان على قتله وان كان نضو الخلق لا يطيق الضرب أو مريضا لا يرجى برؤه جمع مائة شمراخ فضرب به دفعة واحدة لما روى سهل بن حنيف أنه أخبره بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه اشتكى رجل منهم حتى أضى فدخلت عليه جارية لبعضهم فوقع عليها فلما دخل رجال عليه من قومه يعودونه ذكر لهم ذلك وقال استفتوا لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ما رأينا بأحد من الضر، مثل الذى هو به لو حملناه اليك يا رسول الله لتفسخت عظامه ما هو الا جلد على عظم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة ولأنه لا يمكن ضربه بالسوط لأنه يتلف به ولا يمكن تركه لأنه يؤدى الى تعطيل الحد.
قال الشافعى رحمه الله تعالى ولأنه اذا كانت الصلاة تختلف باختلاف حاله فالحد أولى وان وجب الحد على امرأة حامل لم يقم عليها الحد حتى تضع وان اقيم الحد على الحال التى لا تجوز فيها اقامته فهلك منه لم يضمن لان الحق قتله وان أقيم فى الحال التى لا تجوز اقامته فان كانت حاملا فتلف منه الجنين
(1)
المهذب ج 2 ص 11
(2)
المهذب ج 2 ص 270، 271 وما بعدها
وجب الضمان لانه مضمون فلا يسقط ضمانه بجناية غيره وان تلف المحدود فقد قال اذا أقيم الحد فى شدة حر أو برد فهلك لا ضمان عليه وقال فى الام اذا ختن فى شدة حر أو برد وجبت على عاقلته الدية فمن أصحابنا من نقل جواب كل واحدة من المسألتين الى الاخرى وجعلها على قولين أحدهما لا يجب لانه هلك من حد والثانى أنه يجب لانه مفرط ومنهم من قال لا يجب الضمان فى الحد لأنه منصوص عليه ويجب الختان لأنه ثبت بالاجتهاد وإن قلنا إنه يضمن ففى القدر الذى يضمن وجهان أحدهما أنه يضمن جميع الدية لانه مفرط والثانى أنه يضمن من نصف الدية لأنه مات من واجب محظور فسقط النصف ووجب النصف وان
(1)
وجب التغريب نفى الى مسافة يقصر فيها الصلاة لأن ما دون ذلك فى حكم الموضع الذى كان فيه من المنع من القصر والفطر والمسح على الخف ثلاثة أيام فان رجع قبل انقضاء المدة رد الى الموضع الذى نفى اليه فان انقضت المدة فهو بالخيار بين الاقامة وبين العود الى موضعه وان رأى الامام أن ينفيه الى أبعد من المسافة التى يقصر فيها الصلاة كان له لان عمر رضى الله تعالى عنه الى مصر وان رأى أن يزيد على سنة لم يجز لان السنة منصوص عليها والمساقة مجتهد فيها وحكى عن أبى ليلى عن أبى هريرة أنه قال يغرب الى حيث ينطلق عليه اسم الغربة وان كان دون ما نقصر اليه الصلاة لأن القصد تعذبيه بالغربة وذلك يحصل بدون ما تقصر اليه الصلاة ولا تغرب المرأة الا فى صحبة ذى رحم محرم أو أمرأة ثقة فى صحبة مأمونة وان لم تجد ذا رحم محرم ولا أمرأة ثقة يتطوع بالخروج معها استؤجر من يخرج معها ومن أين يستاجر فيه وجهان من أصحابنا من قال يستأجر من مالها لأنه حق عليها فكانت مؤنتة عليها وان لم يكن لها مال استؤجر من بيت المال ومن أصحابنا من قال يستأجر من بيت المال لأنه حق الله عز وجل فكانت مؤنته من بيت المال فان لم يكن من بيت المال ما يستأجر به استؤجر من مالها وكان الحد رجما وكان صحيحا والزمان معتدل رحم لأن الحد لا يجوز تأخيره من غير عذر وان كان مريضا مرضا يرجى زواله أو الزمان مسرف الحر أو البرد ففيه وجهان.
أحدهما أنه لا يؤخر رجمه لأن القصد قتله فلا يمنع الحر والبرد والمرض منه.
والثانى أنه يؤخر لأنه ربما رجع فى خلال الرجم وقد أثر فى جسمه الرجم فيعين الحر والبرد والمرض على قتله وان كان امرأة حاملا لم ترجم حتى تضع لأنه يتلف به الجنين فان كان المرجوم رجلا لم يحفر له لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يحفر لما عز ولانه ليس بعورة وان كان امرأة حفر لها لما روى بريدة قال جاءت امرأة من غامد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترفت بالزنا فأمر فحفر لها حفرة الى صدرها ثم أمر برجمها لأن ذلك أستر لها وان هرب المرجوم من الرجم فان الحد ثبت بالبينة اتبع ورجم لأنه لا سبيل الى تركه وان ثبت بالاقرار لم يتبع لما روى أبو سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه قال جاء ما عز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان الآخر زنا وذكر الى أن قال اذهبوا بهذا فارجموه فأتينا به مكانا قليل الحجارة فلما رميناه اشتد من بين أيدينا يسعى فتتبعناه فأتى بنا حرة كثيرة الحجارة فقام ونصب نفسه فرميناه حتى قتلناه ثم اجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله فهلا خليتم عنه حين سعى من بين أيديكم وان وقف
(1)
المهذب ج 2 ص 271، ص 287، 288 وما بعدها والشرح الكبير ج 10 ص 126 وما بعدها.
وأقام على الاقرار رجم وان رجع عن الأقرار لم يرجم لأن رجوعه مقبول وبالله التوفيق.
مكان اقامة الحد:
جاء فى المهذب
(1)
أنه لا يقام الحد فى مسجد لما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن اقامة الحد فى المسجد ولأنه لا يؤمن أن يشق الجلد بالضرب فيسيل منه الدم أو يحدث من شدة الضرب فينجس المسجد وان أقيم الحد فى المسجد سقط الفرض لأن النهى لمعنى يرجع الى المسجد لا الى الحد فلم يمنع صحته كالصلاة فى الارض المغصوبة.
مذهب الحنابلة:
شرائط اقامة الحد جاء فى الشرح
(2)
الكبير أنه لا يجوز أن يقيم الحد الا الامام أو نائبه لان حق الله تعالى يفتقر الى الاجتهاد ولا يؤمن من استيفائه الحيف فوجب تفويضه نائب الله تعالى فى خلقه ولان النبى صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحد فى حياته وخلفاؤه من بعده ولا يلزم حصور الامام اقامته لان النبى صلى الله عليه وسلم قال واغد يا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها وأمر برجم ما عز ولم يحضر وأتى بسارق فقال اذهبوا به فاقطعوه وجميع الحدود فى هذا سواء حد القذف وغيره لأنه لا يؤمن فيه الحيف والزيادة على الواجب ويفتقر الى الاجتهاد فأشبهه سائر الحدود الا السيد فان له اقامة الحد بالجلد خاصة على رقيقه القن وهل له القتل فى الردة والقطع فى السرقة على روايتين وجملة ذلك أن للسيد اقامة الحد بالجلد على رقيقه القن فى قول أكثر العلماء وروى نحو ذلك على وابن مسعود وابن عمر وأبو حميد وأبو أسعد الساعدين وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما روى عن أبى هريرة عن صلى الله عليه وسلم من أنه قال اذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها .. الخ الحديث وما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من أنه قال وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ولأن السيد يملك تأديب أمته وتزويجها فملك اقامة الحد عليها كالسلطان .. وان ثبت الحد بعلم السيد فله اقامته نص عليه ويحتمل أن لا يملك كالامام فقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله تعالى فى ذلكف روى عنه أن السيد لا يقيمه بعمله لان الامام لا يقيمه بعلمه فالسيد أولى ولأن ولاية الامام للحد أقوى من ولاية السيد لكونها متفقا عليها وثابتة بالاجماع فاذا لم يثبت الحد فى حقه بالعلم فها هنا أولى وعن أحمد رواية أخرى أنه يقيمه بعلمه لأنه قد ثبت عنده فملك اقامته كما لو أقر به ولأنه يملك تأديب عبده بعلمه وهذا يجرى مجرى التأديب ويفارق الحاكم لأن الحاكم متهم لا يملك محل اقامته وهذا بخلافه وهذا ظاهر المذهب وجاء فى المغنى أنه لا يقام الحد على حامل حتى تضع سواء كان الحمل من زنا أو غيره لا نعلم فى هذا خلافا قال ابن المنذر أجمع أهل العلم علي أن الحامل لا ترجم حتى تضع وقد روى بريدة أن امرأة من بنى غامد قالت يا رسول الله طهرنى قال: وما ذاك؟ قالت انها حبلى من زنا قال أنت؟ قالت نعم فقال لها ارجعى حتى تضعى ما فى بطنك وان كان (3) الحد جلدا فاذا وضعت الولد وانقطع النفاس وكانت قوية يؤمن تلفها أقيم عليها الحد وان كانت فى نفاسها أو ضعيفة يخاف تلفها لم يقم عليها الحد حتى تطهر وتقوى وذكر القاضى أنه ظاهر كلام الخرقى وذلك لما روى عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال ان أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرنى بجلدها فاذا هى
(1)
المهذب ج 2 ص 287، 288 وص 271 والشرح الكبير ج 10 ص 126 وما بعدها.
(2)
المغنى لابن قدامة ج 10 ص 121، ص 126 وص 138، 142، ص 140.
عهد لا حديثه عهد بنفاس فخشيت ان أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت رواه مسلم والنسائى وأبو داود ولفظه قال فأتيته فقال يا على أفرغت فقلت آتيتها ودمها يسيل فقال دعها حتى ينقطع عنها الدم ثم أقم عليها الحد والمريض على ضربين أحدهما يرجى برؤة فقال أصحابنا يقام عليه الحد ولا يؤخر كما قال أبو بكر فى النفساء وهذا قول اسحق وأبى ثور لأن عمر رضى الله تعالى عنه أقام الحد على قدامة بن مضعون فى مرضه ولم يؤخره وانتشر ذلك فى الصحابة فلم ينكروه فكان اجماعا ولأن الحد واجب فلا يؤخر ما أوجب الله بغير حجة قال القاضى وظاهر قول الخرقى تأخيره لقوله فيمن يجب عليه الحد وهو صحيح عاقل لحديث على رضى الله عنه فى التى هى حديثة عهد بنفاس وما ذكرناه من المعنى وأما حديث عمر فى جلد قدامة فانه يحتمل أنه كان مريضا مرضا خفيفا لا يمنع من اقامة الحد على الكمال ولهذا لم ينقل عنه أنه خفف عنه فى سوط وانما اختار له سوطا وسطا كالذى يضرب به الصحيح ثم انه فعل النبى صلى الله عليه وسلم يقدم على فعل عمر مع أنه اختيار على وفعله كذلك الحكم فى تأخيره لأجل الحر والبلاد والمفرط والضرب الثانى المريض الذى لا يرجى برؤه فهذا يقام عليه فى الحال ولا يؤخر بسوط يؤمن معه التلف كالقضيب الصغير وشمراخ النخل فان خيف عليه من ذلك جمع ضغث فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة لما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن رجلا منهم اشتكى حتى ضنى فدخلت عليه امرأة فهش لبها فوقع بها فسئل له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه ضربة واحدة ولا يجوز جلدا تاما لأنه يفضى الى اتلافه فتعين ما ذكرناه وفى المغنى أنه لا يقام الحد على السكران حتى يصحو روى هذا عن عمر بن عبد العزيز والشعبى وبع قال الثورى لأن المقصور الزجر والتنكيل وحصوله باقامة الحد عليه فى صحوه ثم فينبغى أن يؤخر اليه.
كيفية اقامة الحد:
جاء فى الشرح الكبير
(1)
أن الرجل يضرب قائما وقد روى حنبل أنه يضرب قاعدا لأن الله تعالى لم يأمر بالقيام ولأنه مجلود فى حد أشبه المرأة ويدل لنا قول على رضى الله عنه لكل موضع من الحد حظ الوجه والفرج وقال للجلاد أضرب وأوجع واتق الرأس والوجه ولأن قيامه وسيلة الى اعطاء كل عضو حظه من الضرب وقوله ان الله لم يأمر بالقيام قلنا ولم يأمر بالجلوس ولم يذكر الكيفية فعلمناها من دليل آخر ولا يصح قياس الرجل على المرأة فى هذا لأن المرأة يقصد سترها ويخشى هتكها اذا ثبت هذا فانه يضرب بسوط وحكى عن بعضهم أن حد الشرب يقام بالأيدى والنعال وأطراف الثياب لما روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب فقال أضربوه قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه.
والدليل على أن الضرب يكون بالسوط أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا شرب الخمر فاجلدوه والجلد إنما يفهم من اطلاقه الضرب بالسوط والخلفاء الراشدون ضربوا فيه بالسياط وكذلك غيرهم فصار اجماعا ولأنه ضرب فى حد فكان بالسوط كغيره فأما حديث أبى هريرة فكان فى بدء الاسلام ثم جلد النبى صلى الله عليه وسلم واستقرت الأمور فقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وجلدا أبو بكر رضى الله عنه أربعين وجلدا
(1)
المغنى لابن قدامة ظ ص 335، 127، 128، 129 وما بعدها
عمر رضى الله تعالى عنه ثمانين وفى حديث ابن عمر ائتونى بسوط فجاءه أسلم مولاه بسوط دقيق فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال لأسلم ائتنى بسوط غير هذا فلما أتاه به تاما فأمر عمر رضى الله تعالى عنه بقدامة فجلد اذا ثبت هذا فان السوط يكون وسطا لا حديدا فيجرح ولا خلعا فلا يؤلم لما روى أن رجلا اعترف عند النبى صلى الله عليه وسلم فأتى بسوط مكسور فقال فوق هذا فأتى بسوط حديد لم يكسر بموته فقال بين هذين رواه مالك عن زيد بن مسلم مرسلا وروى عن أبى هريرة مسندا وقد روى عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال وضرب بين ضربين وسوط بين سوطين عنى وسطا لا شديد فيقتل ولا ضعيف فلا يردع ثم قال صاحب الشرح ولا يمد ولا يربط ولا يجرد.
قال ابن مسعود رضى الله عنه ليس فى ديننا مد ولا قيد ولا تجريد وجلد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينقل عن أحد منهم مد ولا قيد ولا تجريد بل يكون عليه القميص القميصان وان كان عليه فرو أوجبة محشوة نزعت لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب قال أحمد رحمه الله تعالى لو تركت عليه ثياب الشتاء ما بالى بالضرب ودليلنا قول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه ولم نعلم عن أحد من الصحابة خلافه والله سبحانه وتعالى لم يأمر بتجريده وانما أمر بجلده ومن جلد من فوق الثوب فقد جلد ثم قال ولا يبالغ فى ضربه بحيث يشق الجلد لأن المقصود أدبه لاهلاكه ويفرق الضرب على أعضائه وجسده فيأخذه كل عضو منه حصته ويكثر منه فى مواضع اللحم كالإيتين والفخذين ويتقى المقاتل وهو الرأس والفرج من المرأة والرجل جميعا لقول على رضى الله تعالى عنه الكل موضع من الجسد حظ الا الوجه والفرج لأن ما عدا الأعضاء الثلاثة ليس بمقتل فأشبه الظهر ولأن الرأس مقتل فأشبه الوجه ولأنه ربما أدى فى رأسه الى ذهاب سمعه أو بصره أو عقله أو قتله والمقصود أدبه لا قتله والمرأة كذلك فيما ذكرنا من صفة الجلد الا أنها تضرب جالسة وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف وذلك لقول على رضى الله تعالى عنه ويفارق اللعان فانه لا يؤدى الى كشف العورة وما عدا الأعضاء الثلاثة.
مكان إقامة الحد:
جاء فى الشرح الكبير
(1)
أن إقامة الحدود لا تكون فى المساجد لما روى حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد فى المسجد وأن ينشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود لأنه لا يؤمن أن يحدث من الحدود شئ يتلوث به المسجد فان أقيم فيه سقط الفرض لحصول المقصود وهو الزجر ولأن المرتكب للنهى غير المحدود فلم يمنع ذلك سقوط الفرض عنه كما لو اقتص فى المسجد وجاء فى المغنى: من قتل أو أتى حدا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فانه لا يبايع ولا يشارى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد، ومن انتهك حرمة الحرم بجناية توجب حدا أو قصاص فإنه يقام عليه حدها لا نعلم فيه خلافا، وقد روى الأثرم باسناده عن ابن عباس أنه قال: من أحدث حدثا فى الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه من شئ وقد أمر الله تعالى بقتال من قاتل فى الحرم فقال تعالى: {وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} ، فاباح قتلهم عند قتالهم فى الحرم ولأن أهل الحرم يحتاجون ألى الزجر عند ارتكاب المعاصى كغيرهم حفظا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم فلو لم يشرع الحد فى حق ما ارتكب الحد فى الحرم لتعطلت حدود الله تعالى فى حقهم وفاتت هذه المصالح التى لا بد منها ولا يجوز الاخلال بها ولأن الجانى فى الحرم هاتك لحرمته فلا ينتهك الحرم لتحريم ذمته
(1)
الشرح الكبير لا بن قدامة ج 10 ص 127، ص 236، 237، 238 وما بعدها.
وصيانته بمنزلة الجانى فى دار الملك يعصم لحرمه الملك بخلاف الملتجئ إليها بجناية لا صدرت منه فى غيرها فأما حرم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يمنع إقامة حد وقصاص لأن النص انما ورد فى حرم الله تعالى وحرم المدينة دونه فى الحرمة فلا يصح قياسه عليه وكذلك سائر البقاع لا تمنع من استيفاء حق ولا إقامة حد لأن أمر الله تعالى باستيفاء الحقوق وإقامة الحد مطلق فى الأمكنة والأزمنة خرج منها الحرم لمعنى لا يكفى فى غيره لأنه محل الانساك وقبلة المسلمين وفيه بيت الله المحجوج وأول بيت وضع للناس ومقام ابراهيم وآيات بينات فلا يلتحق به سواه ولا يقاس عليه ما ليس فى معناه.
مذهب الظاهرية:
شراط اقامة الحد جاء فى المحلى
(1)
أنه إنما أمر الله تعالى ورسول صلى الله عليه وسلم الأئمة وو لا تهم باقامة المذكورة على من جناها وبيقين الضرورة ندرى أن الله تعالى لم يأمرهم من ذلك إلا إذا ثبت ذلك عندهم وصح يقينا أن لكل زنا بزنية وكل قذف وكل عارية يحجدها قبل علم الامام بذلك فلم يجب عليه فيه شئ.
كيفية إقامة الحد:
جاء فى المحلى
(2)
ذكر ابن حزم اختلاف الأئمة فى كيفية إقامة الحد ثم قال إن الله تعالى لو أراد أن يكون إقامة الحد على حال لا يتعدى من قيام أو قعود أو فرق بين رجل أو أمرأة لبينه على لسان رسول عليه السلام، وليس من بين النصوص نص على شئ من هذا فصح أن الجلد فى الزنا والقذف فى الخمر والتعزير يقام كيف ما تيسر على المرأة والرجل قياما وقعودا فان امتنع أمسك ان دفع بيديه الضرب عن نفسه مثل أن يلقى الشئ الذى يضرب به فيمسكه أمسكت يداه.
مكان إقامة الحد:
جاء فى المحلى
(3)
أن الحدود لا تقام فى المساجد لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تقام الحدود فى المساجد ولا يقتل بالولد الوالد.
مذهب الزيدية:
شرائط إقامة الحد، جاء فى التاج
(4)
المذهب أنه إنما يختص الامام بولاية الحدود بشرطين وهما أن يكون وقع سببها فى زمن ومكان يليه فلو زنى قبل ولا ية الامام أو فى المكان الذى لا تنفذ أوامر الامام فيه لم يلزمه الحد .. ويجب على مقيم الحد سواء كان الامام أو نائبه استفصال كل المسقطات للحد فيسأل مثلا إذا كان عن زنا عن عين الفعل وكيفيته وهل هو فى زمن إمام وبلد ولا يته وعن عدالة الشهود وصحة عقولهم وأبصارهم وهل بينهم والمشهود عليه عداوة وهل المشهود عليه مكره أو مختار له شبهة وهل هو حر أو عبد محصن.
وعلى الجملة يستفصل كل مسقط فان قصر مقيم الحد فى شئ من ذلك فأقام الحد من دول استفصال ثم تبين أن المرجوم المحصن نكاحه فاسد أو ذاهب العقل أو نحوها ضمن ذلك المتولى لا قائمة الحد ما كان قد وقع بسبب تقصيره فى الاستفصال من أرش أو دية من ماله إن تعمد عدم الاستفصال وينعزل عن الامامة أو القضاء ولا يقتص منه بحال، وأما المأمور بالرجم أو الجلد فلا شئ عليهم لأنهم كالحاكم إذا ألجأ إلى شئ، وإن لم يتعمد المتولى التقصير بل
(1)
المحلى لا بن حزم ج 11 ص 134 وما بعدها.
(2)
المحلى لا بن حزم ج 11 ص 182، 169
(3)
المرجع السابق ص 11 ص 123
(4)
التاج المذهب ج 4 ص 207، ص 223
كان على وجه الخطأ فبيت المال يلزم فيه الضمان من أرش او دية ولا يكون على عاقلته لأنه يؤدى إلى الاضرار بهم لكثرة الخطأ من المتولى، ولا على الشهود لأنه كان يجب عليه البحث وإذا لم يعقل فانهم غير ملجئين له فلهذا لم يضمنوا فان كان الحاكم سئل عن حاله فقامت الشهادة بأنه عاقل أو بأنه حر أو نحو ذلك ثم بان خلافه وجبت الدية على هؤلاء الشهود الآخرين والمراد حصة شهود الاحصان من الدية الثلث حيث يكونون غير شهود الزنا وإن كانوا شهود الزنا فكل الدية عليهم .. ولا يقام الحد فى الشرب أو غيره الا بعد الصحو من السكر لأنه يكون كالمجنون ولأنه لا يتألم ولتجويز أن تكون له شبه تسقط الحد.
كيفية اقامة الحد:
جاء فى التاج المذهب
(1)
أنه يندب ضرب الرجل قائما ليصل إلى جميع اعضائه ولا تشديده إلى عنقه بل ترسل عند الضرب وكذا لا تقيد رجلاه ويمد على بطنه، وحكم المرأة فيما عدا القيام كالرجل لأن ذلك أقرب إلى وصول الضرب إلى جميع البدن، وأما المرأة ولو أمة فالمندوب أن تكون حال الضرب قاعدة وعندها امرأة أو محرم لها لرد ما ينكشف من الثياب لئلا تنكشف عورتها، وأما الضرب فلا يتولاه إلا رجل إذا ليس من شأن النساء.
مكان إقامة الحد:
جاء فى التاج المذهب
(2)
أن الحدود يجب إقامتها فى كل موضع غير مسجد على الامام وعلى واليه.
مذهب الإمامية:
شرائط إقامة الحد:
جاء
(3)
فى الروضة البهية أن الامام هو الذى يقيم الحد إذا كان المحدود حرا أما إذا كان عبدا فقد قال فى كتاب
(4)
الخلاف أن للسيد أن يقيم على ما ملكت يمينه بغير إذن الامام سواء كان عبدا أو أمة مزوجة كانت الأمة أو غير مزوجة وبه قال ابن مسعود وابن عمر وأبو بردة وفاطمة وعائشة وحفصه وفى التابعين الحسن البصارى وعلقمة والأسود وذلك لا جماع الفرقة وأخبارهم وأيضا روى عن على بن أبى طالب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم وروى سعيد بن أبى سعيد المقرى عن ابيه.
كيفية إقامة الحد:
جاء فى الروضة البهية
(5)
: أنه إذا ثبت الزنا بشرطه وجب الحد على الزانى وهو أقسام ثمانية وهى القتل بالسيف وهو للزانى بالمحرم، والرجم ويجب على المحصن، والأقرب فى الرجم أنه يجمع بينه وبين الجلد فى المحسن وإن كان شابا جمعا بين دليل الآية والروآية وقيل إنما يجمع بينهما على المحصن إذا كان شيخا وشيخة وغيرهما يقتصر فيه على الرجم، وفى كلام على عليه السلام حين جمع للمرأة بين الرجم والجلد قال: حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث يجمع بينهما، فيبدأ بالجلد أولا وجوبا لتحقيق فائدته، ولا يجب الصبر به حتى يبرأ جلده على الأقوى للأصل وإن كان التأخير أقوى فى الزجر وقد روى أن عليا عليه السلام جلد المرأة يوح الخميس ورجمها يوم الجمعة، وكذا القول فى كل
(1)
التاج المذهب ج 4 ص 213 وما بعدها.
(2)
التاج المذهب ج 4 ص 207 وما بعدها
(3)
الروضة البهية ج 2 ص 350 وما بعدها
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 356 والخلاف ج 2 ص 494
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 355 وما بعدها.
حدين اجتمعا ويقوت أحدهما بالآخر فإنه يبدأ بما يمكن معه الجمع ولو استويا تخير ثم تدفن المرأة إلى صدرها والرجل إلى حقويه، وظاهره كغيرن ان ذلك على وجه الوجوب وهو فى أصل الدفن حسن للتأسى أما فى كيفيته فالأخبار مطلقة ويمكن جعل ذلك على وجه الاستحباب لتأدى الوظيفة المطلقة بما هو أعم وروى سماعة عن الصادق عليه السلام قال تدفن المرأة إلى وسطها ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا الى حقويه، ونفى فى المختلف البأس من العلم بمضمونها وفى دخول الغايتين فى المغيا وجوبا واستحبابا نظر أقربه العدم فيخرج الصدر والحقوان عن الدفن وينبغى على الوجوب ادخال جزء منها من باب المقدمة فإن فرا من الحفيرة بعد وضعها فيها اعيدت إن ثبت الزنا بالبينة أولم تصب الحجارة بدنهما على قول الشيخ ابن البراج والخلاف فى الثانى خاصة والمشهور عدم اشتراط الاصابة للاطلاق ولأن قراره بمنزلة الرجوع عن الاقرار وهو أعلم بفسه الحد مبنى على التخفيف وفى هذه الوجوه نظر ومستند التفصيل روآية الحسين بن خالد عن الكاظم عليه السلام وهو مجهول وإن لم يكن ثبوته بالبينة بل بإقرارهما واصابتهما الحجارة على ذلك القول لم يعاد اتفاقا وفى روآية ما عز أنه لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم برجمه هرب من الحفيرة فرماه الزبير بساق بعير فلحقه القوم فقتلوه ثم أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال هلا تركتموه إذا هرب فإنما هو الذى أقر على نفسه، وقال أما لو كان على حاضر لما ضللتم وو داه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت المال، وظاهر الحكم بعدم اعادته سقوط الحد عنه فلا يجوز قتله حينئذ بذلك الذنب فإن قتل عمدا اقتص من القاتل، وخطأ الدية وفى الروآية ارشاد إليه، ولعل إيداءه من بيت المال لوقوعه منهم خطأ مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم قد حكمهم فيه فيكون كخطأ الحاكم، ولو فر غيره من المحدودين أعيد مطلقا، وحيث يثبت الزنا بالبينة يبدأ برجمه الشهود وجوبا وفى رجم المقر يبدأ الامام ويكفى فى البداءة مسمى الضرب، وينبغى على وجه الاستحباب اعلام الناس بوقت الرجم ليحضروا ويعتبروا وينزجر من يشاهده ممن أتى مثل ذلك أو يريده لقول الله تبارك وتعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما 1 طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ولا يجب للأصل وقيل والقائل ابن ادريس العلامة وجماعة يجب حضور طائفة عملا بظاهر الأمر وهو الأقوى واختلف فى أقل عدد الطائفة التى يجب حضورها أو يستحب فقال العلامة والشيخ فى النهاية أقلها واحد لأنه الطائفة لغة فيحمل الأمر المطلق على أقله لأصالة البراءة من الزائد وقيل والقائلب ابن إدريس أقلها ثلاثة لدلالة العرف عليه فيما إذا قيل جئنا فى طائفة من الناس والظاهر قوله عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ 2 طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} فإن أقل الجمع فيما دل عليه الضمير ثلاثة وليتحقق بهم الانذار وقيل القائل الشيخ فى الخلاف عشرة ووجهه غير واضح والأجود الرجوع إلى العرف ولعل دلالته على الثلاثة فصاعدا أقوى، وينبغى كون الحجارة صغار لئلا يسرع تلفه بالكبار وليكن مما يطلق عليه اسم الحجر فلا يقتصر على الحصا لئلا يطول تعذيبه أيضا وقيل لا يرجم من لله فى قبله حد للنهى عنه وهل هو للتحريم أو الكراهة وجهان من أصالة عدم التحريم لحكايته قولا مؤذنا بتمريضه إذ لا يتجه توقفه فى الكراهة، وهل يختص الحكم بالحد الذى أقيم على المحدود أو مطلق الحد، إطلاق العبارة وغيرها يدل على الثانى وحسنة زرارة عن أحدهما
(1)
الآية رقم 2 من سورة النور
(2)
الآية رقم 122 من سورة التوبة.
عليهما السّلام قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد أقر على نفسه بالفجور فقال لأصحابه اغدوا اغدوا متلثمين فغدوا عليه متلثمين فقال من فعل مثل فعله لا يرجمه ولينصرف ويدل الاول وفى خبر آخر عنه عليه السلام فى رجم إمرأة نادى بأعلى صوته يا أيها الناس إن الله عهد إلى نبيه صلى الله عليه وسلم عهدا عهده محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد فمن كان لله عليه حد مثل ماله عليها فلا يقيم عليها الحد وصدر هذا الخبر يدل باطلاقه على الثانى وآخره يحتملها وهو على الأول أدل لأن ظاهر المماثلة اتحادهما صنفا مع احتمال إرادة ما هو أعم فإن مطلق الحدود متماثلة فى أصل العقوبة وهل يفرق بين ما حصلت التوبة منها وغيره ظاهر الأخبار والفتوى ذلك لأن ما تاب عنه فاعله سقط حق الله منه بناء على وجوب قبول التوبة فلم يبق لله عليه حد ويظهر من الخبر الثانى عدم الفرق لأنه قال فى آخره فانصرف الناس ما خلا أمير المؤمنين والحسنين عليهما السلام، ومن البعيد
(1)
أن يكون جميع أصحابه لم يتوبوا من ذنوبهم ذلك الوقت إلا أن فى طريق الخبر ضعفا، وإذا فرغ من رجمه لموته دفن ان كان قد صلى عليه بعد غسله وتكفينه حيا أو ميتا أو بالتفريق وإلا يكن ذلك جهز بلغسل والتكفين والصلاة ثم دفن والذى دلت عليه الأخبار والفتوى أنه يؤمر حيا بالاغتسال والتكفين ثم يجتزى به بعده، أما الصلاة فبعد الموت، ولو لم يغتسل غسل بعد الرجم وكفن وصلى عليه، والعبارة قد توهم خلاف ذلك أو تقصر عن المقصود منها، لأنه توهم أن الصلاة ممكن قبل الرجم لأنه قال إذا فرغ من رجمه إن كان قد صلى عليه فعلق الدفن على الفراغ من الرجم.
عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها فإن زنت فلجلدها فإن زنت فليبعها ولو بضفير وروى عن ابن مسعود أن رجلا سأله عن عبد له زنا فقال اجلده وروى عن ابن عمر أن أمة له زنت فجلدها ونفاها إلى فدك وروى أن عبدا لابن عمر سرف فأبق فسأل الوالى أن يقطعه فلم يفعل فقطعه هو وأبو هريرة جلد وليدة له زنت وفاطمة رضى الله عنها جلدت أمة لها وعن عائشة أن أمة لها سرقت فقطعتها، ويجوز للسيد إقامة الحد على مملوكه فى شرب الخمر وله أن يقطعه فى السرقة ويقتله بالردة وذلك لإجماع الفرقة وأخبارهم وعمومم قول النبى صلى الله عليه وسلم: أقيموا الحد على ما ملكت أيمانكم، ولو كان السيد فاسقا أو مكاتبا أو امرأة كان له إقامة على مملوكه.
كيفية اقامة الحد:
وجاء فى الروضة
(2)
البهية أن الزانى يجلد أشد الجلد لقول الله تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ،} وروى ضربا متوسطا، ويفرق الضرب على جسده ويتقى رأسه ووجهه وفرجه لرواية زرارة عن الباقر: يتقى الوجه والمذاكير، وعنه قال: يفرق الحد على الجسد ويتقى الفرج والوجه، وأما اتقاء ذلك فلأنه مخوف على النفس والعين، والغرض من الجلد ليس هو اتلافه، وليكن الرجل قائما مجردا مستور العورة والمرأة قاعدة قد ربطت ثيابها عليها لئلا يبدو جسدها فانه عورة بخلاف الرجل وروى ضرب الزانى على الحال التى يوجد عليها وإن وجد عريانا ضرب عريانا وإن وجد وعليه ثياب ضرب وعليه ثياب سواء فى ذلك الذكر والأنثى وعمل بمضمون تلك الرواية الشيخ وجماعة
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 350، ص 354، 355
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 256 وما بعدها
والأجود الأول لما ذكرناه من أن بدنها عورة بخلافه والرواية ضعيفة - وينبغى كون الحجارة فى الرجم صغار لئلا يسرع تلفه بالكبار وليكن مما يطلق عليه اسم الحجر فلا يقتصر على الحصا لئلا يطول تعذيبه.
مكان إقامة الحد:
جاء
(1)
فى الخلاف أنه لا تقام الحدود فى المساجد وبه قال جميع الفقهاء وقال ابن أبى ليلى: تقام فيها ودليلنا أجماع الفرقة وأخبارهم وقوله صلى الله عليه وسلم: لا تقام الحدود فى المساجد.
مذهب الإباضية:
شرائط إقامة الحد: جاء
(2)
فى شرح النيل أن الامام إذا ملك بعض المصر فقط فلا يقيم الحد كجلد وقطع بل يحبس حتى يملك المصر، وقيل يقيم الحد وقيل هو مخير حتى تضع الحرب أوزارها والحكم فى ذلك كالحد وقيل لا يدع الأحكام وقيل يجوز ترك الحدود لئلا يشغله ذلك عن الفتح وقيل لزمه ترك الحكم لئلا يشغل.
مكان إقامة الحد:
جاء فى
(3)
شرح النيل أن المساجد منزهة من أن تقام فيها الحدود مخافة الحدث كبول وغائط ودم فإن الأبدان والقلوب تختلف فمن الناس من رق قلبه فيحدث ولو بضرب قليل أو يحدث لضعف فى بدنه، ويقام الحد فى الحرم وفى مسجد مكة على فاعل ما يوجبه فيه.
(1)
الخلاف ج 2 ص 494 الطبعة السابقة
(2)
شرح النيل ج 7 ص 430
(3)
شرح النيل ج 2 ص 752
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الألف:
ابراهيم النخعى:
انظر النخعى ج 1 ص 279
أبى بن أيوب:
انظر ج 3 ص 337
أبى بن كعب:
انظر ج 1 ص 247
الأثرم:
انظر ج 1 ص 247
الأحنف:
المتوفى سنة 72 هـ: الأحنف بن قيس بن معاوية ابن حصين المرى السعدى المنقرى التميمى أبو بحر، سيد تميم، وأحد العظماء الدعاة الفصحاء الشجعان الفاتحين ولد فى البصرة وأدرك النبى، صلى الله عليه وسلم ولم يره، ووفد على عمر حين آلت اليه الخلافة فى المدينة فاستبقاه عمر فمكث عاما وأذن له فعاد الى البصرة وشهد الفتوح فى خرسان واعتزل الفتنة يوم الجمل ثم شهد صفين مع على كرم الله وجهه ولما انتظم الأمر لمعاوية عاتبه فأغلظ له الأحنف في الجواب وكان صديقا لمصعب بن عمير أمير العراق فوفد عليه بالكوفة فتوفى فيها وهو عنده وأخباره كثيرة جدا.
الأزجى:
المتوفى سنة 599 هـ: ابراهيم بن محمد بن أحمد الطيبى البغدادى الأزجى الفقيه الأمام أبو إسحاق مفتى العراق ويلقب بموفق الدين ولد فى الخامس عشر من شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة، كذا ذكره القطيعى وقال المنذرى فى نصف شوال وسمع من ابن الطلابه وسمع من ابن ناصر وابى بكر ابن الزغواتى وغيرهم. وكان له كتابا جمعه وسماه الترغيب وقرأ الفقه على القاضى ابى يعلى بن أبى خازم وغيره وبرع فى الفقه مذهبا وخلافا وجدالا واتقن علم الفرائض والحساب وشدا طرفا من العربية وكتب خطا حسنا ودرس وأفتى وناظر وكان من أكابر العدول وشهود الحضرة وأعيان المفتين المعتمد على فتاويهم متين الديانة حسن المعاشرة طيب المفاكهة حدث وسمع منه ابن القطيعى وروى عنه ابن الدبيثى والحافظ الضياء وابن النجار توفى آخر يوم الاثنين ثانى ذى الحجة سنة تسع وتسعين وخمسمائة وصلى عليه من الغد عند المنظرة بباب الازج وحمل على الرءوس ودفن بباب حرب وشيعه خلق عظيم، وقيل كانت وفاته فى مستهل ذى الحجة.
أبو اسحاق:
انظر الشيرازى ج 1 ص 363.
اسحاق بن راهوية:
انظر ج 2 ص 251.
اسماء بنت عميس:
انظر ج 2 ص 336.
الاسود:
أبو عمرو ويقال أبو عبد الرحمن الاسود بن يزيد ابن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان ابن كهيل رأى أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما وروى عن على وابن مسعود ومعاذ وأبى موسى وعائشة قال أحمد بن حنبل هو ثقة من أهل الخبر واتفقوا على توثيقه وجلالته.
أشهب:
انظر ج 1 ص 249.
الاصمعى:
انظر ج 3 ص 236.
اصيرم بن عبد الأشهل:
أصيرم بن ثابت الانصارى الأوسى الأشهلى عده جمع من الصحابة وقالوا أنه قتل يوم أحد وشهد له النبى صلى الله عليه وسلم بالجنة ونعتبره حسنا. والانصارى نسبة إلى الأنصار وهم أهل المدينة المشرفة الذين نصروا النبى صلى الله عليه وسلم وينقسمون الى الأوس والخزرج نسبة الى بنى عبد الأشهل فخذ من الأوس الأكبر.
ابن الاعرابى (سنة 231 هـ):
محمد بن زياد المعروف بابن الاعرابى أبو عبد الله: راوية ناسب علامة باللغة من أهل الكوفة قال ثعلب: شاهدت مجلس ابن الأعرابى وكان يحضره زهاء مائة انسان كان يسأل ويقرأ عليه فيجيب من غير كتاب، ولقد املى على الناس ما يحمل على اجمال مات بأمراء له تصانيف كثيرة.
أبو امامة:
انظر ج 4 ص 360.
ابن امير الحاج:
انظر ج 3 ص 337.
أمير بادشاه:
محمد أمين المعروف بأمير بادشاه الحسينى.
له كتاب تيسير التحرير فى الاصول.
ابن الانبارى - المتوفى 328 هـ:
أبو بكر
محمد بن أبى محمد القاسمين محمد بن بشارة ابن الحسن بن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة الانبارى، كان علامة وقته، وكان صدوقا، ثقة، دينا، خيرا، من أهل السنة، صنف كتبا كثيرة فى علوم القرآن وغريب الحديث والمشكل والوقف والابتداء، قيل أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا للقرآن بأسانيدها كان يتردد الى أولاد الخليفة الراضى بالله يعلمهم توفى ببغداد.
(حرف الباء)
البجرمى:
انظر ج 1 ص 250.
البخارى:
انظر ج 1 ص 250.
البدخشى:
انظر ج 2 ص 345
البرزلى - المتوفى سنة 844 هـ:
أبو القاسم بن حمد بن محمد البلوى القيرانى، المعروف بالبرزلى: أحد أئمة المالكية فى المغرب سكن تونس وانتهت اليه الفتوى فيها وكان ينعت بشيخ الاسلام وعمر طويلا، قال السخاوى، توفى بتونس عن مائة وثلاث سنين.
من كتبه «جامع مسائل الاحكام مما نزل من القضايا للمفتين والحكام» قد يكون مختصرا من كتابه الفتاوى فى مجلدين وله «الديوان الكبير» فى الفقه.
ابن بركة المتوفى سنة 634 هـ:
حمد بن أحمد بن محمد بن بركة بن احمد بن صديق بن صروف الحرانى الفقيه الحنبلى، أبو عبد الله، سمع من ابن ياسر وأبى الفتح ابن أبى الوفاء وتفقه ببغداد على ابن المنى وابن الجوزى ولازمه وأخذ عنه كثيرا ثم رجع الى حران وأعاد المدرسة بها مدة وحدث بحران ودمشق.
ابن برهان:
انظر ج 3 ص 337.
بريدة:
انظر ج 3 ص 338.
بشر:
انظر ج 4 ص 361.
ابن بشر:
انظر ج 4 ص 361.
أبو بصير:
أبو غسيل الاعمى ويقال له أبو بصير ذكر الثعلبى فى التفسير من طريق حميد الطويل قال أبصر النبى صلى الله عليه وسلم أعمى يتوضأ فقال له «بطن القدم» فجعل يغسل تحت قدمه حتى سمى أبا غسيل وأخرج الخطيب فى التاريخ من طريق أبى معاوية عن يحيى بن سعيد الانصارى عن محمد بن محمود بن محمد ابن سلمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر على رجل مصاب البصر يتوضأ فقال «باطن رجلك يا أبا بصير» فسمى أبا بصير.
البغوى:
انظر ج 2 ص 245.
أبو بكر: انظر ج 8 ص 371.
بلال:
انظر ج 4 ص 361.
البهنسى توفى سنة 628 هـ:
الحارث بن مهلب، ابن حسن بن بركات أبو الاشبال مجد الدين البهنسى وزير من الكتاب الشعراء مصرى سافر الى الشام وغيرها استكتبه الديوان العزيز الى ملوك النواحى واستوزره الملك الاشرف مظفر الدين موسى بن الملك العادل ابى بكر بن أيوب ثم عزله وصادره وحبسه مدة وتوفى بدمشق عن نيف وسبعين عاما.
(حرف التاء)
الترمذى:
انظر ج 1 ص 251.
تقى الدين بن رزيق المتوفى سنة 710 هـ:
عبد اللطيف ابن محمد بن الحسين - بدر الدين أبو البركات القاضى الحموى ولد بدمشق وسمع من عثمان بن الخطيب وعبد الله الجوعى وغيرهما ودرس بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة وبالسبعية وخطب بالجامع الأزهر وولى قضاء العسكر ومات بالقاهرة.
التونسى:
انظر ج 1 ص 251.
(حرف الثاء) ثعلب (سنة 291 هـ) احمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيبانى بالولاء أبو العباس المعروف بثعلب امام
الكوفيين فى النحو واللغة كان راوية الشعر محدثا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة ثقة حجة ولد ومات فى بغداد من كتبه الفصيح وقواعد الشعر رسالة وشرح ديوان زهير وشرح ديوان الاعشى ومجالس ثعلب مجلدان وغيرهما.
ابن الثلجى:
(سنة 266 هـ): محمد بن شجاع بن الثلجى البغدادى أبو عبد الله. فقيه العراق فى وقته من أصحاب ابى حنيفة وهو الذى شرح فقهه وأحتج له وقواه بالحديث وكان فيه ميل الى المعتزلة.
أبو ثور:
انظر ج 1 ص 252.
(حرف الجيم)
جرير البجلى - صحابى المتوفى سنة 51 هـ:
جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نضرة بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن خزيمة بن حرب بن على البجلى الصحابى الشهير، يكنى أبا عمرو، وقيل يكنى أبا عبد الله، قدمه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى حروب العراق على جميع بجيلة وكان لهم أثر عظيم فى فتح القادسية روى عنه من الصحابة أنس بن مالك، سكن جرير الكوفة ثم قرقيسيا حتى مات سنة 51 هـ، وقيل سنة 54 هـ.
أبو جعفر عليه السلام:
انظر ج 1 ص 263.
ابن جماعة المتوفى سنة 819 هـ:
عز الدين محمد بن أبى بكر بن قاضى القضاة عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم ابن سعد الله ابن جماعة الحموى الشافعى المتكلم الأصولى، له شروح وحواش كثيرة على الكتب، منها: حاشية على شرح الجار بروى، ورسالة سماها: ضوء الشمس فى أحوال النفس، وحفظ القرآن الكريم فى كل يوم جزأين، واشتغل بالعلوم على الكبر، وأخذ عن السراج الهندى.
الجوهرى:
انظر ج 4 ص 362.
الجعفى:
انظر حسين الجعفى ج 1 ص 254.
ابن الجلاب:
المتوفى سنة 378 هـ: هو أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلاب الفقيه المالكى. صاحب القاضى أبو بكر الأبهرى، ألف كتاب التفريع وهو مشهور وكتاب مسائل الخلاف وفى اسمه أقوال فى الشذرات (القاسم) بدون (أبو) وفى ترجمته فى شجرة النور الذكية ص 92 أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلاب.
(حرف الحاء)
ابن حامد: انظر ج 2 ص 348.
أبو حامد:
انظر الغزالى ج 1 ص 270.
الحسن بن صالح (سنة 168 هـ):
كان من كبار الشيعة الزيدية وعظمائهم وعلمائهم وكان فقيها متكلما وقد أرخ بعضهم موت الحسن بسنة 154 وآخر بسنة 163 وثالث 167 ورابع 149.
الحكم بن عتيبة - المتوفى سنة 115 هـ:
الفقيه أبو محمد الحكم بن عتيبة الكوفى مولى كندة، أخذ عن ابى جحيفة السوآنى وغيره، فقيه، وتفقه على ابراهيم النخعى، قال مغيرة: كان الحكم اذا قدم المدينة أخلوا له سارية النبى صلى الله عليه وسلم يصلى اليها وقال الأوزعى: ما بين لابتيها أفقه منه.
الحلبى:
تقى بن نجم الحلبى أبو الصلاح ثقة له تصانيف حسنة قرأ على الشيخ الطوسى وعلى المرتضى، عظيم القدر من عظماء مشايخ الشيعة، من تصانيفه:
الكافى، تقريب المعارف.
الحموى:
انظر ج 2 ص 350.
أبو حنيفة:
انظر ج 1 ص 255.
أبو الحوارى توفى سنة 832 هـ:
الحوارى بن مالك من أئمة الازد الإباضيين فى عمان بويع له سنة 809 هـ واستمر الى أن توفى بنزوى.
(حرف الخاء)
خارجة بن زيد بن ثابت (سنة 100 هـ):
هو أبو زيد خارجة بن زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الانصارى البخارى المدنى التابعى، ادرك عثمان وسمع اباه زيدا وعمه يزيد، روى عنه سالم بن عبد
الله والزهرى ويزيد بن عبد الله بن قسيط وأبو الزناد وآخرون وكان اماما بارعا فى العلم واتفقوا على توثيقه وجلالته وهو أحد فقهاء المدينة السبعة.
ابن خروف المتوفى سنة 609 هـ:
على بن محمد بن على بن محمد الحضرمى، أبو الحسن عالم بالعربية، اندلسى من أهل أشبيلية، قال ابن الساعى، كان يتنقل فى البلاد ولم يتزوج قط، وله كتب منها: شرح كتاب سيبويه، وشرح الجمل للزجاجى.
الخليل المتوفى سنة 170 هـ:
الخليل بن احمد بن عمرو بن تميم الأزدى أبو عبيد الرحمن، من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، وهو استاذ سيبويه النحوى. ولد ومات فى البصرة، وعاش فقيرا صابرا وقد أبدع الخليل بدائع لم يسبق اليها، فمن ذلك تأليفه كلام العرب على الحروف فى الكتاب المسمى بكتاب العين، والخليل هو الذى اخترع العروض وأحدث أنواعا من الشعر ليست من أوزان العرب، وله عدة كتب منها: معانى الحروف والنقط والشكل، وتفسير حروف اللغة، وغير ذلك.
خويلة (امرأة أوس بن الصامت) هى:
خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت وقيل: بنت حكيم، وقيل: خولة بنت مالك بن ثعلبة، وقال عروة ومحمد بن كعب وعكرمة: خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت فظاهر منها، وفيها نزل قوله تعالى:«قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ .. }. الخ» .
الخوارزمى المتوفى سنة 827 هـ:
محمد بن اسحاق الخوارزمى، شمس الدين من فضلاء الحنفية، ونزل بمكة، وناب بها عن امام المقام الحنفى، وتوفى فيها عن نحو ستين عاما، وألف كتب اثارة الترغيب والتشويق الى المساجد الثلاثة والبيت العتيق.
(حرف الدال)
أبو داود:
انظر ج 1 ص 257.
الدبوسى:
انظر ج 1 ص 257.
أبو الدرداء:
انظر ج 1 ص 257.
الدردير:
انظر ج 1 ص 257.
ابن درستويه المتوفى سنة 347 هـ:
أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن محمد بن درستويه بن المرزبان ولد سنة 258 هـ وله تآليف ووفاته فى بغداد.
الدسوقى:
انظر ج 1 ص 257.
(حرف الذال)
أبو ذر:
انظر ج 3 ص 344.
الذهبى (توفى سنة 748 هـ):
محمد بن احمد بن عثمان بن قايماز الذهبى شمس الدين، حافظ مؤرخ علامة محقق، مولده ووفاته بدمشق رحل الى القاهرة وطاف كثيرا من البلدان، تصانيفه كثيرة تقارب المائة منها سير النبلاء خمسة عشر مجلدا وتذكرة الحفاظ والعبر وميزان الاعتدال وغيرها.
(حرف الراء) أبو رافع:
انظر ج 1 ص 258.
الرافعى:
انظر ج 1 ص 258.
الربيع:
انظر ج 3 ص 344.
ربيعة بن أبى عبد الرحمن:
انظر ربيعة الرأى ج 1 ص 258
ابن رشد:
انظر ج 1 ص 258.
ابن الرفعة:
انظر ج 1 ص 259.
الرملى:
انظر ج 1 ص 259.
الرويانى (سنة 450 هـ):
احمد بن محمد بن احمد الرويانى أبو العباس فقيه شافعى من أصل رويان بنواحى طبرستان له الجرجانيات.
الرويانى (سنة 505 هـ):
شريح بن عبد الكريم بن احمد الرويانى أبو نصر فقيه شافعى ولى القضاء فى آمل طبرستان ومن كتبه روضة الاحكام وزينة الحاكم فى أدب القضاء.
الرويانى (سنة 502 هـ):
عبد الواحد بن اسماعيل بن احمد أبو المحاسن فخر الاسلام الرويانى فقيه شافعى بنى بآمل طبرستان مدرسة وتنقل فى البلاد ثم عاد الى
آمل وقتل بها وبلغ من تمكنه فى الفقه وحفظه له ان قال: لو احترقت كتب الشافعى لأمليتها. له تصانيف منها بحر الذهب من أصول كتب الشافعية وغيره.
(حرف الزاى)
الزجاج:
انظر ج 4 ص 363.
زراره:
انظر ج 4 ص 364.
الزرقانى المتوفى سنة 1099 هـ:
عبد الباقى بن يوسف بن احمد الزرقانى فقيه مالكى، ولد ومات بمصر. من كتبه «شرح مختصر سيدى خليل» فقيه، أربعة أجزاء، و «شرح القربة» ورسالة فى «الكلام» على اذا.
الزركش:
انظر ج 1 ص 259.
زفر:
انظر ج 1 ص 259.
الزهرى:
انظر ج 1 ص 260.
ابن ابى زيد:
انظر القيروانى ج 1 ص 273.
زيد بن جبير:
زيد بن جبير الجهنى، من الصحابة حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اخرجه الاسماعيلى فى مسند يحيى بن سعيد الانصارى من تأليفه الحديث المروى عن زيد بن جبير عن الرسول صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت.
زيد بن على:
انظر ج 1 ص 260.
الزيلعى:
انظر ج 1 ص 260.
(حرف السين)
الساعى: انظر ج 3 ص 345.
ابن السبكى:
انظر ج 1 ص 261.
سحنون:
انظر ج 1 ص 261.
السراج:
المتوفى سنة 500 هـ:
أبو محمد جعفر بن احمد بن الحسين المعروف بالقارئ البغدادى سمع أبا القاسم التنوخى وجماعة وروى عنه السلفى، له نظم التنبيه فى الفقه، مصارع العشاق وغير ذلك.
السرخسى:
أنظر ج 1 ص 261.
ابن سريج:
انظر ج 1 ص 261.
السعد:
المتوفى سنة 793 هـ:
مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانى سعد الدين:
من أئمة العربية والبيان والمنطق ولد بتفتازان وأقام بسرخس وأبعده تيمور لنك الى سمرقند فتوفى فيها ودفن فى سرخس، كانت فى لسانه لكنه، من كتبه تهذيب المنطق والمطول فى البلاغة وشرح العقائد النفسية وحاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب فى الأصول، وأول ما صنف من الكتب:
شرح التصريف العزى، صنفه وعمره ست عشرة سنة، وله أيضا شرح الاربعين النووية.
أبو سعيد:
انظر ج 1 ص 261.
سعيد بن سالم:
المتوفى سنة 373 هـ:
أبو عثمان المغربى سعيد بن سالم الصوفى العازف، نزيل نيسابور، وقال السلمى: لم ير مثله فى علو الحال وصون الوقت.
أبو سعيد الاصطخرى:
انظر الاصطخرى ج 1 ص 249
أبو سعيد البردعى (توفى سنة 317 هـ):
احمد بن الحسين القاضى أبو سعيد أخذ عن اسماعيل ابن حماد بن أبى حنيفة عن أبيه عن جده، وتفقه على ابى على الدقاق وغيرهما، انتهت اليه مشيخة الحنفية ببغداد وتفقه عليه خلق كثير منهم أبو الحسن الكرخى وأبو عمرو الطبرى وأبو طاهر الدباس خرج الى الحج فقتل بمكة فى واقعة القرامطة، وفى العقد الثمين انه حسن بن احمد البردعى.
أبو سعيد الخدرى:
انظر ج 1 ص 261.
سفيان بن عيينة:
أنظر ج 1 ص 261.
سكينة بنت الحسين (توفيت سنة 117 هـ):
سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب، كانت سيدة نساء عصرها، تجالس الأجلة من قريش ويجتمع اليها الشعراء، وكانت اقامتها ووفاتها بالمدينة.
سلمان (توفى سنة 36 هـ):
سلمان الفارسى، صحابى من مقدميهم عاش عمرا طويلا، وهو المشهور بأنه اشار على الرسول عليه
الصلاة والسّلام بحفر الخندق فى غزوة الاحزاب، وقد صار أميرا على المدائن فأقام بها وتوفى فيها.
أبو سلمة:
عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عمر زوج أم سلمة، صحابى، وكان قديم الاسلام، وهاجر الى الحبشة ثم الى المدينة، وشهد بدرا واحدا، ثم جرح بها فمات من جراحته.
أم سلمة:
انظر ج 1 ص 261.
ابن سلمون:
انظر ج 2 ص 354.
أم سليم (توفيت سنة 30 هـ):
أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الانصارى، واختلف فى اسمها، وهى أم أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هى واختها خالتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الرضاع.
سليمان بن يسار:
انظر (ابن يسار) ج 2 ص 366.
سماعة:
سماعة بن مهران الحضرمى الكوفى يكنى أبا محمد، له كتاب، روى عن ابى عبد الله الصادق، وقال عنه صاحب نتائج، التنقيح، ثقة على الاقوى، مات بالمدينة.
ابن السمعانى (توفى سنة 510 هـ):
محمد بن منصور بن عبد الجيار التميمى السمعانى أبو بكر فقيه محدث، له علم بالتاريخ والانساب، وله كتب فى الحديث والوعظ، مولده ووفاته بمرو، من كتبه الأمالى مائة وأربعون مجلسا، وهو والد عبد الكريم صاحب الانساب.
ابن السمعانى (توفى سنة 562 هـ):
عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمى السمعانى مؤرخ، رحالة من حفاظ الحديث، مولده ووفاته بمرو، من كتبه الانساب وتذييل تاريخ بغداد وتاريخ وفاة للمتأخرين من الرواة، وله كتاب تبيين معادن للعانى فى لطائف القرآن الكريم.
سند (توفى سنة 541 هـ):
سند بن عفان بن ابراهيم بن حريز الازدى كنيته أبو على، سمع من شيخه أبى بكر الطرطوشى، وكان من زهاد العلماء، فقيها فاضلا، شرح المدونة فى كتاب اسماء الطراز، يقع فى ثلاثين سفرا، وتوفى قبل اكماله، وقد جلس مجلس الدرس خلفا لشيخه.
سهل بن سعد (توفى سنة 91 هـ):
سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الخزرجى الانصارى من بنى ساعدة، صحابى من مشاهيرهم، من أهل المدينة، عاش نحو مائة سنة.
له فى الصحيحين مائة وثمانية وثمانون حديثا، عن قتادة انه مات بمصر.
سهيل:
انظر ج 2 ص 354.
ابن سيرين:
انظر ج 1 ص 262.
السيوطى:
انظر ج 1 ص 262.
(حرف الشين)
ابن شاس:
انظر ج 2 ص 354.
الشاشى:
انظر ج 1 ص 272.
الامام الشافعى:
انظر ج 1 ص 262.
الشامى:
توفى سنة 120 هـ:
على بن الحسين بن عز الدين بن الحسن بن محمد الحسنى اليمنى الشامى: فقيه، من علماء الزيدية ولد فى مسور خولان العالية، وولى الاوقاف بصنعاء، وتوفى بها له «العدل والتوحيد» فى أصول الدين.
ابن شبرمة:
انظر ج 8 ص 376.
شريك:
(توفى سنة 177 هـ)
شريك بن عبد الله بن الحارث النخعى الكوفى أبو عبد الله عالم بالحديث فقيه اشتهر بقوة ذكائه وسرعة بديهته استقضاه المنصور العباسى على الكوفة سنة 153 هـ ثم عزله واعاده المهدى فعزله موسى الهادى وكان عادلا فى قضائه مولده فى بخارى ووفاته بالكوفة.
الشعبى:
انظر ج 1 ص 263.
شمس الأئمة السرخسى:
انظر السرخسى ج 1 ص 261
الشمسى الجوهرى:
انظر ج 4 ص 362.
ابن شهاب:
انظر ج 3 ص 348.
ابن ابى شيبة:
انظر ج 9 ص 377.
(حرف الصاد)
الصادق:
انظر ج 1 ص 263.
ابن الصباغ:
انظر ج 2 ص 355.
صدر الشريعة:
انظر ج 1 ص 264.
الصدر الشهيد:
انظر ج 1 ص 264.
صفوان بن أمية:
المتوفى سنة 41 هـ:
صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح أبو وهب الجمحى أسلم بعد حنين، ثم شهد اليرموك أميرا، وكان شريفا جليلا ملك قنطارا من الذهب، له رواية فى صحيح مسلم.
ابن صفوان الاصغر:
توفى سنة 160 هـ:
عبد الله بن صفوان الجمحى والى من الاعيان القادة ولى أمرة المدينة فى أيام المنصور العباس عرفة بن حزم بعبد الله الاصغر للتفريق بينه وبين ابن صفوان الاكبر.
ابن صوريا الاعور:
انظر ج 6 ص 386.
(حرف الضاد)
الضحاك:
ابن قيس الفهرى القرشى من صغار الصحابة كان مع معاوية فولاه الكوفة وهو الذى صلى على معاوية وقام بخلافته حتى قدم يزيد واظهر الضحاك بيعة ابن الزبير وهو بدمشق، فشد على مروان فانهزم الضحاك ومن معه، وقتل الضحاك.
الضحاك المتوفى سنة 106 هـ:
ابن مزاحم الهلالى - روى عن ابن عمر. وأبى هريرة وابى سعيد وأنس وغيرهم وقيل لم يثبت سماعه لاحد من الصحابة - ثقة المأمون لقى سعيد بن جبير فأخذ عنه التفسير.
ضياعة بنت الزبير:
انظر ج 3 ص 348.
(حرف الطاء)
أبو طالب:
انظر ج 1 ص 264.
أبو طالب:
انظر ج 2 ص 355.
طاووس:
انظر ج 2 ص 356.
الطبرانى:
انظر ج 1 ص 265.
الطحاوى:
انظر ج 1 ص 265.
الطحاوى: انظر ج 1 ص 265.
طليحة:
طليحة بالتصغير بن خويلد بن نوفل بن نفيلة بن الاسير من جحوان من فقعس وقدم على النبى صلى الله عليه وسلم فى وفد أسد خزيمة سنة تسع واسلموا فلما رجعوا ارتد طليحة وادعى النبوة فأرسل اليه الرسول صلى الله عليه وسلم ضرار بن الأزور ثم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقويت شوكة طليحة فارسل اليه ابو بكر الصديق رضى الله عنه خالد بن الوليد فقاتله بنواحى سميراء وبزاحة فأرسل اليه خالد بن الوليد عكاشة بن محض وثابت بن ارقم فقتل طليحة احدهما ثم اخوه الآخر ثم هزم الله طليحة وفرق شمل اتباعه وظهر عليهم المسلمون فلحق طليحة بالشام حتى توفى أبو بكر ثم أسلم طليحة وحسن اسلامه وحج فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
(حرف الظاء)
ظهير الدين المتوفى سنة 619 هـ:
محمد بن احمد بن عمر البخارى، أبو بكر ظهير الدين، فقيه حنفى، كان المحتسب فى بخارى، من كتبه: الفتاوى الظهيرية.
(حرف العين)
عائشة:
انظر ج 1 ص 265.
ابن عابدين:
انظر ج 1 ص 265.
أبو العالية المتوفى سنة 93 هـ:
السياحى مات سنة 93 تابعى رفيع بن مهران
البصرى الفقيه المقرى مولى - رأى أبا بكر وقرأ القرآن على أبى بن كعب وسمع عليه وعائشة وعنه كثيرون.
العاملى:
انظر ج 1 ص 266.
ابن عباد المتوفى سنة 181 هـ:
عباد بن عابدين حبيب بن المهلب بن ابى صفرة من الازد ويكنى أبا معاوية وكان معروفا بالطب حسن الهيئة ولم يكن بالقوى فى الحديث.
أبو العباس:
انظر ج 1 ص 266.
أبو العباس الحسنى:
انظر ج 1 ص 266.
ابن عباس:
انظر «عبد الله بن عباس» ج 1 ص 267.
ابن عبد البر:
انظر ج 1 ص 266.
ابن عبد الحكم:
انظر ج 4 ص 367.
عبد الرحمن المهدى المتوفى سنة 198 هـ:
هو عبد الرحمن بن مهدى. أبو سعيد البصرى مولى أزد - ولد سنة 135 هـ وسمع هشام الدستوائى وشعبة وغيرهما وكان من العباد وكان ورده كل ليلة نصف القرآن الكريم مات فى جمادى الآخرة.
ابن عبد السّلام:
انظر عز الدين بن عبد السّلام، ج 1 ص 268.
ابن عبد السّلام:
انظر «محمد بن عبد السّلام بن يوسف المالكى» ج 1 ص 266.
أبو عبد الله:
أحمد بن حنبل.
أبو عبد الله: الصادق.
أبو عبد الله الزبيرى:
انظر ج 3 ص 350.
عبد الله بن عمر بن الخطاب:
انظر ج 1 ص 267.
عبد الله بن مسعود:
انظر ج 1 ص 267.
عبد الله بن أم مكتوم:
انظر ج 3 ص 357.
عبد الملك:
ابن حبيب.
عبد الملك: انظر ج 1 ص 253.
عبد الوهاب:
القاضى عبد الوهاب.
العدوى:
انظر ج 1 ص 257.
ابن العربى:
انظر ج 1 ص 268.
ابن عرفة:
انظر ج 1 ص 268.
العز بن عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 268.
عطاء بن ابى رباح:
انظر ج 2 ص 358.
عطاء بن السائب المتوفى سنة 136 هـ:
عطاء بن السائب مالك الثقفى الكوفى الصالح، روى عن عبد الله بن أبى أوفى وطائفة قال أحمد بن حنبل: هو ثقة رجل صالح، كان يختم كل ليلة، من سمع منه قديما كان صحيحا ومن منه حديثا لم يكن بشئ.
العطار المتوفى سنة 1250 هـ:
حسن بن محمد بن محمود العطار، من علماء مصر أصله من المغرب، مولده ووفاته فى القاهرة، الفقيه الشافعى المصرى الفاضل الأديب الذى كان آية فى حدة النظر وشدة الذكاء، صاحب الانشاء فى المراسلات والمخاطبات، وحواش على شرح الازهرية وعلى جمع الجوامع وغير ذلك.
ابن أبى عقيل:
الحسن بن على بن أبى عقيل أبو محمد العمانى الحذاء، شيخ فقيه، متكلم جليل من فقهاء الامامية، كان يثنى عليه الشيخ المفيد، قال العلامة الطباطبائى: ان حال هذا الشيخ الجليل فى الثقة والعلم والفضل والكلام والفقه أظهر من أن يحتاج الى البيان، وهو أول من هذب الفقه واستعمل النظر وفتق البحث عن الاصول والفروع.
أبو على الجبائى المتوفى سنة 303 هـ:
محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد، أبو على الجبائى أحد أئمة المعتزلة كان اماما فى علم الكلام واخذه عن أبى يوسف يعقوب بن عبد الله رئيس المعتزلة بالبصرة فى عصره، وله فى مذهب الاعتزال مقالات مشهورة واخذ عنه الشيخ أبو الحسن الأشعرى شيخ السنة علم الكلام.
على بن أبى طالب:
انظر ج 1 ص 269.
على بن أبى هريرة:
انظر ج 3 ص 358.
عمر بن الخطاب:
انظر ج 1 ص 269.
عمر بن عبد العزيز:
انظر ج 1 ص 269.
عمران بن الحصين:
انظر ج 2 ص 359.
ابو عمران:
انظر ج 2 ص 359.
ابن عمران:
توفى سنة 269 هـ سليمان بن عمران الافريقى قاضى افريقية يروى عن أسد بن الفرات توفى سنة تسع وستين ومائتين رحمه الله تعالى، ومن الطبقة الثامنة فى الاندلس.
ابن عمران توفى سنة 688 هـ وقيل سنة 689 هـ:
انظر ج 9 ص 380.
عمران بن على:
عمران بن على بن ابى شعبة الحلبى الكوفى من أصحاب الصادق وثقة النجاشى فى الخلاصة انه ثقة لا يطعن عليه وكنيته أبو الفضل.
عمرو بن حزم:
انظر ج 1 ص 269.
عمرو بن شعيب:
انظر ج 1 ص 270.
عيسى بن ابان (سنة 221 هـ):
عيسى بن ابان من صدقة القاضى أبو موسى تفقه على محمد بن الحسن قيل عنه ما فى الاسلام قاض أفقه من عيسى وله كتاب الحج تولى القضاء بالبصرة حتى مات بها وقال ابو خازم القاضى ما رأيت لأهل بغداد اكثر حديثا من عيسى وبشر بن الوليد.
العينى:
انظر ج 1 ص 270.
(حرف الغين)
ابن الغرس:
انظر ج 2 ص 360.
الغزالى:
انظر ج 1 ص 270.
الغزى المتوفى سنة 524 هـ.
أبو اسحق ابراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد الكلبى الاشهبى الشاعر المشهور، رحل الى بغداد وأقام بالمدرسة النظامية سنين كثيرة ثم رحل الى خراسان، توفى بناحية بلخ.
غيلان بن سلمة (سنة 23 هـ):
غيلان بن سلمة الثقفى حكيم شاعر، أدرك الاسلام واسلم يوم الطائف وعنده عشر نسوة فأمره النبى صلى الله عليه وسلم فاختار اربعا فصارت سنة وهو ممن وفد على كسرى واعجب كسرى بكلامه.
(حرف الفاء)
فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم:
انظر ج 1 ص 271.
فاطمة:
بنت أبى حبيش: صحابية
انظر ج 5 ص 274.
فخر الاسلام البزدوى:
انظر ج 5 ص 274.
فخر الدين قاضيخان:
انظر قاضيخان ج 1 ص 271
الفضل بن عباس:
انظر ج 1 ص 271.
أبو الفضل الناصر:
انظر ج 1 ص 278.
(حرف القاف)
القاسم:
انظر ج 1 ص 271.
ابن القاسم:
انظر ج 1 ص 271.
القاضى الحنبلى:
انظر ج 2 ص 361.
القاضى الحنفى:
انظر ج 4 ص 370.
القاضى أبو حامد:
أنظر الاسفرايينى ج 1 ص 348
القاضى حسين:
انظر ج 5 ص 376.
القاضى أبو يعلى:
انظر أبو يعلى ج 1 ص 281.
ابن قتيبة:
انظر ج 7 ص 296.
ابن قدامة:
انظر ج 1 ص 271.
القرامى:
أنظر ج 1 ص 273.
القرطبى:
انظر ج 1 ص 272.
ابن القصار:
انظر ج 2 ص 254.
القفال المروزى:
انظر ج 1 ص 272.
الشيخ قوام الدين السكاكى المتوفى سنة 349 هـ:
محمد بن محمد بن أحمد، قوام الدين السكاكى فقيه حنفى سكن القاهرة وتوفى فيها من كتبه: معراج الدراية فى شرح الهداية، وجامع الأسرار، وعيون المذاهب الكاملى، مختصر جمع فيه أقوال الأئمة الأربعة، وغير ذلك.
ابن القيم:
انظر ج 1 ص 273.
(حرف الكاف)
الكاسانى:
انظر ج 1 ص 273.
الكرفى:
انظر ج 1 ص 273.
كريب بن أبرهة:
(سنة 75 هـ) كريب بن أبرهة بن الصباح بن مرند الأصبحى أمير يمانى من التابعين وقيل له صحبة شهد فتح مصر، وسكن الجزية وشهد صفين مع معاوية.
أم كلثوم بنت على بن أبى طالب:
انظر ج 4 ص 271.
الكمال بن الهمام:
انظر ج 1 ص 223.
الكنى:
انظر ج 6 ص 291.
(حرف اللام)
أبو لبابة بن عبد المنذر:
انظر ج 5 ص 276.
اللحيانى:
هو على بن المبارك، وقيل ابن حازم أبو الحسن اللحيانى، من بنى لحيان، ابن هزيل مدركة، وقيل سمى به لعظم لحيته، أخذ عن الكسانى وأبى زيد والشيبانى والأصمعى، وعمدته الكسائى وأخذ عنه القاسم بن سلام.
اللخمى:
انظر ج 1 ص 274.
الليث:
انظر ج 1 ص 274.
ابن أبى ليلى:
انظر ج 1 ص 274.
(حرف الميم)
المؤيد بالله:
انظر ج 1 ص 275.
ابن ماجة:
انظر ج 1 ص 274.
المازرى:
انظر ج 1 ص 274.
مالك:
انظر ج 1 ص 275.
الماوردى:
انظر ج 1 ص 275.
المتولى:
انظر ج 3 ص 255.
مجاهد:
انظر ج 3 ص 255.
المحاملى:
انظر ج 4 ص 271.
محمد:
انظر محمد بن الحسين ج 1 ص 275.
محمد بن الحسن:
انظر محمد بن الحسن ج 1 ص 275.
محمد بن سالم:
محمد بن سالم بن أبى سلمة له كتاب أخبرنا به ابن أبى جبير عن ابن الوليد على بن محمد.
محمد بن سلمة:
انظر ج 2 ص 264.
محمد مسلمة:
انظر ج 4 ص 372.
محمد بن مقاتل:
انظر ج 1 ص 258.
محمد بن المواز:
انظر ج 1 ص 278.
محمد بن يعقوب:
توفى سنة 329 هـ: محمد بن يعقوب ابن اسحاق أبو جعفر الكتاينى فقيه أمامى من أهل كلين «بالرى» كان شيخ الشيعة ببغداد وتوفى فيها من كتبه الكافى فى علم الدين ثلاثة أجزاء الأول فى أصول الفقه والأخيران فى الفروع صنفه فى عشرين سنة والرد على القرامطة ورسائل الأئمة وكتاب فى الرجال.
ابن مرزوق:
انظر ج 3 ص 356.
مسروق:
انظر ج 1 ص 276.
ابن مسعود:
صحابى: انظر ج 1 ص 276.
مسلم:
انظر ج 1 ص 276.
المعلى:
انظر ج 1 ص 277.
المغيرة بن نوفل:
المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ابن هاشم الهاشمى، قال ابو عمر ولد قبل الهجرة وقيل ولد بعدها بأربع سنين وذكره ابن شاهين فى الصحابة واخرج من طريق على ابن عيسى الهاشمى عن سليمان بن نوفل بن عبد الملك بن نوفل بن المغيرة بن نوفل عن أبيه عن جده المغيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يحمد عدلا ولم يذم جورا فقد بارز الله بالمحاربة» قال ابن شاهين غريب ولا أعلم للمغيرة هذا فى ثقات التابعين والراجح ما قاله أبو عمر والحديث ليس بثابت والمغيرة هذا كان قاضيا بالمدينة فى خلافة عثمان
ابن المقرى:
انظر ج 5 ص 378.
ابن الملقن توفى سنة 804 هـ:
عمر بن على بن أحمد الانصارى الشافعى سراج الدين أبو حفص بن النحوى المعروف بابن الملقن من أكابر العلماء بالحديث والفقه وتاريخ الرجال أصله من وادى آش بالاندلس ومولده ووفاته فى القاهرة له نحو ثلاثمائة مصنف منها اكمال تهذيب الكمال فى اسماء الرجال تراجم والتذكرة فى علوم الحديث رسالة والاعلام بفوائد عمدة الاحكام.
ابن المنذر:
انظر ج 1 ص 277.
المنصور بالله:
انظر ج 1 ص 277.
ابن منصور:
انظر ج 2 ص 364.
المهدى:
انظر ج 6 ص 392.
ابن المواز:
انظر ج 1 ص 278.
ابن أبى موسى:
انظر ج 2 ص 365.
أبو موسى الاشعرى:
انظر ج 3 ص 358.
موسى بن جعفر:
انظر الكاظم ج 8 ص 380.
(حرف النون)
الناصر:
انظر ج 1 ص 278.
نافع مولى ابن عمر:
انظر ج 3 ص 358.
ابن نجيم:
انظر ج 1 ص 279.
النخعى:
انظر ج 1 ص 279.
ابن النقيب (المتوفى فى سنة 745 هـ):
محمد بن أبى بكر بن ابراهيم بن عبد الرحمن، شمس الدين ابن النقيب: مفسر، من قضاة الشافعية دمشقى، ولى الحكم بحمص وطرابلس ثم بحلب ودرس وتوفى بدمشق من كتبه: عمدة السالك وعدة الناسك ومقدمة فى التفسير.
أبو نوح:
القرن الرابع:
سعيد بن زنفيل واحد من كبار علماء الإباضية تتلمذ على الامامين الكبيرين أبى القاسم وأبى خزر واستلم منها الرسالة وقام بأمر الأمة وعنهما اخذ العلم حتى بلغ مبلغ الفحول واشتهر بشجاعته وكان كثير الارتجال فى مواطن الإباضية بالشمال الافريقى.
نوح بن دراج (سنة 182 هـ):
نوح بن دراج النخعى، مولاهم، أبو محمد:
قاض من أصحاب ابى حنيفة. كوفى. كان أبوه حائكا من النبط. له اربعة ابناء تولوا القضاء. وولى نوح بالكوفة، وأصيبت عيناه، فكان يقضى وهو اعمى، واستمر ثلاث سنين لا يعلم احد بعماه، وتوفى وهو قاضى الجانب الشرقى من بغداد.
النووى:
انظر ج 1 ص 279.
(حرف الهاء)
الهادى:
انظر ج 1 ص 280.
أبو هريرة:
انظر ج 1 ص 280.
ابن أبى هريرة (توفى سنة 345 هـ):
الحسن بن الحسين المكنى بأبى على المعروف بابن ابى هريرة تتلمذ لأبى العباس بن سريج ثم لأبى اسحاق المروزى ثم درس ببغداد وتخرج عليه خلق كثير، انتهت اليه رياسة الشافعية بها، وله أقوال خاصة فى فروع الشافعية واقوال خاصة فى الاصول، الف كتاب المسائل فى الفقه وشرح مختصر المزنى، توفى ببغداد.
هلال:
انظر ج 2 ص 366.
هند بنت المهلب:
هند بنت المهلب بن أبى صفرة الازدى كانت تحت الحجاج ولكنه طلقها لحزنها على أخيها يزيد الذى عذبه الحجاج، وكان يقال على هند انها اشرف أيم بالبصرة، تعلمت أمور دينها من جابر بن زيد الازدى.
الهندوانى:
انظر «ابو جعفر» ج 1 ص 280.
(حرف الواو) وائل بن حجر:
انظر ج 4 ص 374.
واقد ابن ابن عمر:
هو واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب روى عن أبيه حديث: لا تمنعوا النساء المساجد.
أبو الوفاء - توفى سنة 476 هـ:
أبو الوفاء طاهر بن الحسين بن احمد يعرف بابن القواس، كانت له حلقة بجامع المنصور يفتى ويعظ، وكان يقرأ القرآن الكريم ويدرس الفقه فى مسجده بباب البصرة، سمع الحديث من هلال الحفار وابى الحسين بن بشران وغيرهم.
ابن وهب:
انظر ج 2 ص 366.
(حرف الياء)
ياسين:
ياسين
هو الضرير البصرى، له كتاب، أخبرنا به جماعة عن أبى جعفر ابن بابويه ومحمد بن الحسن عن سعد والحميرى، عن محمد بن عيسى بن عبيد عنه.
الامام يحيى:
انظر ج 1 ص 280.
يحيى الانصارى:
انظر ج 4 ص 374.
ابن يسار:
سنة 109، 103 هـ
سليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم كان عالما ثقة روى عن ابن عباس وابى هريرة وروى عنه الزهرى وجماعة، وهو من الفقهاء السبعة بالمدينة.
يعقوب بن بختان:
من فقهاء القرن الثالث:
يعقوب بن اسحق بن بختان أبو يوسف احد فقهاء الحنابلة واحد الصالحين الثقاة كان جار أبى عبد الله وصديقه وروى عنه مسائل كثيرة فى الورع والسلطان وروى عنه أبو بكر بن أبى الدينار وجعفر الصندلى وغيرهما.
أبو يوسف:
انظر ج 1 ص 281.
ابن يونس:
انظر ج 1 ص 281.
يونس بن يزيد المتوفى سنة 152 هـ:
يونس بن يزيد الايلى صاحب الزهرى وأوثق اصحابه وقد روى عن القاسم وسالم وجماعة.
يونس بن يعقوب:
يونس بن يعقوب بن قيس أبو على الجلاب البجلى الدهنى أمه منية بنت عمار بن أبى معاوية الدهنى اختص بأبى عبد الله وابى الحسن كان يسكن العراق له كتاب اخبرنا به جماعة عن ابى الفضل عن ابن بطنه عن غيره.
يلاحظ أن الأعلام الواردة فى هذا الجزء روعى فى ترتيبها أول حرف منها دون اعتداد بألفاظ: أب وأم وابن وال التى للتعريف.
وقد أشرنا بالنسبة للأعلام التى وردت بهذا الجزء وسبق ورودها بالأجزاء السابقة إلى موضعها هناك.