الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاقرار
مذهب الحنفية:
التعريف به لغة واصطلاحا:
تعريف الاقرار لغة:
القرار فى المكان الاستقرار فيه .. يقول:
قررت بالمكان بالكسر أقر قرارا. وقررت أيضا بالفتح أقر اقرارا كعلم يعلم وضرب يضرب. اذا ثبت واستقر وقر الشئ فى مكانه يقر من بابى ضرب وعلم قرارا وقرورا وقرا ومقرة ثبت وسكن .. والاقرار افعال منه فهو اثبات لما كان متزلزلا. وأقر له بحقه اعترف به. وقرره بالحق حمله على الاعتراف به.
تعريف الاقرار شرعا:
ومعنى الاقرار شرعا الاخبار بثبوت حق للغير على نفسه ولو فى المستقبل. باللفظ أو ما فى حكمه سواء كان الحق ايجابيا أو سلبيا.
فمثال الحق الايجابى ان يقر أن عليه لزيد ألف دينار. ومثال الحق السلبى أن يقر بأن لا حق له على فلان أو بأنه أسقط دينه الذى له عليه أو بأنه أبرأه من جميع حقوقه التى عنده فانه فى هذه الصور جميعها يثبت لغير المقر على المقر حقوق سلبية هى أنه لا يجوز للمقر أن يطالب هذا الغير وهو المقر له بشئ من حقوقه التى كانت ثابتة له عليه قبل الاقرار. فلا يطالبه بدين ولا بحق مما كان له عنده قبل الاقرار ..
وزيد فى التعريف كلمة (ولو فى المستقبل) ليدخل ما لو أقر بأن الدار التى فى يد فلان هى لفلان آخر فان هذا الاقرار صحيح مع أن ظاهره عبارة عن اخبار بحق للغير على الغير. وليس اخبارا بحق للغير على نفس المقر ولكن بزيادة هذه الكلمة فى (ولو فى المستقبل) تدخل هذه الصورة فى الاقرار.
لأنه اذا ملك المقر الدار التى أقر بأنها ملك فلان بوجه من الوجوه فى المستقبل يعامل باقراره. وتكون الدار ملكا لفلان الذى أقر بأنها ملك وصدق عليه انه أقر بحق للغير على نفسه ويؤمر بتسليم الدار الى فلان المقر له سابقا بملكيتها.
والحق السلبى يصدق بحالة الاقرار بالاسقاطات كالطلاق والعتق والعفو عن القصاص ونحو ذلك. فانه يثبت فيها للمقر له حق على المقر وهو ألا يتعرض فى شئ من حقوق ما أقر به. فلو أقر بطلاق امرأته بائنا فقد أقر بانهاء ملكه العصمة عليها وثبت لها بالاقرار على المقر وهو الزوج حق عدم تعرضه لها فى حقوق الزوجية والنكاح التى تسقط بالطلاق البائن وكذلك فى العتق. أقر بانهاء ملكه فى العبد وثبت للعبد على المولى المقر حق عدم التعرض له فى حقوق الملك التى سقطت بالاعتاق.
هل الاقرار اخبار أو انشاء
؟
قالت طائفة من المشايخ ومنهم أبو عبد الله الجرجانى ان الاقرار انشاء وليس اخبار. اذ لو كان اخبارا لكان اقرار المريض
بدين لوارثه صحيحا لكنه ليس بصحيح شرعا وقيل هذا على أن الاقرار انشاء تمليك ابتداء.
وتبرع المريض لوارثه لا يصح الا باجازة الورثة ومن ذلك أن الملك الثابت بالاقرار لا يظهر فى حق الزوائد سواء كانت قائمة أم مستهلكة فلا يملكها المقر له. ولو كان اخبارا لملكها.
فلو كان رجل فى يده بقرة وولدها فأقر بأن البقرة لفلان لا يدخل ولدها فى هذا الاقرار ولو كان قد استهلكه لا يضمنه. بخلاف ما لو أقام المالك البينة على أن البقرة له فانه حينئذ يستحق انتاجها أيضا. ومن ذلك ان المقر له لورد اقرار المقر ثم قبله لا يصح ولو كان اخبارا لصح لأن الاخبار اظهار لأمر ثابت فى الواقع فلا يؤثر فيه الرد ..
فهذه الفروع واشباهها تدل بظاهرها على أن الاقرار انشاء تمليك فى المال وليس اخبارا.
وقال عامة المشايخ ومنهم محمد بن الفضل والقاضى أبو حازم: أن الاقرار اخبار وليس انشاء تمليك. فاذا قال المقر: أن هذا الشئ لفلان فمعناه أن الملك فيه ثابت لفلان وليس معناه انه ملك للمقر وجعله للمقر له باقراره.
واستدلوا على ذلك بفروع:
منها:
ان المريض الذى لا دين عليه اذا أقر بجميع ما له لأجنبى صح اقراره بدون توقف على اجازة الورثة. ولو كان تمليكا مبتدأ لم يعتبر الا من الثلث.
ومنها:
ان الاقرار بحصة شائعة فى عقار قابل للقسمة صحيح ولو كان تمليكا مبتدأ لما صح لأن هبة المشاع لا تجوز.
ومنها:
أن الانسان اذا أقر بعين لا يملكها صح اقراره حتى لو تملكها المقر فيما بعد ينفذ اقراره ويؤمر بتسليم العين الى المقر له ولو كان الاقرار تمليكا مبتدأ لما صح ذلك لأنه لا يصح تمليك الانسان ما ليس ملكا له.
ومنها:
أنه لو أقر أن فلانة زوجة له وصدقته على ما قال صح ذلك ولو لم يكن بحضرة شهود. ولو كان انشاء زواج لما صح بدون الشهود.
ومنها:
أن الأقرار بالطلاق والعتاق لا يصح مع الاكراه والهزل ولو كان انشاء للطلاق والعتق لصح لأنهما يصحان مع الاكراه والهزل ولهذا قالوا لو أقر لغيره بمال والمقر له يعلم أنه كاذب فى اقراره لا يحل له أخذ المقر به عن كره منه فيما بينه وبين الله تعالى الا أن يسلمه بطيب من نفسه فيكون تمليكا على سبيل الهبة.
ومنها:
أن الملك يثبت للمقر له بلا تصديق ولا قبول ولو كان انشاء لتوقف على القبول.
وقد عرف صاحب تنوير الابصار - الاقرار بأنه اخبار يحق عليه من وجه انشاء من وجه. وهذا جمع بين الطرفين - وجاء فى التكملة: وكان وجهه ثبوت ما استدل به الفريقان. وجرى كثير من مؤلفى الحنفية والكاتبون فى فقههم على أن الاقرار اخبار من وجه وانشاء من وجه. وفرعوا على كلا الوجهين الفروع التى احتج بها كل من أصحاب الرأيين
…
وزادوا فيما تفرع على كونه اخبارا من وجه أمور هى:
اذا أقر العبد المأذون بالتجارة بعين فى يده لآخر صح اقراره ولزم ولو كان انشاء لما صح لأن العبد ليس له أن يتبرع بمال سيده الا باذنه.
واذا أقر المسلم لآخر بخمر قائمة فى يده صح اقراره ولزمه تسليم عين الخمير المقر بها ولو كان انشاء لما صح لأن المسلم منهى عن تملك الخمر وتمليكه.
واذا أقر بنصف داره القابلة للقسمة لآخر مشاعا صح ولزمه الاقرار وصار المقر له شريكا له فى الدار. ولو كان انشاء لما صح لأن هبة المشاع القابل للقسمة لا تتم ولو بعد القبض. بخلاف ما لو كان حيز قابل للقسمة كالبيت والحمام الصغيرين. فان هبة المشاع فيهما تصح وتتم بالقبض .. اذ أقر بدين عليه لآخر فأراد المقر له ان يدعى على المقر استحقاقه لما أقر به بسبب الاقرار لا تسمع الدعوى لأن الاقرار ليس سببا لتمليك المقر به للمقر له بل هو اخبار عن الملك الحاصل لسبب آخر. ولو كان انشاء لأفاد التمليك بذاته وكانت تصح الدعوى بالمقر به بسبب الاقرار.
وهذا مذهب الجمهور وجميع المتأخرين وهو الصحيح المعول عليه ..
وقيل انه انشاء يفيد التمليك بذاته فيجوز سماع الدعوى بسببه.
اذا أقر لآخر بدين على أنه بالخيار ثلاثة أيام صح الاقرار ولزم المال وبطل الخيار سواء صدقه المقر له فيه أو كذبه وذلك لأن الاقرار اخبار والاخبار لا يحتمل الفسخ الذى هو المقصود من الخيار. ولو كان تمليكا مبتدأ لصح الخيار.
ركن الاقرار:
هو اللفظ أو ما فى حكمه مما يدل على ثبوت الحق للغير على النفس نحو ان يقول:
لفلان عندى ألف درهم أو مائة دينار. أو هذه الدار ملك فلان. أو هذه الدابة لفلان أو ما أشبه ذلك ..
حجية الاقرار:
جاء فى تكملة الفتح أن حجية الاقرار ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول:
اما الكتاب:
فقوله تعالى: (وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا) أمر الله تعالى باملاء من عليه الحق. والاملال لا يتحقق الا بالاقرار. فلو لم يكن الاقرار حجة عليه ومؤاخذا به لما كانت هناك فائدة منه ولما امر الله به فأمره به دليل على حجيته .. وايضا
قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم .. » قال المفسرون ان بشهادة الانسان على نفسه هى اقراره عليها بالحق ..
واما السنة:
فما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم رجم ما عزا باقراره بالزنا والعامدية باعترافها به. وقال فى قصة العسيف: واغد يا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها فقد قبل من ما عز ومن الغامدية اقرارهما بالزنا وعاملهما بموجبه واقام عليهما الحد بناء عليه.
وطلب الاقرار فى قصة العسيف وامر بالحد بمقتضاه. فلو لم يكن حجة لما أخذ به ولما رتب عليه الحد الذى من صفاته انه يدرأ بالشبهات. واذا كان حجة فى الحدود وهى تندرئ بالشبهات فلان يكون حجة فى غيرها من باب اولى ..
واما الاجماع:
فقد اجمع المسلمون من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا على ان الاقرار حجة على المقر يعامل به ويؤاخذ بمقتضاه وجرت الأمة على ذلك فى المعاملات والاقضية من غير نكير.
واما المعقول:
فلان الاقرار هو خبر كان بحسب الاصل مترددا بين الصدق والكذب - لكن النظرة المعقولة رجحت جانب الصدق فيه على جانب الكذب لوجود الداعى الى الصدق والصارف عن الكذب وهو عقل المقر ودينه اذ هما يحملانه على الصدق ويزجرانه عن الكذب وقد تحمله بنفسه الأمارة بالسوء على الكذب فى حق غيره حين يكون الكلام متعلقا بالغير اما فى حق نفسه فلا تحمله هذه النفس على الكذب الضار بالنفس وبالمال. فصار عقله ودينه وطبعه دواعى الى الصدق فى الاقرار زواجر عن الكذب فيه. فكان الصدق ظاهرا فيما اقر به على نفسه. فوجب قبول الاقرار منه والعمل به.
الاقرار حجة قاصرة:
غير أن حجية الاقرار قاصرة على نفس المقر لا تتعداه الى غيره .. ذلك لأن المقر لا ولاية على غيره وانما ولايته قاصرة على نفسه دون غيره بخلاف البينة فانها حجة متعدية الى الغير يلزم بها ويحكم عليه بمقتضاها. ومن أمثلة ذلك:
(1)
اخرج الطبرانى سندا الى ابن عباس رضى الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا يوم الجمعة اذ أتى رجل فتخط الناس حتى قرب اليه فقال يا رسول الله فقال اجلس فجلس ثم قام الثانية فقال:
يا رسول الله. اقم على الحد فقال اجلس فجلس: ثم قام الثالثة فقال يا رسول الله اقم على الحد. قال: وما حدك؟: قال: أتيت امرأة حراما. فقال صلى الله عليه وسلم لعلى وابن عباس وزيد بن حارثة وعثمان بن عفان رضى الله عنهم: انطلقوا به فاجلدوه ولم يكن تزوج. فقيل يا رسول الله: الا تجلد التى خبث بها؟. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم. من صاحبتك؟. قال فلانة فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها.
فقالت يا رسول الله كذب على. والله انى لا أعرفه. فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم. من شاهدك.؟. فقال يا رسول الله مالى شاهد فأمر به فجلد حد الفرية ثمانين جلدة .. فقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم اقراره على نفسه وضربه حد الزنا. ولم يعتبر اقراره عليها واعتبره قاذفا وضربه حد القذف.
(2)
ومن ذلك ايضا: ما اذا اشترى رجل من آخر دابة مثلا. ثم استحق هذه الدابة شخص آخر بحكم شرعى. فانه يأخذها. ثم ان كان قد استحقها باقرار المشترى انها ملكه فليس للمشترى ان يرجع على البائع بالثمن لان اقراره قاصر عليه وان كان قد استحقها بالبينة رجع المشترى على البائع بالثمن لتعدى الحكم المبنى على البينة. الى البائع اذ البينة حجة متعدية الى الغير.
(3)
ولو رهن شخص عند آخر عبدا بدين عليه. ثم اقر الراهن بهذا المرهون لرجل آخر فانه ملكه فلا يسرى هذا الاقرار على المرتهن ولا يعطى العبد للمقر له حتى يستوفى دينه.
واذا عاد الى الراهن يؤاخذ باقراره ويعطى العبد للمقر له.
(4)
وقف رجل دارا على زيد وولده ونسله ثم على الفقراء فاقر زيد بان الوقف على اولاده وتسلمه وعلى رجل آخر لا يسرى اقرار زيد على اولاده وتسلمه وعلى رجل آخر لا يسرى اقرار زيد على أولاده ونسله بل يقصر عليه فتقسم الغلة بين زيد ومن كان موجودا من اولاده ونسله على عدد الرؤوس فما اصاب زيدا كان بينه وبين الرجل الذى اقر له بالاستحقاق مادام على قيد الحياة فاذا مات بطل الاقرار ولا يكون لهذا المقر له شئ من الغلة بل تكون كلها لأولاد زيد ونسله.
وكون الاقرار حجة قاصرة. هذا الأصل العام وقد خرج من هذا الاصل بعض مسائل ذكرها صاحب الدر المختار وصاحب تكملة ابن عابدين فى باب الاقرار.
ومنها:
ما اذا أقرت الحرة المكلفة بدين لغير زوجها وكذبها الزوج فى الاقرار صح اقرارها فى حق نفسها وحق زوجها ايضا عند ابى حنيفة فتحبس فى الدين وتلازم ان ما طلت فيه وان تضرر زوجها بحسبها وملازمتها لمنعه من الاستمتاع بها. وعند الصاحبين لا يصح اقرارها ولا تصدق فيه فى حق زوجها فلا تحبس ولا تلازم لان فى ذلك منع حقه فى الاستمتاع بها. ويأمرها القاضى باداء الدين الى المقر له ويبيع من مالها ما يباع فى الدين ويسدد الدين ..
وذكر صاحب الدر باحثا انه ينبغى التعويض على قولهما. ولكن نقل فى التكمة أن المعمول عليه قول الامام.
ومنها:
اذا أقرت المؤجر بدين لا وفاء له من ثمن العين المؤجرة صح الاقرار فى حقه وفى حق المستأجر وكان للدائن ان يبيع العين المؤجرة ويستوفى دينه من ثمنها وان تضرر المستأجر بسنوات الاجارة لذهاب العين المؤجرة ..
ومنها:
اذا أقرت مجهولة النسب بانها بنت أبى زوجها او بنت جده وصدقها الاب او الجد فى الاقرار وكذبها الزوج فيه صح اقرارها فى حقها وفى حق زوجها رغم تكذيبه. وانفسخ
النكاح بينها وبينه لان مقتضى الاقرار أنها اخته او عمته فتكون محرمة على التأييد ويكون النكاح غير صحيح شرعا.
ومنها:
اذا كانت له جارية ولها ابن مجهول النسب فباع الجارية ثم أقر بنسب ابنها ولهذا المقر أخ كذبه فى الاقرار. صح الاقرار فى حقه وفى حق اخيه الذى كذبه فيثبت نسب الولد المقر له ويكون ميراث المقر لهذا الولد دون الاخ الذى يحجب به رغم التكذيب ..
ومنها:
رجل كان فى اجارة شخص فاقر بدين لآخر وكذبه المستأجر يصح الاقرار فى حقه وفى حق المستأجر رغم تكذيبه. ويثبت الدين للمقر له ويكون له حبس المقر فى الدين وان تضرر المستأجر بذلك.
حكم الاقرار:
هو ظهور ثبوت المقر به لا انهائه ابتداء بواسطة الاقرار اذا أقر لزيد أن له عنده مائة جنيه مثلا تبين بالاقرار ان هذا الدين ثابت عليه لزيد فى الماضى قبل الاقرار بسبب آخر غير الاقرار كالقرض او الميراث مثلا. وليس الاقرار هو الذى اثبت الدين .. وينبنى على ذلك انه متى صدر الاقرار مستوفيا شرائطه الشرعية بحكم تمليكه المقر له للمقر به بدون حاجة الى قبول المقر له ولا تصديق منه للمقر لأن الاقرار اخبار. وهو لا يحتاج فى ثبوت موجبه الى تصديق وقبول .. هذا فى التمليك واما فى حق الرد فيعتبر الاقرار انشاء كما سبق فيرتد بالرد ويبطل به .. وايضا متى صدر الاقرار ووقع صحيحا شرعا يؤاخذ به المقر دون غيره، ولا يتوقف ثبوت حكمه على القضاء لأنه حجة بنفسه يثبت موجبه دون توقف على اتصال القضاء به فيطالب المقر بتنفيذ ما التزم به بخلاف البينة فانها لا تصير حجة الا اذا اتصل القضاء فلا يلزم المشهود عليه بالخروج عما شهد به الشهود من الحق بمجرد الشهادة بل حتى يتصل بها القضاء الملزم.
ما به يكون الاقرار:
يتحقق الاقرار بأمور كثيرة هى:
1 - اللفظ:
اللفظ هو الأداة الأولى التى لا نزاع ولا خلاف فى ان الاقرار يتحقق بها فاذا قال رجل: لفلان عندى مائة جنيه كان اقرار بالمائة للمقر له وينقسم اللفظ فى تعبيره عن الاقرار وأدائه معناه الى قسمين صريح ودلالة.
فالصريح هو اللفظ الذى يدل صراحة على الاخبار بثبوت الحق المقر به للمقر له نحو ان يقول: لفلان عندى مائة جنيه أو لفلان على الف درهم او لفلان فى ذمتى الف قرش ..
فان هذه العبارات موضوعة فى اللغة للدلالة على الاخبار بثبوت الحقوق المقر بها التى تضمنتها للمقر له على المقر. فيكون المؤدى بهذه العبارات والمعبر عنه بها اقرارا صحيحا لازما لاشبهة فيه ومن الصريح فى الاقرار ما اذا قال لك شخص لى عليك الف درهم فقلت له نعم. فانه بهذا الجواب تكون مقرا له بالألف درهم صراحة.
لان كلمة (نعم) وقعت جوابا للكلام الاول.
وجواب الكلام يتضمن اعادة له فكأنك قلت له: نعم لك على الف درهم.
والدلالة هى:
الا يكون اللفظ بحسب معناه اللغوى موضوعا ليفيد الاخبار بثبوت الحق المقر به للمقر له الا انه يستلزمه ويدل عليه بطريق اللزم لا بطريق الوضع. وذلك نحو ان يقول لك رجل: لى عليك مائة مثقال من الذهب.
فتقول له: قد قضيتها او تقول له: اتزنها او انتقدها او أجلنى بها. او ما اشبه ذلك ..
فانك بهذا الجواب تكون مقرا بالمائة لمن يخاطبك. والعبارات التى صدرت بذلك ردا على كلامه وان لم تكن موضوعة بحسب وضعها اللغوى لتؤدى معنى الاقرار. الا انها تقضيه وتستلزمه لان قضاء الدين هو تسليم مثل الواجب فى الذمة. فأخبار لابانك قضيته المائة مثقال (يستلزم اقرارك بانها كانت ثابتة فى ذمتك. فتكون مقرا بها ومدعيا سقوطها بالقضاء فتعامل باقرارك بانها كانت ثابتة فى ذمتك. ولا تثبت دعواك انك قضيتها الا ببينة وكذلك امرك ايها باتزانها وانتقادها او طلب تأجيلها يقتضى ثبوتها فى ذمتك. وذلك لاشتمال الرد على الضمير العائد على المقر به فكان جواب الكلام المقر له لارتباطه به
وهذا اذ لم يقل المقر هذا الكلام على سبيل الاستهزاء فان قال له على سبيل الاستهزاء وشهد الشهود بذلك لم يلزمه شئ وان ادعى الاستهزاء لا يصدق الا ببينة .. وان قال فى الرد: اتزن او انتقد من غير ضمير يربط كلامه بكلام الخاطب لا يكون كلامه اقرارا لعدم ارتباطه بالكلام الاول فكان كلاما مبتدأ.
2 - الاشارة:
والاشارة نوع من التعبير يؤدى به من لا يستطيع التكلم ما فى نفسه من معنى حسب التفصيل الاتى: وهو أن المقر اما ان يكون ناطقا او اخرس ..
والناطق اما أن يكون معتقل اللسان او غير معتقل اللسان ..
فان كان اخرس وله اشارة معهودة مفهومة صح اقراره باشارته المعهودة سواء أكان قادرا على الكتابة أم لا على احد الرأيين والرأى الثانى انه ان كان يستطيع الكتابة فلا يعتبر اقراره الا بها وان كان لا يستطيع الكتابة اعتبر اقراره بالاشارة المعهودة المفهمة .. وقد اختلف الترجيح والاختيار بين هذين الرأيين ونقوم اشارته مقام عبارته فى الاقرار وفى كل شئ الا فى الحدود والشهادة وان كان ناطقا معتقل اللسان لم تعتبر اشارته الا اذا دامت عقلة لسانه وصارت له اشارة معلومة .. فان اشارته حينئذ تكون معتبرة ويجوز اقراره بها وينزل منزلة الاخرس بالنسبة اليها .. وان كان ناطقا غير معتقل اللسان لم تعتبر اشارته لان الافصاح بالنطق ممكن فلا يعدل عنه الى غيره بلا موجب فحيث امكنت العبارة لم تعتبر الاشارة. غير انهم استخفوا بعض مسائل اعتبروا فيها الاشارة من الناطق مع القدرة على التعبير وهى مسائل كثيرة نقتصر منها على ما يعتبر اقرارا بالاشارة مع القدرة على العبارة. وهى:
(أ) الاقرار بالنسب:
فاذا قيل لرجل: هذا ابنك واشير الى غلام مجهول النسب يولد
مثله بمثل المخاطب. فأشار المخاطب براسه اشارة موافقة اى نعم كان مقرا بنسب الغلام ويعامل بهذا الاقرار ويثبت نسبه منه شرعا.
(ب) الاقرار بالكفر:
فاذا قيل لانسان. اتعتقد هذا مكفر فاشار براسه موافقا أى نعم. كان مقرا بالكفر.
3 - الكتابة:
فيجوز الاقرار بالكتابة كما يجوز الاقرار بالعبارة .. فاذا ادعى رجل على آخر ان له عليه مائة جنيه واخرج بذلك صكا مكتوبا بخط المدعى عليه متضمنا انه يقر بان عليه للمدعى ذلك المبلغ، فاقر المدعى عليه بالخط وانكر ان عليه المال الذى فى الصك: أو انكر ان الخط خطه. فاستكتب فوجد ان بين الخطين تشابه ظاهر دالة على ان كاتب الخطين واحد عمل بذلك. والزم المدعى عليه بالمال المدعى. وذلك كما افتى به قارئى الهداية وجرى عليه القاضى ابو على النسفى. متى كان الكتاب مكتوبا على رسم الصكوك المتعارفة. وعلى هذا جرى العمل فى المحاكم واخذت بذلك لائحة المحاكم الشرعية الصادرة بالرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 اذ نصت فى المادة رقم 130 منها على أن الاقرار بالكتابة كالاقرار باللسان. اخذا بهذا الرأى. وكان العمل يجرى بتلك المحاكم على ذلك الى ان الغيت ابتداء من سنة 1956 .. وان كان المذهب أنه لا يعمل بالكتابة ولا يعتمد على الخط لأن الخط يشبه لداد من شأنه ان يزور ويفتعل. واستثنوا من هذا المنع خط البياع أى التاجر والسمسار والصراف واعتبروا ما يكتبه هؤلاء حجة يعمل به بمقتضى العادة وانهم لا يكتبون على انفسهم فى دفاترهم وصكوكهم الا ما هو حق.
4 - السكوت:
فى بعض المواضع فيجعل الساكت مقرا بالحق بسكوته. كما يجعل المتكلم مقرا بالحق بكلامه .. وان كان هذا مخالفا للقاعدة الفقهية التى تقول: انه لا ينسب لساكت قول الا أنهم استثنوا من ذلك مسائل جعلوا الساكت فيها كالمتكلم .. من ذلك سكوت الوالد بعد تهنئة الناس له بالمولود بعد الولادة يكون اقرارا منه بانه ابنه فليس له ان ينفى نسبه منه بعد ذلك. ومنه سكوت الزوجة او الولد او القريب عند بيع العقار بحضرته من الزوج او الوالد او القريب يعتبر اقرارا من الحاضر الذى سكت بملكية البائع للعقار المبيع.
ولا تسمع دعواه الملكية على المشترى بعد ذلك طبقا لما افتى به مشايخ سمرقند وذلك قطعا للاطماع الفاسدة ومنه ما اذا رأى شخص شخصا آخر يبيع عرضا او دارا فتصرف فيه المشترى زمانا وهو ساكت يعتبر ذلك اقرارا منه بملكية البائع للمبيع وصحة البيع فلا تسمع منه دعوى الملكية على المشترى.
ومنه ما اذا سكتت البكر التى زوجها وليها اذا بلغت بكرا يكون رضا منها بالزواج يبطل خيار البلوغ الثابت لها بخلاف ما اذا بلغت ثيبا فانه لا يبطل خيارها الا برضاها.
ومنه سكوت التى زوجها وليها عند استئمار الولى اياها فى الزواج قبيل التزويج وبسكوتها بعد التزويج عند علمها به يكون السكوت رضا منها فى الحالتين كقولها رضيت واجزت.
ومنه سكوت الشفيع بعد علمه ببيع الدار التى له فيها حق الشفعة بغير رضا منه بالبيع وتنازلا عن حق الشفعة.
ومنه سكوت الوصى فى حياة الموصى بعد علمه بالوصية يعتبر قبولا منه للوصاية ..
فلو باع شيئا من تركة الموصى بعد موته او تقاضى دينه جاز.
ولا يصح فى الاقرار شرط الخيار لان شرط الخيار انما جعل فى التصرفات الانسانية كالبيع ونحوه توسعة على المتصرف ليمضى التصرف ويتمه أو يمتنع منه.
قال فى العناية على الهداية: ومن أقر لرجل بشئ على أنه بالخيار فى اقراره لفلانه أيام فالاقرار صحيح يلزم به ما اقر به لوجود الصيغة الملزمة وهى قوله (على) ونحوه والخيار باطل لان الخيار للفسخ والاخبار ليحتمل الفسخ لان الخبران كان صادقا بمطابقته للواقع فلا معتبر باختياره وعدم اختياره. وان كان كاذبا لم يتعين باختياره وعدم اختياره. وانما تأخير الخيار فى العقود لتعتبر به صفة العقد ويتخير بمقتضاه بين فسخه وامضائه. انتهى.
ولا يتوقف الاقرار فى ثبوت حكمه على قبول
المقر له. ولكنه يرتد برده:
فاذا اراد المقر له الاقرار فى كل المقر به بطل حكم الاقرار فى الكل. واذا رد الاقرار فى بعض المقر به لا يبقى حكم الاقرار بقى رده فيه ويبقى فيما عداه .. وليس كل اقرار يرتد بالرد بل ان الذى يقبل الرد هو ما كان فى حقوق العباد وهناك مسائل من هذا القسم لا يبطلها الرد .. أما ما كان متعلقا بحقوق الله تعالى فلا يقبل الرد ولكن يصح الرجوع من المقر فى بعض مسائل منه ولا يصح فى مسائل اخرى. وسيأتى ذلك كله فى مبطلات الاقرار.
تجزؤ الاقرار:
واذا ادعى زيد على بكر أنه اقترض منه مائة جنيه ويطلب الزامه بأدائها اليه فانه اقترض المبلغ حقيقة ولكنه رده الى زيد او رد نصفه ولم يبق عليه الا النصف.
يقضى مذهب الحنفية بان كلام المدعى عليه يتجزأ فهو يتضمن اقرارا منه بالدين وهو حجة عليه يؤاخذ به كما يتضمن دعوى الوفاء بهذا الدين ولا يؤخذ بقوله فيها بل عليه اثباتها بالبينة. وهذا هو المقصود بقولهم ان الاقرار يتجزأ وقد اخذ القضاء بعدم تجزئ الاقرار وقال ان كلام المدعى عليه يعتبر كله جزء واحدا فلا يؤخذ الضار منه بالمقر ويترك الصالح له.
وقالوا فى المقال المذكور: أنه ليس لزيد أن يأخذ الشق الاول من الاعتراف وهو حصول القرض ويترك الشق الثانى وهو حصول الوفاء بالكل أو بالبعض. وهذا هو مذهب الحنابلة.
ونص فى الطرق الحكمية واعلام الموقعين للعلامة ابن القيم نقلا عن أياس أن من أقر بشئ وليس عليه بينه فالقول قوله لأن اقراره أمارة على صدقه .. فاذا ادعى شخص على آخر ألفا ولا بينة للمدعى فقال المدعى عليه صدق الا أننى قضيته اياه فالقول قوله. وكذلك اذا أقر انه قبض من مورثه وديعة ولا بينة له وادعى ردها اليه.
شروط صحة الاقرار:
شروط صحة الاقرار كثيرة بعضها يرجع الى المقر. وبعضها يرجع الى المقر له وبعضها يرجع الى المقر به. وبعضها يرجع الى صيغة الاقرار.
شروط المقر:
الشروط التى يجب تحققها فى المقر هى:
(1)
العقل: فلا يصح اقرار المجنون والصبى الذى لا يعقل لان صحة التصرفات تنبنى على العقل فحيث انعدم تكون التصرفات باطلة ومنها الاقرار ولا يصح عليها اقرار الولى أو النائم لانه اقرار على الغير وهو باطل.
(2)
البلوغ: فلا يصح اقرار الصبى المميز ولو اجازه وليه او وصيه لبطلانه اصلا لانعدام اهلية الالتزام او عنده. ولا يصح عليه اقرار الولى والوصى لانه اقرار على الغير وهو باطل غير أن الأمر فيه تفضيل وهو: أن الصبى المميز اما أن يكون مأذونا له فى التجارة أو محجورا عليه بحكم الصغر. فان كان محجورا عليه فلا يصح اقراره بشيئ أصلا سواء كان المقر به من باب التجارة ومتعلقا بها أو لم يكن من باب التجارة ولو أذن له الولى أو الوصى بذلك لأن ذلك من التصرفات الضارة ضررا محضا وهى لا تصح منه ولو بأذن الولى والوصى. وان كان مأذونا له فى التجارة صح اقراره بكل ما كان سبيله التجارة ومتعلقا بها. ولا يصح اقراره بماعدا ذلك.
فيصح اقراره بالبيع وقبض الثمن وعيب سلعة باعها وعبد فى يده والوديعة والعارية والغصب ولا يصح اقراره بالمهر والجنابة والكفالة وموجبات الحدود. كالزنا والسرقة والقذف والمعتوه كالصبى المميز فى جميع ما ذكر ..
(3)
الحرية: فاقرار العبد البالغ غير صحيح وفى هذا ايضا تفصيل. وهو ان العبد البالغ اما أن يكون مأذونا له فى التجارة او يكون محجورا عليه بحكم الرق. وعلى كل فاما ان يقر بشئ يرجع ضرره الى شخصه كالحدود والقصاص او يقر بمال من باب التجارة ومتعلق بها او يقر بمال ليس من باب التجارة ولا متعلقا بها فان كان مأذونا له فى التجارة صح اقراره بما يعود ضرره الى شخصه وبمال هو من باب التجارة ومتعلقاتها. وينفذ عليه الاقرار فى الحال .. وصح ايضا اقراره بمال لا يتعلق بالتجارة وليس من بابها. ولكن يتوقف نفاذ الاقرار الى ما بعد العتق وعلى ذلك فيصح اقراره بالحدود والقصاص والديون والأعيان التى سبيلها التجارة وينفذ اقراره فى الحال دون انتظار لعتقه .. ويصح اقراره بمهر امرأة تزوجها بغير اذن مولاه وبجناية موجبة للمال ويتأخر نفاذ الاقرار الى ما بعد عتقه فيؤاخذ به بعد العتق ولا ينفذ ذلك على المولى.
وان كان محجورا عليه صح اقراره بما يعود ضرره الى شخصه وينفذ عليه فى الحال فيصح اقراره بالحدود والقصاص وينفذ عليه فى الحال دون انتظار الى ما بعد العتق. وصح اقراره وتأخر تنفيذه الى ما بعد العتق بالاموال المتعلقة بالتجارة وغير المتعلقة بها .. وانما صح الاقرار ونفذ فى الحال من العبد المأذون له فى التجارة والمحجور عليه فى الامور التى ترجع الى شخصه كالحدود والقصاص. لانه باق على اصل الحرية بالنسبة لذلك .. ولهذا
لو اقر سيده عليه بهذه الأمور لم يصح اقراره وهو ايضا خيرتهم فى الاقرار بها لأن ما يعود على شخصه من الضرر اشد واعظم مما يعود على سيده .. وصح الاقرار وتنفذ فى الحال من العبد المأذون له فى التجارة بمال التجارة وما هو متعلق بها لأن نفاذ اقراره فى الحال بمال التجارة من ضروريات التجارة. ولو لم ينفذ الاقرار بذلك فى الحال لم يعامله احد وانما تأخذ تنفيذ الاقرار فيما عدا ذلك الى ما بعد العتق لان عدم نفاذه فى الحال لمراعاة حق السيد. وهذا لا يمنع من النفاذ بعد العتق حينما ينعدم حق السيد فى العبد.
فأشبه ذلك اقرار الحر بمال غيره لغيره فقد قالوا أنه صحيح ولكن لا ينفذ فى الحال لحق المالك ظاهرا وينفذ على المقر اذا ملك المقر به فى المستقبل. فكذلك هذا.
ومما ذكر يتعين أن الحرية ليست شرطا لصحة الاقرار فى ذاته وانما هى شرط لنفاذ الاقرار فى الحال فى بعض الصور.
(4)
الطوع والرضا والاختيار: فلو كان مكرها لم يصح الاقرار لقيام دليل الكذب فيه وهو الاكراه. وهذا الشرط عام فى كل الاقارير حتى الاقرار بالسرقة خلافا لما يقول به بعض المشايخ من أن الاقرار بالسرقة يصح ولو مع الاكراه. وان كان هذا البعض يقصر صحة الاقرار بالسرقة على المال دون القطع للشبهة الدارئة للحد وهو الاكراه والمذهب أن الطوع والاختيار شرط لصحة الاقرار حتى الاقرار بالسرقة.
(5)
اليقظة: فلا يصح اقرار النائم لعدم التمييز لديه. والمؤاخذه انما تكون بالتمييز وعلى هذا اذا اقر النائم لانسان بمائة جنيه لم يؤاخذ بهذا الاقرار ولم يلزمه المبلغ المقر به لعدم صحة اقراره وكذلك جميع اقراراته التى تصدر عنه حال النوم لا يعتد بها ولا يؤاخذ بمقتضاها. ومثل النائم فى ذلك المغمى عليه لفقدانه التمييز كذلك.
(6)
الصحو: فلا يصح اقرار السكران حسب التفصيل الآتى: وهو أن السكران اما أن يسكر بطريق محظور كشرب مسكر غير جائز شرعا او يسكر بطريق مباح كالذى يسكر بتعاطى بعض الادوية او يشرب مكرها او مضطرا - فان سكر بطريق محظور كان مكلفا شرعا واعتبر كالصاحى فتصح جميع اقاريره وتصرفاته ويؤاخذ بها وتنفذ عليه زجرا له عن ارتكاب المحظور ولكن هناك مسائل لا يعتبر فيها اقراره شرعا ولا يؤاخذ به وهى:
أ - الردة فاذا ارتد السكران باى لفظ كان او اقر بالردة لم تعتبر ردته ولا الاقرار بها فلا تلحقه أحكام المرتدين لأن الردة مبنية على الاعتقاد. وهو يعتمد وجود العقل. ولا عقل مع السكر بخلاف الصاحى فانه عاقل ومتمالك لجميع حواسه وادراكاته فيؤاخذ بما يصدر منه لوجود العقل.
ب - الاقرار بالحدود الخالصة لله تعالى لا يصح منه فلا يعامل بمقتضاه. ويصح من الصاحى فيؤاخذ به. فلو اقر وهو سكران بالزنا او بشرب الخمر لم يصح اقراره لهما فلا يحد لهما لان السكر شبهة فى اقراره. والحد يدرأ بالشبهات ولو أقر بالسرقة لا يصح منه الاقرار بالنسبة للحد وهو قطع اليد لشبهة السكر ويصح بالنسبة للمال فيضمنه .. أما
الحدود التى يغلب فيها حق العبد كحد القذف فيصح اقراره بها ويؤخذ به ويقام عليه الحد فيه .. وكذلك الحقوق غير الحدود يصح اقراره فيها ويؤاخذ به كاقراره بقصاص فى النفس او فى الاطراف او بالمال فانه يعامل به.
ج - الاشهاد على شهادة نفسه: يصح من الصاحى ولا يصح من السكران لفقدان الضبط.
د - تزويج الصغيرة بأقل من مهر مثلها يصح من أبيها وهو صاح ولا يصح منه وهو سكران عند أبى حنيفة، وعند الصاحبين لا يصح منه فى الحالتين.
هـ - استلامه المنصوب وهو سكران لا يترتب عليه سقوط الضمان عن الناصب بخلاف استلامه وهو صاح فانه يسقطه.
و- بيع الوكيل الشئ الموكل ببيعه اذا صدر منه وهو سكران لا ينفذ على الموكل بخلاف ما لو صدر منه وهو صاح حيث ينفذ على الموكل.
ز - الوكيل بالطلاق اذا نفذ ما هو موكل فيه وطلق وهو سكران لا يعتبر ولا ينفذ على موكله. بخلاف ما لو طلق وهو صاح حيث يصح وينفذ على الموكل.
ح - النية تصح من الصاحى ولا تصح ولا تعتبر من السكران حتى لو استمر السكران غير مفيق فى رمضان حتى مضى ميعاد النية لم يصح صومه بعدم صحة النية وهو شرط فى صحة الصوم فيكون عليه القضاء والاثم.
فهذه المسائل يخالف فيها السكران الصاحى فلا تصح منه وتصح من الصاحى.
وفيما عدا هذه المسائل يكون كالصاحى فيؤاخذ باقواله وافعاله. فاذا زنى او سرق او قتل او اعتقل او اسقط او حق له او اقر بمال لشخص او بعتاق او اشبه وهو سكران.
فانه يصح منه ويؤاخذ باقراره كما يؤاخذ الصاحى على سواء.
هذا ان سكر بطريق محظور. فان سكر بطريق مباح كشرب مكره ومضطر وشرب دواء فلا تعتبر تصرفاته ولا اقراراته بجميع أنواعها بل يكون حكمه حكم المغمى عليه الا فى سقوط قضاء الصلاة عنه اذا بلغت ستا. فانه فى الاغماء يسقط ولا يحق عليه القضاء وفى السكر لا تسقط عنه ويجب قضاؤها عليه لانه بصنعه .. واختلف فى تفسير السكران بين الامام والصاحبين. فقال الامام هو: من لا يعرف الارض من السماء ولا الرجل من المرأة .. وقال الصاحبان هو من يكون فى كلامه هذيان واختلاط. وبهذا التفسير أخذ أكثر المشايخ.
(7)
أن يكون المقر معلوما بعينه فلو كان مجهولا يصح الاقرار لضرورة القضاء والزامه بتنفيذ الاقرار. ولا فضاء على مجهول.
وينبنى على ذلك أنه لو قال واحد من جماعة:
لفلان على أحدنا ألف درهم لم يصح الاقرار ولم يجب المال على واحد منهم لجهالة من يطلب منه المال على التعبير. ولا يجبر المتكلم على البيان.
لكن لو جمع المتكلم بين نفسه وعبده فيما لا يتأخر تنفيذ الاقرار به من العبد الى
ما بعد العتق. وقال: لفلان على أحدنا الف درهم مثلا صح الاقرار ولزم السيد التنفيذ لأن ما على العبد عليه فكان المطالب بالمال معلوما وهو السيد الا فى مسألتين يكون فيهما حكم العبد كحكم الاجنبى ويكون الاقرار باطلا - (1) أن يكون العبد مديونا (2) أن يكون مكاتبا.
(8)
ألا يكون المقر متهما فى اقراره. فلو كان متهما فيه لم يصح اقراره لان التهمة تخل برجحان جانب الصدق على جانب الكذب فى الاقرار. ولأن الاقرار شهادة على النفس وهى مما ترد بالتهمة. مثال ذلك أن المقر المريض مرض الموت لوارثه بدين فانه لا يصح ولا يجب المدين بهذا الاقرار لانه متهم فيه لجواز انه اقر بعض الورثة على بعض بميل الطبع او بسبب قضاء حق دعاه للاحسان اليه. وهو لا يملك ذلك بطريق التبرع فأراد تنفيذ عرضه بصورة الاقرار من غير أن يكون لهذا الوارث على المقر دين اصلا فكان متهما فى اقراره هذ فيرد ولا ينفذ.
(9)
الا يكون المقر محجورا عليه لسفه بالنظر للتصرفات التى تبطل بالهزل. فلو اقر وهو محجور عليه بهذه التصرفات كان اقراره باطلا .. وان أقر بمال لشخص فان الاقرار يوقف ولا ينفذ مادام الحجر موجودا فان زال الحجر نفذ الاقرار لان اهلية المقر المصححه لعبارته قائمة وقت الاقرار غير أنه وجد مانع.
فاذا زال ظهر اثر الاقرار.
(10)
أن يكون المقر جادا لا هازلا فلو كان هازلا لا يصح اقراره. ويمكن التمييز بين حالتى الهزل والجد بالنغمة والحركة والموقف بظروفه.
(11)
أن لا يكذبه ظاهر الحال فى اقراره.
فلو اقر لمن لا يولد مثله لمثله أنه ابنه لا يصح اقراره لبطلانه. ولو اقر الصغير الضعيف الذى لا يحتمل جسمه البلوغ بالبلوغ بقوله بلغت لا يصح اقراره ولا يعتبر. ولو قال: ان فلانا اقرضنى كذا من شهر كذا، وقد مات فلان هذا قبل التاريخ المذكور لا يصح الاقرار ولا يلزمه شئ. ولو اقر لوارث باكثر من نصيبه شرعا كما لو مات عن ابن وبنت فقال الابن: أن التركة بيننا مناصفة. ولو اقر لزوجته بنفقة عن مدة سابقة كانت فيها ناشزة ولم يكن قد قضى لها بنفقة سابقة من قبل فلا يصح الاقرار ولا تلزمه النفقة شرعا.
شروط المقر له:
وشروط صحة الاقرار التى يجب توافرها فى المقر له هى:
(1)
أن يكون محقق الوجود وقت الاقرار حقيقة او شرعا فمقال محقق الوجود حقيقة أن يقر لحمل فلانه بالف درهم ميراثا تركها له ابوه ثم تلد المرأة قبل مضى ستة اشهر من وقت الاقرار. فانا نجزم بوجود الولد حقيقة وقت الاقرار لان اقل مدة الحمل ستة اشهر ولا يتصور ان يكون هذا الولد قد يكون من ماء جديد بعد الاقرار. ومثال المحقق وجوده شرعا ما اذا اقر لحمل امرأة معتدة من طلاق بائن بالف درهم بسبب ميراث او وصية ثم ولدت المرأة الحمل ولدا لاكثر من ستة اشهر من وقت الاقرار ولاقل من سنتين من وقت الفرقة ولم يحصل اقرار من المرأة بانقضاء العدة فان الاقرار هنا صحيح لأنه ان كان يجوز عقلا أن الولد تكون من ماء جديد بعد الاقرار ولا يكون موجودا حقيقة وقت الاقرار
الا أنه حيث اثبت الشارع نسبه من ابيه فى هذه الحالة فيكون قد حكم بوجوده قبل الفرقة فيكون موجودا وقت الاقرار حكما بحكم الشارع بثبوت النسب فلو لم يكن محقق الوجود وقت الاقرار لا فعلا ولا شرعا لم يصح الاقرار. وذلك مثل أن يقر لحمل امرأة متزوجة بالف درهم وصية له من فلان ثم جاءت المرأة المتزوجة بالولد لاكثر من ستة اشهر من وقت الاقرار. فانه لا يستحق المبلغ المقر به لأنه لم يكن محقق الوجود وقت الاقرار لا عقلا ولا شرعا لجواز ان يكون قد تكون من ماء بعد الاقرار. فيرد المقدار المقر به لورثة الموصى.
(2)
ألا يكون المقر له مجهولا جهالة فاحشة وذلك بأن يكون معلوما بعينه او مجهولا جهالة يسيرة فلو كان مجهولا جهالة فاحشة لم يصح الاقرار. نحو أن يقول المتوفى اقراره لواحد من الناس عندى الف درهم.
اما لو كان معلوما نحو أن يقول: لزيد عندى مائة درهم. أو كان مجهولا جهالة يسيرة نحو أن يقول لاثنين: لاحدكما عندى مائة درهم - فان الاقرار يصح فى الصورتين ويلزمه فى الاولى المقر به لزيد. ويؤمر فى الثانى بالتذكر ولكن لا يجبره القاضى على البيان لجهالة المدعى. ولان الاجبار قد يؤدى الى ابطال الحق على مستحقه بأن يبين المقر تحت تأثير الاجبار غير المستحق فعلا.
والقاضى انما نصب لايصال الحقوق الى مستحقيها لا لابطالها على مستحقيها الا أنه يأمر بالتذكر لان المقر قد ينسى صاحب الحق فان تذكر فيها وأمر باعطاء الحق لصاحبه وان لم يتذكر لم يجبر على اعطاء المبلغ المقر به لأحد الاثنين المخاطبين بالاقرار. لكن اذا اتفقا على أخذ المبلغ من المقر باعتبار أن الاستحقاق منحصر فيهما كان لهما ذلك
وحد الجهالة اليسيرة أن يكون العدد مائة فأقل. وحد الجهالة الفاحشة أن يكون العدد اكثر من ذلك .. وجواز الاقرار مع الجهالة اليسيرة هو الاصح كما ذهب اليه الناطفى وشيخ الاسلام خواهر زادة لانه يمكن مع ذلك ايصال الحق الى مستحقه كما اذا اتفق الشخصان او الاشخاص المقر لواحد منهما او منهم على اخذه.
وذهب وشيخ الائمة السرخسى: أن جهالة المقر له تضر دائما وتمنع صحة الاقرار فحشت الجهالة أم كانت يسيرة لأن المجهول لا يصلح مستحقا ولا يمكن الاجبار على البيان من غير تبيين المدعى فلا يفيد الاقرار فائدته.
شروط المقر به:
والشروط التى يجب تحققها فى المقر به لصحة الاقرار هى:
(1)
ألا يكون محالا عقلا او شرعا فاذا كان محالا عقلا او شرعا بأن كان الشرع يعده باطلا لم يصح الاقرار به ولم يعامل المقر بمقتضاه. فمثال الاقرار بالمحال العقلى. أن يقر بان فلانا اقرضه مائة جنيه فى اليوم الفلانى ويكون فلان هذا قد مات قبل اليوم المذكور أو يقر بأن عليه لفلان خمسمائة دينار أرش يده التى قطعها ويداه صحيحتان. أو يقر أن عليه الف دينار دية ابيه فلان الذى قتله المقر خطأ وابوه فلان المذكور حى. وهكذا من كل حق مترتب على سبب محال عقلا لوجود
ضده. فان الاقرار به يكون باطلا وغير معتبر شرعا حتى اذا اخذ المقر له من المقر المال المقر به كان للمقر أن يسترده منه ثانيا لانه اخذه منه بغير وجه مشروع.
ومثال الاقرار بالمحال الشرعى. أن يقر انسان بقدر من السهام لوارث اكثر مما هو مقدر له شرعا. نحو أن يموت رجل عن ابن وبنت فيقر الابن ان الميراث بينه وبين اخته مناصفة. فهذا اقرار باطل لأنه أقر بشئ يعده الشرع باطلا لأن الشرع جعل للذكر مثل حظ الانثيين. وكذلك اقرار الرجل لزوجته بمهرها بعد ان تبرئه منه او بعد ان تهبه له او اقراره لها بنفقة عن مدة ماضية هى ناشز من غير سبق قضاء ولا رضاء مع اعترافها بذلك. فان جميع هذه الاقرارات باطلة شرعا لانها اقرارات باشياء بحكم الشرعى ببطلانها وعدم وجودها فلا تعتبر.
(2)
أن يكون مما يجرى فيه التمانع ويجب تسليمه الى المقر له اما بعينه كما لو اقر بداية فى يده انها لفلان او بتسليم مثله كما لو اقر بالف درهم فى ذمته لآخر لان الديون تقضى بامثالها لا باعيانها .. فلو كان المقر به مما لا يجرى فيه القانع بين الناس لتفاهته لم يصح الاقرار به. فلو اقر بكف من حنطة او بحفنة من تراب لم يصح الاقرار ولم يجب تسليم المقر به للمقر له .. ويلاحظ ان هذا الشرط انما يكون فيما اذا كان المقر به عينا او دينا.
فلو كان المقر به حقا كعتق العبد او بنوة الابن او حصول الزوجية او ما اشبه ذلك لم يشترط فيه هذا الشرط لان السيد فى اقراره بعتق عبده لا يجب عليه تسليم شئ للعبد الذى اعتقه ولا الزوج لزوجته التى اقر بنكاحها ولا الاب لابنه الذى اقر بنسبه. ويكون الشرط فى مثل هذه الامور ان يترتب على الاقرار بها ثبوت حق للغير على نفس المقر ولو سلبيا كما ذكر فى تعريف الاقرار.
شروط الصيغة:
والشروط التى يجب توافرها فى صيغة الاقرار لصحة الاقرار هى:
(1)
أن تكون منجزة لا معلقة على شرط. فلو كانت معلقة على شرط لم يصح الاقرار. وذلك على التفصيل الاتى: وهو أن الشرط المعلق عليه الاقرار كان متضمنا دعوى أجل على المقر له نحو ان يقول: لزيد عندى مائة درهم دينا ان جاء شهر رمضان أو أن جاء يوم عيد الاضحى او نحو ذلك. صح الاقرار. ولزم المقر المال المقر به فى الحال واستحلف المقر له على الاجل بحيث لو نكل عن اليمين يجب المال عند الاجل .. وان كان غير متضمن دعوى اجل على المقر له. فلا يخلو حاله من ثلاثة أمور:
أ - ان يكون الشرط المعلق عليه مما لا يمكن الوقوف عليه كمشيئة الله وارادته ورضاه ومحبته وقضائه وارادته. ومشيئة الجن والملائكة. نحو أن يقول: لفلان عندى ألف درهم ان شاء الله او ان اراد الله. او يقول لفلان عندى عشرون جنيها ان شاء الجن او ان ارادت الملائكة - وحكم هذا انه لا يصح الاقرار معه ولا يترتب عليه اثر ولا يلزم المقر ما أقر به.
ب - أن يكون مما يمكن الوقوف عليه عند وجوده. وهو على حظر الوجود والعدم.
كمشيئة فلان ودخوله الدار ولبسه الثوب وركوبه الفرس. وحلفه أن الحق له مثلا ونحو ذلك نحو أن يقول: لفلان عندى مائة جنيه ان شاء زيد ذلك او أن دخل داره او لبس ثوبه أو ركب فرسه .. او يقول:
لفلان عندى عشرون جنيها ان حلف أنها له وحكم هذا ان الاقرار فيه يكون باطلا لا يؤاخذ به المقر ولو وجد الشرط المعلق عليه. حتى لو دفع المقر المال بناء عليه كان له أن يسترده لانه دفعه بعير موجب شرعى.
ج - أن يكون الشرط المعلق عليه كائنا لا محالة نحو أن يقول: لفلان عندى خمسون جنيها ان مت. وحكمه أنه يصح الاقرار معه ويجب المال المقر به عاش المقر أو مات. لأنه ليس تعليقا حقيقة. وانما المقصود منه تأكيد قرار بربطه بشئ حاصل حتما. وهو موته ويشترط الاعتبار التعليق على الشرط أن يكون موصولا بالاقرار حقيقة كالأمثلة المذكورة او حكما بأن يفصل بينهما بعذر ضرورى كالتنفس او العطس ونحو ذلك. فان فصل بغير عذر لا يعتبر الاقرار معلقا على شرط. وحينئذ يأخذ حكم الاقرار المنجز.
(2)
أن تكون مفيدة ثبوت الحق المقر به على سبيل اليقين والجزم .. فلو كانت مشتملة على ما يفيد الشك او الظن كان الاقرار باطلا لا يؤاخذ به صاحبه سواء كان ذلك آتيا من جهة اللغة او من جهة العرف .. وينبنى على ذلك أنه لو قال: لفلان على مائة جنيه فى علمى او فيما اعلم يصح الاقرار ولا يجب عليه المقر به لأن هاتين العبارتين تفيدان التردد عرفا ولو قال: لفلان على ألف درهم فى شهادة فلان او فى علمه او فيما ادعى او فيما ظننت او فيما أظن او فيما أحسب أو نحو ذلك لم يصح الاقرار ولم يحب المال لأن هذه العبارات تفيد الشك لغة.
(3)
أن تكون صيغة الاقرار باللفظ والعبارة لا بالكتابة ولا بالاشارة ولا بالسكوت اذا كان المقر به حدا من حدود الله تعالى بجميع أنواعها. فلا يصح الاقرار بالكتابة ولا بالاشارة ولا بالسكوت فى الحدود. ولو ممن لا يقدر على التلفظ والتعبير كالاخرش. لان الشارع علق وجوب الحد على البيان الواضح المتناهى وهو لا يكون الا اللفظ الصريح.
بخلاف باقى الحقوق وأنه يصح الاقرار بها باللفظ والكتابة والاشارة والسكوت على التفصيل الذى سبق بيانه عند الكلام على ما به يكون الاقرار.
(4، 5) وأن تكرر أربع مرات وأن تكون فى أربعة مجالس اذا كان المقر به زنا. لما روى أن ماعزا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر بالزنا. فأعرض عنه عليه الصلاة والسلام بوجهه الكريم ورده فاقر ثانيا فأعرض عنه ورده وهكذا الى أن اقر اربع مرات فى اربعة مجالس واستفسر منه عما فعل وسماه وأزال كل لبس فامر باقامة حد الرجم عليه ورجم فعلا فهذا دليل على أن الاقرار بالزنى لا يكون موجبا للحد الا اذا تكرر اربع مرات فى أربعة مجالس. لأنه لو كان الاقرار من واحدة كافيا لايجاب الحد على المقر لما أخره رسول
الله صلى الله عليه وسلم الى أن يقر أربع مرات لان الحد بعد ما ظهر وجوبه للامام لا يحتمل التأخير. ولأنه لو لم يكن اختلاف المجالس فى الاقرار به واجبا وضروريا للعمل به. لما قبله النبى صلى الله عليه وسلم فى ماعز حيث كان يخرجه فى كل مرة ثم يعود .. ومن هذا يعلم أن الصحيح فى اعتبار اختلاف مجالس الاقرار وهو مجلس المقر لا مجلس القاضى. لأن الذى اختلف مجلسه فى قصة ماعز هو ما عز نفسه اذ كان يخرج من مجلس النبى صلى الله عليه وسلم ثم يعود .. ومجلس النبى صلى الله عليه وسلم لم يختلف.
(6)
أن تكون صيغة الاقرار بين يدى القاضى وفى مجلس قضائه اذا كان المقر به حدا خالصا لله تعالى كحد الزنا وشرب الخمر والسرقة.
فلو أقر فى غير مجلس القضاء وشهد الشهود على اقراره بالزنى أو الشرب أو السرقة لا تقبل شهادتهم عليه لأنه ان كان مقرا أمام القاضى الذى يشهد الشهود أمامه على اقراره فلا حاجة الى الشهادة لأن الحكم للاقرار لا للشهادة وان كان منكرا امام القاضى كان انكاره رجوعا منه عن الاقرار على فرض حصوله. والرجوع عن الاقرار فى الحدود الخالصة لله تعالى صحيح.
فلو كان المقر به حقا غير خالص لله تعالى بل كان حقا لله وفيه حق للعبد كحد القذف عند الحنفية أو كان الحق المقر به حقا خالصا للعبد كما فى الاموال وغيرها لم يشترط هذا الشرط لأن الرجوع عن الاقرار به غير صحيح ولا يقبل فيمكن اثباته بالبينة.
(7)
ألا تكون مشتملة على اسناد الاقرار الى حالة منافية للضمان من كل وجه. فان اشتملت على ذلك كان الاقرار باطلا ولم يجب به شئ على المقر. وذلك نحو أن يقول العبد لغيره بعد عتقه: قطعت يدك خطأ وانا عبد. وكذبه المقر له فى الاسناد وقال له: بل قطعتها وانت حر. فانه فى هذه الحالة يكون القول قول العبد ولا يجب عليه شئ للمقر له.
أصول الاقرار
الأصل الأول:
أنه يصح الاقرار بالمعلوم وبالمجهول:
أما بالمعلوم فظاهر كأن يقر بعين معينة أو بدين مقدر او بحق معلوم لفلان مثلا.
وأما بالمجهول فلأن الانسان قد يلزمه الحق مجهولا بأن يتلف شيئا لغيره لا يدرى قيمته او يجرح انسانا جراحة لا يعلم مقدار ارشها او يغصب من شخص مالا فى كيس لا يعرف مقداره .. ففى هذا كله لزمه الحق مجهولا. فلو لم يصح الاقرار فى ذلك كله مع الجهالة لضاعت هذه الحقوق .. فاحياء لها ولامثالها أجيز الاقرار بالمجهول .. وينبنى على ذلك أنه لو قال: لفلان على شئ أو حق صح اقراره .. ونظرا لأنه لا يمكن القضاء بالمجهول لو وقعت خصومة امام القضاء فى مثل هذا الاقرار. ولأن التجهيل من جانب المقر .. قالوا: أنه يلزم بالبيان ولا يقبل منه البيان الا اذا فسر بشئ له قيمة. فلو فسره بما لا قيمة له كحبة حنطة او حفنة تراب وما اشبه ذلك لم يصدق فيه ولا يقبل منه. لأنه يكون رجوعا عن الاقرار والرجوع عن الاقرار فى
حقوق العباد لا يصح ولا يقبل
…
واذا فسر المقر بما له قيمة أن صدقه المقر له فى تفسيره فالامر واضح ويجب المقر به. وأن كذبه فى تفسيره وادعى زيادة عليه فان اثبت ما يدعيه فالامر واضح كذلك ويقضى له بما أدعى. وأن لم يثبت ما يدعيه صدق المقر فى تفسيره بيمينه لأنه منكر لما يدعيه المقر له من زيادة. والقول قول المنكر بيمينه هذا. ومحل صحة الاقرار بالمجهول اذا لم يذكر المقر سببا لما أقر به لا يصح مع الجهالة بأن سكت عن ذكر سبب أو ذكر سببا لا تضره الجهالة ويصح معها كالغصب والايداع والجناية .. فان الجهالة لا تمنع تحقق الغصب والوديعة والجناية فان بين غصب من رجل مالا مجهولا فى كيس او اودعه مالا مجهولا فى كيس او جرحه جراحة لا يعلم مقدار أرثها. فانه يصح الغصب والوديعة والجناية ويثبت حكمها .. اما اذا ذكر سببا تقره الجهالة ولا يصح معها كالبيع والاجارة.
فان من باع شيئا مجهولا او اجر عينا مجهولة يكون العقد فاسدا ولا يجب تسليم شئ بحكمه. فكذلك الاقرار. اذا اقر بانه باع من فلان شيئا او اجر من فلان شيئا او اشترى من فلان شيئا لا يصح هذا الاقرار ولا يجبر على تسليم شئ.
الأصل الثانى:
أنه متى أقر الشخص بشئ كان مقرا به
وبما يستتبعه عادة
.
وان لم ينص على هذا التابع صراحة.
وينبنى على ذلك انه لو اقر الاخر بسيف كان للمقر له النصل والغمد والحمائل. واذا أقر له بخاتم كان له الحلقة والفص. واذا اقر له بمنزل او دار كان له الارض والبناء .. وان لم ينص على ذلك صراحة. لأن السيف اسم للنصل والغمد والحمائل تابعة له. والخاتم اسم للحلقة والفص تابع لها والمنزل او الدار اسم للارض والبناء تابع لها. فدخل التابع فى الاقرار كما دخل المتبوع.
الأصل الثالث:
انه اذا اقر بشئ فى شئ ينظر:
ان كان الشئ الثانى يصلح طرفا للاول. ويمكن نقله لزم المقر الشبئان وكان مقرا بهما .. وينبغى على ذلك انه اذا اقر بتمر فى توصرة. وهى وعاء التمر مادام فيها. او طعام والجوالق.
والثوب والمنديل .. وان كان الشئ الثانى يصلح ظرفا للاول. ولكن لا يمكن نقله كان مقرا بالمظروف دون الظرف. وذلك نحو أن يقر بحصان فى اسطبل فانه يلزمه الحصان لا الاسطبل .. وان كان الشئ الثانى لا يصلح للظرفية اصلا لزمه الشئ الأول فقط نحو أن يقر بدرهم فى درهم او بثوب فى درهم.
فانه يلزمه درهم واحد فى الاول وثوب فقط فى الثانى.
الأصل الرابع:
انه متى اضاف المقر الشئ المقر به الى
ملكه نصا أو تقديرا ولم يأت بلفظ (فى) كان
الاقرار تمليكا للمقر له ابتداء وليس اقرارا
.
فان كان فى ذكر الوصية كان وصية والا كان هبة. وذلك مثل أن يقول: جميع مالى او جميع ما أملكه لفلان. او يقول: لفلان من مالى الف درهم .. فهذه الصور جميعها تكون هبة
للمقر له فتشترط فيها شروط الهبة .. واذا قال اوصيت لفلان من مالى بمائة جنيه او بثلث دارى كان ذلك وصية تفيد ملك المقر به للمقر له بعد وفاة المقر .. اما لو اتى بلفظ (فى) بأن قال: لفلان فى مالى الف درهم. او قال لفلان فى دارى ثلثها فان هذا يكون اقرارا بالشركة فى المال وفى الدار بينه وبين فلان هذا المقر له بالمبلغ والحصة المقر بهما. وليس تمليكا مبتدأ .. والأمثلة المذكورة فيها الأضافة الى ملكه صراحة ونصا. أما الاضافة الى ملكه تقديرا. فتكون فيما اذا كان الشئ المقر به معلوما ومعروفا بين الناس انه ملك المقر ثم يقول المقر: الدار التى حدودها كذا وكذا - ومعروفا أنها - ملكه - لفلان. فانه يجعل هبة كالاضافة الصريحة - لا اقرارا لوجود الاضافة التقديرية.
الأصل الخامس:
أنه اذا اقر بشئ بين غايتين
كأن يقول لفلان من كذا الى كذا. او ما بين كذا وكذا أرضا او مالا. ينظر فان كانت الغايتان محسوبتين له تدخل الغايتان فى الاقرار بالاتفاق ولزم ما بينهما فقط. فاذا قال: لفلان فى دارى من هذه الحائط الى هذه الحائط او ما بين هاتين الحائطين كأن للمقر له ما بين الحائطين ولم تدخل الحائطان بالاتفاق. وكذلك اذا كانت امامه خواتم من ذهب مرصوصة ومرتبة بجانب بعضها فقال المقر: لفلان من هذا الخاتم الى هذا الخاتم واشار الى خاتمين كان للمقر له ما بين الخاتمين المبينين بالاشارة ولم يلزمه الخاتمان اللذان جعلا مبدأ ونهاية بالاتفاق ..
واذا كانت الغايتان غير محسوستين. وخلف الغاية الأولى دون الثانية فى الاقرار عند ابى حنيفة ودخلت الغايتان معا عند الصاحبين ابو يوسف ومحمد. ولم تدخلا معا عند زفر فاذا قال: لفلان درهم الى عشرة. فانه يلزمه نسبة عند الامام وعشرة عند الصاحبين وثمانية عند زفر .. وقد قالوا: ان ما قاله الامام فى الثانية الأولى هو الاستحسان وفى الثانية هو القياس: وما قاله الصاحبان فى الغايتين هو الاستحسان ومقاله زفر فيهما هو المقياس، ومن ذلك يظهر ان قول الصاحبين هو الأرجح لأن الاستحسان مقدم على القياس.
الأصل السادس:
(دعوى المقر انه كاذب فى اقراره):
الاصل انه متى اقر الشخص الآخر بحق اقرارا صحيحا مستوفيا جميع شروطه الشرعية - صح الاقرار والزم بما اقر به ووجب عليه تسليمه للمقر له. ولا يقبل منه بعد ذلك أنه كاذب فى اقراره اذا كذبه المقر له فى تلك الدعوى.
فليس له أن يقيم البينة على أنه كاذب فى الاقرار ولا أن يطلب تحليف خصمه على نفيه.
وهذا عند الطرفين ابى حنيفة ومحمد ولأن الاقرار حجة ملزمة شرعا كالبينة بل هو أولى لأن احتمال الكذب فيه ابعد اذ الانسان لا يكذب على نفسه عادة وهذا هو القياس وقال أبو يوسف اذا دعى المقر أو ورثته أنه كان كاذبا فى اقراره حلف المقر له ان كان حيا ان المقر لم يكن كاذبا فى اقراره وان كان ميتا حلف ورثته أنهم لا يعلمون أن المقر كان كاذبا فى اقراره .. وهذا مادام المقر لم يصر محكوما عليه بالاقرار. فان صار محكوما عليه بالاقرار لم يحلف له المقر له ولا ورثته بالاتفاق. وقول
ابى يوسف هو الاستحسان وعليه الفتوى ..
لأن العادة جارية بين الناس أنهم اذا أرادوا الاستدانة يكتبون الصك قبل الأخذ ثم يأخذ المال بعد ذلك. فلا يكون الاقرار دليلا على قبض المقدار المقر به حقيقة. ولأن الناس قد تغيرت احوالهم وكثرت مخادعاتهم وخياناتهم فينبغى أن نسهل للمقر الخروج عما اقر به كذبا بتحليف المقر له اليمين على نفى دعواه الكذب والتحليف لا يضر المقر له ان كان صادقا به ولكن المقر يتضرر ان لم تقبل دعواه فى حق الحلف. فيصار الى التحليف .. وان كانت دعوى المكذب فى الاقرار من ورثة المقر حلف لهم المقر له كما يحلف للمقر ومثل ذلك ما لو اقر باستيفاء الدين ثم ادعى الغلط فى اقراره لم تقبل منه هذه الدعوى عند الطرفين.
وقبلت منه عند ابى يوسف وحلف المقر له على نفيها على ما اختاره المتأخرون .. ومحل عدم اختيار الغلط على قول الطرفين فى غير الاقرار بالطلاق. اما لو اقر بطلاق زوجته على فتوى خاطئة من مفتى غير اهل لها. ثم تبين أن الأمر على خلاف ما افتى به المفتى وأن الطلاق غير واقع. كان للزوج ان يرجع الى زوجته ولو بعد كتابة الصك باقراره بالطلاق. ولكن هذا فى الديانة أى فيما بينه وبين الله تعالى. وأما فى القضاء، فلا يصدق فى أنه بنى اقراره على فتوى خاطئة من المفتى بل يؤاخذ باقراره.
ومما يلتحق بذلك ما نقله الحموى فى حاشيته على الاشباه من أنه لو قال: هذه رضيعتى ثم اعترف بالخطأ فى اقراره هذا يصدق فى دعواه الخطأ. وله أن يتزوجها بعد ذلك لأن هذا مما يخفى عليه. فقد يطلع بعد اقراره بالرضاع بينه وبينها. على خطأ الغافل فيرجع .. وهذا مشروط بما اذا لم يثبت على اقراره ويؤكده بان قال: هو حق او صدق، أو أشهد على الاقرار شهودا او نحو ذلك.
حيث لا يقبل منه دعوى الخطأ فيه بعد ذلك.
الأصل السابع:
انه اذا اقر بحق عليه لغيره ووصفه بما
فيه مصلحة له وكذبه المقر له فى الوصف
ينظر ان كان الوصف مما يعرض للمقر به ولكن لا يثبت الا بالشرط لا يصدق المقر فى الوصف وان كان الوصف ثابتا فى المقر به ودون شرط صدق المقر فيه .. وينبنى على ذلك انه اذا اقر لآخر بألف درهم عليه وقال المقر له هى ماله لا يصدق المقر فى الوصف بالتأجيل ويلزمه الدين حالا. الا اذا أثبت الاجل بالبينة.
ويحلف المقر له على الأجل عند انعدام البينة لأنه منكر والقول قول المنكر مع يمينه.
والأجل ليس وصفا ثابتا للدين وانما يثبت بالشرط. اما اذا اقر له بالف درهم سود. وقال المقر له هى بيض - صدق المقر فى الوصف لأنه ثابت للدراهم بحسب نوعها لا بالشرط ..
والقول فى الوصف الثابت للمقر. وفى العارض للمقر له.
الاقرار بالحمل:
يصح الاقرار بالحمل كما يصح الاقرار بالديون والاعيان الظاهرة. فمن قال: حمل الشاة او الناقة أو الفرس أو حمل الامة الفلانية لفلان صح هذا الاقرار وكان لفلان المقر له حق الاستيلاء على الحمل المقر به عند ولادته. وان لم يذكر المقر سببا لملك المقر له الحمل المقر به ويحمل على سبب
صالح للملك وهو الوصية من والد المقر مثلا للمقر له بالحمل حينما كان حيا وكان مالكا للماشية او الجارية - أوصى بالحمل للمقر له ثم مات فأقر ابنه بأن الحمل لفلان الموصى له به من ابيه او يحمل على الميراث.
وصورته أن يوصى رجل لآخر بجارية الا حملها فان هذه الوصية صحيحة ثم يموت الموصى فتصير الحامل ملكا للموصى له والحمل لوارث الميت الموصى. فلو اقر هذا الموصى له بعد أن قبض الحامل الموصى بها بأن حملها لوارث الميت ملكه بسبب الميراث صح الاقرار وكان السبب هو الميراث .. وخالف بعضهم فى الميراث وقال لا وجه له غير أنه يشترط لصحة هذا الاقرار التحقق من وجود الحمل المقر به وقت الاقرار حقيقة او شرعا. حقيقة بأن يولد الحمل لاقل من اقل مدة الحمل بالنسبة اليه من وقت الاقرار. وشرعا بأن يولد حمل الجارية المطلقة بائنا لأكثر من ستة اشهر من وقت الاقرار ولكن لاقل من سنتين من وقت الفرقة فى المعتدة من طلاق بائن اذ يثبت نسب هذا الولد من ابيه شرعا فيكون الشارع قد حكم بوجوده قبل وقت الاقرار.
وأقل مدة الحمل للآدمى ستة اشهر والمقيل احد عشر شهرا وللأبل والخيل والحمير سنة وللبقر والجاموس تسعة أشهر وللشاة والمعز خمسة اشهر على ما ذكره القهستانى - وفى غير هذه الانواع يرجع فى معرفة اقل مدة حملها الى اهل الخبرة فى ذلك.
الاقرار للحمل:
كما يصح الاقرار بالحمل
يصح الاقرار له ولكن بشروط هى:
(1)
أن يكون محقق الوجود وقت الاقرار حقيقة او شرعا. حقيقة بأن يولد لاقل من ستة اشهر من وقت الاقرار بالنسبة للمتزوجة. فأن ولد لاكثر من ستة اشهر من وقت الاقرار بالنسبة لها لم يصح الاقرار ولا يستحق الحمل ما اقر له به لعدم تيقن وجوده وقت الاقرار لجواز أن يكون قد تكون من ماء جديد وحدث الحمل به بعد الاقرار فلم يكن وجوده وقته محققا فلم يوجد الشرط .. وتحقق وجوده شرعا وحكما بأن يولد لاكثر من ستة اشهر من وقت الاقرار ولكن لاقل من سنتين من وقت الفرقة بالنسبة للمعتدة من طلاق بائن. وذلك لأن نسب هذا الولد يثبت من ابيه شرعا.
فيكون الشارع قد حكم بوجوده فى بطن امه وقت الفرقة وقبل الاقرار. فلو ولدته لاكثر من ستة اشهر من وقت الاقرار ولاكثر من سنتين من وقت الفرقة بالنسبة لهذه المعتدة لم يصح الاقرار له اصلا لان الشارع لم يحكم بثبوت نسبه من ابيه.
والمدة التى بين الاقرار والولادة صالحة لان يتكون فيها الحمل من ماء جديد ويحدث الحمل به بعد الاقرار فلم يكن محقق الوجود وقت الاقرار اصلا لا حقيقة ولا حكما فلم يصح الاقرار له.
(2)
أن يبين المقر سببا صالحا لملكية الحمل المقر له للمقر به بأن يقول: لحمل فلانه ألف درهم اوصى له بها فلان او مات ابوه فلان وتركه ميراثا له لان الحق يثبت للحمل من هذه الجهة فكان المقر صادقا فى اقراره. ومتى تم الاقرار على هذه الصورة صح .. ثم ينظر: فان خرج الحمل ميتا رد المقر به الى ورثة الموصى ان
كان السبب الوصية والى ورثة المورث ان كان السبب الميراث لأن الاقرار فى الحقيقة للوصى والمورث وينتقل للحمل بعد ولادته حيا.
وحيث خرج ميتا ظهر أنه غير مستحق للوصية ولا للميراث فيذهب المال الى مستحقيه وهم ورثة الموصى او ورثة المورث .. وان خرج الحمل حيا فان كان واحدا كان له المقدار المقر به وحده مهما بلغ فى فصلى الوصية والميراث.
وان كان متعددا. قسم المبلغ المقر به ببنهم بالسوية ايضا ان كان الاستحقاق بسبب الوصية وقسم بينهم للذكر مثل حظ الانثيين ان كان الاستحقاق بسبب الميراث. لان هذه هى قسمة الميراث بحكم الشارع.
هذا اذا بين المقر سببا صالحا لملكية الحمل المقر له - المقر به .. فان بين سببا غير صالح بأن كان مستحيلا كأن يقول لحمل فلانه الف درهم ثمن مبيع اشتريته منه او بدل قرض اقترضته منه وما اشبه ذلك من الاسباب غير المقصورة او اجمل ولم يذكر سببا اصلا لم يصح الاقرار لأن ثبوت ملك الحمل فى المقر به غير ممكن وقال محمد ان سكت ولم يذكر سببا يصح الاقرار حملا لكلامه على سبب صالح لأن كلام العاقل يصان عن العبث بقدر الامكان.
الاقرار للصبى الرضيع:
أما الاقرار للصبى الرضيع فأنه صحيح ويلزم المقر ما اقر به له سواء ذكر سببا صالحا للملك كالوصية والميراث او لم يذكر سببا اصلا او ذكر سببا مستحيلا وغير متصور من الصبى كالقرض والبيع .. ويحمل السبب غير المقصود على أنه حصل من وليه واسند الى الصبى على سبيل المجاز. وذلك لثبوت الولاية عليه بخلاف الحمل فانه لا يملى عليه احد مادام حملا فلم يكن حمل الاقرار عند ذكر سبب غير صالح على محمل صحيح.
الاقرار العام:
كما يصح الاقرار بالديون والاعيان المميزة وبالحقوق المجهولة يصح ايضا الاقرار العام بأن يقول جميع ما فى يدى من قليل وكثير لفلان او جميع ما فى يدى لفلان او جميع ما ينسب الى فلان فهذا الاقرار صحيح. وكان لفلان المقر له أن يأخذ جميع ما فى يد المقر وقت الاقرار بحكم هذا الاقرار العام .. فان اختلفا فى عين فقال المقر له كانت فى يدك وقت الاقرار فأنا استحقها بمقتضاه، وقال المقر: لم تكن بيدى وقته وانما تملكتها بعد ذلك كان القول قول المقر الا أن يقيم المقر له البينة على أنها كانت بيده وقت ان اقر فانه حينئذ يقضى له بها.
الاقرار بالدين والوديعة:
لو قال: لفلان على مائة جنيه او لفلان قبلى مائة جنيه كان مقرا بدين لأن على صيغة اجاب وقبلى ينبنى عن الضمان. والواجب والمضمون هو الدين. ولا يحمل على انه اقرار بوديعة لأنها غير مضمونة الا اذا وصل كلمة وديعة بكلامه بأن يقول: لفلان على او قبلى مائة جنيه وديعة. فانه يصدق حينئذ ويكون مقرا بوديعة .. ولو قال لفلان عندى او معى او فى بيتى او فى صندوقى او فى كيسى الف جنيه كان اقرارا بالأمانة لا بالدين لأنه اقرار يكون الشئ فى يده. وذلك يتفرع الى مضمون وأمانة فيثبت اقلهما وهو الأمانة لأنه المتيقن .. ولو صرح بالدين فيما
ذكر. وقال: له عندى او فى بيتى او فى صندوقى الف جنيه دينا أو دينا وديعة فانه يكون اقرار بدين مضمون.
الاقرار بريع الوقف:
اذا وقف شخص وقفا على نفسه مدة حياته ثم من بعده على اولاده ثم على اولاد اولاده ونسله وعقبه وقفا مرتب الطبقات الى انقراضهم فيكون لجهة بر لا تنقطع .. ثم مات الواقف وآل ريع الوقف الى اولاده فجاء احد اولاده المستحقين فى الوقف وقال أن الريع المشروط له فى هذا الوقف ليس له وانما الذى يستحقه فلان دونى. صح هذا الاقرار فى حق نفسه خاصة ولا يتعداه الى غيره من المستحقين بعده ويعامل بمقتضاه ويحمل على أن الواقف قد غير فى شرط الاستحقاق وجعل النصيب الذى كان للمقر - للمقر له وعلم المقر بذلك التغيير فأقر هذا الاقرار. ويصح هذا الاقرار سواء كان فى مدة معينة بأن قال: الريع المشروط لى فى هذا الوقف هو استحقاق فلان مدة عشر سنوات من هذا اليوم أو صدر من غير تحديد مدة بأن قال:
غلة هذا الوقف المشروطة لى فى كتاب الوقف هى استحقاق فلان دونى. فان كانت المدة محددة كان للمقر له أن يستولى على ريع الوقف المقر به من وقت الاقرار الى انهاء المدة وبعدها يعود الريع الى المقر ان كان باقيا على قيد الحياة فان كان قد مات يعود الريع الى ما شرطه له الواقف حسب شرطه .. ان كانت المدة غير معينة بان قال فى الاقرار: غلة هذا الوقف المشروطة لى هى لفلان دونى.
صح ذلك وصدق على نفسه لا على غيره من المشروط لهم الريع بعده. والزم بالاقرار مادام حيا ويأخذ المقر له الغلة مدة حياة المقر. فان مات المقر ورجعت الغلة الى من شرطها الواقف له بعد وفاة المقر وان مات المقر له فى حياة المقر رجعت الغلة للفقراء الى أن يموت المقر فتعود الى من شرط الواقف الصرف اليه بعد المقر.
وهذا الاقرار صحيح كما ذكرنا وان خالف ما دون بكتاب الوقف لاحتمال رجوع الواقف عما شرطه وعلم المقر بهذا الرجوع فاقر هذا الاقرار. ولكن ذلك مشروط بأن لا يعلم القاضى او يثبت لديه أن المقر انما أقر بذلك نظير عوض أخذه من المقر له فيكون كأنه باع استحقاقه تحت تأثير ظرف او حاجة.
وبما أن الاقرار لا يسرى الا على المقر ولا يتعدى ضرره الى غيره فانه يترتب على ذلك فى مسألة الاقرار بريع الوقف ما ياتى:
(أ) اذا كان الوقف على زيد واولاده ونسله ثم على الفقراء فأقر زيد بأن الوقف عليهم وعلى فلان من الناس لا يصدق زيد فى هذا الاقرار بالنسبة لأولاده بل يصدق فيه بالنسبة لنفسه فقط. فلا يدخل النقص على نصيبهم بل يدخل على نصيبه هو فيقسم الريع أولا على زيد وعلى من يكون موجودا من اولاده ونسله ثم يقسم ما اصاب زيدا عليه وعلى الرجل الذى اقر له بالاستحقاق فى الريع ويفعل ذلك دائما مادام زيد حيا. فان مات زيد بطل اقراره ولم يكن للمقر له حق فى الريع اصلا.
(ب) اذا كان الوقف على زيد ثم من بعده على الفقراء فاقر زيد بان هذا الوقف عليه وعلى بكر صح هذا الاقرار فى حق
نفسه فقط فيشاركه بكر فى الغلة مادام زيد حيا فان مات زيد كانت الغلة كلها للفقراء ولا يكون لبكر شيئ منها وان مات بكر وزيد حى لم يعد ما كان يأخذه بكر لزيد بل يصرف للفقراء الى أن يموت زيد فتصرف الغلة جميعها للفقراء ..
هذا اذا اقر المستحق بريع الوقف لغيره بالصورة المذكورة. فلو لم يفعل ذلك بل اسقط حقه فى الوقف لا لأحد بأن قال:
اسقطت حقى فى هذا الوقف وصرت لا استحق شيئا من ريعه أصلا. أو جعل حقه فيه لغيره بأن قال: جعلت الغلة التى استحقها فى هذا الوقف لفلان - لم يصح ذلك ولم يقبل منه لأنه فى الأول اسقط حقه لغير معين والاسقاط لغير معين غير صحيح. ولأنه فى الثانى جعل نصيبه لغيره وهو غير صحيح ايضا لأنه يترتب عليه ادخال شخص فى وقف لم يرض واقفه بادخاله فيه فيكون مخالفا لشرط الواقف .. ولأن هذا انشاء استحقاق فى الوقف وهو لا يملكه اذ ليست له ولاية انشاء ذلك من تلقاء نفسه.
الاقرار بالنسب:
تنبنى مسائل هذا الباب على اصول مسلمة وهى: أن من اقر بنسب يلزمه هو فى نفسه ولا يتضمن تحميل النسب على الغير فاقراره مقبول وتترتب عليه آثاره ونتائجه كما يقبل اقراره على نفسه للغير بسائر الحقوق.
وذلك لمن يقر لشخص بأنه ابنه متى توفرت الشروط اللازمة كما سيأتى بيانه. وأن من اقر بنسب يتضمن تحميل نسبه على الغير فانه لا يقبل اقراره كما لا يقبل اقراره على غيره بأى حق من الحقوق. وذلك كمن يقر لشخص بأنه أخوه أو عمه فانه يتضمن تحميل نسب على الغير وهو الأب او الجد فلا يقبل فى حق ثبوت النسب.
وان الرجوع عن الاقرار بالنسب يصح اذا كان الرجوع قبل ثبوت النسب بالفعل.
أما اذا ثبت النسب فلا يصح الرجوع عنه بعد ذلك لأن النسب لا يحتمل النقض بعد ثبوته ..
وأن حالة المرض تخالف حالة الصحة باعتبار تعلق حق الغرماء والورثة بالتركة. فما لا يتعلق فيه حق الغرماء والورثة بالتركة كما فى النسب المحض والنكاح والولاء ولا يتعلق بشئ منها حق الغرماء. وأن من ادعى معنى لا يمكن اثباته بالبينة كأن القول فيه قوله من غير بينة. ومن ادعى معنى يمكن اثباته بالبينة لا يقبل فيه قوله الا بالبينة .. وانه لو نفى النسب ثم اقر به صح اقراره ولا يضره التناقض والاقرار بالنسب الذى ليس فيه تحميل لنسب على الغير. يكون من الرجل ويكون من المرأة. ويكون من الرجل بخمسة افراد ومن المرأة باربعة افراد.
اقرار الرجل بنسب
ليس فيه تحميل النسب على الغير:
اقرار الرجل بالنسب الذى ليس فيه تحميل النسب على الغير يكون بخمسة نفر:
الولد المباشر. والوالد المباشر. والأم المباشرة والزوجة. والمولى .. وفى الاقرار بالأم خلاف سيأتى ذكره.
الاقرار بالولد:
يشترط لصحة اقرار الرجل بالولد ابنا كان او بنتا ثلاثة شروط:
الأول:
أن يكون الولد بحال يمكن أن يولد مثله لمثل المقر بأن يكون سن المقر اكبر من سن المقر له باثنتى عشرة سنة ونصف سنة على الأقل لأن عادة الله فى خلقه جرت بأن لا يولد للرجل فى اقل من هذه السن. فان لم يتوفر هذا الشرط كان ثبوت النسب مستحيلا وكان الاقرار مكذبا فى الظاهر فيكون باطلا ولا يترتب عليه أثر هذا اذا كان المقر بالولد رجلا اما اذا كان المقر امرأة تقر بولد لها فيجب ان يكون سنها أكبر من سن الولد المقر له بتسع سنوات ونصف على الأقل. لأن عادة الله فى خلقه جرت بأن لا يولد للمرأة فى اقل من هذه السن.
الثانى:
أن يكون الولد المقر بنسبه مجهول النسب أى غير ثابت النسب من غير المقر فلو كان ثابت النسب من شخص آخر غير المقر فلا يصح الاقرار بنسبه اذ النسب بعد ثبوته لا يقبل الفسخ فلا يصح الاقرار ومجهول النسب هو من لا يعلم له اب فى البلد الذى ولد فيه. وقيل من لا يعلم له اب فى البلد الذى هو فيه. واستظهر الثانى بعض المشايخ قالوا لأنه يترتب على الأول أن المغربى اذا انتقل الى المشرق ووقعت له حادثة تتعلق بالنسب يلزمه أن يفتش على نسبه فى المغرب وفى ذلك من الحرج ما لا يخفى. والحرج مدفوعا شرعا.
الثالث:
أن يصدق الولد المقر بنسب المقر فى اقراره ان كان هذا الولد فى يد نفسه بأن كان بالغا او صبيا يعبر عن نفسه. أما اذا كان فى يد غيره بأن كان لا يعبر عن نفسه فلا يشترط تصديقه لأنه يكون فى يد غيره كالبهيمة فيصح الاقرار بدون تصديقه.
وقال الائمة الثلاثة اذا كان غير مكلف فان النسب يثبت من غير توقف على تصديق المقر له لأنه لا يقدر مصلحته .. والخلاف يظهر فيما اذا كان غير مكلف ولكنه يعبر عن نفسه ويعتبر فى يد نفسه. وهى حالة من ثلاثة احوال فاذا توفرت هذه الشروط الثلاثة صح الاقرار وترتب عليه اثره. فيثبت نسب المقر له ويستحق الميراث كغيره من الابناء العاديين الثابتى النسب بالفراش والادلة الشرعية بدون منازعة احد ولو كان المقر مريضا مرض الموت.
الاقرار بالاب المباشر:
الاقرار بالأب المباشر صحيح لأنه اقرار من الشخص بما يلزمه هو نفسه وليس فى اقراره تحميل نسب على الغير ويشترط لصحة هذا الاقرار مثل الشروط الثلاثة المتقدمة:
فيشترط أن يكون المقر بحيث يولد مثله لمثل المقر له. وان يكون المقر له مجهول النسب.
وان يصدق المقر له المقر فى اقراره على النحو الذى ذكر سابقا فى الاقرار بالولد.
الاقرار بالأم المباشرة:
اقرار الرجل بامرأة أنها أمه صحيح بالشروط الثلاثة المتقدمة نص على ذلك صاحب الهداية وورد فى تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه. وعللوه بأنه اقرار من شخص مكلف بما يلزمه فى نفسه ولا يتضمن تحميل النسب على الغير وقد
توفرت فيه الشروط المعتبرة شرعا - وذهب بعض العلماء ومنهم صاحب المبسوط والايضاح والجامع الصغير الى ان اقرار الرجل انما صح بأربعة ليست منهم الأم.
الاقرار بالزوجة:
ويجوز اقرار الرجل بالزوجة بشرط أن تصدقه فى اقراره. ويشرط أن تكون صالحة لأن تكون زوجة له عند الاقرار بألا يكون هناك مانع من الزوجية بينهما سواء كان من جهته او من جهتها فلو كان هناك مانع من ذلك لم يصح الاقرار بالزوجية وأن صدقته .. وينبنى على ذلك انه اذا اقر بنكاح امرأة فى نكاح الغير، أو فى عدته أو وثنية او مجوسية او لم تكن شيئا من ذلك ولكن كان هو متزوجا باختها أو بعمتها أو بخالتها أو بأربع سواها او بحرة وهى امة وصدقته هى فى هذا الاقرار لم يصح اقراره ولم يقبل منه ولا يترتب عليه أى أثر لأنه باطل شرعا.
الاقرار بالمولى:
ويصح الاقرار بالمولى من جهة العتاقة سواء كان المولى الاعلى وهو المعتق او المولى الأسفل وهو المعتق ومثله المولى من جهة الموالاة. ويشترط فيهما ألا يكون ولاء المقر له ثابتا من الغير. وفى ولاء الموالاة زاد الا يكون الغير قد عقل عنه. لأن الولاء كالنسب وقد تقدم ان من شروط صحة الاقرار بالنسب أن يكون مجهول النسب وأن ثبوت النسب من الغير يمنع صحة الاقرار فكذلك فى الولاء ويشترط أيضا أن يصدق المقر فى اقراره لما فى ذلك من الزام الحقوق على نحو ما تقدم فى الاقرار بالنسب.
اقرار المرأة بما ذكر:
ويصح اقرار المرأة بأربعة. الأب المباشر.
والام المباشرة. والزوج. والمولى. أما اقرارها بالولد فليس على اطلاقه فى القبول او الرد بل فيه التفصيل الآتى:
اقرارها بالولد:
اذا اقرت المرأة بنسب ولد وابنه منها فلا يخلو حالها: لأنها أما أن تكون ذات زوج فى وقت الاقرار واما أن تكون معتدة. واما أن تكون خالية من الأزواج والعدة فالأحوال ثلاث:
(أ) فان كانت ذات زوج وأقرت بأن الولد ابنها من هذا الزوج وصدقها الزوج فيما زعمت أنه ابنها منه ثبت نسبه منهما معا هى بالاقرار وهو بالتصديق والالتزام وأن كذبها الزوج فى الاقرار لم يصح اقرارها الا اذا شهدت لها امرأة ولو القابلة بالولادة ان كان الزوج ينكر الولادة أو بتعيين الولد ان كان الزوج لا ينكر الولادة. لانها تدعى أنه ابنها من هذا الزوج أى تدعى تحميل نسب الولد على هذا الزوج وهو لا يصدقها فى ذلك فلا تصدق الا بالحجة والحجة هنا شهادة المرأة الواحدة وهى كافية شرعا فى ذلك ولو كانت القابلة سواء شهدت على الولادة ان كانت محل خلاف أو على تعيين الولد ان كان الخلاف فى تعيينه.
وأما النسب فهو ثابت بالفراش.
وان كان الولد فى ايديهما بان كان رضيعا أو لا يعبر عن نفسه. وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها وزعمت الزوجة أنه ابنها من
غيره فان نسب الولد يثبت منهما لقيام الفراش بينهما ووجود الولد فى أيديهما. وكل منهما فيما يزعمه يريد ابطال حق صاحبه فى نسب الولد منه فلا يصدق عليه .. أما ان كان الولد يعبر عن نفسه فالقول له ايهما صدق ثبت نسبه منه بتصديقه كذا فى شرح الهداية وتكملة حاشية ابن عابدين على الدر المختار
…
ولو كان الصبى فى يد امرأة. وقال رجل: هو ابنى منك من زنا. وقالت المرأة: هو ابنك منى من نكاح ثم عاد الرجل فقال: هو ابنى منك من نكاح يثبت نسبه منه .. وكذا لو قال الرجل: هو ابنى منك من نكاح وقال المرأة:
هو ابنك منى من زنا لم يثبت النسب لعدم اتفاقهما على النكاح فان عادت وقالت: هو ابنك منى من نكاح ثبت النسب للاتفاق كما تقدم .. ولو تصادق الزوجان على أن الولد من الزنا من فلان يثبت نسبه منهما لقيام فراش الزوجية الذى هو أساس ثبوت النسب بينهما والنسب يثبت حقا للصغير فلا يصدقان فى تصادقهما على ابطال حقه فى ثبوت النسب.
وكذا الحكم لو كان النكاح فاسدا لأن الفراش قائم بالدخول والنسب يثبت بالدخول فى النكاح الفاسد.
(ب) وان كانت المرأة حين أقرت بالولد معتدة. فان كان هناك حبل ظاهر حين الطلاق أو صدقها المطلق الذى تعتد لأجله فى اقرارها صح الاقرار وثبت نسب الولد منهما. والا فانها تحتاج الى حجة كاملة أى بينة تقر فيه على النسب عند أبى حنيفة. وقال الصاحبان يكفى شهادة امرأة واحدة.
(ج) وان لم تكن متزوجة ولا معتدة.
وأقرت بالولد أو كانت متزوجة وأقرت به وأدعت انه من غير زوجها المعروف.
فأنه يصح اقرارها فى حقها فقط ويثبت نسب الولد منها وحدها بدون حاجة الى تصديق أحد ولا شهادته لأن فى هذا الاقرار الزاما على نفسها دون غيرها.
اقرارها بالوالد المباشر:
هو كاقرار الرجل بالأب المباشر وبالشروط التى ذكرت وللمعنى الذى ذكر هناك. والأنوثة لا تمنع صحة اقرارها على نفسها اذ لا فرق فى ذلك بين الرجل والمرأة.
اقرارها بالأم المباشرة:
وقع فيه الخلاف كما وقع فى اقرار الرجل بالأم. فصرح صاحب الهداية بأنه صحيح ورد مثل ذلك فى التنوير وشرحه الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه .. وقال فى العناية نقلا عن المبسوط: أنه يصح اقرار المرأة بثلاثة بالأب والزوج والمولى. ومعنى ذلك أنه لا يصح اقرارها بالأم كما قالوا فى الرجل أنه يصح اقراره بأربعة الولد والأب والزوجة والمولى. اى فلا يصح بالأم كما تقدم وعلى رأى من يقول بصحة اقرارها بالأم يشترط فى صحة الاقرار توفر الشروط المذكورة فى صحة الاقرار بالنسب. كما ذكر فى اقرار الرجل على السواء.
اقرارها بالزوج:
يصح اقرار المرأة بالزوج كما يصح اقرار الرجل بالزوجة وبنفس الشروط أى متى انتفت موانع الزوجية من جهتها ومن جهته لانه ليس فى هذا الاقرار تحميل شئ على الغير.
اقرارها بالمولى:
كاقرار الرجل على السواء اذ المعنى واحد فيهما.
ولا بد من تصديق كل أولئك للمرأة فى اقرارها بهم على النحو الذى مر فى اقرار الرجل. وكما يكون التصديق فى حياة المقر يكون بعد موته لأن النسب يبقى بعد الموت وكذا الولاء. وكذا تصديق الزوجة لأن حد النكاح باق بعده فان العدة واجبة عليها بعد الموت وهى من آثار النكاح. ولذا كان لها أن تغسل الزوج بالاتفاق. وكذا تصديق الزوج لها بعد موتها على قول الصاحبين لأن الأرث من أحكام النكاح وهو يكون بعد الموت كالعدة .. وقال أبو حنيفة: لا يصح تصديق الزوج بعد موت الزوجة لأن النكاح بالموت.
ولذا لا يحل له غسلها بعد موتها عندنا ولا يصح التصديق على اعتبار أن الأرث من آثار النكاح لأنه معدم ولا وجود له عند الاقرار وانما يثبت بالموت ويترتب عليه كأثر له. والتصديق يستند الى اول الاقرار.
هذا هو اقرار الرجل والمرأة بالنسب الذى ليس فيه تحميل نسب على الغير وما يصح فيه من كل منهما وما لا يصح. وهذا كما هو اقرار بالنسب وبصلة الزوجية والولاء وهو ايضا اقرار بوارث لأن الارث يترتب على قيام هذه الصلات .. وانما صح الاقرار من الرجل والمرأة بالمذكورين بالشروط المذكورة لأنه ليس فى الاقرار بهم تحميل نسب أحد على الغير بل فيه تحميل على نفس المقر. اما فى الولاء فظاهر لأنه ليس حمل نسب على أحد مطلقا وكذلك فى الزوجية. أما فى الولد والأب والأم فلأنه ليس فيه تحميل النسب على الغير بل تحميله على نفسه فيقبل متى اتصل به التصديق من المقر له وهو المقر بنسبه متى كان فى يد نفسه بالنسبة للولد على ما تقدم .. ومتى صح الاقرار بهؤلاء المذكورين ثبت النسب وثبت صلة الزوجية وصلة الولاء واستحقوا الميراث كغيرهم ممن فيه صفة تشبه صفتهم .. فالولد المقر به يساوى الولد الأصلى المعروف والزوجة المقر بها تساوى الزوجة المعروفة من قبل وهكذا فلا تفاضل ولا اختلاف.
الاقرار بالنسب
الذى فيه تحميل نسب على الغير:
الاقرار بالنسب الذى فيه تحميل نسب على الغير هو ما يكون بغير الولد الصلبى والأب المباشر والأم المباشرة للمقر. نحو الأخ والعم والجد وابن الابن كما صرح بذلك فى تعبيرات كتب المذاهب .. فاذا أقر بواحد من هؤلاء ونحوهم لا يقبل اقراره فى حق النسب وان صدقه المقر له لأن فيه تحميل نسب على الغير مع تحميل نسب على نفس المقر .. ففى الاقرار بالأخ حمل النسب على الأب اذ المقر له بالاخوة ما لم يكن ابن أبى المقر لا يكون أخا للمقر ففيه تحميل نسب المقر له على الأب .. وفى الاقرار بالعم حمل النسب على الجد اذ المقر له بالعمومه ما لم يكن ابن جد المقر لا يكون عما للمقر. ففيه تحميل نسب على الجد. وفى الاقرار بابن الابن حمل النسب على الابن اذ المقر له ببنوة الابن لا يكون ابن ابن المقر ما لم تثبت بنوته من ابن المقر. ففيه تحميل نسب على ابن المقر .. وفى الاقرار بالجد حمل النسب على الأب اذ المقر له لا يكون جدا للمقر ما لم تثبت أبوته لأبيه .. وهكذا
فى كل صور هذا النوع من الاقرار تحميل نسب على غير المقر. واذا كان فى مثل هذا الاقرار تحميل نسب على الغير مع تحميل النسب المقر به على المقر نفسه كان اقرار على الغير بالنسبة لذلك لا على نفس المقر. فيصير دعوى او شهادة. والدعوى ليست بحجة.
وشهادة الفرد فيما يطلع عليه الرجال عادة وهو من حقوق العباد غير مقبولة شرعا. فلا يصح هذا الاقرار فى حق ثبوت النسب من ذلك الغير. ولأجل اثباته لا بد من الدليل والبرهان الشرعى. ويجوز أن يقيمه المقر أو المقر له بالنسب على المقر عليه أى من الأخ فى صورة الاقرار بالأخوة على المقر عليه وهو الأب.
كما يجوز أن يكون الدليل اقرار رجلين أو رجل وامرأتين من ورثة الأب فى هذه الصورة ما سيأتى ايضاحه. هذا بالنسبة لثبوت النسب من المقر عليه النسب وهو الأب فى صورتنا ..
وأما بالنسبة لبقية الحقوق المالية أو غيرها مما يترتب على فرض ثبوت النسب من الميراث والنفقة والضم والحضانة وغير ذلك فانه يصح الاقرار فى حقها بالنظر لنفس المقر بالشروط المذكورة جميعها التى تقدم ذكرها فى الاقرار بالنسب الذى قد يتضمن التحميل على الغير ما عدا شرط عدم تحميل النسب على الغير فانه لا يتأثر هنا. وينبنى على ذلك أن المقر يغامر باقراره هنا فتلزمه نفقة المقر له ان كان ذا رحم محرم منه كالأخ مثلا بشروط وجوب النفقة ويجب عليه ضمه ان كانت أنثى بكرا بالغة يخشى عليها. ويرث المقر له المقر ان لم يكن له وارث غيره معروف غير الزوجين سواء كان الوارث قريبا بأن كان صاحب فرض أو عصبة او بعيد بان كان من ذوى الأرحام ..
فان كان له وارث معروف من هؤلاء غير الزوجين لم يرث معه المقر له أصلا لأن النسب لم يثبت بهذا الاقرار فلا يزاحم الوارث المعروف. بخلاف ما اذا كان الوارث المعروف أحد الزوجين فانه يرث معه ما زاد على نصيبه لأنه لا يرد على الزوجين .. وقد جرى قانون المواريث المعمول به فى مصر على الرد على الزوجين اذا لم يكن أحد من الورثة المعروفين فاصبح بذلك للمسألة وضع آخر.
وينبنى على ذلك أنه اذا أقر شخص بأخ وله عمة أو خالة كان ميراثه لعمته أو خالته ولا شيئ للمقر له بالاخوة
…
وهل يرث المقر المقر له اذا مات قبله كما يرثه هو؟ - الظاهر نعم حيث صدقه فى الاقرار. وتصديقه له فيه اقرار منه بمضمونه والتزام بالآثار التى تترتب عليه ومنها الميراث بالنسبة له ومنه.
ولكنه يتأخر عن الوارث المعلوم كما ذكر فى المقر له.
اقرار الوارث بوارث:
ما ذكرناه فى الكلام السابق هو فى اقرار الشخص بنسب يتضمن تحميل النسب على الغير وأثر هذا الاقرار بالنظر للنسب وبالنظر لما يترتب عليه من الحقوق الأخرى كارث المقر له من المقر وأرث المقر من المقر له. وحق النفقة والحضانة والضم وغير ذلك فيما بين المقر والمقر له. من غير نظر الى كون المقر وارثا من غيره وأن المقر له سيشاركه نتيجة للاقرار فى ميراثه من هذا الغير. وسنبحث هنا ما اذا كان الشخص وارثا من غيره وأقر بنسب شخص يتضمن التحميل على الغير ويكون من نتيجة
هذا الاقرار ان يشارك المقر فى الميراث من الغير ويرث معه فيه. ومثل هذه الصورة وان كانت من صور الاقرار بالنسب الذى يتضمن تحميل نسب على الغير ونأخذ الحكم الذى ذكرناه بالنسبة لعلاقة المقر بالمقر له فى النسب والحقوق الأخرى. وعلاقة المقر له بالمقر عليه بالنسبة للنسب. الا أنها من ناحية أخرى تعتبر اقرار وارث بوارث آخر. وهذا ما سنعرض له ونبينه فى هذا البحث.
فاذا كان شخص مات أبوه فأقر بأخ مثلا.
لم يثبت بهذا الاقرار فنسب اخيه هذا من أب المقر لما بينا. ولكن يعامل المقر باقراره هذا فى حق الميراث فيشارك المقر له فى الميراث الذى فى يده ويأخذ نصفه كأنه ابن ثابت النسب من الأب المتوفى مثل المقر. ولو أقر بأخت أخذت ثلث ما فى يده على اعتبار قسمة التركة بين ابن وبنت للذكر مثل حظ الانثيين ولو أقر بامرأة أنها زوجة أبيه المتوفى أخذت ثمن ما فى يده وهكذا .. والأصل فى جنس هذه المسائل أن المقر يعامل فيما بيده معاملة ما لو ثبت نسب المقر له من أبيه حقيقة .. ولو كان الوارث أكثر من واحد بأن كل رجلين أو رجلا وامرأتين واقروا جميعا بوارث آخر شاركهم فيما معهم كما لو كان ثابت النسب من غير اقرارهم به لأنه قد ثبت نسبه باقرارهم
…
وينبنى على ذلك أنه لو مات الميت وترك ابنين فاقرا بابن ثالث كان له ثلث التركة ولو أقر بامرأة أنها زوجة أبيهما المتوفى كان لها ثمن التركة. وهكذا فى جميع المسائل يجعل المقر له بالنسب كالوارثين المعروفين لأنه قد ثبت نسبه باقرارهم .. ولو كان الوارث متعددا فأقر البعض وأنكر البعض كما اذا ترك ابنين فأقر أحدهما بابن ثالث وأنكر الثانى عومل المنكر كأنه لم يوجد اقرار ولا مقر له أصلا فيأخذ نصيبه نصف التركة ثم يقسم النصف الآخر بين المقر والمقر له مناصفة عند عامة العلماء. لأن من زعم المقر أن المقر له يساويه فى الاستحقاق فيعامل بزعمه بالنسبة لما فى يده ويقسم بينهما مناصفة أما بالنسبة لما فى يد أخيه المنكر فلا اثر لاقراره فيه ولا يتعدى اليه .. وعند ابن أبى ليلى يقسم ما فى يد المقر ثلاثا ثلثه للمقر له وثلثاه للمقر لأن من زعم المقر أن التركة بينهم جميعا أثلاثا على الشيوع فيكون ثلث المقر له نصفه بيد المنكر ونصفه الآخر بيد المقر لينفذ اقرار المقر فيما فى يده وهو ثلثه فيعطيه له ولا ينفذ فيما فى يد أخيه المنكر فلا يأخذ المقر له منه شيئا ولو أقر أحدهما بامرأة أنها زوجة أبيهما وانكرها الآخر. أخذت تسع ما فى يد المقر عند العامة. وثمن ما فى فى يده عند ابن أبى ليلى.
وليس الشرط فى صحة اقرار الوارث بالوارث فى حق الميراث أن يكون المقر وارثا بالفعل بل يصح الاقرار وان كان من نتيجة أن لا يرث المقر وان يقدم المقر له على المقر فى الميراث كما اذا مات شخص وترك أخا. فأقر الأخ بابن للميت صح هذا الاقرار وقدم الابن المقر له على الأخ المقر فى الميراث. وان كان نسب الابن لم يثبت بهذا الاقرار ويكفى فى اعتبار أقرار الأخ كونه وارثا ظاهرا.
اقرار الوارث بوارث آخر
بعد الاقرار بالوارث الاول:
هذا الذى ذكرناه اذا كان الوارث قد أقر بوارث واحد كما فى الأمثلة المذكورة. فلو
اقر بوارث ثم اقر بعد ذلك بوارث آخر.
فينظر: أن صدقه المقر له الأول فى اقراره بالوراثة للثانى كان المال بين الجميع على فرائض الله تعالى. وان كذبه المقر له الأول فان كان المقر دفع للمقر له الأول نصيبه بقضاء من القاضى لا يضمن للمقر له الثانى شيئا ويجعل ما أخذه المقر له الأول بالقضاء كالهالك.
ويقتسمان ما فى يد المقر بينهما على قدر حقهما شرعا. وان كان الدفع بغير قضاء القاضى يضمن المقر ما دفع ويجعل المدفوع كالقائم فى يده فينظر المقر له الثانى فى حقه من جميع المال ..
وينبنى على ذلك أنه اذا مات رجل وترك ابنا فاقر هذا الابن بأخ له شقيق اى بابن ثان للميت ثم بعد ذلك أقر هذا الابن نفسه بأخ شقيق ثان له أى بابن ثالث للميت. وفى هذه الحالة لا يخلوا الحال من أمرين: أما أن يكون اقر للثانى بعد ما دفع للأول نصيبه فى التركة وهو النصف. أو يكون قد أقر للثانى قبل أن يدفع للأول شيئا فان كان قد أقر للثانى بعد أن دفع للأول. فان كان الدفع بقضاء القاضى كان للثانى ربع المال. وللمقر الربع.
لأن ما دفعه للأول بالقضاء يجعل فى حكم الهالك لكونه مجبورا على دفعه بالقضاء وبما أنه فى زعم المقر أن المقر له الثانى يساويه فى الوضع والاستحقاق ويستحق مثله فيقسم ما فى يده قسمين قسما له وقسما للمقر له الثانى. وان كان الدفع للأول بغير قضاء القاضى اعطى للثانى ثلث جميع المال لأن ما دفع بغير قضاء مضمون عليه فكأنه قائم فى يده فيعطى للثانى ثلث جميع المال مما فى يده
…
وان كان الاقرار للثانى قبل الدفع للأول فلا يخلو اما أن يكون بعد القضاء للأول بنصيبه فى التركة او قبل القضاء له. فان كان بعد القضاء للأول كان حكمه كحكمه بعد الدفع للأول فعلا بالقضاء لأن نصف المال المقضى به للأول صار مستحقا الصرف اليه بالقضاء والمستحق صرفه كالمصروف بالفعل ويقسم نصيبه الذى استحقه اولا بينه وبين المقر له الثانى مناصفة لانه فى زعمه يساويه فى الاستحقاق وان كان الاقرار للثانى قبل القضاء للأول بنصيبه دفع المقر للمقر له الثانى ثلث جميع المال.
حكم ما اذا انكر المقر له وارثه المقر:
اذا لم ينكر المقر له وارثه المقر كما فى الأمثلة المذكورة فيما سبق فالأمر واضح.
ويقسم المال بين المقر والمقر له بحسب وضعهما وما تقتضيه الفريضة الشرعية فلو أنكر المقر له وارثه المقر. بأن ترك الميت ابنا. فأقر هذا الابن لآخر بأنه ابن الميت فقال هذا الآخر المقر له: نعم انا ابن الميت كما ذكرت فى اقرارك. ولكنك أنت لست ابن الميت كما تدعى فماذا يكون الحكم؟ ..
القياس أن يكون القول قول المقر له ويكون له المال جميعه ما لم يثبت هذا المقر بالدليل أنه ابن الميت. وذلك لانهما تصادقا على ان المقر له ابن الميت واختلفا فى كون المقر ابنا للميت ويرثه. فيثبت ما اتفقا عليه ويبقى ما اختلفا فيه حتى يقوم الدليل على صحة دعوى المدعى فيه وهو المقر اذ يدعى انه ابن الميت والآخر ينكر عليه ذلك
والاستحسان يقضى بان يكون القول قول المقر ويكون المال بينهما نصفين. وذلك لأن المقر له انما استفاد الوراثة من جانب المقر.
فلو بطل اقراره لبطلت وراثته وفى بطلان
وراثته بطلان وراثة المقر له. وذلك لأن لو أخذ بقول المقر له ولم يرث المقر من التركة كان اجنبيا عن التركة واقرار الاجنبى بوارث فى التركة لا قيمة له اذ ليس فيه اقرار على النفس فيكون باطلا ولا يستفيد المقر له شيئا من الميراث فلتصحيح اقرار المقر قلنا أن القول قوله .. ومثل ذلك ما لو أقر بابنه للميت فصدقته ولكنها انكرت أن يكون المقر ابنه فان القول يكون قبل المقر استحسانا ويكون المال بينهما على حسب الفريضة الشرعية
ولو ترك الميت زوجة فأقرت باخ للميت وصدقها الأخ ولكنه انكر أن تكون هى زوجة الميت فالقول قول المقر له وهو الأخ عند أبى حنيفة ومحمد وهو القياس وعلى المرأة اثبات زوجيتها للميت ..
وعند أبى يوسف. القول قول المقر وهو المرأة استحسانا ويكون المال بينهما على حسب الفريضة الشرعية.
فى تصديق المقر له بالنسب:
ذكرنا فى أول الكلام على الاقرار أن الاقرار بفيد ثبوت الحق المقر به بدون توقف على تصديق المقر له وأنه يرتد بالرد ويبطل. وذكرنا فى الاقرار بالنسب والزوجية والولاء أن الاقرار لا يفيد ثبوت الحقوق المقر بها وحده بل يتوقف ذلك على تصديق المقر بنسبه أو بزوجيته أو بولاءه الا فى الاقرار بالولد اذا كان لا يعبر عن نفسه فان الاقرار بنسبه لا يتوقف على تصديقه بل يثبت النسب بمجرد الاقرار بنسبه ..
ويصح التصديق بالنسب والزوجية بعد جحود المقر وقبله وبعد رد المقر له وقبله وقبل موت المقر بعده الا اذا كان المقر هو الزوجة فلا يصح تصديق الزوج لها فى الاقرار بعد موتها عند أبى حنيفة لانقطاع النكاح بالموت بجميع علائقة حتى جاز للزوج أن يتزوج أختها أو أربعا سواها وحرم عليه أن يغسلها ..
وعند الصاحبين الزوج فى ذلك كالزوجة فكما يصح تصديق الزوجة للزوج فى اقراره بالزوجية بعد وفاته كذلك يصح للزوج أن يصدق الزوجة فى اقرارها بالزوجية بعد وفاتها وذلك لبقاء النكاح ببقاء بعض آثاره وهو الميراث اذ يجرى بينهما التوارث من الجانبين وهو من آثار النكاح وأبو حنيفة يقول أن التصديق يتصل بالاقرار من وقت حصوله. والميراث منعدم وقت الاقرار اذ لا يكون الا بعد الموت.
ومن هذا يعلم أن الاقرار بالنسب على النفس وبالزوجية لا يرتد بالرد ولا يقبل الرجوع ولا يتم الا بالتصديق الا فى الاقرار بالولد اذا كان لا يعبر عن نفسه فانه يتم ويثبت به النسب بدون تصديقه .. وأما فى اقرار بالنسب على الغير كالاقرار بالأخ والعم والخال والأخت وابن الابن وبنت الابن والجد وما أشبه ذلك فانه لا يفيد ثبوت النسب من المقر عليه وأن صدقه المقر له بالنسب .. ولكن لأجل ثبوت الارث والحقوق الأخرى بالنسبة لنفس المقر بشرط تصديق المقر له .. وللمقر أن يرجع عن اقراره هذا قبل التصديق وبعده لأنه وصية من وجه بالمال والحق فكان له حق الرجوع فيه.
اقرار الوارث بدين على الميت:
اذا ادعى شخص دينا على الميت .. فأقر أحد الورثة بهذا الدين وأنكره الباقون وجب
على الوارث الذى أقر بالدين أن يؤديه جميعه من نصيبه فى الميراث. فان وفى نصيبه من الميراث به كان بها وان لم يوف بالدين فيوفى منه بقدر ما أخذ وهذا هو ظاهر الرواية وأقوال أئمة المذاهب. واختار أبو الليث ألا يلزم المقر بأكثر من حصته فى الدين. وقال ان ذلك اعدل وابعد عن الضرر ووافقه على رأيه الشعبى والحسن البصرى ومالك وسفيان وابن أبى ليلى وكثير غيرهم
…
وينبنى على ذلك انه اذا مات الميت عن ثلاثة بنين وترك ثلاثة آلاف جنيه لكل ابن منهم الف. فادعى رجل أن له على أبيهم مورثهم الف جنيه فاقر احد الابناء الوارثين بذلك الدين وأنكره الاثنان الآخران. فعلى المذهب يلزم الابن المقر بالدين بالالف جميعها فيعطى جميع ما فى يده للمقر له بالدين ..
وعلى رأى الفقيه أبى الليث يلزم بحصته من الدين وهى الثلث فيعطى المقر له ثلث ما فى يده ويستبقى لنفسه الثلثين .. وأنه لو ادعى رجل على الميت ثلاثة آلاف جنيه والمسألة بحالها. الزم المقر بالدين بان يعطى المقر له جميع ما فى يده على المذهب لأنه لم يأخذ من التركة غير الألف وهو لا يلزم بأزيد مما أخذ .. وكذلك يلزم على رأى ابى الليث بأن يؤدى للمقر له جميع ما فى يده لأنه باقراره له بالثلاثة آلاف قد أقر بأنه وأخويه لا يستحقون ميراثا لأن التركة كلها ملك للدائن. وبما أنه قد أخذ من التركة ألفا فقط فيجب عليه اداء هذه الألف للمقر له - وهذا اذ حكم القاضى بالدين بمقتضى الاقرار فلو حكم به بمقتضى بينة أقامها مدعى الدين بعد اقرار الوارث أو بشهادة الوارث المقر مع آخر بالدين قبل الحكم لم يلزم المقر الا بحصته من الدين باتفاق .. وهذا فى اقرار الوارث بالدين. فلو اقر بوصية لم يؤاخذ المقر الا بما يخصه فيها بالاتفاق.
اقرار الصحيح:
يراد بالصحيح هنا من ليس مريضا مرض الموت ولا ملحقا به. وسيأتى تفسير مرض الموت عند الكلام على اقرار المريض .. وحكم الصحيح أنه يصح اقراره بالمال وبالعين وبالدين وباستيفاء الدين والابراء منه للوارث ولغير الوارث وللفرد والجماعة فى وقت واحد أو فى أوقات مختلفة. وبكل شيئ يجوز الاقرار به شرعا وليس لأحد الاعتراض عليه .. وله أن يؤثر احد الدائنين على الباقين فى اداء ديونهم ولا يكون لهم ولا لأحد منهم أن يشاركوه فيما أخذ لما هو مقرر ومعروف من ان الدين فى حالة الصحة لا يتعلق بالمال بل بالذمة فلا يكون فى ايثار البعض بالوفاء ابطال لحق الباقين. اللهم الا أن يقر لرجلين بدين مشترك فان فى هذه الحالة اذا أعطى واحد منهما شيئا من الدين على انه من نصيبه يشاركه الثانى فيما قبضه لأنه قبض دينا مشتركا فلشريكه أن بأخذ منه نصيبه.
اقرار المريض:
المراد بالمريض هنا. المريض مرض الموت وهو المريض الذى يغلب على حالة الهلاك وأن لم يكن ملازما للفراش ولم يمنعه مرضه من قضاء حوائجه الخارجة ان كان رجلا او الداخلة ان كان امرأة. فما كان من الأمراض المزمنة التى طالت ولم يخش منها الهلاك كالفالج والشلل، ونحوه لا يعتبر
مرض موت. وأن صبر صاحبه صاحب فراش ومنعه من قضاء حوائجه خارج البيت ..
ويلحق بالمريض مرض الموت فى الحكم كل من كان غالب حاله الهلاك بأن خرج لمبارزة رجل وصار فى ساحة المبارزة ومارسها بالفعل أو قدم ليقتص منه فى النفس أو ليرجم فى حد الزنا أو كان فى سفينة وتلاطمت بها الامواج وخيف عليها الغرق أو بقى على لوح من السفينة بعد أن تحطمت أو افترسه سبع وبقى فيه أو قدمه ظالم ليقتله .. فجميع هؤلاء الأشخاص يكون حكمهم حكم المريض مرض الموت فى جميع التصرفات .. ويشترط فى المريض مرض الموت ومن يلحق به لاعتبار تصرفاتهم تصرفات مرض أن يتصل بهم الموت وهم فى أحوالهم المذكورة .. فلو لم يتصل بهم الموت فى هذه الاحوال أعتبرت تصرفاتهم تصرفات صحة لا تصرفات مرض فتنفذ ما لم يمنع من نفاذها مانع آخر.
هذا ومتى أقر المريض المذكور أو من الحق به ممن غالب عليهم الهلاك بحق عليه لآخر فلا يخلو. أما أن يقر بدين أو بعين وعلى كل.
فأما أن يقر لأجنبى أو لوارث ولكل حكم.
اقرار المريض لأجنبى بدين أو عين:
المراد بالأجنبى هنا من ليس وارثا للمقر ولو كان قريبا له من النسب .. واذا اقر المريض لأجنبى بدين صح اقراره ونفذ من جميع ماله. ولو لم تجزه الورثة لقول ابن عمر رضى الله عنهما اذا اقر المريض بدين لأجنبى جاز ذلك من جميع تركته. ولم يعرف مخالف له فى ذلك من الصحابة فكان اجماعا.
وهو غير متهم فى هذا الاقرار فيصح وينفذ.
ولأنه لو لم يصح اقراره وينفذ من جميع المال لامتنع الناس عن معاملته خوفا من ضياع اموالهم فيفسد عليه طريق التجارة والمداينة وفى ذلك ضرر كبير له فتلافيا لهذا الضرر صح اقراره على الوجه المذكور .. ومثل اقراره بالدين للأجنبى اقراره له بالعين فاذا أقر لأجنبى بعين كدار او فرس او عبد صح اقراره ونفذ من جميع ماله كاقرار الصحيح.
ويؤخر عنه الارث. لأن الارث لا يكون الا بعد سداد الديون او اداء الأمانات الى اهلها ..
اقرار المريض لوارثه بدين أو عين:
لا يجوز اقرار المريض لوارثه بدين او عين سواء اقر له منفردا او له ولأجنبى معه الا باجازة الورثة لحديث «لا وصية لوارث» وهو يدل على نفس الاقرار بالطريق الأولى لأن الموصى له يأخذ ثلث المال أما المقر له فانه يأخذ المال كله. ومنع الأقل يدل على منع الاكثر بالطريق الأولى. ولما روى عن عمر ابن الخطاب وابنه عبد الله رضى الله عنهما انهما قالا (اذا اقر المريض لوارثه لم يجز واذا اقر لأجنبى جاز) وفى رواية ان ابن عمر قال:
وقول الواحد من فقهاء الصحابة مقدم على القياس .. ويقال أن أحد من الصحابة لم يخالف فى ذلك فكان اجماعا .. ولأن المريض متهم فى هذا الاقرار اذ هو لوارث ويجوز أنه اراد ايثار بعض ورثته على بعض استجابة لميل طبيعى أو بسبب عمل عمله معه استوجب منه ذلك فأراد تنفيذ غرضه عن طريق الاقرار من غير أن يكون عليه دين للوارث المقر له
فى الواقع فلا ينبغى مساعدته على تنفيذ غرضه الذى يترتب عليه الاضرار بباقى الورثة.
ومثل ذلك الاقرار بقبض الدين من الوارث أو من كفيله أو من عبده أو الاقرار بقبض العين المغصوبة أو المرهونة أو المبيعة بيعا فاسدا من الاعيان المضمونة فان كل هذه الاقارير لا تصح الا باجازة الورثة او تصديقهم للمقر فيها. فان صدقوه فيها حال حياة المقر أو بعد وفاته صحت ولزمت وكذلك أن أجازوها بعد وفاته. أما أجازتها فى حياته فلا تعتبر وهذا اذا كان للمقر وارث آخر غير الذى أقر له. فان لم يكن هناك وارث غيره صح الاقرار له .. هذا. ومحل توقف الاقرار للوارث على أجازة بقية الورثة اذا لم يكن المقر به واحدا من الأمور الثلاثة الآتية. فان كان المقر به واحدا من هذه الامور الثلاثة الآتية. يصح الاقرار ولا يتوقف على اجازة الورثة. وهذه الأمور هى:
(1)
لو أقر المريض باتلاف وديعة الوارث عنده المعروفة. وذلك كان يكون ابن المريض قد أودعه ألف درهم فى مرضه أو فى صحته أمام شهود فجاء الأب فى مرض موته وأقر بأنه اهلك وديعة ابنه صدق فى هذا الاقرار وصح اقراره اذ لو سكت ومات ولا يدرى ما صنعه بهذه الوديعة كانت عليه فى ماله. فاذا أقر باتلافها كانت لازمة بطريق أولى.
(2)
لو أقر بقبض ما كان له عند الوارث وديعة أو مال شركة أو عارية أو أى مال من انواع الامانات. فان اقراره صحيح بدون توقف على اجازة الورثة. لأن الوارث لو أدعى رد الامانة الى مورثه المريض وكذبه المورث يقبل قول الوارث. فاذا أضيف الى قوله قول المورث واقراره كان مقبولا من باب أولى.
(3)
لو أقر بقبض ما قبضه الوارث بالوكالة من مدينه صح اقراره. وهذه داخلة فيما قبلها لأن مثل هذا الدين قد اصبح بعد قبض الوارث له بالوكالة امانة فى يده. وهى ما تقدم هذا. وما ذكر من أن اقرار المريض لوارثه بدين او عين غير صحيح - لا يظهر ذلك الا بعد وفاة المريض. أما فى حالة المرض فان الاقرار له صفة الصحة وتعتبر تصرفات المريض للوارث فى هذه الحالة نافذة.
ويؤمر بتسليم ما اقر به لوارثه فى الحال.
فاذا صح بعد ذلك تسليم للوارث ما أخذ واذا مات رد الوارث ما أخذ أن كان له وارث غيره ولم يصدقه فى اقراره.
اقرار المريض باستيفاء دين على الوارث:
اذا أقر المريض باستيفاء دين وجب على وارثه لا يصح الا باجازة الورثة سواء المريض مدينا او غير مدين وسواء كان دينه مستغرقا للتركة أو غير مستغرق لها وسواء وجب دين المريض بدلا عما هو ماله أو بدلا عما ليس بمال لأنه اقرار بالدين للوارث لما علم أن استيفاء الدين بطريق المقاصة وأقرار المريض بالدين لواثه باطل وينبنى على ذلك أنه اذا أقرت امرأة فى مرض موتها بأنها أستوفت مهرها من زوجها ولا يعلم ذلك الا عن طريق هذا الاقرار وعليها دين الصحة ثم ماتت وهى على عصمته ولا مال لها غير المهر لم يصح أقرارها. ويؤمر الزوج برد
المهر الى الغرماء ليقتسموه بينهم على حسب ديونهم لأن الزوج وارث والاقرار للوارث باطل ومثل الاقرار باستيفاء الدين الابراء منه فانه يتوقف على اجازة بقية الورثة فى الصور المذكورة جميعها وذلك لأن ابراء الوارث فى مرضه الموت وصية ولا وصية لوارث ما لم يجزها الورثة.
اقرار المريض باستيفاء دين على الاجنبى:
اذا أقر المريض باستيفاء دينه الذى له على اجنبى غير وارث فلا يخلو حاله من امرين.
الأول: أن يقر باستيفاء دين وجب له حال الصحة.
الثانى: أن يقر باستيفاء دين وجب له حال المرض.
فان كان الاول: صح الاقرار وصدق فيه وبرئ الغريم من الدين سواء كان الدين بدلا عما هو مال كبدل القرض وثمن البيع او بدلا عما ليس بمال كأرش الجناية وبدل الصلح عن العمد .. وسواء كان عليه دين الصحة او لم يكن.
وان كان الثانى: بان اقر باستيفاء دين وجب له حال المرض فلا يخلو حاله من امرين:
(أ) أن يكون الدين وجب بدلا عما هو مال.
(ب) أن يكون وجب بدلا عما ليس بمال .. فان كان قد وجب بدلا عما هو مال لم يصح اقراره فى حق غرماء الصحة - ويجعل ذلك اقرارا منه بالدين. لأن الاقرار باستيفاء الدين اقرار بالدين ثم تقع المقاصة بين الدينين بعد ذلك. واقرار المريض بالدين وعليه دين جميع ماله. ولو لم تجزه الورثة لقول ابى الصحة لا يصح فى حق غرماء الصحة ..
وان كان الدين قد وجب بدلا عما ليس بمال.
صح اقراره باستيفائه لأنه بالمرض لم يتعلق حق غرماء الصحة بالبدل لأنه ليس بمال فلا يتعلق بالبدل مضار الاقرار باستيفائه استيفاء دين وجب له حال الصحة. وذلك مثل اقرار المريض باستيفاء دية عبده الذى قتل خطأ فى المرض او نصف قيمة عبده الذى قطعت يده فى حالة المرض لأن أرش العبد وجب مقدرا فكان بدلا عما ليس بمال كأرش الحر فلا يتعلق به حق الغرماء. فلا يكون الاقرار بالاستيفاء ابطالا لحقهم فصح.
ابراء المريض الاجنبى من دينه:
اذا أبرأ المريض مدينه الأجنبى من دينه الذى له عليه فلا يخلو حاله: أما أن يكون المريض مدينا او غير مدين .. وان كان مدينا فاما أن يكون دينه مستغرقا لجميع امواله او غير مستغرق لها - فان لم يكن مدينا أصلا صح الابراء ونفذ من الثلث الا أن يكون الوارث كفيلا عن الاجنبى فى هذا الدين. فان كان كفيلا عنه فيه فانه لا يجوز الابراء لأنه حينئذ يكون ابراء للوارث وهو لا يجوز. وانما كان كذلك وان الكفيل بدأ ببراءة الاصيل. وكذلك يصح ابراؤه الاجنبى من الدين ان كان المريض مدينا بدين غير مستغرق لأمواله وينفذ الابراء من ثلث
الباقى بعد سداد جميع الديون .. اما ان كان المريض مدينا دينا مستغرقا لامواله فلا يجوز الابراء لأن حقوق الدائنين تعلقت بجميع أمواله وليس له أن يتصرف فيها الا بما تقتضيه حوائجه الاصلية. وليس من حوائجه الاصلية أن يبرئ مدينيه من ديونه لديهم.
اقرار المريض بالوقف:
اذا أقر المريض مرض الموت بوقف أرض تحت يده. فلا يخلو حاله من أحد أمور أربعة:
(1)
أن يسند الوقف لشخصه بأن يقر بأنه هو الواقف للأرض.
(2)
أن يسند الوقف لشخص آخر غيره معروف.
(3)
ان يسند الوقف لشخص مجهول.
(4)
أن يسكت ولا يتعرض لذكر الواقف فان اسند الوقف لنفسه أو اسنده لشخص مجهول او سكت ولم يتعرض لذكر الواقف - صح الاقرار فى الاحوال الثلاثة ونفذ من الثلث سواء اسند الوقف الى حال الصحة او الى حال المرض الا أن يجيز للورثة التصرف أو يصدقوه فى اسناده الى حالة الصحة فانه ينفذ من كل ماله لا من الثلث .. وان أسند الوقف لشخص غيره معروف صح الاقرار ونفذ من الثلث ايضا الا أن يصدقه هذا الشخص المعروف فى اقراره او صدقته الورثة فيه فانه ينفذ من كل المال - وكذلك يصح الاقرار وينفذ من الثلث اذا مات المريض المقر ولم يترك ارثا غير بيت المال وان صدقه السلطان .. وهذا ظاهر فى الوقف لا على جهة عامة أما فى الوقف على جهة عامة كبناء القناطر وسد الثغور فان تصديق السلطان يصح فيه وينفذ من كل المال لأن للسلطان أن يبنى القناطر وينفق فى المصالح العامة من بيت المال
…
ومن خلى أمرا يملك استئنافه صدق فيه.
انواع الديون على المريض واداؤها:
الديون التى قد تجب على المريض ثلاثة أنواع:
(1)
دين يثبت فى حالة الصحة سواء علم سببه كثمن مبيع وأجرة عين وبدل قرض أو لم يعلم سببه كما اذا ثبت باقراره من غير بيان السبب وسواء كان ذلك الدين لوارث أو لأجنبى.
(2)
دين ثبت فى حالة المرض بسبب معروف كما اذا استقرض فى مرضه مالا وعاينه الشهود أو اشترى شيئا بمبلغ معين وعاين الشهود قبض المبيع او تزوج امرأة بمهر مثلها وعرف ذلك.
(3)
دين ثبت فى حالة المرض بسبب غير معروف وهو ما ثبت باقراره فى مرض موته .. وحكم هذه الديون أن ما ثبت فى حالة الصحة بجميع وجوهه وما ثبت فى حالة المرض بسبب معروف متساويان ويقدمان على ما ثبت فى حالة المرض بسبب غير معروف وهو ما ثبت بالاقرار فى المرض .. ويسمى الأول دين الصحة ويلحق به الثانى ويسمى الأخير دين المرض. فيقال أن دين الصحة وما الحق به مقدمان على دين المرض فيسددان من ماله أولا. فان بقى شئ بعد ذلك يسدد دين المرض .. ومثل الديون الأعيان .. وقد يتساهل فى التعبير فيسمى ما ألحق بدين الصحة دين الصحة وينبنى على ما ذكر أنه لو أقر المريض الذى عليه دين فى صحته وهو
فى حالة المرض الأجنبى بدين أو عين مضمونة أو امانة بأن قال مضاربة أو وديعة أو غصبا يقدم اداء دين الصحة فان فضل شئ من التركة بعد ذلك صرف لأصحاب دين المرض ..
وذلك لأن المريض محجور عن الاقرار بالدين ما لم يفرغ من دين الصحة. فالدين الثابت باقرار المحجور لا يزاحم الدين الثابت بلا حجر ولأن حق غرماء الصحة تعلق بمال المريض فى أول مرضه. فالاقرار فى المرض صادق حق غرماء الصحة فكان محجورا عليه بالنسبة لهم .. هذا وليس للمريض أن يؤثر بعض غرماء الصحة على بعض أو بعض غرماء المرض على بعض فى سداد ديونهم لتعلق حق الجميع بما فى يده من مال .. فاذا أدى لأحد منهم دينهم او جزءا منه كان للباقين ان يشاركوه فيما قبض ولو كان الدين مهرا أو اجرة دار سكنها.
ويستثنى من ذلك مسألتان يجوز فيهما للمريض أن يخص الغريم بسداد دينه وما يقبضه يسلم له. وهاتان المسألتان هما:
(أ) اذا قضى ثمن ما اشتراه فى مرضه بمثل القيمة او بأكثر وادى مثل القيمة وكان الشراء معلوما بالدليل.
(ب) اذا قضى بدل ما استقرضه فى مرضه وكان القرض معلوما أيضا بالبرهان لا بالاقرار. فانه فى هاتين الصورتين يسلم للمقرض والبائع ما قبضاه من دينهما وليس لأحد أن يشاركهما فيه .. وانما استثنيت المسألتان المذكورتان لأنه لم يتعد فيهما على حق الغرماء لأنه حق فى معنى التركة وماليتها لا فى أعيانها.
فاذا اشترى عبدا وأوفى ثمنه من التركة أو اقترض شيئا وأوفى بدل ما اقترض لم يضع من مالية التركة شيئ فيجوز ما فعله.
هذا بالنسبة لسداد الديون فى حالة المرض. وأما اذا مات المريض ولم يسدد شيئا من الديون. فانه تستوى جميع غرماء الصحة بما فى ذلك الغرماء فى هاتين المسألتين الا أن يكون المبيع لا يزال موجودا تحت يد البائع فى المسألة الأولى فانه يكون هو أولى به من سائر الغرماء فيقدم على جميع من سواه ويباع هذا البيع ويأخذ بائعه ثمنه فان زاد من ثمنه شئ رده للغرماء وان نقص ثمنه عما يستحقه بمقتضى الشراء السابق فانه يحاصص الغرماء فيما بقى له من دينه من التركة بالنظر لما بقى له فقط وتستوى ديون الصحة وان ثبتت متعاقبة وكذا ديون المرض تستوى وان ثبتت متعاقبة لأنها كلها مستوية فى الثبوت فى ذمة المريض الا أنه اذا أقر اولا بالوديعة ثم اقر ثانيا بالدين كان صاحب الوديعة اولى لأنه لما بدأ بالوديعة ملكها المقر له بعينها فان اقر بعد ذلك بدين لم يتعلق بعين الوديعة لأنها صارت ملك الغير .. لكن لو اقر بالدين اولا ثم بالوديعة فانهما يتحاصان فى الأخذ من التركة ولا يقدم احدهما على الآخر لأنه باقراره بالدين اولا تعلق حق الغريم بما فى يده فاقراره بعد ذلك بالوديعة اقرار بوديعة يتعذر تسليمها لتعلق حق الغير بها فتصير كأنها مستهلكة ويكون كأنه أقر بقيمتهما وقيمتها دين فأنه أقر بدينين فيتحصان فى الاستيفاء ولا يقدم أحدهما على الآخر ..
ومتى وفت التركة بجميع الديون فالأمر ظاهر. وان لم تف بالجميع. تقسم التركة
على الدائنين بحسب ديونهم قسمة تناسبية بعد ملاحظة تقديم ديون الصحة على ديون المرض فان هلك شئ من التركة قبل القسمة يهلك على الجميع ويعتبر الهالك كأنه لم يكن اصلا. ويقسم الباقى بينهم بالحصص.
بيان الوارث الأجنبى:
عرف مما تقدم أن هناك فرقا بين الاقرار للوارث والاقرار للاجنبى فى مرض الموت.
فوجب أن يعرف متى يعتبر الشخص وارثا حتى لا يصح الاقرار له فى المرض الا بالشروط المذكورة. ومتى يعتبر أجنبيا حتى يصح الاقرار فى هذه الحالة بدون تلك الشروط ..
لذلك قال الفقهاء، ان العبرة فى كون المقر له وارثا أو غير وارث لوقف الموت لا لوقت الاقرار فمتى كان الشخص غير وارث وقد موت المريض المقر كان أجنبيا فالاقرار له صحيح سواء كان وارثا وقت الاقرار او لم يكن وارثا وقته .. ومتى كان وارثا وقت موت المريض المقر اعتبر وارثا فلا يصح الاقرار له سواء كان وارثا وقت الاقرار أو لم يكن وارثا وقته
…
لكن هذا ليس على عمومه وانما فيه التفصيل الآتى:
وهو أنه اذا أقر المريض لشخص بدين أو عين فى مرض موته ثم مات فلا يخلو حال المقر له من امور:
(1)
ألا يكون وارثا وقت الاقرار ولا وقت الموت. وذلك كما اذا أقر لرجل لأسلافه له به أصلا بدين ثم مات ولم توجد علاقة تستدعى ميراثا أو أقر لامرأة أجنبية منه ثم تزوجها ثم فارقها وانقضت عدتها ثم مات.
فانه يقال فى هذه الحالة: أنه أقر لشخص غير وارث وقت الاقرار ووقت الموت وان كان وارثا فيما بينهما.
(2)
أن يكون وارثا وقت الاقرار وليس وارثا وقت الموت كما اذا اقر لأخيه ولا ولد له حين الاقرار ثم ولد له ولد ثم مات المقر وله ولد موجود. فان الأخ المقر له كان وارثا وقت الاقرار لأنه العاصب للمقر وليس هناك من يقدم عليه فى العصوبة. وبموت المقر وله ولد أصبح الأخ غير وارث لأن الابن قد حجبه وقدم عليه فى العصوبة.
(3)
أن يكون وارثا وقت الاقرار ووقت الموت ولم ينقطع سبب الارث أصلا كما اذا أقر لأخيه وليس له ولد واستمر كذلك الى أن مات.
(4)
ان يكون وارثا وقت الاقرار ووقت الموت وليس وارثا بينهما. ولكن ميراثه وقت الموت كان بنفس السبب الذى كان وارثا به وقت الاقرار وذلك كما أقر لأخيه ولا ولد له ثم ولد له ولد ثم مات الولد وبعده مات المقر فانه ان انقطع الميراث فى الوسط الا أن ميراثه وقت الموت كان بالسبب الذى كان موجودا وقت الاقرار وهو الأخوة.
(5)
أن يكون وارثا وقتهما وليس وارثا فيما بينهما وسبب ميراثه وقت الموت غير السبب الذى كان موجودا وقت الاقرار وذلك نحو أن يقر لزوجته ثم يفارقها وتنقضى عدتها.
ثم يعقد عليها ويموت وهى على عصمته. فانها وان كانت وارثة وقتهما الا أن سبب ميراثها وقت الاقرار الاقرار انقطع وجاء سبب جديد هو الزواج الثانى - وبه استحقت الميراث.
(6)
ألا يكون وارثا وقت الاقرار ولكنه صار وارثا وقت الموت بسبب كان موجودا وقت الاقرار وذلك نحو أن يقر لابنه الكافر ثم يسلم ابنه هذا بعد الاقرار ثم يموت المقر فان الابن وان لم يكن وارثا وقت الاقرار الا أن السبب الذى ورث به عند الموت كان موجودا وقت الاقرار وهو البنوة.
(7)
أن يكون وارثا عند الاقرار ولكنه صار وارثا عند الموت بسبب جديد لم يكن موجودا وقت الاقرار. وذلك كما اذا أقر لأجنبية ثم تزوجها ثم مات وهى على عصمته فان سبب الميراث لم يكن موجودا وقت الاقرار بل هو سبب حادث بعده وهو العقد عليها عند الزواج .. ففى جميع الصور التى لم يكن المقر له فيها وارثا وقت الموت صح الاقرار وكان أجنبيا سواء كان وارثا وقت الاقرار أو لم يكن وارثا وقته. ومثل ذلك ما اذا كان وارثا وقت الموت دون وقت الاقرار ولكن بسبب جديد لم يكن وقت الاقرار.
فانه يعتبر أجنبيا لا وارثا فيصح الاقرار له.
وفى جميع الصور التى يكون فيها المقر له وارثا وقت الموت بسبب كان موجودا وقت الاقرار لا يصح الاقرار له ويعتبر وارثا سواء كان مع ذلك وارثا وقت الاقرار أو لم يكن وارثا وقته وسواء انقطع الميراث بينهما ان كان وارثا وقتهما او لم ينقطع .. واما فى صورة ما اذا كان وارثا فيهما وكان سبب الميراث وقت الموت غير موجود وقت الاقرار وانقطع السبب فيما بينهما فانه يعتبر وارثا عند ابى يوسف فلا يصح الاقرار له. ويعتبر اجنبيا عند محمد فيصبح الاقرار له. وقول ابى يوسف هو الاستحسان وقول محمد هو القياس والاستحسان مقدم على القياس.
اذا مات المقر له قبل المقر وله ورثة
هم ورثة المقر:
اذ اقر المريض لوارثة الاجنبى ثم مات المقر له ثم مات المقر بعده وكان للمقر له وارث هو من ورثة المريض المقر ايضا فماذا يكون الحكم؟ أيعتبر هذا الاقرار صادرا لأجنبى على أساس أن المقر له لم يكن وارثا للمقر وقت موته فيصح أو يعتبر صادرا للوارث على اعتبار أن الذى أصبح يستحقه الآن هو وارث المقر وقت موته فلا يصح .. ؟. قالوا ان الحكم فيه أنه يصح هذا الاقرار فى قول محمد وقول أبى يوسف الأخير لانه اقرار لأجنبى.
اقرار المريض لزوجته التى طلقها فى المرض:
اذا طلق المريض زوجته فى مرض موته ثم أقر لها بدين فلا يخلو حاله من امرين:
(1)
أن يطلقها بطلبها وسؤالها.
(2)
أن يطلقها بدون سؤالها وطلبها. وفى كلا الحالين اما أن يطلقها رجعيا أو بائنا. وفى كل الاحوال. اما أن يموت وهى فى عدتها أو يموت بعد انقضاء عدتها .. فان طلقها رجعيا ثم أقر لها بدين ومات وهى فى عدتها لم يصح اقراره لها فى جميع الوجوه لانها لا تزال زوجة له وترثه. والاقرار فى المرض للوارث غير صحيح .. وان مات بعد انقضاء عدتها والمسألة بحالها صح الاقرار لها لأنها أصبحت غير وارثة له عند الموت فيكون الاقرار لها اقرارا للأجنبى فيصح .. وان طلقها طلاقا بائنا ثم اقر لها بدين ومات بعد انقضاء عدتها صح الاقرار لها ايضا لأنها حينئذ غير وارثة .. وان لم تنقض عدتها قبل وفاته والمسألة بحالها فان كان قد طلقها بسؤالها كان لها الأقل من الميراث ومن الدين المقر به لقيام التهمة فى
ذلك ببناء العدة لجواز تواطئها معه على أن يطلقها ثم يقر لها بدين يزيد عن فرضها فعوملت بالاقل من الفرض ومن الدين دفعا لقصد هذا الشيئ الضار بالورثة والذى يدفع لها تأخذه بحكم الاقرار لا بحكم الميراث لانها غير وارثة فلا تشارك الورثة فى اعيان التركة .. وان طلقها بغير سؤالها والمسألة بحالها فان مات وهى فى العدة لم يصح اقراره لها لانها وارثة وتأخذ ميراثها بالغا ما بلغ لانها زوجة الغار فترث معاملة له بنقيض قصده.
فعل المريض:
فعل المريض أحد من فعل الصحيح فالاقرار منه بدين لا يصح الا للأجنبى. ويتأخذ ذلك الدين عن دين الصحة بخلاف الصحيح فان اقراره صحيح للأجنبى وللوارث. والدين الذى يثبت باقراره من أقوى الديون .. ولو تزوج المريض فى المرض لا ينفذ الا بمقدار مهر المثل وتبطل الزيادة عليه بخلاف الصحيح فانه له أن يتزوج بأى مهر أراد ويخرج المهر من كل ماله .. والعتق والهبة من المريض يعتبران كالوصية فلا ينفذان الا من الثلث بخلاف الصحيح فان عتقه وهبته ينفذان من كل ماله
…
وذلك كله لأن هذه الافعال والتصرفات تتصل بمال المريض وتؤثر فيه وتدخل للنقص عليه. وهى قد تعلقت به حقوق الدائنين وحقوق الورثة فتصبح مع مراعاة هذه الحقوق .. ومع ذلك فهناك مسألة تصح من المريض ولا تصح من الصحيح. وهى مسألة تفويض الناظر لغيره من غير أن يشترط له التفويض.
فان هذا التفويض يصح من المريض أن لو كان ناظرا. ولا تصح من الصحيح .. واما اذا كان التفويض مشترطا للناظر فانه يصح منهما جميعا ولا يكون هناك فرق بينهما.
الكلام على الاستثناء:
الاستثناء نوع من انواع البيان التى تلحق الكلام وتبين المراد منه للسامع. وهو من بيان التغيير وهو ما يغير فيه آخر الكلام أوله ويكون بالاستثناء والشرط والصفة والغاية.
والذى يلحق بالاقرار ويهمنا الكلام فيه هو الاستثناء .. وقد عرف الحنيفة الاستثناء بانه تكلم بالباقى بعد المستثنى ففى قوله: له على عشرة الا ثلاثة صدر الكلام عشرة رد المستثنى ثلاثة. والباقى بعد المستثنى سبعة فكأنه تكلم بالسبعة وقال: له على سبعة: وهذا باعتبار الحاصل من مجموع التركيب. وأما باعتبار الاجزاء اللفظية للتركيب فصدر الجملة الاستثنائية أما اثبات وعجزها نفى وأما نفى وعجزها اثبات. فللمتكلم بالاقرار بسبعة دراهم عبارتان أحداهما مطولة وهى: له على عشرة الا ثلاثة. ومختصرة وهى: له على سبعة. ويتكلم بايهما شاء والمؤدى فيهما واحد .. فالاستثناء قرينة على أن صدر الكلام يتناول المستثنى فى حق الحكم المراد اثباته. فالاستثناء فى المقال المذكور دليل على ان العشرة لم تتناول الثلاثة فى الحكم عليها باللزوم على المقر وحينئذ يكون مقرا من أول الأمر بسببه وليس مقرا أولا بفترة ثم أخرج من الفترة ثلاثة والا لكان رجوعا عن الاقرار وفى القدر المستثنى. والرجوع عن الاقرار فى حقوق العباد غير مقبول.
شروط صحة الاستثناء:
شروط صحة الاستثناء واعتباره شرعا هى:
(1)
أن يكون متصلا بالمستثنى منه الا لضرورة فلو كان منفصلا عنه لغير ضرورة
لم يصح الاستثناء ولم يعتبر شرعا. فلو قال:
لفلان على مائة جنيه ثم يسكت مدة من غير ضرورة ثم يقول: الا خمسين. فان هذا الاستثناء بعد ذلك خلافا لما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما من أنه اجاز تأخير الاستثناء والفصل بينه وبين المستثنى منه بالسكوت ولم تحدد مدة الفصل أن صح هذا القول ومقال الاستثناء المتصل أن يقول:
لفلان عندى عشرة جنيهات الا ثلاثة متصلا دون قطع للكلام ولا سكوت بين المستثنى والمستثنى منه .. ويفتقر الفصل للضرورة كتنفس وسعال وعطاس وأخذ فم والفصل مجالا يعتبر فصلا كالنداء ونجد أن يقول:
لك عندى ألف درهم يا فلان الا مائة. فانه يصح لأنه لتثنية المنادى لما يلقى اليه من الكلام فلم يكن اجنبيا من الكلام فلا يضر الفصل وكأنه لم يفصل أصلا .. والضابط فى هذا أن الملائم للاقرار لا يمنع الاتصال وغيره يمنعه. فمن قبيل الأول ما ذكر من التنفس واضرابه والنداء. ومن قبيل الثانى التهليل والتسبيح والتكبير والاشهاد. فاذا فصل بشيئ من ذلك لا يصح الاستثناء.
(2)
الا يكون المستثنى مستغرقا للمستثنى منه بلفظه أو بما يساويه. فان كان مستغرقا للمستثنى منه بلفظه أو بما يساويه لم يصح الاستثناء ويجب الكل. يقال ما اذا كان المستثنى مستغرقا للمستثنى منه بلفظه ان يقول: لفلان عندى ألف درهم الا ألف درهم ومقال ما اذا كان مستغرقا له بما يساويه ان يقول لفلان عندى ألف درهم الا خمسمائة وخمسمائة أو يقول: نسائى طوالق الا زوجاتى فان خمسمائة وخمسمائة تساوى الألف وزوجاته تساوى نساءه. ففى هذه الصور لا يصح الاستثناء وتجب الألف فى الصورتين الأولى والثانية وتطلق جميع زوجاته فى الصورة الثالثة .. فلو كان الاستغراق آتيا من الخارج لا من اللفظ فان كان لفظ المستثنى منه صالحا لأن يدل لغة على اكثر من المستثنى ولكنه لا يوجد من مدلوله فى الخارج الا لبذر المستثنى صح الاستثناء وبطل الاقرار. وذلك نحو أن يقول: عبيد أحرار الا هؤلاء ويشير الى جميع من يملكهم من العبيد أو الا مرجانا وسعيدا وبخيتا وكان لا يملك غير من سماهم أو يقول لفلان ثلث مالى الا الفان وهو لا يملك الا ثلاثة آلاف .. فانه يصح الاستثناء فى هذه الصور كلها ولا تعتق عبيده فى الصورتين الأولى والثانية ولا يجب عليه بشيئ فى الصورة الثالثة. وذلك لأن الشرط فى صحة الاستثناء ايهام بقاء شيئ بعد المستثنى لا حقيقة البقاء وهذا موجود فى كل شيئ آت من الخارج لا من اللفظ. هذا فى المستغرق .. فان كان غير مستغرق صح الاستثناء ووجب الباقى بعد المستثنى. وذلك نحو أن يقول: لفلان عندى عشرة جنيهات الا أربعة فانه يصح وتجب ستة جنيهات فلو كان المستثنى أكثر من المستثنى منه نحو أن يقول: لفلان عندى درهم الا عشرة دراهم صح ذلك فى ظاهر الرواية وهو الصحيح ويطرح القليل من الكثير. ويجب عليه الفرق بينهما فيجب عليه فى هذا المقال تسعة دراهم. وروى عن أبى يوسف أنه لا يصح.
(3)
أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه او يكون من خلاف جنسه وهو ما يتبقى دينا فى الذمة وهو المكيل والموزون والعددى
المتقارب. فلو كان من خلاف جنسه وكان مما لا يثبت دينا فى الذمة لم يصح الاستثناء اجماعا. فمثال ماذا كان المستثنى منه أن يقول لفلان عندى عشرون دينارا الا خمسة دنانير. ومثله ما اذا كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه ولكنه مما يثبت دينا فى الذمة لكونه من المقدرات ان يقول: لفلان عندى عشرة جنيهات الا أردب قمح. وهذا صحيح عند أبى حنيفة وأبى يوسف. ونطرح قيمة المستثنى وهو أردب القمح من المستثنى منه والباقى يكون هو الواجب الذى يلزمه به المقر. فان استغرقت القيمة كل المستثنى منه لم يجب شئ على المقر .. وقال محمد وزفر لا يصح هذا الاستثناء ويدخل فى هذا ما اذا قال لفلان عندى مائة درهم الا دينارا فانه يجوز ونطرح قيمة الدينار من المستثنى منه وما بقى يكون هو الواجب على المقر. فان استغرقت قيمة المستثنى منه. قال بعضهم لا يصح الاستثناء وتجب المائة درهم لأن الدراهم والدنانير جنس واحد وفيه يضر الاستغراق.
وقال بعض آخر يصح الاستثناء ويبطل الاقرار لانهما جنسان مختلفان وعند اختلاف الجنس لا يضر الاستغراق. فالاختلاف فى الحكم ناشئ من الاختلاف فى أنهما جنس واحد أو جنسان ومثال اختلاف الجنس والمستثنى مما لا يثبت دينا فى الذمة لكونه ليس من المقدرات أن يقول: لفلان عندى مائة درهم الا ثوبا وفى هذا لا يصح الاستثناء اجماعا وتجب المائة درهم جميعها لعدم التجانس أصلا بين المستثنى والمستثنى منه لا صورة ولا معنى.
(4)
أن يكون المستثنى منه والا على المستثنى قصدا بحسب اللفظ لا تبعا. فلو كان دالا عليه تبعا لم يصح استثناؤه منه ويترتب على ذلك ما يأتى:
(أ) انه اذا اقر لآخر بدار أو بيت واستثنى منهما البناء لم يصح الاستثناء.
ويجب للمقر له الأرض والبناء جميعا لأن كلا من الدار والبيت لا يشمل البناء بحسب اللفظ ولكن البناء يتبع الأرض عرفا فاشبه الوصف واستثناء الوصف لا يجوز.
(ب) واذا اقر لآخر بدار واستثنى منها بيتا صح الاستثناء لأن الدار تشمل البيت بحسب اللفظ لأنه جزء منها.
(ج) اذا اقر له بارض الا بناءها لا يصح الاستثناء لأن الارض لا تشمل البناء بحسب اللفظ فليس داخلا فيها ولكنه يبنيها ولا يشترط فى الاستثناء ان يكون المستثنى معلوما بل يجوز أن يكون مجهولا وعلى المقر البيان ..
وعلى هذا اذا قال: لفلان على ألف درهم الا شيئا أو الا بعضا فانه يصح الاستثناء فى ذلك كله ويجب على المقر اكثر من نصف الألف.
والقول فى الزيادة على النصف قوله لأن استثناء الشئ أو البعض استثناء الاقل عرفا فيبقى الاكثر ولأن القليل من أسماء الاضافة فيقتضى أن يكون ما يقابله أكثر منه وهو الاكثر من نصف الألف. والقول فى مقدار الزيادة على نصف الألف قوله لأنه المجمل فى قدرها فيكون البيان اليه.
استثناء عددين بينهما حرف الشك:
اذا استثنى عددين بينهما حرف الشك من عدد آخر وجب الباقى بعد طرح العدد الاكبر من المستثنى منه على المذهب. وفى رواية أبى سليمان يحسب الباقى بعد طرح العدد والاقل من المستثنى منه. وينبنى على ذلك انه لو قال:
لفلان على ألف درهم الا خمسين أو مائة تلزمه تسعمائة درهم على المذهب. وتسعمائة وخمسون على رواية أبى سليمان وجه المذهب أن التردد فى المستثنى جعل الباقى مشكوكا فيه. الأصل فراغ الذمة فلا يلزم الزائد بالشك فيجب الاقل - ووجه رواية أو سليمان أن الألف متيقن ثبوتها فى الذمة بالاقرار. والتردد حصل فى المخرج من الألف فوجب أن يخرج الاقل لانه المتضمن بخروجه. وقال صاحب البحر فى هذه الرواية انها الأصح.
اذا اقر بمالين واستثنى بعدهما:
اذا أقر بمالين واستثنى بعدهما شيئا ولم يبين ان المستثنى من ايهما اقاما ان يكون المقر له بالمالين واحدا أو يكون متعددا .. فان كان المقر له واحدا صرف الاستثناء الى المال الثانى وان لم يكن من جنسه فى القياس.
وفى الاستسحان أنه أن كان من جنس الأول يصرف اليه .. فاذا قال: لفلان على ألف درهم ومائة دينار الا درهما صرف الاستثناء الى الدراهم وهى المال الأول استحسانا لاتحاد الجنس. وفى المقياس يصرف الى الدنانير وهى المال الثانى المتصل به الاستثناء فيطرح منها قيمة الدرهم فيجب عليه الف درهم ومائة دينار الا قيمة درهم وفى الاستحسان يجب عليه مائة دينار وتسعمائة وتسعة وتسعون درهما هذا اذا كان المقر له بالمالين واحدا فان كان المقر له بالمالين متعددا صرف الاستثناء الى الثانى سواء كان المستثنى من جنس المال الاول أو من جنس المال الثانى وذلك نحو أن يقول: لزيد على ألف درهم ولمحمد على مائة دينار الا درهما. فان الاستثناء يصرف الى الدنانير بالرغم من اختلاف الجنس .. وهذا كله قول الشيخين أبى حنيفة وأبى يوسف .. وقال محمد: ان كان المالان لرجل واحد صرف الاستثناء الى جنسه وان كانا لرجلين لم يصح الاستثناء أصلا ووجب المال المقر به لكل منهما كاملا.
تكرار الاستثناءات:
اذا ورد الاستثناء على الاستثناء فالاصل فيه أن يصرف كل استثناء الى مايليه لكونه أقرب مذكور اليه. ويبدأ فى ذلك من الاستثناء الأخير فيطرح من المستثنى الذى قبله مباشرة والباقى منه يطرح من المستثنى الذى قبله وهكذا الى أن نصل الى المستثنى الأول فنطرح ما بقى منه من المستثنى منه الاصلى وما بقى يكون هو القدر المقر به فاذا قال شخص: لفلان على عشرة دراهم الا خمسة الا أربعة الا ثلاثة الا اثنين الا واحدا. يلزمه سبعة دراهم لأنك تطرح المستثنى الأخير وهو واحد مما يليه وهو الاثنان يبقى واحد نطرحه من الثلاثة يبقى اثنان نطرحهما من الاربعة يبقى اثنان نطرحهما من الخمسة يبقى ثلاثة نطرحهما من العشرة تبقى سبعة وهو المقدار المقر به.
وكذلك لو قال: له على عشرة دراهم الا تسعة الاثمانية فانه يلزمه تسعة لانه يطرح المستثنى الاخير وهو ثمانية مما قبله وهو تسعة ويبقى واحد ويطرحه من العشرة يبقى تسعة وتكون
هى المقدار المقر بها .. وكذلك اذا قال:
له على عشرة دراهم الا سبعة الا خمسة الا ثلاثة الا درهما. فانه يلزمه ستة دراهم.
لانه يطرح المستثنى الاخير وهو درهم مما يليه وهو ثلاثة يبقى اثنان ويطرحهما مما قبله وهو خمسة تبقى ثلاثة ويطرحها مما قبلها تبقى أربعة ويطرحها مما قبلها وهى عشرة تبقى ستة وتكون هى المقدار المقر به ..
وهكذا القاعدة فى حل جميع المسائل التى من هذا القبيل.
وهناك طريقة أخرى لحلها. وهى أن نأخذ المستثنى منه الأول وهو عشرة فى المثال الاخير ونصفه على يمينك. ثم تأخذ المستثنى الأول وهو سبعة فى هذا المثال ونصفه على يسارك. ثم نأخذ المستثنى الثانى وهو خمسة ونصفه على يمينك مع العشرة. ونأخذ المستثنى الثالث وهو ثلاثة ونصفه على يسارك مع السبعة. ثم نأخذ المستثنى الرابع والاخير وهو واحد ونصفه على يمينك ثم نجمع ما تحصل فى جهة اليمين على حدة نجده ستة عشر ونجمع ما فى جهة اليسار على حدة نجده عشرة. فنطرح هذا من ذاك فيكون الباقى ستة وهى المقدار المقر به. وهى نفس النتيجة فى الحل السابق. وقال بعضهم: اذا أتى بالاستثناء بعد الاستثناء وكان الثانى مستغرقا صح الأول وبطل الثانى المستغرق .. فاذا قال:
له على عشرة دراهم الا خمسة الا عشرة. فانه يبطل الاستثناء المستغرق وهو عشرة ويبقى الأول صحيحا ويلزمه خمسة دراهم بعد استثناء الخمسة من العشرة .. وان كان الاستثناء الأول هو المستغرق دون الثانى كما اذا قال: له على عشرة دراهم الا عشرة الا خمسة كان فيه ثلاثة أوجه.
(الأول) أن يبطل الاستثناء ان معا الأول لأنه مستغرق والثانى لانه استثناء من باطل وتلزمه فى المثال عشرة دراهم.
(الثانى) أن يصح الاستثناء ان وتلزمه خمسة. قالوا وهذا اقيس.
(الثالث) أن يبطل الاستثناء الأول المستغرق ويرجع الثانى الى المستثنى منه الاصلى. فيلزمه خمسة وقالوا فى هذا انه ضعيف.
الكلام على الاستدراك:
الاستدراك أما أن يكون فى المقر له أو يكون فى المقر به. فان كان فى المقر له بأن قال: هذه الألف لزيد لا بل لمحمد أو قال:
لزيد على ألف درهم بل لمحمد على ألف درهم ينظر. فان كان المقر به معينا كالدابة المعينة.
والألف المعينة. فلا يخلوا حاله من أمرين:
(أ) أن يذكر سببا للضمان.
(ب) أن لا يذكر سببا للضمان - فان كان المقر به معينا وذكر سببا للضمان كان المقر به للأول ووجب عليه مثله او قيمته للثانى. وذلك نحو ان يقول: هذه الألف وديعة زيد لا بل وديعة محمد فيأخذ زيد الألف لانه اقر له بها.
وقوله: لا بل وديعة محمد رجوع عما اقر به لزيد فلا يقبل منه. وبما أنه أقر بالألف لمحمد ولكنه اتلفها عليه باقراره بها لزيد فيجب عليه مثلها لمحمد ان كانت مثلية. وقيمتها ان كانت قيمية. فيجب عليه ألف درهم لمحمد مثل الوديعة التى أقر له بها ..
وان كان المقر به معينا ولم يذكر سببا للضمان نحو أن يقول: هذه الدار لفلان لا بل هى لفلان لم يجب للثانى شيئ لأنه لما أقر بها للأول صارت له. فاقراره بها للثانى اقرار بمال الغير للغير فلا يؤاخذ به ولا يسرى على غيره. ولم يذكر سببا يوجب الضمان فلا يجب عليه شيئ .. ولكن محل هذا اذا رفع الدار المقر بها للأول بقضاء القاضى أى بناء على خصومة وحكم من القاضى لأنه حينئذ يكون مجبورا على الدفع للأول .. واما اذا كان قد دفع بها للأول بغير قضاء القاضى فانه يضمن للثانى مثلها ان كانت مثلية وقيمتها ان كانت قيمية. والدار هنا قيمية فيضمن للثانى قيمتها لأن اقراره له بالدار صحيح فى حقه هو وان لم يصح فى حق المقر له الأول. واذا صح الاقرار فى حقه صار واجب الدفع اليه فاذا دفعها للأول باختياره فقد أتلفها عليه فيضمن.
وان كان المقر به غير معين بان قال: لفلان على الف درهم لا بل لفلان على الف درهم لا بل لفلان على الف درهم وجب لكل منهما ألف درهم سواء ذكر سببا موجبا للضمان بان قال غصبها منه او لم يذكر سببا يوجب الضمان وذلك لأنه اقر بها لكل منهما.
والاقرار بها للأول لا يمنع الاقرار بها للثانى.
لأنها ديون تجب فى الذمة والذمة تقبل حقوقا شتى فلم يحصل تعارض فى الحقوق اصلا
…
هذا اذا كان الاستدراك فى المقر له فان كان الاستدراك فى المقر به بان كان المقر له واحدا ولكن المقر استدرك فى المقر به. فلا يخلو الحال من امرين.
(أ) أن يكون المالان من جنس واحد.
(ب) أن يكونا من جنسين فان كان المالان من جنس واحد وجب أفضلهما سواء كان الفضل فى الذات أو فى الصفة وسواء كان الأفضل ما قبل أداة الاستدراك وهى (بل) او ما بعدها .. فاذا قال: لفلان على الف درهم لا بل خمسمائة او قال: لفلان على خمسمائة درهم لا بل الف درهم. كان عليه الف فى الصورتين لانه الأفضل فى المقدار.
واذا قال: لفلان على الف درهم سود لا بل بيض او قال: لفلان على الف درهم بيض لا بل سود. وجب عليه الف درهم بيض فى الصورتين لأنها الافضل فى الصفة .. واذا قال: له على عشرون دينارا جيدة لا بل رديئة أو له على عشرون دينارا رديئة لا بل جيدة وجب عليه عشرون دينارا جيدة فى الصورتين ايضا. وهكذا .... وان كان المالان من جنسين مختلفين وجبا جميعا ما قبل الاستدراك وما بعده لأن الاستدراك لرفع الغلط. والغلط فى مثل هذا نادر فالحق بالعدم ويكون مقرا بالمالين جميعا .. وينبنى على ذلك انه اذا قال: لفلان على الف درهم لا بل مائة دينار لزمته الدراهم والدنانير جميعا .. واذا قال:
لفلان على اردب قمح لا بل اردب شعير لزمه الاردبان جميعا وهكذا.
تكرار الاقرار:
اذا صدر الاقرار واحدا فالأمر ظاهر يثبت به الحق المقر به للمقر له. وذلك كما اذا أقر رجل لآخر بالف درهم فانه تجب عليه الألف درهم باقراره للمقر له بها. ولكن اذا تكرر الاقرار بألف درهم مثلا لذلك الرجل بأن أقر له بها ثم سكت وبعد ذلك اقر له بها ثانيا ثم ادعى المقر له أن الألف الثانية غير الأولى وأراد أن يأخذ من المقر الفين .. وادعى المقر أن
الألف المقر بها ثانيا هى بعينها الألف المقر بها أولا وأن الاقرار الثانى ما هو الا اعادة للاقرار الأول يريد بذلك ألا يدفع للمقر له الا الفا واحدة. فماذا يكون الحكم فى ذلك.؟ ..
فى المسألة تفصيل. وهو انه اذا تكرر الأقرار من شخص لآخر بحق فلا يخلو حال المقر من أمور أربعة:
1 -
ان يضيف كلا من الاقرارين الى سبب.
2 -
ان يضيف الاقرار الأول الى سبب دون الثانى.
3 -
أن يضيف الاقرار الثانى الى سبب دون الأول.
4 -
ألا يضيف كلا من الاقرارين الى سبب ..
فان كان الاول:
بأن اضاف كلا من اقراريه الى سبب فلا يخلو الحال من أمرين: اما ان يكون السببان متحدين او يكونا مختلفين ..
فان كانا متحدين فلا يخلو الحال من امرين ايضا. اما أن يتساوى المالان أو يختلفا قلة وكثرة. فان تساوى المالان لزمه مال واحد بالاتفاق. وذلك نحو أن يقول لفلان عندى مائة جنيه ثمن هذا العبد ويسكت ثم يقول:
لفلان عندى مائة جنيه ثمن هذا العبد. والعبد فى الاقرارين واحد. فانه لا يلزمه الا مائة واحدة بالاتفاق وان اختلف المالان قلة وكثرة والسبب واحد فيهما لزمه عند ابى حنيفة ولزمه أكثر المالين عند الصاحبين سواء كان الاكثر هو ما ذكر فى الاقرار الأول او ما ذكر فى الاقرار الثانى .. وان كان السببان مختلفين لزمه المالان على أى حال. وذلك أن يقر له بالف درهم ثمن هذه الدابة ثم يقر له بألف درهم قرضا أو غصبا أو نحو ذلك ومن قبيل الاختلاف فى السبب الاختلاف فى الصفة - فان اختلف صفة المالين المقر بهما وجب المالان وأن اتحد السبب وذلك نحو أن يقر بألف درهم بيض ثمن هذه الفرس ثم يقر بعد ذلك بالف درهم سود ثمن هذه الفرس.
والفرس واحدة فى الحالين. فانه يجب عليه المالان .. الألف البيضاء والألف السوداء.
وان كان الثانى:
وهو ان يضيف اقراره الأول الى سبب دون الثانى. وجب المالان جميعا .. وذلك نحو أن يقر له بالف درهم ثمن العبد الفلانى ثم يقر له بالف دون ذكر سبب.
وان كان الثالث:
وهو أن يضيف اقراره الثانى الى سبب دون اقراره الأول. وجب مال واحد ان تساوى المالان فى القدر. والا فان اختلفا قلة وكثرة وجب المالان عند ابى حنيفة. ووجب اكثرهما عند الصاحبين. مثال ما ذكر مع تساوى المالين ان يقر له بمائة جنيه من غير ذكر سبب ثم يقر له بمائة جنيه ثمن الفرس الفلانية.
ومثاله مع تفاوت المالين أى يقر له بالف درهم من غير ذكر سبب ثم يقر له بخمسمائة درهم قرضا أو غصبا.
وان كان الرابع:
وهو ألا يضيف كلا من اقراريه الى سبب فلا يخلو المال من أمرين اما أن يختلف المالان قلة وكثرة أو يتساويا. فان اختلفا قلة أو كثرة لزم
المالان عند ابى حنيفة ولزم اكثرهما عند الصاحبين. وذلك مثل ان يقر رجل لآخر بالف جنيه فى مجلس من غير ذكر سبب ويشهد عليه شاهدين ثم يقر له فى مجلس آخر بخمسمائة جنيه أو بألف وخمسمائة من غير ذكر سبب ايضا ويشهد عليه شاهدين عدلين آخرين .. فعند الامام أبى حنيفة يجب مجموع المالين المقر بهما. وعند الصاحبين يجب اكثرهما .. وان تساوى المالان مع عدم ذكر السبب. ومع عدم ذكر السبب فى كل من الاقرارين فلا يخلو المال من امرين اما ان يكتب على نفسه صكا باقراره أو لا يكتب. فان كتب باقراره صكا فلا يخلو الحال من امرين ايضا.
اما أن يكون الصك واحدا او يكون متعددا.
فان كان الصك واحدا لزم مال واحد بالاتفاق وان كان الصك متعددا بان كتب باقراره الأول صكا وباقراره الثانى صكا آخر لزم المالان بالاتفاق وكان اختلاف الصكين بمنزلة اختلاف السببين وان لم يكتب باقراريه ولا صكين والمسألة بحالها. فاما ان يكون أحد اقراريه أو كلاهما عند القاضى اولا يكون شيئ من ذلك. فان كان احد اقراريه عند القاضى والثانى عند غير القاضى سواء كان الأول او الثانى او كان كل من اقراريه عند القاضى. وجب مال واحد .. وان لم يكن شيئ من اقراريه عند القاضى والمسألة بحالها فاما أن يشهد على كل من اقراريه فرد واحدا او يشهد على الأول فردا وعلى الثانى شاهدين او يعكس أو يشهد على كل من اقراريه شاهدين .. فان لم يشهد على كل من اقراريه شاهدين كان المال الواجب واحدا. وان اشهد على كل من الاقرارين شاهدين فاما أن يكون الاقراران فى موطن واحد او يكونا فى موطنين وعلى كل. فاما أن تكون شهود الاقرار الثانى غير شهود الاقرار الأول أو تكون عينها. فاما كانا فى موطن واحد كان المال الواجب واحدا على كل حال. وان كانا فى موطنين لزمه مال واحد عند الصاحبين سواء كانت الشهود الثانية هى بعينها الشهود الأولى، أو كانت غيرها ..
وروى عن الامام فى هذا ثلاث روايات:
1 -
متى كانت شهود الاقرار الثانى غير شهود الاقرار الأول كان المال واحدا وان كانت عينها كان المال متعددا.
2 -
ان المال متعدد سواء اتحد الشهود ام اختلفت.
3 -
اذا اختلفت الشهود كان المال متعددا وان اتحدت كان المال واحدا. هذا. والأصل الذى ينبنى عليه أكثر المسائل المتقدمة هو ان المعرف او المنكر اذا اعيد معرفا كان الثانى عين الأول. واذا اعيد منكرا كان الثانى غير الأول. واحيانا يراعى فى التقدير العرف دون قواعد اللغة.
مبطلات الاقرار:
اذا صدر الاقرار مستوفيا شرائطه الشرعية ترتب عليه حكمه وهو ثبوت الحق المفر به للمقر له على المقر. وهذا ما لم يبطل الاقرار فاذا بطل فقد سقط حكمه وانعدم وجوبه والذى يبطل الاقرار امران.
الأول: تكذيب المقر له فى اقراره ورده له.
والثانى: رجوع المقر عن اقراره.
اما تكذيب المقر له المقر فى اقراره:
اى رده له فى أحد نوعى الاقرار وهو الاقرار بحقوق العباد. فلأن اقرار المقر على نفسه بما فيه ضرر عليه واصراره على ذلك دليل على ثبوت المقر به فى ذمته ولزومه له .. وتكذيب المقر له فيه مع أن منفعته عائدة عليه دليل على عدم ثبوت المقر به ولزومه على المقر فلا يثبت مع الشك. وهذا هو المبدأ المقرر فى ذلك.
وقد استثنوا مسائل لا يؤثر فيها تكذيب المقر له ولا رده الاقرار منها:
1 -
الاقرار بالنسب فيما يصح الاقرار به على ما تقدم تفصيله لا يبطل بالرد من المقر بنسبه وان كان متوقفا على تصديقه للمقر فى اقراره. فاذا صدقه المقر له ولو بعد تكذيبه له ثبت النسب بدون حاجة الى اعادة الاقرار ثانيا.
2 -
الاقرار بالطلاق. فاذا اقر رجل بأنه طلق زوجته وكذبته المرأة فى هذا الاقرار عمل باقراره ولم ينظر الى تكذيبها.
3 -
الاقرار بالوقف فاذا اقر شخص بدار تحت يده أنها وقف على فلان ثم من بعده على اولاده ثم من بعدهم على الفقراء. فرد فلان هذا الاقرار وكذب المقر فيه لم يبطل الاقرار بالوقف بهذا الرد بحيث اذا عاد هذا الذى انكر الوقف ورده الى التصديق أخذ نصيبه المشروط له بدون احتياج الى اقرار جديد ..
واذا بقى مصرا على الرد والتكذيب فلا يأخذ شيئا ويبقى الوقف ويذهب نصيبه للفقراء.
4 -
الأقرار بالنكاح فلو أقر رجل بنكاح امرأة والزواج منها فكذبته المرأة فى هذا الاقرار وردته فلا يبطل الاقرار بالتكذيب والرد بحيث لو عادت المرأة وصدقت الرجل فى اقراره يثبت النكاح بدون حاجة الى اقرار آخر.
5 -
الاقرار بالارث لآخر لا يرتد بالرد ولا يسقط به الحق. لأن رد الوارث ارثه من مورثه لا يعمل فيه الرد ولا يسقط الحق فيه.
والضابط فى هذه المسائل ان كل اقرار فيه تمليك مال ولو من وجه يقبل الرد والتكذيب ويبطل به .. وما ليس فيه تمليك مال لا يقبل الرد ولا يؤثر فيه التكذيب .. هذا.
وفى كل موضع بطل فيه الاقرار بالرد اذا أعاد المقر بعد ذلك اقراره ثانية فصدقه المقر له صح اقراره. وكان للمقر له أن يؤاخذه به استحسانا .. وفى كل موضع يبطل فيه الاقرار بالرد اذا قبل المقر له الاقرار. أولا ثم رد بعد ذلك لا يبطل الاقرار لأن نفى المالك ملكه عن نفسه عند عدم المنازع لا يصح الا أن يصادق المقر والمقر له على عدم الحق فان تصادقا على عدمه او أخذا بما تصادقا عليه وسقط الحق الذى الزم المقر نفسه به عنه.
واما رجوع المقر عن اقراره:
بحقوق الله الصرفة كحد الزنا فهو جائز ومقبول ويترتب عليه أثره من بطلان الاقرار وسقوط آثاره سواء رجع قبل القضاء بموجبه أو بعده قبل الشروع فى الحد او بعد الشروع فيه قبل تمامه فلو رجع عن اقراره بذلك لم يؤاخذ باقراره فلا يحكم عليه ان كان رجوعه قبل الحكم. ولا يقام عليه الحد تنفيذا للحكم ان كان رجوعه بعد الحكم قبل الحد ولا يتمم
الحد عليه ان كان رجوعه بعد الشروع فيه وذلك لأنه يحتمل ان يكون صادقا فى انكاره فيكون كاذبا فى اقراره وذلك يورث شبهة فيه والحد مما يدرأ بالشبهات. ولأنه يستحب للامام تلقين المقر الرجوع عن الاقرار بقوله:
املك لمستها أو قبلتها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما عز حين أقر عنده بالزنا فلو لم يكن الرجوع مبطلا للاقرار بالزنا واشباهه لم يكن لتلقينه فائدة ولا معنى.
وانما شرع التلقين احتيالا لدرء الحد لقول النبى صلى الله عليه وسلم «ادرءوا الحدود بالشبهات» وقوله «ادرءوا الحدود ما استطعتم» . ومثل الاقرار بالزنا الاقرار بالسرقة والشرب يصح الرجوع عنهما .. الا أن الاقرار بالسرقة يصح الرجوع عنه بالنظر للقطع لكونه حق الله تعالى فلا يقطع ولا يصح الرجوع عنه بالنظر لحق الحق وهو المال المسروق فلا يسقط عنه ضمانه ..
هذا بالنظر للاقرار بحقوق الله تعالى الخالصة ..
وأما الاقرار بحقوق العبيد الصرفة كالدراهم والدنانير وسائر الحقوق فى المعاملات الدنيوية او بما يشتمل على الحقين كحد القذف فانه لا يصح الرجوع عنه فيها لأن غاية ما يحدثه الرجوع عن الاقرار فى ذلك وجود شبهة فى ثبوتها. وهذه الحقوق تثبت مع الشبهة. ومن ذلك الاقرار بالقصاص لأنه حق العبد المحصن فلا يحتمل الرجوع.
المواضع التى تسمع فيها البينة مع الاقرار:
الأصل أن البينة لا تقام الا على منكر فمتى أقر المدعى عليه بالدعوى لم يحتج بعد ذلك للبينة لثبوت الدعوى بالاقرار الذى هو من أقوى الحجج. وليس للمدعى أن يحضر شهودا بعد ذلك على دعواه وليس للقاضى أن يشتغل بسماع شهادة شهود على تلك الدعوى وما عليه بعد الاقرار بالدعوى الا أن يحكم بمقتضى ذلك الاقرار .. هذا هو الأصل. ولكنهم استثنوا من هذا الأصل مسائل تسمع فيها البينة مع الاقرار. لا لأن الاقرار لم يثبت به الحق المدعى به بل لأن البينة تتعدى لغير المقر والاقرار لا يتعدى. والمقصود تعدية الحكم لغير المقر منعا للضرر .. وليس معنى هذا أن القاضى يطلب سماع البينة بعد الاقرار بل معناه انه اذا طلب منه سماعها يجيب الطالب الى طلبه مراعاة وتخفيفا لتلك المصلحة ثم يحكم بعد ذلك بمقتضاها لا بمقتضى الاقرار تحصيلا لتلك الفائدة. اللهم الا فى بعض المسائل فان القاضى يطلب فيها البينة مع الاقرار من تلقاء نفسه ولا يحكم بمقتضاه اما لعدم صحته شرعا او لعدم كفايته فى اثبات الدعوى كما يعلم. ذلك من تتبع المسائل. وهذه المسائل التى تسمع فيها البينة مع الاقرار هى:
1 -
الوكالة فلو ان رجلا اقر لآخر بوكالته عن فلان دائنه فى قبض دينه. كان لهذا الوكيل الحق فى استيفاء دين الموكل على هذا المقر بمقتضى اقراره بوكالته عنه ولكن حيث ان الاقرار لا يتعدى لغير المقر فلو جاء الدائن وانكر الوكالة لم يبرأ المدين من الدين بدفعه اياه لمن اقر له بالوكالة فيجوز ان تسمع من الوكيل بينته على أنه وكيل فلان بقبض دينه رغم اقرار المدين بهذه الوكالة ليتعدى الحكم بعد ذلك للموكل حتى لو انكر الوكالة بعد
ذلك لم يسمع منه الانكار. ويبرأ المدين المقر من دينه بتسليمه الى الوكيل.
2 -
الوصاية او صورتها. رجل قال للقاضى: ان فلانا اقامنى وصيا ومات وله على هذا الرجل ألف درهم دينا فصدقه المدعى عليه فى الوصاية فالقاضى لا يثبت وصايته عن الميت باقرار هذا المدين حتى يقيم البينة عليها لأنه اذا دفع اليه المال باقراره لم تبرأ ذمته من الدين اذا انكر الوارث الوصاية أما اذا دفعه اليه بعد ثبوت الوصاية بالبرهان المعتدى وهو البينة برأت ذمته ولا يضره انكار الوارث.
3 -
اثبات دين على الميت. وصورته ادعى بعض الورثة دينا على الميت فاقر الوارث بالدين فانه يستوفى من نصيبه قدر ما يخصه من الدين. وللمدعى أن يقيم البينة على حقه وهو الدين مع اقرار للوارث به ليكون حقه فى كل التركة وعلى جميع الورثة. وكذلك اذا أقر جميع الورثة بالدين تقبل بينته أيضا لأن المدعى يحتاج الى اثبات الدين فى حقهم وحق دائن آخر.
4 -
استحقاق عين من مستقر. وصورة ذلك. أن رجلا اشترى من آخر ثم ادعى رجل أجنبى ملكيته هذه الدابة فأقر المشترى باستحقاق هذا المدعى تلك الدابة.
فانه يجوز أن تسمع على المشترى بينة الاستحقاق مع اقراره به ليتعدى الحكم الى البائع فيتمكن المشترى من الرجوع عليه بالثمن الذى كان قد دفعه له. ولكن لو حكم عليه باقراره فقط لم يكن حق الرجوع على البائع بالثمن لأن اقراره لا يتعدى الى البائع.
5 -
دعوى الشخص على غيره أن العبد الذى بيده أبق منه. فأقر واضع اليد على العبد بذلك كان له أن يطلب البينة على ذلك لاحتمال أن الغير تملكه منه فيتعدى الحكم الى ذلك الغير.
6 -
الأب أو الوصى اذا خوصم فى حق على الصغير فأقر به فانه لا بد من بينة تقام عليه مع كونه مقرا ليتعدى الحكم الى الغير.
الا أن الأب لا يخرج عن الخصومة بالاقرار وأما الوصى فانه يخرج من الخصومة باقراره على الصغير ومثله وصى القاضى وأمينه.
7 -
اقرار الوارث للموصى له بحق تسمع معه البينة على الايصاء ليتعدى الى غير المقر.
8 -
أدعى رجل على آخر عقارا أنه فى يده وهو مستحق له. فأقر المدعى عليه بوضع يده على العقار لا يكفى ذلك للحكم عليه بل لا بد من سماع البينة على وضع اليد مع الاقرار ومما ذكر يتبين أن البينة تسمع مع الاقرار اما لمصلحة المقر أو لمصحة المدعى فى تعدى الحكم الى الغير أو لأن الاقرار باطل شرعا كما فى اقرار الأب والوصى وأمين القاضى على الصغير بالحق أو لأن الاقرار غير كاف للحكم كما فى الاقرار بوضع اليد فى العقار.
اذا اجتمع الاقرار والبينة بأيهما يقضى:
اذا أقر المدعى عليه بعد اقامة البينة على الدعوى كما يحصل كثيرا فى الدعاوى حيث ينكر المدعى عليه الدعوى أولا ونطلب البينة من المدعى لاثبات دعواه. وبعد أن يقيمها
بغير المدعى عليه بالحق المدعى. وتارة يكون اقراره هكذا قبل تزكية شهود الدعوى.
وتارة يكون بعد التزكية قبل الحكم .. فاذا حصل ذلك فبأى شيئ يقضى القاضى على المدعى عليه؟ أيقضى عليه بالبينة أم يقضى عليه بالاقرار.؟ .. فى المسألة خلاف. قال بعضهم يقضى عليه بالبينة لأنه بانكاره واقامة البينة عليه استحق المدعى الحكم له عليه بينته التى اقامها نتيجة موقفه وانكاره فلا يبطل الحق السابق بالاقرار اللاحق. ولأن زيادة سندى الحكم الى الغير الثابتة بالبرهان حقه فلا يؤثر فيه الاقرار اللاحق بالبطلان وقال بعضهم يقضى عليه بالاقرار لأن البينة لا تكون حجة الا اذا اتصل القضاء بها فهو أقوى منها والعمل بالأقوى واجب .. وانى أميل الى الرأى الأول.
الاقرار بالزنا:
جاء فى تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى.
أن الزنا
(1)
يثبت بأقرار الزانى أربع مرات فى أربعة مجالس من مجالس المقر. كلما أقر رده القاضى حتى يتم الاقرار أربع مرات. وذلك لحديث ما عز رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أخر اقامة الحد عليه الى أن تم اقراره أربع مرات فى أربعة مجالس. فلو ظهر دونها لما أقرها لثبوت الوجوب. ولأن الشهادة فى الزنا اختصت بزيادة العدد فكذا الاقرار تعظيما لأمر الزنا. وتحقيقا للمقر .. ولابد من اختلاف المجالس لأن لاتحاد المجلس أثرا فى جميع المتفرقات فعنده يتحقق شبهة الاتحاد فيه. وهو قائم بالمقر فيعتبر مجلسه دون مجلس القاصى. ويرده القاضى كلما أقر. فيذهب حتى يغيب عن نظره فى كل مرة فيما يروى عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه لأن النبى صلى الله عليه وسلم طرد ماعزا حتى توارى بحيطان المدينة. فان قيل: انما رده عليه الصلاة والسلام قبل أن يتبين له عقله لأنه جاء أشعث أغبر متغير اللون. ولما استبان له عقله رجمه. ألا ترى انه صلى الله عليه وسلم قال له: أبك خبل .. أبك جنون .. ؟. فقال:
لا. فسأل عنه فقالوا: ما نعلم فيه الا خيرا ..
وبعث الى أهله يسألهم هل تنكرون من عقله شيئا؟ فقالوا: لا. فسأله عن احصانه فأخبره أنه محصن فرجمه - قلنا: ليس كذلك لأن حاله يدل على كمال عقله اذ هى حالة التوبة والخوف من الله .. لا على جنونه. وقوله عليه الصلاة والسلام: ابك خبل. أبك جنون تلقين منه لما يدرأ به الحد عنه. كما قال له عليه الصلاة والسلام: لعلك قبلتها. لعلك باشرتها .. والسؤال عنه كان على سبيل الاحتياط .. والدليل عليه ما قاله أبو بكر الصديق رضى الله عنه بعد ما أقر ثلاث مرات - انك ان اعترفت الرابعة رجمك.
فاعترف الرابعة
…
وهذا دليل على أن هذا العدد كان معروفا بينهم ظاهرا عندهم .. ألا ترى الى قول أبى بريدة: كنا نتحدث فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ماعزا لو قعد فى بيته بعد المرة الثالثة ولم يقر لم يرجمه .. وصح أن الغامدية رجمها النبى صلى الله عليه وسلم بعد ما اقرت اربع مرات
…
ولا يقال: اذا لم يجب الحد باقراره مرة وجب أن يجب المهر لأنه أقر بوط ء لا يوجب الحد. فاذا وجب المهر وجب أن لا يجب الحد بعد ذلك لأنهما لا يجتمعان - لأنا نقول -
(1)
تبيين الحقائق ج 3 ص 166 وما بعدها.
الأمر موقوف فان تمت الحجة لم يجب والا وجب ولا فرق فى الاقرار بين أن يكون المقر حرا أو عبدا. وفى العبد خلاف زفر رحمه الله تعالى
…
وقال ابن أبى ليلى: لا يعتبر اختلافا المجالس. وانما يعتبر العدد فقط كما فى الشهادة .. وينبغى للامام أن يزجر المقر عن الاقرار ويظهر له الكراهية منه ويأمر بابعاده عن مجلسه فى كل مرة لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل كذلك وقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه:
اطردوا المعترفين. يعنى بالزنا .. واذا تم الاقرار أربع مرات فى أربعة مجالس على المقر المذكور .. سأل القاضى المقر عن الزنا ما هو؟ وكيف هو. وأين هو. وأين زنى. وبمن زنى. ومتى زنى ليزول الاحتمال .. وقيل لا يسأله عن الزمان لأن تقادم العهد يمنع الشهادة دون الاقرار .. والاصح أنه يسأله لاحتمال أنه زنى فى صباه .. وهذا السؤال يكون بعد ما نظر فى حاله وعرف انه صحيح العقل كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم مع ماعز .. ولا بد من التصريح به فى ذلك ولا يكتفى بالكتابة لأنه عليه الصلاة والسلام قال لماعز: فهل تدرى ما الزنا. قال نعم.
وقال له: أنكتها؟ لا يكنى. قال نعم.
فاذا بين ذلك وظهر زناه سأله عن الاحصان.
فان قال له: انه محصن سأله عن الاحصان.
ما هو؟ فان وصفه بشرائطه حكم برجمه ..
ولا يعتبر اقراره عند غير القاضى ممن لا ولاية له فى اقامة الحدود ولو كان اربع مرات حتى لا يقتل الشهادة عليه بذلك. لأنه ان كان منكرا فقد رجع عن الاقرار. وان كان مقرا لا تتغير الشهادة لأنها لا تعتبر مع الاقرار. ولو اقر بالزنا مرتين وشهد عليه اربعة بالزنا لا يحد عند ابى يوسف رحمه الله تعالى .. وقال محمد رحمه الله تعالى: يحد لأن هذا الاقرار ليس بحجة فلا يعتد به فيكون الامتناع عن بغية الاقرار دليل الرجوع عنه أو هو غير صحيح فيه فيلحق بالعدم شرعا فيضيف الشهادة وحدها هى الحجة فتقبل ويحد ..
ولأبى يوسف رحمه الله تعالى: أن الاقرار موجود وحقيقة لكنه غير معتبر شرعا.
فأورثت الحقيقة شبهة وهو يدرأ بها فصار كما اذا كانت معتبرة شرعا لا تعتبر معه الشهادة.
فان رجع عن اقراره قبل الحد او فى وسطه خلى سبيله لأن الرجوع خبر يحتمل الصدق والكذب كالاقرار الأول فأورث شبهة والحد يدرأ بالشبهة وهذا لأن كل واحد من كلاميه يحتملها فلا يمكن العمل بأحدهما لعدم الأولية فيترك على ما كان .. بخلاف القصاص وحد القذف لأنهما من حقوق العباد. والعبد يكذبه فى الرجوع .. اما حد الزنا فهو حق لله سبحانه وتعالى فلا مكذب له .. والى صحة الرجوع عن الاقرار أشار النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: هلا تركتموه؟. حين أخبر باقرار ما عز .. وقال ابن أبى ليلى والشافعى رحمهما الله تعالى: لا يصح الرجوع عن الاقرار ويحد لوجوبه باقراره فلا يبطل بعد ذلك بانكاره .. وهذا لأنه احدى الحجنين فصار ثبوته به كثبوته بالشهادة كالقصاص والقذف
ويستحب للامام ان يلقن المقر الرجوع عن الاقرار بأن يقول له: لعلك قبلت أو لمست أو وطئت بشبهة أو بنكاح أو بملك يمين. لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع ماعز
وقال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال:
لا يا رسول الله
(1)
. لا يجب الحد باقرار أحد الزانيين اذا أنكره الآخر .. وهذا على اطلاقه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى .. وعندهما أن ادعى المنكر منهما شبهة بان قال: تزوجتها فهو كما قال.
وان انكر بأن قال: ما زنيت ولم يدع ما يسقط الحد. وجب على المقر الحد دون المنكر .. وجه الوقاية أن دعوى النكاح يحتمل الصدق والنكاح يقوم بالطرفين فأورث شبهة فيسقط الحد. ولها فى الخلافية ما روى عن سهل بن سند أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: أنه قد زنى بامرأة سماها. فأرسل النبى صلى الله عليه وسلم الى المرأة فدعاها فسألها عما قال. فأنكرت فحده وتركها .. رواه أحمد وأبو داود. ولأن اقرار المقر حجة فى حقه. وتكذيب غيره لا يوجب تهمة فى اقراره خصوصا فى الحد فصار كما لو قال: أنا وفلان قتلنا فلانا عمدا وأنكر شريكه فانه يقتص من المقر. فكذا هذا .. ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى ان الزنا فعل مشترك بينهما قائم بهما. فانتفاؤه من احدهما يورث شبهة فى الآخر اذ لا يتصور الا منهما بخلاف مسألة القتل لأنه يحتمل أن ينفرد به المقر لأنه يتحقق من واحد. ونظيره أن يقر بالزنا على نفسه وعلى رجل آخر فيقول: زنيت بفلانة أنا وفلان. ولأن المنكر يحتمل أن يكون صادقا فى انكاره فيورث شبهة فى حق الآخر كما اذا أدعى أحدهما النكاح بخلاف ما اذا أقر أنه زنى بغائبة أو شهد عليه بذلك حيث يحد وأن احتمل أن ينكر الغائب الزنا أو يدعى النكاح. لأنه لو حضر وانكر الزنا او ادعى النكاح يكون شبهة. واحتمال ذلك يكون شبهة الشبهة. والشبهة هى المعتبرة دون شبهة الشبهة. ثم اذا سقط الحد يجب المهر تعظيما لأمر البضع شرعا .. ولا يقال: كيف يجب لها المهر وهى تنكره اذا كانت هى المقرة بالزنا - لأنا نقول: وجوب المهر من ضرورات سقوط الحد فلا يعتبر ردها أو نقول: صارت مكذبة شرعا بسقوط الحد فلا يلتفت الى تكذيبها.
الاقرار بالشرب:
من شرب خمر
(2)
فأخذ وريحها موجود أو كان سكران ولو بنبيذ. وشهد رجلان أو أقر مرة حد أن علم شربه طوعا وصحا لحديث أنس رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين. قال: وفعله أبو بكر. فلما كان عمر استشار الناس. فقال عبد الرحمن بن عوف. أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر .. رواه أحمد ومسلم وأبو داوود والترمذى وصححه. واحترز بقوله: أو أقر مرة من قول أبى يوسف فانه يشترط الاقرار مرتين اعتبارا بالشهادة كما فى الزنا .. قلنا ثبت ذلك على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره
فان أقر أو شهدا بعد مضى ريحها فلا يحد لبعد المسافة. أو وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها أو رجع عما أقر أو أقر سكران بأن زال عقله فلا يجب عليه الحد فى هذه الصور كلها اما ثبوته
(3)
بعد زوال رائحتها باقرار أو بينة فللتقادم وهو مقدر به.
(1)
جاء فى صفحة 185 من المرجع السابق.
(2)
جاء فى تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 3 ص 195.
(3)
جاء فى البحر الرائق ج 5 ص 29.
فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق غير أنه مقدر بالزمان عند محمد رحمه الله تعالى اعتبارا بحد الزنا. وهذا لان التأخير يتحقق بمضى الزمان. والرائحة قد تكون من غيره .. وعندهما يقدر بزوال الرائحة لقول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه - ثلثوه ومزمزوه واستنكهوه. فان وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه ولان قيام الأثر من اقوى الدلائل على القرب وانما يصار الى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل وانما يشتبه على الجهال .. واما الاقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد رحمه الله تعالى كما فى حد الزنا .. وعندهما: لا يقام الحد الا عند قيام الرائحة لان حد الشرب ثبت باجماع الصحابة رضى الله عنهم. ولا اجماع الا برأى ابن مسعود. وقد اشترط قيام الرائحة على ما روينا .. ورجح فى غاية البيان قول محمد فقال: والمذهب عندى فى الاقرار ما قاله محمد لان حديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنكره بعض أهل العلم .. قال:
ابو عبيد: لان الاصل فى الحدود اذا جاء صاحبها مقرا بها. الرد والاعراض وعدم الاستماع احتيالا للدرء كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اقر ماعز. فكيف يأمر ابن مسعود بالثلثلة والمزمزة والاستنكاه حتى يظهر سكره؟ فلو صح فتأويله انه جاء فى رجل مولع بالشراب مدمن له فاستجازه لذلك. وفى فتح القدير: قول محمد هو الصحيح - والحاصل ان المذهب قول ابى حنيفة وابى يوسف الا أن قول محمد ارجح من جهة المعنى .. واما اذا رجع عن الاقرار فلانه خالص حق الله تعالى فيعمل الرجوع فيه كسائر الحدود. وهذا لانه يحتمل ان يكون صادقا فصارت شبهة. والحدود تدرأ بالشبهات واما اذا أقر وهو سكران فلزيادة احتمال الكذب فى اقراره فيحتال للدرء لانه خالص حق الله تعالى واشار الى ان كل حد خالص لله تعالى فلا يصح اقرار السكران به. وان ما لم يكن خالصا لله تعالى فانه يصح اقراره به كحد القذف لان فيه حق العبد. والسكران فيه كالصاحى عقوبة كما فى سائر التصرفات.
والحاصل أن اقرار السكران بالحدود لا يصح الا حد القذف .. واقراره بسبب القصاص وسائر الحقوق من المال والطلاق وغيرها صحيح لانها لا تقبل الرجوع .. ولذا اذا اقر بالسرقة ولم يقطع لسكره اخذ منه المال. وصار ضامنا له. واما ارتداده فليس بصحيح فلا تبين منه امرأته لان الكفر من باب الاعتقاد فلا يتحقق مع السكر .. قال فى فتح القدير: هذا فى الحكم اما فيما بينه وبين الله تعالى. فان كان فى الواقع قصد ان يتكلم به ذاكرا لمعناه كفر. والا فلا .. وفى التبيين وعند ابى يوسف. ارتداده كفر ذكره فى الذخيرة: واما اذا أسلم ينبغى ان يصح كاسلام المكره .. وفى فتح القدير أن اسلامه غير صحيح.
وقيد بالاقرار لانهم لو شهدوا عليه بالشرب وهو سكران قبلت شهادتهم. وكذا لو شهدوا عليه بالزنا وهو سكران. كما اذا زنى وهو سكران. وكذا بالسرقة وهو سكران تقبل. ويحد بعد الصحو ويقطع.
لأن الانشاء لا يحتمل الكذب فيعتبر فعله فيما ينفذ من غير قصد واعتقاد .. وهذا كله اذا سكر من المحرم. واما اذا سكر بالمباح كشرب
المضطر والمكره. والمتخذ من الحبوب والعسل والدواء والبنج فلا تعتبر تصرفاته كلها لانه بمنزلة الاغماء لعدم الجناية .. وفى الحاشية: وان زال عقله بالبنج فطلق. ان كان حين تناوله البنج علم انه بنج يقع الطلاق وان لم يعلم لا يقع .. وعن ابى يوسف ومحمد لا يقع من غير فصل وهو الصحيح.
الاقرار بالسرقة:
من أقر بالسرقة
(1)
مرة قطع. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: لا تقطع الا اذا اقر مرتين فى مجلسين مختلفين لانه حد فيعتبر عدد الاقرار فيه بعدد الشهود .. أصله الاقرار بالزنا اعتبر اربعا اعتبارا بعدد الشهود فيه الثابت بالنص ولهما ان الاقرار مرة مظهر فيكتفى به كما فى القصاص وحد القذف ..
والاعتبار بالشهادة باطل لان الزيادة فيها تفيد تقليل تهمة الكذب. ولا تهمة فى الاقرار فلا تفيد شيئا .. ولا يقال: يحتمل ان يرجع فى اقراره فيؤكد بالتكرار ليدل على الثبوت.
لاننا نقول: باب الرجوع فيه لا يفسر بالتكرار والرجوع عنه فى حق المال لا يصح لان صاحب الحق يكذبه .. وفى الزنا ورد التكرار فيه على خلاف القياس فاقتصر عليه .. وذكر بشر رجوع ابى يوسف رحمه الله تعالى الى قولهما.
لو أقر
(2)
رجلان بسرقة ثم قال احدهما:
المسروق مالى لم يقطع واحد منهما سواء ادعى ذلك قبل القضاء او بعده قبل الامضاء لان السرقة ثبتت على الشركة باقرارهما. وبطل الحد عن أحدهما برجوعه عن الاقرار لانه بما ادعاه انكر السرقة بعد الاقرار بها فكان رجوعا فى حقه. وأورث شبهة فى حق الآخر لاتحاد الفعل وهو السرقة بخلاف ما اذا قال: سرقت انا وفلان كذا.
وفلان هذا ينكر حيث يقطع المقر رغم انكار الاخر لعدم الشركة بتكذيبه. وفيه خلاف ابو يوسف رحمه الله تعالى: هو يقول: انه أقر بفعل مشترك فلا يثبت غير مشترك. وقد بطلت الشركة بانكار الاخر فلا يثبت ولهما.
أن الشركة لما لم تثبت بانكار الاخر صار فعله كالعدم. وعدم فعله لا يخل بالموجود منه كقوله: قتلت أنا وفلان فلانا. وقال الآخر ما قتلت. يقاد المقر وحده. وكقوله: زنيت انا وفلان بفلانه. وكذبه الآخر حد المقر
ولو أقر عبد بسرقة قطع وترد السرقة الى المسروق منه وهذا على اطلاقه قول ابى حنيفة رحمه الله تعالى .. وقوله: وترد السرقة الى المسروق منه. يعنى اذا كانت قائمة .. وان كانت هالكة لا يضمن .. وقال ابو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ان كان العبد مأذونا له فى التجارة أو مكاتب وكان المال المسروق مستهلكا فكما قال ابو حنيفة رحمه الله تعالى وان كان محجورا عليه. والمال قائم فى يده فعند ابى يوسف يقطع والمال للمولى الا أن يصدقه المولى فيدفع المال الى المسروق منه.
وقال محمد: لا يقطع والمال للمولى الا ان يصدقه المولى فيدفع المال الى المسروق منه وقال زفر رحمه الله تعالى: لا يقطع فى الوجوه كلها. والمال للمولى الا أن يكون مأذونا له فى التجارة فيصبح اقراره فى المال أو يصدقه المولى لان اقراره بالقطع يتضرر به المولى فلا يقبل اقراره عليه .. قلنا صحة اقراره من حيث انه آدمى ثم يتعدى الى المالية فى ضمنه فيصح
(1)
جاء فى تبيين الحقائق للزيلعى ج 3 ص 213.
(2)
جاء فى صحفة 230 المرجع السابق.
اذ لا تهمة فيه .. الا ترى الى أن قوله يقبل فى هلال رمضان لعدم التهمة فكذا هذا
ودليل محمد ان اقرار المحجور عليه فى المال باطل. ولهذا لا يصح اقراره بالغصب وما فى يده للمولى فلا يقطع به بخلاف المستهلك ..
يحققه ان المال أصل فيها والقطع مانع حتى تسمع الخصومة فيه بدون القطع ويثبت المال بدون القطع كما اذا شهد رجل وامرأتان أو أقر ثم رجع دون عكسه. فاذا بطل فى حق الاصل بطل فى التبع بخلاف المأذون له لان اقراره بما فى يده من المال صحيح فيصح فى حق القطع تبعا. وبخلاف اقراره بالمال المستهلك لان ملك المولى لم يظهر فيه ليرد .. ودليل ابى يوسف انه اقر على نفسه بالقطع فيصح وعلى المولى بالمال لان ما فى يد العبد لمولاه فلا يصح.
والقطع قد يجب بدون المال كما اذا قال الثوب الذى مع عمرو سرقته من زيد. فانه يقطع ولا يصدق اقراره فى حق الثوب وكما لو اقر بسرقة مال مستهلك .. ودليل ابى حنيفة رحمه الله تعالى. أن الاقرار بالقطع قد صح منه لكونه آدميا وصحته لعدم التهمة فيصح بالمال بناء على ذلك لان الاقرار يلاقى حالة البقاء والمال فيها تابع للقطع حتى تسقط عصمة المال باعتبار القطع. ويستوفى القطع بعد هلاك المال. بخلاف مسألة الحر لان القطع يجب بالسرقة من المودع. ولا يقطع العبد بمال مولاه أبدا ..
فحاصل هذا الخلاف راجع الى أن المال أصل أو القطع أو كلاهما. فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى: القطع هو الاصل والمال تبع .. وعند محمد رحمه الله تعالى: المال هو الاصل فلا يثبت القطع بدونه .. وعند ابى يوسف رحمه الله تعالى: كلاهما اصل ..
وحكى الطحاوى أن الاقاويل الثلاثة مروية عن أبى حنيفة. فقوله الاول أخذ به محمد.
والثانى أخذ به ابو يوسف. وهى نظير أقواله فى الحملان. فعدت من مناقبه رضى الله تعالى عنهم اجمعين.
مذهب المالكية:
التعريف:
عرف المالكية الأقرار بانه خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه او بلفظ نائبه فيدخل اقرار الوكيل ونخرج للانشاءات كبعت وطلقت. فالاقرار ليس انشاء من وجه عندهم وانما هو اخبار صرف كالشهادة والدعوى كلها اخبارات. والفرق بينهما. ان الاخبار ان كان يقتصر حكمه على قائله فقط فهو الاقرار وان لم يقتصر. فاما ان لا يكون للمخبر فيه نفع وهو الشهادة .. أو يكون للمخبر فيه نفع وهو الدعوى.
أعلم أن الاقرار
(1)
خبركما لابن عرفه ولا يتوهم من ايجابه حكما على المقر انه انشاء كبعت بل هو خبر كالدعوى والشهادة. والفرق بين الثلاثة أن الاخبار ان كان حكمه قاصر على قائله فهو الاقرار. وان لم يكن قاصرا على قائله فاما ان يكون للمخبر فيه نفع وهو الشهادة او يكون وهو الدعوى.
وقال ابن عرفه
(2)
: الاقرار لم يعرفوه وكأنه عندهم بديهى ومن انصف لم يدع
(1)
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 397.
(2)
جاء فى مواهب الجليل للحطاب ج 5 ص 216.
بداهته .. والاظهر انه نظرى فيعرف بانه:
خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه او بلفظ نائبه فيدخل اقرار الوكيل وتخرج الانشاءات كبعت وطلقت .. وقال قبل ذلك ومنها قاعدة الاقرار والدعوى والشهادة. كلها اخبارات. والفرق بينها ان الاخباران كان يقتصر حكمه على قائله فهو الاقرار. وان لم يقتصر فان لم يكن للمخبر فيه نفع فهو الشهادة وان كان له فيه نفع فهو الدعوى.
اركان الاقرار:
ذكر فقهاء المالكية
(1)
ان اركان الاقرار اربعة المقر. والمقر له. والمقر به. والصيغة.
والاقرار وفيه اربعة ابواب:
الاول فى اركانه وهى المقر، والمقر له، والمقر به، والصيغة.
والثانى فى الاقارير المجملة وهى سبعة.
والثالث فى تعقب الاقرار بما يدفعه وله صور سبعة.
والرابع فى الاقرار بالنسب.
ما به يكون الاقرار:
ما به يكون الاقرار: أنواع كثيرة تؤدى كلها الى نتيجة واحدة وهى الاخبار بثبوت الحق المقر به للمقر له على المقر .. وهذه الانواع هى:
أولا - اللفظ:
فيه يحصل الاقرار ويوجد وهو الاداة الاولى التى اتفق الناس جميعا على انها وسيلة التعبير عما فى النفس وعما يريده الانسان وهو افصح اداة واولها على القصد فاذا قال شخص: لفلان عندى الف درهم كان بذلك مقرا بالالف لفلان هذا من غير نزاع ولا جدال .. واللفظ فى دلالته على الاقرار ينقسم الى قسمين: صريح .. ودلالة ..
فالصريح:
هو اللفظ الدال صراحة على الاخبار بثبوت الحق المقر به للمقر له. نحو ان يقول لفلان عندى مائة دينار. او لفلان على الف درهم. او لفلان فى ذمتى مائة جنيه. فان هذه الجمل والالفاظ موضوعة فى اللغة للدلالة صراحة على الاخبار بثبوت الحقوق والمقر بها التى تضمنتها للمقر له على المقر. ومن الصريح فى الاقرار ما اذا قال المقر له للمقر: لى عليك الف درهم. فقال له المقر: نعم، فانه بذلك يكون مقرا له بالالف صراحة لان كلمة نعم وقعت جوابا لكلام المقر له وجواب الكلام يتضمن اعادة له فكأن المقر قال له: نعم لك على ألف درهم ..
والدلالة:
هى الا يكون اللفظ موضوعا بحسب معناه اللغوى ليفيد الاخبار بثبوت الحق المقر به للمقر له على المقر .. ولكنه يستلزم ذلك المعنى ويدل عليه. وذلك نحو أن يقول المقر له للمقر: لى عليك عشرون مثقالا ذهبا فيقول المقر قد قبضتها أو اتزنها. أو انتقدها.
او اجلنى بها. او ما اشبه ذلك. فانه فى هذه الحالة وبهذا الجواب يكون مقرا بالمبلغ المدعى به لمن خاطبه بالكلام الاول .. واللفظ الصادر من المقر وان لم يكن موضوعا بحسب اللغة للاقرار بالحق الا أنه يقتضيه ويتضمنه لان الضمير فى عبارة الجواب راجع الى المبلغ الذى
(1)
جاء فى التاج والأكليل للمواق المطبوع على هامش مواهب الجليل للحطاب ج 5 ص 216.
ذكره المقر له أولا. وقضاء الدين هو تسليم مثل الواجب فى الذمة فالاخبار بانه قضاه العشرين مثقالا لا يستلزم الاقرار بثبوتها فى الذمة فيكون مقرا بها مدعيا سقوطها بالقضاء فيؤاخذ بالاقرار وان لم تشتمل عبارة الجواب على الضمير العائد الى المبلغ المدعى بأن قال له المقر: اتزن أو خذ أو أجل أو قضيت ففى دلالتها على الاقرار حينئذ قولان
(1)
ثانيا - الاشارة:
فيصح اقرار الآخر أو كما عبر ابن فرحون فى التبصرة فيصح اقرار الأبكم والمريض - بالاشارة المعلومة المفهمة لان اشارة الاخرس تقوم مقام العبارة. فلو انطلق لسانه بعد اقراره بالاشارة ورجع عن الاقرار لم يعتبر رجوعه كما أنه لو لاعن زوجته بالاشارة ثم انطلق لشأنه وادعى أنه لم يلاعن لم يعتبر رجوعه - أما القادر على النطق فتصح منه الاشارة فاذا اقر الناطق بالاشارة الدالة على الاقرار صح اقراره ولزمه - ولم يذكروا حكم ما اذا كان الاخرس قادرا على الكتابة. وهى تعتبر منه الاشارة مع قدرته على الكتابه ولا تعتبر .. وان كان الحكم فى ذلك يؤخذ بطريق الأولى من اعتبار اشارة الناطق القادر على اللفظ ومن اعتبارهم الاقرار بالكتابة لانه اذا جاز للقادر على النطق أن يشير فيجوز للقادر على الكتابة ذلك من باب أولى لان الكتابة أضعف من اللفظ فاذا نابت الاشارة عن الاقوى فلان تنوب عن الاضعف من باب اولى
(2)
.
ثالثا - الكتابة:
فيصح الاقرار بالكتابة كما يصح بالعبارة ويؤخذ به المقر اذا كانت الكتابة فى صحيفة أو لوح أو خرقة أو نقش فى حجر سواء أشهد على نفسه بما كتب فى ذلك أو لم يشهد لان الكتابة قد أصبحت الوسيلة العامة للاثبات والتوثيق فى التصرفات والعقود. والطريق المعبر عن الثقة والباقى على الزمن رسميا وعرفيا .. أما اذا كتب على الارض فلا يصح الاقرار بها الا اذا اشهد على نفسه بذلك اذ لا أمان لمثل هذه الكتابة ولا بقاء لها. وان كتب على الماء أو فى الهواء فلا يصح الاقرار بذلك مطلقا. أشهد او لم يشهد لانها كلا كتابة اذ تذهب مع الريح والماء.
ولو كتب على الارض
(3)
أن لفلان عندى كذا. وقال: اشهدوا على بذلك لزمه. فان لم يشهد لم يلزمه .. واما لو كتب فى صحية أو لوح أو خرقة أو نقش فى حجر لزمه مطلقا أشهد أو لم يشهد. ولو كتب فى الماء أو فى الهواء فلا يلزمه مطلقا ولو أشهد حيث لم يصرح باقراره
رابعا - السكوت:
اختلف المالكية فى السكوت هل يعتبر اذنا بالشئ المسكوت عنه واقرار به على أساس الرضا والتسليم أو لا يعتبر كذلك؟ قولان: والاظهر أنه لا يعتبر اقرار.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 402، 403 - والحطاب والمواق ج 5 ص 234 وما بعدها.
(2)
الشرح الكبير ج 3 ص 399، وتبصرة الحكام لابن فرحون ج 3 ص 55.
(3)
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 402.
وأما اذا قال له
(1)
: لى عليك مائة فسكت.
فقد ذكروا الخلاف فى كون السكوت اقرارا أو ليس باقرار والأظهر أنه ليس باقرار.
اختلف فى السكوت
(2)
هل هو كالاقرار أم لا .. قال فى العتبية فى رسم العرية من سماع عيسى من كتاب التفليس:
مسألة وسئل عن رجل جاء قوما فى مجلس فقال: أنا اشهدكم أن لى على فلان كذا وكذا دينارا. وفلان هنا مع القوم فى المجلس فسكت ولم يقل. نعم ولا لا. ولم يسأله الشهود عن شئ. ثم جاء المشهد يطلب ذلك المبلغ قبل المشهد عليه الساكت فأنكر أن يكون عليه شئ .. قال: نعم ذلك لازم اذا سكت ولم يقل شيئا .. قال محمد بن رشد:
اختلف فى السكوت هل هو يعد اذنا فى الشئ واقرارا به على قولين مشهورين فى المذهب منصوص عليهما لابن القاسم فى غير ما وضع من كتابه. أحدهما أنه أذن والثانى أنه ليس باذن وهو قول ابى القاسم أيضا فى سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح. وفى سماع أصبغ من كتاب المدبر. واظهر القولين بأنه ليس باذن لأن فى قول النبى صلى الله عليه وسلم والبكر تستأذن وأذنها صماتها - دليلا على أن غير البكر بخلاف البكر فى الصمت. وقد أجمعوا على ذلك فى النكاح فوجب أن يقاس ما عداه عليه الا ما يعلم بمستقر العادة أن أحدا لا يسكت عليه الا برضا منه فلا يختلف فى أن السكوت عليه اقرار كالذى يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكره ثم ينكره بعد ذلك .. ولا شك أن هذا يجمع بين القولين فى اعتبار السكوت اقرارا وعدم اعتباره. ويتمشى مع القاعدة الفقهية التى تقول: أنه لا ينسب لساكت قوله .. وأن كانت لهذه القاعدة مستثنيات كثيرة اعتبر فيها السكوت بمثابة القول.
واولها ما قرره الحديث الشريف: البكر تستأذن واذنها صماتها.
شروط الاقرار:
شروط صحة الاقرار كثيرة بعضها يرجع الى المقر وبعضها يرجع الى المقر له. وبعضها يرجع الى المقر به. وبعضها يرجع الى صيغة الاقرار.
الشروط التى يجب تحققها فى المقر:
الشروط التى يجب تحققها فى المقر لكى يصح اقراره هى:
(1)
العقل. فلا يصح اقرار المجنون والصبى الذى لا يعقل لانعدام العقل الذى ينبنى على وجوده صحة التصرفات شرعا ومنها الاقرار.
(2)
البلوغ. فلا يصح اقرار الصبى المميز لانعدام أهلية الالتزام فيه. والاقرار التزام فحيث انعدمت الأهلية لا يصح منه. وأطلقوا القول بعدم صحة اقرار الصبى غير المكلف ولم يفرقوا بين ما اذا كان مأذونا له فى التجارة او غير مأذون له فلا يصح منه الاقرار مطلقا.
(3)
الحرية. فلو كان عبدا ينظر: ان كان مأذونا له فى التجارة ولو حكما كالمكاتب يصح اقراره بالمال ويؤخذ به فيما بيده من مال التجارة لا فى غلته ولا فى رقبته لكونهما لسيده. وما زاد من المال المقر به عن مال
(1)
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 403.
(2)
جاء فى مواهب الجليل للحطاب ج 5 ص 225.
التجارة الذى بيده ففى ذمته ويصح اقراره بالسرقة ويلزمه القطع ويدفع المال المسروق لصاحبه أن كان قائما أو قيمته ان أتلفه وكان له مال يدفع منه والا فلا شئ عليه .. ويصح اقراره بغير المال كالجراحات والقتل ونحو ذلك مما فيه القصاص والرجوع به فى البدن أو فى المال ويرجع بالمال فيما يستوجب المال فيما بيده من أموال التجارة. وان كان غير مأذون له فى التجارة فلا يصح اقراره بالمال مطلقا ولا يلزمه ويكون باطلا لا يترتب عليه أثر لانه محجور عليه بالنسبة للمال لانه لسيده ويصح اقراره بالسرقة بالنسبة لقطع اليد لا بالنسبة للمال. فلا يؤخذ ما أقر بسرقته منه بمجرد الاقرار ولو كان قائما بل حتى يثبته مدعيه بالبينة أو يقر به السيد. وأما القطع فيلزمه على كل حال سواء ثبتت السرقة باقراره أو بالبينة أو باقرار السيد. أما بالنسبة لغير المال كالجراحات والقتل عمدا مما يوجب القصاص ويستوجب الرجوع فى البدن دون المال فيصح اقراره فيه ويؤخذ به.
(4)
الرضا والاختيار: أى لا يكون مكرها على الاقرار. فلو كان مكرها لم يصح اقراره لانه غير مكلف شرعا وشرط الاقرار التكليف. ولقيام دليل الكذب فى الاقرار وهو صدوره بدون رضاه.
(5)
الصحو: فلا يصح الاقرار من السكران لفقدان الوعى والضبط. وأطلقوا ولم يفرقوا بين أن يكون قد سكر بمحظور كالذى يشرب المسكر المحرم دون حاجة ولا عذر أو سكر بغير محظور كالذى يشرب مكرها أو مضطرا للتداوى أو يسكر بغير محرم. لأنه وان كان مطلقا شرعا الا انه محجور عليه بالنسبة للمال ومن ثم قالوا: كما لا يصح اقراره لا تلزمه سائر عقوده من بيع واجارة وهبة وصدقة ووقف بخلاف جناياته فانها تلزمه ويؤخذ بها ويتحمل كل الآثار التى تترتب عليها.
(6)
ألا يكون محجورا عليه لسفه فلا يصح اقرار المحجور عليه للسفه لانه محجور بالنسبة للمال. فلو كان سفيها فى الواقع ولكنه أهل ولم يحجر عليه يصح اقراره عند الامام مالك رحمه الله تعالى لان المانع عنده هو الحجر لا السفه خلافا لابن القاسم لا يصح اقراره عنده لأن المانع عنده السفه لا الحجر والراجع قول الامام.
(7)
ألا يكون متهما فى اقراره - فلو كان متهما فى اقراره لا يصح الاقرار ولا ينفذ بل يكون باطلا لان التهمة تخل برجحان جانب الصدق على جانب الكذب فى الاقرار. ولان الاقرار فى معنى الشهادة على النفس والشهادة ترد بالتهمة اذا كان الشاهد متهما فيها بان كانت الشهادة تجر له نفعا أو تدفع عنه ضررا فلا تقبل. ومثال الاقرار الذى فيه تهمة اقرار المريض الذى يقر لوارث قريب مع وجود وارث له أبعد منه أو مساو له. فان الاقرار يكون باطلا للتهمة كما سيأتى بيانه فى اقرار المريض.
(8)
أن يكون معلوما فلو كان مجهولا لا يصح الاقرار لانه يحتاج الى القضاء عليه والزامه بمقتضى الاقرار. والقضاء على المجهول غير ممكن .. فلو قال احد من جماعة: لفلان على أحدنا ألف درهم لم يصح هذا لم يصح هذا الاقرار ولم يجب المال على واحد منهم لجهالة من يطلب منه المال على اليقين وعدم امكان القضاء عليه. ولا يجب البيان على
المتكلم اذ من الجائز ألا
(1)
يكون هو صاحب الاقرار الذى عليه المال.
شروط المقر له:
شروط صحة الاقرار التى يجب توافرها فى المقر له هى:
(1)
أن يكون موجودا وقت الاقرار على التحقيق فى واقع الأمر أو فى نظر الشرع وبمقتضى حكمه - فلو أقر لحمل بان قال:
فى ذمتى كذا لحمل فلانه ينظر. فان كان لفلانه هذه زوج أو سيد يمكن أن يطأها أو كما جرى التعبير مسترسل عليها - حين الاقرار - صح الاقرار ولزم المقر ما أقر به للحمل أن ولدته حيا لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار. للتأكد حينئذ من أنه كان موجودا حقيقة وفى واقع الامر وقت الاقرار.
وأن ولدته لستة أشهر من وقت الاقرار أو لأكثر من ذلك كان الاقرار باطلا لعدم تأكد وجوده وقت الاقرار لاحتمال انه حدث من ماء جديد بعد الاقرار والشرط وجوده على التأكيد حقيقة أو حكما وقت الاقرار .. وهذا كله اذا كان الحمل وقت الاقرار خفيا. فان كان ظاهرا وقته لزم الاقرار ولو اتت به لاكثر من ستة أشهر من وقت الاقرار لأن المشاهدة تؤكد وجوده وقت الاقرار فينتفى احتمال حدوثه من ماء جديد بعد هذا الوقت .. واما ان كانت أم الحمل ليس لها زوج ولا سيد مسترسل عليها وقت الاقرار. فان الاقرار يكون صحيحا ويلزم المقر ما أقر به اذا ولدته لاقصى مدة الحمل وهى أربع سنين أو لاقل من ذلك من يوم انقطاع الاسترسال عليها من الزوج أو السيد وانتفاء العلاقة المحتمل فيها الوط ء لان الشارع يحكم بثبوت نسب هذا الحمل فى هذه الحالة فكأن الحمل المقر له موجودا وقت الاقرار حكما بحكم الشارع .. فأن ولدته بعد اكثر مدة الحمل فى الحالة المذكورة كان الاقرار باطلا لعدم التأكد من وجوده وقت الاقرار لا حقيقة لاحتمال حدوثه من ماء جديد بعد الاقرار ولا حكما بحكم الشرع لأن الشرع لا يحكم بثبوت نسب الحمل فى تلك الحالة.
ثم اذا قيد الاقرار للحمل بسبب يصح بالنسبة للحمل بأن قال: فى ذمتى لحمل فلانه ألف درهم وصية أوصى له بها. أو ميراثا تركه له ابوه عندى. صح الاقرار ولزم المقر ما اقر به للحمل ووجب تسليمه الى من له حق أن يتسلم عنه .. واذا قيده بما لا يصح بأن قال: لهذا الحمل عندى مائة دينار من معاملة عاملنى بها لم يصح الاقرار للكذب فيه اد لا يتأتى من الحمل أن يعامله .. وقال ابن سحنون يصح. ويحمل قوله. من معاملة عاملنى بها. على أنه ندم ورجوع عن الاقرار لا يقبل منه - واذا اطلق ولم يذكر سببا مطلقا ففيه قولان يصح او لا يصح.
(2)
أن يكون من أهل التملك والاستحقاق ولو باعتبار المال كالحمل فانه يكون أهلا للتملك والاستحقاق بعد الولادة حيا او باعتبار ما يتعلق به من اصلاح لبقاء عينه أو للاستحقاق فيه كالمسجد والوقف ..
فأن المسجد قابل لملك المقر به باعتبار ما يتعلق
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 397 وما بعدها ومواهب الجليل للحطاب - وما التاج والاكليل للمواق ج 5 ص 216 وما بعدها.
به من الاصلاح لأجل بقاء عينه. والوقف قابل للملك باعتبار ما يتعلق به من الاصلاح لأجل أخذ المستحقين فيه الغلة أو لأجل سكناهم فيه فيصح الاقرار لهما - فلو يكن المقر له أهلا للتملك والاستحقاق كالدابة أو الحجر لا يصح الاقرار له ويكون باطلا.
(3)
ألا يكذب المقر فى اقراره له ..
بل يصدقه فيه. وانما اشترط تصديق المقر له للمقر فى اقراره لأنه لا يدخل مال الغير فى ملك احد جبرا عنه الا فى الميراث. فان كذب المقر فى اقراره تحقيقا نحو أن يقول المقر: لك على الف درهم فيقول المقر له ردا على ذلك:
ليس لى عليك شئ .. أو كذبه احتمالا نحو ان يقول ردا على هذا القول من المقر: لا علم لى بذلك لم يصح الاقرار وصار باطلا ولا يلزم المقر بشئ مما أقر به. ان استمر المقر له على موقفه من تكذيب المقر من الاقرار - أما أن رجع عن التكذيب وصدق المقر فى اقراره فى حالة التكذيب تحقيقا فأنكر المقر عقب تصديق المقر له فهل يصح اقراره أو يبطل. قولان.
الثانى منهما وهو القول بالبطلان هو الذى فى النوادر وعليه اقتصر ابن الحاجب والاول وهو القول بالصحة هو الذى عزاه ابن رشد للمدونة واما أن رجع المقر له الى تصديق المقر فى حالة التكذيب احتمالا فأنكر المقر عقب تصديق المقر له صح الاقرار ولا عبرة بانكار المقر بعد ذلك. وأولى اذا لم يحصل من المقر انكار بعد تصديق المقر له.
واطلق ولم يفصل
(1)
بين ما اذا أعاد المقر اقراره أو لم يعده.
ونص فى النوادر
(2)
أن من أقر أن لفلان عليه ألف درهم فقال مالى عليك شئ فقد برئ بذلك. فان أعاد المقر الاقرار بالالف فقال الآخر: أجل هى لى عليك أخذته بها: قال سحنون: اذا قال: لك على ألف درهم فقال الآخر: مالى عليك شئ ثم رجع فقال هى لى عليك فأنكر المقر يلزمه اليمين ولا ينفعه انكاره .. وان قال: هذه الجارية غصبتها من فلان فقال فلان: ليست لى لم يلزم المقر بشئ. فان أعاد الاقرار فادعاها الطالب رفعت اليه .. ولو قال: هذا العبد لك فقال الآخر هو ليس لى ثم قال هو لى قبل أن يعيد المقر الاقرار لم يكن له العبد ولم تقبل بينته عليه ان اقامها لانه برئ منه فقد فرق بين حالة اعادة الاقرار من المقر وعدم اعادته كما ترى.
شروط المقر به:
(1)
ألا يكون غير جائز عقلا ولا شرعا فان كان غير جائز عقلا أو شرعا بأن كان الشرع يعده باطلا لم يصح الاقرار به ولم يعامل المقر بمقتضاه ولا يلزمه شئ مما أقر به مثال الاقرار بغير الجائز عقلا أن يقر بأن فلانا أقرضه مائة جنيه فى اليوم الفلانى وقد مات فلان هذا قبل اليوم المذكور .. أو يقر بأن عليه لفلان خمسمائة دينار أرش يده التى قطعها
…
ويداه صحيحتان لا قطع فيهما .. أو يقر لشخص بأن عليه ألف دينار دية ابيه الذى قتله المقر خطأ. وأبوه فلان المذكور لا يزال على قيد الحياة لم يقتل ولم يمت وهكذا من كل اقرار بحق مترتب على سبب غير ممكن
(1)
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 3 ص 398.
(2)
جاء فى مواهب الجليل للحطاب ج 5 ص 218.
عقلا لوجود ضده فان الاقرار به يكون باطلا وغير معتبر شرعا ولا يلزم المقر ما أقر به.
ومثال الاقرار بغير الجائز شرعا. ما اذا قال المقر للمقر له: لك على ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير أو ميته أو حر لم يصح الاقرار وكان باطلا لأن الشرع يحرم بيع الاشياء المذكورة ويعتبره باطلا ولا يجوز قبض الثمن فيه. فلا يصح الاقرار بهذا الثمن شرعا.
وهذا اذا صادق المقر له على أن الالف المقر بها من ثمن خمر او خنزير او شئ مما ذكر وكان مسلما
(1)
.
(2)
أن يكون مما يتمول به عادة ويعد مالا فى عرف الناس ويجرى فيه التمانع بينهم ولو كان قيراطا، وحبة مما يوزن من الذهب والفضة أو كان نصف درهم من النقود. فلو أقر بشئ لا يتحول ولا يعتبر مالا فى عرف الناس ولا يجرى فيه التمانع بينهم كحبة حنطة وحفنة من تراب فانه لا يصح الاقرار به ولا يلزم المقر فيه بشئ.
قال ابن سحنون
(2)
: أن قال له على مال فهو مصدق فيما يقوله مع يمينه. قال ابن عرفه واختاره الابهرى وعزاه فى المدونة بعض أصحابنا ولو فسره بقيراط أو حبة كشئ وحق كذا. من قوله: له على شئ أو حق أو كذا فهو فى غاية الاجمال لان لفظ شئ يصدق على ما لا يحصى من الاجناس والمقادير فيجب على المقر تفسيره بما يصلح له .. ابن شماس يقبل تفسيره بأقل ما يتمول لأنه محتمل لكل ما ينطلق عليه مما يتمول. المازرى. فان امتنع من التفسير سجن حتى يفسر. وقوله له عندى كذا كقوله. له عندى شئ أو له عندى حق فيقبل منه ما يصدق عليه أحد الالفاظ الثلاثة.
شروط صيغة الاقرار:
الشروط التى يجب تتبعها فى صيغة الاقرار لصحة الاقرار هى:
(1)
أن تكون منجزة لا معلقة على شرط فلو كانت معلقة على شرط لم يصح الاقرار فلو قال المقر: لفلان عندى ألف درهم أن استحل ذلك أو أن أعارنى دابته أو حلف عليه اذ أشهد به فلان لا يصح الاقرار فى ذلك كله ولا يلزم المقر شئ مما أقر به ولو حصل المعلق عليه بالفعل. وفى مسألة الحلف أن بدأ المقر له وقال للمقر لى عليك ألف درهم فاعطنى اياها فقال له المقر: ان حلفت عليها دفعتها لك أو قال له احلف وخذ. فانه يصح ويلزمه ولو حلف المقر له يلزمه الالف وليس له الرجوع ولو قبل الحلف. أما لو بدأ المقر بقوله للمقر له احلف على كذا وخذه من غير سبق طلب من المقر له فانه يكون للمقر الرجوع ولا يلزمه شئ لو حلف المقر له لعدم سبق الطلب. واذا قال المقر: لفلان على الف درهم أن حكم بها فلان وتحاكما الى فلان. هذا وحكم يصح الاقرار ويلزم المقر الالف المقر بها.
بشرط أن يكون الحكم موافقا للشرع بأن يكون ببينة أو بشاهد ويمين أو اقرار.
وان قال المقر على أو فى ذمتى ألف درهم لفلان ان شاء الله أو اراد أو قضى أو يسر ونحو ذلك صح الاقرار ولزمه ما أقر به لانه أقر علنا أن الله قد شاء وقضى وأراد
(1)
المواق ج 5 ص 226 - والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 3 ص 403.
(2)
التاج والاكليل للمواق ج 5 ص 228.
ويسر. ولان هذا استثناء لغة وهو لا يفيد فى غير اليمين بالله. وقال ابن المواز ان هذا الاقرار لا يصح ولا يلزم المقر فيه شئ.
وان قال المقر: على أو فى ذمنى أو عندى لفلان الف درهم ان شاء فلان فانه لا يصح الاقرار ولا يلزمه شئ وان شاء فلان هذا بان قال: شئت ذلك. لانه تعليق على شئ على نظر الوجود يكون او لا يكون. وقد يقول المقر ظننت أنه لا يشاء
(1)
.
(2)
أن تكون مقيدة بثبوت الحق المقر به على سبيل الجزم واليقين كقوله: على أو فى ذمتى أو عندى. أو أخذت كذا لفلان فان كانت مشتملة على ما يفيد الشك فلا يصح الاقرار ولا يلزم المقر بشئ فيه كقوله: لفلان على ألف درهم فيما أشك أو فى شكى أو فيما اتوهم أو فى وهمى ونحو ذلك .. وأن قال فيما اظن أو فى ظنى. فيه قولان يصح أو لا يصح .. أن قال فى علمى أو فيما أعلم قيل انه على الخلاف فيه القولان لانه يدل على المتردد لغة. وقيل لا خلاف فى أنه يكون صحيحا لان العلم يفيد القطع واليقين والعبرة بغرض المتكلم لا بأوضاع اللغة
(2)
.
والاقرار كما تقدم يكون باللفظ صراحة أو دلالة وبالاشارة والكتابة والسكوت ويبدو أن هذا فى غير الحدود أما فيها فلابد من اللفظ الصريح لما فى غيره من الشبهة.
وهى تندرئ بالشبهات كما جاء فى الحديث ادرءوا الحدود بالشبهات.
اصول الاقرار:
وللاقرار أصول وأحكام يندرج تحت كل أصل منها المسائل والفروع التى يجمعها حكم هذا الاصل وطبق عليها. على نحو ما يأتى:
أولا:
يصح الاقرار بالمعلوم والمجهول
.
أما بالمعلوم فظاهر وهو الغالب الذى تبنى عليه أكثر الاحكام فى الاقارير كأن يقول على أو فى ذمتى أو عندى لفلان ألف درهم أو أخذت منه أو أقترضت أو غصبت ألف درهم ونحو ذلك مما يحدد فيه المقر به فى جنسه ونوعه وقدره.
وأما بالمجهول فلان الانسان قد يلزمه الحق مجهولا بأن يتلف شيئا لغيره لا يدرى قيمته أو يجرح الغير جراحة لا يعلم مقدار أرشها او يغتصب مالا فى كيس لا يدرى قدره وهكذا من أمثال هذه الحقوق المجهولة التى يترتب عزومها عليه وهى على هذا النحو من الجهالة. فلو لم يصح الاقرار بها مع الجهالة لضاعت هذه الحقوق وحقوق كثيرة مماثلة.
فاحياء لها ولا مثالها أجيز الاقرار بالمجهول.
فلو قال: لفلان عندى شئ أو حق أو له على كذا صح اقراره ولزمه وبما أنه لا يمكن القضاء بالمجهول وكان التجهيل من جانب المقر فيلزمه التفسير وان امتنع عن التفسير يسجن ولا يخرج من السجن حتى يقر ولا بد أن يفسر بشئ مما يتمول عادة ويجرى فيه التمانع والرغبة بين الناس وأن فسر بشئ لا قيمة له ولا يتموله الناس عادة كحبة حنطة أو حفنة من تراب لا يقبل منه. وان فسر بما له قيمة فان صدقه المقر له فبها وأن لم يصدقه وادعى اكثر مما ذكر حلف المقر على التفسير. وان نكل
(1)
الشرح الكبير ج 3 ص 402، 409 وما بعدها: والمواق ج 5 ص 224، 230.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 403 والمواق ج 5 ص 225.
عن الحلف حلف المقر له واستحق ما حلف عليه.
وان قال المقر: لفلان على مال. سواء قال عظيم أولا - يلزمه نصاب زكاة من مال المقر من ذهب او فضة او غيرها ولا ينظر لما أهل المقر له. فان كان المقر من أهل الذهب لزمه نصاب من الذهب. وان كان من اهل الفضة لزمه نصاب منها. وان كان من أهل الماشية لزمه نصاب منها. وان كان من أهل الحب لزمه نصاب منه فلو كان عنده الذهب والفضة والابل والبقر والغنم والحب أو بثلاثة من ذلك مثلا لزمه أقل الأنصباء قيمة لأن الأصل براءة الذمة فلا تلزم بمشكوك فيه.
ولذا لو قال: على نصاب لزمه نصاب السرقة لأنه المحقق: الا أن يجرى العرف بنصاب الزكاة فيلزمه حينئذ .. وانما لزمه فى الاقرار بمال نصاب زكاة ولم يلزمه نصاب سرقة لأن الله تعالى اطلق المال على نصاب الزكاة. فقال (خذ من أموالهم صدقة) فعنى بالاموال النصابات. والقول بلزوم نصاب الزكاة هو المعتمد. وقيل يلزم بنصاب السرقة وهو ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما يساوى ذلك من العروض .. وقيل أن الأحسن أن يرجع الى تفسيره لهذا المال المقر به. ويقبل تفسيره.
ولو بقيراط أو حبة أو درهم. والمعتمد أنه يجب نصاب زكاة مما عنده من أموال الزكاة على حسب ما تقدم.
ثانيا:
اذا أقر بدين منجم
بأن قال: لفلان على عشرة دنانير منجمة على عشرة أشهر أعطيه كل شهر دينارا او بدين مؤجل الى اجل. فان صدقه المقر له فى التنجيم والأجل لزمه كما أقر به وأن خالفه وقال هو حال. فان كان الدين من بيع او معاوضة ينظر. فان كان العرف والعادة جارية بالتأجيل لمثل هذا الأحل كان القول قول المقر بيمينه. وان كانت العادة عدم التأجيل أصلا كان القول قول المقر له بيمينه .. وان لم يكن هناك عرف بشئ.
فأن أدعى المقر أجلا قريبا يشبه أن تباع السلعة لمثله كان القول قوله بيمينه. وأن ادعى أجلا بعيدا مستنكرا فانه لا يصدق ويكون القول قول المقر له بيمينه .. وهذا كله اذا كانت السلعة قد فاتت ولم تكن قائمة. فان كانت قائمة تحالفا وتفاسخا ولا ينظر لشبه ولا لعدمه - هذا اذا كان الدين المقر به من بيع ومعاوضة فان كان قد أقر بدين منجم أو مؤجل من قرض فان صدقه المقر له لزمه الدين كما أقر به. وان خالفه وقال هو حال. فالقول قول المقر له فى أنه حال لان الاصل فى القروض الحلول فلا يؤخذ بقول المقر أنه مؤجل ولو ادعى أجلا قريبا. وهذا اذا لم يكن هناك عرف جار بشئ معين والا فيعمل به وقيل لا فرق بين البيع والقرض فى قبول أجل المثل فى كل منهما بل ان قبول القول بالاجل فى القرض أقرب وأحرى من قبوله فى المعاوضة لان الغالب فى المعاوضة الحلول وفى القرض التأجيل وجزم به ابن عرفه: وقال الحطاب: ما قاله ابن عرفه صحيح لا شك فيه. ولكن الرأى الاول هو ما فى المدونة. وما قاله ابن عرفه مجرد بحث.
ثالثا:
اذا اقر بشئ مؤلف من اجزاء
ويصدق اسمه على مجموع الاجزاء كالخاتم يصدق على الفص والحلقة - والجبة تصدق على القماش والبطانة - والباب يصدق على الخشب
والمسمار - وقال عن جزء منه هو لى بان قال لفلان عندى خاتم فصه لى او جبة بطانتها لى او باب مسماره لى. ينظر ان قال ذلك نسقا او متتابعا فى قول واحد على النحو المذكور فى الامثلة صدق وقبل منه الاقرار ولزمه ما ذكر به فقط ويفى ما أسنده لنفسه. وان لم يقبل ذلك فى عبارة الاقرار نسقا أى متصلا بل فصل.
بأن قال: لفلان عندى خاتم وبعد مهلة قال:
فصه لى. فانه لا يصدق فى أن الفص له ويأخذ المقر له الخاتم بفصه .. واذا أقر بغصب هذا الشئ وتابع التعبير بأن قال: غصبت من فلان هذا الخاتم وفصه لى. ففى تصديقه وقبول ذلك منه قولان الراجح منهما والذى نص عليه فى المدونة أنه يقبل منه فلا يستحق المقر له فى هذه الحالة الا حلقة الخاتم دون الفص.
ومثل هذا ما اذا أقر بظرف وفيه شئ بأن أقر لفلان بصندوق معين بالاشارة أو بالوصف وفيه شئ هل يكون للمقر له ما فى الصندوق أو لا؟ قولان وعلى الاول لو قال فى عبارة الاقرار. وما فيه لى هل يصدق أو لا. ينظر أن قالها نسقا مع العبارة وبدون فصل صدق وأن فصل لا يصدق.
رابعا:
اذا أقر بمظروف فى ظرف
كقوله: له عندى ثوب فى صندوق أو زيت فى جرة أو دابة فى اسطبل. لزمه المظروف بالاتفاق فى جميع هذه الاحوال. أما الظرف فان كان مما يثقل كالصندوق والجرة ففى لزومه بالاقرار قولان سواء كان المظروف فيه يستغل بدونه كالثوب فى الصندوق أو لا يستغل بدونه كالزيت فى الجرة. وقال بعض: اذا كان المظروف لا يستغل بدون الظرف كالزيت فى الجرة يلزمه الظرف بالاتفاق. ولكن الراجح أن فيه القولين .. أما اذا كان الظرف لا ينقل كالاسطبل فلا يلزم بالاقرار اتفاقا.
خامسا:
اذا أقر بعدد مجمل
كألف أو مائة ولم يفسر وعطف عليه معلوما يصلح أن يفسر العدد بجنسه كقوله. له على الف درهم. لا يعتبر المعطوف مفسرا للمعطوف عليه بل يقبل من المقر تفسير الالف بما يشاء من قليل أو كثير بعد أن يكون متمولا وللمقر له تحليفه على ما فسر به أن اتهمه أو خالفه .. وأما أن عطف على العدد المبهم مجهولا كشئ مثلا بأن قال: له عندى مائة وشئ يسقط هذا المعطوف ولا يعتبر ويقبل منه تفسير المائة بما يشاء على النحو المذكور.
سادسا:
اذا قال: لفلان حق او شئ او قدر من
هذه الدار
او فى هذه الدار أو قال: لفلان حق او شئ أو قدر من هذه الارض او فى هذه الأرض. ثم فسر المقر به بشئ مما يكون فى الدار أو فى الأرض كالجزع والباب مثلا فلا يقبل منه ذلك التفسير. ولا بد من تفسيره بجزء من الدار أو الأرض كالربع أو الثمن أو النصف. لا فرق فى ذلك بين التعبير بمن والتعبير بفى وقال ابن عبد الحكم يقبل التفسير المذكور اذا عبر بفى لأنها للظرفيه وما فسر به مما يجعل فى الدار أو فى الارض وتكون الدار والأرض ظرفا له فهو يتمشى مع الظرف والظرفية اما اذا عبر بمن فلا يقبل منه هذا التفسير ويجب أن يفسر بجزء من نفس الدار أو الأرض لأن من للتبعيض.
سابعا:
اذا عبر عن المقر به بلفظ مجهول
وذكر بعده تمييزا:
ينظر. ان كان يعرف العربية استخدمت قواعد النحو فى تفسير المقر به وتحديده. وان لم يكن يعلم قواعد العربية قبل منه التفسير والتحديد بما يشاء من قليل أو كثير بعد أن يكون المفسر به مما يتمول: فلو قال له على كذا درهم بالنصب وهو يعرف قواعد النحو لزمه عشرون لأن العدد غير المركب من عشرين الى تسعين انما يميز بالواحد المنصوب فيلزمه اقل قدر من ذلك وهو المتحقق وهو عشرون ويلغى المشكوك فيه لان الاصل براءة الذمة ولكن يحلف اليمين ان ادعى المقر له اكثر من العشرين - وان رفع لفظ - درهم - أو سكنه لزمه درهم واحد لانه المحقق اذ مقتضى القواعد النحوية ان يكون بدلا أو بيانا للفظ كذا. أو خبر لمبتدأ محذوف وان خفض لفظ درهم بالاضافة الى لفظ - كذا - لزمه مائة لأن كذا كناية عن عدد وأقل عدد يميز بالمفرد المجرور المائة. وان جمع لفظ درهم فقال كذا دراهم - لزمه ثلاثة لأنه أقل عدد يميز بالجمع مجرورا .. ولزمه فى كذا وكذا أحد وعشرون لان المعطوف فى العدد من احدى وعشرين الى تسعة وتسعين فيلزمه المحقق وهو مبدؤها وفى كذا كذا بلا عطف أحد عشر ان نصب التمييز فقال - درهما - لانه المحقق اذ العدد المركب من احدى عشر الى تسعة عشر وتمييزه بالمفرد المنصوب فيلغى المشكوك ..
ولو جر التمييز لزمه ثلاث مائه .. وان لم يكن المقر ممن يعرف قواعد النحو طلب منه التفسير لان العرف ليس جاريا على مقتضى اللغة الفصحى. ولذا قال سحنون: لا اعرف هذا بل يقبل تفسيره .. والتفسير يجرى على عرف الاستعمال. وان خالف مقتضى اللغة. والقاعدة انه: ان وافق العرف اللغة فذاك. وان تخالفا فان فسر المقر كلامه بما يوافق العرف قبل منه والا لم يقبل.
ثامنا:
وان اقر بجنس له انواع مختلفة
متفاوته لزمه المتعارف منه
وان كان اقل. فلو قال: له على درهم. لزمه المتعارف بين الناس من الدراهم ولو كان نحاسا كما فى عرف مصر فان المتعارف فيها ان الدراهم اسم للجدد النحاس والمتعارف فى الشام ان الدراهم من الفضة - وان لم يكن هناك تعارف على شئ فأختلفوا فقيل يلزمه الشرعى منه. وهو من الفضة وزن خمسين وخمسى حبة شعير متوسطة. وقيل يرجع الى المقر فى التفسير بما يريد مع يمينه ان خالفه المقر له وادعى اكثر مما فسر به.
وان وصف المقر به بأقل من المتعارف بأن قال له على درهم مغشوش أو ناقص. فان وصل الكلام ولم يفصله مختارا. قبل اقراره ولزمه ما أقر به. وان فصل مختارا بفاصل معناه كسلام او سكوت لا يقبل منه ويلزمه درهم كامل غير مغشوش.
وان كرر المقر به لزمه ما تدل عليه العبارة الا ان يجرى العرف بغير ما تدل عليه فيتبع العرف. فلو قال: درهم مع درهم او درهم تحته درهم أو فوقه درهم أو عليه درهم او قبله درهم او بعده درهم - أو درهم فدرهم أو ثم درهم - لزمه درهمان فى كل ذلك مالم يجرى عرف بخلافه - كأن يجرى بأن قوله له على درهم تحت درهم معناه درهم فى مقابلة
درهم أخذته منه والا كان اللازم درهما واحدا طبقا للعرف.
الكلام على الاستدراك:
الاستدراك اما أن يكون فى المقر له أو يكون فى المقر به - فان كان فى المقر له بان قال المقر هذه الألف لفلان لا بل لفلان أو قال: لفلان على الف درهم. لا بل لفلان أو قال: هذا الشئ غصبته من فلان. لا بل من فلان. ينظر. فان كان قد ذكر سببا للضمان كما فى مثال الغصب الاخير. فانه يقضى بالمقر به للمقر له الاول ويقضى للثانى بقيمته ان كان قيميا وبمثله ان كان مثليا. وتعتبر القيمة يوم الغصب ان علم والا ليوم الاقرار ولا يمين على أحد من المقر لهما الاول والثانى عند ابن القاسم وقال عيسى ان ادعاه الثانى فله تحليف الاول. فان حلف قضى به للاول وبقيمته للثانى أو بمثله. وان نكل الاول حلف الثانى واخذ المقر به ولا شئ للاول على المقر وان نكل الثانى فلا شئ له من القيمة لانه لما ادعى ان له عين المقر به فقد سلم أن لا شئ له فى قيمته - ويكون المقر به فى هذه الحالة شركة بين المقر لهما لتساويهما فى النكول.
ولكن ان يكون للمقر له الأول خاصة لان نكول المقر له الثانى تصديق للاول الذى بدئ به فى التحليف.
ويظهر ان هذا هو الحكم ايضا فيما اذا لم يذكر سببا اصلا كما فى المثالين الاول والثانى لأنهم لم يفرقوا بين ما اذا ذكر سببا او لم يذكر. وان كان المثال مثالا لما ذكر فيه السبب ويعتبر القيمة فى هذه الحالة يوم الاقرار.
واما اذا كان الاستدراك فى المقر به فينظر ان كان الاضراب الى اكثر يسقط الاول ويلزمه الثانى فلو قال: له على درهم بل دينار سقط الدرهم ولزمه الدينار سواء وصل كلام الاستدراك بما قبله او فصل بينهما بفاصل اضطرارى او عادى لان بل لنقل الحكم من الاول الى الثانى ولا للتأكيد عند جمهور النحاة وعند غيرهم. لا لنفى ما قبلها وبل لاثبات ما بعدها. واذا استدرك لأقل بان قال:
لفلان على دينار لا بل درهم. فان واصل بين الكلام الاول والاستدراك ولم يفصل بينهما بفاصل معتاد مختارا سقط عنه الأول ولزمه الثانى. وان لم يواصل بينهما وفصل بفاصل معتاد لا يسقط عنه الاول ويلزمه المالان المقر بهما الاول والثانى - وان استدرك لمساو بأن قال: له على دينار لا بل دينار.
فقيل يلزمه احد المالين فقط لحمل الصيغة على شبه التكرار اللفظى لعدم وجود حقيقة الاستدراك فيهما .. وقيل يلزمه المالان الأول والثانى فيلزمه فى المقال المذكور درهمان لان بل فى هذه الحالة تكون كالفاء والواو لمجرد العطف لا نقل الحكم
(1)
.
ولو ردد المقر فى اقراره بين شيئين بحرف الشك. كذا او كذا. كان للمقر له الاول وحلف على انه ليس للمقر له الثانى. فلو قال:
لفلان عندى هذه الشاة او هذه الناقة أو عكس فقال هذه الناقة أو هذه الشاة. كان للمقر له الاول مما أقر به. وحلف على الثانى انه ليس له - وان أقر باحد شيئين من جنس واحد بان قال: لفلان عندى أحد هذين الثوبين او
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 3 ص 407، 410.
أحد هذين العبدين .. عين المقر أحد الثوبين أو أحد العبدين للمقر له. فان عين له الادنى فان لم يتهمه المقر له فى التعيين ورضى بما عينه له اخذه .. وان اتهمه وطلب يمينه فان حلف المقر فلا شئ للمقر له سوى ما عينه. وان نكل المقر عن الحلف حلف المقر له واخذ الاعلى من الثوبين او العبدين. وبقى الادنى منهما للمقر. وان نكل المقر له عن الحلف فينبغى أن يشتركا فى الثوبين او العبدين مناصفة - فان لم يعين المقر للمقر له احد الثوبين أو احد العبدين بان قال: لا ادرى اى الثوبين او اى العبدين له وان كنت اعلم ان له احدهما - قيل للمقر له - عين أنت احد الثوبين او العبدين وخذه فان عين ادناهما اخذه بلا يمين. وان عين اجودهما حلف للتهمة واخذه. وان قال: لا ادرى ايهما لى حلفا معا على نفى العلم بان يقول كل منهما والله لا اعلم اى الثوبين او اى العبدين للمقر له. واشتركا فيهما بالنصف - هذا اذا قال كل منهما - لا أدرى اى الثوبين او اى العبدين يستحقه المقر له. اما اذا كان المقر يعلم ايهما للمقر له ولكن امتنع من التعيين فانه يحبس حتى يبين او يموت واما اذا كان الممتنع هو المقر له مع علمه. فانه لا يحبس ولكن يعطى الأدنى
(1)
.
تكرار الاقرار:
تكرار الاقرار ان كان كتابة بان كتب المقر وثيقة بخطه او امر بكتابة وثيقة بخط آخر غيره. أن لفلان عندى مائة دينار واشهد على ما فى هذه الوثيقة شاهدين .. ثم كتب او امر بكتابة وثيقة اخرى بان لفلان المذكور فى الوثيقة الأولى عنده مائة دينارا واشهد على الوثيقة الثانية شاهدين هما نفس شاهدى الوثيقة الأولى او غيرهما. ولم يبين فى الوثيقة سبب الدين على الوجه المذكور او بينه وكان متحدا فيهما بان قال مائة دينار من ثمن بيع او من قرض مثلا - فقد حصل خلاف فيما يلزم به المقر من الوثيقتين والمعتمد فى المذهب انه يلزمه ما فى الوثيقتين سواء اتحد قدر الدين فيهما كما ذكر فى المثال او اختلف بان كانت احدى الوثيقتين بمائة والأخرى بمائتين متى كان السبب متحدا كما ذكره ومن باب أولى اذا اختلف السبب بأن ذكر فى احدى الوثيقتين ان الدين من بيع وذكر فى الثانية انه من قرض.
وان كان تكرار الاقرار بان اقر المقر بلسانه بمائة دينار فى مجلس ولم يكتب باقراره وثيقة ولم يأمر بكتابة وثيقة به ثم اقر فى مجلس آخر بمائة دينار او باكثر من مائة ولم يكتب بهذا الاقرار ايضا وثيقة ولم يأمر بكتابة وثيقة به. وفى هذه الحالة قد يقتصر الامر على هذا القدر من الوقائع. وقد يأتى المقر له بعد هذين الاقرارين الشفهيين من المقر فيكتب بكل منهما وثيقة. ويقول للحاضرين فى مجلس اقرار المقر: اكتبوا شهادتكم فى هذه الوثيقة على ما سمعتم من المقر - والحكم فى الاقرار المجرد من كتابة المقر او الصاحب فكتابة المقر له اذا تعدد الاقرار كما فى الحالة المذكورة بشقيها - انه اذا كان المقر به اولا وثانيا متحد القدر كمائة ومائة - لزم المقر باقى احد الاقرارين فقط دون ما فى الاقرار الاخر. وان كان المقر به فى الاقرارين مختلف القدر كمائة
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 410.
ومائتين فقد اختلف علماء المذهب فيما يلزم المقر من ذلك. والمعتمد انه يلزمه اكثر المالين
(1)
.
تعقيب الاقرار بما يرفعه:
قد يعقب المقر على اقراره بما يرفعه.
ويختلف الحكم فى هذا التعقيب من حيث تأثيره على الاقرار باختلاف صوره. فلو قال:
لفلان على الف درهم من ثمن خمر او خنزير او ميتة او حر مما لا يصح بيعه. فان صدقه المقر له فى قوله من ثمن خمر مثلا فلا يصح الاقرار ولا يلزم المقر شئ اذا كان المقر له مسلما. اما اذا كان ذميا كان له قيمة الخمر وان لم يصدقه وانكر انه من ثمن خمر بل قال انه من ثمن عبد او دار يحلف المقر له انها ليست من ثمن خمر فان حلف صح الاقرار ولزمت الالف المقر بها المقر لانه لما اقر بالألف شغلت ذمته بها فتلزمه فبعد قوله بعد ذلك - من ثمن خمر ندما على الاقرار ورجوعا عنه فلا يقبل منه. وان نكل المقر له عن الحلف وكان مسلما لم يصح الاقرار ولم يلزم المقر بشئ وان كان ذميا كان له قيمة الخمر لا الألف ولو قال: لفلان على الف من ثمن عبد اشتريته منه ولكنى لم اقبضه. وقال المقر له: بل قبضته يصح الاقرار ويلزم المقر ما اقر به. ويعد قوله ولم اقبضه ندما ورجوعا عن الاقرار. ولو قال: لفلان على الف درهم هى من ربا. وانكر المقر له كونها من ربا وقال:
هى من بيع فاقام المقر بينة على ان المقر له عامله بالربا فى الف صح اقراره ولزمت الالف التى اقر بها ولا تتبعه البينة التى اقامها على المعاملة الربوية بينهما لاحتمال ان الالف كانت نتيجة معاملة اخرى غير المعاملة الربوية والبينة لا تبين المال بالذات ..
واما ان اقام المقر البينة على ان المقر له اقر بانه لم تجر بينه وبين المقر معاملات مالية سوى معاملة الربا. فلا يلزمه من الاقرار الا مقدار رأس المال الذى تعاملا به. اما ما زاد على رأس المال فلا يلزمه. ولو قال: للمقر له: غصبتك الف دينار وانا صبى لزمه الالف بالاتفاق لان الصبى يلزمه ما افسده واتلفه. وان قال: اقررت لك بالف وانا صبى ان قاله نسقا اى متتابعا بدون فصل لا يلزمه الالف على الاصح حيث لم يقم المقر له البينة على انه كان بالغا - فلو قال: اقررت بالف ولم ادر أكنت صبيا ام بالغا لم يلزمه حتى بين انه بالغ لان الاصل عدم البلوغ بخلاف مالو قال: لا أدرى أكنت عاقلا ام لا حيث يلزمه لان الاصل العقل حتى يثبت انتفاؤه. وكذلك يصدق لو قال: اقررت لك بالف وانا ذاهب العقل من برشام - نوع من الجنون - ان علم انه سبقت اصابته به.
ولو قال: اقررت لك بكتاب اعتذارا لمن سألنى اعارته او شراءه قال ابن القاسم عن مالك: وان سئل كراء منزله فقال هو لابنتى ثم مات فلا شئ لها بهذا وان كانت صغيرة فى حجره لانه قد يعتذر قبل هذا القول لمن يريد منعه. وسمع اشهب ابن نافع لو سأله ابن عمه ان يسكنه منزلا فقال: هو لزوجتى. ثم قال لثان وثالث ثم قامت امرأته بذلك. فقال: انما قلته اعتذارا لنمنعه فلا شئ لها بهذا. وقد يقول الرجل للسلطان فى الامة: ولدت منى. وفى العبد: هو مدبر لئلا يأخذهما منه فلا يلزمه الاشهاد فيه - واذن
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 408.
فلا يلزمه الاقرار الا ببينة تشهد له بان الاقرار حقيقى ليس على سبيل الاعتذار لآخر.
ولو أقر بقرض سابق على سبيل الشكر وذكر انه قضاه لم يلزمه شئ ذكر فى المدونة:
أقر أنه كان تسلف من فلان الميت مالا وقضاه اياه. فان كان عن زمن لم يطل غرم. وان طال زمن ذلك حلف وبرئ الا أن يذكر ذلك بمعنى الشكر فيقول: جزى الله عنى فلانا خيرا. أسلفنى وقضيته فلا يلزمه قرب الزمان أو بعد
(1)
.
اقرار الصحيح:
جاء فى الشرح الكبير فى الكلام على اقرار المريض - ومفهوم مريض أن الصحيح يلزمه الاقرار بلا قيد. وعلق فى حاشية الدسوقى على ذلك بقوله: أى سواء أقر لوارث بعينه أو قريب أو لملاطف أو لمجهول حاله أو لقريب غير وارث أو لأجنبى غير ملاطف سواء قام المقر له فى الصحة أو فى المرض أو بعد الموت لما مر من أن الاتهام انما يعتبر فى اقرار المريض. ولقول ابن عبد البر فى الكافى: وكل من أقر لوارث أو لغير وارث فى صحته بشئ من المال أو الدين أو البراءة أو قبض اثمان المبيعات فاقراره عليه جائز لا تلحقه فيه تهمة ولا يظن فيه توليج أى ادخال شئ بالكذب والأجنبى والوارث فى ذلك سواء وكذا القريب والبعيد والعدو والصديق فى الاقرار فى الصحة سواء
ولا يحتاج من أقر على نفسه فى الصحة ببيع شئ وقبض ثمنه الى معاينة قبض الثمن.
- أهـ. ولو أقر بعد ذلك بالتوليج فلا عبرة به. فاذا قام بقية أولاد من مرض بعد الاشهاد فى صحته بالبيع لبعض أولاده فلا كلام لهم ان كتب الموثق ان الأب قبض من ولده ثمن ما باعه له .. وان لم يكتب. قيل ويحلف الولد مطلقا. وقيل لا يحلف مطلقا. وقيل ان اتهم الأب بالميل له حلف والا فلا.
وما تقدم عن الكافى من أن اقرار الصحيح على قبض أثمان المبيعات جائز ولا يلحقه فيه تهمة ولا يظن فيه توليج لعله محمول على ما اذا كان المقر له يظن به المال. والا فقد قيل: لو أقر أن هذا الشئ لولده الصغير مثلا. وعلمنا أنه لا مال للولد بوجه فذلك تركة لأنه لم يجعله صدقة عليه حتى يجوزه له فهو توليج. فتأمل .. وقيل اذا صير الأب لابنه دورا أو عروضا فى دين أقر له به فان كان يعرف سبب ذلك الدين بأن باع له شيئا أو أخذ منه شيئا جاز ذلك التصيير سواء كان فى الصحة أو فى المرض. وان لم يعرف أصله فحكمه حكم الاقرار بالدين. فان كان فى المرض جرى على تفصيله. وان كان فى الصحة كان ماضيا على قول ابن القاسم فى المدونة.
وبه العمل كما فى المتيطى .. وقيل أنه غير نافذ وهو قول المدنيين
(2)
.
اقرار المريض:
ان أقر المريض لوارث
(3)
أبعد ممن لم يقر له من الورثة مثل أن يقر
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 403، 404 .. ومواهب الجليل للحطاب والتاج والاكليل للمواق ج 5 صفحة 226، 227.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 399.
(3)
التاج والاكليل للواق ج 5 ص 120 نقلا عن ابن راشد.
لعصبة وله أب أو يقر لأخ من الأم وله أخ شقيق .. جاز اقراره اتفاقا. وأن أقر لصديق ملاطف أو لقريب غير وارث ففيه قولان قيل يجوز اقراره مطلقا. وقيل لا يجوز اقراره الا أن ورثه ولد والقولان قائمان من المدونة. (وان أقر لمجهول. أى مجهول حاله كأن يقول لزيد أو لعمر والذى بمكة عندى ألف درهم ولم يعلم حاله أصديق ملاطف للمريض المقر أو قريب أو أجنبى) فان كان للمريض المقر وارث ولد جاز اقراره من المال كله. وان كان له وارث من الكلالة فقيل يجوز الاقرار من الثلث مطلقا - قل المال او كثر. وقيل يجوز من المال كله ان قل المقر به ويبطل ان كثر.
وقيل ان أوصى بوقفه حتى يأتى طالب جاز من رأس المال. وان أوصى أن يتصدق به عنهم بطل مطلقا.
أن المريض مرضا مخوفا
(1)
أى مريضا مرض الموت. ان أقر لوارث بعيد وله وارث أفرب منه كأخ مع ابن عم وأقر لابن العم وكابن عم قريب مع ابن عم بعيد وأقر للبعيد. فان الاقرار يكون صحيحا ويلزمه ما أقر به للمقر له سواء كان الوارث القريب يستغرق كل المال أو لا .. وان أقر المريض لصديق ملاطف أو أقر لقريب غير وارث كخال مثلا. فان ورث المقر ولدا صح الاقرار ولزمه ما أقر به للمقر له. ولكن لم يرثه ولد ولا ولد ولد صح الاقرار
…
وان أقر لأجنبى غير ملاطف صح الاقرار مطلقا سواء كان للمقر ولد يرته أو لم يكن .. وان أقر لمجهول حاله - كأن يقول: لزيد أو لعلى عندى ألف درهم وهما من مكان بعيد ولا يعلم حال المقر له هل هو صديق ملاطف للمقر أو قريب له أو أجنبى عنه - فان ورث المقر ولد. صح الاقرار ولزم المقر ما أقر به وكان من رأس المال كله لا من الثلث فقط. وان لم يكن للمقر ولد يرثه لا يصح الاقرار مادام المقر له مجهول الحال. فان بين حاله انه صديق ملاطف أو قريب أو أجنبى عمل بما تبين حسب الأحكام المذكورة سابقا .. وقيل يصح الاقرار وان لم يكن للمقر ولد سواء كان المال المقر به لمجهول الحال قليلا او كثيرا. وقيل يصح الاقرار لمجهول الحال وان لم يكن للمقر ولدا ان كان المال المقر به يسير الا ان كان كثيرا.
وقد لخص الدسوقى فى الحاشية احكام اقرارات المريض فقال:
أعلم أن المريض اذا أقر. فاما أن يقر لوارث قريب أو بعيد أو لقريب غير وارث أصلا أو لصديق ملاطف أو لمجهول لا يدرى حاله هل هو قريب أو ملاطف أو أجنبى. أو يقر لأجنبى غير صديق ..
فان اقر لوارث قريب مع وجود الأبعد منه أو المساوى له كان الاقرار باطلا. وان أقر لوارث بعيد كان الاقرار صحيحا ان كان هناك وارث أقرب منه سواء كان ذلك الأقرب حائزا للمال أو لا. ولا يشترط أن يكون هذا الوارث الأقرب ولدا ..
وان أقر لقريب غير وارث كالخال أو الصديق ملاطف أو مجهول حاله صح الاقرار ان كان لذلك المقر ولدا أو ولد ولد. والا فلا واما لو أقر لأجنبى غير صديق كان الاقرار صحيحا ولازما كان للمقر ولد أو لا.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الكسوقى عليه ج 2 ص 399
اقرار الزوج المريض لزوجته:
اذا أقر الزوج المريض لزوجته بدين فى ذمته أو أقر بانه قبض دينه منها فينظر:
ان علم أنه يميل اليها ويحبها فلا يصح الاقرار ولا يلزمه وذلك للتهمة وان أجاز الورثة هذا الاقرار استحثت الزوجة المقر به ولكن على أنه عطية مبتدأة لها من الورثة وليس من الزوج ..
وان علم انه يبغضها ولا يحبها صح اقراره لها ويؤخذ به سواء ورثه ولد أو لا وسواء انفردت بالصغير أو لم تنفرد على المعتمد خلافا لابن الحاجب الذى يقول ان شرط صحة الاقرار فى هذه الحالة الا تنفرد بالصغير والا كان الاقرار باطلا للتهمة. وانما صح الاقرار مطلقا على المذهب لانتفاء التهمة ظاهرا مع الكراهية والبغض ..
وان جهل حالة منها فلم يعلم انه يحبها أو يبغضها ينظر.
فان لم يرثه ولد ولا اولاد بان لم يكن له أولاد أصلا. فلا يصح الاقرار. وان ورثه ابن واحد منها او من غيرها صغيرا كان أو كبيرا أو ورثة بنون متعددون ذكور فقط او معهم اناث. وكانوا صغارا او كبارا او بعضهم صغير وبعضهم كبير منها او من غيرها. فان الاقرار يكون صحيحا ويؤاخذ به الا ان تنفرد الزوجة المقر لها بالولد الصغير اى يقصر جنس الولد الصغير عليها. فلا يصح الاقرار حينئذ سواء كان هذا الولد الصغير الذى انفردت به واحدا او متعددا وسواء كان ذكرا أو انثى.
وسواء كان لها مع الصغير ولد كبير ايضا او لم يكن .. فان ورث المقر اولاد اناث مع عصبة وكان الاناث كبارا منها او من غيرها او كانوا صغارا من غيرها. ففى جواز الاقرار وعدم جوازه فى هذه الحالة من مجهول الحالة منها قولان. قول بالجواز والصحة نظرا الى ان الزوجة ابعد من البنت فيكون الحالة حالة اقرار مريض لوارث ابعد مع وجود وارث اقرب منه وهى من الحالات الجائزة فيها اقرار المريض كما تقدم. وقول بعدم الجواز لأن الزوجة اقرب من العصبة فتكون الحالة حالة اقرار مريض لوارث قريب مع وجود وارث ابعد منه او مساو له .. وهى من الحالات التى لا يجوز فيها الاقرار
…
وهذا ما لم تنفرد الزوجة باناث الصغار والا فلا يجوز الاقرار قطعا اتفاقا سواء كان الكبار منها ومن غيرها او من غيرها فقط .. ومفهوم العصبة انه لو اقر لها مع الاناث فقط دون عصبة سواء كانت بنتا واحدة او بنات متعددات كان الاقرار صحيحا الا ان تنفرد الزوجة بالصغيرة واحدة أو أكثر كما هو الحال فى الذكور.
هذا فى الزوج المريض. اما الزوج الصحيح فان اقراره لزوجته صحيح مطلقا علم ميله لها او علم بغضه لها او جهل الحال ورثة ابن أو أولاد أو لم يرثه أولاد انفردت بالصغير أو لم تنفرد
(1)
.
فى اقرار الزوج المريض
(2)
لزوجته نقلا عن ابن رشد: تحصيل اقرار الزوج لزوجته بدين فى مرضه على منهاج قول مالك واصحابه. ان علم ميله لها وصبابته بها سقط اقراره لها. وان علم بغضه وشنآنه لها صح اقراره .. وان جهل حاله منها سقط اقراره لها ان ورث بكلالة. وان ورث بولد
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 400 وما بعدها.
(2)
التاج والاكليل للمواق ج 5 ص 220
غير ذكر مع عصبة. فسواء كن واحدة او عددا صغارا او كبارا من غيرها او كبارا منها يتخرج ذلك عندى على قولين: احدهما ان اقراره لزوجته جائز والثانى لا يجوز من اختلافهم فى اقراره لبعض العصبة اذا ترك ابنة وعصبة:
وان كان الولد ذكرا واحدا جاز اقراره صغيرا كان او كبيرا منها او من غيرها. وان كان الولد ذكورا عددا جاز اقراره الا أن يكون بعضهم صغيرا منها وبعضهم كبيرا منها او من غيرها فلا يجوز.
الاقرار للحمل:
تقدم الكلام على الاقرار للحمل مفصلا عند الكلام على شروط المقر له - شرط أن يكون موجودا على سبيل اليقين وقت الاقرار حقيقة او شرعا بأن يكون الشارع قد حكم بوجوده فى ذلك الوقت ورتب على هذا الوجود احكاما فلا داعى لاعادته.
الاستثناء:
الاستثناء فى الاقرار كغيره من الأبواب التى يجرى فيها الاستثناء ويصح شرعا كالطلاق والعتق واليمين بالله تعالى والنذر يجرى هنا كما يجرى فى الابواب المذكورة بشروط.
يشترط لصحة الاستثناء واعتباره شرعا شروط هى:
1 -
ان يكون المستثنى متصلا بالمستثنى منه نحو أن يقول: لفلان عندى عشرون جنيها الا خمسة دفعة واحدة بدون قطع للكلام ولا فاصل غير ضرورى كالسكوت والكلمة بكلام آخر بين جملة الاستثناء والكلام الأول
فلو كان الاستثناء منفصلا لغير ضرورة لم يصح الاستثناء اصلا ويجب جميع المقر به قبل جملة الاستثناء ولا يضر الفاصل الضرورى كالعطاس والسعال والتنفس وأخذ الفم ونحو ذلك.
2 -
أن ينطق بالاستثناء ويتكلم به بصوت يسمع به نفسه على الأقل لأنه حق لمخلوق يتعلق به حق للغير. بخلاف الاستثناء فى غير الاقرار لا يشترط النطق المسموع بل يكفى النطق ولو سرا بحركة اللسان.
3 -
أن يقصد الاستثناء أى الاخراج من المستثنى منه فلو تكلم به دون ان يقصد الاستثناء لا يصح ويلزمه جميع المستثنى منه.
4 -
أن يكون غير مستغرق للمستثنى منه ولا مساويا له. مثال المستغرق أن يقول: لفلان عندى ألف درهم الا ألف درهم ومثال المساوى أن يقول: لفلان عندى ألف درهم الا خمسمائة وخمسمائة. أو عبيدى أحرار الا مماليكى. أو نسائى طوالق الا زوجاتى ..
فلو كان كذلك لا يصح الاستثناء. وللمقر له الألف كلها فى الصورتين الأولى والثانية وتعتق عبيده فى الصورة الثالثة وتطلق نساؤه فى الصورة الرابعة .. فاذا كان غير مستغرق صح الاستثناء ووجب الباقى بعد المستثنى نحو أن يقول لفلان عندى عشرة جنيهات الا أربعة فانه يصح وتجب ستة جنيهات.
ويجوز استثناء أكثر المستثنى منه وابقاء أقله نحو أن يقول: لفلان عندى عشرة جنيهات الا ثمانية. فانه يصح ويلزم بجنيهين فقط ..
وخالف فى ذلك عبد الملك فقال لا يصح الاستثناء فى هذه الحالة ويلزمه العشرة كلها.
ولا يشترط لصحة الاستثناء ان يكون المستثنى من جنس المستثنى منه بل يجوز الاستثناء بغير الجنس نحو أن يقول: لفلان
عندى ألف درهم الا عبدا او الا ثوبا ونطرح قيمة العبد او الثوب من الألف ويكون الباقى هو المقر به للمقر له. وتعتبر القيمة يوم الاستثناء .. وفى مثل هذا يقال للمقر اذكر صفة العبد والثوب .. ويقوم فى ضوء وصفة وتطرح القيمة من المستثنى منه كما ذكرنا.
فلو ادعى المقر جهل القيمة او الصفة فينبغى ان نطرح قيمة عبد من اعلى العبيد او قيمة ثوب من اعلى الثياب. لأن المقر انما يؤخذ بالمحقق ..
واذا عكس المقر وقال: له عندى عبد الا عشرة دنانير يصح .. ويقوم العبد على الوضع الذى ذكرنا غير انه فى هذه الصورة تعتبر قيمة عبد من ادنى العبيد. وتطرح العشرة من هذه القيمة. ويكون الباقى هو المقر به ولو استغرقت قيمة العبد الألف المستثنى منها او استغرقت العشرة فى المثال الثانى قيمة العبد المستثنى منها بطل الاستثناء ولزم المقر جميع المقر به قبل الاستثناء وفى قوله له عندى الف درهم الا عشرة دنانير يصح وتقوم الدنانير المستثناه بالدراهم وتطرح قيمتها بذلك من الالف المستثنى منها والباقى هو المقر به الذى يلزم المقر ..
ويصح الاستثناء بالمعنى نحو ان يقول:
الدار التى بيدى او الدار الفلانية او هذه الدار لفلان الفلانى والبيت الفلانى منها لى. على مثال ما تقدم فى قوله: هذا الخاتم لفلان وفصه لى: فان كانت الدار مشتملة على عدة بيوت امر المقر بأن يعين البيت المستثنى. فان لم يعين طبق عليه الحكم المتقدم فيما اذا قال للمقر له: لك عندى أحد ثوبين وهو أنه اذا امتنع من التعيين يحبس حتى يعين او يموت. وان قال. لا ادرى البيت المستثنى على التعبير قيل للمقر له: عين انت.
فان عين احسن البيوت قبل منه بلا يمين واخذ الدار ما عدا هذا البيت وان عين أدناها حلف للتهمة وأخذ الدار باستثناء ما عينه: وان قال المقر له لا أدرى حلفا على نفى العلم واشتركا فى الدار والبيت بالنسبة
(1)
.
الابراء:
اذا أبرأ صاحب الحق من عليه فتارة تكون صيغة الابراء شاملة بسائر الحقوق وحاسمة فى الابراء من كل حق للمبرئ قبل المبرأ سواء كان ماليا أم بدنيا وتارة تكون قاصرة على الابراء من بعض الحقوق دون البعض .. فان ابرأه بصيغة من الصيغ الثلاث الآتية بان قال له: ابرأتك عما لى قبلك. او ابرأتك من كل حق. أو ابرأتك. فانه يبرأ براءة مطلقة من جميع الحقوق المالية كديون المعاملات والقرض والقراض والودائع والرهون والميراث والأعيان كالدار لا يطالب المبرئ المبرأ بقيمتها اذا فاتت ولا يطالبه برفع يده عنها ان كانت قائمة. وكذا الحقوق المترتبة على الاتلاف كالمغرم للمال حيث يسقط ذلك ايضا بالابراء. وسواء أكانت هذه الحقوق المبرأ منها معلومة للمبرئ وقت الابراء أو مجهولة - ويشمل الابراء بهذه الصيغ مع الحقوق المالية على النحو الذى ذكر. الحقوق البدنية كحد القذف اذا لم يبلغ المبرئ الامام به فان بلغه فلا يصح الابراء منه الا أن يريد المبرئ الستر على نفسه فيجوز ابراؤه حينئذ لا ان اراد الشفقة على القاذف المبرأ فلا ينفع
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 410 وما بعدها.
الابراء ولا بد من الحد. وبرئ كذلك من مال السرقة بهذا الابراء العام لا من الحد لانه حق الله تعالى فلا يجوز لأحد اسقاطه ولا الابراء منه واذا تم الابراء باحدى الصيغ الثلاث المذكورة وشمل الحقوق المالية والبدنية على الصورة المشار اليها. فلا تقبل من المبرئ دعوى على المبرأ بحق من تلك الحقوق بحجة النسيان أو الجهل ولا بحجة ان الابراء انما كان من الحقوق التى فيها خصومة بينه وبين المبرأ فقط أو بحجة أنه لم يقصد عموم الابراء وانما قصد به شيئا خاصا هو كذا - ولو كان الحد الذى يريد المبرئ الادعاء به ثابتا على المبرأ بمقتضى صك كتابى تحت يده متى علم ثبوت هذا الحق قبل الابراء او جهل الحال فيه فلم يعلم انه قبل الابراء أو بعده - اما اذا كان الحق المدعى به قد حدث بعد الابراء وثبت حدوثه بالبينة فتقبل الدعوى به حينئذ.
اذ لم يشمله الابراء لأنه لم يكن موجودا قبله.
أما اذا كان الابراء بصيغة اخرى غير هذه الصيغ الثلاث فلا يشمل الابراء الا من الحقوق التى تصدق عليها العبارة بمقتضى اللغة أو بمقتضى العرف .. فلو ابرأه مما معه بان قال له: ابرأتك مما معك برئ من الامانات التى عنده كوديعة وقراض وابضاع ولا يشمل هذا الابراء الديون لأنه يقال فى الدين. عليه أو عنده ولا يقال معه. وهذا اذا كان العرف لا يساوى بين. معه وعنده وعليه فان جرى العرف بالتسوية بين هذه الألفاظ فى الاستعمال. فانه يشمل الامانات والديون فان لم يكن للمبرئ امانات عند المبرأ فى المثال المذكور وكان له عليه دين يبرأ منه اذ يكون هو المقصود بعبارة الابراء حينئذ.
ولو ابرأه مما عليه برئ من الدين لا من الامانة لأنه لا يقال فى الامانة على وانما يقال عند او مع. الا أن يكون له عنده امانة فقط فيبرأ منها لأنها تكون هى المقصودة بالابراء ..
وهذا حيث لم يجر العرف بالتسوية كما ذكر .. وان ابرأه مما عنده برئ من الدين والامانة معا عند الماذرى. وبرئ من الامانة فقط عند ابن رشد. والظاهر قول الماذرى طبقا للعرف الجارى فى مصر الآن اذ العرف عندهم أن قوله عليك مثل قوله عندك فيشمل الامرين
(1)
الاقرار بالنسب:
استلحاق النسب بالاقرار به انما يكون من الأب وحده لمجهول النسب دون الأم بالاتفاق ودون الجد على المشهور فلو نظرت الأم الى شخص. وقالت هو ابنى وصدقها هذا الشخص لا يصح ولا يقبل منها هذا الاقرار ولا يثبت نسب المقر له منها ولا يجرى بينهما توارث لأنه ليس هناك أب يلحق به فهو فى الواقع اقرار بالنسب على الغير وادعاء به عليه لا يثبت الا بدليل شرعى .. ولو قال الجد لشخص: هذا ابن ابنى او ابن ولدى لا يصح اقراره ولا يثبت نسب الولد من ابن المقر على المشهور لأنه اقرار بالنسب على الغير لابد فى اثباته من البينة وقال أشهب: يصح اقرار الجد بالنسب وتأوله ابن رشد على ما اذا قال لشخص: ابو هذا ابنى فانه يصح ويثبت به النسب حتى استوفى شروطه واوضاعه لأنه فى الواقع استلحاق ابن من الأب وليس استلحاق ابن ابن من الجد. وحينئذ فلا مخالفة
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 411 وما بعدها.
فى الحكم لأن الرجل انما يصدق فى الحاق ولد بفراشه لا فى الحاقه بفراش غيره.
ويشترط فى صحة استلحاق الاب الولد
شروط:
الاول: أن يكون الولد مجهول النسب فلو كان معروف النسب من الغير لا يجوز استلحاقه ولا يقبل اذ يكون الأب كاذبا فى استلحاقه ويستثنى من ذلك اللقيط فانه لا يصح استلحاقه الا ببينة او بوجه كمجاعة او لكونه لا يعيش له اولاد فيطرحه لأجل ان يعيش - ويلحق نسب الولد المستلحق بالأب المستلحق متى استوفى الاستلحاق شروطه ولو كذبته ام الولد فى استلحاقه. ولا يشترط الصحة الاستلحاق ان يعلم تقدم نكاح بين الأب وام الولد او تقدم ملك له عليها على المشهور لأنه يكتفى فى هذا الباب بالامكان لتشوف الشارع للحوق النسب ما لم يقم دليل على الكذب فى الاستلحاق.
الثانى: الا يكذبه العقل فى اقراره، أى ان يكون المقر له ممن يولد مثله لمثل المقر بان يكون سنه اقل من سن المقر بمدة تسمح بذلك. فلو كان عمره اكبر من عمر المقر او مساويا له لا يصح الاقرار لأن العقل يحيل ان يكون ابنه لما فيه من تقدم المعلول على علته والا تكذبه العادة كأن يستلحق ولدا من بلدة بعيدة علم انه لم يدخلها ابدا.
أو يكون الأب المستلحق ممن علم انه لم يقع منه نكاح ولا تسر أصلا. فان العادة لا العقل تحيل ان يكون لمثل هذا ولد لأن كون الولد اينما يكون بين ذكر وانثى امر عادى لا عقلى ولذا قيل فى قوله تعالى أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة - ان هذه حجة عرفية لا عقلية.
الثالث: اذا كان الولد المستلحق المقر له رقيقا يشترط ألا يكون مملوكا ولا عتيقا لمن كذب الأب المستلحق فى استلحاقه واقراره.
لأنه فى هذه الحالة يكون الأب متهما فى اقراره بنسب هذا الولد بأنه يقصد بالاقرار ابطال ملكية سيد الولد فى رقبته او ازالة ولائه عنه .. ولكن اذا كان الاب المقر سبق له - فى هذه الحالة - ملك على ام الولد المقر له فيقبل الاقرار ويثبت نسب الولد منه بمقتضاه ويبقى الولد رقيقا او مولى لهذا الذى كان مالكا له او معتقا وكذب الأب فى الاستلحاق ويستمر مملوكا أو عتيقا لهذا المكذب. ولا منافاة بين ثبوت نسبه من أبيه الحر الذى أقر به وبقائه مملوكا أو عتيقا لشخص آخر - كمن تزوج وهو حر بأمة من سيدها واتى منها بولد. فان هذا الولد يكون لأبيه الحر نسبا ولسيد امه الأمة ملكا ورقا.
واذا اعتقه يكون مولى له.
وليس من شروط صحة الاقرار بنسب الولد ان يصدق الولد الأب المقر فى اقراره اذا كان ممن يصح منه التصديق .. بل ان الاقرار يصح ويثبت به النسب متى استوفى شروطه ويلحق الولد بالأب بناء عليه صغيرا كان او كبيرا انكر الاقرار وكذبه او صدقه. صدقت الام او كذبت. وسواء كان الأب المقر صحيحا او مريضا احاط الدين بماله او لم يحط وقال ابن يونس: يشترط تصديق الولد المقر له ..
اذا كان اقرار الأب بنسب الولد قد وقع فى حياة الولد وحال صحته واستوفى الشروط والأوضاع المقررة. ورث الأب الولد المقر
به سواء كان لهذا الولد ولد يرثه او لا بأن لم يكن له ولد اصلا او يكون له ولد غير وارث لكونه كافرا او عبدا قل المال الذى تركه الولد او كثر. واما اذا كان الاقرار بعد موت الولد المقر به أو فى مرضه فلا يرثه الأب الا اذا كان له ولد ولو كان عبدا او كافرا - فان لم يكن له ولد لا يرثه الا أن يكون المال المتروك قليلا لا يبعث على التهمة - هذا بالنسبة للميراث اما بالنسبة للنسب فانه يثبت على كل حال - والعلة فى هذا التقييد هو اتهام الأب فى اقراره حين لا يكون للولد ولد بان الباعث على الاقرار هو طمعه فى ارث الولد المقر به - واذا كان المستلحق قد باع ولدا على انه عبد رقيق ثم اقر بنسبه اقرارا تاما واستلحقه. فأنه يصح الاقرار ويثبت نسب الولد به وينقض البيع ولو كذب المشترى البائع المقر فى اقراره. ورجع المشترى بالثمن وبما انفقه على هذا الولد فى مدة بقائه عنده الا اذا كانت له خدمة عند المشترى تقابل بالنفقة - فان كانت له خدمة عند المشترى تقابل بالنفقة التى انفقها عليه. بان كان المشترى قد استخدمه بالفعل مدة وجوده عنده - فلا رجوع للمشترى بالنفقة قلت الخدمة او كثرت كما لا رجوع للبائع المقر ان زادت الخدمة على النفقة على الأرجح ..
ومقابل الأرجح قولان: الرجوع للمشترى بالنفقة مطلقا كانت للولد خدمة عنده او لم تكن - وعدم الرجوع مطلقا ولو لم تكن له خدمة
(1)
.
الاستلحاق - قال ابن شاس. الباب الرابع فى الاقرار بالنسب ..
روى ابن القاسم
(2)
عن مالك انه قال:
الاستحسان تسعة اعشار العلم. وهذا الباب اكثره محمول على ذلك. انما يستلحق الأب مجهول النسب. قال ابن رشد: لا خلاف أعلمه أن المرأة لا يجوز لها استلحاق. ومن المدونة. وان نظرت امرأة الى رجل فقالت ابنى ومثله يولد لها وصدقها لم يثبت نسبه منها اذ ليس هنا أب يلحق به. وان جاءت امرأة بغلام مفصول فادعت انه ولدها لم يلحق بها فى ميراث ولا يحد من افترى عليه.
ومن كتاب سحنون قال مالك: ولا يصلح استلحاق الجد. ابن رشد. ان قال: هذا ابن ولدى او ولد ابنى لم يصدق. وان قال:
ابو هذا ابنى او والد هذا ابنى صدق لأن الرجل انما يصدق فى الحاق ولده لفراشه لا فى الحاقه بفراش غيره. وهذا مما لا ينبغى ان يختلف فيه
…
قال ابن القاسم وغيره:
اذا اقر الرجل بابن جاز اقراره ولحق به صغيرا كان أو كبيرا أنكر الابن أو اقر بشرط ان يكون الولد مجهول النسب.
ومن المدونة قال مالك: من ادعى ولدا لا يعرف كذبه فيه لحق به. قال ابن القاسم:
والذى يتبين له كذبه مثل ان يكون له أب معروف أو أن يكون من المجهولين من بلدة لا يعلم انه دخلها كالزنج والصقالبة او تقوم بينه أن ام الولد المقر به لا تزال زوجة لغير المقر حتى ماتت .. واما ان استلحق مسلم
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 412 وما بعدها.
(2)
التاج والاكليل للمواق ج 5 ص 238 وما بعدها.
محمولا من بلدة دخلها لحق به - ويشترط أن لا يكذبه العقل أو العادة - قال ابن شاس:
اذا قال لعبده: هذا ابنى لحق به ما لم يكذبه العقل بان يكون اكبر سنا منه أو العرف بان يستيقن الناس انه ليس بولده كما اذا كان الغلام سنديا والرجل فارسيا. ولم يكن رقا لمكذبه. قال ابن القاسم ان استلحق صبيا فى ملك غيره أو بعد ان اعتقه غيره لم يصدق اذا اكذبه الحائز لرقه أو لولائه ولا يثبت نسبه ولا يرثه الا ببينة تثبت ذلك .. ثم قال: وان ادعاه بعد عتق المبتاع الأم مضى ذلك والحقت به نسب الولد ولم ازل عن المبتاع ما ثبت من ولائهما ويرد البائع الثمن .. ومن المدونة قال مالك: من باع صبيا ولد عنده ثم اقر بعد ذلك انه ابنه لحق به ورد الثمن ألا أن يتبين كذبه ويرجع المشترى على البائع بنفقة الولد الى يوم استلحاقه ..
وقال بعضهم: ان كان صغيرا لا خدمة فيه رجع بالنفقة. وان كان فيه خدمة واقر المبتاع بخدمته أو ثبت انه خدمه فلا نفقة له والنفقة بالخدمة.
وقال أشهب: اذا مات ولد الملاعنة وترك مالا وموالى ولم يقر به الأب قبل موته ثم اقر به ولم يترك ولدا ولا ولد ولد لم يصدق لأنه يتهم بجر الولاء والمال الى نفسه وقد وجب لأمه ومواليه أو المسلمين ان لم يكن له وارث .. وان كان قد ترك ولدا أو ولد ولد ذكرا أو انثى صدق ولحق به وورث نصيبه مع بنيه أو بناته وضرب الحد فى المسئلتين جميعا لحق الولد أو لم يلحق - قال فى المدونة: من نفى ولدا بلعان ثم ادعاه بعد ان مات الولد عن مال. فان كان لولده ولد ضرب الحد ولحق به. وان لم يترك ولدا لم يقبل قوله لأنه يتهم فى ميراثه ويحد ولا يرثه.
الاقرار بوارث:
اذا اقر الشخص بوارث له غير ولد.
فان اقر باخ أو عم أو ابن ابن أو جد فلا يصح هذا الاقرار بالنسبة للنسب ولا يثبت به النسب اصلا. لأنه اقرار بالنسب على الغير وهو بمثابة دعوى على الغير لا تقبل ولا تثبت الا بالدليل الشرعى - واما بالنسبة للميراث فينظر: ان كان للمقر وارث معروف يحرز كل الميراث كالابن والأب. وأقر بأخ أو عم فلا يرث المقر له شيئا من تركة المقر بالاتفاق .. وان لم يكن للمقر وارث يحرز كل الميراث بان لم يكن له وارث اصلا أو كان له وارث لا يحرز كل الميراث كمن اقر بعم مع وجود بنت له أو اخ من الأم - ففيه خلاف فى ارث المقر له وعدمه .. والراجح الارث. فيرث المقر له من المقر جميع المال فى الحالة الأولى - حالة ما اذا لم يكن له وارث اصلا - ويرث الباقى فى الحالة الثانية - حالة ما اذا كان له وارث لا يحرز كل الميراث. وهذا بناء على أن بيت المال ليس كالوارث المعروف بل هو حائز يحوز المال ليصرفه فى مصالح المسلمين ..
ومقابل الأرجح انه لا يرث المقر له شيئا من تركة المقر ويكون المال كله أو باقيه لبيت المال بناء على ان بيت المال كالوارث المعروف ويجرى هذا التفصيل بالنسبة لأرث المقر من المقر له اذا صدق المقر على اقراره بالنسب فيقال: اذا كان للمقر له وارث معروف يحرز كل الميراث لا يرثه المقر والا فخلاف والراجح الارث. اما لو كذب المقر له المقر فى الاقرار فلا ارث
لأحدهما من الآخر مطلقا كان هناك وارث حائزا اولا. وان سكت المقر له فلم يصدق المقر ولم يكذبه. فهل يعتبر السكوت كالتصديق فيرث كل منهما الآخر ان لم يكن هناك وارث حائز على الراجح فان كان هناك له وارث حائز فلا ارث. او لا يعتبر السكوت كالتصديق فيرث المقر له المقر فقط على التفصيل السابق تردد وقال اللخمى ان هذا الخلاف فى الارث ليس على الاطلاق. وانما هو قاصر بحالة ما اذا لم يطل زمن الاقرار بالأخوة والعمومة ونحوهما مما لا يثبت فيه النسب بالاقرار أما ان طال زمن الاقرار بالسنين كالثلاث مثلا من كل من الجانبين المقر والمقر له أو من جانب المقر مع سكوت المقر له على اساس اعتبار السكوت كالتصديق كما مر - فلا خلاف فى هذه الحالة فى انه يرثه لأن طول الزمان قرينة الصدق غالبا ما لم يقم دليل أو قرينة على عدم قيام القرابة الموجبة للأرث والا فيعمل بمقتضى القرينة أو الدليل .. وهل يتوارثان فى هذه الحالة توارث ثابت بالنسب بالبينة فيزاحم المقر له الوارث الذى يحرز كل الميراث اذا كان مساويا له ويقدم عليه اذا كان يحجبه. فاذا أقر بأخ أو بابن وله أخ ثابت النسب وطال زمن الاقرار يحجب الابن الأخ الثابت النسب ويشاركه الأخ المقر له؟. قبل ذلك
(1)
.
اقرار الوارث بوارث:
وان اقر اثنان عدلان من ورثة الميت ابنان أو أخوان أو عمان بثالث لهما. بأن أقر الابنان بابن ثالث. أو اقر الاخوان بأخ ثالث للمتوفى أو اقر العمان بعم ثالث وكان المقران عدلين ثبت بهذا الاقرار نسب المقر له واخذ من تركة المتوفى نصيبا كأحد الورثة الذين اقروا به على السواء. ويحرم عليه نكاح أم الميت وبنته ان كان المقر له ابنا أو أخا للمتوفى. لأنه متى ثبت نسبه ترتبت عليه الآثار ومنها حرمة النكاح - والمراد بالاقرار هنا الشهادة لا حقيقة الاقرار بدليل ثبوت النسب واشتراط العدالة فى المقر اذ أن هذا النسب لا يثبت بالاقرار لما فيه من تحميل النسب على الغير. ولا يشترط فيه العدالة.
ولأن الاقرار قد يكون بالظن بخلاف الشهادة فانها لا تكون الا بالعلم والتثبت وان لم يكن المقران عدلين فلا يثبت بقولهما نسب ولكن يترتب عليه الارث معاملة لهما بالاقرار.
فيكون للمقر له ما نقصه المقران من نصيبهما بالاقرار فاذا كان الميت قد خلف ثلاثة ابناء فأقر اثنان منهم بثالث ولم يكونا عدلين وانكر الثالث يقسم مال التركة على اساس الانكار وعلى اساس الاقرار. وفرق ما بين نصيبى المقرين فى المالين يعطى للمقر له. فعلى اساس الانكار يقسم على ثلاثة وعلى اساس الاقرار يقسم على اربعة. والمضاعف بينهما اثنا عشر حاصل ضرب ثلاثة فى اربعة للتباين وبقسمتها على ثلاثة بالانكار يكون نصيب كل واحد اربعة. وبقسمتها على اربعة بالاقرار يكون النصيب ثلاثة. فالذى نقصه نصيب كل واحد من المقرين واحد فيعطى الاثنان للمقر له. ويأخذ المنكر أربعة ويأخذ كل واحد من المقرين ثلاثة.
واذا أقر احد الورثة بوارث بأن ترك الميت ابنين فاقر احدهما بابن ثالث وانكر الابن
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 415 وما بعدها.
الآخر - فانه يكون للمقر له ما نقصه نصيب المقر بالاقرار سواء كان المقر عدلا أو غير عدل ولا يمين على المقر له. فتقسم التركة على اساس الانكار والاقرار. فعلى انها ستة اسهم تقسم على اثنين بالانكار فيكون نصيب كل ابن ثلاثة وتقسم على ثلاثة على اساس الاقرار فيكون النصيب اثنين فما نقصه نصيب المقر باقراره هو واحد يعطى للمقر له ويكون للمقر اثنان وللابن المنكر ثلاثة .. وهذا هو المذهب .. وهناك رأى ضعيف يقول اذا كان الابن المقر عدلا. يحلف المقر له مع المقر ويرث كواحد من الورثة ولكن لا يثبت النسب بالاقرار. ففى المثال المذكور يأخذ المقر له الثلث كأحد الابنين الثابتى النسب وان لم يثبت نسبه - وان كان الابن المقر غير عدل تجعل حصة المقر من الميراث كأنها كل التركة فيأخذ المقر له ثلثها وهو سدس التركة كلها ويأخذ المقر ثلثيها وهو ثلث التركة كلها فاذا كانت التركة ستة فنصيب المقر ثلاثة يأخذ المقر له منها واحدا ويأخذ المقر اثنين.
وان أقر أحد الورثة بوارث يحجبه قدم عليه فى الارث وورث هو دون المقر فلو كان للميت أخوان أقر احدهما بابن للميت وأنكره الأخ الآخر أخذ الابن المقر به نصف التركة الذى كان يأخذه المقر. وأخذ الأخ المنكر النصف الباقى. ولو كان للميت أخ واحد وأقر بابن للميت أخذ الابن المقر به جميع المال ولا يأخذ الأخ المقر شيئا.
واذا أقر احد الورثة بدين على الميت وانكر الباقون الدين. أخذ من نصيب المقر بقدره عند ابن القاسم. فاذا كان نصيبه نصف التركة أخذ منه نصف الدين المقر به وان كان نصيبه ثلث التركة اخذ منه ثلث الدين وهكذا ويكون هذا الوارث المقر بالدين شاهدا بالنسبة للمنكر فيحلف معه المقر له ويأخذ من المنكر ما يخصه .. وقال أشهب: يؤخذ جميع نصيب المقر من التركة فى الدين ان كان بعضه لا يفى بالدين لأنه لا ارث الا بعد الوفاء بالدين (من بعد وصية يوصى بها أو دين).
ولو قال ابن الميت لأحد شخصين معينين:
هذا اخى مشيرا الى احد الشخصين ثم قال:
بل هذا اخى مشيرا الى الشخص الآخر.
فللأول نصف تركة أب هذا الابن القائل لاعترافه له بذلك بقوله: هذا أخى - واضرابه الى الثانى لا يبطل الاقرار ولا يسقط حق الأول فيما اقر به. وللثانى نصف ما بقى بيد الابن المقر أى ربع التركة. ويبقى لهذا الابن المقر الربع فلو قال لثالث: بل هذا أخى لكان لهذا الثالث نصف ما بقى اخيرا بيد المقر أى الثمن. ويستوى فى هذا الاقرار ان يكون على سبيل التراخى أو على سبيل الفور لأن بل للأضراب لا للتشريك. اما اذا كانت للتشريك بان كانت لمجرد العطف لكان هناك فى الحكم بين التراخى والفورية .. ولكنها ليست كذلك.
وان ترك ميت اما واخا شقيقا فاقرت الأم بأخ آخر للميت منها فيكون شقيقا أو من غيرها فيكون من الأب. وانكره الأخ الثابت النسب. فللأخ المقر له السدس من نصيب الأم لأنه بوجوده حجبت الأم من الثلث الى السدس فيكون له هذا السدس. وليس للأخ الثابت النسب منه بشيئ لأن موقفه أن الام ترث الثلث وهو يرث الباقى ولا شئ له من نصيب الأم فاذا كان اقرارها قد انقص
نصيبها من الثلث الى السدس فيأخذ هذا الفرق من كان وجوده سببا فى النقص وهو الأخ المقر له. وهذا هو الحكم حتى لو كان الاخ المقر له من غير الأم التى أقرت أى اخا من الأب لأنه لم يستحق هذا السدس نتيجة ثبوت نسبه وانما استحقه بالأقرار .. وفيه بحث لأنه لا وجه لاستحقاق الأخ من الأب المقر له هذا السدس بل الوجه ألا تأخذه الأم معاملة لها باقرارها ولكن يوقف حتى يظهر الحال باقرار الأخ الشقيق الثابت النسب أو ببينة وحينئذ يأخذ الأخ الشقيق هذا السدس ولو كان الأخ الشقيق الثابت النسب متعددا أكثر من واحد والمسألة كما هى لم يكن للمقر له شئ لأن الاقرار حينئذ لم يأت بشئ لأن نصيب الأم يكون السدس قبل الاقرار ولا تنقص عنه بالاقرار وان استلحق رجل ولدا استلحاقا مستوفيا للشرائط ولحق به شرعا. ثم انكره بعد ذلك ثم مات الولد المستلحق بعد الانكار لا يرثه الأب المنكر لانه نفاه بالانكار. ووقف مال الابن المتوفى حتى يموت الأب. فان مات كان المال الموقوف لورثة الأب أى لعصبة الابن المتوفى من جهة ابيه الذى انكره. ولا يؤخذ ورثة الأب بانكاره الابن ولا يقطع حقهم نفيه له ..
ويقضى دين الأب من هذا المال ان كان عليه دين. ولو طالبه الغرماء بالقضاء حال حياته وبعد وفاة الابن اعطى لهم منه ما يفى الدين ووقف الباقى ان كان .. فلو مات الأب اولا قبل وفاة الابن الذى انكره ورثه الابن المقر به. ولا يضره انكار الأب نسبه لأن نسبه لا يسقط بالانكار بعد الاستلحاق. فان مات الابن بعد ان ورث الأب المنكر ورثة عصبته من جهة الأب
(1)
.
فى اقرار الوارث بوارث:
(وان أقر عدلان بثالث ثبت النسب)
(2)
قال ابن يونس: اذا هلك شخص وترك ورثة فاقر بعضهم بوارث فان اقر بذلك رجلان عدلان ثبت نسب المقر به بشهادتهم واخذ جميع موروثه من جميع المال .. وان كان المقر ممن لا تثبت شهادته لأنه واحد وان كان عدلا أو لأنهم جماعة غير عدول أو لأنهم نساء وليس الجميع بسفهاء. فاجمع اهل العلم أن النسب لا يثبت بقولهم. واختلفوا فى الذى يغرمونه للمقر له فذهب اهل المدينة ومن تابعهم الى أن المقر يستوفى جميع ما يجب له فى حالة الاقرار فان بقى فى يده شئ مما كان اخذه فى مسألة الانكار دفعه الى المقر به. وان لم يستفضل شيئا فلا شئ للمقر به. وقال سحنون: لو ترك ولدا واحدا فقال لاحد شخصين: هذا اخى بل هذا الآخر. فللأول نصف ما ورث عن ابيه. وللثانى نصف ما بقى فى يده وقيل له جميعه. وقال ابن رشد: هذا اصح فى النظر لأن كلا منهما يقول: انت اتلفت على مورثى. وعليه يأتى قول ابن القاسم فى سماع عيسى. ووجه قول سحنون ان المقر بالأخ ثانيا انما اقر بما فى يده حين شاركه غيره فى الارث فكان اقرار وارث معه وارث بوارث.
وان ترك اما واخا فاقرت باخ فله منها السدس. قال ابن شاس: ولو ترك أما وأخا فاقرت بأخ آخر فانها تخرج نصف ما فى يدها
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 417 وما بعدها.
(2)
التاج والاكليل للمواق ج 5 ص 248 وما بعدها.
وهو السدس فيأخذه الأخ المقر له وحده وهو قول مالك فى موطنه. قال محمد: وعليه الجماعة من اصحابه. وقال ابن شاس: اذا استلحق ولدا ثم انكره ثم مات الولد عن مال فلا يأخذه الأب المستلحق. قال ابن القاسم:
ويوقف ذلك المال. فان مات هذا المستلحق (الأب) صار هذا المال لورثته .. وقضى به دينه. وان قام غرماؤه عليه وهو حى اخذوا ذلك المال فى ديونهم.
الاقرار بالزنا:
ويثبت الزنا
(1)
باحد امور ثلاث باقرار ولو مرة ولا يشترط أن يقر أربع مرات الا أن يرجع عن اقراره مطلقا. حال الحد او قبله. رجع لشبهة او لا كقوله: كذبت على نفسى. او وطئت زوجتى وهى محرمة فظننت انه زنا.
ومثل الرجوع ما اذا قامت بينة على اقراره وهو ينكر فلا يحد. او الا ان يهرب حال الحد فيسقط عنه تمامه ولا يعاد عليه لتكميله بخلاف هروبه قبل اقامة الحد عليه ما لم يرجع عن اقراره. كذا ذكره الشارح ومن تبعه ..
ورد بأن المنقول عدم الحد مطلقا .. ويثبت الزنا ايضا بظهور حمل فى امرأة غير متزوجة وغير ذات سيد يقر بوطئها بأن انكر وطأها فتحد. فان ظهر الحمل بمتزوجة أو بذات سيد مقر بوطئها فلا تحد .. والمراد بالزوج زوج يلحق به الحمل فخرج الصغير والمجبوب أو امرأة أتت بالولد كاملا بدون ستة أشهر من العقد فتحد .. ولا تقبل دعوى من ظهر بها الحمل الغصب بلا قرينة فان كانت هناك قرينة فصدقها قبلت دعواها ولا تحد.
أن المرأة
(2)
اذا قالت زنيت مع هذا الرجل فاقر بوطئها وادعى انها زوجته فكذبته. ولا بينة له على الزوجية فانهما يحدان .. اما حدها فظاهر لاقرارها بالزنا واما حده فلأنها لم توافقه على النكاح والاصل عدم السبب المبيح. ويأتنفان نكاحا بعد الاستبراء ان أحبا وظاهره ولو كانا طارئين ولو حصل فشو.
وهو كذلك كما فى عبد الباقى والخرشى ..
واذا وجد رجل وامرأة فى بيت أو طريق والحال انهما غير طارئين. واقرا بالوطأ وادعيا النكاح والاشهاد عليه ولا بينة لهما لموت الشهود أو غيبتهم. ولا فشو يقوم مقام البينة. فانهما يحدان لأن الاصل عدم السبب المبيح للوطأ. ويأتنفان نكاحا بعد الاستبراء ان احبا .. فان حصل فشو أو كانا طارئين قبل قولهما. ولا حد عليهما لأنهما لم يدعيا شيئا مخالفا للعرف .. واذا اقر الرجل بعد ولادة زوجته منه بمفسد لوطئه من غير ثبوت له كأن قال: عقدت عليها عالما بانها رقيقة أو انها خامسة فانه يحد لحق الله تعالى. ويلحق الولد به مع عدم البينة .. قال النفراوى على الرسالة وحده ولحوق الولد به مستغرب لأن مقتضى الحد انه زنا. ومقتضى اللحوق انه ليس زنا.
الاقرار بالشرب:
ومن أقر بالشرب او شهد عدلان بشرب أو شم لرائحتها فى فمه وعلمت رائحتها اذ قد يعرف رائحتها من لا يشربها .. وكذا لو شهد عدل برؤية الشرب وآخر برائحتها او يتقايئها - فيحد فى ذلك .. فان رجع بعد اقراره ولو لغير شبهة قبل .. وان خولفا أن خالف الشاهدين غيرهما من العدول بان قالا:
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 318 وما بعدها.
(2)
حاشية الدسوقى صفحة 324.
ليس رائحته رائحة خمر بل خل مثلا .. فلا تعتبر المخالفة ويحد لأن المثبت يقدم على النافى
(1)
.
الاقرار بالسرقة:
وتثبيت السرقة
(2)
باقرار ان كان مختارا فيه كما تثبت بالبينة. وان لم يكن مختارا بان أكره على الاقرار من حاكم أو غيره ولو بسجن أو قيد فلا يلزمه شيئ عند ابن القاسم - ولو اخرج السرقة لاحتمال وصول اسم المسروق اليه من غيره. أو عين القتيل الذى اكره على الاقرار بقتله فأقر واخرجه كما فى القتل لاحتمال ان غيره قتله فلا يقطع فى السرقة ولا يقتل قصاصا فى القتل الا أن يقر بعد الاكراه آمنا كما فى المدونة ..
وقال سحنون: يعمل باقرار المتهم باكراهه وبه الحكم ان ثبت عند الحاكم انه من اهل التهم. فيجوز سجنه وضربه ويعمل باقراره .. وتؤولت فى محل عليه .. والأول هو المشهور والأوفق بقواعد الشرح ..
واذا اقر طائعا ورجع عن اقراره قبل رجوعه عنه فلا يحد. وكذا يقبل رجوع الزانى والشارب والمحارب ولو رجع بلا شبهة فى اقراره نحو كذبت فى اقرارى كما لو رجع لشبهة نحو أخذت مالى المرهون أو المودع خفية فسميته سرقة. ويلزمه المال ان عين صاحبه نحو اخذت دابة زيد.
مذهب الشافعية
التعريف:
الاقرار لغة الاثبات - من قر الشئ يقر بفتح القاف وكسرها ثبت. يقال: قررت بالمكان بالكسر اقر بالفتح. وقررت بالمكان بالكسر اقر بالفتح.
وشرعا: اخبار بحق سابق على المخبر لغيره ولو حكما. فيشمل اخبار الوكيل فى الاقرار بحق على الموكل لأنه اخبار من الموكل بحق على نفسه حكما. فان كان الاخبار من الشخص بحق له على غيره فهو الدعوى. وان كان اخبارا بحق لغيره على الغير فهو الشهادة .. هذا ان كان الاخبار يقتضى امرا خاصا.
فان اقتضى شرعا عاما. فان كان عن امر محسوس فهو رواية. وان كان عن امر شرعى فان كان فيه الزام فهو حكم وان لم يكن فيه الزام فهو فتوى
…
وفى كون الحكم يقتضى شرعا عاما نظر. بل فى كونه اخبارا نظر. اذ الظاهر انه انشاء كصيغ العقود.
الا ان يقال ان لفظه لفظ الخبر
والتعريف صريح فى ان الاقرار اخبار عند الشافعية وليس بانشاء
(3)
.
حجية الاقرار:
والأصل فى اعتبار الاقرار حجة يعامل به المقر. الكتاب والسنة والاجماع والقياس.
أما الكتاب: فقول الله تبارك وتعالى «أأقررتم واخذتم على ذلكم اصرى. قالوا أقررنا. قال فاشهدوا وأنا معكم من
(1)
الدسوقى ج 4 ص 353.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 345 وما بعدها.
(3)
يراجع نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى. وحاشية المغربى الرشيدى عليه من الجزء الخامس صفحة 64 وما بعدها ومغنى المحتاج جزء ثانى صفحة 220 وما بعدها.
الشاهدين». وقوله سبحانه «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين» . فقد قال المفسرون ان شهادة المرء على نفسه هى الاقرار. وقوله عز وجل «وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه. فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو. فليملل وليه بالعدل» . والاملال هو الاقرار. وقد أمر الله سبحانه وتعالى صاحب الحق بالاملال. فلو لم يكن اقراره حجة عليه ويؤاخذ به لما امر الله به .. فالأمر دليل الحجية ..
وأما السنة: فما روى الشيخان وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قبل من ماعز.
والغامدية اقرارهما على نفسيهما بالزنا وعاملهما به واقام الحد عليهما بناء عليه. مع أن الحد يدرأ بالشبهة. فلو لم يكن الاقرار حجة قاطعة لدرأ الحد عنهما .. وايضا فقد قال فى قصة العسيف لرجل من اسلم هو انيس بن الضحاك .. واغد يا انيس الى امرأة هذا - وكانت من اسلم ايضا - فان اعترفت فارجمها فرتب الامر برجمها على اعترافها وهو الاقرار.
وهذا دليل حجيته ..
وأما الاجماع: فلان الامة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم الى عصرنا هذا قد اجمعت على أن الاقرار حجة على المقر بل هو من اقوى الحجج لأن احتمال الكذب به بعيد.
وأما القياس: فلانه قد ثبت بالدليل وجوب الأخذ بالشهادة وبناء الحكم عليها مع احتمال الكذب فيها لرجحان جانب الصدق على جانب الكذب. وافادتها العلم بالمشهود به لدى القاضى. واحتمال الصدق فى الاقرار اقوى من الشهادة لأن الانسان لا يشهد على نفسه الا وهو صادق عادة والبعد عن الريبة فيه اظهر من الشهادة. فلأن يجب الأخذ به والحكم بمقتضاه اولى
(1)
.
اركان الاقرار:
اركان الاقرار عند الشافعية اربعة: مقر ومقر له - ومقر به. وصيغة. وزاد بعضهم ركنا خامسا وهو المقر عنده من حاكم أو شاهد. واعترض على ذلك بانه لو كان هذا ركنا لما صح اقرار الشخص غالبا بحيث لا يسمعه الا الله تعالى. ثم تبين فيما بعد انه اقر خاليا. ولما جاز الاعتداد بهذا الاقرار ولم يكن للمقر له أن يطالبه بمقتضاه ولا أن يدعى به عليه. بحجة فساد الاقرار لعدم تحقق ركنه المذكور. وذلك ممنوع وغير مسلم ..
«وأركانه أربعة
(2)
مقر. ومقر له وبه. وصيغة» وعلق الشبراملسى فى الحاشية على ذلك بقوله:
وزاد بعضهم المقر عنده من حاكم أو شاهد.
وقد ينظر فيه بأنه لو توقف تحقق الاقرار على ذلك لزم انه لو اقر خاليا بحيث لا يسمعه الا الله تعالى. ثم بعد فترة تبين انه اقر خاليا فى يوم كذا لم يعتد بهذا الاقرار ولم يكن للمقر له المطالبة بمقتضاه ولا الدعوى بسببه لفساده وعدم صحته شرعا لعدم وجود ركنه المذكور والظاهر أن ذلك ممنوع قطعا فليتأمل.
(1)
المرجعان السابقان. والمهذب ج 2 صفحة 343.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 65.
بم يكون الاقرار
؟
الكلام على صيغة الاقرار
(1)
- وشرطها ان تكون لفظا أو كتابة ولو من ناطق أو اشارة من اخرس تشير بالالتزام بحق - وهذا صريح فى ان الاقرار يكون باللفظ. وبالكتابة ولو من القادر على النطق وبالاشارة من الأخرس.
ولم يذكر ما اذا كان يشترط لاعتبار الاشارة من الأخرس أن يكون عاجزا عن الكتابة.
وان كان مقتضى الاطلاق اعتبار اشارته ولو كان قادرا على الكتابة. وكذلك لم يذكر ما اذا كان السكوت يعتبر اقرارا او لا يعتبر.
فاذا جاء شخص الى قوم جلوس فى مجلس وقال: اشهدوا أن لى على فلان الف درهم.
وفلان هذا احد الجالسين فى المجلس. وسكت ولم يرد على هذا الكلام ولم يتكلم عنه لا نفيا ولا ايجابا .. فلا يعتبر سكوته اقرارا بالحق الذى يدعيه المتكلم. أو لا يعتبر كذلك ويقبل منه نفى هذا الادعاء .. ؟.
ويشترط أن يكون كل من اللفظ والكتابة والاشارة مشعرا بالالتزام بالحق على المقر - فلو قال: لزيد على الف درهم فيما أظن أو فيما احسب أو فيما أتوهم. أو كتب هذه العبارة. أو اشار بما يؤدى هذا المعنى لم يكن ذلك اقرارا صحيحا لأنه لا يشعر بالالتزام بالحق .. ولو قال أو كتب أو اشار بان لزيد على الف درهم فيما اعلم أو أتيقن صح الاقرار ولزم المقر به للاشعار بالالتزام بالحق.
واللفظ هو الاداة الأولى للاقرار. بل هو الاداة الأولى للاعراب عما يريده الشخص والافصاح عما يكنه فى نفسه - لا نزاع فى ذلك ولا خلاف فيه وهو اما صريح يدل على الاخبار وثبوت الحق المقر به على المقر لا يحتمل غير ذلك كقوله: لزيد على الف درهم - واما كناية يدل على الاخبار بثبوت الحق على المخبر بطريق الدلالة. كما اذا قال شخص لآخر:
لى عليك الف درهم. أو قال له: اقض الألف الذى لى عليك. أو قال: اليس لى عليك الف درهم؟ فقال المخاطب: فى جواب ذلك: بلى أو نعم أو صدقت أو نحو ذلك. فان هذا يدل على الاقرار بالحق المدعى به لأن ذلك موضوع للتصديق الا أن يقترن الجواب بقرينة تدل على الاستهزاء أو الانكار كالضحك وهز الرأس انكارا وتعجبا. فانه حينئذ لا يعتبر دالا على الاقرار ولا يعتد به وان قال المخاطب فى الجواب: أبرأتنى أو قضيته أو نحو ذلك.
فانه يدل على الاقرار بالحق لأنه يدعى الابراء أو القضاء .. وذلك اعتراف بالاصل ويشغل الذمة بالمقضى أو المبرأ منه. فيؤخذ بهذا الاقرار ولا يصدق فيما يدعيه من الابراء والقضاء الا بالدليل
…
وهذا مع ملاحظة أن الاقارير ونحوها مبنية على العرف المتبادر من اللفظ لا على دقائق العربية واعتبارات النحو
(2)
.
شروط صحة الاقرار:
شروط صحة الاقرار منها ما يرجع الى المقر ومنها ما يرجع الى المقر له. ومنها ما يرجع الى المقر به. ومنها ما يرجع الى الصيغة.
شروط المقر:
يشترط لصحة الاقرار فى المقر ما يأتى:
1، 2 البلوغ والعقل. وعبر صاحب
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 76.
(2)
المرجع السابق.
المنهاج بقوله - ويصح الاقرار من مطلق التصرف - وقال شارحه الرملى أى المكلف الرشيد ولو اماما بالنسبة لبيت المال أو وليا على المحجور عليه بالنسبة لما يمكنه افساده فى مال موليه كأن يقر بثمن شئ اشتراه له وثمنه باق للبائع أو انه باع كذا من مال الطفل على وجه يصح بيعه فيه. ولا يصح اقراره على الصبى بعد بلوغه ورشده بنحو بيع شئ من امواله قبل البلوغ والرشد ..
اما اقرار الامام على بيت المال فهو مقبول مطلقا دون التقيد بامكان انشائه.
فأقرار الصبى ولو مراهقا واذن له وليه والمجنون والمغمى عليه وكل من زال عقله مما يعذر به لاغ لسقوط اقوالهم. ولقول النبى صلى الله عليه وسلم. رفع القلم عن ثلاث.
عن الصبى حتى يبلغ. وعن النائم حتى يستقيظ وعن المجنون حتى يفيق - ولأنه التزام حق بالقول فلم يصح من الصبى والمجنون كالبيع فان ادعى الصبى البلوغ بالاحتلام أو ادعت الصبية البلوغ بالحيض مع امكان الاحتلام والحيض بأن كانا فى سن يحتمل البلوغ بذلك. وهو تسع سنين تحديدية بالنسبة للاحتلام وتقريبية بالنسبة للحيض صدق كل منهما فيما ادعاه اذ لا يعرف ذلك الا من جهتهما. ولا يعارضه امكان البنية على الحيض لأن فى ذلك عسر. ولا يحلف مدعى البلوغ عليه ان فرضت هنا لا خصومة لأنه ان صدق لم يحتج الى يمين وان لم يصدق فالصبى لا يحلف. وانما يحلف اذا كان هناك اتهام كما اذا كان غازيا فى الجيش وادعى الاحتلام وطلب منهم المقاتلة بعد الحرب وانكره امير الجيش. فأنه يحلف حينئذ لانه هنا يريد مزاحمة غيره فناسب تحليفه .. وأن ادعى البلوغ بالسن طولب باقامة بينة على بلوغه السن المقرر ولو كان غريبا غير معروف لسهولة اقامتها فى الجملة ولا بد فى بينة السن من بيان قدره لاختلاف الفقهاء فى ذلك.
وان كان الشاهد فقيها موافقا للحاكم فى مذهبه يكتفى منه بالشهادة على البلوغ دون تحديد قدر السن. والبينة رجلان أو أربع نسوة يشهدون بولادته يوم كذا.
اما لو ادعى البلوغ واطلق دون بيان الطريق الاحتلام أو السن. فالأوجه بقوله وان كان الاذرعى قد رجح أنه يستقر. ويمكن حمله على الندب وان شهدت البينة.
بالبلوغ من غير تعيين نوع قبلت وان كان الشاهدان فقيهين موفقين لمذهب الحاكم.
واقرار السفيه والمفلس - وهو ما يتفرع على اعتبار المقر غير محجور عليه للسفه والفلس - صحيح بالحدود والقصاص لأنه غير متهم فى ذلك. أما اقرارها بالمال. فلم يذكر
1 - اقرار المحجور عليه للسفه:
ولا يصح من المحجور
(1)
عليه لسفه حسا بأن بلغ رشيدا ثم طرأ عليه السفه فبذر أو شرعا بأن بلغ سفيها وحجر عليه لا يصح منه بيع ولو بغبطة أو فى الذمة ولا شراء. لأن تصحيح ذلك منه يؤدى الى ابطال معنى الحجر. لأن الحجر هو منع التصرف. ولأن البيع والشراء. اتلاف للمال أو مظنة الاتلاف ولا اعتاق حال حياته ولو بعوض كالكتابة فلو كان بعد الموت كالتدبير صح ولا هبة منه للغير لأن فيها اتلاف المال بخلاف الهبة له
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 354 وما بعدها.
من واهب رشيد فانها تصح مع كون المخاطب بها سفيها. وبخلاف قبوله الهبة فأنه يصح منه دون الوصية على المعتمد لأنه غير اهل لأن يتملك بعقد وقبوله الوصية تملك وليس القبول فيها فوريا بخلاف قبول الهبة. فأنه ليس بتملك. وانما الملك فيها بالقبض وهو من الولى. ويشترط - اتصال قبولها بالايجاب. وقد يوجد ايجابها مع غيبة الولى.
فكانت المصلحة فى تصحيح قبول الهبة منه.
واذا صح قبول الهبة من السفيه لا يجوز تسليم الموهوب اليه وان سلمه فلا ضمان .. ولا نكاح يقبله لنفسه بغير اذن وليه لانه اتلاف للمال أو مظنة اتلافه. وقوله بغير اذن وليه قيد فى الجميع. وقيل قيد فى النكاح خاصة اذ هو الذى يصح بالاذن دون ما قبله. اما قبول السفيه النكاح لغيره بالوكالة. فصحيح واما الايجاب فى النكاح فلا يصح منه مطلقا لا أصالة ولا وكالة ولو بأذن الولى
…
فلو اشترى السفيه أو أقترض من غير محجور عليه وقبض بأذنه أى بأذن من تصرف منه أو أقباضه وتلف المأخوذ فى يده قبل المطالبة له برده أو أتلفه هو فلا ضمان عليه فى الحال ولا بعد فك الحجر. لكنه يأثم لأنه مكلف بخلاف الصبى - وقيل يضمن بعد انفكاك الحجر كما حكاه الامام الغزالى وجها وضعفاه .. اما لو بقى المأخوذ فى يد السفيه بعد رشده ثم اتلفه ضمنه. وكذا لو تلف وقد امكنه رده بعد رشده فلو قال مالكه أنما أتلفه بعد رشده.
وقال آخذه: بل قبله. فان اقام بينة برشده حال اتلافه غرمه والا فالمتبادر اخذه بيمينه.
وكل ذلك تفقه وكله صحيح جار على القواعد .. اما اذا قبض ذلك من محجور عليه أو من غيره بغير اذنه أو تلف بعد المطالبة فانه يضمنه والاقتصار على الشراء والقرض مثال. فلو نكح رشيدة مختارة ووطئ لم يلزمه شئ كما نص عليه فى باب النكاح. وسواء فيما ذكر علم حال السفيه من عامله أو جهل بها. لأن من عامله سلطه على اتلافه باقباضه. وكان حقه أن يبحث عنه قبل معاملته .. ويصح بأذن الولى نكاحه ولا يصح اذن الولى التصرف المالى لأن عبارته مسلوبة كما لو اذن الصبى والثانى يصح كالنكاح. وفرق الاول بأن المقصود بالحجر عليه حفظ المال دون النكاح.
ومحل الخلاف اذا عين له وليه وقدر له الثمن والا لم يصح جزما وفيما اذا كان بعوض كالبيع فلو خلا عنه كعتق وهبة لم يصح جزما ويستثنى من الاطلاق المطاعم فيجوز له التصرف فيها للضرورة كما بحثه الامام. وما لو صالح عن قصاص ولو على أقل من الدية لأن له العفو مجانا يستبدل اولى أو عليه ولو على اكثر من الدية صيانة للروح.
ولا يصح اقراره بنكاح كما لا يملك انشاءه ولا بدين فى معاملة اسند وجوبه الى ما قبل الحجر أو الى ما بعده كالصبى. ولا يقبل اقراره بعين فى يده فى حال الحجر وكذا باتلاف المال أو جناية توجب المال فى الاظهر كدين المعاملة. والثانى يقبل لأنه اذا باشر الاتلاف يضمن فاذا أقر به قبل .. ورد بأن الصبى يضمن بأتلافه ولا يقبل اقراره به جزما .. وافهم التعبير بنفى الصحة (ولا يصح) عدم المطالبة به حال المحجور بعد فكه ظاهرا وباطنا. وهو كذلك. ويحمل القول بلزوم ذلك له باطنا اذا كان صادقا. على ما اذا كان سببه متقدما على الحجر أو مضمنا له فيه ..
نعم لو أقر بعد رشده بأنه كان اتلف مالا لزمه
الآن قطعا .. ويصح اقراره بالحد والقصاص لعدم تعلقهما بالمال .. ولبعد التهمة وسائر العقوبات مثلهما فى ذلك. ولو كان الحد سرقة قطع ولا يلزمه المال. ولو عفا مستحق القصاص بعد اقراره على مال ثلث لأنه تعلق باختيار غيره لا باقراره .. ويصح طلاقه مجانا ورجعته وخلعه زوجته ولو بأقل من مهر مثلها .. ويصح ظهاره وايلاؤه. ونفيه النسب لما ولدته زوجته بلعان أو غيره ونحو ما ذكر كاستيفاء القصاص وحد القذف لأن هذه التصرفات: فيما عدا الخلع. لا تعلق لها بالمال الذى حجر لاجله. واما الخلع فكالطلاق بل هو اولى وهو خاص بالرجل للمعنى المذكور لكن يسلم المال فى الخلع الى وليه. فان كان بطلاق سرى جارية ان احتاج الى الوط ء وقوله بلعان مثال ويصح استلحاقه النسب وينفق عليه من بيت المال ..
ولو اقر باستيلاد امته لم يقبل. نعم لو ثبت كون الموطؤة فراشا له وولدت لمدة الامكان ثبت الاستيلاد. قاله السبكى. لكنه فى الحقيقة لم يثبت بأقراره. اما حجر المفلس والاقرار فيه. فقد جاء فى نهاية المحتاج. ان الاصل فى هذا الحجر ما صح انه صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ بن جبل رضى الله عنه وباع ماله فى دين كان عليه وقسمه بين غرمائه فاصابهم خمسة اسباع حقوقهم. فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم. ليس لكم الا ذلك. ثم بعثه الى اليمن وقال له: لعل الله يجبرك ويؤدى عنك دينك. فلم يزل باليمن حتى توفى النبى صلى الله عليه وسلم ومن عليه ديون لآدمى لازمة حالة زائدة على ماله يحجر عليه وجوبا بسؤال الغرماء ولو بنوابهم كأوليائهم لأن الحجر لحقهم أو بسؤال المفلس نفسه فلا حجر بدين الله تعالى ولو حالا. ولا بالدين المؤجل لأنه لا يطالب به فى الحال ولا يغير الزائد على المال. والحاجر على المفلس هو الحاكم دون غيره لاحتياجه للنظر والاجتهاد وفى الحجر مصلحة للغرماء فقد يخص بعضهم بالوفاء فيضر الباقين وقد يتصرف فى المال فيضيع حق الجميع وان كانت الديون بقدر المال فان كان كسوبا ينفق من كسبه فلا حجر لعدم الحاجة بل يلزمه الحاكم بقضاء الدين كأن امتنع أكرهه عليه. وان التمس الغرماء الحجر عليه فى حالة الامتناع حجر عليه فى اظهر الوجهين وان زاد ماله على دينه.
وان لم يكن كسوبا وكانت نفقته من ماله فكذلك لا حجر عليه فى الاصح. والثانى يحجر عليه كيلا يضيع ماله فى النفقة واشهد الحاكم استحبابا على حجره واشهره بالنداء ليحذر الناس من معاملته. ولو تصرف المحجور تصرفا ماليا بأن ابتاع أو اشترى بالعين أو وهب واعتق أو وقف أو أجر أو كاتب ففى قول بوقف تصرفه. فان فصل ذلك عن الدين لارتفاع القيمة أو ابراء الغرماء أو بعضهم نفذ التصرف أى ظهر انه كان نافذا والا لغا والاظهر بطلانه فى الحال ويصح نكاحه ورجعته وطلاقه وخلعه زوجته واستيفاؤه القصاص واسقاطه ولو مجانا ولا يصبح استلحاقه النسب.
ولو أقر بعين مطلقا أو دين وجب قبل الحجر بنحو معاملة أو اتلاف فالأظهر قبوله فى حق الغرماء كما لو ثبت بالبينة. وكأقرار المريض بدين يزاحم غرماء الصحة ولانتفاء التهمة الظاهرة - وعلى هذا لو طلب الغرماء تحليفه على ذلك لم يحلف على الأصح اذ لا يقبل رجوعه عنه. والفرق بين الانشاء
والاقرار أن مقصود الحجر منع التصرف فالغى انشاؤه والاقرار اخبار والحجر لا يسلب العبارة عنه ويثبت عليه الديون بنكوله عن الحلف مع حلف المدعى كاقراره. والثانى لا يقبل اقراره فى حقهم لئلا يضرهم بالمزاحمة .. لانه ربما واطأ المقر له. وان اسند وجوب الدين الى ما بعد الحجر اسنادا معللا بمعاملة أو مطلقا لم يقبل منه فى حق الغرماء لئلا يزاحمهم صاحب الدين بل يطالب به بعد فك الحجر لتقصير من عامله فى حالة الاسناد الى معاملته ولتنزيل الاقرار على اقل المراتب وهو دين المعاملة فى حالة الاطلاق. فلو لم يسند وجوبه الى ما قبل الحجر ولا لما بعده. قال الرافعى:
قياس المذهب تنزيله على الاقل. وهو جعله كأسناده الى ما بعد الحجر وان قال: ان الدين وجب عن جناية ولو بعد الحجر قبل فى الاصح فيزاحم المجنى عليه الغرماء لانتفاء تقصيره والثانى لا يقبل كما لو قال عن معاملة وحاصله: ان ما لزمه بعد الحجر. ان كان برضا مستحقه لم يقبل فى حقهم والا قبل وزاحم الغرماء .. وللمحجور عليه لفلس أن يرد بالعيب أو الاقالة ما كان اشتراه قبل الحجر ان كانت الغبطة فى الرد لأنه ليس تصرفا مبتدأ بل هو من احكام البيع السابق. والحجر لا يسرى عكس ما مضى ولانه أحظ له والغرماء والاصح تعدى الحجر بنفسه دون توقف على حكم القاضى - الى ما حدث بعده بالاصطياد والهبة والوصية - وهذا هو الراجح لأن مقصود الحجر وصول الحقوق الى أربابها وذلك لا يختص بالوجود. والثانى لا يتعدى الى ما ذكر.
4 -
اما اقرار الرقيق وهو ما يتفرع على اعتبار الحرية فى المقر - ففيه التفصيل الآتى:
يقبل اقرار الرقيق بما يوجب عقوبة كقود وحد كزنا وشرب خمر وسرقة بالنسبة للقطع اما بالنسبة للمال فثبت فى ذمته تالفا كان أو باقيا. وذلك لبعد التهمة فى هذا الاقرار لأن النفوس مجبولة على حب الحياة والاحتراز عن الضرر وما يوجب الألم بقدر الامكان - ولو عفا ولى الدم عن القود على مال تعلق برقبته وان كذبه السيد لأنه وقع تبعا - ولو أقر بدين جناية لا توجب عقوبة أى حدا أو قودا كجناية خطأ أو غصب أو اتلاف أو أوجبت العقوبة كسرقة فكذبه السيد فى هذا الاقرار أو سكت ولم يصدقه تعلق الدين المقر به بذمته دون رقبته للتهمة فيتبع به اذا عتق ..
وان صدقه السيد ولم يكن جانيا جناية أخرى ولا مرهونا تعلق الدين المقر به برقبته فيباع فيه الا أن يعذبه السيد بأقل الامرين من قيمته وقدر الدين. ولا يتبع بما بقى بعد عتقه لأن ما تعلق بالرقبة منحصر فيها .. وان أقر بدين معاملة الى تجارة وهو ما وجب فرضا مستحقه لم يقبل اقراره على السيد ولو صدقه فلا يتعلق الدين برقبته بل يتعلق بذمته ويتبع به بعد عتقه. وهذا اذا لم يكن الرقيق المقر مأذونا له فى التجارة. فأن كان ماذونا له فى التجارة يقبل اقراره بدين التجارة لأنه قادر على الانشاء
…
ولهذا لو حجر عليه لم يقبل وان اضافه الى زمن الاذن لعجزه عن الانشاء حينئذ يتعلق بذمته ما لم يصدقه السيد. والا تعلق مكسبه وما فى يده
…
اما اذا اقر بدين لا يتعلق بالتجارة كالقرض فلا يقبل منه على السيد الا أن يصدقه فيقبل ويتعلق بكسبه وما فى يده
…
ويؤدى الرقيق ما لزمه من الدين من كسبه بنحو شراء صحيح لا فاسد لعدم تناول الاذن
له. وما فى يده من مال واقرار المبعض بالنسبة لبعضه القن كالقن وبالنسبة لبعضه الحر كالحر .. والاوجه خلافا لبعض المتأخرين ان ما لزم ذمته فى نصفه الرقيق يجب تأخير المطالبة به الى العتق اذ لا يتعلق بما ملكه بنصفه الحر فاقتضى الحال تأخير المطالبة به
(1)
.
وجاء فى المهذب
(2)
: ويصح اقرار العبد بالحد والقصاص لأن الحق عليه دون مولاه. ولا يقبل اقرار المولى عليه فى ذلك لأن المولى لا يملك من العبد الا المال .. وان جنى رجل على عبد جناية توجب القصاص أو قذفه قذفا يوجب التعزير ثبت القصاص والتعزير له. وله المطالبة به والعفو عنه وليس للمولى المطالبة ولا العفو عنه لأنه حق غير مال فكان له دون المولى
…
ولا يقبل اقرار العبد بجناية الخطأ لأنه ايجاب مال فى رقبته. ويقبل اقرار المولى عليه لأنه ايجاب حق فى ماله ..
ويقبل اقرار العبد المأذون له فى دين المعاملة ويجب قضاؤه من المال الذى فى يده لأن المولى سلطه عليه بالاذن. ولا يقبل اقرار غير المأذون فى دين معاملة فى الحال ويتبع به اذا عتق لأنه لا يمكن أخذه من رقبته لأنه لزمه برضا من له الحق وان أقر بسرقة مال لا يجب فيه القطع بان كان دون النصاب أو من غير حرزه وصدقه المولى وجب التسليم بأن كان باقيا. وتعلق برقبته ان كان تالفا لأنه لزمه بغير رضى صاحبه وان كذبه المولى كان فى ذمته يتبع به اذا عتق وان وجب فيه القطع قطع لأنه غير متهم فى ايجاب القطع. وفى المال قولان
5 -
وأما اقرار السكران - وهو ما يتفرع على اعتبار الصحو فى المقر - فان كان سكره بسبب مباح كمن يسكر من الدواء أو يشرب مكرها - فأنه يكون كالمجنون يلغو اقراره ولا يعتبر ولا يترتب عليه اثر. وان كان سكره بسبب محظور كمن يتعاطى الخمر أو المسكر وهو يعلمه وليس مكرها ولا مضطرا. فأن اقراره يعتبر ويكون صحيحا. وتترتب عليه الاثار مؤاخذة له وزجرا عن ارتكاب المحظور كطلاقه يقع منه زجرا وعقابا له
(3)
.
6 -
الاختيار - فلا يصح اقراره المكره بما اكره عليه بغير حق لقوله تعالى - الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان - جعل الاكراه مسقطا لحكم الكفر فبالأولى ما عداه يسقط حكمه بالاكراه. ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ولانه قول اكره عليه بغير حق فلم يصح كالبيع .. وصورة اقرار المكره أن يضرب ليقر بالحق المدعى به. فلو ضرب ليصدق فى قضية اتهم فيها فأقر بالتهمة فأن اقراره يكون صحيحا سواء اقر فى حال الضرب أو بعده ويلزمه ما اقر به لأنه لا يعتبر مكرها اذ المكره من اكره على شئ واحد. وهذا لم يكره على الاقرار بل اكره على الصدق ولم ينحصر الصدق فى الاقرار. لكن يكره شرعا الزامه بمقتضى هذا الاقرار حتى يراجع ويقر ثانيا
وقال الاذرعى: الولاة فى هذا الزمان يأتيهم من يتهم بسرقة أو قتل أو نحوهما فيضربونه ليقر بالحق ويراد بذلك الاقرار بما ادعاه خصمه .. والصواب ان هذا اكراه سواء
(1)
نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى عليه ج 5 ص 68، 69.
(2)
المهذب - ج 2 ص 343، 344.
(3)
المهذب - ج 2 ص 343.
اقر فى حال ضربه أم بعده أن علم انه ان لم يقر بذلك ضرب ثانيا. وهذا مسلم ومتعين.
ولو اقر بشئ وذكر انه مختار فيه ونقله طواعية لم تقبل بينته بأنه كان مكرها الا أن يثبت انه كان مكرها حتى على الاقرار بالطواعية والاختيار قال ابن عبد السّلام فى فتاويه واذا فصل دعوى الاكراه صدق فيها ان ثبتت قرينة تدل عليه كحبس بدار ظالم وكتقييد. قال القفال ويسن أن لا تشهد بينة بالأقرار حيث دلت قرينة على الاكراه. وان شهدت تكتب صورة الحال لينتفع المكره بذكر القرينة وذكر السبكى انه تحرم الشهادة على مقيد أو محبوس
(1)
.
(7)
واذا ادعى المقر انه كان كاذبا فى اقراره لا تقبل منه هذه الدعوى ويؤخذ بما أقر به
(2)
.
واقرار المريض مرض الموت:
وهو ما يتفرع على اعتبار المقر غير مريض مرض الموت ففيه التفصيل الآتى:
يصح اقرار المريض مرض الموت لاجنبى بمال عينا كان او دينا كاقرار الصحيح ويكون من رأس المال بالاجماع كما قاله الغزالى ويكون للوارث تحليف المقر له على الاستحقاق فان نكل المقر له عن الحلف حلف الوارث وبطل الاقرار خلافا للقفال .. وذكر فى مغنى المحتاج ان ابن الملقن حكى ان الوارث لو اراد تحليف المقر له الاجنبى لم يكن له ذلك كرأى القفال - .. وكذا يصح اقرار المريض لوارث حال الموت بمال عينا كان او دينا كالاجنبى على المذهب وان كذبه بقية الورثة او بعضهم لان الظاهر انه محق لانتهائه الى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر وفى قول لا يصح لانه متهم بحرمان بعض الورثة. والطريق الثانى فى القطع بالقبول دون خلاف ..
واختار جمع عدم قبوله ان اتهم لفساد الزمان بل قد تقطع القرائن بكذبه. قال الاذرعى فلا ينبغى لمن يخشى الله ان يقضى ويفتى بالصحة ولا شك فيه اذا علم ان قصده الحرمان. وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ وانه لا يحل للمقر له اخذه .. ولبقية الورثة تحليف المقر له انه اقر له بحق لازم يلزمه الاقرار به فأن نكل حلف وقاسموه .. ولا يسقط اليمين بأسقاطهم فأن ارادوا التحليف بعد الاسقاط جاز صرح به جمع. ويجرى الخلاف فى اقرار الزوجة بقبض صداقها من زوجها فى مرض موتها .. ويصح اقرار المريض بنحو عقوبة او نكاح جزما وان افضى الى مال ولو كان للمريض دين على وارثه ضمنه به اجنبى فأقر المريض بقبض هذا الدين من الورثة لم يبرأ الوارث منه وفى براءة الاجنبى الضامن وجهان أوجههما انه يبرأ ونظر بعضهم فى عدم براءة الوارث اذ هذا لا يزيد على الاقرار له بالدين. وقد تقدم انه يصح ..
ولو أقر فى صحته بدين لشخص وفى مرضه بدين لآخر لم يقدم الاول بل يساوا الدينان كما لو اقر بهما فى الصحة او المرض .. ولو أقر فى صحته أو مرضه بدين لشخص وأقر وارثه بعد موته بدين لاخر لم يقدم الاول فى الاصح لان اقرار الوارث كاقرار المورث فكأنه اقر بالدينين ويتساويان. والثانى يقدم الاول لانه بموت المورث المقر تعلق بالتركة فليس للوارث صرفها عنه ولو أقر الوارث لمشاركة فى الارث وهما يرثان كل التركة
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 71، 72 ومغنى المحتاج ج 2 ص 223
(2)
الاشباه والنظائر للسيوطى ص 575
كزوجة وابن اقر لهما بدين على ابيه وهى مصدقة له. ضاربت بسبعة أثمان الدين مع أصحاب الديون لأن الاقرار صدر ممن عبارته نافذة فى سبعة اثمان فعملت عبارته فيها كعمل عبارة الحائز فى الكل.
ولو ادعى انسان على الوارث ان مورثه أوصى له بثلث ماله مثلا. وادعى آخر بأن له عليه دينا مستغرقا .. وصدق الوارث مدعى الوصية ثم مدعى الذين المستغرق او بالعكس او صدقهما معا. قدم الدين كما لو ثبتا بالبينة .. ولو أقر المريض لانسان بدين ولو مستغرقا ثم أقر لآخر بعين قدم صاحبها كعكسه لان الاقرار بالدين لا يتضمن حجرا فى العين بدليل نفاذ تصرفه فيها بغير تبرع - .. ولو أقر بأعتاق أخيه. فى الصحة عتق وورث ان لم يحجبه غيره ولو أقر باعتاق عبد فى الصحة وعليه دين مستغرق لتركته عتق العبد لان الاقرار اخبار لا تبرع
(1)
.
ويشترط لصحة الاقرار ايضا الا يكذب المقر له المقر فى اقراره. فان كذبه فيه بطل الاقرار وترك المال المقر به فى يد المقر ان كان عينا ولم يطالب بالدين او كان المقر به دينا فى الاصح لان يده مشعرة بالملك ظاهرا ..
والاقرار الطارئ عارضه التكذيب فسقط.
ومن ثم كان المعتمد ان يده تبقى عليه يد ملك لا مجرد استحفاظ والثانى ينزعه الحاكم من يده ويحفظه الى ظهور مالكه .. واذا بقى المال فى يد المقر على الاصح قال الزركشى فينبغى ان يجوز له جميع التصرفات فى هذا المال ما عدا الوط ء لاعترافه بتحريم ذلك عليه بل ينبغى أن يمتنع عليه جميع التصرفات حتى يرجع عن الاقرار. ويرد بأن التعارض المذكور أوجب له العمل بدوام الملك ظاهرا فقط.
واما باطنا فالمدار فيه على صدقه وعدم صدقه ولو ظنا. فان رجع المقر فى حال تكذيب المقر له اياه وقال: غلطت فى الاقرار أو تعمدت الكذب قبل قوله فى الاصح لما مر من ان يده عليه يد ملك. والثانى لا يقبل بناء على ان الحاكم ينزعه منه ويحفظه الى ظهور مالكه. اما لو رجع المقر له عن تكذيب المقر وصدقه فى الاقرار وطالبه بالمقر به - فانه لا يقبل منه ولا يصرف اليه المقر به الا باقرار جديد يصدقه فيه لأن نفيه عن نفسه بطريق المطالبة ونفى المقر عن نفسه كان بطريق الالتزام فكان اضعف فصح منه الرجوع دون المقر له .. وتكذيب وارث المقر له كتكذيبه حتى لو اقر الشخص لميت او لمن مات بعد الاقرار تكذب الوارث المقر فى الاقرار بطل الاقرار فى حقه اما فى حق غيره فيصح كما لو اقر بجناية على المرهون وكذبه المالك. فانه وان لم يصح فى حق المالك صح فى حق المرتهن حتى يستوثق بأرشها ولو أقرت له امرأة بالنكاح وانكر سقط حقه. قال المتولى: حتى لو رجع بعد الانكار وادعى نكاحها لم تسمع دعواه ما لم يدع نكاحا مجردا. وانما احتيج الى ذلك لانه يعتبر فى صحة اقرار المرأة بالنكاح تصديق الزوج لها فأحتيط له بخلاف غيره ..
ولو اقر لاخر بقصاص او حد قذف وكذبه المقر له سقط وكذا حد سرقة وبالنسبة للمال فيها يترك فى يده
(2)
.
(1)
نهاية المحتاج ص 69، 70، 71 ومغنى المحتاج ج 2 ص 222، 223.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 75، ومغنى المحتاج ج 2 ص 224، 225.
شروط المقر له:
ويشترط لصحة الاقرار فى المقر له ما يأتى:
(1)
ألا يكون المقر له مجهولا جهالة فاحشة تمنع من مطالبته بالمقر به. وذلك بأن يكون معروفا بعينه نحو ان يقول: لزيد على الف درهم. او مجهولا جهالة يسيرة بحيث يمكن تعيينه ومطالبته بالمقر به نحو ان يقول مخاطبا عشرة اشخاص او مشيرا اليهم: لواحد من هؤلاء العشرة على الف درهم فأنه يصح الاقرار. ويطلب اليه البيان والتعيين. اما اذا كان مجهولا جهالة فاحشة بحيث لا يمكن تعيينه كأن يقول: لواحد من الناس على الف درهم او لواحد من البلد على الف درهم.
وكان اهل البلد غير محصورين اى كثيرين.
فان الاقرار لا يصح. ولو قال واحد من أهل البلد: أنا المعنى بهذا الاقرار ولى عليك الف درهم. يصدق المقر بيمينه فيما يقوله. ولو اقر بعين لمجهول كعندى مال لا أعرف مالكه لواحد من أهل البلد وكانوا غير محصورين نزع منه المال المقر به اى نزعه منه ناظر بيت المال لانه اقرار بمال ضائع وهو لبيت المال ..
والاوجه تقييد ذلك بما اذا لم يدع او تقم قرينة على انه لقطة. والا لم ينزع من يده.
(2)
أن يكون المقر له اهلا لاستحقاق المقر به حسا او شرعا والا لا يصح الاقرار اذ الاقرار بدون توفر ذلك يكون كذبا. فلو قال: له على الالف الذى فى هذا الكيس وليس فيه شئ فان الاقرار يكون لغوا لان الحس يكذبه. ولو قال: لهذه الدابة على كذا يكون الاقرار لغوا ايضا لانتفاء أهلية استحقاق الدابة شرعا لعدم قابليتها للملك حالا ومآلا. ولا يتصور منها تعاطى بيت الملك كالبيع مثلا ونحوه. نعم لو اضافه الى سبب ممكن كاقرار بمال من نحو وصية صح كما قال له الماوردى. ومحل بطلان الاقرار للدابة انما هو فى المملوكة لشخص كما قال الاذرعى أما الاقرار لخيل مسبلة فالأشبه فيه الصحة ويحمل على انه من غلة وقف وقف على الخيل المقر لها او وصية لها. وبذلك صرح الرويانى واقتضى كلامه انه لا خلاف فيه ولو قال: على لهذه الدابة بسببها لمالكها مائة درهم صح الاقرار ولزمه المقر به لامكان ذلك لها بسبب جناية عليها او بسبب استيفاء منفعتها باجارة او غصب. ويحيل مالكها فى كلامه على مالكها حال الاقرار لانه الظاهر. فان اراد مالكا غيره قبل منه. ولو لم يقل لمالكها لم يحكم بذلك لمالكها حال الاقرار بل يرجع فى التعيين الى المقر ويعمل بتفسيره .. وليس فى ذلك ابهام للمقر له يمنع من صحة الاقرار لانه ربط اقراره بمبين وهو هذه الدابة فصار المقر معلوما متبعا فأكتفى به. بخلاف ما اذا قال: لرجل من اهل هذه البلدة على كذا ولم يكونوا محصورين لان البلدة على كذا وان عينت كالدابة لكنها ليست سببا للاستحقاق فلم تصلح للاستتباع .. ولو قال لحمل هند على او عندى كذا بأرث من ابيه مثلا او وصية له مقبولة من فلان او لغيرها مما يمكن فى حق الحمل صح الاقرار ولزمه المقر به لان ما اسنده اليه من الارث والوصية ممكن. والخصم فى ذلك ولى الحمل بعد الوضع .. ثم ان انفصل الحمل ميتا أو حيا لاكثر من اربع سنين من وقت الاستحقاق مطلقا سواء كانت أمه فراشا أولا أو لستة أشهر فأكثر وهى فراش لم يستحق شيئا مما أقر به
له ويكون المقر به لورثة المورث او الموصى أو لغيرهم مما اسند اليه. وان انفصل حيا لدون ستة أشهر من حين سبب الاستحقاق او لستة اشهر فأكثر الى اربع سنين ولم تكن أمه فراشا استحق المقر به .. ثم ان استحقه بوصية فله الكل ذكرا كان او انثى. وان استحقه بارث من الاب فله الكل ايضا ان كان ذكرا وان كان انثى فلها النصف. وان ولدت ذكرا وانثى معا فهو بينهما بالسوية ان اسنده الى وصية وأثلاثا للذكر مثل حظ الانثيين ان اسنده الى ارث وان اسده الى جهة لا تمكن فى حق الحمل كأن يقول: لحمل فلانه على او عندى كذا أو اقرضنى او باعنى به شيئا فان الاقرار يكون لغوا للقطع بكذبه فى ذلك اذ لا يتصور أن يقرضه او يبيعه الحمل شيئا وقطع بذلك فى المحرر وصححه فى الروضة .. والذى فى الشرحين فيه طريقان اصحهما القطع بالصحة والثانى على القولين فى تعقيب الاقرار بما يرفعه .. وان اطلق الاقرار ولم يسنده الى شئ ممكن او غير ممكن صح فى الاظهر وحمل على جهة ممكنة فى حق الحمل وان ندر حملا لكلام المكلف على الصحة بقدر الامكان .. والثانى لا يصح لان الغالب ان المال لا يجب الا بمعاملة او جناية. والمعاملة مع الحمل ممتنعة ولا جناية عليه. فيحمل الاطلاق على الوعد وعلى القول بالصحة فى هاتين الحالتين ان الفصل الحمل ميتا فلا شئ له للشك فى حياته. فيسأل القاضى المقر حسبة عن جهة اقراره من ارث او وصية لينقل الحق الى مستحقه. وان مات المقر قبل البيان بطل الاقرار كما صرح به البغوى.
وان انفصل جاء للمدة المعتبرة شرعا فالكل له ذكرا كان او انثى وان جاء ذكرا او انثى فهو لهما بالسوية. وان القت حيا وميتا جعل المال كله للحى لان الميت كالمعدوم .. والاقرار للمسجد والرباط والقنطرة كالاقرار للحمل.
وان أقر لطفل واطلق صح قطعا لانه من اهل المعاملة بواسطة وليه.
شروط المقر به:
يشترط فى المقر به لصحة الاقرار ما يأتى:
(1)
ان يكون مما تجوز المطالبة به - اى مما يجرى فيه التمانع بين الناس ويقصد ملكه والانتفاع به. فلو كان مما يجرى فيه التمانع ككف حنطة وحفنة تراب فلا يصح الاقرار به.
(2)
الا يكون فى عبارة الاقرار ما يدل على انه ملك للمقر حين الاقرار لان الاقرار ليس ازالة لملك المقر عن المقر به واثباته للمقر له. وانما اخبار بأن المقر به ملك للمقر له من اول الامر فلابد من تقديم المخبر عنه على الخبر - فلو قال: دارى او ثوبى او دارى التى اشتريتها لنفسى لزيد أو دينى الذى على زيد لعمرو. فهو لغو، لان الاضافة اليه تقتضى ان الملك فى المقر به ثابت له فيتنافى اقراره به لغيره اذ هو اخبار بسابق عليه.
فيحمل على انه وعد بالهبة .. ولو قال:
مسكنى او ملبوسى او الدار التى اسكنها او الثوب الذى البسه لزيد. يصح ويكون اقرارا تترتب عليه اثاره اذ الاضافة والوصف هنا لا يدلان على الملك فقد يسكن الانسان او يلبس غير ملكه. ومن ثم لو اراد بالاضافة فى قوله: دارى لزيد اضافة سكنى صح الاقرار كما قال البغوى فى فتاويه ويحث
الاذرعى استفساره عند الاطلاق والعمل بقوله ولو قال: هذا الثوب لفلان وكان ملكى الى أن اقررت به. فأول كلامه وهو قوله: هذا الثوب لفلان - اقرار صحيح. وآخره وهو قوله - وكان ملكى الى ان اقررت به. - لغو فيطرح آخره ويعمل بأوله لاشتماله على جملتين مستقلتين.
(3)
ان يكون المقر به من الاعيان فى يد المقر حسا او حكما - كالمعار او المؤجر تحت يد غيره ليسلم بالاقرار الى المقر له.
لانه اذا لم يكن فى يده يكون اما مدعيا او شاهدا بغير لفظيهما فلم يقبل .. واشتراط كون المقر به بيد المقر انما هو بالنسبة لاعمال الاقرار وترتيب حكمه عليه وهو التسليم وليس شرطا لصحة الاقرار حتى يقال: انه يكون لاغيا. بل الاقرار يقع صحيحا. ومتى حصل المقر به بيد المقر لزمه تسليمه الى المقر له. ويستثنى مما ذكر ما لو باع شخص عينا بشرط الخيار للبائع والمشترى معا ثم ادعى رجل المبيع لنفسه فأقر البائع فى مدة الخيار بأن المبيع له فأن الاقرار يكون صحيحا وينفسخ البيع لان له الفسخ فصح اقراره ..
واشتراط ان يكون المقر به فى يد المقر. ان يكون فى يده لنفسه فلو كان فى يده بصفته نائبا عن غيره كناظر وقف وولى محجور لم يصح اقراره .. وقيد بالعين لان الدين لا يأتى فيه ما ذكر. لكن ذكر فى حاشية الشبراملسى ان الوارث لو أقر فى حياة مورثه بأن ما يورثه على زيد لا يستحقه ثم مات مورثه وصار الدين للوارث المقر بمقتضى اقراره فليس له مطالبة المدين بالدين. فلو اقر ولم يكن المقر به فى يده ثم صار فى يده بعد ذلك عمل بمقتضى الاقرار ولزمه أن يسلمه الى المقر له فى الحال .. فلو اقر بحرية عبد معين فى يد غيره او شهد بحريته ثم اشتراه لنفسه او ملكه بوجه آخر من وجوه الملك حكم بحرية العبد بعد انقضاء مدة خيار البائع وهو وقت استقرار الملك للمشترى وترفع يد المشترى عنه لوجود الشرط. وهذا اذا اشتراه لنفسه اما لو اشتراه لغيره كالوكيل يشتريه لموكله لم يحكم بحريته لان الملك يقع للموكل ابتداء
(1)
.
شروط الصيغة:
يشترط فى صيغة الاقرار ما يأتى:
(1)
ان تكون لفظا او كتابة ولو من القادر على النطق والكلام او اشارة من اخرس فان ذلك كله يستعمل فى الاقرار ويدل عليه.
واللفظ هو الاداة الاصلية والاولى للاقرار بل هو الاداة الاصلية والاولى للاعراب عن ما فى النفس وأداء ما يريده الانسان ويجول بخاطره وهذا قدر لا يخالف فيه احد واللفظ اما ان يدل على الاقرار دلالة صريحة كقول الشخص لزيد على او عندى او فى ذمتى كذا ونحو ذلك من العبارات والصيغ المتفق على انها صريحة فى الاقرار .. واما ان يدل على الاقرار بطريق الدلالة والمفهوم بناء على الاصح المقرر فى الاصول من ان المفهوم يعمل به فى غير اقوال الشارع كما صرحوا به فى اكثر مسائله كأن يقول شخص لآخر: اقرضتك كذا فيقول المخاطب: ما اقترضت الا هو فأن
(1)
نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى عليه ج 5 ص 81 وما بعدها .. ومغنى المحتاج ج 2 ص 227 وما بعدها.
هذا التعبير اقرار بالاقتراض اذ هو فى قوله ما اقترضت الا هو وثبوت الاقتراض بذلك من اعلى المفاهيم .. وهذا صريح فى العمل فى الاقرار بالمفهوم ولا خلاف فى اختيار ذلك والعمل به فى الفاظ وعبارات اطرد العرف فى استعمالها مرارا منها ذلك .. وانما الخلاف فى مفهوم لفظ لم يطرد العرف فى استعماله مرادا منه الاقرار.
(2)
ان تسفر الصيغة سواء كانت لفظا صريحا او دلالة او كانت كتابة او اشارة بالالتزام بالحق المقر به - كأن يقول: لزيد على او عندى او فى ذمتى كذا ويقتصر على ذلك. فأنه صريح فى الالتزام بالحق المقر به او ان يقول: لزيد على الف فيما أعلم او أشهد أو اتيقن فان ذلك يدل على التيقن بالالتزام والعلم بالشهادة به فاذا لم تدل الصيغة على الالتزام فان اشتملت ما يدل على عدم الجزم بالالتزام فان الاقرار لا يصح ويكون لغوا ولا يطالب المقر بالمقر به وذلك مثل ان يقول لزيد على أو عندى أو ذمتى كذا فيما احسب أو أظن لان المطلوب فى الاقرار اليقين او الظن الغالب وما ذكر يدل على مجرد الظن فلا يعمل به.
والصيغ التى تستعمل فى الاقرار لا تجرى كلها على نسق واحد ولا تتفق فى دلالتها على متعلق الاقرار أى المقر به. بل ان من هذه الصيغ ما يدل على الاقرار بالدين ومنها ما يدل على الاقرار بالعين ومنها ما يصلح للدلالة على الاقرار بهما وفى هذه الحالة يرجع الى المقر فى التفسير وتعيين المقر به.
وذلك اخذا من معانى الالفاظ اللغوية او ما جرى به استعمالها عرفا وملاءمة هذه المعانى للتعلق بالدين او بالعين فقد قالوا: ان قول الشخص: لزيد كذا .. صيغة اقرار صحيح يدل على الالتزام ويترتب عليه اثره وهو لزوم التسليم تسليم المقر به للمقر له .. ووجهه الاسنوى بأن اللام فى قوله - لزيد. تدل على الملك. ومحله كما قال هو وغيره اذا كان المقر به معينا كهذا الثوب بان يقول: هذا الثوب او هذا العبد لزيد - فان الاقرار يكون صحيحا ويجب ان يسلم المقر به للمقر له ان كان بيده او انتقل اليها بعد ذلك ..
اما اذا كان المقر به غير معين كألف او ثوب فلابد لصحة الاقرار ان ينضم الى العبارة لفظ من الالفاظ التى تدل على الالتزام بالدين كأن يقول على او فى ذمتى الف لزيد. أو يقول معى او عندى لزيد ثوب. لانه بدون هذا الضم يكون مجرد خبر لا يقتضى لزوم شئ للمقر ولا يشعر بالالتزام بشئ .. ثم انه اذا اضاف المقر لفظا من هذه الالفاظ المشعرة بالالتزام ولكنه عقب عبارة الاقرار ووصل بها ما يخرجها عن الاقرار كان يقول لزيد على الف بعد موتى او ان فعل كذا لنا الاقرار ولا يلزمه شئ كما بحثه الاذرعى.
وقول المقر: على او فى ذمتى يستعمل فى الاقرار بالدين الملتزم به فى الذمة لانه المتبادر منه عرفا وهذا عند الاطلاق فان ادعى ارادته العين قبل منه فى لفظ: على فقط لامكانه بالنسبة له اى على حفظها. وسيأتى أنه اذا فسر فى قوله: لزيد على كذا - بالوديعة يقبل منه هذا التفسير.
وقول المقر: معى او عندى. يستعمل فى الاقرار بالعين لانهما ظرفان فيعمل كل
منهما عند الاطلاق على عين له بيده. فأن ادعى انها رومية وانها تلفت او انه ردها صدق بيمينه.
وقول المقر: قبلى بكسر القاف وفتح الباء صالح للاستعمال فى الاقرار بالدين والعين كما جرى عليه ابن المقرى تبعا لما رجحه الشيخان بحثا بعد نقلهما عن البغوى انه للدين .. قال الاسنوى ولو اتى بلفظ يدل على العين واخر يدل على الدين كأن يقول - لزيد على ومعى عشرة فالقياس انه يرجع اليه فى تفسير بعض ذلك بالعين وبعضه بالدين.
ولو قال شخص لآخر: لى عليك الف أو اقض الالف الذى لى عليك، فقال المخاطب زن او خذ او زنه او خذه او أختم عليه او اجعله فى كيسك. أو هى صحاح او مكسرة فان هذا الجواب لا يعتبر اقرارا بالحق المدعى لانه ليس بالتزام وانما يذكر فى معرض الاستهزاء .. ولو قال المخاطب فى الجواب:
بلى او نعم أو صدقت. أو ابرأتنى منه أو قضيته او انا مقر به أو لا أنكر ما تدعيه. فان هذا الجواب يعتبر اقرارا صحيحا بالمدعى به ويلزم المقر ما اقر به لان قوله: بلى او نعم او صدقت موضوع للتصديق.
نعم لو اقترن واحد من هذه الالفاظ بقرينة استهزاء كأن يورد الكلام مع الضحك او هز رأسه مما يدل على التعجب والانكار لم يكن اقرارا .. ولان قوله أبرأتنى او قضيته فلأنه قد اعترف بشغل ذمته بالمدعى به وادعى الاسقاط بالابراء أو القضاء. والاصل عدمه فلا يصدق فيه الا أن يقدم دليلا يثبت ذلك فيقبل منه ولا يعتبر اقرارا .. ولو حذف الضمير من الاجابة بالابراء فقال: أبرأتنى لم يكن اقرارا لاحتماله الابراء من الدعوى وهو لغو. وكذا لو قال فى الجواب أقر انه أبرأنى أو استوفى منى لا يكون اقرارا.
كما أفتى به القفال. وهى حيلة لدعوى البراءة مع السلامة من الالتزام .. وقوله: انا مقر به اعتبر اقرارا لان الضمير فى به عائد الى الالف المدعى بها فلا حاجة لقوله. لك ..
ولو قال فى الجواب: ان شهدا على بما تدعيه صدقتهما او فهو عندى لم يكن اقرارا لانتفاء الجزم - اما لو قال ان شهدا على بكذا فهما صادقان فهو اقرار بالحق المدعى لانهما لا يكونان صادقين الا ان يكون عليه المدعى به الان به فيلزمه وان لم يشهدا عليه ولو قال من شهد عليه بالحق: هو عدل أو صادق فليس اقرار الا اذا قال - فيما شهد به ولو قال فى جواب الكلام المتقدم: أنا مقر ولم يقل به. أو أنا اقر به فليس بأقرار. لان الاول يصدق بأقراره ببطلان ما يدعيه او بوحدانية الله تعالى. ولان الثانى يحتمل الوعد بالاقرار فى ثانى الحال .. فان قيل لو قال: لا أنكر ما تدعيه كان اقرارا مع احتمال الوعد بعدم الانكار. فهلا كان قوله - أنا أقر به كذلك أجيب بأن العموم الى النفى اسرع منه الى الاثبات بدليل النكرة فانها تعم فى حيز النفس دون الاثبات، واجيب أيضا بأن المفهوم عرفا من قوله. لا انكر ما تدعيه انه اقرار بخلاف قوله: انا اقر به.
ولو قال المدعى: أليس لى عليك كذا.
او هل لى عليك كذا. فقال المخاطب: بلى او
نعم فهو اقرار بالحق المدعى به. لانه المفهوم من ذلك .. وفى الاجابة بنعم وجه آخر انه ليس باقرار لانه موضوع لتصديق النفى المستفهم منه بخلاف بلى فانها رد للنفى ونفى النفى اثبات. ولهذا جاء عن ابن عباس رضى الله عنهما فى آية (ألست بربكم) لو قالوا نعم لكفروا .. ورد هذا الوجه بان الاقارير ونحوها مبنية على العرف المتبادر من اللفظ لا على دقائق العربية. ولا فرق فى ذلك بين النحوى وغيره واختار الغزالى فى المستجدل التفصيل بين النحوى وغيره.
ولو قال المتكلم: أقضى الالف الذى لى عليك او اخبرت ان لى عليك الفا. فقال المخاطب فى جوابه: نعم او بلى او أى لفظ بمعنى نعم او اقضى غدا أو امهلنى يوما أو حتى اقعد أو افتح الكيس أو أجد المفتاح. فان هذا الجواب يعتبر اقرارا فى الاصح ويلزم المجيب بالمقر به ان يسلمه ان كان فى يده او ينتقل اليها لان هذا هو المفهوم من هذه الالفاظ
…
والثانى لا يكون اقرارا لانها ليست صريحة بالالتزام.
قال الاسنوى: وما ذكر من اللزوم فى جوابه بقوله اقضى غدا ونحوه عما عرى عن الضمير العائد على المال المدعى به مردود بل ان يتعين ان يكون ذلك عند انضمام الضمير كقوله: اعطه نحو ذلك. فان اللفظ بدون الضمير محتمل ان يراد به المذكور وغيره على السواء. ولهذا كان مقرا فى قوله: أنا مقر به دون - أنا مقر لوجود الضمير فى الاول دون الثانى ولو قال: كان لك على الف او كانت لك عندى دار لا يعتبر اقرارا لانه لم يعترف فى الحال بشئ والاصل براءة الذمة.
ولو كتب - لزيد على الف او كتبه غيره فقال: اشهدوا على بما فيه لى. لان الكتابة بدون لفظ ليست اقرارا .. ويؤخذ من ذلك أن الكتابة من الاخرس عند القرينة المقره ليست لغوا .. ولو لقن اقرارا او غيره بغير لغته وقال: لم افهمه وامكن عدم فهمه له بان لم يكن له مع اهل تلك اللغة اختلاط صدق بيمينه ..
ولو قال اقررت وانا صبى أو مجنون او مكره .. وامكن الصبا وعهد الجنون او كانت امارة على الاكراه من حبس او ترسيم او نحو ذلك صدق بيمينه لظهور ما قاله. ولان الاصل بقاء ما كان على ما كان. فان لم يكن الصبا ولم يعهد الجنون ولم تكن امارة على الاكراه لم يصدق فى قوله ..
والامارة انما تثبت باعتراف المقر له او بالبينة او باليمين المردودة. فان قامت بينة فى الصور الثلاث يكون المقر حين اقراره بالغا فى الاولى او عاقلا فى الثانية او مختارا فى الثالثة عمل بها ولا يصدق لتكذيبه البينة
(1)
يراجع الكلام على الصيغة وشروطها.
الاقرار بالمجهول:
ويصح الاقرار بالمجهول سواء أكان ابتداء أم جوابا عن دعوى لان الاقرار اخبار عن حق سابق .. والشئ يخبر عنه مفصلا تارة ومجملا تارة أخرى اما للجهل به او لثبوته مجملا بوصيته ونحوها أو لغير ذلك ..
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 76 - 80 ومغنى المحتاج ج 2 ص 225 - 227.
ويخالف الانشاءات حيث لا يحتمل الجهالة احتياطا لابتداء الثبوت وتحرزا عن الغرر.
قال السبكى والمبهم كأحد العبدين فى معنى المجهول .. فلو قال الشخص: له على شئ قبل تفسيره بكل ما يتمول وان قل كفلس لصدق اسم الشئ عليه .. وضابط المتمول كما قال الامام - ما يسد مسدا او يقع موقعا يحصل به جلب نفع او دفع ضرر. ويأتى حكم ما اذا امتنع من التفسير او فسر ولكن نوزع فى تفسيره .. ولو فسره بما لا يتمول لكنه من جنس المال كحبة حنطة او قمع باذنجانة او قشرة لوز او فستق. أو فسر بما لا يتمول وليس من جنس المال ولكن يقتنى ككلب معلم للصيد او قابل للتعليم او سرجين وكل نجس يقتنى كجلد ميتة تطهر بالدباغ قبل تفسيره فى الامرين فى الاصح لصدق اسم الشئ على كل منهما. وهو يحرم اخذه ويجب رده.
والثانى لا يقبل تفسيره فى الامرين لان الأول وهو مالا يتمول من جنس المال لحبة الحنطة لا قيمة له فلا يصح التزامه بكلمة على ولان الثانى وهو مالا يتمول وليس من جنس المال ولكن يقتنى كالكلب المعلم او القابل للتعلم او النجس الذى يقتنى كالسرجين وجلد الميتة الذى يطهر بالدباغ هذا الثانى ليس بمال.
وظاهر الاقرار المال .. ولا يقبل تفسيره بمالا يقتنى اى شئ لا يحل اقتناؤه شرعا كخنزير وكلب لا نفع فيه للصيد ونحوه وجلد لا يطهر بالدبغ وميتة لا يحل اكلها لان هذه الاشياء ليس فيها شئ ولا يجب ردها فلا يصدق بها قوله على ..
ولو قال يدل قوله - له على شئ .. له عندى شئ. او غصبت منه شيئا صح تفسيره بما لا يقتنى لانه ليس فى اللفظ ما يشعر بالتزام حق. وكذلك فى قوله. له على شئ. لا يقبل تفسيره بعيادة مريض ولا يرد سلام لبعد فهمهما فى معرض الاقرار .. ولكن ان قال:
له على حق قبل تفسيره بهما. فان قيل الحق اخص من الشئ فكيف يقبل فى تفسيره الاخص ما لا يقبل فى تفسير الاعم؟ اجيب بأن الحق يطلق عرفا على ذلك بخلاف الشئ فان قيل فى العرف له على حق. ويراد به ذلك.
وفى الخبر حق المسلم على المسلم خمس وذكر منها عيادة المريض ورد السّلام. فالمدار فى اعتبار الاقرار ان يشيع استعمال اللفظ عرفا .. ولو أقر بمال مطلق غير موصوف بوصف. او اقر بمال عظيم او كبير او كثير او جليل او خطير او وافر او نفيس أو أكثر من مال فلان المشهور بالمال الكثير او مما فى يده او مما يشهد به المشهود عليه او مما حكم به الحاكم على فلان او نحو ذلك - قبل منه تفسيره بما قل من المال وان لم يتمول كحبة الحنطة. وذلك لبطلان قوله - له عندى مال لصدق اسم المال عليه والاصل براءة الذمة من الزيادة - واما عند وصف المال المقر به بالعظم والكثرة والكبر والخطر ونحو ذلك مما ذكر من اوصاف. فالاحتمال انه يريد العظم والكثرة بالنسبة للفقير او الشحيح. او باعتبار كفر مستحله وعقاب غاصبه وثواب باذله للمحتاج والمضطر ونحو ذلك. وفى قوله اكثر من مال فلان. فمن حيث انه احل من مال فلان هذا او كونه فى مأمن التلف اكثر من مال فلان هذا لانه دين لا يتعرض للتلف.
ومال فلان عين يتعرض له. وقد قال الشافعى رحمه الله تعالى. اصل ما ابنى عليه الأقرار أن
الزم اليقين واطرح الشك ولا استعمل الغلبة أى ما غلب على الناس. والمراد باليقين ما يشمل الظن القوى .. قال الهروى وغيره: ان الشافعى يلزم فى الاقرار باليقين وبالظن القوى لا بمجرد الظن والشك.
واذا وصف المقر المال المقر به بضد ما ذكر كأن يقول: له عندى مال حقير او قليل، او خسيس او طفيف او نحو ذلك يقبل التفسير بما ذكر من باب اولى. ويكون وصفه بالحقارة من حيث احتقار الناس له او فناؤه .. فان قيل: كيف اختلفوا فى قبول التفسير بحبة الحنطة فى قوله له عندى شئ. وجزموا بقبول التفسير بها فى ابراره بمال عظيم او كثير. وكان الاولى العكس .. واجيب بأن الاتفاق هنا على القبول مبنى ومفرع على الاصح وهو قبول التفسير هناك .. ويقبل منه التفسير فى له على مال بالمستولدة للمقر له فى الاصح. لانها تؤجر وينتفع بها وتجب قيمتها اذا اتلفها اجنبى وان كانت لاتباع ..
والثانى لا يقبل التفسير بها لخروجها عن اسم المال المطلق اذ لا يصح بيعها وسواء على الاول قال له: على مال او له عندى مال .. ولا يقبل منه التفسير بكلب وجلد ميتة وسائر النجاسات لانتفاء اسم المال عنها وقول المقر:
لزيد على كذا كقوله: له على شئ فيقبل تفسيره بما مر فى شئ لانها مثله مبهمة. وله كذا، فى الاصل مركبة من كاف التشبيه واسم الاشارة ثم نقلت فصار يكنى بها عن الحق وغيره ويجوز استعمالها فى النوعين مفردة ومركبة ومنطوقة تقول: نزلنا بدار كذا.
وبكذا كذا. او بكذا وكذا .. وهكذا فى العدد.
وقول المقر: له على شئ او كذا كذا بتكرار لفظ شئ او لفظ كذا مرتين او اكثر بدون عطف فأن الحكم فى ذلك كالحكم فى عدم التكرار رأى كالحكم فى قوله: له على شئ. أو له على كذا حيث يكون التفسير فيه على حسب ما تقدم. لان ما بعد الاول فى حالة التكرار يحتمل التأكيد بل هو ظاهر فيه باليقين. فأن قال اردت الاستئناف عمل به ولزمه شيئان او اكثر لانه غلظ على نفسه ..
ولو كرر مع العطف بأن قال: له على شئ وشئ أو كذا او كذا وجب شيآن متفقان أو مختلفان بحيث يقبل كل منهما فى تفسير شئ طبقا لما تقدم لاقتضاء العرف المغايرة فلا يحتمل التأكيد ولو قال: له على كذا درهما بالنصب او درهم بالرفع او الجر او السكون لزمه درهم. لان لفظ كذا. مبهم وقد فسره بدرهم والنصب جائز على التمييز والرفع جائز على انه بدل من كذا انا أو عطف بيان. كما قاله الاسنوى او على انه خبر لمبتدأ محذوف كما قاله غيره .. والجر لحن عند البصريين ولكنه لا يؤثر فى الاقرار والسكون (كالجر ..
والمذهب انه لو قال: كذا وكذا او ثم كذا او كذا فكذا درهما بالنصب تمييزا لزمه درهمان لانه اقر بشيئين مبهمين وعقبهما بالدرهم منصوبا والظاهر انه تفسير لكل منهما وقيل فى التعليل: ان التمييز وصف. والوصف - المتعقب لشيئين يعود اليهما عند الشافعى.
ولا يحسن التأكيد مع وجود عاطف .. وفى قول .. يلزمه .. درهم لجواز أن يريد تفسير اللفظين معا بالدرهم. وفى قول يلزمه درهم وشئ ويلزمه تفسير الشئ. اما الدرهم فلتفسير الثانى واما الشئ فللاول الباقى على
ابهامه. والطريق الثانى المنقطع بالاول. هذا فى النصب.
والمذهب انه لو رفع او جر يلزمه درهم والمعنى فى الرفع. هما درهم .. والطريق الثانى قولان ثانيهما درهمان لانه يسبق الى الفهم انه تفسير لهما وانه اخطأ فى اعراب التفسير .. واما فى الجر فلانه وان خطأ فى اللغة الا انه يفهم منه فى العرف تفسير ما سبق عليه فيحمل على ذلك بخلاف النصب فانه تمييز صحيح فيعود اليهما معا. ولم ينقل الرافعى فى هذه خلافا بل جزم بدرهم .. لكن نقل الماوردى عن الشافعى وجوب درهمين.
ولو حذف الواو فقال: له على كذا كذا درهما بالنصب او درهم بالرفع او الجر لزمه درهم فى الاحوال كلها نصبا ورفعا وجرا لاحتمال التأكيد قال الاسنوى: ولم يتعرض الشيخان ولا ابن الرفعة للسكون فى هذا القسم اى حذف الواو ولا فى القسم الذى قبله وقياس ما سبق عن الرافعى فى الاقراض ومن جعله كالمخفوض لانه أدون - أن يكون كذا كذلك فى التركيب والعطف أيضا. ويتحمل من ذلك اثنا عشرة مسألة لان لفظ كذا - اما ان يؤتى بها مفردة او مركبة او معطوفة والدرهم أما ان يرفع او ينصب او يجر او يسكن.
والواجب فى جميعها درهم الا اذا عطف ونصب تمييزها فدرهمان.
وجزم ابن المقرى تبعا للبلقينى بأن ثم كالواو أى والفاء كذلك
…
ولو قال: كذا بل كذا ففيه وجهان احدهما يلزمه شئ واحد. والثانى يلزمه شيآن. وهذا اوجه لانه لا يسوغ ان يقول القائل رأيت زيدا بل زيدا اذا عنى الاول على سبيل التأكيد وانما يصح اذا عنى غيره فيكون الثانى غير الاول ويلزم شيئان ولو قال له على الف قبل تفسير الالف بغير الدراهم كألف فلس. وكذا لو قال: له على درهم والف يقبل تفسير الالف بغير الدراهم لان العطف انما وضع للزيادة ولم يوضع للتفسير. ويستوى ان يفسر بجنس واحد او اجناس مختلفة .. ولو قال: له على خمسة وعشرون درهما. او الف وخمسة عشر درهما او الف ونصف درهم فالجميع من الخمسة والعشرين وما بعدها دراهم على الصحيح لانه جعل الدرهم تمييزا فالظاهر انه تمييز لكل من المذكورات بمقتضى العطف. والثانى يقول:
الخمسة فى قوله: له على خمسة وعشرون درهما مجملة. والعشرون مفسرة بالدراهم لمكان العطف. فالحقت بألف ودرهم يقبل منه تفسيرها بغير الدراهم .. قال المتولى: وعلى هذا لو قال: بعت لك هذا الثوب بمائة وخمسين درهما لا يصح البيع لابهام المائة. ولم يقل بذلك أحد .. ولو قال: له على خمسة عشر درهما فالكل دراهم جزما لانهما اسمان جعلا اسما واحدا. فالدرهم تفسير له .. والمعتبر فى الدراهم المقر بها دراهم الاسلام. وان كانت دراهم البلد اكثر منها وزنا ما لم يفسره المسلم بما يقبل تفسيره .. فعلى هذا لو قال الدراهم التى أقررت بها ناقصة الوزن كدراهم طبرية كل درهم منها اربعة دوانق فأن كانت دراهم البلد او القرية التى اقر بها تامة الوزن بأن يكون وزن كل درهم منها ستة دوانق فالصحيح قبول التفسير بالناقصة ان ذكره
متصلا بالاقرار لانه حينئذ كالاستثناء.
وحينئذ يرجع التفسير فى قدر الناقص فان تعذر بيانه نزل على اقل الدراهم. والثانى لا يقبل التفسير بالناقص لان اللفظ صريح فى المقام وصفا وعرفا. ويجاب من قبل القول الاول الصحيح صيغ صراحة اللفظ فى المقام.
وان ذكر التفسير بالناقص منفصلا عن الاقرار وكذبه المقر له فى التفسير ولا يقبل ويلزمه دراهم تامة لان اللفظ والعرف ينفيان قوله.
والثانى يقبل التفسير ولو ذكره منفصلا عن الاقرار لان اللفظ محتمل والاصل براءة الذمة وعلى القول بقبول التفسير بالناقصة يرجع الى المقر فى بيان الدراهم الناقصة التى ارادها فان تعذر البيان نزل على اقل الدراهم .. وان كانت دراهم البلد ناقصة قبل تفسيره بالناقصة ان وصله بالاقرار جزما. لان اللفظ والعرف يصدقانه حينئذ ابدا. وكذا ان فصله منه فى النص عملا بعرف البلد وحملا لكلامه عليه كما فى المعاملة .. وفى وجه لا يقبل حملا لكلامه على وزن الاسلام .. ويجرى الخلاف فيما اذا اقر ببلد اوزانهم فيه اكثر من دراهم الاسلام. فان قال: اردت دراهم الاسلام متصلا قبل على الصحيح. وان قال ذلك منفصلا لا يقبل .. والتفسير بالمغشوشة من الدراهم كالتفسير بالناقصة فيه الخلاف والتفصيل السابقان فى الناقصة لان الغش نقص فى الحقيقة فكأنه فسر بالناقصة فيأخذ حكم التفسير بها .. ولو فسر بجنس من الفضة ردئ أو بدراهم سكتها غير جارية فى هذا البلد قبل تفسيره ولو منفصلا. كما لو قال:
له على ثوب ثم فسره بجنس ردئ أو بما لا يعتاد اهل البلد لبسه. ويخالف التفسير بالناقص لرفع ما اقر به بخلافه هنا. ويخالف البيع حيث يحمل على سكة البلد لان البيع انشاء معاملة. والغالب ان كل معاملة تجرى فى كل بلد مما يروج فيه. اما الاقرار فانه اخبار عن حق سابق يحتمل ثبوته بمعاملة فى غير ذلك البلد فيرجع الى ارادته .. ولو فسر الدراهم بما لا فضة فيه كالفلوس لم يقبل منه لانها لا تسمى دراهم سواء اقاله موصولا ام مفصولا - نعم ان غلب الشامل بها فى بلد بحيث هجر التعامل بالفضة وانما تؤخذ عوضا عن الفلوس كالديار المصرية فى هذه الازمان فينبغى كما قاله بعض المتأخرين ان يقبل التفسير وان ذكره منفصلا .. ولو تعذرت مراجعة المقر حمل على دراهم البلد - الغالبة على الاصح .. ويجرى ذلك فى الكيل كما هو ظاهر فلو اقر له بأردب قمح ويحمل الاقرار مكاييل مختلفة ولا غالب فيها تعين اقلها ما لم يختص المقر بمكيال منها فيحمل عليه ولو قال اردت غيرها. ولو قال: له على من درهم الى عشرة. لزمه تسعة على الاصح اخراجا للطرف الاخير وادخالا للاول. وقيل يلزمه عشرة ادخالا للطرفين. وقيل ثمانية اخراجا لهما كما لو قال: عندى أو بعتك من هذا الجدار الى هذا الجدار حيث يلزمه ما بين الجدارين ولا يدخلان فى المقر به او المبيع. وفرق بأن المقر به او المبيع هناك الساحة وليس الجدار منها بخلاف الدراهم - قال بعض المتأخرين وذكر الجدار مثاله فالشجرة كذلك. ولو قال من هذه الدراهم الى هذه الدراهم فكذلك فيما يظهر لان القصد التحديد لا التقييد. وما بحثه فى الدراهم ممنوع بالفرق المذكور ..
وان قال له على ما بين الدرهم والعشرة او ما بين
الدرهم الى العشرة لزمه ثمانية اخراجا الطرفين لان ما بينهما لا يشملهما .. ولو قال:
له على درهم فى عشرة. فان اراد المعية أى درهم مع عشرة لزمه أحد عشرة لان فى تستعمل بمعنى مع كما فى قوله تعالى. فادخلى فى عبادى. أى مع عبادى وان اراد الحساب وهو يعرفه لزمه عشرة لان هذه هى نتيجة الحساب وموجبة عند اهل الحساب. وأن لم يعرف الحساب لزمه درهم. وان لم يرد المعية ولا الحساب بأن اطلق او اراد الطرف لزمه درهم واحد فقط لانه المتيقن
(1)
.
انواع من الاقرار:
اذا أقر بمظروف فى ظرف كأن يقول: له عندى سيف فى غمد وهو الغلاف الذى يوضع فيه السيف. او يقول: له عندى ثوب فى صندوق او رأيت فى جرة او ثمرة على شجرة يكون اقرارا بالظروف فقط ولا يلزمه الظرف لان الظرف يغاير المظروف. وقد تعلق الاقرار بالمظروف. والاقرار يعتمد فيه على اليقين.
وهكذا كل ظرف ومظروف لا يكون الاقرار باحدهما اقرارا بالاخر .. فلو قال: له عندى غمد فيه سيف او صندوق فيه ثوب لزمه الظرف فقط لانه الذى تعلق به الاقرار.
والظرف يغاير المظروف والاقرار يعتمد فيه على اليقين. ومثل ذلك، اذا قال: له عندى جارية أقر أن فى بطنها حمل او خاتم فيه او عليه فص او دابة فى حافرها نعل او قمقمة عليها عروة. او فرس عليها سرج لزمته الجارية والدابة والقمقمة والفرس ولا يلزمه الحمل والنعل والعروة والسرج. ولو عكس بأن قال: له عندى حمل فى بطن جارية او دابة او فص فى خاتم او نعل فى حافر دابة او عروة على قمقمة او سرج على فرس ينعكس الحكم ويلزمه الحمل والفص والنعل والعروة والسرج دون الجارية والدابة والخاتم والقمقمة والفرس والفرق لو قال: له عندى جارية واطلق وكانت حاملا لم يدخل الحمل فى الاقرار لان الجارية لم تتناوله بخلاف البيع حيث يدخل الحمل تبعا.
أن الاقرار اخبار عن حق سابق وربما كانت الجارية له دون الحمل وقت الاقرار بأن كان الحمل موصى به لشخص اخر. اما البيع فهو تعاقد فى المال على الجارية بحالتها فيشمل الحمل. ولهذا لو قال: هذه الدابة لفلان الا حملها صح .. ولو قال: بعت هذه الدابة الا حملها لفلان لم يصح. والشجرة كالجارية والثمرة كالحمل فيما ذكر .. ولو قال: له عندى عبد على رأسه عمامة لم تلزمه العمامة على الصحيح لما مر ان الظرف غير المظروف. والثانى تلزمه العمامة لان العبد له يد على ملبوسه ويده كيد سيده .. ورد بانه لو باع العبد لم تدخل العمامة فى البيع. فكذا الاقرار. وضابط ذلك كما قاله القفال وغيره أن كل ما دخل فى مطلق البيع دخل فى الاقرار ومالا فلا. الا الثمرة غير المؤبرة والحمل والجدار فانها تدخل فى البيع ولا تدخل فى الاقرار. لان المدار فى البيع على العرف والمدار فى الاقرار على اليقين .. ولو قال:
له عندى دابة بسرجها أو عبد بعمامته أو ثوب مطرز بالتشديد لزمه الجميع لان الباء بمعنى مع كما فى قوله تعالى: «واهبط بسلام منا»
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 86 - 94 ومغنى المحتاج ج 2 من ص 229 الى 233.
أى معه. والطراز من الثوب باعتبار اللفظ وان كان فى الواقع مركبا عليه .. ولو قال: له على الف فى هذا الكيس لزمه الف وان لم يكن فيه شئ لان على تقتضى اللزوم .. ولا نظر الى قوله - فى هذا الكيس - فأن وجد فى الكيس اقل من الف لزمه الالف بتمامه كما لو لم يكن فيه شئ لانه اعترف به فى ذمته فان قال: له على الالف الذى فى الكيس لزمه ما فيه فقط. فلا تتميم لو نقص ما فيه عن الالف ولا غرم بشئ لو لم يكن فيه شئ لانه لم يعترف بشئ فى ذمته باطلاق ولان هناك فرقا بين المنكر والمعرف هو ان الاخبار عن المنكر الموصوف فى قوة خبرين فأمكن قبول احدهما والغاء الاخر. والاخبار عن المعرف الموصوف يعتمد الصفة فاذا كانت مستحيلة بطل الخبر كله.
ولو قال: لزيد فى ميراث ابى الف فهو اقرار على ابيه بدين لاضافة جميع التركة المضافة الى الاب دونه وهذا واضح فى تعلق المال المقر به بجميع تركة الاب فلعلنا نمنع الابن المقر من تمام التصرف فيها ولا يكون كذلك الا الدين فاندفع احتمال كون المقر به وصية لانها انما تتعلق بالثلث او كونه رهنا فى دين الغير لانه لا يتصور ان يعم التركة من حيث الوضع لانه انما يتعلق فى الوجود بقدره.
اما لو قال: له فى ميراثى من ابى الف.
أو له فى ميراثى من ابى نصفه ولم يرد به الاقرار. ولم يأت بلفظ على او نحوه فلا يكون اقرارا وانما يكون وعدا بان يهبه الفا لانه اضاف الميراث لنفسه وهو يقتضى عرفا عدم تعلق الدين بالتركة. وما يضيفه المقر الى نفسه لا يصح الاقرار لان الاقرار ليس انشاء تمليك وانما هو اخبار بملك سابق للمقر له فى المقر به كما تقدم فى الكلام على شروط المقر به - اما لو اراد الاقرار بهذا القول او اتى بلفظ على او نحوه كان اقرارا وهذا كله اذا كان الابن المقر حائزا لتركة الاب. اما غير الحائز اذا كذبه بقية الورثة فى الاقرار الاول بالدين على التركة فانه يتعلق بقدر حصته فقط.
ولو أقر بدرهم وكرر لفظ الدرهم بلا عطف مرتين او مرارا بأن قال: له على درهم درهم. لزمه درهم واحد سواء كرره فى مجلس او فى مجالس متعددة عند حاكم او عند غيره. وذلك لاحتمال ارادة التأكيد دون التأسيس والاقرار كما سبق يعتمد اليقين والمتيقن به هو الاقل.
اما ان كرر لفظ الدرهم مع العطف بأن قال: له على درهم ودرهم أو درهم ثم درهم لزمه درهمان لان العطف يقتضى المغايرة فلا احتمال للتأكيد وثم كالواو. اما العطف بالفاء فالنص فيها لزوم درهم واحد. اذا لم يرد بها العطف لانها تأتى لغير العطف كالتفريع وتزيين اللفظ ومقترنة بجزاء حذف شرطه.
فيؤخذ باليقين .. وهذا بخلاف ما لو قال:
أنت طالق فطالق حيث يلزمه طلقتان. لانه انشاء وهو اقوى مع تعلقه بالابضاع التى مبناها على الاحتياط.
ولو قال: له على درهم ودرهم ودرهم.
لزمه بالاولين درهمان لاقتضاء العطف المتغاير كما سبق. اما الثالث فان اراد به تأكيد الثانى لم يجب به شئ عملا بنيته. وان نوى
به الاستئناف والاثبات لزمه ثالث عملا بأرادته وكذلك يلزمه به ثالث ان نوى به تأكيد الاول او اطلق ولم ينو به شيئا على الاصح. ومقابل الاصح يلزمه درهمان لان الثانى فى الكلام معطوف على الاول فامتنع تأكيده وهنا الثالث ومعطوف على الثانى على رأى فأمكن أن يؤكد به الاول .. ولو عطف بثم فى الثالث بأن قال: له على درهم ودرهم ثم درهم.
لزمه ثلاثة دراهم بكل حال لعدم احتمال التأكيد حينئذ لانه لا بد من اتفاق حرف العطف فى المؤكد والمؤكد.
ومتى اقر بمبهم ولم تمكن معرفته الا بمراجعته كشئ وثوب وطولب بالبيان فامتنع فالصحيح انه يحبس حتى يبين لان البيان واجب عليه فاذا امتنع منه حبس كالممتنع من اداء الدين بل هو اولى لانه لاوصول لمعرفته الامنه والثانى لا يحبس لامكان حصول الغرض بدون الحبس اما اذا امكن معرفة المقر به بغير مراجعة المقر كأن يقول: له على من الدراهم قدر ما باع به فلان فرسه فلا يحبس بل يرجع الى ما احال عليه. وكذا لو امكن معرفته بالحساب وان دق .. فأن مات المقر قبل البيان طولب به الوارث وتوقف جميع التركة ولو فيما يقبل فيه التفسير بغير المال او بأقل ما يتمول احتياطا لحق الغير حتى بين الوارث .. فان بين المقر له بأكثر مما فسر به الوارث صدق الوارث فى تفسيره بيمينه كالمقر وتكون يمينه على نفى ارادة مورثه الزيادة لانه قد يطلع فى حال مورثه على ما لا يطلع عليه غيره .. ولو بين المقر اقراره المبهم تبيينا صحيحا وكذبه المقر له فى ذلك. فليبين المقر له جنس الحق وقدره وصفته وليدع به ان شاء والقول قول المقر بيمينه فى نفى ما ادعاه المقر له.
ولو اقر لشخص بألف فى يوم. ثم اقر له بألف فى يوم آخر لزمه الف واحدة فقط ولو كتب بكل اقرار من الاقرارين وثيقة محكوما بها لانه اخبار ولا يلزم من تعدده تعدد المخبر عنه الا اذا عرض ما يمنع من ذلك كأن ينص فى الاقرار الثانى على ان الالف المقر بها غير الالف المقر بها اولا. ولا يقال ان النكرة اذا اعيدت نكرة كانت غير الاولى والالف فى الاقرارين منكره لان هذا اولا مختلف فيه فقد تكون الثانية عين الاولى كما فى قوله تعالى: «وهو الذى فى السماء اله وفى الارض اله.» ولو سلم اطراد القاعدة فأنه يصرف عن الاخذ بها قاعدة الباب وهو الاخذ باليقين مع ملاحظة ان الاصل براءة الذمة مما زاد ولو اختلف القدر المقر به كأن اقر فى الاول بالف وفى الثانى - بخمسمائة يدخل الاقل فى الاكثر لاحتمال كونه قد ذكر بعض ما أقر به اولا.
ولو وصف المقر به فى الاقرارين بصفتين مختلفتين كألف صحاح فى الاول. والف مكسرة فى الثانى او اسندهما الى سببين مختلفين كثمن مبيع فى الاول وبدل قرض فى الثانى أو قال: قبضت منه يوم السبت مائة.
ثم قال قبضت منه يوم السبت مائة. ثم قال قبضت يوم الاحد مائة لزم القدران المقر بهما فى الصور الثلاث لتعذر اتحادهما اذ اختلاف الصفة او السبب يوجب اختلاف الموصوف والمسبب.
ولو وصل بأقراره ما يرفع حكمه بأن قال: له على الف من ثمن خمر او كلب. او له على الف لكن اقضيته وذكر ذلك متصلا لزمه الالف فى الاظهر عملا بأول الاقرار لانه وصل به ما يرفعه فأشبه قوله
…
له على الف لا تلزمنى فلا يعمل به والثانى لا يلزمه شئ لان الكل كلام واحد فتعتبر جملة ولا يتبعض كقوله - لا اله الا الله - لا يكون كفرا وايمانا - اما اذا لم يذكره متصلا وفصله عن الاقرار فيلزمه الالف جزما ولا يعمل بآخر الكلام المفصول ولو قدره كقوله: على من ثمن خمر الف لم يلزمه جزما كما فى الروضة واصلها. وظاهر اطلاقهم انه لا فرق بين المسلم والكافر لان الكفار اذا ترافعوا الينا انما نقرهم على ما نقرهم عليه لو اسلموا.
ولو قال: له على الف كان من ثمن خمر فظننته يلزمنى حلف المقر له على نفيه رجاء ان يقر أو يرد اليمين عليه فيحلف المقر ولا يلزمه. ولو صدقه المقر له على ذلك فلا شئ على المقر وان كذبه وحلف لزمه المقر به ما لم تقم بينة على المنافى فلا يلزمه.
ولو قال: له على الف ووصل به قوله من ثمن عبد لم اقبضه اذا سلمنى العبد سلمته الالف قبل الاقرار كما هو على المذهب وجعل الالف ثمنا للعبد واجرى عليه حكم البيع حتى لا يجبر على تسليم الالف الا بعد قبض العبد ويستوى ان يذكر قوله - لم اقبضه - متصلا او منفصلا أن يذكر قوله. اذا سلمنى سلمته او لم يذكره .. والقول الثانى انه يجرى فيه القولان فى قوله من ثمن خمر من عدم قبول الاقرار عملا بأول الكلام والغاء آخره او القبول باعتباره كلاما واحدا لا يتبعض
(1)
.
تعليق الاقرار بالمشيئة أو غيرها:
ولو قال: له على الف ان شاء الله او ان لم يشأ الله او الا ان يشاء الله أو ان شئت او شاء فلان أو ان قدم زيد. او الا ان يقدم زيد او ان جاء رأس الشهر. ولم يرد التأجيل - لم يلزمه شئ على المذهب لانه لم يجزم بالاقرار بل علقه ويعتبر هنا قصده التعليق قبل فراغ الصيغة كما بحثه الاسنوى .. فأن قصد التأجيل فى قوله ان قدم زيد أو ان جاء رأس الشهر ولو بأجل فاسد كأن يقول: اذا جاء - الحصاد يلزمه ما أقر به. وان لم يقصد التعليق فى ذكر مشيئة الله بل قصد التبرك لزمه ما أقر به.
والقول المقابل أنه يجرى فيه القولان السابقان فى قوله من ثمن خمر أو كلب من صحة الاقرار ولزوم المقر به عملا بأول الكلام والغاء لآخره. أو عدم صحته بناء على أن الكلام واحد ولا يتبعض. والفرق بين المسألتين على الرأى الأول. أن دخول حرف الشرط على الجملة يصير الجملة جزء من الجملة الشرطية. وحينئذ يلزم تغيير معنى أول الكلام فى مسألة التعليق فلم يلزم فيه شئ على المذهب واما قوله. من ثمن خمر أو كلب فلا يغير معنى أول الكلام بل هو لبيان جهة لزوم المقر به. فلا يلزم من الغاء الاقرار عند التعليق وعدم تبعيض الكلام حذرا من جعله جزء الجملة جملة برأسها - ان يتبعض فى الخمر ونحوه ويلغى الاقرار.
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 94 - ص 101 ومغنى المحتاج ج 2 ص 233 - 237.
ولو قال: له على ألف لا تلزم. صح الاقرار ولزمه المقر به لأنه غير منتظم اذ هو متناقض فى جزء الكلام فلا يقبل ولا يبطل به الاقرار ولو قال: له على ألف. ثم جاء بألف وقال بعد الفصل. اردت بالألف المقر به هذا وهو وديعة عندى للمقر له. فقال المقر له: لى عليك ألف آخر غير ألف الوديعة وهو الذى أردته باقرارك صدق المقر فى الاظهر بيمينه انه لا يلزمه تسليم ألف أخرى اليه وانه ما أراد باقراره الا هذا الالف لأن الوديعة يجب عليه حفظها والتخلية بينها وبين مالكها فكأنه أراد بلفظ - على الاخبار عن هذا الواجب ويحتمل انه تعدى بالوديعة فصارت مضمونة عليه فحسن الاتيان بلفظ على. وقد تستعمل على بمعنى عندى كما فى قوله تعالى. ولهم على ذنب. حيث فسر بذلك. والثانى يصدق المقر له بيمينه أن له عليه ألف أخرى لأن كلمة على ظاهرة فى الثبوت فى الذمة والوديعة لا تثبت فى الذمة اما اذا كان قد قال له: على ألف وديعة متصلا فأنه يقبل على المذهب فان كان قال له على ألف فى ذمتى او دينا ثم جاء بألف وفسر بالوديعة كما سبق صدق المقر له بيمينه ان له عليه ألف آخر على المذهب لأن العين لا تكون فى الذمة ولا دينا. والوديعة لا تثبت فى الذمة بالتعدى بل بالتلف ولا تلف هنا. والثانى حكاية وجهين ثانيهما القول فيه قوله المقر لجواز ان يريد الفا فى ذمتى ان تلفت الوديعة لأنى تعديت فيها فاذا غلبنا التفسير بالوديعة. فالأصح انها امانة فتقبل دعواه التلف الواقع بعد الاقرار بما ذكر وان طالت المدة ودعوى الرد الواقع بعده ايضا لأن هذا شأن الوديعة والثانى انها تكون مضمونة حتى لا تقبل دعوى التلف والرد نظرا لقوله على.
الصادق بالتعدى فيها
…
وأجاب الأول بصدق وجوب حفظها. وخرج بقوله بعد الاقرار مالو كانت دعوى التلف او الرد قبل الاقرار فانها لا تقبل لأن التالف والمردود لا يكون عليه.
وان قال: له عندى أو معى ألف صدق بيمينه فى دعوى الوديعة ودعوى الرد والتلف الرافعين بعد تفسير الاقرار قطعا نظير ما تقرر فى قوله - على اذ لا اسناد - لقوله - عندى أو معى بذمة ولا ضمان.
ولو أقر ببيع أو هبة واقباض بعدها.
ثم قال ولو متصلا - كان ذلك فاسدا واقررت نظر الصحة لم يقل منه ادعاء الفساد لأن الاسم يحمل عند الاطلاق على الصحيح. وللمقر تحليف المقر له على نفى ما يدعيه من الفساد لامكان الفساد. وقد تخفى جهات الفساد عليه ولا تقبل منه البينة على دعوى الفساد لتكذيبها باقراره السابق. فان نكل المقر له عن الحلف حلف المقر انه كان فاسدا وبرئ من البيع والهبة اى حكم ببطلانهما .. ولو اقتصر فى الاقرار على الهبة ولم يذكر الاقباض لم يكن مقر باقباض. فلو قال: وهبته له وخرجت اليه منه او وهبه له وملكه لم يكن اقرارا بالقبض لجواز ارادة الخروج منه اليه بالهبة.
ولو قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو.
او هذه الدار غصبتها من زيد بل غصبتها من عمرو - سلمت لزيد اذ من تعلق حقه بشئ بمقتضى اقرار احد به لم يملك الرجوع منه سواء أقال ذلك متصلا بما قبله ام منفصلا عنه وان طال الزمن. ويغرم المقر قيمة العين المقر بها لعمرو على الاظهر. لأنه حال بين عمرو وبين ملكه باقراره لزيد. والحيلولة سبب
الضمان كما لو غصب عبدا فأبق من يده حيث يضمن قيمته لمالكه .. والثانى لا يغرم لعمرو شيئا لأن الاقرار له صادف ملك الغير فلا يلزمه به شئ. كما لو قال: الدار التى بيد زيد ملك لعمرو حيث لا يلزمه بهذا الاقرار شئ لعمرو لأنه صادف ملك الغير
…
ولو قال:
هذه الدار غصبتها من زيد وهو غصبها من عمرو يجرى فيه الخلاف السابق اى فتسلم لزيد ويغرم قيمتها لعمرو على الاظهر. والثانى تسلم لزيد ولا يغرم شيئا لعمرو. والتوجيه كما سبق فيهما
…
ولو قال: هذه الدار غصبتها من زيد والملك فيها لعمرو سلمت لزيد لأنه اعترف له باليد ولا يغرم لعمرو شيئا لجواز كونها ملك عمرو وهى فى يد زيد باجارة أو وصية بمنافعها او نحو ذلك
…
ولو قال حق عين فى تركة مورثه: هذه لزيد بل لعمرو.
سلمت لزيد وفى غرمه القيمة لعمرو رأيان أوجههما القطع بعدم الغرم. والفرق كونه معذرا لعدم كمال اطلاعه على الواقع.
الاستثناء:
ويصح الاستثناء فى الاقرار وغيره ككل انشاء واخبار لكثرة وروده فى الكتاب والسنة. وهو مأخوذ من الثنى بفتح وسكون وهو الرجوع .. ومنه - ثنى عنان دابته اذا رجع فهو بالاستثناء قد رجع عما اقتضاه لفظه. فالاستثناء فى اللغة الرجوع واسطلاحا: اخراج لما بعد الا واخواتها من حكم ما قبلها فى الايجاب وادخال له فى حكم ما قبلها فى النفى.
شروط الاستثناء:
يشترط لصحة الاستثناء ما يأتى:
1 -
ان يكون المستثنى متصلا بالمستثنى منه بحيث يعد كلاما واحدا عرفا فلا يضر الفصل اليسير بسكتة تنفس أو عى او بذكر او انقطاع صوت كما نص عليه فى الأم بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام اجنبى ولو يسيرا .. وفى الكافى: لو قال: له على ألف درهم الحمد لله الا مائة لزمه الألف ولو قال:
له على الف درهم استغفر الله الا مائة صح الاستثناء ولزمه تسعمائة وهذا هو المعتمد خلافا لابن المقزى لان قوله استغفر الله لاستدراك ما سبق منه
…
وشرط اتصال المستثنى بالمستثنى منه مجمع عليه .. وما حكى عن ابن عباس رضى الله عنهما من جواز الفصل على خلاف فى مدة الفصل - قيل لم يثبت عنه .. ولئن ثبت فهو مؤول.
2 -
ان ينوى الاستثناء قبل الفراغ من عبارة الاقرار كما فى نظيره من الطلاق - ولكونه رفعا لبعض ما شمله واخراجا له من الحكم احتاج الى نية ولو كان اخبارا. ولا يعد فيه خلافا للزركشى.
3 -
ألا يستغرق المستثنى المستثنى منه والا بطل الاستثناء كقوله: له على خمسة الا خمسة فأنه يكون باطلا بالاجماع الا من شذ لما فى ذلك من المناقضة الصريحة اذ هو رفع لما أثبته بصدر الكلام. ولهذا لم يخرجوه على الجمع بين ما يجوز وما لا يجوز لانتفاء المناقضة فى ذلك وهذا اذا اقتصر على قوله:
له على خمسة الا خمسة حيث يكون مستغرقاء قأن أتى باستثناء اقر بأقل من الاول - بأن قال: له على خمسة الا خمسة: لا ثلاثا فأنه يصح لأنه لا يكون مستغرقا حينئذ. اذ يكون قد استثنى من الخمسة خمسة: الا ثلاثة وخمسة الا ثلاثة اثنان. أو لأن الاستثناء من النفى
اثبات وعكسه. فلو قال: له على عشرة الا تسعة. الا ثمانية. لزمه تسعة. والطريق فى ذلك وفى نظائره ان يجمع كل مثبت وكل منفى ويطرح المنفى من المثبت فالباقى هو الواجب فمثبت هذه الصورة ثمانية عشرة ومنفيها تسعة وباسقاط المنفى من المثبت تبقى تسعة وهى ما يلزم المقر. ولو زاد عليها الى الواحد بأن قال: له على عشرة الا تسعة الا ثمانية - الا سبعة الا ستة الا خمسة الا اربعة الا ثلاثة الا اثنين الا واحدا. كان مثبتها ثلاثين ومنفيها خمسة وعشرين وبأسقاطها منها تبقى خمسة وهو ما يلزم المقر ولك طريق اخر ..
وهو ان تخرج المستثنى الاخير مما قبله ..
وما بقى منه يخرج مما قبله وهكذا الى المستثنى منه الاول. فنخرج الواحد من الاثنين وما بقى نخرجه من الثلاثة وما بقى نخرجه من الاربعة وهكذا حتى ينتهى الى الاول. ولك ان تخرج الواحد من الثلاثة ثم ما بقى من الخمسة ثم ما بقى من السبعة ثم ما بقى من التسعة - وما بقى يكون هو المطلوب وهذا اسهل والنتيجة فى الكل واحدة وهى خمسة. وهذا كله عند تكرر الاستثناء من غير عطف كما فى الامثلة المذكورة فان تكرر الاستثناء مع حرف العطف كقوله: له على عشرة الا خمسة والا ثلاثة او كان العطف بدون اداة الاستثناء كقوله .. له على عشرة الا خمسة وثلاثة كانت الخمسة والثلاثة مستبقيين من العشرة فيلزمه فى المقالين المذكورين اثنان. وهذا يشترط الا يكون مجموع المعطوف والمعطوف عليه مستغرقا للمستثنى منه الاول فان استغرقه كما فى قوله:
له على عشرة الا سبعة والا ثلاثة. أو الا سبعة وثلاثة ان اختص للبطلان بما به الاستغراق وهو الثلاثة فيلزمه فى هذا المقال ثلاثة باستثناء السبعة من العشرة.
وفى قوله: ليس له على شئ الا خمسة يلزمه خمسة. وفى قوله: ليس له على عشرة الا خمسة لا يلزمه شئ لأن عشرة الا خمسة خمسة فكأنه قال: ليس له على خمسة يجعل النفى موجها الى كل من المستثنى والمستثنى منه وان كان خارجا على القاعدة السابقة انه من النفى اثبات احتياطا للالزام ولا يجمع مفرق بالعطف فى المستثنى او المستثنى منه او فيهما ان حصل بجميعه استغراق او عدمه لان واو العطف وان اقتضت الجمع لا تخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ الذى يدور عليه الاستثناء. وهذا مخصص لقولهم ان الاستثناء يرجع الى جميع المنطوقات لا الى الاخير فلو قال: له على درهمان ودرهم الا درهما. او قال: له على درهم ودرهم ودرهم الا درهما لزمه ثلاثة دراهم. لأن المستثنى منه اذا لم يجمع مفرقة كان الدرهم الواحد مستثنى من درهم واحد ليستغرق فيلغوا. ولو قال: له على درهم ودرهم ودرهم الا درهما ودرهما لزمه ثلاثة لأنه اذا لم يجمع مفرق المستثنى والمستثنى منه كان المستثنى درهما من درهم فيلغو. ولو قال: له على ثلاثة دراهم الا درهما ودرهما يلزمه درهم لجواز الجمع هنا فلا استغراق
…
ولو قال: له على شئ الاشيئا. او له على مال الا مالا او نحو ذلك. فكل من المستثنى والمستثنى منه مجمل فيلزمه ان يفسرها. فأن فسر الثانى بأقل مما فسر به الأول صح الاستثناء والا لغا. ولو قال: له على الف الا شيئا او عكس فالألف والشئ مجملان فعليه ان يفسرهما مع الاجتناب فى
تفسيره لما يقع به الاستغراق .. ولو قال: له على ألف الا درهما فالألف مجمل. فليفسره بما فوق الدرهم فلو فسره بما قيمته درهم فما دونه كان الاستثناء لاغيا وكذا التفسير.
ولو قدم المستثنى على المستثنى منه صح ويصح الاستثناء من غير الجنس اى جنس المستثنى منه وهو المنقطع كألف الا ثوبا لوروده فى القرآن الكريم وغيره. ومنه قوله تعالى «فانهم عدو لى الا رب العالمين» وقوله. «لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما» . وقوله «ما لهم به من علم الا اتباع الظن» . وعلى المقر ان يبين المستثنى بثبوت قيمته دون الف حتى لا يستغرق فان فسره بثوب قيمته الف بطل الاستثناء وكذا التفسير على الاصح فيلزمه ألف لأنه بين ما اراده بالاستثناء وكأنه يلفظ به وهو مستغرق ولو قال: له على ألف الا دينارا رجع فى تفسير الألف اليه واسقط منه الدينار.
ويصح الاستثناء من المعين كأن يقول: هذه الدار لفلان الا هذا البيت. او هذه الدراهم له الا هذا الدرهم أو هذا القطيع له الا هذه الشاه. اذ هو اخراج بلفظ متصل فأشبه التخصيص وعلله الشافعى فى الأم بأنه كلام صحيح ليس بمحال. وهناك وجه شاذ أنه لا يصح الاستثناء من المعين. لأن الاقرار بالمعين يقتضى ثبوت الملك تضمنا فى جميعه فالاستثناء فيه يكون رجوعا عما أثبته الكلام الأول بخلافه فى الدين.
استثناء المجهول من المعين:
ولو قال .. هؤلاء العبيد لفلان الا واحدا قبل الاقرار وان كان المستثنى مجهولا كما لو قال فى الاقرار بالدين: له على عشرة: الا شيئا اذ لا فرق بين المعين والدين. ويرجع فى بيان المستثنى المجهول الى المقر لانه اعرف بمراده ويلزمه البيان جبرا لتعلق حق الغير به فان مات قبل البيان قام وارثه مقامه فيه كما قاله القاضى حسين فان مات العبيد المقر بهم الا واحدا وزعم المقر أن هذا الواحد هو المستثنى صدق بيمينه انه الذى اراده بالاستثناء اذا كذبه المقر له على الصحيح لاحتمال ما ادعاه. والثانى لا يصدق للتهمة. ولو قتلوا قتلا مضموة الا واحدا وزعم المقر انه المستثنى فأنه يصدق قطعا لبقاء ان الاقرار وهو القيمة ولو اقر أحد شريكين بنصف الالف المشترك بينه وبين اخر لثالث تعين ما اقر به فى نصيبه .. ولو اقر لورثة أبيه بمال وكان هو أحدهم لم يدخل اذ المتكلم لا يدخل فى عموم كلامه. وهذا عند الاطلاق كما قاله السرخسى فان نص على نفسه دخل فى الاوجه .. ولو قال: له على الف الا أن يبدو لى ففيه وجهان فى العدة والبيان .. وقد قيل: لعل الاصح أنه اقرار يلزمه الألف المقر به .. وقيل لا يلزمه شئ كما نقله الهروى عن النص كما اذ قال: له على ألف الا أن يشاء الله. والمعتمد الأول .. ولو أقر أو أوصى بثياب بدنه دخل فيه كل ما يلبسه حتى الفروة ولا يدخل الخف لأنه ليس من مسمى الثياب.
الاقرار بالنسب:
الاقرار بالنسب فى حالة صدق الاقرار ومطابقته للواقع واجب. ومع الكذب فى ثبوته أو نفيه حرام بل كبيرة وما صح فى الخبر من أنه كفر محمول على مستحله او على كفر النعمة. فان حصول الولد للشخص نعمة من الله تعالى فانكارها جحد للنعمة. وشمل ذلك
ما اذا سئل شخص عن ابيه فقال: أبى زيد.
وليس زيد أباه فى الواقع فأن ذلك يتضمن نفى أبوة أبيه الحقيقى عنه. وبه يندفع ما يقال:
أن انكار النعمة ظاهر فى النفى دون الاثبات كذبا .. والنسب المقر به وجمعه أنساب ..
والاقرار بالنسب على قسمين الأول ان يلحق المقر نسب المقر له بنفسه والثانى ان يلحقه بغيره وسنبدأ بالكلام على القسم الاول:
اذا أقر شخص بالغ عاقل ذكر مختار ولو كان سكران متعديا او عبدا او كافرا أو سفيها بنسب لغيره فان ألحق النسب بنفسه من غير واسطة بأن قال: هذا ابنى او هذا أبى صح الاقرار اذا توافر فيه الشروط الآتية:
واختلف فى الاقرار بالأم بأن يقول لامرأة:
هذه أمى فقيل .. لا يصح لسهولة اقامة البينة على ولادتها اياه على ما قاله فى الكفاية.
والأصح خلافه فيصح الحاق نسب الأم به ..
ولا يصح اضافة الاقرار بالنسب الى جزء من المقر له يعبر به عن الكل سواء أكان هذا الجزء مما يبقى الشخص بدونه كأن يقول: يد فلان ابنى. أم كان مما لا يبقى بدونه كرأس فلان ابنى .. وذلك أخذا من قولهم: كل تصرف يقبل التعليق بالشرط وتصبح اضافته لبعض محله بخلاف مالا يقبل التعليق فأنه لا يضاف الى بعض محله. والاقرار بالنسب لا يقبل التعليق. ويشترط لصحة الاقرار بالنسب المباشر شروط هى:
1 -
ألا يكذب المقر الحس فى اقراره بأن يكون المقر له فى سن يمكن أن يكون منه. فأن كذبه الحس بأن كان المقر له فى سن لا يمكن ان يكون منه ولا يتصور ان يولد مثله لمثله بأن كان أكبر منه سنا أو مساويا له فيه أو أصغر منه بمدة لا يتصور فيها العلوق منه - او كان على حال من السن يتصور ان يولد مثله لمثله ولكن المقر مقطوع الذكر والانثيين قبل زمن امكان العلوق بذلك الولد المقر له كان الاقرار لغوا باطلا ولا يثبت به النسب ولا يترتب عليه أثر. وهذا بالنسبة للنسب. لا بالنسبة للعتق. فلو أقر بنسب رقيقه وكان بحال يمكن ثبوت نسبه منه بأن توفرت سائر الشروط المعتبرة شرعا وثبت نسبه منه وعتق عليه لان ملك ذى الرحم المحرم يستوجب عتقه. وان كان بحال لا يمكن ثبوت نسبه منه بأن كان معروف النسب من الغير أو كان لا يولد مثله لمثله لا يثبت نسبه بهذا الاقرار ولكن يتفق عليه كما سيأتى
…
ولو قدمت كافرة من دار الكفر أو من بلد بعيد ومنها طفل غير معروف النسب، فادعاه رجل وأمكن اجتماع الرجل والمرأة بأن احتمل أنه خرج اليها أو أنها قدمت اليه قبل ذلك. صح الاقرار وثبت نسبه. وما قيل من احتمال أنه أنفذ اليها ماءه فأستدخلته وان النسب يثبت فى مثل هذه الحالة - مردود لأبى حامد غلطه فيه الماوردى وغيره لأنه أحبال بالمراسلة.
والجمهور على خلافه.
2 -
ألا يكذبه الشرع فى اقراره بأن يكون معروف النسب من غير المقر أو ولد على فراش نكاح صحيح. فأن كان كذلك لم يصح الاقرار ولم يثبت به النسب لأن النسب الثابت من شخص لا ينتقل الى غيره سواء أصدقه المقر له فى الاقرار أم لم يصدقه.
3 -
أن يصدقه المقر له ان كان أهلا للتصديق بأن يكون مكلفا لأن له حقا فى نسبه وهو أعرف به من غيره وخرج بالتصديق سكوته فلا يثبت معه النسب. فان كان بالغا عاقلا وكذب المقر أو قال لا أعلم أو سكت وأصر لم يثبت نسبه منه الا ببينة او يمين مردودة كسائر الحقوق. ولو تصادقا ثم رجعا لم يبطل النسب لأن النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق كالثابت بالفراش. وان استلحق صغيرا أو مجنونا ثبت نسبه بالشروط المقررة ما عدا التصديق لعسر اقامة البينة فيترتب عليه احكام النسب. فلو بلغ الصغير أو أفاق المجنون وكذب المقر فى اقراره السابق لم يبطل النسب بهذا التكذيب فى الأصح فيهما لأن النسب يحتاط فلا يندفع بعد ثبوته. والثانى يبطل فيهما لأن حكمنا به حين لم يكن: أهلا للافكار. وقد صار اهلا والأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما.
4 -
ألا يكون المقر له منفيا بلعان الغير عن فراش نكاح صحيح. فان كان لم يصح الاقرار بنسبه من غير الثانى لما فى ذلك من ابطال حق الثانى اذ له أن يستلحقه بعد النفى. أما المنفى نسبه من وط ء بشبهة أو نكاح فاسد فيجوز لغير الثانى ان يقر بنسبه لانه لو نازعه الغير فيه قبل النفى وسمعت دعواه.
5 -
ألا يكون المقر له ولد زنا.
6 -
ألا يكون المقر له رقيقا للغير ولا عتيقا صغيرا أو مجنونا. فان كان لم يصح الاقرار محافظة على حق الولاء للسيد بل يحتاج الى البينة فان صدقه الكبير العاقل قبل الاقرار كما رجحه ابن المقرى خلافا لما رجحه صاحب الانوار من عدم القبول
…
والعبد باق على رقه رغم ثبوت النسب: اذ لا تنافى بين النسب والرق لأن النسب لا يستلزم الحرية.
والحرية لم تثبت.
ويصح أن يستلحق ميتا صغيرا ولو بعد أن قتله. ولا يبالى بتهمة الميراث لا بتهمة اسقاط القود لأن النسب يحتاط فيه .. ولهذا لو نفاه فى الحياة او بعد الموت ثم استلحقه بعد موته لحقه وورثه ..
كذلك يصح أن يستلحق كبيرا ميتا فى الأصح لأن الميت ليس أهلا للتصديق فصح استلحاقه كالمجنون الكبير. والثانى لا يصح استلحاقه لفوات التصديق وهو شرط لأن تأخير الاستلحاق الى الموت يشعر بانكاره لو دفع فى حال حياته والوجهان جاريان فيمن جن بعد بلوغه عاقلا ولم يمت لأنه سبق له حالة يعتبر فيها تصديقه وليس الآن من أهل التصديق يعنى فجرى فيه الخلاف .. واذا صح الاقرار بنسب الميت الصغير والكبير ويثبت به النسب فان المقر يرث المقر له أى الميت الصغير والكبير لأن الارث فرع النسب وقد ثبت ولو استلحق اثنان فأكثر بالغا عاقلا يثبت نسبه لمن صدقه منهما او منهم لاجتماع الشروط فيه دون الآخر فان صدقهما او لم يصدق واحدا منهما بأن سكت عرض على القائف كما قالاه. وما اعترض به من ان استلحاق البالغ يعتبر فيه تصديقه يرد بأن قول القائف حكم فلا استلحاق هنا حتى يحتاج الى التصديق. بقى ما لو صدق أحدهما واقام الآخر بينة هل يعمل
بالأول وهو التصديق أو بالثانى وهو البينة فيه نظر. والأقرب الثانى.
ولو اشتبه طفل مسلم بطفل نصرانى وقف أمرهما نسبا وغيره الى وجود بينة فقائف فانتساب بعد التكليف. فان لم يوجد واحد من هذه وقف النسب. ويتلطف بهما حتى يسلما باختيارهما من غير اجبار. فان ماتا قبل الامتناع من الاسلام فكمسلمين ولكن دفنهما يكون بين مقبرتى الكفار والمسلمين وان ماتا بعد الامتناع من الاسلام فلا يكونان كالمسلمين لأن احدهما كافر أصلى والثانى مرتد.
ولو قال لولد أمته: هذا ولدى. ثبت نسبه بهذا الاقرار متى توفرت شروطه المقررة والتى أشير اليها كما يشترط خلوها من الازواج لينبغى احتمال أن يكون من فراش الزوجية:
ولكن لا يثبت بهذا الاقرار الاستيلاد أى كونها أم ولد له فى الاظهر لاحتمال ان يكون قد ملكها بعد علوقها بهذا الولد من نكاح أو وط ء بشبهة والثانى - وصححه جمع ويثبت الاستيلاد ايضا بهذا الاقرار حملا على انه أولدها بالملك والاصل عدم النكاح وعدم وط ء الشبهة .. وكذلك يثبت النسب ولا يثبت الاستيلاد فى الاظهر لو قال لولد أمته:
هذا ولدى ولدته فى ملكى لاحتمال أن يكون قد أحبلها قبل الملك وملكها بعد علوقها من نكاح او وط ء بشبهة ثم اشتراها حاملا وولدت فى ملكه .. فان قال: هذا ابنى علقت به فى ملكى أو هذا ولدى استولدتها به فى ملكى أو هذا ولدى منها وملكى عليها مستمر من عشر سنين مثلا. وكان الولد ابن نحو سنة - ثبت الاستيلاد قطعا لانتفاء ذلك الاحتمال فان كانت الأمة فراشا له بأن اقر بوطئها لحقه نسب الولد الذى تأتى به حينئذ عند الامكان بأن تكون الشروط متوفرة بالفراش من غير استلحاق لقول النبى صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر - وتصير ام ولد بذلك. وان كانت متزوجة من الغير فالولد للزوج عند امكان كونه منه لان الفراش له.
واستلحاق السيد لهذا الولد حينئذ باطل للحوقه بالزوج شرعا.
ولو أقر بانه لا وارث له الا اولاده هؤلاء وزوجته هذه. قال ابن الصلاح يثبت حصر ورثته فيهم باقراره فكما يعتمد اقراره فى اصل الارث يعتمد فى حصره فانه من قبيل الوصف وفى فتاوى القاضى ما يدل له.
اما القسم الثانى من قسمى الاقرار بالنسب. فهو ان يلحق نسب المقر له بالغير ممن يتعدى النسب منه الى نفسه بأن يكون الالحاق بواسطة واحدة وهو الاب كما فى قوله هذا أخى اذ لا يكون المقر له - بالاخوة أخا للمقر الا اذا ثبت نسبه من الاب اولا.
أو بأكثر من واسطة كما فى قوله. هذا عمى فانه يتضمن حمل النسب على الجد بأثبات بنوته له. ثم اخوته للاب ثم عمومته للمقر وابن العم. وهكذا والاوجه اشتراط ذكر بيان الاخوة من الابوين او من الاب وبنوة العم كذلك كما يشترط ذلك فى البينة حالة الدعوى - فيثبت النسب بهذا الاقرار من الملحق به اذا كان رجلا كالاب والجد فى الامثلة المذكورة لان الورثة يخلفون مورثهم فى حقوقه والنسب من جملتها. وذلك بالشروط السابقة فى الاقرار بالنسب على نفسه وبشروط اخرى خاصة بهذا القسم وهى:
(1)
ان يكون الملحق به ميتا فلا يلحق بالحى ولو مجنونا لاستحالة ثبوت نسب لشخص مع وجوده بقول غيره. فلو الحق المقر نسب شخص بغيره وكان هذا الغير حيا وصدق المقر يثبت النسب بالتصديق لا بأقرار المقر. واما تصديق من بينهما من الوسائط ففى المهذب انه لا بد منه. وخالف فى البيان وقال ان كان بينهما اثنان بأن اقر بعم فقال البعض يشترط تصديق الاب والجد. والذى يقتضيه المذهب انه يكفى تصديق الجد فانه الاصل الذى ثبت النسب به. ولو اعترف وكذب الاب لم يؤثر تكذيبه فلا معنى لاشتراط تصديقه.
(2)
ان يكون المقر لا ولاء عليه لاحد فان اقر من عليه ولاء بأن كان عتيقا لمولى بأخ او عم لم يقبل لتضرر من له الولاء بمنعه من الارث مع امكان ثبوت النسب هنا من غير المقر وبذلك فارق مثل ذلك فى الحاقه بنفسه.
(3)
أن يكون المقر وارثا حائزا لتركة الملحق به واحدا كان او اكثر. فلو كان غير وارث بأن كان رقيقا او قاتلا. أو اجنبيا من الملحق به لا يصح منه الاقرار بالنسب على الغير. وكذا لو كان وارثا للمحلق به ولكن غير حائز لكل التركة لا يصح اقراره. ويستوى ان يكون الحائز واحدا بأن مات الملحق به وخلف ابنا واحدا فأقر هذا الابن بابن اخر للميت اى بأخ له هو ثبت نسبه وورث معه من الميت. او مات عن بنين وبنات فلابد من اتفاقهم جميعا على الاقرار. وكذا يعتبر موافقة الزوج والزوجة ومولى العتاقة لأنهم من الورثة.
ولا يشترط فى الاقرار بالنسب على الغير الا يكون الملحق به قد نفى نسب هذا المقر له فى الاصح فيجوز الحاقه به ولو كان قد نفاه حال حياته كما لو استلحقه الثانى بنفسه وقبل الموت بعد النفى حيث يثبت نسبه والثانى يشترط ذلك لما فى الحاقه فى هذه الحالة من العار على الميت. والوارث لا يفعل الا ما فيه حظ مورثه والاصح أنه اذا ترك الميت ابنين حائزين لتركة واقر احدهما بثالث او بزوجة للميت وانكره الابن الاخر أو سكت ولم يقر به. فالاصح ان هذا المقر به المستلحق بالميت لا يرث لانه لم يثبت نسبه والارث فرع ثبوت النسب ولا يشارك المقر فى حصته ظاهر حيث لا مقتضى لهذه المشاركة اما باطنا فاذا كان المقر صادقا فى اقراره به ويعلم فى حقيقة الواقع ان اقراره صحيح فعليه ان يشركه فيما يرثه بثلث ما فى يده نظرا الا ان ما فى يد كل واحد مستحق لثلاثة بمقتضى الاقرار.
وهذا هو الاصح وقيل يشركه بنصف ما بيده نظرا الى ان قضية الميراث انه لا يسلم لاحد الورثة شئ الا وسلم للاخر مثله. كذا قال بعضهم وفيه نظر اذا الكلام فيما يلزم المقر فى الباطن. وهو مع كذب المقر فى اقراره لا شئ لهذا الثالث المقر له .. ومع صدقه انما يلزمه الثلث فقط والثانى يرث المستلحق المقر له بان يشارك المقر فى حصته ظاهرا وباطنا معاملة له باقراره وقد ذهب الأئمة الثلاثة الى أن هذا المستلحق المقر له يرث ويشارك المقر ظاهرا وباطنا مع عدم ثبوت النسب اتفاقا معاملة للمقر بأقراره .. وعلى القول بانتفاء الارث وهو الاصح كما ذكر يحرم على المقر بنسب المقر به وان لم يثبت النسب مؤاخذة له باقراره ويقاس بالبنت من فى معناها.
والاصح أن البالغ العاقل من الورثة لا ينفرد بالاقرار بنسب على الميت لانه غير حائز للميراث فانتفى شرط من شروط صحة الاقرار فينتظر كمال الباقين اى بلوغ الصغير وافاقة المجنون وحضور الغائب ومعرفة آرائهم بالموافقة على الاقرار فيثبت النسب. وتعتبر موافقة على الاقرار فيثبت النسب. وتعتبر موافقة وارث من مات قبل الكمال او الحضور
…
والثانى ينفرد البالغ العاقل من الورثة بالاقرار ويحكم بثبوت النسب بناء عليه فى الحال احتياطا للنسب ولانه امر خطير لا يجازف فيه .. والاصح انه لو أقر أحد الوارثين الحائزين بثالث وانكر الآخر ومات المنكر ولا وارث له الا المقر ثبت النسب باقراره لانه اصبح حائزا لجميع الميراث ولا يحتاج الى اقرار جديد بعد ان اصبح كذلك بل يبقى الاقرار الاول ويترتب عليه ثبوت النسب.
ومثله ما لو كان المقر غير وارث وقت الموت ثم مات الوارث وورثه المقر واصبح هو الحائز للتركة حيث يعتبر اقراره ويثبت به النسب - والثانى لا يثبت النسب رغم صيرورة المقر حائزا لجميع الميراث نظرا الى انكار المورث الاصلى الذى مات وآلى ميراثه للمقر لان اقرار الفرع مسبوق بانكار الاصل وهو مورث المقر واحترز بقوله. وانكر الاخر عما لو أقر أحد الورثة وسكت الباقى ثم مات الساكت وورثه المقر فصدق على النسب فلا خلاف انه يثبت النسب هنا لانه لم يسبقه تكذيب من أصله.
والاصح انه لو أقر ابن حائز مشهور النسب لاولاء عليه بأخوة مجهول فأنكر المجهول نسب المقر بأن قال: أنا ابن الميت ولست أنت ابنه لم يؤثر هذا الانكار فى نسب المقر المشهور النسب ويرث منه لشهرة نسبه ولانه لو اثر فيه لبطل نسب المجهول بالتالى فانه لم يثبت بقول المقر الا باعتباره حائزا فاذا زال هذا الوصف لم يعتبر اقراره .. ويثبت نسب المجهول لان الوارث الحائز قد استلحقه والثانى يؤثر انكار المجهول على نسب المقر فيحتاج المقر الى اقامة البينة على نسبه ..
والثالث لا يثبت نسب المجهول لزعمه ان المقر ليس بوارث وان أقراره غير معتبر - وعلى الاول لو أقر الحائز والمجهول بنسب ثالث فأنكر الثالث نسب الثانى سقط نسبه لانه ثبت الثالث فاعتبرت موافقته فى ثبوت نسب الثانى. وهذا من باب قولهم - ادخلنى اخرجك.
ولو أقر الورثة بزوجية أمرأة لمورثهم ورثت كاقرارهم بنسب شخص. ومثله اقرارهم بزوج للمرأة وان اقر البعض له يثبت لها ميراث ظاهرا كالنسب اما باطنا فان كان المقر يعلم صدق اقراره شاركته فيما فى يده.
والاصح انه اذا كان الوارث الظاهر يحجبه المستلحق بفتح الحاء - كأخ اقر بابن للميت ثبت النسب للابن ولا ارث له للدور الحكمى وهو ان يلزم من اثبات الشئ رفعه اذ لو ورث الابن لحجب الاخ حجب حرمان ويخرج الاخ بذلك من ان يكون وارثا وبالتالى يخرج اقراره من أن يكون معتبرا فيبطل استلحاق الابن فلم يرث فأدى ارثه الى عدم ارثه والثانى لا يثبت نسبه الابن ايضا لانه لو ثبت لثبت الارث ولو ورث الابن لحجب الاخ فيخرج عن أهلية الاقرار فينتفى نسب الابن وينتفى الميراث كذلك .. والثالث يثبت بالنسب ويرث ولا يخرج الاخ بالحجب عن اهلية الاقرار.
فان المعتبر كون المقر حائزا للتركة لولا اقراره.
ولو اقر الاخ ببنت للميت بدل اقراره بابن ثبت نسبها وورثت مع الاخ لعدم ترتب الدور كما هو ظاهر اذ يبقى الاخ وارثا معها ويعتبر بالثانى اقراره ويترتب عليه اثره .. ولو اقراثنان من ثلاثة بنين واخ لهم وشهدا له عند انكار الثالث قبلت شهادتهما لانهما لا تجر لهما نفعا بل تضرهما اذ بثبوت نسب المقر له يرث وينتفى استحقاقهما نتيجة لذلك .. ولو اقر باخ وقال بعد الاقرار منفصلا: اردت اخى من الرضاع لم يقبل لانه خلاف الظاهر. ولهذا لو فسر بأخوة الاسلام لم يقبل.
الاقرار بالزنا:
جاء فى الاشباه والنظائر للامام جلال الدين السيوطى
(1)
: قال فى الرونق: الاقرار أربعة أقسام:
أحدهما - لا يقبل بحال. وهو اقرار المجنون.
والثانى: لا يقبل فى حال ويقبل فى ثانى حال وهو اقرار المفلس.
الثالث: لا يصح فى شئ ويصح فى غيره. وهو اقرار الصبى فى الوصية والتدبير والعبد والسفيه فى الحدود والقصاص والطلاق ..
الرابع: الصحيح مطلقا هو ما عدا ذلك.
وقاعدة من ملك الانشاء ملك الاقرار ومن لا فلا. ويستثنى من الاول. الوكيل فى البيع وقبض اذا اقر بذلك وكذبه الموكل.
لا يقبل قول الوكيل مع قدرته على الانشاء وولى السفيه يملك تزويجه لا الاقرار به.
والراهن الموسر: يملك انشاء العتق لا الاقرار به
…
ويستثنى من الثانى: المرأة يقبل اقرارها بالنكاح ولا تقدر على انشائه ..
والمريض يقبل اقراره بهبة واقباض للوارث فى الصحة فيما اختاره الرافعى. والانسان يقبل اقراره، بالرق ولا يقدر على أن يرق نفسه بالانشاء: ذكره الامام. والقاضى اذا عزل فأقر أمين انه تسلم منه المال الذى فى يده وانه لفلان. فقال القاضى: بل هو لفلان قبل من القاضى ولم يقبل من الأمين والاعمى يقر بالبيع ولا ينشئه والمفلس كذلك ولو رد المبيع بعيب ثم قال كنت أعتقه قبل ورود الفسخ ولا يملك انشاءه حينئذ لو باع الحاكم عبدا فى وفاء دين غائب فحضر الغائب وقال: كنت اعتقته قبل مع انه لا يملك انشاءه حينئذ.
قال ابن خيران فى اللطيف: اقرار الانسان على نفسه مقبول. وعلى غيره غير مقبول الا فى صورة وهى ما اذا اقر جميع الورثة بوارث ثبت نسبه ولحق بمن اقروا عليه.
ويضم اليها ما ذكره البغوى ان اقرار الامام بمال بيت المال نافذ بخلاف اقرار الوصى والقيم على محجوره. وقال ابن خيران، كل من أقر بشئ ليضر به غيره لم يقبل الا فى صورة وهى ان يقر العبد بقطع او قتل او سرقة. يقبل وان ضرر سيده باقامة الحد عليه. وكل من اقر بشئ ثم رجع فى اقراره لم يقبل إلا فى حدود الله تعالى. ويضم إلى ذلك ما إذا أقر الأب بعين لابنه فإنه يقبل رجوعه كما صححه النووى فى فتاويه. وليس فى الروضة تصحيح قال فى التلخيص: كل من له على رجل مال فى ذمته فأقر به لغيره قبل الا فى ثلاث صور:
اذا اقرت المرأة بالصداق الذى فى ذمة زوجها.
واذا اقر الزوج بما خالع عليه فى ذمة امرأته
(1)
السيوطى ص 464 وما بعدها.
واذا اقر بما وجب له من ارش جناية فى بدنه. قال الرويانى فى الفروق. هذا اذا منعنا بيع الدين فى الذمة واوجبنا رضى المحال عليه فى الحوالة والا فيصح الاقرار بما ذكر.
وحمل الرافعى ما ذكره صاحب التلخيص على ما اذا اقر بها عقب ثبوتها بحيث لا يحتمل جريان ناقل .. قال: لكن سائر الديون ايضا كذلك فلا ينتظم الاستثناء.
(قاعدة) الاقرار لا يقوم مقام الانشاء لانه خبر محض يدخله الصدق والكذب .. نعم يؤاخذ ظاهرا بما أقر به ولا يقبل منه دعوى الكذب فى ذلك ومن فروعه. اذا اقر بالطلاق نفذ ظاهرا لا باطنا. وحكى وجه: انه اذا اقر بالطلاق صار انشاءا حتى يحرم عليه باطنا ..
ومنها اختلفا فى الرجعة والعدة باقية فادعاها الزوج فالقول قوله ثم اطلق عليه جماعة منهم البغوى انه قام مقام الانشاء .. ومنها: لو قال تزوجت هذه الامة وانا اجد طول حرة ففى نصه: انها تبين بطلقه فلو تزوجت بعد عادت بطلقتين. وقال العراقيون: هى فرقة فسخ لا تنقص العدد ومال اليه الامام والغزالى. وفى فتاوى القفال: لو ادعت عليه انه نكحها وانكر فمن الاصحاب من قال: لا تحل لغيره وهو الظاهر. ولا يجعل انكاره طلاقا بخلاف ما لو قال: نكحتها انا اجد طول حرة لانه هناك اقر بالنكاح وادعى ما يمنع صحته. وهنا لم يقر اصلا. وقيل: بل يتلطف الحاكم به حتى يقول: ان كنت نكحتها فقد طلقتها نقله الرافعى. ومنها: لو قال: طلقتك ثلاثا بألف فقالت: بل سألتك ذلك وطلقتنى .. واحدة فلك ثلث الالف .. قال الشافعى: ان لم يطل الفصل طلقت ثلاثا. وان طال ولم يمكن جعله جوابا طلقت ثلاثا بأقراره .. ومنها: لو اقر الزوج بمفسد: من احرام او عدة او ردة وأنكرت لم يقبل قوله عليها فى المهر ويفرق بينهما بقوله: قال أصحاب القفال: وهو طلقة حتى لو نكحها عادت اليه بطلقتين ومن انكر حقا لغيره ثم اقر به قبل الا فى صور: منها اذا ادعى عليها زوجية فقالت: زوجنى الولى بغير اذنى ثم صدقته قال الشافعى لا يقبل وأخذ به اكثر العراقيين. وقال غيرهم يقبل وصححه الغزالى .. ومنها: لو قالت: انقضت عدتى قبل ان تراجعنى ثم صدقته ففى قبوله قولان وكل من أخبر عن فعل نفسه قبلناه لانه لا يعلم الا من جهته الا حيث تتعلق به شهادة كشهادة المرضعة ورؤية الهلال ونحوه او دعوى: كولادة الولد المجهول واستلحاقه من المرأة
…
وكل ما لا يثبت فى الذمة لا يصح الاقرار به .. ومن فروعه. ما فى فتاوى النووى: لو اقر بأن فى ذمته لزيد شربات نحاس لم يصح لان الشربات لا يتصور ثبوتها فى الذمة لا سلما لعدم صحة السلم فيها ولا بدل متلف لانها غير مثلية.
قال الشافعى رضى الله عنه
(1)
. اصل ما انبنى عليه الاقرار انى اعمل اليقين واطرح الشك ولا استعمل الغلبة وهذه قاعدة مضطردة عند الاصحاب. ومرجعها الى ان الاصل براءة الذمة كقولهم فيما لو اقر انه وهبه وملكه لم يكن مقرا بالقبض لانه ربما اعتقد ان الهبة لا تتوقف على القبض. واصل الاقرار البقاء على اليقين .. فلو اقر لابنه بعين فيمكن تنزيل الاقرار على البيع وهو سبب قوى يمنع الرجوع وعلى الهبة فلا يمنع الرجوع. فأفتى ابو سعيد الهروى بأثبات الرجوع تنزيلا على اقل السببين واضعف الملكين. وأفتى ابو عاصم
(1)
المرجع السابق صفحة 53 وما بعدها.
العبادى بعدمه لان الاصل بقاء الملك للمقر له.
وحكى الرافعى عن الماوردى والقاضى أبى الطيب موافقة ابى سعيد ثم قال: ويمكن ان يتوسط فيقال: أن اقر بانتقال الملك منه الى الابن فالامر كما قال القاضيان وان اقر بالملك المطلق فالامر كما قال العبادى وقال النووى فى فتاويه: لا صح المختار قول الهروى وقبول تفسيره بالهبة ورجوعه مطلقا.
ومن الفروع: ان اقرار الحاكم بالشئ ان كان على جهة الحكم كان حكما. وان لم يكن بأن كان فى معرض الحكايات والاخبار عن الامور المتقدمة لم يكن حكما قاله الرافعى فى اواخر الاقرار: قال الاسنوى وهذا من القواعد المهمة قال: فاذا شككنا فى ذلك لم يكن حكما لان الاصل بقاءه على الاخبار وعدم نقله الى الانشاء .. ومنها لو اقر بمال او مال عظيم او كبير قبل تفسيره بما يتمول وان قل ولو قال: له عندى سيف فى غمد او ثوب فى صندوق لا يلزمه الظرف او غمد فيه سيف او صندوق فيه ثوب لزمه الظرف وحده او خاتم فيه فص لم يلزمه الفص او عبد على رأسه عمامة لم تلزمه العمامة او دابة فى حافرها نعل او جارية فى بطنها حمل لم يلزمه النعل والحمل.
ولو اقر له بالف ثم اقر له الف فى يوم آخر لزمه الف فقط أو باكثر دخل الاقل فى الاكثر وقد سئل السبكى عن اتفاق الاصحاب على ان من قال: له على دراهم يلزمه ثلاثة فلم يقل بلزوم درهمين مع ان بعض اصحابنا قال: ان اقل الجمع اثنان وان كان المشهور انه ثلاثة فلم يقل بلزوم درهمين على كلا القولين بجواز أن يكون تجوز واطلق الجمع على الاثنين. فأن ذلك مجاز شائع بالاتفاق من القائلين بالمنع مع أن الاقرار مبنى على اليقين - فأجاب بأن الاقرار انما يحمل على الحقيقة واحتمال المجاز لا يقتضى الحمل عليه اذ لو فتح هذا الباب لم يتمسك بأقراره وقد قال الهروى ان اصل ذلك ما قاله الشافعى انه يلزم فى الاقرار باليقين وظاهر المعلوم وهو الظن القوى ولا يلزم بمجرد الظن كما لا يلزم فى حالة الشك اذ الاصل براءة الذمة .. وهذا الذى قاله الهروى صحيح.
واحتمال ارادة المجاز دون الشك لانه وهم فكيف يعمل به. بل لو قال: اردت بقولى دراهم درهمين لم يقبل لكن له تحليف غريمه.
وكون الاقرار مبنيا على اليقين لا يقدح فى هذا لان هذا يقين فأنه موضوع اللفظ لغة.
وليس المراد باليقين القطع. ولو اريد القطع.
فقد تقدم فى كلام الهروى انه يأخذ باليقين وبالظن القوى. وحمل اللفظ على المجاز انما يكون لقرينة اما بغير قرينة فيحمل على الحقيقة قطعا. وهذا هو المراد باليقين.
الاقرار بالزنا:
يثبت الزنا بينة
(1)
أو اقرار حقيقى متصل نظير ما تقرر فى الشهادات ولو بأشارة اخرس أن فهمها كل احد. لأنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية بأقرارهما .. وتقييد الاقرار بالحقيقى لاخراج اليمين المردوده بعد نكول الخصم فلا يثبت بها الزنا نعم يسقط حد القاذف
…
ويكفى الاقرار مرة.
ولا يشترط تكراره اربع مرات لان النبى صلى الله عليه وسلم علق الرجم بمجرد الاعتراف فى
(1)
نهاية المحتاج ج 7 ص 410، 411.
قصة العسيف لما قال لمن جاءه يطلبان البيان والقضاء بينهما بكتاب الله - والله لأقضين بينكما بكتاب الغنم والوليدة رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام - أغد يا أنيس الى امرأة هذا. فان اعترفت فارجمها وغدا اليها أنيس واعترفت وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم برجمها فرجمت - فعلق الرجم بمطلق الاقرار. فيصدق بمرة واحدة .. وترديده صلى الله عليه وسلم ماعز أربعا لانه شك فى امره .. ولذا قال: ابك جنون.
ولهذا لم يكرر اقرار الغامدية .. وعلم من الكلام فى اللسان ثبوته ايضا عليها بلعانه ان لم تلاعن ومما يأتى فى القضاء ان القاضى لا يحكم فيه بعلمه .. نعم للسيد استيفاؤه من عبده القن لعلمه لمصلحة تاديبه ولو اقر به ثم رجع عنه قبل الشروع فى الحد أو بعده وقبل تمامه بنحو رجعت أو كذبت أو مازنيت .. وان قال عبده كذبت فى رجوعى. أو كنت فأخذت فظننته زنا وان شهد حاله بكذبه فيما يظهر. بخلاف ما أقررت لأنه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به - سقط الحد لأن النبى صلى الله عليه وسلم عرض لماعز بالرجوع فلولا أنه يفيد لما عرض له به بل قالوا له: انه عند رجمه طلب الرد عليه فلم يسمعوه فقال النبى صلى الله عليه وسلم:
هلا تركتموه لعله يثوب. أى يرجع اذا التوبة لا تسقط الحد هنا - فيتوب الله عليه. ومن ثم من له الرجوع وافهم قوله - سقط عنه الحد - بفاء الاقرار بالنسبة لغيره كحد قاذفه فلا يجب الحد على من قذفه اذا أقر بالزنا ثم رجع عن اقراره بل يستصحب حكم اقراره فيه من عدم حد قاذفه لثبوت عدم احصانه ..
ولو أقر بالزنا وقامت عليه بينة بالزنا. ثم رجع عن الاقرار عمل بالبينة لا بالاقرار سواء تقدمت البينة على الاقرار أم تأخرت عنه خلافا للماوردى فى اعتبار أسبقهما. لأن البينة فى حقوق الله تعالى أقوى من الاقرار على عكس ما فى حقوق الآدميين وكالزنا فى قبول الرجوع عنه كل حد له تعالى كشرب وسرقة بالنسبة للقطع وأفهم كلامه عدم امكان الرجوع عنه عند ثبوته بالبينة وهو كذلك نعم يتطرق اليه السقوط بغير الرجوع كدعوى زوجته من نسب اليه الزنا بها أو ملك يمين فى امة. وظن كونها حليلته ونحو ذلك. ولو قال المقر: اتركونى: أو لا تحدونى أو هرب قبل حده أو فى اعقابه فلا يكون رجوعا فى الاصح لانه لم يصرح به.
نعم يجب تخليته حالا فان صرح فذاك. والا أقيم عليه الحد فان لم يخل لم يضمن لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليهم شيئا فى خبر ماعز لما قال لهم: ردونى الى رسول الله. ولم يسمعوه .. ولو اقر زان بنحو بلوغ أو احصان ثم رجع وادعى صباه أو انه بكر فالمتجه عدم قبوله. وليس فى معنى ما مر لأنه تم رفع السبب بالكلية بخلافه هنا .. ولو ادعى المقر ان اماما استوفى الحد منه قبل منه ذلك وان لم ير أثره ببدنه.
وعلى قاتل الراجع دية لاقود لشبهة الخلاف فى سقوط الحد بالرجوع. وما ذكره الدارمى من وجوب القود مردود.
الاقرار بالشرب:
جاء فى البحيرمى
(1)
- وحد بأقراره وبشهادة رجلين انه شرب سكرا. وان لم يقل وهو عالم مختار لأن الاصل عدم الجهل والاكراه.
(1)
البجيرمى ج 4 ص 235.
ويحد باقراره
(1)
وبشهادة رجلين أو علم السيد دون غيره .. لا بريح خمر وهيئة سكر وقئ لاحتمال انه احتقن أو اسعط بها أو انه شربها بعذر من غلط أو اكراه .. واما حد عثمان رضى الله عنه بالقئ فهو اجتهاد له .. ويكفى فى اقرار وشهادة شرب خمر أو شرب مما شرب منه غيره فسكر وسواء أقال وهو مختار عالم أم لا كما فى نحو بيع وطلاق اذ الأصل عدم الاكراه والغالب من حال الشارب علمه بما يشربه. وقيل يشترط فى كل من المقر والشاهد أن يقول: شربها وهو عالم به مختار لاحتمال الجهل والاكراه كالشهادة بالزنا اذ العقوبة لا تثبت الا بيقين
…
وفرق الاول بأن الزنا قد يطلق على مقدماته كما فى الخبر على انهم سامحوا فى الخمر لسهولة حدها مالم يسامحوا فى غيرها لا سيما مع ان الابثلاء بكثرة شربها يقتضى التوسع فى سبب الزجر فيها فوسع فيه ما لم يوسع فى غيره ويعتبر على الثانى زيادة من غير ضرورة احترازا من الاساءة والشرب لنمو عطش أو تداو ولا يحد حال سكره أى لا يجوز ذلك لفوات مقصوده من الزجر مع فوات رجوعه ان كان اقر. فان حد ولم يصر ملقى لا حركة فيه اعتد به كما صححه جمع.
الاقرار بالسرقة:
نثبت السرقة
(2)
بيمين المدعى المردودة فيقطع السارق فى الاصح لانها اقرار حكما وهذا ما ذكراه هنا. لكنهما جزما فى الدعاوى من الروضة واصلها بعدم القطع بها. لأنه حق الله تعالى وهو لا يثبت بها .. واعتمده البلقينى واحتج له بنص الشافعى .. وقال الأذرعى وغيره: انه المذهب. وهو المعتمد.
وحمل بعضهم الكلام هنا على ثبوتها بالنسبة للمال وهم .. اذ ثبوته لا خلاف فيه
وبأقرار السارق بعد دعوى ان فصله بما يأتى فى الشهادة بها ولو لم يتكرر اقراره بل اقتصر على مرة واحدة كسائر الحقوق ..
وما بحثه الأذرعى من قبول الاطلاق من مقر فقيه موافق للقاضى فى مذهبه غير ظاهر اذ كثير من مسائل الشبهة والحرز وقع فيه خلاف بين الائمة فى المذهب الواحد ..
فالاوجه اشتراط التفصيل مطلقا كنظيره فى الزنا .. اما اقراره قبل تقدم دعوى فلا يقطع به السارق حتى يدعى المال ويثبت اخذا من قولهم: لو شهدا بسرقة مال غائب أو حاضر حسبة مثلا فلا قطع على السارق حتى يدعى المالك بماله ثم تعاد الشهادة لثبوت المال لأنه لا يثبت بشهادة الحسبة لا القطع فأنه يثبت بشهادة الحسبة لأنه حق الله تعالى. وانما ينتظر لتوقع ظهور مسقط مذهبه .. والمذهب يقوى رجوعه عن الاقرار بالسرقة كالزنا لكن بالنسبة للقطع دون المال لأن القطع حق الله ويسقط بالشبهة. اما المال فأنه حق العبد ولا يسقط بالشبهة. الطريق الثانى القطع بقبول رجوعه بالنسبة للقطع فلا يقطع وفى الغرم بالنسبة للمال قولان أظهرها وجوبه .. وفى طريق ثالث القطع بوجوب الغرم ايضا .. ومن اقر بعقوبة الله تعالى أى بموجبها كزنا وسرقة وشرب سكر ولو بعد دعوى. فالصحيح ان للقاضى أى يجوز له كما فى الروضة .. لكن فى شرح مسلم اشارة الى نقل الاجماع على
(1)
نهاية المحتاج ج 8 ص 14.
(2)
نهاية المحتاج ج 7 ص 440، 442.
ندبه. وحكاه عن الأصحاب. والمعتمد الاول .. وقضية تخصيصهم الجواز بالقاضى حرمته على غيره .. والأوجه جوازه لامتناع التلقين على الحاكم دون غيره ان يعرض له حيث كان جاهلا وجوب الحد وهو معذور كما فى العزيز .. ولعله جرى على الغائب اذ العالم قد تطرأ له دهشة فلا فرق كما قاله البلقينى بالرجوع عن الاقرار وان كان عالما بجوازه. فيقول: لعلك قبلت أو فاخذت ..
أو اخذت من غير حرز. أو غصبت. أو أنهبت .. أو لم تعلم أن ما شربته مسكر ..
لأن النبى صلى الله عليه وسلم عرض لماعز بقوله له: لعلك قبلت أو لمست أو غمزت ..
وقال لمن اقر عنده بالسرقة: ما اخالك سرقت - فقال بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا. فأمر به فقطع .. والثانى لا يعرض له بالانكار أى ما لم يخش أن ذلك يحمله على انكار المال ايضا فيما يظهر وانه يمتنع التعريض اذا ثبت بالبينة .. وقوله - بعقوبة لله تعالى - يفيد ان حق الآدمى لا يحل التعريض بالرجوع عنه وان لم يفد الرجوع فيه شيئا .. ويوجه بأن فيه حملا على محرم. فهو - كتعاطى العقد الفاسد ولا يقول له: ارجع عنه أو اجحده قطعا فيأثم به لأنه امر بالكذب. وله ان يعرض للشهود بالتوقف فى حده تعالى ان رأى المصلحة فى الستر والا فلا .. وعلم منه انه لا يجوز له أن يعرض للشهود. ولا يجوز للشهود ان يتوقفوا عند ترتيب مفسدة على ذلك من ضياع المسروق أو ضياع حق للغير ..
ولو اقر بلا دعوى أو بعد دعوى من وكيل للغائب شملت وكالته ذلك. ولم يشعر المالك بها أو شهد بها حسبة انه سرق مال زيد الغائب أو الصبى أو المجنون .. والحق بذلك السفيه - لم يقطع فى الحال بل يحبس وينتظر حضور الغائب وكمال الصبى والمجنون ومطالبته فى الاصح لانه ربما يقر له بالمسروق بالاباحة أو بالملك فيسقط القطع وان كذبه كما مر.
أما بعد دعوى الموكل فلا انتظار لعدم احتمال الاباحة هنا. ونحو الصبى يمكن ان يملكه عند البلوغ والرشد وقبل الرفع الى الحاكم فيسقط القطع أيضا .. ولا يشكل حبسه هنا بعدمه فيما لو اقر بمال غائب لان له المطالبة بالقطع فى الجملة لا بمال الغائب ومن ثم لو مات عن نحو طفل لأن له بل عليه المطالبة به حينئذ.
لو أقر بالسرقة
(1)
ثم رجع عن الاقرار ثم كتب رجوعه .. قال الدميرى: لا يقطع .. ولو اقر بالسرقة ثم اقيمت عليه البينة ثم رجع عن الاقرار. قال القاضى سقط عنه القطع على الصحيح لان الثبوت كان بالاقرار وقد رجع عنه. وتقدم نظيره فى الزنا عن الماوردى كذا فى شرح الروضة لكن المعتمد خلافه لأن الثبوت بالبينة.
ان ثبتت السرقة بالبينة
(2)
فأقر المسروق منه بالملك للسارق .. أو قال المسروق منه كنت ابحثه له سقط القطع لأنه يحتمل ان يكون صادقا فى اقراره .. وذلك شبهة فلم يجب معها الحد .. وان ثبتت السرقة بالبينة فادعى السارق أن المسروق ماله وهبه منه المسروق منه أو اباحه له .. وانكر المسروق منه ما ادعاه السارق ولم يكن للسارق بينة لم تقبل دعواه فى حق
(1)
نهاية المحتاج ج 7 ص 441.
(2)
المهذب ج 2 ص 282، 283.
المسروق منه لانه خلاف الظاهر بل يجب تسليم المال اليه
…
ثم قال: ان ثبتت السرقة والزنا بالاقرار فهو كما لو ثبتت بالبينة
ومن اصحابنا من قال فيه وجه اقر أنه يقطع السارق ويجد الزانى فى الاقرار وجها واحد والصحيح أنه كالبينة.
اقرار اللقيط بالرق:
اذا لم يقر اللقيط
(1)
برق فهو حر اجماعا لأن الغالب على الناس الحرية الا ان يقيم احد بينة برقه فيعمل بها وان اقر اللقيط المكلف وان لم يكن رشيدا بالرق لشخص فصدقه ولو بسكوته عن تصديقه وتكذيبه لأنه حينئذ لم يكذبه - قبل اقراره بالرق لهذا الشخص ان لم يسبق من هذا اللقيط اقرار بحرية نفسه - فان كذب الشخص المقر له بالرق من اللقيط - اللقيط فى اقراره أو كان اللقيط قد سبق منه الاقرار بحرية نفسه وهو مكلف - فلا يقبل منه الاقرار بالرق لأنه التزام أحكام الأحرار المتعلقة بحقوق الله تعالى والعباد فلم يملك اسقاطها باقراره بالرق ولذلك الشخص وانما قبل اقرار الزوجة بالرجعة بعد الانكار لان الاصل عدم القضاء العدة مع تفويض الشارع أمر انقضائها اليها .. والاقرار بالرق مخالف لاصل الحرية الموافق للاقرار السابق .. ولو انكر رقه بعد الدعوى عليه به وحلف ثم عاد واعترف للمدعى بالرق فان كانت صيغة انكاره لست برقيق لك - قبل اعترافه وان كانت صيغة انكاره - لست برقيق - فلا يقبل الاعتراف لتضمن هذا الانكار الاقرار بحرية الأصل ..
ولو أقر بالرق لمعين ثم ادعى حرية الأصل لم تسمع دعواه لمناقضتها لاقراره السابق بالرق.
والمذهب أنه لا يشترط فى صحة الاقرار بالرق أن لا يسبق منه تصرف يقتضى نفوذه حرية كبيع ونكاح وغيرهما بل يقبل اقراره فى اصل الرق احكامه الماضية المضرة به والمستقبلة فى ماله. كما يقبل اقرار المرأة بالنكاح وان تضمن ثبوت حق لها وعليها كسائر الاقارير. وفى قول من الطريق الثانى لا يقبل فيبقى على احكام الحرية
…
ولا يقبل منه الاقرار فى اصل الرق واحكامه الماضية المضرة بغيره فلا يقبل اقراره بالنسبة اليها فى الاظهر كما لا يقبل الاقرار على الغير بدين مثلا وتقبل البينة برقه مطلقا، والثانى يقبل اقراره فى ذلك ايضا لانه لا يتجزأ ويصير كاقامة البينة .. وعلى الاول وهو عدم قبول الاقرار بالنسبة للاحكام الماضية المضرة بالغير - فلو لزم اللقيط دين فأقر برق وفى يده مال قضى منه الدين ثم ان بقى من المال شئ بعد قضاء الدين وللمقر له بالرق وان بقى عليه شئ من الدين اتبع به بعد عتقه.
مذهب الحنابلة:
التعريف لغة:
جاء فى كشاف القناع وشرح منتهى الارادات أن الاقرار لغة الاعتراف. مأخوذ من المقر وهو المكان الذى يحصل فيه الاستقرار كأن المقر حين يقر بالحق. يجعل الحق فى مكانه وموضعه.
التعريف شرعا:
وهو شرعا: اظهار مكلف مختار ما عليه أو على موكله أو موليه أو مورثه من حق دين أو غيره باللفظ أو الكتابة أو الاشارة وسيأتى
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 457 وما بعدها.
فى الكلام على شروط الاقرار بيان وايضاح هذه القيود.
هل الاقرار انشاء أو اخبار:
جاء فى المرجعين السابقين. أن الاقرار ليس انشاء بل هو اخبار واظهار لما هو ثابت فى نفس الأمر. فاذا قال المقر: هذه الدار لفلان. كان ذلك اظهارا منه، والدار فى الواقع ونفس الامر ملك فلان هذا ..
وانما صح اضافة المقر به الى نفس المقر مما يقر بملكيته له فى الواقع كأن يقول: عبدى هذا أو دارى هذه ملك فلان لأن الاضافة هنا لأدنى ملابسة .. وليست اضافة ملك فلا يتنافى الاقرار بملكيته هذا المقر به للمقر له
(1)
.
حجية الاقرار:
واعتبار الاقرار حجة يثبت بها الحق والاصل فيه الكتاب والسنة والاجماع والمعقول.
أما الكتاب: فيقول الله تبارك وتعالى:
«واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه.» «قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم اصرى. قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين» . وقوله تعالى: «وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ان الله غفور رحيم» وقوله تعالى:
وأما السنة: فما روى ان ماعزا اقر بالزنا فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الغامدية .. وفى قصة العسيف قال:
وأغد يا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها. فقد رتب صلى الله عليه وسلم الحكم وهو الرجم على الاقرار. ولولا انه حجة مثبتة لما رتبه عليه.
واما الاجماع. فقد اجمعت الأمة الاسلامية من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى عصرنا هذا على صحة الاقرار واعتباره حجة كافية فى اثبات الحقوق والاحكام.
واما المعقول فان الاقرار اخبار على نفس الشخص المقر على وجه ينفى عنه التهمة والريبة. فان العاقل لا يكذب على نفسه كما يضر بها. ولهذا كان آكد من الشهادة.
فان المدعى عليه اذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة وانما تسمع اذا انكر. وكذب المدعى بينته لم تسمع وان كذب المقر له المقر ثم صدقه صح الاقرار وسمع
(2)
.
ما به يكون الاقرار:
يكون الاقرار باللفظ أو بالكتابة أو بالاشارة:
اللفظ:
واللفظ هو الاساس فى التفاهم والاعراب عما فى النفس. وفى دلالته على الاقرار تارة يكون صريحا. كقوله: لفلان على أو عندى ألف درهم. أو ثوب أو عبد أو نحو ذلك. ومن الألفاظ الصريحة فى الاقرار أن يكون اللفظ بحسب وضعه اللغوى والا
(1)
كشاف القناع ج 4 ص 290 وشرح منتهى الإرادات ج 4 ص 335.
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 291 وشرح المنتهى ج 4 ص 335 من الشرح الكبير - ج 5 ص 271.
على الاقرار والتصديق كالعبارات السابقة.
وكقوله فى جواب من ادعى عليه الفا: بأن قال: لى عليك الف: فقال فى جوابه - نعم أو أجل أو صدقت أو أنا مقر به أو أنا مقر بدعواك كان مقرا ويلزمه ما اقر به. لأن نعم حرف تصديق. وكذا اجل بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام. قال الاخفش انه احسن من نعم فى التصديق. ونعم احسن منه فى الاستفهام .. قال الله تعالى «ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا. فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين» . وقيل لسلمان الفارسى رضى الله تعالى عنه .. علمكم نبيكم كل شئ؟ قال:
أجل - قوله صدقت. أو انا مقر به أو انا مقر بدعواك - وضعت للتصديق وان قال:
أليس لى عليك ألف: فقال: بلى كان اقرارا صحيحا لان بلى جواب للسؤال بحرف النفى قال تعالى: «ألست بربكم قالوا بلى» ولا يكون مقرا لو قال نعم وقيل يكون اقرارا من العامى. وتارة يكون اللفظ دالا على الاقرار بطريق الدلالة ومعونة القرينة لا بحسب وضعه اللغوى كأن يقول: المدعى فى جواب مدعى الالف: انا مقر. أو خذها أو اتزنها أو احرزها أو اقبضها أو هى صحاح.
كان اقرارا. لأنه عقب الدعوى فيتعلق بها فيصرف اليها. ولان الضمير يرجع الى المقر به المتقدم.
وان قال
(1)
: كان له على الف وقضيته اياه أو ابرأنى منه. أو برئت اليه منه. أو قبض منى كذا منه. أو أبرأنى كذا منه. أو اقبضته منه خمسمائة مثلا. فهو منكر. وهذا معنى كلام الخرقى وعامة شيوخنا. ولانه قول يمكن صدقه ولا تناقض فيه من جهة اللفظ فوجب قبوله ولا يلزمه شئ كاستثناء البعض وكذلك لو قال له شخص يدعى عليه: لى عليك الف. فقال له فى الجواب: أقبضتك منها عشرة فان المدعى عليه يكون منكرا والقول قوله مع يمينه. وقال ابو الخطاب يكون مقرا بالالف ومدعيا للقضاء فلا يقبل: الا ببينة
…
ولو أسقط لفظ - كان - بأن قال: له على الف أقبضته اياها أو ابرأنى منها أو نحو ذلك.
فهو منكر والقول قوله بيمينه
…
وهذا كله ما لم يعترف المدعى عليه بسبب الحق المدعى به بأن يعترف بأن الحق من ثمن بيع أو قيمة متلف أو أرش جناية ونحوه. أو لم يعترف بسبب الحق ولكن ثبت السبب ببينة. فأنه حينئذ يكون مقرا بالحق ومدعيا للقضاء أو الابراء فيطالب بالبيان .. فأن قال: لى بينة على القضاء أو الابراء ولو بعد ثبوت الحق ببينة أو اقراره أمهل ثلاثة ايام ليأتى بالبينة.
فأن عجز عن الاتيان بالبينة حلف المدعى عليه على بقاء حقه
ولو قال: له على الف قد قبضه أو أستوفاه كان مقرا. قال فى الانصاف - بلا نزاع - ففرق بين أضافة الفعل الى نفسه واضافته الى غيره وكلام ابن ظهيرة فى شرح الوجيز. ان الحكم فى المسألتين سواء - أى لا يكون مقرا ويعتبر منكرا والقول قوله بيمينه كما تقدم.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 309 وما بعدها.
ومن ادعى عليه شئ
(1)
بان قيل له:
لى عليك الف - فقال: كان له على الف وقضيته لم يكن ذلك اقرارا.
حكى ابن ابى موسى أن فى المسألة روايتين - احداهما. ان هذا ليس باقرار واختاره القاضى وقال لم اجد عن احمد رواية بغير هذا. والثانية. أنه اقرار بالحق وادعاء بقضائه فعليه البينة بالقضاء والا حلف غريمه واخذه. واختاره ابو الخطاب .. ووجه قول الخرقى (الاول) انه قول متصل يمكن صحته ولا تناقض فيه توجب أن يقبل كاستثناء البعض وفارق المنفصل لأن حكم الاول فيه قد استقر بسكوته عليه فلا يمكن رفعه بعد استقراره.
وان قال: له على مائة وقضيته منها خمسين. فالكلام فيها كالكلام فيما اذا قال - قضيتها -. وان قال له انسان: لى عليك مائة فقال فى جوابه: قضيتك منها خمسين.
فقال القاضى. لا يكون مقرا بشئ لأن الخمسين التى ذكر انه قضاها - فى كلامه ما يمنع بقاءها وهو دعوى القضاء - وعلى الرواية الأخرى يلزمه الخمسون لأن فى دعوى القضاء اقرار بانها كانت عليه فلا تقبل دعوى القضاء بغير بينة .. وان قال: له على الف قضيته اياها لزمه الالف ولم تقبل دعوى القضاء لأن هذا قول متناقض اذ لا يمكن ان يكون عليه الف قد قضاها. وقال القاضى تقبل منه دعوى القضاء لانه رفع ما اثبته بهذه الدعوى متصلا. فأشبه ما لو قال: كان له على الف قضيته وفرق ابن ابى موسى بين ان يدعى قضاء الجميع فلا يقبل منه للتناقض كأستثناء الكل وان يدعى قضاء البعض فيقبل منه كأستثناء البعض لأنه رفع بعض ما اقر به بكلام متصل فأشبه بما لو أستثناه.
فالمذهب عند الحنابلة عدم اعتبار الكلام المشتمل على ادعاء القضاء والا على الاقرار بالحق.
الكتابة: نص فى كشاف القناع وشرح المنتهى على صحة الاقرار بالكتابة باطلاق وبلا تقييد تدل ذلك على جواز الاقرار بها من القادر على النطق ومن العاجز. أصلا كالأخرس الذى يقدر على الكتابة أو لسبب طارئ كمعتقل اللسان لمرض وهو يقدر على الكتابة.
الاشارة:
يصح الاقرار من الاخرس باشارة معلومة لقيامها مقام نطقه ككتابته اما التبادر على النطق فلا يصح الاقرار منه بالاشارة.
فالشرط فى اعتبار الاشارة طريقا للاقرار.
- أن تكون معلومة ومفهمة وأن يكون المقر بها غير قادر على النطق. ولم يذكروا ما اذا كان الشخص غير قادر على النطق ولكنه قادر على الكتابة والاشارة فهل يصح الاقرار بأيهما أو يشترط لصحة اقراره بالاشارة أن يكون عاجزا عن الكتابة؟.
ولا يصح الاقرار بالاشارة ممن اعتقل لسانه وعجز عن النطق لطارئ من مرض ونحوه لأنه غير ميئوس من نطقه فأشبه النطق
(2)
.
(1)
المغنى لابن قدامة ج 5 ص 285 وما بعدها.
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 291 وص 306، ص 307 ومنتهى الارادات ج 4 ص 335، 339، 340.
شروط الاقرار:
لكى يتحقق الاقرار شرعا. لابد ان يكون هناك مقر. ومقر له ومقر به وصيغة للاقرار وتبرزه وتظهره. ولكى يعتبر الاقرار شرعا ويترتب عليه أثاره ونتائجه التى اناطها به الشارع. يجب ان تتوفر فى كل من هذه العناصر شروط واعتبارات تتألف من مجموعها اقرار صحيح.
شروط المقر:
يشترط فى المقر ما يأتى:
(1)
أن يكون بالغا اذ الاحكام وصحة التصرفات شرعا تناط بالتكليف. وعبارة غير المكلف غير معتبرة ولا تترتب عليها الاحكام ولا تصح معها التصرفات فالطفل اى الصبى غير المميز لا يصح اقراره بالاجماع لا يعلم فيه خلاف. وقد قال عليه الصلاة والسلام: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ.
فنص على أن الصبى لا يتجه عليه التكليف فلا تصح منه التصرفات .. اما الصبى المميز، فان كان محجورا عليه فلا يصح اقراره. وان كان مأذونا له فى التجارة او فى بعض التصرفات صح اقراره فيما اذن له فيه .. قال أحمد فى رواية مهنا فى اليتيم اذا اذن له فى التجارة وهو يعقل البيع والشراء فبيعه وشراؤه جائز وان اقر انه اقتضى شيئا من ماله جاز بقدر ما اذن له وليه فيه لانه عاقل مختار يصح تصرفه فصح اقراره كالبالغ .. وحديث رفع القلم عن ثلاثة منهم الصبى حتى يبلغ محمول على رفع التكلف والاثم وقال أبو بكر وابن ابى موسى: انما يصح اقراره فيما اذن له فى التجارة فيه فى الشئ اليسير فأن أقر من هو مراهق غير مأذون له. ثم اختلف هو والمقر فى بلوغه فالقول قول المقر الا ان تقوم بينة على البلوغ فيعمل بها لان الاصل الصغر ولا يحلف المقر لان الغرض انه لم يبلغ ولا يمين لمن دون البلوغ الا ان يختلفا بعد ثبوت البلوغ فيكون عليه اليمين انه حين اقر لم يكن بالغا ويصح اقرار الصبى انه بلغ بالاحتلام اذا بلغ عشر سنين لانه لا يعلم الا من جهته وكذا الجارية يصح اقرارها بالبلوغ بالعلامات اذا بلغت تسع سنين. ولا يقبل الاقرار بالبلوغ بالسن الا بالبينة لانه لا تتعذر اقامتها على ذلك .. وان اقر شخص بمال او بيع أو شراء ونحوه ثم قال بعد تحقق بلوغه:
لم اكن حين الاقرار بالغا لم يقبل منه ذلك لان الاصل الصحة .. وان اقر بالبلوغ من شك فى بلوغه ثم انكر البلوغ مع الشك صدق لان الأصل الصغر. ولا يحلف للحكم بعدم بلوغه .. وان ادعى الصبى الذى انبت الشعر فى العانة أنه أنبت بعلاج ودواء لم يقبل ولزمه حكم تصرفه من بيع او اقرار ونحوهما لان الاصل عدم ما يدعيه.
(2)
أن يكون عاقلا. لان العقل اساس التكليف واعتبار المتصرف صحيحا شرعا فأما المجنون والمبرشم والنائم والمغمى عليه فلا يصح اقرارهم لا خلاف لاحد فى ذلك. وقد قال عليه الصلاة والسلام رفع القلم عن ثلاثة الصبى حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ فنص على الثلاثة والمبرشم والمغمى عليه فى معنى المجنون والنائم - ولانه قول من غائب العقل فلم يثبت له حكم كالبيع والطلاق.
ومن زال عقله بسبب مباح او معذور فيه فهو كالمجنون لا يصح اقراره بلا خلاف.
وان كان بمعصية كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله عامدا لغير حاجة لم يصح اقراره أيضا ويمكن أن يقال أنه يصح بناء على وقوع طلاقه ودليل الأول أنه غير عاقل فلم يصح اقراره كالمجنون الذى سبب جنونه فعل محرم. ولان السكران لا يوثق بصحة ما يقول ولا تنتفى عنه التهمة فيما يخبر به فلم يوجد معنى الاقرار الموجب لقبول قوله. ودليل الثانى ان السكران بمعصية أفعاله كأفعال الصاحى كطلاقه فيؤاخذ باقراره .. واقرار المجنون حال افاقته صحيح لانه عاقل اشبه من لم يصب بالجنون.
وان ادعى الجنون بعد الاقرار وقال انه حين اقر كان مجنونا لم يقبل منه الا ببينة لان الاصل السلامة وذكر الازجى انه يقبل منه هذا الادعاء ان عهد منه جنون فى بعض الاوقات والا فلا.
(3)
أن يكون مختارا اما المكره فلا يصح اقراره بما أكره على الاقرار به لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .. ولانه قول اكره عليه بغير حق فلم يصح كالبيع ..
وان اقر بغير ما اكره عليه مثل ان يكره على الاقرار لرجل فأقر لغيره او يكره على الاقرار بنوع من المال فيقر بغيره أو على الاقرار لطلاق امرأته فلانة فأقر بطلاق اخرى غيرها او اكره على الاقرار بالطلاق فأقر بعتق عبد - فانه يصح الاقرار فى ذلك كله لانه اقر بما لم يكره عليه فصح كما لو اقر به ابتداء من غير اكراه.
ولو اكره على اداء مال فباع شيئا من ماله ليؤدى ما اكره عليه صح بيعه نص عليه لانه لم يكره على البيع ويكره الشراء منه حينئذ ومن أقر بحق ثم أدعى انه كان مكرها لم يقبل قوله الا ببينة سواء اقر عند السلطان او عند غيره لان الاصل عدم الاكراه الا ان تكون هناك دلالة على الاكراه كالقيد والحبس والتوكيل به فيكون القول قوله حينئذ مع اليمين لان هذه الحالة تدل على الاكراه ..
قال الازجى: او اقام بينة بامارة الاكراه استفاد بها ان الظاهر معه فيحلف ويقبل قوله. قال فى النكت: وعلى هذا تحرم الشهادة عليه وكتب حجة عليه وما اشبه ذلك فى هذه الحال. وتقدم بينة اكراه على بينة طواعية لان معها زيادة علم .. وان قال من ظاهره الاكراه: علمت انى لو لم اقر أيضا أطلقونى فلم أكن مكرها لم يصح قوله ذلك ولم يمنع كونه مكرها لانه ظن منه فلا يعارض يقين الاكراه لقوة اليقين .. قال فى الفروع: وفيه احتمال لاعترافه بانه اقر طوعا .. ونقل ابن هانى فيمن تقدم الى سلطان فهدده فدهش فأقر يؤخذ به فيرجع ويقول: هددنى ودهشت يؤخذ وما علمته انه اقر بالجزع والفزع.
(4)
اقرار العبد: اذا اقر الحر السليم اقرارا مستوفيا للشروط صح اقراره باطلاق - اما اقرار العبد ففيه التفصيل الاتى:
جاء فى المغنى لابن قدامه: - واما العبد فيصح اقراره بالحد والقصاص فيما دون النفس لان الحق له دين مولاه. ولا يصح اقرار المولى عليه لان المولى لا يملك من العبد الا المال. ويحتمل ان يصح اقرار المولى عليه
بما يوجب القصاص. ويجب المال حينئذ دون القصاص لان المال يتعلق برقبته وهو مال السيد فصح اقراره به كجناية الخطأ .. واما اقرار العبد بما يوجب القصاص فى النفس فالمنصوص عن احمد انه لا يقبل ويتبع به بعد العتق وبه قال زفر والمزنى لانه يسقط حق سيده بأقراره فأشبه الاقرار بقتل الخطأ.
لانه متهم فى انه يقر لرجل ليعفو عنه ويستحق اخذه فيتخلص بذلك من سيده ..
واختار أبو الخطاب انه يصح اقراره به وهو قول الائمة الثلاثة لأنه أحد نوعى القصاص فصح اقراره به كما دون النفس.
وبهذا الأصل ينتقص دليل الأول. وينبغى على هذا القول ان لا يصح عفو ولى الجناية على مال الا باختيار سيده لئلا يفضى الى ايجاب المال على سيده باقرار غيره فلا يقبل اقرار العبد بجناية الخطأ ولا شبه العمد ولا بجناية عمد موجبها المال كالجائفة والمأمومة لانه ايجاب حق فى رقبته. وذلك يتعلق بحق المولى .. ويقبل اقرار المولى عليه لانه ايجاب حق فى ماله.
وان اقر بسرقة موجبها، المال لم يقبل اقراره ويقبل اقرار المولى عليه لما ذكر من انه يوجب حقا فى ماله .. وان كان موجبها القطع والمال فأقر بها العبد وجب قطعه ولم يجب المال سواء كان ما اقر بسرقته باقيا او تالفا فى يد السيد او فى يد العبد.
قال احمد فى عبد اقر بسرقة دراهم فى يده انه سرقها من رجل والرجل يدعى ذلك وسيده يكذبه. فالدراهم لسيده ويقطع العبد ويتبع بذلك بعد العتق .. ويحتمل ان لا يجب القطع لان ذلك شبهة فيدرأ بها القطع لكونه حدا يدرأ بالشبهات. وهذا قول أبى حنيفة.
وذلك لان العين التى يقر بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها فلا يثبت حكم القطع بها. وان اقر العبد برقه لغير من هو فى يده لم يقبل اقراره بالرق لان الاقرار بالرق اقرار بالملك .. والعبد لا يقبل اقراره بالملك بحال. ولاننا لو قبلنا اقراره بذلك اضررنا بسيده لانه اذا شاء اقر لغير سيده فأبطل ملكه .. وان اقر به السيد لرجل واقر هو لاخر فهو للذى اقر له السيد لانه فى يد السيد لا فى يد نفسه. ولان السيد لو اقر به منفردا قبل. ولو اقر العبد منفردا لم يقبل. فاذا لم يقبل اقرار العبد منفردا فكيف يقبل مع معارضته لاقرار السيد؟ ولو قبل اقرار العبد لما قبل اقرار السيد كالحد وجناية العبد.
وأما المكاتب فحكمه حكم الحر فى صحة اقراره. ولو اقر بجناية خطأ صح اقراره فأن عجز عن اداء بدل الكتابة بيع فيها ان لم يفده سيده لان الاقرار لزمه فى كتابته فلا يبطل بعجزه كالاقرار بالمدين
(1)
.
وجاء فى شرح منتهى الارادات: - وان أقر قن ولو آبقا حال الاقرار بحد وقود او طلاق ونحوه كموجب تعزير أو كفارة صح اقراره واخذ به فى الحال لاقراره بما يمكن استيفاؤه من بدنه. وهو له دون سيده لان سيده لا يملك منه الا المال. والحديث: الطلاق لمن اخذ بالساق .. ومن ملك انشاء شئ ملك الاقرار به .. وهذا ما لم يكذبه سيده فى الاقرار، ويمكن الاقرار بالقود فى النفس فلا
(1)
المغنى لابن قدامة ج 5 ص 273 وما بعدها.
يؤخذ حينئذ بأقراره فى الحال وانما يؤخذ به بعد العتق لانه اقر برقبته وهو لا يملكها ولانه يسقط به حق سيده فأشبه اقراره بقتل الخطأ. ولانه متهم فيه لجواز ان يقر بذلك لانسان ليعفو عنه ويستحق اخذه فيستخلص ذلك من سيده .. ففى دعوى القود فى النفس على القن يطلب منه ومن سيده الجواب عن الدعوى لانه لا يصح الاقرار من احدهما على الاخر .. ولا يقبل اقرار السيد على العبد بغير ما يوجب المال فيها - كالعقوبة والطلاق والكفارة لانه اقرار على الغير فأشبه اقرار غير السيد عليه فلا يقبل. بخلاف اقرار السيد عليه بما يوجب مالا فانه يقبل لانه ايجاب حق فى ماله فلزمه كما لو ثبت بالبينة. وفى الكافى ان اقر السيد بقود على العبد وجب المال.
ويفدى السيد ما يتعلق بالرقبة.
واقرار العبد المأذون له فى التجارة صحيح كاقرار الحر فيما اذن له فيه - وان أقر وكان غير مأذون له اصلا او كان مأذونا له واقر بما ليس مأذونا له فيه او بما لا يتعلق بالتجارة المأذون له فيها. فأن اقراره فى تلك الحالة يكون كأقرار المحجور عليه لا يؤخذ به فى الحال. وانما يتبع به بعد عتقه نصا عملا بأقراره على نفسه كالمفلس وما صح اقراره على نفسه كحد وقود وطلاق مما سبق انه يؤخذ به فى الحال - فهو الخصم فيه دون سيده وما لا يصح اقراره به على نفسه كالذى يوجب المال فالخصم فيه سيده .. واقراره بالقود فى النفس هما خصمان فيه كما اشير اليه سابقا.
وان أقر مكلف بجناية أى بأنه جنى تعلق أرش الجناية بذمته ورقبته جميعا فأن عتق اتبع به بعد العتق والا فهو فى رقبته يؤخذ به كما لو ثبت بالبينة. ولا يقبل اقرار السيد على المكاتب بأنه جنى لأنه اقرار على الغير .. وان اقر قن بسرقة مال سيده وكذبه السيد فى اقراره قبل الاقرار وقطعت يد العبد فى السرقة بالشروط المقررة لما تقدم من ان اقرار العبد بحد أو قود او مما يوجب ذلك يقبل ويؤخذ به فى الحال لانه يمكن استيفاؤه من بدنه وهو له دون سيده. وان اقر بسرقة توجب مالا فلا يقبل لانه حق سيده. وقيل انه لا يؤخذ بالقطع فى المال بل حتى يعتق ويتبع بالمال بعد العتق قاله فى المحرر والرعاية .. وان اقر عبد غير مكاتب بمال لسيده او أقر السيد بمال لعبده لا يصح. اما الاول فلان الاقرار لم يفد شيئا اذ لا يملك العبد شيئا يقر به. واما الثانى فلان مال العبد لسيده فكان السيد يقر لنفسه واقرار الانسان لنفسه غير صحيح وان اقر السيد ان العبد باع نفسه من السيد بألف عتق العبد لاقرار السيد بما يوجب العتق ثم ان صدقه العبد فى انه باعه نفسه بألف لزمه الألف مؤاخذة له بتصديقه والا يصدقه حلف لانه منكر فأن نكل قضى عليه بالالف ..
والاقرار بشئ لقن غيره اقرار به لسيد القن لانه الجهة التى يصح الاقرار لها فتعين جعل المال له
(1)
.
(5)
أن لا يكذبه ظاهر الحال فيما اقر به. فلو اقر بمالا يتصور منه بمقتضى الحس او العقل او الشرع لا يقبل منه قال فى كشاف القناع - ويصح من المكلف المختار الاقرار
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 237، 238.
بما يتصور منه التزامه بخلاف ما لو ادعى جناية منذ عشرين سنة وعمره عشرون سنة أو اقل حيث لا يصح اقراره بتلك الجناية لعدم تصور حصولها منه. انتهى. ولو اقر لمن لا يولد مثله لمثله بانه ابنه لا يصح اقراره لبطلانه ولو قال فلان اقرضنى كذا فى شهر كذا سنة كذا وقد مات فلان المذكور قبل هذا التاريخ بيقين لا يصح الاقرار ولا يلزمه شئ لان العقل لا يسبقه. ولو اقر لوارث باكثر من نصيبه المحدد شرعا او لغير الوارث فانه وارث لا يقبل منه لان الشرع يكذبه فى ذلك.
(6)
أن لا يكون متهما فى اقراره كالمريض مرض الموت يقر للوارث بدين حيث لا يصح لان التهمة تخل برجحان جانب الصدق على جانب الكذب والاقرار وهو الاساس فى اعتبار الاقرار صحيحا شرعا.
(7)
الا يكون محجورا عليه لفلس او سفه وهذا شرط فى اعمال الاقرار والمؤاخذة به فى الحال. حيث لا يؤخذ المحجور عليه بأقراره الا بعد زوال الحجر عنه. فاذا زال الحجر نفذ الاقرار. لان اهلية المقر المصححة لعبارته قائمة وقت الاقرار غير انه وجد مانع من اعمال العبارة وهو الحجر فاذا زال ظهر اثر الاقرار واخذ به المقر جاء فى منتهى الارادات وشرحه: - وان اقرض غير مأذون له بمال او بما يوجب المال او اقرض مأذون له فى التجارة بما لا يتعلق بالتجارة. فأن اقراره يكون كأقرار المحجور عليه لا يؤخذ به فى المال وانما يتبع به بعد عتقه نصا عملا باقراره على نفسه كالمفلس
(1)
.
لو قامت بينة للمفلس بمال معين. فأنكر المفلس ولم يقر بالمال لاحد او قال المفلس أن المال لزيد فكذبه زيد - قضى منه دينه ولا يثبت الملك للمدين لانه لا يدعيه.
قال فى الفروع: وظاهر هذا ان البينة هنا لا يعتبر لها تقدم دعوى .. قال ابن نصر الله اى من المالك - بل قد تحتاج الى دعوى الغريب وان كانت له بينة قدمت لاقرار رب اليد وفى المنتخب بينة المدعى لانها خارجة .. وان صدقه اى المفلس زيد لم يقبض منه اى من المال الدين ويكون المال لزيد عملا باقرار رب اليد مع يمينه اى يمين زيد لاحتمال المواطأة معه .. ويحرم على المعسر أن ينكر ان لا حق عليه وان يحلف انه لا حق له أى للمدعى ويتأول لانه ظالم للمدعى بذلك. فلم ينفعه تأويله .. وفى الانصاف. لو قيل بجوازه اذا تحقق ظلم رب الحق له وحبسه ومنعه عن القيام على عياله لكان له وجه ونقل عن المنتهى: ان قامت بينة بمعين لمدين فأنكر ولم يقر ولم يقر به لاحد او اقر به لزيد مثلا فكذبه زيد فى اقراره قضى منه دينه .. وان صدقه زيد اخذه بيمينه ولا يثبت الملك للمدين لانه لا يدعيه .. قال فى الفروع: وظاهر هذا ان البينة هنا لا يعتبر لها تقدم دعوى. وان كان له بينة قدمت لاقرار رب الدين وان اقر المدين به اى بالمال لغائب. فقال ابن نصر الله:
الظاهر انه يقضى منه دينه لان قيام البينة به مكذب له فى اقراره مع انه يتهم فيه فلا يؤخذ به لذلك. ويتعلق بالحجر على المفلس أربعة احكام.
احدها - تعلق حق الغرماء بماله لانه لو لم يكن كذلك لم يكن فى الحجر عليه فائدة
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 209 وما بعدها.
ولانه يباع فى ديونهم فكانت حقوقهم متعلقة به كالرهن فلا يقبل باقراره أى المفلس عليه اى على ماله لان الغرماء متعلقة باعيان لله فلم يقبل الاقرار عليه كالعين المرهونة .. حتى لو اقر بعتق عبده لم يقبل منه لانه لا يصح منه العتق فلم يقبل اقراره به بخلاف الرهن ..
ولا يصح تصرفه فيه اى فى ماله ببيع ولا غيره حتى ما يتجرد له اى للمفلس من مال بعد الحجر فحكمه كالموجود حال الحجر من ارش جناية عليه او على قنه. وارث ونحوهما كوصية وصدقه وهبه. ولو كان تصرفه عتقا او صدقة بشئ كثير او يسير فلا ينفذ لانه ممنوع من التبرع لحق الغرماء فلم ينفذ عتقه كالمريض الذى يستغرق دينه ماله الا بتدبير ووصية لان تأثيرهما لا يظهر الا بعد الموت وفى هذه الحالة يكون الحجر قد زال بالموت. وانما يظهر اثر ذلك اذا مات عن مال يخرج المدبر والموصى به من ثلثه بعد وفاء دينه .. وله اى للمفلس وما اشتراه قبل الحجر عليه بعيب او خيار شرط او عيب او تدليس ونحوه غير متقيد بالأحظ لان ذلك اتمام لتصرف سابق على حجره فلم يمنع كأسترداد وديعة له اودعها قبل الحجر .. ويكفر هو اى المفلس ويكفر سفيه بصوم لان اخراج الكفارة من مال المفلس يضر بغرمائه.
وبالنسبة للسفيه يضر به. وللمال المكفر به بدل وهو الصوم فرجع اليه كما لو وهبت الكفارة على من لا مال له .. فان فك حجره قبل التكفير وقدر على المال كفر بغير الصوم وهو العتق فى الكفارة الترتيب كموسر لم يحجر عليه قبل ذلك .. وهل المراد انه يجوز له التكفير بغير الصوم لا أنه يجب لان المعتبر فى الكفارات وقت الوجوب لا وقت الاداء على المذهب. فأن كان المفلس صانعا كالقصار والحائك فى يده متاع فأقر المفلس به لاربابه لم يقبل اقراره لانه متهم. وتباع العين التى فى يده وتقسم بين الغرماء كسائر ماله ..
وتكون قيمتها اى العين المقر بها واجبة على المفلس اذا قدر عليها بعد فك الحجر عنه مؤاخذة له بأقراره .. وان باع ماله لغرمائه او بعضهم ولو بكل الدين لم يصح .. فأن توجهت على المفلس بيمين بأن ادعى عليه بشئ فأنكر فطلب الخصم بيمينه فنكل عنها تقضى عليه بالنكول فكاقراره يلزم فى حقه فيتبع به بعد فك الحجر عنه دون الغرماء فلا يشاركهم للتهمة .. وان تصرف المفلس فى ذمته بشراء او ضمان او اقرار صح تصرفه ويتبع به أى بما لزمه من ثمن مبيع او ضمان او اقرار بعد فك الحجر عنه لان الحجر متعلق بماله لحق الغرماء لا بد منه بخلاف السفيه ونحوه. ولا يشاركون اى غرماء الدين الذى تعلق بذمته نتيجة لتصرفه فى ذمته من ثمن مبيع او قرض او ضمان ونحوه او اقرار غرماء قبل الحجر عليه سواء نسب ما اقر به الى ما قبل الحجر او بعده بأن قال: أخذت منه كذا قبل الحجر او بعده او اطلق.
وسواء علم من عامله بعد الحجر انه محجور عليه ام لا، لان من علم فلسه ثم عامله فقد رضى بالتأخير ومن لم يعلم فلسه فقد فرط فى حق نفسه .. وان ثبت عليه اى المفلس حق لزمه قبل الحجر بيمينه شارك صاحبه الغرماء كما لو شهدت به البينة قبل الحجر .. وان جنى المفلس جناية موجبة للمال شارك المجنى عليه الغرماء بأرش الجناية لانه
حق ثبت على الجانى بغير اختيار من له الحق ولم يرض بتأخيره كما لو ثبت قبل الحجر ..
وان كانت الجناية موجبة للقصاص كالعمل فعفا صاحبها الى مال او صالحه المفلس على مال.
شارك المجنى عليه الغرماء ايضا لما سبق
وان جنى عبده اى عبد المفلس جناية موجبة للمال او للقصاص وعفا وليها الى مال قدم المجنى عليه بثمن العبد الجانى على الغرماء لتعلق حقه بعينه كما يقدم المجنى عليه على المرتهن فى حالة الرهن.
شروط المقر له:
يشترط فى المقر له لصحة الاقرار ما يأتى:
(1)
أن يكون محقق الوجود عند الاقرار. لان الاقرار اخبار عن ثبوت ملك المقر له للمقر به سابقا وغير المحقق وجوده عند الاقرار لا يتصور ان يثبت له ملك
(1)
، ولا يصح الاقرار لحمل الا اذا تيقن أنه كان موجودا حال الاقرار
(2)
وان أقر مكلف لحمل امرأة بمال صح الاقرار لانه يجوز أن يكون له وجه فصح كالطفل الا أن تلقى حملها ميتا او يتبين ان لا حمل بها او لا يتيقن بأن الحمل كان موجودا حال الاقرار بأن ولدته بعد ستة أشهر وقبل اربع سنين مع زوج او سيد فيبطل الاقرار لفوات شرطه. وان ولدت حيا وميتا فالمال للحى لان الشرط فيه متحقق بخلاف الميت.
(2)
أن يكون ممن يملك اى يكون اهلا للملك فلو لم يكن اهلا للملك لا يصح الاقرار له به
(3)
.
وان أقر لبهيمة أو دارا لا يصح اقراره لها وكان باطلا. لأنها لا تملك المال مطلقا ولا يد لها ..
وان قال على كذا بسبب هذه البهيمة لم يكن اقرارا لاحد لانه لم يذكر لمن هى. ومن شرط صحة الاقرار ذكر المقر له
(4)
وان أقر لبهيمة بشئ لم يصح الاقرار لأنها لا تملك ولا لها أهلية الملك. وأن قال: على الف بسبب هذه البهيمة لم يكن مقرا لاحد لان من شرط صحة الاقرار ذكر المقر له.
(3)
ان يذكر فى عبارة الاقرار فلو لم يذكر كان الاقرار باطلا - وقد نقلنا فى الكلام على الشرط السابق فى عبارة المغنى وكشاف القناع التصريح بأن من شرط صحة الاقرار ذكر المقر له
(5)
. وان أقر لبهيمة لأنها لا تملك ولا لها أهلية الملك. وان قال: على بسبب هذه البهيمة كذا لم يكن اقرارا لأحد لأنه لم يذكر لمن هى.
ومن شرط صحة الاقرار ذكر المقر له فأن قال لمالكها او لزيد على بسببها الف صح الاقرار. وأن قال: بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح اذ لا يمكن ايجاب شئ بسبب الحمل .. وقيل يصح ويكون لمالكها كالاقرار للعبد يصح ويكون لسيده.
(1)
المغنى لابن قدامه ج 5 ص 276، 277.
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 305.
(3)
المغنى لابن قدامة ج 5 ص 275، 276.
(4)
كشاف القناع ج 4 ص 296.
(5)
الشرح الكبير ج 5 ص 282.
شروط المقر به:
يشترط فى المقر به لصحة الاقرار ما يأتى:
(1)
ان يكون بيد المقر ان كان عينا او ولايته او اختصاصه بحيث يملك التصرف والانشاء. جاء فى كشاف القناع: - فيصح الاقرار من المكلف المختار بما يتصور منه التزامه خلاف مالو ادعى عليه جناية منذ عشرين سنة وعمره عشرون سنة او اقل.
فهذا لا يصح اقراره بذلك ..
صرح به فى التلخيص وغيره وهو معنى قوله بما يمكن صدقه. يشترط كونه اى المقر به بيد المقر وولايته واختصاصه. قال فى شرح المنتهى يعنى أو ولايته أو اختصاصه فلا يصح اقراره بشئ فى يد غيره او فى ولاية غيره كما لو اقر أجنبى على صغير او وقف فى ولاية غيره او اختصاصه. انتهى. فيصح اقراره على ولايته أو اختصاصه كأن يقر ولى اليتيم ونحوه او ناظر الوقف انه اجر عقاره ونحو ذلك لأنه يملك انشاء ذلك فصح - اقراره به
(1)
.
(2)
أن يكون مما يتمول عادة او يؤدى الى مال كحق السفينة او يثبت فى الذمة. فأن كان مما لا يتمول عادة ولا يثبت فى الذمة كقشرة جوزة او قشرة باذنجانة او حبة حنطة أو شعير أورد السّلام او تشميت العاطس لم يقبل الاقرار به ويكون باطلا وغير صحيح.
(3)
أن يكون مالا فى نظر الشرع.
فلو كان مالا فى ذاته ولكنه ليس بمال فى نظر الشرع كالخمر والخنزير والميتة والكلب الذى لا يقتنى ولا يصح الاقرار به جاء فى المغنى لموقف الدين بن قدامه
(2)
. فى الكلام على تفسير الاقرار بالمجهول ما يأتى: - ومتى فسر اقراره بما يتمول فى العادة قبل تفسيره وثبت الا ان يكذبه المقر له ويدعى جنسا اخر او يدعى شيئا فيبطل اقراره .. وان فسره بما لا يتمول عادة كقشرة جوزة او قشرة باذنجانة لم يقبل اقراره لان اقراره اعتراف بحق عليه ثابت فى ذمته وهذا لا يثبت فى الذمة. وكذلك ان فسره بما ليس بمال فى الشرع كالخمر والخنزير والميتة لم يقبل وان فسره بكلب لا يجوز اقتناؤه فكذلك وان فسره بكلب يجوز اقتناؤه او جلد ميتة غير مدبوغ ففيه وجهان.
أحدهما يقبل لانه يجب رده عليه وتسليمه اليه فالايجاب يتناوله.
والثانى. لا يقبل لان الاقرار اخبار عما يجب ضمانه. وهذا لا يجب ضمانه. وان فسره بحبة حنطة او شعير ونحوها لم يقبل لان هذا لا يتحول عادة على انفراده .. وان فسره بحد قذف قبل لانه حق يجب عليه. ويحتمل الا يقبل لانه لا يؤول الى مال. والاول اصح لان ما يثبت فى الذمة صح ان يقال: هو على وان فسره بحق شفعة قبل لانه حق واجب ويؤول الى المال. وان فسره برد السّلام أو تشميت العاطس ونحوه لم يقبل لانه يسقط بفواته فلا يثبت فى الذمة .. وهذا الاقرار يدل على ثبوت الحق فى الذمة .. ويحتمل ان يقبل تفسيره به اذا اراد أن حقا على رد سلامه اذا سلم وتشميته اذا عطس لما روى فى الخبر للمسلم على المسلم ثلاثون حقا: يرد
(1)
كشاف القناع ج 4 ص 291، وشرح المنتهى ج 4 ص 335.
(2)
المغنى لابن قدامة ج 5 ص 314.
سلامه ويشمت عطسته ويجيب دعوته .. وذكر الحديث. وأن قال: غصبته شيئا وفسره بما ليس بمال قبل لأن اسم الغصب يقع عليه. وان قال: غصبته نفسه لم يقبل لأن الغصب لا يثبت عليه. انتهى.
الاقرار بالمبهم والمجهول:
ولا يشترط فى المقر به ان يكون معلوما او معينا فيصح الاقرار بالمجهول كأن يقول لفلان على شئ. او لفلان على كذا. وبالمبهم كأن يقول: لفلان عندى احد هذين العبدين وعلى المقر فى هذه الحالة التفسير والبيان بما يقبل الاقرار به شرعا على النحو المقرر ..
الاقرار بالمجهول
(1)
:
واذا قال: لفلان على شئ أو كذا صح اقراره ولزمه تفسيره. وهذا لا خلاف فيه.
ويفارق الدعوى حيث لا تصح مجهولة. لكون الدعوى له. أما الاقرار فأنه عليه. فلزمه ما عليه مع الجهالة دون ماله. ولأن المدعى اذا لم يصحح دعواه فله داع الى تحريرها. وهو الحصول على حقه. والمقر لا داعى له الى التحرر ولا يؤمن رجوعه عن اقراره فيضيع حق المقر له فألزمناه بالاقرار مع الجهالة. فأن امتنع من تفسيره حبس حتى يفسر. وقال القاضى:
يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان. فأن بين شيئا فصدقه المقر ثبت. وان كذبه وامتنع من البيان قيل له: ان بينت والا جعلناك ناكلا وقضينا عليك .. وهذا قول اصحاب الشافعى الا انهم قالوا: ان بينت والا جعلنا المقر له على ما يدعيه واوجبناه عليك فأن فعل والا أحلفنا المقر له واوجبناه على المقر .. ووجه الاول انه ممتنع من حق عليه فحبس به كما لو عينه وامتنع من ادائه .. ومع ذلك متى عينه المدعى وادعاه فنكل المقر فهو على ما ذكروه ..
وان مات من عليه الحق اخذ ورثته بمثل ذلك لان الحق ثبت على مورثهم فيتعلق بتركته وقد صارت الى الورثة فيلزمهم ما لزم مورثهم كما لو كان الحق معينا .. وان لم يخلف الميت تركة فلا شئ على الورثة .. انتهى.
الاقرار بالمبهم
(2)
:
فان كان فى يده عبدان فقال: أحد هذين لزيد طولب بالبيان. فأن عين احدهما فصدقه زيد المقر له اخذه. وان قال: هذا لى والعبد الاخر فعليه اليمين فى العبد الذى ينكره ..
وان قال زيد: انما لى العبد الاخر فالقول قول المقر مع يمينه فى العبد الذى ينكره ولا يدفع الى زيد العبد المقر به لكن يبقى فى يد المقر لانه لم يصح اقراره به فى احد الوجهين ..
وفى الاخر ينزع من يده لاعترافه بانه لا يملكه ويكون فى بيت المال لانه ليس له مالك معروف فاشبه ميراث من لا يعرف له وارث.
فان أبى التعيين فعينه المقر له وقال: هذا عبدى طولب المقر بالجواب فأن انكر حلف وكان بمنزلة تعيينه للاخر وان نكل عن اليمين فيقضى عليه وان اقر له فهو كتعيينه.
شروط الصيغة:
ويشترط فى الصيغة لصحة الاقرار ما يأتى:
(1)
الا تكون معلقة على شرط يمكن
(1)
المغنى لابن قدامه ج 5 ص 313.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 290.
علمه فلو علقت على شرط يمكن معرفته والوقوف عليه كأن يقول: لفلان على ألف ان دخل الدار او ان جاء زيد او ان شاء فلان او نحو ذلك لا يصح الاقرار. اما ان علقت على مشيئة الله تعالى بأن يقول: لفلان على الف درهم ان شاء الله تعالى فانه يصح ويلزمه المقر به لان هذا ليس فى معنى التعليق حقيقة اذ ان مشيئة الله تعالى تذكر فى الكلام على سبيل التبرك والصلة والتفويض كما فى قوله تعالى «لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) وقد علم الله تعالى فى انهم سيدخلون بغير شك.
وعلى فرض التسليم بانه فى معنى التعليق.
فأن مشيئة الله تعالى لا تعلم الا بوقوع الامر المعلق فلا يمكن وقف الامر على وجودها بخلاف مشيئة الآدمى فانه يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا يتوقف الامر على وجودها ومتى علق الاقرار على شرط يمكن معرفته فانه يبطل ولا يكون صحيحا
(1)
. وان قال: لك على ألف ان شاء الله تعالى كان مقرا بالألف نص عليه أحمد. وقال أصحاب الشافعى:
ليس باقرار لأنه علق اقراره على شرط فلم يصح كما لو علقه على مشيئة زيد. ولان ما علق على مشيئة الله تعالى لا سبيل الى معرفته.
ولنا: انه وصل اقراره بما يرفعه كله ولا يصرفه الى غير الاقرار فلزمه ما اقر به وبطل ما وصله به كما لو استثنى الكل وقال:
له على الف الا الفا حيث يبطل الاستثناء ويصح الاقرار. ولانه قيد الاقرار بما لا يفيد حكما اخر ولا يقضى رفع الحكم أشبه بما لو قال:
له على الالف فى مشيئة الله .. وان قال: له على الف الا ان يشاء الله صح الاقرار لانه اقر ثم علق رفع الاقرار وعلى امر لا يعلم فلم يرتفع.
وان قال: لك على الف ان شئت او ان شاء زيد لم يصح الاقرار .. وقال القاضى:
يصح لانه عقبه بما يرفعه فصح الاقرار دون ما يرفعه كاستثناء الكل وكما لو قال: ان شاء الله ..
ولنا: انه علقه على شرط يمكن علمه فلم يصح. كما لو قال: له على الف ان شهد بها فلان. وذلك لان الاقرار اخبار بحق سابق فلا يتعلق على شرط مستقبل .. ويفارق التعليق على مشيئة الله تعالى من وجهين.
الأول: أن مشيئة الله تعالى تذكر فى الكلام تبركا وصلة وتفويضا الى الله تعالى لا للاشتراط كقول الله تعالى «لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون» ، فجعل من دون ذلك فتحا قريبا. وقد علم الله انهم سيدخلون بغير شك. ويقول الناس: صلينا ان شاء الله تعالى مع تيقنهم صلاتهم بخلاف مشيئة الآدمى.
الثانى: ان مشيئة الله تعالى لا تعلم الا بوقوع الامر فلا يمكن وقف الامر على وجودها .. ومشيئة الادمى يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا يتوقف الامر على وجودها والماضى لا يمكن وقفه فيتعين حمل الامر ههنا على المستقبل فيكون وعدا لا اقرارا .. وان
(1)
المغنى لابن قدامه ج 5 ص 349، 351.
قال له: له على الفان ان قدم فلان لم يلزمه شئ لانه لم يقر بها فى الحال وما لا يلزمه فى الحال لا يصير واجبا عند وجود الشرط .. وان قال: ان شهد فلان على لك بألف صدقته لم يكن اقرار لانه يجوز أن يصدق الكاذب. وان قال: ان شهد بها فلان فهو صادق: احتمل ان لا يكون لانه علقه على شرط فأشبهت التى قبلها. واحتمل أن يكون اقرارا فى الحال لانه يتصور صدقه اذا شهد بها الا ان تكون ثابتة فى الحال وقد اقر بصدقه .. وان قال: له على الف ان شهد بها فلان لم يكن اقرارا لانه معلق على شرط. انتهى.
(2)
ان تكون مفيدة ثبوت الحق المقر به على سبيل الجزم واليقين. فلو كانت مشتملة على ما يفيد الشك او الظن كان الاقرار باطلا ولا يؤاخذ به المقر سواء كان ذلك آتيا من جهة اللغة ومعانى الالفاظ او من جهه العرف والاستعمال. فلو قال: لفلان على الف فيما أرى او فيما اظن أو فيما أحسب أو فيما أقدر أو قال فى جواب من قال له: لى عليك الف درهم -: افتح كمك. لا يكون اقرارا فى ذلك كله لعدم الجزم ولجريان العرف فى استعمال الاخير فى الاستهزاء.
اذا ادعى
(1)
عليه ألفا فقال نعم. أو أجل بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام وهو حرف تصديق كنعم أو قال: صدقت او انا مقر به أو انا مقر بدعواك كان مقرا لأن هذه الألفاظ وضعت للتصديق وان قال يجوز أن يكون محقا. أو عسى أن تكون محقا. أو لعل أن تكون محقا او اظن او احسب او اقدر انك محق او قال: خذ او اتزن او احرز او انا اقر اولا انكر او افتح كما لم يكن مقرا فى ذلك كله. لان قوله. انا اقر. وعد بالاقرار والوعد بالشئ لا يكون اقرار به. وفى قوله. لا انكر لا يلزم من عدم الانكار الاقرار. فان بينهما قسما آخر وهو السكوت عنهما. وفى قوله:
يجوز ان تكون محقا. لجواز ان لا يكون محقا لأنه يلزم من جواز الشئ وجوبه.
وقوله عسى ولعل لأنهما وضعتا للترجى وقوله أظن أو أحسب أو أقدر لأنها تستعمل فى الشك أيضا وقوله. خذ يحتمل ان معناه. خذ الجواب منى. وقوله اتزن واحرز مالك على غيرى وقوله. افتح كمك لانه يستعمل استهزاء لا اقرار. وكذا قوله. اختم عليه او اجعله فى كيسك. او سافر بدعواك. ونحو ذلك.
وهذا واضح وصريح فى ان الصيغة متى احتملت معنى غير الاقرار ولم تكن جازمة فيها فأن الاقرار يكون غير صحيح ولا يترتب عليه أثر بل انه لا يكون اقرار اصلا (يراجع فى باب شروط الاقرار
(2)
.
الاقرار للحمل:
يصح الاقرار بالحمل الآدمية بشرط تحقق وجوده فى بطن أمه وقت الاقرار اما حقيقة بأن يولد لاقل من ستة اشهر من وقت الاقرار وان اقل مدة الحمل ستة اشهر فولادته عن هذه المدة من وقت الاقرار دليل على وجوده فى بطن امه وقت الاقرار فيكون الاقرار له
(1)
كشاف القناع ج 4 ص 306، 307.
(2)
المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 271 وكشاف القناع ج 4 ص 290 ومنتهى الإرادات ج 4 ص 335 وما بعدها.
صحيحا فى هذه الحالة .. واما حكما بأن تكون امه ذات زوج او سيد وحملت به من الزوج او السيد وولدته بعد الاقرار بمدة حكم الشارع بثبوت فيه من الزوج او السيد فيها.
فأن الحكم بثبوت النسب حكم بوجوده فى بطن امه وقت الاقرار. فاذا لم يحكم الشارع بثبوت النسب بأن أتت به لمدة بعد الاقرار لا يحتمل ثبوت النسب يكون الاقرار باطلا ولا بد ان يبين المقر سببا صالحا لملكية الحمل المقر له. المقر به كالوصية بأن يقول: لحمل فلانه عندى الف درهم اوصى له بها فلان وصية صحيحة وتركها عندى او الميراث. بأن يقول:
مات ابوه وتركها ميراثا له تحت يدى. وان لم يذكر سببا لاستحقاق الحمل باقرار له بان قال: لحمل فلانة عندى الف درهم ولم يذكر سببا للاستحقاق. او ذكر سببا لا يصلح للاستحقاق بأن قال: لحمل فلانه على الف درهم اقرضنى او اودعنى اياها او ثمن مبيع اشتريته منه او نحو ذلك. ففى صحة هذا الاقرار خلاف.
وان أقر
(1)
لحمل امرأة بمال وعزاه الى ارث او وصية صح وكان للحمل. وان اطلق. فقال ابو عبد الله بن حامد يصح وهو أصح قول الشافعى لانه يجوز ان يملك بوجه صحيح كالطفل فصح له الاقرار المطلق. فعلى هذا ان ولدت ذكر او انثى كان المقر به بينهما نصفين .. وان عزاه الى ارث أو وصية كان بينهما على حسب استحقاقهما لذلك.
وقالها ابو الحسن التميمى: لا يصح الاقرار الا ان يعزوه الى ارث او وصية. وهو قول ابى ثور. والقول الثانى للشافعى لانه لا يملك بغيرهما .. فان ولدت الحمل ميتا وكان قد عزى الاقرار الى ارث او وصية عاد المقر به الى ورثة الموصى. او ورثة مورث الحمل.
وان اطلق الاقرار كلف ذكر السبب فيعمل بقوله فأن تعذر التفسير بموت او لغيره بطل اقراره كمن اقر لرجل لا يعرف من اراد باقراره وان عزى الاقرار الى جهة غير صحيحة بان قال:
لحمل فلانة على ألف درهم أقرضنيها أو وديعة اخذتها منه. فعلى قول ابو الحسن التميمى يكون الاقرار باطلا كما لو اطلق ولم يذكر سببا. وعلى قول ابى عبد الله بن حامد ينبغى ان يصح اقراره لانه وصل اقراره بما يسقطه فيسقط ما وصله به. كما لو قال: له على الف لا تلزمنى حيث يصح الاقرار ويلزمه الالف المقر بها
…
وان قال: له على الف جعلتها له او نحو ذلك فهى عدة لا يؤخذ بها. ولا يصح الاقرار لحمل الا اذا تيقن انه كان موجودا حال الاقرار. انتهى.
ويصح
(2)
الاقرار لحمل آدمية بمال وان لم يقره الى سبب لجواز ملكه اياه بوجه صحيح كالطفل فأن وضعت الحمل ميتا أو لم يكن ببطنها حمل بطل اقراره لأنه اقرار لمن لا يصح ان يملك .. وان ولدت الحمل حيا وميتا فالمقر به جميعه للحى بلا نزاع قاله فى الانصاف لفوات شرطه فى الميت. وان ولدت حيين فالمقر به لهما بالسوية. ولو كان ذكرا او انثى كما لو اقر لرجل وامرأة لعدم المزية الا اذا عزى الاقرار
(1)
المغنى لابن قدامة ج 5 ص 276 وما بعدها.
(2)
منتهى الارادات ج 4 ص 338، وكشاف القناع ج 4 ص 305.
لسبب يوجب تفاضلا كارث ووصية يقتضيان - التفاضل فيعمل حينئذ بمقتضى السبب الذى عزى اليه من التفاضل لاستثناء الاقرار الى سبب صحيح وان قال المقر فى اقراره: لحمل فلانه على الف جعلتها له ونحو ذلك كوهبته اياها او تصدقت بها عليه او اعددتها له فهو وعد من المقر وليس باقرار فلا يلزمه شئ ..
ولو قال: للحمل على الف اقرضته يلزمه الالف لان قوله: للحمل على الف. اقرار صحيح .. وقد وصله بما يغيره وهو قوله أقرضنيه. فلا يبطله بل يسقط قوله: لزيد على الف من ثمن خمر .. ولا يصح الاقرار بقوله أقرضنى الحمل الفا ومن ثم لا يلزمه بذلك شئ لأن الحمل لا يتصور منه قرض .. ومثل ذلك فى كشاف القناع.
أنواع من الاقرار
اذا وصل باقراره ما يغيره:
اذا وصل باقراره
(1)
ما يسقطه مثل ان يقول:
لفلان على الف لا يلزمنى أو قد قبضه أو استوفاه .. او له على الف من ثمن أو خمر أو خنزير أو من ثمن طعام مكيل اشتريته منه فهلك قبل قبضه. أو من ثمن مبيع بيعا فاسدا لم اقبضه أو من مضاربة تلفت وشرط على ضمانها .. أو قال: له على الف تكفلت به على أبى الخيار - لزمه الألف المقر به فى جميع ذلك لأن ما ذكره من قوله: له على الف رفع لجميع ما أقر به فلا يقبل منه كاستثناء الكل .. ولأن كلامه جاء متناقضا كما لا يخفى .. فأن ثبوت الالف عليه فى هذه الامثلة مع ما ذكره اخيرا لا يتصور. والاقرار اخبار بثبوت المقر به فتنافيا .. ولأنه اقر بالالف وادعى ما لم يثبت معه فلم يقبل منه.
اما اذا قال: كان له على الف وقضيته اياه أو ابرأنى منه أو برئته اليه منه أو قبض منى كذا أو أبرأنى من كذا منه أو أقبضته منه خمسمائة مثلا فهو منكر فى ذلك لأنه قول يمكن تصديقه ولا تناقض فيه من جهة اللفظ فوجب قبول قوله ولا يلزمه شئ كاستثناء البعض .. وكذلك لو قال شخص:
لى عليك الف. فقال المدعى عليه: أقبضتك منها عشرة فالمدعى عليه منكر والقول قوله بيمينه. وهذا كله ما لم يعترف المدعى عليه بسبب الحق المدعى بأن يعترف بأن الحق من ثمن مبيع أو قيمة أو ارش جناية أو يثبت سبب الحق ببينة فيكون حينئذ مقرا بالحق ومدعيا للقضاء أو الابراء فيطالب بالبيان .. فاذا أقر بمائة درهم دينا أو وديعة أو غصبا ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو اخذ فى كلام آخر غير ما كان فيه من الكلام فى الاقرار. ثم قال: زيوفا أى مغشوشة. أو قال صغارا أى دراهم طبرية كل درهم منها اربعة دوانق وهى ثلثا درهم من الكاملة أو قال: مؤجلة الى شهر مثلا - لزمه بهذا الاقرار الف جياد وافية حالة لأن الاطلاق يقتضى ذلك كما لو باعه بألف درهم واطلق. ولأنه رجع عن بعض ما اقر به ورفعه بكلام منفصل فلم يقبل كالاستثناء المنفصل: الا ان يكون فى بلد اوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة فيلزمه ما أقر به من دراهم البلد الذى هو فيه لأن مطلق الكلام يحمل على عرف البلد. انتهى.
(1)
كشاف القناع ج 4 ص 308 وما بعدها
اذا وصل
(1)
باقراره ما يسقطه مثل أن يقول: له على الف لا يلزمنى أو قد قبضه أو استوفاه أو الف من ثمن خمر أو تكفلت به على انى بالخيار لزمته الالف لا يقبل قوله فيما ذكره بعد الاقرار .. ذكره ابو الخطاب
وقال القاضى فى سائر الصور المذكورة يقبل قوله لأنه عزا اقراره الى سببه فقبل كما لو عزاه الى سبب صحيح الا فى قوله: على الف لا يلزمنى .. ولنا. أن هذا يناقض ما اقر به فلم يقبل كالصورة التى قبلها وكما لو قال:
على الف لا تلزمنى .. أو نقول: رفع جميع ما اقر به فلم يقبل كأستثناء الكل .. وتناقض كلامه غير خاف. فأن ثبوت الف عليه فى هذه المواضع لا يتصور. واقراره اخبار بثبوته فتنافيا.
وأن قال: كان له عندى الف وقضيته أو قضيت منه خمسمائة درهم - فقال الخرقى:
ليس بأقرار القول قوله مع يمينه. وحكى ابن ابى موسى فى هذه المسألة روايتين.
أحداهما أن هذا ليس بأقرار اختاره القاضى وقال: لم اجد عن احمد رواية لغير هذا.
والثانية. انه مقر بالحق مدع لقضاءه فعليه البينة بالقضاء والا حلف غريمه واخذه.
واختاره ابو الخطاب
…
وانتهى.
تكرار الاقرار:
اذا اقر بدرهم ثم اقر بدرهم لزمه درهم واحد. وبهذا قال الشافعى. وقال ابو حنيفة يلزمه درهمان كما فى حالة تكرار المقر به مع العطف بقوله: له على درهم ودرهم حيث يلزمه درهمان لانه يجوز أن يكون قد كرر الخبر عن الاول كما كرر الله تعالى الخبر فى ارساله نوحا وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا وابراهيم وموسى وعيسى. ولم يكن المذكور فى قصة غير المذكور فى اخرى. كذا ههنا .. ويستوى أن يكون الاقرار المكرر فى وقت واحد أو فى اوقات مختلفة وفى مجلس واحد وفى مجالس متعددة .. فان وصف المقر به فى احد الاقرارين واطلق فى الآخر فكذلك لأنه يجوز ان يكون المطلق هو الموصوف أطلقه فى حال ووصفه فى حال. وان وصفه بصفة واحدة فى المرتين كان تأكيدا لما ذكرنا .. وان وصفه فى احدى المرتين بغير ما وصفه فى الاخرى فقال:
له على درهم من ثمن مبيع ثم قال: له على درهم من قرض. أو قال: درهم ثمن ثوب.
ثم قال درهم من ثمن عبد أو قال. درهم أبيض ثم قال. درهم اسود. فهما درهمان لانهما متغايران
(2)
.
تكرار المقر به مع العطف:
وان قال: له على درهم ودرهم. أو درهم فدرهم. أو درهم ثم درهم لزمه درهمان وبهذا قال ابو حنيفة واصحابه وذكر القاضى وجها فيما اذا قال: درهم فدرهم. وقال:
أردت درهم فدرهم لازم لى. ذكر القاضى انه يقبل منه. وهو قول الشافعى لانه يحتمل ان يكون قد وصف الدرهم المقر به بأنه درهم لازم له .. ودليل الاول. ان الفاء أحد حروف العطف الثلاثة فأشبهت الواو وثم، لأنه عطف شيئا على شئ بالفاء فاقتضى ثبوتهما كما لو قال: انت طالق فطالق
…
وما ذكر من
(1)
الشرح الكبير ج 5 ص 298 وما بعدها.
(2)
المغنى ج 5 ص 295.
احتمال الصفة بعيد لا يفهم حالة الاطلاق فلا يقبل تفسيره به كما لو فسر الدراهم المطلقة بأنها زيوف أو صغار أو مؤجلة حيث لا يقبل منه لأن المطلق ينصرف الى الكامل.
وان قال: له على درهم ودرهم ودرهم.
لزمته ثلاثة. وحكى ابن ابى موسى عن بعض الاصحاب انه اذا قال اردت بالثالث تأكيد الثانى وبيانه يقبل منه وظاهر المذهب انه تلزمه الثلاثة لان الواو العطف والعطف يقتضى المغايرة فوجب ان يكون الثالث غير الثانى كما كان الثانى غير الاول. والاقرار لا يقتضى تأكيدا فوجب حمله على العدد .. وكذلك الحكم اذ قال: له على درهم فدرهم فدرهم أو درهم ثم درهم ثم درهم .. وان قال: له على درهم ودرهم ثم درهم: أو درهم فدرهم ثم درهم: أو درهم ثم درهم. فدرهم - لزمته الثلاثة وجها واحدا. لأن الثالث مغاير للثانى لاختلاف حرفى العطف الداخلين عليهما فلم يحتمل التأكيد .. وان اختلف المعطوف فى العدد أو فى الحبس بان قال: له على درهم ودينار أو فدينار: أوله على درهم وقفيز حنطة أو نحو ذلك لزمه ذلك كله
(1)
.
الاضراب والاستدراك بعد الاقرار:
وان قال: له على درهم بل درهمان. أو له على درهم لكن درهمان - لزمه درهمان.
وبه قال الشافعى. وقال زفر وداود: نلزمه ثلاثة لأن بل للاضراب لأنه لما اقر بدرهم واضرب عنه لزمه لانه لا يقبل رجوعه عما اقر به ولزمه الدرهمان اللذان اضرب اليهما واقر بهما .. ووجه الاول أنه انما نفى الاقتصار على واحد واثبت الزيادة عليه. فأشبه بما لو قال: له على درهم بل أكثر فأنه لا يلزمه اكثر من أثنين
…
وان قال: له على درهم بل درهم أو لكن درهم ففيه وجهان احدهما.
يلزمه درهم واحد لابن احمد قال فيمن قال لامرأته: أنت طالق لا بل انت طالق: انها لا تطلق الا واحدة. وهذا فى معناه. ولأنه اقر بدرهم مرتين فلم يلزمه اكثر من درهم كما لو اقر بدرهم ثم انكره ثم قال: بل على درهم .. ولكن للاستدراك فهى فى معنى بل الا أن الصحيح انها لا تستعمل الا بعد الحجة الا أن يذكر بعدها جملة. والوجه الثانى. يلزمه درهمان ذكره ابن ابى موسى.
وابو بكر عبد العزيز لان ما بعد الاضراب يغاير ما قبله فيجب أن يكون الدرهم الذى اضرب عنه غير الدرهم الذى اقر به بعده فيجب الاثنان كما لو قال: له على درهم بل دينار. ولان بل من حروف العطف. المعطوف غير المعطوف عليه فوجبا جميعا كما لو قال:
له على درهم ودرهم. ولأنا لو لم نوجب عليه الا درهما جعلنا كلامه لغوا واضرابه عنه غير مفيد. والاصل فى كلام العاقل أن يكون مفيدا.
ولو كان الذى اضرب عنه لا يمكن ان يكون المذكور بعده ولا بعضه بأن اضرب الى مغاير لما أضرب عنه مثل ان يقول: له على درهم بل دينارا أو ديناران. أو له على قفيز حنطة بل قفيز شعير. أو له على هذا الدرهم بل هذان لزمه الجميع بغير خلاف. لأن الاول لا يمكن ان يكون الثانى ولا بعضه فكان
(1)
المغنى ج 5 ص 295 وما بعدها.
مقرا بهما. ولا يمكن رجوعه عن شئ منهما.
وكذلك كل جملتين اقر بأحداهما ثم رجع الى الأخرى لزماه .. وان قال: له على درهمان بل درهم. أو قال: له على عشرة بل تسعة لزمه الاكثر لانه اضرب عن واحد ونفاه بعد اقراره به فلم يقبل نفيه له بخلاف الاستثناء فأنه لا ينفى شيئا اقر به. وانما هو عبارة عن الباقى بعد الاستثناء. فاذا قال: له على عشرة الا درهما كان معناه تسعة
(1)
.
وان قال: له على درهم قبله درهم أو بعده درهم لزمه درهمان. وان قال: قبله درهم وبعده درهم لزمه ثلاثة لأن قبل وبعد تستعمل للتقديم والتأخير فى الوجوب .. وان قال: له على درهم فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم. فقال القاضى يلزمه درهم لانه يحتمل فوق درهم فى الجودة أو فوق درهم لى وكذلك تحت درهم. وقوله. مع درهم يحتمل مع درهم لى. فلم يجب الزائد بالاحتمال .. وقال ابو الخطاب يلزمه درهمان لأن هذا اللفظ يجرى مجرى العطف فكونه يقتضى ضم درهم آخر الى المقر به. وقد ذكر ذلك فى سباق الاقرار فكان الظاهر أنه اقرار.
وان قال: له على درهم قبله دينار أو بعده دينار. أو فوقه أو تحته اربعة دينارا أو قال: قبله أو بعده أو فوقه أو تحته أو معه قفيز حنطة فالقول فى ذلك كالقول فى الدرهم الذى سبق بيانه
(2)
.
الاقرار بشئ من حدين أو من مبدأ الى نهاية:
اذا قال: له على ما بين درهم وعشرة.
لزمته ثمانية لان ذلك ما بينهما. وان قال:
من درهم الى عشرة ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها - يدخل المبدأ ولا تدخل الغاية كما فى قوله تعالى: «ثم أتمو الصيام الى الليل فيلزمه تسعة» .
وثانيهما لا يدخل المبدأ ولا الغاية لانهما حدان والمقر به ما بينهما. فيلزمه ثمانية.
وثالثهما. يدخل المبدأ والغاية كما فى قوله - قرأت القرآن من أوله الى آخره فيلزمه ثمانية.
وثالثهما. يدخل المبدأ والغاية كما فى قوله - قرأت القرآن من أوله الى آخره فيلزمه عشرة فان قال: اردت بقولى من واحد الى عشرة مجموع الاعداد كلها أى الواحد والاثنان وهكذا الى العشرة لزمه خمسة وخمسون درهما لأن هذا هو مجموعها
(3)
.
التعيين بالجمع المجرد أو الموصوف:
وان قال: له على دراهم يلزمه ثلاثة لانها اقل الجمع. وان قال: له على دراهم كثيرة أو عظيمة أو وافرة. لزمه ثلاثة لأن الكثرة والعظمة والوفرة لاحد لها شرعا ولا لغة ولا عرفا. وتختلف بالاضافات واحوال الناس.
فالثلاثة اكثر عما دونها واقل مما فوقها. ومن الناس من يستعظم اليسير ومنهم من لا يستعظم الكثير. ويحتمل ان المقر اراد كثيره بالنسبة الى مادونها أو كثيره فى نفسه فلا تجب الزيادة بالاحتمال
(4)
.
(1)
المغنى ج 5 ص 397 وما بعدها.
(2)
المغنى: ج 5 ص 298.
(3)
المغنى: ج 5 ص 299.
(4)
المغنى: ج 5 ص 399.
الاقرار بشئ فى شئ:
وان قال: له عندى درهم فى ثوب أو فى كيس أو زيت فى جرة أو تبن فى غرارة أو تمر فى جراب أو سكين فى قراب او فص فى خاتم أو كيس فى صندوق. أو قال: غصبت منه ثوبا فى منديل أو زيتا فى زق. ففيه وجهان.
احدهما يكون مقرا بالمظروف دون الظرف.
وهذا اختيارا بن حامد لأن اقراره لم يتناول الظرف بل انصب على المظروف فقط فيحتمل أن يكون فى ظرف للمقر فلا يعتبر اقرارا بالظرف مع الاحتمال.
والثانى .. يلزمه الجميع المظروف والظرف لانه ذكر ذلك وعبر به فى سياق الاقرار. ويصح أن يكون مقرا به فلزمه الجميع كما لو قال: له عندى عبد عليه عمامة.
حيث يلزمه العبد والعمامة. وان قال: له عندى جرة فيها زيت او جراب فيه تمر او قراب فيه سكين. فعلى وجهين. الاقرار بالمظروف فقط او به وبالمظروف وان قال له: عندى خاتم فيه فص فكذلك فيه وجهان الاقرار بالخاتم فقط او الاقرار به وبالفص. ويحتمل ان يكون مقرا به وقبضه وجها واحدا لان الفص جزء من اجزاء الخاتم فاشبه ما لو قال: له عندى ثوب فيه علم .. ولو قال: له عندى خاتم واطلق لزمه الخاتم بفصه لان اسم الخاتم يجمعهما.
وان قال: له عندى ثوب مطرز لزمه الثوب بطرازه
(1)
.
الاقرار بالمال وتفسيره:
واذا أقر بمال قبل تفسيره بقليل المال وكثيره لأن اسم المال توقع على القليل والكثير ما يتمول عادة حقيقة وعرفا فيقبل تفسيره به وان قال: له على مال عظيم أو كثير وجليل أو خطير - جاز تفسيره بالقليل والكثير كما لو قال مال. ولم يزد عليه لأن ما فسر به المال فسر به العظيم. ولأن - العظيم والكثير لاحد له فى الشرع ولا فى اللغة ولا فى العرف ويختلف الناس فيه فمنهم من يستعظم القليل ومنهم من يستعظم الكثير ومنهم من يحتقر الكثير. فلم يثبت فى ذلك حد يرجع الى تفسيره به ولأنه ما من مال الا وهو عظيم كثير بالنسبة الى مادونه .. ويحتمل انه اراد عظيما عنده لفقر نفسه ودنائتها. وقد قال الله تعالى «اذكروا الله كثيرا» ولم ينصرف الى حد معين وقال: «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله» . ولم يحمل على عدد محدد فى مبدئه أو نهايته .. والحكم فيما اذا قال .. عظيم جدا. أو عظيم عظيم كالحكم فيما اذا لم يقله لما ذكر ..
ولو قال: له على أكثر من مال فلان ففسره بأكثر منه عددا أو قدرا لزمه اكثر منه.
وتفسر الزيادة بأى شئ أراد ولو حبة أو اقل وان قال: ما علمت لفلان أكثر من كذا وكذا وقامت البينة بأكثر منه لم يلزمه اكثر مما اعترف به لأن مبلغ المال حقيقة لا يعرف فى الاكثر. وقد يكون ظاهرا وباطنا فيملك مالا يعرفه المقر فكان المرجع الى ما اعتقده المقر مع يمينه اذا ادعى عليه اكثر منه. وان فسر ما اقر به بأقل من مال فلان هذا مع علمه بماله لم يقبل منه. وقال اصحابنا: يقبل بالقليل والكثير سواء علم بمال فلان أو جهله. أو ذكر قدره أو لم يذكره أو قال عقب الشهادة بقدره او لا لانه يحتمل ان المقر اراد بقوله.
اكثر من مال فلان. اكثر منه بقاء أو منفعة
(1)
المغنى: ج 5 ص 300، 301.
أو بركة لكونه من الحلال أو لأنه فى الذمة.
قال القاضى: ولو قال لى عليك الف دينار فقال: لك على اكثر من ذلك لم يلزمه اكثر منها لأن لفظة اكثر مبهمة لاحتمالها ما ذكرنا ويحتمل انه اكثر منه فلوسا أو حب حنطة أو شعيرا أو دخن فيرجع فى تفسيرها اليه ..
وهذا بعيد فان لفظة أكثر انما تستعمل حقيقة فى العدد أو فى القدر وينصرف الى جنس ما أضيف اكثره اليه. لا يفهم فى الاطلاق غير ذلك. قال الله تعالى: «كانوا أكثر منهم» .
وأخبر عن الذى قال: «أنا أكثر منك مالا.» «وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا» والاقرار يؤخذ فيه بالظاهر دون مطلق الاحتمال ..
ولهذا لو أقر بدراهم لزمه اقل الجمع جيادا صحاحا وازنة حاله. ولو قال له على دراهم لم يقبل تفسيرها بالوديعة. ولو رجع الى مطلق الاحتمال لسقط الاقرار
(1)
.
التعبير بعندى يقبل التفسير بالوديعة والدين:
من اقر بقوله: له عندى دراهم. مائة أو ألفا أو أى عدد ثم فسر اقراره بأنها وديعة قبل تفسيره لا خلاف فى ذلك بين اهل العلم.
سواء فسره بكلام متصل أو منفصل لأنه فسر لفظه بما يقتضيه تقبل منه كما لو قال: له على دراهم وفسرها بدين عليه - فعند ذلك تثبت فيها احكام الوديعة بحيث لو ادعى تلفها بعد ذلك أو ردها كان القول قوله. وان فسرها بدين عليه قبل أيضا لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ. وان قال: له عندى وديعة رددتها اليه أو تلفت لزمه ضمانها ولم يقبل قوله .. رددتها أو تلفت .. لما فيه من مناقضة الاقرار والرجوع عما اقر به. فان الالف المردود والتالفة ليست عنده اصلا ولا هى وديعة. وكل كلام يناقض الاقرار ويجعله بحيث أن يكون مردودا. وقال القاضى: يقبل قوله لان أحمد قال فى رواية ابن منصور: اذا قال: لك عندى وديعة دفعتها اليك صدق لانه ادعى تلف الوديعة أو ردها فقبل كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل. ان قال: كانت عندى وظننتها باقية ثم عرفت انها كانت قد هلكت فالحكم فيها كالتى قبلها
(2)
.
التعبير. بعلى. لا يقبل التفسير بالوديعة:
ولو أقر بدراهم بقوله. له على دراهم.
وحددها ثم فسره بالوديعة لم يقبل قوله. فلو ادعى بعد هذا تلفها لم يقبل قوله لأن على للايجاب وذلك يقتضى كونها فى ذمته. ولذلك لو قال: ما على فلان على كان ضامنا له.
والوديعة ليست فى ذمته ولا هى عليه وانما هى عنده .. وقال القاضى ما يدل على انه يقبل قوله انها وديعة واذا ادعى بعد ذلك تلفها يقبل قوله لان الوديعة عليه حفظها وردها. فاذا قال: على وفسرها بذلك احتمل صدقه فقبل منه كما لو وصله بكلامه فقال:
على الف وديعة. ولان حروف الصفات يخلف بعضها بعضا فيجوز ان يستعمل على معنى عندى كما قال الله تعالى اخبارا عن موسى عليه السلام انه قال: «ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون» أى عندى .. ورد بأن ما ذكر مجاز طريقه حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه أو اقامة حرف مقام حرف.
والاقرار يؤخذ فيه بظاهر اللفظ بدليل أنه لو قال: له على دراهم لزمته ثلاثة دراهم وان
(1)
المغنى ج 5 ص 315 وما بعدها.
(2)
المغنى: ج 5 ص 308، 309.
جاز التعبير بلفظ الجمع عن اثنين وعن واحد كقول الله تعالى «فإن كان له أخوة فلأمه السدس» ومواضع كثيرة فى القرآن الكريم ولو قال: له على درهم وقال اردت نصف درهم فحذفت المضاف واقمت المضاف اليه مقامه لم يقبل منه
…
ولو قال: لك من مالى الف فقال صدقت ثم قال: اردت أن عليك من مالى الفا وأقمت اللام مقام على كقول الله تعالى «وان أسأتم فلها. لم يقبل منه ..
ولو قيل فى الاقرار مطلق الاحتمال لسقط ولقبل تفسير الدراهم عند الاطلاق بالناقصة والزائفة والمؤجلة مع انه لا يقبل وينصرف الى الكاملة كما تقدم
…
واما اذا قال: لك على الف. ثم قال: كان وديعة فتلف لم يقبل قوله لأنه متناقض. وقد سبق نحو من هذا
(1)
.
اذا اضاف المقر الملك الى نفسه:
يصح الاقرار ولو مع اضافة المقر الملك الى نفسه كقوله: عبدى هذا ..
ودارى هذه لزيد .. اذ الاضافة تكون لأدنى ملابسة تنافى الاقرار
(2)
.
«وان قال
(3)
: له فى مالى هذا الف. أو من مالى الف وفسره بدين أو وديعة أو وصية فيه قبل وقال بعض أصحاب الشافعى لا يقبل اقراره لان ماله ليس هو لغيره .. ولنا انه اقر بالف فقبل كما لو قال: فى مالى. ويجوز أن يضيف اليه مالا بعضه لغيره ويجوز أن يضيف اليه مال غيره لاختصاص له به. أو يد له عليه. أو ولاية قال الله تعالى «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما. وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا.» وقال سبحانه فى النساء «ولا تخرجوهن من بيوتهن» وقال لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم «وقرن فى بيوتكن» فلا يبطل اقراره مع احتمال صحته وان قال: اردت من هبة قبل منه لأنه محتمل وان امتنع من تقبيضها لم يجبر عليه لأن الهبة فيها لا تلزم قبل القبض .. وكذلك يخرج فيما اذا قال: لفلان فى دارى هذه نصفها. أو من دارى بعضها .. وقد نقل عن احمد ما يدل على روايتين. قال فى رواية منهما فيمن قال:
نصف عبدى هذا لفلان - لم يجز الا ان يقول. قد وهبته. وان قال: نصف مالى هذا لفلان لا اعرف هذان ونقل ابن منصور.
اذا قال: فرسى هذه لفلان فأقراره جائز.
فظاهر هذا صحة الاقرار. فأن قال: له على فى هذا الحال نصفه. أو له نصف هذه الدار فهو اقرار صحيح. وان قال: له فى هذا المال الف صح. وان قال: له فى ميراث ابى الف فهو اقرار بدين على التركة. وان قال فى ميراثى من ابى وقال: أردت هبة قبل منه.
ولانه اذا اضاف الميراث الى ابيه فمقتضاه ما خلفه فيقتضى وجوب المقر به فيه.
واذا اضاف الميراث الى نفسه فمعناه ما ورثنه وانتقل الى. فلا يحمل على الوجوب واذا اضاف اليه منه جزءا فالظاهر انه جعل له جزءا من ماله.
اذا قال على كذا. أو كررها بعطف وبدونه:
اذا قال المقر: له على كذا ففيه ثلاث مسائل. احداها أن يقول: كذا بدون تكرار
(1)
المغنى: ج 5 ص 309، 310.
(2)
شرح منتهى الارادات ج 4 ص 335.
(3)
المغنى - ابن قدامة ج 5 ص 311.
والثانية. أن يكون لفظ. كذا - بدون عطف فيقول: له على كذا كذا. الثالثة. أن يكرر لفظ. كذا مع العطف. فيقول: له على كذا وكذا ..
فاما الاولى: فاذا قال: له على كذا درهم فأما أن يرفع لفظ - درهم - أو يجره أو ينصبه أو يسكنه. فأن رفعه لزمه درهم وتقديره حينئذ - شئ هو درهم فجعل الدرهم بدلا من كذا. وان جره لزمه جزء من درهم يرجع فى تفسيره وتحديده اليه .. والتقدير:
له على جزء درهم أو بعض درهم. ويكون لفظ - كذا - كتابة عن هذا الجزء. وان نصبه لزمه درهم ويكون منصوبا على التفسير وهو التمييز. وقال بعض النحويين هو منصوب على القطع. كأنه قطع ما ابتدأ به وأقر بدرهم - وهذا على رأى الكوفيين. وان سكنه أى ذكره بالوقف فيقبل تفسيره بجزء درهم ايضا لأنه يجوز أن يكون اسقط حركة الجبر للوقف .. وقال القاضى: يلزمه درهم فى الحالات كلها.
واما الثانية:
اذا قال: له على كذا كذا بدون عطف.
فالحكم فيها الحكم فى المسألة الأولى وهى ما اذا اقر بكذا بدون تكرار سواء بسواء لا يتغير الحكم ولا يقتضى التكرار وزيادة - كأنه قال له على شئ شئ ولانه اذا قاله بالجر احتمل أن يكون قد اضاف جزءا الى جزء ثم اضاف الجزء الآخر الى الدرهم فقال: نصف تسع درهم. وهكذا لو قال: كذا. كذا.
كذا لأنه يحتمل أن يريد ثلث خمس سبع.
وأما الثالثة اذا عطف فقال له على كذا وكذا درهم بالرفع لزمه درهم واحد لانه ذكر شيئين ثم أبدل منهما درهما فصار كأنه قال:
هما درهم وان قال درهما بالنصب ففيه ثلاثة أوجه.
الوجه الاول - يلزمه درهم واحد وهو قول ابى عبد الله بن حامد والقاضى لأن كذا يحتمل اقل من درهم فاذا عطف عليه مثله ثم فسرها بدرهم واحد جاز وكان كلاما صحيحا - والوجه الثانى - يلزمه درهمان وهو اختيار أبى الحسن التيمى لانه ذكر جملتين فاذا فسر بدرهم عاد التفسير الى كل واحدة منهما ..
والوجه الثالث .. يلزمه اكثر من درهم ..
ولعله ذهب الى ان الدرهم تفسير للجملة الثانية التى تليه فيلزمه بها درهم. والأولى باقية على ابهامها فيرجع فى تفسيرها اليه.
وهذا يشبه مذهب التميمى.
وما قيل فى هذه التفسيرات اخذ فيه بالاقل وهو اليقين لان ما زاد مشكوك فيه فلا يجب بالشك كما لو قال: له على دراهم لم يلزمه الا اقل الجمع مع احتماله اكثر من ذلك.
الاقرار ببعض المدعى لاحد المدعيين:
واذا ادعى رجلان دارا بينهما ملكاها بسبب يوجب الاشتراك كأن يقولا: ورثناها أو اشتريناها معا. فأقر المدعى عليهما بنصفها لاحدهما فذلك لهما جميعا لانهما ذكرا ان الدار لهما مشاعة فاذا غصب غاصب نصفها كان المغصوب منهما والباقى بينهما .. وان لم يكونا ادعيا شيئا يقتضى الاشتراك بل ادعى كل واحدة منهما نصفها فاقر لاحدهما بما ادعاه لم يشاركه الاخر وكان على خصومته لانهما لم يعترفا بالاشتراك. فأن اقر لاحدهما
بالكل وكان المقر له يعترف للآخر بالنصف سلمه اليه. وكذلك ان كان قد تقدم اقراره بذلك وجب تسليم النصف اليه لأن الذى هى فى يده قد اعترف له بها فصار بمنزلته فيثبت لمن يقر له .. وان لم يكن اعترف للاخر وادعى جميعها أو ادعى اكثر من النصف فهو له فأن قيل: فكيف يملك جميعها ولم يدع الا نصفها.؟. قلنا: ليس من شروط صحة الاقرار تقدم الدعوى بل متى اقر الانسان بشئ فصدقه المقر له ثبت. وقد وجد التصديق ههنا فى النصف الذى سبق دعواه.
ويجوز أن يكون قد اقتصر على دعوى النصف لأن له حجة به أو لان النصف الآخر قد اعترف له به فادعى النصف الذى لم يعترف به. فان لم يصدقه فى اقراره بالنصف الذى لم يدعه ولم يعترف به للآخر ففيه ثلاثة أوجه:
احدها يبطل الاقرار به لانه اقر به لمن لا يدعيه - الثانى - ينزعه الحاكم من يده حتى يثبت لمدعيه. ويؤجره ويحفظ أجرته لمالكه.
والوجه الثالث - يدفع الى مدعيه لعدم المنازع فيه. ومذهب الشافعى فى هذا الفصل كله كنحو ما ذكرنا.
رجوع المقر عن اقراره:
لا يقبل رجوع المقر
(1)
عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر له إلا فيما كان حدا لله تعالى فيقبل رجوعه عنه لأن الحد يدرأ بالشبهة وأما حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوع المقر عن الاقرار بها.
لا يقبل رجوع المقر
(2)
عن اقراره الا فيما كان حدا لله تعالى يدرأ بالشبهات ويحتاط لاسقاطه. فأما حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوعه عنها ولا نعلم فى هذا خلافا. فاذا قال: هذه الدار لزيد لابل لعمرو او ادعى زيد على ميت شيئا من تركته فصدقه ابنه ثم ادعاه عمرو فصدقه حكم به لزيد ووجبت عليه غرامته لعمرو. وهو ظاهر احد قولى الشافعى.
وقال فى الآخر لا يلزم لعمرو شيئا وهو قول ابى حنيفة لانه اقر له بما عليه الاقرار به.
وانما منعه الحكم من قبوله وذلك لا يوجب الضمان.
ولنا. انه حال بين عمرو وبين ملكه الذى اقر له به باقراره لغيره فلزمه غرمه كما لو شهد رجلان على اخر باعتاق عبده ثم رجعا عن الشهادة ..
وان قال: غصبت هذه الدار من زيد لا بل من عمرو أو غصبتها من زيد وغصبها زيد من عمرو. حكم بها لزيد ولزمه تسليمها اليه ويغرمها لعمرو. لأنه اقر بالغصب الوجب للضمان والرد على المغصوب منه. ثم لم يرد ما اقر بغصبه فلزمه ضمانه كما لو تلف بفعل الله تعالى .. قال احمد فى رواية ابن منصور فى رجل قال لرجل.
استودعتك هذا الثوب فقال صدقت. ثم قال: استودعنيه رجل آخر فالثوب للاول ويغرم قيمته للأخر. ولا فرق فى هذا الفصل بين أن يكون اقراره بكلام متصل أو منفصل.
(1)
كشاف القناع ج 4 ص 319.
(2)
المغنى ج 5 ص 288.
الاقرار بالنسب:
الاقرار بالنسب على ضربين:
الاول أن يقر بنسب على نفسه خاصة كأن يقر لولد أو أب.
والثانى أن يقر بنسب على نفسه وعلى غيره. كأن يقر بأخ فيه الاقرار على نفسه بالاخوة وعلى غيره وهو الاب ببنوة هذا المقر له للاب اذ لا يكون اخا للمقر الا اذا كان ابنا لابيه. أو يقر بعم فيه الاقرار على نفسه بالعمومة وعلى جده بالبنوة اذ لا يكون عما للمقر الا اذا كان ابنا للجد.
شروط الاقرار بالنسب:
ويشترط لثبوت النسب بالاقرار فى الضرب الأول أربعة شروط ..
احدها .. ان يكون المقر بنسبه مجهول النسب فان كان معروف النسب من الغير لم يصح الاقرار بنسبه لانه يقطع نسبه الثابت من الغير. وقد لعن النبى صلى الله عليه وسلم من انتسب الى غير ابيه أو تولى غير مواليه ..
والثانى .. ان لا ينازعه فيه منازع لابنه اذا نازعه فيه غيره تعارضا فلم يكن الحاقه بأحدهما اولى من الآخر ..
والثالث .. أن يمكن صدقه بأن يكون المقر له فى سن يولد مثله لمثل المقر وبان يكون المقر أكبر منه بعشر سنين فأكثر ..
والرابع .. أن يصدق المقر له المقر فى اقراره ان كان ذا قول معتبر شرعا بأن يكون مكلفا .. فان كان غير مكلف بأن كان صغيرا أو مجنونا لم يعتبر تصديقه. فان كبر الصغير أو عقل المجنون وانكر الاقرار لم يسمع انكاره لان نسبه ثابت وجرى ذلك مجرى من ادعى ملك عبد صغير فى يده وثبت بذلك ملكه فلما كبر جحد ذلك .. ولو طلب احلافه على ذلك لم يستحلف لان الاب لو عاد فجحد النسب لم يقبل منه .. وان اعترف انسان بأن هذا ابوه. فهو كاعترافه بانه ابيه.
اما الضرب الثانى: وهو الاقرار بنسب على نفسه وعلى غيره كالاقرار بأخ أو عم.
فيشترط فيه الشروط الأربعة المذكورة ايضا.
وشرط خامس. وهو أن يكون المقر حائزا كل الميراث. أى جميع الورثة. فان كان المقر زوجا أو زوجة لا وارث معها لم يثبت النسب بأقرارها لان المقر فى هذه الحالة لا يحرز كل الميراث فان اعترف به معه الامام ثبت النسب لانه قائم مقام المسلمين فى مشاركة الوارث الذى لا يحرز كل الميراث واخذ الباقى وان كان الوارث بنتا أو أختا أو أما أو ذا فرض يرث جميع المال بالفرض والرد ثبت النسب بأقراره كالابن لانه يرث المال كله فرضا وردا .. وان كانت بنت واخت أو أخت وزوج ثبت النسب بأقرارهما لانهما يأخذان كل المال .. واذا اقر بابن ابنه وابنه ميت اعتبرت فيه الشروط التى تعتبر فى الاقرار بالاخ لأنه من الضرب الثانى اذ يتضمن الاقرار على ابنه المباشر الميت ببنوة المقر له.
وان كان للمقر ولدان احدهما غير وارث لكونه رقيقا أو مخالفا لدين مورثه أو قاتلا فلا عبرة به وثبت النسب بأقرار الولد الآخر
وحده لانه يحرز كل الميراث ثم ان كان المقر له من أهل الميراث ورث مع المقر. وان كان غير وارث لوجود احد الموانع فيه ثبت نسبه ولم يرث سواء كان المقر مسلما أو كافرا وان كان للميت ولدان وكان احدهما غير مكلف صغيرا أو مجنونا - واقر المكلف بأخ ثالث لم يثبت النسب بأقراره لانه لا يحوز كل الميراث .. فأن بلغ الصغير أو افاق المجنون فأقرا بالاخ الثالث مع المكلف الذى سبق اقراره ثبت النسب بذلك لاتفاق جميع الورثة عليه. وان انكر بعد البلوغ أو الافاقة لم يثبت النسب .. وان بات الصغير أو المجنون قبل التكليف ثبت نسب المقر له بالاقرار السابق من الولد المكلف لانه وجد الاقرار فى هذه الحالة ممن يحوز كل الميراث
ولو كان الولدان بالغين عاقلين فأقر أحدهما بأخ ثالث وانكر الآخر. ثم مات المنكر وورثه المقر فقط ثبت نسب المقر له بأقرار الولد الباقى لان هذا المقر صار جميع الورثة واخذ كل الميراث اصلا وفرعا. فأشبهه ما لو اقر به ابتداء بعد موت اخيه وهذا لم يكن للمنكر المتوفى وارث سوى اخيه الباقى المقر بنسب الثالث .. اما اذا كان للمنكر المتوفى وارث سوى اخيه المقر أو من يشاركه فى ميراثه لم يثبت النسب بقول المقر الباقى قولا واحدا لانه لا يحوز كل الميراث فى هذه الحالة
ويقوم وارث المنكر الميت مقامه حينئذ فان وافق المقر فى اقراره ثبت النسب لوجود الاقرار من الجميع حينئذ. وان خالفه كمورثه لم يثبت نسب الثالث. وان خلف الميت ولدين فأقر احدهما بأخ ثالث وانكره الآخر ثم مات هذا المنكر وخلف ابنا فأقر هذا الابن بالذى انكره ابوه ثبت نسبه لاقرار جميع الورثة به حينئذ. ويحتمل ان لا يثبت لانكار الميت له
(1)
.
اقرار الوارث بمن يحجبه:
واذا اقر بمن يحجبه كأخ اقر بابن للميت.
واخ من اب اقر بأخ من ابوين وابن ابن اقر بابن للميت ثبت نسب المقر به وورث وسقط المقر واصبح غير وارث .. وهذا اختيار ابن حامد والقاضى وقول ابى العباس بن سريح ..
وقال أكثر اصحاب الشافعى يثبت نسب المقر به ولكن لا يرث لان توريثه يقضى الى اسقاط توريثه فسقط .. بيان ذلك: انه لو ورث لادى ذلك الى عدم وراثة المقر بنسبه لانه يحجبه كما هو وضع المسألة واذا خرج المقر عن كونه وارثا بمقتضى ذلك يبطل اقراره بنسب هذا الحاجب لان شرط صحة الاقرار بنسب ان يكون المقر حائز لكل الميراث. وقد اصبح المقر غير وارث البتة. واذا بطل الاقرار سقط نسب المقر وبالتالى سقط ارثه.
فادى توريثه الى سقوط نسبه وتوريثه.
فقيل يثبت نسبه ولكن لا يرث.
ولنا انه ابن ثبت نسبه باقرار صحيح ولم يوجد فى حقه مانع من موانع الارث المعتبرة شرعا فيدخل فى عموم قوله تعالى:
(يوصيكم الله فى اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) فيرث نتيجة لثبوت نسبه كما لو ثبت نسبه ببينة. ولان ثبوت النسب سبب للميراث فلا يجوز قطع حكمه عنه. ولا يرث من يحجب به مع وجوده وسلامته من الموانع وما احتجوا به لا يصح. لانا انما نشترط كون المقر وارثا وحائزا كل الميراث على تقدير عدم
(1)
المغنى لابن قدامة ج 5 ص 327 - 329.
ووجود المقر به .. وخروجه بالاقرار على الارث لا يمنع صحة الاقرار بدليل ان الابن اذا أقر بأخ له أى بابن ثان للميت فانه يثبت نسبه ويرث بالاتفاق مع كونه يخرج بهذا الاقرار عن ان يكون حائزا لجميع الميراث .. فان قيل:
انما يقبل اقراره اذا صدقه المقر به فى الاقرار فصار اقرارا من جميع الورثة اى من الحائز لكل الميراث .. وان كان المقر به صغيرا او مجنونا لم يعتبر قوله فقد اقر كل من يعتبر قوله - قلنا ومثله ههنا فانه ان كان المقر به كبيرا عاقلا فلابد من تصديقه وحينئذ يكون قد اقر به كل الورثة وان كان صغيرا او مجنونا غير معتبر القول لم يثبت النسب بقول الاخر حتى يكتمل الناقص ويصدق مع المقر.
كما لو كانا ابنين احدهما صغيرا فأقر البالغ بأخ لم يقبل لانه غير حائز لكل الميراث. ولم يقولوا انه لا تعتبر موافقة غير البالغ كذا ههنا ولانه لو كان فى يدى انسان عبد محكوم له بملكه فأقر به لغيره ثبت الملك للمقر له باقرار المالك. وان كان السيد المقر قد خرج بالاقرار عن كونه مالكا. كذا ههنا
(1)
.
تعدد المقر لهم واختلافهم:
واذا خلف الميت ابنا فاقر بأخ له اى بابن ثان للميت ثبت نسبه ثم ان اقر بثالث ثبت نسبه ايضا لانه اقرار من جميع الورثة .. فان قال الثالث: الثانى ليس بأخ لنا.
قال القاضى: يسقط نسب الثانى لان الثالث قد اصبح وارثا ثابت النسب بالاقرار وقد انكر نسب الثانى فيسقط. فاشبه ما لو كان هذا الثالث ثابت النسب قبل الثانى وانكر الاقرار به.
وهناك وجه آخر وهو انه لا يسقط نسب الثانى ولا ميراثه بانكار الثالث. لان نسبه ثبت قبل ثبوت نسب الثالث بأقرار الاول وثبت ميراثه نتيجة لذلك فلا يسقط النسب بعد ثبوته. ولانه اقر به من هو كل الورثة ويحوز كل الميراث حين الاقرار اى ثبت بطريق صحيح شرعا وثبت الميراث فلا يسقط بعد ثبوته ولان الثانى لو انكر الثالث لم يثبت نسبه وانما ثبت نسبه باقراره مع الاول فلا يجوز له أن يسقط نسب شخص ثبت نسبه هو بأقرار ذلك الشخص كالاول ولأن ذلك يؤدى الى اسقاط الاصل بالفرع الذى يثبت به.
وان أقر ابن الميت باخوين له اى ابنين اخرين للميت دفعة واحدة فصدقه كل واحد منهما صاحبه ثبت نسبهما .. وان تكاذبا ففيهما وجهان.
أحدهما .. لا يثبت نسبهما لان كل واحد منهما لم يقر به كل الورثة .. والثانى ..
يثبت نسبهما لان كل واحد منهما وجد الاقرار به من ثابت النسب الحائز لكل الميراث حين الاقرار فلم تعتبر موافقة غيره .. كما لو كانا صغيرين. فان كان احدهما يصدق صاحبه دون الاخر ثبت نسب المتفق عليه منهما. وفى الاخر وجهان .. وان كانا توأمين ثبت نسبهما ولم يلتفت الى انكار المنكر منهما سواء تجاحدا معا او جحد احدهما صاحبه لأننا نعلم كذبهما فان التوأمين لا يفترقان .. ولو اقر الوارث نسب أحد التوأمين ثبت نسب الاقرار
(1)
المغنى ج 5 ص 330 وما بعدها.
لانهما لا يفترقان فى النسب ولو اقر بنسب صغيرين دفعة واحدة ثبت نسبهما على الوجه الذى يثبت به نسب الكبيرين المتجاحدين.
وهل يثبت على الوجه الاخر به؟ يحتمل ان يثبت لانه اقر به كل الورثة حين الاقرار ولم يجحده احد فاشبه مالو انفرد .. ويحتمل ان لا يثبت لان احدهما وارث ولم يقر بصاحبه فلم يجتمع كل الورثة على الاقرار به. ويدفع المقر الى كل واحد منهما ثلث الميراث سواء قلنا بثبوت النسب او لم نقل لانه مقر به.
واذا خلف الميت زوجة واخا فأقرت الزوجة بابن للميت وانكر الاخ لم يثبت نسبه ودفعت اليه ثمن الميراث وهو الزائد فى يدها عما تستحقه بالميراث على فرض وجود الابن وهو موجود بأقرارها فى رأيها فتعامل به.
وان اقر به الاخ وحده لم يثبت نسبه ايضا لانه لا يحوز كل الميرات مع وجود الزوجة ..
ودفع اليه جميع ما فى يده وهو ثلاثة ارباع المال بعد نصيب الزوجة. معاملة له باقراره ..
وان خلف الميت ابنين فأقر احدهما بأمرأة لابيه وانكر الاخر لا تثبت الزوجية بالاقرار. ولكن يدفع اليها المقر نصف ثمن الميراث حقها فيما فى يده منه لان الزوجية زالت بالموت وانما المقر به حقها من الميراث. وهناك وجه اخر انها لا تستحق شيئا. وان كان للميت امرأة أخرى فلا شئ للمقر لها على الرأى الأول لان الفضل الذى لا تستحقه ليس فى يد المقر وانما هو فى يد الزوجة الأخرى
(1)
.
شهادة بعض الورثة بنسب المشارك لهم:
واذا شهد من الورثة رجلان عدلان نسب مشارك لهما فى الميراث ثبت نسبه اذا لم يكونا متهمين فى اثبات نسبه. وكذلك ان شهدا على اقرار الميت بهذا النسب تقبل الشهادة.
وان كانا متهمين كأخوين من ام يشهدان بأخ شقيق للمتوفى فى مسألة فيها زوج واختان من ابوين لم تقبل شهادتهما لان ثبوت نسب الاخ الشقيق يسقط العول فيتوفر للاخوين من الام الثلث فرضا وكذلك لو شهدا لاخوان من الام بأخ من الابن فى مسألة فيها معهما ام واخت شقيقة واخت من اب لم تقبل شهادتهما لان ثبوت نسب الاخ من الاب يسقط اخته اذا تصبح عصبة بالغير فيذهب العول من المسألة ويستفيد الشاهدان. فان لم يكن الاخوان من الام وارثين او لم تكن هناك تركة يستفيدان بشهادتهما منها وقبلت شهادتهما وثبت النسب لعدم التهمة.
وان اقر رجلان عدلان من الورثة بنسب مشارك لهما فى الميراث. وهناك وارث غيرهما لم يثبت النسب الا ان يشهدا به لانه اقرار من بعض الورثة فلم يثبت النسب به كاقرار الواحد. وفارق الشهادة لانها تعتبر فيها العدالة والذكورية والعدد والاقرار بخلافه.
ولو شهدا به ثبت فى غير موضع التهمة
(2)
.
الاقرار بنسب الميت:
واذا اقر بنسب ميت صغير أو مجنون واستوفى الشروط ثبت نسبه من المقر وورثه لان علة ثبوت النسب فى حال الحياة هو
(1)
المغنى ج 5 ص 331، 332.
(2)
المغنى ج 5 ص 333.
الاقرار الصحيح المستوفى للشروط المقررة.
وهو موجود بعد الموت - فيثبت به كحالة الحياة والقول بأن هذا الاقرار فيه تهمة قصد التوصل للميراث والحصول على حال المقر بنسبه. لا يعول عليه اذ لو كان كذلك لبطل الاقرار بنسب الصغير والمجنون فى حال الحياة اذا كانا موسرين او كان المقر فقيرا مع انه يثبت النسب فى الحالتين ويملك المقر التصرف فى المال والانفاق منه على نفسه بحكم صلة النسب الناشئة عن الاقرار.
وهناك رأى بثبوت النسب دون الميراث للتهمة.
وان كان المقر بنسبه كبيرا عاقلا ومات وحصل الاقرار بالنسب بعد الموت فكذلك فى قول القاضى لأنه لا قول له بعد الموت فأشبه الصغير. وهناك وجه آخر لا يثبت النسب لان نسب المكلف لا يثبت الا بتصديقه ولم يوجد.
ويجاب عن هذا بانه غير مكلف. واشتراط التصديق انما هو بالنسبة للمكلف. فان ادعى نسب المكلف فى حياته فلم يصدقه المقر به حتى مات المقر ثم صدقه بعد موت المقر ثبت نسبه لانه وجد الاقرار والتصديق من المقر به فاشبه مالو صدقه فى حياته .. وقال ابو الخطاب واذا اقر رجل بزوجية امرأة او اقرت امرأة ان فلانا زوجها. فلم يصدقه المقر به الا بعد موت المقر ورثه لانه وجد الاقرار والتصديق معا.
واذا خلف الميت زوجة وابنا من غيرها فاقر الابن بأخ له اى ابن آخر للميت لم يثبت نسبه بهذا الاقرار لان المقر لا يحوز كل الميراث .. ولكن هل يتوارث الاخوان فيما بينهما؟.
فيه وجهان: أحدهما يتوارثان لان كل واحد منهما يقر بأنه لا وارث له سوى صاحبه ولا منازع لهما.
والثانى. - لا يتوارثان لان النسب بينهما لم يثبت. فأن كل لكل واحد منهما وارث غير صاحبه لم يرثه لانه منازع فى الميراث لم يثبت نسبه
(1)
.
انكار النسب بعد الاقرار به:
واذا ثبت النسب بالاقرار ثم انكر المقر النسب لم يقبل انكاره لانه نسب ثبت بحجة شرعية فلم يزل بانكاره كما لو ثبت ببينة او بالفراش وسواء كان المقر به مكلفا وصدق المقر او غير مكلف .. ويحتمل ان يسقط نسب المكلف باتفاقهما على الرجوع عنه لانه ثبت باتفاقهما فيزول برجوعهما كالمال. والاول اصح لانه نسب ثبت بالاقرار فاشبه نسب الصغير والمجنون وفارق المال لان النسب يحتاط لاثباته
(2)
.
اقرار المراة بالولد:
واذا اقرت المرأة بولد ولم تكن ذات زوج ولا نسب معروف قبل اقرارها. وان كانت ذات زوج فهل يقبل اقرارها؟ على روايتين احداهما لا يقبل لان فيه حمل نسب الولد على زوجها ولم يقر به او فيه الحاق العار به بولادة امرأته ولدا من غيره .. والثانية يقبل لانها شخص اقر بولد يحتمل أن يكون منه فقيل كالرجل يقر بالولد. وقال احمد فى رواية ابن منصور فى امرأة ادعت ولدا فأن كان لها اخوة او نسب معروف فلابد من ان يثبت انه ابنها
(1)
المغنى ج 5 ص 333، 334.
(2)
المغنى ج 5 ص 334، 335.
لانها متى كانت ذات اهل فالظاهر انه لا تخفى عليهم ولادتها فمتى ادعت ولدا لا يعرفونه فالظاهر كذبها .. ويحتمل ان تقبل دعواها مطلقا لان النسب يحتاط له فأشبهت الرجل.
ولو قدمت امرأة من بلاد الروم معها طفل فأقر به رجل لحقه لوجود الامكان وعدم المنازع لانه يحتمل ان يكون الرجل المقر دخل ارضهم او دخلت هى دار الاسلام ووطئها.
والنسب يحتاط لاثباته .. ولهذا لو ولدت زوجة رجل .. وهو غائب عنها بعد عشرين سنة من غيبته لحقه وان لم يعرف له قدوم اليها ولا عرف لها خروج من بلدها
(1)
هل الاقرار بنسب الصغير اقرار بزوجية امه
؟
واذا اقر بنسب صغيرا لم يكن مقرا بزوجية امه لان الزوجية ليست مقتضى لفظ الاقرار بالنسب ولا مضمونه فلم يكن فى اقراره بنسب الصغير مقرا بها. وما يقال من ان انساب المسلمين يجب حملها على الصحة فاذا اقر بنسب الصغير يكون مقرا بالزوجية الصحيحة من أمه - لا يصح فأن النسب محمول على الصحة وقد يكون من وط ء فى انكاح صحيح او من وط ء بشبهة فلا يلزم المقر بحكم اقراره ما لم يتضمنه لفظ ولم يوجبه.
اقرار الوارث بدين على ابيه المتوفى:
اذا اقر الوارث بدين على مورثه قبل اقراره بغير خلاف لاحد فى ذلك. ويتعلق ذلك بتركة الميت كما لو اقر به الميت قبل موته فان لم يخلف الميت تركة لم يلزم الوارث بشئ لأنه لا يلزمه اداء دين أبيه اذا كان حيا مفلسا فكذلك اذا كان ميتا. وان خلف تركة تعلق الدين بها. فأن احب الوارث تسليمها فى الدين لم يلزمه الا ذلك وان احب استخلاصها وايفاء الدين من ماله فله ذلك. ويلزمه حينئذ اقل الامرين من قيمة التركة او قدر الدين بمنزلة الجانى .. فأن كان الوارث واحدا فحكمه هو ما ذكر. وان كان الورثة اثنين او اكثر. وثبت الدين باقرار الميت او ببينة او بأقرار جميع الورثة فالحكم كذلك. واذا اختار الورثة فى هذه الحالة اخذ التركة وقضاء الدين من اموالهم فعلى كل واحد منهم من الدين بقدر ميراثه .. وان ثبت الدين بأقرار واحد من الورثة فى حالة تعددهم لزمه من الدين بقدر ميراثه. والخيرة اليه فى تسليم نصيبه من التركة فى الدين واستخلاصه واداء الدين من ماله.
وفى معرفة نصيبه من الدين وان كان الورثة اثنين لزمه النصف. وان كانوا ثلاثة فعليه الثلث وهكذا. لانه فى حالة التعدد لا يستحق أكثر من نصف التركة فلا يلزمه اكثر من نصف الدين كما لو اقر اخوه بالدين معه. ولانه اقرار يتعلق بحصته وحصة اخيه فلا يلزمه الا ما يخصه كالاقرار بالوصية واقرار احد الشريكين على مال التركة. ولانه حق لو ثبت ببينة او قول الميت او اقرار جميع الورثة لم يلزمه الا نصفه على اسوأ الحالات فلم يلزمه بأقراره واكثر من النصف كالوصية لان شهادته بالدين مع غيره تقبل .. ولو لزمه اكثر من حصته لم تقبل شهادته لانه يجريها نفعا الى نفسه.
(1)
المغنى ج 5 ص 335.
اقرار المريض:
اقراره بالدين لغير الوارث:
والاقرار بدين فى مرض الموت كالاقرار فى الصحة اذا كان لغير وارث. وهذا هو ظاهر المذهب وهو قول اكثر اهل العلم.
قال ابن المنذر: أجمع كل من تحفظ عنه من اهل العلم على ان اقرار المريض فى مرض الموت لغير الوارث جائز .. وحكى اصحابنا رواية اخرى انه لا يقبل لانه اقرار فى مرض الموت اشبه الاقرار لوارث ..
وقال ابو الخطاب: فيه رواية اخرى.
انه لا يقبل اقرار المريض بزيادة على الثلث لانه ممنوع من عطية ذلك للاجنبى كما هو ممنوع من عطية الوارث فلا يصح اقراره بمالا يملك عطيته بخلاف الثلث فما دون .. ولنا انه اقرار غير متهم فيه فقبل كالاقرار فى الصحة يحققه أن حالة المرض اقرب الى الاحتياط لنفسه وابراء ذمته وتحرى الصدق فكان اولى بالقبول وفارق الاقرار للوارث لانه متهم فيه على ما سنذكره .. فان اقر لاجنبى بدين فى مرضه وعليه دين ثبت ببينة او بأقرار فى صحته وفى المال سعة لها فهما سواء. وان ضاق المال عن قضائهما معا. فظاهر كلام الخرقى انهما سواء وهو اختيار التميمى لانهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال لم يختص احدهما برهن فاستويا كما لو ثبتا ببينة .. وقالها ابو الخطاب لا يحامى غرماء الصحة.
وقال القاضى: وهو قياس المذهب لنص أحمد فى المفلس انه اذا اقر وعليه دين ببينة يبدأ بالدين الذى بالبينة لانه اقر بعد تعلق الحق بتركته فوجب ان لا يشارك المقر له من ثبت دينه ببينة كغريم المفلس الذى اقر له بعد الحجر عليه. والدليل على تعلق الحق بماله منعه من التبرع ومن الاقرار للوارث. ولانه محجور عليه. ولهذا لا تنفذ هباته ولا تبرعاته فلا يشارك من اقر له قبل الحجر ومن ثبت دينه ببينة كالذى اقر له المفلس وان اقر لهما جميعا فى المرض تساويا ولم يقدم السابق منهما لانهما استويا فى الحال فاشبها غريمى الصحة.
اقرار المريض للوارث:
وان اقر المريض لوارث بدين لم يلزم باقى الورثة قبوله الا ببينة .. وبهذا قال ابو حنيفة واصحابه وروى عن القاسم وسالم. وقال بعض يقبل لان من صح الاقرار له فى الصحة صح فى المرض كالاجنبى. وللشافعى قولان كالمذهبين. وقال مالك يصح اذا لم يتهم ويبطل ان اتهم كمن له بنت وابن عم فأقر لابنته لم يقبل. وان اقر لابن عمه قبل لانه لا يتهم فى ان يترك ابنته ويعطى المال لابن عمه. وعلة المنع التهمة فاختص المنع بموضعها .. ولنا فى أن اقراره للوارث لا يلزم بقية الورثة الا ببينة انه ايصال ماله الى وارثه بقوله فى مرض موته فلم يصح بغير رضى بقية ورثته كهبته ولانه محجور عليه فى حق الوارث فلم يصح اقراره له كالصبى فى حق جميع الناس. وفارق الاجنبى فأن هبته لا تصح.
وما ذكره مالك من النظر الى التهمة لا يصح فأن التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها فوجب اعتبارها بمظنتها وهو الارث وكذلك اعتبر فى الوصية والتبرع وغيرها.
اقرار المريض لامرأته:
وأن اقر المريض لامراته بمهر مثلها صح فى قولهم جميعا لا نعلم فيه مخالفا الا الشعبى فانه قال: لا يجوز اقراره لها لانه اقرار لوارث فلا يجوز. ولنا انه اقرار تحقق سببه وعلم وجوده وهو الزواج ولم نعلم البراءة منه فاشبه ما لو كان عليه دين ببينة فأقر بأنه لم يوفه ..
وكذلك أن اشترى من وارثه شيئا فأقر له بثمن مثله لان القول قول المقر له فى أنه لم يقبض ثمنه .. وان أقر لأمرأته بدين سوى الصداق لم يقبل لانه اقرار لوارث بدين وان أقر لها ثم ابانها ثم رجع فتزوجها ومات ففى مرضه لم يقبل اقراره لها لانه اقرار لوارث فى مرض الموت فأشبه ما لو لم يبنها:
وفارق ما اذا صح من مرضه لأنه لا يكون اقرار فى مرض الموت.
اذا اقر المريض لوارث ثم صار غير وارث:
واذا أقر المريض لوارث فصار غير وارث كما اذا أقر لاخيه ولا ولد له ثم ولد له ابن لم يصح اقراره له لانه أقر له وهو وارث فلا يصح. وأن أقر لغير وارث ثم صار وارثا كما اذا أقر لأخيه فى حالة وجود ابن له ثم مات الابن واصبح الاخ وارثا صح اقراره له لانه اقرار فى المرض لغير وارث.
نص عليه احمد فى رواية ابن منصور اذا أقر لامرأة بدين فى المرض ثم تزوجها جاز اقراره لانه غير متهم حال الاقرار .. وحكى له قول سفيان فى رجل له ابنان فأقر لاحدهما بدين فى مرضه: ثم مات الابن وترك أبنا والاب حى ثم مات بعد ذلك جاز اقراره فقال أحمد:
لا يجوز وبهذا قال عثمان البتى. وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فى الصورتين مخالفة لما قلنا بناء على انه معنى يعتبر فيه عدم الميراث فكان الاعتبار فيه بحالة الموت كالوصية ..
ولنا انه قول تعتبر فيه التهمة فاعتبرت حال وجود القول دون غيره كالشهادة. ولانه اذا أقر لغير وارث ثبت الاقرار وصح لوجوده من أهله خاليا عن التهمة فيثبت الحق به ولم يوجد مسقط له فلا يسقط .. واذا أقر لوارث وقع باطلا لاقتران التهمة به فلا يصح بعد ذلك.
ولانه اقرار لوارث فلم يصح كما لو استمر الميراث. وان أقر لغير وارث صح واستمر كما لو استمر عدم الارث .. أما الوصية فانها عطية بعد الموت فاعتبرت بها حالة الموت بخلاف مسألتنا.
اقرار المريض لوارث واجنبى:
وان أقر المريض لوارث واجنبى كما اذا أقر لابنه وأخيه بطل الاقرار فى حق الوارث وصح فى حق الأجنبى .. ويحتمل أن لا يصح فى حق الأجنبى أيضا كما لو شهد بشهادة يجر ببعضها نفعا الى نفسه بطلب شهادته فى الكل كما اذا شهد لابنه واجنبى .. ودليل الاول وهو المذهب أنه أقر لوارث واجنبى فصح للاجنبى دون الوارث كما لو أقر بعبارتين مستقلتين. حيث يصح بلا خلاف. ويفارق الاقرار الشهادة لقوة الاقرار ولذلك لا تعتبر فيه العدالة .. ولو أقر بشئ له فيه نفع كالاقرار بنسب شخص موسر قبل. ولو أقر بشئ فيضمن دعوى على غيره مثل لكما عليه دون ماله .. كما لو قال لامراته: خلعتك على الف بانت منه باقراره بالخلع. والقول قولها فى نفى العوض. فان قال لعبده:
اشتريت نفسك منى بألف فكذلك.
اقرار المريض بالوارث:
ويصح اقرار المريض بوارث فى احدى الروايتين والاخرى لا يصح لانه اقرار لوارث بالارث فاشبه الاقرار له بالمال فلا يصح والاول اصح لانه عند الاقرار غير وارث وانما صار وارثا بنفس الاقرار فيصح كما لو لم يصر وارثا .. ويمكن بناء هذه المسألة على ما اذا أقر لغير وارث ثم صار وارثا بالاقرار فمن صحح الاقرار هناك صححه هنا ومن أبطله هناك أبطله هنا.
وان ملك ابن عمه فأقر فى مرضه انه كان أعتقه فى صحته وهو أقرب عصبته عتق ولم يرثه لان توريثه يوجب ابطال الاقرار بحريته.
واذا بطلت الحرية سقط الارث فصار توريثه سببا الى اسقاط توريثه فاسقطنا التوريث وحده ويحتمل أن يرث لانه حين الاقرار غير وارث فصح اقراره له كالمسألة قبلها.
اقرار المريض باحبال امته:
ويصح الاقرار من المريض باحبال الأمة لانه يملك احبالها فملك الاقرار به. وكذلك كل ما ملك أن يفعله ملك الاقرار به فاذا أقر باحبال أمته. فان بين انه استولدها فى ملكه بملك اليمين فولده منها حر الاصل والامة ام ولد له تعتق من رأس المال .. وان قال انها ولدت من نكاح او من وط ء بشبهة لم تصر الامة ام ولد وعتق الولد فان كان من نكاح فعليه الولاء لأنه بسببه رق. وان قال انه من وط ء بشبهة لم تصر الامة ام ولد .. وان لم يتبين السبب فالامة مملوكة لان الاصل الرق ولم يثبت سبب الحرية. ويحتمل أن تصير أم ولد لأن الظاهر استيلادها فى ملكه من قبل انها مملوكته والولادة موجودة. ولا ولاء على الولد لأن الاصل عدمه فلا يثبت الا بدليل. وان أقر بطلاق امرأته فى صحته لم يسقط ميراثها اذا كان الاقرار فى مرضه لانه متهم بقصد حرمانها من الميراث فلم يبطل كما لو طلقها فى مرضه يراجع فى احكام اقرار المريض
(1)
.
الاستثناء:
الاستثناء استفعال من الثنى وهو الرجوع يقال: ثنى رأس البعير اذا عطفه الى الوراء.
فكان المستثنى رجع فى قوله الى ما قبله. وفى الاصطلاح: اخراج بعض ما يتناوله اللفظ بلفظ الا او ما يقوم مقامها كغير وسوى او سواء بوزن سماء وبناء - وليس ولا يكون وحاشا وخلا وعدا مقررتين بما او مجردتين منها.
من متكلم واحد
(2)
- الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاستثناء عما كان يقتضيه لولاه ..
وقيل: هو اخراج بعض ما تناوله المستثنى منه.
ومن ثنيت فلانا عن رأيه اذا صرفته عن رأى كان عازما عليه. وثنيت عنان دابتى اذا صرفتها عن وجهتها التى كانت تذهب اليها.
شروط الاستثناء:
يشترط لصحة الاستثناء ما يأتى:
(1)
أن يكون متصلا بالكلام قبله اتصالا معتادا لفظا بأن يأتى متواليا او حكما كانقطاعه بتنفس ونحوه كسعال وعطاس. فان سكت
(1)
المغنى ج 5 ص 342 - 348 والشرح الكبير ج 5 ص 274 - 279.
(2)
كشاف القناع ج 3 ص 162 وما بعدها.
وشرح المنتهى ج 3 ص 245 والمغنى ج 5 ص 277 وما بعدها.
سكوتا يمكنه الكلام فيه أو فصل بين المستثنى والمستثنى منه بكلام أجنبى لم يصح الاستثناء لانه اذا سكت وعدل عن الاقرار الى شئ آخر استقر حكم الاقرار فلا يجوز رفعه بالاستثناء بعد ذلك بخلاف ما اذا كان فى كلام الاستثناء أو كلام متصل ومتعلق به فانه لا يثبت حكم الاقرار حتى ينظر ما يتم به كلامه ويتعلق به حكم الاستثناء ولا خلاف فى هذا الشرط بل هو مجمع عليه.
(2)
أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ونوعه - جاء فى منتهى الارادات وشرحه وبشرط أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ونوعه لأن الاستثناء اخراج بعض ما يتناوله اللفظ بوضعه وغير الجنس والنوع لا يتناوله اللفظ بوضعه فمن قال: له على هؤلاء العبيد العشرة الا واحدا فاستثناؤه صحيح لوجود شرائطه. ويلزمه تسليم تسعة. ويرجع اليه تعيين المستثنى لانه اعلم بمراده.
(1)
.
وفى المغنى
(2)
: أن الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاستثناء عما كان يقتضيه لولاه. وقيل هو اخراج بعض ما تناوله المستثنى منه مشتق من ثنيت فلانا عن رأيه اذا صرفته عن رأى كان عازما عليه. وثنيت عنان دابتى اذا صرفتها به عن وجهتها التى كانت تذهب اليها. وغير الجنس ليس بداخل فى الكلام. فاذا ذكره فى صرف الكلام عن صوبه ولاثناه عن وجه استرساله فلا يكون استثناء وانما سمى استثناء تجوزا. وانما هو فى الحقيقة استدراك. والا فيه بمعنى لكن. هكذا قال أهل العربية. واما قوله تعالى: «فسجد الملائكة كلهم اجمعون الا ابليس» - فان ابليس كان من الملائكة بدليل ان الله تعالى لم يأمر بالسجود غيرهم فلو لم يكن منهم لما كان مأمورا بالسجود ولا عاصيا بتركه ولا قال الله تعالى فى حقه ففسق عن امر ربه. ولا قال:
ما منعك الا تسجد اذا امرتك .. واذا لم يكن مأمورا بالسجود فلم أنكسه الله وأهبطه ودحره ولم يأمر الله بالسجود الا الملائكة - فان قالوا: بل قد تناول الامر الملائكة ومن كان معهم فدخل ابليس فى الامر لكونه معهم قلنا قد سقط استدلالكم. فانه متى كان داخلا فى المستثنى منه مأمورا بالسجود فاستثناؤه يكون من استثناء الجنس. وهذا ظاهر لمن أنصف فعلى هذا يكون استثناء غير الجنس باطلا. فمتى قال: له على الف درهم الا ثوبا لزمه الالف وسقط الاستثناء بمنزلة ما لو قال: له على الف درهم لكن لى عليه ثوب لكن العين والورق متقاربان ويعبر باحدهما عن الامرين ثم لو استغنى غبثا من ورق او ورقا من عين فتداخلت اصحابنا فى صحته.
فذهب ابو بكر عبد العزيز الى انه لا يصح لما ذكرنا من ان استثناء غير الجنس لا يصح ..
وقال ابن ابى موسى فيه روايتان واختار الخرقى صحته لان قدر احدهما معلوم من الاخر ويعبر بأحدهما عن الاخر فان قوما يسمون تسعة دراهم دينارا - وآخرون يسمون ثمانية دراهم دينارا. فاذا استثنى أحدهما من الاخر علم انه اراد التعبير باحدهما عن الاخر فاذا قال: له على دينار الا ثلاثة دراهم فى موضع يعبر فيه بالدينار عن تسعة دراهم كان معناه: له على تسعة دراهم الا ثلاثة .. ومهما امكن حمل الكلام على وجه
(1)
منتهى الارادات ج 4 ص 341.
(2)
المغنى ج 5 ص 277 وما بعدها.
صحيح لم يجز الغاؤه. وقد امكن بهذا الطريق فوجب تصحيحه .. وقال ابو الخطاب: لا فرق بين العين والورق وبين غيرها ويلزم من صحة استثناء احدهما من الآخر صحة استثناء الثياب وغيرها. وقد ذكرنا الفرق. ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما اذا كان احدهما يعبر به عن الاخر او يعلم قدره منه .. ورواية البطلان على ما اذا انتفى ذلك.
ولو ذكر نوعا من جنس واستثنى نوعا آخر من ذلك الجنس مثل أن يقول: له على عشرة آصع تمرا برنيا الا ثلاثة تمرا معقليا لم يجز لما ذكرنا من اشتراط اتحاد الجنس والنوع. ويخالف العين والورق لان قيمة احد النوعين غير معلومة من الآخر ولا يعبر بأحدهما عن الاخر .. ويحتمل على قول الخرقى فى جوازه لتقارب المقاصد من النوعين فهما كالعين والورق. والأول أصح لأن العلة الصحيحة فى العين والورق غير ذلك. فأما استثناء الجنس اى استثناء بعض ما دخل فى المستثنى منه. فهو جائز بغير خلاف علمناه .. فان ذلك فى كلام العرب.
وقد جاء فى الكتاب والسنة: قال الله تعالى:
فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما وقال: فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا ابليس وقال النبى صلى الله عليه وسلم فى الشهيد: يكفر عنه خطاياه كلها الا الدين وهذا فى الكتاب والسنة كثير وفى كلام العرب كذلك. فان أقر بشئ استثنى منه كان مقرا بالباقى بعد الاستثناء. فاذا قال:
له على مائة الا عشرة كان مقرا بتسعين لان الاستثناء يمنع أن يدخل فى اللفظ ما لولاه لدخل. فانه لو دخل لما امكن اخراجه ولو أقر بالعشرة المستثناه لما قبل منه انكارها ..
وقول الله تعالى: «فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما» اخبار بتسعمائة وخمسين فالاستثناء أظهر أن الخمسين المستثناه غير مرادة فى الكلام كما أن التخصيص يبين أن المخصوص غير مراد باللفظ العام .. وان قال الا ثلثها او ربعها صح وكان مقرا بالباقى بعد المستثنى .. وان قال: هذه الدار لزيد الا هذا البيت كان مقرا بما سوى البيت منها .. وكذلك ان قال: هذه الدار له وهذا البيت لى صح ايضا لانه فى معنى الاستثناء لكونه اخرج بعض ما دخل فى اللفظ الأول بكلام متصل .. وان قال: له هؤلاء العبيد الا هذا صح وكان مقرا بمن سواه منهم وان قال: الا واحدا صح لان الاقرار يصح مجهولا فكذلك الاستثناء منه .. ويرجع فى تعيين المستثنى اليه لان الحكم يتعلق بقوله وهو اعلم بمراده به. وان عين من عدا المستثنى صح وكان الباقى له. فان هلك العبيد الا واحدا فذكر انه المستثنى قبل. ذكره القاضى وهو احد الوجهين .. وقال ابو الخطاب: لا يقبل فى احد الوجهين لانه يرفع به الاقرار كله.
والصحيح انه يقبل لانه يقبل تفسيره به فى حياتهم لمعنى هو موجود بعد موتهم فقبل كحال حياتهم .. وليس هذا رفعا للاقرار. وانما تعذر تسليم المقر به لتلفه لا لمعنى يرجع الى التفسير فأشبه ما لو عينه فى حياتهم فتلف بعد تعيينه .. وان قتل الجميع الا واحدا قبل تفسيره بالباقى وجها واحدا. وان قتل الجميع فله قيمة احدهم ويرجع فى التفسير اليه ..
وان قال: غصبتك هؤلاء العبيد الا واحدا فهلكوا الا واحدا قبل تفسيره به وجها واحدا لان المقر له يستحق قيمة الهالكين فلا يقضى
التفسير بالباقى الى سقوط الاقرار بخلاف التى قبلها
(1)
.
(3، 4) ألا يستغرق المستثنى. المستثنى منه ولا يتناول اكثره
(2)
ولا يصح استثناء الكل بغير خلاف لان الاستثناء رفع بعض ما تناوله اللفظ واستثناء الكل رفع الكل فلو صح صار الكلام كله لغوا غير مفيد. فان قال: له على درهم ودرهم الا درهما او ثلاثة دراهم ودرهمان الا درهمين او ثلاثة دراهم ونصف الا نصفا او الا درهما. أو خمسة وتسعون الا تسعين - لم يصح الاستثناء فى ذلك كله ولزمه جميع ما اقر به قبل الاستثناء وفيه وجه آخر وهو انه يصح لان الواو العاطفة تجمع بين العددين وتجعل الجملتين كالجملة الواحدة. ومن أصلنا أن الاستثناء اذا تعقب جملا معطوفا بعضها على بعض بالواو عاد الى جميعها كقولنا فى قول الله تعالى «ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا» . ان الاستثناء عاد الى الجملتين فاذا تاب القاذف قبلت شهادته .. ومن ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم: ولا يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه .. ولا يجلس على تكرمته الا باذنه، والوجه الاول اولى لان الواو لم تخرج بالكلام عن ان يكون جملتين.
والاستثناء يرفع احداهما جميعها ولا نظير لهذا فى كلامهم. ولأن صحة الاستثناء تجعل احدى الجملتين مع الاستثناء لغوا لأنها اثبت شيئا بلفظ مفرد ثم رفعه كله فلا يصح كما لو استثنى منها وهى غير معطوفة على بعضها فأما الآية والخبر فان الاستثناء لم يرفع احدى الجملتين انما اخرج من الجملتين معا من اتصف بصفة فنظيره ما لو قال للبواب: من جاء يستأذن فائذن له واعطه درهما الا فلانا ..
ونظير مسألتنا ما لو قال: اكرم زيدا وعمرا الا عمرا. لا يختلف
(3)
المذهب أنه لا يجوز استثناء ما زاد على النصف ويحكى ذلك عن ابن درستويه النحوى. وقال الائمة الثلاثة يجوز استثناء الاكثر. وانما يمتنع استثناء الكل. فلو قال: له على مائة الا تسعة وتسعين لم يلزمه الا واحدا بدليل قوله تعالى: «قال فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين» وقوله تعالى:
«ان عبادى ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين» .
فاستثنى فى موضع الغاوين من العباد وفى موضع العباد من الغاوين وأحد الفريقين أكثر فأيهما كان الاكثر فقد دل على استثناء الاكثر فكان جائزا كاستثناء الاقل. ولانه رفع بعض ما تناوله اللفظ فجاز فى الاكثر كما جاز فى الاقل وكما فى التخصيص والبدل.
ولنا انه لم يرد فى لسان العرب الاستثناء الا فى الاقل. وقد انكروا استثناء الاكثر فقال ابو اسحاق الزجاج: لم يأت الاستثناء الا فى القليل من الكثير ولو قال قائل. مائة الا تسعة وتسعين لم يكن متكلما بالعربية وكان عيا من الكلام ولكنة. وقال العتيبى:
يقال: صمت الشهر الا يوما ولا يقال:
صمت الشهر الا تسعة وعشرين يوما. ويقال:
(1)
الشرح الكبير ج 5 ص 301 وما بعدها.
(2)
المغنى ج 5 ص 282 وما بعدها.
(3)
المرجع السابق ص 302 وما بعدها.
لقيت القوم جميعهم الا واحدا او اثنين. ولا يقال: لقيت القوم الا أكثرهم .. واذا لم يكن صحيحا فى الكلام. لم يرتفع به ما اقر به كاستثناء الكل وكما لو قال: له على عشرة بل خمسة. فأما الآيتان. فانه فى الآية الاولى استثنى المخلصين من بنى آدم وهم الاقل:
كما قال تعالى: «الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم» وفى الاخرى استثنى الغاوين من العباد وهم الاقل فان الملائكة من العباد وهم غير غاوين. قال تعالى:
«بل عباد مكرمون» وقيل الاستثناء فى هذه الآية منقطع بمعنى الاستدراك فيكون قوله: ان عبادى ليس لك عليهم سلطان - مبقى على عمومه لم يستثن منه شئ ثم استأنف «الا من اتبعك من الغاوين» أى لكن من اتبعك من الغاوين فأنهم غووا باتباعك ..
وقد دل على صحة هذا قوله فى الآية الاخرى لاتباعه «وما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى» وعلى هذا لا تكون فى هذه الآية حجة ولم يثبت عن العرب انهم استثنوا الكثير فى قول صحيح .. والفرق بين استثناء الأكثر والأقل ان العرب استعملته فى الأقل وحسنته ونفته فى الأكثر وقبحته فلم يجز قياس ما قبحوه على ما حسنوه وجوزوه.
وفى استثناء النصف وجهان: احدهما يجوز وهو ظاهر كلام الخرقى لتخصيصه الابطال بما زاد على النصف لانه ليس باكثر فجاز كالأقل. والثانى. لا يجوز ذكره ابو بكر لانه لم يرد فى كلامهم الا القليل من الكثير والنصف ليس بقليل.
(5)
أن ينوى الاستثناء قبل تمام المستثنى منه. جاء هذا الشرط فى كشاف القناع وفى شرح المنتهى فى باب الاستثناء فى الطلاق.
ففى الكشاف
(1)
ويشترط نية الاستثناء قبل تمام المستثنى منه كقوله انت طالق ثلاثا الا واحدة لا يعتد بالاستثناء الا ان نواه قبل تمام قوله: انت طالق ثلاثا. وتصح نية بعد تمام المستثنى منه قبل فراغه من كلامه بأن يأتى به ناويا له عند تمامه قبل أن يسكت واختاره الشيخ وتلميذه ابن القيم فى اعلام الموقعين وقال الشيخ: دل عليه كلام أحمد ومتقدمى أصحابه .. وجاء مثل ذلك فى بيان الشرط فى شرح المنتهى
(2)
.
أخوات إلا مثلها فى الاستثناء:
وحكم الاستثناء بسائر أدواته حكم الاستثناء بألا. فاذا قال: له على عشرة سوى درهم او ليس درهما او خلا درهما.
او عدا درهما. أو ما خلا أو ماعدا درهما. أو لا يكون درهما أو غير درهم بفتح الراء فى غير - كان مقرا بتسعة دراهم.
وان قال: غير درهم بضم الراء فى غير وهو من أهل العربية كان مقرا بعشرة دراهم لأنها تكون صفة للعشرة المقر بها ولا يكون استثناء فأنها لو كانت استثناء كانت منصوبة .. وان لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة دراهم لأن الظاهر انه انما يريد الاستثناء لكنه رفعها جهلا منه بالعربية لا قصدا للصفة.
الاستثناء بعد الاستثناء:
وأن استثنى استثناءا بعد استثناء فان عطف الثانى على الأول كان مضافا اليه وكان الكل
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 164.
(2)
شرح منتهى الإرادات ج 3 ص 245.
مستثنى من الاصل المقر به بالشروط والاوضاع المقررة فاذا قال: له على عشرة الا ثلاثة والا درهمين كان مستثنيا لخمسة ومبقيا لخمسة.
وان لم يعطف الثانى على الأول كان استثناء من الاستثناء .. وهو جائز فى اللغة .. وقد جاء فى كلام الله تعالى فى قوله: «قالوا انا ارسلنا الى قوم مجرمين الا آل لوط انا لمنجوهم أجمعين الا امرأته قدرنا أنها لمن الغابرين» .
فاذا كان صدر الكلام اثباته كان الاستثناء الأول نفيا وكان الثانى اثبات. فان استثنى استثناء ثالثا كان نفيا. ويعود كل استثناء الى ما يليه من الكلام .. فاذا قال: له على عشرة الا ثلاثة الا درهما كان مقرا بثمانية لانه اثبت عشرة ثم نفى منها ثلاثة ثم اثبت درهما وبقى من الثلاثة المتبقية درهمان مستثنيان من العشرة فيبقى منها ثمانية .. وان قال: له على عشرة الا سبعة الا خمسة الا درهمين صح وكان مقرا بستة. وذلك اذا استثنى الكل او الأكثر ووقف عليه بطل الاستثناء طبقا لما تقرر فى استثناء الكل والأكثر .. وان وصله باستثناء آخر استعملناه لان الاستثناء على المستثنى منه عبارة عما بقى فان خمسة الا درهمين عبارة عن ثلاثة استثناها من سبعة بقى اربعة مستثناة من عشرة بقى منها ستة هى المقر بها .. وان قال: له على ثمانية الا اربعة الا درهمين الا درهما بطل الاستثناء على قول ابى بكر لانه استثنى النصف وصح على الوجه الآخر فلزمه خمسة لانه استثنى درهما من درهمين بقى درهم استثناه من اربعة بقى ثلاثة استثناها من ثمانية بقيت خمسة. وان قال:
له على عشرة الا خمسة الا ثلاثة الا درهمين الا درهما بطل الاستثناء كله على احد الوجهين وصح فى الاخر فيكون مقرا بسبعة. لانه استثنى درهما من درهمين يبقى واحد استثناه من ثلاثة يبقى اثنان استثناهما من الخمسة يبقى ثلاثة استثناها من العشرة يبقى سبعة ولو قال: عشرة الا ستة الا اربعة الا درهمين فهو على الوجه الذى يصح فيه الاستثناء مقر بستة
(1)
.
استثناء المفسر من المبهم والعكس:
وان قال له على الف درهم الا خمسين فالمستثنى دراهم ايضا لأن العرب لا تستثنى فى الاثبات الا من الجنس وان قال: له على الف الا خمسين درهما فالجميع دراهم كذلك لما ذكر .. وهذا اختيار ابن حامد والقاضى ..
وقال أبو الحسن التميمى وأبو الخطاب يكون الألف مبهما ويرجع فى تفسيره اليه. لان لفظه فى الألف مبهم والدراهم لم يذكر تفسيرا له فيبقى على ابهامه.
ودليل الاول أنه لم يرد عن العرب الاستثناء فى الاثبات الا من الجنس فمتى علم احد الطرفين علم ان الاخر من جنسه كما لو علم المستثنى منه. وهذا مسلم. وعلته تلازم المستثنى والمستثنى منه فى الجنس فما ثبت فى احدهما يثبت فى الآخر.
وان قال: له على تسعة وتسعون درهما فالجميع دراهم لا اعلم فيه خلافا. وان قال:
مائة وخمسون درهما فكذلك .. وكذا ان قال الف وثلاثة دراهم. او خمسون والف درهم او الف ومائة درهم أو مائة والف درهم وخرج بعض اصحابنا وجها انه لا يكون تفسيرا الا لما يليه والصحيح الأول فان الدرهم المفسر يكون
(1)
المغنى ج 5 ص 283، 304.
تفسيرا لجميع ما قبله من الجمل المبهمة وجنس العدد. قال الله تعالى مخبرا عن أحد الخصمين انه قال: «ان هذا أخى له تسع وتسعون نعجة» وفى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين سنة وتوفى ابو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة وتوفى عمر وهو ابن ثلاث وستين سنة.
ولان الدرهم ذكرا تفسيرا. ولهذا لا تجب به زيادة على العدد المذكور الذى جعل تفسيرا له فكان تفسيرا لجميع ما قبله. لانها تحتاج الى تفسير وهو صالح للتفسير فوجب حمله على ذلك وهذا المعنى موجود فى قوله: الف وثلاثة دراهم وسائر الصور المذكورة
وعلى قول من لا يجعله تفسيرا للجميع ولا يجعل المجمل من جنس المفسر لو قال شخص: بعتك هذا بمائة وخمسين درهما او بخمسة وعشرين درهما. وقبل الاخر لا يصح البيع لجهالة الثمن. وهذا غير صحيح. فهو قول شاذ ضعيف لا يعول عليه.
وان قال: له على ألف درهم. او ألف وثوب او ألف وقفيز حنطة. فالمجمل من جنس المفسر ايضا. وكذلك لو قال: الف درهم وعشرة. أو الف ثوب وعشرون .. وهذا قول القاضى وابن حامد .. وقال التميمى وابو الخطاب: يرجع فى تفسير المجمل اليه لان الشئ يعطف على غير جنسه .. قال الله تعالى: «والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا» ولان الألف مبهم فيرجع فى تفسيره الى المقر كما لو لم يعطف عليها شئ ووجه الاول.
أن العرب تكتفى بتفسير احدى الجملتين عن الجملة الاخرى. قال الله تعالى «ولبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا» وقال تعالى «عن اليمين وعن الشمال قعيد» ولانه ذكر مبهما مع مفسر لم يقم الدليل على أنه من غير جنسه فكان المبهم من جنس المفسر كما لو قال: مائة وخمسون درهما او ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا. يحققه أن المبهم يحتاج الى التفسير وذكر التفسير فى الجملة المقارنة له يصلح أن يفسره توجب حمل الامر على ذلك.
اما قوله تعالى: «اربعة اشهر وعشرا» فأنه امتنع ان يكون العشر اشهرا لوجهين أحدهما:
أن العشر بغير هاء عدد للمؤنث. والاشهر مذكرة فلا يجوز أن تعد بغيرها. والثانى.
انها لو كانت أشهرا لقال: اربعة عشر شهرا بالتركيب لا بالعطف كما قال - عليها تسعة عشر. وقولهم: أن الالف مبهم يرد عليه بأنه قد قرن به ما يدل على تفسيره فأشبه ما لو قال: مائة وخمسون درهما أو مائة درهم ..
فان قيل: اذا قال: مائة وخمسون درهما فان الدرهم ذكر للتفسير ولهذا لا يزداد به العدد فصلح تفسير الجميع ما قبله بخلاف قوله مائة درهم فان ذكر الدرهم فيه للايجاب لا للتفسير بدليل انه زاد به العدد - ان قيل ذلك قلنا: هو صالح للايجاب والتفسير معا.
والحاجة داعية الى التفسير فوجب حمل الامر على ذلك صيانة لكلام المقر عن الالباس والابهام وصرفا له الى البيان والأفهام.
الاقرار بالزنا:
جاء فى المغنى لابن قدامة أن حد الزنا لا يجب الا بأحد شيئين: اقرار او بينة. فان ثبت باقرار اعتبر اقرار اربع مرات. وبهذا قال الحكم وابن ابى ليلى واصحاب الرأى. وقال الحسن وحماد ومالك والشافعى وأبو ثور
وابن المنذر: يحد بأقرار مرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قصة العسيف» واغد يا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها.
واعتراف مرة اعتراف. وقد أوجب عليها الرجم به. ورجم الجهينية وانما اعترفت مرة. وقال عمر: أن الرجم حق واجب على من زنى وقد أحصن اذا قامت البينة او كان الحبل أو الاعتراف .. ولانه حق فيثبت باعتراف مرة كسائر الحقوق
…
ولنا ما روى عن ابو هريرة رضى الله عنه قال: أتى رجل من الاسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد فقال: يا رسول الله: أنى زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه فقال:
يا رسول الله: انى زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك اربع مرات. فلما شهد على نفسه اربع شهادات. دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أبك جنون) قال لا: قال فهل أحصنت قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجموه» متفق عليه. ولو وجب الحد بمرة لم يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. لانه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى .. وروى نعيم بن هزال حديثه وفيه - حتى قالها اربع مرات. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انك قد قلتها اربع مرات.
فبمن؟ قال: بفلانة .. رواه ابو داود.
وهذا التعليل منه يدل على أن اقرار الاربع هى الموجبة
…
وروى ابو برزة الاسلمى أن ابا بكر الصديق رضى الله عنه قال له عند النبى صلى الله عليه وسلم: ان اقررت اربعا رجمك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا يدل من وجهين: أحدهما أن النبى صلى الله عليه وسلم أقره على هذا ولم ينكره فكان بمنزلة قوله لانه لا يقر على الخطأ.
والثانى. أن ابا بكر قد عرف هذا من حكم النبى صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك ما تجاسر على قوله بين يديه
…
فان الاعتراف لفظ المصدر يقع على القليل والكثير وحديثنا يفسره ويبين أن الاعتراف الذى يثبت به كان اربعا.
ويستوى أن يكون الاقرار اربع مرات فى مجلس واحد أو فى مجالس متفرقة .. قال الأثرم: سمعت ابا عبد الله يسأل عن الزانى يردد اربع مرات قال: نعم على حديث ماعز وهو احوط. قلت له: فى مجلس واحد. أو فى مجالس شتى. قال: اما الاحاديث فليست تدل الا على مجلس واحد الا ذاك الشيخ بشير بن مهاجر عن عبد الله بن بريدة عن ابيه. وذاك عندى منكر الحديث .. وقال ابو حنيفة: لا يثبت الا بأربع اقرارات فى اربعة مجالس لان ماعزا اقر فى اربعة مجالس ..
ولنا أن الحديث الصحيح انما يدل على انه أقر أربعا فى مجلس واحد. وقد ذكرنا الحديث .. ولأنه احدى حجتى الزنا فاكتفى به فى مجلس واحد كالبينة ويعتبر فى صحة الاقرار أن يذكر حقيقة الفعل لتزول الشبهة لأن الزنا يعبر به عما ليس بموجب للحد ..
ويشترط فى المقر ان يكون بالغا صحيحا عاقلا .. أما البلوغ والعقل فلا خلاف فى اعتبارهما فى وجوب الحد وصحة الاقرار.
لان الصبى والمجنون قد رفع القلم عنهما ..
ولا حكم لكلاهما. وقد روى عن على رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستقيظ وعن الصبى حتى يبلغ وعن المجنون
حتى يعقل.» رواه ابو داود والترمذى وقال:
حديث حسن. وفى حديث ابن عباس فى قصة ماعز أن النبى صلى الله عليه وسلم سأل قومه - أمجنون هو - قالوا: ليس به بأس.
وقال له حين أقر - أبك جنون.
فأن كان يجن مرة ويفيق اخرى. فأقر فى حال افاقته أنه زنى وهو مفيق او قامت عليه بينة انه زنى فى افاقته فعليه الحد. لا نعلم فى ذلك خلافا .. أما ان اقر فى افاقته بالزنا ولم يضفه الى حال الافاقة أو شهدت عليه البينة بالزنا ولم تضفه الى حال الافاقة لم يجب عليه الحد لاحتمال انه وقع منه فى حال جنونه وان اقر بالزنا وهو سكران لم يعتبر اقراره لانه لا يدرى ما يقول ولا يدل قوله على صحة خبره. فأشبه قول النائم والمجنون.
وقد روى بريدة ان النبى صلى الله عليه وسلم استفكه ماعزا. وانما فعل ذلك ليعلم هل هو سكران او لا ولو كان السكران مقبول الاقرار لما احتيج الى تعرف براءته منه ..
واما الأخرس فان لم تفهم اشارته فلا يتصور منه اقرار. وان فهمت اشارته اختلف الفقهاء فى وجوب الحد عليه. فقال القاضى عليه الحد وهو قول الشافعى وابى ثور وابن المنذر لأن من صح اقراره بغير الزنا صح اقراره به كالناطق. وقال اصحاب ابى حنيفة لا يحد باقرار ولا ببينة للشبهة فى دلالة الاشارة منه وعجزه عن ابداء ما قد يكون لديه من شبهة تدرأ الحد فى حالة البينة .. ويحتمل كلام الخرقى أن لا يجب الحد بأقراره لانه غير صحيح وللشبهة فى دلالة الاشارة اما البينة فيجب عليه بها الحد ..
ولا يصح الاقرار من المكره. ولا تعلم من أهل العلم خلافا فى ان اقرار المكره لا يجب به حد.
ومن شرط اقامة الحد بالاقرار البناء عليه وعدم الرجوع عنه الى تمام الحد. فان رجع عن اقراره أو هرب كف عنه. وقال الحسن وسعيد بن جبير وابن ابى ليلى يقام عليه الحد ولا يترك لان ماعزا هرب فقتلوه ولم يتركوه.
ولو قبل رجوعه للزمتهم ديته. ولانه حق وجب باقراره فلا يقبل رجوعه كسائر الحقوق .. ولنا ان ماعزا هرب فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: «هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه» وفى هذا دليل على أنه يقبل رجوعه .. ولان رجوعه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولان الاقرار احدى حجتى الحد فيسقط بالرجوع عنه كالبينة اذا رجعت قبل اقامة الحد .. وفارق سائر الحقوق فأنها لا تدرأ بالشبهات. وانما لم يجب ضمان ماعز على الذين قتلوه بعد لأنه ليس صريحا فى الرجوع.
ويستحب للامام أو الحاكم الذى يثبت عنده الحد بالاقرار - التعريض له بالرجوع اذا تم والوقوف عن اتمامه اذا لم يتم كما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه اعرض عن ماعز حين اقر عنده ثم جاء من الناحية الاخرى فأعرض عنه حتى تم اقراره اربعا. ثم قال له:
لعلك قبلت. لعلك لمست. وروى انه قال للذى اقر عنده بالسرقة «ما اخالك فعلت» .
رواه سعيد عن سفيان عن بريد بن حصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا بأس بأن يعرض له
أحد الحاضرين بالرجوع أو بان لا يقر
(1)
.
الاقرار بالسرقة:
جاء فى المغنى لابن قدامة: أن القطع فى السرقة انما يجب باحد امرين ببينة أو باقرار لا غير. فاما الاقرار فيشترط فيه ان يعترف مرتين. روى ذلك عن على رضى الله تعالى عنه وبه قال ابن ابى ليلى وأبو يوسف وزفر وابن شبرمه .. وقال عطاء والثورى وابو حنيفة والشافعى ومحمد بن الحسن يقطع باعترافه مرة لانه حق يثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه التكرار كحق الادمى
…
ولنا ما روى ابو داود بأسناده عن ابى امية المحزومى أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بلص قد اعترف فقال له: «وما اخا لك سرقت» قال بلى. فأعاد عليه مرتين او ثلاثا فأمر به فقطع ولو وجب القطع بأول مرة لما اخره .. وروى سعيد عن هشيم وسفيان وابى الاحوص وابى معاوية عن الاعمش عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه قال: شهدت عليا. وأتاه رجل فأقر بالسرقة فرده ثم عاد بعد ذلك فأقر. فقال له على: شهدت على نفسك مرتين فأمر به فقطع.
ومثل هذا يشتهر فلم ينكر. ولانه يتضمن اتلافا فى حد فكان من شرطه التكرار كحد الزنا. ولانه احد حجتى القطع فيعتبر فيه التكرار كالشهادة. وقياسهم ينتقض بحد الزنا عند من اعتبر التكرار. ويفارق حق الادمى لأن حقه مبنى على الشح والتضييق ولا يقبل رجوعه عنه بخلاف مسألتنا ويعتبر أن يذكر فى اقراره شروط السرقة من النصاب والحرز واخراجه منه
…
والحر والعبد فى هذا سواء نص عليه احمد. وذلك لعموم النص فيهما. ولما روى الاعمش عن القاسم عن ابيه أن عليا قطع عبدا أقر عنده بالسرقة.
ويعتبر أن يقر مرتين. وروى مهنا عن احمد اذا أقر العبد اربع مرات انه سرق قطع.
وظاهر هذا أنه اعتبر اقراره اربع مرات ليكون على النصف من الحر .. والأول أصح لخبر على. ولانه اقرار بحد. فاستوى فى عدده الحر والعبد كسائر الحدود .. ويجب أن يبقى على اقراره حتى يقطع. وان رجع قبل القطع لا يقطع. وهذا قول أكثر الفقهاء. وقال ابن ابى ليلى ودواد لا يقبل رجوعه. لانه لو اقر الآدمى بقصاص او حق لم يقبل رجوعه عنه ..
ولنا قول النبى صلى الله عليه وسلم «ما اخالك سرقت» . عرض له ليرجع ولو كان الرجوع غير جائز لما عرض له به .. ولانه حد لله تعالى ثبت بالاعتراف فقبل رجوعه عنه كحد الزنا. ولان الحدود تدرأ بالشبهات.
ورجوعه عنه شبهة لاحتمال أن يكون كذب على نفسه فى اعترافه .. ولأنه احد حجتى القطع فيبطل بالرجوع عن الاقرار به كالشهادة اذا رجع عنها الشهود وقبل القطع ولأن حجة القطع زالت قبل استيفائه فسقط .. وفارق حق الآدمى فانه مبنى على الشح والضيق ..
ولو رجع الشهود عن شهادتهم بعد الحكم لم يبطل الحكم برجوعهم ولم يمنع استيفاءها ..
واذن فلو رجع المقر عن اقراره قبل القطع سقط القطع. ولكن لا يسقط عزم المسروق لانه حق آدمى. ولو أقر مرة واحدة لا يجب القطع ولكن يلزمه غرامة المسروق .. وان كان رجوعه وقد قطع بعض المفصل لم يتممه ان كان يرجى برؤه لكونه قطع الاقل. وان كان قد قطع
(1)
المغنى لابن قدامه ج 10 ص 165، 174، 195، 196.
الاكثر. فالمقطوع بالخيار ان شاء ترك القطع.
وان شاء أتمه ليستريح من تعليق كفه ولا يلزم القاطع ان يقطعه لأن قطعه تداو وليس بحد.
ولا بأس بتلقين السارق ليرجع عن اقراره.
وهذا قول عامة الفقهاء .. وروى عن عمر انه اتى برجل فسأله: أسرقت؟. قل لا فقال الرجل: لا. فتركه. وروى معنى ذلك عن أبى بكر الصديق وابى هريرة وابن مسعود وابى الدرداء رضى الله عنهم. وبه قال اسحاق وابو ثور. وقد روينا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للسارق: ما أخالك سرقت. وقال لماعز «لعلك قبلت أو لمست» وعن على رضى الله عنه أن رجلا اقر عنده بالسرقة فرده.
مذهب الظاهرية
تعريف الاقرار:
لم يذكر ابن حزم فى كلامه
(1)
عن الاقرار تعريفا مستقلا كاملا كعنصر من عناصر الحديث يحدد اوضاعه ويضبطها ولكنه ذكر عبارة فى ثنايا مناقشته للآراء والمذاهب الفقهية فى اقرار المريض جوازه ومداه. فقال: فان ذكروا حديث عتق الستة الا عبد واقراع النبى صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين منهم وارق اربعة: فليس هذا من الاقرار فى شئ اصلا ..
والاقرار انما هو اخبار بحق ذكره وليس عطية اصلا ولا وصية. وحديث الستة الا عبد سنذكره ان شاء الله فى العتق بأسناده مبينا ..
وقد قال فى اول حديثه عن الاقرار: من أقر لآخر أو لله تعالى بحق فى مال أو دم أو بشرة وكان المقر عاقلا بالغا غير مكره. وأقر إقرارا تاما ولم يصله بما يفسده. فقد لزمه ولا رجوع له بعد ذلك. وبذلك يكون ابن حزم قد عرف الاقرار بعبارة صريحة بأنه:
التعريف: اخبار بحق لاخر او لله تعالى.
فى مال او دم او بشرة. مثل ان يقول: لفلان على مائة دينار. او يقول: قذفت فلانا بالزنا.
أو يقول زنيت. أو يقول: قتلت فلانا او نحو ذلك فقد لزمه فان رجع عن ذلك لم يلتفت اليه. والحر والعبد والذكر والانثى ذات الزوج. والبكر ذات الأب. واليتيمة فيما ذكرنا سواء .. وانما هذا كله اذا لم تكن بينة فاذا كانت البينة فلا معنى للانكار ولا للاقرار.
هل الاقرار انشاء أو أخبار
؟
والعبارة صريحة فى ان الاقرار اخبار.
ويترتب على الاقرار باحكام تختلف من حيث اعتباره انشاء او اخبارا. ولعل فيما سبق من الحديث على هذه النقطة فى المذاهب الاخرى ما يشير الى ذلك.
حجية الاقرار:
ويستند ابن حزم فى حجية الاقرار واعتباره دليلا مثبتا الى بعض من الأحاديث فيقول:
روينا من طريق مسلم. حدثنا هداب بن خالد حدثنا همام. هو ابن يحى - حدثنا قتاده عن انس أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها من صنع هذا بك؟ وذكروا لها اسماء أشخاص - فلان فلان. حتى ذكروا يهوديا.
فأومأت براسها انه هو. فاخذ اليهودى فأقر فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرض رأسه بالحجارة .. ومن طريق مسلم:
حدثنا محمد بن مح. حدثنا الليث - هو ابن سعد عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن
(1)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 250، 251 وما بعدها.
عتبه (ابن مسعود) عن ابى هريرة وزيد بن خالد الجهنى فذكر الحديث وفيه قول القائل: ان ابنى هذا كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وانى اخبرت ان على ابنى الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد عليك. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام .. وأغد يا أنيس على امرأة هذا فأن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت
…
فقتل عليه السلام بالاقرار.
ورجم به ورد به المال ممن كان بيده الى غيره.
شروط الاقرار:
ذكر ابن حزم شروطا تعتبر كلها اساسية فى صحة الاقرار. وهى كلها بالنسبة للمقر.
فقال: من أقر لآخر أو لله تعالى بحق فى مال أو دم أو بشرة. وكان المقر عاقلا بالغا غير مكره. وأقر إقرارا تاما. ولم يصله بما يفسده. فقد لزمه ولا رجوع له بعد ذلك.
فإن رجع لم ينتفع برجوعه. وقد لزمه ما أقر به على نفسه من دم أو حد او مال .. ومثل للاقرار الصحيح التام بقوله: مثل أن يقول:
لفلان على مائة دينار. أو يقول: قذفت فلانا بالزنا .. او يقول: زنيت .. او يقول: قتلت فلانا او نحو ذلك .. فان قال ذلك فقد لزمه.
فان رجع عن ذلك لم يلتفت اليه ولم يفصل ابن حزم هذه الشروط ولم يتحدث عن محظوراتها وما قد يترتب على انعدام كل منها من اثر على الاقرار ومدى هذا الاثر. كما أنه لم يتحدث عن شروط صحة الاقرار بالنسبة للمقر له والمقر به وصيغة الاقرار على نحو ما رأينا فى المذاهب الاخرى .. اللهم الا الشرط الاخير وهو أن لا يصل بالاقرار ما يفسده فانه تكلم فيه اولا بذكر أمثلة لما اتصل به ما يفسده وحكم ذلك. فقال: فان قال: كان لفلان على مائة دينار وقد قضيته اياها. أو قال:
قذفت فلانا وأنا فى غير عقلى أو قال: قتلت فلانا لأنه أراد أن يقتلنى ولم أقدر على دفعه عن نفسى أو قال: زنيت وانا فى غير عقلى او نحو ذلك فان هذا كله يسقط الاقرار ولا يلزمه شئ ثم قال فى موضع آخر: وأما اذا وصل باقراره ما يفسده فلم يقر بشئ ولا يجوز أن يلزم بعض اقراره ولا يلزمه سائره لأنه لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا اجماع. وقد تناقض ههنا المخالفون فقالوا: ان قال: له على دينار الا ربع دينار فهو كما قال .. وان قال: ابتعت منه داره بمائة دينار. فأنكر الآخر البيع وتمسك بالاقرار بالثمن وقال: قد أقر لى بمائة دينار وادعى ابتياع دارى فلا تقبل دعواه ويؤخذ بالاقرار فأنهم لا يقضون عليه بشئ أصلا وهذا تناقض ظاهر .. وقال مالك:
من قال: أحسن الله جزاء فلان فانه اسلفنى مائتى دينار وأمهلنى حتى أديتها كلها اليه فأنه لا يقضى لذلك الفلان المنسوب اليه الاسلاف بشئ أن طلبه بهذا الاقرار
ولا يختلفون فيمن قال: قتلت رجلا مسلما الآن امامكم .. أو قال: أخذت من هذا مائة دينار الان بحضرتكم فأنه لا يقضى عليه بشئ ولم يقولوا. أنه اقر ثم ندم ولا أخذوا ببعض قوله دون بعض .. وهذا تناقض ظاهر وروينا من طريق عبد الرازق عن معمر عن الزهرى عن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق أن رجلا استضاف ناسا من هزيل. فأرسلوا جارية تحتطب فأعجبت الضيف فتبعها فأرادها
فأمتنعت فباركها فانفلتت فرمته بحجر فقضت كبده فمات فأتت اهلها فأخبرتهم. فأتوا عمر ابن الخطاب فأخبروه فقال عمر: قتيل الله لا يودى والله ابدا ..
ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البنانى وحميد. ومطرف. كلهم عن عبد الله ابن عبيد بن عمير قال: غزا رجل فخلف على امرأته رجلا من يهود فمر به رجل من المسلمين عند صلاة الفجر وهو يقول:
وأشعث غرة الاسلام منى
…
خلوت بعرسه ليل التمام
أبيت على ترائبها ويمسى
…
على جرداء لاحقة الحزام
كأن مجامع الربلات منها
…
قيام ينهضون الى فئام
فدخل عليه فضربه بسيفه حتى قتله. فجاءت اليهود يطلبون دمه عند عمر بن الخطاب.
فجاء الرجل فأخبره بالامر. فأبطل عمر بن الخطاب دمه
…
ومن طريق محمد بن المثنى.
حدثنا عبد الله بن ادريس الأذرى وحدثنا عاصم بن كليب عن ابيه عن ابى موسى الاشعرى قال: اتيت وانا باليمن بامرأة فسألتها فقالت:
ما تسأل عن امرأة حبلى ثيب من غير بعل؟ اما والله. ما خاللت خليلا. ولا خادنت خدنا منذ اسلمت. ولكنى بينما أنا نائمة بفناء بيتى فو الله ما ايقظنى الا الرجل حين ركبنى والقى فى بطنى مثل الشهاب .. قال فكتبت فيها الى عمر بن الخطاب. فكتب الى ان وافنى بها وبناس من قومها فوافيته بها فى الموسم فسأل عنها قومها فأثنوا خيرا. وسألها فأخبرته كما اخبرتنى فقال عمر: شابة تهاميه تنومت. قد كان ذلك بفعل. فمارها عمر وكساها. واوصى بها قومها خيرا. هذا خبر فى غاية الصحة
…
ومن طريق حماد بن سلمة عن عامر بن ابى الحكم عن الحسن أن رجلا رأى مع امرأته رجلا فقتله. فأرتفعوا الى عثمان بن عفان رضى الله عنه فأبطل دمه.
ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الانصارى عن سعيد بن المسيب وسليمان ابن يسار. قالا جميعا: أن رجلا اتى امرأة ليلا فجعلت تستصرخ فلم يصرخها احد. فلما رأت ذلك قالت: رويدك حتى استعد وأتهيأ فأخذت فهرا (الحجر يكون ملء الكف) فقامت خلف الباب فلما دخل ثلغت (كسرت به رأسه فارتفعوا الى الضحاك بن قيس فأبطل دمه.
ومن طريق حماد بن سلمة. أخبرنا ابو عقبة أن رجلا ادعى على رجل الف درهم ولم تكن له بينة فاختصما الى عبد الملك بن يعلى فقال المدعى عليه: قد كانت له عندى الف درهم فقضيته. فقال المدعى: أصلحك الله.
قد أقر. فقال له عبد الملك بن يعلى ان شئت اخذت بقوله أجمع. وان شئت ابطلته اجمع ..
وعبد الملك بن يعلى من التابعين. وقد ولى قضاء البصرة .. ومن طريق عبد الرازق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن ابيه قال: من أقر بشئ فى يده فالقول قوله .. ومن طريق عماد بن سلمه عن اياس بن معاوية قال: كل من كان فى يده شئ فالقول فيه قوله وقولتا فيما ذكرنا هو قول عثمان البتى. وابى سليمان وأحد قولى الشافعى.
فهو فيما ذكره كله لا يجز فى الاقرار فيأخذ منه ما يضر المقر ويترك ما ينفعه .. وانما يعتبره كله كلاما واحدا. ويرتب الحكم على هذا الاساس. فان وصل المقر به ما يبرئ ذمته وعهدته مما اقتضاه أول الكلام عمل به ولم يؤاخذه بشئ على خلاف ما يراه المخالفون فى ذلك كما سبق ايضاحه.
الرجوع عن الاقرار:
يقول ابن حزم فى ذلك: ولا رجوع للمقر عن اقراره بعد أن يقر اقرارا تاما مستوفيا شروطه فان رجع لم ينتفع برجوعه ولزمه ما أقر به على نفسه من دم او حد أو مال. ثم يقول:
وأما الرجوع عن الاقرار فكلهم متفق على ما قلنا الا فى الرجوع عن الاقرار بما يوجب الحد. فان الحنفية والمالكية قالوا: ان رجع المقر عن اقراره بما يوجب الحد يقبل منه الرجوع ولا يقام عليه الحد ولم يكن عليه شئ. وهذا باطل .. والقوم اصحاب قياس بزعمهم. فهلا قاسوا الاقرار بما يوجب الحد على الاقرار بما يوجب حقا من الحقوق سواه؟ وايضا فان الحد قد لزمه باقراره فمن ادعى سقوطه برجوعه فقد ادعى مالا برهان له به ..
وقد احتجوا بشيئين. أحدهما حديث ماعز.
والثانى قولهم: ان الحدود تدرأ بالشبهات.
والرجوع يورث شبهة فيندرئ الحد بذلك قال على: أما حديث ماعز فلا حجة لهم فيه اصلا لانه ليس فيه أن ماعزه رجع عن الاقرار البتة. لا بنص ولا بدليل ولا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان رجع عن اقراره قبل رجوعه البتة ايضا. فكيف يستحل مسلم أن يموه على أهل الغفلة بخبر ليس فيه شئ مما يزعم؟. وانما روى عن بعض الصحابة انه قال: كنا نتحدث ان ماعزا والغامدية لو رجعا بعد اعترافهما او لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما .. هكذا رويناه من طريق ابى أحمد الزبيرى عن بشير بن المهاجر عن ابن بريدة عن أبيه أنه قال هذا القول .. وهذا ظن. والظن لا يجوز القطع به .. وقول القائل لو فعل فلان كذا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا كذا ليس بشئ اذ لم يفعل ذلك الفلان ولا غيره ذلك الفعل قط. ولا قبله الرسول عليه السلام قط .. وقد قال جابر: أنا أعلم الناس بأمر ماعز. انما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلا تركتموه وجئتمونى به» . ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه .. فاما بترك حد فلا. هذا نص كلام جابر فهو أعلم بذلك .. ولم يرجع ماعز قط عن اقراره. وانما قال: ردونى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فان قومى قتلونى وغرونى من نفسى واخبرونى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلى هكذا روينا كل ما ذكرنا من طريق ابى داود. حدثنا عبيد الله ابن عمر بن ميسرة حدثنا يزيد بن زريع عن محمد بن اسحاق أن عاصم بن عمر بن قتادة قال: حدثنى حسن بن محمد بن محمد بن على بن ابى طالب أن جابر بن عبد الله قال له:
كل ما ذكرنا على نصه .. فبطل تمويههم بحديث ماعز .. واما ادرؤا الحدود بالشبهات فما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم قط من طريق فيها خبر .. ولا نعلمه ايضا جاء عنه صلى الله عليه وسلم لا مسندا ولا مرسلا ..
وانما هو قول روى عن ابن مسعود وعمر فقط ولو صح لكانوا أول مخالف له لان الحنفيين والمالكيين لا نعلم احدا أشد اقامة للحدود بالشبهات منهم .. فالمالكيون يحدون فى الزنا
بالرجم والجلد بالحبل فقط وهى منكرة ..
وقد تستكره وتوطأ بنكاح صحيح لم يشتهر أو وهى فى غير عقلها. ويقتلون بدعوى المريض أن فلانا قتله
…
وفلان هذا منكر ولا بينة عليه. ويحدون فى الخمر بالرائحة وقد تكون رائحة تفاح او كمثرى شتوى ويقطعون فى السرقه من يقول: صاحب المنزل بعثنى فى هذا الشئ. وصاحب المنزل مقر له بذلك ..
ويحدون فى القذف بالتعريض. وهذا كله هو اقامة الحدود بالشبهات .. وأما الحنفيون فأنهم يقطعون من دخل مع آخر فى منزل انسان للسرقة فلم يتول اخذ شئ ولا اخراجه وانما سرق الذى دخل معه فقط .. فيقطعونهما جميعا فى كثير لهم مثل هذا قد تقصيناه فى غير هذا المكان. فمن اعجب شأنا ممن يحتج بقول قائل دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم هو اول مخالف لما احتج به من ذلك.
التسوية بين الحر والعبد فى الاقرار:
لم يفرق ابن حزم فى حكم الاقرار بين الحر والعبد كما فعل الفقهاء الاخرون اذ جعلوا اقرار العبد صحيحا فى بعض الاحوال دون البعض وفى بعض الامور دون البعض. وكذلك لم يفرق بين الذكر والانثى البكر وغير البكر وذات الاب واليتيمة وذات الزوج والخالية من الازواج وان كان أحد لم يفرق فيمن ذكر بشئ.
يقول ابن حزم: وأما تسويتنا بين الحر والعبد والذكر والأنثى ذات الاب. البكر وغير البكر واليتيمة وذات الزوج. فلأن الدين واحد على الجميع والحكم واحد على الجميع الا أن يأتى بالفرق بين شئ من ذلك قرآن او سنة .. ولا قرآن ولا سنة.
ولا قياس ولا اجماع على الفرق بين شئ مما ذكرنا ولا خلاف من احد من أهل الارض من المسلمين فى أن الله تعالى خاطب كل من ذكرنا خطابا قصد به كل واحد منهم فى ذات نفسه بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين أن يكون غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا.
وان تلووا أو تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا» فكل من ذكرنا مأمور بالاقرار بالحق على نفسه .. ومن الباطل المتيقن ان يفترض عليهم مالا يقبل منهم .. وقد قال قوم ان اقرار العبد بما يوجب الحد: لا يلزم ..
لانه مال وهو حين يقر انما يقر فى مال سيده والله تعالى يقول: «ولا تكسب كل نفس الا عليها .. » قال على: هو وان كان مالا فهو انسان تلزمه أحكام الديانة وهذه الآية حجتنا فى ذلك لانه كاسب على نفسه باقراره. وقد وافقونا لو أن اجيرا أقر على نفسه بحد للزمه وفى اقراره بذلك ابطال لاجارته ان أقر بما يوجب قتلا أو قطعا
…
وليس بذلك كاسبا على غيره ..
هل يلزم لحجية الاقرار ان يتكرر
؟
قال ابن حزم: وباقراره مرة يلزم كل ما ذكرنا من حد او قتل او مال .. وقال الحنفية:
لا يلزم الحد فى الزنا بالاقرار الا باقرار اربع مرات .. وقال ابو يوسف لا يلزم الحد فى
السرقة بالاقرار الا باقرار مرتين. واقاموا ذلك مقام الشهادة .. وقال مالك والشافعى وابو سليمان كقولنا واحتج الحنفيون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردد ماعزا اربع مرات
قال على قد صح هذا. وجاء انه ردده اقل وروى اكثر .. وانما ردده عليه الصلاة والسلام لانه اتهم عقله. واتهمه انه لا يدرى ما الزنا. هكذا فى نص الحديث أنه قال:
استنكهوه هل شرب خمرا.؟ فانه عليه الصلاة والسلام بعث الى قومه يسألهم عن عقله. وانه صلى الله عليه وسلم قال له: أتدرى ما الزنا؟ لعلك غمزت أو قبلت .. فاذ قد صح هذا كله ولم يأت قط فى رواية صحيحة ولا سقيمة أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يحد حتى يقر أربع مرات فلا يجوز ان يزداد هذا الشرط فيما تقام به حدود الله تعالى .. والقوم اصحاب قياس بزعمهم فيلزمهم ان اقاموا الاقرار مقام البينة فى بعض المواضع أن يقيموه مقامها فى كل موضع فلا يقضوا على احد أقر بمال حتى يقر مرتين .. وهم لا يفعلون ذلك. وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودى الذى قتل الجارية باقرار غير مردود .. والقتل أعظم الحدود.
اقرار المريض:
اقرار المريض موضع خلاف كبير بين الفقهاء:
هل الحكم فيه قاصر على اقرار المريض مرض الموت أو انه يشمل المريض مرض الموت والمريض الذى افاق من مرضه. وهل اقرار المريض مرض الموت كأقرار الصحيح يصح للوارث والاجنبى وفى الثلث وما زاد على الثلث او هو يخالف اقرار الصحيح فلا يصح للوارث. ولا ينفذ الا فى حدود الثلث ما لم يجزه الورثة؟.
ويقول ابن حزم: وإقرار المريض فى مرض موته وفى مرض أفاق منه لوارث ولغير وارث نافذ من رأس المال كاقرار الصحيح ولا فرق.
روينا من طريق عبد الرازق: حدثنا بعض اصحابنا عن الليث بن سعد عن نافع مولى بن عمر عن ابن عمر قال: اذا أقر المريض فى مرضه بدين لرجل فانه جائز .. فعم ابن عمر ولم يخص .. ومن طريق ابن أبى شيبه: حدثنا ابن عليه عن ليث عن طاووس. قال: اذا اقر لوارث بدين جاز - يعنى فى المرض. وبه الى ابن عليه عن عامر الاحوال قال: سئل الحسن عنه؟. فقال احملها اياه ولا أتحملها عنه ..
ومن طريق ابن ابى شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء. فيمن أقر لوارث بدين قال: جائز ..
ومن طريق ابن ابى شيبه: حدثنا عمر بن ايوب الموصلى عن جعفر - هو ابن يرقان - عن ميمون - هو ابن مهران - اذا أقر بدين فى مرضه. فأرى أن يجوز عليه لانه لو أقر به وهو صحيح. جاز واصدق ما يكون عند موته وهذا هو قول الشافعى وابى سليمان واصحابهما .. وقالت طائفة: لا يجوز اقرار المريض اصلا كما روينا عن ابن ابى شيبة:
حدثنا وكيع عن سفيان عن أبن جريج عن عطاء قال: لا يجوز اقرار المريض بالدين. وهو قول ياسين الزيات. الا أنه قال: هو من الثلث .. وقسمت طائفة كما روينا عن شريح أنه كان يجيز اعتراف المريض عند موته بالدين لغير الوارث. ولا يجيزه للوارث الا ببينة.
وهو قول ابراهيم وابن أذينة صح ذلك عنهما.
ورويناه ايضا عن الحكم والشعبى. وهو قول ابى حنيفة الا أن دين الصحة مقدم عنده على دين المرض. واتفقوا على ان اقرار الصحيح للوارث ولغير الوارث بالدين جائز من رأس المال كان له ولد أو لم يكن .. وقال مالك وابو حنيفة ان اقر المريض لوارث فأفاق من مرضه فهو لازم له من رأس ماله. واختلف عن مالك فى ذلك ان مات من ذلك المرض فرواية ابن القاسم عنه انه لا يجوز ذلك الاقرار وروى ابو قرة عن مالك. لا يجوز الا فى الشئ اليسير الذى يرى أنه لا يؤثر به لتفاهته وروى عن مالك ايضا انه ان أقر لوارث بار به لم يجز اقراره له. فان اقر لوارث عاق جاز اقراره له كالاجنبى وقال فى اقراره لزوجته بدين او مهر. فانه ان كان له ولد من غيرها ولم يعرف له انقطاع الى الزوجة ولا ميل اليها فاقراره لها جائز من رأس المال فان عرف له ميل اليها وكان بينه وبين ولده من غيرها تفاقم لم يجز اقراره لها. قال: وليس سائر الورثة فى ذلك كالزوجة لأنه لا يتهم فى الزوجة اذا لم يكن له اليها ميل ان يصرف ماله عن ولده اليها قال: فان ورثه بنون او اخوة لم يجز اقراره لبعضهم دون بعض فى مرضه فان لم يترك الا ابنه وعصبة فأقر لبعض العصبة جاز ذلك ..
وقال: ولا يجوز اقراره لصديقه الملاطف اذا ورثه ابواه أو عصبته فان ورثه ولد أو ولد ولد جاز اقراره له.
قال أبو محمد: هذه اقوال مبنية - بلا شك على الظنون الزائفة وعلى التهمة الفاسدة.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث).
وقال الله تعالى: «ان يتبعون الا الظن. وان الظن لا يغنى من الحق شيئا» .. وكل هذه الاقوال لا تحفظ عن احد قبله. ولا يخلو اقرار المريض عندهم اذا اتهموه فيه من ان يكون عندهم هبة أو يكون وصية فان كان هبة فالهبة عندهم لبعض الورثة دون بعض جائزة من رأس المال.
وما جاء قط فرق بين هبة مريض ولا هبة صحيح وان كان وصية فوصية الصحيح والمريض سواء لا تجوز الا من الثلث فظهر ان تفريقهم فاسد
…
فان ذكروا حديث الستة الأعبد واقراع النبى صلى الله عليه وسلم بينهم فاعتق اثنين وارق اربعة فليس هذا من الاقرار فى شئ اصلا. والاقرار انما هو اخبار يحق ذكره وليس عطية اصلا. ولا وصية وحديث الستة الأعبد سنذكره ان شاء الله تعالى فى العتق باسناده مبينا.
الاقرار لا يتجزا:
ومن قال: هذا الشئ لشئ فى يده - كان لفلان. ووهبه لى. او قال: هذا الشئ كان لفلان باعه منى صدق. ولم ينص عليه بشئ لما ذكرنا سابقا: من ان رجلا ادعى على رجل الف درهم ولم تكن له بينة فاختصما الى عبد الملك بن يعلى. فقال المدعى عليه:
قد كانت له عندى الف درهم فقضيته. فقال المدعى: اصلحك الله قد أقر .. فقال له عبد الملك بن يعلى: ان شئت اخذت بقوله اجمع وان شئت ابطلته اجمع وعبد الملك بن يعلى هذا من التابعين وقد ولى قضاء البصرة. ولم يقبل تجزئة الاقرار. وأخذ الضار منه بالمقر وترك النافع له وما روى من طريق حماد بن سلمة عن اياس بن معاوية انه قال: كل من كان فى يده شئ فالقول فيه قوله .. ولأن
الاموال والاملاك بلا شك متنقلة من يد الى يد .. هذا امر فعلمه يقينا فلو قضى عليه ببعض اقراره هنا دون سائره لوجب اخراج جميع املاك الناس عن ايديهم او اكثرها لانك لا تشك فى الدور والارضين والثياب المجلوبة والعبيد والدواب انها كانت قبل من هى بيده لغيره بلا شك .. وان امكن فى بعض ذلك أن ينتجه عنده فان الأم بلا شك كانت لغيره.
وكذلك الزريعة مما بيده مما ينبت .. فظهر فساد هذا القول جملة .. فان قامت بينة فى شئ مما بيده مما أقر به أو مما لم يقر به انه كان لغيره قضى به لذلك الغير حينئذ .. ولم يصدق على انتقال ما قامت به البينة لانسان بعينه البتة الا ببينة. وهذا متفق عليه. وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضى بالبينة للمدعى.
الاستثناء:
ويدخل فى حكم ما ذكر من عدم تجزئ الاقرار ما اذا عبر بالاستثناء بأن اقر واستثنى من المقر به شيئا سواء كان من الجنس او من غير الجنس وفى ذلك يقول ابن حزم: ومن قال لفلان عندى مائة دينار دين ولى عنده مائة قفيز قمح أو قال: له عندى مائة دينار الا مائة قفيز تمر او نحو ذلك. او الا جارية ولا بينة عليه بشئ ولا له بينة بشئ - قوم القمح الذى ادعاه فان ساوى المائة الدينار التى اقر بها او ساوى اكثر منها فلا شئ عليه. وان ساوى أقل منها قضى بالفضل فقط للذى أقر له.
برهان ذلك أنه لم يقر له قط اقرارا تاما بل وصله بما ابطل به أول كلامه فلم يثبت له قط على نفسه شيئا ولو جاز أن يؤخذ بعض كلامه دون بعض لجاز أن يقتل من قال: لا اله الا الله لأن نصف كلامه اذا انفرد كفر صحيح.
وهو قول: لا اله. فيقال له: كفرت ثم ندمت وهذا فاسد جدا. ولو حب أيضا أن يبطل الاستثناء كله بمثل هذا لأنه ابطال لما أثبته بأول كلامه قبل ان يستثنى ما استثنى وقد قال قوم:
انما يجوز الاستثناء من نوع ما قبله لا من نوع غيره. قال أبو محمد. وهذا باطل لأن الله تعالى يقول: «انى لا يخاف لدى المرسلون الا من ظلم» وقال تعالى «فسجد الملائكة كلهم اجمعون الا ابليس» فاستثنى ابليس من الملائكة وليس منهم بل من الجن الذين ينسلون والملائكة لا تنسل. واستثنى تعالى من ظلم.
من المرسلين وليسوا من أهل صفتهم. وقال الشاعر:
وبلدة ليس بها انيس
…
الا اليعافير والا العيس
وليس اليعافير والعيس من الانيس. وقد استثناهم منهم الشاعر العربى الفصيح.
الاقرار بالنسب:
تكلم الظاهرية عن استلحاق المرأة الولد والاقرار بنسبه
(1)
.
المرأة فى استلحاق الولد بنفسها كالرجل بل هى اقوى سببا فى ذلك لانه يلحق بها من حلال كان او من حرام - وجاء فى المحلى من الموضع المذكور ان الولد يلحق بالمرأة اذا زنت به ولا يلحق بالرجل.
(1)
المحلى لابن حزم ج 10 ص 323.
ولد اللعان:
وفى الاقرار بنسب ولد اللعان
(1)
.
ان كانت المرأة الملاعنة حاملا فبتمام اللعان منهما جميعا ينتفى نسب الحمل ذكره او لم يذكره الا ان يقر به فيلحقه. ولا حد عليه فى قذفه لها مع اقراره بأن حملها منه اذا تم اللعان
الاقرار بنسب اللقيط:
وفى الاقرار بنسب اللقيط
(2)
وكل من ادعى بان ذلك اللقيط ابنه من المسلمين حرا كان او عبدا صدق ان امكن ان يكون ما قال حقا.
فانه يتعين كذبه لم يلتفت الى دعواه .. برهان ذلك ان الولادات لا تعرف الا بقول الآباء والامهات وهكذا انساب الناس كلهم ما لم يتيقن الكذب. وانما قلنا من المسلمين للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: كل مولود يولد على الفطرة وعلى الملة. وقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى فى حديث عياض بن حماد المجاشعى «خلقت عبادى حنفاء كلهم» ولقول الله تبارك وتعالى: «واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى. شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين» فان ادعاه كافر لم يصدق لأن فى تصديقه اخراجه عما قد صح له من الاسلام ولا يجوز ذلك الا حيث اجازه النص ممن ولد على فراش كافر من كافرة فقط. ولا فرق بين حر وعبد فيما ذكرنا وقال الحنفيون. ان ادعاه عبد لا يصدق لان فى تصديقه ارقاق الولد.
وكذبوا فى هذا. ولد العبد من الحرة حر لا سيما على اصلهم فى ان العبد لا يتسرى .. وأما نحن فقد قلنا: ان الناس على الحرية.
ولا تحمل امرأة العبد الا على انها حرة فولده حر حتى يثبت انتقاله عن اصله.
اذا تعدد المقر له بالنسب:
وجاء فى المحلى
(3)
ان تزوج رجلا بجهالة امرأة فى طهر واحد ولم يعرف تاريخ الزواجين فظهر بها حمل فأتت بولد. فانه:
أن تداعياه جميعا فانه يقرع بينهما فيه فأيهما خرجت قرعته الحق به الولد. وهكذا الحكم فيما زاد سواء كان المتداعيان اجنبيين او قريبين او ابا وابنا. فأن كان احدهما مسلما والاخر كافرا الحق بالمسلم حتما بلا قرعة ..
وان تداعت امرأتان فأكثر ولدا. فان كان فى يد احداهما فهو لها. وان كان فى ايديهن كلهن دعى له القافة .. ولا يجوز أن يكون ولد واحد ابن رجلين وابن امرأتين.
نسب الرقيق:
من استلحق ولد جارية
(4)
له باعها ولم يكن عرف قبل ذلك ببينة انه وطئها أو باقرار منه بوطئها قبل بيعه لها لم يصدق ولم يلحق به نسبه سواء باعها حاملا أو حدث الحمل بها بعد بيعه لها او باعها دون ولدها او باع ولدها دونها كل ذلك سواء فلو صح ببينة انه وطئها قبل بيعه لها او اقر بوطئها قبل أن يبيعها. فان ظهر بها حمل كان مبدؤه قبل بيعه لها بلا شك فانه يلحق به ولدها سواء أقر به او لم يقر ويفسخ البيع.
(1)
المحلى ج 10 ص 144 طبعة سنة 1943.
(2)
المحلى ج 8 ص 276.
(3)
المحلى ج 10 ص 148 وما بعدها.
(4)
المحلى ج 10 ص 320، 321.
الاقرار بالزنا:
بكم مرة من الاقرار
(1)
تجب الحدود على المقر؟ قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس فى هذا. فقالت طائفة باقراره مرة واحدة تجب اقامة الحدود وهو قول الحسن بن حى. وحماد بن ابى سليمان. وعثمان البتى. ومالك والشافعى وابى ثور. وابى سليمان وجميع اصحابهم ..
وقالت طائفة: لا يقام على أحد حد الزنا باقراره حتى يقر على نفسه اربع مرات. ولا يقام عليه حد القطع فى السرقة حتى يقر على نفسه مرتين وحد الخمر مرتين. وأما فى القذف فمرة واحدة وهو قول روى عن ابى يوسف صاحب ابى حنيفة. ثم استعرض ابن حزم حديث ماعز من طرقه المختلفة وحديث الغامدية والجهينية.
وقال أنه صلى الله عليه وسلم رجم الغامدية والجهينية دون ترديد فى الاعتراف. وانه بعد ان سمع قصة العسيف وأقسم لمحدثيه بالله ليقضين بينهما بكتاب الله وقضى بينهما. ثم قال: واغد يا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت. والاعتراف كان بمرة واحدة كما هو حكم الاطلاق. فكان ذلك كله دليلا على أن الحجة فى ثبوت الزنا بالاقرار هو الاعتراف مرة واحدة. اما ترديد ماعز أربع مرات او اكثر فلشك النبى صلى الله عليه وسلم فى عقله وتقديره أنه لا يعرف حقيقة الزنا. وارادته صلى الله عليه وسلم التوثق من سلامته ومعرفته لا لان الحجة تعدد الاقرار.
مذهب الزيدية:
التعريف:
الاقرار لغة ضد الانكار. واصطلاحا:
اخبار المكلف عن نفسه او عن موكله بحق يلزمه: والتعريف صريح فى ان الاقرار اخبار وليس انشاء. والحق اعم من ان يكون ماليا عينا أو دينا او يؤول الى المال أو حقا غير مالى والاصل فى الاقرار الكتاب والسنه والاجماع والقياس:
أما الكتاب. فقول الله تعالى: «بل الانسان على نفسه بصيرة» قال ابن عباس رضى الله عنهما: يعنى شاهدة. وشهادة الانسان على نفسه هى الاقرار ..
وأما السنة. فقوله صلى الله عليه وسلم وفعله:
أما قوله: فما روى عنه «من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. فمن ابدى لنا صفحته أقمنا عليه حق الله تعالى - وفى حديث ابن عمر رضى الله عنهما - أجتنبوا هذه القاذورات. التى نهى الله عنها فمن الم بشئ منها فليستتر بستر الله. والقاذورات جمع قاذورة وهى الفعل القبيح والقول السئ والمراد بها هنا ما فيه حد كالزنا والشرب بدليل قوله - أقمنا عليه حق الله تعالى ويندب لمن أتى فاحشة أن لا يظهرها لحديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل امتى معافى الا المجاهرين وان من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه رواه البخارى ومسلم.
(1)
المحلى الجزء 11 ص 176 وما بعدها.
وأما فعله صلى الله عليه وسلم. فما روى انه رجم ماعزا والغامدية باقرارهما.
وأما الاجماع. فقد أجمعت الامة على اعتبار الاقرار حجة ينبنى عليها الحكم بل هو اقوى الحجج اذ لا يتهم الانسان فى الاقرار على نفسه بما يضره. ولا خلاف مطلقا فى صحة الاقرار على سبيل الجملة.
واما القياس. فقياس الاقرار على الشهادة فى الحجية .. فانه اذا حكم على الانسان بشهادة غيره مع احتماله الصدق والكذب فيها فأولى واحرى أن يحكم عليه بشهادته على نفسه بالاقرار مع رجحان جانب الصدق فى ذلك - وأيضا فان الرجل يحكم عليه بشهادة نفسه.
والضرورة داعية الى القول بصحته والالزام أن لا يمكن للانسان أن يتخلص مما عليه
(1)
.
ما به يكون الاقرار:
ويكون الاقرار باللفظ لانه الاساس والوسيلة الأولى فى التعبير عما فى النفس. ويكون بالكتابة لمن لا يستطيع النطق ويعرف الكتابة كالاخرس الذى يعرف الكتابة. والكتابة بالنسبة لهذا كالنطق منه. ويكون بالاشارة المفهمة من الاخرس وكذلك من المصمت.
والمريض الذى لا يقدر على الكلام
(2)
.
شروط الاقرار:
ولا يصح الاقرار الا اذا توافرت فيه الشروط الآتية:
(1)
أن يصدر من مكلف. أى بالغ عاقل فلا يصح من المجنون والمعتوه لضعف عقله الا اذا كان مأذون له فى التجارة فيصح اقراره فيما أذن له فيه. وكذلك لا يصح من الصبى غير المميز ولا من الصبى المميز الا اذا كان مأذونا له فى التجارة فيصح اقراره فيما اذن له فيه فان أقر المميز ثم ادعى أنه غير مأذون له فالقول قوله مع يمينه ولا يحلف الا بعد بلوغه وأما السكران. فان لم يزل عقله صح اقراره بلا اشكال. وان زال عقله ففى صحة اقراره وقبوله خلاف. فعند الزيدية يصح اقراره سواء أقر بعقد كالبيع او بانشاء كالطلاق. وقال الحاكم فى التهذيب، القاضى زيد فى الشرح ان اقراره لا يصح بالاجماع.
(2)
أن يصدر من مختار - فلا يصح افرار المكره وان نواه اذ لا فائدة فى النية - وحد الاكراه ما يخشى معه الضرر وهو الاجحاف كما ذكره الهادوية وليس حده ما اخرجه عن حد الاختيار لأن هذا الحد لا يبطل احكام الانشاءات كالطلاق وانما يبطل احكام الانشاءات حد الضرورة وهذا يتحقق بالأول دون الثانى - وقد قالوا أن من أتهم من الفسقة بسرقة مال او جناية او نحوها. جاز لأهل الولايات من المسلمين أن يزجروه أو يحبسوه اذا رأوا فى ذلك صلاحا او انه يؤدى الى تسليم العين المسروقة .. اما اجباره على أن يقر بالسرقة أو يضمن قيمة العين المسروقة فلا يجوز لان اقراره عند خشونتهم عليه لا يصح.
وذلك لان اقرار المكره لا يصح لأن اكثر الفسقة لا يعرفون تفاصيل ما يجريه عليهم أهل الولايات فى مثل ذلك. وربما ظن أنه يجرى عليه أمر عظيم فيحمله ذلك على الاقرار.
(3)
أن يكون بحيث لا يعلم ولا يظن انه
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 157 وما بعدها.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 159 والتاج المذهب ج 4 ص 41 وما بعدها.
هزل. ولا أن لسان المقر قد سبق الى التعبير دون قصد فاذا علم أو ظن من قصده او عرف بالقرائن أن المقر يريد بلفظ الاقرار الهزل والاستنكار ولا يريد القصد والجد لم يكن ذلك اقرارا .. والهزل والاستهزاء ظاهر.
والاستنكار يعرف بالقرائن كأن يدعى عليه شخص أن له عليه ألف دينار فيقول له مستنكرا لكلامه: معى لك الف دينار .. ونحو ذلك .. وأما الطلاق والعتاق والنكاح فانها تصح من الهازل سواء كان على سبيل الانشاء فينفذ ظاهرا وباطنا او على سبيل الاقرار فينفذ ظاهرا فقط .. قال بعض: وكذا سائر العقود فان انشاءها على سبيل الانشاء صحيح من الهازل ايضا.
وقد يخرج الاقرار مخرج النداء أو الأمر أو النهى او الاستفهام او التمنى أو غير ذلك ويصدر بعبارة من عبارات هذه الامور كقوله ياحر. يا طالق فى الاقرار بالحرية والطلاق.
يا من له على الف درهم فى الاقرار بدين.
يا من بعت منه كذا فى الاقرار ببيع عين ..
وقوله: اضرب الحر فى الاقرار بالحرية ..
وليتك تكلم هذه التى طلقتها فى الاقرار بالطلاق او التى بعت منها كذا فى الاقرار بالبيع ..
وقوله: اعطنى سرج دابتك هذه فى الاقرار بالعين او ثوب هذا الحر. أو هذه الطالق فى الاقرار بالحرية والطلاق او نحو ذلك من العبارات الخاصة التى يعبر بها عن المعانى المشار اليها - فأن ذلك يكون اقرارا صحيحا وتترتب عليه سائر الاحكام والاثار التى تترتب على الاقرار فى صوره المعهودة.
(4)
الا يعلم كذب المقر فى اقراره عقلا او شرعا اى الا يكذبه العقل ولا الشرع فى اقراره. فما يكذبه فيه العقل نحوا أن يقر بقتل رجل يعلم انه قد قتل قبل ولادته او قدرته على القتل أو يقر باتلاف مال قد علم انه تلف قبل مولده. أو يقر لمن يقاربه فى السن انه ابوه او ابنه .. قال بعض ومثل هذا ما يعتاده كثير من الناس من البيع لشئ من ماله بثمن معلوم ويقر انه قد قبض الثمن ولم يكن قد قبضه ويأتى الشهود ويشهدون على القبض مع معرفتهم ان الاقرار غير صحيح ويحكم الحاكم بذلك. فهذه شهادة لا تجوز شرعا ..
ومثله ما يعتاده كثير من الناس. ممن يكتبون سندات وصكوكا بالديون قبل قبضها فى المبيعات. ويطلبون الاشهاد على السندات والصكوك المكتوبة على الاقرار بقبض الدين او ثمن المبيع او نحو ذلك. فهذه الشهادة غير جائزة شرعا حيث علم الشهود أو ظنوا أن الاقرار الذى يشهدون عليه غير صحيح فى الواقع لعدم ثبوت الدين وقبض الثمن فلا يجوز لهم ان يشهدوا به ونددهم بعض الناس فقال: تجوز الشهادة على الاقرار لأن الاقرار حصل امامهم وان كان غير صحيح فى الواقع وهذا غلط محض اذا كان على هذه الصفة .. وما يكذبه فيه الشرع نحو أن يقر بنسب ولد ثابت النسب من الغير وشهود النسب انه ابنه .. او أن يقر لوارث بأكثر من نصيبه الشرعى ميراثا كأن يخلف شخص ابنا وبنتا وعند اقتسام التركة يقر الابن بأنها بينهما مناصفة.
(5)
أن يكون الاقرار فى حق يتعلق بالمقر فى الحال. فلو أقر بحق يتعلق بغيره لم يصح الاقرار كالسيد يقر على عبده بطلاق أو ما يوجب حدا أو قصاصا. فان ذلك لا يصح لأن الحق
المقر به متعلق بالعبد لا بالسيد الذى أقر. فان الطلاق لمن اخذ بالساق. والحد والقصاص يتعلقان برقبة العبد لا بماليته التى يملكها السيد. بخلاف ما لو أقر السيد على العبد بنكاح صحيح أو بجناية تستوجب الارش.
فان اقراره يصح لايجاب النكاح المهر.
والجناية الارش. وهذا يتعلق بمالية العبد التى هى حق للسيد. فكأن الاقرار متعلقا بحق متعلق بالمقر فى الحال. ومن ثم يلزم السيد المهر والارش. وأن يجز للعبد وط ء الزوجة اذا لم يغلب على ظنه صدق عبده فى اقراره بالنكاح.
.. وان انكر العبد اقرار السيد بالنكاح ولو مع ظن صدقه فيه كان انكاره فرقة لا طلاقا ..
وانما اعتبر تعلق الحق بالمقر فى الحال اى حال الاقرار. احترازا عما اذا كان الحق غير متعلق بالمقر فى الحال وان كان قد تعلق به فى الماضى نحو الأب والجد اذا أقرا بعد بلوغ المرأة المزوجة أن تزويجها كان فى حال الصغر فلا يصح منهما هذا الاقرار لانهما لا يملكان عليها العقد فى الحال الا برضائها .. وهذا فى ظاهر الحكم - فان ظنت صدقهما فى الاقرار وجب أن تسلم نفسها للزوج الذى اقر بتزويجها منه ولا يجوز لها أن تتزوج غيره فيما بينها وبين الله تعالى
(1)
يراجع شروط الاقرار.
(6)
أن يقبل المقر له الاقرار اذا كان لعين فلو أقر لزيد بعين أو دين لم يصح الاقرار ولا يترتب عليه اثره الا اذا صادق زيد عليه وقبله من المقر باللفظ أو ما يقوم مقامه. ولو رده، وكذب المقر فى اقراره بطل الاقرار ويضيف العين المقر بها على ملك المقر لان اقراره مشروط بالقبول ..
اقرار الأخرس:
ويصح الاقرار من الأخرس اذا فهمت اشارته .. والكتابة كالنطق منه .. وكذا المصمت والمريض الذى لا يستطيع الكلام.
وتستثنى من صحة الاقرار الأخرس على الوجه المذكور امور هى: الشهادة. والاقرار بالزنا والاقرار بالايلاء. والاقرار باللعان والظهار.
فأنه لا يصح منه اصل هذه الاشياء فلا يصح الاقرار بها.
اقرار الوكيل على موكله:
ويصح الاقرار من الوكيل
(2)
فى المدافعة والمطالبة فيما وليه بالوكالة فيلزمه ترك الخصومة. والكف عن الدعوى.
وتسليم المدعى به فيما بينه وبين الله تعالى ان امكن. والا فمتى صار اليه بارث او غيره الا أن يحجر عليه الموكل الوكالة. ولم تكن مطلقة فانه لا يصح اقراره نحو أن يستثنى عليه الموكل الاقرار. لكن يلزمه ترك المدافعة والمطالبة. ومتى صارت اليه بارث او غيره سلمها للمقر له لأن اقراره صحيح عن نفسه:
وفى ايضاح ذلك: أن لاقرار الوكيل صورا متعددة. بعضها محل اتفاق بين فقهاء الزيدية سواء على صحة الاقرار وعلى عدم صحته.
وبعضها محل خلاف بينهم فى ذلك: فلا خلاف بينهم فى أن اقرار الوكيل فى غير ما وكل فيه
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 157، 159، 162 والتاج المذهب ج 4 ص 39 الى 44.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 159، 160 والتاج المذهب ج 4 ص 41، 42.
لا يصح. ولا خلاف بينهم فى أن اقرار وكيل المدافعة فى الحدود والقصاص لا يصح. ولا خلاف بينهم فى أنه اذا حجر الموكل على الوكيل الاقرار ومنعه منه فى التوكيل لا يصح اقراره .. ولا خلاف بينهم فى أنه اذا فوضه فى التوكيل فى الاقرار ووكله فيه وأنه يصح منه الاقرار على الموكل ولو كان فى حد القذف والسرقة والقصاص مع حضرة الاصيل - واذا ادعى عينا على احد او ادعى عليه وأقر بأن العين او المدعى به عليه ملك للغير يجب عليه ان يترك الدعوى وأن يسلم العين الى من أقر له بها فيما بينه وبين الله تعالى اذا امكن. والا متى صارت اليه بأرث او غيره من اسباب التملك وجب عليه تسليمها سواء كان الاقرار فى مجلس الحاكم أو غيره .. هذا ما اتفقوا عليه. واختلفوا فيما عدا هذه الصور وذلك فيما اذا وكله وأطلق الوكالة لم يعطه حق الاقرار ولم يمنعه منه. والمذهب انه يصح منه الاقرار ولو كانت وكالته صريحة فى المدافعة لانه اقامه مقام نفسه. الا فى القصاص فأنه لا يصح اقراره به وتلزمه الدية لانهما اصلان وكذلك حد القذف والسرقة لا يصح اقراره بهما، وهذا بالنسبة لوكيل المدافعة وأما وكيل المطالبة فيصح اقراره لأنه اسقاط واذا ادعى الوكيل لموكله شيئا او ادعى الولى لموليه شيئا على آخر فان هذا الادعاء لا يعتبر اقرارا من الوكيل او الولى بملكية الشئ المدعى به للموكل او للمولى عليه فاذا انتهى التوكيل أو انقضت الولاية ثم صار الشئ المولى به ملكا للوكيل أو الولى لم يلزمه تسليمه الا أن يصرح فى الاقرار انه لموكله او موليه او يقول فى دعواه: اعلم أو اتيقن ان هذه العين لفلان الموكل او المولى عليه كان ذلك اقرارا بالملك له .. وليس له أن يدعيها لنفسه بعد هذا الاقرار ويلزمه متى ملكها وصارت اليه أن يسلمها للموكل او المولى اليه.
من يصح اقراره فى شئ دون شئ:
ولا يصح الاقرار ولا ينفذ من مأذون له فى التجارة عبد او صبى الا أن يقر فيما أذن له فيه. فلو اذن للعبد مالكه فى التجارة لم يصح الاقرار منه بالعتق والهبة بدون عوض. لأن ذلك ليس من اعمال التجارة التى أذن له فيها.
فأما ما أذن له فيه فيصح منه الاقرار فيه فيصح الاقرار بالبيع والشراء ونحو ذلك .. ولو أقر باتلاف مال لزمه المال نحو أن يقر بانه اتلف ثمن المبيع بعد رده عليه بالعيب او بخيار الرؤيه ونحو ذلك. فانه يلزمه ما أتلفه ويكون فى رقبته وما فى يده من المال .. ولا يصح الاقرار بمال من محجور عليه الا بعد رفع الحجر عنه يعنى انما يؤخذ بالاقرار ويلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه لا فى حال حجره ..
ولا يصح الاقرار من عبد ومدبر وأم ولد الا فيما يتعلق بذمته ابتداء كالمهر فى النكاح الفاسد اذا دخل فيه جاهلا أو فيما يتعلق بذمته لاجل انكار سيده نحو أن يقر بجناية على مال او على بدن مما يوجب الارش فينكر سيده اقراره فانه يتعلق بذمته ويطالب به بعد العتق ولو لم ينكر السيد اقرار العبد بما ذكر بل صادقه عليه لزمه تسليمه لمستحق المال أو فداؤه.
واذا أقر العبد بسرقة توجب القطع فانه لا يصح اقراره ولا يلزمه المال اذا كان باقيا او كان معينا لان الظاهر مما فى يد العبد لسيده واذا بطل رد المال بطل القطع لأن القطع ينبنى
على ثبوت الاقرار بالمال .. وعند المؤيد بالله يلزم القطع والمذهب الأول .. وضابطه أن كل ما أقر به سيده عليه، ولم يقبل منه كالقصاص والطلاق والرجعة والحدود. فان العبد اذا اقر به على نفسه قبل .. وكل ما أقر به سيده عليه وقبل منه الاقرار كاقراره عليه بجنايات على البدن مما يوجب الأرش. فأن العبد اذا أقر به على نفسه لم يقبل. ويبقى فى ذمته يتبع به بعد العتق كما سبق
(1)
.
اقرار الوصى:
ولا يصح اقرار الوصى على من أوصاه بخلاف الوكيل فانه يصح اقراره على من وكله.
والفرق بين الوصى والوكيل. أن الوصى حين يقر انما يقر على غير من اوصاه وأقرار الشخص على غيره لا يصح ولا يلزم بخلاف الوكيل فانه يقر على من وكله فيصح .. وكذلك الولى والامام لا يصح منهما الاقرار الا أن يقرا بقبض الدين او العين التى فى يد الغير للميت اذا كان الاقرار حال الولاية او الامامة لا بعد زوالهما بالانعزال. والا أن يقر أحدهما بأنه باع هذا الشئ عن الميت أو أجر عبدا أو دارا عنه أو رهنها فانه يصح هذا الاقرار
(2)
.
قبول الاقرار ورده:
ولا يصح الاقرار المعين الا بمصادقته عليه وقبوله من المقر. فلو اقر لزيد بعين او دين لم يصح هذا الاقرار الا بأن يصادقه زيد عليه ويقبله منه باللفظ او ما فى حكمه ولو بعد المجلس ولا يكفى السكوت ويقوم وارثه مقامه فى هذا التصديق والقبول - فلو كذب زبد المقر له. المقر فى اقراره او رد الاقرار ولم يقبله بطل الاقرار وارتد وبقيت العين المقر بها على ملك المقر كانه لم يحصل اقرار. لأن الاقرار لمعين مشروط بقبول المقر له وكذلك بالنسبة للدين يبطل الاقرار ويبقى المقر به للمقر فان عاد المقر له وصادق المقر على اقراره بعد التكذيب فانه يصح الاقرار لأجل تلك المصادقة ولو انها جاءت بعد التكذيب ما لم يكن المقر قد صادق المقر له على التكذيب نحو ان يقول المقر للمقر له عند التكذيب: صدقت فى تكذيبك اياى. فأما لو قال له ذلك فلا تصح مصادقة المقر له على الاقرار بعد التكذيب.
الا أن يتجدد اقرار آخر من المقر وتكون المصادقة على هذا الاقرار الجديد ويستثنى من شرط القبول والرد فى الاقرار لمعين - الاقرار للعبد بالعتق وللزوجة بالطلاق. وللموقوف عليه المعين بالوقف فلا يحتاج قبولا ولا يبطل بالرد لأن الاعتاق والطلاق من باب الاسقاط والوقف من باب الصدقة .. وكذلك الاقرار للصغير والحمل اذا قبله وليه او هو بعد بلوغه ولا يبطل برد الولى الا لمصلحة. والوقف كما قلنا لا يرتد ولا يبطل بالرد الا أن الموقوف عليه المعين اذا لم يقبل الوقف عليه ورده تصير المنافع والغلة للفقراء.
اما اذا كان الاقرار لغير معين او لمسجد ونحو ذلك. فلا تعتبر المصادقة ولا يشترط لصحته القبول .. ويكون لبيت المال
(3)
.
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 160، 162، والتاج المذهب ج 4 ص 42، 43.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 162 والتاج المذهب ج 4 ص 43، 44.
(3)
شرح الأزهار ج 4 ص 162، 163 والتاج المذهب ج 4 ص 44.
الاقرار بالنسب والسبب (المولى):
يشترط فى الاقرار بالنسب والسبب الشروط الخمسة الاولى المتقدمة فى الاقرار بالمال.
وشرط آخر ينفرد به هذا النوع من الاقرار وهو التصادق اى تصديق المقر بنسبه للمقر فى اقراره. ويكفى فى التصديق هنا السكوت فلا يشترط أن يكون باللفظ أو ما فى حكمه على ما تقدم فى الاقرار بالمال حيث يشترط فى التصديق هناك أن يكون باللفظ أو ما فى حكمه ولا يكفى فيه السكوت .. ولو كان المقر بنسبه غائبا كان الاقرار موقوفا على تصديقه او رده متى علم به .. وانما يكون السكوت تصديقا اذا سكت بعد علمه بالاقرار وعلمه بأن له حق الأنكار. فان سكت جاهلا بأن له حق النفى والأنكار والرد حتى طال الزمان ثم علم به كان له النفى والرد فورا فى المجلس.
ولو أقر بصغير كان الصغير فى حكم المصدق لأنه فى حال الصغر لا يصح منه الانكار فاذا بلغ ولم يصدق (أى أنكر لان السكوت يعتبر اقرارا) فإنه يبطل الإقرار ولو حكم الحاكم لأن الحكم مشروط بالتصديق ومن أقر بأحد توأمين أنه ابنه وصدقه لزمه الثانى ولو كذبه لأنه إذا ثبت نسب أحدهما ثبت نسب الثانى .. ويشترط فى الاقرار بالوارث من النسب والسبب عدم الواسطة بين المقر وهو الميت والمقر به. فلا يصح الاقرار ولا يترتب عليه ثبوت النسب والارث الا بولد أو والد فأن كان هناك واسطة كالأب اذا اقر بأخ او كالعم اذا اقر بابن عم لم يثبت النسب بهذا الأقرار الا أن يصادق الواسطة وهو الاب والعم فى المثالين المذكورين على الاقرار أن كان حيا. أو ان يثبت النسب بالبينة الشرعية والحكم مطلقا .. فان كان الواسطة ميتا فهناك خلاف فى ثبوت النسب بهذا الاقرار وعدم ثبوته. والمختار أنه لا يثبت .. هذا فى النسب. وفى السبب لا يصح الاقرار الا بالمولى دون مولى المولى .. ولا فرق فى صحة الاقرار بين المولى الاعلى وهو المعتق والمولى الادنى وهو المعتق وولاء العتاقة. وولاء الموالاة الذى أسلم على يد غيره .. وان اقر بمن بينهما واسطة كما فى المثالين المذكورين أو بينهما بواسطتان كالعم وابن الاخ وهذا القسم هو ما يقال فيه أن الاقرار بالنسب فيه يتضمن تحميل النسب على الغير .. والحكم فيه أن النسب لا يثبت فيه بالاقرار لأن من شروط ثبوت النسب عدم الواسطة ولكن يعامل المقر باقراره فى الارث فيشارك المقر بنسبه المقر فى الارث بقدر ما ينقصه منه لو ثبت نسبه لئلا يذهب الاقرار هدرا. كما اذا ترك الميت ابنين فأقر أحدهما بابن ثالث للمتوفى أى بأخ للمقر فيدفع المقر ثلث حصته وهو سدس المال كله للمقر به .. وتجب على المقر نفقة المقر به اذا توفرت الشروط المعتبرة فى وجوب نفقة القريب على قريبه .. ويثبت تحريم النكاح لاقراره وهكذا.
وفى ثبوت النسب مع وجود الواسطة قولان:
الأول:
أنه لا يثبت النسب سواء صدق به جميع الورثة غير الواسطة أم لا.
والثانى:
ذكره فى شرح الابانة ان الورثة ان كانوا عدولا وصادقوا وحكم الحاكم بقولهم وأتوا
بلفظ الشهادة مع التدريج ثبت النسب .. فان لم يكونوا عدولا لم يثبت النسب .. فأما اذا لم يكن ثمة وارث سوى المقر وحده فلا يثبت النسب. ولكن يثبت تحريم النكاح لاقراره والارث
…
مثال ذلك: لو مات رجل وله ابن مشهور ثم اقر الابن بأخ له فأنه يشاركه فى الارث لا فى النسب ويثبت تحريم النكاح كما ذكر.
ويصح الاقرار من الزوج بالعلوق ويثبت نسب الحمل اذ أقر أن زوجته قد علقت به فلا يصح بعد ذلك أن ينفى نسبه وكذا يصح أن يقر السيد بأن مملوكته قد علقت فلا يحتاج بعد ذلك الى دعوى مهما أتت به لدون ستة أشهر من يوم اقراره أو لدون أربع سنين وقد علم وجوده بحركة أو نحوها .. وفائدة الاقرار أنه فى الأمة لا يحتاج الى تجديد دعوى. وفى الزوجة ولو أمة لا يصح نفيه بعد ذلك ..
ويصح الاقرار من المرأة الحرة ولو بكرا أو رتقاء بالولد قبل الزواج وحاله وبعده يعنى أقرت أن هذا ولدها قبل أن تزوج ولو كانت بكرا لتجويز أن العلوق حصل بتسرب منى الرجل الى ثقب منى المرأة عند الاستمتاع ظاهرا بفرجها ولو بكرا أو رتقاء أو أقرت به وهى مزوجة وهو لا يمكن ان يكون من زوجها لأجل السن التى هو عليها عند اقرار الزوجية والنكاح أو أقرت به وهى مطلقة وحصل بعد زوال الفراش .. ففى هذه الصور يصح اقرار المرأة بالولد ويثبت نسبه منها بلا خلاف ما لم يستلزم اقرارها به لحوق نسب الولد بالزوج بأن يحتمل كونه منه كأن تأتى بالأكثر من ستة أشهر من يوم الزواج أو أن تكون مطلقة ويحتمل ويصح لحوقه به فى زمن الفراش فلا يصح اقرارها بالولد عندنا اذا ناكرها الزوج فى الولادة لذلك الاستلزام .. فان صدقها فى الاقرار او سكت صح اقرارها ولو استلزم لحوق الولد به .. ومن له زوجتان وولدتا ابنا وبنتا. وادعت كل واحدة منهما انها التى ولدت الابن دون البنت فأيهما بينت بعدلة انها ولدت الابن ثبت نسبه منها .. وان لم يبينا او بينا معا. فان صدق الزوج احداهما ثبت نسب الابن منها. وان لم يصدق واحدة منهما ثبت نسب الابن والبنت من الأب لا منهما ..
وكما لا يصح الاقرار بالولد من الأم حيث يكون فيه حمل النسب على البكر - كذلك ايضا لو كان بين اثنين حق مسيل او مرور ماء أو غير ذلك من الحقوق. فاقرار احدهما لثالث مشارك لهما فيه لا يصح بخلاف الاشتراك فى الملك لو أقر أحد الشريكين بثالث صح - ويشاركه فى نصيبه وكذا لو ادعى مدع على الورثة حقا فى حوش وهو المعروف بالحوى او نحو ذلك مما يثبت فيه حق فقط فنكل أحدهم عن اليمين او أقر وحده لا يحكم به اذ الحق لا يتبعض فيقال ربع حق وثلث حق كما يقال فى الملك ..
ويصح الاقرار من الزوج بالولد فيلحقه ولا يلحق الزوجة ان لم تقر به بأن انكرته او سكتت اذ مع سكوتها لا يلحقها ايضا لجواز أنه لامرأة أخرى غير زوجته التى معه أو من أمة أو من شبهة. وقيل أنه يلحقها اذا لحقه ..
وهذا الخلاف فيما اذا قال: ولدى منها اما اذا قال: ولدى وأطلق فلا يلحقها الا اذا اقرت به اتفاقا
…
ولا يصح الاقرار بالنسب من السبى بعضهم ببعض وكذلك المماليك فى الرحامات والنكاح ما لم يغلب على الظن صدقهم لأن ذلك يؤدى الى منع السيد من وطئهما جميعا ومن التفريق بينهما فى البيع قبل البلوغ - وكذا
لابصح الاقرار بالنسب من العتيق لأنه يؤدى الى ابطال حق الولاء الثابت للمعتق. وقال بعضهم: يجوز الاقرار بالولد والوالد والزوجة والمولى - ويلاحظ أن الاقرار بهؤلاء الأربعة لا يتضمن تحميل النسب على أحد.
ادعاء التوليج:
واذا أقر رجل بوارث ابن أو أخ مثلا أو أقر بمال معين أو غيره لآخر. فقال ورثة هذا المقر: ان هذا الاقرار غير صحيح. وانما أراد مورثنا باقراره التوليج وهو أن يدخل فى الوراثة من يمنعنا من الارث اذا أقر بابن أو يدخل علينا النقص فى الانصباء. اذا أقر بأخ. أو أقر بجزء من المال فيطالب الورثة فى هذه الحالة باقامة البينة. فان اقاموها سمعت وبطل الاقرار سواء كان فى الثلث أو فى كل المال وسواء كان فى حال الصحة او فى حال المرض. والبينة هنا تكون على ارادة التوليج أى على أن هذا المقر أقر بأنه يريد التوليج ثم تنفيذا لهذه الارادة أقر بالنسب او بالمال لتحقيق ما اراده وأقر به أو تكون البينة على شاهد الحال بأن المقر أقسم ليحرمن أخاه من الميراث فى الدار التى يملكها ومن ثم اقر بابن. فأما لو اقاموا البينة على ان المقر أقر ان اقراره بالوارث الابن أو الأخ توليج فلا تفيد البينة شيئا لأنه لا حكم لاقرار المقر بذلك اذ هو اقرار بابطال حق الغير وهو المقر له. كما أنه يعتبر بمثابة الرجوع عن الاقرار.
والرجوع عن الاقرار لا يصح بعد ثبوت حق الغير فيه.
وانما تسمع الدعوى والبينة فى التوليج بالاقرار لا غيره من سائر التمليكات. كالهبة والنذر والوصية والصدقة ونحوها اذا ادعى الوارث أن ما نذر به مورثه لا يريد به الا التوليج - لا تسمع منه هذه الدعوى ولا البينة عليها لأن ذلك ليس توليجا اذ الأمر فى هذه التصرفات فى سلامتها وعدم سلامتها يرجع الى اللفظ الذى عبر به عن التصرف وظاهره.
وهو تصرف محض فيصح ولو قصد منه المتصرف الورثة .. بخلاف الاقرار فأنه ليس عقد تمليك وانما هو اخبار فاذا ادعى الوارث كذب هذا الاخبار سمع منه ونوقش فيه وطلب منه اثبات ما يدعيه فيه .. ولو أضافوا أى التمليكات الى الاقرار تصح دعوى التوليج حينئذ .. واذا اتهم المقر بالتوليج .. ولم تقم عليه بينة .. استحلف المقر له أن ما أقر به المقر هو حق واجب .. وتكون يمينه على القطع ان ظن صدقه لأنه فعله وهو تصديقه الاقرار استنادا الى الظاهر .. ولا ترد هذه اليمين .. فان نكل بطل الاقرار
(1)
.
الاقرار بالنكاح:
يشترط فى الاقرار بالنكاح الشروط الخمسة الأولى السابقة. ويشترط فيه مع هذه الشروط تصادق الطرفين المقر والمقر به على الاقرار ويكفى فى التصادق السكوت كما فى الاقرار بالنسب على ما تقدم وألا يكون هناك مانع من قيام النكاح بين الطرفين
فلا تكون المرأة محرمة على الرجل بسبب من أسباب التحريم. ولا يكون تحت المقر من يحرم الجمع بينها وبين المقر بها كأخت زوجته أو عمتها أو خالتها ولا أربع سواها ولا من قد طلقها ثلاثا والا لا يصح الاقرار. وقال البعض أنه يشترط بالنسبة للصغيرة والصغير تصديق
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 163، 167 والتاج المذهب ج 4 ص 44، 48.
الولى أيضا فلو أنكر اقرارها بطل ولزمت البينة لاثبات النكاح. وكذلك الامة لا بد لثبوت النكاح بالاقرار أن يصدق السيد على الاقرار.
وأما بالنسبة للكبيرة، فهناك خلاف أيضا ..
والمذهب انه لا يعتبر تصديق الولى فيصح الاقرار بالنكاح بين الزوجين مع مصادقة الاخر وان كان الولى غير مصدق لتقدير ان الولى كان غائبا او عاضلا حال التزويج.
اقرار المتزوجة بالنكاح لاخر:
وذات الزوج اذا اقرت بالزوجية لاجنبى وصدقها الرجل الاجنبى فى اقرارها مع ارتفاع الموانع بأن لا تكون تحته أختها ولا أربع سواها ولا يكون قد طلقها ثلاثا، فأنه يوقف أحكام اقرارها حتى تبين من الزوج الذى هى تحته اذ لا تأثير للاقرار ولا للمصادقة وزوجيتها بالأول قائمة والزوجية تثبت بينها وبين الأول اما باقرار سابق أو ببينة وحكم حاكم بناء عليها أو بعلمه أو بشهرة أو باختصاص ومخالطة لا تكون الا بين الزوجين بشرط ألا يكونا من ذوى الريبة والتهمة .. وما دامت مع الأول فانه لاحق لها قبل واحد من الزوجين. أما الخارج فلانها كالناشزة عنه لا تعاشره. وأما الداخل فلانها مقرة أنه لا يجب لها عليه شئ .. فأن بين الزوجان أو أرخا فللمتقدم منهما. وان أرخ احدهما فقط حكم له بها. وان أطلقا حكم بها لمن هى تحته لانه دليل التقدم. وهى فى يد نفسها فلا يقال بينة الخارج أولى .. وترث الخارج لتصادقهما على الزوجية بينهما. ولا ترث الداخل لانها نافية لاستحقاقها منه شيئا. واذا ماتت لم يرث الخارج منها شيئا. ويرثها الداخل لأن الظاهر معه. ولا يرث مما ورثته من الخارج لأنه مقر على نفسه بأن لا زوجية بينها وبينه وانها لا تستحق منه شيئا ويرده لورثة الخارج اذا قبضه مع حصته منها.
الاقرار بنكاح ماض:
ويصح الاقرار بنكاح ماض نحو أن تدعى امرأة أنها زوجة لمورث جماعة - وقالوا: كنت زوجته من قبل، والآن لا نعلم بقاء النكاح الى وقت الموت. فانه لا يصح انكارهم. وتثبت الزوجية لاقرارهم بها فى الماضى. فيستصحب الحال ويبقى حكم الزوجية اذ الأصل بقاؤه.
ويثبت لها المهر والميراث. فان قال الورثة لا نعلم ذلك. لكن هذا الولد له منك لم يكن اقرارا منهم بالنكاح لجواز أن يكون الولد من وط ء بشبهة او غلط.
ولا يقر المتصادقان على عقد باطل تصادقا عليه نحو أن يقرا أنه بغير ولى وبغير شهود.
أما لو تصادقا على عقد فاسد.
نحو أن يقر أنه بغير ولى أو بغير شهود.
ففى اقرارهما عليه خلاف بين العلماء فعند المؤيد بالله أنهما يقران عليه ولا يعترضهما حيث كان مذهبهما اعتبار ذلك او كانا جاهلين حال العقد ألا أن يترافعا فيقضى بينهما الحاكم المترافع اليه بمذهبه من التفريق بينهما أو عدمه وهذا هو المذهب، وعند الهادى لا بقران على ذلك وهو خلاف المذهب
(1)
.
ومن أقر بوارث له او ابن عم سواء بين التدريج والنسبة التى بينه وبين المقر به أو لم يبين هذه النسبة واكتفى بقوله: فلان وارثى أو فلان ابن عمى. وصادقه المقر به على هذا
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 167، 169.
والتاج المذهب ج 4 ص 48، 50.
الاقرار. ورثه المقر به فى الصورتين ولكن لا يثبت النسب بهذا الاقرار. واذا كان هناك وارث للمقر أشهر من هذا المقر به فى النسب وفى القرابة من المقر وغير محجوب فينظر ان كان هذا الوارث المشهور أحد الزوجين يأخذ المقر به الباقى بعد فرض الموجود منهما. وان كان عصبة او معتقا او ذا رحم يأخذ المقر به الثلث فما دونه يستحقه وصية لا ميراثا. لأن الاقرار لم يترتب عليه ثبوت نسب بالمقر فيعامل باقراره بالنسبة للمال ويكون حينئذ كالوصية لهذا المقر به بمال. والوصية تنفذ هى وغيرها من التصرفات التى تخرج من الثلث كاجرة الحج ونحو ذلك الى قدر الثلث .. وانما يأخذ المقر به الثلث ان كان يستحق مقدار الثلث على فرض ثبوت نسبه بالاقرار. اما لو كان يستحق السدس ميراثا على فرض ثبوت نسبه كأن يقر بأخ وله خمسة اخوة لم يأخذ سوى السدس وكذلك ما دون السدس يأخذ ما يستحقه ..
فان كان يستحق على فرض ثبوت النسب اكثر من الثلث كأن يقر بأخ وله أم لم يعط الا الثلث من باب الوصية. ولا يصح رجوع المقر فى ذلك. لانها كالوصية من كل وجه .. فلو كان هذا المقر به لا يستحق شيئا من التركة على فرض ثبوت نسبه بأن كان الوارث الأشهر منه من العصبة الذين يحجبونه. فلا شئ للمقر به لان هذه كالوصية المشروطة يكون المقر به وارثا واذا مات المقر به قبل المقر بطل الاقرار كموت الموصى له قبل الموصى يؤثر فى الوصية ..
وان أقر بأحد عبيده فقال لهم: أحدكم ابنى. وكان يريد واحدا منهم بعينه .. ومات قبل التعيين عتقوا جميعا اذا توفرت فى هذا الاقرار جميع شروط الاقرار بالنسب بأن يكونوا جميعا مجهولى النسب وأن لا يأتى بالكلام على سبيل الهزل وأن يصدقوه جميعا فى الاقرار بأن يقول كل واحد منهم انا ابنك. أما لو قالوا: أحدنا ابنك لم يكف لأن يعتقوا .. فان تكاملت شروط الاقرار فى واحد منهم وصادق تعين فيه النسب وان تكاملت شروط الاقرار فى اثنين كان كما لو قال: أحدكم ابنى ويبقى الثالث مملوكا حيث أكذبه العقل. والا فقد عتق .. ولا بد من التصديق فى الاقرار باللفظ ولا يكفى السكوت على خلاف ما مر فى الاقرار بالنسب ويترتب على هذه المسألة أربعة أحكام.
الأول العتق. وقد تقدم أنهم قد عتقوا جميعا.
والثانى السعاية. فى الباقى من قيمة كل منهم لورثة هذا المقر.
والثالث ثبوت نسب واحد منهم وهو المقر بنسبه الذى لم يعينه.
والرابع ميراث من ثبت نسبه ويوزع بينهم نتيجة عدم التعيين.
أما السعاية فتكون حسب الحال .. فان كانوا اربعة سعى كل واحد منهم فى ثلاثة ارباع قيمته .. وعلى هذا الحساب اذا كانوا خمسة سعى كل واحد فى اربعة اخماس قيمته.
والمسألة مبنية على أنهم من امهات مختلفة أو لم يعلم حالهم. وعلى أن المقر بين المقر بنسبه ثم التبس عليه الحال حتى مات أو لم يتمكن من البيان اصلا. أما لو كان قد ترك البيان قصدا فينظر هل كان الترك فى حال الصحة او فى حال المرض. فان كان فى حال الصحة فلا سعاية عليهم لان ذلك كالعتق. وان كان فى حال المرض وهم يخرجون من الثلث فلا سعاية
أيضا - فان كان لا يملك سواهم فعليهم السعاية فى الثلث .. والمسألة مبنية ايضا على الورثة والعبيد اتفق مذهب فى الحكم ولم تقع خصومة. اما لو اختلف مذهبهم فلا بد من الحكم ليقطع الخلاف.
وأما ثبوت النسب. فيثبت نسب واحد منهم هو المقر به. وتعود فوائد ثبوت النسب عليهم جميعا لعدم التعيين فيلى كل منهم عقد النكاح لمحارمه. ولا يحل لواحد منهم النظر الى محارم المقر ولا النكاح لتغليب الحظر.
واما الميراث فانهم يضربون فى مال الميت بنصيب ابن واحد هو المقر بنسبه. وكما يثبت لهم نصيب واحد يثبت لهم نصيبه من مال السعاية أى يسقط عنهم نصيب واحد منهم فى السعاية موزعا عليهم ومشتركا بينهم على حسب نصيبهم فى الميراث
(1)
.
اقرار بعض الورثة بدين على المورث:
واذا أقر بعض الورثة بدين على مورثه المتوفى ولم يقر سائر الورثة بهذا الدين - لزمت المقر حصته من الدين فى حصته من الارث وحصته من الدين هى القدر الذى يخصه منه لو ثبت الدين بالبينة او بأقرار جميع الورثة. وهذا اذا لم يأت المقر بالدين فى اقراره بلفظ الشهادة. أما ان شهد واحد من الورثة بحق على مورثه - ولم يكن المال فى يده حتى لايتهم بأنه يريد بالشهادة براءة ذمته - وكان للميت وصى فى التركة وكملت شهادة هذا الوارث بواحد اى حلف مدعى الدين معه باستحقاقه الدين. فانه يحكم بثبوت الحق بشهادته ويلزم سائر الورثة الأداء .. فان كانت التركة مستغرقة بالدين سلم هذا الشاهد او المقر جميع حصته من التركة. اذ لا ارث مع استغراق التركة بالدين .. واذا زاد الدين عن التركة لا يلزمه الزائد. واذا اقر انسان بما ليس فى يده لغير ذى اليد نحو أن يقر مثلا بأن هذا الثوب الذى فى يد عمرو لزيد.
يجب على هذا المقر أن يسلم الثوب الذى أقر به للمقر له وهو زيد متى صار اليه الثوب وملكه بطريق من طرق الملك المقررة شرعا كالارث أو الشراء أو الهبة أو نحو ذلك معاملة له باقراره المتقدم.
ولا يلزم المقر أن يدفع للمقر له قيمة الثوب المقر به لانه لم يقر بأنه هو الذى صيره الى يد عمرو على وجه التعدى. الا اذا ثبت أن الثوب كان فى يده وصار الى يد عمرو فأنه يلزم بالقيمة لزيد المقر له ..
واذا اخذ المقر الثوب المقر به من عمرو على سبيل الغصب لزمه ضمان قيمته مرتين مرة لعمرو الذى كان صاحب اليد عليه لان الظاهر أنه له. ومرة لزيد المقر له مؤاخذة له بالاقرار .. وهذا فى ظاهر الشرع. أما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يلزمه الا ضمان واحد لصاحب الثوب هذا ان صار الثوب المقر به للمقر بطريق ملك. أما ان صار اليه بطريق الوقف عليه .. فانه لا يلزمه الا تسليم المنفعة للمقر له اذ هى التى له. اما العين فهى لله تعالى لا يملك تسليمها. اللهم الا أن يتلف العين الموقوفة متلف ويلزم هذا المتلف بقيمتها للموقوف عليه .. ففى هذه الحالة يجب على الموقوف عليه أن يسلم القيمة التى اداها اليه المتلف للمقر له وهو زيد
(2)
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 169 - 173، والتاج المذهب ج 4 ص 50، 52.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 173 وما بعدها.
والتاج المذهب ج 4 ص 52 وما بعدها.
واذا قال المقر: هذا الثوب لزيد لا. بل لعمرو. أو قال: هذا الثوب لزيد. لا. هو لعمرو .. وجب عليه أن يسلم الثوب المقر به لزيد لتقدم الاقرار. ثم يدفع قيمة الثوب لعمرو ان قيميا أو مثله ان كان مثليا. للاقرار له ثانيا .. ولا فرق فى هذا الحكم بين الاستدراك ببل أو لكن وعدمه. وبين أن يكون اقراره ثانيا لعمرو قبل التسليم لزيد المقر له الأول او بعده. وبين أن يكون ذلك قد دفع فى مجلس واحد أو فى اكثر من مجلس.
وبين أن يحكم بالمقر به لزيد أو لا يحكم ..
وقال المؤيد بالله: الا أن يسلم العين المقر بها مع الحكم لزيد فلا تلزمه القيمة لعمرو ..
وهذا خلاف المذهب
…
واما لو قال: هذه العين لزيد او لعمرو. فالمختار أن التخيير يبطل الاقرار. فلا يلزمه شئ لا لزيد ولا لعمرو
(1)
من صيغ الاقرار:
واذا قال المقر: على لفلان كذا ونحو ذلك كقبلى لفلان كذا. وفى ذمتى لفلان كذا. كان هذا اللفظ موضوعا للقصاص والدين .. فأنه يصح أن يفسر ذلك بالقصاص أو الدين .. ولا يقبل ان فسره بقذف أو عين .. واذا قال: عندى لفلان كذا ونحو ذلك كلدى ومعى له أو فى بيتى أو فى صندوقى او فى كيسى او فى يدى فيكون ذلك للقذف والعين. فيقبل تفسيره بذلك.
واستشكل بغضهم أن يستعمل لفظ .. فى بيتى وفى صندوقى وفى كيسى للقذف. وهذا كله مبنى على اصل اللغة ما لم يجر عرف بغير ذلك .. اما فى عرفنا الآن فلا فرق بين عندى وعلى. فى الاستعمال للدين .. واذا قال:
عندى له او لدى عمل به واحتمل الدين والعين.
والى المقر التعيين. هل العين امانة او ضمانة.
فأن كان ثمة عرف عمل به. ثم بالقرينة. والا فهو للعين لأن الاصل براءة الذمة من الدين فان قال: وجدت فى حسابى او فى كتابى او فى دفترى او بخط يدى أن على لفلان كذا لم يلزمه ذلك لجواز أنه تحرير أو نسيان أو بخط بشبه خطه ولا يثبت من ذلك الا ما كتبه واشهد عليه وقرأه على الشهود ليكون اقرارا كما لو أقر عند الشهود ولو لم يكتبه .. فان قال: ما بدفترى بخطى لى وعلى فهو صحيح. كان حجة عليه لا له. ويكون ماله دعوى ولو كان عدلا ثبتا فى معاملته.
واذا قال لخصمه: ليس لى عليك حق يتعلق بالجراحة فليس بأبراء عن الدم جملة. وانما هو اسقاط للقصاص فيما دون النفس لأنه قال:
يتعلق بالجراحة فكان اسقاطا للقصاص لا اسقاطا للارش ولا للنفس اذ لا تدخل النفس تحت لفظ الجراحة. ولا يدخل الارش تحت لفظ الحق بل الحق للقصاص والارش ليس حقا عرفا. فلا يصح الدعوى منه فى المجلس فيما دون النفس. فأما بعد المجلس فله أن يدعى اذا كان قد تخلل وقت تمكن فيه الجناية فان قال: ليس لى عليه حق سواء قال: يتعلق بالدم أم لا كان اسقاطا لكل دعوى فلا يصح أن يدعى مالا ولا قصاصا فى المجلس.
ويصح اقرار العربى بالفارسية وعكسه ان كان يعرف معناها. وان ادعى أنه لا يعرف معناها قبل قوله ما لم يكن مخالطا لمن يتكلم بلغتهم.
(1)
التاج المذهب ج 4 ص 53.
وما دخل فى المبيع تبعا من الحقوق كالمساقى والسواقى والطرقات ونحو ذلك دخل فى الاقرار. وما لا يدخل فى البيع تبعا لا يدخل فى الاقرار .. فاذا أقر رجل بأرض لآخر وفيها أشجار دخلت الاشجار فى الاقرار كما تدخل فى البيع .. واذا أقر بدار أو نحوها لغيره دخلت طرقها فى الاقرار كما تدخل فى البيع.
ولا يدخل الظرف فى المظروف: فلو قال:
عندى لفلان ثوب فى منديل أو تمر فى ظرف كان ذلك اقرارا بالثوب والتمر ولا يكون اقرارا بالمنديل والظرف الا أن يكون هناك عرف يقضى بأن الظرف يدخل فى المظروف.
وقال البعض ان الظرف يدخل فى المظروف مطلقا دون توقف على جريان العرف بذلك ..
والمذهب التفصيل. وهو أن ما دخل فى البيع تبعا دخل فى الاقرار ومالا فلا لأن الذى يدخل فى البيع المتبع في العرف .. اما لو أقر بالظرف دون المظروف كأن يقول: له عندى منديل فيه ثوب أو ظرف فيه تمر لم يلزمه الا الظرف والمنديل الا أن يدخل المظروف فى الظرف عرفا فيكون اقرارا بهما نحو له عندى ظرف فيه عسل
(1)
.
يجب الحق بالاقرار بفرع ثبوته:
اذا أقر الشخص بشئ يتفرع على ثبوت الحق كان ذلك اقرارا بنفس الحق .. مثال ذلك أن يدعى رجل على رجل دينا فيقول المدعى عليه: قد قضيتك هذا الدين. فتكون دعواه القضاء اقرارا بالدين لأنه لا قضاء الا عن دين .. وقد فهم هذا من الدعاوى لأن مع المقر أخفى الأمرين وهو الابراء ومع المدعى أظهرهما وهو عدم الابراء .. ونحو أن يدعى رجل على امرأة انها زوجته فتقول: قد طلقتنى فان ذلك يكون اقرارا بالزوجية وعليها البينة بالطلاق .. وكذا لو ادعى رجل على رجل أنه قتل اباه ولم يفصل نوع القتل - لأن دعوى الاهمال فى القتل صحيحة - فقال المدعى عليه:
كان القتل خطأ. كان ذلك اقرارا بالقتل ويكون القول قوله فى انه قتل خطأ لان الاصل فى فعل كل عاقل الخطأ وبراءة الذمة. ولا تحمله العاقلة الا أن تصادقه بمصادقته بالفعل وصفته اى بالقتل وكونه خطأ .. فان قال المدعى عليه بالقتل. كان القتل مدافعة لزمته البينة بالمدافعة وكذا لو أدعى رجل على رجل أنه اخذ شيئا فقال المدعى عليه أخذته بالحكم كان اقرارا بالأخذ .. فان قال: ان كنت اخذته فبالحكم لم يكن اقرارا لأجل الشرط وكذا لو قال: ان كان له شئ على فقد انفقته على من أمر أو فقد قبضته لم يكن اقرارا وكذا لو ادعى رجل عليه شيئا. فقال: قد ابرأتنى من كل دعوى لم يكن اقرارا بالمدعى به لانه اقرار بالدعوى فقط وكذلك يكون اقرارا بالحق اذا طلب المدعى عليه ما هو فرع على ثبوته. وذلك نحو أن يدعى رجل على رجل دينا فيطلب المدعى عليه التأجيل أو يطلب أن يحيل به عليه كان ذلك اقرارا بالدين لأنه طلب ما هو فرع على ثبوته.
وكذا لو ادعى أن له عنده عينا دابة او عبدا أو ثوبا فقال المدعى عليه: بعها منى او اعرنى اياها أو صالحنى عنها - ابتداء لا بعد الخصومة - أو اقعد لأزنها لك .. كان ذلك اقرارا بالعين .. اما لو قال له: اتزنها. فلا يكون اقرارا بها لأنه استهزاء ولم يضف الفعل وهو الوزن الى نفسه.
(1)
التاج المذهب ج 4 ص 53، 54.
هذا هو الاقرار بفرع ثبوت الحق وطلبه.
ويلحق بهما ما يماثلهما فى المعنى. وذلك نحو أن يقول رجل لرجل: اعطنى ثوب خادمى هذا أو ثوبى هذا أو اسرج دابتى هذه. او افتح باب دارى هذه. فيقول المخاطب فى جواب هذا القول: نعم. فانه يكون اقرارا بالثوب والدابة والدار. لأن نعم مقررة لما سبقها فكأنه قال: نعم هو ثوب خادمك أو ثوبك أو باب دارك .. وهذا حيث جرى عرف بأن نعم تكون جوابا لمثل هذا اللفظ وكذا ما اشبه نعم مما يستعمل فى العادة. فلو امتثل ولم يقل نعم او نحوها لم يكن اقرارا الا من متعذر النطق اذ يحمل الامتثال بالفعل على أنه اجابة بالمصادقة على القول.
ولو قال المدعى عليه فى جواب طلب المدعى حقا قبله: ما أكثر ما تقاضانى. أو قد أهممتنى .. أو لست أجده اليوم. أو انا اقضيك غدا ان شاء الله أو بعده. أو قال بعد دعوى المدعى: اعطوه. أو مالك على سواه: أو رددته عليك. أو ردوه عليه - كان ذلك كله اقرارا .. وكذا اذا قال: ردوه عليه بعد موتى فانه يكون اقرارا ويرده عليه فى الحال. ما لم يعرف بقرينة او شئ انه يريد بهذا اللفظ الوصية فيكون وصية من الثلث لبعد موته .. اما ان قال: ابرئنى منه احتياطا أو أنا أقر بما تدعيه أو خذه. أو قال اعطوه ولم يسبق دعواه له.
لم يكن اقرارا. وكذا اذا انكر الشئ المدعى به ثم وضعه بين يدى المدعى لم يكن اقرارا واذا قال المقر: هذا الثوب لى. كان عند الصانع فلان صنعه أو خاطه ورده الى. كان ذلك اقرارا للصانع المذكور بثبوت اليد على الثوب. وكان نفيا ليد المقر عنه فيكون القول للصانع فى شأن هذا الثوب. واذا تداعى المقر والصانع فى الثوب وتنازعا فى ملكيته وجب على المقر أن يرد الثوب الى الصانع بعد أن أقر بيده عليه سابقا أو يبين أن الثوب ملكه ويقيم الدليل على ذلك .. وكذا لو قال المقر هذا لى باعه الى فلان او شريته من فلان أو ملكنى اياه أو وهبه لى أو نذره لى أو اوصى به الى. أو كان معه وديعة أو غصبا أو اجارة أو رهنا أو غير ذلك فانه يكون اقرارا منه باليد لمن كان الثوب فى يده من قبل .. وقيل انه يصدق فى ذلك كله. وان ادعى كل من هؤلاء أن الثوب له بين وأقام الدليل .. والمذهب الاول
(1)
.
وتعليق الاقرار بالشرط المستقبل والماضى يبطله نحو ان قدم زيد فله على ألف. أو ان طلق فلان زوجته فله على ألف وكان قد طلقها فى الماضى - اما تعليقه بالشرط الحال فلا يبطله لأنه يكون بمثابة التخيير نحو أن تقول فتاة ان كان ابى حاضرا بالمجلس فقد قبلت الزواج وابوها حاضر بالفعل وتعلم ذلك ..
وتقييد الاقرار بما فى الدار ونحوها كالحانوت والكيس يبطله اذا ظهر انها خالية من المقر به.
نحو أن يقول ما فى الدار أو ما فى الحانوت أو ما فى الكيس من ثياب فهو لك. وتبين ان الدار والحانوت والكيس خالية من الثياب ..
ولكن يصح تعليق الاقرار نحو أن يقول: ان مت فلفلان عندى ألف. فان الاقرار يكون صحيحا ويحمل على أنه وصية للمقر له بالألف ان عرف من الظروف المحيطة وقرائن الاحوال انه يريد بذلك الوصية فان لم يظهر أنه يريد
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 175، 177 والتاج المذهب ج 4 ص 55، 56.
الوصية أو ظهر أنه لا يريدها يكون هذا التعليق مبطلا للاقرار كالتعليق على أى شرط آخر.
ويستوى فيما ذكر أن يتقدم الشرط فى الكلام أو يتأخر حيث يبطل الاقرار فى التعليق بغير الموت أو بالموت اذا لم يقصد المقر الوصية.
لا يصح الاقرار فى التعليق بالموت عند ظهور قصد الوصية .. ويصح تقييد الاقرار بالوقت ولو جاء على صورة الشرط نحو أن يقول: اذا جاء رأس الشهر فعلى لفلان ألف فانه يصح الاقرار ويتقيد بالوقت كما يتقيد بالحال ..
غير انه اذا كان الشرط مجهولا لا يتعلق به غرض ولا يصح التأجيل لمثله فى باب الضمانات نحو ان شاء فلان او ان شاء الله أو ان هبت أو نزل المطر فان تقييد الاقرار به يبطله ويكون الاقرار باطلا. فاذا اراد به النذر فى هذه الحالة كان نذرا لانه صريح مشترك فى النذور والاقرار فلا يتعين الا باذنه والقول له. أما ان كان الشرط معلوما ويصح التأجيل لمثله فى باب الضمانات. نحو اذا جاء رأس الشهر او اذا جاءت القافلة فلفلان على كذا. فان الاقرار يكون صحيحا لجواز أن يكون عن ضمانة.
ولا يكون مغير ما قبل حصول الشرط. ويكون للمقر أن يرجع قبله لفظا أو فعلا لجواز أن يكون عن ضمان شئ لم يجب .. وقيل ان الاقرار فى مثل هذه الحالة يكون حالا ولا يتقيد بالوقت. وكأن هذا القائل يقول: يلغو الشرط ويصح الاقرار.
واذا قيد الاقرار بمرض معين متصلا بالاقرار نحو أن يقول: على لزيد ألف درهم من ثمن هذه الدار فان الاقرار يتقيد بذلك ويكون صحيحا ولا يلزمه تسليم الألف الا بتسليم الدار حيث لم يصادقه على البيع ..
فان كانت الدار غير معينة نحو أن يقول: على لفلان ألف درهم من ثمن دار صح الاقرار ولزمه تسليم دون توقف على تسليم الدار حيث لم يصدق المقر فيما ادعاه من أن الألف من ثمن دار وصل المعين بالاقرار أم فصله. أما لو لم يخرج مخرج الاقرار ولم يثبت الألف فى ذمته بل قال: اشتريت هذه الدار بألف فلا يلزمه الألف الا بتسليم الدار. لانه لم يقر الا بالثمن فى مقابلة المبيع ولم يقر بشئ.
واذا قال الخصم لخصمه: اذا لم آتك وقت كذا فلا حق لى عليك لم يكن ذلك كافيا فى براءة الخصم اذا تخلف عنه فى ذلك الوقت لأنه اقرار معلق على شرط فلا يصح. بخلاف ما اذا قال: اذا لم آتك وقت كذا فقد قطعت عنك كل حق أو كل دعوى. أو قد أبرأتك.
فأنه يبرأ اذا تخلف عنه لأنه ابراء معلق على شرط فيصح
(1)
.
واذا خير المقر فى اقراره نحو على لفلان كذا أو لا شئ - لم يلزمه شئ .. فان خير بين مالين صح الاقرار مع هذا التخيير ويرجع الى المقر فى تفسير أحد المالين مع يمينه اذا طلبها المقر له.
الاقرار بالمجهول:
ويصح الاقرار بالمجهول جنسه وقدره نحو أن يقول: لفلان على شئ .. ويصح بالمجهول جنسا. وان علم قدره نحو أن يقول: لفلان على مائة .. ويصح بالمجهول قدرا ونوعا وصفة وان علم جنسه نحو أن يقول: لفلان على دراهم ولا يبين قدرها ..
(1)
شرح الازهار ح 4 ص 177، 179 والتاج المذهب ج 4 ص 56، 58.
فاذا أقر بمجهول من ذلك فانه يتحتم على المقر أن يفسره بما أحب مما يقضى به العرف ..
ويقدم فى التفسير عرف المقر ثم عرف بلده ثم عرف منشئه كما فى الايمان. ويحلف على القطع أنه كذلك. ولا ترد هذه اليمين. وأقل ما يقبل فى التفسير ما يتموله ولو فلسا لا غيره كقشر البيض أو نحوه. فيصح لكل ما ينتفع به من عين كالكلب أو حق كالشفعة والرد بالعيب أو وديعة. فأن فسر بالسلام أو جواب كتاب أو حد قذف لم يقبل اذ ليس بمال ولا يؤول اليه ولو امتنع من التفسير أو من اليمين كلف ذلك قسرا. فان تمرد من التفسير أجبر عليه بحبس أو غيره لأنه لما أقر مختارا غير مكره لزمه باقراره حق. واذا لزم الحق صح اجباره على تعيينه بعد لزومه اذ الاجبار على مثل ذلك يصح .. هذا حيث لم يدع المقر له مالا معلوما والا فامتناعه عن اليمين يكون نكولا فيحكم عليه. فان مات ولا وارث له عين الحاكم الأقل ولا يمين عليه ..
واذا مات المقر بالمجهول فأنه يصدق وارثه حيث لا وصى. والا فسر بغالب ظنه وتلزمه اليمين ولا ترد كالمقر. وتكون على العلم. فان لم يكن له قصد ولم يعرف الوارث ما قصد وحلف ما غلب فى ظنه شئ - رجع فى تفسيره الى نظر الحاكم.
فان قال المقر: عندى له أو معى له مال كثير أو نحو ذلك كعظيم أو جليل أو خطير.
أو قال كقول العوام: له عندى من الحمد الى البقرة. أو من الذرة الى الفيل. فهو اسم لنصاب جنس فسر به من أى مال من الأنعام أو الذهب أو الفضة أو الحبوب أو غيرها، لا دونه. فلا يقبل تفسيره بدون النصاب من الجنس الذى يفسر به
…
وهناك فرق بين لفظ (على له) ولفظ (عندى له ..
أو معى له). فان قال: على له مال كثير وفسره بنصاب من الابل أو نحوها مما لا يثبت فى الذمة لم يقبل مع عدم العرف لأن ثبوت ذلك فى الذمة نادر. فلو فسره بخمسة أوسق قبل لأن ذلك يثبت فى الذمة .. وان قال:
عندى له أو معى له مال كثير قبل تفسيره بنصاب من أى جنس كان ولو مما لا يثبت فى الذمة او لا نصاب له نحو أن يفسر المال الكثير برأس من الخيل فانه يقبل اذا كانت قيمتها نصاب .. ومثل هذا الحكم يثبت فى الوصية والنذر والخلع لأن كلها تقبل الجهالة سواء كانت جهالة كلية أو بعضية بخلاف المهر فأنه لا يقبل الا نوع جهالة
…
واذا قال المقر:
له على أكثر مما فى يد زيد أو أكثر من مال زيد ثم فسره بأقل من مال زيد هذا قبل قوله مع يمينه لاحتمال انه اراد أكثر من مال زيد فى البركة .. أى ان قال أكثر من مال زيد قدرا أو عددا فانه لا يقبل منه التفسير الا بأكثر منه فى النذر أو العدد والقول قوله فى قدر مال زيد مع يمينه. والبينة على المقر له فى الزيادة فيه
(1)
.
انواع من الاقرار:
واذا قال المقر: عندى له. أو على له - غنم كثيرة ونحو ذلك - فدراهم كثيرة أو ابل كثيرة أو بقر كثيرة .. كان ذلك لعشر من الجنس الذى ذكره لا دونها اذ لا بد للكثرة من فائدة زائدة على مطلق الجمع .. والجمع لثلاثة فصاعدا .. فاذا قال: على له دراهم أو عندى له ثياب فانه لا يقبل تفسيره بدون الثلاثة
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 179، 180 والتاج المذهب ج 4 ص 58، 59.
لانها أقل الجمع. ولا فرق بين قوله: دراهم قليلة. وقوله: دراهم. وكذا لو قال: له على أقل أكثر الدراهم كان ذلك لثلاثة.
واما اذا قال: لفلان على كذا درهما.
أو لفلان على كذا كذا درهما بالتكرار بدون عطف. او قال: لفلان على كذا وكذا درهما بالتكرار مع العطف. او قال: لفلان على أقل الدراهم فان ذلك كله لدرهم واحد. ولا يصح تفسيره بأقل من درهم. الا اذا قال: له على أقل درهم فانه يصح تفسيره بثلث درهم ..
وقال البعض: اذا قال: له على كذا درهم بالجر لم يقبل تفسيره بدون المائة وهو أقل عدد يذكر بعده تمييز مجرور بالاضافة ولو قال: له على كذا درهما بالنصب لم يقبل تفسيره بأقل من عشرين وهو أقل عدد يذكر بعده تمييزه منصوبا .. ولو قال: له على كذا كذا درهما لم يقبل تفسيره بأقل من أحد عشر لأنه أقل عدد مركب من جزأين يذكر تمييزه منصوبا ..
ولو قال: له على كذا وكذا درهما لا يقبل تفسيره بأقل من واحد وعشرين لأنه أقل عدد مركب من جزأين معطوف أحدهما على الاخر وذكر بعده تمييزه مفردا منصوبا. واختار هذا فى البحر اما اذا قال: له على درهم ..
وأخواته لزمه أربعة دراهم .. فان قال: له على دراهم وأخواتها أو له على درهمين وأخواتهما لزمه ستة دراهم على المختار للمذهب. واذا قال:
لفلان على شئ وعشرة ولم يذكر الجنس فأنه يكون لما فسر به (شئ) مما يثبت فى الذمة من قليل وكثير. فيفسر الشئ بما يسمى شيئا.
والعشرة بعشرة أشياء من جنس ما فسر به الشئ .. فان قال: له عندى شئ. أو له عندى عشرة قبل تفسيره من أى مال كان سواء مما يثبت فى الذمة أو لا .. وان لم يفسر المقر لفظ بشئ أو لفظ عشرة فى الاقرار المذكور حتى مات أو جن أو تعذر منه التفسير - وجب للمقر له ما يسمى شيئا وما يسمى عشرة من أدنى مال مما له قيمة فى القيمى ولا يتسامح بمثله فى المثلى لأن الاقرار يحمل على الأقل.
واذا قال المقر: هذا الشئ لى ولزيد ..
أو بينى وبين زيد كان ذلك الشئ بينهما نصفين فان قال: لى ولزيد ولبكر كان بينهم ثلاثا ثم كذلك ما تعددوا
…
واذا قال: هذا الشئ بينى وبين زيد أرباعا كان للمقر ثلاثة أرباع ولزيد ربع.
وكذا اذا قال: أعشارا ونحوه. كان لزيد العشر فقط .. فان قال: شريت كذا لى ولاخوتى كان بينهم على سواء للعرف سواء أتى باللام القاسمة فى قوله: لى ولاخوتى ام لم يأت بها بل قال: لى واخوتى.
واذا قال: له على من احد الى عشرة ..
أو ما بين درهم وعشرة. كان ذلك لثمانية ويخرج الابتداء والغاية لأنهما حدان فلا يدخلان .. هذا من جهة اللغة. فان كان ثمة عرف خلاف ذلك عمل به. قال فى الانتصار فيه ثلاثة أوجه. وجه يلزمه ثمانية كما ذكر. ووجه تسعة ويدخل الابتداء لا الغاية. ووجه عشرة بدخولهما وهو المختار لأنه الظاهر فى العادة والسابق الى الافهام.
والأقرب من حيث اللغة انه يلزمه ثمانية. ومن حيث العرف انه يلزمه عشرة.
ولو قال: على لفلان درهم بل على له درهمان فانه يكون الاقرار للدرهمين .. ولا يلزمه الدرهم الأول الا أن يعين كأن يقول:
له على هذا الدرهم بل هذان الدرهمان فأنه
يلزمه ثلاثة دراهم .... واذا قال: له على درهم فدرهم لزمه درهمان .. وان قال: له على درهم فوق درهم او تحت درهم. أو مع درهم. او معه درهم او فوقه درهم. او تحته درهم. لم يلزمه فى ذلك كله الا درهم واحد لاحتمال ان هذه الاضافات الى نفسه والمراد تحته أو فوقه درهم لى. قال فى البيان:
لان الاصل بقاؤه على ملكه فلا يمكن اخراجه عن ملكه بالشك .. وان قال: له على درهم قبل درهم. أو بعد درهم فيلزمه درهم. وان قال: له على درهم فى عشرة لزمه درهم الا أن يقر بأنه أراد احدهما مضروبا كضرب الحساب فيلزمه حينئذ عشرة
…
والمعتبر دراهم البلد فان اختلفت فالغالب منها فان لم يكن ثمة غالب فبالأدنى منها فان لم يكن فيها دراهم فبالأدنى من دراهم أقرب بلد.
واذا قال: له على درهم بل مدان لزمه الدرهم والمدان. وكذا اذا قال: له على درهم بل دينار لزمه الدرهم والدينار. وكذا كل ما يختلف فيه الجنس أو النوع أو الصفة وضابطه اذا كان ما بعد بل مخالفا لما قبلها جنسا أو نوعا أو صفة أو كان ما قبلها معينا لزمه الكل .. واذا قال: له على مدان برا وشعيرا كان نصفين. وكذا الحكم فى مد بر أو شعيرا. والف درهم صحاح ومكسرة.
وألف مثقال ذهب وفضه يكون نصفين فى ذلك كله
(1)
.
الاستثناء:
ويعتبر تفسير المستثنى تفسيرا للمستثنى منه اذا كان مجهولا او مبهما بشرط أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه .. والمراد بالجنس هنا أن يكون المستثنى والمستثنى منه من جنس ما يثبت فى الذمة اذا كان المقر قد اتى فى اقراره بلفظ على - أو يكونا معا من جنس ما لا يثبت فى الذمة ان كان قد اتى بلفظ عندى - والا فلا يكون تفسيرا للمستثنى منه وهذا بناء على أصل اللغة - وأما على العرف فلا فرق فى لفظ على وعندى بينهما - ولا بد أن يكون المستثنى متصلا بالمستثنى منه بمعنى الا يفصل بينهما فاصل من سكوت وكلام اجنبى أو غير ذلك الا لضرورة كتنفس أو سعال أو بلع ريق أو نحو ذلك فلا يعتبر ذلك فاصلا ولا يضر .. وأن يكون المستثنى غير مستغرق للمستثنى منه. فمن قال: على لفلان مائة الا دينارا كان المستثنى وهو دينار تفسيرا للمستثنى منه وهو المائة وكان الكل دنانير. فان لم يتصل المستثنى أو كان مستغرقا كان باطلا فلا يكفى تفسيره فى تفسير المستثنى منه ويجب أن يفسر المائة بما احب ويؤدى للمقر له ما فسر به .. ومن قال: له على الف الا شيئا فان فسر الشئ بما يثبت فى الذمة توفر شرط اتحاد الجنس وكان تفسيرا للالف.
وان فسر الألف كان الشئ من جنسه .. وان قال: له على عشرة الا تسعة. الا ثمانية ..
الا سبعة .. الا ستة لزمه ثمانية جريا على قاعدة أن الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات .. أو على قاعدة أن كل استثناء يؤخذ بما قبله .. فستة تستثنى من سبعة يكون الباقى واحدا يستثنى من الثمانية يكون الباقى سبعة تستثنى من التسعة يكون الباقى اثنين تستثنى من العشرة يكون الباقى ثمانية .. وهو المقر به الذى يلزمه .. وكذا لو قال: له على عشرة الا سبعة الا خمسة لزمه ثمانية
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 180، ص 182 والتاج المذهب ج 4 ص 59، 61 وما بعدها.
على الاساس المتقدم
…
ولو قال: له على عشرة دراهم غير درهم فان رفع الراء فى غير لزمه احد عشر درهما اذ تكون غير صفة للعشرة والدرهم يكون غير .. وان نصب الراء فى غير لزمه تسعة دراهم لانها تكون للاستثناء .. فان التبس هل رفع الراء أو نصبه فلا يلزمه الا تسعة مع يمين المقر لأن الأصل براءة الذمة مما زاد.
واذا كان الاقرار مكونا من معطوف ومعطوف عليه نحو أن يقول: له على مائة ودرهم. فينظر. فان كان المعطوف مشاركا للمعطوف عليه فى الثبوت فى الذمة أو فى العدد أو فيهما معا. فان المعطوف يكون تفسيرا للمعطوف عليه. وان لم يشاركه فى واحد منهما لم يكن تفسيرا له.
وفى هذه المسألة أربع صور:
الأولى: أن يشتركا فى العدد وفى الثبوت فى الذمة نحو له على مائة وثلاثة دنانير. لأن المائة مما يثبت فى الذمة وكذا الدنانير. والمائة اسم عدد وكذلك الثلاثة - فيكون المعطوف تفسيرا للمعطوف عليه وتكون المائة من الدنانير.
الثانية: أن يشتركا فى العدد فقط نحو:
له على مائة وثلاثة اثواب. فانه عبر بلفظ على وهو لما يثبت فى الذمة والمائة تثبت فى الذمة وهو اسم عدد. والأثواب لا تثبت فى الذمة لانها اسم للعين ولكن لفظ ثلاثة اسم عدد فاشتركا فى العدد ولم يشتركا فى الثبوت فى الذمة.
الثالثة: أن يشتركا فى الثبوت فى الذمة دون العدد نحو: له على مائة ودينار لأن المائة تثبت فى الذمة وقد عبر بلفظ على وهو لما يثبت فى الذمة وكذا الدينار غير أن الدينار ليس فيه عدد فلم يشتركا فى العدد
وفى هذه الصور الثلاث يكون المعطوف تفسيرا للمعطوف عليه. فتكون المائة دنانير فى الأولى والثالثة وأثوابا فى الثانية والرابعة - ألا يشتركا فى واحد من الامرين الثبوت فى الذمة والعدد نحو: له عندى مائة وثوب. أو مائة وثوبان. أو مائة وثياب. فأنه عبر بلفظ عندى وهو لما لا يثبت فى الذمة فتكون المائة مما لا يثبت فى الذمة والثوب أو الاثواب أعيان لا تثبت فى الذمة. وليس فيها عدد فلا يكون المعطوف تفسيرا للمعطوف عليه. ولذلك يلزمه الثوب أو الأثواب ويرجع فى تفسير المائة اليه .. الا أن يقول: له عندى مائة وثوب واحد أو ثوبان اثنان فأنه يكون تفسيرا للمعطوف لأن هذا التحديد يشعر بأنه من جنس الأول
واذا كان المقر قد أقر بشئ لغيره ثم جهل المقر له ولم يستطيع التعريف به او مات قبل البيان ولم يستطع ورثته البيان فان هذا الشئ يصرف للفقراء أو للمصالح .. فاذا قال المقر لشئ فى يده: انه لغيره او انه عارية فى يده او نحو ذلك ثم جهل من هوله او مات قبل ان يبين من هو له. وجهل ورثة المقر مستحقه أى من هو له. فان هذا الشئ يصرف فى المصالح كالفقراء
واما اذا أيس من حياة المقر له فيصرف المقر به الى ورثة المقر له بعد مضى العمر الطبيعى
…
ومن أقر بأن فى بيته ثلاثة جذوع للمسجد. ثم مات قبل أن يعين هذه الجذوع الثلاثة فأنه يرجع فى تعيينها الى ورثة المقر فأن
عرفوها والا وآيسوا من معرفتها ضمنوا من تركته قيمة ثلاثة جذوع من أدنى ما فى بيته للمسجد. لأنه يترك البيان يكون قد استهلكها ووجب عليه الضمان
(1)
.
الرجوع عن الاقرار:
ولا يصح رجوع المقر عن اقراره بحال من الاحوال الا ان يكون الاقرار فى حق الله تعالى وكان هذا الحق مما يسقط بالشبهة كالاقرار بالزنا وشرب الخمر وما يوجب القطع فى السرقة. فأنه يصح الرجوع عن الاقرار بهذه الأشياء. ويسقط الحد فى الجميع.
ولكن لا يسقط الحق فيما يتعلق بالمال فى السرقة فلا يصح الرجوع عنه الا ان يصادق المقر له على الرجوع فيه ..
واما لو كان حقا لله تعالى ولكن لا يسقط بالشبهة كرقبة الوقف حيث كان الآدمى معين والزكاة والحرية الأصلية كهذا ابنى والطارئة كهذا عتيقى فأنه لا يصح الرجوع عن الاقرار بها .. وكذلك الاقرار فى سائر حقوق الآدميين المالية وغيرها كالنسب والنكاح والطلاق الرجعى فأنه لا يصح الرجوع عن الاقرار بشئ من ذلك. الا أن يصادق المقر له المقر على الرجوع. نحو ان يقر زيد بدين أو عين ثم يرجع عن الاقرار ويقول أنه اقرار غير صحيح ويصادقه المقر له على هذا الرجوع فحينئذ يصح الرجوع بمصادقة المقر له.
وكذلك ما أشبهه من الصور .. ومن هذا النوع الاقرار بالقذف. فانه اذا رجع عنه المقر وصادقه المقذوف على الرجوع صح الرجوع ويسقط الحد عن القاذف الراجع سواء كان الرجوع قبل المرافعة الى الحاكم او الامام او بعدها .. ويستثنى من صحة الرجوع عن الاقرار مع المصادقة ثلاث صور لا يصح الرجوع فيها وان تصادقا على صحة الرجوع
…
وهذه الصور هى:
الاولى: الاقرار بالطلاق البائن من ثلاث.
أو قبل الدخول أو خلع. فأنه لا يصح الرجوع عن الاقرار بذلك ولو صادقت الزوجة على الرجوع نظرا لحق الله تعالى فى الحل والحرمة وهو مما لا يسقط بالشبهة.
والثانية والثالثة: فى العتاق والرضاع اذا كان المقر بالرضاع هو الزوج فلا يصح من المقر الرجوع فيهما كالطلاق البائن .. فان كانت الزوجة هى المقرة بالرضاع ورجعت عن اقرارها صح الرجوع ما لم يصادقها الزوج على الاقرار فانه لا يصح الرجوع فيه لأنه يكون بمثابة اقراره وقد تقدم انه اذا كان هو المقر فلا يصح أن يرجع عن اقراره - لأن الاقرار منه بالحرمة كالطلاق البائن.
وليس من الرجوع عن الاقرار ان يقر بفعل لا يتبعض ثم يشرك غيره معه فى هذا الفعل فأنه لا يعتبر هذا الاشراك رجوعا عن الاقرار ولا يلتفت اليه .. فلو قال: سقت أنا وفلان أو سقنا انا وفلان بقرة فلان. أو ذبحت انا وفلان. او ذبحنا انا وفلان بقرة فلان. او قتلت انا وفلان أو قتلنا انا وفلان عبد فلان.
أو غصبت أنا وفلان أو غصبنا أنا وفلان دابة فلان - يعتبر قوله ذبحت أو ذبحنا بقرة فلان اقرارا بالذبح. ولا يعتبر قوله أنا وفلان رجوعا عن الاقرار يلغى الاقرار السابق وانما هو اقرار على الغير له حكم الدعوى. يرجع فيه الى هذا المدعى عليه. ان صادقه فيه أخذ معه بالفعل وان
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 182، 184 والتاج المذهب ج 4 ص 61، 63 وما بعدها ..
أنكر فعلى هذا المدعى أن يقدم البيان والدليل على ما يدعيه لأن الفعل الذى اعترف به وهو سوق البقرة أو غصبها أو سرقتها أو قتل العبد أو نحو ذلك فعل لا يتبعض بل يستقل به الواحد فيكون اقرارا به.
وأما اذا أقر بفعل يتبعض وأشرك غيره معه كقوله: أكلت أنا وفلان طعام فلان أو شربت أنا وفلان مشروب فلان فأنه لا يعتبر اقرارا بالاستقلال بالفعل بل يكون اقرارا بالاشتراك فيه مع الغير ولا يلزمه الا حصته فقط لان ذلك الفعل يتبعض ويكون من اكثر من واحد
…
ولو قال: الف دينار لفلان علينا ثلاثة نفر .. أو علينا ثلاثة نفر ألف دينار لفلان لزمه من الالف ثلثه بالاقرار فقط
وفى البحر. عن الهادى .. أنه اذا قال: على وعليهم. أو على وعلى فلان لزمه الكل .. وهو المختار .. والفرق بين المسألتين ان قوله على قد قطع بأنه عليه. وقوله بعد ذلك.
وعلى فلان اقرار على الغير كما قد ذكر مثل هذا فى كثير من الاقوال. كما فى المضاربة اذا قال العامل لمال معه - هذا مال المضاربة وفيه ربح. فانه يلزمه المال جميعه باقراره ..
ولا يصح قوله بعد ذلك (وفيه ربح) اذ به يبطل ما أقر به لأنه يحكم على اللفظ الأخير بالانفصال.
(1)
.
الاقرار بالزنا:
ومتى ثبت الزنا
(2)
باقرار الشخص فأنه لا يحد الا بشروط ستة:
الاول: ان يقر به مفصلا نحو ان يقول:
زنيت بفلانة أو زنيت وأطلق مفسرا له بالايلاج فى فرج من لا شبهة له فى وطئها.
الثانى: ان يكون مختارا غير جاهل لتحريم المرأة.
الثالث: ان يقر اربع مرات فلو اقر دونها لم يحد وسواء كان حرا أو عبدا فلا ينصف الاقرار كالحد.
الرابع: أن يضيف الاقرار الى امرأة واحدة فى زنى واحد. فلو أضاف كل اقرار الى امرأة غير الأخرى لم يحد. وكذا لو أضاف الى امرأة واحدة. وهو الى أفعال متفرقة لم يحد.
الخامس: أن يكون الاقرار فى اربعة من مجالسه أى مجالس المقر. ولو اتحد مجلس المقر عنده كالحاكم. وصورته أن يقر فى المجلس ثم يخرج منه ان كان فى العمران أو يذهب الى حيث لا يسمع الجهر المتوسط فى غيره ثم يعود فيقر المرة الثانية ثم كذلك حتى تكمل الاربع المرات. فلو أقر اربعا فى مجلس واحد لم يحد وان تعدد مجلس الحاكم كما لو كان يخرج الحاكم ثم يعود.
السادس: أن يكون ذلك الاقرار عند من اليه الحد أو عند الشهود فلو أقر عند شخص غير من ذكر أو عند ثلاثة ولو أربع مرات فى أربعة مجالس فأنه لا يحد.
ولو اقر انسان بالزنا عند اربعة رجال فأن كانوا مجتمعين فلابد ان يقر عندهم فى أربعة من مجالسه .. وان كانوا متفرقين وأقر عند كل واحد منفردا فلابد ان يقر عنده
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 184، 185 والتاج المذهب ج 4 ص 63، 65.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 337 وما بعدها والتاج المذهب ج ص 209 وما بعدها.
اربع مرات من مجالسه ثم يشهدون عليه. فان كانوا حكاما واليهم الحد اقام الحد عليه احدهم
…
فلو اقر بالزنا بامرأة لا يعرفها ولا الحاكم فانه يحد بخلاف الشهود، ولو شهدوا عليه أنه زنى بامرأة لا يعرفونها فأنه لا يحد لجواز أن تكون الموطؤة زوجته أوله شبهة فى وطئها كأنه الابن ونحوها - واذا اقر بعد الشهادة كان الحكم للاقرار لا للشهادة.
الاقرار بالشرب:
ويثبت
(1)
بشهادة عدلين أو باقراره مرتين .. فأن أقر قبل الشهادة فلا تسمع الشهادة مع الاقرار لانها لا تكون الا على منكر وان اقر بعد الشهادة فلا حكم للشهادة وكان الحكم للاقرار. فان كان اقراره مرتين حد به وان كان مرة فلاحد عليه لبطلان الشهادة بالاقرار - ويعتبر الاقرار مرتين ولو فى مجلس واحد ويحتمل ان يعتبر مجلسان.
الاقرار بالسرقة:
ويشترط
(2)
للحد فى السرقة شروط منها أن يكون قد ثبت بأحد طريقين اما بشهادة عدلين أصلين أو اقراره مرتين ولو فى مجلس واحد أنه سرق. فلو شهد رجل وامرأتان لم يثبت الحد. وكذا لو اقر مرة واحدة لم يلزمه الحد. ويلزمه المال. وكذا اذا أقر مرة بعد الشهادة بطلت الشهادة ولزم القطع.
مذهب الإمامية:
تعريف الاقرار:
جاء فى كلام صاحب الروضة البهية اثناء الكلام على تعليق صيغة الاقرار على المشيئة - أن الاقرار وهو اخبار جازم عن حق لازم سابق على وقت الصيغة وهذا التعريف جامع لعناصر الاقرار الأولية. وهى المقر المخبر بالحق والمقر له صاحب الحق المخبر عنه.
والمقر به وهو الحق اللازم السابق ثبوت الملك فيه على الصيغة والصيغة التى حصل بها الاخبار .. ولوحظ فى التعريف ان يكون الاخبار جازما لا شك فيه ولا تردد ومن ثم قالوا انه لا يصح تعليق الاقرار على المشيئة لان ذلك يقتضى الشك والاخبار لا بد ان يكون جازما.
كما لوحظ فيه أن يكون ثبوت ملك المقر له فى المقر به سابقا على صيغة الاقرار ومن ثم لم يجوزوا اضافة ملك المقر به الى المقر منعا للتناقض اذ لا يجتمع مالكان مستوعبان على شئ واحد فى وقت واحد.
هل الاقرار اخبار او انشاء:
وعبارة التعريف صريحة فى ان الاقرار اخبار وليس بانشاء. وظاهر أنه يترتب على اعتباره اخبارا آثار وأحكام غير التى تترتب على اعتباره انشاء.
حجية الاقرار:
لم يشر الإمامية الى الأدلة التى تدل على اعتبار الاقرار حجة يثبت بها الحق. لان ذلك من الوضوح والتسليم به بحيث لا يحتاج الى بيان.
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 361 وما بعدها.
والتاج المذهب ج 4 ص 233.
(2)
شرح الازهار ج 4 ص 364، 365 والتاج المذهب ص 235.
ما يكون به الاقرار:
جاء فى المختصر النافع الطبعة الثانية فى أول كتاب الاقرار ولا يختص لفظا.
وتقوم مقامه الاشارة
…
ويؤخذ من هذا ان الاقرار يكون باللفظ اساسا واصالة.
وتقوم مقامه الاشارة ولكن هل من العاجز عن النطق أو مطلقا؟
شروط الاقرار:
شروط صحة الاقرار كثيرة منها ما يرجع الى المقر. ومنها ما يرجع الى المقر له. ومنها ما يرجع الى المقر به. ومنها ما يرجع الى صيغة الاقرار.
الشروط التى ترجع الى المقر:
يشترط لصحة الاقرار فى المقر.
ما يأتى:
(1)
البلوغ: لأن هذا مناط التكليف وكون عبارته موضع الاعتبار شرعا وتنبنى عليها الاحكام. ويقول صاحب الروضة فى بيان هذا الشرط انه لا عبرة باقرار الصبى وان بلغ عشر سنين ان لم تجز وصيته ووقفه وصدقته
…
ولو أقر بالبلوغ استفسر فأن فسره بالامناء قبل مع امكانه ولا يمين عليه حذرا من الغرور.
لان توجه اليمين عليه وصحته منه متوقف على البلوغ. ولو توقف بلوغه على حلفه اليمين للزم الدور حيث يكون كل منهما متوقفا على الاخر .. وقد قال بعضهم: ان يمينه متوقف على امكان بلوغه. والتوقف على اليمين هو وقوع البلوغ بالفعل فتغايرت الجهة. ورد هذا بأن امكان البلوغ غير كاف شرعا فى اعتبار أفعال الصبى وأقواله التى منها يمينه بل لا بد لاعتبار ذلك منه من تحقق البلوغ بالفعل - ومثله اقرار الصبية بالبلوغ وتفسيره بالحيض يقبل منها مع الامكان ولا يمين عليها مثله وان ادعى البلوغ بالسن لا يقبل منه ويكلف اقامة البينة عليه لامكان ذلك سواء فى ذلك الغريب والمقيم. والخامل والنابه الذكر وغيرهم خلافا للتذكرة حيث الحقهما فى ادعاء البلوغ بالسن بمدعى الاحتلام لتعذر اقامة البينة عليهما غالبا. ولكن محله ليس من العورة ولو سلم أنه منها فهو موضع حاجة ولم يذكر حكم اقرار الصبى المميز المأذون له فى التجارة هل يقبل او لا يقبل ومدى ما يقبل فيه ان كان.
(2)
العقل: لانه اساس التكليف. ولا اعتبار لقول غير العاقل ولا يثبت له حكم كالبيع والطلاق. وقد قال صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ. وعن المجنون حتى يفيق. وعن النائم حتى يستيقظ وقال صاحب الروضة: ولا عبرة بأقرار المجنون الا من صاحب التردد وقت الوثوق بعقله - أى الذى يجن ويفيق فى ادوار معروفة فلا يعتبر اقراره الا فى حالة افاقته والوثوق بعقله.
(3)
أن يكون قاصدا للاقرار .. فلو كان غير قاصد له كالنائم والهازل والساهى والغالط فلا عبرة بأقراره وقد نص الحديث السابق على رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ ولو ادعى المقر أحد هذه العوارض والاسباب ففى تقديم قوله عملا بالظاهر أو قول الاخر عملا بالاصل وجهان. ومثله دعواه بعد البلوغ وقوعه حالة الصبا ودعوى المجنون وقوعه حالة الجنون مع العلم بأنه كان موجودا قبل
الاقرار. فلو لم يعلم له حالة جنون حلف نافيه وصدق
…
والاقوى عدم القبول فى الجميع.
(4)
ان يكون مختارا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولانه قول اكره عليه بغير حق فلم يصح كالبيع .. ويقول صاحب الروضة البهية: انه لا عبرة باقرار المكره فيما اكره على الاقرار به الا مع ظهور امارة أنه مختار فى الاقرار كأن يكره على أمر فيقر بغيره أو بأزيد منه كأن يكره على الاقرار بفرس فيقر بجارية أو بمبلغ من المال. أو يكره على الاقرار بمائة درهم فيقر بمائة دينار.
(5)
أن لا يكون محجورا عليه للسفه.
اما المحجور عليه للفلس فأن المعتبر عندهم أنه مانع من الاقرار بالعين دون الدين. ولذلك لم يجعل شرطا فى صحة الاقرار لصحة اقراره بالدين .. ويقول صاحب الروضة فى هذا الشرط أن الحجر للمفلس تقدم اختيار البعض أنه مانع من الاقرار بالعين دون الدين. ولذا لم يذكر هنا. أما الخلو من السفه فهو شرط فى الاقرار المالى. فلو اقر بغير المال كجناية توجب القصاص ونكاح وطلاق قبل. ولو اجتمع المال وغير المال فى اقرار واحد قبل فى غير المال. كالاقرار بالسرقة بالنسبة الى القطع فيقبل فيه ولا يقبل بالنسبة للمال. ولا يلزم بعد زوال حجره ما بطل قبله. وكذا يقبل اقرار المفلس فى غير المال بغير مطلقا اى أن اقراره بالمال غير مقيد قبوله بشئ بخلاف الاقرار بالمال. فأنه قد يكون بعين وقد يكون بغيرها. وقد يعتبر رضا الغرماء وقد لا يعتبر. وغير المال لا يعتبر فى قبول الاقرار به شئ من ذلك ولا يختص بشئ دون شئ.
(6)
وقد قال الإمامية ان المريض مرض الموت اذا كان متهما فى اقراره. يكون اقراره صحيحا ولكن يعتبر تنفيذه من ثلث التركة فقط لا من رأس المال كله. وهذا اذا مات المريض فى مرضه هذا الذى أقر فيه. فان برئ منه نفذ اقراره من رأس المال كله. ولا فرق فى ذلك بين ان يكون الاقرار لوارث او لاجنبى. وان لم تكن هناك تهمة ظاهرة فى الاقرار نفذ من الاصل على اصح الاقوال سواء مات المريض فى مرضه الذى اقر فيه أو برئ منه - ومعنى هذا ان الإمامية يشترطون فى المقر المريض الا يكون متهما فى اقراره ولكنهم يجعلونه شرطا لنفاذ اقرار المريض مرض الموت من رأس مال التركة. بينما من يشترط هذا الشرط من الفقهاء فى المقر يجعله شرطا فى صحة الاقرار أصلا .. والتهمة عندهم هى الظن الغالب بأنه انما يريد بالاقرار تخصيص المقر له بالمقر به.
وأنه فى نفس الامر كاذب. ولو اختلف المقر له والوارث فى التهمة وقيامها فعلى المدعى لها البينة لان الاصل عدمها .. والبينة لاثبات خلاف الظاهر. وعلى المنكر لها اليمين لان القول قول المنكر بيمينه اذا لم تكن هناك بينة ويكفى فى يمين المقر له ان يحلف على نفس العلم بالتهمة لا على الثبات وعدم قيامها فيحلف أنه لا يعلم التهمة قائمة لا انها ليست حاصلة فى نفس الامر لابتغاء الاقرار على الظاهر ولا يكلف الحلف على استحقاق المقر به من حيث انه يعلم بوجه استحقاقه لان ذلك غير شرط فى استباحة المقر به. بل له أخذه ما لم يعلم بفساد السبب.
(7)
الا يكذبه ظاهر الحال فى اقراره.
فلو اقر لمن لا يولد مثله لمثله بأنه ابنه لا يصح الاقرار ولا يثبت به النسب لأن الظاهر يكذبه فى هذا الاقرار وكذلك لو اقر الصغير الضعيف بالبلوغ لا يقبل منه لأن الظاهر يكذبه .. ولو اقر بأن فلانا اقرضه مائة جنيه فى يوم كذا من شهر كذا من عام كذا وقد مات فلان المذكور قبل هذا التاريخ - لا يصح هذا الاقرار ولا يلزم المقر بشئ مما اقر به لان الواقع يكذبه فى اقراره. ولو اقر لوارث بأكثر من نصيبه المفروض شرعا كما لو خلف الميت ابنا وبنتا فأقر الابن بأن التركة بينهما مناصفة لا يصح الاقرار ولا يلزم به لان الشارع يكذبه فيه.
شروط المقر له:
ويشترط لصحة الاقرار فى المقر له ما يأتى:
(1)
ان يكون أهلا للتملك. فلو اقر لحائط أو دابة لا يصح ويلغوا الاقرار ولا يلزم المقر بشئ لان الحائط والدابة ليستا أهلا للتملك.
(2)
الا يكذب المقر فيما اقر به. فلو اقر انسان لآخر بمائة درهم فكذبه المقر له فى اقراره بطل الاقرار ولا يلزم المقر بشئ.
(3)
ان يكون صالحا لتملك المقر به شرعا.
فلو اقر انسان لمسلم بخنزير او بخمر غير محترمة كان الاقرار باطلا لان المسلم لا يملك الخمر ولا الخنزير ولا يصلح لتملكها شرعا.
قال فى الروضة.
(1)
.
شروط المقر به:
ويشترط لصحة الاقرار فى المقر به ما يأتى
(1)
أن يكون مما يتمول عرفا ويجرى فيه التمانع عادة فلو كان المقر به تافها لا يتمول عادة كقشرة جوز وحبة دخن أو لا يجرى فيه التمانع عادة كحبة حنطة أو شعير. لا يصح الاقرار به ولا يلزم المقر بشئ. قال صاحب الروضة: ولو أقر بلفظ مبهم صح اقراره والزم تفسيره .. واللفظ المبهم كالمال والشئ ومال اى مال .. ويقبل تفسيره بما قل لان كل مال عظيم خطره شرعا كما ينبه عليه كفر مستحله فسيقبل التفسير بالقليل. ولكن لا بد من كونه مما يتمول أى يعد مالا عرفا لا كقشرة جوزة أو حبة دخن أو حنطة اذ لا قيمة لذلك عادة ..
وقيل يقبل التفسير بذلك لأنه مملوك شرعا ..
والحقيقة الشرعية مقدمة على العرفية. ولتحريم اخذه بغير اذن مالكه. ووجوب رده ..
ويشكل هذا بأن الملك لا يستلزم اطلاق اسم المال شرعا. والعرف يأباه.
(2)
ان يكون مالا فى نظر الشرع اذا كان المقر له مسلما فلو أقر لمسلم بخمر أو خنزير لا يصح الاقرار شرعا لان المقر ليس بمال شرعا بالنسبة للمسلم.
شروط الصيغة:
يشترط لصحة الاقرار فى الصيغة ما يأتى:
(1)
ألا تكون معلقة على المشيئة فلو علقت على المشيئة كقوله: لك على مائة درهم ان شئت أو ان شاء زيد أو ان شاء الله تعالى بطل الاقرار ان اتصل الشرط بالاقرار. لأن الاقرار اخبار جازم بالحق المقر به والتعليق ينطوى
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 213.
على انتفاء الجزم فى المعلق أما اذا لم يتصل الشرط بالاقرار بأن فصل بينهما فان الاقرار يصح ويلغوا التعليق واذا علق الاقرار على مشيئة الله تعالى وقصد مجرد التبرك بذكرها فلا يضر ولا يبطل الاقرار لانه لا يكون تعليقا حقيقا.
ولا يكون هنا منافاة للجزم الملاحظ فى الاقرار واما اذا علق الاقرار بشهادة الغير. فقال:
ان شهد فلان على بكذا فهو لك فى ذمتى. أو قال: ان شهد لك فلان على بكذا فهو صادق.
فقد وقع فيه خلاف فقيل يبطل الاقرار بهذا التعليق وهو الأقرب لجواز أن يعتقد استحالة صدقه لاستحالة شهادته عنده. وقيل لا يبطل الاقرار لانه على ثبوت الحق على الشهادة وذلك لا يصدق الا اذا كان ثابتا فى ذمته الآن وحكم بصدقه على تقدير شهادته. ولا يكون صادقا الا اذا كان المشهود به فى ذمته لوجوب مطابقة الخبر الصادق لمخبره بحسب الواقع.
قال فى الروضة: - ولو علق الاقرار بالمشيئة كقوله: ان شئت أو ان شاء زيد. أو ان شاء الله تعالى بطل الاقرار ان اتصل الشرط لان الاقرار اخبار جازم عن حق لازم سابق على وقت الصيغة. فالتعليق ينافيه لانتفاء الجزم فى المعلق الا أن يقصد فى التعليق على مشيئة الله التبرك فلا يضر. وقد يشكل البطلان فى التعليق على مشيئة العبد بأن الصيغة قبل التعليق تامة الافادة لمقصود الاقرار فيكون التعليق بعد هذه الصيغة التامة الافادة كتعقيب الاقرار بما ينافيه فكان ينبغى ان يلغوا المنافى ويصح الاقرار كما هو الحال فى تعقب الاقرار بالمنافى لا أن يلغوا الاقرار والاعتذار يكون هذا الكلام كالجملة الواحدة لا يتم الا بآخره وارد فى التعقيب بالمنافى مع حكمهم بصحة الاقرار فيه - وقد يفرق بين المقامين بأن المراد بالمنافى الذى لا يسمع ولا يؤثر فى الاقرار - ما وقع بعد تمام الصيغة جامعة لشرائط الصحة. وهنا فى التعليق على المشيئة ليس كذلك لان من جملة الشرائط التخيير وهو غير متحقق فى التعليق فتلغوا الصيغة.
ولو علق الاقرار بشهادة الغير فقال:
أن شهد فلان على بكذا فهو لك فى ذمتى ..
أو على كذا أن شهد لك به فلان أو قال: ان شهد لك فلان على بكذا فهو صادق أو فهو صدق أو حق أو لازم لذمتى ونحو ذلك.
فلأقرب البطلان .. وان كان قد علق ثبوت الحق على الشهادة. وذلك لا يصدق الا اذا كان ثابتا فى ذمته الآن وحكم بصدقه على تقدير الشهادة. ولا يكون صادقا الا اذا كان المشهود به فى ذمته لوجوب مطابقة الخبر الصادق لمخبره بحسب الواقع اذ ليس للشهادة اثر فى ثبوت الصدق ولا عدمه. فلولا حصول الصدق عند المقر لما علقه على الشهادة لاستحالة أن تجعله الشهادة صادقا وليس بصادق واذا لم يكن للشهادة تأثير فى حصول الصدق - وقد حكم به المقر - وجب ان يلزمه المال .. وانما كان الاقرب البطلان لجواز أن يعتقد المقر استحالة صدقه لاستحالة شهادته عنده. ومثل ذلك فى محاورات العوام كثير .. يقول احدهم: ان شهد فلان أنى لست لأبى فهو صادق. ولا يريد بذلك الا انه لا تصدر الشهادة من فلان هذا بأنه ليس لأبيه للقطع بعدم تصديقه اياه على كونه ليس لأبيه. وغايته قيام الاحتمال. وهو كاف فى عدم اللزوم وعدم صراحة الصيغة فى المطلوب مقتصرا بأصالة براءة الذمة.
(2)
أن تكون الصيغة مقيدة ثبوت المقر به صراحة على سبيل الجزم. فلو كانت مشتملة على ما يفيد الشك والاحتمال كان الاقرار باطلا ولا يؤاخذ به المقر ولا يلزم بشئ سواء كان هذا الاحتمال آتيا من جهة وضع الالفاظ ومعانيها اللغوية أو من جهة الاستعمال العرفى الذى يجرى الاقرار على أساسه لا على دقائق اللغة واعتباراتها الدقيقة - وقد نقلنا قريبا فى الكلام على الشرط السابق قول صاحب الروضة: «وغايته قيام الاحتمال فى الصيغة وهو كاف فى عدم لزوم المال المقر به وعدم صراحة الصيغة فى المطلوب .. » وهو واضح فى انه يلزم لدلالة الصيغة على المطلوب أن تكون صريحة فى دلالتها على المطلوب وغير محتملة شيئا اخر ..
يضاف الى ذلك قوله فى موضع آخر: ولو قال شخص لآخر: لى عليك ألف. فقال له المدعى عليه: زنه او انتقده أو انا مقر. ولم يقل به. لم يكن ذلك اقرارا بالحق المدعى به .. اما الاولان فلانتفاء دلالتهما على الاقرار واما الاخير - أى أنا مقر - فأنه مع انتفاء احتمال كونه وعدا بالاقرار فى المستقبل - ويحتمل كون المقر به المدعى وغيره. فأنه لو وصل به قوله. أنا مقر بالشهادتين أو ببطلان دعواك. لم يختل اللفظ لان المقر به غير مذكور فجاء تقديره بما يطابق المدعى وغيره متعضدا بأن الأصل براءة الذمة.
ويحتمل عنده اقرارا لأن صدوره عقب الدعوى قرينة صرفه اليها
…
وقيام الاحتمال يمنع لزوم الاقرار بذلك
…
وهذا ظاهر فى ان احتمال الصيغة لمعنى آخر غير الاقرار يجعلها غير دالة على الاقرار.
وصيغة الاقرار هى:
لفلان عندى كذا أو لفلان على كذا. أو هذا البيت لفلان أو هذا البستان له.
أو نحو ذلك مما يدل على الاخبار الجازم يحق عليه أو ملك عنده لآخر سابق على وقت الاقرار .. واذا قال: دارى أو بستانى لفلان - اختلف فيه. هل يصح الاقرار أو يكون باطلا. قيل أنه يكون باطلا لأن مقتضى اضافة المقر البيت أو البستان الى نفسه أن يكون مملوكا له. ومقتضى الاقرار ان يكون الملك فى البيت والبستان ثابتا للمقر له قبل صيغة الاقرار ولا يمكن ان تجتمع ملكان مستوعبان على شئ واحد فى وقت واحد اذ يقتضى ذلك اجتماع النقيضين وهو محال .. وقيل ان الاقرار يكون صحيحا وهو الاقوى لان التناقض انما يتحقق مع ثبوت الملك للمقر والمقر له فى الواقع ونفس الأمر.
أما اذا ثبت الملك لاحدهما فى الظاهر وللآخر فى الواقع ونفس الامر فلا يتحقق اجتماع النقيضين لان الجهة تكون مختلفة. فأن الاخبار بثبوت ملك المقر له بمقتضى الاقرار يقتضى ثبوت ملكه فى الواقع سابقا على الاقرار وأضافة المقر المقر به الى نفسه محمول على الظاهر لانه المطابق لحكم الاقرار. اذ لابد فى الاقرار من كون المقر به تحت يد المقر.
وذلك بمقتضى كونه ملكا له فى الظاهر ولان الاضافة يكفى فيها أدنى ملابسة مثل قوله تعالى: «وأحصوا العدة واتقوا الله لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة» .. فأن المراد بيوت الأزواج. وأضيفت الى الزوجات بملابسة السكنى. ولو كانت البيوت ملكا لهن لما جاز اخراجهن منها مطلقا حتى فى حالة اتيانهن الفاحشة .. وكما
يقال - شهادة الله. ودين الله
…
وهذه الاضافة لو كانت مجازا لوجب الحمل عليه لوجود القرينة الصارفة عن الحقيقة والمعينة للمجاز. لان الحكم بصحة اقرار العقلاء مع الاتيان باللام او الاضافة المقيدة للملك والاستحقاق. قرينة على أن نسبة المال المقر به الى المقر بحسب الظاهر
…
وفرق البعض بين أن يقول المقر: ملكى لفلان .. ودارى لفلان. فحكموا بالبطلان فى الاول وتوقفوا فى الثانى لان اضافة الدار تحصل لغير الملك كالسكن فيقول المستأجر للسكن دارى بخلاف ملكى. فأنه نص فى الملكية
…
والاقوى عدم الفرق ويحمل على ما سبق ذكره. وليس منه ما لو قال: مسكنى لفلان. فانه يقتضى الاقرار قطعا لان اضافة السكنى لا تقتضى ملكية العين المسكونة لجواز ان يسكن الانسان ملك غيره .. ومن صيغ الاقرار أن يقول: له فى ذمتى كذا أو له قبلى كذا.
ويدل على الاقرار ويعتبر صيغة من صيغة ما اذا قال انسان لآخر: لى عليك ألف درهم فقال المخاطب فى جواب ذلك: نعم. أو أجل أو بلى. أو أنا مقر به - كان اقرارا ولزمه الألف - أما جوابه بنعم فظاهر لانها بعد الخبر حرف تصديق وان كان الكلام استفهاما محذوف الهمزة فهى معبرة للاثبات. لأن الاستفهام عن الماضى اثباته بنعم ونفيه بلا .. وأجل للتصديق مثل نعم .. وأما بلى فانها وأن كانت لابطال النفى. ألا ان الاستعمال العرفى جوز وقوعها فى جواب الخبر المثبت كنعم فتدل عرفا على الاثبات .. والاقرار جاء على العرف وما يقتضيه لا على دقائق اللغة .. واذا قلنا ان الكلام استفهام محذوف الهمزة فقد وقع استعمال بلى فى جوابه لغة وان كان ذلك قليلا ومن ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم لاصحابه: «أترضون أن تكونوا من أرفع أهل الجنة» . قالوا بلى. والعرف قاض.
والاقرار جاء على مقتضى الاستعمال العرفى كما قلنا
…
وأما قول المخاطب فى جواب المدعى بقوله - أنا مقر به. فأنه وان احتمل كونه مقرا به لغيره وكونه وعدا بالاقرار من حيث أن مقرا اسم فاعل يحتمل الاستقبال. الا انه مشتمل على ضمير والمتبادر منه كون هذا الضمير عائدا الى ما ذكره المقر له .. والمتبادر كذلك كونه اقرار بالفعل عرفا .. والمرجع فى الاقرار العرف كما ذكرنا. ومثل قوله. انا مقر به وأن يقول: أنا مقر بدعواك. أو مقر بما ادعيت أو لست منكرا لما أوصيت لدلالة العرف.
ولو قال المخاطب فى الجواب: زنة أو انتقده. أو انا مقر. ولم يقل به. لم يكن ذلك اقرارا ولا يلزمه شئ. اما الاولان - زنه وأنتقده - فلانتفاء دلالتهما على الاقرار .. وأما الاخير فأنه مع انتفاء احتماله الوعد بالاقرار يحتمل ان يكون اقرارا بالمدعى وبغيره. فأنه لو صل به الشهادتين أو ببطلان دعواك. فقال: انا مقر بالشهادتين. أو أنا مقر ببطلان دعواك لم يختل اللفظ لان المقر به غير مذكور فى الجواب. فجاء تقديره بما يطابق المدعى وغيره متعضدا بأن الاصل براءة الذمة. ويحتمل أن يكون اقرارا بالمدعى لأن صدوره عقب الدعوى قرينة صرفه اليها.
وقيام الاحتمال يمنع لزوم الاقرار بذلك.
ولو قال: أليس لى عليك كذا فقال المدعى عليه: بلى كان اقرارا. لان بلى. حرف
يقتضى ابطال النفى سواء كان مجردا نحو قوله تعالى: «زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن» أو مقرونا بالاستفهام الحقيقى كقول المدعى: أليس لى عليك كذا أو بالاستفهام التقريرى نحو قوله تعالى: «كلما القى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير؟ قالوا: بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ» وقوله تعالى: «: واذا أخذ ربك من بنى أدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم. قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين» فقول المخاطب بلى رد لقول المدعى: ليس لى عليك كذا الذى دخل عليه حرف الاستفهام ونفى له. ونفى النفى اثبات فيكون اقرارا ..
وكذا لو قال نعم على الاقوى. لقيامها مقام بلى لغة وعرفا .. والقول الاخر انه لو قال:
نعم. لم يكن اقرارا لان نعم حرف تصديق كما مر فاذا ورد على النفى الداخل عليه حرف الاستفهام كان تصديقا له فينا فى الاقرار ..
ولهذا نسب الى ابن عباس رضى الله عنهما.
أن المخاطبين بقوله تعالى «ألست بربكم.
قالوا بلى». لو قالوا نعم كفروا - فيكون التقدير فى المثال: نعم ليس لك على فيكون انكارا لا اقرارا .. وأجيب من قبل اصحاب الرأى الاول: بأن نعم قد استعملت فى المعنى الآخر لغة واشتهرت فيه عرفا. وما حكى عن ابن عباس مردود. وحيث ظهر ذلك عرفا ووافقته اللغة رجح هذا المعنى وقوى كونه اقرارا. ويستتبع الكلام فى الصيغة بيان اللغة التى يكون بها الاقرار. وفى هذا يقول صاحب الروضة: ويصح الاقرار بالعربية وغيرها لاشتراك اللغات فى التعبير عما فى الضمير والدلالة على المعانى الذهنية بحسب المواضعة - الوضع - لكن يشترط فى تحقيق اللزوم علم المتلفظ بالوضع. فلو أقر عربى بالعجمية أو بالعكس وهو لا يعلم مؤدى اللفظ الذى حصل به الاقرار لم يقع ولا يعتبر اقرارا ويقبل قوله فى عدم العلم ان امكن فى حقه أو صدقه المقر له عملا بالظاهر من كونه لا يعرف غير لغته واعتمادا على الاصل من عدم تجدد العلم بغير لغته .. والمعتبر فى الالفاظ الدالة على الاقرار افادتها له عرفا وان لم يقع على القانون العربى .. وقلنا باعتبار القانون العربى فى غير الاقرار من العقود والايقاعات اللازمة لان هذه تتوقف على النقل. ومن ثم لا تصلح بغير العربية مع امكانها.
الاقرار بالمجهول والمبهم:
واطلاق
(1)
الكيل أو الوزن فى الاقرار كأن قال: له عندى كيل حنطة أو وزن سمن يحمل على الكيل والوزن المتعارف فى البلد الذى فيه المقر. وان خالف بلد المقر له فى ذلك .. فأن تعدد المكيال والميزان فى بلده عين المقر ما شاء منها ما لم يغلب احدها فى الاستعمال على الباقى فيحمل على الغالب ..
ولو تعذر استفسار المقر فيحمل على المتيقن وهو الاقل .. وكذا القول فى النقد ..
ولو أقر بلفظ مبهم صح اقراره وألزم تفسيره .. واللفظ المبهم كالمال والشئ والجزيل والعظيم والحقير والنفيس ومال أى مال .. ويقبل تفسيره بما قل. لان كل مال
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 216.
عظيم خطره شرعا كما ينبه عليه كفر مستحله فيقبل فى هذه الاوصاف التفسير بالاقل ..
ولكن لا بد من كونه مما يتمول أى يعد مالا عرفا. لا كقشرة جوزة أو حبة دخن أو حنطة اذ لا قيمة لذلك عادة. وقيل يقبل تفسيره بذلك لانه مملوك شرعا .. والحقيقة الشرعية مقدمة على العرفية. ولتحريم آخذه بغير اذن مالكه ووجوب رده .. ويشكل بأن الملك لا يستلزم اطلاق اسم المال شرعا. والعرف يأباه نعم يتجه ذلك تفسيرا للشئ وان وصفه بالاوصاف العظيمة لما ذكر .. ويقرب منه ما لو قال: له على حق وفى قبول تفسير الشئ والحق برد السّلام والعبادة وتشميت العطاس وجهان من اطلاق الحق عليهما فى الاخبار فيطلق الشئ لانه اعم ومن انه خلاف المتعارف ..
وبعدها عن الفهم فى معرض الاقرار وهو الاشهر .. ولو امتنع المقر عن التفسير حبس وعوقب عليه حتى يفسر لوجوبه عليه .. ولو مات قبل أن يفسر طولب وارثه به ان علمه وخلف المقر تركة .. فأن انكر العلم وادعاه عليه المقر له حلف الوارث على عدمه .. ولا فرق فى الابهام والرجوع اليه فى تفسيره بين قوله - عظيم أو كثير. لاشتراكهما فى الاحتمال
…
وقبل بالفرق. بأن الكثير ثمانون كالنذر للرواية الواردة به فيه.
والاستشهاد بقوله تعالى «لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة» ويضعف مع تسليمه ببطلان القياس ولاستعمال الكثير فى القرآن لغير ذلك مثل قوله تعالى «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين» .
وقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا» ودعوى أنه عرف شرعى فلا قياس خلاف الظاهر. والحاق العظيم به غريب.
انواع من الاقرار:
لو قال المقر: له على اكثر من مال فلان لزمه بقدر مال فلان هذا وزيادة .. ولو فسره بأقل منه وادعى ظن القلة حلف لان الاصل عدم علمه به مع ظهور أن المال من شأنه ان يخفى .. وفسر بما ظنه أنه مال فلان وزاد عليه زيادة .. وينبغى تقييده بأمكان الجهل به فى حقه .. ولا فرق فى ذلك بين قوله قبل ذلك: انى اعلم مال فلان. وعدم قوله ذلك .. نعم لو كان قد أقر بأنه قدر يزيد عما ادعى ظنه لم يقبل انكاره ثانيا .. ولو تأول بأن قال:
ان ما اقررت به يساوى مال فلان أو يفوقه لان مال فلان حرام أو فيه شبهة أو عين من الاعيان .. وما أقررت به حلال ولا شبهة فيه أو دين.
والحلال والدين أكثر نفعا أو بقاء .. فهو يريد الجانب المعقول لا القدر العددى أو المادى اذا قال ذلك ففى قبول قوله قولان من ان المتبادر كثرة المقدار فيكون حقيقة فيها. وهى مقدمة على المجاز مع عدم القرينة الصارفة ..
ومن امكان ارادة المجاز. ولا يعلم قصده الا من لفظه فيرجع اليه فيه .. ولا يخفى قوة الأول أى أن المعتاد كثرة المقدار .. نعم لو اتصل التفسير بالاقرار لم يبعد قبول قوله انه اراد المجاز لان الكلام يكون كالجملة الواحدة حينئذ
(1)
.
ولو قال المقر: له على كذا درهم. برفع درهم أو نصبه أو جره أو الوقوف عليه بالسكون. فأنه يلزمه فى ذلك كله درهم واحد لاشتراكه بين الواحد فما زاد عليه بحسب
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 216 وما بعدها.
وضع التعبير .. فيحمل على الاقل لانه المتيقن وهذا اذا لم يفسره بأزيد من الدرهم فأن فسره بأزيد منه لزمه ما فسر به
…
وانما حمل ابتداء على الدرهم الواحد لان كلمة - كذا - كناية عن الشئ فكأنه يقول: له على شئ.
فمع رفع. درهم. يكون بدلا من لفظ شئ.
والتقدير حينئذ له على شئ درهم. أى له على درهم .. ومع نصب درهم يكون تمييزا للمبهم وهو لفظ كذا. المؤول بشئ.
والتقدير على هذا: له على شئ. ثم ميز هذا المبهم وهو شئ بقوله: درهما. أى أعنى درهما. وأجاز بعضهم أن يكون النصب على القطع لا على التمييز أى انه قال: له على شئ ثم قطع الكلام وقال: درهما.
فيكون مقرا بدرهم .. ومع جر درهم يكون قد اضاف اليه ما تقدم اضافة بيانية واضافة الحصيد الى حب فى قول الله تبارك وتعالى «وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد» . أى حبا هو الحصيد والتقدير على هذا: له على شئ درهم بالاضافة ويشكل على هذا بأن الاضافة تفهم الجزئية أى له على جزء درهم. ويكون الجزء مبهما فى قلته وكثرته ويرجع فى تفسير الجزء المقر به وتحديده الى المقر. لان الجزء هو المتيقن خصوصا مع ملاحظة ان الاصل براءة الذمة ..
وقيل ان الجر لحن فيحمل على الرفع أو النصب ويلزمه حكمهما وهو الدرهم .. واما الوقف بالسكون فيحمل على الرفع والجر ويلزمه حكمهما وهو الدرهم .. ولا يحمل على النصب لأنه لو اراد النصب لا ثبت الفا فى اخره فى حالة الوقف كما تقتضيه القواعد ولكنه لم يفعل فلا يحمل على النصب اذن.
فيلزمه درهم على ما ذكر أو جزء درهم عملا بالتحقيق فى حالة الجر على ما أشير اليه ولو كرر لفظ كذا. بدون عطف فقال: له على كذا كذا درهم. أو مع العطف فقال: له على كذا وكذا درهم. مع رفع درهم أو نصبه أو جره أو الوقوف عليه بالسكون - لزمه درهم واحد فى هذه الأحوال كلها - لانه فى حالة التكرار بدون عطف يحتمل أن يكون تأكيدا للاول فيكون كحالة الاقرار وعدم التكرار ويكون الاعراب فيه فى حالات الرفع والنصب والجر والوقوف بالسكون كالاعراب فيها فى حالة الافراد.
وفى حالة التكرار مع العطف. يعتبر.
كذا. شيئا مبهما. ويكون الثانى معطوفا على الاول. وميز الاثنين المعطوف والمعطوف عليه بدرهم. والتقدير له على كذا أو كذا درهما: أى اعنى درهما .. وأبدل منهما لفظ درهم على تقدير الرفع. والتقدير: له على كذا وكذا درهم أى شئ وشئ هما درهم ..
وبينا معا بالدرهم على الجر بالاضافة البيانية والتقدير: له على شئ وشئ درهم بالاضافة ولو فسر فى هذه الحالة أى حالة الجر ببعض درهم بناء على التحقيق السابق فى حالة الجر عند الافراد وعدم التكرار - لكان اظهر لامكانه وضعا بمقتضى وضع اللفظ يجعل الشئ المراد من كذا وما ألحق به بالتكرار مع العطف أو بدونه كناية عن الجزء. والحمل على ذلك اقوى لانه الأقل المتأكد .. ويرجع فى تحديد جزئى الدرهم للمقر بهما الى تفسير المقر.
وقيل لا يتبع فى تفسير الاقرار بما ذكر من قوله: له على كذا درهم بالاقرار مع الحركات
الثلاث الرفع والنصب والجر مع الوقف بالسكون .. وقوله: له على كذا وكذا بالتكرار بدون عطف مع الحركات الثلاث ومع الوقف بالسكون .. وقوله: له على كذا وكذا بالتكرار مع العطف. مع الحركات الثلاث ومع الوقف بالسكون ومحصل ذلك اثنتا عشرة صورة. لا يتبع فى تفسير الاقرار فى هذه الصور كلها ما ذكر من جعل المقر به درهما أو بعض درهم على حسب ما تقدم ..
.. وانما يتبع فى تفسيره ما ذكره علماء العربية فى موازنة ومماثلة من الاعداد بان يجعل لفظ (كذا) كناية عن العدد لا عن الشئ المبهم - فيكون الدرهم فى جميع الاحوال تمييزا لذلك العدد المكنى عنه بلفظ (كذا) فينظر الى ما يناسبه بحسب ما تقتضيه قواعد العربية من اعراب المميز للعدد ويحمل عليه ..
ففى حالة افراد المبهم وهو لفظ (كذا) مع رفع الدرهم يلزمه درهم لانه لا يمكن جعله تمييزا اذ المميز لا يكون مرفوعا فيجعل بدلا كما مر ويكون مقرا بدرهم .. ومع النصب يلزمه عشرون درهما لانه اقل عدد مفرد ينصب مميزه اذ فوقه ثلاثون واربعون الى تسعين فيحمل على الاقل. كأنه قال: له على عشرون درهما. واقام (كذا) مقام العدد. ومع الجر يلزمه مائة درهم لانه أقل عدد مفرد فسر بتمييز مفرد مجرور بالاضافة اذ فوقه الالف كأنه قال:
له على مائة درهم. وأقام كذا مقام العدد.
ومع الوقف بالسكون يلزمه درهم واحد لاحتماله الرفع والجر فيحمل على الرفع أخذا بالأقل المتأكد.
وفى حالة التكرار بدون عطف فمع رفع الدرهم يلزمه درهم واحد لان الثانى يكون تأكيدا للاول. وقد ابدل منهما درهم والتقدير له على كذا كذا درهم فيكون اقرارا بدرهم ومع نصب الدرهم يلزمه احد عشر درهما لانه اقل عدد مركب مع غيره ينصب بعده مميزه اذ فوقه اثنا عشر الى تسعة عشر فيحمل على الاقل المتأكد. كأنه قال: له على أحد عشر درهما - وأقام كذا كذا مقام احد عشر ..
ومع الجر يلزمه ثلاث مائة درهم لانه اقل عدد أضيف الى اخر وميز بمفرد ومجرور اذ فوقه أربعمائة الى تسعمائة. ثم مائة مائة ثم مائة الف. ثم الف الف فيحمل على المتيقن ..
والتركيب هنا لا يتأتى لان مميز المركب لم يرد مجرورا .. ومع الوقف بالسكون يحتمل الرفع والجر فيحمل على الاقل منهما وهو الرفع ويلزمه درهم واحد.
وفى حالة التكرار مع العطف. مع رفع الدرهم. يلزمه درهم واحد لانه يكون بدلا من مجموع المعطوف والمعطوف عليه ويكون كأنه اقر بدرهم .. ويحتمل أن يلزمه درهم وزيادة يرجع فى تفسيرها اليه لانه ذكر شيئين متغايرين بالعطف وذكر بعدهما لفظ درهم.
فيجعل تفسيرا للقريب منهما اليه وهو المعطوف ويبقى المعطوف عليه على ابهامه ويرجع فى تفسيره اليه. وكون الاصل براءة الذمة لا يساعد على هذا التأويل. ولكن اذا ارتضاه المقر فهو صاحب الشأن ويجب ان يقبل منه.
ومع نصب الدرهم فى هذه الحالة حالة التكرار مع العطف يلزمه واحد وعشرون درهما لانه اقل عددين عطف احدهما على الاخر وانتصب المميز بعدها اذ فوقه اثنا وعشرون الى تسعة وتسعين فيحمل على الاقل
ومع جر الدرهم يلزمه الف ومائة لانه أقل عددين عطف احدهما على الاخر. وميز بمفرد مجرور اذ فوقه من الاعداد المعطوف عليها المائة والالف مالا نهاية له. ويحتمل جعل الدرهم مميزا للمعطوف فيكون مائة ويبقى المعطوف عليه مبهما فيرجع اليه فى تفسيره ويجعل التفسير درهما لمناسبة الاعداد المميزة فيكون التقدير: له على درهم ومائة درهم.
وهذا أقل تفسير ممكن لان الاصل براءة الذمة من الزائد .. وهذا القسم لم يصرحوا بحكمه ولكنه لازم للقاعدة .. ومع الوقف بالسكون فى هذه الحالة يحتمل الرفع والجر فيحمل على الرفع لانه الاقل المتيقن.
ولا فرق فيما ذكر بين كون المقر من أهل العربية أو من غيرهم لاستعمالها على الوجه المناسب للعربية فى غير ما أدعوه استعمالا كثيرا
(1)
.
تعقيب الاقرار بما ينافيه:
تعقيب الاقرار بما ينافيه قسمان. قسم مقبول وهو الاستثناء بشروطه. وقسم مردود وهو تعقيب الاقرار بعبارة ينافى مضمونها مضمون عبارة الاقرار ويرفع حكمها. وهذا مردود لا يؤخذ به وتبقى عبارة الاقرار صحيحة ويترتب على الاقرار آثاره ونتائجه.
الاستثناء:
الاستثناء هو اخراج ما لولاه لدخل فى الكلام السابق وهو المستثنى منه .. وتعقيب الاقرار بالاستثناء أى باخراج بعض الاقرار أو الحالات من حكمه مقبول بشروطه.
شروط الاستثناء:
وهى الا يستوعب الاستثناء جميع ما يشمله المستثنى منه سواء بقى بعد الاستثناء الأقل مما كان يشمله المستثنى منه أو الأقل أو المساوى اذ المستثنى والمستثنى منه كالشئ الواحد فلا يتفاوت الحال لكثرة الباقى بعد الاستثناء وقلته .. وقد ورد الاستثناء فى القرآن الكريم وفى اللفظ العربى الفصيح ويشترط فى الاستثناء أيضا أن يكون متصلا بالمستثنى منه بحسب ما تقتضيه العادة ليفتقر التنفس بينهما والسعال وغيرهما مما لا يعد معه منفصلا عرفا ولما كان الاستثناء اخراج ما لولاه لدخل فى اللفظ كان المستثنى والمستثنى منه متناقضين. فالاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات. أما الاول فعليه اجماع العلماء .. واما الثانى فلانه لولاه لما كان قول: لا اله الا الله يتم به التوحيد لأنه لا يتم الا باثبات الألوهية لله تعالى ونفيها عما عداه سبحانه وتعالى .. والنفى هنا حاصل فلو لم يحصل الاثبات لم يتم التوحيد.
وبناء على ما ذكر من القواعد. لو قال المقر: له على مائة الا تسعين فهو اقرار بعشرة لان المستثنى منه اثبات للمائة. والمستثنى نفى لتسعين منها فتبقى عشرة هى المقر بها. ولو قال: له على مائة الا تسعون بالرفع فهو اقرار بالمائة لانه لم يستثن منها شيئا لان الاستثناء من الموجب التام لا يكون الا منصوبا فلما رفعه لم يكن استثناء. وانما - لا - فيه بمعنى غير. يوصف بها ويتاليها ما قبلها .. ولما كانت المائة مرفوعة بالابتداء كانت التسعون مرفوعة صفة للمرفوع .. والمعنى: له على مائة موصوفة بأنها غير تسعين. فقد وصف المقر به بما ذكر. ولم يستثن منه شيئا. وهذه
(1)
الروضة البهية ج 2 صر 217 الى 219.
الصفة مؤكدة صالحة للاسقاط اذ كل مائة موصوفة بذلك فهى مثلها.
وأعلم ان المشهور بين النحاة فى (الا) الوصفية كونها وصفا لجمع منكر كقوله تعالى «لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا» والمائة ليست من هذا الباب .. لكن الذى اختاره جماعة من المتأخرين عدم اشتراط ذلك ونقل فى المغنى عن سيبويه جواز - لو كان معنا رجل الا زيد لغلبنا أى غير زيد ولو قال المقر: ليس له على مائة الا تسعون فهو اقرار بتسعين. لأن المستثنى من المنفى التام يكون مرفوعا. فلما رفع التسعين علم أنه استثناء من المنفى فيكون اثباتا للتسعين بعد نفى المائة .. ولو قال: ليس له على مائة الا تسعين بالياء فلا يكون مقرا بشئ لأن نصب المستثنى دليل على كون المستثنى منه موجبا .. ولما كان ظاهرة النفى حمل على أن حرف النفى داخل على الجملة المثبتة المشتملة على الاستثناء أعنى مجموع المستثنى والمستثنى منه وهو - له على مائة الا تسعين - فكأنه قال المقدار الذى هو مائة الا تسعين أعنى العشرة الباقية بعد الاستثناء - ليس له على
تعدد الاستثناء:
ولو تعدد الاستثناء. فان كان بعاطف كقوله: له على عشرة الا اربعة. والا ثلاثة.
او كان الاستثناء الثانى ازيد من الاول كقوله:
له على عشرة الا اربعة الا خمسة. أو مساويا له كقوله: له على عشرة الا اربعة الا أربعة كانت الاستثناءات كلها من الاول. أما مع العطف فلوجوب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فى الحكم فهما كالجملة الواحدة ولا فرق فى هذه الحالة بين تكرر حرف الاستثناء وعدم تكرره ولا بين زيادة الثانى على الاول ومساواته له ولقضائه عنه .. وأما مع زيادة الثانى عن الاول او مساواته له. فلانه لو عاد الى الاقرب اليه للزم الاستغراق وهو باطل فيبطل الاستثناء. فيصان كلامه عن العبث بقدر الامكان وذلك بعودهما الى المستثنى منه الاول.
واعلم أنه لا يلزم من عود الاستثناءات المتكررة فى الحالات المذكورة الى المستثنى منه الاول صحة الاستثناء. بل ينظر ان لم تستغرق الاستثناءات المستثنى منه الاول كما فى المقالين المذكورين - له على عشرة الا اربعة الا خمسة وله على عشرة الا أربعة الا أربعة صح الاستثناء. وكان الباقى هو المقر به الذى يلزم به المقر - وان استغرق الجميع المستثنى منه فلا يصح الاستثناء من الثانى خاصة كما لو قال: له على عشرة الا خمسة الا خمسة لنا الثانى خاصة لانه هو الذى اوجب الفساد
…
وكذا العطف سواء كان الثانى مساويا للاول كالمثال المذكور مع العطف ام كان الثانى ازيد كما فى قوله: له على عشرة الا ثلاثة والا سبعة ام انقص كما فى قوله: له على عشرة الا سبعة والا ثلاثة ..
ولو تعدد الاستثناء ولم يكن بعطف ولا كان الثانى ازيد من الاول ولا مساويا له بل كان الثانى انقص من الاول وبدون عطف كقوله: له على عشرة الا تسعة الا ثمانية رجع الثانى الى متلوه اى رجع كل واحد الى ما قبله بقربه منه. اذ لو عاد الى البعيد لزم ترجيحه على الأقرب بغير مرجح. وعوده اليهما يوجب التناقض اذ المستثنى والمستثنى
منه متخالفان نفيا واثباتا كما مر .. فيلزمه فى قوله: له على عشرة الا تسعة الا ثمانية.
تسعة لان قوله له على عشرة. اقرار بعشرة حيث انه اثبات. والاستثناء الاول نفى للتسعة منها لانه وارد على اثبات فيبقى واحد مثبت. واستثناؤه الثانى اثبات للثمانية لانه استثناء من المنفى فيكون مثبتا فيضم ما اثبته بذلك وهو الثمانية الى الواحد المثبت الباقى من المستثنى منه الاول فتكون تسعة هى المقر بها
…
ولو انه فى المثال المذكور ضم الى ما ذكر قوله الا سبعة الا ستة حتى وصل الى الواحد لزمه خمسة لانه بالاستثناء الثالث نفى سبعة من التسعة المثبتة فبقى اثنان وبالرابع اثبت ستة فصار المثبت ثمانية وبالخامس يصير ثلاثة وبالسادس يصير سبعة وبالسابع يصير اربعة وبالثامن يصير ستة وبالتاسع وهو الواحد ينتفى منها واحد فيبقى خمسة ..
والضابط ان تجمع الاعداد المثبتة وهى الازواج على حدة. وتجمع المنفية وهى الافراد كذلك.
ونطرح جملة المنفى من جملة المثبت والباقى هو اللازم والمقر به .. والمثبت فى المثال المذكور ثلاثون. والمنفى خمسة وعشرون ..
والباقى خمسة.
الاستثناء من غير الجنس:
ولو استثنى من غير الجنس صح وان كان استثناء مجازا لتصريحه بارادته او لامكان تأويله بالمتصل بأن يضمر قيمة المستثنى ونحوها مما يطابق المستثنى منه. ويسقط المستثنى باعتبار قيمته من المستثنى منه. فاذا بقيت بعد الاسقاط بقية لزمت وكانت هى المقر بها.
وان لم يبق شئ بطل الاستثناء للاستغراق.
كما لو قال: له على مائة الا ثوبا حيث يصح ويطالب ببيان قيمة الثوب. ونطرح القيمة من المائة المستثنى منه. فان بقى شئ من المائة بعد طرح قيمة الثوب قبل الاستثناء وكان هذا الباقى هو المقر به الذى يلزم المقر. وان استغرقت قيمة الثوب التى بينها المقر المائة بطل الاستثناء على الاقوى ولزمته المائة ..
وقيل: بطل بيان القيمة الذى ذكره المقر وطولب ببيان قيمة أخرى.
الاستثناء المستغرق باطل:
والاستثناء المستغرق باطل باتفاق كما لو قال: له على مائة الا مائة. ولا يحمل على الغلط ولو ادعاه المقر لم يسمع منه. هذا اذا لم يتعقبه استثناء آخر يزيل استغراقه كما لو عقب المثال المذكور باستثناء اخر فقال له على مائة الا مائة الا تسعين فيصح الاستثناءان ويلزمه تسعون لان الكلام يصير جملة واحدة لا يتم الا بآخره. وآخره يصير الاول غير مستوعب. فأن المائة المستثناة منفية لانها استثناء من مثبت. والتسعين مثبتة لانها استثناء من منفى وهو المائة فيبقى عشرة تستثنى من المائة المستثنى منه الاول فيبقى تسعون هى المقر به اللازم. ويصير جملة الكلام فى قوة قوله: له تسعون. وكأنه استثنى من اول الامر عشرة من المائة.
الاضراب:
وكذلك يبطل الاضراب عن الكلام الاول الذى يتضمن الاقرار ببل الى ما بعدها مثل قوله: له على مائة بل تسعون وهو باطل لانه بمثابة الرجوع عن الاقرار فلا يقبل ويلزمه المائة فى المثال المذكور للاضراب الموجب لانكار ما قد اقر به فلا يلتفت اليه .. وليس الاضراب
كالاستثناء لأن الاستثناء من متممات الكلام لغة. والمحكوم بثبوته فيه هو الباقى من المستثنى منه بعده بخلاف الاضراب. فأنه بعد الايجاب يجعل ما قبل. بل كالمسكوت عنه بعد الاقرار به فلا يسمع .. والفارق بين الاستثناء والاضراب اللغة.
وقد قالوا: انه لو قال: له على قفيز حنطة بل قفيز شعير لزمه القفيزان قفيز الحنطة وقفيز الشعير. لثبوت الاول بالاقرار والثانى بالاضراب والانتقال اليه .. ولو قال: له على قفيز حنطة بل قفيزان حنطة لزمه قفيزان من الحنطة وهو الاكثر .. ولو قال: له على هذا الدرهم بل هذا الدرهم. لزمه الدرهمان لاعترافه فى الاضراب بدرهم آخر مع عدم سماع العدول منه .. ولو قال: له على هذا الدرهم بل درهم لزمه درهم واحد لعدم تحقق المغايرة بين المعين والمطلق لامكان حمله عليه
…
وحاصل الفرق بين هذه الصور يرجع الى تحقيق معنى بل .. وخلاصة هذا التحقيق انها حرف اضراب. ثم ان تقدمها ايجاب وتلاها مفرد جعلت ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشئ. واثبت الحكم لما بعدها. وحيث كان الاول اقرارا صحيحا استقر حكمه بالاضراب عنه .. وان تقدمها نفى فهى لتقرير ما قبلها على حكمه وجعل ضده لما بعدها. ثم ان كانا مع الايجاب مختلفين او معينين لم يقبل اضرابه لانه انكار للاقرار الاول وهو غير مسموع ..
فالاول كأن يقول: له قفيز حنطة بل قفيز شعير والثانى كقوله: له هذا الدرهم بل هذا الدرهم فيلزمه القفيزان والدرهمان لان أحد المختلفين وأحد الشخصين غير داخل فى الآخر. وان كانا مطلقين او احدهما لزمه واحد ان اتحد مقدار ما قبل بل وما بعدها كقوله: له على درهم بل درهم. أو له على هذا الدرهم بل درهم. او له على درهم بل هذا الدرهم .. لكن يلزمه مع تعيين احدهما المعين .. وان اختلفا كمية كقوله: له عندى قفيز بل قفيزان او هذا القفيز بل قفيزان او له قفيزان بل هذا القفيز. لزمه الاكثر. لكن ان كان المعين هو الاقل لزمه المعين ووجب الاكمال.
ولو قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو.
دفعت الى زيد عملا بمقتضى الاقرار الاول وغرم المقر قيمتها لعمرو لانه قد حال باقراره بملكية الدار لزيد بين عمرو وبين الدار فيغرم له القيمة اذ الحيلولة توجب الغرم. الا أن يصدقه زيد فى أن الدار لعمرو فتدفع اليه من غير غرم .. ولو أشهد شاهدى عدل بالبيع لزيد وقبض الثمن منه. ثم ادعى المواطأة بينه وبين المقر له على الاشهاد ومن غير ان يقع بيع وقبض. سمعت دعواه لجريان العادة بذلك.
وأحلف المقر له على الاقباض او على عدم المواطأة .. ويحتمل عدم سماع دعوى المواطأة فلا يتوجه اليمين على المقر له لانه مكذب لاقراره. ويضعف بأن ذلك واقع تعم به البلوى. فعدم سماع الدعوى يفضى الى الضرر .. هذا اذا شهدت البينة على اقراره بها. اما اذا شهدت بالقبض لم يلتفت اليه لانه مكذب لها طاعن فيها فلا يتوجه بدعواه يمين.
القسم الثانى:
من تعقيب الاقرار بما ينافيه: سبق فى اول الكلام على تعقيب الاقرار بما ينافيه أن هذا التعقيب قسمان: الاستثناء. وذكر كلام
بعد الاقرار يرفع حكمه وينافيه. وقد سبق الكلام على الاستثناء. وما يتعلق به من احكام ويتصل به كالاضراب .. والان موضع الكلام على تعقيب الاقرار بكلام ينافيه ويرفع حكمه وقد قال صاحب الروضة فى ذلك: لو قال المقر فى اقراره: له على مائة درهم. ثم عقب هذا الاقرار بقوله من ثمن خمر او خنزير يبطل هذا التعقيب ويصح الاقرار وتلزمه المائة التى اقر بها. لانه عقب الاقرار بما يقتضى سقوطه لعدم صلاحية الخمر والخنزير مبيعا فيحق به الثمن فى شرع الاسلام
…
نعم لو قال المقر:
كان ذلك من ثمن خمر او خنزير ظننته لازما لى وأمكن ان يجهل الحكم فى ذلك فى حقه.
توجهت دعواه وكان له تحليف المقر له على نصه أن العلم بالاستحقاق. ولو قال: لا أعلم الحال حلف على عدم العلم بالفساد. ولو لم يمكن جهل المقر بذلك لم يلتفت الى دعواه انه من ثمن خمر أو خنزير ولو قال المقر: له على عشرة دراهم من ثمن مبيع لم اقبضه لزمه العشرة المقر بها ولم يلتفت الى دعواه عدم قبض المبيع للتنافى بين قوله: له على وكونه لم يقبض المبيع. لان مقتضى عدم قبض المبيع عدم استحقاق المطالبة بالثمن مع ثبوته فى الذمة .. فان البائع لا يستحق المطالبة بالثمن الا مع تسليم المبيع .. وفى هذا الكلام نظر: اذ لا منافاة بين ثبوت ثمن المبيع فى الذمة وعدم قبض المبيع وانما التنافى بين استحقاق المطالبة بالثمن مع عدم قبض المبيع. وهذا امر اخر ومن ثم ذهب البعض الى قبول هذا الاقرار لامكان أن يكون عليه العشرة ثمنا ولا يجب التسليم قبل القبض ولان الاصل عدم القبض وبراءة الذمة من المطالبة بالثمن ولان للانسان أن يخبر بما فى ذمته .. وقد يشترى شيئا ولا يقبضه فيخبر بالواقع فلو الزم بغير ما اقر به كان ذريعة الى سد باب الاقرار. وهو مناف للحكمة
…
والتحقيق أن هذا المثال ليس من باب تعقيب الاقرار بما ينافيه بل اقرار بالعشرة لثبوتها فى الذمة .. وان سلم الكلام فهو اقرار منضم الى دعوى عين من مال المقر له او شئ فى ذمته فيسمع الاقرار بالعشرة ولا تسمع الدعوى بالعين الا اذا كانت هناك بينة على الدعوى .. ولو كان هذا من باب تعقيب الاقرار بالنافى فأن البينة لا تنفع ولا تقبل لان اقراره اولا بالعشرة ينافى ويكذب دعواه
…
فذكر هذا المثال فى هذا الباب لمناسبة ما.
ادعاء الكذب فى الاقرار:
جاء فى شرائع الإسلام
(1)
إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن ثم قال: أنه لم يقبض الثمن وإنما أشهد بذلك تبعا للعادة - قيل:
لا يقبل قوله لأنه مكذب لإقراره - وقيل يقبل لأنه أدعى ما هو معتاد وهو الأشبه إذ هو ليس مكذبا لإقراره بل هو مدع شيئا آخر فيكون على المشترى اليمين. وهذا صريح فى عدم جواز ادعاء الكذب فى الاقرار اذ مبنى القول الثانى على انه ادعاء لشئ آخر وليس تكذيبا للاقرار. وهذا تسليم بعدم جواز التكذيب فيه.
الاقرار بالنسب:
والاقرار بالنسب منه مالا يتضمن تحميل النسب على الغير كالاقرار بالبنوة والأبوة - ومنه ما يتضمن تحميل النسب على الغير كالاقرار بالاخوة يتضمن تحميل النسب على
(1)
شرائع الاسلام ص 250.
الاب اذ لا تثبت الاخوة بين المقر والمقر له بالنسب الا اذا ثبتت بنوة المقر له للاب وكالاقرار بالعمومة يتضمن تحميل النسب على الجد اذ لا تثبت عمومة المقر له - بالنسب للمقر الا اذا ثبتت بنوة المقر له للجد واخوته للاب. وهكذا
…
ولم يتضح الفرق بين الوضعين بالنسبة لترتب الارث على صحة الاقرار وثبوت حكمه. وان كان الارث يقتصر على طرفى الاقرار المقر والمقر له ولا يتعداهما الى ورثتهما فى بعض الاحوال على ما سيظهر
…
والاقرار بالنسب يشترط فيه عدا الشروط التى تشترط فى الاقرار بصفة عامة والتى توفر أهلية المقر للاقرار كالبلوغ والعقل والقصد والاختيار يشترط فيه ما يأتى:
(1)
امكان الحاق المقر بنسبه بالمقر شرعا.
وهذا يتدرج تحته شرطان - الاول - ألا يكون المقر بنسبه ثابت النسب من الغير. فلو كان ثابت النسب من الغير واقر شخص ببنوته أو باخوته او بنسبه على أية صورة تنافى نسبه الثابت من الغير كان الاقرار بنسبه باطلا شرعا ولا يترتب عليه أى أثر. والثانى - أن يكون المقر بنسبه من حيث السن فى سن يولد مثله لمثل المقر. فلا يكون أعلى سنا من المقر ولا مساويا له فيه ولا اقل منه بقدر لا تجرى معه العادة بأن يولد مثله لمثل المقر بأن يكون الفرق بينهما اقل من عشر سنين - وان كان صاحب الروضة لم يحدد قدرا معينا بغير حد ادنى للفرق فى هذا الشأن - كما فعل كثير من الفقهاء - كما انه لا يصح الاقرار بالولد الذى نفى الشرع نسبه عنه كولد الزنا ولو كان مولودا على فراشه كما لو زنى بامرأة ثم تزوجها فماتت عن ولد ولد بعد الزواج منها لدون ستة أشهر من حين الدخول. لا يثبت نسبه منه بالاقرار. وكذلك ولد اللعان لا يثبت نسبه بالاقرار وان كان الولد يرثه.
(2)
ويشترط ايضا التصديق اى تصديق المقر بنسبه للمقر فى دعوى النسب الا ان يكون المقر بنسبه ولدا صغيرا ذكرا كان او انثى أو مجنونا ذكرا كان أو أنثى أو ميتا ولو كان بالغا عاقلا ولم يكن ولدا. اما الثلاثة. الصغير والمجنون والميت فلا يعتبر تصديقهم بل يثبت نسبهم بالنسبة للمقر بمجرد اقراره. لان التصديق انما يعتبر شرطا لثبوت النسب بالاقرار مع امكانه. وهو يمتنع من الصغير والمجنون لانعدام التكليف واسقاط عبارتهما شرعا من أن يترتب عليها حكم أو أثر. وكذا الميت مطلقا اى ولو كان قد مات وهو بالغ عاقل .. وربما اشكل الحكم من اطلاق اشتراط تصديق البالغ العاقل فى لحوق نسبه بالاقرار. ومن ان تأخير الاقرار الى الموت يوشك أن يكون خوفا من الانكار لو اقر بنسبه حال حياته وهو بالغ عاقل .. يشكل الحكم ازاء ذلك كله. ولكن الأصحاب أفتوا بالقبول ولا يقدح فى سلامة الاقرار التهمة بأن الغاية من الاقرار هو التوصل الى مال الصغير والمجنون والى ارث الميت
…
والمراد بالولد المستثنى من شرط التصديق الولد الصلبى. فلو اقر ببنوة ولد ولده تنازلا اعتبر التصديق حيث يكون ممكنا كغيره من الاقارب كما نص على ذلك .. واطلاق الولد يقتضى عدم الفرق بين أن يكون المقر بنسبه الاب او الأم. وهذا احد القولين فى المسألة.
واصح القولين أن هناك فرقا بين اقرار الاب بنسب واقرار الام بذلك. وان الحكم
المذكور مخصوص باقرار الاب. اما الام فلابد من اعتبار التصديق فى اقرارها بنسب الولد. لورود النص على الاب فقط - والقول باتحاد طريقهما وتساويهما فى الوضع ممنوع اذ يمكن الأم أن تقيم البينة على الولادة دون الاب. ولان ثبوت نسب غير معلوم النسب على خلاف الأصل يقتصر فيه على موضع اليقين.
(3)
ويشترط ايضا فى نفوذ الاقرار بالنسب مطلقا عدم المنازع للمقر فى نسب المقر بنسبه فلو نازعه شخص فى هذا النسب كما لو وطئ رجل امرأة اجنبية خالية عن فراش ثم وطئها آخر بشبهة. وجاءت بولد فأقر احدهما بنسبه وثبوته ونازعه الاخر وادعى نسبه .. ففى هذه الحالة يكون المرجع والفيصل هو البينة فأيهما شهدت له البينة يحكم له بالنسب. فان لم توجد البينة فالقرعة لانها لكل امر شكل او معين عند الله ولكنه مبهم عندنا والامر ههنا مشكل ومبهم عندنا ..
وهذا اذا كان الاثنان قد اشتركا فى الفراش على تقدير دعوى البنوة أو انتفى عنهما الفراش معا كأن وطئها خالية عن الفراش بشبهة .. فلو كانت فراشا لاحدهما حكم له بنسب الولد خاصة دون الاخر وان صادق الزوجان هذا الاخر. لحديث - الولد للفراش - ولو كانا زانيين انتفى نسب الولد منهما معا.
وان كان احدهما هو الزانى انتفى عنه نسبه .. ولا عبرة فى ذلك كله بتصديق الأم.
ولو تصادق اثنان فصاعدا على نسب غير الولاد كالاخوة والعمومة صح تصادقهما وتوارثا لان الحق لهما. ولم يتعداهما التوارث الى ورثتهما لان حكم النسب انما ثبت بالاقرار والتصديق فيقتصر فيه على المتصادقين الا مع تصادق ورثتهما ايضا يجرى التوارث على أساس التصادق .. ومقتضى قولهم غير الولاد. أن التصادق فى الولاد يتعدى مضافا الى ما سبق من الحكم بثبوت النسب فى الحاق الصغير مطلقا والكبير مع التصادق .. والفرق بين هذا النوع من النسب وبين غيره من الانساب مع اشتراكهما فى اعتبار التصادق غير بين ..
(وظاهر مما ذكر ان الإمامية كغيرهم - يفرقون بين الاقرار بالنسب الذى لا يتضمن تحميل النسب على الغير .. وهو ما عبروا بنسب الولاد أو التولد. وبين الاقرار بالنسب الذى يتضمن تحميل نسب على الغير كالاخوة وهو ما عبروا عنه بنسب غير الولاد أو التولد. فقالوا ان الاول يترتب عليه ثبوت النسب شرعا كثبوته فى حالة الفراش وثبوته بالبينة وتترتب عليه الاثار ومنها الميراث بالنسبة للمتصادقين وغيرهم من الاقارب الذين يجرى بينهم التوارث. أما الثانى فلا يثبت فيه النسب شرعا. ولكن يترتب الميراث بين المتصادقين فقط الطرفين أو ورثتهما اذا تصادقوا وهذا معاملة لهم بأقرارهم بالنسبة للمال فقط وقول صاحب الروضة البهية أن الفرق بين الوضعين غير بين. ليس بظاهر. اذا الفرق كبير وظاهر).
وقد تقدم أن الصغير الذى لم يبلغ والمجنون الذى لا يعقل يثبت نسبهما بالاقرار به دون توقف على تصديقهما لعدم أهليتهما للتصديق. فاذا بلغ الصغير وعقل المجنون بعد ثبوت نسبهما بالاقرار ممن له حق الاقرار. يصح انكارهما لهذا النسب
أو لا؟ يقول صاحب الروضة فى ذلك: ولا عبرة بانكار الصغير بعد بلوغه النسب المعترف به شرعا فى حال صغره وكذا المجنون بعد كماله لا عبرة بانكاره هذا النسب الذى ثبت بالاقرار لثبوت النسب قبل ذلك واستقراره بالاقرار السابق فلا يزول بالانكار اللاحق .. وليس لواحد منهما أن يحلف المقر لان غاية التحليف ان يرجع المقر عن الاقرار أو ينكل عن الحلف والرجوع والنكول غير مسموعين منه ولا يؤثران فى ثبوت النسب السابق. كما لا يسمع منه لو نفى النسب الثابت صراحة ولا يؤثر نفيه بشئ واذا كان للميت عم محكوم بأنه هو الوارث له ظاهرا.
ثم اقر هذا العم بأخ للميت وارث. دفع المال الموروث الى هذا الاخ الذى اعترف به لاعترافه بكونه اولى منه بالارث. فاذا جاء هذا العم بعد ذلك واعترف بولد للميت وارث وصدقه الاخ فى ذلك دفع المال الى الولد المقر به لاعترافهما بكونه اولى منهما بهذا المال .. وان كذب الأخ العم فى كون المقر به ثانيا ولدا للميت لم يدفع الاخ شيئا من المال الذى أخذه الى هذا الولد. لانه مستحق للمال باعتراف العم صاحب اليد على المال سابقا. ولم تعلم اولوية الولد المقر به ثانيا من العم لأن العم بعد تسليم المال للأخ يعتبر خارجا فلا يقبل اقراره بالولد فى حق الاخ - وغرم العم للولد الذى اعترف به ثانيا للميت ما دفع الى الاخ من المال لانه أتلف على الولد ما يستحقه باعترافه من المال بدفعه الى الاخ حين اعترف به. فلو لم يكن العم قد دفع المال الى الأخ حين اعترف به واقتصر الامر على مجرد اعترافه للأخ بالاخوة لم يغرم للولد شيئا لانه لم يتلف عليه شيئا
…
ولا يعتبر مجرد الاعتراف للاخ بالاخوة اتلافا لانه لا يستلزم كونه وارثا بل هو أعم. نعم لو اعترف بالاخوة وانحصار الارث فى الاخ يكون قد اتلف المال على الولد فيدفع اليه المال. كما لو اقر بمال لواحد ثم اقر به لاخر. ولا فرق فى الحكم بضمان المال للولد بين أن يكون قد دفع للأخ بحكم حاكم أو بدونه لانه باعترافه بأرث الاخ يكون مفوتا على الولد المال بدون الحكم نعم لو كان دفعه المال للاخ فى صورة عدم اعترافه بكونه الوارث بحكم الحاكم اتجه عدم الضمان لعدم اختياره فى الدفع. وكذا الحكم فى كل من أقر بوارث أولى منه ثم أقر بوارث آخر أولى منهما .. وذكر الأخ والولد مجرد تمثيل ..
ولو كان العم قد أقر أولا بأخ ثان للأخ الوارث فأن صدقه الأخ الوارث فشاركا فى الميراث.
وان لم يصدقه فى الاقرار غرم للثانى نصف التركة على الوجه الذى سبق.
ولو أقرت الزوجة بولد للزوج المتوفى ووارثه فى الظاهر هم اخوته. فصدقها الاخوة فى اقرارها بالولد. أخذ هذا الولد المقر به جميع ما فى يد الاخوة من المال لانه مقدم عليهم فى الميراث فلا حق لهم فى اخذ شئ من المال مع وجوده وانما الحق له دونهم لاعترافهم باستحقاقه. وأخذ نصف ما فى يد الزوجة لانها اخذت الربع نصيبها مع الاخوة.
وهى تستحق الثمن مع الولد أى نصف ما فى يدها فترد اليه ما زاد على الثمن وهو نصف الربع الذى اخذته. وان أكذبوها فى اعترافها بالولد دفعت اليه ما بيدها زائدا عن نصيبها على تقدير الولد وهو الثمن لان بيدها ربعا
نصيبها على تقدير عدم الولد فتدفع الى الولد نصفه .. ولو انعكس الفرض بان اعترف الاخوة بالولد دونها دفعوا اليه جميع ما فى يدهم وهو ثلاثة ارباع التركة.
ولو كان وارث الميت ولدا له. فأقر الولد بآخر دفع اليه النصف لان ذلك هو لازم ارث الولد المتساويين ذكورية وانوثية. فأن اقرا معا بثالث دفعا اليه الثلث اى دفع اليه كل واحد منهما ثلث ما فى يده. وعلى هذا: لو أقر الثلاثة برابع دفع اليه كل واحد منهم ربع ما فى يده .. ولو كان من الورثة المقرين بالوارث اثنان عدلين يثبت بأقرارهما النسب ويترتب عليه الارث لان الاقرار حينئذ يكون شهادة. والنسب يثبت بشهادة عدلين والميراث من لوازمه والا يكن فى المعترفين عدلان يثبت الميراث فحسب لانه لا يتوقف ثبوته على العدالة بل بالاعتراف ومعاملة المقر باقراره.
ولو أقر بزوج للمتوفاة أعطاه النصف أو نصف ما فى يده ان كان المقر بالزوج غير ولد للمتوفاة لان نصيب الزوج مع عدم الولد النصف. والا يكن كذلك بأن كان المقر هو ولد الزوجة المتوفاة أعطى الزوج المقر به الربع لانه نصيب الزوج مع الولد. (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد.
فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين). والضابط أن المقر يدفع الفاضل عن نصيبه مما فى يده على تقدير وجود المقر به فان كان المقر أخا للميتة ولا ولد لها وأقر بالزوج دفع له النصف وان كان الوارث ولدا للمتوفاة. وأقر بالزوج دفع له الربع .. وان كان للمتوفاة ولد وأب وأم. وأقر أحد الابوين بالزوج لا يدفع له شيئا لان نصيبه السدس فى حال وجود الزوج وعدم وجوده فليس فى يده شئ زائد عن نصيبه حتى يدفعه للزوج.
وانما الذى يدفع للزوج هو الولد ويدفع له الربع أى ربع التركة مما فى يده. هذا اذا كان الولد ذكرا. فان كان انثى وكان المقر بالزوج هو الاب فانه يدفع الزائد عن السدس مما أخذه للزوج المقر به. وكذلك ان كانت الام هى المقرة بالزوج وليس هناك من يحجبها فأنها تدفع ما زاد عن نصيبها المقرر مما فى يدها .. وان كان هناك من يحجبها فأنها لا تدفع شيئا لعدم زيادة ما فى يدها عن نصيبها .. ولو كان المقر هو احد الابوين مع عدم وجود الولد فقد يدفع للزوج المقر به نصف ما فى يده كما اذا كان الاب هو الوارث الوحيد وأقر بالزوج فانه يدفع له النصف.
وقد لا يدفع شيئا كما لو كانت الام ومعها حاجب لها واقرت بالزوج فأنها لا تدفع له شيئا لعدم زيادة ما فى يدها عن نصيبها ..
وان اقر المقر بالزوج ولدا كان أو غيره من الورثة بزوج آخر وأكذب نفسه فى الاقرار بالزوج الاول - غرم لهذا الزوج المقر به ثانيا ما دفع للزوج الاول لا تلافه نصيبه بالاقرار الاول. وان لم يكذب نفسه فى الاقرار الاول فلا شئ عليه على المشهور. لان الاقرار بزوج ثان اقرار بأمر ممتنع شرعا اذ لا يكون للمرأة زوجان شرعا فلا يترتب عليه أثر مادام الاقرار الاول قائما .. والاقوى أن هذا المقر يغرم للزوج المقر به ثانيا ما دفع للزوج المقر به
اولا مطلقا سواء كذب نفسه فى الاقرار الاول أم لا. لأن الأصل صحة اقرار العاقل على نفسه خصوصا مع امكان أن يكون هذا الثانى هو الزوج وانه ظنه الأول ثم تبين له خلافه
والغاء الاقرار فى حق المقر مع امكان صحته مناف للقواعد الشرعية .. نعم لو ظهر لكلام هذا المقر تأويل ممكن فى حقه كمتزوج هذا الزوج المقر به ثانيا الزوجة المتوفاة فى عدة الزوج المقر به أولا - فظن هذا المقر أنه يرثها الزوجان فقد رأى البعض أن اقراره يتوجه .. ولو أقر الوارث للميت بزوجة له. فأنه يعطيها الربع ان كان المقر غير ولد للميت لأن هذا هو نصيبها عند عدم الولد .. وان كان المقر ولدا للميت أعطاها الثمن
…
هذا على تنزيله فى الزوج وعلى التحقيق بالنسبة للولد اذ يدفع اليها ربع التركة وهو نصيبها مما فى يده لان نصيبها فى يده خاصة. أما غيره من باقى الورثة فأنه يدفع اليها مما فى يده ما اخذه زائدا عن نصيبه على فرض وجودها. ولو كان بيده أكثر من نصيب الزوجة زائدا عن نصيبه لا يدفع لها الا نصيبها. اى أن الوارث غير الولد يدفع الاقل من نصيب الزوجة.
وما زاد عن نصيبه على تقدير وجودها ان كان معه زيادة على النصيب .. فأحد الابوين مع الولد الذكر لا يدفع شيئا. ومع الانثى يدفع الاقل من نصيب الزوجة وما زاد عن نصيبه ..
والاخ يدفع الربع وهو نصيبها مع عدم الولد والولد يدفع الثمن وهو نصيبها مع وجوده كما ذكر
…
فان أقر بزوجة أخرى وصدقته الزوجة الاولى فى اقراره الثانى. أقتسمت الزوجتان الربع أو الثمن أو ما حصل .. وان كذبته فى اقراره بالزوجة الثانية غرم المقر للثانية نصيبها وهو نصف ما حصلت عليه الزوجة الاولى باقراره لها أن كان قد باشر تسليمها ما أخذته. وأن لم يكن قد باشر التسليم فلا يغرم لها الا نصيبها فيما دفعه بنفسه عما كان فى يده وهكذا لو أقر بثالثة ورابعة فيلزم للثالثة مع تكذيب الاوليين له فى الاقرار لها ثلث ما لزمه دفعه. وللرابعة مع تكذيب الثلاث ربع ما لزمه دفعه .. ولو اقر بخامسة فكالاقرار بزوج ثان يغرم لها مع أكذاب نفسه على المشهور أو مطلقا على الأقوى على ما سبق بيانه .. بل هنا أولى لامكان الخامسة الوارثة فى المريض اذا تزوج بعد الطلاق وانقضاء العدة ودخل ومات فى سنته.
اقرار المريض:
يعتبر اقرار المريض نافذا من ثلث التركة اذا كانت هناك تهمة فى اقراره. بأن يكون هناك ظن غالب بأنه انما يريد بالاقرار تخصيص المقر له بالمقر به وأنه فى الواقع ونفس الامر كاذب فيه .. ولو اختلف المقر له والوارث فى وجود التهمة فعلى من يدعى أن هناك تهمة أن يقيم البينة على ما يدعيه لان الاصل عدمها.
وعلى من ينكر وجودها اليمين اذا لم تقم بينة على الوجود .. ويكفى فى يمين المقر له انه لا يعلم التهمة لانها ليست حاصلة فى نفس الامر لانتفاء الاقرار على الظاهر.
ولا يكلف الحلف على استحقاق المقر به من حيث أنه يعلم بوجه استحقاقه. لان ذلك غير شرط فى استباحة المقر به. بل له أخذه ما لم يعلم فساد السبب. هذا كله مع موت المقر فى مرضه فلو برئ من مرضه الذى اقر فيه نفذ الاقرار من أصل التركة كلها لا من الثلث
فقط .. ولا فرق فى ذلك بين أن يكون الاقرار لوارث أو أجنبى .. وان لم تكن هناك تهمة ظاهرة فى الاقرار نفذ الاقرار من الاصل مطلقا سواء مات فى مرضه أو برئ منه على اصح الاقوال.
الاقرار بالزنا:
ويثبت
(1)
الزنا فى طرف المرأة والرجل بالاقرار به أربع مرات مع كمال المقر ببلوغه وعقله واختياره وحريته أو تصديق المولى له ان كان رقيقا فيما أقر به لأن المانع من نفوذه كونه اقرارا فى حق المولى .. وفى حكم تصديق المولى له انعتاقه لزوال المانع من نفوذه ..
ولا فرق فى الصبى بين المراهق وغيره فى نفى الحد عنه بالاقرار. نعم يؤدب لكذبه أو صدور الفعل عنه لامتناع خلوه عنهما. كما انه لا فرق فى المجنون بين المطبق ومن يعتوره الجنون ادوارا اذا وقع الاقرار حالة الجنون ..
نعم لو أقر حال كماله حكم عليه ولا فرق فى المملوك بين القن والمدبر والمكاتب بقسميه وأن تحرر بعضه. ومطلق المبعض وأم الولد .. وكذا لا فرق فى غير المختار بين من ألجئ اليه بالتوعد وبين من ضرب حتى ارتفع قصده .. ومقتضى اشتراط الاقرار اربع مرات عدم اشتراط تعدد مجالس الاقرار بحسب تعدده.
وهو اصح القولين للاصل ولقول الصادق عليه السلام فى خبر جميل. «ولا يرجم الزانى حتى يقر أربع مرات» من غير شرط التعدد .. فلو أشترط لزم تأخر البيان ..
وقيل: يعتبر كونه فى أربعة مجالس بظاهر خبر ماعز بن مالك الانصارى حيث أتى النبى صلى الله عليه وسلم فى اربعة مواضع ..
والنبى صلى الله عليه وسلم يردده ويوقف عزمه بقوله: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت.
الحديث .. وفيه أنه لا يدل على الاشتراط.
وانما وقعت المجالس اتفاقا والغرض من تأخيره اتيانه بالعدد المعين .. ويكفى فى الاقرار بالزنا اشارة الأخرس المفهمة يقينا كغيره
ويعتبر تعددها اربعا كاللفظ بطريق اولى ..
ولو لم يفهمها الحاكم اعتبر المقر جم ..
ويكفى اثنان فى ذلك لانهما شاهدان على اقرار لا على الزنا ..
ولو نسب المقر الزنا الى امرأة معينة كأن يقول: زنيت بفلانه. أو نسبته المرأة المقرة به الى رجل معين بأن تقول: زنيت بفلان وجب على المقر الرجل أو المرأة حد القذف لمن نسبه اليه الزنا بأول مرة لأنه قذف صريح. وايجابه الحد لا يتوقف على تعدده .. ولا يجب على المقر حد الزنا الذى أقر به الا بتكرار الاقرار أربع مرات كما لو لم ينسبه الى معين .. وهذا موضع وفاق .. وانما الخلاف فى الاول وهو وجوب حد القذف لمن نسب اليه الزنا باقراره على نفسه بالزنا .. ووجه ثبوته ما ذكر من أنه قذف صريح .. وأنه بذلك قد رمى المحصنة غير المشهورة بالزنا بأنها زنت ..
ووجه الثانى اى عدم اعتباره قذفا يوجب الحد أنه انما اقر على نفسه بالزنا بقوله زنيت ..
وزناه ليس مستلزما لزناها لجواز أن تكون هناك شبهة فى حقها أو أن تكون مكرهة على الزنا كما يحتمل أن تكون مطاوعة ولا شبهة لديها. والعام لا يستلزم الخاص .. والاول اقوى الا أن يدعى ما يوجب انتفاء الزنا عنها كالاكراه والشبهة
…
ومثله القول فى
(1)
جاء بالروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 349. وما بعدها.
المرأة. وقد روى عن على عليه السلام قال:
اذا سألت الفاجرة من فجر بك فقالت فلان جلدتها حدين .. حد الفجور وحدا لفريتها على الرجل المسلم.
الاقرار بالقذف:
ويثبت القذف
(1)
بشهادة عدلين ذكرين لا بشهادة النساء منفردات ولا منضمات وان كثرن وبالاقرار مرتين من مكلف حر مختار. فلا عبرة باقرار الصبى والمجنون.
والمملوك مطلقا - ولو كان بالغا عاقلا والمكره على الاقرار .. ولو انتفت البينة والاقرار فلا حد ولا يمين على المنكر. وكذا ما يوجب التعزير لا يثبت الا بشاهدين ذكرين عدلين أو بالاقرار من المكلف الحر المختار. واعتبار الاقرار مرتين هو أحد قولين. وقيل يكتفى بالاقرار مرة واحدة لعموم اقرار العقلاء على انفسهم.
الاقرار بالسرقة:
تثبت السرقة
(2)
بشهادة عدلين مفصلين لها بذكر ما يعتبر فى القطع من الشرائط أو الاقرار مرتين مع كمال المقر بالبلوغ والعقل ورفع الحجر بالسفه بالنسبة الى ثبوت المال اما بالنسبة الى القطع فلا يشترط رفع الحجر للسفه فى اعتبار الاقرار. وكذلك رفع الحجر للفلس بالنسبة الى تنجيزه - ومع حرية المقر واختياره .. فلا ينفذ اقرار الصبى وان كان مراهقا ولا المجنون مطلقا لا فى المال ولا فى القطع فيهما ولا السفيه فى المال لكن يقطع.
وكذا المفلس لكن يتبع بالمال بعد زوال الحجر ولا العبد بدون موافقة المولى لتعلقه بمال الغير. اما لو صدقه المولى فالاقرار بالقطع وثبوت المال وبدونه يتبع بالمال اذا اعتق وأيسر ولا المكره فيهما أى فى ثبوت القطع والمال اى أن اقرار المكره لا يفيد فى شئ منهما ولا يترتب عليه شئ منهما ولو رد من أكره على الاقرار السرقة بعينها لم يقطع على الاقوى لان وجود العين فى يده لا يدل على السرقة .. والاقرار وقع كرها فلا يعتد به ..
وقيل يقطع لأن ردها قرينة السرقة كدلالة قئ الخمر على شربها. ولحسنة سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام فى رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب فجاء بها بعينها ..
هل يجب عليه القطع؟ قال: نعم. ولكن اذا اعترف ولم يجئ بالسرقة لم تقطع يده لانه اعترف على العذاب. ولا يخفى ضعف العمل بالقرينة فى هذا الباب .. والفرق بين القئ والمجبر بالسرقة أن القئ يستلزم الشرب بخلاف المجئ بالسرقة فأنه لا يستلزم السرقة فكان أعم منه. والعام لا يدل على الخاص .. واما الخبر فظاهر الدلالة الا ان اثبات الحكم به مجرد شكل
…
ولو رجع عن الاقرار بالسرقة اختيارا بعد الاقرار مرتين لم يسقط الحد لثبوته بالاقرار السابق فلا يقدح فيه الانكار كغيره من الحدود ..
ويكفى فى الغرم للمال المسروق الاقرار به مرة واحدة لانه اقرار بحق مالى فلا يشترط فيه تعدد الاقرار لعموم اقرار العقلاء على انفسهم وانما خرج الحد بدليل خارج كقول الصادق عليه السلام فى رواية جميل - لا يقطع السارق حتى يقر مرتين.
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 368 وما بعدها.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 381 وما بعدها.
مذهب الإباضية:
التعريف:
قال صاحب شرح النيل: الاقرار فى اللغة الاعتراف.
وفى الاصطلاح: خبر وجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه أو بلفظ نائبه .. وقال انه خرج بالخبر الانشاء فأنه لا يسمى اقرارا كبعت واشتريت. ونطق الكافر بكلمة الشهادة .. وهذا صريح فى أن الاقرار اخبار وليس أنشاء .. وخرج بقوله - وجب حكم صدقه على قائله - مثل القذف لان جلد القاذف ليس حكما اقتضاه صدق القاذف وانما اقتضاه كذبه فى القذف .. وقوله فقط. لان الاقرار لا يلزم غير المقر ولا يسرى على غيره ..
وقوله بلفظه يشمل اقرار المقر بلفظه على نفسه وقوله: أو لفظ نائبه يشمل اقرار الوكيل على الموكل. فأنه نائبه شرعا بأنابته هو.
حجية الاقرار:
وحجية الاقرار ثابتة بالكتاب وبالسنة:
اما الكتاب فقول الله تبارك وتعالى: - «واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه. قال أقررتم وأخذتم على ذلكم اصرى. قالوا أقررنا. قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين» وقوله سبحانه وتعالى:
«واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم.
قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين». وأما السنة: فما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
اقرار الرجل على نفسه أيسر من الشهادة عليه.
ما به يكون الاقرار:
ويكون الاقرار بما يأتى:
اللفظ: وهو الاصل فى التعبير وابراز فى النفس.
والاشارة يعبر عنها بالايماء بالنسبة للاخرس اذا كانت له اشارة معروفة يعرف بها رضاه من سخطه وأمره ونهيه - وهذا هو الارجح. وقيل لا يصح الاقرار بالاشارة ولا يلزم بها شئ. ولا يجوز اقرار الناطق باشارة اصلا.
والكتابة يصح الاقرار بها ويحكم على المقر بلزوم ما أقر به .. وقيل لا يصح الاقرار بالكتابة حتى ينطق المقر بالاقرار ان كان قادرا على النطق والا فهو أخرس يجوز اقراره بالايماء.
قال صاحب شرح النيل: ويجوز اقرار الاخرس بالايماء اذا كانت له اشارة يعرف بها رضاه من سخطه وأمره ونهيه. وقيل لا يلزم بالايماء شئ. ولا يجوز اقرار الناطق بالايماء .. ويحكم على من اقر بالكتاب ..
وقيل لا حتى ينطق.
شروط الاقرار:
ويشترط لصحة الاقرار ان يكون بالغا عاقلا مختارا غير مكره ولا محجور عليه فى المال ولا مفلس. فلا يصح اقرار الطفل والمجنون والمكره والمحجور عليه فى المال والمفلس ويصح اقرار من توفرت فيه هذه الشروط بالدين أو بشئ معين من المال أو تسمية منه سواء كان اقراره فى حال الصحة أم فى حال المرض وسواء كان اقراره لوارث
أم لاجنبى. ويتحاصى الوارث المقر له وغير الوارث ولو كان الاقرار فى مرض الموت ان لم يتهم المريض فى اقراره .... قال صاحب شرح النيل: ان أقر بالغ عاقل على نفسه بدين أو بشئ معين من ماله أو تسمية منه جاز اقراره ولو فى مرض الموت أو لوارث اى فى المرض أو الصحة وأصدق ما يكون الانسان عند الموت أن لم يسترب .. وأن استريب لم يحكم بما اقر فى مرضه لوارث أو غيره كما فى الديوان ويتحاصى الوارث المقر له وغير الوارث ولو كان ذلك فى مرض الموت .. قالوا فى الديوان: أجمع العلماء أن اقرار الاحرار البالغين من الرجال والنساء جائز عليهم ومأخوذون به سواء فى هذا الموحدون والمشركون الا اقرار المكره والمحجور عليه فى ماله والمفلس. فأنه لا يجوز عليهم اقرارهم فى اموالهم .. واختلفوا فى اقرار المعدم بعد ما قام عليه أصحاب الديون على رأيين هل يجوز أو لا يجوز .. واقرار العبد لا يجوز الا أن جوزه مولاه. فالشرط فى جواز اقراره أن يجيزه مولاه. وهذا فيما يرجع للمال. أما ما يرجع للبدن كما اذا اقر بما يتلف نفسه وما دونها مثل القصاص فى النفس أو فى الاطراف فقيل انه جائز فلا تجويز من مولاه لأنه راجع الى البدن. وقيل لا يجوز لانه مال وحجر الشارع على العبد والصبى والسفيه والمفلس برد تصرفاتهم المالية التى من جملتها الاقرار بالدين. وفى المقر له يشترط أن يكون المقر له من بنى آدم.
فيجوز الاقرار للرجال والنساء والاحرار والعبيد والاطفال والمجانين. والاحياء والاموات ويجوز للوارث والقريب والصديق وغيرهم فى حال الصحة والمرض الا ان استريب - واختلف فى الاقرار للحمل فمنهم من أجازه أن ولد حيا ومنهم من أبطله - وفى المقر به: يجوز الاقرار بجميع الحقوق المعلوم منها والمجهول وبالخطأ وبالامانات والمضمونات وبالعارية والقراض ونحو ذلك مما هو مضمون أو غير مضمون. وبكل ما جرى عليه الملك من أصل وعرض وحاضر وغائب وعين الشئ والماهية.
والمعلوم والمجهول والكل والبعض ويجوز الاقرار بحمل هذه الناقة والامة أو غيرهما ان تبين فى بطن أمه قال صاحب شرح النيل:
ويجوز اقرار الانسان للرجال والنساء.
والاحرار والعبيد. والاطفال والمجانين والاحياء والاموات. ولا يجوز الاقرار لغير بنى آدم.
ويجوز الاقرار بجميع الحقوق ولو مجهول أو بالخطأ وبالامانات والعارية والقراض ونحو ذلك مما هو مضمون أو غير مضمون ..
والاقرار للحمل منهم من أبطله ومنهم من أجازه أن ولد حيا .. وان فعل شيئا فى طفولته وأقر بأنه فعل كذا فى طفولته لم يؤخذ به ان تبين أنه فعله فى الطفولة. وقيل يؤخذ به متى كان الاقرار به بعد البلوغ
اما ان أقر بفعل أو قول ونسبه الى حال الطفولة أخذ به الا ان بين أنه فعله أو قاله فى تلك الحال .. وذكر فى الكتاب بأنه يؤخذ بالفعل دون القول .. وقيل لا يحكم عليه فى شئ من ذلك كله ولكن يكون القول قوله فى القول والفعل معا .... وان اقر بفعل ونسبه الى حال الجنون. وقد عرف بالجنون فأنه يؤخذ به .. وقيل يصدق فلا يؤخذ به .. وان لم يعرف بالجنون أخذ به وحكم عليه بموجبه
…
وان أقر بفعل ونسبه الى حال الاكراه أو الخطأ أو النوم أخذ به
ولا يشتغل بقوله أن كان فى حال كذا
ومن أقر لوارثه وهو صحيح صح أقراره.
وهو مذهبنا ومذهب ابن القاسم فى العتبية ووجهة نفى التهمة لصحته فيحاصص الغرماء وبه العمل
…
ومذهبنا ان الاقرار يصح لقريب وصديق وغيرهما فى صحة أو مرض الا ان أستريب ومن المجهول أن يقر بحمل هذه الناقة او الامة او غيرهما فأنه جائز. أن تبين فيها الحمل.
وان أقر
(1)
بالحيوان الا رأسه أو الا رجله أو غير ذلك فيكون كله للمقر له .. وان اقر بجزء من الحيوان كرأسه ورجله لم يجز.، وله واحد أن اقر له بهذا الشئ أو بواحد من هذين الشيئين .. وان قال: له على دينار ونصف ولم يجيز النصف فله الدينار فقط.
وقيل يكون له دينار ونصف دينار كما لو قال:
له على دينار ونصف دينار .. والمراد بالمريض الذى يصح منه الاقرار المريض الذى صح عقله فى مرضه لان من خولط عقله لا يصح اقراره بالدين ولا تبريته. ولا تصديقه للغريم أنه أوفى له ونحو ذلك .. والاقرار بغير المضمون كالقراض والوديعة والامانة كالاقرار بالدين. ولكن يقول فى الدين على كذا لانها لما يثبت فى الذمة. ويقول فى نحو الوديعة والقراض (عندى) الا ان لزمه ضمانه أى أصبحت مضمونة فيقول (على) ..
وان قال: على كذا وديعة أو قراضا أو نحوهما من الامانات فقيل: ويجوز وهو مختار الديوان وقيل: لا. وان قال: عندى كذا دينار لفلان جاز. وقيل: لا يجوز
…
واذا اقر وأجمل ثم فصل ما أجمله فالقول قول المقر له فى هذا التفصيل. وذلك مثل أن يقول:
أخذت منك الفى درهم. الف وديعة أو قراض. والف قرض. وتلف الف الوديعة او القراض .. وقال المقر له: أخذت الكل قرضا أو يقول المقر: أخذت الفين. الفا غصبا والفا وديعة. وتلفت الوديعة. وقال المقر له:
أخذت الكل غصبا فالقول فى ذلك كله للمقر له .. واذا اقر بذلك وادعى تلف الوديعة او القراض. وقال المقر له لم تتلف فالقول قوله الا اذا بين المقر تلف الوديعة أو القراض فيؤخذ بالبيان فى الاثبات.
وأن اقر المريض باستيفاء حقه ولو من وارث صح كما صح اقراره له بالدين ..
وكذلك ان اقر انه عفا عن قاتل وليه أو أنه أخذ منه الدية أو أنه هو الذى بغى على جارحه أو انه استوفى كتابة عبده فأن ذلك كله كالاقرار بالدين يصح منه وان اقر بذلك الصحيح او المريض يصح لانه لا فرق بين قوله: على كذا وهو الاقرار بالدين. وقوله:
قبضت كذا أو برئت ذمة فلان مما لى عليه لان فى كل من ذلك نقص مال .... وكذلك أن أقر بما هو أمين فيه مثل أن يقر بأنفاذ وصيته أو وصية وارثه أو بتلف الامانة أو بحد كنكال أو ادب .. فأن كان مريضا أقيم عليه اذا صح .. بخلاف ما اذا قال:
دفعت الديون لاربابها فلا يبرأ ورثته أن لم يصدقه أصحابها ومن الاقرار بالمجهول أن يقر بحمل هذه الناقة أو الأمة أو غيرهما فانه جائز ان تبين فيها الحمل وان أقر له بطريق فى أرضه أو ساقية ونحو ذلك بلا تعيين صح الاقرار كما لو عين. ويخرجها فى أرضه ..
(1)
شرح النبل ج 6 ص 144 وما بعدها
وأن قال المقر: لك على مائة درهم أو عشرة أو نحو ذلك فلا شئ عليه .. وان قال: لك على درهم الى عشرة أو نحو ذلك فلا شئ عليه .. وان قال: لك على درهم الى عشرة أو نحو ذلك صح وله ما نطق به اولا .. وان قال: لك على عدد اصابعك دراهم أو عدد هؤلاء الرجال وأشار اليهم أو اشار الى ما عرف عدده. وقال: لك على عدد هؤلاء دراهم صح ولزمه ما أقر به .... وان قال: لك على كذا وكذا درهما فى قفيز شعير أو عكس ذلك فعليه ما أقر به أولا
…
وان قال: لك على كذا قبل أن اخلف أو قبل أن تخلف الدنيا.
أو لك على دينار فضة او درهم ذهبا. أو دانق ذهبا ونحو ذلك مما لا يصح لم يجز ولم يصح الاقرار ولا يلزمه شئ وان خلط غير صحيح بصحيح جاز ما يصح وبطل غيره. مثل أن يقول: لك على دينار ودرهم ذهبا. ويصح فى الدينار ويلزمه ويبطل فى الدرهم ولا يلزمه.
وان قال: لك على عشرة دنانير وعشرة فله عشرة دنانير فقط. وهكذا كل عددين غير مركبين لم يذكر معدود الثانى منهما يؤخذ المقر بالاول ويبطل اقراره فى الثانى .. مثل مائة دينار وخمسون. فله مائة دينار فقط ..
وان ذكر معدود العددين آخرا. جاز على قول أقتصروا عليه فى الديوان مثل لك على مائة وخمسون درهما فيلزمه المائة والخمسون درهما
…
ولا يجوز الاقرار بما لم يوجد ولا استثناؤه مثل أن يقر بما تلد هذه الشاة هذا العام أو ما يكون من الصوف أو السمن أو نحو ذلك .. أو أن يقر بالشجرة الا غلتها فى هذا العام وليس عليها غله .. ولا يجر الاقرار كل ما يجره البيع فأن اقر بالارض لم يدخل النبات كالعكس وقيل يدخل بالارض اذا اقر بها .. وان اقر بماء العين دون بقعتها أو بالعكس صح الاقرار كما اقر. وكذا بالشجر دون التمر وبالعكس .. وجاز استثناء الوجود من ذلك. مثل هذه الشاة الا حملها او الا صوفها .... ويجوز أن يقر بعرصة طعام الا كيلا معلوما أو يقر بكيل معلوم منها.
الاستثناء:
ويجوز أن يستثنى شيئا مجهولا نحو له على مائة درهم الا شيئا وعليه البيان. ولابد أن يكون الاستثناء من الجنس فان استثنى من غير الجنس بطل الاستثناء وصح الاقرار فلو قال: له على دينار الا درهما أو الا مدا شعيرا بطل الاستثناء ولزمه الدينار المقر به.
ولا بد كذلك أن يكون غير مستغرق فان استغرق بطل الاستثناء وصح الاقرار فلو قال:
له على دينار الا دينارا أو الا دينارين بطل الاستثناء ولزمه الدينار المقر به.
وان عرفت دار فى يد رجل فأقر لرجل بأرضها او بنقضها جاز. لا أن لم تعرف له وقعد فيها اقل من ثلاث سنين .. ويجوز استثناء اسطوانة أو سارية أو نحو ذلك أو ممر أوجب ونحوهما. والباب والقفل وما كان غير متصل .. وان أقر بالبستان واستثنى أشجاره جاز وقيل لا. ولا يجوز استثناء ما يعود على الاقرار بالابطال كالاقرار بالدار الا سكناها ابدا والشجرة الا ثمرها ابدا.
فاذا اقر بذلك واستثنى على النحو المذكور صح الاقرار وبطل الاستثناء ولزمه المقر به وما تتحقق به فائدته .. ويجوز الاقرار بالبيت واستثناء هوائه أو بقعته .. ولا استثناء فى الاقرار بمعنى الاقرار بالبعض أو بالتسمية.
ولو علق الاقرار:
بأن قال: لك على كذا ان مت فى مرض أو سفرى هذا. أو ان أقمت أو ان رجعت منه لم يجز الاقرار ولم يلزمه شئ .. وقيل لزمه ..
وان قال: لك على كذا ان قاله فلان على.
أو ان مطرنا: أو ان جاء فلان أو ان مات. أو ان دخل هذا البيت أحد أو نحو ذلك فلا شئ عليه. (ولم يحك فى ذلك قولا آخر).
ومن أقر بدار فى يده لرجل. ثم أقر بها لرجل آخر. فهى للاول .. وان كانت بيد رجلين فأقر بها أحدهما لرجل وأنكر الاخر كان نصفها للرجل المقر له والنصف الاخر للمنكر. وان اقر احد الرجلين بنصفها لرجل وأنكر الاخر. فللرجل المقر له ربعها من نصيب المقر أى نصف نصيب المقر وهكذا .. وان كان الكيس بيد رجلين فأقر احدهما لرجل بنصفه. وقال الاخر: بل ثلثه. أخذ المقر له من نصيب المقر بالنصف نصفه وهو ربع الكل. وأخذ من نصيب المقر بالثلث ثلثه وهو سدس الكل ..
وان قال المقر: لك على درهم ودرهم.
أو لك على درهم فدرهم. أو لك على درهم ثم درهم. لزمه درهمان فى ذلك كله. وان قال:
لك على عشرة دنانير وعشرة دنانير لزمه عشرون دينارا .. وان قال: لك على درهم فى درهم أو مع درهم أو فوقه أو تحته درهم ..
أو درهم قبل درهم أو بعد درهم أو بجانبه درهم لزمه فى ذلك كله درهم واحد
…
وان قال لك على درهم فى درهمين أو فى ثلاثة دراهم. أو ثلاثة دراهم فى اربعة أو نحو ذلك - لزمه ما نطق به أولا فقط ..
وان قال: لك على درهم فى دينار أو دينار فى درهم لزمه ما اقر به أولا .. وان قال:
لك على درهم مع دينار. لزمه درهم .. وان قال: لك على درهم بل درهمان. لزمه درهمان
…
وان قال: لك على يوم السبت درهم ويوم الاحد درهم. لزمه درهمان .. وان قال: لك على درهم يوم السبت ويوم الاحد لزمه درهم واحد يؤخذ به يوم الاحد. وان قال: أو يوم الاحد فواحد .. وان قال يوم السبت لك على درهم. ثم أقر له بدرهم يوم الأحد لزمه درهمان. وقيل واحد - ذكروا القولين فى الديوان.
ومن أقر لرجل ان له عليه تسعة دنانير ثم قال المقر له انه قبض من التسعة المقر بها سبعة دنانير - ثم ذكر المقر الذى عليه الحق أنه دفع للمقر له صاحب الحق دينارين وادعى انهما الباقيان من التسعة ولم يبق عليه شئ.
وادعى المقر له صاحب الحق أن الدينارين المدفوعين من السبعة المدفوعة وأن على المقر دينارين - فالقول قول المقر الذى عليه الحق أن الدينارين من التسعة وأنه لم يبق عليه شئ من المبلغ المقر به اولا.
واذا أقر شخص لقوم بديون عليه. ثم قامت عليه بينة بديون أخرى لقوم آخرين - أو أقر فى صحته لقوم بديون. وأقر فى مرضه لقوم آخرين بديون أخرى. ووجدت عنده اموال لا تفى بكل الديون - الثابتة بالاقرار والثابتة بالبينة أو الثابتة بالاقرار حال الصحة والثابتة بالاقرار حال المرض. فلا يقدم احد الصنفين على الآخر فى الاداء وانما يقسم ما وجد من المال بين الدائنين جميعا بلا فصل ولا تمييز ويأخذون من ديونهم بالمحاصة
لا يختص بالمال الذى عنده من أقر له فى حال صحته عمن أقر له فى حال مرضه ولا من أقر له عمن شهد له الشهود. وكذا ان أقر لبعض فى صحته ولبعض فى مرضه وشهد الشهود لبعض بتحاص الجميع .. نعم اذا اقر الميت بديون لقوم فى الصحة أو فى المرض ثم أقر ورثته بعد وفاته بديون أخرى عليه لقوم آخرين. ووجد من المال ما يكفى بعض الديون فقط. قدم فى الاستيفاء من اقر لهم الميت على من أقر لهم الورثة فاذا استوفوا أخذ من أقر لهم الورثة الباقى .. وهنا يكون اقرار الوارث على نفسه فقط لا على الكل.
وأن أقر ولد للميت بدين يحيط بمال أبيه الذى تركه فدفعه اليه. ثم أقر برجل آخر أنه أخذه من ابيه المتوفى. فلا يضمن له شيئا من الميراث. ولا يرجع هذا المقر له بالنسب على المقر له بالدين ايضا. وكذا أن اقر لرجل بالوصية بعد ما أقر للآخر بالدين لا يضمن له شيئا ولا يرجع هذا على المقر له بالدين بشئ أيضا .. وأن اقر ابن الميت بوارث اولا ثم اقر بدين محيط فأنكره المقر له بالميراث ضمن المقر ما اعطى من الدين لمن أقر له بالميراث .. وكذا ان أقر بأن مورثه أوصى لرجل بثلث ماله فدفعه له ثم أقر لرجل بدين يحيط بمال مورثه وان أقر ابن الميت لرجل بدين يحيط بالتركة فأقر الرجل بأن لرجل آخر دينا على الميت يحيط بالتركة فكذبه المقر له الاخير. وقال: ان المال كله لى. قسماه نصفين فيما بينهما.
وانما يقدم فى الاستيفاء من أقر لهم الميت على من أقر لهم الورثة. ان لم يعلم من أقر لهم الميت بدين من أقر لهم الورثة ان لم يعلم من أقر لهم الميت بدين من أقر لهم الورثة. فأن علموا بديونهم كانوا اسوة وأخذوا المال بينهم بالمحاصة وان جحد من أقر لهم الميت أن اقرار الورثة بالدين لهؤلاء حق أو أنهم لا يعلمونه لا حقا ولا باطلا - حلفوا لهم يمينا على العلم.
ومن أحاط الدين بماله ويقال له المعدم سواء كان الدين مساويا لماله أو زاد عليه يجوز له أن يتصرف فى ماله ويخرجه من ملكه أو بعضه ببيع وشراء وهبة وتصدق وصداق واجارة وعتق وقضاء دين وغير ذلك وتعليقه برهن - وذلك ما لم يحجر عليه الحاكم او الامام أو الجماعة ويشتهر التحجير أو تقم عليه الغرماء للاستيفاء. فعندئذ لا يجوز له التصرف فى ماله .. وقيل لا يجوز له التصرف فى ماله ولو بالاعتاق. ولو لم يحجر عليه الحاكم ولا غيره ممن له سلطة الحجر ولم تقم عليه الغرماء للاستيفاء - وفى كتاب الوصايا فى باب العتق ما نصه وان اعتق عبده فى المرض وقد احيط بماله صح
…
والاكثر على بطلانه .. وان أعتقه فى صحته جاز اجماعا ولو أحيط بماله .. وبطل بلا خلاف ان كان العتق بعد الحكم بالدين للدائنين وتحجير ماله عليه. وان أعتقه قبل الحجر وبعد الحكم بالدين ولا وفاء له فى ماله. فهل يمض العتق وهو الأظهر أو يبطل.؟ قولان.
واذا ترك الميت مالا أحاط به الدين فلا يجوز لوارثه أن يتصرف فى هذا المال بشئ لأنه لما أحاط به الدين لم يبق للوارث فيه شئ اذ لا ميراث الا بعد وصية يوصى بها المتوفى أو دين لزمه فى حال حياته .. وقيل ان فعل الوارث شيئا فى المال فى هذه الحالة
كعتق او بيع أو غيرهما صح وضمن ولزم الورثة حفظه .. وان نما المال فى يدى الورثة فالفضل للورثة وليس لاصحاب الديون الا ديونهم
…
ولا يصح للورثة التصرف فى مال التركة المحاط بالدين كما ذكر الا بعد أن يفكوا هذا المال من الدائنين .. واذا باع الورثة مال التركة ليوصلوا الثمن الى الدائنين جاز ..
فان باعوا ليوصلوا الثمن الى الدائنين فضاع الثمن منهم بلا تضييع ضمنوا ما ضاع. وقيل:
لا يضمنون وهو الصحيح. وضمنوا بالاجماع أن ضاع الثمن بتضييعهم .. وكذلك ان باعوا من مال التركة لينفقوا على حيوان التركة أو لاصلاح مال التركة يجوز ذلك. وان ضاع الثمن فى هذه الحالة فلا ضمان عليهم الا أن ضاع بتضييعهم .. وان باعوا لغير ذلك ضمنوا ما تلف ولو لم يضيعوا .. ولا ضمان عليهم فيما نقص من المال فى ذاته عن حاله التى تركها عليه الميت.
وان ترك الميت حيوانا من عبيد واماء وغير ذلك فمؤنته أكلا وشربا ولباسا وغير ذلك مما يحتاج فى المال الذى تركه الميت بمراعاة الصلاح. ولو ببيع بعض الحيوان والانفاق على الباقى بثمنه .. ويتولى القيام على ذلك والانفاق على الحيوان وبيع ما يلزم الورثة لا الغرماء وكذلك اصلاح ما يحتاج الى اصلاح يتولاه الورثة لا الغرماء الا اذا فعل الغرماء ذلك فيصح .. وبحث البعض فى ذلك بأن أصل وضع المسألة فى تركة احاط بها الدين وفى هذه الحالة لا تعلق للوارث بهذه التركة فكيف يتولى ما ذكر، ويتقدم فى ذلك على الغرماء أصحاب الحق .. وأجيب بأن العلماء مختلفون فى تعلق حق الورثة بمثل هذه التركة والحكم مبنى على القول بأنه يلزم الوارث التصرف والانفاق على الحيوان واصلاح ما يحتاج الى اصلاح. الا ترى أنه يجوز له أن يستخلص التركة ويدفع للدائنين حقوقهم وتخلص التركة له. ويجاب أيضا بأن التركة فى ايدى الورثة او فى ملك مورثهم. وقد مات فهى كالامانة لا يجوز تضييعها. وأن ذلك من حق مورثهم عليهم بعد موته كالصلة وحق الزوجية والرحم.
الاقرار بالزنا:
ويثبت الزنا بالاقرار أربع مرات. يقر فى كل مرة انه زنى. وحقيقة الزنا معروفة وهى أن يأتى الرجل من المرأة حراما ما يأتى الزوج من زوجته حلالا. وأن يدخل فرجه فى فرجها كما يدخل الميل فى المكحلة والرشاء فى البئر بلا شبهة ولا عذر .. ويشترط لصحة هذا الاقرار وقبوله واقامة الحد بناء عليه ما يشترط فى الاقرار العام من كون المقر بالغا عاقلا مختارا غير مكره. لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر باقامة الحد على ماعز لما اقر عنده بالزنا اربع مرات وسأله: أبك جنون فنفى ذلك. وسأله عن الزنا فذكره له
واذا اقر بالزنا أقرارا صحيحا. ثم رجع عن اقراره قبل اقامة الحد عليه لا يقام عليه الحد لان هذا الرجوع يورث شبهة لاحتمال أن يكون صادقا وقد كذب فى اقراره. وحد الزنا من حقوق الله الخالصة التى تسقط بالشبهة.
الاقرار بالسرقة:
وتثبت السرقة بالاقرار اذا توفرت فيه شروط الاقرار بأن يكون المقر بالغا عاقلا مختارا غير مكره. وأن يبين فى اقراره حقيقة السرقة ومقدار ما سرق وممن سرق ولم سرق.
وسائر ما اعتبره الفقهاء لازما لاقامة حد السرقة ولتنتفى كل شبهة يمكن أن تسقط الحد
…
واذا أقر وهو فى السجن أو أقر وهو مضطر فى اقراره فلا يعتبر اقراره شرعا ويسقط عنه الحد وهو القطع. لأن القطع فى السرقة من حقوق الله تعالى الخالصة التى تندرئ بالشبهات وان كان المال من حق العبد قد يجب فيه الضمان ولكن لا يثبت القطع ..
واذا أقر بالسرقة اقرارا كاملا صحيحا ثم رجع عن اقراره قبل اقامة الحد عليه فلا يقام عليه الحد. لان رجوعه يورث شبهة والشبهة تسقط الحد. لاحتمال أن يكون صادقا فى رجوعه.
وقد كذب فى الاقرار. أو التبس عليه الأمر فظن بسرقة ما ليس بسرقة .. والشروط والاوضاع التى اعتبرها الفقهاء فى هذا المجال لتتحقق السرقة وتوجد جريمتها على التحقيق محل خلاف كبير بين الفقهاء فى حقيقتها وفى اعتبارها وضرورة تحققها
(1)
.
مقارنات
حجية الاقرار:
الاقرار
(2)
حجة علي المقر. يؤخذ به ويحكم عليه بمقتضاه. وهو أقوى الأدلة وأقربها الى الصدق لان احتمال الصدق أرجح من احتمال الكذب. إذ العاقل لا يقر على نفسه عادة ولا يرتب حقا للغير على نفسه الا اذا كان صادقا فى الاقرار ولا تختلف المذاهب فى حجية الاقرار واعتباره دليلا ينبنى عليه الحكم.
وحجية الاقرار ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع والقياس والمعقول
أما الكتاب فقول الله تبارك وتعالى:
«وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه» أمر صاحب الحق بالاملاء فى كتابة الوثيقة.
واملاؤه هو اقراره. ولو لم يكن اقراره حجة عليه ويؤخذ به لما كان فيه فائدة. ولما أمر به فأمر الله به دليل على حجيته .. وقوله سبحانه «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين» . قال المفسرون: ان شهادة الانسان على نفسه هى اقراره عليها بالحق. وقوله «واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه. قال أقررتم وأخذتم على ذلكم اصرى. قالوا أقررنا. قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين» وهذا صريح فى اعتبار الاقرار حجة والتثبت به. وقوله: وآخرون أعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم. أخذهم الله باعترافهم بذنوبهم.
والاقرار هو الاعتراف بالشئ .. وقوله «بل الانسان على نفسه بصيرة» قال ابن عباس رضى الله عنهما - بصيرة يعنى شاهدة - وشهادة الانسان على نفسه الاقرار ..
(1)
جوهر النظام لابن حميد السالمى ح 585 من باب حد السرقة وص 590 من باب حد الزنا.
(2)
انظر فتح القدير، ونهاية المحتاج ج 5 ص 64 وما بعدها، والمغنى لابن قدامه ج 5 ص 271، والمحلى ج 8 ص 250، وشرح الازهار ج 4 ص 157، والنيل ج 7 ص 141 وما بعدها.
واما السنة: فقد روى قتادة عن أنس أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين.
فسألوها من صنع هذا بك؟ وذكروا لها اسماء أشخاص. فلان. فلان. حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها انه هو. فأخذ اليهودى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر.
فأمر الرسول به أن يرض رأسه بالحجارة ..
وفى الأحاديث الصحيحة المتواترة معنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاقرار بالزنا من ماعز ومن الغامدية واقام عليها الحد بمقتضاه .. وفى قصة العسيف أن ابنى هذا كان عسيفا على هذا فزنى بأمراته. وانى اخبرت أن على ابنى الرجم فأفتديت منه بمائة شاة ووليدة .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله. الوليدة والغنم رد عليك. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام .. واغد يا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فأرجمها. فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت
…
فقتل النبى صلى الله عليه وسلم بالاقرار. ورجم به. ورد به المال ممن كان بيده الى صاحبه ..
واما الاجماع. فقد أجمعت الامة من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا على العمل بالاقرار واعتباره حجة على المقر يعامل بها ويؤاخذ بمقتضاها. وجرى المسلمون على ذلك فى كل المعاملات. والاقضية من غير نكير
…
واما القياس. فلانه قد ثبت بالدليل وجوب الأخذ بالشهادة وبناء الحكم عليها مع احتمال الكذب فيها. لرجحان جانب الصدق على جانب الكذب وأفادتها العلم بالمشهود به لدى القاضى - واحتمال الصدق فى الاقرار أقوى من الشهادة والبعد عن الريبة فيه أظهر منها لأن الانسان لا يشهد على نفسه الا وهو صادق عادة - فلأن يجب الاخذ به والحكم بمقتضاه اولى
واما المعقول: فلأن الاقرار. وهو خبر كان بحسب الاصل مترددا بين الصدق والكذب لكن النظرة المعقولة رجحت جانب الصدق فيه على جانب الكذب لوجود الداعى الى الصدق والصارف عن الكذب وهو عقل المقر ودينه. اذ هما يحملانه على الصدق ويزجرانه عن الكذب .. وقد تحمله نفسه الامارة بالسوء على الكذب فى حق غيره حين يكون الكلام متعلقا بالغير. أما فى حق نفسه فلا تحمله هذه النفس على الكذب الضار بالنفس وبالمال فصار عقله ودينه وطبعه دواعى الى الصدق فى الاقرار زواجر عن الكذب فيه - فكان الصدق ظاهرا فيما أقر به على نفسه.
فوجب قبول الاقرار منه. والعمل به.
الاقرار حجة بنفسه:
والاقرار حجة ملزمة بنفسها لا يحتاج الالزام بالمقر به الى القضاء والحكم. واطلاق اسم القضاء على ما بنى على الاقرار مجاز.
فان الحق يثبت بالاقرار بدون حكم. وانما يأمر القاضى المقر بدفع ما لزمه باقراره وليس لزوم الحق بالقضاء. وجعل الاقرار طريقا من طرق القضاء انما هو بحسب الظاهر.
غير أن هناك مسألة يتوقف نفاذ الاقرار فيها على قضاء القاضى وحكمه. ذكرها فى الدر المختار وتكملة حاشية ابن عابدين عليه
وهى: اذا ادعى شخص دينا على ميت فأقر به احد الورثة وجحده الباقون. فعلى ظاهر الرواية وهو المذهب يلزم المقر الدين كله ان وفت حصته من الميراث بالدين أخذ المدعى دينه منها. وان لم تف اخذ كل حصته .. لكن اختيار الفقيه أبى الليث انه لا يلزم المقر الا حصته من الدين فقط دفعا للضرر عنه لانه ربما اقر بما يتعلق لكل التركة .. ولو شهد هذا المقر مع آخر أن الدين كان على الميت قبلت شهادته .. وبهذا علم أن الدين لا يحل فى نصيبه بمجرد اقراره بل بقضاء القاضى عليه باقراره. فلتحفظ هذه الزيادة. فى التكملة فى الحاشية: وحاصل ما يقال: انه اذا ادعى رجل دينا على ميت واقر بعض الورثة به فعلى قول أصحابنا يؤخذ من حصة المقر جميع الدين. قال الفقيه ابو الليث: هذا هو القياس. لكن الاختيار عندى أن يؤخذ منه ما يخصه من الدين. وهذا القول ابعد عن الضرر. وذكره شمس الائمة الحلوانى ..
وقال مشايخنا: هنا زيادة لم تشترط فى الكتب. وهو ان يقضى القاضى عليه باقراره.
اذ بمجرد الاقرار لا يحل الدين فى نصيبه بل يحل بقضاء القاضى.
قال صاحب الزيادات: وينبغى أن تحفظ هذه الزيادة فان فيها فائدة عظيمة كذا فى العمادية .. لكن يشكل على هذا أن اقرار الانسان حجة فى حق نفسه. والقضاء فيه مظهر لا مثبت كما ذكروا. وايضا فان المال يلزمه بمجرد الاقرار. والقضاء انما يحتاج اليه فى البينة اذ لا يتهم المرء فيما أقر به على نفسه. ولهذا لو أقر بمعين لانسان ثم أقر به لآخر كان للاول ولا شئ للثانى ومن هذا ما اذا مات شخص عن ابنين وله على اخر مائة جنيه فأقر أحدهما بقبض أبيه خمسين جنيها منها فلا شئ للمقر فى الدين لأن اقراره ينصرف الى نصيبه وذلك لأن المائة صارت ميراثا بالموت بين الابنين فلما أقر أحدهما باقتضاء أبيه خمسين من المائة صح الاقرار فى نصيبه لا فى نصيب أخيه فبقيت حصة الآخر كما كانت فيجعل كأن المقر استوفى نصيبه .. وأما الوارث الآخر فله خمسون من المائة بعد حلفه أنه لا يعلم أن أباه قبض شطر المائة ولكن جمعية المجلة العدلية فى تركيا رجحت قول أبى الليث فى هذه المسألة فأخذت به فى المادة (1642) ونص عبارتها فيها. كذلك لو أراد أحد أن يدعى بدين على التركة فله أن يدعى حضور واحد من الورثة فقط سواء وجد فى يد ذلك الوارث من التركة مال أو لم يوجد .. فان أقر ذلك يؤمر باعطاء ما أصاب حصته من ذلك الدين ولا يسرى اقراره الى سائر الورثة وفى تعليق على ما ذكر: وعلى هذا اذا أقر الابنين بقبض أبيه خمسين جنيها من المائة لزمه خمسة وعشرون فقط باقراره. وان أقر بأن أباه قبض كل المائة فقط سقط كل حصته من الدين .. وشيوع الاقرار فى كل التركة وعدم اقتصاره على نصيب المقر هو مذهب ابن ابى ليلى والحسن
…
وبه قال الشافعى فى قول أحمد وهو قياس مذهب مالك تكملة الفتح فى الاقرار.
الاقرار حجة قاصرة:
الاقرار حجة على نفس المقر لا تتعداه الى غيره. لان المقر لا ولاية به على غيره وانما ولايته قاصرة على نفسه يتسرى كلامه على نفسه دون غيره بخلاف
البينة فانها حجة متعدية يلزم بها الغير ويحكم عليه بمقتضاها.
أخرج الطبرانى مسندا الى ابن عباس رضى الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة اذ اتى رجل فتخطى الناس حتى قرب اليه فقال: يا رسول الله: أقم على الحد. فقال: اجلس فجلس.
ثم قال الثانية: فقال: يا رسول الله: أقم على الحد. فقال النبى أجلس فجلس ثم قال الثالثة: فقال: يا رسول الله: أقم على الحد قال الرسول: وما حدك.؟ قال: أتيت أمرأة حراما. فقال صلى الله عليه وسلم لعلى وابن عباس وزيد بن حارثة. وعثمان بن عفان رضى الله عنهم: انطلقوا به فاجلدوه. ولم يكن تزوج. فقيل: يا رسول الله - الا تجلد التى جنيت بها؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صاحبتك؟ قال؟ قال: فلانة فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها. فقالت: يا رسول الله: كذب على.
والله انى لا أعرفه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاهدك.: فقال: يا رسول الله ما لى شاهد. فأمر به النبى صلى الله عليه وسلم. فجلد حد الفرية ثمانين جلدة .. فقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم اقراره بالزنا على نفسه. وامر بضربه حد الزنا. ولم يعتبر اقراره على المرأة واعتبر قاذفا لها اذ لم يأت بشهود على ما رماها به من الزنا وضربه حد القذف.
وقد رأى الحنفية أن كون الاقرار حجة قاصرة على المقر هو الاصل العام وهو ما أخذ به الائمة والفقهاء فى المذاهب الاخرى وقد خرج عن هذا الاصل عند الحنفية بعض مسائل ذكرها صاحب الدر المختار وصاحب تكملة حاشية ابن عابدين الاقرار:
منها: ما اذا أقرت الحرة المكلفة بدين لغير زوجها. وكذبها الزوج فى الاقرار. فان اقرارها يصح ويقبل فى حق نفسها وفى حق زوجها أيضا عند أبى حنيفة فتحبس فى الدين وتلازم ان ما طلت فيه وان تضرر الزوج بالحبس والملازمة لان ذلك يحول دون استمتاعه بها. وعند الصاحبين لا يقبل اقرارها فى حق الزوج فلا تحبس ولا تلازم لان فى ذلك منعا له من الاستمتاع بها. ويأمرها القاضى بأداء الدين ويبيع من مالها ما يباع فى الدين
…
وذكر صاحب الدر بحثا انه ينبغى التعويل على قول الصاحبين. ولكن نقل فى التكملة: ان المعول عليه قول الامام.
ومنها: اذا اقر المؤجر بدين لا وفاء له الا من ثمن العين المؤجرة صح الاقرار فى حقه وفى حق المستأجر. وكان للدائن أن يبيع العين المؤجرة أو يستوفى دينه من ثمنها. وان تضرر المستأجر من فوات الاجارة - لذهاب العين المستأجرة.
ومنها: اذا اقرت مجهوله النسب بأنها بنت ابى زوجها او بنت جده وصدقها الاب او الجد فى الاقرار. وكذبها الزوج فيه صح اقرارها فى حق نفسها وفى حق الزوج رغم تكذيبه وانفسخ النكاح بينها وبينه لأن مقتضى الاقرار أنها اخته أو عمته فتكون محرمة عليه على التأييد. ويكون النكاح غير صحيح شرعا.
ومنها: اذا كانت له جارية ولها ابن مجهول النسب فباع السيد الجارية. ثم اقر بنسب ابنها. ولهذا المقر أخ كذبه فى الاقرار صح الاقرار فى حق المقر وفى حق اخيه المكذب فيثبت نسب الولد المقر به. ويكون ميراث المقر لهذا الولد دون الاخ الذى يحجب به رغم التكذيب. مسائل اخرى يطول الحديث عنها فلا داعى للاطالة بذكرها.
ويتصل بموضوع حجية الاقرار بالنسبة للمقر وغيره مسألة اقرار العبد سواء أكان مأذونا له أو غير مأذون. ومسألة اقرار المريض مرض الموت .. واذا استثنينا. الظاهرية.
فان الائمة والفقهاء فى المذاهب المختلفة متفقون على صحة الاقرار فى المسألتين فى بعض الاحوال وعدم صحته فى بعض آخر رعاية لحق السيد والورثة والدائنين وعدم الإضرار بهم - وقد بينا ذلك بالتفصيل واوضحناه فى المذاهب المختلفة فى موضع كل وبحثه فى كل مذهب.
اما ابن حزم الظاهرى فقد سوى بين الحر والعبد فى الاقرار وأحكامه ومسائله.
ولم يجعل لاقرار العبد وضعا خاصا ولا احكاما خاصة كغيره من الفقهاء. وبالنسبة للمريض جعل اقرار المريض فى مرض موته وفى مرض أفاق منه لوارث ولغير وارث نافذا من رأس المال كإقرار الصحيح ولا فرق مطلقا بينهما.
سماع البينة مع الاقرار:
الاصل أن البينة لا تقام الا على منكر.
فمتى أقر المدعى عليه بالدعوى لم يحتج بعد ذلك للبينة. وذلك لثبوت الدعوى بالاقرار الذى هو من اقوى بل هو كما جرى على الالسنة. سيد الادلة - وليس للمدعى أن يحضر شهودا بعد الاقرار على دعواه.
ولا للقاضى ان يشتغل بسماع شهادة شهود على تلك الدعوى التى قام عليها الاقرار وما على القاضى بعد الاقرار الكامل الا ان يحكم بمقتضى ذلك الاقرار .. هذا هو الاصل ..
ولكن الحنفية استثنوا من هذا الاصل مسائل تسمع فيها البينة مع الاقرار وقد ذكرنا هذه المسائل بالتفصيل فى آخر الكلام على الاقرار عند الحنفية. وبمطالعتها تبين واضحا انه احتيج فى بعضها الى البينة مع الاقرار لان الاقرار لا يكفى لثبوت الحق المدعى به. وانما لان المدعى يريد أن يتعدى الحكم الى غير المدعى عليه. والاقرار لا يتعدى وغرض المدعى أن يتعدى الحكم منعا للضرر وذلك كما فى مسألتى اثبات صفة التوكيل والوصاية ومسألة استحقاق عين من مشتر بعد البيع. ومسألة اقرار الوارث للموصى له بحق. وليس معنى سماع البينة مع الاقرار فى هذه المسائل أن القاضى يطلب سماع البينة بعد الاقرار بل معناه أنه اذا طلب منه المدعى سماع البينة بعد الاقرار يجيبه الى طلبه مراعاة لتلك المصلحة ومنعا للضرر عنه. ثم يحكم بعد سماع البينة بمقتضاها لا يقتضى الاقرار تحصيلا لفائدة تعدى الحكم الى الغير .. وفى بعض آخر من تلك المسائل يحتاج الى سماع البينة لعدم صحة الاقرار شرعا كاقرار الاب والوصى اذا خوصم أحدهما فى حق للصغير فأقر بالحق فان هذا الاقرار على الصغير غير صحيح شرعا ويخرج الوصى بمقتضاه من الخصومة. ولكن لا يخرج الاب به من الخصومة. ومثل الوصى أمين القاضى اذا أقر على الصغير بحق لا يصح
الاقرار ويخرج به من الخصومة .. ومن ثم يجب اقامة البينة على الحق مع الاقرار فى هذه المسائل .. وهنا يطلب القاضى البينة من تلقاء نفسه ويسميها ليبنى عليها الحكم
…
وفى مسألة اثبات الدين على الميت - اذا أريد اثبات الدين فى كل التركة وبالنسبة لجميع الورثة لا بالنسبة للوارث المقر أو الورثة المقرين فقط أو اذا أريد اثبات الدين فى حق دائن آخر وتعدى الحكم اليه. فى هذه الحالة وفى تلك لا بد من البينة حتى ولو أقر بالدين الجميع لان اقرار بعضهم فى الحالة الاولى واقرار جميعهم فى الحالة الثانية لا يكفى للحكم المطلوب وكذلك فى مسألة اثبات اليد على العقار فى دعوى العقار لا يكفى.
فيه الاقرار. وفى هذه الحالة حالة عدم كفاية الاقرار للحكم يطلب القاضى من المدعى الدليل الكافى الذى يصح بناء الحكم عليه وهو البينة
…
والاصل فى هذا الباب أنه فى كل موضع يتوقع فيه الضرر لولا البينة تسمع فيه البينة مع الاقرار .. وتارة يكون سماعها جائزا ويطلب المدعى سماعها ويجيبه القاضى الى الطلب. وتارة يكون سماعها واجبا لعدم صحة الاقرار او عدم كفايته. ويطلبها القاضى .. حسب الاحوال.
ما به يكون الاقرار:
يكون الاقرار بأمور كثيرة بعضها متفق عليه بين الفقهاء. وبعضها مختلف فيه. على الوضع الاتى:
اللفظ:
واللفظ هو الأداة الاولى والاساسية فى الاعراب عما فى النفس وتصوير ارادة الانسان كما يريد .. ومن ثم اتفق الفقهاء جميعا على أن الاقرار يكون باللفظ واللفظ فى دلالته على الاقرار وابراز معناه وهو الاخبار بحق للغير على نفس المقر - قد يكون صريحا أى بمقتضى الوضع اللغوى. وقد يكون دلالة أى بمقتضى اللزوم لا بحسب الوضع - وقد اشرنا الى ذلك واوضحناه فى الكلام على ما به يكون الاقرار والالفاظ والصيغ التى يؤدى بها فى المذاهب المختلفة.
الاشارة:
وقد قال الحنفية: انها تكون من الاخرس اذا كانت له اشارة معهودة مفهمة. فيصح اقراره باشارته المعهودة سواء كان قادرا على الكتابة أو عاجزا عنها على المعتمد عندهم ..
وتقوم اشارته مقام العبارة فى الاقرار فى كل شئ الا فى الحدود والشهادة - وكتابته كاشارته يعمل بها متى كان قادرا عليها ..
والناطق الذى اعتقل لسانه لا تعتبر اشارته الا اذا دامت عقلة لسانه. وصارت له اشارة معلومة مفهمة فان اشارته حينئذ تكون معتبرة ويجوز اقراره بها وينزل منزلة الاخرس بالنسبة اليها .. ولا تعتبر الاشارة من الناطق القادر على التعبير فى الاقرار الا فى مسألتين من مسائله .. الاولى: الاقرار بالنسب. فاذا قيل لرجل هذا ابنك وأشير الى غلام مجهول النسب يولد مثله لمثله. فأشار برأسه أى نعم كان مقرا بنسبه واعتبرت اشارته بالايجاب اقرارا منه بذلك ويعامل به شرعا .. والثانية:
الاقرار بالكفر فاذا قيل لانسان. أتعتقد هذا المكفر فأشار برأسه أى نعم كان مقرا بالكفر.
واعتبرت اشارته بالايجاب اقرارا منه بذلك وعومل به .. وهناك مسائل
أخرى تعتبر الاشارة من الناطق اقرارا لم نشأ أن نذكرها هنا لأنها ليست من الاقرار ولا من مسائله فى شئ وان كنا ذكرناها مفصلة فى الكلام على مابه يكون الاقرار فى مذهب الحنفية. وفيما ما ذكر لا يعمل بالاشارة فى الاقرار من الناطق القادر على الكلام أصلا.
ويقول المالكية: انه يصح اقرار الا بكم والمريض بالاشارة المعلومة المفهمة. ولا يصح رجوعه بعد ذلك عن هذا الاقرار حتى ولو انطلق لسانه وأراد الرجوع. وكذلك يصح الاقرار بالاشارة الواضحة من القادر على النطق ويلزم. ولا يجيز الشافعية الاقرار بالاشارة المعلومة الا من الاخرس. وكذلك الحنابلة. ويزيدون عدم صحته بالاشارة من معتقل اللسان لطارئ من مرض ونحوه ..
ويرى الزيدية صحة الاقرار بالاشارة من الاخرس والمصمت والمريض الذى لا يقدر على الكلام. وقال الإمامية ان الاشارة تقوم مقام اللفظ ولم يفصلوا أما الظاهرية فلم يذكروا وسيلة للتعبير عن الاقرار سوى اللفظ.
الكتابة:
الاصل عند الحنفية أنه لا يعمل بالكتابة ولا يعتمد على الخط - لان الخط يشبه الخط ..
ومن شأنه ان يزور ويفتعل واستثنوا من هذا المنع خط التاجر فى دفتره والسمسار والصراف. واعتبروا ما يكتبه هؤلاء فى دفاترهم واوراق عملهم حجة يعمل به جريا على العرف والعادة من أنهم لا يكتبون على أنفسهم فى دفاترهم الا ما هو حق غير أن قارئ الهداية. قد أفتى بالأخذ بالصك المكتوب بالدين متى تبينت صحته. وجرى على ذلك القاضى أبو على النسفى فجرى عمل المتأخرين على ذلك. واخذت به المحاكم الشرعية قبل الغائها. واصبح الاخذ بالخط والعمل بالكتابة ضرورة لا يعدل عنها ولا انفكاك منها وهذا ما عليه العمل الان.
ويرى المالكية ان الاقرار بالكتابة كالاقرار بالعبارة - يصح ويؤخذ به المقر اذا كانت الكتابة فى صحيفة أو لوح أو خرقة أو كانت نقشا فى حجر سواء أشهد على نفسه بما كتب فى ذلك أو لم يشهد. اما الكتابة على الارض فلا يصح الاقرار بها الا اذا أشهد على نفسه بما كتب فيها. اذ لا امان لمثل هذه الكتابة به ولا بقاء لها .. وان كتب على الماء أو فى الهواء فلا يصح الاقرار بها مطلقا أشهد او لم يشهد لانها كلا كتابة اذ تذهب مع الريح ..
ويقول الشافعية أن الاقرار بالكتابة يصح ولو من القادر على النطق ونص الحنابلة على صحة الاقرار بالكتابة باطلاق وبلا تفصيل.
فدل ذلك على جواز الاقرار بها مطلقا ولو من القادر على النطق. ومن الاخرس اذا كان يعرفها ولا وسيلة للاقرار عند الظاهرية سوى اللفظ كما أشرنا. ويرى الزيدية صحة الاقرار بالكتابة ممن لا يستطيع النطق متى كان يعرفها.
اما الإمامية فليس عندهم من وسائل التعبير عن الاقرار سوى اللفظ والاشارة على النحو الذى ذكرناه.
السكوت:
لا يعتبر السكوت اقرارا الا عند الحنفية والمالكية على التفصيل الاتى: - يرى الحنفية أن السكوت يعتبر اقرارا فى بعض المواضع.
فيجعل الساكت مقرا بالحق بسكوته كما يجعل المتكلم مقرا بالحق بكلامه .. وان كان هذا مخالفا للقاعدة الفقهية المقررة التى تقول: انه لا ينسب لساكت قول: الا انهم استثنوا من ذلك مسائل جعلوا الساكت فيها كالمتكلم بعد ذلك. سكوت الوالد بعد تهنئة الناس له بالولد بعد الولادة يكون اقرارا منه أنه ابنه فليس له ان ينفى نسبه منه بعد ذلك .. ومنه سكوت الزوجة أو الولد او القريب عند بيع العقار بحضرته من الزوج او الوالد او القريب يعتبر اقرارا من هذا الحاضر الساكت بملكية البائع للعقد أو المبيع .. ولا تسمع دعواه الملكية على المشترى فى هذا المبيع طبقا لما أفتى به مشايخ سمرقند وذلك قطعا للاطماع الفاسدة .. ومنه ما اذا رأى شخص شخصا آخر يبيع عرضا أو دارا ورأى المشترى يتصرف فى البيع زمانا وهو ساكت. يعتبر سكوته اقرارا منه بملكية البائع للمبيع وصحة البيع فلا تسمع منه دعوى الملكية على المشترى فى هذا المبيع بعد .. ومنه ما اذا سكتت البكر التى زوجها وليها اذا بلغت بكرا يكون سكوتها عند البلوغ وعدم اختيارها نفسها رضا منها بالزواج يبطل خيار البلوغ الثابت لها. بخلاف ما اذا بلغت ثيبا فانه لا يبطل خيارها بمجرد السكوت بل يبطل برضاها. وغير هذا مسائل ذكرناها فى الكلام على مذهب الحنفية فى ذلك.
اما المالكية فقد اختلفوا فى السكوت:
هل يعتبر اذنا بالشئ المسكوت عنه واقرارا به على أساس الرضا والتسليم. أو لا يعتبر كذلك؟ قولان. والأظهر أنه لا يعتبر اقرارا
(1)
وأما اذا قال له: لى عليك مائة فسكت فقد ذكروا الخلاف فى كون السكوت اقرارا او ليس باقرار
(2)
.
وجاء فى مواهب الجليل - مسألة: اختلف فى السكوت كالاقرار ام لا .. قال فى العتبية فى رسم العرية من سماع عيسى من كتاب التفليس مسألة: وسئل عن رجل جاء قوما فى مجلس فقال: أنا أشهدكم أن لى على فلان كذا وكذا دينارا. وفلان هذا مع القوم فى المجلس فسكت ولم يقل. نعم ولا لا. ولم يسأله الشهود عن شئ. ثم جاء المشهد يطلب ذلك المبلغ قيل المشهد عليه الذى سمع الاشهاد عليه وسكت. فأنكر أن يكون عليه شئ .. قال:
نعم ذلك لازم اذا سكت ولم يقل شيئا .. قال محمد بن رشد: اختلف فى السكوت هل يعد اذنا فى الشئ واقرارا به على قولين مشهورين فى المذهب منصوص عليهما لابن القاسم.
أحدهما أنه اذن. والثانى أنه ليس باذن ..
وأظهر القولين أنه ليس باذن .. وقد ذكرنا المسألة ببسط وايضاح فى الكلام على مذهب المالكية فى ذلك
(3)
.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ص 3 ص 403.
(2)
مواهب الجليل للحطاب ج 5 ص 225.
(3)
يراجع مذهب الحنفية ابن عابدين ج 4 ص 688 وما بعدها وجامع الفصولين ج 2 ص 182 وفى مذهب المالكية تبصرة الحكام لابن فرحون ج 2 ص 55 وفى مذهب الشافعية نهاية المحتاج ج 5 ص 76 وما بعدها - الاشباه والنظائر للسيوطى ص 362 وما بعدها مذهب الحنابلة كشاف القناع ج 4 ص 291، 306، 307 وشرح منتهى الايرادات ج 4 ص 335، 339، 340 ومذهب الظاهرية المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8. باب الاقرار ص 250 وما بعدها. مذهب الزيدية شرح الأزهار ج 4 ص 159 - التاج المذهب ج 4 ص 41، مذهب الإمامية المختصر النافع الطبعة الثانية ص 243 مذهب الإباضية شرح النيل ج 7 ص 141 وما بعدها.
تجزؤ الاقرار:
اذا استثنينا الظاهرية والحنابلة. فانه يمكن القول بأن الفقهاء فى المذاهب الاخرى متفقون على أن الاقرار يتجزأ: يقول الحنفية اذا ادعى شخص على آخر أنه اقترض منه مبلغ مائة جنيه وطالبه به - فقال المدعى عليه أنى قضيتك المبلغ المطلوب - يكون هذا اقرارا بالمبلغ لان القضاء هو تسليم مثل الواجب فى الذمة فالاخبار بانه قضاه المبلغ يستلزم الاقرار بأنه كان ثابتا فى ذمته فيكون مقرا به مدعيا سقوطه بمسقط فيعامل باقراره بالمبلغ ولا تثبت دعواه السقط الا ببينة
(1)
. وهذا تجزئة للاقرار حيث أخذ منه جزء وهو الضار المتكلم وترك جزء آخر وهو النافع له .. ويقول المالكية مثل
(2)
ذلك - أنه اذا قال شخص لآخر لى عليك عشرون مثقالا ذهبا فقال المخاطب: فقد قضيتها او اتزنها او انتقدها أو اجلنى بها او ما أشبه ذلك. فانه بهذا الجواب يكون مقرا بالمبلغ المدعى به لان الضمير فى عبارة الجواب راجع الى المبلغ الذى ذكره المدعى المقر له اولا. وقضاء الدين شرعا هو تسليم مثل الواجب فى الذمة.
فاخبار المخاطب بانه قد قضى العشرين مثقالا يستلزم الاقرار بثبوتها فى ذمته فيكون مقرا بها مدعيا سقوطها بالقضاء فيؤخذ بالاقرار.
ولا يصدق فى دعوى القضاء الا بدليل. وان لم تشتمل عبارة الجواب على الضمير العائد على المبلغ: بأن قال له: أتزن أو انتقد أو قد قضيته أو أجل. ففى دلالة هذا الجواب على الاقرار الحق المدعى قولان .. ويرى الشافعية مثل هذا الرأى
(3)
. أنه اذا قال شخص لآخر: لى عليك الف درهم. أو قال له: أقض الالف الذى لى عليك. أو قال: أليس لى عليك: ألف درهم. فقال المخاطب فى جواب ذلك. بلى. أو نعم. او صدقت أو نحو ذلك كان هذا اقرارا بالحق المدعى به الا ان يقترن الجواب بما يدل على الاستهزاء او الانكار كالضحك وهز الرأس تعجبا وانكارا فلا يعتبر الجواب دالا على الاقرار .. وان قال المخاطب فى الجواب: أبرأتنى أو قضيته أو نحو ذلك فانه يدل على الاقرار بالحق المدعى لانه يدعى الابراء أو القضاء. وذلك اعتراف بالاصل وشغل الذمة بالمقضى أو المبرأ منه فيؤخذ بهذا الاقرار ولا يصدق فيما يدعيه من الابراء أو القضاء الا بالدليل .. وهو مع ملاحظة أن الاقارير ونحوها مبنية على العرف المتبادر من اللفظ لا على دقائق العربية واعتبارات النحو .. وكذلك الحكم عند الزيدية .. فقد قالوا انه يجب الحق بالاقرار بفرع ثبوته .. فاذا أقر الشخص بشئ يتفرع على ثبوت الحق كان ذلك اقرارا بنفس الحق مثال ذلك أن يدعى رجل على رجل دينا.
فيقول المدعى عليه: قد قضيتك هذا الدين.
فتكون دعواه القضاء اقرارا بالدين لأنه لا قضاء الا عن دين وقد فهم هذا من الدعاوى لان مع المقر اخفى الامرين وهو الابراء. ومع المدعى اظهرها وهو عدم الابراء .. ونحو ان يدعى رجل على امرأة أنها زوجته فتقول ردا على دعواه: قد طلقتنى. فان ذلك يكون اقرارا
(1)
الدر المختار وتكملة حاشية ابن عابدين من باب الاقرار.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 402، 403 والحطاب ج 5 ص 234 وما بعدها.
(3)
نهاية المحتاج ج 5 ص 76 وما بعدها.
منها بالزوجية. وعليها البينة بالطلاق
(1)
ويؤخذ مثل ذلك لو قال: أليس لى عليك كذا فقال المخاطب فى الجواب - أجلتنى بها أو قضيتكها منذ أقر وانقلب المقر مدعيا ..
وهذا ظاهر فى أنهم اعتبروا قوله قضيتكها - اقرارا بالحق. وادعاء بالقضاء وهذا هو تجزئة الاقرار فهم يقولون بتجزئة الاقرار
(2)
.
أما الحنابلة فقد اختلفوا فى اعتبار الاجابة على ادعاء الدين بمثل هذه الاجابة اقرارا وتجزئته كغيرهم أو اعتباره انكارا .. والمعتبر عندهم أنه ليس اقرارا ولا يتجزأ
(3)
ومن ادعى عليه شئ بأن قيل له: لى عليك الف فقال: كان له على الف وقضيته لم يكن ذلك اقرارا. حكى ابن ابى موسى أن فى المسألة روايتين: أحداهما. أن هذا ليس باقرار.
واختاره القاضى. وقال: لم أجد عن أحمد رواية بغير هذا والثانية أنه اقرار بالحق وادعاء بقضائه فعليه البينة بالقضاء والا حلف غريمه وأخذ. واختاره أبو الخطاب.
وفى كشاف القناع
(4)
: وان قال: كان له على الف وقضيته اياه او أبرانى منه او برئت اليه منه أو قبض منى كذا منه. أو أبرأنى من كذا منه. أو اقبضته منه خمسمائة مثلا فهو منكر. وهذا معنى كلام الخرقى وعامة شيوخنا .. ولانه قول يمكن صدقه ولا تناقض فيه من جهة اللفظ فوجب بقوله ولا يلزمه شئ كاستثناء البعض .. وكذلك لو قال له شخص يدعى عليه: لى عليك الف. فقال له فى الجواب: اقبضتك منها عشرة فان المدعى عليه يكون منكرا.
والقول قوله مع يمينه .. وقال ابو الخطاب يكون مقرا بالالف ومدعيا للقضاء فلا يقبل الا ببينة.
وأما الظاهرية
(5)
فقد قطع ابن حزم فى المحلى بأن الاقرار لا يتجزأ فلا يؤخذ منه الضار ويترك النافع. وانما يؤخذ كله او يترك كله ومن طريق عماد بن سلمة أخبرنا أبو عقبه ان رجلا ادعى على رجل الف درهم ولم تكن له بينة. فاختصما الى عبد الملك بن يعلى فقال الرجل المدعى عليه: قد كانت له عندى الف درهم فقضيته. فقال المدعى:
أصلحك الله قد اقر. فقال له عبد الملك بن يعلى: ان شئت أخذت بقوله أجمع. وان شئت أبطلته أجمع .. وعبد الملك ابن يعلى من التابعين ولى قضاء البصرة .. ومن طريق عبد الرازق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: من أقر بشئ فى يده فالقول قوله .. ومن طريق حماد بن سلمة عن اياس ابن معاوية قال: كل من كان فى يده شئ فالقول فيه قوله.
وجاء فى المحلى
(6)
: ومن قال هذا الشئ لشئ فى يده كان لفلان ووهبه لى او
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 175، 177 وانتاج المذهب ص 4 ص 55، 56.
(2)
الروضة البهية مذهب الإمامية ح 2 باب الاقرار والمختصر النافع ص 243 فى أوائل باب الاقرار. وشرح النيل ج 7 حتى باب الاقرار.
(3)
المغنى لابن قدامة ج 5 ص 285 وما بعدها.
(4)
كشاف القناع ج 4 ص 309 وما بعدها.
(5)
المحلى ج 8 ص 252.
(6)
المرجع السابق ص 256.
قال: باعه متى صدق. ولم يقض عليه بشئ لما ذكرنا قبل (يشير الى قضاء عبد الملك بن يعلى) ولأن الأموال والأملاك بلا شك متنقلة من يد الى يد. هذا امر نعلمه يقينا. فلو قضى عليه ببعض اقراره هنا دون سائره لوجب اخراج جميع املاك الناس عن ايديهم او اكثرها لانك لا تشك فى الدور والارضين والثياب المجلوبة. والعبيد والدواب أنها كانت قبل من هى بيده لغيره بلا شك .. وان امكن فى بعض ذلك ان ينتجه. فان الام وأم الام بلا شك كانت لغيره .. وكذلك الزريعة مما بيده مما ينبت. فظهر فساد هذا القول جملة فان قامت بينة فى شئ مما بيده مما أقر به أو مما لم يقر به أنه كان لغيره قضى به لذلك الغير حينئذ ولم يصدق على انتقال ما قامت به البينة لانسان بعينه البينة الا ببينة .. وهذا متفق عليه. وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضى بالبينة للمدعى.
دعوى المقر أنه كاذب فى اقراره:
ادعاء الكذب فى الاقرار نوع من محاولة الرجوع عنه. ومن ثم يعلل بعض الفقهاء قبول الرجوع فى الاقرار فيما تؤثر فيه الشبهة .. احتمال الكذب فيه بما يورث شبهة تدرأ الحد .. ويصرحون بأن ادعاء المقر انه كذب فى اقراره صورة من صور الرجوع عن الاقرار وعلى هذا الاساس. اذا وجد فى مذهب من المذاهب نص على حكم ادعاء الكذب فى الاقرار فسيعتمد فى تقرير الحكم على هذا النص - وان لم يوجد نص على الحكم فسيستعان على معرفة الحكم فيه بحكم الرجوع عن الاقرار وما قيل فى منعه واسباب هذا المنع.
والاصل عند الحنفية انه متى أقر شخص لآخر بحق اقرارا صحيحا مستوفيا شروطه الشرعية - الزم بما اقر به. ووجب عليه تسليمه الى المقر له .. ولا يقبل منه بعد ذلك دعوى أنه كان كاذبا فى اقراره - اذا كذبه المقر له فى دعوى الكذب هذه. ولا يقبل منه أن يقيم البينة على كذبه. ولا ان يطلب تحليف خصمه على نفيه فاذا أعطى شخص سندا لآخر مكتوبا فيه بخط المقر: انى قد اقترضت كذا من الدراهم من فلان وقبضت هذا المبلغ. ثم قال: انى وان كنت قد اعطيت هذا السند بيدى وكتبته بخطى الا انى لم اقبض المبلغ المذكور به. فلا يقبل منه ذلك عند أبى حنيفة ومحمد. وهو القياس لأن الاقرار حجة ملزمة شرعا كالبينة بل هو اولى لان احتمال الكذب فيه ابعد .. وقال ابو يوسف: اذا ادعى أو ورثته الكذب فى الاقرار حلف المقر له ان كان حيا أن المقر صادق فيما أقر به ولم يكن كاذبا فيه - فان حلف ثبت حقه فى المقر به. وان نكل فلا شئ له منه .. وان كان ميتا حلف ورثته انهم لا يعلمون ان المقر كان كاذبا فى اقراره .. وهذا مادام المقر لم يصر محكوما عليه بالاقرار موضوع الكلام. فان صار محكوما عليه بالاقرار لم يحلف له المقر له ولا ورثته بالاتفاق لان الاقرار حينئذ يكون قد ثبت وتأيد بالحكم. وقول ابى يوسف هو الاستحسان وعليه الفنوى. وقال فى البزازية وهو المختار. واختارته جمعية المجلة العدلية فى المادة رقم (1589) منها. لان العادة جارية بين الناس انهم اذا ارادوا الاستدانة يكتبون السند قبل الاخذ ثم يأخذون المال بعد ذلك. فلا يكون الاقرار دليلا على
قبض المبلغ المقر به فى السند حقيقة .. ولان الناس قد تغيرت احوالهم وكثرت مخادعاتهم وخياناتهم فينبغى ان نسهل للمقر الخروج عما أقر به كذبا بتحليف المقر له اليمين على نفى دعواه الكذب فى الاقرار. والحلف لا يضر المقر له ان كان صادقا فيه فيصار اليه كذا فى الحدود.
والقول بتحليف المقر له أو ورثته اليمين على نفى دعوى المقر أو ورثته للكذب فى الاقرار، مطلق. وجاء فى الدر المختار ما يفيد أن ذلك مقيد بما اذا كان المقر مضطرا الى الكذب فى الاقرار. فقد جاء فيه أقر رجل بمال فى صك واشهد عليه. ثم ادعى ان بعض هذا المال قرض وبعضه ربا عليه. فان اقام على ذلك بينة تقبل وان كان متناقضا لاننا نعلم انه مضطر الى هذا الاقرار .. ومثله فى الغنية وبه افتى فى الفتاوى الحامدية والفتاوى الخيرية.
ومثل ذلك ما لو اقر بالاستيفاء ثم ادعى الغلط فى اقراره لم تقبل منه دعواه هذه عند الطرفين ابى حنيفة ومحمد وتقبل عند ابى يوسف ويحلف المقر له اليمين على نفيها على ما اختاره المتأخرون .. ومحل عدم اعتبار الغلط على قول الامام ومحمد فى غير الاقرار بالطلاق .. أما لو أقر بطلاق امرأته بناء على فتوى مفت غير أهل للافتاء ثم تبين له عدم وقوع الطلاق كان له ان يرجع الى زوجته ولو بعد كتابة الصك والوثيقة باقراره بالطلاق ..
ولكن هذا فى الديانة وفيما بينه وبين الله تعالى .. أما فى الحكم والقضاء فلا يصدق فى انه بنى اقراره على فتوى المفتى بل يؤاخذ باقراره ومما يلحق بهذا ما نقله الحموى فى حاشيته على الاشباه من أنه لو قال شخص: هذه رضيعتى ثم اعترف بالخطأ يصدق فى دعواه الخطأ .. وله ان يتزوجها بعد ذلك .. وهذا مشروط بما اذا لم يثبت على اقراره بأن قال:
هو حق أو صدق أو كما قلت أو اشهد عليه بذلك شهودا او ما فى معنى ذلك من الثبات اللفظى الدال على الثبات النفسى والعذر للمقر فى رجوعه عن اقراره ان أمر الرضاع مما يخفى عليه. فقد يطلع بعد اقراره على خطأ من نقل اليه الخبر.
وما ذكر من الخلاف فى قبول دعوى الكذب فى الاقرار من المقر فى حق تحليف المقر له اليمين على نفى الدعوى وعدم قبولها - انما هو فى غير الحدود الخالصة حقا لله تعالى كحد الزنا والشرب والسرقة بالنسبة للقطع. أما فى هذه الحدود فتقبل فيها دعوى الكذب فى الاقرار بالاتفاق ولا يؤخذ المقر باقراره مع هذا الادعاء لما يورثه من الشبهة التى تؤثر فى سقوط الحد وتدرؤه عملا بحديث أدرؤا الحدود بالشبهات. كما فى الرجوع عن الاقرار بهذه الحدود فانه يقبل عند الجميع ما عدا ابن حزم الظاهرى.
واذا كذب الشارع المقر فى اقراره بطل الاقرار. كما إذا أقرت المطلقة بانقضاء عدتها بعد مدة تحتمله ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر بعد الإقرار يثبت نسبه شرعا من المطلق لتيقن مقام الحمل وقت الاقرار. ويكون حكم الشارع ثبوت النسب تكذيبا للمطلقة فى ادعائها انقضاء عدتها ..
وكذا اذا كذب الحاكم المقر فى اقراره يبطل
الاقرار كما إذا اشترى شخص عينا من آخر ثم ادعى ثالث علي المشترى ملكية هذه العين وانكر المشترى وأقر بأنها ملك البائع الذى اشتراها منه. وأثبت مدعى الاستحقاق دعواه وحكم له بالعين فإنه يكون للمشترى حق الرجوع بالثمن علي البائع رغم إقراره بان العين ملك البائع لأن الحكم بملكية العين للمدعى تكذيب له فى اقراره وابطال لهذا الاقرار.
وفى مذهب المالكية
(1)
: - فى الكلام على اقرار المريض: والصحيح يلزمه الاقرار بلا قيد سواء أقر لوارث بعبد أو قريب او لملاطف أو لمجهول حاله أو لقريب غير وارث. أو لاجنبى غير ملاطف .. ولقول ابن عبد البر فى الكافى وكل من أقر لوارث او لغير وارث فى صحته بشئ من المال او الدين او البراءة او قبض أثمان المبيعات - فاقراره عليه جائز لا تلحقه فيه تهمة ولا يظن فيه توليج - أى أدخال شئ بالكذب - والاجنبى والوارث فى ذلك سواء وكذا القريب والبعيد. والعدو والصديق فى الاقرار فى الصحة. ولا يحتاج من أقر على نفسه فى الصحة ببيع شئ وقبض ثمنه الى معاينة قبض الثمن. أهـ. ولو أقر بعد ذلك بالتوليج فلا عبرة به وهذا الكلام صريح فى ان الصحيح اذا أقر بوارث أو بتصرف لشخص أجنبى من شأنه أن ينقص ماله فان الاقرار يكون صحيحا لانه غير متهم فى اقراره .. ولو ادعى بعد الاقرار انه كان توليجا - أى كان كذبا بقصد الاضرار بالورثة فلا عبرة بهذا القول ولا يقبل منه. وهذه هى صورة دعوى الكذب فى الاقرار. وانها غير مقبولة عند المالكية وقد جاء فى الأشباه والنظائر
(2)
:
أن المقر يؤخذ بما أقر به ولا يقبل منه دعوى الكذب فى اقراره.
وفى مذهب الحنابلة
(3)
: ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به إلا فيما كان حقا لله تعالى فيقبل رجوعه لان الحدود الخالصة لله تعالى تدرأ بالشبهة. واما حقوق العباد وحقوق الله تعالى التى لا تدرأ بالشبهة كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوع المقر عن الاقرار بها. وجاء فى المغنى
(4)
:
انه لا يقبل رجوع المقر عن اقراره الا فيما كان حد الله تعالى يدرأ بالشبهات ويحتاط لاسقاطه فاما حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوعه فيها. ولا نعلم فى هذا خلافا ..
ولا شك أن ادعاء الكذب فى الاقرار هو فى حقيقته احتيال على الرجوع فى الاقرار.
فالحكم يشمله كما هو ظاهر.
وفى مذهب الظاهرية
(5)
يقول ابن حزم الظاهرى: من أقر لآخر أو لله تعالى بحق فى مال أو دم أو بشئ وكان المقر عاقلا بالغا غير مكره وأقر اقرارا تاما ولم يصله بما يفسده فقد لزمه ولا رجوع له بعد ذلك - فإن رجع لم ينتفع برجوعه. وقد لزمه ما أقر به على
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 399.
(2)
الاشباه والنظائر للسيوطى ص 250.
(3)
كشاف القناع ح 4 ص 314.
(4)
المغنى لابن قدامة ج 5 ص 288.
(5)
المحلى ج 8 ص 250.
نفسه من دم أو حد أو مال. فان وصل الإقرار بما يفسده بطل كله ولم يلزمه شئ لا من مال ولاقود ولا حد. مثل ان يقول: لفلان على مائة دينار. أو يقول: قذفت فلانا بالزنا أو يقول: زنيت. أو يقول: قتلت فلانا أو نحو ذلك فقد لزمه. فان رجع عن ذلك لم يلتفت اليه .. وسواء فى ذلك ان يكون الاقرار بحد من حدود الله الخالصة التى تدرأ بالشبهات أو فى غيرها - لا يجوز الرجوع فيه: فهو يقول فى صفحة 252: - وأما الرجوع عن الاقرار فكلهم متفق على ما قلنا الا فى الرجوع عن الاقرار بما يوجب الحد فان الحنفيين والمالكيين قالوا: أن رجع لم يكن عليه شئ ..
وهذا باطل. ثم ناقش وجهة نظرهم وحججهم على الوجه الذى ذكره هناك.
وكلام ابن حزم واضح وقاطع فى عدم جواز الرجوع عن الاقرار فى أية صورة وبأى سبب فتشمل دعوى الكذب فى الاقرار لانها صورة من صور الرجوع فى الاقرار وفى مذهب الزيدية
(1)
: أنه لا يصح رجوع المقر عن اقراره بحال من الاحوال الا ان يكون الاقرار فى حق الله تعالى وكان هذا الحق مما يسقط بالشبهة كالاقرار بالزنا وشرب الخمر وما يوجب القطع فى السرقة فانه يصح الرجوع عن الاقرار بها ويسقط الحد فى الجميع لكن لا يسقط الحق فى المال فى السرقة فلا يؤثر الرجوع فيه ولا يصح الا ان يصادق المقر له على الرجوع فيه فيصح. وأما لو كان حقا لله تعالى ولكن لا يسقط بالشبهة كالزكاة والحرية الاصلية كهذا ابنى أو الطارئة كهذا عتيقى. فانه لا يصح الرجوع عن الاقرار بها وكذلك الاقرار فى سائر حقوق الآدميين المالية وغيز ذلك كالنسب والنكاح والطلاق الرجعى. فانه لا يصح الرجوع عن الاقرار بشئ من ذلك الا ان يصادق المقر له المقر على الرجوع - نحو ان يقر زيد بدين او عين ثم يرجع عن الاقرار ويقول: انه اقرار غير صحيح فهذا صريح فى عدم جواز الرجوع عن الاقرار والقول بأنه اقرار غير صحيح الا بمصادقة المقر له .. ودعوى الكذب فى الاقرار هى بنفسها القول بان الاقرار غير صحيح وهو غير مقبول الا مع المصادقة.
وفى مذهب الإمامية - جاء فى شرائع الإسلام: إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن. ثم قال: أنه لم يقبض الثمن. وإنما أشهد بذلك تبعا للعادة. قيل لا يقبل قوله لأنه مكذب لإقراره. وقيل يقبل لأنه أدعى ما هو معتاد.
وهو الأشبه إذ هو ليس مكذبا لإقراره بل هو مدع شيئا آخر فيكون على المشترى اليمين.
وجاء فى الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية: - ولو أشهد شاهدى عدل بالبيع لزيد وقبض الثمن منه. ثم ادعى المواطأة بينه وبين المقر له على الاشهاد من غير أن يقع بيع وقبض. سمعت دعواه لجريان العادة بذلك واحلف المقر له على الاقباض وعلى عدم المواطأة .. ويحتمل عدم سماع دعوى المواطأة فلا يتوجه اليمين على المقر له لانه مكذب لاقراره. ويضعف هذا بأن ذلك واقع تعم به البلوى فعدم سماع الدعوى يفضى الى الضرر.
هذا اذا شهدت البينة على اقراره بها. أما اذا
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 148، 185. التاج المذهب ج 4 ص 63 و 65.
شهدت بالقبض لم يلتفت اليه لانه مكذب لها طاعن فيها فلا يتوجه بدعواه يمين. هذه فقولهم. وعبارة الروضة فى نفس موضوع الحديث. وهى واضحة فى أن فيه رأيين ..
وان الراجح هو سماع الدعوى.
الرجوع عن الاقرار:
يقول الحنفية إن رجوع المقر عن إقراره بحقوق الله تعالى الخالصة كحد الزنا والشرب والسرقة بالنسبة للقطع. فيقبل ويبطل به الاقرار فلا يؤخذ به المقر مطلقا سواء رجع قبل القضاء بموجبه او بعد القضاء ولكن قبل الشروع فى الحد والتنفيذ بالفعل او بعد الشروع فيه ولكن قبل تمامه. فلا يحكم عليه بمقتضى الاقرار إن رجع قبل الحكم. ولا يقام عليه الحد ان كان رجوعه بعد الحكم وقبل إقامة الحد. ولا يتمم عليه الحد إن رجع بعد الشروع فيه وقبل إتمامه .. وذلك لاحتمال أن يكون صادقا فى انكاره ورجوعه فيكون كاذبا فى اقراره .. وذلك يورث شبهة فيه. والحد مما يدرأ بالشبهات .. ولانه يستحب للامام تلقين المقر الرجوع عن الاقرار كما لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا حين أقر بالزنا بقوله: لعلك قبلت أو لمست أو غمزت. وقوله لمن رفع اليه بتهمة السرقة وأقر بها - ما اخالك سرقت - ولو لم يكن الرجوع مبطلا للاقرار بما ذكر من الزنا واشباهه لم يكن لتلقينه معنى ولا فائدة.
وانما شرع التلقين احتيالا لدرء الحد لقول النبى صلى الله عليه وسلم: ادرؤا الحدود بالشبهات وقوله: ادرؤا الحدود ما استطعتم ..
الا أن الاقرار بالسرقة يصح الرجوع عنه بالنظر للقطع لكونه حق الله تعالى فلا يقطع اذا رجع ولا يصح الرجوع عنه بالنظر للمال المسروق لانه حق العبد فلا يسقط عنه ضمانه .. هذا بالنظر لحقوق الله تعالى الخالصة. اما بالنظر لحقوق العباد الخالصة كالدراهم والدنانير فى القرض والمعاملات المالية من أثمان المبيعات وضمان المتلفات وأروش الجنايات ونحو ذلك وبالنظر لما يشتمل على الحقين كحد القذف - فلا يصح الرجوع عن الاقرار فى ذلك لان غاية ما يحدثه الرجوع عنه وجود شبهة فى ثبوتها .. وهذه الحقوق تثبت مع الشبهة ..
ومنها الاقرار بالقصاص لانه حق العبد المحض فلا يحتمل الرجوع
(1)
ومن صور الرجوع عن الاقرار. ما اذا اقر بشئ معين كالدابة المعينة او الألف المعينة لشخص مع ذكر سبب الضمان ثم يعود ويقر بها لشخص آخر مع ذكر السبب ايضا وذلك مثل ان يقول: هذه الدابة أو هذه الالف وديعة فلان. لا بل وديعة فلان .. فيكون المقر به وهو الدابة او الالف للمقر له الاول لانه اقر له بها .. وقوله بعد ذلك: لا بل وديعة فلان رجوع عما أقر به للأول فلا يقبل منه .. وبما أنه أقر بها للثانى ولكنه اتلفها عليه باقراره بها للاول.
فيجب عليه مثلها للثانى ان كانت مثلية ..
وقيمتها ان كانت قيمية.
ومن صوره ما اذا أقر لشخص واحد بمالين من جنسين مختلفين بان قال لفلان على درهم بل دينار. أو لفلان عندى أردب قمح بل أردب شعير لزمه فى الاول درهم ودينار وفى الثانى أردب القمح واردب الشعير جميعا.
لان الغلط لا يقع فى الجنس المختلف عادة
(1)
ابن عابدين ح 4 ص 719.
فرجوعه عن الاقرار الأول باطل لا يقبل منه واقراره الثانى صحيح فيعامل بهما معا.
وفى مذهب المالكية
(1)
: أنه لو قال المقر لفلان على الف درهم من ثمن خمر او خنزير او ميتة أو حر مما لا يصح بيعه. فان صدقه المقر له فى قوله: من ثمن خمر مثلا فلا يصح الاقرار ولا يلزم المقر شئ اذا كان المقر له مسلما.
أما اذا كان ذميا كان له قيمة الخمر. وان لم يصدقه المقر له وانكر انه من ثمن خمر بل قال أنه من ثمن عبد أو دار يحلف المقر له أنها ليست من ثمن خمر فان حلف صح الاقرار ولزمت الالف المقر بها المقر. لانه لما أقر بالالف شغلت ذمته بها فتلزمه. فبعد قوله بعد ذلك من ثمن خمر ندما على الاقرار ورجوعا عنه فلا يقبل منه. وان نكل المقر له عن الحلف وكان مسلما لم يصح الاقرار ولم يلزم المقر شئ. وان كان ذميا كان له قيمة الخمر لا الالف.
ولو قال: لفلان على الف من ثمن عبد اشتريته منه ولكنى لم أقبضه. وقال المقر له بل قبضته. يصح الاقرار ويلزم المقر ما أقر به. وبعد قوله - لم أقبضه - ندما ورجوعا عن الاقرار فلا يقبل منه وهذا صريح وقاطع فى ان الندم على الاقرار والرجوع عنه من المقر لا يقبل منه - وهذا فى الحقوق المالية التى هى فى حقوق العباد وكما هو واضح من الأمثلة.
وجاء فى التبصرة
(2)
: فإن أقر على نفسه وهو رشيد طائع بمال أو قصاص لزمه.
ولا ينفعه الرجوع. وإن أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع. ولكن يلزمه الصداق والمال .. فالمالكية كالحنفية يجيزون الرجوع عن الاقرار فى الحدود الخالصة لله تعالى التى تسقط بالشبهة ويمنعونه فى غير ذلك.
وفى مذهب الشافعية
(3)
: ولو قال:
هذه الدار لزيد بل لعمرو أو هذه الدار غصبتها من زيد بل غصبتها من عمرو سلمت لزيد اذ من تعلق حقه بشئ بمقتضى اقرار أحد به لم يملك المقر الرجوع عنه سواء أقال ذلك متصلا بما قبله أم منفصلا عنه وان طال الزمن .. ويغرم المقر قيمة العين المقر بها لعمرو على الاظهر لانه حال بين عمرو وبين ملكه باقراره لزيد. والحيلولة سبب الضمان كما لو غصب عمدا فأبق من يده حيث يضمن قيمته لمالكه .. والثانى لا يغرم لعمرو شيئا لان الاقرار له صادف ملك الغير فلا يلزمه به شئ كما لو قال: الدار التى بيد زيد ملك لعمرو حيث لا يلزمه بهذا الاقرار شئ لعمرو لانه صادف ملك الغير وهذا صريح فى عدم جواز الرجوع فى الاقرار الصحيح الذى تعلق به حق الغير. ولكن ذلك فى
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 403، 404 ومواهب الجليل للحطاب والاكليل للمواق ج 5 ص 226، 227.
(2)
التبصرة لابن فرحون ح 2 ص 56.
(3)
نهاية المحتاج ج 5 ص 103 وما بعدها مغنى المحتاج ج 2
حقوق العباد كما هو ظاهر من الأمثلة ..
(1)
وكل من أقر بشئ ثم رجع عنه لم يقبل منه إلا فى حدود الله تعالى .. قلت ويضم إلى ذلك ما إذا أقر الأب بعين للابن فإنه يقبل رجوعه كما صححه النووى فى فتاواه.
وفى مذهب الحنابلة: نقلنا فى الفقرة السابقة - دعوى الكذب فى الاقرار - عن كشاف القناع وعن المغنى لابن قدامه النص على عدم جواز رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به الا حقا كان حدا لله تعالى فيقبل رجوعه عنه لأن الحد يدرأ بالشبهة .. وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوع المقر عن الإقرار بها.
وفى مذهب الظاهرية نقلنا فى تلك الفقرة ايضا عن ابن حزم فى المحلى النص القاطع فى عدم جواز رجوع المقر عن اقراره مطلقا حتى فى حدود الله الخالصة التى تدرأ بالشبهات.
وفى مذهب الزيدية: نقلنا عن شرح الازهار والتاج المذهب النص على عدم جواز الرجوع عن الاقرار الا فى حق الله الخالص الذى يسقط بالشبهة كحد الزنا وشرب الخمر والقطع فى السرقة فانه يصح الرجوع عن الاقرار فيها ويسقط الحد فى الجميع. ولكن لا يصح الرجوع عن الاقرار بالنظر للمال فى السرقة ومن ثم يجب فيه الضمان ولا يسقط. اما حقوق الله التى لا تسقط بالشبهة وحقوق العباد لا يصح الرجوع عن الاقرار فيها.
ولا يجوز الرجوع عنه إذ هو خبر ماض إلا فى حق الله تعالى لأنه يسقط بالشبهة
(2)
.
قبول الاقرار ورده:
يقول الحنفية: ان الاقرار لا يتوقف على قبول المقر له بل يثبت حكمه ويترتب عليه أثره سواء قبل المقر له او لم يقبل. الا فى الاقرار كالنسب فى احد نوعية وهو الذى يثبت فيه النسب بمجرد الاقرار. وهو الاقرار بنسب لا يتضمن تحميل النسب على الغير.
فانه يشترط فيه تصديق المقر بنسبه للمقر فى اقراره ان كان فى يد نفسه بأن كان بالغا أو صبيا مميزا. فلو كان فى يد غيره فان كان صبيا غير مميز لم يحتج الى تصديقه .. والا اذا كان الاقرار فيه تمليك مال ولو من وجه فانه يتوقف على قبول المقر له اذ لا يمكن دخول شئ فى ملك الشخص بدون رضاه الا فى الميراث .. وفيما عدا هاتين الحالتين لا يتوقف الاقرار على قبول المقر له. ولكنه قد يرده .. فاذا رد المقر له الاقرار فى كل المقر به بطل حكم الاقرار فى الكل - كما اذا قال المقر للمقر له: لك على الف درهم فقال المقر له لا شئ لى عليك. فانه يرتد فى الكل واذا رد فى البعض فان قال: ليس لى عليك الا خمسمائة درهم. ارتد الاقرار فيما رد فيه وهو خمسمائة. وبقى فيما وراءه وليس كل اقرار يرتد بالرد بل هناك امور لا يرتد فيها الاقرار بالمرد ولا يبطل بل يبقى حكمه. واذا رجع المقر له وقبل الاقرار بعد الرد يصح وهذه الأمور هى:
(1)
الاشباه والنظائر للسيوطى ص 574.
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 6 من باب الاقرار.
(1)
الاقرار بالحرية: فاذا أقر رجل بحرية عبده ثبتت حريته وإن كذبه العبد فى الاقرار ورده. ولو رجع العبد بعد التكذيب وصدق سيده فى الاقرار بحريته يصح ويقبل منه.
(2)
الاقرار بالنسب فيما يصح الاقرار به وهو ما لا يتضمن تحميل النسب على الغير:
يتوقف على قبول المقر بنسبه وتصديقه اذا كان اهلا للتصديق كما ذكرنا. ولا يرتد برده.
فاذا كذب المقر بنسبه المقر فى اقراره ثم عاد فصدقه صح وثبت النسب بالاقرار بدون حاجة الى اعادة الاقرار ثانيا.
(3)
الاقرار بمولى العتاقة: لا يبطله الرد والتكذيب من المقر له حتى لو عاد المقر له وصدق المقر فى اقراره بعد تكذيبه صح.
(4)
الاقرار بالرق: فاذا أقر شخص بأنه عبد رقيق لفلان مع توفر شروط صحة الاقرار بالرق. فكذبه المقر له فى الاقرار ثم عاد فصدقه صح الاقرار وكان للمقر له ان يمتلكه.
(5)
الاقرار بالطلاق: فاذا أقر رجل بأنه طلق زوجته وكذبته المرأة فى هذا الاقرار عمل باقرار الرجل فى اعتبارها مطلقة ولم ينظر الى تكذيبها.
(6)
الاقرار بالعتق: فاذا أقر رجل بأنه أعتق عبده وكذبه العبد فى هذا الاقرار لم ينظر الى تكذيبه وأصبح العبد حرا بمقتضى اقرار سيده.
(7)
الاقرار بالوقف: فاذا أقر رجل بدار تحت يده انها وقف على فلان ثم من بعده على أولاده. ثم من بعدهم على الفقراء. فرد فلان هذا الاقرار وكذب المقر فيه لم يبطل الاقرار بالموقف بهذا الرد بل تبقى الدار وقفا رغم هذا الرد بحيث لو عاد المنكر وصدق المقر فى اقراره بالوقف أخذ نصيبه فيه بدون احتياج الى اقرار جديد بالوقف ومادام المنكر مصر على الرد يكون نصيبه للفقراء.
(8)
الاقرار بالنكاح: فلو أقر رجل بنكاح امرأة فكذبته فى اقراره وانكرت النكاح لم يبطل النكاح بهذا الرد بل يبقى بحيث اذا عادت وصدقته فى الاقرار ثبت النكاح بدون حاجة الى اقرار آخر جديد.
(9)
الاقرار بالارث لآخر: لا يرتد بالرد ولا يسقط الحق بالرد والتكذيب. الا بدرء الوارث ارثه من مورثه لا يعمل ولا يؤثر.
قال فى الدر المختار: والضابط فى ذلك.
ان ما فيه تمليك مال ولو من وجه يقبل الرد.
وما ليس فيه تمليك مال كابطال شفعة وطلاق وعتاق لا يقبل الرد .. وهذا ضابط حسن فليحفظ. وقال فى تكملة ابن عابدين: نقل العلامة عبد البر بن الشحنة عن تقويم الدبوسى الصدقة بالواجب اى الثابت فى الذمة اسقاط كصدقة الدين على الغريم وهبة الدين له.
فتتم له بغير قبول. وكذا سائر الاسقاطات تتم من غير قبول الا ان ما فيه تمليك مال من وجه قبل الارتداد بالرد. وما ليس فيه تمليك مال لم يقبل الرد كابطال حق الشفعة والطلاق ..
وهذا ضابط حسن فننبه له.
وفى كل موضع بطل الاقرار فيه بالرد اذا اعاد المقر بعد ذلك اقراره ثانية فصدقه المقر له صح الاقرار وكان للمقر له ان يؤاخذه به استحسانا لا قياسا .. وجه الاستحسان أنه يحتمل انه كذبه بغير حق لغرض من الاغراض
الفاسدة ثم انقطع عنه ذلك الغرض فرجع الى التصديق .. وجه القياس ان الاقرار الثانى عين الاول فالتكذيب فى الاول تكذيب فى الثانى .. ولو قبل المقر له الاقرار ثم رده لا يرتد لان المقر به بالقبول صار ملكا خالصا ونفى الانسان ملكه عن نفسه عند عدم المنازع لا يصح. نعم لو تصادقا على عدم الحق صح .. ولو رد المقر له الاقرار ثم قبله بعد الرد لا يصح لان حكم الاقرار بطل ولكن هذا فى الاقرار الذى يرتد بالرد .. اما ما لا يرتد بالرد كالنسب والنكاح وما ذكرنا من المسائل فانه لو عاد المقر له وقبله وصدق المقر فيه يقبل منه وفى مذهب المالكية: يشترط ان يصدق المقر له المقر فى الاقرار ولا يكذبه فيه لانه لا يدخل مال الغير فى ملك أحد جبرا عنه الا فى الميراث فان كذب المقر له المقر فى اقراره تحقيقا نحو ان يقول المقر: لك على الف درهم فيقول المقر له ردا على ذلك: ليس لى عليك شئ ..
او كذبه احتمالا نحو ان يقول ردا على المقر - لا علم لى بذلك: ففى هذه الحالة يبطل الاقرار فى الوضعين ولا يلزم المقر شئ ان استمر المقر له على موقفه. اما ان رجع عن التكذيب وصدق المقر فى اقراره فى حالة التكذيب تحقيقا. فأنكر المقر عقب تصديق المقر له. فهل يصح الاقرار او يبطل.؟ قولان الثانى منهما وهو القول بالبطلان هو الذى فى النوادر. وعليه اقتصر ابن الحاجب .. والاول وهو القول بالصحة هو الذى عزاه ابن رشد للمدونة .. واما ان رجع المقر له الى تصديق المقر فى حالة التكذيب احتمالا فأنكر المقر عقب تصديق المقر له صح الاقرار ولا عبرة بانكار المقر بعد ذلك. وأولى اذا لم يحصل من المقر انكار بعد تصديق المقر له على الاقرار يصح الاقرار
(1)
- وأطلق ولم يفصل بين ما اذا اعاد المقر اقراره أو لم يعده
(2)
.. ونص فى النوادر ان من أقر أن لفلان عليه ألف درهم فقال المقر له: ما لى عليك شئ. فقد برئ بذلك المقر. فان اعاد اقراره بالالف فقال الآخر:
أجل. هى لى عليك أخذته بها .. قال سحنون: اذا قال المقر لك على ألف درهم فقال الآخر: ما لى عليك شئ .. ثم رجع فقال:
هى لى عليك .. فأنكر المقر .. فالمقر مصدق ولا شئ للطالب .. ولكن ان قال الطالب: ما أعلم لى عليك شيئا .. ثم قال: نعم هى لى عليك فأنكرها المقر يلزمه اليمين ولا ينفعه انكاره .. وان قال المقر:
هذه الجارية غصبتها من فلان فقال فلان هذا:
ليست لى. لم يلزم المقر شئ. فان أعاد الاقرار فما دعاها الطالب دفعت اليه. ولو قال: هذا العبد لك فقال الاخر هو ليس لى.
ثم قال هو لى قبل ان يعيد المقر الاقرار لم يكن له العبد ولم تقبل بينته عليه أن أقامها لانه برئ منه ..
ففيما ذكره الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ان المقر له اذا كذب المقر فى الاقرار واستمر على التكذيب بطل الاقرار. وان رجع عن التكذيب وصدق المقر ثم انكر المقر ففى حالة التكذيب الحقيقى حصل خلاف هل يبطل الاقرار أو يصح؟ قولان. وفى حالة التكذيب الاحتمالى يصح الاقرار ولا عبرة بانكار المقر.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 398.
(2)
مواهب الجليل للحطاب ج 5 ص 218.
اما على ما ذكره الحطاب - ان كذب المقر له المقر فى الاقرار تكذيبا حقيقيا وبقى على تكذيبه بطل الاقرار. وان اعاد المقر الاقرار وصدق المقر له صح الاقرار ونقل عن سحنون ما يشبه رأى الشرح الكبير. وان خالفه فى تحليف المقر فى حالة التكذيب الاحتمالى والانكار.
ويشترط
(1)
أن يكون المقر له أهلا للاستحقاق وألا يكذب المقر. وإذا أكذب المقر له المقر ثم رجع لم يفده إلا أن يرجع المقر الى الاقرار وهو يوافق ما جاء فى الحطاب.
وفى مذهب الشافعية: - انه يشترط
(2)
لصحة الاقرار الا يكذب المقر له المقر فى اقراره. فان كذبه فيه بطل الاقرار. وترك المال المقر به فى يد المقر ان كان عينا. ولم يطالب بالدين ان كان المقر به دينا فى الاصح لان يده مشعرة بالملك ظاهرا. والاقرار الطارئ عارضه التكذيب فسقط ومن ثم كان المعتمد ان يده تبقى عليه يد ملك لا مجرد استحفاظ .. والثانى ينزعه الحاكم من يده ويحفظه الى ظهور مالكه .. واذا بقى المال فى يد المقر على الاصح. قال الزركشى فينبغى ان تجوز له جميع التصرفات فى هذا المال ما عدا الوط ء ان كانت جارية لاعترافه بتحريم ذلك عليه. بل ينبغى ان تمتنع عليه جميع التصرفات حتى يرجع عن الاقرار .. ويرد بان التعارض المذكور أوجب له العمل بدوام الملك ظاهرا فقط. واما باطنا فالمدار فيه على صدقه وعدم صدقه ولو ظنا .. فان رجع المقر فى حال تكذيب المقر له اياه وقال: غلطت فى الاقرار او تعمدت الكذب قبل قوله فى الاصح لما مر ان يده على المقر به يد ملك .. والثانى لا يقبل بناء على ان الحاكم ينزعه منه ويحفظه الى ظهور مالكه .. اما لو رجع المقر له عن تكذيب المقر وصدقه فى الاقرار وطالب بالمقر به. فانه لا يقبل منه. ولا يصرف اليه المقر به الا باقرار جديد يصدقه فيه .. لأن نفيه عن نفسه بطريق المطالبة .. ونفى المقر عن نفسه كان بطريق الالتزام فكان أضعف فصح منه الرجوع دون المقر له .. وتكذيب وارث المقر له كتكذيبه حتى لو أقر المقر لميت أو لمن مات بعد الاقرار فكذب الوارث المقر فى الاقرار بطل الاقرار فى حقه اما فى حق غيره فيصح كما لو أقر بجناية على المرهون وكذبه المالك فى اقراره. فانه وان لم يصح الاقرار فى حق المالك للتكذيب صح فى حق المرتهن حتى يستوثق بأرشها .. ولو أقرت له امرأة بالنكاح وأنكر سقط حقه. وقال المتولى: حتى لو رجع بعد الانكار وادعى نكاحها لم تسمع دعواه ما لم يدع نكاحا مجددا .. وانما احتيج الى ذلك لانه يعتبر فى صحة اقرار المرأة بالنكاح تصديق الزوج لها فاحتيط له بخلاف غيره .. ولو اقر لآخر بقصاص او حد قذف وكذبه المقر له سقط. وكذا حد سرقة.
وبالنسبة لمال فيها يترك فى يده.
وهذا ظاهر فى ان تكذيب المقر له للمقر فى اقراره يبطل الاقرار. ويبقى المقر به فى يد المقر ان كان عينا ولا يطالب به ان كان دينا لأن يده مشعرة بالملك ظاهرا فتبقى يده عليه يد ملك لا مجرد استحفاظ فى الاصح ويقابل الأصح أن ينزعه الحاكم من يده ويحفظه الى
(1)
التبصرة لابن فرحون ج 2 ص 56.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 75 وما بعدها.
ومغنى المحتاج ج 2 ص 224، 225.
ظهور مالكه .. فان رجع المقر عن الاقرار فى حالة تكذيب المقر له اياه وقال غلطت فى الاقرار او كذبت قبل قوله وبقيت يده يد ملك عليه على الاصح كما ذكر. وقيل لا يقبل منه الرجوع بناء على ان يده ليست يد ملك بل ينزعه الحاكم ويحفظه - اما لو رجع المقر له عن تكذيب المقر فى الاقرار وطالب بالمقر به فانه لا يقبل الا ان يعيد المقر الاقرار ثانية ويصدقه فيه المقر له ..
وتكذيب وارث المقر له كتكذيب نفس المقر له.
وفى مذهب الحنابلة:
ومن أقر
(1)
لكبير عاقل بمال فى يده فلم يصدقه المقر له بطل إقراره لأنه لا يقبل قوله عليه فى ثبوت ملكه فى شئ بدون رضاه وتصديقه. ويستمر المقر به بيد المقر كما كان قبل الاقرار. لأنه كان فى يده. فإذا بطل إقراره بقى كأنه لم يقر به .. فإن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه الادعاء. ولم يقبل بعد ذلك أن يدعيه المقر له مطلقا.
وفى مذهب الزيدية: ولا يصح
(2)
الاقرار لمعين الا بمصادقته عليه وقبوله اياه من المقر.
فلو أقر آخر لزيد بعين او بدين لم يصح هذا الاقرار الا بان يصادقه زيد عليه ويقبله منه باللفظ او ما فى حكمه ولو بعد المجلس.
ولا يكفى السكوت. ويقوم وارثه مقامه فى التصديق والقبول. فلو كذب زيد المقر له والمقر فى اقراره أو رد الاقرار ولم يقبله بطل الاقرار وارتد. وبقيت العين المقر بها على ملك المقر كانه لم يحصل اقرار. لان الاقرار لمعين مشروط بقبول المقر له ولم يوجد الشرط.
وكذلك بالنسبة للدين يبطل الاقرار ويبقى المقر به فى حوزة المقر لا يطالبه احد به .. فان عاد المقر له وصادق المقر على اقراره بعد التكذيب فانه يصح الاقرار بناء على هذه المصادقة ولو انها جاءت بعد التكذيب ما لم يكن المقر قد صادق المقر له على التكذيب نحو ان يقول المقر للمقر له عند تكذيبه اياه .. صدقت فى تكذيبك اياى .. فان كان قد قال له ذلك عند التكذيب لم تصح مصادقة المقر له على الاقرار بعد التكذيب الا ان يعيد المقر الاقرار مرة أخرى من جديد فيصادق المقر له المقر على هذا الاقرار الجديد فتصح حينئذ عودة المقر له الى التصديق .. ويستثنى من شرط القبول وجواز الرد فى الاقرار لمعين الاقرار للعبد بالعتق وللزوجة بالطلاق. وللموقوف عليه المعين بالوقف .. فلا يتوقف الاقرار فى شئ من ذلك على القبول - ولا يرتد بالرد. لان الاعتاق والطلاق من باب الاسقاط. والوقف من باب الصدقة فى الاصل - واذا لم يقبل الموقوف عليه المعين الوقف او رده لا يبطل الوقف ولكن تكون الغلة والمنافع للفقراء - وكذلك الاقرار للصغير والحمل اذا قبله وليه او قبله هو بعد بلوغه يصح. ولا يبطل برد الولى الا لمصلحة. اما اذا كان الاقرار لغير معين أكان الاقرار بالوقف لمسجد ونحو ذلك فلا يشترط لصحته القبول والمصادقة ولا يرتد بالرد. ويكون المقر به لبيت المال. جاء فى البحر الزخار: ولا يصح الاقرار لمعين الا بمصادقته ولا يكفى السكوت. وقال الإمام يحيى: يكفى السكوت فإن رد المقر له الاقرار
(1)
كشاف القناع ج 6 ص 377.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 162، 163 والتاج المذهب ج 4 ص 44.
مبطل إذ شهادته على نفسه أولى ولا يعتبر بقول المقر له إذ ليس بعقد. لكن يبطل بالرد ويكون المقر به لبيت المال.
وفى مذهب الإمامية:
ويشترط
(1)
فى المقر له الا يكذب المقر فى اقراره. فلو اقر انسان لآخر بمائة درهم فكذبه المقر له فى اقراره بطل الاقرار ولا يلزم المقر شئ مما اقر به.
ما يلحق الإقرار من البيان:
قد يلحق المقر باقراره كلا ما يغير من معناه او دلالته او حكمه تغييرا كليا أو جزئيا بطريق الاستثناء بأداة من ادواته الموضوعة او بالمشيئة او بطريق الاستدراك او بتعقيب الاقرار بما ينفيه او يغيره والتكلم بعده بكلام يغير من معناه أو يرفع من حكمه بالنسبة للمقر له أو المقر به فى قدره او وصفه او فى شئ من ذلك ويكون ذلك متصلا بالاقرار او منفصلا عنه.
وقد أفاض الفقهاء فى مختلف المذاهب فى شرح أنواع هذا البيان وأساليبه وما يترتب على كل منها من احكام وآثار .. وقد بينا ذلك كله وفصلناه تفصيلا فى الكلام عليه فى موضعه فى المذاهب المختلفة.
ابراء المريض بدينه: المراد بالمريض هنا من به مرض الموت وهو المرض الذى يغلب فيه الهلاك وان لم يكن صاحبه صاحب فراش ولم يمنعه عن قضاء حوائجه الخارجة ان كان رجلا أو الداخلة ان كان امرأة. فما كان من الامراض المزمنة التى طال امدها ولم يخش منها الهلاك كالفالج ونحوه لا يعتبر مرض موت وان صير صاحبه صاحب فراش ومنعه من قضاء حوائجه .. ويلحق بالمريض المذكور فى الحكم كل من كان غالب حاله الهلاك والموت بأن بارز رجلا بسلاح قاتل او قدم ليقتص منه أو ليرجم أو كان فى سفينة وتلاطمت بها الامواج وخيف الغرق او بقى على لوح من السفينة أو أفترسه سبع وبقى فى فمه. أو قدمه ظالم للقتل.
لجميع هؤلاء يكون حكمهم حكم المريض مرض الموت فى جميع التصرفات. ويشترط فيهم وفى المريض لاعتبار تصرفاتهم تصرفات المريض مرض الموت أن يتصل بهم الموت وهم فى احوالهم المذكورة .. فلو لم يتصل بهم الموت وهم على هذه الاحوال وفى المرض اعتبرت تصرفاتهم تصرفات صحة لا تصرفات مرض.
فتنفذ من جميع المال ما لم يمنع مانع اخر من التنفيذ.
والمريض بالنسبة لابراء مدينه من دينه الذى له عليه. اما أن يكون هو نفسه مدينا للغير أو غير مدين .. ومدينه اما أن يكون وارثا أو أجنبيا. فاذا كان غير مدين لاحد وأبرأ مدينه الاجنبى. فهو نافذ من الثلث الا اذا أجاز الورثة ما زاد منه على الثلث فينفذ الابراء فى كل الدين حينئذ. وهذا ما لم يكن الوارث كفيلا عن الاجنبى فى الدين فان كان كفيلا عنه فيه لا يجوز الابراء الا أن يجيزه الورثة لانه حينئذ يكون ابراء للوارث فى الواقع وهو لا يجوز الا بالاجازة .. وانما كان كذلك لان براءة الاصيل تقضى براءة الكفيل. وان كان غير مدين لاحد وأبرأ مدينه الوارث توقف نفاذ هذا الابراء على أجازة الورثة سواء كان المبرأ عنه قليلا أم كثيرا. أى غير مقيد بالثلث ..
غير أنه لو قال للمبرئ الوارث - لا حق لى عليك صح قوله وبرئ الوارث مما له عليه دون
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 250 من اول الاقرار.
توقف على اجازة الورثة قليلا كان الدين أو كثيرا. قال فى الاشباه: وهى الحيلة فى ابراء المريض وارثه فى مرض موته - بخلاف قوله:
أبرأتك فانه يتوقف على اجازة الورثة أى الباقى منهم بعد المبرأ .. ثم ان كان قوله: لا حق لى عليه مخالفا للواقع بأن كان له عليه دين فى الواقع كان الابراء صحيحا قضاء وحكما فقط أى من جهة القضاء والحكم فقط لاعتماد القضاء على الظاهر. وليس صحيحا ديانة أى فيما بينه وبين الله تعالى. لاستلزامه ايثار بعض الورثة وحرمان البعض.
وان كان مدينا وأبرأ مدينه الاجنبى من دينه الذى له عليه فلا تخلو حاله: أما أن يكون دينه مستغرقا لجميع أمواله أو يكون غير مستغرق، فأن كان غير مستغرق صح الابراء وينفذ من ثلث الباقى بعد سداد جميع الديون .. وان كان مستغرقا لم يجزء الابراء لان حقوق الدائنين تعلقت بجميع امواله. وليس له أن يتصرف فيها الا بما تقتضيه حوائجه الاصلية.
وليس من حوائجه الاصلية ان يبرئ مدينيه من ديونه لديهم .. وكذلك الحكم اذا كان مدينه الذى أبرأه وارثا فان امامه حقيقتين.
حق الدائنين. فأن سلم منه بأجازتهم البراءة وجد أمامه حق باقى الورثة ولا بد من اجازتهم.
والابراء عند الحنفية. إما إبراء اسقاط وإما إبراء استيفاء .. فإن كان إبراء اسقاط فهو فى مرض الموت من قبيل التبرع المنجز.
فيأخذ حكم الوصية من أن لم يكن وصية فى حقيقة أمره .. فان كان الوارث توقف نفاذه على اجازة باقى الورثة .. وأن كان لأجنبى نفذ فى حدود ثلث التركة بعد سداد الديون الا أن يخير باقى الورثة ما زاد عن ثلث التركة فينفذ اذا أجازوا بعد وفاة المريض المبرئ وهم من أهل التبرع عالمين بما أجازوا طبقا لنص قانون الوصية فى ذلك.
وإن كان الإبراء الصادر من المريض إبراء استيفاء. وهو فى حقيقته اقرار باستيفاء الحق ويختلف الحكم فى ذلك باختلاف أحواله بحسب صدور الاقرار بالاستيفاء لوارث أو لأجنبى فى حدود الثلث أو فيما تجاوزه .. والحكم فى ذلك كما يلى:
اقرار المريض باستيفاء الدين من الوارث:
اذا أقر المريض باستيفاء دين وجب له على وارث لا يصح الا باجازة الورثة سواء كان المريض مدينا او غير مدين وسواء كان دينه مستغرقا للتركة أو غير مستغرق. وسواء كان دين المريض قد وجب بدلا عما هو مال او بدلا عما ليس بمال. لانه اقرار بالدين للوارث لما علم أن استيفاء الديون انما هو بطريق المقاصة .. واقرار المريض بالدين لوارثه باطل .. وينبنى على ذلك أنه اذا أقرت أمرأة فى مرض موتها انها استوفت مهرها من زوجها. ولا يعلم ذلك الا بقولها. وعليها دين الصحة. ثم ماتت وهى على عصمته ولا مال لها غير المهر لم يصح اقرارها. ويؤمر الزوج برد المهر الى الغرماء ليقتسموه بينهم على حسب ديونهم لان الزوج وارث والاقرار للوارث باطل ومثل الاقرار باستيفاء الدين. والابراء منه فأنه يتوقف على اجازة بقية الورثة كما ذكرنا فى الصور المذكورة كلها لان ابراء الوارث فى مرض الموت وصية.
ولا وصية لوارث الا أن يجيزها الورثة.
اقرار المريض باستيفاء الدين من الاجنبى:
واذا أقر المريض باستيفاء دينه الذى له على الاجنبى فلا يخلو اما أن يقر بأستيفاء دين وجب له فى حال الصحة .. واما أن يقر باستيفاء دين وجب له فى حال المرض .. فان كان الاول صح الاقرار وصدق فى اقراره باستيفاء الدين وبرئ الغريم من الدين سواء كان الدين بدلا عما هو مال كبدل القرض وثمن المبيع أو بدلا عما ليس بمال كأرش الجناية وبدل الصلح عن دم العمد وسواء كان عليه دين الصحة أو لم يكن. وان كان الثانى وهو الاقرار باستيفاء دين وجب له حال المرض. فلا يخلو اما ان يكون وجب بدلا عما هو مال. واما ان يكون وجب بدلا عما ليس بمال فان كان الدين وجب بدلا عما هو مال لم يصح اقراره فى حق غرماء الصحة. ويجعل ذلك اقرارا منه بالدين لان الاقرار باستيفاء الدين اقرار بالدين ثم تقع المقاصة بين المدينين بعد ذلك. واقرار المريض بالدين وعليه دين الصحة لا يصح فى حق غرماء الصحة .. وان كان الدين قد وجب بدلا عما ليس بمال صح اقراره باستيفائه لأنه بالمرض لم يتعلق حق غرماء الصحة بالبدل لأنه ليس بمال فلا يتعلق بالبدل فصار الاقرار باستيفائه استيفاء دين وجب له حال الصحة سواء .. وذلك مثل اقرار المريض باستيفاء دية عبده الذى قتل فى المرض خطأ أو نصف قيمة عبده الذى قطعت يده فى حالة المرض. وذلك لان ارش العبد وجب مقدرا فكان بدلا عما ليس بمال كأرش الحر فلا يتعلق به حق الغرماء فلا يكون الاقرار بالاستيفاء ابطالا لحقهم فصح.
كون المقر له ابن عم للمقر:
الاقرار اما أن يكون صادرا من صحيح او من مريض. ويراد بالصحيح هنا من ليس مريضا مرض الموت ولا ملحقا به. اما المريض مرض الموت فقد بينا المراد به فى الفصل السابق .. والصحيح يصح اقراره بالمال وبالعين وبالدين وباستيفاء الدين وبالابراء منه للوارث ولغير الوارث وللفرد وللجماعة فى وقت واحد أو فى أوقات متفرقة .. وبكل شئ يجوز الاقرار به شرعا. وليس لأحد الاعتراض عليه .. وله أن يؤثر أحد الدائنين على الباقين فى أداء ديونهم .. ولا يكون لهؤلاء الباقين أن يشاركوا من آثره بالأداء فيما أخذه لما عرف من أن الدين فى حالة الصحة لم يتعلق بالمال وانما هو متعلق بالذمة فلا يكون فى ايثار البعض بالاداء ابطال لحق الباقين .. اللهم الا أن يقر لرجلين بدين مشترك فأنه فى هذه الحالة يشارك من لم يقبض من قبض فيما أخذ لأنه قبض دينا مشتركا. فلشريكه أن يأخذ منه حصته
اما المريض فاما أن يقر بدين او يقر بعين او يقر باستيفاء الدين او الابراء منه. وعلى كل فاما أن يقر لاجنبى او يقر لوارث. ولكل من هذه الحالات حكمها. وقد بينا اقرار الصحيح واقرار المريض فى جميع الاحوال والاحتمالات والصور. وفصلنا ذلك كله تفصيلا فى الكلام على ذلك من موضعه فى المذاهب المختلفة فأرجع اليه.
الاقرار بالاستدانة:
المقرر ان الصبى المميز المأذون له فى التجارة .. والعبد المأذون له فى التجارة.
كلاهما يجوز له أن يقر بمال أو فعل سبيله التجارة ومن بابها واعمالها فيصح منهما لاقرار بالوديعة والعارية والغصب وعيب سلعة باعها وعبد فى يده وينفذ عليه ويؤاخذ به للمال لأن كل هذا من لوازم التجارة واعمالها
ومن لوازم التجارة ايضا الاستدانة والاستقراض فيصح من العبد ان يستدين ويستقرض وأن يقر بالاستدانة والاستقراض: اذا أذن
(1)
لعبده فى التجارة ثم حجر عليه ثم أذن له مرة ثانية. فأقر بعد ذلك أنه كان استقرض من هذا الف درهم فى حال اذنه الاول وقبضها منه .. أو أقر أن هذا الرجل كان قد استودعه فى حال اذنه الاول وديعة واستهلكها. وصدقه بذلك رب المال فانه يؤاخذ به للحال.
وجاء فى جامع الفصولين
(2)
: أقر الوصى بكتابة عبد اليتيم أو اقر بالاستدانة لاجل اليتيم لا يصح اقراره. اما لو كاتب العبد أو استدان يصح. وهذا كله بالاتفاق ..
وفى الفتاوى الهندية
(3)
: اذ أقر أحد الشريكين فى شركة العنان أنه استقرض من فلان الف درهم لتجارتهما لزمه خاصة كذا فى المحيط الا أن يقيم البينة. فان أقام البينة فالمقرض يأخذ من المقترض. ثم يرجع المستقرض على شريكه كذا فى التتارخانية. فان اذن كل واحد منهما صاحبه بالاستدانة عليه لزمه خاصة حتى كان للمقرض أن يأخذ منه وليس له أن يرجع على شريكه. وهو الصحيح كما فى المضمرات.
وفى جامع الفصولين
(4)
الاستدانة لضرورة مصالح الوقف تجوز لو بأمر الواقف - والا فالمختار أن يرفع الى القاضى ليأمر بها وقال القاضى ظهير الدين المحتسب: الاحوط أن يرفع الامر الى القاضى الا اذا تعذر الحضور بعده فيستدين بنفسه حينئذ .. وقيل يصح أن يستدين بلا رفع للقاضى ولو أمكن وفى فصول الاسفروشنى: ينبغى أن يكون الوصى فى الاستدانة على الصبى كالمتولى - وفى جامع الفتاوى: لو استدان الاب لطفله جاز.
وكذا لو اقر به.
ويروى عن الامام محمد رحمه الله تعالى - ليس للموصى أن يستقرض مال الصغير عند ابى حنيفة. أما أنا فلا أرى به بأسا. وليس للوصى أن يقرض مال الصغير لغيره ولو فعل ضمن وللقاضى أن يعرض مال اليتيم للغير.
ولكن ليس له أن يستقرضه لنفسه. أما وصى القاضى فليس له الاقراض ولا الاستقراض
الاقرار على الغير:
المقرر ان أقرار الصغير والمجنون والمعتوه وكل من ليست له أهلية التعامل والتصرف شرعا لا يصح ولو أجازه من لهم الولاية على هؤلاء لفقدان أهلية الالتزام بعباراتهم.
ولا يصح على هؤلاء أقرار أوليائهم وأوصيائهم لانه اقرار على الغير .. وحقيقة الاقرار اخبار بحق على النفس لا على الغير. فيكون اقرارا باطلا شرعا واقرار الوصى بدين على الميت أو عين أو وصية باطل. ولكن لا تخرج بهذا الاقرار عن الخصومة فقد جاء فى تنقيح الفتاوى الحامدية - اذا اقر الوصى بدين على الميت
(1)
الفتاوى الهندية ج 5 ص 190.
(2)
جامع الفصولين ج 2 ص 208 من أداب الاوصياء على هامشه.
(3)
الفتاوى الهندية ج 2 ص 324.
(4)
جامع الفصولين ج 2 ص 21 الطبعة الاولى الاميرية.
لا يصح اقراره. لكن لا يخرج به عن أن يكون خصما للغريم. فأن أقام عليه المقر بينة بالدين الذى أقر عليه تقبل بينته .. واذا قضى الوصى دينا على الميت بلا بينة. ثم كبر الصغير وأنكر الدين على أبيه يضمن الوصى ما دفعه الى الغريم ان لم يكن للغريم بينة عليه - ولو لم يكن للوصى بينة على ثبوت الدين. فله تحليف الصغير عليه
…
وفى الجامع الكبير - الاصل أن الوصى متى أقر بتصرف فى مال الصغير بعد بلوغه والصغير منكر ينظر فأن كان تصرفا هو مسلط عليه من جهة الشرع فأنه يصدق فيه ويقبل قوله بيمينه. وان كان تصرفا لم يكن هو مسلطا عليه من جهة الشرع فانه لا يصدق فيه ولا يقبل قوله فيه بدون بينة ..
فان قال أنفقت عليك مالك فى صغرك. والنفقة نفقة مثله فى المدة. وأنكر الصغير صدق الوصى بيمينه لأنه مسلط على الانفاق عليه بنفقة المثل شرعا. اما لو كانت النفقة زائدة على نفقة المثل. فلا يصدق الولى فى الزيادة لانه ليس بمسلط عليها.
اقرار الولى على الصغير بالنكاح:
ذكرنا ان الاقرار حجة قاصرة على المقر لا تتعداه الى غيره - وذكر ان اقرار ولى القاصر عليه غير معتبر بل أن اقرار الشخص على غيره غير معتبر أصلا وباطل شرعا الا فى بعض مسائل ذكرتا فى اوائل الاقرار فى مذهب الحنفية أن الاقرار يتعدى فيها الى الغير استثناءا من هذا الاصل - والمقرر أن الولى يكون خصما عن المولى عليه ويمثله ولكن لا تسرى أقاريره عليه لانه غائب ويمثله فيما هو من مصلحته .. والاقرار عليه ليس من مصلحته
…
واقرار الانسان بتصرفه جائز. واقراره بما يملك انشاءه جائز وهذا مقرر شرعا ومسلم به. والصاحبان أبو يوسف ومحمد يقرران ذلك قولا واحدا وفى جميع الاحوال ..
اما الأمام ابو حنيفة فقد اختلف النقل عنه.
فقيل انه يمنع جواز هذا الاقرار مطلقا حال قيام الولاية وبعد انتهائها .. وقيل انه لا يمنع جوازه حال قيام الولاية بل هو يتفق مع الصاحبين فى هذه الحالة. وانما يمنعه بعد انتهاء الولاية ولو أقر
(1)
الأب على ابنته الصغيرة بالنكاح أو على ابنه الصغير بذلك لا يصدق فى اقراره حتى يشهد شاهدان على نفى النكاح فى قول أبى حنيفة .. وعند أبى يوسف ومحمد يصدق فى اقراره من غير شهود
…
وصورة المسألة فى موضعين:
أحدهما: أن تدعى امرأة نكاح الصغير أو يدعى رجل نكاح الصغيرة .. والاب ينكر ذلك فيقيم المدعى بينة على اقرار الاب بالنكاح فعند ابى حنيفة لا تقبل هذه الشهادة حتى يشهد شاهدان على نفس عقد النكاح وعندهما تقبل ويظهر النكاح ..
والثانى: أن يدعى رجل نكاح الصغيرة أو تدعى أمرأة نكاح الصغير بعد بلوغهما - والصغيرة والصغير ينكران الدعوى. فأقام المدعى البينة على اقرار الأب بالنكاح فى حال الصغر .. وعلى هذا الخلاف الوكيل بالنكاح اذا أقر على موكله أو على موكلته بالنكاح - والمولى اذا أقر على عبده بالنكاح - انه لا يقبل عند أبى حنيفة. وعندهما يقبل .. وأجمعوا على أن المولى اذا أقر على أمته بالنكاح أنه يصدق من غير شهادة.
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 246، 247.
وجه قولهما أن الاقرار يقبل بدون شهادة على العقد أنه ان أقر بعقد يملك انشاءه فيصدق فيه من غير شهود كما لو أقر السيد بتزويج أمته ولا شك أن الولى أقر بعقد يملك لانه يملك انشاء النكاح على الصغير والصغيرة والعبد ونحو ذلك. واذا ملك انشاءه لم يكن متهما فى الاقرار فيصدق كالمولى اذا أقر بالفئ فى مدة الايلاء. وزوج المعتدة اذا قال فى العدة:
راجعتك لما قلنا من أنه يملك الانشاء فيصدق فى الاقرار كذا هذا ..
ولأبى حنيفة قول النبى صلى الله عليه وسلم. لا نكاح الا بشهود .. نفى النكاح بغير شهود من غير فصل بين الانعقاد والظهور بل الحمل على الظهور أولى لان فيه عملا بحقيقة اسم الشاهد اذ هو اسم الفاعل - الشهادة وهو المؤدى لها. والحاجة الى الاداء عند الظهور لا عند الانعقاد. ولانه أقر على الغير جميعا لا يملكه بعقد لا يتم به وحده. وانما يتم به وبشهادة الآخرين فلا يصدق الا بمساعدة آخرين قياسا على الوكلاء الثلاثة فى النكاح والبيع. ودلالة الوصف انه اقر بالنكاح والاقرار بالنكاح اقرار بمنافع البعض وانها غير مملوكة ألا ترى أنها لو وطئت بشبهة كان المهر لها لا للاب. بخلاف الأمة فأن منافع بضعها مملوكة. فكان ذلك اقرارا بما ملك.
فأبو حنيفة اعتبر ولاية العقد وملك المعقود عليه. والصاحبان اعتبرا ولاية العقد فقط.
وفى فتح القدير على شرح الهداية
(1)
: اقرار الولى على الصغير والصغيرة بالتزويج لا يصدق عند ابى حنيفة الا ببينة أو يدرك الصغير فيصدقه معناه: اذا ادعى الزوج ذلك عند القاضى وصدقه الاب .. وعندهما يثبت النكاح باقراره - قال فى المصفى عن أستاذه الشيخ حميد الدين: أن الخلاف فيما اذا اقر الولى فى صغرهما فان اقراره موقوف الى بلوغهما. فاذا بلغا وصدقاه ينفذ اقراره. والا يبطل.
وعندهما ينفذ فى الحال. وقال انه أشار اليه فى المبسوط. وقال وهو الصحيح وقيل الخلاف فيما اذا بلغ الصغير وانكر النكاح فأقر الولى .. أما لو أقر بالنكاح فى صغره صح اقراره كذا فى المغنى .. وفى مبسوط شيخ الاسلام:
اذا أقر الأب على الصغير والصغيرة. على قوله لا يصدق الا ببينة وان صدقه الزوج فى ذلك أو المرأة. وعلى قولهما يصدق من غير بينة على العقد .. فان قيل: على من تقام البينة ولا تقبل الا على منكر يعتبر انكاره. والمنكر هو الصبى أو الصبية ولا عبرة بانكارهما ..
والأب والزوج أو المرأة مقران .. قلنا ينصب القاضى خصما عن الصغير أو الصغيرة حتى ينكر فيقيم الزوج البينة فيثبت النكاح على الصغير والصغيرة .. والذى يظهر ان قول من قال: أن الخلاف فيما اذا بلغا فأنكرا النكاح.
أما اذا أقر عليهما فى صغرهما يصح بالاتفاق أوجه .. واقرار وكيل رجل أو امرأة بتزويجهما واقرار مولى العبد بتزويجه على هذا الخلاف.
فأما اقرار السيد بتزويج امته فنافذ اتفاقا ويؤخذ من هذا أن الصاحبين يريان أن اقرار الولى بالنكاح على الصغير والصغيرة صحيح وحجة عليهما يعمل بها سواء أكانت الدعوى فى حال الصغر أم كانت فى حالة الكبر. وان أبا حنيفة يخالفهما فى الحالين معا حال الصغر
(1)
فتح القدير على شرح الهداية للكمال ابن الهمام ج 2 ص 414، ص 415.
وحال الكبر فى بعض الروايات. وفى حال الكبر فقط فى رواية اخرى.
هل دعوى الوفاء اقرار بالدين:
ذكرنا فى الكلام على تجزئ الاقرار. أن الحنفية والمالكية والشافعية والزيدية والإمامية والإباضية متفقون على أنه اذا ادعى شخص على اخر دينا بأن قال له: لى عليك ألف درهم.
أو اقض الألف التى لى عليك أو نحو ذلك.
واجاب المخاطب المدعى عليه عن هذا الادعاء بقوله: قد قضيت المبلغ المطلوب أو قد وفيت الألف أو قضيتكها. أو نحو ذلك. يكون هذا الجواب اقرارا بالمبلغ المدعى به وادعاء بالوفاء لان القضاء هو تسليم مثل الواجب فى الذمة. فالاخبار بأنه قضاه المبلغ المطلوب يستلزم الاقرار بأنه كان ثابتا فى ذمته. فيكون مقرا به مدعيا سقوطه بمسقط وهو القضاء فيعامل بأقراره بالدين ولا يصدق فى دعوى القضاء الا ببينة .. وهم بهذا قد حكموا بتجزئة الكلام الصادر من المدعى عليه فأخذوا منه ما يضره واعتبروه اقرارا. وتركوا ما ينفعه واعتبروه دعوى أما الظاهرية. فقد قرر ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى: أن الكلام كله يعتبر جملة واحدة يؤخذ كله جملة أو يترك كله جملة فلا يفرق ويجزأ فيؤخذ منه الضار بالمتكلم ويترك النافع له. وساق فى الاستدلال على ذلك آثارا وأقضية تثبت ما ذهب اليه.
وأما الحنابلة فلهم فى المسألة قولان الأول وهو المعتبر عندهم أن المدعى لا يعتبر مقرا بالحق المدعى به. وانما يعتبر منكر الدعوى المدعى الدين الذى يدعيه والقول قوله بيمينه. والثانى كرأى الجمهور يعتبر مقرا بالحق ومدعيا قضاء فلا يصدق فى دعوى الاداء الا ببينة. وقد نقلنا من كتب الفقه فى المذاهب المختلفة النصوص الصريحة الدالة على الاحكام والآراء على النحو الذى ذكرناه فى الكلام على تعقيب الاقرار بما يرجعه أو يناقضه. وفى الكلام على تجزئ الاقرار.
الاقرار بالنكاح
مذهب الحنفية:
اذا أقر رجل بأن فلانة زوجته. أو أقرت أمرأة بان فلانا زوجها كان ذلك اخبارا من جانب المقر بأن الزواج الشرعى قد تحقق بينهما فى الماضى. وأن كلا منهما يحدث عنه بهذا الاقرار .. واقراره به يلزمه بمضمونه وجميع ما يترتب عليه من أحكام وآثار .. والحنفية مع اختلافهم فى أن الاقرار اخبار أو انشاء - متفقون على أن الاقرار بالنكاح ليس انشاء له كما فى صيغة العقد. ولذلك لا تشترط الشهادة فى صحة الاقرار بالنكاح كما تشترط فى العقد الذى يفيد الانشاء وتشترط فى صحة الاقرار بالنكاح ونفاذه شروط هى:
(1)
ان يكون المقر عاقلا بالغا - وهذا من شرط صحة الاقرار عامة. فلا يصح اقرار المجنون والصبى غير المميز وهو الذى لا يعقل لأن صحة التصرفات والعقود تنبنى على وجود العقل فحيث انعدم كانت التصرفات - باطلة ومنها الاقرار ولا ينفذ اقرار الصبى المميز بالنكاح لانعدام أهلية الالتزام. وسيأتى اقرار الولى على موليه بالنكاح حال صغره وبعد بلوعة.
(2)
أن يكون الزواج المقر به ممكن الثبوت شرعا وذلك بأن لا يكون الرجل متزوجا بمحرم
للمرأة كأختها وعمتها ولا بأربع سواها. وألا تكون المرأة متزوجة فعلا برجل آخر او فى عدة فرقة منه سواء أكان الاقرار من الرجل أو من المرأة.
(3)
أن تصدق المرأة الرجل فى اقراره. اذا كان هو المقر. وأن يصدقها الرجل فى اقرارها اذا كانت هى المقرة. وذلك لان الاقرار حجة قاصرة على المقر لا يلزم غيره. الا أن يقر بشئ يملك الاستقلال به فأنه يلزمه وينفذ عليه دون توقف على تصديق احد كالاقرار ببنوة طفل صغير مجهول النسب لا يعبر عن نفسه. أما اذا كان الاقرار بأمر مشترك كالزوجية وبنوة الولد الكبير الذى يعبر عن نفسه. فلابد من تصديق المقر له على الاقرار.
والاقرار بالزوجية صحيح ونافذ سواء كان فى حال الصحة ام فى حال المرض مرض الموت متى ورد عليه التصديق من الجانب الاخر - غير أنه اذا كان المقر هو الرجل فانه يصح وينفذ سواء صدقته المرأة فى حياته أو بعد وفاته فيثبت النكاح بذلك ويكون لها حقها فى الميراث منه .. أما اذا كانت المرأة هى المقرة فلا يصح تصديق الرجل الا اذا كان فى حال حياتها. فأما بعد موتها فلا يعمل التصديق ولا تثبت الزوجية بهذا الاقرار ولا يستحق الرجل الميراث منها به لأنه بموت المرأة ستقطع أحكام النكاح.
ولذلك يحق للرجل ان يتزوج بأختها وبأربع سواها عقب وفاتها. ولا يحل له أن يغسلها اذ قد صارت بالموت أجنبية منه. أما بعد موت الرجل فللزوجة أحكام باقية كالعدة ولذلك يحل لها أن تغسله.
والتفرقة فى الحكم على هذا الوجه مذهب أبى حنيفة .. أما عند الصاحبين فالحكم واحد فى الحالتين فيصح التصديق بعد موت المقر مطلقا سواء أكان هو الرجل أم المرأة ويثبت النكاح ويستحق الطرف الآخر الميراث به من المقر الميت.
ومتى تم الاقرار بشروطه المقررة شرعا.
وتم التصديق عليه على النحو المذكور فقد ثبت النكاح شرعا. ولا يحتاج فى ثبوته الى قضاء القاضى .. أما اثبات النكاح أمام القضاء فطريقه هو المقرر والمعروف فى كل قضية حسبما رسمه أحكام الفقه الاسلامى: يقيم مدعى النكاح دعواه أمام القاضى فيسأل القاضى المدعى عليه عن الدعوى فان اعترف بها ثبت النكاح وحكم القاضى بثبوته. وان انكرها طولب المدعى بالاثبات. فان كانت له بينة بشهادة شهود عدول - رجلين أو رجل وامرأتين. توفرت فيهما الشروط المقررة بأن يكونا غير مهتمين بميل الى جانب المدعى أو بعداوة للمدعى عليه وسائر الشروط المقررة حكم القاضى بشهادتهم وثبت النكاح وان لم تكن له بينة وطلب تحليف المدعى عليه على نفى الدعوى حلفه القاضى. فان حلف أنه ليس بينه وبين المدعى زوجية - سقطت الدعوى ورفضها القاضى. وهو المسمى قضاء الترك فى الفقه لا يمنع المدعى من تجديد دعواه ان وجد البينة اذا القضاء بالحلف قضاء ترك على ما هو مقرر فى الفقه عند الحنفية .. وان نكل المدعى عليه عن حلف اليمين حكم القاضى بثبوت النكاح لأن النكول عن اليمين فى حكم الاقرار بما يدعيه المدعى .. وهذا هو مذهب الصاحبين المفتى به فى مذهب الحنفية والمعمول به .. وقال: أبو حنيفة: انه لا يحلف منكر
الزوجية لان النكول عنده ليس فى حكم الاقرار كما يقول الصاحبان وقال أبو حنيفة هو فى حكم البذل والبذل لا يجرى فى النكاح وانما محله دعوى الاموال وما شابهها - فاذا ادعى انسان على اخر ان له عليه عشرة جنيهات مثلا وليست له بينة على دعواه. وطولب المدعى عليه المنكر بحلف اليمين فأبى أن يحلف لم يكن نكوله عن اليمين اقرارا لصدق المدعى فى دعواه ولا دليلا على كذب المدعى عليه فى انكاره هذه الدعوى - فان كثيرا من الناس يتحاشى الحلف وهو فى الواقع صادق برئ مما يدعى عليه به .. فهل يفضل بذل ما يدعى به على أن يحلف اليمين اذ قد يقع بالصادق البرئ بعد حلف اليمين البارة شئ من المكروه الذى تجرى به الأقدار فيظن الناس به السوء ويحكمون بأن ما أصابه كان أثرا ونتيجة ليمينه التى حلفها .. ومثل هذا البذل لا يتأتى فى النكاح فلا فائدة فى تحليف من ينكره .. وعلى رأى أبى حنيفة هذا اذا كان المدعى عليه ينكر الزوجية ولم يكن للمدعى بينة على دعواه فلا سبيل الى الحكم بثبوت الزوجية فتسقط دعوى المدعى. ولكن المفتى به هو رأى الصاحبين ويجرى عليه العمل فى القضاء .. والحكم كذلك اذا كان النزاع فى الزوجية بين احد الطرفين وورثة الطرف الاخر بعد موته فان هؤلاء الورثة يقومون مقام مورثهم المتوفى فى الخصومة. فانهم خلف عنه فى حقوقه.
واقرارهم بالزوجية يصح وينفذ لأن اثاره راجعة اليهم وحدهم.
واذا ادعى رجل أن فلانة الصغيرة زوجته أو ادعت امرأة أن فلانا الصغير زوجها. فهل يقبل اقرار ولى الصغير أو الصغيرة بالزواج وينفذ عليهما؟ قال الصاحبان: انه يقبل اقرار الولى عليهما وينفذ. وكذلك فيقبل قوله وينفذ عليهما اذا بلغا وانكرا الزواج - ولا يعتبر هذا انفاذا لاقرار المقر على غيره فان الولى انما يقر بفعل نفسه وهو تزويج الصغير أو الصغيرة
…
وقال أبو حنيفة فى احد تعليق عنه: أنه لا يقبل اقرار الولى على الصغير والصغيرة مطلقا سواء فى حالة الصغر أو بعد البلوغ وانكار الزواج. ولا بد فى اثبات الزواج من البينة أو الانكار حتى يبلغ الصغير والصغيرة - فيقر بالزواج وطريق اثبات ذلك بالبينة فى حالة الصغر أن يقيم القاضى خصما عن الصغير أو الصغيرة ينكر الزوجية فيقيم مدعيها ببينة فيحكم له.
والنقل الآخر عن أبى حنيفة أنه اذا كانت الدعوى فى حالة الصغر فاقرار الولى مقبول عليهما كما قال الصاحبان أما اذا كبرا فأنكر النكاح فلابد فى اثباته من البينة وقد بين ذلك صاحب فتح القدير الكمال بن الهمام فقال:
اقرار الولى على الصغير أو الصغيرة بالتزويج ولا يصدق فيه عند ابى حنيفة. أو يدرك الصغير فيصدقه وعندهما يثبت النكاح باقراره قال فى المنصف عن أستاذه الشيخ حميد الدين:
أن الخلاف فيما اذا أقر الولى فى صغرهما فان اقراره موقوف الى بلوغهما. فاذا بلغا وصدقاه ينفذ اقراره والا يبطل .. وعندهما ينفذ فى الحال .. وقيل الخلاف فيما اذا بلغ الصغير وأنكر النكاح فأقر الولى. أما لو أقر الولى بالنكاح فى صغره صح اقراره ..
ويؤخذ من هذا ان الصاحبين يريان أن اقرار الولى حجة سواء كانت الدعوى فى حال الصغر أم كانت فى حال الكبر. وان أبا
حنيفة يخالفهما فى الحالين فى رواية وفى حال الكبر فقط فى رواية اخرى.
هذه هى أحكام الاقرار بالنكاح واجراءات الاثبات فى قضايا اثبات النكاح من ناحية الفقه الاسلامى .. أما من ناحية القانون الذى يجرى عليه العمل فى المحاكم فقد نصت المادة رقم 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 على أنه لا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية أو الطلاق أو الاقرار بهما بعد وفاة أحد الزوجين فى الحوادث السابقة على سنة 1911 الافرنكية سواء أكانت مقامة من أحد الزوجين أم من غيره الا اذا كانت مؤيدة بأوراق خالية من شبهة التزوير تدل على صحتها
…
ومع ذلك يجوز سماع دعوى الزوجية أو الاقرار بها المقامة من أحد الزوجين فى الحوادث السابقة على سنة 1897 فقط بشهادة الشهود بشرط أن تكون الزوجية معروفة بالشهرة العامة.
ولا يجوز سماع دعوى ما ذكر كله من أحد الزوجين أو من غيره فى الحوادث الواقعة من سنة 1911 - الافرنكية الا اذا كانت ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفى وعليها امضاءه كذلك
…
ولا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية أو الاقرار بها الا اذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية فى الحوادث الواقعة من أول اغسطس سنة 1931
ويؤخذ من ذلك أنه اذا كان المدعى عليه فى دعوى الزوجية مقرا بها تثبت الزوجية بالاقرار سواء أكان ذلك فى حياة الزوجين أو كان بعد وفاتهما أو وفاة احدهما واذا كان المدعى عليه منكرا. فان الحكم يختلف - باختلاف المدة التى ادعى وقوع الزواج موضوع النزاع فيها وقد قسم النص المدد الى أربعة أقسام هى:
(أ) المدة قبل سنة 1897.
(ب) المدة بين سنة 1897 وأول سنة 1911.
(ج) المدة بين أول سنة 1911 وآخر يوليو سنة 1931.
(د) المدة بين أول اغسطس سنة 1931 ففى حوادث الزواج التى ادعى وقوع الزواج موضوع النزاع قبل سنة 1897 والدعوى مقامة من أحد الزوجين لا يشترط وجود وكيل كتابى لسماع الدعوى فيها وتثبت الزوجية فيها بشهادة الشهود بشرط أن تكون الزوجية معروفة بالشهرة العامة - فان كان أحد الزوجين متوفى ورفع الدعوى أحد الورثة فلابد لسماعهما من مسوغ كتابى خال من شبهة التزوير تدل على الزواج وتثبت الدعوى بالبينة.
وفى حوادث الزواج التى ادعى فيها وقوع الزواج موضوع النزاع فى المدة من أول سنة 1897 الى أول سنة 1911 لا يحتاج فى سماع الدعوى عند الانكار الى مسموغ كتابى ويثبت الزواج فيها بالبينة وسائر طرق الاثبات المقررة فى الفقه الحنفى اذا كانت الدعوى فى حياة الزوجين. فان كانت بعد وفاة أحدهما فلابد لسماع الدعوى عند الانكار من أن يكون لدى المدعى أوراق خالية من شبهة التزوير تدل على الزواج سواء أكانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أم من غيره. لان لائحة سنة 1897 اجازت سماع هذه الدعاوى عند الانكار على هذا الوضع. فبقيت تلك الاجازة الى أن جاءت لائحة سنة 1960.
وفى الحوادث التى ادعى فيها وقوع الزواج
المتنازع عليه فى المدة من أول سنة 1911 الى آخر يولية 1931 - يثبت الزواج فيها بالبينة وسائر طرق الاثبات المقررة فى المذهب الحنفى اذا كانت الدعوى فى حياة الزوجين .. فان كانت بعد وفاة أحدهما فلا تسمع الدعوى عند الانكار الا اذا كانت ثابتة بأوراق رسمية أو كانت مكتوبة كلها بخط المتوفى وعليها امضاؤه سواء أكانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أم من غيره. وذلك لأن لائحة سنة 1910 أجازت سماع دعاوى الزوجية على هذا الوضع فبقى هذا الحق لمن كان زواجهم سابقا على لائحة سنة 1931.
وفى الحوادث التى ادعى فيها وقوع الزواج المتنازع عليه فى المدة من أول أغسطس سنة 1931. لا تسمع فيها عند الانكار دعوى الزوجية أو الاقرار بها الا اذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية من موظف مختص بتوثيق عقود سواء أكانت الدعوى فى حال حياة الزوجين أم بعد الوفاة.
ويتبين مما تقدم أنه لا يشترط المسوغ الكتابى لسماع دعوى الزوجية الا عند الانكار أما اذا كان المدعى عليه مقرا بها فان المقر يعامل بأقراره ولا يتوقف سماع الدعوى على مسوغ فى أية مدة ادعى حصول الزواج فيها
…
والقانون اشترط المسوغ الكتابى وثيقة الزواج الرسمية لسماع دعوى الزوجية عند الانكار فى الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 سواء كانت الدعوى فى حياة الزوجين أو بعد وفاتهما أو وفاة أحدهما. ولم يشترط المسوغ الكتابى فى الحوادث السابقة على أول أغسطس سنة 1931 الا بعد وفاة الزوجين أو أحدهما أما فى حال حياتهما فلا يشترط المسوغ لسماع الدعوى بل تكون خاضعة فى هذه الحالة لطرق الاثبات المقررة فى المذهب الحنفى - وقد بنى هذا المنع على ما لولى الامر من حق تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحادثة والشخص كما جاء فى المذكرة الايضاحية للقانون ودعوى الزوجية فى النصوص والأحكام المذكورة تشمل دعوى الزوجية المجردة والتى فى ضمن حق آخر كنفقة او طاعة او ميراث - وقد جاء بالمذكرة الايضاحية للقانون أن دعوى النسب باقية على حكمها المقرر فى النفقة ولا تدخل فى أحكام سماع دعوى الزوجية وما يشترط له وهذا نص ما جاء بها. وظاهر أن هذا المنع لا تأثير له شرعا فى دعاوى النسب بل هذه باقية على حكمها المقرر كما كانت باقية عليه رغما من التعديل الخاص بدعوى الزوجية فى المادة رقم 101 من اللائحة القديمة.
وقد ناقش البعض ما جاء بهذه المذكرة من ناحية شموله لجميع دعاوى النسب ولو كان أساسه هو فراش الزوجية وقال ان النسب فى هذه الحالة لا يثبت الا اذا ثبتت الزوجية والدعوى به فى هذه الحالة تتضمن لا محالة دعوى الزوجية. فيجب أن تجرى اثباتها وسماعها على مقتضى ما وضعته اللائحة من قيود وأحكام للسماع والاثبات اذ أن النص يشمل كل دعاوى الزوجية ولو ضمن حق آخر ولولا أن الحرص على ثبوت النسب وتشوق الشارع الى ذلك دعى الى استثناء دعوى النسب لما استثنيت. فيجب الا يشمل الاستثناء ما اذا كان أساس النسب فراش الزوجية.
مذهب المالكية
(1)
: واذا تنازعا فى الزوجية بأن ادعاها أحدهما وأنكرها الآخر أى بأن ادعى رجل على امرأة أنها زوجته وأنكرت أو ادعت امرأة على رجل أنه زوجها وأنكر - ثبتت الزوجية لمدعيها منهما كان المدعى لها الرجل أو المرأة ببينة قاطعة تشهد على معاينة العقد أو على السماع الناشئ بأن يقولا. لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم أن فلانا زوج لفلانة أو أن فلانة أمرأة لفلان .. ولا بد فى بينة السماع أن تكون متصلة كبينة القطع بأن تقول: سمى لها كذا مهرا. النقد منه كذا والمؤجل كذا. وعقد لها وليها فلان. فلا يكفى الاجمال فى واحدة منهما - ولا خلاف - عند التنازع فى اصل النكاح - فى أنه يثبت بالبينة المعاينة للعقد اذا فصلت - وهل يثبت ببينة السماع اذا فصلت أولا.؟ قال أبو عمران لا يثبت وقال المتيطى يثبت اذا سمعت البينة سماعا فاشيا من العدول وغيرهم بالنكاح ..
وعند حصول النزاع على أصل النكاح لا يثبت النكاح بالاقرار بل لا بد من البينة. واذا لم توجد بينة لا يحلف المدعى عليه المنكر اليمين ولو أقام المدعى شاهدا واحدا على دعواه اذ لا ثمرة لتوجيه اليمين اليه اذ لو توجهت عليه فنكل لم يقضى بالشاهد والنكول ولا يثبت النكاح بذلك. وقال ابن القاسم: يحلف المنكر لرد شهادة الشاهد الذى أقامه المدعى ولو كانت دعوى الزوجية من أحد الطرفين على الآخر بعد موت المدعى عليه بأن ادعت امرأة على رجل بعد موته أنه زوجها. فان أقامت بينة شرعية على دعواها ثبتت وورثت وأن أحضرت شاهدا واحدا شهد على النكاح لا على الاقرار به حلفت معه وورثت لأن الدعوى فى هذه الحالة ليست دعوى زوجية فى حقيقتها وانما هى دعوى مال أى آلت الى المال على ما قاله ابن القاسم وكل دعوى مال تثبت بالشاهد واليمين. وقال أشهب لا ترث لان الميراث فرع ثبوت الزوجية.
والزوجية لا تثبت بالشاهد واليمين - .. وعلى رأى ابن القاسم ترث ولو كان للمدعى عليه المتوفى وارث ثابت النسب على ارجح القولين .. والقول الآخر يقول: محل ارثها اذا لم يكن هناك وارث ثابت النسب والا فلا ارث. وأيده بعضهم ولا صداق لهذه المرأة فى هذه الحالة لأن الصداق من لوازم الزوجية حال الحياة بخلاف الارث فانه ليس من لوازم الزوجية ..
لأنه يترتب على غيرها. اما الصداق فأنه لا يتسبب الا عن الزوجية - وفى ذلك كله مناقشة .. وعليها العدة لحق الله تعالى. والظاهر حرمتها على أبائه وأبنائه لدعواها. وحرمة أصولها وفروعها عليه ان كان مدعى الزوجية الرجل بعد وفاة المرأة
…
وهذا كله فى ادعاء الزوجية بعد موت الطرف المدعى عليه كما قلنا. فلو ادعى أحدهما الزوجية حال الحياة وأقام شاهدا واحدا على الدعوى ورد الحاكم شهادته لانفراده.
ثم مات المدعى عليه. فهل يعمل بدعوى المدعى أو لا بد من تجديد الدعوى لانها دعوى نكاح. والدعوى التى بعد الموت دعوى مال؟ والظاهر تجديد الدعوى كما أن الظاهر قبول شهادة الشاهد الأول الذى رد الحاكم شهادته لانفراده.
ولو ادعى رجلان الزوجية على امرأة فقال كل منهما. هى زوجتى. فأنكرتهما أو صدقتهما
(1)
الشرح الكبير للامام الدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 2 ص 329 وما بعدها.
طبعة الحلبى.
على سبيل الاحتمال اذ لا يجتمع عليها رجلان.
أو أنكرت أحدهما وصدقت الآخر لما فى الأخذ بتصديقها من أبطال حق الآخر الذى يحتمل صدقه فى الواقع. أو سكتت ولم تقر بواحد منهما. ولم يعلم السابق منهما. وأقام كل منهما البينة على دعواه فسخ نكاحهما معا من الحاكم بطلقة بائنة لاحتمال انها زوجة لكل منهما وأنها تزوجت بهذا قبل الآخر وبالعكس كذات الوليين اذا زوجها كل منهما بأنها لشخص وجهل زمن العقدين ولا ينظر لدخول أحدهما بها لان هذه ذات ولى واحد ولا ينظر لأعدلهما ولا لغير ذلك من المرجحات الا التاريخ فانه ينظر اليه هنا ان عرف لأن السابق يكون صحيحا واللاحق يكون باطلا فيعتبر التاريخ. على الارجح.
خلافا لما قاله اللقانى من أنه لا يعتبر هنا شئ من المرجحات حتى التاريخ ويتحتم فسخ النكاحين مطلقا.
واذا كان رجل وامرأة من أهل بلد واحد أصلا وليسا طارئين على بلد أو أحدهما من البلد أصلا والاخر طارئ عليه. وأقر بأنهما زوجان متناكحان. أو أقر أحدهما بالزوجية وسكت الآخر ولم يكذبه فى الاقرار - فلا تثبت الزوجية بينهما بهذا الاقرار اتفاقا .. ولكن اذا مات أحدهما بعد ذلك فهل يرثه الآخر أولا يرثه؟ خلاف. فقال ابن المواز: يتوارثان لمؤاخذة المكلف الرشيد بأقراره بالمال لان الأمر قد آل بعد الموت الى المال .. وقال غيره - لا يتوارثان لأن الارث هنا يتسبب عن الزوجية اذ هى العلاقة والسبب بالنسبة للطرفين ولم تثبت لان الزوجية لا تثبت بأقرار الزوجين غير الطارئين.
ويستوى فى ذلك أن يطول زمن الاقرار أو يقصر وخصه اللخمى بما اذا لم يطل زمن الاقرار أما اذا طال فالارث اتفاقا: ومحل الخلاف اذا لم يكن هناك وارث ثابت النسب حائز لجميع المال والا ثبت التوارث اتفاقا. وقد قلنا اذا أقر احدهما بالزوجية وسكت الاخر ولم يكذبه فى اقراره فهل هذا الساكت يرث المقر لمؤاخذة المكلف الرشيد بأقراره بالمال أو لا يرثه لعدم ثبوت الزوجية المبنى عليها الارث.؟ خلاف - فلو كذب المقر به المقر فى اقراره فلا يرثه اتفاقا كما أن المقر لا يرث الساكت اتفاقا .. ولا فرق بين أن يكون الاقرار فى حال الصحة أو فى حال المرض. فقد قال فى الجواهر. ومن حضرته الوفاة فقال: لى امرأة بمكة سماها ثم مات فطلبت ميراثها منه فذلك لها. ولو قالت: زوجى فلان بمكة فأتى بعد موتها ورثها باقرارها بذلك ونقله فى التوضيح. وخالف فى ذلك بعضهم وقال: محل الخلاف فى غير الطارئين اذا وقع الاقرار فى الصحة والا فلا يرث اتفاقا ومحل الارث فى الطارئين بالاقرار حيث كان فى الصحة والا فلا - أى انه لا يعتبر الاقرار فى المرض مطلقا بالنسبة للطارئين وغيرهما. لأن الاقرار فى المرض كانشائه فيه. وأنشاؤه فيه ولو بين الطارئين مانع من الميراث. أنتهى كلامه. ورده بعض لما مر عن الجواهر.
واذا كان الرجل والمرأة طارئين على بلد وليسا من أهله أصلا. واقرا بالزوجية بينهما وانهما زوجان متناكحان ثبتت الزوجية بهذا الاقرار وثبت التوارث بينهما بناء على ذلك من غير خلاف ولا فرق بين ان يكون الاقرار فى حال أو فى حال المرض على الراجح كما مر - كما لا فرق فى الطارئين بين أن يكونا قد قدما البلد الذى طرأ عليه معا أو قدما مفترقين. فان كان احدهما طارئا والآخر من اهل البلد أصلا
كانا كالحاضرين أهل البلد لا تثبت الزوجية باقرارهما اتفاقا وفى التوارث بينهما خلاف كما مر. واذا كان الزوجان غير بالغين وأقر ابواهما بقيام الزوجية بينهما وانهما زوجان متناكحان تثبت الزوجية بين غير البالغين باقرار أبويهما فى حياة الزوجية وبعد وفاتهما ويثبت التوارث بينهما بعد الوفاة سواء كان الأبوان طارئين أو غير طارئين. والسكوت ليس كالاقرار. فاذا أقر أحدهما وسكت الاخر فلا يعد سكوته اقرارا ويستوى ان يكون الاقرار فى حال الصحة أو فى حال المرض خلافا لقول عبد الباقى أنه يشترط ان يكون الاقرار فى حال الصحة - أما اذا كان الزوجان بالغين ولو سفيهين لم يعتبر اقرار ابويهما بعد موتهما أو موت احدهما.
ولو قال الزوج الطارئ للطارئة: تزوجتك فقالت له: بلى او نعم او قالت له: طلقنى او خالعنى - فان ذلك منها يكون اقرارا بالزوجية وتثبت الزوجية ويثبت الارث باقرارها ولو قالت الزوجة الطارئة للطارئ: طلقنى فقال لها: اختلعت منى او انا منك مظاهر او انت حرام او بائن - فانه يكون اقرارا منهما بالزوجية وتثبت به الزوجية ويثبت به الارث.
ويلزمه ما ذكر من طلاق او ظهار - اما ان قال الزوج: تزوجتك فلم تجبه الزوجة بشئ أو قالت الزوجة للزوج: طلقنى او تزوجتنى. فلم يجبها الزوج بشئ فلا يعتبر القول الخالى عن جواب الاقرار بالزوجية ولا تثبت به .. وان قالت له طلقنى او تزوجتنى او تزوجتك أو أنت زوجى فأجابها بقوله: انت على كظهر امى أو قال لها: أنت على كظهر أمى ابتداء لا فى جواب قول منها. فان هذا لا يكون اقرارا بالزوجية ولا تثبت به الزوجية لصدق هذا اللفظ على الاجنبية بخلاف قوله: أنا منك مظاهر فى جواب قولها طلقنى او تزوجتنى أو نحو ذلك لأن اسم الفاعل حقيقة فى الحال فلا يقال الا على من تلبس بالظهار حال قوله ذلك وهو يستدعى زوجيتها حينئذ ..
ولو قال الزوج الطارئ أنت زوجتى فأنكرت ثم قالت: نعم أنت زوجى فأنكر هو قولها - لم تثبت الزوجية بينهما لعدم اتفاقهما عليها فى زمن واحد وانما اختلف الحكم فى ثبوت الزوجية والارث بالاقرار بالنسبة لمن كان طارئا على البلد ومن كان من أهلها وحاضرا بها - لأن المقرر عند المالكية أنه لا بد من اعلان النكاح وشهره ولو بالدف او يعمل وليمة عرس. ولا شك أنه حين يعلن النكاح بذلك ويشهر بين أهل البلد. يعلم به أهل البلد جميعا. فيمكن عند التنازع والخلاف فى ثبوته اقامة البينة عليه من أهل البلد. ومن ثم لا يكتفى فى ثبوته بالاقرار. من الزوجين أو من أحدهما. أما الطارئ على البلد فزواجه لم يتم فيها وبالتالى لم يعرف بين أهل البلد. فلا تتيسر اقامة البينة عليه عند الاختلاف والتنازع ولو لم يكتف فى ثبوت النكاح بالنسبة لهؤلاء بالاقرار منهم لوقعوا فى الحرج وتعذر عليهم الاثبات. فأكتفى بالاقرار بالنسبة لهم تيسيرا عليهم ودفعا للحرج عنهم.
مذهب الشافعية:
قال فى الرونق
(1)
- الاقرار أربعة أقسام احدها: لا يقبل بحال. وهو اقرار المجنون والثانى: لا يقبل فى حال ويقبل فى ثانى حال
(1)
الاشباه والنظائر للامام جلال الدين السيوطى من باب الاقرار ص 464 وما بعدها.
وهو اقرار المفلس. الثالث. لا يصح فى شئ ويصح فى غيره. وهو اقرار الصبى فى الوصية والتدبير والعبد والسفيه فى الحدود والقصاص والطلاق. والرابع: الصحيح مطلقا وهو ما عدا ذلك.
ومن ملك الانشاء ملك الاقرار. ومن لا فلا .. ويستثنى من الاول الوكيل فى البيع قبض الثمن اذا اقر بذلك وكذبه الموكل. لا يقبل قول الوكيل مع قدرته على الانشاء وولى السفيه يملك تزويجه لا الاقرار به .. والراهن الموسر يملك انشاء العتق لا الاقرار به .. ومن الثانى: المرأة يقبل اقرارها بالنكاح ولا تقدر على انشائه. والمريض يقبل اقراره بهبة واقباض للوارث فى الصحة فيما اختاره الرافعى .. والانسان يقبل اقراره بالرق ولا يقدر على أن يرق نفسه بالانشاء كره الامام.
قال فى التلخيص: كل من له على رجل مال فى ذمته فأقر به لغيره قبل الا فى ثلاث صور: اذا أقرت المرأة بالصداق الذى فى ذمة زوجها. واذا أقر الزوج بما خالع عليه فى ذمة أمرأته. واذا أقر بما وجب له من ارش جناية فى بدنه.
الاقرار لا يقوم مقام الانشاء لأنه خبر محض يدخله الصدق والكذب: نعم يؤخذ ظاهرا بما أقر به. ولا يقبل منها دعوى الكذب فى الاقرار ومن فروعه. اذا أقر بالطلاق نفذ ظاهرا لا باطنا. وحكى وجه أنه اذا أقر بالطلاق صار انشاءا حتى يحرم عليه باطنا. ومنها اختلفا فى الرجعة والعدة باقية فادعاها الزوج فالقول قوله .. وفى فتاوى القفال: لو ادعت عليه انه نكحها وأنكر. فمن الاصحاب من قال لا تحل لغيره وهو الظاهر. ولا يجعل انكاره طلاقا بخلاف ما لو قال نكحت امة وأنا أجد طول الحرة لانه هناك أقر بالنكاح وادعى ما يمنع صحته وهنا لم يقر اصلا - واذا ادعى عليها زوجية. فقالت زوجنى الولى بغير اذنى ثم صدقته. قال الشافعى: لا يقبل وأخذ به اكثر العراقيين. وقال غيرهم يقبل وصححه الغزالى .. ولو قالت: انقضت عدتى قبل أن تراجعنى ثم صدقته. ففى قبوله قولان
(1)
.
وجاء فى نهاية المحتاج: ولو زوجها
(2)
أحد الأولياء وقد أذنت لكل منهم بأن يزوجها ممن يرى - زيدا والآخر عمرا أو وكل الولى فزوج هو والوكيل او وكل وكيلين فزوج كل والزوجان كفآن أو أسقطوا الكفاءة فان سبق أحد العقدين وعرف السابق منهما ببينة أو تصادق معتبر ولم ينس فهو الصحيح والآخر باطل وان دخل بها المسبوق للخبر الصحيح: أيما امرأة زوجها ولياها فهى للاول منهما .. وان وقعا معا أو جهل السبق والمعية فباطلان لتعذر الامضاء. والاصل فى الابضاع الحرمة حتى يتحقق السبب المبيح. وكذا لو علم سبق أحدهما ولم يتعين على المذهب ولو سبق معين ثم أشتبه وجب التوقف حتى يتبين السابق لتحقيق صحة العقد فلا يرتفع الا بيقين .. فأن ادعى كل زوج عليها علمها بسبقه أى سبق نكاحه على التعيين سمعت دعواهما كدعوى أحدهما ان انفرد بناء على الجديد الأصح وهو قبول اقرارها بالنكاح لان لها حينئذ فائدة وتسمع ايضا على وليها ان كان مجبرا لقبول اقراره به ايضا. لا دعوى
(1)
الاشباه والنظائر من باب الاقرار ص 464 وما بعدها.
(2)
نهاية المحتاج ج 6 ص 244 وما بعدها.
احدهما أو كل منهما على الآخر انه السابق ولو للتحليف. لأن الزوجية من حيث هى زوجة ولو أمة لا تدخل تحت اليد. وحينئذ فليس فى يد واحد منهما ما يدعيه الآخر.
وتسمع دعوى النكاح فى غير هذه الصورة على المجبر فى الصغيرة فان أقر فذاك وان انكر حلف. فان نكل حلف الزوج واخذهما لكن للزوج بعد تحليفه تحليفها ان انكرت .. ولا تسمع دعواه على ولى ثيب صغيرة ..
وان قال نكحتها بكرا لابنه الآن لا يملك الانشاء فلم يقبل اقراره به عليها. قاله البغوى ويؤخذ من تعليله انه لو كان ثم بينة. يريد اقامتها عليه سمعت فيما يظهر. كما يدل على ذلك ما فى الدعاوى.
وعند ادعاء الأزواج عليها فان أقرت لهما بعبارة واحدة فكعدمه. وان انكر حلفت أو أنكر وليها المجبر حلف وان كانت رشيدة على البت وهى على نفى العلم بالسبق لتوجه اليمين عليها بسبب غيرها لكل واحد منهما يمينا انفردا أو اجتمعا وان رضيا بيمين واحدة كما قاله البغوى ورجحه السبكى. ولم يذكر المقابل لضعفه .. ويستثنى من تحليفها ما لو كانت خرساء وليست لها اشارة مفهمة .. أو معتوهة او صبية وان أقرت لأحدهما على التعيين بالسبق وهى من يصح اقرارها ثبت نكاحه باقرارها.
مذهب الحنابلة:
وان ادعى
(1)
زوجية امرأة ابتداء فأقرت له بذلك يثبت النكاح وتوارثا .. وقال ابو الخطاب: فى ذلك روايتان والصحيح أنه مقبول لانها رشيدة أقرت بعقد يلزمها حكمه فقبل اقرارها كما لو أقرت بان وليها زوج أمتها قبل بلوغها فأنكر ابوها تزويجها لم يقبل انكاره لان الحق على غيره. وقد أقر به .. وكذلك لو ادعى أنه تزوج امرأة بولى وشاهدين عينهما فأقرت المرأة بذلك وأنكر الشاهدان لم يلتفت الى انكارهما لان الشهادة انما يحتاج اليها مع الانكار. ويحتمل الا يقبل اقرارها مع انكار أبيها لأن تزويجها اليه دونها .. فان ادعى نكاحها فلم تصدقه حتى ماتت لم يرثها. وان مات قبلها فاعترفت بما قال ورثته لكمال الاقرار منهما بتصديقها. وكذلك لو أقرت المرأة دونه فمات قبل ان يصدقها لم ترثه وان ماتت فصدقها ورثها لما ذكرنا ..
وجاء فى صفحة 404 منه: اذا كان للمراة وليان فأذنت لكل واحد منهما فى تزويجها مطلقا فقالت قد أذنت لكل واحد من أوليائى فى تزويجى ممن ارادا - فاذا زوجها الوليان من رجلين كل منهما زوجها رجلا فان علم السابق منهما فالنكاح له. دخل بها الثانى او لم يدخل. على خلاف بين الفقهاء فى حالة دخول الثانى بها - وان جهل الأول منهما فسخ النكاحان لا فرق فى ذلك بين الا يعلم كيفية وقوعهما أو يعلم ان أحدهما قبل الآخر لا بعينه او يعلم بعينه ثم يشك وينسى فالحكم فى هذه الاحوال كلها واحد وهو ان يفسخ الحاكم النكاحين جميعا نص عليه أحمد فى رواية الجماعة.
وان ادعى كل واحد من الزوجين انه السابق بالعقد ولا بينة لهما لم يقبل منهما ذلك وان أقرت المرأة لأحدهما لم يقبل اقرارها.
(1)
المغنى لابن قدامة ج 7 ص 404، ص 409 وما بعدها.
نص عليه احمد وقال اصحاب الشافعى يقبل اقرارها لأحدهما كما لو أقرت ابتداء بالنكاح ولنا أن الخصم فى ذلك هو الزوج الاخير فلم يقبل اقرارها فى ابطال حقه كما لو أقرت عليه بطلاق .. وان ادعى الزوجان على المرأة أنها تعلم السابق منهما فأنكرت لم تستحلف لذلك .. وقال اصحاب الشافعى نستحلف بناء منهم على ان اقرارها مقبول .. فان فرق بينهما وبين أحدهما لاختيارها لصاحبه او لوقوع القرعة له وأقرت له ان عقده سابق فينبغى أن يقبل اقرارها لانهما اتفقا على ذلك من غير خصم منازع فاشبه ما لو لم يكن صاحب عقد آخر.
وفى حالة ما اذا ادعى كل واحد منهما أنه السابق بالعقد وأقرت لأحدهما ثم فرق بينهما وقلنا بوجوب المهر فى هذه الحالة أنه يجب على المقر له دون صاحبه لاقراره لها به واقرارها ببراءة صاحبه وان ماتا ورثت المقر له دون صاحبه كذلك. وان ماتت هى قبلهما احتمل أن يرثها المقر له كما ترثه. واحتمل ألا يقبل اقرارها له كما لم يقبل فى نفسها
…
وان لم تقر لأحدهما الا بعد موته فهو كما لو أقرت فى حياته. وليس لورثة كل واحد منهما الانكار لاستحقاقها. لأن مورثه قد أقر لها بدعواه صحة انكاحها وسبقه بالعقد عليها.
وان لم تقر لواحد منهما أقرع بينهما وكان لها ميراث من تقع عليه القرعة
…
وان كان احدهما قد اصابها. فان كان هو المقر له او كانت لم تقر بواحد منهما فلها المسمى لأنه مقر لها به. وهى لا تدعى سواه. وان كانت مقرة للآخر فهى تدعى مهر المثل وهو يقر لها بالمسمى، واصطلحا فلا كلام. وان كان مهر المثل أكثر حلف على الزائد وسقط. فان كان المسمى أكثر فهو مقر لها بالزيادة وهى تنكرها فلا تستحقها.
مذهب الزيدية:
الاقرار فى النكاح:
يشترط فى الاقرار
(1)
بالنكاح الشروط الخمسة الأولى السابقة، ويشترط فيه مع هذه الشروط تصادق الطرفين المقر والمقر به على الاقرار ويكفى فى التصادق السكوت كما فى الاقرار بالنسب على ما تقدم وأن لا يكون هناك مانع من قيام النكاح بين الطرفين فلا تكون المرأة محرمة على الرجل بسبب من اسباب التحريم ولا يكون تحت المقر من يحرم الجميع بينهما وبين المقر بها كاخت زوجته أو عمتها أو خالتها ولا أربع سواها ولا من قد طلقها ثلاثا والا لا يصح الاقرار. وقال البعض أنه يشترط بالنسبة للصغيرة والصغير تصديق الولى أيضا فلو أنكر اقرارها بطل ولزمت البينة لاثبات النكاح وكذلك الامة لا بد لثبوت النكاح بالاقرار أن يصدق السيد على الاقرار .. وأما بالنسبة للكبيرة فهناك خلاف أيضا والمذهب أنه لا يعتبر تصديق الولى فيصح الاقرار بالنكاح من الزوجين مع مصادقة الاخر وأن كان الولى غير مصدق لتقدير أن الولى كان غائبا أو عاضلا حال التزويج.
اقرار المتزوجة بالنكاح لآخر:
وذات الزوج اذا أقرت بالزوجية لأجنبى وصدقها الرجل الاجنبى فى اقرارها مع ارتفاع الموانع بأن لا تكون تحته أختها ولا أربع سواها ولا يكون قد طلقها ثلاثا بأنه يوقف أحكام اقرارها حتى تبين من الزوج الذى هى تحته
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 163، ص 167، 169 والتاج المذهب ج 4 ص 44 الى 48 والتاج المذهب ج 4 ص 48 الى آخره.
اذ لا تأثير للاقرار ولا للمصادقة وزوجيتها بالأول قائمة والزوجية يثبت بينها وبين الاول اما باقرار سابق أو ببينة وحكم حاكم بناء عليها أو بعلمه او بشهرة أو باختصاص ومخالطة لا تكون الا بين الزوجين بشرط أن لا يكونا من نوى الريبة والتهمة .. وما دامت مع الاول فانه لا حق لها قبل واحد من الزوجين أما الخارج فلأنها كالناشزة عنه لا تعاشره واما الداخل فلانها مقرة أنه لا يجب عليه شئ ..
فان بين الزوجان وأرخا فللمتقدم منهما. وان أرخ احدهما فقط حكم له بها وان أطلقا حكم بها لمن هى تحته لأنه دليل المتقدم وهى فى يد نفسها فلا يقال بينة الخارج أولى .. وترث الخارج لتصادقهما على الزوجية بينهما ولا ترث الداخل لانها نافية لاستحقاقها منه شيئا واذا ماتت لم يرث الخارج منهما شيئا ويرثها الداخل لأن الظاهر معه ولا يرث مما ورثته من الخارج لأنه مقر على نفسه بأن لا زوجية بينها وبينه وأنها لا تستحق منه شيئا ويرده لوارثه الخارج اذا قبضه مع حصته منها.
الاقرار بنكاح ماض:
ويصح الاقرار بنكاح ماض نحو أن تدعى امرأة أنها زوجة لمورث جماعة. وقالوا كنت زوجته من قبل. والآن لا نعلم بقاء النكاح الى وقت الموت وأنه لا يصح انكارهم وتثبت الزوجية لاقرارهم بها فى الماضى فيستصحب الحال ويبقى حكم الزوجية اذ الأصل بقاؤه ..
ويثبت لها المهر والميراث فان قال الورثة لا نعلم ذلك لكن هذا الولد له منك لم يكن اقرارا منهم بالنكاح لجواز أن يكون الولد من وط ء بشبهة او غلط. ولا يقر المتصادقان على عقد باطل تصادقا عليه نحو أن يقر أنه بغير ولى وبغير شهود. أما لو تصادقا على عقد فاسد نحو أن يقر أنه بغير ولى أو بغير شهود ففى اقرارها عليه خلاف بين العلماء فعند المؤيد بالله أنهما يقران عليه ولا يعترضهما حيث كان مذهبهما اعتبار ذلك أو كانا جاهلين حال العقد الا أن يترافعا فيقضى بينهما الحاكم المترافع اليه بمذهبه من التفريق بينهما أو عدمه وهذا هو المذهب.
وعند الهادى لا يقران على ذلك وهو خلاف المذهب.
مذهب الإمامية:
لو ادعى زوجية
(1)
امرأة فصدقته حكم بالعقد ظاهرا - لانحصار الحق فيهما .. وعموم اقرار على أنفسهم جائز. وتوارثا بالزوجية لأن ذلك - من لوازم ثبوتها - ولا فرق بين كونها غريبين أو بلديين .. فلو أعترف أحدهما خاصة قضى عليه به دون صاحبه سواء حلف المنكر أم لا.
فيمنع من التزويج ان كان امرأة ومن أختها وأمها وبنت أخويها بدون أذنها .. ويثبت عليه ما أقر به من المهر. وليس لها مطالبته به ويجب عليه التوصل الى تخليص ذمته ان كان صادقا ولا نفقة عليه لعدم التمكين .. ولو أقام المدعى بينة أو حلف اليمين المردودة مع نكول الآخر - تثبت الزوجية ظاهرا وعليهما فيما بينهما وبين الله تعالى العمل بمقتضى الواقع .. ولو انتفت البينة ثبت على المنكر اليمين .. وهل له التزويج الممتنع - كأخت الزوجة وأمها اذا كان المنكر الرجل. وكتزويج المرأة بغيره اذا كانت
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 3 ص 73 وما بعدها.
هى المنكرة - على تقدير الاعتراف قبل الحلف نظر من تعلق حق الزوجية فى الجملة. وكون تزويجها يمنع من نفوذ اقرارها به على تقدير رجوعها لأنه اقرار فى حق الزوج الثانى ومن عدم ثبوته وهو الأقوى فيتوجه اليمين متى طلبه المدعى كما يصح تصرف المنكر فى كل ما يدعيه عليه غيره قبل ثبوته استصحابا للحكم السابق المحكوم ظاهرا أو لاستلزام المنع منه الحرج فى بعض الموارد كما اذا غاب المدعى أو أخر الاحلاف ثم ان استمرت الزوجة على الانكار فواضح.
وان رجعت الى الاعتراف بعد تزويجها بغيره لم يسمع بالنسبة الى حقوق الزوجة الثانية عليها وفى سماعه بالنسبة الى حقوقها قوة - فيحكم عليها فى جميع ما استحقت على الزوج الثانى من النفقة والكسوة والميراث منه بعد الوفاة بأنها زوجة للأول. وكذا الحكم عليها بجميع ما يستحق عليها الزوج الثانى من الوط ء وسائر الانتفاعات فى حياتها والميراث بعد موتها بأنها زوجة للثانى - اذ لا مانع منه فيدخل فى عموم جواز اقرار العقلاء على انفسهم
…
وعلى هذا فان ادعت انها كانت عالمة بالعقد حال دخول الثانى بها فلا مهر لها عليه ظاهرا لانها بزعمها بغى. وان ادعت الذكر بعده فلها مهر مثل للشبهة - ويشكل فيما لو كان مهر المثل ازيد من المسمى فان الازيد يرجع الى الاقرار بحق الغير فينبغى ثبوت أقل الأمرين من مهر المثل والمسمى وحينئذ يرثها الزوج الثانى لعدم نفوذ اعترافها فى حقه. ولا ترثه هى لاعترافها بأنها زوجة الغير وهذا يجرى على تقدير دعواها العلم وعدمه - واذن فيرثها الزوج ولا ترثه هى.
وفى ارث الأول مما يبقى من تركتها بعد نصيب الثانى نظر: من نفوذ الاقرار على نفسها وهو غير مناف ومن عدم ثبوته ظاهرا مع أنه اقرار فى حق الوارث - ويمكن أنه فى وقت اقرارها لم يكن للوارث حق ليكون اقرارها فى حق الغير
…
ويمكن الجواب بأن الوارث أنما يمنع حينئذ بالاقرار السابق فهو اقرار يقتضى سقوط حقه فيما بعد فتأمل.
وجاء فى شرائع الاسلام أنه اذا
(1)
اعترف الزوج بزوجية امرأة فصدقته أو اعترفت هى بزوجيتها له فصدقها قضى بالزوجية ظاهرا وتوارثا ولو اعترف أحدهما قضى عليه بحكم العقد دون الآخر.
مذهب الإباضية:
وان ادعت المرأة زوجا فأنكر كلفت بيانا أى الاتيان ببينة. وليس لها عليه مؤنة ولا حقوق فى مدة الأجل ان اجل به أى أن اعطت أجلا للاتيان بالبيان على ما تدعيه عليه من الزوجية وانما لم تكن لها عليه مؤنة ولا نفقة فى مدة الأجل لأنها المدعية لما تثبت لها به النفقة عليه وهو الزوجية اذ انها هى المعطلة لنفسها فى تلك المدة لا هو. فان لم تجد البيان ولم تحضر بينة حلف المدعى عليه أنه ليس بزوجها وقيل لا يمين عليه ولا رجوع لها عليه بالنفقة أن اتت ببيان .. واذا تيقنت أنها زوجته فى الواقع ولا بيان لها عليه وحلفه الحاكم فالمتبادر أنها لا تدرك عليه أن يطلقها.
فتكون كالتى عجز زوجها عن نفقتها أو غاب عنها زوجها ولم يكن له مال حيث تنال منه النفقة فيطلقها الحاكم ولو على شك منه فى كونها زوجة له للضرورة. أو يجبره على الطلاق للضرورة ويسقط عنه ما يلزم المطلق من نفقة وارث وولد فيقول له بعد أن يحلف ما هى زوجتك: طلقها وأنت برئ من نفقتها
(1)
شرائع الاسلام ج 2 ص 9.
فى العدة ومن أن ترثك ومن الولد .. وأن شاء حلفه من أول مرة بالطلاق بأن يقول له:
قل: لئن كانت زوجتى لهى طالق وذلك فعلا يعطلها .. ولزم انفاق جاحدة للزوجية وكسوتها وسكناها على مدعى الزوجية عليها فى الأجل ان ضرب له أجل فيأتى بالبيان على ما يدعيه عليها. لانها ولو جحدت ما يدعيه وتقاضت لا يبطل ذلك حقوقها لأنه قد عطلها بأدعائه الزوجية عليها. ولا يحل لها ماله أن صدقت فى جحودها فى الواقع الا أن لا يخلى سبيلها ويتمسك بها بغير حق .. فان طلبت اليه حميلا بالنفقة ونحوها أو يمينا بالطلاق ثلاثا أو طلاقا لا تصح فيه الرجعة أو اظهارا أو ايلاء أو أن يجعل الأمر لها بيدها تطلق نفسها ثلاثا أو بائنا أو أن يجعل لها الخيار بأن لم يأت بالبيان المؤجل له الى الأجل المحدد فلها ذلك.
فيحلفه للحاكم أنه ان لم يأت بالبيان الى ذلك الأجل فهى طالق ثلاثا. فان حلف ولم يأت بالبيان الى الاجل طلقت ثلاثا .. وهذا بناء على أن من قال: زوجته طالق ثلاثا فقد طلقها ثلاثا. ويحتمل أن يكون هذا مراده بالطلاق ثلاثا لانه أقوى لها .. وما ذكره من التحليف بالطلاق خلاف الأصل .. وذكروا أن القاضى اذا حلف الخصم به عزل. وكذا الظهار والايلاء والتحريم ونحو ذلك مثل هذه المسألة ومثل أن ينكر البيع فيحلفه بالطلاق ما باع وانما أجازوه فى هذه المسألة للضرورة.
وقد ذكر الشيخ أبو الربيع سليمان بن هارون عن ابى سهل عن ابى يحيى الورقى أنه قال:
أذا ادعى الرجل الى المرأة أنها زوجته فطلبته المرأة الى الحاكم أن يحلفه لها بطلاقها ثلاثا وان لم يأت ببينة الى أجل يؤجله له فلها ذلك. وقال أن شيوخ زمانه يفعلون ما يستفاد منه جواز ذلك وهو أن المرأة اذا ادعت على رجل أنه زوجها فأجلها الحاكم أجلا تأتى فيه ببينتها ثم طلبت الى الحاكم أن يحلفه لها بطلاقها ثلاثا ان لم يوف عند الحاكم عند الأجل لتقيم عليه بينتها ليحكم عليه بلوازمها من نفقة ونحوها - فلها ذلك - وحلفت هى له ان لم يبين أى لم يأت ببينة على أدعائه الزوجية. وقيل لا. والمشهور الحلف.
وانما حكم عليها بالحلف لأن اليمين حق له عليها لانكارها الزوجية - قال فى الديوان واذا ادعى رجل على امرأة أنها زوجته او ادعت امرأة على رجل أنه زوجها. فعلى المدعى البيان وعلى المنكر اليمين. وكذلك ان ادعى الحى منهما التزويج على ورثة الميت منهما
وان جحدت المدعى عليها دعوى الزوجية ولا بينة للمدعى ثم مات فأكذبت نفسها وصدقت دعواه أى أقرت بالزوجية فقيل ترثه وهو الصحيح فيما يظهر لأنه مات على ادعاء الزوجية - وتصديقها اياه بعد الانكار ولو بعد موته ومع الرغبة فى الارث اقرار بالحق بعد انكاره فضعفت التهمة لأنها أقرت بما أدعاه خصمها وهو الزوج. وقيل لا ترثه لأنها متهمة فى اقرارها بارادة الارث. وهو المتبادر ..
كيف ترجع الى خلاف ما حكمت به على نفسها وقيل: ان حلفها بعد جحودها ثم مات لم ترث لان تحليفه اياها قطع لخصومتها وتسليم لها.
فموته بعده موت على عدم ادعاء الزوجية فتصديقها بعد لا ينفعها .. وكذا منكر لمدعية الزوجية ان ماتت وصدقها بعد موتها أو أنه طلقها ثلاثا أو بائنا أو انها حرمت أو فاداها أو آلى أو ظاهر منها وماتت فأنكر ولا بيان لها.
ثم مات فاكذبت نفسها كذلك أى مصدقة
لانكاره على الحلف. ومن بين فى المسألتين بعد انكاره وموت صاحبه ورث بلا اشكال.
وان اختصم رجلان أو اكثر فى أمرأة فادعى كل منهما انها زوجته كلفا بيانا أى الأتيان بالبينة على ما يدعيه فمن أتى ببينة تشهد له فهى له وان أتى كل منهما ببينة على ما يدعى كلفا ببيان التاريخ أى كلف كل منهما أن يبين تاريخ عقده فمن سبق تاريخه فهى له. وان لم يكن تاريخ لأحدهما أصلا أو أتحد التاريخ فيهما أجبرا على تطليقها بائنا أو ثلاثا. وحلفت لهما أن لم يبينا. وقيل لا تحلف. وان بين أحدهما لم تحلف للآخر. فان صح البيان لأحدهما فهى زوجته. وقعد فيها أى كان فيها أصلا من أقرت به منهما ويدخل عليها الا أن يقول الآخر: لى بيان فانه يؤجل له ولا يدخل بها من أقرت به وان بينا ولا تاريخ لهما أو كان لهما تاريخ متحد فأقرت لاحدهما فالذى عندى انه لا يكون الذى أقرت له عاقدا فيها أى لا يكون أصلا فيها لأنه يلزم كلا منهما أن يطلقها بائنا. وقيل لا يقعد بأقرارها فيها وهو الصحيح عندى - وكذا يثبت لمن أقر له فيقول الحاكم قعد فيه فلان ولا يحكم جزما بأنه له ان ادعيا رقيقا فأقر باحدهما على الحلف. وكذا فى مسألة الزوجة. وقيل هو لمن بيده ان كان بيد أحدهما. وقيل نصفان.
وأما السلعة فهى لمن بيده ان لم يبينا وان بين من ليست بيده فهى له. وان بينا وهى فى يد أحدهما فهى له لرجحانه باليد. وقيل للآخر لأن كونها بيده مانع لبيانه مثبت لعقوده فيها. والبيان مقدم على القعود فكانت للآخر المبين وقيل نصفان
(1)
.
مذهب الحنفية:
اقرار المحجور عليه:
يشترط لصحة الاقرار أن يكون المقر غير محجور عليه بما يمنع من نفاذ التصرفات التى أقر بها فان أقر السفيه أو المدين المحجور عليهما بمال فان الاقرار يتوقف فى آثاره وما يترتب عليه من أحكام الى ما بعد الحجر وزواله. وذلك لقيام أهلية المقر المصححة لعبارته وقت الاقرار غير أنه وجد ما يمنع من ترتيب أثر الاقرار عليه وهو الحجر. فاذا زال المانع ظهر أثر الاقرار.
والحجر معناه شرعا: منع التصرف القولى .. أى أن العقود لا تنشأ نافذة تترتب عليها أحكامها التى رتبها الشارع عليها - وكذلك سائر التصرفات. فلا يمضى الشارع تصرفا للمحجور عليه مادام ذلك التصرف داخلا فى نطاق الحجر .. وسبب الحجر ضعف فى تقدير المحجور عليه اما لسفه أو صبا أو عته.
وأما لحق غيره بسبب استغراق الديون لامواله وقد ذكر الزيلعى الحنفى فى كتابه تبيين الحقائق - أن أساس الحجر هو ضعف العقل فقال:
أن الله سبحانه وتعالى خلق البشر أشرف خلق وجعلهم بكمال حكمته متعاونين فيما يمتازون به عن الأنعام وهو العقل وبه يسعد من سعد.
وذلك أن الله تبارك وتعالى ركب فى البشر العقل والهوى. ركب فى الملائكة العقل دون الهوى. وركب فى البهائم الهوى دون العقل .. فمن غلب من البشر عقله على هواه كان أفضل من الملك لما يقاسى من مخالفة الهوى ومكابدة النفس. ومن غلب هواه على عقله كان أردأ من البهائم. قال تبارك وتعالى «ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا»
(1)
شرح النيل ج 6 وما بعدها.
فجعل بعضهم ذوى النهى وجعل منهم أعلام الدين وأئمة الهدى ومصابيح الدجى. وابتلى بعضهم بما شاء من أسباب الردى كالجنون الموجب لعدم العقل والصغر والعته الموجبين لنقصانه فجعل تصرفهما غير نافذ بالحجر عليهما.
ولولا ذلك لكانت معاملتهما ضررا بأن يستجر من يعاملهما مالهما باحتياله الكامل. وجعل لهما من ينظر فى مالهما نظرا خاصا وعاما. وأوجب عليه النظر لهما. وجعل الصبا والجنون سببا للحجر عليهما. وكان كل ذلك منه رحمة ولطفا
(1)
.
وموضع الحجر هو التصرفات القولية.
أما ضمان الأفعال فيكون فى مال المحجور عليه ولا يسأل عنه غيره.
والذين يحجر عليهم هم: الصغير.
والمجنون والمعتوه. والسفيه وذو الغفلة.
والمدين. ولا خلاف بين الفقهاء فى الحجر على بعض هؤلاء واختلفوا فى الحجر بالنسبة للبعض الآخر ويذكر بعض كتب الفقه الحنفى أنه يحجر على ثلاثة آخرين غير المذكورين عند أبى حنيفة. وهم الطبيب الجاهل. والمفتى الماجن والمكارى المفلس. والحجر على هؤلاء لمنع ضرر عام يصيب الناس فيفسد أبدانهم وأديانهم وأموالهم. وليس المراد هنا الحجر بمعنى منع التصرف القولى بل المراد المنع الحسى بأن يحول ولى الأمر بينهم وبين الناس لئلا يفتنوهم عن دينهم أو يتلفوا أموالهم أو أبدانهم - لما روى
(2)
عن أبى حنيفة أنه كان لا يرى الحجر الا على ثلاثة: المفتى الماجن والطبيب الجاهل والمكارى المفلس ليس المراد منه حقيقة الحجر وهو المعنى الشرعى الذى يمنع نفوذ التصرف. ألا ترى أن المفتى لو أفتى بعد الحجر وأصاب فى الفتوى جاز ولو أفتى قبل الحجر وأخطأ لا يجوز. وكذا الطبيب لو باع الادوية بعد الحجر نفذ بيعه. فدل ذلك على أنه ما أراد به الحجر حقيقة وانما أراد به المنع الحسى أى بمنع ولى الأمر هؤلاء من عملهم حسا لأن المنع من ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
والصغر من حيث قوة الحجر فى الشريعة درجتان: صغر لا يكون معه تمييز أصلا. وفيه يكون الصغير فاقد الأهلية فلا يصح منه تصرف قط وتكون عبارته ملغاة لا اعتبار لها شرعا وصغر معه تمييز. وفيه تكون عبارة الصغر معتبرة شرعا وتكون تصرفاته القابلة للنفع والضرر منعقدة ويتوقف نفاذها على اجازة من له الولاية المالية عليه لأنه ناقص الأهلية والصبى المميز هو الذى بلغ من السابعة للحد الأدنى للتمييز فى الكثير الغالب. وقد يحصل أن يجاوزها ولا تمييز مادام لا يعرف معانى العقود ومقتضياتها فى عرف الناس ولا يعرف العبن والكسب .. والتصرفات بالنسبة للصبى المميز ثلاثة أقسام:
الأول:
تصرفات نافعة نفعا محضا كقبول الهبات من غير عوض والوصايا والاستحقاق فى الأوقاف دون مقابل ولا التزام. وهذه تجوز من الصبى المميز دون حاجة الى اذن الولى.
والثانى:
تصرفات ضارة ضررا محضا كالتبرعات بأنواعها والطلاق والعتق وغيرها وهذه لا تجوز
(1)
تبيين الحقائق ج 5.
(2)
بدائع الصنائع ج 7 ص 169.
من الصبى المميز وان أجازها الولى المالى. لأنها لا تجوز من الولى ولا يملكها فلا يملك اجازتها لأن ولايته للمصلحة ومقيدة بها ولا مصلحة فى هذه التصرفات. فيصدر التصرف فيها باطلا.
والثالث:
تصرفات دائرة بين النفع والضرر. وهذه تصح من الصبى المميز وينفذ تصرفه فيها ولكن يتوقف نفاذه على اجازة الولى المالى. فان أجازها نفذت وان لم يجز بطلت .. وانما تكون الاجازة مقيدة اذا لم يكن فى التصرف غبن فاحسن لأن الولى لا يملك التصرف بالغبن الفاحش فلا يملك الاجازة فيه. ولأن الغبن الفاحش تبرع بالزائد وهو لا يملك التبرع لأنه ضرر محض. فينعقد التصرف باطلا فى ذلك ..
ومن التصرفات الدائرة بين النفع والضرر البيع والشراء والاجارات وغيرها من التصرفات التى تعد من قبيل المبادلات المالية ولجواز التصرفات المالية من الصبى المميز باجازة الولى.
أجيز للولى المالى أن يأذن للصبى المميز فى التجارة وحينئذ تجوز له كل التصرفات المالية التى تعتبر من شئون التجارة وعادة التجار ويجرى بينهم بالأخذ والعطاء.
وينتهى هذا الدور بالنسبة للصغير المميز بالبلوغ الشرعى. ومن البلوغ بالنسبة للزواج والعقد فيه والولاية على النفس وما يتصل بها غير سن الرشد المالى فان سن الرشد المالى يتبع نظام المحاكم الحسبية ويعمل به فى كل ما تختص تلك المحاكم بالنظر فيه من مسائل الولاية المالية على القصر وعديمى أو ناقصى الأهلية وما يتصل بذلك ولتقدير هذا السن أصل فى الفقه وأما الزواج والولاية على النفس وما يتصل بذلك مما تنظره محاكم الأحوال الشخصية فينطبق فى تحديد سن البلوغ فيه ما جاء فى مذهب أبى حنيفة وأرجح الأقوال فى هذا الشأن والبلوغ فى الفقه الحنفى كغيره من المذاهب يكون ببلوغ الحلم أو سن التناسل وظهور أعراض الرجولة على الغلام وأعراض الأنوثة على الفتاة. وأدنى سن لهذا النوع من البلوغ هو اثنتا عشرة سنة بالنسبة للغلام وتسع سنين بالنسبة للفتاة واذا لم تظهر الامارات ومضت مدة فأنه يكون البلوغ بالسن وهو خمس عشرة سنة بالنسبة للغلام والفتاة معا.
وهذا عند الصاحبين أبى يوسف ومحمد
وعند أبى حنيفة البلوغ ثمانى عشرة سنة بالنسبة للغلام وسبع عشرة سنة بالنسبة للفتاة والمفتى به هو مذهب الصاحبين وهو المعمول به فى المحاكم. فالولاية على النفس تنتهى فى هذه السن فيعيش بعدها الغلام كما يشاء الا اذا كان يخشى عليه الفساد وسن الزواج شرعا هى هذه السن فيجوز للفتى والفتاة مباشرة عقد الزواج بنفسه فيها ولا يتولى غيره عنه الا بتوكيل منه. ولا سلطان للمحاكم الحسبية على ذلك.
ولكنها تستأذن فى الزواج بالنسبة للقاصر ماليا أى الذى سنه أقل من احدى وعشرين سنة اذا كان له مال تديره وتشرف عليه تلك المحاكم ليمكن الانفاق على ما يقتضيه الزواج من اعداد جهاز أو دفع مهر وليس لأحد أن ينازع أمام محاكم الاحوال الشخصية ويزعم عدم صحة عقد الزواج لعدم توافر سن الرشد من الصبى المميز دون حاجة الى اذن الولى.
الكافى فى الغلام أو الفتاة. والمعتبر فى التقدير السنة الهلالية أما بالنسبة لدفع المال الى الصبى الذى بلغ فان شرط الدفع اليه شرعا هو الرشد الذى يتبين نتيجة التجربة والاختبار كما
صرحت بذلك الآية الكريمة «وأبتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فأدفعوا اليهم أموالهم» .. وقد فسر ابن عباس الرشد بأنه صلاح العقل وحفظ المال. وذلك يختلف باختلاف الاشخاص والبيئات. فكلما تعقدت المعاملات ودقت نظم الاقتضاء تأخر الرشد والندرة على المحافظة على المال من الضياع.
جاء فى شرح القانون المدنى للمرحوم فتحى زغلول باشا «المولود يولد فاقد الأهلية» ويبقى كذلك الى أن يبلغ سن التمييز ثم يدخل فى دور جديد هو دور التمييز الا ان عقله وملكاته لا يزالان غضين فلا يقوى على تقدير الافعال التى تصدر منه أو يتعمد فعلها بالتقدير صحيحا. ثم هو لا يصل الى هذه المرتبة الا بعد ان تنضج قوته العاقلة ويكون له بعض الخبرة حتى يؤمن على ادارة أمواله بنفسه ومعلوم ان بلوغ هذه المرتبة لا يتم للجميع بصورة واحدة ولا فى زمن واحد ..
بل هم مختلفون فى ذلك اختلافا كبيرا .. الا أن منافع الناس وضرورة الأمن فى المعاملات والحاجة الى وضع حد تنتهى اليه حال الانسان ويخرج ببلوغه من دور التردد الى دور العمل.
كل ذلك قضى بتقدير الزمن الذى يخلص فيه كل واحد من ذلك الحجر. وتتم له الاهلية.
والشرائع مختلفة فى تقدير هذا الزمن.
فمنها ما جعله اثنى عشرة سنة للانثى وأربع عشرة سنة للذكر كما فعل الرومانيون فى البداية منذ كانت الأمة فى نشأتها الاولى ساذجة الأخلاق قليلة العدد أيام ان كانت المراقبة شديدة فى مراقبة الأولاد. وكانت الروابط العائلية قوية كافية لحمايتهم وتدارك ما قد يفرط منهم من الأعمال قبل استفحال الضرر.
فلم يكن من باعث يحمل الشارع على الابطاء بمنع الاهلية الكاملة والولد محوط بهذه العنايات كلها فلما ازدحم المجتمع بأهله وكثر المال وتنوعت الرغبات والمطالب وتشعبت أعمال الانسان وامتدت اطماعه الى أبعد من داره وعشيرته ووهن رباط العائلة بضغط تلك المؤثرات ظهرت مضار التعجيل باقرار الأهلية واضطر الشارع الى تأجيل زمانها فجعله خمسا وعشرين سنة ومن الشرائع ما وقف عند الحادية والعشرين. ومنها ما اقتصر على تسع عشرة سنة ..
وقد كان الفقهاء المسلمون ينظرون الى الرشد الذى جعله القرآن مناط دفع اموال اليتامى اليهم نظرة تقديرية ويتركون امر التقدير الى القضاء ونتيجة لاختبار فعل البلوغ. ولكن جاء المشرع المصرى فجعل سن الرشد ثمانى عشرة سنة مستأنسا بآراء بعض الفقهاء المجتهدين فى تحديد سن البلوغ. وكان العمل على ذلك فى المحاكم ثم فى المجالس الحسبية الى سنة 1925 حيث رفع هذا السن الى احدى وعشرين سنة فى القانون الصادر فى 13 اكتوبر سنة 1925 بالنسبة للولاية المالية فقط أما بالنسبة للولاية على النفس والزواج وما يتصل بذلك مما يختص به المحاكم الشرعية فيطبق فيه أرجح الاقوال من مذهب أبى حنيفة بمقتضى نص صريح من لائحتها - وذلك كأن زواج السفيه صحيحا وكان طلاقه واقعا - وكذلك الصغير الذى بلغ البلوغ الشرعى تكون له الولاية على نفسه، وتكون الولاية على ماله لولى المال.
والجنون مرض يمنع العقل من ادراك الأمور على وجهها الصحيح ويصحبه اضطراب
وهياج غالبا .. والمجنون قسمان: مجنون مغلوب لا يفيق ويسمى مرضه جنونا مطبقا وهو الذى يستمر شهرا فأكثر
…
وهذا يحجر عليه بلا خلاف بين الفقهاء .. ومجنون يجن ويفيق. فان كان لافاقته أوقات معلومة فهو فى مدة افاقته كالعقلاء الراشدين
…
وان كانت أوقات افاقته غير معلومة - فأنه يكون محجورا عليه من أوقات المرض ولا يكون كذلك فى أوقات الافاقة
…
والمجنون يحجر عليه متى ثبت جنونه. ويستمر الحجر ما استمر الجنون. ويكون فاقد الأهلية فلا ينعقد بعبارته العقود والتصرفات وقت الجنون بل تكون عبارته ملغاة كالصبى غير المميز على السواء.
والعته مرض يمنع العقل من ادراك الأمور ادراكا صحيحا كاملا .. والأكثرون أجمعوا على أن المعتوه لا يكون الا مميزا فهو كالصبى المميز فى التصرف المالى وقد بينا ما يجوز وما لا يجوز من الصغير المميز من التصرفات والحجر للجنون والعته يبتدئ من وقت وجود السبب وهو المرض .. ويزول الحجر بزواله ولو لم يحكم به قاض. وهذا هو حكم الفقه - ولكن قانون تنظيم الولاية المالية رقم 219 لسنة 1952 نص فى المادة - 65 منه على أن الحجر فى المجنون والمعتوه لا يزول الا بحكم كالحجر على السفيه وذى الغفلة لا يزول الا بحكم. ونص المادة:
«يحكم بالحجر على البالغ للجنون أو للعته أو للغفلة أو للسفه. ولا يرفع الحجر الا بحكم» .
والسفيه هو الذى لا يحسن القيام على شئون ماله وتدبيره فيبذر المال وينفقه دون تدبر ولا تقدير للعواقب .. والحجر على السفيه هو رأى جمهور الفقهاء. وقد خالف فى ذلك الامام أبو حنيفة ونفر من أصحابه وللسفه حالتان: أحداهما. السفه الذى يصاحب البلوغ ويقترن به ويستمر بعده ..
وثانيهما. السفه الذى يطرأ بعد أن يبلغ الشخص رشيدا والمقرر أنه اذا بلغ الشخص سفيها فقد اختلفوا فى مدى منعه من ماله ومن العقود والتصرفات. فقال أبو يوسف: أن الحجر الذى كان قائما عليه قبل البلوغ بسبب الصغر يزول بالبلوغ، ويثبت عليه حجر آخر بسبب السفه وهذا يكون بحكم القاضى ولا تكون الولاية عليه للأب أو الجد كما كانت قبل البلوغ بل تكون لمن يقيمه القاضى وليا عليه كالأب أو الجد أو غيرهما. وقال أبو حنيفة لا يحجر عليه بعد البلوغ بحكم القاضى. ولكن يمنع منه ماله فقط الى أن يبلغ الخامسة والعشرين وهذه احدى الروايتين عنه. وقال محمد والشافعى لا يزول الحجر الذى كان قائما عليه وقت الصغر بالبلوغ سفيها ويستمر هذا الحجر.
ويكون الولى عليه بعد البلوغ هو من كان وليا عليه فى حال الصغر قبل البلوغ فقد وافق أبو حنيفة سائر الفقهاء فى أن ماله لا يدفع اليه اذا بلغ سفيها. أما جواز تصرفاته وعقوده ففيه عنه روايتان ..
الأولى:
انه لا يمنع من العقود والتصرفات بل تجوز منه لأن منع المال منه انما كان للعجز عن صيانته وحسن التصرف فيه لا للحجر عليه وعدم جواز تصرفاته.
والثانية:
ان عقوده وتصرفاته لا تنفذ حتى يرشد
وتستمر هذه الحالة بالنسبة لهذا السفيه عند الامام أبى حنيفة الى أن يبلغ الخامسة والعشرين من عمره فاذا بلغها سلم اليه ماله وترك يتصرف فيه ويباشر العقود والتصرفات ولو كان سفيها مادام عاقلا. وذلك لأن المنع كان للتهذيب والتقويم وببلوغه هذه السن قد تجاوز الحد الذى يفيد فيه التقويم. فليترك هو وشأنه تلقنه الحياة دروسها - ولقد قال رضى الله عنه: اذا بلغ الخامسة والعشرين احتمل ان يكون جدا.
فأنا استحى أن أحجر عليه.
هذا اذا بلغ الصبى سفيها واستمر معه السفه. أما اذا بلغ رشيدا وطرأ عليه السفه بعد البلوغ او استمر السفه معه بعد بلوغ الخامسة والعشرين فهذا موضع الخلاف بين أبى حنيفة وجمهور الفقهاء - فأجاز الجمهور ومنهم الصاحبان أبو يوسف ومحمد الحجر عليه. ومنع أبو حنيفة وزفر ذلك الحجر.
والاستدلال من الطرفين مبسوط فى كتب الفقه لا داعى للاطالة بذكره.
ومع ان الصاحبين قد اتفقا على انه يحجر على السفيه فأنهما قد اختلفا فى وقت ابتداء الحجر .. فقال ابو يوسف: أن الحجر يبتدئ من وقت حكم القاضى به. وقبل ذلك لا حجر عليه ولو كان السبب وهو السفه قائما وتنفذ تصرفاته كلها لأن الحجر على السفيه موضع خلاف اذ قد خالف فيه ابو حنيفة وزفر فلابد من ترجيح جانب الحجر بحكم القضاء - ولأن افساد التدبير المقتضى للحجر أمر يحتاج الى تقدير - فقد تختلف فيه الانظار والافكار.
ولا يفصل فى ذلك الا حكم القضاء ولأن أمر السفيه فى هذه الحالة متردد بين ضررين ضرر الحجر بأهدار كرامته وضياع آدميته. ان حجر عليه. وضرر ضياع ماله ان لم يحجر عليه والقاضى هو الذى يزن الامر ويحكم فيه باختيار أخف الضررين.
وقال محمد أن الحجر يبتدئ من وقت وجود السفه دون توقف على حكم القاضى.
لأن القضاء ليس سببا للحجر ولا شرطا فى السبب. وانما سببه التبذير واتلاف المال ..
ومتى وجد السبب وجد المسبب لا محالة .. ولأن الحجر بسبب السفه كالحجر بسبب العته كلاهما علة للحجر. والحجر فيهما لمعنى فى ذات المحجور .. والحجر فى العته يبتدئ من وقت وجوده بالاتفاق فالحجر للسفه كذلك يبتدئ من وقت وجوده.
وفى أحكام القرآن للقرطبى. واختلف فى أفعال السفيه قبل الحجر. فقال مالك وجميع أصحابه غير ابن القاسم أن فعل السفيه وأمره كله جائز حتى يضرب الامام على يده وهو قول الشافعى وأبى يوسف .. وقال ابن القاسم أفعاله غير جائزة وان لم يضرب الامام على يده وقال أصبغ: ان كان ظاهر السفه فأفعاله مردودة .. وان كان غير ظاهر السفه فلا ترد افعاله حتى يحجر عليه الامام، واحتج سحنون لقول مالك بقوله: لو كانت افعال السفيه مردودة قبل الحجر ما احتاج السلطان الى ان يحجر على أحد - وقول أبى يوسف أليق بنظام التعامل الذى ينبغى أن يقوم على تحديد واضح واحكام محددة وهو الراجح فى المذهب فقد جاء فى ابن عابدين
(1)
- وظاهر كلامهم ترجيح قول أبى يوسف على قول محمد.
(1)
أبن عابدين ج 5 ص 142.
وذو الغفلة هو الذى لا يهتدى الى التصرفات الرابحة فيغبن فى البياعات والمعاوضات. وهو يتشابه مع السفيه فى التصرفات من حيث فساد الرأى وسوء التدبير. وان كان السفيه فيه ذكاء ويقصد الى الاتلاف غير عابئ ولا مقدر للعواقب. وذو الغفلة فيه غباء وضعف كان هو السبب فى فساد رأيه وسوء تقديره.
ولذلك تشابهت الأحكام فيها: فأبو حنيفة منع الحجر عليهما. والصاحبان والشافعى وأحمد أجازوا الحجر عليهما وفى مذهب مالك بالنسبة لذى الغفلة قولان أصحهما انه يحجر عليه.
واختلف الصاحبان فى وقت الحجر على ذو الغفلة كما فى السفيه. فقال محمد من وقت حدوث الغفلة وثبوتها. وقال أبو يوسف من وقت الحكم. والراجح قول أبى يوسف وموضع الحجر فى السفيه وذى الغفلة هو التصرفات المالية الخالصة. اما ماعدا ذلك فهما فيه كالراشدين.
وبقسم الحنفية التصرفات بالنسبة لذلك الى قسمين: الأول. تصرفات قابلة للنقض ويبطلها الهزل.
وهذه هى التصرفات المالية. وهى موضع الحجر على السفيه وذى الغفلة. والثانى تصرفات لا تقبل النقض ولا يفسدها الهزل.
وهو النكاح والطلاق والعتاق للاثر الوارد فى ذلك: ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق - والعتاق. وعبارة السفيه ومن شابهه فى ذلك كعبارة الرشيد العاقل على سواء. فلا حجر فيها عليهما .. ولما فى الزواج من جانب مالى يجئ التقييد فى الالتزام المالى لا فى أصل العقد .. فاذا عقد أحدهما عقد زواجه بأكثر من مهر المثل انعقد الزواج ولكن لا يلزم الا مهر المثل ولا يؤدى القيم عليهما الا مهر المثل لأن الزواج بأكثر من مهر المثل يعتبر اسرافا وتبذيرا فيدخل هذا الجانب فى ضمن مواضع الحجر. والزواج فى ذاته لا يؤثر فيه الهزل كما ذكرنا فلا حجر فيه. وتسمية المهر يفسدها الهزل فكانت موضع الحجر.
والسفيه وذو الغفلة فى التصرفات المالية كالصبى المميز من حيث ان التصرفات النافعة نفعا محضا كقبول الهبات والوصايا تنفذ منهما من غير توقف على اجازة القيم والدائرة بين النفع والضرر يتوقف على اجازته. والضارة ضررا محضا كالتبرعات لا تجوز ولو أجازها القيم لأن القيم لا يملكها فلا يملك الاذن بها واستثنى من ذلك الوصية التى يجوز ان تحدث من الرشيد شرعا. والوقف على النفس ثم على من يشاء. فأنهما يجوزان من السفيه وذى الغفلة. اذ الحجر انما شرع للمحافظة على المال والحيلولة دون ان يصير الشخص كلا وعالة على الغير او ان يضر ورثته وأقاربه - والوصية تصرف فيما بعد الموت فلا تظهر له أثر ولا يضره فى حال الحياة. والورثة قد حفظ حقهم بعدم جواز تنفيذها فى أكثر من الثلث الا برضاهم واجازتهم. والوقف على النفس مادام حيا فيه محافظة على ماله من الضياع بمقتضى أحكام الفقه الحنفى.
وقد ذكروا أن السفيه وذا الغفلة كالصبى المميز الا فى أربعة. أحدها أن تصرف الوصى فى مال الصبى جائز وفى مال المحجور عليه (السفيه وذى الغفلة غير جائز) وثانيها. أن تصرف المحجور عليه فى النكاح والطلاق والعتق جائز. وتصرف الصبى فى ذلك باطل.
وثالثها. اذا أوصى المحجور عليه بوصية
تجوز من ثلث ماله. ولا تجوز من الصبى ورابعها. اذا جاءت جارية المحجور عليه بولد فأدعاه ثبت نسبه. واذا ادعاه الصبى لا يثبت.
هذه هى حدود الحجر على السفيه وذى الغفلة بمقتضى احكام الفقه. ويلاحظ أنهما مكلفان بسائر التكليفات الشرعية من صلاة وصيام وزكاة وحج ولزوم كفارات وغير ذلك من التكاليف التى كلف بها الشارع العقلاء كما انهما مسئولان عن الجنايات التى تقع منهما مسئولية جنائية كاملة. فتنزل بهما العقوبات المالية والبدنية المترتبة على تلك الجنايات والتى تنزل بغيرهما من الكاملين.
ولا يخضع السفيه وذو الغفلة للمحاكم الحسبية فى التصرفات غير المالية فله ان يتزوج من غير استئذان المحكمة ويطلق كذلك. اما التصرفات المالية فهى موضع الحجر كما اشرنا وكان يجوز له ان يقف امواله او يوصى بها باذن المحكمة كما كان يجوز له ان يتسلم امواله كلها أو بعضها. ويتولى ادارتها باذن من المحكمة وتحت اشرافها واشراف القيم عليه ولما جاء القانون رقم 149 لسنة 1952 - الغى الأمر الأول وهو حق الوقف والوصية مكتفيا بما ذكر فى قانون الوقف والوصية من أحكام وشروط. وقد الغى الوقف وبقيت الوصية بما تضمنه قانونها .. اما الأمر الثانى وهو حق تسلم الاموال وادارتها وقد بين القانون المذكور ما يجوز لهما من التصرفات وما يدخل فى اعمال الادارة كبيع المحصولات وشراء ما يلزم لذلك. وقيد بعض الأعمال باذن خاص كتأجير المبانى والاراضى الزراعية لمدة تزيد على سنة. وأنه لا تجوز لهما التجارة الا باذن خاص مطلقا أو مقيدا وليس للمأذون ان يستوفى حقا أو يوفى دينا الا اذا كان الدين مترتبا على عمله اما اذا كان سابقا على ادارته فانه ليس عليه أن يوفيه الا باذن خاص .. ويعتبر المأذون له بادارة امواله كامل الأهلية فيما أذن له فيه وله التقاضى والمخاصمة بشأنه بما تقتضيه من مدافعة واقرار ..
وللمحكمة أن تسلب المحجور عليه حق ادارة الاموال أو تضيق دائرة الاذن من تلقاء نفسها بعد تقديم الحساب وظهور سوء ادارته أو بطلب الولى أو الوصى أو غيرهما ممن يهمهم أمر المحجور عليه أو بناء على طلب النيابة العامة متى تبين أن بقاء الأذن يعرض أمواله للضياع - وفى كل هذه الأحكام كان السفيه وذو الغفلة كالصبى القاصر اذا تولى ادارة امواله. وان الصبى لا يتولى ذلك الا اذا بلغ ثمانى عشرة سنة.
والمدين يرى الفقهاء أن المدين اذا امتنع عن اداء دينه مع القدرة على ذلك كان للدائن ملازمته وطلب حبسه ويجيبه الحاكم الى ذلك ما لم يثبت اعساره وذلك لأن مطل الغنى ظلم يحل عرضه وعقوبته كما ورد فى الأثر. والظلم يجب رفعه. فيحمل المدين على رفعه بالحبس الى أن يؤدى ما عليه لأنه قادر على ذلك وقد قرر جمهور الفقهاء ومنهم الامامان أبو يوسف ومحمد من أصحاب الامام أبى حنيفة أن المدين فى الوضع المشار اليه يحجر عليه ويباع ماله لسداد الدين. وقد خالف ابو حنيفة جمهور الفقهاء فى ذلك فمنع الحجر على المدين. ومنع بيع ماله لسداد دينه .. ولم يوافقهم الا فى حبس المدين القادر على الأداء وملازمته حتى يؤدى ما عليه والحجر انما يكون اذا كانت الديون مستغرقة كل ماله. ويكون موضع
الحجر هو المال الذى كان للمدين وقت الحكم بالحجر - أما المال الذى يكتسبه بعد الحجر فأقواله تنفذ فيه دون أن يتوقف نفاذها على اجازة الدائنين - والحجر على المدين لا يكون الا من وقت الحكم به فتصرفاته كلها قبل الحكم بالحجر نافذة - وقد اتفق على ذلك أبو يوسف ومحمد - وقد سار أبو يوسف هنا على اصله الذى قرره فى السفيه وهو أن الحجر يبتدئ من وقت الحكم القاضى به. أما محمد فقد اختلف الحكم عنده فى المدين عنه فى السفيه ووجه الفرق أن الحجر على السفيه لمعنى فيه وهو سوء التدبير وفساد الرأى فأشبه المجنون والمعتوه فيكون الحجر من وقت قيام السبب كما فيهما .. اما الحجر على المدين فهو لحق الغرماء حتى لا تضيع - حقوقهم باطلاق التصرف له فيتوقف على قضاء القاضى بمنع التصرف منه لانه من باب العمل على رفع الظلم وايفاء الحقوق فيكون ملزما من وقت صدوره وكل تصرف بعد الحجر لا ينفذ الا باجازة الدائنين. وان لم يجيزوا لا ينفذ حتى يسدد الدين. واقراره بدين فى هذه الحالة لا يلزم الدائنين. ولكن عليه اداؤه بعد زوال الحجر أو من ماله الذى استفاده بعد الحجر.
وفى جواز الحجر على المدين يحتج الصاحبان بأن مصلحة الناس فى ذلك اذ لو نفذت تصرفاته واقراراته لأدى ذلك الى ضياع حقوق الدائنين فقد يبيع امواله بيعا صوريا ليهرب من اداء الدين أو يقر بالمال لغير الدائنين فتضيع حقوقهم. ودفع الظلم والاحتياط لحفظ الاموال واجب. وايضا فان الديون قد استغرقت امواله وتعلقت بها حقوق الدائنين فاذا تصرف فيها المدين بعد ذلك يكون التصرف فى مال تعلق به حق الغير.
واحتج أبو حنيفة فى منع الحجر عليه بأن الحجر فيه ضرر كبير بالمدين يفوق ضرر الدائنين بتأخير ديونهم اذ هو اهدار لآدميته ويمكن الجمع بين حقه فى حرية التصرف فى ماله وحق الدائنين فى استيفاء ديونهم.
وذلك بحبسه وحمله على الوفاء وان خوف بيع الاموال بيعا صوريا أو الاقرار بها للغير أمر غير واقع. وضرر المدين بالحجر امر واقع ولا يصح أن يدفعها خوف ظلم يتوقع الى ايقاع ظلم واقع ومحقق بالمدين.
وفى جواز بيع مال المدين جبرا عنه لوفاء ديونه يقول الصاحبان: أن البيع يجوز اذا طلب الدائن ذلك وأمر به القاضى سواء أكانت اموال المدين مستغرقة بالديون أم كانت غير مستغرقة. ويحتجان بأن النبى صلى الله عليه وسلم باع مال معاذ بن جبل فى دين ركبه وان عمر بن الخطاب باع مال مدين فى دينه وقال: الا انى بائع ماله فقاسم ثمنه بين غرمائه بالحصص فمن كان له عليه دين فليفد. ولأن من يمتنع عن الوفاء بحق واجب عليه ومستحق الوفاء يقوم القاضى مقامه فى الوفاء لأنه ظالم بامتناعه. وواجب القاضى أن يرفع الظلم عن الناس وقال أبو حنيفة: لا يجوز بيع مال المدين لوفاء دينه بغير رضاه لقول النبى صلى الله عليه وسلم .. لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه. واذا كان واجب القاضى أن يرفع الظلم. فليس البيع متعينا طريقا لرفع الظلم. اذ يمكن حبسه حتى يؤدى .. وقول الصاحبين هو المفتى به.
ويبدأ فى بيع المال ببيع ما يخشى عليه التلف من عروضه ثم مالا يخشى عليه منها ثم يبيع العقار لأن ذلك أصلح للمدين اذ العقار لا يرغب فيه فى كل الأوقات. وعرضه للبيع قد يبخس ثمنه. قال الزيلعى: والحاصل أن القاضى نصب ناظر لصالح المسلمين فينبغى أن ينظر الى المدين كما ينظر الى الدائن فيبيع ما كان أنظر اليه .. وبيع ما يخشى عليه التلف أنظر اليه.
مذهب المالكية:
يقول المالكية فى شأن المدين: أن المدين له ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى:
أن يحيط الدين بماله قبل التفليس أى قبل أن يقوم عليه الغرماء ويحيطوا به ويحبسوه أو يستتر منهم ويحولوا بينه وبين ماله ويمنعوه من التصرف فيه وقبل أن يحكم عليه الحاكم بالتفليس بناء على طلب الغرماء كلهم أو بعضهم - وفى هذه الحالة لا يجوز للمدين أن يتلف شيئا من ماله بغير عوض فيما لا يلزمه فلا يجوز له هبة ولا صدقة ولا عتق ولا حبس (وقف) ولا اقرار بدين لمن يتهم عليه. واذا فعل شيئا من ذلك كان للغرماء ابطاله. ويجوز منه التصرفات المالية كالبيع والشراء وللغرماء منع هذا المفلس الذى أحاط الدين الحال أو المؤجل بماله بأن زاد عليه أو ساواه على الاظهر من التبرع وسائر التصرفات التى يذهب فيها المال لغير عوض ومن ذلك القرض وليس منه كسوة السائل ونفقة العيدين ونفقة ابنه وأبيه - كما لبعضهم منعه من اعطاء بعض ماله لغريم آخر فى دين مؤجل أو اعطاء كل ما بيده من المال لغريم حل دينه أما اعطاء بعض المال للغريم الذى حل دينه فلا يمنع منه .. ولا يعتبر اقرار هذا المدين بمال لمن يتهم عليه كابنه وأخيه وزوجته التى يميل اليها وصديقه الملاطف على المختار والأصح وللغريم منعه من ذلك بخلاف الاقرار لمن لا يتهم عليه كأجنبى ليس بصديق ملاطف فأنه يعتبر ولا يمنع منه. وله أن يتزوج واحدة والظاهر منعه من تزوج ما زاد على الواحدة لعفته بها .. ولا يحج حج تطوع وفى حج الفريضة خلاف وقول مالك فيه المنع.
الحالة الثانية:
أن يقوم عليه الغرماء فيسجنونه أو يقومون عليه فيستتر منهم فلا يجدونه فيحولون بينه وبين ماله. ويمنعونه من التصرفات المالية فى ماله بالبيع والشراء والأخذ والعطاء ولو بغير محاباه ومن التزوج. ولهم قسم ماله بالمحاصة.
الحالة الثالثة:
أن يحجر عليه الحاكم ويحكم بخلع ماله للغرماء لعجزه عن قضاء ما لزمه من الديون ويترتب على هذه الحالة أيضا منعه من التبرعات والتصرفات المالية وقسم ماله بين الغرماء وحلول ما كان مؤجلا من ديونه ويحجر عليه الحاكم بطلب الغرماء كلهم أو بعضهم وان طلب واحد وأبى غيره حكم عليه ويكون لمن لم يطلب محاصته من طلب فيما يأخذه من المال ..
ولا يفلس الا فى الدين الحال اصالة أو بانتهاء أجله الذى كان فلا يفلس فى مؤجل ويستوى أن يكون الدين الحال كله لطالب التفليس أو قبضه له وبعضه لغيره. وكذلك لا يفلس الا اذا زاد الدين على المال الذى بيد المفلس فلا يفلس بدين مساو للمال ولا تهتك حرمته ..
وهذا ينافى أنه يمنع من التبرعات واذا لم يزد الدين على المال. ولكن يفى من المال فى يد المدين ما لا يفى بالمؤجل من الدين فقال اللخمى يفلس وهو المذهب. وقال المازرى لا يفلس لأن الديون المؤجلة لا يفلس بها. وذلك كمن عليه مائتان مائة حالة ومائة مؤجلة ومعه مائة وخمسون فالباقى بعد وفاء المائة الحالة لا يفى بالدين المؤجل فيفلس ولو أتى بحميل ويترتب على الفلس بمعناه الأخص وهو حكم الحاكم بخلع مال المفلس للغرماء. وعلى الفلس بمعناه الأعم وهو قيام الغرماء وحبسهم اياه أحكام أربعة الاول منع المفلس من التصرف المالى فى ماله كالبيع والشراء والاجارة. وأما منعه من التبرعات فأنه يحصل قبل الفلس بمعقليه بمجرد احاطة الدين بماله والثانى بيع ما وجد من ماله لحق الغرماء. والثالث حبسه عند الامتناع عن وفاء الدين مع القدرة على ذلك.
أى أن الحبس انما يكون عند جهل حاله حتى يثبت عدم اقتداره لاحتمال أنه أخفى ماله ..
والرابع أخذ الغريم عين ماله الذى يجده عند المفلس.
فبالنسبة للحكم الاول يمنع المفلس بالمعنى الأخص من تصرف مالى كبيع وشراء وكراء واكتراء ولو بغير محاباة ولا يمنع من التصرف فى ذمته كما لو التزم شيئا لغير رب الدين ان ملكه ثم ملكه فلا يمنع من دفعه اليه حيث ملكه بعد وفاء دينهم ولا يمنع من تصرف غير مالى كخلعه امرأته على مال لما فيه من أخذ المال وطلاقه زوجته وان ادى الى حلول مؤخر الصداق لما فيه من تخفيف المؤنة عنه. والمطلقة تحاصص بمؤخر صداقها سواء طلقها أو لم يطلقها فليس الطلاق موجبا لذلك ولا يمنع من ان يأخذ بالقصاص ممن جنى عليه او على وليه عمدا اذ ليس مالا بالاصالة لأن الواجب فيه على مذهب ابن القاسم اما القصاص أو العفو مجانا ..
وليس للمجنى عليه او عاقلته الزام الجانى بالدية. نعم لهم التراضى عليها وله العفو عن قصاص أو حد مما لا مال فيه بخلاف الخطأ والعمد الذى فيه مال مقرر فللغرماء منعه من العفو عن ذلك مجانا .. ويحل بالفلس الأخص أى ما كان بحكم الحاكم بخلع المال وبموت المدين ما أجل عليه من الدين لخراب ذمته فيهما فلو طلب بعض الغرماء بقاء دينه مؤجلا لم يجب الى ذلك لأن للمدين حقا فى تخفيف ذمته بحكم الشرع أما لو طلب جميع الغرماء بقاء ديونهم مؤجلة فلهم ذلك. وهذا هو المشهور من المذهب. ومقابله أن الدين المؤجل لا يحل بالمفلس ولا بالموت وحلول المؤجل بالفلس والموت ما لم يشترط المدين وعدم حلوله بهما وما لم يكن الموت بسبب قتل الدائن المدين عمدا. فان كان كذلك لم يحل المؤجل بهما - ولا يحل المؤجل بموت رب الدين او فلسه.
وقبل اقرار المفلس بالتعيين الاخص والاعم أى الذى حكم الحاكم بخلع ماله للغرماء لعجزه عن قضاء ديونه او الذى قام عليه الغرماء لحبسه ومنعه من التصرف فى ماله على الراجح فى الثانى - هذا المفلس بنوعيه اذا أقر فى المجلس الذى حكم عليه فيه بالحجر او قام الغرماء عليه فيه او بقرب المجلس بحيث لا يعد الفاصل بعيدا بحسب العرف - اذا اقر على هذا الوضع بدين فى ذمته ولمن لا يتهم عليه غير الغرماء يقبل اقراره بشرط ان يكون دين الغرماء ثابتا عليه باقراره لا بالبينة - فان كانت ديونهم ثابتة بالبينة ينظر فان كانت تستغرق
ما بيد المفلس من المال ولم يعلم تقدم معاملة ولا خلطة بينه وبين هذا المقر له بالدين فلا يقبل الاقرار منه. وان كانت لا تستغرق ما بيده من المال او علم تقدم معاملة بينه وبين المقر له قبل اقراره ودخل ذلك المقر له مع الغرماء فى المحاصة بدينه المقر به - وفى حالات عدم قبول اقرار المفلس بالدين لمن لا يتهم عليه غير الغرماء بأن أقر بعد المجلس بقول أو كان دين الغرماء ثابتا بالبينة ويستغرق ما فى يده من المال ولم يعلم تقدم معاملة بينه وبين المقر له - فى هذه الحالات يكون الدين المقر به فى ذمته للمقر له يحاصص به فيما يتجدد للمفلس من مال بعد سداد ديون الغرماء ولا يتعلق له حق بالمال الذى بيد المفلس وقت الاقرار.
والذى تعلق به الغرماء
…
ويقبل من المفلس مطلقا بالمعنى الاخص او بالمعنى الاعم وسواء كان صحيحا او مريضا تعيين القراض والوديعة بأن يقول المال فى يده: هذا قراض او وديعة ويستوى فى قبول ذلك التعيين منه ان يعين صاحب القراض والوديعة أو لا يعينهما وان يكون هذا التعيين فى مجلس الحجر او قيام الغرماء او بعده يقرب او يطول .. انما يقبل منه تعيين القراض والوديعة على النحو المذكور اذا قامت بينة بأصلهما اى بأن عنده قراضا او وديعة او بأنه اقر بذلك قبل الحجر او قيام الغرماء وهذا عند ابن القاسم خلافا لأصبغ حيث قال: يقبل منه تعيين القراض والوديعة ولو لم تشهد بينة بأصلها واختاره للخمى. فان لم تقم بينة بأصلها فلا عبرة باقراره خلافا لأصبغ كما ذكر وهذا الاقرار مقبول ولو كان لمن يتهم عليه المفلس ولا يكون المقر به فى ذمة المفلس خلافا لما فى المسألة السابقة وهى الاقرار بالدين لأنه هناك أقر بشئ يثبت فى الذمة أما هنا فقد أقر بشئ معين وهو الذى حصل فيه الاقراض أو الوديعة وقد اعطى ما فى يده للغرماء فلم يبق فى ذمته شئ.
اما أن أقر مريض غير مفلس بالقراض أو الوديعة فيقبل منه الاقرار ولو لم تقم بينة على الأصل اذا أقر بمن لا يتهم عليه فان أقر لمن يتهم عليه قبل اقراره ان قامت بينة بأصله والا فلا يقبل. والفرق بين المريض والمفلس حيث اشترط القبول الاقرار فى الثانى قيام البينة على الأصل دون الأول - أما الحجر على المريض أضعف من الحجر على المفلس لأن للمريض أن يشترى لنفسه من ماله ما يحتاجه بخلاف المفلس.
والمختار عند اللخمى وهو قول ابن القاسم قبول قول الصانع فى تعيين ما بيده لأربابه كهذه السلعة لفلان مع يمين المقر له ولو متهما عليه بلا بينة على أصله لأن الشأن أن ما بيده أمتعة الناس وليس العرف الاشهاد عليه عند الدفع ولا يعلم الا من قوله فلا يتهم ان يقر به لغير ربه - وقد جاء فى حاشية الدسوقى على ذلك ان المفلس اذا كان صانعا وعين المصنوع أو كان غير صانع وعين القراض أو الوديعة. فالمسألة ذات اقوال أربعة:
الأول - لمالك فى العتبية عدم قبول تعيينه مطلقا خشية ان يخص صديقه.
والثانى - يقبل تعيينه القراض والوديعه ان قامت بأصله بينة. ويقبل تعيينه المصنوع مطلقا وهو لابن القاسم.
والثالث - يقبل تعيينه القراض والوديعة والمصنوع مطلقا وهو لأصبغ.
والرابع - لمحمد بن المواز - يقبل تعيين
المفلس القراض والوديعة والمصنوع اذا كان على أصل الدفع أو على الاقرار قبل التفليس بينة .. قال اللخمى بعد حكاية هذه الاقوال وقول ابن القاسم فى الصانع أحسن لأن ما بيده أمتعة الناس. وليس العرف الاشهاد عليه عند الدفع له. وكذا قول أصبغ فى القراض والوديعة. فاللخمى اختار قول ابن القاسم فى تعيين الصانع وقول أصبغ فى تعيين القراض والوديعة - وقد مشى هنا فى كل من المسألتين على قول ابن القاسم
(1)
.
والمفلس اذا حكم الحاكم عليه بالحجر خلع ماله وأخذ المال من تحت يده للغرماء انفك الحجر عنه وزال ولو لم يقسم المال بالفعل بين الغرماء - فاذا تجدد وله مال آخر بعد انفكاك الحجر الأول سواء كان هذا المال المتجدد عن أصل سابق كربح مال تركة بيده لبعض الغرماء الذين فلسوه من قبل أو كان عن معاملة جديدة أو كان عن غير أصل كميراث وهبة ووصية ودية فيكون من حقه أن يتصرف فى هذا المال الجديد حتى يحجر عليه غرماؤه الذين حجروا عليه اولا بباقى ديونهم او غرماء غيرهم بشرط ان يطلب هذا الحجر الجديد الغرماء او بعضهم وان يكون الدين المطلوب الحجر من اجله حالا.
فلو كان مؤجلا لا يحجر به. وان يكون الدين زائدا على مال المفلس الذى بيده فلو كان مساويا او اقل لا يحجر. وان لم يزد الدين ولكن يفى من مال المدين مالا يفى بالمؤجل من الدين فانه يحجر عليه على المذهب ولو أتى بحميل كمن عليه مائتان مائة حالة والاخرى مؤجلة ومعه مائة وخمسون فالباقى بعد وفاء المائة الحالة لا يفى بالدين المؤجل فيحجر عليه وينفك الحجر عن المفلس بأخذ المال منه ولو لم يحكم بزوال الحجر. فالحجر على المفلس ليس كالحجر على السفيه لعدم احتياج فك حجر المفلس الى حكم بخلاف حجر السفيه فأن فكه يحتاج للحكم - وخالف ابن القصار وتلميذه عبد الوهاب فقالوا: انه لا ينفك حجر عن محجور عليه الا بحكم الحاكم ولو أن المفلس مكن غرماءه من ان يأخذوا ماله الذى بيده فباعوه واقتسموا الثمن بينهم بنسبة ديونهم او اقتسموا أعيان المال بالذات بأن كان الدين الذى عليه موافقا للمال الذى بيده جنسا ونوعا وصفة .. ثم ان هذا المفلس تعامل مع آخرين وركبته ديون جديدة وفلسه الغرماء الجدد فلا يدخل الغرماء السابقون مع هؤلاء الجدد فى تفليسهم اياه ولا يأخذون شيئا من المال الذى تحت يده الا أن يفضل من هذا المال شئ بعد سداد ديون الآخرين فيتحاص الأقدمون فى هذه الفضلة بنسبة ما بقى من ديونهم - كما هو الشأن فيما اذا كان الحاكم قد فلسه وخلع ماله وأخذه من يده للغرماء حيث لا يشارك الأولون الآخرين فى شئ من المال الا أن يكون فضله فيتحاصون فيها أما اذا كان قد تجدد لهذا المفلس مال جديد بارث وصله وأرش جناية مثلا غير المال الخاص بالغرماء الآخرين. فان الأولين يشتركون مع الآخرين فى هذا المال الجديد أما بقية أحكام الحجر وهى بيع مال المفلس الذى تحت يده فى ديونه.
وحبسه حتى يدفع أو يثبت أعساره. ورجوع الانسان بعين شيئه الذى تحت يده. فليس فى شئ منها أحكام او فروع أو مسائل تتعلق بالاقرار. ومن ثم لا داعى للاطالة بذكر أحكامها
(1)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 261 الى 268.
ومسائلها
(1)
. ثم قال: الحجر صفة حكمية توجب منع موصوفها من نفوذ تصرفه فيما زاد على قوته. أو تبرعه بزائد على تلف ماله.
فدخل بالتالف حجر المريض ودخل بالأول حجر الصبى والمجنون والسفيه والمفلس والرقيق فيمنعون من التصرف فى الزائد على القوت ولو كان التصرف غير تبرع كالبيع والشراء وأما المريض فلا يمنع من التصرف اذا كان غير متبرع أو كان متبرعا وكان بثلث ماله. وأما تبرعه بزائد عن الثلث فيمنع منه.
وأسباب الحجر كثيرة: منها الدين أى الفلس لأجل الدين ومنها السفه وهو التبذير وعدم حسن التصرف فى المال ومنها الجنون والصباء والمرض والرق والمجنون بصرع أو بوسواس سواء كان كل منهما مطبقا أو منقطعا محجور عليه من حين جنونه لأبيه أو وصيه ان كان له أب أو وصى وكان جنونه قبل البلوغ.
فان لم يكن له أب ولا وصى أو وجداهما ولكنه كان قد جن بعد البلوغ فالذى يحجر عليه الحاكم. ويمتد الحجر عليه الى وقت افاقته من الجنون. فاذا أفاق زال عنه حجر الجنون من غير احتياج الى فك. ثم بعد الافاقة وزوال حجر الجنون. ان كان صغيرا او سفيها حجر عليه حجر جديد لأجلهما. وان لم يكن صغيرا ولا سفيها. فلا يحجر عليه بعد الافاقة ولا ولاية للام من حيث الحجر والولاية وانما لها الحضانة .. والصبى الذكر محجور عليه بالنسبة لنفسه الى البلوغ وهو حجر الحضانة من تدبير نفسه وصيانة مهجته من الهلاك أو الفساد. فمتى بلغ عاقلا زال عنه هذا الحجر وزالت عنه ولاية الأب والوصى والحاكم من حيث تدبير نفسه وصيانة مهجته اذ يؤمن عليه حينئذ من وقوع فى مهواة أو عطب فلا يمنع من الذهاب حيث شاء الا أن يخشى عليه النساء لجماله مثلا فيكون لابيه أو وصيه أو المسلمين منعه. أما بالنسبة للمال فيستمر الحجر على الصبى الذكر الى بلوغه مع صيرورته حافظا لماله بعد البلوغ. فاذا صار حافظا لماله بعد البلوغ زال الحجر عنه وان لم يفك أبوه عنه. ويستثنى من ذلك ما اذا كان الأب قد حجر عليه فى وقت يجوز له ذلك وهو عند البلوغ فانه لا ينفك الحجر عنه بالبلوغ وصيرورته حافظا للمال بل لا بد من ان يفك ابوه الحجر عنه - وهذا بالنسبة للصبى ذى الأب أى الذى له أب موجود اما اذا كان له وصى أو مقدم فانه لا بد لزوال الحجر عنه من ان يفكه عنه الوصى او المقدم ولا يكفى بلوغه مع صيرورته حافظا للمال وذلك لان الأب لما ادخل ولده فى ولاية الوصى أو المقدم صار بمنزلة ما لو حجر عليه بنفسه فلا ينتقل الحجر ولا يزول الا بالاطلاق .. ألا ترى أن الولد لو حجر عليه أبوه للسفه قبل البلوغ أو بعده بالقرب منه بأن قال: أشهدوا أنى حجرت على ابنى فان هذا الولد لا يزال باقيا فى حجره ولو صار يحسن التصرف فى المال ولا ينفك الحجر عنه الا اذا قال أبوه: فككت الحجر عنه أو بحكم حاكم باطلاقه .. هذا كله بالنسبة للذكر أما الأنثى فيستمر الحجر عليها بالنسبة لنفسها الى سقوط حضانتها بزواجها والبناء بها. وأما بالنسبة للمال فيستمر الحجر عليها ولا ينفك عنها الا اذا بلغت وحسن
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه باب التفليس صفحة 261 وما بعدها، ومن باب الحجر صفحة 292 وما بعدها.
تصرفها وشهد العدول لها بصلاح حالها ودخول الزوج وبذلك ينفك الحجر عنها على الاظهر دون توقف على ازالة الحجر عنها من الأب ولو جدد حجرا عليها على خلاف الصبى. أما اذا لم يكن لها أب وكان لها وصى او مقدم فلا ينفك الحجر عنها الا بأمور خمسة: البلوغ وحسن التصرف وشهادة العدول لها بذلك ودخول الزوج بها وفك الوصى او المقدم الحجر عنها.
فان لم يفكا الحجر عنها كان تصرفها مردودا ولو عست أو دخل بها الزوج وطالت اقامتها عنده. وهذا على الأظهر. وبمقابله أنه لا بد مع الشهادة بصلاح حالها ان يمضى عام بعد الدخول بها او ستة اعوام او سبعة فاذا مضى ما ذكر انفك الحجر عنها دون توقف على فك ابيها الحجر عنها. اما الوصى والمقدم فلا بد من فكهما الحجر عنها مع ما ذكر وضمن الصبى ولو غير مميز ما أفسد فى ماله إن كان له مال وألا اتبع بالقيمة فى ذمته. وهذا هو الصواب قال ابن عرفة: الا أن يكون الصبى ابن شهر فانه لا يضمن لأنه كالعجماء. ومحل ضمان الصبى اذا لم يؤمن على المال الذى أفسده أى يستحفظ عليه بأن يودع عنده مثلا فان أمن لم يضمن بالاتلاف ومثل الصبى فيما ذكر السفيه.
قال ابن الحاجب: ومن أودع صبيا أو سفيها أو أقرضه فأتلفها لم يضمن ولو أذن له أهله فى أخذ الوديعة او القرض .. قال فى التوضيح: وانما لم يضمن لأن صاحب السلعة قد سلطه عليها بالايداع او الاقراض فلا يضمن لعدم التعدى ولأنه محجور عليه ولو ضمن المحجور لبطلت فائدة الحجر. قال اللخمى وغيره الا أن يصرف الصبى او السفيه ما أودع لديه فيما لا بد له منه وله مال قد صانه بالصرف من الوديعة فيرجع عليهما حينئذ بالأقل مما أتلفاه وما صاناه من مالهما - اما المجنون اذا اتلف مالا فلا يتصور أن يكون قد جعل أمينا على المال المتلف بالايداع مثلا كالمميز والسفيه وفيما أتلفه ثلاثة أقوال: الأول: أن المال المتلف مضمون فى ماله. ودية جنايته فى نفس أو عضو على العاقلة. وهذا هو القول الراجح لأن الضمان من باب خطاب الوضع الذى لا يشترط فيه التكليف بل ولا التمييز. والثانى ان المال هدر والدية على العاقلة. والثالث: ان كليهما هدر .. وصحت وصية المميز كالسفيه اذا لم يخلط فيها بأن لا يتناقض فيها حيث تكون فى هذه الحالة صحيحة سواء كانت لفقير او لغنى وسواء كان الموصى صالحا او فاسقا. أما لو تناقض فيها بأن قال: اوصيت لزيد بدينار ثم قال أوصيت لزيد بدينارين كانت باطلة. أو بأن يوصى بقربة. فلو أوصى بغيرها كأيصائه لأهل المعاصى كانت باطلة.
والمحجور عليه المميز او السفيه اذا تصرف فى ماله بمعاوضة مالية بغير اذن وليه وكانت تلك المعاوضة على وجه السواء ولأجل انفاقه على نفسه فيما لا بد له منه واستوت المصلحة فى اجازة التصرف ورده فانه يثبت لوليه اذا اطلع على التصرف الخيار بين اجازته ورده.
وهذا هو المشهور ولا فرق بين كون المبيع عقارا او غيره ولو لم يكن عنده غيره - وهذا اذا استوت المصلحة فى الاجازة والرد فأن تعينت فى أحدها تعين - اما ان كان التصرف بغير معاوضة كهبة وعتق فيتعين على الولى رده - وللمحجور عليه ان يرد تصرف نفسه اذا لم يعلم وليه بالتصرف او لم يكن له ولى اذا رشد - سواء كان التصرف مما يجوز للولى رده كالبيع والشراء - أى المعاوضة أو كان مما يجب رده
كالعتق والهبة بدون معاوضة .. واذا تصرف المحجور ببيع او هبة او عتق ولم يطلع على ذلك الا بعد موته فهل لوارثه ان يرده من بعده كما كان له هو أن يرده فى حياته او ليس للوارث حق الرد؟ قولان مرجحان ..
وليس للولى ان يرد تصرف المحجور فيما هو ضرورى لحياته وعيشه وعيش ولده ورقيقه ومن تلزمه نفقته بالمعروف. ويصح من السفيه البالغ تطليق امرأته واستلحاق نسب الولد لاعن فيه أو لا ونفى نسبه بلعان وقصاص لجناية منه على غيره فى نفس او جرح والعفو عن القصاص عن جان عليه او على وليه عمدا أما الخطأ فليس له العفو فيه لأنه مال. وأقرار بعقوبة كقوله: قطعت يد زيد أو قذفته - وليس للولى ان يرد شيئا من هذه التصرفات ولا للمحجور عليه أن يردها.
والعلة فى بطلان تصرف السفيه هو الحجر عند الامام مالك لتصرفه قبل الحجر محمول على الاجازة لانعدام علة البطلان ..
وهى السفه عند امام ابن القاسم فتصرفه قبله محمول على البطلان عنده لوجود العلة وهى السفه وينبنى على القولين العكس فى الحكم اذا رشد ولكن لم يرفع عنه الحجر فعند الامام مالك تصرفه باطل لوجود علة وهو الحجر.
وعند ابن القاسم صحيح لزوال علة البطلان وهى السفه وان بقى الحجر.
والولى على المحجور عليه من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد البلوغ فان طرأ عليه السفه بعد البلوغ. كان الحجر عليه للحاكم لا للأب - الأب الرشيد لا الجد والعم والأخ بايصاء من الأب وله البيع فى مال المحجور عليه مطلقا ولو عقارا بدون ذكر السبب بل بدون سبب لحمل تصرفاته على السداد عند كثير من أهل العلم ثم يلى الأب وصية وان بعد. وهل هو كالأب له البيع مطلقا دون ذكر السبب وان كان لا بد من سبب فى الواقع الا فى العقار فأنه يلزم بيان السبب فى بيعه خلاف. والقولان مشهوران.
مذهب الشافعية:
اقرار المحجور عليه
جاء فى نهاية المحتاج
(1)
: ان الحجر لغة المنع وشرعا المنع من التصرفات المالية ..
والأصل فيه قوله تعالى: «وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح .. وقوله: ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا. وقوله:
فان كان الذى عليه الحق سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان يمل هو فليملل وليه بالعدل» نبه على الحجر بالابتلاء .. وكنى عن البلوغ ببلوغ النكاح. والضعيف الصبى. والذى لا يستطيع ان يمل المغلوب على عقله.
والسفيه المبذر. واضافة مال المولى عليه للولى لتصرفه فيه. وقد صح. خذوا على ايدى سفهائكم .. والحجر نوعان نوع شرع لمصلحة الغير ومنه حجر المفلس فى ماله لحق الغرماء وحجر الراهن للمرتهن فى العين المرهونة وحجر المريض للورثة فيما زاد على الثلث حيث لا دين وفى الجميع ان كان عليه دين مستغرق. والعبد لسيده والمرتد للمسلمين وغير ذلك مسائل كثيرة. ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه كحجر المجنون والصبى والمبذر.
فبالجنون تنسلب الولايات الثابتة للشخص
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 342 من باب الحجر.
بالشرع كولاية النكاح أو بالتفويض من الغير كالايصاء والقضاء لأنه اذا لم يل أمر نفسه وهو على هذه الحال فأولى ان لا يلى امر غيره.
ويسلب ايضا اعتبار أقواله له وعليه فى الدين والدنيا كالاسلام والمعاملات لانتفاء قصده وسكوته عن الافعال لأن من أفعاله ما يعتبر منه كأحباله واتلافه مال الغير وتقرير المهر بوطئه وترتب الحكم على ارضاعه. ومنها ما لا يعتبر منه كالصدقة والهدية .. والصبى كالمجنون فى الأقوال والأفعال الا أن الصبى المميز - يعتبر قوله فى اذن الدخول وايصال الهدية.
ويعتبر احرامه باذن وليه وتصح عبادته وله ازالة المنكر ويثاب عليه كالبالغ.
ويرتفع حجر المجنون بالافاقة منه من غير فك ولا اقتران بشئ اخر كايناس رشد ..
وقضيته عود الولايات واعتبار الاقوال .. نعم الولاية الجعلية كالقضاء لا تعود الا بولاية جديدة .. فلعل المراد عود الاهلية .. وحجر الصبا يرتفع من حيث الصبا ببلوغه. ويرتفع مطلقا ببلوغه رشيدا. لقوله تعالى: «وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم» والابتلاء الاختبار والامتحان والرشد ضد الغى وفى خبر أبى داود - لا يتم بعد احتلام. والمراد من ايناس الرشد العلم به. واصل الايناس الابصار - واذا انقطع حجر الصبا ببلوغه مبذرا يخلفه حجر السفه. وان بلغ رشيدا ينقطع الحجر مطلقا.
والبلوغ يحصل باستكمال خمسة عشرة سنة قمرية تحديدية حتى لو نقصت يوما لم يحكم ببلوغه او بخروج المنى لوقت امكانه من ذكر أو أنثى لقوله تعالى «واذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا» وخبر رفع القلم عن ثلاث عن الصبى حتى يحتلم. ووقت امكانه استكمال تسع سنين قمرية تحديدية بالاستقراء وتزيد الأنثى حيضا لوقت امكانه بالاجماع وحبلا. والبلوغ فى الحقيقة بالانزال والولادة المسبوقة بالحبل دليل عليه ومن ثم يحكم بالبلوغ قبلها بستة اشهر ولحظة .. والرشد صلاح الدين والمال فلا يفعل محرما يبطل العدالة من كبيرة او اصرار على صغيرة ولا يبذر بأن يضيع المال باحتمال غبن فاحش قبل المعاملة بخلاف اليسير كبيع ما يساوى عشرة بتسعة او يرمى المال فى بحر او نار او ينفقه فى محرم ولو صغيرة لما فيه من قلة الدين. والتبذير الجهل بمواقع الحقوق. والسرف الجهل بمقادير الحقوق .. والاصح ان صرف المال فى الصدقة وباقى وجوه الخير والمطاعم والملابس التى لا تليق بحاله ليس تبذيرا لأنه فى الاولى يقصد الثواب ولا سرف فى الخير كما لا خير فى السرف وفى الثانية المال يتخذ للانتفاع والتلذذ. وقيل يكون تبذيرا عادة - ويختبر رشد الصبى فى الدين بمشاهدة حاله فى العبادات وتجنب المحظورات وتوقى الشبهات وفى المال بحسب الاحوال. فيختبر ولد التاجر بالبيع والشراء والمماكسة فيهما وولد الزارع بالزراعة والنفقة على القائمين بها .. والمحترف بما يتعلق بحرفته أى بحرفة أبيه فيختبر ولد الخياط مثلا بتقدير الاجرة وتختبر المرأة بما يتعلق بالغزل والقطن من حفظ وغيره ..
ويشترط تكرار الاختبار مرتين او اكثر حتى يغلب على الظن رشده .. ووقته قبل البلوغ بحيث يظهر رشده ليسلم اليه ماله. وقيل بعده ليصح تصرفه فلو بلغ غير رشيد دام
الحجر أى جنسه
(1)
والا فقد انقطع حجر الصبى ببلوغه وخلفه حجر السفه. وان بلغ رشيدا انفك الحجر عنه بنفس البلوغ واعطى ماله ولو امرأة فيصح تصرفها حينئذ بدون حاجة الى اذن الزوج. وقيل يشترط فك القاضى لأن الرشد يحتاج الى نظر واجتهاد ..
ورد بأنه حجر ثبت من غير حاكم فلم يتوقف زواله على ازالة الحاكم كحجر الجنون فلو بذر بعد بلوغه رشيدا حجر الحاكم عليه دون غيره من أب أو جد لوقوعه فى محل الاجتهاد لقوله تعالى «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم» وخبر. خذوا على ايدى سفهائكم. نعم نقل الرويانى عن الشافعى - استحباب رد الحاكم امره بعد الحجر عليه الى ابيه أو جده فان لم يكن فلعصباته لشفقتهم.
ويستحب الاشهاد على حجر السفيه ولو رأى النداء عليه ليجتنب فى المعاملة. وعلى هذا لو عاد رشيدا لم ينفك الحجر الا برفع من الحاكم كما لا يثبت الا بحكم منه. وقيل يعود الحجر بلا اعادة كالجنون وتصرفه قبل الحجر عليه صحيح - ولو فسق مع صلاح تصرفه فى المال بعد بلوغه رشيدا لم يحجر عليه فى الأصح لان الاولين لم يحجروا على الفسقة. والثانى يحجر عليه كالاستدامة وكما لو بذر ومن حجر عليه لسفه طرأ بعد البلوغ رشيدا فوليه القاضى لأنه الذى يعيد الحجر على هذا الرأى اذ ولاية الأب ونحوه زالت فصار النظر لمن له الولاية التامة .. وقيل وليه فى الصغر كما لو بلغ سفيها. واذا قلنا بعود الحجر بنفس السفه فوجهان أصحهما انه القاضى أيضا. وحاصل ذلك أن فيه طريقين أصحهما القطع بأنه للقاضى .. ولو طرأ جنون فوليه وليه فى الصغر وهو الأب ثم الجد وقيل وليه القاضى - والفرق بين الصحيحين أن السفه مجتهد فيه فاحتاج الى نظر الحاكم بخلاف الجنون.
ولا يصح من المحجور عليه لسفه حسا أو شرعا بيع ولو بغبطة أو فى الذمة ولا شراء .. وان أذن له الولى وقدر العوض لان تصحيح ذلك منه يؤدى الى بطلان معنى الحجر ولأنهما اتلاف أو مظنة الاتلاف ولا اعتاق ولو بعوض كالكتابة لانه اتلاف ويبطل معنى الحجر فلو كان بعد الموت كتدبير ووصية صح لانه لا يضره فى الحياة. ولا هبة منه للغير لما فيها من اتلاف المال بخلاف الهبة له فأنها تصح مع كون المخاطب بها سفيها لانه تحصيل مال وليس بتفويت ويصح قبوله الهبة دون الوصية لأنه ليس أهلا لأن يتملك بعقد وقبوله الوصية تملك.
وليس قبول الوصية على الفور فأنيط بالولى لعدم حصول ضرر بالتأخير أما قبول الهبة فالمصلحة تقضى بجعله له لاشتراط اتصال قبولها بأيجابها فكان فوريا وقد يوجد أيجابها مع غيبة الولى فلا مصلحة فى أناطة القبول فيها بالولى. ولان ايجابها ليس تملكا فجعل للمحجور الحق فيه - واذا كان الراجح جواز قبول الهبة فلا يجوز تسليم الموهوب اليه:
وأن سلمه فلا ضمان. ولا يصح منه قبول النكاح لنفسه بغير اذن وليه لانه اتلاف للمال او مظنة اتلافه. أما قبوله النكاح لغيره بالوكالة فصحيح كما قاله الرافعى فى الوكالة.
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 353 وما بعدها باب الحجر.
وأما ايجابه فى النكاح فلا يصح منه مطلقا لا أصالة ولا وكالة ولو بأذن الولى.
ولو اشترى المحجور عليه لسفه أو اقترض من غير محجور عليه وقبض باذن من باعه أو أقرضه أو باقباضه وتلف المأخوذ فى يده قبل المطالبة له برده أو اتلفه المحجور فلا ضمان عليه فى الحال ولا بعد فك الحجر عنه لانه مسلط من قبل المالك بالاذن او الاقباض واستمر على ذلك بعدم المطالبة بالرد. ولكنه يأثم بالاتلاف لانه مكلف بخلاف الصبى ..
وقضية الكلام عدم الضمان ظاهرا وباطنا وبه صرح الامام الغزالى وصححه صاحب الافصاح وحكاه فى البحر عن ابن ابى هريرة وهو المعتمد. وما نقل عن نص الأم فى باب الاقرار من أنه يضمن بعد انفكاك الحجر حكاه الامام الغزالى وجها وضعفاه بأنه لو وجب باطنا لم تمتنع المطالبة به ظاهرا .. أما لو بقى بعد رشده ثم أتلفه ضمنه وكذا لو تلف وقد أمكنه رده بعد رشده .. فلو قال مالكه: أنما اتلفه بعد رشده. وقال آخذه بل قبله. فان أقام بينة برشده حال أتلافه غرمه. والا فالمتبادر تصديق أخذه بيمينه. وفيه نظر قاله الاذرعى. قال: وكل ذلك تفقه فتأمله.
وكله صحيح جار على القواعد أما لو اشترى أو اقترض من محجور عليه أو من غير محجور عليه وقبض بغير اذنه أو أقباضه أو تلف المأخوذ فى يده بعد المطالبة برده - فانه يضمنه فى كل ذلك كما نقل القطع به فى الصورتين الأوليين فى الروضة عن الأصحاب.
وجزم به ابن المقرى فى الثالثة وفاقا لتصريح الصيدلانى. واقتصار المصنف على الشراء والاقتراض تمثيل. فلو نكح المحجور رشيدة مختارة ووطئها لم يلزمه شئ من المال أما لو كانت سفيهة أو مكرهة يلزمه مهر المثل. وسواء فى ذلك علم من عامله حاله أو جهلها لأن من عامله سلطه على اتلافه بأقباضه وكان من حقه أن يبحث عنه قبل معاملته.
ويصح نكاحه باذن الولى - ولا يصح تصرفه المالى ولو باذن الولى فى الأصح لأن عبارته مسلوبة كما لو أذن لصبى. والثانى يصح كالنكاح. وفرق الأول بأن المقصود بالحجر عليه حفظ المال دون النكاح .. ومحل الخلاف اذا عين له وليه وقدر له الثمن والا لم يصح جزما وفيما اذا كان بعوض كالبيع. فلو خلا عنه كعتق وهبة لم يصح جزما أيضا ويستثنى من الاطلاق ما يعتبر ضروريا كالطعام فيجوز له التصرف فيه كما بحثه الامام. ومالو صالح عن قصاص ولو على أقل من الدية لأن له العفو مجانا فببدل اولى وقبضه دينه بأذن وليه.
ولا يصح اقراره بنكاح كما لا يملك انشاءه ولا بدين فى معاملة أسند وجوبه الى ما قبل الحجر أو الى ما بعده كالصبى.
ولا يقبل اقراره بعين فى يده فى حال الحجر.
وكذا باتلاف المال أو بجناية توجب المال فى الأظهر كدين المعاملة. والثانى يقبل لأنه اذا باشر الاتلاف يضمن فاذا أقر به قبل. ورد بأن الصبى يضمن ما اتلفه ولا يقبل اقراره به جزما وأفهم التعبير بنفى الصحة (ولا يصح) عدم المطالبة به حال الحجر وبعد فكه ظاهرا وباطنا. وهو كذلك. ويحمل القول بلزوم ذلك له باطنا اذا كان صادقا على ما اذا كان سببه متقدما على الحجر أو مضمنا له فيه.
نعم لو أقر بعد رشده بأنه كان اتلف مالا لزمه
الآن قطعا كما نقله فى زيادة الروضة فى باب الاقرار.
ويصح اقراره بالحد والقصاص لعدم تعلقهما بالمال ولبعد التهمة. وسائر العقوبات مثلهما فى ذلك. ولو كان الحد سرقة قطع ولا يلزمه المال. ولو عفا مستحق القصاص بعد اقراره ..
ويصح طلاقة مجانا ورجعته وخلعه زوجته ولو بأقل من مهر مثلها. ويصح ظهاره وايلاؤه ونفيه النسب لما ولدته زوجته بلعان أو غيره ونحوها كاستيفاء القصاص وحد القذف. لكن يسلم المال فى الخلع الى وليه أو اليه باذن وليه لصحة قبض دينه باذن الولى لأن هذه التصرفات فيما عدا الخلع لا تعلق لها بالمال الذى حجر عليه لاجله أما الخلع فهو كالطلاق بل أولى وهو خاص بالرجل للمعنى المذكور لكن يسلم المال الى الولى او للمحجور باذن الولى كما ذكر
…
ويصح استلحاقه النسب ويتفق عليه من بيت المال - ولو أقر باستيلاد أمته لم يقبل. نعم لو ثبت كون الموطوءة فراشا له وولدت لمدة الامكان ثبت الاستيلاد قاله السبكى لكنه فى الحقيقة لم يثبت باقراره. وحكمه فى العبادة البدنية واجبة أو مندوبة كالرشيد لاجتماع الشرائط فيه. أما منذورة المال كصدقة التطوع فليس كالرشيد فيه. ومثله ما فيه ولاية وتصرف مالى كالزكاة فانه لا يفرقها بنفسه لما تقرر من أن المقصود من الحجر عليه حفظ ماله. نعم أن اذن له وليه وعين له المدفوع اليه صح صرفه كنظيره فى الصبى المميز والكفارات ونحوها كالزكاة فى ذلك.
وجاء فى الاشباه والنظائر
(1)
- قال المحاملى: والحجر أربعة أقسام الأول: يثبت بلا حاكم وينفك بدونه وهو حجر المجنون والمغمى عليه. الثانى - لا يثبت الا بحاكم ولا يرتفع الا به وهو حجر السفيه - الثالث لا يثبت الا بحاكم فى انفكاكه بدونه وجهان وهو حجر المفلس والرابع ما ثبت بدون حاكم. وفى انفكاكه وجهان وهو حجر الصبى اذا بلغ رشيدا.
وفى صفحة 523 منه - المفلس يجوز شراؤه فى الذمة ونكاحه بلا اذن الولى وقبضه عوض الخلع. والسفيه لا يصح منه شئ من ذلك. فى نهاية المحتاج انه يجوز بأذن الولى لصحة قبضه دينه باذن الولى.
المفلس: جاء فى نهاية المحتاج
(2)
أن الحجر على المفلس لسفه هو النداء عليه وشهره الافلاس. وشرعا جعل الحاكم المديون مفلسا يمنعه من التصرف فى ماله والأصل فى هذا الحجر ما صح أن النبى صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ بن جبل وباع ماله فى دين كان عليه وقسمه بين غرمائه فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم. فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم:
ليس لكم الا ذلك. ثم بعثه الى اليمن وقال له: لعل الله يجبرك ويؤدى عنك دينك فلم يزل باليمن حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن عليه ديون لآدمى لازمة حالة زائدة على ماله يحجر عليه وجوبا كما هى القاعدة الاكثرية. ما جاز بعد منعه كان واجبا وشمل ما اذا كان الحجر بسؤال الغرماء أو بسؤال المفلس - فلا حجر بدين الله تعالى كالزكاة والكفارات والنذر. ولو كانت فورية.
(1)
الاشباه والنظائر لجلال الدين السيوطى ص 460.
(2)
نهاية المحتاج ج 4 ص 300 وما بعدها.
ولا حجر بالديون المؤجلة لأنه لا مطالبة بها فى الحال.
والذى يحجر على المفلس هو الحاكم لاحتياجه الى النظر والاجتهاد - وفى الحجر مصلحة للغرماء. فقد يخص بعضهم بالوفاء فيضر الباقين. وقد بتصرف فى المال فيضيع حق الجميع ويكفى فى صيغة الحجر من الحاكم منع التصرف أو قوله حجرت بالفلس - واذا حجر بدين حال لم يحل المؤجل فى الأظهر لأن الأصل مقصود فلا يفوت عليه والثانى يحل لأن الحجر يوجب تعلق الدين بالمال فسقط الأجل كالموت. ورد بأن الموت يوجب خراب الذمة - ولو كانت الديون بقدر المال فان كان كسوبا ينفق من كسبه فلا حجر لعدم الحاجة بل يلزمه الحاكم بقضاء الديون. فان امتنع باع عليه أو أكرهه عليه - فان التمس الغرماء الحجر عند الامتناع حجر فى أظهر الوجهين.
وان زاد ماله على دينه انتهى .. وان لم يكن كسوبا وكانت نفقته من ماله فكذلك لا حجر عليه فى الأصح لتمكنهم من المطالبة فى الحال والثانى يحجر عليه لئلا يضيع ماله فى النفقة.
ولا يحجر عليه بغير طلب من الغرماء أو من يخلفهم - فان كان الدين المحجور عليه ولم يسأل وليه وجب على الحاكم الحجر من غير سؤال لانه ناظر لمصلحته. ومثله ما لو كانت لمسجد أو لجهة عامة كالفقراء والمسلمين فيمن مات وورثه المسلمون وله مال على مفلس والدين مما يحجر به - ولو طلب بعض الغرماء الحجر ودينه قد يحجر به بأن زاد على المال حجر به لتوفر شروط الحجر. ولا يقتصر أثر الحجر على الطالبين بل يعمهم وان لم يكن الدين مما يحجر به بأن لم يزد على المال فلا حجر ويحجر بطلب المفلس ولو بوكيله فى الأصح. ومقابله لا يحجر بطلبه لأن الحق لهم فاذا حجر عليه تعلق حق الغرماء بالمال حتى لا ينفذ تصرفه بما يضرهم ولا تزاحمهم فيه الديون الحادثة ..
وأشهد الحاكم استحبابا على الحجر ليحذر الناس معاملته فيأمر من ينادى فى البلد أن الحاكم حجر على فلان .. ولو تصرف المحجور تصرفا ماليا مبتدأ كأن باع أو وهب أو اشترى بالعين أو اعتق أو وقف أو أجر. ففى قول يوقف تصرفه. فان فضل ذلك عن الدين لارتفاع القيمة او ابراء الغرماء أو بعضهم نفذ أى ظهر أنه كان نافذا وان لم يفضل عن الدين لغا. والأظهر بطلانه فى الحال لتعلق حقهم به.
ولانه محجور عليه بالحكم فلا يصح تصرفه ..
فلو باع ماله كله أو بعضه لغريمه بدينه أو لغرمائه بديونهم أو بعضها أو بعين بغير اذن الحاكم بطل البيع فى الأصح لأن الحجر يثبت على العموم ومن الجائز أن يكون له غريم آخر .. والثانى يصح البيع لأن الأصل عدم غيرهم اما باذن القاضى فيصح - فلو تصرف فى الذمة بان باع سلما أو اشترى بثمن فى الذمة أو أقترض أو أستأجر فالصحيح أنه يصح ويثبت المبيع والثمن فى ذمته اذ لا ضرر على الغرماء فيه. والثانى لا يصح كالسفيه.
ويصح نكاحه ورجعته وطلاقه وخلعه زوجته وأستيفاؤه القصاص واذا طلبه أجيب اليه.
واسقاطه القصاص ولو مجانا اذ لا يتعلق بهذه الاشياء مال. ولا يصح استلحاقه النسب ونفيه باللعان .. ولو أقر بعين مطلقا أو بدين وجب قبل الحجر بنحو معاملة أو اتلاف. فالأظهر قبوله فى حق الغرماء كما لو ثبت بالبينة وكاقرار المريض بدين يزحم غرماء الصحة
ولانتفاء التهمة الظاهرة. وعلى هذا لو طلب الغرماء تحليفه على ذلك لم يحلف على الاصح اذ لا يقبل رجوعه عنه - والفرق بين الانشاء والاقرار أن مقصود الحجر منع التصرف فألغى انشاؤه. والاقرار اخبار. والحجر لا يسلب العبارة عنه. ويثبت عليه الدين بنكوله عن الحلف مع حلف المدعى كأقراره .. والثانى لا يقبل اقراره فى حقهم لئلا يضرهم بالمزاحمة .. ولانه ربما واطأ المقر له .. وان أسند وجوب الدين فى اقراره بالدين الى ما بعد الحجر اسنادا معللا بمعاملة أو اسنادا مطلقا بان لم يقيده بمعاملة ولا غيرها - لم يقبل اقراره بهذا الدين فى حقهم فلا يزاحمهم صاحب الدين فى أقتضائه من مال المحجور عليه المقر بل يطالب به بعد فك الحجر لتقصير من عامله فى الحالة الأولى. ولتنزيل الاقرار على أقل المراتب وهو دين المعاملة فى الحالة الثانية ..
فلو أقر بالدين ولم يسند وجوبه الى ما قبل الحجر ولا لما بعده. قال الرافعى: فقياس المذهب تنزيله على الأقل وهو جعله كأسناده الى ما بعد الحجر .. فان كان ما أطلقه دين معاملة لم يقبل لاحتمال تأخر لزومه أو دين جناية وقيل لان أقل مراتبه أن يكون كما لو صرح به بعد الحجر. فان لم يعلم أهو دين جناية أم معاملة لم يقبل لاحتمال تأخره وكونه دين معاملة.
وان قال أن الدين عن جناية ولو بعد الحجر قبل فى الأصح فيزاحم المجنى عليه الغرماء لانتفاء تقصيره. والثانى لا يزاحمهم كما لو قال عن معاملة
…
وحاصله: ان ما لزمه بعد الحجر ان كان برضا مستحقه لم يقبل فى حقهم والاقبل وزاحم الغرماء.
والمحجور عليه أن يرد بالعيب والاقالة ما كان اشتراه قبل الحجر ان كانت الغبطة فى الرد لانه ليس تصرفا مبتدأ بل هو من أحكام البيع السابق. والحجر لا يسرى على ما مضى ولانه أحظ له والغرماء .. والأصح تعدى الحجر بنفسه دون توقف على حكم القاضى بالتعدى - الى ما حدث بعده من المال بالاصطياد والهبة والوصية .. وهو الراجح لأن مقصود الحجر وصول الحقوق الى أهلها وذلك لا يختص بالموجود والثانى لا يتعدى الى ما ذكر.
ولو حدث دين تقدم سببه على الحجر كانهدام ما اجره المفلس وقبض اجرته وأتلفها ضارب الدائن بهذا الدين مع الغرماء سواء وجدت قبل القسمة او لا.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(1)
: ان الحجر لغة المنع والتضييق. وشرعا منع الانسان من التصرف فى ماله .. والاصل فى مشروعيته قوله تعالى: «ولا تؤتوا السفهاء اموالكم» أى أموالهم وأضيفت الى الاولياء لقيامهم عليها وتدبيرها .. وقوله تعالى:
«وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم» . واذا ثبت الحجر على السفيه واليتيم .. الصبى الذى مات ابوه - ثبت على المجنون من باب اولى والحجر على ضربين: حجر لحق الغير كالحجر على المفلس لحق الغرماء وعلى المريض مرض الموت ويأتى معناه بالنسبة لما زاد على ثلث ماله لحق الورثة. وعلى المرتد لحق المسلمين. وغير ذلك والمفلس من لا مال له
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 205 وما بعدها.
من النقد ولا ما يدفع حاجته من العروض فهو المعدم. وهذا فى اللغة. وشرعا من لزمه من الدين أكثر من ماله الموجود. وسمى كذلك لان ماله مستحق الصرف فى جهة الدين فكانه معدوم أو بأعتبار ما يؤول اليه أمره من العدم.
والضرب الثانى حجر لحق نفسه اى المحجور عليه كالحجر على الصغير والسفيه والمجنون اذ فائدة الحجر لا يتعداهم .. وحجر المفلس هو منع الحاكم من عليه دين حال يعجز ماله الموجود وقت الحجر مدة الحجر من التصرف فيه ومن لزمه دين مؤجل لا يطالب به ولا يحجر عليه فيه ويجب على المدين القادر على الوفاء بالدين الحال أن يؤديه فورا بطلب رب الدين لقوله عليه الصلاة والسلام: (مطل الغنى ظلم) وبالطلب يتحقق المطل: فان أبى أن يفى بالدين مع قدرته على ذلك حبسه الحاكم لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (لى الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) رواه أحمد وابو داود وغيرهما. قال احمد قال وكيع: عرضه شكواه. وعقوبته حبسه. ويحبس لو كان أجيرا أو امرأة متزوجة .. وليس للحاكم اخراجه حتى يتبين أمره أنه معسر، أو يبرأ من غريمه بوفاء أو ابراء أو يرضى غريمه باخراجه لانه يكون قد أسقط حقه. حبس المدين فى الدين من الامور المستحدثة وأول من فعله شريح قاضى الكوفة. وكان الخصمان قبل ذلك يتلازمان. فأن أصر المدين على الحبس ولم يوف الدين باع الحاكم ماله وقضى دينه لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم حجر على معاذ بن جبل فى دين عليه وباع ماله فى الدين. وقال جماعة اذا أصر المدين الملئ على الحبس ضربه الحاكم وعزره. قال الشيخ: نص عليه الائمة من أصحاب احمد وغيرهم ولا أعلم فيه نزاعا لكن لا يزاد فى كل يوم على اكثر التعذير أن قيل بتقديره وان ادعى المدين الاعسار وعدم القدرة على الاداء. وطلب الدائن تفتيشه وجب على الحاكم أجابته الى ذلك.
وان صدقه الدائن فى الاعسار ترك الى الميسرة ولم تجز ملازمته ولا حبسه ولا الحجر عليه - ولو كان للمدين مال لا يفى بالدين وطلب الغرماء أو بعضهم الحجر عليه أجابهم الحاكم الى طلبهم وان لم يطلبوا لم يحجر عليه وأن طلب المعسر نفسه الحجر لانه لحق الغرماء لا لحقه هو
…
ويستحب للحاكم اظهار الحجر على المفلس والاشهاد عليه لينتشر ويعلم امره فيجتنب الناس معاملته. وربما مات الحاكم أو عزل فيثبت الحجر عند الحاكم الآخر لا يحتاج الى ابتداء حجر ثان بخلاف ما اذا لم يشهد
…
وكل فعله المفلس بماله قبل الحجر عليه من بيع وهبة واقرار وقضاء بعض الغرماء وغير ذلك فهو نافذ لانه صادر من مالك جائز التصرف ولو استغرق جميع ماله مع ان المقرر أنه يحرم على المدين التصرف فى ماله أن أضر تصرفه بغريمه.
ولو قامت بينة للمفلس بمال معين فأنكر المفلس المال ولم يقر به لاحد أو قال: هو لزيد فكذبه زيد. قضى منه دينه ولا يثبت الملك للمدين لانه لا يدعيه. قال فى الفروع: وظاهر هذا ان البينة هنا لا يعتبر لها تقدم دعوى.
قال ابن نصر الله. أى من المالك. بل قد تحتاج الى دعوى الغريم وان كان له بينة قدمت لاقرار رب الدين. وفى المنتخب بينة المدعى لانها خارجة. وأن صدقه زيد فى قوله
أن المال لزيد لم يقض منه دينه. ويكون المال لزيد عملا باقرار المفلس مع يمين زيد لاحتمال المواطأة معه .. ويحرم على المعسر أن ينكر أن لا حق عليه للمدعى ويتأول لانه يكون ظالما للمدعى فذلك فلا ينفعه التأويل.
ويتعلق بالحجر على المفلس اربعة أحكام:
أحدها: تعلق حق الغرماء بماله لانه لو لم يكن كذلك لم يكن فى الحجر عليه فائدة.
ولأن هذا المال يباع فى ديونهم فكانت حقوقهم متعلقة به كالرهن. فلا يقبل اقرار المفلس على ماله لتعلق الحق بأعيانه كالعين المرهونة حتى لو اقر بعتق عبده لم يقبل منه. ولا يصح تصرفه فى المال ببيع ولا بغيره حتى ما يتجدد له من مال بعد الحجر يكون حكمه كالموجود حال الحجر من أرش جناية عليه أو على قنه وارث ووصية وصدقة وهبة ونحو ذلك. ولو كان تصرفه بعتق او صدقة بشئ كثير او يسير.
لا ينفذ لانه ممنوع من التبرع لحق الغرماء فلم ينفذ تصرفه
…
وله رد ما اشتراه قبل الحجر بعيب وخيار شرط وعيب أو تدليس ونحوه غير متقيد بالأحظ لان ذلك اتمام لتصرف سابق على الحجر فلم يمنع منه كاسترداد وديعة أودعها قبل الحجر .. وان كان المفلس صانعا كالقصاب والحائك وكان فى يده متاع فأقر به لاربابه لم يقبل اقراره لانه متهم وتباع العين التى فى يده وتقسم بين الغرماء كسائر ماله وتكون قيمتها واجبة على المفلس بعد فك الحجر عنه مؤاخذة له بأقراره. فان توجهت على المفلس يمين بأن ادعى عليه بشئ فأنكر وطلب الخصم يمينه فنكل وقضى عليه بالنكول فان ذلك يكون كالاقرار منه يلزم فى حقه ويتبع به بعد فك الحجر عنه دون الغرماء فلا يشاركهم المقر له للتهمة .. وان تصرف المفلس فى ذمته بشراء أو ضمان أو اقرار وصح تصرفه ويتبع بما لزمه من هذا التصرف من ثمن مبيع او ضمان أو اقرار بعد فك الحجر عنه لان الحجر متعلق بماله لحق الغرماء لا بذمته بخلاف السفيه ونحوه .. ولا يشارك غرماء الدين الذى تعلق بذمته نتيجة للتصرف فى الذمة من ثمن مبيع أو ضمان أو اقرار لا يشارك هؤلاء - غرماء قبل الحجر عليه سواء نسب ما أقر به الى ما قبل الحجر أو بعده بأن قال: أخذت منه كذا قبل الحجر أو بعده او أطلق. وسواء علم من عامله بعد الحجر انه محجور عليه ام لا لان من علم فلسه ثم عامله فقد رضى بالتأخير. ومن لم يعلم فقد فرط .. وان ثبت على المفلس حق لزمه قبل الحجر ببينة شارك صاحبه الغرماء كما لو شهدت به البينة قبل الحجر .. وان جنى المفلس جناية موجبة للمال شارك المجنى عليه الغرماء بأرش الجناية لانه حق يثبت على الجانى بغير اختيار من له الحق ولم يرض بتأخيره كما قبل الحجر. وان كانت الجناية موجبة للقصاص فعفا صاحبها الى مال او صالحه المفلس على مال شارك المجنى عليه الغرماء لما ذكر.
ثانيها:
ان من وجد عند المفلس عينا كان قد باعها اياه بعد الحجر عليه غير عالم به اذ هو مما يخفى. أو عين قرض كان قد أقرضه أياه أو رأس مال سلم كان قد أعطاه أياه أو غير ذلك فأن هذا الذى وجد عينه عند المفلس يكون أحق بها ان شاء الرجوع فيها ولا يكون أسوة الغرماء ببدل العين الذى تصرف به بغير رضاه لحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه
وسلم قال (من أدرك متاعه بعينه عند انسان أفلس فهو أحق به) متفق عليه - وحينئذ فالبائع أو المقرض بالخيار بين الرجوع فيها وبين أن يكون أسوة الغرماء ولو بعد خروج العين من ملك المفلس وعودها اليه ثانية بفسخ أو شراء أو أرث أو هبة أو وصية أو نحو ذلك ويشترط لملك الرجوع واخذ العين الموجودة عند المفلس شروط بينها صاحب كشاف القناع.
ثالثها:
بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه بين الغرماء بالمحاصة لانه عليه الصلاة والسلام لما حجر على معاذ باع ماله فى دينه وقسم ثمنه بين غرمائه. ولفعل عمر رضى الله عنه فى ذلك ويكون ذلك على الفور لان تأخيره مطل وفيه ظلم لهم.
ويجب ذلك على الحاكم ان كان مال المفلس من غير جنس الديون فان كان من جنسها اخذوه ولا حاجة الى البيع. ولا يحتاج الحاكم الى استئذان المفلس فى البيع لانه محجور عليه يحتاج الى قضاء دينه فجاز بيع ماله بغير اذنه كالسفيه لكن يستحب ان يحضره أو يحضر وكيله ليخص ثمن متاعه ويضبطه ولانه أعرف بالجيد والردئ من متاعه فسيتكلم عنه.
ولتطيب نفسه ويسكن قلبه - وكذلك يستحب له أن يحضر الغرماء لانه لهم وربما رغبوا فى شئ فزادوا فى ثمنه ولتطيب نفوسهم ويبعد عن التهمة. وربما يجد احدهم عين ماله فيأخذها. وان باع من غير حضورهم جميعا جاز ويأمرهم الحاكم جميعا بأن يقيموا مناديا ينادى على المتاع وان اتفقوا على ثقة أمضاه.
ويجب على الحاكم ان يترك للمفلس من المتاع ما تدعوا اليه حاجته من مسكن وخادم أن لم يكونا عين مال الغرماء. وكذلك ثيابه التى تليق بمثله وآلة حرفته أن كان صاحب حرفة.
والا ترك له ما يتجر به لمؤنته .. وينفق عليه وعلى من تلزمه من نفقته من ماله بالمعروف - وقد فصل صاحب الكشاف هذا الحكم تفصيلا وأسهب فى بيان ما يشتمل عليه ويتعلق به من احكام وفروع.
رابعها:
انقطاع المطالبة عنه بذلك لقول الله تعالى:
«وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة» وقول النبى صلى الله عليه وسلم لغرماء معاذ بعد أن باع ماله وقسم الثمن بين الغرماء (ليس لكم الا ذلك) فمن اقرضه شيئا او باعه شيئا لم يملك مطالبته ببدله حتى ينفك عنه الحجر لانه هو الذى اتلف ماله بمعاملة من لا يملك شيئا. لكن ان وجد المقرض او البائع اعيان مالهما فلهما اخذها كما تقدم.
الضرب الثانى من ضربى الحجر - الحجر لمصلحة المحجور عليه نفعه. وهو الصبى اى من لم يبلغ من ذكر او انثى. والمجنون والسفيه لان فائدة الحجر عائدة عليهم والحجر عليهم عام بخلاف المفلس. فلا يصح تصرف الصبى والمجنون والسفيه فى اموالهم ولا ذممهم قبل الاذن لهم بالتصرف لان تصحيح تصرفهم قبل الاذن يقضى الى ضياع اموالهم وفى ذلك ضرر عليهم. ومن دفع اليهم أو الى احدهم ماله ببيع او قرض رجع فيما كان باقيا منه لانه عين ماله. وان أتلفوه أو تلف فى ايديهم بتعد أو وتفريط أو بدون ذلك لم يضمنوا لان المالك سلطهم عليه برضاه سواء علم بالحجر
او لم يعلم لتفريطه - وان جنوا على نفس أو طرف أو جرح فعليهم أرش الجناية لانهم تعدوا ولا تفريط من المجنى عليه. ويضمنون ما لم يدفع اليهم من المال اذا أتلفوه لانه لا تفريط ولا تسليط من المالك. والاتلاف يستوى فيه من له الاهلية وغيره. وحكم المنصوب كذلك لحصوله فى يدهم بغير اختيار المالك .. واذا دفع محجور عليه لنفسه ماله لمحجور عليه لنفسه فتلف فالظاهر انه مضمون على المدفوع له لانه لا تسليط من المالك لانه غير مكلف وقد تلف بفعل القابض له بغير حق فضمنه لان الاتلاف يستوى فيه الكبير والصغير والعمد والسهو. والأهل وغير الأهل.
ومتى عقل المجنون وبلغ الصبى ورشدا ولو بلا حكم حاكم انفك الحجر عنهما بلا حكم ذكرين كانا أو أنثيين. أما فى الصبى فلقوله تعالى «وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح «فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم» وأما فى المجنون فلان الحجر عليه كان لجنونه فاذا زال وجب زوال الحجر المترتب عليه لزوال علته. ودفع اليهما مالهما بعد أن بلغ الصبى رشيدا وعقل المجنون رشيدا. لقوله تعالى «فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم» ويستحب ان يكون الدفع لهما باذن قاض وأن يكون ببينة بالرشد وأن يكون ببينة بالدفع ليأمن الولى التبعة اى الرجوع عليه بعد ذلك ولا ينفك الحجر عنهما قبل ذلك اى البلوغ او العقل مع الرشد بحال من الاحوال ولو صارا شيخين. ويحصل البلوغ فى الذكر والانثى بواحد من ثلاثة أشياء. انزال المنى بيقظة أو مناما باحتلام أو جماع أو غير ذلك.
لقوله تعالى «واذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا» قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الفرائض والاحكام تجب على المحتلم العاقل - أو بلوغ خمس عشرة سنة. أو نبات الشعر الخشن القوى حول القبل وتزيد الجارية على الذكر شيئين. الحيض والحمل. ولا اعتبار بغلظ الصوت وفرق الانف ونهود الثدى وشعر الابط ونحو ذلك.
والرشد. الصلاح فى المال لا غير فى قول أكثر العلماء لقوله تعالى «فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم» قال: ابن عباس يعنى صلاحا فى اموالهم. ولا يدفع اليه ماله قبل الرشد ولو صار شيخا. ولا يدفع اليه حتى يختبر ما يليق به ويؤنث رشده ..
واذا علم رشده اعطى ماله سواء رشده او لا لقوله تعالى: «فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم» قال الشيخ: وان نوزع فى الرشد فشهد به شاهدان قبل الحاكم شهادتهما وعمل بها لان الرشد قد يعلم بالاستفاضة كالنسب ومع عدم البينة له اليمين على وليه أنه لا يعلم رشده لانها على فعل الغير فكانت على نفى العلم .. وتختبر الانثى بأن يفوض اليها ما يفوض الى ربة البيت من الغزل والاستغزال بأجرة المثل وتوكيلها فى شراء الكتان والقطن. وفى حفظ الاطعمة وغير ذلك فان وجدت ضابطة ومستيقظة فهى رشيدة يدفع اليها مالها والا فلا ووقت الاختبار قبل البلوغ لان ظاهر قوله تعالى: «وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح» أن الابتلاء قبل البلوغ لانه سماهم يتامى ومد اختبارهم الى البلوغ بلفظ حتى فدل على انه قبله. ولان تأخيره الى البلوغ يفضى الى الحجر على البالغ ولا يختبر الا المراهق المميز الذى يعرف
البيع والشراء والمصلحة والمفسدة والا ادى ذلك الى ضياع المال وحصول الضرر. وبيع الاختبار وشراءه صحيح لان الله قد أمر بالاختبار وهو يكون فيما يكون بالبيع والشراء والله لا يأمر بغير الصحيح.
وتثبت الولاية على الصغير والمجنون ذكرا او انثى للاب لكمال شفقته ولأنها ولاية فقدم فيها الاب كولاية النكاح. اذا كان الاب بالغا رشيدا عاقلا حرا عدلا ولو ظاهرا لان تفويض الولاية الى غير من هذه صفاته تضييع للمال. ولان غير البالغ الرشيد الحر العاقل يحتاج الى ولى فلا يكون وليا على غيره ولكن تثبت الولاية للمكاتب على ولده التابع له فى الكتابة. ويتصور أن يكون الاب غير بالغ اذا الحق نسب الولد بابن عشر سنين احتياطا للنسب فيلحق به الولد ولا يثبت به بلوغه ..
ثم تثبت الولاية على الصغير والمجنون بعد الاب لوصيه العدل ولو كان بأجر وهناك متبرع بالولاية لانه نائب الاب فأشبه وكيله على الحياة. ثم أن لم يكن أب ولا وصيه او كان الاب موجودا ولكن فقد شيئا من الصفات المعتبرة فيه والتى أشير اليها ثبتت الولاية عليهما للحاكم لانه ولى من لا ولى له.
فان لم يعهد الأب الى وصى أقام الحاكم أمينا ينظر لليتيم والمجنون لانتقال الولاية اليه.
فان لم يوجد حاكم فأين يقوم بالنظر اليهما.
ولا ولاية للجد والام وسائر العصبات ..
ولا يجوز لولى الصغير والمجنون أن يتصرف فى مالهما الا على وجه الحظ والمصلحة لهما لقوله تعالى «ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتى هى أحسن» والمجنون فى معناه ليأخذ حكمه. فان تبرع الولى بهبة أو صدقة أو حابا فى البيع والشراء بأن زاد ونقص او زاد على النفقة عليهما او على من تلزمهما نفقته بالمعروف ضمن فى ذلك كله لانه منوط. والمراد انه يضمن القدر الزائد على الواجب لا مطلقا.
ولا يصح اقرار الولى عليهما بمال ولا اتلاف ونحوه لانه اقرار الغير وهو غير صحيح ولا مقبول شرعا. وأما تصرفاته النافذة منه كالبيع والإجارة وغيرهما فيصير اقراره بها كالوكيل.
ومن بلغ سفيها واستمر أو بلغ مجنونا فالنظر فى ماله لمن كان وليا عليه قبل البلوغ من الاب أو وصيه او الحاكم لما تقدم. وان فك عنه الحجر عند البلوغ بأن بلغ عاقلا رشيدا ثم طرأ عليه السفه أو جن بعد بلوغه ورشده أعيد الحجر عليه فى الحالين لان الحكم يدور مع علته. فأن فسق السفيه ولم يبذر لم يحجر عليه خصوصا على القول بأن الرشد صلاح فى المال فقط .. ولا يحجر على من سفه أو جن بعد البلوغ والرشد الا الحاكم. لان التبذير واختلال العقل اللذين هما سبب الحجر ثانيا يختلف الامر فيهما باختلاف النظر فاحتاج الى الاجتهاد فلا يثبت الا بحكم الحاكم كالحجر على المفلس .. ولا ينظر فى اموالهما الا الحاكم لان الحجر عليهما يفتقر الى الحاكم وفك الحجر عنهما كذلك فكذا النظر فى مالهما. ولا ينفك الحجر عنهما الا بحكمه لانه حجر ثبت بحكمه فلم يزل الا به كالمفلس. والشيخ الكبير اذا اختل عقله حجر عليه بمنزلة المجنون لعجزه عن التصرف فى المال .. ومن حجر عليه الحاكم استحب اظهاره والاشهاد عليه لتجتنب معاملته والاشهاد ليس بشرط لانه ينتشر أمره ويشتهر وان رأى الحاكم أن مناديا ينادى بالحجر عليه ليعرفه الناس قبل .. ولا يصح أن يتزوج
السفيه الا باذن وليه لانه تصرف فيه مال يحسب به فلم يصح بغير اذن الولى وهذا اذا لم يكن السفيه محتاجا الى التزوج والا لو احتاج اليه صح أن يتزوج بغير اذن الولى لانه حينئذ يكون مصلحة محضة ونفعا خالصا والنكاح لم يشرع لقصد المال ويستوى أن يكون احتياجه للمتزوج للمتعة او للخدمة ..
ويتقيد السفيه اذا تزوج بمهر المثل فلا يزيد عليه لان الزيادة تبرع وهو ليس من أهل التبرع. فان عضله الولى أى منعه من التزوج استقل هو به.
ولا يصح عتق السفيه ولا هبته ولا وقفه لانه تبرع وليس من أهله. لكن ان كان الوقف معلقا بموته فالظاهر صحته لانه وصية ووصيته وتدبيره صحيحان لانه لا ضرر عليه فيهما. وللسفيه أن يطالب بالقصاص لانه يستقل بما لا يتعلق مقصوده بالمال وله العفو عن القصاص على مال ولا يصح عفوه عنه على غير مال .. وان اقر السفيه بحد زنا او شرب او قذف أو طلق زوجته أو خلعها بمال صح الاقرار والطلاق والخلع ويلزمه حكم ذلك فى الحال لانه غير متهم فى نفسه. والحجر انما يتعلق بالمال. وان قبض السفيه عوض الخلع او الطلاق لم يصح قبضه لانه تصرف فى مال فلو أتلفه أو تلف بيده ولم يضمن ولا تبرأ المرأة بدفع هذا العوض اليه كالصغير لعدم أهليته للقبض .. ويصح ظهاره وايلاؤه ولعانه ونفى النسب به .. وأن أقر بما يوجب القصاص فى نفس أو طرف ونحوه وطلب المقر له اقامته كان لربه استيفاؤه فى الحال فان عفا ربه عنه بمال صح العفو والصواب أن لا يجب المال الذى عفا عليه فى الحال لان السفيه والمقر له قد يتواطآن على ذلك بل يجب المال اذا فك الحجر عنه. وسقط القصاص للعفو وأن أقر السفيه بنسب ولد أو نحوه صح اقراره ولزمته احكامه من النفقة والسكنى والارث كنفقة الزوجة والخادم ..
ولا يفرق السفيه زكاة ماله بنفسه بل يفرقها وليه كسائر التصرفات المالية. وأن أقر السفيه بمال صح اقراره ولكن لا يلزمه ما أقر به فى حال حجره بل يتبع به بعد فك الحجر عنه. وأن علم الولى صحة ما أقر به السفيه كدين جناية ونحوه لزمه أداؤه ذكره فى الشرح والوجيز. وحكم تصرف ولى السفيه كحكم تصرف ولى الصغير والمجنون لان ولايته على السفيه لحظه فأشبه ولى الصبى.
ومتى زال الحجر عن الصغير أو المجنون أو السفيه فادعى احدهم على الولى تعديا فى ماله أو ما يوجب ضمانا من نحو تفريط أو محاباة أو تبرع ونحوه بلا بينة فالقول قول الولى لانه أمين كالمودع حتى فى قدر نفقته عليه او على ماله أو عقاره ما لم يعلم كذب الولى فى دعواه بالحس أو مخالفة عادة أو عرفا فلا يقبل قوله حينئذ لمخالفته الظاهر ويقبل قول الولى ايضا فى وجود ضرورة ومصلحة أقتضت بيع عقاره وفى تلف مال المحجور عليه أو بعضه لانه أمين. ويحلف الولى اذا لم يكن هو الحاكم اذ الحاكم لا يحلف لعدم التهمة. ويقبل قوله فى رد المال الى اليتيم بعد بلوغه ورشده لانه أمين كالمودع وهذا اذا كان الولى متبرعا فان كان بأجر فلا يقبل منه دعوى الرد كالمرتهن والمستعير بل يقبل قول اليتيم فى ذلك لان الولى قبض المال
لحظ اليتيم. وليس لحاكم حجر على مقتر على نفسه وعياله .. وقال الازجى بلى. اى لا يمنع من عقوده ولا يكف عن التصرف فى ماله ولكن ينفق عليه جبرا بالمعروف من ماله ولولى المميز اى الصغير المميز أو السفيه ذكرا كان أو أنثى ولسيد العبد المميز أو البالغ الاذن لهما فى التجارة لقوله تعالى «وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم» .. أى اختبروهم لتعلموا رشدهم. وانما يتحقق ذلك بتفويض الأمر اليهم من البيع والشراء ونحوه. ولأن المميز عاقل محجور عليه فصح تصرفه باذن وليه فلو تصرف بلا اذن لم يصح وبالاذن لهما فى التجارة ينفك الحجر عنهما فيما أذن لهما فيه فقط قدرا أو نوعا. فاذا اذن لهما فى التجارة فى مائة لم يصح تصرفهما فيما زاد عليها. وينفك الحجر عنهما ايضا فى النوع الذى اذن لهما بالاتجار فيه فقط لانهما يتصرفان بالاذن من جهة آدمى فوجب أن يتقيدا بما أذن لهما فيه كوكيل ووصى فى نوع من التصرفات - وان أذن الولى المميز أو السيد العبد فى جميع انواع التجارة لم يجز للمأذون أن يؤجر نفسه ولا أن يتوكل لغيره فى العمل ولو لم يقيد الولى أو السيد المميز أو العبد بذلك لانه لا يملك الا باذن خاص ولانه يشغله عن التجارة المقصودة بالاذن ويصح اقرار المميز والعبد المأذون لهما فى التجارة بقدر ما أذن لهما فيه لان الحجر المانع من صحة الاقرار قد انفك عنهما فيه والمجنون والصغير الذى لم يبلغ حد التمييز لا يصح تصرفهما باذن ولا بغيره لعدم الاعتداد بقولهما. ويبطل الاذن بالحجر على السيد لسفه أو فلس وبموته وجنونه المطبق وجاز ما يبطل الوكالة. لان اذنه للعبد كان لوكالة يبطله ما يبطلها وان حجر السيد على العبد وفى يده مال فأقر به لاحد لم يصح اقراره لحق السيد. ثم ان أذن السيد له فأقر المأذون بالمال صح اقراره لأن المانع من صحة اقراره الحجر عليه وقد زال ولان تصرفه صحيح فيصح اقراره كالحر. وان وكل المميز او العبد وكيلا يصح ويتصرف فيما يعجز عنه الموكل وفيما لا يتولى مثله بنفسه فقط ومتى عزل السيد العبد من الاذن انعزل وكيله من الوكالة لان التوكيل فرع الاذن ومبنى عليه فاذا بطل الاذن بطل ما هو مبنى عليه بخلاف وكيل الصبى المميز المأذون فان وكالته لا تبطل ببطلان الاذن لانه متصرف فى مال نفسه فلم ينعزل وكيله بتغير الحال لكن لا يتصرف الوكيل فى حالة المنع كموكله.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يجوز
(1)
الحجر على أحد فى ماله الا على من لم يبلغ او على مجنون فى حال جنونه. فهذان خاصة لا ينفذ لهما امر فى مالهما - فاذا بلغ الصغير وأفاق المجنون جاز أمرهما فى مالهما كغيرهما ولا فرق. سواء فى ذلك كله الحر والعبد والذكر والانثى والبكر وذات الاب وغير ذات الاب. وذات الزوج والتى لا زوج لها. وفعل كل من ذكرنا فى اموالهم من عتق أو هبة أو بيع او غير ذلك نافذا اذا وافق الحق من الواجب او المباح ومردود فعل كل احد منهم فى ماله اذا خالف المباح أو الواجب ولا فرق. ولا اعتراض لاب
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 278 وما بعدها.
ولا لزوج ولا لحاكم فى شئ من ذلك الا ما كان معصية لله تعالى فهو باطل مردود. ومن معصية الله تعالى الصدقة والعطية بما لا يبقى بعده المتصدق او الواهب غنى. فان اراد السيد ابطال فعل العبد فى ماله. فليعلن بانتزاعه منه. ولا يجوز للعبد حينئذ تصرف فى شئ منه.
برهان ذلك ما رويناه من طريق ابى داود حدثنا احمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب أخبرنى جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن ابى ظبيان وهو حصين بن جندب عن ابن عباس بن على بن ابى طالب قال لعمر بن الخطاب: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة. عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم.
ومن طريق أبى داود ايضا عن على بن ابى طالب عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه. وأبو ظبيان ثقة لقى على بن ابى طالب وسمع منه ومن ابن عباس ومن طريق ابى داود ايضا عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبى حتى يكبر. وقال تعالى «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» وقال «والمصدقين والمصدقات» وقال: «جاهدوا بأموالكم وانفسكم فى سبيل الله» وقال: «ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين» وحض سبحانه على العتق. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة وقال الله تعالى «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع» وقال: «وآتوا النساء صدقاتهن نحله .. » فصح أن كل أحد مندوب الى فعل الخير والصدقة والعتق والنفقة فى وجوه البر ليقى نفسه بذلك نار جهنم. ولا خلاف فى أن كل من ذكرنا من عبد وذات أب وبكر وذات زوج مأمورون منهيون متوعدون بالنار مندوبون موعودون بالجنة فقراء الى انقاذ انفسهم منها كفقر غيرهم سواء بسواء ولا مزية. فلا يخرج من هذا الحكم الا ما أخرجه النص. ولم يخرج النص الا المجنون مادام فى حال جنونه. والذى لم يبلغ الى أن يبلغ فقط - فكان الفرق بين من ذكرنا فيطلق بعضا على الصدقة والهبة والنكاح ويمنع بعضا بغير نص. مبطل محرم ما ندب الله تعالى اليه مانع من فعل الخير. قال على: روينا عن محمد بن سيرين أنه كان لا يرى الحجر على الحر شيئا. وهو قول جماعة من الصحابة رضى الله عنهم. وقول مجاهد وعبيد الله بن الحسن وغيره. وقال ابو حنيفة: لا يحجر على حر لا لتبذير ولا لدين ولا لتفليس ولا لغيره ولا يرى حجر القاضى عليه لازما ويرى تصرفه فى ماله واقراره بعد حجر القاضى عليه وقبله سواء. كل ذلك نافذ.
ثم ذكر أراء من جوزوا الحجر على السفيه وذى الغفلة والمدين وذكر حججهم وناقشها ورد عليها. وقال: ان السفه فى لغة العرب التى نزل بها القرآن وخوطبنا بها لا يقع الا على ثلاث معان
…
والمعنى الثالث هو عدم العقل الرافع للمخاطبة كالمجانين والصبيان فقط.
وهؤلاء باجماع منا ومنهم الذين ذكروا فى الآيتين قول الله تعالى: «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا»
وقوله تعالى: «فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل» . وان أهل هذه الصفة لا يوفون أموالهم ولكن يكسبون فيها ويرزقون ويرفق بهم فى الكلام. ولا يقبل قرارهم ولكن يقر عنهم وليهم الناظر لهم فصح هذا بيقين.
وظاهر من هذا ان ابن حزم لا يرى الحجر مطلقا الا على اثنين الصغير حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق أخذا من الحديث الشريف والادلة التى ذكرها. ولا حجر عنده على السفيه والمدين وذى الغفلة. وان اقرار المحجور عليه من الصغير والمجنون غير صحيح ولا مقبول شرعا مطلقا فى مال ولا فى غيره. ولكن يقر عنهم وليهم الناظر لهم. وليس هنا مجال البحث فى الصحيح وغير الصحيح من الاقوال ولامكان استعراض الادلة من الطرفين ومناقشتها.
مذهب الزيدية:
والمفلس فى الشرع
(1)
من لا يفى ماله بدينه .. ويقبل قول من ادعى الاعسار أو الافلاس لاجل حق يدعى عليه به حيث ظهر الافلاس أو الاعسار من حاله اذ يظهر ذلك بقرائن الاحوال والتصرف فى الاموال - واذا كان الظاهر من حاله الاعسار وحكم له به. فأدعى غريمه أنه قد صار موسرا وجب أن يحلف المعسر ثم كذلك كلما لبث مدة ثم أدعى ايساره حلف له أيضا اذا كان قد تخلل بين الادعائين مدة يمكن أن يحدث فيها اليسار بالكسب بحسب العادة لا بمقتضى قدرة الله والا فيلزم أن يحلف له فى كل ساعة .. واذا ثبت عند الحاكم أعساره فلا يمكن الغرماء من ملازمته ولكنه يحال بينه وبين الغرماء. وقيل. لا يحال بينه وبين الغرماء بل يمكن الغرماء من ملازمته ومشاهدة كسبه على وفاء الديون .. وان لم يظهر اعساره بل كان من الظاهر يساره او التبس الامر فى ذلك أقام بينة أنه معسر وحلف مع البينة على القطع بأنه معسر - ولا يقال أن البينة هنا على النفى اى لا يملك شيئا فلا تقبل لأنها قد تضمنت الاثبات وهو سقوط المطالبة عنه. على أن البينة فى الواقع على الاعسار وهو اثبات. فان لم يجد بينة هل يحبس أو يحلف قيل يحبس حتى يغلب على ظن الحاكم اعساره .. وانما حلف مع البينة لانها غير محققة اذ هى على ظاهر الحال والمال قد يخفى. وتكون محققة اذا كانت على اقرار الغرماء أصحاب الديون بالاعسار. واذا أقام كل منهما بينة فبينة المعسر أولى لانها كالخارجة - واذا طلب المدين تحليف الغريم ما يعلم أنه معسرا أجيب الى ذلك فان لم يحلف لم يحبس المدين. وقيل يحبس من غير يمين صاحب الدين واذا اشترى عينا ثم أفلس ولم يستطع دفع الثمن والمبيع فى يده. فالبائع أولى به أو بما تعذر دفع ثمنه منه. وكذا اذا تلف بعض المبيع فالبائع اولى بما بقى منه اذا تعذر دفع ثمن هذا الباقى - وهذا اذا طرأ الافلاس بعد البيع والقبض أو كان موجودا وقت البيع ولكن جهل ولم يظهر. اما اذا كان البائع عالما بافلاس المشترى لم يكن أولى بالمبيع بل يكون اسوة الغرماء.
(1)
شرح الازهار ج 4 من باب التفليس والحجر صفحة 276 وما بعدها
وللمفلس ان يتصرف فى السلعة المشتراه كل تصرف بعد افلاسه من بيع أو هبة أو وقف اذا وقع ذلك التصرف قبل أن يصدر الحجر عليه من الحاكم. وكذا لو أقر بها للغير صح اقراره. قالوا ما لم يثبت أنه أقر توليجا فان ثبت ذلك بطل الاقرار. والتوليج لا يفيد الملك فى المال ولكنه يكون كالوصية بعد الموت من الثلث. والمذهب أن التوليج يبطل كله اذا ثبت. والتوليج ليس كالوصية من كل وجه
وفى موضع آخر
(1)
قال: أن الحجر فى اللغة هو المنع والتضييق. ومنه سمى الحرام محجورا لانه ممنوع فلما منع الحاكم من التصرف سمى فعله حجرا وفى الشرع أن يقول الحاكم للمديون مثلا: حجرت عليك التصرف فى مالك. ومن أسباب الحجر.
الدين. والصغر. والجنون والرق والمرض والرهن .. وليس من أسباب الحجر عند الزيدية التبذير والسفه. قال زيد بن على والناصر وأبو حنيفة لا يصح الحجر لواحد منها. وقال الشافعى وأبو يوسف ومحمد يصح الحجر لكل واحد منها. والتبذير الانفاق فى وجه الرياء والسمعة والعبث نحو عقر البهائم فى الاعزيات ونحوها. واما السفه فهو الذى لا يبالى فى الغبن فيما باع أو شرى ولا يعلم هدايته الى الغالى والرخيص وليس من السفه تصرفه فى أكل الطيب من الطعام ولبس النفيس من الثياب وفاخر المشموم لقوله تعالى:
«قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق» . وقال البعض: هو الانفاق فى الزائد على الاقتصاد وعلى ما يحتمله الحال.
وانما يصح الحجر على المديون فى الدين الحال لا فى الدين المؤجل - واذا كان من الديون حال ومؤجل يدخل المؤجل فى الحجر تبعا للحال - وليس للحاكم أن يحجر على المديون الا أن طلب خصومه وهم أهل الدين الحجر عليه. فان حجر عليه من غير طلب لم يصح الحجر واذا طلب بعضهم الحجر لزم الحاكم أن يحجر بطلبه ويكون حجرا للكل ولو كانوا غيبا. وهذا اذا أطلق اما لو قال: حجرت عليك حتى توفى فلانا لم يكن ذلك حجرا لغيره ..
ويتناول الحجر المال الزائد على الدين والمستقبل ايضا .. واذا أدعى رجل دينا على شخص وطلب الحجر عليه قبل ان يقيم البينة على الدين جاز للحاكم أن يحجر ولو قبل التثبيت بالدين بثلاثة أيام ويرتفع الحجر بعدها ان لم يقم البينة. فان أقام البينة فى الثلاث نفذ الحجر
…
والحجر يدخله التعميم نحو أن يقول حجرتك عن التصرف فى مالك والتخصيص بالزمان نحو حجرتك سنة. والمكان نحو حجرتك عن التصرف فى غير بلدك. والسلعة نحو حجرتك عن التصرف فى دارك أو عندك أو فى السلعة الفلانية. وقدر من المال نحو حجرتك عن التصرف فى ثلث مالك والشخص نحو حجرتك أن تبيع من فلان - وفى كل ذلك لا ينفذ من المحجور عليه فيما تناوله الحجر تصرف. ولا اقرار الا بأجازة الحاكم أو الغرماء أو بعد فك الحجر عنه بأن يقضى ديونهم أو يسقطها بوجه فاذا انفك الحجر بعد العقد الذى وقع فى حال الحجر نفذ .. ولو أقر بعين لغيره ثم قضاها الحاكم للغرماء فأن كانت
(1)
شرح الازهار ج صفحة 284 وما بعدها.
مضمونة لزمه استيفاؤها فان تعذر فقيمتها لمالكها وأن كانت غير مضمونة فلا يضمنها للمالك. ولا يبرأ من قدر قيمة العين فى الوجهين - فان غرم القيمة للمالك بعد أن أتلفها الغريم برئ اذ له ما على المستهلك فيتساقط الدينان - وكذا قيل قبل التلف على القول بأنها قيمة للعين. يبرأ أن قدر ملكه من يوم الغصب لا أن قدر من وقت الدفع والعين لصاحبها وتصرف الحاكم فيها غير صحيح فالدين باق فى ذمته واذا رأى الحاكم صلاحا فى رفع الحجر حتى يقر بدين عليه أو نحوه جاز سواء كان هو الحاجز وغيره ذكره فى الكافى
…
وأذا قضى المفلس ماله جميعه بعض الغرماء وترك الباقين فبعد الحجر لا يصح منه ذلك اذ الحجر لهم جميعا وحقهم تعلق بالمال. وقبل الحجر يصح ذلك منه ولا يأثم الا اذا كان الباقون قد طالبوه وطلبوا الحجر او كان المتروك مما يتضيق كاليتيم والمسجد فلا يصح منه ذلك ولو باع المحجور شيئا من ماله ليقضى الغرماء او لحاجته الماسة الى النفقة وكان انفاقه على قدر عادة الفقراء ممن يشبهه فى بلده - صح ذلك ان لم يغبن فى البيع - فلو اشترى شيئا الى ذمته فالأقرب أنه ينفذ والثمن فى ذمته وللبائع أن يفسخ لتعذر تسليم الثمن كما اذا تعذر تسليم المبيع. ولا يدخل فى الحجر دين لزم بعده.
واذا تمرد المفلس لغيره عن قضاء الدين أو بيع ماله لقضاء الغرماء فانه يكون للحاكم أن يبيع عليه المال. وكذلك اذا غاب ورأى الحاكم مصلحة فى البيع. وقيل ليس للحاكم ان يبيع عليه المال ولو تمرد عن بيعه بنفسه بل يحسبه حتى يبيع الا الدراهم والدنانير.
لكن قال فى الكافى: ولا خلاف أنه يباع على المتمرد. ونوقش هذا بأنه لعله يعنى بعد الحبس اما قبل الحبس فالخلاف ظاهر - واذا طلب الغرماء تاخير بيع ضيعة المفلس ونحوها حتى يستغلوها بالزائد على قيمتها ثم تباع بالباقى فلهم ذلك - واذا لم يوجد من يشترى ماله الا بغبن ظاهر فله أن يمتنع من البيع مدة قريبة حتى يأتى يوم السوق أو تأتى القافلة أو نحو ذلك حسبما يرى الحاكم من القرائن والظروف.
أما الصغر والجنون فلا خلاف فى الحجر لهما. ولم تذكر احكام الحجر والتصرف بالنسبة لهما
…
وأما الرق فهو حجر لكنه اذا عتق صح اقراره ولزمه ما أقر به وظاهر الاطلاق ولو كان الاقرار بمال. ويقال ان أقرار الرقيق صحيح مطلقا. والموقوف على العتق المطالبة له - وأما المرض. فان صح من مرضه صح تصرفه الذى صدر منه وقت المرض لانه لا يكون مرض الموت .. وان لم يصح. فان كان مستغرقا كان محجورا عليه فى جميع ماله الا ما استثنى له من الاقرار والاكل واللباس ونحو ذلك كالنكاح والعتق ومعاوضة معتادة وكذا الجناية. وان لم يكن مستغرقا صح تصرفه من الثلث الا الاقرار فانه يصح من رأس المال اذا لم يضف سببه الى مرضه. فأن أضافه الى مرضه نفذ من الثلث. والتعبير أنه اذا أضافه الى حال المرض فمن الثلث. ونحو الاقرار كالتزويج والاجارة والبيع اذا كانت معاوضة معتادة وكذا الجناية ولا يحل الدين المؤجل بالحجر فلو حجر على المفلس لاجل ديون حالة وعليه ديون مؤجلة فأنها لا تحل بالحجر
وهو احد قولى الشافعى وللمحجور عليه أن يعطى ماله لاصحاب الديون الحالة لقضاء ديونهم. ويبقى حق اصحاب الديون المؤجلة الى وقت حلولها فى ذمته .. بخلاف ما اذا مات فانه يعزل حصته أهل الديون المؤجلة لأنه لا ذمة له. وقيل يعزل نصيب أصحاب الديون المؤجلة الى وقت الحلول ولو فى حال الحياة.
ولو أسقط من عليه الدين المؤجل الأجل هل يسقط حتى يتمكن المستحق من مطالبته فى الحال؟ وجهان أصحهما لا يسقط لان الاجل صفة ثابتة والصفة لا تنفرد بالاسقاط وقيل تسقط لانه تأخير مطالبة.
مذهب الإمامية:
ولا يقبل اقرار المفلس
(1)
المحجور عليه حال الحجر بعين لتعلق حق الغرماء وبأعيان ماله قبله فيكون اقراره بعين فى قوة الاقرار بمال الغير ولانه قد حجر عن التصرف فى المال وهذا يمنع من نفاذ الاقرار. ويصح اقراره بالدين لانه عاقل مختار فيدخل فى عموم (اقرار العقلاء على أنفسهم جائز) والمانع من صحة الاقرار بالعين منتف هنا لانه فى العين مناف لحق الدائنين الذى تعلق بها. أما هنا فانه متعلق بذمته فلا يشارك الغرماء المقر له جمعا بين الحقين وقوى الشيخ رحمه الله وتبعه العلامة المشاركة للخير ولعموم الاذن بقسمة ماله بين غرمائه
…
وللفرق بين الاقرار والانشاء. فان الاقرار أخبار عن حق سابق والحجر اما يبطل أحداث الملك. ولانه كالبينة ومع قيامها لا اشكال فى المشاركة .. ويشكل بأن رد اقراره ليس لنفسه بل لحق غيره فلا ينافيه الخبر ونحن قد قبلنا الاقرار على نفسه بالزامه المال بعد الحجر. ومشاركة المقر له للغرماء هو المانع من النفوذ الموجب لمساواة الاقرار للانشاء فى المعنى. وكونه كالبينة مطلقا ممنوع .. وموضع الخلاف ما اذا أسند الدين الى ما قبل الحجر. أما اذا أسنده الى ما بعده فانه لا ينفذ معجلا قطعا. نعم لو أسنده الى ما يلزم ذمته كاتلاف مال أو أرش جناية شارك المقر له لوقوع السبب بغير اختيار المستحق فلا تقصير بخلاف المعاملة.
ويمنع المفلس من التصرف المبتدأ فى أعيان ماله المنافى الغرماء، لا من مطلق التصرف .. ووصف التصرف بالمبتدأ للاحتراز عن التصرف فى المال بمثل الفسخ بخيار لانه ليس بابتداء تصرف بل هو أثر لتصرف سابق على الحجر. وكذا لو ظهر له عيب فيما اشتراه سابقا فله الفسخ به. وهل يعتبر فى جواز - الفسخ له بما ذكر. الغبطة أم يجوز مطلقا. الاقوى الثانى نظرا الى أصل الحكم وأن تخلفت الحكمة .. والاجماع على جواز الفسخ بالعيب وأن زاد القيمة فضلا عن الغبطة فيه وشمل التصرف فى أعيان الاموال ما كان بعوض أو بغيره وما تعلق بالعين والمنفعة وخرج به التصرف فى غير المال كالنكاح والطلاق واستيفاء القصاص والعفو عنه وما يفيد تحصيل المال واستفادته كالاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية وان منع منه بعده.
وغير بقوله المنافى لحق الغرماء للاحتراز عن وصيته وتدبيره فأنهما يخرجان من التلف بعد
(1)
جاء فى الروضة البهية ج 1 ص 343 وما بعدها.
وفاء الدين. فان تصرف المفلس جائز فى ذلك كله ونحوه اذ لا ضرر فيه على الغرماء.
وتباع اموال المفلس المحجور القابلة للبيع وتقسيم على الغرماء ان وفى والا فعلى نسبة اموالهم ولا يدخر للديون المؤجلة التى لم تحل حالة القسمة شئ ولو حل بعد قسمة البعض شارك فى الباقى وضرب بجميع المال وضرب باقى الغرماء ببقية ديونهم ويباع كل متاع فى سوقه وجوبا مع مراعاة زيادة القيمة والا كان أستحبابا ويحبس المفلس لو أدعى الاعسار حتى يثبته باعتراف الغرماء أو بالبينة المطلقة على باطن الامر. وانما يحبس مع دعوى الاعسار قبل اتيانه اذا كان أصل الدين مالا كالقرض أو عوضا عن مال كثمن مبيع. فلو انتفى الامران كالجناية والاتلاف قبل قوله فى الاعسار ببينة دون توقف على البينة لاصالة عدم المال حينئذ - فاذا ثبت اعساره خلى سبيله لقوله تعالى «وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة» وهل يجب عليه التكسب لوفاء الدين. اختار ذلك ابن حمزة رحمه الله والعلامة ومنعه الشيخ ابن ادريس للآية وأصالة البراءة.
وانما يحجر على المديون اذا قصرت امواله عن الوفاء بدينه فلو ساوته أو زادت عليه لم يحجر عليه اجماعا وأن ظهرت عليه أمارات الفلس - ويطلب الغرماء الحجر عليه لان الحق لهم فلا يتبرع لهم بالحجر عليه. نعم لو كانت الديون لمن له عليه ولاية كان له الحجر - ولو كانت الديون لغائب لم يكن للحاكم ولايته لانه لا يستوفى له قيل يحفظ اعيان أمواله ولو ألتمس بعض الغرماء فان ماله يفى بدينهم وزيادة جاز الحجر وعم والا فلا. على الاقوى. ويشترط حلول الدين.
فأن كان كله أو بعضه مؤجلا لم يحجر عليه لعدم استحقاق المطالبة حينئذ .. نعم لو كان بعضها حالا جاز للحجر مع قصور المال عنه والتماس أربابه .. ولا تباع داره ولا خادمه ولا ثياب تجمله. ويعتبر فى الاول والاخير ما يليق بحاله كما وكيفا. وكذا دابة ركوبه ولو احتاج الى المتعدد استثنى كالمتحد.
وظاهر ابن الجنيد بيعها. والروايات متضافرة بالاول وعليه العمل. ولو مات قبلها قدم كفنه ويقتصر منه على الواجب وسطا بما يليق به عادة ومؤنة تجهيزه.
وأسباب الحجر ستة
(1)
: الصغر والجنون والرق. والفلس. والسفه. والمرض المتصل بالموت. ويمتد حجر الصغير حتى يبلغ بالاحتلام وهو خروج المنى من القبل فى الذكر والانثى ومن فرجيه فى الخنثى او الانبات للشعر الخشن على العانة مطلقا او اكمال خمس عشرة سنة هلالية فى الذكر والخنثى واكمال تسع سنين فى الانثى على المشهور.
أما الحيض والحمل للمرأة فدليلان على سبق البلوغ. ويرشد الصغير بأن يصلح ماله بحيث تكون له ملكة نفسانية تقتضى اصلاح المال وتمنع افساده وصرفه فى غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء لا مطلق الاصلاح فاذا تحققت الملكة المذكورة مع البلوغ ارتفع عنه الحجر وأن كان فاسقا على المشهور لاطلاق الامر بدفع اموال اليتامى اليهم بايناس الرشد من غير
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 359 وما بعدها.
اعتبار أمر آخر معه والمفهوم من الرشد عرفا هو اصلاح المال على الوجه المذكور وأن كان فاسقا وقيل يعتبر مع ذلك العدالة .. ويختبر من يراد معرفة رشده بما يلائمه من التصرفات والاعمال يظهر أنصافه بالملكة وعدمه. فمن كان من أولاد التجار فوض اليه البيع والشراء وان كان من أولاد غيرهم أختبر بما يناسب حال أهله .. والانثى تختبر بما يناسبها من الاعمال كالغزل والخياطة وشراء آلاتهما المعتادة لامثالها بغير غبن وحظ ما يحصل فى يدها من ذلك. ويثبت الرشد لمن تختبر بشهادة النساء فى النساء لا غير لسهولة اطلاعهن عليهن غالبا وبشهادة الرجال مطلقا فى الرجال والنساء:
رجلين أو رجل وأمرأتين أو أربع عشرة.
ولا يصح اقرار السفيه بمال ويصح بغيره كالنسب وأن أوجب النفقة. وفى الانفاق عليه من ماله أو بيت المال قولان اجودهما الثانى وكالاقرار بالجناية الموجبة للقصاص وأن كان فى النفس. ولا يصح تصرفه فى المال وان ناسب أفعال العقلاء. ويصح تصرفه فيما لا يتضمن اخراج المال كالطلاق والظهار والخلع ولا يسلم عوض الخلع اليه. ويجوز أن يتوكل لغيره فى سائر العقود لان عبارته ليست مسلوبة مطلقا بل مسلوبة بالنسبة لما يعتبر تصرفا فى المال ويقتضيه ويمتد حجر المجنون فى التصرفات المالية حتى يفيق ويكمل عقله.
والولاية فى مال الصغير والمجنون للاب والجد للاب وان علا. فيشتركان فى الولاية لو أجتمعا فان أتفقا على أمر نفذ وأن تعارضا قدم عقد السابق منهما. فان أتفقا فى التاريخ ففى بطلانه أو ترجيح الاب أو الجد أوجه. ثم الوصى لاحدهما مع فقدها ثم الحاكم مع فقد الوصى .. والولاية فى مال السفيه الذى لم يسبق رشده كذلك للاب والجد الى آخر ما ذكر عملا بالاستصحاب .. فان سبق رشده وأرتفع الحجر عنه بالبلوغ معه ثم لحقه السفه فللحاكم الولاية دونهم لارتفاع الولاية السابقة عنه بالرشد فلا تعود اليهم الا بدليل.
وهو منتف. والحاكم ولى عام لا يحتاج الى دليل وان تخلف فى بعض الموارد .. وقيل الولاية فى ماله للحاكم مطلقا لظهور توقف الحجر عليه ورفعه عنه على حكمه فى كون النظر اليه. والعبد ممنوع من التصرف مطلقا فى المال وغيره سواء أحلنا ملكه أم قلنا به عدا الطلاق فأن له أيقاعه وان كره الولى.
والمريض ممنوع مما زاد عن الثلث أذا تبرع به أما لو عاوض عليه بثمن مثله نفذ. وان نجز ما تبرع به فى مرضه بأن وهبه أو وقفه أو تصدق به أو حابى به فى بيع أو اجاره على الاقوى للاخبار الكثيرة الدالة عليه منطوقا ومفهوما. وقيل يمضى من الاصل للأصل.
وعليه شواهد من الاخبار.
ويثبت الحجر على السفيه بظهور سنهه وأن لم يحكم به الحاكم لان المقتضى له هو السفه فيجب تحققه بتحققه والظاهر قوله تعالى «فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل» . حيث أثبت عليه الولاية بمجرده.
ولا يزول الحجر عنه الا بحكم الحاكم لان زوال السفه يفتقر الى الاجتهاد وقيام الامارات لانه أمر خفى فيناط بنظر الحاكم - وقيل يتوقفان بثبوت الحجر وزواله على حكمه لذلك - وقيل لا يتوقفان معا على الحكم وهو الاقوى لان
المقتضى للحجر هو السفه فيجب أن يثبت بثبوته ويزول بزواله.
ولظاهر قوله تعالى: «فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم» حيث علق الامر بالدفع على ايناس الرشد فلا يتوقف على أمر آخر ..
ولو عامله من يعلم بحاله استعاد ماله مع وجوده لبطلان المعاملة. فان تلف فلا ضمان لان المعامل له قد ضيع ماله بيده حيث سلمه الى من نهى الله تعالى عن ايتائه المال. ولو كان جاهلا بحاله فله الرجوع مطلقا لعدم تقصيره. وقيل لا ضمان مع التلف مطلقا لتقصير من عامله قبل اختياره .. وفصل ثالث فحكم بذلك مع قبض السفيه المال باذن مالكه. ولو كان بغير اذنه ضمنه مطلقا لان المعاملة الفاسدة لا يترتب عليها حكم فيكون قابضا للمال بغير اذن فيضمنه كما لو أتلف مالا أو غصبه بغير اذن مالكه وهو حسن
…
وفى ايداعه أو اعارته أو اجارته فبتلف العين نظر من تفريطه بتسليمه وقد نهى الله عنه بقوله «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم» فيكون بمنزلة من ألقى ماله فى البحر. ومن عدم تسليطه على الاتلاف لان المال فى هذه المواضع امانة يجب حفظه والاتلاف حصل من السفيه بغير اذن فيضمنه كالغصب. والحال أنه بالغ عاقل. وهذا هو الاقوى. ولا يرتفع الحجر عنه ببلوغه خمسا وعشرين سنة اجماعا منا لوجود مقتضى الحجر وعدم صلاحية هذا السن لرفعه ونبه بذلك على خلاف بعض العامة حيث زعم أنه متى بلغ خمسا وعشرين سنة يفك حجره به وأن كان سفيها - ولا يمنع من الواجب مطلقا سواء زادت نفقته عن نفقة الحضر أولا وسواء وجب بالاصل أم بالعارض كالنذور قبل السفه لتعينه عليه. ولكن لا يسلم النفقة بل يتولاها الولى ووكيله. ولا من الحج المندوب اذا استوت نفقته حضرا وسفر - وفى حكم أستواء النفقة ما لو تمكن فى السفر من كسب يجبر الزائد بحيث لا يمكن فعله فى الحضر.
وتنعقد يمينه ويكفر بالصوم لو حنث لمنعه من التصرف المالى .. وله العفو عن القصاص لانه ليس تصرفا ماليا. لا الدية لانه تصرف مالى وله الصلح عن القصاص على مال. ولكن لا يسلم اليه.
مذهب الإباضية:
أخذت احكام الحجر والتفليس فى مذهب الإباضية من كتاب جوهر النظام
(1)
: وقد أقتصرنا على ظاهر ما يعطيه النظم ويدل عليه خوفا من الوقوع فى الخطأ - اذ النظم ربما يشتمل على ألفاظ وتعبيرات لا يتصل بالحكم ولا تعبر عما يلاحظ فيه والحجر عند الإباضية هو منع الحاكم من لا يفى ماله بدينه من التصرف فى ماله. ولا يكون الحجر الا بناء على طلب الغريم من الحاكم وفى دين حال وهل يشترط للحجر أن يكون المحجور عليه حاضرا فلو كان غائبا لا يحجر عليه أو انه يجوز الحجر عليه ولو كان غائبا؟ قولان .. ومن كان غنيا وعنده مال يفى بأداء الدين. ولكنه يمطل بالوفاء ويمتنع من الاداء. رغم مطالبة الغريم له وقيامه عليه يحبسه الحاكم حتى يرتدع عن المطل ويؤدى الدين .. ولا يبيع عليه المال.
وقيل يبيعه رغما عنه متى مطل وامتنع من الأداء. ويعلن الحاكم للناس أمر الحجر
(1)
جوهر النظام - للعلامة المحق المغفور له أبى محمد عبد الله بن سلوم السالمى المتوفى سنة 1332 هجرية وهو كتاب منظوم.
على المدين ليحذر الناس معاملته ولا ينخدعون فى ظاهر أمره. واذا كان مال المدين اكثر من الدين. فهل يحجر عليه فى كل ماله. او فى قدر الدين فقط؟. خلاف. ويرجع المؤلف أن الحجر يكون فى قدر الدين لان موجب الحجر هو الدين الحال - ولكن كيف يتأتى الحجر فى حالة ما اذا كان مال المدين أكثر من الدين. وقد قال المؤلف: ومن يكن عليه دين لا تفى أمواله يمنع من التصرف؟ وان أدعى المدين الاعسار وأخفى ماله. فليس للغرماء الا تحليفه أنه ما أخفى ماله وليس عنده مال. وعند بيع اموال المدين للوفاء بديون الغرماء. ان كانت عروضا يمهله الحاكم من ثلاثة أيام الى سبعة أيام. وأن كانت أصولا عقارا يمهله شهرا وأن حجر الحاكم على المدين ولم يوف الدين واتاه مال جديد بعد الحجر فأنه يدخل فى المال الذى كان وقت الحجر ويجرى عليه ما كان يجرى على المال السابق والذى ورد على الحجر ويختلف النظر فيما يترك للمحجور عند بيع ماله حسب التسديد والترخيص. وقد قالوا يترك له ازار ورداء أو ازار فقط وكتبه ان كان من أهل العلم والا بيعت ولا المصحف ولا النعل ولا تترك واختلفوا فى الآلات والصناعة هل تباع او تترك. ويرى أبو على الحسن بن احمد انها تترك ولا تباع اذ قد يستعين بها على الكسب .. ومتى حجر الحاكم على المدين صار ماله حقا للغرماء لا يستحق احد فيه شيئا فلا تفرض نفقة للزوجة ولا نفقة الاولاد الصغار. واذا أقر المحجور عليه بدين صح وكان المقر له أسوة الغرماء يحاصص منهم بدينه فى المال المحجور .. وأن أقر بعين من المال الذى حجر انها لفلان والدين مستغرق للمال فان الاقرار يصح ويقبل الا اذا كان المقصود التحايل والالجاء. فانه لا يقبل وتدفع العين المقر بها للغرماء مع باقى المال للوفاء بديونهم واذا كان لزوجة المديون دين عليه ثابت فانها تكون أسوة الغرماء وتحاصص بدينها فى مال المحجور وتأخذ منها. اما اذا كان لابنه دين عليه فانه لا يكون اسوة الغرماء ولا يحاصص بدينه منهم فى المال. والله تعالى لا يندب الانسان بدين ابنه. ولم يتحدث مؤلفنا عن الحجر بالصغر ولا بالجنون ولا بالسفه ولا بالغفلة ولا بأى سبب سوى الدين.
روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وآل التعريف.
وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.
حرف الالف:
ابراهيم النخعى:
انظر ح 1 ص 279
الأبهرى:
أنظر أبو بكر ح 7 ص 387
الأثرم:
أنظر ح 1 ص 247
الامام أحمد:
أنظر ابن حنبل ح 1 ص 247
ابن احمد (توفى سنة 857 هـ):
احمد بن أحمد بن محمود ابن موسى الهمامى شهاب الدين المقدسى ثم الدمشقى المقرى ويعرف بالعجيمى وفى الشام بالمقدسى قرأ القراءات على جماعة منهم العلاء ابن اللفت ومهر فيها وتصدى لاقرائها فانتفع به جماعة، أولاده وغيرهم وهو ممن اخذ ايضا عن ابن الهمام والعماد ابن شرف واخرين وتحول الى الشام فى سنة خمس وعشرين باستدعاء محمد بن منجك لاقراء بنيه فقطنها. وتكسب بكتابة المصاحف. وكان متقنا فيها مقصودا من الافاق بسببها، مات بدمشق فى جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة.
احمد بن الحسين:
انظر المؤيد بالله ح 1 ص 257، ح 7 ص 385
الشيخ احمد الزرقانى:
انظر ح 5 ص 370
احمد بن شعيب:
انظر النسائى ح 1 ص 279
احمد بن على بن ابى طالب الطوسى:
انظر ح 1 ص 265
احمد بن يحيى:
انظر ابو يحيى ح 9 ص 386
ابن ادريس:
انظر ح 2 ص 343
الأذرعى:
انظر ح 1 ص 248
الأرغيانى توفى سنة 512 هـ:
سلمان ناصر بن عمران الأنصارى النيسابورى الارغيانى ابو القاسم من الأئمة فى علم الكلام والتفسير مولده ووفاته فى نيسابور ونسبته الى ارغيان من نواحيها وكان تلميذا لامام الحرمين من بيت صلاح وتصوف وزهد صنف كتاب الغنيه فى فقه الشافعية وشرح الارشاد لامام الحرمين وضعف بصره وسمعه فى آخره عمره وقبل وفاته سنة 511 هـ.
الأزرقى:
انظر ح 9 ص 370
الاسبيجابى:
انظر ح 2 ص 343
ابو اسحاق:
انظر الشيرازى ح 1 ص 263
الشيخ اسماعيل:
انظر ح 8 ص 370
اسماعيل بن سعيد:
انظر ح 2 ص 344
ابى بن كعب:
انظر ح 1 ص 247
اشهب:
انظر ح 1 ص 249
ابو امامه الباهلى:
انظر ح 4 ص 360
امام الحرمين:
انظر ح 1 ص 249
امامة بنت ابى العاص:
امامه بنت ابى العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمية وهى من زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزبير فى كتاب النسب كانت زينب تحت ابى العاص فولدت له امامة وعليا وثبت ذكرها فى الصحيحين من حديث ابى قتادة ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يحمل امامة بنت زينب على
عاتقه فاذا سجد وضعها واذا قام حملها اخرجاه من رواية مالك عن عامر بن عبد الله ابن الزبير.
انس:
انظر ح 1 ص 249
الأوزاعى:
انظر ح 1 ص 249
حرف الباء:
الباجى:
انظر ح 1 ص 250
الباقر:
انظر ابو جعفر ح 2 ص 247
البخارى:
انظر ح 1 ص 250
البراء بن عازب:
انظر ح 2 ص 345
البراذعى:
انظر ح 1 ص 250
ابو بردة بن دينار:
انظر ح 2 ص 345
البرزلى:
انظر ح 5 ص 365
ابن بركة:
انظر ح 7 ص 386
البرهان:
انظر ح 6 ص 382
بريدة:
انظر ح 3 ص 338
بشر:
انظر ح 4 ص 361
ابن بشر:
انظر ح 4 ص 361
ابو بصير:
ابو بصير - ابو غسيل ويقال له ابو بصير - ذكر الثعلبى فى التفسير من طريق حميد الطويل قال ابصر النبى صلى الله عليه وسلم اعمى يتوضأ فقال له «بطن القدم» فجعل يغسل تحت قدمه حتى سمى ابا غسيل واخرج الخطيب فى التاريخ من طريق ابى معاوية عن يحيى بن سعيد الانصارى عن محمد ابن محمود بن محمد ابن سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل مصاب البصر يتوضأ فقال «باطن رجلك باطن رجلك يا ابا بصير» فسمى ابا بصير.
البغوى:
انظر ح 2 ص 245
ابو بكر:
انظر ح 8 ص 371
بلال:
انظر ح 4 ص 361
البنانى:
انظر محمد البنانى ح 7 ص 398
البندنيجى:
انظر ح 4 ص 361
البهنسى توفى سنة 628 هـ:
الحارث بن مهلب بن حسن ابن بركات ابو الأشبال مجد الدين البهنسى وزير من الكتاب الشعراء مصرى سافر الى الشام وغيرها استكتبه الديوان العزيزى الى ملوك النواحى واستوزره الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك العادل ابى بكر بن ايوب ثم عزله وصادره وحبسه مدة وتوفى بدمشق عن نيف وسبعين عاما.
البويطى:
انظر ح 5 ص 371
البيهقى:
انظر ح 1 ص 251
حرف التاء:
التتائى:
انظر ح 8 ص 371
الترمذى:
انظر ح 1 ص 251
حرف الثاء:
ثعلب:
انظر ح 4 ص 361
الثورى:
انظر ح 1 ص 252
حرف الجيم:
جابر رضى الله عنه صحابى:
انظر ح 3 ص 339
ابو جعفر:
انظر ح 7 ص 387
جعفر بن محمد:
انظر ح 3 ص 347
ابو جعفر الهندوانى:
انظر ح 1 ص 253
الامام جلال الدين الجنازى توفى سنة 691 هـ:
عمر بن محمد بن عمر الجنازى الحجندى ابو محمد جلال الدين فقيه حنفى من اهل دمشق جاور بمكة سنة وعاد اليها له المغنى فى اصول الفقه وشرح الهداية.
ابو الجهم توفى سنة 70 هـ:
عامر، او عمير، او عبيد ابن حذيفة بن غانم من قريش من بنى عدى بن كعب احد المعمرين اسلم يوم فتح مكة واشترك فى بناء الكعبة مرتين الأولى فى الجاهلية والثانية حين بناها ابن الزبير سنة 64 هـ ومات فى تلك الفينة وهو احد الأربعة الذين دفنوا عثمان وله خير مع معاوية.
الجوهرى:
انظر ح 4 ص 263
حرف الحاء:
ابن الحاج:
انظر ح 9 ص 371
ابن الحاجب:
انظر ح 1 ص 253
ابن حامد:
انظر ح 2 ص 348
القاضى ابو حامد:
انظر ح 1 ص 246
ابن حبيب:
انظر ح 1 ص 253
ام حبيبة:
انظر ح 5 ص 366
ابن حجر:
انظر ح 1 ص 254
ابو حدرد:
الصحابى رضى الله عنه وهو والد ام الدرداء الكبرى خيرة وهو اسلمى قيل اسمه سلامة ابن عمر بن ابى سلامة وقال احمد بن حنبل حدثت عن ابى اسحاق ان اسمه عبد الله وقال على بن المدينى اسمه عبيد وهو حجازى روى عنه ابنه حدرد بن ابى حدرد.
ابو حذيفة:
انظر ح 8 ص 372
حرملة توفى سنة 243 هـ:
ابو عبد الله حرملة بن يحيى حرملة توفى سنة 243 هـ: ابن عبد الله حرملة بن عمران ابن قرادمولى سلمة بن مخرمة التجيبى المصرى ابو عبد الله فقيه من اصحاب الشافعى كان حافظا للحديث له فيه المبسوط والمختصر مولده ووفاته بمصر وروى عنه مسلم بن الحجاج فأكثر فى صحيحه من ذكره.
ابن حزم:
انظر ح 1 ص 254
الحسن بن زياد:
انظر ح 1 ص 254
الحسن بن صالح:
انظر ح 4 ص 362
ابو الحسن الصغير توفى سنة 339 هـ:
قاضى الاسكندرية على بن عبد الله بن ابى مطر المعافرى الاسكندرانى الفقيه ابو الحسن المالكى وله مائة سنة روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد ابن مسلم وغيره.
الحسن بن على:
انظر ح 2 ص 349
الحسن النخعى:
انظر ح 1 ص 279
أبو الحسن العبادى توفى سنة 495 هـ:
بفتح العين وتشديد الباء من أصحاب الشافعى الفضلاء وهو صاحب كتاب الرقم وهو والد الشيخ أبى عاصم العبادى الامام واسمه أبى الحسن توفى فى جمادى سنة خمس وتسعين وأربعمائة وهو ابن ثمانين سنة.
القاضى أبو الحسن بن القصار:
انظر ابن القصار ح 3 ص 354
الحسين بن على:
انظر سيدنا الحسين ح 3 ص 341
الحطاب:
انظر ح 1 ص 254
الحقينى توفى سنة 490 هـ:
على بن جعفر بن الحسين بن عبد الله بن على بن الحسين بن الحسن بن على بن احمد الحقينى وهو الذى سكن قرية يقال حقينة بالقرب من المدينة، ابن على بن الحسين الأصغر بن على بن الحسين ابن على بن ابى طالب الهاشمى الحسينى ابو الحسن الامام الهادى المعروف بالحقينى الصغير والكبير والده قام فى بلد الاسنتارية من ارض الديلم بعد وفاة الناصر الصغير سنه 472 هـ وكان الحقينى مشتغلا بالأمر فى بلاد ويلمان وكان ابو الرضى محتسبا فى بلاد جيلان كان الحقينى فقيها متكلما له المقالات فى العلوم والتأليف من اهل البصرة ولم يزل قائما بأمر الله الى ان حضر يوما فى بلدة كجوة من بلاد الاستندارية فوثب عليه رجل حبشى فى المسجد فقتله رضوان الله عليه فى يوم الاثنين فى رجب ونقل الى بكار ودفن بقرية قفشكين.
ابن الحكم:
انظر ح 2 ص 349
حلاس «حلاش» :
حلاش بن عمرو الهجرى عده الشيخ فى رجاله من اصحاب على عليه السلام وعد حلاش ابن عمرو من دون وصفه بالهجرى من اصحاب الحسين عليه السلام وحلاش بالحاء المهملة واللام المشددة والالف والشين المعجمة وفى بعض نسخ رجال الشيخ حلاش بالسين المهملة بدل الشين.
الحلبى شمس الأئمة:
انظر ح 6 ص 384
الحلوانى:
انظر ح 1 ص 255
حماد:
انظر ح 3 ص 342
حماد بن زيد:
انظر ج 3 ص 342
حماد بن سلمة:
انظر ح 1 ص 255
ابن حمدان توفى سنة 695 هـ:
احمد بن حمدان بن شبيب ابن حمدان النحيرى الحرانى ابو عبد الله فقيه حنبلى اديب ولد ونشأ بحران ورحل الى حلب ودمشق وولى نيابة القضاء فى القاهرة فسكنها داش وكف بصره وتوفى بها من كتبه الرعاية الكبرى والرعاية الصغرى كلاهما فى الفقه وصفة المفتى والمستفتى ومقدمة فى اصول الدين وجامع الفنون وسلوة المحزون.
حمنة بنت جحش صحابية:
انظر ح 5 ص 386
الحموى:
انظر ح 2 ص 350
الامام حميد:
انظر ح 3 ص 342
ابو حنيفة:
انظر ح 1 ص 255
حرف الخاء:
الخرقى:
انظر ح 1 ص 256
الخصاف:
انظر ح 1 ص 256
ابو الخطاب:
انظر ح 1 ص 256
الخلال:
انظر ح 1 ص 256
خليل:
انظر ح 1 ص 256
الخوارزمى:
انظر ح 7 ص 390
خواهرزادة:
انظر ح 1 ص 257
حرف الدال:
الدارقطنى:
انظر ح 1 ص 256
الدسوقى:
انظر ح 1 ص 257
ابو داود:
انظر ح 1 ص 257
حرف الراء:
الرافعى:
انظر ح 1 ص 258
ابو رافع:
انظر ح 1 ص 258
ربيعة:
انظر ح 1 ص 258
ابن رجب:
انظر ح 1 ص 258
ابن رستم توفى سنة 211 هـ:
ابراهيم بن رستم ابو بكر المروزى احد الأئمة الأعلام سمع منصور بن عبد الحميد وهو شيخ يروى عن انس بن مالك وسمع ايضا مالك بن انس ومحمد بن عبد الرحمن ابن ابى ذئب وسفيان الثورى وغيرهم قدم بغداد غير مرة وحدث بها فروى عنه العراقيين سعيد بن سليمان سعدوية واحمد بن حنبل وزهير بن حرب وغيرهم، قال العباس بن مصعب كان ابراهيم بن رستم من اهل كرمان ثم نزل مرو فى سكة الدباغين وكان اولا من اصحاب الحديث فحفظ الحديث فنقم عليه من احاديث فخرج الى محمد بن الحسن وغيره من اهل الراى فكتب كتبهم وحفظ كلامهم فاختلف الناس اليه وعرض عليه القضاء فلم يقبله فدعاه المأمون فقربه منه وحدثه، روى انه لما عرض عليه القضاء فامتنع وانصرف الى منزله تصدق بعشرة آلاف درهم واتاه ذو الرياستين الى منزله مسلما فلم يتحرك له ولا فرق اصحابه فقال:
«اشكاب» وكان رجلا متكلما عجبا لك يأتيك وزير الخليفة فلا تقوم له من اجل هؤلاء الدباغين عندك فقال رجل من هؤلاء المتفقهة نحن من دباغى الدين، الذى رفع ابراهيم ابن رستم حتى جاءه وزير الخليفة فسكت «اشكاب» وسئل عنه يحيى بن معين فقال ثقة وذكر عن الدارمى توثيقه ايضا، قال اسحاق ابن ابراهيم الحفصى مات ابراهيم بن رستم المروزى بنيسابور قدمها حاجا وقد مرض السرخسى فبقى عندنا تسعة ايام وهو عليل ومات فى اليوم العاشر سنة احدى عشرة ومائتين وقيل سنة عشر ومائتين.
ابن رشد:
انظر ح 1 ص 258
السيد رضى الدين ابن طاووس توفى سنة 664 هـ:
يطلق غالبا على رضى الدين ابى القاسم بن موسى بن جعفر ابن طاووس الحسنى الحسينى السيد الأجل الأورع الأزهد قدورة العارفين الذى ما اتفقت كلمة الأصحاب على اختلاف مشاربهم وطريقتهم، وقال العلامة فى منهاج الصلاح فى مبحث الاستخارة: ورويت عن السيد السند رضى الدين على بن موسى بن طاووس وكان اعبد من رايناه من اهل زمانه، له التصانيف الكثيرة البالغة الى حدود الثمانين التى منها كتاب البشرى فى الفقه ست مجلدات والملاذ فيه اربع مجلدات.
ابن الرفعة:
انظر ح 1 ص 259
الرويانى:
انظر ح 2 ص 352
حرف الزاى:
الزبير بن العوام:
انظر ح 1 ص 259
الزركشى:
انظر ح 1 ص 259
زروق:
انظر ح 3 ص 344
زفر:
انظر ح 1 ص 259
زكريا الساجى توفى سنة 243 هـ:
زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن ابن محمد بن عدى الضبى البصرى الساجى ابو يحيى محدث البصرة فى عصره كان من الحفاظ الثقات له كتاب جليل فى علل الحديث يدل على تبحره ومن كتبه اختلاف الفقهاء توفى بالبصرة.
ابو زيد:
انظر دبوس ح 1 ص 257
القاضى زيد:
انظر ح 1 ص 260
زيد بن ثابت:
انظر ح 1 ص 260
زيد بن على:
انظر ح 1 ص 260
زينب بنت جحش صحابية:
انظر ح 8 ص 374
زينب بنت رسول الله توفيت سنة 8 هـ:
زينب بنت سيد ولد آدم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشية الهاشمية هى اكبر بناته واول من تزوج منهن تزوجها ابن خالتها ابو العاص بن الربيع العبشمى وامه هالة بنت خويلد اخرج ابن سعد بسند صحيح عن الشعبى. قال: هاجرت زينب مع ابيها واتى زوجها ابو العاص ان يسلم فلم يفرق النبى صلى الله عليه وآله وسلم بينهما، وعن الواقدى بسند له عن عباد ابن عبد الله ابن الزبير عن عائشة ان ابا العاص شهد مع المشركين بدرا فأسر فقدم اخوه عمرو فى فدائه وارسلت معه زينب قلادة من جزع كانت خديجة ادخلتها بها على ابى العاص فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفها ورق لها وذكر خديجة فترحم وكلم الناس فأطلقوه ورد عليها القلادة واخذ على ابى العاص ان يخلى سبيلها ففعل. قال الواقدى هذا اثبت عندنا وبتأيد هذا بما ذكر ابن اسحاق عن يزيد ابن رومان قال صلى النبى صلى الله عليه وسلم الصبح فنادت زينب انى اجرت ابا العاص بن الربيع. فقال بعد ان انصرف هل سمعتهم
شريك توفى سنة 137 هـ:
شريك بن عبد الله بن الحارث النخعى الكوفى ابو عبد الله عالم بالحديث فقيه اشتهر بقوة ذكائه وسرعة بديهته استقضاه المنصور العباسى على الكوفة سنة 153 هـ ثم عزله واعاده المهدى فعزله موسى الهادى وكان عادلا فى قضائه مولده فى بخارى ووفاته بالكوفة.
الشعبى:
انظر ح 1 ص 263
شمس الأئمة السرخسى:
انظر السرخسى ح 1 ص 261
الشمس الجوهرى:
انظر ح 4 ص 362
ابن شهاب:
انظر ح 3 ص 348
ابن ابى شيبة:
انظر ح 9 ص 377
حرف الصاد:
صالح:
انظر ح 1 ص 264
الصدوق:
انظر ح 2 ص 355
صهيب توفى سنة 38 هـ:
صهيب بن سنان بن مالك من بنى النمر بن فاسط صحابى من ارمى العرب سهما وله بأس وهو احد السابقين الى الاسلام كان ابوه من اشراف الجاهلية ولاه كسرى على الأبلة «البصرة» وكانت منازل قومه فى ارض الموصل على شط الفرات مما يلى الجزيرة والموصل وبها ولد صهيب فأغارت الروم على ناحيتهم فسبوا صهيبا وهو صغيرا فنشأ بينهم فكان الكن واشتراه منهم احد بنى كلب وقدم به مكة فابتاعه عبد الله ابن جدعان التيمى ثم اعتقه فأقام بمكة يحترف التجارة الى ان ظهر الاسلام فأسلم ولم يتقدمه غير بضعة وثلاثين رجلا فلما ازمع المسلمون الهجرة الى المدينة كان صهيب قد ربح مالا وفيرا من تجارته فمنعه مشركوا قريش وقالوا جئتنا صعلوكا حقيرا فلما كثر مالك هممت بالرحيل.
فقال ارايتم ان تركت مالى تخلون سبيلى. قالوا نعم.
فجعل لهم مالهم اجمع فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: ربح صهيب ربح صهيب وشهد بدرا واحدا والمشاهد كلها له فى الصحيحين 307 احاديث وتوفى فى المدينة وكان يعرف بصهيب الرومى وفى الحديث انا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة.
الصيدلانى:
انظر ح 4 ص 367
الصيمرى:
انظر ح 7 ص 393
حرف الطاء:
ابو طالب:
انظر ح 1 ص 264
ابو طاهر الدياسى:
انظر ح 2 ص 351
الطحاوى:
انظر ح 1 ص 262
الطحطاوى:
انظر ح 1 ص 265
طلحة:
انظر ح 8 ص 377
القاضى ابو الطيب:
انظر ح 3 ص 353
ابو الطيب بن سلمة توفى سنة 308 هـ:
من متقدمى اصحاب الشافعى وائمتهم اصحاب الوجوه هو الامام ابو الطيب محمد ابن الفضل بن سلمة بن عاصم البغدادى واشتهر بأبى الطيب ابن سلمة نسب الى جده قال الخطيب البغدادى كان من كبار الفقهاء ومتقدميهم قال ويقال انه درس على ابى العباس بن سريج قال وصنف كتباعدة وتوفى فى المحرم سنة ثمان وثلثمائة.
حرف العين:
السيدة عائشة:
انظر ح 1 ص 265
العاصمى:
انظر ح 6 ص 386
عامر بن ربيعة توفى سنة 32 هـ:
عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد الله بن الحارث ابن رقيدة بن عنز بن وائل العنزى وقيل فى نسبه غير ذلك وعنز بسكون النون اخو بكر بن وائل ابو عبد الله خيثمة ثم هاجر الى المدينة والد عمر ومنهم من ينسبه الى مذحج كان احد السابقين الأولين وهاجر الى الحبشة ومعه امراته ليلى بنت ابى حيثمة ثم هاجر الى المدينة ايضا وشهد بدرا وما بعدها وله رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم من طريق ابيه عبد الله ومن طريق عبد الله ابن عمر وعبد الله بن الزبير وابى اسامة بن سهل وغيرهم وذلك فى الصحيحين وغيرهما وكان صاحب عمر لما قدم الجابية واستخلفه عثمان على المدينة لما حج مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل ان موته كان بعد قتل عثمان بأيام وقيل فى وفاته غير ذلك.
ابن عباس:
انظر ح 1 ص 267
ابو العباس:
انظر ح 1 ص 266
ابو العباس احمد بن محمد ابن بكر:
انظر ح 1 ص 266
ابو العباس الحسينى:
انظر ح 1 ص 266
عبد الباقى:
انظر ح 9 ص 378
ابن عبد البر:
انظر ح 1 ص 266
عبد الحق:
انظر ح 6 ص 387
ابن عبد الحكم:
انظر ح 1 ص 266
العبدرى توفى سنة 582 هـ:
بيشى بن محمد بن على بن بيشى ابو بكر العبدرى قاض من المشتغلين بالحديث من اهل شاطبة كان معدودا فى اهل الشورى والفتيا قبل ان يلى القضاء وتوفى بشاطبة وهو قاضيها له التصحيح فى اختصار الصحيح للبخارى وكتاب فى جمع الأحاديث التى زاد مسلم فى تخريجها على البخارى.
عبد الرحمن ابن سهل:
انظر ح 2 ص 356
عبد الرحمن ابن عوف:
انظر ح 1 ص 266
عبد الرحمن ابن القاسم:
انظر ح 1 ص 271
ابن عبد السّلام:
انظر ح 1 ص 266
فانهزم اهل عمان وقتل عزان وارسل ابن بور راسه الى الى المعتضد ببغداد.
العزيزى:
انظر ح 1 ص 268
ابو عصمة:
سعد بن معاذ - انظر ح 3 ص 345
عطاء:
انظر ح 2 ص 257
ابن عطا الله توفى سنة 709 هـ:
الشيخ تاج الدين ابو الفضل احمد ابو الفضل احمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندرى الشاذلى كان جامعا لانواع العلوم من تفسير وحديث ونحو واصول وفقه على مذهب مالك وصحب فى التصوف ابا العباس المرسى وكان اعجوبة زمانه فيه واخذ عنه التقى السبكى استوطن القاهرة يعظ الناس ويرشدهم وله الكلمات البديعة دونها اصحابه له تاج العروس وقمع النفوس فى التصوف ومفتاح الفلاح وحكم ابن عطاء الله والتنوير فى اسقاط التدبير الى غير ذلك.
عقبة بن عامر:
انظر ح 3 ص 351
ابن عقيل:
انظر ح 2 ص 358
على بن ابراهيم:
على بن ابراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله ابن الحسين بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب ابو الحسن الجوانبى بفتح الجيم وتشديد الواو ثقة صحيح الحديث خرج مع ابى الحسن عليه السلام الى خراسان.
ابو على «الحسن ابن احمد:
انظر ح 16 ص 360
على بن جعفر توفى سنة 210 هـ:
على بن جعفر الصادق بن محمد بن على بن الحسين العلوى الحسينى روى عن ابيه واخيه موسى وسفيان الثورى وكان من جملة السادة الأشراف.
على بن الحسين ابن ابى طالب:
انظر ج 3 ص 351.
الأمير على ابن الحسين توفى تقريبا سنة 670 هـ:
على بن الحسين بن يحيى بن عم الأمير شمس الدين وبدر الدين هو الأمير الكبير العالم الشهير جمال الدين وصاحب الزهد المتيم، له فى الفقه اللمع معتمد كتب الزيدية وله شروح اجودها الديباج النظير للقاضى عبد الله الدوارى وغيره من الشروح وقال فى المستطاب: افتى الأمير على انه يجوز القعود فى صنعاء ايام الغزو فأعترضه الفقيه حميد بن احمد المحلى بأنه لا يجوز ان يفتى بذلك الا مجتهد فأجاب الأمير انه افتى وهو معتقد انه مجتهد فى تلك المسألة ومن مشايخه ابن معرف
على خليل:
على بن محمد الخليلى الزيدى الجبلى الشيخ الجليل قال فى المستطاب: هو من اتباع المؤيد بالله وله مؤلفات منها الجمع بين الافادة والافادات وله المجموع المشهور كان فى اوائل المائة الخامسة. قال الامام المهدى: المجموع مجلدان.
ابو على الدقاق:
ابو على المعروف بكنيته واسمه الحسن النيسابورى العالم العارف المفسر المتأله الواعظ ابو زوجة القشيرى
وأستاذه، توفى سنة 405 هـ أو سنة 412 هـ وقبره فى نيسابور له كلمات معروفة وكتاب فى الوعظ مشتمل على 360 مجلسا.
على بن ابى طالب:
أنظر ح 1 ص 269
ابو على الطبرى توفى سنة 350 هـ:
هو الامام البارع المتفق على جلالته ذو الفنون أبو على الحسن بن القاسم منسوب الى طبرستان تفقه على أبى على بن أبى هريرة قال الشيخ أبو اسحاق صنف المجرد فى النظر وهو أول كتاب صنف فى الخلاف المجرد وصنف الافصاح فى المذهب وصنف أصول الفقه وصنف الجدال قال: ودرس ببغداد بعد أستاذه أبى على بن أبى هريرة توفى سنة خمسين وثلاثمائة.
على بن عبد الرحمن توفى سنة 399 هـ:
على بن عبد الرحمن بن أحمد ابن يونس الصدفى المصرى أبو الحسن فلكى من العلماء وكان عارفا بالأدب وله شعر كثير يرمى بالقفلة لقلة اكتراثه ولرثاثة ثيابه اختص بصحبة الحاكم الفاطمى وتوفى بالقاهرة له الزيج الحاكمى ويعرف بزيج ابن يونس فى أربع مجلدات صحح به أغلاط من سبقه من مصنفى الأزياج وكان تعويل أهل مصر عليه وفى كتاب مدينة العرب لفوستاف لوبون وضع ابن يونس فى القاهرة زيجة الحاكمى المشهور فأنسى كل زيج قبله فى العالم حتى عنى به فلكيو الصين فذكره أحدهم كوشيو كينغ سنة 1280، ومن كتب ابن يونس التعديل المحكم وجداول السمت وجداول فى الشمس والقمر وغاية الانتفاع فى معرفة الدواء والسمت من قبل الارتفاع.
ابو على الجاو:
أنظر ح 4 ص 373
ابو على النسقى:
أنظر ح 1 ص 279
على بن يحيى الواشلى توفى سنة 777 هـ:
على بن يحيى بن حسن بن راشد الوشلى الزيدى العلامة الذاكر من ذرية سلمان الفارسى رضى الله عنه كان علامة حجة فى المذهب مولده سنة 662 هـ وله تصانيف منها الزهرة على اللمع وقيل ان له اللمعة غير لمعة الجلال وقال انه لم يضع شيئا فى كتبه الا ما كان مذهبا للهادى وكان الفقيه على رحمه الله صاحب فضل وورع كبير توفى بصعدة سنة سبعمائة وسبع وسبعين. قال الفقيه يوسف من ورعه أنه وعد رجلا بكراء حانوت لمسجد صعده فجاء آخر فبذل زيادة فأكراه من الأول وفاء بما وعد وكان يسلم الزائد من ماله رحمه الله.
ابن عمر:
أنظر ح 1 ص 267
أبو عمر:
أنظر ح 2 ص 359
عمر بن الخطاب:
أنظر ح 1 ص 269
عمران:
أنظر ح 2 ص 359
أبو عمران:
أنظر ح 8 ص 379
أبو عمرو:
أنظر ابن الصلاح ح 1
ابن الصلاح:
ص 264
عمرو بن العاص:
أنظر ح 3 ص 250
القاضى عياض:
أنظر ح 1 ص 257
حرف الغين:
غالب بن ابحر صحابى:
غالب بن أبحر المزنى أبو حاتم الرازى له صحبة وهو كوفى ويقال فيه ابن ديخ بكر أوله ومثناه تحتية بعدها معجمة له حديث فى سنن أبى داود فى الحمر الأهلية اختلف فى اسناده اخلافا كثيرا قال ابن السكن مخرج حديثه عن شيخ من أهل الكوفة قال قتيبة: حدثنا عبد المؤمن أبو الحسن حدثنا عبد الله بن خالد العبسى عن عبد الرحمن ابن مقرن عن غالب بن أبحر قال: ذكرت قيس عند النبى صلى الله عليه وسلم. فقال:
ان قيسا لأسد الله ورواه الحسن بن سفيان فى مسنده عن قتيبة ومن طريقه أبو نعيم رواه ابن قانع عن موسى ابن هارون عن قتيبة وابن منده من طريق موسى وفرق ابن قانع بينهما.
الغزالى:
أنظر ح 1 ص 270
حرف الغاء:
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنظر ح 1 ص 271
فاطمة بنت ابى حبيش صحابية:
انظر ح 5 ص 374
ابو الفرج:
انظر ح 5 ص 375
ابن فضال:
الحسن بن على بن فضال توفى سنة 224 هـ: التيمى بالولاء ابو محمد فاضل من مصنفى الامامية من اهل الكوفة من كتبه «الرد على الغالية» والنوادر، والتفسير، والملاحم، والرجال.
ابو الفضل الناصر:
انظر ح 1 ص 278
حرف القاف:
القاسم الصفار:
انظر الصفار ح 3 ص 341
ابن القاسم:
انظر ح 1 ص 271
القاضى:
انظر ح 1 ص 271
القاضى: انظر ح 1 ص 361
القاضى: انظر ح 2 ص 361
قتادة:
انظر ح 3 ص 353
ابو قتادة:
انظر ح 2 ص 362
القدورى:
انظر ح 1 ص 272
القرافى:
انظر ح 1 ص 272
ابن القصار:
انظر ح 3 ص 354
القمى:
انظر ح 6 ص 390
حرف الكاف:
الكمال:
انظر ح 1 ص 273
الكرخى:
انظر ح 1 ص 273
كعب بن مالك:
انظر ح 4 ص 370
الكنى:
انظر ح 6 ص 391
حرف اللام:
ابن لبابة:
انظر ح 6 ص 391
اللخمى:
انظر ح 1 ص 274
الليث بن سعد:
انظر ح 1 ص 274
ابن ابى ليلى:
انظر ح 1 ص 274
حرف الميم:
المؤيد بالله:
انظر ح 1 ص 275
ابن الماجشون:
انظر ح 2 ص 363
المازرى:
انظر ح 1 ص 274
مالك:
انظر ح 1 ص 275
ابو مالك:
انظر ح 7 ص 397
الماوردى:
انظر ح 1 ص 278
مجاهد:
انظر ح 3 ص 355
محارب بن دثار توفى سنة 116 هـ:
محارب بن دثار بن كردوس السدوسى الشيبانى الكوفى ابو المطرف قاضى الكوفة كان فقيها فاضلا حسن السيرة زاهدا شجاعا من افرس الناس وكان من المرجئة فى على وعثمان وله فى ذلك شعر، عزل عن القضاء واعيد وتوفى وهو قاض.
المحاملى:
انظر ح 4 ص 271
المحبوبى توفى سنة 747 هـ:
عبيد الله بن مسعود بن محمود بن احمد المحبوبى النجارى الحنفى صدر الشريعة الأصغر ابن صدر الشريعة الأكبر من علماء الحكمة والطبيعيات واصول الفقه والدين، له كتاب تعديل العلوم «خ» والتنقيح «ط» فى اصول الفقه وشرحه التوضيح، وشرح الوقاية لجده محمود فى فقه الحنفية، والنقاية مختصر الوقاية «ط» مع شرح القهستانى والوشاح فى علم المعانى توفى فى نجارى.
محمد:
انظر ح 1 ص 275
القاضى ابو محمد:
انظر القاضى عبد الوهاب ح 1 ص 261
محمد بن ابراهيم الميدانى توفى سنة 518 هـ:
ابو الفضل احمد بن محمد ابن احمد بن ابراهيم النيسابورى كان اديبا فاضلا اخذ من ابى الحسن على بن احمد الواحدى وصنف تصانيف حسنة اشهرها مجمع الأمثال والسامى فى الأسامى ونزهة الطرف فى علم الصرف والهادى للشادى توفى بنيسابور سنة 518 هـ
محمد بن حمران:
محمد بن حمران بن الحارث بن معاوية من بنى جعضى من سعد العشرة شاعر جاهلى ممن سمى «محمدا» قبل الاسلام قال الزبيدى له خبر مع امرئ القيس الكندى يدل على انه من معاصريه وهو من لقبه بالشويعر قال الآحدى وله فى كتاب «بنى جعفى» اشعار جياد.
محمد بن سلمة:
انظر ح 2 ص 364
محمد بن مسلمة:
انظر ح 4 ص 372
محمد بن مقاتل:
انظر ح 1 ص 258
محمد بن المواز:
انظر ح 1 ص 278
محمد بن يعقوب توفى سنة 329 هـ:
محمد بن يعقوب بن اسحاق ابو جعفر الكلينى فقيه امامى من اهل كلين «بالمرى» كان شيخ الشيعة ببغداد وتوفى فيها من كتبه الكافى فى علم الدين ثلاثة اجزاء الأول فى اصول الفقه والاخيران فى الفروع صنفه فى عشرين سنة والرد على القرامطة ورسائل الأئمة وكتاب فى الرجال.
ابن مرزوق:
انظر ح 3 ص 356
مسروق:
انظر ح 1 ص 276
ابن مسعود صحابى:
انظر ح 1 ص 276
مسلم:
انظر ح 1 ص 276
ابو مضر:
انظر ح 4 ص 372
معاذ بن جبل:
انظر ح 1 ص 276
معاوية بن عمار:
انظر ح 1 ص 276
ابن مصرف:
محمد بن مصرف الشيخ العلامة الزيدى من علماء الزيدية الأعلام عاصر الامام المهدى احمد بن الحسين وشهد بامامته ودرس على الأمير على بن الحسين وفى المستطاب انه شيخ الأمير الحسين بن محمد فقد تردد بين امامين وامتد زمانه الى ايام الحسن بن بدر الدين وبايعه وله مؤلفات منها المذاكرة والمنهاج وهو احد المذاكرين وفضله مشهور.
المعلى:
انظر ح 1 ص 277
المغيرة بن نوفل:
المغيرة بن نوفل بن الحدث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمى - قال ابو عمر ولد قبل الهجرة وقيل ولد بعدها بأربع سنين وذكره ابن شاهين فى الصحابة فأخرج من طريقه على ابن قيس الهاشمى من سليمان بن نوفل عن عبد الملك بن نوفل عن المغيرة بن نوفل عن ابيه عن جده المغيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يحمد عدلا ولم يذم جورا فقد بارز الله بالمحاربة» قال ابن شاهين قريب ولا اعلم للمغيرة غيره وجزم به ابو احمد العسكرى بأن هذا الحديث مرسل وذكر ابن حبان المغيرة هذا فى ثقات التابعين والراجح بالحالة ابو عمرو الحديث ليس بثابتة والمغيرة هذا كان قاضيا بالمدينة فى خلافة عثمان.
ابن المقرى:
انظر ح 5 ص 378
ابن المللقن توفى سنة 804 هـ:
عمر بن على بن احمد الانصارى الشافعى سراج الدين ابو حفص ابن النحوى المعروف بابن الملقن من اكابر العلماء بالحديث والفقه وتاريخ الرجال اصله من وادى آمن بالاندلس ومولده ووفاته فى القاهرة له نحو ثلاثمائة مصنف منها اكمال تهذيب الكمال فى اسماء الرجال تراجم والتذكرة فى علوم الحديث رسالة والاعلام بفوائد عمدة الاحكام.
ابن المنذر:
انظر ح 1 ص 277
المنصور بالله:
انظر ح 1 ص 277
ابن المنصور:
انظر ح 2 ص 364
المهدى:
انظر ح 6 ص 392
ابن المواز:
انظر ح 1 ص 278
ابن ابى موسى:
انظر ح 2 ص 365
ابو موسى الأشعرى:
انظر ح 3 ص 358
موسى بن جعفر:
انظر الكاظم ح 8 ص 380
حرف النون:
الناصر:
انظر ح 1 ص 278
ابن ناجى:
انظر ح 5 ص 379
ابن نافع:
انظر ح 1 ص 278
ابن ابى نجران:
عبد الرحمن بن ابى نجران التميمى الكوفى الضبط نجران بالنون المفتوحة والجيم الساكنة والراء المهملة والألف والنون وله كتب اجبر بها جماعة عن ابى المفضل عن ابن بطة عن احمد بن ابى عبد الله عن ابيه عن عبد الرحمن بن ابى نجران وقال النجاشى عبد الرحمن بن ابى نجران واسمه عمرو بن مسلم التميمى
مولى كوفى ابو الفضل روى عن الرضا وروى ابوه ابو نجران عن ابى عبد الله ثم روى عن ابى نجران حنان وكان عبد الرحمن ثقة معتمدا على ما يرويه، له كتب كثيرة وقال ابو العباس لم ار منها الا كتابه فى البيع والشراء.
ابن نجيم:
انظر ح 1 ص 279
نصر المقدسى توفى سنة 490 هـ:
نصر بن ابراهيم بن نصر بن ابراهيم بن داود النابلسى المقدسى، ابو الفتح شيخ الشافعية فى عصره بالشام، اصله من نابلس كان يعرف بابن ابى حافظ وقام برحلة، وعمره نحو عشرين عاما، فتفقه بصور، وصيدا، وغزة، وديار بكر، ودمشق، والقدس، ومكة، وبغداد، واقام عشر سنين فى صور ثم تسع سنين فى دمشق واجتمع فيها بالامام الغزالى، وتوفى بها. وكان يعين من غلة ارض له بنابلس، ولا يقبل من احد شيئا. من كتبه «الحجة على تارك المحجة» فى الحديث والتهذيب فقه فى عشر مجلدات والكافى «فقه» فى مجلد، والتقريب، والفصول.
النووى:
انظر ح 4 ص 271
حرف الهاء:
الهادى:
انظر ح 1 ص 280
ابن هارون توفى سنة 750 هـ:
محمد بن هارون الكنانى التونسى ابو عبد الله فقيه مالكى من مدرسى جامع الزيتونة بتونس له شروح واختصارات منها شرح مختصرى ابن الحاجب وشرح المعالم الفقهية ومختصر التهذيب.
ابو هريرة:
انظر ح 1 ص 280
هشام:
انظر ح 2 ص 366
هشام بن عروة:
انظر ح 1 ص 280
حرف الواو:
وائل بن حجر:
انظر ح 4 ص 374
وابصة بن معبد:
عمرو بن وابصة بن معبد.
تابعى معروف اخرجه البارودى فى الصحابة وساق من طريق معمر عن منصور ابن هلال بن يساف عن زياد ابن ابى الجعد عن عمرو بن وابصة ان النبى صلى الله عليه وسلم ابصر رجلا يصلى خلف الصف فأمره ان يعيد وهذا خطأ نشأ عن تصحيف وانما هو عن عمرو بن وابصة فتصحف عن راشد والصحابى هو وابصة فقد اخرجه ابو داود والترمذى من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال على الصواب.
ابن وهب:
انظر ح 2 ص 366
حرف الياء:
الامام يحيى:
انظر ح 1 ص 280
ابو يحيى:
انظر ح 9 ص 386
ابو اليسر:
انظر ح 8 ص 383
ابو يوسف:
انظر ح 1 ص 281
ابن يونس:
انظر ح 1 ص 281