المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌اقراض ‌ ‌التعريف به لغة: الاقراض مصدر فعله أقرض الثلاثى المزيد بالهمزة لافادة - موسوعة الفقه الإسلامي - الأوقاف المصرية - جـ ٢٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

‌اقراض

‌التعريف به لغة:

الاقراض مصدر فعله أقرض الثلاثى المزيد بالهمزة لافادة التعدية، فأصل مادته قرض.

وجاء فى لسان العرب أن القرض القطع يقال قرضه يقرضه بالكسر قرضا. والقرض بفتح القاف وكسرها ما يتجازى به الناس بينهم ويتقاضونه وجمعه قروض وهو ما أسلفه من احسان ومن اساءة وهو على التشبيه قال أمية بن أبى الصلت:

كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا

أو سيئا أو مدينا مثل ما دانا

وقال الله عز وجل: «وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً 1 حَسَناً» ويقال أقرضت فلانا وهو ما تعطيه ليقضيكه. وكل أمر يتجازى به الناس فيما بينهم فهو من القروض.

قال الجوهرى: والقرض ما يعطيه من المال ليقضاه. ويقال: اقرض فلان فلانا وقارضه مقارضة وقراضا. واستقرضت من فلان أى طلبت منه القرض فأقرضنى. ويقال أقرض فلان من فلان أى أخذ منه القرض.

وقال أبو اسحاق النحوى فى قول الله عز وجل: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً 2 حَسَناً» قال: معنى القرض البلاء الحسن، تقول العرب لك عندى قرض حسن وقرض سيئ وأصل القرض ما يعطيه الرجل الآخر أو ما يفعله ليجازى عليه، والله عز وجل لا يستقرض من عوز، ولكنه يبلو عباده.

والقرض فى قول الله عز وجل «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً» اسم ولو كان مصدرا لكان اقراضا، ولكن قرضا ههنا اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء، فأما قرضت فلانا أقرضه قرضا فمعناه جازيته.

وقال الأخفش فى قول الله عز وجل «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً» أى من ذا الذى يفعل فعلا حسنا فى اتباع أمر الله وطاعته والعرب تقول لكل من فعل الى آخر خيرا: قد أحسنت قرض فلان وقد أقرضته قرضا حسنا.

وفى الحديث الشريف أقرض من عرضك ليوم فقرك. يقول صلى الله عليه وسلم:

اذا نال عرضك رجل فلا تجازه ولكن استبق أجره موفرا لك قرضا فى ذمته لتأخذه منه يوم حاجتك اليه.

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حضره الأعراب وهم يسألونه عن أشياء. أعلينا حرج فى كذا؟. فقال: عباد الله رفع الله عنا الحرج الا من اقترض أمرأ مسلما. وفى رواية الا من اقترض عرض مسلم. أراد صلى الله عليه وسلم بقوله اقترض امرأ مسلما أى قطعه بالغيبة والطعن عليه ونال منه وأصله من القرض بمعنى القطع.

(1)

الآية رقم 18 من سورة الحديد.

(2)

الآية رقم 245 من سورة البقرة.

ص: 5

قال أبو عبيدة: القرض فى أشياء فمنها القطع - على ما تقدم - ومنها قرض الفأر لأنه قطع كذلك، وأيضا منها السير فى البلاد لأن السير فى الأرض قطع لها ومنه قول الله عز وجل «وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ 1» وقيل: قرض فلان فى سيره يقرض قرضا عدل يمنة ويسرة، ومن ذلك قول الله عز وجل «وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ» }.

قال أبو عبيدة رحمه الله تعالى: أى تخلفهم شمالا وتجاوزهم وتقطعهم وتتركهم عن شمالها

(2)

.

‌التعريف فى اصطلاح الفقهاء:

يستعمل الفقهاء كلمة الاقراض ويقصدون بها اعطاء الانسان آخر مالا على سبيل السلف ليتقاضاه منه. فى وقت آخر، فهم فى استعمالهم هذا المصطلح لا يكادون يخرجون على المعنى اللغوى ولكنهم يخصصونه بذلك المعنى فقط.

وأحكام الاقراض قد ذكرت وفصلت فى مصطلح (اقتراض) انظر مصطلح اقتراض.

‌إقطاع

التعريف به لغة:

يقال: اقطع الامام الجند البلد اقطاعا جعل لهم غلتها رزقا. واستقطعته اقطاعا سألته الاقطاع واسم ما يقطع ويعطى قطيعة وجمع ذلك قطائع والقطيعة أيضا اسم للوظيفة والضريبة «المصباح المنير» ويقال: قطعته قطيعة. أى طائفة من أرض الخراج - القاموس المحيط. وذكر عياض: أن الاقطاع هو تسويغ الامام من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك وأكثر ما يستعمل فى الأرض وهو أن يعطى الامام منها شيئا من يراه يحوزه اما بقصد ان يتملكه بعمارته وذلك فى الأرض الموات، واما بان يحيل له غلته مدة من الزمان أو مدة حياته قال السبكى: وهذا المعنى الثانى هو الذى يسمى فى زماننا اقطاعا وبه يحصل للمقطع له اختصاص بما أقطع له من الأرض الموات كاختصاص المتحجر ولا يملك به الرقبة. وبه جزم الطبرى. وحكى صاحب الفتح عن ابن القيم أنه انما يسمى اقطاعا اذا كان فى أرض أو عقار وانما يجوز الاقطاع فى الفئ ولا يجوز فى حق لمسلم أو معاهد قال وقد يكون الاقطاع تمليكا وقد يكون غير تمليك ومن الثانى اقطاعه صلى الله عليه وسلم أصحابه المهاجرين الدور بالمدينة

(3)

.

(1)

الآية رقم 17 من سورة الكهف.

(2)

لسان العرب للامام ابن منظور مادة قرض (فصل القاف حرف الضاد) ج 29 ص 216 وما بعدها الى ص 219 طبع مطبعة دار صادر دار بيروت والمعجم الوسيط اخراج مجمع اللغة العربية فى مصر، والقاموس المحيط نفس المادة.

(3)

نيل الأوطار ج 5 ص 268 وما بعدها.

ص: 6

وفى حاشية ابن عابدين على الدر المختار المشهور فى كتب الفقه أن الاقطاع تمليك الخراج مع بقاء رقبة الأرض لبيت المال ومؤدى هذا أنه يكون فى خراج الأرض أى ثمراتها ومنافعها وهى الأرض الخراجية التى تعد رقبتها ملكا لبيت المال أما الأرض العشرية فالغالب فيها أن تكون ملكا لأربابها فلا يجوز فيها الاقطاع لما فيه حينئذ من الاعتداء على حقوقهم. اما الأرض الخراجية التى تركت فى يد أهلها على أن تكون ملكا لهم فان ما يوظف عليها من خراج مملوك لبيت المال، ولذا يجوز للامام الاقطاع فيه اذا ما اقتضت المصلحة ذلك أو اذا كان لمن هو مصرف له عند أبى يوسف، وأما الأرض التى لا مالك لها وهى أرض الموات - فيجوز الاقطاع فيها كما سيأتى: وأكثر استعمال الفقهاء على اختلاف مذاهبهم لاسم الاقطاع - انما هو فى اقطاع الأرض ولا يكادون يستعملونه فى غيرها الا قليلا بل ان منهم كالظاهرية والشيعة من لا يستعملونه فى غير الأرض.

‌من له حق الاقطاع:

لا يكون الاقطاع الا من الامام أو نائبه الذى جعل له الامام ولاية ذلك لأنه انما يكون فى أموال بيت المال أو فى الأموال التى لا مالك لها ولكنها تحت سلطانه وحمايته وأمر التصرف فى ذلك انما هو للامام وذلك ما نص عليه فى أكثر كتب الفقه.

‌مشروعيته:

والاقطاع مشروع بالسنة، فقد ورد كثير من الآثار التى تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقطع كثيرا من أصحابه، نكتفى منها بما يلى ذكره: عن ابن عباس رضى الله عنه قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحرث المزنى معادن القبلية «جلسيها» وعوريها، وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم، رواه أحمد وأبو داود، وروى أيضا من حديث عمرو بن عوف المزنى. الجلسى: بفتح الجيم: وسكون اللام وكسر السين بعدها ياء النسب المرتفع من الأرض وضده، الغور والقدسى: الصالح للزراعة منها. وعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما قالت: كنت أنقل النوى من أرض الزبير التى أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم اياه. وفى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير بن العوام أرضا من أموال بنى النضير وعن وائل بن حجر أن النبى صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا بحضر موت وبعث معاوية ليعطيها اياه. رواه الترمذى وصححه. قال الشوكانى: والأحاديث فى الاقطاع الذى صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم عديدة، وهى تدل على أنه يجوز للأئمة اقطاع الأراضى وتخصيصها لمن قطعت اياهم وذلك اذا كان فى الاقطاع مصلحة رآها الامام كما تدل على جواز اقطاع المعادن أيضا. والمراد بالاقطاع جعل الأرض الموات أو المعدن مختصا ببعض الأشخاص سواء أكان ذلك أرضا تحوى معدنا أم أرضا للأحياء

(1)

. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لو جاءنى مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا فلم يجئ حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء مال البحرين أمر

(1)

نيل الأوطار ج 5 ص 262 وما بعدها.

ص: 7

أبو بكر مناديا فنادى من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا فأتيته فقلت: ان رسول الله قال لى كذا وكذا فحثا لى حثية وقال عدها فاذا هى خمسمائة فقال خذ مثليها متفق عليه.

وهذا الحديث يدل على جواز اعطاء المال مما سوى الأراضى. وقد جاء التعبير فيه بالعطية لا بالاقطاع - وكلاهما اعطاء مال، ولا فرق الا ان الاقطاع فى العقار والعطية فى غير العقار من المال، وذلك اصطلاح واستعمال

(1)

. وقد ورد كذلك أثار جمة تدل على أن أبا بكر وعمر وعثمان قد أقطعوا من رأوا اعطاءه من مال بيت المال بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. فكان كل ذلك دليلا على مشروعية الاقطاع والعطاء وسندا لغير هؤلاء من الأئمة حين أقدموا على اعطاء من يرون ما يستعينون به من أموال بيت المال.

‌لمن يكون الاقطاع:

الاقطاع جائز باتفاق لمن يعد من مصارف بيت المال ففى هذه الحال يتوخى الامام المصلحة فيعطى ما يشاء لا يتجاوزها، لأن تصرف الامام منوط بالمصلحة وأما جوازه لمن لا يعد مصرفا لبيت المال، ففيه اختلاف الفقهاء اذا كان المال المعطى من أموال بيت المال فمنهم من منع ذلك لأن فيه مساسا بحق يجب الحفاظ عليه اذ أنه مال تعلقت به حقوق المسلمين ومصالحهم فلا يجوز صرفها فى غير ذلك وممن ذهب الى ذلك محمد بن الحسن رحمه الله تعالى. ومنهم من أجازه للمصلحة والى ذلك ذهب أبو يوسف رحمه الله. واما اذا لم يكن المعطى من بيت المال كالأرض الموات التى لا مالك لها والأرض التى جلا عنها أهلها منذ القدم فلم يعرف لها مالك، فلا خلاف فى جواز الاقطاع منها سواء أكان اقطاع تمليك أم اقطاع للعمارة وذلك لما للامام من الولاية العامة والنظر فى مصالح المسلمين.

‌ما يكون فيه الاقطاع من الأموال:

انما يكون الاقطاع فيما ليس مملوكا ولم يتعلق به حق لمعين ولا يكون من وراء اقطاعه ضرر بالعامة وعلى ذلك يكون الاقطاع فى الأرض الموات وفى الأرض التى لا مالك لها وفى كل أرض ليس عليها أثر لعمارة وفى الأرض يتركها أصحابها منذ زمن بعيد فتعود الى ما كانت عليه قبل العمارة كما يكون فى الجبال والأودية مما قد يكون احياؤه بماء الخراج فيكون أرضا خراجية أو بماء العشر فيكون أرضا عشرية فاذا حدث الاحياء كان عليها الخراج أو العشر حسب ما تسقى به من ماء. وراجع مصطلح عشر ومصطلح خراج. ويعمل الامام فى ذلك بما يرى أنه خير للمسلمين وأعم نفعا وسيان ان تكون الأرض ملكا لبيت المال أو لا ملك ولا حق عليها لأحد والاقطاع فيما بينا منه ما هو محل اتفاق بين الأئمة ومنه ما هو محل لاختلافهم وسنبين ذلك فيما يأتى:

‌أنواع الاقطاع:

والاقطاع قد يكون للتمليك فيتملك به المقطع له رقبة الأرض المعطاه وقد يكون

(1)

المصدر السابق ج 8 ص 61.

ص: 8

اقطاع امتاع وانتفاع كالتنازل عن الخراج لواضع اليد على الأرض الخراجية أو لغيره، وقد يكون اقطاعا للعمارة والأحياء، وحكمه كما سيأتى حكم التحجير، وقد يكون اقطاع ارفاق كما فى اقطاع المقاعد فى الأسواق والساحات للاتجار ونحوه ومن اقطاع التمليك اقطاع الأرض لأخذ ما فى باطنها من المعادن وتملكها.

والجائز من هذه الأنواع بلا خلاف فيه هو الاقطاع للعمارة والأحياء فهو محل اتفاق فى جميع المذاهب وما عدا ذلك من أنواعه فمحل اختلاف بين الفقهاء كما سيبين عند الكلام على مذاهبهم فى الاقطاع وقد ذكرنا أنه قل من يستعمل اسم الاقطاع فى اقطاع غير العقار من الأموال وانما يطلق على مثل اسم العطية وعلى أية حال فهو عن قبيل الاقطاع للتمليك.

‌اقطاع التمليك:

هذا النوع من الاقطاع يكون فى العقار وهو الغالب الكثير الشائع، ويكون فى غيره من الأموال كما يدل على ذلك حديث جابر ابن عبد الله الذى مر ذكره وقل من يطلق على هذا اسم اقطاع - ويكون فى المعادن كذلك بقصد استخراجها وتملكها.

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن هذا النوع من الاقطاع يجوز فى الأرض الموات والأرض التى لا مالك لها، فتملك به الأرض اذا كان ذلك هو القصد الذى قصده الامام منه وقد يكون قصد الامام منه التمكين. من العمارة وعندئذ يكون تملكها بالعمارة ولا يثبت به الا حق الاختصاص والأولوية فيكون حكمه حينئذ حكم المتحجر. وكذلك يرون صحته فى المعادن والمراد بذلك اقطاع الأرض لاستخراج معادنها وتملكها فاذا أقطع الامام مالا لا مالك له سواء أكان من الأرض أو من غيرها تملك المقطع له الأرض لعمارتها ان كانت مواتا وبالاقطاع نفسه اذا قصد به ذلك، وان لم تكن مواتا كما يتملك ما أقطع له من المعادن ملكا لازما لا يجوز للامام ولا لمن يأتى بعده أخذه منه. واذا كان اقطاع الامام فيما هو ملك لبيت المال فان كان لمن يعد مصرفا له ولم يتجاوز ما أقطع له ما يستحقه جاز. اما اذا لم يكن مصرفا له لم يجز عند محمد رحمه الله تعالى لأنه فى أموال تعلقت بها حقوق عامة المسلمين فلا يجوز المساس بها وأجاز ذلك أبو يوسف اذا ما رأى الامام مصلحة المسلمين فى ذلك، فقال فى كتابه الخراج

(1)

:

حدثنى أهل المدينة من المشيخة القدماء، قالوا:

وجدنا فى الديوان ان عمر رضى الله عنه أصفى أموال كسرى وآل كسرى وكل امرئ فر عن أرضه أو قتل فى المعركة وكل مفيض ماء أو اجمة فكان رضى الله عنه يقطع من هذا من أقطع - وهذه كلها أموال صارت الى بيت المال - وكان المقطع له يومئذ من الجند الذين لهم أرزاق فى بيت المال ثم قال أبو يوسف وذلك بمنزلة المال الذى لم يكن لأحد ولا فى يد وارث فللامام أن يجيز منه ويعطى من كان له غناء فى الاسلام ويضع ذلك موضعه ولا يحابى به فكذلك هذه الأرض

(1)

الخراج باب القطائع 68 وما بعدها المطبعة السلفية.

ص: 9

فهذا سبيل القطائع عندى فى أرض العراق ثم قال: ومن أقطعه الولاة المهديون فليس لأحد أن يرد ذلك وما يأخذونه من واحد فيعطى الآخر فذلك بمنزلة مال غصبه واحد من واحد.

ثم قال فى موضع آخر. وكل أرض من أرض الحجاز والعراق واليمن والطائف وأرض العرب وغيرها غامرة وليست لأحد ولا فى يد أحد ولا فى ملك أحد ولا ورثته ولا عليها أثر عمارة فأقطعها الامام رجلا فعمرها فان كانت فى أرض الخراج أدى عنها الخراج وان كانت من أرض العشر أدى عنها العشر. وأرض الخراج ما افتتح عنوة مثل السواد (سواد العراق) وغيره وأرض العشر كل أرض أسلم عليها أهلها فكل أرض أقطعها الامام مما فتحت عنوة ففيها الخراج الا أن يصيرها الامام عشرية وذلك اليه وأرجو أن يكون ذلك موسعا عليه فيه فكيفما شاء من ذلك فعل. ثم قال فى موضع آخر وكل من أقطعه الولاة المهديون أرضا من أرض السواد أو أرض العرب والجبال من الأصناف التى ذكرنا ان للامام أن يقطع منها فلا يحل لمن يأتى بعده من الخلفاء ان يرد ذلك ولا يخرجه ممن هو فى يده وارثا أو مشتريا ثم قال: والأرض عندى بمنزلة المال وللامام ان يجيز من بيت المال من كان له غناء فى الاسلام، ومن يقوى به على العدو ويعمل فى ذلك بالذى يرى أنه خير للمسلمين وأصلح لأمرهم وكذلك الأرضون يقطع الامام منها من أحب من الأصناف التى سميت ولا أرى ان يترك أرضا لا ملك لأحد فيها ولا عمارة حتى يقطعها فان ذلك أعمر للبلاد وأكثر للخراج وهذا حد الاقطاع عندى. وهذه النقول صريحة فى جواز اقطاع الامام من أموال بيت المال عقارا كانت أم منقولا، مواتا كانت أو صالحة للزراعة ولا مالك لها كما يجوز له اقطاع المعادن فى مناجمها وحكم ذلك هو تملك المقطع له ما أقطع له من المال اقطاع تميلك ملكا لازما لا يجوز أخذه منه بعد ذلك الا بحق. وذكر ابن عابدين فى حاشيته على الدر بعد ان نقل بعض هذه النصوص السابقة ما نصه: فهذا يدل على أن للامام أن يعطى الأرض من بيت المال على وجه التمليك لرقبتها كما يعطى المال حيث رأى المصلحة اذ لا فرق بين الأرض والمال فى الدفع للمستحق

(1)

.

‌مذهب المالكية:

فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ما يفيد ان الأرض الموات يختص بها من عمرها ببناء أو غرس أو تفجير ماء ونحو ذلك فاذا اندرست العمارة وطال زمن الاندراس ففى بقاء الاختصاص يرد عنه قولان الأول يقول ان اندراسها لا يخرجها عن ملك محييها ولا يجوز لغيره أن يحييها وهى للأول أن أعمرها ولو طال زمن اندراسها وهو قول سحنون والثانى يقول ان اندراسها ينهى ملكيتها وجاز لغيره احياؤها وهو قول ابن القاسم أما العمارة الناشئة عن ملك كأرث وهبة فالاختصاص باق ولو طال زمن الاندراس اتفاقا واذا أقطع الامام أرضا مواتا أو أرضا تركها أهلها لكفار اختيارا لا لخوف لأنها فضلت عن حاجتهم ولا ماء فيها ولا غرس أو ماتوا عنها فانه يثبت للمقطع له بالاقطاع اختصاصه بها وأولويته باحيائها عن

(1)

حاشية ابن عابدين ج 3 ص 290 طبعة الحلبى، ج 4 ص 66 الى ص 69 طبعة الحلبى.

ص: 10

غيره - أما اذا تركها أهلها عنوة فليس له اقطاعها كما سيأتى:

ومن الموات ما عمر ثم درس وطال الزمن - واقطاع الامام لا يعد احياء انما الاحياء بالتعمير بعده غير أنه مع ذلك يعد تمليكا مجردا ومعنى ذلك أنه تمليك كان له بيعه وهبته ووقفه ويورث عنه ولكن بشرط الحيازة قبل حصول مانع منها كموت الامام ورجح بعضهم بانه لا يحتاج الى حيازة وعليه العمل - ومؤدى كونه كالعطايا أنه قد يكون للتمليك ويترتب عليه حينئذ تملك ما أعطى. قال ابن شاس الاقطاع تمليك وان لم يعقبه عمارة فللمقطع له البيع والهبة ويورث عنه وليس يعد احياء بل تمليكا مجردا.

وليس للامام أن يقطع أرض العنوة العامرة لأنها تصير وقفا بمجرد الاستيلاء عليها اما غير العامرة فيجوز اقطاعها لأنها لا تصير وقفا بالاستيلاء فيجوز اقطاعها اقطاع تمليك وتباع وتوهب

(1)

وتورث.

ويختلف الاقطاع عن الاحياء فى ان الاقطاع تمليك ولذا اختلف النظر فيه هل يحتاج الى حيازة قبل المانع لافادة الملك أم لا، أما الاحياء فهو عبارة عن الاستيلاء. على الأرض الموات وعمارتها ولا يعد مجرد الاستيلاء تملكا ويفتقر الى اذن الامام ان قربت الأرض من عمارة البلد بأن كانت من حريمها والعامر من أرض العنوة لا يجوز اقطاعه اقطاع تمليك وانما يجوز اقطاعه اقطاع امتاع لمدة أو مدى الحياة كأرض مصر والشام والعراق الصالحة للزراعة.

‌مذهب الشافعية:

يرى الشافعية ان اقطاع الأرض قد يكون تمليكا وقد يكون للأحياء ففى المهذب

(2)

يجوز للامام أن يقطع موات الأرض لمن يتملكه بالاحياء لما روى علقمة بن وائل عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا فارسل معه معاوية ان أقطعه اياها وروى ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير بن العوام حفر فرسه فأجرى فرسه حتى قام ورمى بسوطه فقال أعطوه من حيث وقع السوط «أى مسافة جريه الى موقع السوط» وان أبا بكر أقطع الزبير كذلك وان عمر أقطع عليا وان عثمان أقطع خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الزبير وسعد وابن مسعود وخباب وأسامة ابن زيد رضى الله عنهم. ومن أقطعه الامام شيئا من ذلك كان أحق به وصار كالمتحجر له حكمه اذ يصير بالاقطاع أحق من غيره بالأحياء ولا يقطع الأمام شخصا الا بقدر ما يستطيع احياءه اذ فى اعطائه أكثر من ذلك ضرر وتصرف الامام منوط بالمصلحة.

وجاء فى نهاية المحتاج

(3)

وللامام اقطاع أرض بيت المال وتمليكها اذا رأى المصلحة فى ذلك سواء أقطع رقبتها أو منفعتها.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 66 وما بعدها.

(2)

ج 1 ص 426 باب احياء الموات.

(3)

نهاية المحتاج ج 5 ص 377.

ص: 11

وجاء فى الشبراملسى نقلا عن السيوطى يجوز للامام اقطاع الموات رقبة فتملك ويترتب على ذلك آثار الملك من بيع وهبة وارث.

وفى النهاية: اقطاع الموات قد يكون تمليكا وقد يكون ارفاقا بحسب المصلحة هذا ومن اقطاع التمليك اقطاع المعادن على التفصيل الآتى لأنها امارة وهى اما ظاهرة واما باطنة فالظاهرة لا يجوز اقطاعها لما روى ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملح المأرب فأقطعه اياه فقال الأقرع ابن حابس وكان حاضرا يا رسول الله انى قد وردت الملح فى الجاهلية وهو بأرض ليس بها ملح ومن ورده أخذه وانما اقطعت مثل الماء العد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن فلا واسترده

(1)

. والماء العد الماء لا ينقطع مدده.

أما المعادن الباطنة فقد ذهب فريق من الشافعية الى جواز تملكها بالأحياء وعلى هذا القول يجوز اقطاعها لأن كل ما يملك بالاحياء يجوز اقطاعه وذهب آخرون الى أنها لا تملك بالاحياء وعند هؤلاء رأيان أحدهما يجوز اقطاعها وثانيهما لا يجوز كالمعادن الظاهرة وعلى القول بجواز الاقطاع لا يقطع الامام الا بقدر ما يستطيع المقطع له القيام عليه.

‌مذهب الحنابلة:

يقسم الحنابلة الاقطاع ثلاثة أقسام:

اقطاع تمليك. واقطاع استغلال. واقطاع ارفاق. وقسم القاضى أبى يعلى اقطاع التمليك الى اقطاع موات واقطاع عام واقطاع معادن وللامام اقطاع الموات لمن يحييه ولا يملكه المقطع له بالاقطاع لأنه لو ملكه بالاقطاع ما جاز استرجاعه قبل الاحياء وقد استرجعه عمر رضى الله عنه من بلال قائلا ان رسول الله لم يقطعك لتحجبه عن الناس وحكم المقطع فى هذه الحال حكم المتحجر فيكون أولى من غيره فى الاحياء ولأنه ترجح بالاقطاع ويسمى هذا النوع أيضا اقطاع تمليك لمآله اليه ولا يقطع الامام الا قدر ما يستطيع المقطع له احياءه. وللامام اقطاع غير الموت تمليكا فيملكه المقطع له بمجرد الاقطاع وله اقطاعه للاستغلال والانتفاع كما يجوز له الاقطاع من مال الجزية والاقطاع من مال الخراج، واقطاع الارفاق: اقطاع الجلوس فى الطريق الواسعة ورحاب المساجد المتسعة ويعد ذلك من اقطاع الشرفة ولا يترتب عليه تملك وانما يترتب عليه أولوية الجلوس فى المكان بمنزلة السابق اليه فلا يسقط حقه بنقل متاعه منه بخلاف السابق ما لم يرجع الامام فيه.

واقطاع الامام مشروط بوجود المصلحة المسوغة للاقطاع وقت صدوره مع اشتراط دوامها فاذا انعدمت بعد ذلك جاز للامام الاسترجاع لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ولا يجوز للامام اقطاع مالا يجوز احياؤه. مما قرب من العامر وتعلق بمصالحه، لأنه فى حكم المملوك من العامر، وما لا يتعلق بمصالح العامر ملك بالاحياء كالبعيد عنه،

(1)

نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى عليه ج 5 ص 329 وما بعدها.

ص: 12

وللامام اقطاعه، لاقطاعه صلى الله عليه وسلم العقيق لبلال مع قربه من المدينة.

أما الاقطاع فى المعادن فمنها ظاهرة وهى التى يتوصل اليها بدون مؤونة وينتفع بها الناس كالملح والماء والكبريت والتبر والمومياء والنفط والكحل والبرام والياقوت ومقاطع الطين واشباه ذلك وهذه لا تملك بالاحياء ولا يجوز اقطاعها لأحد من الناس ولا احتجازها دون المسلمين لأن فى ذلك ضررا وتضييقا على المسلمين ولأن النبى صلى الله عليه وسلم اقطع أبيض بن حمال معدن الملح فلما قيل له انه بمنزلة الماء العد استرده كذا قال أحمد فقد روى أبو عبيد وأبو داود والترمذى باسنادهم عن أبيض بن حمال انه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح بمأرب، فأقطعه، فلما ولى قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرى ما اقطعت له؟ انما اقطعت له الماء العد فرجعه اذ أن هذا وأمثاله تتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز اقطاعه واحتجازه عنهم كمشارع الماء وطرقات المسلمين قال ابن قدامة وهذا مذهب الشافعية ولا أعلم فيه خلاف.

اما المعادن الباطنة التى لا يوصل اليها الا بالعمل والمؤونة كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والبلور والفيروزج. فاذا وجدت ظاهرة فلا يجوز اقطاعها ولا تملك بالاحياء أيضا وان لم توجد ظاهرة فاظهرها انسان بعمل ومؤونة ففى ذلك قولان قيل لا تملك أيضا وحكمها حكم سابقتها وقيل تملك بالاحياء والاقطاع وهو قول للشافعى لأنها موات لا ينتفع بها الا بالعمل والمؤونة ولأنها بالاظهار تهيأت للانتفاع بها وهذا هو الصحيح المؤيد برواية اقطاع النبى صلى الله عليه وسلم بلال بن الحرث معادن القبلية

(1)

.

واذا كان الاقطاع فى موات لم يترتب عليه ملك بل حق التملك ويجوز للمقطع له نقل حق التملك الى غيره واعارته وينقل حق التملك بموته الى ورثته من بعدة ولا يكون ملكا الا بالاحياء

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى لابن حزم

(3)

: ليس للامام أن يقطع أرضا مملوكة لمعين ولا أرضا قد سبقت اليها يد انسان ولا ما كان فى اقطاعه مضرة بأهل قرية ضررا ظاهرا وعلى ذلك ليس للامام اقطاع الملح والمراح ورحبة السوق والطريق والمصلى ونحو ذلك.

وما ملك يوما باحياء أو بغيره من أسباب الملك ثم دثر وخلا حتى عاد كأول حاله، فهو ملك لا يزال لمن كان مملوكا له لا يجوز لأحد أن يتملكه فان جهل مالكه فالنظر فيه الى الامام فلا يملك الا باذنه ولذا كان للامام أن يقطعه متى رأى المصلحة فى ذلك.

ولا يقطع الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص من كل معدن يوجد فى باطن الأرض ولا يتوصل اليه الا بالحفر والنفقة واذا ما كان فى أرض مملوكة فانه يكون ملكا لصاحب الأرض وليس لأحد أخذه منه.

(1)

المغنى ج 6 ص 156.

(2)

القواعد لابن رجب ص 198، ص 199 القاعدة 86.

(3)

المحلى ج 8 ص 233 وما بعدها.

ص: 13

ولا يكون الاقطاع الا من الامام.

وظاهر اطلاق نصوص المحلى - ان الاقطاع كما يكون اقطاع امتاع وانتفاع يكون اقطاع تمليك وليس فى المحلى نص واضح يبين منه ما للاقطاع من آثار بل جاء بيانه مطلقا وأقل ما يدل عليه عند الاطلاق أدنى أنواعه وأدنى أنواعه افادته التخصص أو الامتاع والانتفاع ولكن ما جاء فى بيانه من النص على أن النظر فى الاقطاع الى الامام ولا يفيد ملكا الا باذنه، يفيد تجويزهم اعطاء التمليك من الامام.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(1)

: ان للامام اقطاع الأرض الموات لاحيائها وذلك لما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقطع الزبير ابن العوام حضر

(2)

فرسه فاجرى فرسه حتى قام ثم رمى بسوطه فقال صلى الله عليه وسلم أعطوه من حيث بلغ السوط أخرجه أبو داود وقد اقطع أبو بكر وعمر ناسا من الصحابة ولا ينبغى للامام أن يقطع أحدا فوق ما يستطيع احياءه ولا ان يقطع ما يستضر باقطاعه الناس ويثبت بالاقطاع حق الاختصاص فحكمه حكم المتحجر لأن الاقطاع لا يحتاج ثبوت حكمه الى نصب اعلام على الأرض بل يثبت حكمه بمجرد الاعطاء - وللامام اقطاع المعادن فى الأرض بدليل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال بن الحرث المزنى اذ أقطعه معادن العقيق وهو فى الحكم كاقطاع الموات ولا يصح اقطاع الملح ولا ما فى معناه فقد روى ان أبيض بن حمال وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقطعه الملح بمأرب فلما ولى قال له الأقرع بن حابس التميمى أتدرى يا رسول الله ما اقطعت انما اقطعت له الماء العد

(3)

، فقال الرسول فلا اذن واسترده وللامام اقطاع بقاع فى الأسواق والطرق الواسعة، بغير اضرار بأن يقطع حق من سبق اليه بعد رفع قماشه، ويجعل غيره أولى، فلا يستحق العود اليه - بل المقطع أولى.

‌مذهب الإمامية:

يرى الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ان الاقطاع يفيد التمليك كما تدل على ذلك عبارات تحرير الأحكام للامام حسن يوسف أبى مظهر الحلى وانما يرون ان الاقطاع قد يكون للاحياء فى الأرض الموات فيملك حينئذ بالاحياء وقد يكون للانتفاع فى أرض بيت المال

(4)

.

‌اقطاع الانتفاع:

وقد يسمى اقطاع الامتاع والمراد منه اقطاع الأرض للانتفاع بخراجها (ثمرتها) بالمجان ولذا لا يعرف الا فى الأرض خراجية كانت أو عشرية اذا لم تكن ملكا لأحد ولم يتعلق بها حق لأحد، ولم يكن فى اقطاعها ضرر بالناس. وكثيرا ما يكون فى أراضى بيت المال عشرية أو خراجية، واليك بيان المذاهب فى ذلك.

(1)

البحر الزخار ج 4 ص 76.

(2)

الحضر العدو كما فى النهاية وارتفاع الفرس فى عدوه والمراد مسافة عدو الفرس عادة فى أول سيره.

(3)

الماء الغزير لا ينقطع.

(4)

تحرير الأحكام ص 130.

ص: 14

‌مذهب الحنفية:

يجوز للامام أن يعطى الأرض الخراجية التابعة لبيت المال لمن يجعل له خراجها أى ثمرتها وغلتها عند أبى يوسف رحمه الله كما يجوز للامام أو نائبه ترك الخراج لرب الأرض ويحل له هذا الخراج اذا كان مصرفا للخراج، والا تصدق به وبه يفتى. وقال محمد: ليس للامام ترك الخراج لرب الأرض، وما فى الحاوى من ترجيح حله لمن لا يكون مصرفا - خلاف المشهور - ومع جواز ذلك للامام، لا ضمان عليه اذا كان الاقطاع لغير مصرف اذ لا يلزم من جوازه حله لرب الأرض

(1)

- ولا يجوز للامام ترك العشر اذا كانت الأرض المعطاه عشرية اجماعا ولعل وجهه ان العشر من قبيل الزكاة مستحق للفقراء فلا يجوز تركه مراعاة لحقوقهم، ومعنى هذا فيما يبدو - ألا يكون المقطع له مصرفا والا فلا مساس لأنه من قبيل اعطاء صاحب الحق حقه.

وجاء فى البزازية أن السلطان اذا ترك العشر لمن هو عليه جاز غنيا كان أو فقيرا غير أنه اذا كان فقيرا لم يضمن السلطان وان كان غنيا ضمن السلطان العشر للفقراء من بيت المال المخصص للخراج ويضمن لبيت مال الصدقة وقال ابن عابدين: ومحل ذلك اذا كان الغنى مصرفا للخراج والا ضمن السلطان من ماله.

وملك الرقبة فى حالة اقطاع الامام لخراج الأرض، انما هو لبيت المال. أما خراجها الذى تنازل عنه السلطان فهو للمقطع له ولذا لا يصح للمقطع له بيع الرقبة، ولا التصرف فيها، وتصح اجارتها منه تخريجا على جواز اجارة المستأجر للعين المستأجرة. وجاء فى ابن عابدين نقلا عن الشيخ قاسم فى فتوى رفعت اليه أن الجندى اذا اقطعت له أرض جاز له أن يؤجرها ولا أثر لجواز اخراج الامام له أثناء مدة الاجارة، كما لا أثر لموت المؤجر فيها ولا لكونه قد ملك المنفعة بالمجان وذلك لاتفاقهم على أن من صولح على خدمة عبد سنة، كان للمصالح ان يؤجره الى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز الاجارة فيما ملكت منافعه بالمجان، وقد ملك المقطع له المنفعة فى مقابلة استعداده لما أعد له واذا مات المؤجر المقطع له، أو أخرجه الامام من الأرض، تنفسخ الاجارة لانتقال ملك المنفعة الى غير المؤجر - والمراد بالاجارة اجارة الأرض للزراعة وانما يكون هذا اذا لم يكن للأرض زراع وضعوا أيديهم عليها ولهم فيها كبس ونحوه مما يسمى كردار، ويؤدون ما عليها وعندئذ لا تصح اجارتها لغيرهم. ولو أقطعها السلطان لشخص ولأولاده من بعده على أن من مات منهم انتقل نصيبه الى ابنه مثلا، ثم مات السلطان وانتقل من اقطع له فى زمن سلطان آخر - بطل هذا التعليق على مقتضى قواعدهم. وقد أفتى العلامة قاسم بصحة اجارة المقطع له وان للامام اخراج المقطع له متى شاء وقيده ابن نجيم بغير الموات. أما فى الموات فليس للامام اخراجه، لأنه تملك بالاحياء ومعنى هذا أن اقطاع الانتفاع غير لازم.

‌مذهب المالكية:

جاء فى فروق القرافى

(2)

: الفرق السادس

(1)

الدر المختار وابن عابدين عليه ج 5 ص 289، 290، 291 طبعة الحلبى ص 290.

(2)

الفرق الخامس والسادس عشر بعد المائة ج 3 ص 5.

ص: 15

عشر بعد المائة ويجوز اقطاع الامام لمن يرى بغير سبب يوجب استحقاقه وتمليكه لأنه اعانة على أحوال تقع فى المستقبل من الزمن وليس تمليكا حقيقيا ولذا كان للامام نزعه منه فى أى وقت شاء، أو تبديله بغيره، ومؤدى هذا ان هذا اقطاع امتاع وانتفاع، ولذا جاز للامام انهاؤه فى أى وقت شاء ولو كان تمليكا لرقبة الأرض المقطعة، ما جاز أخذها ممن اقطعت له. وهذا بخلاف اقطاع التمليك السابق بيانه. وجاء فى الفرق السابق على هذا الفرق: والاقطاعات أعطيات تجعل للأمراء والاجناد من الأراضى الخراجية وغيرها من الرباع والعقار، وهى ارزاق من بيت المال، وليست فى نظير عمل استؤجروا عليه ولذا لا يشترط فيها مقدار من العمل ولا يحد لها أجل تنتهى اليه. وليس الا عطاء فيه مقدرا فى كل شهر بكذا، بل هو اعانة مطلقة، وان كان لا يجوز للمقطع له تناوله الا بما شرطه الامام من الشروط فى اعطائه من التهيؤ للحرب، ولقاء الأعداء، والمناضلة عن الدين، ونصرة كلمة الاسلام والاستعداد بالخيل والسلاح والاعوان على ذلك، ولو لم يفعل ما شرطه عليه الامام لم يجز له التناول.

لأنه مال بيت المال لا يستحق الا باطلاق الامام على الوجه الذى أطلقه - ولو أطلق له الامام من بيت المال فرق ما يستحقه على ما شرط عليه اما غلطا أو جورا، فأنه لا يستحق الزائد بل يبقى فى يده أمانة شرعية يجب ردها لبيت المال، وللامام بعد ذلك أن ينزعه منه ولمن ظفر به، ومن له فى بيت المال حق، أن يتناوله باذن الامام. واذا أقطع الامام أرضا فآجرها المقطع له ثم مات فى أثناء مدة العقد، فللامام أن يقر ورثته على تلك الأجرة ويمضى لهم تلك الاجارة الى أجلها، وله أن يدفع الأرض لآخر على أن تكون الأجرة للمقطع له الثانى وكل ذلك يجب المصلحة للمسلمين ولا تستقر الأجرة للأول الا بمضى العقد، وانقضاء مدة الاجارة، وهو باق على الاقطاع: والمقطع له انما يستحق المدة التى يستمر فيها اقطاعه تلك الأرض، فاذا مات أو حول عنها لغيرها، آل الاستحقاق لغيره، ومعنى هذا أن الاقطاع غير لازم، وأنه يكون مؤقت فأنه فى هذه الحال اقطاع امتاع وانتفاع لا اقطاع تمليك وهذا البيان يدل على أن الاقطاع يكون فى أرض بيت المال اقطاع انتفاع فيما يرى المالكية ولا يكون اقطاع تمليك وذلك واضح لأن أراضى بيت المال تعتبر وقفا من حين الاستيلاء عليها فلا تملك.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج ان للامام اقطاع أرض بيت المال اقطاع امتاع وانتفاع اذا رأى المصلحة فى ذلك فيجعل ذلك للمقطع له مدة معينة أو مدة حياته تعود الأرض المقطعة بعدها الى بيت المال وانما يستحق المقطع له منفعتها مدة الاقطاع خاصة - وهذا النوع من الاقطاع غير لازم فللامام أن يرجع فيه اذا ما اقتضت المصلحة ذلك. وليس من هذا النوع اقطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيق لبلال وانما كان اقطاعا للاحياء ولذا استرده منه عمر رضى الله عنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبى بكر فاسترد ما عجز بلال عن

ص: 16

عمارته، وقال له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحتجبه عن الناس، وانما أعطاك لتعمره وسواء فى اقطاع الانتفاع ان تكون الأرض خراجية أم عشرية

(1)

. وليس للمقطع اقطاع انتفاع أن يؤجر ما اقتطع له من الأراضى الا باذن الامام له فى ذلك أو فى حال استقرار العرف على ذلك كما هو الحال فى الاقطاعات المصرية - وقد أفتى النووى بصحة الاجارة من غير اذن وبنى ذلك على صحة اجارة الصداق من الزوجة قبل الدخول وهذا محل نظر لأن الصداق فى هذه الحال يجوز بيعه بخلاف هذا

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

يجوز للامام اقطاع أرض بيت المال العامرة اقطاع انتفاع بغلتها فيملك المقطع له منفعتها وهو ملك غير لازم، وهو مؤقت بما يؤقته به الامام أو بمدة حياة المقطع له.

ويرى الشيخ تقى الدين ان الامام حين يقدم على هذا يجعله للجند عوضا عن أعمالهم فكان مملوكا بعوض وقد جرى العرف بجواز التصرف فيه بالاجارة فكان لجريان العرف مأذونا به من الامام ضمنا، كما لو صرح بذلك

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار: وللامام اقطاع مقاعد الأسواق والطرق الواسعة بشرط أن لا يتضرر بذلك أحد فيكون المقطع له أولى من غيره. وللامام أنهاؤه حتى لا يلتبس بالملك ولا يترتب على هذا الاقطاع الا حق الاختصاص والانتفاع

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

ليس للامام أخذ أرض مملوكة عرف مالكها ليعطيها لغيره فان الأرض لمالكها لا تصرف فيها لأحد بدون اذنه أما ما فتح من الأراضى عنوة فهو اما عامر عند الفتح أو موات - فالعامر للمسلمين جميعا المقاتلة وغيرهم وأمر استغلالها فى مصالحهم للامام يعطيها لمن يقوم باستغلالها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع. فما أخذه منه الامام كان فيه الخمس لأربابه والباقى يضعه فى بيت المال للصرف منه فى مصالح المسلمين من سد الثغور وبناء القناطر وشق الطرق وغير ذلك. وليس لأحد بيع شئ من ذلك ولا وقفه ولا هبته وللامام أن يحدد ذلك بمدة تعطى الأرض بعدها لغير من أعطيت له كما تعود الى الامام بموت المقطع له وأما الموات منها وقت الفتح فهى للامام يتصرف فيها بحسب المصلحة فيقطعها ان شاء لمن يحييها. وكل أرض أنجلى عنها

(1)

نهاية المحتاج ج 5 ص 399 وما بعدها.

(2)

الأشباه والنظائر للسيوطى ج 4 ص 382.

(3)

المغنى ج 6 ص 165 وما بعدها والقواعد لإبن رجب ص 198، ص 199 قاعدة 86.

(4)

البحر الزخار باب الاقطاع.

ص: 17

أهلها أو كانت مواتا فأحييت ثم انجلى عنها أهلها، فانها للامام له التصرف فيها بالبيع والهبة حسب ما يراه، وله أن يعطيها لاستثمارها من شاء مدة معلومة أو مدة حياته ثم ينقلها الى غيره ما عدا الأرض التى أحييت بعد مواتها فانها تبقى فى يد المحيى، وهو أولى بالتصرف فيها مادام يقوم بدفع ما فرض عليه فى ذلك.

وخلاصة ما تقدم أن بلاد الاسلام اما عامرة وهى لأربابها خاصة ولا يجوز الاقطاع منها.

واما موات لم يجر عليها ملك لمسلم، وهذه أمرها الى الامام خاصة يقطعها لمن شاء ويستغلها كما شاء وان جرى عليها ملك مالك ثم عطلها، لم يكن ذلك منهيا لملكه متى كان معروفا معينا، والا فهى للامام خاصة. والاقطاع لا يفيد ملكا عند الشيعة فانما يترتب عليه حق التملك بالاحياء فيكون أولى من غيره باحيائه حكمه حكم المتحجر، فان للامام ان يقطع آحاد الناس قطائع من الموات، فيكون لهم به الاختصاص لا التملك فان أحيى المقطع له تملك بالاحياء ولا يتملك بالاحياء الا أن يكون باذن من الامام ولا ينبغى للامام أن يقطع أحدا من الموات الا ما يستطيع احياءه، كما ليس له أن يقطع من المعادن ما كان منها ظاهرا وله اقطاع المعادن الباطنة.

والمعادن الظاهرة ما لا يفتقر فى تحصيله الى طلب استنباط وتوصل اليها من غير مؤنة كالملح والنفط والكبريت والقير والموميا والكحل والبرام والياقوت ومقاطع اللبن وأشباه ذلك.

والباطنة مالا يتوصل اليه الا بالعمل والمؤنة كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والبلور والفيروزج، وغير ذلك مما يكون فى بطون الأرض والجبال ولا يظهر الا بالعمل والنفقة.

وقد اختلف فى المعادن بقسميها فقيل: انها للامام خاصة يتصرف فيها حسب المصلحة وعلى هذا القول لا تملك بالاحياء بدون اذن من الامام. وقيل انها للمسلمين ولا يختص الامام منها الا بما يكون فى الأودية التى هى ملكه أما ما كان منها فى أرض المسلمين وللمسلمين يد عليها فليس للامام وانما تكون لمن يملك أرضها والمعادن الظاهرة كما ذكرنا لا يجوز اقطاعها بل هى مباحة كالمياه الجارية أما الباطنة فيجوز للامام اقطاعها لمن شاء ولا يقطع الامام منها الا بقدر استطاعة المقطع له العمل فيها وليس للامام بعد ذلك اقطاعها لغيره وهو اقطاع يفيد أولوية لا تمليكا فان أهمل المقطع له أجبره الامام على العمل أو التخلى عنها

(1)

.

(1)

تحرير الأحكام للمحلى ج 2 ص 130.

ص: 18

‌اكتحال

‌الاكتحال فى اللغة:

مصدر اكتحل والمادة من الكحل وهو ما يكتحل به ونقل فى اللسان عن ابن سيدة أن الكحل ما وضع فى العين يشتفى به ويقال: كحل عينه يكحلها بفتح الحاء وضمها كحلا فهى مكحولة وكحيل وقد اكتحل وتكحل

(1)

. وكلام ابن سيدة فى المخصص لم يقصر معنى الاكتحال على التداوى

(2)

.

‌والفقهاء يستعملون الاكتحال

بمعنى أعم

من أن يكون وضع الكحل للتداوى أو للزينة حسب ما هو مفصل بعد:

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أنه لا بأس بالأثمد للرجال باتفاق المشايخ ويكره الكحل الأسود بالاتفاق اذا قصد به الزينة واختلفوا اذا لم يقصد به الزينة: عامتهم على أنه لا يكره طبقا لما جاء فى الفتاوى الهندية نقلا عن جواهر الاخلاطى

(3)

. ولا يجوز الاكتحال بميل الذهب وما أشبه ذلك كاستعمال مكحلة الذهب والرجل والمرأة فى ذلك

(4)

سواء وأضاف ابن عابدين نقلا عن الخانية أن النساء فيما سوى الحلى من الأكل والشرب والأدهان من الذهب والفضة والعقود بمنزلة الرجال (أنظر آنية).

وقد صرحوا بأنه لو اكتحل بكحل نجس لا يجب غسله

(5)

.

‌مذهب المالكية:

نقل العدوى فى حاشيته على الخرشى أنه لا بأس باكتحال الرجل لضرورة دواء ولغيرها ونقل عن مالك قولان الجواز وعدمه والخلاف فى الأثمد اما غير الأثمد فجائز قطعا

(6)

.

‌مذهب الشافعية:

يرى الشافعية أنه يسن لكل أحد من الناس أن يدهن غبا بكسر الغين المعجمة - أى وقتا بعد وقت بحيث يجف الأول - وأن يكتحل وترا لكل عين ثلاثة

(7)

.

‌مذهب الحنابلة:

يرى الحنابلة أنه يستحب أن يكتحل وترا ويدهن غبا وينظر فى المرآة ويتطيب. قال حنبل رأيت أبا عبد الله (أباه) كانت له صينية فيها

(1)

لسان العرب لابن منظور.

(2)

المخصص لابن سيدة الطبعة الأولى المطبعة الأميرية ببولاق سنة 1316 هـ ج 4 ص 57.

(3)

الفتاوى الهندية الطبعة الثانية المطبعة الأميرية سنة 1310 هـ ج 5 ص 359.

(4)

رد المحتار على الدر المختار على متن التنوير لابن عابدين مطبعة بولاق سنة 1299 هـ ج 5 ص 298.

(5)

المرجع السابق طبعة دار سعادة سنة 1324 هـ ج 1 ص 305.

(6)

حاشية العدوى على شرح الخرشى على مختصر خليل الطبعة الثانية المطبعة الأميرية الكبرى سنة 1317 هـ ج 4 ص 148.

(7)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ ج 4 ص 272.

ص: 19

مرآة ومكحلة ومشط فاذا فرغ من حزبه نظر فى المرآة واكتحل وامتشط. وقد روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالاثمد فانه يجلو البصر ويثبت الشعر) قيل لأبى عبد الله كيف يكتحل الرجل؟ قال: وترا يقول ابن قدامة فى المغنى وليس لهذا الحديث اسناد معروف وروى أبو ذر باسناده عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) والوتر ثلاث فى كل عين وقيل ثلاث فى اليمنى واثنتان فى اليسرى ليكون الوتر حاصلا فى العينين معا

(1)

.

‌اكتحال الصائم

‌مذهب الحنفية:

جاء فى التنوير وشرحه وحاشيته أنه لا يكره الكحل للصائم اذا لم يقصد به الزينة

(2)

. وعبارة الهداية فى هذا المقام:

ولو اكتحل الصائم لم يفطر لأن الداخل من المسام لا ينافى كما لو اغتسل بالماء البارد

(3)

.

وفى الفتاوى البزازية أنهم قالوا: لا يفسد الاكتحال الصوم وان وجد طعمه

(4)

كما نقل فى الفتاوى الهندية أن الصائم اذا بزق فرأى أثر الكحل ولونه فى بزاقه فعامة المشايخ على أنه لا يفسد صومه وهو الأصح

(5)

فاذا اكتحل ثم أكل متعمدا فعليه الكفارة الا اذا كان جاهلا فأفتى له بالفطر فلا تلزمه الكفارة.

هكذا فى فتاوى قاضى خان

(6)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والاكليل أن اكتحال الصائم جائز لمن يعلم من عادته أنه لا يصل الى حلقه فان علم من عادته أنه يصل منع على قول من أوقع به الفطر.

وقد روى أشهب عن مالك فيه الجواز وقال:

ما كان الناس يشددون فى هذه الأشياء هكذا ثم قال: وفى المدونة لا يكتحل من كان الكحل يصل الى حلقه.

ومن تعليقات الامام الحطاب فى هذا المقام نقلا عن المدونة: أن الصائم لا يكتحل ولا يصب فى أذنه دهنا الا أن يعلم أنه لا يصل الى حلقه فان اكتحل بأثمد أو صبر أو غيره لوجع به أو غيره فوصل ذلك الى حلقه فليتماد فى صومه ولا يفطر بقية يومه وعليه القضاء ولا يكفر ان كان فى رمضان فان لم يصل الى حلقه فلا شئ عليه

(7)

.

(1)

المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى الطبعة الثالثة دار المنار سنة 1367 هـ ج 1 ص 93

(2)

حاشية العلامة ابن عابدين المسماه رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار طبعة دار سعادة سنة 1324 هـ ج 1 ص 155.

(3)

الهداية شرح بداية المبتدى لشيخ الاسلام برهان الدين المرغينانى طبعة مصطفى الحلبى سنة 1366 هـ ج 1 ص 88، ص 90

(4)

الفتاوى البزازية المسماه بجامع الوجيز لابن البزاز الكردرى بهامش الفتاوى العالمكيرية المعروفة بالفتاوى الهندية المطبعة الأميرية الطبعة الثانية سنة 1310 هـ ج 4 ص 97.

(5)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 203.

(6)

المرجع السابق ج 1 ص 206.

(7)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل أبى الضيا سيدى خليل لأبى عبد الله الحطاب وبهامشه التاج والاكليل مطبعة السعادة الطبعة الأولى سنة 1328 هـ ج 2 ص 425.

ص: 20

وفى حاشية العدوى عن أبى الحسن أن الصائم اذا تحقق أن الكحل يصل الى حلقه لم يكن له أن يفعل وان شك كره وليتماد فى صومه وعليه القضاء فان علم أنه لا يصل فلا شئ عليه. ومحل وجوب القضاء فيما يصل من العين ان فعله نهارا فان فعله ليلا فلا شئ عليه فى هبوط ذلك نهارا للحلق لأنه غاص فى أعماق البدن فكان بمنزلة ما ينحدر من الرأس الى البدن

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

يجوز للصائم أن يكتحل لما روى عن أنس رضى الله عنه: (أنه كان صلى الله عليه وسلم يكتحل وهو صائم) ولأن العين ليس بمنفذ فلم يبطل الصوم بما وصل اليها

(2)

. وعن أنس أيضا قال: (جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:

اشتكت عينى أفأكتحل وأنا صائم؟ قال:

نعم) رواه الترمذى. وعن نافع عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مملؤتان من الكحل وذلك فى رمضان

(3)

وهو صائم.

قال ابن قدامة فى المغنى ما يفيد أن الكحل اذا وجد الصائم طعمه فى حلقه أو علم وصوله اليه أفطر والا لم يفطره نص عليه أحمد وقال ابن عقيل: ان كان الكحل حادا أفطره

(4)

والا فلا.

‌مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم أن الاكتحال لا ينقض الصوم وان بلغ الى الحلق نهارا أو ليلا بعقاقير أو بغيرها واستدل على ذلك بأن الله تعالى انما نهانا فى الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القئ والمعاصى. وما علمنا أكلا ولا شربا يكون على دبر أو أحليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح فى البطن أو الرأس وما نهينا قط عن أن نوصل الى الجوف - بغير الأكل والشرب - ما لم يحرم علينا ايصاله

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار أن الكحل لا يفسد اذ كان صلى الله عليه وسلم يكتحل وهو صائم

(6)

. والقاعدة عندهم كما فى شرح الأزهار ان كان ما يصل الى الجوف يفسد الصوم بشروط منها أن يكون جاريا فى الحلق من خارجه فلو جرى فى الحلق ولم يجرى من خارجه بل نزل من الدماغ أو العين أو الخيشوم فانه لا يفسد.

ومثل أصحاب الحواشى على الشرح لما نزل من العين بالكحل وكان القياس عندهم أنه يفطر لأنه جار فى الحلق لكن لورود الدليل السابق عن النبى صلى الله عليه وسلم. وكذا سائر الكحالات من الصبر وغيره.

(1)

حاشية العدوى على الخرشى ج 2 ص 249.

(2)

المهذب للشيخ الامام أبى اسحق الشيرازى مطبعة عيسى البابى الحلبى ج 1 ص 186

(3)

المجموع شرح المهذب للامام النووى المطبعة المنيرية ج 6 ص 348.

(4)

المغنى لابن قدامة ج 3 ص 138.

(5)

المحلى تصنيف الامام الجليل ابن حزم ادارة الطباعة المنيرية الطبعة الأولى سنة 1349 هـ. ص 214 ج 6 وما بعدها

(6)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام المهدى مع جواهر الأخبار والآثار للمحقق الصعدى مطبعة السعادة الطبعة الأولى سنة 1367 هـ. ص 253 ج 2.

ص: 21

ويستحب للصائم استعمال الزينة من الكحل وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

يرى الأمامية أنه يكره الاكتحال للصائم بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما مما يصل طعمه أو رائحته الى الحلق بلا خلاف كما فى مستمسك العروة الوثقى نقلا عن الجواهر.

وقال بعضهم اذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم فى الحلق فلا بأس به

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

يرى الأكثر منهم اجازة الاكتحال نهارا مطلقا ولو كان فيه طعام وقيل ان لم يخلط بدواء يؤكل جاز وان خلط بدواء يؤكل فلا يجوز. وان اكتحل بدواء يؤكل أو لا يؤكل ولم يصل جوفه فلا يفطر.

وكره بعضهم الاكتحال للصائم مطلقا وعن بعضهم أيضا أنه ان اكتحل قضى يوما. وعن قتادة وبعض أهل المذهب كراهة الاكتحال بالصبر وعدم الكراهة بالاثمد ومن وجد طعم الكحل المخلوط بدواء يؤكل فى فيه نهارا فلا ضير عليه

(3)

.

‌اكتحال المحرم

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أنه لا بأس للمحرم بالحج أن يكتحل بكحل ليس فيه طيب

(4)

. فان اكتحل بكحل مطيب مرة أو مرتين فعليه صدقة وان كان مرارا كثيرة فعليه دم. كذا فى الفتاوى الهندية نقلا عن السراج الوهاج

(5)

.

‌مذهب المالكية:

اكتحال المحرم مطلقا لدواء جائز وان كان بمطيب ففيه الفدية وعلق على ذلك الحطاب فقال: المذهب أن اكتحال المحرم ان كان لضرورة فهو جائز وان كان لغير ضرورة فثلاثة أقوال: مشهورها وجوب الفدية على الرجل والمرأة، وقيل: لا تجب عليهما، وقيل تجب على المرأة دون الرجل

(6)

.

‌مذهب الشافعية:

يرى الشافعية: أنه لا يجوز للمحرم أن يكتحل بالطيب، فان فعل لزمته الفدية لأنه اذا وجب ذلك فيما يستعمله بالثياب فلأن يجب فيما يستعمله ببدنه أولى

(7)

. ويكره أن يكتحل بما لا طيب فيه لأنه زينة والحاج أشعث أغبر، فإن احتاج إليه لم يكره لأنه إذا لم يكره ما يحرم من الحلق والطيب للحاجة

(1)

شرح الأزهار ج 2 ص 18.

(2)

المستمسك ج 8 ص 295.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل لشيخ الاسلام العلامة محمد بن يوسف أطفيش الباروئى ص 199 ج 2.

(4)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 224.

(5)

الفتاوى الهندية ص 241 ج 1 التنوير وشرحه ص 225 ج 2.

(6)

التاج والاكليل ومواهب الجليل عليهما ج 3 ص 159.

(7)

المهذب ج 1 ص 209.

ص: 22

فلأن لا يكره مالا يحرم أولى

(1)

. وجزم النووى فى المجموع بأنه لا خلاف فى عدم جواز الاكتحال بالمطيب ولزوم الفدية على المحرم ان فعل

(2)

.

ثم فصل ذلك بقوله يحرم عليه أن يكتحل بما فيه طيب فان احتاج اليه جاز وعليه الفدية. وأشار الى قول صاحب المهذب بأنه يكره الاكتحال بما لا طيب فيه لأنه زينة وعلق عليه بقوله: اتفق أصحابنا على أنه لا يحرم، وأما الكراهة فنقل عن المزنى عن الشافعى أنه لا بأس به ونص فى الاملاء على كراهته.

والأصح أنه على حالين فان لم يكن فيه زينة كالتوتيا الأبيض لم يكره، وان كان فيه زينة كالاثمد كره الا الحاجة كرمد

(3)

. ونقل صاحبا النهاية والمغنى هذا الرأى الأخير عن المجموع وأضافا اليه قولهما: والكراهية فى المرأة أشد

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

الكحل بالاثمد للمحرم مكروه للمرأة والرجل والكراهة فى حق المرأة أشد لأنها محل الزينة وروى عن ابن عمر أنه قال: يكتحل المحرم بكل كحل ليس فيه طيب. وروى عن أحمد أنه قال: يكتحل المحرم ما لم يرد به الزينة قيل له: للرجال والنساء؟ قال نعم. ويقول ابن قدامه: ان الدليل على كراهته ما روى عن جابر أن عليا قدم من اليمن فوجد فاطمة ممن حل فلبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت: أبى أمرنى بهذا فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (صدقت صدقت) رواه مسلم وغيره وهذا يدل على أنها كانت ممنوعة من ذلك وروى عن عائشة أنها قالت لامرأة: (اكتحلى بأى كحل شئت غير الاثمد أو الأسود) اذا ثبت هذا فان الكحل بالاثمد مكروه لا فدية فيه لا أعلم فيه خلافا.

وروى شميسة أنها قالت: اشتكيت عينى وأنا محرمة فسألت عائشة فقالت: اكتحلى بأى كحل شئت غير الاثمد أما انه ليس بحرام ولكنه زينة فنحن نكرهه. أما الكحل بغير الأثمد فلا كراهة فيه ما لم يكن فيه طيب لما ذكرنا من حديث عائشة وقول ابن عمر.

وقد روى مسلم عن نبيه بن وهب قال:

خرجنا مع أبان بن عثمان حتى اذا كنا بملل اشتكى عمر بن عبيد الله عينيه فأرسل الى أبان بن عثمان ليسأله فأرسل اليه أن أضمدها بالصبر فان عثمان حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الرجل: اذا اشتكى عينيه وهو محرم ضمدها بالصبر. ففى هذا دليل على اباحة ما فى معناه مما ليس فيه زينة ولا طيب

(5)

.

‌مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم فى المحلى: أن الاكتحال للمحرم جائز

(6)

.

(1)

المهذب ج 1 ص 203.

(2)

المجموع شرح المهذب للحافظ النووى مع فتح العزيز شرح الوجيز مطبعة التضامن سنة 1345 هـ ج 7 ص 271.

(3)

المرجع السابق ج 7 ص 281.

(4)

نهاية المحتاج ج 3 ص 327، مغنى المحتاج ج 1 ص 503.

(5)

المغنى لابن قدامة ج 3 ص 306، 307.

(6)

المحلى لأبن حزم ج 3 ص 246.

ص: 23

‌مذهب الزيدية:

يرى الزيدية - كما جاء فى البحر الزخار - أن المحرم له الاكتحال بما لا زينة فيه كالصبر وأما ما فيه زينة فهو من محظورات الاحرام كالأسود الا لعذر فيفتدى

(1)

. وقد أورد هذا الحكم الأخير فى الأزهار وقسم الكحل ونحوه الى ثلاثة أقسام: التوتوى ونحوه جائز بالاتفاق. والطيب محرم والكحل الأسود والذى لا طيب فيه مختلف فيه فالمذهب التحريم ثم قال: ولا توجب هذه المحظورات على فاعلها الا الاثم ولا فدية عليه

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

اكتحال المحرم بالسواد والطيب حرام لكن لا فدية ان اكتحل بالسواد بخلاف المطيب

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

ان المرأة المحرمة لا تتزين وان بكحل وكذا الرجل والظاهر أن الكحل زينة وان تقصد، فيلزم المكتحلة دم الا لضرورة ونص الشيخ اسماعيل: ان المرأة اذا اكتحلت لغير زينة فهو زينة وان اكتحلت لرمد لزمها دم ووجهه أنها اضطرت الى ما لا يجوز وهو الزينة ففعلته فلزمها دم كسائر ما تضطر اليه وقيل: لا يلزمه وان اكتحلت باثمد أو نحوه مخلوطا بطيب فعليها دم وان كان لوجع، ولا بأس بكحل لا طيب فيه.

ولا تلزم الفدية ناسيا ولا جاهلا بالتحريم قال أبو سعيد: تلزم الجاهل وهو الصحيح وقيل ان المحرم والمحرمة يكحلان بأنزرت لرمد لا بأثمد

(4)

.

‌اكتحال المعتدة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى التنوير وشرحه: ان المبتوتة والمتوفى عنها زوجها اذا كانت بالغة مسلمة ولو أمة منكوحة بنكاح صحيح ودخل بها عليها الاحداد ويدخل فى الاحداد ترك الكحل

(5)

.

وقد علق ابن عابدين على قيد الدخول بها أنه صحيح بالنسبة لمعتدة البت، وأما معتدة الموت فيجب عليها العدة ولو كانت غير مدخولة فيجب فيها الحداد

(6)

. وفى فتاوى قاضى خان ان اجتناب المعتدة للكحل مقيد بما اذا اكتحلت للزينة فان اكتحلت لا للزينة كان لها ذلك

(7)

. والظاهر أن المراد بالكحل ما تحصل به الزينة كالأسود ونحوه بخلاف الأبيض ما لم يكن مطيبا

(8)

.

‌مذهب المالكية:

لا يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تكتحل الا اذا دعت الضرورة الى ذلك،

(1)

البحر الزخار ج 2 ص 308.

(2)

شرح الأزهار ج 2 ص 86.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى مطابع دار الكتاب العربى سنة 956 هـ ص 182 ج 1.

(4)

شرح النيل ج 2 ص 320.

(5)

الهداية ج 2 ص 24.

(6)

ابن عابدين ج 2 ص 849 والفتاوى الهندية ج 1 ص 533.

(7)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 554.

(8)

ابن عابدين ج 2 ص 849.

ص: 24

فلا بأس به ليلا وان بطيب، وتمسحه نهارا.

سواء كان بطيب أم لا، وقال الأبى ان محل هذا حيث كان بطيب

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

يوجب الشافعية - كغيرهم - الاحداد فى عدة الوفاة لما روت أم سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلى ولا تختضب ولا تكتحل ولا يجب ذلك على المعتدة الرجعية لأنها باقية على الزوجية ولا يجب على أم الولد اذا توفى عنها مولاها ولا على الموطؤة بشبهة، لما روت أم حبيبة أن النبى صلى الله عليه وسلم: قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا واختلف قول الشافعى فى المعتدة المبتوتة فقال فى القديم:

يجب عليها الإحداد لأنها معتدة بائن فلزمها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها وقال فى الجديد:

لا يجب عليها الإحداد لأنها معتدة من طلاق فلم يلزمها الاحداد كالرجعية. ومن لزمها الاحداد حرم عليها أن تكتحل بالاثمد والصبر وقال أبو الحسن الماسرجسى: ان كانت سوداء لم يحرم عليها. والمذهب أنه يحرم لما ذكر من حديث أم سلمة ولأنه يحسن الوجه.

ويجوز أن تكتحل بالأبيض كالتوتيا، لأنه لا يحسن بل يزيد العين مرها، فان احتاجت الى الاكتحال بالصبر والاثمد اكتحلت بالليل وغسلته بالنهار لما روت أم سلمة قالت:

(دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على عينى صبرا فقال: ما هذا يا أم سلمة قلت إنما هو صبر ليس فيه طيب فقال إنه يشب الوجه لا تجعليه إلا بالليل، وتنزعينه بالنهار

(2)

.

وأضاف صاحب نهاية المحتاج أن الاثمد يحرم ولو كان غير مطيب وأن الأولى ترك الاكتحال عند الحاجة

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

يرى الحنابلة أن تجتنب المتوفى عنها زوجها أمورا منها الزينة فى نفسها وأن تكتحل بالاثمد من غير ضرورة وذلك لحديث أم سلمة ولما روته أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا معصفرا الا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو اظفار) وهو حديث متفق عليه.

ولأن الكحل من أبلغ الزينة والزينة تدعو اليها وتحرك الشهوة فهى كالطيب وأبلغ منه وان اضطرت الحادة إلى الكحل بالاثمد للتداوى فلها أن تكتحل ليلا وتمسحه نهارا لما روت أم حكيم بنت أسد عن أمها: أن زوجها توفى وكانت تشتكى عينها فتكتحل بالجلاد فأرسلت مولانا لها إلى أم سلمه تسألها عن كحل الجلاد فقالت:

(1)

مواهب الجليل ج 4 ص 154، 155

(2)

المهذب ج 2 ص 149.

(3)

نهاية المحتاج ج 7 ص 142 وينظر مغنى المحتاج ج 3 ص 369.

ص: 25

(لا تكتحل الا لما لا بد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار) رواه أبو داود والنسائى.

وانما منع من الكحل بالإثمد لأنه الذى تحصل به الزينة فأما الكحل بالتوتيا والعنزروت ونحوهما فلا بأس به لأنه لا زينة فيه بل يقبح العين ويزدها مرها

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم أنه فرض على المعتدة من الوفاة أن تجتنب الكحل كله لضرورة أو لغير ضرورة ولو ذهبت عيناها لا ليلا ولا نهارا

(2)

.

واستدل على ذلك بما رواه بسنده حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة ان ابنة النحام توفى عنها زوجها فأتت أمها للنبى صلى الله عليه وسلم فقالت: ان ابنتى تشتكى عينها أفأكحلها قال لا قالت انى أخشى أن تنفقئ عينها قال وان انفقأت.

‌مذهب الزيدية:

يقولون بوجوب الاحداد على غير الرجعية المكلفة المسلمة حرة كانت أم أمة وهو ترك الزينة حتى تنقضى عدتها ومن الزينة الاكتحال

(3)

.

وظاهر كلام البحر أن الكحل الممنوع بما فيه زينة حيث قال ولها الكحل بالتوتيا والصبر

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

يجب الحداد على الزوجة المتوفى عنها زوجها فى جميع مدة العدة بترك الزينة ومنها الكحل الأسود ولو احتاجت الى الاكتحال بالسواد لعلة جاز فان تأدت الضرورة باستعماله ليلا ومسحه نهارا وجب وإلا اقتصرت على ما تتأدى به الضرورة

(5)

. يراجع مصطلح (احداد).

‌مذهب الإباضية:

لا تتزين البائن بكحل الا لعذر ولا تتزين المتوفى عنها زوجها كذلك، وان احتاجت المتوفى عنها الاكتحال فى مرض فى عينها جاز لها ليلا وتمسحه نهارا وأما ما روى أبو عبيدة عن جابر بن زيد أن أم سلمة رضى الله عنها قالت:«جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ان ابنتى توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ثلاثا ثم قال: انما هى أربعة أشهر وعشر» فالظاهر أن المراد منها نهارا لأنه وقت الرؤية فمنع أن ترى متزينة ولو لم تقصد الزينة فيباح لها ليلا للضرورة لأنه لا رؤية فيه واستطرد صاحب النيل الذى أورد الحكم فقال: اطلعت على أن فى الموطأ وغيره حديثا عن أم سلمة فى تلك السائلة جاز فيه:

(اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) وذكر النووى أن الأولى تركه ولو خشيت على بصرها فان فعلت مسحته نهارا

(6)

.

(1)

المغنى لابن قدامة ج 9 ص 167.

(2)

المحلى لابن حزم وما بعدها ج 10 ص 276 وما بعدها.

(3)

شرح الأزهار ج 2 ص 475.

(4)

البحر الزخار ج 3 ص 223.

(5)

الروضة البهية ج 2 ص 157.

(6)

شرح النيل ج 3 ص 583.

ص: 26

‌اكتراء واكراء

‌التعريف اللغوى:

جاء فى لسان العرب

(1)

.

كرا: الكروة والكراء: أجر المستأجر، كاراه مكاراة وكراء واكتراء واكرانى دابته وداره، والاسم الكرو بغير هاء، عن اللحيانى، وكذلك الكروة والكروة، والكراء ممدود لأنه مصدر كاريت، والدليل على ذلك انك تقول رجل مكار، ومفاعل انما هو من فاعلت، وهو من ذوات الواو لأنك تقول أعطيت الكرى كرونه، بالكسر.

والمكارى والكرى: الذى يكريك دابته، والجمع أكرياء، لا بكسر على غير ذلك، واكريت الدار فهى مكراة والبيت مكرى، واكتريت واستكريت وتكاريت بمعنى.

ويقال: اكرى الكرى ظهره، والكرى أيضا:

المكترى: وفى حديث ابن عباس، رضى الله عنهما: أن امرأة محرمة سألته فقالت أشرت الى أرنب فرماها الكرى، بوزن الصبى:

الذى يكرى دابته، فعيل بمعنى مفعل. يقال:

اكرى دابته فهو مكر وكرى، وقد يقع على المكترى فعيل بمعنى مفعل.

وكرا الأرض كروا: حفرها وهو من ذوات الواو والياء. وفى حديث فاطمة رضى الله عنها: أنها خرجت تعزى قوما، فلما انصرفت قال لها: لعلك بلغت معهم الكرى؟ قالت:

معاذ الله: هكذا جاء فى رواية بالراء، وهى القبور جمع كرية أو كروة، من كريت الأرض وكروتها اذا حفرتها كالحفرة، ومنه الحديث:

أن الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى نهر يكرونه لهم سيحا أى يحفرونه ويخرجون طينه، وكرا البئر كروا:

طواها بالشجر. وكروت الركية كروا اذا طويتها بالشجر وعرشتها بالخشب وطويتها بالحجارة، وقيل: المكروة من الآبار المطوية بالعرفج والسبط.

‌التعريف الشرعى:

بالبحث فى كتب الفقه وجدنا ان التعريف الفقهى لم يخرج عن التعريف اللغوى:

«حكم الاكراء والاكتراء فى الحج» :

‌مذهب الحنفية:

جاء فى كتاب الهداية

(2)

: انه لا بد من القدرة على الزاد والراحلة وهو قدر ما يكترى به شق محمل أو رأس زاملة وقدر النفقة ذاهبا وجائيا لأنه عليه السلام: سئل عن السبيل اليه فقال: الزاد والراحلة وان أمكنه أن يكترى عقبة فلا شئ عليه لأنهما اذا كانا يتعاقبان له توجد الراحلة فى جميع السفر، ويشترط أن يكون فاضلا عن المسكن وعما لابد منه كالخادم وأثاث البيت وثيابه لأن هذه الأشياء مشغولة بالحاجة الأصلية، ويشترط أن

(1)

لسان العرب مادة كرا.

(2)

الهداية ج 1 باب الحج.

ص: 27

يكون فاضلا عن نفقة عياله الى حين عوده لأن النفقة حق مستحق للمرأة وحق العبد مقدم على حق الشرع بأمره، وليس من شرط الوجوب على أهل مكة ومن حولهم الراحلة لأنه لا تلحقهم مشقة زائدة فى الأداء فأشبه السعى الى الجمعة ولا بد من أمن الطريق لأن الاستطاعة لا تثبت دونه، ثم قيل هو شرط الوجوب حتى لا يجب عليه الايصاء وهو مروى عن أبى حنيفة رحمه الله، وقيل هو شرط الأداء دون الوجوب لأن النبى صلى الله عليه وسلم: فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة لا غير.

وجاء فى موضع آخر من كتاب البدائع روى الحسن عن أبى حنيفة أنه فسر الراحلة فقال: اذا كان عنده ما يفضل عما ذكرنا ما يكترى به شق محمل أو زاملة أو رأس راحلة وينفق ذاهبا وجائيا فعليه الحج وان لم يكفه ذلك الا أن يمشى أو يكترى عقبة فليس عليه الحج ماشيا ولا راكبا عقبة وانما اعتبرنا الفضل على ما ذكرنا من الحوائج لأنها من الحوائج اللازمة التى لا بد منها فكان المستحق بها ملحقا بالعدم.

‌مذهب المالكية:

جاء فى كتاب بلغة السالك

(1)

. من شروط الحج الاستطاعة. والمستطيع أى القادر على الوصول لا على غيره من مكر وفقير وخائف من كلص وغيره ولا تصح نيابة من أحد عن شخص مستطيع فى حج فرض بأجرة أو لا فالاجارة فيه فاسدة لأنه عمل بدنى لا يقبل النيابة كالصلاة والصوم فالفرض باق على المستنيب والا تكن فى فرض بل فى نفل أو فى عمرة كرهت النيابة. وصحت الاجارة فيما ذكر وللمستنيب أجر الدعاء والنفقة وحمل النائب على فعل الخير هذا هو الذى اعتمده الشيخ فى التوضيح وفى المختصر وضعفه بعضهم وقال المعتمد فى المذهب أن النيابة عن الحى لا تجوز ولا تصح مطلقا الا عن ميت أوصى به فتصح مع الكراهية.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

. انه تجوز النيابة فى حج الفرض فى موضعين:

أحدهما فى حق الميت اذا مات وعليه حج والدليل عليه حديث بريدة رضى الله عنها.

والثانى فى حق من لا يقدر على الثبوت على الراحلة الا بمشقة غير معتادة كالزمن والشيخ الكبير والدليل عليه ما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن امرأة من خثعم أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان فريضة الله فى الحج على عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على الراحلة أفأحج عنه قال نعم قالت أينفعه ذلك قال نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته

(1)

كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 244 من الحاشية.

(2)

الجزء الأول من كتاب المهذب للامام أبى اسحاق الشيرازى فى فقه مذهب الامام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه ج 1 ص 199 تأليف الامام الزاهد الموفق أبى اسحاق ابراهيم بن على ابن يوسف الشيرازى رحمه الله تعالى وقد وضع بأسفل الصفحة النظم المستعذب.

ص: 28

نفعه ولأنه أيس من الحج بنفسه فناب عنه غيره كالميت وفى حج التطوع قولان:

أحدهما لا يجوز لأنه غير مضطر الى الاستنابة فيه فلم تجز الاستنابة فيه كالصحيح.

والثانى أنه يجوز وهو الصحيح لأن كل عبادة جازت النيابة فى فرضها جازت النيابة فى نفلها كالصدقة.

فان

(1)

استأجر من يتطوع عنه وقلنا لا يجوز فان الحج للحاج وهل يستحق الأجرة فيه قولان:

أحدهما أنه لا يستحق لأن الحج قد انعقد له فلا يستحق الأجرة كالضرورة.

والثانى يستحق لأنه لم يحصل له بهذا الحج منفعة لأنه لم يسقط به عنه فرض ولا حصل له به ثواب بخلاف الضرورة فان هناك قد سقط عنه الفرض.

وجاء فى موضع آخر من المهذب. قال

(2)

فى الأم اذا استأجره رجلان للحج فأحرم بهما انعقد احرامه عن نفسه لأنه لا يمكن الجمع بينهما ولا تقديم أحدهما على الآخر فتعارضا وسقطا وبقى احرام مطلق فانعقد له، قال ولو استأجره رجل ليحج عنه فأحرم عنه وعن نفسه انعقد الاحرام عن نفسه لأنه تعارض التعيينان فسقطا وبقى مطلق الاحرام، فانعقد له.

‌مذهب الحنابلة:

جاء

(3)

فى منتهى الارادات: من شروط الحج الاستطاعة ومن الاستطاعة ملك راحلة لركوبه بآلتها بشراء أو كراء يصلحان. أى الراحلة وآلتها لمثله لحديث أحمد عن الحسن لما نزلت هذه الآية «ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» قال رجل يا رسول الله ما السبيل قال الزاد والراحلة وللدارقطنى عن أنس مرفوعا معناه. فى مسافة قصر عن مكة متعلق بملك راحلة ولا يعتبر ملك راحلة فى دون مسافة القصر عن مكة للقدرة على المشى فيها غالبا ولأن مشقتها يسيرة ولا يخشى فيها عطب لو انقطع بها بخلاف البعيدة الا لعاجز عن مشى لشيخ كبير فيعتبر له ملك الراحلة بآلتها حتى فى دونها، ولا يلزمه السير حبوا ولو أمكنه فأما الزاد فيعتبر قربت المسافة أو بعدت مع الحاجة اليه، أو ملك ما يقدر به من نقد أو عرض على تحصيل ذلك أى الزاد والراحلة بآلتيهما فان لم يملك ذلك لم يلزمه الحج.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى ان استطاعة السبيل الذى يجب به الحج اما صحة الجسم والطاقة على المشى .. واما مال يمكنه منه ركوب البحر أو البر .. وان لم يكن صحيح الجسم الا انه لا مشقة عليه فى السفر برا أو بحرا، وأما ان يكون له من

(1)

المهذب ج 1 ص 199 والطبعة السابقة.

(2)

المهذب ج 1 ص 205 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب منتهى الارادات من كتاب كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 610، ص 611 الطبعة الأولى.

ص: 29

يطيعه فيحج عنه ويعتمر بأجرة أو بغير اجرة ان كان هو لا يقدر على النهوض لا راكبا ولا راجلا فأى هذه الوجوه أمكنت الانسان المسلم العاقل البالغ فالحج والعمرة فرض عليه، ومن عجز عن جميعها فلا حج عليه ولا عمرة

(1)

.

وجاء فى موضع آخر من كتاب المحلى لابن حزم

(2)

: مسألة فمن استطاع. ثم بطلت استطاعته أو لم تبطل فالحج والعمرة عليه ويلزم أداؤهما عنه من رأس ماله قبل ديون الناس، فان لم يوجد من يحج عنه الا بأجرة استؤجر عنه لقول النبى صلى الله عليه وسلم (دين الله أحق بالقضاء) استؤجر من يحج عنه ويعتمر من ميقات من المواقيت لا يلزم غير هذا الا أن يوصى بأن يحج عنه من بلده فتكون الاجارة الزائدة على الحج من ميقات ما من الثلث لأنه عمل لا يلزم .. ثم قال ولا يجزى أن يستأجر من لم يحج ولا اعتمر الا أن لا يكون مستطيعا حين استؤجر فيجوز حينئذ لأنه غير مستطيع للحج عن نفسه فلا يلزمه وهو مستطيع للحج عن غيره بما يأخذ من الأجرة وبالله تعالى التوفيق.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى كتاب شرح الأزهار

(3)

: من الأركان أن يجد رجلا. دابة أو سفينة ملكا أو مستكرى اذا كانت المسافة بينه وبين مكة بريدا فصاعدا قال فى الانتصار أو كان زمنا لا يستطيع قطع المسافة القريبة الا براحلة فان لم يجد الذى على مسافة بريد راحلة سقط عنه الحج ولو كان قادرا على المشى وعند البعض يجب عليه اذا كان قادرا على المشى.

وأن يجد أجرة خادم فى سفره واذا كان ممن يستخدم ولا يستغنى عنه وأجرة قائد للأعمى فان وجدها وجب عليه الحج عندنا، وأجرة محرم مسلم. وجاء فى البحر الزخار:

(مسألة

(4)

ولا يسقط الحج باحتياج الى بذل الخفارة اذ له بذل المال للعبادة كالكراء.

ثم قال. والمعضوب الأصلى لا يلزمه الاستئجار، اذ هو فرع الوجوب وقال. البعض بل يستأجر لخبر الخثعمية. قلنا لعله كان وجب على أبيها جمعا بين الأدلة قال البعض والطارئ كالأصلى. قلنا: هذا قد تمكن فافترقا.

مسألة. ولا يلزمه ان وجد من يحج عنه تبرعا، اذ لم يلزمه فى الأصل.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى كتاب الخلاف: مسألة

(5)

. الذى لا يستطيع الحج بنفسه وأيس من ذلك

(1)

كتاب المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 53 مسألة رقم 815 الطبعة الأولى طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1349 هـ

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 273، ص 274، ص 275 مسألة رقم 913 الطبعة السابعة.

(3)

كتاب شرح الأزهار المرجع السابق نفس الطبعة ج 2 ص 64.

(4)

البحر الزخار ج 2 ص 484، 485 وما بعدها.

(5)

كتاب الخلاف فهرس المجلد الأولى مسألة رقم 6 ص 412، ص 413 تصنيف الامام أبى جعفر محمد الحسن بن على الطبعة الثانية طبع مطبعة رنكيه فى طهران سنة 1377 هـ.

ص: 30

اما بأن لا يقدر على الكون على الراحلة أو يكون به سبب لا يرجى زواله وهو المعضب والضعف الشديد من الكبر أو ضعف الخلقة بأن يكون ضعيف الخلقة فى بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب يلزمه فرض الحج فى ماله بأن يكترى من يحج عنه فان فعل ذلك سقط الفرض وبه قال فى الصحابة على عليه الصلاة والسلام وفى الفقهاء النووى وأبو حنيفة وأصحابه وابن المبارك والشافعى وأحمد واسحاق وقال مالك فرض الحج لا يتوجه على من لا يقدر عليه بنفسه فان كان معضوبا لم يجب الحج عليه ولا يجوز أن يكترى من يحج عنه فان أوصى أن يحج عنه حج عنه من الثلث وحكى أنه قال لو عضب بعد وجوب الحج عليه سقط عنه فرضه. دليلنا. اجماع الفرقة وطريقة الاحتياط لأنه اذا فعل ما قلناه برئت ذمته بيقين واذا لم يفعل فليس على براءة ذمته دليل وروى عن على عليه الصلاة والسلام انه قال لشيخ كبير لم يحج ان شئت فجهز رجلا يحج عنك وروى سفيان بن عيينة عن الزهرى عن سليمان بن يسار عن ابن عباس ان امرأة من خثعم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان فريضة الله فى الحج على عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلة فهل ترى أن أحج عنه فقال صلى الله عليه وسلم نعم وفى رواية عمرو بن دينار عن الزهرى مثله وزاد فقالت يا رسول الله فهل ينفعه ذلك فقال نعم كما لو كان عليه دين تقضيه نفعه ثم قال فى موضع آخر: اذا

(1)

أوصى المريض بحجة تطوع أو استأجر من يحج عنه تطوعا فانه جائز وبه قال مالك وأبو حنيفة وهو أحد قولى الشافعى.

والقول الآخر لا يجزى ولا الوصية به.

ودليلنا. اجماع الفرقة والأخبار التى وردت فى فضل الحج.

ثم قال

(2)

واذا أحرم بالحج عن غيره نيابة ثم نقل النية الى نفسه لا يصح نقلها فاذا أتم حجه لم تسقط أجرته عمن كان استأجره وللشافعى فيه قولان:

أحدهما لا شئ له.

والآخر وهو الذى يختارونه مثل قولنا من أن له أجرة.

دليلنا. ان الأجرة استحقها بنفس العقد وبالدخول فى الاحرام انعقد الحج عن المستأجر ونيته ما أثرت فى النقل وجب أن يكون استحقاق الأجرة ثابتا لأن اسقاطه يحتاج الى دليل. ثم قال. اذا استأجر

(3)

الصحيح من يحج عنه الحجة الواجبة لا يجزيه بلا خلاف وان استأجر من يحج عنه النافلة أجزاه وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعى لا يجوز أن يستأجر لا نفلا ولا فرضا.

دليلنا. اجماع الفرقة وأخبارهم الواردة فى ذلك أيضا والأصل جوازه والمنع يحتاج الى دليل.

(1)

المرجع السابق المجلد الأول ج 1 مسألة رقم 12 ص 414 الطبعة السابعة.

(2)

نفس المرجع ج 1 ص 414 مسألة رقم 13 الطبعة السابعة ج 14 المرجع السابق ج 1 ص 415 مسألة رقم 14 الطبعة السابعة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 415.

ص: 31

‌مذهب الإباضية:

جاء فى كتاب شرح النيل وشفاء العليل

(1)

:

عن ابن عباس رضى الله عنهما: اذا حج الأجير بالكراء فقد تم حجه ثم تلا هذه الآية

(2)

«أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب» ويدل لذلك أيضا أن رجلا جاء الى ابن عباس رضى الله عنهما. وقال انى اكريت دابتى واشترطت عليهم أن أحج فهل يجزينى ذلك قال أنت من الذين قال الله فيهم «أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب» ومعنى اشترطت عليهم أن أحج اشترطت ان أحج عليها بأن يركبها أو يحمل عليها معهم أو اشترط عليهم أن أحج بطعامهم وشرابهم وجميع ما أحتاج من مالهم فى سفرى للحج معهم أو اشترطت أن أشاركهم فى الأجر بأن يترك لهم بعض الثمن فى الكراء فقبلوا تركه لهم بعضه. قال الشيخ اسماعيل وأن رجع من الطريق قبل أن يؤديها فعليه رد الدراهم فان رجع من قابل فحج فقد أدى (ما استؤجر عليه) وقال

(3)

فى موضع آخر. قال أبو الحوارى يستحب لمن استؤجر بحجة أن يأخذ منها ولو قليلا وان لم يأخذ منها شيئا حتى قضى الحج جاز له أخذ ما فرضوا له. واتفقوا على جواز اخراج الحجة عن ميت وهو أن يضمن الخارج بها آداءها أو يكون أمينا فيها أو يستأجر لها من يحج بها. قلت بل فيه خلاف ومن أخذ حجة غيره بأجر فمرض بعد ما أحرم فله أن يستأجر من يتمها عنه لا أن مرض قبله الا ان أذن له أصحابها بذلك.

وكذا أن اشتغل عن الذهاب الى الحج بسبب ما فليعطها من يتمها من الموضع وجاز ذلك ومن أخذ حجة فلا يعطها غيره بأجرة وان فعل فعليه الأجرة واعادة الحج وله ثواب حج أجيره وان أذن له الوارث أو الوصى أو أتم له فعله جاز وان أخذها على أن يستأجر لها فاستأجر بأقل مما أخذ وأعان الأجير بشئ ككراء أو زاد فالفضل له وان لم يعنه فالفضل فى سبيل الله لا له ولا للأجير ولا للوارث والظاهر أنه للوارث ومن أخذ حجة بضمان وترك بعضها عند الوارث ثم هلك فى الطريق فلورثته الخيار ان شاءوا أتموها من حيث مات ويخرجوا بها منه ولهم ما بقى عند الوارث أو الوصى وان شاءوا ردوا ما أخذ مورثهم من ماله فتخرج الحجة من بلد الهالك الا أن اتفق وارثه مع ورثة الأجير على أن يخرج بها وارث صاحبها من حيث مات الأجير ومن أخذ حجة ولم يشترط فى سنته فحول نواه فى بعض الطريق أن يحج لنفسه وحج من قابل من ذلك الموضع جاز وقيل عليه أن يرجع الى بلد صاحبها وان شرط عليه فى سنته رد ما أخذ لأنه خالف ومن لم يشترط عليه فى سنته أو مدة فحيث حج فله وعليه الحج الا أن تفاسخوا برضاهم. والله أعلم.

(1)

كتاب شرح النيل ج 2 ص 284 وما بعدها ..

(2)

الآية رقم 202 من سورة البقرة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 284، 285 الطبعة السابقة.

ص: 32

‌اكتساب

‌التعريف اللغوى:

جاء فى القاموس: اكتسب طلب الرزق كما يقال اكتسب بمعنى تصرف واجتهد.

‌التعريف الاصطلاحى:

استعمله الفقهاء بما لا يخرج عن معناه اللغوى فأرادوا به السعى فيما ينفع الانسان فى دنياه وتارة العمل بما يترتب عليه ثواب أو عقاب فى الآخرة، وينشأ عن ذلك أن المال الذى يكتسبه الشخص يستفيد به فى حياته بما ينفق عن نفسه وعياله، وفى آخرته بما يتصدق به ويعود عليه بالثواب

(1)

.

‌تقسيم الاكتساب:

ينقسم الاكتساب الى مشروع وغير مشروع فالاكتساب المشروع أنواعه مختلفة، فقد يكون من تجارة أو اجارة أو عمل أو غير ذلك، وحصر الأشياء التى يكون منها الاكتساب مشروعا لا يمكن على وجه التحديد، فمن القواعد المقررة شرعا، أن الأصل فى الأشياء الاباحة فكل ما لم يرد فيه نص بتحريمه، والنهى عنه فهو مباح ومشروع

(2)

. فمن أنواع المشروع البيع

(3)

متى تحققت فيه شروطه التى بينها الفقهاء من طهارة العين وامكان التسليم والملك لمن له العقد، والعلم بالمبيع - الى غير ذلك - أنظر مصطلح «بيع» .

ومنها التجارة فيما تجوز فيه التجارة شرعا كالتجارة فى الحيوانات التى تجوز فيها التجارة اما للأكل أو للحفظ أو لغير ذلك أو التجارة فى غير الحيوانات من نبات وجماد وغير ذلك - أنظر مصطلح «تجارة» .

ومنها الجعالة: وهى التزام مطلق التصرف عوضا معلوما على عمل

(4)

معين.

ومنها السلم (وهو بيع شئ موصوف فى الذمة لأجل

(5)

. أنظر مصطلح «اسلاف - مسلم» .

ومنها الشركة: وهى أن يقول أحد الاثنين للآخر مشاركتك، ويقول الآخر قبلت ويتبع نظامها

(6)

: انظر مصطلح «شركة» ومنها الصرف كبيع الذهب بالفضة انظر مصطلح «صرف»

(7)

.

ومنها القراض: وهو أن يعطى غنى مالا لفقير ليتجر فيه والربح حسب شرطهما ويقال له المضاربة - انظر مصطلح «قراض - ومضاربة» .

(1)

كتب اللغة بتصرف

(2)

مفردات الراغب الاصفهانى ج 1 ص 215.

(3)

الجلال المحلى على المنهاج ج 1 ص 246.

(4)

المحلى ج 2 ص 392.

(5)

ابن القاسم ص 29 والجلال المحلى ج 1 ص 287.

(6)

فتح القدير ج 5 ص 4.

(7)

فتح القدير والهداية ج 5 ص 368 وما بعدها.

ص: 33

ومنها المساقاة: وهى دفع شجرة له ثمر مأكول الى آخر ليتعهده بجزء معلوم من الثمر

(1)

. انظر مصطلح «مساقاة» .

وبالجملة فجواز الاكتساب من البيع أو غيره يدور مع حل الانتفاع فيجوز الاكتساب من بيع أى شئ يبيح الشرع التجارة فيه وكل ما لم يرد نص بتحريم الاكتساب منه فهو اكتساب مشروع، عملا بالقاعدة الشرعية لا حرمة بلا نص

(2)

.

الاكتساب غير المشروع: يتحقق الاكتساب غير المشروع فى كل مبادلة غير مشروعة سواء كانت مبادلة مال بمال أو مال بمنافع أو منافع بمنافع - وذلك كبيع الميتة، والخمر والخنزير والدم والعذرة والسرجين. وكبيع الحشرات بجميع أنواعها كالذباب والبعوض والنمل والحيات والعقارب والخنافس، وكذلك بيع آلات اللهو كالمزمار والطنبور وكبيع الحيوانات المفترسة كالذئب والثعلب والنمر والأسد، وكبيع السلاح للحربى، وبيع الحمل، أى ما فى بطن الدابة أو الناقة وكبيع السمك فى الماء والطير فى الهواء واللبن فى الضرع وضربة القانص وهو الصياد فى البر وضربة القانص وهو الصياد فى البحر وبيع المغصوب. وكبيع كلأ المراعى وهى الأعشاب التى ترعاها الابل قبل احرازها وكبيع النحل غير المحرز أى الذى ليس له وعاء يضمه، وكبيع المصحف للكافر، وبيع ما فيه غرر: أى جهل بحال المبيع كبيع المحاقلة وهى بيع الحنطة فى سنبلها بحنطة خالصة من التبن وبيع الصوف على ظهر الغنم وبيع الزيت فى الزيتون والسمسم واللؤلؤ فى الصدف ونوى التمر وبذر البطيخ داخل ثمرتها وبيع العنب والزبيب لمن يعمل منهما خمرا عند بعض الفقهاء ومن الاكتساب غير المشروع الربا وأجر البغى وأجر الكاهن (العراف) وأجر الغناء ومن الاكتساب غير المشروع أيضا الرشوة والكسب الناشئ من الاحتكار المضر كاحتكار التاجر سلعة عند قدرتها والحاجة اليها وكذلك الكسب الناشئ من الشركات الفاسدة ومن الاكتساب غير المشروع أجرة المسكن للدعارة. انظر فى كل ما تقدم مصطلح «بيع واجارة» .

‌اكتساب العبد

‌مذهب الحنفية:

العبد لا يخلو اما أن يكون غير مأذون له فى التجارة والاكتساب، أو مأذونا له فيهما وعلى الأول لا يصح منه أن يزاول أى عمل تجارى أو غيره اذ لا حق له أن يتجر الا فيما أذن له فيه لأن منافعه مستحقة لمالكه ومن ثم لا يملك التصرف بغير اذن مولاه فكسبه فى هذه الحالة غير مشروع. وأما المأذون له فى الاكتساب فان اكتسابه فى هذه الحالة يكون اكتسابا مشروعا ويكون ملكا لسيده.

انظر

(3)

«مصطلح اذن» .

(1)

المهذب ج 1 ص 395.

(2)

المهذب ج 1 ص 399، والمنهاج للجلال المحلى ج 1 ص 226، شرح الدر وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 117 فتح القدير ج 5 ص 160.

(3)

فتح القدير والعناية على الهداية ج 7 ص 332 وما بعدها.

ص: 34

‌مذهب المالكية:

العبد المأذون اذا أتجر فى مال نفسه كان الربح له أو لسيده وفق ما تضمنه الأذن واذا أتجر فى مال سيده كان الربح له اذا تضمن الأذن ذلك والعبد غير المأذون له قبول الصدقة

(1)

والهبة.

‌مذهب الشافعية:

لا يجوز للعبد أن يتجر بغير اذن المولى، لأن منافعه مستحقة له فلا يملك التصرف فيها بغير اذنه فان رآه يتجر فسكت لم يصر مأذونا له لأنه تصرف يفتقر الى الأذن وليس السكوت اذنا فيه كبيع مال الأجنبى فان اشترى شيئا فى الذمة فقد اختلف فيه.

فقال البعض انه عقد معاوضة فلا يصح من العبد بغير اذن المولى كالنكاح.

وقال البعض يصح لأنه محجور عليه لحق غيره فصح شراؤه فى الذمة كالمفلس وان أذن له فى التجارة صح تصرفه لأن الحجر عليه لحق المولى وقد زال وما يكتسبه للمولى لأنه ان دفع اليه مالا فاشترى به كان المشترى عوض ماله فكان له وان أذن له فى الشراء فى الذمة كان المشترى من اكتسابه لأنه تناوله الأذن، فان لم يكن فى يده شئ أتبع به اذا عتق لأنه دين لزمه برضا من له الحق فتعلق بذمته، ولا تباع فيه رقبته لأن المولى لم يأذن له فى رقبته فلا يقضى منها دينه ولا يتجر الا فيما أذن به لأن تصرفه بالأذن فلا يملك الا ما دخل فيه فاذا أذن له فى التجارة لم يملك الاجارة، وقال البعض يملك اجارة ما يشترى به للتجارة لأنه من فوائد المال واذا اكتسب العبد مالا بأن احتش أو اصطاد أو عمل فى معدن فأخذ منه مالا أو ابتاع أو اتهب أو أوصى له بمال فقيل دخل ذلك فى ملك المولى لأنها اكتساب ماله فكانت له

(2)

. واذا أذن له سيده بالتجارة فاكتسب كان كسبه لسيده ولا يملك العبد بتمليك سيده فى الأظهر فى قوله الجديد لأنه ليس بأهل للملك وفى المذهب القديم يملك بتمليك السيد للحديث من باع عبدا وله مال فماله للبائع الا أن يشترط المبتاع، دل اضافة المال اليه على أنه يملك وأجيب بأن الاضافة للاختصاص (أى الملك للسيد لا للعبد) وعلى القديم هو ملك ضعيف لا يتصرف العبد فيه الا باذن سيده

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

يجوز أن يأذن السيد لعبده فى التجارة بغير خلاف، لأن الحجر عليه انما كان لحق سيده، فيجوز له التصرف بأذنه، فى قدر ما أذن له فيه، فهو كوكيل فان دفع اليه سيده مالا يتجر به كان له أن يبيع ويشترى ويتجر فيه، وان أذن له أن يشترى فى ذمته جاز،

(1)

الشرح الصغير ج 3 ص 136 طبع المعاهد سنة 1968 والشرح الكبير ج 4 ص 363.

(2)

المهذب ج 1 ص 394 وما بعدها.

(3)

المحلى على المنهاج ج 1 ص 286.

ص: 35

وان عين له نوعا من المال يتجر فيه لم يكن له التجارة فى غيره، وليس للمأذون فى التجارة أن يؤجر نفسه، واذا رأى السيد عبده يتجر فلم ينهه لا يعتبر مأذونا له، لأنه تصرف يقتصر الى الأذن فلا يقوم السكوت مقام الأذن كما لا يجوز له التبرع بهبة الدراهم ولا كسوة الثياب وتجوز هبته للمأكول واعارة الدابة

(1)

. وما يكتسبه العبد بناء على اذن سيده ملكا لسيده لأن السيد وما بيده ملك لسيده

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(3)

ما يفيد أنه يجوز أن يبيع العبد ويبتاع بغير اذن سيده ما لم ينتزع سيده منه ماله فان انتزعه فهو مال السيد فلا يحل للعبد التصرف فيه، وحجتهم فى الجواز قوله تعالى «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» فلم يخص حرا من عبد فلو كان بيع العبد بغير اذن سيده حراما لفصله عز وجل، وحيث لم يفصل جل شأنه فصح أنه حلال غير حرام، وأما انتزاع السيد مال العبد فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطى الحجام - وهو رقيق - أجره وسأل عن ضريبته فأمر مواليه أن يخففوا عنه منها فصح أن العبد يملك لأنه عليه الصلاة والسلام أعطاه أجره كما صح للسيد أخذه لأنه عليه الصلاة والسلام أمر أن يخفف عنه من خراجه فصح أن مال العبد له ما لم ينتزعه سيده وصح أن للسيد أخذ كسب عبده لنفسه.

‌مذهب الزيدية:

يرى الزيدية أن ما يكتسبه العبد قبل عتقه يكون لسيده

(4)

.

‌مذهب الأمامية:

ويقول الإمامية

(5)

لو كان للرقيق كسب جاز للمولى أن يجعله اليه فان كفاه الكسب بجميع ما يحتاج اليه من نفقة وغيرها اقتصر عليه وان لم يكفه أتم له سيده قدر كفايته ويفرق فى الرقيق بين القن والمدبر.

‌مذهب الإباضية:

يقول الإباضية أن من أذن لعبده فى الاتجار فى سلعة أو صنعة معروفة فمأذون له فى الكل يتجر فى جميع السلع ويصنع الصنائع كلها ويعامل بالبيع والشراء كذا لو أذن له فى نوع من المعاملات كالسلم فله الكل، ووجه ذلك أن الأذن فى الواحدة اذن فى الكل، وأما

(1)

المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 199 وما بعدها.

(2)

كشاف القناع ص 230 باب الحجر.

(3)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 12، 13.

(4)

شرح الأزهار ج 3 ص 564 وما بعدها.

(5)

الروضة البهية ج 2 ص 143.

ص: 36

ما يكون من قبيل المعاملات بغير اذن مولاه فليس على مولاه من ذلك شئ حتى يخرجه من ملكه. وان عامل رجالا شتى بأكثر من ثمن رقبته فأخرجه مولاه من ملكه فانهم يتحاصون فيما دون رقبته وان أفسد شيئا فى مال مولاه بالتعدى ثم عتق فان مولاه له عليه قيمة ما أفسده كله ولو كان أكثر من رقبته

(1)

.

‌اكتساب المكاتب:

‌مذهب الحنفية:

بيان ما يملك المكاتب من التصرفات وما لا يملك.

ويملك المكاتب أن يبيع ويشترى لأنه صار مأذونا له فى التجارة والبيع والشراء من باب التجارة وله أن يبيع بقليل الثمن وكثيره وبأى جنس كان بالنقد والنسيئة وله أن يبيع ويشترى من مولاه لأن المكاتب فيما يرجع الى مكاسبه ومنافعه كالحر، فهو فيها بمنزلة الأجنبى لكنه لا يجوز له أن يبيع ما اشتراه من مولاه مرابحة الا أن يبين لأن بيع المرابحة بيع أمانة فيجب صيانته عن الخيانة وشبهتها ما أمكن ولا يجوز له أن يبيع من مولاه درهما بدرهمين لأنه بعقد الكتابة صار أحق بمكاسبه فأصبح كالأجنبى فى المعاوضة المطلقة وله أن يأذن لعبده فى التجارة لأن الأذن فى التجارة وسيلة للاكتساب، والمكاتب مأذون فى الاكتساب ويملك الاجارة والاعارة والايداع لأن ذلك من عمل التجار.

ولا يجوز للمكاتب أن يهب شيئا لأن هذا تبرع وكسب المكاتب لا يحتمل التبرع ولا يملك التصدق الا بشئ يسير حتى لا يجوز له أن يعطى فقيرا درهما ولا أن يكسوه ثوبا ولا يجوز له أن يهدى الا بشئ قليل من المأكول، وله أن يدعو الى الطعام لأن ذلك من عمل التجار وقد روى أن سلمان رضى الله عنه أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مكاتبا فقبل ذلك منه، وكذا روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة المملوك، لأن ذلك وسيلة الى أداء مال الكتابة لأنه يجذب قلوب الناس فيحملهم ذلك على الاهداء اليه فيتمكن من أداء بدل الكتابة، ولا يجوز له أن يقرض لأن القرض تبرع ولا تجوز وصيته. وله أن يشارك حرا شركة عنان، وليس له أن يشارك شركة مفاوضة، لأن مبنى المفاوضة على الكفالة وليس هو من أهل الكفالة وشركة العنان غير مبنية على الكفالة بل على الوكالة والمكاتب من أهل الوكالة

(2)

.

(1)

شرح النيل ج 7 ص 698.

(2)

بدائع الصنائع ج 4 ص 134 وما بعدها، وفتح القدير ج 7 ص 225 وما بعدها.

ص: 37

‌مذهب المالكية:

تصرفات المكاتب كالحر، لأنه أحرز نفسه وماله، الا فى التبرع والمحاباة التى تؤدى الى عجزه فيمنع منها لأن الكتابة عقد يترتب عليه عتق العبد فما كان بعوض جاز والا فلا يجوز، فللمكاتب بلا أذن من سيده بيع واشتراء، ومشاركة ومقارضة ومكاتبة لرقيقه لابتغاء الفضل وله سفر قريب بغير اذن وله اقرار فى رقبته كدين

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

يملك المكاتب بالعقد اكتساب المال بالبيع والاجارة والصدقة والهبة والأخذ بالشفعة والاحتشاش والاصطياد وأخذ المباحات، وهو مع المولى كالأجنبى مع الأجنبى فى ضمان المال، ويملك التصرف فى الحال بما يعود الى مصلحته ومصلحة ماله فيجوز أن ينفق على نفسه لأن ذلك من أهم المصالح، وله أن يفدى فى صيانة نفسه أو رقيقه لأن له فيه مصلحة وله أن يمتحن غلامه ويؤدبه لأنه اصلاح للمال، وان كان المكاتب جارية فوطئها المولى، وجب عليه المهر، ولها أن تطالب به لتستعين به على الكتابة لأنه يجرى مجرى الكسب وان أذهب بكارتها، لزمه الأرش لأنه اتلاف جزء لا يستحقه فضمن بدله. ولا يملك المكاتب التصرف الا على وجه النظر والاحتياط لأنه حق المولى فيتعلق باكتسابه فان أراد أن يسافر قال الشافعى فى الأم: يجوز وقال فى الأمالى: لا يجوز، ولا يجوز أن يبيع نسيئة وان كان بأضعاف الثمن ولا يجوز أن يشترى من يعتق عليه أو أن يعتق أو يكاتب أو يهب أو يحابى أو يبرئ من الدين أو يكفر بالمال أو ينفق على أقاربه الأحرار، وبعبارة واضحة لا يستهلك المال. ولا يجوز له أن يتزوج الا بأذن المولى لأنه يلزمه المهر والنفقة فى كسبه فى ذلك اضرارا بالمولى ولا يتسرى بجارية من غير اذن مولاه لأنه ربما أحبلها فيلحقها التلف. ويجب على المولى الايتاء، وهو أن يضع عنه جزءا من المال أو يدفع اليه جزءا من المال لقوله تعالى:«وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ» وعن على كرم الله وجهه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى هذه الآية: يحط عنه ربع الكتابة، والوضع أولى من الدفع وان سبق المكاتب وأدى المال لزم المولى أن يدفع اليه لأنه مال وجب لآدمى فلا يسقط من غير أداء ولا ابراء كسائر الديون وان مات المولى وعليه دين حاص المكاتب أصحاب الديون

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

يرى الحنابلة أن للمكاتب أن يبيع ويشترى باجماع من أهل العلم لأن عقد الكتابة انما هو لتحصيل العتق ولا يحصل الا بأداء عوضه - ولا يمكنه الأداء الا بالاكتساب والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب، فانه قد جاء فى بعض الآثار أن تسعة أعشار الرزق فى التجارة وله أن يأخذ ويعطى فيما فيه الصلاح لماله والتوفير عليه، وله أن ينفق مما فى يده من المال على نفسه فى

(1)

الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 396.

(2)

المهذب ج 2 ص 12 وما بعدها.

ص: 38

مأكله وكسوته بالمعروف مما لا غناء له عنه وعلى رقيقه والحيوان الذى له، وله المطالبة بالشفعة والأخذ بها لأنه نوع شراء فان كان المشترى للشقص سيده فله أخذه منه لأن له أن يشترى منه. ويصح اقرار المكاتب بالبيع والشراء والعيب والدين لأنه يصح تصرفه فيه ومن ملك شيئا فله الاقرار به

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

لا يحل للسيد أن ينتزع شيئا من مال مكاتبه منذ مكاتبته والعبد اذا كاتبه مولاه وله مال وسرية وولد فماله وسريته له وولده حر.

ويفرض على السيد أن يعطى المكاتب مالا فى أول عقد الكتابة ويجبر السيد على ذلك لقوله تعالى: «فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ»

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

يملك العبد بمكاتبته التصرف فيشترى ويبيع ويشفع من سيده أو غيره ويصح اقراره بذلك وله سفر بنفسه وبالمال ولو شرط تركه لملكه التصرف، وله المكاتبة عنه وعن غيره لملكه التصرف ولا يصح منه التبرع كالهبة والعتق والغبن الفاحش والترفه الزائد الا باذن اذ لم ينقطع حق السيد، ولئلا يعجز عن الوفاء. ولزم السيد الايفاء فان مات قبله ففى تركته كالدين ولا يصح التضمين بمال الكتابة اذ هو غير مستقر فلا ينتقل الى ذمة الضامن وقيل يصح كسائر الديون ان كان فى ذمة الضامن للمكاتب قدر ما ضمن والا فلا

(3)

.

‌مذهب الأمامية:

ويجب على مولاه الايفاء للمكاتب من الزكاة ان وجبت الزكاة عليه للأمر به فى قوله تعالى:

«وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ» وان لم تجب الزكاة استحب له الايفاء وهو اعطاؤه شيئا ولا حد للمؤتى بل يكفى ما يطلق عليه اسم المال، ويكفى الحط من النجوم عنه، ويجب على العبد القبول ان أتاه من عين مال الكتابة أو من جنسه وتصح الوصية للمكاتب لرواية محمد بن قيس عن الباقر فى مكاتب كان تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصية فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه، ولو لم يتحرر منه شئ لم تصح الوصية له مطلقا على المشهور، وقيل بجواز الوصية للمكاتب مطلقا لأن قبولها نوع اكتساب وهو أهل له، هذا اذا كان الموصى غير المولى أما هو فتصح وصيته مطلقا ويعتق منه بقدر الوصية، وليس للمكاتب التصرف فى ماله ببيع ينافى الاكتساب كالبيع نسيئة بغير رهن ولا ضمين أو محاباة أو بغبن لا مطلق البيع فان له التصرف بالبيع والشراء وغيرهما من أنواع التكسب التى لا خطر فيها كما ليس له تبرع ولا هبة ولا عتق لأنه تبرع محض، كما ليس له اقراض فلو كان فى طريق خطر يكون الاقراض أحفظ للمال من بقائه معه أو خاف

(1)

المغنى والشرح الكبير ج 12 ص 385 وما بعدها.

(2)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 227، ص 243.

(3)

البحر الزخار ج 4 ص 216.

ص: 39

تلفه قبل دفعه أو بيعه أو نحو ذلك فالمتجه الصحة ولا يتصرف المولى فى مال المكاتب بما ينافى الاكتساب الا فيما يتعلق بالاستيفاء.

ويجوز بيع مال الكتابة بعد حضوره ونقله بسائر وجوه النقل

(1)

.

‌اكتساب المدين المعسر لسداد الدين:

‌مذهب الحنفية:

المعسر (لغة) المفلس وفى عرف الفقهاء هو من دينه أكثر من ماله وخرجه أكثر من دخله، ولا يجبر المدين المعسر على التكسب لسداد دينه، لأن الدين متعلق بذمته وقد رضيها الدائن. فاذا اكتسب مالا لم يتعلق دينه باكتسابه بل يكون له كسائر أمواله - الا أن يحجر عليه كما يرى الصاحبان فعندئذ يتعلق الدين بما يملكه من أموال أو اكتساب فاضل عن حاجته

(2)

.

‌مذهب المالكية:

(المعسر المفلس) ولا يلزم المفلس بعد أخذ ما بيده بتكسب لوفاء ما عليه من الدين ولو كان قادرا على ذلك، لأن الدين انما تعلق بذمته، وان كان المفلس امرأة فليس للغرماء أن يأخذوا معجل صداقها قبل الدخول بأيام يسيرة لأنه يلزمها أن تتجهز به للزوج، ولا يجوز لها أن تقضى منه دينها، أما ما تداينته بعد دخول زوجها فان مهرها يؤخذ فيه ويقسم مال المفلس، المتحصل بنسبة الديون بعضها الى بعض، ومنه المضاربة ويأخذ كل غريم من مال المفلس بتلك النسبة ويترك للمعسر من ماله ما يقتات به والنفقة الواجبة عليه لغيره كزوجاته ووالديه وأولاده الى وقت يظن - بحسب الاجتهاد - أنه يحصل له فيه ما تتأتى به المعيشة، وهذا بخلاف مستغرق الذمة بالتبعات والمظالم، وهو من كان كل ماله حرام، فانه لا يترك له الا ما يسد رمقه وحده ولا يلازم رب الدين الغريم بحيث كل ما يأتيه شئ يأخذه منه لأن المولى جل شأنه قد أوجب انظاره لليسر قال تعالى:

«وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

(المدين المعسر): هو من أحاط الدين بماله والدين اذا كان مؤجلا لم يجز للغرماء مطالبته به لأنه لو جازت مطالبته سقطت فائدة التأجيل، وكذلك ان كان الدين حالا لم يجز مطالبته به لقوله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» ولا يملك الدائن ملازمته لأن كل دين لا يملك المطالبة به لم يملك الملازمة كالدين المؤجل، فان كان يحسن صنعه فطلب الغريم أن يؤجر المدين نفسه ليكسب ما يعطيه لم يجبر على ذلك لأنه اجبار على التكسب فلم يجز كالاجبار على التجارة اذ المفلس لا يكلف الاكتساب وان كان موسرا جازت مطالبته،

(1)

الخلاف ج 2 ص 655 وما بعدها.

(2)

تكملة فتح القدير ج 7 ص 324 وما بعدها والدر وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 130.

(3)

الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 262 وما بعدها والشرح الصغير ج 3 ص 113 وما بعدها طبع الأزهر سنة 1968.

ص: 40

لأنه اذا لم يكن ذا عسرة لم يجب انظاره فان ادعى الاعسار نظرت دعواه، فان لم يعرف له قبل ذلك مال فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم المال، فان عرف له مال لم يقبل قوله انه معسر الا ببينة لأن الأصل بقاء المال. وان ركبته الديون ورفع الغرماء أمره الى الحاكم وسألوه أن يحجر عليه نظر الحاكم فى ماله فان كان له مال يفى بالديون لم يحجر عليه وأمر بقضاء الدين فان كان له مال لا يفى بالديون حجر عليه وباع ماله عليه، روى كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع عليه ماله. وان كان ماله يفى بالديون غير أنه ظهرت عليه أمارة التفليس بأن زاد خرجه على دخله ففيه وجهان:

الأول: لا يحجر عليه لأنه ملئ بالدين كما لو لم يظهر فيه أمارة الفلس.

والثانى: يحجر عليه لأنه اذا لم يحجر عليه أتى الخرج على ماله فذهب ودخل الضرر على الغرماء. وان لم يكن له كسب ترك له من ماله ما يحتاج اليه للنفقة الى أن يفك الحجر عليه ويرجع الى الكسب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أبدأ بنفسك ثم بمن تعول) فقدم حق نفسه على حق العيال وهو دين فدل على أنه يقدم على كل دين فان كان له من تلزمه نفقته من زوجة أو قريب ترك لهم ما يحتاجون اليه من نفقة وكسوة وان كان له كسب جعلت نفقته فى كسبه.

واذا أراد الحاكم بيع ماله فالمستحب أن يحضره لأنه أعرف بثمن ماله

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

متى لزم الانسان ديون حالة لا يفى ماله بها، فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته اجابتهم، ويستحب أن يظهر الحجر عليه لتجنب معاملته. واذا فلس الحاكم رجلا فأصاب أحد الغرماء عين ماله فهو أحق به الا أن يشاء تركه ويكون أسوة الغرماء رد المفلس اذا حجر عليه فوجد بعض غرمائه سلعته التى باعه اياها بعينها ملك فسخ البيع وأخذ سلعته، روى ذلك عن عثمان وعلى وروى أيضا عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

(من أدرك متاعه بعينه عند انسان قد أفلس فهو أحق به) متفق عليه. واذا اشترى المفلس من انسان سلعة بعد ثبوت الحجر عليه لم أو لم يعلم لأنه لا يستحق المطالبة بثمنها فلا يستحق الفسخ لتعذره. ومتى حجر عليه لم ينفذ تصرفه فى شئ من ماله، فان تصرف ببيع أو هبة أو وقف أو أصدق امرأة مالا له أو نحو ذلك لم يصح واذا حجر على المفلس وكان ذا كسب يفى بنفقته ونفقة من تلزمه نفقته فى كسبه، وان كان كسبه دون نفقته اكملت نفقته من ماله وان لم يكن ذا كسب أنفق عليه من ماله، قال صلى الله عليه وسلم (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) ولا تباع داره التى لا غنى له عن سكناها، وان كان له داران يستغنى بسكنى احداهما بيعت الأخرى. واذا فرق مال المفلس على الغرماء وبقيت عليه بقية فهل يجبره الحاكم على ايجار نفسه ليقضى دينه؟ فى ذلك روايتان عن أحمد:

احداهما لا يجبره.

(1)

المهذب وما بعدها لجلال المحلى شرح المنهاج ج 1 ص 307.

ص: 41

والثانية: يجبر على الكسب ولا يجبر على قبول هدية ولا صدقة ولا وصية ولا قرض، ولا تجبر المرأة على التزويج ليأخذ الغرماء مهرها ومن وجب عليه حق فذكر أنه معسر به حبس الى أن يأتى ببينة تشهد بعسرته

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

المعسر لا يمنع خصمه من لزومه والمشى حيث يمشى هو أو وكيله، ويقسم مال المفلس الذى يوجد له بين الغرماء بالحصص بالقيمة، واقرار المفلس بالدين لازم مقبول ويدخل مع الغرماء فان أقر بعد أن قضى بماله للغرماء لزمه فى ذمته ولم يدخل مع الغرماء فى مال قد قضى لهم به وملكوه قبل اقراره، ومن ثبت أن للناس عليه حقوقا من مال أو مما يوجب غرم مال ببينة عدل أو باقرار منه صحيح، بيع عليه كل ما يوجد له وانصف الغرماء، ولا يحل أن يسجن أصلا لقوله تعالى «كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ» وروى عن أبى سعيد الخدرى قال: أصيب رجل فى ثمار ابتاعها فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تصدقوا عليه) فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

المعسر له معنيان لغوى وشرعى، اللغوى:

مأخوذ من العسر، لأنه متى عدم المال عسرت عليه أموره وأما الشرعى فهو من لا يملك شيئا غير ما استثنى له، والمفلس من لا يفى ماله بدينه، ويقبل قول من ادعى الاعسار أو الافلاس لأجل حق يدعى عليه حيث ظهرا من حاله، والظاهر يثبت بقرائن الأحوال والتصرف فى الأموال. واذا كان الظاهر من حالة الاعسار، وحكم له به، فادعى غريمه أنه قد صار موسرا وجب تحليف المعسر، واذا ثبت عند الحاكم اعساره لم يمكن الغرماء من ملازمته حتى يوسر، ويقسم ماله بين غرمائه.

ولا يؤجر الحر المعسر بالدين - وقال أحمد واسحق يؤجر الحر - ولا تلزمه قبول الهبة لأجل الدين ولا تلزم المرأة التزوج لتقضى دينها بالمهر، ولا التزوج بمهر المثل لأجل الدين وله أن يؤجر نفسه بدون أجر المثل. فان لم يظهر اعساره بل كان الظاهر يساره أو التبس بين أنه معسر وحلف مع البينة وقيل لا يستخلف مع البينة وبينة المعسر ويمينه انما يسمعان بعد جسه حتى يغلب الظن بافلاسه

(3)

.

‌مذهب الأمامية:

المفلس هو الفقير الذى ذهب خيار ماله وبقيت فلوسه (ردئ ماله) والمفلس: هو الذى جعل مفلسا ومنع من التصرف فى أمواله وتقسم أمواله بين غرمائه. ويمنع من التصرف احتياطا لحق الغرماء، فلو تصرف كان تصرفه باطلا سواء كان بعوض كالبيع والاجارة أو

(1)

المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 455 وما بعدها الروض المربع ج 2 ص 202 وما بعدها.

(2)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 168 وما بعدها.

(3)

شرح الأزهار ج 4 ص 276 وما بعدها.

ص: 42

بغير عوض كالعتق والهبة ولو أقر بدين سابق صح، ويشارك المقر له الغرماء ولو قال هذا المال مضاربة لغائب، قيل يقبل قوله مع يمينه وان قال: هذا المال لحاضر وصدقه دفع اليه، وان كذبه قسم بين الغرماء. ولو كان له حق فقبض دونه كان للغرماء منعه ولو أقرضه انسان مالا بعد الحجر، أو باعه بثمن فى ذمته لم يشارك الغرماء، وكان ثابتا فى ذمته، ولو أقر بمال مطلقا وجهل السبب لم يشارك المقر له الغرماء لاحتمال مالا يستحق به المشاركة، ولا تحل الديون المؤجلة بالحجر عليه. واذا جنى عليه خطأ تعلق حق الغرماء بالدية وان كان عمدا كان بالخيار بين القصاص وأخذ الدية ان بذلت له ولا يتعين عليه قبول الدية، لأنها اكتساب وهو غير واجب، ولو كان دارا أو دابة وجب أن يؤجرها.

واذا شهد للمفلس شاهد بمال، فان حلف استحق لأن فى اليمين اثبات حق الغرماء وينظر المعسر ولا يجوز الزامه ولا مؤاجرته. وفى قسمة ماله يستحب احضار كل متاع فى سوقه لتتوفر الرغبة وحضور الغرماء تعرضا للزيادة، ويبدأ ببيع ما يخشى تلفه. ولا يجبر المفلس على بيع داره التى يسكنها ويباع منه عن حاجته، وكذا أمته التى تخدمه ولو باع الحاكم مال المفلس، ثم طلب الزيادة لم يفسخ العقد. واذا قسم الحاكم مال المفلس ثم ظهر غريم جديد نقضها وشاركهم الغريم الجديد، واذا كان عليه ديون حالة ومؤجلة قسم أمواله على الحالة خاصة

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

المعسر: من لم يكن عنده ما يقضى به دينه، فاذا كان قادرا على الكسب بوجه حلال وجب عليه أن يفعل ما يجد به ما يعطيه لسداد دينه، ولو أدى الى سؤال الناس، ومن عنده قليل وعليه حج ودين وعنده عيال، فالواجب قضاء الدين، وان خاف على عياله ضررا أنفق عليهم واجتهد فى قضاء الدين، وللغرماء مطالبته وملازمته ويجوز حبس المعسر والأصل تركه لقوله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» والمشترى اذا أفلس والمبيع قائم بعينه فالبائع أولى بما باعه، اذا لم يخرج من يد المشترى لقوله صلى الله عليه وسلم «من وجد متاعه عند مفلس فهو أولى به» أما لو كان البائع عالما بافلاسه لم يكن أولى بالمبيع بل هو والغرماء على سواء وللمفلس أن يتصرف فى السلعة المشتراه كل التصرف من بيع أو هبة أو وقف اذا وقع هذا التصرف قبل أن يصدر الحجر عليه من الحاكم. واذا قسم مال المفلس بين غرمائه ثم ظهر له غريم آخر، قيل يرجع عليهم بحصته، وقيل لا يرجع بشئ، ويبقى لغير كسوب ثوبه ومنزله وقوت يوم له ولطفله ولزوجته وأبويه وقيل يترك له قوت سنة

(2)

.

‌اكتساب من تجب عليه النفقة

للانفاق على غيره

‌مذهب الحنفية:

يرى جمهور الفقهاء أن نفقة الغير تجب

(1)

شرح الاسلام ج 1 ص 200 وما بعدها، المختصر النافع ص 164.

(2)

شرح النيل ج 4 ص 439 وما بعدها.

ص: 43

على الشخص بأسباب ثلاثة، زوجية وقرابة وملك، والملك يشمل المملوك من بنى آدم والحيوان. ويرى الحنفية أن نفقة الزوجة تجب على زوجها فى ماله بنكاح صحيح، ولو كان فقيرا كما تجب لخادمها المملوك لها الذى لا عمل له غير خدمتها، وتجب عليه نفقة المعسرين، ولا تصير دينا الا بالقضاء أو الرضاء وترجع عليه بما أنفقت ولو من مال نفسها كما تجب النفقة بأنواعها لطفله الفقير، فلو كان الأب فقيرا فعليه أن يكتسب أو يتكفف بمسألة الناس وينفق على ولده الصغير ولو لم يتيسر له الانفاق أو الاكتساب أنفق عليه القريب عند يساره كذا تجب النفقة لولده الكبير العاجز عن الكسب ولا يشارك الأب أحد فى ذلك ما لم يكن معسرا فعلى من يليه كما تجب للأبوين على ابنهما حتى ولو كان الأب قادرا على الكسب حيث كان لا مال له لأن الله تعالى أمر بالاحسان الى الوالدين وعدم ايذائهما وفى تكليفهما بالاكتساب مع يسار ابنهما عدم امتثال لأمر الاحسان اليهما وايذاء لهما وذلك غير جائز عملا بقوله تعالى:«وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً» وكذلك يجب عليه الانفاق على بهائمه للنهى عن تعذيب الحيوان والانفاق على بهائمه للنهى عن تعذيب الحيوان والانفاق على النخيل والزرع والوديعة واللقطه والدار اذا احتاجت للاصلاح

(1)

. فمن وجبت عليه نفقة وكان باستطاعته أن يدفعها وامتنع وثبت ذلك عند الحاكم، حبس الى أن يؤدى ما لزمه، فان كان معسرا غير قادر على الكسب ترك ولم يحبس لقوله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» }.

‌مذهب المالكية:

لا يجب على المدين المعسر أن يتكسب لينفق على زوجته لأن المعسر لا يلزم بنفقة الزوجة فليس لها أن تطالبه بها مادام معسرا. وان أيسر ليس لها أن ترجع عليه بنفقتها وقت اعساره

(2)

. انظر مصطلح «نفقة» .

ولا يجب على المدين المعسر أن يتكسب بصنعة أو غيرها لينفق على أبويه المعسرين لأن نفقتهما تجب على ابنهما الموسر بالفعل.

فان كان غير موسر بالفعل فلا يجب عليه التكسب للانفاق على أبويه ولو كان قادرا على التكسب.

وكذلك لا يجب على المدين المعسر أن يتكسب بصنعة أو غيرها لينفق على ولده المعسر ولو كان لذلك الأب المعسر صنعة

(3)

. أنظر مصطلح «نفقة» .

ولا يجب على المدين المعسر أن يتكسب لينفق على رقيقه لأن نفقة الرقيق وان كانت واجبة على سيده الا انه اذا امتنع أو عجز عن الانفاق حكم عليه باخراج الرقيق من ملكه ببيع أو صدقة أو عتق ولا يجبر على التكسب

(1)

الدر وابن عابدين ج 2 ص 886 وما بعدها، سبل السّلام ج 3 ص 301، الهندية ج 1 ص 552 وما بعدها والفتاوى الخانية لهامش الهندية ص 424 وما بعدها.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 517 - باب النفقة.

(3)

المرجع السابق ص 522، ص 523.

ص: 44

للانفاق عليه. ولا يجب على المدين المعسر أن يتكسب لينفق على دابته لأن نفقة الحيوان وان كانت واجبة على مالكه الا أنه اذا امتنع أو عجز عن الانفاق عليه فان كان مما يذكى أجبر المالك على تذكيته أو اخراجه من ملكه ببيع أو صدقة وان كان الحيوان مما لا يذكى ولا يباع أجبر على اخراجه من ملكه بغير البيع

(1)

. انظر مصطلح «نفقة» .

‌مذهب الشافعية:

المدين المعسر اذا كان قادرا على الكسب وجب عليه أن يكتسب لينفق على زوجته، ولا تسقط النفقة عنه باعساره حتى ولو لم يكن قادرا على الكسب لأنها حينئذ تكون فى ذمته فاذا أيسر طولب بها. والمدين المعسر اذا كان فى كسبه بعد نفقته ونفقة زوجته، نفقة أصله أو فرعه العاجز عن الكسب - وجبت عليه هذه النفقة

(2)

انظر مصطلح «نفقة» .

‌مذهب الحنابلة:

المدين المعسر يجبر على التكسب ليؤدى ما وجب عليه من نفقة زوجته ولا تسقط نفقة الزوجة بالاعسار

(3)

. انظر مصطلح «نفقة» وعلى المدين المعسر أن ينفق على من وجبت عليه نفقته من أصوله وفروعه ان كان له كسب ويفيض من كسبه بعد نفقته

(4)

ونفقة زوجه ونفقة أصله أو فرعه. انظر مصطلح «نفقة» .

والمدين المعسر وان كانت تجب عليه نفقة حيوانه الا أنه لا يجبر على التكسب للانفاق على الحيوان لأنه اذا امتنع أو عجز عن الانفاق عليه يجبر على بيعه أو اجارته أو ذبح ما يؤكل منه لأن بقاء الحيوان فى يده مع ترك الانفاق

(5)

عليه ظلم والظلم تجب ازالته فان امتنع مالك الحيوان عن أحد هذه الأمور فعل الحاكم الأصلح منها أو اقترض عليه وأنفق عليها مصطلح «نفقة» .

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى ما يفيد أن المدين المعسر اذا قدر على بعض نفقة الزوجة قضى عليه بما قدر، ويسقط عنه ما لا يقدر، وان لم يقدر على شئ منها سقطت عنه، ولا يقضى عليه بشئ منها - فان أيسر بعد ذلك قضى عليه ما ينفقه من حين اليسار، ولا يقضى عليه بنفقة مدة الاعسار لقول الله تعالى:«لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها 6» ولا يجبر المدين المعسر على الاكتساب للانفاق على حيوانه، لأن نفقته وان وجبت عليه الا أنه اذا امتنع عن تسريحه للرعى أو الانفاق عليه

(7)

بيع عليه.

‌مذهب الزيدية:

المدين

(8)

المعسر تجب عليه نفقة زوجته من أى وجه أمكنه أن يحصل عليها من كسب أو

(1)

المرجع السابق نفس الصفحات.

(2)

المهذب ج 2 ص 170 وما بعدها.

(3)

كشاف القناع ج 3 ص 311.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 314.

(5)

المرجع السابق ص 324.

(6)

المحلى ج 3 ص 91، 92.

(7)

المحلى ج 3 ص 99.

(8)

شرح الأزهار ج 2 ص 542 - 548.

ص: 45

مسألة أو استدانة ويجبر على التكسب ان لم يفعل والا فرق بينهما. وكذلك تجب نفقة الصغار الفقراء على أبيهم الفقير المعسر من كسبه حيث كان قادرا على التكسب ولا يلزم الابن التكسب الا اذا كان الأب عاجزا فعندئذ يجبر الولد على التكسب له وكذا يجبر الأب على الاكتساب للابن اذا كان الابن عاجزا فان كانا يقدران على التكسب معا لم يجبر أحدهما - فاذا اكتسب أحدهما أدخل الثانى معه اذا كان دخله يفضل عن قوته

(1)

. والمدين المعسر لا يجبر على الكسب للانفاق على حيوانه وانما عليه تركه فى موضع مرتع اذا كان يرتع ما يكفيه أو بيعه.

‌مذهب الإباضية:

المدين المعسر القادر على الكسب يجبر عليه للانفاق على زوجته أو على طلاقها - كما يجبر على الكسب للانفاق على الأولياء والعبيد. أما بالنسبة للحيوان فانه يجبر اما على الكسب للانفاق عليه واما على ذبحه ان كان مما يذبح - واما على تركه لمن شاء أن يأخذه

(2)

.

‌القدرة على الاكتساب

هل تمنع من وجوب النفقة على الفقير

ان الله سبحانه وتعالى فرض على العباد الاكتساب لطلب المعاش ليستعينوا به على طاعته قال تعالى «وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً» فجعل الاكتساب سببا للعبادة، وعن ابن مسعود رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(طلب الكسب فريضة على كل مسلم) وقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقدم درجة الكسب على درجة الجهاد، لأن الله تعالى قدم الذين يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله على المجاهدين بقوله تعالى:

«وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ 3» والاكتساب طريق المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، وقال النبى صلى الله عليه وسلم:

(إن أطيب ما أكلتم من كسب أيديكم وان أخى داود كان يأكل من كسب يده)

(4)

وقد اختلف الفقهاء فى اكتساب من تجب له النفقة.

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن الزوجة لا تلزم بالاكتساب ولو قادرة عليه للانفاق على نفسها، فنفقتها على زوجها مسلمة كانت أو كافرة اذا سلمت نفسها الى منزله، فكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه، والأصل أن نفقة الانسان فى مال نفسه صغيرا أو كبيرا عدا الزوجة ومن مال نفسه اكتسابه من أى نوع من أنواع الاكتساب كتجارة أو اجارة أو زراعة أو صناعة، فمن كان له كسب يكفى للانفاق على نفسه ومن تلزمه نفقته، فنفقته ونفقة من تلزمه فى كسبه بقدر حاله،

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 555.

(2)

شرح النيل ج 3 ص 302.

(3)

المزيل

(4)

الاكتساب فى الرزق المستطاب لمحمد حسن الشيبانى ص 14 وما بعدها.

ص: 46

ومن كان كسبه لا يكفيه قدرت له تكملة النفقة على من تجب عليه نفقته من باقى الأقارب الموسرين نفقة كفاية. أما الأب فقدرته على الاكتساب لا تمنع من وجوب نفقته على ولده، فلا يجبر على الاكتساب فى الأصح. وقال بعضهم: ان قدرته على الاكتساب تمنع من وجوب نفقته على غيره، الا اذا كان كسبه لا يفى بالانفاق عليه وعلى من تلزمه نفقته، والأقارب من النساء أما أو غيرها لا يلزمن بالاكتساب، اذ الأنوثة عجز، غير أن المكتسبة فعلا - كمن لها عمل تكتسب منه - لا نفقة لها على غيرها

(1)

. فالأولاد الصغار والبنات صغارا كن أو بالغات والأمهات والجدات والأجداد، اذا كانوا فقراء أو ليس لهم كسب فنفقتهم على من تجب لهم عليهم.

وبالجملة: فنفقة الانسان لا تجب على غيره مادام قادرا على الاكتساب الكافى للانفاق على نفسه وعلى من تلزمه نفقته.

‌مذهب المالكية:

يرى المالكية أن القادر على الاكتساب لا تجب له نفقة على غيره، فلا تجب نفقة الأب القادر على الكسب على ولده، ولا نفقة الولد القادر على الكسب على أبيه، أما البنت القادرة على الكسب فنفقتها على أبيها حتى يدخل بها زوجها البالغ، وقيل انه ان دخل بها زوجها لم يشترط بلوغه. أما الزوجة القادرة على الكسب فتجب نفقتها على زوجها مع قدرتها على الكسب

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

يرى فقهاء الشافعية: أن قدرة الزوجة على الاكتساب لا تمنع من وجوب نفقتها على زوجها لأن الزوجة تجب نفقتها على زوجها ولو كانت موسرة بمالها أو بكسبها. أما القريب فان كان قادرا على الكسب بالصحة والقوة فان كان من الوالدين ففيه قولان، أحدهما يستحق لأنه محتاج فاستحق النفقة على الغريب كالزمن والثانى لا يستحق لأن القوة كاليسار، ولهذا سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فى تحريم الزكاة فقال:

لا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة قوى (المرة القوة والعقل)، ومنه قوله تعالى:

«ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى» وان كان من المولودين ففيه طريقان من أصحابنا: من قال فيه قولان كالوالدين، ومنهم من قال لا يستحق قولا واحدا لأن حرمة الوالد آكد فاستحق مع القوة، وحرمة الولد أضعف فلم يستحق بها مع القوة

(3)

.

(1)

الهداية وفتح القدير ج 3 ص 321 وما بعدها والدر حاشية ابن عابدين ج 2 ص 886 وما بعدها.

(2)

الدسوقى والشرح الكبير ج 2 ص 522 وما بعدها.

(3)

المهذب ج 2 ص 178.

ص: 47

‌مذهب الحنابلة:

يرى الحنابلة أن القدرة على الاكتساب لا تمنع من وجوب النفقة للزوجة على زوجها موسرة أو مكتسبة ولا أثر للقدرة على الاكتساب فى منع نفقتها من الزوج أو الانفاق على نفسها من مالها. أما القريب اذا كان قادرا على الاكتساب سواء كان من عمود النسب كالأب والجد أو غير عمود النسب كالأخ والعم فلا تجب له نفقة على قريبه الموسر، لكن اذا كانت قدرته على الاكتساب لا تكفى للانفاق على نفسه لزم من تجب له عليه نفقة تكملة النفقة له، فالقدرة على الاكتساب لا تخلو اما أن تكون تامة وكفيلة لانفاق الانسان على نفسه، فلا تجب له نفقة عليه أو تكون القدرة على الاكتساب ناقصة بمعنى أن ما يكتسبه الانسان لا يكفيه للانفاق ففى هذه الحالة يجب تكملتها

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى ما يفيد أن قدرة الزوجة على الاكتساب لا تمنع من وجوب نفقتها على زوجها أما القريب فان قدرته على الكسب من أى نوع كان تمنع من وجوب نفقته على غيره سواء كان أصلا أو فرعا أو كان من الأخوة والأخوات - غير أن القدرة على الاكتساب من طريق خسيس لا تمنع من وجوب نفقة الأصل على فرعه بل تجب النفقة للأبوين والأجداد والجدات مع القدرة على الاكتساب من هذا النوع

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

يرى فقهاء الزيدية أن القدرة على الاكتساب أو اليسار بالنسبة للزوجة لا أثر له فى وجوب الانفاق على نفسها اذ أن نفقه الزوجة والمطلقة - موسرة كانت أو قادرة على الاكتساب على الزوج. أما بالقدرة على الاكتساب بالنسبة لمن عدا الزوجة فأنا نمنع وجوب النفقة للانسان على غيره.

‌مذهب الأمامية:

ويقول الإمامية أن نفقة الزوجة على زوجها بالعقد الدائم ولا أثر لكونها موسرة أو مكتسبة لأن النفقة نظير التمكين أما الأقارب فتجب النفقة على الأبوين والأولاد إجماعا وفى وجوب الإنفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم تردد أظهره الوجوب، ولا تجب النفقة على غير العمودين من الأقارب كالأخوة والأعمام والأخوال وغيرهم لكن تستحب وتتأكد فى الوارث منهم، وتشترط فى وجوب الانفاق الفقر، ويشترط فى المنفق القدرة فان فضل شئ فلزوجته ثم للأبوين والأولاد والواجب قدر الكفاية. وهل يشترط العجز عن الاكتساب فى الانفاق؟ الأظهر اشتراطه لأن النفقة معونة على سد الخلة والمكتسب قادر فهو كالغنى.

والمكاتب نفقته فى كسبه ولو كان للرقيق كسب

(1)

المغنى ج 9 ص 268 وما بعدها والروض المربع ج 2 ص 324 وما بعدها.

(2)

المحلى لابن حزم ج 10 ص 88 وما بعدها.

ص: 48

جاز للمولى أن يكله اليه، فان كفاه الكسب بجميع ما يحتاج اليه من النفقة، اقتصر عليه، وان لم يكفيه أتم له كفايته، أما القدرة على الاكتساب وأثرها فى وجوب النفقة

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

يرى فقهاء الإباضية كغيرهم أن نفقة الزوجة غنية كانت أو قادرة على الاكتساب - أنها تلزم زوجها ولا أثر ليسارها أو قدرتها على الاكتساب، ويجبر الزوج على نفقتها حتى يتفق أو يطلق وينفق عليها من غالب طعام البلد وتلزم الأب نفقة أطفاله الفقراء الذكور حتى يحتلموا والاناث حتى يدخل بهن أزواجهن، كما تجب عليه نفقة خادم زوجته فلا يلزم الرجل النفقة الا على زوجته غنية كانت أو فقيرة وعلى أبويه الفقيرين وصغاره الذين لا مال لهم وكباره المعدمين فمن كانت له قدرة على الاكتساب من الأقارب عدا الزوجة - فنفقته فى كسبه، ونفقة من تلزمه نفقته عليه. فمن كان قادرا على الاكتساب لا تجب نفقة له على غيره، بل نفقته على نفسه لقدرته على الاكتساب، وتلزمه نفقة غيره الواجبة عليه ان كان كسبه يفضل منه ما ينفق على غيره

(2)

.

‌اكراه

‌تعريف الاكراه لغة:

الكره - بالفتح والضم - الاباء والمشقة، وقيل: بالضم - ما أكرهت نفسك عليه - وبالفتح - ما أكرهك

(3)

غيرك عليه، وجاء فى الدر المختار: الاكراه فى اللغة حمل الانسان على شئ يكرهه. والاصطلاح استعمله الفقهاء فيما لا يخرج عن معناه اللغوى كما سيأتى.

‌مذهب الحنفية:

الاكراه هو حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على اتباعه ويصير الغير خائفا به

(4)

. وعرفه ابن عابدين بأنه: فعل لا يحق يوجد من المكره بالكسر فيحدث فى المكره بالفتح معنى يصير به مدفوعا الى الفعل الذى طلب منه، اما الاكراه بحق فلا يعدم الاختيار شرعا كالعنين اذا أكرهه القاضى على الفرقة بعد مضى المدة أو المدين اذا أكرهه القاضى على بيع ماله والذى اذا أسلم عبده فأجبر على بيعه فأن ذلك لا يكون اكراها والفعل فى التعريف يتناول الحكمى كما اذ أمر بقتل رجل ولم يهدده بشئ الا أن المأمور يعلم بدلالة الحال أنه لو لم يقتله لقتله الآمر

(1)

الروضة البهية ج 2 وما بعدها.

شرائع الإسلام ج 2 ص 46 وما بعدها والمختصر النافع ص 195.

(2)

شرح النيل ج 7 ص 207.

(3)

ترتيب القاموس المحيط ج 4 ص 39 والدر المختار ج 5 ص 83.

(4)

راجع كشف الأسرار ج 4 ص 1503.

ص: 49

فان هذا يعد اكراها ويشمل الفعل أيضا الوعيد بالقول

(1)

.

‌أنواع الاكراه:

يتنوع الاكراه الى أنواع:

أولها: اكراه ملجئ: ويتحقق بالتهديد بتلف نفسى أو عضو أو بعضه أو ضرب مبرح وهذا النوع يعدم الرضا ويفسد الاختيار ويظهر أثره فى الأقوال والأفعال.

ثانيها: اكراه غير ملجئ ويتحقق بالتخويف بالحبس مدة مديدة وهى ما زاد على يوم وبالضرب اليسير الذى لا يخاف فيه تلف النفس وهذا النوع معدم للرضا غير مفسد للاختيار لعدم الاضطرار الى مباشرة ما أكره عليه لتمكنه من الصبر على ما هدد به وهذا يظهر أثره فى الأقوال فقط.

فلو أكره بذلك على أن يطرح ماله فى النار أو الماء أو أن يدفعه الى فلان لم يكن مكرها

(2)

.

ثالثها: اكراه لا يعدم الرضا فلا يفسد به الاختيار ضرورة لأن الرضا مستلزم لصحة الاختيار وذلك بقصد المكره بالكسر حبس أبى المكره بالفتح. أو يغتم المكره بالفتح بسبب حبس أبيه وما يجرى مجراه من حبس زوجته وأخته وأمه وأخيه وكل ذى رحم محرم منه لأن القرابة المتأبدة بالمحرمية بمنزلة الولاد.

وهذا هو مقتضى القياس وبه قال الزيلعى

(3)

وجاء فى المبسوط:

لو قيل له سنحبس أباك أو ابنك فى السجن أو لتبيعن عبدك بألف درهم ففعل ففى القياس البيع جائز لأن هذا ليس باكراه فانه لم يهدده بشئ فى نفسه وحبس أبيه فى السجن لا يلحق ضررا به فالتهديد به لا يمنع صحة بيعه واقراره وهبته وكذلك فى حق كل ذى رحم محرم وفى الاستحسان ذلك اكراه ولا ينفذ شئ من هذه التصرفات لأن حبس أبيه يلحق به من الحزن والهم ما يلحق به بحبس نفسه أو أكثر فان الولد اذا كان بارا يسعى فى تخليص أبيه من السجن وربما يدخل السجن مختارا ويجلس مكان أبيه ليخرج أبوه فكما أن التهديد بالحبس فى حقه يعدم تمام الرضا فكذلك التهديد بحبس أبيه

(4)

. وذكر الطورى أن هذا هو المعتمد اذ لا فرق بين حبس الوالدين والولد فى وجه الاستحسان وزاد القهستانى أو غيرهم من ذى رحم محرم

(5)

وعلى هذا يكون النوع الثالث من النوع الثانى ولذلك جرى فقهاء الحنفية فى كتب الفقه على أن الاكراه نوعان هما الأول والثانى فقالوا ان الاكراه الذى له أثر فى الأحكام نوعان كامل يفسد الاختيار ويوجب الالجاء وهو النوع الأول وقاصر يعدم الرضا ولا يوجب الالجاء وهو النوع الثانى

(6)

.

(1)

راجع المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 5 ص 109.

(2)

راجع فيما تقدم الدر المختار على رد المحتار لابن عابدين ج 5 ص 109 وكشف الأسرار ج 3 ص 383 والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 156.

(3)

راجع الدر المختار ج 5 ص 110.

(4)

راجع كشف الأسرار ج 3 ص 383.

(5)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 110.

(6)

راجع كشف الأسرار ج 3 ص 386 وباب الاكراه فى ابن عابدين والزيلعى.

ص: 50

‌شروط الاكراه:

‌أولا: بالنسبة للمكره بالكسر:

يشترط لتحقق الاكراه بالنسبة للمكره بالكسر قدرته على ايقاع ما هدد به سواء كان سلطانا أو لصا أو نحوه وهو رأى الصاحبين أما الامام فلا يتحقق الاكراه عنده الا من السلطان لأن القدرة لا تكون بلا منعة والمنعة للسلطان وحده وقال متأخروا الحنفية هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان لأن فى زمانه لم يكن لغير السلطان من القوة ما يتحقق به الاكراه لذلك أجاب الامام بناء على ما شاهد أما فى زمان الصاحبين فقد ظهر الفساد وصار الأمر الى كل متغلب فيتحقق الاكراه من الكل لهذا كانت الفتوى على قولهما

(1)

ويعتبر أمر السلطان اكراها وان لم يتوعد المكره بالفتح وأمر غير السلطان لا يعتبر اكراها الا أن علم المأمور بدلالة الحال انه سيقتله ان لم يمتثل أمره أمر أنه سيقطع يده أو يتلف عضوا له أو يضربه ضربا يخاف على نفسه منه وظاهر قول الحنفية أن الزوج سلطان زوجته فيتحقق منه الاكراه بمجرد الأمر أن خافت منه الضرر، وعند محمد ان خلا بها فى موضع لا تمتنع منه فهو كالسلطان

(2)

.

‌ثانيا: بالنسبة للمكره بالفتح

.

يشترط لتحقق الاكراه بالنسبة للمكره بالفتح خوفه من ايقاع ما هدد به فى الحال بغلبة ظنه ليصير محمولا الى ما دعى اليه من الفعل والظاهر أن قيد فى الحال اتفاقى اذ لو توعده بتلف بعد مدة وغلب على ظنه ايقاعه صار ملجأ وهذا الالجاء يتحقق مادام المكره (بالكسر) حاضرا

(3)

.

‌ثالثا: بالنسبة للشئ المكره عليه:

يشترط لتحقق الاكراه بالنسبة للمكره عليه كون المكره بالفتح ممتنعا عما أكره عليه قبله اما لحقه كاكراهه على اتلاف ماله ولو بعوض كبيعه أو لحق شخص آخر كاتلاف مال الغير أو لحق الشرع كشرب الخمر وارتكاب الزنا. وبحسب اختلاف هذه الأحوال يختلف الحكم.

‌رابعا: بالنسبة للآلة:

يشترط لتحقق الاكراه أن يكون الشئ المكره به متلفا نفسا حقيقة أو حكما - كتلف المال كله أو بعضه اذ المال شقيق الروح. أو عضوا أو بعضه. أو موجبا غما وهذا أدنى مراتبه وهو يختلف باختلاف الأشخاص. فان الأشراف يغمون بكلام خشن والأرزال ربما لا يغمون الا بالضرب المبرح

(4)

.

(1)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 109.

(2)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 112 والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 156.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 109، 110.

(4)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 110.

ص: 51

‌أثر الاكراه فى الأهلية:

الاكراه بجميع أقسامه لا ينافى أهلية الوجوب ولا أهلية الأداء لأن أهلية الوجوب منوطة بالذمة وأهلية الأداء منوطة بالفعل والبلوغ والاكراه لا يؤثر فى شئ من ذلك

(1)

.

‌أثر الاكراه فى الاختيار:

الاكراه لا ينافى الاختيار أيضا. لأن الاختيار لو سقط لتعطل الاكراه. اذ الاكراه فيما لا اختيار فيه لا يتصور. دليل ذلك أن المكره حمله على اختيار الفعل وقد وافق المكره (بالفتح) الحامل فيكون مختارا فى الفعل ضرورة اذ لو لم يكن مختارا لم يكن موافقا له فلا يكون مكرها ولكونه مختارا فى الفعل ضرورة كان مخاطبا فى عين ما أكره عليه لأن الخطاب كما يعتمد على الأهلية يعتمد على الاختيار لأنه يعتمد على القدرة وهى بدون الاختيار لا يتحقق فثبت بهذا أن الاكراه لا ينافى أهلية ولا يوجب سقوط الخطاب ولا ينافى الاختيار

(2)

.

‌الاكراه بنفسه لا يصلح لابطال حكم شئ

من الأقوال والأفعال:

القول بأن الاكراه لا ينافى أهلية ولا يوجب سقوط خطاب ولا ينافى الاختيار يترتب عليه أن الاكراه بنفسه لا يصلح لابطال حكم شئ من الأقوال مثل الطلاق والبيع والعتق ونحوها من الأفعال مثل القتل واتلاف المال وافساد الصوم والصلاة ونحوها لكونها صادرة عن أهلية واختيار.

نعم يتغير الحكم بدليل آخر بعد ما صح الفعل فى نفسه قياسا على تغير فعل الطائع بدليل يلتحق به يوجب تغير موجبه فان موجب قوله أنت طالق أو أنت حر وهو وقوع الطلاق أو العتاق يثبت عقب التكلم به الا اذا لحق به مغير من تعليق أو استثناء كذلك موجب فعل المكلف كشرب الخمر والزنا والسرقة ثابت فى الحال الا اذا تحقق مانع كحصول هذه الأفعال فى دار الحرب أو تحققت فيها شبهة.

فكذلك يثبت موجب أقوال المكره وأفعاله الا عند وجود المغير لما بينا قبل ذلك من أنها صادرة من عقل وأهلية خطاب واختيار كأفعال الطائع وأقواله

(3)

.

ومما يدل على ذلك أيضا أن المكره (بالفتح) على اتلاف المال لا يجعل فعله لغوا بمنزلة فعل البهيمة لكن يجعل موجبا للضمان على المكره

(4)

.

أثر الاكراه:

قد يقال اذا كان الاكراه لا يؤثر بذاته فى الأقوال والأفعال بالابطال فما هو أثره فأقول: يظهر أثره فى حالتين:

الأولى: أنه يؤثر فى تبديل النسبة وذلك اذا تكامل الاكراه بأن كان ملجئا بحيث يصير

(1)

راجع كشف الأسرار ج 3 ص 383.

(2)

راجع يشف الأسرار ج 3 ص 384.

(3)

راجع كشف الأسرار ج 3 ص 384.

(4)

راجع كشف الأسرار ج 3 ص 384، 385.

ص: 52

الفعل منسوبا الى المكره (بالكسر) لا المكره (بالفتح).

الثانية: أنه يؤثر فى تفويت الرضا وذلك اذا لم يكن كاملا بأن لم يكن ملجئا كالاكراه بالحبس أو القيد فى تفويت الرضا وهو فى هذه الحالة لا يؤثر فى النسبة الى المكره (بالفتح)

(1)

.

‌أثر الاكراه فى الأسباب:

الاكراه لا يعدم الاختيار فى السبب لكنه يعدم الرضا فيه. وقد شبه بعض مشايخ الحنفية الاكراه بالهزل لأن الهزل يعدم الرضا بحكم السبب مع وجود القصد والاختيار فى نفس السبب.

وشبهه بعضهم باشتراط الخيار فان شرط الخيار يعدم الرضا بحكم السبب دون نفى السبب.

لكن فخر الاسلام لم يرفض ذلك حيث قال هو دونهما ودون الخطأ لأن فى الهزل وشرط الخيار عدم اختيار الحكم والرضا به أصلا وان وجد الرضا بالسبب.

وفى الخطأ الاختيار موجود تقديرا لا تحقيقا.

أما فى الاكراه فالاختيار فى السبب والحكم موجود حقيقة وان كان فاسدا فكان دون تلك الأشياء فى المنع وأقرب الى فعل الطائع منها فكان تصرف المكره أولى بالاعتبار من تصرف الهازل والخاطئ بقى أن يقال اذا كان الاكراه دون هذه الأشياء فى المنع لوجود الاختيار فيه فينبغى أن يقتصر الحكم على المكره (بالفتح) كما فى الهزل أو الخطأ، فالجواب أن الاكراه لا يعدم الاختيار بل يفسده. فاذا عارض الاختيار الفاسد اختيار صحيح وهو اختيار المكره وجب ترجيح الصحيح على الفاسد ان أمكن وذلك باحتمال نسبة الفعل الى المكره بجعل المكره آلة نسبة الفعل الى المكره بجعل المكرة آلة له.

واذا لم يمكن الترجيح فلا وجه لنسبة الفعل الى المكره وحينئذ فلا معارضة فى استحقاق الحكم فبقى الحكم منسوبا الى الاختيار الفاسد لصلاحيته لاستحقاق الحكم مادام لم يكن هناك ترجيح

(2)

.

‌أثر الاكراه الملجئ

فى الحل والحرمة والثواب والعقاب

الاكراه على المعاصى أنواع:

النوع الأول: يرخص للشخص فى فعله ويثاب على تركه كاجراء كلمة الكفر وشتم النبى صلى الله عليه وسلم وترك الصلاة وكل ما ثبت بالكتاب الكريم.

النوع الثانى: يحرم على الشخص فعله ويأثم باتيانه كقتل المسلم أو قطع عضو أو ضربه ضربا متلفا أو شتمه وآذيته والزنا.

النوع الثالث: يباح للشخص فعله ويأثم بتركه كشرب الخمر والدم وأكل لحم الخنزير

(3)

.

(1)

راجع كشف الأسرار ج 3 ص 384.

(2)

راجع كشف الأسرار ج 3 ص 386، 387.

(3)

راجع حاشية ابن عابدين ج 5 ص 113.

ص: 53

مذهب المالكية:

‌الاكراه عند المالكية:

الاكراه عند المالكية على نوعين: أولهما:

اكراه ملجئ وهو الذى لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار كالقاء شخص من شاهق على شخص ليقتله. فالشخص الملقى لا قدرة له على الوقوع لا فعلا ولا تركا. فلا اختيار له فى ذلك وهذا النوع من الاكراه يمنع التكليف بالفعل الملجأ اليه وبنقيضه لأن المكره عليه واجب الوقوع وضده ممتنع والتكليف بواجب الوجود أو الممتنع الوجود محال.

وهناك رأى ضعيف يرى جواز تكليف الملجأ بناء على جواز التكليف بما لا يطاق. وعلى هذا فالمكره (بالفتح) الملجأ هو: من يدرى ولا مندوحة له عن ما الجئ اليه.

ثانيهما: اكراه غير ملجئ وهو الذى لا ينتهى الى حد الالجاء كما لو قيل لشخص ان لم تقتل هذا قتلتك وعلم الشخص انه ان لم يفعل قتله المكره (بالكسر) لأن هذا ليس فيه سلب للاختيار وهذا النوع لا يمنع التكليف بعين الفعل المكره عليه ولا بنقيضه سواء كان الفعل المكره عليه طاعة أو معصية لأن الفعل المكره عليه ممكن والفاعل متمكن وهذا النوع من الاكراه يسقط الرضا فقط وتبقى معه القدرة والاختيار وعلى هذا فالمكره (بالفتح) غير الملجأ هو الذى لا مندوحة له عن ما أكره عليه الا بالصبر على ما أكره به

(1)

.

الاكراه غير الملجئ عند المالكية نوعان:

أحدهما شرعى والآخر غير شرعى.

‌تعريف الاكراه الشرعى وحكمه:

الاكراه الشرعى عبارة عن اكراه على الفعل الذى تعلق به حق لمخلوق الذى به الفتوى وهو مذهب المدونة أنه طوع يقع به نحو طلاق، فلو حلف بالطلاق لا تخرج زوجته فاخرجها قاض لتحلف اليمين أمامه أو حلف بالطلاق فى نصف عبد يملكه ألا يبيعه فأعتق شريكه نصفه تقوم عليه نصيب الحالف وكمل به عتق الشريك كذلك لو حلف لا يشترى نصيب شريكه فى العبد فأعتق الحالف نصيبه قوم عليه نصيب شريكه لتكميل عتقه. كذلك اذا حلف لا ينفق على زوجته أو لا يطيع أبويه. أو لا يقضى فلانا دينه الذى عليه فأكرهه القاضى على الانفاق عليها. أو على طاعة أبويه. أو على قضاء الدين لزمه الطلاق خلافا لليمين حيث قال بعدم لزوم الطلاق اختاره صاحب المختصر.

‌تعريف الاكراه غير الشرعى وحكمه:

الاكراه غير الشرعى هو اكراه على فعل لا يتعلق به حق لمخلوق وقد اختلف المالكية فى حكمه فقال جمهورهم انه لا يؤثر فى الفعل فيجعله لاغيا فلا يحنث اذا حلف بالطلاق لا يدخل دارا فأكره على دخولها أو حمل وأدخلها مكرها

(2)

.

(1)

راجع فى هذا نهاية السول شرح منهاج الأصول مع حاشية بخيت ج 1 ص 321 وجمع الجوامع وحواشيه ج 1 ص 71 وما بعدها والأحكام للآمدى ج 1 ص 80.

(2)

راجع حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 367.

ص: 54

‌شروط الاكراه الذى لا حنث معه:

الاكراه الذى لا حنث معه يكون بخوف شئ مؤلم يحصل له حالا أو فى المستقبل ان لم يطلق ويكفى غلبة الظن بحصول ذلك الشئ المؤلم ان لم يطلق ولا يشترط تيقن حصوله ان لم يطلق خلافا لما فى سماع عيسى ابن مسكين والخوف المؤلم يكون بالتخويف بالقتل أو بالضرب وان قل وبالسجن ظلما وان لم يطل وبالقيد ان لم يطل هذا اذا كان المكره بالفتح من ذوى الأقدار. أما اذا كان من غيرهم فلا يعد اكراها الا اذا هدد بطول الاقامة فى السجن وفى القيد. كذلك يحصل بالصفع بكف فى قفا لذى مرؤة بملأ أى جماعة من الناس لا فى خلوة ولا لغير ذى مرؤة فى الملأ.

هذا اذا قل الصفع فان كثر فاكراه مطلقا أى سواء حصل فى الملأ أو الخلاء لذى مرؤة أو لغيره. كذلك يحصل بالخوف من قتل ولده وان سفل ولو عاقا وكذا بعقوبته ان كان بارا أما الاكراه بأخذ المال أو اتلافه:

ففيه ثلاثة أقوال: القول الأول لمالك: وهو أنه اكراه، والثانى لأصبغ: وهو ليس باكراه، والثالث لابن الماجشون: وهو ان كثر فالاكراه والا فلا ثم ان المتأخرين اختلفوا فمنهم من جعل الثالث تفسيرا للأولين وذلك كابن بشير ومن تبعه وعلى هذا فالمذهب على قول واحد. ومنهم كابن الحاجب من جعل الأقوال الثلاثة متقابلة ابقاء لها على ظاهرها والتخويف بقتل الأب اكراه كالولد وهو الظاهر وقيل ليس باكراه كالتخويف بقتل غير الولد من أخ أو عم. ولا يعتبر اكراه التخويف بقتل غير الولد وذلك كقول ظالم ان لم تطلق زوجتك قتلت فلانا صاحبك أو عمك أو أخاك فطلق وقع الطلاق لأن التخويف بقتل غير الولد لا يعد اكراها شرعيا. والاكراه الحاصل بالخوف من القتل والحبس والقيد وغيره مما تقدم ذكره انما يؤثر فى الطلاق والايمان والنكاح والعتق والاقرار والبيع والشراء والاجارة وسائر العقود أما الكفر وسب الرسول وسب الصحابة ولو بغير قذف. وقذف المسلم أى قذفه بالزنا واللواط فلا يؤثر فيها الاكراه الا بالخوف من القتل فقط ولا يتحقق بغير ذلك من قطع عضو وغير ذلك من سائر ضروب التخويف. وأما قتل المسلم أو قطع بعضه أو فعل الزنا فلا يؤثر فيه الاكراه ولو بالقتل

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

‌الاكراه عند الشافعية على نوعين:

‌أولهما: اكراه ملجئ

وهو الذى لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار كالقاء شخص من شاهق على شخص ليقتله فالشخص الملقى لا قدرة له على الوقوع لا فعلا ولا تركا فلا اختيار له فى ذلك وهذا النوع من الاكراه يمنع التكليف بالفعل الملجأ اليه وبنقيضه لأن المكره عليه واجب الوقوع وضده ممتنع والتكليف بالواجب والممتنع محال. وهناك رأى ضعيف يرى جواز تكليف الملجأ بناء على جواز التكليف بما لا يطاق، وعلى هذا فالمكره الملجأ هو من يدرى ولا مندوحة له عما الجئ اليه.

‌ثانيهما: اكراه غير ملجئ

وهو الذى لا ينتهى الى حد الالجاء كما لو قيل لشخص

(1)

راجع حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 368، 369.

ص: 55

ان لم تقتل هذا قتلتك. وعلم الشخص أنه ان لم يفعل قتله المكره (بالكسر) لأن هذا ليس فيه سلب للاختيار وهذا النوع لا يمنع التكليف بعين الفعل المكره عليه ولا بنقيضه سواء كان الفعل المكره عليه طاعة أو معصية لأن الفعل المكره عليه ممكن والفاعل متمكن وهم فى هذا يوافقون أهل السنة وهذا النوع من الاكراه يسقط الرضا فقط وتبقى معه القدرة والاختيار وعلى هذا فالمكره (بالفتح) غير الملجأ هو الذى لا مندوحة له عما أكره عليه الا بالصبر على ما أكره به

(1)

.

‌تقسيم الاكراه غير الملجئ:

قسم الشافعية الاكراه غير الملجئ الى قسمين: أولهما اكراه بحق أى اكراه على عمل مطلوب شرعا وهذا لا يؤثر فى الأقوال فعل الصلاة والوضوء وأركان الطهارة والصلاة وأداء الزكاة والحج والكفارة كأداء الدين وبيع مال المدين فيه والصوم والاستئجار لحج والاتفاق على قريبه وبهيمته واقامة الحدود واعتاق المنذور عتقه واختيار أربع بالنسبة لمن أسلم على أكثر من أربع وغسل الميت والجهاد

(2)

وكاكراه الحاكم من عنده طعام على بيعه عند حاجة الناس اليه ان بقى له قوت سنة

(3)

.

ثانيهما: اكراه بغير حق - وهذا يؤثر فى الأقوال والأفعال فيجعل القول من المكره (بالفتح) لاغيا الا فيما يبطل الصلاة من الأقوال ويجعل فعل المكره (بالفتح) أيضا لاغيا الا فيما يبطل الصلاة كالفعل الكثير فيها وعدم استقبال القبلة أو ترك القيام فى الفرض فكل ذلك يبطل الصلاة وكذلك الاكراه فى الرضاع يترتب عليه التحريم والاكراه على القتل يوجب القصاص

(4)

.

‌ما يتصور فيه الاكراه وما لا يتصور:

لا يتصور الاكراه على شئ من أفعال القلوب

(5)

.

‌ما يتحقق به الاكراه:

قال الرافعى الذى مال اليه المعتبرون: ان الاكراه على القتل لا يحصل الا بالتخويف بالقتل أو ما يخاف منه القتل واما الاكراه على غير القتل ففيه سبعة أوجه.

الأول: لا يحصل الا بالقتل.

الثانى: يحصل بالقتل أو لقطع أحد الأطراف أو ضرب يخاف منه الهلاك.

الثالث: يحصل بما يسلب الاختيار ويحصل المكره بالفتح كالهارب من الأسد الذى يتخطى الشوك والنار ولا يبالى. فلا يعد منه الاكراه بالحبس.

(1)

راجع فى هذا نهاية السول فى شرح منهاج الأصول بخيت ج 1 ص 321 وجمع الجوامع وحواشيه ج 1 ص 71 وما بعدها والأحكام للآمدى ج 1 ص 80.

(2)

راجع الأشباه والنظائر للسيوطى الطبعة الأخيرة سنة 1995 الحلبى ص 206.

(3)

راجع حاشية قليوبى على المحلى ص 156 ج 2.

(4)

راجع حاشية قليوبى على المنهاج ص 156 ج 2.

(5)

راجع الأشباه والنظائر للسيوطى ص 208.

ص: 56

الرابع: يشترط لتحققه عقوبة بدنية يتعلق بها قود.

الخامس: يشترط لتحققه عقوبة شديدة تتعلق ببدنه كالحبس الطويل.

السادس: يحصل الاكراه بما ذكر. ويأخذ المال .. أم اتلافه والاستخفاف بالأماثل واهانتهم كالصفع بالملأ وتسويد الوجه وهذا اختيار جمهور العراقيين وصححه الرافعى.

السابع: وهو اختيار النووى فى الروضة انه يحصل بكل ما يؤثر العاقل الاقدام على المكره عليه حذرا مما هدد به وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأفعال المطلوبة والأمور المخوف بها فقد تكون الشئ اكراها فى شئ دون غيره وفى حق شخص دون آخر.

فالاكراه على الطلاق يكون بالتخويف بالقتل والقطع والحبس الطويل والضرب الكثير والمتوسط لمن لا يحتمله بدنه ولم يعتده وبتخويف ذى المرؤة بالصفع فى الملأ وتسويد الوجه ونحوه وكذا بقتل الوالد وان علا الولد وان سفل على الصحيح لا سائر المحارم واتلاف المال على الأصح وان كان الاكراه على القتل، فالتخويف بالحبس وقتل الولد ليس اكراها.

وان كان على اتلاف مال: فالتخويف بجميع ذلك اكراه.

‌ما يباح بالاكراه:

1 -

يباح بالاكراه التلفظ بكلمة الكفر فيباح به للآية ولا يجب بل الأفضل الاقناع ومصابرة على الدين والاقتداء بالسلف وقيل الأفضل التلفظ صيانة لنفسه وقيل ان كان ممن يتوقع منه النكاية فى العدو والقيام بأحكام الشرع فالأفضل التلفظ لمصلحة ابقاءه والا فالأفضل الامتناع.

2 -

يباح به القذف حيث قال ابن الرفعة فى المطلب: يشبه أن يلتحق بالتلفظ بكلمة الكفر ولا نظر الى تعلقه بالمقذوف لأنه لم يتضرر به، وفى كتب الحنفية أنه يباح بالاكراه ولا يجب به حد وهو الذى تقتضيه قواعد المذهب.

3 -

يباح به قطعا شرب الخمر استبقاء للمهجة كما يباح لمن غص بلقمة أن يسبغها بها.

4 -

يباح به شرب البول وأكل الميتة.

5 -

يباح به اتلاف مال الغير بل يجب قطعا كما يجب على المضطر آكل طعام غيره.

6 -

السرقة قال فى المطلب يظهر أن يلتحق باتلاف المال لأنها دون الاتلاف قال فى الخادم وقد صرح جماعة باباحتها منهم القاضى حسين فى تعليقه قال السيوطى وقد جزم به الاسنوى.

7 -

شهادة الزور أن كانت تقتضى اتلاف مال ألحقت به.

8 -

يباح به بل يجب الخروج من صلاة الفرض وهو كالفطر فى رمضان.

‌ما لا يباح بالاكراه:

1 -

الزنا لا يباح به بالاتفاق لأن مفسدته أفحش من الصبر على القتل وسواء كان المكره بالفتح رجلا أو امرأة.

ص: 57

2 -

اللواط لا يباح به أيضا صرح به فى الروضة.

3 -

شهادة الزور ان كانت تقتضى قتلا أو قطعا ألحقت به أو جلدا فهو فى محل نظر اذ يفضى الى القتل كذا فى المطلب، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السّلام لو أكره على شهادة الزور أو حكم باطل فى قتل أو قطع أو احلال بضع استسلم للقتل وان كان يتضمن اتلاف مال لزمه ذلك حفظا للمهجة، وقد ضبط الأورنى هذه الصور بضابط هو: ما يسقط بالتوبة يسقط حكمه بالاكراه وما لا يسقط حكمه بالتوبة لا يسقط بالاكراه نقل ذلك الضابط فى الروضة وأصلها وجاء فى الخادم أنه قد أورد عليه شرب الخمر فانه يباح بالاكراه ولا يسقط حده بالتوبة وكذلك القذف

(1)

.

‌أما تهديد المكره بالنفى عن البلد.

وتهديد المرأة بالزنا والرجل باللواط:

أعلم أن التهديد يعتبر اكراها على الأصح لأن مفارقة الوطن شديدة لأنه اكراه بما هو شديد على النفس.

‌شروط الاكراه:

يتحتم فى كل ما مر توفر الشروط الآتية:

أولها: قدرة المكره بالكسر على تحقيق ما هدد به بولاية أو تغلب أو فرط هجوم.

ثانيها: عجز المكره بالفتح عن دفعه بهرب أو استغاثة أو مقاومة.

ثالثها: غلبة ظنه أنه ان امتنع مما أكره عليه أوقع به المتوعد به.

رابعها: كون المتوعد به مما يحرم تعاطيه على المكره (بالفتح) فلو قال ولى القصاص للجانى طلق امرأتك والا اقتصصت منك لم يكن اكراها

(2)

.

خامسها: أن يكون عاجلا فلو قال طلقها والا قتلتك غدا فليس باكراه.

سادسها: أن يكون معينا فلو قال: اقتل زيدا أو عمرا فليس باكراه.

سابعها: أن يحصل بفعل المكره عليه التخلص من المتوعد به، فلو قال اقتل نفسك والا قتلتك فليس باكراه كما لا يحصل الاكراه بقوله:

والا قتلت نفسى أو كفرت أو أبطلت صومى أو صلاتى.

‌أمر السلطان:

اختلف علماء الشافعية فى أمر السلطان هل ينزل منزلة الاكراه؟ على وجهين أو قولين.

الأول: لا لأن الاكراه لا يكون الا بالتهديد صريحا.

الثانى: نعم لعلتين. الأولى: أن الغالب من حالة السطوة عند المخالفة. الثانية: أن طاعته واجبة فى الجملة، فينهض ذلك شبهة، قال الرافعى: ومقتضى ما ذكره الجمهور صريحا ودلالة انه لا ينزل منزلة الاكراه، ثم قال:

(1)

راجع الأشباه والنظائر للسيوطى ص 207، 208، ص 210.

(2)

راجع الأشباه والنظائر للسيوطى ص 208، 209.

ص: 58

ومثل السلطان فى اجراء الخلاف: الزعيم والمتغلب لأن المدار على خوف المحذور من مخالفته.

‌حكم الحاكم وحكم الشرع:

يندرج تحت هذا العنوان فروع ذكرها فقهاء الشافعية جعلوا منها ما نزل الحكم فيها منزلة الاكراه.

أولا: كما لو حلف لا يفارقه حتى يستوفى حقه فأفلس ومنعه الحاكم من ملازمته ففى اعتباره مكرها خلاف.

ثانيا: لو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضا لم يحنث كما لو أكره على ترك الوط ء.

ثالثا: لو قال لزوجته ان لم تصومى غدا فأنت طالق فحاضت ففى اعتباره مكرها خلاف، وجعلوا منها ما لم ينزل منزلة الاكراه كما لو حلف لا يحلف يمينا مغلظة فوجب عليه يمين وقلنا وجوب التغليظ حلف وحنث

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

«الحنابلة يقسمون الاكراه الى نوعين اكراه ملجئ واكراه غير ملجئ وهم يتفقون مع الشافعية فى تعريف كل من النوعين» .

وقسم الحنابلة الاكراه الى اكراه بحق واكراه بغير حق، فالاكراه بحق: كاكراه الحاكم المولى على الطلاق بعد التربص اذا لم يفى وكاكراه الحاكم الرجلين اللذين زوجهما وليان ولا يعلم السابق منهما على الطلاق. وحكم هذا النوع من الاكراه أنه لا يؤثر فى صحة القول أو الفعل الصادر من الشخص المكره لذلك قيل بوقوع الطلاق فى الصورتين السابقتين، لأنه قول حمل عليه بحق فصح كاسلام المرتد اذا أكره على الاسلام ولأنه انما جاز اكراهه على الطلاق ليقع طلاقه فلو لم يقع لم يحصل المقصود، وهذا النوع فى حقيقته كلا اكراه اذ لا يترتب عليه أثر فى الحكم، أما الاكراه بغير حق فكاكراه شخص على الطلاق. وكالاكراه على كلمة الكفر.

وحكم هذا النوع من الاكراه: أنه يؤثر فى الأقوال والأفعال. فلا يترتب عليها آثارها.

لذلك قيل بعدم وقوع طلاق المكره بغير حق. وعدم كفر المكره على كلمة الكفر

(2)

.

‌متى يتحقق الاكراه:

لا يكون الشخص مكرها الا اذا ناله شئ من العذاب كالضرب والخنق والعصر للساق والحبس والقيد الطويلين والغط فى الماء مع الوعيد. يدل لذلك أن المشركين أخذوا عمارا فأرادوه على الشرك فأعطاهم فأتى اليه النبى وهو يبكى فجعل يمسح الدموع من عينيه ويقول (أخذك المشركون فغطوك فى الماء وأمروك أن تشرك بالله ففعلته فان أخذوك مرة أخرى فأفعل ذلك) رواه أبو حفص باسناده وقال عمر رضى الله عنه ليس الرجل أمينا على نفسه اذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته وهذا يقتضى وجود فعل يكون به اكراها.

(1)

الأشباه والنظائر للسيوطى ج 8 ص 243.

(2)

راجع المغنى ج 8 ص 259، 260 والشرح الكبير ج 8 ص 241، 242.

ص: 59

‌حكم الوعيد بمفرده:

اذا كان الاكراه بالوعيد فقط فعن أحمد فيه روايتان:

أحداهما: ليس باكراه لأن الذى ورد الشرع بالرخصة معه هو ما ورد فى حديث عمار. وفيه أنهم أخذوك فغطوك فى الماء فلا يثبت الحكم الا فيما كان مثله.

ثانيهما: أن الوعيد بمفرده اكراه يدل ذلك قول أحمد فى رواية ابن مقصود: حد الاكراه اذا خاف القتل أو ضربا شديدا. وهذا القول هو قول أكثر الفقهاء لأن الاكراه لا يكون الا بالوعيد، اذ الماضى من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه. ولا يخشى من وقوعه وانما أبيح له فعل المكره عليه دفعا لما يتوعد به من العقوبة فيما بعد. لأنه متى توعد بالقتل وعلم أنه سيقتله لم يبح له فعل ما يقضى الى قتله كما لا يباح له القاء نفسه الى التهلكة. كما أن ثبوت الاكراه فى حق من نيل بشئ من العذاب لا ينفى ثبوته فى حق غيره ومما يدل على ذلك أيضا فعل عمر:

فقد روى عن عمر فى الذى تدلى بشتار عسلا فوقفت امرأته على الحبل. وقالت له طلقنى ثلاثا والا قطعته فذكرها بالله والاسلام فقالت: لتفعلن أو لأفعلن. فطلقها ثلاثا:

فردها اليه رواه سعيد باسناده. وجه الدلالة ان الذى حصل من الزوجة كان وعيدا فقط

(1)

.

ولا يعتبر الحنابلة الشتم والسب من قبيل الاكراه رواية واحدة. وذهب الحنابلة الى أن أخذ المال واحدة وذهب الحنابلة الى أن أخذ المال اليسير لا يعتبر اكراها. أما الكثير فيعتبر اكراها.

ويرى الحنابلة أن الضرر اليسير ان كان فى حق من لا يبالى فليس باكراه وان كان فى حق ذوى المروءات فان كان على وجه يكون اخراقا لصاحبه وفضاله وشهره فى حقه فهو كالضرب الكثير فى حق غيره. ويرى الحنابلة أن التوعد بتعذيب الولد فيه قولان:

أحدهما: ليس باكراه لأن الضرر لاحق بغيره.

ثانيهما: هو اكراه وهو المعتمد لأن ذلك عند المكره بالفتح أعظم من أخذ ماله والوعيد بهذا اكراه فكذلك هذا

(2)

.

‌شروط الاكراه:

يشترط لتحقق الاكراه عند الحنابلة شروط هى:

أولها: أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب كاللص ونحوه خلافا لمن قال: ان أكرهه اللص على الطلاق لم يقع وان أكرهه السلطان وقع لأن عموم ما ذكرناه فى دليل الاكراه يتناول الجميع. والذين أكرهوا عمارا لم يكونوا لصوصا وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعمار (ان عادوا فعد) ولأنه اكراه فمنع وقوع الطلاق كاكراه اللص.

ثانيها: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد ان لم يجبه الى ما طلبه.

(1)

المغنى ج 8 ص 260 والشرح ج 8 ص 243.

(2)

المغنى ج 8 ص 261، 262 والشرح الكبير ج 8 ص 245، 246.

ص: 60

ثالثها: أن يكون مما يستضر به ضررا كثيرا كالقتل والضرب الشديد والحبس والقيد الطويلين

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم أن تعريف الأكراه هو كل ما سمى فى اللغة اكراها وعرف بالحس أنه اكراه. وقسم الاكراه قسمين:

القسم الأول: اكراه على الكلام.

القسم الثانى: اكراه على الفعل.

حكم الاكراه على الكلام: يرى ابن حزم أن الاكراه على الكلام يجعل الكلام لا يجب به شئ وان قاله للمكره بالفتح كالكفر، والقذف والقرار والنكاح والانكاح والرجعة والطلاق والبيع والابتياع. والنذر والايمان والعتق والهبة واكراه الذمى الكتابى على الايمان وغير ذلك. دليل ذلك: أن المكره على القول ما هو الا حاك للفظ الذى أمر بقوله: ولا شئ على الحاكى بلا خلاف ومن فرق بين الأمرين فقد تناقض قوله، وأيضا فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

(إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) فصح أن كل من أكره على قول ولم ينوه مختارا له فانه لا يلزمه.

‌حكم الاكراه على الفعل:

الاكراه على الفعل ينقسم قسمين:

أحدهما: فعل تبيحه الضرورة كالأكل والشرب فهذا يبيحه الاكراه لأن الاكراه ضرورة فمن أكره على شئ من هذا فلا شئ عليه لأنه أتى مباحا له اتيانه.

ثانيهما: فعل لا تبيحه الضرورة كالقتل والجراح والضرب وافساد المال. فهذا لا يبيحه الاكراه فمن أكره على شئ من ذلك لزمه القود. والضمان لأنه أتى محرما عليه اتيانه. يراجع فيما تبين الضرورة وما لا تبين مصطلح «اضرار وضرورة» .

‌ما يتحقق به الاكراه:

يتحقق بالوعيد بالقتل ممن لا يؤمن منه انفاذ ما توعد به وبالوعيد بالضرب كذلك وبالوعيد بالسجن كذلك وبالوعيد بافساد المال. كذلك يتحقق بالوعيد بقتل مسلم آخر أو ضربه أو سجنه أو افساد ماله يدل لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) ولا فرق بين اكراه السلطان أو غيره كاللصوص اذ كل ذلك سواء لأن الله تعالى لم يفرق بين شئ من ذلك ولا رسوله.

‌مذهب الزيدية:

تعريف الاكراه: هو سلب الاختيار والعمل بالاضطرار، وقيل الأولى فى حده: البعث على الفعل الشاق بالوعيد بانزال ضرر أو تفويت نفع والأصل فيما يترتب عليه من أحكام الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» }.

وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم (رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). يجوز فعل كل محظور باكراه يصدر من القادر بوعيده اذا توعده بقتل أو قطع

(1)

المغنى ج 8 ص 261 والشرح ج 8 ص 245.

ص: 61

عضو لا قلع سن فمتى كان الاكراه بهذا الوجه وهو أن يخشى التلف أو اذهاب حاسة أو قطع عضو أو بعضه ولو زائدا. أو أخذ مال مجحف به مؤثر فى نفسه أو ما يؤدى الى ذلك من الضرب أو الحبس. أو الاخراج من البلد اذا كان يؤدى الى ذلك وأن يكون الوعيد صادرا من قادر على فعل ذلك مع ظن صدقه أنه يفعل ما توعد به. سواء كان المتوعد سلطانا أو ظالما أو غيره من لص أو قاطع طريق فانه يجوز له بهذا الاكراه أن يرتكب ما أكره عليه من المحظورات اذا تعذرت عليه الهجرة ويستثنى من ذلك ثلاثة أشياء لا تجوز بالاكراه وان خشى التلف وهى:

1 -

الزنا لا المقدمات.

2 -

ايلام الآدمى حيا لا ميتا.

3 -

سب الآدمى وقذفه حيا وميتا.

فان فعل الزنا أو القذف مكرها لم يحد وأما القتل فيقتص منه، واما قتل غير الآدمى من المحترمات كالخيل والبغال فمفهوم كلام الأزهار أنه يجوز بالاكراه وهو المذهب، لأنه قال (وايلام الآدمى) تدل على أن غير الآدمى بخلافه، واذا كان المحظور الذى ارتكبه هو اتلاف مال الغير وجب عليه أن يضمن قدر المال وينوى ذلك عند الاستهلاك ويرجع على المكره (بالكسر) وهذا مبنى على أنه تبيحه الضرورة وهو قول المؤيد بالله وصحح للمذهب. أما اذا كان الاكراه لا يبقى للمكره (بالفتح) فيه فعل فكلا فعل أى لا يلزمه اثم ولا ضمان مثال ذلك أن يوجر الماء وهو صائم فيدخل بغير اختياره فانه لا يفطر بذلك كذلك لو ضرب به الغير حتى مات فلا يلزمه اثم ولا ضمان لأنه آلة، واذا كان الاكراه بالاضرار فقط كضرب أو حبس مضرين ولا يقتلان فانه يجوز بالاكراه ترك الواجب ولو بعد الدخول فيه كالصلاة والصوم ويجب القضاء. ولا يجوز بهذا النوع من الاكراه ارتكاب المحظورات والاكراه بالاضرار يبطل أحكام العقود فيصيرها كأن لم تكن

(1)

.

‌مذهب الأمامية:

فرق الشيعة الإمامية بين القهر والاكراه فقالوا: اذا كان الفعل المفطر واقعا على الشخص الصائم بلا ارادة منه أصلا كما لو أوجر فى حلقه أو غمس رأسه فى الماء ونحو ذلك. فهذا هو ضابط المقهورية والخروج عن الفطر - أى لا يكون به مفطرا، ولو كان يصدر عنه بارادته لكن يحمله عليه من لا مناص له عن اتباعه فهذا هو ضابط الاكراه المسوغ للافطار ويلزمه قضاؤه

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

يرى الإباضية أن من العوارض المكتسبة الجبر ويعبر عنه بالاكراه.

‌تعريف الاكراه:

هو حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه ولا يختار مباشرته لو خلى ونفسه.

(1)

التاج المذهب (باب اكراه) ج 4 ص 182.

(2)

راجع العروة الوثقى ص 498.

ص: 62

‌أثر الاكراه فى الرضا

والاختيار والخطاب الشرعى:

الاكراه عند الإباضية يعدم الرضا دون الاختيار اذ الفعل يصدر عن المكره بالفتح باختياره حيث آثر الجانب الأسهل على الجانب الأشق. لذا كان الجبر غير مناف للخطاب، لأن الخطاب الشرعى متوجه للمجبور فتثبت الأحكام الشرعية فى حقه. لكن خفف عليه بسبب الاكراه. اذا جوز له الترخص فى كثير من الأحكام حتى فى كلمة الشرك

(1)

.

‌ما يتحقق به الاكراه:

يتحقق الاكراه عند الإباضية بالخوف من القتل أو الضرب العنيف. أو الخلود أى المكث الطويل فى السجن، أو بمثله كقطع أنملة أو حلق لحية. أو فقء عين وهذا هو الراجح وقيل لا يتحقق الاكراه الا بالاشارة الى المكره بسيف أو سوط أو نحوهما فما لم يشرع فى الضرب ولا يسعه الا أن يفعل أو يفر بما أكره عليه. والصحيح هو الأول:

لذلك له أن يفعل أو يفر اذا خاف ولو قبل الشروع تقية، وهناك قول عند الإباضية يرى أن الخوف من وقوع ضربة أو ضربتين يحقق اكراها ومن استحلفه السلطان بالطلاق أو العتاق وخاف ان لم يحلف أن يفعل به ما ذكر وان أكرهه على الطلاق أو العتاق جاز له النطق بهما ولا يقعان وقيل يقعان ان حلف بهما أو نطق بهما قبل أن يشار اليه بنحو سيف وقيل يقعان مطلقا

(2)

. ويرى الإباضية أنه لا اكراه باذهاب مال الا أن كان يؤدى اذهابه الى الموت أو ذهاب عضو

(3)

.

‌أثر الاكراه فى الاسلام والكفر

‌مذهب الحنفية:

الاكراه على الاسلام يصح: اسلام المكره ولو ذميا كما هو اطلاق كثير من مشايخ الحنفية وما فى الخانية من تفصيل من أنه لو حربيا يصح ولو ذميا فلا هو القياس.

لأن الزام الحربى بالاسلام ليس باكراه لأنه بحق بخلاف الذمى فانه لا يجبر عليه.

والاستحسان صحته مطلقا من الذمى وغيره.

وهو المعول عليه. ولا يقتل لو رجع للشبهة كما فى باب المرتد

(4)

.

‌الاكراه على الكفر:

يرخص بالاكراه اجراء كلمة الكفر على اللسان مع اطمئنان القلب بالايمان اذا كان الاكراه تاما وهو محرم فى نفسه مع ثبوت الرخصة فأثر الرخصة فى تغيير حكم الفعل وهو المؤاخذة لا فى تغير وصفه وهو الحرمة لأن كلمة الكفر مما لا يحتمل الاباحة بحال فكانت الحرمة قائمة الا أنه سقطت المؤاخذة لعذر الاكراه. قال الله تبارك وتعالى:

«مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ}

(1)

راجع شرح طلعة الشمس على الالفية مطبعة الموسوعات ج 2 ص 271.

(2)

راجع شرح النيل ج 2 ص 477، 478.

(3)

راجع شرح النيل ج 3 ص 627.

(4)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 118.

ص: 63

{وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ»} . والامتناع عنه أفضل من الأقدام عليه حتى لو امتنع فقتل كان مأجورا لأنه جاد بنفسه فى سبيل الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام (من قتل مجبرا فى نفسه فهو فى ظل العرش يوم القيامة). كذلك يرخص التكلم بشتم النبى صلى الله عليه وسلم مع اطمئنان القلب بالايمان والأصل فيه ما روى أن عمار بن ياسر رضى الله عنهما لما أكرهه الكفار ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له (ما وراءك يا عمار) فقال: (شر يا رسول الله ما تركونى حتى نلت منك). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان عادوا فعد) فقد رخص عليه السلام فى اتيان الكلمة بشريطة اطمئنان القلب بالايمان حيث أمره عليه الصلاة والسلام بالعود الى ما وجد منه لكن الامتناع عنه أفضل لما مر. والمكره على الكفر لا يحكم بكفره اذا كان قلبه مطمئنا بالايمان بخلاف المكره على الايمان فيحكم بايمانه.

ويترتب على عدم تكفيره عدم اثبات أحكام الكفر فلا تبين منه امرأته والقياس ثبوت البينونة لوجود سبب الفرقة وهى كلمة الكفر قياسا على الطلاق الذى لا يختلف.

‌حكمه بالطوع والكره:

وجه الاستحسان: ان سبب الفرقة هو وجود الردة دون نفس كلمة الكفر. وانما الكلمة دلالة عليها حالة الطوع ولم يبق دليلا حالة الاكراه فلم تثبت الردة فلا تثبت البينونة، هذا كله اذا كان الاكراه على الكفر تاما أى ملجئا أما اذا كان ناقصا أى غير ملجئ فانه يحكم بكفره لأنه ليس بمكره فى الحقيقة لأنه ما فعله للضرورة بل لدفع الغم عن نفسه

(1)

.

‌مذهب المالكية:

الاكراه على الاسلام: المجوسى المسبى يجبره مالكه على الاسلام اتفاقا ان كان صغيرا وعلى الراجح ان كان كبيرا. أما الكتابى فلا يجبر مطلقا على الاسلام اتفاقا فى الكبير وعلى الراجح فى الصغير

(2)

.

الاكراه على الكفر: الاكراه على الاتيان بما يقتضى الاتصاف بالكفر فى الظاهر من قول كسب الله تعالى أو فعل كالقاء مصحف فى قذر وسبه عليه الصلاة والسلام وكذا سب نبى مجمع على نبوته، أو ملك مجمع على ملكيته أو الحور العين وسب الصحابة ولو بغير قذف لا يتحقق الا بالخوف من القتل فقط ولا يتحقق بغيره من قطع عضو وغير ذلك من سائر ضروب التخويف. وعلى ذلك لو خوف بغير القتل كالضرب وقتل الولد ونهب المال على سب الله أو النبى صلى الله عليه وسلم ارتد بخلاف ما اذا سب لمعاينة القتل فلا يرتد

(3)

.

(1)

راجع البدائع ج 17 باب الاكراه ص 177، 178، 179.

(2)

راجع حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 309.

(3)

راجع حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 369.

ص: 64

‌مذهب الشافعية:

‌الاكراه على الاسلام:

قال صاحب المجموع: قال أصحابنا التصرفات القولية التى يكره عليها بغير حق باطلة أما ما أكره عليه بحق فصحيح.

فيتحصل من هذا أن المرتد والحربى اذا أكره على الاسلام صح اسلامهما - لأنه اكراه بحق أما الذمى اذا أكره على الاسلام فهو اكراه بغير حق لأنا شرطنا فى الذمة أن نقره على دينه فاذا أكره فهل يصح اسلامه فيه طريقان:

أولهما لا يصح وجها واحدا وهو مقتضى كلام الشيرازى وآخرين.

ثانيهما: فيه وجهان حكاهما امام الحرمين.

أصحهما: باتفاق الأصحاب لا يصح قال امام الحرمين المصير الى صحته مع أن اكراهه غير سائغ وقال امام الحرمين أيضا: اذا أكره الحربى على الاسلام فنطق بالشهادتين تحت السيف حكم باسلامه اتفقت الطرق على هذا

(1)

.

‌الاكراه على الكفر:

يباح بالاكراه التلفظ بكلمة الكفر للآية ولا يجب بل الأفضل الامتناع مصابرة على الدين واقتداء بالسلف وقيل: الأفضل التلفظ بكلمة الكفر صيانة لنفسه. وقيل ان كان ممن يتوقع منه النكاية فى العدو. والقيام بأحكام الشرع فالأفضل له التلفظ لمصلحة بقائه والا فالأفضل الامتناع

(2)

ولو شهد الشهود بردة شخص فقال كنت مكرها واقتضته قرينة كأسر كفار له صدق بيمينه وحلف لاحتمال كونه مختارا وان لم تقتضه قرينة فلا يصدق ويجرى عليه حكم المرتد.

ولو قال الشاهدان لفظ لفظ كفر أو فعل فعل كفر فادعى اكراها صدق بيمينه مطلقا أو دونها

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌الاكراه على الاسلام:

اذا أكره من لا يجوز اكراهه كالذمى والمستأمن فأسلم لم يثبت له حكم الاسلام حتى يوجد منه ما يدل على الاسلام طوعا مثل أن يثبت على الاسلام بعد زوال الاكراه عنه فان مات قبل ذلك فحكمه حكم الكفار وان رجع الى دين الكفر لم يجز قتله ولا اكراهه على الاسلام والدليل على تحريم الاكراه قوله تعالى «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ» وأيضا أجمع أهل العلم على أن الذمى اذا أقام على ما عوهد عليه والمستأمن لا يجوز نقض عهد كل ولا اكراهه على ما لم يلتزمه ولأنه أكره على ما لا يجوز اكراهه عليه فلم يثبت حكمه فى حقه كالاقرار والعتق.

أما الحربى والمرتد فيجوز قتلهما واكراههما على الاسلام كأن يقال اسلم والا قتلناك متى

(1)

راجع المجموع للنووى ج 9 ص 159، 160.

(2)

راجع الأشباه والنظائر للسيوطى ص 206.

(3)

راجع المحلى على المنهاج ج 4 ص 176، 177.

ص: 65

أسلم حكم باسلامه ظاهرا، وان مات قبل زوال الاكراه عنه فحكمه حكم المسلمين لأنه أكره بحق فحكم بصحة ما يأتى به كما لو أكره المسلم على الصلاة فصلى.

أما فى الباطن فيما بينهم وبين ربهم فان من اعتقد منهم الاسلام بقلبه وأسلم فيما بينه وبين الله تعالى فهو مسلم عند الله موعود بما وعد به من أسلم طائعا.

من لم يعتقد الاسلام بقلبه فهو باق على كفره ولا حظ له فى الاسلام. سواء فى هذا من يجوز اكراهه ومن لا يجوز اكراهه. لأن الاسلام لا يحصل بدون اعتقاده من العاقل بدليل أن المنافقين كانوا يظهرون الاسلام ويقومون بفرائضه ولم يكونوا مسلمين

(1)

.

‌الاكراه على الكفر:

من أكره على الكفر فأتى بكلمة الكفر لم يصر كافرا لقوله تعالى: «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ» }.

وروى أن عمارا أخذه المشركون فضربوه حتى تكلم بما طلبوا منه ثم أتى النبى وهو يبكى فأخبره بما حدث فقال له النبى صلى الله عليه وسلم (ان عادوا فعد).

وروى أن الكفار كانوا يعذبون المستضعفين من المؤمنين فما منهم من أحد الا أجابهم الا بلالا فانه كان يقول أحد أحد وأيضا يقول النبى صلى الله عليه وسلم:

(عفى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وأيضا أنه قول أكره عليه بغير حق فلم يثبت حكمه كما لو أكره على الاقرار.

وفارق ما اذا أكره بحق فانه قد خير بين أمرين يلزمه أحدهما. فأيهما اختاره ثبت حكمه فى حقه. فاذا ثبت انه لم يكفر فمتى زال عنه الاكراه أمر باظهار اسلامه. فان أظهره فهو باق على اسلامه وان أظهر الكفر حكم بكفره من حين نطق به لأننا تبينا من ذلك أنه كان منشرح الصدر بالكفر من حين نطق به.

مختارا له. وان قامت عليه بينة أنه نطق بكلمة الكفر لكنه كان محبوسا عند الكفار ومقيدا عندهم فى حالة خوف لم يحكم بردته لأن ذلك ظاهر فى الاكراه

(2)

. والأفضل لمن أكره على كلمة الكفر أن يصبر ولا يقولها وان أتى ذك على نفسه لما روى خباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كان الرجل ممن قبلكم يحفر له فى الأرض فيجعل فيها فيجاء بمنشار فيوضع على شق رأسه ويشق اثنتين ما يمنعه ذلك عن دينه) ويمشط بامشاط الحديد ما دون عظمه من لحم ما يصرفه ذلك عن دينه وجاء فى تفسير قوله تعالى «قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النّارِ ذاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ» أن بعض ملوك الكفار أخذ قوما من المؤمنين فحفر لهم أخدودا فى الأرض وأوقد فيه نارا ثم قال من لم يرجع عن دينه فألقوه فى النار فجعلوا يلقونهم فيها حتى

(1)

راجع المغنى لابن قدامة ج 10 ص 104، 105 والشرح ج 10 ص 107، 108.

(2)

راجع المغنى ج 10 ص 106 والشرح ج 10 ص 108.

ص: 66

جاءت امرأة على كتفها صبى فتقاعست من أجل الصبى. فقال الصبى يا أمه اصبرى انك على الحق فذكرهم الله تعالى فى كتابه.

وروى الأثرم عن أبى عبد الله انه سئل عن الرجل يؤسر فيعرض على الكفر ويكره عليه آله يرتد فكرهه كراهة شديدة وقال ما يشبه هذا عندى الذى أنزلت فيهم الآية من أصحاب النبى أولئك كانوا يرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاءوا. وهؤلاء يريدونهم على الاقامة على الكفر وترك دينهم. وذلك بأن الذى يكره على كلمة يقولها ثم يخلى لا ضرر فيها

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌الاكراه على الاسلام:

الاكراه على الكلام لا يجب به شئ وان قاله المكره بالفتح كاكراه الذمى الكتابى على الايمان لأن المكره على المكره ما هو الا حاك للفظ الذى أمر أن يقوله ولا شئ على الحاكى بلا خلاف لقول النبى صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) فصح أن كل من أكره على قول ولم ينو مختارا له فانه يلزمه

(2)

.

‌الاكراه على الكفر:

من أكره على السجود لوثن أو لصليب أو لانسان وخشى الضرب أو الأذى أو القتل على نفسه أو على مسلم غيره ان لم يفعل فليسجد لله تعالى قبالة الصنم أو الصليب أو الانسان ولا يبالى الى القبلة يسجد أو لغيرها.

لأن السجود لله تعالى الى كل جهة عمدا قصدا لم يأت منه منع قال الله تعالى «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» وانما أمرنا باستقبال الكعبة فى الصلاة خاصة. والسجود وحده ليس بصلاة وهو جائز بلا طهارة والى غير القبلة وللحائض، لأنه لم يأت نص بايجاب ذلك يدل لما قدمنا قوله تعالى «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 3» كذلك اذا قال المكره ما يكفر به لم يجب بقوله شئ لأن المكره على القول ما هو الا حاك للفظ الذى أمر أن يقوله ولا شئ على الحاكى بلا خلاف.

يدل لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى» فصح أن كل من أكره على قول ولم ينوه مختارا له فانه لا يلزمه

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

‌الاكراه على الاسلام:

من أفعال المكره ما يصح مع الاكراه كالاسلام

(5)

.

‌الاكراه على الكفر:

يتأول المكره بالفتح وجوبا كلمة الكفر عند تكلمه بها اذا أكرهه عليها مكره بالكسر وذلك نحو أن يضمر قلتم ان لله ثانيا أو

(1)

راجع المغنى ج 10 ص 107، 108 والشرح ج 10 ص 109، 110.

(2)

راجع المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 329.

(3)

راجع المحلى ج 4 ص 176.

(4)

راجع المحلى ج 8 ص 329.

(5)

راجع شرح الأزهار ج 2 ص 382.

ص: 67

أكرهتمونى على ذلك أو نحو ذلك من الاضمارات فلو لم يتأول هل يكفر أم لا فيه خلاف

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

الاكراه على الكفر: للمجبور المكره على الشرك أن يتلفظ بكلمة الشرك اذا كان قلبه مطمئنا بالايمان قال الله تعالى «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 2» واذا لم يأخذ بالرخصة وتمسك بالعزيمة حتى قتل أو عذب حاز بذلك من الله المقام الأكمل اذ لا يلزمه الترخص. بل الترخص جائز فقط خلافا لمن أوجب التقية. يدل لذلك أن رجلين مرا على مسيلمة فأخذهما. فقال لأحدهما ما تقول فى محمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما تقول فى قال: أنت أيضا فخلاه، فقال للآخر: ما تقول فى محمد قال رسول الله قال ما تقول فى قال: أنا أصم فأعاد ثلاثا فأعاد جوابه، فقتله.

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما الأول فقد أخذ الرخصة. وأما الثانى فقد صدع بالحق فهنيئا، فبهذا الدليل مصرح بأن الأخذ بالعزيمة فى الاكراه على الكفر أفضل من الترخص بالكفر ولم يعد تارك الرخصة فى هذه الصورة حتى قتل مهلكا لنفسه

(3)

.

‌الاكراه فى باب الطهارة

‌أولا: الوضوء:

‌مذهب الحنفية:

أعلم أن المانع من الوضوء ان كان من قبل العباد كأسير منعه الكفار من الوضوء أو قيل للشخص ان توضأت قتلتك جاز له التيمم ويصل بركوع وسجود ثم يعيد الصلاة اذا زال المانع

(4)

.

‌مذهب المالكية:

لو أكره الشخص فى الوضوء على التفريق بين الأعضاء كأن غسل وجهه مثلا بنية الوضوء ثم حصل له اكراه على ترك الغسل ثم زال الاكراه بنى مطلقا سواء كان الفاصل كبيرا أو يسيرا

(5)

.

‌نقض الوضوء:

القبلة على الفم تنقض الوضوء وان وقعت بكره من رجل لامرأة أو العكس بشرط أن تكون القبلة على فم من يتلذذ به عادة. وكانا بالغين أو أحدهما بالغا. وكانت لغير وداع ورحمة

(6)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى الروضة. لو ألقى انسان فى نهر مكرها فنوى رفع الحدث صح وضوءه.

(1)

شرح الأزهار ج 4 ص 306.

(2)

راجع شرح النيل ج 1 ص 84.

(3)

راجع شرح النيل ج 1 ص 273.

(4)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 1 ص 217.

(5)

راجع حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 91.

(6)

راجع حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 120.

ص: 68

وجاء فى شرح المهذب: قال الشيخ أبو على:

أطلق الأصحاب صحة وضوئه ولا بد فيه من تفصيل. فان نوى رفع الحدث وهو يريد المقام فيه ولو لحظة صح لأنه فعل يتصور قصده وان كره المقام وتحقق الاضطرار من كل وجه لم يصح وضوءه اذ لا تتحقق النية به

(1)

.

‌نقض الوضوء:

قال الشافعى والأصحاب رحمهم الله ما أوجب الطهارة لا فرق فيه بين ما وجد من الشخص بتعمد واختيار وما وجد بغير تعمد واختيار كالمكره على الحديث. دليل ذلك قوله تعالى «وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» والجنابة تكون باحتلام وغيره والاحتلام بغير قصد واختيار، ثانيا: أمر النبى صلى الله عليه وسلم فى المذى بالوضوء. وهو يخرج بلا قصد

(2)

. وعلى هذا لو أكره على لمس امرأة أجنبية انتقض وضوءه.

‌الاحتياج لماء الطهارة:

اذا احتاج الشخص الى ماء للطهارة دون العطش ووجد الماء مع من لا يحتاج اليه فطلبه منه بيعا أو هبة أو قرضا فامتنع من ذلك. لم يجز أن يقهره على أخذه بلا خلاف. بخلاف ما اذا احتاج اليه لشدة العطش وصاحبه غير محتاج اليه فانه يقهره على أخذه لأن لماء الطهارة بدلا فيتيمم ويصلى ولا اعادة، قال أصحابنا وحيث قلنا يجوز أن يقهره فان قهره فأدى الى هلاك المالك كان هدرا لأنه ظالم يمنعه وان أدى الى هلاك المضطر كان مضمونا لأنه مظلوم

(3)

لو أكره على ترك الوضوء فتيمم قال الرويانى لا قضاء. قال النووى وفيه نظر. لكن الراجح ما ذكره لأنه فى معنى من غصب ماؤه. قال الأسنوى: والمتجه خلافه لأن الغصب كثير معهود بخلاف الاكراه على ترك الوضوء

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌نواقض الوضوء:

كل حدث ينقض الطهارة متى وجد ولو باكراه فى الصلاة ينقض الطهارة

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

‌نواقض الوضوء:

من أكره على ارتكاب ما ينقض الوضوء انتقض وضوءه

(6)

.

‌مذهب الإباضية:

‌نواقض الوضوء:

ينتقض الوضوء بلمس بدن أجنبية بالغة مشتهاة ولو شعرا أو سنا أو ظفرا بيد سالمة بلا حائل الا لمعالجة ولو كان اللمس بقهر أحد لهما بامساك والقاء عليه أو بالعكس

(7)

.

(1)

راجع الأشباه والنظائر للسيوطى ص 203 والمجموع ج 1 ص 342.

(2)

راجع المجموع للنووى ج 2 ص 62، 63.

(3)

راجع المجموع للنووى ج 2 ص 256.

(4)

راجع الأشباه والنظائر للسيوطى ص 205.

(5)

راجع المحلى لأبن حزم ج 4 ص 153.

(6)

راجع شرح الأزهار ج 4 ص 307.

(7)

راجع شرح النيل ج 1 ص 89.

ص: 69

‌ثانيا: الغسل:

‌مذهب الحنفية:

لو تيمم لخوف العدو بأن توعد على الوضوء أو الغسل أعاد لأن العذر أتى من غير صاحب الحق

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

لو استدخلت امرأة ذكر رجل وجب عليه الغسل وعليها سواء كان مختارا أم مكرها.

واذا أولج الرجل ذكره فى قبل امرأة أو دبرها أو دبر رجل أو خنثى أو صبى وجب الغسل سواء كان المولج فيه مختارا أو مكرها

(2)

غسل الميت بطريق الاكراه يصح لأنه اكراه بحق

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

يجب الغسل على كل واطئ وموطوء اذا كان من أهل الغسل سواء كان فى الفرج قبلا أو دبرا من كل آدمى أو بهيمة حى أو ميت طائعا أو مكرها

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

يجب الغسل على من أكره على الزنا

(5)

.

اذ الاعتبار فى وجوب الغسل بتغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها فى فرج امرأة أو دبرها أو دبر رجل أو فرج بهيمة أو دبرها سواء كان ذلك بطريق الاختيار أو الاكراه

(6)

.

‌مذهب الأمامية:

تحصل الجنابة بخروج المنى ولو فى حال النوه أو الاضطرار. وبالجماع وان لم ينزل من غير فرق بين الاختيار والاضطرار

(7)

.

‌ثالثا: الحيض:

‌مذهب الحنفية:

وط ء الحائض كبيرة من عامد مختار عالم بالتحريم الا من أكره

(8)

.

‌مذهب الشافعية:

من وطئ الحائض مكرها فلا اثم عليه ولا كفارة لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقى وغيرهما

(9)

.

(1)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 1 ص 144.

(2)

المجموع للنووى ج 2 ص 132، 133.

(3)

الأشباه والنظائر للسيوطى ص 206.

(4)

المغنى ج 1 ص 204 والشرح ج 1 ص 202.

(5)

شرح الأزهار ج 4 ص 307.

(6)

الروض النضير ج 1 ص 239.

(7)

راجع العروة الوثقى ج 1 ص 113، 114.

(8)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 1 ص 275.

(9)

راجع المجموع للنووى ج 2 ص 359.

ص: 70

‌مذهب الحنابلة:

اذا وطئت المرأة فى حيضها أو نفاسها مكرهة لم يجب عليها كفارة لقوله عليه السلام (عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

اذا وطئ الزوج زوجته قهرا فى الحيض أو الصفرة لم يلزمها شئ ويلزمه التصدق بدينارين أحدهما عنه والآخر عنها. ويكون عليه أيضا عاصيا

(2)

.

‌الاكراه فى الصلاة

‌مذهب الحنفية:

المنع من الصلاة: الأسير الذى منعه العدو من الصلاة يصلى ايماء ثم يعيد

(3)

.

التكلم فى الصلاة يفسد الصلاة التكلم فيها ولو من مكره على ذلك أما حديث رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.

فمحمول على رفع الاثم

(4)

.

الدفع والجذب والحمل للمصلى: قال الحلبى من دفع فى صلاته أو جذبته دابته فمشى بسبب الدفع أو الجذب ثلاث خطوات متواليات من غير أن يملك نفسه فسدت صلاته. وفى البحر عن الظهيرية: ان جذبته الدابة حتى أزالته عن موضع سجوده فسدت صلاته. لو حمل رجل المصلى أثناء صلاته فوضعه على الدابة فسدت صلاته للعمل الكثير بخلاف ما لو رفعه من مكانه ثم وضعه أو ألقاه ثم قام ووقف مكانه من غير أن يتحول عن القبلة.

التحول عن القبلة: تبطل صلاة من حول عن القبلة كرها اذا كان قدر أداء ركن ولو بقى فى مكانه. وكل ما سبق من أحكام هذا المعتمد عند الحنفية.

‌مذهب المالكية:

لو أكره المصلى على زيادة ركن فعلى كسجدة أو كلام ولو بحرف بطلت صلاته

(5)

.

المنع من صلاة الجمعة: اذا منع الامام من اقامة الجمعة فاما أن يكون ذلك اجتهادا منه بأن رأى أن شروط وجوبها غير متوفرة واما أن يكون ذلك جورا. فان كان الأول وجبت طاعته ولا تحل مخالفته ولو أمنوا فان خالفوا وصلوا لم تجزهم ولا يعيدونها أبدا وان كان الثانى ففيه تفصيل فان أمنوا على أنفسهم منه وجبت عليهم والا لم تجز لهم مخالفته لكن اذا وقع ونزل أجزأتهم

(6)

.

(1)

راجع المغنى ج 1 ص 352 والشرح ج 1 ص 318.

(2)

راجع شرح النيل ج 1 ص 205.

(3)

شرح المحتار على الدر المختار ج 1 ص 475.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 575.

(5)

المرجع حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 289.

(6)

حاشية الدسوقى ج 1 ص 384.

ص: 71

‌مذهب الشافعية:

المنع من الصلاة: من أكره على ترك الصلاة مع المنع من الايماء بها أو أكره على التلبس بما ينافيها قلة تأخيرها عن وقتها حتى يزول عذره أما من لم يكن كذلك وأمكنه الايماء برأسه وعينه أو نحو ذلك فيجب عليه الصلاة فى الوقت لحرمته ثم يعيدها بعد ذلك. دليل ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم (اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخارى ومسلم من رواية أبى هريرة رضى الله عنه

(1)

.

التحول عن القبلة: لو أمال شخص مصليا عن القبلة قهرا وهو يصلى على الأرض فرضا أو نفلا فعاد الى الاستقبال بعد طول الفصل بطلت صلاته بلا خلاف. أما ان عاد عن قرب فوجهان: أصحهما تبطل أيضا لأنه نادر كما لو أكره على الكلام فانها تبطل على الصحيح من القولين لأنه نادر

(2)

.

‌الاكراه على الصلاة قاعدا

أو من غير وضوء:

لو أكره أن يصلى بلا وضوء أو قاعدا وجبت الاعادة قطعا لندرة ذلك.

‌الاكراه على فعل يناقض الصلاة:

قال البغوى: لو أكره على فعل يناقض الصلاة بطلت صلاته لأنه نادر

(3)

.

‌هل زوال العقل بوسيلة مكره على فعلها

يسقط الصلاة:

اذا أكره الشخص على شرب مسكر فزال عقله كل الوقت فلا صلاة عليه. واذا أفاق فلا قضاء عليه بلا خلاف

(4)

.

‌الاكراه على الكلام فى الصلاة:

لو أكره الشخص على الكلام فى الصلاة بطلت فى الأظهر لندرة الاكراه فيها والثانى لا تبطل كالناسى وهذا يشعر بأن الخلاف فى الكلام اليسير وأنها تبطل بالكثير قطعا.

‌الاكراه على الصلاة

بغير استقبال أو بغير سترة:

لو أكره المصلى على الصلاة بغير استقبال أو بغير سترة بطلت صلاته بخلاف ما لو غصبت منه

(5)

.

‌الاكراه على ترك صلاة الجماعة:

من أعذار ترك الجماعة الاكراه على تركها

(6)

.

(1)

المجموع للنووى ج 3 ص 64.

(2)

المجموع للنووى ج 3 ص 236، ج 4 ص 81.

(3)

المجموع للنووى ج 4 ص 81.

(4)

راجع المجموع للنووى ج 3 ص 6.

(5)

المحلى على المنهاج وحواشيه ج 1 ص 188.

(6)

قليوبى على المحلى ج 1 ص 228.

ص: 72

‌مذهب الحنابلة:

‌الاكراه على الكلام فى الصلاة

أو زيادة عدد الركعات أو الركوع:

حمل بعض الحنابلة المكره على الكلام فى الصلاة على الناسى ودليلهم على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع بينهما فى العفو بقوله صلى الله عليه وسلم (عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) هذا تفسد صلاة لأنه أتى بما يفسد الصلاة فأشبه ما لو أكره على صلاة الفجر أربع أو على أن يركع فى كل ركعة ركوعين. ولا يصح قياسه على الناسى لوجهين.

أحدهما: أن النسيان يكثر ولا يمكن التحرز منه بخلاف الاكراه.

ثانيهما: أنه لو نسى فزاد فى الصلاة أو نسى فى كل ركعة سجدة لم تفسد صلاته ولم يثبت هذا فى الاكراه

(1)

.

‌التحول عن القبلة:

اذا ترك مصلى النافلة على راحلة لا تطيعه أو فى قطار قبلته مقلوبا فهو على صلاته ويعود اليها عند زوال عذره لأنه مغلوب على ذلك فأشبه العاجز عن الاستقبال فان تمادى فى ذلك بعد زوال عذره فسدت صلاته لأنه ترك الاستقبال عمدا. لا فرق فى هذا بين جميع التطوعات فيستوى فيه النوافل المطلقة والسنن والرواتب المعينة والوتر وسجود التلاوة

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌ستر العورة:

من أكره على ترك ستر العورة فى الصلاة فصلاته تامة لقوله تعالى «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ» ولقوله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)

(3)

.

‌التحول عن الكعبة:

استقبال جهة الكعبة بالوجه والجسد فرض على المصلى حاشا المتطوع راكبا فمن كان مقلوبا بمرض أو بجهد أو بخوف أو باكراه فتجزيه صلاته كما يقدر وينوى فى كل ذلك التوجه الى الكعبة لقوله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم

(4)

.

‌الحدث فى الصلاة:

كل حدث ينقض الطهارة متى وجد ولو باكراه فى الصلاة ما بين التكبير للاحرام لها

(1)

المغنى ج 1 ص 702، 703 والشرح ج 1 ص 678، 679.

(2)

المغنى ج 1 ص 453، 454 والشرح الكبير ج 1 ص 483.

(3)

المحلى لابن حزم ج 3 ص 209.

(4)

المحلى لابن حزم ج 3 ص 227.

ص: 73

الى أن يتم سلامه منها ينقض الطهارة والصلاة معا. ويلزمه ابتداؤها ولا يجوز له البقاء فيها سواء كان اماما أو مأموما. أو منفردا فى فرض كان أو تطوع الا أنه لا تلزمه الاعادة فى التطوع خاصة

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

‌المنع من الصلاة:

من أكره على ترك الصلاة وجب عليه قضاؤها

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

يجب قطع صلاة الفريضة اذا توقف على ذلك حفظ نفسه أو حفظ نفس محترمة أو حفظ مال يجب حفظه عليه

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

‌المنع من الصلاة:

يصح للمكره الترخص بترك العبادات البدنية فلو أكرهه جبار على ترك صلاة الظهر مثلا وكان قائما عليه لا يفارقه حتى مضى الوقت كان لهذا المجبور أن يترك من أركان الصلاة ما يخشى فى فعله الهلاك على نفسه ويصلى كيف أمكنه وكان ذلك عذرا له وذلك أن الترخص قد صح فى كلمة الكفر وهو هاهنا أولى، وأيضا فقد ثبت الترخص فى أمور الصلاة والصوم ونحوهما بأعذار دون الاكراه كالسفر. والمرض والخوف ونحو ذلك فثبوت الترخص فى الاكراه أولى لأنه أشد من السفر والمرض وهو نوع من أنواع الخوف الشديد فينبغى أن تثبت فيه رخص الخوف

(4)

.

‌التحول عن القبلة:

يسقط استقبال الكعبة بشدة خوف وان كان الخوف على مال أو نفس لغيره ان خاف ضمان مال الغير وذلك بحيث لو استقبل قتل أو ضرب أو أخذ المال منه أو ربط على خشبة ونحوها وقيل ينوى القبلة

(5)

.

‌الكلام فى الصلاة:

من أكره على الكلام فى الصلاة تكلم وأعاد

(6)

.

‌الاكراه فى الاعتكاف

‌مذهب الحنفية:

يرى الامام أن اكراه المعتكف على الخروج من المسجد مفسد للاعتكاف لأن الخروج لمرض وحيض ونسيان مفسد مع أنه من قبل من له الحق سبحانه وتعالى فيكون الاكراه الذى من قبل العبد مفسدا من باب أولى. وصرح فى

(1)

المحلى لابن حزم ج 4 ص 154.

(2)

شرح الأزهار ج 1 ص 336.

(3)

العروة الوثقى ج 1 ص 363.

(4)

شرح طلعة الشمس على الألفية ج 2 ص 271، 272.

(5)

شرح النيل ج 1 ص 355.

(6)

شرح النيل ج 1 ص 557.

ص: 74

البدائع بعدم الفساد استحسانا لأنه مضطر اليه كما نقل عن البدائع أيضا القول بعدم الفساد اذا دخل المكره بالفتح مسجدا آخر من ساعته استحسانا فقوله من ساعته صريح فى أنه على قول الامام. أما الصاحبان فيقولان: بعدم الفساد بالخروج أقل من نصف النهار بلا عذر أصلا فيكون الخروج بعذر الاكراه أولى

(1)

.

‌مذهب المالكية:

لو أخر المعتكف الرجوع الى المسجد بعد زوال عذره ولو اكراها بطل اعتكافه واستأنفه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

لو حمل المعتكف مكرها فأخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور. قال الرافعى: وقيل فى بطلانه قولان كالمكره (أى الذى أكره وخرج بنفسه). وان أكره حتى بنفسه فطريقان أصحهما فيه قولان كالاكراه على الأكل فى الصوم. أصحهما لا يبطل اعتكافه والثانى يبطل. الطريق الثانى: لا يبطل قولا واحدا.

فان زال الاكراه وتمكن من العودة فلم يعد بطل اعتكافه لأن ترك الاعتكاف من غير عذر فأشبه ما اذا خرج من غير عذر

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

لا يبطل الاعتكاف الخروج من المسجد بطريق الاكراه ولا المباشرة والجماع بطريق الاكراه أيضا. لأن المعتكف لم يعمد ابطال اعتكافه وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

اذا أكره المعتكف على الخروج من المسجد انتقل الى أقرب مسجد اليه ويبنى

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

لو خرج المعتكف من المسجد مكرها لم يبطل اعتكافه

(6)

.

‌مذهب الإباضية:

ان أكره الزوج الزوجة المعتكفة على وط ء لزمته كفارتها وقيل لا الا أن اعتكفت برأيه

(7)

.

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 2

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 1 ص 552.

(3)

المجموع للنووى ج 6 ص 521، 523.

(4)

المحلى لابن حزم ج 5 ص 192.

(5)

شرح الأزهار ج 2 ص 50، 51.

(6)

العروة الوثقى ج 1 ص 538.

(7)

شرح النيل ج 2 ص 257.

ص: 75

‌الاكراه فى الصيام

‌مذهب الحنفية:

‌الأكل والشراب:

اذا أوجر الصائم مكرها أفطر كذلك اذا أكل أو شرب بنفسه مكرها فانه يفسد صومه خلافا لزفر.

‌الجماع فى الصوم:

قال فى الفتح: كان أبو حنيفة يقول أولا فى المكره على الجماع عليه القضاء والكفارة لأنه لا يكون الا بانتشار الآلة وذلك امارة الاختيار ثم رجع وقال: لا كفارة عليه حتى ولو كان الاكراه من الزوجة وهو قولهما لأن فساد الصوم يتحقق بالايلاج وهو مكره فيه لأنه ليس كل من انتشرت آلته يجامع. وهذا هو المفتى به. وجاء فى الاختيار القول بوجوب الكفارة على الزوج والزوجة اذا كانت هى المكرهة للزوج على الوط ء

(1)

.

‌العوارض المبيحة لعدم الصوم:

يعتبر الاكراه من العوارض المبيحة للفطر

(2)

.

‌مذهب المالكية:

‌الاكراه عذر للفطر:

الاكراه عذر مباح لأجله الفطر والمكره على الفطر لا يباح له الاستمرار فى الفطر بعد زوال الاكراه بل يجب عليه الامساك. يقضى من أفطر فى الفرض اكراها. أما المتنفل فلا قضاء ان أفطر اكراها. ولا كفارة كبرى على من أفطر مكرها

(3)

.

‌الأكل والشرب فى الصوم:

لو أكرهه غيره على الأكل أو الشرب فلا كفارة على المكره بالكسر ولا على المكره بالفتح

(4)

.

‌اكراه الزوجة والأمة على الوط ء:

يكفر الرجل عن أمة له وطئها أن أكرهها على الوط ء فى رمضان. ان كانت بالغة عاقلة مسلمة ما لم تطلبه ولو حكما بأن تتزين له فيلزمها الكفارة بالصوم ما لم يأذن لها سيدها فى الاطعام كما يكفر الزوج عن زوجته اذا كانت بالغة عاقلة مسلمة. ولو أمة ان أكرهها على الوط ء فى رمضان ولو كان عبدا وهى حرة. وتكون جناية فى رقبته ان شاء سيده أسلمه لها أو فداه بأقل القيمتين أى قيمة الرقبة أو الطعام وليس لها أن تأخذ الزوج العبد وتصوم بل متى أخذته لا بد أن تكفر بالاطعام أو العتق. كذلك اذا أخذت من

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 139، 148، 150.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 158.

(3)

الدسوقى على الشرح ج 1 ص 514.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 531.

ص: 76

سيده الأقل من القيمتين لا تكفر بالصوم لأنها لو صامت فقد أخذت العبد أو أقل القيمتين ثمنا للصوم .. وفى حالة تسليمه لها تملكه وينفسخ النكاح لكن هل تعتقه حينئذ فيصير معتقا عما لزمه فى الأصل على صومها بسبب جنايته أو لا تكفر به بل تكفر بعتق غيره أو بالاطعام قولان. واخراج الكفارة من المكره بالكسر نيابة عن كل منهما فلا يصوم عن واحدة منهما بل يكفر عن الزوجة الحرة بالاطعام أو العتق والأمة يكفر عنها السيد بالاطعام ولا يصح أن يعتق عنها اذ لا ولاء لها أما لو كانت الزوجة أو الأمة صغيرة أو كافرة أو غير عاقلة فلا كفارة على مكرهها لأنه يكفر. عنها نيابة وهى اذ كانت بصفة من هذه الصفات لا كفارة عليها فلا كفارة على مكرهها عنها. وان أعسر الزوج عما لزمه عنها. وكذلك لو فعلت ذلك مع يسره كفرت عن نفسها بأحد الأنواع الثلاثة ورجعت عليه ان لم تصم لأن الصوم لا ثمن له

(1)

.

‌الاكراه على ما دون الوط ء:

لو أكره الرجل أمته أو زوجته على ما دون الجماع كالقبلة مثلا فأنزلا أو أنزلت هى لم يكفر عنها ومع ذلك لا كفارة عليها. وفى قول تجب عليه الكفارة عنها. وعلى هذا القول يجرى هنا ما سبق من أنه لو أعسر كفرت عن نفسها بأحد الأنواع الثلاثة ورجعت عليه ان لم تصم بالأقل من قيمة الرقبة ونفس كيل الطعام.

‌اكراه الرجل على الوط ء:

لو أكره رجل رجلا على الجماع فنفذ فالراجح أن المكره بالكسر لا يكفر عن المنفذ ومع ذلك لا كفارة عليه على المعتمد. وقيل يلزمه كفارة نفسه نظرا لانتشاره

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

‌الاكراه على الأكل والشرب

والتداوى والمرأة على الجماع:

اذا أوجر الصائم الطعام قهرا أو أسقط الماء وغيره أو ربطت المرأة وجومعت فلا فطر فى كل ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه) فدل على أن كل ما حصل بغير اختياره لا يجب به القضاء ولأن النبى صلى الله عليه وسلم أضاف أكل الناس الى الله وأسقط به القضاء فدل على أن كل ما حصل بغير فعله لا يوجب القضاء. ولا خلاف عند الشافعية فى شئ من هذا. ولو أكره الصائم على أن يأكل بنفسه أو يشرب فأكل أو شرب أو أكرهت على التمكين من الوط ء فمكنت ففى بطلان الصوم به قولان أحدهما يبطل الصوم لأنه فعل ما ينافى الصوم لدفع الضرر وهو ذاكر للصوم فبطل صومه كما لو أكل لخوف أو شرب لدفع العطش. والثانى من القولين وهو الأصح لا يبطل صومه لأن الصائم بالاكراه سقط أثر فعله ولهذا لا يأثم بالأكل لأنه صار مأمورا بالاكل لا منهيا عنه فهو كالناسى بل أولى فى

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 1 ص 530.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 1 ص 531.

ص: 77

عدم الفطر لأنه مخاطب بالأكل لدفع ضرر الاكراه عن نفسه بخلاف الناس فانه ليس بمخاطب بأمر ولا نهى

(1)

. نعم ان تناوله لا لأجل الاكراه كأن قصد التلذذ بالأكل أفطر وكذا لو أكره على أحد اناءين معين فأكل من الآخر. ويدخل فى الاكراه ما لو أكرهه على الزنا وما لو أخاف المكره بكسر الراء المكره بفتحها تلف عضو أو منفعة أو مشقة لا تحتمل فأكرهه على الأكل أو على الشرب فلا يفطر أيضا

(2)

. وان قلنا يفطر المكره فلا كفارة عليه بلا خلاف سواء أكره على أكل أو أكرهت على التمكين من الوط ء

(3)

.

‌اكراه الرجل على الجماع:

أما اذا أكره رجل على الوط ء فحكم ذلك يتوقف على الخلاف المشهور فى أنه هل يتصور اكراهه على الوط ء أم لا. فان قيل يتصور اكراهه فهو كالمكره ففى افطاره القولان السابقان. وان قيل لا يتصور اكراهه أفطر قولا واحدا. ووجبت الكفارة لأنه غير مكره.

‌مذهب الحنابلة:

‌الاكراه على الأكل والحجامة والتداوى:

لا يفسد صوم الصائم بصب شئ فى حلقه أو أنفه بطريق الاكراه كما لا يفسد صومه بحجمه كرها وكذلك تداوى مأمومته أو جائفته بغير اختياره. أما اذا أكره على شئ من ذلك بالوعيد ففعله قال ابن عقيل: قال أصحابنا لا يفطر به أيضا لقول النبى صلى الله عليه وسلم (عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) قال: ويحتمل عندى أن يفطر لأنه فعل المفطر لدفع الضرر عن نفسه فأشبه المريض يفطر لدفع المرض ومن يشرب لدفع العطش. ويفارق الملجأ لأنه خرج بالالجاء عن حيز الفعل ولذلك لا يضاف اليه ولذلك افترقا فيما لو أكره على قتل آدمى أو ألقى عليه فقتله

(4)

.

‌أكراه المرأة على الجماع:

ان أكرهت المرأة على الجماع فلا كفارة عليها رواية واحدة. وعليها فى ظاهر المذهب قال: مهنا: سألت أحمد عن المرأة غصبها رجل نفسها فجامعها أعليها القضاء؟ قال: نعم قلت: وعليها الكفارة قال: لا.

ونقل أحمد ابن القاسم عن ابن حنبل أيضا قوله: كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا غيره فهذه الرواية تدل على اسقاط القضاء والكفارة مع الاكراه وبذلك أيضا قال أبو الخطاب ويرى صاحب المغنى والشرح الكبير أن رواية ابن القاسم تحمل على حالة الاكراه الملجئ اذ لم يوجد فيها فعل فلا تفطر كما لو صب الماء فى حلقها بغير اختيارها.

ووجه القول الأول: أنه جماع فى الفرج فأفسد الصوم كما لو أكرهت بالوعيد، ولأن الصوم عبادة يفسدها الوط ء ففسدت به فى كل حال كالصلاة والحج

(5)

.

(1)

المجموع للنووى ج 6 ص 334، 326.

(2)

قليوبى على المحلى ج 2 ص 58.

(3)

المجموع للنووى ج 6 ص 327.

(4)

المغنى لابن قدامة ج 3 ص 50 والشرح ص 52.

(5)

المرجع السابق ج 3 ص 58 والشرح ص 58.

ص: 78

‌أكراه الرجل على الجماع:

ان أكره الرجل فجامع فسد صومه على الصحيح لأنه اذا فسد صوم المرأة فصوم الرجل أولى أما الكفارة فقد قال القاضى أبو يعلى تجب عليه لأن الاكراه على الوط ء لا يمكن لأنه لا يطأ حتى ينتشر ولا ينتشر الا عن شهوة فهو كغير المكره. وقال أبو الخطاب: فيه روايتان أحداهما: لا كفارة عليه. لأن الكفارة اما عقوبة أو ماحية للذنب والمكره غير آثم ولا مذنب ولقول النبى صلى الله عليه وسلم (عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولأن الشرع لم يرد بوجوب الكفارة فيه ولا يصح قياسه على ما ورد الشرع فيه لاختلافهما فى وجود العذر وعدمه.

والرواية الثانية: عليه الكفارة لما ذكر سابقا، أما ان كان الاكراه ملجئا مثل أن غلبت المرأة زوجها فى حال يقظته على نفسه فلا قضاء عليه ولا كفارة عند ابن عقيل لأن معنى حرمة الصوم حصل بغير اختياره فلم يفطر به. كما لو أطارت الريح الى حلقه ذبابة. ولرواية ابن القاسم عن الامام أحمد اذ يقول لكل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا غيره. وظاهر كلام الامام أحمد أن عليه القضاء لأنه قال فى المرأة: اذا غصبها رجل نفسها فجامعها علبها القضاء فالرجل أولى فاستوى فيه حالة الاختيار والاكراه كالحج. ولا يصح قياس الجماع على غيره فى عدم الافساد لتأكده بايجاب الكفارة وافساده للحج من بين سائر محظوراته وايجاب الحد به اذا كان زنا. وقد سبق التوفيق بين روايتى أحمد

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌الاكراه على الأكل والجماع:

لا ينقض الصوم بالاكراه على ما ينقضه فان أكره على الفطر ووطئت امرأة صائمة مكرهة فصوم كل من المكره بالفتح تام صحيح لا داخله فيه ولا شئ عليهما كذلك اذا وطئت امرأة نائمة أو صب فى حلقه ماء وهو نائم اذ النائم والنائمة مكرهان بلا شك غير مختارين لما فعل بهما

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

‌الاكراه على الأكل والشرب والجماع:

من أوجر ماء بغير فعله ولا سببه كفتح فيه لم يفسد صومه لدخوله بغير اختياره ولو جومعت مكرهة. من دون أن يكون منها تمكين ولا استطاعة للمدافعة ولا سبب لم يبطل صومها.

أما لو دخلت قاصدة للوط ء ثم أكرهت على وجه لم يبق لها فعل ولا تمكين فانه يفسد صومها لأن السبب كالفعل

(3)

. ولو أفطر بأى أسباب الافطار وكان فى تلك الحال مكرها على ذلك فانه يفسد صومه اذا وقع الافطار بفعله كالازدراد أو فعل سببه كفتح فيه. أما لو أكره

(1)

المغنى ج 3 ص 61 والشرح ص 59.

(2)

المحلى لأبن حزم ج 6 ص 203، 224.

(3)

شرح الأزهار ج 2 ص 17، 19.

ص: 79

على وجه لم يبق له فعل لم يفسد صومه كما تقدم.

‌الاكراه مرخص للفطر:

من الأمور المرخصة لفطر الصائم الاكراه على الفطر وذلك بأن يتوعده من هو قادر على انفاذ ما توعده به بأن يحبسه أو يضربه.

أو يضره ضررا مجحفا ان لم يفطر فانه حينئذ يجوز له الافطار.

واختلف فى حد الاحجاف فقال محمد بن سليمان أن يخشى التلف فقط لأن هذا اكراه على فعل محظور. وهو لا يباح بالاكراه الا أن يخشى المكره التلف.

قال محمد بن يحيى: بل المراد بالاجحاف هنا خشية الضرر فمتى خشى من القادر الاضرار به جاز له الافطار لأنه ترك واجب، وهذا هو الأقوى وهو الذى يقتضيه كلام الأزهار

(1)

.

‌هل يرجع المكره بالكفارة على المكره:

اذا أكره الصائم على الافطار ثم عجز عن القضاء وكفر هل يرجع بالكفارة؟.

قيل: يرجع وقيل: لا يرجع

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

‌الاكراه على الجماع:

لا يبطل الصوم بالجماع اذا كان مكرها بحيث خرج عن اختياره وفرض القهر فى الجماع انما يستقيم فى المرأة دون الرجل بحسب العادة. واذا كان الجماع جبرا ثم ارتفع الجبر وجب الاخراج فورا فان تراضى بطل صومه.

‌الاكراه على الأكل والشرب:

اذا كان الفعل المفطر واقعا على الشخص الصائم بلا ارادة منه أصلا كما لو أوجر فى حلقه أو رمس رأسه فى الماء ونحو ذلك فهذا هو ضابط المقهورية والخروج عن الفطر واذا ارتفع القهر وجب عليه المبادرة الى الخروج عما قهر عليه والا بطل صومه. واذا كان الفعل يصدر عنه بارادته لكن يحمله عليه من لا مناص له عن اتباعه فهذا هو ضابط الاكراه المسوغ للفظ ويلزمه القضاء

(3)

.

اذا أفطر الصائم تقية من ظالم بطل صومه. روى سماعة عن أبى بصير قال:

سألت أبا عبد الله عن المرأة تقضى صوم شهر رمضان فيكرهها زوجها على الافطار فقال:

لا ينبغى أن يكرهها بعد زوال الشمس

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

‌الاكراه مرخص للفطر:

جوز الأكل والشرب لمكره حاضر، ويعيد من أكل مكرها على الأكل وقيل لا. ومن دخل صوم تطوع وأكره على الفطر فلا قضاء عليه

(5)

.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 20، 23، 24.

(2)

شرح الأزهار ج 2 ص 20، 23، 24.

(3)

العروة الوثقى ج 2 ص 498، 502.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 508.

(5)

شرح النيل ج 2 ص 244، 245.

ص: 80

‌الاكراه على الطعام والجماع:

من أدخل فى فيه ماء أو طعام باكراه فلا بأس عليه ان وصل جوفه بعد جهده أى بعد تعبه فى الامتناع والكراهة ولا يفسد يومه. ولا يجامع ان أكره على جماع. وقيل يجوز أن يجامع وينتقض يومه وقيل ما مضى بالجماع اكراها اتفاقا، ولمكرهة على وط ء ولو زنا بدل يومها وقيل لا. وعلى مكرهها بزنا أو غيره ما على مفسد رمضان عمدا

(1)

.

‌اكراه الصائم قضاء على الفطر:

ان أكل قاض باكراه فسد قضاؤه ولا يعذر فى القضاء بما يعذر به من عذر فى رمضان كاكراه وقيل هو مثله. فلا يفسد بالأكل باكراه

(2)

.

‌الاكراه فى الزكاة

‌مذهب الحنفية:

أخذ الساعى الزكاة من صاحبها كرها لا يسقط الفرض عنه فى الأموال الباطنة

(3)

.

بخلاف الظاهرة

(4)

وفى مختصر الكرخى: اذا أخذها الامام كرها فوضعها موضعها أجزأ لأن له ولاية أخذ الصدقات فقام أخذه مقام دفع المالك. وفى القنية فيه أشكال لأن النية فيه شرط ولم توجد منه. ويرى البعض من الحنفية أن الساعى لو أخذها كرها لم تقع زكاة لكونها بلا اختيار لكن يجبر بالحبس ليؤدى بنفسه لأن الاكراه لا ينافى الاختيار

(5)

. اذا أكره الرجل بوعيد تلف أو حبس على اخراج ما وجب عليه لله من صدقة ففعل ولم يأمره المكره بالفتح باخراج شئ بعينه لم يضمن المكره بالكسر ويجزى عن الرجل ما فعل لأن المكره بالكسر ومحتسب حين لم يزد على أمره باسقاط الواجب والوفاء بما التزمه وقد قال الله تعالى «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ» فان أوجب شيئا بعينه على نفسه صدقة فى المساكين فأكره بحبس أو قيد على أن يتصدق بذلك جاز ما صنع منه ولم يرجع على المكره بشئ لأن الوفاء بما التزمه مستحق عليه شرعا كما التزمه فاذا التزم التصدق بالعين كان عليه الوفاء به فى ذلك العين والمكره ما زاد فى أمره على ذلك فلا يرجع عليه بشئ.

كذلك صدقة الفطر لو أكره عليها رجل حتى فعلها أجزأه ولم يرجع على المكره بشئ لأن ذلك واجب عليه شرعا. اذا كان هناك رجل عنده خمس وعشرون بنت مخاض فحال عليها الحول فوجب فيها ابنة مخاض وسط فأكره بوعيد قتل على أن يتصدق على المساكين بابنة مخاض جيدة غرم المكره فضل قيمتها على قيمة

(1)

شرح النيل ج 2 ص 245.

(2)

شرح النيل ج 2 ص 218.

(3)

الأموال الباطنة هى النقود وعروض التجارة اذا لم يمر بها على العاشر لأنها بالاخراج تلتحق بالأموال الظاهرة.

(4)

رد المحتار ج 2 ص 14 والأموال الظاهرة هى: التى يأخذ زكاتها الامام وهى السوائم وما فيه العشر والخراج وما يمر به العاشر.

(5)

راجع رد المحتار ج 2 ص 33.

ص: 81

الوسط لأنه ظالم له فى الزام هذه الزيادة وقد جازت الصدقة عن المتصدق فى مقدار الوسط فلا يغرم المكره ذلك لأن هذا ليس بمال الربا فيمكن تجويز بعضه عن كله ألا ترى أنه لو تصدق بنصف أبنة مخاض جيدة فبلغ قيمته قيمة ابنة مخاض وسط أجزأة عن الواجب فلهذا لا توجب على المكره الا ضمان الفضل بينهما

(1)

. لو أكره الرجل على أن يقول ان قربت زوجتى فمالى صدقة فى المساكين فتركها أربعة أشهر فبانت ولم يدخل بها أو قربها فى الأربعة أشهر فلزمته الصدقة لم يرجع على المكره بالكسر بشئ.

لأنه ان قربها فقد خالف ما أمر به المكره وان لم يقربها فقد كان متمكنا من أن يقربها فى المدة ويلزمه بالقربان صدقة فيما بينه وبين ربه من غير أن يجبره السلطان عليها. ولهذا لا يرجع على المكره بالكسر بشئ وهو فى المعنى نظير ما لو أكرهه على النذر بصدقة ماله فى المساكين

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

اذا امتنع رب المال عن دفع الزكاة للامام فأخذها منه قهرا. فان نوى رب المال أداء الزكاة حال الأخذ أجزأه ظاهرا وباطنا وان لم ينو الامام وهذا لا خلاف فيه كما سبق فى حال الاختيار وان لم ينو رب المال نظر ان نوى الامام اجزأه فى الظاهر فلا يطالب ثانيا. وهل يجزئه باطنا فيه وجهان مشهوران فى طريقة الخراسانيين أصحهما يجزئه وهو ظاهر كلام المصنف وجمهور العراقيين وتقام نية الامام مقام نيته للضرورة كما تقدم فى نية ولى الصبى والمجنون والسفيه قام بنيته للضرورة وان لم ينو الامام أيضا لم يسقط الفرض فى الباطن قطعا. وهل يسقط فى الظاهر؟ فيه وجهان مشهوران أيضا الأصح لا يسقط ذكره البغوى وآخرون

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

قال الخرقى: اذا أخذ الامام الزكاة من الانسان قهرا اجزأته من غير نية. واختار أبو الخطاب وابن عقيل: أنها لا تجزئ فيما بينه وبين الله الا بنية رب المال لأن الامام اما وكيله. واما وكيل الفقراء أو وكيلهما معا وأى ذلك كان فلا تجزئ نيته عن نية رب المال ولأن الزكاة تجب لها النية فلا تجزئ عمن وجبت عليه بغير نية ان كان من أهل النية كالصلاة وانما أخذت منه مع عدم الأجزاء حراسة للعلم الظاهر كالصلاة يجبر عليها ليأتى بصورتها ولو صلى بغير نية لم يجزئه عند الله تعالى.

قال ابن عقيل: ومعنى قول الفقهاء: يجزئ عنه أى فى الظاهر بمعنى أنه لا يطالب بها ثانيا

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يقتل تارك الزكاة بل يكره على أدائها

(5)

.

(1)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 145، 147.

(2)

المرجع السابق 24 ص 108.

(3)

المجموع للنووى ج 6 ص 184، 185.

(4)

المغنى ج 2 ص 507.

(5)

شرح الأزهار ج 1 ص 341.

ص: 82

‌مذهب الإمامية:

اذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولى للنية وظاهر كلامهم الأجزاء وهو الأقوى ولا يجب على الممتنع بعد ذلك شئ وانما يكون عليه الاثم من حيث امتناعه

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فى شئ ما فلا يلزمه ما اكره عليه من صدقة

(2)

لقوله صلى الله عليه وسلم (ليس على مكره عقد ولا عهد. وقيل مضى ولا يقبل بيانها).

‌الاكراه فى الحج والعمرة

‌مذهب الحنفية:

اذا اكره الرجل بوعيد تلف أو حبس على حج أو هدى أو بدنة وجب عليه لله تعالى.

ففعل ذلك ولم يأمره المكره بالكسر بشئ بعينه فلا ضمان على المكره ويجزى عن الرجل ما فعله لأن المكره محتسب حين لم يزد على أمره باسقاط الواجب والوفاء بما التزمه وقد قال الله تعالى «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ» فان أوجب شيئا بعينه على نفسه من هدى أو بدنة فأكره بحبس أو قيد على أن يفعل ذلك المعين جاز ما صنع منه ولم يرجع على المكره بالكسر بشئ لأن الوفاء بما التزمه مستحق عليه شرعا كما التزمه فاذا التزم بذلك المعين كان عليه الوفاء به فى ذلك العين والمكره ما زاد فى أمره على ذلك فلا يرجع عليه بشئ

(3)

. والواجب دم على محرم بالغ أكره على فعل محظور من محظورات الاحرام التى يجب على فعلها دم فلا أثر للاكراه فى مثل ذلك كما اذا أكره على طيب عضوا أو ستر رأسه يوما كاملا أو ليلة كاملة

(4)

. ولو أكره محرم على قتل صيد غير صيد الحرم فأبى حتى قتل كان مأجورا عند الله تعالى لأنه من حقوق الله وهو ثابت بنص القرآن. قال تعالى «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» فكان الامتناع عزيمة واباحة قتل الصيد رخصة عند الضرورة فان ترخص بالرخصة كان فى سعة من ذلك وان تمسك بالعزيمة فهو أفضل له فان قتل المكره بالفتح الصيد فلا شئ عليه قياسا - لأنه صار آلة للمكره بالالجاء التام فينعدم الفعل فى جانبه - ولا على الآمر - أما فى الاستحسان فعلى القاتل الكفارة ولا شئ على الآمر لأنه حلال اذ لو باشر قتل الصيد بيده لم يلزمه شئ فكذلك اذا اكره عليه غيره. ووجه الاستحسان أن قتل الصيد منه جناية على احرامه وهو بالجناية على احرام نفسه لا يصلح أن يكون آلة لغيره. أما ان كان محرمين فعلى كل كفارة. ولو توعده بالحبس وهما محرمان ففى القياس تلزم الكفارة القاتل فقط لأن قتل الصيد فعل ولا أثر للاكراه بالحبس فى الأفعال. أما فى الاستحسان فعلى كل الجزاء أما على القاتل فلا يشكل وأما على المكره بالكسر

(1)

العروة الوثقى ج 2 ص 53.

ص 55.

(2)

شرح النيل ج 3 ص 625، ج 6

(3)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 120.

(4)

رد المحتار. على الدر المختار ج 2 ص 274.

ص: 83

فلأن تأثير اكراهه بالحبس أكثر من تأثير دلالته واشارته واذا كان الجزاء يجب على المحرم بالدلالة والاشارة فبالاكراه بالحبس أولى.

وان كانا حلالين فى الحرم فتوعده بالقتل فالكفارة على الآمر لأن جزاء الصيد فى حكم ضمان المال ولهذا لا يتأدى بالصوم فلا تجب بالدلالة ولا تتعدد بتعدد الفاعلين لأن وجوبها باعتبار حرمة المحل فيكون بمنزلة ضمان المال وذلك على المكره بالكسر دون المكره بالفتح عند التهديد بالفعل. وان توعده بالحبس فعلى القاتل خاصة بمنزلة ضمان المال وبمنزلة الكفارة فى قتل الآدمى وجاء فى اللباب لا فرق فى وجوب الجزاء بين ما اذا جنى عامدا أو مكرها

(1)

.

‌الاكراه على الوط ء:

ايلاج المحرم بالحج حشفته فى أحد السبيلين من آدمى قبل الوقوف بمزدلفة مفسد للحج ولا رجوع له بقيمة الدم على المكره بالكسر كما ذكره الاسبيجانى. وحكى فى الفتح خلافا فى رجوع المرأة بالدم اذا أكرهها الزوج ولم أر قولا فى رجوعها بمؤنة حجها - أما اذا وطئ بعد الوقوف بمزدلفة لم يفسد حجه وتجب عليه بدنة. وبعد الحلق وقبل الطواف شاة.

أما العمرة فتفسد بالوط ء. ولو مكرها قبل طوافه أربعا ويجب عليه ذبح فان وطئ بعد أربعة وقبل الحلق ذبح ولم تفسد. ولو أكره بالقتل على أن يزنى وهو محرم لم يسعه أن يفعل فان فعل وكان محرما فسد احرامه وعليه الكفارة دون الذى اكراهه لما بينا ان فعله جناية على احرامه وهو فى الجناية على احرامه لا يصلح أن يكون آلة لغيره ولو أكرهت امرأة محرمة بالزنا وسعها ان تمكن من نفسها وهى فى هذا تفارق الرجل أما فى فساد الاحرام فلا فرق. اذ يفسد احرامها ويجب عليها الكفارة دون المكره بالكسر لأن تمكينها من نفسها جناية على احرامها. وهى لا تصلح فى ذلك آلة للمكره بالكسر وان لم تفعل حتى تقتل فهى فى سعة من ذلك فهى فى الامتناع تتمسك بالعزيمة

(2)

.

‌مذهب المالكية:

الاكراه على فعل محظور من محظورات الاحرام لا أثر له فيترتب الحكم الشرعى على الفعل الحاصل بالاكراه كما يترتب عليه لو حصل اختيار فان فعل المحرم مكرها ما يفسد الحج أو العمرة فسد كل منهما فالوط ء مكرها قبل الوقوف بعرفة يفسد الحج أما بعد الوقوف بعرفة ففيه تفصيل - انظر مصطلح (حج) ومن اكره امرأته المحرمة بالحج على الوط ء يجب عليه احجاجها حتى ولو طلقت وتزوجت غيره - انظر مصطلح

(3)

(حج).

‌الاكراه على الجماع:

الاكراه على فعل محظور من محظورات الاحرام لا أثر له، فيفسد الجماع الحج

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 113، ج 4 ص 274 والمبسوط ج 4 ص 153.

(2)

رد المحتار. على الدر المختار ج 2 ص 289 وما بعدها والمبسوط للسرخسى ج 24 ص 154.

(3)

راجع حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 68.

ص: 84

والعمرة مطلقا ولو مكرها فى آدمى وغيره فعل شيئا من أفعال الحج بعد الاحرام أو لا.

ومحل الفساد ان دفع قبل الوقوف مطلقا أو وقع بعده بشرط أن يقع قبل طواف افاضة أو سعى آخر وروى عقبة يوم النحر أو قبله ليلة مزدلفة والا أن وقع قبلهما بعد يوم النحر أو بعد أحدهما فى يوم النحر فهدى واجب.

ولا فساد فى الصور الثلاث ووقوعه بعد تمام سعى وقبل الحلاقة فى العمرة يوجب الهدى.

والا بأن حصل قبل تمام السعى ولو بشرط فسدت ووجب القضاء والهدى ووجب بلا خلاف بين العلماء الا داود اتمام المفسد من حج أو عمرة فيتمادى عليه كالصحيح

(1)

. ويجب على من اكره امرأته المحرمة بالحج على الوط ء احجاج مكرهته حتى لو طلقها ونكحت غيره. ويجبر الزوج الثانى على الاذن لها فى الخروج مع ذلك الزوج الأول الذى كان قد أكرهها ومحل الوجوب ما لم تطلبه الزوجة أو تتزين له فان فعلت شيئا من ذلك لم يلزمه احجاجها. كما يجب عليها أن تحج ان أعدم المكره بالكسر ورجعت عليه ان أيسر بالأقل من كراء المثل ومما أكترت به ان أكترت أو بالأقل مما أنفقته على نفسها ومن نفقة مثلها فى السفر على غير وجه السرف ان لم تكثر. وفى الفدية بالأقل من النسك وكيل الطعام أو ثمنه وفى الهدى بالأقل من قيمته أو ثمنه ان اشترته وان صامت لم ترجع بشئ والمعتبر فى القلة يوم رجوعها لا يوم الاخراج يعتبر طوع الأمة اكراه.

لو اكره رجل امرأة على أن يطأها غيره فلا شئ عليها ولا على مكرهها. ولا على واطئها احجاجها واذا كان المكره ذكرا فالظاهر أنه يجب على الفاعل احجاجه ومن وقع الافساد معه يجب عليه مفارقتها خوفا من عودة لمثل ما مضى من حين احرامه بالقضاء لتحلله برمى العقبة وطواف الافاضة والسعى ان تأخر ومفاد هذا ان عام الفساد لا يجب عليه فيه مفارقة من أفسد معها حالة اتمامه لذلك المفسد وهو ظاهر الطراز. وذكر ابن رشد ان عام الفساد كعام القضاء فى وجوب مفارقة من أفسد معها فيهما. وهو واضح بل يقال ان عام الفساد أولى بالمفارقة لكثرة التهاون فيه مع وجوب اتمامه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

‌الاكراه على التطيب أو الحلق:

اذا اكره المحرم على التطيب لم تلزمه فدية بالاتفاق لكن تجب عليه المبادرة فى ازالته ولو بأجرة المثل متى قدر على ذلك. فان استدامه بعد ذلك لزمته الفدية لأنه تطيب من غير عذر فأشبه اذا ابتدأ به وهو عالم بالتحريم

(3)

. ولو الجأ الولى الصبى الى التطيب فالفدية فى مال الولى بلا خلاف صرح به الدارمى وغيره

(4)

. اذا حلق الحلال أو المحرم شعر محرم بغير اذنه بان كان مكرها فطريقان. أحدهما يرى فى المسألة قولين أولهما: ان الفدية على الحالق نص عليه الشافعى فى القديم والاملاء. ثانيهما: يجب على المحلوق ثم يرجع بها على الحالق نص

(1)

المجموع للنووى ج 1 ص 238، 240.

(2)

راجع حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 70

(3)

راجع المجموع للنووى ج 7 ص 338، 340.

(4)

المرجع السابق ج 7 ص 34.

ص: 85

عليه فى البويطى. ثانى الطريقين يرى أن فى المسألة قولا واحدا هو أن الفدية تجب على الحالق ابتداء قولا واحدا. فما دام موسرا حاضرا فلا شئ على المحلوق قولا واحدا.

وانما القولان. اذا غاب الحالق أو أعسر فهل يلزم المحلوق اخراج الفدية ثم يرجع بها بعد ذلك على الحالق اذا حضر وأيسر فيه القولان.

وقد اختلف الأصحاب فى الراجح من هذين الطريقين. فرجح الماوردى فى الحاوى الطريق الثانى. وخالفه الجمهور فصححوا الطريق الأول وقالوا ان الأصح من القولين هو أن الفدية تجب على الحالق. ولا يطالب المحلوق أبدا لأن المحلوق مقدور ولا تقصير من جهته بخلاف الناسى. ولو اكره انسان محرما على حلق رأس نفسه ففيه القولان المتقدمان ولو أكره رجلا على حلق المحرم فالفدية على الآمر

(1)

.

‌الاكراه على قتل الصيد:

لو اكره المحرم على قتل صيد أو أكره حلال على قتل صيد فى الحرم فوجهان حكاهما البغوى وغيره.

أحدهما: يجب الجزاء على الآمر.

والثانى: يجب على المأمور ثم يرجع على الآمر كما لو حلق الحال شعر المحرم مكرها وهذا الثانى أصح. قال الدارمى هو كما لو اكره على قتل آدمى

(2)

.

قال الشيخ عميرة: ولو كان الصيد مملوكا فعليهما قيمته مناصفة

(3)

.

‌الاكراه على الوط ء:

لو اكرهت المحرمة على الوط ء قبل التحلل من العمرة أو قبل التحلل الأول من الحج ففى ذلك وجهان:

أحدهما: وهو الأصح لا يفسد حجها.

ولا يلزمها كفارة لأن الحج عبادة تجب بافسادها الكفارة. فاختلف فى الوط ء فيها العمد وغيره كالصوم.

ثانيهما: يفسد حجها وتلزمها الكفارة لأنه معنى يتعلق به قضاء الحج فاستوى فيه العمد وغيره كالفوات

(4)

. أما لو أكره الرجل ففيه طريقان بناء على الخلاف فى تصور اكراهه على الوط ء فى الزنا وغيره.

أحدهما: ان اكراهه لا يتصور فيكون مختارا فيفسد نسكه وتلزمه الكفارة.

ثانيهما: أنه متصور فيكون فيه وجهان كما قلنا فى المرأة

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌الاكراه على الحلق أو القلم أو قتل الصيد:

تجب الفدية فى كل من الحلق والقلم وقتل

(1)

المجموع للنووى ج 7 ص 344، 345، 347، 349.

(2)

المرجع السابق ج 7 ص 300.

(3)

قليوبى وعميره ج 2 ص 140.

(4)

المجموع للنووى ج 7 ص 339، 341، 349.

(5)

المرجع السابق ج 7 ص 341، 342.

ص: 86

الصيد بطريق الاكراه فى الحج على ظاهر المذهب لأنه اتلاف يستوى فيه العمد وغيره.

ولأن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذى وهو معذور فكان ذلك دليلا على وجوبها على المعذور بنوع آخر

(1)

. الاكراه على تغطية الرأس أو ليس الخف أو وضع الطيب أو لبس الثياب. اذا غطى المحرم رأسه أو لبس خفا أو ثيابا أو وضع طيبا بطريق الاكراه فلا فدية عليه فى ظاهر المذهب لكن يجب عليه عند زوال الاكراه القاء ما على رأسه ونزع الخف. وخلع الثوب. وغسل الطيب فى الحال. فان أخر ذلك عن زمن الامكان فعليه الفدية. لأنه تطيب ولبس من غير عذر فأشبه المبتدئ وحكم من تعذر عليه ازالة الطيب لاكراه حكم من اكره على ابتداء الطيب. وعن الامام أحمد رواية بوجوب الفدية فى كل حال

(2)

.

‌الاكراه على ما دون الجماع:

اذا اكره الشخص فى الحج على القبلة أو اللمس أو تكرار النظر لم يفسد حجه لأن المكره معذور كالناسى

(3)

.

‌الاكراه على الجماع:

اذا أكرهت المرأة على الجماع وكان ذلك قبل رمى جمرة العقبة فى الحج فلا هدى عليها ولا على الرجل الواطئ أن يهدى عنها نص عليه الامام أحمد لأنه جماع يوجب الكفارة فلم تجب به حال الاكراه أكثر من كفارة واحدة كما فى الصيام. وعن أحمد رواية أخرى أن عليه أن يهدى عنها لأن فساد الحج وجد منه فى حقها فكان عليه لافساده حجها هدى قياسا على حجه. وعنه ما يدل على أن الهدى عليها لأن افساد الحج ثبت بالنسبة اليها فكان الهدى عليها كما لو طاوعت. ويحتمل أنه أراد أن الهدى عليها يتحمله الزوج عنها فلا يكون رواية ثالثه والهدى الواجب عليه بدنه أما فساد الحج فلا فرق فيه بين حال الاكراه والمطاوعة فلا نعلم فيه خلافا

(4)

. وان كان الوط ء بعد رمى جمرة العقبة لم يفسد الحج وانما يفسد الاحرام ولذلك يلزم الاجرام من الحل ليأتى بالطواف فى احرام صحيح لأن الطواف ركن فيجب أن يأتى به فى احرام صحيح كالوقوف ويجب على الواطئ شاة نص على ذلك الامام أحمد وهو ظاهر كلام الخرقى

(5)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌الاكراه على الطيب أو اللبس أو الحلق:

من اكره فى الحج أو العمرة على الطيب أو لبس ما يحرم على المحرم لباسه طال ذلك أو قصر. أو حلق رأسه فلا شئ عليه. ولا يقدح ذلك حجه وعليه أن يزيل عن نفسه كل ما يمكن ازالته ساعة زوال الاكراه

(6)

.

(1)

المغنى لابن قدامه ج 3 ص 520، 525، 530 والشرح ج 3 ص 343، 345.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 528، 529 والشرح ج 3 ص 345.

(3)

الشرح الكبير ج 3 ص 342.

(4)

المغنى ج 3 ص 316، 513 والشرح ص 339

(5)

راجع المغنى ج 3 ص 515، 516.

(6)

المحلى لابن حزم ج 7 ص 255.

ص: 87

‌الاكراه على الوط ء:

لا يبطل الحج والعمرة بالوط ء بطريق الاكراه فى الحلال من الزوجة والأمة

(1)

.

وكذلك المرأة المكرهة على الجماع حجها واحرامها تام

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

‌الاكراه على ازالة سن أو شعر أو بشرة:

يجب الفدية فى ازالة سن أو شعر من أى جسد المحرم أو بشرة سواء أزالها من جسده بنفسه أو أزالها من جسد إنسان محرم غيره. سواء كان ذلك الغير طائعا أو مكرها وقال السيد يحى والفقيه يحى يلزم كل واحد منهما فدية لأن حق الله يتكرر لكفارة قتل الخطأ. وشرط وجوبها فى الشعر والبشرة أن يكون الذى أزيل منهما يتبين أثره فى حال التخاطب من غير تكلف. أما السن فيشترط ازالة جميعها. ويجب فيما دون ذلك من السن وفيما لا يبين أثره الا بتكلف من الشعر والبشرة صدقة وهى نصف صاغ

(3)

.

‌الاكراه على الوط ء:

لا يفسد الاحرام الا الوط ء فى أى فرج على أى صفة وقع. أى سواء وقع منه عمدا.

أو مكرها عليه قبل التحلل بأحد أمور هى رمى جمرة العقبة أو بمضى وقته أداء وقضاء وهو خروج أيام التشريق أو نحوهما كطواف الزيارة أو السعى فى العمرة أو الهدى للمحصر أو ينقض السيد احرام عبده ويلزم من فسد احرامه بالوط ء مطلقا الاتمام. ونحر بدنه اذا كان مفردا أو متمتعا. فان كان قارنا لزمه بدنتان: فان لم يجد البدنة لزمه عدلها وهو صيام مائة يوم أو اطعام مائة على الترتيب.

وقضاء ما أفسد من حج أو عمرة فيقضى القارن قرانا والمفرد افرادا واذا كان الحج الذى أفسده أو العمرة نفلا وجب عليه قضاؤهما. انظر مصطلح

(4)

(حج).

‌مذهب الإمامية:

‌الاكراه على الجماع:

اذا أكره الرجل المرأة على الجماع فى الاحرام قبل أن يقف بالمشعر وكان ذلك فى الفرج لزمته بدنتان - ولم يلزم المرأة شئ - والحج من قابل. كما يجب أن يتفرقا حتى يقضيا المناسك ثم يجتمعان فان كان الجماع دون الفرج لزمه بدنه وليس عليه الحج من قابل. وان جامع بعد الوقوف بالمشعر لزمه بدنة. أما ان جامع بعد الاحرام وقبل التلبية فلا شئ عليه ولا يفسد الحج

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

‌الاكراه على الطيب:

لو اكره المحرم على التطيب وجب عليه

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 189.

(2)

المرجع السابق ج 7 ص 256.

(3)

شرح الأزهار ج 1 ص 341.

(4)

شرح الأزهار ج 2 ص 161، 163، 164، 165.

(5)

ما لا يحضره الفقيه ص 239 وما بعدها.

ص: 88

غسله حين يزول الاكراه فان تركه بعد ذلك لزمه دم

(1)

.

‌الاكراه على الوط ء:

لو اكره الزوج زوجته المحرمة على الوط ء أهدى عنها وأحجها

(2)

.

‌الاكراه فى الأضحية

‌مذهب الحنفية:

لو اكره الرجل بوعيد تلف أو حبس على الأضحية حتى فعلها أجزأه ولم يرجع على المكره بشئ لأن الأضحية واجبة عليه شرعا بناء على ظاهر الرواية فى أنها واجبة ومقصودة ولأن المكره محتسب حين لم يزد على أمره باسقاط الواجب والوفاء به وهو مستحق عليه شرعا

(3)

.

‌الاكراه فى النذر

‌مذهب الحنفية:

لو اكره رجل بوعيد تلف حتى جعل على نفسه صدقة لله تعالى أو صوما. أو حجا أو عمرة أو غزوة فى سبيل الله تعالى أو بدنة أو شيئا يتقرب به الى الله تعالى لزمه ذلك لأنه مما لا يحتمل الفسخ فلا يتأتى فيه أثر الاكراه ولا يرجع على المكره بما لزمه. لأنه لا مطالب له فى الدنيا. فلا يطالب هو به فيها.

وأيضا الالتزام بالنذر لا ينسب الى المكره بالكسر وانما ينسب اليه التلف الحاصل به والمكره بالفتح لا يتلف عليه شئ بهذا الالتزام ثم المكره بالكسر انما الزمه شيئا يؤثر الوفاء به فيما بينه وبين ربه من غير أن يجبر عليه فى الحكم فلو ضمن له شيئا. لأصبح من الممكن جبره على ابقاء ما ضمن فى الحكم فيؤدى الى أن يلزم المكره بالكسر أكثر مما يلزم المكره بالفتح

(4)

. لو قال لله تعالى على هدى اهديه الى بيت الله فأكره بالقتل على أن يهدى بعيرا أو بدنة ينحرها ويتصدق بها ففعل كان المكره بالكسر ضامنا قيمتها لأن بلفظ الهدى لا يتعين عليه البعير ولا البقرة ولكن يخرج عنه بالشاه فالمكره بالكسر ظالم له فى تعيين البدنة فيلزمه ضمان قيمتها. وأيضا لا يجزيه ذلك عما أوجبه على نفسه لحصول العوض. أو لأن الفعل صار منسوبا الى المكره ولو أكرهه على أدنى ما يكون من الهدى فى القيمة وغيرها فأمضاه لم يغرم المكره بالكسر شئ لأنه ما زاد على ما هو الواجب عليه شرعا. ولو قال لله تعالى على عتق رقبة فأكرهه على ان يعتق عبدا بعينه بقتل فأعتقه ضمن المكره بالكسر قيمته ولم يجزه عن النذر لأنه التزم بعتق رقبة بغير عينها والمكره حين أمره بعتق عبد بعينه ظالم له فيكون ضامنا قيمته وان كان الذى أمره بعتقه هو أدنى ما يكون من التسمية لم يكن

(1)

شرح النيل ج 2 ص 318.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 327.

(3)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 145.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 580، ج 5 ص 117 والمبسوط ج 24 ص 105، 106.

ص: 89

على المكره ضمان وأجزأ عن المعتق لتيقننا بوجوب هذا المقدار عليه. ولو قال لله على أن أتصدق بثوب هروى أو مروى فأكرهه على أن يتصدق بثوب بعينه فانه ينظر الى الذى تصدق به فان كان المعين محيطا بأنه أدنى ما يكون من ذلك الجنس فى القيمة وغيرها أجزأه ذلك ولا ضمان على المكره بالكسر لأنه ما الزمه بالاكراه الا ما يعلم أنه مستحق عليه بنذره شرعا. وان كان غيره أقل من قيمته نظر الى فضل ما بين القيمتين فغرم المكره بالكسر ذلك لأنه قد الزمه بالاكراه ما لم يكن واجبا عليه وهو الفضل وهذا بخلاف الهدى والأضحية والعتق لأن ذلك مما لا ينتقض فاذا ضمن المكره بالكسر بعضه صار ناقضا ما وجب عليه فلا يجزيه عن الواجب فلهذا يغرم المكره جميع القيمة. أما التصدق بالثوب فيحتمل التجزئة اذ لو تصدق بنصف ثوب جيد يساوى ثوبا لزمه اجزأه ذلك عن الواجب. وحيث قلنا بوجوب ضمان الزيادة على المكره نقول بوقوع الباقى على الناذر فيجزيه عن الواجب. واذا قال لله على أن أتصدق بعشرة أقفزة حنطة على المساكين فأكره بوعيد قتل على أن يتصدق بخمسة أقفزة حنطة جيدة تساوى عشرة أقفزة حنطة رديئة فالمكره بالكسر ضامن لطعام مثله لأن المؤدى لا يخرج عن جميع الواجب فانه لا معتبر بالجودة فى الأموال الربوية عند مقابلتها بجنسها ولا يمكن تجويزها عن خمسة أقفزة حنطة لأن فى ذلك ضررا على الناذر فالمكره ظالم له فى التزام الزيادة على الأدنى فلهذا يضمن له طعاما مثل طعامه وعلى الناذر أن يتصدق بعشرة أقفزة رديئة

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

المكره على النذر لا يصح نذره للحديث الصحيح (رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وقياسا على العتق وغيره

(2)

.

‌الاكراه على ترك منذور أو على فعل يفسده:

لو نذر صلاة فى وقت فأكرهه عدو على تركها. أو على فعل مبطل لها وجب على الناذر القضاء لتعين الفعل فى الوقت. ولو نذر أن يصوم فى وقت فأكرهه العدو على تركه أو تعاطى مفطر لزمه القضاء لتعين الفعل فى الوقت.

‌مذهب الزيدية:

لا يصح نذر المكره الا أن ينويه

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

المختار عندهم أنه لا يلزم مقهورا ومكرها نذر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

(ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فى شئ فلا يلزمه ما اكره عليه من نذر

(4)

.

(1)

المبسوط السرخسى ج 24 ص 146، 147

(2)

المجموع للنووى ج 8 ص 450 وقليوبى على المحلى ج 4 ص 288.

(3)

شرح الأزهار ج 4 ص 440 والتاج المذهب ج 3 ص 433.

(4)

شرح النيل ج 3 ص 625.

ص: 90

‌الاكراه فى الايمان

‌مذهب الحنفية:

يصح يمين المكره سواء كان اليمين على طاعته كصدقة أو صيام أو معصية لأن اليمين لا يعمل فيها الاكراه لأنها لا تحتمل الفسخ فيستوى فيها الجد والهزل

(1)

. والأصل فى اعتبار يمين المكره حديث حذيفة رضى الله عنه حين أخذه المشركون واستحلفوه على أن لا ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة فحلف مكرها. ثم أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: (أوف لهم بعهدهم ونحن نستعين بالله عليهم). ولا ضمان على المكره بالكسر لما تقدم فى النذر

(2)

. ولو اكره على الحلف فحنث لزمته الكفارة كذلك لو اكره على الحنث بان فعل ما حلف عليه مكرها لأن الفعل شرط الحنث وهو سبب الكفارة والفعل الحقيقى لا ينعدم بالاكراه فاذا لم يصدر منه كما لو حلف ان لا يشرب فصب الماء فى حلقه مكرها لم يحنث

(3)

. ولو حلف لا يخرج من المسجد فحمل مكرها الى خارج المسجد لم يحنث بخلاف ما اذا توعده شخص حاملا له على الخروج. فخرج بنفسه حنث لما عرف ان الاكراه لا يعدم الفعل عند الحنفية

(4)

.

‌مذهب المالكية:

من اكره على الحلف على طاعة سواء كانت تلك الطاعة تركا أو فعلا فهل تلزمه تلك اليمين أو لا تلزمه قولان. الأول منهما قول مطرف وابن حبيب. والثانى قول أصبع وابن الماجشون والظاهر منهما الثانى. ولو أكره على يمين متعلقة بمعصية. كأن اكره على أن يحلف ليشربن الخمر - أو بمباح - كمن اكره على الحلف ليدخلن الدار لم تلزمه اليمين اتفاقا.

أى لا يلزمه فعل المعصية أو المباح. ولا يحنث بعدم فعلهما

(5)

. واذا اكره الحالف على الحنث ببر كقوله والله لا دخلت الدار فأدخلها كرها. فلا كفارة عليه بقيود ستة.

1 -

ان لا يعلم بأنه سيكره على الفعل.

2 -

ان لا يأمر غيره باكراهه له.

3 -

ان لا يكون الاكراه شرعيا. فان كان شرعيا حنث لأن الاكراه الشرعى كالتطوع كقوله والله لا دخلت السجن ثم حبس فيه لدعوى توجهت عليه. وكحلفه أن لا يدفع ما عليه من الدين فى هذا الشهر. فاكرهه القاضى على الدفع لكونه موسرا.

4 -

ان لا يفعل ذلك طوعا بعد زوال الاكراه.

5 -

أن لا يكون الحالف على شخص بأنه لا يفعل كذا هو المكره له على فعله فان أكرهه كما لو حلف زيد على عمرو أنه لا يدخل الدار ثم أكرهه على دخولها حنث الحالف بدخولها على وجه الاكراه وقيل لا يحنث والقولان ذكرهما ابن عرفة.

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 118.

ص 370.

(2)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 105.

(3)

رد المحتار على الدر المختار ج 3 ص 67.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 3 ص 108

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 370.

ص: 91

6 -

أن لا تكون يمينه ألا أفعله طائعا ولا مكرها. فان اختل شرط من ذلك حنث

(1)

.

ويحنث الحالف بسبب حبس اكره عليه بحق كما اذا حلف لا يدخل عليه بيتا أو لا يجتمع معه فى بيت فحبس عنده كرها لأن الاكراه بحق كالطوع أما لو حبس عنده ظلما فلا حبس

(2)

. اذا قال ظالم لشخص فلان عندك وتعلم مكانه فأتنى به أقتله أو آخذ منه كذا وان لم تأتنى به قتلت زيدا صاحبك أو أخاك فقال ليس عندى ولا أعلم مكانه فأحلفه الظالم. فلا عذر للحالف بذلك ويحنث فى يمينه ولكن لا اثم عليه فى الحلف بل أتى بمندوب فيثاب عليه. والظاهر أيضا الحنث فى حالة ما اذا تحقق الحالف من حصول ما ينزل بزيد لو امتنع من الحلف ولو ترك المأمور الحلف وقتل ذلك الأجنبى أو المطلوب فلا ضمان على ذلك المأمور اذ نقل عن ابن رشد قوله ان لم يحلف لم يكن عليه حرج نعم ان دل المأمور الظالم على ذلك المطلوب ضمن. ويلزم الحالف كفارة لأن اليمين هنا وان كانت غموسا الا أنها تعلقت بالحال

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

يمين المكره غير منعقدة لأن فعل المكره مرفوع عن فاعله

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

لا تنعقد يمين مكره لما رواه أبو أمامة ووائلة بنت الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس على مقهور يمين ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر).

وذكر أبو الخطاب فى ذلك روايتين احداهما تنعقد لأنها يمين مكلف فانعقدت كيمين المختار

(5)

.

‌حكم المكره على الفعل الذى حلف لا يفعله:

المكره على الفعل ينقسم الى قسمين:

أحدهما: أن يلجأ اليه مثل من يحلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها أو لا يخرج منها فأخرج محمولا أو مدفوعا بغير اختياره ولم يمكنه الامتناع فهذا لا يحنث ولا كفارة عليه. لأنه لم يفعل الدخول والخروج

(6)

. أما أن حمل بغير أمره لكن أمكنه الامتناع فلم يمتنع حنث لأنه دخلها غير مكره

(7)

. ثانيهما: أن يكره بالضرب والتهديد بالقتل ونحوه قال أبو الخطاب فيه روايتان كالناسى ويرى صاحب المغنى والشرح أنه لا يحنث قولا واحدا وأيضا لا كفارة عليه لقول النبى صلى الله عليه وسلم:

(عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولأنه نوع اكراه فلم يحنث به كما لو حمل ولم يمكنه الامتناع ولأن الفعل لا ينسب اليه فأشبه من لم يفعله

(8)

. وان حلف لا تأخذ

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 134.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 145.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 368.

(4)

حاشية الشرقاوى على التحرير ج 2 ص 488.

(5)

راجع المغنى ج 11 ص 161 والشرح ص 160، 183.

(6)

المغنى ج 11 ص 176 والشرح ص 184.

(7)

المغنى ج 11 ص 289.

(8)

المرجع السابق ج 11 ص 177 والشرح ص 185.

ص: 92

حقك منى فاكره على دفعه اليه أو أخذ منه قهرا حنث لأن المحلوف عليه فعل الأخذ وقد أخذه مختارا. وان أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الوجهين فيمن اكره على القدوم فان كانت اليمين لا أعطيتك حقك فأخذه الحاكم منه كرها فدفعه الى الغريم لم يحنث وان اكرهه على دفعه اليه فدفعه خرج على الوجهين فى المكره على القدم فى باب الطلاق

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

من حلف أن لا يفعل أمرا ففعله مكرها فلا كفارة على الحالف ولا اثم

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

من حلف مكرها لم تنعقد اليمين عندهم الا أن ينويه اما لو أكرهه امام أو حاكم انعقدت لئلا تبطل فائدة ولايتهما

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

روى عبد الله ابن القاسم عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله لا يمين فى اكراه

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

ان حلف لا يفعل محرما أو مباحا أو مكروها أو حلف أن يفعل واجبا أو مندوبا ثم اكره على الحنث بعد اخباره لمكرهه بيمينه فلا حنث عليه فيه سواء خاف باكراه أو بدونه.

اما أن حلف لا يفعل طاعة كواجب ومثله المندوب. أو أن يفعل معصية أو مكروها فى أى وقت ثم اكره على الحنث اذ لزمه الحنث لم يظلمه مكرهه وقيل: قد ظلمه فى المندوب والمكروه لأن له ترك المندوب وان فعل المكروه لم يأثم فلا يحنث فيهما وقيل يحنث فى المكروه.

وان اكرهه بيمين على فعل معصية كأن يقول قل والله لأشربن الخمر ثم على فعلها ان لم يحلف كأن يقول ان أبيت ان تحلف على أن تفعلها فافعلها ولم يجد نجاة الا بالحلف على أن يفعل فحلف لم يلزمه ذلك المذكور من الحنث عليه وذلك المعلوم من ترك أو فعل مأخوذ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس على مقهور عقد ولا عهد فمن عاهد فى شئ على قهر لم يلزمه الوفاء به). كذلك ان اكرهه على فعل مباح كأن يعطيه من ماله أو يفعل مالا يلزمه ولم يجد نجاة الا بالفعل أو الا بالحلف فحلف أنه ليس عنده ما طلبه منه. أو لا يقدر عليه. أو أنه سيفعل ذلك لم يلزمه الذى عقد على نفسه ولا الحنث عليه اذ قد أباح الله له بكرمه جحود ما طلبه منه والحلف عليه لقوله تعالى «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» فاذا لم يلزمه شئ على الكفر بلسانه فقط فالأولى ان لا يلزمه على مالا يجب عليه وما جعل عليكم فى الدين من حرج. وقيل يحنثه وهو الصحيح كما يظهر عند امعان النظر فان ذلك الذى استدل به انما يفيد جواز حلفه كذبا عند ذلك لا اسقاط الحنث عليه. أما كل واجب الفعل أو الترك مما هو حق لله كأن حلفه الجبار عليه لزمه ذلك الذى هو واجب الفعل أو الترك كما يلزمه مقتضى

(1)

المغنى ج 8 ص 398 والشرح ص 378.

(2)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 35.

(3)

شرح الأزهار ج 4 ص 3.

(4)

مالا يحضره الفقيه ص 406.

ص: 93

الحنث عليه ان حنث. أما ما هو حق عليه لعبد من عباد الله ان حلفه الجبار عليه فحنث لزمه مقتضى الحنث. أما اذا كان الحلف على ترك واجب الله أو لغيره وجب عليه الحنث أو على فعل محرم وجب الحنث أيضا. اذا فعل الشخص أو قال ماله حق فى فعله أو قوله لكن الجبار غضب من ذلك فقال له بلغنى عنك كذا وكذا ثم حلف عليه كرها أنه ما كان منه ذلك وهو قد فعل أو قال لم يحنث لأنه لو أقر بالفعل أو القول لعاقبه ظلما على أمر جائز له فعله أو قوله. وان كان الفعل غير جائز له كشتم وقذف ولو لغير الجبار فحلفه ما كان منه ذلك لم يحنث ان كان يعاقبه ان أقر.

وان هدد الحالف ولم يعلم بم يعاقب فحلف لم يحنث وقيل ان أبرز السيف أو السوط وهدده به لم يحنث. واذا لم يكن من عادة الجبار الأخذ والقتل والضرب ولا يدرى بما يعاقب فحلف حنث. وان عرف أنه يقتل أو يعاقب بالمال فحلف ولو بطلاق لم يحنث وقيل يحنث وان رأى جبارا عاقب غيره ولا سلم فحلف لم يحنث. ومن أوعده جائر بسوط أو سوطين وهو يتألم بذلك ولكن يحتمله فحلف له فهل يحنث أو لا قولان. وان ذهب الى الجائر باختياره مع علمه بأنه يحلفه حنث. وكذا ان كان فى موضع لا يعلم به الجائر وان ذهب الى مملكته لحاجة وقد علم بتحليفه أو لغير حاجة ولو لم يعلم به. أو كان عنده فحلفه حنث

(1)

.

‌أثر الاكراه فى الكفارة

‌مذهب الحنفية:

اذا أكره الرجل بوعيد تلف على أن يكفر يمينا قد حنث فيها فكفر بعتق أو صدقة أو كسوة أجزأه ذلك ولم يرجع على المكره بالكسر بشئ لأنه أمره باسقاط ما هو واجب عليه شرعا وذلك من باب الحسبة فلا يكون موجبا للضمان على المكره بالكسر وكأنه يعوضه ما جبره عليه من التكفير بسقوط التبعية عنه فى الآخرة وأما الجواز عن الكفارة فلأن الفعل فى التكفير مقصور عليه حيث لم يرجع على المكره بالكسر بشئ ومجرد الخوف لا يمنع جواز التكفير. ألا ترى أن كل مكفر يقدم على التكفير خوفا من العذاب ولا يمنع ذلك الخوف جوازه. ولو أكرهه على أن يعتق عبده هذا عن الكفارة ففعل لم يجزه لأن المستحق عليه شرعا الكفارة لا ابطال الملك فى ذلك العبد بعينه فالمكره بالكسر فى اكراهه على اعتاق هذا العبد بعينه ظالم فيصير فعله فى الاتلاف منسوبا الى المكره بالكسر ويجب عليه ضمان قيمته. واذا لزمه قيمته لم يجز عن الكفارة لانعدام التكفير فى حق المكره بالفتح حين صار منسوبا الى غيره ولأن هذا فى معنى عتق بعوض والكفارة لا تتأتى بمثله ولو كان أكرهه بالحبس أجزأه عن الكفارة لأن الفعل منسوب اليه دون المكره بالكسر ولم يستوجب الضمان على المكره بالكسر بهذا الاكراه فتتأدى به الكفارة لاقتران النية بفعل الاعتاق ولو أكرهه بوعيد تلف على الصدقة فى الكفارة ففعل ذلك نظر فيما تصدق به فان كانت قيمته أقل من قيمة الرقاب ومن أدنى الكسوة التى تجزئ لم يضمن المكره بالكسر

(1)

شرح النيل ج 1 ص 474 الى ص 477، ج 2 ص 478، 479.

ص: 94

شيئا لتيقننا بوجوب هذا المقدار من المال عليه فى التكفير فيكون المكره مكتسبا سبب اسقاط الواجب عنه. وان كان أكثر قيمة من غيرها ضمنه الذى أكرهه لأنه لا يغبن فى وجوب هذا المقدار عليه ولا هذا النوع. بل هو مخير شرعا بين الأنواع الثلاثة ويخرج عن الكفارة باختياره أقلها فيكون المكره بالكسر متلفا عليه هذا النوع بغير حق فيضمنه له ولا يجزئه عن الكفارة وان قدر على الذى أخذه منه كان له أن يسترده لأنه كان مكرها على التسليم اليه وتمليكه اياه مع الاكراه فاسد فيتمكن من استرداده. وان كان أكرهه بالحبس لم يضمن المكره بالكسر شيئا لأن الفعل لا يصير منسوبا اليه بهذا الاكراه ولكنه يرجع به على الذى أخذه منه لأنه ما كان راضيا بالتسليم اليه. فان أمضاه له بعد ذلك كان بمنزلة ابتداء التصدق عليه وان كان مستهلكا فهو دين عليه والتصدق بالدين على من هو عليه لا يجزئ عن الكفارة.

وكذلك هذا فى كفارة الظهار

(1)

.

‌أثر الاكراه فى النكاح

‌مذهب الحنفية:

يصح النكاح مع الاكراه عليه وعلى ذلك اذا اكرهت المرأة الرجل على التزوج بها لم يجب لها عليه شئ لأن الاكراه جاء من جهتها فكان فى حكم الباطل لا باطلا حقيقة

(2)

. ولو أكره بوعيد قتل أن حبس حتى تزوج امرأة على عشرة آلاف درهم ومهر مثلها ألف درهم جاز النكاح لأن الجد والهزل فى النكاح والطلاق والعتاق سواء. فكذلك الاكراه والطواعية. وللمرأة مقدار مهر مثلها فقط. لأن التزام المال يعتمد تمام الرضا ويختلف بالجد والهزل. فيختلف أيضا بالاكراه والطوع.

فلا يصح من الزوج التزام المال مكرها.

الا أن مقدار مهر المثل وجب لصحة النكاح.

ألا ترى أنه بدون التسمية يجب فعند قبول التسمية به مكرها أولى أن يجب وما زاد على ذلك يبطل لانعدام الرضا من الزوج بالتزامه.

وأوجب الطحاوى عليه الزيادة على مهر المثل وقال يرجع بها على المكره بالكسر أما لو أكرهت المرأة ببعض ما ذكرنا على أن تزوج نفسها منه بألف ومهر مثلها عشرة آلاف درهم فزوجها أولياؤها مكرهين فالنكاح جائز ولا ضمان على المكره بالكسر فيه لأن البضع ليس بمال متقوم ثم يقول القاضى للزوج ان شئت فأتمم لها مهر مثلها وهى امرأتك ان كان كفء لها فان أبى فرق. بينهما ولا شئ لها ان لم يكن دخل بها وان كان دخل بها مكرهة فلها تمام مهر مثلها لانعدام الرضا منها بالنقصان.

ولو أن رجلا أكره امرأة أبيه فجامعها يريد به الفساد على أبيه ولم يدخل بها أبوه كان لها على الزوج نصف المهر لأن الفرقة وقعت بسبب مضاف الى الأب وهو حرمة المصاهرة ويرجع بذلك على ابنه. لأنه هو الذى ألزمه ذلك حكما. أما ان كان الأب قد دخل بها فلا يرجع على الابن بشئ لأن الصداق كله تقرر على الأب بالدخول والمكره بالكسر انما أتلف عليه ملك النكاح وملك النكاح لا يتقوم بالاتلاف

(1)

راجع المبسوط للسرخسى ج 24 ص 144، 145.

(2)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 373.

ص: 95

على الزوج عندهم

(1)

. ولو أعتقت أمة لها زوج حر لم يدخل بها فأكرهت بوعيد تلف أو حبس على أن اختارت نفسها فى مجلسها سقط الصداق كله عن الزوج ولا ضمان على المكره بالكسر فى ذلك لأنه أكرهها على استيفاء حقها اذ الشرع ملكها أمر نفسها حين أعتقت وليس فى هذا الاكراه ابطال شئ عليها لأن المهر للمولى دونها حتى لو دخل بها الزوج ولأن ما كان مقابلا للمهر قد عاد اليها. أما ان كان الزوج قد دخل بها قبل ذلك فالصداق لمولاها على الزوج ولا يرجع على المكره بالكسر بشئ لأنه ما أكره الزوج على شئ. ولأن الصداق قد تقرر عليه كله بلا دخول. والمكره لم يفعل سوى اتلاف ملك البضع على الزوج.

وهذا لا يتقوم بالاكراه لأنه لا قيمة للبضع عند خروجه من ملك الزوج

(2)

. واذا أكره الرجل على الخلوة بامرأته أو على وطئها تقرر عليه جميع المهر

(3)

. واذا أكره على التوكيل بالنكاح فوكل فعقد الوكيل عقد النكاح صح هذا النكاح ثم أعلم ان المكره بالفتح يرجع على المكره بالكسر استحسانا ولا ضمان على الوكيل

(4)

.

‌مذهب المالكية:

الاكراه على النكاح كالاكراه على الطلاق فى عدم اللزوم نحو قوله ان لم تزوجنى ابنتك قتلتك فزوجها له لم يلزم ذلك النكاح.

حتى لو أجازه المكره بالفتح بعد زوال الاكراه اذ لا بد من فسخه اتفاقا

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

قال البغوى: للسيد اكراه عبده على قبول النكاح لأنه اكراه بحق وخالفه المتولى

(6)

.

والاكراه على الوط ء يحصل الاحصان ويستقر به المهر. ويلحق الولد. وتصير به الأمة مستولدة

(7)

، واذا وطئ الزوج زوجته مكرهة قبل دفع الصداق كان لها الامتناع بعد ذلك من الوط ء وقيل لا لأن البضع بالوط ء كالتالف

(8)

ولو كرر وط ء مكرهة على زنا تكرر المهر بتكرر الوط ء

(9)

. ويلحقه الولد.

‌مذهب الحنابلة:

اذا عقد النكاح بطريق الاكراه صح لقول النبى صلى الله عليه وسلم «ثلاث هزلهن جد وجدهن جد» الطلاق والنكاح والرجعة وقال عمر «أربع جائزات اذا تكلم بهن الطلاق والنكاح والعتاق والنذر

(10)

».

(1)

راجع المبسوط للسرخسى ج 24 ص 64 ورد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 373، ج 5 ص 117.

(2)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 135.

(3)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 580.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 579، ج 5 ص 118.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 369، 370.

(6)

المحلى على المنهاج ج 3 ص 185.

(7)

الاشباه والنظائر للسيوطى ص 205.

(8)

المحلى على المنهاج ج 3 ص 278.

(9)

المرجع السابق ج 3 ص 285، ج 4 ص 39.

(10)

المغنى لابن قدامة ج 7 ص 431.

ص: 96

‌مذهب الزيدية:

اذا أفضى الشخص غير زوجته وكانت مكرهة لزمه الأرش وهو ثلث الدية ان لم يسبب لها سلس البول والغائط فان سببه لها لزمه كل الدية ويجب لها أيضا نصف المهر اذا كانت بكرا. هذا اذا كان افتضاضها بالمعتاد وعلة وجوب نصف المهر لا كله ان الشخص جان باذهاب بكارتها فيلزمه المهر جميعه. ومن حيث أنه زان لا يلزمه شئ فيلزمه نصفه والحد. هذا اذا كان الشخص مكلفا. فان كان غير مكلف لزم جميع المهر لسقوط الحد عنه أما لو أفضاها بغير المعتاد كاصبع وعود فانه يلزمه كل المهر حينئذ لأجل اذهاب بكارتها وعدم وجوب الحد عليه. ومع المهر كله يلزم الأرش وهو الدية ان سلس البول. وثلثها ان استمسك

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

من عقد بقهر نكاحا على نفسه أو وليته فليس بمنعقد

(2)

. وان تزوجت امرأة باذن وليها فأنكرت بعد العقد وقبل الوط ء. قبول العقد ثم وطئت كرها ثم أجازت جاز النكاح عند جمهورهم وتحرم عند غيرهم وقليل منهم لأن ذلك الجماع زنا. والقليل منهم يرى تحريم المزنية على زانيها. وهذا هو الصحيح عند صاحب شرح النيل، ووجه قول جمهورهم أنه لم يجامعها على نية الزنا بل على رسم النكاح بولى وشاهدين كذلك هى ليست بزانية لأنها مغلوبة فلما لم تحرم جاز البقاء على عقد النكاح بشرط أن تجيز بعد المس. وعلى القول بالتحريم يثبت النسب

(3)

وقيل لا. ومن تزوج بلا صداق أو بصداق غير جائز فوطئها زوجها قهرا مرة ولو دون الفرج ولو كانت طفلة أو مجنونة أو أمة. فلا تمنعه من ذلك بعد. ووجب لها صداق المثل بالمس الأول أو العقر. أما ان قهرته على مسها لم يلزمه به صداق تام حتى يمسها باختياره وصح لها منعه بعد ذلك حتى يمسها برضاها أو يقهره ولم يلزمه بقهرها اياه. لأنها فعلت فعلا تقصد به نفعا لنفسها فلم يجز. ولها منعه من الوط ء ان قدم لها صداقا جائزا عاجلا. أو مع آجل حتى يؤدى العاجل ولو بعد وط ء كان بقهر أما ان كان برضا فلا تمنعه

(4)

. واذا استكرهت زوجة على الزنا قبل الدخول فعلى المعتدى مثل ما فرض على الزوج ان مسها ولو فيما دون الفرج أو فى دبر وعلى الزوج أيضا ذلك. وقيل على المعتدى ما لمثلها وان مسها زوجها أولا فعلى المعتدى نصف فرض الزوج وقيل المثل كما فى الديوان. واذا تكرر مس المغصوبة لزنا فهل على الغاصب بكل مس عقر أو صداق مثل غير ما وجب لها بالحلال أو يجب لها مهر واحد بالكل مع ما وجب لها بالحلال فقط. أو يجب لها بكل مكان صداق أو أن حبسها فى موضع يزنى بها فصداق واحد مع الذى تزوجت به وان كانت تهرب فيردها فهل بكل مس صداق خلاف. والصحيح أنه يلزمه بكل مس صداق أو عقر لأنه لا فرق بين المس الأول وما بعده لأن كل مس حرام وظلم وغصب فلها بكل واحد حق ولم نر ما يهدره

(1)

شرح الأزهار ج 2 ص 291، 292.

(2)

شرح النيل ج 2 ص 475.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 76، 77.

(4)

شرح النيل ج 3 ص 90، 91.

ص: 97

قياسا على ما لو تعدد ضرب أحد الآخر اذ لكل ضربة حق على حدة ان بينت وبالمجموع ان لم تتميز كل واحدة. وان كانت تارة ترضى وتارة يقهرها. لزمه صداق واحد أو لزمه عقر على قول. ولزمه بكل ما أكرهها صداق أو عقر على الصحيح. واذا كانت تنازعه وتجنب نفسها منه ويغلبها فذلك غصب وعدم رضا منها ولو ضيقت فرض عليها القتال. وان كان يريها أنه سيقتلها ان جاذبت نفسها فتركت لذلك لئلا تموت فذلك غصب أيضا. وان كان الواجب عليها أن تموت ولا تزنى

(1)

.

‌الاكراه فى المحرمات

‌مذهب الحنفية:

يحرم على الرجل أصل ممسوسته بشهوة.

وأصل ماسته وناظرة الى ذكره بشهوة.

والمنظور الى فرجها الداخل بشهوة ولا فرق فيما ذكر بين اللمس والنظر بشهوة بين عمد واكراه على ذلك

(2)

. ولو اكره على وط ء أم زوجته أو ابنتها تحرم عليه زوجته

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

الوط ء باكراه ليس من وط ء الشبهة فلا يترتب عليه تحريم ولا محرمية

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

اذا استكره الابن امرأة أبيه على الوط ء انفسخ نكاحها من أبيه. أما لو أكرهها على القبلة والمباشرة دون الفرج ففى ذلك روايتان احداهما: تنتشر الحرمة لأنها مباشرة تحرم فى غير النكاح والملك فأشبه الوط ء.

ثانيهما: لا تنتشر لأنه ليس بسبب للبعضية فلا تنتشر الحرمة كالنظر والخلوة وخرج أصحابهم فى النظر الى الفرج والخلوة لشهوة وجها أنه ينشر الحرمة. كذلك اذا استكره الزوج أم امرأته أو ابنتها على الوط ء فان ذلك يجعل امرأته تبين منه

(5)

.

‌مذهب الظاهرية:

ان أخذ فرج الأب قهرا فادخل فى فرج زوجة الابن لم تحرم الزوجة على الابن لأنه لم ينكحها أما أن هدد أو ضرب حتى جامعها بنفسه قاصدا فهو زان مختار قاصد وعليه الحد وتحرم على الابن لأنه لا حكم للاكراه هنا

(6)

.

‌الاكراه فى الرضاع

‌مذهب الحنفية:

الرضاع اكراها بشروطه المعتبرة عندهم يحرم. فلو آجر رجل لبن امرأة لضرتها كرها الصغيرة حرمتا على الزوج أبدا ان دخل بالأم

(1)

شرح النيل ج 3 ص 122، 123.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 387.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 580.

(4)

قليوبى على المحلى ج 3 ص 243.

(5)

المغنى لابن قدامة ج 7 ص 226، 227.

(6)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 335.

ص: 98

واللبن منه. وللزوج الرجوع بنصف مهر الصغيرة على الموجر

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

لو أكرهت على الارضاع ثبت حكمه وهو التحريم لأنه منوط بوصول اللبن الى الجوف لا بالقصد ويوجب المهر اذا انفسخ به النكاح على المرضعة على الأصح

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

الرضاع لا يراعى فيه نية بل رضاع المجنونة والنائمة كرضاع العاقلة لقول النبى «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فلا مدخل للارادة فى الرضاع ولا هو عمل أمرت به فيراعى فيه نيتها.

‌مذهب الزيدية:

فعل المكرهة على الرضاع صحيح وعلى ذلك اذا أكره الزوج زوجته الكبيرة على ارضاع زوجته الصغيرة فالفسخ من جهته فلا يرجع عليها بمهر الصغيرة ولها نصف مهرها ان لم يكن قد خلا بها يعنى الكبيرة حيث لا فعل لها.

وفى تعليق الفقيه على: ولو بقى لها فعل، وهو القوى كما لو أكرهها على اتلاف مال الغير. وان كان المكره الغير رجع الزوج على المكره بالكسر نصف المهرين فان بقى لها فعل سقط مهرها لأن الاتلاف حصل من جهتها ويضمن الزوج للصغرى ويرجع على الكبرى وهى ترجع على المكره بالكسر فان لم يبق لها فعل ضمن الزوج لهما جميعا ويرجع به على المكره وقيل لا يسقط سواء بقى لها فعل أم لا كما لو أكرهها على اتلاف مال الغير

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

الرضاع يحصل ولو عن قهر. فلو قهر جائر امرأة أن ترضع صبيا ففعلت كان رضاعا فتحرم على الصبى وتكون كأمه

(4)

.

‌الاكراه فى الطلاق

‌مذهب الحنفية:

يقع طلاق كل زوج بالغ عاقل ولو مكرها

(5)

. لذلك لو أكره بوعيد تلف على أن يطلق امرأته ثلاثا ففعل ولم يكن قد دخل بها بانت منه وعلى الزوج نصف الصداق ان كان قد سمى مهرا. وعليه المتعة ان لم يكن قد سمى لها مهرا. ويرجع بذلك على المكره بالكسر لأنه هو الذى ألزمه ذلك المال حكما، فحينئذ يجب نصف الصداق بالنص. والمكره هو الذى جعل الفرقة مضافة الى الزوج باكراهه فكأنه ألزم الزوج بذلك المال. أو فوت يده من ذلك المال فيلزمه ضمانه كالغاصب أما ان كان الزوج قد دخل بها فلا رجوع له

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 564.

(2)

المجموع للنووى ج 9 ص 160 والسيوطى ص 205.

(3)

شرح الأزهار ج 2 ص 564.

(4)

شرح النيل ج 3 ص 348.

(5)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 579.

ص: 99

على المكره بالكسر بشئ لأن الصداق كله قد تقرر على الزوج بالدخول والمكره بالكسر انما أتلف عليه ملك النكاح. وملك النكاح لا يتقوم بالاتلاف على الزوج عندهم

(1)

. هذا كله اذا كان المكره بالكسر أجنبيا. أما اذا كانت الزوجة هى التى أكرهته على الطلاق قبل الدخول فلا يجب لها شئ. هذا اذا أكرهته بالملجئ. أما اذا كان الاكراه بغيره فعليه نصف المهر

(2)

. ولو أكره الزوج على أن يطلق امرأته بألف درهم وأكرهت المرأة على أن تقبل ذلك ففعلا وقع الطلاق بغير مال لأن الاكراه لا ينافى الاختيار فى الايجاب والقبول وانما بعدم الرضا به. والمال لا يجب بدون الرضا به

(3)

. ولو أكره الزوج زوجته بالحبس حتى سألته الطلاق كان الزوج فارا لأن الرضا ينعدم بالاكراه بالحبس

(4)

. ولو أكره رجل بوعيد تلف على أن يطلق امرأته - التى لم يدخل بها واحدة. فقال هى طالق ثلاثا فلا ضمان على المكره بالكسر لأنه أتى بغير ما أكره عليه أما من حيث الصورة فلا اشكال وأما من حيث الحكم فلأن الثلاث أزالت عن المحل الحل كلية بالنسبة للمطلق بخلاف الواحدة التى تزيل الملك مع بقاء الحل فى المحل فهما متغايران فكان طائعا فيما أتى به. ولأن الزيادة التى أتى بها تبين الزوجة من غير اكراه عليها. لأنه زاد اثنتين وهما كافيتان فى البينونة. وتأكد نصف الصداق بينهما قبل الدخول وكذلك لو طلقها اثنتين أو قيل له طلقها اثنتين وطلقها ثلاثا. ولو قيل له طلقها ثلاثا فطلقها واحدة رجع عليه بنصف الصداق الذى غرم لأن ما أتى به بعض ما أكره عليه فيكون مكرها على ذلك والتلف الحاصل به يصير منسوبا الى المكره بالكسر ألا ترى ان المأمور بايقاع الثلاث اذا أوقع الواحدة تقع والمأمور بايقاع الواحدة اذا أوقع الثلاث لم يقع شئ عند أبى حنيفة

(5)

. ولو أن رجلا لم يدخل بزوجته حتى جعل أمرها بيد رجل يطلقها تطليقة اذا شاء ثم أكره بوعيد تلف على أن يجعل فى يد ذلك الرجل تطليقة أخرى ففعل فطلقها الرجل التطليقتين جميعا لم يرجع الزوج على المكره بالكسر بشئ من المهر لأن ما جعله أولا كان فيه طائعا وهو كاف لتقرير الصداق وكذلك لا رجوع على المكره بالكسر بشئ من المهر فى حالة ما اذا طلقها التطليقة التى جعلها الزوج اليه بغير اكراه. أما لو لطقها التطليقة التى أكره الزوج على جعلها بيد الآخر دون الأخرى رجع الزوج حينئذ على المكره بالكسر بنصف المهر لأن تقرر نصف الصداق عليه كان باعتبار ما أكره عليه

(6)

. ولو أكرهه على القول ان قربتها فهى طالق ثلاثا ولم يكن قد دخل بها ففر بها طلقت ولزمه مهرها ولا رجوع له على المكره بالكسر بشئ لأنه خالف ما أكرهه عليه.

ولأن المهر لزمه بالدخول والمكره بالكسر انما أتلف عليه باكراهه ملك النكاح وذلك ليس بمتقوم فلا يضمن له المكره بالكسر قيمته وان لم يقربها حتى بانت بمضى أربعة أشهر فعليه نصف الصداق ولم يرجع به على الذى أكرهه لأنه كان يقدر على أن يجامعها فيجب عليه

(1)

راجع المبسوط للسرخى ج 24 ص 63.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 373، ج 5 ص 117.

(3)

المبسوط للسرخى ج 24 ص 88.

(4)

المرجع السابق ج 24 ص 104.

(5)

المرجع السابق ج 24 ص 132.

(6)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 133.

ص: 100

المهر بجماعه اياها. لا بما ألجأه اليه المكره بالكسر وأكثر ما فيه أنه بمنزلة الاكراه على الجماع وذلك لا يوجب الضمان على المكره

(1)

.

ولو أكرهه على أن يكتب طلاق امرأته فكتب لم تطلق لأن الكتابة أقيمت مقام العبارة باعتبار الحاجة ولا حاجة هنا كذا فى الخانية

(2)

.

‌مذهب المالكية:

لو أكره الشخص على الطلاق لم يلزمه شئ فى فتوى ولا قضاء اتفاقا لخبر مسلم لا طلاق فى اغلاق أى اكراه. بل لو أكره على واحدة فأوقع أكثر فلا شئ عليه لأن المكره بالفتح لا يملك نفسه، ويشترط لعدم لزوم طلاق المكره أن لا يكون قاصدا بطلاقه حل العصمة باطنا وان لا لزمه الطلاق وأن لا يكون المكره على التلفظ بالطلاق تاركا للتورية

(3)

مع معرفته لها فان تركها مع معرفتها حنث والمذهب عدم الحنث. والاكراه على الطلاق أما شرعى أو غيره فمذهب المدونة الذى به الفتوى يرى أن الاكراه الشرعى الذى هو عبارة عن اكراه على الفعل الذى تعلق به حق لمخلوق طوع أى تعتبر اختيارا يقع به الطلاق جزما خلافا للمغيرة فلو حلف بالطلاق لا يخرج زوجته فأخرجها قاض لتحلف عند المنبر لزمه الطلاق على مذهب المدونة وهو المذهب اما المغيرة فيرى عدم لزوم الطلاق. أما اذا أكره على فعل لا يتعلق به حق لمخلوق فاختلف فى حكم ذلك. ابن حبيب وغيره من المالكية فلو حلف بالطلاق أن لا يدخل دارا فأكره على دخولها أو حمل وأدخلها مكرها فغير ابن حبيب يرى أنه لا يحنث وابن حبيب يقول بالحنث فى الاكراه الفعلى. وهو مقيد بما اذا كانت صيغة بر كما مثل فان كانت صيغة حنث نحو ان لم أدخل الدار فهى طالق فأكره على عدم الدخول فانه يحنث. ونحو ذلك قوله ان دخلت دار زيد أو ان فعلت كذا فأنت طالق فأكره على فعله. ومقيد أيضا بما اذا لم يأمر الحالف غيره أن يكرهه وبما اذا لم يعلم حين الحلف أنه سيكره بعده. وبما اذا لم يقل فى يمينه لا ادخلها طوعا أو كرها وان لا يفعله بعد زوال الاكراه حيث كانت يمينه غير مقيدة بأجل أما لو كانت مقيدة بأجل وفرغ وفعل المحلوف حنث. لو أكره الشخص على الطلاق ثم زال الاكراه فأجازه طائعا فهل يلزمه نظرا للطوع أولا لأنه ألزم نفسه ما لم يلزمه. ولأن حكم الاكراه باق نظرا الى أن ما وقع فاسدا لا يصلح بعد قولان. والأحسن المعنى به فيلزمه ما أجاز وهو المعتمد

(4)

. ولو حلف على زوجته بالطلاق أن لا تخرج من الدار فخرجت لسيل أو لهدم أو لأمر لاقرار لها معه أو أخرجها صاحب الدار. لانقضاء عقد الاجارة أو نودى على فتح قدر وهى حامل أو مرضع فخرجت لخوفها على ما فى بطنها أو رضيعها. ففى سماع ابن القاسم عن مالك

(1)

المرجع السابق ج 24 ص 107.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 578، ج 3 ص 86.

(3)

المراد بالتورية هنا الاتيان بلفظ فيه ايهام على السامع كأن يقول هى طالق ويريد من وثاق أو من رجعة بالطلق وعلى ذلك فليس المراد بها هنا معناها الحقيقى وهو اللفظ الذى له معنيان قريب وبعيد فيطلق ويريد منه البعيد اعتمادا على قرينة.

(4)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 370.

ص: 101

لا حنث عليه. ويحتمل الحنث. لأنه كالاكراه الشرعى لأن الخروج واجب شرعا فى مثل هذا. ورد بأنه غير صحيح لمخالفته للنص

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يقع طلاق مكره على الطلاق ولو وكيلا فيه أو على فعل كان قد علق الطلاق عليه فحينئذ لا تنحل اليمين يدل لما تقدم حديث «لا طلاق فى اغلاق» رواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم. وفسر الشافعى وغيره الاغلاق بالاكراه. ولا يشترط لعدم وقوع طلاق المكره. التورية بأن ينوى غير زوجته كأن ينوى بقوله طلقت فاطمة غير زوجته. أو ينوى حل الوثاق. أو يقصد بطلقت العزم على الطلاق فى المستقبل أو الاخبار كاذبا ومثل ذلك أن ينوى بقلبه التعليق على مشيئة زيد. وقيل أن تركها بلا عذر من جهل بها أو دهشة اصابته بالاكراه وقع طلاقه لاشعار تركها بالاختيار، فان ظهر من المكره بالفتح قرينة اختيار بأن أكره على ثلاث فوحد أو ثنى وان لم يملك غير ذلك أو زاد كسبعين مثلا. أو أكره على صريح أو تعليق فكنى أو نجز أو على طلقت فسرح أو بالعكس أى أكره على واحدة أو على مطلق الطلاق على المعتمد فثلث أو على كناية فصرح أو على تنجيز فعلق أو على أن يقول سرحت فقال طلقت وقع الطلاق. ولو وافق المكره بالفتح ونوى الطلاق وقع لاختياره. وقيل لا يقع للاكراه ومجرد النية لا يعمل. ومن الاكراه ما لو حلف ليطأنها قبل نومه فغلبه النوم بحيث لا يتمكن من دفعه. ومنه ما لو حلف ليطأنها فى هذه الليلة فوجده حائضا وما لو حلف أن لا يجد فى البيت شيئا الا كسره على رأسها فوجد هاونا قال ذلك الخطيب وخالفه الرملى ومنه ما لو حلف ليقضينه حقه غدا فأعسر. والكلام السابق كله فى المكره بغير حق أما المكره بحق فاختلف فى تصويره فقيل هو كالمولى وليس ذلك بصحيح لأن للقاضى أن يطلق عنه

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

لا تختلف الرواية عن أحمد فى أن طلاق المكره لا يقع لقول النبى صلى الله عليه وسلم (ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجة. وعن عائشة رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا طلاق فى اغلاق) رواه أبو داود والأثرم. قال أبو عبيد والقتيبى معناه فى اكراه. وأيضا أنه قول حمل عليه بغير حق فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر اذا أكره عليها. هذا اذا كان الاكراه بغير حق أما ان كان بحق كاكراه الحاكم المولى على الطلاق بعد التربص اذا لم يفئ واكراهه الرجلين اللذين زوجهما وليان ولا يعلم السابق منهما على الطلاق وقع الطلاق لأنه قول حمل عليه بحق فصح كاسلام المرتد اذا أكره على الاسلام ولأنه انما جاز اكراهه على الطلاق ليقع طلاقه فلو

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 134.

(2)

راجع فيما تقدم قليوبى وعميرة، على المحلى على المنهاج ج 3 ص 332، 333.

ص: 102

لم يقع لم يحصل المقصود

(1)

. وان أكره على طلقة فطلق ثلاثا وقع لأنه لم يكره على الثلاث. وان طلق على من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها دونها. وان قصد ايقاع الطلاق دون دفع ما أكره به وقع لأنه قصد الطلاق واختاره. ويحتمل أن لا يقع لأن اللفظ مرفوع عنه فلا يبقى الا مجرد النية فلا يقع الطلاق

(2)

. واذا قال أنت طالق اذا قدم فلان فقدم به مكرها محمولا لم تطلق لأنه لم يقدم وانما قدم به. وكذلك اذا كان قدم بنفسه مكرها لم يحنث

(3)

. وان قال لزوجته ان تركت هذا الصبى يخرج فأنت طالق فأنفلت الصبى بغير اختيارها فخرج فان كان نوى أن لا يخرج فقد حنث وان نوى أن لا تدعه لم يحنث نص أحمد على معنى هذا وذلك أن اليمين اذا وقعت على فعلها فقد فعل الخروج عن غير اختيار منها فكانت كالمكره اذ لم يمكنها حفظه ومنعه وان نوى فعله فقد وجد وحنث وان لم تعلم نيته انصرف يمينه الى فعلها لأنه الذى تناوله لفظه فلا يحنث الا اذا خرج بتفريطها فى حفظه أو اختيارها

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

من حكم بامضاء طلاق مكره فحكمه مردود.

لأن الله تعالى قال «وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ» والمكره لم يطلق قط. انما قيل له:

قل هى طالق ثلاثا فحكى قول المكره بالكسر له فقط. كما أن الطلاق لا يكون الا عن رضا من المطلق ونية له والمكره ليس كذلك يدل لذلك أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ان الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وعلى ذلك ان تزوج المطلقة بالاكراه شخص آخر فوطئها كان زانيا بذلك الوط ء فيجلد ويرجم ان كان محصنا ويجلد مائة ويغرب عاما ان كان غير محصن

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يقع طلاق المكره الا أن ينويه اذ النية تصير الاكراه كعدمه هذا اذا لم يكره الحاكم على الطلاق وذلك فى الايلاء حيث تمرد من الوط ء وقيل يحبس فقط وكذا فى الظهار حيث لم يف

(6)

. كما لا يجوز الاكراه على التحليف بالطلاق سواء كان المحلف الامام أم الحاكم أم غيرهما وسواء كان ذلك فى بيعة الامام أم غيرها وتبطل ولاية من فعل ذلك وهو لا يستجبره ولو رأى فى ذلك صلاحا. فان كان يرى ذو الولاية جواز الحلف بالطلاق ونحوه جاز ولزم ولا يجوز للحالف المخالفة بعد الحكم به لأنه يقطع الخلاف

(7)

.

(1)

المغنى ج 8 ص 259، 260 والشرح ج 8 ص 241، 242، 243.

(2)

المغنى ج 8 ص 263 والشرح ج 8 ص 245.

(3)

المغنى ج 8 ص 396 والشرح ج 8 ص 376

(4)

المغنى ج 8 ص 399 والشرح ج 8 ص 379

(5)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 332، 335.

(6)

شرح الأزهار ج 2 ص 382.

(7)

التاج المذهب ج 2 ص 119.

ص: 103

‌مذهب الإمامية:

لا يقع طلاق المكره والمجبر

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

أجمعوا على أن اليمين واقعة الا من حلف بها مكرها ففيه خلاف والمختار أنه لا يلزم مقهورا ومكرها طلاق لقوله صلى الله عليه وسلم (ليس على مقهور عقد ولا عهد أى شئ فلا يلزمه ما أكره عليه من طلاق. حتى لو كان المكره له على الطلاق امرأته). وفى رواية ذكرها أبو عبد الله بن بركة لا طلاق على مغلوب أو قال معضوب أى مقهور شبهه بالشئ المعضوب بجامع أنه لم يملك نفسه

(2)

.

ومن استحلفه السلطان بالطلاق فخاف ان لم يحلف أن يفعل به ما أكره به جاز له الحلف به. وكذا ان أكرهه عليه بلا تحليف فيجوز له النطق به. ولا يقع.

وان أكرهته نساؤه على الطلاق بالقتل أو بالالقاء فى بئر أو بحر وذلك مثل أن يتدلى فى بئر فيقلن له ان لم تطلقنا أرسلناك ففعل فلا طلاق ان لم يجد امتناعا

(3)

. وان قال له أعوان الجبار طلق امرأتك فأبى فضربوه سوطا واحدا ولم يتوعدوه فطلقها لم يحنث لأنه لا يدرى متى يتركونه. الا أن رأى أنهم تركوا مثله على ضربة فطلق هو حنث ان كان يحتملها وقيل لا.

‌الاكراه فى الخلع

‌مذهب الحنفية:

لو أكرهت امرأة بوعيد تلف أو حبس حتى تقبل من زوجها تطليقه على ألف درهم فقبلت ذلك منه وقد دخل بها ومهرها الذى تزوجها عليه أربعة آلاف أو خمسمائة فالطلاق رجعى ولا شئ عليها من المال لأن التزام البدل يعتمد تمام الرضا. وبالاكراه ينعدم الرضا.

سواء كان الاكراه بحبس أو بقتل. ولكن وقوع الطلاق يعتمد وجود القبول لا وجود المقبول. ألا ترى انه لو طلق امرأته الصغيرة على مال فقبلت وقع الطلاق ولم يجب المال.

وبسبب الاكراه لا ينعدم القبول فلهذا كان الطلاق واقعا. ويكون رجعيا. لأن الطلاق الواقع بصريح اللفظ يكون رجعيا اذا لم يجب فى مقابله عوض. والأمر هنا كذلك. فان قالت بعد ذلك قد رضيت بتلك التطليقة بذلك المال جاز ولزمها المال. وتكون التطليقة بائنة فى قول أبى حنيفة وقال محمد اجازتها باطلة وهى تطليقة رجعية ولم يذكر قول أبو يوسف فقيل قوله كقول محمد رحمهما الله. والأصح أن قوله كقول أبى حنيفة رحمه الله. ولو كان مكان التطليقة خلع بألف درهم كان الطلاق بائنا ولا شئ عليها. لأن الواقع بلفظ الخلع بائن من غير اعتبار وجوب المال فان الخلع

(1)

ما لا يحضره الفقيه ص 440.

(2)

شرح النيل ج 3 ص 625، 627، ص 628.

(3)

شرح النيل ج 2 ص 477، 478، ص 479.

ص: 104

مشتق من الخلع والانتزاع، ففى اللفظ ما يوجب البينونة ولهذا لو خلع الصغيرة على مال وقبلت كان الواقع بائنا بخلاف صريح الطلاق

(1)

ولو كان هو المكره بالفتح على الخلع على ألف وقد دخل بها وهى غير مكرهة وقع الخلع ولزمها الألف ولا شئ على الذى أكرهه

(2)

. ولو أكره رجل الزوج بوعيد تلف على أن يطلقها واحدة بألف درهم فطلقها ثلاثا كل واحدة بألف فقبلت جميع ذلك طلقت ثلاثا ووجب له عليها ثلاثة آلاف درهم ولها عليه نصف مهرها لوقوع الفرقة قبل الدخول من غير سبب مضاف اليها ولا يرجع الزوج على المكره بالكسر بشئ حتى لو كان نصف المهر أكثر من ثلاثة آلاف درهم. لأن مازاده الزوج من طلاق كان طائعا فيه وهو كاف لتقرير نصف الصداق عليه. أما لو أكرهه على أن يطلقها واحدة بألف ففعل وقبلت ذلك وجب له عليها ألف درهم ثم ينظر الى نصف مهرها فان كان أكثر من ألف درهم أدى الزوج اليها الفضل على ألف درهم ويرجع به على المكره بالكسر ان كان أكرهه بوعيد تلف لأنه قرر عليه تلك الزيادة من غير عوض وهذا قول أبى يوسف ومحمد. أما عند أبى حنيفة فلا شئ لها عليه وللزوج عليه الألف اذ الخلع يوجب براءة كل واحد من الزوجين عن صاحبه فى الحقوق الواجبة بالنكاح

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

يشترط فى الزوج المخالع أن يكون بالغا عاقلا مختارا فخرج بذلك الصبى والمجنون والمكره ولو اكره الزوج زوجته على الاختلاع وقع باطلا ويقع الطلاق رجعيا فان سمى مالا لم يقع شئ لأنها مكرهة على القبول.

ولو أقامت بينة بالاكراه، فأقر بالخلع وانكر الاكراه بانت ولا مال ولزمه رد ما أخذه ولو منعها نفقته مثلا لتخلع منه فهو من الاكراه بخلاف ما لو منعها ذلك فافتدت نفسها منه فانه صحيح

(4)

. يشترط لتحقيق الاقباض المتضمن للقبض فى حالة قوله ان اقبضتنى فانت طالق أخذه بيده منها ولو مكرهة فلا يكفى الوضع بين يديه. ولا يمنع الأخذ مكرها من وقوع الطلاق لوجود الصفة بخلاف عدم الاكتفاء بالاكراه فى التعليق بالاعطاء المقتضى للتمليك لأنها لم تعط. وقال الامام يكفى الوضع بين يديه وحكى فى الأخذ كرها قولين أرجحهما المنع

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يصح خلع المكره كطلاقه. ويشترط فى الزوجة أن تكون مختارة فلا يصح من مكرهة عليه

(6)

.

‌مذهب الإباضية:

من تغلب على زوجته فحملها مالا تطيقه من

(1)

راجع المبسوط للسرخسى ج 24 ص 86، 87، 88.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 581

(3)

المبسوط ج 24 ص 134.

(4)

قليوبى على المحلى ج 3 ص 307، 308.

(5)

المرجع السابق ج 3 ص 318.

(6)

شرح الأزهار ج 2 ص 433، 435.

ص: 105

تضييع حقوق أو حق أو حقين وضيق معيشة وسوء معاشرة بلسان أو بدن أو واحد من ذلك حتى افتدت منه لم يحل له أخذه فيما بينه وبين الله. سواء كان تحميله اياها مالا تطيق لتفتدى منه. أو لغير ذلك لكن افتدت منه بسبب تحميله أو لذلك جميعا. وهناك من يرى جواز ذلك قضاء كما فى الديوان وقيل لا يجوز فيه أيضا كما ذكر ابن وصاف ولزمه الردان تاب. والا لزمه الرد والتوبة جميعا.

ولها أن تأخذه من ماله خفية

(1)

. وان ادعت استكراها لها منه على الفداء بالصداق الذى أعطاها وكذا بعضه أو بزيادة عليه فبين عدم اكراهه بالشهود لم يعتمد تبين العدم لأنه اذا شهد له شاهدان أنه لم يكرهها فلا يعتد بشهادتهما لأنها شهادة نفى وهذه هى شهادة التهاتر. بخلاف ما اذا بين عدم الاكراه ببيان حالها وما جرى بينهما على وجه يستفاد منه عدم الاكراه وقيل أن ادعت اكراها فعليها البيان فان بينت رد لها ما أعطته والا حلفته وذكر بعض أنه ان لم يحلف حلفها وأعطاها المهر

(2)

.

‌الاكراه فى الرجعة

‌مذهب الحنفية:

لو اكره على مراجعة زوجته صح منه ذلك لأنها استدامة للنكاح فكانت ملحقة به

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

يشترط لصحة الرجعة من الزوج الاختيار (ومفهوم هذا ان المراجعة بطريق الاكراه لا تصح

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

الاكراه على الكلام لا يجب به شئ وان قاله المكره كالرجعة لأن المكره على القول ما هو الا حاك للفظ الذى أمر أن يقوله ولا شئ على الحاكى بلا خلاف وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) فصح أن كل من اكره على قول ولم ينوه مختارا له لم يلزمه

(5)

.

‌الاكراه فى الايلاء

‌مذهب الحنفية:

لو اكره بوعيد تلف حتى آلى من امرأته فهو مول لأن الايلاء طلاق مؤجل أو هو يمين فى الحال والاكراه لا يمنع كل واحد منهما فان تركها أربعة أشهر فبانت منه ولم يكن دخل بها وجب عليه نصف المهر. ولم يرجع به على الذى اكرهه لأنه كان متمكنا من أن يقر بها فى المدة فاذا لم يفعل فهو كالراضى بما لزمه من نصف الصداق. وان قربها كانت عليه الكفارة ولم يرجع على المكره بشئ لأنه

(1)

شرح النيل ج 3 ص 499.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 502.

(3)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 579، ج 5 ص 118.

(4)

قليوبى على المحلى ج 4 ص 2.

(5)

المحلى لابن حزم ج 8، ص 329.

ص: 106

ما جرى على سنن اكراهه. فانه بالاكراه منعه من القربان وقد أتى بضده

(1)

. كما يصح فى المكره على الفئ اذا الفئ كالرجعة

(2)

.

واكراه القاضى للمولى على الفرقة بعد المدة يقع صحيحا لأنه اكراه بحق

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

يحصل الفئ فى الايلاء بالوط ء فى القبل ولو اكراها ويسقط بذلك الوط ء المطالبة به ولا ينحل اليمين. فان وطئ بعد ذلك بغير اكراه حنث ولزمه ما التزم

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

لا ينعقد ايلاء المكره الا أن ينويه واذا رفعت الزوجة الى الامام أو الحاكم أمر الزوج المولى منها أمره بأن يفئ أو يطلق ويحبسه ان امتنع من أحد الأمرين حتى يطلق أو يفئ أو يفسخ

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فى شئ ما، فلا يلزمه ما اكره عليه من ايلاء

(6)

.

‌الاكراه فى الظهار

‌مذهب الحنفية:

لو اكره بوعيد تلف على أن يظاهر من امرأته كان مظاهرا لأن الظهار من أسباب التحريم ولا يحتمل الفسخ فلا يؤثر فيه الاكراه كما أنه قد كان طلاقا فى الجاهلية فأوجب الشرع به حرمة مؤقتة بالكفارة فكما أن الاكراه لا يؤثر فى الطلاق فكذلك فى الظهار.

فان اكرهه على أن يكفر ففعل لم يرجع بذلك على الذى اكرهه لأنه أمره بالاخراج عن حق لزمه وذلك منه حسنة لا اتلاف شئ عليه بغير حق. وان اكرهه على عتق عبد بعينه عن ظهار ففعل عتق وعلى المكره بالكسر قيمته لأنه صار متلفا عليه مالية العبد باكراهه على ابطاله اذ لم يكن عتق هذا العبد بعينه مستحقا عليه. بل المستحق عليه واجب فى ذمته فيؤمر بالاخراج عنه فيما بينه وبين ربه.

وذلك فى حكم العين كالمعدم لهذا ضمن المكره بالكسر قيمة العبد. بخلاف الحالة الأولى لأنه هناك أمره بالاخراج عما فى ذمته من غير أن يقصد ابطال ملكه فى شئ من أعيان ماله.

وهذا العتق لا يجزيه عن الكفارة هنا لأنه فى معنى عتق يعوض. اذ لو استحق العوض على العبد بالشرط لم يجز عن الكفارة فكذلك اذا استحق العوض على المكره بالكسر. فان قال أنا أبرئ المكره بالكسر من القيمة حتى يجزينى عن الكفارة لم يجز ذلك لأن العتق نفذ غير مجزئ عن الكفارة والموجود بعده ابراء عن الدين والابراء لا تتأدى به الكفارة.

(1)

المبسوط للسرخى ج 24 ص 107

(2)

رد المحتار ج 5 ص 118.

(3)

المبسوط ج 24 ص 57.

(4)

قليوبى على المحلى ج 4 ص 13.

(5)

شرح الأزهار ج 2 ص 503، 507.

(6)

شرح النيل ج 3 ص 625.

ص: 107

وان قال اعتقته حين أكرهنى وأردت به كفارة الظهار ولم أعتقه للاكراه أجزأه عن كفارة الظهار ولم يكن له على المكره بالكسر شئ لأنه أقر أنه كان طائعا فى تصرفه قاصدا الى اسقاط الواجب عن ذمته واقراره حجة عليه.

وان قال أردت العتق عن كفارة الظهار كما أمرنى ولم يخطر ببالى غير ذلك لم يجزه عن كفارة الظهار وله على المكره بالكسر القيمة لأنه أجاب المكره بالكسر الى ما أكرهه عليه وهو العتق عن الظهار فيكون مكرها فيكون التلف منسوبا الى المكره بالكسر بخلاف الأول.

اذ أنه أقر انه لم يعتقه للاكراه بل أعتقه باختياره. فيسقط ما وجب فى ذمته. فان أكرهه بحبس أو قيد فلا ضمان على المكره بالكسر لانعدام الالجاء وجاز عن كفارته لأن العتق حصل بغير عوض واقترنت به نية الظهار

(1)

.

‌مذهب المالكية:

لا يقطع تتابع صوم كفارة الظهار الاكراه على الفطر

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

لا يصح ظهار المكره

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

لا ينعقد ظهار المكره ما لم ينوه كطلاقه واذا وطئ المظاهر من زوجته مكرها لم يلزمه الكفارة بهذا الوط ء وفى البيان تلزمه ويكون عائدا وعليه أن يستغفر ولا يعود حتى يكفر

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

اذا اكره الشخص على الظهار بقتل أو ما يؤدى لموت أو اتلاف عضو لزمه وقيل لا يلزمه الظهار

(5)

. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فى شئ ما فلا يلزمه ما اكره عليه من ظهار

(6)

.

‌الاكراه على ما يوجب النفقة أو يسقطها

‌مذهب الحنفية:

تسقط نفقة الزوجة بغصبها والذهاب بها كرها على ظاهر الرواية وعن أبى يوسف لها النفقة والفتوى على الأول لأن الاحتباس ليس منه ليجعل باقيا تقديرا

(7)

.

(1)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 106، 107.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 452.

(3)

المغنى ج 8 ص 455 والشرح ص 566.

(4)

شرح الأزهار ج 2 ص 491، 496.

(5)

شرح النيل ج 3 ص 394.

(6)

شرح النيل ج 3 ص 625.

(7)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 580.

ص: 108

‌مذهب الشافعية:

لو تسلم الزوج زوجته وهى مكرهة على ذلك وجبت نفقتها عليه

(1)

.

‌الاكراه فى الجراح

‌مذهب الحنفية:

لو اكره على قتل غيره ففعل أثم ولا قصاص عليه ويقتص من المكره (بالكسر) لأن القتل فعل يصح أن يكون المكره (بالفتح) فيه آلة للمكره فبسبب الالجاء يصير الفعل منسوبا الى المكره (بالكسر) ويعتبر المكره آلة للفعل.

وهذا القتل يمنع الملجئ من الارث ولا يمنع الملجأ واذا كان الملجئ صبيا أو مجنونا لم يجب القصاص على أحد لأن القاتل فى الحقيقة هو الصبى أو المجنون وكلاهما ليس أهلا لوجوب العقوبة عليه. وقال ابن عابدين نقلا عن الخانية تجب الدية فى هذه الحالة على عاقلة الصبى أو المجنون فى ثلاث سنين. ولو اكره على قتل غيره فأزنه الغير بذلك مختارا فقتله فلا شئ على القاتل لأنه ملجأ الى القتل فيصير الفعل منسوبا الى الملجئ. ويقتص من الملجئ على قول زفر رحمه الله وقال أبو يوسف لا شئ على الملجئ لأن الاذن فى الابتداء كالعفو فى الانتهاء وهو لو جرحه فعفى عنه ثم مات فلا شئ عليه فكذا اذا أذن فى الابتداء. ولأن الحق فى بدل نفسه له حتى يقضى منه ديونه فيسقط باسقاطه. وفى ظاهر الرواية تجب الدية على الملجئ دون القصاص لأن الاذن بالقتل باعتبار الابتداء صادف حقه فيعتبر شبهة والقصاص يسقط بالشبهة، وباعتبار المآل صادف حق الوارث فلهذا وجبت الدية. ولو أكره على قطع يد غيره لا يحل له ذلك شرعا حتى ولو أذن له الغير بذلك مختارا لأن اذن صاحب اليد بالقطع قصد به دفع الهلاك عن غيره وهو غير جائز شرعا فكان اذنه غير معتبر، وقال بعضهم ان اكره على القطع بأغلظ منه وسعه ذلك وان اكره عليه بقطع أو بدونه لا يحل له. وان قطعها الملجأ بدون اذن صاحب اليد وجب القصاص على الملجئ لأن القطع منسوب اليه. وكذلك اذا قطعها بعد اذنه مكرها لأن الاذن مع الاكراه لغو فوجب القصاص على الملجئ. واذا قطعها بعد اذنه مختارا فلا شئ على الملجئ ولا على الملجأ لأنه لو قطعها غير مكره بعد الاذن فلا شئ عليه فأولى هنا لأن الحق فى الطرف لصاحب الطرف وقد أسقطه بالاذن فى الابتداء وهو لو اسقط حقه بالعفو فى الانتهاء - أى بعد القطع - لا يجب شئ فكذلك يسقط الحق بالاذن فى الابتداء فلهذا لا يجب على القاطع ولا على المكره شئ. ولو ترتب على قطع اليد بعد الاذن موت صاحب اليد لم يكن على القاطع ولا على الآمر شئ لأن أصل الفعل صار هدرا فلو سرى الى النفس كان كذلك وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه شجب الدية هنا لأن القطع اذا اتصلت به السراية كان قتلا موجبا للدية حتى ولو قلنا ان الاذن بالقطع يعتبر اذنا بالقتل لما سبق بيانه

(2)

.

ولو اكره على قطع يد الغير ففعل ثم قطع رجله

(1)

قليوبى على المحلى ج 4 ص 78.

(2)

ابن عابدين ج 5 ص 115، 116 والمبسوط ج 24 ص 88 - 92.

ص: 109

طوعا فمات أوجب أبو يوسف الدية فى ماليهما وقال أبو حنيفة ومحمد عليهما القصاص

(1)

.

ولو أن رجلا اكرهه لص بالقتل على قطع يد نفسه وسعه ذلك لأنه ابتلى ببليتين فله أن يختار أهونهما عليه لحديث عائشة رضى الله عنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا اختار أيسرهما. فان قطع يد نفسه ثم خاصم المكره قضى القاضى له عليه بالقود. ولو قال له لتقطعن يد نفسك أولا قطعنها لم يسعه قطعها لأنه لا يعتبر مكرها (بالفتح) فى هذه الحالة لأن المكره من ينجو عما هدد به بالاقدام على ما طلب منه وهنا فى الحالين عليه ضرر قطع اليد. ولو اكره على أن يطرح نفسه فى النار بوعيد قتل وسعه ذلك سواء كان يرجو النجاة أو لا يرجو. وقيل لا يسعه أن يلقى نفسه اذا كان لا يرجو النجاة لأنه لو ألقى نفسه صار مقتولا بفعل نفسه ولو امتنع من ذلك صار مقتولا بفعل المكره وعلى الرأى الأول لوليه القود على المكره لأنه لما أبيح له الاقدام صار آلة للمكره. ولو قال له لنقتلنك بالسياط أو لتقتلن نفسك بهذا السيف فقتل نفسه وجب القود على المكره لأن الاكراه هنا تحقق لأنه قصد بالاقدام على قتل نفسه بالسيف دفع ما هو أشد ضررا لأن القتل بالسياط يطول فكان أشد على البدن من القتل بالسيف الذى يتم فى لحظة. وكذلك الحكم فيما دون النفس.

فان قال له لنحرقن يدك بالنار أو لتقطعنها بهذا الحديد فقطعها وجب القود على المكره ان كان واحدا وان كان أكثر من واحد فلا قود عليهم وتجب الدية عليهم فى مالهم لأنه لو قطع جماعة يد رجل لم يلزمهم القود ولو قتلوا رجلا كان عليهم القود

(2)

. ولو أكرهه على أن يطرح نفسه من فوق بيت ففعل قال أبو حنيفة لا يجب القود كما لو ألقاه المكره بنفسه وقال أبو يوسف ومحمد يجب القود اذا كان مما يقتل غالبا

(3)

. ولو أكره بوعيد قتل على قتل عبده أو قطع يد عبده لم يسعه أن يفعل ذلك لأن العبد فى حق نفسه باق على أصل الحرية. فان قتل المولى عبده كان له المطالبة بقتل من أكرهه قودا بعبده ان كان مثله لأن القود يجرى بين الحر والعبد فى النفس. وان قطع المولى يد عبده له مطالبة المكره بدية اليد لأن القود لا يجرى بين الحر والعبد فيما دون النفس. واذا كان الاكراه فى ذلك بالحبس فليس على المكره (بالكسر) شئ لأن الالجاء لم يتحقق والمولى آثم فيما فعل لأنه أطاع المخلوق فى معصية الخالق لأن الشرع نهاه عن ذلك. وليس على المولى سوى الاثم لأن الحق فى بدل نفس العبد أو يده له وهو لا يستوجب على نفسه عقوبة ولا مالا

(4)

. ولو أكره على أن يصنع بشخص شيئا لا يخاف منه تلف كضرب سوط أو نحوه ففعل ذلك به رجوت أن لا يأثم فيه لأنه يدفع الهلاك عن نفسه بما يلحق الهم والحزن بغيره اذ قد رخص له الشرع فى ذلك اذ المضطر يباح له أخذ مال الغير بغير رضاه فان أبى عليه ذلك فمات منه كانت ديته على عاقلة المكره لأن فعل المكره صار منسوبا الى المكره فكأنه فعل ذلك بنفسه. وهذا بمنزلة الخطأ وهو يوجب الدية على عاقلته. هذا اذا لم يكن

(1)

ابن عابدين ج 5 ص 116.

(2)

المبسوط ج 24 ص 66 - 69.

(3)

المرجع السابق ج 24 ص 67، 68.

(4)

المبسوط ج 24 ص 69، 70.

ص: 110

المقتول أذن له فى ذلك فان كان أذن له فى ذلك طوعا فلا ضمان على أحد لأن فعل الغير به باذنه كفعله بنفسه

(1)

.

‌الاكراه على العفو عن القصاص

وعلى قيمة الدية

لو وجب لرجل على رجل قصاص فى نفس أو فيما دونها فأكره بوعيد تلف أو حبس حتى عفا فالعفو جائز ولا ضمان له على الجانى ولا على المكره

(2)

. واذا أكره القاتل بقتل أو حبس على أن يصالح الولى على مال أكثر من الدية أو أقل منها فصالحه بطل الدم لوجود القبول مع الاكراه وليس على القاتل من المال شئ لأن التزام المال يعتمد تمام الرضا وهذا ينعدم بالاكراه

(3)

. أما اذا أكره ولى الدم على أن يعالج بألف فلا شئ له غير الألف ولزم المال هنا القاتل ولم يلزمه فى الأولى لأنه هنا مختار اذ الاكراه وقع على الولى ولم يقع عليه بخلاف الأولى اذا الاكراه قد وقع عليه هو

(4)

.

‌مذهب المالكية:

لا يجوز قتل المسلم ولو رقيقا أو قطع بعضه ولو أنملة بالخوف بطريق التهديد بالقتل.

بل يجب على المكره بالفتح أن يرضى بقتل نفسه ولا يقطع أنملة غيره مثل ذلك اذا قال ظالم لشخص ان لم تقتل فلانا أو تقطعه قتلتك فلا يجوز للشخص قتل فلان أو قطعه ويجب عليه أن يرخص بقتل نفسه

(5)

. فاذا نفذ المكره بالفتح ما طلبه المكره بالكسر وهو القتل اقتص من المكره بالكسر لتسببه.

والمكره بالفتح لمباشرته والقصاص منهما مشروط بكون المأمور لا يمكنه مخالفة الآمر فان لم يخف المأمور المكلف من الآمر اقتص منه أى من المأمور فقط. اذ لا اكراه حقيقة عند عدم الخوف - هذا اذا لم يكن الآمر حاضرا للقتل فان كان حاضرا قتل أيضا هذا لمباشرته وذلك لقدرته على خلاصه. كما يشترط لقتل المكره بالفتح أيضا أن لا يكون أبا للمقتول فان كان أبا قتل المكره بالكسر وحده وفى حالة عدم قتل الآمر يضرب مائة ويحبس سنة والأصل عدم الخوف عند الجهل. وخوف المأمور هنا انما يكون بالخوف من القتل لا بشدة الأذى وغيره خلافا لما فى خش

(6)

فهو كالخوف المجوز للقدوم على قذف المسلم. ولو أكره الأب شخصا على قتل ولده فقتله قتل المكره بالفتح وكذا الأب ان أمره بذبحه أو شق جوفه سواء قتله بتلك الكيفية أو بغيرها وسواء قتله بحضرته أم لا. وكذلك اذا أمره بمطلق قتل فذبحه أو شق جوفه بحضرته مع قدرته على منعه من تلك الكيفية ولم يمنعه لا ان حضر ولم يقدر على منعه منها ولا ان فعلها فى غيبته. ولو أمر الأب ولده الصغير أو المعلم ولدا صغيرا بقتل حر فقتله فالقصاص على الأب أو المعلم دون الصغير لعدم تكليفه وعلى عاقلة الصغير اذا كان حرا نصف الدية فان

(1)

المبسوط ج 24.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 581.

(3)

المبسوط ج 24 ص 88.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 580.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 369.

(6)

المراد بخش العلامة سيدى محمد الخرشى.

ص: 111

كثر الصبيان الأحرار كان نصف الدية على عواقلهم وان لم تحمل كل عاقلة ثلثا. وهذا مستثنى من كون العاقلة لا تحمل ما دون الثلث ولو أمر السيد عبدا له بقتل شخص قتل السيد لتسببه والعبد أيضا ان كان مكلفا لمباشرته. اما ان كان صغيرا قتل السيد فقط. وعلى العبد الصغير نصف الدية جناية فى رقبته، فيخير سيده الوارث له بين أن يفديه بنصف الدية أو يدفعه فى الجناية وذكر بعضهم أن الصغير لا شئ عليه على ظاهر النقل. أما لو أمر عبد غيره. قتل العبد البالغ دون الآمر. لكن يضرب مائة ويحبس سنة. كذلك يكون الحكم اذا أمر الأب ابنه الكبير والمعلم كبيرا

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يباح عند الشافعية القتل بالاكراه

(2)

.

فان أكره شخص غيره على أكل طعام مسموم فمات وجب القود ان جهل الآكل كونه مسموما. والا فهدر

(3)

. ولو أكره شخص غيره على قتل فأتى به فعليه أى المكره بكسر الراء القصاص وان تعدد أو كان بواسطة وكذا على المكره بفتح الراء فى الأظهر لأن الاكراه بقوله مثلا أقتل هذا والا قتلتك يولد داعية القتل فى المكره غالبا ليدفع الهلاك عن نفسه وقد آثرها بالبقاء فهما شريكان فى القتل.

ومقابل الأظهر يرى أنه لا قصاص على المكره بالفتح لأن المكره آلة للمكره. ورد هذا بأنه آثم بالقتل قطعا فلو كان آلة لما أثم فان كافأه أحدهما فقط فالقصاص عليه دون الآخر كما اذا أكره حر عبدا أو عكسه على قتل عبد فقتله فالقصاص على العبد. فان عفى عن القصاص الى الدية أو القيمة وزعت عليهما على المكره والمكره ان عفى عنهما معا وكانا اثنين فان عفى عن أحدهما لزمه حصته أو زادوا عن اثنين وزعت عليهم. ولو قال له اقطع يد فلان فقتله كان القصاص على القاتل وحده لعدم تحقق الاكراه. لأنه عدل عن المأمور به الى الأغلظ. بخلاف ما لو أمره بالقتل فقطع يده لأنه من جملة المأمور به فهو مكره سواء مات منه أم لا وقال الرملى والزيادى ليس من الاكراه لعدوله كالتى قبلها. ومن الاكراه أمر من تخشى سطوتهم واشارة نحو أخرس بذلك. ولو أكره بالغ عاقل مراهقا على القتل ففعله فعلى البالغ القصاص ان قيل عمد الصبى عمد وهو الأظهر ويجب أيضا على الصبى نصف دية عمد فى ماله وان قيل عمد الصبى خطأ فلا قصاص على البالغ لأنه شريك مخطئ ولا قصاص على الصبى بحال.

ولو أكره مراهق بالغا على قتل فأتى به فلا قصاص على المراهق وعلى البالغ القصاص فى الأظهر ان قيل عمد الصبى عمد فان قيل خطأ فلا قصاص قطعا

(4)

ولو أكره على رمى شاخص علم المكره (بكسر الراء) أنه رجل وظنه المكره صيدا فرماه فمات فالأصح وجوب القصاص على المكره (بكسر الراء) ان كافأه ووجهه ان المكره هنا لما جهل الحال وظن حل الفعل كان كالآلة وأشبه ما لو أمر صبيا

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 4 ص 244 الى 246.

(2)

قليوبى على المحلى ج 4 ص 101.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 96.

(4)

قليوبى وعميره على المحلى ج 4 ص 101، 102.

ص: 112

لا يعقل وهذا الوجوب منسوب لأبى اسحاق الشيرازى والبغوى والا فنصف دية عمد.

وعلى المكره بالفتح نصف دية خطأ على العاقلة ومقابل الأصح لا قصاص ووجهه أنه شريك مخطئ ورد بأن الخطأ فى الظن لا يعتبر.

ولو أكرهه على رمى صيد فأصاب رجلا فمات فلا قصاص على أحد منهما لأنهما لم يتعمدا قتله وعلى عاقلة كل نصف الدية.

وأطلق المتولى أن الحكم يتعلق بالرامى ولا شئ على المكره بالكسر ولو أكرهه على صعود شجرة أو نزول نحو بئر غزلق. وان لم تكن مما يزلق عليه غالبا على المعتمد ومات فشبه عمد لأنه لا يقصد به القتل غالبا. فتجب على عاقلة المكره بكسر الراء دية شبه العمد كاملة. وقيل هو عمد فيجب به القصاص ان كافأه أو الدية أو القيمة وهذا هو رأى الغزالى ولو أكرهه على قتل نفسه بأن قال له اقتل نفسك والا قتلتك فقتل نفسه وهو مميز حر فلا قصاص فى الأظهر وعليه نصف دية عمد وكفارة خلافا لابن حجر لأن ما جرى ليس باكراه حقيقة لاتحاد المأمور به والمخوف به فكأنه اختار وخرج بقتل نفسه الاكراه على قطع الطرف وكذا الولد. وكذلك القود على مكرهه قولا واحدا اذا لم يكن مميزا حرا. ومقابل الأظهر يمنع ذلك وعلله الرافعى بأنه بالجائه وحمله صار قاتلا له.

ولو قطع طرفه ولم يقتل نفسه كما أمر لم يكن اكراها قطعا. ولو قال له اقطع طرف نفسك والا قتلتك كان اكراها قطعا. ولو هدد بقتل يتضمن تعذيبا كان اكراها أيضا. ولو قال له اقتلنى والا قتلتك فقتله المقول له فالراجح لا قصاص عليه سواءا اتحدا رقا وحرية أو اختلفا لشبهة الاذن له فى القتل.

وقيل عليه القصاص بناء على أنه يثبت للوارث ابتداء وبأن القتل لا يباح بالاذن ومحل هذا الخلاف كما قال ابن الرفعة هو ما اذا أمكن دفعه بغير القتل والا فلا ضمان جزما لأنه دفع صائل والأظهر على عدم القصاص أن لا دية أيضا فى الحر وتجب فى الرقيق قيمته لأنه لا عبرة باذنه فى المال، ومقابل الأظهر تجب الدية بناء على أنها تثبت للوارث ابتداء ولو عدل عن قتله الى قطع طرفه فمات قال القاضى حسين سألت عنها القفال فخرجها على ما لو وكله فى الشراء بألف فزاده هل يجوز أو لا. ونازع ابن الرفعة فى ذلك وقال الأذن فى اتلاف الكل أذن فى اتلاف البعض فلا ضمان خلافا لتخريج القفال.

ولو قال له اقتل زيدا أو عمرا والا قتلتك فليس باكراه فمن قتله منهما فهو مختار لقتله فيلزمه القصاص له ولا شئ على الآمر غير الاثم وخالف فى ذلك القاضى وتبعه ابن عبد السّلام اذ لم ير الابهام مسقطا لآلة الاكراه قال ابن الرفعة وعليه فلا يجب القود على المكره (بالكسر) بناء على اشتراط قصد العين

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

اذا أكره الشخص على القتل فقتل وجب القصاص على المكره بكسر الراء والمكره بفتحها جميعا ووجه وجوبه على المكره بكسر الراء هو أنه تسبب فى قتله بما يقضى اليه غالبا فأشبه ما لو ألسعه حية أو ألقاه على

(1)

قليوبى وعميرة على المحلى ج 4 ص 102، 103.

ص: 113

أسد فى زبية. ووجه وجوبه على المكره بفتح الراء هو أنه قتل عمدا ظلما لاستبقاء نفسه فأشبه ما لو قتله فى المخمصة ليأكله لذلك أثم بقتله وحرم عليه. وان صار الأمر الى الدية وجبت عليهما. فعلى ذلك ان أحب ولى الدم قتل أحدهما وأخذ نصف الدية من الآخر أو العفو عنه فله ذلك

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

كل فعل لا تبيحه الضرورة كالقتل والجراح والضرب. لا يبيحه الاكراه فمن أكره على شئ من ذلك لزمه القود والضمان لأنه أتى محرما عليه اتيانه

(2)

. وعلى ذلك لو أن امرأ حفر حفرة وغطاها ثم أكره انسانا أن يمشى عليها فهلك فيها فعليه القود

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يجوز بالاكراه قتل الآدمى فان قتل المكره بفتح الراء اقتص منه. الا أن يكره على قتل المرتد والزانى والمحصن من غير اذن الامام فانه يجوز

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

روى ابن محبوب عن على بن رباب عن زراره عن أبى جعفر فى رجل أمر رجلا حرا أن يقتل رجلا فقتله. قال يقتل به الذى ولى قتله ويحبس الذى أمر بقتله فى السجن أبدا حتى يموت

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

لا يصح الترخص بالاكراه فى قتل مسلم بغير حق أو اتلاف عضو منه أو جرحه أو نحو ذلك حتى لو هدد بالقتل ان لم يفعل لأن نفسه ليست أولى بالسلامة من نفس غيره

(6)

.

‌الاكراه فى الزنا

‌مذهب الحنفية:

لو أكره الشخص بملجئ على الزنا لم يرخص له لأن فى الزنا قتل أنفس بضياعها اذ ولد الزنا هالك حكما لعدم من يربيه فلا يستباح بضرورة ما كالقتل. ولا يحد المكره عليه استحسانا. بل يغرم المهر ولو كان المزنى بها طائعة لأن المهر والحد لا يسقطان جميعا فى دار الاسلام. ولا يرجع على المكره بشئ لأن منفعة الوط ء حصلت للزانى كما لو أكره على أكل طعام نفسه جائعا.

أما المرأة فيرخص لها الزنا بالاكراه الملجئ لأن نسب الولد لا ينقطع فلم يكن فى معنى القتل من جانبها بخلاف الرجل. ولا يرخص لها بغير الملجئ لكنه أى غير الملجئ يسقط الحد فى زناها لأنه لما كان الملجئ رخصة لها كان غيره شبهة لها.

ولا يسقط غير الملجئ الحد عن الرجل

(1)

المغنى ج 9 ص 331.

(2)

المحلى ج 2 ص 330.

(3)

المحلى ج 11 ص 11.

(4)

شرح الازهار ج 4 ص 306.

(5)

مالا يحضره الفقيه ص 298.

(6)

شرح طلعة الشمس ج 2 ص 272.

ص: 114

لأنه لما لم يكن الملجئ رخصة له لم يكن غير الملجئ شبهة ولما كان الرجل لا يرخص له الزنا بالاكراه فانه يأثم بالاقدام عليه. أما المرأة فان أكرهت على أن تمكن من نفسها فمكنت تأثم. وان لم تكن وزنى بها فلا اذا كان الاكراه بملجئ والا فعليه الحد بلا خلاف لا عليها لكنها تأثم

(1)

. ولو أفضى أمة مكرهة على الزنا ولم يدع شبهة لزمه الحد لا المهر.

وضمن ثلث الدية ان استمسك بوليها والا فكلها

(2)

.

‌الاكراه على اللواطة:

ظاهر تعليلهم ان حكم اللواطة كحكم زنا المرأة لعدم الولد فترخص بالملجئ، وجاء فى باب الاكراه من العنف لو أكره على الزنا واللواطة لا يسعه وان قتل. وظاهر ذلك أن هذا الحكم يعم الفاعل والمفعول به

(3)

.

‌الاكراه على القذف بالزنا:

لا يحد مكره على القذف

(4)

.

‌مذهب المالكية:

اذا قال ظالم لشخص ان لم تزن بفلانة قتلتك فلا يجوز له الزنا بها ويجب عليه الرضا بقتل نفسه اذا كانت المرأة مكرهة أو كانت طائعة وكانت ذات زوج أو سيد فان كانت لا زوج لها ولا سيدا فيجوز له الزنا بها اذا خوف بالقتل لا بغيره

(5)

وعلى ذلك لا تحد المرأة المكرهة على الزنا ولا تؤدب أيضا. والمختار عند اللخمى كابن العربى وابن رشد أن الرجل المكره بالفتح على الوط ء كذلك أى لا يحد ولا يؤدب لعذره بالاكراه.

‌مذهب الشافعية:

لا يحل الزنا بالاكراه قال الرافعى سواء فى ذلك الرجل والمرأة ويحث الزركشى نفى الاثم عن المرأة. ولا يحد مكره على الزنا فى الأظهر لشبهة الاكراه فى المكره ويلزمه المهر ولا يثبت النسب وفى كون المكره بكسر الراء ضامنا للمهر روايتان. ومقابل الأظهر يرى أن المكره على الزنا يحد ووجهته أن الانتشار الذى يحصل به الوط ء لا يكون الا عن شهوة واختيار

(6)

. لا يباح بالاكراه أيضا اللواطة صرح بذلك فى الروضة

(7)

.

‌الاكراه على القذف:

لا يحد المكره بفتح الراء على القذف لأنه مقدور بالاكراه وذهب جماعة الى وجوبه عليه كالقصاص ولا يحد المكره بكسر الراء لكن يعذر لأنه لا يمكنه أن يستعير لسان غيره ليقذف به بخلاف القصاص لامكان أن يضرب بيد غيره. وذهب جماعة الى وجوبه

(8)

.

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 116، 117.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 3 ص 226

(3)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 117.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 231.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 369، 370.

(6)

قليوبى وعميرة على المنهاج ج 4 ص 179.

(7)

الأشباه والنظائر للسيوطى ص 207.

(8)

قليوبى وعميرة على المنهاج ج 4 ص 184.

ص: 115

‌مذهب الحنابلة:

‌المكرهة على الزنا:

لا حد لمكرهة على الزنا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وعن عبد الجبار ابن وائل عن أبيه ان امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد رواه الاثرم قال: وأتى عمر باماء من اماء الامارة استكرهن غلمانا من غلمان الامارة فضرب الغلمان ولم يضرب الاماء.

وروى سعيد باسناده عن طارق بن شهاب قال: أتى عمر بامرأة قد زنت فقالت انى كنت نائمة فلم أستيقظ الا برجل قد جسم على فخلى سبيلها ولم يضربها ولأن هذا شبهة.

والحدود تدرأ بالشبهات ولا فرق بين الاكراه بالالجاء وهو وأن يغلبها على نفسها وبين الاكراه بالتهديد بالقتل ونحوه نص على ذلك الامام أحمد فى راع جاءته امرأة قد عطشت فسألته أن يسقيها فقال لها مكنينى من نفسك قال هذه مضطرة. وقد روى عن عمر رضى الله عنه ان امرأة استسقت راعيا فأبى أن يسقيها الا أن تمكنه من نفسها ففعلت فرفع ذلك الى عمر فقال لعلى ما ترى فيها؟ قال: أنها مضطرة فأعطاها عمر شيئا وتركها

(1)

.

‌المكره على الزنا:

أن أكره الرجل فزنا قال الأصحاب عليه الحد لأن الوط ء لا يكون الا بالانتشار والاكراه ينافيه فاذا وجد الانتشار انتفى الاكراه فيلزمه الحد كما لو أكره على غير الزنا فزنا.

وأصح الأقوال أنه لا حد عليه لعموم الخبر ولأن الحدود تدرأ بالشبهات. والاكراه شبهة فيمنع الحد كما لو كانت امرأة يحققه أن الاكراه اذا كان بالتخويف أو يمنع ما تفوت حياته بمنعه كان الرجل فيه كالمرأة فاذا لم كجب عليها الحد لم يجب عليه

(2)

.

‌الآثار المترتبة على الزنا كرها:

من غصب امرأة فاستكرهها على الزنا فعليه الحد دونها لأنها معذورة وعليه مهرها حرة كانت أو أمة فان كانت حرة كان المهر لها.

وان كانت أمة كان لسيدها. وفى رواية أخرى عن أحمد أن الثيب لا مهر لها ان كانت مكرهة على الزنا. وهو اختيار أبى بكر. والصحيح الأول لأنها مكرهة على الوط ء الحرام فوجب لها المهر كالبكر الحلال

(3)

. كما يجب للبكر أرش بكارتها لأنه يدل عن جزء منها ولأنه محل أتلفه بعدوانه فلزمه أرشه كما لو أتلفه بأصبعه ويحتمل أن لا يجب لأن مهر البكر يدخل فيه أرش البكارة ولهذا يزيد على مهر الثيب عادة لأجل ما يتضمنه من تفويت البكارة. وان حملت الأمة فالولد مملوك لسيدها لأنه من نمائها وأجزائها، أما حقوق الله تعالى كالحد والتعزير والاثم فتسقط عنها بالاكراه للعذر

(4)

.

(1)

المغنى لابن قدامه ج 10 ص 158، 159 والشرح ص 184.

(2)

المرجع السابق ج 10 ص 159، 160 والشرح ص 185.

(3)

المغنى لابن قدامه ج 5 ص 412.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 407، 408 والشرح ص 416.

ص: 116

‌مذهب الظاهرية:

لو أمسكت امرأة حتى زنى بها. وأمسك رجل فأدخل أحليله فى فرج امرأة فلا شئ عليه ولا عليها سواء انتشر أو لم ينتشر.

أمنى أو لم يمنى. أنزلت هى أو لم تنزل.

لأنهما لم يفعلا شيئا أصلا. والانتشار والامناء من فعل الطبيعة الذى خلقه الله تعالى فى المرء أحب أم كره ولا اختيار له فى ذلك

(1)

.

‌الاكراه على القذف:

الاكراه على الكلام لا يجب به شئ وان قاله المكره كالقذف

(2)

.

‌حكم من قذف مكرها على الزنا:

ان المكره على الزنا محصن بالعفة فيدخل فى جملة المحصنات بمنع الفروج من الزنا فعلى قاذفه الحد

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يجوز بالاكراه وان خشى التلف الزنا ولو ببهيمة وبالاكراه تجوز مقدماته

(4)

.

ويسقط بالاكراه الحد عن المرأة بلا خلاف كما قال الامام. أما الرجل ففيه خلاف والراجح أنه لا حد عليه هذا ان بقى له فعل. أما اذا لم يبق له فعل نحو أن يربط فلا خلاف فى أنه لا يحد. ولا مهر.

ولا نسب

(5)

.

‌الاكراه فى القذف:

ان أكره الشخص على القذف لم يحد.

‌مذهب الإمامية:

فى رواية طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام أن عليا قال: ليس على زان عقر ولا مستكرهة حد. ويستندون الى ما روى أن رجلا غصب امرأة مسلمة نفسها؟ قال: يقتل وفى رواية ابن محجوب عن أبى جعفر فى رجل اغتصب امرأة فرجها؟ قال: يقتل محصنا أو غير محصن

(6)

.

‌مذهب الإباضية:

لا يصح الترخص بالاكراه فى ارتكاب جريمة الزنا. لأن الزنا بنفسه لا يقبل الاكراه فلو زنا عد مختارا للزنا لأن الآلة لا تساعده الا عند الرضا

(7)

.

‌هل يجوز قذف المكرهة على الزنا:

روى أبو أيوب عن حريز عن أبى عبد الله قال سألته عن ابن المغصوبة يفترى عليها الرجل فيقول له بابن الفاعلة. فقال أرى عليه الحد

(1)

المحلى لابن حزم 8 ص 331.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 329.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 273.

(4)

شرح الأزهار ج 4 ص 305.

(5)

المرجع السابق ج 4 ص 348.

(6)

مالا يحضره الفقيه ص 477، 515.

(7)

شرح طلعة الشمس ج 2 ص 272.

ص: 117

ثمانين جلدة ويتوب الى الله عز وجل مما قال

(1)

.

‌الاكراه على السرقة

‌مذهب المالكية:

أعلم أن القطع يسقط بالاكراه على السرقة مطلقا سواء كان الاكراه بضرب أو سجن لأن ذلك شبهة تدرأ الحد. أما الاقدام على السرقة أو على الغصب فلا ينفع فيه الاكراه ولو بخوف القتل كما صرح به ابن رشد وحكى عليه الاجماع وهذا خلاف لما ذكره البعض من جواز القدوم عليها اذا كان الاكراه بخوف القتل

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يقطع المكره بفتح الراء على السرقة لشبهة الاكراه الدافعة للحد ولا يعذر أيضا خلافا لبعضهم ويعذر المكره بكسر الراء

(3)

وجاء فى المطلب يظهر أن تلتحق السرقة اكراها باتلاف المال. لأنها دون الاتلاف قال فى الخادم وقد صرح جماعة باباحتها منهم القاضى حسين فى تعليقه قال السيوطى وجزم به الاسنوى فى التمهيد

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يقام الحد على الشخص المكره على السرقة

(5)

.

‌الاكراه على شرب الخمر

‌مذهب الحنفية:

لو أكره الشخص على شرب الخمر باكراه غير ملجئ كحبس - أو ضرب - على غير المزاكير والعين فانه يخلف منه التلف - أو قيد لم يحل اذ لا ضرورة فى اكراه غير ملجئ نعم لا يحد للشرب للشبهة. وقال محمد الحبس فى زماننا هذا يعد من الاكراه الملجئ المبيح للتناول وان أكره بملجئ كقتل أو قطع عضو أو ضرب مبرح، حل الفعل بل فرض لأن شرب الخمر مستثنى عن الحرمة فى حال الضرورة والاستثناء عن الحرمة حل فان صبر فقتل أثم. لأن اهلاك النفس أو العضو بالامتناع عن المباح حرام الا اذا أراد المكره بالفتح مغايظة الكفار فلا بأس به.

كذلك لو لم يعلم الاباحة بالاكراه لا يأثم لخفائه فيحذر بالجهل بالخطاب فى أول الاسلام وفى دار الحرب فى حق من أسلم من أهلها فيها

(6)

.

(1)

ما لا يحضره الفقيه ص 481.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 4 ص 345.

(3)

قليوبى على المحلى ج 4 ص 196.

(4)

السيوطى ص 207.

(5)

شرح الازهار ج 4 ص 364.

(6)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 113، ج 2 ص 158.

ص: 118

‌سقوط الحد:

ولا يحد مكره على شرب الخمر أو غيرها

(1)

.

‌مذهب المالكية:

لا يحد المكره على شرب الخمر لأنه ليس بمكلف

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يباح شرب الخمر بالاكراه ولا يحد من صب فى حلقه قهرا شراب مسكرا وكذا مكره على شربه على المذهب ومقابل المذهب طريق حاك لوجهين.

أحدهما وجوب الحد بناء على أن شربها لا يباح بالاكراه ويجب على المكلف المكره بالفتح تقايؤها نقل ذلك فى شرح المهذب عن الأكثرين. والذى فى البحر وغيره الاستحباب ويصدق المكره على اكراهه بيمينه

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

لا حد ولا اثم على من شرب الخمر مكرها سواء أكره بالوعيد والضرب أو الجئ على شربها بأن يفتح فوه وتصب فيه يدل لذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم من أكره على شرب الخمر فلا شئ عليه لأنه مضطر وقد قال تعالى «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» وقال «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ 5» .

‌مذهب الزيدية:

اذا أكره الشخص على شرب الخمر جاز له شربها

(6)

.

‌الاكراه فى الصيد والذبائح

‌مذهب الحنفية:

لو أكره مسلم مجوسيا على ذبح شاة فانه ينقل الفعل الى المسلم الآمر فى حق الاتلاف فيجب عليه الضمان ولا ينقل فى حق الحل فى الذبح أما لو أكره المجوسى المسلم على الذبح فعلى المجوسى الضمان وحل أكل الشاة

(7)

.

‌مذهب الشافعية:

يحل ذبح مكره ورميه وارساله لجارحة

(8)

.

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 3 ص 226.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 4 ص 352.

(3)

قليوبى وعميرة ج 4 ص 202.

(4)

المغنى لابن قدامة ج 10 ص 730.

(5)

المحلى لابن حزم ج 11 ص 371.

(6)

شرح الازهار ج 4 ص 100، 362.

(7)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 114.

(8)

قليوبى على المحلى ج 4 ص 240.

ص: 119

‌الاكراه فى باب الأطعمة والأشربة

‌مذهب الحنفية:

لو أكره الشخص على أكل ميتة أو لحم خنزير أو شرب دم باكراه غير ملجئ كحبس أو ضرب - على غير المذاكير والعين فانه يخاف منه التلف - أو قيد لم يحل اذ لا ضرورة فى اكراه غير ملجئ وان أكره بملجئ كقتل أو قطع عضو أو ضرب مبرح - حل الفعل بل فرض لأن هذه الأشياء مستثناة عن الحرمة فى حال الضرورة والاستثناء من الحرمة حل فان صبر فقتل أثم لأن اهلاك النفس أو العضو بالامتناع عن المباح حرام. الا اذا أراد المكره مغايظة الكفار فلا بأس به وكذا لو لم يعلم الاباحة بالاكراه لم يأثم لجفائه فيعذر بالجهل كالجهل بالخطاب فى أول الاسلام أو فى دار الحرب فى حق من أسلم من أهلها فيها

(1)

. ولو أكره الشخص على أكل طعام نفسه فان كان جائعا فلا رجوع. وان كان شبعانا رجع بقيمته على المكره بالكسر لحصول منفعة الأكل له فى الأول دون الثانى

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

قال الرافعى نقلا عن البويطى: أن أكره على أكل محرم فعليه أن يتقايأه وقال الشافعى فى الأم ولو أسر رجل فحمل على شرب محرم أو أكل محرم وخاف ان لم يفعله فعل وعليه أن يتقايأه ان قدر عليه. فهذان النصان صريحان فى وجوب الاستقاءة لمن قدر عليه.

وبهذا قال أكثر الأصحاب وفيه وجه أنه لا يجب بل يستحب وصححه القاضى أبو الطيب

(3)

للمضطر الواجد طعاما حلالا طاهرا لغيره أخذه من مالكه قهرا اذا لم يكن المالك مضطرا اليه وفى القدر الذى يجوز للمضطر أخذه قهرا قولان.

أصحهما ما يسد الرمق.

الثانى قدر الشبع وهل يجب على المضطر الأخذ قهرا خلاف. الأصح فيه أنه يجب الأخذ قهرا وخص البغوى الخلاف بما اذا لم يكن عليه خوف فى الأخذ قهرا فان خاف لم كجب قطعا. وليس للمضطر الأخذ قهرا اذا بذل المالك الطعام بثمن المثل فان اشتراه بالزيادة مع امكان أخذه قهرا فهو مختار فى الزيادة فيلزمه المسمى بلا خلاف فان عجز عن الأخذ قهرا واضطر لشراء الطعام بالثمن الغالى فهل تجعله مكرها فلا يصح الشراء فيه وجهان:

أصحهما صحة البيع لأنه لا اكراه على نفس البيع ومقصود الظالم تحصيل المال من أى جهة كان وبهذا قطع الشيخ ابراهيم المروزى

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

من أكره على أكل الخنزير أو الميتة أو الدم أو بعض المحرمات أو أكل مال مسلم. أو

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 114.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 121.

(3)

المجموع للنووى ج 3 ص 139.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 45، 46، 47.

ص: 120

ذمى فمباح له أن يأكل ويشرب ولا شئ عليه لأحد ولا ضمان لقول الله عز وجل «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» وقوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» }. وقوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ» فان كان المكره على الأكل له مال حاضر فعليه قيمة ما أكل ان كان له قيمة لأن هكذا هو حكم المضطر فان لم يكن له مال حاضر فلا شئ عليه فيما أكل

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

يقول الفقيه يحيى اذا أكره الانسان على أكل طعام نفسه يرجع على من أكرهه ويرى المؤيد بالله أنه لا يرجع

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

اذا أكره الرجل على أكل الميتة والدم ولحم الخنزير رخص له ذلك لأن الاكراه نوع من أنواع الاضطرار فينبغى أن يعطى أحكامه فى صحة الترخص. لكن لما كان المجبور لم يحمل نفسه على الهلكة يترك التقية من أكل الميتة ونحوها وانما حمله على ذلك الجبار جوزنا له ترك الترخص بخلاف ضرورة الجوع فانه ان لم يترخص فيها يكون حاملا لنفسه على الهلاك فيجب عليه الترخص هنالك

(3)

.

‌الاكراه على السب والشتم والافتراء

‌مذهب الحنفية:

لا يرخص لمكره سب مسلم، ويرى البعض انه بالملجئ يرخص له شتم المسلم. كما أنه لو أكره على الافتراء على مسلم يرجى ان يسعه ألا ترى انه لو أكره بمتلف أن يفترى على الله تعالى كان فى سعة فهنا أولى. غاية ما هنالك أن الاباحة علقت بالرجاء بالنسبة للافتراء على المسلم ولم تعلق بالنسبة للافتراء على الله لأن الاباحة ثبتت بالنسبة للافتراء على الله بالنص. وهنا ثبتت دلالة. ومما يدل على الترخيص بالشتم قول محمد عقيب هذه المسألة ألا ترى أنه لو أكره بوعيد تلف على شتم محمد صلى الله عليه وسلم كان فى سعة ان شاء الله تعالى ولو صبر وقتل كان مأجورا وكان أفضل

(4)

.

‌مذهب المالكية:

سب المسلم غير الصحابى يجوز بالتخويف بالقتل وبغيره أما الصحابى فلا يجوز الا بالقتل أما من لم يجمع على ثبوته كالخضر ومن لم يجمع على ملكيته كماروت وماروت فيجوز سبهما فى حالة ما اذا خاف مؤلا ولو بغير القتل كذا عند البعض. ورد بأن سب الصحابة لا يجوز الا بالقتل وهؤلاء أولى لذلك ينبغى أن يقال أنهم كالصحابة

(1)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 330.

(2)

شرح الأزهار ج 3 ص 299.

(3)

كتاب طلعة الشمس ج 2 ص 272، 273.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 116.

ص: 121

فلا يجوز سبهم الا بمعاينة القتل (تقرير العدوى)

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يجوز بالاكراه وان خشى التلف سب الآدمى سواء كان حيا أو ميتا أما سب نفسه فيجوز بالاكراه اذ قد جاز أكل بعضه عند الضرورة والدليل على ذلك الاجماع

(2)

.

‌الاكراه فى البيع والشراء والاجارة

‌مذهب الحنفية:

بيع المكره وشراؤه وصلحه وسائر

(3)

عقوده المالية تقع فاسدة يرتفع فسادها باجازة المكره بالفتح بعد زوال الاكراه فاذا لم يجز. فسخ العقد. ولا يبطل حق الفسخ بموت أحدهما ولا بموت طرف العقد الثانى ولا بالزيادة المنفصلة وتضمن بالتعدى ويستوى فى ذلك الاكراه الملجئ وغير الملجئ لأن كلا منهما يعدم الرضا. والرضا شرط لصحة هذه العقود، فلذا صار له حق الفسخ أو الامضاء لفقد شرط الصحة وهو الرضا فيتخير لأن اعتبار هذا الشرط ليس لحق الله تعالى ولكنه لحق المكره ولهذا خالف سائر العقود الفاسدة فان الفسخ فيها واجب لأن الفساد فيها لحق الشرع. ويثبت بالبيع أو بالشراء مكرها الملك للمشترى لكونه فاسدا كسائر البياعات الفاسدة. وقال زفر لا يثبت به الملك لأنه بيع موقوف وليس بفاسد كما لو باع بشرط الخيار وسلمه. ولما كان تمام البيع الفاسد انما يكون بانقلابه صحيحا.

وذلك موقوف على اجازة المكره بناء على أن الفساد كان لحقه لا لحق الشرع.

فان قبض الثمن أو سلم المبيع طوعا لزم البيع.

أما ان قبض الثمن مكرها فلا يلزم ويرده ان بقى فى يده لفساد العقد. فان هلك الثمن لم يضمن لأنه أمانة.

والبيع بطريق الاكراه يجوز بالاجازة القولية والفعلية أى ينقلب صحيحا بها.

وينقض تصرف المشترى من البائع المكره وان تداولته الأيدى لأن الاسترداد فيه لحقه لا لحق الشرع.

وان كان نقض البيع غير ممكن لما أحدثه المشترى بالعين تضمين المكره قيمته يوم التسليم الى المشترى أو تضمين المشترى قيمته يوم القبض أو يوم أحدث فيه تصرفا لا يحتمل النقض لأنه أتلف به حق الاسترداد.

ولو أكره البائع والمشترى على بيع العبد وشرائه وعلى التقابض فهلك الثمن والعبد ضمنهما المكره لهما الا أن قال كل قبضت على البيع الذى أكرهنا عليه ليكون لى فالبيع جائز لاعتبار ذلك اجازة منهما ولا ضمان على المكره ولا على أحدهما.

وان أراد كل منهما تضمين صاحبه. فقال

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 369.

(2)

شرح الأزهار ج 4 ص 306.

(3)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 5، 9، 537.

ص: 122

كل قبضته مكرها لأرده على صاحبه وأخذ منه ما أعطيت وحلف كل لصاحبه على ذلك لم يضمن أحدهما الآخر والضمان على المكره فقط فان نكل أحدهما كان للثانى ان شاء أن يضمن المكره وللمكره أن يرجع على الناكل وان شاء ضمن الناكل ولا رجوع له على المكره.

ولو أكره البائع على البيع دون المشترى وهلك المبيع فى يده ضمن بدله للبائع بسبب قبضه مختارا على سبيل التمليك بعقد فاسد.

وللبائع المكره تضمين أيهما شاء من المكره بالكسر والمشترى لأن المكره بالكسر كالغاصب والمشترى كغاصب الغاصب فان ضمن المشترى لم يرجع على المكره بالكسر.

وان ضمن المكره بالكسر رجع على المشترى بقيمته لأن المكره بأداء الضمان ملكه فقام مقام المالك فيكون مالكا من وقت وجوب السبب بالاستناد

(1)

.

ولو أكره بقيد أو حبس أو قتل على أن يبيعها منه بألف درهم وقيمتها عشرة آلاف فباعها منه بأقل من ألف درهم ففى القياس هذا البيع جائز لأنه أتى بعقد آخر سوى ما أكره عليه واذا أتى بعقد آخر كان طائعا فيه كما لو أكره على البيع فوهب له.

وفى الاستحسان البيع باطل لأنه اذا أكرهه على البيع بألف فقد أكرهه على البيع بأقل من ألف لأن قصد المكره الاضرار بالمكره فاذا باع بالأقل كان محصلا لمقصود المكره لهذا كان مكرها.

ولو باعه بأكثر من ألف كان البيع جائزا لأن ضرر هذا دون ما أمره به المكره فلم يكن محصلا مقصود المكره فيما باشره. لأن الممتنع من البيع بألف لا يكون ممتنعا من البيع بألفين والممتنع من البيع بألف يكون ممتنعا من البيع بخمسمائة

(2)

.

ولو أكرهوه على البيع فوهب نفذ ذلك لأن الممتنع من البيع قد لا يكون ممنعا من الهبة للقصد الى الانعام ثم هو مخالف للمكره فى جنس ما أمره به فلا يكون محصلا مقصود المكره بل يكون طائعا مخالفا له

(3)

.

ولو أكرهه أن يبيع له نصف هذه الدار مقسوما ويدفعها الى المشترى فباع له الدار كلها ودفعها اليه جاز البيع فى القياس. لأنه أمره أن يقسم ثم يبيع. فحين باع الدار كلها قبل أن يقسم فقد خالف ما أمره.

وفى الاستحسان بيعه غير جائز لأنه مكره على بيع البعض. ولأن الصفقة الواحدة فى البيع اذا بطل بعضها بطل كلها. لاتحاد الصفقة.

ولو أكرهه على أن يبيعه بيتا من هذه البيوت فباعه البيوت كلها كان ذلك باطلا فى الاستحسان لأنه قد بطل فى بعض البيوت للاكراه فيبطل فيما بقى لاتحاد الصفقة.

وجهالة ما ينفذ فيه العقد

(4)

.

ولو أكره اللص رجلا على أن يشترى له متاعا بألف درهم من رجل فاشتراه كان الثمن على المكره بالكسر الراضى بذلك. كما لو وكل صبيا أو عبدا محجورا عليه بالشراء له.

(1)

راجع رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 110، 113.

(2)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 60.

(3)

المرجع السابق ج 24 ص 61

(4)

المرجع السابق ج 24 ص 111، 112.

ص: 123

فان طلب المشترى المتاع من البائع فقبضه بغير اكراه فله ذلك وعليه الثمن ويرجع به على الآمر لوجود دليل الرضا منه بالتزام العهدة حين طالبه بتسليم المبيع طائعا.

فان بدا له أن يأخذه بعد ذلك فقد وجب عليه الثمن حين طلبه بغير اكراه لأن دليل الرضا كصريح الرضا. وبعد ما لزمته العهدة برضاه لا يكون له أن يأبى كما لو كان راضيا به بالابتداء.

ولو أن رجلا باع عبدا الى رجل ولم يقبض الثمن بعد حتى أكرهه لص على دفعه الى المشترى بوعيد تلف أو سجن فدفعه كان له أن يرتجعه حتى يأخذ الثمن لأن الاكراه بعدم الرضا منه بالقبض فكان المشترى قبضه بغير رضاه. ولأن اسقاط حقه فى الحبس بمنزلة الابراء عن الثمن.

فكما أن الاكراه يمنع صحة الابراء عن الثمن فكذلك يمنع سقوط حقه فى الحبس.

كذلك لو كان المشترى قد باعه أو وهبه فللبائع أيضا أن ينقضه ويرتجع العبد قياسا على ما لو قبضه بغير تسليم منه وتصرف فيه.

ولأن البيع والهبة يحتملان النقض. فينقض لقيام حق البائع فى الحبس

(1)

.

ولو أن لصا أكره رجلين بوعيد تلف على أن يتبايعا ويتقاضا ثم أكره المشترى بوعيد تلف على أن يقتل العبد المبيع عمدا بالسيف فالقياس فيه أن للبائع أن يقتل المكره بعبده لأن المشترى فى القبول والقبض والقتل كان ملجأ من جهة المكره فيكون بمنزلة الآلة له ويجعل فى الحكم كأن المكره هو الذى قتله بنفسه فيلزمه القود وفى الاستحسان عليه ضمان قيمته فى ماله ولا قود عليه لأنهما وان كانا مكرهين الا أن المشترى صار مالكا بالقبض فقتله للعبد صادف ملك نفسه. ولو قتله طائعا لم يلزمه القصاص. فمتى قتله مكرها لا يكون قتله أيضا موجبا للقصاص لمعنى هو أن المستحق لهذا القود مسببه فباعتبار أن العبد صار ملكا للمشترى فالقود يجب له. وباعتبار أن المشترى فى حكم الاتلاف الحاصل بقبوله وقبضه وقتله آله للمكره فالقود يكون للبائع وعند الاشتباه فى المستوفى يمتنع وجوب القصاص واذا سقط القود للشبهة وجب ضمان قيمته على المكره لأن التكلم بالبيع والشراء وان لم يصر منسوبا الى المكره فتلف المال به صار منسوبا الى المكره.

والمشترى فى القتل والقبض كان له فلا يجب عليه شئ من الضمان بل ضمان القيمة على المكره فى ماله

(2)

. ولو أكرههما بالحبس على البيع وأكره المشترى على القتل بوعيد تلف فللبائع قيمة العبد على المشترى لأن البيع مع الاكراه بالحبس كان فاسدا. وأيضا القبض مقصور على المشترى وقد تعذر عليه رده فيلزمه قيمته لأنه ملجأ الى قتله.

فالاكراه أعدم الفعل فى جانبه فكأن العبد تلف فى يده بغير صنعه فعليه قيمته بسبب البيع الفاسد. وللمشترى أن يقتل الذى أكرهه على القتل لأن العبد كان مملوكا له حين أكرهه على قتله بوعيد تلف فصار فعل القتل منسوبا الى المكره بالكسر فيجب القصاص.

(1)

المرجع السابق ج 24 ص 128، 129.

(2)

راجع المبسوط للسرخسى ج 24 ص ص 116.

ص: 124

ولو كان اكراهه على القتل بحبس لم يضمن المكره بالكسر شيئا لأن الالجاء لم يحصل بالاكراه بالحبس.

ولو أكره البائع بوعيد تلف وأكره المشترى على الشراء والقبض والقتل بالحبس فالبائع بالخيار ان شاء ضمن المكره قيمة عبده لأنه كان ملجأ من جهته الى البيع والتسليم فيكون متلفا عليه ملكه. وان ضمنه قيمته رجع المكره بالكسر بها على المشترى لأنه لم يكن ملجأ الى القتل ولا الى العتق وان شاء البائع ضمن المشترى قيمة عبده لأن فعله فى القبض والعتق مقصور عليه فيكون ضامنا له قيمته ولو كان أكره المشترى على الشراء بالحبس وعلى القتل عمدا بالقتل فالبائع بالخيار ان شاء ضمن المكره قيمة عبده لما بينا. واذا ضمنه لم يرجع هو على المشترى بشئ لأن المشترى كان ملجأ الى القتل من جهته فيصير فعله منسوبا الى المكره بالكسر فكأنه قتله بيده وذلك منه استرداد للعبد وزيادة فلا يضمن المشترى لذلك بخلاف ما سبق. فالاكراه بالحبس على الفعل لا يجعل منسوبا الى المكره. وان شاء البائع ضمن المشترى قيمة العبد لأن فعله فى الشراء والقبض مقصور عليه اذ كان مكرها على ذلك بالحبس. فان ضمنه كان للمشترى أن يقتل المكره لأن العبد تقرر فى ملكه من حين قبضه لذلك ضمن قيمته وتبين من ذلك أن اللص أكرهه على قتل عبده عمدا بوعيد تلف وذلك يوجب القود على المكره.

والقبض والقتل بالوعيد بالقتل فلا ضمان على المشترى لأنه بمنزلة الآلة فى جميع ما كان منه للاكراه الملجئ ويغرم المكره قيمة العبد لمولاه لأن فعله فى البيع والتسليم وان لم يصر منسوبا الى المكره فضل المشترى بالقبض والقتل صار منسوبا الى المكره فكأن المكره هو الذى فعل بنفسه الا أنه سقط عنه القود استحسانا لاشتباه المستوفى فيجب عليه ضمان قيمته لمولاه.

وان كان أكره المشترى على الشراء والقبض بوعيد تلف وأكرهه على القتل أو العتق أو التدبير بالحبس فلا ضمان على المكره لأن البائع بعد قبض المشترى كان متمكنا من استرداد العين وانما تعذر عليه ذلك بالقتل أو العتق أو التدبير وذلك مقصور على المشترى غير منسوب الى المكره لأنه كان مكرها على ذلك بالحبس فلهذا لا ضمان على المكره.

ويضمن المشترى قيمة العبد لأن اقدامه على هذه التصرفات بمنزلة الرضا منه كما لو كان طائعا. لكن الاكراه منع تمام الرضا فلهذا كان ضامنا قيمته للبائع

(1)

.

‌الاكراه على البيع ثم يبيعه

المشترى الى آخر أو يعتقه

‌مذهب الحنفية:

اذا باع المشترى من المكره بالفتح الى آخر على حين كان البائع الأول للمشترى مكرها على

(1)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 116، ص 117، ص 118.

ص: 125

التسليم فللبائع الأول الخيار ان شاء نقض البيع الأول والثانى وأخذ عبده. لأن البيع الثانى فى كونه محتملا للفسخ كالأول. والبائع غير راض بواحد من البيعين فيكون متمكنا من استرداده. وباسترداده ينفسخ البيعان جميعا.

وان شاء أجاز البيع الأول وفى هذه الحالة يسقط حقه فى استرداد العبد وينفذ البيع الثانى لأنه حصل من المشترى فى ملكه ويده قياسا على ما لو قبض المبيع بغير اذن البائع وباعه ثم سلم البائع الأول للمشترى الأول فقبضه فيجوز البيع للثانى لهذا المعنى. كذلك اذا بيع العبد لبعض من بعض أكثر من مرة كان للمكره بالفتح نقض البيوع كلها وأخذ العبد فان أجاز بيعا من هذه البيوع الأول أو الثانى أو الآخر جازت البيوع كلها لأن تسليمه اسقاط منه لحقه فى استرداد المبيع أما البيع من كل مشتر فكان فى ملكه ولكن يوقف نفوذه على سقوط حق المكره فى الفسخ وبالاجازة سقط حقه فتنفذ البيوع كلها قياسا على ما اذا باع الراهن المرهون وأجاز المرتهن البيع. واذا جازت البيوع كلها كان الثمن للمكره على المشترى الأول. ولكل بائع الثمن على المشترى لأن العقد الأول نفذ بين المكره والمشترى الأول بهذه الأجازة فله أن يطالبه بالثمن. وقد عقد بعد ذلك انما نفذ بين البائع والمشترى منه فيكون الثمن له اذ المشترى من المكره كان مالكا فالبيع من كل مشتر صادف ملكه وانما يوقف نفوذه على سقوط حق المكره فى الاسترداد وعلى هذا لا يفترق الحال بين اجازة البيع الأول أو الآخر. فلهذا نفذت البيوع كلها باجازته عقدا منها.

ولو أكره بوعيد تلف على أن يشترى من رجل عبدا له يساوى ألف درهم بعشرة آلاف درهم والبائع غير مكره فاكره على الشراء والقبض ودفع الثمن فلما قبضه المشترى أعتقه أو دبره أو كاتب أمه فوطئها أو قبلها بشهوة أو نظر الى فرجها بشهوة وأقر بذلك أو قال قد رضيتها فهذا كله جائز عليه لأن البيع تام من جهة البائع وانما امتنع لزومه فى حق المشترى لانعدام الرضا منه بحكمه حين كان مكرها فاذا أجازه فقد تم رضاه به وكذلك دليل الاجازة منه كصريح الاجازة ومباشرته لهذه التصرفات المختصة بالملك حالا أو منقودا دليل الرضا منه بالحكم وهو الملك فلهذا يتم به البيع.

ولو أكره البائع ولم يكره المشترى ولم يقبض العبد حتى أعتقه كان عتقه باطلا لما بينا أن بيع المكره فاسد والبيع فاسد لا يملك به الا بعد القبض. فاعتاقه قبل القبض لم يصادف ملكه فان أجازه البائع بعد عتق المشترى جاز البيع لبقاء المعقود عليه محلا لحكم العقد ولم يجز ذلك العتق الذى كان من المشترى لأنه سبق ملكه فلا ينفذ لحدوث الملك له فى المحل كمن أعتق عبدا لغيره ثم اشتراه

(1)

. ولو أعتقا جميعا العبد جاز عتق البائع لأنه صادف ملكه وانتقض به البيع لأنه فوت باعتاقه محل البيع. ولو كان المشترى قبضه ثم أعتقاه جميعا عتق العبد من المشترى لأن البيع فاسد

(1)

راجع المبسوط للسرخسى ج 24 ص 65، 96، 97.

ص: 126

والمشترى بالقبض صار مالكا فعنقه صادف ملكه. وعتق البائع صادف ملك الغير فلهذا نفذ العتق من المشترى دون البائع. ولو كانا مكرهين جميعا على العقد وعلى التقابض ففعلا ذلك فقال أحدهما بعد ذلك قد أجزت البيع كان البيع جائزا من قبله وبقى الآخر وعلى حاله لأن الذى أجاز صار راضيا به فكأنه كان فى الابتداء راضيا وذلك يوجب نفوذ البيع من قبله لا من قبل صاحبه المكره.

فان أجازا جميعا بغير اكراه جاز البيع لوجود تمام الرضا بينهما بالبيع. ولو لم يجيزا حتى أعتق المشترى العبد جاز عتقه لأنه ملكه بالقبض مع فساد البيع فكان بعد ذلك لم يلتفت الى اجازته لتقرر ضمان القيمة على المشترى وفوات محل حكم العقد ابتداء وان لم يتقابضا فأجاز أحدهما البيع بغير اكراه فالبيع فاسد على حاله لأن بقاء الاكراه فى جانب صاحبه كاف لفساد البيع. فان أعتقاه جميعا معا وقد أجاز أحدهما البيع فان كان العبد غير مقبوض فعتق البائع فيه جائز وعتق المشترى باطل لأنه قبل القبض باق على ملك البائع لفساد البيع فاعتاقه صادف ملكه وان أعتقه أحدهما ثم أعتقه الآخر فان كان البائع هو الذى أجاز البيع وقد أعتقه المشترى قبله فهذا أجازه منهما البيع لأن اقدام المشترى على الاعتاق رضا منه بحكم البيع وذلك يوجب نفوذ العتق من قبله وانما يوقف نفوذه لعدم الرضا من البائع. فاذا أجاز البيع حصل التراضى لكنه متأخر عن الاعتاق لذلك كان الثمن المسمى للبائع على المشترى والعتق لا ينفذ من المشترى لأنه سبق ملكه. وان كان البائع أعتق أولا فهو باعتاقه قد نقض البيع ونفذ العتق من قبله فلا يعمل فيه اجازة واحد منهما ولا اعتاق المشترى بعد ذلك. وان كان الذى أجاز هو المشترى ولم يجز البائع فعتق البائع جائز فيه وينقض البيع به ان أعتقه قبل المشترى أو بعده لأنه باق على ملك البائع بعد اجازة المشترى

(1)

.

‌مذهب المالكية:

اذا أكره الرجل على سبب البيع ولم يكره على البيع كأن أكره على دفع مال لظالم فباع متاعه لذلك لم يلزم البيع على المذهب. ومقابل المذهب البيع لازم للمصلحة وهى الرفق بالمسجون - أى المكره بالفتح - لئلا يتبلد - أى يمتنع - الناس من الشراء ان قلنا أن البيع غير لازم وهذا القول اختاره المتأخرون وأفتى به اللخمى وابن هلال ومال اليه ابن عرفة. ومن أكره على سبب البيع فسلفه انسان دراهم رجع بها عليه بخلاف ما اذا ضمنه انسان فدفع الضامن المال عنه لعدمه. فانه لا رجوع له عليه وانما يرجع على الظالم لأن للمكره بالفتح أن يقول للحميل - أى الضامن - ان لم تدفعه لى بخلاف المسلف. وقيل ان المسلف يرجع أيضا على الظالم ولا رجوع له على المكره بالفتح. والقول بعدم اللزوم لا ينافى صحة البيع فى ذاته ويترتب على عدم اللزوم أن للبائع استرداد ما جبر على بيعه أو على سبه ولا يمنع من ذلك التصرفات التى حصلت بعد هذا البيع من بيع وعتق وهبة وغير ذلك. وعدم اللزوم متوقف على ما اذا كان الجبر حراما وهو ما ليس بحق أما لو أجبر

(1)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 98.

ص: 127

على البيع جبرا حلالا كان البيع لازما كجبره على بيع الدار لتوسعة المسجد أو الطريق أو المقبرة أو لوفاء دين أو لدفع نفقة لولد أو لأبوين أو لأجل الوفاء بما عليه من الخراج الحق ويلزم البائع فى حالة الاكراه على البيع والاسترداد رد الثمن الذى أخذه ان كان الثمن قائما فان أدعى البائع تلفه من غير تفريط وأقام البينة على ذلك فلا يلزمه رد الثمن حينئذ فان لم تكن له بينة فلا يصدق وقيل انه يصدق يمينه كالمودع أما فى حالة الاكراه على السبب والاسترداد عند ارادة البائع ذلك بناء على القول بعد اللزوم قبضه خلاف المعتمد فيه رد الثمن كالاكراه على البيع ومقابله يرى عدم رد الثمن ويرجع المشترى على الظالم بالثمن سواء علم المشترى بأن البائع مكره أم لا.

تولى المكره بالفتح قبض الثمن بيده أو قبضه غيره ويرى سحنون أن المكره ان كان قبض الثمن فعليه رد الثمن ان استرد المبيع وان لم يقبض بيده فلا يغرم الثمن باسترداد المبيع

(1)

.

‌اجازة البيع بعد زوال الاكراه:

لو أكره الشخص على البيع أو الشراء ثم زال الاكراه فأجاز ذلك طائعا فهل يلزمه ما أجازه نظرا للطوع أو لا لأنه الزم نفسه ما لم يلزمه ولأن حكم الاكراه باق نظرا الى ما وقع فاسدا لا يصلح بعد فيه قولان المفتى به يلزمه ما أجازه وهو المعتمد

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

المكره على البيع بغير حق لا يصح بيعه بلا خلاف ما لم ينو صحة العقد أو تظهر منه قرينة اختيار لقوله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» فدل على أنه اذا لم يكن عن تراض لم يحل الأكل وروى أبو سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

(لألقين الله من قبل أن أعطى أحدا من مال أحد شيئا بغير طيب نفسه انما البيع عن تراض).

فدل على أنه لا بيع من غير تراض ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح كلمة الكفر

(3)

.

أما ان كان الاكراه على البيع بحق صح لأنه قول حمل عليه بحق فصح كلمة الاسلام اذا أكره عليها حربى. كالاكراه على وفاء الدين وغيره ومنه اكراه الحاكم من عنده طعام على بيعه عند حاجة الناس اليه ان بقى له قوت سنة قال بعض المشايخ وهذا خاص بالطعام ولو باع مال غيره باكراهه (أى الغير) عليه صح. قاله القاضى حسين كالصحيح فيمن طلق زوجة غيره باكراهه عليه أن يقع الطلاق لأنه أبلغ فى الأذن

(4)

. والاكراه على الاجازة عند الشافعية كالاكراه على البيع

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

اذا أكره أحد المتبايعين على البيع لم يصح هذا البيع لعدم تحقق شرط الاختيار الا أن يكون الاكراه بحق كالذى يكرهه الحاكم على

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 3 ص 6.

(2)

حاشية الدسوقى ج 2 ص 370.

(3)

المجموع للنووى ج 9 ص 158، 159

(4)

قليوبى على المحلى ج 2 ص 156.

(5)

المحلى على المنهاج ج 3 ص 67.

ص: 128

بيع ماله لوفاء لدينه فيصح لأنه قول حمل عليه لحق فصح كاسلام المرتد

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم الاكراه على الكلام لا يجب به شئ وان قاله المكره كالبيع والابتياع لذلك لا يحل بيع ما أكره على البيع لقوله تعالى:

«لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» فصح أن كل بيع لم يكن عن تراض فهو باطل. الا بيعا أوجبه النص كالبيع على من وجب عليه حق وهو غائب أو ممتنع من الانصاف لأنه مأمور بانصاف ذى الحق قبله. ونحن مأمورون بذلك. ويمنعه من المطل الذى هو ظلم واذ لا سبيل الا منعه من الظلم الا ببيع بعض ماله. فنحن مأمورون ببيعه

(2)

. أما من أكرهه ظالم أو كافر على غرم ماله بالضغط ولم يكرهه الكافر أو الظالم على البيع لكن ألزمه المال فقط. فباع فى أداء ما أكره عليه بغير حق فبيعه صحيح. لأنه لم يكره على البيع. وانما أكره على اعطاء المال فقط فلو أنه أتى بالمال عن طريق القرض أو من غير البيع ما ألزمه الظالم البيع فصح أنه بيع تراض. أما حكم أخذ المال فسيأتى تحت عنوان الاكراه على أخذ المال

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

يشترط فى العاقد أن يكون مختارا فلا ينعقد من المكره اجماعا - الا أن نوى الصحة عند عقده فانه يصح وقيل لا لأنه لا حكم لنيته فيما ليس له صريح ولا كناية سواء باع أم اشترى من المكره أم من غيره وسواء باع بقيمته أم بأكثر الا أن يكره بحق كأن يكرهه الحاكم على البيع للدين ونحو ذلك كنفقة الزوجة وكذلك المسلم فيه اذا عدم فى ملكه وقد حصل الأجل فانه يكرهه الحاكم على شراء ذلك الجنس ويصح البيع والشراء.

ولو أجاز ما باعه فى حال الاكراه مختارا احتمل أن تصح اجازته لأنه كالموقوف واحتمل أن لا تلحقه الاجازة لأن عقده كلا عقد وهذا أظهر

(4)

. ومن حبس فى مكان مغصوب لزمته الأجرة ان حبس فيه كرها بالتخويف بالقتل من الخروج لا بالقيد الذى لا يمكنه معه الخروج فلا شئ عليه. ويرجع المحبوس كرها على الحابس بما لزمه من الأجرة والقيمة للرقبة ان تلفت لأنه غرم لحقه بسببه وفرق بينه وبين المغرور فى أنه لا يرجع بما اعتاض لأن المغرور مختار وان جهل هذا وهنا غير مختار وقال بعضهم لا يرجع لأنه قد استوفى ما فى مقابلتها. والأول أولى وهذا على ما أحل المؤيد بالله أحمد بن الحسين. ومن استعمل شخصا بطريق الاكراه فهذا الشخص المستعمل لا يخلو اما أن يكون حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا. فان كان عبدا ضمن أن كان سيده مكرها وسواء كان العبد راضيا أو مكرها مأذونا أو محجورا ويكون ضمانه ضمان غصب ان انتقل والا فضمان جناية ان تلف تحت العمل أو بسببه هذا اذا استعمله فى غير المعتاد وأما فيه فلا ضمان مطلقا. وأما فى الحر فان

(1)

المغنى ج 4 ص 5.

(2)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 21، 22.

(3)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 22.

(4)

شرح الأزهار ج 3 ص 3، 141.

ص: 129

كان مكرها وهو كبير ضمن أجرته فان هلك تحت العمل أو بسببه ضمنه ضمان جناية

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

لا تصح الاجارة اذا كان المؤجر أو المستأجر مكرها عليهما الا مع الاجازة اللاحقة بل الأحوط عدم الاكتفاء بها وتجديد العقد اذا رضيا. نعم تصح مع الاضطرار كما اذا طلب منه ظالم مالا فاضطر الى اجارة داره سكنا لذلك فانها تصح كما اذا اضطر الى بيعها

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فى شئ ما فلا يلزمه ما أكره عليه من بيع أو شراء

(3)

فان عقد قهرا بيعا أو شراء فليس ذلك بمنعقد

(4)

.

‌الاكراه بالنسبة لخيار المجلس

‌مذهب الشافعية:

اذا أكره أحد العاقدين على مفارقة المجلس فحمل مكرها حتى أخرج منه أو أكره حتى خرج بنفسه فان منع من الفسخ بأن سد فمه لم ينقطع خياره على المذهب وبه قطع الشيخ أبو حامد وجمهور الأصحاب. وقيل فى انقطاء وجهان قاله القفال وصاحب البيان. وجماعة من الخراسانيين قالوا وهما مبنيان على الخلاف فى انقطاع الخيار بالموت. قالوا وهنا أولى ببقائه لأن ابطال حقه قهرا بعيد. أما اذا لم يمنع من الفسخ فطريقان أحدهما ينقطع وجها واحدا قاله القفال وحكاه جماعات.

والثانى وهو الصحيح وبه قطع النووى والجمهور وفيه وجهان.

أحدهما: ينقطع قاله أبو اسحق المروزى.

والثانى: لا ينقطع وهو الصحيح اذ الاكراه يسقط أثر ذلك المشى ويكون كأن لم يوجد.

فالحاصل: أن المذهب لا ينقطع الخيار سواء منع من الفسخ أم لا. هكذا ذكر الأصحاب المسألة ولم يفرقوا بين من حمل مكرها أو أكره على التفرق. قال المتولى: والبغوى وطائفة هذا التفصيل فيما اذا حمل مكرها. فان أكرها حتى تفرقا بأنفسهما ففى انقطاع الخيار قولان كحنث الناسى

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

اذا فارق أحد المتبايعين الآخر مكرها. احتمل بطلان الخيار لوجود غايته وهو التفرق ولأنه لا يعتبر رضاه فى مفارقة صاحبه له فكذلك فى مفارقته لصاحبه. وقال القاضى أبو يعلى:

لا ينقطع الخيار لأنه حكم علق على التفرق فلم يثبت مع الاكراه كما لو علق عليه الطلاق.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 299، 300، 301.

(2)

العروة الوثقى ج 2 ص 206.

(3)

شرح النيل ج 3 ص 625.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 475.

(5)

المجموع للنووى ج 9 ص 181، 182.

ص: 130

وعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار ان أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه وفارقه بغير رضاه ويكون الخيار للمكره منهما فى المجلس الذى يزول عنه فيه الاكراه حتى يفارقه. وان أكرها جميعا انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقه الآخر له فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه. وذكر ابن عقيل من صور الاكراه ما لو رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه أو حملهما سيل أو فرقت ريح بينهما

(1)

.

‌الاكراه فى الوديعة

‌مذهب الحنفية:

لو أن لصا أكره رجلا بالحبس على أن يودع ماله هذا الرجل فأودعه فهلك عند الوديع وهو غير مكره بالفتح لم يضمن الوديع ولا المكره بالكسر شيئا. أما المكره بالكسر فلأن التهديد بالحبس لا يجعل الدفع من صاحب المال منسوبا اليه. وأما الوديع فلأنه قبض المال بتسليم صاحبه اليه ليرده عليه وذلك غير موجب للضمان. وهذا لأن فعل التسليم مقصور على المالك فانه لم يكن ملجأ اليه. وانما هو غير راض به فهو كمن أودع ماله غيره عند خوفه من اللصوص أو عند وقوع الحريق فى داره وهناك لا يضمن الوديع اذا هلك فى يده بغير صنعه. وان كان أكرهه بوعيد تلف فلرب المال أن يضمن الوديع وان شاء ضمن المكره بالكسر لأن فعله فى التسليم صار منسوبا الى المكره بالكسر للالجاء فكأن المكره بالكسر هو الذى باشر الدفع اليه فيكون كل واحد منهما جانيا فى حق صاحب المال وأيهما ضمن لم يرجع على صاحبه بشئ لأن المكره ان ضمن فانما يضمن بكون الدفع منسوبا اليه. ولو كان هو الذى دفعه اليه وديعة لم يرجع على الوديع بشئ وان شاء ضمن الوديع لأنه كان فى القبض طائعا وبذلك صار ضامنا.

وأيضا لم يكن فى هذا القبض عاملا للاكراه لأنه لم يقبض ليسلمه الى المكره. ولو أكره بوعيد تلف أو حبس على أن يأمر رجلا بقبض المال فأمر بقبضه والمأمور غير مكره فضاع فى يده فالقابض ضامن للمال لأن الأمر قول من المكره والاكراه بالحبس يبطل قوله فى مثله

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

لو أكره ظالم الشخص حتى سلمه وديعة كانت عنده فللمالك تضمينه فى الأصح لتسليمه ثم يرجع على الظالم. ومقابل الأصح ليس له تضمينه للاكراه ويطالب الظالم. وله على الأول مطالبته أيضا. ولو أخذها الظالم من الوديع قهرا فلا ضمان على الوديع

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

تصح الوديعة بين جائزى التصرف فلا تصح من مكره سواء كان مودعا أو وديعا

(4)

.

(1)

المغنى ج 4 ص 9، والشرح ص 64.

(2)

المبسوط ج 24 ص 119، 120.

(3)

المحلى على المنهاج ج 3 ص 185.

(4)

شرح الأزهار ج 3 ص 50.

ص: 131

‌الاكراه فى الابراء

‌مذهب الحنفية:

لو وجب لرجل على رجل حق من مال أو كفالة بنفس أو غير ذلك فأكره بوعيد قتل أو حبس حتى أبرأ من ذلك الحق كان باطلا لأن صحة الابراء تعتمد تمام الرضا وبسبب الاكراه ينعدم الرضا. ولأن الابراء عن الدين وان كان اسقاطا لكن فيه معنى التمليك ولهذا يرتد برد المدين. كما أن ابراء الكفيل فرع لابراء الأصيل والكفالة بالنفس من حقوق المال لأن صحتها باعتبار دعوى المال فلهذا لا تصح البراءة فى هذا مع الاكراه

(1)

. وأيضا البراءة لا تصح مع الهزل لأنها اقرار بفراغ الذمة فيؤثر فيها الاكراه

(2)

.

‌الاكراه فى الشفعة

‌مذهب الحنفية:

لو أكره الشفيع على أن يسكت عن طلب الشفعة فسكت لم تبطل شفعته فاذا زال الاكراه فان طلب عند ذلك صح طلبه والا بطلت شفعته وكذا لو أكره على تسليمها بعد طلبها لا تبطل

(3)

.

‌الاكراه فى الكفالة

‌مذهب الحنفية:

لا يصح قبول الكفالة مع الاكراه عليها على ما أفتى به الحامدى وغيره

(4)

.

‌الاكراه فى الحوالة

‌مذهب الحنفية:

لا يصح قبول الحوالة مع الاكراه عليها

(5)

.

‌الاكراه فى الرهن

‌مذهب الحنفية:

لو أكره المرتهن على أن يرد الرهن الى الراهن وينقض الرهن ففعل ذلك وباعه الراهن أو وهبه وسلمه كان للمرتهن أن ينقض جميع ذلك لأنه مكره على اسقاط حقه فى حبس الرهن ومع الاكراه لا يسقط حقه فى الحبس فكان له أن يعيده كما كان وأن يبطل تصرف الراهن فيه كما لو تصرف قبل استرداده من المرتهن

(6)

.

‌مذهب الزيدية:

يشترط لصحة الرهن أن يكون العاقدان

(1)

المبسوط ج 24 ص 65.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 119.

(3)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 119 والمبسوط ج 24 ص 65.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 119

(5)

المرجع السابق ص 5 ص 19.

(6)

المبسوط ج 24 ص 129.

ص: 132

مختارين ومعنى ذلك أنه لا يصح الرهن مع الاكراه عليه

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

من عقد بقهر رهنا فليس ذلك بمنعقد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فمن عاهد فى شئ على قهر لم يلزمه الوفاء به)

(2)

.

‌الاكراه فى الهبة

‌مذهب الحنفية:

اذا أكره الشخص على الهبة ولم يذكر الدفع فوهب ودفع كان ذلك التصرف فاسدا لأن مقصود المكره بالكسر الاستحقاق لا مجرد اللفظ وذلك فى الهبة بالدفع وفى البيع بالعقد فدخل الدفع فى الاكراه على الهبة دون البيع.

وقيد البعض ذلك بحضور المكره بالكسر فقال:

الاكراه على الهبة اكراه على التسليم اذا كان المكره بالكسر وقت التسليم حاضرا والا لا قياسا واستحسانا

(3)

. ولو أكرهوه على هبة جاريته لعبد الله فوهبها لعبد الله وزيد وقبضاها بأمره جازت فى حصة زيد لأنه ملكه نصف الجارية طائعا. والشيوع فيما لا يحتمل القسمة لا يمنع صحة الهبة وبطلت فى حصة عبد الله بالاكراه. وأيضا الهبة انشاء للتصرف فبطلانه فى نصيب من أكره عليه لا يمنع من صحته فى نصيب الآخر كالوصية فان من أوصى لوارثه ولأجنبى جازت الوصية فى نصيب الأجنبى. ولو كان الاكراه على هبة ألف درهم لعبد الله فوهبها لعبد الله وزيد بطلت الهبة كلها ولو أكرهوه على هبة جاريته لرجل فوهب ودفع فأعتقها الموهوب له جاز عتقه لأن الهبة الفاسدة توجب الملك بعد القبض كالهبة الصحيحة بناء على أصل الحنفية القائل ان فساد السبب لا يمنع وقوع الملك بالقبض فالعتق من الموهوب له قد صادف ملك نفسه فكان نافذا. وغرم المعتق قيمتها لأن رد العين كان مستحقا عليه وقد تعذر بنفوذ تصرفه فيه فعليه قيمتها كالمشتراه شراء فاسدا. واذا شاء المكره بالفتح رجع على الذين أكرهوه بقيمتها لأنهم أتلفوا عليه ملكه، اذ الاكراه بوعيد تلف يجعل المكره ملجأ. ويترتب على ذلك كون المكره آلة للمكره ونسبة الفعل الى المكره بالكسر فان ضمنهم القيمة رجعوا بها الموهوب له

(4)

ولو خوف الزوج زوجته بالضرب ونحوه من كل متلف حتى وهبته مهرها لم تصح الهبة ان قدر الزوج على الضرب وان هددها بطلاق أو بتزوج عليها أو تسر فليس باكراه لأن كل فعل من هذه الأفعال جائز شرعا والأفعال الشرعية لا توصف بالاكراه. ولو منع امرأته المريضة عن المسير الى أبويها الا أن تهبه مهرها فوهبته بعض المهر فالهبة باطلة لأنها كالمكره

(5)

. ولو أن لصا أكره صاحب مال على أن يهب مال الآخر وأكره الآخر على أن يقبل الهبة منه ويقبضها بوعيد تلف فقبضها فضاعت عنده فان قال القابض أخذتها على أن

(1)

شرح الأزهار ج 3 ص 395.

(2)

شرح النيل ج 3 ص 475.

(3)

حاشية ابن عابدين ج 5 ص 111.

(4)

المبسوط ج 24 ص 53، 54.

(5)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 120.

ص: 133

تكون فى يدى مثل الوديعة حتى أردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه لأن الاكراه شاهد له على أنه غير راغب فى تمليكها فيكون الضمان على المكره بالكسر خاصة وان قال أخذتها على وجه الهبة لتسلم لى كان لرب المال أن يضمنه ان شاء أو يضمن المكره. فان ضمن المكره بالكسر رجع على الموهوب له

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

الاكراه على الكلام لا يجب به شئ وان قاله المكره كالهبة

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فمن عاهد فى شئ على قهر لم يلزمه الوفاء به فمن عقد بقهر هبة فليس ذلك بمنعقد

(3)

. وعلى ذلك لا تحل للموهوب له هبة. بلا طيب نفس الواهب - كهبة اكراه - ولا تثبت له فى الحكم أيضا لقول الرسول السابق. ولا حرج على الواهب لأنه حل لمكره بالفتح أن يفدى نفسه من عدوه اذا أسره بماله اجماعا

(4)

.

‌الاكراه فى الوكالة

‌مذهب الحنفية:

لو أكره على التوكيل بالطلاق والعتاق صح وما جاء فى كتاب الاشباه من خلافه وهو عدم وقوع طلاق الوكيل واعتاقه فقياس والاستحسان وقوعه. اذ الأصل عندنا أن كل ما يصح مع الهزل يصح مع الاكراه لأن ما يصح مع الهزل لا يحتمل الفسخ وكل مالا يحتمل الفسخ لا يؤثر فيه الاكراه. ولو أكره على التوكيل بالنكاح يصح وينعقد. ويرجع المكره بالفتح على المكره بالكسر استحسانا ولا ضمان على الوكيل. ولو أكره بملجئ على توكيل شخص حاضر ببيع عبده بألف وعلى الدفع اليه فباع الوكيل وأخذ الثمن فهلك العبد عند المشترى وهو الوكيل طائعان ضمن المكره بالفتح أى الثلاثة شاء. فان ضمن المشترى لم يرجع بالقيمة على أحد بل بالثمن على الوكيل وان ضمن الوكيل رجع الوكيل على المشترى بالقيمة ورجع المشترى عليه بالثمن فيتقاصان ويترادان الفضل وان ضمن المكره رجع على المشترى أو على الوكيل. واذا كان الاكراه بغير ملجئ لم يضمن المكره بكسر الراء شيئا وانما للمولى تضمين الوكيل القيمة ويتقاص مع المشترى بالثمن أو تضمين المشترى ثم لا رجوع للمشترى على أحد

(5)

. ولو أكره المولى بالقتل على التوكيل ببيع عبده وأكره الوكيل على البيع والتسليم بالقتل لذلك كان المولى بالخيار ان شاء ضمن المشترى قيمة عبده لأنه قبضه بشراء فاسد طائعا. وان شاء ضمن المكره بالكسر باكراهه اياه على التسليم بوعيد تلف ثم يرجع بها المكره على المشترى لأنه قائم مقام من ضمنه ولأنه ملكه بالضمان ولا ضمان له على الوكيل لأنه كان

(1)

المبسوط ج 24 ص 79.

(2)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 329.

(3)

شرح النيل ج 2 ص 475.

(4)

شرح النيل ج 6 ص 46، 48، 55.

(5)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 118.

ص: 134

مكرها بالقتل على القبض والتسليم فلا يبقى فى جانبه فعل معتبر. ولو كانوا جميعا مكرهين بالقتل فالضمان على المكره بالكسر خاصة لأن الاتلاف منسوب اليه اذ لم يبق للمكره بالفتح فعل معتبر فى التسليم والقبض ولا يرجع المكره بالكسر على أحد بشئ لأنهم صاروا كالآلة له وليس للمتلف أن يرجع على الآلة بشئ

(1)

. ولو أكره المولى بالقتل وأكره الوكيل والمشترى بالحبس فللمولى أن يضمن قيمته أيهم شاء لأن فعلهم فى التسليم منسوب الى المكره وفعل الوكيل والمشترى مقصور عليهما فان ضمن المشترى لم يرجع على أحد بشئ. وان ضمن الوكيل له أن يرجع على المشترى ولا شئ له على المكره. وان ضمن المكره كان له أن يرجع على المشترى بالقيمة ولا يرجع على الوكيل بشئ لأنه هو الذى أمر الوكيل بالبيع والدفع حين أكرهه على ذلك بالحبس. ولو أكره المولى والوكيل بالقتل وأكره المشترى بالحبس فلا ضمان على الوكيل لانعدام الفعل منه حين كان مكرها بالقتل وللمولى أن يضمن للمكره قيمته ان شاء ويرجع به المكره على المشترى وان شاء ضمن المشترى لأن فعله فى القبض مقصور عليه. ولو أكره المولى والوكيل بالحبس وأكره المشترى بالقتل فلا ضمان على أحد منهم الا الوكيل خاصة لأن المولى انما يضمن المكره بتسليمه الى الغير مكرها من جهته وانما كان مكرها هنا على ذلك بالحبس فلا يرجع عليه بشئ والمشترى مكره على القبض بالقتل فلا يكون قبضه موجبا للضمان عليه وأما الوكيل فمكره على القبض والتسليم بالحبس وذلك لا يوجب نقل الفعل عنه الى غيره فيكون ضامنا قيمته ولو أكره المولى والمشترى بالقتل وأكره الوكيل بالحبس والمسألة بحالها كان للمولى أن يضمن المكره ان شاء لأنه فوت يده حين أكرهه بالقتل على التسليم وان شاء ضمن الوكيل لأن فعله فى القبض والتسليم مقصور عليه وأيهما ضمن لم يرجع على صاحبه بشئ. ولو أكره بالقتل على أن يوكل هذا الرجل بأن يهب عبده هذا لهذا الرجل فوكله بذلك فقبضه الوكيل ودفعه الى الموهوب له ومات فى يده والوكيل والموهوب له غير مكرهين فللمولى أن يضمن قيمته أيهم شاء لأن الموهوب له قبض لنفسه على وجه التملك بهبة فاسدة فيكون ضامنا كالمشترى فان ضمن الموهوب له لم يرجع على أحد وان ضمن الوكيل رجع به على الموهوب له. وان ضمن المكره بالكسر رجع المكره ان شاء على الموهوب له وان شاء على الوكيل ورجع به الوكيل على الموهوب له ولو كان الاكراه بحبس لم يضمن المكره بالكسر شيئا وكان للمولى أن يضمن الوكيل أو الموهوب له فان ضمن الوكيل رجع به على الموهوب له لكنه قام مقام من ضمنه أو لأنه ملكه بالضمان ولم يقصد تنفيذ الهبة من جهته فكان له أن يرجع على الموهوب له لأنه بالقبض متملك عامل لنفسه بغير اذن المالك فلا يسلم له مجانا

(2)

.

(1)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 148، 149.

(2)

المبسوط ج 24 ص 149، 150.

ص: 135

‌الاكراه على الضمان

‌مذهب المالكية:

لا يصح الضمان الا برضى الضامن فان أكره لم يصح لأنه التزام مال فلم يصح بغير رضى الملتزم كالنذر

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يصح ضمان المكره ولو باكراه سيده

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

لا يصح ضمان المكره

(3)

.

‌الاكراه على الاقرار

‌مذهب الحنفية:

الاكراه مبطل للاقرار سواء كان اقرارا بتصرف قولى أو فعلى فلا يصح اقرار المكره بطلاق وعتاق لقيام دليل الكذب وهو الاكراه.

والاكراه اخبار يحتمل الصدق والكذب فيجوز تخلف مدلوله الوصفى عنه

(4)

. ولا اقرار المكره بنكاح أو برجعة أو بفئ من ايلاء أو بالعفو عن الجانى

(5)

. أو نذر أو يحد أو نسب، ولو أكره القاضى أو غيره رجلا ليقر بسرقة أو زنا أو شرب خمر أو بقتل رجل بعمد أو بقطع يد رجل عمدا فأقر بذلك فقطعت يده أو قتل بناء على اقراره مكرها. فان كان المقر موصوفا بالصلاح اقتص من القاضى. وان كان متهما بالسرقة معروفا بها وبالقتل لم يقتص من القاضى استحسانا لشبهة انه فعل ما أقر به مع دلالة الحال عليه لكن يضمن القاضى جميع ذلك فى ماله ولا فرق فى الحكم بين كون الاكراه بملجئ أم لا

(6)

. وان قال له القاضى وهو فى يده بعد ما أقر انى لا أؤاخذك باقرارك الذى أقررت به ولا أضربك ولا أحبك ولا أعرض لك وان شئت فأقر وان شئت فلا تقر وهو فى يد القاضى على حاله لم يجز هذا الاقرار لأن بقاءه فى يد القاضى حبس منه له وقد هدد بالحبس قبل ذلك فما دام حابسا له كان ذلك الاكراه باقيا. وقوله لا أحبك نوع غرور وخداع منه فلا ينعدم به أثر ذلك الاكراه. وان خلى سبيله ولم يتوار عن بصر القاضى حتى بعث من أخذه ورد اليه فأقر بالذى أقر به أول مرة من غير اكراه جديد لم يصح اقراره لأنه ما لم يتوار عن بصره فهو متمكن من أخذه وحبسه فيجعل ذلك بمنزلة ما لو كان فى يده على حاله

(7)

. ولو أكره على الاقرار بعبده أنه ابنه لم يصح

(8)

. ولو زوج ابنته من رجل فلما أرادت الزفاف منعها الأب الا أن يشهد عليها أنها استوفت منه ميراث

(1)

الشرح الكبير ج 8 ص 78.

(2)

قليوبى عن المحلى ج 2 ص 324.

(3)

العروة الوثقى ج 2 ص 318.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 619.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 579، ج 5 ص 121.

(6)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 120 والمبسوط ج 24 ص 71.

(7)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 71.

(8)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 579.

ص: 136

أمها فأقرت ثم أذن لها بالزفاف فلا يصح اقرارها لكونها فى معنى المكرهة

(1)

. ولو أن لصوصا من المسلمين غير المتأولين أو من أهل الذمة تجمعوا فغلبوا على مصر من أمصار المسلمين وأمروا عليهم أميرا فأكرهوا رجلا على أن يقر بألف درهم فأقر لهم بخمسمائة كان باطلا لأنهم حين أكرهوه على ألف فقد أكرهوه على أقل منها فالخمسمائة بعض الألف ومن ضرورة امتناع صحة الاقرار بألف اذا كان مكرها امتناع صحة اقراره بما هو دونه.

ولأن من عادات الظلمة اذ يكرهون المرء على الاقرار بالكثير ويقنعون منه بالبعض فبهذا الطريق جعل مكرها على ما دون الألف. ولو أقر بألفين لزمه ألف درهم لأنه طائع فى الاقرار بأحد ألفين وليس من عادات الظلمة أن يتحكموا على المرء بمال ومرادهم أكثر من ذلك ولو أقر بألف دينار لزمته لأن الدراهم والدنانير جنسان حقيقة فيكون طائعا فى جميع ما أقر به الجنس الآخر. ولا يقال الدراهم والدنانير جعلا كجنس واحد فى الأحكام لأن هذه فى الانشاءات فأما فى الاخبارات فمنها جنسان كذلك لو أقر بنصف غير ما أكرهوه عليه من المكيل أو الموزون فهو طائع حتى أقر به ولو أكرهوه على الاقرار له بألف فأقر له ولفلان الغائب بألف فالاقرار كله باطل فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف سواء أقر الغائب بالشركة أو أنكرها. وقال محمد ان صدقه الغائب فيما أقر به بطل الاقرار كله وان قال لى عليه نصف هذا المال ولا شركة بينى وبين هذا الذى اكرهوه على الاقرار له جاز الاقرار للغائب بنصف المال لأنه لم يكره على الاقرار

(2)

له. ولو أكرهوه على أن يقر له بألف درهم فوهب له الألف درهم جاز لأن الهبة غير الاقرار والممتنع من الاقرار قد لا يكون ممتنعا من الهبة فكان هو فى الهبة طائعا

(3)

. ولو أكره بوعيد تلف أو غير تلف على أن يقر بأنه لا قول له قيل هذا الرجل ولا بينة له عليه فالاقرار باطل لأن الاكراه دليل على أنه كاذب فيما أقر به. ولو أكره على أن يقر بأنه لم يتزوج هذه المرأة وأنه لا بينة له بذلك أو على أن هذا ليس بعبده وأنه حر الأصل فاقراره بذلك باطل لأن الاكراه دليل على أنه كاذب فيما أقر به فلا يمنع ذلك قبول بينة على ما يدعيه من النكاح والرق بعد ذلك

(4)

.

‌مذهب المالكية:

الاكراه على الاقرار كالاكراه على الطلاق فى عدم اللزوم نحو قوله ان لم تقر بأن لى فى ذمتك كذا قتلتك فأقر لم يلزمه بذلك الاقرار شئ

(5)

. أما الاكراه على أن يقر بأنه سرق فانما يكون بالقتل والضرب والسجن والقيد فاذا خوف بشئ من ذلك من حاكم أو غيره فأقر بها لم تلزمه السرقة عند ابن القاسم حتى لو أخرج السرقة التى أقر بها مكرها لاحتمال وصول المسروق اليه من غيره. الا أن يقر بعد الاكراه آمنا كما فى المدونة.

وقال سحنون يعمل باقرار المتهم

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 120.

(2)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 52.

(3)

المرجع السابق ج 24 ص 61.

(4)

المرجع السابق ج 24 ص 84، 85.

(5)

الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 369

ص: 137

باكراهه وبه الحكم - أى القضاء ان ثبت عند الحاكم أنه من أهل التهم كما فى معين الاحكام ومتن التحفة لابن عصام ونسبه فيها لمالك. والأول هو المشهور والأوفق بقواعد الشرع. قال عبد الباقى والمعتمد ما قاله سحنون وحمل ما فى المدونة على غير المتهم على أنه وقع فيها محملان.

أحدهما: صريح فى عدم العمل باقرار المكره.

ثانيهما: حلف المتهم وسجنه وتهديده، واستشكله البرزلى بأنه لا فائدة من سجنه لعدم العمل باقرار المكره كما هو مفاد المدونة أولا. قال وجمع الغربانى بينهما: يحمل أول كلامهما على ما اذا كان المسروق لا يعرف بعينه لاحتمال أن يأتى بشئ غير المسروق من خوفه. وحمل آخر كلامهما على ما اذا كان المسروق يعرف بعينه فيهدد المتهم ويسجن رجاء أن يقر ثم قال ويجمع بينهما: يحمل أول كلامهما على غير المتهم وآخره على المتهم كقول سحنون بهذا علم أن ما قاله سحنون موافق للمدونة على أحد التأويلين. فاذا أقر مكرها على ما ذهب اليه خليل وأخرج بعض المسروق أخذ بما أقر به من السرقة ان مما يعرف بعينه بناء على تأويل الغربانى ويؤاخذ بما أقر به من السرقة مطلقا أى سواء كان مما يعرف بعينه أم لا ان كان متمها بناء على تأويل البرزلى

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يصح اقرار مكره على الاقرار لقوله تعالى الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان فاذا أسقط أثر الكفر فبالأولى غيره ويقبل قوله فى الاكراه مع قرينه وتقدم بينته على بينة الاختيار ان لم تشهد بتقدم اكراه عليه. ولو أقر بالطواعية فى نحو بيع ثم ادعى الاكراه عليه لم يقبل الا بينة أنه أكره على الطواعية ولو أكره ليصدق صح اقراره ولو كان الاكراه بالضرب واستشكله الأذرعى وهو حقيق بالاشكال خصوصا فى هذا الزمان الذى فسد فيه أمر الولاة

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

لا يصح اقرار المكره بما أكره عليه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولأنه قول اكراه عليه بغير حق فلم يصح كالبيع.

وان أقر بغير ما أكره عليه مثل أن يكره على الاقرار لرجل فأقر لغيره. أو بنوع من المال فيقر بغيره أو على الاقرار بطلاق امرأة فأقر بطلاق أخرى. أو أقر بعتق عبد صح لأنه أقر بما لم يكره عليه فصح كما لو أقر به ابتداء.

ولو أكره على أداء مال فباع شيئا من ماله ليؤدى ذلك صح بيعه نص عليه أحمد لأنه لم يكره على البيع

(3)

. ولو أكره بالضرب ليقر بالزنا لم يجب عليه الحد. ولم يثبت عليه الزنا.

ولا نعلم من أهل العلم خلافا فى أن اقرار المكره لا يجب به حد. وروى عن عمر رضى الله عنه أنه قال ليس الرجل بأمين على نفسه اذا جوعته أو ضربته أو أوثقته رواه سعيد بن المسيب. وقال ابن شهاب فى رجل اعترف بعد

(1)

الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 345.

(2)

قليوبى وعميرة على المحلى ج 3 ص 4.

(3)

المغنى والشرح ج 5 ص 273.

ص: 138

جلده ليس عليه حد. ولأن الاقرار انما يثبت به المقر به لوجود الداعى الى الصدق وانتفاء التهمة عنه. فان العاقل لا يتهم بقصد الاضرار بنفسه ومع الاكراه يغلب على الظن أنه قصد باقراره دفع ضرر الاكراه. فانتفى ظن الصدق عنه فلم يقبل

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

اشترط ابن حزم لصحة الاقرار عدم الاكراه

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يصح اقرار المكره

(3)

.

‌الاكراه على أخذ المال أو اتلافه

‌مذهب الحنفية:

رخص لمكره اتلاف مال مسلم أو ذمى اذا أكره بقتل أو قطع ويؤجر لو صبر لأخذه بالعزيمة لأن أخذ مال الغير من المظالم وحرمة الظلم لا تنكشف ولا تباح بحال كالكفر. فاذا أتلف المال ضمن المكره بكسر الراء لأن المكره بفتح الراء كالآلة

(4)

. والمكره على أخذ المال لا يضمن ما أخذه اذا نوى الآخذ أنه يرده على صاحبه والا ضمن وفى حالة عدم ضمانه يكون الضمان على الآمر. واذا اختلف المالك والمكره فى النية فالقول للمكره مع يمينه لانكاره الضمان والمكره على الأخذ والدفع يحل له البيع ما دام حاضرا عنده المكره بالكسر والا لم يحل لزوال القدرة والالجاء بالبعد عنه. وبهذا يتبين أنه لا عذر لأعوان الظلمة فى الأخذ عند غيبة الأمير أو رسوله

(5)

. ولو هدد السلطان وصى اليتيم ليدفع مال اليتيم اليه فان كان التهديد بملجئ ففعل لم يضمن وان هدده بأخذ ماله فان علم أنه يأخذ بعض ماله ويترك له ما يكفيه لا يسعه فان فعل ضمن مثله وان خشى أخذ جميع ماله اعتبر تهديدا بملجئ فهو معذور. ولو أكره شخص بالحبس على أن يطرح ماله فى ماء أو نار ففعل لم يضمن المكره شيئا ولو أكرهه بالحبس على أن يأمر انسانا بأن يطرح ماله فى ماء أو نار فأمره بذلك ففعله المأمور كان المكره ضامنا ولا شئ على المكره الا أن يكون الطارح مكرها من جهته بوعيد تلف فحينئذ يكون الضمان على المكره. كذلك لو أكرهه بالحبس على أن يأذن له فى أن يأخذ ماله فيهبه أو يأكله أو يستهلكه ففعل ذلك كان المستهلك ضامنا لأن الأمر بالتهديد بالحبس لغو فكأنه فعل بغير أمره

(6)

.

‌مذهب الشافعية:

يباح بالاكراه اتلاف مال الغير بل يجب قطعا كما يجب على المضطر أكل طعام

(1)

المغنى ج 10 ص 72 والشرح ص 194.

(2)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 250.

(3)

شرح الأزهار ج 2 ص 382، ج 4 ص 158.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 115.

(5)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 121

(6)

المبسوط للسرخسى ج 24 ص 120.

ص: 139

غيره

(1)

. وليس للمالك دفع المكره بالفتح على اتلاف ماله اذا كانت وسيلة الاكراه القتل أو القطع فان كانت باتلاف مال له جاز للمالك دفعه ولكل من المكره بالفتح ومالك المال دفع المكره بالكسر عن الاقدام على وسيلة الاكراه ولا ضمان عليهما للمكره بالكسر

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

اذا كانت هناك سفينة فى البحر وفيها متاع فخيف غرقها فأكره بعض من فيه على القاء متاعه فى البحر لتخف ضمن المكره بكسر الراء

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم أنه لو أكرهه ظالم أو كافر على غرم ماله بالضغط فدفع المال. بطل هذا الدفع. وهو باق فى ملكه. ويقضى له به متى قدر على ذلك. ويأخذه من الظالم ومن الكافر الحربى متى أمكنه أو متى وجده فى مغنم قبل القسمة وبعد القسمة من يد من وجده فى يده من مسلم أو ذمى أو من يد ذلك الكافر لو تذمم أو أسلم أبدا هذا اذا وجد ذلك المال بعينه لأنه ماله كما كان ولا يطالب الكافر بغيره بدلا منه لأن الحربى اذا أسلم أو تذمم غير مؤاخذ بما سلف منه من ظلم أو قتل. أما المسلم الظالم فيتبعه به أبدا أو بمثله أو قيمته سواء كان خارجيا أو محاربا أو باغيا أو سلطانا أو متغلبا لأنه أخذ منه بغير حق والله تعالى يقول «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ 4» }.

‌مذهب الزيدية:

اذا كان المحظور الذى ارتكبه المكره هو اتلاف مال الغير وجب عليه ضمان قدر المال وينوى ذلك عند الاستهلاك

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

يصح للمجبور الترخص باتلاف مال الغير فاذا أكره أحدا على اضاعة مال الغير جاز له التقية بذلك فصح له اتلافه بشرط ضمانه لصاحبه. ومعنى ذلك أنه لا يكون آثما فى اتلافه لأن النفوس تفدى بالمال ولا عكس وانما أوجبنا عليه الضمان لئلا يضيع مال الغير فى غير شئ ومن لم يأخذ بالرخصة فى هذا ويمسك بالعزيمة حتى قتل عليها أو عذب حاز بذلك من الله المقام الأكمل اذ لا يلزمه الترخص بل الترخص جائز فقط خلافا لمن أوجب التقية بأكل الميتة وأشباهها

(6)

.

‌الاكراه على ما يمنع الارث

‌مذهب الحنفية:

لو أكره رجل أخاه على قتل ابنه أو ابن

(1)

الأشباه والنظائر للسيوطى ص 207.

(2)

قليوبى وعميرة على الجلال للمحلى ج 4 ص 206.

(3)

المغنى ج 5 ص 108 والشرح ص 108.

(4)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 23.

(5)

شرح الأزهار ج 4 ص 306.

(6)

شرح طلعة الشمس ص 273.

ص: 140

المكره بالفتح فقتل المكره بالفتح ابنه اقتص من المكره بالكسر ويرث المكره بالفتح ابنه كما يرث أخاه المكره بالكسر وان كان قتلهما من جهته

(1)

. ولو أن مريضا أكرهت امرأته بوعيد تلف أو حبس حتى تسأله أن يطلقها تطليقة بائنة فسألته ذلك فطلقها كما سألت ثم مات وهى فى العدة ورثته لأن سؤالها مع الاكراه باطل لأن تأثير سؤالها فى الرضا منها بالفرقة واسقاط حقها فى الميراث مع الاكراه لا يتحقق اما لو سألته تطليقتين بائنتين ففعل ثم مات وهى فى العدة لم ترثه لأنها سألته غير ما أكرهت عليه ولأن ما زادته من العدد كاف لاسقاط حقها فى الميراث

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يرث القاتل مكرها على

(3)

الصحيح أى أن القتل بالاكراه يمنع الارث.

‌مذهب الحنابلة:

اذا استكره الابن امرأة أبيه على ما ينفسخ به نكاحها من وط ء أو غيره فى مرض أبيه فمات أبوه من مرضه ذلك ورثته ولم يرثها زوجها ان ماتت سواء فى ذلك كان للميت بنون سوى هذا الابن أو لم يكن فاذا انتفت التهمة عنه بأن يكون غير وارث كالكافر والقاتل والرقيق.

أو كان ابنا ومن الرضاعة أو ابن ابن محجوب بابن للميت أو بأبوين أو ابنين أو كانت للميت امرأة أخرى تحوز ميراث الزوجات لم ترث لانتفاء التهمة. ولو صار ابن الابن وارثا بعد ذلك لم يرث لانتفاء التهمة حال الوط ء. ولو كان حال الوط ء وارثا فصار محجوبا من الميراث ورثت لوجود التهمة حين الوط ء. ولو كان المريض امرأتان فاستكره ابنه احداهما لم ترثه لانتفاء التهمة عنه لكون ميراثها لا يرجع اليه. ولو استكره الثانية بعدها ورثت لأنه متهم فى حقها ولو استكرهما معا دفعة واحدة ورثتا جميعا. كذلك الحكم فيما اذا وطئ المريض من ينفسخ نكاحه بوطئها كأم امرأته أو ابنتها فان امرأته تبين منه وترثه اذا مات فى مرضه ولا يرثها سواء طاوعته المكرهة أو أكرهها. فان كان زائل الفعل حين الوط ء لم ترث امرأته منه شيئا لأنه ليس له قصد صحيح فلا يكون فارا من ميراثها. كذلك لو وطئ ابنه امرأته مستكرها لها وهو زائل العقل لم ترث كذلك. فان كان صبيا عاقلا ورثت لأن له قصدا صحيحا. كذلك الحكم فيما اذا وطئ بنت امرأته أو أمها. ولو أكرهها على القبلة أو المباشرة دون الفرج روايتان

(4)

.

‌الاكراه على الوصية

‌مذهب الحنفية:

لا تصح مع الاكراه عليها

(5)

.

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 116.

(2)

راجع المبسوط ج 24 ص 133.

(3)

الأشباه والنظائر للسيوطى ص 205.

(4)

المغنى ج 7 ص 226، 227.

(5)

رد المحتار على الدر المختار ج 3 ص 43.

ص: 141

‌مذهب الزيدية:

لا تصح الوصية من مكره عليها حال عقدها

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

من شروط صحة الوصية عندهم الاختيار ومفهوم هذا ان الاكراه عليها مبطل

(2)

لها.

‌مذهب الإباضية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فى شئ ما فلا يلزمه ما أكره عليه من وصية

(3)

.

‌الاكراه فى الشهادات

‌مذهب المالكية:

لا يشترط فى صحة الشهادة عدم الاكراه عليها فمن تحمل الشهادة وحلف بالطلاق أنه لا يؤديها فأكره على أدائها فأداها وهو بالغ عاقل كانت صحيحة، وفى البنانى الحق عدم قبول شهادة المكره لأنه قد يؤدى بخلاف ما يعلم فالاكراه يمنع الثقة بشهادته

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

شهادة الزور اكراها ان كانت تقتضى قتلا أو قطعا أو اتلاف مال الحقت به أى أن حكم الاكراه على الشهادة هنا كحكم الاكراه على المشهود عليه من قتل أو قطع أو اتلاف مال. محل نظر اذ يقضى الى القتل كذا فى المطلب. فقال الشيخ عز الدين:

لو أكره على شهادة الزور أو حكم باطل فى قتل أو قطع أو احلال بضع استسلم للقتل وان كان يتضمن اتلاف مال لزمه ذلك

(5)

.

‌اكراه الأسير على الأمان

‌مذهب المالكية:

اذا أكره الأسير المسلم على الائتمان كان له الهروب وأخذ كل ما قدر عليه من مال أو نساء أو ذرية ولو كان ذلك بيمين أخذوه منه على ذلك كأن قال لهم أن أمنوه مكرها والله لا أخونكم فى مالكم أو لا أهرب ولا حنث عليه فى فعل شئ من ذلك

(6)

.

‌الاكراه على فعل أحد أمرين

‌مذهب الحنفية:

لو أكره بملجئ فقيل له اما أن تشرب شرابا محرما أو تبيع كرمك لا يحل له الشراب

(1)

شرح الأزهار ج 4 ص 470.

(2)

العروة الوثقى ج 2.

(3)

شرح النيل ج 3 ص 125.

(4)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 665.

(5)

الأشباه والنظائر للسيوطى ص 207.

(6)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 179.

ص: 142

ويخير بين الفسخ والامضاء بعد زوال الاكراه لأن حرمة الشرب قطعية فلم يكن راضيا بالبيع. ويرى البعض أنه يسعه الشرب وترك البيع لأن الشراب يباح عند الضرورة.

لو أكره بالقتل على الطلاق أو العتاق فلم يفعل حتى قتل لا يأثم لأنه لو صبر على القتل ولم يتلف مال نفسه يكون شهيدا فلأن لا يأثم اذا امتنع عن ابطال ملك النكاح على المرأة كان أولى. ولو أكرهه على البيع أو الزنا ونحوه فباع يكون مكرها وهذا فى الترديد بين محرم وغيره. أما لو ردده بين محرمين كأن أكرهه بملجئ على كفر أو قتل مسلم فلا قود عليه استحسانا وتجب الدية فى ماله فى ثلاث سنين ان لم يعلم أنه يرخص له فى اجراء كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالايمان وان علم قيل يقتل وقيل لا ولو أكره على قتل أو زنا لا يفعل واحدا منها لأن كلا لا يباح بالضرورة فان زنا لا يحد استحسانا وعليه المهر وان قتل بقتل الآمر لأنه لا يخرج عن كونه مكرها. ولو أكرهه على قتل أو اتلاف مال الغير له أن لا يتلف ولو كان المال أقل من الدية لأنه مرخص لا مباح فان قتل يقتل به اذ لا يرخص وان تلف ضمن الآمر. ولو أكرهه على طلاق قبل الدخول أو عتق غرم الآمر الأقل من قيمة العبد ومن نصف المهر. وان كان دخل لم يلزم الآمر شيئا

(1)

.

لو أكره بوعيد قتل على أن يقتل عبده عمدا وقيمته ألف درهم أو يستهلك ماله هذا وهو ألفا درهم فان أبى أن يفعل واحدا منهما حتى قتل كان غير آثم لأن حرمة القتل لم تنكشف بالاكراه وحرمة المال قائمة مع الاكراه وان أبيح له الاقدام على استهلاكه للدفع عن نفسه فلا يكون آثما فى الامتناع لأنه يمتنع من استهلاك المال وقتل النفس من السفه فان استهلك ماله فقد أحسن وضمانه على المكره بالغا ما بلغ. لأن الالجاء قد تحقق فيكون فعله فى اتلاف المال منسوبا الى المكره وهو محسن فيما صنع لأنه جعل ماله دون نفسه اذ قال عليه الصلاة والسلام لواحد من أصحابه:

(اجعل مالك دون نفسك ونفسك دون دينك) فان قتل العبد ولم يستهلك المال فهو آثم ولا شئ على المكره لأن الالجاء لم يتحقق فى القتل فان كان متمكنا من دفع الشر عن نفسه من غير مباشرة القتل بقى فعله فى القتل مقصورا عليه فليس له على المكره قود ولا قيمة. ولو أكرهه بوعيد القتل على أن يقطع يد نفسه أو يقتل عبده عمدا ففعل أحدهما كان له أن يقتص من المكره لأن الالجاء تناول كل واحد منهما بمنزلة ما لو أكره عليه بعينه. ولو أكرهه على أن يأخذ مال هذا الرجل أو مال هذا الرجل فلا بأس أن يأخذ مال أحدهما لأن الاكراه قد تناولهما لاستوائهما فى بقاء الحرمة والتقوم فى حق كل واحد منهما كحق المالك واحب الينا أن يأخذ مال أغناهما لأن أخذ المال من صاحبه يلحق الهم والحزن به وذلك يتفاوت بتفاوت حال المأخوذ منه فى الغنى. ولو أكرهه على أن يقتل عبد هذا الرجل عمدا أو يأخذ مال هذا الآخر أو مال صاحب العبد فيطرحه فى مهلكه أو يعطيه انسانا فلا بأس أن يعمل فى المال ما أمره به لتحقق الضرورة فيه وغرمه بالغا ما بلغ على المكره لأن الاتلاف صار منسوبا اليه وان قتل العبد فعلى القاتل القود لأن الاكراه لم يتناول القتل هنا اذ لا مساواة بين حرمة القتل وحرمة استهلاك المال واذا تمكن

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 120.

ص: 143

من دفع البلاء عن نفسه بغير القتل كان هو فى الاقدام على القتل طائعا فعليه القود وعلى المكره الأدب والحبس لارتكابه مالا يحل. ولو كان أمره أن يستهلك المال أو يضرب العبد مائة سوط فلا بأس باستهلاك المال وضمانه على المكره لا يحل له ضرب العبد لأن مثل هذا الضرب يخاف منه الهلاك فيكون بمنزلة القتل فان ضربه فمات منه كانت قيمته على عاقلة المضارب ولا ضمان على المكره لأنه طائع فى الاقدام على الضرب حتى يتمكن من التخليص بدونه على وجه لا يلحقه أثم ولا ضمان، ولو كان العبد والمال المكره بالفتح لم يسعه ضرب عبده ولكنه يستهلك ماله ويرجع به على المكره بالكسر فان ضرب عبده فمات لم يكن على المكره بالكسر ضمان لأن المكره بالفتح ولما كان يتخلص بدون الضرب كان فى الاقدام على الضرب طائعا ومن قتل عبد نفسه طائعا.

لم يجب الضمان له على غيره

(1)

.

‌زيادة المكره على ما أمر به

‌مذهب الحنفية:

ولو أن لصا أكره رجلا بوعيد تلف على أن يعتق نصف عبده فأعتقه كله فلا شئ على الذى أكرهه فى قياس قول أبى حنيفة لأن العتق عنده يتجزأ. أو ما أتى به غير ما أكره عليه فلا يصير الاتلاف به منسوبا الى المكره.

وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المكره ضامن لقيمة العبد لأن عندهما العتق لا يتجزأ فالاكراه على اعتاق النصف بمنزلة الاكراه على اعتاق الكل

(2)

.

‌الاكراه الصادر من الخوارج المتأولين

‌مذهب الحنفية:

ان غلب قوم من الخوارج المتأولين على أرض وجرى فيها حكمهم ثم أكرهوا على فعل شئ من قتل أو قطع أو تلف مال أو غير ذلك فأحكام المكره بالكسر التى سبق ذكرها لا تسرى على الخوارج المتأولين فلا يلزمهم قود ولا ضمان أما المكره بالفتح فتسرى عليه أحكام الاكراه التى سبقت الاشارة اليها باعتباره مكرها

(3)

.

‌الاكراه فى العتق

‌مذهب الحنفية:

يصح العتق من المكره عليه لأن المكره اختار أيسر الأمرين فكان قاصدا له وان عدم الرضا وما صح مع الهزل لا يؤثر فيه الاكراه لعدم توقفه على الرضا. ويرجع بقيمة العبد على المكره بكسر الراء ولو معسرا لأنه ضمان اتلاف اذا اعتقه لغير كفارة والا فلا رجوع والولاء للمأمور ولا يرجع المكره بكسر الراء على العبد بما تضمن لوجوبه عليه بالفعل ولا سعاية على

(1)

المبسوط ج 24 ص 41، 139، 140، 141.

(2)

المرجع السابق ج 24 ص 132، 133، 108.

(3)

المبسوط ج 24 ص 108.

ص: 144

العبد. ولا رجوع اذا أكره على شراء من يعتق عليه باليمين أو القرابة

(1)

. واذا اكره على دخول دار علق عتق عبده على دخولها عتق العبد ولا يضمن له المكره شيئا

(2)

، ولو أكره على القول بأن دخلت الدار فأنت حر وان صليت أو أكلت أو شربت ففعل يعتق العبد ويغرم الذى أكرهه قيمته

(3)

. ولو أكره على شراء ذى رحمة أو من حلف بعتقه وقيمته ألف على أن يشترى بعشرة آلاف فاشترى عتق ولزمه ألف لا عشرة لأن الواجب فيه القيمة لا الثمن ولا يرجع بشئ على المكره لأنه دخل فى ملكه قبل ما خرج

(4)

. وان كان العبد لرجلين فأكره أحدهما حتى أعتقه جاز عتقه ثم على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله العتق لا يتجزأ فيعتق العبد كله والولاء للمعتق وعلى المكره أن كان موسرا ضمان جميع القيمة بينهما نصفين لأنه صار متلفا الملك عليهما وان كان معسرا ضمن نصيب المكره بالفتح لأنه باشر اتلاف نصيبه ويستسعى العبد فى قيمة نصيب الشريك الآخر. وأما فى قياس قول أبى حنيفة رحمه الله فالمكره بالكسر ضامن لنصيب المكره بالفتح موسرا كان أو معسرا والساكت بالخيار ان شاء أعتق نصيبه وان شاء استسعاه فى نصيبه وان شاء ضمن المكره قيمة نصيبه فان ضمنه رجع المكره بهذا النصف من القيمة على العبد فاستسعاه فيه لأنه قام مقام الساكت فى ذلك وصار متملكا لنصيبه بأداء الضمان. والولاء بين المكره والمكره نصفان وهنا اذا كان المكره بالكسر موسرا وان كان المكره بالكسر معسرا فللساكت حق الاستسعاء والاعتاق والولاء بينه وبين المكره نصفان لأن عتق نصيب كل واحد منهما على ملكه

(5)

. ولو أن أجنبيا أعتق عبد رجل بغير أمره فأكره بالحبس على أن يجيزه بعد العتق لم يضمن المكره شيئا

(6)

. ولو أن لصا أكره رجلا بوعيد تلف على أن يعتق عبدا يساوى ألف درهم عن رجل بألف درهم فى كفارة ففعل ذلك وقبل المعتق عنه طائعا فالعبد حر عن المعتق عنه والولاء له لأن المولى لو كان طائعا فى هذا الايجاب كان العبد حرا عن المعتق عنه فكذلك اذا كان مكرها اذ لا تأثير للاكراه فى المنع من العتق. ثم رب العبد بالخيار ان شاء ضمن المعتق عنه قيمة العبد لأن المعتق عنه قبله باختياره وقد تعذر عليه رده لنفوذ العتق من جهته فيكون ضامنا قيمته وان شاء ضمن المكره بالكسر لأنه أتلف ملكه عليه بالاكراه الملجئ فيكون ضامنا له قيمته. ولو أكرهه بحبس كانت القيمة له على المعتق عنه ولا شئ له على المكره لأن الالجاء لا يحصل بالاكراه بالحبس وبدونه لا يصير الاتلاف منسوبا الى المكره. ولو أكره المعتق والمعتق عنه بوعيد تلف حتى فعلا ذلك فالعبد حر عن المعتق عنه والولاء له وضمان العبد على المكره خاصة لمولى العبد لأن المعتق عنه ملجأ الى القبول وهذا النوع من الضرورة يخرجه من أن يكون متلفا مستوجبا للضمان وانما المتلف هو المكره فالضمان عليه خاصة. ولو أكرهما على ذلك بالحبس ففعلا ضمن المعتق عنه قيمته لمولاه لأن المكره غير ملجأ هنا فلا ضمان عليه والاتلاف

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 581 وج 3 ص 117.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 579.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 581.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 117.

(5)

المبسوط ج 24 ص 62، 63.

(6)

المبسوط ج 24 ص 121.

ص: 145

حاصل بقبول المعتق عنه وقد بقى مقصورا عليه حين لم يكن ملجأ الى ذلك فكان ضامنا قيمته ولو أكره المولى بوعيد تلف وأكره الآخر بحبس حتى فعلا ذلك كان للمولى أن يضمن أيهما شاء قيمته لأن المكره الجأ المولى الى اتلاف ملكه فيكون ضامنا له قيمته والمعتق عنه بالقبول متلف ومعتق لأنه ما كان ملجأ اليه فيكون للمولى الخيار فأيهما اختار ضمانه لم يكن له بعد ذلك أن يضمن الآخر شيئا فان ضمن المكره رجع على المعتق عنه بما ضمن لأنه قام مقام المولى ولأن المعتق عنه متلف للملك بفعل مقصور عليه فلا بد من ايجاب ضمان القيمة

(1)

عليه.

‌مذهب المالكية:

الاكراه على العتق كالاكراه على الطلاق فى عدم اللزوم نحو قوله ان لم تعتق عبدك قتلتك فاعتق العبد لم يلزمه ذلك

(2)

. ولو أكره على العتق ثم زال الاكراه فأجاز ذلك طائعا فهل يلزمه ما أجازه أو لا قولان

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يصح العتق من مكره الا بحق كاكراه الحاكم من اشترى بشرط العتق عليه واكراهه ولى الصبى على العتق عن كفارة قتل العمد وشبهه لوجوب الضرر فيه بخلاف الخطأ

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

لا يصح عتق المكره

(5)

.

‌مذهب الظاهرية:

لا يجوز عتق المكره

(6)

.

‌مذهب الزيدية:

العتق يصح ايقاعه من مكلف مختار أو مكره عليه ونواه

(7)

.

‌مذهب الإباضية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فى شئ ما فلا يلزمه ما أكره عليه من طلاق أو عتق) الخ

(8)

.

‌الاكراه على التدبير

‌مذهب المالكية:

تدبير المكره باطل باتفاق

(9)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يصح تدبير مكره

(10)

.

(1)

المبسوط ج 24 ص 112، 113، 114.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح ج 2 ص 369.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 370.

(4)

قليوبى على المنهاج ج 4 ص 350.

(5)

المغنى ج 12 ص 239.

(6)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 205.

(7)

شرح الأزهار ج 3 ص 560.

(8)

شرح النيل ج 3 ص 265.

(9)

حاشية الدسوقى ج 4 ص 380.

(10)

قليوبى على المحلى ج 4 ص 359.

ص: 146

‌مذهب الإباضية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس على مقهور عقد ولا عهد أى فى شئ ما فلا يلزمه ما أكره عليه من طلاق أو عتق أو تدبير الخ

(1)

.

‌الاكراه على الكتابة

‌مذهب الشافعية:

لا يصح الكتابة من مكره ولا له

(2)

.

‌الاكراه فى أمهات الأولاد

‌مذهب الحنفية:

يصح الاستيلاد مع الاكراه وصورته أن يكرهه على استيلاد أمته فاذا وطئها وأتت بولد ثبت نسبه منه وكانت أم ولد له، ولو أكره على الاقرار بأن جاريته أم ولد لم يصح اقراره

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

اذا أكره المولى على وط ء أمته فولدت حيا أو ميتا أو ما تجب فيه عزة صارت أم ولد له وعتقت بموت سيدها

(4)

.

‌التقاط

‌التعريف فى اللغة:

التقاط

(5)

مصدر فعله التقاط الثلاثى المزيد بالهمزة والتاء فأصل مادته لقط.

ذكر صاحب لسان العرب أن اللقط أخذ الشئ من الأرض يقال لقط فلان هذا الشئ يلقطه - بضم القاف - لقطا والتقطه التقاطا أخذه من الأرض. فهو لاقط ولقاط ولقاطه، والمفعول ملقوط ولقيط ولاقط الحصى هى قانصة الطير يجتمع فيها الحصى والعرب تقول ان عندك ديكا يلتقط الحصى يقصدون من ذلك التمام.

قال الليث واللقطة بتسكين القاف وضم اللام اسم الشئ الذى تجده ملقى فى الطريق فتأخذه وكذلك المنبوذ من الصبيان يقال له لقطة بضم فسكون، وأما اللقطة بضم اللام وفتح القاف فهو الرجل اللقاط الذى يتبع اللقطات يلتقطها، ويدل على أن الفعلة - بضم الفاء وسكون العين - للمفعول وعلى أن الفعلة - بضم الفاء وفتح العين - للفاعل.

(1)

شرح النيل ج 3 ص 625.

(2)

قليوبى على المحلى ج 4 ص 359.

(3)

رد المحتار على الدر المختار ج 5 ص 579.

(4)

قليوبى على المحلى ج 4 ص 373.

(5)

لسان العرب لجمال الدين محمد بن منظور مادة لقط ج 9 ص 268 وما بعدها الى ص 270 طبع المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر وانظر كذلك القاموس المحيط. لمجد الدين الفيروزابادى ج 2 ص 383 نفس المادة الطبعة الخامسة طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر 1373 هـ - 1954 م. والمعجم الوسيط اخراج مجمع اللغة العربية بمصر نفس المادة ج 2 ص 841 طبع 1381 هـ - 1961 م.

ص: 147

قول الكميت:

ألقطة هدهد وجنود أنثى

مبرشمة الحمى تأكلونا

يريد أن يقول: يا لقطة هدهد ويا جنود أنثى تحقيرا لهم وتهوينا لشأنهم لأن الهدهد يلقط العذرة ليأكلها.

قال الأزهرى وكلام العرب الفصحاء على أن اللقطة - بضم اللام وفتح القاف للمفعول وليس للفاعل وهكذا رواه المحدثون عن أبى عبيد أنه قال فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن اللقطة فقال (احفظ عفاصها ووكاءها). وأما الصبى المنبوذ الذى يجده انسان على الطريق لا يعرف أبواه فهو اللقيط عند العرب - فعيل بمعنى مفعول - والانسان الذى يأخذ الصبى أو الشئ الساقط يقال له: الملتقط، من ذلك ما روى فى الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذى لاعنت عنه). واللقيط الطفل الذى يوجد ملقى على الطرق لا يعرف أبوه ولا أمه. ويقال للذى يلقط السنابل اذا حصد الزرع ووخز الرطب من العذق: لاقط ولقاط ولقاطة - بفتح اللام وتضعيف القاف المفتوحة.

وفى الحديث الشريف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن مكة: (ولا تحل لقطتها الا لمنشد). وقد تكرر ذكرها فى الحديث. وهى بضم اللام وفتح القاف - اسم المال الملقوط أى الموجود. والالتقاط أن تعثر على الشئ من غير قصد ولا طلب، ويقال لقيته التقاطا اذا لقيته من غير أن ترجوه أو تحتسبه. ويقال:

التقط الشئ أى لقطه وفى التنزيل العزيز قال الله سبحانه وتعالى عن موسى عليه السلام:

«فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً 1» }.

‌التعريف فى اصطلاح الفقهاء:

يستعمل الفقهاء كلمة الالتقاط ويقصدون من ذلك أن يعثر الانسان على الشئ من غير قصد ولا طلب فيأخذه فى حوزته. وله أحكام تختلف باختلاف جنس ذلك الشئ ونوعه والمكان الذى التقط فيه الى غير ذلك من الأحكام وكل ذلك ينظر فى مصطلح (لقطة ولقيط).

‌الجاء

‌التعريف فى اللغة:

جاء فى لسان

(2)

العرب: لجأ الى الشئ والمكان يلجأ لجئا ولجوءا وملجأ، ولجئ لجأ، والتجأ، وألجأت أمرى الى الله أسندت وفى حديث كعب رضى الله عنه (من دخل فى ديوان المسلمين ثم تلجأ منهم فقد خرج من قبة الاسلام) يقال لجأت الى فلان وعنه والتجأت وتلجأت اذا استندت اليه واعتضدت به أو عدلت عنه الى غيره كأنه اشارة الى الخروج والانفراد

(1)

الآية رقم 8 من سورة القصص.

(2)

لسان العرب للامام العلامة أبى الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الافريقى المصرى ج 2 ص 152 مادة لجأ طبع دار صادر دار بيروت للطباعة والنشر (1374 هـ - 1955 م) الطبعة الأولى.

ص: 148

عن المسلمين وألجأه الى الشئ اضطره اليه وألجأه عصمه والتلجئة الاكراه قال أبو الهيثم التلجئة أن يلجئك أن تأتى أمرا باطنه خلاف ظاهره، ويعتبر الأصوليون من غير الحنفية أن الالجاء قسم من أقسام الاكراه وذلك أن الاكراه قد يكون ملجئا وقد لا يكون ويرتبون على كل منهما أحكاما فقد جاء فى منهاج

(1)

الوصول: الاكراه الملجئ يمنع التكليف لزوال القدرة قال الأسنوى: الاكراه قد ينتهى الى حد الالجاء وهو الذى لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار كالالقاء من شاهق وقد لا ينتهى اليه كما لو قيل له ان لم تقتل هذا والا قتلتك وعلم انه ان لم يفعل قتله فالأول يمنع التكليف أن بفعل المكره عليه وبنقيضه قال فى المحصول لأن المكره عليه واجب الوقوع عقلا وضده ممتنع والتكليف بالواجب والممتنع محال وهذا هو معنى قول البيضاوى لزوال القدرة لأن القادر على الشئ هو الذى ان شاء فعل وان شاء ترك وهذا القسم لا خلاف فيه كما قال ابن التلمسانى وأما الثانى وهو غير الملجئ فمفهوم كلام المصنف أنه لا يمنع التكليف قال ابن التلمسانى وهو مذهب أصحابنا (الأشاعرة) لأن الفعل ممكن والفاعل متمكن قال وذهبت المعتزلة الى أنه يمنع التكليف فى عين المكره عليه دون نقيضه فانهم يشترطون فى المأمور به أن يكون بحال يثاب على فعله واذا أكره على عين المأمور به فالاتيان به لداعى الاكراه لا لداعى الشرع فلا يثاب عليه فلا يصح التكليف به بخلاف ما اذا أتى بنقيض المكره عليه فانه أبلغ فى اجابة داعى الشرع وقال الغزالى الآتى بالفعل مع الاكراه كمن أكره على أداء الزكاة مثلا ان أتى به لداعى الشرع فهو صحيح أو لداعى الاكراه فلا ورد القاضى على المعتزلة بالاجماع على تحريم القتل عند الاكراه عليه. قال امام الحرمين وهذه هفوة من القاضى لما تقدم وفيما قاله نظر لأن القاضى انما أورده عليهم من جهة أخرى وذلك أنهم منعوا أن المكره قادر على عين الفعل المكره عليه فبين القاضى أنه قادر وذلك لأنهم كلفوه بالضد فاذا كان قادرا على ترك القتل كان قادرا على القتل هذا كله كلام ابن التلمسانى وقد اختار الامام والآمدى واتباعهما التفصيل بين الملجئ وغيره والفقهاء من الحنفية يعتبرون الالجاء ضربا من ضروب الاكراه. فقد جاء

(2)

فى الفتاوى الهندية الاكراه فى أصله على نوعين:

اما أن يكون ملجئا أو غير ملجئ. فالاكراه الملجئ. هو الاكراه بوعيد.

بتلف النفس أو بوعيد تلف عضو من الأعضاء والاكراه الذى هو غير ملجئ هو الاكراه بالحبس والتقييد ومثل ذلك

(1)

انظر شرح البدخشى. منهاج العقول للامام محمد بن الحسن البدخشى ومعه شرح الأسنى نهاة الوسول للامام جمال الدين عبد الرحيم الاسنوى المتوفى سنة 772 هـ كلاهما شرح منهاج الوصول فى علم الأصول تأليف القاضى البيضاوى المتوفى سنة 685 هـ ج 1 ص 138 وما بعدها طبع مطبعة محمد على صبيح وأولاده بالأزهر سنة 1373 هـ سنة 1953 م.

(2)

أنظر كتاب الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان وهو الامام فخر الدين حسن ابن منصور الأوزجندى الفرغانى الحنفى المتوفى سنة 395 هـ ج 5 ص 32 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية الطبعة الثانية سنة 1310 هـ.

ص: 149

فى الدر المختار وحاشيته

(1)

فقد قسم الاكراه الى نوعين ملجئ وغير ملجئ واعتبر أن كلا منهما معدم للرضا ثم ذكر بعد ذلك الشروط انظر مصطلح اكراه وفى البحر الزخار

(2)

قال الاكراه ضربان: الجاء وهو من بلغ به داعى الحاجة الى الفعل حدا لا يقابله صارف والثانى اكراه لا الجاء وهو ما أزال الاختيار كالتوعد بالضرب المبرح.

وجاء فى

(3)

المهذب أنه ان احتاج المحرم إلى اللبس لحر شديد أو برد شديد أو احتاج إلى الطيب لمرض أو إلى حلق الرأس للأذى أو إلى شد رأسه بعصابة لجراحة عليه أو إلى ذبح الصيد للمجاعة لم يحرم عليه وتجب عليه الكفارة لقول الله تبارك وتعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ 4 مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» ولحديث كعب ابن عجرة فثبت الحلق بالنص وقسنا ما سواه عليه لأنه فى معناه وان نبت فى عينيه شعرة فقلعها أو نزل شعر الرأس إلي عينه فغطاها فقطع ما غطى العين أو انكسر شيئا من ظفره فقطع ما انكسر منه أوصال عليه صيد فقتله دفعا عن نفسه جاز. ولا كفارة عليه لأن الذى تعلق به المنع ألجأه الى اتلافه ويخالف اذ آذاه القمل فى رأسه فحلق الشعر لأن الأذى لم يكن من جهة الشعر الذى تعلق به المنع وانما كان من غيره وان افترش الجراد فى طريقه فقتله ففيه قولان.

أحدهما يجب عليه الجزاء لأنه قتله لمنفعة نفسه فأشبهه اذا قتله للمجاعة والثانى لا يجب لأن الجراد ألجأه الى قتله فأشبه اذا صال عليه الصيد فقتله للدفع وان باض صيد على فراشه فنقله فلم يحضنه الصيد فقد حكى الشافعى رحمه الله تعالى عن عطاء (أنه لا يلزمه ضمانه لأنه مضطر الى ذلك) قال ويحتمل عندى أن يضمن لأنه أتلفه باختياره فحصل فيه قولان كالجراد وان كشط من بدنه جلدا وعليه شعر أو قطع كفه وفيه أظفار لم تلزمه فدية لأنه تابع لمحله فسقط حكمه تبعا لمحله كالأطراف مع النفس فى قتل الآدمى. وقد علق صاحب النظم المستعذب العلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى على قوله الى اتلافه أى اضطر ولم يجد مانعا يمنعه عنه وألجأته الى الشئ اضطررته والتلجئة الاكراه والتلجئة فى البيع ازالة الملك لخوف الضرر.

وقد ذكر الفقهاء من الحنفية نوعا من أنواع البيوع أطلقوا عليه بيع التلجئة فقد جاء فى بدائع الصنائع

(5)

بيع

(1)

أنظر كتاب الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 5 ص 83 وما بعدها الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1325 هـ.

(2)

أنظر كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار فى فقه الأئمة الأطهار للامام أحمد ابن يحيى المرتضى ج 3 ص 166 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1361 هـ - 1948 م الطبعة الأولى.

(3)

المهذب لفقه الامام الشافعى للامام الموفق أبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 212، 213 وبأسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب ج 1 ص 212 وما بعدها طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة

(4)

الآية رقم 196 من سورة البقرة.

(5)

أنظر كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعد الكاسانى ج 5 ص 176 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1328 هـ.

ص: 150

التلجئة وهو ما لجأ الانسان اليه بغير اختياره اختيار الايثار وجملة الكلام فيه أن التلجئة فى الأصل لا تخلوا اما أن تكون فى نفس البيع واما أن تكون فى الثمن فان كانت فى نفس البيع فاما أن تكون فى انشاء البيع واما أن تكون فى الاقرارية فان كانت فى انشاء البيع بأن تواصفوا فى السر لأمر ألجأهم اليه على أن يظهر البيع ولا بيع بينهم حقيقة نحو أن يخاف رجل السلطان فيقول الرجل أنى أظهر أنى بعت منك دارى وليس بيع فى الحقيقة وانما تلجئة فيتبايعا بالبيع باطل فى ظاهرة الرواية عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهو قول أبى يوسف ومحمد رحماهما الله تعالى لأنهما تكلما بصيغة البيع لا على قصد الحقيقة وهو تفسير الهزل والهزل يمنع جواز البيع لأنه يعدم الرضا بمباشرة السبب فلم يكن هذا بيعا منعقدا فى حق الحكم وروى أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن البيع جائز لأن ما شرطاه فى السر لم يذكراه فى العقد وانما عقدا عقدا صحيحا بشرائطه فلا يؤثر فيه ما تقدم من الشرط كما اذا اتفقا على أن يشترطا شرطا فاسدا عند البيع ثم باع من غير شرط والجواب أن الحكم ببطلان هذا البيع لمكان الضرورة فلو اعتبرنا وجود الشرط عند البيع لا تندفع الضرورة ولو أجاز أحدهما دون الآخر لم يجز وان أجازاه جاز كذا ذكر محمد لأن الشرط السابق وهو المواضعة منعت انعقاد العقد فى حق الحكم بمنزلة شرط خيار المتبايعين فلا يصح الا بتراضيهما ولا يملكه المشترى بالقبض حتى ولو كان المشترى عبدا فقبضه وأعتقه لا ينفذ اعتاقه بخلاف المكره على البيع والتسليم اذا باع وسلم فأعتقه المشترى انه ينفذ اعتاقه لأن بيع المكره انعقد سببا للحكم لوجود الرضا بمباشرة السبب عقلا لما فيه من صيانة نفسه عن الهلاك فانعقد السبب الا أنه فسد لانعدام الرضا طبعا فتأخر الملك فيه الى وقت القبض أما هاهنا فلم يوجد الرضا بمباشرة السبب فى الجانبين أصلا فلم ينعقد السبب فى حق الحكم فتوقف على أحدهما فأشبه البيع بشرط خيار المتبايعين هذا اذا كانت التلجئة فى انشاء البيع فأما اذا كانت فى الاقرار به فان اتفقا على أن يقرا ببيع لم يكن فأقرا بذلك ثم اتفقا على أنه لم يكن فالبيع باطل حتى لا يجوز باجازتهما لأن الاقرار اخبار وصحة الاخبار بثبوت المخبر به حال وجود الاخبار فان كان ثابتا كان الاخبار صدقا والا فيكون كذبا والمخبر به هاهنا وهو البيع ليس بثابت فلا يحتمل الاجازة لأنها تلحق الموجود لا المعدوم هذا كله اذا كانت التلجئة فى نفس البيع انشاء كان أو اقرارا فأما اذا كانت فى الثمن فهذا أيضا لا يخلو من أحد وجهين اما أن تكون فى قدر الثمن واما أن تكون فى جنسه فان كانت فى قدره بأن تواضعا فى السر والباطن على أن يكون الثمن ألفا ويتبايعان فى الظاهر بألفين فان لم يقولا عند المواضعة ألف منهما رياء وسمعة فالثمن ما تعاقدا عليه لأن الثمن اسم للمذكور عند العقد والمذكور عند العقد ألفان فان لم يذكرا أن أحدهما رياء وسمعة صحت تسمية الألفين وان قالا عند المواضعة ألف منهما رياء وسمعة فالثمن ثمن السر والزيادة باطلة فى ظاهر الرواية عند أبى حنيفة وهو قول أبى يوسف ومحمد وروى عن أبى يوسف أن الثمن ثمن العلانية وجه هذه الرواية أن الثمن هو المذكور فى العقد والألفان مذكوران فى العقد وما ذكرا فى المواضعة لم

ص: 151

يذكراه فى العقد فلا يعتبر ووجه ظاهر الرواية أن ما تواضعا عليه فى السر هو ما تعاقدا عليه فى العلانية الا أنهما زادا عليه ألفا أخرى والمواضعة السابقة أبطلت الزيادة لأنهما ذكراها فى هزلهما حيث لم يقصداها فلم يصح ذكر الزيادة فى البيع فيبقى البيع بما تواضعا عليه وهو الألف وان كانت فى جنسه بأن اتفقا فى السر على أن الثمن ألف درهم لكنهما يظهر أن البيع بمائة دينار فان لم يقولا فى المواضعة أن ثمن العلانية رياء وسمعة فالثمن ما تعاقدا عليه لما قلنا وان قالا ذلك فالقياس أن يبطل العقد وفى الاستحسان يصح بمائة دينار وجه القياس ان ثمن السر لم يذكراه فى العقد وثمن العلانية لم يقصداه لأنهما هازلان به فسقط وبقى بيعا بلا ثمن فلا يصح وجه الاستحسان أنهما لم يقصدا بيعا باطلا بل بيعا صحيحا فيجب حمله على الصحة ما أمكن ولا يمكن حمله على الصحة الا بثمن العلانية فكأنهما انصرفا عما شرطاه فى الباطن فتعلق الحكم بالظاهر كما لو اتفقا على أن يبيعاه بيع تلجئة فتواهبا بخلاف الألف والألفين لأن الثمن المذكور المشروط فى السر مذكور فى العقد وزيادة فتعلق العقد به هذا اذا تواضعا فى السر ولم يتعاقدا فى السر فاما اذا تعاقدا فى السر بثمن ثم تواضعا على أن يظهرا العقد بأكثر منه أو بجنس آخر فان لم يقولا ان العقد الثانى رياء وسمعة فالعقد الثانى يرفع العقد الأول والثمن هو المذكور فى العقد الثانى لأن البيع يحتمل الفسخ والاقالة فشروعهما فى العقد الثانى ابطال للأول فبطل الأول وانعقد الثانى بما سمى عنده وان قالا رياء وسمعة فان كان الثمن من جنس آخر فالعقد هو العقد الأول لأنهما لم يذكرا الرياء والسمعة فقد ابطلا المسمى فى العقد الثانى فلم يصح العقد الثانى فيبقى العقد الأول وان كان من جنس الأول فالعقد هو العقد الثانى لأن البيع يحتمل الفسخ فكان العقد هو العقد الثانى لكن بالثمن الأول والزيادة باطلة لأنهما أبطلاها حيث هزلا بها هذا اذا تواضعا واتفقا فى التلجئة فى البيع فتبايعا وهما متفقان على ما تواضعا فأما اذا اختلفا فادعى أحدهما التلجئة وأنكر الآخر وزعم أن البيع رغبة فلقول قول منكر التلجئة لأن الطاهر شاهد له فكان القول قوله مع يمينه على ما يدعيه صاحبه من التلجئة اذا طلب الثمن وان أقام المدعى البينة على التلجئة تقبل بينته لأنه أثبت الشرط بالبينة فتقبل بينته كما لو أثبت الخيار بالبينة ثم هذا التفريع على ظاهر الرواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى لأنه يعتبر المواضعة السابقة فأما على رواية أبى يوسف عنه فلا يجئ هذا التفريع لأنه يعتبر العقد الظاهر فلا يلتفت الى هذه الدعوى لأنها وان صحت لا تؤثر فى البيع الظاهر وذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى الخلاف بين أبى حنيفة وصاحبيه فقال على قول أبى حنيفة القول قول من يدعى جواز البيع وعلى قولهما القول قول من يدعى التلجئة والعقد فاسد ولو اتفقا على التلجئة ثم قالا عند البيع كل شرط كان بيننا فهو باطل تبطل التلجئة ويجوز البيع لأنه شرطا فاسدا زائدا فاحتمل السقوط بالاسقاط ومتى سقط صار العقد جائزا الا اذا اتفقا عند المواضعة وقالا أن ما نقوله عند البيع أن كل شرط بيننا فهو باطل فذلك القول منا باطل فاذا قالا ذلك لا يجوز العقد لأنهما اتفقا على أن ما يبطلانه من الشرط عند العقد باطل الا اذا حكيا فى العلانية ما قالا فى السر فقالا انا شرطنا كذا وكذا وقد أبطلنا ذلك ثم

ص: 152

تبايعا فيجوز البيع ثم كما لا يجوز بيع التلجئة لا يجوز الاقرار بالتلجئة بأن يقول الآخر انى أقر لك فى العلانية بمالى أو بدارى وتواضعا على فساد الاقرار لا يصح اقراره حتى لا يملكه المقر له والله سبحانه وتعالى أعلم وجاء فى المغنى

(1)

بيع التلجئة باطل لأنهما ما قصدا البيع فلم يصح البيع منهما كالهازلين ومعنى بيع التلجئة أن يخاف أن يأخذ السلطان أو غيره ملكه فيواطئ رجلا على أن يظهر أنه اشتراه منه ليحتمى بذلك ولا يريدان بيعا حقيقيا. «انظر مصطلح اكراه» .

‌الحاق

‌التعريف فى اللغة:

الحاق مصدر الفعل ألحق بالهمزة ومادته لحق، جاء فى لسان

(2)

العرب: اللحق واللحوق والالحاق: الادراك لحق الشئ وألحقه وكذلك لحق به وألحق فى القنوت ان عذابك بالكافرين ملحق بكسر الحاء بمعنى لاحق ومنهم من يقول: ان عذابك بالكافرين ملحق بفتح الحاء قال ابن الأثير الرواية بكسر الحاء أى من نزل به عذابك ألحقه بالكفار وقيل هو بمعنى لاحق لغة فى لحق ويقال لحقته وألحقته بمعنى كتبعته واتبعته وألحق فلان فلانا وألحقه به كلاهما جعله ملحقة وتلاحق القوم ادرك بعضهم بعضا وتلاحقت الركاب والمطايا أى لحق بعضها بعضا، قال الأزهرى: والملحق الدعى الملصق واستلحقه أى ادعاه قال الأزهرى عن الليث اللحق الدعى الموصل بغير أبيه وفى حديث عمرو بن شعيب رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذى يدعى له فقد لحق بمن استلحقه قال ابن الأثير رحمه الله تعالى قال الخطابى: رحمه الله تعالى:

هذه أحكام وقعت فى أول زمان الشريعة وذلك أنه كان لأهل الجاهلية اماء بغايا وكان سادتهم يلمون بهن فاذا جاءت احداهن بولد ربما ادعاه السيد والزانى فألحقه النبى صلى الله عليه وسلم بالسيد لأن الأمة فراش كالحرة فان السيد اذا لم يستلحقه ثم استلحقه ورثته بعده لحق بأبيه وفى ميراثه خلاف.

‌التعريف شرعا:

لا يخرج الفقهاء فى استعمالهم للفظ الحاق عن المعنى اللغوى لها فقد استعمله الفقهاء بمعنى ثبوت النسب ومن ذلك ما جاء فى حاشية الدسوقى

(3)

: اذا ولدت زوجة رجل وأمته الموطوءة له فى ليلة واحدة واختلط ولداهما ولم يعلم ولد كل منهما فان قال الرجل أحدهما ولدى والآخر زنت به جارتى فالقافه فمن

(1)

أنظر كتاب المغنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن قدامة المتوفى سنة 620 هـ على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين ابن عبد الله الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام أبى عمر محمد بن أحمد بن قداحة المتوفى سنة 682 هـ ج 4 ص 214، 215 وما بعدها طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى.

(2)

لسان العرب للامام العلامة أبى الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الافريقى المصرى ج 41 ص 323 وما بعدها مادة لحق طبع مطبعة دار صادر دار بيروت للطباعة والنشر سنة 1374 هـ - 1955 م.

(3)

حاشية الدسوقى للشيخ محمد عرفة الدسوقى مع الشرح الكبير لسيدى محمد الدردير فى كتاب ج 3 ص 416، 417 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1308 هـ.

ص: 153

ألحقته به فهو ولده، وما جاء فى المهذب

(1)

:

ان تداعى نسب اللقيط رجلان لم يجز الحاقه بهما لأن الولد لا ينعقد من اثنين، واستعمله الفقهاء أيضا بمعنى الادراك والوصول ومن ذلك ما جاء فى التاج المذهب

(2)

: أنه اذا أرسل الكلب ثم تراخى عن لحوقه ولم يشاهد اصابته اياه ثم وجد الصيد قتيلا وجوز أن قتله من جهة كلبه أو من جهة غيره فهذا لا يحل. وان شاهد اصابته اياه وعرف أنه أصابه فى المقتل اصابة قاتلة فهذا يحل ولو تراخى عن لحوقه.

وكذا ان شاهد اصابته فى المقتل ولم يعلم هل هى قاتلة أم لا ولحقه فورا فوجده قتيلا فانه يحل وان أرسله ولحقه فورا من دون تراخ فوجد قتيلا مع وجود العضة ولم يشاهد الاصابة فانه يحل ما لم يوجد فيه جراحة أخرى من غيره يجوز أنه مات منها فمتى كان الكلب جامعا للشروط المتقدمة حل ما قتله، وجاء فى فتح

(3)

القدير: أن لحق المرتد بدار الحرب مرتدا وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبره وأمهات أولاده وحلت الديون التى عليه ونقل ما اكتسبه فى حال الاسلام الى ورثته من المسلمين كذلك استعمله الفقهاء بمعنى التبع أى الحاق شئ بشئ يتبعه ويأخذ حكمه ومن ذلك ما جاء فى بدائع الصنائع

(4)

: لا بأس أن يلحق برأس المال أجرة القصار والصباغ والغسال والفتال والخياط والسمسار وسائق الغنم والكراء ونفقة الرقيق من طعامهم وكسوتهم وما لا بد لهم منه بالمعروف وعلف الدواب ويباع مرابحة وتولية على الكل اعتبارا للعرف لأن العادة فيما بين التجار أنهم يلحقون هذه المؤن برأس المال ويعدونها منه وعرف المسلمين وعادتهم حجة مطلقة وبيان ذلك كالآتى:

‌أولا: الحاق النسب:

يلحق الولد بالرجل ويثبت نسبه منه اذا صارت المرأة فراشا له حتى أن بعض المذاهب عقد بابا سماه باب الفراش وعرفه بانه عبارة عن لحوق نسب ما تلده المرأة بالواطئ لها

(5)

بشروط وبيان المذاهب فى ذلك كالآتى:

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(6)

: انه لا يثبت نسب الولد من الرجل الا بالفراش وهو أن

(1)

المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى ج 1 ص 437 وما بعدها طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر دار احياء الكتب العربية سنة 1357 هـ.

(2)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 456، 457 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.

(3)

فتح القدير على الهداية للشيخ الامام كمال الدين بن محمد بن عبد الواحد السيواسى ثم السكندرى المعروف بأبن الهمام وبهامشه العناية للامام أكمل الدين محمد بن محمود البابرتى وحاشية المولى سعد جلبى بن عيسى المفتى الشهير بسعدى جلبى ج 4 ص 393 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1315 ةـ الطبعة الأولى.

(4)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 223 وما بعدها طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.

(5)

التاج المذهب لأحكام المذهب للصنعانى ج 2 ص 111 وما بعدها الطبعة السابقة.

(6)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر مسعود الكاسانى ج 6 ص 242 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 154

تصير المرأة فراشا له لقول النبى صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وقوله عليه الصلاة والسلام الولد للفراش أى لصاحب الفراش الا أنه أضمر المضاف فيه اختصارا كما فى قول الله عز وجل «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ 1» ونحوه والمراد من الفراش هو المرأة فانها تسمى فراش الرجل وازاره ولحافه ودلالة الحديث من وجوه ثلاثة:

احدها أن النبى صلى الله عليه وسلم أخرج الكلام مخرج القسمة فجعل الولد لصاحب الفراش والحجر للزانى فاقتضى أن لا يكون الولد لمن لا فراش له كما لا يكون الحجر لمن لا زنا منه اذ القسمة تنفى الشركة.

والثانى: انه عليه الصلاة والسلام جعل الولد لصاحب الفراش ونفاه عن الزانى بقوله عليه الصلاة والسلام وللعاهر الحجر لأن مثل هذا الكلام يستعمل فى النفى.

والثالث: انه جعل كل جنس الولد لصاحب الفراش فلو ثبت نسب ولد لمن ليس بصاحب الفراش لم يكن كل جنس الولد لصاحب الفراش وهذا خلاف النص فعلى هذا اذا زنى رجل بامرأة فجاءت بولد فادعاه الزانى لم يثبت نسبه منه لانعدام الفراش وأما المرأة فيثبت نسبه منها لأن الحكم فى جانيها يتبع الولادة وقد وجدت وكذلك لو ادعى رجل عبدا صبيا فى يد رجل انه أبنه من الزنا لم يثبت منه سواء كذبه المولى فيه أو صدقه، ولو هلك الوالد بوجه من الوجوه عتق عليه لأنه أقر أنه مخلوق من مائه وان ملك أمه لم تصر أو ولد له لأن أمومية الولد تتبع ثبات النسب ولم يثبت وكذلك لو كان هذا العبد لأب المدعى أو عمه ولو كان لأبن المدعى فقال هو ابنى من الزنا يثبت نسبه منه وهو مخطئ فى قوله من الزنا لأنه يصير متملكا الجارية عندنا قبيل الاستيلاد أو مقارنا له ولا يتحقق الوط ء زنا مع ثبوت الملك ولو كان المدعى غير الأب فقال هو ابنى منها ولم يقل من الزنا فان صدقه المولى ثبت نسبه منه ويكون عبدا لمولى الأم وان كذبه لا يثبت النسب للحال واذا ملكه المدعى يثبت النسب ويعتق عليه لأن الاقرار بالبنوة مطلقا عن الجهة محمول على جهة مصححة لانسب وهى الفراش الا أنه لم يظهر نفاذه للحال لقيام ملك المولى فاذا ملكه زال المانع وكذلك لو قال هو ابنى من نكاح فاسد أو شراء فاسد وادعى شبهة بوجه من الوجوه أو قال احلها لى الله سبحانه وتعالى فان صدقه المولى يثبت النسب وان كذبه لم يثبت النسب ما دام عبدا فاذا ملكه يثبت النسب ويعتق عليه لأن العقد الفاسد ملحق بالصحيح فى ثبات النسب وكذلك الشبهة فيه ملحقة بالحقيقة فكان هذا اقرار بالنسب بجهة مصححة للنسب شرعا الا أنه امتنع ظهوره للحال لحق المولى فاذا زال ظهر وعتق لأنه ملك ابنه وان ملك أمها كانت أم لولد له لأنه وجد سبب أمومية الولد وهو ثبوت النسب بناء على وجود سبب الثبوت وهو الاقرار بالنسب بجهة مصححة له شرعا الا أنها توقفت على شرطها وهو الملك وقد وجد وعلى هذا الحال اذا تصادق الزوجان على أن الولد من الزنا من فلان لا يثبت النسب منه ويثبت من الزوج لأن الفراش له وعلى هذا اذا ادعى

(1)

الآية رقم 82 من سورة يوسف.

ص: 155

رجل صبيا فى يد امرأة فقال هو ابنى من الزنا وقالت المرأة هو من النكاح لا يثبت نسبه من الرجل ولا من المرأة لأن الرجل اقر انه ابنه من الزنا والزنا لا يوجب النسب والمرأة تدعى النكاح والنكاح لا بد له من حجة وكذلك لو كان الأمر على العكس بأن ادعى الرجل أنه ابنه من النكاح وادعت المرأة أنه من الزنا لما قلنا ولو قال الرجل بعد ذلك فى الفصل الأول هو من النكاح أو قالت المرأة بعد ذلك فى الفصل الثانى هو من النكاح يثبت النسب وان كان ذلك منهما تناقضا لأن التناقض ساقط الاعتبار شرعا فى باب النسب.

وأما نسب الولد من المرأة فانه يثبت بالولادة سواء كان بالنكاح أو بالسفاح لأن اعتبار الفراش انما عرفناه بالحديث وفى قوله عليه الصلاة والسلام الولد للفراش أى لمالك الفراش ولا فراش للمرأة لأنها مملوكة وليست بمالكة فبقى الحكم فى جانبها متعلقا بالولادة، والمرأة تصير فراشا بأحد أمرين احدهما عقد النكاح والثانى ملك اليمين الا أن عقد النكاح يوجب الفراش بنفسه لكونه عقدا موضوعا لحصول الولد شرعا قال النبى صلى الله عليه وسلم (تناكحوا توالدوا تكثروا فانى أباهى بكم الأمم يوم القيامة) فكان النكاح سببا مفضيا الى حصول الولد فكان سببا لثبات النسب بنفسه ويستوى فيه النكاح الصحيح والفاسد اذا اتصل به الوط ء لأن النكاح الفاسد ينعقد فى حق الحكم عند بعض مشايخنا لوجود ركن العقد من أهله فى محله والفاسد ما فاته شرط من شرائط الصحة وهذا لا يمنع انعقاده فى حق الحكم الا أنه يمنع من الوط ء لغيره وهذا لا يمنع ثبات النسب كالوط ء فى حالة الحيض والنفاس وسواء كانت المنكوحة حرة أو أمة لأن المقصود من فراش الزوجية لا يختلف واما ملك اليمين ففى أم الولد يوجب الفراش بنفسه أيضا لأنه ملك يقصد به حصول الولد عادة كملك النكاح فكان مفضيا الى حصول الولد كملك النكاح الا أنه أضعف منه لأنه لا يقصد به ذلك مثل ما يقصد بملك النكاح.

وأما فى الأمة فلا يوجب الفراش بنفسه بالاجماع حتى لا تصير الأمة فراشا بنفس الملك بلا خلاف وهل تصير فراشا بالوط ء اختلف فيه فقال أصحابنا رضى الله تعالى عنهم لا تصير فراشا الا بقرينة الدعوة خلافا للشافعى رحمه الله تعالى وعبارة مشايخنا أن الفراش ثلاثة فراش قوى وفراش ضعيف وفراش وسط فالقوى فراش المنكوحة حتى يثبت النسب من غير دعوة ولا ينتفى الا باللعان والوسط فراش أم الولد حتى يثبت النسب من غير دعوة وينتفى بمجرد النفى من غير لعان والضعيف فراش الأمة حتى لا يثبت النسب فيه الا بالدعوة عندنا خلافا للشافعى رحمة الله تعالى. ودليلنا أن وط ء الأمة لا يقصد به حصول الولد عادة لأنها لا تشترى للوط ء عادة بل للاستخدام والاسترباح ولو وطئت فلا يقصد به حصول الولد عادة لأن الولد لا يحصل الا بترك العزل والظاهر فى الاماء هو العزل والعزل بدون رضاهن مشروع فلا يكون وطؤها سببا لحصول الولد الا بقرينة الدعوة ولأنه لما ادعى علم بقرينة الدعوة انه وطئها ولم يعزل عنها والوط ء من غير عزل سبب لحصول الولد

ص: 156

فيثبت النسب حتى لو كان المولى وطئها وحصنها ولم يعزل عنها لا يحل له النفى فيما بينه وبين الله تعالى عز شأنه بل تلزمه الدعوى والاقرار به.

ثم قال صاحب

(1)

البدائع: ويستوى فى فراش الملك ملك كل المحل وبعضه وملك الذات وملك اليد فى ثبوت النسب لأنه ماله من الملك أوجب النسب بقدره الا أن النسب لا يتجزأ فمتى ثبت فى البعض يتعدى الى الكل وتصير الجارية أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه ونصف العقر ولا يضمن قيمة الولد ولو ادعياه جميعا معا فهو ابنهما والجارية أم ولد لهما وهذا عندنا خلافا للشافعى رحمه الله تعالى فعنده هو ابن احدهما ويتعين بقول القائف. ودليلنا اجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فانه روى أنه وقعت هذه الحادثة فى زمن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه فكتب الى شريح لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينقل انه أنكر عليه منكر فيكون اجماعا لأن سبب استحقاق النسب بأصل الملك وقد وجد وجد لكل واحد منهما فيثبت بقدر الملك حصة للنسب ثم يتعدى لضرورة عدم التجزى فيثبت نسبه من كل واحد منهما على الكمال وكذلك لو كانت الجارية بين ثلاثة أو أربعة أو خمسة فادعوه جميعا معا فهو أبنهم جميعا ثابت نسبه منهم والجارية أم ولد لهم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى. وقال أبو يوسف رحمة الله تعالى لا يثبت من أكثر من اثنين وقال محمد رحمة الله تعالى لا يثبت من أكثر من ثلاثة ووجه قوله أبى يوسف رحمه الله تعالى أن القياس يأبى ثبوت النسب من أكثر من رجل واحد الا انا تركنا القياس فى رجلين بأثر سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه فبقى حكم الزيادة مردودا الى أصل القياس ووجه قول محمد رحمه الله تعالى ان الحمل الواحد يجوز أن يكون ثلاثة أولاد وكل واحد منهم يجوز أن يخلق من ماء على حدة وقد جاء عن ابراهيم النخعى رحمه الله تعالى انه أثبت النسب من ثلاثة فاما الزيادة على الثلاثة فى بطن واحد فنادر غاية الندرة فالشرع الوارد فى الاثنين يكون واردا فى الثلاثة ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان الموجب لثبات النسب لا يفصل بين عدد الاثنين والخمسة فالفصل بين عدد وعدد يكون تحكما من غير دليل وسواء كانت الانصباء متفقة أو مختلفة بأن كان لأحدهم السدس وللآخر الربع وللآخر الثلث وللآخر ما بقى فالولد ابنهم جميعا فحكم النسب لا يختلف لأن سبب ثبات النسب هو أصل الملك لا صفة الملك، ولو كانت

(2)

الجارية بين الأب والابن فجاءت بولد فأدعياه جميعا معا فالأب أولى عند علمائنا الثلاثة وعند زفر رحمه الله تعالى يثبت النسب منهما جميعا ووجه قوله انهما استويا فى سبب الاستحقاق وهو أصل الملك فيستويان فى الاستحقاق.

ولنا أن الترجيح لجانب الأب لأن نصف الجارية ملكه حقيقة وله حق تمليك النصف الآخر وليس للأبن الا ملك النصف فكان الأب

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 244 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 245 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 157

أولى ويتملك نصيب الابن من الجارية بالقيمة ضرورة ثبوت الاستيلاد فى نصيبه لأنه لا يتجزأ فلا يتصور ثبوته فى البعض دون البعض كما فى الجارية المشتركة بين الأجنبيين ويضمن كل واحد منهما للآخر نصف العقر «بضم العين، المهر» لأن الوط ء من كل واحد منهما فى قدر نصيب شريكه حصل فى غير الملك كما فى الأجنبيين يضمن كل واحد منهما نصف العقر للآخر ثم يكون النصف بالنصف قصاصا كما فى الأجانب، ولو كان بين الجد والحافد جارية فجاءت بولد فادعياه معا والأب حى يثبت النسب منهما جميعا لأن الجد حال قيام الأب بمنزلة الأجنبى ولو ادعى الولد أحد المالكين وأب المالك الآخر فالمالك أولى لأن له حقيقة الملك ولأب المالك الآخر حق التملك فكان المالك الحقيقى أولى هذا كله اذا كان الشريكان المدعيان حرين مسلمين فان كان احدهما حرا والآخر عبدا فالحر أولى لأن اثبات النسب منه أنفع حيث يصل هو الى حقيقة الحرية وأمه الى حق الحرية وكذلك لو كان احدهما حرا والآخر عبدا مكاتبا فالحر أولى لأن الولد يصل الى حقيقة الحرية ولو كان احدهما مكاتبا والآخر عبدا فالمكاتب أولى لأنه حر بدا فكان أنفع للولد ولو كان عبدين يثبت النسب منهما جميعا، ولو كان احدهما مسلما والآخر ذميا فالمسلم أولى استحسانا والقياس أن يثبت نسبه منهما وهو رواية الحسن رحمه الله تعالى عن أبى حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى ووجه القياس أن النسب حكم الملك وقد استويا فى الملك فيستويان فى حكمه ووجه الاستحسان أن اثبات النسب من المسلم أنفع للصبى لأنه يحكم باسلامه تبعا. ولو ولدت الجارية المشتركة ولدا وادعياه وكان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا فالقياس أن يثبت النسب منهما لاستوائهما فى الملك وفى الاستحسان الكتابى أولى لأنه أقرب الى الاسلام من المجوسى فكان أنفع للصبى ولو كان احدهما عبدا مسلما أو مكاتبا مسلما والآخر حرا كافرا فالحر أولى لأن هذا أنفع للصبى لأنه يمكنه أن يكتسب الاسلام بنفسه اذا عقل ولا يمكنه اكتساب الحرية بحال ولو كان أحدهما زميا والآخر مرتدا فهو ابن المرتد لأن ولد المرتد على حكم الاسلام الا ترى انه اذا بلغ كافرا يجبر على الاسلام واذا أجبر عليه فالظاهر أنه يسلم فكان هذا انفع للصبى وهذا اذا خرجت دعوى الشريكين معا فاما اذا سبقت دعوة أحدهما فى هذه الفصول كلها كائنا من كان فهو أولى لأن النسب اذا ثبت من انسان فى زمان لا يحتمل الثبوت من غيره بعد ذلك الزمان هذا اذا حملت الجارية فى ملكهما فجاءت بولد فادعاه أحدهما أو ادعياه جميعا فاما اذا كان العلوق قبل الشراء بأن اشترياها وهى حامل فجاءت بولد فادعاه أحدهما فحكم نسب الولد وصيرورة الجارية أم ولد له وضمان نصف قيمة الأم موسرا كان أو معسرا لا يختلف ويختلف حكم العقر والولد فلا يجب العقر هنا والولد يكون بمنزلة عبدين شريكين أعتقه أحدهما لأن ابتداء العلوق لم يكن فى ملكه فلم يجز اسناد الدعوى الى حالة العلوق، وان ادعياه فهو ابنهما ولا عقر لواحد منهما على صاحبه، ولو كانت الجارية المشتراه زوجة أحدهما فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه من الزوج من غير دعوة لأنها اذا جاءت به لأقل من ستة أشهر فقد تيقنا ان علوق الولد كان من النكاح وعقد النكاح يوجب الفراش بنفسه ويضمن نصف قيمه

ص: 158

الجارية لأنها صارت أم ولد فصار متملكا نصيب شريكه بالقيمة ولا يضمن قيمة الولد لأنه عتق عليه من غير صنعة، ولو اشترى اخوان جارية حاملا فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه وعليه نصف قيمة الولد لأن دعوته دعوة تحرير فاذا ادعاه فقد حرره والتحرير اتلاف نصيب شريكه فيضمن نصف قيمته ولا يعتق الولد على عمه بالقرابة لأن الدعوة من أخيه اعتاق حقيقة فيضاف العتق اليه لا الى القرابة .. هذا اذا ولدت الجارية المشتركة ولدا فادعاه أحد الشريكين أو ادعياه جميعا أما اذا ولدت الجارية المشتركة ولدين

(1)

فادعى كل واحد منهما ولدا على حدة فنقول هذا فى الأصل لا يخلو اما أن تكون ولدتهما فى بطن واحد واما ان تكون ولدتهما فى بطنين مختلفين والدعوتان أما أن خرجتا جميعا معا واما ان سبقت احداهما الأخرى فان ولدت الجارية الولدين فى بطن واحد فان خرجت الدعوتان جميعا معا ثبت نسب الولدين منهما جميعا لأن دعوة أحد التوأمين دعوة الآخر لاستحالة الفصل بينهما فى النسب لعلوقهما من ماء واحد فكانت دعوة أحدهما دعوة الآخر ضرورة وان سبق احدهما بالدعوة ثبت نسب الولدين منه لأنه ثبت نسب المدعى ومن ضرورته ثبوت نسب الآخر وعتقا جميعا لعلوقهما حر الأصل وصارت الجارية أم ولد له وغرم نصف العقر ونصف قيمة الجارية وهذا اذا ولدتهما فى بطن واحد، فاما اذا ولدتهما فى بطنين مختلفين فان خرجت الدعوتان جميعا معا ثبت نسب الأول من مدعيه بلا شك وصارت الجارية أم ولد له وغرم نصف قيمة الجارية ونصف العقر لمدعى الثانى وهل يثبت نسب الولد الأصغر من مدعيه القياس ان لا يثبت الا بتصديق مدعى الأول وفى الاستحسان يثبت ووجه القياس ان الجارية صارت أم ولد لمدعى الأكبر لثبوت نسب الأكبر منه فمدعى الأصغر يدعى ولد أم ولد الغير ومن ادعى ولد أم ولد الغير لا يثبت نسبه منه الا بتصديقه ولم يوجد ووجه الاستحسان ان مدعى الأكبر غير مدعى الأصغر حيث أخر الدعوة الى دعوته فصار مدعى الأصغر بتأخير دعوة الأكبر مغرورا من جهته وولود المغرور ثابت النسب حر بالقيمة وعلى مدعى الأصغر العقر لمدعى الأكبر، لكن نصف العقر أو كله ففيه اختلاف الروايتين والتوفيق بينهما ممكن لأن رواية نصف العقر على مدعى الأصغر جواب حاصل ما عليه من العقر بعد القصاص وهو النصف ورواية الكل بيان ما عليه قبله لأن مدعى الأكبر قد غرم نصف العقر لمدعى الأصغر فالنصف بالنصف يلتقيان قصاصا فلا يبقى على مدعى الأصغر لأنه ولد المغرور وولد المغرور حر بالقيمة باجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فاذا على مدعى الأصغر نصف العقر وكل قيمة الولد وعلى مدعى الأكبر نصف قيمة الجارية لصيرورتها أم ولد فيصير نصف قيمة الجارية لصيرورتها أم ولد فيصير نصف قيمة الجارية الذى على مدعى الأكبر قصاصا بنصف العقر وقيمة الولد الذى على مدعى الأصغر ويترادان الفضل. هذا اذا خرجت الدعوتان جميعا معا فادعى أحدهما الأكبر وادعى الآخر الأصغر فاما اذا سبق احدهما بالدعوة فان ادعى السابق الأكبر أولا فقد ثبت نسب الأكبر منه وعتق وصارت الجارية أم ولد له وغرم لشريكا

(1)

بدائع والصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 246، ص 247 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 159

نصف قيمة الجارية ونصف العقر وبعد ذلك اذا ادعى الآخر الأصغر فقد ادعى ولد أم ولد الغير فلا بد من التصديق لثبات النسب فان صدقه ثبت النسب ويكون على حكم أمه وان كذبه لا يثبت النسب هذا اذا ادعى السابق بالدعوة الأكبر أولا فاما اذا ادعى الأصغر أولا ثبت نسب الأصغر منه وعتق وصارت الجارية أم ولد له وضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه الآخر والأكبر يكون رقيقا بينهما لأنه ولد جارية مملوكة بينهما لم يدعه أحد فاذا ادعاه الشريك الآخر بعد ذلك صار كعبد بين اثنين أعتقه.

احدهما فعتق نصيبه وثبت نسبه منه والشريك الآخر بالخيار ان شاء اعتق نصيبه وان شاء ضمن المعتق قيمة نصيبه ان كان موسرا وان كان معسرا فله خيار الاعتاق والاستسعاء لا غير وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند الصاحبين ان كان موسرا فله تضمين الموسر لا غير وان كان معسرا فله الاستسعاء .. ولو قال احدهما: الأكبر ابنى والأصغر ابن شريكى ثبت نسب الأكبر منه وصارت الجارية أم ولد له وضمن نصف قيمة الجارية ونصف العقر لشريكه والأصغر ولد أم ولده أقر بنسبه لشريكه فان صدقه شريكه ثبت نسبه منه ولا يعتق وان كذبه لا يثبت النسب وكذلك لو قدم وأخر بان قال:

الأصغر ابنى والأكبر ابن شريكى أو قدم وأخر فقال: الأكبر ابن شريكى والأصغر ابنى ثبت نسب الأصغر منه وعتق وصارت الجارية أم ولد له وعتق وضمن لشريكه نصف قيمة الجارية ونصف العقر وسب الأكبر موقوف على تصديق شريكه فان صدقه ثبت النسب منه ويغرم المدعى الأصغر نصف قيمة الأكبر وان كذبه صار كعبد بين شريكين شهد احدهما على صاحبه بالاعتاق وكذبه صاحبه ولو ولدت

(1)

جارية فى يد انسان ثلاثة أولاد فادعى احدهم: فلا يخلوا اما ان يكونوا قد ولدوا فى بطن واحد واما ان يكونوا ولدوا فى بطون مختلفة ولا يخلوا اما ان يدعى احدهم بعينه واما ان يدعى احدهم بغير عينه، فان ولدوا فى بطن واحد فادعى احدهم بغير عينه فقال: أحد هؤلاء ابنى أو عين واحدا منهم فقال: هذا ابنى عتقوا وثبت نسب الكل منه لأن من ضرورة ثبوت نسب احدهم ثبوت نسب الباقين لأنهم توأم علقوا من ماء واحد فلا يفصل بين البعض والبعض فى النسب واذا ثبت نسبهم صارت الجارية أم ولد له، هذا اذا ولدوا فى بطن واحد واما اذا ولدوا فى بطون مختلفة فقال: الأكبر ولدى ثبت نسبه منه وصارت الجارية أم ولد له وهل يثبت نسب الأوسط والأصغر؟ القياس ان يثبت وهو قول زفر رحمه الله تعالى وفى الاستحسان لا يثبت ووجه القياس ظاهر لأنه لما ثبت نسب الأكبر فقد صارت الجارية أم ولد له فكان الأوسط والأصغر ولدى أم الولد وولد أم الولد يثبت نسبه من مولاها من غير دعوة ما لم يوجد النفى منه ولم يوجد ووجه الاستحسان ان النفى فيه وان لم يوجد نصا فقد وجد دلالة وهو الاقدام على تخصيص أحدهم بالدعوة فان ذلك دليل نفى البواقى اذ لو لم يكن كذلك لم يكن لتخصيص البعض

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 247 وما بعدها طبعة مطبعة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1328 هـ

ص: 160

مع استواء الكل فى استحقاق الدعوة معنى، هذا اذا ادعى الأكبر، فاما اذا دعى الأوسط فهو حر ثابت النسب منه وصارت الجارية أم ولد له والأكبر رقيق لأنه ولد على ملكه ولم يدعه أحد وهل يثبت نسب الأصغر؟ هو على ما ذكرنا من القياس والاستحسان، هذا اذا ادعى الأوسط. فاما اذا ادعى الأصغر فهو حر ثابت النسب والجارية أم ولد له والأكبر والأوسط رقيقان لما ذكرنا، هذا اذا ادعى أحدهم بعينه فاما اذا ادعى

(1)

أحدهم بغير عينه فقال: أحد هؤلاء ابنى فان بين فالحكم فيه ما ذكرنا وان مات قبل البيان عتقت الجارية بلا شك لأنه لما ادعى نسب احدهم فقد أقر ان الجارية أم ولد له وأم الولد تعتق بموت السيد واما حكم الأولاد فى العتق «ينظر فى مصطلح عتق» وان كان عبد صغير بين اثنين أعتقه أحدهما ثم ادعاه الآخر ثبت نسبه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ونصف ولائه للآخر وعندهما لا يثبت نسبه وذلك بناء على ان الاعتاق يتجزأ عنده فيبقى نصيب المدعى على ملكه فتصح دعوته فيه ولا يتجزأ عندهما ويعتق الكل فلم يبق للمدعى فيه ملك فلم تصح دعوته وان كان العبد كبيرا فكذلك عنده لما ذكرنا انه يبقى الملك له فى نصيبه وعندهما ان صدقه العبد ثبت النسب والا فلا لأنه عتق كله باعتاق البعض فلا بد من تصديقه ويخرج على الأصل الذى ذكرنا دعوة العبد المأذون ولد جارية من اكتسابه انها تصح ويثبت نسب الولد منه لأن ملك اليد ثابت له وهو كاف لثبات النسب ولو ادعى المضارب ولد جارية المضاربة لم تصح دعوته اذا لم يكن فى المضاربة ربح لأنه لا بد لثبات النسب من ملك ولا ملك للمضارب أصلا لا ملك الذات ولا ملك اليد اذا لم يكن فى المضاربة ربح ولو ادعى ولدا من جارية لمولاه ليس من تجارته وادعى ان مولاها أحلها له أو زوجها منه لا يثبت نسبه منه الا بتصديق المولى لأنه أجنبى عن ملك المولى لانعدام الملك له فيه أصلا فالتحق بسائر الأجانب الا فى الحد فان كذبه المولى ثم عتق فملك الجارية بوجه من الوجوه نفذت دعوته لأنه أقر بجهة مصححة للنسب لكن توقف نفاذه لحق المولى وقد زال ولو تزوج المأذون حرة أو أمة فوطئها ثبت النسب منه سواء كان النكاح باذن المولى أولا لأن النسب ثبت بالنكاح صحيحا كان أو فاسدا وعلى هذا دعوة المكاتب ولد جارية من اكسابه صحيحة لأن ملك اليد والتصرف ثابت له كالمأذون واذا ثبت نسب الولد منه لم يجز بيع الولد ولا بيع الجارية اما الولد فلأنه مكاتب عليه ولا يجوز بيع المكاتب واما الأم فلأنه له فيها حق ملك ينقلب ذلك الحق حقيقة عند الأداء فمنع من بيعها والعبد المسلم والزمى سواء فى دعوى النسب وكذا المكاتب المسلم والزمى لأن الكفر لا ينافى النسب ويستوى فى دعوته الاستيلاد وجود الملك وعدمه عند الدعوة بعد ان كان العلوق فى الملك فان كان العلوق فى غير الملك كانت دعوته دعوة تحرير فيشترط قيام الملك عنده الدعوة فان كان فى ملكه يصح وان كان فى ملك غيره لا يصح الا بشرط التصديق أو البينة فنقول فجملة الكلام فيه ان للدعوة نوعان دعوة الاستيلاد ودعوة تحرير فدعوة الاستيلاء أن يكون علوق المدعى فى ملك المدعى وهذه الدعوة تستند الى

(1)

كتاب بدائع الصنائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 248 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 161

وقت العلوق وتتضمن الاقرار بالوط ء فيتبين انه علق حرا ودعوة التحرير هو ان يكون علوق المدعى فى غير ملك المدعى وهذه الدعوة تقتصر على الحال ولا تتضمن الاقرار بالوط ء لعدم الملك وقت العلوق وبيان هذه الجملة

(1)

فى مسائل اذا ولدت جارية فى ملك رجل لستة أشهر فصاعدا فلم يدع الولد حتى باع الأم والولد ثم ادعى الولد صحت دعوته ويثبت النسب منه وعتق وظهر ان الجارية أم ولد له ويبطل البيع فى الجارية وفى ولدها وهذا استحسان وفى القياس ان لا تصح دعوته ولا يثبت النسب لعدم الملك وقت الدعوة وجه الاستحسان ان قيام الملك وقت الدعوة ليس بشرط لصحة هذه الدعوة بل الشرط ان يكون علوق الولد فى الملك لأن هذه الدعوة تستند الى وقت العلوق فاذا كان علوق الولد فى ملك المدعى فقد ثبت له حق استحقاق النسب وظهر ان الجارية كانت أم ولد فلم يصح بيعها وبيع ولدها فيردها وولدها ويرد الثمن ولو لم يدعه البائع حتى خرج عن ملك المشترى بوجه من الوجوه فينظر ان كان التصرف يحتمل الفسخ يفسخ وان لم يحتمله لا يفسخ الا لضرورة وبيانه اذا كان المشترى باع الولد أو وهبه أو رهنه أو أجره أو كاتبه فادعاه البائع نقض ذلك وثبت النسب لأن هذه التصرفات مما يحتمل الفسخ والنقض وكذلك لو كان المشترى باع الأم أو كاتبها أو رهنها أو أجرها أو زوجها لما قلنا.

ولو كان المشترى أعتقها أو اعتق الولد لم تصح دعوة البائع لأن العتق بعد ثبوته لا يحتمل البطلان الا لضرورة لأنه الأثر المترتب عليه لا يحتمل البطلان وهو الولاء وكذلك لو مات الولد أو قتل لأن الميت مستغن عن النسب وكذلك لو كان المشترى باع الولد فاعتقه المشترى الثانى أو دبره أو مات لم تصح دعوة البائع لما قلنا ولو كان المشترى اعتق الأم أو دبرها دون الولد صحت دعوته فى الولد ولم تصح فى الأم وفسخ البيع فى الولد ولا يفسخ فى الأم لأن المانع من الفسخ خص الأم ولا تصير الجارية أم ولد له لأن أمومية الولد ليست من لوازم ثبات النسب بل تنفصل عنه فى الجملة كمن استولد جارية الغير بالنكاح يثبت نسب الولد منه ولا تصير الجارية أم ولد له للحال الا ان يملكها بوجه من الوجوه واذا فسخ البيع فى الولد يرد البائع من الثمن حصة الولد فيقسم الثمن على قدر قيمتهما فتعتبر قيمة الأم يوم العقد وقيمة الولد يوم الولادة لأنه انما صار ولدا بالولادة فتعتبر قيمته يومئذ فيسقط قدر قيمة الأم ويرد قدر قيمة الولد ولو كانت قطعت يد الولد عند المشترى وأخذ ارشها ثم ادعاه البائع ثبت نسبه وسلم الارش للمشترى لأن هذه دعوة الاستيلاد وانها تستند الى وقت العلوق ومن شأن المستند أن يثبت للحال أولا ثم يستند فيستدعى قيام المحل للحال لاستحالة ثبوت الحكم فى الهالك واليد المقطوعة هالكة فلا يمكن تصحيح الدعوة فيها بطريق الاستناد.

ولو ماتت

(2)

الأم ثم ادعى البائع الولد صحت دعوته وثبت النسب لأن محل النسب قائم وامومية الولد ليست من لوازم ثبوت

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 248 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 248 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 162

النسب لما تقدم فثبت نسب الولد وان لم تصر الجارية أم ولد له.

وهل يرد جميع الثمن؟ عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى نعم وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يرد الا قدر قيمة الولد فتعتبر القيمتان ويقسم الثمن على قدر قيمتهما فما أصاب قيمة الأم يسقط وما أصاب قيمة الولد يرد لأنه ظهر ان الجارية أم ولده ومن باع أم ولده ثم هلكت عند المشترى لا تكون مضمونة عليه عنده وعندهما تكون مضمونة عليه لأن أم الولد غير متقومة من حيث انها مال عنده وعندهما متقومة.

واذا حملت الجارية فى ملكه فباعها وهى حامل فولدت عند المشترى لأقل من ستة أشهر ولدين فى بطن واحد فان ادعاهما البائع ثبت نسب الولدين منه وهذا ظاهر وكذا اذا ادعى أحدهما صحت دعوته ولزمه الولدان جميعا لأن التوأمين لا يحتملان الفصل فى النسب لانخلاقهما من ماء واحد وان ولدت

(1)

احدهما لأقل ستة أشهر والآخر لأكثر من ستة أشهر فادعى احدهما ثبت نسبهما ويجعل كأنهما ولدتهما جميعا لأقل من ستة أشهر لأنهما كانا جميعا فى البطن وقت البيع ولو ولدت الجارية ولدين فى بطن واحد فباع أحد الوالدين مع الأم ثم ادعى الولد الذى عنده ثبت نسبه ونسب الولد المبيع أيضا سواء كان المشترى ادعاه أو أعتقه لأنهما لا يحتملان الفصل فى ثبات النسب فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر ولو ولدتهما عند المشترى فاعتق المشترى أحدهما ثم ادعى البائع الآخر ثبت نسبهما جميعا من البائع وينتقض العتق ضرورة.

ولو كان المشترى أعتق الأم فادعى البائع الولد لم ينتقض العتق فى الأم وينتقض فى الولد لأن العتق لا يحتمل الفسخ مقصودا وانما يحتمله للضرورة وفى الولد يبطل العتق ضرورة ثبوت نسبه لأن النسب لا يحتمل الانفصال.

ولا ضرورة فى الأم لأن أمومية الولد تنفصل عن اثبات النسب فى الجملة ولو قطعت يد أحد الولدين ثم ادعاهما البائع ثبت نسبهما وكان الأرش للمشترى لا للبائع الا أن يقيم البائع البينة على الدعوة قبل البيع فتكون له لما ذكرنا لأن ما ثبت بطريق الاستناد ثبت فى الحال ثم يستند فيستدعى قيام المحل للحال واليد المقطوعة هالكة فلا يظهر أثر الدعوة فيها ولو قتل أحدهما ثم ادعاهما البائع ثبت نسبهما وكانت قيمة المقتول لورثة المقتول لا للمشترى فرقا بين القتل والقطع. ووجه

(2)

. الفرق أن محل حكم الدعوة مقصودا هو النفس وانما يظهر فى الأطراف تبعا للنفس وبالقطع انقطعت التبعية فلا يظهر حكم الدعوة فيها فسلم الأرش للمشترى ونفس كل واحد من التوأمين أصل فى حكم الدعوة فمتى صحت فى احدهما تصح فى الآخر وان كان مقتولا ضرورة انه لا يتصور الفصل بينهما فى النسب ومتى صحت الدعوة استندت الى وقت العلوق لأنها دعوة الاستيلاد فتبين أنهما علقا حرين فكان ينبغى أن تجب الدية

(1)

بدائع صنائع للكاسانى الحنفى ج 6 ص 248 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 246 الطبعة السابقة.

ص: 163

لورثة المقتول لا القيمة الا أنه وجبت القيمة لأن صحة هذه الدعوة بطريق الاستناد والمستند يكون ظاهرا من وجه مقتصرا على الحال من وجه فعملنا بالشبهين فأوجبنا القيمة عملا بشبه الاقتصاد وجعلنا الواجب لورثة المقتول عملا بشبه الظهور عملا بالدليلين بقدر الامكان وكذلك لو أعتق المشترى أحدهما ثم قتل وترك ميراثا فأخذ ديته وميراثه بالولاء ثم ادعى البائع الولدين فانه يقضى بالحى وأمه للبائع ويثبت نسب الولد المقتول منه ويأخذ الدية والميراث من المشترى هذا اذا ولدت فى يد المشترى لأقل من ستة أشهر من وقت البيع فان ولدت لستة أشهر فصاعدا لم تصح دعوة البائع الا أن يصدقه المشترى لأنا لم نتيقن بالعلوق فى الملك فلم يمكن تصحيح هذه الدعوة دعوة استيلاد فتصحح دعوة تحرير ويشترط لصحة هذه الدعوة قيام الملك للمدعى وقت الدعوة ولم يوجد فلا تصح الا اذا صدقه المشترى فتصح لأنه أقر بنسب عبد غيره وقد صدقه الغير فى ذلك فثبت نسبه ويكون عبدا لمولاه ولو ادعى المشترى نسبه بعد ذلك لم يصح لما مر لأن النسب متى ثبت لانسان فى زمان لا يتصور ثبوته من غيره بعد ذلك هذا كله اذا كانت الدعوة من البائع فان كانت من المشترى وقد ولدت لأقل من ستة أشهر صحت دعوته وثبت النسب لأن هذه دعوة تحرير لا دعوة استيلاد لتيقننا أن العلوق لم يكن فى الملك فيستدعى قيام الملك وقت الدعوة وقد وجد فلو ادعاه البائع بعد ذلك لا تسمع دعوته لما مر ان اثبات نسب ولد واحد من اثنين على التعاقب يمتنع ولو ادعاه البائع والمشترى معا وقد ولدته لأقل من ستة أشهر فدعوة البائع أولى لأن دعوته دعوة استيلاد لوقوع العلوق فى الملك وانها تستند الى وقت العلوق ودعوة المشترى دعوة تحرير لوقوع العلوق فى غير الملك بيقين وانها تقتصر على الحال والمستند أولى لأنه سابق فى المعنى والأسبق أولى كرجلين ادعيا تلقى الملك من واحد وتاريخ أحدهما أسبق كان الأسبق أولى كذا هذا وعلى

(1)

هذا اذا ولدت أمة رجل ولدا فى ملكه لستة أشهر فصاعدا فادعاه أبوه ثبت نسبه منه سواء ادعى شبهة أولا صدقه الابن فى ذلك أو كذبه لأن الاقرار بنسب الولد اقرار بوط ء الجارية والأب اذا وطئ جارية ابنه من غير نكاح يصير متملكا اياها لحاجته الى نسب ولد يحيا به ذكره ولا يثبت النسب الا بالملك وللأب ولاية تملك مال ابنه عند حاجته اليه الا ترى أنه يتملك ماله عند حاجته الى الانفاق على نفسه كذا هذا الا أن هناك يتملك بغير عوض وهنا يعوض وهو قيمة الجارية للتفاوت بين الحجاتين اذ الحاجة هناك الى ابقاء النفس والحاجة هنا الى ابقاء الذكر والاسم والتملك بغير عوض أقوى من التملك بعوض لأن ما قابله عوض كان تملكا صورة لا معنى وقد دفع الشارع كل حاجة بما يناسبها فدفع حاجة استيفاء المهجة بالتملك بغير بدل وحاجة استيفاء الذكر بالتملك ببدل رعاية للجانبين

(2)

جانب الابن وجانب الأب وتصديق الابن ليس بشرط فسواء صدقه الابن فى الدعوة والاقرار وكذبه يثبت النسب فرقا بين

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى المنفى ج 6 ص 249 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 250 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 164

هذا وبين المولى اذا ادعى ولد أمه مكاتبة انه لا يثبت نسبه منه الا بتصديق المكاتب ووجه الفرق ظاهر لأنه لا ولاية للمولى على مال المكاتب فكان أجنبيا عنه فوقعت الحاجة الى تصديقه وللأب ولاية على مال ابنه فلا يحتاج الى تصديقه لصحة هذه الدعوة لكن من شرط صحة هذه الدعوة كون الجارية فى ملك الابن من وقت العلوق الى وقت الدعوة حتى لو اشتراها الابن فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر فادعاه الأب لا تصح دعوته لانعدام الملك وقت العلوق وكذا لو باعها فجاءت بولد فى يد المشترى لأقل من ستة أشهر فادعاه الأب لم تصح لانعدام الملك وقت الدعوة وكذا لو كان العلوق فى ملكه وولدت فى ملكه وخرجت عن ملكه فيما بينهما لانقطاع الملك فيما بينهما ثم انما كان قيام الملك للابن فى الجارية من وقت العلوق الى وقت الدعوة شرطا لصحة هذه الدعوة لأن الملك يثبت مستندا الى زمان العلوق ولا يثبت الملك الا بالتملك ولا تملك الا بولاية التملك لأن تملك مال الانسان عليه كرها وتنفيذ التصرف عليه جبرا لا يكون الا بالولاية فلا بد من قيام الولاية فاذا لم تكن الجارية فى ملكه من وقت العلوق الى وقت الدعوة لم تتم الولاية فلا يستند الملك وكذلك الأب لو كان كافرا أو عبدا فادعى لا تصح دعوته لأن الكفر والرق ينفيان الولاية ولو كان كافرا فأسلم أو عبدا فأعتق فادعى نظر فى ذلك ان ولدت بعد الاسلام أو الاعتاق لأقل من ستة أشهر لم تصح دعوته لانعدام ولاية التملك وقت العلوق وان ولدت لستة أشهر فصاعدا صحت دعوته ويثبت النسب لقيام الولاية ولو كان معتوها فأفاق صحت دعوته استحسانا والقياس أن لا تصح لأن الجنون مناف للولاية بمنزلة الكفر والرق وجه

(1)

الاستحسان ان الجنون أمر عارض كالاغماء وكل عارض على أصل اذا زال يلتحق بالعدم من الأصل كأنه لم يكن كما لو أغمى عليه ثم أفاق ولو كان مرتدا فادعى ولد جارية ابنه فدعوته موقوفة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لتوقف ولايته وعندهما صحيحة لنفاذ ولايته بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عنده وعندهما نافذة واذا ثبت الولد من الأب صارت الجارية أم ولد ولا عقر عليه عند أبى حنيفة وصاحبيه رحمهم الله تعالى وعند زفر رحمه الله تعالى يجب عليه العقر لأن الملك ثبت شرطا لصحة الاستيلاد والاستيلاد نتيجة ايلاج فانزال فعلوق فكان الفعل قبل الانزال خاليا عن الملك فيوجب العقر ولهذا يوجب نصف العقر فى الجارية المشتركة بين الأجنبيين اذا جاءت بولد فادعاه احدهما لأن الوط ء فى نصيب شريكه حصل فى غير الملك فيوجب نصف العقر ولأبى حنيفة وصاحبيه الذى يترتب عليه الانزال فالعلوق هو أن الايلاج من أوله الى آخره ايلاج واحد فكان من أوله الى آخره استيلاد فلا بد وأن يتقدمه الملك أو يقارنه على جارية مملوكة لنفسه فلا عقر بخلاف الجارية المشتركة لأن ثمة لم يكن نصيب الشريك شرطا لصحة الاستيلاد وثبات النسب لأن نصف الجارية ملكه وقيام أصل الملك يكفى لذلك وانما يثبت حكما للثابت فى نصيبه قضية للنسب ضرورة أنه لا يتجزأ وحكم الشئ لا يسبقه بل يتعقبه فوط ء المدعى صادف نصيبه ونصيب

(1)

المرجع السابق لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 250، 251 الطبعة السابقة.

ص: 165

شريكه ولا ملك له فى نصيب شريكه والوط ء فى غير الملك يوجب الحد الا أنه سقط للشبهة فوجب العقر وهنا التملك ثبت شرطا لثبوت النسب وصحة الاستيلاد وشرط الشئ يكون سابقا عليه أو مقارنا له فالوط ء صادف ملك نفسه فلا يوجب العقر ولا يضمن قيمة الولد أيضا لأنه علق حرا وان كانت الجارية مملوكة لا ولاء عليه لأن ذلك حكم الاعتاق فيستدعى تقدم الرق ولم يوجد ودعوة الجد أبى الأب ولد جارية ابن الأبن بمنزلة دعوة الأب عند موته أو عند انعدام ولايته فأما عند قيام ولاية الأب فلا يعتبر دعوى الجد لدعوة الأب وحفيده وان كان الأب ميتا أو كان كافرا أو عبدا تصح دعوة الجد لانقطاع ولاية الأب وكذا اذا كان الأب معتوها من وقت العلوق الى وقت الدعوة صحت دعوة الجد فان أفاق ثم ادعى الجد لم تصح دعوته لأنه لما أفاق فقد التحق العارض بالعدم من الأصل فعادت ولاية الأب فسقطت ولاية الجد ولو كان الأب مرتدا فدعوة الجد موقوفة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فان قتل على الردة أو مات صحت دعوة الجد وان أسلم لم تصح لتوقف ولايته عنده كتوقف تصرفاته وعندهما لا تصح دعوة الجد لأن تصرفاته عندهما نافذة فكانت ولايته قائمة هذا اذا وطئ الأب جارية الابن من غير نكاح، فأما اذا وطئها بالنكاح ثبت النسب من غير دعوة سواء وطئها بنكاح صحيح أو فاسد لأن النكاح يوجب الفراش بنفسه صحيحا كان أو فاسدا ولا يتملك الجارية.

لأنه وطئها على ملك الابن بعقد النكاح ويعتق الولد على أخيه (مالك الجارية) بالقرابة لأن النسب انما يثبت بعقد النكاح لا يملك اليمين فبقيت الجارية على ملك الابن وقد ملك الابن أخاه فيعتق عليه فان ملك الأب الجارية بوجه من الوجوه صارت أم ولد له لوجود سبب أمومية الولد وهو ثبات النسب الا أنه توقف حكمه على وجود الملك فاذا ملكها صارت أم ولد له هذا كله اذا ادعى الأب ولد جارية ابنه فأما اذا ادعى ولد أم ولد الابن أو مدبرته بأن جاءت بولد فنفاه الابن حتى انتفى نسبه منه ثم ادعاه الأب لم يثبت نسبه منه فى ظاهر الرواية وعليه العقر وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه فرق بين الولد وبين ولد المدبرة فقال لا يثبت نسب ولد أم الولد ويثبت نسب ولد المدبره من الأب وعليه قيمة الولد والعقر والولاء للابن وجه هذه الرواية ان اثبات النسب لا يقف على ملك الجارية لا محالة فان نسب ولد الأمة المنكوحة يثبت من الزوج والأمة ملك المولى. وأما القيمة فلأنه ولد ثابت النسب علق حرا فأشبه ولد المغرور فيكون حرا بالقيمة والولاء للابن لأنه استحقه بالتدبر وأنه لا يحتمل الفسخ بعد الاستحقاق بخلاف ولد أم الولد لأن أم الولد فراش لمولاها فكان الولد مولودا على فراش الابن والمولود على فراش انسان لا يثبت نسبه من غيره وان انتفى عنه بالنفى كما فى اللعان والصحيح جواب ظاهر الرواية لأن النسب لا يثبت الا بالملك وأم الولد والمدبرة لا يحتملان التملك ويضمن العقر لأنه اذا لم يتملكها فقد حصل الوط ء فى غير الملك وقد سقط الحد للشبهة فيجب العقر هذا اذا لم يصدقه الابن فى الدعوى بعد ما نفاه فان صدقه يثبت النسب بالاجماع لأن نسب ولد جارية الأجنبى يثبت من المدعى بتصديق

ص: 166

مالكها الأجنبى فى النسب فنسب ولد جارية الابن أولى ويعتق على الابن لأن أخاه ملكه وولاؤه له لأن الولاء لمن أعتق ولو ادعى ولد مكاتبة ابنه لم يثبت نسبه منه لأن النسب لا يثبت بدون الملك والمكاتبة لا تتحمل التملك فلا تعم دعوته الا اذا عجزت فتنفذ دعوته لأنها اذا عجزت فقد عادت قنا فصار كما لو ادعى قبل الكتابة، ولو ادعى

(1)

اللقيط أكثر من رجلين فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يثبت نسبه من خمسة وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى من اثنين وعند محمد رحمه الله تعالى من ثلاثة، ولو أدعته أمرأتان صحت دعوتهما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا تصح، هذا اذا لم يكن فى يد أحد فان كان فى يد ملتقطه ثبت نسبه من الملتقط بنفس الدعوة استحسانا والقياس أن لا يثبت الا بالبينة وكذا يثبت نسبه من الخارج صدقه الملتقط فى ذلك أو لا. استحسانا والقياس أن لا يثبت اذا كذبه وجه القياس ان هذا اقرار تضمن ابطال يد الملتقط لأن يده عليه ثابتة حقيقة وشرعا حتى لو أراد غيره أن ينزعه من يده جبرا ليحفظه ليس له فى ذلك والاقرار اذا تضمن ابطال حق الغير لا يصح، وجه الاستحسان أن يد المدعى أنفع للصبى من يد الملتقط لأنه يقوم بحضانته وتربيته ويتشرف بالنسب فكان المدعى به أولى وسواء كان المدعى مسلما أو ذميا استحسانا والقياس أن لا تصح دعوى الذمى، ووجهه انا لو صححنا دعوته وأثبتنا نسب الولد منه للزمنا استتباعه فى دينه وهذا يضر فلا تصح دعوته وجه الاستحسان انه ادعى أمرين ينفصل احدهما عن الآخر فى الجملة وهو النسب والتبعية فى الدين اذ ليس من ضرورة كون الولد منه أن يكون على دينه الا يرى أنه لو أسلمت أمه يحكم باسلامه وان كان أبوه كافرا فيصدق فيما ينفعه ولا يصدق فيما يضره ويكون مسلما وذكر فى النوادر ان من التقط لقيطا فادعاه نصرانى فهو ابنه ثم ان كان عليه زى المسلمين فهو مسلم وان كان عليه زى الشرك بأن يكون فى رقبته صليب ونحو ذلك فهو على دين النصارى هذا اذا أقر الذمى انه ابنه فان أقام البينة على ذلك فان كان الشهود من أهل الذمة لا تقبل شهادتهم فى استتباع الولد فى دينه لأن هذه شهادة تضمنت ابطال يد المسلم وهو الملتقط فكانت شهادة على المسلم فلا تقبل وان كانوا من المسلمين تقبل ويكون الولد على دينه فرقا بين الاقرار وبين البينة وذلك انه متهم فى اقراره ولا تهمة فى الشهادة وسواء كان المدعى حرا أو عبدا لأنه ادعى شيئين أحدهما يحتمل الفصل على الآخر وهو النسب والرق فيصدق فيما ينفعه ولا يصدق فيما يضره من الخارج اذا ادعاه ولو ادعاه الخارج والملتقط معا فالملتقط أولى استوائهما فى الدعوة ونفع الصبى فترجح باليد فان سبقت دعوة الملتقط لا تسمح دعوة الخارج لأنه ثبت نسبه منه فلا يتصور ثبوته من غيره بعد ذلك الا أن يقيم البينة لأن الدعوة لا تعارض البينة ولو ادعاه خارجان فان كان أحدهما مسلما والآخر ذميا فالمسلم أولى لأنه يتبعه فى الاسلام فكان أنفع للصبى وكذا اذا ادعت مسلمة وذمية فالمسلمة أولى ولو شهد للذمى مسلمان وللمسلم ذميان فهو للمسلم لأن الحجتين وان تعارضتا فاسلام المدعى كاف

(1)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 252 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 167

للترجيح ولو كان أحدهما حرا والآخر عبدا فالحر أولى لأنه أنفع للقيط وان كانا حرين مسلمين فان ذكر أحدهما علامة فى بدن اللقيط ولم يذكر الآخر فوافقت دعوته العلامة فصاحبها أولى لرجحان دعواه بالعلامة لأن الشرع ورد بالترجيح بالعلامة فى الجملة قال الله تبارك وتعالى فى قصة سيدنا يوسف عليه أفضل التحية «وشهد شاهد من أهلها ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال انه من كيدكن ان كيدكن عظيم» جعل قد القميص من خلف دليل مراودتها اياه لما ان ذلك علامة جذبها اياه الى نفسها والقد من قدام علامة دفعها اياه عن نفسها وكذلك قال أصحابنا فى لؤلؤى ودباغ فى حانوت واحد هو فى أيديهما فيه لؤلؤ واهاب فتنازعا قال أصحابنا انه فيهما يقضى باللؤلؤ للؤلئى وبالاهاب للدباغ لأن الظاهر يشهد باللؤلؤ للؤلؤى وبالاهاب للدباغ وكذلك قالوا فى الزوجين اختلفا فى متاع البيت ان ما يكون للرجال يجعل فى يد الزوج وما يكون للنساء يجعل فى يدها ونحو ذلك من المسائل بناء على ظاهر الحال وغالب الأمر هكذا فان ادعى أحدهما علامات فى هذا اللقيط فوافق البعض وخالف البعض ذكر الكرخى رحمه الله تعالى انه يثبت نسبه منهما لأنه وقع التعارض فى العلامات فسقط الترجيح بها كأن سكت عن ذكر العلامة رأسا، وان لم يذكر أحدهما علامة أصلا ولكن لأحدهما بينة فانه يقضى له لأن الدعوة لا تعارض البينة وان لم يكن لأحدهما بينة ثبت نسبه منهما جميعا وهذا لاستوائهما فى الدعوة، ولو قال أحد المدعيين هو ابنى وهو غلام فاذا هو جارية لم يصدق لأنه ظهر كذبه بيقين ولو قال أحدهما هو ابنى وقال الآخر هو ابنتى فاذا هو خنثى يحكم مباله فان كان يبول من مبال الرجال فهو ابن مدعى البنوة وان كان يبول من مبال النساء فهى ابنة مدعى البنتية وان كان يبول منهما جميعا يعتبر السبق فان استويا فى السبق فهو مشكل عند أبى حنيفة وعندهما تعتبر كثرة البول فان استويا فى ذلك فهو مشكل لأن هذا حكم الخنثى وينبغى أن يثبت منهما جميعا.

ولو قال الملتقط هو ابنى من زوجتى هذه فصدقته فهو ابنهما حرة كانت أو أمة غير انها ان كانت حرة كان الابن حرا بالاجماع وان كانت

(1)

أمة كان ملكا لمولى الأمة عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى يكون حرا وجه قول محمد رحمه الله تعالى ان نسبه وان ثبت من الأمة لكن فى جعله تبعا لها فى الرق مضرة بالصبى وفى جعله حرا منفعة له فيتبعها فيما ينفعه ولا يتبعها فيما يضره كالذمى اذا ادعى نسب لقيط ثبت نسبه منه لكن لا يتبعه فيما يضره وهو دينه لما قلنا كذا هذا ووجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان الأصل ان الولد يتبع الأم فى الرق والحرية فكان من ضرورة ثبوت النسب منها أن يكون رقيقا والرق وان كان يضره فهو ضرر يلحقه ضرورة غيره فلا يعتبر ولو ادعته امرأة انه ابنها وهى حرة أو أمة ذكر فى الأصل انها لا تصدق على ذلك حتى تقيم البينة انها ولدته وان أقامت امرأة واحدة على الولادة قبلت اذا كانت حرة عدلة وأطلق الجواب فى الأصل ولم يفصل بين ما اذا كان لها زوج أم لا، منهم من

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 253 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 168

حمل هذا الجواب على ما اذا كان لها زوج لأنه اذا كان لها زوج كان فى تصحيح دعوتها حمل النسب على الغير فلا تصح الا بالبينة أو بتصديق الزوج فأما اذا لم يكن لها زوج فلا يتحقق معنى التحميل فيصح من غير بينة ومنهم من حقق جواب الكتاب وأجرى رواية الأصل على اطلاقها وفرق بين الرجل والمرأة فقال: يثبت نسبه من الرجل بنفس الدعوة ولا يثبت نسبه منها الا ببينة ووجه الفرق ان النسب فى جانب الرجال يثبت بالفراش وفى جانب النساء يثبت بالولادة ولا تثبت الولادة الا بدليل وأدنى الدلائل عليها شهادة القابلة، ولو ادعته امرأتان فهو ابنهما عند أبى حنيفة وكذا اذا كن خمسا عنده وعندهما لا يثبت نسب الولد من المرأتين أصلا ووجه قولهما ان النسب فى جانب النساء يثبت بالولادة وولادة ولد واحد من امرأتين لا يتصور فلا يتصور ثبوت النسب منهما بخلاف الرجال لأن النسب فى جانبهم يثبت بالفراش ولأبى حنيفة ان سبب ظهور النسب هو الدعوة وقد وجدت من كل واحدة منهما وما قالا ان الحكم فى جانبهم متعلق بالولادة فنعم لكن فى موضع أمكن فيه اثبات ذلك وهنا لا يمكن فتعلق بالدعوة وقد ادعياه جميعا فيثبت نسبه منهما وعلى هذا لو ادعاه رجل وامرأتان يثبت نسبه من كل عنده - وعندهما يثبت من الرجل لا غيره، ولو ادعاه رجلان وامرأتان كل رجل يدعى انه ابنه من هذه المرأة والمرأة صدقته فهو ابن الرجلين والمرأتين عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما ابن الرجلين لا غير وما مر انما هو فى ظهور النسب بالدعوة أما ظهوره بالبينة فقد قال فى البدائع

(1)

:

البينة يظهر بها النسب مرة ويتأكد ظهوره أخرى فكل نسب يجوز ثبوته من المدعى اذا لم يحتمل الظهور بالدعوة أصلا لا بنفسها ولا بقرينة التصديق بأن كان فيه حمل النسب على الغير ونحو ذلك يظهر بالبينة وكذا ما احتمل الظهور بالدعوة لكن بقرينة التصديق اذا انعدم التصديق وظهر أيضا بالبينة وكل نسب يحتمل الظهور بنفس الدعوة بتأكد ظهوره بالبينة كما اذا ادعى اللقيط رجل، الملتقط أو غيره وثبت نسبه من المدعى ثم ادعاه رجل آخر وأقام البينة يقضى له لأن النسب وان ظهر بنفس الدعوة لكنه غير مؤكد فاحتمل البطلان بالبينة وكذا لو ادعاه رجلان معا ثم أقام أحدهما البينة فصاحب البينة أولى لما قلنا واذا تعارضت البينتان فى النسب فالأصل فيه ما ذكرنا فى تعارض البينتين على الملك انه ان أمكن ترجيح احداهما على الأخرى يعمل بالراجح وان تعذر الترجيح يعمل بهما الا أن هناك اذا تعذر الترجيح يعمل بكل واحدة منهما من وجه بقدر الامكان وهنا يعمل بكل واحدة منهما من كل وجه ويثبت النسب من كل واحد من المدعيين لامكان اثبات النسب لولد واحد من اثنين على الكمال واستحالة كون الشئ الواحد مملوكا لاثنين على الكمال فى زمان واحد، اذا عرفنا هذا فنقول: جملة الكلام فيه ان تعارض البينتين فى النسب اما أن يكون بين الخارج وبين ذى اليد واما أن يكون بين الخارجين وبين ذى اليد فان كان بين الخارج وذى اليد فبينة ذى اليد أولى لأنهما

(1)

المرجع السابق لابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 254، 255 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 169

استويا فى البينة فيرجح صاحب اليد باليد وان كان بين الخارجين وبين ذى اليد فان أمكن ترجيح احدهما بوجه من الوجوه من الاسلام والحرية والعلامة واليد وقوة الفراش وغير ذلك من أسباب الترجيح يعمل بالراجح وان استويا يعمل بهما ويثبت النسب منهما وعلى هذا اذا ادعى احدهما أن اللقيط ابنه وادعى الآخر انه عبده يقضى للذى ادعى أنه ابنه لأنه يدعى الحرية والآخر يدعى الرق فبينة الحرية أقوى وكذلك لو أقام احدهما البينة أنه ابنه من هذه الحرة وأقام الآخر البينة أنه ابنه من هذه الأمة فهو ابن الحر والحر لما قلنا ولو أقام كل واحد منهما البينة انه ابنه من امرأة حرة فهو ابن الرجلين وابن المرأتين على قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما ابن الرجلين لا غير ولو ادعاه رجلان ووقتت بينة كل واحد منهما فان استوى الوقتان ثبت النسب منهما لاستواء البينتين ولو كان وقت احداهما أسبق بحكم سن الصبى فيعمل عليه لأنه حكم عدل فان أشكل حسنه فعلى قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يقضى لأسبقهما وقتا وعندهما يقضى لهما ووجه قولهما أنه اذا أشكل السن سقط اعتبار التاريخ أصلا كأنهما سكتا عنه ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى انه اذا أشكل السن لم يصلح حكما فبقى الحكم للتاريخ فيرجح الأسبق، ولو أدعى رجل أن اللقيط ابنه وأقام البينة وادعت المرأة أنه ابنها وأقامت البينة فهو بينهما لعدم التنافى بين ثبوت نسبه منهما كما اذا ادعاه رجلان بل أولى وعلى هذا، غلام قد احتلم ادعى على رجل وامرأة أنه ابنهما وأقام البينة وادعى رجل آخر وامرأته أن الغلام ابنهما وأقاما البينة ثبت نسب الغلام من الأب والأم الذى ادعى الغلام انه ابنهما ويبطل النسب الذى أنكره الغلام لأن البينتين تعارضتا وترجحت بينة الغلام بيده اذ هو فى يد نفسه كالخارجين اذا أقاما البينة ولاحدهما يد كان صاحب اليد أولى كذا هنا وكذلك لو كان الغلام نصرانيا فأقام بينة من المسلمين على رجل نصرانى وامرأة نصرانية وادعاه مسلم ومسلمة وأقاما البينة فبينة الغلام أولى ولا تترجح بينة المدعى المسلم لأنه لا يد له وان كان مسلما، وان كانت بينة الغلام من النصارى يقضى بالغلام للمسلم والمسلمة لأن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة فالتحقت بالعدم فبقى مجرد الدعوة من الغلام فلا تعارض بينة المسلم والمسلمة ويجبر الغلام على الاسلام.

ولو كان غلام فى يد انسان ادعى صاحب اليد أنه ابنه وولدته أمته هذه فى ملكه وأقام البينة على ذلك وادعى خارج أن الغلام ابنه ولدته الأمة فى ملكه وأقام البينة فان كان الغلام صغيرا لا يتكلم يقضى به لصاحب اليد لاستوائهما فى البينة فيرجح صاحب اليد باليد كما فى النكاح وان كان كبيرا يتكلم فقال:

أنا ابن الآخر يقضى بالأمة والغلام للخارج لأن الغلام اذا كان كبيرا يتكلم فى يد نفسه فالبينة التى يدعيها الغلام أولى

(1)

(1)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 254، 255 وما بعدها الطبعة السابقة وكتاب الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين المعروف بحاشية ابن عابدين ج 4 ص 466 وما بعدها الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية 1325 هـ.

ص: 170

وكذلك لو كان الغلام ولد مرة وهما فى يد رجل فأقام صاحب اليد البينة على أنه ولد على فراشه والغلام يتكلم ويدعى ذلك وأقام الخارج البينة على ملكه يقضى بالمرأة وبالولد للذى هما فى يده وان كان الذى فى يده من أهل الذمة والمرأة ذمية وأقام شهودا مسلمين يقضى بالمرأة والولد للذى هما فى يده لأن شهادة المسلمين حجة مطلقة ولو أقام الخارج البينة على أنه تزوجها فى وقت كذا وأقام الذى فى يده البينة على أنه تزوجها فى وقت دونه يقضى للخارج لأنه اذا ثبت سبق أحد النكاحين كان المتأخر منهما فاسدا فالبينة القائمة على النكاح الصحيح أقوى فكانت أولى وعلى هذا غلام قد احتلم ادعى بأنه ابن فلان ولدته أمته فلانة على فراشه وذلك الرجل يقول هو عبدى ولد أمتى التى زوجتها عبدى فلانا فولدت هذا الغلام منه والعبد حى يدعى ذلك فهو ابن العبد لأنه تعارض الفراشان فراش النكاح وفراش الملك وفراش النكاح أقوى لأنه لا ينتفى الا باللعان وفراش الملك ينتفى بمجرد النفى فكان فراش النكاح أقوى فكان أولى ولو ادعى الغلام أنه ابن العبد من هذه الأمة فأقر العبد بذلك وقامت عليه البينة وادعى المولى أنه ابنه فهو ابن العبد ويعتق لأنه ادعى نسبه والاقرار بالنسب يتضمن الاقرار بالحرية فان لم يعمل الاقرار فى النسب يعمل فى الحرية وكذلك لو مات الرجل وترك مالا فأقام الغلام البينة انه ابن الميت من أمته وأقام الآخر البينة أنه عبده ولدته أمته من زوجها فلان والزوج عبده والعبد حى يدعى ذلك يقضى له بالنسب لأنه يدعى فراش النكاح وأنه أقوى فان كان العبد ميتا ثبت نسب الغلام من الحر وورث منه لأن بينة الغلام خلت عن المعارض لانعدام الدعوة من العبد فيجب العمل بها.

واذا

(1)

تزوج الرجل امرأة فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم تزوجها لم يثبت نسبه لأن العلوق سابق على النكاح فلا يكون منه وان جاءت به لستة أشهر فصاعدا يثبت نسبه منه سواء اعترف الزوج أو سكت لأن الفراش قائم والمدة تامة فان جحد الولادة يثبت بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة حتى لو نفاه الزوج بلاعن لأن النسب يثبت بالفراش القائم واللعان انما يجب بالقذف وليس من ضرورته وجود الولد فانه يصح بدونه وان ولدت ثم اختلفا فقال الزوج تزوجتك منذ أربعة أشهر وقالت هى منذ ستة أشهر فالقول قولها وهو ابنه لأن الظاهر شاهد لها وهو انها تلد من نكاح لا من سفاح، ومن تزوج

(2)

أمة فطلقها بعد الدخول واحدة بائنة أو رجعية ثم اشتراها قبل أن تقر بانقضاء عدتها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها ثبت نسبه منه وان لم تجئ به لأقل من ستة أشهر بل لتمام ستة أشهر أو أكثر من وقت الطلاق ولم يلزمه الا أن يدعيه لأنه فى الوجه الأول وهو ما اذا جاءت به لأقل من ستة أشهر فانه يكون معتدته للتيقن بكون العلوق سابقا على الشراء وولد المعتدة

(1)

كتاب فتح القدير على الهداية للكمال ابن الهمام وبهامشه العناية للبابرتى وحاشية سعد حلبى ج 3 ص 308 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن الهمام ج 3 ص 311 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 171

يثبت نسبه بلا دعوة لقيام الفراش حكما وفى الوجه الثانى وهو ما اذا جاءت به من وقت الشراء لستة أشهر فصاعدا فانه يكون ولد المملوكة لأن الحادث يضاف الى أقرب وقته فلا بد من دعوة فلا يثبت الا بدعوة، وهذا اذا كان الطلاق واحد بائنا أو خلعا أو رجعيا أما اذا كان اثنتين فانه يثبت النسب الى سنتين من وقف الطلاق لأنها حرمت عليه حرمة مغلظة فلا يضاف العلوق الا الى ما قبله لأنها لا تحل بالشراء ومن قال

(1)

لأمته ان كان فى بطنك ولد فهو منى فشهدت على الولادة امرأة فهى أم ولده لأن الحاجة الى تعيين الولد وذلك يثبت بشهادة القابلة بالاجماع وجاء فى الهداية وفتح

(2)

القدير: ان نسب ولد المطلقة الرجعية يثبت اذا جاءت به لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء عدتها فان أقرت بانقضاء العدة والمدة تحتمله لأن تكون ستين يوما على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أو تسعة وثلاثين يوما على قول الصاحبين ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه الا اذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار فانه يثبت نسبه للتيقن بقيام الحمل وقت الاقرار فيظهر كذبها ثم اذا جاءت به لأكثر من سنتين ولم تقر بانقضاء العدة يكون رجعة لأن العلوق بعد الطلاق والظاهر انه منه لانتفاء الزنا منها فيصير بالوط ء مراجعا لاحتمال أن يكون العلوق فى النكاح أو فى العدة فلا يصير مراجعا لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق ويحتمل العلوق بعده فلا يصير مراجعا بالشك.

والمبتوتة يثبت نسب ولدها اذا جاءت به لأقل من سنتين لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق فيثبت النسب احتياطا فان جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة لم يثبت لأن الحمل حادث بعد الطلاق فلا يكون منه لأن وطأها حرام الا أن يدعيه لأنه التزمه وله وجه بأن وطئها بشبهة فى العدة واذا كانت

(3)

المبتوتة صغيرة يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر لم يلزمه حتى تأتى به لأقل من تسعة أشهر عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يثبت النسب منه الى سنتين لأنها معتدة يحتمل أن تكون حاملا ولم تقر بانقضاء العدة فأشبهت الكبيرة ووجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان لانقضاء عدتها جهة متعينة وهو الأشهر فيمضيها بحكم الشرع بالانقضاء وهو فى الدلالة فوق اقرارها لأنه لا يحتمل الخلاف والاقرار يحتمله.

وحاصل

(4)

المسألة أن الصغيرة اذا طلقت فاما أن يكون قبل الدخول أو بعده فان كان الطلاق قبل الدخول فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه للتيقن بقيامه قبل الطلاق وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يثبت نسبه لأن الغرض ان

(1)

كتاب فتح القدير على الهداية للكمال ابن الهمام وبهامشه العناية لابن محمود البابرتى وحاشية سعد جلبى ج 3 ص 313 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كتاب الهداية وفتح القدير عليه فى كتاب ج 3 ص 302 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق للكمال بن الهمام ج 3 ص 304 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

فتح القدير على الهداية لابن الهمام فى كتاب ج 3 ص 305 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 172

لا عدة عليها وما جاءت به لا يستلزم كونه قبل الطلاق لتلزم العدة بناء على الحكم بالدخول للحكم بالعلوق قبل الطلاق، وان طلقها بعد الدخول فاما أن تقر بانقضاء العدة بعد ثلاثة أشهر أو لم تقر فان أقرت ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار ثبت نسبه وان جاءت به لستة أشهر أو أكثر لم يثبت النسب لانقضاء العدة باقرارها وما جاءت به لا يلزم كونه قبلها ليتيقن بكذبها وان لم تقر بانقضائها ولم تدع حبلا فعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان جاءت به لأقل من تسعة أشهر من وقت الطلاق ثبت نسبه وان لم تأت به لأقل من تسعة أشهر من وقت الطلاق ولم يثبت نسبه وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يثبت النسب الى سنتين فى الطلاق البائن والى سبعة وعشرين شهرا فى الرجعى لاحتمال أنه وطئها فى آخر عدتها الثلاثة الأشهر فعلقت سنتين وان كانت ادعت حبلا فهى كالكبيرة من حيث انها لا يقتصر انقضاء عدتها على أقل من تسعة أشهر لا مطلقا فان الكبيرة يثبت نسب ولدها فى الطلاق الرجعى لأكثر من سنتين وان طال الى سن الاياس لجواز امتداد طهرها ووطئه اياها فى آخر الطهر وجه قول أبو يوسف رحمه الله تعالى انها يحتمل كونها حاملا لغرض انها فى سن يجوز فيه بلوغها لأنه فرض المسألة ولم تقر بانقضاء عدتها فأشبهت الكبيرة فى احتمال حدوث العلوق ساعة فساعة فيثبت نسب ما تأتى به الى سنتين ووجه قولهما وهو الفرق ان لانقضاء عدة الصغيرة جهة واحدة فى الشرع فبمضيها بحكم الشرع بالانقضاء فى الدلالة فوق اقرارها بالانقضاء لأنه لا يحتمل الخلف وعدم المطابقة بخلاف اقرارها فغاية الأمران يجعل انقضاؤها بمنزلة اقرارها ولو جاءت

(1)

المبتوتة بولدين احدهما لأقل من سنتين والآخر لأكثر من سنتين ثبت نسبهما عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى اعتبراه بمن باع جارية فجاءت بولدين احدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر فادعاهما البائع فثبت نسبهما وينقض البيع وعند محمد رحمه الله تعالى لا يثبت لأن الثانى من علوق حادث بعد الابانة فيتبعه الأول لأنهما توأمان، قيل هو الصواب وليس ولد الجارية نظيره لأن الولد الثانى يجوز كونه حدث على ملك البائع قبل بيعه بخلاف الولد الثانى فى المبتوتة، وفى شرح التكملة لو تزوج أمة ودخل بها ثم طلقها واحدة ثم ملكها يلزمه ولدها ان جاءت به لأقل من ستة أشهر ولا يلزمه أن جاءت به لستة أشهر فصاعدا لأنه ولد النكاح وطأها حلال ولا يلزمه الا بالدعوة ولا فرق بين أن تكون الطلقة بائنة أو رجعية وان طلقها فتبين ثم ملكها ثبت نسبه الى سنتين لأن وطأها لا يحل بملك اليمين فكان الولد من النكاح ويثبت

(2)

نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين الوفاة وبين السنتين وقال زفر رحمه الله تعالى اذا جاءت به بعد انقضاء العدة أى عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعين الجهة فصار كما اذا أقرت بالانقضاء كما فى

(1)

فتح القدير على الهداية فى كتاب الكمال ابن الهمام ج 3 ص 304 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق على الهداية فى كتاب الكمال ج 3 ص 305 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 173

الصغيرة الا أنا نقول لانقضاء عدتها جهة أخرى وهو وضع الحمل بخلاف الصغيرة لأن الأصل فيها عدم الحمل لأنها ليست بمحل الحمل قبل البلوغ وفى البلوغ شك والصغر كان ثابتا بيقين فلا يزول بالشك واذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه لأنه ظهر كذبها بيقين فبطل الاقرار وان جاءت به لستة أشهر لم يثبت نسبه لأنا لم نعلم ببطلان الاقرار لاحتمال الحدوث بعده، واذا

(1)

ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى الا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان الا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج فيثبت النسب من غير شهادة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يثبت فى الجميع بشهادة امرأة واحدة لأن الفراش قائم بقيام العدة وهو ملزم للنسب والحاجة الى تعيين الولد أنه منها فيتعين بشهادتهما كما فى حال قيام النكاح ووجه قول أبو حنيفة رحمه الله تعالى ان العدة تنقضى باقرارها بوضع الحمل والمنقضى ليس بحجة فمست الحاجة الى اثبات النسب ابتداء. فيشترط كمال الحجة بخلاف ما اذا كان الحبل ظاهرا أو حصل الاعتراف به من الزوج لأن النسب ثابت قبل الولادة وتعيين الولد يثبت بشهادة امرأة واحدة. قال صاحب فتح القدير: الاطلاق يشمل المعتدة عن وفاة وعن طلاق بائن أو رجعى فيوافق تصريح قاضيخان وفخر الاسلام يجريان الخلاف فى الرجعى وشمس الأئمة رحمه الله تعالى قيد صورة المسألة بأن يكون الطلاق بائنا فقال:

لو ان رجلا طلق امرأته ثلاثا أو تطليقا بائنا ثم جاءت بولد بعد الطلاق لسنتين أو أقل وشهدت امرأة على الولادة والزوج ينكر الولادة والحبل لم يلزمه النسب فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان ونحوه فعل صاحب المختلف حيث قال شهادة القابلة على الولادة لا تقبل الا بمؤيد الى أن قال حتى أن المعتدة عن وفاة اذا كذبها الورثة فى الولادة وفى الطلاق البائن اذا كذبها الزوج الى آخر ما ذكره واتفقوا على قيد انكار الزوج وكذا لو وقع انكار الولادة والحبل من الورثة فعندهما يثبت بشهادة امرأة حرة عدلة ويرث بذلك ويشترط لفظة الشهادة على قولهما عند مشايخ خراسان لأنها موجبة حقا على الغير ولا يشترط عند العراقيين قياسا على العدد وهل يقبل شهادة رجل واحد عندهما؟ قيل: نعم ولا يفسق وفى جامع قاضيخان رحمه الله تعالى على هذا الخلاف كل ما لم يطلع عليه الرجال وأجمع علماؤنا على أنه يقضى بالنسب بشهادة الواحدة عند قيام النكاح وحقيقة الحال أنه يثبت تعيين الولد بهذه الشهادة والنسب بقيام الفراش واذا تقرر ان النكاح بعد الطلاق الرجعى قائم من كل وجه يتجه تقييد الخلاف بالبائن كما نقله شمس الأئمة ويكون الرجعى كالعصمة القائمة حتى حل الوط ء ودواعيه والخلاف انما هو بعد الموت وبالطلاق البائن، ومن قال

(2)

ان تزوجت فلانة فهى طالق فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم

(1)

فتح القدير على الهداية فى كتاب للكمال ابن الهمام ج 3 ص 306 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

فتح القدير على الهداية فى كتاب للكمال ج 3 ص 300 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 174

تزوجها فهو ابنه وعليه المهر أما النسب فلأنها فراشه لأنها لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح فقد جاءت به لأقل منها من وقت الطلاق فكان العلوق قبله فى حالة النكاح والقصور ثابت بان تزوجها وهو يخالطها فوافق الانزال النكاح والنسب يحتاط فى اثباته واما المهر فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما فتأكد المهر به، وجاء فى فتح

(1)

القدير انه لو كان القذف بولد نفى القاضى نسبه والحقه بأمه وشرط هذا الحكم ان يكون العلوق فى حال يجرى بينهما فيه اللعان حتى لو علق وهى كافرة أو أمه ثم عتقت وأسلمت فنفى نسب ولده لا ينتفى ولا تلاعن لأن انتفاءه انما يثبت شرعا حكما للعان ولا لعان بينهما ولأن نسبه كان ثابتا على وجه لا يمكن قطعه فلا ينقطع وفى الذخيرة لا يشرع اللعان بنفى الولد فى المجبوب والخصى ومن لا يولد له ولد لأنه لا يلحق به الولد وفيه نظر لأن المجبوب يستنزل بالسحق ويثبت نسب ولده على ما هو المختار ولو قذفها بالزنا ونفى الولد ذكر فى اللعان الأمرين ثم ينفى القاضى نسب الولد ويلحقه بأمه لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم نفى ولد امرأة هلال بن أمية عن هلال والحقه بها ولأن المقصود من هذا اللعان نفى الولد فيوفر عليه قصده فيتضمنه القضاء بالتفريق ان لا يثبت قطع النسب ضمنا للتفريق وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان القاضى يفرق ويقول قد الزمته أمه وأخرجته من نسب الأب لأنه ينفك عنه فلا بد من ذكره.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية

(2)

الدسوقى على الشرح الكبير: أنه يجوز استلحاق الولد المجهول النسب ولو كذبت أمه من استلحقه لتشوف الشارع للحوق النسب اما اذا كان الولد معلوم النسب أو علم أنه من زنا فلا يجوز استلحاقه ويستثنى من مجهول النسب اللقيط فانه لا يصح استلحاقه الا ببينة أو بوجه كمجاعة أو لكونه لا يعيش له أولاد فيطرح لأجل ان يعيش ويصح الاستلحاق وان كبر الولد أو مات لأنه لا يشترط تصديقه بمستلحقه كما هو قول ابن رشد وابن شاس رحمهما الله تعالى وقال ابن خروف والعوفى باشتراطه وقال ابن يونس رحمه الله تعالى يشترط تصديقه ان كان فى حوز مستلحقه لا ان كان فى غيره ويصح الاستلحاق وان باعه المستلحق على أنه عبد ونقض البيع ولو كذبه المشترى على التحقيق واذا نقض البيع رجع المشترى على البائع المستلحق بنفقته عليه مدة اقامته عند المشترى ان لم يكن للعبد خدمة على الأرجح فان كان له خدمة بان استخدمه بالفعل فلا رجوع له. قال الدسوقى رحمه الله تعالى قيمة الخدمة عن النفقة أولا كما لا رجوع للبائع ان زادت على النفقة ومقابل الأرجح الرجوع مطلقا وعدمه مطلقا. وان باع أمة حاملا بحسب دعوى البائع غير ظاهرة الحمل فولدت عند المشترى ولدا فستلحقه بائعها لحق به مطلقا سواء صدقه المشترى

(1)

فتح القدير على الهداية لابن الهمام ج 3 ص 256 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى للشيخ محمد عرفة الدسوقى مع الشرح الكبير لسيدى محمد الدرديرى فى كتاب ج 3 ص 412، 413 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1308 هـ.

ص: 175

أو كذبه وسواء تصرف فيه المشترى أم لا.

أما الأم فان اتهم البائع فيها بمحبة رغبة فيها لجمالها أو عدم ثمن عند البائع فأنها لا ترد للبائع ولزمه أن يرد الثمن لمشتريها وان لم يتهم فيها بواحد مما ذكر فانها ترد له أم ولد كما كانت أولا ويرد الثمن لمشتريها.

واذا

(1)

ولدت زوجة رجل وأمة رجل آخر واختلطا الولدان عينته القافة وعن ابن القاسم رحمه الله تعالى فيمن وجدت مع ابنتها أخرى لا تلحق بزوجها واحدة منهما لاحتمال كون البنت الأخرى من نكاح والقافة لا تكون فى نكاحين لكن رجح القول بانها تدخل فى نكاح مجهول كما فى هذا الفرع ثم المذهب ان القافة تكون فى النكاحين أيضا وانما تعتمد القافة فى معرفتها الانساب بالشبه على أب لم يدفن أى بان عرفته قبل دفنه سواء عرفته بعد الموت أو قبله ويكفى قائف واحد على المشهور لأنه مخبر، وجاء فى التاج

(2)

والاكليل: أنه لا يلحق اللقيط بملتقطه ولا غيره الا ببينة أو بوجه من المدونة قال مالك رحمه الله تعالى من التقط لقيطا فأتى رجل فادعى أنه ولده لم يصدق ولم يلحق به الا ان يكون لدعواه وجه كرجل عرف أنه لا يعيش له ولد فزعم أنه رماه لقول الناس اذا طرح عاش ونحوه مما يدل على صدقه فانه يلحق به والا لم يصدق الا ببينة قيل لابن القاسم رحمه الله تعالى فان صدقه الملتقط قال أراه شاهدا ولا تجوز شهادة واحد مع اليمين فى النسب قال ابن يونس رحمه الله تعالى خالف ابن القاسم رحمه الله تعالى أصله فى الاستلحاق وقال فى المدونة ومن التقط لقيطا فانفق عليه فأتى رجل أقام البينة أنه ابنه فله أن يتبعه بما انفق ان كان الأب موسرا فى حين النفقة لأنه ممن تلزمه نفقته هذا ان تعمد الأب طرحه وان لم يكون هو طرحه فلا شئ عليه وانظر لو اختلفا فى طرحه فادعى الملتقط ان أباه طرحه عمدا وانكره الأب فالقول قول من أشبه منهما وكذلك لو اختلفا فى عسر الأب وقت الانفاق أو يسره ويملك أب

(3)

وان علا جارية فرعه وان سفل ذكرا أو أنثى بتلذذه ويتبع بها ان أعدم وتباع عليه فيها ان لم تحمل وللابن ان يتمسك بها فى هذه الحالة وحرمت على الابن فقط ان لم يكن وطئها وحرمت عليهما معا ان وطئاها أو تلذذا بها بدون وط ء وان حملت عتقت أى ناجزا على مولدها منهما لأن كل أم ولد حرم وطؤها نجز عتقها فان ولدت من كل عتقت على السابق منهما فان وطئاها بطهر ولم توجد قافة تعين الحق بهما وعتقت عليهما كما لو الحقته بهما وحاصل ما فى المسألة انها تارة تلد من أحدهما وتارة تلد منهما وفى كل اما أن يعلم السابق أولا فان ولدت من أحدهما فقط وعلم كانت أم ولد له وعتقت عليه ناجزا كان هو الأب أو الابن ولا يتأتى العلم بذلك الأحد الذى ولدت منه الا اذا كان وطؤهما فى طهرين بان استبرأها احدهما بحيضة من وط ء الأول ووطئها بعدها

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفة الدسوقى ج 3 ص 416، 417 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

مواهب الجليل بشرح مختصر أبى الضياء خليل وبهامشه التاج والاكليل لأبى محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 6 ص 81، 82 وما بعدهما طبع مطبعة السعادة مصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.

(3)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه فى كتاب ج 2 ص 261 الطبعة السابقة.

ص: 176

فان أتت بولد لستة أشهر من وط ء الثانى لحق به وعتقت عليه وان ولدت لأقل من سته أشهر من وط ء الثانى لحق بالأول لأنه كان فى بطنها عند حيضها والحامل تحيض عند مالك رحمه الله تعالى وان لم يعلم من أيهما بان وطئاها فى طهر واحد فالقول للقافة فمن الحقته به فهو ابن له وتعتق عليه فان لم تلحقه بواحد عتق عليهما كأن لم تكن قافة أو كانوا واختلفوا ولم يكن أحدهم أعرف وأرجح من الثانى وان ولدت من كل واحد ولدا فانها تعتق على السابق منهما ان علم والا عتقت عليهما وكل من عتقت عليه وحده فالولاء له وان عتقت عليهما فالولاء لهما ويغرم الأب قيمتها فى كل الصور ولو عتقت على الابن وحده وتكون قيمة قن ويؤدب الأب فى الصور كلها ان لم يعذر بجهل، وان لاعن

(1)

الزوج زوجته لرؤيته زناها وادعى الوط ء قبل الرؤية وأتت بولد وادعى عدم الاستبراء بعد ذلك الوط ء ثم ظهر بها حمل فهذا الولد اما ان لا يمكن ان يكون من زنا الرؤية بان أتت به لأقل من ستة أشهر ناقصة خمسة أيام من يوم الرؤية واما ان يمكن ان يكون من زنا الرؤية بأن أتت به لستة أشهر ناقصة خمسة أيام فأكثر من يوم الرؤية فان كان الأول لحق بالزوج قطعا وان كان الثانى فلمالك فيه ثلاثة أقوال:

الأول: الزام الزوج بالولد ولا ينتفى عنه أصلا لا بلعان ولا بغيره بناء على ان اللعان انما شرع لنفى الحد فقط.

الثانى: أنه ينتفى الولد عن الزوج باللعان الأول بناء على ان اللعان موضوع لنفى الحد والولد معا.

الثالث: ان الولد يلحق بالزوج ما لم ينفه بلعان آخر لأن اللعان الأول انما كان لنفى الحد لا لنفى الولد فاذا أراد نفيه لاعن لنفيه.

ومحل هذه الأقوال الثلاثة يتحقق ان حملها كان موجودا يوم الرؤية بان كان بينا متضحا أو أتت به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية أقلية لها بال بأن أتت به لستة أشهر الا ستة أيام أو سبعة أيام فانه يلحق الولد به فى هذه الحالة وللزوج ان يلاعن فى نفى الحمل مطلقا كانت المرأة فى العصمة أو مطلقة خرجت من العدة أولا كانت حية أو ميتة فلا يتقيد اللعان لنفى الحمل بزمان الا ان تجاوز أقصى أمد الحمل من يوم الطلاق أو ترك الوط ء فينتفى عنه بلا لعان لعدم لحوقه به وللزوج أن يلاعن فى الرؤية اذا ادعاها فى العدة وان كانت من طلاق بائن فانه يلاعن ولو انقضت العدة لأن العدة من توابع العصمة وأحرى لو رمى من فى العصمة فان ادعى بعدها أنه رأى فيها لم يلاعن فالحاصل أنه اذا ادعى فى زمن العدة أنه رأى فيها أو قبلها لاعن وان انقضت العدة وان ادعى بعدها أنه رأى فيها أو قبلها أو بعدها فلا لعان وحد اذا ادعى بعد العدة انه رأى فيها أو قبلها أو بعدها كاستلحاق الولد الذى نفاه بلعان فانه يحد ويلحق به الا ان يثبت زناها باقرار أو بينة فلا يحد لأنه رمى غير عفيفة فى المسألتين لأنهما خلقا من ماء واحد وان كان بين الولدين ستة أشهر فأكثر وان استلحق

(2)

الزوج بعد اللعان أحد

(1)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير فى كتاب ج 2 ص 461، 462 الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير لسيدى محمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفة فى كتاب ج 2 ص 467 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 177

التوأمين لحقا معا وحد لأنهما كالشئ الواحد لا يلحق احداهما باستلحاق الآخر ولا ينتفى بنفيه لأن كل واحد حمل مستقل وهذا يقتضى انه لا يلتفت لسؤال النساء فى ذلك الا ان الامام مالك رضى الله تعالى عنه قال وان أقر بالثانى الذى بينه وبين الأول ستة أشهر بان قال هو ولدى والغرض أنه أقر بالأول لا أنه نفاه وقال لم أطأ بعد ولادة الأول وهذا الثانى ولدى سئل النساء العارفات هل يتأخر أحد التوأمين هكذا فان قلن قد يتأخر هكذا أى ستة أشهر لم يحد لأنه مع الأول بطن واحد وليس قوله لم أطأ بعد الأول نفيا للثانى صريحا لجواز كونه من الوط ء الذى كان عنه الأول وان قلن لا يتأخر حد لأنه لما أقر به وقال لم أطأ بعد الأول صار هذا القول منه قذفا لها وتقرير الاشكال أن الستة ان كانت قاطعة للثانى عن الأول فلا يرجع للنساء ويحد وان لم تكن قاطعة فيرجع لهن ولا يحد ان قلن قد يتأخر وهو قد قال فى الفرع الأول انها قاطعة ويحد وفى الثانى يرجع للنساء ويحد فأشكل الفرع الثانى على الأول، وفى الحطاب

(1)

: قال ابن شاس رحمه الله تعالى ولد المرتد لا يلحق به فى الردة اذا كان صغيرا اذ تبعية الولد لأبيه انما تكون فى دين يقر عليه فان قتل الأب على الكفر بقى الولد مسلما وقال ابن القاسم رحمه الله تعالى صغير ولد المرتد ان كان ولده قبل ردته جبر على الاسلام وضيق عليه ولا يبلغ به الموت وان ولده بعد ردته جبروا على الاسلام وردوا اليه وان لم يدركوا حتى بلغوا تركوا لأنهم ولدوا على ذلك.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(2)

: انه اذ تداعى شخصان مجهولان لقيطا أو غيره عرض على القائف مع المتداعيين ان كان صغيرا اذ الكبير لابد من تصديقه فمن ألحقه به القائف لحقه والمجنون كالصغير وألحق به البلقينى رحمه الله تعالى مغمى عليه ونائما وسكران غير متعد، وكذا لو اشتركا فى وط ء امرأة أو استدخلت ماءهما المحترم كما قاله البلقينى فولدت ولدا يمكن أن يكون منهما وتنازعاه بأن وطئها بشبهة كان ظنها كل انها زوجته أو أمته أو وطئها مشتركة بهما فى طهر واحد والا فهو للثانى أو وطئ زوجته وطلق، فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد كأن نكحها فى العدة جاهلا بالحال، أو وطئ أمته وباعها فوطئها المشترى ولم يستبرئ واحد منهما فيعرض على القائف ولو مكلفا، فمن ألحقه به منهما لحقه فان لم يكن قائف أو كان لكنه تحير اعتبر انتساب الولد بعد كماله، قال البلقينى رحمه الله تعالى لو كان الاشتباه للاشتراك فى الفراش لم يعتبر الحاق القائف الا أن يحكم حاكم ذكره الماوردى، وحكاه فى المطلب عن ملخص كلام الأصحاب وكذا لو وطئ بشبهة منكوحة لغيره فى الأصح كما فى المحرر. ولا يتعين الزوج للالحاق لأنه موضع

(1)

مواهب الجليل وبهامشه التاج والأكليل للمواق ج 6 ص 281 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كتاب نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباسى أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصرى الانصارى الشهير بالشافعى الصغير ومعه حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملسى القاهرى وبالهامش حاشية أحمد ابن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى ج 8 ص 352 وما بعدها طبع مطابع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ - 1938 م.

ص: 178

الاشتباه ومقابل الأصح انه يلحق الزوج لقوة الفراش، ولا يكفى اتفاق الزوجين على الوط ء بل لا بد من بينة به لأن للولد حقا فى النسب وتصديقهما ليس بحجة عليه فان قامت به بينة عرض على القائف وهذا ما ذكره النووى رحمه الله تعالى فى الروضة هنا وهو المعتمد وان لم يذكره فى اللعان واعتمد البلقينى رحمه الله تعالى الاكتفاء بذلك الاتفاق، ويلحق بالبينة تصديق الولد المكلف لما تقرران له حقا فاذا ولدت لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطئهما وادعياه أو لم يدعياه عرض على القائف لامكانه منهما فان تخلل بين وطئيهما حيضة فالولد للثانى، وان ادعاه الأول لظهور انقطاع تعلقه به الا أن يكون الأول زوجا فى نكاح صحيح والثانى بشبهة أو نكاح فاسد فلا ينقطع تعلق الأول لأن امكان الوط ء مع الفراش قائم مقام نفى الوط ء والامكان حاصل بعد الحيضة واحترز بالصحيح عما لو كان الأول زوجا فى نكاح فاسد فانه ينقطع تعلقه ويكون للثانى على الأظهر لأن المرأة فى النكاح الفاسد لا تصير فراشا ما لم توجد حقيقة الوط ء وسواء فى المتنازعين اتفقا اسلاما وحرية أم لا، لأن النسب لا يختلف مع صحة استلحاق العبد هذا ان ألحق بنفسه والا كأن تداعيا اخوة مجهول فيقدم الحر لأن شرط الملحق بغيره أن يكون وارثا حائزا ويحكم بحريته وان ألحقه بالعبد لاحتمال أنه ولد من حرة ولو ألحقه قائف بشبه ظاهر وقائف بشبه خفى قدم الثانى لأن معه زيادة علم بحذقه وبصيرته وفيما اذا ادعاه مسلم وذمى يقدم ذو البينة فيلتحق به نسبا ودينا اذا لم تكن أمه مسلمة فان كانت أمه مسلمة فلا يلحق بالذمى فى الدين وان لحق به نسبا فان لم تكن البينة وألحقه القائف بالذمى تبعه فى نسبه فقط ولا حضانة له، وجاء فى مغنى

(1)

المحتاج أنه لو نفى من نسب اليه ذلك الولد بلعان انتفى اللبن النازل به كالنسب فلو ارتضعت به صغيرة حلت للثانى ولو عاد واستلحق بعد اللعان لحقه الرضيع أيضا ولو وطئت منكوحة أى وطئها واحد بشبهة أو وطئ اثنان امرأة بشبهة فولدت ولدا فاللبن النازل به لمن لحقه الولد منهما، اما بقائف أو البينات ان أمكن كونه منهما أو لمن لحقه الولد بسبب غيره فان انحصر الامكان فى واحد منهما أو لم يكن قائف أو الحقه بهما أو نفاه عنهما أو أشكل عليه الأمر وانتسب الولد لأحدهما بعد بلوغه أو بعد افاقته من جنون ونحوه فالرضيع من ذلك اللبن ولد رضاع لمن لحقه ذلك الولد لأن اللبن تابع للولد، فان مات الولد قبل الانتساب وله ولد قام مقامه أو أولاد فانتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك دام الاشكال فان ماتوا قبل الانتساب أو بعده فيما اذا انتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك أو لم يكن له ولد ولا ولد ولد انتسب الرضيع حينئذ، اما قبل انقراض ولده وولد ولده فليس له الانتساب بل هو تابع للولد أو ولده ولا يجبر على الانتساب بخلاف الولد وأولاده فانهم يجبرون عليه لضرورة النسب والفرق ان النسب يتعلق به حقوق له وعليه كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القود ورد الشهادة فلا بد من

(1)

كتاب مغنى المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى ج 3 ص 386 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1276 هـ.

ص: 179

دفع الاشكال والمتعلق بالرضاع حرمة النكاح وجواز النظر والخلوة وعدم نقض الطهارة والامساك عنه سهل فلم يجبر عليه الرضيع ولا يعرض أيضا على القائف ويفارق ولد النسب بان معظم اعتماد القائف على الاشباه الظاهرة دون الأخلاق وانما جاز انتسابه لأن الانسان يميل الى من ارتضع من لبنه ولا تنقطع نسبه اللبن عن صاحبه من زوج أو غيره مات أو من زوج طلق وله اللبن وجاء فى المهذب

(1)

: انه ان تداعى نسب اللقيط رجلان لم يجز الحاقه بهما معا لأن الولد لا ينعقد من اثنين، والدليل عليه قوله تعالى:

«إِنّا خَلَقْناكُمْ 2 مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى» فان لم يكن لواحد منهما بينة عرض الولد على

(3)

القافة فان الحقته باحدهما لحق به، لما روت عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف السرور فى وجهه فقال: (ألم ترى الى مجزز المدلجى نظر الى اسامة وزيد وقد غطيا رؤسهما وقد بدت أقدامهما). فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض فلو لم يكن ذلك حقا لما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل يجوز ان يكون من غير بنى مدلج؟ فيه وجهان.

احدهما: لا يجوز لأن ذلك ثبت بالشرع ولم يرد الشرع الا فى بنى مدلج.

والثانى: انه يجوز وهو الصحيح لأنه علم يتعلم ويتعاطى فلم تختص به قبيلة كالعلم بالأحكام، وهل

(4)

يجوز ان يكون واحدا فيه وجهان.

احدهما: انه يجوز لأن النبى صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز المدلجى وحده ولأنه بمنزلة الحاكم لأنه يجتهد ويحكم كما يجتهد الحاكم ثم يحكم.

والثانى: لا يجوز أقل من اثنين لأنه حكم بالشبه فى الخلقة فلم يقبل من واحد كالحكم فى المثل فى جمراء الصيد ولا يقبل الا قول من جرب وعرف بالقيافة حذقه كما لا يقبل فى الفنيا الا قول من عرف فى العلم حذقه، وان الحقته القافه بهما أو نفته أو أشكل الأمر عليها أو لم تكن قافة ترك حتى يبلغ ويؤخذان بالنفقة عليه لأن كل واحد منهما يقول: أنا الأب، وعلى نفقته فاذا بلغ أمرناه ان ينتسب الى من يميل طبعه اليه، لما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال للغلام الذى الحقته القافة بهما الحال، ايهما شئت ولأن الولد يجد لوالده ما لا يجد لغيره فاذا تعذر العمل بقول القافة رجع الى اختيار الولد، وهل يصح أن ينتسب اذا صار مميزا ولم يبلغ؟ فيه وجهان. احدهما: يصح كما يصح أن يختار أن يكون مع أحد الأبوين اذا صار مميزا.

والثانى: لا يصح لأنه قول يتعين به النسب ويلزم الأحكام به فلا يقبل من الصبى، ويخالف أختيار أن يكون مع أحد الأبوين لأن ذلك غير لازم ولهذا لو اختار احدهما ثم انتقل الى الآخر جاز ولا يجوز ذلك فى النسب وان كان لأحدهما بينة قدمت على القافة لأن البينة

(1)

المهذب لأبى اسحاق الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 437 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 13 من سورة الحجرات.

(3)

القافه وهم قوم من بنى مدلج من كنانة.

(4)

المرجع السابق لأبى اسحق الشيرازى الفيروزابادى ج 2 ص 437 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 180

تخبر عن سماع أو مشاهدة والقافة تجز عن اجتهاد فان كان لكل واحد منهما بينة فهما متعارضتان لأنه لا يجوز أن يكون الولد من اثنين، ففى أحد القولين يسقطان ويكون كما لو كان لم تكن بينة وفى الثانى تستعملان، فعلى هذا هل يقرع بينهما؟ فيه وجهان.

احدهما: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة قضى له لأنه لا يمكن قسمة الولد بينهما ولا يمكن الوقف لأن فيه أضرارا باللقيط فوجبت القرعة.

والثانى: لا يقرع لأن معنا ما هو أقوى من القرعة وهو القافة فعلى هذا يصير كما لو لم يكن بينهما بينة وجاء فى

(1)

المهذب: ان ادعى حر مسلم نسب اللقيط لحق به وتبعه فى الاسلام لأنه يقر له بحق لا ضرر فيه على أحد فقبل كما لو أقر به بمال وله أن يأخذه من الملتقط لأن الوالد أحق بكفالة الولد من الملتقط وان كان الذى أقر بالنسب هو الملتقط فالمستحب أن يقال له من أين صار ابنك لأنه ربما اعتقد أنه بالالتقاط صار أبا له وان ادعى نسبه عبد لحق به لأن العبد كالحر فى السبب الذى يلحق به النسب ولا يدفع اليه لأنه لا يقدر على حضانته لاشتغاله بخدمة مولاه، وان ادعى نسبه كافر لحق به لأن الكافر كالمسلم فى سبب النسب، وهل يصير اللقيط كافرا قال فى اللقيط: أحببت أن أجعله مسلما، وقال فى الدعوى والبينات أجعله مسلما فمن الأصحاب من قال: أن أقام البينة حكم بكفره قولا واحدا وان لم تقم البينة ففيه قولان. احدهما: يحكم بكفره لأنا لما حكمنا بثبوت نسبه فقد حكمنا بأنه ولد على فراشه.

والقول الثانى يحكم باسلامه لأنه محكوم باسلامه بالدار فلا يحكم بكفره بقول كافر وقال أبو اسحاق رحمه الله تعالى الذى قال فى اللقيط أراد به اذا ادعاه وأقام البينة عليه لأنه قد ثبت بالبينة انه ولد على فراش كافر والذى قال فى الدعوى والبينات أراد اذا ادعاه من غير بينة لأنه محكوم باسلامه بظاهر الدار فلا يصير كافرا بدعوى الكافر وهذا الطريق هو الصحيح لأنه نص عليه فى الاملاء واذا قلنا انه يتبع الأب فى الكفر فالمستحب أن يسلم الى مسلم الى أن يبلغ احتياطا للاسلام فان بلغ ووصف الكفر أقررناه على كفره وان وصف الاسلام حكمنا باسلامه من وقته، وان ادعت امرأة نسب اللقيط ففيه ثلاثة أوجه احدهما يقبل لأنها أحد الأبوين فقبل أقرارها بالنسب كالأب والوجه الثانى: لا يقبل وهو ظاهر النص لأنه يمكن اقامة البينة على ولادتها من طريق المشاهدة فلا يحكم فيها، بالدعوى بخلاف الأب فانه لا يمكن اقامة البينة على ولادته عن طريق المشاهدة ققبلت فيه دعواه ولهذا قلنا انه اذا قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق لم يقبل قولها فى دخول الدار الا ببينة ولو قال لها ان حضت فأنت طالق قبل تولها فى الحيض من غير بينة لما ذكرناه من الفرق فكذلك هاهنا.

والوجه الثالث: ان كانت فراشا لرجل لم يقبل قولها لأن اقرارها يتضمن الحاق

(1)

المهذب للشيخ اسحاق الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 376، 377 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 181

النسب بالرجل وان لم تكن فراشا قبل لأنه لا يتضمن الحاق النسب بغيرها وان تداعت امرأتان نسبه وقلنا انه يصح دعوى المرأة ولم تكن بينة فهل يعرض على القافة؟ فيه وجهان؟ احدهما: يعرض لأن الولد يأخذ الشبه من الأم كما يأخذ الشبه من الأب فاذا جاز الرجوع الى القافة فى تمييز الأب من غيره بالشبه جاز فى تمييز الأم من غيرها.

والثانى: لا يعرض لأن الولد يمكن معرفة أمه يقينا فلم يرجع فيه الى القافة، بخلاف الأب:

فانه لا يمكن معرفته الا ظنا فجاز أن يرجع فيه الى الشبه.

وجاء فى

(1)

المهذب: انه اذا تزوج امرأة وهو ممن يولد لمثله وأمكن اجتماعهما على الوط ء وأتت بولد لمدة يمكن ان يكون الحمل فيها لحقه فى الظاهر لقوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش ولأن مع وجود هذه الشروط يمكن أن يكون الولد منه وليس هاهنا ما يعارضه ولا ما يسقطه فوجب ان يلحق به وان كان الزوج صغيرا لا يولد لمثله لم يلحقه لأنه لا يمكن ان يكون منه وينتفى عنه من غير لعان لأن اللعان يمين واليمين جعلت لتحقيق ما يجوز ان يكون ويجوز ان لا يكون فيتحقق باليمين أحد الجائزين وهاهنا لا يجوز ان يكون الولد له فلا يحتاج فى نفيه الى اللعان واختلف الأصحاب فى السن التى يجوز ان يولد له فمنهم من قال يجوز ان يولد له بعد عشر سنين. ولا يجوز ان يولد له قبل ذلك وهو ظاهر النص والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم فى المضاجع) ومنهم من قال يجوز ان يولد له بعد تسع سنين ولا يجوز ان يولد له قبله لأن المرأة تحيض لتسع سنين فجاز أن يحتلم الغلام لتسع من عشر سنين وما قاله الشافعى رحمه الله تعالى أراد على سبيل التقريب لأنه لا بد ان يمضى بعد التسع امكان الوط ء وأقل مدة الحمل وهو ستة أشهر وذلك قريب من العشرة وان كان الزوج محبوبا فقد روى المزنى رحمه الله تعالى ان له ان يلاعن وروى الربيع رحمه الله تعالى أنه ينتفى من غير لعان واختلف الأصحاب فيه فقال أبو اسحاق رحمه الله تعالى ان كان مقطوع الذكر والأنثيين انتفى من غير لعان لأنه يستحيل ان ينزل مع قطعهما وان قطع أحدهما لحقه ولا ينتفى الا بلعان لأنه اذا بقى الذكر أولج وأنزل وان بقى الأنثيان ساحق وأنزل وحمل الروايتين على هذين الحالين وقال القاضى أبو حامد رحمه الله تعالى فى أصل الذكر ثقبتان احدهما للبول والأخرى للمنى فاذا انسدت ثقبه المنى انتفى الولد من غير لعان لأنه يستحيل الانزال وان لم تنسد لم ينتف الا باللعان لأنه يمكن الانزال وحمل الروايتين على هذين الحالين، وان لم يمكن اجتماعهما على الوط ء بان تزوجها وطلقها عقيب العقد أو كانت بينهما مسافة لا يمكن معها الاجتماع انتفى الولد من غير لعان لأنه لا يمكن أن يكون منه وان أتت بولد لدون ستة أشهر من وقت العقد انتفى عنه من غير لعان لأنا نعلم انها علقت به قبل حدوث الفراش وان دخل بها ثم طلقها وهى حامل فوضعت الحمل ثم أتت بولد آخر لستة أشهر لم يلحقه وانتفى عنه من غير لعان لأنا قطعنا

(1)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 120، 121، 122 الطبعة السابقة.

ص: 182

ببراءة رحمها بوضع الحمل وان هذا الولد الآخر علقت به بعد زوال الفراش وان طلقها وهى غير حامل واعتدت بالاقراء ثم وضعت ولدا قبل ان تتزوج بغيره لدون ستة أشهر لحقه لأنا تيقنا ان عدتها لم تنقض وان أتت به لستة أشهر أو أربع سنين أو ما بينهما لحقه وقال أبو العباسى بن سريج رحمه الله تعالى:

لا يلحقه لأنا حكمنا بانقضاء العدة واباحتها للأزواج وما حكم به لا يجوز نقضه لأمر محتمل وهذا خطأ لأنه يمكن ان يكون منه النسب اذا أمكن اثباته لم يجز نفيه ولهذا اذا أتت بولد بعد العقد لستة أشهر لحقه وان كان الأصل عدم الوط ء وبراءة الرحم فان وضعته لأكثر من أربع سنين نظر فان كان الطلاق بائنا انتفى عنه بغير لعان لأن العلوق حادث بعد زوال الفراش وان كان رجعيا ففيه قولان احدهما ينتفى عنه بغير لعان لأنها حرمت عليه بالطلاق تحريم المبتوتة فصار كما لو طلقها طلاقا بائنا والقول الثانى يلحقه لأنها فى حكم الزوجات فى السكنى والنفقة والطلاق والظهار والايلاء، فاذا قلنا بهذا فالى متى يلحقه ولدها فيه وجهان قال أبو اسحاق رحمه الله تعالى يلحقه أبدا لأن العدة يجوز ان تمتد لأن أكثر الطهر لا حد له ومن أصحابنا من قال يلحقه الى أربع سنين من وقت انقضاء العدة وهو الصحيح لأن العدة اذا انقضت بانت وصارت كالمبتوتة وان كانت له زوجة يلحقه

(1)

ولدها ووطئها رجل بالشبهة وادعى الزوج ان الولد من الواطئ عرض معهما على القافة ولا يلاعن لنفيه لأنه يمكن نفيه بغير لعان وذلك بطريق القافة فلا يجوز نفيه باللعان فان لم تكن قافة أو كانت وأشكل عليها ترك الصغير حتى يبلغ السن الذى ينتسب فيه الى احدهما فان بلغ وانتسب الى الواطئ بشبهة وانتفى عن الزوج بغير لعان وان انتسب الى الزوج لم ينتف عنه الا باللعان لأنه لا يمكن نفيه بغير اللعان فجاز نفيه باللعان وأن قال زنى بك وأنت مكرهة والولد منه ففيه قولان احدهما لا يلاعن لنفيه لأن أحدهما ليس بزان فلم يلاعن لنفى الولد كما لو وطئها رجل بشبهة وهى زانية والثانى ان له ان يلاعن وهو الصحيح لأنه نسب يلحقه من غير رضاه لا يمكن نفيه بغير اللعان فجاز نفيه باللعان كما لو كانا زانيين، وان أتت امرأته بولد فادعى الزوج أنه من زوج قبله وكان لها زوج قبله نظر فان وضعته لأربع سنين فما دونها من طلاق الأول ولدون ستة أشهر من عقد الزوج الثانى فهو للأول لأنه يمكن أن يكون منه وينتفى عن الزوج بغير لعان لأنه لا يمكن أن يكون منه وان وضعته لأكثر من أربع سنين من طلاق الأول لأقل من ستة أشهر من عقد الزوج الثانى انتفى عنهما لأنه لا يمكن أن يكون من واحد منهما وان وضعته لأربع سنين فما دونها من طلاق الأول ولستة أشهر فصاعدا من عقد الزوج الثانى عرض على القافة لأنه يمكن أن يكون من كل واحد منهما فان الحقته بالأول لحق به وانتفى عن الزوج بغير لعان وأن الحقته بالزوج لحق به ولا ينتفى عنه الا باللعان وان لم تكن توجد قافة أو وجدت وأشكل عليها ترك الصغير الى ان يبلغ وقت الانتساب فان انتسب الى الأول انتفى عن الزوج بغير لعان وان انتسب الى الزوج لم ينتف عنه الا باللعان وان لم يعرف وقت

(1)

المهذب لأبى اسحق الشيرازى وبهامشه بشرح غريب المهذب لابن بطال الركبى ج 2 ص 921 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 183

طلاق الأول ووقت نكاح الزوج فالقول قول الزوج مع يمينه أنه لا يعلم انها ولدته على فراشه لأن الأصل عدم الولادة وانتفاء النسب فان حلف سقطت دعواها وانتفى النسب بغير لعان لأنه لم يثبت ولادته على فراشه وان نكل رددنا اليمين عليها وان حلفت لحق النسب بالزوج ولا ينتفى الا باللعان لأنه ثبتت ولادته على فراشه وان نكلت فهى توقف اليمين الى ان يبلغ الصبى فيحلف ويثبت نسبه فيه وجهان.

بناء على القولين فى رد اليمين على الجارية المرهونة اذا احبلها الراهن وادعى ان المرتهن اذن له فى وطئها وانكر المرتهن ونكلا جميعا عن اليمين احدهما لا ترد اليمين لأن اليمين حق للزوجة وقد أسقطته بالنكول فلم يثبت لغيرها والثانى ترد لأنه يتعلق بيمينها حقها وحق الولد فاذا اسقطت حقها لم يسقط حق الولد وان جاءت امرأة ومعها ولد وادعت أنه ولدها من زوجها وقال الزوج ليس هذا منى ولا هو منك بل هو لقيط أو مستعار لم يقبل قولها أنه منها من غير بينة لأن الولادة يمكن اقامة البينة عليها والأصل عدمها فلم يقبل قولها من غير بينة فان قلنا ان الولد يعرض مع الأم على القافة فى أحد الوجهين عرض على القافة فان الحقته بالأم لحق بها وثبت نسبه من الزوج لأنها أتت به على فراشه ولا ينتفى عنه الا باللعان وان قلنا الولد لا يعرض مع الأم على القافة أو لم توجد قافة أو وجدت وأشكل عليها فالقول قول الزوج مع يمينه أنه لا يعلم انها ولدته على فراشه فاذا حلف انتفى النسب من غير لعان لأنه لم تثبت ولادته على فراشه وان نكل رددنا اليمين عليها فان حلفت لحقه نسبه ولا ينتفى عنه الا باللعان وان نكلت فهل توقف اليمين على بلوغ الولد ليحلف؟ فيه الوجهان السابق بيانهما فى المسألة السابقة.

واذا تزوج امرأة وكلاهما ممن يولد له ووطئها ولم يشاركه أحد فى وطئها بشبهة ولا غيرها وأتت بولد لستة أشهر فصاعدا لحقه نسبه ولا يحل له نفيه لما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حين نزلت آية الملاعنة أيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله عنه وفضحه الله على رؤوس الأولين والآخرين) وان أتت امرأته بولد يلحقه فى الظاهر بحكم الامكان وهو يعلم انه لم يصيبها وجب عليه نفيه باللعان لما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ايما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله فى شئ ولن يدخلها الله تعالى جنته). فلما حرم النبى صلى الله عليه وسلم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم دل على أن الرجل مثلها ولأنه اذا لم ينفه جعل الأجنبى ابنا له ومحرما له ولأولاده ومزاحما لهم فى حقوقهم وهذا لا يجوز أن يقذفها لجواز أن يكون من وط ء شبهة أو من زوج قبله، واذا أتت

(1)

امرأته بولدين توأمين وانتفى النسب عن احدهما وأقر بالآخر وجعلنا ما انتفى نسبه تابعا لما أقر به ولم نجعل ما أقر به تابعا لما انتفى منه لأن النسب يحتط لاثباته ولا يحتاط لنفيه ولهذا اذا أتت بولد يمكن أن يكون منه ويمكن أن

(1)

المهذب للشيرازى ج 2 ص 123 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 184

لا يكون منه ألحقناه به احتياطيا لاثباته ولم تنفه وان أتت بولد فنفاه باللعان ثم أتت بولد آخر لأقل من ستة أشهر من ولادة الأول لم ينتف الثانى من غير اللعان لأن اللعان يتناول الأول فان نفاه باللعان انتفى وان أقر به أو ترك نفيه من غير عذر لحقه الولدان لأنهما حمل واحد وجعلنا ما نفاه تابعا لما لحقه ولم نجعل ما لحقه تابعا لما نفاه لما ذكرناه فى التوأمين وان أتت بالولد الثانى لستة أشهر من ولادة الأول انتفى بغير لعان لأنها علقت به بعد زوال الفراش، وان لاعنها على حمل فولدت ولدين بينهما دون ستة أشهر لم يلحقه واحد منهما لأنهما كانا موجودين عند اللعان فانتفيا به وان كان بينهما أكثر من ستة أشهر انتفى الأول باللعان وانتفى الثانى بغير لعان لأنا تيقنا بوضع الأول براءة رحمها منه وانها علقت بالثانى بعد زوال الفراش، وان قذف امرأته بزنا اضافة الى ما قبل النكاح فان لم يكن نسب لم يلاعن لاسقاط الحد لأنه قذف غير محتاج اليه فلم يجز تحقيقه باللعان كقذف الأجنبية وان كان هناك نسب يلحقه ففيه وجهان احدهما وهو قول أبى اسحاق رحمه الله تعالى انه لا يلاعن لأنه قذف غير محتاج اليه لأنه كان يمكنه أن يطلق ولا يضيفه الى ما قبل العقد والثانى وهو قول أبى على بن أبى هريرة رحمه الله تعالى أن له أن يلاعن لأنه نسب يلحقه من غير رضاه لا ينتفى بغير لعان فجاز له نفيه باللعان، وان أبانها ثم قذفها بزنا اضافة الى جال النكاح فان لم يكن نسب لم يلاعن لدرء الحد لأنه قذف غير محتاج اليه وان كان هناك نسب فان كان ولدا منفصلا فله أن يلاعن لنفيه لأنه يحتاج الى نفيه باللعان وان كان حملا فقد روى المزنى رحمه الله تعالى فى المختصر ان له أن ينفيه وروى فى الجامع انه لا يلاعن حتى ينفصل الحمل واختلف أصحابنا فيه فقال أبو اسحاق رحمه الله تعالى لا يلاعن قولا واحدا وما رواه المزنى رحمه الله تعالى فى المختصر أراد اذا انفصل وقد بين فى الأم فانه قال لا يلاعن حتى ينفصل ووجهه أن الحمل متحقق لجواز أن يكون ربحا فينفش ويخالف اذا قذفها فى حال الزوجية لأن هناك يلاعن لدرء الحد فتبعه نفى الحمل وهاهنا ينفرد الحمل باللعان فلم يجز قبل أن يتحقق ومن أصحابنا من قال فيه قولان احدهما لا يلاعن حتى ينفصل لما ذكرناه والثانى يلاعن وهو الصحيح لأن الحمل موجود فى الظاهر ومحكوم بوجوده ولهذا أمر بأخذ الحامل فى الديات ومنع من أخذها فى الزكاة ومنعت الحامل اذا طلقت أن تتزوج حتى تضع وهذه الطريقة هى الصحيحة لأن الشافعى رضى الله تعالى عنه نص فى مثلها على قولين وهى فى نفقة المطلقة الحامل فقال فيها قولان احدهما تجب لها النفقة يوما بيوم والثانى لا تجب حتى ينفصل وان قذف

(1)

امرأته وانتفى عن حملها وأقام على الزنا بينه سقط عنه الحد بالبينة وهل له أن يلاعن لنفى الحمل قبل ان ينفصل على ما ذكرناه من الطريقين فى الفصل قبله وان قذف امرأته فى نكاح فاسد فان لم يكن نسب لم يلاعن لدرء الحد لأنه قذف غير محتاج اليه وان كان حملا ففيه ما سبق بيانه وان كان هناك نسب فان كان

(1)

المهذب لأبى اسحاق الفيروزابادى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لابن بطال الركبى ج 2 ص 124 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 185

ولدا منفصلا فله ان يلاعن لنفيه لأنه ولد يلحقه بغير رضاه لا ينتفى عنه بغير اللعان فجاز نفيه باللعان كالولد فى النكاح الصحيح.

وان ملك أمة لم تصر فراشا بنفى الملك لأنه قد يقصد بملكها الوط ء وقد يقصد به التمول والخدمة والتجمل فلم تصر فراشا فان وطئها صارت فراشا له فان أتت بولد لمدة الحمل من يوم الوط ء لحقه لأن سعدا بولد رضى الله تعالى عنه نازع عبد بن زمعة فى ابن وليدة زمعة فقال عبد هو أخى وابن وليدة أبى ولد على فراشه فقال النبى صلى الله عليه وسلم هو لك الولد للفراش وللعاهر الحجر وروى ابن عمر رضى الله تعالى عنه أن عمر رضى الله تعالى عنه قال ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلونهن لا تأتينى وليدة يعترف سيدها أنه ألم بها الا الحقت به ولدها فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

ان الزوج اذا قال لامرأته لم تزن ولكن ليس هذا الولد منى أو قال لها لم أقذفك ولكن ليس هذا الولد منى فهو ولده فى الحكم لأن الولد للفراش وهى فراشه ولا حد عليه لأنه لم يقذفها بالزنا وان قال لامرأته ليس هذا الولد منى بعد ان أبانها أو قاله لسريته فشهدت ببينة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه اذ الولد للفراش، وان قال عن ولد بيدها ما ولدته وانما التقطته أو استعرته فقالت بل هو ولدى منك لم يقبل قولها عليه لأن الولادة يمكن اقامة البينة عليها والأصل عدمه، ولا يلحقه نسبه الا ببينة وتكفى امرأة مرضية تشهد بولادتها له فاذا ثبتت ولادتها له لحقه نسبه لأنها فراشه والولد للفراش، وكذلك لا تقبل دعواها الولادة اذا علق طلاقها بها لامكان اقامة البينة بها ما لم يقر بالحمل فان أقر بالحمل قبلت دعواها الولادة عند القاضى أبى يعلى رحمه الله تعالى وأصحابه وجزم به فى المنتهى فى فصل تعليقه بالحمل والولادة.

ولا تقبل دعوى الأمة للولادة لتصير أم ولد لأنها خلاف الأصل ويقبل قولها فى انها ولدت لتنقضى عدتها به لأنها أمينة على نفسها فى ذلك.

وان ولدت توأمين فأقر باحدهما ونفى الآخر أو سكت عنه فلم يقر به ولم ينفه لحقه نسبهما حيث كان بينهما دون ستة أشهر لأنه حمل واحد فلا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه من غيره لأن النسب يحتاط لاثباته لا لنفيه وكذلك يثبت بمجرد الامكان فلذلك لم يحكم بنفى ما أقر به تبعا للذى نفاه بل حكم بثبوت نسب من نفاه تبعا لمن أقر به وان كان قذف امهما فطالبته بالحد فله اسقاطه باللعان.

(1)

كتاب كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ العلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 3 ص 246، 247 وما بعدهما طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ الطبعة الأولى، وكتاب الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل للشيخ شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 4 ص 100، 101 طبع المطبعة المصرية بمصر سنة 1351 هـ.

وكتاب المغنى لأبى موفق الدين بن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير لأبى عمر بن أحمد المقدسى على متن الخرقى ج 9 ص 37، ص 53 وما بعدها طبع مطابع مطبعة المنار بمصر سنة 1345 هـ الطبعة الأولى.

ص: 186

والاخوان المنفيان اخوان لأم فقط لا يتوارثان باخوة أبوة، وان أتت بولد فنفاه ولاعن لنفيه ثم ولدت آخر لأقل من ستة أشهر لم ينتفى الثانى باللعان الأول ويحتاج فى نفيه الى لعان ثان، فان أقر بالثانى أو سكت عن نفيه فانهما توأمان لكون ما بينهما أقل من ستة أشهر وان أتت بالولد الثانى بعد ستة أشهر فليسا توأمين وله نفيه باللعان وان استلحق الولد الثانى أو ترك نفيه لحقه نسبه ولو كانت قد بانت باللعان لأنه يمكن أن يكون قد وطئها بعد وضع الأول وان لاعنها قبل وضع الأول فأتت بولد ثم ولدت آخر بعد ستة أشهر لم يلحقه نسب الثانى. لأنه لا يمكن أن يكون الولدان حملا واحدا فعلم انها علقت به بعد زوال الزوجية وانقضاء العدة فتكون قد حملت به وهى أجنبية.

وفى منتهى الارادات

(1)

: ولو أتت زوجته بولد بعد نصف سنة أى ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها ولو مع غيبة فوق أربع سنين ولو عشرين سنة قال فى الفروع والمبدع ولعل المراد ويخفى سيره والا فالخلاف على ما يأتى ولا ينقطع الامكان عن الاجتماع بحيض قال فى الترغيب لاحتماله دم فاسد أو أتت بالولد لدون أربع سنين منذ ابانها زوجها ولو كان الزوج ابن عشر سنين فيما اذا أتت بالولد لستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها أو لدون أربع سنين منذ أبانها لحقه نسبه لحديث الولد للفراش ولامكان كونه منه وقدروه بعشر سنين لحديث (أضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم فى المضاجع ولأن العشر يمكن فيها البلوغ فألحق به الولد كالبالغ المتيقن وقد روى أن عمرو بن العاص وابنه رضى الله تعالى عنهما لم يكن بينهما الا اثنا عشر عاما وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم فى المضاجع دليل امكان الوط ء وهو سبب الولادة ومع هذا أى لحوق الولد بابن عشر لا يحكم ببلوغه لاستدعاء الحكم ببلوغه يقينا لترتب الاحكام عليه من التكليف ووجوب الغرامات فلا يحكم به مع الشك والحاق الولد به لحفظ النسب احتياطا ولا يكمل بالحاق النسب به مهر ان لم يثبت الدخول أو الخلوة ونحوه لأن الأصل براءته منه ولا تثبت به عدة ولا رجعة لعدم ثبوت موجبها وان لم يمكن كونه الولد من الزوج كأن أتت به لدون نصف سنة منذ تزوجها وعاش لم يلحقه للعلم بأنها كانت حاملا به قبل التزويج فان مات أو ولدته ميتا لحقه بالامكان أو أتت بالولد لأكثر من أربع سنين منذ أبانها لم يلحقه للعلم بأنها حملت به بعد بينونتها اذ لا يمكن بقاؤها حاملا به بعد البينونة الى تلك المدة.

وجاء فى كشاف القناع

(2)

: لو أخبرت المطلقة البائن بانقضاء عدتها بالقرء ثم أتت به لأكثر من ستة أشهر لم يلحق الزوج نسبه لأنها أتت به بعد الحكم بانقضاء عدتها فى

(1)

منتهى الارادات لابن يونس البهوتى مع كشاف القناع فى كتاب ج 3 ص 316 - 317 وما بعدهما الطبعة السابقة.

كشاف القناع فى كتاب ج 3 ص 316، 317 المقدسى ومعه الشرح الكبير لأبى عمر بن أحمد المقدسى على متن الخرقى ج 9 ص 37، ص 53 وما بعدها طبع مطابع المنار بمصر سنة 1345 هـ الطبعة الأولى.

(2)

الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 105، 106 وما بعدها الطبعة السابقة وكشاف القناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 3 ص 253، ص 254 الطبعة السابقة.

ص: 187

وقت يمكن أن لا يكون منه فلم يلحقه كما لو انقضت عدتها بوضع الحمل وانما يعتبر الامكان مع بقاء الزوجية أو العدة وأما بعدهما فلا يكتفى بالامكان للحاقه وذلك لأن الفراش سبب ومع وجود السبب يكتفى بامكان الحكم فاذا انتفى السبب انتفى الحكم لانتفائه، فأما ان طلقها ولو بائنا فاعتدت بالاقراء ثم ولدت قبل مضى ستة أشهر من آخر اقرائها لحقه نسب الولد ولزم ألا يكون الدم حيضا لعلمنا انها كانت حاملا فى زمن رؤية الدم والحامل لا تحيض، وان فارقها حاملا فولدت ولدا أو أكثر ثم ولدت ولدا آخر قبل مضى ستة أشهر لحقه نسب الثانى كالأول لأنهما حمل واحد، وان كان بينهما أكثر من ستة أشهر لم يلحقه نسب الثانى وانتفى عنه من غير لعان لأنه لا يمكن أن يكون الولدان حملا واحدا وبينهما مدة الحمل فعلم أنها علقت بالولد بعد زوال الزوجية وانقضاء العدة وكونها أجنبية كسائر الأجنبيات.

وان تزوج امرأة علم أنه لا يجتمع بها كالذى يتزوجها بحضرة الحاكم أو غيره ويطلقها فى المجلس أو يموت قبل غيبته عن أهل المجلس لم يلحقه للعلم حسا ونظرا لأنه ليس منه أو يتزوجها وبين أى الزوجين مسافة لا يصل اليها فى المدة التى ولدت فيها لم يلحقه.

وان أمكن وصوله فى المدة التى مضت بعد العقد والولادة لحقه النسب وان كان الزوج صبيا له دون عشر سنين لم يلحقه نسب لأنه لم يعهد بلوغ قبل العشرة أو كان الزوج مقطوع الذكر والانثيين أو مقطوع الأنثيين فقط أى مع بقاء الذكر لم يلحقه نسبه لأن الولد لا يوجد الا من منى ومن قطعت خصيتاه لا منى له لأنه لا ينزل الا ماء رقيقا لا يخلق منه الولد ولا وجد ذلك ولا اعتبار بايلاج لا يخلق منه الولد كما لو أولج الصغير ويلحق الولد مقطوع الذكر فقط لأنه يمكن أن يساحق فينزل ما يخلق منه الولد ولهذا ألحقنا ولد الأمة بسيدها اذا اعترف بوطئها دون الفرج ويلحق العنين لامكان انزاله ما يخلق منه الولد.

وان طلق

(1)

الزوج امرأته طلاقا رجعيا فولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها وقبل نصف سنة منذ أخبرت بفراغ العدة ان كانت أخبرت بها أو ولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها ان لم تخبر بانقضائها لحقه نسبه أو ولدت لأقل من أربع سنين منذ انقضت عدتها لحقه نسبه لأنها فى حكم الزوجات أشبه ما قبل الطلاق وان أخبرت المرأة بموت زوجها فاعتدت للوفاة ثم تزوجت وولدت لحقه الثانى ما ولدته لنصف سنة فأكثر لأنه ولد على فراشه لا ما ولدته لدون ذلك وعاش لأنه ليس منه يقينا.

وان وطئ رجل امرأة بشبهة وهى لا زوج لها فأتت بولد لحقه نسبه للشبهة وقال الامام أحمد رحمه الله تعالى كل من درأت عنه الحد ألحقت به الولد.

ولو تزوج رجلان أختين أو غيرهما فزفت كل واحدة منهما الى زوج الأخرى غلطا فوطئها وحملت منه لحق الولد

(1)

كشاف القناع مع منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 3 ص 254 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 188

بالواطئ للشبهة ولا يلحق بالزوج للعلم بأنه ليس منه وان وطئت امرأته أو أمته بشبهة فى طهر لم يصبها فيه فاعتزلها حتى أتت بولد لستة أشهر من حين الوطئ لحق الولد الواطئ للعلم بأنه منه وانتفى عن الزوج من غير لعان للعلم أنه ليس منه وان أنكر الواطئ الوط ء فالقول قوله بغير يمين لأن الأصل عدمه.

ويلحق نسب الولد بالزوج لأن الولد للفراش وان أتت الموطؤة بشبهة بالولد لدون ستة أشهر من حين الوط ء أى وط ء الشبهة لحق الولد الزوج للعلم بأنه ليس من وط ء الشبهة وان اشترك الزوج والواطئ بالشبهة فى وطئها فى طهر واحد فأتت بولد يمكن أن يكون منهما لحق الولد الزوج لأن الولد للفراش سواء ادعياه معا أو ادعاه احدهما أو لم يدعه واحد منهما وان ادعى الزوج أنه من الواطئ فقال بعض أصحابنا ومنهم صاحب المستوعب.

يعرض الولد والزوج والواطئ بشبهة على القافة فيلحق بمن ألحقته به منهما لاحتمال أن يكون من كل منهما فان ألحقته بالواطئ لحقه ولم يملك نفيه عن نفسه لتعذر اللعان منه لفقد الزوجية وانتفى عن الزوج بغير لعان لأن الحاق القافة كالحكم وان ألحقته القافة بالزوج لحق به ولم يملك الواطئ نفيه باللعان لأنه نقض لقول القائف.

وان ألحقته القافة بهما لحق بهما لامكانه.

ولم يملك الواطئ نفيه عن نفسه وهل يملك الزوج نفيه باللعان على روايتين أطلقهما فى المغنى وغيره.

فان لم يوجد قافة أو أشتبه عليهم لحق الزوج لأن الولد للفراش، وان أتت امرأته بولد فادعى أنه من زوج كان قبله وكانت تزوجت بعد انقضاء العدة أو بعد أربع سنين منذ بانت من الأول لم يلحق الولد بالأول لما سبق وان وضعته لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثانى لم يلحق الولد أيضا به حيث عاش لعدم الامكان وينتفى نسب الولد عن الأول والثانى وان كان وضعها للولد لأكثر من ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها فالولد ولد الثانى لأنها فراشه وأمكن كونه منه فيلحقه وان كان وضعها للولد لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها الثانى ولأقل من أربع سنين من طلاق الأول ولم يعلم انقضاء العدة عرض على القافة معهما لامكان ان يكون من كل منهما ولحق بمن ألحقته القافة به منهما فان ألحقته بالأول انتفى عن الزوج بغير لعان وان الحقته بالزوج انتفى عن الأول وليس للزوج نفيه باللعان

(1)

وتعتبر عدالة القائف وذكوريته وكثرة أصابته ولا تعتبر حريته كالشاهد. ويكفى قائف واحد لأنه ينفذ ما يقوله فهو كالحاكم ولا يبطل قول القافة بقول قافة أخرى ولا بالحاقها غيره كما لا يبطل حكم الحاكم بحكم غيره ولا بابطاله. ومن اعترف بوط ء أمته فى الفرج أو دون الفرج صارت فراشا له لأنه قد يجامع فى غير الفرج فيسبق الماء الى الفرج فاذا ولدت ولدا لستة أشهر فأكثر لحقه نسبه وان ادعى العزل أو عدم الانزال لحديث عاشة رضى الله تعالى عنها فى ابن زمعة المشهور ولقول عمر رضى الله تعالى عنه

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 256، 257.

الطبعة السابقة.

ص: 189

لا تأتينى وليدة يعترف سيدها أنه ألم بها الا ألحقت به ولدها فأنزلوا بعد ذلك أو أتركوا رواه الشافعى رحمه الله تعالى عن مالك رحمه الله تعالى عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر رضى الله تعالى عنهم وقياسا عن النكاح وفارق الملك النكاح بانه لا يتعلق به تحريم المصاهرة وينعقد فى محل يحرم الوطئ فيه كالمجوسية وذوات محارمه ومحل لحوق النسب فيما تقدم اذا لم يدع الاستبراء فان ادعى الاستبراء لم يلحقه النسب لأنه دليل على براءة الرحم.

وان

(1)

وطئها فى الدبر لم تصر فراشا فى الأشهر لأنه ليس منصوصا عليه ولا فى معناه والقول قوله فى حصوله لأنه أمر خفى لا يمكن الاطلاع عليه الا بعسر ومشقة ويحلف عليه لأن الاستبراء غير مختص به أشبه سائر الحقوق فينتفى الولد عن السيد بولادتها له لستة أشهر فأكثر بعد استبرائها اياها لأن الأصل عدمه وليست فراشا له.

فان ادعى الاستبراء فأتت بولدين ليس بينهما ستة أشهر فأكثر فأقر بأحدهما ونفى عنه الآخر لحقاه لأنهما حمل واحد فاذا استلحق بعضه لحق باقيه بالضرورة، وان أعتقها أو باعها ونحوه كما لو وهبها أو جعلها عوضا فى أجرة أو نكاح بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون ستة أشهر من حين العتق أو البيع ونحوه لحق به لأنها حملت به وهى فراش لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر وتصير أم ولد له لكونها حملت به فى ملكه والبيع باطل لأنها صارت أم ولد وكذا ان لم يستبرئها فأتت به لأكثر من ستة أشهر وادعى المشترى أنه من البائع فهو ولد البائع لأنه وجد منه سببه وهو الوط ء ولم يوجد ما يعارضه ولا ما يمنعه فتعين احالة الحكم عليه سواء ادعاه البائع أو لم يدعه لأن الموجب لالحاقه أنها لو أتت به فى ملكه فى تلك المدة للحق به وانتقال الملك عنه لم يتجدد به شئ.

وان ادعاه المشترى لنفسه وكان البيع قبل استبرائها وولدت لأكثر من ستة أشهر من حين رؤية القافة أو ادعى كل واحد منها ان الولد للآخر بأن ادعى البائع أنه للمشترى وادعى المشترى انه للبائع والمشترى مقر بالوط ء عرض على القافة لأن نظرها طريق شرعى الى معرفة النسب عند الاحتمال، وان استبرئت الأمة المبيعة

(2)

ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يلحق البائع نسبه لأن الاستبراء يدل على براءتها من الحمل وقد أمكن أن يكون من غيره لوجود مدة الحمل بعد الاستبراء مع قيام الدليل فلو أتت به لأقل من ستة أشهر فالاستبراء غير صحيح. وكذا ان لم تستبرأ الأمة المبيعة وأتت بالولد لأكثر من ستة أشهر ولم يقر المشترى للبائع بالولد فلا يلحق البائع نسب الولد لأنه ولد أمة المشترى فلا تقبل دعوى غير المشترى للولد الا باقرار من المشترى، وان ادعى البائع أن الولد منه بعد أن ولدته لستة أشهر وصدقه المشترى لحق

(1)

المرجع السابق لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 3 ص 256 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 3 ص 257 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 190

البائع نسبه وبطل البيع لأنها أم ولد فان لم يكن البائع أقر بوطئها قبل بيعها لم يلحقه الولد بمال سواء ولدته لستة أشهر أو لأقل منها لأنه يحتمل أن يكون من غيره، وان اتفق البائع والمشترى على أنه ولد البائع فهو ولده لأن الحق لهما يثبت باتفاقهما، وبطل البيع لأنها أم ولد وان ادعاه البائع أنه ولده ولم يصدقه المشترى فهو عبد للمشترى ولا يقبل قول البائع فى الايلاد لأن الملك انتقل الى المشترى فى الظاهر فلا يقبل قول البائع فيما يبطل حق المشترى كما لو باع عبدا ثم أقر أنه كان أعتقه والقول قول المشترى مع يمينه لاحتمال صدق البائع وهل يلحق البائع نسبه مع كونه عبدا للمشترى لأنه يجوز أن يكون ابنا لأحدهما مملوكا للآخر أولا. لأن فيه ضررا على المشترى فانه لو أعتقه كان أبوه أحق بميراثه وجهان، ويثبت النسب ويلحق الولد بوط ء الشبهة، كما يثبت ويلحق فى كل نكاح فاسد فيه شبهة كالنكاح المختلف فى صحته فيكون كنكاح صحيح فى لحوق النسب حيث أتت به لستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها ولا يكون كملك اليمين بحيث يتوقف لحوق النسب فيه على الاقرار بالوط ء، ولا أثر لشبهة ملك مع فراش لحديث الولد للفراش وان وطئ المجنون من لا شبهة له عليها ولا شبهة ملك لم يلحقه نسبه لأنه لا يستند الى ملك ولا اعتقاد اباحة وعليه مهر المثل ان أكرهها على الوط ء لأن الضمان يستوى فيه المكلف وغيره وتبعه نسب الأب اجماعا ما لم ينتف.

وان أقر انسان مسلما كان أو ذميا حرا كان أو رقيقا رجلا كان أو امرأة أن اللقيط ولده حيا كان اللقيط أو ميتا ألحق به نسب اللقيط بالمقر

(1)

اذا أمكن كون اللقيط منه لأنه استلحاق لمجهول النسب ادعاه من يمكن أنه منه من غير ضرر فيه ولا دافع عنه ولا ظاهر يرده فوجب اللحاق ولأنه محض مصلحة للطفل لوجوب نفقة وكسوته واتصال نسبه فكما لو أقر له بمال، ولا تجب نفقة اللقيط على العبد اذا ألحقناه به لأنه لا يملك ولا حضانة للعبد على من استلحقه لاشتغاله بالسيد فيضيع فلا يتأهل للحضانة كما قال الحارثى وان أذن السيد جاز لانتفاء مانع الشغل ولا تجب نفقة من استلحقه العبد على سيده لأن اللقيط محكوم بحريته والسيد غير نسيب له وتكون نفقته فى بيت المال لأنه للمصالح العامة ولا يلحق اللقيط بزوج المرأة المقرة به بدون تصديق الزوج لأن اقرارها لا ينفذ على غيرها فلا يلحقه بذلك نسب لم يقر به ولا يلحق اللقيط بالرقيق اذا استلحقه فى رقه لأنه خلاف الأصل واضرار بالطفل بدون بينة الفراش فيهما فان أقامت المرأة بينة أنها ولدته على فراش زوجها لحق به وكذا لو أقيمت بينة برقه بأن تشهد بأنه عبده أو قنه أو أن أمته ولدته فى ملكه. كما لو استلحق حر رقيقا فيثبت نسبه دون حريته الا ببينة تشهد أنه ولد على فراشه، ولا يلحق اللقيط بزوجة المقر بدون تصديقها لأن اقراره لا يسرى عليها ويلحق اللقيط الذمى اذا استلحقه نسبا كالمسلم لا دينا لأنه محكوم باسلامه فلا يتأثر بدعوى الكافر ولأنه مخالف

(1)

كتاب كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 2 ص 436، 437 وما بعدها طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ الطبعة الأولى.

ص: 191

للظاهر وفيه أضرار باللقيط ولا حق للذمى فى حضانة اللقيط الذى استلحقه لأنه ليس أهلا لكفالة مسلم ولا تؤمن فتنته عن الاسلام ونفقته فى بيت المال ولا يسلم اليه الا أن يقيم الذمى بينة أنه ولد على فراشه فيلحقه دينا لثبوت أنه ولد ذميين كما لو لم يكن لقيطا بشرط استمرار أبويه على الحياة والكفر الى بلوغه عاقلا فان مات أحدهما أو أسلم قبل بلوغه حكم باسلامه والمجنون كالطفل اذا أقر انسان أنه ولده لحق به اذا أمكن أن يكون منه وكان المجنون مجهول النسب لأن قول المجنون غير معتبر فهو كالطفل وكل من ثبت لحاقه بالاستلحاق لو بلغ أو عقل وأنكر لم يلتفت الى قوله لنفوذ الاقرار عليه فى صغره أو جنونه لمستند صحيح أشبه الثابت بالبينة وان ادعى

(1)

نسب اللقيط اثنان أو أكثر سمعت الدعوى لأن كل واحد لو انفرد صحت دعواه فاذا تنازعوا تساووا فى الدعوى ولا فرق بين المسلم والكافر والحر والعبد فان كان لأحدهما بينة قدم بها لأنها تظهر الحق وتبينه وان كان اللقيط المدعى نسبه فى يد أحدهما وأقاما بينة قدمت بينة خارج كالمال وان كان اللقيط فى يد امرأة وادعت نسبه وأقامت به بينة قدمت على امرأة أدعته بلا بينة لأن البينة موضحة وان تساووا فى البينة بأن أقام كل منهم بينة والطفل بأيديهم أو ليس بيد واحد منهم أو تساووا فى عدمها عرض اللقيط على القافة مع المدعيين ان ادعياه معا والالحق بالأول الا أن تلحقه القافة بالثانى فيلحق به وينقطع نسبه عن الأول لأنها بينة فى الحاق النسب فيزول بها الحكم الثابت بمجرد الدعوى أو عرض مع أقاربهما ان ماتا المدعيان كالأخ والأخت والعمة والخالة فان ألحقته القافة بأحدهما لحق به حديث عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مسرور فقال أى عائشة ألم ترى الى مجزز المدلجى دخل فرأى أسامة وزيدا رضى الله تعالى عنهما وعليهما قطيفة قد غطيا رؤسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض). وفى لفظ دخل قائف والنبى صلى الله عليه وسلم شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة رضى الله تعالى عنهما مضجعان فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فسر بذلك النبى صلى الله عليه وسلم وأعجبه وأخبر به عائشة رضى الله تعالى عنها متفق عليهما وبه قال عمرو وأبو موسى وابن عباس وأنس رضى الله تعالى عنهم وقضى به عمر رضى الله تعالى عنه بحضرة الصحابة رضى الله تعالى عنهم فكان اجماعا، وان ألحقته القافة بالمدعيين لحق نسبه بهما لما روى سعيد عن عمر رضى الله تعالى عنهما فى امرأة وطئها رجلان فى طهر فقال القائف قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما وباسناده عن الشعبى رحمه الله تعالى قال وعلى رضى الله تعالى عنه يقول هو ابنهما وهما 9 أبواه يرثهما ويرثانه ورواه الزبير بن بكار عن عمر رضى الله تعالى عنه فيرث الملحق بأبوين كل واحد منهما ارث ولد كامل ويرثانه ارث أب واحد وان وصى للملحق باثنين قبلا الوصية له جميعا لأنهما بمنزلة أب واحد وعلى قياس ذلك سائر التصرفات من نكاح وقبول هبة ونحوها قال

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 437 وما بعدها مع منتهى الارادات فى كتاب طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ الطبعة الأولى.

ص: 192

الموضح وهما وليان فى غير ذلك كنكاح وغيره وان خلف الملحق باثنين احدهما فله ارث أب كامل ونسبه ثابت من الميت كما أن الجدة اذا انفردت أخذت ما يأخذه الجدات والزوجة كالزوجات ولأمى أبويه مع أم أمه نصف السدس لأنهما بمنزلة أم أب مع أم أم ولأم أمه نصف السدس ولو توقفت القافة فى الحاقه باحدهما أو نفته عن الآخر لم يلحق بالذى توقفت فيه لأنه لا دليل له ولا يلحق الولد بأكثر من أم واحدة لأنه يستحيل أن يكون من أمين.

فان ألحقته

(1)

القافة بأكثر من أم سقط قولها ولم يلحق بواحدة منهما لتبين خطأ القافة وليست احداهما أولى من الأخرى وان ادعى نسبه رجل وامرأة ألحق بهما لأنه لا تنافى بينهما لامكان كونه بينهما بنكاح أو وط ء شبهة فيكون ابنهما بمجرد دعواهما كالانفراد. فان قال الرجل هو ابنى من زوجتى وادعت زوجته ذلك أى أنه ابنها منه وأدعت امرأة أخرى أنه ابنها فهو ابنه وترجح زوجته على الأخرى لأن زوجها أبوه فالظاهر أنها أمه والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبهة ولا يختص ذلك بقبيلة معينة كبنى مدلج، بل من عرف منه المعرفة بذلك وتكررت منه الاصابة فهو قائف وان ادعى نسب اللقيط ونحوه أكثر من اثنين كثلاثة فأكثر فألحقته القافة بهم لحق بهم وان كثروا لأن المعنى الذى لأجله الحق باثنين موجود فما زاد عليه قياسا ولا يرجح أحدهم بذكر علامة فى جسده لأنه قد يطلع عليها الغير فلا تحصل الثقة بذكرها وان نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم توجد قافة يمكن الذهاب اليها ولو بعيدة ضاع نسبه لأنه لا دليل لأحدهم فأشبه من لم يدع نسبه، أو اختلف قائفان أو اختلف اثنان وثلاثة فأكثر ضاع نسبه لعدم المرجح لأحد المدعيين كما لو تعارضت بينتاهما، وان اتفق قائفان اثنان وخالفهما قائف ثالث أخذ بهما لكمال النصاب ومثله طبيبان وبيطاران فى عيب خالفهما ثالث فيقدمان عليه ولو رجعا بعد التقويم بأن قوماه بعشرة ثم رجعا الى اثنى عشر أو ثمانية لم يقبل قال الحارثى وينبغى حمله على ما بعد الحكم ولو رجع من ألحقته به القافة عن دعواه لم يقبل منه ومع عدم الحاقها بواحد من اثنين فرجع أحدهما يلحق بالآخر، ولو ألحقته القافة بواحد لانفراده بالدعوى ثم عادت فألحقته بغيره كان للأول أو ألحقته قافة بواحد فجاءت قافة أخرى فألحقته بآخر كان للأول لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد وان أقام الآخر بينة أنه ولده حكم له به وسقط قول القائف لأنه بدل فسقط بوجود الأصل كحكم الحاكم وان ولدت امرأة ذكرا وولدت أخرى أنثى وادعت كل واحدة منهما ان الذكر ولدها دون الأنثى عرضتا مع الولدين على القافة فيلحق كل واحد منهما بمن ألحقته به القافة كما لو لم يكن لها ولد آخر.

فان لم توجد

(2)

قافة اعتبر باللبن خاصة فان لبن الذكر يخالف لبن الأنثى فى طبعه وزنته وقد قيل ان لبن الأبن أثقل من لبن الأنثى

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 437 وما بعدها لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 438 وما بعدها لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى الطبعة السابقة.

ص: 193

فمن كان لبنها لبن الابن فهو ولدها والبنت للأخرى وان كان الولدان ذكرين أو أنثيين وادعتا أحدهما تعين عرض الولد المتنازع فيه على القافة كما تقدم.

وان ادعى اثنان مولودا فقال أحدهما هو ابنى وقال الآخر هو بنتى نظر ان كان ذكرا فلمدعيه وان كان أنثى فلمدعيها سواء كان هناك بينة أولا لأن كل واحد منهما لا يستحق سوى ما ادعاه وان كان خنثى مشكلا عرض معهما على القافة لأنه ليس قول أحدهما أولى من الآخر، وان وطئ اثنان امرأة بشبهة أو وطئا جارية مشتركة بينهما فى طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو وطئت أم ولده وأتت بولد يمكن أن يكون من الواطئ فان ادعى الزوج أنه من الواطئ عرض الولد على القافة مع الواطئين ان كانا موجودين والا فمع أقاربهما كاللقيط وألحق بمن ألحقوه به منهما سواء ادعياه وأو جحداه أو ادعاه أحدهما وجحده الآخر وقد ثبت الفراش ذكره القاضى رحمه الله تعالى وغيره وهو المذهب قاله الحارثى رحمه الله تعالى اذ لا يلائم آخر كلامه.

وكذا لو تزوجها كل منهما زواجا فاسدا أو كان أحدهما صحيحا والآخر فاسدا أو بيعت أمته فوطئها المشترى قبل الاستبراء وليس

(1)

لزوج ألحق به النسب أن يلاعن لنفى هذا النسب، ونفقة المولود المشتبه نسبه على الواطئين لاستوائهما فى امكان لحوقه بهما فاذا ألحق الولد بأحدهما رجع من لم يلحق به على الآخر بنفقته لتبين أنه محل الوجوب، ويقبل قول القافة فى غير بنوة كأخوة وعمومة وخؤولة لحديث عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال اذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله واذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه. ذكره الحارثى رحمه الله تعالى ولا يختص بالعصبات لأن المقصود معرفة شبه المدعى للميت بشبه مناسبيه وهو موجود فيما هو أعم من العصبات، ولا يقبل قول القائف الا أن يكون ذكرا عدلا مجربا فى الاصابة لأن قوله حكم فاعتبرت له هذه الشروط ولا تشترط حريته. وقيل تشترط حريته جزم به القاضى رحمه الله تعالى وصاحب المستوعب والموفق والشارح. وذكره فى الترغيب عن الأصحاب رحمهم الله تعالى قال فى القواعد الأصولية الأكثرون على أنه كحاكم فتعتبر حريته وقدمه فى الرعاية الكبرى والحاوى الصغير وجزم به فى المنتهى قال فى المبدع ولا يشترط الاسلام وقال صاحب المستوعب: لم أجد أحدا من أصحابنا اشترط اسلام القائف وعندى أنه يشترط وجزم باشتراطه فى شرح المنتهى أخذا من اشتراط العدالة.

قال صاحب كشاف القناع

(2)

: مقتضى قول الأصحاب أنه كحاكم أو شاهد فيعتبر الاسلام قطعا. وان قدمت امرأة من بلاد الروم ومعها طفل فأقر به رجل أنه ابنه مع امكانه ولا منازع لحقه نسبه لوجود الامكان وعدم المنازع

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 438 وما بعدها.

(2)

كتاب كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 4 ص 300، 301 وما بعدها طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ الطبعة الأولى، وكتاب الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 460 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 194

والنسب يحتاط لاثباته ولهذا لو ولدت امرأة رجل وهو غائب عنها بعد عشر سنين أو أكثر من غيبته لحقه الولد وان لم يعرف للرجل قدوم اليها ولا عرف لها خروج من بلدها.

ومن له امتان لكل واحدة منهما ولد ولا زوج لواحدة منهما ولم يقر بوطئهما فقال أحد هذين ابنى أخذ بالبيان فان عين أحدهما ثبت نسبه وحريته ويطالب ببيان الاستيلاد فان قال استولدتها فى ملكى فالولد حر الأصل وأمه أم ولد وان قال من نكاح أو وط ء بشبهة فأمه رقيقة قن، ذكره فى الكافى وغيره وترق الأخرى وولدها، وان ادعت الأخرى أنها المستولدة فالقول قوله بيمينه وان مات قبل البيان قام وارثه مقامه فان لم يكن له وارثا أو لم يعين الوارث عرض على القافة فألحق به من تلحقه به وان لم تكن قافة أو أشكل أقرع بينهما فيعتق أحدهما بالقرعة وتقدم انه لا مدخل للقرعة فى تمييز النسب ويجعل سهمه فى بيت المال لأنا نعلم أن أحدهما يستحق نصيب ولد ولا يعرف عينه فلا استحقه بقية الورثة قاله السامرى رحمه الله تعالى.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: انه ان تزوج رجلان بجهالة امرأة فى طهر واحد أو ابتاع احدهما أمة من الآخر فوطئها وكان الأول قد وطئها أيضا ولم يعرف أيهما الأول ولا تاريخ النكاحين أو الملكين فظهر بها حمل فأتت بولد فانه ان تداعياه جميعا فانه يقرع بينهما فيه فأيهما خرجت قرعته ألحق به الولد وقضى عليه لخصمه بحصته من الدية ان كان واحدا فنصف الدية وان كانوا أربعة فثلاثة أرباع الدية وهكذا الحكم فيما زاد سواء كان المتداعيان أجنبيين أو قريبين أو أبا وابنا أو حرا وعبدا فان كان أحدهما مسلما والآخر كافرا الحق بالمسلم ولا بد بلا قرعة فان تدافعاه جميعا أو لم ينكراه ولا تداعياه فانه يدعى له بالقافة «الذين يعرفون الشبه والأثر» فان شهد منهم واحد عالم عدل او أكثر من واحد بأنه ولد هذا ألحق به نسبه فان ألحقه واحد أو أكثر باثنين فصاعدا طرح كلامهم وطلب غيرهم ولا يجوز أن يكون ولد واحد ابن رجلين ولا ابن امرأتين وكذلك ان تداعت امرأتان فأكثر ولدا فان كان فى يد احداهما فهو ابنها وان كان فى أيديهن كلهن أو لم يتداعياه ولا أنكرتاه أو تدافعتاه دعى له القافة كما قلنا برهان ذلك ما رويناه من طريق الليث ابن سعد رحمه الله تعالى عن ابن شهاب رحمه الله تعالى عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: ألم ترى أن مجززا نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضى الله تعالى عنهما فقال: ان بعض هذه الأقدام لمن بعض وروى من طريق أبى داود رحمه الله تعالى حدثنا عمرو بن عثمان الحمصى حدثنا الوليد رحمه الله تعالى - هو ابن مسلم - عن الأوزاعى رحمه الله تعالى عن يحيى بن أبى كثير رحمه الله تعالى عن أبى قلابة عن أنس بن مالك

(1)

كتاب المحلى لأبى سعيد بن على بن حزم الظاهرى الأندلسى ج 10 ص 148 مسألة رقم 1945 طبع مطابع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1348 هـ الطبعة الأولى.

ص: 195

رضى الله تعالى عنهما فذكر حديث العرينين وقتلهم الرعاة وأخذهم ابل النبى صلى الله عليه وسلم قال أنس رحمه الله تعالى عنه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قافة فى طلبهم فأتى بهم وذكر الحديث فصح أن القيافة علم صحيح يجب القضاء به فى الأنساب والآثار.

وروى من طريق عبد الرازق عن معمر عن الزهرى رحمهم الله تعالى فى رجل وقع على امرأة لعبده وهى أمته قال فدعى لها القافة فان عروة بن الزبير رحمه الله تعالى أخبرنى أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه دعى القافة فى رجلين اشتركا فى الوقوع على امرأة فى طهر واحد وادعياه ولدها فألحقه بأحدهما، قال الزهرى أخذ عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ومن بعده بنظر القافة مثل هذا، وقال ابن حزم

(1)

: ومن استلحق ولد خادم له باعها ولم يكن عرف قبل ذلك ببينة أنه وطئها أو باقرار منه قبل بيعه لها بوطئه اياها لم يصدق ولم يلحق به سواء باعها حاملا أو حدث الحمل بها بعد بيعه لها أو باعها دون ولدها أو باع ولدها دونها كل ذلك سواء فلو صح ببينة عدل انه وطئها قبل بيعه لها أو بأنه أقر قبل أن يبيعها بوطئه لها فان ظهر بها حمل كان مبدأه قبل بيعه لها بلا شك فسخ البيع بكل حال وردت اليه أم الولد ولحق به ولدها أحب أم كره أقر به أو لم يقر وكل أمة لانسان صح انه وطئها ببينة أو باقرار منه فانه يلحق به ما ولدت أحب أم كره ولا ينتفع بأن يدعى استبراء أو بدعواه العزل وبرهان ذلك قول الله عز وجل «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها» وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ولا شك ان فى الأمة قد صح ملكها أو ملك ولدها أو ملكهما للمشترى فقد منع الله عز وجل من قبول دعوى البائع فى ابطال ملك المشترى بالملك لأنه كاسب على غيره ومدعى فى مال سواه بلا بينة، وأما اذا صح وطؤه لها اذا كانت فى ملكه أو صح حينئذ اقراره بوطئها فبرهان

(2)

قولنا فى لحاق الولد به وفسخ العتق والبيع والايلاد فيهما.

ما روينا من طريق أبى داود السجستانى قال حدثنا مسعود حدثنا سفيان بن عينة عن الزهرى رحمه الله تعالى عن عروة عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت اختصم سعد ابن أبى وقاص وعبد بن زمعة رضى الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ابن أمة زمعة فقال ابن زمعة أخى ابن أمة أبى ولد على فراش أبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش احتجبى منه ياسودة هو أخوك يا عبد وعن محمد بن زياد رحمه الله تعالى انه سمع أبى هريرة رضى الله تعالى عنه يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الولد لصاحب الفراش) فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد لصاحب الفراش بعد موته فى أمة لم يحفظ اقرار سيدها بذلك الولد ولو أقر به لم يحتج عبد بن زمعة لسوى ذلك وحكم عليه الصلاة والسلام بأن الأمة فراش وان الولد

(1)

المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 320 وما بعدها مسألة رقم 2012 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 321 وما بعدها الطبعة السابقة مسألة رقم 2012

ص: 196

لصاحب الفراش وانما تكون الأمة فراشا اذا صح أن سيدها افترشها ببينة بذلك أو ببينة باقراره بذلك، واذا

(1)

صح أن الحمل منه فواجب فسخ بيع الحر وبيع أم الولد وفسخ عتق من أعتقهما وفسخ ايلاد من أولدها بعد ذلك وبهذا جاء الاثر عن السلف روينا عن طريق عبد الرازق حدثنا معمر وابن جريح كلاهما عن الزهرى رحمه الله تعالى عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهم قال: بلغنى أن رجالا منكم يعزلون فاذا حملت الجارية قال: ليس منى، والله لا أوتى برجل منكم فعل ذلك الا ألحقت به الولد فمن شاء فليعزل ومن شاء لا يعزل، ومن طريق عبد الرازق عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن صفية بنت أبى عبيد أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: من كان منكم يطأ جاريته فليحصنها فان أحدكم لا يقر باصابته جاريته الا ألحقت به الولد، ثم قال ابن حزم

(2)

: الولد يلحق فى النكاح الصحيح وفى العقد الفاسد بمن جهل فساده ولا يلحق بالعالم بفساده، ويلحق فى الملك الصحيح وفى المتملكة بعقد فاسد بالجاهل ولا يلحق بالعالم بفساده لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق الناس بمن ولدوا ممن تزوجوا من النساء وممن تملكوا فى الجاهلية ولا شك أنه كان فيهم من نكاحه فاسد وملكه فاسد ونفى أولاد الزنا جملة بقوله عليه الصلاة والسلام وللعاهر الحجر وأما العالم بفساد عقد النكاح أو عقد المالك فهو عاهر عليه الحد فلا يلحق به الولد والولد يلحق بالمرأة اذا زنت وحملت به ولا يلحق بالرجل ويرث أمه وترثه لأنه غلبه الصلاة والسّلام ألحق الولد بالمرأة فى اللعان ونفاه عن الرجل والمرأة فى استلحاق الولد بنفسها كالرجل بل هى أقوى سببا فى ذلك لما ذكرنا من أنه يلحق بها من حلال كان أو من حرام ولأنه لا شك انه منها اذا صح أنها حملته.

وقال ان كل من ادعى من المسلمين حرا كان أو عبدا ان ذلك اللقيط ابنه صدق ان أمكن أن يكون ما قال حقا فان تيقن كذبه ام يلتفت.

برهان ذلك أن الولادات لا تعرف الا بقول الآباء والأمهات وهكذا انساب الناس كلهم ما لم يتيقن الكذب، وانما قلنا من المسلمين - للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله (كل مولود يولد على الفطرة وعلى الملة) وقوله عليه السلام عن ربه تعالى فى حديث عياض بن حماد المجاشعى رحمه الله تعالى:«خلقت عبادى حنفاء كلهم» ولقوله تعالى «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا 3 بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ» فان ادعاه كافر لم يصدق لأن فى تصديقه اخراجه عن ما قد صح له من الاسلام ولا يجوز ذلك الا حيث أجازه النص ممن ولد على فراش كافر من كافرة فقط ولا فرق بين حر وعبد فيما ذكرنا وقال البعض لا يصدق العبد لأن فى تصديقه ارقاق الولد وكذبوا فى هذا ولد العبد من الحرة حر لا سيما على أصلهم فى أن العبد لا يتسرى. وأما نحن فقد قلنا: ان الناس على الحرية ولا تحمل امرأة العبد الا على

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 322

(2)

المرجع السابق ج 10 ص 322، 323

(3)

الآية رقم 172 من سورة الأعراف.

ص: 197

انها حرة فولده حر حتى يثبت انتقاله عن أصله.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب أن الفراش هو عبارة عن لحوق نسب ما تلده المرأة بالواط ء لها بشرائط. وهو قسمان: فراش زوجة وفراش مملوكة. أما فراش الزوجة فانما يثبت للزوجة. بشروط أربعة:

الأول: بعقد نكاح صحيح وهو المستكمل لشروط النكاح أو عقد فاسد وهو الذى يختل فيه شرط كعدم الولى أو الشهود.

الثانى: أن يكون قد أمكن الوط ء فى النكاح الصحيح أو فى الفاسد فاذا تزوجها بعقد صحيح أو فاسد وأمكن الوط ء ولو كان الزوج خصيا أو مجبوبا ثبت الفراش ولو ادعى أنه لم يطأها، فأما اذا لم يمكن الوط ء بأن حبس عنها من بعد العقد أو كان مقطوع الذكر والانثيين فجاءت بولد لم يلحق به.

وهكذا لو كانت فى جهة نازحة عنه فجاءت بولد قبل مضى مدة يمكنه فيها الوصول اليها وقبل مضى ستة أشهر لم يلحق به. أو وقع بينهما عقد نكاح باطل أو مغلوط بها نحو أن يتزوجها فى العدة جهلا فانه يثبت به النسب بشرطين.

الشرط الأول: أن يكون وقع على وجه يوجب المهر وذلك بأن يكون جاهلين جميعا احترازا مما لو علمت المرأة التحريم وجهله الزوج فانه يثبت النسب ولو لم يجب المهر ومهما ثبت النسب فلا حد.

الشرط الثانى: النكاح الباطل الذى يثبت به النسب أن يكونا قد تصادفا فى كل حمل أو بين مدعيه على حصول الوط ء فى الباطل فلو لم يتصادقا على حصول الوط ء لم يثبت به النسب.

الثالث: من شروط فراش الزوجة أن يكون امكان الوط ء فى الصحيح والفاسد ووقوعه فى الباطل حاصلا مع امكان بلوغهما أى يجوز عليهما البلوغ كابن عشر سنين وما فوقها وبنت تسع سنين وما فوقها فلو أمكن الوط ء ولم يجوز بلوغ أحدهما لم يثبت الفراش.

الرابع: مضى أقل مدة الحمل من يوم امكان الوط ء الى أن أتت به المرأة وذلك بأن تمضى ستة أشهر كاملة فلو جاءت بولد دون ذلك لم يلحق به لأنه حصل قبل ثبوت الفراش، وهذا حيث خرج حيا لأن الحمل لا يخرج حيا لدون ستة أشهر. قال فى البيان فلو اختلفا فى مضى هذه المدة فالبينة على مدعى المضى، فلو عقد بامرأة بينه وبينها مسافة شهر لم يلحق به الا ما ولدته بعد سبعة أشهر ولو قد طلقها بعد مضى الشهر لا قبله ما لم تقم بينة على منعه منها أو منعها منه فى تلك المدة لم يلحق به فى الصورتين.

وأما فراش الأمة

(1)

وهو القسم الثانى فانه يثبت للأمة بشروط أربعة:

الشرط الأول: بالوط ء لها فى ملك كمملوكته ولو مشتركة أو شبهة ملك كأمة الولد ولا يكفى فى

(1)

التاج المذهب لأحكام المذهب لابن قاسم العنسى اليمانى ج 2 ص 111، 112، 113، 114 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 198

الأمة امكان الوط ء كما فى الحرة بل لا بد من وقوع الوط ء مع ذيتك الشرطين اللذين قدمناهما فى وط ء الحرة وهما أن يقع الوط ء مع امكان بلوغهما وان تمضى أقل مدة الحمل من يوم الوط ء لها.

الشرط الرابع: الدعوى. فلو وطئها وجاءت بولد ولم يدعه لم يثبت لها الفراش ولو أقر بالوط ء ومضت مدة الحمل فلو كان الواطئ مجنونا أن يدعى له وليه.

ومتى ثبت الفراش للرجل فكان ما ولد قبل أن يرتفع الفراش لحق نسب الولد بصاحب الفراش ولو لم يدعه، وأعلم أن فراش الزوجة حرة كانت أو أمة يرتفع بارتفاع النكاح وانقضاء العدة مع مضى ستة أشهر بعدها فى الرجعى مطلقا لا فى البائن فبانقضائها فقط أو مضى أربع سنين من يوم الطلاق وان لم تمض العدة وأما المملوكة فيرتفع الفراش فى حقها بأن يعتقها سيدها وتنقض عدتها بحيضتين بعد العتق فما ولدت بعد لم يلحق بالسيد ان أتت به لستة أشهر من يوم الانقضاء فان انقطع حيضها لعارض فبأربعة أشهر وعشرة، وتأتى به لستة أشهر بعدها فقد ارتفع الفراش بذلك فما أتت فلا يلحق بالسيد.

قال الفقيه حسن ومعناه أن ما ولدته الأمة بعد ثبوت الفراش فانه يلحق بمن قد ثبت له الفراش أولا من دون دعوة للآخر، وان تعدد صاحب الفراش الأول بأن يكونوا جماعة فان الولد يلحق بهم جميعا كالمشتركة اذا وطئها الشركاء جميعا وادعوا ولدها لحق الولد بهم جميعا وهكذا كل ما أتت به من بعد ما لم يرتفع الفراش - والمتناسخة وهى التى باعها مالكها من آخر ثم باعها الآخر ثم كذلك وباعها هؤلاء كلهم فى طهر واحد من غير استبراء وقد وطئها كل واحد من المتبايعين فى ذلك الطهر قبل تسليمه اياها.

وصادقهم الآخر. وهو الذى اشتراها آخرهم على أنهم وطئوها قبل التسليم اليه فان المتناسخة على هذه الصفة اذا جاءت بولد وادعاه المتناسخون لها كلهم حين علموا به فانه يلحق بهم جميعا وتكون المتناسخة كالمشتركة فى أن ولدها لاحق بالجماعة وان فراشها ثابت لهم جميعا فما جاءت به بعد هذا فهو لاحق بهم جميعا ولو لم يدعوه حتى يرتفع فراشها والمختار للمذهب فى هذه المسئلة وفى المشتركة ان الولد الحادث بعد مصيرها أم ولد بالولد الأول لا يلحق بهم الا بعد الدعوى.

فان

(1)

اتفق فراشان مترتبان فبالآخر من الفراشين يلحق الولد. وصورة ذلك ان تزوج رجل امرأة المفقود بعد قيام البينة بموته ثم يرجع المفقود وقد أتت بولد فانه يلحق بالثانى، وكذا اذا تزوجت امرأة وهى فى العدة جهلا بذلك فأتت بولد فانه يلحق بالثانى. ان أمكن الحاقه به وذلك حيث تأتى به لستة أشهر من وط ء الثانى فهاهنا يلحق بالثانى، ولو أمكن الحاقه بكل واحد منهما وذلك اذا جاءت به لأربع سنين فما دون منذ غاب الأول أو طلقها طلاقا رجعيا أو بائنا، ولستة أشهر فما فوق

(1)

التاج المذهب لأحكام المذهب لابن قاسم اليمانى الصنعانى ج 2 ص 113 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 199

من وط ء الثانى فان الحاقه بهما ممكن لكن الواجب الحاقه بالآخر منهما لأن فراشه أجد مع المصادقة بالوط ء أو البينة. قال فى الغيث واذا تزوجت المعتدة بعد مضى مدة يمكن انقضاء العدة فيها وهى تسعة وعشرون يوما فقط كان نكاحها اقرارا بانقضاء العدة.

وان لم يمكن الحاقه بالثانى فبالأول يلحق هذا الولد ان أمكن الحاقه به وذلك حيث تأتى به لأربع سنين فما دون منذ طلقها الأول ولدون ستة أشهر من وط ء الثانى فانه لا يمكن الحاقه بالثانى. وان لا يمكن الحاقه بالثانى ولا بالأول فلا يلحق بأيهما وذلك بأن تأتى به لفوق أربع سنين من طلاق الأول ولدون ستة أشهر من وط ء الثانى فانه ههنا لا يمكن الحاقه بواحد منهما.

واذا علم الرجل انه لم يطأ امرأته فأتت بولد وألحقه الشرع به جاز له فيما بينه وبين الله تعالى أن يزوى عنه الميراث بل يجب عليه ذلك، ويجب عليه أن يمنع بناته من الخروج عليه وكذا يمنع أولاده من الخروج عليها لو كان المولود أنثى. وقال فى

(1)

شرح الأزهار عن حكم الأماء فى الوط ء من لحوق النسب ووجوب الحد وسقوطه: أما لحوق النسب فقد فصل ذلك المهدى عليه السلام بقوله.

ومن وطئ أمة أيما والأيم هى التى ليست تحت زوج ولا معتدة - ولا حاملا من غيره - فاذا كان له ملك فى رقبتها - ثبت النسب سواء كان الوط ء جائزا أم غير جائز كالمشتركة والمكاتبة فلا يثبت النسب الا بهذين الشرطين احدهما أن يطأها وهى أيم والثانى أن يكون له ملك فى رقبتها وان لم يكن له ملك فى رقبتها فلا يثبت النسب مطلقا - عالما أو جاهلا - الا فى ثمانى فانهن اذا وطئن ثبت النسب ولو لم يكن للواطئ فيهن ملك الأولى

(2)

. أمة الولد اذا وطئها الأب وهى غير مزوجة ولا معتدة ولا حامل فانها اذا ولدت منه لحقه النسب مطلقا أى سواء وطئها عالما بالتحريم أم جاهلا وهذا اذا لم يكن الابن قد وطئها أو قبلها أو نظر اليها لشهوة فان كان قد جرى شئ من ذلك وعلمه الأب فزان يجب حده. والثانية اللقيطة لأنها تشبه الغنيمة وقال المنصور بالله لا يلحق النسب سواء علم أو جهل ولا يحد مع الجهل. والثالثة المحللة للوط ء وهى التى قال مالكها أحللت لك وطأها أو أبحت لك أو أطلقت لك لأنها تشبه المعقود عليها عقد النكاح منه - والرابعة المستأجرة اذا كانت مستأجرة للوط ء لأنها تشبه المعقود عليها والخامسة المستعارة اذا كانت للوط ء لأنها تشبه المحللة أما اذا كانت مستأجرة أو مستعارة للخدمة فانه لا يلحقه النسب ويحد مع العلم بالتحريم والجهل به والسادسة الموقوفة اذا وطئها من هى موقوفة عليه فانه يلحق النسب لأن له شبهة ملك لملكه منافعها قال الفقيه على وكذا اذا وطئها الواقف لأن له شبهة الولاية. والسابعة المرقبة المؤقتة لأنها تشبه المرقبة المطلقة من حيث تناول الاباحة منافعها جميعا والمرقبة هى التى قال مالكها قد أرقبتك هذه الجارية شهرا أو سنة أو نحو ذلك.

الثامنة مغصوبة اشتراها وهو جاهل كونها مغصوبة اما اذا علم كونها مغصوبة وظن أنها

(1)

شرح الإزهار ج 2 ص 359 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب لأحكام المذهب لابن قاسم اليمانى الصنعانى ج 2 ص 114 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 200

تحل له بالشراء من الغاصب. قال المهدى عليه السلام فالأقرب انه كجهله غصبها فهؤلاء السبع المذكورات بعد أمة الابن يلحق النسب اذا وطئن مع الجهل فيهن جميعا لا مع العلم فلا يلحق كما أن ثبوت النسب فى الثمانية لابد فيه من الاقرار بالوط ء وأما سقوط الحد فقد فصله المهدى عليه السلام بقوله ومهما ثبت النسب ولحق بالواطئ فلا حد عليه ولو كان الوط ء محظورا. قال المهدى

(1)

عليه السلام ولا أحفظ خلافا فى أن الحد يسقط حيث يثبت النسب. والعكس فى العكس. أى وحيث لا يلحق النسب بالواطئ يلزمه الحد. الا فى أربع فانه لا يلحق النسب فيهن ولا يلزم الحد.

الأولى: المرهونة اذا وطئها المرتهن.

الثانية: المصدقة (الجارية التى جعلت صداقا) اذا وطئها الزوج قبل التسليم أى قبل أن يسلمها للزوجة ولا يسقط الحد فى هاتين الا مع الجهل فاما لو وطئها المرتهن أو الزوج وهو عالم بالتحريم لزمه الحد.

الثالثة: المسبية اذا وطئها أحد الغانمين قبل القسمة وانما يسقط عنه الحد لأن له فيها نصيبا وأما كون النسب لم يلحقه فلان نصيبه فيها غير مستقر قبل القسمة لجواز مصيرها سهما لغيره.

الرابعة: المبيعة اذا وطئها البائع قبل التسليم قال المنصور بالله وكذا المتصدق بها والمنذور بها قبل التسليم سواء كان الغانم والبائع عالمين بالتحريم أم جاهلين فان الحد يسقط عنهما والولد اذا حدث من الثمان الأول التى تقدمت حيث يلحق النسب فانه حر وعلى الواطئ قيمته «لمالك الأمة لو فرضناه رقيقا» فأما اذا كانت الأمة موقوفة قال المهدى عليه السلام فالأقرب عندى أنه اذا وطئها الموقوف عليه فولدت فالولد حر لأنه كالمغرور وهذا بخلاف المغصوبة اذا كانت أم ولد فانه لا يجب على مشتريها الجاهل أنها مغصوبة قيمة الولد وبخلاف أمة الابن وأمة الأخ والأب حيث كانت محللة أو لقطة أو نحوهما وكذا كمغصوبة اشتراها الأخ أو الابن مع الجهل أو مستأجرة أو مستعارة فانه لا يلزم الواطئ قيمة الولد لمالك الأمة وأما اذا حدث الولد من الأربع الأخر. وهى المرهونة والمصدقة والمسبية والمبيعة فان الولد منهن عبد وكذلك سائر الموطؤات من الاماء كلها حيث لا ملك للواطئ فى رقبتها وحيث يكون الولد عبدا ولم يلحق بأبيه فى النسب فانه يعتق على أبيه ان ملكه بشراء أو نحوه قال المهدى عليه السلام نص عليه أصحابنا فى المصدقة والمبيعة اذا وطئها قبل التسليم فقسنا عليه سائر الأولاد من المرهونة وغيرها وهؤلاء الأماء جميعا الاثنتا عشرة يلزم لهن المهر على من وطئهن حيث لا يوجب الحد الا المبيعة التى وطئها البائع قبل التسليم فانه لا يلزمه لها مهر اذا اختار المشترى أخذها ذكره القاضى زيد. وعن المرشد أنه يلزم البائع العقر. وقال المنصور بالله يبطل البيع وتكون أم ولد ويلحق النسب وكذا عن الكنى.

(1)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الأطهار للقاسم الصنعانى ج 2 ص 360 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 201

ثم قال فى موضع آخر من الأزهار

(1)

.

اذا اشترك ذميان فى أمة فوطئاها ثم لحقا بدار الحرب فسبيا فأسلم أحدهما دون الآخر ثم ادعيا الولد فهما هنا عبدان أحدهما مسلم فيلحق الولد بالمسلم دون الكافر. ومثال

(2)

كونهما حرين أحدهما مسلم أن يشترك فيها ذميان فوطئاها ثم يسلم أحدهما وبقى الآخر ثم ادعيا الولد فانه يلحق بالمسلم دون الكافر واذا صارت الجارية أم ولد للشريكين حيث يلحق الولد بهما ثم مات أحدهما فقال المنصور بالله لا تعتق الا بموت الآخر منهما وقال بعض المذاكرين يلحق بالأول وهكذا عن الوافى قال الفقيه محمد بن يحيى فعلى هذا القول يحتمل أنه اذا مات الأول ضمنت قيمتها من تركته لأنه بموته يعد أنه مستهلكها وقيل لا شئ عليه وعن التفريعات أنها تسعى.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة

(3)

البهية أنه يلحق الولد بالزوج فى الزواج الدائم بالدخول بالزوجة ومضى ستة أشهر هلالية من حين الوط ء، والمراد به على ما يظهر من اطلاقهم وتصريحهم به غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا وان لم ينزل، ولا يخلو ذلك من اشكال ان لم يكن مجمعا عليه للقطع بانتفاء التولد عنه عادة فى كثير من موارده مع عدم تجاوز أقصى مدة الحمل وقد اختلف الأصحاب رحمهم الله تعالى فى تحديده فقيل تسعة أشهر وقيل عشرة وغاية ما قيل فيه عندنا سنة ومستند الكل مفهوم الروايات وعدل صاحب اللمعة عن ترجيح قول لعدم دليل قوى على الترجيح ويمكن حمل الروايات على اختلاف عادات النساء فان بعضهن تلد لتسعة وبعضهن لعشرة وقد يتفق نادرا بلوغ سنة، وهذا فى الولد التام الذى ولجته الروح وفى غيره مما تسقطه المرأة يرجع فى الحاقه بالزوج حيث يحتاج الى الالحاق ليجب عليه تكفينه ومؤنة تجهيزه ونحو ذلك من الأحكام التى لا تترتب على حياته الى المعتاد لمثله من الأيام والأشهر وان نقصت عن الستة الأشهر فان أمكن عادة كونه منه لحقه الحكم، وان علم عادة انتفاؤه عنه لغيبته عنها مدة تزيد عن تخلفه عادة منه انتفى عنه، ولو فجر بالزوجة فى النكاح الدائم فاجر فالولد للزوج وللعاهر الحجر ولا يجوز له نفيه للحكم للحوقه بالفراش شرعا وان أشبه الزانى خلقه ولو نفاه لم ينتف عنه الا باللعان لأمه فان لم يلاعن حد به، ولو اختلفا فى الدخول فادعته وأنكره هو أو فى ولادته بأن أنكر كونها ولدته حلف الزوج لأصالة عدمهما، ولأن النزاع فى الأول فى فعله ويمكنها اقامة البينة على الولادة فى الثانى فلا يقبل قولها بغير بينة ولو اتفقا عليهما واختلفا فى المدة فادعى ولادته لدون ستة أشهر أو لأزيد من أقصى مدة الحمل حلفت هى تغليبا للفراش ولأصالة عدم زيادة المدة فى الثانى أما الأول فالأصل معه فيحتمل

(1)

كتاب شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار ج 2 ص 369 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ الطبعة الأولى.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 369 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ الطبعة الأولى.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 134، 135 وما بعدها طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ الطبعة الثانية.

ص: 202

قبول قوله فيه عملا بالأصل ولأن ماله الى النزاع فى الدخول فانه اذا قال لم تنقض مدة ستة أشهر من حين الوط ء فمعناه أنه لم يطأ منذ مدة ستة أشهر وانما وقع الوط ء فيما دونها، وولد المملوكة اذا حصلت الشروط الثلاثة، وهى الدخول وولادته لستة أشهر فصاعدا ولم يتجاوز الأقصى يلحق به، وكذلك ولد المتعة ولا يجوز له نفيه لمكان الشبهة فيهما لكن لو نفاه انتفى ظاهرا بغير لعان فيهما وان فعل حراما حيث نفى. ما حكم الشارع ظاهرا بلحوقه به، أما ولد الأمة فموضع وفاق، ولتعليق اللعان على رمى الزوجة فى الآية، وأما ولد المتعة فانتفاؤه بذلك هو المشهور ومستنده غلبة اطلاق الزوجة على الدائمة، ومن ثم حملت عليها فى آية الارث وغيره، وذهب المرتضى وجماعة الى الحاقها بالدائمة هنا لأنها زوجة حقيقة والا لحرمت بقوله تعالى:«فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ 1» فلو عاد واعترف به صح ولحق به، بخلاف ما لو اعترف به أولا ثم نفاه فانه لا ينتفى عنه وألحق به، ولا يجوز نفى الولد مطلقا لمكان العزل عن أمه لاطلاق النص والفتوى بلحوق الولد لفراش الواطئ وهو صادق مع العزل ويمكن سبق الماء قبله، وعلى ما ذكرناه سابقا لا اعتبار بالانزال فى الحاق الولد مطلقا فمع العزل بالماء أولى وقيد بعضهم هنا الوط ء مع العزل بكونه فى القبل وصرح فى القواعد باستواء القبل والدبر فى ذلك، وفى باب العدد صرحوا بعدم الفرق بينهما فى اعتبار العدة، وولد الشبهة يلحق بالواطئ بالشروط الثلاثة وعدم الزوج الحاضر الداخل بها بحيث يمكن الحاقه به والمولى فى ذلك له حكم الزوج لكن لو انتفى عن المولى ولحق بالواطئ أغرم قيمة الولد يوم سقط حيا لمولاها، وان انكار

(2)

من ولد على فراشه بالشرائط السابقة المعتبرة فى الحاق الولد به، وهى وضعه لستة أشهر فصاعدا من حين وطئه ولم يتجاوز حملها أقصى مدته، وكونها موطؤة بالعقد الدائم يعتبر سببا من أسباب اللعان وان سكت حال الولادة ولم ينفه على الأقوى لأن السكوت أعم من الاعتراف به فلا يدل عليه، وقال الشيخ أبو جعفر الطوسى رحمه الله تعالى ليس له انكاره حينئذ لحكم الشارع بالحاقه به بمجرد الولادة، العارى عن النفى، اذ اللحوق لا يحتاج الى غير الفراش فيمتنع أن يزيل انكاره حكم الشارع ولأدائه الى عدم استقرار الأنساب، وفيه أن حكم الشارع بالالحاق مبنى على أصالة عدم النفى أو على الظاهر وقد ظهر خلافه، هذا واذا لم يمكنه النفى حالة الولادة اما لعدم قدرته عليه لمرض أو حبس أو اشتغال بحفظ ماله من حرق أو غرق أو لص ولم يمكنه الاشهاد ونحو ذلك أو لعدم علمه بأن له النفى لقرب عهده بالاسلام أو بعده عن الأحكام فلا اشكال فى قبوله عند زوال المانع، ولو ادعى عدم العلم به قبل مع امكانه فى حقه، وجواز انكار صاحب الفراش للولد على الوجه السابق بيانه مشروط بعدم سبق الاعتراف به صريحا أو فحوى فالأول ظاهر والثانى أن يجيب المبشر بما يدل على الرضا به والاعتراف مثل أن يقال له بارك

(1)

الآية رقم 7 من سورة المؤمنون

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 182، 183، 184 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 203

الله لك فى هذا الولد فيؤمن أو يقول ان شاء الله تعالى بخلاف قوله فى الجواب بارك الله فيك وأحسن الله اليك ورزقك الله مثله وشبه ذلك فانه لا يقتضى الاقرار لاحتماله غيره احتمالا ظاهرا، ويجب على ذى الفراش مطلقا نفى الولد المولود على فراشه اذا عرف اختلال شروط الالحاق فيلاعن وجوبا لأنه لا ينفى بدونه ويحرم عليه نفيه بدون علمه اختلال شروط الالحاق وان ظن انتفاؤه عنه بزنا أمه أو غيره أو خالف صفاته لأن ذلك لا مدخل له فى الالحاق والخالق على كل شئ قدير، والحكم مبنى على الظاهر ويلحق الولد بالفراش دون غيره، واذا لم يوجد من يقيم اللعان بين الطرفين فلا فائدة فى نفى الولد، ولا يلحق ولد المملوكة بمالكها الا بالاقرار به على أشهر القولين والروايتين لو اعترف بوطئها ولو نفاه انتفى بغير لعان وانكار صاحب الفراش الولد بعد تحقق شروط الحاق الولد به أيكون سببا من أسباب اللعان فيقتضى عدم الحاق الولد به أم لا.

قال صاحب الروضة البهية اجماعا وانما الخلاف فى أنه هل يلحق به مجرد امكان كونه منه وان لم يقر به أم لا بد من العلم بوطئه وامكان لحوقه به واقراره به، وفى اختيار الأكثر لا يلحق به الا باقراره ووطئه وامكان لحوقه به وفى القول الآخر لا ينتفى الا بنفيه أو العلم بانتفائه عنه ويظهر من عبارات بعض المحققين أنه لا يلحق الولد بمولى المملوكة الا باقراره فلو سكت ولم ينفه ولم يقر به لم يلحق به وجعلوا ذلك فائدة عدم كون الأمة فراشا بالوط ء، والذى حققه جماعة أنه يلحق باقراره أو العلم بوطئه وامكان لحوقه به وان لم يقر به وجعلوا الفرق بين الفراش وغيره أن الفراش يلحق به الولد وان لم يعلم وطئه مع امكانه والا مع النفى واللعان وغيره من الأمة والمتمتع بها يلحق به الولد الا مع النفى، وحملوا عدم لحوقه الا مع الاقرار على اللحوق اللازم لأنه بدون الاقرار ينتفى بنفيه من غير لعان، ولو أقر به استقر ولم يكن له نفيه بعده، وهذا هو الظاهر، ولو تداعى بنوة

(1)

اللقيط اثنان ولا بينة لأحدهما أو لكل منهما بينة فالقرعة لأنه من الأمور المشكلة وهى لكل أمر مشكل ولا ترجيح لأحدهما بالاسلام وان كان اللقيط محكوما باسلامه ظاهرا على قول الشيخ فى الخلاف لعموم الأخبار فيمن تداعو نسبا لتكافؤهما فى الدعوى ورجح فى المبسوط دعوى المسلم لتأييده بالحكم باسلام اللقيط على تقديره ومثله تنازع الحر والعبد مع الحكم بحرية اللقيط وحيث يحكم به للكافر يحكم بكفره على الأقوى للتبعية وكذا لا ترجيح بالالتقاط بل الملتقط كغيره فى دعوى نسبه لجواز أن يكون قد سقط أو نبذه ثم عاد الى أخذه ولا ترجيح لليد فى النسب. نعم لو لم يعلم كونه ملتقطا ولا صرح ببنوته فادعاه الغير فنازعه، فان قال هو لقيط وهو ابنى فهو وغيره سواء وان قال هو ابنى واقتصر ولم يكن هناك بينة على أنه التقطه فقد قرب فى الدروس ترجيح دعواه عملا بظاهر اليد وجاء فى

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 242 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 204

الخلاف

(1)

: أنه اذا اشترك اثنان فى وط ء امرأة فى طهر واحد وكان وط ء يصح أن يلحق به النسب وأتت به لمدة يمكن أن يكون من كل واحد منهما أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته ألحقناه به ولا يرجع الى القافه فى ذلك وبه قال على عليه الصلاة والسلام، وفى المختصر قال: ان اشترك اثنان فى وط ء امرأة، فتداعياه فقال كل واحد منهما هذا ابنى ألحقه بهما معا ولا يلحق بثلاثة فأكثر ان اشتركوا فى الوط ء وادعوه، ودليل الرأى الأول اجماع الفرقة واخبارهم لأنهم (فانهم) لا يختلفون فى ذلك فأما الدليل على أن القيافة لا حكم لها فى الشرع ما روى أن العجلانى قذف زوجته بشريك بن السحماء وكانت حاملا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أتت به على نعت كذا وكذا فلا أرى «فما أراه» الا أنه قد كذب عليها وان أتت به على نعت كذا وكذا فهو من شريك بن السحماء فأتت به على النعت المكروه فقال عليه السلام لولا الايمان لكان لى ولها شأن فوجه الدلالة أنه عليه الصلاة والسلام عرف الشبه ولم يعلق الحكم به فلو كان له حكم لكان يعلق الحكم به فيقم الحد على الزانى فلما لم يفعل هذا ثبت أن الشبه لا يعلق به حكم والدليل على أن الولد لا يلحق برجلين - كما جاء فى المختصر - قوله تعالى «يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ 2 وَأُنْثى» ،} فلا يخلو أن يكون كل الناس من ذكر وأنثى أو كل واحد منهم من ذكر وأنثى فبطل أن يريد كل الناس من ذكر وأنثى لأن كل الناس من ذكر واحد وهو آدم عليه السلام خلق وحده ثم خلق الله حواء من ضلعه الأيسر ثم خلق الناس منهما فاذا بطل هذا ثبت أنه أراد خلق كل واحد من ذكر وأنثى فمن قال من أنثى وذكرين فقد ترك الآية، واذا

(3)

كان وط ء أحدهما فى نكاح صحيح والآخر فى نكاح فاسد فالذى يقتضيه مذهبنا أنه لا فرق بينهما وأنه يجب أن يقرع بينهما، دليلنا ما قدمناه فى المسائل الأولى سواء، واذا وطئ

(4)

الرجل أمة ثم باعها قبل أن يستبرئها فوطئها المشترى قبل أن يستبرئها ثم أتت بولد يمكن أن يكون منهما فانه يلحق بالأخير، ودليل ذلك اجماع الفرقة وأخبارهم، واذا وطئ اثنان امرأة فى طهر واحد وكانا مسلمين أو أحدهما مسلما والآخر كافرا «حربيا» أو كان احدهما حرا أو أجنبيين أو أحدهما ابنا والآخر أبا لا يختلف الحكم فيه فى أنه يقرع بينهما دليل ذلك اجتماع الفرقة وعموم الأخبار التى قدمناها فمن ادعى التخصيص فعليه الدلالة فأما الأب والابن فلا يتقدر فيهما الا وط ء الشبهة أو عقد الشبهة.

(1)

كتاب الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الامام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 644 وما بعدها مسألة رقم 23 طبع مطبعة زنكين فى طهران الطبعة الثانية سنة 1377 هـ.

(2)

الآية رقم 13 من سورة الحجرات.

(3)

الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 645 وما بعدها مسألة رقم 24 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 645 وما بعدها مسألة رقم 25، مسألة رقم 26 الطبعة السابقة.

ص: 205

‌مذهب الإباضية:

جاء فى

(1)

شرح النيل: يستحلق الأب ابنه بشروط.

أولها: أن لا يكون المستحلق معروف النسب لغير المستلحق.

ثانيها: أن لا يكذبه العرف.

ثالثها: أن لا يكذبه الولد اذا كان كبيرا.

رابعها: أن يكون مثله يولد له هذا الولد فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم يصح استلحاق واختلف فى شرط خاص وهو كون أم الولد فى عصمة المستلحق أو فى ملكه ان كانت أمة والمرأة ان قالت هذا ابنى فقيل لا تصدق الا ان أتت بمن يشهد على ولادته وجوز ان صدقها أبوه لأن الفراش له لا لها كالاستلحاق له لا لها والمختار تصديقها فيما يصدق فيه الرجل كله ويشترط فيها ما يشترط فى الأب ولكن الظاهر أنه ان أنكره بطل ثم اذا أقرت به لم يدخل الى الأب وجهته ويرثها هى ولو أنكره الأب لأن اقرارها راجع لأن يرثها فقط قال واستلحاق الابن أباه جائز وهو أن يقر بأن فلانا أبوه فان صدقه الأب صار مستلحقا ولزم ذلك وثبت به النسب وان كذبه فلا عبرة به وان ولدت

(2)

امرأتان مسلمتان أو مشركتان أو أحداهما مسلمة والأخرى مشركة حرتان أو أمتان أو أحداهما حرة والأخرى أمة زوجان أو احداهما زوج والأخرى سرية فى بيت فماتتا هما أو احداهما أو حييتا معا ولا يفرز ولداهما فاختلف أبواهما أو أماهما أو أولياءهما على الولدين سواء كانا ذكرين أو أنثيين أو احدهما ذكرا والآخر أنثى أو تنازعا فى الحى منهما ان مات الآخر أو ماتا معا ولا توجد قرينة تدل على صدق أحدهما فالولدان خليطان وكذا ثلاث نسوة فأكثر لثلاثة رجال فأكثر وامرأتان فأكثر لرجل وولدان فأكثر لامرأة مع ولد فصاعدا لأخرى وقيل يحكم بالشبه أو القافة.

ومن تزوج

(3)

أمة ثم اشتراها لم يلزمه استبراؤها لأن الماء له والولد له وليشهد على التسرى لأن أولاده منها قبل شرائه اياها عبيد لمولاها وبعده أحرار فيما قال البعض وعبيد له لا يبيعهم فيما قال آخر فما ولد بعد التسرى بستة أشهر حر ان لم يتبين أنه من حمل سابق وما تبين حمله أو ولد قبل الستة الأشهر عبد للسيد الأول وكذا غير الشراء من وجوه (الملك) وان ملك بعضها لم يجز له وطئها لانفساخ النكاح وعدم جواز تسرى الأمة المشتركة لأن مريد التسرى عليه يشهد لكراهة لزوم غير الولد وكراهة استعباد الولد لأنه ان لم يشد هنا استعبد ما ولدت فانه يكون عبدا لسيدها الأول وان لم يشهد لزمه الولد الأول - بأن ينسب اليه ولكنه عبد للسيد الأول وان أتت بأولاد وفى الولد الثانى ان لم يقر المشترى به فقيل انه ولد له وعبد للسيد الأول وقيل انه ابن أمه وعبد للسيد الأول

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 8 ص 497، 498 وما بعدها طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1344 هـ الطبعة الأولى.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 689، 690 وما بعدهما طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ الطبعة الأولى.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 333، 334، 335 الطبعة السابقة.

ص: 206

وقيل ابن أمه عبد للثانى والولد الثالث لا يلزمه ان أنكره أو سكت عنه أو أنكره أو ورثته ان مات وهو ابن أمه عبد للأول وقيل ابن أمه عبد للثانى وذلك مبنى على الخلاف متى ينقطع الولد عن النكاح الأول فقيل ينقطع بستة أشهر اذا لم يتبين سبقه وقيل ما لم يحكم الحاكم بقطعه وقيل ينقطع بسنتين وقيل غير ذلك فاذا لم ينقطع كان هنا للسيد الأول لأنها قبل الشراء أمة له زوجة للثانى ومفهومه أنه ان أقر به أو أقر به ولده انه ولد أبيه وتبعه سائر الورثة كان ابنا له وورث ومن أعتق سرية ثم أتت بأولاد فهو كالذى لم يشهد على التسرى بعد زوجيته فحكمه كذلك كالحكم المذكور من الخلاف وان مات وتركها لوارثه ثم أتت بأولاد فكذلك على الخلاف وقيل لزمه ما أتت به دون ستة أشهر وهو اختيار ظاهر الديوان ولا يلزمه الا ما أتت به دونها ان خرجت محرما له أو باعها لرجل فمسها ثم فسخت أو زوجها له ففسد النكاح ولزمه ان غصبت أو هربت ما أتت به دونها وما فوق الستة أشهر عبيد. وقيل لزمه كل ما أتت به وقيل بثبوت النسب للغاصب تنزيلا له منزلة المستحل. وان

(1)

أتت بولدين أو أكثر من بطن بمعنى أنها ولدتهما بمرة متصلين أو فى مشيمة واحدة قبل تمام ستة أشهر من يوم الموت ثبت نسبهما من الميت اتفاقا اذ هما بمنزلة ولد واحد وان أتت بالثانى بعد تمام ستة أشهر بدون تحرك قبل تمام أربعة أشهر من وضع الأول فخلاف.

ويلحق الولد بالزوج متى تحققت الخلوة وامكان الوط ء ولو أقر بعدم الوط ء لأن الولد للفراش.

والمس يقع منهما فلا يكون نفيهما اياه حجة على عدمه والولد يلحق الزوج بأدنى شئ ولو لم يصح العقد اذا لم يتعمد الزنا قبل كل وط ء يدرأ فيه عن صاحبه الحد يلحق فيه الولد حتى قيل من وطئ امرأة وجدها فى فراشه يظنها زوجته فولدت لستة ولها زوج وطئها قبل فانه يلحقهما وقال صاحب شرح النيل الحق عندى أنه للزوج وان لم يدخل بها فهو للواطئ أوله قولان ولها على الواطئ صداق المثل ان لم تعلم أو كانت لها حجة وان ساعدته فالولد على الخلف ولا صداق عليه ولا يقربها زوجها حتى تضع وان لم يكن لها زوج فالولد له الا ان علمت وطاوعت فابن أمه واذا لم يقع فراق فى المجلس ولا حيث تيقن بعدم المس وطلبت الشهود أن يشهدوا لها بالصداق فليشهدوا أن زوجها فلان أصدق لها كذا وكذا ولا يشترط أن يعلموا أن المس واقع أو ما تستحق به الصداق تاما ولا يلزم ذلك ان كان زوجها من الصغر بحيث لا يلزمه الولد وقيل ان كان غير بالغ مطلقا أو طلقت فى المجلس قبل أن يخلو بها أو فى غير المجلس لكن لم يفارقهما الناس ولم يكن المسيس

(2)

. من باع سرية بعد استبراء أو طلق زوجة ثلاثا فكانت تأتى بأولاد لزموه ما لم يحكم الحاكم ببيع للسرية أو طلاق للزوجة ولا يلزمه بعد حكم الحاكم بذلك الا ما أتت به دون ستة أشهر من يوم الحكم كما قاله صاحب السؤالات رحمه الله

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 334 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 3 ص 335 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 207

تعالى والمراد بدون الستة أشهر ما أتت به قبل حلول الشهر السابع فما أتت به لتمام ستة أشهر حكمه كحكم ما جاءت لأقل من ستة أشهر وكذلك اذا تحرك ببطنها دون أربعة أشهر وأيام عشرة يكون حكمه حكم ما اذا أتت به لدون ستة أشهر والمشهور أن المطلقة أو المتوفى عنها زوجها ان أتت بولد وادعته من زوجها لحقه الى حولين من يوم الطلاق أو الوفاة ما لم يهل العام الثالث ما لم تتزوج وان أنكر هو فى صورة الطلاق أو أنكرته أو ورثته فى صورة الوفاة وان تزوجت فالولد لزوجها الا ما تحرك قبل الأربعة والعشرة أو ولدته قبل الستة فللأول وان تحرك قبل الأربعة والعشرة من يوم الطلاق أو الوفاة فللمطلق أو للمتوفى. وهذا بناء على أن أكثر الحمل سنتان وان سبى

(1)

المشركون زوجة أو سرية فولدت عندهم فلا يلحق الولد بالزوج والمتسرى الا اذا احتمل أن تكون قد سببت وهى حامل من الزوج أو المتسرى فانه يلحق على الصحيح.

وان أتت بولد قبل مضى مدة الالحاق وبآخر بعد مضى مدة الالحاق لحقه الأول فقط وقيل لحقه كلاهما لأنهما من بطن.

ويلحق به ما أتت به فى مدة الالحاق ولو أنكرت أن يكون منه لأن انكارها ابطال لنسب أثبته الشرع وقيل ان ادعت أنه ليس منه لم يلحق به وهو ضعيف. كما قال أبو يعقوب المذكور ولزم

(2)

ملاعنا امرأة حاملا ما ولدته قبل المدة مدة الولادة وهو ستة أشهر من وقت اللعان أو مع المدة أو ما تحرك قبل أربعة أشهر أو معها لا ما بعدها ولا ما تحرك بعد الأربعة فانه ينتفى باللعان ولو لم يلاعن الا على الزانى وأما قوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش فمحله ما اذا لم يلاعن عليه بدليل أنه صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة لما انتفى منه الزوج بلا اعادة لعان لنفيه لأن اللعان بالزنا يرفع الحد عنه والزنا عن المرأة ولو استلحق لحقه وفى الحديث دليل على أنه لا يشترط لنفى الحمل تصريح الزوج بأنه من زنا بل يكفى أن يقول مثلا ليس منى والحاق الولد بالمرأة فى الحديث مقيد بوضع الولد بعد الستة أشهر من وقت اللعان مثلا وبعدم تعرضه له فى اللعان وأما اذا تعرض لنفيه فيه أو لاعن عليه فانه يلحق بها مطلقا واطلاق ابن جعفر ان ولد الملاعنة لها محمول على ما اذا جاءت به بعد الستة من اللعان أو تعرض لنفيه فيه وذكر أبو اسحاق رحمه الله تعالى أنه ان ظهر بها حمل وقد دخل بها فجحده وتقر المرأة أنه من زنا أو اكراه حدث فى الزنا ونفى عنه الولد وقيل لا ينفى اذا دخل بها وكان بعد الستة من يوم العقد أو الدخول وأنه ان لم يدخل بها فظهر حمل وأنكره لاعنها ونفى عنه فان كذب نفسه أو مات قبل تمام اللعان لحقه الولد ولزم الصداق والارث وذكر البعض أنها ان ولدت لستة أشهر من يوم رؤيته للزنا انتفى عن الزوج بلعانه للرؤية وان أتت به لأقل لحق به لأن لعانه للرؤية لا لنفيه ان لم يدع استبراء بحيضة وان ادعاه لحق به وان ولدت قبل ستة أشهر من وقت العقد أو الدخول أو تحرك قبل مدة التحرك من ذلك فلا يلاعنها

(1)

شرح النيل وشفاء العليل محمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 336 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 545، 546 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 208

على الولد لأنه قد ظهر أنه ليس له وكذا ان سقطت علقة أو مضغة أو عظما قبل مدة هذه الأشياء من وقت العقد أو الدخول.

‌ثانيا: لحوق المرتدين وأهل الذمة

بدار الحرب وما يترتب على ذلك

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الهداية

(1)

وحواشيها ان المرتد اذا لحق بدار الحرب مرتدا وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت ديونه المؤجلة ونقل ما اكتسبه فى حال الاسلام الى ورثته من المسلمين باتفاق الامام وصاحبيه واما ما اكتسبه فى أيام ردته فالحكم فيه كذلك عند الصاحبين ولا يفعل شئ من ذلك ما كان مقيما فى دار الاسلام وأما ما أوصى به فى حال اسلامه فالمذكور فى ظاهر الرواية من المبسوط وغيره انها تبطل مطلقا من غير فرق بين ما هو قربة وغير قربة كالوصية للنائحة والمغنية ومن غير ذكر خلاف وذكر الوالد الوالجى رحمه الله تعالى ان الاطلاق قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال الصاحبان رحمهم الله تعالى ان الوصية بغير القربة لا تبطل لأن لبقاء الوصية حكم الابتداء وابتداء الوصية بغير القربة بعد الردة عندهما تصح وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى الوصية بغير القربة موقوفة كحكم باقى تصرفاته وقال الطحاوى رحمه الله تعالى: لا تبطل فيما لا يصح الرجوع عنه لأن تنفيذ الوصية لحق الميت ولا حق له بعد ما قتل على الردة أو لحق بدار الحرب فكان ردته كرجوعه عن الوصية وأذن فلا يبطل ما لا يصح الرجوع عنه كالتدبير لأن حق العتق ثبت للمدبر ودليل الرأى

(2)

الأول انه باللحاق صار من أهل الحرب حقيقة وحكما أما حقيقة فلأنه بين أظهرهم واعتقاده كاعتقادهم وأما حكما فلأنه لما أبطل احرازه نفسه بدار الاسلام حين عاد الى دار الحرب صار حربا على المسلمين فأعطى حكم أهل الحرب فى دار الحرب وهم كالميت فى حق المسلمين قال تعالى: «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً 3 فَأَحْيَيْناهُ» ولأن ولاية الالزام منقطعة عنهم كما هى منقطعة عن الموتى فصار كالموت الا أنه لا يستقر لحاقه الا بقضاء القاضى لاحتمال العود الينا فلا بد من القضاء واذا تقرر موته تثبت الأحكام المتعلقة به وهى كما ذكرناها كما فى الموت الحقيقى ثم يعتبر

(4)

كونه وارثا عند لحاقه فى قول محمد رحمه الله تعالى لأن اللحاق هو السبب والقضاء لتقرره بقطع الاحتمال أى احتمال عوده أى أن اللحاق لا يوجب أحكام الموت الا اذا كان مستقرا وهو أمر غير معلوم فبالقضاء يتقرر أما عند أبى يوسف رحمه الله تعالى فانه يعتبر كونه وارثا وقت القضاء لأنه يصير موتا بالقضاء حتى لو كان من حيث يرث وقت الردة كافرا أو عبدا وكان وقت القضاء مسلما معتقا ورث عند أبى

(1)

الهداية وشروحها فتح القدير والعناية ج 4 ص 393 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ص 394 مع ملاحظة فاقى العناية بنفس الصفحة.

(3)

الآية رقم 122 من سورة الأنعام.

(4)

فتح القدير وهوامشه ج 4 ص 394 وحاشية الشلبى ج 3 ص 287 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية وما بعدهما الطبعة السابقة.

ص: 209

يوسف رحمه الله تعالى ولا يرث عند محمد رحمه الله تعالى وهذا لأن اللحاق انما يصير موتا بالقضاء لأنه بمجرده غيبة فتقررها بالقضاء به وبتقرره يصير موتا والارث يعتبر عند الموت ولزوج المرتدة أن يتزوج بأختها.

والمرتدة اذا لحقت بدار الحرب فهى على هذا الخلاف فى المرتد وعلى الأحكام التى ذكرناها من عتق مدبريها وحلول ديونها لجماعة المسلمين ولا يرث الورثة شيئا فى هذه الصورة الا أن يفضل عن كسب الاسلام شئ عن الدينين ولزوجها أن يتزوج بأختها أو أربع سواها اذا لحقت بالدار كأنها ماتت فان خرجت الى دار الاسلام بعد ذلك مسلمة لا يفسد نكاح أختها واذا ارتدت المعتدة ولحقت بدار الحرب وقضى القاضى بلاحقها بطلت عدتها لتباين الدارين وانقطاع العصمة كأنها ماتت فان رجعت بعد ذلك الينا مسلمة قبل انقضاء العدة. قال أبو يوسف لا تعود معتدة وقال محمد تعود معتدة كما كانت.

والمرتد

(1)

اذا لحق بدار الحرب تقضى ديونه التى لزمته فى حال الاسلام مما أكتسبه فى حال الاسلام أما الديون التى لزمته فى حال الردة فتقضى مما اكتسبه فى حال ردته وهذه رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى. وهى رواية زفر رحمه الله تعالى.

وفى رواية عنه أنه يبدأ بكسب الاسلام فيقضى عنه الدينان جميعا فان وفى فكسب الردة فئ لجماعة المسلمين وان لم يف بذلك يقضى من كسب الردة وهذه رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى رواية ثالثة عنه أنه يبدأ فى قضاء الدين جميعا من كسب الردة فان وفى بالديون ورثت الورثة كسب الاسلام كله وان لم يف كمل من كسب الاسلام وورثت الورثة ما فضل ان فضل شئ وهذه رواية أبو يوسف رحمه الله عنه والا لا يرثون شيئا.

ولو فضل من ديون الردة شئ من كسب الردة فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يورث لأنه لا يورث كسب الردة.

وهذا التفصيل وهو أن ديون الاسلام تقضى من كسب الاسلام وديون الردة تقضى من كسب الردة وهو احدى الروايات عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى رواها عنه زفر والحسن رحمهما الله تعالى كما قال الكرخى رحمه الله تعالى ووجه

(2)

الرواية الأولى أن المستحق بالسببين وهو دين الاسلام ودين الردة مختلف وحصول كل من الكسبين باعتبار السبب الذى وجب به الدين فيقضى كل دين من الكسب الذى حصل به ليكون الغرم بالغنم ووجه رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمهم الله تعالى ان كسب الاسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فيه ومن شروط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث وهو مقدار ما عليه من الدين فيقدم الدين على الارث أما كسب الردة فليس مملوكا له البطلان أهلية الملك بالردة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى

(1)

الهداية مع فتح القدير وبهامشه العناية ج 4 ص 394 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 394، 395 وما بعدهما الطبقة السابقة.

وفتح القدير وهوامشه العناية للبابرتى وحاشية سعد حلبى فى كتاب ج 4 ص 395 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 210

فلا يقضى دينه منه الا اذا تعذر قضاؤه من محل آخر فحينئذ يقضى منه فان قيل كيف يقضى منه وهو فئ عنده غير مملوك له بل لجماعة المسلمين أجاب فقال: لا بعد فى هذا فان الذمى اذا مات ولا وارث له يكون ماله لجماعة المسلمين ومع ذلك كان عليه دين يقضى منه أولا وما فضل يكون للمسلمين فكذلك هاهنا قال فى المبسوط: وعلى هذا لا ينفذ تصرفه فى الرهن وقضاء الدين من كسب الاسلام ووجه الرواية الثالثة - وهى رواية أبى يوسف رحمه الله تعالى ان كسب الاسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه بمعنى أنه لم يتعلق به حق الغير كما يثبت التعليق فى مال المريض غير أنه لا يلزم من كونه خالص حقه كونه ملكا له ألا ترى أن كسب المكاتب خالص حقه وليس ملكه، واذا كان كسب الردة خالص حقه كان قضاء دينه منه أولى الا اذا لم يف فحينئذ يقضى من كسب الاسلام تقديما لحقه وقال

(1)

أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تقضى ديونه من الكسبين لأنهما جميعا ملكه عندهما حتى يجرى فيهما الارث.

‌تصرفات المرتد:

قال فى الهداية وشروحها أعلم أن تصرفات

(2)

المرتد على أقسام نافذة بالاتفاق كالاستيلاد والطلاق لأنه لا يقتصر الى حقيقة الملك فى الاستيلاد ولا الى تمام الولاية فى الطلاق فان الاستيلاد يصح فى جارية الابن وحق المرتد فى ماله أقوى من حق الأب فى جارية ابنه ولذا تصح مولى ولد أمة مكاتبة وحق المرتد فى ماله أقوى من حق المولى فى كسب المكاتب لأن المال موقوف على حكم ملكه حتى اذا أسلم كان له بلا سبب جديد ولا ملك للأب والمولى فيهما والطلاق يقع من العبد مع قصور ولايته فانه لا ولاية له على نفسه وأورد عليه أن بالردة تحققت الفرقة فكيف يقع الطلاق أجيب بأنه لا يلزم من وقوع البينونة امتناع الطلاق وقد سلف أن المبانة يلحقها صريح الطلاق ما دامت فى العدة وصرح فى المحيط بأن الفرقة بالردة من قبيل الفرقة التى يلحقها الطلاق مع أن الردة لا تلزمها الفرقة كما لو ارتدا معا ومن هذا القسم تسليم الشفعة وقبول الهبة والحجر على عبده المأذون لأنها لا تنبئ عن حقيقة الملك، وباطل بالاتفاق كالنكاح والذبيحة لأنها تعتمد الملة ولا ملة له لأنه غير مقر على ما انتقل اليه من دين سماوى أو غيره كالشرك فهو بمنزلة من لا ملة له وهذا حاصل ما فسر به ظهير الدين من أن المراد بالملة التى يدينون بملك النكاح التوارث والتناسل والمرتد لا يتحقق فى نكاحه شئ من ذلك لأنه لا يقر حيا.

ومن هذا القسم ارثه وأما الارث فقد تقدم أنه ثابت لورثته المسلمين، وموقوف بالاتفاق كالمفاوضة مع المسلم لأنها تعتمد المساواة بين الشريكين ولا مساواة بين المسلم والمرتد فيتوقف عقد المفاوضة فان أسلم نفذت وان مات أو قتل أو قضى بلحاقه بطلت بالاتفاق لكن تصير عنانا عقدهما وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى تبطل أصلا لأن فى العنان

(1)

الهداية وحواشيها ج 4 ص 396 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 396

ص: 211

وكالة وهى موقوفة عنده ومختلف فى توقفه وهو ما عددناه من بيعه وشرائه وعتقه ورهنه ومنه الكتابة وقبض الديون والاجارة والوصية عنده هى موقوفة ان أسلم نفذت وان مات أو قتل أو لحق بطلت دليل الصاحبين ان الصحة للمعاملات تعتمد الأهلية لها والنفاذ يعتمد الملك ولا خفاء فى وجود الأهلية لكونه مخاطبا بالايمان وكذا قتله فرع كونه مكلفا وكذا ملكه لقيامه قبل موته، ومما يوضح كون ملك المرتد باقيا أنه لو ولد له ولد من امرأة مسلمة أو أمة مسلمة لستة أشهر فصاعدا ورثه فلو كان ملكه زائلا لم يرثه هذا الولد ولو ان ولده قبل الردة مات بعدها قبل موته ولحاقه لا يرثه واذا كان ملكه قائما وأهليته نفذت تصرفاته عندهما الا أن عند أبى يوسف رحمه الله تعالى تصح كما تصح من الصحيح من جميع المال لأن الظاهر عوده الى الاسلام اذ الشبهة تزاح فلا يقتل فلا يكون كالمريض وعند محمد رحمه الله تعالى تصح من الثلث كما تصح من المريض لأن من انتحل نحلة لا سيما اذا كان بها معرضا عما نشأ عليه قلما يتركه فكان بذلك على شرف الهلاك كالمريض مرض الموت الا أن أبا يوسف رحمه الله تعالى يقول بيده دفع القتل عنه والموت على ذلك بتجديد الاسلام بخلاف المريض، ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه حربى مقهور تحت أيدينا على ما قررناه فى توقف الملك أى عودة لما حررناه من أن المراد انه يزول ملكه بردته ثم يعود بعوده الى الاسلام من أنه حربى مقهور نفسه وماله تحت أيدينا وتوقف التصرفات بناء عليه فان التصرفات الشرعية المذكورة توجب أملاكا لمن قامت به وزوال أملاك مثلا البيع يوجب أن يملك المبيع وأن يخرج من ملكه الثمن والاجارة كذلك والفرض ان ليس مع الردة ملك فامتنع افادة هذه التصرفات أحكامها فى الحال فان أسلم أفادته حين وقعت وهذا معنى التوقف فصار المرتد كالحربى يدخل دارنا بلا أمان فيؤخذ أى يؤسر فتتوقف تصرفاته لتوقف حاله حيث كان للامام الخيار بين استرقاقه وقتله فان قتل أو أسر لم تنفذ منه هذه أو أسلم لم يؤخذ له مال فكذا المرتد، قال فى الهداية واستحقاقه القتل لبطلان سبب العصمة فى الفصلين فأوجب خللا فى الأهلية بخلاف الزانى وقاتل العمد لأن الاستحقاق فى ذلك جزاء على الجناية وبخلاف المرأة لأنها ليست حربية فلهذا لا تقتل وهذا كما قال صاحب فتح القدير رحمه الله تعالى جواب عما يقال المرتد يجب أن يكون كالمقضى عليه بالقصاص والرجم لأنه مقهور تحت أيدينا للقتل عينا خصوصا فانه لا يمكن له حالة غير القتل بخلاف المرتد فان غيرها محتمل فى حقه لاحتمال اسلامه ومع ذلك لا يزول ملك واحد منهما عن ماله وتصرفاته نافذة فأجاب بالفرق بأن استحقاق القتل فى الفصلين أى الحربى والمرتد لبطلان العصمة بانتفاء سببها وهو الاسلام فأوجب خللا فى الأهلية بخلاف الزانى والقاتل عمدا لأن استحقاق القتل بذلك السبب جزاء على الجناية مع بقاء سبب العصمة وهو الاسلام فيبقى مالكا حقيقة لبقاء عصمة ماله لقيام سببها ولهذا لو قتل القاتل غير والى القصاص قتل به وانما يقتل كل منهما بما هو من حقوق تلك العصمة بخلاف المرتدة لأنها ليست حربية ولهذا لا تقتل قال أبو اليسر رحمه الله تعالى ما قالاه أحسن لأن المرتد لا يقبل الرق والقهر يكون حقيقيا

ص: 212

لا حكميا والملك يبطل بالقهر الحكمى لا الحقيقى ولهذا المعنى لا يبطل الملك المقضى عليه بالرجم وحاصل مراده ان المنافى للملك الاسترقاق ليس غير. لكنه ممنوع عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى بل نقول انما أوجب الاسترقاق ذلك فى الأصل للقهر الكائن بسبب حرابته وهو موجود فى المرتد فيثبت فيه ذلك بطريق أولى لأن الرق يتصور معه ملك النكاح بخلاف قهر المرتد. ثم قال فى

(1)

الهداية ويزول ملك المرتد عن أملاكه زوالا مراعى أى موقوفا غير بات فى الحال فان أسلم عادت أمواله على حالها الأولى وان مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم الحاكم بلحاقه استقر أمره فعمل السبب وهو كونه كافرا حربيا عمله مستندا الى وقت الردة كالمشترى بشرط الخيار يثبت ملكه عند الاجازة مستندا الى وقت البيع وبه صرح بعض الشارحين حين ورد عليه أن لا معنى للزوال المراعى والموقوف لأنه اما أن يزول أولا فأجاب بأنه يزول ثم يعود بالاسلام وهذا ليس واقعا والا لم يستند الى ما قبله كالملك الراجع الرجوع قالوا هذا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند الصاحبين لا يزول ملكه لأنه مكلف محتاج ولا يتمكن من اقامة التكليف الا بماله وأثر الردة فى اباحة دمه لا فى زوال ملكه فان لم يقتل يبقى ملكه وصار كالمحكوم عليه بالرجم والقصاص لا يزول ملكه ما لم يقتل ولأبى حنيفة أنه كافر حربى مقهور تحت أيدينا الى أن يقتل والملك عبارة عن القدرة والاستيلاء على التصرف فى المال ولا يكون ذلك الا بالعصمة وكونه حربيا يوجب زوال ملكه ومالكيته ومقتضى هذا أن يزول فى الحال على البتات الا أنه مدعو الى الاسلام ويرجى عوده اليه لأنه كان ممن دخله وعرف محاسنه وأنس به نسأل الله حفظه علينا الى الجنة بمنه وكرمه فالغالب على الظن عوده الى الاسلام فتوقفنا فى أمره فان أسلم جعل العارض كأن لم يكن فى حق هذا الحكم وهو زوال الملك وصار كأنه لم يزل مسلما ولم يعمل السبب عمله وان ثبت منه أحد ما قلنا عمل عمله من وقت وجوده ولا يخفى أن الحرابة لا توجب انتفاء الملك بل زوال العصمة فان الحربى يملك غير أن مملوكه لا عصمة له فاذا استولى عليه زال ملكه فكون المرتد حربيا قصارى ما يقتضى زوال عصمة ماله ونفسه تبعا وهو لا ينفى قيام الملك فى الحال فلا يوجب الحكم بالزوال مستندا ولهذا زاد قوله مقهور تحت أيدينا فيكون ماله مستولى عليه وأعلم أن حقيقة المراد أن بالردة يزول ملكه والا باتا فان استمر حتى مات حقيقة أو حكما باللحاق استمر الزوال الثابت من وقت الردة وان عاد عاد الملك وهما هربا من الحكم بالزوال لأن الساقط لا يعود فيقول أبى حنيفة أن الردة لما اقتضت الزوال والاجماع على أنه ان عاد وماله قائم كان أحق به وجب أن يعمل بهما فيقول بالردة يزول ثم بالعود يعود شرعا هذا بعد اتفاقهما على عدم زوال ملكه قال الشيخ أبو نصر البغدادى رحمه الله تعالى أن أبا يوسف رحمه الله تعالى جعل تصرفه بمنزلة تصرف من وجب عليه القصاص فتصير تبرعاته من جميع المال وجعله محمد بمنزلة المريض فتعتبر من الثلث وجه قول محمد رحمه الله تعالى انه فى معرض التلف فهو أسوأ من المريض حالا وأبو يوسف

(1)

الهداية وحواشيها ج 4 ص 390، 391، 392 الطبعة السابقة.

ص: 213

يمنعه ويقول المرتد متمكن من دفع الهلاك بالاسلام والمريض غير قادر عليه وان مات أو قتل على ردته أو حكم بلحاقه انتقل ما اكتسبه فى اسلامه الى ورثته المسلمين وكان ما اكتسبه فى حال ردته فيئا لجماعة المسلمين يوضع فى بيت المال وهذا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقالا كلا الكسبين لورثته ولهما أن ملكه فى الكسبين بعد الردة باق على ما بيناه من أنه مكلف محتاج فينتقل بموته الى ورثته ويستند الى ما قبيل ردته اذ الردة سبب الموت فيكون توريث المسلم من المسلم ويحمل الحديث الكافر الأصلى الذى لم يسبق له اسلام أو لقول استحقاق المسلمين له بسبب الاسلام والورثة ساووا المسلمين فى ذلك وترجحوا بجهة القرابة فكانوا كقرابة ذات جهتين بالنسبة الى قرابة ذات جهة كالأخ الشقيق مع الأخ لأب قال تعالى «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ» ولأبى حنيفة ما قالاه فى وجه التوريث الا أنه انما يمكن فى كسب الاسلام لوجوده قبل الردة وهى الموت فيستند الأرث الى ما قبله وقد قلت أن بمجرد ردته زال ملكه فما اكتسبه بعد الردة لا يقع مملوكا له ليمكن استناد التوريث فيه الى ما قبيل موته الحكمى أعنى الردة لأنه انما يورث ما هو مملوك للميت عند الموت فيظهر ان الاختلاف بينه وبينهما فى توريث كسب الردة مبنى على الحكم الخلافى المتقدم وهو أن المرتد تزول أملاكه بالردة المستمرة على ما حققناه عنده وعندهما لا يزول حتى يتحقق الموت الحقيقى أو الحكمى باللحاق واذا كان كذلك فما اكتسبه فى زمن الردة يكون مملوكا له ثم اذا تحقق الموت وقلنا بوجوب ارثهم اياه والفرض أن له مالا مملوكا فلا بد من ارثهم له وارثهم يستدعى استناده الى ما قبيل ردته فيلزم بالضرورة اعتبار ما اكتسبه فى زمن الردة موجودا قبلها حكما لوجود سببه وهو نفس المرتد وان كان معدوما حسا وقتئذ. ثم انما يرثه من كان وارثا حالة الردة بأن كان حرا مسلما وبقى كذلك الى وقت موته أو لحاقه بدار الحرب فى رواية عن أبى حنيفة رواها عنه الحسن بن زياد وهذا الاعتبار الاستناد فى الارث فان المستند لابد أن يثبت أولا ثم يستند فيجب ان يصادف عند ثبوته من هو بصفة استحقاق الارث وهو المسلم الحر وكذا عند استناده حتى لو أسلم بعض قرابته أو ولد من علوق حادث بعد الردة لا يرثه على هذه الرواية وعنه انه يرثه من كان وارثا عند الردة فقط من غير اشتراط بقائه بالصفة الى الموت وهذه رواية عن أبى يوسف عنه فلا يبطل استحقاقه أى استحقاق من كان وارثا عند الردة بعروض موت ذلك الوارث أو ردته بعد ردة أبيه بل اذا مات أو ارتد بخلفه وارثه وهو وارث الوارث وعلى هذه الرواية عول الكرخى لأن الردة بمنزلة الموت فيعتبر وقتها لاستحقاق الميراث وعنه أنه يعتبر وجود الوارث عند الموت واللحاق بدار الحرب وهى رواية محمد رحمه الله تعالى عنه قال فى المبسوط وهذا أصح لأن الحادث بعد انعقاد السبب قبل تمامه كالحادث قبل انعقاده الا ترى ان الولد الذى يحدث من المبيع بعد البيع قبل القبض يجعل كالموجود عند ابتداء العقد فى أنه يصير معقودا عليه ويكون له حصة من الثمن الا انها غير مضمونة حتى لو هلك فى يد البائع قبل القبض بغير فعل أحد هلك بغير شئ وبقى الثمن كله على البائع

ص: 214

فلو كان بحيث يرثه كافرا أو عبدا يوم ارتد فعتق بالردة قبل ان يموت أو يلحق بدار الحرب أو أسلم ورثه وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الا ان الكرخى حكى بينهما خلافا فى اللحاق بدار الحرب فعند أبى يوسف يعتبر حال الوارث يوم الحكم باللحاق بدار الحرب وعند محمد رحمه الله تعالى يوم اللحاق بدار الحرب لا الحكم وجه أبى يوسف رحمه الله تعالى ان العارض يعنى الردة متصور زواله فتوقف ثبوت حكمه على القضاء ووجه محمد ان اللحاق بدار الحرب تزول به العصمة والأمان والذمة فى حق المستأمن والذمى فكان هذا بمنزل المكاتب يموت ويترك وفاء فتؤدى الكتابة فانه يعتبر حال وارثه يوم مات لا حال أداء الكتابة وجوابه من قبل أبى يوسف ان اللحاق بدار الحرب ليس حقيقة الموت المأيوس عن ارتفاعه ليثبت الحكم به بلا قضاء بل فى حكمه لانقطاع ولايتنا عنه وأحكامنا فلا يثبت به أحكام الموت قبل ان يتأكد وذلك بالحكم به وترثه امرأته أى المرأة المسلمة اذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب وهى فى العدة لأنه يصير فارا وان كان صحيحا وقت الردة وهذا لأن الردة لما كانت سبب الموت وهى باختياره أشبهت الطلاق البائن فى مرض الموت وهو يوجب الارث اذا مات وهى فى العدة لأنه فار ولو كان وقت الردة مريضا فلا اشكال فى ارثها وقد يقال كون الردة تشبه الطلاق قصاراها ان يجعل بالردة كأنه طلقها والفرض أنه صحيح وطلاق الصحيح لا يوجب حكم الفرار فالتحقيق ان يقال بالردة كأنه مرض مرض الموت باختياره بسبب المرض ثم هو باصراره على الكفر مختارا فى الاصرار الذى هو سبب القتل حتى قتل بمنزلة المطلق فى مرض الموت ثم يموت قتلا أو حتف أنفه أو بلحاقه بدار الحرب فيثبت حكم الفرار وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة انها ترثه وان كانت منقضية العدة لأنها كانت وارثة عند ردته وبه قال أبو يوسف وهو تفريع على رواية الاكتفاء بالتحقيق بصفة الوارث حال الردة فقط وهى رواية أبى يوسف وما فى الكتاب على رواية الحسن من اعتباره وبقائه بالصفة الى الموت أو على رواية اعتباره وقت موته فقط وهذا اشتراط قيام العدة يقتضى انها موطؤة فلا ترث غير المدخولة وهو كذلك وذلك ان بمجرد الردة تبين غير المدخولة الا الى عدة فتصير أجنبية ولما لم تكن الردة موتا حقيقيا حتى ان المدخولة تعتبر فيها بالحيض لا الأشهر لم ينتهض سببا للارث اذا لم يكن عند موت الزوج أو لحاقه بدار الحرب أثر من آثار النكاح لأن الارث وان استند الى الردة لكن

(1)

يتقرر عند الموت وبهذا أيضا لا ترث المنقضية عدتها والمرتدة كسبها لورثتها لأنه لا حراب منها اذ المرأة لا حراب منها سواء كانت كافرة أصلية أو صارت كافرة فلم يوجد سبب الفئ وهو سقوط عصمة نفسها المستتبعة لسقوط عصمة مالها فيبقى كل من كسبى اسلامها وردتها على ملكها فيرثهما ورثتها بخلاف المرتد عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فان كسبه فى الردة فئ لكونه محاربا فى الحال أو فى المآل باللحاق بدار الحرب فلا يملكه لكونه مال حربى مقهور تحت أيدينا فلا يورث ويرثها زوجها المسلم اذا كانت ارتدت وهى مريضة فماتت من ذلك المرض أو لحقت بدار الحرب مع ذلك المرض لأنها قصدت الفرار من ميراث الزوج

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 392 الطبعة السابقة.

ص: 215

بعد ما تعلق حقه بمالها بسبب مرضها بخلاف ما لو ارتدت وهى صحيحة فانها بردتها هذه لم تبطل له حقا متعلقا بمالها وهذا التقرير فيه جعل ردتها كطلاقه فردتها فى مرضها كطلاقه فى مرضه وردتها فى صحتها كطلاقه فى صحته وبه لا يكون فارا اذا عرض له موت وهى فى العدة بخلاف ما قررناه فى جانب الرجل فان بردته فى صحته ترث اذا عرض له موت فلو جعلت ردته كطلاقه بائنا كان مطلقا فى صحته وعروض الموت للمطلق فى صحته لا يوجب له حكم الفرار فاذا جعلنا ردته كمباشرته لسبب مرض موته ثم باصراره جعل مطلقا فى مرضه فاذا مات ثبت حكم الفرار.

وما باعه أو اشتراه أو أعتقه أو وهبه أو رهنه أو تصرف فيه من أمواله فى حال ردته فهو موقوف فان أسلم صحت عقوده وان مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت وهذا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز ما صنع فى الوجهين أى سواء أسلم أو مات أو قتل أو لحق بدار الحرب وجاء فى الهداية

(1)

وشروحها. وان عاد المرتد بعد الحكم بلحاقه بدار الحرب الى دار الاسلام مسلما فما وجده فى يد ورثته من ماله بعينه نقدا أو عرضا أخذه لأن الوارث انما يخلفه فيه لاستغنائه عنه حيث دخل دار الحرب وحكم بموته فاذا عاد مسلما فقد احياه الله تعالى حياة جديدة قال تعالى:

«أَوَمَنْ كانَ 2 مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ» فاذا حيى احتاج الى ماله فيقدم على الوارث بخلاف ما اذا ازاله الوارث عن ملكه سواء كان بسبب يقبل الفسخ كبيع أو هبة أو لا يقبله كعتق وتدبير واستيلاد فانه يمضى ولا عود له فيه ولا يضمنه وبخلاف أمهات أولاده ومدبريه لا يعودون فى الرق لأن القضاء بعتقهم قد صح بدليل مصحح له وهو اللحاق مرتدا لأنه كالموت الحقيقى فنفذ. والعتق بعد نفاذه لا يقبل البطلان وولاؤهم لمولاهم أعنى المرتد الذى عاد مسلما، هذا اذا جاء مسلما بعد الحكم باللحاق فلو جاء

(3)

مسلما قبل ان يقضى القاضى بلحاقه فكأنه لم يزل مسلما كأنه لم يرتد قط لأن لحاقه لا يستقر الا بالقضاء وما لم يستقر لا يورث فتكون أمهات أولاده ومدبروه على حالهم ارقاء وما كان عليه من الديون المؤجلة لا تحل بل تكون الى أجلها لعدم تقرر الموت وصار كالعبد اذا أبق بعد البيع قبل القبض ثم عاد فان كان بعد القضاء بالفسخ لا يبطل القضاء بالفسخ وان عاد قبله جعل الاباق كأن لم يكن، واذ لحق

(4)

المرتد بماله بدار الحرب ثم ظهر المسلمون على ذلك المال فهو فئ - وان لحق المرتد بدار الحرب ثم رجع وأخذ مالا والحقه بدار الحرب فظهر على ذلك المال فحكم الورثة فيه حكم مالك مال استولى عليه الكفار ثم ظهر عليه فوجده مالكه وهو أنه ان وجده الورثة قبل القسمة رد عليهم وان وجدوه بعد القسمة أخذوه بقيمته ان شاءوا ولو كان مثليا لا يؤخذ لعدم الفائدة ولا فرق بين ان يكون عود المرتد وأخذه المال بعد القضاء بلحاقه أو قبله.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 397 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 122 من سورة الأنعام.

(3)

فتح القدير وحواشه فى كتاب ج 4 ص 398 الطبعة السابقة.

(4)

الهداية وشروحها فتح القدير والعناية فى كتاب ج 4 ص 399 وما بعدها الطبعة السابقة وتبين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى مع حاشية الشلبى فى كتاب ج 3 ص 288 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 216

اما اذا كان بعد القضاء باللحاق فظاهر لأنه تقرر الملك للورثة ثم استولى عليه الكافر وأحرزه بدار الحرب، واما اذا عاد قبله كان عوده وأخذه ولحاقه ثانيا يرجح جانب عدم العود ويؤكده فيقرر موته، وما أحتيج الى القضاء باللحاق لصيرورته ميراثا الا ليترجح عدم عوده فيتقرر اقامته ثمة فيتقرر موته فكان رجوعه وأخذه ثم عوده ثانيا بمنزلة القضاء وفى بعض روايات السير جعله فيئا لأن بمجرد اللحاق لا يصير المال ملكا للورثة والوجه ظاهر الرواية واذا

(1)

لحق المرتد بدار الحرب وله عبد فقضى به لابنه فكاتبه الابن ثم جاء المرتد مسلما قبل أداء بدل الكتابة فالكتابة جائزة والولاء وبدل الكتابة للمرتد الذى أسلم لأنه لا وجه الى بطلان الكتابة لنفوذها بدليل منفذ وهو القضاء بالعبد له ولا وجه الى نقل الملك الى الأب لأن المكاتب لا يحتمل النقل من ملك الى ملك فجعل كأن الابن وكيل عنه فانه لما لحق بدار الحرب كان كأنه سلط ابنه على التصرف فى ماله وحقوق العقد ترجع الى الموكل فى الوكالة بالكتابة والولاء لمن يقع العتق عنه فلذا كان الولاء للمرتد الذى عاد مسلما بخلاف ما اذا كان أدى بدل الكتابة الى الابن فان الولاء حينئذ يكون للابن لأن الملك الذى كان للمرتد لم يبق قائما حينئذ واذا قتل المرتد رجلا خطأ ثم لحق بدار الحرب أو قتل

(2)

على ردته فالدية فى مال اكتسبه فى حال اسلامه خاصة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال الصاحبان رحمهما الله تعالى الدية فيما اكتسبه فى حال الاسلام والردة جميعا اما كون الدية فى ماله لا على العاقلة فلأن العواقل لا تعقل المرتد لأن تحملهم العقل باعتبار نصرتهم اياه التى بها يقوى على الجرأة ولا نصرة منهم للمرتد واما انها عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فى كسب الاسلام فقط فلأنه لا يملك غيره عنده بملك الكل فيكون ما لزمه من الكل.

واذا قطعت يد المسلم عمدا فارتد والعياذ بالله ثم مات على ردته أو لحق بدار الحرب ثم جاء مسلما فمات من ذلك فعلى القاطع نصف الدية فى ماله للورثة.

اما الأول وهو وجوب نصف الدية اذا مات فلأن القطع وان وقع على محل معصوم لكن السراية التى بها صار القطع قتلا حلت المحل بعد زوال عصمته فاهدرت.

واما الثانى وهو ما اذا لحق بدار الحرب ثم عاد مسلما فمات من القطع ومعناه اذا قضى القاضى بلحاقه فلأنه صار ميتا تقديرا بالقضاء باللحاق والموت يقطع السراية واسلامه حياة حادثه فى التقدير فلا يعود حكم الجناية الأولى على انها قتل لأنه ما ثبت سراية بعد انقطاع حكم القطع فوجب الاقتصار على موجب القطع الواقع فى حال العصمة من حيث هو قطع لا قصاص فيه وفى ذلك نصف دية النفس فوجب للورثة اما اذا لم يقضى القاضى بلحاقه حتى عاد مسلما فمات فهو على الخلاف فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى تجب الدية كاملة وقال محمد رحمه الله تعالى وزفر يجب نصف الدية ووجه قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ان الجناية وردت على محل معصوم وتمت فيه

(1)

الهداية مع فتح القدير والعناية فى كتاب ج 4 ص 399 وما بعدها الطعبة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 400 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 217

فيجب ضمان النفس كما اذا لم تتخلل الردة ووجه قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى ان اعتراض الردة أهدر السراية فلا ينقلب بالاسلام الى الضمان كما اذا قطعت يد مرتد فأسلم لا يجب على الفاعل شئ واذا ارتد

(1)

المكاتب ولحق بدار الحرب واكتسب مالا فى أيام ردته يفى بكتابته فأخذ بماله وأبى ان يسلم فقتل فانه يوفى مولاه مكاتبته وما بقى فلورثته وهذا ظاهر على أصل الصاحبين لأن كسب الردة ملكه اذا كان حرا فكذا اذا كان مكاتبا اذ الكتابة لا تبطل بالموت فبالردة أولى واذا كان ملكه قضيت منه مكاتبته واما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فلأن المرتد عنده وان كان لا يملك كسب الردة اذا كان حرا الا أنه يملك كسبه فى حال الردة اذا كان مكاتبا لأن المكاتب انما يملك اكسابه بعقد الكتابة والكتابة لا تتوقف بالردة ولا تبطل بالموت فيستمر موجبها مع الردة فيتحقق ملكه فى اكسابه ولا يتوقف فيقضى منها ويورث الباقى.

والمدبرة

(2)

أو أم الولد اذا ارتدت ولحقت بدار الحرب فمات مولاها فى دار الاسلام ثم أخذت أسيرة جاء فى المبسوط انها فئ بخلاف ما لو أسرت قبل موت المولى فانها ترد عليه لقيام ملكه فاما بعد موت المولى فقد عتقت لأن عتقها كان تعلق بموت المولى وتباين الدارين لا يمنع نزول العتق عند وجود شرطه واذا عتقت فهى حرة مرتدة أسرت من دار الحرب فتكون فيئا.

ولو ان عبدا ارتد مع مولاه ولحقا بدار الحرب فمات المولى هناك وأسر العبد فهو فئ لأنه مال حربى فقد أحرزه مع نفسه بدار الحرب وذلك مانع من ثبوت حق ورثته المسلمين فيه فيكون فيئا ويقتل ان لم يسلم لردته.

ولو ارتد

(3)

العبد وأخذ مال مولاه فذهب به الى دار الحرب الا ترى أنه لو أبق منه غير مرتد فدخل دار الحرب لم يكن محرزا نفسه عليه فكذلك اذا أبق مرتدا وكذلك لا يكون محرزا لما معه من المال فيرد ذلك كله على المولى ثم أخذ مع ذلك المال لم يكن فيئا ويرد على مولاه لأن العبد باق على ملكه فلا يكون محرزا نفسه بدار الحرب.

وفى المبسوط

(4)

: ان المرتدة اذا لحقت بدار الحرب فانها لا تقتل بل تسترق لاتفاق الصحابة رضى الله عنهم فان بنى حنيفة لما ارتدوا استرق أبو بكر رضى الله تعالى عنه نساءهم وأصاب على رضى الله تعالى عنه جارية من ذلك السبى فولدت له محمد بن حنفية رحمهما الله تعالى وذكر عاصم رحمه الله تعالى عن أبى رزين عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى النساء اذا ارتددن يسبين ولا يقتلن وهذا لأنها كالحربية والاسترقاق مشروع فى الحربيات وما دامت فى دار الاسلام

(1)

الهداية مع شروحها فتح القدير والعناية للبابرتى فى كتاب ج 4 ص 402 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 10 ص 113 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ الطبعة الأولى طبعة الحاج محمد سامى المغربى التونسى.

(3)

المرجع السابق لشمس الدين السرخسى ج 10 ص 113 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 10 ص 111 الطبعة السابقة.

ص: 218

فى ظاهر الرواية لا تسترق لأن حريتها المتأكدة بالاحراز لم تبطل بنفس الردة وهى دافعة للاسترقاق ولأن دار الاسلام ليست بدار الاسترقاق.

وفى النوادر عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انها تسترق لأنا لما جعلنا المرتد بمنزلة حربى مقهور لا أمان له فكذلك المرتدة بمنزلة حربية مقهورة لا أمان لها فتسترق وان كانت فى دارنا فان تصرفت فى مالها بعد الردة نفذ تصرفها ما دامت فى دار الاسلام لأنها تصرفت فى خالص ملكها بخلاف الرجل على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وأشار الى الفرق قال: المرأة لا تقتل والرجل يقتل ومعنى هذا ان عصمة المال تبع لعصمة النفس فبالردة لا تزول عصمة نفسها حتى لا تقتل فكذلك عصمة مالها بخلاف الرجل ولهذا استوت بالرجل فى التصرف بعد اللحوق لأن عصمة نفسها تزول بلحاقها حتى تسترق والاسترقاق اتلاف حكما فكذلك عصمة مالها فان ماتت فى الحبس أو لحقت بدار الحرب قسم مالها بين ورثتها ويستوى

(1)

فى ذلك كسب اسلامها وكسب ردتها لما بينا ان العصمة باقية بعد ردتها فكان كل واحد من الكسبين ملكها فيكون ميراثا لورثتها ولا ميراث لزوجها منها لأنها بنفس الردة قد بانت منه ولم تصر مشرفة على الهلاك فلا تكون فى حكم الفارة المريضة ولزوجها ان يتزوج بأختها بعد لحاقها قبل انقضاء عدتها لأنها صارت حربية فكانت كالميتة فى حقه وبعد موتها له ان يتزوج أختها ولأنه لا عدة على الحربية من المسلم لأن العدة فيها حق الزوج وتباين الدارين مناف له فان سبيت أو عادت مسلمة لم يضر ذلك نكاح الأخت لأنه بعد ما سقطت العدة عنها لا تعود معتدة ثم ان جاءت مسلمة فلها ان تتزوج من ساعتها لأنها فارغة عن النكاح والعدة وان سبيت أجبرت على الاسلام كما تجبر عليه قبل لحاقها وان ولدت بأرض الحرب ثم سبيت ومعها ولدها كان ولدها فيئا معها لأن ولدها بمنزلتها وهى حربية تسترق فكذلك ولدها ولو مات

(2)

مسلم عن امرأته وهى حامل فارتدت ولحقت بدار الحرب فولدت هناك ثم ظهرنا على الدار فانه لا يسترق ويرث اياه لأنه مسلم تبعا لأبيه ولو لم تكن ولدته حتى سبيت وصارت رقيقة ثم ولدته فى دار الاسلام فهو مسلم رقيق مسلم تبعا لأبيه، رقيق تبعا لأمه ولا يرث أباه لأن الرق من أسباب الحرمان اما حكم ولد المرتد فلا يخلو من أن يكون مولودا فى الاسلام أو فى الردة فان كان مولودا فى الاسلام بان ولد للزوجين ولد وهما مسلمان ثم ارتدا لا يحكم بردته مادام فى دار الاسلام لأنه لما ولد وأبواه مسلمان فقد حكم باسلامه تبعا لأبويه فلا يزول بردتهما لتحول التبعية الى الدار اذ الدار وان كانت لا تصلح لاثبات التبعية ابتداء عند استتباع الأبوين فصلح للابقاء لأنه أسهل من الابتداء فما دام فى دار الاسلام يبقى على حكم الاسلام تبعا للدار ولو لحق المرتدان بهذا الولد بدار الحرب فكبر الولد وولد له ولد وكبر ثم ظهرنا عليهم فان حكم المرتد والمرتدة

(1)

المرجع السابق ج 10 ص 112 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كتاب بدائع الصفائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 139، ص 140 وما بعدهما طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.

ص: 219

معلوم وهو ان المرتد لا يسترق ويقتل واما المرتدة فتسترق ولا تقتل وتجبر على الاسلام بالحبس واما حكم الأولاد فالولد الأول يجبر على الاسلام ولا يقتل لأنه كان مسلما باسلام أبويه تبعا لهما فلما بلغ كافرا فقد ارتد عنه والمرتد يجبر على الاسلام الا أنه لا يقتل لأن هذه ردة حكمية لا حقيقية لوجود الايمان حكما بطريق التبعية لا حقيقة فيجبر على الاسلام لكن بالحبس لا بالسيف اثباتا للحكم على قدر العلة ولا يجبر ولد ولده على الاسلام لأن ولد الولد لا يتبع فى الجد فى الاسلام اذ لو كان لذلك لكان الكفار كلهم مرتدين لكونهم من أولاد آدم ونوح عليهما الصلاة والسّلام فينبغى ان تجرى عليهم أحكام أهل الردة وليس كذلك بالاجماع وان كان الولد مولودا فى الردة بان ارتد الزوجان ولا ولد لهما ثم حملت المرأة من زوجها بعد ردتها وهما مرتدان على حالهما فهذا الولد بمنزلة أبوية له حكم الردة حتى لو مات لا يصلى عليه لأن المرتد لا يرث أحدا، ولو لحقا بهذا الولد بدار الحرب فبلغ وولد له أولاد فبلغوا ثم ظهر على الدار وسبوا جميعا يجبر ولد الأب وولد ولده على الاسلام ولا يقتلون كذا ذكر محمد رحمه الله تعالى فى كتاب السير وذكر فى الجامع الصغير أنه لا يجبر ولد ولده على الاسلام ووجه ما ذكر فى السير ان ولد الأب تبع لأبويه فكان محكوما بردته تبعا لأبويه وولد الولد تبع له فكان محكوما بردته تبعا له والمرتد يجبر على الاسلام الا أنه لا يقتل لأن هذه ردة حكمه فيجبر على الاسلام بالحبس لا بالقتل ووجه المذكور فى الجامع ان هذا الولد انما صار محكوما بردته تبعا لأبيه والتبع لا يستتبع غيره واما حكم الاسترقاق فذكر فى السير أنه يسترق الأناث والذكور الصغار من أولاده لأن أمهم مرتدة وهى تحتمل الاسترقاق والولد كما تبع الأم فى الرق يتبعها فى احتمال الاسترقاق واما الكبار فلا يسترقون لانقطاع التبعية بالبلوغ ويجبرون على الاسلام وذكر فى الجامع الصغير ان الولدين فئ اما الأول فلأن أمه مرتدة واما الآخر فلأنه كافر أصلى لأن تبعية الأبوين فى الردة قد انقطعت بالبلوغ وهو كافر فكان كافرا أصليا فاحتمل الاسترقاق ولو ارتدت امرأة وهى حامل ولحقت بدار الحرب ثم سبيت وهى حامل كان ولدها فيئا لأن السبى لحقه وهو فى حكم جزء الأم فلا يبطل بالانفصال من الأم. اما بالنسبة الى أهل الذمة فانهم اذا التحقوا بدار الحرب انتقض عهدهم فقد جاء فى الزيلعى

(1)

:

ينتقض عهد الذمى بالالتحاق بدار الحرب أو بغلبتهم على موضع للحراب لأنهم بذلك صاروا حربا علينا فلا يفيد ابقاء العهد بعد ذلك لأن المقصود من عقد الذمة دفع الفساد بترك القتال وصاروا بالتحاقهم بدار الحرب أو بالغلبة كالمرتد فى حل قتلهم ودفع مالهم لورثتهم لأنهم التحقوا بالأموات بتباين الدارين غير انهم يسترقون ولا يجبرون على قبول الذمة بخلاف المرتد حيث لا يسترق ويجبر على الاسلام لأن كفر المرتد أغلظ فأوجب الزيادة فى العقوبة ولأن المقصود من كل واحد منهما ان يرجع الى ما كان عليه فباسترقاق الذمى يحصل المقصود منه وهو دفع فساده وحرابه بذلك بخلاف المرتد لأن المقصود منه الاسلام فلا يحصل الاسلام

(1)

تبيين الحقائق مع حاشية الشلبى فى كتاب ج 3 ص 282 الطبعة السابقة.

ص: 220

باسترقاقه فصار كمشركى العرب والمال الذى لحق به بدار الحرب يكون فيئا وليس لورثته ان يأخذوه كالمرتد بخلاف ما اذا رجع الى دار الاسلام بعد ما لحق بدار الحرب ومعه بعض ماله حيث يكون لورثته ان يأخذوه لأنه حين التحق بدار الحرب ملكوه فللمالك القديم أن يأخذ ماله مجانا أو بعوض وفى حاشية

(1)

الشلبى قال الكمال رحمه الله تعالى: ولا يبطل امان ذريته بنقض عهده وتبين منه زوجته الذمية التى خلفها فى دار الاسلام اجماعا ويقسم ماله بين ورثته قال الاتقانى رحمه الله تعالى: اما اذا التحقت هى معه بدارهم ثم عاد الى دارنا فهما على نكاحهما لعدم تباين الدارين وفى فتح

(2)

القدير قال: ولو لحق الذمى بدار الحرب ثم عاد الى دار الاسلام وأخذ من ماله وأدخله دار الحرب ثم ظهر على الدار فالورثة أحق به قبل القسمة على الغانمين مجانا وبعد القسمة بالقيمة لأن الملك لهم حين أخذه فان عاد بعد الحكم باللحاق ففى رواية يكون فيئا وفى رواية لا، ولا يبعد ان يقال: انتقاله الى المكان الذى تغلبوا فيه كانتقاله الى دار الحرب ان لم تكن متاخمة لدار الاسلام بالاتفاق وقال فى الهداية

(3)

على الفتح قبل ذلك: ولو أن حربيا دخل دارنا بأمان ثم عاد الى دار الحرب وترك وديعة عند مسلم أو ذمى أو دينا فى ذمتهم فقد صار دمه مباحا بالعود لأنه أبطل أمانه وما فى دار الاسلام من ماله على خطر فان اسرأ وظهر على الدار فقتل سقطت ديونه وصارت الوديعة فيئا اما الوديعة فلأنها فى يده تقديرا لأن يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفسه واما الدين فلأن اثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق اليه من يد العامة فيختص به فيسقط وان قتل ولم يظهر على الدار فالقرض والوديعة لورثته وكذلك اذا مات لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله وهذا لأن حكم الأمان باق فى ماله فيرد عليه أو على ورثته من بعده وفى

(4)

المبسوط: اذا نقض الذمى العهد مع امرأته ولحقا بأرض الحرب ثم عادا على الذمة فهما على نكاحهما لأنه لم يتباين بهما دين ولا دار ولو ارتد المسلمان ثم أسلما كانا على نكاحهما فالذميان أولى بذلك وان كان خلف فى دار الاسلام امرأة ذمية بانت منه بتباين الدار حقيقة وحكما والتى بقيت فى دارنا من أهل دارنا وكذلك المرتد اذا لحق بدار الحرب وخلف امرأته المرتدة معه فى دار الاسلام انقطعت العصمة بينهما لأن المرأة من أهل دارنا وان كانت مرتدة فقد تباينت بينهما الدار حقيقة وذلك قاطع للعصمة بينهما واذا منع المرتدون دارهم وصارت دار كفر ثم لحقوا بدار الحرب فأصابوا سبايا منهم وأصابوا مالا من أموال المسلمين وأهل الذمة ثم أسلموا كان ذلك كله لهم لأنهم ملكوا ذلك كله بالاحراز بدارهم ومن أسلم على مال فهو له الا أن يكونوا أخذوا من المسلمين أو أهل الذمة حرا أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد فعليهم تخلية سبيلهم لأن هؤلاء لا يملكون بالاحراز لتأكد حقيقة الحرية أو حقها فيهم بالاسلام.

(1)

حاشية الشلبى على الزيلعى فى كتاب ج 3 ص 282 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

فتح القدير مع الهداية ج 4 ص 382 الطبعة السابقة.

(3)

الهداية مع فتح القدير ج 4 ص 353.

(4)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 10 ص 116 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 221

‌أثر لحوق الوكيل أو الموكل

بدار الحرب فى الوكالة

جاء فى المبسوط

(1)

: يصح توكيل المسلم أو الذمى أو الحربى المستأمن فى دار الاسلام بخصومة أو بيع أو غير ذلك لأن المسلم والذمى من أهل دار الاسلام وهو يملك الخصومة بنفسه فيملك ان يوكل الحربى المستأمن بها فان كان الحربى الموكل مستأمنا فلحق بدار الحرب وكان موكله مسلما أو ذميا انقضت الوكالة لتباين الدارين حقيقة وحكما وذلك قاطع لأقوى أنواع العصمة وهو النكاح فلأن يقطع الوكالة بالخصومة أولى. واذا كان الذى وكله حربيا من أهل داره ففى القياس تبطل الوكالة أيضا لما قلنا ولكن استحسن عدم بطلان الوكالة لاتفاق الدارين حكما قد انعدم صورة. واذا وكل المستأمن مستأمنا بخصومة ثم لحق الموكل بدار الحرب وبقى الوكيل يخاصم فان كان الوكيل هو الذى يدعى للحربى الحق قبلت الخصومة فيه وان كان الحربى هو المدعى عليه ففى الاستحسان كذلك اعتبارا لأحد الجانبين بالآخر وتحقيقا للتسوية بين الخصمين وفى القياس تنقطع الوكالة حين يلحق بدار الحرب وبالقياس نأخذ لأن المقصود من الخصومة القضاء وانما يكرهه القضاء على الموكل دون الوكيل الا ترى ان فيما يقيم من الحجة عليه يراعى دين الموكل دون الوكيل واذا رجع الموكل الى دار الحرب حربيا لا يبقى لقاضى المسلمين عليه ولاية الزام القضاء فلهذا تبطل الوكالة فاما اذا كان الموكل هو المدعى فانما يوجه القاضى القضاء على الخصم الذى هو فى دار الاسلام لخصومة وكيل الحربى وله هذه الولاية فلهذا بقيت الوكالة ولو وكل المستأمن ذميا ببيع متاع أو بتقاضى دين سوى الخصومة ثم لحق بدار الحرب فهو جائز لأن ابتداء التوكيل وهو فى دار الحرب صحيح فبقاؤه أولى قال وان كان الموكل ذميا والوكيل مستأمنا فلحق المستأمن بدار الحرب بطلت الوكالة لأن الذمى من أهل دارنا كالمسلم ومن هو فى دار الحرب حقيقة وحكما فى حق من هو فى دار الاسلام كالميت فكما لا تبقى الوكالة بعد موت الوكيل فكذلك يعد لحوقه بخلاف ما اذا كان الموكل حربيا لأنه من أهل تلك الدار حكما فلا يصير الوكيل باللحوق بالدار فى حقه كالميت وان وكل المرتد وهو فى دار الحرب وكيلا ببيع شئ من ماله فى دار الاسلام لم يجز لأن بلحوقه بالدار زال ماله عن ملكه وصار فى حكم الميت ولهذا يقضى بالمال لوارثه لأنه انما وكل ببيع مالا يملك بيعه بنفسه فان أسلم بعد ذلك لم تجز الوكالة لأنه لما لم يكن مالكا عند التوكيل تعينت جهة البطلان فى وكالته فلا تنقلب صحيحة بعد ذلك بعود الملك اليه ألا ترى أنه لو باع بنفسه ثم أسلم لم ينفذ ذلك البيع ولو وكله وهو مسلم ثم ارتد ثم أسلم قبل لحاقه بدار الحرب فهو على وكالته فى جميع ذلك لأن ملكه لم يزل قبل لحاقه بل توقف وباسلامه قبل لحاقه يعود ألا ترى أنه لو باع بنفسه ثم أسلم نفذ البيع فكذلك تبقى وكالة الوكيل فى جميع ذلك ما خلا النكاح لأنه بالردة خرج من أن يكون مالكا للنكاح بنفسه فتبطل الوكالة به أيضا ثم لا يعود الا بالتجديد ولو لحق بدار الحرب مرتدا ثم جاء مسلما فالوكيل على وكالته الا أن

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 19 ص 138 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 222

يكون القاضى قضى بلحاقه وقسم ماله بين ورثته فحينئذ ينعزل الوكيل ثم لا يعود وكيلا وان جاء مسلما لأن اللحوق بدار الحرب اذا لم يتصل به قضاء القاضى فهو غيبة واذا اتصل به قضاء

(1)

القاضى فهو كالموت.

واذا وكل رجلان أن يشترى لهما جارية بعينها ثم ارتد أحدهما ولحق بدار الحرب ثم اشتراها الوكيل لزم الوكيل نصفها والموكل الثانى نصفها لأن كل واحد منهما وكله بشراء النصف له ففى نصف الذى لحق بدار الحرب يكون الوكيل مشتريا لنفسه وفى نصيب الذى بقى الوكيل مشتريا له. فان قال ورثة المرتد اشتريتها قبل أن يرتد صاحبها وكذبهم الوكيل فالقول قوله مع يمينه لأن الورثة يدعون الارث فيما لم يثبت الملك لمورثهم فيه ولأن الشراء حادث فيحال بالحدوث الى أقرب الأوقات وهم يدعون فيه تاريخا سابقا ولأن الظاهر أن المرء يكون متصرفا لنفسه حتى يقوم الدليل على أنه يتصرف لغيره ولو كان الوكيل نقد من مال المرتد فالقول قول الورثة لأن الظاهر شاهد لهم فان الانسان فى تصرفه لنفسه لا ينقد من مال غيره فان أقاما البينة فالبينة بينة الورثة أيضا لأنهم يثبتون الملك لمورثهم وسبق التاريخ فى العقد الذى باشره الوكيل وعلى

(2)

هذا لو كان المرتد هو الموكل وحده فالجواب لا يختلف ولو قال الوكيل اشتريتها قبل لحاقه بدار الحرب وكذبه الورثة فالقول قول الوكيل اذا كان الثمن مدفوعا اليه من مال الموكل وان لم يكن الثمن مدفوعا اليه فالقول قول الورثة لأنه يدعى عليهم وجوب ثمن المشترى وهم ينكرون ذلك وكذلك ان كان الثمن المدفوع اليه عينا فى يده أو فى يد البائع لأن ملكهم للعين ثابت أصلا وهو بادعائه العقد قبل اللحاق يبطل ملكهم واذا وكل الرجل رجلا أن يخلع امرأته على مال أو يطلقها بتا بغير مال ثم ارتد الزوج ولحق بدار الحرب أو مات وخلعها الوكيل أو طلقها فقالت المرأة فعل ذلك بعد موت زوجى أو بعد لحاقه وقال الوكيل والورثة كان ذلك فى حياته واسلامه فالقول قول المرأة والطلاق باطل ومالها مردود عليها ولها الميراث لأن الخلع والايقاع من الوكيل حادث والورثة يدعون فيه سبق التاريخ وهو ينكر فالقول قولها الا أن تقوم البينة فحينئذ يثبت التاريخ ببينة الورثة ولو وكل وكيلا بعتق عبد له على مال أو غير مال أو مكاتبته ثم ارتد الموكل ولحق بدار الحرب أو مات فقال الوكيل فعلت ذلك فى اسلامه وكذبه الورثة فالقول قول الورثة لأن سبب ملكهم فى العبد ظاهر فالوكيل مخبر بما يبطل ملكهم عن العين وهو لا يملك انشاءه فى الحال فلا يقبل قوله بخلاف ما تقدم فان الورثة لا يخلفونه فى ملك المرأة نكاحا فلهذا جعلنا القول قولها هناك وفى الحقيقة لا فرق وفى الموضعين جميعا يجعل تصرفه محالا به على أقرب الأوقات لأنه لم يثبت فيه سبق التاريخ ولهذا لو قامت لهم جميعا البينة أخذ ببينة الوكيل والعبد لأن فيها اثبات سبق التاريخ ولو دفع الى

(3)

رجل ألف درهم فقال تصدق بها أو أقضها فلانا عنى ثم ارتد الآمر ولحق بدار الحرب فقال الوكيل فعلت ذلك فى اسلامه فالقول قوله لأنه أمين مسلط أخبر بما

(1)

المرجع السابق للسرخسى ج 19 ص 139 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 19 ص 139 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 19 ص 140، 141 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 223

سلط عليه فيوجب قبول قوله اذا لم يكن كذبه ظاهرا وان أقاموا البينة فالبينة بينة أيضا لأنه يثبت سبق التاريخ فى تصرفه ببينة، وكذلك لو وكله ببيع عبد بعينه فقال قد بعته فى اسلامه ودفعت اليه الثمن فان كان مستهلكا فالقول قوله والبينة بينته لما بينا وان كان العبد قائما بعينه لم يصدق الوكيل لأنه يخبر بزوال ملك الورثة عنه بتصرف لا بملك انشاءه فى الحال وكذلك هذا كله فى المرتدة اللاحقة بالدار لأن بعد اللحوق حال الرجل والمرأة فيه سواء وان كان الموكل قد عاد مسلما من دار الحرب ثم اختلف هو والوكيل فالقول فيه مثل الأول كاختلاف الوكيل مع الورثة لما قلنا قال ولو وكله ان يزوجه امرأة بعينها ثم ارتد الأمر ولحق بالدار فقال الوكيل زوجته اياها فى اسلامه وكذبه الورثة والموكل بعد جاء مسلما فانه لا يقبل قول الوكيل أو المرأة لأن الوكيل يخبر بما لا يملك استئنافه فقد انعزل بردة الآمر ولم يعد وكيلا بعد ما جاء مسلما وليس فى كلامه نفى ضمان عن نفسه بل فيه ايجاب الحق لها فى تركته أو فى ذمته اذا جاء مسلما وأن أقاموا البينة فالبينة بينة المرأة لأنها تثبت الحق لنفسها ببينتها وتثبت سبق التاريخ والورثة ينفون ذلك وان لم يكن بينهما بينة يستحلف الورثة على علمهم لأنهم لو أقروا بما ادعت لزمهم فان قضى القاضى لهم بالميراث بعد وأحلفوا ثم رجع المرتد مسلما فارادت المرأة أن تستحلفه أيضا فلها ذلك لأنها تدعى الصداق دينا فى ذمته واستحلاف الورثة لا يسقط اليمين عنه لأنهم ما كانوا - نائبين عنه فالنيابة فى الايمان لا تجرى قال وتوكيل المرتدة بالتصرفات التى تملك مباشرتها بنفسها صحيحة سواء وكلت بذلك مرتدة مثلها أو مسلما وكذلك ان كان التوكيل قبل ردتها يبقى بعد الردة لأنها تبقى مالكة للتصرف بنفسها الا أن توكل بتزويجها وهى مرتدة فان ذلك باطل لأنها لا تملك أن تتزوج بنفسها فلا يصح توكيلها بذلك.

ولو

(1)

وكلت المرتدة وكيلا بخصومة أو بقضاء دين أو تقاضيه ثم لحقت بالدار انتقضت الوكالة لأن الحاقها بمنزلة ردتها حكما كلحاق الرجل لأنها باللحاق صارت مستحقة لأن تسترق ففيه اتلاف حكما فلهذا تبطل الوكالة فان قال الوكيل فعلت فى حياتها أو قبل لحاقها فهو مصدق فى المستهلك غير مصدق فى القائم بعينه لأنه صار مملوكا لورثتها ولو قال قبضت دينا لها من فلان لم يصدق على ذلك الا ببينة وان كان قائما بعينه لأن الورثة قاموا مقامها فى الدين فى ذمة الغريم والوكيل يخبر بتحول حقهم الى العين فى حال تملك انشائها فلا يصدق فى ذلك الا ببينة وان قال قد قبضت المال الذى أعطتنى فلانة وقد كانت أمرته بذلك فهو مصدق اذا كان المال عينا قائما بعينه لأنه يخبر بما كان مسلطا عليه ويقصد بذلك نفى الضمان عن نفسه فكان القول قوله قال واذا وكلت المرتدة وكيلا

(2)

يقبض وديعة لها ثم ماتت فقال الوكيل قد قبضتها ودفعتها اليها وقالت الورثة قبضتها بعد موتها فالقول قول الوكيل لأنه أخبر بما كان مسلطا عليه والوديعة ما كانت مضمونة وهذا بخلاف الدين فانه كان

(1)

المبسوط ج 19 ص 141

(2)

المرجع السابق ج 19 ص 141 الطبعة السابقة.

ص: 224

مضمونا فى ذمة الغريم فلا يقبل قول الوكيل فى قبضه اذا كان لا يملك انشاء القبض فى الحال لأن فيه اسقاط الضمان عن الغريم ولو وهب لها هبة أو تصدق عليها بصدقة فوكلت وكيلا يقبضها ثم ماتت فقال الوكيل قد قبضتها ودفعتها اليها فالقول قول الوكيل لأنه يخبر بما جعل مسلطا عليه أمينا فيه وان قال الواهب قبضتها بعد موتها فالقول قول الوكيل أيضا لأن الواهب يدعى الضمان لنفسه عليه فلا يصدق الا بحجة. ولو وهبت هبة فوكلت بدفعها وكيلا ثم ماتت ودفعها الوكيل فقال دفعتها فى حياتها فصدقه الموهوب له فلا ضمان على الوكيل لأنه كان أمينا فى الدفع ولكن ان كانت قائمة فى يد الموهوب له فللورثة أن يأخذوها لأن الظاهر يشهد لهم فانه انما يحال بالدفع على أقرب الأوقات وهو ما بعد موتها والوكيل يبطل ملك الورثة باختياره بتصرف لا يملك انشاءه فان أقاموا البينة أخذت ببينة الموهوب له لأنه يثبت الملك لنفسه فى الموهوب وسبق التاريخ فى دفع الوكيل اليه. واذا رهنت المرتدة رهنا أو ارتهنته مع التسليط على البيع عند حلول الأجل فهو جائز وللوكيل أن يبيعه وان ماتت أو لحقت بدار الحرب لأنه ان كانت رهنت فلقيام حق المرتهن وان كانت ارتهنت فلقيام حق ورثتها وبقاء الوكيل والموكل جميعا واذا وكل المكاتب المرتد وكيلا ببيع أو شراء فهو جائز بخلاف الحر.

على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لأن المكاتب بعد الردة يملك التصرف بنفسه لقيام الكتابة فيوكل به غيره بخلاف الحر وهذا لأن كسب المكاتب دائر بينه وبين مولاه والمولى راض بتصرفه بخلاف مال الحر فانه يوقف على حق ورثته وهم لا يرضون بتصرفه والمستسعى كالمكاتب فى قول أبى حنيفة فان لحق المكاتب بدار الحرب مرتدا كان الوكيل على وكالته وكذلك لو أسر أو سبى لأن عقد الكتابة باق بعد لحاقه ألا ترى أن لحاقه لا يكون أعلى من موته وموته عن وفاء لا يبطل الكتابة وكذلك لحاقه فلهذا بقى الوكيل على وكالته.

‌أثر اللحوق بدار الحرب فى الكفالة:

جاء فى المبسوط للسرخسى

(1)

: وكفالة المرتد موقوفة عند أبى حنيفة رحمه الله بنفس كانت أو بمال كسائر تصرفاته وكفالة المرتدة جائزة وان ماتت على الردة كسائر تصرفاتها فانها لا تقتل بخلاف الرجل وهذا فرق ظاهر فى السير فان لحقت بدار الحرب وسبيت بطلت الكفالة بالنفس دون المال لأنها لما لحقت وسبيت فكأنها ماتت ألا ترى أن مالها لورثتها وموت الكفيل يبطل الكفالة بالنفس دون المال.

ولو كفل مسلم بنفس مرتدا فى دين عليه فلحق بدار الحرب أو كفل مسلم بنفس فارتد المكفول أو ارتد بعد الكفالة ولحق كان الكفيل على كفالته، فان كانت امرأة فسبيت بطلت الكفالة عنها بالنفس دون المال لأنها حين سبيت فقد سقطت عنها المطالبة بالحضور فيسقط عن الكفيل ما التزم عن الاحضار وتوضيحه انها لما تبدلت نفسها بالاسترقاق فكأنها ماتت وموت المكفول عنه بنفسه يبطل

(1)

المبسوط للسرخسى ج 20 ص 32 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 225

الكفالة ولكن الكفيل مأخوذ بقضاء الدين فاذا أداه رجع به فيما تركت فى دار الاسلام لأنه دين مؤجل كان له عليها بمنزلة سائر ديونها فان لم تترك مالا وأدى الكفيل ذلك من ماله ثم اعتقت يوما لم يتبعها الكفيل من ذلك لأن الدين حين وجب لم يكن شاغلا لشئ سوى الذمة وقد تعذر ابقاؤه بتلك الصفة فلهذا سقط عنها وكذلك الذمى والذمية اذا انقضى عهد الذمة بسبب من أسباب انقضائه ولحق بدل الحرب ولم يتركا مالا وقد كفل رجل عنهما بنفس أو مال فان الكفيل يؤخذ بذلك فان ماتا أو سبيا بطلت الكفالة بالنفس دون المال فان أداه ثم عتقا لم يرجع عليهما به لما بيناه فى المرتدة ولو كفل مسلم لمرتد بنفس أو مال ثم لحق المرتد بدار الحرب كان ورثته على حقه من الكفالة لأنهم يخلفونه فى حقوقه بعد لحاقه كما يخلفونه فى أملاكه فان رجع ثانيا كان له أن يأخذ الكفيل بالنفس والمال لأن ما كان قائما من حقوقه يعود اليه اذا رجع ثانيا بمنزلة ما هو قائم من أملاكه وان كان ورثته قد استوفوا بقضاء القاضى فالكفيل من ذلك برئ بمنزلة ما هلك من ماله وهذا لأن الأداء الى وارثه بقضاء القاضى بمنزلة الأداء اليه فيبرأ الكفيل به وكفالة المستأمن والكفالة له بمال أو نفس جائزة لأنه من المعاملات وانما دخل دارنا بأمان ليعاملنا ففى المعاملات يستوى بنا فان لحق بداره ثم خرج مستأمنا فالكفالة بحالها لأنه باللحاق صار من أهل دار الحرب حقيقة بعد أن كان من أهلها حكما فلم يتغير حاله باللحاق، وان أسر بطلت الكفالة فيما له لأن نفسه قد تبدلت بالأسر وذلك مبطل لحقوقه ولا ورثة له تخلفه فى ذلك بخلاف المرتدة

(1)

على ما بيننا فأما فيما عليه فتبطل الكفالة بالنفس لتبدل نفسه بالأسر كما فى المرتدة وبالمال كذلك هنا لأن فى المرتدة المال يتحول الى ما خلفت وليس هنا محل هو خلت عنه فلهذا بطلت الكفالة بالمال أيضا.

‌لحوق رب مال المضارب بدار الحرب:

جاء فى المبسوط

(2)

للسرخسى لو ارتد رب مال المضاربة أو كان مرتدا ثم اشترى المضارب وباع فربح أو خسر ثم قتل المرتد أو مات أو لحق بدار الحرب فان القاضى يجيز البيع والشراء على المضاربة والربح له ويضمنه رأس المال فى قياس قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو على المضاربة لأبى حنيفة أن رب المال حين ارتد فقد توقفت نفسه وصار بحيث لا يملك التصرف بنفسه فكذلك لا يملك المضارب التصرف له ولكن ينفذ تصرفه فى الشراء والبيع على نفسه ويضمن ما نقد من مال المضاربة وعند أبى يوسف ومحمد تصرفه نافذ على المضاربة ثم على قول أبى حنيفة رحمه الله نفاذ شرائه على نفسه غير مشكل ولكن الاشكال فى تنفيذ بيعه وانما ينفذ بيعه لأن ردة رب المال بعد ما صار المال عروضا كموته وقد بينا أنه يملك البيع بعد موت رب المال فلا بد من تنفيذ بيعه لذلك ثم شراؤه بعد ذلك بالمال على نفسه ولو لم يدفع ذلك الى القاضى حتى رجع المرتد مسلما جاز جميع ذلك على

(1)

المرجع السابق ج 20 ص 33 الطبعة السابقة.

(2)

المبسوط ج 22 ص 128 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 226

المضاربة كما اشترطا وهذا بخلاف الوكالة فان رب المال فى المضاربة اذا ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما جاز جميع ذلك على ربه كما اشترطا بخلاف الوكالة فان الموكل اذا ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما لم يعد الوكيل على وكالته لأنه اذا لم يتصل قضاء القاضى بلحاقه كان هذا بمنزلة الغيبة فلا يوجب عزل الوكيل ولا بطلان المضاربة وأما بعد الالتحاق والقضاء به فالوكيل انما ينعزل بخروج محل التصرف عن ملك الموكل الى ملك ورثته وذلك مبطل للوكالة والوكالة بعد ما بطلت لا تعود الا بالتجديد وهو غير مبطل للمضاربة لمكان حق المضارب كما لو مات حقيقة وهذا الفرق فيما ينشأ من التصرف بعد عود رب المال فأما ما كان من التصرف قبل ذلك فان كان قد قضى القاضى بلحاقه لا ينفذ ذلك التصرف على المضاربة بعد ما نفذ على المضارب نفسه كما لو مات حقيقة وان كان لم يقض القاضى بلحاقه فهو كما لو غاب ثم رجع قبل اللحوق بدار الحرب وأسلم فينفذ جميع ذلك على المضاربة.

ولو كان رب المال امرأة مرتدة كان جميع ذلك جائز على المضاربة ان أسلمت أو لم تسلم لأنها تملك التصرف بعد الردة فكذلك ينفذ تصرف المضارب لها بعد ردتها.

واذا دفع الرجل الى الرجل مالا مضاربة بالنصف فارتد رب المال ولحق بدار الحرب فلم يقض فى ماله بشئ حتى رجع مسلما وقد اشترى المضارب بالمال أو باع ورب المال فى دار الحرب فذلك كله جائز على المضاربة لأن اللحوق بدار الحرب اذا لم يتصل به قضاء القاضى بمنزلة الغيبة ولو كان المضارب هو الذى ارتد ولحق بدار الحرب واشترى به فى دار الحرب وباع ثم رجع بالمال مسلما فان له جميع ما اشترى وباع من ذلك ولا ضمان عليه فى المال لأنه لما لحق بدار الحرب ومعه المال فقد تم استيلاؤه عليه لأنه حربى أدخل مال المسلم دار الحرب بغير رضاه وهذا الاستيلاء يوجب الملك له فى المال فتصرفه بعد ذلك لنفسه لا للمضاربة ولا ضمان عليه فى المال لأنه صار مستوليا مخالفا بعد الاحراز بدار الحرب ولو استهلك بعد ذلك لم يكن عليه ضمان لأن الموجب للتقوم فى هذا المال كان هو الاحراز بدار الاسلام وقد انقطع ذلك ألا ترى أنه لو لحق مرتدا ثم عاد فأخذ المال فاستهلكه لم يكن عليه ضمان فكذلك اذا أدخله مع نفسه فى دار الحرب.

واذا دفع الرجل الى الرجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها ثم ارتد رب المال ولحق بدار الحرب أو قتل مرتدا ثم باع المضارب العرض جاز بيعه على المضاربة لأنه لو مات رب المال حقيقة كان للمضارب بيع العروض بعد ذلك فكذلك اذا قتل أو مات مرتدا وان كان المال فى يده دراهم لم يكن له أن يشترى بها شيئا اعتبارا للموت الحكمى بالموت الحقيقى.

واذا دخل الحربى الينا بأمان فدفع اليه مسلم مالا مضاربة بالنصف فأودعه الحربى مسلما ثم رجع الى دار الحرب ثم دخل الينا بعد ذلك بأمان وأخذ المال من المستودع فاشترى به وباع فهو عامل لنفسه

ص: 227

ويضمن لرب المال رأس ماله لأنه لما عاد الى دار الحرب التحق بحربى لم يكن فى دارنا قط وذلك ينافى عقد المضاربة بينه وبين المسلم لأن ما هو أقوى من المضاربة وهو عصمة النكاح منقطع بتباين الدارين حقيقة وحكما فانقطاع المضاربة بهذا السبب أولى.

وجاء فى الهداية على فتح القدير

(1)

: أنه لو كان المضارب هو المرتد فالمضاربة على حالها لأن له عبارة صحيحة ولا توقف فى ملك رب المال فبقيت المضاربة، قال قاضى

(2)

زاده فى هذا احتمالان عقليان أحدهما أن يكون قول صاحب الهداية هذا ناظرا الى قوله وان ارتد رب المال ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة فيكون المعنى. ولو كان المضارب هو المرتد اللاحق بدار الحرب فالمضاربة على حالها أى هى غير باطلة وثانيهما أن يكون قوله هذا ناظرا الى قوله: وقبل لحوقه يتوقف تصرف مضاربه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيكون المعنى ولو كان المضارب هو المرتد قبل لحوقه فالمضاربة على حالها أى لا يتوقف تصرفه عند أبى حنيفة أيضا بل يجوز جميع تصرفاته عندهم جميعا وقد ذهب الى المعنى الأول صدر الشريعة فى شرح الوقاية حيث قال فى شرح قول صاحب الوقاية وتبطل بموت أحدهما ولحاق المالك مرتدا بخلاف لحاق المضارب بدار الحرب مرتدا حيث لا تبطل المضاربة لأن له عبارة صحيحة واقتضى أثره من المتأخرين صاحب الدرر والغرر وصاحب الاصلاح والايضاح وهو الظاهر من نفس عبارة الوقاية أيضا حيث أضيف فيها الموت المبطل الى أحدهما مطلقا واللحاق المبطل الى المالك فقط فدلت على أن لحاق المضارب لا يبطل بناء على أن تخصيص الشئ بالذكر فى الروايات يدل على نفى الحكم عما عداه بالاتفاق كما نصوا عليه قال قاضى زاده ذلك المعنى ليس بصحيح عندى اذ تقرر فى باب أحكام المرتدين أن المرتد لحق بدار الحرب وحكم الحاكم بلحاقه صار من أهل الحرب وهم أموات فى حق أحكام الاسلام.

‌مذهب المالكية:

جاء فى

(3)

الخرشى المشهور أن الذمى اذا خرج من دار الاسلام لدار الحرب لغير مظلمة لحقته ناقضا للعهد وأخذناه فانه يسترق على المشهور وقال أشهب رحمه الله تعالى أنه لا يسترق لأن الحر لا يعود الى الرق أبدا ووجه المشهور أن الحرية لم تثبت له بعتاق من رق متقدم حتى لا تنقض وانما ترك على حالة من الجزية التى كانت عليه آمنا على نفسه وماله بين ظهرانى المسلمين لما بذله من الجزية فان امتنع عن أداء الجزية لم يحصل له الغرض وكان للمسلمين الرجوع فيه وكان كالصلح ينعقد بين المسلمين وأهل الحرب على شروط فان لم يوفوا بها انتقض الصلح وأما

(1)

الهداية على فتح القدير ج 7 ص 76 الطبعة السابقة.

(2)

فتح القدير وتكملته ج 7 ص 76 وما بعدها الطبعة السابقة نتائج الأفكار فى كشف الرموز والأسرار لقاضى زاده فتح القدير ج 7 ص 76 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

كتاب الخرشى شرح المحقق الفاضل سيدى أبى عبد الله محمد الخرشى على مختصر الجليل للامام أبى الضياء سيدى خليل بهامشه حاشية العلامة الشيخ على العدوى ج 3 ص 150 وما بعدها الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1317 هـ.

ص: 228

ان خرج لأجل الظلم الذى لحقه ولو بشك ثم أخذ فانه لا يسترق كما اذا حاربنا بدار الاسلام غير مظهر للخروج عن الذمة فان حكمه حكم المسلم المحارب. وجاء فى التاج والأكليل

(1)

: نقلا عن ابن شاس رحمه الله تعالى أنه لو قتل المرتد فى ردته حرا عمدا ولحق بدار الحرب لم يكن لولاة المقتول فى ماله شئ ولا ينفق على ولده ولا على عياله منه بل يوقف فان مات فهو فئ ولابن رشد رحمه الله تعالى لا خلاف اذا لحق المرتد بدار الشرك فتنصر وأصاب الدماء والأموال ثم أخذ فأسلم أنه يهدر عنه جميع ما أصاب كالحربى اذا أسلم وهذا اذا لم يكفر مجنونا وفاسقا ولو ارتد وأصاب الدماء والأموال فى بلد الاسلام ثم أسلم انهدرت عنه حقوق الله تعالى من الزنا والسرقة وحد الحرابة وأخذ بحقوق الناس من الأموال والدماء والجراح على مذهب ابن القاسم رحمه الله تعالى.

وأما اذا أخذ على ارتداده فلا خلاف فى أنه يقتل ولا يستتاب وسواء كانت حرابته فى أرض الشرك أو فى أرض الاسلام.

‌حكم المسلم اذا ارتد ولحق بدار

الحرب - وله عبيد وأمهات أولاد:

جاء فى المدونة

(2)

أرأيت لو أن مسلما ارتد ولحق بدار الحرب وله عبيد قد دبرهم وأمهات أولاد فى دار الاسلام أيعتقون عليه حين لحق بدار الحرب كافرا قال مالك رحمه الله تعالى فى الأسير يتنصر أنه لا يقسم ماله الذى فى دار الاسلام بين ورثته فهذا يدلك على أن أمهات أولاد المرتد لا يعتقن عليه بلحاقة بدار الحرب لأن من لا يقسم ماله بين ورثته لا يعتق عليه أمهات أولاده فلما كان الأسير اذا تنصر لا يقسم ماله بين ورثته فكذلك المرتد اذا ارتد فى دار الاسلام ولحق بدار الحرب فهو بمنزلة الأسير الذى تنصر فان رجع الى دار الاسلام فتاب ثم مات كان ميراثه بين ورثته وعتق عليه أمهات أولاده ومدبروه وان مات على الارتداد كان ماله لجميع المسلمين وأما مدبروه فانهم يعتقون وليس هى وصية استحدثها لأنه أمر عقده فى الصحة ولم يكن يستطيع أن ينقضه وهو مسلم فلذلك جاز عليه وأما كل وصية لو شاء أن يردها وهو مسلم ردها فانها لا تجوز اذا ارتد وكذلك الأسير اذا تنصر ولو جاز له ما أوصى به وهو مسلم ولو شاء أن يرده رده لجاز له أن يحدث فى ارتداده وصية فهذا وجه ما سمعته قلت أرأيت المرتد اذا ارتد وله أمهات أولاد أيحر من عليه فى حال ارتداده فى قول مالك

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل وبهامشه التاج والأكليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 6 ص 281 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

(2)

المدونة الكبرى للامام مالك بن أنس الأصبحى رواية الامام سحنون بن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن بن القاسم العتقى عن الامام مالك بن أنس ج 8 ص 31، 32 وما بعدهما طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ الطبعة الأولى طبع مطبعة ساس المغربى التونسى.

ص: 229

قال نعم قلت فهل يعتقن عليه اذا وقعت الحرمة فقال لا أحفظ قول مالك رحمه الله تعالى فى العتق ولكنى لا أرى أن يعتقن عليه لأن الحرمة التى وقعت هاهنا من قبل ارتداده ليست كحرمة النكاح لأن النكاح عصمة تنقطع منه بارتداده وهذه ليس لها من عصمة تنقطع وهذه تحل له ان رجع عن ارتداده الى الاسلام فأراها موقوفة ان أسلم كانت أم ولده بحال ما كان قبل أن يرتد.

‌حكم ارتداد المدبر ثم لحق بدار الحرب:

جاء فى المدونة

(1)

: أرأيت العبد اذا دبره سيده ثم ارتد العبد ولحق بدار الحرب فظفر المسلمون به ما يصنع به فى قول مالك رحمه الله تعالى قال يستتاب فان تاب والا قتل قلت فان تاب أيباع فى المقاسم قال لا ويرد الى سيده عند مالك ولا يباع فى المقاسم اذا عرفوا سيده عينه قلت فان لم يعلموا حتى اقتسموا كيف يصنع به فى قول مالك وقد جاء سيده بعد ما قسم قال يخير سيده فان أفتكه كان على تدبيره وان أبى أن يفتكه خدم العبد فى الثمن الذى اشترى به فى المقاسم فاذا استوفى ثمنه المشترى وسيده حى رجع الى سيده على تدبيره وان هلك السيد قبل ذلك فكان الثلث يحمله خرج حرا وأتبع بما بقى من الثمن وان لم يحمله الثلث أعتق منه بقدر ما يحمل الثلث وكان ما بقى منه رقيقا لمن اشتراه لأن السيد كان قد أسلمه اليه وليس للورثة فيه شئ وقال غيره ان حمله الثلث عتق ولا يتبع بشئ وان لم يحمله الثلث فحاصل منه الثلث يعتق ولم يتبع العتيق منه بشئ وكان ما بقى رقيقا لمن اشتراه لأنه قد اشترى عظم رقبته.

‌حكم الحاق أحد الزوجين بدار الحرب:

جاء فى المدونة

(2)

: اذا كان الرجل عنده ثلاث نسوة فى دار الاسلام فخرج الى دار الحرب تاجرا فتزوج امرأة فخرج وتركها فى دار الحرب فليس له أن يتزوج فى دار الاسلام الخامسة لأنه وان خرج وتركها لم تنقطع العصمة فيما بينهما.

‌الحاق الذمى:

جاء فى المدونة

(3)

: اذا هرب الذميون ونقضوا العهد ولحقوا بدار الحرب ثم ظفر بهم المسلمون فان كان ذلك عن غير ظلم لحقهم فانهم يكونون فيئا وان كان ذلك من ظلم ركبوا به فانهم يردون الى ذمتهم ولا يكونون فيئا.

‌ولاء عبيد أهل الحرب يسلمون

بعد ما أعتقهم ساداتهم ثم يلحق بهم ساداتهم:

جاء فى المدونة

(4)

: ولو أن رجلا من النصارى من أهل الذمة أعتق عبيدا له نصارى

(1)

المدونة الكبرى للامام مالك رواية سحنون ج 8 ص 18، 19 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى للامام مالك رواية سحنون ج 4 ص 164 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المدونة الكبرى للامام مالك برواية سحنون ج 3 ص 20، 21 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

المدونة الكبرى للامام مالك برواية سحنون ج 8 ص 65، 66 الطبعة السابقة.

ص: 230

ثم أسلم العبيد الذين أعتقهم فهرب السيد الى دار الحرب ونقض العهد ثم ظهر عليه أهل الاسلام بعد ذلك فسبوه ثم أسلم فانه يرجع اليه ولاء عبيده الذين أعتقهم وهو عبد الا أنه قد أسلم ولا يرثهم الا أن يعتق ولا يرث هؤلاء الموالى سيدهم مادام العبد فى الرق.

‌حكم النصرانى اذا لحق بدار الحرب:

جاء فى المدونة

(1)

: والنصرانى اذا أعتقه رجل من المسلمين فهرب النصرانى الى دار الحرب فسبى بعد ذلك يكون رقيقا فى قول مالك لأن كل من نصب الحرب على أهل الاسلام ممن لم يكن على دين الاسلام فهو فئ فان سبى بعد ذلك فأعتقه الذى صار فى سهمانه يكون ولاؤه للثانى فان كان قبل أن يلحق بدار الحرب مراغما لأهل الاسلام كأن أعتق عبيدا له نصارى فى بلاد المسلمين قبل لحاقه فلحق بعد ما أعتقهم أو كان تزوج نصرانية حرة فولدت له أولادا ثم أسلموا يكون ولاء مواليه أولئك وولاء ولده للمولى الأول ولا يكون المولى الثانى من ذلك الولاء شئ لأن ذلك قد ثبت لمولاه الأول قبل أن يلحق النصرانى بدار الحرب فلا ينتقض ذلك الولاء بلحاقه الى دار الحرب لأن الولاء ثبت وانما ينتقض ولاؤه نفسه لأنه قد عاد فى الرق وليس ذلك الولاء مما يجره اذا وقع فى الرق ثانية فاعتق لأن مواليه أولئك أعتقهم وهو حر وولده أولئك ولدوا وهو حر فثبت ولاؤهم لمولاه الأول انما يجر الولاء اذا كان عبدا فتزوج امرأة حرة فما ولد له فى حال العبودية من ولد فهو يجر ولاءهم اذا أعتق وان تداوله موال وكانت امرأة هذه تلد منه وهو فى ملك أقوام شتى يتداولونه فاشتراه رجل فأعتقه فهذا يجر ولاء ولده كلهم الذين ولدوا له من هذه الحرة لأنهم ولدوا له وهو فى حال الرق وما ولد له فى حال الحرية أو أعتقهم ثم مسه الرق بعد ذلك فانه لا يجر ولاءهم لأن ولاءهم قد ثبت للمولى الأول.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى الأم

(2)

: قال الشافعى رحمه الله تعالى: اذا لحق الذمى بدار الحرب فعلينا أن نؤدى اليه ماله وليس لنا ان نغنمه بردته عن شرك الى شرك لما سبق له من الأمان فان كانت له زوجة وولد كبار وصغار لم يبدلوا اديانهم أقرت الزوجة والأولاد الكبار والصغار فى بلاد الاسلام وأخذ من ولده الكبار الجزية وان ماتت زوجته أو أم ولده ولم تبدل دينها وهى على دين يؤخذ من أهله الجزية أقر ولدها الصغار وان كانت بدلت دينها وهى حية معه أو بدلته ثم ماتت أو كانت وثنية وله ولد صغار منها ففيهم قولان:

الأول: أن يخرجوا لأنه لا ذمة لأبيهم ولا لأمهم يقرون بها فى بلاد الاسلام.

(1)

المدونة الكبرى للامام مالك برواية سحنون ج 8 ص 69، 70، 71 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

كتاب الأم للامام أبى عبد الله محمد بن أدريس الشافعى فى فروع الفقه برواية الربيع ابن سليمان المرادى وبهامشه مختصر الامام الجليل أبى ابراهيم اسماعيل بن يحيى المزنى الشافعى ج 4 ص 105، 106 وما بعدهما طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1322 هـ الطبعة الأولى.

ص: 231

الثانى: لا يخرجون لما سبق لهم من الذمة وان بدلوا - قال الشافعى رحمه الله تعالى: واذا قلت فى زوجته وولده الصغير وجاريته وعبده ومكاتبه ومدبره أقره فى بلاد الاسلام فأراد اخراجهم وكرهوه فليس ذلك له فيمن يجوز له بيعه من رقيقه ان يوكل به أو يبيعه وأوقف ماله ان وجد له مال وأشهد عليه انه ملكه للنفقة على أولاده الصغار وزوجته ومن تلزمه النفقة وان لم أجد له شيئا فلا ينشأ له وقف ونفيته بكل حال عن بلاد الاسلام ان لم يسلم أو يرجع الى دينه الذى أخذت عليه منه الجزية واذا مات قبل اخراجه ورثت ماله من كان يرثه قبل أن يبدل دينه لأن الكفر كله ملة واحدة. وجاء فى نهاية

(1)

المحتاج: انه اذا بطل أمان رجال حصل بجزية أو غيرها لم يبطل أمان ذراريهم من نحو نسائهم والصبيان فى الأصح لانتفاء جناية منهم ناقضة أمانهم وانما تبعوا فى العقد دون النقض تغليبا للعصمة فيهما ومقابل الأصح يبطل تبعا لهم كما تبعوهم فى الأمان ولو طلبوا دار الحرب أجيب النساء دون الصبيان اذ لا اختيار لهم واذا اختار ذمى نبذ العهد واللحوق بدار الحرب بلغ المأمن وهو المحل الذى يأمن فيه على نفسه وماله من أقرب بلادهم لعدم ظهور جناية منه قال البندنيجى وغيره والمراد أقرب بلاد الحرب من دارنا قال الأذرعى هذا فى النصرانى ظاهر واما اليهودى فلا مأمن له نعلمه بالقرب من ديار الاسلام بل ديار الحرب كلهم نصارى فيما أحسب وهم أشد عليهم منا فيجوز ان يقال لليهودى اختر لنفسك مأمنا واللحوق بأى ديار الحرب شئت.

ويجوز ارقاق زوجة ذمى بمعنى انها ترق بنفس الأسر وينقطع نكاحه اذا كانت حربية حادثة بعد عقد الذمة أو خارجة عن طاعتنا حين عقدها وكذا عتيقة الصغير والكبير والعاقل والمجنون فى الأصح يجوز استرقاقه اذا لحق بدار الحرب لكونه جائزا فى سيده لو لحق بها فهو أولى والثانى المنع لئلا يبطل حقه من الولاء لا عتيق مسلم حال أسره ولو كان كافرا قبله فلا يجوز ارقاقه اذا حارب لما مر ان الولاء لا يرتفع بعد ثبوته ولا زوجته الحربية فلا يجوز ارقاقها أيضا على المذهب وهذا هو المعتمد خلافا لمقتضى كلام الروضة وفى قول من طريق يجوز الفسخ.

وجاء فى المهذب

(2)

: اذا دخل الحربى دار الاسلام بأمان فى تجارة أو رسالة ثبت له الأمان فى نفسه وماله ويكون حكمه فى ضمان النفس والمال وما يجب عليه من الضمان والحدود حكم المهادن لأنه مثله فى الأمان فكان مثله فيما ذكرناه وان عقد الأمان ثم عاد الى دار الحرب فى تجارة أو رسالة فهو على

(1)

كتاب نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباسى أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصرى الانصارى الشهير بالشافعى الصغير ومعه حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملسى القاهرى وبالهامش من حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى ج 8 ص 99 وما بعدها طبع مطبعة ومكتبة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ - 1938 م.

(2)

كتاب المهذب لأبى اسحاق الفيروزابادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب لابن بطال الركبى ج 2 ص 263، 264 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 232

الأمان فى النفس والمال كالذمى اذا خرج الى دار الحرب فى تجارة أو رسالة وان رجع الى دار الحرب بنية المقام وترك ماله فى دار الاسلام انتقض الأمان فى نفسه ولم ينتقض فى ماله فان قتل أو مات انتقل المال الى وارثه وهل يغنم أم لا.

فيه قولان قال فى سير الواقدى رحمه الله تعالى ونقله المزنى انه يغنم ماله وينتقل الى بيت المال فيئا وقال فى المكاتب يرد الى ورثته فذهب أكثر أصحابنا رحمهم الله تعالى الى انها على قولين.

الأول: أنه يرد الى ورثته وهو اختيار المزنى رحمه الله تعالى والدليل على ان المال لوارثه ومن ورث مالا ورثه بحقوقه وهذا الأمان من حقوق المال فوجب أن يورث.

الثانى: أنه يغنم وينتقل الى بيت المال فيئا ووجهه أنه لما مات انتقل ماله الى وارثه وهو كافر لا أمان له فى نفسه ولا فى ماله فكان غنيمة وقال أبو على ابن خيران رحمه الله تعالى المسألة على اختلاف حالين فالذى قال يغنم اذا عقد الأمان مطلقا ولم يشرط لوارثه والذى قال لا يغنم اذا عقد الأمان لنفسه ولوارثه. واما اذا مات فى دار الاسلام فقد قال فى سير الواقدى أنه يرد الى ورثته واختلف أصحابنا رحمهم الله تعالى فيه فمنهم من قال هو أيضا على قولين كالتى قبلها والشافعى نص على أحد القولين ومنهم من قال يرد الى وارثه قولا واحدا والفرق بين المسألتين انه اذا مات فى دار الاسلام مات على أمانه فكان ماله على الأمان واذا مات فى دار الحرب فقد مات بعد زوال أمانه فبطل فى أحد القولين أمان ماله فان استرق زال ملكه عن المال بالاسترقاق وهل يغنم فيه قولان أحدهما يغنم فيئا لبيت المال والقول الثانى أنه موقوف لأنه لا يمكن نقله الى الوارث لأنه حى ولا الى مسترقه لأنه مال له أمان فان عتق دفع المال بملكه القديم وان مات عبدا ففى ماله قولان حكاهما أبو على ابن أبى هريرة رحمه الله تعالى أحدهما أنه يغنم فيئا ولا يكون موروثا لأن العبد لا يورث والثانى أنه لوارثه لأنه ملكه فى حريته وجاء فى

(1)

قليوبى وعميرة.

وجاء فى موضع آخر: أنه لو كاتب عبده مرتدا حال ردته بطلت ولم يصح وان كاتبه وهو مسلم ثم ارتد لم تبطل جزما وان التحق بدار الحرب ويعتد بما أخذه من النجوم ويدفع العبد ما بقى منها للحاكم ويعتق فان طلب المكاتب التعجيز عجزه الحاكم ولا يبطل هذا التعجيز بعود السيد ولو مسلما وكتابة العبد المرتد صحيحة لتشوف الشارع للعتق ويعتق بالأداء.

(1)

كتاب قليوبى وعميرة للشيخ شهاب الدين القليوبى والشيخ عميرة على شرح العلامة جلال الدين المحلى ج 4 ص 363 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ وأنظر كتاب المهذب لأبى اسحق الشيرازى ج 2 ص 264 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 233

‌زوال ملك المرتد بسبب

الردة سواء التحق أم لا

‌مذهب الحنابلة:

قال فى المغنى

(1)

: ان المرتد لا يحكم بزوال ملكه بمجرد ردته فى قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، فعلى هذا ان قتل أو مات زال ملكه بموته وان راجع الاسلام فملكه باق له.

وقال أبو بكر يزول ملكه بردته وان راجع الاسلام عاد اليه تمليكا مستأنفا لأن عصمة نفسه وماله انما تثبت باسلامه فزوال اسلامه يزيل عصمتهما كما لو لحق بدار الحرب ولأن المسلمين ملكوا اراقة دمه بردته فوجب ان يملكوا ماله بها. ولنا أنه سبب يبيح دمه فلم يزل ملكه كزنا المحصن وزوال العصمة لا يلزم منه زوال الملك بدليل الزانى المحصن والقاتل فى المحاربة وأهل الحرب فان ملكهم ثابت مع عصمتهم. ولو لحق المرتد بدار الحرب لم يزل ملكه لكن يباح قتله لكل أحد من غير استتابة وأخذ ماله لمن قدر عليه لأنه صار حربيا حكمه حكم أهل الحرب ثم قال فى موضع

(2)

آخر.

وان لحق بدار الحرب أو تعذر قتله مدة طويلة فعل الحاكم ما يرى الحظ فيه من بيع الحيوان الذى يحتاج الى النفقة وغيره وأجاره ما يرى ابقاءه والمكاتب يؤدى الى الحاكم فاذا أدى عتق لأنه نائب عنه ثم قال فى موضع

(3)

آخر.

وان لحق المرتد بدار الحرب فالحكم فيه كالحكم فيمن هو فى دار الاسلام الا ان ما كان معه من ماله يصير مباحا لمن قدر عليه كما أبيح دمه وأما أملاكه وماله الذى فى دار الاسلام فملكه ثابت فيه ويتصرف فيه الحاكم بما يرى المصلحة فيه لأنه حى فلم يورث كالحربى الأصلى وحل دمه لا يوجب توريث ماله وانما حال ماله الذى معه لأنه زال العاصم له فأشبه مال الحربى الذى فى دار الحرب واما الذى فى دار الاسلام فهو باق على العصمة كمال الحربى الذى مع مضاربه فى دار الاسلام أو عند مودعه.

‌الرق بالنسبة للمرتد:

أما لحوق الزوجين بدار الحرب فقال

(4)

فى المغنى واذا ارتد الزوجان ولحق بدار الحرب لم يجر عليهما ولا على أحد من أولادهما ممن كانوا قبل الردة رق. وجملة ذلك ان الرق لا يجرى على المرتد سواء كان رجلا أو امرأة وسواء لحق بدار الحرب أو أقام بدار الاسلام وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه «ولأنه لا يجوز اقراره على كفره فلم يجز استرقاقه» ولم يثبت أن الذين سباهم أبو بكر كانوا أسلموا ولم يثبت لهم حكم الردة فان قيل فقد روى عن على أن المرتدة تسبى قلنا هذا الحديث ضعيف ضعفه

(1)

كتاب المغنى لابن قدامه المقدسى والشرح الكبير عليه للخرقى ج 10 ص 81، 82 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق والشرح الكبير عليه ج 10 ص 82 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 10 ص 84 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق والشرح الكبير عليه ج 10 ص 93 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 234

أحمد

(1)

ثم قال: واذا وقع المرتد فى الأسر بعد لحوقه بدار الحرب فحكمه حكم سائر أهل دار الحرب وان كان فى دار الاسلام لم يقر بالجزية وكذلك لو بذل الجزية بعد لحوقه بدار الحرب لم يقر بها لأنه انتقل الى الكفر بعد نزول القرآن. فأما من كان حملا حين ردته فظاهر كلام الخرقى انه كالحادث بعد كفره لأن أكثر الأحكام انما تتعلق به بعد الوضع فكذلك هذا الحكم.

‌الحد بالنسبة للمرتد اذا لحق بدار الحرب:

ومن

(2)

أصاب حدا ثم ارتد ثم أسلم أقيم عليه حده وبهذا قال الشافعى سواء لحق بدار الحرب فى ردته أو لم يلحق بها وقال قتاده فى مسلم أحدث حدثا ثم لحق بالروم ثم قدر عليه ان كان ارتد درئ عنه الحد وان لم يكن ارتد أقيم عليه لأن ردته أحبطت عمله فأسقطت ما عليه من حقوق الله تعالى كمن فعل ذلك فى حال شركه ولأن الاسلام يجب ما قبله. ولأنه حق عليه فلم يسقط بردته كحقوق الآدميين. وفارق ما فعله فى شركه فانه لم يثبت حكمه فى حقه. واما ما فعله فى ردته فقد نقل مهنا عن أحمد قال سألته عن رجل ارتد عن الاسلام فقطع الطريق وقتل النفس ثم لحق بدار الحرب فأخذه المسلمون فقال تقام فيه الحدود ويقتص منه وسألته عن رجل ارتد فلحق بدار الحرب فقتل بها مسلما ثم رجع تائبا وقد أسلم فأخذه وليه أيكون عليه القصاص؟ فقال قد زال عنه الحكم لأنه انما قتل وهو مشرك وكذلك ان سرق وهو مشرك ثم توقف بعد ذلك وقال لا أقول فى هذا شيئا وقال القاضى ما أصاب فى ردته من نفس أو مال أو جرح فعليه ضمانه سواء كان فى منعة وجماعة أو لم يكن لأنه التزم حكم الاسلام باقراره فلم يسقط بجحده كما لا يسقط ما التزمه عند الحاكم بجحده والصحيح ان ما أصابه المرتد بعد لحوقه بدار الحرب أو كونه فى جماعة ممتنعة لا يضمنه وما فعله قبل هذا أخذ به اذا كان مما يتعلق به حق آدمى كالجناية على نفس أو مال لأنه فى دار الاسلام فلزمه حكم جنايته كالذمى والمستأمن. وأما ان ارتكب حدا خالصا لله تعالى كالزنا وشرب الخمر والسرقة فانه ان قتل بالردة سقط ما سوى القتل من الحدود لأنه متى اجتمع مع القتل حد اكتفى بالقتل وان رجع الى الاسلام أخذ بحد الزنا والسرقة لأنه من أهل دار الاسلام فأخذ بهما كالذمى والمستأمن وأما حد الخمر فيحتمل أن لا يجب عليه لأنه كافر فلا يقام عليه حد خمر كسائر الكفار ويحتمل أن يجب لأنه أقر بحكم الاسلام قبل ردته وهذا من أحكامه فلم يسقط

(3)

بجحده بعده والله أعلم.

‌وأما بالنسبة لأهل الذمة (بالنسبة للحوق):

قال وان نقض أهل الذمة العهد أو أخذ رجل الأمان لنفسه وذريته ثم نقض العهد فانه يقتل

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 10 ص 94 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير مع المغنى لابن قدامه المقدسى فى كتاب ج 10 ص 111، 112 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامه المقدسى والشرح الكبير عليه ج 10 ص 112 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 235

رجالهم ولا تسبى ذراريهم الموجودون قبل النقض لأن العهد شملهم جميعا ودخلت فيهم الذرية والنقض انما وجد من رجالهم فتختص اباحة الدماء بهم، ومن الممكن أن ينفرد الرجل بالعهد والأمان دون ذريته وذريته دونه فجاز أن ينتقض العهد فيه دونهم والنقض انما وجد من الرجال البالغين دون الذرية فيجب أن يختص حكمه بهم قال أحمد قالت امرأة علقمة لما ارتد ان كان علقمه ارتد فأنا لم أرتد وقال الحسن فيمن نقض العهد ليس على الذرية شئ فأما من ولد فيهم بعد نقض العهد جاز استرقاقه لأنه لم يثبت له أمان بحال وسواء فيما ذكرنا أن الحقوا بدار الحرب أو أقاموا بدار الاسلام. فأما نساؤهم فمن لحقت منهم بدار الحرب طائفة أو وافقت زوجها فى نقض العهد جاز سبيها لأنها بالغة عاقلة نقضت العهد فأشبهت الرجل ومن لم تنقض العهد لم ينتقض عهدها بنقض زوجها

(1)

.

‌حكم الوكالة بالنسبة للمرتد

اذا لحق بدار الحرب

جاء فى المغنى ان كل

(2)

مسلم كافرا فيما يصح تصرفه فيه صح توكيله سواء كان ذميا أو مستأمنا أو حربيا أو مرتدا لأن العدالة غير مشترطة فيه وكذلك الدين كالبيع وان وكل مسلما فارتد لم تبطل الوكالة سواء لحق بدار الحرب أو أقام لأنه لا يصح تصرفه لنفسه فلم تبطل وكالته كما لو لم يلحق بدار الحرب ولأن الردة لا تمنع ابتداء وكالته فلم تمنع استدامتها كسائر الكفر وان ارتد الموكل لم تبطل فيما له التصرف فيه فأما الوكيل فى ماله فينبنى على تصرفه نقضه فان قلنا يصح تصرفه لم يبطل توكيله وان قلنا هو موقوف فوكالته موقوفة وان قلنا يبطل تصرفه بطل توكيله وان وكل فى حال ردته ففيه الوجوه الثلاثة أيضا.

‌الكفالة بالنسبة للمرتد

اذا لحق بدار الحرب

وجاء فى المغنى

(3)

:

اذا كانت الكفالة بالنفس مؤجلة فلم يلزم الكفيل باحضار المكفول قبل الأجل كالدين المؤجل فاذا حل الأجل فأحضره وسلمه برئ وان كان المكفول غائبا أو مرتدا لحق بدار الحرب لم يؤخذ الكفيل باحضاره بالحق حتى يمضى زمن يمكن للكفيل الى المكفول واحضاره.

‌حكم المرتد وماله ونكاحه عند لحوقه:

جاء فى المغنى

(4)

ان ارتداد الزوجين معا كارتداد أحدهما فى فسخ نكاحهما وعدم ميراث أحدهما من الآخر سواء لحقا بدار الحرب أو أقاما بدار الاسلام لانهما مرتدان فلم يتوراثا كما لو كانا فى دار الاسلام ولو ارتدا جميعا ولهما أولاد صغار لم يتبعوهم فى ردتهم

(1)

المرجع السابق لابن قدامه المقدسى الشرح الكبير عليه فى كتاب ج 10 ص 516، 517 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه للخرقى ج 5 ص 245 وما بعدها طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الأولى.

(3)

كتاب المغنى والشرح الكبير عليه للخرقى فى كتاب ج 5 ص 99 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق لابن قدامه المقدسى مع الشرح الكبير فى كتاب على المغنى ج 7 ص 177، 178 وما بعدهما طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الأولى.

ص: 236

ولم يرثوا منهم شيئا ولم يجز استرقاقهم سواء لحقوهم بدار الحرب أو لم يلحقوهم واما من ولد بعد ردتهم بستة أشهر فذكر الخرقى رضى الله عنه ما يدل على أنه يجوز استرقاقه واذا لحق المرتد بدار الحرب وقف ماله فان أسلم دفع اليه وان مات صار فيئا.

لأنه حر من أهل التصرف ويبقى ملكه بعد اسلامه فلم يحكم بزوال ملكه كما لو لم يرتد ويجب رد ما أخذ من ماله منه أو أتلفه عليه كغيره.

‌حكم لحوق المدبر وسيده:

قال فى المغنى: وان

(1)

ارتد المدبر ولحق بدار الحرب لم يبطل تدبيره لأن ملك سيده باق عليه ويصح تصرفه فيه بالعتق والهبة والبيع ان كان مقدورا عليه فان سباه المسلمون لم يملكون لأنه مملوك لمعصوم ويرد الى سيده ان علم به قبل قسمه ويستتاب فأن تاب والا قتل وان لم يعلم به حتى قسم لم يرد الى سيده فى احدى الروايتين. والرواية الأخرى ان اختار سيده أخذه بالثمن الذى حسب به على أخذه أخذه وان لم يختر أخذه بطل تدبيره ومتى عاد الى سيده بوجه من الوجوه عاد تدبيره وان لم يعد الى سيده بطل تدبيره كما لو بيع وكان رقيقا لمن هو فى يده وان مات سيده قبل سبيه عتق فان سبى بعد هذا لم يرد الى ورثة سيده لأن ملكه زال عنه بحريته فصار كأحرار دار الحرب ولكن يستتاب فان تاب وأسلم صار رقيقا يقسم بين الغانمين وان لم يتب قتل ولم يجز استرقاقه لأنه لا يجوز اقراره على كفره، وقال القاضى لا يجوز استرقاقه اذا أسلم لأن فى استرقاقه ابطال ولاء المسلم الذى أعتقه. ولنا ان هذا لا يمنع قتله واذهاب نفسه وولائه فلان لا يمنع تملكه أولى ولأن المملوك الذى لم يعتقه سيده يثبت الملك فيه للغانمين اذا لم يصرف مالكه بعينه ويثبت فيه اذا قسم قبل العلم بمالكه والملك أكد من الولاء فلان يثبت مع الولاء وحده أولى فعلى هذا لو كان المدبر ذميا فلحق بدار الحرب ثم مات سيده أو أعتقه ثم قدر عليه المسلمون فسبوه ملكوه وقسموه وعلى قول القاضى لا يملكونه فان كان سيده ذميا جاز استرقاقه فى قول القاضى.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم

(2)

الظاهرى: من أصاب حدا ثم لحق بالمشركين أو ارتد قال أبو محمد رحمه الله تعالى حدثنا عبد الله بن ربيع رحمه الله تعالى حدثنا محمد بن معاوية رحمهما الله تعالى حدثنا أحمد بن شعيب رحمه الله تعالى حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حميد عن جرير ابن عبد الله البجلى عن أبيه عن أبى اسحاق السبيعى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا أبق العبد الى الشرك فقد حل دمه قال أبو محمد رحمه الله تعالى فبهذا نأخذ والعبد هاهنا كل حر وعبد فكلنا عبيد الله تعالى ومن لحق بأرض الشرك بغير ضرورة فهو محارب هذا أقل أحواله ان سلم من الردة بنفس فراقه جماعة المسلمين وانحيازه الى

(1)

كتاب المغنى لابن قدامه المقدسى والشرح الكبير عليه للخرقى ج 12 ص 320، 321، 322 وما بعدهم الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 11 ص 135 مسألة رقم 2170.

ص: 237

أرض الشرك ولا يسقط عن اللاحق بالمشركين لحاقه بهم شيئا من الحدود التى أصابها قبل لحاقه ولا التى أصابها بعد لحاقه لأن الله تعالى أوجب الحدود فى القرآن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أرسلها ولم يسقطها وكذلك لم يسقطها عن المرتد ولا عن المحارب ولا عن الممتنع ولا عن الباغى اذا قدر على اقامتها عليهم «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}

(1)

» ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ان الله عز وجل لو أراد أن يستثنى أحدا من هؤلاء لما سكت عن ذلك أعتاتا لنا ولا أهمله ولا أغفله فاذا لم يعلمنا بذلك فنحن نقسم بالله تعالى ان الله تعالى ما أراد قط اسقاط حد أصابه لاحق بالشرك قبل لحاقه أو أصابه بعد لحاقه بهم أو أصابه مرتد قبل ردته أو بعدها وان من خالف هذا فمخطئ عند الله تعالى بيقين لا شك فيه ومن صار مختارا الى أرض الحرب شاقا للمسلمين أمرتد هو بذلك أم لا. ومن اعتضد بأهل الحرب على أهل الاسلام وان لم يفارق دار الاسلام أمرتد هو بذلك أم لا قال أبو محمد: حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا محمد بن قدامه عن جرير عن مغيره عن الشعبى قال. كان جرير يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وان مات كافرا فابق غلام لجرير فأخذه فضرب عنقه وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:

(اذا أبق العبد الى الشرك فقد حل دمه) والاباق الذى يكفر به هو اباقه الى أرض الشرك والعبد واقع على كل أحد لأن كل أحد عبد الله تعالى وقد علمنا ان من خرج عن دار الاسلام الى دار الحرب فقد أبق عن الله تعالى وعن امام المسلمين وجماعتهم وبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم انه برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهو عليه السلام لا يبرأ الا من كافر قال الله تعالى «الْمُؤْمِنُونَ 2 وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» فصح بهذا ان من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه متى قدر عليه ومن اباحة ماله وانفساخ نكاحه وغير ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم وأما من فر الى أرض الحرب لظلم خلفه ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم عليهم ولم يجد فى المسلمين من يجيره فهذا لا شئ عليه لأنه مضطر مكره وقد ذكرنا ان الزهرى محمد بن مسلم بن شهاب كان عازما على أنه ان مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم لأن الوليد بن يزيد كان قد نذر دمه ان قدر عليه وهو كان الوالى بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذور وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والصين والترك والسودان والروم من المسلمين فان كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر أو لقلة مال أو لضعف جسم أو لامتناع طريق فهو معذور فان كان هنالك محاربا للمسلمين معينا للكفار بخدمة أو كتابة فهو كافر وان كان انما يقيم هنالك لدنيا يصيبها وهو كالذمى لهم وهو قادر على اللحاق بجمهرة المسلمين وأرضهم فما يبعد عن الكفر وما ترى

(3)

له عذرا.

(1)

الآية رقم 64 من سورة مريم.

(2)

الآية رقم 71 من سورة مريم.

(3)

المحلى لابن حزم ج 11 ص 198 مسألة رقم 198؟؟؟.

ص: 238

‌الحاق المرتد

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(1)

أن عقود المرتدين الواقعة بعد الردة وقبل اللحوق بدار الحرب هى لغو فى القرب كالوقف والنذر والصدقة ونحو ذلك الا العتق فانه وان كان قربة فهو يقع من الكافر وينفذ لسرعة نفوذه وأما جنابة الخطأ الواقعة حال ردته فتؤخذ من ماله وسواء عاد الى الاسلام أو مات على الردة ولا شئ على عاقلته وان لحق بدار الحرب فذلك دين متعلق بالتركة قبل الميراث واذا لم تتناول عقودهم القرب فى حال الردة فهى صحيحة فى غير القرب كالبيوع والهبات والاجارات والوصايا والعاريات والرهون فيصح ما فعل من أى هذه الأمور ونحوها لكنها موقوفة غير نافذة فى الحال بل كعقد الفضولى فان أسلم ذلك العاقد نفذ عقده وان هلك أو لحق بدار الحرب بطل عقده.

وتلغو عقودهم هذه جميعا اذا فعلوا شيئا منها بعد اللحوق لأن المال قد خرج عن ملكهم ولو كان عتقا لعدم صدوره عن مالك الا الاستيلاد الواقع بعد لحوقه فانه يثبت فلو وطئ المرتد أمته فولدت منه صارت أم ولد وسواء كان الذى وقع منه بعد اللحوق مجرد الدعوة مع تقدم الوط ء أو وقع منه الوط ء بعد اللحوق وادعى الولد فانه يصح ذلك لقوة شبهته وترجيح ثبوت النسب، واذا

(2)

ارتد المسلم وامرأته حامل منه من قبل الردة فانه يحكم بأن ذلك الحمل مسلم ان ارتد أبواه معا لأنه قد ثبت اسلامه باسلامها عند العلوق فلا يبطل حكم اسلامه بكفرهما فان حكى الكفر بعد بلوغه كان ردة ويحكم لمن حمل به فى الكفر من أبويه بالكفر لأن أمه علقت به وهى كافرة وأبوه كافر، والولد يلحق بأبويه فى الكفر والاسلام فلو أتت به لستة أشهر من الوط ء بعد الردة أو لثلاثة أشهر قبلها وثلاثة أشهر بعدها حكمنا بكفر الولد حينئذ فان أتت به لدون ستة أشهر أو التبس عدة الشهور حكمنا باسلامه، ثم قال

(3)

فى موضع آخر ان لحق الزوج بدار الحرب بعد الردة فان الزوجة بلحوقه بدار الحرب أو بموته بعد الردة ترثه حيث هى باقية فى العدة لم تنقض بعد ردته وهى مدخولة فأما لو ارتد ومات أو لحق وقد انقضت عدتها أو هى غير مدخولة فانها لا ترثه بموته أو لحوقه بعد الردة وكذا يرثها ان ارتدت ولحقت بدار الحرب أو ماتت فى مدة العدة وهى مدخول بها وباللحوق من المرتد بدار الحرب تعتق أم ولده من رأس المال ويعتق من الثلث مدبره كما يعتقان بموته ويرثه ورثته المسلمون عند لحوقه بدار الحرب اذ اللحوق بها كالموت فاذا لحق ورثه ورثته المسلمون ولا فرق بين ماله الحاصل قبل الردة وبعدها قبل اللحوق، وأما ماله المكتسب بعد اللحوق وما حمله من ماله وأدخله دار الحرب فحكمه حكم أموال الحرب فان عاد المرتد الى

(1)

كتاب التاج المذهب لأحكام أهل المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 465 وما بعدها طبع مطابع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1366 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 465، 466.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 463، 464.

ص: 239

الاسلام فورا والمراد بالعود أن يرجع الى الاسلام ولو لم يخرج عن دار الحرب الى دار الاسلام استحق ماله ان لم يقسم بين ورثته فان كان قد قسم رد له من ماله وفوائده الأصلية والفرعية ما كان باقيا لم يستهلك حسا أو حكما فأما ما قد استهلكوه فلا حق له فيه اذ قد ملكه الوارث بالاستهلاك بعد القسمة لماله. والمراد بالاستهلاك الحكمى هنا هو المقرر فى الغصب وهو ازالة الاسم ومعظم المنافع لا مازال اسمه بالاستهلاك فقط فانه يكون للمسلم بعد الردة

(1)

.

‌الوكالة بالنسبة للمرتد

اذا لحق بدار الحرب

قال فى التاج

(2)

المذهب: اذا ارتد الموكل انعزل الوكيل بردته مع اللحوق بدار الحرب فان لم يلحق كان تصرف الوكيل موقوفا كتصرف الموكل حيث ارتد فاما لو ارتد الوكيل ولحق بدار الحرب فان الوكالة تبطل فان ارتد ولم يلحق لم تبطل فيما يصح توكيل الكافر فيه فلو ارتدا فى حالة واحدة لم تبطل الوكالة بل تبقى موقوفة فان لحقا بدار الحرب بطلت ولا يتصرف الوكيل بعد الانعزال بأحد الامور الثلاثة وهى الموت وزوال العقل والردة مع اللحوق الا فى حق قد كان تعلق به نحو ان يكون قد باع ما وكل بيعه ثم انعزل قبل قبض الثمن فانه لا يبطل بالانعزال توليه لقبض الثمن ويكفى خبر الواحد بأن موكله قد عزله أو مات أو زال عقله أو ارتد ولحق بدار الحرب فلا يصح تصرفه بعد ذلك سواء كان المخبر رجلا أو امرأة عدلا أم لا وسواء حصل الوكيل ظن بصدقه أم لا ما لم يغلب فى الظن كذب المخبر، واذا تصرف الوكيل قبل العلم وبعد العزل فان تصرفه يكون موقوفا لا فيما يتعلق به حقوقه وهو الصلح. بالمال والاجارة والبيع حيث لم يضف واما اذا أضاف لم ينفذ العقد لأنه باع وقد انعزل اذا كان العزل باللفظ لا بموت الموكل أو ردته مع اللحوق أو بيعه لذلك الشئ أو وقفه أو نحوه فلا حكم لتصرف الوكيل بعد ذلك وان جهله.

‌الكفالة بالنسبة للمرتد

اذا لحق بدار الحرب

قال فى التاج

(3)

المذهب: اذا مات المكفول بوجهه سقطت الكفالة بموته لا بردته مع اللحوق ولا جنونه لأنها تصح على الكافر ببدنه وبرئ الكفيل هذا مذهبنا. وكذا اذا مات الكفيل واذا فر المكفول به فعلى الكفيل احضاره وألا حبس حيث يمكنه احضاره ولو بعد مكانه أو دخل دار الحرب أو كان فى يد ظالم أو فى حبسه فانه يتخلص منه بما أمكنه فان لم يمكنه قط أو لم يعلم موضعه خلى الكفيل واذا أمكنه التسليم بعد ذلك لزمه.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 464 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار ج 4 ص 136، 137 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لليمانى الصنعانى ج 4 ص 143، 144 أو ما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 240

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(1)

: ان الذمى اذا نقض العهد ولحق بدار الحرب فأما أمواله باق فان مات ورثه وارثه الذمى والحربى واذا انتقل الميراث الى الحربى زال الأمان عنه وأما الأولاد الأصاغر فهم باقون على الذمة ومع بلوغهم يخيرون بين عقد الذمة لهم بأداء الجزية وبين الانصراف الى مأمنهم واذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولى قتله فورا ويسقط قتل الردة ولو عفا الولى قتل بالردة ولو قتل خطأ كانت الدية فى ماله مخففة مؤجلة لأنه لا عاقلة له على تردد، ولو قتل أو مات حلت كما تحل الأموال المؤجلة، واذا تاب المرتد فقتله من يعتقد بقاءه على الردة قال الشيخ يثبت القود لتحقق قتل المسلم ظلما ولأن الظاهر أنه لا يطلق الارتداد بعد توبته وفى القصاص تردد لعدم القصد الى قتل المسلم، والمرتد هو

(2)

الذى يكفر بعد الاسلام وله قسمان:

الأول: من ولد على الاسلام، وهذا لا يقبل اسلامه لو رجع ويتحتم قتله وتبين منه زوجته وتعتد منه عدة الوفاة وتقسم أمواله بين ورثته وان التحق بدار الحرب أو اعتصم بما يعول بين الامام وبين قتله ويشترط فى الارتداد البلوغ وكمال العقل والاختيار - فلو أكره كان نطقه بالكفر لغوا، ولو ادعى الاكراه مع وجود الامارة قبل قوله ولا تقتل المرتدة بل تحبس دائما وان كانت مولودة على الفطرة وتضرب أوقات الصلوات.

الثانى: من أسلم عن كفر ثم ارتد فهذا يستتاب فان امتنع قتل واستتابته واجبة وكم يستتاب؟ قيل ثلاثة أيام وقيل القدر الذى يمكن معه الرجوع والأول مروى وهو حسن لما فيه من الثانى لازالة عذره ولا يزول عنه أملاكه بل تكون باقية عليه وينفسخ العقد بينه وبين زوجته ويقف نكاحها على انقضاء العدة وهى كعدة المطلقة وتقضى من أمواله ديونه وما عليه من الحقوق الواجبة ويؤدى منه نفقة الأقارب - ولو قتل أو مات كانت تركته لورثته المسلمين فان لم يكن له وارث مسلم فهو للامام وولده بحكم المسلم فان بلغ مسلما فلا بحث فان اختار الكفر بعد بلوغه استتيب فان تاب والا قتل ولو قتله قاتل قبل وصفه بالكفر قتل به سواء قتله قبل بلوغه أو بعد بلوغه ولو ولد بعد الردة وكانت أمه مسلمة كان حكمه كالأول وان كانت مرتدة والحمل بعد ارتدادها كان بحكمهما ولا يقتل المسلم بقتله وهل يجوز استرقاقه. تردد الشيخ أبو جعفر الطوسى فتارة يجيز لأنه كافر بين كافرين

(1)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 210 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ الطبعة الأولى.

(2)

المرجع السابق للمحقق الحلى ج 2 ص 259 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 241

وتارة يمنع لأن أباه لا يسترق لتحرمه بالاسلام وكذا الولد وهذا أولى ويحجر الحاكم على أمواله لئلا يتصرف فيها بالاتلاف فان عاد فهو أحق بها وان التحق بدار الكفر بقيت على الاحتفاظ ويباع منها ما يكون له الغيطة فى بيعه كالحيوان واذا صلى بعد ارتداده لم يحكم بعوده سواء فعل ذلك فى دار الحرب أو دار الاسلام وكل ما يتلفه المرتد على المسلم يضمنه فى دار الحرب أو دار الاسلام حالة الحرب وبعد انقضائها وليس كذلك الحربى.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: ان انفرد بدار مرتدون فهى دار شرك وفى جواز سبيهم - وغنمهم قولان وكذا المرتد والمرتدان فصاعدا والمشهور أن لا سبى ولا غنم.

«التزام - والزام»

‌المعنى اللغوى:

يقال: لزم الشئ لزوما ثبت ودام - ولزم الشئ فلانا وجب عليه - ولزم فان العمل داوم عليه ولم يفارقه من باب سمع - وألزم فلانا العمل أو المال أوجبه عليه - والتزم الشئ أو الأمر أوجبه على نفسه - والتزم فلان لفلان بمال تعهد بأن يؤديه اليه - وألزمه المال أو العمل فألتزمه - والتزمته اعتنقته

(2)

.

‌الاستعمال فى لسان الفقهاء:

لم يكن لكلمة الالتزام فى الفقه الاسلامى مدلول خاص اصطلح عليه الفقهاء حتى كان ذلك يقتضيهم أن يعنوا ببيانه بيانا تتميز به حقيقته ويتميز به عن مدلوله لغة وتتحدد به مواضع استعماله وتطبيقه وآثاره ومصادره وانما كان أساس استعمالهم هذه الكلمة فيما يبدو حين استعملوها دلالتها اللغوية معتمدين فى تحديد معناها على موضعها من الكلام ومقامها فيه - أما كلمة (الزام) فقد كان استعمالهم اياها استعمالا لغويا. وقد استعمل الفقهاء على اختلاف مذاهبهم هاتين الكلمتين فى مواضع عديدة وفى موضوعات مختلفة استعمالا لغويا ومن المفيد أن نعرض لبعض استعمالاتهم فقد يعين ذلك على تعرف

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 10 ص 400 وما بعدها طبع على ذمة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ الطبعة الأولى.

(2)

القاموس المحيط والمعجم الوسيط مادة لزم.

ص: 242

منهجهم فى استعمالهما وبيان ما اذا كان مدلولهما فيه أو فى بعض مواضعه أخص من مدلولهما اللغوى أو مرادفا له - ولقد كان ذلك أساس ما ذهب اليه بعض الفقهاء المتأخرين من محاولتهم تحديد ما لكلمة التزام من مدلول اصطلاحى دون أن يحاولوا ذلك فى كلمة. الزام وذلك دليل على اختلاف منهجهم فى استعمال الكلمتين فكان استعمالهم كلمة الزام استعمالا لغويا محضا لم يخرجوا فيه عن معناها اللغوى وكان استعمالهم كلمة التزام يدل على تقيد مدلولها اللغوى واستعمالها فى مدلول أخص منه ولذا حاول الحطاب الفقيه المالكى

(1)

وضع تعريف للالتزام فعرفه فى مؤلفه الذى وضعه فى الالتزام وسماه تحرير الكلام فى مسائل الالتزام: بأنه الزام الشخص نفسه شيئا من المعروف مطلقا ومقيدا أو معلقا على شئ، فهو بمعنى العطية ثم قال: وقد يطلق فى العرف على ما هو أخص من ذلك وهو التزام المعروف بلفظ الالزام، وهو الغالب فى عرف الناس أو الظاهر أنه يريد عرف فقهاء المغرب، لأنه مغربى. ولكن استعمال الفقهاء الآخرين اياها يدل على أنهم قد استعملوها فيما هو أعم من هذا المعنى، ففى مذهب الحنفية نجد السرخسى يقول فى مبسوطه:

العبد فى التزام ضمان المال كالحر، وفى التزام ضمان الجناية على النفس كالمحجور عليه

(2)

.

ويقول أيضا فى زيادة المريض المهر على مهر المثل أنه التزام بالتسمية، ولا نظر له فى هذا الالتزام، فلا تثبت هذه الزيادة

(3)

. ويقول الكاسانى فى ضمان الغرور: أنه ضمان التزام فى الحقيقة

(4)

. ويقول المرغينانى فى الهداية:

اذا امتنع المدين عن وفاء الدين يحبس فى كل دين لزمه بدلا عن مال حصل فى يده كثمن المبيع أو التزمه بعقد كالمهر والدين المكفول.

فان اقدامه على الالتزام دليل يساره

(5)

.

ويقول قاضيخان فى الفتاوى الخانية فى المحجور عليها: انها لا تملك التزام المال وفى الأمة: انها أهل للالتزام، وفى الصبى:

ليس أهلا للالتزام فلا يصح التزامه بخلاف العبد فهو أهل للالتزام

(6)

. ويقول قاضى سماوية فى جامع الفصولين: المودع اذا دل اللص على الودائع فسرقها ضمن لالتزامه بالحفظ

(7)

. ويقول أيضا: لا ضمان فى الالتزام المتبوع به

(8)

. ويقول الميدانى فى شرحه اللباب - حين يذكر التزام المقر: أن التزمه باقراره ص 289 ويقول الحموى فى تعريف الفقه: أمر شرعى مقدر المحل يقبل الالزام والالتزام

(9)

.

(1)

هو أبو عبد الله محمد بن محمد المعروف بالحطاب المتوفى سنة 954 هـ.

(2)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 27 ص 11، 22 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ طبع السايس.

(3)

المرجع السابق ج 54 ص 169 الطبعة السابقة.

(4)

البدائع للكاسانى ج 7 ص 145 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ طبع مطبعة الجمالية بمصر.

(5)

الهداية للمرغينانى ج 3 ص 76 طبعة 1936 م.

(6)

الفتاوى الخانية للقاضى خالد ج 3 ص 304 الطبعة الثانية طبع المطبعة الأميرية سنة 1310 هـ.

(7)

كتاب جامع الفصولين ومعه الحاشية الجليلة ج 2 ص 80 الطبعة الأولى المطبعة الأزهرية سنة 300 هـ.

(8)

المرجع السابق ج 2 ص 125

(9)

شرح اللباب للميدانى ص 289

ص: 243

‌مذهب الشافعية:

نجد المعز بن عبد السّلام يقول فى كتابه قواعد الأحكام فى البيع اذا كان العوضان من الديون: أنه مقابلة التزام دين بالتزام دين - ويقل وفى البيع اذا كان المبيع عينا:

أنه التزام الدين فى مقابلة تلك العين

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

نجد ابن قدامه يقول فى الضمان: ضم ذمة الضامن على ذمة المضمون فى التزام الحق، وفى ضمان العين: أنه ضمان استنقاذها وردها والتزام تحصيلها أو قيمتها عند تلقيها - وفى ضمان العهدة - أنه التزام الثمن أو عوضه ان ظهر بالبيع عيب أو استحقاق

(2)

- ويقول ابن قدامه صاحب الشرح الكبير فى ضمان الدين المجهول: أنه التزام حق فى الذمة من غير معاوضة، فصح المجهول كالنذر والاقرار

(3)

. هذه الاستعمالات كما تراها دليل على أن كلمة التزام قد استعملها الفقهاء فيما هو أعم مما ذكره الحطاب من أنه التزم بالبر والعطية وأن استعمالهم فيها استعمال لغوى وفى الامكان أن تستمد منه تعريف الالتزام فنعرفه: بأنه وجوب أمر على الانسان، وذلك بايجابه على نفسه اما باختباره وارادته كما فى الالتزام بالعقد سواء كان من جانبين كالاجارة أو من جانب واحد كالوقف، واما بايجاب الشارع وذلك لما له من الولاية العامة كما فى التكاليف الشرعية وذلك نتيجة للخطاب التكليفى وقد يكون الالزام نتيجة للخطاب الوضعى كما فى الالتزام بأمر ترتب على حصول سببه - والزام الانسان نفسه يعد منه التزاما.

‌أركان الالتزام

صلته بالتكليف - أثره - أنواعه:

لا يتحقق الالتزام الا بوجود ملزم، له ولاية الالزام وملزم أو ملتزم وجه اليه الالزام وملتزم له وملتزم به وهو موضوع الالتزام وعبارة تدل على الالزام أو الالتزام لأن الالتزام أثر للالزام والالزام انما يكون ممن له ولاية الالزام والايجاب اذ أنه ايجاب أمر على من وجه اليه هذا الايجاب وهو الشخص الملزم بما كلف به: ولما يدل عليه الالزام من معنى الايجاب كان ضربا من التكليف لأن التكليف طلب يتعلق بفعل أمر أو تركه أو تخيير بين فعله وتركه وذلك هو مقتضى خطاب التكليف أو معنى الكم التكليفى - غير أن معنى الالزام فى التكليف بما هو فعل أو ترك على وجه الحتم ظاهر لما فى ذلك من معنى الايجاب الذى يدل عليه لفظ الالزام لغة وأما فيما يتعلق بالتخيير بين الفعل والترك فلا يظهر به معنى الالزام فان التخيير لا الزام فيه ولا ايجاب كما أنه لا يظهر معنى الالزام فيما يتعلق بالطلب أو الترك لا على وجه الحتم بل على وجه الاستحسان والندب لعدم الايجاب فى ذلك.

ومقتضاه أن الالزام لا يتحقق الا حيث يكون

(1)

الحموى ج 5 ص 688

(2)

قواعد الأحكام ج 2 ص 38 طبعة 1934

(3)

المغنى لابن قدامه المقدسى ج 5 ص 75 طبع مطبعة المنار بمصر 1347 هـ الطبعة الأولى.

والشرح الكبير للمقدسى ج 5 ص 80 الطبعة السابقة.

ص: 244

الطلب باتا لا خيرة فيه لمن الزم به ولا مسوغ له فى تركه وذلك ما يستوجب أن الالزام لا يكون الا باتا وهذا مقتضى العقود اللازمة التى لا تقبل الفسخ من عاقدها ويكون مطالبا بموجبها على سبيل الوجوب والحتم. ولكن عبارات بعض الفقهاء حين استعمالهم هذه المادة لا تؤيد ذلك اذ أنهم قد عبروا بالالتزام فيما يترتب على العقود غير اللازمة التى يجوز لعاقدها أن يفسخها كما فى عقد الوديعة وقد ذكرنا بعض هذه العبارات فيما سبق، فقد قالوا: ان الوديع ملزم أو ملتزم بالحفظ، ورتبوا على ذلك تضمينه المودع اذا دل السارق عليه فسرقه، لأن فى ذلك نقضا لالتزامه الحفظ.

وكذلك جاء فى جامع الفصولين

(1)

.

أن من الالتزام ما هو متبرع به ولا ضمان فيه ورتبوا على ذلك أن الراعى اذا اشترط عليه ذبح الشاة عند الخوف على هلاكها فهلكت شاة ولم يذبحها لم يضمن لأن هذا التزام متبرع به فلا يترتب عليه الضمان بتركه لأن عقد الوديعة لا يتناوله. وهذا ما قد يفيد أن الالتزام فى العقود غير اللازمة التزام يجب الوفاء به ما دامت قائمة لم تفسخ وعلى ذلك فلا يؤدى عدم لزومها الى منافاة فيها دين ضمنه الالتزام فيها حين قيامها. وهى حتمية تنتهى بفسخها والى الايجاب الدينى والخلقى أقرب وهذا ما يتسق مع ما جاء فى جامع الفصولين وبخلاف ما يدل عليه تعبير كثير من الفقهاء حين يقولون: التزام التبرعات كالتزام انسان الانفاق على أجنبى والتزامه بأن يعطى فلانا مبلغا من المال عطية فهذه التزامات غير ملزمة عند الجمهور والوفاء بها غير واجب قضاء خلافا لما ذهب اليه بعض المالكية من عدم جواز فسخه والعدول عنه مع الالزام به قضاء وعلى ذلك يتبين أن الالتزام فى الفقه الاسلامى نوعان:

التزام بات والتزام غير بات كالتزام المتبرع مثبتين أيضا ان الفقهاء قد عبروا بلفظ التزام فى أحوال أخرى لا يكون فيها الالتزام باتا مثل الكفالة بالدين الموعود به وذلك لجواز الرجوع فيها قبل ثبوت الدين عند الحنفية والحنابلة

(2)

والكفالة بالجعل فى الجعالة فان الالتزام فيها غير

(3)

بات وقد جاء فى الشرح الكبير للدردير:

الالتزام فى الجعالة غير بات. ولا شك أن اطلاق اسم الالتزام على هذا النوع الأخير من باب التوسع فى دلالات الألفاظ واستعمالها.

وجملة القول أن الالزام ضرب من التكليف اذ من التكليف يكون بمالا يعد الزاما كما فى التخيير وأن أركانه هى أركان التكليف مع اختلاف فى الأسماء بسبب اختلاف مادة التكليف مع مادة الالزام وأن أثره هو الالتزام أى الوجوب المحتم سلبا أو ايجابا غير أنه قد يكون وجوبا قضاء وقد يكون وجوبا ديانة والأول يلزم به القضاء والثانى لا يلزم به القضاء وذلك ما يدل عليه استعمال الفقهاء شروط الملزم وفيما يأتى بيان لهما.

‌شروط الالتزام:

لما كان الالتزام أثرا للالزام الذى هو

(1)

جامع الفصولين ج 2 ص 125 طبعة بولاق.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 176

(3)

مغنى والشرح الكبير عليه ج 7 ص 74

ص: 245

التكليف اشترط فيه ما يشترط فى التكليف فيشترط فى الملزم المكلف بكسر اللام المشددة - أن تكون له ولاية الالزام وتتمثل فى ولاية الشارع العامة فله الزام الناس جميعا بما كلفهم به وذلك أساس التشريع ولقد تفضل الشارع سبحانه وتعالى أن تكون ولايته فى ذلك مراعى فيها صلاح الناس وصلاح مجتمعهم على الوضع الذى يراه وهو العليم الحكيم الذى يقول فى كتابه «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ 1» ويقول:

«يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ 2 الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» ويقول: «وَما جَعَلَ 3 عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» وقد دل استقرار الأحكام الشرعية على أنها لم تشرع الا لمصلحة الناس ومصلحة مجتمعهم وكان ذلك من الأمور القطعية غير أن مرد ذلك الى النصوص وثبوتها وأساس الالزام فى ذلك قوله تعالى فى سورة النساء «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا 4 أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» وكذلك تتمثل فى ولاية الانسان على نفسه فكان له أن يلزم نفسه لأن ذلك تصرف فى حقه وهى ولاية ثابتة بالكتاب لقوله تعالى:

«وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ 5 الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً» وقوله فى سورة المائدة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا 6 أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ولأنها ولاية شرعية لا تتناول كل ما كان محظورا لأن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بالفحشاء وكذلك تتمثل ولاية الالزام فى ولاية أولى الأمر لقوله تعالى «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ 7» وهم أمراء المسلمين ويندرج فيهم الخلفاء والسلاطين والقضاة وغيرهم ممن له حق الأمر والارشاد كالأزواج بالنسبة للزوجات والآباء بالنسبة الى الأولاد وغيرهم.

وانما تثبت لهم هذه الولاية فيما ليس بمعصية وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:

لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق وفى رواية لأبى شيبة عن على كرم الله وجهه لا طاعة لبشر فى معصية الله تعالى وأخرج أحمد والشيخان عنه أيضا قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار يسمى علقمة فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه فى شئ فقال لهم اجمعوا لى حطبا فجمعوا له. قال فأوقدوا نارا فأوقدوا نارا قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لى وتطيعوا قالوا بلى قال فأدخلوها فنظر بعضهم الى بعض وقالوا انما قررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فسكن غضبه وطفئت النار فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لو دخلوها ما خرجوا منها انما الطاعة فى المعروف.

قيل وهل تتناول طاعتهم المباح فيه خلاف.

فقال فريق لا لأنه لا يجوز لأحد أن يحرم ما أحله الله ولا أن يحلل ما حرمه الله وقال فريق أنها تتناوله وقال بعض محققى

(1)

الآية رقم 14 من سورة الملك.

(2)

الآية رقم 185 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 78 من سورة الحج.

(4)

الآية 59 من سورة النساء.

(5)

الآية رقم 33 من سورة الاسراء.

(6)

الآية رقم 1 من سورة المائدة.

(7)

الآية رقم 59 من سورة النساء.

ص: 246

الشافعية تجب طاعة ولى الأمر فى الأمر والنهى ما لم يأمر بمحرم.

وقال فريق ثالث الذى يظهر أن ما يأمر به مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله الا ظاهرا فقط بخلاف ما فيه هذه المصلحة فانما الطاعة فيه واجبة ظاهرا وباطنا وكذا يقول فى المباح الذى فيه ضرر بالمأمور

(1)

.

ويشترط فى الملتزم ما يشترط فى كل مكلف: من العقل والبلوغ. كما يشترط فيه أن يكون مختارا. فلا يصح التزام المكره اتفاقا فيما عدا اليمين والطلاق والرجعية والنكاح ففى ذلك خلاف بين الفقهاء، وأن يكون قاصدا فيما ألزم به نفسه فان كان هازلا فلا يلزم بشئ عدا ما ورد فى الحديث «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد» الحديث وهو ظاهر كلام المالكية والإمامية اذا ما تبين ذلك. وكذا لا يصبح التزام الناس والمخطئ عند الشافعية والزيدية وكذلك لا يصبح أيضا التزام المغمى عليه والنائم. وكذلك لا يصح التزام السكران بطريق غير محظور اتفاقا

(2)

. ويرى الحنفية:

أن حكم التزام الناس والمخطئ هو حكم التزام المتذكر والقاصد، وذلك بناء على أن كلا من الخطأ والنسيان أمر باطنى لا سبيل الى معرفته الا من جهة من يدعيه، وليس يلتفت الى ادعائه اذ قد يتخذه وسيلة الى تضييع الحقوق فوجب لذلك أن لا يصدق وأن يعتبر بلوغه وكمال عقله واختياره أمارة على قصده وعدم خطئه أو نسيانه قصدا الى استقرار المعاملات وأن يعامل على هذا الأساس فيكون حكم الناسى حكم المتذكر، وحكم المخطئ حكم القاصد، ولكن اذا صدقهما فى ادعائهما الملتزم له فان الالتزام حينئذ يكون فاسدا أخذا باقرار صاحب الحق وهو صاحبه الذى يحق له المطالبة به وحده (ينظر مصطلح نسيان وخطأ) وكذلك لا يصح التزام المكره، سواء أكان الاكراه ملجئا أم غير ملجئ. والملجئ ما كان بقتل النفس أو باتلاف عضو أو باتلاف جميع المال، أو بالضرب المبرح الذى يخشى منه التلف

وغير الملجئ هو ما يكون بما يشق على من أكره احتماله وذلك باختلاف حال الناس ومنازلهم. ووجه ذلك أن الاكراه بقسميه ينعدم معه الرضى بأثر الالتزام، فلا يكون للملتزم ارادة ولا قصد

وقصده الى التلفظ بالعبارة انما لدفع الأذى عن نفسه واذن يكون قد تلفظ بها على اعتبار أنها لدفع الأذى لا على أنها ترتب أثرا فى ذمته ومع ذلك لا يكون لالتزام المكره أثر لانعدام ارادته.

وهذا هو مذهب كثير من الفقهاء ومنهم من ذهب الى ذلك مستثنيا النكاح والطلاق والرجعية واليمين والعتق، وذلك لأنها تنشأ عن غير قصد الى أثرها بدليل صحتها من الهازل بناء على حديث «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد» النكاح والطلاق والرجعية وفى رواية واليمين وفى أخرى والعتق. واذا صحت من الهازل بمجرد نطقه بالعبارة الدالة عليها

(1)

الجزء الخامس من روح المعانى ص 59، ص 60

(2)

تحرير الأحكام ج 2 ص 98، 51 والمغنى ج 7 ص 114 والبحر الزخار ج 3 ص 166 والأزهار ج 2 ص 435 والنيل ج 3 ص 623

ص: 247

وان لم يقصد اليها ولا الى أثرها صحت كذلك من المكره ولا يكون عدم قصده مفسدا لها.

ويرى الحنفية مع هذا أن فساد الالتزام عند الاكراه عليه، فساد يرتفع بزوال سببه فاذا أجازه الملتزم بعد زوال الاكراه صح دون حاجة الى تجديده خلافا لما ذهب اليه كثير من الفقهاء كالحنابلة وجمهور الشافعية اذ ذهبوا الى أنه باطل لا يقبل تصحيحا.

ووجه ما ذهب اليه الحنفية أن المكره وان لم يقصد بعبارته تحقيق أثرها الشرعى، الا أنه قصد التلفظ بالعبارة فصدرت منه صحيحة لأنها صادرة من أهلها فى محلها ولا ينقصها الا الرضى بأثرها وليس ما يمنع من أن يتحقق الرضى بعد صدورها فيصححها اذا تحقق وهذا خلاف ما ذهب اليه سائر المذاهب من أن التزام المكره باطل لا يقبل تصحيحا (ينظر مصطلح اكراه).

وكذلك لا يصح التزام السكران لعدم قصده مطلقا ذهب الى ذلك فريق من المالكية وآخرون من الحنابلة وفرق الجمهور بين أن يكون قد سكر بمحرم فيلزمه ما التزم به وحكمه فى هذه الحال حكم العاصى المتعقل لاقدامه على السكر وهو يعلم عاقبة أمره من زوال عقله فكان بذلك راضيا وقاصدا لما يصدر منه - وبين أن يكون سكر بما ليس بمحظور - كتناوله المسكر للتداوى أو لازالة غصة أو نحو ذلك حيث لا يجد خلافه فيكون حكمه فى هذه الحال حكم المجنون لا يصح منه التزام.

وذهب الظاهرية الى أن التزام السكران مطلقا غير صحيح

(1)

(ينظر مصطلح سكران).

وكذلك يشترط فى الملزم - أى من وجه اليه الالزام وهو ما ينتهى أمره الى أن يكون ملتزما - لما يلزم به والقدرة عليه وذلك نظرا الى ما فى الالزام من معنى الايجاب والتكليف ولا تكليف الا مع القدرة والمراد بالقدرة ما يتمكن بها الملتزم من أداء ما لزمه وهى شرط فى وجوب الأداء عليه لا شرط فى أصل الوجوب وشغل الذمة الذى هو أثر للالزام اذ أن التزام الشخص يكون بشغل ذمته بما التزم به وذلك يستلزم ذمته أيضا بأدائه عند توافر شروطه - وقدرة الملتزم انما شرطت فى وجوب الأداء لا فى أصل الوجوب فالمدين الميسر مشغولة ذمته بالدين وليست مشغولة بالأداء لقوله تعالى: «فَنَظِرَةٌ إِلى 2 مَيْسَرَةٍ» فاذا أيسر شغلت ذمته بالأداء أيضا. كما أن الكفيل على القول الأرجح عند الحنفية مشغولة ذمته بالأداء دون الوجوب لأن الكفالة على هذا الرأى ضم ذمة الى ذمة فى المطالبة بالدين والمطابلة انما هى أثر لوجوب الأداء. ولذا صدر الالتزام من جانب واحد بأن ألزم شخص نفسه بشئ اعتبر ذلك من قبيل التبرع كما فى العقد من جانب واحد اذ يتم الالتزام بايجابه دون توقف على قبول

(1)

المغنى ج 7 ص 114 فتح القدير ج 3 ص 345 المحلى ج 10 ص 209، ج 8 ص 49 النيل ج 3 ص 623 الأزهار ج 3 ص 35 المدونة ج 6 ص 52 الام ج 3 ص 209 المحلى ج 8 ص 49 وج 9 ص 19، ص 20 ومذهب الشيعة تحرير الأحكام ج 2 ص 98 - 107

(2)

الآية رقم 180 من سورة البقرة.

ص: 248

من أحد ودون أن يستوجب شيئا للملتزم فى مقابلة التزامه فيشترط فى الملتزم حينئذ ما يشترط فى المتبرع وهى أهلية المتبرع شرعا بأن يكون غير محجور عليه لسفه أو (لدين) دية ان كان الملتزم به مالا أو اسقاطا. وعلى هذا فلا التزام ممن لا يعقل كالمجنون والطفل ونحوهما اتفاقا ولا من الصبى المميز لقصور عقله ولا المعتوه والنائم حال نومه اتفاقا والمغمى عليه - والتزام الصغير والمجنون بالزكاة فى أمر لهما على ما يراه أكثر الفقهاء من قبيل خطاب الوضع لا من قبيل خطاب التكليف وكذلك الوضع فى الزامهما بضمان المتلفات وعلى ذلك فيكون أثر ذلك حقا فى المال يلزم الولى بأدائه منه.

وكذلك لا يصح التزام السفيه بمال ولا يصح كذلك الزام المحجور عليه بالدين كذلك بمال لآخر ولا يصح ابراؤهما بدينا لهما مادام الحجر قائما وفى ذلك تفصيل (انظر مصطلح حجر). ويشترط فى الملتزم به أن يكون معلوما للملتزم علما يمكنه من أداء ما التزم به على الوجه المطلوب، والمراد بذلك أن يكون فى امكانه العلم به والوصول الى معرفته، اذ لو شرط العلم به فعلا لما استقام التكليف وذلك لاتساع المجال للاعتذار بعدم العلم وبناء على ذلك جوزوا الالزام بأحد أمور معلومة بحيث يكون للملتزم حق الخيار فيها كما جوزا بيع سلفه من ثلاثة يكون للمشترى حق تعيينها أو للبائع على ما ذهب اليه الكرخى من الحنفية خلافا للشافعية حيث لم يجوزوا البيع على هذا الوضع وكذلك جوزوا الكفالة بما سينشأ لشخص من دين لدى

(1)

آخر بمبايعته كأن يقول له ما بيعت فلانا فأنا كفيل بثمنه وكذلك جوزوا بيع انسان ما فى صندوقه لآخر، وان لم يكن معلوما له عند العقد وصحة الكفالة لما زاب لفلان على آخر، وعلى هذا الأساس جواز الالزام التحييد فى الملتزم به كما فى كفارة الايمان اذ خير الملتزم فيها بين الاطعام والكسوة وتحرير الرقبة لقوله تعالى:

«لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ 2 فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» كما جوزوا البيع مع خيار التعيين فى عدد من السلع لا يزيد على الثلاثة عند الحنفية ويصح اشتراطه للمشترى اتفاقا وللبائع عند الكرخى فيكون تعيين المبيع لمن اشترط له الخيار وخالف فى ذلك باقى المذاهب، وأن يكون الملتزم به مما يستطيع من وجه اليه الالتزام أن يفعله وأن يتركه فاذا كان من الأفعال التى لا قدرة له عليها لم يصح الالتزام. وينبنى على ذلك أنه لا يصح الالتزام بالمستحيل سواء أكان مستحيلا بالنظر الى ذاته وهو المستحيل عقلا، أو بالنظر الى غيره ويسمى بالمستحيل عادة كالطيران بغير طيارة فكل مالا يمكن وجوده لا يصح الالزام

(1)

شرائع الاسلام ج 1 ص 102، 104، 165، 195، 206، 256 فتح القدير ج 3 ص 343 الأم ج 5 ص 234 المحلى ج 8 ص 49 الأزهار ج 3 ص 435، 510 المغنى ج 5 ص 138، ج 6 ص 102، ج 8 ص 194 والمحلى ج 10 ص 344

(2)

الآية رقم 89 من سورة المائدة.

ص: 249

به وذلك محل اتفاق

(1)

ومما يتفرع على ذلك عدم صحة الالزام بما هو معدوم فى وقته وليس محتملا لأنه يوجب بعده، فلا يصح الالزام بازالة جدار لا وجود له لزواله من قبل كما لا يصح الالزام لتسليم ثمارات بستان جلت أشجاره لعدم احتمال وجودها فيما بعد، ولكن يصح الالزام بتسليم منزل ثم التعاقد على بنائه ويستفاد مما تقدم أن الملتزم به لا بد أن يكون ممكنا ولذلك قرر الفقهاء عدم انعقاد اليمين بالنسبة لمن حلف ليشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه غير أنه قد لوحظ فى بعض فروعهم ما يفيد أن الشرط فى انعقاد الالتزام جواز حصول تنفيذه فمن حلف ليقلبن هذا الحجر ذهبا انعقدت يمينه ومن كفل دينا تبلغ آلافا من الدنانير وهو فقير معدم لا يتصور منه الوفاء به انعقدت كفالته ذلك ما ذهب اليه الحنفية أما الشافعية فقد اختلفوا فمنهم من اشترط ولو حكما لانعقاد الالتزام امكان تنفيذه ومنهم من لم يشترط ذلك وعلى الأول لو نذر صيام أيام عديدة لا يطيق صومها لم يصح نذره

(2)

. أو مبيع ليس لدى البائع كما فى السلم والاستصناع وذلك لتوقع وجوده مستقبلا عند التنفيذ ويشترط فى الملتزم له أن يكون من أهل الاستحقاق فلا يصح الالتزام لدابة ولا لحجر ولكن يصح للمسجد وبجهات الخير على العموم لأنها فى حكم حر يملك ويشترط أيضا أن يكون قابلا لحكمه شرعا فلا ينشأ الالتزام بمبيع أرض موقوفة ولا يشترط فى الملتزم له أن يكون متعينا ابتداء أى عند نشوء الالتزام بل يكفى تعيينه عند استحقاق تنفيذ الالتزام. ومقتضى ذلك صحة الالتزام لمجهول فى البداية ومن ذلك صحة الجعالة فيمن التزم بجائزة أو جعل لمن يجد ضالته ويأتيه بها

وصحة الاقرار لمجهول كما اذا قال شخص لجماعة معينين لأحدكم على كذا، ومن الفقهاء من صحح الكفالة لدائن مجهول كأن يقول شخص لآخر أنا كفيل بما عليك من الدين.

‌شروط صيغة الالزام:

ويشترط فى الايجاب الصادر من الملتزم بالتزامه أن يكون دالا عليه دلالة قاطعة غير محتملة سواء أكان عبارة أو كتابة. فاذا كان الملتزم أخرس اكتفى باشارته (المفهمة الدالة على التزامه) ان كان لا يعرف الكتابة على الأرجح. وقيل لا يشترط ذلك مثال ذلك أن يقول: لله على نذر أن أتصدق بكذا، أو أسقطت حتى فى الشفعة، أو أجزت ذا العقد ونحو ذلك. ومثله أن يكتب ذلك أو أن يشير بما يدل على ذلك ان كان أخرس.

ويشترط فى العبارة أن تكون بصوت من شأنه أن يسمع، وان لم يسمعه الملتزم لضعف فى سمعه مثلا. والى هذا ذهب بشير ابن غياث الريس الحنفى ومن تبعه من الفقهاء واذا كان الايجاب بالكتابة وجب أن تكون كتابة مستبينة مرسومة فالمستبينة هى التى تبقى بعد الانتهاء منها فالكتابة على الماء لا اعتداد بها. والمراد بالمرسومة أن تكتب على النحو الذى تعارفه الناس فى مثلها فان كانت على غير ذلك كالكتابة على الجدران وأوراق الشجر فلا اعتداد بها.

(1)

تحرير الأحكام ج 2 ص 107 والمحلى ج 8 ص 25 مسألة رقم 1118 مطالب أولى النهى ج 2 ص 421 المغنى ج 11 ص 338 وكشاف القناع ج 4 ص 161 والدسوقى ج 2 ص 126.

(2)

الأشباه والنظائر للسيوطى ونهاية المحتاج ج 3 ص 257.

ص: 250

واذا كان اشارة وجب أن تكون اشارة دالة مفهمة لا احتمال فى دلالتها ويرى بعض الفقهاء أن يشترط للاعتداد بها أن يكون صاحبها عاجزا عن النطق والكتابة ويرى آخرون أنه لا يشترط الا العجز عن النطق .. ومن الفقهاء من لم يشترط عجزا عن أحدهما كبعض المالكية، والأول أرجح.

‌صيغة الالتزام وأحوالها:

ذكرنا فيما سبق أن الالتزام أثر للالزام وان الالزام قد يكون من الملتزم نفسه وذلك بأن يلزم نفسه بماله من الولاية على ذمته وعلى أمواله وقد يكون من غيره بماله من ولاية الزامه فاذا كان من الملتزم لنفسه كان ذلك بعبارته الدالة على ارادته واعتزامه التزام ما الزم به نفسه مثل قوله ألزمت نفسى بكذا أو التزمت بكذا أو العهد منى لك أن أؤدى كذا أو كفلت مالك من الدين فى ذمته ونحو ذلك من كل ما يدل على الالتزام ومن ذلك صيغ الايمان والنذر وان كان من غيره فقد يكون ممن له ولاية الالزام وهو الشارع أو ولى الأمر فيما تجب طاعته فيه وفى هذه الحال يتحقق الالتزام بعبارة الملزم فاذا قال الشارع كلفتك بكذا أو أمرتك بكذا التزم من وجه اليه الخطاب بما أمر به ومن ذلك أوامر الشارع المتعلقة بالعبارات والنفقات والديات والأروش والزكاة وغير ذلك مما أمر به الشارع أو أمر ولى الأمر كأمره بالزام الناس بدفع وظيفة مالية معينة سد الحاجة ضرورية أصبحت الأمة فى حاجة شديدة اليها وليس فى الأموال العامة ما يقوم بسدادها وما الى ذلك وقد يكون الالتزام نتيجة اتفاق بين الملزم والملتزم له وذلك كما فى العقود فان الالزام فى العقود ليس من العاقد وحده وانما هو نتيجة اتفاق طرفى العقد عليه وأثره التزام كل من العاقدين بما يلزمه به العقد وفى هذه الحال تكون صيغة الالزام هى صيغة العقد ويشترط فيها ما يشترط فى صيغة العقد اذ أنها ليست الا كذلك. وللصيغة الدالة على الالزام أحوال أربعة:

التنجيز والاضافة والتعليق والاقتران بالشرط - وقد رأى بعض الفقهاء ان الاقتران بالشرط يتناول التعليق والاضافة لأن الشرط ليس الا التزاما أضيف الى الالتزام الأصلى فصار جزءا منه والمسألة لا تعدو أن تكون مجرد اصطلاح اذ أن ذلك لا يخرج كلا من الاضافة والتعليق عن معناهما. وتكون الصيغة منجزة اذا لم تكن مضافة أو معلقة.

وعندئذ يترتب عليها أثرها اثر صدورها أو اثر تمامها وذلك بصدور الايجاب فى العقود الانفرادية التى تصدر من جانب واحد أو مع اقترانه بالقبول فى العقود التى تنشأ بين طرفين كأن يقول انسان وقفت أرضى هذه على الفقراء أو نذرت لله أن أتصدق بعشرة جنيهات على هذا الفقير اذ يلزمه ما التزم به من وقف أو صدقة بمجرد انتهاء عبارته فتصير الأرض وقفا وتشغل ذمته بعشرة جنيهات صدقة لفلان الفقير - وكأن يقول انسان لآخر بعتك أرضى هذه بألف جنيه فيقبل من وجه اليه الايجاب اذ يصير كل منهما ملتزما بما يتضمنه هذا العقد. وقد يكون الايجاب مضافا الى زمن مستقبل معين كأن يقول شخص لآخر كفلت لك دينك الذى لك فى ذمة فلان ابتداء من الشهر الآتى أو وقفت هذه الأرض على الفقراء

ص: 251

بعد وفاتى ففى ذلك وأشباهه تكون الصيغة مضافة وتنعقد سببا لالتزام الدين عند الحنفية أو سببا لوقف الأرض ولكن أثرها - وهو التزام الدين فى الصورة الأولى ووقف الأرض فى الصورة الثانية - يرجأ الى الزمن الذى أضيف اليه وهو الزمن المبين فى الايجاب فلا يصير كفيلا ملتزما بالدين الا من أول يومه من الشهر الآتى ولا تصير الأرض وقفا الا بعد وفاة الواقف وقد يكون الايجاب معلقا على شرط بأداة من أدوات التعليق أى رتب وجوده على وجود شرط محتمل الوجود فاذا وجد الشرط وجد الايجاب وتحقق الالتزام بتحقق سببه واذا لم يوجد لم يتحقق السبب ولم يوجد الالتزام - ولذا يشترط أن يكون الشرط الذى رتب عليه الالتزام شرطا معدوما جائزا وجوده وليس ارادة للملتزم كما يشترط فيه أن لا يكون محظورا جعل الالتزام سبيلا الى ارتكابه فاذا كان مستحيلا لم يتحقق الالتزام وكان الايجاب مجرد عبارة تدل على الرغبة فى عدم الالتزام - واذا كان موجودا عند صدوره كان الايجاب منجزا وكان الالتزام منجزا وكان التعليق صوريا لا أثر له. واذا كان مشيئة للملتزم لم يتحقق الالتزام وذلك كأن يقول شخص أنا كفيل لك بهذا المال ان شئت ذلك أو رغبت فيه اذ لا تتحقق بذلك ارادة الملتزم ولهذا اذا قال شخص ان ربحت تجارتى هذه ألف جنيه فأنا كفيل لك بدينك الذى لك قبل فلان فلا تتحقق هذه الكفالة الا اذا ربح هذا المبلغ من تجارته واذا قال لآخر أنا كفيل لك بدينك قبل فلان ان كانت ثروتى تبلغ ألفى جنيه وهى تصل الى هذا المقدار وقت الايجاب صار الايجاب منجزا وكان كفيلا فى الحال واذا قال أوصيت لك بكذا ان قتلت فلانا أو ضربته لم تصح الوصية لأنها أخذت وسيلة الى تحقيق أمر محظور - وهذا بخلاف ما اذا قال شخص لآخر أوصيت لك بكذا ان تلفت زراعة فلان اذا لم تتخذ الوصية وسيلة الى اتلاف الزراعة وان رتب على حدوث تلفها بأى سبب آخر هذا وقد يكون الشرط المعلق عليه أمرا ايجابيا وقد يكون أمرا سلبيا فاذا علق شخص كفالته لدين على أن يربح فى تجارته فى نوع كذا 100 جنيها فى شهر كذا كان الشرط أمرا ايجابيا هو ربحه 100 جنيه فى شهر كذا واذا علق كفالته للدين على أن لا تصيبه خسارة من تجارته فى شهر كذا كان الشرط أمرا سلبيا هو عدم لحوق خسارة له فى ذلك الشهر ولا يكاد يكون لهذا التنويع أثر من ناحية الحكم المبين وانما يظهر الأثر فى تحديد الوقت الذى يتحقق فيه الشرط فاذا أوصى لامرأة معلقا وصية على أن تكون زوجة لأبنه روعى ذلك عند وفاته فاذا توفى وهى زوجة لابنه كانت لها الوصية واذا أوصى لامرأة عزبة ان لم تتزوج من بعده أبدا روعى فى تحقيق الشرط أن تكون عزبة عند وفاته وأن تستمر هذه حالتها طيلة حياتها وذلك لتصريح الموصى بالتأييد فاذا تزوجت بعد وفاته بطلت الوصية واسترد منها ما أعطى لها

(1)

منها غير أنه لما لم يكن من المتصور ان يوصى انسان لآخر بعد وفاته فقد ذهبوا الى ان المراد ان تكون عند وفاة الموصى عليه غير متزوجة فاذا توفى وهى كذلك كانت لها الوصية ولكن اذا تزوجت بعد ذلك استرد ما أعطى لها أو قيمته لظهور بطلان الوصية بعدم تحقق الشرط ففى الشرط الايجابى يكفى

(1)

السيوطى ج 28 ص 91.

ص: 252

مجرد تحققه وفى الشرط السلبى يراعى تحققه مدة الوقت الذى جعله المعلق - مدة له - ويرى الحنفية أن الايجاب فى حال التعليق لا ينعقد سببا الا عند تحقق الشرط ولذا لا يستند أثره الى وقت صدوره بخلاف الايجاب المضاف اذ ينعقد سببا عندهم لأثره فى الحال ولكن الأثر يكون مرجأ الى الزمن الذى أضيف اليه الايجاب وهذا هو الفرق بين التعليق والاضافة وقد رتبوا على ذلك ان الوفاء بالالتزام قبل مجئ الوقت المضاف اليه مبرئ للذمة لأنه وفاء بعد تحقق سبب الالتزام فاذا وفى بنذره المضاف الى الزمن المستقبل قبل مجئ الوقت برئت ذمته وذلك كما اذا تصدق بالصدقة المنذورة قبل وقتها المضافة اليه بخلاف الوفاء قبل تحقق الشرط المعلق عليه الالتزام بالصدقة لنذوره فان الذمة لا تبرأ به لأنه وفاء قبل وجود الالزام ووجود سببه وليس يتصور سقوط قبل الوجود فلا براءة من دين لم يوجد ولم يوجد سببه وانما جاز ذلك بناء على أنهم أقاموا وجود السبب مقام وجود المسبب فى حال الاضافة وخالف فى ذلك الشافعية فلم يفرقوا بين الاضافة والتعليق الا من ناحية ان الاضافة تكون الى زمن معين محقق الوجود وان التعليق اضافة الى زمن غير معين قد يتحقق وجوده بوجود الشرط الذى جعل علامة عليه وقد لا يتحقق وعلى ذلك ينعقد الالتزام بالايجاب فى الحالين عند صدور العبارة فى حال التعليق وحال الاضافة وبناء على ذلك يكون الوفاء بالالتزام بعد تحقيق سببه مبرئا للذمة فى الحالين لحصوله بعد وجود الالتزام فعلا وان تأخر الأداء بسبب الاضافة والتعليق.

وفى الواقع ان ما ذهب اليه الحنفية من التفرقة بين المعلق والمضاف - من حيث عدم تحقق السبب فى التعليق الا عند وجود الشرط وتحققه فى الاضافة من وقت الايجاب - فرق اعتبارى غير بين فى الحقيقة وخاصة اذا كان التعليق على حلول وقت معين كما اذا كان الالتزام على حلول وقت كذا اذ لا فرق بين أن يقول وقفت ارضى غدا وبين أن يقول ان جاء الغد فقد وقفت أرضى حتى تنعقد الصيغة الأولى سببا فى الحال ويصح بها الوقف كما قالوا لأنها مضافة ولا تنعقد الصيغة الثانية سببا فى الحال ولا يصح بها الوقف لأنها معلقة وهو لا يقبل التعليق ولهذا ذهب ابن تيمية الى أن التعليق بحلول وقت معين اضافة فى المغنى ولا فارق بينه وبين الاضافة الا من حيث اللفظ والى هذا ما رأى بعض الحنفية كما فى حاشية الشلبى على تبيين الحقائق للزيلعى. والتعليق ينافى التنجيز ولا ينافى الاضافة فالالتزام لا يمكن أن يكون منجزا معلقا كما لا يمكن أن يكون منجزا مضافا ولكن يمكن أن يكون مضافا معلقا وذلك بين من ملاحظة معنى كل من هذه الأحوال ففى التنجيز تترتب الآثار على العبارة عند صدورها وفى الاضافة والتعليق نرجأ الآثار الى وقت مستقبل غير أن حدوث الآثار عند مجئ الوقت الذى أضيفت اليه فى حال الاضافة قد يكون مطلقا وقد يكون مقيدا حدوثها بوجود أمر آخر علقت عليه فاذا لم يوجد هذا الأمر المعلق عليه لم يوجد الالتزام أصلا ومن ثم كان التعليق غير مناف للاضافة مثال ذلك أن يقول شخص لآخر ان بلغ ما أملكه فى هذا الشهر عشرة آلاف جنيه فقد كفلت لك دينك قبل فلان ابتداء من الشهر التالى ومعنى هذا اذا تحقق ان بلغت ثروتى

ص: 253

عشرة آلاف جنيه فى هذا الشهر فقد التزمت بدينك ابتداء من الشهر الذى يلى هذا الشهر.

والالتزام قد يكون مع ذلك غير مقيد بشرط وقد يكون مقيدا اذا ما اقترن بصيغته شرط من الشروط سواء أكان ذلك فى حال التنجيز أم فى حال الاضافة أم فى حال التعليق فاذا اقترنت صيغة بشرط أصبح ذلك الشرط عنصرا من عناصر الالتزام ذلك لأن الاقتران بالشرط يكون بزيادة التزام آخر فى الالتزام الأصلى تتضمنه صيغة الالتزام وذلك ما يتصور تحققه فى كل حالة من هذه الأحوال مع ملاحظة أن لا يكون محظورا والا كان شرطا باطلا.

أما التأجيل فهو ارجاء التنفيذ الواجب حالا الى وقت مستقبل وذلك ما يخالف الاضافة من ناحية أنها تعد أرجاء الالتزام لم يجب فى الحال الى وقت مستقبل ففى الكفالة المضافة لا يكون الكفيل كفيلا فعلا الا عند حلول الوقت المعين حتى لو توفى قبله بطلت الكفالة ولا رجوع فى تركته بخلاف حال التأجيل فانه يعد كفيلا ارجئ الزامه الى وقت الحلول ولذا فان التأجيل يبطل بالموت وتصبح الكفالة منجزة ومعنى ذلك ان التأجيل ارجاء لتنفيذ الوفاء لا ارجاء للالتزام كما هو الحال عند الاضافة وان شئت قلت ان التأجيل اسقاط لحق المطالبة مدة من الزمن الى وقت حلول الأجل مع بقاء شغل الذمة بخلاف الكفالة المضافة اذ لا تشغل الذمة فيها الا عند حلول الوقت المضاف اليه ذلك هو مذهب الحنفية.

(وارجع الى مصطلح أجل ومصطلح اضافة) ذلك ما ذهب اليه الحنفية فى بيان أحوال صيغة الالتزام لكن ذلك ليس فى كل صيغة تفيد الالتزام بل تختلف صيغ الالتزام فى قبولها تبعا لما تدل عليه فمن الالتزام مالا تقبل صيغته التعليق فتبطل اذا علقت ومن الالتزام ما تقبل صيغته التعليق على شروط خاصة ومنه ما تقبل صيغته التعليق مطلقا وكذلك الحكم بالنسبة للاضافة فمن صيغ الالتزام ما يقبلها ومنها مالا يقبلها على أساس ما جوز الشارع اضافته وما لم يجوز اضافته ومنها ما هو مضاف بطبيعته كالوصية وكذلك الحال بالنسبة للاقتران بالشرط فمن الالتزام ما يقبل التقيد بأى شرط تتجه اليه رغبة الملتزم ما لم يكن محظورا ومنه مالا يقبل الا نوعا خاصا من الشروط والخلاف فى ذلك بين المذاهب خلاف عظيم متشعب وذلك بالنسبة الى ما يعد شرطا صحيحا يصح اشتراطه وما يعد غير صحيح لا يصح اشتراطه وقد يترتب على اشتراطه بطلان الالتزام وقد يصح معه الالتزام ولكن مع بطلانه والغائه وكذلك الحكم بالنظر الى التوقيت وقبول الالتزام له فمن الالتزام مالا يقبله وتوقيته يبطله أو يصح الالتزام ويلغو معه هذا التوقيت ومنه ما يقبله وهكذا تختلف الأحكام بالنظر الى اختلاف الالتزام أنواعا واختلاف الشروط وتنوعها وفى بيان أحكام ذلك على وجه التفصيل فى جميع المذاهب يرجع الى مصطلح (عقد) ومصطلح (اشتراط) ومصطلح (تعليق واضافة).

‌الغرض من الالتزام

تبين مما ذكر فى شروط الالتزام أنه لا يصح الالتزام بما هو محظور وأن الالتزام به باطل لا ينعقد وأنه لذلك يجب أن لا يتخذ وسيلة الى محظور ويكفى لثبوت ذلك سلامة عبارته عند جمهور الفقهاء خلافا للحنابلة الذين

ص: 254

اعتدوا فى ذلك بما يحف به من القرائن وجملة القول فى ذلك أن جمهور الفقهاء لم يعتدوا بما استتر فى النفس من غرض أو قصد باطن اذا كان محظورا اذ لا تصلح بواطن النفوس أساسا للحكم وانما مناط الأحكام بصدور العبارة الدالة على الالتزام صحيحة سليمة.

وخلاصة ما ذهب اليه كثير من الفقهاء فى هذا الموضوع: ان الملتزم اذا اتجهت ارادته من انشاء التزامه الى جعله وسيلة لتحقيق غرض لم يكن مقصودا للشارع من شرعه، فقد يكون هذا الغرض مباحا غير محظور وقد يكون محظورا حرمه الشارع. فاذا كان مباحا يؤثر ذلك فى صحة الالتزام اتفاقا، ذلك بأن الغرض فى هذه الحال حاجة للملتزم غير محظور عليه تحقيقها سداد العوذة ومنفعة له ومؤسسة عليه دون ضرر بأحد، وذلك مطلوب له وجائز شرعا وقد رأى التزامه طريقا الى ذلك فجعله وسيلة الى تحصيله فلا حرج عليه فى ذلك، ولمثل هذا شرعت الالتزامات على العموم.

واذا كان غرضا محظورا حرمه الشارع فان ضمن عبارته ما يدل عليه كان التزاما فاسدا باتفاق بين جميع الفقهاء لاقترانه بشرط محظور محرم. اذ يصير بذلك هذا الالتزام أمرا محظورا حرمه الشارع وكل محرم باطل فاسد وان لم يضمن الملتزم عبارته ما يدل عليه فقد اختلف رأى الأئمة فى ذلك فمنهم فريق سوى بين هذه الحال والتى قبلها فصحح الالتزام، ذاهبا الى أن العقود والالتزامات تعتمد دلالة العبارة دون نظر الى نيات المتعاقدين، ذلك لأن صدور عبارتها على وضعها الصحيح من أهل لاصدارها يدل ظاهرا على أن ارادة صاحبها ونيته قد اتجهت الى تحقيق الغرض الشرعى الذى قصده الشارع من شرعها، اذ أن اقدام الانسان على مباشرة ما جعله الشارع سببا ووسيلة الى مسبب معين دليل على ارادة تحقيق ذلك المسبب، فلا يحكم عليه بأنه أراد خلافه الا اذا تضمنت عبارته ما يدل على ذلك وعنئذ يكون ما تضمنه شرطا فى العقد جزءا من الالتزام فيفسد به.

وعلى رأس هذا الفريق كما تقدم الشافعية والحنفية. ومما ينبغى التنبيه اليه أن اعتدادهم بالباعث المحظور ليس متصورا على ما يكون مشرحا به فى عبارة الالتزام بل يتجاوز ذلك الى الحالات التى يكون فيها محل الالتزام دالا عليه معينا له، فاذا كانت طبيعة المحل تدل على أن السبب الذى دفع الى الالتزام غير مشروع كان العقد باطلا كما سيأتى بيانه. ومما يؤيد البيان السابق من مذهب أبى حنيفة ما جاء فى الزيلعى وجاء فى مختصر

(1)

الطحاوى: ومن كان له عصير فلا بأس عليه فى بيعه وليس عليه أن يقصد بيعه على من يأمنه أن يتخذه خمرا لأن العصير حلال، فبيعه حلال، وليس على بائعه الكشف عما سيفعله المشترى به

وانما يجوز هذا العقد اذا لم يذكر فيه صراحة ولا ضمنا أن يتخذه المشترى خمرا، والا كان فاسدا وجاء فى الأم وهو أوضح دلالة من غيره ..

أصل ما أذهب اليه: أن كل عقد كان صحيحا فى الظاهر لم أبطله بتهمة أو بعادة وبين المتبايعين. وأجزته لصحة الظاهر وأكره لهما النية اذا كانت بحيث لو ظهرت أفسدت البيع.

وكذلك أكره للرجل أن يشترى السيف على أن يقتل به .. ولا يحرم على بائعه أن يبيعه ممن يرى أنه يقتل به ظلما لأنه قد لا يقتل به،

(1)

مختصر الطحاوى ص 280.

ص: 255

فلا أفسد عليه هذا البيع .. وكذلك أكره للرجل أن يبيع العنب ممن يرى أنه يعصره خمرا ولا أفسد عليه البيع اذا باعه أياه .. لأنه قد باعه حلالا .. وقد يمكن ألا يجعله خمرا أبدا كما يمكن فى صاحب السيف ألا يقتل به أحدا

(1)

أبدا ومن الفقهاء فريق آخر لم يسو بين هذه الحال والتى قبلها متى صحب العبارة من الظروف والقرائن ما يدل على ارادة المحظور وعلى رأس هؤلاء الحنابلة ومما يدل على ذلك ما حكاه ابن القيم من أن: الحنابلة قد ذهبوا الى ابطال كل عقد تبين أن الباعث عليه أمر محظور سواء تضمنت صيغته ما يدل عليه أم لم تتضمنه وكان أمرا باطنيا معنويا وان جاز ألا يكون لأنه قد اتخذ وسيلة الى أمر غير مشروع ولم يجعله الشارع وسيلة الى محظور وفى تصحيحه اعانة على المعصية والاعانة عليها بأى طريق أمر محظور، ولا يحتج بسلامة العبارة وخلوها مما يدل عليها، فان الوصول اليها بطريق الغش والخديعة وعلى وجه الخفاء قد يكون أشد نكرا وأعظم أثما من الوصول اليها بطريق ظاهر علنى؛ لأن الأمر المعلق الظاهر قد يمكن تداركه وتلافيه والحذر منه بخلاف الأمر الخفى وقد تضافرت أدلة الشريعة وقواعدها على أن القصور فى العقود معتبرة وأنها تؤثر فى صحة العقد وفساده وفى حله وحرمته، كما أثرت فى الفعل الذى ليس بعقد ولا الزام فيكون حلالا أو حراما تبعا لاختلاف النية والقصد منه، كما قد يعد صحيحا تارة وفاسدا تارة أخرى بناء على ذلك كذبح الحيوان يكون حلالا اذا ذبح باسم الله ويحرم اذا ذبح باسم الصنم وغير ذلك مما يماثله كثير، وقد قال صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى وهذا عام يعم العبادات والمعاملات والأقوال والأفعال، وهو دليل على ان من نوى بالبيع ربا قارف الربا، وليس يعصمه منه صورة البيع .. ومن نوى بالزواج التحليل كان تيسا مستعارا كما دل على ذلك الحديث، ولا يبعده عن ذلك صورة عقد الزواج .. اذ ليس الشأن للأسماء وصور العقود وانما الشأن لحقائقها ومقاصدها وما عقدت لأجله، وما مثل من وقف عند الظواهر والصور والألفاظ ولم يراع المقاصد والمعانى الا كمثل رجل أمر بألا يسلم على صاحب بدعة فذهب اليه فقبل يده ورجله ولم يسلم عليه

(2)

.

أما مذهب مالك: فيدل عليه فى المدونة - قال مالك: لا يعجبنى أن يبيع الرجل داره ممن يتخذها كنيسة، ولا أن يؤجرها منه ولا أن يبيع شاته من مشرك اذا علم أنه انما يشتريها ليذبحها لوثنه - وقال أيضا اذا أجر المسلم داره الى نصرانى ليبيع فيها الخمر فالاجارة باطلة، وقال الاجارة على القتل أو على الضرب أو على ما لا يجوز شرعا غير جائزة

(3)

.

وفى الحطاب: ويحرم بيع الحربين آلة الحرب من سلاح ونحوه مما يتعودن به فى الحرب، ويحرم بيع الدار وشرائها ممن يتخذها كنيسة أو ممن يجعل فيها الخسر.

(1)

الأم ج 3 ص 75.

(2)

اعلام الموقعين مع تصرف.

(3)

المدونة الكبرى للامام مالك ج 11 ص 13 الى ص 67.

ص: 256

وفى الشرح الكبير للدردير: ويمنع بيع كل شى علم أن المشترى قصد به أمرا لا يجوز كبيع جارية لأهل الفساد، وبيع أرض لتتخذ كنيسة أو خمارة، وبيع العنب لمن يعصره خمرا والنحاس لمن يتخذه ناقوسا، والفروع من ذلك كثيرة (انظر مصطلح عقد).

‌انعقاد الالتزام ونفاذه

اذا كان الالتزام نتيجة للارادة المنفردة كما فى الوقف والنذر ونحوها انعقد بصدور العبارة الدالة عليه وهى الايجاب متى صدرت من أهل الالتزام فى موضوع مستطاع غير محظور. واذا كان نتيجة لعقد نشأ بين طرفين انعقد بصدور الايجاب والقبول من ذى الأهلية فى محل استوفى شرائطه وترتبت على انعقاده على هذا الوجه آثاره والتزام منشئه بها وذلك مع مراعاة ما بيناه فيما سبق من أنه يجب أن لا يتخذ وسيلة الى محظور كأن يدل الايجاب الصادر به على ذلك على ما اختاره كثير من الفقهاء أو تدل عليه القرائن والظروف المحيطة به على ما ذهب اليه الحنابلة ومن ذهب مذهبهم وبناء على ذلك فان ذمة الملتزم تشغل به فيصير واجبا عليه مطلوب الأداء منه للملتزم له كما يعد حقا له يثبت له به حق المطالبة وهذا ما يتمثل فى موضوع الالتزام.

‌موضوع الالتزام:

وموضوع الالتزام قد يكون ايجابيا وقد يكون سلبيا: فاذا كان التزاما بفعل كأداء الدين وتسليم البيع وقيام الأجير بعمله كان الموضوع ايجابيا وهو الكثير من أحوال الالتزام. واذا كان التزاما بامتناع عن فعل كالتزام المضارب بأن لا يعمل فى غير بلد العقد، والتزام مستأجر الدابة بأن لا يخرج بها من البلد كان موضوع الالتزام سلبيا - وكثيرا ما تكون الالتزامات السلبية ثابتة بحكم الشارع كمبدأ عام أريد به صيانة الحقوق والأموال ومنع الاعتداء عليها، كما تكون نتيجة لاشتراط أضيف الى العقد مثل أن يشترط على المضارب مثلا أن لا يتجر فى بلد معين أو أن لا يتجر فى نوع معين من السلع، ومثل أن يشترط على المستأجر أن لا يؤجر العين لغيره ونحو ذلك من الشروط التى تحقق مصلحة لمن اشترطها ولا تتنافى مع مقتضى العقد.

وقد يرى أن قواعد الفقهاء تقضى بأن لا يكون محل العقد الذى ينشأ بين طرفيه مجرد امتناع عن عمل كالتعاقد على أن لا يقوم أحد المتعاقدين بفتح محل تجارى فى مكان معين لأن ذلك عدم والعدم لا يقابل بالمال فيما تقضى به أصولهم وانما المطالب أن يكون الامتناع لازما من لوازم العقد وآثاره غير المباشرة وذلك مثل الامتناع عن استعمال الوديعة اذ أنه لازم من لوازم العقد.

هذا وان الالتزام فى الفقه الاسلامى قد يكون التزاما بتسليم عين كما فى الكفالة بتسليم الأعيان المضمونة على ذى اليد، وقد يكون التزاما بالمحافظة عليها كما فى عقد الوديعة، وقد يكون التزاما بدين كما فى الكفالة بالدين، وقد يكون التزاما بعمل كما فى اجارة الأجير، وقد يكون التزاما باسقاط كما فى الابراء، وقد يكون التزاما بتوثيق كما فى البيع

ص: 257

بأجل يشترط فيه تقديم رهن بالثمن أو تقديم كفيل. وفى الالتزام بالدين قد يكون الدين نتيجة قرض أو حوالة أو كفالة أو شراء بأجل أو نتيجة سلم وقد يكون نتيجة اتلاف لمال الغير وقد يكون مصدره مجرد حكم الشارع كما فى النفقات الواجبة.

أما الالتزام بالعمل فانه يكون أثرا لاجارة أجير خاص أو مشترك، أو لعقد مضاربة أو مزارعة أو مساقاة أو استصناع.

غير أن الالتزام فى هذا العقد التزام بعمل وبعين أما الالتزام بالاسقاط فيكون فى نحو الابراء والاعتاق.

وهكذا يرى أن الالتزامات فى الفقه الاسلامى كثيرة متعددة ومن استعراضها يرى أن الالتزام فى الشريعة لا يحمل معنى الزام صاحبه التزاما دائما يتعلق بتركته بعد وفاته بل قد ينقضى بوفاته فى بعض الأحوال كما فى الالتزام بالزكاة والنفقات أو بالحفظ فى الوديعة والعارية.

كما يرى أن محل الالتزام قد يكون مالا كما فى الالتزام بالعين وبالدية وقد يكون غير مال كما فى اسقاط حق الشفعة وحق الكفالة، كذلك يلاحظ أن الالتزام فى الفقه الاسلامى قد يكون لشخص معين كما فى الالتزام بالدية وقد لا يكون كذلك كما فى الالتزام الناشئ عن الجعالة والالتزام فى بعض أحوال النذر.

‌أنواع الالتزام

والالتزام نوعان:

قسرى واختيارى، فالقسرى ما كان نتيجة لالزام ممن له حق الالزام، وذلك كما فى المطلوبات الدينية التى ألزم الله بها عباده من زكاة وصدقات وحج وصلاة ونفقات وجزى

(1)

وغير ذلك من المطلوبات الشرعية، ومثلها المؤن المالية التى جعل لولى الأمر حق فرضها على الرعية كالخراج

(2)

وجميع الوظائف المالية التى تقضى مصالح الدولة العامة بفرضها على أصحاب الأموال سياسة شرعية.

والاختيارى ما كان بارادة الانسان واختياره، ويكون بالزام الانسان نفسه بأمر لم يكن مطلوبا منه من قبل وهو نوعان:

النوع الأول: ينتج عن تعاقد وارتباط بين الانسان وغيره، وهذا التعاقد قد يكون لازما لا يستقل أحد طرفيه بفسخه كما فى الاجارة والكفالة

(3)

بالنسبة للكفيل والرهن بالنسبة للراهن وما أشبه ذلك، وقد يكون غير لازم فيستقل أحد طرفيه بفسخه كما فى الهبة والوكالة والشركة. والمضاربة

(4)

والعارية والقرض.

النوع الثانى من الالتزام الاختيارى:

هو ما صدر عن عهد قطعه الانسان على نفسه بارادته المنفردة وهو ثلاثة أنواع:

(1)

جمع جزية وهو ما يؤخذ من الذمى من مال جزاء حمايته وبقائه على دينه.

(2)

الخراج وظيفة مالية يفرضها الامام على الأرض التى أخذت عنوة وأعطيت لغير الفاتحين بقصد استثمارها جزاء انتفاعهم بها.

(3)

الكفالة الضمان وهى ضم ذمة الى ذمة أخرى فى المطالبة بما يشغلها من دين.

(4)

عقد يتم بين صاحب مال وآخر على أن يعمل فيه نظير الاشتراك فى الربح.

ص: 258

الأول: ما يظهر أثره بمجرد صدور العبارة كالعتق والنذر والكفالة عند بعضهم والوقف والوصية واليمين والاسقاط عند بعضهم والطلاق والاجازة وغيرها.

الثانى: ما يتوقف ظهور أثره على علم من التزم له كالتوكيل والعزل والايجاب الملزم والفسخ بخيار الشرط والوعد والتفويض بالطلاق.

الثالث: مالا يترتب عليه أثر الا بالقبض كالهبة والعارية. والالتزام له صور مختلفة وأحكام تختلف باختلاف صوره، فان كان معاوضة اشترط فيه شروط المعاوضة، وان كان تبرعا وجب أن تتوافر فيه شروط التبرع وهكذا ما هو مفصل فى موضعه فليرجع اليه من شاء.

وكذلك يلاحظ أن من الالتزام ما يتوقف تمامه على القبض كما فى العارية والهبة والقرض عند جمهور الفقهاء وأن منه ما يتم بصدور العبارة الدالة عليه كما فى الكفالة والاسقاط وأن منه ما يكون باتا ملزما للملتزم وذلك فى أكثر أحواله ومنه مالا يكون باتا ملزما للملتزم وهو الزام التبرع عند الجمهور وكذلك يلاحظ أن منه ما يعد تخبيريا كما فى الالتزام بأداء شئ من عدة أشياء كما فى الالتزام باعطاء مبلغ كذا من المال أو سيارة أو قطعة من الأرض وقد يكون التزاما بدليا كما فى الالتزام باعطاء مبلغ كذا من المال على أنه ملزم باستبداله بسيارة ان لم يتيسر له المبلغ عند الأجل كما قد يكون موضوعه واحدا كما سبق. (أنظر تفصيل ذلك فى مصطلحاته الخاصة).

‌تعدد موضوع الالتزام

الغالب فى أحوال الالتزام أن يكون موضوعه أمرا واحدا متعينا كما فى الالتزام بكفالة مبلغ معين أو بكفالة تسليم عين ونحو ذلك وقد يتعدد موضوعه وذلك عند التخير فيه ومن صور ذلك بيع شئ من شيئين أو من ثلاثة أشياء فيكون للمشترى الخيار فى تعين واحد منها وفى بيان أحكامه ومذاهب الفقهاء فيه يرجع الى (مصطلح بيع وخيار).

ومن صور ذلك أيضا الالتزام بأمر من عدة أمور يقوم بها الملتزم كما اذا التزم شخص لآخر بكفالة دينه قبل فلان ان شاء أو بكفالة تسليمه العين المغصوبة عند فلان غاصبها أو بأداء مبلغ كذا من المال (عند من يرى الالتزام بهذا) وما ألزم به الشارع فى كفارة الايمان، وفى هذه الحال تبرأ ذمة. الملتزم بأدائه أو بقيامه بواحد من هذه الأمور ويكون الخيار فى تعيين الملتزم به اما للملتزم كما فى كفارة اليمين وأما للملتزم له وذلك بحسب ما يتم الاتفاق عليه بين الملتزم والملتزم له.

ومن صور ذلك أيضا أن يلتزم الشريك بأن يقدم حصته فى الشركة مبلغا من النقود أو عرضا هو قماش أو نحوه مما تم الاتفاق على الاتجار فيه عند من يرى صحة الاشتراك فى رأس مال الشركة بالعروض وفى هذه الحال يكون خيار التعيين للشريك عادة وهو الملتزم ومحل الالتزام فى هذه الحال هو واحد مبهم من هذه الأمور المعينة فى صيغة الالتزام وليس هو مجموعها ولا واحد معين منها وعلى ذلك يرى أن التعدد فيها صورى فقط لا حقيقى

ص: 259

ولهذا يتحقق الوفاء بالقيام بأمر منها وان كان كل واحد منها قبل الاختيار صالحا لأن يكون محلا للطلب واذا أصبح القيام بأمر معين من هذه الأمور مستحيلا سقط الطلب بالنسبة له كما اذا تلف أحدها أو خرج عن ملكه بالتصرف فيه وكان الخيار فيما بقى حتى اذا لم يبق ممكنا الا أمر واحد تعين للوفاء بلا اختيار واذا توفى من له حق التعيين قبل أن يختار انتقل ذلك الحق الى ورثته لأن حق تعيين الدين المطلوب الى صاحبه والدين محل للوراثة وبعد حدوث الاختيار يتعلق حق الملتزم له به:

(ارجع فى ذلك الى مصطلح شركة ومصطلح كفارات).

‌آثار الالتزام

يترتب على الالتزام شغل ذمة الملتزم بما التزم به من فعل أو امتناع عن عمل فان كان فعلا وجب عليه الوفاء به بأدائه متى كان التزاما منجزا حالا وكان للملتزم له حق مطالبته بالوفاء وله حق اجباره عليه بواسطة القضاء وان كان امتناعا عن عمل وجب عليه الوفاء بذلك وكان للملتزم له الزامه بذلك بواسطة القضاء وتحمل تبعة مخالفته لهذا الالتزام اذا تسبب عن ذلك ضرر مالى فالمضارب اذا اتجر بالمال فى البلد الذى التزم بعدم الاتجار فيه يصبح ضامنا لهذا المال فاذا تلف ولو بغير تعد أو تقصير كانت يده على المال يد ضمان فيكون ضامنا له واذا ربح كان الربح له عند الحنفية لا لصاحب المال ولكنه غير طيب

(1)

له، فيتصدق به لأنه يعد ربح مال مغصوب ولبيان رأى سائر المذاهب فيه (راجع مصطلح غصب ومضاربة).

‌مصادر الالتزام:

المراد بمصدر الالتزام: هو السبب المباشر بشغل الذمة بالملتزم به وهو عبارة عن واقعة رتب عليها الشارع حكما فوصفت بناء على ذلك بأنها واقعة شرعية. وهذه الواقعة قد تكون راجعة الى ارادة الانسان وقد لا يكون لارادته فيها دخل فهبوب العواصف وانفجار البراكين وحدوث الزلازل ونحو ذلك من القوى القاهرة التى تسبب حالة اضطرار رتب عليها الشارع فى بعض أحوالها نقض بعض التزاماته المتوقعة على الامكان كما اذا حالت دون امكان انتفاع المستأجر بالعين المستأجرة اذ تسقط عندئذ الاجرة وينفسخ العقد أو حالت دون قيام الوديع بحفظ الوديعة فهلكت بناء على ذلك اذ لا يكون عليه حينئذ ضمان.

وهذه الواقعة قد تكون من عمل انسان لا ارادة له كالمجنون يتلف مالا لغيره فانه يلزمه الضمان. وقد تكون من عمل انسان له ارادة ولكن ليس لارادته دخل فيها كالولادة اذ يترتب عليها حقوق للمولود قبل أبويه وكالموت اذ ثبتت به للورثة حقوق فى تركة مورثهم.

ومنها ما يرجع الى ارادة الانسان وما يرجع الى ارادة الانسان أكثره أعمال مادية قد يريد عند احداثها أثارها التى رتبها الشارع عليها وقد لا يقصد ذلك فى احداثها ولكن لا يحول ذلك دون ترتب أثرها عليها.

(1)

حاشية أبو السعود على مثلا مسكين ج 3 ص 189.

ص: 260

وفى هذه الأعمال ما يرجع الى ارادة الشخص وحده كالوقف والوصية فى بعض أحوالها وهو العقد من جانب واحد.

ومنها ما يرجع الى ارادته مرتبطة بارادة طرف آخر وهو العقد من جانبين.

وبناء على ما تقدم نستطيع أن تقرر أن الوقائع الشرعية بجميع أنواعها هى مصادر الروابط والحقوق وعلى ذلك تنحصر مصادر الالتزام فيما يأتى:

‌أولا - العقد:

بمدلوله العام وهو الالتزام الشرعى المبرم سواء كان من طرفين كالبيع والاجارة والرهن ونحوها أم كان من جانب واحد كالوقف والنذر والوصية لجهات البر ونحوها - واستعماله فيما يتم بين طرفين هو الكثير الغالب فى عبارات الفقهاء وعندئذ يكون سببا فى التزامات متبادلة بين طرفيه تترتب عليها حقوق لكل منهما قبل الآخر - أما اذا كان من جانب واحد فلا يترتب عليه الالتزام من ذلك الجانب يترتب عليه حق لغيره وهو من تم الالتزام له دون أن يكون له فى نظير ذلك أى جزاء ومن ثم كان من قبيل التبرع.

ويعرفه الفقهاء بالنظر الى مدلوله كثير الاستعمال بأنه ما يتم به الارتباط بين شخصين متعاقدين من كلام أو ما يقوم مقامه أو هو الربط بين كلامين - أو ما يقوم مقامهما صادرين من شخصين على وجه يترتب عليه أثره الشرعى اما بالنظر الى مدلوله الآخر فهو الكلام الصادر من شخص واحد كاشف عن ارادته فى انشاء التزام شرعى فترتب عليه أثاره من الزامه بما التزم به وثبوت ذلك حقا لمن التزم له وذلك بناء على ارادته المنفردة وللارادة المنفردة من حيث انشاء الالتزام وترتب الآثار الشرعية المختلفة عليها مجال واسع وهو فى مذهب مالك أوسع منه فى المذاهب الأخرى ومثله فى ذلك مذهب الشيعة الجعفرية ويلاحظ ان الالتزام المترتب على العقد قد يكون أثرا مباشرا له مقصودا من انشائه كما فى الكفالة وغيرها بالنظر الى النتائج المباشرة وقد يكون أثرا غير مباشر ولكنه مكمل لآثارها كما فى عقد البيع بالنظر الى الالتزام بتسليم المبيع وسلامته وتسليم الثمن فى موعده وهكذا والناظر الى التصرفات الشرعية يتجلى لنظره وجود طوائف ثلاثة من الالتزامات أو التصرفات.

الأولى: لا تتم ولا يترتب عليها الالتزام الا بالايجاب والقبول المرتبطين ويدخل فيها البيع والاجارة والشركة والمزارعة ونحوها.

الثانية: تنشأ وتتم بارادة واحدة يكشف عنها كلام صاحبها فيترتب عليه التزامه بمجرد صدوره ويدخل فيها الوقف والنذر والوصية لجهات البر والعتق والطلاق والوعد على ما ذهب اليه كثير المالكية من القول يترتب الالزام عليه خلاف لجمهور الفقهاء الذين ذهبوا الى أن الالتزام فيه تفضل من الملتزم له أن يعدل ويرجع عنه.

الثالثة: تحل محلا وسطا بين الطائفتين السابقتين ذلك لأنها تنشئ التزاما من جانب واحد لا يقابله التزاما من الجانب الآخر فهى من جانب الملتزم تصرف فى خالص حقه ومن

ص: 261

مقتضى ذلك عدم توقفه على القبول ولكن هذا الالتزام لا يتم ولا يترتب عليه أثره الا بقبول من وجه اليه الالتزام ويدخل فى ذلك التبرعات كالهبة والرهن وما فى معناهما وفى تفصيل أحكام ذلك فى المذاهب يرجع الى مصطلح (عقد ووعد وتصرف).

ومما يتصل بسببه العقد الالتزام بالمعروف من صدقة أو حبس أو هبة جائزة أو قرض على وجه الصلة وطلب البر وما أشبه ذلك من الوجوه المعروفة بين الناس فى احتسابهم وحسن معاشرتهم فانه فيما يرى المالكية لازم لصاحبه لا يقبل منه الرجوع عنه ولصاحب الحق فيه اذا ما كان معينا أن يطالب به ويخاصم الملتزم فيه أمام القضاء فيقضى عليه بما التزمه. أما اذا كان غير معين كالفقراء فالمشهور من مذهب مالك ان الملتزم بذلك يؤمر بالوفاء ديانة ولا يقضى عليه به لعدم تعين صاحبه ولأن القضاء به يخرجه عما قصد اليه به من الثواب لاخراجه بعد القضاء به كارها والقربة يجب أن تخرج عن اختيار وطواعية حتى يثاب عليها.

ومن المالكية من ذهب الى أن الحاكم يجبره على التنفيذ اذا علم بذلك دون حاجة الى مخاصمة أو ادعاء والقولان فى المدونة وعلى هذا الرأى يكون هذا من قبيل العقد الانفرادى الذى ينشأ من جانب واحد وأساس ما ذهب اليه المالكية الاحتجاج بقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ 1 تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» }. غير انهم قد ذهبوا الى أنه اذا كان شئ مما تقدم قد صدر على وجه الحلف والتعليق قصدا الى فعل شئ أو امتناع عن شئ فانه لا يقضى به اذا تحقق الشرطو انما يجب الوفاء ديانة سواء كان الملتزم له معينا أم غير معين وهذا هو المشهور من مذهب مالك ووجه هذا ان الحالف انما قصد أن يمتنع عما حلف الا يفعله والمنازع انما قصدا للحاجة وتحقيق المنازع فيه وليس لأحدهما قصد الى صدقة وهذا بخلاف الصدقة المسبلة الى الله تعالى من غير تعليق فانها ان كانت لمعين حكم بها باتفاق والا ففى الحكم بها خلافهم.

ومن المالكية من ذهب الى أنه يقضى على الملتزم فى هذه الحال - قال ابن دينار:

اذا قال شخص لامرأته ان تسريت عليك فالسرية صدقة عليك لزمه ذلك ان تحقق الشرط وكانت صدقة لها حتى اذا أعتقها لم ينفذ عتقه وقال ابن نافع اذا باع رجل لآخر سلعة وقال له ان خاصمتك فيها فلك كذا ثم خاصمه لزمه ما التزم به وعلى هذا الرأى يمكن تخريج ما يسمى بالشروط الجزائية.

وكذلك ذهبوا الى أن الالتزام اذا حدث على سبيل المخاطرة لم يكن ملزما عندهم كما اذا قال أحد الخصمين للآخر لان لم آتك ببينة أو بمستند على دعواى فى وقت كذا فدعواى باطلة فمثل ذلك لا يلزمه وخالف الجمهور فى ذلك فذهبوا الى أن مثل هذا الالتزام فى جميع صوره لا يلزم صاحبه وله الرجوع عنه متى شاء لأنه التزام بتبرع وما على المحسنين من سبيل.

(1)

الآية رقم 2، 3 من سورة الصف.

ص: 262

ومما يدخل تحت الالزام بناء على العقد الزام المدين بأداء ما فى ذمته الى من أداه عنه لا على سبيل التبرع وذلك بناء على أنه انما قام بما هو نفع للمدين دون أن يستوجب عليه ضررا جديدا ومثل ذلك مما يحمد وما يحمد يعد مأذونا به فكان حكمه فى ذلك كالوكيل بوكالة يوجبها العرف

(1)

.

‌ثانيا - الزام الشارع:

وهذا مثل الالزام بالديات والأروش وقيمة صيد الحرم عند الاعتداء عليه أو الصيد مطلقا عند الاعتداء عليه من محرم وكفارات الايمان والظهار والافطار عمدا فى رمضان والالزام بما أوجبه الشارع فى الأموال من زكاة وعشر حلى وغيرها والالزام بما يجب من النفقات بوجه عام فان الذمة فى جميع هذه الأحوال تشغل بما يجب أداؤه شرعا من مال لالزام الشارع به اما عقوبة زاجرة عن عمل حرمه أو معونة فرضها لتكون ركيزة من ركائز التعاون الذى يتطلبه بناء المجتمع وبخاصة فى أعضاء الأسرة الواحدة أو بين ذوى القربى.

‌ثالثا: الفعل الضار بمال الغير:

ونعنى به كل فعل ترتب عليه ضرر مالى لشخص آخر كتلف أو نقص أو تعييب أو ذهاب بعض منافعه أو تغييره أو خلطه بمال الغير أو حيلولة بين المال وصاحبه ويشمل ذلك الاتلاف والتفويت والتعييب والتغيير والغصب وخلط المال بمال آخر على وجه يمنع الانتفاع به ومنع صاحب المال من الانتفاع به ونحو ذلك من كل ما يترتب عليه ذهاب المال أو نقص قيمته أو رفع يد المالك عنه وسواء فى ذلك أن يقع ذلك على سبيل الاعتداء كما اذا حدث من مكلف مع القصد اليه فى مال مملوك لغيره بغير اذن من مالكه وان يقع لا على سبيل الاعتداء كما اذا حدث ذلك من مجنون أو طفل لا يميز أو من نائم حال نومه اذ أن ما يحدث من هؤلاء ومن هم فى حكمهم لا يعد اعتداء لأن الاعتداء لا يكون الا عند المخالفة لما تجب طاعته من الأوامر ولا وجوب عند عدم التكليف ولذا كان ترتب الالتزام والضمان فى هذه الأحوال من قبل الحكم الوضعى أى ترتب المسبب على سببه الشرعى.

فكل هذه الأفعال تستوجب الزام من أحدثها بضمان ما ترتب عليها من الضرر فيلزم بقيمة ما أتلفه من المال كلا أو بعضا أو بقيمة ما انتقصه وذلك على أساس جبران النقص وذلك بالزامه بالفرق بين القيمتين قيمته قبل أن يصيبه الضرر وقيمته بعد ذلك وانما تجب القيمة اذا كان المال التالف قيميا اما اذا كان مثليا فالالزام يكون بالمثل.

وسواء فى الالتزام بذلك ان تحدث تلك الأعمال المسببة للضرر فى مال مملوك لغير من أحدثها أو فى مال مملوك له اذا تسبب عنها ضرر بغيره كما اذا حدثت فى مال تعلق به حق الغير فمس الضرر هذا الحق ومثال ذلك الرهن يعتدى عليه الراهن فيلزم بالتعويض محافظة على حق المرتهن - وهو محل اتفاق بين جميع المذاهب غير أنه فيما يجب ملاحظته فى هذا المقام ان ما يحدث من هذه الأفعال

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 178.

ص: 263

من ضرر يتعلق بمنافع الأعيان لا يترتب عليه التزام بالتعويض عنها عند الحنفية وذلك بناء على أنها ليست بأموال عندهم ولا تعويض الا فى الأموال لأن أساس التعويض المبادلة بين العوض والمعوض عنه ولا مبادلة جائزة بين مال وما ليس بمال وعلى ذلك لا تضمن المنافع ولا يلزم متلفها أو المفوت لها بعوض عنها ولو كان ذلك فى سبيل مصلحته وانتفاعه وقد استثنوا من ذلك منافع الأموال الموقوفة وأموال اليتيم والمعد للاستقلال استحسانا للمصلحة.

وخالف ذلك جمهور الفقهاء فذهبوا الى تضمين المنافع والزام متلفها بالضمان.

وقد اتفقت جميع المذاهب الاسلامية على عدم الزام من أحدث ضررا أدبيا بأى تعويض عنه بناء على ما ذكرنا من أن أساس التعويض المعاوضة ولا معاوضة الا من مال وغير مال والمنافع الأدبية لا تعد مالا باتفاق. وفى تفصيل أحكام ذلك يرجع إلى (مصطلح منافع ومصطلح ضمان أو تضمين).

‌الضرر المباشر والضرر غير المباشر:

تبين مما سبق ذكره ان مناط الالزام بالضمان هو تحقق الضرر المالى فعلا نتيجة لفعل ضار غير أن هذا الضرر قد يحدث نتيجة مباشرة لما باشره المعتدى من فعل دون أن يتوسط بينهما فعل آخر وقد يحدث مع توسط فعل آخر بينهما وفى هذه الحال الأخيرة يجب أن نفرق بين حالين.

حال يكون الفعل المتوسط هو السبب المباشر للضرر بحيث يقطع نسبة الضرر عادة الى الفعل السابق عليه على الرغم من أن له دخلا فى حدوث الضرر ولولاه ما حدث.

وحال لا يكون توسط الفعل واتصاله بحدوث الضرر وترتبه مانعا من نسبة الضرر الى الفعل الأول ففى الحال الأولى يقتصر الالزام بالتعويض على من أحدث الفعل الثانى المتوسط لانتفاء نسبة الضرر الى الفعل الأول وعلى هذا قيل اذا اجتمع المباشر والمتسبب فى أحداث الضرر قدم المباشر على المتسبب وذلك كمن حفر بئرا فى طريق عام فأسقط انسان آخر حيوانا فيه فأتلفه فان الالتزام بالضمان يكون على من أسقط الحيوان لا على من حفر البئر لما ذكرنا اما اذا وقع فيها حيوان بدون أن يدفعه الى ذلك فعل من آخر فان الالزام بالضمان يكون على الحافر أما اذا حفر بئرا فى أرضه فتردى فيها حيوان فلا ضمان عليه لعدم اعتدائه.

وفى استيفاء أحكام هذه الحال فى جميع المذاهب يرجع الى (مصطلح ضمان).

‌رابعا - تلف المال تحت يد ضمان:

اليد على مال الغير قد تكون يد أمانة وقد تكون يد ضمان فهى يد أمانة اذا وضعت على المال بمسوغ شرعى كاذن من مالكه أو اذن من الشارع ولم يرد دليل من الشارع على تضمين صاحبها وهى يد ضمان فى غير هذه الأحوال - وذلك اذا وضعت اعتداء أو وضعت بغير اعتداء ولكن ورد عن الشارع ما جعلها يد ضمان.

ص: 264

وحكم يد الأمانة: عدم الزام صاحبها بتعويض ما يتلف من مال تحتها الا اذا كان تلفه نتيجة اعتداء أو تقصير فى حفظها وذلك كيد الوديع ويد المستأجر على العين المستأجرة.

وحكم يد الضمان هو الزام صاحبها بضمان ما يتلف تحت يده بأى سبب من الأسباب وان لم يكن له يد فيه وذلك كمن وضع يده على مال لغيره بدون اذن من صاحبه فاذا أصاب هذا المال تلف أو نقص تحت يده كان ضامنا لما تلف أو لما نقص تحت يده وذلك بضمان قيمته ان كان قيميا أو بمثله ان كان مثليا ومثل ذلك يد المستعير فانها يد ضمان عند الشافعية والحنابلة ويد أمانة عند الحنفية والمالكية وأساس ذلك ورود ما يدل على تضمين المستعير فيما يرى الأولون وعدم صحة ذلك عند الآخرين ومن ايدى الضمان يد القابض على سوم الشراء أو النظر عند الشافعية والمالكية والحنابلة وعلى سوم الشراء عند الحنفية دون يد القابض على سوم النظر عندهم فانها يد أمانة وأساس رأى الأولين كما قالوا انها يد وضعت لتكون وسيلة الى شراء العين أى الى دخولها فى ضمان المشترى فألحق بذلك ما كان وسيلة اليه مادام ذلك هو الغرض من وضع اليد حتى لا يصاب مالك العين بضرر يلحقه من جراء وضع اليد عليها بأن تفوته فرصة ببيعها أو عرضها للبيع اما الحنفية فقد اعتبروا حال القبض على سوم الشراء بحال المشترى مع اشتراط الخيار له. اذا قبض المبيع فانه يقبضه على ضمانه بجامع سبق الاتفاق على اجراء العقد وعلى الثمن اما فى حال سوم النظر فان القابض قد قبض العين باذن من مالكها ليتروى فى أمره فكان حكمها حكم الوديعة. وفى تفصيل ذلك وبيان أحكامه، يرجع الى (مصطلح اعارة ويد وبيع).

‌خامسا - الحيلولة:

جاء ذكر الحيلولة بين المال وصاحبه كسبب من أسباب الالتزام بالضمان يلزم به من أحدثها فيتعلق بذمته ضمان ذلك المال وان كان لا يزال قائما موجودا على حاله وذلك فى كتب الشافعية والمالكية والحنابلة عند بيانهم لأسباب الضمان فى بعض المسائل فذكر فى هذه الكتب ان التضمين فى هذه المسائل سببه الحيلولة بين المال وصاحبه وذلك بناء على أنها فى حكم الاتلاف لما يترتب عليها من عدم انتفاع المالك بماله الذى حيل بينه وبين ماله فكان مثله مثل المال التالف لا ينتفع به - والحيلولة فى أكثر مسائلها لا تكون الا مع سبق يد الحائل الى المال وقد يكون وضع يده عليها بحق كالوديع الذى يتسبب فى اعطاء الوديعة لآخر يمنعها عن صاحبها فانه يضمن قيمتها له للحيلولة وقد يكون بغير حق كأن يضع انسان يده على مال لغيره ويمنعه عن صاحبه قوة منه واقتدارا.

ومن صورها أن يكون المال فى يد انسان فيقر به لفلان ثم يقربه لفلان آخر ويقضى به للثانى فانه فى هذه الحال يضمن المال للمقر له الأول للحيلولة بينه وبين ماله (باقراره به للثانى).

والحيلولة تعد سبب للالتزام بالضمان بمعنى شغل الذمة بالضمان فقط مادام

ص: 265

المال الذى حيل بينه وبين مالكه قائما ميسور الرد اذ الواجب حينئذ هو رد المال الى صاحبه باتفاق المذاهب وليس لصاحبه ان يطالب بقيمته واذا أعطيت القيمة فى هذه الحال ملكها صاحب المال ملك قرض وانتفع بها انتفاع القرض وعليه ردها اذا رد اليه المال وان حل له أخذها منعا للضرر عنه بسبب عدم انتفاعه بماله - واما اذا تعذر رد المال الى صاحبه بسبب من الأسباب مع بقائه فانها عندئذ تكون سببا لتضمين والزام الحائل بأداء القيمة الى صاحب المال

(1)

وفى تفصيل أحكامها يرجع اليها فى (مصطلح حيلولة).

‌سادسا: الغرر

ويريد به الفقهاء الحمل على قبول مالا خير فيه بوسيلة كاذبة ترغب فيه ويظهر منها أن فيه المصلحة ولو عرفت حقيقته ما قبل.

والغرر قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل فيكون فى العقود فيقبل الانسان عقدا يحسب ان مصلحته فى انشائه أو قبوله فانه خال من الغبن ثم يتبين له أنه قد خدع فيه وأنه على خلاف ما ظن وما كان يرغب فيه ويكون فى الأفعال كما فى الحمل على سلوك طريق على ظن أنه أمن أو على مباشرة فعل ظن أنه غير محظور ثم يتبين أنه على خلاف ذلك.

والذى يقينا من الغرر ما يؤدى بالمغرور الى اتلاف مال على ظن أن له حق اتلافه أو الى احداث ما يتسبب عنه تلف مال لشخص لآخر أو الى قبول المغرور أن يوجد فى مركز يعرضه للالتزام بضمان تلف لم يكن يلزمه لولا وجوده فى هذا المركز استجابة لغروره. ومن أمثلة ذلك:

1 -

أن يأمر حائز لشاة غيره بذبحها لحاجة الى لحمها فيذبحها المأمور على ظن أنه مالكها بناء على وضع يده عليها ثم يتبين أنها ليست له.

2 -

أن يستأجر شخص أجيرا لبناء جدار فى فناء داره فيسقط الجدار بعد الفراغ من بنائه على حيوان الانسان فيتلفه ثم تبين أن المؤجر لم تكن له الدار ولا فناؤها - وفى هذه الصورة يرجع الأجير على مؤجره بما غرم.

3 -

أن يودع شخص مالا عند آخر فيتلف المال تحت يد الوديع ثم يظهر ان المال لم يكن لمودعه. ففى هذه الصورة يرجع الوديع على المودع بما ضمن.

4 -

أن يقول انسان لآخر اسلك هذا الطريق بمالك فانه طريق آمن لا خوف فيه فيسلكه فتسطوا اللصوص عليه ويغتصبوا ماله - وفى هذه الصورة اذا ضمن له المال ضمنه عند تلفه فى الطريق والا لم يضمنه اذ لم يكن عليه أن يصدقه.

واختلف الفقهاء فى تضمين الغار قيمة ما تلف بسبب غروره فذهب الحنفية الى تضمينه فى ثلاث حالات:

(أ) أن يكون فى مال مقبوض يرجع نفعه الى القبض كالمال لدى الوديع، يتبين أن مودعه غير مالك له.

(1)

الخرشى ج 2 ص 154 ونهاية المحتاج ج 5 ص 162 وكشاف القناع ج 2 من كتاب الغصب الطبعات السابقة.

ص: 266

(ب) ان يتضمن الغرور اشتراطا كما اذا زوجه امرأة على أنها حرة ثم تبين أنها رقيقة فان المغرور يرجع على الغار بما يغرمه لمالكها من قيمة ولدها.

(ج) أن يكون الغرور ضمن عقد معاوضة فاذا باع شخص أرضا فبنى فيها المشترى ثم استحقت الأرض رجع المشترى على البائع بقيمة البناء قائما، وفروع الحنفية تدل على أن الغرور القولى لا يستوجب الضمان الا اذا كان فى حال يغلب فيها الصدق عادة حتى يكون المباشر للاتلاف مغرورا له حق الرجوع على الغار والا فلا رجوع اذ أنه لا يجب عليه تصديقه ويرى المالكية فى الغرور القولى رأيين فى ايجابه الضمان على الغار والمشهور عندهم عدم ايجابه الضمان بخلاف الفعلى فانه موجب للضمان والى ذلك ذهب الشافعية وفى تفصيل أحكام الغرور وبيان أراء المذاهب يرجع الى مصطلح غرور

(1)

.

‌الالتزام وصلته بالذمة

ما تقدم أن الالزام ايجاب وأثره الالتزام وينبنى على ذلك ثبوت الملتزم به فى الذمة أى شغل ذمة الانسان بما ألزم به، فان كان فعلا مطلوبا منه شغلت ذمته بطلب أدائه.

وان كان أمرا محظورا شغلت ذمته بطلب الكف عنه وان كان تخييرا لم تشغل ذمته بطلب ولا بترك اذ لا الزام ولا تكليف فى التخيير.

ولما كان الأصل فى الذمة براءتها وعدم شغلها ابتداء بفعل أو بترك فان الالتزام لا يكون الا أثرا لسبب ترتب عليه وذلك ما تبين عند الكلام على مصادر الالتزام.

‌الالتزام والحق

لما كان الالتزام لا يكون الا بفعل أو بترك تشغل بهما ذمة الملتزم لمصلحة الملتزم له وذلك ما يعنى اختصاص الملتزم له بما التزم له به اختصاصا أقره الشارع، فأنه يبين من ذلك أن ما يلتزم به يعد حقا للملتزم له، لأن الحق لا يعدو أن يكون اختصاصا بشئ يقره الشارع لشخص سواء أكان اختصاصا بطلب أم بترك، ولا معنى للحق عند تصوره أنه مصلحة منحها الشارع لصاحبها ومنعها عن غيره وكانت فى الواقع تكليفا وعهدة بالنسبة الى من يطالب به ونتيجة ذلك أن الالتزام لا يكون الا بحق وان الملتزم به أخص من الحق اذ ان من الحقوق مالا يعد أمرا ملتزما به ثابتا فى ذمة شخص لشخص آخر كما فى حق الحضانة للحاضنة وحق الملكية وحق الشفعة وحق الانتفاع بالأعيان وجملة القول أن ما تشغل به الذمة اذا نظر اليه من ناحية الملتزم به سمى التزاما واذا نظر اليه من ناحية الملتزم له سمى حقا من قبيل تسمية الشئ باسم متعلقه اذ ليس الالتزام هو الحق ولكن الحق هو موضوع الالتزام ومتعلقه.

ومن الحقوق ما يطلب فتكون محلا لالتزام ما تطلب منه وذلك مطرد فى حقوق الله تعالى فهى دائما مطلوبة من عباده المكلفين بها الذين وجب عليهم أداؤها نتيجة لالزامهم بها.

(1)

الدر المختار ج 4 ص 179، ص 351 واتحاف الأبصار ص 277 والزيلعى ج 6 ص 145 ومنح الجليل ج 3 ص 786 والخرشى ج 7 ص 1 والشرح الكبير ج 3 ص 445 ونهاية المحتاج من كتاب الغصب، الطبعات السابقة.

ص: 267

أما حقوق العباد فمنها ما يعد قدرة وصلاحية أو مكنة لأصحابها فلا تقتضى مطالبة من غيرهم بأدائها لأنها لا تتعلق بذممهم وانما يقوم عليها نشاط أصحابها وتصرفاتهم وسعيهم كحق الملكية وحق التملك وحق التصرف وحق الانتفاع وحق التعاقد وحق الشفعة وحق الولاية بأنواعها وحق أرباب الوظائف فى وظائفهم وحق الادعاء وحق المالك فى اجازة التصرف وحق الواهب فى الرجوع فى هبته وحق الموصى فى الرجوع فى وصيته ونحو ذلك من كل حق لا يتمثل فى مطالبة من الغير بأداء.

ومنها ما يعد من قبيل الواجب المطلوب من الغير أداؤه أثرا لالتزامه وهى كل حق ترتب على التزام صدر من انسان لغيره نتيجة لالزامه نفسه أو لالزام من له الولاية عليه وجملة القول ان فقهاء الشريعة كثيرا ما يطلقون اسم الحق على الالتزام اذا ما نظر اليه من ناحية طالبه وهو لملتزم له ويطلقون عليه اسم الواجب اذا ما نظر اليه من ناحية الملتزم وقد يطلقون عليه اسم الحق فى الناحيتين فيقولون حق له وحق عليه.

وأظهر ما يتمثل فيه الالتزام فى الفقه هو الالتزام بالدين وذلك ما يعنى الالتزام بأدائه ويعده الحنفية مالا حكما له أكثر أحكام المال ويعده غيرهم مالا حقيقة.

وفى جريان أحكام المال جميعها عليه اختلفت الآراء وذلك ما يرجع فيه الى (مصطلح دين).

‌انتقال الالتزام

اذا كان الالتزام

(1)

التزاما بعمل أو بكف عن عمل فانه يكون التزاما شخصيا لا يقبل الانتقال من ذمة الى أخرى اما اذا كان التزاما بمال فانه يقبل الانتقال بالحوالة وذلك بنقل الدين من ذمة المدين الى ذمة شخص آخر وبناء على هذا النقل تبرأ ذمة المدين وتشغل بالمال ذمة من انتقل المال الى ذمته وهو المحال عليه فيحل محل المدين ويصير مدينا ملتزما للدائن المحال بالدين وذلك بناء على ما ذهب اليه الحنفية من أن الحوالة عقد ينتقل به الدين من ذمة المحيل الى ذمة المحال عليه وهو مذهب الشافعية والحنابلة اذ عرفوها بأنها نقل دين من ذمة المحيل الى ذمة المحال عليه وهو مذهب اليه المالكية من أنها بيع دين بدين

(2)

وهذه الحوالة هى ما تعرف بحوالة الدين، أما انتقال الالتزام بالدين الى ذمة أخرى بواسطة البيع ونحوه فيرجع فى بيان أحكامه الى مصطلح دين.

ومما يلاحظ فى الالتزام بالمال أو الالتزام بالدين ان الفقهاء من الحنفية قد ميزوا بين أمرين يتضمنهما هذا الالتزام وهما شغل الذمة بأصل الدين وهذا ما يعبر عنه بوجوب الدين فى الذمة وشغل الذمة بالأداء وهو التزام بفعل وليسا بمتلازمين فيجتمعان فى مدين بدين حال وينفرد بشغل الذمة بالدين دون شغلها بالأداء فى مدين بدين مؤجل وفى مدين لا يعقل كالمجنون والصبى الذى لا يميز اذ ليس أحدهما أهلا لتكليفه والزامه

(1)

الروض الندى ص 241 ونهاية المحتاج ج 4 ص 408 الطبعات السابقة.

(2)

الشرح الصغير ج 2 ص 135.

ص: 268

بأداء المال وينفرد شغل الذمة بالأداء فى الوكيل عن المدين بالوفاء وفى الوصى على المدين والقيم عليه فذمة هؤلاء مشغولة بالأداء بحكم ولايتهم مع أموال المدين وليست مشغولة بالدين وفى بيان ذلك تفصيل يرجع الى (مصطلح دين).

‌الالتزام بعد طروء الأعذار

سبق أن من الالتزام مالا يقبل معه من الملتزم عدولا عنه أو رجوعا فيه وهو الالتزام البات وان منه ما يقبل من الملتزم عدولا عنه وهو غير البات كالتزام التبرعات ونحوها على ما ذهب اليه الجمهور وليس طروء العذر على الالتزام غير البات أثر كما هو بين أما مع الالتزام البات فالعذر الطارئ قد يترتب عليه عدم التمكن من القيام به وقد يكون القيام به مع العذر ممكنا ولكن مع الضرر.

فان ترتب على العذر عدم تمكن الملتزم من القيام بالتزامه بطل التزامه اذ لا وجوب ولا الزام مع عدم الاستطاعة ومن ذلك عذر المؤجر بتلف الدابة التى استؤجرت بعينها وعذر الأجير بمرض عضال يحول بينه وبين العمل وعذر المستأجر بتلف محل العمل كما فى استئجار عامل لهدم جدار فسقط الجدار أو هدمه شخص آخر قبل الشروع فى العمل وكما فى استئجار طبيب لقلع ضرس ذهب ألمه واستغنى بذلك عن خلعه وكما فى استئجار دار هدمتها الأمطار قبل ابتداء مدة الاجارة وكما فى بيع دابة نفقت عند بائعها قبل تسليمها أو ضلت هى عنده فلم يعثر لها على مكان وكما فى انقراض المسلم فيه من الأسواق قبل موعد تسليمه وهذا مبدأ عام اتفق عليه الفقهاء ومسائله المتفرعة عليه فى أبواب الفقه عديدة

(1)

.

وان ترتب على العذر الطارئ ضرر بالملتزم اذا مضى فى تنفيذه وكان ضررا غير متوقع فان طروء العذر يجعل للملتزم حق الفسخ وبذلك يستحيل التزامه الى التزام غير بات جاء فى الدر المختار تفسخ الاجارة اذا لزم من المضى فيها ضرر لم يستحق بالعقد وذلك بناء على طلب المتضرر وجاء فى جامع الفصولين كل فعل سبب نقص مال أو تلفه فهو عذر يبيح طلب الفسخ كما اذا استأجر شخصا ليخيط له ثوبا أو ليقطعه ثم بدا له أن يعدل فله طلب الفسخ وفى الفتاوى الهندية:

الاجارة تنقض بالاعذار عندنا وذلك على وجوه.

اما أن يكون العذر من قبل أحد العاقدين أو من قبل المعقود عليه واذا تحقق العذر ذكر فى بعض الروايات أن الاجارة لا تنقض وفى بعضها انها تنقض ووفق مشايخنا فقالوا ان كانت الاجارة لغرض وقد فات ذلك الغرض أو وجد عذر يمنع من الجرى على موجب العقد شرعا انتقضت الاجارة من غير نقض وكل عذر لا يمنع من المضى فى موجب العقد شرعا ولكن يترتب على المضى فيه ضرر لا تنفسخ الاجارة به وانما يكون لصاحب العذر حق الفسخ - وثبوت حق الفسخ يستحيل معه الالتزام من التزام بات الى التزام غير بات ومما فرع على ذلك ما جاء فى المزارعة من انها عقد لازم الا بالنسبة لمن

(1)

جامع الفصولين ج 2 ص 113، ص 120 والدر المختار ج 5 ص 56 وما بعدها.

ص: 269

شرط عليه البذر قبل القائه فى الأرض فان له حينئذ أن يستقل بفسخها حتى لا يجبر على اتلاف ماله وهو البذر ببذره فى الأرض وقد ينبت وقد لا ينبت وقد تصبه آفة فلا يأتى بمحصول - وراجع مصطلح اجارة لتفصيل أحكام ذلك الموضوع فى مذاهب الفقهاء

(1)

.

‌انقضاء الالتزام

ينقضى الالتزام بسبب من الأسباب الآتية:

الأول: الوفاء يكون الوفاء بأداء الملتزم به ذلك لأن محل الالتزام هو محل الوفاء فاذا كان الالتزام بأداء مال كان الوفاء بأداء هذا المال واذا كان بتسليم عين كان الوفاء بتسليمها وهكذا ولما كان الوفاء اتفاقا بين الملتزم والملتزم له على مبادلة بين الحق الملتزم به وبدل يدفعه الملتزم نظير ذلك الحق فيملك بها الملتزم ما التزم به ويملك الملتزم له ذلك البدل لزم أن يكون الموفى أهلا للتصرف ومالكا لما أوفى به كما لزم فى الملتزم له أن يكون أهلا كذلك للتصرف واذا كان الملتزم به مالا جاز لطرفى الالتزام الاتفاق على الوفاء بما يقابل به ذلك المال من حيوان أو عرض يعطى بدلا عنه - والوفاء كما يكون باعطاء الحق كاملا يكون باعطاء بعضه واسقاط الباقى ويتم بأداء الملتزم أو بأداء نائبه أو بأداء متبرع عنه (راجع مصطلح وفاء).

الثانى: الابراء: وهو اسقاط الملتزم له ما التزم له به ويكون ذلك فيما يقبل الاسقاط كالديون والحقوق ويكون بكل لفظ يدل على الاسقاط كاسقطت وأبرأت ولا يصح فيما لا يقبل الاسقاط كالأعيان وعلى ذلك يبرأ المشترى من التزامه بالثمن اذا أبرأه منه البائع اذا كان الثمن دينا ثابتا فى الذمة ولا يبرأ البائع من التزامه بتسليم المبيع الى المشترى اذا أبرأه المشترى منه وكان عينا لأن الأعيان لا تقبل الاسقاط - والابراء فيما يقبله من الحقوق لا يتوقف نفاذه على القبول ولكن يرتد بالرد وهذا ما ذهب اليه الجمهور وذهب بعض الفقهاء الى أن نفاذه يتوقف على القبول والى هذا مال كثير من المالكية واليه ذهب زفر من الحنفية وفى بيان أحكامه وتفصيله (يراجع مصطلح ابراء واسقاط).

الثالث: انقضاء مدة الالتزام - وهذا اذا كان الالتزام مؤقتا كما فى الاجارة فينقضى التزام كل من طرفيها بانتهاء مدتها نتيجة لانتهاء العقد بانتهاء مدته وكما فى الكفالة المؤقتة فاذا كفل شخص آخر دينه لمدة شهرين فقط من وقت العقد ثم مضت هذه المدة انتهى التزام الكفيل ولم يجز مطالبته بالدين بعدها

(1)

الفتاوى الهندية ج 4 ص 458 الدر المختار ج 5 ص 56، ص 166 والبدائع ج 4 ص 197 وما بعدها.

ص: 270

(وراجع فى ذلك مصطلح كفالة) وكذلك حكم كل التزام وقته الملتزم وكان توقيته صحيحا فانه ينقضى التزامه بانتهاء وقته وذلك كما فى الجعالة والمزارعة والمساقاة والشركة والمضاربة والاعارة والوديعة عند توقيتها اذ ينقضى الالتزام فيها بانتهاء وقتها لانتهائها به (وارجع فى تفصيل هذه الأحكام الى مصطلح جعالة ومزارعة ومساقاة وشركة ومضاربة واعارة ووديعة).

الرابع: استحالة التنفيذ - قدمنا انه يشترط فى الملتزم به أن يكون غير مستحيل لأن الغرض من الالتزام التنفيذ والمستحيل غير قابل للتنفيذ وهذا بين فيما لا يتصور وجوده وهو المستحيل عقلا أما المستحيل عادة فقد اختلف فى انعقاد الالتزام به نظر الفقهاء فمنهم من سوى بينه وبين المستحيل عقلا كزفر والشافعى ومنهم من فرق بينهما فذهب الى انعقاده بالمستحيل عادة - وكذلك الحكم فى بقائه فمن ذهب الى اشتراط امكانه عادة فى انعقاده ذهب الى انقضائه اذا استحال التنفيذ عادة ومن ذهب الى اشتراط امكانه عقلا لاعادة ذهب الى عدم انقضائه باستحالة التنفيذ عادة والى انقضائه باستحالة التنفيذ عقلا

(1)

.

ومما يتصل بهذا فوات محل الالتزام بهلاكه اذ ينقضى الالتزام بذلك لاستحالة التنفيذ فى هذه الحال عقلا ومثل ذلك فى الحكم فوات بعض العقود عليه وعلى ذلك اذا استأجر سقيفة فانهدمت السقيفة قبل انقضاء مدة الاجارة بزلزال أو مطر انفسخت الاجارة فيما بقى من المدة وكذلك لو حلف ليكلمن فلانا اليوم فتوفى فلان أثناء اليوم قبل أن يكلمه انحلت اليمين.

وكذلك اذا حلف ليفعلن كذا يوم كذا فحبس ومنعه الحبس حتى مضى اليوم انحلت

(2)

اليمين.

الخامس: اتحاد الذمة: بحلول المدين محل دائنه فى الدين كله أو بعضه ومثال ذلك يظهر فى الوراثة فاذا كان المورث دائنا لوارثه بألف جنيه ولم يكن له وارث سواه فان الدين ينتقل بالوراثة عند الوفاة الى هذا الوارث ويحل فيه محل مورثه وبذلك يصبح دائنا لنفسه بهذا المبلغ وعندئذ يسقط التزامه بالدين اذ لا يلتزم الانسان لنفسه واذا كان الوارث للدائن أكثر من واحد فان الدين ينتقل اليهم جميعا بحسب أنصبائهم فى الميراث فاذا كان الورثة ثلاثة بنين وما لمورثهم من الدين ثلاثة آلاف جنيه فان الدين ينتقل اليهم أثلاثا لكل منهم ألف فاذا كان أحدهم مدينا لمورثه بألف من هذا الدين فقد اتحدت الذمة بالنسبة لألف فقط وسقط الالتزام بالنسبة اليه وهذا بخلاف ما اذا كان المورث مدينا لوارثه فان التركة

(1)

الدر المختار وابن عابدين ج 3 ص 109 وما بعدها والفتح ج 4 ص 67 وما بعدها ونهاية المحتاج ج 8 ص 200 وما بعدها.

(2)

جامع الفصولين ج 2 ص 170 والفتاوى الهندية ج 4 ص 51، ص 142.

ص: 271

تصير محملة بهذا الدين بعد وفاته باعتباره حقا لوارثه الدائن وعلى هذا اذا جرينا على القول المشهور عند الحنفية وهو أنه لا تركة الا بعد سداد الديون وان الدين على التركة يمنع انتقالها الى الوارث وان كان هو الدائن فانه يرى أن الذمة فى هذه الحال له تتحد لأن الدين لا يزال على التركة أو فى ذمة المتوفى الى أن يسدد وهو لذمة أخرى هى ذمة الوارث أما اذا جرينا على قول آخر عند الحنفية وهو أن الدين اذا كان للوارث لم يمنع انتقالها اليه فان الوارث حينئذ باعتباره قد أصبح مالكا لتركة محملة بدين هو له وهو باعتباره مالكا يكون مطالبا بأدائه والطلب لا يكون الا منه فعلى هذا الاعتبار يكون الطالب والمطالب شخصا واحدا ولذا تمتنع المطالبة اذ لا يطالب الانسان نفسه غير أنه يلاحظ أن الذمة مع ذلك لم تتحد اذ أن الوارث لا يعد مدينا فى هذه الحال وانما يطالب بأداء الدين بمقتضى ولايته والدين له وعلى هذا الوضع يكون الحكم بالنظر الى من يرى أن الدين مطلقا لا يمنع انتقال التركة الى الورثة اذ تكون الورثة مطالبين بأدائه بالنظر الى ولايتهم على التركة وتملكهم لها كما يطالب بذلك الوصى على التركة ويلاحظ أن اتحاد الذمة لا يترتب عليه سقوط الالتزام نهائيا واعتباره معدوما بل انه ليرى وجوب اعتباره قائما موجودا وذلك فى بعض الأحوال مثل حال تعيين الثلث الذى تنفذ فيه الوصية فاذا كانت التركة مدينة والدائن هو الوارث فان الثلث الذى تنفذ فيه الوصية هو ثلثها بعد اعتبار الدين مسددا وكذلك اذا كانت التركة دائنة والوارث هو المدين فأن ثلثها الذى تنفذ فيه الوصية هو ثلث التركة مضافا اليها قيمة الدين الثابت فى ذمة للوارث وعلى هذا الأساس يكون نفاذ وصية المورث الدائن أو المورث المدين - والكفيل بالدين مدين به للدائن ومطالب له به فاذا كان وارثا للدائن فمات الدائن وحل الكفيل محله فى الدين باعتباره وارثا له سقط التزامه ولم يسقط الدين وأصبح الدين للكفيل فى ذمة المدين ولكن اذا اتحدت ذمة المدين والدائن سقط الدين وبرأ الكفيل.

السادس - المقاصة: وهى تساقط دينين متساويين متماثلين لشخصين يدين كل منهما الآخر بأحدهما ويعرفها المالكية بأنها اسقاط مالك من دين على غريمك نظير ماله من دين عليك وهى فى الواقع الطريقة التى تسقط بها الديون عند وفائها فان الدائن بوفاء الدين اليه أى باعطائه مثل دينه يصير مدينا للمدين الموفى بما أعطاه اياه نتيجة ذلك أن يصبح كل منهما مدينا للآخر بمثل ما للآخر عليه من دين فيتساقط الدينان بسبب ذلك وان شئت قلت تمتنع مطالبة كل منهما الآخر بدينه لأنه اذا طالب أحدهما صاحبه بدينه عارضه بطلب مماثل لطلبه فلا يكون لأى من الطلبين فائدة أو نتيجة ولكل دائن حق المقاصة بين

ص: 272

ما هو مستحق عليه لدائنه وما هو مستحق له عليه اذا تماثل الحقان وكان كل منهما نقدا أو مثليا متحد النوع والصفة والجودة والحلول مع الآخر وتقع جبرية دون طلب من أحد فيتساقط الدينان ان كانا متساويين فى المقدار فان تفاوتا فيه سقط من الأكثر بقدر الأقل منهما وبقيت الزيادة.

وسقوط الدينين بالمقاصة هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة فتبرأ الذمة عندهم بالمقاصة براءة اسقاط لا براءة مطالبة أما الحنفية فيرون:

أن أثر المقاصة هو سقوط المطالبة لا نفس الدين الذى يبقى معها شاغلا للذمة عندهم اذ لا سبب لسقوط الدين وتلاشيه وثبوت حق للمدين لا يقتضى فراغ ذمته مما ثبت فى ذمته لدائنه. (ينظر مصطلح مقاصة).

السابع - الحوالة: وقد عرفها بعض فقهاء الحنفية بأنها نقل الدين من ذمة المدين المحيل الى ذمة المحال عليه - وعرفها بعض المالكية بأنها نقل الدين من ذمة بمثله الى ذمة أخرى وحكمها براءة ذمة المدين المحيل مما كان يشغلها من الدين وصيرورة ذمة المحال عليه مشغولة بهذا الدين بسبب نقله اليها والى هذا ذهب جمهور الحنفية وجمهور الحنابلة وجمهور الزيدية وهو رأى عند الشافعية ورأى الشيعة الجعفرية وأهل الظاهر أما جمهور المالكية فانهم يرون أنها مبايعة وهذا رأى لبعض الشافعية ولذا يعرفها هؤلاء بأنها بيع دين بدين أى بيع دين للمحال فى ذمة المحيل بدين للمحيل فى ذمة المحال عليه يحل به المحال فى هذا الدين محل المحيل ولذا اشترطوا لصحتها أن يكون المحال عليه مدينا للمحيل بمثل ما أحال به عليه من الدين خلافا للحنفية فانهم لا يشترطون هذا الشرط.

والنتيجة المترتبة على هذه الآراء هى سقوط الدين المحال به عن ذمة المحيل وصيرورة ذمة المحال عليه مشغولة بدين للمحال بدلا عما كان له فى ذمة المحيل وبناء على ما ذكر تكون الحوالة سببا يسقط ما تشغل به ذمة المحيل من دين للمحال وعلى هذا يبين كونها سببا من أسباب انقضاء الالتزام بالدين القابل للحوالة ولا تتم عند الحنفية الا بقبول المحال عليه أيضا ليتحقق رضاه بشغل ذمته اذ أنها تصبح مشغولة بدين جديد ولا يشترط المالكية والحنابلة والشافعية هذا الشرط وذلك لاشتراطهم فى صحتها أن يكون المحال عليه مدينا بمثل ما أحيل به عليه وليس يترتب عليها عندهم شغل ذمته بدين جديد وانما الذى يترتب عليها صيرورة ما تشغل به ذمته من دين للمحال بعد أن كان للمحيل ولبيان جميع الأحكام والآراء يرجع الى مصطلح حوالة.

الثامن - الموت: للالتزام صور متعددة مختلفة فى أحكامها وانما يسقط بالموت فى بعضها دون بعضها الآخر فاذا كان التزاما تكليفيا كانت أنواعه أربعة:

الأول: ما يكون النظر فيه ابتداء الى الفعل المطلوب لا الى ما فيه من مالية ان كان فيه مال ذلك لأن القصد منه الابتلاء والاختبار ولذا يغلب فيه معنى العبادة

ص: 273

ويندرج تحت هذا النوع الزكاة وصدقة الفطر والكفارات بأنواعها وفدية الصيام والحج وجزاء الصيد فى الاحرام وما الى ذلك.

الثانى: ما يكون النظر فيه الى الصلة والبر بالأهل والأقارب ويندرج تحته النفقات.

الثالث: ما يكون النظر فيه الى عقوبة المكلف جزاء له على جرم ارتكبه كالكفر أقام عليه ويندرج تحت الجزية.

الرابع: ما يكون النظر فيه الى معنى المؤونة والمال فيفرض فى الأموال كأجرة أو كوظيفة ويندرج تحته العشر والخراج وجميع الوظائف والضرائب المالية التى يفرضها الامام على الرعية لمصلحة ضرورية اقتضت ذلك.

والأنواع الثلاثة:

الأولى تسقط بالموت عند الحنفية فلا يؤخذ شئ من تركة المتوفى لأجلها الا بوصية منه فتجب حينئذ فى تركته وصية منه فى حدود ثلثها الا اذا أجازها الورثة.

أما سقوط النوع الأول فلغلبة معنى العبادة فيه ومن شروطها الطواعية والاختيار وذلك لا يتحقق الا اذا باشرها الانسان بنفسه أو بنائبه أو بايصاء منه فاذا مات ولم يصدر منه ذلك سقط لأن الميت ليس أهلا للابتلاء ولا يعد الوارث نائبا عنه فيها بحكم الشرع اذ تكون نيابته حينئذ جبرية والجبر ينافى العبادة.

وأما سقوط النوع الثانى فلعدم امكان قصد الصلة من المتوفى ولذا تسقط النفقات المتجمدة عن المدة الماضية سواء كانت للزوجة أم للأقارب ولا تؤخذ من تركته بعد وفاته الا اذا فارقها معنى الصلة فأصبحت التزاما بحكم قضائى أو بالتراضى بالنسبة الى نفقة الزوجة وأذن باستدانتها.

وأما سقوط النوع الثالث فلأن المتوفى ليس أهلا للعقوبة بعد وفاته حتى تؤخذ الجزية من تركته.

أما النوع الرابع وهو ما يغلب فيه معنى المؤونة فلا يسقط بالموت كالعشر والخراج وجميع الضرائب لأنها فرضت حقا فى المال والموت لا يذهب بالحقوق.

(راجع مصطلح عشر وخراج).

ذلك ما ذهب اليه الحنفية. وخالف فى ذلك الشافعية والحنابلة

(1)

اذ يرون ان جميع ما يلزم الانسان بتكليف لا يسقط بالموت سواء كان فيه معنى العبادة أم لا.

لأنها حقوق مالية تعلق بها حق الكافة أو حق الفقراء فلا يسقط بالموت وفى تعرف أحكام ذلك فى جميع المذاهب (يرجع الى مصطلحات زكاة وكفارة وفدية والى مصطلح نفقة وجزية ومصطلح خراج وعشر).

واذا كان التزاما ناشئا عن تعاقد لازم فان منه مالا يسقط بالموت كالالتزام الناشئ عن البيوع بما فيها السلم والناشئ عن القرض والناشئ عن الكفالة والحوالة والرهن. ذلك لأن الالتزام الناشئ عنها يتمثل فى حقوق

(1)

نهاية المحتاج ج 8 ص 200 وما بعدها وكشاف القناع ج 2 ص 176 وما بعدها.

ص: 274

للغير والموت لا يذهب بحقوق الناس ومنه ما يسقط بالموت وذلك فى العقود الآتية:

1 -

الاجارة فعقد الاجارة يقتضى الزام المؤجر بتسليم العين المستأجرة والزام الأجير بأن يقوم بالعمل الذى استؤجر له.

ويرى الحنفية ان وفاة كل من المؤجر والأجير والمستأجر تنهى التزامه سواء أبدأ فى الوفاء به أم لم يبدأ فينفسخ عقد الاجارة بالموت ويبطل ما ترتب عليه من التزام ان لم يبدأ فى الوفاء، أو ما بقى منه ان بدأ به ثم حصلت الوفاة قبل انتهائه وأساس ذلك أن عقد الاجارة ينعقد ساعة فساعة على حسب وجود المنافع عند استيفائها فاذا توفى أحد المتعاقدين انتهى العقد لعدم صلاحية المتوفى للاستمرار فى العقد بعد وفاته وذلك عند بعض الفقهاء كالحنفية خلافا لبعضهم كالشافعية وفى بيان ذلك تفصيل وأحكامه «يرجع الى مصطلح

(1)

اجارة».

2 -

المزارعة والمساقاة: فان من نتيجتهما التزام صاحب الأرض بتسليمها الى المزارع وتمكينه من العمل فيها والتزام المزارع بالقيام بما وجب عليه بالعقد والتزام صاحب الشجر والنخل بتمكين المساقى من العمل فيها والتزام المساقى بما وجب عليه بالعقد وهما عقدان لازمان عند الحنفية الا المزارعة بالنظر الى من شرط عليه البذر وذلك قبل بذره فى الأرض وقد ذكر الحنفية أن القياس يقضى ببطلان هذا التعاقد بوفاة أحد طرفيه سواء كان صاحب الأرض أو الشجر أم كان المزارع أو المساقى والى هذا ذهب ابن حزم ذلك لأن العقد انما يفيد حكمه بالنسبة الى عاقديه لا بالنسبة الى غيرهما اذ لا الزام بدون التزام وأثر العقد قاصر على من عقده فاذا توفى عاقده بطل العقد غير أن الحنفية قد خالفوا القياس فيهما لأن المصلحة قضت بذلك كما خالفوه فى الاجارة عند وجود العذر القاضى ببقائها بعد الوفاة فذهبوا الى أن هذا التعاقد سواء أكان مزارعة أم مساقاة لا يبطل بوفاة أحد طرفيه جملة ولكن على تفصيل يقضى بأنه اذا مات المزارع والزرع بقل لم يدرك ولم يستغن عن الماء ورغب ورثته فى القيام مقامه الى ادراك الزرع وحصاده كان لهم ذلك وبقيت المزارعة على شروطها الى انتهاء مدتها أو حصاد الزرع والا لم يجبروا على العمل لأنهم لم يلتزموه وكذلك الحكم فى المساقاة اذا مات المساقى والشجر فى حاجة الى العمل فيه حتى ينضج ثمره فلورثته اذا أرادوا أن يقوموا مقام مورثهم فى العمل الى ادراك الثمر.

وفى تفصيل أحكام ذلك وبيان رأى المذاهب فيه (يرجع الى مصطلح مزارعة ومصطلح مساقاة

(2)

.

(1)

راجع نهاية المحتاج ج 8 ص 230 والأم ج 3 ص 255.

(2)

راجع البدائع ج 6 ص 184 وما بعدها والانقروية ج 2 ص 316 وحاشية أبى السعود ج 3 ص 36 والفتاوى الهندية ج 5 ص 281 والبدائع ج 4 ص 223 ونهاية المحتاج ج 4 ص 189.

ص: 275

واذا كان الالتزام فى عقد لم يتم بسبب عدم قبض محله كالهبة قبل القبض والاعارة قبل قبض العارية والرهن قبل قبض المرهون والقرض قبل اقباض المال المقترض - فان وفاة أحد العاقدين قبل التمام تبطله عند الحنفية ويتبع ذلك انقضاء التزام كل من العاقدين عندهم فوفاة كل من الواهب والموهوب له تبطل الهبة اذا حدثت قبل القبض ووفاة كل من المقرض والمقترض تبطل التزام المقرض اذا كانت قبل القبض وكذلك الحكم فى الاعارة اذا توفى المعير أو توفى المستعير وفى الرهن اذا توفى الراهن أو المرتهن وذلك هو مذهب الحنفية اذ يرون اشتراط بقاء العاقدين فى جميع هذه العقود حيين الى تمامها اما اذا توفى أحدهما فان العقد يبطل بذلك لأن القبض من تمامه ولا يبقى له وجود بعد وفاة أحد عاقديه حتى يتصور تمامه بعد عدمه وخالف فى ذلك المالكية فذهبوا الى الزام الواهب والمقرض والراهن والمعير بما التزم به بمجرد صدور العبارة الملزمة منه وفى بيان أحكام ذلك وتفصيله فى المذاهب المختلفة (يرجع الى مصطلح هبة وقرض واعارة ورهن).

واذا كان الالتزام: ناشئا عن عقد غير لازم كالوكالة والشركة والمضاربة والجعالة والوصية فان ما يترتب على الوكالة من الزام الوكيل بما التزم به والزام الموكل بنتيجة تصرف الوكيل يبطل بموت أحدهما وكذلك الحكم فى الشركة اذا توفى أحد الشركاء انتهى التزامه فيها ولا يحل ورثته فيها محله الا بعقد جديد بينهم وبين سائر الشركاء الأحياء وفى المضاربة ينتهى عقدها بوفاة المضارب أو رب رأس المال عند الحنفية وفى بيان أحكام ذلك وتفصيله فى جميع المذاهب (يراجع مصطلح شركة ومضاربة ووكالة).

أما الجعالة فانها تنتهى بوفاة الجاعل قبل اتمام العمل عند من يرى صحتها وهم غير الحنفية اذ يرى الحنفية بطلانها وفى بيان أحكام ذلك من حيث وفاة الجاعل بعد الشروع فى العمل أو بعد الانتهاء من العمل (يرجع الى مصطلح جعالة).

وأما الوصية فانها مضافة الى وفاة الموصى ولذا كانت وفاة الموصى شرطا فى نفاذها وانما تبطل بوفاة الموصى له حال حياة الموصى باتفاق وفى تفصيل ذلك (يرجع اليه فى مصطلح وصية).

واذا كان الالتزام ناشئا بارادة الملتزم المنفردة غير مقابل بشئ من المال أو العمل فاما أن يضيفه الملتزم الى ما بعد وفاته وهو الوصية وقد سبق الحكم فيها واما أن يلتزمه حال حياته منجزا غير مضاف الى الموت ويتمثل هذا فى النذر وفى التزام المعروف والصلة وفى الوعد أو العدة وفيما يلى بيان الحكم فيه:

‌النذر:

النذر هو التزام قربة لله تعالى بصيغة تدل على ذلك كنذرت لله كذا من صوم أو حج أو أن أتصدق بمبلغ كذا ونحو ذلك ويجب الوفاء به متى استوفى شروط صحته ويسقط بموت الناذر عند الحنفية فلا يؤخذ من تركته شئ من المال لأجله الا أن يوصى فيكون

ص: 276

ذلك وصية وقد يكون لمعين وقد يكون لجهة من جهات البر وفى بيان أحكام ذلك تفصيلا فى مذاهب الفقهاء (يرجع الى مصطلح نذر).

‌الزام المعروف أو الصلة:

يفترق هذا الالتزام عن النذر بأن النذر كما ذكر التزام قربة لله تعالى فاذا لم يكن ذلك الالتزام مقصودا به القربة الى الله تعالى لم يكن نذرا وأطلق عليه اسم الالتزام بالمعروف أو بالصلة، فاذا كان الملتزم به ليس معروفا بأن كان أمرا منكرا فالالتزام به باطل

(1)

اتفاقا.

والالتزام بالمعروف هو الالتزام بما لا يلزم شرعا وليس منكرا.

وحكمه أنه غير ملزم قضاء وان طلب الوفاء به ديانة وذلك ما ذهب اليه الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية وأهل الظاهر لأن الملتزم فى هذه الحال يلتزم لا فى مقابلة عوض من الملتزم له فكان لذلك متبرعا والمتبرع لا يلزمه الوفاء قضاء بما تبرع به لقوله تعالى:

«ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ 2» .

وذهب المالكية الى أن الزام شخص نفسه شيئا من المعروف سواء أكان ذلك مطلقا أو معلقا على شرط كان ذلك منه فى حكم العطية ويتم ذلك بصيغة تدل على الالزام وأركانه أربعة كأركان الهبة.

الملتزم والملتزم له، والملتزم به والصيغة ويشترط فى كل ركن من هذه الأركان ما يشترط فى أركان الهبة (راجع مصطلح هبة).

غير أن الركن الثالث وهو الملتزم به لا يشترط فيه أن يكون عينا كما هو الحاصل فى الهبة بل قد يكون بكل ما فيه منفعة واذا كان الالتزام بغير عوض فلا يتم الا بالحيازة ويبطل بالموت والفلس قبلها كما فى سائر التبرعات.

ويصح الالتزام مع جهالة الملتزم به متى كان فى الامكان العلم به عند التنفيذ كما لو التزم شخص لآخر بربحه فى بيع سلعة معينة فانه يقضى عليه به بعد البيع اذا كان لمعين والا لم يقض به وانما يؤمر بالوفاء ديانة

والالتزام بالمعروف فيما يرون يتناول الصدقة والهبة والحبس والعارية والعمرة والرقبى والعرية والمنحة والارفاق والاخدام والاسكان وهذا بمعناه الأعم.

أما بالمعنى الأخص المعروف فلا يراد به الالتزام بمال يعطى على وجه التبرع على وضع لا يعد شيئا مما ذكر والواقع أن الفرق

(1)

راجع فتح القدير ج 3 ص فى أول باب النذر ونهاية المحتاج ج 8 ص 211 وما بعدها والشرح الكبير ج 2 ص 162 ومنتهى الارادات ج 2 ص 562، ص 563 والمحلى ج 8 ص 28 مسألة 1125 وتحرير الأحكام ج 2 ص 105 وما بعدها ونيل الأوطار ج 8 ص 202 وما بعدها وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 296 وج 3 ص 442.

(2)

الآية رقم 91 من سورة التوبة.

ص: 277

بين هذه الحقائق انما هو أمر اعتبارى اعتبره الفقهاء فى كل باب وهو لازم للملتزم به يقضى به عليه ما لم يفلس أو يمت أو يمرض مرض الموت ان كان الملتزم له معينا ولا خلاف فى ذلك عند المالكية الا على القول بأن الهبة لا تلزم بالقول وهو خلاف المعروف من المذهب وقد نقل ابن رشد الاتفاق على لزوم الهبة بالقول وفى المدونة أن من أشهد على نفسه بأنه ضامن بما قضى به لفلان على فلان لزمه ما أوجبه على نفسه من الكفالة وان لم يقبل المكفول له لأن ذلك معروف أوجبه الملتزم على نفسه وفيها أيضا من ضمن لرجل ماله من دين على ميت لزمه ذلك ولم يكن له أن يرجع وعلى ذلك من التزم بالانفاق على شخص مدة معينة أو مدة حياة المنفق أو المنفق عليه أو الى أن يقدم فلان من سفر لزمه ذلك.

واذا كان الملتزم له غير معين كالفقراء والمساكين فالمشهور من مذهب مالك أن الملتزم يؤمر بالوفاء ديانة ولا يقضى عليه به لعدم تعين صاحب الحق، ومن المالكية من ذهب الى أن الحاكم يجبره على التنفيذ اذا علم بذلك دون حاجة الى مخاصمة أو ادعاء والقولان مدكوران فى المدونة واذا كان الالتزام على وجه الحلف أو التعليق قصدا الى فعل شئ أو الى امتناع عن فعل شئ فلا يقضى به ولو تحقق الشرط وانما يجب الوفاء به ديانة سواء أكان الملتزم له معينا أم غير معين وهذا هو المشهور فى المذهب ذلك لأن الملتزم انما قصد بالتزامه أن يفعل شيئا أو أن يمتنع عن فعله وهذا ما يخرج الالتزام عن معنى قصد البر من الملتزم ومن المالكية من ذهب الى أنه يقضى عليه بذلك فقد نقل عن ابن دينار أنه قال من التزم لأمرأته بأنه ان تسرى عليها فالسرية ملك لها فتسرى كانت ملكا لها حتى اذا أعتقها لم ينفذ عتقه والمذهب لا يلزمه ذلك وعن ابن نافع قال اذا باع الرجل سلعة من رجل ثم قال له ان خاصمتك فيها فلك كذا ثم خاصمه لزمه ما التزم به وقد ذكروا ان الالتزام اذا حدث على سبيل المخاطرة لم يكن ملزما كما اذا قال أحد الخصمين للآخر اذا لم آت ببينة أو بمستند على دعواى فى مدة كذا فدعواى باطلة فمثل هذا الالتزام لا يلزم صاحبه.

ومن مسائل الالتزام التى نصوا عليها أيضا ما يأتى:

1 -

اذا التزم شخص لآخر بما يخسره ذلك الشخص فى بيعه سلعة معينة لزمه ذلك.

2 -

اذا التزم الموصى بعدم الرجوع فى الوصية لزمه ذلك على الأصح وقيل لا يلزمه وكذلك الحكم اذا التزم الواهب عدم الاعتصار فى هبته والموكل عدم عزل وكيله والمراد بالاعتصار: رجوع الأب فيما وهبه لابنه.

3 -

اذا التزم أربعة أخوة يعملون 8 التجارة لأخ حاضر عاجز عن الكسب بخمس ربحهم لزمهم ذلك.

ص: 278

4 -

اذا قال رجل لزوجته ان ولدت غلاما فلك كذا فولدت غلاما لزمه ما التزم به وقضى به عليه

(1)

.

5 -

اذا التزمت الحاضنة نفقة محضونها ان خرجت به من غير اذن أبيه فخرجت لزمها ذلك على الأرجح.

6 -

من التزم لآخر بان يدفع اليه كذا ان سافر من البلد الذى هو فيه لم يلزمه ذلك على المشهور وقيل يلزمه ان خرج.

7 -

لو التزم الانسان بمال لآخران دله على من يشترى منه داره، لزمه المال ان دله وتفصيل القول فى الالتزام اذا كان معلقا أنه على سبعة أنواع لأن الفعل المعلق عليه اما أن يكون اختياريا أو غير اختيارى والاختيارى اما أن يكون واجبا أو حراما أو مباحا جائزا والمباح اما أن يكون لا منفعة فيه أو فيه منفعة وما فيه المنفعة قد تكون منفعته للملتزم وقد تكون للملتزم له وقد تكون لغيرهما فان علق على فعل ليس باختيارى كقول الملتزم لزوجته ان ولدت غلاما فلك كذا فهو صحيح لازم يقضى به اذا ما تحقق الشرط لأنه لمعين وان كان

(2)

معلقا فان كان على فعل اختيارى واجب على الملتزم له مثل ان جئتنى بمتاعى الضائع فلك عندى كذا والمتاع عند الملتزم له أو يعلم مكانه فهو التزام لغو اذ لا يجوز ان يعطى شيئا نظير فعل واجب عليه والمراد بالواجب الواجب العينى أما ان كان واجبا كفائيا فان الالتزام يكون صحيحا وعن ابن رشد اذا كان الملتزم يعلم ان ذلك الفعل واجب على الملتزم له فانه يلزمه ويحمل على ارادة حمله وترغيبه فى الاتيان بالفعل ولذا قالوا فيمن قال لكافر ان أسلمت فلك كذا أنه التزام صحيح لازم وان كان معلقا على فعل اختيارى هو حرام على الملتزم له مثل ان قتلت فلانا فلك كذا فهو التزام باطل وان كان معلقا على فعل اختيارى فيه منفعة للملتزم فهو على أربعة أوجه:

الأول: أن يكون بدل مال من الملتزم له للملتزم أو لغيره فهو من باب هبة الثواب وذلك صحيح عند توافر شرطها (راجع مصطلح هبة).

الثانى: ان يكون معلقا على بدل منفعة من الملتزم له وذلك من باب الاجارة وهو صحيح عند توافر شرطها (راجع مصطلح اجارة).

الثالث: أن يكون معلقا على فعل يقوم به الملتزم له وذلك من قبيل الجعالة وهو صحيح عند توافر شرطها (راجع مصطلح جعالة).

الرابع: أن يكون المعلق عليه اسقاط الملتزم له حقا من حقوقه وحكمه كالثالث.

(1)

انتهى ملخص ما ذكره الحطاب فى رسالته فى الالتزام المطبوعة بفتاوى الشيخ عليش ج 1 ص 180 ويرجع اليها من يشاء تفصيلا زيادة على ذلك.

(2)

رسالة الالزام للحطاب.

ص: 279

ويلاحظ أنه اذا كان الالزام مقابلا بعوض لم يبطل بالموت أو الفلس بل ينظر فيه الى حكم ما الحق به من العقود.

وان كان الالزام معلقا على فعل فيه منفعة للملتزم له مثل ان بعت بيتك فلك كذا وكذلك اذا كان معلقا على فعل شخص أجنبى فهو التزام صحيح اذا تحقق شرطه.

وان كان الالتزام معلقا على فعل منفعة لغير الملتزم والملتزم له مثل ان وهبت عبدك لفلان فلك كذا فهو من قبل هبة الثواب أو الجعل أو الاجارة حسب اختلاف العوض وان كان معلقا على فعل لغير الملتزم والملتزم له فحكمه حكم الالتزام المطلق فيقضى به اذا وجد المعلق عليه وكان الملتزم معينا والا لا.

هذا والالتزام اذا كان باسقاط حق لم يجب فهو التزام باطل اذ لا يقبل السقوط الا الحق الموجود فعلا.

‌الوعد أو العدة:

يراد بالوعد أو العدة ما يفرضه الانسان على نفسه من المال لغيره حال حياته على سبيل التبرع فى غير تعاقد بعبارة لا تفيد الالتزام ويرجع فى بيان ما تدل عليه عبارته من افادتها الالتزام وعدمها الى العرف والقرائن ويجب الوفاء به دينا وخلقا باتفاق وقد دل على ذلك الكتاب والسنة ولكن لا يجب الوفاء به قضاء عند الجمهور وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة وأهل الظاهر والشيعة والزيدية وقال عبد الله ابن شبرمة الوعد لازم كله ويقضى به على الواعد ويجب عليه تنفيذه وهذه رواية عن أحمد ذكرها ابن تيمية فى كتابه الاختيارات أما المالكية فقد ذكر ابن عرفة ان الوعد عندهم أمر مطلوب الوفاء به ولكنهم اختلفوا فى لزومه بالقضاء عند الامتناع على أربعة أقوال:

1 -

أنه لا يلزم مطلقا.

2 -

أنه لازم مطلقا.

3 -

لازم ان قرن بشرط يعد سببا له.

4 -

لازم ان قرن بسبب يترتب عليه وشرع فيه فعلا.

وهو على كل حال يبطل بموت الملتزم.

نص على ذلك الحطاب فى كتابه أحكام الالتزامات والرهونى فى حاشيته على الزرقانى وعلى هذا اذا توفى الواعد بطل وعده اتفاقا عند المالكية ولا يرجع عليه بشئ فى تركته وهذا ما لم يقضى به

(1)

.

(1)

منتهى الارادات ج 2 ص 569 طبعة دار الجيل الجديد سنة 1962 م والالتزام للحطاب ص 314 ج 2 فتاوى الشيخ عليش والهداية وفتح القدير ج 3 فى باب النذر فى عدة مواضع ونهاية المحتاج للرملى ج 8 ص 211 وما بعدها ص 217 والشرح الكبير للدردير ج 2 ص 162 وما بعدها والمحلى ج 8 ص 28 مسألة 1125 وتحرير الأحكام ج 2 ص 221 وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 296 وج 3 ص 442.

ص: 280

روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وآل التعريف.

وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.

ص: 282

«حرف الألف»

‌ابراهيم النخعى:

انظر ج 1 ص 279

‌الابهرى:

انظر أبو بكر ج 7 ص 387

‌أبى بن كعب:

انظر ج 1 ص 247

‌الأثرم:

انظر ج 1 ص 247

‌الامام أحمد:

انظر ابن حنبل ج 1 ص 247

‌ابن أحمد (توفى 857 هـ):

أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى الهمامى شهاب الدين المقدسى ثم الدمشقى المقرى ويعرف بالعجيمى وفى الشام المقدسى قرأ القراءات على جماعة منهم العلاء ومهر فيها وتصدى لقرائها فانتفع به جماعة أولاده وغيرهم وهو ممن أخذ أيضا عن ابن الهمام والعماد بن شرف وآخرين وتحول الى الشام سنة خمس وعشرين لاستدعاء محمد ابن منجك لاقراء بنيه فقطنها، وتكسب بكتابة المصاحف، وكان متقنا فيها مقصودا من الآفاق بسببها، مات بدمشق فى جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة.

‌أحمد ابن الحسين:

انظر المؤيد بالله ج 1 ص 257، ج 7 ص 375

‌الشيخ أحمد الزرقانى:

انظر ج 5 ص 370

‌أحمد بن شعيب:

انظر النسائى ج 1 ص 279

‌أحمد بن على بن أبى طالب الطوسى:

انظر ج 1 ص 265

‌أحمد بن يحيى:

انظر أبو يحيى ج 9 ص 386

‌ابن ادريس:

انظر ج 2 ص 343

‌الأذرعى:

انظر ج 1 ص 248

‌الارغيانى (توفى 512 هـ):

سلمان ناصر بن عمران الانصارى النيسابورى الارغيانى أبو القاسم من الأئمة فى علم الكلام والتفسير مولده ووفاته فى نيسابور ونسبته الى ارغيان من نواحيها وكان تلميذا لامام الحرمين من بيت صلاح وتقوى وتصوف وزهد صنف كتاب الغنية فى فقه الشافعية وشرح الاشاد لامام الحرمين وضعف بصره وسمعه فى آخر عمره وقبل وفاته 511 هـ.

‌الأزرقى:

انظر ج 9 ص 370

‌الاسبيجانى:

انظر ج 2 ص 343

‌أبو اسحاق:

انظر الشيرازى ج 1 ص 263

‌أبو اسامة المتوفى 136 هـ:

هو زيد بن أسلم العدوى العمرى مولاهم أبو أسامة أو أبو عبد الله فقيه مفسر من أهل المدينة كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته واستقدمه الوليد بن يزيد فى المسجد النبوى وله كتاب فى التفسير رواه عنه ولده عبد الرحمن.

‌الشيخ اسماعيل:

انظر ج 8 ص 370

‌اسماعيل ابن سعيد:

انظر ج ص 344

‌اشعث ابن عبد الملك المتوفى 146 هـ:

هو أشعث بن عبد الملك الحرانى مولى حمران مولى عثمان روى عن ابن سيرين وغيره وكان ثقة ثبتا حافظا.

‌اشهب:

انظر ج 1 ص 249

‌أبو امامة الباهلى:

انظر ج 4 ص 360

‌امام الحرمين:

انظر ج 1 ص 249

‌امامة بنت أبى العاص:

امامة بنت أبى العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمية وهى من زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزبير فى كتاب النسب كانت زينب تحت أبى العاص فولدت له امامة وعليا وثبت ذكرها فى الصحيحين ومن حديث أبى قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحمل امامة بنت

ص: 283

زينب على عاتقه فاذا سجد وضعها واذا قام حملها اخرجاه من رواية مالك عن عامر بن عبد الله ابن الزبير.

‌انس:

انظر ج 1 ص 249

‌الأوزاعى:

انظر ج 1 ص 249

‌حرف الباء:

‌الباجى:

انظر ج 1 ص 250

‌الباقر:

انظر أبو جعفر ج 2 ص 347

‌البخارى:

انظر ج 1 ص 250

‌البراء بن عازب:

انظر ج 2 ص 345

‌البراذعى:

انظر ج 1 ص 250

‌أبو بردة بن دينار:

انظر ج 2 ص 345

‌البرذلى:

انظر ج 5 ص 365

‌ابن بركة:

انظر ج 7 ص 386

‌البرهان:

انظر ج 6 ص 382

‌بريدة:

انظر ج 3 ص 338

‌بشر:

انظر ج 4 ص 361

‌ابن بشر:

انظر ج 4 ص 361

‌أبو بصير:

أبو غسيل الأعمى ويقال له أبو بصير ذكر الثعلبى فى التفسير من طريق حميد الطويل قال أبصر النبى صلى الله عليه وسلم أعمى يتوضا فقال له «بطن القدم» فجعل يغسل تحت قدمه حتى سمى أبا غسيل وأخرج الخطيب فى التاريخ من طريق أبى معاوية عن يحيى ابن سعيد الأنصارى عن محمد ابن محمود بن محمد بن مسلمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل مصاب البصر يتوضا فقال: باطن رجلك باطن رجلك يا أبا بصير» فسمى أبا بصير.

‌البغوى:

انظر ج 2 ص 245

‌أبو بكر:

انظر ج 8 ص 371

‌بلال:

انظر ج 4 ص 361

‌البنانى:

انظر محمد البنانى ج 7 ص 398

‌البندنيجى:

انظر ج 4 ص 361

‌البهنسى توفى سنة 628 هـ:

الحارث بن مهلب بن حسن بن بركات أبو الأشبال مجد الدين البهنسى وزير من الكتاب الشعراء مصرى سافر الى الشام وغيرها استكتبه الديوان العزيز الى ملوك النواحى واستوزره الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك العادل أبى بكر بن أيوب ثم عزله وصادره وحبسه مرة وتوفى بدمشق عن نيف وسبعين عاما.

‌البوبطى:

انظر ج 5 ص 371

‌البيهقى:

انظر ج 1 ص 251

‌حرف التاء:

‌التتائى:

انظر ج 8 ص 371

‌الترمذى:

انظر ج 1 ص 251

‌حرف الثاء:

‌ثعلب:

انظر ج 4 ص 361

‌الثورى:

انظر ج 1 ص 252

‌حرف الجيم:

‌جابر رضى الله عنه (صحابى):

انظر ج 3 ص 339

‌أبو جعفر:

انظر ج 7 ص 387

‌جعفر بن محمد:

انظر ج 2 ص 347

ص: 284

‌أبو جعفر الهندوانى:

انظر ج 1 ص 253

‌الامام جلال الدين الخبازى توفى سنة 691 هـ:

عمر بن محمد بن عمر الخبازى الحجندى أبو محمد جلال الدين فقيه حنفى من أهل دمشق جاور بمكة سنة وعاد اليها له المغنى فى أصول الفقه وشرح الهداية.

‌أبو الجهم توفى سنة 70 هـ:

عامر أو عمير أو عبيد بن حذيفة بن غانم من قريش من بنى عدى بن كعب أحد المعمرين أسلم يوم فتح مكة واشترك فى بناء الكعبة مرتين الأولى فى الجاهلية والثانية حين بناها ابن الزبير سنة 64 هـ ومات فى تلك الفنية وهو أحد الأربعة الذين دفنوا عثمان وله خبر مع معاوية.

‌الجوهرى:

انظر ج 4 ص 263

‌حرف الحاء:

‌ابن الحاج:

انظر ج 9 ص 371

‌ابن الحاجب:

انظر ج 1 ص 253

‌ابن حامد:

انظر ج 2 ص 343

‌القاضى أبو حامد:

انظر ج 1 ص 246

‌ابن حبيب:

انظر ج 1 ص 253

‌أم حبيبة:

انظر ج 5 ص 366

‌ابن حجر:

انظر ج 1 ص 254

‌ابو حدرد (صحابى):

الصحابى رضى الله عنه وهو والد أم الدرداء الكبرى خيرة وهو اسلمى قيل اسمه سلامة بن عمر بن أبى سلامة وقال أحمد بن حمبل حدثت عن أبى اسحاق أن اسمه عبد الله وقال على بن المدينى اسمه عبيد وهو حجازى روى عنه ابنه حدرد بن أبى حدرد.

‌ابو حذيفة:

انظر ج 8 ص 372

‌حرملة توفى سنة 243 هـ:

أبو عبد الله حرملة بن يحيى بن عبد الله حرملة بن عمران بن مراد مولى سلمة بن مخرمة النجيبى المصرى أبو عبد الله فقيه من أصحاب الشافعى كان حافظا للحديث له فيه المبسوط والمختصر مولده ووفاته بمصر وروى عنه مسلم بن الحجاج فأكثر فى صحيحه من ذكره.

‌ابن حزم:

انظر ج 1 ص 254

‌الحسن بن زياد:

انظر ج 1 ص 254

‌الحسن بن صالح:

انظر ج 4 ص 362

‌ابو الحسن الصغير توفى سنة 339 هـ:

قاضى الاسكندرية على بن عبد الله بن أبى مطر المعافرى الاسكندرانى الفقيه أبو الحسن المالكى وله مائة سنة روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد ابن مسلم وغيره.

‌الحسن بن على:

انظر ج 2 ص 349

‌الحسن النخعى:

انظر ج 1 ص 279

‌الحسن العبادى توفى سنة 495 هـ:

بفتح العين وتشديد الباء من أصحاب الشافعى الفضلاء وهو صاحب كتاب الرقم وهو والد الشيخ أبى عاصم العبادى الامام واسمه أبى الحسن توفى فى جمادى سنة خمس وتسعين وأربعمائة وهو ابن ثمانين سنة.

‌القاضى أبو الحسن بن القصار:

انظر ابن القصار ج 3 ص 354

‌الحسين بن على:

انظر سيدنا الحسين ج 3 ص 341

‌الحطاب:

انظر ج 1 ص 254

‌الحقينى توفى سنة 490 هـ:

على بن جعفر بن الحسين بن عبد الله بن على بن الحسين بن الحسن بن على بن أحمد الحقينى وهو الذى سكن قرية يقال حقينة بالقرب من المدينة، ابن على بن الحسين الأصغر ابن على بن الحسين بن على

ص: 285

ابن أبى طالب الهاشمى الحسينى أبو الحسن الامام الهادى المعروف بالحقينى الصغير والكبير والده قام فى بلد الاستندارية من أرض الديلم بعد وفاة الناصر الصغير سنة 472 هـ وكان الحقينى مشتغلا بالأمر فى بلاد ديلمان وكان أبو الرضا محتسبا فى بلاد جيلان. كان الحقينى فقيها متكلما له المقالات فى العلوم والتأليف من أهل البصرة ولم يزل قائما بأمر الله الى أن حضر يوما فى بلدة كجوة من بلاد الاستندارية فوثب عليه رجل حبشى فى المسجد فقتله رضوان الله عليه فى يوم الاثنين فى رجب ونقل الى بكار ودفن بقرية قفشكين.

‌ابن الحكم:

انظر ج 2 ص 349

‌حلاس (حلاش):

حلاس بن عمر الهجرى عده الشيخ فى رجاله من أصحاب على عليه السلام وعد حلاش بن عمر من دون وصفه بالهجرى من أصحاب الحسين عليه السلام وحلاش بالحاء المهملة واللام المشدودة والألف والشين المعجمة وفى بعض نسخ رجال الشيخ حلاس بالسين المهملة بدل الشين.

‌الحلبى:

انظر ج 6 ص 384

‌شمس الأئمة الحلوانى:

انظر ج 1 ص 255

‌حماد:

انظر ج 3 ص 342

‌حماد بن زيد:

انظر ج 3 ص 342

‌حماد بن سلمة:

انظر ج 1 ص 255

‌ابن حمدان توفى سنة 695 هـ:

أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النجرى الحرانى أبو عبد الله فقيه حمبلى أديب ولد ونشأ بحران ورحل الى حلب ودمشق وولى نيابة القضاء فى القاهرة فسكنها وأسن وكف بصره وتوفى بها من كتبه الرعاية الكبرى والرعاية الصغرى كلاهما فى الفقه وصفة المفتى والمستفتى ومقدمة فى أصول الدين وجامع الفنون وسلوة المحزون.

‌حمنة بنت جحش (صحابية):

انظر ج 5 ص 386

‌الحموى:

انظر ج 2 ص 350

‌الامام حميد:

انظر ج 3 ص 342

‌أبو حنيفة:

انظر ج 1 ص 255

‌حرف الخاء:

‌الخرقى:

انظر ج 1 ص 256

‌الخصاف:

انظر ج 1 ص 256

‌أبو الخطاب:

انظر ج 1 ص 256

‌الخلال:

انظر ج 1 ص 256

‌خليل:

انظر ج 1 ص 256

‌الخوارزمى:

انظر ج 7 ص 390

‌خواهرزاده:

انظر ج 1 ص 257

‌حرف الدال:

‌الدارقطنى:

انظر ج 1 ص 256

‌الدسوقى:

انظر ج 1 ص 257

‌أبو داود:

انظر ج 1 ص 257

‌حرف الراء:

‌الرافعى:

انظر ج 1 ص 258

‌أبو رافع:

انظر ج 1 ص 258

‌ربيعة:

انظر ج 1 ص 258

‌ابن رجب:

انظر ج 1 ص 258

‌ابن رستم توفى سنة 211 هـ:

ابراهيم بن رستم أبو بكر المروزى أحد الائمة الاعلام سمع منصور بن عبد الحميد وهو شيخ يروى عن أنس بن مالك وسمع أيضا مالك بن أنس

ص: 286

ومحمد بن أبى ذئب وسفيان الثورى وغيرهم وزهير بن حرب وغيرهم، قال العباسى بن مصعب كان ابراهيم بن رستم من أهل كرمان ثم نزل مرو فى سكة الدباغين وكان أولا من أصحاب الحديث فحفظ الحديث ثم خرج الى محمد بن الحسن وغيره من أهل الرأى فكتب كتبهم وحفظ كلامهم فاختلف الناس اليه وعرض عليه القضاء فلم يقبله فدعاه المأمون فقربه منه وحدثه، روى أنه لما عرض عليه القضاء فامتنع وانصرف الى منزله تصدق بعشرة آلاف درهم وآتاه ذو الرياستين الى منزله مسلما فلم يتحرك له ولا فرق أصحابه فقال «اشكاب» وكان رجلا متكلما عجبا لك يأتيك وزير الخليفة فلا تقوم له من أهل هؤلاء الدباغين عندك فقال رجل من هؤلاء المتفقهة نحن من دباغى الدين، الذى رفع ابراهيم بن رستم حتى جاءه وزير الخليفة فسكت «اشكاب» وسئل عنه يحيى بن معين فقال ثقة وذكر عن الدارمى توثيقه أيضا، فقال اسحاق بن ابراهيم الحفصى مات ابراهيم بن رسم المروزى بنيسابور قدمها حاجا وقد مرض بسرخس فبقى عندنا تسعة أيام وهو عليل ومات فى اليوم العاشر سنة احدى عشرة ومائتين وقيل ستة عشر ومائتين

‌ابن رشد:

انظر ج 1 ص 258

‌السيد رضى الدين ابن طاووس توفى سنة 664:

يطلق غالبا على رضى الدين أبى القاسم بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسنى الحسينى السيد الأجل الأروع الأزهد قدوة العارفين الذى ما اتفقت كلمة الأصحاب على اختلاف مشاربهم وطريقتهم، وقال العلامة فى منهاج الصلاح فى بحث الاستخارة. ورويت عن السيد السند رضى الدين على بن موسى بن طاووس وكان أعيد من رأيناه من أهل زمانه، له التصانيف الكثيرة البالغة الى حدود الثمانين التى منها كتاب البشرى فى الفقه ست مجلدات والملاذ فيه أربع مجلدات.

‌ابن الرفعة:

انظر ج 1 ص 259

‌الرويانى:

انظر ج 2 ص 352

‌حرف الزاى:

‌الزبير بن العوام:

انظر ج 1 ص 259

‌الزركشى:

انظر ج 1 ص 259

‌زروق:

انظر ج 3 ص 344

‌زفر:

انظر ج 1 ص 259

‌زكريا الساجى:

زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن عدى الضبى البصرى الساجى أبو يحيى محدث البصرة فى عصره كان من الحفاظ الثقات له كتاب جليل فى حلل الحديث يدل على تبحره ومن كتبه اختلاف الفقهاء توفى بالبصرة.

‌أبو زيد:

انظر دبوسى ج 1 ص 257

‌القاضى زيد:

انظر ج 1 ص 260

‌زيد بن ثابت:

انظر ج 1 ص 260

‌زيد بن على:

انظر ج 1 ص 260

‌زينب بنت جحش صحابية:

انظر ج 8 ص 374

زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم توفيت سنة 8 هـ: زينب بنت سيد ولد آدم محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب القرشية الهاشمية هى أكبر بناته وأول من تزوج منهن تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع العبشمى وأمه هالة بنت خويلد أخرج ابن سعد بسند صحيح عن الشعبى قال هاجرت زينب مع أبيها وأبى زوجها أبو العاص قبل أن يسلم فلم يفرق النبى صلى الله عليه وآله وسلم بينهما، وعن الواقدى بسند له عن عباد

ص: 287

عن عبد الله بن الزبير عن عائشة ان أبا العاص شهد مع المشركين بدرا فأسر فقدم أخوه عمرو فى فدائه وأرسلت معه زينب قلادة من جزع كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاص فلما رآه رسول الله عليه السلام عرفها ورق لها وذكر خديجة فترحم وكلم الناس فأطلقوه ورد عليها القلادة وأخذ على أبى العاص أن يخلى سبيلها ففعل قال الواقدى هذا أثبت عندنا ويتأيد هذا بما ذكر ابن اسحاق عن يزيد بن رومان قال صلى الله عليه وسلم الصيح فنادت زينب أنى أجرت أبا العاص بن الربيع فقال بعد أن انصرف هل سمعتهم ما سمعت قالوا نعم قال والذى نفس محمد بيده ما علمت شيئا مما كان حتى سمعت وأنه يجير على المسلمين أدناهم وذكر الواقدى من طريق محمد بن ابراهيم التيمى قال خرج أبو العاص فى عير لقريش فبعث النبى صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فى سبعين ومائة راكب فلقوا العير بناحية العيص فى جمادى الأولى سنة ست فأخذوا ما فيها وأسروا ناسا منهم أبو العاص قد حل على زينب فأجارته فذكر نحو هذه القصة وزاد وقد أجرنا من أجارت فسألته زينب أن يرد عليها ما أخذ عنه ففعل وأمرها أن لا يقربها ومضى أبو العاص الى مكة فأدى الحقوق الى أهلها ورجع فاسلم فى المحرم سنة سبع فرد عليه زينب بالنكاح الأول.

‌حرف السين:

‌الشيخ سالم:

انظر ج 8 ص 375

‌السبكى:

انظر ج 1 ص 260

‌سحنون:

انظر ج 1 ص 261

‌ابن سحنون:

انظر ج 7 ص 391

‌السدويكشى:

انظر ج 9 ص 394

‌سعد بن ابراهيم توفى 201 هـ:

هو سعد بن ابراهيم بن سعد الزهرى العوفى قاضى واسط سمع أباه وابن أبى ذئب.

‌سعد بن أبى وقاص:

انظر ج 2 ص 353

‌سعيد بن جبير:

انظر ج 1 ص 261

‌أبو سعيد الخدرى:

انظر ج 1 ص 261

‌سعيد بن المسيب:

انظر ج 1 ص 261

‌سفيان الثورى:

انظر ج 8 ص 376

‌ابن السكيت:

انظر ج 4 ص 365

‌سليمان بن يسار:

انظر ج 2 ص 366

‌ابن سماعة:

انظر ج 4 ص 365

‌سند:

انظر ج 3 ص 347

‌أبو سهل:

انظر ج 4 ص 365

‌سهلة بن سهيل:

انظر ج 5 ص 371

‌السيد بن صدر الدين توفى 903 هـ:

محمد بن ابراهيم بن محمد بن اسحاق يتصل نسبه بالامام زين العابدين فقيه امامى من أهل شيراز يلقب بصدر الدين الكبير تمييزا عن صدر الدين الشيرازى اشتهر بقوة العارضة وكان له منصب الصدارة للسلطان «طهماسب» الصفوى وقتله التركمان فى شيراز من كتبه رسالة فى علم الفلاحة وحاشية على الكشاف وحواشى فى الفقه والمنطق ورسائل بالفارسية.

‌ابن سيرين:

انظر ج 1 ص 262

‌حرف الشين:

‌ابن شامى:

انظر ج 2 ص 354

‌الشاشى:

انظر القفال ج 1 ص 272

ص: 288

‌الشافعى:

انظر ج 1 ص 262

‌الشبراملسى:

انظر ج 1 ص 262

‌الشرنبلالى:

انظر ج 1 ص 262

‌شريح:

انظر ج 1 ص 263

‌شريك توفى 177 هـ:

شريك بن عبد الله بن الحارث النخعى الكوفى أبو عبد الله عالم بالحديث فقيه اشتهر بقوة ذكائه وسرعة بديهته استقضاه المنصور العباسى على الكوفة 153 هـ ثم عزله وأعاده المهدى فعزله موسى الهادى وكان عادلا فى قضائه مولده فى بخارى ووفاته بالكوفة.

‌الشعبى:

انظر ج 1 ص 263

‌شمس الأئمة السرخسى:

انظر ج 1 ص 261

‌الشمس الجوهرى:

انظر ج 4 ص 362

‌ابن شهاب:

انظر ج 3 ص 348

‌ابن أبى شيبة:

انظر ج 9 ص 377

‌حرف الصاد:

‌صالح:

انظر ج 1 ص 264

‌الصدوق:

انظر ج 2 ص 355

‌صهيب توفى 38 هـ:

صهيب بن سنان بن مالك من بنى النمر بن قاسط صحابى من أرض العرب شهما وله بأس وهو أحد السابقين الى الاسلام كان أبوه من أشراف الجاهلية ولاه كسرى على الأبهة والبصرة، وكانت منازل قومه فى أرض الموصل على شط الفرات مما يلى الجزيرة والموصل وبها ولد صهيب فأغارت الروم على ناحيتهم فسبوا صهيبا وهو صغير فنشأ بينهم فكان ألكن واشتراه منهم أحد بنى كلب وقدم به مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان التيمى ثم أعتقه وأقام بمكة يحترف التجارة الى أن ظهر الاسلام فأسلم ولم يتقدمه غير بضعة وثلاثين رجلا فلما أزمع المسلمون الهجرة الى المدينة كان صهيب قد ربح مالا وفيرا من تجارته فمنعه مشركوا قريش وقالوا جئتنا صعلوكا حقيرا فلما كثر مالك هممت بالرحيل فقال أرأيتم ان تركت مالى تخلون سبيلى قالوا نعم فجعل لهم مالهم أجمع فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم ذلك فقال ربح صهيب ربح صهيب وشهد بدرا واحدا والمشاهد كلها له فى صحيحين (307) أحاديث وتوفى بالمدينة وكان يعرف بصهيب الرومى وفى الحديث أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة.

‌الصيدانى:

انظر ج 4 ص 367

‌الصيمرى:

انظر ج 7 ص 393

‌حرف الطاء:

‌أبو طالب:

انظر ج 1 ص 264

‌أبو طاهر:

‌الدباسى:

انظر ج 2 ص 351

‌الطحاوى:

انظر ج 1 ص 265

‌الطحطاوى:

انظر ج 1 ص 265

‌طلحة:

انظر ج 8 ص 377

ص: 289

‌القاضى أبو الطيب:

انظر ج 3 ص 353

‌أبو الطيب بن سلمة توفى 308 هـ:

من متقدمى أصحاب الشافعى وأئمتهم أصحاب الوجوه هو الامام أبو الطيب محمد بن الفضل بن سلمة بن عاصم البغدادى واشتهر بأبى الطيب ابن سلمة نسب الى جده قال الخطيب البغدادى كان من كبار الفقهاء ومتقدميهم قال ويقال أنه درس على أبى العباس بن شريح قال وصنف كتبا عدة وتوفى فى المحرم سنة ثمان وثلثمائة.

‌حرف العين:

‌السيدة عائشة رضى الله عنها:

انظر ج 1 ص 265

‌العاصمى:

انظر ج 6 ص 386

‌عامر بن ربيعة توفى 32 هـ:

عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد الله بن الحارث بن رفيدة ابن عنز بن وائل العنزى وقيل فى نسبه غير ذلك وعنز بسكون النون أخو بكر بن وائل أبو عبد الله حليف بنى عدى ثم الخطاب والد عمر ومنهم من ينسبه الى مذحج كان أحد السابقين الأولين وهاجر الى الحبشة ومعه امرأته ليلى بنت أبى خثيمة ثم هاجر الى المدينة أيضا وشهد بدرا وما بعدها وله رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم من طريق أبيه عبد الله ومن طريق عبد الله ابن عمرو عبد الله بن الزبير وأبى أسامة بن سهل وغيرهم وذلك فى الصحيحين وغيرهما وكان صاحب عمر لما قدم الجابية واستخلفه عمر لما قدم الجابية واستخلفه عثمان على المدينة. لما حج مات سنة اثنين وثلاثين وقيل ان موته كان بعد قتل عثمان بأيام وقيل فى وفاته غير ذلك.

‌ابن عباس:

انظر ج 1 ص 266

‌أبو العباس:

انظر ج 1 ص 266

‌أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر:

انظر ج 1 ص 266

‌أبو العباس الحسينى:

انظر ج 1 ص 266

‌عبد الباقى:

انظر ج 9 ص 378

‌ابن عبد البر:

انظر ج 1 ص 266

‌عبد الحق:

انظر ج 6 ص 387

‌ابن عبد الحكم:

انظر ج 1 ص 266

‌العبدرى توفى 582 هـ:

بيش بن محمد بن على بن بيش أبو بكر العبدرى قاض من المشتغلين بالحديث من أهل شاطبة كان معدودا فى أهل الشورى والفتيا قبل أن يلى القضاء وتوفى بشاطبة وهو قاضيها له التصحيح فى اختصار الصحيح للبخارى وكتاب فى جمع الأحاديث التى زاد مسلم فى تخريجها على البخارى.

‌عبد الرحمن ابن عوف:

انظر ج 1 ص 266

‌عبد الرحمن ابن القاسم:

انظر ج 1 ص 271

‌ابن عبد السّلام:

انظر ج 1 ص 276

‌عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد (صحابى):

عبد العزيز بن عبد الله ابن أسيد ذكره ابن أبى داود وابن شاهين فى

ص: 290

الصحابة واخرج ابن شاهين من طريق العوام ابن حوشب عن السباح بن مطر عن عبد العزيز بن عبد الله ابن أسيد قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم عرفة يوم يعرف الناس) وقد اخرجه ابن منده من هذا الوجه فقال عن عبد العزيز بن عبد الله عن أبيه وعبد الله هو ابن خالد بن أسيد بن أبى العيص الأموى وهو ابن أخى عتاب بن أسيد قتل أبوه خالد باليمامة لما مضى فى الأول وكذا مضى ذكر أبيه عبد الله بن خالد.

‌أبو عبد الله:

انظر ج 6 ص 387

‌عبد الله بن حميد توفى 248 هـ:

محمد بن حميد بن حبان التميمى الرازى أبو عبد الله حافظ للحديث من أهل الرى زار بغداد وأخذ عنه كثير من الأئمة كابن حنبل وابن ماجه والترمذى وكذبه آخرون.

‌عبد الله بن زيد:

انظر ج 7 ص 394

‌عبد الله بن عوف:

هو عبد الله بن عوف بن عبد عوف الزهرى أخو عبد الرحمن ابن شاهين أسلم يوم فتح مكة وقال الزبير بن بكار لم يهاجر وقال الآجرى قلت لأبى داود تقادم موته قال نعم قلت رأى النبى صلى الله عليه وسلم قال نعم وذكره الطبرى وابن السكن والبارودى فى الصحابة قال الواقدى أسلم بعد الفتح وسكن المدينة وذكر عمر بن شيبة انه سكن المدينة وبنى بها دار البلاط وهو والد طلح بن عبد الله بن عوف المعروف بطلحة الجود قاله الطبرى وقال الجوزجانى فى تاريخه لا أعلم له حديثا وكان باقيا بعد عبد الرحمن بن عوف لما طلق تماضر بنت الأصبغ فى مرض موته ثم مات.

‌عبد الله ابن مسعود:

انظر ج 1 ص 267

‌القاضى عبد الوهاب:

انظر ابن حبيب ج 1 ص 253

‌عبد الملك:

انظر ج 1 ص 267

‌أبو عبيدة:

انظر ج 4 ص 368

‌عثمان بن عفان:

انظر ج 1 ص 268

‌العدوى:

انظر الدردير ج 1 ص 257

‌عدى بن حاتم:

انظر ج 1 ص 268

‌ابن العربى:

انظر ج 1 ص 268

‌ابن عرفة:

انظر ج 1 ص 268

‌عزان توفى 280 هـ:

عزان بن تميم الخروصى الأزدى من أئمة الإباضية فى عمان بويع له بنزوى بعد خلع راشد بن النضر سنة 277 هـ فعزل أكثر ولاة راشد وكانت أيامه كأيام من قبله فتنا وخطوبا وتخلف من أهل عمان عن بيعته وزحف عليه محمد ابن بور عامل المعتضد العباسى فى البحرين فاستولى على بلقان وتوام والسر بعد قتال شديد وقصد نزوى وفيها عزان «الامام» فتخازل أصحابه عنه فخرج الى سمد الشأن فتبعه محمد بن بور واقتتلا فانهزم أهل عمان وقتل عزان وأرسل ابن بور رأسه الى المعتضد ببغداد.

‌العزيزى:

انظر ج 1 ص 268

‌ابو عصمة:

سعيد بن معاذ انظر ج 3 ص 345

‌عطاء:

انظر ج 2 ص 257

ص: 291

‌ابن عطاء الله توفى 709 هـ:

الشيخ تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم ابن عطاء الله السكندرى الشاذلى كان جامعا لأنواع العلوم من تفسير وحديث ونحو وأصول وفقه على مذهب مالك وصحب فى التصوف أبا العباس المرسى وكان أعجوبة زمانه فيه وأخذ عنه التقى السبكى استوطن القاهرة يعظ الناس ويرشدهم وله الكلمات البديعة دونها أصحابه له تاج العروس وقمع النفوس فى التصوف ومفتاح الفلاح وحكم بن عطاء الله والتنوير فى اسقاط التدبير الى غير ذلك.

‌عقبة بن عامر:

انظر ج 3 ص 351

‌ابن عقيل:

انظر ج 2 ص 358

‌على بن ابراهيم:

على بن ابراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله ابن الحسين بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب أبو الحسن الجوانبى بفتح الجيم وتشديد الواو ثقة صحيح الحديث خرج مع أبى الحسن عليه السلام الى خرسان.

‌على بن جعفر توفى 210 هـ:

على بن جعفر الصادق بن محمد بن على بن الحسين العلوى الحسينى روى عن أبيه وأخيه موسى وسفيان الثورى وكان من جلة السادة الاشراف.

‌على بن الحسين ابن أبى طالب:

انظر ج 3 ص 351

‌الأمير على بن الحسين توفى تقريبا 670 هـ:

على بن الحسين بن يحيى بن عم شمس الدين وبدر الدين هو الأمير الكبير العالم الشهير جمال الدين وصاحب الزهد المتيم له فى الفقه اللمع معتمد كتب الزيدية وله شروح أجودها الديباج النظير للقاضى عبد الله الدواب وغيره من الشروح وقال فى المستطاب: أفتى الأمير على أنه يجوز القعود فى صنعاء أيام الغزو فأعترضه الفقيه حميد بن أحمد المحلى بأنه لا يجوز ان يفتى بذلك الا مجتهد فأجاب الأمير أنه أفتى وهو معتقد انه مجتهد فى تلك المسألة ومن مشايخه ابن معرف قيل وفاته فى عشر السبعين والستمائة تقريبا.

‌على خليل:

على بن محمد الخليلى الزيدى الجيلى الشيخ الجليل قال فى المستطاب هو من أتباع المؤيد بالله وله مؤلفات منها الجمع بين الافادة والافادات وله المجموع المشهور كان فى أوائل المائة الخامسة قال الامام المهدى المجموع مجلدان.

‌ابو على الدقاق:

أبو على المعروف بكنيته واسمه الحسن النيسابورى العالم العارف المفسر المتأله الواعظ أبو راجة القشيرى وأستاذه توفى سنة 405 هـ وسنة 412 هـ وقبره فى نيسابور له كلمات معروفة وكتاب فى الوعظ مشتمل على 360 مجلسا.

‌على بن أبى طالب:

انظر ج 1 ص 269

‌أبو على الطبرى توفى 350 هـ:

هو الامام البارع المتفق على جلالته ذو الفنود أبو على الحسن بن القاسم المنسوب الى طبرستان تفقه على أبى على ابن أبى هريرة قال الشيخ

ص: 292

أبو اسحاق صنف المجرد فى النظر وهو أول كتاب صنف فى الخلاف المجرد وصنف الافصاح فى المذاهب وصنف أصول الفقه وصنف الجدال قال ودرس ببغداد بعد أستاذه أبى على بن هريرة توفى سنة خمسين وثلاثمائة هجرية.

‌على بن عبد الرحمن توفى 399 هـ:

على بن عبد الرحمن بن أحمد ابن يونس الصدفى المصرى أبو الحسن فلكى من العلماء وكان عارف بالأدب وله شعر كثير يرمى بالغفلة لقلة اكتراثه ولرثاثة ثيابه اختص بصحبة الحاكم الفاطمى وتوفى بالقاهرة له الزيج الحاكمى ويعرف بزيج ابن يونس فى أربع مجلدات صحح به أغلاط من سبقه من مصنفى الازياج وكان تعويل أهل مصر عليه وفى كتاب مدينة العرب لغوستاف لبون وضع ابن يونس فى القاهرة زيجة الحاكم المشهور فأنسى كل زيج قبله فى العالم حتى عنى به فلكيو الصين فذكره أحدهم كوشيو لينيغ سنة 1280 م ومن كتب ابن يونس التعديل المحكم وجداول السمت وجداول فى الشمس والقمر وغاية الانتفاع فى معرفة الدواء والسمت من قبل الارتفاع.

‌أبو على الفارسى توفى 377 هـ:

الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسى الأصل، أبو على:

أحد الأئمة فى علم العربية ولد فى فسا «من أعمال فارس» ودخل بغداد سنة 307 هـ، وفد حلب سنة 341 هـ فأقام مدة عند سيف الدولة، وعاد الى فارس، فصحب عضد الدولة بن بويه. وتقدم عنده، فعلمه النحو، وصنف له كتاب «الايضاح» فى قواعد اللغة العربية. ثم رحل الى بغداد فأقام الى ان توفى بها. كان متهما بالاعتزال. وله شعر قليل، من كتبه «التذكرة» فى علوم العربية، عشرون مجلدا «تعليق سيبويه» جزآن «والحجة» فى علل القراءات، وجواهر النحو. وصنف المسائل الشيرازية.

‌أبو على النجاد:

انظر ج 4 ص 373

‌أبو على النسفى:

انظر ج 1 ص 279

‌على بن يحيى الوشلى توفى سنة 777 هـ:

على بن يحيى بن حسن بن راشد الوشلى الزيدى العلامة من ذرية سليمان الفارسى رضى الله عنه كان علامة حجة فى المذهب مولده سنة 662 هـ وله تصانيف منها الزهرة على اللمع وقيل ان له اللمعة غير لمعة الجلال وقال أنه لم يضع شيئا فى كتبه الا ما كان مذهبا للهادى وكان الفقيه على رحمه الله تعالى صاحب فضل وورع كبير توفى بصعدة سنة سبعمائة وسبع وسبعين قال الفقيه يوسف من ورعه أنه وعد رجلا بكراء حانوت لمسجد صعدة فجاء آخر فبذل زيادة فأكراه من الأول وفاء بما وعد وكان يسلم الزائد من ماله رحمه الله.

‌ابن عمر:

انظر ج 1 ص 267

‌أبو عمر:

انظر ج 2 ص 359

‌عمر بن الخطاب:

انظر ج 1 ص 269

‌أبو عمر ابن الصلاح:

انظر ابن الصلاح ج 1 ص 264

ص: 293

‌عمران:

انظر ج 2 ص 359

‌أبو عمران:

انظر ج 8 ص 379

‌عمرو بن العاص:

انظر ج 3 ص 350

‌القاضى عياض:

انظر ج 1 ص 257

‌حرف الغين:

‌غالب بن ابحر (صحابى):

غالب بن أبحر المزنى أبو حاتم الرازى له صحبة وهو كوفى ويقال فيه ابن ديخ بكسر أوله ومثناة تحتية بعدها معجمة له حديث فى سنن أبى داود فى الحمر الأهلية اختلف فى اسناده اختلافا كثيرا قال ابن السكن فخرج حديثه عن شيخ من أهل الكوفة قال قتيبة حدثنا عبد المؤمن أبو الحسن حدثنا عبد الله ابن خالد العبسى عن عبد الرحمن مقرن عن غالب بن أبحر قال ذكرت قيس عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال أن قيس لأسد الله ورواه الحسن ابن سفيان فى مسنده عن قتيبة ومن طريق أبو نعيم رواه ابن نافع عن موسى بن هارون عن قتيبة وابن منده من طريق موسى وفرق ابن نافع بينهما.

‌الغزالى:

انظر ج 1 ص 270

‌حرف الفاء:

‌فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم:

انظر ج 1 ص 271

‌فاطمة بنت أبى حبيش صحابيه:

انظر ج 5 ص 374

‌أبو الفرج:

انظر ج 5 ص 375

‌ابن فضال توفى سنة 224 هـ:

الحسن بن على بن فضال التيمى بالولاء، أبو محمد فاضل من مصنفى الامامية من أهل الكوفة من كتبه (الرد على الغالية) والنوادر والتفسير والملاحم والرجال.

‌أبو الفضل الناصر:

انظر ج 1 ص 278

‌حرف القاف:

‌القاسم الصفار:

انظر الصفار ج 3 ص 341

‌ابن القاسم:

انظر ج 1 ص 271

‌القاضى:

انظر ج 1 ص 248

القاضى: انظر ج 2 ص 361

‌قتادة:

انظر ج 3 ص 353

‌أبو قتادة:

انظر ج 2 ص 362

‌القدورى:

انظر ج 1 ص 272

‌القرافى:

انظر ج 1 ص 272

‌ابن القصار:

انظر ج 3 ص 354

‌القمى:

انظر ج 6 ص 390

‌حرف الكاف:

‌الكمال:

انظر ج 1 ص 273

‌الكرخى:

انظر ج 1 ص 273

‌كعب بن مالك:

انظر ج 4 ص 370

‌الكنى:

انظر ج 6 ص 391

ص: 294

‌حرف اللام:

‌ابن لبابة:

انظر ج 6 ص 391

‌اللخمى:

انظر ج 1 ص 274

‌الليث بن مسعد:

انظر ج 1 ص 274

‌ابن أبى ليلى:

انظر ج 1 ص 274

‌حرف الميم:

‌المؤيد بالله:

انظر ج 1 ص 274

‌ابن الماجشون:

انظر ج 2 ص 363

‌المازرى:

انظر ج 1 ص 274

‌مالك:

انظر ج 1 ص 275

‌أبو مالك:

أنظر ج 7 ص 397

‌الماوردى:

انظر ج 1 ص 278

‌مجاهد:

انظر ج 3 ص 355

‌محارب بن دثار توفى سنة 116 هـ:

محارب بن دثار بن كردوس السدوسى الشيبانى الكوفى أبو المطرف قاضى الكوفة كان فقيها فاضلا حسن السيرة زاهدا شجاعا من أفرس الناس وكان من المرجئة فى على وعثمان وله فى ذلك شعر، عزل عن القضاء وأعيد وتوفى وهو قاض.

‌المجاملى:

انظر ج 4 ص 371

‌المحبوبى توفى سنة 747 هـ:

عبيد الله بن مسعود بن محمود ابن أحمد المحبوبى البخارى الحنفى صدر الشريعة الأصغر ابن صدر الشريعة الأكبر من علماء الحكمة والطبيعيات وأصول الفقه والدين، له كتاب تعديل العلوم «خ» والتنقيح «ط» فى أصول الفقه وشرحه التوضيح، وشرح الوقاية لجده محمود فى فقه الحنفية والنقاية مختصر الوقاية «ط» مع شرح القهستانى والوشاح فى علم المعانى توفى فى نجارا.

‌محمد:

انظر ج 1 ص 275

‌القاضى أبو محمد:

انظر القاضى عبد الوهاب ج 2 ص 261

‌محمد بن ابراهيم الميدانى توفى سنة 518 هـ:

أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم النيسابورى كان أديبا فاضلا أخذ من أبى الحسن على بن أحمد الواحدى وصنف تصانيف حسنة أشهرها مجمع الأمثال والثانى فى الاسامى ونزاهة الطرف فى علم الصرف والهادى للشادى توفى بنيسابور سنة 518 هـ.

‌محمد بن حمران:

محمد بن حمران بن الحارث بن معاوية من بنى جعفى بن سعد العشرة شاعر جاهلى ممن سمى «محمدا» قبل الاسلام قال الزبيدى له خبر مع امرئ القيس الكندى يدل على أنه من معاصريه وهو من لقبه بالشويعر قال الآمدى وله فى كتاب «بنى جعفى» أشعار جياد.

‌محمد بن سلمه:

انظر ج 2 ص 364

‌محمد بن شعبان توفى 1020 هـ:

محمد بن شعبان الطرابلسى الحنفى. فقيه. من أهل طرابلس الغرب. ولى فيها القضاء والفتوى والتدريس.

له كتب، منها «تشنيف المسمع» فى شرح مجمع البحر، فقه، «مناقش القشاش» .

‌محمد بن مسلمه:

انظر ج 4 ص 372

‌محمد بن مقاتل:

انظر ج 1 ص 258

ص: 295

‌محمد بن المواز:

انظر ج 1 ص 258

‌محمد بن يعقوب:

محمد بن يعقوب بن اسحاق أبو جعفر الكلينى فقيه امامى من كلين «بالرى» كان شيخ الشيعة ببغداد وتوفى فيها من كتبه الكافى فى علم الدين ثلاثة أجزاء الأول فى أصول الفقه والآخران فى الفروع صنفه فى عشرين سنة والرد على القرامطة ورسائل الأئمة وكتاب فى الرجال.

‌ابن مرزوق:

انظر ج 3 ص 356

‌مسروق:

انظر ج 1 ص 276

‌ابن مسعود (صحابى):

انظر ج 1 ص 276

‌مسلم:

انظر ج 1 ص 276

‌مسيلمة الكذاب:

هو مسيلمة بن حبيب وهو من بنى حنيفة كنيته أبو ثمامة وجمع جموعا كثيرة من بنى حنيفة وغيرهم من سفهاء العرب وغوغائهم وقصد قتال الصحابة فى اثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجهز عليه أبو بكر الصديق رضى الله عنه الجيوش وأميرهم خالد بن الوليد رضى الله عنه سنة احدى عشرة من الهجرة فقاتلوه فظهروا على مسيلمة فقتلوه كافرا وقتل خلائق من تباعه وانهزم من أفلت منهم وطفيت آثارهم.

‌مصعب 310 هـ:

بضم الميم بن سعد بن أبى وقاص مذكور فى المهذب وهو تابعى وهو مصعب بن سعد ابن أبى وقاص الزهرى وهو مدنى سمع أباه وعلى بن أبى طالب وابن عمر روى عنه مجاهد وأبو اسحق السبيعى وعبد الملك بن عمير وآخرون واتفقوا على توثيقه قال بن سعد كان ثقة كثير الحديث توفى سنة ثلاث ومائة.

‌أبو مضر:

انظر ج 4 ص 372

‌معاذ بن جبل:

انظر ج 1 ص 276

‌معاذ بن عمار:

انظر ج 1 ص 276

‌ابن معرف:

محمد بن معرف الشيخ العلامة الزيدى من علماء الزيدية الأعلام عاصر الامام المهدى أحمد بن الحسين وشهد بامامته ودرس على الأمير على بن الحسين وفى المستطاب أنه شيخ الأمير الحسين بن محمد فقد تردد بين امامين وامتد زمانه الى أيام الحسن بن بدر الدين وبايعه وله مؤلفات منها المذاكرة والمنهاج والمستصفى وهو أحد المذاكرين وفضله مشهور.

‌المعلى:

انظر ج 1 ص 277

‌المغيرة بن نوفل:

المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمى قال أبو عمر ولد قبل الهجرة وقيل ولد بعدها بأربع سنين وذكره ابن شاهين فى الصحابة فأخرج من طريق على بن عيسى الهاشمى عن سليمان بن نوفل عن عبد الملك بن نوفل بن المغيرة بن نوفل عن أبيه عن جده المغيرة قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحمد عدلا ولم يذم جورا فقد بارز الله بالمحاربة، قال ابن شاهين غريب ولا أعلم للمغيرة غيره وجزم به أبو أحمد العسكرى بأن هذا الحديث

ص: 296

مرسل وذكر ابن حبان المغيرة هذا فى ثقات التابعين والراجح ما قاله أبو عمر والحديث ليس بثابت والمغيرة هذا كان قاضيا بالمدينة فى خلافة عثمان رضى الله عنه.

‌ابن المقرى:

انظر ج 5 ص 378

‌ابن الملقن توفى 804 هـ:

عمر بن على بن أحمد الانصارى الشافعى سراج الدين أبو حفص ابن النحوى المعروف بابن الملقن من أكابر العلماء بالحديث والفقه وتاريخ الرجال أصله من وادى آش بالأندلس ومولده ووفاته فى القاهرة له نحو ثلاثمائة مصنف منها اكمال تهذيب الكمال فى أسماء الرجال تراجم والتذكرة فى علوم الحديث رسالة. والاعلام بفوائد عمدة الاحكام.

‌ابن المنذر:

انظر ج 1 ص 277

‌المنصور بالله:

انظر ج 1 ص 277

‌ابن منصور:

انظر ج 2 ص 364

‌المهدى:

انظر ج 6 ص 392

‌ابن المواز:

انظر ج 1 ص 278

‌ابن أبى موسى:

انظر ج 2 ص 365

‌أبو موسى الأشعرى:

انظر ج 3 ص 358

‌موسى بن جعفر:

انظر الكاظم ج 8 ص 381

‌حرف النون:

‌ابن ناجى:

انظر ج 5 ص 379

‌الناصر:

انظر ج 1 ص 278

‌ابن نافع:

انظر ج 1 ص 278

‌ابن أبى نجران:

عبد الرحمن بن أبى نجران التميمى الكوفى الضبط نجران بالنون المفتوحة والجيم الساكنة والراء المهملة والألف والنون وله كتب أخبر بها جماعة عن أبى الفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبى عبد الله عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبى نجران وقال النجاشى عبد الرحمن بن أبى نجران واسمه عمرو بن مسلم التميمى مولى كوفى أبو الفضل روى عن الرضا وروى أبوه أبو نجران عن أبى عبد الله ثم روى عن أبى نجران حنان وكان عبد الرحمن ثقة معتمدا على ما يرويه، له كتب كثيرة وقال العباس لم أر منها الا كتابة فى البيع والشراء.

‌ابن نجيم:

انظر ج 1 ص 279

‌نصر المقدسى توفى 490 هـ:

نصر بن ابراهيم بن نصر بن ابراهيم بن داود النابلسى المقدسى، أبو الفتح شيخ الشافعية فى عصره بالشام.

أصله من نابلس كان يعرف بابن أبى حافظ وقام برحلة، وعمره نحو عشرين عاما، فتفقه بصور، وصيدا، وغزة، وديار بكر، ودمشق، والقدس، ومكة، وبغداد، وأقام عشر سنين فى صور ثم تسع سنين فى دمشق واجتمع فيها بالامام الغزالى، وتوفى بها. وكان يعيش من غلة أرض له بنابلس، ولا يقبل من أحد شيئا. من كتبه «الحجة على تارك المحجة» فى الحديث والتهذيب فقه فى عشر مجلدات والكافى «فقه» فى مجلد، والتقريب، والفصول.

‌النووى:

انظر ج 1 ص 279

ص: 297

‌حرف الهاء:

‌الهادى:

انظر ج 1 ص 280

‌ابن هارون توفى 750 هـ:

محمد بن هارون الكنانى التونسى أبو عبد الله فقيه مالكى من مدرسى جامع الزيتونة بتونس له شروح واختصارات منها شرح مختصرى ابن الحاجب وشرح المعالم الفقهية ومختصر التهذيب.

‌أبو هريرة:

انظر ج 1 ص 280

‌هشام:

انظر ج 2 ص 366

‌هشام بن عروة:

انظر ج 1 ص 280

‌حرف الواو:

‌وائل بن حجر:

انظر ج 4 ص 374

‌وابصة بن معبد:

عمر بن وابصة بن معبد.

تابعى معروف أخرجه البارودى فى الصحابة وساق من طريق معمر عن منصور بن هلال بن يساف عن زياد بن أبى جعل عن عمرو بن وابصة أن النبى صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلى خلف الصف فأمره أن يعيد وهذا خطأ نشأ عن تصحيف وانما هو عن عمر بن وابصة فتصحف عن فصارت ابن معمرو وهو ابن راشد.

والصواب هو وابصة فقد أخرجه أبو داود والترمذى من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال على الصواب.

‌ابن وهب:

انظر ج 2 ص 366

‌حرف الياء:

‌الامام يحيى:

انظر ج 1 ص 280

‌أبو يحيى:

انظر ج 9 ص 386

‌أبو اليسر:

انظر ج 8 ص 383

‌أبو يوسف:

انظر ج 1 ص 281

‌ابن يونس:

انظر ج 1 ص 281

ص: 298