الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أم
التعريف اللغوى
(1)
:
جاء فى «المعجم الوسيط» أن الأم أصل الشئ للحيوان والنبات والأم الوالدة وتطلق على الجدة يقال حواء أم البشر، والأم الشئ يتبعه ما يليه ومنه أم الكتاب فاتحته وأم النجوم المجرة، وأم الطريق الطريق الأعظم بجانبيه طرق أخرى وأم القرى مكة وكل مدينة هى أم ما حولها من القرى وأم الرأس الدماغ، وأم الخبائث الخمر، والأم العلم فى مقدمة الجيش.
وجمع الأم أمات وأمهات، وقال بعضهم الأمهات فيمن يعقل والأمات بغير (ها) فيمن لا يعقل فالأمهات للناس والأمات للبهائم قال ابن برى: وربما جاء بعكس ذلك كما قال السفاح اليربوعى فى الأمهات بغير الآدميين.
قوال معروف وفعاله
…
عقار مثنى أمهات الرباع
وقال جرير فى الأمات للآدميين:
لقد ولد الأخيطل أم سوء
…
مقلدة من الأمات عارا
ويقال هو من أمهات الخير يعنى من أصوله ومعاونه، وأصل الكلمة أم. يقال أمت المرأة تؤم أمومة اذا صارت أما وأمت المرأة ولدا صارت له كالأم ويقال أم الشئ وأم الى الشئ أما بمعنى قصده يقال خرجوا يؤمون البلد.
وتستعمل الأم مؤنثة فيقال الأمة، والأمة الوالدة، والأمة جماعة من الناس أكثرهم من أصل واحد وتجمعهم صفاة موروثة ومصالح وأمانى واحدة أو يجمعهم أمر واحد من دين أو مكان أو زمان يقال الأمة المصرية والأمة العربية.
والأمة كل جنس من الحيوان والأمة الجيل والأمة الرجل الجامع لخصال الخير قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً»
(2)
والأمة الدين قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم «إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ»
(3)
والأمة الطريقة والأمة الحين والمدة قال الله تبارك وتعالى فى كتابه الكريم «وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ»
(4)
وينسب الى الأم أو الأمة فيقال أمى، والأمى من لا يقرأ ولا يكتب.
تعريف (أم) فى اصطلاح الفقهاء:
لا يكاد الفقهاء يخرجون فى تعريفهم لأم على ما جاء فى المعنى اللغوى - فقد جاء فى (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) ان الأم اسم لكل أنثى لها عليك ولادة من جهة الأم أو من جهة الأب
(5)
وذكر فى (القرطبى) أن الأم اسم لكل انثى لها عليك ولادة فيدخل فى ذلك الأم دنية
(6)
أى لاصقة النسب، وأمهاتها
(1)
المعجم الوسيط: اخراج مجمع اللغة العربية مادة (أمم) لسان العرب لجمال الدين ابن منظور نفس المادة المذكورة ومادة (امهة) القاموس المحيط لمجد الدين الفيروزابادى مادة (أمم).
(2)
الآية رقم (120) من سورة النحل.
(3)
الآية رقم (22، 23) من سورة الزخرف.
(4)
الآية رقم (8) من سورة هود.
(5)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ج 2 ص 27.
(6)
يقال هو ابن عمى دنية ودنيا (منون وغير منون) ودنيا (بضم الدال والقصر) اذا كان ابن عمه لحاء أى لا صق النسب انظر تفسير القرطبى للآية 23 من سورة النساء.
وجداتها، وأم الاب وجداته وان علون
(1)
ويقول أبو حامد الغزالى «وأمك كل أنثى ينتهى اليها نسبك بالولادة ولو بوسائط وكل امرأة أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو أرضعت من يرجع نسبك اليه فهى أمك» .
وجاء فى (كشاف القناع عن متن الاقناع)
(2)
أن أمهاتك كل من انتسبت اليها بولادة، سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة وهى التى ولدتك أو مجازا وهى التى ولدت من ولدك وان علت وارثة كانت أو غير وارثة فقد ذكر أبو هريرة هاجر أم اسماعيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تلك أمكم يا بنى ماء السماء» وفى الدعاء المأثور: اللهم صلى على أبينا آدم وأمنا حواء.
وجاء فى (الروضة البهية) ان أمك من الرضاعة هى كل امرأة أرضعتك أو رجع نسب من أرضعتك أو صاحب اللبن اليها أو أرضعت من يرجع نسبك اليه ذكرا أو أنثى وان علا
(3)
.
وعلى هذا فالأم اما نسبية وهى التى ينتهى اليها نسبك بالولادة ولو بوسائط واما رضاعية وهى التى أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو أرضعت من يرجع نسبك اليه ولكل منهما أحكامه الخاصة به.
أحكام الأم
لبحث أحكام الأم علينا أن نفصل أحكام الأم النسبية عن أحكام الأم الرضاعية تبعا لآراء الأئمة فى كل منهما.
أولا: أحكام الأم النسبية
الأم وارضاع الطفل
مذهب الحنفية:
جاء فى «الهداية شرح بداية المبتدى» أن نفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه فى نفقة الزوجة أحد لقول الله سبحانه وتعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ»
(4)
والمولود له هو الأب.
وان كان الصغير رضيعا فليس على أمه أن ترضعه لما بينا أن الكفاية على الأب وأجرة الرضاع كالنفقة ولأن الأم عساها لا تقدر على الرضاع لعذر بها فلا معنى للجبر عليه وقيل فى تأويل قوله سبحانه وتعالى «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها»
(5)
بالزامها الارضاع مع كراهتها.
وهذا الذى ذكرنا بيان الحكم وذلك اذا كان يوجد من ترضعه.
أما اذا كان لا توجد من ترضعه تجبر الأم على الارضاع صيانة للصبى عن الضياع ويستأجر الأب - لأن الأجر عليه - من ترضعه عندها اذا أرادت ذلك لان الحجر لها
(1)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبى طبعة (كتاب الشعب) 1677، والوجيز لأبى حامد الغزالى ح 2 ص 7.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ح 3 ص 39، 40 الطبعة الأولى 1319 هجرية بالمطبعة العامرية الشرقية.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ح 2 ص 81 طبعة دار الكاتب العربى بمصر.
(4)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(5)
نفس الآية السابقة.
وان استأجرها وهى زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز لأن الارضاع مستحق عليها ديانة. قال الله سبحانه وتعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ»
(1)
الا انها عذرت لاحتمال عجزها فان أقدمت عليه بالأجر ظهرت قدرتها فكان الفعل واجبا عليها فلا يجوز أخذ الأجر عليه وهذا فى المعتدة عن طلاق رجعى رواية واحدة لان النكاح قائم وكذا فى المبتوتة فى رواية لأن النكاح باق فى بعض الأحكام وفى رواية أخرى جاز استئجارها لأن النكاح قد زال ولو استأجرها وهى منكوحته أو معتدته لارضاع ابن له من غيرها جاز لانه غير مستحق عليها وان انقضت عدتها فاستأجرها لارضاع ولدها جاز لأن النكاح قد زال بالكلية وصارت كالأجنبية.
فان قال الأب لا استأجرها وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية أو رضيت بغير أجر كانت هى أحق لأنها أشفق فكان نظرا للصبى فى الدفع اليها.
وان التمست زيادة لم يجبر الزوج عليها دفعا للضرر عنه واليه الاشارة بقول الله سبحانه وتعالى «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ»
(2)
أى بالزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «المدونة الكبرى» أنه يلزم الأم ارضاع ولدها على ما أحبت أو كرهت الا أن تكون ممن لا تكلف ذلك وهى المرأة ذات الشرف واليسار الكثير التى ليس مثلها ترضع وتعالج الصبيان فان ذلك على أبيه، وان كان لها لبن. فان كانت الأم لا تقدر على لبن وهى ممن ترضع لو كان لها لبن فعلى الأب.
وكل ما أصابها من مرض يشغلها عن صبيها أو ينقطع به درها فالرضاع على الأب يغرم أجر الرضاع ولا تغرم هى قليلا ولا كثيرا:
وان كانت ممن ترضع أو كان لها لبن فانها لا تأخذ أجر ارضاعها من زوجها وعليها أن ترضع ولدها على ما أحبت أو كرهت.
فان مات الأب وهى ترضعه يسقط عنها ما كان يلزمها للصبى من الرضاع ان كان له مال، والا أرضعته ان لم يكن له مال وذلك فى الرضاع وحده.
والنفقة مخالفة للرضاع فى هذا فان كان ابنها رضيعا ولا مال للابن يلزمها ارضاع ابنها على ما أحبت أو كرهت، ولا تلزمها النفقة وانما يلزمها الرضاع، فان كان للصبى مال فلما مات الأب قالت لا أرضعه فان ذلك لها ويستأجر للصبى من ترضعه من ماله الا أن يخاف على الصبى ان لا يقبل غيرها. فتجبر على رضاعه وتعطى أجر رضاعه.
ويرى ابن القاسم انه كان قد طلقها تطليقة يملك الرجمة بها فانه ما دامت نفقة المرأة على الزوج فان الرضاع عليها اذا كانت ممن ترضع فاذا انقطعت نفقة الزوج عنها كان رضاعه على أبيه.
وان طلقها البتة فان أجر الرضاع على الأب وهو قول الامام مالك رحمه الله تعالى.
(2،1)) نفس الآية السابقة.
(3)
الهداية شرح بداية المبتدى لعلى بن أبى بكر الميرفينانى ح 3 ص 343 - 346 الطبعة الأولى 1316 هـ.
وان طلقها تطليقة فاذا انقضت عدتها كان رضاع الصبى على الأب فى قول مالك والأم احق بالرضاع بما ترضع غيرها من الأجر فان أبت أن ترضع بذلك فلا حق لها وان أرادت أن ترضعه بما ترضع الأجنبية فذلك للأم وليس للأب أن يفرق بينهما اذا رضيت أن ترضعه بما ترضع به غيرها من النساء فان كان ذلك ضررا على الصبى بأن يكون قد علق بأمه لا صبر له عنها أو كان لا يقبل المراضع أو خيف عليه فأمه أحق به بأجر رضاع مثلها وتجبر الأم اذا خيف على الصبى اذا لم يقبل المراضع أو علق بأمه حتى يخاف عليه الموت اذا فرق بينهما أجبرت الأم على رضاعة صبيها باجر رضاع مثلها.
فان كان رجلا معدما لا شئ له وقد طلق امرأته البتة فوجد من ذوات قرابته أخته أو أمه أو ابنته أو عمته أو خالته من ترضع بغير أجر فقال لأمه أما أن ترضعيه بلا أجر فانه لا شئ عندى واما أن تسلميه الى هؤلاء اللاتى يرضعنه لى بلا أجر أى مجانا كان له ذلك عليها اما أن ترضعه بلا أجر واما أن تسلمه الى من ذكر.
ولو كان قليلا ذات يده لا يقوى من الرضاع الا على الشئ اليسير الذى لا يشبه ان يكون رضاع مثلها ووجد امرأة ترضع له بدون ذلك كان ذلك اما أن ترضعه بما وجد، واما أن أسلمته الى من وجد.
وان كان موسرا فوجد من ترضع به بلا أجر لم يكن له أن يأخذه منها لما وجد من يرضعه باطلا - بلا أجر - وعليه اذا أرضعته الأم بما ترضعه غيرها أن يجبر الأب على ذلك.
قال سحنون وقد روى أن الأب اذا وجد من يرضع ابنه باطلا - بلا أجر - وكان الأب موسرا كان ذلك له ويقال للأم ان شئت فأرضعيه باطلا - بلا أجر - والا فلا حق لك فيه
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «الأنوار» أنه يجب على الأم أن ترضع ولدها اللبأ، وكذا الارضاع بعده ان لم توجد مرضعة أجنبية وان وجدت غيرها ولم ترغب الأم لم تجبر سواء كانت فى نكاحه أو بائنة ممن ترضع فى العادة أم لا.
وان رغبت فان كانت فى نكاحه فله منعها من الارضاع للاستمتاع بها وقيل لا. فان قلنا به أو توافقا عليه وأرضعت متبرعة فذاك ولا يزاد فى نفقتها وان طلبت أجرة فلها ذلك ولها الأجرة مع النفقة ان لم يمنع الارضاع الاستمتاع ولم ينقصه وان منع أو نقص فلا نفقة.
وان لم تكن فى نكاحه وتبرعت به فلا منع وان لم تتبرع فان طلبت أكثر من أجرة مثلها فله منعها واسترضاع أجنبية بأجرة المثل وان غلبت أجرة مثلها فهى أولى من الأجنبية بأجرة المثل وان وجدت أجنبية تتبرع أو ترض بدونها وهى تطلب أجرة المثل فله المنع.
ولو قال أجد متبرعة أو راضية بدونها وأنكرت صدق بيمينه.
وللسيد اجبار أمته ومستولدته على ارضاع
(1)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية الامام سحنون بن سعيد التنوخى طبعة المطبعة الخيرية ح 2 ص 294، 295. باب الرضاع.
ولده منها وليس له تسليم ولدها الى غيرها وهى ترضعه للتفريق، ولا ان يكلفها ارضاع غير ولدها معه بأجرة ودونها الا أن يفضل عن رى ولدها أو مات أو استغنى عن اللبن وله اجبارها على فطامه قبل الحولين اذا اكتفى بغير اللبن وعلى الارضاع بعد الحولين وان اكتفى بغيره الا اذا تضررت به وليس لها الاستقلال بالارضاع ولا بالفطام.
وللحرة حق التربية فليس لواحد من الأبوين الاستقلال بالفطام قبل الحولين ويجوز بالاتفاق اذا لم يتضرر الولد به وبعد الحولين جاز لكل منهما اذا اجتزأ بالطعام ويجوز ان يزاد على الحولين ان اتفقا
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يقول «صاحب كشاف القناع»
(2)
يجب نفقة ظئر أى مرضعة الصغير ذكرا كان أو أنثى فى ماله ان كان، كنفقة الكبير.
فان لم يكن للصغير مال فعلى من يلزمه نفقته من أب أو غيره.
ويختص وجوبها بالأب وحده ان كان لقوله سبحانه وتعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
(3)
.
وجاء فى عمدة الفقه فان لم يكن له أب ولا مال فعلى ورثته أجر رضاعه على قدر ميراثهم منه
(4)
.
وجاء فى «كشاف القناع» ولا يلزمه نفقة الظئر لما فوق الحولين لقول الله سبحانه وتعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ»
(5)
ولا يفطم قبلها للآية الا باذن أبويه فيجوز، الا أن ينضر الصغير فلا ولو رضيعا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار» .
وفى «الرعاية» هنا يحرم رضاعه بعدها ولو رضيا.
وظاهر «عيون المسائل» اباحته مطلقة قاله فى «المبدع» .
وقال فى «تحفة الودود فى أحكام المولود» ويجوز أن تستمر الأم على رضاعه بعد الحولين الى نصف الثالث أو أكثره.
وللأب منع امرأته من خدمة ولدها منه لأنه يفوت عليه حقه من الاستمتاع بها ويقدرها، ولا ينافى ذلك أنها أحق بحضانته اذ لا يلزم منه مباشرة الخدمة بنفسها بل تخدمه خادمها ونحوها عندها ولا يمنع الأب أم الرضيع من رضاعه اذا طلبت ذلك وان طلبت أجرة مثلها ووجد الأب من يتبرع له برضاعه فالأم أحق سواء كانت فى حبال الزوج أو مطلقة لقول
(1)
الأنوار لأعمال الأبرار للامام الكامل يوسف الاردبيلى الطبعة الأولى مطبعة الجمالية بمصر 1328 هـ 1910 م ح 2 ص 232، 233.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرقية 1319 هـ ح 3 - ص 318.
(3)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(4)
عمدة الفقه للامام موفق الدين بن قدامة المتوفى سنة 620 هـ طبعة المنار 1352 هـ ص 125.
(5)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
الله تبارك وتعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ» . وهو خبر يراد به الأمر وهو عام فى كل والدة لقوله تعالى «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»
(1)
ولأنها أشفق وأحق بالحضانة ولبنها أمرأ.
فان طلبت أكثر من أجرة مثلها ولو بيسير لم تكن أحق به مع من يتبرع بالرضاعة أو يرضع بأجرة المثل لقول الله تبارك وتعالى «وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى»
(2)
الا أن لا يوجد من يرضعه الا بمثل تلك الزيادة فتكون الأم أحق من الأجنبية لشفقتها ولو كانت أم الرضيع مع زوج آخر وطلبت رضاعه بأجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فأمه أحق اذا رضى الزوج الثانى بذلك للآية - وقد رضى الزوج باسقاط حقه فأشبهت غير المزوجة واذا أرضعت الزوجة ولدها وهى فى حبال والده فاحتاجت الى زيادة نفقة لزمه ذلك اذ كفايتها واجبة عليه لحق الزوجة ولرضاعة ولده واذا امتنعت الأم الحرة من رضاع ولدها لم تجبر ولو كانت فى حبال الزوج لقول الله تبارك وتعالى «وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى» واذا اختلفا فقد تعاسرا، وقول الله تبارك وتعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ» محمول على حال الاتفاق وعدم التعاسر الا أن يضطر الصغير اليها أو يخشى عليه بأن لا يوجد مرضعة سواها أولا يقبل الصغير الارتضاع من غيرها فيجب عليها ارضاعه لأنه حال ضرورة وحفظ النفس كما لو لم يكن له أحد غيرها ولكن يجب عليها أن تسقيه اللبأ لتضرره بعدمه بل يقال لا يعيش الا به وللزوج منع امرأته من ارضاع ولد غيرها ومن ارضاع ولدها من غيره من حين العقد لأن عقد النكاح يقتضى تمليك الزوج من الاستمتاع فى كل الزمان سوى أوقات الصلوات فالرضاع يفوت عليه الاستمتاع فى بعض الأوقات فكان له منعها منه كالخروج من منزله الا أن يضطر اليها الطفل بأن لا يوجد من يرضعه غيرها أو لا يقبل الارتضاع من غيرها فيجب التمكين من ارضاعه لانه حال ضرورة وحفظ فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك اذا لم يكن به مثل ضرورته أو تكون المرأة قد اشترطت الرضاعة على الزوج عند العقد فلا يمنعها منه نصا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤمنون على شروطهم»
(3)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم: الواجب على كل والدة حرة كانت أو أمة فى عصمة زوج أو فى ملك سيد أو كانت خلوا منهما لحق ولدها بالذى تولد من مائه أو لم يلحق أن ترضع ولدها أحبت أم كرهت ولو أنها بنت الخليفة فتجبر على ذلك الا أن تكون مطلقة فان كانت مطلقة لم تجبر على ارضاع ولدها من الذى طلقها الا أن تشاء هى ذلك فلها ذلك أحب أبوه أم كره أحب الذى تزوجها بعده أم كره.
(1)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
(2)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 3 ص 318، 319 الطبعة السابقة.
فان تعاسرت هى وأب الرضيع أمر الوالد بأن يسترضع لولده امرأة أخرى ولا بد الا أن لا يقبل الولد غير ثديها فتجبر حينئذ أحبت أم كرهت، أحب زوجها إن كان لها أم كره.
فان مات أب الرضيع أو أفلس أو غاب بحيث لا يقدر عليه أجبرت الأم على ارضاعه الا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضر به فانه يسترضع له غيرها. ويتبع الأب بذلك ان كان حيا وله مال.
فان لم تكن مطلقة لكن فى عصمته، أو منفسخة النكاح منه أو من عقد فاسد يجهل فاتفق أبوه وهى على استرضاعه وقبل غير ثديها فذلك جائز.
فان أراد أبوه ذلك فأبت هى الا ارضاعه فلها ذلك فان أرادت هى أن تسترضع له غيرها وأبى الوالد لم يكن لها ذلك وأجبرت على ارضاعه قبل غير ثديها أو لم يقبل غير ثديها الا أن لا يكون لها لبن أو كان لبنها يضر به فعلى الوالد حينئذ أن يسترضع لولده غيرها فان لم يقبل فى كل ذلك الا ثدى أمه أجبرت على ارضاعه ان كان لها لبن لا يضر به فان كان لا أب له اما بفساد الوط ء بزنا أو اكراه أو لعان أو بحيث لا يلحق بالذى تولد من مائه واما قد مات أبوه فالأم تجبر على ارضاعه الا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضر به أو ماتت أمه أو غابت بحيث لا يقدر عليها فيسترضع له غيرها سواء فى كل ذلك كان للرضيع مال أو لم يكن.
فان كان له أب وأم فأراد الأب فصاله دون رأى الأم أو أرادت الأم فصاله دون رأى الأب فليس ذلك لمن أراده منهما قبل تمام الحولين كان فى ذلك ضرر بالرضيع أو لم يكن.
فان أرادا جميعا فصاله قبل الحولين فان كان فى ذلك ضرر على الرضيع لمرض به أو اضعف بنيته أو لأنه لا يقبل الطعام لم يجز ذلك لهما فان كان لا ضرر على الرضيع فى ذلك فلهما ذلك فان أرادا التمادى على ارضاعه بعد الحولين فلهما ذلك.
فان أراد أحدهما بعد الحولين فصاله وأبى الآخر منهما فان كان فى ذلك ضرر على الرضيع لم يجز فصاله.
وكذلك ولو اتفقا على فصاله وان كان لا ضرر على الرضيع فى فصاله بعد الحولين فأى الأبوين أراد فصاله بعد تمام الحولين فله ذلك.
هذا حق الرضيع والحق على الأب والأم فى ارضاعه.
واما الواجب للأم فى ذلك فان كان الولد لا يلحق نسبه بالذى تولد من مائه أو كان أبوه ميتا أو غائبا حيث لا يقدر عليه ولا وارث للرضيع فالرضاع على الأم ولا شئ لها على أحد من أجل ارضاعه.
فان كانت فى عصمته بزواج صحيح أو ملك يمين صحيح فعلى الوالد نفقتهما وكسوتهما فقط كما كان قبل ذلك ولا مزيد.
وان كانت فى غير عصمته فان كانت أم ولده فأعتقها أو منفسخة النكاح بعد صحته بغير طلاق لكن بما ينفسخ به النكاح بعد صحته أو موطوءة بعقد فاسد بجهل يلحق فيه الولد بوالده أو طلقها طلاقا رجعيا وهو رضيع فلها
فى كل ذلك على والده النفقة والكسوة فقط ولا مزيد فان كان فقيرا كلفت ارضاعه ولا شئ لها على الأب الفقير.
فان غاب وله مال وامتنع اتبع بالنفقة والكسوة متى قدر له على مال.
فان كانت مطلقة ثلاثا أو أتمت عدتها من الطلاق الرجعى بوضعه فلها على أبيه الأجرة فى ارضاعه فقط فان رضيت بأجرة مثلها فان الأب يجبر على ذلك أحب أم كره ولا يلتفت الى قوله أنا واجد من ترضعه بأقل أو بلا أجرة فان لم ترض هى الا بأكثر من أجرة مثلها وأبى الأب الا أجرة مثلها فهذا هو التعاسر وللأب حينئذ أن يسترضع غيرها لولده الا أن لا يقبل غير ثديها أو لا يجد الأب الا من لبنها مضر بالرضيع أو كان الأب لا مال له فتجبر الأم حينئذ على ارضاعه وتجبر هى والوالد على أجرة مثلها ان كان له مال والا فلا شئ عليه.
وكل ما ذكر انه يجب على الوالد فى الرضاعة من أجرة أو رزق أو كسوة فهو واجب عليه كان للرضيع مال أو لم يكن، كانت صغيرة زوجها أبوها أو لم تكن بخلاف النفقة على الفطيمة أو الفطيم.
فان مات الأب فكل ما ذكر أنه يجب على الوالد من كسوة أو نفقة أو أجرة وللرضيع وارث فهو على وارث الرضيع على عددهم لا على مقادير مواريثهم منه والأم من جملتهم والزوج ان كان زوجها أبوها من جملتهم سواء كان للرضيع مال أو لم يكن بخلاف كسوته ونفقته اذا أكل الطعام.
فان لم يكن وارث فرضاعه على الأم وارثة كانت أو غير وارثة ولا شئ لها من أجل ذلك فى مال الرضيع بخلاف وجوب نفقتها فى ماله ان كان له مال ولا مال لها.
فان كانت مملوكة وولدها عبدا لسيدها أو لغير سيدها فرضاعه على الأم، بخلاف كسوته ونفقته اذا استغنى عن الرضاعة.
فان كانت مملوكة وولدها حر فان كان له أب أو وارث فالنفقة والكسوة أو الأجرة على الأب أو على الوارث كما تقدم.
فان لم يكن له أب ولا وارث فرضاعه على أمه.
فان ماتت أو مرضت أو أضر به لبنها أو كانت لا لبن لها ولا مال لها فعلى بيت مال المسلمين، فان منع فعلى الجيران يجبرهم الحاكم على ذلك
(1)
.
(2)
وفى قول الله
(1)
المحلى لأبى محمد على بن حزم الأندلسى الطبعة الأولى 1352 تحقيق محمد منير الدمشقى ح 10 ص 335 - 337 المسألة رقم 2017.
(2)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(1)
.
فهذه صفة الطلاق الرجعى بلا شك ثم ذكر الله سبحانه وتعالى العدة بالاقراء والمشهور، ثم قال عز وجل:«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ، وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى، لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً»
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «شرح الأزهار» : يجوز للأم الامتناع من ارضاع ولدها وترك حقها فى حضانته ان قبل غيرها ولو أجنبية أو أمة.
فان امتنع من غيرها وخشى عليه التلف أو الضرر صارت الحضانة حقا للطفل فيجبر من عليه الحضانة من أم أو غيرها ولو أمة بأجرة حيث خشى عليه التلف أو الضرر.
بخلاف ما اذا لم يخش ما ذكر، ولو كثرت حيث لم تكن من مال الصبى والا فأجرة المثل ولو صغيرة مزوجة.
ويجوز للأم طلب الأجرة على حضانة ولدها لغير أيام اللبأ وهى ثلاثة أيام بعد الولادة فلا تستحق عليها أجرة لانه يجب عليها ارضاع الولد فى هذه الأيام.
وقال أبو جعفر بل تستحق عليها الأجرة فأما اذا طلبت لغير تلك الأيام وجبت على الأب ما لم تتبرع بارضاعه وتقوم به من غير أمر وليه، وهو حاضر غير ممتنع فان تبرعت لم تستحق أجرة وانما تستحق اذا كان غائبا أو ممتنعا وفعلت ذلك بنية الرجوع بالأجرة وهكذا ما أنفقت وفى اعتبار الحاكم خلاف.
المختار لا يعتبر. ولا فرق فى استحقاق الأم الأجرة على ارضاع ولدها بين أن تكون الزوجية باقية بينها وبين الأب أو لا.
وقيل ان الأم لا تستحق الأجرة مع بقاء الزوجة بينهما ولا خلاف فى جواز ذلك بعد الطلاق البائن ويتفقون على جواز استئجارها على ارضاع ولده من غيرها مع بقاء الزوجية.
ويجوز للأب نقل الولد من الأم الى حضانة غيرها بشرطين:
أحدهما: أن يكون ذلك الغير مثلها تربية للولد أى يفعل مثل فعلها فى القيام به حسب ما تحتاج ولو لم تكن مثلها فى الحنو عليه.
والشرط الثانى: ان يحصل له ذلك بدون
(1)
الآيتان 1، 2 من سورة الطلاق.
(2)
الآيتان 6، 7 من سورة الطلاق.
ما طلبت الأم من الأجرة وألا تكن الحاضنة الأخرى مثل الأم فى التربية أو مثلها لكن أجرتها مثل أجرة الأم أو أكثر أو استويا بكونهما بلا أجرة معا فالأم أقدم، فلا يجوز له نقله الى غيرها والبينة عليه فى أن الحاضنة الأخرى مثل الأم فى التربية وأن أجرتها دون ما طلبت الأم.
وليس للزوج الآخر المنع من الحضانة ان كانت الحاضنة ذات زوج ولم يكن للولد من هو أولى منها فاذا كان له أولى منها فهى أحق به.
ويجوز لها نقل الطفل الى مقرها ترضعه هناك ان لم يشترط عليها أن ترضعه فى منزلها غالبا احتراز من أن يكون مقرها دار حرب أو دار فسق أو يخاف على الولد فيه أو تكون فيه غريبة ليست بين أهلها فليس لها أن تنقله وقيل الا أن تنقله من دار الحرب الى دار الاسلام جاز ولو كانت غريبة.
ولا خلاف أنه يجوز لها ذلك فيما دون البريد، ولا خلاف أنه لا يجوز لها الانتقال فى الصور التى احترز منها واختلفوا فيما عدا ذلك.
فالمذهب ان لها نقله الى مقرها وسواء وقع عقد الحضانة وقيل عقد النكاح فى بلدها أم لا وسواء كان بلدها مصرا أم سوادا
(1)
.
مذهب الأمامية:
جاء فى «المختصر النافع» : أفضل ما ينفع الطفل لبن أمه ولا تجبر الحرة على ارضاع ولدها ويجبر الأمة مولاها وللحرة الأجرة على الأب ان اختارت ارضاعه وكذا لو أرضعته خادمتها ولو كان الأب ميتا فمن مال الرضيع ومدة الرضاعة حولان ويجوز الاقتصار على واحد وعشرين شهرا لا أقل، والزيادة بشهر أو شهرين لا أكثر، ولا يلزم الوالد أجرة ما زاد عن حولين والأم أحق بارضاعه اذا تطوعت أو قنعت بما تطلب غيرها ولو طلبت زيادة عن ما قنع به غيرها فللاب نزعه واسترضاع غيرها
(2)
.
وجاء فى كتب «الخلاف» ليس للرجل أن يجبر زوجته على الرضاع لولدها منه شريفة كانت أو مشروفة، موسرة كانت أو معسرة دنية كانت أو نبيلة.
والدليل أن الأصل براءة الذمة والاجبار يحتاج الى دليل والآية محمولة على الاستحباب
(3)
.
وجاء فى كتاب الخلاف أيضا: البائن اذا كان لها ولد يرضع ووجد الزوج من يرضعه تطوعا وقالت الأم أريد أجرة المثل كان له نقل
(1)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية 1357 هـ ح 2 ص 526 - 530.
(2)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى الطبعة الثانية وزارة الأوقاف القاهرة 1377 ص 218.
(3)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى الطبعة الثانية 1382 هـ بايران ح 2 مسألة رقم 33 فى النفقات ص 335.
الولد عنها والدليل قول الله سبحانه وتعالى «وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى»
(1)
وهذه اذا طلبت الأجرة وغيرها يتطوع فقد تعاسرا
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى «كتاب شرح النيل» : ولا يلزم المرأة التى تضع ولدا لزوجها ارضاع ولدها أن امتنعت وقبل الرضاع من غيرها ولو من حيوان حلال كنعجة لا حرام كخنزيرة، ولكن يغلظ لها بالقول وتجبر بضرب بلا عدد ان لم يتقبل غيرها حتى ترضعه ولو كانت بعصمتها.
وقيل يلزمها ارضاعه اذا كانت مع أبيه ولو قبل غيرها حتى يتم حولان كما ذكره إبن جعفر ولا تفصله قبل حولين الا اذا رضى أبوه ولا يضر الصبى وقيل يجب عليها ارضاعه ولو فارقته ما كانت فى عصمته وان كانت ممن لا ترضع لشرفها فلا ارضاع عليها ان كان العرف كذلك، والعرف كالشرط ان لم يقبل على غيرها أو مات الأب أو أعسر ولم يكن للولد مال والا أرضعت أو استأجرت من ترضعه ان لم يكن له وارث أو كان ولا مال له.
والخلف فى غير الأم ان لم يقبل غيرها هل تجبر أم لا؟
قولان والصحيح الأول ولها الأجرة.
وأمه لها أجرة على رضاعه كأجرة مثلها ان طلبتها عند الزوج ولو كانت فى عصمته ولم تطلق أولها عند ولدها ان كان له مال فليعطها الأجرة من ماله أو مال ولده على الراجح، مقابله أنه لا أجرة لها ما دامت فى العصمة وانه لا تدركها فى مال ولدها.
وتجبر على ارضاع ولدها من غير أب شرعى وفى أجرتها فى ماله قولان وان استرضعته غيرها جاز
(3)
.
وللأم نفقة رضيع حتى يفطم زيادة على نفقتها فى نفسها فى العدة بقدر ما تمونه به.
ولا حد فى نفقة الرضيع ولا الطفل ولا الزوجة ولا المطلقة بل ذلك لنظر العدول لاختلاف أحوال الناس والأزمنة والأمكنة
(4)
.
ومن وهب عبدا رضيعا أو باعه أو أخرجه بوجه، لزم أمه ارضاعه ان لم يقبل غيرها
(5)
.
الأم وحضانة الطفل
مذهب الحنفية:
جاء فى كتاب «الهداية» : واذا وقعت
(1)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
(2)
كتاب الخلاف فى الفقه ح 2 مسألة رقم 34 فى النفقات ص 335 نفس الطبعة السابقة.
(3)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل فى فقه الإباضية للشيخ محمد بن يوسف أطفيش طبع بالمطبعة الأدبية بمصر ح 3 ص 564، 565.
(4)
المصدر السابق ح 3 ص 566.
(5)
المرجع السابق ح 3 ص 572 نفس الطبعة السابقة.
الفرقة بين الزوجين فالأم أحق بالولد لما روى أن امرأة قالت يا رسول الله ان ابنى هذا كان بطنى له وعاء وحجرى له حواء وثدى له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه منى فقال عليه الصلاة والسلام «أنت أحق به ما لم تتزوجى» ولأن الأم أشفق وأقدر على الحضانة فكان الدفع اليها أنظر.
واليه أشار الصديق بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر - قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته والصحابة حاضرون متوافرون.
والنفقة على الأب ولا تجبر الأم عليها لأنها عست تعجز عن الحضانة. فان لم تكن له أم فأم الأم أولى من أم الأب وان بعدت لأن هذه الولاية تستفاد من قبل الأمهات فان لم تكن أم الأم فأم الأب أولى من الأخوات لأنها من الأمهات ولهذا تحرز ميراثهن السدس ولأنها أوفر شفقة للولاد. فان لم تكن له جدة فالأخوات من العمات والخالات لأنهن بنات الأبوين ولهذا قدمن فى الميراث وفى رواية الخالة أولى من الأخت لأب لقوله عليه الصلاة والسلام (الخالة والدة) وقيل فى قول الله سبحانه وتعالى «وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ»
(1)
انها كانت خالة.
وتقدم الأخت لأب وأم لأنها أشفق ثم الأخت من الأم ثم الأخت من الأب لان الحق لهن من قبل الأم ثم الخالات أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم وينزلن كما نزل الأخوات معناه ترجيح ذات قربتين ثم قرابة الأم ثم العمات ينزلن كذلك.
وكل من تزوجت من هؤلاء يسقط حقها الا الجدة اذا كان زوجها الجد لأنه مقام أبيه فينظر له.
وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه لقيام الشفقة نظرا الى القرابة القريبة.
ومن سقط حقها بالتزوج يعود اليها اذا ارتفعت الزوجية لأن المانع قد زال والأم والجدة أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ويستنجى وحده.
وفى الجامع الصغير حتى يستغنى فيأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده والمعنى واحد لأن تمام الاستغناء بالقدرة على الاستنجاء.
ووجهه انه اذا استغنى يحتاج الى التأدب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم والأب أقدر على التأديب والتثقيف.
والخصاف قدر الاستغناء بسبع سنين اعتبارا للغالب والأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض لأن بعد الاستغناء تحتاج الى معرفة آداب النساء والمرأة على ذلك أقدر وبعد البلوغ تحتاج الى التحصين والحفظ والأب فيه أقوى وأهدى.
وعن محمد: أنها تدفع الى الأب اذا بلغت حدة الشهورة لتحقيق الحاجة الى الصيانة.
ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حدا تشتهى.
وفى الجامع الصغير حتى تستغنى لأنها لا تقدر على استخدامها ولهذا لا تؤاجرها
(1)
الآية رقم 100 من سورة يوسف.
للخدمة، فلا يحصل المقصود بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه شرعا.
والأمة اذا أعتقها مولاها وأم الولد اذا أعتقت كالحرة فى حق الولد لانهما حرتان أو أن ثبوت الحق.
وليس لها قبل العتق حق فى الولد لعجزهما، عن الحضانة بالاشتغال لخدمة المولى.
والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان أو أن يخاف أن يألف الكفر للنظر قبل ذلك واحتمال الضرر بعده.
ولا خيار للغلام والجارية لأنه لقصور عقله يختار من عنده الدعة لتخليته بينه وبين اللعب فلا يتحقق النظر وقد صح أن الصحابة لم يجبروا.
واذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك لما فيه من الأضرار بالأب الا أن تخرج به الى وطنها وقد كان الزوج تزوجها فيه لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا قال عليه الصلاة والسلام «من تأهل ببلدة فهو منهم» ولهذا يصير الحربى به ذميا
(1)
.
مذهب المالكية:
يقول «المالكية» الأصل فى الحضانة كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام واجماع الأمة. فأما كتاب الله فقوله سبحانه وتعالى «وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً»
(2)
.
وفى الأمهات يقول سبحانه وتعالى:
(3)
.
فالأم أحق برضاعة ابنها وكفالته الى أن يستغنى عنها بنفسه وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة المطلقة من أبى الطفيل حين قالت له: «ان ابنى هذا كان بطنى له وعاء وثديى له رواء وحجرى له حواء وأنا له الفداء، وزعم أبوه أن ينتزعه منى» فقال:
«أنت أحق به ما لم تنكحى» وقضاؤه لابنة حمزة لجعفر لموضع خالتها أسماء ابنة عميس.
واما الاجماع فلا خلاف بين أحد من الأمة فى ايجاب كفالة الأطفال الصغار لأن الانسان خلق ضعيفا مفتقرا الى من يكفله ويربيه حتى ينفع نفسه ويستغنى بذاته فهو من فروض الكفاية لا يحل أن يترك الصغير دون كفالة ولا توفية حق حتى يهلك ويضيع، واذا قام به قائم سقط عن الناس ولا يتعين ذلك على أحد سوى الأب وحده ويتعين على الأم فى حولى رضاعه اذا لم يكن له أب ولا مال تستأجر له منه فان كان لا يقبل ثدى سواها تجبر على رضاعه
(4)
.
والمقدم فى الحضانة هو من يعلم بمستقر
(1)
الهداية شرح بداية المبتدى للشيخ برهان الدين على بن بكر الميرغينانى الطبعة الأولى ببولاق 1316 ح 3 ص 313 - 319.
(2)
الآية رقم 24 من سورة الاسراء.
(3)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(4)
المقدمات الممهدات للمدونة الكبرى لأبى الوليد محمد بن احمد بن رشد المتوفى سنة 520 هـ هامش المدونة الكبرى ح 2 ص 258 طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ.
العادة أنه أشفق على المحضون وأرأف به وأقوى لمنافعه وهى الأم لا اختلاف بين أحد من أهل العلم أن الأم أحق بالحضانة من الأب ومن سائر الأولياء من الرجال والنساء لقول النبى صلى الله عليه وسلم «أنت أحق به ما لم تنكحى» الا أنه قد روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه أسهم بينهما، يروى عنه أنه خير الابن بين أبويه فقضى به لمن اختاره منهما.
وفى بعض الآثار أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لهما استهما عليه فأبى الأب من ذلك فخير النبى عليه الصلاة والسلام الغلام بينهما وفى بعضها أن النبى عليه الصلاة والسلام قال لهما ان شئتما خيرتماه.
وذهب أبو جعفر الطحاوى الى أن لا يحمل شئ من هذه الآثار على التعارض وان تستعمل جميعها، فيدعو الامام الأبوين الى الاستهمام عليه فان أجابا الى ذلك أسهم بينهما، وان أبيا أو أحدهما قال لهما ان شئتما خيرتماه فان أبيا ذلك أو أحدهما حكم به للأم وهو وجه حسن يصح به استعمال الآثار كلها واستعمال جميعها أولى من طرح بعضها.
وكما تكون الأم أحق من الأب فان قراباتها أحق من قرابات الأب لا اختلاف بين أهل العلم فى ذلك.
واختلفوا هل تكون قراباتها أى الأم أحق من الأب على قولين:
فروى ابن وهب عن مالك أن الأب أحق من الخالة والمشهور فى المذهب أن أقرباء الأم أحق من الأب فعلى هذا ان لم تكن الأم، أو كانت ولها زوج أجنبى فأمها وهى الجدة أحق فان لم تكن فأم أمها أو أم أبيها فان اجتمعتا جميعا فأم الأم أحق من أم الأب فان لم تكن واحدة منهما فأم أم أمها أو أم أم أبيها، أو أم أبى أمها فاذا اجتمع الأربعة فأم أم الأم ثم أم الأب وأم أم الأب بمنزلة سواء، ثم أقرباء الأب.
وعلى هذا الترتيب أمهاتهن ما علون فان لم تكن واحدة منهن فأخت الأم وهى الخالة فان اجتمعت أخت الأم لأبيها وأمها، وأختها لأبيها، وأختها لأمها فالشقيقة أولى ثم التى للام ثم التى للأب لأن الأم أمس رحما.
فان لم تكن منهن واحدة فأحت الجدة وهى خالة الام، وخالة الخالة فان اجتمع أيضا أخت الجدة لأبيها وأمها، وأختها لأمها، وأختها لأبيها فالشقيقة أولى ثم التى للأم ثم التى للأب لأن الأم أمس رحما من الأب، فان لم تكن واحدة منهن، فأخت الجد للأم وهى عمة الأم وعمة الخالة، فان اجتمع أيضا أخت الجد للأم لأبيه وأمه، وأخته لأمه وأخته لأبيه، فالشقيقة أولى ثم التى للأم ثم التى للأب وعلى هذا الترتيب ما بعد من النسب من الأم وارتفع.
فان انقطعت قرابات الأم، فقيل أن الأب أحق من جميع قراباته لأنهن انما يدلين به، فهو أحق منهن.
وقيل أنهن أحق منه وان كن يدلين به لأنه لا يحضن ويستنيب فى الحضانة غيره من النساء فقراباته أحق حكى هذين القولين عبد الوهاب.
وجعل فى المدونة بعض قراباته أحق منه،
وهو أحق من بعض، فجعل الجدات قبله أحق منه وجعله هو أحق من سائر قراباته
(1)
.
واذا كان للحاضنة زوج أجنبى سقطت حضانتها فان كان زوجها ذا رحم من المحضون فلا يخلو من وجهين.
أحدهما أن يكون محرما عليه.
والثانى أن لا يكون محرما عليه فان كان محرما عليه فسواء كان ممن لهم الحضانة كالعم والجد للأب أو ممن لا حضانة له كالخال والجد للأم لا تأثير له فى اسقاط الحضانة.
وأما ان كان غير محرم عليه فلا يخلو اما أن يكون ممن له الحضانة كابن العم أو ممن لا حضانة له كابن الخال.
فان كان ممن له الحضانة فهى أحق ما لم يكن للمحضون حاضنة أقرب اليه منها فارغة من زوج، وان كان زوجها أبعد من الولى الآخر.
وان كان ممن لا حضانة له فانه يسقط حضانتها بكل حال كالأجنبى سواء.
وذهب ابن وهب الى أن الزوج يسقط حضانة الحاضنة وان كان ذا رحم من المحضون
(2)
.
ويترك الغلام فى حضانة الأم حتى يحتلم ثم يذهب حيث شاء فان احتاج الأب الى أن يؤدبه فله أن يؤدبه بالنهار ويبعثه الى الكتاب وينقلب الى أمه بالليل فى حضانتها ويؤدبه عند أمه ولا يفرق بينه وبينها الا أن تتزوج فاذا تزوجت الأم وهو صغير يرضع أو فوق ذلك فأخذه أبوه أو أولياؤه ثم مات عنها زوجها أو طلقها لا يرد الى أمه فاذا سلمته مرة فلا حق لها فيه.
ويؤخذ من أمه حين يدخل بها زوجها، ولا يؤخذ منها الولد قبل ذلك وتكون الأم أولى بالجارية اذا فارقها زوجها أو مات عنها حتى تبلغ النكاح ويخاف عليها فاذا بلغت النكاح وخيف عليها النظر، فان كانت أمها فى حرز ومنعه.
وتحصين كانت أحق بها أبدا حتى تنكح، وان بلغت ابنتها ثلاثين سنة أو أربعين سنة ما كانت بكرا فأمها أحق بها ما لم تنكح الأم أو يخف عليها فى موضعها.
فان خيف على البنت فى موضع الأم ولم تكن الأم فى تحصين ولا منعة أو تكون الأم لعلها ليست بمرضية فى حالها ضم الجارية أبوها أو أولياؤها. اذا كان فى الموضع التى تصير اليه كفالة وحرز.
قال مالك رب رجل شرير سكير يترك ابنته ويذهب أو يدخل عليها الرجال بهذا لا تضم اليه بشئ.
ويرى بن القاسم أن ينظر السلطان لهذا.
ويترك الغلام والجارية عند الجدة والخالة الى حد ما يتركان عند الأم ذلك اذا كانوا فى كفالة وحرز ولم يخف عليهما
(3)
.
(1)
المصدر نفسه ح 2 ص 259، 260.
(2)
نفس المصدر ح 2 ص 261.
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية الامام سحنون بن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن ابن القاسم طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ ح 2 - ص 244.
وللأب أن يخرج ولده معه الى أى بلد ارتحل اليه اذا أراد السكنى وكذلك الأولياء هم فى ولاياتهم بمنزلة الأب لهم أن يرتحلوا بالصبيان حيثما ارتحلوا، تزوجت الأم أو لم تتزوج اذا كانت رحلة الأب والأولياء رحلة نقلة، وكان الولد مع الأولياء أو مع الوالد فى كفاية، ويقال للأم ان شئت فاتبعى ولدك، وان أبيت وأنت أعلم.
وان كان انما يسافر ويذهب ويجئ فليس بهذا ان يخرجهم معه عن أمهم لانه لم ينتقل.
وليس للأم أن تنقلهم عن المكان الذى فيه والدهم وأولياؤهم الا أن يكون ذلك الى موضع قريب البريد ونحوه حيث يبلغ الأب والأولياء خبرهم
(1)
.
واذا طلقت الأم وكان الأب مسلما وهى نصرانية أو يهودية ومعها أولاد صغار فهى أحق بولدها وهى كالمسلمة فى ولدها الى أن يخاف عليها أن بلغت جارية أن لا يكونوا فى حرز.
وان أرادت أن تسقيهم خمرا أو تغذيهم بلحوم الخنازير منعت من ذلك ولا ينزع الولد منها.
وان خافوا ان تفعل ضمت الى ناس من المسلمين لئلا تفعله، وان كانت الأم مجوسية أسلم زوجها ومعها صغار وأبت ان تسلم ففرق بينهما فالأم أحق بالولد.
واليهودية والنصرانية والمجوسية فى هذا سواء مثل المسلمة.
وان كانت أمهم أمة وقد عتق الولد وزوجها حر فطلقها زوجها فالأم أحق بالولد، الا أن تباع فتظعن الى بلد غير بلد الأب فيكون الأب أحق به، أو يريد أبوه الانتقال لبلد سواه فيكون أحق به.
والعبد فى ولده ليس بمنزلة الحر لا يفرق بين الولد وبين أمه كانت أمة أو حرة لأن العبد ليس له مسكن ولا قرار وربما يسافر به ويظعن ويباع.
ولا يفرق بين الأمهات والأولاد. فى العبد. حتى يثغروا، الا أن يعجل ذلك بالصغير وذلك حتى يستغنى الصبى عن أمه بأكله وحده وشربه وحده ولبسه وقيامه وتعوده ومنامه.
ولا بأس أن يفرق بين الأب وولده ان كانوا صغارا وانما ذلك فى الأمهات.
واذا اعتقت أم الولد ولها أولاد صغار فهى فى ولدها بمنزلة المرأة الحرة التى تطلق ولها أولاد صغار
(2)
.
مذهب الشافعية:
يقول «الشافعية» الحضانة هى القيام بحفظ من لا يستقل بأمره وتربيته ووقايته عما يؤذيه.
وهى نوع ولاية ولكنها بالاناث اليق ومؤنتها على الأب ان لم تتبرع الحاضنة.
وأحكام الحضانة تستوجب النظر فى
(1)
المصدر السابق ح 2 ص 245.
(2)
نفس المصدر ص 245 - 247.
الحاضنة والمحضون وترتيب الحواضن.
النظر الأول فى الحاضن فان كان الأبوان على النكاح فالطفل معهما، وان تفرقا بفسخ أو طلاق أو غيرهما كانت الحضانة للأم بشروط لا تختص بالأم بل تعم كل من له مدخل فى الحضانة.
الشرط الأول: ان تكون مسلمة أن كان الطفل مسلما فلا حضانة لكافر أو كافرة على مسلم.
الشرط الثانى: أن تكون عاقلة فلا حضانة لمجنون أو مجنونة مطبقا كان أو متقطعا الا أن يقع نادرا كيوم فى سنة والمرض الذى لا يرجى زواله كالسل والفالج ان كان مؤلما شاغلا عن الكفالة والتربية يسقط حق الحضانة وان كان تأثيره فى عسر الحركة والتصرف فكذلك فى حق من يباشرها بنفسه دون من يأمر غيره.
الشرط الثالث: أن تكون حرة فلا حضانة لرقيق ورقيقة وان أذن السيد ثم ان كان الولد حرا فهى لمن بعد أمه، وان كان رقيقا فلسيده، وليس له النزع من أبيه، وتسليمه الى غيره، والمدبرة والمكاتبة ومن بعضها حر كالقنة.
الشرط الرابع: أن تكون أمينة فلا حضانة لفاسق وفاسقة.
الشرط الخامس: ان تكون خلية فان نكحت أجنبيا فلا حضانة لها وان رضى الناكح كما لا حضانة للأمه برضى السيد.
ولو نكحت عم الطفل أو غيره ممن له حق الحضانة لم تبطل حضانتها ان رضى الناكح بها، وان أبى فلا حضانة.
الشرط السادس: أن ترضع الولد ان كان رضيعا ولها لبن والا فلا حضانة، ولها المطالبة بأجرة الرضاع والحضانة معا.
الشرط السابع: أن تكون مقيمة، فان سافر أحدهما فلا حضانة لها.
الشرط الثامن: أن لا يكون الطفل مميزا والا فيخير بينهما ولو أسلمت الكافرة أو أفاقت المجنونة أو أعتقت الأمة أو رشدت الفاسقة، أو طلقت الناكحة، فلها الحضانة.
ولو امتنعت الأم من الحضانة أو غابت فهى الى الجدة كما لو ماتت أو جنت.
ومتى امتنع الأقرب عصى وهى لمن يليه لا للسلطان.
قال المتولى: ولو امتنع الأب منها يجبره السلطان بخلاف الأم واذا صار الصغير مميزا أو افترق الزوجان وهو مميز خير بين الأبوين ابنا كان أو بنتا اذا كانا مسلمين حرين عاقلين عدلين مقيمين والا فهى لمن جمع الصفات فاذا زال الخلل أنشئ التخيير
(1)
.
وقال الشافعى فى الأم محددا سن التخيير فاذا بلغ أحدهم سبعا أو ثمانى سنين وهو يعقل خير بين أبيه وأمه وان كان عند أيهما اختار
(2)
.
ولو وجدت الشروط فيهما واختص أحدهما بزيادة فى الدين أو المال أو المحبة لم يختص به بل يخير.
(1)
الأنوار لأعمال الأبرار ح 2 ص 234.
(2)
كتاب الأم للامام الشافعى ح 5 ص 82.
ويخير الصغير بين الأم والجد عند عدم الأب، وكذا بينها وبين من على حاشية النسب كالأخ والعم وابنه ان كان الولد ذكرا بالترتيب المعتبر فى الحضانة.
ولا يخير بين الأب والأخت أو الخالة بل الحضانة له.
واذا اختار أحد الأبوين ثم الآخر حول اليه، فان عاد الى الأول أعيد اليه فان أكثر بحيث يظن أنه لنقصان عقل جعل عند أمه، وكذا لو بلغ وهو على نقصانه وخبله.
واذا اختار الأب لم يمنعه من زيارة الأم ولا الأم من زيارته، وان كان أنثى فله منعها من زيارتها ولا يمنع الأم من زيارتها والزيارة فى أيام مرة على العادة، واذا دخلت فلا تطيل المقام.
ولو مرض الولد ذكرا كان أم أنثى فالأم أولى بتمريضه فان رضى بتمريضه فى بيته فذاك والا فتنقله الى بيتها ويجب الاحتراز عن الخلوة فى التمريض فى بيته وكذا فى الزيارة واذا مات لم تمنع من حضور غسله وتجهيزه الى الدفن، ولو مرضت الأم لم يمنع الولد من عيادتها ذكرا كان أو أنثى ولا تمرضها البنت الا اذا أحسنت.
ولو اختار الابن أمه كان عند الأب نهارا يؤدبه ويعلمه الدين والمعاش والحرفة وعند أمه ليلا ولو اختارت البنت أمها كانت عندها ليلا ونهارا ويزورها الأب على العادة، ولا يطلب احضارها عندها، وكذا الولد عند لا عصوبة له كالخال وابنه فلا نقل له.
ولا يثبت حق النقل للأب وغيره الا اذا اجتمعت فيه الصفات المعبرة فى الحضانة ولو الأم قبل سن التخيير ولو اختارهما جميعا أقرع بينهما، ولو لم يختر واحدا منهما فالأم أحق ولو ترك أحد الأبوين وقت التخيير كفالته للآخر كان الآخر أحق به فان عاد وطلبها خير الصغير.
ولو تدافع الأبوان كفالته ووجد من يستحق الحضانة بعدهما كالجد والجدة خير بينهما، وان لم يوجد أجبر عليها من يلزمه نفقته ولو أراد أحدهما سفر حاجة كحج وتجارة فالولد يكون مع المقيم طال أو قصر، وان كان سفر نقله فيكون مع الأب يسافر هو والأم نكحها فى بلدها أو الغربة ولو رافقته الأم فى الطريق دام حقها، وكذا فى المقصد، ولو كان الطريق مخوفا أو المقصد لم يكن له نقله، ولو قال أريد الانتقال وقالت بل التجارة صدق بيمينه.
وسائر العصبات من المحارم كالجد والأخ والعم بمنزلة الأب فى هذا، وكذا غير المحارم كابن العم اذا كان الولد ذكرا وان كان أنثى فلا، الا اذا لم تبلغ سنا تشتهى، والذى لا عصوبة له كالخال وابنه فلا تقل له ولا يثبت حق النقل للأب وغيره الا اذا اجتمعت فيه الصفات المعتبرة فى الحضانة. ولو أراد الأخ الانتقال وهناك أخ أو عم مقيم فلا نقل له، بخلاف الأب فان له النقل مع اقامة الجد وللجد النقل مع اقامة الأخ والعم.
النظر الثانى فى المحضون: والمحضون هو من لا يستقل بمراعاة نفسه ولا يهتدى الى مصالحه لصغر أو جنون أو خبل أو قلة تمييز
متى بلغ الغلام رشيدا ولى نفسه ولا يجبر على أن يكون عند الأبوين أو أحدهما، والأولى أن لا يفارقهما ويخدمهما ويصلهما، وان بلغ عاقلا غير رشيد فقد أطلق انه كالصبى.
وقال ابن سريج ان لم يحسن تدبيره فكذلك، وان اختل رشده لعدم صلاح يسكن حيث شاء.
قال الرافعى، والنورى: وهذا أحسن وهو المذكور فى شرح اللباب. فاذا بلغت الأنثى فان كانت مزوجه فتكون عند زوجها والا فان كانت بكرا فعند أبويها أو أحدهما وتجبر على ذلك فان افترقا خيرت بينهما وان كانت ثيبا فالأولى أن تكون عندهما أو عند أحدهما ولا تجبر على ذلك اذا لم تتهم ولم تذكر بريبة والا فللأب والجد ومن يلى تزويجها منعها من الانفراد.
والمحرم منهم يضمها الى نفسه ان رأى ذلك، وغيره يسكنها موضعا يليق بها ويلاحظها.
وللأم ضمها اليها عند الريبة. ولو فرضت التهمة فى حق البكر فهى أولى بالاحتياط.
والأمرد اذا خيف من الانفراد وانقدحت تهمته منع من مفارقة الأبوين والجد كالأب فى حقه، وكذا الأخ والعم ونحوهما. ولو ادعى الولى ريبة وأنكرته قبل قوله ويحتاط بلا بينة.
النظر الثالث فى تربية الحواضن: فمتى اجتمع اثنان فصاعدا فان تراضوا بواحدة فذاك وان تدافعو فعلى من عليه النفقة، وان طلبها كل واحد من المتصفين بشروطا فهم ثلاث اضرب:
الضرب الأول: حاضن الاناث، وأولاهن الأم ثم أمهاتها المدليات بالاناث، القربى فالقربى، ثم أم الأب ثم أمهاتها كذلك، ثم أم أب الأب كذلك، ثم أم أب الجد كذلك، ثم الأخوات من الأبوين ثم من الأب ثم من الأم ثم الخالات كذلك ثم بنات الأخوات كذلك ثم بنات الأخوة كذلك ثم العمات كذلك ثم بنات الخالات كذلك، ثم بنات الأخوال كذلك، ثم بنات العمات كذلك، ثم بنات الأعمام كذلك.
ولا حضانة لكل جدة تدلى بذكر بين انثيين كأم أب الأم، ولا كل محرم يدل بذكر لا يرث كبنت ابن البنت، وبنت العم للأم.
وناقض فى شرح اللباب حيث قال فى الترتيب ثم العمات ثم بنات الخالات ثم بنات الأخوال ثم بنات العمات ثم بنات الأعمام.
ثم قال ولا حضانة للتى ليست بمحرم كبنت الخالة والخال وبنت العمة والعم والمعتمد الأول
(1)
.
وجاء فى الوجيز: أن الترتيب الأول فى الجديد اما فى القديم فقد قدم الأخوات للأم والخالات على أمهات الأب لا دلائهن بالأم.
وعلى ترتيب الاناث يوجد بالوجيز ثلاثة فروع.
الفرع الأول: الأخت للأب مقدمة على الأخت للأم فى الجديد لقوتها، وفى القديم وجه أن الأخت للأم أولى، والخالة للأب هل
(1)
الأنوار لأعمال الأبرار للامام يوسف الأردبيلى الطبعة الأولى بمطبعة الجمالية بمصر سنة 1910 م سنة 1328 هـ. ح 2، ص 234 وما بعدها.
تقدم فى الجديد على الخالة للأم؟ فيه وجهان.
الفرع الثانى: النص أن لا مدخل لكل جدة ساقطة فى الميراث، وهى التى تدلى بذكر بين انثيين، وفى وجه آخر أن لهن الحضانة ولكنهن مؤخرات عن الكل.
وفيه وجه انهن مقدمات على الأخوات والخالات.
الفرع الثالث: الانثى التى لا محرمية لها كبنت الخالة وبنت العمة لا حضانة لهما على أظهر الوجهين. فان أثبتنا لها فبنات الخالات مقدمات على بنات العمات
(1)
.
الضرب الثانى: حاضن الذكور فيقدم الأب ثم أبوه وان علا الأقرب فالأقرب ثم الأخ من الأبوين ثم من الأب ثم من الأم ثم ابن الأخ من الأبوين ثم من الأب، ثم العم من الأبوين ثم من الأب ثم عم الأب ثم الجد.
والوارث الذى ليس بمحرم كابن العم وابن عم الأب، والجد لهم الحضانة. فان كان الولد ذكرا أو أنثى لا تشتهى سلم اليه والاسلم الى بنته أو المرأة ثقة بعينها.
ولا حضانة للمعتق ولا لمحرم لا يرث كالخال وأب الأم والعم للأم وابن الأخت وابن الأخ للأم، ولا لمن ليس بمحرم ولا وارث كابنة الخالة والخالة والعمة.
الضرب الثالث: الذكور والاناث فاذا اجتمعوا قدمت الأم ثم أمهاتها المدليات بالاناث، ثم الأب ثم أمهاته كذلك ثم الجد أب الأب ثم أمهاته كذلك ثم من الأخوات من الأبوين ثم من الأب ثم من الأم ثم بنات الأخوة من الأبوين ثم من الأب ثم من الأم ثم بنو الأخوة من الأبوين ثم من الأب ويقدم بنت الأخ على بنت الأخت ثم الخؤولة ثم العمومة ويقدم الخالات على الأخوال والعمات على الأعمام ثم أولادهم وترتيبهم وتقديم الاناث كما فى أصولهم ثم الخؤولة للأبوين وعمومتهما على هذا الترتيب.
واذا استوى اثنان من كل وجه كأخوين وخالتين وتنازعا أقرعا، وقولهم تقدم الخالات على الأخوال مشعر بحضانة الحال وهو نقيض لقولهم ولا حضانة لمحرم لا يرث كالخال كما سبق قريبا والمعتمد الأول
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كتاب كشاف القناع» اذا افترق الزوجان ولهما طفل أو معتوه أو مجنون. ذكر أم أنثى فأحق الناس بحضانته أمه كما قبل الفراق مع أهليتها وحضورها وقبولها ولو بأجرة مثلها مع متبرعة كرضاع فالأم أحق بحضانته من أبيه ولان أباه لا يتولى الحضانة بنفسه وانما يدفعه الى امرأته وامه أولى من امرأة أبيه لشفقتها ولو امتنعت الأم من حضانته لم تجبر عليها لانها غير واجبة عليها
(1)
الوجيز لأبى حامد الغزالى طبعة سنة 1318 هـ. ح 2، ص 71، 72.
(2)
الأنوار لأعمال الأبرار ح 2، ص 238 الطبعة السابقة.
وأولى بالحضانة بعد الأم أمهاتها القربى فالقربى لأن ولاتهن محققة.
فهن فى معنى الأم والأقرب أكمل شفقة من الأبعد ثم أب لأنه أقرب من غيره وليس لغيره كمال لشفقته فرجح بها ثم أمهاته ثم جد أب الأب ثم أمهاته.
ولو استؤجرت المرأة للرضاع والحضانة لزماها بالعقد وان استؤجرت للرضاع وأطلق العقد لزمتها الحضانة تبعا للرضاعة كما جاء فى الرعاية الكبرى.
وقيل لا يلزمها سوى الرضاع وقدمه ابن رزين فى شرحه.
وان استؤجرت للحضانة وأطلق العقد لم يلزمها الرضاع قال فى تصحيح الفروع والصواب الرجوع فى ذلك الى العرف والعادة فيعمل بهما.
وان امتنعت الأم أو غيرها من الحضانة أو كانت غير أهل لها انتقلت الى من بعدها كما لو لم تكن ومن أسقط حقه من الحضانة سقط لاعراضه عنه وله العود فى حقه متى شاء لأنه يتجدد بتجدد الزمان كما فى النفقة ولا حضانة للرقيق لعجزه عنها بخدمة سيده ولا حضانة لمن بعضه حر ولو كان بينه وبين سيده مهايأة لأنه لا يملك نفعه الذى تحصل به الكفاءة.
وقال فى الهدى لا دليل على اشتراط الحرية فان كان بعض الطفل رقيقا والحضانة لسيدة وقريبه بمهايأة فالحضانة لهما لأن حضانة الطفل الرقيق لسيده والحرية لقريبه والأولى لسيده أن يقره مع أمه أو نحوها.
ولا حضانة لفاسق ولا لكافر على مسلم ولا لمجنون ولو غير مطبق - ولا لمعتوه ولا لطفل ولا حضانة أيضا لعاجز عنها كأعمى ونحوه واذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من الحضانة ولا حضانة لامراة مزوجة لأجنبى من الطفل لقوله عليه الصلاة والسلام «أنت أحق به ان لم تنكحى» ولأنها تشتغل عن حضانته بحق الزوج فتسقط حضانتها من حين العقد لانها بالعقد ملك منافعها واستحق زوجها منعها من الحضانة فسقطت حضانتها.
ولو رضى الزوج لئلا يكون المحضون فى حضانة أجنبى فان كان الزوج ليس أجنبيا كجد المحضون وقريبه فلها الحضانة لأن الزوج القريب يشاركها فى القرابة والشفقة عليه أشبه الأم اذا كانت مزوجة بالأب.
ولو اتفق أبو المحضون وأمه على أن يكون الولد فى حضانتها وهى مزوجة ورضى زوجها جاز ذلك ولم يكن لازما لأن الحق لا يعدوهم وأيهم أراد الرجوع فله ذلك.
فان زالت الموانع كأن عتق الرقيق وأسلم الكافر وعدل الفاسق ولو ظاهرا وعقل المجنون وطلقت الزوجة ولو رجعيا ولو لم تنقض العدة رجعوا الى حقهم من الحضانة لأن سببها قائم وانما امتنعت لمانع فاذا زال المانع عاد الحق بالسبب السابق الملازم
(1)
.
ومتى أراد أحد الأبوين النقلة الى بلد مسافة قصر فأكثر وكان البلد آمنا وكذلك
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى الطبعة الأولى بالمطبعة العامرية الشرقية سنة 1319 هـ. ح 3 ص 326 - 328.
الطريق ليسكن البلد فالأب أحق بالحضانة سواء كان المقيم هو الأب أو المتنقل لأن الأب فى العادة هو الذى يقوم بتأديب الصغير وحفظ نسبه فاذا لم يكن الولد فى بلد الأب ضاع.
قال فى (الهدى) هذا كله بما لم يرد المنتقل بالنقلة مضارة الآخر وانتزاع الولد قريبا أى دون مسافة القصر فالأم أحق مصلحة الولد وان كان البلد المنتقل اليه للسكنى قريبا أى دون مسافة القصر فالأم أحق بالحضانة وان كان السفر بعيدا ولو لحج أو قريبا لحاجة ثم يعود أو كان السفر بعيدا للسكنى لكنه مخوف هو أو الطريق، فالمقيم منهما أولى لأن المسافرة بالطفل اضرار به فان اختلفا فقال الأب سفرى للاقامة وقالت الأم بل سفرك لحاجة وتعود فقوله مع يمينه لانه أدرى بمقصوده.
وان انتقل الأبوان جميعا الى بلد واحد فالأم باقية على حضانتها لعدم ما يسقطها وان أخذه الأب لافتراق البلدين ثم اجتمع الأبوان عادت الى الأم حضانتها لزوال المانع
(1)
.
واذا بلغ الغلام سبع سنين عاقلا واتفق أبواه ان يكون عند أحدهما جاز. وان تنازعا فى حضانته خيره الحاكم بينهما فكان مع من اختار منهما. ولا يخير الغلام بين أبويه قبل سبع سنين فان اختار الغلام أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه لما فيه من الاغراء بالعقوق وقطيعة الرحم وان مرض الغلام كانت أمه أحق بتمريضه فى بيتها، لأنه صار بالمرض كالصغير فى الحاجة وان اختار الغلام أمه كان عندها ليلا لأنه وقت السكن وانحياز الرجال الى المنازل ويكون عند أبيه نهارا ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه لان ذلك هو القصد فى حفظ الولد.
فان عاد الغلام فاختار الآخر نقل اليه وان عاد فاختار الأول رد اليه هكذا أبدا لان هذا اختيار تشه وقد يشتهى أحدهما فى وقت دون آخر فاتبع بما يشتهيه فان لم يختر أحدهما أو اختارهما أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ثم ان اختار غير من قدم بالقرعة رد اليه كما لو كان اختاره ابتداء.
ولا يخير الغلام اذا كان أحد أبويه ليس من أهل الحضانة لأن غير الأهل وجوده كعدمه وتعين ان يكون الغلام عند الآخر الذى هو أهل للحضانة كما قبل السبع وان اختار ابن سبع أباه ثم زال عقله رد الى الأم لحاجته الى من يتعاهده كالصغير وبطل اختياره لأنه لا حكم لكلامه والجارية اذا بلغت سبع سنين فأكثر فعند أبيها الى البلوغ وجوبا وبعد البلوغ أيضا عند الأب الى الزفاف وجوبا ولو تبرعت الأم بحضانتها لأن الغرض من الحضانة الحفظ والأب أحفظ لها وانما تخطب منه فوجب ان تكون تحت نظره ليؤمن عليها من دخول النساء لكونها معرضة للآفات لا يؤمن عليها الانخداع لغرتها ولانها اذا بلغت السبع قاربت الصلاحية للتزويج وقد تزوج النبى عليه الصلاة والسلام عائشة رضى الله عنها وهى بنت سبع ولا يصار الى تخييرها لان الشرع لم يرد به فيها.
(1)
المصدر السابق ج 3 ص 329 نفس الطبعة.
ويمنعها الأب من الانفراد وكذلك من يقوم مقامه لأنها لا تؤمن على نفسها واذا كانت عند الأم أو الأب فانها تكون عنده ليلا ونهارا فان تأديبها وتخريجها فى جوف البيت من تعليمها الغزل والطبخ وغيرهما ولا حاجة بها الى الاخراج منه بخلاف الغلام ولا يمنع أحد الأبوين من زيارتها عند الآخر لأن فيه حملا على قطيعة الرحم من غير أن يخلو الزوج بأمها ولا يطيل المقام لأن الام صارت بالبينونة أجنبية منه. والورع اذا زارت امرأة ابنتها تحرى أوقات خروج أبيها الى معاشه لئلا يسمع كلامها والكلام ليس بعورة لكن يحرم تلذذ بسماعه.
وان مرضت البنت فالأم أحق بتمريضها فى بيت الأب لحاجتها الى ذلك وتمنع الأم من الخلوة بالبنت ان كانت البنت مزوجة اذا خيف منها الفتنة بينها وبين زوجها والاضرار به.
وكذلك الغلام تمنع أمه من الخلوة اذا خيفت افساده.
وان مرض أحد الأبوين والولد عند الآخر لم يمنع الولد ذكرا أو أنثى من عيادته لئلا يكون اغراء لقطيعة الرحم ولا يمنع من تكرر ذلك فيعيد مرة بعد مرة ولا يمنع أيضا من حضوره عند موته ولا من تولى جهازه لأن ذلك من الصلة والبر.
وأما فى حالة الصحة فالغلام يزور أمه على العادة والأم تزور ابنتها كما تقدم لان الحاجة داعية الى ذلك والبنت أحق بالستر والصيانة لانها مخدرة بخلاف أمها.
والغلام يزور أمه على ما جرت به العادة كاليوم فى الأسبوع. وان مات الولد حضرته أمه لتعاهد بل حلقه ونحوه لانها أرفق أهله، وتتولى من ولدها اذا احتضر ما تتولاه حال الحياة، فتشهده فى حال نزعه، وتشد لحيه وتوجهه الى القبلة وتشرف على من يتولى غسله وتجهيزه لأن ذلك كله من أعمال البر والصلة ولا تمنع من جميع ذلك اذا طلبته فان أرادت الحضور بما ينافى الشرع من تخريق ثوب ولطم خد منعت منه كما تمنع لو كانت فى حبال زوجها لان ذلك محرم فاذا امتنعت من ذلك والا حجبت عنه الى ان تترك المنكر فيجب نهيها وكفها عنه بما يزال به المنكر ولا ينبغى لين القول للنساء فى ذلك والمعتوه ولو أنثى يكون عند أمه ولو بعد البلوغ لحاجته الى من يخدمه ويقوم بأمره والنساء أعرف بذلك
(1)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الأندلسى
(2)
الأم أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض أو الاحتلام أو الانبات مع التمييز وصحة الجسم سواء كانت أمة أو حرة متزوجة أو غير متزوجة رحل الأب عن ذلك البلد أو لم يرحل والجدة أم فإن لم تكن الأم مأمونة فى دينها ودنياها نظر الى الصغير أو الصغيرة بالأحوط فى دينهما ثم دنياهما فحيثما كانت الحياطة لهما فى كلا الوجهين
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 3، ص 330 - 332 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى الطبعة الأولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بالقاهرة 1352 هـ وتحقيق محمد منير الدمشقى ح 10 ص 323 المسألة رقم 2014.
وجبت هنالك عند الأب أو الأخ أو الأخت أو العمة أو الخالة أو العم أو الخال وذوو الارحام أولى من غيرهم بكل حال والدين مغلب على الدنيا فإن استووا فى صلاح الحال فالأم والجدة ثم الأب والجد تم الاخ والأخت ثم الأقرب فالأقرب والأم الكافرة أحق بالصغيرين مدة الرضاع فاذا بلغا من السن والاستغناء مبلغ الفهم فلا حضانة لكافرة ولا فاسقة برهان ذلك قول الله عز وجل «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ»
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «كتاب شرح الازهار» أن الأم الحره أولى بولدها فى رضاعه والقيام بما يصلحه اذا طالبت فى ذلك فان أسقطت حقها رباه غيرها ان قبل ذلك والا أجبرت وان لم يكن فيها لبن لانه غير شرط وانما المعتبر القيام بما يصلحه حتى يستغنى بنفسه أكلا وشربا ولباسا ونوما فمتى استغنى بنفسه فى هذه الأمور فلا أولوية لها بالذكر فانه قد يختلف حال الصبى فى الزكاء والبلادة فمنهم من يكون ذكاؤه كثيرا فى صغر سنه ومنهم من يكون بليدا.
ثم تنتقل أولوية الحضانة الى أمهاتها أقربهن فأقربهن فأمها أولى من جدتها ثم جدتها أولى ممن فوقها ثم التى فوقها كذلك وان علون.
ولا حضانة لغيرهن مع وجودهن وعدم المسقط فى حق الحضانة ثم اذا لم يبق للولد من يستحق الحضانة من الامهات لعدمهن أو لعروض مانع كان الأب الحر أولى بحضانة ولده ذكرا كان أو أنثى. قيل الخالة أقدم منه ثم هو بعدها أقدم من غيرها والخالات أقدم من سائر القرابات بعد الأب والأمهات وقيل ان الأخت لأبوين أو لأم أقدم من الخالة ثم بعد الخالات أمهات الأب وان علون ثم أمهات أب الأم ثم الأخوات ثم بنات الخالات ثم بنات الأخوات ثم بنات الأخوة ثم العمات ثم بناتهن ثم بنات العم ثم عمات الأب ثم بناتهن ثم بنات أعمام الأب وهن آخر الدرج فى باب الحضانة من النساء هذا اذا كن فوارغ فان كن مزوجات رجع اليهن على هذا الترتيب وتنتقل الحضانة من كل ممن تقدم الى من يليها بأحد أمور أربعة:
الأول: بالفسق لأنه لا أمانة لفاسق ولا فرق بين ان يبلغ الصبى حدا يلتقط فيه الكلام أم لا.
الثانى: الجنون ونحوه وكذلك كل منفر كالجذام والبرص.
الثالث: النشوز عن الزوج فانه يسقط حقها من حضانة ولدها الذى منه.
الرابع: النكاح فانه يسقط حق الحضانة الا ان تتزوج المرأة بذى رحم للمولود فاذا نكحت رحما له لم يسقط حقها من الحضانة.
قيل واذا سقط بالفسق والنشوز والجنون والنكاح وجب أن تعود الحضانة بزوالها
(2)
.
(1)
الآية رقم 75 من سورة الانفال.
(2)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله مفتاح الطبعة الثانية بمطبعة حجازى بالقاهرة 1357 هـ، ج 2، ص 523 - 525.
ومتى استغنى الصبى بنفسه أكلا وشربا ولباسا ونوما فالأب حينئذ أولى بالذكر الى البلوغ الا ان يمرض فالأم أولى فى مرضه.
والأم أولى بالأنثى وكذا الخنثى الى البلوغ حيث كانت الأم فارغة فان كانت الأم مزوجة فالأب أولى بهما معا ولو قد تزوجت وتسلم للوط ء والاستمتاع ثم تعود الى امها وقيل لا وجه للعود بعد ان صلحت للوط ء.
والأم أولى بهما حيث لا أب لهما موجود بل قد مات أو غاب غيبة منقطعة ونحوها.
والأب أولى حيث لا أم أو كانت مزوجة وقيل الأب أولى بهما وفى الزوائد الجارية مع أمها.
واما الصبى فمع أبيه بالنهار ومع أمه بالليل فان تزوجت الأم بغير محرم فمن يليها من الحواضن الفارغات فقط حيث لا أب وقيل الصحيح ان من عدا الأم من النساء يبطل حضانتهن بالاستقلال فان تزوجن جميعا خير الصبى بين الأم والعصبة.
وجاء فى «الكافى» ان للثيب المكلفة المأمون عليها أن تقف حيث شاءت فان خيف عليها فلأبيها وعمها وخالها منعا من المصير الى غيرهم وكذا البكر فان خيف عليها من قرابتها عدلت عند ثقة من النساء وأجرة الثقة من مالها فان لم يكن لها مال فمن المنفق فان لم يكن فمن بيت المال
(1)
وكذلك الحكم فى الذكر ان خيف عليه.
مذهب الأمامية:
جاء فى «المختصر النافع» أن الأم أحق بالولد مدة الرضاعة اذا كانت حرة مسلمة واذا فصل فالحرة أحق بالبنت الى سبع سنين وقيل الى تسع سنين والأب أحق بالابن.
ولو تزوجت الأم سقط حضانتها ولو مات الأب فالأم أحق به من الوصى وكذا لو كان الأب مملوكا أو كافرا كانت الأم أحق به ولو تزوجت فان أعتق الأب فالحضانة له
(2)
.
وجاء فى كتاب الخلاف ان البائن اذا كان لها ولد يرضع ووجد الزوج من يرضعه متطوعا وقالت الأم أريد أجرة المثل كان له نقل الولد عنها والدليل قول الله تبارك وتعالى «وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى»
(3)
وهذه اذا طلبت الأجرة وغيرها يتطوع فقد تعاسرا
(4)
.
والبنت اذا كانت بالغة رشيدة يكره لها ان تفارق أمها ولا يجب عليها ذلك حتى تتزوج
(5)
.
واذا بانت المرأة من الرجل ولها ولد منه فان كان طفلا لا يميز فهى أحق به بلا خلاف، وان كان طفلا وهو اذا بلغ سبع سنين أو ثمانى سنين فما فوقها الى حد البلوغ فان كان ذكرا
(1)
المصدر السابق ج 2، ص 531، 532 نفس الطبعة.
(2)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى الطبعة الثانية وزارة الأوقاف بالقاهرة سنة 1377 هـ. ص 218.
(3)
الآية رقم (6) من سورة الطلاق.
(4)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوانسى الطبعة الثانية 1382 هـ بظهران. ج 2، ص 335 مسألة رقم 34.
(5)
المصدر السابق ج 2 ص 335 مسألة رقم 35.
فالأب أحق به وان كان أنثى فالأم أحق بها ما لم تتزوج فان تزوجت فالأب أحق بها
(1)
.
ويقول صاحب كتاب «الخلاف» والموضع الذى قلنا أن الأب أحق بالولد والأم أحق به لا يختلف الحال بين أن يكون مقيما أو مسافرا فان كان الأمر على ذلك
(2)
.
واذا تزوجت الأم سقط حقها من حضانة الولد
(3)
واذا طلقها زوجها عاد حقها من الحضانة
(4)
واذا طلقها الزوج طلقة رجعية لم يعد حقها وان طلقها بائنا عاد
(5)
ولا حضانة لأحد من العصبة مع الأم والدليل قول الله تبارك وتعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» والأم أقرب من العصبة
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب (شرح النيل): القيام بالولد يسمى حضانة والحضانة حفظ الولد فى نفسه ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسده.
واختلفوا فى الحضانة هل حق للحاضن فتسقط اذا أسقطها كسائر الحقوق اذا أسقطها صاحبها.
وقيل للمحضون فلا تسقط ان أسقطها وقيل حق لهما وقيل لله سبحانه وتعالى «فلا تسقط على القولين باسقاط الحاضن» .
فعلى انها حق للحاضن لا تجبر الأم للولد وعلى أنها حق للولد تجبر عليها الا لعذر واختير انها حق لهما ويناسبه اطراد الفروع الواردة عليهما.
وللحاضن أجرة الخدمة ولا أجرة على مجرد كونه عندها، وقيل لها النفقة وان زادت على الأجرة، وقيل ان كانت الأم فقيرة فلها النفقة. وان كانت موسرة فقولان أيضا.
وان قعدت عن التزوج لغيرهم ككبر فلها الأجرة وان كانت دون النفقة.
وان أرادت جدته لأمه حضانته على بيع داره وانفاقه منها وأرادت جدته لأبيه حضانته على ان تنفقه من مالها فتبقى له داره فقيل هى أولى لبقاء ماله وقيل جدته من قبل الأم أولى لان الأم أولى وكذا أحداهما مع العمة بمال الصبى أو دونه.
والصبى خلف ضعيف لا يقوم بنفسه فالأنثى أولى به لأن فى طبعها الشفقة ويستحب ان تكون الحاضنة من ذوات الرحم والمحارم.
واما الذكر فحضانته بمجرد الولاية كابن العم وابن الأخ والمعتق والوصى ومن يقدمه السلطان.
وحضانة الصبى الى الاثغار والاحتلام الحد فى المشهور.
(1)
نفس المصدر ج 2 ص 355، 336 مسألة رقم 36.
(2)
نفس المصدر ج 2 ص 336 مسألة رقم 37.
(3)
نفس المصدر ج 2 ص 336 مسألة رقم 38.
(4)
المصدر نفسه ج 2 ص 336 مسألة رقم 39.
(5)
نفس المصدر ج 2 ص 337 مسألة رقم 40.
(6)
المصدر نفسه ح 2 ص 338 مسألة 52.
وحضانة الصبية الى دخول زوجها بها والأم أولى ثم أمها بها وهكذا وان بعدت ثم قال:
قيل ثم أم الأب ثم الأب ثم الأخت ثم العمة ثم بنت الأخ ثم بنت الأخت ثم الأخ ثم الوصى ثم العصبة.
واذا تعدد أهل درجة بدئ بالأكبر سنا ويقدم الشقيق فالأبوى فالأمى فاذا استووا من كل وجه اعتبر مزيد الشفقة.
وفى الأب بعد الأم وما فوقها من الأمهات من جهة الأم خلاف قيل يقدم وقيل يؤخر وقيل يقدم على من بعد الجدة للأب وقيل الأب أولى من الأم عند اثغار الذكور للتربية والتعليم وبقية النساء أولى من بقية الذكور وبنت الأخ أولى وقيل بنت الأخت وقيل سواء.
وشروط الحضانة صحة الجسم والصيانة والحرز والعقل والبلوغ والديانة ومن شروط الحضانة الخلو عن زوج ان كان الحاضن امرأة الا ان كان زوجها جدا للمحضون.
واذا سقطت الحضانة لعذر ثم زال عادت الا أن سقطت لتتزوج فلا تعود على المشهور ان زال.
وان سافر الولى الذى ينفق المال سنة برد فصاعدا للاستطانة لا لتجارة أو نحوه فله أخذ الولد معه ولا حق للحاضنة الا اذا سافرت وسكنت معه.
قيل ولو كانت الحاضنة أما
(1)
وان تزوج رجل له ولد امرأة لها ولد لم يجز لأحدهما اخراج ولد الاخر عنه ان علم ذلك وكذا الأم أو الجدة اذا سكنت مع أحدهما لا يجوز للآخر اخراجه واما الأب فيجوز منع مساكنته وقيل ينظر هل فى مساكنته ضرر والمذهب منع مساكنة الأب والأم ان شاءت ويجبر الأب على رد الولد لأمه أى بقصره عليها ان طلبت رضاعه ولو قبل غيرها ويجبر بابقائه عندها فى صغره حتى يطيق الذكر لبس ثيابه وغسل يديه وقيل حتى يتم خمس سنين والأنثى حتى تنكح ولو بلغت ان لم تسترب تلك الأم فى ان تعلم ولدها سوءا أو يتعلمه منها أو تضره.
قال فى الديوان: ان استغنى الولد كان عنده والا فعندها اذا أراده كل واحد للاستغناء بالاثغار.
وقيل اذا كانوا يأكلون ويرقدون بأنفسهم فعنده للتأديب والتعليم.
وقضى أبو بكر وعمر بالولد لها حتى يبلغ فيختار وقال بعض: الأم والجدة والخالة والعمة أحق به ما لم يستغن وقيل هو أحق من الخالة والعمة وهو أحق ان تزوجت ولو لم يستغن والولى بمكانه ان مات.
ولا تكون الأنثى اذا بلغت الا عند الأب ان كان حيا والا فالأم ان لم تسترب وان استريبت بنظر المسلمين فعند وليها الثقة.
ولا تخرج الأم بهم ولو فى وقت هى أحق بهم من بلدهم لمعيشة الا فيما دون الحوزة وقيل دون الأميال وللأعمام منعها من تحويلهم الى غير بلدهم.
وان مات الأبوان فالجد أولى بالصغير وأم
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل فى فقه الإباضية للشيخ محمد بن يوسف أطفيش طبعة المطبعة الأدبية بمصر ح 3 ص 567 - 569.
الأب أولى من أم الأم والاخوة من الأعمام وهم من الأخوال.
وقيل أم الأم فالخالة فالعمة فالخال وان لم يكن له قريب فعند من يؤمن عليه وعلى ماله ولو بأجر من ماله وان لم يكن فمال الله.
وان صح له رحم فعند الأصلح الى أن يعقل الخيار وحده من سبع سنين والنظر أولى لاختلاف فى أحوال الأطفال وقيل اذا أمن دخولا وخروجا وأكلا وشربا بنفسه ونوما وحده وتطهرا من نجس فقد عقل الخيار.
واذا استغنى ولد الذمية عنها فلأبيه الموحد قطعا ومالك الولد أولى من أبيه، وحكم صلى الله عليه وسلم بالولد لأمه ما لم تتزوج وذكر بعض أن الأب أولى بالذكر اذا استغنى عنه والأم بالانثى، واذا بلغا اختارا، واذا أخذت ولدها بالفريضة فلها خدمته وقيل لأبيه، وقيل لا يستخدمانه الا ان كان مصلحة له، وقيل لأبيه اجباره عليها وضربه أدبا عليها لا مبرحا.
وان أخذته الأم بالفريضة عدت خدمته منها.
وقيل يكون عنده نهارا للأدب والتعليم وعندها ليلا وان تزوجت أم الطفلة من يتهم عليها نزعت منها لا غير متهم وان اختارت الطفلة تارة أباها وأخرى أمها فكلما اختارت واحدا ردت اليه وان اختار من لا يصلح فذلك دليل على أنه لا يعرف الخيار.
واذا اختارت ان تكون مع أمها وأبوها أصلح أجبرت عليه، وبالعكس، وكذا سائر القرابة ولو حبى أبواها، وتختار من القرابة ان لم يحييا وقيل لها الخيار بين الأب وأم وأم الأم والخالة
(1)
.
الأم والنفقة منها وعليها
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» أنه لا خلاف فى وجوب النفقة فى قرابة الولاد وأما نفقة الوالدين فلقول الله سبحانه وتعالى «وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»
(2)
أى أمر ربك وقضى الا تعبدوا الا اياه أمر سبحانه وتعالى ووصى بالوالدين احسانا والانفاق عليهما حال فقرهما من أحسن الاحسان وقوله عز وجل «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً»
(3)
وقوله تعالى:
«أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ»
(4)
والشكر للوالدين هو المكافأة لهما أمر الله سبحانه وتعالى الولد أن يكافأ لهما ويجازى بعض ما كان منهما اليه من التربية والبر والعطف عليه والوقاية من كل شر ومكروه وذلك عند عجزهما عن القيام بأمر أنفسهما والحوائج لهما وادرار النفقة عليهما حال عجزهما وحاجتهما من باب شكر النعمة فكان واجبا وقوله عز وجل «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً»
(5)
وهذا فى الوالدين الكافرين فالمسلمان أولى والانفاق عليهما عند الحاجة من أعرف المعروف وقوله عز وجل «فَلا تَقُلْ}
(1)
المصدر نفسه ج 3، ص 570 - 572 الطبعة السابقة.
(2)
الآية من سورة الاسراء رقم 23.
(3)
الآية من سورة العنكبوت رقم 8.
(4)
الآية 14 من سورة لقمان.
(5)
الآية 14 من سورة لقمان.
{لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما»
(1)
وانه كناية عن كلام فى ضرب ايذاء.
ومعلوم ان معنى التأذى بترك الانفاق عليهما عند عجزهما وقدرة الولد أكثر فكان النهى عن التأفيف نهيا عن ترك الانفاق دلالة، كما كان منها نهيا عن الشتم والضرب دلالة وروى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبوه فقال يا رسول الله ان لى مالا وأن لى أبا وله مال وان أبى يريد أن يأخذ مالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنت ومالك لأبيك» أضاف مال الابن الى الأب بلام التمليك وظاهره يقتضى أن يكون للأب فى مال ابنه حقيقة الملك فان لم تثبت الحقيقة فلا أقل من أن يثبت له حق التمليك عند الحاجة، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال:
«ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه فكلوا من كسب أولادكم اذا احتجتم اليه بالمعروف» والحديث حجة بأوله وآخره أما بآخره فظاهر لأنه صلى الله عليه وسلم أطلق للأب الأكل من كسب ولده اذا احتاج اليه مطلقا عن شرط الاذن والعوض، فوجب القول به، واما بأوله فلأن معنى قوله «وان ولده من كسبه أى كسب ولده من كسبه لانه جعل كسب الرجل أطيب المأكول والمأكول كسبه لا نفسه واذا كان كسب ولده كسبه كان نفقته فيه لان نفقة الانسان فى كسبه ولأن ولده لما كان من كسبه كان كسب ولده ككسبه، وكسب كسب الانسان كسبه ككسب عبده المأذون فكانت نفقة فيه.
واما نفقة الولد فلقول الله سبحانه وتعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
(2)
أى رزق الوالدات المرضعات فان كان المراد من الوالدات المرضعات المطلقات المنقضيات العدة ففيها ايجاب نفقة الرضاعة على المولود له وهو الأب لأجل الولد كما فى قوله تعالى «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»
(3)
وان كان المراد منهن المنكوحات أو المطلقات المعتدات فانما ذكر النفقة والكسوة فى حال الرضاع وان كانت المرأة تستوجب ذلك من غير ولد لأنها تحتاج الى فضل اطعام وفضل كسوة لمكان الرضاع الا ترى ان لها ان تفطر لأجل الرضاع اذا كانت صائمة لزيادة حاجتها الى الطعام بسبب الولد؟ ولأن الانفاق عند الحاجة من باب احياء المنفق عليه، والولد جزء الوالد واحياء نفسه واجب كذا احياء جزئه، واعتبار هذا المعنى يوجب النفقة من الجانبين ولأن هذه القرابة مفترضة الوصل محرمة القطع بالاجماع والانفاق من باب الصلة فكان واجبا وتركه مع القدرة للمنفق وتحقق حاجة المنفق عليه يؤدى الى القطع فكان حراما
(4)
واما سبب وجوب نفقة الولادة فهو الولادة لان به تثبت الجزئية والبعضية والانفاق على المحتاج احياء له
(1)
الآية رقم 23 من سورة الاسراء.
(2)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(3)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 4.
ويجب على الانسان احياء كله وجزئه وان شئت قلت سبب نفقة الأقارب فى الولاد وغيرهم من الرحم المحرم هو القرابة المحرمة بالقطع لانه اذا حرم قطعها يحرم كل سبب مفض الى القطع وترك الانفاق من ذى الرحم المحرم مع قدرته وحاجة المنفق عليه تقضى الى قطع الرحم فيحرم الترك واذا حرم الترك وجب الفعل ضرورة واذا عرف هذا.
فنقول الحال فى القرابة الموجبة للنفقة لا يخلو من أن يكون حال الانفراد أو حال الاجتماع فان كانت حال الانفراد بأن لم يكن هناك من تجب عليه النفقة الا واحدا تجب كل النفقة عليه عند استجماع شرائط الوجوب لوجود سبب وجوب كل النفقة عليه وهو الولاد والرحم المحرم وشرط من غير مزاحم.
وان كانت حال الاجتماع فالأصل انه متى اجتمع الأقرب والأبعد فالنفقة على الأقرب وفى قرابة الولاد وغيرها من الرحم المحرم.
فان استويا فى القرب ففى قرابة الولاد يطلب الترجيح من وجه آخر وتكون النفقة على من وجد فى حقه نوع رجحان فلا تنقسم النفقة عليهما على قدر الميراث.
وان كان كل واحد منهما وارثا وان لم يوجد الترجيح فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما.
واما فى غيرها من الرحم المحرم فان كان الوارث أحدهما والآخر محجوبا فالنفقة على الوارث ويرجح بكونه وارثا.
وان كان كل واحد منهما وارثا فالنفقة عليهما على قدر الميراث وانما كان ذلك لان النفقة فى قرابة الولاد تجب بحق الولادة لا بحق الوراثة. قال الله سبحانه وتعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
(1)
فعلق سبحانه وتعالى وجوبها باسم الولادة وفى غيرها من الرحم المحرم تجب بحق الوراثة لقول الله سبحانه وتعالى «وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ»
(2)
فعلق سبحانه وتعالى الاستحقاق بالارث فتجب بقدر الميراث ولهذا قال أصحابنا أن من أوصى لورثة فلان وله بنون وبنات فالوصية بينهم للذكر مثل حظ الانثيين ولو أوصى لولد فلان كان الذكر والانثى فيه سواء فدل به على ما ذكر وبيان هذا الأصل أنه اذا كان له ابن وابن ابن فالنفقة على الابن لأنه أقرب ولو كان الابن معسرا وابن الابن موسرا فالنفقة على الابن أيضا اذا لم يكن زمنا لانه هو الأقرب ولا دليل الى ايجاب النفقة على الأبعد مع قيام الأقرب الا أن القاضى يأمر ابن الابن بأن يؤدى عنه على أن يرجع عليه اذا أيسر فيصير الأبعد نائبا عن الأقرب فى الأداء ولو أدى بغير أمر القاضى لم يرجع ولو كان له أب وجد فالنفقة على الأب لا على الجد لأن الأب أقرب ولو كان الأب معسرا والجد موسرا فنفقته على الأب أيضا اذا لم يكن زمنا لكن يؤمر الجد بأن ينفق ثم يرجع على الأب اذا أيسر ولو كان له أب وابن ابن فنفقته على الأب لأنه أقرب الا أنه اذا كان الأب معسرا غير زمن وابن الابن موسرا فانه يؤدى عن الأب بأمر القاضى ثم يرجع عليه اذا أيسر ولو كان
(1)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
له أب وابن فنفقته على الابن لا على الأب وان استويا فى القرب والوراثة ويرجع الابن بالايجاب عليه لكونه كسب الأب فيكون له حقا فى كسبه وكون ماله مضاف اليه شرعا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام «أنت ومالك لأبيك» .
ولا يشارك الولد فى نفقة والده أحد لما قلنا وكذا فى نفقة والدته لعدم المشاركة فى السبب وهو الولاد والاختصاص بالسبب يوجد الاختصاص بالحكم وكذا لا يشارك الانسان أحد فى نفقة جده وجدته عند عدم الأب والأم لأن الجد يقوم مقام الأب عند عدمه والجدة تقوم مقام الأم عند عدمها.
ولو كان له ابنان فنفقته عليهما على السواء وكذا اذا كان له ابن وبنت ولا يفضل الذكر على الانثى فى النفقة لاستوائهما فى سبب الوجوب وهو الولاد.
ولو كان له بنت وأخت فالنفقة على البنت لان الولادة لها وهذا يدل على أن النفقة لا تعتبر بالميراث لأن الأخت ترث مع البنت ولا نفقة عليها مع البنت ولا تجب على الابن نفقة منكوحة أبيه لأنها أجنبية عنه الا أن يكون الأب محتاجا الى من يخدمه فحينئذ يجب عليه نفقة امرأته لانه يؤمر بخدمة الأب بنفسه أو بالأجير.
ولو كان للصغير أبوان فنفقته على الأب لا على الأم بالاجماع وان استويا فى القرب والولاد ولا يشارك الأب فى نفقة والده أحد لان الله سبحانه وتعالى خص الأب بتسميته بكونه مولودا له وأضاف الولد اليه بلام الملك وخصه بايجاب نفقة الولد الصغير عليه بقوله سبحانه وتعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ»
(1)
أى رزق الوالدات المرضعات وسمى الأم والدة والأب مولودا له وقال عز وجل «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»
(2)
فخص سبحانه وتعالى الأب بايجاب أجر الرضاعة بعد الطلاق وكذا أوجب فى الآيتين كل نفقة الرضاع على الأب لولده الصغير، وليس وراء الكل شئ، ولا يقال ان الله عز وجل قال «وعلى المولود له رزقهن» ثم قال «وعلى الوارث مثل ذلك» والأم وارثة فيقتضى أن تشارك فى النفقة كسائر الورثة من ذوى الرحم المحرم.
وكمن قال: أوصيت لفلان من مالى بألف درهم وأوصيت لفلان مثل ذلك ولم تخرج الوصيتان من الثلث أنهما يشتركان فيه كذا هذا لأنا نقول لما جعل الله عز وجل كل النفقة على الأب بقوله سبحانه وتعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ» تعذر ايجابها على الأمر حال قيام الأب فيحمل على حال عدمه ليكون عملا بالنص من كل وجه فى الحالتين.
ولم يوجد مثل هذا فى سائر ذوى الرحم المحرم، وفى باب الوصية لا يمكن العمل فى كل واحدة من الوصيتين فى حالين وقد ضاق المحل عن قبولهما فى حالة واحدة فلزم القول بالشركة ضرورة.
ولو كان الأب معسرا غير عاجز عن الكسب والأم موسرة فالنفقة على الأب لكن تؤمر
(1)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
(2)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
الام بالنفقة ثم ترجع بها على الأب اذا أيسر لأنها تصير دينا فى ذمته اذا أنفقت بأمر القاضى.
ولو كان للصغير أب وأم أم فالنفقة على الأب والحضانة على الجدة لان الأم لما لم تشارك الأب فى نفقة ولده الصغير مع قربها فالجدة مع بعدها أولى هذا اذا كان الولد صغيرا فقيرا وله أبوان موسران.
فأما اذا كان كبيرا وهو ذكر فقير عاجز عن الكسب فقد ذكر فى كتاب النكاح ان نفقته أيضا على الأب خاصة وذكر الخصاف انه على الأب والأم أثلاثا ثلثاها على الأب وثلثها على الأم وجه ما ذكره الخصاف ان الأب انما خص بايجاب النفقة عليه لابنه الصغير لاختصاصه بالولاية وقد زالت ولايته بالبلوغ فيزول الاختصاص فتجب عليهما على قدر ميراثهما ووجه رواية كتاب النكاح أن تخصيص الأب بالايجاب حال الصغر لاختصاصه بتسميته بكونه مولودا له وهذا ثابت بعد الكبر فيختص بنفقة كالصغير واعتبار الولاية والارث فى هذه النفقة غير سديد لانها تجب مع اختلاف الدين ولا ولاية ولا ارث عند اختلاف الدين.
ولا يشارك الجد أحد فى نفقة ولد ولده عند عدم ولده لأنه يقوم مقام ولده عند عدمه.
ولا يشارك الزوج فى نفقة زوجته أحد لأنه لا يشاركه أحد فى سبب وجوبها فهو حق الحبس الثابت بالنكاح حتى لو كان لها زوج معسر وابن موسر من غير هذا الزوج أو أب موسر أو أخ موسر فنفقتها على الزوج لا على الأب والابن والأخ لكن يؤمر الأب أو الابن أو الأخ بأن ينفق عليها ثم يرجع على الزوج اذا أيسر.
ولو كان له جد وابن ابن فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما لانهما فى القرابة والوراثة سواء ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.
ومن وجه آخر فكانت النفقة عليهما على قدر الميراث السدس على الجد والباقى على ابن الابن كالميراث.
ولو كان له أم وجد كانت النفقة عليهما أثلاثا الثلث على الأم والثلثان على الجد على قدر ميراثهما.
وكذلك اذا كان له أم وأخ لأب وأم أو لأب أو ابن أخ لأب وأم أو لأب أو عم لأم وأب أو لأب كانت النفقة عليهما أثلاثا - ثلثها على الأم والثلثان على الأخ وابن الأخ والعم
(1)
.
أما شرائط وجوب هذه النفقة فأنواع بعضها يرجع الى المنفق عليه خاصة وبعضها يرجع الى المنفق خاصة وبعضها يرجع اليهما وبعضها يرجع الى غيرهما.
أما الذى يرجع الى المنفق عليه خاصة فأنواع ثلاثة.
النوع الأول: اعساره فلا تجب لموسر على غيره نفقة فى قرابة الولاد وغيرها من الرحم المحرم لان وجوبها معلول بحاجة المنفق عليه فلا تجب لغير المحتاج ولانه اذا كان غنيا لا يكون هو بايجاب النفقة له على غيره. أولى
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى الحنفى ح 4 ص 31 وما بعدها الى ص 33 الطبعة الأولى 1328 هـ، 1910 م طبع مطبعة الجمالية بمصر.
من الايجاب لغيره عليه فيقع التعارض فيمتنع الوجوب بل انه اذا كان مستغنيا بماله كان ايجاب النفقة فى ماله أولى من ايجابها فى مال غيره.
واختلف فى حد المعسر الذى يستحق النفقة قيل هو الذى يحل له أخذ الصدقة ولا تجب عليه الزكاة وقيل هو المحتاج، ولو كان له منزل وخادم. هل يستحق النفقة على قريبه الموسر فيه اختلاف الرواية، فى رواية لا يستحق حتى ولو كان أختا لا يؤمر الأخ بالانفاق عليها وكذلك اذا كانت بنتا له أو أما وفى رواية يستحق.
النوع الثانى: الذى يرجع الى المنفق عليه فهو عجزه عن الكسب بأن كان به زمانه أو قعد أو فلج أو عمى أو جنون أو كان مقطوع اليدين أو أشلهما أو مقطعوع الرجلين أو مفقوء العينين أو غير ذلك من العوارض التى تمنع الانسان من الاكتساب حتى لو كان صحيحا مكتسبا لا يقضى له بالنفقة على غيره وان كان معسرا الا للأب خاصة والجد عند عدمه فانه يقضى بنفقة الأب وان كان قادرا على الكسب بعد ان كان معسرا على ولده الموسر.
وكذا نفقة الجد على ولد ولده اذا كان موسرا وانما كان ذلك لان المنفق عليه اذا كان قادرا على الكسب كان مستغنيا بكسبه فكان غناه بكسبه كغناه بماله فلا تجب نفقته على غيره الا الولد لان الشرع نهى الولد عن الحاق أدنى الاذى بالوالدين وهو التأفيف بقوله عز وجل «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ» ومعنى الاذى فى الزام الأب الكسب مع غنى الولد أكثر فكان أولى بالنهى.
النوع الثالث الذى يرجع الى المنفق عليه هو الطلب والخصومة بين يدى القاضى فى نفقة غير الولاد فلا تجب بدونه لأنها لا تجب بدون قضاء القاضى والقضاء لا بد له من الطلب والخصومة.
واما الذى يرجع الى المنفق خاصة فيساره فى قرابته غير الولاد من الرحم المحرم على غير الموسر فى هذه القرابة نفقة وان كان قادرا على الكسب لان وجوب هذه النفقة من طريق الصلة، والصلات تجب على الأغنياء لا على الفقراء
(1)
اما قرابة الولاد فينظر اذا كان المنفق هو الأب فلا يشترط يساره لوجوب النفقة عليه بل قدرته على الكسب كافية حتى تجب عليه النفقة على أولاده الصغار والكبار الذكور الذمنى الفقراء والاناث الفقيرات وان كن صحيحات.
ولو كان معسرا بعد ان كان قادرا على الكسب لان الانفاق عليهم عند حاجتهم وعجزهم عن الكسب احياؤهم واحياؤهم احياء نفسه لقيام الجزئية والعصبية واحياء نفسه واجب.
وروى عن أبى يوسف أنه قال فى صغير له والد محتاج وهو زمن فرضت نفقته على قرابته من قبل أبيه دون قرابته من دون كل من أجبرته على نفقة الأب أجبرته على نفقة الغلام اذا كان زمنا لان الأب اذا كان زمنا كانت نفقته على قرابته فكذا نفقة ولده لانه جزؤه.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 4، ص 34، 35 نفس الطبعة السابقة.
قال: فان لم يكن له قرابة من قبل أبيه قضيت بنفقته على أبيه وأمرت الخال أن ينفق عليه ويكون ذلك دينا على الأب.
ووجه الفرق بين قرابة الأب وقرابة الأم أن قرابة الأب تجب عليهم نفقة الأب اذا كان زمنا فكذا نفقة ولده الصغير فأما قرابة الأم فلا تجب عليهم نفقة الأب ولا نفقة الولد لان الأب لا يشاركه أحد فى نفقة ولده.
واذا كان المنفق هو الابن وهو معسر مكتسب ينظر الى كسبه فان كان فيه فضل عن قوته يجبر على الانفاق الأب من الفضل لانه قادر على احيائه من غير خلل يرجع اليه وان كان لا يفضل من كسبه شئ يؤمر فيما بينه وبين الله عز وجل أن يواسى أباه اذ لا يحسن أن يترك أباه ضائعا جائعا يتكفف الناس وله كسب، وهل يجبر على ان ينفق عليه وتفرض عليه النفقة اذا طلب الأب الفرض أو يدخل عليه فى النفقة اذا طلب الأب ذلك؟ قال عامة الفقهاء: انه لا يجبر على ذلك، وقال بعضهم يجبر عليه.
واحتجوا بما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال «لو أصاب الناس السنة لأدخلت على أهل كل بيت مثلهم فان الناس لم يهلكوا على انصاف بطونهم. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «طعام الواحد يكفى الاثنين» ووجه قول العامة أن الجبر على الانفاق والاشتراك فى نفقة الولد المعسر يؤدى الى اعجازه عن الكسب لان الكسب لا يقوم الا بكمال القوة وكمال القوة بكمال الغذاء فلو جعلناه نصفين لم يقدر على الكسب وفيه خوف هلاكهما جميعا.
هذا اذا كان الولد واحدا فان كان له أولاد صغار وزوجة ولا يفضل من كسبه شئ ينفق على أبيه فطلب الأب من القاضى أن يدخله فى النفقة على عياله يدخله القاضى ههنا لان ادخال الواحد على الجماعة لا يخل بطعامهم خللا بينا بخلاف ادخال الواحد على الواحد.
هذا اذا لم يكن الأب عاجزا عن الكسب فأما اذا كان عاجزا عنه بأن كان زمنا يشارك الابن فى قوته ويدخل عليه فيأكل معه وان لم يكن له عيال لانه ليس فى المشاركة خوف الهلاك وفى ترك المشاركة خوف هلاك الأب فتجب المشاركة وكذلك الأم اذا كانت فقيرة تدخل على ابنها فتأكل معه لكن لا يفرض لهما عليه نفقة على حدة.
أما الشرط التى ترجع الى المنفق عليه والمنفق جميعا فنوعان.
الأول اتحاد الدين فى غير قرابة الولاد من الرحم المحرم فلا تجرى النفقة بين المسلم والكافر فى هذه القرابة فأما فى قرابة الولاد فاتحاد الدين فيها ليس بشرط فيجب على المسلم نفقة أبائه وأمهاته من أهل الذمة ويجب على الذمى نفقة أولاده الصغار الذين أعطى لهم حكم الاسلام باسلام أمهم ونفقة أولاده الكبار المسلمين الذين هم من أهل استحقاق النفقة ووجه الفرق من وجهين.
أحدهما أن وجوب هذه النفقة على طريق الصلة ولا تجب صلة رحم غير الوالدين عند اختلاف الدين، ويجب صلة رحم الوالدين مع اختلاف الدين بدليل أنه يجوز للمسلم أن يبتدئ بقتل أخيه الحربى ولا يجوز له ان يبتدئ بقتل أبيه الحربى وقد قال سبحانه وتعالى «فى الوالدين الكافرين» {وَصاحِبْهُما}
(1)
.
ولم يرد مثله فى غير الوالدين.
والثانى ان وجوب النفقة فى قرابة الولاد بحق الولادة لما ذكرنا ان الولادة توجب الجزئية والبعضية بين الوالد والولد وهذا لا يختلف باختلاف الدين فلا يختلف الحكم المتعلق به، والوجوب فى غيرها من الرحم المحرم بحق الوراثة ولا وراثة عند اختلاف الدين فلا نفقة.
ولو كان للمسلم ابنان أحدهما مسلم والآخر ذمى فنفقته عليهما على السواء لما ذكرنا أن نفقة الولادة لا تختلف باختلاف الدين.
والشرط الثانى فيما يرجع الى المنفق عليه والمنفق هو اتحاد الدار فى غير قرابة الولادة من الرحم المحرم فلا تجرى النفقة بين الذمى الذى فى دار الاسلام وبين الحربى فى دار الحرب لاختلاف الدارين ولابن الذمى والحربى المستأمن فى دار الاسلام، وهذا ليس بشرط فى قرابة الولاد والفرق بينهما من وجهين.
أحدهما أن وجوب هذه النفقة فى هذه القرابة بطريق الصلة ولا تجب هذه الصلة عند اختلاف الدارين وتجب فى قرابة الولاد.
والثانى أن الوجوب ههنا بحق الوراثة ولا وراثة عند اختلاف الدارين والوجوب هناك بحق الولادة وانه لا يختلف.
اما الشروط التى ترجع الى غير المنفق عليه والمتفق فقضاء القاضى فى أحد نوعى النفقة وهى نفقة غير الولاد من الرحم المحرم فلا تجب هذه النفقة من غير قضاء القاضى ولا يشترط ذلك فى نفقة الولاد حتى تجب من غير قضاء
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «حاشية الدسوقى والشرح الكبير» .
انه تجب النفقة بالقرابة على الولد الحر الموسر صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا صحيحا أو مريضا للوالدين الحرين ولو كافرين والولد مسلم أو بالعكس المعسرين بنفقتهما كلا أو بعضا فيجب عليه تمام الكفاية حيث عجز عن الكسب والا لم تجب على الولد وأجبر على الكسب على المعتمد.
كما ان الولد تجب نفقته على أبيه عند عجزه عن التكسب ولا يجب على الولد المعسر أن يتكسب بصنعة أو غيرها لينفق على أبويه ولو كان له صنعة وكذا عكسه.
ولو طلب الأبوان نفقتهما من الولد فقال لهما لا يلزمنى لأنكما غنيان وخالفاه فى ذلك وادعيا العدم فعليهما ان يثبتا فقرهما فان لم يثبتاه بعدلين فلا يقضى عليه بنفقتهما والاثبات يكون بقولين لا بشاهد وامرأتين أو أحدهما ويمين أى لا مع يمين منهما مع العدلين وهل الابن اذا طولب من والده بالنفقة وادعى
(1)
الآية رقم 15 من سورة لقمان.
(2)
بدائع الصنائع فى تركيب الشرائع نفس الطبعة السابقة ح 4، ص 35 وما بعدها الى ص 37.
العدم محمول على الملاء فعليه اثبات العدم والا لزمته النفقة أو على العدم فاثبات ملائه عليهما أى فان عجزا عنه فلا شئ عليه قولان محلهما:
اذا كان الولد منفردا ليس له أخ أو له أخ وادعى العدم أيضا.
واما لو كان له أخ موسر فعلى من ادعى العدم اثباته ببينة باتفاق القولين.
ويجب على الولد الموسر نفقة خادم الوالدين وظاهره وان كانا غير محتاجين اليه لقدرتهما على الخدمة بأنفسهما حرا كان الخادم أو رقيقا لهما بخلاف خادم الولد فلا يلزم الأب بنفقته ولو احتاج له.
ونفقة الولد ذكرا كان أو أنثى أكد من نفقة الأبوين لانه اذا لم يجد الا ما يكفى الأبوين أو الأولاد فقط فقيل يقدم نفقة الأولاد.
وقيل يتحاصان واما القول بتقديم الأبوين فهو ضعيف اذا علمت ذلك فكان مقتضاه أنه تلزمه نفقة خادم الولد ولو لم يحتج اليه كالأبوين بل هو أولى.
وكلام الشارح لا وجه له وهو تابع فى ذلك لبعض القرويين والمعتمد كلام المدونة وهو ان على الوالد اخدام ولده فى الحضانة ان احتاج لخادم وكان الأب مليا فان لم يكن فى الحضانة أو كان فيها ولم يحتج أو كان الأب غير ملئ فلا يجب عليه اخدامه.
ويجب على الابن نفقة زوجة الأب المتأهلة لذلك وظاهره ولو تعدد الخادم.
ويجب على الولد الموسر اعفاف الأب بزوجة واحدة لا أكثر ان أعفته الواحدة فان لم تعفه الواحدة زيد عليها من يحصل به العفاف ولا تتعدد النفقة على الولد لزوجتى الأب وان كانت احدهما أمه على ظاهرها وأولى ان كانتا أجنبيتين.
والقول للأب فيمن ينفق عليها الابن حيث لم تكن أحدهما أمه والا تعينت الأم ولو غنية لان النفقة هنا للزوجة لا للقرابة.
وما فى الشيخ أحمد من ان ينفق على امه ان كانت فقيرة اما ان كانت غنية فهى كالأجنبية فغير معول عليه ولا يجب على الولد نفقة زوج أمه الفقير ولو توقف اعفافها عليه لأن نفقته ليست واجبة عليها بخلاف زوجة الأب وظاهره عدم وجوب نفقة زوج الأم الفقير على الابن سواء كان فقره حاصلا حين التزوج بها أو طرأ له بعد الدخول بها وهذا هو ظاهر المدونة وهو المشهور ومقابله قولان:
فقيل يلزمه مطلقا وقيل ان تزوجته معسرا لم يلزمه وان تزوجته موسرا ثم أعسر لزمه الانفاق عليه.
ولا يجب على الولد نفقة جد وجدة مطلقا سواء كان من جهة الأب أو من جهة الأم وليس عليه نفقة ولد ابن ذكر أو أنثى على جده ولا يسقط النفقة عن الولد تزوج الأم بفقيرا أو كان غنيا فافتقر وكذا البنت تتزوج بفقير لم تسقط عن الأب.
وكذا من التزم نفقة أجنبية فتزوجت بفقير لم تسقط عن الملتزمة بخلاف تزوجها بغنى
فتسقط الا أن تقوم قرينة على الاطلاق
(1)
.
ووزعت نفقة الأبوين على الأولاد الموسرين وهل على الرءوس الذكر كالأنثى ولو تفاوتوا فى اليسار أو على الارث الذكر كأنثيين أو على اليسار حيث اختلفوا؟
فيه أقوال أرجحها الأخير أى على اليسار وتجب نفقة الولد على أبيه الحر الموسر بما فضل عن قوته وقوت زوجته أو زوجاته وهذا مجمل فصله بقوله الذكر الحر الفقير العاجز عن الكسب.
واما الولد الرقيق فنفقته على سيده وقوله الفقير واما لو كان له مال أو صنعة لا معرة فيها على الولد أو على أبيه تقوم به لسقطت نفقته عن الأب ما لم تكسد صنعته أو ينفذ مال الولد قبل بلوغه.
وتجب النفقة حتى يبلغ الولد عاقلا قادرا على الكسب فتسقط عن الأب ولا تعود بعد ان طرأ جنون أو عجز كعمى أو زمانه ولا يجب على أم غبر الرضاع الا المكاتبة وتجب نفقة الأنثى الحرة على أبيها حتى يدخل بها زوجها البالغ واستظهر القول بأنه ان دخل لم يشترط بلوغه ولو غير مطبقة أو يدعى الدخول وهى مطبقة فتجب على الزوج ولو لم يطأ فالمراد بالدخول مجرد الخلوة وتسقط نفقة الولد وكذا نفقة الوالدين عن المنفق الموسر بمضى الزمن فاذا مضى زمن وهو يأكل عند غير من وجبت عليه مثلا فليس له الرجوع على من وجبت عليه لانها لسد الخلة وقد حصلت فليست كنفقة الزوجة لانها فى مقابلة الاستمتاع الا فى مسألتين.
احداهما انها تجب لقضية معناه أنها تجمدت فى الماضى فرفع مستحقها لحاكم لا يرى السقوط بمضى الزمن فحكم بلزومها وليس معناه أنه فرضها وقدرها للزمن المستقبل لان حكم الحاكم لا يدخل المستقبلات نص عليه القرافى.
اذ لا يجوز للحاكم ان يفرض شيئا واحدا على الدوام قبل وقته لانه يختلف باختلاف الأوقات.
والمسألة الثانية ان ينفق غير متبرع على الولد فيرجع على أبيه لان وجود الأب موسرا كالمال الا أن أنفق متبرع أو كان الأب معسرا فلا يرجع كما تقدم عند قوله وعلى الصغير ان كان له مال ولا ان أنفق شخص على والدين لأحد فلا رجوع له على ولدهما الا لقضية كما تقدم فالاستثناء الأول عام والثانى خاص بالولد.
وتستمر نفقة الأنثى على أبيها ان دخل بها الزوج زمنة واستمرت بها الزمانة ثم طلق أو مات وهى زمنة فقيرة ولو بالغا لا ان تزوجها صحيحة وعادت للأب بطلاق أو موت بالغة ثيبا صحيحة قادرة على الكسب فلا تعود على الأب بخلاف ما لو رجعت صغيرة ثيبا فتعود.
وهل الى البلوغ أو الى دخول زوجها بها قولان:
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للشيخ محمد عرفة الدسوقى ح 2، ص 522 - 524 طبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه.
ولو عادت بكرا فالى دخول زوج أو دخل الزوج بها زمنة فصحت وعادت الزمانة عند الزوج ثم تأيمت زمنة ثيبا بالغة فلا تعود على أبيها وأولى لو تزوجت صحيحة فزمنت عند زوجها فتأيمت.
والحاصل ان النفقة لا تعود على الأب الا اذا عادت لأبيها صغيرة أو بكرا أو بالغا زمنة وقد كان الزوج دخل بها كذلك واستمرت على ذلك حتى تأيمت زمنة فقيرة وقيل ان مفاد النقل انها ان رجعت زمنة عادت على أبيها مطلقا.
وعلى المكاتبة نفقة أولادها الأرقاء ان دخلوا معها بشرط أو كانت حاملا بهم وقت الكتابة أو حدثوا بعدها لا على أبيهم ولا سيدهم ان لم يكن الأب معها فى الكتابة بأن كان حرا ورقيقا أو فى كتابة أخرى.
فان كان معها فنفقتها ونفقة أولادها عليه.
وليس عجز المكاتب الشامل للأب وللمكاتبة عن النفقة على نفسه أو ولده عجزا عن الكتابة لان النفقة شرطها اليسار فى الحال أى لأنها مواساة واما الكتابة فمنوطة بالرقبة الى أجلها فلا تلزم بينهما
(1)
.
وجاء فى «المدونة الكبرى» للامام مالك أنه اذ لم يكن للولد مال والأم موسرة فلا تلزم النفقة على ولدها.
ويلزمها النفقة على أبويها وان كانت ذات زوج وان كره ذلك زوجها
(2)
.
واذا كان الأب معسرا والأم موسرة فلا تجبر على نفقة أولادها وهم صغار.
وان طلق الرجل زوجته وأولادها صغار فعليه أجر الرضاعة واذا طلقت المرأة الثيب أو مات عنها زوجها وهى لا تقدر على شئ وهى عديمة فلا يجبر الوالد على نفقتها.
وكل ما أنفق على الوالدين من مال الولد لا يكون دينا عليها اذا أيسر الوالدان.
وان كانت الأم عديمة لا شئ لها وللولد أموال قد تصدق بها عليه أو وهبت له لم يفرض للأم نفقتها فى مال الولد.
وقال ابن شهاب لا يصح للأم ولا الأب أن يأكلا من مال الولد ما استغنيا عنه الا أن يحتاج الأب والأم فتضع يدها مع يده
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «المهذب» أن القرابة التى تستحق بها النفقة قرابة الوالدين وان علوا وقرابة الأولاد وان سفلوا فتجب على الولد نفقة الأب والأم. والدليل على قول الله تبارك وتعالى «وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»
(4)
ومن الاحسان أن يتفق عليهما وروت عائشة رضى الله تبارك وتعالى عنها «أن النبى صلى الله عليه وسلم
(1)
حاشية الدسوقى على شرح ح 42، ص 524، 525.
(2)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية الامام سحنون عن ابن القاسم ح 1 ص 256 طبعة 1324 هـ.
(3)
المرجع السابق ح 2 ص 247 - 250.
(4)
الآية رقم 23 من سورة الاسراء.
قال»: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه» ويجب عليه نفقة الأجداد والجدات لان اسم الوالدين يقع على الجميع والدليل على قول الله تبارك وتعالى «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ»
(1)
فسمى الله تبارك وتعالى ابراهيم أبا وهو جد ولان الجد كالأب والجدة كالأم فى أحكام الولادة من رد الشهادة وغيرها.
وكذلك فى ايجاب النفقة ويجب على الأب نفقة الولد لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندى دينار فقال: انفقه على نفسك قال: عندى آخر فقال: انفقه على ولدك قال: عندى آخر قال: انفقه على أهلك قال: عندى آخر: انفقه على خادمكم: قال عندى آخر قال: أنت أعلم به. ويجب على الاب نفقة ولد الولد وان سفل لان اسم الولد يقع عليه.
والدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى «يا بنى آدم» وتجب على الأم نفقة الولد لقول الله تبارك وتعالى «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها»
(2)
ولانه اذا وجبت على الأب وولادته من جهة الظاهر فلأن تجب على الأم وولادتها من جهة القطع أولى. وتجب عليها نفقة ولد الولد لما ذكر فى الأب. ولا تجب نفقة من عدا الوالدين والمولدين من الأقارب كالأخوة والأعمام وغيرهما لأن الشرع ورد بايجاب نفقة الوالدين والمولدين ومن سواهم لا يلحق بهم فى الولادة وأحكام الولادة فلم يلحق بهم فى وجوب النفقة. ولا تجب نفقة القريب الا على موسر أو مكتسب يفضل عن حاجته ما ينفق على قريبه. واما من لا يفضل عن نفقة شئ فلا تجب عليه لما روى جابر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فان كان فضل فعلى عياله فان كان فضل فعلى قرابته فان لم يكن فضل غير ما ينفق على زوجته لم يلزمه نفقة القريب لحديث جابر رضى الله تعالى عنه. ولأن نفقة القريب مواساة ونفقة الزوجة عوض فقدمت على المواساة ولان نفقة الزوجة تجب لحالته فقدمت على نفقة القريب كنفقة نفسه.
ولا يستحق القريب النفقة على قريبه من غير حاجة فان كان موسرا لم يستحق لأنها تجب على سبيل المواساة والموسر مستغنى عن المواساة وان كان معسرا عاجزا عن الكسب لعدم البلوغ أو الكبر أو الجنون أو لزمانه استحق النفقة على قريبه لانه محتاج لعدم المال وعدم الكسب وان كان قادرا على الكسب بالصحة والقوة فان كان من الوالدين ففيه قولان.
الأول: يستحق لانه محتاج فاستحق النفقة على القريب كالزمن.
الثانى: لا يستحق لان القوة كاليسار ولهذا سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فى تحريم الزكاة فقال: (لا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة قوى) وان كان من المولودتين ففيه طريقان: من أصحابنا من قال ففيه
(1)
الآية رقم 78 من سورة الحج.
(2)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
قولان كالوالدين ومنهم من قال لا يستحق قولا واحدا لان حرمة الوالد أكبر فاستحق بها مع القوة وحرمة الولد أضعف فلم يستحق بها مع القوة فان كان للذى يستحق النفقة أب وجد أو جد وأبو جد وهما موسران كانت النفقة على الأقرب منهما لانه أحق بالمواساة عن الأبعد. وان كان له أب وابن موسران ففيه وجهان أحدهما ان النفقة على الأب لان وجوب النفقة عليه منصوص عليه وهو قول الله تبارك وتعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
(1)
ووجوبها على الولد ثبت بالاجتهاد والوجه الثانى انهما سواء لتساويهما فى القرب والذكورية. وان كان له أب وأم موسران كانت النفقة على الأب لقول الله تبارك وتعالى «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»
(2)
فجعل أجرة الرضاع على الأب وروت عائشة رضى الله عنها ان هندا أم معاوية جاءت الى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل شحيح وانه لا يعطينى ما يكفينى وولدى الا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم. فهل على فى ذلك شئ؟
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف) ولان الأب ساوى الأم فى الولادة وانفرد بالتعصيب فقدم وان كان له أم وجد أبو الأب وهما موسران فالنفقة على الجد لانه له ولادة وتعصيبا فقدم على الأم كالأب وان كانت له بنت وابن بنت ففيه قولان.
القول الأول ان النفقة على البنت لانها أقرب.
والقول الثانى انها على ابن البنت لانه أقوى وأقدر على النفقة بالذكورية وان كانت له بنت وابن ابن فالنفقة على ابن الابن لانه له ولادة وتعصيبا فقدم كما قدم الجد على الأم وان كان له أم وبنت كانت النفقة على البنت لان للبنت تعصيبا وليس للأم تعصيب وان كان له أم أم وأبو أم فهما سواء لانهما يتساويان فى القرب وعدم التعصيب. وان كان له أم أم وأم أب ففيه وجهان:
الوجه الأول انهما سواء لتساويهما فى الدرجة.
والثانى ان النفقة على أم الأب لانها تدلى بالعصبة.
وان كان الذى تجب عليه النفقة يقدر على نفقة قريب واحد وله أب وأم يستحقان النفقة ففيه ثلاثة أوجه.
أحدهما ان الأم أحق لما روى ان رجلا قال يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال أباك، ولانها تساوى الأب فى الولادة وتنفرد بالحمل والوضع والرضاعة والتردية.
والوجه الثانى ان الأب أحق لانه يساويها فى الولادة وينفرد بالتعصيب ولانهما لو كانا موسرين والابن معسر قدم الأب فى وجوب النفقة عليها فقدم فى النفقة له.
والوجه الثالث انهما سواء لان النفقة
(1)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
وان كان له أب وابن ففيه وجهان.
بالقرابة لا بالتعصيب وهما فى القرابة سواء.
الوجه الأول: ان الابن أحق لان نفقته ثبتت بنص الكتاب.
والوجه الثانى: ان الأب أحق لأن حرمته آكد ولهذا لا يفاد بالابن ويفاد به الابن.
وان كان له ابن وابن ابن أو أب وجد ففيه وجهان.
الوجه الأول: ان الابن أحق من ابن الابن والأب أحق من الجد لانهما أقرب ولانهما لو كانا موسرين وهو معسر كانت نفقته على أقربهما وكذلك فى نفقته عليهما.
والوجه الثانى: انهما سواء لان النفقة بالقرابة ولهذا لا يسقط أحدهما بالآخر اذا قدر على نفقتهما. ومن وجبت عليه نفقته بالقرابة وجبت نفقته على قدر الكفاية لانها تجب الحاجة. فقدرت بالكفاية وان احتاج الى من يخدمه وجبت نفقة خادمه. وان كانت له زوجة وجبت نفقة زوجته لان ذلك من تمام الكفاية وان مضت مدة ولم ينفق على من تلزمه نفقته من الأقارب لم يصر دينا عليه لانها وجبت عليه لتزجيته الوقت ودفع الحاجة وقد زالت الحاجة لما مضى فسقطت
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كتاب «كشاف القناع» عن متن الاقناع تجب على الانسان نفقة والديه وان علوا لقول الله تبارك وتعالى «وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»
(2)
ومن الاحسان الانفاق عليهما عند حاجتهما.
ولقوله سبحانه وتعالى «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً»
(3)
ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما. ولقوله عليه الصلاة والسلام «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم» رواه أبو داود والترمذى وحسنه. وقال ابن المنذر وأجمع أهل العلم ان نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما نفقة ولده وان أسفل لقول الله تبارك وتعالى ولا مال واجبة فى مال الولد ويجب عليه أيضا «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
(4)
ولان الانسان يجب عليه ان ينفق على نفسه وزوجته فكذا على بعضه وأصله، أو بعضها، أى لو وجد والده أو ولده بعض النفقة وعجزوا عن اتمامها وجب عليه اكمالها، حتى ذوى الأرحام منهم أى من والديه وان علوا وولده وان سفلوا ولو حجبة معسر كجد موسر مع أب معسر وكابن معسر وابن موسر فتجب النفقة على الموسر فى المثالين، ولا أثر لكونه محجوبا لان بينهما قرابة قوية توجب العتق ورد الشهادة فأشبه القريب.
(1)
المهذب لأبى اسحق ابراهيم بن على ابن يوسف الفيروزابادى الشيرازى فى كتاب باسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لمحمد بن أحمد بن بطال الركبى ح 2 ص 165 وما بعدها الى ص 167 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(2)
الآية رقم 23 من سورة الاسراء.
(3)
الآية رقم 15 من سورة لقمان.
(4)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
ويتلخص لوجوب الانفاق على القريب ثلاثة شروط.
أحدها أن يكون المنفق وارثا للمنفق عليه بفرض أو تعصيب ان كان من غير عمودى النسب، أما عمودا النسب فتجب ولو من ذوى الأرحام أو حجبة معسر فان كان للفقير ولو حملا وارث غير أب فنفقته عليهم على قدر ارثهم منه لان الله تبارك وتعالى رتب النفقة على الارث فيجب ان يرتب المقدار عليه فمن له أبوان وجد والأب معسر فعلى الأم الموسرة ثلث النفقة لانها ترث الثلث والباقى على الجد لأنه يرثه كذلك لولا الأب ومن له أبوان واخوان وجد والأب معسر فلا شئ على الأخوين لانهما محجوبان وليسا من عمودى النسب، ويكون على الأم الثلث من النفقة والباقى على الجد كما لو لم يكن اخوان وان لم يكن فى المسألة جد فالنفقة كلها على الأم وحدها دون الأب لعسرته
(1)
وجاء فى كتاب (عمدة الفقه) وان كان للفقير وارثان فأكثر فنفقته عليهم على قدر ميراثهم منه الا الابن فان نفقته على أبيه خاصة
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن «حزم الظاهرى» فرض على كل أحد من الرجال والنساء الكبار والصغار أن يبدأ بما لا بد له منه ولا غنى عنه به من نفقة وكسوة على حسب حاله وماله، ثم بعد ذلك يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل بيده مما يقوم منه على نفسه من أبويه وأجداده وجداته وان علوا، وعلى البنين والبنات وبنيهم وان سفلوا.
(3)
وقال كذلك:
وان كان الأب والأم محتاجين الى خدمة الابن أو الابنة الناكح أو غير الناكح لم يجز للابن ولا للابنة الرحيل ولا تضييع الأبوين أصلا، حقهما أوجب من حق الزوج والزوجة فان لم يكن بالأب والأم ضرورة الى ذلك فللزوج ارحال امرأته حيث شاء مما لا ضرر عليهما فيه
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «كتاب شرح الأزهار» أن نفقة الولد الحر غير العاقل لصغر أو جنون - وسواء كان جنونه طارئا أو أصليا - تجب على أبيه، ولو غير عاقل ولو كان الوالد كافرا لا حربيا والولد مسلم، أو كان الوالد معسرا لكن له كسب يعود عليه بصناعة أو وقف أو غيرهما فانه تلزمه نفقة ولده غير العاقل ولو كان الولد غنيا. ثم اذا كان الأب قد هلك أو كان معسرا وليس من أهل التكسب وجبت نفقة الولد فى ماله له ولأبيه. ثم ان الوالد اذا كان معسرا ولا كسب له ولا مال للولد وجبت نفقة
(1)
كشاف القناع عن متن القناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ ح 3 ص 313 - 315.
(2)
عمدة الفقه لموفق الدين بن قدامة المتوفى سنة 620 هـ طبعة المنار بمصر سنة 1352 هـ ص 125.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى الاندلسى الطبعة الأولى 1352 هـ ادارة الطباعة المنيرية بالقاهرة تحقيق محمد منير الدمشقى ح 10 ص 100 مسألة رقم 1933.
(4)
المصدر السابق ح 10 ص 331 مسألة رقم 2016.
الولد على الأم الموسرة. وانما خصت الأم لانها وارثة وهو أخص بالانفاق عليها فكانت أخص بالانفاق عليه. وانما تجب النفقة على الأم قرضا للأب: فان كان الأب قد هلك انتقل الوجوب اليها والى العصبة حسب الارث ويشترط فى الرجوع على الأب أن يكون باذنه أو باذن الحاكم ونوت الأم الرجوع والا فلا. وقيل لها الرجوع ما لم تنو التبرع وقيل لا يكون انفاق الأم قرضا للأب الا اذا كان له كسب، اذ لو لم يقدر على التكسب كان وجوده كعدمه، وقيل اذا كان الأب معسرا وجبت النفقة على الأم، واما الولد البالغ العاقل المسلم المعسر ولو أمكنه التكسب فنفقته على أبويه حسب الارث فتكون نفقته عليهما أثلاثا على الأم ثلث وعلى الأب ثلثان الا أن يكون الولد المعسر ذا ولد موسر فعليه نفقة الأبوين مسألة:
من له أب وابن معسران وهو لا يقدر الا على نفقة احدهما فوجوه ثلاثة:
أحدها ان الأب أولى لحرمته ولانه لا يقاد به.
الثانى الابن لثبوت نفقته بالنص.
الثالث سواء، اذ فى كل واحدة مزية فيقسم وكذا فى الأم، حيث كان الأب عاجزا عن التكسب والا فالابن الصغير أقدم، حيث لا يقدر على التكسب. ونفقة الأبوين المعسرين يجب لهما ما يحتاجانه على أولادهما الكبار الموسرين ولو أمكنهما التكسب ولو كانا كافرين قيل ذميين أو مستأمنين وهم مسلمون أو العكس، ويستوى فيهم الذكر والانثى لاستوائهم فى البنوة وقيل على قدر الميراث فان كان فيهم موسر ومعسر وجبت نفقتهما كلها على الموسر وفاقا، وان كان أولادهما صغارا موسرين وجبت نفقة الأم عليهم واما الأب فكذا يكمل. اما عند الهدوية فلا تجب الا اذا عجز عن التكسب واما الصغار فتجب نفقة الأب ونفقتهم من كسب الأب حيث هو قادر عليه
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى «المختصر النافع» أن النفقة على الأبوين والأولاد لازمة. وفيمن علا من الآباء والأمهات تردد أشبهه اللزوم. ولا تجب على غيرهم من الأقارب بل تستحب وتتأكد فى الوارث، ويشترط فى الوجوب الفقر والعجز عن الاكتساب، ولا تقدير للنفقة بل يجب بذل الكفاية من الطعام والكسوة والمسكن.
ونفقة الولد على الأب، ومع عدمه أو فقره فعلى أب الأب وان علا مرتبا ومع عدمهم تجب على الأم وآبائها الأقرب فالأقرب
(2)
وكذلك جاء فى كتاب الخلاف انه اذا لم يكن أب ولا جد أو كانا وهما معسران فالنفقة على الأم
(3)
كذلك اذا اجتمع جد أبو أب وان علا وأم كانت النفقة على الجد دون الأم. والدليل أن الجد تناوله اسم الأب. والأب أولى بالنفقة على ولده من الأم بالاتفاق.
(4)
وجاء فى كتاب الخلاف
(1)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح مطبعة حجازى بالقاهرة 1357 هـ ح 2 ص 546، 547.
مسألة رقم 20 نفقات.
(2)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلبى الطبعة الثانية وزارة الأوقاف - القاهرة - 1377 هـ - ص 219.
(3)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى - الطبعة الثانية 1382 هـ - بطهران - ايران - ح 2 ص 331
(4)
المصدر السابق ح 2 ص 331 مسألة رقم 21 فى النفقات.
أيضا انه يجب على الانسان ان ينفق على أمه وأمهاتها وان علون. والدليل اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قول الله تبارك وتعالى «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» }.
(1)
وهذا من المعروف وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم ان رجلا قال يا رسول الله من أبرا؟ قال «أمك» قال ثم من: قال «أمك» قال ثم من قال «أمك» قال ثم من، قال «أباك» فجعل الأب فى الرابعة فثبت ان النفقة عليها واجبة
(2)
واذا كان أبواه معسرين وليس يفضل عن كفاية نفقة الا نفقة احدهما كان بينهما بالسوية والدليل انهما تساويا فى الدرجة وليس احدهما أولى من صاحبه فأشركنا بينهما
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى «كتاب شرح النيل» أنه تجب النفقة للانسان على من يرثه وعلى معتقه ومالكه وعلى الزوج وتسقط النفقة بتزوج الام وان كان زوجها فقيرا
(4)
ويلزم الأب نفقة أطفاله ومجانينه من أبنائه لو تجننوا بعد بلوغ وإن كان لهم مال، وله إنفاقهم من مالهم ان كان، واذا أنفق من ماله ولهم مال فله الرجوع عليهم بما أنفق وله أخذ ما أنفق وقيل لا يدرك ذلك فى الحكم ان لم يشهد على الادراك. وعليه نفقة كباره المعدمين ونفقة بنى بنيه وان أسفلوا وأبويه وأجداده وان علوا من جهة أبيه ان أعدموا، وان كان لهم مال فلا نفقة عليه الا أن كانوا لا يقدرون على التصرف فى نفقتهم فانه يلزمه التصرف فيها من مالهم وأزواج أبيه الأربع فما دونهن وزوجة جده من أبيه ولو علا، ولا يدركها الجد من جهة الأم إلا إن لم يكن لها وارث سواه فإنه يرثها وينفقها وهكذا سائر ذوى الأرحام.
(5)
وتلزم النفقة امرأة لأبويها وجدها وجدتها من أبيها وان علوا ولأخيها وأختها الشقيقين والأبوين، وكذا الأخت من الأم ولا تلزمها النفقة لولدها فى مشهور المذهب مع انها ترثه وأراد بالولد الابن والبنت ولزمت نفقتها ولدها ذكرا أو أنثى
(6)
.
الأم وزكاة الفطر
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» للكاسانى أن شرط وجوب زكاة الفطر هو أن يكون من عليه الواجب عن غيره من أهل الوجوب على نفسه وأما السبب فرأس يلزمه مؤونته ويلى عليه ولاية كاملة لأن الرأس الذى يمونه ويلى عليه ولاية كاملة تكون فى معنى رأسه فى الذب والنصرة. فكما يجب عليه زكاة رأسه يجب عليه زكاة ما هو فى معنى رأسه. ولا يلزم المرء أن يخرج زكاة الفطر عن أبويه وان كان فى عياله لعدم الولاية عليهما. ولا يخرج عن الحمل
(1)
الآية رقم 15 من سورة لقمان.
(2)
كتاب الخلاف فى الفقه للطوسى ح 2 ص 332 مسألة رقم 24.
(3)
نفس المصدر ح 2 ص 332 مسألة رقم (27).
(4)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل فى فقه الإباضية للشيخ محمد بن يوسف أطفيش طبع المطبعة الأدبية بمصر ح 7 ص 207.
(5)
نفس المصدر ح 7 ص 209.
(6)
المصدر نفسه ح 7 ص 210، 211.
لانعدام كمال الولاية ولأنه لا يعلم حياته
(1)
..
مذهب المالكية:
جاء فى (الموطأ) أن الرجل يؤدى زكاة الفطر عن كل من يضمن نفقته ولا بد له من أن ينفق عليه
(2)
وجاء فى المدونة الكبرى أن الرجل يؤدى زكاة الفطر عن أبويه اذا ألزم نفقتهما، وذلك اذا كان ينفق عليهما لحاجتهما
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «كتاب الأم» قول الشافعى. على كل رجل لزمته مؤنة أحد - حتى لا يكون له تركها أداء زكاة الفطر عنه وذلك من جبرناه على نفقته من ولده الصغار والكبار الزمنى الفقراء وآبائه وأمهاته الزمنى الفقراء وزوجته وخادم لها، فان كان لها أكثر من خادم لم يلزمه أن يزكى زكاة الفطر عنه، ولزمها تأدية زكاة الفطر عمن بقى من رقيقها. وان كان ولده فى ولايته لهم أموال فعليه أن يخرج من أموالهم عنهم زكاة الفطر الا أن يتطوع فيخرجها من ماله عنهم فتجزى عنهم. فان تطوع حر ممن يمون الرجل فأخرج زكاة وترتيب الفطرة كالنفقة لتبعيتها لها فان لم الفطر عن نفسه أو امرأته كانت، أو ابن له أو أب أو أم أجزأ عنهم، ولم يكن عليه أن يخرج زكاة الفطر عنهم ثانية فان تطوعوا ببعض ما عليهم كان عليه ان يتم الباقى عنهم من زكاة الفطر
(4)
.
مذهب الحنابلة:
يلزم المسلم فطرة من يمونه من المسلمين من الزوجات والآباء والأقارب والموالى بدأ لزوما بنفسه ثم بامرأته ولو أمه، ثم برقيقه لوجوب نفقته مع الاعسار، ثم بأمه لتقديمها على الأب ثم البر، ثم بأبيه ثم بولده ثم على ترتيب الميراث الأقرب فالأقرب وان استوى اثنان فأكثر ولم يفضل غير صاع أقرع بينهم لنساويهم
(5)
.
مذهب الظاهرية:
ولا عن ولده ولا عن أحد. ممن تلزمه نفقته يجد من يمون جماعة ما يؤدى عنهم جميعهم
يقول بن حزم
(6)
ليس للانسان أن يخرج زكاة الفطر عن أبيه ولا عن أمه ولا عن زوجته ولا تلزمه الا عن نفسه ورقيقه فقط ويدخل فى
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 2 ص 70، 72 الطبعة الأولى سنة 1327 هـ.
(2)
الموطأ للامام مالك بن أنس تصحيح وتخريج وتعليق محمد فؤاد عبد الباقى ص 190
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك ورواية الامام سحنون بن سعيد التنوحى عن الامام عبد الرحمن ابن القاسم طبعة المطبعة الخيرية 1324 هـ ح 1 ص 473، 474.
(4)
الأم للامام الشافعى طبعة كتاب الشعب ح 2 ص 53، 54.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 1 ص 473، 474.
(6)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد الطبعة الأولى سنة 1352 هـ ادارة الطباعة المنيرية من الأزهر درب الأتراك رقم 1 ح 6 ص 137 مسألة 9.
بن حزم الأندلسى تحقيق محمد منير الدمشقى
الرقيق أمهات الأولاد والمدبرون غائبهم وحاضرهم برهان ذلك قول الله تبارك وتعالى «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى»
(1)
ومن أراد اخراج زكاة الفطر عن ولده الصغار أو الكبار أو عن غيرهم لم يجز له ذلك الا ان يهبها لهم ثم يخرجها عن الصغير والمجنون ولا يخرجها عمن يعقل من البالغين الا بتوكيل منهم
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «شرح الأزهار» أنه تجب صدقة الفطر على كل مسلم قد ملك نصابها وسواء كان صغيرا أم كبيرا ذكرا أم أنثى فيجب على المسلم اخراجها عن نفسه وعن كل مسلم لزمته فيه نفقته فمن لزمه نفقته فى يوم الافطار وهو مسلم لزمه اخراج الفطرة عنه فأما الكافر فلا يخرج عنه ولو لزمته نفقته كالأب والأم الكافرين والعبد الكافر لأنها طهرة للمخرج عنه ولا طهرة لكافر ويلزم اخراج زكاة الفطر عمن تلزمه نفقته حيث يكون لزومها بالقرابة أو الزوجية أو الرق أما لو لزمت لغير هذه الثلاثة الوجوه لم تتبعها الفطرة فى الوجوب كاللقيط والبيع قبل التسليم وسواء كان القريب اللازمة نفقته ولدا أو والدا أو غيرهما صغيرا كان أم كبيرا ذكرا أم أنثى
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «الخلاف» أن الوالد ان كان معسرا فنفقته وفطرته على ولده زمنا كان أو صحيحا والدليل عموم الأخبار التى رويت فى أن الانسان يجبر على نفقة الوالدين والولد، يتناول هذا الموضوع لأنها على عمومها فمن خصها بالزمن دون الصحيح فعليه الدلالة واذا ثبتت النفقة وجبت الفطرة لانه صار من عياله فيتناوله عموم اللفظ فى وجوب الفطرة عمن يمونه
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب «شرح النيل وشفاء العليل» أن المرء يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن لزمته نفقته كزوجة ولو مطلقة يملك رجعتها غير حامل ولا مرضعة وأخت وولد غير بالغ وعبد وولى ولو كان مشركا، كان الولد بنتا ولو بلغت أو تزوجت ما لم تبلغ لا عن ابن بالغ وقيل يعطى عنه ان لم يحزه وعن أبيه وأبى أبيه وان علا اذا كانا فقيرين وأزواج أبيه الفقير وزوجة واحدة لجده لأنه تلزمه نفقة زوجات أبيه الأربع وزوجة واحدة لجده ولو كانت له أربع واختلف فى المحتسب هل يخرجها عن الذى يحتسب عليه وفى (الديوان) لا تخرج عن الولى الذى أخذه بالنفقة ولا عن
(1)
الآية رقم 164 من سورة الانعام.
(2)
المحلى ح 6 ص 141 المسألة رقم 717.
(3)
شرح الأزهار ح 1 ص 549.
(4)
كتاب الخلاف لشيخ الطائفة الامام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى الطبعة الثانية ربيع ثان 1382 هـ طبع مطبعة نابان فى طهران عاصمة ايران ح 1 ص 362 المسألة رقم 11 فى زكاة الفطر.
الأبوين والاولاد البلغ
(1)
.
الأم والشهادة
مذهب الحنفية:
من شرائط الشهادة عند الأحناف ان لا يجر الشاهد الى نفسه مغنما ولا يدفع عن نفسه مغرما بشهادته لقوله عليه الصلاة والسلام «لا شهادة لجار المغنم ولا لدافع المغرم» ولان شهادته اذا تضمنت معنى النفع والدفع فقد صار منهما ولا شهادة للمتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه اذا جر النفع الى نفسه بشهادته لم تقع شهادته لله تعالى عز وجل بل لنفسه فلا تقبل. وعلى هذا تخرج شهادة الوالد وان علا لولده وان سفل وعكسه انها غير مقبولة لان الوالدين والمولدين ينتفع البعض بمال البعض عادة فيتحقق معنى جر النفع والتهمة والشهادة لنفسه فلا تقبل وذكر الحصاف رحمه الله تعالى فى (أدب القاضى) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال «لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده، ولا السيد لعبده ولا العبد لسيده ولا الزوجة لزوجها ولا الزوج لزوجته واما سائر القرابات كالأخ والعم والخال ونحوهم فتقبل شهادة بعضهم لبعض لان هؤلاء ليس لبعضهم تسلط فى مال البعض عرفا وعادة فالتحقوا بالأجانب، وكذا تقبل شهادة الوالد من الرضاع لولده من الرضاع وشهادة الولد من الرضاع لوالده من الرضاع لان العادة ما جرت بانتفاع هؤلاء بعضهم بمال البعض فكانوا كالأجانب
(2)
وجاء فى مختصر القدورى أنه لا تقبل شهادة الوالد لولده وولد ولده ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده
(3)
.
وحكم الحاكم لأبويه وولده وزوجته باطل
(4)
.
مذهب المالكية
وعند المالكية لا تجوز شهادة الأب لابنه ولا شهادة الابن لأبيه ولا تجوز شهادة الأم لابنها أو الابن لأمه
(5)
وجاء فى الشرح الصغير انه لا تصح شهادة لمتأكد القرب لاتهامه بجر النفع لقريبه كوالد لولده وإن علا كالجد وأبيه وولد لوالده وإن سفل كابن الابن أو البنت أو زوجها فلا يشهد الوالد لزوجة ابنه ولا لزوج ابنته ولا الولد لزوجة أبيه وزوج أمه
(6)
.
مذهب الشافعية:
اما عند الشافعية فقد جاء فى «المهذب» لأبى اسحاق الشيرازى انه لا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا وقال المزنى وأبو ثور:
تقبل ووجهه قول الله تبارك وتعالى
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للامام المهمام شيخ الاسلام العلامة الشيخ محمد ابن يوسف أطفيش طبع المطبعة الأدبية بسوق الخضار بمصر ح 2 ص 165.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى الطبعة الأولى ح 6 ص 272 طبعة سنة 1328 هـ.
(3)
مختصر قدورى لأبى الحسن أحمد ابن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان طبع مطبعة ابن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان طبع مطبعة دار سعادات عام 1309 هـ - ص 125.
(4)
المصدر السابق ص 129 نفس الطبعة.
(5)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية الامام سحنون عن عبد الرحمن بن القاسم ح 4 ص 80.
(6)
الشرح الصغير ح 2 ص 319.
«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ»
(1)
فعم ولم يخص ولانهم كغيرهم فى العدالة فكانوا كعيرهم فى الشهادة وهذا خطأ لما روى ابن عمر رضى الله عنهما ان النبى عليه الصلاة والسلام قال: لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى أحنة. والظنين: المتهم، وهذا متهم لأنه يميل إليه ميل الطبع ولأن الولد بضعة من الوالد ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:
«يا عائشة إن فاطمة بضعة منى، يريبنى ما يريبها ولأن نفسه كنفسه وماله كماله» ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لأبى معشر الدرامى «أنت ومالك لأبيك» وقال عليه الصلاة والسلام «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه» . ولهذا يعتق عليه إذا ملكه، ويستحق عليه النفقة إذا احتاج والآية نخصها بما ذكرنا والاستدلال بأنهم كغيرهم فى العدالة يبطل بنفسه فإنه كغيره فى العدالة ثم لا تقبل شهادته لنفسه وتقبل شهادة أحدهما على الآخر فى جميع الحقوق ومن أصحابنا من قال: لا تقبل شهادة الولد على الوالد فى إيجاب القصاص وحد القذف، لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه فلا يلزمه ذلك بقوله والمذهب الأول لأنه إنما ردت شهادته له للتهمة ولا تهمة فى شهادته عليه
(2)
. وجاء فى كتاب «الأنوار لأعمال الأبرار» ان من شروط من تقبل شهادته الانفكاك عن التهمة ولها أسباب.
الأول أن يجر الى نفسه نفعا وان يدفع عنها ضرا.
والثانى البعضية فلا تقبل شهادة فرع الأصل وان علا ولا لمكاتبه ولا لمأذونه ولا لشريكه ولا شهادة أصل لفرع وان نزل ولا لمكاتبه ولا لمأذونه ولا لشريكه سواء كان الأصل من قبل الأب أو الأم وسواء كان وارثا أو غير وارث ولو شهد ابنان ان أباها قذف ضرة أمهما أو طلقها أو خالعها قبلت: ولو ادعت الأم الطلاق فشهد ابناها لم يقبل ولو شهد ابتداء حسبة قبلت وكذا فى الرضاع وتقبل شهادة الوالد على الولد وبالعكس شهدا بمال أو عقوبة ولو كان بينهما عداوة فلا تقبل شهادة احدهما على الآخر ولا له
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كشاف القناع» انه من موانع الشهادة قرابة الولادة فلا تقبل شهادة عمودى النسب بعضهم لبعض من والد وان علا ولو من جهة الأم كأب الأم وابنه وجده ومن ولد وإن سفل من ولد البنين والبنات لأن كلا من الوالدين والأولاد منهم فى حق صاحبه لأنه يميل إليه بطبعه بدليل قول النبى عليه الصلاة والسلام «فاطمة بضعة منى يريبنى ما أرأبها» وسواء اتفق دينهم أو اختلف وسواء جر بها نفعا للمشهود له أو لا كقذف وعقد نكاح.
الا من زنا أو رضاع فتقبل شهادة الولد لأبيه من زنا ورضاع وعكسه لعدم وجوب الإنفاق والصلة وعتق أحدهما على صاحبه وتقبل شهادة بعضهم على بعض
(4)
. لأن
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
(2)
المهذب ح 2 ص 347.
(3)
الأنوار الأعمال الأبرار للامام يوسف الاردبيلى الطبعة الأولى بمطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، 1910 م وبهامشه حاشية الكمثرى وحاشية الحاج ابراهيم ح 2 ص 332، 333.
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 4 ص 261، 262.
الشهادة وأداءها فرض كفاية اذا لم يوجد من يقوم بها سوى اثنين لزمهما القيام بها على القريب والبعيد اذ أمكنهما ذلك من غير ضرر
(1)
(2)
. ولأن شهادته عليه لا تهمة فيها وهى أبلغ فى الصدق كشهادته على نفسه وتقبل شهادة العدل لباقى أقاربه الذين ليسوا من عمودى نسبه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم: وكل عدل فهو مقبول الشهادة لكل أحد وعليه كالأب والأم لابنيهما ولأبيهما والابن والابنة للأبوين والأجداد والجدات والجد والجدة لبنى بينهما والزوج لامرأته والمرأة لزوجها وكذلك سائر الأقارب بعضهم لبعض كالأباعد ولا فرق، وكذلك الصديق الملاطف لصديقه والأجير لمستأجره والمكفول لكافله والمستأجر لأجيره والكافل لمكفوله والوصى ليتيمه
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «شرح الأزهار» انه تجوز شهادة الابن لأبيه والأب لابنه الكبير والأخ لأخيه وكل ذى رحم لرحمه إذا كانوا عدولا
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «الخلاف» انه تقبل شهادة الوالد لولده والولد لوالده وتقبل شهادة الوالد على ولده ولا تقبل شهادة الولد على والده ثم قال أيضا «شهادة الولد على والده لا تقبل بمال»
(6)
. وجاء فى «المختصر النافع» ان النسب لا يمنع قبول الشهادة وفى قبول شهادة الولد على أبيه خلاف أظهره المنع
(7)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب «شرح النيل وشفاء العليل» : انه تجوز شهادة الأمناء للأقرب والأجنب اذا شهد بذلك امينان من الورثة أو غيرهم وترد شهادة رجل لابنه لانه يحق عليه وفى رواية لا تجوز شهادة ذى منة ولأنه كمن شهد لنفسه لمضى فعله فى مال ابنه الطفل
(8)
.
الأم والحج عنها ومنها
مذهب الحنفية:
جاء فى «فتح المعين» أن من أهل بأن أحرم ورفع صوته بالتلبية بحج عن أبويه غير معين
(1)
عمدة الفقه للامام موفق الدين بن قدامة طبعة المنار بمصر سنة 1352 هـ ص 163.
(2)
الآية رقم 135 من سورة النساء.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 4 ص 261، 263.
(4)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم الاندلسى ح 9 ص 415 مسألة رقم 1789
(5)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الاطهار لابن الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة السابقة ح 4 ص 198.
(6)
كتاب الخلاف فى الفقه للامام ابن جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى الطبعة الثانية سنة 1382 ح 2 ص 623 المسألة رقم (44) فى الشهادات والمسألة رقم (45) فى الشهادات.
(7)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين الأوقاف القاهرة سنة 1377 هـ ص 287.
(8)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش الطبعة السابقة ح 6 ص 389
فعين عن احدهما صح مطلقا سواء كان قبل الوقوف والطواف أو بعدهما ويجعل ثوابه لأحدهما
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «بداية المجتهد» انه ليس من شرط وجوب حج المرأة ان يكون معها زوج أو ذو محرم منها يطاوعها على الخروج معها الى السفر للحج وتخرج المرأة للحج اذا وجدت فقه مأمونة
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «نهاية المحتاج» ان الاستطاعة نوعان استطاعة مباشرة واستطاعة بالغير واستطاعة تحصيل الحج بالغير ان من مات غير مرتد وفى ذمته حج واجب مستقر ولو بنحو نذر بأن تمكن بعد قدرته على فعله بنفسه أو غيره وذلك بعد انتصاف ليلة النحر ومضى امكان الرمى والطواف والسعى ان دخل الحاج بعد الوقوف ثم مات أثم ولو شابا وان لم ترجع القافلة ووجب الاحجاج عنه من تركته ولا بد منه كما يقضى منها دينه سواء فى المتصرف فيها أكان وارثا أم وصيا أم حاكما والعمرة اذا استقرت كالحج فيما تقرر وان لم يوصى بذلك فان لم تكن له تركة استحب لوارثه الحج عنه بنفسه أو نائبه ولأجنبى ذلك وان لم يأذن له الوارث ويبرأ به الميت، وفارق الصوم حيث توقف على ابن منه بأنه عبادة بدنية محضة بخلاف الحج والأصل فى ذلك ما صح أن امرأة قالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده فى الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال نعم. وما صح أيضا:
ان امرأة قالت يا رسول الله ان أمى ماتت ولم تحج قط فأحج عنها؟ قال: «حجى عنها» وأن رجلا قال يا رسول الله ان أختى نذرت أن تحج وماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال:
لو كان على أختك دين كنت قاضيه؟ قال نعم قال: فأقضوا حق الله فهو أحق بالقضاء.
فشبه الحج بالدين الذى لا يسقط بالموت فوجب أن يعطى حكمه
(3)
.
والمعضوب. العاجز عن الحج بنفسه. ان وجد أجرة من يحج عنه بأجرة المثل لزمه الحج لانه مستطيع بغيره ويشترط كون الأجرة فاضلة عن الحاجات المذكورة فيمن حج بنفسه لكن لا يشترط نفقة العيال ولا غيرها من المؤن ذهابا وايابا لاقامته عندهم وتمكنه من تحصيل مؤونته ومؤونتهم ولو وجد دون الأجرة ورضى الأجير به لزمه الاستئجار لاستطاعته والمنة فيه دون المنة فى المال فلو لم يجد أجرة وأعطى له ولده أو أجنبى مالا للأجرة لم يجب قبوله فى الأصح لما فيه من المنة والثانى يجب كبذل الطاعة والأب كالابن فى أصح احتمالى الامام وعلى الأول لو كان الولد المطيع عاجزا عن الحج أيضا وقدر على ان يستأجر له من يحج عنه وبذل له ذلك وجب الحج عن المبذول له. ولو بذل الولد وإن سفل ذكرا كان أو أنثى الطاعة فى فعل النسك
(1)
فتح المعين على شرح الكنز للسيد محمد ابى السعود المصرى ح 1 ص 559، 560.
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ح 1 ص 260.
(3)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لمحمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المتوفى المصرى الأنصارى الشهير بالشافعى الصغير ح 3 ص 235 وما بعدها 245.
بنفسه وجب قبوله وهو الاذن له ذلك لحصول الاستطاعة مع خفة المنة.
بالنسبة للمال فان امتنع لم يأذن عنه الحاكم فى الأصح اذ بنى الحج على التراخى كذا صرح به فى «الروضة» ووقع فى «المجموع» ان الحاكم يلزمه بالانابة قال الاسنوى وهو غير مستقيم ولم نر من قال به والمدرك فى الانابة والاستئجار واحد واعترضه الزركشى فى خادمه وكذا الأجنبى لو بذل الطاعة يجب قبوله فى الأصح لما ذكر والأب والأم والأخ فى بذل الطاعة كالأجنبى والثانى لا يكون الولد بضعة منه فنفسه كنفسه بخلاف غيره محل اللزوم اذا وثق بهم ولم يكن عليهم حج ولو نذرا وكانوا ممن يصح منهم فرض الاسلام ولا عضب بهم ولو توسم طاعة واحد منهم لزمه سؤاله كما اقتضاه كلام الأنوار وغيره ولا يلزم الولد طاعة بخلاف اعفائه لعدم الضرر على الوالد هنا بامتناع ولده من الحج اذ هو حق الشرع فاذا عجز عنه لم يأثم ولم يكلف به بخلافه ثم فانه لحق الوالد وضرره عليه فأشبه النفقة قال فى «المجموع» ومتى كان الأصل وان علا والفرع وان سفل ماشيا أو معولا على الكسب والسؤال ولو راكبا أو كان كل منهما ومن الأجنبى مقررا بنفسه بأن يركب مفازة لا كسب بها ولا سؤال لم يلزمه قبول فى ذلك لمشقة مشى من ذكر عليه بخلاف مشى الأجنبى والكسب قد ينقطع والسائل قد يمنع والتقرير بالنفس حرام
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى (عمدة الفقه) انه يجب الحج والعمرة مرة فى العمر على المسلم العاقل البالغ الحر اذا استطاع اليه سبيلا، وهو أن يجد زادا وراحلة بآلتهما كما يصلح لمثله فاضلا عما يحتاج اليه لقضاء دينه ومؤونة نفسه وعياله على الدوام. ويعتبر للمرأة وجود محرمها وهو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، فمن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة، ويصح من غير المستطيع والمرأة بغير محرم.
وجاء فى «كشاف القناع» أيضا أنه يشترط لوجوب الحج على المرأة شابة كانت أو عجوزا مسافة قصر ودونها وجود محرم، وكذا يعتبر المحرم لكل سفر يحتاج فيه الى محرم والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب كالأب والابن والأخ والعم والخال أو سبب مباح كزوج أمها وابن زوجها وأبيه وأخيها من رضاع، ويكون المحرم ذكرا بالغا عاقلا مسلما ولو عبدا، ونفقته اذا سافر معها عليها ولو كان محرمها زوجها فيجب لها عليه بقدر نفقة الحضر، وما زاد فعليها فيعتبر أن الملك زاد أو راحلة لهما ولو بذلت النفقة لمحرمها لم يلزمه السفر معها وكانت كأن لم يكن لا محرم لها. وليس العبد محرما لسيدته نصا، ولو جاز له النظر اليها. ولو حجت المرأة بغير محرم حرم عليها ذلك وأجزأها الحج وفاقا كمن حج وقد ترك حقا يلزمه من دين
(1)
المرجع السابق نفس الطبعة ح 3 ص 245 وما بعدها الى ص 247.
وغيره وكذا العمرة
(1)
.
وجاء فى «كشاف القناع» أيضا أنه يستحب ان يحج الابن عن أبويه ان كانا ميتين أو عاجزين ويقدم أمه لانها أحق بالبر ويقدم واجب أبيه على نقلها لابراء ذمته نص عليهما وعن زيد بن أرقم مرفوعا «اذا حج الرجل عنه وعن والديه يقبل عنه وعنهما واستبشرت أرواحهما فى السماء وكتب عند الله برا رواه الدارقطنى وعن جابر مرفوعا «من حج عن أبيه وعن أمه فقد قضى عن حجته وكان له فضل عشر حجج» رواه الدارقطنى
(2)
.
وليس للوالدين منع ولدهما من حج الفرض والنذر ولا تحليله منه ولا يجوز للولد طاعتهما فيه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى» ان من مات وهو مستطيع بأحد الوجوه حج عنه من رأس ماله واعتمر ولا بد مقدما على قضاء الديون ان لم يوجد من يحج عنه تطوعا سواء أوصى بذلك أو لم يوصى بذلك برهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى فى المواريث «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ}
(4)
فعم عز وجل الديون كلها وعن ابن عباس قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهنى ان يسأل النبى صلى الله عليه وسلم ان أمها ماتت ولم تحج أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يكن يجزئ؟ فلتحج عن أمها
(5)
.
وجاء فى «المحلى» أيضا انه ان أحرمت المرأة من الميقات أو من مكان يجوز الاحرام منه بغير اذن زوجها أو أحرم العبد بغير اذن سيده فان كان حج تطوع فله منعهما واحلالهما وان كان حج الفرض نظر فان كان لا غنى به عنها أو عنه لمرض أو لضيعته دونه أو دونها أو ضيعة ماله فله احلالهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» وان كان لا حاجة به اليهما لم يكن له اليهما أصلا فان منعهما فهو عاص لله عز وجل وهما فى حكم المحصر وكذلك القول فى الابن والابنة مع الأب والأم ولا فرق وطاعة الله تعالى فى الحج تقدمه لطاعة الأبوين والزوج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «انما الطاعة فى الطاعة» وقال عليه الصلاة والسلام. (فاذا أمرت بمعصية فلا سمع ولا طاعة) وروى عن قتادة والحكم بن عيينه فى امرأة أحرمت بغير اذن زوجها انها محرمة قال الحكم .. حتى تطوف بالبيت
(6)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «شرح الأزهار» ان من أركان
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور ح 1 ص 557، 558 الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
المرجع نفسه ح 1 ص 559.
(3)
المرجع نفسه ح 1 ص 552.
(4)
الآية رقم 11 من سورة النساء.
(5)
المحلى لابن حزم طبع ادارة المطبعة المنيرية بالأزهر بمصر سنة 1372 هـ تحقيق محمد منير الدمشقى ح 7 ص 62 المسألة رقم 818.
(6)
المرجع نفسه ح 7 ص 52، 53 المسألة رقم 814.
الاستطاعة فى الحج أن يجد الحاج أجرة خادم يجد فى سفره اذا كان ممن يستخدم ولا يستغنى عنه، وأجرة قائد للأعمى، وأجرة محرم مسلم أمين. فان حجت المرأة من غير محرم أتمت وأجزأها وسواء كان من نسب أو رضاع أو صهارة ولا بد من أن يكون مميزا ولا يكون خنثى فلا يكفى طفل صغير ولا يشترط المحرم الا للشابة الحرة وكذا الخنثى فأما العجوز التى من القواعد فلا يعتبر المحرم فى حقها فتخرج مع نساء ثقات أو مع غيرهن وقيل بل يعتبر فى حقها أيضا، ولا يعتبر المحرم الا فى مسافة قدر بريد فصاعدا ولا دون ذلك فانه لا يعتبر وقيل يعتبر فى ثلاثة أيام.
والمحرم لا يشترط التمكن من أجرته الا ان امتنع من المسير الا بها، ولا اثم عليه فى الامتناع بالكلية بأجرة أو بغيرها وتحرم عليه الأجرة
(1)
.
وجاء فى «شرح الأزهار» أيضا انه يجب قبول الزاد ومنه الراحلة اذا كان من الولد أول درجة فقط للأب والأم لانه لا منة منه على والده لما عليه من النعم قيل وكذا اذا بذل له الامام اذا كان ولدا لا غير لأجل المنة - من بيت المال وقيل لا يجب قبول الزاد من الامام وكذا لو عرض الولد أن يحج عنه وقد صار الوالد شيخا زمنا لزمه القبول بشرط ان يكون الولد أمينا عدلا غنيا قد حج لنفسه وان يكون الوالد زمنا فقيرا لم يحج حجة الاسلام
(2)
وجاء فى شرح الأزهار كذلك ان من شروط صحة الحج أن يحج المرء بنفسه فلا يصح ان يحج عنه غيره ويستنيب عنه اذا كان لعذر مأيوس نحو ان يكون شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة بعد ان كان يقدر ويلحق بالعذر المأيوس المرأة اذا لم يكن لها محرم وغلب على ظنها انه لا يحصل لها محرم حتى الموت أو لم يساعدها فان حج عنه غيره من غير عذر أو من عذر يرجى زواله وزال كحبس أو مرض لم يجزه ولو نقلا بلا خلاف واذا حج لعذر مأيوس لزمه ان يعيد الحج ان زال ذلك العذر الذى كان مأيوس الزوال حيث زال فى وقت يتسع للذهاب والعودة فى وقته هذا فى وجوب الحج عليه بنفسه واما الايصاء فان كان قد استطاع من قبل وجب والا فلا وقيل ان الاعادة لا تلزمه وان لم يزل العذر أجزأه بلا خلاف
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى «كتاب شرائع الاسلام» انه لا يشترط وجود المحرم مع النساء فى الحج بل يكفى غلبة ظن المرأة بالسلامة ولا يصح حجها تطوعا الا باذن زوجها ولها ذلك فى الواجب كيف كانت وكذا لو كانت فى عدة رجعية وفى البائنة لها المبادرة من دون اذنه
(4)
.
وجاء فى كتاب «الخلاف» أيضا انه يجب الحج
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ح 2 ص 65، 66 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بالقاهرة.
(2)
المرجع السابق ح 2 ص 67 نفس الطبعة.
(3)
نفس المرجع ح 2 ص 59، 60.
(4)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى للمحقق الحلى ح 1 ص 115 طبع منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1930.
على المرء اذا كان لولده مال ويأخذ من هذا المال قدر كفايته ويحج به وليس للابن الامتناع منه. والدليل الأخبار المروية فى هذا المعنى من جهة الخاصة وقول الرسول عليه الصلاة والسلام «أنت ومالك لأبيك» فحكم ان ملك الابن مال الأب واذا كان له نقد وجد الاستطاعة فوجب عليه الحج
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى «كتاب شرح النيل» أنه ان لزم الحج امرأة حجت مع زوج أو محرم ان وجد ولا يلزمهما أن يحجا بها لكن ان طلبت مصاحبتهما، فلا يمنعانها واذا صاحبت زوجها لزمته حقوقها، وان كان مالها يفئ بأجرة من يحج بها أو بارضاء محرمها أو زوجها به ان يحج بها لزمه وان منعها زوجها أو أبوها وقد استطاعت. ولما مات لم تستطع لم يلزمها الحج والا فلتحج مع ثقات معهم نساء يمنعونها من الضر كمنعهم لأنفسهم.
وفى التاج لا تخرج ولو الى مكة الا مع ولى الا أن لم تحج قط ولم تجد وليا يخرج بها فقد أجازوا لها ان تحج الفرض مع ثقات معهم نساء وان كانت ملية ولا ولى لها لم يلزمها الحج ان لم تقدر عليه الا به وتؤمر أن تطلبه ان وجدته ويلزمها الايصاء بالحج.
وان لزمها الحج ولم تحج حتى افتقرت أمر أولادها أن يحجوا بها بلا وجوب وليس لها ان تحج بمال صغارها.
وللزوج منعها عن الخروج الى الحج ولو فرضا وقيل عن النفل وهو الصحيح لا عن الفرض ان وجدت ثقات وليس عليه أن يسافر بها للحج، وان أرادت نفلا للحج أو اعادة لحج فريضة لأجل خلل فمع زوج أو محرم فقط والحق انها تعيد الحج الذى فسد لخلل ولو مع ثقة غير محرم لها فى جماعة
(2)
.
الأم والاعتاق والولاء
مذهب الحنفية:
جاء فى كتاب (بدائع الصنائع) أن المرء اذا اشترى اباه أو أمه أو ابنه عتق عليه نوى أو لم ينو عند عامة العلماء لأن شراءه جعل اعتاقا شرعا حتى تتأدى به الكفارة اذا اشترى أباه ناويا عن الكفارة فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد خلافا لزفر والأصل أن كل من يملك ذا رحم محرم بالشراء أو بقبول الهبة أو الصدقة أو الوصية أو بالارث يعتق عليه لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: انى دخلت السوق فوجدت أخى يباع فاشتريته وأنا أريد أن أعتقه فقال عليه الصلاة والسلام: «ان الله تعالى قد أعتقه»
(3)
.
(1)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن الطوسى ح 1 ص 413، 414 مسألة رقم 8 الطبعة الثانية سنة 1382 هـ مطبعة نابان بطهران.
(2)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ح 2 ص 275، 276 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى بمصر.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ح 4 ص 47 الطبعة الأولى 1328 هـ - 1910 م طبع مطبعة الجمالية بمصر.
وجاء فى (الهداية) أنه اذا ولدت المكاتبة من المولى فهى بالخيار ان شاءت مضت على الكتابه وان شاءت عجزت نفسها وصارت أم ولد له. لأنها تلقتها جهتا حرية: عاجلة ببدل وآجلة بغير بدل فتخير بينهما.
ونسب ولدها ثابت من المولى وهو حر لأن المولى يملك الاعتاق فى ولدها وماله من الملك يكفى لصحة الاستيلاد بالدعوة واذا مضت على الكتابة أخذت العقر من مولاها لاختصاصها بنفسها ويمنافعها، ثم ان مات المولى عتقت بالاستيلاد وسقط عنها بدل الكتابة وان ماتت هى وتركت مالا تؤدى منه مكاتبتها وما بقى ميراث لابنها جريا على موجب الكتابة وان لم تترك مالا فلا سعاية على الولد لأنه حر ولو ولدت ولدا آخر لم يلزم المولى الا أن يدعى لحرمة وطئها عليه فلو لم يدع وماتت من غير وفاء سعى الولد لأنه مكاتب تبعا لها فلو مات المولى بعد ذلك عتق وبطل عنه السعاية لأنه بمنزلة أم الولد اذ هو ولدها فيتبعها
(1)
وان أعتق حاملا عتق حملها تبعا لها اذ هو متصل بها ولو أعتق الحمل خاصة عتق دونها.
لأنه لا وجه الى اعتاقها مقصودا لعدم الاضافة اليها ولا اليه تبعا لما فيه من قلب الموضوع ثم ان اعتاق الحمل صحيح ولا يصح بيعه ولا هبته لأن التسليم نفسه شرط فى الهبة والقدرة عليه فى البيع ولم يوجد ذلك بالاضافة الى الجنين وشئ من ذلك ليس بشرط لاعتاق الجنين فامترقا ولو أعتق الحمل على مال صح الاعتاق ولا يجب المال اذ لا وجه الى الزام على الجنين لعدم الولاية عليه ولا الى الزامه الأم لأنه فى حق العتق نفس على حدة، واشتراط بدل العتق على غير المعتق لا يجوز وانما يعرف قيام الحبل وقت العتق اذا جاءت به لأقل من ستة شهور منه لأنه أدنى مدة الحمل.
وولد الأمة من مولاها حر لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه هذا هو الأصل ولا معارض له فيه لأن ولد الأمة لمولاها وولدها من زوجها مملوك لسيدها لترجح جانب الأم باعتبار الحضانة أو لاستهلاك مائه بمائها.
والمنافاة متحققة والزوج قد رضى به بخلاف ولد الغرور لأن الوالد ما رضى به وولد الحرة حر على كل حال لأن جانبها راجح فيتبعها فى وصف الحرية كما يتبعها فى المملوكية والمرقوقية والتدبير وأمومية الولد والكتابة
(2)
.
واذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولد له، لا يجوز بيعها ولا تمليكها لقوله عليه الصلاة والسلام:«أعتقها ولدها» . أخبر عن اعتاقها فيثبت بعض مواجبه وهو حرمة البيع وكذا اذا كان بعضها مملوكا له لأن الاستيلاد لا يتجزأ فانه فرع النسب فيعتبر بأصله وله وطؤها واستخدامها واجارتها وتزويجها لأن الملك فيها قائم
(3)
.
وجاء فى «الهداية» أن الولاء نوعان: ولاء عتاقه ويسمى ولاء نعمة وسببه العتق على
(1)
الهداية لشرح بداية المبتدى لبرهان الدين على بن أبى بكر الميرغينانى ح 7 ص 253.
(2)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 3 ص 374 - 376 نفس الطبعة.
(3)
المرجع نفسه ح 3 ص 441 نفس الطبعة.
ملكه فى الصحيح حتى لو عتق قريبه عليه بالوراثة كان الولاء له. وولاء موالاة وسببه العقد ولهذا يقال ولاء العتاقة وولاء الموالاة والحكم يضاف الى سببه والمعنى فيهما التناصر وكانت العرب تتناصر بأشياء وقرر النبى صلى الله عليه وسلم تناصرهم بالولاء بنوعيه فقال:
ان مولى القوم منهم وحليفهم منهم والمراد بالحليف مولى الموالاة لأنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف واذا اعتق المولى مملوكه فولاؤه له لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «الولاء لمن اعتق» ولأن التناصر به فيعقله وقد أحياه نعنى بازالة الرق عنه فيرثه ويصير الولاء كالولاد وجاء فى الهداية أيضا أن من تزوج من العجم بمعتقه من العرب فولدت له أولادا فولاء أولادها لمواليها عند أبى حنيفة وهو قول محمد وقال أبو يوسف حكمه حكم أبيه لأن النسب الى الأب كما اذا كان الأب عربيا بخلاف ما اذا كان الأب عبدا لأنه هالك بمعنى
(1)
لأنه لا يملك شيئا ولأن الرق أثر الكفر والكفر موت حكمى لقول الله سبحانه وتعالى «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ»
(2)
أى كافرا فهديناه فصار هذا الولد كأنه لا أب له فينسب الى موالى الأم ضرورة
(3)
.
وفى «الجامع الصغير» لو تزوج نبطى كافر بمعتقة كافرة ثم أسلم النبطى ووالى رجلا ثم ولدت الزوجة أولادا قال أبو حنيفة ومحمد:
مواليهم موالى أمهم وقال أبو يوسف: مواليهم موالى أبيهم لأن الولاء وان كان أضعف فهو من جانب الأب فصار كالمولود بين واحد من الموالى وبين العربية ولهما أن ولاء الموالاة أضعف حتى أنه يقبل الفسخ وولاء العتاقة لا يقبله والضعيف لا يظهر فى مقابلة القوى.
وان كان الأبوان معتقين فالنسبة الى قوم الأب لأنهما استويا والترجيح لجانبه لشبهة بالنسب أو لأن النصرة به
(4)
. واذا تزوج عبد رجل أمة الآخر فأعتق مولى الأمة الأمة وهى حامل من العبد عتقت وعتق حملها وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه أبدا فان ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر ولدا فولاؤه لمولى الأم فان أعتق العبد جر ولاء ابنه وانتقل عن مولى الأم مولى الأب
(5)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «المدونة الكبرى» أن الامام مالكا قال: يعتق عليك أبواك وأجدادك لأبيك وأمك وجداتك لأبيك وأمك وولدك وولد ولدك وأخوتك دنية وأخوتك لأبيك وأمك وهم أهل الفرائض فى كتاب الله وأما من سوى هؤلاء فلا يعتقون عليك ويرى الامام مالك فيمن اشترى ذوى محارمه من الرضاعة أمهاته وبناته وأخواته أو محارمه من قبل الصهر أمهات نسائه أو جداتهن أو ولدهن أو ولد ولدهن أنه لا يعتق عليه شئ منهن ويبيعهن
(1)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 7 ص 286 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 122 من سورة الانعام.
(3)
الهداية: نتائج الأفكار على شرح بداية المبتدى ح 7 ص 286.
(4)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 7 ص 286، 287 نفس الطبعة.
(5)
مختصر القدورى لأبى الحسن أحمد بن محمد جعفر بن حمدان ص 102 طبع دار سعادات المطبعة العثمانية سنة 1309 هـ.
ان شاء
(1)
.
وجاء فى (الموطأ) أن الامام مالكا قال: الأمر عندنا فيمن دبر جارية له فولدت أولادا بعد تدبيره اياها ثم ماتت الجارية قبل الذى دبرها:
ان ولدها بمنزلتها قد ثبت لهم من الشرط مثل الذى ثبت لها ولا يضرهم هلاك أمهم فاذا مات الذى كان دبرها فقد عتقوا ان وسعهم الثلث وقال: كل ذات رحم فولدها بمنزلتها ان كانت حرة، فولدت بعد عتقها فولدها احرار وان كانت مدبرة أو مكاتبة أو معتقة الى سنين أو مخدمة، أو بعضها حرا أو مرهونة أو أم ولدها فولد كل واحدة منهن على مثال حال أمه يعتقون بعتقها ويرقون برقها.
وقال مالك فى مدبرة دبرت وهى حامل ان ولدها بمنزلتها وانما ذلك بمنزلة رجل اعتق جارية له وهى حامل ولم يعلم بحملها فالسنة فيها أن ولدها يتبعها ويعتق بعتقها وكذلك لو أن رجلا ابتاع جارية وهى حامل فالوليدة وما فى بطنها لمن ابتاعها اشترط ذلك المبتاع أو لم يشترطه ولا يحل للبائع ان يستثنى ما فى بطنها لأن ذلك غرر يضع من ثمنها ولا يدرى أيصل ذلك اليه أم لا. وانما ذلك بمنزلة ما لو باع جنينا فى بطن أمه وذلك لا يحل له لأنه غرر وقال مالك فى مكاتب أو مدبر ابتاع أحدهما جارية فوطئها فحملت منه وولدت قال .. ولد كل واحد منهما من جاريته بمنزلته يعتقون بعتقه ويرقون برقه فاذا اعتق هو فانما أم ولده مال من ماله يسلم اليه اذا اعتق
(2)
وكل ولد ولدته أمه أوصى بعتقها ولم تدبر فان ولدها لا يعتقون معها اذا اعتقت وذلك أن سيدها يغير وصيتها ان شاء ويردها متى شاء ولم يثبت لها عتاقة وانما هى بمنزلة رجل قال لجاريته: ان بقيت عندى فلانة حتى أموت فهى حرة فان ادركت ذلك كان لها ذلك وان شاء قبل ذلك باعها وولدها لأنه لم يدخل ولدها فى شئ مما جعل لها والوصية فى العتاقة مخالفة للتدبير فرق بين ذلك ما مضى من السنة ولو كانت الوصية بمنزلة التدبير كان كل موص لا يقدر على تغيير وصيته وما ذكر فيها من العتاقة وكان قد حبس عليه من ماله ما لا يستطيع أن ينتفع به
(3)
.
وجاء فى «المدونة الكبرى» أنه اذا ملك العبد المأذون له فى التجارة أباه أو أمه أو ولده فانه لا يبيعهم الا باذن السيد وقد سئل الامام مالك عن أم ولد العبد اذا أراد أن يبيعها أفيجوز له أن يبيعها؟ قال: اذا أذن له سيده جاز له ذلك فأرى ولده وولد ولده وأباه وأجداده وأخوته وأخواته اذا اشتراهم هذا العبد أن لا يبيعهم حتى يأذن له السيد واذا ملك العبد من قرابة السيد من لو ملكهم السيد عتقوا على السيد فانه اذا ملكهم العبد عتقوا عليه عند الامام مالك الذى لم يذكر مأذونا ولا غير مأذون، فالمأذون اذا ملك من قرابة السيد والده أو ولده أو والدته عتقوا.
ويقول ابن القاسم: الا أن يكون عليه دين يحيط بقيمة رقابهم ومعنى ذلك اذا اشتراهم
(1)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية الامام سحنون بن سعيد التنوحى عن عبد الرحمن بن بمصر ح 2 ص 384، 385.
(2)
الموطأ للامام مالك ص 507 طبعة كتاب الشعب.
(3)
الموطأ ص 508 طبعة كتاب الشعب.
وهو لا يعلم
(1)
وجاء فى (الموطأ) أن الامام مالكا قال: ولد الملاعنة من الموالى ينسب الى موالى أمه، فيكونون هم مواليه ان مات ورثوه وان جر جريرة عقلوا عنه فان اعترف به أبوه الحق به وصار ولاؤه الى موالى أبيه وكان ميراثه لهم وعقله عليهم ويجلد أبوه الحد.
وكذلك المرأة الملاعنة من العرب اذا اعترف زوجها الذى لا عنها بولدها صار بمثل هذه المنزلة الا أن بقية ميراثه بعد ميراث أمه واخوته لأمه لعامة المسلمين ما لم يلحق بأبيه وانما ورث ولد الملاعنة الموالاة موالى أمه قبل أن يعترف به أبوه لأنه لم يكن له نسب ولا عصبة فلما ثبت نسبه صار إلى عصبته.
وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا فى ولد العبد من امرأة حرة وأبو العبد حر أن الجد أبا العبد يجر ولاء ولد ابنه الاحرار من امرأة حرة يرثهم ما دام أبوهم عبدا فان عتق أبوهم رجع الولاء الى مواليه وان مات وهو عبد، كان الميراث والولاء للجد وان كان للعبد ابنان حران فمات أحدهما وأبوه عبد جر الجد أبو الأب الولاء والميراث وقال مالك فى الامة تعتق وهى حامل وزوجها مملوك ثم يعتق زوجها قبل أن تضع حملها أو بعد ما تضع ان ولاء ما كان فى بطنها للذى أعتق أمه لأن ذلك الولد قد كان أصابه الرق قبل أن تعتق أمه وليس هو بمنزلة الذى تحمل به أمه بعد العتاقة لأن الذى تحمل به أمه بعد العتاقة اذا أعتق أبوه جر ولاءه
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «الأنوار» أن من ملك وهو من أهل التبرع أباه أو أمه أو أحد أصوله من الأجداد والجدات من جهة الأب أو الأم أو ملك واحدا من أولاده أو أولاد أولاده وان سفلوا عتق عليه سواء ملكه قهرا كما لو ملكه بالارث أو اختيارا كما لو ملكه بالشراء والهبة وغيرهما ولا يعتق غير الأصول والفروع كالاخوة والأعمام والأخوال وسائر الاقارب وليس لولى الصبى والمجنون أن يشترى لهما من يعتق عليهما ولو فعل بطل ولو وهب منه أو أوصى له فان كان كسوبا جاز قبوله ويعتق عليه ونفقته فى كسبه والا فان كان الصبى معسرا جاز قبوله ويعتق ونفقته فى بيت المال وان كان موسرا فلا يجوز ولو ملك فى مرض الموت من يعتق عليه فان ملكه بالارث أو الهبة أو الوصية عتق من الثلث وان ملكه بالشراء فان كان بثمن المثل عتق من الثلث ولم يرث وان كان عليه ديون لا يعتق ويباع فى الدين ولو كان البيع بمحاباة أى بأقل من ثمن المثل - فقدر المحاباه كالموهوب والباقى من الثلث ومن أعتق رقيقا ثبت له الولاء عليه سواء نجز عتقه أو علق بصفة ووجدت أو عتق المكاتب بالأداء أو المدبر أو المستولدة بموت السيد أو القريب بالملك أو أعتق شريكا له فسرى أو باع رقبته منه. اتفق دينهما أو اختلف ولو أسلم على يدى آخر فلا ولاء له ومن أعتق عن غيره بلا اذنه.
وجاء فى «المهذب» ان من ملك أحد الوالدين وإن علوا أو أحد المولودين وان سفلوا عتقوا عليه لقول الله سبحانه وتعالى «تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ}
(1)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية الامام سحنون بن سعيد التنوحى عن عبد الرحمن بن القاسم طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ بمصر ح 2 ص 384، 385.
(2)
الموطأ ص 489، 490 الطبعة السابقة.
{الْجِبالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً»
(1)
فنفى الولادة مع العبودية فدل على أنهما لا يجتمعان ولأن الولد بعض منه فيصير كما لو ملك بعضه وان ملك بعضه فان كان بسبب من جهته كالبيع والهبة وهو موسر قوم عليه الباقى لانه عتق بسبب من جهته فصار كما لو أعتق بعض عبد. وان كان بغير سبب من جهته كالارث لم يقوم عليه لأنه عتق من غير سبب من جهته وان ملك من سوى الوالدين والمولودين من الاقارب لم يعتق عليه لأنه لا بعضية بينهما فكانوا كالأجانب وان وجد من يعتق عليه مملوكا فالمستحب أن يشتريه ليعتق عليه لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» ولا يجب عليه ذلك لانه استحلاب مال لقربة لم يتقدم وجوبها فلم يجب كشراء المال للزكاة وان وصى للمولى عليه بأبيه فان كان لا تلزمه نفقته وجب على الولى قبوله لأنه يعتق عليه فيحصل له جمال عاجل وثواب آجل من غير اضرار. وان كان تلزمه نفقته لم يجب قبوله لانه يعتق عليه ويطالب بنفقته وفى ذلك اضرار فلم يجز. وان وصى له ببعضه فان كان معسرا لزمه قبوله لانه لا ضرر عليه من جهة التقويم ولا من جهة النفقة وان كان موسرا والأب ممن تلزمه نفقته لم يجب قبوله لأنه تلزمه نفقته وفى ذلك اضرار وان كان لا تلزمه نفقته ففيه قولان: أحدهما لا يجوز قبوله لأن ملكه يقتضى التقويم وفى ذلك اضرار والثانى يلزم قبوله ولا يقوم عليه لأنه يعتق عليه بغير اختياره فلم يقوم عليه كما لو ملكه بالارث
(2)
.
وجاء فى «نهاية المحتاج» أنه لا ترث امرأة بولاء يثبت لغيرها فإذا كان للمعتق بن وبنت أو أم وأب أو أخ وأخت ورث الذكر دون الانثى لأن الولاء أضعف من النسب المتراخى واذا تراخى النسب ورث الذكور دون الاناث.
ألا ترى أن ابن الأخ والعم وبنيهما يرثون دون أخواتهم فاذا لم ترث بنت الاخ وبنت العم والعمة فبنت المعتق أولى أن لا ترث لانها أبعد منهن فلا ترث امرأة بولاء الا من عتيقها وكل منتم اليه بنسب أو ولاء نحو أولاده وأن سفلوا وعتقائه وعتقاء عتقائه وهكذا الخبر «انما الولاء لمن أعتق» فجعل الولاء على بويره بعائشة رضى الله عنها. ولو نكح عبد معتقة فأتت بولد فولاؤه لمولى الأم لأنهم أنعموا عليه لعتقه بعتقها فان أعتق الأب انجر الولاء الى مواليه لأن الولاء فرع النسب وهو للآباء دون الأمهات وانما ثبت لموالى الأم لعدمه من جهة الأب فاذا أمكن عاد الى موضعه، ومعنى الانجرار أن ينقطع من وقت عتق الأب عن موالى الأم فاذا انجر الى موالى الأب فلم يبق منهم أحد لم يرجع الى موالى الأم بل يكون الميراث لبيت المال. ولو مات الأب رقيقا وعتق الجد أب الأب وان علا دون أبى الأم انجر الولاء الى موالى الجد لأنه كالأب فان
(1)
الآية رقم 90 وما بعدها آية 91، 92 من سورة مريم.
(2)
المهذب لأبى أسحق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وبأسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لمحمد بن أحمد بن بطال التركى ح 2 ص 4، 5 طبعة مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
أعتق الجد والأب رقيق انجر الى مواليه أيضا فان أعتق الأب بعده انجر من موالى الجد الى مواليه ويستقر وقيل لا ينجر لموالى الجد بل يبقى لموالى الأم حتى يموت الأب رقيقا فينجر الى موالى الجد لأن وجوده مانع فاذا مات زال المانع ولو ملك هذا الولد الذى من العبد والعتيقة أباه جر ولاء اخوته لأبيه من موالى الأم اليه لأن أباه عتق عليه فثبت له عليه الولاء وعلى أولاده من أمه أو عتيقة أخرى وكذا ولاء نفسه يجره اليه فى الأصح كاخوته بل يبقى لموالى أمه دالا لثبت له عن نفسه وهو محال ولهذا لو اشترى العبد نفسه أو كاتبه سيده وأخذ منه النجوم أو الثمن عتق وكان ولاؤه لسيده. ويرى صاحب «نهاية المحتاج» أن الأصح المنصوص أنه لا يجر ولاء نفسه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كشاف القناع» ان من ملك ذا رحم محرم ولو كان مخالفا له فى الدين بميراث أو غيره من بيع أو هبة أو وصية أو جعالة ونحوها ولو كان المملوك المحرم بالقرابة حملا كما لو اشترى زوجة ابنه الأمة التى هى حامل من ابنه عتق عليه ولا يعتق بالملك ذو رحم غير محرم كولد عمه وعمته وولد خاله وخالته ولا يعتق بالملك محرم برضاع كأمه منه وأخته منه وعمته منه وخالته منه أو محرم بمصاهرة كأم زوجته وحلائل عمودى النسب فلا يعتقون بالملك
(2)
. وان ملك انسان ولده وان نزل من زنا لم يعتق عليه أو ملك أباه وان علا من الزنا لم يعتق عليه. وان ملك سهما ممن يعتق عليه كأبيه وابنه وأخيه وعمه بغير الميراث وهو موسر بقيمة باقيه عتق عليه كله والا عتق منه بقدر ما هو موسر به والموسر هنا القادر حالة العتق على قيمة ما عتق عليه بالسراية وأن يكون ذلك الذى هو قيمته كفطره أى فاضلا عن حاجته وحاجة من يمونه يوم العتق وليلته وان كان الذى ملك جزءا من رحمه المحرم معسرا أو ملكه بالميراث ولو كان موسرا بقيمة باقيه لم يعتق عليه الا ما ملك
(3)
وجاء فى عمدة الفقه ان المرء اذا قال لعبده انت حر فى وقت سماه أو علق عتقه على شرط يعتق اذا جاء ذلك الوقت أو وجد الشرط ولم يعتق قبله ولا يملك ابطاله بالقول ولا بيعه وهبته والتصرف فيه ومتى عاد اليه الشرط وان كانت الأم حاملا حين التعليق ووجود الشرط عتق حملها. وان حملت ووضعت فيما بينهما لم يعتق ولدها
(4)
. واذا حملت الأمة من سيدها فوضعت ما يتبين فيه شئ من خلق الانسان صارت له بذلك أم ولد تعتق بموته وان لم يملك غيرها وما دام حيا فهى أمته أحكامها
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لمحمد بن أبى العباس احمد بن حمزة الشهير بالشافعى الصغير ومعه حاشية أبى الضياء نور الدين على وبالهامش حاشية أحمد بن عبد الرازق المعروف بالمغربى الرشيدى ح 8 ص 370 - 372.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع لمنصور ابن ادريس ح 2 ص 628، 629 الطبعة الأولى بمطبعة العامرية الشرقية سنة 1319 هـ.
(3)
كشاف القناع ح 2 ص 629، 630 نفس الطبعة.
(4)
عمدة الفقه بكتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يوسف البهوتى للامام موفق الدين بن قدامة ص 95 طبعة مطبعة المنار بمصر سنة 1352 هـ.
أحكام الاماء فى حل وطئها وملك منافعها وكسبها وسائر الأحكام الا انه لا يجوز بيعها ولا رهنها ولا سائر ما يفعل الملك فيها أو يراد له وتجوز الوصية لها واليها، فان قتلت سيدها عمدا فعليها القصاص وان قتلته خطأ فعليها قيمة نفسها وتعتق فى الحالين وان وطئ أمة غيره بنكاح ثم ملكها حاملا عتق الجنين وله بيعها
(1)
وجاء فى كشاف القناع ان من ثبت له ولاء رقيق بمباشرة عتق أو بسبب بأن عتق عليه برحم أو كتابة أو تدبير أو وصية ونحوها لم يزل ولاؤه عنه بحال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولاء لمن أعتق» فأما ان تزوج العبد ومثله المكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة معتقة لغير سيده فأولدها، فولاء ولدها ذكرا كان أو أنثى أو خنثى واحد أو أكثر لمولى أمه التى هى زوجة العبد يعقل عنه ويرثه ان مات، لكونه سبب الانعام عليه لأنه انما صار حرا بسبب عتق أمه فان أعتق العبد الذى هو الأب أنجر ولاؤه - أى ولاء ولد العتيقة منه - عن مولى الأم الى معتقه فيصير له الولاء على العتيق وأولاده. ولا يعود الولاء الذى جره مولى الأب الى مولى أمه بحال فان نفى الأب الولد باللعان عاد ولاؤه الى موالى الأم لأننا تبينا انه لم يكن له أب ينتسب اليه فان عاد الأب فاستلحقه لحقه وعاد الولاء الى موالى الأب لعود النسب اليه وعلى هذا يكون لجر الولاء ثلاثة شروط:
أولا: ان يكون الأب رقيقا حين ولادة أولاده من زوجته التى هى عتيقة لغير سيدها ثانيا: ان تكون الأم مولاة فان كانت حرة الأصل فلا ولاء على ولدها بحال وان كانت أمة فولدها رقيق لسيدها فان أعتقهم فولاؤهم له مطلقا لا ينجر عنه بحال.
ثالثا: ان يعتق السيد العبد فان مات على الرق لم ينجر الولاء بحال فان اختلف سيد العبد ومولى الأم فى العبد بعد موته فقال سيده مات حرا بعد جر الولاء وأنكر ذلك مولى الأم فالقول قوله لان الأصل بقاء الرق
(2)
وجاء فى كشاف القناع انه لو عتق عليه برحم كما لو ملك أباه أو ولده أو أخاه أو عمه عتق عليه بسبب ما بينهما من الرحم - أى القرابة - فان الولاء للمعتق
(3)
.
وجاء فى عمدة الفقه انه اذا كان أحد الزوجين الحرين حر الأصل فلا ولاء على ولدها وان كان أحدهما رقيقا تبع الولد الأم فى حريتها ورقها فان كانت الأم رقيقة فولدها رقيق لسيدها فان أعتقهم فولاؤهم له لا ينجر عنه بحال وان كان الأب رقيقا والأم معتقة فأولادها أحرار وعليهم الولاء لموالى أمهم فان عتق العبد جره معتقه، وولاؤه له ولأولاده وان اشترى أباه عتق وله ولاؤه وولاء اخوته ويبقى ولاؤه لموالى أمه لانه لا يجر ولاء نفسه
(4)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى انه لا يجوز عتق الجنين
(1)
عمدة الفقه ص 98 نفس الطبعة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 2 ص 622، 623 نفس الطبعة.
(3)
كشاف القناع ح 2 ص 618.
(4)
عمدة الفقه ص 93 نفس الطبعة.
دون أمه اذا نفخ فيه الروح قبل أن تضعه أمه، ولا هبته دونها، ويجوز عتقه قبل أن ينفخ فيه الروح وتكون أمه بذلك العتق حرة وان لم يرد عتقها، ولا تجوز هبته أصلا دونها، فان أعتقها وهى حامل فان كان جنينها لم ينفخ فيه الروح فهو حر الا أن يستثنيه، فان استثناه فهى حرة وهو غير حر وان كان قد نفخ فيه الروح فان أتبعها اياه اذا أعتقها فهو حر وان لم يتبعها اياه أو استثناه فهى حرة وهو غير حر، وكذلك القول فى الهبة اذا وهبها سواء سواء ولا فرق. وحد نفخ الروح فيه تمام أربعة أشهر من حملها - وبرهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»
(1)
.
وعن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان خلق أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات:
فيكتب رزقه وعمله وأجله ثم يكتب شقى أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فهذه النصوص توجب كل ما قلناه فصح انه الى تمام المائة والعشرين ليلة ماء من ماء أمه ولحمه ومضغة من حشوتها كسائر ما فى جوفها فهو تبع لها لانه بعضها وله استثناؤه فى كل حال لانه يزايلها كما يزايلها اللبن واذ هو كذلك فاذا أعتق فقد أعتق بعضها فوجب بذلك عتق جميعها ولا تجوز هبته دونها لانه مجهول ولا تجوز هبة المجهول. وأما اذا نفخ فيه الروح فهو غيرها لان الله سبحانه وتعالى سماه خلقا آخر وهو حينئذ قد يكون ذكرا وهى أنثى ويكون اثنين وهى واحدة ويكون أسود أو أبيض وهى بخلافه فى خلقه وخلقه وفى السعادة والشقاء فاذ هو كذلك فلا يجوز هبته ولا عتقه دونها لانه مجهول ولا يجوز التقرب الى الله تعالى الا بما تطيب النفس عليه ولا يمكن البتة طيب النفس الا فى معلوم الصفة والقدر فان أعتقها فلا عتق له لانه غيرها فان وهبها فكذلك فان اتبعها حملها فى العتق والهبة والصدقة جاز ذلك لأنه لم يزل الناس فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعلمه وبعده يعتقون الحوامل وينفذون عتق حملها ويهبون كذلك ويبيعونها كذلك ويتملكونها بالقسمة كذلك ويتصدقون ويهدون ويضحون باناث الحيوان فيتبعون أحمالها لها فتكون فى حكمها
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «شرح الازهار» أن من الأسباب الموجبة للعتق ملك ذى الرحم المحرم نسبا ولو من زنا ولو اختلفت الملة كالآباء وان علوا والأولاد وان سفلوا والاخوة وأولادهم والأعمام والأخوال لا أولادهم، فمتى ملكه
(1)
الآيات رقم 12، 13، 14 من سورة المؤمنون.
(2)
المحلى لابن محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى ح 9 ص 187، 188 المسألة رقم 1663 الطبعة الاولى.
عتق عليه سواء كان الملك متناولا لجميعه أو بعضه وسواء دخل فى ملكه باختياره كالشراء ما لم يقم فيه شفيع أو بغير اختياره كالارث وذلك نحو أن يشترى ابن عم ابنى عم له أخوين فيعتق أحدهما ثم يموت المعتق فيعتق الثانى بارث أخيه له وقيل لا يعتق الا الآباء والأولاد
(1)
.
وجاء أيضا فى «شرح الازهار» ان الولاء على ضربين: ولاء اعتقاق وولاء موالاه
(2)
.
أما ولاء الاعتاق فهو يثبت للمعتق عن ملك فقط ليخرج الامام والولى والوكيل. ولو أعتقه بعوض نحو ان يكاتبه أو سراية نحو ان يعتق نصيبه فيسرى.
والولاء قد يثبت للمعتق أصلا وجرا، فالاصل على من أعتقه هو، وجرا على من أعتقه عتيقه أو ولده ولا أخص منه. فالأب يجر الولاء بشرط ان يكون الولد حر أصل والجد بذلك الشرط وبشرط أن يكون أب الولد حر أصل والأم تجر الولاء بشرط أن يكون أب الولد مملوكا والولد حر أصل والجدة بذلك وبشرط أن تكون الأم حرة أصل وأب الأم مملوكا فالجر كعتيق العتيق وولد العتيق فان العتيق يجر ولاء ولده الى سيده الا أن يكون ثم من هو أخص منه كعتيق تزوج عتيقه فان ولاء أولادهما لمولاء الأب دون مولاء الأم لان الأب أخص من الأم لانها لا تجر مع حرية الزوج فلو تزوجت مملوكا كان ولاء أولادهما لمولاها حتى يعتق العبد فيعود لمواليه ما لم يجره مولى الأم الا أن يكون الولد قد مات لم يسترد من معتق الأم اذ لا يجر ولاء ولده الميت بل الحى فلو عدم موالى الأب بعد أن عاد الولاء اليهم قال أصحابنا والاكثر لا يعود الولاء الى موالى الأم بل لبيت المال اذ الولاء كالنسب فلا يزول بعد استقراره وقال ابن عباس يعود اليهم
(3)
.
مذهب الأمامية:
جاء فى كتاب «الخلاف» ان الذين ينعتقون على من يملكهم هم العمودان: الوالدان الآباء وان علوا والامهات وان علون والمولودون البنون وأولادهم وان نزلوا والبنات وأولادهن وان نزلن وكل من يحرم عليه العقد عليهن من المحارم من الأخت وبنتها وان نزلت وبنت الأخت والعمة والخالة ولا ينعتق الأخ وابن الأخ ولا العم ولا الخال ولا أولاد العم والعمة والخال والخالة ولا واحد من ذوى الأرحام سوى من ذكر.
والدليل على ذلك اجماع الفرقة وأخبارهم وقال الله تبارك وتعالى: «وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ 4» فوجه الدلالة انهم لما أضافوا اليه ولدا نفى أن يكون له ولد لكونه عبدا فقال سبحانه تنزيها له (بل عباد مكرمون) ثبت ان الولد لا يكون عبدا وروى قتادة عن الحسن وعن
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ح 3 ص 566 الطبعة الثانية فى شهر شعبان 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بالقاهرة.
(2)
نفس المرجع ح 3 ص 605 نفس الطبعة.
(3)
المرجع نفسه ح 3 ص 606 نفس المطبعة.
(4)
الآية رقم 26 من سورة الأنبياء.
غيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «من ملك ذا رحم محرم فهو حر وفى بعضها عتق عليه»
(1)
واذا ملك أمه أو أباه أو أخته أو بنته أو عمته أو خالته من الرضاع عتق كلهن وخالف جميع الفقهاء فى ذلك وذهب اليه بعض أصحابنا والمنصوص الأول والدليل على ذلك اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قول النبى عليه الصلاة والسلام «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وهو على عمومه
(2)
واذا ورث المرء شقصا من أبيه أو أمه قوم عليه ما بقى اذا كان موسرا والدليل على ذلك اجماع الفرقة
(3)
.
وجاء فى «المختصر النافع» انه يكره التفريق بين الولد وأمه وقيل يحرم ولو نذر المرء عتق أول ما تلده فولدت توأمين عتقا
(4)
.
وجاء فى كتاب «الخلاف» انه اذا أعتق مسلم عبدا كافرا عتق وثبت له عليه الولاء بلا خلاف بين الطائفة ويرثه ان لم يكن له وارث وان مات كافرا والدليل على ذلك اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قول الرسول عليه الصلاة والسلام «الولاء لمن أعتق»
(5)
واذا أعتق كافرا مسلما ثبت عليه الولاء الا انه لا يرثه ما دام كافرا فان أسلم ورثه والدليل على ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام «الولاء لمن أعتق» ولم يفصل وأما قول الله سبحانه وتعالى «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ»
(6)
لا يدل على ان الكافر لا يكون وليا لمؤمن الا من حيث دليل الخطاب وليس بصحيح عند الأكثر على أن المراد به النصرة والولاية الدينية وذلك لا يثبت هنا
(7)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى «شرح النيل» ان من اشترى أباه أو أمه لم يبق أحد منهما بعد الملك
(8)
عبدا أو أمة لحظة أو أقل ويخرج حرا مع تمام الملك فلم يصدق عليه انه ملك عبدا أو أمة.
هل يجوز اعطاء الأم من الزكاة
؟
مذهب الحنفية:
جاء فى «مختصر القدورى» انه لا يجوز أن يدفع الرجل الزكاة الى أمه وجداته وان علت ولا الى امرأته ولا تدفع المرأة الى زوجها عند أبى حنيفة
(9)
.
وجاء فى «بدائع الصنائع» ولا يدفع الزكاة الى والده وان علا ولا الى ولده وان سفل
(1)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن على الطوسى ح 2 ص 650، 651 مسألة رقم (4) الطبعة الثانية 1382 هـ طبع مطبعة نابان بايران.
(2)
نفس المصدر ح 2 ص 651 مسألة رقم 5 نفس الطبعة.
(3)
نفس المصدر ح 2 ص 651 مسألة رقم 7 نفس الطبعة.
(4)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى ص 238 الطبعة الثانية طبع وزارة الأوقاف بالقاهرة 1377 هـ.
(5)
كتاب الخلاف للطوسى ح 2 ص 652 مسألة رقم (11) الطبعة السابقة.
(6)
الآية رقم 71 من سورة التوبة.
(7)
كتاب الخلاف للطوسى ح 2 ص 652.
(8)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش ح 2 ص 418 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى بمصر.
(9)
مختصر القدورى ص 25 الطبعة السابقة
لانه ينتفع بملكه فكان الدفع اليه دفعا الى نفسه من وجه فلا يقع تمليكا مطلقا ولهذا لا تقبل شهادة أحدهما على صاحبه
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «المدونة الكبرى» للامام مالك انه لا يعطى الرجل الزكاة أحدا من أقاربه الذين تلزمه نفقتهم وهم الولد ولد الصلب دنية الذكور حتى يحتلموا والاناث حتى يتزوجن ويدخلن بهن أزواجهن وتلزمه نفقة زوجته وخادم واحد لها والمرأة يلزمها النفقة على أبويها وان كانت ذات زوج وان كره ذلك زوجها فالذين لا يجوز أن يعطيهم من زكاة له هم هؤلاء الذين تلزمه نفقتهم ومن وراء هؤلاء من قرابته فهم فى زكاته والأجنبيون سواء
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب «الأم» قول الشافعى قال الله تبارك وتعالى «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ»
(3)
فأحكم الله عز وجل فرض الصدقات فى كتابه ثم أكدها فقال «فريضة من الله» وليس لأحد أن يقسمها على غير ما قسمها الله عز وجل عليه، ذلك ما كانت الأصناف موجودة لانه انما يعطى من وجد
(4)
ويقول الشافعى: وان كانت له قرابة من أهل السهمان ممن لا تلزمه النفقة عليه أعطاه منها وكان أحق بها من البعيد منه وذلك انه يعلم من قرابته أكثر مما يعلم من غيرهم وكذلك خاصته ومن لا تلزمه نفقته من قرابته ما عدا أولاده ووالديه ولا يعطى ولد الولد صغيرا أو كبيرا ولا زمنا ولا أبا ولا أما ولا جدا ولا جدة زمنى وجاء فى الأم قال الربيع لا يعطى الرجل من زكاة ماله لا أبا ولا أما ولا ابنا ولا جدا ولا جدة ولا أعلى منهم اذا كانوا فقراء من قبل ان نفقتهم تلزمه وهم أغنياء به وكذلك ان كانوا غير زمنى لا يغنيهم كسبهم فهم فى حد الفقر لا يعطيهم من زكاته وتلزمه نفقتهم وان كانوا غير زمنى مستغنين بحرفتهم لم تلزمه نفقتهم وكانوا فى حد الأغنياء الذين لا يجوز أن يأخذوا من زكاة المال ولا يجوز له ولا لغيره ان يعطيهم من زكاة ماله شيئا وهذا عندى أشبه بمذهب الشافعى. وقال الشافعى: (ويعطى الرجل أباه وجده وأمه وجدته وولده بالغبن غير زمنى من صدقته اذا أرادوا سفرا لانه لا تلزمه نفقتهم فى حالاتهم تلك ويعطى رجالهم أغنياء وفقراء اذا غزوا وهذا كله اذا كانوا من غير آل محمد صلى الله عليه وسلم
(5)
وجاء فى الأنوار ان صرف صدقة التطوع سرا والى الأقارب والجيران أفضل وكذا الزكاة والكفارة اذا اتصفوا بالاستحقاق والأولى ان يبدأ بذى
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح 2 ص 40 لسنة 1327 هـ.
(2)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 1 ص 256 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 60 من سورة التوبة.
(4)
الأم للامام الشافعى ح 2 ص 61 طبعة كتاب الشعب رمضان 1388 هـ 1968 م.
(5)
المصدر نفسه ح 2 ص 69.
الرحم المحرم الأقرب فالأقرب وألحق الزوج والزوجة بهم ثم بذى الرحم غير المحرم ثم المحرم بالرضاع
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يرى «الحنابلة» انه لا يجوز أن يدفع المزكى زكاته الى عمودى نسبه فى حال تجب نفقتهم فيه أولا تجب نفقتهم فيه ورثوا أو لم يرثوا حتى ذوى الأرحام منهم كأب الأم وولد البنت قال أحمد: لا يعطى الوالدين من الزكاة ولا الولد ولا ولد الولد ولا الجد ولا الجدة ولا ولد البنت ووجه ذلك اتصال منافع الملك بينهما عادة فيكون صارفا لنفسه بدليل عدم قبول شهادة أحدهما للآخر ولو كان أحد عمودى نسبه أخذ فى غرم لنفسه بأن تداين دينا ثم أخذ وفاءه من زكاة أبيه أو ابنه وان علا أو نزل أو كان أحد عمودى نسبه ابن سبيل لان هؤلاء انما يأخذون مع الفقر فأشبه الأخذ بالفقر ما لم يكونوا عمالا على الزكاة فلهم الأخذ لانهم يأخذون أجرة عملهم أشبه ما لو استعملوا على غير الزكاة أو يكونوا مؤلفة فيعطون للتأليف لان مصلحة عامة أشبهوا الأجانب أو يكونوا غزاة لان الغزاة لهم الأخذ مع عدم الحاجة فأشبهوا العاملين أو يكونوا غارمين لاصلاح ذات البين لجواز أخذهم مع غناهم ولانه مصلحة عامة
(2)
أما صدقة التطوع فيجوز دفعها الى الوالدين وان علوا والى الولد وان سفل
(3)
.
مذهب الظاهرية:
عند الظاهرية جائز أن يعطى المرء من الزكاة مكاتبه ومكاتب غيره لانه من البر والعبد المحتاج الذى يظلمه سيده ولا يعطيه حقه لانه مسكين ومن كان أبوه أو أمه أو ابنه أو أخوته أو امرأته من الغارمين أو غزوا فى سبيل الله أو كانوا مكاتبين جاز له ان يعطيهم من صدقة الفرض لأنه ليس عليه آداء ديونهم ولا عونهم فى الكتابة والغزو كما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء ولم يأت نص بالمنع مما ذكرنا
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «شرح الازهار» انه لا يجزى أحدا زكاة صرفها فيمن عليه انفاقه حال الاخراج ولا يجزى أحد أن يصرف زكاته فى أصوله من النسب وهم أباؤه وأجداده وأمهاته وجداته وان علوا وفصوله وهم أولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا ويدخل فى ذلك أولاد البنات مطلقا أى سواء كان تلزمه نفقتهم أم لا تلزم بعجز أو بغيره والوجه فى عدم صرفها الى فصوله ان الولد بعض منه فلا يجوز لأحدهما أن يصرف الى الآخر شيئا كما لا يجوز صرفه فى نفسه
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «شرائع الاسلام» فى أوصاف
(1)
الأنوار لأعمال الأبرار للاردبيلى ح 1 ص 156 نفس الطبعة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 1 ص 494.
(3)
عمدة الفقه لابن قدامة ص 37، 38.
(4)
المحلى لابن حزم ح 6 ص 151 المسألة رقم 721.
(5)
شرح الازهار ح 1 ص 524، 525.
المستحق للزكاة انه لا يكون ممن يجب نفقته على المالك كالأبوين وان علوا والأولاد وان سفلوا والزوجة والمملوك ويجوز دفعها الى من عدا هؤلاء من الانساب ولو قربوا كالأخ والعم ولو كان من تجب نفقته عاملا جاز ان يأخذ من الزكاة وكذا الغازى والغارم والمكاتب وابن السبيل لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلية مما يحتاج اليه فى سفره كالحمولة
(1)
وجاء فى كتاب وسائل الشيعة ذكر الإمامية انه روى عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد الله عليه السلام قال «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا الأب والأم والولد والمملوك والمرأة وذلك انهم عياله لازمون له»
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب «شرح النيل» انه لا يعطى المزكى زكاة ماله الى أمه، وجوز لها ان كانت تحت زوج ولو كان أباه وكان زوجها غير غنى وفى (التاج) قيل يجوز ان يعطيها ولو لم تكن تحت زوج وقيل يجوز لها ان لم تكن ذات زوج وكانت لا تراد للتزوج وقيل له أن يعطيها وأباه ما لم يصيرا بحد من يحكم عليه بنفقتهما وقيل ما لم يحكم عليه بها
(3)
.
الأم وحرمة نكاحها
مذهب الحنفية:
جاء فى كتاب (الهداية) أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بأمه ولا بجداته من قبل الرجال والنساء لقول الله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ»
(4)
والجدات أمهات اذ الأم هى الأصل لغة وثبتت حرمتهن بالاجماع ولا يحل له أن يتزوج بابنته للآية السابقة ولا ببنت ولده وإن سفلت للإجماع ولا بأخته ولا ببنات أخته ولا ببنات أخيه ولا بعمته ولا بخالته ولا بأم امرأته التى دخل بها أو لم يدخل لقول الله سبحانه وتعالى «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ»
(5)
من غير قيد الدخول ولا ببنت امرأته التى دخل بها لثبوت قيد الدخول بالنص سواء كانت فى حجره أو فى حجر غيره ولا بامرأة أبيه وأجداده لقول الله سبحانه وتعالى «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ 6}.
ولا بامرأة ابنه وبنى أولاده لقول الله سبحانه وتعالى «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ»
(7)
وذكر الأصلاب لاسقاط اعتبار التبنى لا لاحلال حليلة الابن من الرضاعة ولا بأمه من الرضاعة ولا بأخته من الرضاعة لقول الله سبحانه وتعالى «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ 8» ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»
(9)
.
(1)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ح 1 ص 88.
(2)
وسائل الشيعة لمحمد بن الحسن العاملى المجلد الرابع ح 6 ص 165 الطبعة الثانية.
(3)
شرح كتاب النيل ح 2 ص 129.
(8،7،6،5،4)) الآية رقم 22، 23 من سورة النساء.
(9)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 2 ص 357 - 360.
وجاء فى كتاب «الفتاوى الهندية» ان المحرمات بالنسب هن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت فهن محرمات نكاحا ووطأ ودواعيه على التأبيد والأمهات أم الرجل وجداته من قبل أبيه وأمه وان علون
(1)
وجاء فيه أيضا ان المحرمات بالصهرية أربع فرق.
الأولى: أمهات الزوجات وجداتهن من قبل الأب أو الأم وان علون.
الثانية بنات الزوجة وبنات أولادها وان سفلن بشرط الدخول بالأم سواء كانت الابنة فى حجره أو لم تكن والخلوة تقوم مقام الوط ء فى حرمة البنات فى نوع ما يستحق به جميع المهر.
الثالثة حليلة الابن وابن الابن وابن البنت وان سفلوا دخل بها الابن أم لا.
الرابعة نساء الآباء والأجداد من جهة الأب أو الأم وان علوا فهؤلاء محرمات على التأبيد نكاحا ووطأ. وتثبت حرمة المصاهرة بالنكاح الصحيح دون الفاسد فلو تزوجها نكاحا فاسدا لا تحرم عليه أمها بمجرد العقد بل بالوط ء وتثبت الحرمة بالوط ء حلالا كان أو عن شبهة أو زنا فمن زنى بامرأة حرمت عليه أمها وان علت وابنتها وان سفلت وكذا تحرم المزنى بها على آباء الزانى وأجداده وان علوا وأبنائه وان سفلوا ولو وطئها فأفضاها لا تحرم عليه أمها لعدم تيقن كونه فى الفرج الا اذا حبلت وعلم كونه منه وكما تثبت هذه الحرمة بالوط ء تثبت بالمس والتقبيل والنظر الى الفرج بشهوة سواء كان بنكاح أو ملك أو فجور والربيبة وغيرها فى ذلك سواء والمباشرة عن شهوة بمنزلة القبلة وكذا المعانقة وكذا لو عضها بشهوة فاذا نظرت المرأة الى ذكر رجل أو لمسته بشهوة أو قبلته بشهوة تعلقت به حرمة المصاهرة ولا تثبت الحرمة بالنظر الى سائر الأعضاء الا بشهوة ولا بمس سائر الأعضاء الا عن شهوة بلا خلاف والمعتبر النظر الى الفرج الداخل قالوا لو نظر الى فرجها وهى قائمة لا تثبت حرمة المصاهرة وانما يقع النظر فى الداخل اذا كانت قاعدة متكئة ولو نظر الى فرج امرأة بشهوة وراء ستر رقيق أو زجاج يستبين فرجها تثبت حرمة المصاهرة ولو نظر فى مرآة ورأى فيها فرج امرأة فنظر عن شهوة لا تحرم عليه أمها وابنتها لانه لم ير فرجها وانما رأى عكس فرجها ولو كانت المرأة على شط حوض أو على قنطرة فنظر الرجل فى الماء فرأى فرجها فنظر عن شهوة لا تثبت الحرمة وهو الصحيح ولو كانت المرأة فى الماء فرأى الرجل فرجها ونظر عن شهوة تثبت الحرمة واذا نظر الرجل فرج ابنته بغير شهوة فتمنى ان يكون له جارية مثلها فوقعت منه شهوة على وقوع بصره قالوا ان كانت الشهوة وقعت على ابنته حرمت عليه امرأته وان كانت الشهوة وقعت على التى تمناها لا تحرم لان نظره فى هذه الصورة الى فرج ابنته لم يكن عن شهوة. ثم لا فرق فى ثبوت الحرمة بالمس بين كونه عامدا أو ناسيا أو مكرها أو مخطئا أو نائما فلو أيقظ زوجته
(1)
الفتاوى الهندية العالمكيرية ح 1 ص 273 الطبعة الثانية بالمطبعة الاميرية ببولاق مصر 1310 هـ بكتاب على هامشة فتاوى قاضى خان محمود الاوزجندى.
ليجامعها فوصلت يده الى ابنته منها فقرصها بشهوة وهى ممن يشتهى يظن انها أمها حرمت عليه الأم حرمة مؤبدة ولو مس شعرها بشهوة ان مس ما اتصل برأسها تثبت وان مس ما استرسل لا تثبت وأطلق الناطفى اطلاقا من غير هذا التفصيل ولو مس ظفرها بشهوة تثبت الحرمة ثم المس انما يوجب حرمة المصاهرة اذا لم يكن بينهما ثوب اما اذا كان بينهما ثوب فان كان ضعيفا لا يجد الماس حرارة الممسوس لا تثبت حرمة المصاهرة وان انتشرت آلته بذلك.
وان كان رقيقا بحيث تصل حرارة الممسوس الى يده تثبت وكذا لو مس أسفل الخف الا اذا كان منعلا لا يجد لين القدم واذا قبل الرجل المرأة وبينهما ثوب فان كان يجد برد الثنايا أو برد الشفة فهو تقبيل ولمس والدوام على المس ليس بشرط لثبوت الحرمة حتى قيل اذا مد يده بشهوة الى امرأة فوقعت على أنف ابنتها فازدادت شهوته حرمت عليه امرأته وان نزع يده من ساعته ويشترط أن تكون المرأة مشتهاه.
والفتوى على ان بنت تسع محل الشهوة لا ما دونها وقال الفقيه أبو الليث ما دون تسع سنين لا تكون مشتهاة وعليه الفتوى وحكى عن الشيخ الامام أبى بكر انه كان يقول: ينبغى للمفتى أن يفتى فى السبع والثمان انها لا تحرم الا ان بالغ السائل انها عبلة ضخمة جسيمة فحينئذ يفتى بالحرمة فلو جامع صغيرة لا تشتهى لا تثبت الحرمة ولو كبرت المرأة حتى خرجت عن حد المشتهاة يوجب الحرمة لانها دخلت تحت الحرمة فلم تخرج منها بالكبر وليست الصغيرة كذلك وكذا تشترط الشهوة فى الذكر حتى لو جامع ابن أربع سنين زوجة أبيه لا تثبت به حرمة المصاهرة ووط ء الصبى الذى يجامع مثله بمنزلة وط ء البالغ فى ذلك قالوا والصبى الذى يجامع مثله ان يجامع ويشتهى وتستحى النساء من مثله والشهوة تعتبر عند المس والنظر حتى لو وجدا بغير شهوة ثم اشتهى بعد الترك لا تتعلق به الحرمة وحد الشهوة فى الرجل ان تنتشر آلته أو تزداد انتشارا ان كانت منتشرة وهو الصحيح وبه يفتى فمن انتشرت آلته فطلب امرأته فأولج بين فخذى ابنتها لا تحرم عليه أمها ما لم تزدد انتشارا. هذا الحد اذا كان شابا قادرا على الجماع فان كان شيخا أو عنينا فحد الشهوة ان يتحرك قلبه بالاشتهاء ان لم يكن متحركا قبل ذلك ويزداد الاشتهاء ان كان متحركا وحد الشهوة فى النساء والمجبوب هو الاشتهاء بالقلب والتلذذ به ان لم يكن وان كان فازدياده ووجود الشهوة من احدهما يكفى وشرطه ان لا ينزل حتى لو أنزل عن المس أو النظر لم تثبت به حرمة المصاهرة ولو مس فأنزل لم تثبت به حرمة المصاهرة فى الصحيح لانه تبين بالانزال انه غير داع الى الوط ء ولو نظر الى دبر المرأة لا تثبت به حرمة المصاهرة وكذا لو وطئ فى دبرها لا تثبت به الحرمة وهو الأصح. واذا جامع ميتة لا تثبت به الحرمة ولو أقر بحرمة المصاهرة يؤاخذ به ويفرق بينهما وكذلك اذا أضاف ذلك الى ما قبل النكاح بأن قال لامرأته كنت جامعت أمك قبل نكاحك يؤاخذ به ويفرق بينهما ولكن لا يصدق فى حق المهر حتى أنه يجب المسمى دون العقر والاصرار على هذا
الاقرار ليس بشرط حتى لو رجع عن ذلك وقال كذبت فالقاضى لا يصدقه ولكن فيما بينه وبين الله تعالى ان كان كاذبا فيما أقر لا تحرم عليه امرأته وذكر محمد فى كتاب النكاح أنه اذا قال الرجل لامرأة هذه أمى من الرضاع ثم أراد أن يتزوجها بعد ذلك فقال أخطأت فى ذلك فله أن يتزوجها استحسانا ووجه الفرق انه همنا أخبر عن فعله وهو أنه جامع أم امرأته والخطأ فيما هو من فعله نادر فلا يصدق فيه واما فى الرضاع فهو لم يخبر عن فعل قام بنفسه فى زمان يتذكره وانما هو سمع من غيره والخطأ فيه ليس بنادر واذا قبلها ثم قال لم يكن عن شهوة أو لمسها أو نظر الى فرجها ثم قال لم يكن بشهوة فقد ذكر الصدر الشهيد فى التقبيل أنه يفتى بثبوت الحرمة ما لم يتبين انه قبل بغير شهوة وفى المس والنظر الى الفرج لا يفتى بالحرمة الا اذا تبين انه فعل بشهوة لان الأصل فى التقبيل الشهوة بخلاف المس والنظر هذا اذا كان المس على غير الفرج واما اذا كان على الفرج فلا يصدق أيضا.
وكان الشيخ الامام ظهير الدين الميرغينانى يفتى بالحرمة فى القبلة فى الفم والخد والرأس وان كان على مقنعة وكان يقول:
لا يصدق فى انه لم يكن بشهوة وفى البقالى ويصدق اذا أنكر الشهوة فى المس الا أن تقوم آلته منتشرة فيعانقها واذا أخذ ثديها وقال ما كان عن شهوة لا يصدق لأن الغالب خلافه وكذا لو ركب معها على دابة بخلاف ما اذا ركب على ظهرها وعبر بها الماء وتقبل الشهادة على الاقرار بالمس والتقبيل بشهوة وهل تقبل الشهادة على نفس اللمس والتقبيل بشهوة؟ المختار انه تقبل واليه ذهب فخر الاسلام على البزدوى وهكذا ذكر محمد فى نكاح الجامع لان الشهوة مما يوقف عليها فى الجملة اما بتحرك العضو من الذى يتحرك عضوه أو بآثار أخرى فمن لا يتحرك عضوه وهو المعول.
سئل القاضى على السعدى عن سكران باشر ابنته وقبلها وقصد ان يجامعها فقالت الابنة أنا ابنتك فتركها - هل تحرم أمها؟ قال:
نعم. وقيل لرجل: ما فعلت بأم امرأتك قال:
جامعتها. قال: تثبت حرمة المصاهره قيل ان كان السائل والمسئول هازلين؟
قال لا يتفاوت ولا يصدق انه كذب
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى كتاب «المقدمات الممهدات» ان قول الله عز وجل «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ»
(2)
ليس على عمومه وكذلك قول الله تعالى «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ»
(3)
وهن اللواتى لا أزواج لهن أبكارا كن أو ثيبا ليس على عمومه أيضا لان الله سبحانه وتعالى خص من ذلك من حرمه من النساء وذلك سبع عشرة امرأة هن: الأم والابنة والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت والأم والأخت من الرضاعة وأم الزوجة وبنت الزوجة وهى الربيبة وزوجة الابن وزوجة الأب والجمع بين الأختين
(1)
الفتاوى الهندية العالمكيرية ح 2 ص 215، 216 (نكاح المحرمات). ح 1 ص 274 - 276.
(2)
الآية رقم 3 من سورة النساء.
(3)
الآية رقم 32 من سورة النور.
والمحصنات وهن ذوات الأزواج والمجوسيات والاماء الكتابيات. سبع بالنسب واثنتان بالرضاع وست بالصهر واثنتان بالدين فقال تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ»
(1)
فهؤلاء المحرمات بالنسب وقال تعالى «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ»
(2)
فهاتان المحرمتان بالرضاعة وقال تعالى «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ»
(3)
وقال تعالى «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ»
(4)
وقال سبحانه «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ»
(5)
فهؤلاء المحرمات بالصهر وقال تعالى «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ»
(6)
وقال ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات»
(7)
فتمت السبع عشرة امرأة وما سواهن فنكاحهن حلال
(8)
.
وجاء فى «المدونة الكبرى» انه اذا تزوج الرجل المرأة وابنتها فى عقدة واحدة وسمى لكل واحدة منهما صداقها ولم يدخل بواحدة منهما يفسخ هذا النكاح ولا يقر على واحدة منهما فان قال أفارق واحدة وأمسك الأخرى فليس له ذلك لأنه لم يعقد نكاح كل واحدة منهما قبل صاحبتها فاذا فرقنا بينهما فله أن يتزوج الأم ولا بأس بأن يتزوج البنت وقال سحنون: وقد قيل لا يتزوج الأم للشبهة التى فى البنت وان تزوج امرأة وابنتها فى عقدة واحدة وللأم زوج ولم يعلم بذلك فعلم بذلك فلا يجوز نكاح البنت لان من قول الامام مالك: كل صفقة وقعت بحلال أو حرام فلا يجوز ذلك عنده فى البيوع وقال مالك وأشبه شئ بالبيوع النكاح
(9)
وقال عبد الرحمن بن القاسم ان تزوج رجل امرأة فلم يدخل بها ثم تزوج ابنتها بعد ذلك وهو لا يعلم فدخل بالبنت يحرم عليه البنت والأم جميعا. وقال مالك ولا يكون للأم صداق ويفرق بينهما ثم يخطب البنت ان أحب فاما الأم فقد حرمت عليه أبدا لأنها قد صارت من أمهات نسائه وان كان نكاح البنت حراما فانه يحمل على النكاح الصحيح لان النسب يثبت فيه والصداق يجب فيه والحدود تدفع فيه فلا بد للحرمة ان تقع كما تقع فى النكاح الصحيح وان تزوج بنتا وتزوج أمها بعدها فبنى بالأم ولم بين بالابنة يفرق بينهما وبينه ولا يحل له واحدة منهما أبدا لان الأم قد دخل بها فصارت الربيبة محرمة عليه أبدا واذ الأم من أمهات نسائه فلا تحل له أبدا ويرى ابن شهاب انه اذا تزوج امرأة فلم يدخل بها ثم تزوج أخرى فاذا هى ابنتها يفرق بينه وبين الابنة فانه
(1 و 2 و 3)) الآية رقم 23 من سورة النساء.
(4)
الآية رقم 24 من سورة النساء.
(5)
الآية رقم 22 من سورة النساء.
(6)
الآية رقم 221 من سورة البقرة.
(7)
الآية رقم 7 من سورة النساء.
(8)
ابن رشد المقدمات الممهدات هامش المدونة الكبرى ح 2 ص 4، 5 طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ بمصر.
(9)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 2 ص 200 طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ.
نكحها على أمها فان لم يكن مس ابنتها أقرت عنده الأم، فان كان مسها فرق بينه وبين الأم لجمعه بينهما وقد نهى الله عن ذلك ولها مهرها بما استحل منها وقال ربيعة يمسك الأولى فان دخل بابنتها فارقهما جميعا لان هاتين لا تصلح أحدهما مع الأخرى ومحمل الجدات وبنات البنات وبنات البنين هذا المحمل عند الامام مالك.
وان تزوج الأم فدخل بها ثم تزوج البنت ودخل بها يحرمان عليه جميعا وكذلك الجدات وبنات بناتها وبنات بنيها هن بهذه المنزلة بمنزلة الأم والابنة فى الحرمة.
وان تزوج الأم ودخل بها أو لم يدخل بها ثم تزوج البنت بعد ذلك ولم يدخل بالبنت يفرق بينه وبين البنت ويثبت على الأم لان نكاح الأم لا يفسد الا بوط ء الابنة بنكاح فاسد وكذلك ان كان انما تزوج البنت أولا فوطئها أو لم يطئها ثم تزوج الأم بعد ذلك لم يفسد نكاح البنت الا أن يطأ الأم
(1)
وجاء فى الموطأ قال مالك فى الرجل تكون تحته المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها: انها تحرم عليه امرأته ويفارقهما جميعا ويحرمان عليه أبدا اذا كان قد أصاب الأم فان لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته وفارق الأم وقال:
مالك فى الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها انه لا تحل له أمها أبدا ولا تحل لأبيه ولا لابنه ولا تحل له ابنتها وتحرم عليه امرأته
(2)
.
أما الحكم فيمن زنى بأم امرأته أو بابنتها فقد جاء فى كتاب المدونة الكبرى ان زنى بأم امرأته أو ابنتها يفارق امرأته ولا يقيم عليها.
وهذا خلاف ما قال لنا مالك فى موطئه وأصحابه على ما فى الموطأ ليس بينهم فيه اختلاف وهو الأمر عندهم
(3)
.
وما جاء فى الموطأ قال مالك: أما الزنا فانه لا يحرم شيئا من ذلك لان الله تبارك وتعالى قال «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» فانما حرم ما كان تزويجا. ولم يذكر تحريم الزنا فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته فهو بمنزلة التزويج الحلال فهذا الذى سمعت والذى عليه أمر الناس عندنا وجاء فى الموطأ أيضا قال مالك فى الرجل يزنى بالمرأة فيقام عليه الحد فيها انه ينكح ابنتها وينكحها ابنه ان شاء وذلك أنه أصابها حراما وانما الذى حرم الله ما أصيب بالحلال أو على وجه الشبهة بالنكاح قال الله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ»
(4)
قال مالك فلو ان رجلا نكح امرأة فى عدتها نكاحا حلالا فأصابها حرمت على ابنه ان يتزوجها وذلك ان أباه نكحها على وجه الحلال لا يقام عليه فيه الحد ويلحق به الولد الذى يولد فيه بأبيه وكما حرمت على ابنه ان يتزوجها حين تزوجها أبوه فى عدتها.
وأصابها فكذلك يحرم على الأب ابنتها اذا هو أصاب أمها.
(1)
المدونة الكبرى ح 2 ص 200، 201 نفس المطبعة.
(2)
الموطأ ص 330، 331 نفس الطبعة.
(3)
المدونة الكبرى ح 2 ص 202 نفس الطبعة.
(4)
الآية رقم 8 من سورة النساء.
ولو ان الحربى أو الذمى أسلم وقد تزوج الأم والبنت فى عقدة واحدة أو عقد متفرقة ولم بين بهما يرى ابن القاسم ان له ان يحبس ايتهما شاء ويفارق الأخرى وقال مالك الا أن يكون مسهما فان مسهما جميعا فارقهما جميعا وقال ابن القاسم وان مس الواحدة ولم يمس الأخرى لم يكن له ان يختار التى لم يمس وامرأته ههنا التى مس قال ابن القاسم وأخبرنى من أثق به ان ابن شهاب قال فى المجوسى يسلم وتحته الأم وابنتها انه ان لم يكن أصاب واحدة منهما اختار أيتهما شاء وان وطئ احداهما أقام على التى وطئ وفارق الأخرى وان مسهما جميعا فارقهما جميعا ولا يحلان له أبدا وهو رأى ابن القاسم
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب «الأم للامام الشافعى» قال الله تبارك وتعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً»
(2)
والأمهات أم الرجل الوالدة وأمهاتها وأمهات آبائه وان بعدت الجدات لانهن يلزمن اسم الأمهات.
قال الشافعى: وحرم الله تعالى الأخت من الرضاعة فاحتمل تحريمها معنيين.
أحدهما اذ ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرضاعة فأقامهما فى التحريم مقام الأم والأخت من النسب ان تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب فما حرم بالنسب حرم بالرضاعة مثله وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس على القرآن.
والآخر: ان يحرم من الرضاع الأم والأخت ولا يحرم سواهما والدليل على ان الرضاعة تقوم مقام النسب ما روته عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة «
(3)
ويقول الشافعى:
اذا تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها قبل أن يدخل بها لم أر له أن ينكح أمها لان الأم مبهمة التحريم فى كتاب الله عز وجل ليس فيها شرط انما الشرط فى الربائب
(4)
.
وجاء فى كتاب «الأنوار» لأعمال الأبرار أن المحرمات قسمان.
الأول: المحرمات على التأبيد وهن أنواع.
النوع الأول: المحرمات بالنسب وهن نساء القرابة غير ولد العمومة والخؤولة فيحرم
(1)
المدونة الكبرى ح 2 ص 218 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
(3)
الأم للشافعى ح 5 ص 20 نفس الطبعة.
(4)
الأم للشافعى ح 5 ص 21 نفس الطبعة.
على الرجل الأمهات وان علت والبنات وبنات الأولاد وان سفلت والأخوات من الجهات، وبنات الاخوة والأخوات وان سفلت والعمات والخالات ولا تحرم بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات ولو زنى بامرأة فولدت بنتا لم تحرم على الزانى ولا على أبيه وابنه وحرمت على ابنها وأبيها وان ولدت ابنا حرمت هى وأمها وبنتها عليه ولا تحرم عليه أم الزانى وابنته من غيرها.
النوع الثانى: المحرمات بالرضاع يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
النوع الثالث: المحرمات بالمصاهرة تحرم بالنكاح الصحيح لا الفاسد أمهات الزوجة من الرضاع والنسب وزوجة الابن وابن الابن كذلك زوجة الأب والجد كذلك ولا تحرم زوجة المتبنى وان دخل. ويحرم بالدخول بنات الزوجة من الرضاعة والنسب ولا يحرم بالنكاح المجرد ولا بالموت قبل الدخول ولا تحرم بنت زوج الأم ولا أمه ولا بنت زوج البنت ولا أمه ولا أم زوجة الأب ولا بنتها ولا أم زوجة الابن ولا بنتها ولا زوجة الربيب ولا زوجة الراب. والوط ء بملك اليمين يحرم الموطوءة على أولاد الواطئ وآبائه وأمهاته ويحرم بناتها على الواطئ.
الوط ء بشبهة النكاح الفاسد كالمتعة وغيرها وبالتسرى الفاسد ووط ء جارية الابن والمشتركة يثبت المصاهرة والنسب والعدة اذا اشتملت الشبهة الواطئ والموطوءة أو اختصت بالواطئ وهى عالمة أو مكنت مجنونا أو مراهقا ولو اختصت بالمرأة وكانت مكرهة فلا تثبت المصاهرة والنسب والعدة ولزم المهر.
ولا يثبت النسب بالزنا ولا بالقبلة والمضاجعة والمفاخدة بالشبهة أو بالملك حتى انه يجوز للزانى والمقبل نكاح أم الزانية والمقبلة وبنتها ولو وطئ زوجة الأب أو الابن أو ابنة الزوجة أو أمها بالشبهة انفسخ النكاح. والوط ء بالنكاح وملك اليمين كما يوجب الحرمة يوجب المحرمية حتى يجوز للواطئ الخلوة والمسافرة لأم الموطوءة وبنتها والنظر اليهما وكذا الابنة وأبيه بها والوط ء بالشبهة لا يوجب المحرمية فلا يجوز الخلوة والمسافرة بأمها وبنتها ولو اختلطت محرم بنسب أو رضاعة أو مصاهرة بأجنبيات محصورات لم يجز أن ينكح واحدة منهن بالاجتهاد وغيره وبغير محصورات كنسوة بلدة أو قرية كبيرة جاز ولو اختلطت زوجته لم يجز وط ء واحدة بالاجتهاد محصورات كن أو غير محصورات وجاز ان ينكح واحدة منهن.
قال الامام وغير المحصور ما عسر على الآحاد عده دون الولاة قال الغزالى كل عدد لو اجتمعوا فى صعيد عسر على الناظر عدهم بمجرد النظر كالألف غير محصور وان سهل كالعشرة والعشرين فمحصور، وبين الطرفين أوساط يلحق بأحدهما بالظن وما وقع فيه الشك يستفتى فيه القلب
(1)
.
وجاء فى كتاب «الأم» انه لا يحل وط ء الأم بعد البنت ولا البنت بعد الأم من ملك
(1)
الانوار لاعمال الابرار ليوسف الاردبيلى ح 2 ص 63 - 64 الطبعة الأولى بمطبعة الجمالية 1328 هـ.
اليمين
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب «كشاف القناع» ان المحرمات فى النكاح ضربان ضرب يحرم على الابن وهن أقسام.
الأول: بالنسب وهن سبع الأم والجدة من كل جهة سواء كانت من جهة الأب أو الأم وان علت والبنت من حلال زوجة أو سرية أو من حرام كزنا أو من شبهة أو منفية بلعان.
ويكفى فى التحريم ان يعلم أنها بنته ظاهراً وإن كان النسب لغيره وبنات الأولاد ذكورا كان الأولاد أو اناثا وان سفلن والأخت من كل جهة وبنات كل أخ وبنات كل أخت وبنات ابنها وان سفلن وبنات ابنهما كذلك والعمات من كل جهة وان علون والخالات من كل جهة وان علون وتحرم عمة أبيه وعمة جده وان علا لانها عمته وتحرم عمة أمه وعمة جدته وان علت وتحرم عمة العم لأب لانها عمة أبيه وتحرم خالة العمة لأم لانها خالة الأب وتحرم عمة الخالة لأب لانها عمة الأم.
ويحرم بالمصاهرة أربعة على التأبيد ثلاث فكل امرأة حرمت بالنسب حرم مثلها بالرضاع.
ويحرم بالمصاهرة أربعة على التأبيد ثلاث بمجرد العقد وهن أمهات نسائه وان علون من النسب ومثلهن من رضاع فيحرمن بمجرد العقد وحلائل آبائه وهن كل من تزوجها أبوه أو جده لأبيه أو لأمه من نسب أو برضاع وان علا فارقها أو مات عنها وحلائل أبنائه وهن كل من تزوجها أحد من بنيه أو من بنى أولاده وان نزلوا من أولاد البنين والبنات من نسب أو رضاع وتباح بناتها أى بنات حلائل الآباء والأبناء وأمهاتهن والرابعة الربائب ولو كن فى غير حجره
(2)
وجاء فى كتاب (عمدة الفقه) انه لو أسلم كافر وتحته أختان اختار واحدة منهما وان كانتا أما وبنتا ولم يدخل بالأم فسد نكاحها وحدها وان كان قد دخل فسد نكاحهما وحرمتا على التأبيد
(3)
.
مذهب الظاهرية:
وجاء فى «كتاب المحلى» لابن حزم
(4)
أنه لا يحل نكاح الأم ولا الجدة من قبل الأب أو من قبل الأم وان بعدتا ولا البنت ولا بنت من قبل البنت أو من قبل الابن وان سفلتا ولا نكاح الأخت كيف كانت ولا نكاح بنت أخ أو بنت أخت وان سفلتا ولا نكاح العمة والخالة وان بعدتا ولا نكاح أم الزوجة ولا جدتها وان بعدت ولا أم الأمة التى حل له وطؤها ولا نكاح جدتها وان بعدت لقول الله عز وجل «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ}
(1)
الأم للشافعى ح 4 ص 178 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع لمنصور ابن ادريس الحنبلى ح 3 ص 40، 41 الطبعة الأولى بمطبعة العامرة الشرقية 1319 هـ.
(3)
عمدة الفقه للامام موفق الدين بن قدامه ص 102 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1352 هـ
(4)
المحلى لابن محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم الاندلسى ح 9 ص 520 مسألة رقم 1855.
{وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ»
(1)
.
قال على: والجدة كيف كانت أم أب أو أم جد أو أم جد جد أو أم أم جد أو جدة أم أو أم أم كل هؤلاء أم. لقول الله عز وجل «كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ»
(2)
.
وجاء فى «المحلى» أيضا ان كل ما حرم من الانساب التى ذكرت فانه يحرم من الرضاعة كالمرأة التى ترضع الرجل فهى أمه، وأمها جدته وجداتها من قبل أبيها وأمها كلهن أم له. وكل من أرضعته فهن أخواته وأخوته ومن تناسل منهم فهن بنات أخوته وبنات اخواته وعمات التى أرضعته وخالاتها خالاته وعمات أبيه من الرضاعة عماته وهكذا فى كل شئ وذلك لما روته عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: ما حرمته الولادة حرمه الرضاع»
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «شرح الازهار» انه يحرم على المرء نكاح أصوله وهن الأمهات والجدات من قبل الأم والأب وأبويهما ما علوا وفصوله وهن البنات وبناتهن وبنات بنيهن وبنات البنين وبنات بنيهم وبنات بناتهم ما سفلوا فلو كان ولد الزنا ذكرا حرمت عليه أمه وجداته من قبل أمه ونساء أجداده من قبلها بلا خلاف وان كان أنثى لم يحرم عليها أبوها ولا أجدادها من قبله وقيل بل يحرم ويكون حكم الفصول من الزنا حكم الفصول من النسب فى تحريم النكاح نسبا وصهرا ورضاعا وهذا فى تحريم النكاح فقط لا فيما يتفرع عليه من جواز النظر والخلوة والسفر ونحو ذلك
(4)
كما يحرم على الرجل نساء أصوله وفصوله ما علوا وما سفلوا سواء الزوجات أو المملوكات وسواء قد كان وطئ الأصل أو الفصل الزوجة أو عقد بها فقط وأما المملوكة فلا بد أن يكون قد نظر أو لمس لشهوة أو نحو ذلك كالتقبيل ويحرم عليه فصول أقرب أصوله لا نساؤهم وأقرب أصوله هم الأب والأم فيحرم عليه فصولهما وهم اخوته لأبيه وأمه أو لأحدهما وبناتهم وبنات بنيهم وبناتهن ما سفلوا وأول فصل من كل أصل قبله أى كل أصل قبل أقرب أصوله لا يحرم لفصوله الا أول بطن دون ما بعده فتحرم العمة والخالة لأنهما أول بطن من الأصل الذى قبل الأب والأم.
ويحل فصولهما وقوله من كل أصل يدخل فى ذلك عمة الأب وخالته وعمة الأم وخالتها وكذلك عمة الجد وخالته وعمة الجدة وخالتها ما علا ويحرم عليه أيضا أصول من عقد بها عقد نكاح صحيح أو فاسد ولو لم يدخل بها واما هى فيحرم عليها أصوله وفصوله لمجرد نفس العقد وما حرم من ذلك على الرجل حرم كذلك على المرأة لكن لا يعتبر فيها الدخول
(1)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
(2)
الآية رقم 27 من سورة الأعراف.
(3)
المحلى ح 9 ص 521 مسألة رقم 1856 نفس الطبعة.
(4)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ح 2 ص 205 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بالقاهرة.
لأجل تحريم أولاد زوجها ولو حصل الأصل للزوجة بعد طلاقها أيضا نحو ان يعقد بها ثم يطلقها ثم أرضعتها فى الحولين امرأة فتحرم المرأة المرضعة على زوج الطفلة لانها قد صارت أمها من الرضاع وكذا لو وجد للطفل أب من الرضاع بعد انفساخ زوجته لأنه لا يتهيأ طلاق بخلاف الفسخ وصورة ذلك أن يرضع زوجة الطفل أخته أو من يحرم عليه نكاحها فينفسخ النكاح ثم يرضع الصبى زوجة رجل آخر وهو فى الحولين فانها تحرم زوجة الطفل على أبيه التى أرضعته زوجته ولا يحرم على الرجل فصول من عقد بها بمجرد العقد.
ولا يحرم أصول المملوكة ولا فصولها بمجرد ملكها ولو اشتراها للتسرى لان الملك لا يقتضى التحريم وحده فصار فصول الزوجة وفصول السرية وأصولها لا يحرمن الا بعد وط ء أو لمس لشهوة ولو لمس الزوجة والمملوكة بحائل بينه وبين جسمها فان ذلك يقوم مقام الوط ء فاقتضاء التحريم اذا قارنته الشهوة أو حصول نظر الى الزوجة أو الأمة لشهوة فانه يقتضى التحريم بشرط انفصال شعاع مباشر لشئ من جسمها وشعرها لا لو نظر اليها وثم حائل بخلاف اللمس وانما فرقوا بينهما فان اللمس استمتاع وهو يحصل مع الحائل بخلاف النظر فلا يحصل به استمتاع مع الحائل وقال صاحب الازهار وفى حكم النظر اللمس الذى لا غمز مع الحائل معه ولو قارنته شهوة ولا اعتماد. وكذلك الخلوة بالزوجة لا توجب التحريم
(1)
وعن الناصر أن النظر لا يقتضى التحريم مطلقا. ولو نظر اليها من خلف صقيل نحو أن تكون منغمسة فى الماء الصافى فينظر اليها أو نظر اليها من خلف زجاج ليس بغليظ مانع فان ذلك يقتضى التحريم اذا قارنته الشهوة لا اذا نظر اليها فى مرآة نحو ان تكون المرآة فى يده مقابلة لوجهه والمرأة من خلفه فينظر الى وجهها فى المرآة فان ذلك لا يقتضى التحريم ولو لشهوة
(2)
والرضاع فى تحريم النكاح كالنسب أى يحرم به ما يحرم بالنسب فيحرم على الرضيع أصول أمه من الرضاع وأصول أبيه وأول فصل من كل أصل قبلهما ونساؤهم أى نساء أصول أبيه ونساء أصول أمه واما نساء أول فصل فلا يحرمن ويحرم على الأب والأم فصول ولدهما من الرضاع ما تناسلوا ونساؤهم.
ويحرم على الابن فصول أبويه نسبا لهما ورضاعا وهم أخوته من الرضاعة ما تناسلوا غالبا ويحترز من ست فانها تحرم لأجل النسب ولا تحرم لأجل الرضاع وهى أخت الابن من الرضاع فانها تحل لأبيه ولا تحل له أخت ابنه من النسب لانها تكون بنته أو ربيبته والثانية عمة الابن من الرضاع فانها تحل لأبيه والعكس لا تحل عمة الابن من النسب لانها أخت الأب والثالثة جدة الابن من الرضاع أم أمه وأم أبيه من النسب فانها تحل لأبيه من الرضاع ولا تحل جدة الابن من النسب لأنها أم الأب أو أم زوجته والرابعة أم الأخ من الرضاع التى ولدته فانها تحل لأخيه لأمه من
(1)
نفس المرجع ح 2 ص 205، 206 نفس الطبعة.
(2)
المرجع نفسه ح 2 ص 207 نفس الطبعة.
الرضاع ولا تحل أم الأخ من النسب لانها أم أو امرأة أب. والخامسة:
عمة الأخ من الرضاع فانها تحل لأخيه من الرضاع. والسادسة: خالة الأخ من الرضاع فانها تحل لأخيه من الرضاع
(1)
.
مذهب الأمامية:
جاء فى كتاب «المختصر النافع» ان من أسباب تحريم النكاح النسب والرضاع أما النسب فيحرم به سبع هن الأم وان علت والبنت وان سفلت والأخت وبناتها وان سفلن والعمة وان ارتفعت وكذا الخالة وبنات الأخ وان هبطن وأما الرضاع فيحرم به ما يحرم من النسب
(2)
وجاء فى كتاب «الخلاف» انه اذا تزوج رجل بامرأة حرمت عليه أمها وجميع أمهاتها وان لم يدخل بها والدليل قول الله تعالى: «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ»
(3)
فأبهم ولم يشترط الدخول وقال ابن عباس فى هذه الآية أبهموا ما أبهم الله سبحانه وتعالى واذا دخل بالأم حرمت عليه البنت على التأبيد سواء كان فى حجره أو لم تكن
(4)
واختلفت الروايات فى الرجل اذا زنى بامرأة هل يتعلق بهذا الوط ء تحريم نكاح أم لا؟ فروى انه لا يتعلق به تحريم نكاح ويجوز له ان يتزوج أمهاتها وبناتها وهو المروى عن أمير المؤمنين على والدليل: الأخبار التى رويت فى الكتاب الكبير وقول الله سبحانه وتعالى «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ»
(5)
وأيضا قوله «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ»
(6)
وأيضا الأصل الاباحة وقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لا يحرم الحرام الحلال)
(7)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب (شرح كتاب النيل وشفاء العايل) أنه حرم على الرجل نكاح أمه وما ولدت وان سفل مثل بنت ابن بنتها وما ولدها مطلقا من طريق الأمومة أو الأبوة وان علا مثل أم أب أم أمها.
(8)
والرضاع كالنسب فمرضعة طفل كأمه وما فوقها كجدة وجدته وما ولدت كأخيه وأخته وما ولد وما ولدت كولد أخيه وولد أخته وحرمت المرأة على الرجل قائلة له أرضعتك لانها حينئذ كأمه.
أو قالت له أرضعت أباك أو أمك أو ما فوقهما لانها حينئذ كجدته وحرم عليه كذلك ما ولدت لأنه كأخته وان سفل، لأنه كبنت أخته وكذلك ما ولدها لأنه كجدته مثل أمها وأم أبيها فصاعدا الا ما يصير به بمنزلة بنات عمه وعمته
(1)
شرح الازهار ح 2 ص 208 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(2)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى ص 198 الطبعة الثانية.
(3)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
(4)
كتاب الخلاف فى الفقه للطوسى ح 2 ص 163، 164 الطبعة الثانية مسألة رقم 76.
(5)
الآية رقم 3 من سورة النساء.
(6)
كتاب الخلاف للطوسى ح 2 ص 164، 165 مسألة رقم 79.
(7)
المصدر السابق ح 2 ص 165 مسألة رقم 80 فى النكاح.
(8)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ح 3 ص 12، 13.
وبنات خاله وخالته ان أرضعت من أجداده أو جداته ان أمكن رضاع مثلها لمثلها أو قالت له أرضعت امرأتك أو أمها أو أباها أو جد أو جدة لها ان أمكن ارضاع مثلها لمثلهم فيحرم نكاحها وما ولدها وان علا وما أرضعها وان علا لا ما ولدت من بنات ولا يجمعه من مع امرأته التى نسبت اليها رضاعها. وحلت له ان قالت أرضعت ابنك أو بنتك أو أولادهما وما ولدها وما ولدته وحرمت على الرجل أم امرأته وان لم يمس امرأته وما ولدها من جهة الابوة ومن جهة الامومة وان علا ولا ما ولدت ولا ما ولد ما ولدت فسافلا ولا يجمع ما ولدت ولا ما ولد ما ولدت مع التى عنده وتحرم البنت وما ولدت وان سفل اذا مس الأم أو الجدة من أى جهة سواء ربيت فى حجره أم لا. ولا تحرم بمجرد العقد على الأم فلو عقد على الأم وافترقا قبل الدخول لم تحرم عليه بنتها وفيه خلاف بين الإباضية فيقول صاحب شرح كتاب النيل (خلافا فالبعض قومنا) وتحرم الأم بالعقد على البنت وبنت الابن وبنت البنت وان سفلت وان عقد على البنت بلا أمرها وأنكرت حلت أمها وان عقد عليها أبوها وهى بكر بلا أمرها حرمت أمها ولو لم ترض وقيل تحل ان لم ترض
(1)
.
ومن تزوج صبية ولم يدخل بها وأنكرته بعد البلوغ فله نكاح أمها عند من لا يثبت نكاح الصبية حتى تبلغ لا عند ما يثبته ولو لم يدخل بها.
روى الترمذى عن عبد الله بن عمر ابن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم «ايما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها فان لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها» والخلوة مس فان أقرت الأم بعدم المس مع امكان الخلوة صدقت فى ان لها نصف الصداق وحرمت البنت وتعتد الأم ولو أقر الزوج بعدم المس فان طلقت أم أو فوديت أو خولعت أو ظوهر منها وماتت أو حرمت قبل أن تمس وقبل امكان الخلوة حلت بنتها.
وهل تحل البنت ان ماتت أمها قبل المس أو الخلوة أولا بناء على ان الموت بمنزلة الدخول؟ فيه قولان والصحيح الأول لأن الصحيح أن الموت بمنزلة الطلاق والقولان فى المذهب ونسب بعضهم الثانى لبعض المخالفين.
ومن تزوج امرأة فى عدتها ولم يدخل بها حلت أمها وبنتها وان مسها فى غير الفرج ثم تبين انها فى العدة فتركها وتزوج أمها لم يفرق بينهما وقيل يفرق بينهما
(2)
.
الأم والولاية على عقد النكاح
مذهب الحنفية:
جاء فى مختصر (القدورى) انه يجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولى
(1)
نفس المرجع ح 3 ص 12 وما بعدها الى ص 17 نفس الطبعة.
(2)
المرجع نفسه ح 3 ص 17 نفس الطبعة.
بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا والولى هو العصبة فان زوجهما غير الأب والجد فلكل واحد منهما الخيار اذا بلغا ان شاء أقام على النكاح وان شاء فسخ ولا ولاية لعبد ولا لصغير ولا لمجنون ولا لكافر على مسلمة وقال أبو حنيفة رحمه الله انه يجوز لغير العصبات من الأقارب التزويج مثل الأخت والأم والخالة ومن لا ولى لها اذا زوجها مولاها الذى أعتقها جاز. واذا غاب الولى الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه ان يزوجها والغيبة المتقطعة أن يكون فى بلد لا تصل اليه القوافل فى السنة الا مرة واحدة.
(1)
وإذا اجتمع فى المجنونة أبوها وابنها فالولى فى نكاحها ابنها عند أبى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد أبوها
(2)
.
وجاء فى «الفتاوى الهندية» أن الأفضل أن يأمر الأب الابن بالنكاح حتى يجوز بلا خلاف
(3)
وعند عدم العصبة كل قريب يرث الصغير والصغيرة من ذوى الأرحام يملك تزويجهما فى ظاهر الرواية عن أبى حنيفة وقال محمد: لا ولاية لذوى الأرحام وقول أبى يوسف مضطرب والأقرب عند أبى حنيفة للأم ثم البنت ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت البنت ثم الأخت لأب وأم ثم الأخت لأب ثم الأخ والأخت لأم ثم أولادهم واذا بلغ الابن معتوها أو مجنونا تبقى ولاية الأب عليه فى ماله ونفسه
(4)
.
مذهب المالكية:
جاء فى كتاب «بداية المجتهد» أن مالكا ذهب الى أنه لا يكون نكاح الا بولى وان الولاية شرط فى صحة النكاح فى رواية أشهب عنه.
ويتخرج على رواية ابن القاسم عن مالك ان اشتراط الولاية سنة لا فرض وذلك انه روى أنه كان يرى الميراث بين الزوجين بغير ولى وانه يجوز للمرأة غير الشريفة أن تستخلف رجلا من الناس على انكاحها وكان يستحب أن تقدم الثيب وليها ليعقد عليها فكأنه عنده شرط من شروط التمام لا من شروط الصحة بخلاف عبارة البغداديين من أصحاب مالك فانهم يقولون انها من شروط الصحة لا من شروط التمام
(5)
.
ومن شروط الولاية: الاسلام والبلوغ الذكورية وسوالبها اضداد هذه أى الكفر والصغر والانوثة
(6)
وجاء فى «المدونة الكبرى» ان الابن أولى بانكاح الأم والصلاة عليها وابن ابنها أولى بانكاحهما والصلاة عليها واذا كان أولياؤها حضورا كلهم وبعضهم أقعد من بعض، منهم العم والأخ والجد وولد الولد والولد نفسه فزوجها العم فأنكر ولدها وسائر
(1)
مختصر القدورى ص 79 نفس الطبعة.
(2)
نفس المصدر السابق ص 81 نفس الطبعة.
(3)
الفتاوى العالمكيرية ح 1 ص 283 الطبعة الثانية بالمطبعة الاميرية ببولاق سنة 1310 هـ.
(4)
الفتاوى الهندية ح 1 ص 284 نفس الطبعة.
(5)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبى الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبى الأندلسى الشهير بابن رشد الحفيد ح 2 ص 7 مطبعة أحمد كامل بدار الخلافة سنة 1333 هـ.
(6)
المصدر نفسه ح 2 ص 10 نفس الطبعة
الأولياء تزويجها وقد رضيت المرأة فذلك جائز على الأولياء
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى (الوجيز) ان أسباب الولاية أربعة:
الأول: الأبوة وفى معناها الجدودة وتفيد ولاية الاجبار على البكر وان كانت بالغا لا على الثيب وان كانت صغيرة سواء ثابت بالزنا أو بوط ء حلال ولا أثر لزوال البكارة بالسقطة ولو التمست البكر البالغة التزويج وجبت الاجابة وان كانت مجبرة فان عضل زوج السلطان والكفء الذى عينته أولى ممن عينه الولى على وجه.
الثانى: للولاية هو العصوبة كالاخوة والعمومة ولا يفيد الا تزويج البالغة العاقلة برضاها الصريح ان كانت ثيبا. وبسكوتها ان كانت بكرا على رأى.
الثالث: المعتق وهو كالعصابات.
الرابع: السلطان وانما يزوج البالغة عند عدم الولى أو عضله أو غيبته أو أراد الولى أن يتزوج بنفسه كابن عم أو معتق أو قاض وليس للسلطان تزويج الصغيرة ولا للوصى ولاية وان فوض اليه أما ترتيب الأولياء فالأصل القرابة ثم الولاء ثم السلطة ومن الأقارب الأب ثم الجد ثم الأخ ثم ابنه ثم العم ثم ابنه على ترتيبهم فى عصوبة الميراث. والابن لا يزوج أمه بالبنوة ولا تمنعه البنوة عن التزويج بالولاء وغيره واذا أعتقت المرأة فلها الولاء وتزويج العتاقة الى ولى السيدة ولا يفتقر الى رضا السيدة على الأشهر ويزوجها أبو السيدة فى حياتها وابنها بعد وفاته
(2)
.
وقال الامام الشافعى فى «كتاب الأم» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ايما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها (باطل) فبين فيه ان الولى رجل لا امرأة فلا تكون المرأة وليا أبدا لغيرها. واذا لم تكن وليا لنفسها كانت أبعد من أن تكون وليا لغيرها ولا تعقد عقدة النكاح
(3)
.
وجاء فى «الأنوار» لأعمال الأبرار أن من شروط الولاية فى النكاح ان يكون الولى ذكرا يقينا فلا ولاية للخنثى بل لوليه باذنه ولا للمرأة على نفسها ولا غيرها لا بالملك ولا بغيره بكرا كانت أو ثيبا شريفة أو دنيئة أو زوجت نفسها أو غيرها باذن الولى أو دونه أو زوجها غير الولى باذنها دون اذن الولى بطل النكاح ولا يجب الحد
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كشاف القناع» ان أحق الناس بالولاية على نكاح المرأة الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا وأولى الأجداد أقربهم كالميراث ثم ابنها ثم ابنه وان سفل ثم أخوها لأبويها ثم
(1)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 2 ص 143 الطبعة السابقة.
(2)
الوجيز لمحمد بن محمد ابن حامد الغزالى ح 2 ص 524 مطبعة حوش آدم بالغورية 1318 هـ.
(3)
الأم. الامام الشافعى ح 5 ص 16 طبع دار الشعب نفس الطبعة.
(4)
الأنوار لأعمال الأبرار للاردبيلى ح 2 ص 47 نفس الطبعة.
أخوها لأبيها ثم بنوهما كذلك وان نزلوا كالارث ثم العم لأبوين ثم العم الأب ثم بنوهما كذلك وان نزلوا الأقرب فالأقرب ثم أقرب العصابات على ترتيب الميراث
(1)
ومن شروط الولى الذكورية لان المرأة لا تثبت لها ولاية على نفسها فعلى غيرها أولى
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى (المحلى)
(3)
أنه لا تكون المرأة وليا فى النكاح فان ارادت انكاح امتها أو عبدها أمرت أقرب الرجال اليها من عصبتها ان يأذن لها فى النكاح، فان لم يكن لها عاصب فالسلطان يأذن لها فى النكاح برهان ذلك قول الله عز وجل «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ»
(4)
فصح يقينا أن المأمورين بانكاح العبيد والاماء هم المأمورين بانكاح الايامى لان الخطاب واحد ونص الآية يوجب أن المأمورين بذلك الرجال فى انكاح الايامى والعبيد والاماء فصح بهذا أن المرأة لا تكون وليا فى انكاح احد اصلا لكن لا بد من اذنها فى ذلك والا فلا يجوز لقول الله تعالى «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ، فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «شرح الازهار» أن ولى عقد النكاح الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبته النسب لأنه لا ولاية للأبعد مع وجود الأقرب. كالاخ مع الابن واقرب العصبة هو الابن ثم ابنه ما نزل ثم الأباء وأقربهم الأب ثم أبوه ثم كذلك ما علوا ثم الأخوة لأبوين ثم للأب ثم ابن الاخ لأبوين ثم لأب ثم الاعمام كذلك ثم بنوهم كذلك ثم أعمام الأب كذلك ثم بنوهم كذلك فلا ولاية للصبى ولا للمجنون ولا ولاية للعبد فى النكاح ثم اذا لم يكن للمرأة عصبة من النسب فولى نكاحها عصبة السبب وهو معتقها ان كانت عتيقة ثم عصبته مرتبا على ذلك التدريج فى النسب سواء سواء ثم سببه وهو معتق المعتق ثم عصبته كذلك ثم اذا لم يكن للمرأة ولى من جهة النسب ولا من جهة السبب فولى نكاحها الوصى بالنكاح فاذا كان ولى نكاحها قد أوصى شخصا أن يزوجها فان هذا الوصى أولى من الامام والحاكم بشرطين.
احدهما أن يكون الميت قد أمر الوصى أن يعقد لشخص معين.
والثانى أن تكون هذه الوصية فى حق الصغير
(6)
.
ومن شروط الولى أن يكون مرشدا أى بالغا عاقلا ولو كان فاسقا. وأحد قولى الناصر أنه يعتبر فيه العدالة وأن يكون ذكرا لأنه لا ولاية لامرأة ولا لخنثى وأن يكون حلالا فلا يكون الولى محرما بحج أو عمرة مطلقا
(7)
.
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 3 ص 28 نفس الطبعة.
(2)
نفس المصدر ح 3 ص 30 نفس الطبعة.
(3)
المحلى لابن حزم ح 9 ص 469 مسألة رقم 1833.
(4)
الآية رقم 32 من سورة النور.
(5)
الآية رقم 25 من سورة النساء.
(6)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ح 2 ص 222 - 224.
(7)
نفس المصدر ح 2 ص 228، 229.
مذهب الإمامية:
جاء فى «المختصر النافع» أنه لا ولاية فى النكاح لغير الأب والجد للأب وان علا والوصى والولى والحاكم
(1)
ولا ولاية للأم فلو زوجت الولد فأجاز صح ولو انكر بطل وقيل يلزمها المهر ويمكن حمله على دعوى الوكالة عنه
(2)
.
وجاء فى كتاب «الخلاف» أن الأم لا تلى على أولادها بنفسها الا بوصية من أبيهم لأنه لا دليل على ذلك من الشرع فوجب نفيه لأن طريق ذلك الشرع
(3)
.
وجاء فى «الخلاف» أيضا أنه اذا بلغت الحرة الأب عنها والجد الا اذا كانت بكرا فان الظاهر من روايات الإمامية أنه لا يجوز لها ذلك وفيهم من قال البكر أيضا تزول ولايتهما عنها فأما غير الأب والجد فلا ولاية لأحد عليها سواء كانت بكرا أو ثيبا والأمر اليها تتزوج كيف شاءت بنفسها أو توكل فى ذلك بلا خلاف عندهم غير أن الأفضل لها أن ترد أمرها الى أخيها أو الى ابن أخيها أو عمها أو ابن عمها وليس ذلك شرطا فى صحة العقد
(4)
والابن لا يزوج أمه بالبنوة فان وكلته جاز
(5)
.
جاء فى «الروضة البهية» أنه لا ولاية للأم على الولد مطلقا فلو زوجته أو زوجتها اعتبر رضاهما بعد الكمال كالفضولى فلو ادعت الوكالة عن الابن الكامل وانكر بطل العقد وغرمت للزوجة نصف المهر لتفويتها عليها البضع وغرورها بدعوى الوكالة مع أن الفرقة قبل الدخول وقيل يلزمها المهر لما ذكر وأنما يتنصف بالطلاق ولم يقع ولرواية محمد بن مسلم عن الباقر ويشكل أن البضع انما يضمن بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقا والعقد لم يثبت فلم يثبت موجبه والأقوى انه لا شئ على الوكيل مطلقا الا مع الضمان فيلزمه ما ضمن ويمكن حمل الرواية لو سلم سندها على الضمان وعلى هذا يتعدى الحكم على غير الأم وبالغ القائل بلزوم المهر فحكم به على الأم وان لم تدع الوكالة استنادا الى ظاهر الرواية وهو بعيد. وقريب منه حملها على دعواها الوكالة فان مجرد ذلك لا يصلح لثبوت المهر فى ذمة الوكيل
(6)
.
مذهب الاباضة:
جاء فى كتاب «شرح النيل» أن أولى الأولياء بالنكاح الأب فالجد للأب الأقرب فالاقرب فالأخ فابنه الأقرب فالأقرب فالعم الشقيق فالأبوى فابنه الأقرب فالأقرب فابن العم للأب الأقرب فالأقرب والأخ الأبوى أولى من ابن الأخ الشقيق والأكثر على أن الأخ الشقيق أو للأب وابن الأخ الشقيق أو للأب أولى بالنكاح وبالقتل لمن قتلها
(1)
المختصر النافع ص 196.
(2)
المصدر السابق ص 198.
(3)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ح 2 ص 102 المسألة رقم (41) فى الوصايا الطبعة السابقة.
(4)
المصدر السابق ح 2 ص 140 المسألة رقم (6) فى النكاح.
(5)
نفس المصدر ح 2 ص 148 المسألة رقم (25) فى النكاح
(6)
الروضة البهية فى شرح اللعمة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ح 2 ص 80 طبعة دار الكاتب العربى بمصر.
من الولد فاذا كان الولد على هذا القول أولى من الأخ فأولى أن يكون أولى من العم وابنه ومن ابن الأخ فى مذهب غير الأكثر لأن الأخ أولى من العم فتحصل اجماعا أن الولد أولى من ابن الأخ ومن العم وابنه وأراد بالولد الابن والدية له أى للولد ولو أنثى ولو تسفل وذلك اذا لم يجز القتل أو عدل عنه وقيل الولد قرب أو بعد أولى بالنكاح والقتل من الأخ وأولى به اتفاقا مما بعد من الأخ وأولى منه الأب والجد ولو علا والأخ الشقيق أولى من الأبوى فقط وابن الأخ الشقيق أولى من ابن الأخ الأبوى ولا حكم فى النكاح لكلالى
(1)
.
الأم والولاية في مال الصغير
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» أنه ليس للأم ولاية التصرف على مال الصغير لأن الأم وان كانت لها وفور الشفقة لكن ليس لها كمال الرأى لقصور عقل النساء عادة فلا تثبت لهن ولاية التصرف فى المال ولا لوصيهن لأن الوصى خلف الموصى فهو قائم مقامه فلا يثبت له الا قدر ما كان للموصى وهو قضاء الدين والحفظ لكن عند عدم الأولياء، ولوصى الأم والأخ أن يبيع المنقول والعقار لقضاء دين ميت والباقى ميراث للصغير
(2)
.
وجاء فى «الهداية» أنه ان كان اليتيم فى حجر أمه فقبض الأم الهبة له جائز لأن لها الولاية فيما يرجع الى حفظه وحفظ ماله وهذا من بابه لأنه لا يبقى الا بالمال فلا بد من ولاية التحصيل
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه» أن الولى على المحجور من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد بلوغه الأب الرشيد لا الجد ولا الأخ ولا العم إلا بايصاء من الأب، وله البيع بايصاء من الأب وله البيع لمال ولده المحجور عليه مطلقا ريعا أو غيره وان لم يذكر سبب البيع، بل وان لم يكن له سبب من الأسباب الآتية لحمله على السداد عند كثير من أهل العلم كابن سلمون والمتيطى رحمهما الله تعالى، ثم يلى الأب وصيه فوصى الوصى وإن بعد، ثم اختلف فى وصى الأب فقيل هو كالأب له أن يبيع مطلقا، ثم يلى الوصى الحاكم أو من يقيمه لا حاض أى كافل لليتيم ذكرا كان أو أنثى قريبا أو بعيدا كجد وأم وعم فليس يولى على اليتيم، فلا يبيع متاعه ما لم يكن وصيا بالنص، واستحسن أن يكون العرف كالنص، فاذا جرى العرف بأن الكافل يقوم بتولية أمر اليتيم والنظر فى شأنه كان تصرفه صحيحا فى القليل والكثير اذا كان التصرف لحاجة، وان لم يجر العرف بذلك فالمشهور أنه لا يمضى تصرفه لا فى القليل ولا فى الكثير،
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ح 3 ص 63، 64 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح 5 ص 155 مطبعة الجمالية بمصر.
(3)
الهداية شرح بداية المبتدى لبرهان الدين على بن أبى بكر الميرغينانى الطبعه الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر سنه 1316 هـ ح 7 ص 126.
والذى جرى به العمل مضى التصرف فى القليل دون الكثير، ولا بد للرفع للحاكم فى الكثير، وفى حد اليسير بعشرة دنانير أو عشرين أو ثلاثة تردد والظاهر الرجوع للعرف وهو يختلف باختلاف الأشخاص والمكان والزمان
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «مغنى المحتاج» أن ولى الصغير أبوه بالاجماع ثم جده أبو الأب وان علا كولاية النكاح، وتكفى عدالتهما الظاهرة لوفور الشفقة ثم يلى الصغير وصى من تأخر موته منهما لأنه يقوم مقامه وشرطه العدالة، ثم القاضى أو أمينه لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«السلطان ولى من لا ولى له» رواه الترمذى وحسنه الحاكم وصححه، وحكم المجنون حكم الصبى فى ترتيب الأولياء وكذلك حكم من بلغ سفيها.
قال الجرجانى رحمه الله: واذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين فعلى المسلمين النظر الى حال محجورهم وتولى حفظ مالها.
ولا تلى الأم فى الأصح كولاية النكاح، والقول الثانى لمقابل للأصح أن الأم تلى بعد الأب والجد، وتقدم على وصيهما لكمال شفقتها وكذا لا ولاية لسائر العصبات كالأخ والعم، نعم لهم الانفاق من مال الطفل فى تعليمه وتأديبه وان لم يكن لهم عليه ولاية لأنه قليل فسومح به، قاله فى المجموع فى احرام الولى عن الصبى
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كشاف القناع» أن الولاية تثبت على صغير ومجنون ذكرا كان أو أنثى للأب لأنها ولاية فقدم فيها الأب كولاية النكاح، ولكمال شفقته ويشترط فى الأب أن يكون بالغا رشيدا عاقلا حرا عدلا ولو ظاهرا، لأن تفويض الولاية الى غير هذه صفاته تضييع للمال، ثم تثبت الولاية على صغير ومجنون بعد الأب لوصيه العدل ولو كان بجعل وثم متبرع بالولاية لأنه نائب الأب أشبه وكيله فى الحياة. ثم ان لم يكن أب ولا وصيه أو كان الأب موجودا وفقد شيئا من الصفات المعتبرة فيه تثبت الولاية على من ذكرنا للحاكم. والجد لا ولاية له لأنه لا يدلى بنفسه وانما يدلى بالأب فهو كالأخ، وكذا الأم وسائر العصبات لا ولاية لهم لان المال محال الخيانة ومن عدا من ذكرنا غير مأمون على المال.
وسأل الأثرم الامام عن رجل مات وله ورثة صغار كيف يصنع بهم فقال ان لم يكن لهم وصية ولهم أم مشفقة تدفع اليها
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «البحر الزخار» أن ولى مال الصغير والمجنون أبوهما العدل لا الفاسق اذا يؤمن ثم الجد كذلك قال العباس: ووصى الأب أقدم من الجد لقيامه مقامه وقال الامام يحيى بل الجد أقدم لاستحقاقه الولاية بالشرع، ولا ولاية للأم كولاية النكاح وكالتعصيب:
وقال بعض أصحابنا الأم تستحق الولاية
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه لشمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقى ح 3 ص 399 وما بعدها طبعة دار احياء الكتب للعربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(2)
مغنى المحتاج ح 2 ص 162.
(3)
كشاف القناع ح 2 ص 223 الطبعة السابقة.
كالأب ولكن بعده .. فإن عدم الأب والجد ووصيهما فالأم والحاكم
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى «شرائع الإسلام» أن الولاية فى مال الطفل والمجنون للأب والجد للأب، فإن لم يكون فللوصى، فإن لم يكن فللحاكم، أما السفيه والمفلس فالولاية للحاكم لا غير
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى «شرح النيل» أنه يلزم ولى يتيم وعشيرته القيام باليتيم وبماله وقد جمع العشيرة مع الولى لأنهم يقيمون الولى عليه وأن لم يقيموه لزمه القيام به وسواء مات أبوة فى بلد ولدة أو غيرة يلزمة القيام باليتيم وبماله والوصى مخاطب بذلك قبل العشيرة، فإن لم يقم به مع القدرة عصى فإن ضاع شئ فى بدنه هلك أو فى ماله ضمنه، وعلى العشيرة القيام به إذا لم يقم به وان احتاج فى أمر إليه وإلى العشيرة جميعا قاموا به جميعا وإلا ضمنوا جميعا العشيرة والولى، أى أن حق اليتيم واجب كل من قام به أجزأه. والمخاطب به الأقرب فالأقرب فاذا لم يقم به إقامته العشيرة له، وأن لم يفعلوا أو امتنع أو هرب لزمها حتى يقيم له صالحا وإلا لزمها الضمان، ولزم ذلك الممتع أو الهارب أن أطاق وإذا لم تقم به العشيرة لزم من علم به ممن يليهم فى نسب ما والا فأهل المنزل الأقرب فالأقرب منزلا وإلا فأهل بلد يلى ذلك البلد، وذلك أن القيام به فرض كفاية، ولو كان المخاطب به الأقرب فالأقرب، وكل مسبوق يزعجه سابقة إلى القيام، فإن قام هذا السابق وإلا تمام المسبوق، وان لم يقم أزعجه من بعده وهكذا وإذا لم يزعجه ضمن السابق والمسبوق، وإن أزعجه فلم يقم ضمنا ولا ضمان على من لم يعلم به، وقيل أنما يضمن ممن لزمه القيام من قريب أو بعيد الصلحاء فقط .. ووجه الزام الكل أنه قد لزم غير الصالح أن يكون صالحا وأن يقوم، فإذا كفئ غيره الاقامة أجزأه وبقى عليه أن يكون صالحا، وأن لم يقم غيره فلا منجى له من الضمان، ولو لم يكن صالحا وأنما يضمن من العشيرة إذا لم يستخلفوا له الرجال البلغ الاحرار وأما النساء والعبيد والأطفال والمجانين فليس عليهم شئ، وأما الموالى فهم من العشيرة
(3)
.
الأم وحد السرقة
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» أنه لا قطع على من سرق من ذى رحم محرم سواء كان بينهما ولاد أو لا خلافا لقول الشافعى رحمه الله تعالى، فى غير الوالدين والمولودين والصحيح
(1)
البحر الزخار الجامع المذاهب علماء الامصار لأحمد بن يحيى المرتضى ح 5 ص 88، 89 الطبعة الأولى سنة 1368 هـ، 1949 م مطبعة السنة المحمدية.
(2)
شرائع الإسلام للمحقق الحلى منشورات دار مكتبة دار الحياة ببيروت إشراف العلامة الشيخ محمد جواد مغنية طبعة سنة 1930 م.
ح 1 ص 205.
(3)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ح 2 ص 617 وما بعدها نفس الطبعة. (الزخار)
قولنا لأن كل واحد منهما يدخل فى منزل صاحبه بغير اذن عادة وذلك دلالة الاذن من صاحبه فاختل معنى الحرز ولأن القطع بسبب السرقة فعل يفضى الى قطع الرحم وذلك حرام والمفضى الى الحرام حرام. ولو سرق جماعة فيهم ذو رحم محرم من المسروق لا يقطع واحد منهم عند أبى حنيفة، وعند أبى يوسف لا يقطع ذو الرحم المحرم ويقطع سواه.
ولو سرق من ذى رحم غير محرم يقطع بالاجماع لأن المباسطة بالدخول من غير استئذان غير ثابتة فى هذه القرابة عادة وكذا هذه القرابة لا تجب صيانتها عن القطيعة ولهذا لم يجب فى العتق والنفقة وغير ذلك.
ولو سرق من أى محرم لا رحم له بسبب الرضاع فقد قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: يقطع الذى سرق ممن يحرم عليه من الرضاع كائنا من كان، قال ابو يوسف اذا سرق من أمه من الرضاع لا يقطع، وجه قوله أن المباسطة بينهما فى الدخول ثابتة عرفا وعادة فان الانسان يدخل فى منزل أمه من الرضاع من غير اذن كما يدخل منزل أمه من النسب بخلاف الأخت من الرضاع ويدل لأبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أن الثابت بالرضاع ليس الا الحرمة المؤبدة وأنها لا تمنع وجوب القطع كما لو سرق من أم موطوءته، ولهذا يقطع فى الأخت من الرضاع.
ولو سرق من امرأة أبيه أو من زوج أمه أو من حليلة ابنه أو من ابن امرأته أو بنتها أو أمها ينظر، فان سرق مالهم من منزل من يضاف السارق اليه من أبيه وأمه وابنه وامرأته لا يقطع بلا خلاف، لأنه مأذون بالدخول فى منزل هؤلاء فلم يكن المنزل حرزا فى حقه، وان سرق من منزل آخر فان كانا فيه لم يقطع بالاجماع وان كان لكل واحد منهما منزل على حده اختلف فيه فقد قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يقطع، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: يقطع اذا سرق من غير منزل السارق أو منزل أبيه أو ابنه، وذكر القاضى فى شرح مختصر الطحاوى قول محمد مع قول أبو يوسف رحمهما الله تعالى وجه قولهما أن المانع هو القرابة ولا قرابة بين السارق وبين المسروق بل كل واحد منهما أجنبى عن صاحبه فلا يمنع وجوب القطع كما لو سرق من أجنبى آخر. وجه قول أبى حنيفة أن فى الحرز شبهة لأن حق التزاور ثابت بينه وبين قريبه لأن كون المنزل لغير قريبه لا يقطع التزاور وهذا يورث شبهة اباحة الدخول للزيارة فيختل معنى الحرز
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «حاشية الدسوقى» على الشرح الكبير أنه اذا سرق الجد ولو لأم من مال ابن ولده فلا يقطع للشبهة القوى فى مال الولد وان سفل فأولى الأب والأم. وهذا بخلاف الولد يسرق من مال أصله فيقطع لضعف الشبهة ولذا حد ان وطئ جارية أبيه بخلاف الأب يطأ جارية ابنه
(2)
.
وجاء فى «المدونة الكبرى» ، أنه لا يقطع الأب
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح 7 ص 75 نفس الطبعة.
(2)
حاشية الدسوقي ح 4 ص 337.
والأم اذا سرقا من مال الولد والأجداد والآباء والأمهات. فيقول ابن القاسم: أحب الى أن يدرأ عنه الحد لأنه أب واذا سرق الولد من مال الأب قطع
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «المغنى المحتاج» أن من شروط القطع فى السرقة عدم الشبهة فى المسروق لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم» صحح الحاكم اسناده، سواء فى ذلك شبهة الملك كمن سرق مشتركا بينه وبين غيره أو شبهة الفاعل كمن أخذ مالا على صورة السرقة يظن أنه ملكه أو ملك أصله أو فرعه أو شبهة المحل كسرقة الابن مال أصوله أو أحد الأصول مال فرعه، فلا قطع بسرقة مال أصل للسارق وان علا، وفرع له وأن سفل لما بينهما من الاتحاد وان اختلفت ديتهما كما بحثه بعض المتأخرين ولأن مال كل واحد منهما مرصد لحاجة الآخر ومنها أن لا تقطع يد بسرقة ذلك المال بخلاف سائر الأقارب سواء أكان السارق منهما حرا أو عبدا كما صرح به الزركشى تفقها مؤيدا له بما ذكروه من أنه لو وطئ الرقيق أمة فرعه لم يحد لشهة
(2)
.
وجاء فى «الأنوار لأعمال الأبرار» أنه لا يقطع بسرقة مال من يستحق النفقة عليه بالبعضية وان لم يكن محتاجا لغناه كالفرع يسرق مال الأصل وبالعكس
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كشاف القناع» أنه يشترط للقطع فى السرقة انتفاء الشبهة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» فلا يقطع بسرقة مال ولده وان سفل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «أنت ومالك لأبيك» وسواء فى ذلك الأب والأم والابن والبنت والجد والجدة من قبل الأم والأب لأن بينهم قرابة تمنع شهادة أحدهما للآخر فلم يقطع بالسرقة منه، كالأب بسرقة مال ابنه، ولا قطع بسرقة ولد مال والده وإن علا، لأن النفقة تجب للولد على الوالد فى مال والده حفظا له، فلا يجوز إتلافه لحفظ ماله. ويقطع باقى الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم كالاخوة والأخوات ومن عداهم
(4)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى» لابن حزم أن الناس قد اختلفوا فيمن سرق من مال كل ذى رحم محرم وقال: أصحابنا: القطع واجب على من سرق من ولده أو من والديه أو من جدته أو من جده أو من ذى رحم محرمة أو غير محرمة.
واتفقوا كلهم أنه يقطع فيما سرق من ذى
(1)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 4 ص 417، 418 نفس الطبعة.
(2)
مغني المحتاج ح 4 ص 149.
(3)
الأنوار لأعمال الأبرار للاردبيلى ح 2 ص 332 نفس الطبعة.
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 4 ص 84 نفس الطبعة.
رحمه غير المحرمة وفيما سرق من أمه من الرضاعة وابنته وابنه من الرضاعة واخوته من الرضاعة وقال أبو محمد: القطع واجب على الأب والأم اذا سرقا من مال ابنهما مالا حاجة بهما اليه لقول الله تبارك وتعالى:
«وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ»
(1)
.
والرسول صلى الله عليه وسلم يوجب القطع على سرق فيقول «ان دماءكم وأموالكم عليكم رحام»
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «شرح الازهار» أنه لا يقطع والد لولده وان سفل لأن له شبهة فى مال ولده فأما الولد فيقطع لوالده. ولا فرق بين الأم والأب من النسب بخلاف ولده من الزنا فانه يقطع له. وكذا الأم اتفاقا ولو كان الأب عبدا. ويقطع الوالد إذا سرق ولده العبد لأنه لا شبهة له فى ملك الغير. وقيل لا يقطع
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «المختصر النافع» أنه يشترط فى حد السارق التكليف وارتفاع الشبهة، وألا يكون الوالد سارقا من ولده، وأن يهتك الحرز، ويخرج المتاع بنفسه، ويأخذ سرا.
والحر والعبد والمسلم والكافر، والذكر والأنثى سواء
(4)
.
وجاء فى كتاب «الخلاف» أنه اذا سرق الرجل من مال ولده فلا قطع عليه بلا خلاف الا داود. وان سرق الولد من مال والديه أو واحد منهما أو جده أو جدته أو جدهما أو أجداده من قبل أمه وان علوا كان عليه القطع
(5)
.
واذا سرقت الأم من مال ولدها وجب عليها القطع
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب «شرح النيل» أنه لا قطع على الأبوين - أبيه وأمه مطلقا فى السرقة ولو من منزل لم يسكنوا فيه، وقيل ولا على أجداده وجداته من أى جهة كانوا وقيل تقطع الأم والجد والجدة
(7)
.
الأم وحد القصاص
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» أنه لو قتل الأب ولده فلا قصاص عليه، وكذلك الجد أب الأب
(1)
الآية رقم 38 من سورة المائدة.
(2)
المحلى لابن حزم الاندلسى ح 11 ص 343 - 346 مسألة رقم 2278 نفس الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ح 4 ص 357 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ. مطبعة حجازى بالقاهرة.
(4)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى ص 301 الطبعة الثانية وزارة الأوقاف بالقاهرة سنة 1377 هـ.
(5)
كتاب الخلاف فى الفقه للطوسى ح 2 ص 474 المسألة رقم 45 فى السرقة نفس الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ح 2 ص 474 المسألة رقم 47 فى السرقة نفس الطبعة السابقة.
(7)
شرح النيل وشفاء العليل ح 8 ص 75 نفس الطبعة السابقة.
أو أب الأم وان علا، وكذلك الأم اذا قتلت ولدها أو أم الأم أو أم الأب اذا قتلت ولد ولدها. والأصل فيه ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يقاد الوالد بولده» واسم الوالد والولد يتناول كل والد وان علا، وكل ولد وان سفل، ولو كان فى ورثة المقتول ولد القاتل أو ولد ولده فلا قصاص لأنه بقدر ايجاب القصاص للولد فى نصيبه فلا يمكن الايجاب للباقين لأنه لا يتجزأ وتجب الدية للكل. ويقتل الولد بالوالد لعمومات القصاص من غير فصل، ثم خص منها الوالد بالنص الخاص فبقى الولد داخلا تحت العموم. ولأى القصاص شرع لتحقيق حكمة الحياة بالزجر والردع والحاجة الى الزجر فى جانب الولد لا فى جانب الوالد، لان الوالد يجب ولده لولده لا لنفسه بوصول النفع اليه من جهته أو بحبه لحياة الذكر لما يحيى به ذكره وفيه أيضا زيادة شفقة تمنع الوالد عن قتله.
فأما الولد فانما يحب والده لا لوالده بل لنفسه وهو وصول النفع اليه من جهته فلم تكن محبته وشفقته مانعة من القتل فلزم المنع بشرع القصاص كما فى الأجانب، ولأن محبة الولد لوالده لما كانت المنافع تصل اليه من جهته لا لعينه فربما يقتل الولد ليتعجل الوصول الى أملاكه لا سيما اذا كان لا يصل النفع اليه من جهته لعوارض. ومثل هذا يندر فى جانب الأب
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «بداية المجتهد» قال مالك: لا يقاد الأب بالابن الا أن يضجعه فيذبحه فأما ان حذفه بسيف أو عصا فقتله لم يقتل وكذلك الجد عنده مع حفيده
(2)
.
وجاء فى «حاشية الدسوقى» لا يقتل الأب بولده ولو قصد ما لم يقصد ازهاق روحه كخنق ومنع طعام أو شراب قاصدا به موته فمات فان قصد مجرد التعذيب فالدية ومن ذلك الأم تمنع ولدها الرضاعة حتى مات فان قصدت موته قتلت والا فالدية على عاقلتها أى لا تقتل بمنعه مطلقا بل حتى تقصد موته قياسا على ما مر فى الأب من أنه لا بد مع الضرب من قصد الموت والا لم يقتل
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «مغنى المحتاج» أنه لا قصاص بقتل الوالد الولد وان سفل لخبر الحاكم والبيهقى وصححاه: «لا يقاد للابن من أبيه» ولرعاية حرمته ولأنه كان سببا فى وجوده فلا يكون سببا فى عدمه ولو حكم حاكم بقتل الحر بالعبد أو الأصل بالفرع نقض حكمه فى الثانى دون الأول الا أن أضجع الأصل فرعه وذبحه فلا ينقض حكمه وكلامهم يشمل الأب والأم والأجداد والجدات وان علوا من قبل
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 7 ص 235 نفس الطبعة السابقة.
(2)
بداية ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد.
مطبعة أحمد كامل باستانبول ح 2 ص 335 والمدونة الكبرى للامام مالك ح 4 ص 394.
(3)
حاشية الدسوقى عن الشرح الكبير ح 4 ص 242 نفس الطبعة السابقة.
الأب والأم جميعا لأن الحكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه من ذكر كالنفقة، ولا قصاص للولد على الوالد كأن قتل زوجة نفسه وله منها ولد أو قتل زوجة ابنه أو لزمه قود فورث بعضه ولده كأن قتل أبا زوجته ثم ماتت الزوجة وله منها ولد لأنه اذا لم يقتل بجناية على ولده فلأن لا يقتل بجناية على من له فى قتله حق أولى ويقتل الولد بوالديه وان علوا أى بكل واحد منهم كغيرهم بل أولى. ولا يقتل الولد المسلم بالولد الكافر. ولو قتل أحد أخوين شقيقين حائزين للميراث الأب وقتل الآخر الأم وكان زهوق روحهما معا سواء أكان بينهما زوجيه أو لا، فلكل منهما قصاص على أخيه الآخر لأنه قتل مورثه هذا يقتص بأبيه وهذا يقتص بأمه ولا يرث كل قاتل من قتيله شيئا، والمعية والترتيب الآتى بزهوق الروح لا بالجناية، وتعبيره بالقتل يشير اليه فلو عفا أحدهما عن الآخر كان للمعفو عنه قتل العافى، وان لم يعف واحد منهما أو تنازعا فى التقديم للقصاص فانه يقدم له بقرعة اذ لا مزية لأحدهما على الآخر فان اقتص بالقرعة أو مبادرا بلا قرعة فلو أرث المقتص منه قتل المقتص فالقرعة أو المبادرة ان لم تورث قاتلا بحق وهو الأصح كما فى كتاب الفرائض أو ورثناه على المرجوح وكان هناك من يحجبه كأن يكون لذلك الأخ ابن فان ورثناه ولم يكن هناك من يحجبه سقط القصاص عنه لأنه ورث القصاص المستحق على نفسه أو بعضه، وكذا ان قتل الاخوان الأبوين مرتبا بأن تأخر زهوق روح أحدهما ولا زوجيه حينئذ بين الأبوين فلكل منهما حق القصاص على الآخر والا بان كانت الزوجية باقية بين الأبوين فالقصاص على القاتل الثانى فقط أى دون الأول لأنه اذا قتل الأب لم يرث منه قاتله ويرثه أخوه والأم، واذا قتل الآخر الأم ورثها الأول فتنتقل اليه حصتها من القصاص ويسقط باقيه ويستحق القصاص على أخيه، ولو سبق قتل الأم سقط القصاص عن قاتلها واستحق قتل أخيه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كشاف القناع» أن من شروط القصاص أن لا يكون المقتول من ذرية القاتل فلا يقتل والد أبا كان أو أما وإن علا بولده وان سفل من ولد البنين والبنات لحديث ابن عباس مرفوعا: «لا يقتل والد بولده» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك» : فمقتضى هذه الإضافة تمكينه اياه فاذا لم تثبت حقيقة الملكية ثبتت الاضافة بشبهة فى إسقاط القصاص، ولأنه كان سببا فى إيجاده فلا يكون سببا فى إعدامه.
وتؤخذ من حر دية المقتول كما تجب على الأجنبى ولا تأثير لاختلاف الدين ولاختلاف الحرية، فلو كان أحدهما مسلما والأخر كافرا، أو أحدهما رقيقا والآخر حرا فلا قصاص كاتفاقهما. فلو قتل الكافر ولده المسلم، أو قتل العبد ولده الحر لم يجب القصاص بشرف الأبوة إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنا فيقتل الوالد به لأنه ليس بولده
(1)
مغنى المحتاج ح 4 ص 17، 18.
حقيقة
(1)
ويقتل الولد المكلف ذكرا كان أو أنثى بكل واحد من الأبوين المكافئين وان علوا للآية والأخبار وموافقة القياس، وقياسه على الأب ممتنع لتأكد حرمته، ولأنه اذا قتل بالأجنبى فبأبيه أولى، ولأنه يحد بقذفه فيقتل به كالأجنبى. ومتى ورث الولد القصاص أو شيئا منه وان قل سقط القصاص لأنه لو لم يسقط لوجب له على والده وهو ممنوع، ولأنه اذا لم يجب بالجناية عليه فلا يجب بالجناية على غيره أولى، أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص، لأنه لو لم يسقط لوجب له على نفسه القصاص وهو ممنوع. فلو قتل أحد الزوجين الآخر ولهما ولد فلا قود، لأنه لو وجب لوجب لولده، واذا لم يجب للولد بالجناية عليه، فعلى غيره أولى وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى، أو كان للمقتول من يشاركه فى الميراث، لأنه لو وجب لثبت له حرمته، ولا يمكن وجوبه. واذا سقط بعضه سقط كله لأنه لا يتبعض، كما لو عفا أحد الشريكين.
ولو قتل رجل أخا زوجته فورثته ثم ماتت فورثها زوجها القاتل أو ورثها ولده لم يجب القصاص سواء كان لها ولد من غيره أو لا، لأنه ورث هو أو ولده شيئا من دمه وهو لا يتبعض ولو قتلت المرأة أخا زوجها فصار القصاص أو جزء منه لابنها بموت زوجها الوارث لأخيه، أو قتل رجل أخاه فورثه ابن القاتل أو ورثه أحد يرث ابنه منه شيئا لم يجب القصاص لارث ولده جزءا من دمه واذا قتل أحد أبوى المكاتب والمكاتب لم يجب القصاص لعموم ما سبق. ولو قتل أحدهما عبدا له لم يجب القصاص لأنه لو وجب لكان للمكاتب، ولا يثبت له قصاص على أبويه كما لو قتلاه وأولى. وان اشترى المكاتب أحد أبويه أو غيره من ذوى رحمه المحرم ثم قتله لم يجب القصاص لأنه فضله بالملك، وهذا بخلاف ما قدمه فيما سبق. وان قتل أحد الأخوين أباه وقتل الآخر أمه وهى زوجة الأب سقط القصاص عن الأول وهو قاتل الأب لارثه بعض دم نفسه، وذلك ثمن دم الأب، والقصاص على القاتل الثانى، فلأخيه قتله ويرثه، وانما سقط القصاص عن قاتل الأب لأن القتيل الثانى وهو الأم ورث جزءا من دم الأول وهو الثمن، فلما قتل ورثه قاتل الأب ضرورة أن القاتل لا يرث، فصار له جزء من دم نفسه وهو الثمن فسقط القصاص عن الأول وهو قاتل الأب لارثه عن أمه وعليه سبعة أثمان دية لأخيه قاتل أمه لارثه ذلك من أبيه.
ولقاتل الأب أن يقتص من أخيه قاتل أمه ويرثه، لأن القتل بحق لا يمنع الميراث. ولو كانت الزوجة بائنا أو قتلاهما معا مطلقا فعلى كل واحد منهما القصاص لأخيه، لأن أحدهما لا يرث من دم نفسه شيئا لعدم الزوجية أو لموتهما معا. فان بادر أحدهما فقتل أحدهما أخاه سقط عنه القصاص لأنه يرث أخاه ان لم يكن للمقتول ابن أو ابن ابن، فان كان له ابن أو ابن ابن فالأخ محجوب به، فللابن أو ابن الابن قتل عمه ويرثه ان لم يكن له وارث
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن أدريس الحنبلى ح 3 ص 351 نفس الطبعة السابقة.
سواه لأن القتل بحق لا يمنع الارث
(1)
.
ويستحق القصاص كل من يرث المال على قدر مواريثهم
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى» لابن حزم الظاهرى اجابة على مسألة نقول «هل للعادل أن يعمد الى قتل أبيه الباغى أم لا؟» قال أبو محمد: قتال أهل البغى قتال فى الدين، الا أننا لا نختار أن يعمد المرء الى أبيه خاصة أو جده ما دام يجد غيرهما، فان لم يفعل فلا حرج. وهكذا القول فى اقامة الحد عليهما، وعلى الأم والجدة فى القتل والقطع والقصاص والجلد ولا فرق، فأما إذا رأى العادل أباه الباغى أو جده يقصد إلى مسلم يريد قتله أو ظلمه، ففرض على الابن حينئذ أن لا يشتغل بغيره عنه، وفرض عليه دفعه عن المسلم بأى وجه أمكنه، وإن كان فى ذلك قتل الأب والجد والأم وبرهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنصر أخاك ظالما أو مظلوما» قيل يا رسول الله - هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تمنعه، تأخذ فوق يده» .
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» . فهذا أمر من رسول اله صلى الله عليه وسلم أن لا يسلم المرء أخاه المسلم لظلم ظالم، وأن يأخذ فوق يد كل ظالم، وأن ينصر كل مظلوم، فاذا رأى المسلم أباه الباغى أو ذا رحمه كذلك يريد ظلم مسلم أو ذمى، ففرض عليه منعه من ذلك بكل ما لا يقدر على منعه الا به من قتال أو قتل فما دون ذلك
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «شرح الازهار» أنه لا يجب القصاص لفرع من النسب لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى الأصل: «لا يقاد والد بولده، ولا يقتل مؤمن بكافر» وأما الفرع من الزنا فيثبت له القصاص على الأب وأصوله من جهة الزنا وفاقا. فلا يجوز أن يقتص فرع من أصل له، فلا يقتل أب ولا جد وإن علا، ولا أم ولا جدة وان علت بفرع لهم وان سفل، وقال صاحب «الازهار» تفريعا على منع الاقتصاص من الأصل: فلا يقتل الولد أمه بأبيه ونحوه، وهو أخوه أو ولده.
يعنى اذا قتلت المرأة زوجها لم يكن لولده منها أن يقتلها به، أو من غيرها مع وجود ولد منها لسقوط حصة ولدها. وكذلك اذا قتلت أمه ابنه أو أخاه لم يكن له أن يقتص منها، ولا أبوه يجوز له أن يقتل أمه به، فاذا قتلت ولدها لم يكن لأبيه أن يقتلها به ونحوه، وذلك أن تقتل الأم ابن ابنها بعد أن مات ابنها، فليس للأب أن يقتل الأم بابن ابنها وان سفل، وعلى الأصل الدية، اذ لا موجب لسقوطها، وتكون لورثته ان كانوا، والا فلبيت المال، ويلزمه معها الكفارة لان
(1)
المصدر نفسه ح 3 ص 352، 353.
(2)
عمدة الفقه لموفق المدين ابن قدامة ص 137 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لابن حزم الأندلسى ح 11 ص 109، 110 نفس الطبعة السابقة.
عمده خطأ
(1)
وتضمن الحاضة من مات لتفريطها وهى عالمة أو ظانة أنه يموت بذلك التفريط، فلو بعثت الأم بولدها قبل أن يرضع شيئا من اللبأ فمات بذلك، وهى عالمة، كانت ديته فى مالها غالبا.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «المختصر النافع» أنه من الشرائط المعتبرة فى القصاص ألا يكون القاتل أبا فلو قتل الأب ولده لم يقتل به، وعليه الدية والكفارة والتعزيز
(2)
. وجاء فى كتاب «الخلاف» أنه لا يقتل الوالد بولده سواء قتله بالسيف حذفا أو ذبحا وعلى أى وجه كان والدليل اجماع الفرقة وأخبارهم وقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل والد بولده» ، وقوله:«لا تقام الحدود فى المساجد ولا يقتل والد بولده»
(3)
. وجاء فيه أيضا: أن الأم اذا قتلت ولدها قتلت به وكذلك أمهاتها، وكذلك أمهات الأب وان علون فأما الأجداد فيجرون مجرى الأب، لا يقادون به لتناول اسم الأب لهم. والدليل اجماع الفرقة واخبارهم وقول الله تبارك وتعالى:«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى»
(4)
الآية وكذلك قوله تعالى: «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»
(5)
الآية: ولم يفصل فوجب حملها على العموم الى ما أخرجه الدليل
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى «كتاب شرح النيل» أنه لا يقتل الأب أو الأم بولدهما إذا قتلاه، ويقتل به جده وجدته إلا أن قتلاه لديانته، فإنهما يقتلان حدا لا قصاصا ويقتل الولد بالأب والأم، وجوز قتل الأم به. ولزمت الأب والأم ديته يعطيها قاتله لغيره من ورثة الولد كالجد والجدة والأم ان قتله الأب، وكالأب ان قتلته الأم، وكالاخوة ان قتله الأب ولم يكن له جد من أبيه ولا يرثه من قتله منهما، لا فى تركته ولا فى الدية وهذا على القول الأول وهو أنهما لا يقتلان به أما على القول الثانى الذى هو: أن الأم تقتل به فاما أن تقتل به، واما أن تعطى الدية. وما ذكر من أن الأب لا يقتل بابنه هو مذهب الأكثر وقيل يقتل، وقيل ان أراد قتله قتل به، مثل أن يضجعه فيذبحه، أو يضربه حتى مات تحت ضربه. واذا قلنا أن الأب لا يقتل فى ولده والجد والأم والجدة لا يقتلون فانه تغلظ عليهم الدية. وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا يقاد الوالد بالولد» .. رواه أحمد والترمذى وابن ماجه وصححه ابن الجارود والبيهقى، وقال الترمذى انه مضطرب
(7)
.
(1)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ح 4 ص 387 - 389 الطبعة السابقة
(2)
المختصر النافع ص 311 نفس الطبعة.
(3)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر بن الحسن بن على الطوسى ح 2 ص 343 مسألة رقم (9) فى الجنايات نفس الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 178 من سورة البقرة.
(5)
الآية رقم 45 من سورة المائدة.
(6)
كتاب الخلاف فى الفقه ح 2 ص 343.
344 المسألة رقم (10) فى الجنايات نفس الطبعة
(7)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل فى فقه الإباضية للشيخ محمد بن يوسف أطفيش طبعة المطبعة السلفية ح 8 ص 75، 76.
الأم والجنائز
مذهب الحنفية:
جاء فى «الفتاوى العالمكيرية» أنه ان امرأة ماتت والولد يضطرب فى بطنها يقول محمد رحمه الله انه يشق بطنها ويخرج الولد، لا يسع الا ذلك
(1)
. وجاء فى (الفتاوى العالمكيرية) أيضا أنه يستحب للغاسل أن يكون أقرب الناس الى الميت، فان لم يعلم الغسل فأهل الأمانة والورع
(2)
.
ولو مات رجل بين النساء تيممه ذات رحم محرم منه أو زوجته أو أمته بغير ثوب، وغيرها بثوب
(3)
. ومن لم يكن له مال، فالكفن على من تجب عليه النفقة الا الزوج فى قول محمد، وعلى قول أبى يوسف يجب الكفن على الزوج وان تركت مالا وعليه الفتوى
(4)
. ومن قتل أحد أبويه لا يصلى عليه اهانة له
(5)
.
وجاء فى (القدورى) أن أولى الناس بالامامه على الميت السلطان ان حضر، وان لم يحضر فيصلى القاضى ان حضر، وان لم يحضر يستحب تقديم امام الحى ثم الولى، فان صلى عليه غير الولى أو السلطان أعاد الولى: فان صلى الولى لم يجز لأحد أن يصلى عليه بعده، فان دفن ولم يصل عليه صلى على قبره الى ثلاثة أيام فى الشتاء وسبعة أيام فى الصيف، ولا يصلى بعد ذلك
(6)
. وجاء فى (الفتاوى العالمكيرية) أنه فى الصلاة على الميت يقوم الأولياء على ترتيب العصبات الأقرب فالأقرب، الا الأب فانه يقدم على الابن، قيل هذا قول محمد، وعندهما الابن أولى، والصحيح أنه قول الكل. ولا حق للنساء فى الصلاة على الميت ولا للصغار.
ولو ماتت امرأة ولها زوج وابن عاقل بالغ منه، فالولاية للابن دون الزوج، لكن يكره للابن أن يتقدم أباه، وينبغى أن يقدمه.
فان كان لها ابن من زوج آخر فلا بأس بأن يتقدم لأنه هو الولى، وتعظيم زوج أمه غير واجب عليه
(7)
. وذو الرحم المحرم أولى بادخال المرأة قبرها من غيره. وكذا ذو الرحم غير المحرم أولى من الاجنبى، فان لم يكن فلا بأس للأجانب فى وضعها، ولا يدخل احد من النساء القبر
(8)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «المدونة الكبرى» أن الامام مالكا قال فى الرجل يموت فى السفر وليس معه الا نساء: أمه أو أخته أو عمته أو خالته، أو ذات رحم محرم منه، قال مالك: انهن يغسلنه ويسترنه اذا لم يكن معهن رجال. وكذلك المرأة تموت فى السفر مع الرجال وليس معهم نساء ومعها ذو رحم محرم منها يغسلها من فوق الثوب، وقال: لا بأس أن تغسل المرأة الصبى اذا كان ابن سبع سنين.
(1)
الفتاوى العالمكيرية (الفتاوى الهندية) ح 1 ص 157.
(2 و 3)) نفس المرجع ح 1 ص 159، 160 نفس الطبعة السابقة.
(5،4)) المرجع نفسه ح 1 ص 161، ص 163.
(6)
محتصر القدورى ص 20.
(7)
الفتاوى العالمكيرية ح 1 ص 163.
(8)
المرجع نفسه ح 1 ص 166.
(9)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 1 ص 167.
وما أشبهه
(1)
. ومن هو أقعد بالميت فهو أولى بالصلاة عليه. والعصبة أولى بالصلاة على الميتة من زوجها وزوجها أولى بالدخول بها فى قبرها من عصبتها. ووالى المصر أو صاحب الشرط اذا كانت الصلاة اليه أولى بالصلاة على الميتة من وليها. والقاضى اذا كان هو يلى الصلاة. ولا بأس أن تشيع المرأة جنازة ولدها ووالدها، ومثل زوجها وأخيها وأختها اذا كان ذلك مما يعرف أنه يخرج مثلها على مثله، وان كانت شابة. ويكره لها أن تخرج على غير هؤلاء ممن لا ينكر لها الخروج عليهم من قرابتها.
وتصلى النساء على الرجل اذا مات معهن.
وليس معهن رجل، ولا تؤمهن واحدة منهن وليصلين واحدة واحدة افذاذا، وليكن صفوفا
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «الأنوار» أن الأولى بغسل المرأة نساء القرابة ثم الأجنبيات ثم الزوج ثم رجال المخارم كترتيبهم فى الصلاة، فان لم يحضر الا أجنبى يممها حتما ولا يغسلها، ويجب تقديم النساء والزوج على غيرهم، ويحرم تفويضهم الى غيرهم، كما يجب تقديم المحارم على الأجانب ويحرم تفويضهم
(3)
. وجاء فى (الأم) أن الشافعى قال: اذا حضر الولى الميت أحببت ألا يصلى عليه الا بأمر وليه لأن هذا من الأمور الخاصة التى أرى الولى أحق بها من الوالى. وقد قال بعض من له علم: الوالى أحق. واذا حضر الصلاة عليه أهل القرابة فأحقهم به الأب والجد من قبل الأب، ثم الولد وولد الولد، ثم الأخ للأب والأم، ثم الأخ للأب ثم أقرب الناس من قبل الأب وليس من قبل الأم لأنه انما الولاية للعصبة. فاذا استوى الولاة فى القرابة وتشاحوا وكل ذى حق، فأحبهم الى أسنهم الا أن يكون حاله ليست محمودة فكان أفضلهم وأفقههم أحب الى، فان تقاربوا فأسنهم، فان استووا - وقلما يكون ذلك - فلم يصطلحوا أقرع بينهم، فأيهم خرج سهمه ولى الصلاة عليه
(4)
.
وجاء فى (الأنوار) انه لا يدخل الميت القبر الا الرجال ان وجدوا، وأولاهم بالدفن الزوج ثم الأب ثم أبوه وان علا، ثم الابن ثم ابن الابن وان سفل، ثم الأخ ثم ابنه، ثم ذوو الأرحام الذين لهم محرمية ان كان الميت امرأة.
ثم عبيدها ثم الخصيان ثم العصبات بترتيب الارث، ثم ذوو الأرحام الذين لا محرمية لهم ثم أهل الصلاح من الأجانب.
ويجب تقديم الزوج والمحارم على غيرهم كما فى الغسل، ولو استقل واحد بوضع الميت فى القبر، بأن كان الميت طفلا فذاك، والا فالمستحب أن يكون عدد الدافنين وترا: ثلاثة أو خمسة كعدد الغاسلين
(5)
. وحمل الجنازة
(1)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 1 ص 167، 168. نفس الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ح 1 ص 169، 170 نفس الطبعة.
(3)
الأنوار لأعمال الأبرار للأردبيلى ح 1 ص 115 نفس الطبعة.
(4)
الأم للامام الشافعى ح 1 ص 243، 244 طبعة دار الشعب سنة 1388 هـ 1968 م.
(5)
الأنوار للاردبيلى ح 1 ص 123 نفس الطبعة.
بر واكرام للميت ولا يتولاه غير الرجال وان لم يكن الميت ذكرا
(1)
.
وجاء فى (الأنوار) أنه لو ماتت ذمية حامل بمسلم دفنت بين مقابر المسلمين والكفار ويجعل ظهرها الى القبلة ليتوجه الجنين الى القبلة فان وجهه الى ظهر الأم. ولو ماتت امرأة حامل فان كان يرجى حياة الجنين شق جوفها وأخرج ثم دفنت. وان لم يرج فلا، ويترك حتى يموت ثم يدفن
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى (كشاف القناع) أنه اذا مات الانسان سن تغميض عينيه، ويكره تغميض من جنب وحائض وان يقرباه، وللرجل أن يغمض ذات محرمه كأمه وأخته وأم زوجته وأخته من رضاع، وللمرأة أن تغمض ذا محرمها كأبيها وأخيها
(3)
. وأولى الناس بغسل الميت وصيه اذا كان عدلا، ثم أبوه لحنوه وشفقته ثم جده وان علا ثم ابنه وان نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصباته نسبا، فيقدم الأخ الأبوين ثم لأب ثم ابن الأخ لأبوين ثم الأب ثم عم لأبوين ثم لأب، وهكذا ثم عصباته نعمة فيقدم المعتق ثم عصبته الأقرب فالأقرب، ثم ذوو الأرحام كالأخ لأم والجد لها والعم لها وابن الأخت ونحوهم كما فى الميراث، ثم الأجانب، ويقدم الأصدقاء منهم
(4)
وغسل المرأة أحق الناس به بعد وصيتها على ما سبق أمها وان علت، ثم بنتها وان نزلت، ثم القربى فالقربى كما فى الميراث ويقدم منهن من يقدم من الرجال، فتقدم الأخت الشقيقة على الأخت لأب كما فى الرجال، وعمتها وخالتها سواء كبنت أخيها وبنت أختها ثم الأجنبيات بعد ذوات الرحم كما فى الرجال
(5)
. ولرجل وامرأة غسل من له دون سبع سنوات من ذكر وأنثى ولو كان دون السبع سنين بلحظة. ولكل منهما مس عورته ونظرها وليس للرجل غسل ابنة سبع سنين فأكثر ولو كان محرما لها كأبيها وابنها وأخيها لأنها محل للشهوة ويحرم النظر الى عورتها أشبهت البالغة.
وليس للمرأة غسل ابن سبع سنين ولو كان محرما لها، وذلك غير ما جاء من تغسيل الرجل لزوجته وأمته وتغسيلهما له
(6)
.
والأولى بالصلاة على الميت إماما وصيه العدل، ثم بعد الوصى السلطان ثم نائبه الأمير ثم الحاكم وهو القاضى، لكن السيد أولى بالصلاة على رقيقه أماما من السلطان ونوابه لأنه ملكه.
والأولى بالصلاة على الحر بعد السلطان أقرب العصبة، يعنى الأب ثم الجد وان علا، ثم الابن ثم ابنه وان نزل، ثم الأخ لأبوين، ثم لأب وهكذا كالميراث، ثم ذوو أرحامه الأقرب فالأقرب كالغسل ثم الزوج ثم الأجانب. ومع التساوى كابنين أو أخوين أو عمين يقدم الأولى
(1)
المرجع السابق ح 1 ص 118 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ح 1 ص 125 نفس الطبعة
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 1 ص 376 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ح 1 ص 379 نفس الطبعة.
(5)
نفس المرجع ح 1 ص 380.
(6)
المرجع نفسه ح 1 ص 386.
بالامامة، فان استووا فى الصفات بحيث لا أولوية لأحدهم على الآخر أقرع بينهم، ويقدم الحر البعيد على العبد القريب
(1)
.
والأولى بدفن المرأة محارمها الرجال الأقرب فالأقرب، ثم أن عدموا فالأولى زوجها. ثم الرجال الأجانب. ثم محارمها النساء القربى فالقربى منهن كالرجال، ويقدم من الرجال بدفن امرأة خصى ثم شيخ، ثم أفضل دينا ومعرفة، ومن بعد عهده بجماع أولى ممن قرب عهده به، ولا يكره للرجال الأجانب دفن امرأة ولها محرم موجود
(2)
. ويكره لامرأة اتباع الجنائز
(3)
. وان مات الولد حضرته أمه لتعاهد بل حلقه ونحوه، لأنها أرفق به، وتتولى من ولدها اذا احتضر ما تتولاه حال الحياة، فتشهده فى حال نزعه وتشد لحيته، وتوجهه الى القبلة وتشرف على من يتولى غسله وتجهيزه، لأن ذلك كله من البر والصلة.
ولا تمنع من جميع ذلك اذا طلبته، فان أرادت الحضور بما ينافى الشرع من تخريق ثوب ولطم خد ونوح، منعت منه، فاذا امتنعت من ذلك والا حجبت عنه الى أن تترك المنكر، فيجب نهيها وكفها عنه. بما يزال به المنكر، ولا ينبغى لين القول مع النساء
(4)
.
وجاء فى «كشاف القناع» أنه ان ماتت حامل بمن يرجى حياته حرم شق بطنها من أجل الحمل مسلمة كانت أو ذمية لما فيه من هتك حرمة متيقنة لابقاء حياة موهومة، لأن الغالب والظاهر أن الولد لا يعيش. وتسطو عليه القوابل أو غيرهن من النساء فيدخلن أيديهن فى فرجها فيخرجن الجنين من بطنها. والجنين الذى ترجى حياته هو الذى تم له ستة أشهر وكان يتحرك حركة قوية وانتفخت المخارج.
فان لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليه لما فيه من هتك حرمتها.
فان تعذر عليهن اخراجه ترك حتى يموت ولا تشق بطنها لما تقدم. ولا تدفن قبل موت حملها لما يلزمه من دفنه معها. ولا يوضع عليه ما يموته لعموم النواهى عن قتل النفس المحرمة. ولو خرج بعض الحمل حيا شق بطنها حتى يخرج الباقى لتيقن حياته بعد أن كانت موهومة. فلو مات الحمل قبل خروجه أخرج وغسل كغيره، وان تعذر خروج باقى الحمل ترك بحاله وغسل ما خرج منه لأن له حكم السقط وأجزأ غسله، وما بقى من الحمل، فى جوفها ففى حكم الباطل لا يحتاج الى التيمم من أجله لأنه فى حكم الحمل وصلى على من خرج بعضه مع أمه بأن ينوى الصلاة عليهما حيث تم له أربعة أشهر فأكثر.
وان ماتت ذمية أو كافرة حامل بمسلم دفنها مسلم وحدها أى فى مكان وحدها أى فى مكان غير مقابر المسلمين وغير مقابر الكفار ان أمكن دفنها وحدها وان لم يمكن دفنها وحدها فانها تدفن مع المسلمين لأن ذلك أولى من دفن المسلم الذى هو الجنين مع الكفار، وجعل ظهرها الى القبلة، وتدفن على جنبها الأيسر ليكون الجنين على جنبه الأيمن مستقبل القبلة لأن ظهره لوجه
(1)
كشاف القناع ح 1 ص 393 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ح 1 ص 406 نفس الطبعة السابقة.
(3)
نفس المرجع ح 1 ص 404 نفس الطبعة السابقة.
(4)
نفس المرجع ح 3 ص 331 نفس الطبعة السابقة.
أمه، ولا يصلى عليه لأنه غير مولود ولا سقط، وكألمأكول ببطن الآكل. ويصلى على مسلمة حامل وعلى حملها بعد مضى زمن تصوير وهو أربعة أشهر فينويهما بالصلاة، وان لم يمض زمن لتصوير، صلى عليها دونه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى لابن حزم» أن من تزوج كافرة وحملت منه وهو مسلم وماتت حاملا، فان كانت قبل أربعة أشهر ولم ينفخ فيه الروح بعد دفنت مع أهل دينها، وان كان بعد أربعة أشهر والروح قد نفخ فيه دفنت فى طرف مقبرة المسلمين، لأن عمل أهل الاسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدفن مسلم مع مشرك
(2)
. وجاء فى «المحلى» أيضا أن أحق الناس بالصلاة على الميت والميتة الأولياء وهم الأب وآباؤه والابن وأبناؤه ثم الأخوة الأشقاء ثم الذين للأب ثم بنوه ثم الأعمام للأب والأم ثم للأب ثم بنوه ثم كل ذى رحم محرم إلا أن يوصى الميت أن يصلى عليه انسان بعينه فهو أولى، ثم الزوج ثم الأمير أو القاضى فإن صلى غير من ذكرنا أجزأه برهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» ،} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن الرجل فى أهله»
(3)
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «شرح الأزهار» أنه اذا كان الميت امرأة حاملا فانه يشق بطنها وجوبا من أيسره لاستخراج حمل عرف أنه قد تحرك بعد الموت ولو علم أنه يموت، وذلك حيث لم يبلغ ستة أشهر، لأن للحى حرمة ولو ساعة واحدة، ولأنه بخروجه حيا يرث ويورث. وعن أبى الفضل الناصر انما يشق له اذا بلغ ستة أشهر لا دونها، فيترك ساعة حتى يموت. أما لو تحرك قبل الموت وسكن بعده فالأقرب أنه لا يدفن الميت حتى يغلب فى الظن موت الجنين.
ولو دفنت المرأة والولد يتحرك فمات فقيل يضمن الدافن دية أنثاه، لأنه المتيقن وفيه نظر، والقياس أنه يضمن الغرة اذا عرف بخروج يد أو نحوها، فلو دفنت المرأة والولد يتحرك ولم يتحقق بخروج يد أو نحوها فلا شئ، اذ الاصل براءة الذمة. وان تيقن الحمل بنحو ذلك وجبت الغرة. والصحيح أنه لا شئ، لأن الأصل براءة الذمة، لجواز ان يكون ريحا
(4)
وليكن الغاسل والميمم للميت المسلم عدلا، فلا يجوز أن يغسل الميت فاسق.
ولا بد ان يكون ذلك الغاسل من جنس الميت ان كان رجلا فرجل، وان كان أنثى فأنثى، أو جائز الوط ء كالمرأة مع زوجها، والمملوكة التى هى غير مزوجة مع مالكها، فيجوز أن يغسل كل منهما صاحبه
(5)
. أما لو مات طفل أو طفلة لا يشتهى جماع أيهما لصغره فكل مسلم عدل يصح أن يغسله لو كان أجنبيا منه، والجنس أولى
(6)
. والأولى بالامامة فى الصلاة على
(1)
نفس المرجع ح 1 ص 414 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لابن حزم الأندلسى ح 5 ص 142 مسألة رقم (582) نفس الطبعة السابقة.
(3)
المرجع نفسه ح 5 ص 143 مسألة رقم (584) نفس الطبعة السابقة.
(4)
شرح الأزهار ح 1 ص 401.
(5)
نفس المرجع ح 1 ص 408.
(6)
نفس المرجع ح 1 ص 411، 412.
الميت هو الامام الأعظم وواليه كالحاكم فانهما أولى من قرابة الميت، ثم اذا لم يكن ثم امام أو لم يحضر القبر أو موضع الصلاة، فالأولى بالتقدم الأقرب نسبه الى الميت ولو امرأة.
وقال المفتى: لاحظ لها فى الصلاة. ويتقدم الصالح للإمامة فى الصلاة من عصبة الميت، فيقدم الأقرب فالأقرب على حسب درجتهم فى القرب، فإن عدمت العصبة فالأقرب من ذوى رحمه. أما لو أوصى الميت أن يصلى عليه فلان.
قال فى الياقوتة - كان أولى من سواه. وقال فى الانتصار. القريب أحق على ظاهر المذهب، وكذا فى الغسل والادلاء والتجهيز والكفن وهو قول الفقهاء
(1)
. ويوارى الميت فى قبره من يجوز له غسله باللمس فيوارى الرجل رجل أو زوجته أو أمته والمرأة امرأة أو زوجها أو محرمها أما اذا لم يوجد من يجوز له غسله باللمس حالة القبر جاز أن يدليه غيره للضرورة
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى «الروضة البهية» أن الأولى بميراث الميت أولى بأحكامه بمعنى أن الوارث أولى ممن ليس بوارث وان كان قريبا، ثم ان اتحد الوارث اختص، وان تعدد فالذكر أولى من الأنثى والمكلف أولى من غيره، والأب أولى من الولد، والجد، والزوج أولى بزوجته مطلقا فى جميع أحكام الميت، ولا فرق بين الدائم والمنقطع. ويجب المساواة بين الغاسل والميت فى الرجولية والأنثوية فاذا كان الولى مخالفا للميت أذن للمماثل لأن ولايته تسقط، لا منافاة بين الأولوية وعدم المباشرة، وقيد بالرجولية لئلا يخرج تغسيل كل من الرجل والمرأة ابن ثلاث سنين ونيته لانتقاء وصف الرجولية فى المغسل الصغير، ومع ذلك لا يخلو من القصور كما لا يخفى، والمحرم وهو من يحرم نكاحه مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة يغسل محرمها الذى يزيد سنه عن ثلاث سنين من وراء الثوب
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب «شرح النيل» أنه يغسل الرجل برجال، والمرأة بنساء اتفاقا والطفل ما لم يجاوز سبعا تغسله الرجال أو النساء وان جاوزها فلا يغسله الا الرجال ان حضروا، والا تيمم له (أى يمحوه) كطفلة حضرها رجال فقط، ورخص أن يغسلوا ان لم تجاوز أربعة والا تيمموا لها (أى يمموها) ان لم يحضرها غيرهم. وقيل تغسل المرأة الطفل ما لم يتكلم، والرجل الطفله ما لم تتكلم، وقيل تغسل الفطيم أو فوقه بشئ، وقيل ابن أربع أو خمس
(4)
.
وقال أبو العباس: «ويلزم غسل الميت أولياءه» وان لم يشتغلوا به فكل من حضر. وينبغى أن لا يغسل الميت محارمه من الرجال والنساء الا على الضرورة
(5)
. وأولى بالأنثى غسلا عن محارمها الاناث زوجها ان كان، والا فليغسلها النساء، وهى على الترتيب فى الحرمة.
وذوات الحرمة هن كل امرأة لو كانت رجلا لم يحل له نكاحها بسبب القرابة ثم الأجنبية بعد
(1)
نفس المرجع ح 1 ص 427، 428.
(2)
نفس المرجع ح 1 ص 437.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ح 1 ص 38، 39 نفس الطبعة السابقة.
(4)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ح 1 ص 648، 649 نفس الطبعة السابقة.
(5)
المرجع نفسه ح 1 ص 654 نفس الطبعة.
القريبة. والرضاع كالنسب
(1)
. وفرض تكفين ميت على حاضره ثوب كتان أو قطن طاهر أبيض جديد ان تيسر، وهو قبل الدين من ماله ان كان له مال، والا فعلى ورثته بحسب سهامهم غير الازواج، والكلالة ان لم يكونوا من العصبة ان حضروه، والا فعلى حاضره، وان لم يجده الا بكل ماله فان أشهد على أخذ قيمته من مال الهالك أو وارثه أخذ، والا عد متبرعا
(2)
. ولا يكفن فى كفن واحد متعدد غير ولد مات مع أمه بعد خروجه أو قبله وقبل تفريق بينهما، وان مات بعد خروجه أو قبله وأمه حية فرق بينهما ولا ينتظر موتها، فهذان المذكوران من ولد وأمه حكمهما أنه يجعل لأمه ما أمكنها من سننها ثم تضم مع ولدها فى كفن واحد بعد لفه منه أو من غيره ويلصق الى كفنها ويستر بطرفه وحده، ويجعل أمامها ان كان ذكرا، لأنه أفضل ولأن صلاة الرجل فى حياته أمام المرأة، ويجعل خلفها ان كان أنثى لعظم حق الأم، ولعله ان كان خنثى مشكلا جعل أمامها أيضا. ولا يفرق بينهما بعد موت بأن ولد ميتا بل قبله. فاذا لم يفرقوا حتى مات فلا يفرقوه، وقيل يفرقونه. وان خرج ميتا فلا يفرق وقيل يفرق وعلى كل قول من القولين يلف فقط، اذ لا تلزم حقوق ولد خرج ميتا. وفى جعله أمام أو خلف أو حيث شاؤا ما مر أيضا بخلاف ما اذا خرج حيا. وفرق قبل موته فله حقوقه على حده
(3)
. وأولى الناس بالصلاة على الميت أبوه وأب أبيه وان علا على الترتيب، ثم الزوج ثم الابن ثم الأخ الشقيق ثم الأبوى ثم العم كذلك ثم الأقرب فالأقرب. وان استووا كاخوة اشقاء صلى واحد، وان تنازعوا اقترعوا. وان صلى عليه بعيد ولو كان أجنبيا فصلاته كافية. ولا يصلى عليه حتى يستأذن وليه ولو كان الولى امرأة وكذا دفنه.
وان لم يعرف الولى كيف يصلى أو يدفن أو يفعل غير ذلك فكل من يعرف. وقيل: يقدم القوم فى الصلاة من رضوا به للصلاة عليه كغيرها من الصلوات. وأما فى الدفن فلا، بل لابد من الولى أو اذنه فيه، الا ان لم يتيسر.
وقيل الامام أو أمير الجيش أولى من الولى فى صلاة الميت كصلاة الجمعة
(4)
. وأولى بالأنثى انزالا فى قبرها محرمها، وقيل زوجها وهو الراجح، ويحتمل أن يريد بالمحرم ما يشمل الزوج فيقدم الزوج، وذلك أن المحرم ضد الزوج. وهو من لا يحل له تزوجها، ولكن قد يراد فى العرف للمحرم من يحل لها أن تكشف اليه. ويلى محرمها عجزها ان كان واحدا والباقون ليس بمحاوم، وكذا الزوج مع سائر من لم يكم محرما لها، وهو مقدم على المحرم. ويلى عجز الزوج الزوجة ان لم يكن الا هى والنساء.
وقيل محرمته أولى. وان لم يكن محرم ولا زوج فليل عجزها أمين، وان لم يكن فليخطر خير من وجد، فان تنازع أولياء الميت على غسله وتكفينه ودفنه فالأقرب فالأقارب،
(1)
نفس المرجع ح 1 ص 659 نفس الطبعة.
(2)
نفس المرجع ح 1 ص 659، 660 نفس الطبعة.
(3)
نفس المرجع ح 1 ص 669، 670 نفس الطبعة.
(4)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ح 1 ص 679، 680 نفس الطبعة السابقة.
الا أن الزوجة أولى من الأب بالغسل والتكفين وادخال القبر
(1)
.
الأم وعدم خروج ابنها
للجهاد اذا احتاجت اليه
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» أنه لا يباح للعبد أن يخرج للجهاد الا باذن مولاه ولا المرأة الا باذن زوجها لأن خدمة المولى والقيام بحقوقه الزوجية كل ذلك فرض عين، أحكامه مقدما على فرض الكفاية، وكذا الولد لا يخرج الا باذن والديه أو أحدهما اذا كان الآخر ميتا لأن بر الوالدين فرض عين فكان مقدما على فرض الكفاية، والأصل أن كل سفر لا يؤمن فيه الهلاك ويشتد فيه الخطر لا يحل للولد أن يخرج اليه بغير اذن والديه لأنهما يشفقان على ولدهما فيتضرران بذلك وكل سفر لا يشتد فيه الخطر يحل له أن يخرج اليه بغير اذنهما اذا لم يضيعهما لانعدام الضرر، ومن مشايخنا من رخص فى سفر التعلم بغير اذنهما لأنهما لا يتضرران بذلك بل ينتفعان به فلا يلحقه سمة العقوق، هذا اذا لم يكن النفير عاما، فأما اذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه لقول الله سبحانه وتعالى «اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً 2» قيل نزلت فى النفير وقول الله سبحانه وتعالى:«ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ 3» ولأن الوجوب على الكل قيل عموم النفير ثابت لأن السقوط عن الباقين بقيام البعض به فاذا عم النفير لا يتحقق القيام به الا بالكل فبقى فرضا على الكل عينا بمنزلة الصوم والصلاة فيخرج العبد بغير اذن مولاه، والمرأة بغير اذن زوجها لأن منافع العبد والمرأة فى حق العبادات المفروضة عينا مستثناة عن ملك المولى والزوج شرعا كما فى الصوم والصلاة، وكذا يباح للولد أن يخرج بغير اذن والديه لأن حق الوالدين لا يظهر فى فروض الاعيان كالصوم والصلاة
(4)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «حاشية الدسوقى على الشرح الكبير» أن للوالدين أو أحدهما منع الابن من السفر فى كل فرض كفاية اذا كان السفر لتحصيله فى البر أو البحر الخطر لا ان كان فى بر آمن ويستثنى من ذلك الجهاد فان لهما منع الولد منه مطلقا ولو كان السفر له فى بر آمن ويستثنى أيضا طلب العلم الكفائى ان كان فى بلدهما من يفيده والا فليس لهما منعه من السفر، وليس للجد أو الجدة المنع من الخروج للجهاد وان كان برهما واجبا فيسترضيهما ليأذنا له فان أبيا خرج بلا اذن وليس لأحد الأبوين الكافرين المنع من
(1)
نفس المرجع السابق ح 1 ص 697.
698 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 41 من سورة التوبة.
(3)
الآية رقم 120 من سورة التوبة.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 7 ص 98 نفس الطبعة السابقة.
الخروج للجهاد لأنه مظنة قصد توهين الاسلام الا لقرينة تفيد الشفقة ونحوها
(1)
.
وجاء فى «مواهب الجليل» أن للوالدين منع الولد من الجهاد إذا كان فرض كفاية أما إذا كان الجهاد فرض عين فلا يحتاج لإذنهما ولو لم يكونا فى كفاية وهو مذهب المدونة
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «مغنى المحتاج» أنه يحرم على رجل جهاد بسفر وغيره الا باذن أبويه ان كانا مسلمين لأن الجهاد فرض كفاية وبرهما فرض عين، وفى الصحيحين أن رجلا استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى الجهاد فقال:
«ألك والدان» ؟ فقال نعم، قال:«ففيهما فجاهد» وفى رواية «ألك والدة» ؟ قال نعم.
قال: فانطلق اليها فأكرمها فان الجنة تحت رجليها». رواه الحاكم وقال صحيح ولو كان الحى أحدهما لم يجز الا باذنه وجميع أصوله المسلمين كذلك، ولو وجد الأقرب منه واذن سواء كانوا أحرارا أم أرقاء ذكورا أم لناثا لأن برهم متعين عليه بخلاف الكافر منهم لا يجب استئذانه، وكذا المنافق كما نص عليه فى «الأم» ولو كان الولد رقيقا اعتبر اذن سيده لا والديه كما قال الماوردى، ويلزم المبعض استئذان الأبوين لما فيه من الحرية والسيد لما فيه من الرق. فان أذن الأبوان والغريم للرجل فى الجهاد ثم رجعوا بعد خروجه وعلم بذلك وجب عليه الرجوع ان لم يحضر الصف لأن عدم الاذن عذر يمنع وجوب الجهاد فكذا طريائه كالعمى والمرض، ولو أسلم أصله الكافر بعد خروجه ولم يأذن وعلم الفرع الحال فهو كالرجوع عن الاذن ويستثنى من كلامه ما لو خاف على نفسه أو ماله أو خاف انكسار قلوب المسلمين برجوعه أو خرج مع الامام بجعل كما قاله الماوردى تبعا للنص فلا يلزمه الرجوع بل لا يجوز فى معظم ذلك وان أمكنه الاقامة عند الخوف بموضع فى طريقه الا أن يرجع الجيش فيرجع معهم لزمه ذلك وان لم يمكنه الاقامه ولا الرجوع فله المضى مع الجيش لكن يتوقى مظان الموت كما نص عليه فى «الأم» فان حضر الصف وشرع فى القتال بأن التقى الصفان ثم رجع من ذكر وعلم برجوعه حرم الانصراف فى الأظهر وعبر فى الروضة بالأصح لوجوب المثابرة لقول الله سبحانه وتعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا» ولأن الانصراف يشوش أمر القتال ويكسر القلوب والثانى لا يحرم بل يجب الانصراف رعاية لحق الآدمى الذى بناؤه على الضيق. وعلى الأول لا يقف موقف طلب الشهادة بل فى آخر الصفوف يحرس كما قاله القاضى أبو الطيب، وحكى عن نص الشافعى رضى الله عنه
(3)
.
وجاء فى «الأم» أنه اذا كان الأبوان على غير دينه فانما يجاهد أهل دينهما ولا طاعة لهما عليه فى ترك الجهاد وله الجهاد وان
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ح 2 ص 175، 176 نفس الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل للحطاب ح 3 ص 350.
(3)
مغنى المحتاج ح 4 ص 201، 202.
خالفهما، والأغلب أن منعهما سخط لدينه ورضا لدينهما لا شفقة عليه فقط، وقد انقطعت الولاية بينه وبينهما فى الدين يقول الامام الشافعى: ان الدليل على ذلك أن ابن عتبة ابن ربيعة جاهد مع النبى صلى الله عليه وسلم وأمره النبى عليه الصلاة والسلام بالجهاد وأبوه مجاهد النبى عليه الصلاة والسلام فلست أشك فى كراهية أبيه لجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك جاهد عبد الله بن عبد الله بن أبى مع النبى صلى الله عليه وسلم وأبوه متخلف عن النبى صلى الله عليه وسلم بأحد، ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم ممن لا أشك - ان شاء الله تعالى. فى كراهتهم لجهاد أبنائهم مع النبى عليه الصلاة والسلام اذ كانوا مخالفين مجاهدين له أو مخذلين، وأى الأبوين أسلم كان حقا على الولد أن لا يغزو الا باذنه الا أن يكون الولد يعلم من الوالد نفاقا فلا يكون له عليه طاعة فى الغزو
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كشاف القناع» أنه لا يجاهد تطوعا من أبواه حران مسلمان عاقلان إلا بإذنهما وان كان أحد أبويه حرا مسلما عاقلا لم يجاهد تطوعا إلا بإذنه، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله. أجاهد فقال له الرسول: «لك أبوان؟» قال نعم. قال: «ففيهما فجاهد» وروى البخارى معناه من حديث ابن عمرو وروى أبو داود عن أبى سعيد أن رجلا هاجر إلى النبى صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال:«هل لك أحد باليمن؟» فقال: أبواى فقال: «أذنا لك؟» قال: لا. قال «فارجع فاستئذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما، ولأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، والأول مقدم، ويسقط اذن الوالدين اذا تعين عليه الجهاد لحضور الصف أو حضر العدو أو استنفار الأمام له ونحوه، لأنه يصير فرض عين وتركه معصية
(2)
.
مذهب الظاهرية:
وعند الظاهرية لا يجوز الجهاد إلا بإذن الأبوين، إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين فعندئذ يفرض على كل من يمكنه اعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم أذن الأبوان أم لم يأذنا، إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده، فلا يحل له ترك من يضيع منهما لحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص الذى رواه البخارى حيث قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فى الجهاد، فقال له عليه الصلاة والسلام:«أحى والداك؟» قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ففيهما فجاهد» . ومن طريق البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم
(1)
الأم للامام الشافعى ح 4 ص 86، 87 نفس الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 1 ص 657 نفس الطبعة السابقة.
قال: «السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «شرح الأزهار» أن الجهاد فرض بلا خلاف لقول الله تبارك وتعالى:
«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ»
(2)
والآى الدالة على وجوبه كثيرة، لكنه فرض كفاية لا فرض عين. وروى عن ابن المسيب أنه فرض عين. ولا خلاف فى كونه فرض عين اذا قصد الكفار أو البغاة ديار المسلمين. قال فى شرح الابانة الا أنه يكفى البعض فى دفعه.
واذا ثبت وجوبه فانه يجب أن يخرج له ولكل واجب ويندب لكل مندوب فى غالب الأحوال لا فى جميعها فانه قد لا يجوز الخروج وقد يكره، أما حيث لا يجوز فهو اذا كان يفوت بخروجه لذلك الواجب واجب مثله أو أهم منه نحو أن يخرج لطلب ما هو فرض كفاية ويخل بخروجه بنفقة من يلزمه انفاقه والتكسب له فى جهته، أو يخرج لطلب العلم وفى جهته جهاد واجب متعين اما مع امام أو مع مدافع عن نفسه أو نحو ذلك مع محترم الدم كأهل الذمة. أما المكروه فحيث يفوت مندوب أفضل مما خرج له أو مثله.
بل يخير نحو أن يخرج لزيارة بعض اخوانه فى جهة نازحة، ووالداه يبكيان من فراقه وتشتد لوعتهما بحيث يكون ادخال السرور عليهما أفضل من تلك الزيارة. وأما اذا كان الذى خرج له واجبا كالجهاد والنفقة الواجبة، أو أفضل نحو أن يكون فى غير وطنه أقرب الى المواظبة على الطاعة والبعد عن الشبهة الجائزة والمكروهات فانه يجوز، بل يجب فيما هو واجب، ويندب فيما هو مندوب له الخروج وان كره الوالدان يدخل فى ذلك الجد والجدة، وقيل الأب والأم فقط وهو الظاهر خروجه لم يتأخر عن الخروج لأجل كراهتهما الخروج. وقيل بل لا يجوز خروجه للجهاد الا باذن والديه المسلمين أو أحدهما لقوله صلى الله عليه وسلم:«لنومك على السرير برا بوالديك تضحكهما ويضحكانك أفضل من جلادك بالسيف فى سبيل الله» قيل وكذلك الخلاف فى الخروج للحج وطلب العلم ما لم يتضررا أو أحدهما مضرة فى أبدانهما وان كان من جهة النفقة بخروج الولد، فان تضررا حرم حينئذ الخروج بالاجماع، قيل الا أن يكونا كافرين حربيين لاذميين فله الخروج بالاتفاق. وذلك لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم:«أن رجلا هاجر من اليمن فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:» ألك أحد فى اليمن؟ قال: أبوان:
فقال: مر اليهما فاستئذنهما فان أذنا فجاهد وان لم يأدنا فأبرهما: وروى أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الجهاد فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألك أبوان؟» قال: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم قال: (ففيهما فجاهد) وروى عنه صلى الله عليه وسلم: «ارجع اليهما فاضحكهما كما أبكيتهما
(3)
».
(1)
المحلى لابن حزم الاندلسى ح 7 ص 292 مسألة رقم 922 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 216 من سورة البقرة.
(3)
شرح الأزهار ح 4 ص 526، 527 نفس الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
وجاء فى كتاب «الروضة البهية» أن للأبوين منع الولد من الجهاد ان كان المقصود جهاد المشركين ابتداء لدعائهم للإسلام، إلا أن يتعين عليه الجهاد بأمر الإمام، أو بضعف المسلمين عن المقاومة بدونه، إذ يجب عليه حينئذ الجهاد عينا فلا يتوقف على أذن الأبوين أما جهاد من يدهم على المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلاءهم على بلادهم وأخذ مالهم وما أشبهه وإن قل، فإنه لا يحتاج إلى أذن الأبوين
(1)
.
مذهب الإباضية:
وجاء فى كتاب «شرح كتاب النيل وشفاء العليل» . أنه لا يخرج الابن عن أبويه فى غير فرض كتعين حج وطلب قوت وان لعياله أو من لزمته مؤنته أو نفقته وجهاد راجع أمره اليه واحتيج فيه اليه كأن يكون اماما عادلا احتيج لحضوره أو قائما بأمر من أمور الحرب لا يقوم به غيره الا باذنهما ان احتاجا اليه، والا جاز الخروج عنهما لو منعاه، أو كان ما يخرج اليه غير فرض متعين، مفهوم من قول الربيع: من أراد الجهاد وكان له أبوان أو واحد، فقيران كارهان لخروجه، أو كبيران أو مريضان، فأرى ان لم يكن لهما غنى أن يقيم معهما فهو أفضل، فالخروج غير جائز، وذلك حيث لم يتعين الخروج والا وجب. قال الشيخ: عليه أن يخرج الى الجهاد ولو كرها ان كان لهما غنى لأنهما لا يمنعانه مما لم يمنعه الله منه وأمره به.
ولو منعاه كالجهاد فان الله أمره ولم يشترط رضى والديه فوجب عليه الخروج اليه اذا تعين واستحسنه له اذا لم يتعين. ولم تشترط السنة الا احتياجهما اليه لمرض أو كبر أو احتياج، فالباقى باق على وجوبه أو استحسانه وان كرها. وقيل لا بد من اذنهما وان استغنوا عنه فى غير فرض تعين. وأما فيه وقد استغنوا عنه فلا بد من اذنهما، وان منعاه خرج ولا اثم عليه. واما فيه - ولم يستغنوا - فان وجد من يقوم عنه عليه أو عليهما عذاك، والا اشتغل بما كان: وكذا القعود معهما أو الخروج الى الفرض ويؤخر ما احتمل التأخير، وله خروج من جهاد لم يلزمه لأنه لا حد له، ولو دخل فيه ان أمراه بالخروج ولم يكن فى خروجه انهزام المؤمنين فانه يجب عليه الخروج
(2)
. ولا طاعة للوالدين فى ترك العدو اذا فاجأ المسلمين فيجب عليه دفاعهم ولو منعاه
(3)
.
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ص 216 - 218 طبعة دار الكاتب العربى للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ح 1 بمصر.
(2)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ح 2 ص 586، 587 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ح 2 ص 593 نفس الطبعة السابقة.
الأم وأحكام الهبة
مذهب الحنفية:
جاء فى «الهداية شرح بداية المبتدى» أنه اذا وهب لابنه الصغير هبة ملكها بالعقد، لأنه فى قبض الأب فينوب عن قبض الهبة، ولا فرق بين ما إذا كان فى يده أو فى يد مودعه لأن يده كيده، وكذا اذا وهبت له أمه وهو فى عيالها والأب ميت ولا وصى له، وكذلك كل من يعوله وان وهب له أجنبى هبة تمت بقبض الأب، لأنه يملك عليه الدائر بين النافع والضار، فأولى أن يملك النافع. واذا وهب لليتيم هبة فقبضها له وليه وهو وصى الأب أو جد اليتيم، أو وصيه جاز، لأن لهؤلاء ولاية عليه لقيامهم مقام الأب. وان كان فى حجر أمه فقبضها له جائز لأن لها الولاية فيما يرجع الى حفظه وحفظ ماله وهذا من بابه لانه لا يبقى الا بالمال فلا بد من ولاية التحصيل، وكذا اذا كان فى حجر أجنبى يربيه، لأن له عليه يدا معتبرة وان قبض الصبى الهبة بنفسه جاز اذا كان عاقلا، لأنه نافع فى حقه وهو من أهله. وفيما وهب للصغيرة يجوز قبض زوجها لها بعد الزفاف لتفويض الأب أمورها اليه دلالة، بخلاف ما قبل الزفاف. ويملكه مع حضرة الأب بخلاف الأم، وكل من يعولها غيرها حيث لا يملكونه الا بعد موت الأب أو غيبته غيبة منقطعة فى الصحيح لأن تصرف هؤلاء للضرورة لا بتفويض الأب. ومع حضوره لا ضرورة
(1)
. واذا وهب المرء هبة لأجنبى فله الرجوع فيها، والمراد بالأجنبى هنا من لم يكن ذا رحم محرم منه، فخرج منه من كان ذا رحم وليس بمحرم كبنى الأعمام والأخوال، ومن كان محرما ليس بذى رحم كالأخ الرضاعى، وذلك لقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها، أى ما لم يعوض» ولأن المقصود فى الهبة هو التعويض للعادة، لأن العادة الظاهرة أن الانسان يهدى الى من فوقه ليصونه بجاهه، والى من دونه ليخدمه، والى من يساويه ليعوضه، واذا تطرق الخلل فيما هو مقصود من عقد الهبة يتمكن العاقد من الفسخ كالمشترى اذا وجد بالمبيع عيبا فثبتت له ولاية الفسخ عند فوات المقصود، اذ العقد يقبله، والمراد بما روى نفى استبداد الرجوع، يعنى لا يستبد الواهب بالرجوع فى الهبة، ولا ينفرد به من غير قضاء أو رضا الا الوالد فيما وهب لولده، فان ذلك له اذا احتاج اليه لحاجته وسمى ذلك رجوعا باعتبار الظاهر، وان لم يكن رجوعا فى الحكم
(2)
.
أما الكراهة فلازمة لقوله عليه الصلاة والسلام: «العائد فى هبته كالعائد فى قيئه» وهذا لاستقباحه. ثم للرجوع موانع ذكر بعضها فقال: الا أن يعوضه عنها لحصول المقصود، أو تزيد زيادة متصلة، لأنه لا وجه الى الرجوع فيها دون الزيادة لعدم الامكان، ولا مع الزيادة لعدم دخولها تحت العقد، أو
(1)
الهداية فى شرح بداية المبتدى لبرهان الدين على بن أبى بكر الميرغينانى ح 7 ص 125 - 127.
(2)
شرح العناية على الهداية لمحمد بن محمود البابرتى ح 7 ص 130 - 132 على هامش كتاب الهداية الطبعة السابقة.
بموت أحد المتعاقدين، أو تخرج الهبة عن ملك الموهوب له
(1)
.
وجاء فى «مختصر القدورى» أن من وهب جارية الا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «المدونة الكبرى» أنه لو وهبت الأم لولدها الصغار وهم فى حجرها هبة وأشهدت لهم فانها لا تكون حائزة لهم الا أن تكون وصيا، فيجوز أن تحوز لهم، ويجوز كذلك اذا كانت وصى للوالد أو وصى وصى الوالد ففى هذه الحالات الأم تكون حائزة صدقتها وهبتها على ولدها الصغار - واذا حاضت الجارية وليس لها والد ووهبت لها أمها هبة والأم وصيتها وهى فى حجر أمها تكون الأم حائزة لها هبتها
(3)
. واذا وهبت الأم لولدها أو نحلتهم ولهم أب فان الأم تعتصر ذلك كما يعتصره الأب ما لم يستحدثوا دينا أو ينكحوا. وما نحلت أو وهبت الأم لولدها الصغار ولا أب لهم فانها لا تعتصر ذلك وليس يعتصر ما يوهب لليتامى، ولا ما ينحلون انما ذلك بمنزلة الصدقة. وما نحل الأب أو وهب لولده الصغار فانه يعتصر ذلك ولو لم تكن لهم أم لأن اليتيم انما هو من قبل الأب. الا ان ينكحوا أو يحدثوا دينا.
واذا وهبت الأم لولدها وهم كبار هبة فانه يجوز لها أن تعتصرها قبل أن يحدثوا فيها شيئا. واذا وهبت الأم لولدها وهم صغار لا والد لهم هبة فبلغوا رجالا ولم يحدثوا فى الهبة شيئا فليس للأم أن تعتصر الهبة لأنها وقعت يوم وقعت لهم وهم يتامى وهى بمنزلة الصدقة. واذا كان للصغير والد، والوالد مجنون جنونا مطبقا وله والدة فوهبت له الأم هبة فلها أن تعتصرها ان شاءت لأنه ليس بمنزلة اليتيم
(4)
.
وجاء فى «بداية المجتهد» أن مالكا وجمهور علماء المدينة ذهبوا الى أن للأب أن يعتصر (يرجع) ما وهبه لابنه ما لم يتزوج الابن أو لم يستحدث دينا وبالجملة ما لم يترتب عليه حق الغير، وان للأم أيضا أن تعتصر ما وهبت ان كان الأب حيا، وقد روى عن مالك أنها لا تعتصر. والاجماع على أن الهبة التى يراد بها الصدقة أى وجه الله لا يجوز لأحد الرجوع فيها. وسبب الخلاف تعارض الآثار، فمن لم ير الاعتصار أصلا احتج بعموم الحديث الثابت، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«العائد فى هبته كالكلب يعود فى قيئه» ومن استثنى الابوين احتج بحديث طاوس أنه قال صلى الله عليه وسلم:
(1)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 7 ص 132، 133 الطبعه الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر سنه 1316 هـ.
(2)
مختصر القدورى لأبى الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر حمدان ص 69 طبعة دار سعادات مطبعة عثمانية سنة 1309 هـ.
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية الامام سحنون بن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن ابن القاسم وبهامشه المقدمات الممهدات لابن رشد ح 15 ص 134، 135 وما بعدها طبعة المطبعة الخيرية 1324 هـ.
(4)
المدونة الكبرى ح 15 ص 136 وما بعدها الطبعة السابقة.
«لا يحل لواهب أن يرجع فى هبته الا الوالد» وقاس الأم على الوالد
(1)
. وجاء فى «بداية المجتهد» أن مالكا وأصحابه قالوا انه لا بد من الحيازة فى المسكون والملبوس، فان كانت دارا سكن فيها خرج منها، وكذلك الملبوس ان لبسه بطلت الهبة، وقالوا فى سائر العروض انه يكفى فى ذلك اعلانه واشهاده، أما الذهب والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك، فروى عنه أنه لا يجوز الا أن يخرجه الأب عن يده الى يد غيره، وروى عنه أنه يجوز اذا جعلها فى ظرف أو اناء وختم عليها بخاتم وأشهد على ذلك الشهود. ولا خلاف بين أصحاب الامام مالك أن الوصى يقوم فى ذلك مقام الأب، واختلفوا فى الأم: فقال ابن القاسم لا تقوم مقام الأب ورواه عن مالك، وقال غيره من أصحابه انها تقوم مقامه
(2)
. ويرى الامام مالك جواز تفضيل الرجل بعض ولده على بعض فى الهبة، ولكن لا يجوز أن يهب بعضهم جميع المال دون بعض
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب «نهاية المحتاج الى شرح المنهاج» أنه يسن للوالد أى الأصل وان علا العدل فى عطية أولاده أى فروعه وان سفلوا ولو أحفادا مع وجود الأولاد فيما يظهر كما رجحه جمع وان خصصه آخرون بالأولاد، سواء كانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أم تبرعا آخر فان ترك العدل بلا عذر كره عند أكثر العلماء خلافا لمن ذهب الى حرمته. والأصل فى ذلك خبر البخارى «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» وخبر أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن أراد أن يشهده على عطية لبعض أولاده «لا تشهدنى على جور، لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم» وفى رواية لمسلم أشهد على هذا غيرى، ثم قال أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟ قال بلى «قال فلا اذن» فأمره باشهاد غيره صريح فى الجواز وتسميته جورا باعتبار ما فيه من انتفاء العدل المطلوب، فان فضل البعض أعطى بقيتهم ما يحصل به العدل، والأرجع ندبا للأمرية فى رواية، نعم يظهر أنه لو علم من المحروم الرضى وظن عقوق غيره لفقره ورقة دينه لم يستحب الرجوع ولم يكره التفضيل، كما لو حرم فاسقا لئلا يصرفه عن معصية أو عاقا أو زاد أو آثر الأحوج أو المتميز بنحو فضل كما فعله الصديق مع عائشة: رضى الله عنهما والأوجه أن حكم تخصيص بعضهم بالرجوع فى هبة حكم ما لو خصصه بالهبة فيما مر وأفهم قوله عطية عدم طلب التسوية فى غيرها كتودد بكلام أو غيره لكن ذكر الدميرى فى بعض نسخه أنه لا خلاف فى طلب التسوية بينهم حتى فى الكلام وهو متجه اذ كثيرا ما يترتب على التفاوت فى ذلك ما مر فى الاعطاء، ومن ثم ينبغى أن يأتى هنا أيضا استثناء التمييز لعذر. ويسن للولد العدل أيضا فى عطية أصوله فان فضل كره
(1)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبى الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبى الأندلسى ح 2 ص 279 مطبعة أحمد كامل بدار الخلافة العلية سنة 1333 هـ.
(2)
بداية المجتهد ح 2 ص 277 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المرجع نفسه ح 2 ص 275 نفس الطبعة السابقة.
خلافا لبعضهم وحينئذ فالأم أولى به كما فى الروضة عن الدرامى وأقره لخبر «ان لهما ثلثى البر» وعليه يحمل ما فى شرح مسلم عن المحاسبى من الاجماع على تفضيلها فى البر على الأب. والأوجه استحباب العدل بين نحو الأخوة أيضا. نعم هو دون طلبه فى الأولاد، وروى البيهقى خبر «حق كبير الأخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده» وفى رواية الأكبر من الأخوة بمنزلة الأب» وانما يحصل العدل بين من ذكر بأن يسوى بين الذكر والأنثى لرواية ظاهرة فى ذلك فى الخبر المار ولخبر ضعيف، وقيل الصحيح ارساله «سووا بين أولادكم فى العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء» . وقيل كقسمة الارث وفرق الأول بأن ملحظ هذا العصوبة وهى مختلفة مع عدم تهمة فيه وملحظ ذاك الرحم وهما فيه سواء مع التهمة فيه، وعلى هذا وما مر فى اعطاء أولاد الأولاد مع الأولاد تتصور التسوية بأن يفرض الأسفلون فى درجة الأعلين نظيرا ما يأتى فى ميراث الأرحام على قول.
وللأب الرجوع فى هبة ولده عينا بالمعنى الأعم الشامل للهدية والصدقة على الراجح بل يوجد التصريح بذلك فى بعض النسخ ولا يتعين الفور بل له ذلك متى شاء وان لم يحكم به حاكم أو كان الولد فقيرا صغيرا مخالفا دينا لخبر «لا يحل لرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة فيرجع فيها الا الوالد فيما يعطى ولده» . واختص بذلك لانتفاء التهمة فيه اذ ما طبع عليه من ايثاره لولده على نفسه يقضى وأنه انما رجع لحاجة أو مصلحة، ويكره الرجوع من غير عذر، فان وجد ككون الولد عاقا أو يصرفه فى معصية أنذره به فان أصر لم يكره كما قالا. وبحث الأسنوى ندبه فى العاصى وكراهته فى العاق ان زاد عقوقه وندبه ان أزاله واباحته ان لم يفد شيئا والأذرعى عدم كراهته ان احتاج الأب لنفقة أو دين بل ندبه حيث كان الولد غير محتاج له ووجوبه فى العاصى أن غلب على الظن تعيينه طريقا الى كفه عن المعصية - ويمتنع الرجوع كما بحثه البلقينى فى صدقة واجبة كنذر وزكاة وكفارة، وكذا فى لحم أضحية تطوع، لأنه انما يرجع ليستقل بالتصرف وهو ممتنع هنا، وقد جرى على ذلك جمع ممن سبقه وتأخر عنه ورووا على من أفتى بجواز الرجوع فى النذر بما فى الروضة وغيرها. ولا حاجة الى زيادة قول:
من قيد ذلك بما اذا وجدت صيغة نذر صحيحة، اذ النذر عند الاطلاق منصرف لذلك، ولا نظر لكونه تمليكا محضا لأن الشرع أوجب الوفاء به على العموم من غير مخصص، وقياس الواجب على التبرع غير سديد، ولا رجوع فى هبة بثواب بخلافها من غير ثواب وان أثابه عليها كما قال القاضى، وله الرجوع فى بعض الموهوب ولا يسقط بالاسقاط، وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه كما أفتى به المصنف وهو المعتمد ومحله كما أفاده الجلال البلقينى عن أبيه فيما اذا فسره بالهبة، ولو وهبه وأقبضه ومات فادعى الوارث صدوره فى المرض والمتهب كونه فى الصحة صدق الثانى بيمينه ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث لأن معها زيادة علم ثم محل ما تقرر اذا ما كان الولد حرا فان كان رقيقا فالهبة لسيده كما علم مما مر، ولو أبرأه من دين كان له عليه امتنع الرجوع جزما سواءا قلنا أنه تمليك أو اسقاط،
اذ لا بقاء للدين فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف. وكذا لسائر الأصول من الجهتين وان علوا الرجوع كالأب فيما ذكر على المشهور كما فى نفقتهم وعتقهم وسقوط القود عنهم وخرج بهم الفروع والحواشى. وأفهم كلامه اختصاص الرجوع بالواهب فلا يجوز ذلك لأبيه لو مات ولم يرثه فرعه الموهوب له لمانع قام به وورثه جده لأن الحقوق لا تورث وحدها وانما تورث بتبعية المال وهو لا يرثها.
ومقابل المشهور لا رجوع لغير الأب قصرا للوالد فى الخبر المار على الأب، والأول عممه
(1)
.
مذهب الحنبلة:
جاء فى «كشاف القناع» أنه يجب على الأب وعلى الأم وعلى غيرهما من سائر الأقارب التعديل بين من يرث بقرابة من ولد وغيره كأب وأم وأخ وابنه، وعم وابنه فى عطيتهم. ولا يجب التعديل بينهم فى شئ تافه لأنه يتسامح به فلا يحصل التأثر.
والتعديل الواجب أن يعطيهم بقدر ورثهم الا فى نفقة وكسوة فتجب الكفاية دون التعديل. ولا يجب على المسلم التسوية بين أولاد الذمة، وللأب والأم وغيرهما التخصيص لبعض أقاربه الذين يرثونه باذن الباقى منهم، فان خص بعضهم بالعطية أو فضله فى الاعطاء بلا اذن الباقى أثم .. وعليه الرجوع فيما يخص أو فضل به حيث أمكن. أو اعطاء الآخر ولو فى مرض الموت حتى يستووا.
والرجوع المذكور يختص بالأب دون الأم وغيرها كالجد والابن والأخوة والأعمام
(2)
.
ولا يجوز لواهب ولا يصح أن يرجع فى هبته ولو صدقة وهدية ونحلة أو نقوطا وحمولة فى عرس ونحوه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «العائد فى هبته كالكلب يقئ ثم يعود فى قيئه» متفق عليه، وفى رواية لأحمد قال قتاتة: ولا أعلم القئ الا حراما.
وسواء عوض عنها أو لم يعوض لأن الهبة المطلقة لا تقتضى الثواب. ولو تعلق بالموهوب رغبة الغير بأن ناكح انسان الولد الموهوب لوجود ذلك الذى وهبه له والده بأن زوجه ان كان ذكرا أو تزوجه ان كان أنثى لذلك أو داينه أو باعه أو أقرضه أو أجره ونحوه لوجود ذلك الذى وهبه أبوه له فان ذلك لا يمنع رجوع الأب فيما وهبه لولده بعد لزومها بأنواعها بالقبض. وأما الرجوع قبل لزومها فجائز مطلقا كما لا يجوز للواهب الرجوع فى قيمة العين الموهوبة ولو تلفت عنده الا الأب الأقرب لحديث ابن عمر وابن عباس يرفعانه قال: ليس لأحد أن يعطى عطية ويرجع فيها الا الوالد فيما يعطى ولده. رواه الترمذى وحسنه، وفى بعض ألفاظ حديث بشير المتقدم من قوله عليه الصلاة والسلام لبشير:
«فأردده» وروى «فأرجعه» رواه مالك.
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملى ومعه حاشية أبى الضياء نور الدين على الشبراملسى وبهامشه حاشية المغربى الرشيدى ح 5 ص 412 - 415 طبعة شركة مكتبة مصطفى البابى الحلبى 1357 هـ 1938 م.
(2)
كشاف القناع ح 2 ص 481، 482.
ولا فرق بين أب يقصد برجوعه التسوية بين أولاده وبين غيره. ولو وهب كافر لولده الكافر شيئا ثم أسلم الولد فلأبيه الرجوع فى هبته خلافا للشيخ تقى الدين. ولو أسقط الأب حقه من الرجوع فله الرجوع لأنه حق ثبت له بالشرع فلم يسقط باسقاطه كما لو أسقط الولى حقه من ولاية النكاح.
وقال فى «المنتهى» يسقط رجوعه لأنه مجرد حقه، وقد أسقطه والفرق بينه وبين ولاية النكاح أن ولاية النكاح حق عليه لله تعالى وللمرأة بدليل اثمه بالعضل بخلاف الرجوع فانه حق للأب. ولو ادعى اثنان مولودا مجهول النسب كل يقول هو ابنى فوهباه أو وهبه أحدهما شيئا فلا رجوع لانتفاء ثبوت الدعوى وان ثبت اللحاق بأحدهما ثبت له الرجوع لثبوت الأبوة، ويشترط لجواز رجوع الأب وصحته فيما وهب لولده شروط ثلاثة:
الشرط الأول: أن تكون الهبة عينا بآقية فى ملك الابن الى رجوع أبيه فلا رجوع للأب فى دينه على الولد بعد الابراء منه لأنه اسقاط لا تمليك، ولا فى منفعة أباحها له أبوه بعد الاستيفاء كسكنى دار ونحوها لأنه اباحة واستيفاء المنفعة بمنزلة اتلافها فان خرجت العين الموهوبة عن ملك الابن ببيع أو هبة أو وقف أو خرجت بغير ذلك بأن جعلها صداقا لامرأة أو عوضا فى صلح ونحوه ثم عادت العين الى الابن بسبب جديد كبيع ولو مع خيار أو هبة أو وصية أو ارث أو نحوه كأن أخذها عوضا عن أرش جناية أو قيمة متلف لم يملك الأب الرجوع فيها لأنها عادت الى الولد بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه فلم يملك ازالته كما لو لم تكن موهوبة. وان عادت العين للولد بعد بيعها بفسخ البيع بعيب فيها أو فى الثمن أو عادت باقالة أو عادت بفسخ لمفلس المشترى بالثمن أو بفسخ خيار الشرط أو المجلس ملك الأب الرجوع فيها لعود الملك بالسبب الأول فكأنه ما انتقل وبه فارق العود ببيع أو هبة أو نحوهما أو دبر لولد العبد الموهوب له من والده أو كاتبه ملك الأب الرجوع فى العبد لأن التدبير والكتابة لا يمنعان التصرف فى الرقبة بالبيع ونحوه فلم يمنعا الرجوع كما لو زوجه أو أجره وهو أى العبد الذى كاتبه الولد ثم رجع أبوه فيه مكاتب أى باق على كتابته للزومها فاذا أدى الى الأب باقى ما للكتابة عتق وان عجز كما لو باعه الابن وما أخذه الابن من دين الكتابة قبل رجوع الأب لم يأخذه منه أبوه لاستقرار ملكه عليه.
الشرط الثانى: أن تكون العين باقية فى تصرف الولد فان تلفت العين فلا رجوع للأب فى قيمتها وتقدم. وان استولد الابن الأمة التى وهبها له أبوه لم يملك الرجوع لامتناع نقل الملك فى أم الولد أو كان الأب وهبها له للاستعفاف لم يملك الأب الرجوع فيها وان استغنى الولد أو لم يستولدها لأن اعفافها واجب عليه. وان رهن الابن العين التى وهبها له أبوه وأقبضها فكذلك أو أفلس الابن وحجر عليه فكذلك أى فلا رجوع لأبيه لتعلق حق المرتهن والغرماء بالعين وفى الرجوع ابطال لذلك. وما ذكره المصنف من أن الحجرة عليه لفلس مانع من الرجوع قال الحارثى انه الصواب بلا خلاف كما فى الرهن ونحوه وبه
صرح فى المغنى وصاحب المحرر وغيرهما.
ومقتضى ما قدمه فى المقنع أنه غير مانع وتبعه فى المنتهى لأنه لم يخالفه فى التلقيح فان أفلس ولم يحجر عليه ففيه روايتان أطلقهما فى الشرح فان حمل كلام المقنع والمنتهى على فلس لا حجر معه وافق ما ذكره الحارثى والشارع. فان زال المانع بأن انفك الحجر والرهن ملك الأب الرجوع لأن ملك الابن لم يزل، وانما طرأ معنى قطع التصرف مع بقاء الملك فمنع الرجوع فاذا زال زال المانع. وكل تصرف لا يمنع الابن التصرف فى الرقبة كالوصية والهبة قبل القبض والرهن قبل القبض والوط ء المجرد عن الأحبال والتزويج للرقيق والاجارة والمزارعة عليها وجعلها مضاربة فى عقد شركة لا يمنع الأب الرجوع لبقاء ملك الابن وسلطة تصرفه. وكذلك العتق المعلق على صفة قبل وجودها فلا يمنع الرجوع. واذا رجع الأب فى العين وكان التصرف لازما كالاجارة والتزويج والكتابة فالتصرف باق بحاله كاستمراره مع المشترى من الولد، لكن تقدم أن الأخذ بالشفعة تنفسخ به الاجارة، والفرق أن للأب فعلا فى الاجارة لان تمليكه لولده تسليط له على التصرف فيه وليس كذلك الشفيع. وان كان التصرف جائزا كالوصية والهبة قبل القبض والمزارعة والمضاربة والمشاركة بطل ذلك التصرف لأنه استمرار حكمه مقيد لبقاء المعقود معه وقد فات بخلاف الأول. والتدبير والعتق المعلق بصفة لا يبقى حكمهما فى حق الأب لأنهما لم يصدرا منه ومتى عاد المدبر أو المعلق عتقه بصفة الى ملك الابن عاد حكمهما لعود الصفة.
وان وهبه الولد لولده لم يملك الواهب الأول الرجوع لأن فيه ابطالا لملك غير ابنه وهو لا يملكه الا أن يرجع هو أى الواهب الثانى فى هبته لابنه فيملك الأول الرجوع حينئذ لأنه فسخ فى هبته برجوعه فعاد اليه الملك بسببه الأول.
الشرط الثالث: أن لا تزيد العين الموهوبة عند الولد زيادة متصلة تزيد فى قيمتها كالسمن والكبر والحمل وتعلم صنعة أو تعلم كتابة أو قرآن لأن الزيادة للموهوب له، لكونها نماء ملكه ولم تنتقل اليه من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة. واذا امتنع الرجوع فيها امتنع فى الأصل لئلا يقضى الى سوء المشاركة وضرر التشخيص ولأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب فى عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح أو نصفه بالطلاق أو رجوع البائع فى المبيع لفلس المشترى وقد يفارق الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشترى وقد رضى ببذل الزيادة. وان زاد الموهوب ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع كسائر الزيادات. وان اختلف الأب وولده فى حدوث زيادة بأن قال الولد حدث فيه زيادة فمنعت الرجوع وأنكر الأب فقول الأب لأن الأصل عدم الزيادة.
ولا تمنع الزيادة المنفصلة الرجوع كولد البهيمة وثمرة الشجرة وكسب العبد لأن الرجوع فى الأصل دون النماء والزيادة المنفصلة للولد لأنها حادثة فى ملكه ولا تتبع فى الفسوخ فكذا هنا. فان كانت الزيادة ولو أمة بأن حملت الأمة وولدت عند الولد امتنع الرجوع فى الأم لتحريم التفريق بين الأم وولدها. وان وهب الأب ولده أمة أو بهيمة حاملا فولدت فى يد الابن
فالولد زيادة متصلة أى باعتبار الكبر وان وهبه أمة أو بهيمة حائلا ثم رجع الأب فيها حاملا فان زادت قيمتها بالحمل فزيادة متصلة تمنع الرجوع وان وهبه نخلا فحملت فقبل التأبير زيادة متصلة تمنع الرجوع وبعد التأبير والمراد التشقق فهى زيادة منفصلة لا تمنع الرجوع نقله الحارثى عن الموفق واقتصر عليه. وان تلف بعض العين لم يمنع الرجوع فى الباقى منها وان نقصت قيمتها لم يمنع الرجوع وان أبق العبد لموهوب لم يمنع الرجوع لبقاء الملك أو ارتد الولد الموهوب له لم يمنع الرجوع لبقاء الملك ولا ضمان على الابن فيما تلف منها ولو كان التلف بفعله لأنه فى ملكه. وان جنى العبد الموهوب للولد جناية يتعلق ارشها برقبته فللأب الرجوع فيه لبقاء ملك ولده عليه ويضمن الأب ارش الجناية لتعلقه برقبة العبد فيفديه أو يسلمه أو يبيعه فيها فان جنى على العبد الموهوب للولد فرجع الأب فيه فأرش الجناية عليه للابن لأنها زيادة منفصلة وصفة الرجوع من الأب فيما وهبه لولده أن يقول قد رجعت فى هبة أو يقول ارتجعتها أو رددتها ونحوه كعدت فيها أو أعدتها الى ملكى ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع. قال الحارثى والأكمل رجعت فيما وهبته لك من كذا ومن الناس من قسمه الى صريح وكناية بنية ولا بأس به.
وسواء علم الولد برجوع أبيه أو لم يعلم به. ولا يحتاج الرجوع الى حكم حاكم لثبوته بالنص كفسخ معتقه تحت عبد. وان تصرف الأب فيما وهبه لولده بعد قبض الابن لم يكن رجوعا بغير قول، أو وطئ الأب الجارية التى وهبها لولده وأقبضها له ولو نوى الأب بالتصرف أو الوط ء الرجوع لم يكن ذلك رجوعا بغير قول لأن ملك الموهوب له ثابت يقينا فلا يزول الا بيقين وهو صريح القول
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى» أن من وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ يلفظ بها إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما فلهما الرجوع فيه أبداً، الصغير والكبير سواء وسواء تزوج الولد أو الابنة على تلك العطية أو لم يتزوجا، داينا عليها ولم يداينا، فإن فات عينها فلا رجوع لهما بشئ، ولا رجوع لهما بالغلة ولا بالولد الحادث بعد الهبة، فإن فات البعض وبقى البعض كان لهما الرجوع فيما بقى فقط. والحجة فى ذلك قول الله تبارك وتعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»
(2)
. وقوله: «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ»
(3)
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «العائد فى هبته كالعائد فى قيئه» وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحل لأحد يعطى العطية فيرجع فيها الا الوالد يعطى ولده، ومثل الذى يعطى العطية فيرجع فيها كالكلب أكل حتى اذا شبع قاء ثم عاد فرجع فى قيئه
(4)
.
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ح 2 ص 483 - 485 الطبعة الأولى القاهرة.
(2)
الآية رقم (1) من سورة المائدة.
(3)
الآية رقم (33) من سورة محمد.
(4)
المحلى لابن حزم الأندلسى ح 9 المسألة رقم 1629 ص 127 - 135 نفس الطبعة السابقة.
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «شرح الأزهار» أنه اذا كانت الهبة لذى رحم محرم أو من يليه بدرجة لم يصح الرجوع فيها سواء كانت لله أم لا الا الأب فله الرجوع فى هبة طفله ما لم يحصل أحد الموانع كأن تكون الهبة لله تعالى أو يزيد الموهوب زيادة متصلة أو يستهلكه ولو حكما كالحفظ أو نحو ذلك .. فأما لو لم يكن طفلا بل كان بالغا. لم يصح للوالد الرجوع فيما وهب له. فان قيل قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الا الوالد فيما وهب لولده» فالواجب أن الكبير مخصوص بدلالة أخرى الا فيما وهبه لولده «الصغير» فلو وهب له فى صغره وأراد الرجوع بعد البلوغ لم يصح ذلك.
وقيل لا يجوز الرجوع للوالد مطلقا، وقيل له: أن يرجع مطلقا صغيرا كان الولد أم كبيرا وان سفل الولد وفى صحة رجوع الأم فيما وهبت لولدها الصغير خلاف، فقيل أنه لا رجوع لها وقيل ان لها الرجوع اذ لفظ الوالد يعمهما وهو قوى
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «الخلاف» فى الفقه أنه اذا أعطى انسان ولده فانه يستحب له أن لا يفضل بعضهم على بعض سواء كانوا ذكورا أو اناثا وعلى كل حال. والدليل على ذلك ما رواه ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سووا بين أولادكم فى العطية
(2)
».
وجاء فيه كذلك أنه اذا وهب الوالد ولده وان علا الوالد أو الأم لولدها وان علت، وقبضوا ان كانوا كبارا أو كانوا صغارا لم يكن لهما الرجوع فيه
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب «شرح النيل» أن الهبة هى تمليك بلا عوض، والهبة لثواب الآخرة صدقة، وأما لثواب الدنيا فهبة ثواب، وتصح الهبة مطلقا فى كل شئ مملوك ولو معنى كسائر المنافع الا الدنانير والدراهم فلا تجوز هبتها للثواب ولا تصح هبة فى الحرام لأنه غير مملوك كلحم الميتة. وتجوز بطيب نفس واهبها اذا كان بالغا حرا عاقلا مالكا جائز التصرف، أو نائب من كان كذلك بلا خلف أى بلا عوض ان كانت لغير ثواب، وبالخلف ان كانت لثواب، وهل تصح بلا قبول وقبض مطلقا؟ أو تصح بهما أو تصح بقبول فقط، وهو المختار فى غير هبة الأب لولده ذكرا أو أنثى، وأما فى هبة الأب لولده فالمختار اشتراط القبض.
وذكر الإباضية أن من أعطى ابنه أو ابنته عند التزوج شيئا لم يحتج للقبض، فإن مات ابنه أو ابنته أخذ منه وارثه لأنه لما أنعقد عليه النكاح صار كالبيع. وقيل لا تصح إلا بقبض. وعلى اشتراط القبض لا يصح
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ح 3 ص 442، 443 طبعة مطبعة حجازى بالقاهرة، الطبعة للثانية سنة 1357 هـ.
(2)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن ح 2 ص 16 المسألة رقم 9 فى الهبة.
(3)
المصدر نفسه ح 2 ص 17 المسألة رقم (11) فى الهبة نفس الطبعة.
هبة الأب لولده للتسمية لعدم القبض فيها.
الا ان كان الباقى للولد. واستدل بعض بحديث أنه «لا يحل لأحد الرجوع فى هبته الا للوالد» على أنه لا يجوز له الرجوع فيما وهبه لولده، فحرمت على الواهب. بمجرد القبول. كذا قيل. وصاحب «شرح النيل» يرى أن الحديث يدل على أنها تحرم عليه بمجرد الهبة ولو لم يكن قبول الا ان ردها الموهوب له. قال الشيخ: الهبة عقد كالبيع.
بل قالوا تقوم مقام البيع، يعنى تجوز فى موضع يجوز فيه، وتبطل حيث يبطل، بل هى أسهل لأنها قربة وصح عود والد فى الهبة، وذلك فى الحكم، وعند الله إلا أن عنى التقرب إلى الله بإعطائه ولده فلا يجوز له الرجوع عند الله. وإن أحدث الولد أمرا فيه لم يصح الرجوع الا ان رجع، إلا إن خرج من ملكه ثم رجع فلا رجوع للأب فيه، وليس لغير الوالد الرجوع لحديث:«لا يحل الرجوع فى الهبة إلا الوالد. والراجع فيها كالراجع فى القئ والرجوع فى القئ حرام» وان كان الولد بالغا فوهب له أبوه هبة وميزها له وهو فى عيال الأب ولم يقبض لا تجوز. وعن ابن الليث وعن الداودى عن بعض المالكية جواز رجوع الأم أيضا كالأب. قال وهو قول أكثر الفقهاء.
الا أن المالكية فرقوا بينهما فأجازوا رجوعها ان كان الأب حيا، وقيدوا رجوع الأب أيضا بما اذا لم يحدث الابن بها دينا أو نكاحا أو حدثا وبه قال القرطبى
(1)
.
الأم والنسب
مذهب الحنفية:
جاء فى «كتاب الفتاوى الهندية» أن لثبوت النسب ثلاث مراتب هى:
الأولى: النكاح الصحيح وما هو فى معناه من النكاح الفاسد والحكم فيه أنه يثبت النسب من غير دعوى ولا ينتفى بمجرد النفى وانما ينتفى باللعان فان كانا ممن لا لعان بينهما لا ينتفى نسب الولد.
الثانية: أم الولد والحكم فيها أن يثبت النسب من غير دعوى وينتفى بمجرد النفى كذا فى الظهيرية وذكر فى النهاية معزيا الى المبسوط انما يملك نفيه ما لم يقض القاضى به أو لم يتطاول ذلك فأما اذا قضى القاضى به فقد لزمه على وجه لا يملك ابطاله وكذا بعد التطاول قالوا: وانما يثبت نسب ولد أم الولد بدون الدعوى ان كان يحل للمولى وطؤها. أما اذا كان لا يحل فلا يثبت النسب بدون الدعوى كأم ولد كاتبها مولاها أو أمة مشتركة بين اثنين استولدها احدهما، ثم جاءت بولد بعد ذلك لا يثبت النسب بدون الدعوى وكذا لو حرم وطؤها عليه بعد ذلك بوط ء ابيه أو ابنه أو بوطئه أمها أو بنتها لم يثبت نسب ما تلده بعد ذلك الا بالدعوى.
الثالثة: الأمة اذا جاءت بولد لا يثبت النسب بدون الدعوى وحكم المدبرة كحكم الأمة فى انه لا يثبت النسب منه بدون دعوة المولى وان كان يطأ الأمة ولا يعزل عنها لا يحل له نفيه فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى ويلزمه أن يعترف به وان كان يعزل عنها
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ح 6 ص 2 - 9 نفس الطبعة السابقة.
ولم يحصنها جاز له النفى لتعارض الظاهرين
(1)
.
وجاء فى «كتاب الفتاوى الهندية» أيضا أنه لو زوج أمته من رضيع ثم جاءت بولد فادعاه المولى يثبت النسب منه لأنه عبده وليس له نسب. فلو كان الزوج مجبوبا لم يثبت النسب من المولى لأنه عبده لكن له نسب معلوم واذا تزوج الرجل امرأة فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها لم يثبت نسبه وان جاءت به لستة أشهر فصاعدا يثبت نسبه منه اعترف به الزوج أو سكت فان جحد الولادة تثبت بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة ولو ولدت المرأة ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح بيوم والآخر بعده بيوم لم يثبت نسب واحد منهما والأصل فى هذا أن كل امرأة لم تجب عليها العدة فان نسب ولدها لا يثبت من الزوج الا اذا علم يقينا انه منه وهو أن يجئ لأقل من ستة أشهر وكل امرأة وجبت عليها العدة فان نسب ولدها يثبت من الزوج الا اذا علم يقينا أنه ليس منه، وهو أن يجئ لأكثر من سنتين وعلى هذا فاذا طلق رجل امرأته قبل الدخول بها ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق يثبت النسب فان جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يثبت النسب ولو قال لامرأة أجنبية اذا تزوجتك فأنت طالق ثم تزوجها وقع الطلاق ثم اذا جاءت بولد لتمام ستة أشهر من وقت النكاح يثبت النسب ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح لا يثبت
(2)
.
وجاء فى الهداية انها ان جاءت به لستة أشهر من يوم تزوجها فهو ابنه وعليه المهر أما النسب فلأنها فراشه لأنها لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق فكان العلوق به قبله فى حالة النكاح والتصور ثابت بأنه تزوجها وهو يخالطها فوافق الانزال النكاح والنسب يحتاط فى اثباته وأما المهر فلانه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما فتأكد المهر به
(3)
.
وجاء فى كتاب الفتاوى الهندية ان المرأة لو طلقت بعد الدخول بها ثم جاءت بولد فانه يثبت النسب للزوج الى سنتين وتنقضى به العدة ولو جاءت به لأكثر من سنتين ان كان الطلاق رجعيا يثبت النسب ويصير مراجعا لها وان كان الطلاق بائنا لا يثبت النسب ما لم يدع الزوج فاذا ادعى الزوج يثبت منها. وهل يحتاج الى تصديقها أم لا؟ فيه روايتان رواية يحتاج وفى رواية لا يحتاج هذا اذا طلقها ولو مات عنها قبل الدخول أو بعده ثم جاءت بولد من وقت الوفاة الى سنتين يثبت النسب منه.
وان جاءت به لأكثر من سنتين من وقت الوفاة لا يثبت النسب هذا كله اذا لم تقر بانقضاء العدة وان أقرت وذلك فى مدة تنقضى فى مثلها العدة من الطلاق والوفاة سواء ثم جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار يثبت النسب والا فلا يثبت هذا كله اذا كانت كبيرة سواء كانت ممن تحيض أو ممن لا تحيض وأما اذا كانت صغيرة طلقها زوجها ان كان قبل الدخول فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من
(1)
الفتاوى العالمكيرية المعروفة بالفتاوى الهندية ح 1 ص 536 الطبعة الثانية.
(2)
الفتاوى الهندية العالمكيرية ح 1 ص 537 نفس الطبعة السابقة.
(3)
الهداية شرح بداية المبتدى لبرهان الدين على بن أبى بكر الميرغنانى ح 3 ص 300.
وقت الطلاق يثبت النسب وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يثبت النسب واذا طلقها بعد الدخول فان ادعت الحبل ففى الطلاق الرجعى يثبت النسب الى سبعة وعشرين شهرا وفى الطلاق البائن الى سنتين ولو أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار يثبت النسب وان جاءت به لأكثر من ذلك لا يثبت النسب ولو سكتت عن الدعوى فعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله سكوتها بمنزلة الاقرار وعند أبى يوسف كدعوى الحبل وان قالت امرأة فى عدة الوفاة لست بحامل ثم قالت من الغد أنا حامل كان القول قولها وان قالت بعد أربعة أشهر وعشرة أيام لست بحامل ثم قالت أنا حامل لا يقبل قولها الا أن تأتى بولد لأقل من ستة أشهر من موت زوجها فيقبل قولها ويبطل اقرارها بانقضاء العدة والصغيرة اذا توفى عنها زوجها فان أقرت بالحبل فهى كالكبيرة يثبت نسبه منه الى سنتين لأن القول قولها فى ذلك، وان أقرت بانقضاء عدتها بعد أربعة أشهر وعشرة ثم ولدت لستة أشهر فصاعدا لم يثبت النسب منه وان لم تدع حبلا ولم تقر بالعدة فعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى - ان ولدت لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام يثبت النسب والا لم يثبت
(1)
.
وجاء فى «الهداية» أن المبتوتة يثبت نسب ولدها اذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الفرقة لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق فيثبت النسب احتياطا فان جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة لم يثبت لأن الحمل حادث بعد الطلاق فلا يكون منه لأن وطأها حرام قال: الا أن يدعيه لأنه التزمه وله وجه بأن وطئها بشبهة فى العدة فان كانت المبتوتة صغيرة يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر لم يلزمه حتى تأتى به لأقل من تسعة أشهر عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف يثبت النسب منه الى سنتين لأنها معتدة يحتمل أن تكون حاملا ولم تقر بانقضاء العدة فأشبهت الكبيرة ولهما ان لانقضاء عدتها جهة متعينة وهو الأشهر فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو فى الدلالة فوق اقرارها لأنه لا يحتمل الخلاف والاقرار يحتمله
(2)
.
وجاء فى كتاب «الفتاوى الهندية» أن المبتوتة لو جاءت بولدين أحدهما لأقل من سنتين والآخر لأكثر من سنتين وبين الولادتين يوم قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى يثبت نسبهما. ولو خرج بعض الولد لأقل من سنتين وباقيه لأكثر من سنتين لا يلزمه حتى يكون الخارج لأقل من سنتين نصف بدنه أو يخرج من قبل الرجلين أكثر البدن لأقل والباقى لأكثر ذكره محمد رحمه الله
(3)
.
وان كانت معتدة من طلاق بائن أو من وفاة فجاءت بولد الى سنتين فأنكر الزوج الولادة أو الورثة بعد وفاته وادعت هى فان لم يكن الزوج قد أقر بالحبل ولا كان الحبل ظاهرا لا يثبت النسب الا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين فى قول أبى حنيفة وان كان الزوج قد
(1)
الفتاوى الهندية ح 1 ص 537 نفس الطبعة السابقة.
(2)
الهداية شرح بداية المبتدى للميرغينانى ح 3 ص 300 وما بعدها نفس الطبعة السابقة.
(3)
الفتاوى الهندية ح 1 ص 538 نفس الطبعة.
أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا فالقول قولها فى الولادة وان لم تشهد لها قابلة فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان كانت معتدة من طلاق رجعى فكذلك ولو قال الزوج ان الذى ولدته غير هذا لم يقبل منه عند أبى حنيفة وان كانت معتدة عن وفاة وصدقها الورثة فى الولادة ولم يشهد على الولادة أحد فهو ابنه عندهم ويرثه وهذا فى حق الارث ظاهر لأنه خالص حقهم وفى حق النسب ان كانوا من أهل الشهادة بأن صدقها رجلان أو رجل وامرأتان منهم وجب الحكم باثبات نسبه حتى شارك المصدقين - والمنكرين.
ويشترط لفظ الشهادة فى مجلس الحكم عند البعض والصحيح انه لا يشترط لفظ الشهادة واذا تزوجت المعتدة بزوج آخر ثم جاءت بولد فان جاءت به لأقل من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثانى فالولد للأول.
وان جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثانى فهو للثانى والنكاح جائز وأن جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثانى لم يكن للأول ولا للثانى وهل يجوز نكاح الثانى؟ فى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى جائز هذا اذا لم يعلم قبل التزوج انها تزوجت فى عدتها فان علم ذلك ووقع النكاح الثانى فاسدا فجاءت بولد فان النسب يثبت من الأول ان أمكن اثباته بأن جاءت به لأقل من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثانى لأن نكاح الثانى فاسد، ومهما أمكن احالة النسب الى الفراش الصحيح كان أولى وان لم يمكن اثباته منه وأمكن اثباته من الثانى فالنسب يثبت من الثانى بأن جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثانى لأن نكاح الثانى وان كان فاسدا لكن لما تعذر اثبات النسب من النكاح الصحيح فاثباته من الفاسد أولى من الحمل على الزنا
(1)
.
وجاء فى «الهداية» انه اذا تزوج الرجل امرأة فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم تزوجها لم يثبت نسبه لأن العلوق سابق على النكاح فلا يكون منه وان جاءت به لستة أشهر فصاعدا يثبت نسبه منه اعترف به الزوج أو سكت لأن الفراش قائم والمدة تامة فان جحد الولادة يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة حتى لو نفاه الزوج يلاعن لأن النسب يثبت بالفراش القائم واللعان انما يجب بالقذف وليس من ضرورته وجود الولد فانه يصح بدونه فان ولدت ثم اختلفا فقال الزوج تزوجتك منذ أربعة أشهر وقالت هى:
منذ ستة أشهر فالقول قولها وهو ابنه لأن الظاهر شاهد لها فانها تلد ظاهرا من نكاح لا من سفاح ولم يذكر الاستحلاف وهو على الاختلاف
(2)
.
وجاء فى كتاب «الفتاوى الهندية» انه لو تزوج رجل امرأة وجاءت بولد فاختلفا فقال الزوج: تزوجتك منذ شهر وقالت المرأة:
(1)
الفتاوى الهندية ح 1 ص 538 الطبعة السابقة.
(2)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 3 ص 306.
لا منذ سنة فالولد ثابت النسب من الزوج ويجب أن يستحلف عندهما خلافا لأبى حنيفة رحمه الله تعالى. وان تصادقا على أنه تزوجها منذ شهر لم يثبت النسب منه فان قامت البينة بعد التصادق على تزوجه اياها منذ سنة قبلت وهذا الجواب صحيح مستقيم فيما اذا أقام الولد الببنة بعد ما كبر.
أما اذا كان قيام البينة حال صغر الولد فقد اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه قال بعضهم لا تقبل البينة ما لم ينصب القاضى خصما عن الصغير وقال بعضهم لا حاجة الى هذا التكلف والقاضى يسمع البينة من غير أن ينصب عنه خصما.
واذا تزوج رجل امرأة فولدت ولدا لخمسة أشهر فقال الزوج للولد ولدى بسبب أوجب أن يكون الولد لى. وقالت المرأة لا بل هو من الزنا. ففى رواية القول قول الرجل وفى رواية القول قولها وان جاءت بالولد لأكثر من سنتين من وقت النكاح والمسألة بحالها كان القول قول الزوج
(1)
.
وجاء فى «الهداية» أن من تزوج أمة فطلقها ثم اشتراها فان جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها لزمه والا لم يلزمه لأنه فى الوجه الأول ولد المعتدة فان العلوق سابق على الشراء وفى الوجه الثانى ولد المملوكة لأنه يضاف الحادث الى أقرب وقته فلا بد من دعوة. وهذا اذا كان الطلاق واحدا بائنا أو خلعا أو رجعيا أما اذا كان اثنتين يثبت النسب الى سنتين من وقت الطلاق لأنها حرمت عليه حرمة غليظة، فلا يضاف العلوق الا الى ما قبله لأنها لا تحل له بالشراء
(2)
.
وجاء فى «الفتاوى الهندية» أن من نكح أمة فطلقها فاشتراها فولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء لزمه والا لا يلزمه الا بالدعوة وهذا اذا كان بعد الدخول ولا فرق فى ذلك بين أن يكون الطلاق بائنا أو رجعيا وان كان قبل الدخول فان جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الطلاق لا يلزمه وان كان لأقل منه لزمه اذا ولدته لتمام ستة أشهر أو أكثر من وقت التزوج وان لأقل لا يلزمه وكذا اذا اشترى زوجته قبل أن يطلقها فيما ذكر من الأحكام ولو اشترى زوجته الموطوءة ثم أعتقها فولدت لأكثر من ستة أشهر منذ اشتراها لا يثبت النسب الا أن يدعيه الزوج وعند محمد رحمه الله يثبت النسب منه الى سنتين من يوم الشراء بلا دعوى وكذا لو لم يعتقها ولكن اذا باعها فولدت لأكثر من ستة أشهر منذ باعها فعند أبى يوسف لا يثبت النسب وان ادعاه الا بتصديق المشترى وعند محمد يثبت بلا تصديق وأم الولد اذا مات عنها مولاها أو أعتقها يثبت نسب ولدها الى سنتين من وقت العتق ومن قال لأمه ان كان ما فى بطنك ولد فهو منى فشهدت امرأة على الولادة فهى أم ولده اذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار فان ولدت لستة أشهر أو لأكثر لا يلزمه، هذا اذا قال ان كان فى بطنك ولد أو قال ان كان بها حبل فهو منى بلفظ التعليق اما اذا قال هذه حامل منى يلزمه الولد، وان
(1)
الفتاوى الهندية ح 1 ص 539 نفس الطبعة.
(2)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 3 ص 311 - 313 نفس الطبعة السابقة.
جاءت به لأكثر من ستة أشهر الى سنتين حتى ينفيه
(1)
.
وان قال رجل لغلام هذا ابنى ثم مات ثم جاءت أم الغلام وهى حرة وقالت أنا امرأته فهى امرأته ويرثانه وذكر فى النوادر أن هذا استحسان وهذا اذا علم أنها حرة فأما اذا لم يعلم ذلك فزعم الورثة أنها أم ولد الميت وهى تدعى النكاح لم ترث ولو طلق رجل امرأة ثلاثا ثم تزوجها قبل أن تنكح زوجا غيره فجاءت منه بولد ولا يعلمان بفساد النكاح فالنسب ثابت وان كانا يعلمان بفساد النكاح يثبت النسب أيضا عند أبى حنيفة.
رجل تحته امرأة وفى يدها ولد والولد ليس فى يد الزوج فقالت المرأة تزوجتنى بعد ما ولدت هذا الولد من زوج قبلك فقال الزوج لا، بل ولدته فى ملكى فهو ابن الزوج ولو كان الولد فى يد الزوج دون المرأة فقال هو ابنى من غيرك، فقالت هو ابنى منك فالقول قول الزوج ولا تصدق المرأة. واذا كان الولد فى يدى رجل وامرأته فقال الزوج هذا الولد من زوج كان لك من قبلى وقالت المرأة بل هو منك، فهو منه.
ولو زنا رجل بأمرأة فحملت ثم تزوجها فولدت ان جاءت به لستة أشهر فصاعدا ثبت نسبه وان جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت نسبه الا أن يدعيه ولم يقل أنه من الزنا. أما ان قال انه منى من الزنا فلا يثبت نسبه ولا يرث منه ولو اشترى رجل أمة فولدت منه ثم أقام رجل البينة على أنها امرأته زوجها منه مولاها تجعل المرأة له ويجعل الولد ولد الزوج، وعتق الولد بدعوة المولى. صبى فى يد امرأة قال رجل للمرأة هذا ابنى منك من نكاح وقالت هو ابنك من زنا لم يثبت نسبه منه وان قالت بعد ذلك هو ابنك من نكاح يثبت نسبه منهما ولو تزوج رجل مسلم بمحارمه فجئن بأولاد يثبت نسب الأولاد منه عند أبى حنيفة خلافا لهما بناء على أن النكاح فاسد عند أبى حنيفة باطل عندهما. ولو خلا بامرأته خلوة صحيحة ثم طلقها صريحا وقال لم اجامعها فصدقته أو كذبته وجبت عليها العدة. ولها كمال المهر فان قال لها راجعتك لم تصح المراجعة. وان جاءت بولد لأقل من سنتين ولم تعترف بانقضاء العدة يثبت النسب وتصح تلك المراجعة ويجعل واطئا لها قبل الطلاق.
واذا نكحت أم ولد نكاحا فاسدا ودخل بها الزوج وجاءت بولد يثبت النسب من الزوج وان ادعاه المولى. رجل زوج ابنه وهو صغير امرأة لا يتأتى من مثله وقاع ولا احبال فجاءت بولد لا يلزمه الولد ولا ترد ما انفق أبو الزوج عليها عن ابنه وان أقرت أنها تزوجت ردت على الزوج نفقة ستة أشهر مقدار مدة الحمل.
والصبى المراهق اذا جاءت امرأته بولد يثبت نسبه منه. وولد المهاجرة لا يلزم الحربى عند أبى حنيفة والنسب يثبت بالايماء مع القدرة على النطق
(2)
.
وجاء فى كتاب «الهداية» أنه لا يثبت نسب ولد أم الولد الا أن يعترف به مولاها لأن وط ء الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد لوجود المانع عنه فلا بد من الدعوة بمنزلة ملك
(1)
الفتاوى الهندية ح 1 ص 539 الطبعة الثانية ببولاق سنة 1310 هـ.
(2)
نفس المرجع ح 1 ص 540 نفس الطبعة السابقة.
اليمين من غير وط ء بخلاف العقد لأن الولد يتعين مقصودا فيه فلا حاجة الى الدعوة فان جاءت بعد ذلك بولد ثبت نسبه بغير اقرار - أى بعد اعترافه بالولد الأول - لأنه بدعوى الولد الأول تعين الولد مقصودا منها فصارت فراشا كالمعقودة الا اذا نفاه ينتفى بقوله:
لأن فراشها ضعيف حتى يملك نقله بالتزويج، بخلاف المنكوحة حيث لا ينتفى الولد بنفيه الا باللعان لتأكد الفراش حتى لا يملك ابطاله بالتزويج فان زوجها فجاءت بولد فهو فى حكم أمه لأن حق الحرية يسرى الى الولد كالتدبير، فولد الحرة حر وولد القنة رقيق والنسب يثبت من الزوج لأن الفراش له وان كان النكاح فاسدا، اذ الفاسد ملحق بالصحيح فى حق الأحكام. ولو ادعاه المولى لا يثبت نسبه منه لأنه ثابت النسب من غيره ويعتق الولد وتصير أمه أم ولد له لا قراره
(1)
.
واذا أدعت امرأة صبيا أنه ابنها لم تجز دعواها حتى تشهد امرأة على الولادة ومعنى المسألة ان تكون المرأة ذات زوج لأنها تدعى تحميل النسب على الغير فلا تصدق الا بحجة بخلاف الرجل لانه يحمل نفسه النسب ثم شهادة القابلة كافية فيها لأن الحاجة الى تعيين الولد. اما النسب فيثبت بالفراش القائم وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قبل شهادة القابلة على الولادة ولو كانت معتدة فلا بد من حجة تامة عند أبى حنيفة وان لم تكن منكوحة ولا معتدة قالوا يثبت النسب منها بقولها لأن فيه الزاما على نفسها دون غيرها وان كان لها زوج وزعمت أنه ابنها منه وصدقها فهو ابنهما وان لم تشهد امرأة لأنه ألزم نفسه نسبه فأغنى ذلك عن الحجة. وان كان الصبى فى أيديهما وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها وزعمت أنه ابنها من غيره فهو ابنهما لأن الظاهر أن الولد منهما لقيام أيديهما أو لقيام الفراش بينهما ثم كل واحد منهما يريد أبطال حق صاحبه فلا يصدق عليه وهو نظير ثوب فى يد رجلين يقول كل واحد منهما هو بينى وبين رجل آخر غير صاحبه يكون الثوب بينهما الا أن هناك يدخل المقر له فى نصيب المقر.
لأن المحل يحتمل الشركة وههنا لا يدخل لأن النسب لا يحتملها
(2)
ويقبل اقرار المرأة بالوالدين والزوج والمولى لأنه اقرار بما يلزمها وليس فيه تحميل النسب على الغير اذا توفرت فى الأقرار الشروط المعتبرة شرعا ولا يقبل اقرارها بالولد لأن فيه تحميل النسب على الغير وهو الزوج لأن النسب منه الا أن يصدقها الزوج لأن الحق له أو تشهد بولادته قابلة لأن قول القابلة فى هذا مقبول
(3)
. وأكثر مدة الحمل سنتان لقول السيدة عائشة رضى الله عنها: «الولد لا يبقى فى البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل» وأقله ستة أشهر لقول الله تبارك وتعالى: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا
(4)
ثم قال «وفصاله فى عامين»
(5)
فبقى الحمل ستة أشهر
(6)
.
وجاء فى كتابة الفتاوى الهندية أنهم أجمعوا
(1)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 3 ص 448.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 274 - 276.
(3)
المرجع نفسه ج 7 ص 15، 16.
(4)
الآية رقم (15) من سورة الاحقاف.
(5)
الآية رقم (14) من سورة لقمان.
(6)
الهداية شرح بداية المبتدى ج 3 ص 310، 311.
على أنه نعتبر المدة من وقت النكاح فى الصحيح منه وقال بعضهم لا يشترط الدخول فى النكاح الصحيح لكن لا بد من الخلوة
(1)
.
مذهب المالكية:
يرى الأمام مالك أن الرجل اذا طلق امرأته ثلاثا أو طلاقا يملك الرجعة فيه فجاءت بولد فانه يلزمه الولد اذا جاءت به فى ثلاث سنين أو أربع سنين أو خمس سنين ويقول ابن القاسم وهو رأيى فى الخمس سنين. ويرى الامام مالك أنه يلزم الزوج اذا جاءت به الى ما يشبه أن تلد له النساء وان طلقها فحاضت ثلاث حيض وقالت: قد انقضت عدتى فجاءت بالولد بعد ذلك لتمام أربع سنين من يوم طلقها وقالت المرأة قد طلقتنى فحضت ثلاث حيض وأنا حامل ولا علم لى بالحمل وقد تهراق المرأة الدم على الحمل فقد أصابنى ذلك وقال الزوج قد انقضت عدتك وانما هذا الحمل حادث ليس منى قال ابن القاسم يلزمه الولد الا أن ينفيه بلعان.
وان جاءت بالولد بعد الطلاق لأكثر من أربع سنين أى جاءت بالولد لست سنين وانما كان طلاقها يملك الرجعة فيه فلا يلزم الولد الأب ههنا على حال لأن عدتها قد انقضت وانما هذا حمل حادث وأن كانت مسترابة فعدتها تسعة أشهر ثم تعتد ثلاثة أشهر ثم قد حلت ألا أن تستراب بعد ذلك فتنتظر حتى تذهب ريبتها فان استرابت بعد السنة فانتظرت ولم تذهب ريبتها تنتظر الى ما يقال ان النساء لا يلدن لأبعد من ذلك، الا أن تنقطع ريبتها قبل ذلك فان تعدت الى أقصى ما تلد له النساء ثم جاءت بالولد بعد ذلك لستة أشهر فقالت المرأة هو ولد الزوج وقال الزوج ليس هذا بأبنى فالقول قول الزوج وليس هو له بابن لأن عدتها قد انقضت وهذا الولد انما هو حمل حادث ويقام على المرأة الحد فان جاءت بالولد بعد انقطاع هذه الريبة لأقل من ستة أشهر فلا يلزم الأب الولد اذ يرى الأمام مالك أنه اذا جاءت المرأة بالولد لأكثر مما تلد له النساء لم يلحق بالأب.
واذا هلك الرجل عن امرأته فأعتدت أربعة أشهر وعشر، ثم جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر فيما بينها وبين ما تلد لمثله النساء من يوم هلك زوجها فالولد للزوج ويلزمه واذا طلق الزوج امرأته تطليقة يملك الرجعة فجاءت بولد لأكثر مما تلد لمثله النساء ولم تكن أقرت بانقضاء العدة فلا يلزمه الولد.
وهذا قول الامام وقال ابن القاسم والطلقة الواحدة التى تملك فيها الرجعة ههنا والثلاث فى قول مالك سواء فى هذا الولد اذا جاءت به لأكثر مما تلد لمثله النساء
(2)
وامرأة الصبى اذا كان مثله يجامع ولا يولد لمثله فظهر بأمرأته حمل لا يلزمه اذا كان لا يحمل لمثله وعرف ذلك. وأما الخصى فقد سئل مالك هل يلزمه الولد فقال: أرى أن يسأل أهل المعرفة بذلك ما كان يولد لمثله لزمه الولد والا لم يلزمه. واذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو طلاقا يملك الرجعة فان مضى لها من
(1)
الفتاوى الهندية ج 1 ص 540 نفس الطبعة.
(2)
المدونة الكبرى للامام مالك مالك ح 2 ص 87.
الأجل أقصى ما تلد لمثله النساء الا أربعة أشهر فتزوجت فجاءت بولد بعد ما تزوجت الزوج الثانى بخمسة أشهر فيرى ابن القاسم أن لا يلزم الولد أحدا من الزوجين من قبل أنها وضعته لأكثر مما يلد لمثله النساء من يوم طلقها الأول ووضعته لخمسة أشهر من يوم تزوجها الآخر فلا يلزم الولد واحدا منهما ويفرق بينها وبين زوجها الآخر لأنه تزوجها حاملا ويقام عليها الحد
(1)
ولو أن رجلين وطئا أمة بملك اليمين فى طهر واحد أو تزوج رجلان أمرأة فى طهر واحد، وطئها أحدهما بعد صاحبه وقد تزوجها الثانى وهو يجهل أن لها زوجا، فجاءت بولد فاذا كان ذلك فى ملك اليمين فان مالكا قال يدعى لها القافة وقال ابن القاسم: وأما فى النكاح فاذا اجتمعا عليها فى طهر واحد فالولد للأول لأنه بلغنى عن مالك أنه سئل عن امرأة طلقها زوجها فتزوجت فى عدتها قبل أن تحيض فدخل بها زوجها الثانى فوطئها واستمر بها الحمل فوضعت قال مالك الولد للأول.
وان كان تزوجها بعد حيضة أو حيضتين من عدتها فالولد للآخر ان كانت ولدته لتمام ستة أشهر من يوم دخل بها الآخر فان كانت ولدته لأقل من ستة أشهر فهو للأول
(2)
.
أم الولد اذا مات عنها سيدها فجاءت بولد بعد موته لمثل ما تلد له النساء فان ذلك الولد يلزم السيد وكل ولد جاءت به أم ولد لرجل أو أمة لرجل أقر بوطئها وهو حى لم يمت فالولد لازم وليس له أن ينتفى منه الا أن يدعى الاستبراء فينتفى منه ولا يكون عليه لعان وكذلك اذا أقر بوط ء أمته ثم مات فجاءت بولد لمثل ما تلد له النساء جعل ابن الميت وجعلت به أم ولد وكذلك ان أعتق جارية كان قد وطئها أو أعتق أم ولده فجاءت بولد لمثل ما تلد له النساء من يوم أعتقها يلزمه الولد الا أن يدعى انه استبرأ قبل أن تعتق فلا يلزمه الولد ولا يكون بينهما اللعان
(3)
ولو أن رجلا اشترى جارية فوطئها فى حال الاستبراء ثم جاءت بولد وكان البائع قد وطئها أيضا فيرى مالك أنه يدعى اليه القافة اذا ولدته لأكثر من ستة أشهر من يوم وطئها المشترى فان كان ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم وطئها المشترى فهو من البائع اذا أقر بالوط ء وينكل المشترى فى حال هذا كله حين وط ء فى حال الاستبراء وان كان البائع أنكر الوط ء فالولد ولد الجارية لا أب له اذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم وطئها المشترى ويكون للمشترى أن يردها ولا يكون عليه الوط ء غرم وعليه العقوبة الا أن يكون نقصها وطؤه وان كانت الجارية بكرا فافتضها المشترى فى حال الاستبراء فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر والبائع منكر للوط ء فالولد لا أب له وهى وولدها للأول الا أن يقبلها المشترى فذاك له الا أن يكون البائع أقر أن الولد ولده فينتقض البيع ويكون الولد ولده والجارية أم ولد له فان قال البائع قد كنت أفخذتها ولكنى لم أنزل الماء فيها وليس الولد ولدى فله ذلك
(1)
المصدر نفسه ح 2 ص 88 نفس الطبعة السابقة.
(2)
نفس المصدر ح 2 ص 88 - 89 نفس الطبعة السابقة.
(3)
نفس المصدر ح 2 ص 83 نفس الطبعة السابقة.
ولا يلزمه الولد واذا جاءت الجارية التى وطئها المشترى فى حال الاستبراء لولد الأكثر من ستة أشهر فألحقت القافة الولد بالمشترى تصير بهذا أم ولد.
وان باع رجل جارية وأقر بأنه كان يطأ ولا ينزل فيها فجاءت بولد لما تجئ به النساء من يوم وطئها سيدها فالولد يلزمه ولا ينفعه ان يقول كنت أعزل عنها
(1)
. ولو أن رجلا تزوج أمرأة فلم بين بها ولم يختلها حتى جاءت بولد فانكره الزوج فله أن يلاعن اذا أدعت أنه منه وأنه كان يغشاها وكانت ما قالت يمكن وجاءت بالولد لستة أشهر فأكثر من يوم تزوجها ولها نصف الصداق ولا سكنى عليه ولا متعة وكذلك ان طلقها قبل البناء فجاءت بالولد لمثل ما تلد له النساء فالولد يلزمه الا أن يلاعن فان لاعنها لم يلزمه الولد وهذا اذا كان ما أدعت من اتيانه اياها يمكن فيما قالت
(2)
.
وجاء فى كتاب المقدمات الممهدات للمدونة الكبرى قد ذهبت طائفة من أهل العلم الى أن الولد الموجود على فراش الرجل اذا نفاه لا ينتفى منه بلعان ولا بما سواه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» روى عن الشعبى انه قال خالفنى إبراهيم وابن معقل وموسى فى ولد الملاعنة فقالوا نلحقه به فقلت الحقه به بعد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين ثم جبر بالخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين فكتبوا فيها الى المدينة فكتبوا ان يلحق بأمه.
وهو شذوذ من القول ولا حجة اقائله فيم احتج به من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» لأنه انما ورد فى المدعى بالزنا ما ولد على فراش غيره على ما جاء فى حديث عتبة وأما نفى أولاد الزوجات فليس من ذلك فى شئ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى فى ذلك بالملاعنة ورد الولد الملاعن به الى أمه دون المولود على فراشه
(3)
. ويجب بتمام لعان الزوج ثلاثة أحكام احدها سقوط نسب الولد والثانى درء الحد عن الزوج والثالث رجوعه على المرأة الا ان تلاعن
(4)
ولو ان امرأة نظرت الى رجل فقالت هذا ابنى ومثله يولد لمثلها فقال الرجل صدقت هى أمى يرى ابن القاسم ان لا يثبت نسبه لانه ليس ههنا أب يلحق به فلا يصدق ولا يثبت نسبه منها
(5)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأنوار لأعمال الأبرار انه لا يصح فى الحاق النسب اقرار المرأة خالية ذلك أو ذات زوج فان أقامت بينه صح الالحاق ولو كانت للرجل جارية خلية ذات ولد فقال هذا ولدى من هذه لحقه ان أمكن ولا تصير الجارية أم
(1)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 2 ص 359 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المصدر نفسه ج 2 ص 343 نفس الطبعة السابقة
(3)
المقدمات الممهدات للمدونة الكبرى لابن رشد ج 2 هامش المدونة الكبرى ج 2 ص 373، 380.
(4)
المرجع السابق ج 2 هامش المدونة ح 2 ص 385.
(5)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 4 ص 395 نفس الطبعة.
ولد له ولو قال هذا ولدى استولدتها به فى ملكى أو علقت به فى ملكى أو هذا ولدى منها وهى فى ملكى منذ عشر سنين وكان الولد ابن ستة ثبت النسب وهى أم ولد قطعا ولو كانت الأمة مزوجة فالولد للزوج ولا أثر لالحاق السيد ولو كانت فراشا للسيد لاقراره بوطئها لحقه الولد بالفراش ولا حاجة الى الاقرار.
ولا يعتبر الا الامكان قال القفال فى الفتاوى: «ولو أتت الجارية المشتركة بابن فقال أحد الشريكين هو ابنى عتق عليه موسرا كان أو معسرا ولزمه غرم نصيب الآخر وتصير الجارية أم ولد له ان كان موسرا ونصيبه ان كان معسرا»
(1)
.
ولا تسمع دعوى النسب من المرأة خلية كانت أو مزوجة. ثم ان كان المدعى عليه صبيا مجهول النسب ولا يزاحمه غيره أو كان بالغا وصدقه لحقه وان كذبه فعليه البينة فان لم تكن بينة حلف المدعى عليه فان نكل حلف المدعى وان كان المدعى عليه صبيا وزاحمه غيره فمن أقام البينة أو ألحقه القائف ولا بينه ولا لكليهما بينة لحقه وموضع العرض على القائف ان يتنازع اثنان أو أكثر مجهولا من لقيط او غيره أو أن يشترك اثنان أو أكثر فى وط ء امرأة وتأتى بولد ممكن أن يكون من كل واحد واذا أمكن الولد منهما فلو دعاه أحدهما وسكت الآخر أو أنكر لم يختص بالمدعى بل يعرض على القائف وكذا ان أنكراه ولو مات أحدهما عرض على القائف أبوه أو أخوه أو عمه مع الولد ولو ادعى نسب مولود على فراش غيره بوط ء شبهة فلا بد من البينة على الوط ء ولا يكفى اتفاق الزوجين عليه لان للولد حقا فى النسب فاذا قامت البينة عرض على القائف ولو كان بالغا وصدقه اكتفى به واذا تحير وقف حتى يبلغ فينتسب بميل الطبع
(2)
.
ولو كان لرجل أمتان ولكل واحدة ولد ولا زوج لهما فقال أحدهما ابنى علقت به أمه فى ملكى طولب بالتعيين فان عين ثبت نسبه وعتقه وأمية الولد للأم فان مات كان تعيين الورثة كتعيينه فان عجزنا عنه فالحاق القائف كتعيينه فان عجزنا أقرع بينهما فمن خرجت قرعته عتق ولم يثبت نسبه ولا ميراثه اذ القرعة لا تعمل الا فى العتق. ولو كانت له أمة لها ثلاثة أولاد فقال أحدهم ابنى فان عين الأصغر تعين وان عين الأوسط عتق معه الأصغر وثبت نسبهما الا أن يدعى استبراءا بعد ولادة الأوسط ورأينا ذلك نافيا للنسب فان مات قبل البيان وعجزنا عن تعيين الوارث والقائف أقرع بينهم وأدخل الصغير فى القرعة
(3)
.
(1)
الأنوار لأعمال الأبرار ليوسف الأردبيلى ج 1 ص 345، 346 كتاب به حاشية الكمثرى وعلى هامشه حاشية الحاج ابراهيم الطبعة السابقة سنة 1328 هـ 1910 م مطبعة الجمالية بمصر.
(2)
نفس المرجع السابق ج 2 ص 486، 487 نفس الطبعة السابقة.
(3)
الوجيز فى فقه الشافعية لأبى حامد الغزالى ج 1 ص 131، 132.
مذهب الحنابلة:
لو أقر انسان مسلم أو ذمى أن اللقيط ولده، ويمكن كونه منه حرا كان المقر أو رقيقا.
رجلا كان أو امرأة ولو كانت أمة، حيا كان اللقيط أو ميتا ألحق به لأنه استلحاق لمجهول النسب ادعاه من يمكن أنه منه من غير ضرر فيه ولا دافع عنه ولا ظاهر يرده فوجب اللحاق ولأنه محض مصلحة للطفل لوجوب نفقته وكسوته واتصال نسبه فكما لو أقر له بمال ولا تجب نفقة اللقيط على البعد اذا ألحقناه به لأنه لا يملك ولا حضانة للعبد على من استلحقه لاشتغاله بالسيد فيضيع فلا يتأهل للحضانة كما قال الحارثى وان اذن السيد جاز لانتفاء مانع الشغل ولا تجب نفقه من استلحقه العبد على سيده لأن اللقيط محكوم بحريته والسيد غير نسيب له وتكون نفقته فى بيت المال لانه للمصالح العامة ولا يلحق اللقيط بزوج المرأة المقرة به الا بتصديق الزوج لأن اقرارها لا ينفذ على غيرها فلا يلحقه بذلك نسب لم يقربه ولا يلحق اللقيط بالرقيق اذا استلحقه فى رقة (أى لا يصير رقيقا تبعا له) لأنه خلاف الأصل واضرار بالطفل بدون بينة الفراش فيهما فان أقامت المرأة بينة أنها ولدته على فراش زوجها لحق به وكذا لو أقيمت بينة برقه بأن تشهد أنه عبده أو قنه أو ان أمته ولدته فى ملكه على ما تقدم كما لو استلحق حر رقيقا فيثبت نسبه دون حريته الا ببينة تشهد أنه ولد على فراشه ولا يلحق اللقيط بزوجة المقر بدون تصديقها لأن اقراره لا يسرى عليها ويلحق اللقيط الذمى اذا استلحقه نسبا كالمسلم لا دينا لانه محكوم باسلامه فلا يتأثر بدعوى الكافر ولأنه مخالف للظاهر وفيه اضرار باللقيط ولا حق للذمى فى حضانة اللقيط الذى استلحقه لأنه ليس أهلا لكفالة مسلم ولا تؤمن فتنته عن الاسلام ونفقته فى بيت المال ولا يسلم اليه الا أن يقيم الذمى بينة انه ولد على فراشه فيلحقه دينا لثبوت أنه ولد ذميين كما لو لم يكن لقيطا بشرط استمرار أبويه على الحياة والكفر الى بلوغه عاقلا فان مات أحدهما أو أسلم قبل بلوغه حكم باسلامه والمجنون كالطفل اذا أقر انسان أنه ولده لحق به اذا أمكن أن يكون منه وكان المجنون مجهول النسب لأن قول المجنون غير معتبر فهو كالطفل وكل من ثبت لحاقه بالاستلحاق لو بلغ أو عقل وأنكر لم يلتفت الى قوله لنفوذ الاقرار عليه فى صغره أو جنونه لمستند صحيح أشبه الثابت بالبينة.
وان ادعى نسب اللقيط اثنان أو أكثر سمعت لأن كل واحد لو انفرد صحت دعواه، فاذا تنازعوا تساووا فى الدعوى ولا فرق بين المسلم والكافر والحر والعبد. فان كان لأحدهما بينة قدم بها لأنها تظهر الحق أو تبينه. وان كان اللقيط فى يد امرأة وادعت نسبه وأقامت به بينة قدمت على امرأة ادعته بلا بينة لان البينة موضحة وان تساويا فى البينة أو عدمها عرض اللقيط معهما على القافة أو عرض مع أقاربهما ان ماتا كالأخ والأخت والعمة والخالة فان ألحقته القافة باحدهما لحق به. وان ألحقته القافة بهما لحق نسبه بهما فيرث كل واحد منهما ارث والد كامل ويرثانه ارث أب واحد. وان وصى له قبلا الوصية له جميعا لأنهما بمنزلة أب واحد، وعلى قياس ذلك سائر التصرفات من نكاح وقبول
هبة وهما وليان فى غير ذلك كنكاح وغيره وان خلف الملحق باثنين أحدهما فله ارث أب كامل ونسبه ثابت من الميت ولأمى أبويه مع أم أمه نصف السدس والأم أمه السدس ولو توقفت القافة فى الحاقة باحدهما أو نفته عن الآخر لم يلحق بالذى توقفت فيه لأنه لا دليل له.
ولا يلحق الولد بأكثر من أم واحدة فان ألحقته القافة بأكثر من أم سقط قولها.
وان ادعى نسبه رجل وامرأة الحق بهما لانه لا تنافى بينهما لامكان كونه منهما بنكاح أو وط ء شبهة فيكون ابنهما بمجرد دعواهما كالانفراد، فان قال الرجل هو ابنى من زوجتى وادعت زوجته ذلك. وادعت امرأة أخرى انه ابنها فهو ابنه وترجح زوجته على الأخرى لأن زوجها أبوه فالظاهر انها أمه، وان ولدت امرأة ذكرا وولدت أخرى انثى وادعت كل واحدة منهما ان الذكر ولدها دون الأنثى عرضتا مع الولدين على القافة فيلحق كل واحد منهما بمن الحقته به القافة كما لو لم يكن لها ولد آخر، فان لم توجد قافة اعتبر باللبن خاصة فان لبن الذكر يخالف لبن الأنثى فى طبعه وزنته وقد قيل ان لبن الابن أثقل من لبن الأنثى فمن كان لبنها لبن الابن فهو ولدها والبنت للأخرى وان كان الولدان ذكران أو انثيين وادعت أحدهما تعين عرضه على القافة
(1)
.
وجاء فى عمدة الفقه ان من ولدت امرأته أو أمته التى أقر بوطئها ولدا يمكن كونه منه لحقه نسبه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ولا ينتفى ولد المرأة الا باللعان ولا ولد الأمة الا بدعوى استبرائها وان لم يمكن كونه منه مثل ان تلد أمته الأقل من ستة أشهر منذ وطئها أو امرأته لأقل من ذلك منذ أمكن اجتماعهما ولو كان الزوج ممن لا يولد لمثله كمن له دون عشر سنين أو الخصى أو المجبوب لم يلحقه.
واذا وطئ رجلان امرأة فى طهر واحد بشبهة أو وطئ رجلان شريكان أمتهما فى طهر واحد فأتت بولد أو ادعى نسب مجهول النسب رجلان أرى القافة معهما أو مع أقاربهما فالحق بمن ألحقوه منهما، وان ألحقوه بهما لحق بهما وان أشكل أمره أو تعارض أمر القافة أو لم يوجد قافة ترك حتى يبلغ فيلحق بمن انتسب اليه منهما ولا يقبل قول القائف الا أن يكون عدلا مجربا فى الاصابة
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ان تزوج رجلان بجهالة امرأة فى طهر واحد أو ابتاع أحدهما أمة من الآخر فوطئها وكان الأول قد وطئها أيضا، ولم يعرف أيهما الأول، ولا تاريخ النكاحين أو الملكين فظهر بها حمل فأتت بولد فانه ان تداعياه جميعا فانه يقرع بينهما فيه، فأيهما خرجت قرعته الحق به الولد وقضى عليه لخصمه بحصته من الدية.
ان كان واحدا فنصف الدية وان كانوا ثلاثة فلهما ثلثا الدية وان كانوا
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ح 2 ص 436 - 439 الطبعة الاولى بالمطبعة العامرة سنة 1319 هـ.
(2)
عمدة الفقه للامام موفق الدين بن قدامة ص 123، 124 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1352 هـ.
اربعة فثلاثة أرباع الدية وهكذا الحكم فيما زاد سواء كان المتداعيان أجنبيين أو قريبين أو أبا وابنا أو حرا وعبدا فان كان أحدهما مسلما والآخر كافرا ألحق بالمسلم ولا بد بلا قرعة. فان تدافعاه جميعا أو لم ينكراه ولا تداعياه فانه يدعى له بالقافة فان شهد منهم واحد عالم عدل فأكثر من واحد بأنه ولد هذا ألحق به نسبه فان ألحقه واحد أو أكثر باثنين فصاعدا طرح كلامهم وطلب غيرهم ولا يجوز أن يكون ولد واحد ابن رجلين ولا ابن امرأتين وكذلك ان تداعت امرأتان فأكثر ولدا فان كان فى يد احداهما فهو لها وان كان فى أيديهن كلهن أو لم يتداعياه ولا أنكرتاه أو تدافعتاه دعى له القافة
(1)
.
مذهب الزيدية:
يصح للرجل أن يقر بالعلوق ويثبت نسب المولود اذا أتت به المرأة لدون ستة أشهر من يوم اقراره أو لدون أربع سنين وقد علم وجوده بحركة أو نحوها وفائدة الاقرار أنه فى الأمة لا يحتاج تجديد دعوة وفى الحرة لا يصح نفيه بعد ذلك ويصح الاقرار من المرأة الحرة بالولد ولو بكرا وقيل ما لم تكن ارتقاء أو عذراء قبل الزواجة وحالها وبعدها لأنه يلحق بها. ولو من زنا ما لم يستلزم الاقرار به لحوق الزوج بأن يحتمل كونه منه فان استلزم لحوقه لم يصح اقرارها به الا اذا صادقها الزوج أنه منها أو يثبت بعدله على خروجه من فرجها فيلحق بالزوج فان نفاه لا عن وهو يقال اذا أتت به بعد الزوجية بمدة يسيرة لا يمكن كونه من الزوج فالزوجية غير صحيحة اذ هو ينكشف انه تزوجها وهى حامل فهى فى العدة عن نكاح أو فى الاستبراء عن غيره الا أن يحمل على أنها حامل به من زناه لأنه يصح العقد عليها فى الأصح فأما فى غير هذا فلا يتصور فيه الزوجية الصحيحة.
يقال ليس المسألة مفروضة أنها أقرت أنها وضعته الآن وانما المراد انها أقرت أن هذا ولدها وهو لا يمكن أن يكن من زوجها هذا الذى هى تحته لأجل السن التى هو عليها عند اقرار الزوجة به. والنكاح مع هذا التقدير صحيح فلا معنى للايراد والتأويل. فأما اذا لم يحتمل كأن تزوج ثم تقر به من بعد مدة قريبة لا يتأتى كونه من الزوج فى مثلها صح الاقرار.
واقرار المرأة بالولد على وجهين مجمع على صحته ومختلف فيه أما الجمع على صحته فذلك بأن لا يقتضى اقرارها حمل النسب على الغير. نحو أن تقر بولد ولم تكن قد تزوجت أو تزوجت وكان حصوله يقدر قبل زواجها أو مطلقة وحصل بعد زوال الفراش وهذا يصح اتفاقا. واما المختلف فيه فذلك حيث يقتضى اقرارها حمل النسب على الغير بأن تكون مزوجة ويقدر حدوثه فى مدة الزواجة أو مطلقة وهو يصح لحوقه به فى زمن الفراش. وفى ذلك مذهبان أحدهما: ان ذلك لا يصح.
والثانى أن اقرار المرأة بالولد جائز ولم يفصل. وقد يلفق بين القولين، ويقال من منع فالمراد به اذا كان
(1)
المحلى لابى محمد بن احمد بن سعيد ابن حزم الاندلسى الطبعة الأولى سنة 1352 هـ طبع ادارة المطبعة المنبرية بمصر تحقيق محمد منير الدمشقى ح 10 ص 148 المسألة رقم 1945.
يقتضى حمل النسب على الغير، ومن أجاز فالمراد به ما لم يقتض ذلك هذا التلفيق يقتضى أنه مجمع على أنه لا يصح ويصح الاقرار من الزوج بالولد فيلحقه ولا يلحق بزوجته الا أن تقربه لجواز أنه لامرأة غير زوجته التى معه أو من أمة أو من شبهة وقيل انه يلحقها اذا لحقه هذا اذا قال منها أما اذا قال ولدى فلا يلحق به اتفاقا
(1)
من له زوجتان ولدتا ابنا وبنتا وادعت كل واحدة انها التى ولدت الابن دون البنت فأيتهما بينت بعدلة ثبت نسب الابن منها، وان لم تبينا أو بينتا معا، فان صدق الزوج احداهما ثبت نسب الابن لها
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «الروضة البهية» انه يلحق الولد بالزوج الدائم نكاحه بالدخول بالزوجة ومضى ستة أشهر هلالية من حين الوط ء والمراد به عيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا وان لم ينزل ولا يخلو ذلك من أشكال ان لم يكن مجمعا عليه للقطع بانتفاء التولد عنه عادة فى كثير من موارده، وعدم تجاوز أقصى الحمل، وقد اختلف الأصحاب فى تحديده، فقيل تسعة أشهر، وقيل عشرة وغاية ما قيل فيه عندنا سنة ومستند الكل مفهوم الروايات ويمكن حمل الروايات على اختلاف عادات النساء فان بعضهن تلد لتسعة وبعضهن لعشرة وقد يتفق نادرا بلوغ سنة واتفق الأصحاب على انه لا يزيد عن السنة مع انهم رووا أن النبى صلى الله عليه وسلم حملت به أمه أيام التشريق واتفقوا على انه ولد فى شهر ربيع الأول فأقل ما يكون لبثه فى بطن أمه سنة وثلاثة أشهر وما نقل أحد من العلماء ان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم. وهذا فى الولد التام الذى ولجته الروح. وفى غيره مما تسقطه المرأة يرجع فى الحاقه بالزوج حيث يحتاج الى الالحاق ليجب عليه تكفينه ومؤونة تجهيزه ونحو ذلك من الأحكام التى لا تترتب على حياته - الى المعتاد لمثله من الأيام والأشهر وان نقصت عن الستة الأشهر فان أمكن عادة كونه منه لحقه الحكم وان علم عادة انتفائه عنه لغيبته عنها مدة تزيد عن تخلفه عادة منه انتفى عنه.
ولو فجر بها - أى بالزوجة الدائمة - فاجر فالولد للزوج وللعاهر الحجر ولا يجوز نفيه لذلك للحكم بلحوقه بالفراش شرعا. وان أشبه الزانى خلقة ولو نفاه لم ينتف عنه الا باللعان لأمه فان لم يلاعن حد به. ولو اختلف الزوجان فى الدخول فادعته الزوجة وأنكره الزوج أو اختلفا فى ولادة المولود بأن أنكر كونها ولدته حلف الزوج لأصالة عدمهما ولان النزاع فى الأول فى فعله ويمكنها اقامة البينة على الولادة فى الثانى فلا يقبل قولها بغير بينة. ولو اتفقا على الدخول والولادة واختلفا فى المدة فادعى ولادته لدون ستة أشهر أو لأزيد من أقصى الحمل حلفت هى تغليبا للفراش ولأصالة عدم زيادة المدة فى الثانى أما الأول فالأصل معه فيحتمل قبول قوله فيه عملا بالأصل ولان مآله الى النزاع فى الدخول، فانه اذا قال لم تنقض مدة ستة أشهر من حين الوط ء فمعناه انه لم يطأ منذ
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ح 4 ص 165، 166 الطبعة الثانية.
(2)
المصدر نفسه ح 4 ص 165 نفس الطبعة.
مدة ستة أشهر وانما وقع الوط ء فيما دونها.
وربما فسر بعضهم النزاع فى المدة بالمعنى الثانى خاصة ليوافق لأصل وليس ببعيد ان تحقق فى ذلك خلاف الا أن كلام الأصحاب مطلق
(1)
.
وولد المملوكة اذا حصلت الشروط الثلاثة وهى: الدخول، وولادته لستة أشهر فصاعدا ولم يتجاوز الأقصى، يلحق به وكذلك ولد المتعة ولا يجوز نفيه لمكان الشبهة فيهما لكن لو نفاه انتفى ظاهرا بغير لعان فيهما وان فعل حراما حيث نفى ما حكم الشارع ظاهرا بلحوقه به أما ولد الأمة فموضع وفاق ولتعليق اللعان على رمى الزوجة فى الآية واما ولد المتعة فانتفاؤه بذلك هو المشهور ومستنده غلبة اطلاق الزوجة على الدائمة ومن ثم حملت عليها فى آية الارث وغيره فلو عاد واعترف به صح ولحق به بخلاف ما لو اعترف به أولا ثم نفاه فانه لا ينتفى عنه والحق به. ولا يجوز نفى الولد مطلقا لمكان العزل عن أمه لاطلاق النص والفتوى بلحوق الولد لفراش الواطئ وهو صادق مع العزل ويمكن سبق الماء قبله وعلى ما ذكر سابقا لا اعتبار بالانزال فى الحاق الولد مطلقا فمع العزل بالماء أولى وولد الشبهة يلحق بالواطئ بالشروط الثلاثة وعدم الزوج الحاضر الداخل بها بحيث يمكن الحاقه به.
والمولى فى ذلك بحكم الزوج ولو انتفى عن المولى ولحق بالواطئ أغرم قيمة الولد يوم سقط حيا لمولاها
(2)
.
وجاء فى «الروضة البهية» أنه يشترط فى الاقرار بالنسب أهلية المقر للإقرار ببلوغه وعقله وإمكان إلحاق المقر به بالمقر شرعا فلو أقر ببنوة المعروف نسبه أو أخوته وغيرهما مما يغاير ذلك النسب الشرعى أو أقر ببنوة من هو أعلى سنا من المقر أو مساو له أو أنقص منه بما لم تجر العادة بتولده منه بطل الاقرار وكذا المنفى عنه شرعا كولد الزنا وان كان على فراشه كما لو زنى بامرأة ثم تزوجها فماتت عن ولد لدون ستة أشهر من حين الدخول بعد التزويج وكذلك ولد اللعان وان كان الابن يرثه.
ويشترط التصديق أى تصديق المقر به للمقر فى دعواه النسب حتى يرث منه الصغير لو مات ويرث المقر لو مات الصغير فيما عدا الولد الصغير ذكرا كان أم أنثى والمجنون كذلك والميت وان كان بالغا عاقلا ولم يكن ولدا، أما الثلاثة فلا يعتبر تصديقهم بل يثبت نسبهم بالنسبة الى المقر بمجرد اقراره لان التصديق انما يعتبر مع امكانه وهو ممتنع من الولد الصغير والمجنون وكذا الميت مطلقا بالغا عاقلا وربما أشكل حكمه كبيرا مما تقدم، ومن اطلاق اشتراط تصديق البالغ العاقل فى لحوقه ولان تأخير الاستلحاق الى الموت يوشك ان يكون خوفا من انكاره الا أن فتوى الأصحاب على القبول لا يقدح فيه التهمة باستيثاق مال الناقص أى مال الصغير والمجنون وارث الميت والمراد بالولد هنا الولد الصلب فلو أقر ببنوة ولد ولده فنازلا اعتبر التصديق كغيره من الأقارب واطلاق الولد يقتضى عدم الفرق بين دعوى الأب والأم وهو أحد القولين فى المسألة وأصحهما الفرق. وان ذلك مخصوص
(1)
الروضة البهية فى شرح اللمعة الدمشقية ح 2 ص 134، 135 طبعة دار الكاتب العربى بمصر.
(2)
نفس المصدر ح 2 ص 135 الطبعة السابقة.
بدعوى الأم، أما الأم فيعتبر التصديق لها لورود النص على الرجل فلا يتناول المرأة واتحاد طريقهما ممنوع لامكان اقامتها البينة على الولادة دون الرجل ولان ثبوت نسب غير معلوم على خلاف الأصل يقتصر فيه على موضع اليقين، ويشترط أيضا فى نفوذ الاقرار مطلقا. عدم المنازع له فى نسب المقر به فلو تنازعا فيه اعتبرت البينة وحكم لمن شهدت له فان فقدت فالقرعة لأنها لكل أمر مشكل أو معين عند الله مبهم عندنا وهو هنا كذلك. هذا اذا اشتركا فى الفراش على تقدير دعوى البنوة أو انتفى عنهما كوط ء خالية عن فراش لشبهة فلو كانت فراشا لاحدهما حكم له به خاصة دون الآخر وان صادقه الزوجان ولو كانا زانيين انتفى عنهما أو كان أحدهما زانيا انتفى عنه ولا عبرة فى ذلك بتصديق الأم
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى «شرح النيل» ان من لاعن امرأة حاملا لزمه ما ولدته قبل مدة الولادة وهو ستة أشهر من وقت اللعان أو مع المدة أو ما تحرك قبل أربعة أشهر أو معها لا ما بعد الأربعة فانه ينتفى باللعان ولو لم يلاعن الا على الزنى واما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الولد للفراش» فمحله ماذا لم يلاعن عليه بدليل انه صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين والحق الولد بالمرأة لما انتفى منه الزوج بلا اعادة لعان لنفيه وفى الحديث دليل على انه لا يشترط لنفى الحمل تصريح الزوج بأنه من زنى بل يكفى ان يقول مثلا ليس منى وعلى جواز لعان الحامل والحاق الولد بالمرأة فى الحديث مقيد بما ذكره المصنف من كونه بعد الستة من وقت اللعان مثلا وبعدم تعرضه له فى اللعان واما اذا تعرض لنفيه فيه أو لاعن عليه فانه يلحق بها مطلقا واطلاق ابن جعفر ان ولد الملاعنة لها محمول على ما اذا جاءت به بعد الستة من اللعان أو تعرض لنفيه فيه وذكر أبو اسحق انه ان ظهر بها حمل وقد دخل بها فجحده وتقر المرأة انه من زنى أو اكراه حدث فى الزنى ونفى عنه الولد وقيل لا ينفى اذا دخل بها وكان بعد الستة من يوم العقد أو الدخول وانه ان لم يدخل بها فظهر حمل فانكره لاعنها ونفى عنه فان كذب نفسه أو مات قبل تمام اللعان لحقه الولد ولزم الصداق والارث وذكر بعض قومنا انها ان ولدت لستة أشهر من يوم رؤيته للزنى انتفى عن الزوج بلعانه للرؤيا وان أتت به لأقل لحق به لان لعانه للرؤيا لا لنفيه ان لم يدع استبراء بحيضه وان ادعاه لحق به. وان ولدت قبل ستة أشهر من وقت العقد أو الدخول أو تحرك قبل مدة التحرك من ذلك فلا يلاعنها على الولد لانه قد ظهر انه ليس له وكذا ان سقطت علقة أو مضغة أو عظما قبل مدة هذه الأشياء من وقت العقد أو الدخول
(2)
.
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ح 2 ص 225، 226 نفس الطبعة.
(2)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ح 3 ص 545، 546.
طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى بمصر ..
الأم وأحكام الميراث
مذهب الحنفية:
جاء فى «تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق» أن للأم الثلث من الميراث وذلك عند عدم الولد وولد الابن لقول الله سبحانه وتعالى: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ»
(1)
وعند عدم الاثنين من الأخوة والأخوات.
قال رحمه الله: ومع الولد أو ولد الابن أو الاثنين من الاخوة والأخوات.
أى مع واحد من هؤلاء المذكورين لا ترث الثلث وانما ترث السدس لقول الله تعالى:
«وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ»
(2)
ولقوله سبحانه وتعالى:
«فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ 3» }.
فاسم الولد فى المتلو أولا يتناول الولد وولد الابن وكذلك الذكر والأنثى ولفظ الجمع فى الاخوة يطلق على اثنين فتحجب بهما من الثلث الى السدس من أى جهة كانا أو من جهتين لأن لفظ الاخوة يطلق على الكل وهذا قول جمهور الصحابة رضى الله عنهم.
وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه لم تحجب الأم من الثلث الى السدس الا بثلاثة منهم عملا بظاهر الآية فان الاخوة جمع وأقله ثلاثة وللجمهور أن الجمع يطلق على المثنى قال الله سبحانه وتعالى. «وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ. قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ»
(4)
. فأعاد ضمير الجمع فى تسوروا ودخلوا وفى منهم وقالوا على اثنين وهما الملكان اللذان دخلا عليه فى صورة متحاكمين؟ ومثل هذا كثير شائع فى كلام العرب. قال رحمه الله: ومع الأب وأحد الزوجين ثلث الباقى بعد فرض أحدهما فيكون لها السدس مع الزوج والأب المرجع مع الزوجة والأب لأنه هو ثلث الباقى بعد فرض أحد الزوجين فصار للأم ثلاثة أحوال ثلث الكل، وثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين والسدس. وابن عباس رضى الله عنهما لا يرى ثلث الباقى بل يورثها ثلث الكل والباقى للأب وخالف فيه جمهور الصحابة رضى الله عنهم ووجهه ان الله سبحانه وتعالى نص على فرضين للأم الثلث والسدس فلا يجوز اثبات فرض ثالث بالقياس، وكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألحقوا الفرائض بأهلها» والأم صاحبة فرض والأب عصبة فى هذه الحالة والجواب عنه أن الله سبحانه وتعالى جعل للأم ثلث ما ترثه هى والأب عند عدم الولد والاخوة لا ثلث الكل يقول الله سبحانه وتعالى: «وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» أى ثلث ما يرثانه والذى يرثانه مع أحد الزوجين هو الباقى من فرضه ولأنها لو أخذت ثلث الكل يكون نصيبها ضعف نصيب الأب مع الزوج أو قريبا من نصيبه مع الزوجة والنص يقتضى تفضيله عليها بالضعف اذا لم يوجد الولد
(1)
الآية رقم 11 من سورة النساء.
(2)
نفس الآية السابقة.
(3)
نفس الآية السابقة من سورة النساء.
(4)
الآية رقم 22 من سورة ص.
والاخوة، ولهذا قال ابن مسعود رضى الله عنه فى الرد عليه: «ما أرانى الله تفضيل الأنثى على الذكر. وقال زيد رضى الله عنه:
لا أفضل الأنثى على الذكر ومرادهما عند الاستواء فى القرابة والقرب، وأما عند الاختلاف فلا يمتنع تفضيل الأنثى على الذكر ولهذا لو كان مكان الأب جد كان للأم ثلث الجميع فلا يبالى بتفضيلها عليه لكونها أقرب منه. وعند أبى يوسف رحمه الله لها ثلث الباقى أيضا مع الجد وهو مروى عن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما فانهما كانا يفضلان الأم على الجد
(1)
. وفى رواية عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه لا تحجب الجدات الا الأم، وفى رواية عنه وعن زيد ابن ثابت رضى الله عنهما أن القربى اذا كانت من جهة الأب لا تحجب البعد من جهة الأم وبالعكس تحجب لان الجدات يرثن باعتبار الولادة فوجب أن يقدم الأدنى على الأبعد كالأب الأدنى مع الأب الأبعد وليس كل حكم يثبت للوساطة يثبت لمن يدلى به. الا ترى أن أم الأب لا يزيد ارثها على السدس وتحجب بالأم والأب بخلاف ذلك. قال رحمه الله، وكل الجدات يحجبن بالأم والمراد اذا كانت الأم وارثة وعليه الاجماع والمعنى فيه أن الجدات انما يرثن بطريق الولادة والأم أبلغ حالا منهن فى ذلك فلا يرثن معها. ولأن الأم أصل فى قرابة الجدة التى من قبلها الى الميت وتدلى بها فلا ترث مع وجودها لما عرف فى باب الحجب، فاذا حجبت الجدة التى من قبلها كانت أولى أن تحجب التى من قبل الأب لأنها أضعف حالا منها، ولهذا تؤخر الحضانة فتحجب بها وكذا الأبويات منهن يحجبن بالأب اذا كان وارثا
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «حاشية الدسوقى على الشرح الكبير» أن للأم ثلث الميراث عند فقد الولد وولد الابن وعدم اثنين من الاخوة والأخوات ويحجب الأم من الثلث الى السدس ولد ولو أنثى وان سفل كولد الابن أو ولد ابن الابن، ويحجبها للسدس أيضا اخوان أو أختان مطلقا أشقاء أو لأب أو لأم أو بعض وبعض ذكورا أو اناثا أو مختلفين وشمل اطلاقه ما اذا كانا محجوبين بالشخص كمن مات عن أم وأخوين لأم وجد لأب فانهما يسقطان بالجد ومع ذلك يحجبان الأم من الثلث الى السدس فهما مستثنيان من قاعدة .. كل من لا يرث لا يحجب وارثا، ولذا قال فى التلمسانية:
وفيهم فى الحجب أمر عجب لأنهم قد حجبوا وحجبوا. وأما المحجوبان بالوصف من رق أو كفر أو قتل فلا يحجبان ولما كان الثلث فرض الأم حيث لا ولد ولا ولد ابن ولا من الأخوة ذو عدد وكان كل الغراوين كذلك ومع ذلك لم
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق - لقمان ابن على الزيلعى وبهامشه حاشية الشيخ أحمد الشلبى الطبعة الاولى المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1315 هـ ح 6 ص 231.
(2)
المرجع السابق ح 6 ص 232، 233
تأخذ الثلث جعلوا لها ثلث الباقى عن الفرض ليصدق عليها أنها أخذت السدس فى الجملة ولها ثلث الباقى فى زوجة ماتت عن زوج وأبوين أصلها من اثنين فخرج نصيب الزوج يبقى واحد على ثلاثة اذ هى حظ ذكر وأنثى يدليان بجهة واحدة فللذكر مثل حظ الأنثيين، وهو لا ينقسم على ثلاثة فنضرب الثلاثة فى أصل المسألة تكون ستة، للزوج النصف ثلاثة ولها ثلث الباقى واحد من ستة، ولو كان بدل الأب جد لكان لها الثلث من رأس المال «ولها ثلث الباقى أيضا فى زوج مات عن زوجة وأبوين، فهى من أربعة، للزوجة الربع وللأم ثلث الباقى وللأب الباقى هذا مذهب الجمهور» .
وذهب ابن عباس الى أن لها ثلث جميع المال فى المسألتين نظرا لعموم قول الله سبحانه وتعالى: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» ونظر الجمهور الى أن أخذها الثلث فيهما يؤدى الى مخالفة القواعد، اذ القاعدة أنه متى اجتمع ذكر وأنثى يدليان بجهة واحدة فللذكر مثل حظ الانثيين. فخصوا عموم الآية بالقواعد، وجعلوا لها ثلث الباقى لأن القواعد من القواطع.
والجدة فأكثر فرضها السدس الا أنه لا يرث عندنا أكثر من جدتين أم الأم وأمها وان علت وأم الأب وأمها وهكذا فمن أدلت بذكر من جهة الأم أو من جهة الأب غير الأب لم ترث وأسقطها الأم مطلقا ولو من جهة الأب
(1)
.
مسألة الأكدرية والغراء ورأكانها أربعة زوج وجد وأم وأخت شقيقة أو الأب - المسألة من ستة للزوج ثلاثة نصفها، وللأم ثلثها اثنان يبقى واحد للجد وهو لا ينقص عنه بحال ولا يجوز اسقاط الأخت بحال فيفرض النصف لها والسدس له فقد عالت بفرض النصف الى تسعة ثم يجمع نصيبها ونصيب الجد وهما أربعة ويقاسمها للذكر مثل حظ الانثيين لما علمت من أن الجد يعصب الأخت كالأخ والأربعة لا تنقسم على ثلاثة ولا توافق فتضرب ثلاثة عدد الرءوس المنكسر عليها سهامها فى أصل المسألة بعولها تبلغ سبعة وعشرين من له شئ من تسعة أخذه مضروبا فى ثلاثة فللزوج ثلاثة فى ثلاثة بتسعة وللأم اثنان فى ثلاثة بستة وللجد والأخت أربعة فى ثلاثة باثنى عشر يأخذ الجد ثمانية والأخت أربعة واحترز بقوله أخت عما لو كان معه أختان أو أكثر فانه يأخذ السدس لأنه الأفضل له وللأختين فأكثر السدس الباقى لحجب الأم بالسدس بعد الاخوة. وان كان محل الأخت فى الأكدرية أخ لأب ومعه أخوة لأم اثنان فأكثر سقط الأخ للأب لأن الجد يقول له لو كنت دونى لم ترث شيئا لأن الثلث الباقى بعد الزوج والأم يأخذه أولاد الأم وأنا أحجب كل من يرث من جهة الأم فيأخذ الجد حينئذ الثلث وحده كاملا وتسمى هذه المسألة بالمالكية. وقال زيد للأخ للأب السدس.
قيل ولم يخالف مالك زيدا الا فى هذه.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 461 - 465.
مذهب الشافعية:
وجاء فى «مغنى المحتاج» : أن للأم ثلث الميراث اذا لم يكن لميتها ولد وارث ولا ولد ابن وارث ولا اثنان من الاخوة والأخوات للميت سواء أكانوا أشقاء أم لا ذكورا أم لا محجوبين بغيرهما كأخوين لأم مع جد أم لا، لقول الله سبحانه وتعالى:«فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ»
(1)
وولد الابن ملحق بالولد والمراد بالاخوة اثنان فأكثر اجماعا قبل اظهار ابن عباس الخلاف. ويشترط أيضا أن لا يكون مع الأم أب وأحد الزوجين فقط فان كان معها ذلك ففرضها ثلث الباقى وللأم السدس اذا كان لميتها ولد أو ولد ابن وارث أو اثنين أو أكثر من الاخوة والأخوات لما مر فى الآيتين.
واذا اجتمع مع الأم الولد أو ولد الابن واثنان من الاخوة فالذى ردها من الثلث الى السدس الولد لقوته كما بحثه ابن الرفعة
(2)
. والبنت والأم والزوجة لا يحجبن عن ارثهن بالاجماع والجدة للأم لا يحجبها الا الأم اذ ليس بينها وبين الميت غيرها فلا تحجب بالأب ولا بالجد، وقد ترث الجدة مع بنتها ان كانت بنتها جدة أيضا فيكون السدس بينهما نصفين وذلك فى جدة الميت من جهة أبيه وأمه.
والجدة للأب يحجبها الأب أو الأم أى تحجب الأم الجدة للأب أيضا بالاجماع فانها تستحق بالأمومة والأم أقرب منها
(3)
.
وللأم فى مسألتى زوج أو زوجة وأبوين ثلث ما بقى بعد فرض الزوج أو فرض الزوجة لا ثلث جميع المال لاجماع الصحابة قبل اظهار ابن عباس الخلاف قائلا بأن لها الثلث كاملا فى الحالين لظاهر الآية لأن كل ذكر وأنثى لو انفردا اقتسما المال أثلاثا فاذا اجتمعا مع الزوج أو الزوجة اقتسما الفاضل كذلك كالأخ والأخت فللزوج فى المسألة الأولى وهى من اثنين النصف والباقى ثلثه للأم وثلثاها للأب وأقل عدد له نصف صحيح وثلث ما يبقى ستة فتكون من ستة فهى تأصيل لا تصحيح كما سيأتى فى الأصلين الزائدين، وللزوجة فى الثانية وهى من أربعة أسهم وللأم ثلث الباقى وهو سهم وللأب الباقى. قالوا وانما عبروا عن حصتها فيهما بثلث الباقى مع أنها أخذت فى الأولى السدس، وفى الثانية الربع تأدبا مع لفظ القرآن فى قوله سبحانه وتعالى «وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» ويتبعان بالغراوين لشهرتهما تشبيها لهما بالكوكب الأغر بالعمريتين لقضاء عمر رضى الله تعالى عنه فيهما بما ذكر، بالغريبتين لغرابتهما
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كشاف القناع» أن للأم فى الميراث
(1)
الآية 11 من سورة النساء.
(2)
مغنى المحتاج ح 3 ص 10.
(3)
المصدر السابق ح 3 ص 12.
(4)
المصدر السابق ح 3 ص 14.
أربعة أحوال: ثلاثة منها يختلف ميراثها بسبب اختلافها، وأما الرابع فانما يظهر تأثيره على المذهب فى عصبتها. فاذا كانت مع الولد ذكرا أو أنثى، واحدا أو متعددا، أو مع ولد الابن كذلك أو مع اثنين ولو محجوبين من الاخوة والأخوات كاملى الحرية فلها السدس لقول الله عز وجل:«وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ 1» وقوله «فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ»
(2)
وللأم مع عدمهم، أى عدم الولد وولد الابن والعدد من الاخوة والأخوات الثلث: لقول الله عز وجل:
«فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}
(3)
» وهذا هو الحال الثانى، والحال الثالث: فى أبوين وزوج أو زوجة وهما العمريتان والغراوان لها ثلث الباقى بعد فرضيهما. والحال الرابع:
اذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنا أو ادعته وألحق بها ولو كانت ذات زوج دون زوجها الجاحد له، أو لكونه منفيا بلعان فانه ينقطع تعصيبه ممن نفاه باللعان ونحوه كجحد زوج المقرة به، فلا يرثه هو ولا أحد من عصبته لانقطاع السبب وهو النسب. وكذا الزانى وعصبته لا يرثون ولد الزنا، وكذا زوج المقرة وعصبته لا يرثون من أقرت به ان لم يصدقوها لانقطاع نسبه، ولو كان التعصيب باخوة من أب اذا ولدت توأمين من زنا أو زوج نفاهما باللعان، فاذا مات أحدهما فلا يرث الأخ من الأب الذى هو توأمه باخوته من الأب شيئا، ولا يحجب توأمه أحدا من يحجب الأخ الأب، لأنه لا نسب له، اذ ليس لواحد منهما أب ينتسب اليه، وترث أمه من فرضها، ويرث ذو فرض منه أى من ولد الزنا ومنفى بلعان ونحوه، فرضه كغيره، لأن كونه لا أب له لا تأثير له فى منع ذى فرض من فرضه، وعصبته أى عصبة من لا أب له شرعا عصبة أمه فى ارث فقط، كقولنا فى الأخوات مع البنات عصبة فلا يعقلون - أى عصبة الأم - عنه، ولا يثبت لهم عليه ولاية التزويج ولو كان أعنى، ولا غيره كولاية المال، لأنهم ينتسبون اليه بقرابة الأم وهى ضعيفة، ولا يلزم التعصيب فى الميراث التعصيب فى غيره كما فى الأخوات مع البنات. ان لم يكن لولد الزنا والمنفى بلعان ونحوه ابن ولا ابن ابن وان نزل بمحض الذكور يكون الميراث الباقى بعد الفروض - من كانت - لأقربهم من الأم، فان خلف ولد الزنا والمنفى بلعان ونحوه أمه وأباها وأخاها فلها الثلث اجماعا، والباقى لأبيها - على المذهب - لأنه أقرب عصبتها.
وان كان مكان الأب جد. فالمسألة أم وجدها وأخوها فللأم الثلث والباقى بين أخيها وجدها نصفين لاستوائهما فى القرب منها، وتصح من ثلاثة. وان خلف أما وخالا لغير أم فلها الثلث والباقى للخال. لأنه عصبته امه وان كان مع الأم والخال أخ لأم، فللأم الثلث، وللأخ للأم السدس فرضا، والباقى تعصيبا، ويسقط الخال، لأن الابن أقرب من الأخ. ويرث أخوه لأمه مع بنته بالعصوبة فقط، فاذا مات عن بنت وأخ لأم فلبنته النصف، والباقى لأخيه لأمه عصوبة، ولا شئ له بالفرض لسقوطه بالبنت. ولا ترث أخته لأمه مع بنته شيئا لأنها محجوبة بالبنت
(3،2،1)) الآية رقم 11 من سورة النساء.
الطبعة السابقة.
عن الفرض، ولا عصوبة لها. فاذا خلف بنتا وأخا لأم، وأختا لأم فلبنته النصف فرضا، والباقى للأخ تعصيبا، لأنه أقرب عصبة أمه.
وبدون البنت لهما الثلث فرضا والباقى للأخ عصوبة. ومن هنا نعلم أن المراد بعصبة الأم العصبة بنفسه فقط. واذا قسم ميراث ابن الملاعنة ثم أكذب الملاعن نفسه لحقه الولد ونقضت القسمة. واذا مات ابن ابن ملاعنة وخلف أمه وجدته أم أبيه وهى الملاعنة فالكل لأمه فرضا وردا، لأن الجدة لا ترث مع الأم. وينقطع التوارث بين الزوجين اذا تم اللعان لانقطاع النكاح الذى هو سببه. وان مات أحدهما قبل اتمام اللعان ورثه الآخر لبقاء النكاح الى الموت وعدم المانع
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى» لابن حزم
(2)
أن ميراث الأم مع الولد الذكر أو الأنثى أو ابن الابن، أو بنت الابن وان سفل السدس فقط لأنه نص القرآن الكريم:«وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ 3» . وان كان للميت أخ أو اخوان أو أختان أو أخت أو أخ ولا ولد له، ولا ولد ولد ذكر فلأمه الثلث، فان كان له ثلاثة من الاخوة دكور أو اناث، أو بعضهم ذكر وبعضهم أنثى فلأمه السدس، لقول الله سبحانه وتعالى:«فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ»
(4)
. وهو قول ابن عباس. وقال غيره باثنين من الاخوة ترد الأم الى السدس. ولا خلاف فى أنها لا ترد عن الثلث الى السدس بأخ واحد ولا بأخت واحدة، ولا فى أنها ترد الى السدس بثلاثة من الاخوة، انما الخلاف فى ردها الى السدس باثنين من الاخوة. عن عبد الله بن عباس أنه دخل على عثمان بن عفان فقال له: ان الأخوين لا يردان الأم الى السدس، انما قال الله تعالى:«فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ» والاخوان فى لسان قومك ليسوا باخوة. فقال عثمان:
لا أستطيع أن أنقض أمرا كان قبلى توارثه الناس ومضى فى الأمصار
(5)
.
وان كان الميت ترك زوجة وأبوين، أو ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين فللزوج النصف، وللزوجة الربع، وللأم الثلث من رأس المال كاملا، وللأب من ابنته السدس، ومن ابنه الثلث وربع الثلث، وقالت طائفة ليس للأم فى كلتيهما الا ثلث ما بقى بعد ميراث الزوج والزوجة وهذا قول رويناه صحيحا عن عمر ابن الخطاب وعثمان وابن مسعود فى الزوجة والأبوين والزوج والأبوين وصح عن زيد ورويناه عن على ولم يصح عنه. قال أبو محمد أن قولهم فى قول الله تعالى:
«وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» أى مما يرثه أبواه فباطل وزيادة فى القرآن لا يجوز القول بها برهان ذلك ما رويناه من طريق محمد
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ح 2 ص 551 - 553 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ح 9 ص 258 المسألة رقم 1713 الطبعة الأولى سنة 1351 هـ.
(4،3)) الآية رقم 11 من سورة النساء.
(5)
المحلى ح 9 ص 258 المسألة رقم 1714 الطبعة السابقة.
ابن المتنبى حدثنا عبد الرحمن بن مهدى حدثنا سفيان الثورى عن عبد الرحمن بن الأصبهانى عن عكرمة قال: أرسلنى بن عباس الى زيد ابن ثابت أسأله عن زوج وأبوين فقال: للزوج النصف وللأم ثلث ما بقى فقال بن عباس:
أتقوله برأيك أم تجده فى كتاب الله تعالى؟ قال زيد: أقوله برأيى لا أفضل أما على أب.
قال على: فلو كان لزيد بالآية وتعلق ما قال:
أقوله برأيى لا أفضل أما على أب ولقال بل أقوله بكتاب الله عز وجل. قال أبو محمد:
ليس الرأى حجة، ونص القرآن يوجب صحة قول ابن عباس بقوله تعالى:«فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» فهذا عموم لا يجوز تخصيصه
(1)
.
وولد الزنا يرث أمه وترته أمه، ولها عليه حق الأمومية من البر والنفقة والتحريم وسائر أحكام الأمهات، ولا يرثه الذى تخلق من نطفته، ولا يرثه هو، ليس له عليه حق الأبوة، لا فى بر، ولا فى نفقة، ولا فى تحريم، ولا فى غير ذلك. وهو منه أجنبى.
ولا نعلم فى هذا خلافا الا فى التحريم فقط.
برهان صحة هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» ، وقوله عليه الصلاة والسلام أيضا:«الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر» ، فألحق الولد بالفراش، وهى الأم، وبصاحبه وهو الزوج أو السيد، ولم يجعل للعاهر الا الحجر، ومن جعل تحريما بما لا حق له فى الأبوة فقد ناقض
(2)
.
وجاء فى «المحلى» عن ميراث الغرة ان الجنين اذا تيقنا أنه قد تجاوز الحمل به مائة وعشرين ليلة فان الغرة موروثة لورثته الذين كانوا يرثونه لو خرج حيا، فمات على حكم المواريث - وان لم يوقن أنه تجاوز الحمل به مائة ليلة وعشرين ليلة فالغرة لأمه فقط
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب «البحر الزخار»
(4)
.
مسألة: عن على عليه السلام فى ابنتين وأبوين وزوجة، صار ثمنها تسعا قولا بالعول. وعنه فى أم وزوج وأخت وجد:
للزوج النصف ثلاثة، وللأخت النصف ثلاثة، وللأم الثلث سهمان، وللجد السدس سهم فعالت الى تسعة.
- مسألة: ولا يرث مع الأب الا الأولاد وأولاد البنين - والزوج والزوجة والأم والجدة أم أم، الا من قال: هى مع الأب كأم الأب لا ترث، لكن اجماع الصحابة بخلافه.
- مسألة: ولا تسقط الأم الا الجدات، ويحجبها الى السدس الولد وولد الابن اجماعا لقول الله سبحانه وتعالى: «وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ}
(1)
نفس المرجع ح 9 ص 260 وما بعدها الى ص 262 مسألة رقم 1715 نفس الطبعة
(2)
المرجع السابق ح 9 ص 302 مسألة رقم 1742 نفس الطبعة.
(3)
المحلى ح 11 ص 33. مسألة رقم 2127 نفس الطبعة.
(4)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى المتوفى عام 840 هـ ح 5 ص 343 - 345 الطبعة الأولى عام 1368 هـ 1949 م مطبعة السنة المحمدية.
{واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ 1»} .
وكذلك الاثنان من الاخوة والأخوات وقيل لا يحجبها الا الثلاثة فصاعدا لقول الله تبارك وتعالى: «فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ»
(2)
.
- مسألة: وللأم مع الأب الثلث اجماعا لقول الله سبحانه وتعالى: «وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ»
(3)
. فان حجبها الأخوة الى السدس فالباقى للأب اجماعا. فان انفرد الأب كان المال له اجماعا كالابن. ولنا الحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى عصبة ذكر، وجعله الرسول صلى الله عليه وسلم الفاضل على البنات للعصبة فى حديث سعد بن الربيع.
- مسألة: والقياس على البنت والأم معا، وعلى الأم والأخت معا، فأما الزوجان فليسا برحم، وعلة الرد الرحامة.
- مسألة: فى زوج وأبوين للزوج النصف وللأم ثلث ما يبقى، فان تركت أبا وزوجا فللزوج النصف والباقى للأب اجماعا لقول الله تبارك وتعالى:«وَوَرِثَهُ أَبَواهُ» فشرط فى استيفاء الثلث أن يكونا مستوليين على المال، وحيث معهما الزوجان لم يستوليا. فان قيل:
وشرط أن يكون معها الأب قلنا أسقط اشتراطه بالاجماع.
- مسألة: وللأم مع الأخ الثلث، وله الباقى، ولنا عموم قول الله تعالى:«وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ»
(4)
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «الخلاف فى الفقه» عن ميراث الأم أنها لا تحجب عن الثلث الا بأخوين أو بأخ وأختين أو أربع أخوات، ولا تحجب بأختين. وقال جميع الفقهاء أنها تحجب بأختين أيضا، وقال ابن عباس:
لا تحجب بأقل من ثلاثة أخوة. وهذه فى جملة الخمس مسائل التى انفرد بها
(5)
.
ولا يقع الحجب بالاخوة والأخوات اذا كانوا من قبل الأم
(6)
. وجاء فى كتاب «الخلاف» أيضا المسائل الآتية فى الميراث:
زوج وأبوان - عندنا للزوج النصف، وللأم ثلث الأصل، والباقى وهو السدس للأب.
والدليل اجماع الفرقة وقول الله تبارك وتعالى: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}
(7)
. فأطلق لها الثلث مع عدم الولد، سواء كان زوج أو لم يكن. فمن قال ثلث ما يبقى، فقد ترك الظاهر، وعليه اجماع الفرقة
(8)
. زوجة وأبوان - للزوجة الربع بلا خلاف، وللأم ثلث جميع المال، وما يبقى للأب
(9)
. زوج وأم وأختان لأب وأم - للزوج النصف، والباقى للأم؛ ولا يرث معها الأختان. والدليل اجماع الفرقة، ولأن الله تبارك وتعالى جعل للأم الثلث مع عدم الولد، وكل من قال ان لها ثلث جميع المال، قال: هى هنا ان لها الباقى بالرد
(10)
. زوج وبنتان وأم - للزوج الربع
(3،2،1)) الآية رقم 11 من سورة النساء.
(4)
الآية رقم 176 من سورة النساء.
(6،5)) كتاب الخلاف فى الفقه ح 2 ص 44 - 87 نفس الطبعة السابقة. المسألتان رقم 31، 32.
(7)
الآية رقم 11 من سورة النساء.
(9،8)) المسألتان رقم 33، 34 ص 44، 45.
(10)
المسألة رقم 36 ص 45.
وللأم السدس، والباقى للبنتين ولا عول
(1)
- زوج وأبوان وبنتان - للزوج الربع وللأبوين السدسان، والباقى للبنتين
(2)
.
زوج وأبوان وبنت للزوج الربع، وللأبوين السدسان والباقى للبنت
(3)
- روجة وأختان من أب وأم، وأم - للزوجة الربع وللأم ما بقى
(4)
.
زوجة وأم وأختان، وأخ من أم - للزوجة الربع والباقى للأم، وكذلك ان كان معهم أخ آخر
(5)
، بنتان وأبوان وزوجة - وللزوجة الثمن وللأبوين السدسان والباقى للبنتين
(6)
- بنات وأبوان وزوجة - للبنتين فصاعدا الثلثان.
وبه قال عامة الفقهاء، ورويت رواية شاذة عن ابن عباس أن للبنتين النصف وللثلث فما فوقهن (فوقها) الثلثان
(7)
- زوج وابوان وبنت وبنت ابن. للزوج الربع وللأبوين السدسان. والباقى للبنت. وليس لبنت الابن شئ
(8)
أبوان واخوة - للأم السدس والباقى للأب بلا خلاف
(9)
. زوج وأم وجد - للزوج النصف بلا خلاف، وللأم الثلث بالفرض بلا خلاف، والباقى يرد عليها
(10)
. أخت وأم وجد - للأم الثلث بالفرض بلا خلاف، والباقى رد عليها، ويسقط الباقون
(11)
. الأكدرية:
زوج وأم وأخت وجد. للزوج النصف وللأم الثلث بالفرض، والباقى رد عليها ويسقط الباقون
(12)
المشتركة زوج وأم وأخوان لأب وأم، وأخوان لأم - للزوج النصف، والباقى للأم، والثلث بالفرض - والباقى بالرد
(13)
.
واذا مات ولد الملاعنة وخلف أما وأخوين لها، فللأم الثلث بالتسمية، والباقى يرد عليها، ويسقط الأخوان معها
(14)
. والظاهر من مذهب الإمامية أن ولد الزنا لا يرث أمه، ولا ترثه أمه ولا من جهتها، وقد ذهب قوم منهم الى أن ميراثه مثل ميراث ولد الملاعنة، وسواء كان ولدا واحدا أو ولدين فان أحدهما لا يرث الآخر الا على القول الثانى، والدليل هو الأخبار المروية، ولأن الميراث تابع للنسب الشرعى، وليس هنا نسب شرعى
(15)
بين ولد الزنا وبين الأم. مجوسية ماتت وخلفت أما هى أخت لاب - للأم الثلث والباقى رد عليها
(16)
..
مجوسى مات وخلف أما هى أخت لأب، وأختا لأب وأم للأم الثلث بالفرض، والباقى يرد عليها
(17)
. ماتت مجوسية وخلفت أما هى أخت لأبيها، وأخا لأب وأم - للأم الثلث والباقى يرد عليها
(18)
. امرأة وأم وأخ وجد - للمرأة الربع، وللأم الثلث بالفرض والباقى يرد عليها
(19)
. وجاء فى المختصر النافع، أن للأم الثلث مع عدم من يحجبها من الولد وان نزل أو الأخوة وللاثنين فصاعدا من ولد الأم. والسدس لكل واحد من الأبوين مع الولد وان نزل. وللأم مع من يحجبها عن الزائد. وللواحد من كلالة الأم ذكرا كان أو أنثى. والتعصب باطل. وفاضل التركة يرد على ذوى السهام عدا الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها. والأب يرث المال اذا
(1 و 2 و 3)) المسائل رقم 39 - 43 ص 46 ..
(4 و 5)) المسائل رقم 39 - 43 ص 46 ..
(6 و 7)) المسألتان رقم 45، 46 ص 46.
(8)
المسألة رقم 51 ص 48.
(9)
المسألة رقم 68 ص 52.
(10 و 11 و 12)) المسائل رقم 105 - 107 ص 70، 71.
(13 و 14 و 15)) المسائل رقم 112 - 114 ص 76.
(16)
المسألة رقم 120 ص 78.
(17 و 18)) ومسألتان رقم 122، 123 ص 79.
(19)
مسألة رقم 150 ص 87.
انفرد. والأم الثلث والباقى بالرد، ولو اجتمعا فللأم الثلث وللاب الباقى.
ولو كان له أخوة كان لها السدس، ولو شاركهما زوج أو زوجة فللزوج النصف وللزوجة الربع، وللأم ثلث الأصل اذا لم يكن حاجب والباقى للأب، ولو كان حاجب كان لها السدس. تطعم الأم أباها وأمها النصف من نصيبها بالسوية اذا حصل لها الثلث فما زاد.
ولا يحجب الأخوة الأم الا بشروط أربعة.
أن يكون أخوين، أو أخا وأختين، أو أربع أخوات فما زاد لأب وأم، أو لأب مع وجود الأب غير كفرة ولا رق. وفى القتلة قولان.
أشبههما عدم الحجب - وأن يكونوا منفصلين لا حملا
(1)
.
مذهب الإباضية:
وجاء فى كتاب «شرح النيل» ، أن للأم الثلث مع فقد حاجب لها عن الثلث الى السدس، وهو الولد أو ولد الابن، أو أخوان أو أختان، أو أخ وأخت
(2)
وللأم السدس مع وجود حاجب وهو الولد أو ولد الابن أو اثنان من جنس الأخوة
(3)
.
الأم والقذف
مذهب الحنفية:
جاء فى كتاب (بدائع الصنائع) أن المقذوف لا يخلو اما أن يكون حيا وقت القذف. واما أن يكون ميتا: فان كان حيا فلا خصومة لأحد سواه: وإن كان ولده أو والده، وسواء كان حاضرا أو غائبا، لأنه اذا كان حيا وقت القذف كان هو المقذوف صورة ومعنى بالحاق العار به.
فكان حق الخصومة له - وقد اختلف الأحناف فى جواز الانابة فى هذه الخصومة، وهى التوكيل بالاثبات بالبينة، فعندهما يجوز وقال أبو يوسف - لا يجوز.
ويقول صاحب (البدائع) ولنا أن الاستيفاء عند غيبة الموكل بنفسه استيفاء مع الشبهة لجواز أنه لو كان حاضرا لصدق القاذف فى قذفه، والحدود لا تستوفى مع الشبهات.
ولو كان المقذوف حيا وقت القذف ثم مات قبل الخصومة أو بعدها سقط الحد عندنا بناء على أن حد القذف لا يورث عندنا، هذا اذا كان حيا وقت القذف.
وأما اذا كان ميتا فلا خلاف فى ان لولده ذكرا كان أو أنثى ولابن ابنه وبنت ابنه وان سفلوا، ولوالده وان علا أن يخاصم القاذف فى القذف، لأن معنى القذف هو الحاق العار، فلم يكن معنى القذف راجعا اليه، بل العار، فلم يكن معنى القذف راجعا اليه، بل الى فروعه وأصوله، لأنه يلحقهم العار لقذف الميت لوجود الجزئية والبعضية.
وقذف الانسان يكون قذفا لأجزائه، فكان القذف لهم من حيث المعنى، ويثبت لهم حق الخصومة لدفع العار عن أنفسهم بخلاف ما اذا كان المقذوف حيا وقت القذف ثم مات فانه ليس للولد والوالد حق الخصومة، بل يسقط،
(1)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى ص 267 - 269.
الطبعة الثانية وزارة الأوقاف بالقاهرة. سنة 1377 هـ.
(2)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ح 8 ص 310 - طبعة المطبعة الأدبية بسوق الخضار بمصر.
(3)
المرجع السابق ح 8 ص 311.
لأن القذف أضيف اليه وهو كان محلا قابلا للقذف صورة ومعنى بالحاق العار به، فانعقد القذف موجبا حق الخصومة له خاصة فلو انتقل الى ورثته لا تنقل اليهم بطريق الارث، وهذا الحد لا يحتمل الارث فسقط ضرورة.
ولا يراعى فى طلب حد القذف احصان المخاصم بل الشرط احصان المقذوف - وعند أصحابنا الثلاثة - حتى لو كان الولد أو الوالد عبدا أو ذميا فله حق الخصومة - وقال زفر: احصان المخاصم شرط، وليس للعبد ولا للكافر أن يخاصم، وجه قوله أن اثبات حق الخصومة له لصيرورته مقذوفا معنى باضافة القذف الى الميت، ولو أضيف اليه القذف ابتداء لا يجب الحد، فها هنا أولى.
ويقول صاحب «البدائع» ولنا أن الحد لا يجب لعين القذف بل الحوق عار كامل بالمقذوف وان كان الميت محصنا فقد لحق الولد عار كامل، فلا يشترط احصانه، لأن اشتراطه للحوق عار كامل به، وقد لحقه بدونه، ولو كان الوارث قتله حتى حرم الميراث فله أن يخاصم لأن هذا الحق لا يثبت بطريق الارث
(1)
. ومن شرائط وجوب حد القذف أن لا يكون القاذف أب المقذوف، ولا جده وان علا، ولا أمه ولا جدته وان علت، فان كان فلا حد عليه لقول الله تبارك وتعالى:«فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ»
(2)
، والنهى عن التأفيف نصا نهى عن الضرب دلالة، ولهذا لا يقتل به قصاصا، ولقوله سبحانه وتعالى:«وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»
(3)
، والمطالبة بالقذف ليست من الاحسان فى شئ، وكان منفيا بالنص، ولأن توقير الأب واحترامه واجب شرعا وعقلا والمطالبة بالقذف للجد ترك التعظيم والاحترام، فكان حراما
(4)
.
وجاء فى «الهداية» أن من نفى نسب غيره، فقال: لست لأبيك، فانه يحد. وهذا اذا كانت أم المنفى حرة مسلمة، لأنه فى الحقيقة قذف لأمه، لأن النسب انما ينفى عن الزانى لا عن غيره. ومن قال لغيره فى غضب لست بابن فلان لأبيه الذى يدعى له يحد، ولو قال فى غير غضب لا يحد، لأن عند الغضب يراد به حقيقته سبا له، وفى غيره يراد به المعاتبة بنفى مشابهة أباه فى أسباب المروءة. ولو قال: لست بابن فلان، يعنى جده لم يحد، لأنه صادق فى كلامه، ولو نسبه الى جده لا يحد أيضا لأنه قد ينسب اليه مجازا.
ولو قال له: يا ابن الزانية، وأمه ميتة محصنة، فطالب الابن بحده، حد القاذف، لأنه قذف محصنة بعد موتها
(5)
. ولو قذف رجل أم ابنه وهى ميتة فليس للولد أن يحاصم أباه لأن الأب لو قذف ولده وهو حى محصن ليس للولد أن يخاصم أباه تعظيما له.
ففى حالة قذف الأم الميتة أولى. وكذلك المولى اذا قذف أم عبيده وهى حرة ميتة فليس العبد أن يخاصم مولاه فى القذف لأنه عبد مملوك لا يقدر على شئ
(6)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 7 ص 54، 55 الطبعة السابقة.
(2)
الآية 23 من سورة الاسراء.
(3)
الآية رقم 83 من سورة البقرة.
(4)
بدائع الصنائع ح 7 ص 42 نفس الطبعة السابقة.
(5)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 4 المطبعة الأميرية ص 193، 194.
(6)
بدائع الصنائع ح 7 ص 55 نفس الطبعة
وجاء فى «الهداية» أن من قذف امرأة ومعها أولاد لم يعرف لهم أب، أو قذف الملاعنة بولد والوالد حى أو قذفها بعد موت الولد فلا حد عليه لقيام أمارة الزنا، وهى ولادة ولد لا أب له ففاتت العفة نظرا اليها وهى شرط الاحصان ومن قذف امرأة لاعنت بغير ولد فعليه الحد ولو قذف مجوسيا تزوج بأمه ثم أسلم يحد عند أبى حنيفة، وقالا: لا حد عليه، وهذا بناء على أن تزوج المجوسى بالمحارم له حكم الصحة فيما بينهم عنده خلافا لهما
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «حاشية الدسوقى على الشرح الكبير» أن للمقذوف حد أبيه وأمه القاذف كل منهما له أى تصريحا، وأما قذفهما له بالتعريض فلا حد فيه ولا أدب وفسق الولد المقذوف بحده لابيه أو أمه فلا تقبل له شهادة، وكذا اذا وجب له قبل أبيه يمين فله تحليفه وكذلك أمه ليس له حدها ولا تحليفها فلا يمكن من ذلك ان طلبه ويصير بذلك فاسقا، وما مشى عليه المصنف ضعيف والمذهب أنه ليس للأبن حد أبيه ولا تحليفه وللمقذوف القيام بحد قاذفه وان علم مارمى به من نفسه قال فيها حلال له أن يحده لأنه أفسد عرضه، وللوارث القيام بحق مورثه المقذوف قبل موته بل وان قذفه بعد موته وبين الوارث بقوله من ولد وولده وان سفل وأب وأبيه وان علا ثم أخ فابنه فعم فابنه وهكذا ولكل من الورثة حق القيام بالمورث، وان حصل أى وجد من هو أقرب منه كابن الابن ومع وجود الابن لأن المعرة تلحق الجميع ولا سيما اذا كان المقذوف أنثى فليس كالدم يختص به الأقرب خلافا لأشهب القائل يقدم الأقرب فالأقرب للقيام بحق المورث المقذوف كالقيام بالدم وللمقذوف العفو عن قاذفه، أما الوارث القائم بحق قذف مورثه فليس له العفو اذا كان الميت أوصاه بالحد والا فله العفو
(2)
.
وجاء فى «المدونة الكبرى» للامام مالك:
أنه لو قال الأب لابنه: يا ابن الزانية، فقام الابن بحد أمه فانه يحد له من الأب، لأن الحد هنا ليس للابن انما هو لأمه، هذا اذا كانت الأم ميتة، أما اذا كانت الأم حيه فليس للولد أن يقوم بذلك الا أن توكله أمه
(3)
.
وجاء فى «الشرح الصغير» أنه ليس لمن قذفه أبوه أو أمه تصريحا حد والديه على الراجح - وهو مذهب المدونة، ومقابله يقول له حدهما ويحكم بفسقه وأما فى التعريض فلا يحد الأبوان اتفاقا
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج»
(5)
أنه لا يحد الأصل ولو أنثى بقذف الولد وان سفل كما لا تقبل به، واقتصاره على نفس الحد يقتضى أنه يعذر وهو المنصوص للايذاء، فان قيل قد قالوا فى كتاب الشهادات
(1)
الهداية شرح بداية المبتدى للميرغينانى ح 4 ص 203 - 206 نفس الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ح 4 ص 331 طبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه.
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 4 ص 394 نفس الطبعة السابقة.
(4)
الشرح الصغير ح 2 ص 389.
(5)
مغنى المحتاج ح 4 ص 144.
ان الأصل لا يحبس فى وفاء دين فرعه مع أن الحبس تعزير أجيب بأن حبسه للدين قد يطول زمنه فيشق عليه بخلاف التعزير هنا فانه قد يحصل بقيام من مجلس ونحوه وحيث ثبت فهو لحق الله سبحانه وتعالى لا لحق الولد، وكما لا يحد الأصل بقذف ولده لا يحد بقذف من ورثه الولد ولم يشاركه فيه غيره كما لو قذف امرأة له منها ولد ثم ماتت لأنه اذا لم يثبت له ابتداء لم يثبت له انتهاء كالقصاص فان شاركه فيه غيره بأن كان لها ولد آخر من غيره كان له الاستيفاء لأن بعض الورثة يستوفيه جميعا.
قال فى «الحاوى فى باب اللعان» لو قال لابنه أنت ولد زنا كان قاذفا لأمه، قال الدميرى وهذه مسألة حسنة ذكرها ابن الصلاح فى فتاويه بحثا من قبل نفسه وكأنه لم يطلع فيها على نقل وزاد أنه يعذر للمشتوم - واذا سب انسان انسانا جاز للمسبوب أن يسب الساب بقدر ما سبه لقول الله سبحانه وتعالى:«وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها 1» ولا يجوز أن يسب أباه ولا أمه.
وجاء فى «الأنوار لأعمال الأبرار» أنه يعزر المميز والأصل ولا فرق بين المسلم والمرتد والذمى والمعاهد والحر والعبد - ومن ورث من أمه حد القذف على أبيه سقط
(2)
.
وجاء فى «مختصر المزنى» : أنه لو قال رجل لامرأة يازانية يابنت الزانية وأمها حرة مسلمة فطلبت البنت حد أمها لم يكن ذلك لها، لأمها اذا طلبته هى أو وكيلها
(3)
. وان قال يا ابن الزانيين، وكان أبواه حريين مسلمين ميتين فعليه حدان ويأخذ حد الميت ولده وعصبته من كانوا
(4)
.
مذهب الحنابلة:
وجاء فى «كشاف القناع عن متن الاقناع» أنه لا يحد الأبوان لولدهما وان نزلا فى قذف ولا غيره، فلا يرث الولد حد القذف على أبويه كما لا يرث القود عليهما - فان قذف الرجل أم أبنه وهى أجنبية منة أى غير زوجة له فماتت المقذوفة قبل استيفاء الحد لم يمكن لابنه المطالبة به، لأنه اذا لم يملك طلبه بقذفه بنفسه فلعيره أولى وكالقود. فان كان للمقذوفة ابن آخر من غير القاذف كان لابنها الآخر استيفاؤه اذا ماتت بعد المطالبة لتبعضه بخلاف القود.
ويحد الابن بقذف كل واحد من آبائه وأمهاته وإن علوا لعموم الآية وكما يقاد بهم
(5)
.
وجاء «بكشاف القناع» كذلك أنه اذا تشاتم والد وولده لم يعزر الوالد لحق ولده، كما لا يحد بقذفه ولا يقاد به ولا يجوز تعزيره إلا بمطالبة الوالد بتعزيره لأن للوالد تعزيره بنفسه، ولا يحتاج التعزير الى مطالبة، لأنه مشروع للتأديب فيقيمه الإمام إذا رآه
(6)
.
وجاء فى «عمدة الفقه» أنه يحد من قذف الملاعنة أو ولدها
(7)
.
(1)
الآية رقم 40 من سورة الشورى.
(2)
الأنوار لأعمال الأبرار ح 2 ص 339.
(3)
مختصر المزنى ح 4 ص 147.
(4)
نفس المرجع ح 5 ص 168.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 4 ص 62، 63.
(6)
نفس المرجع ح 4 ص 73.
(7)
عمدة الفقه للامام موفق الدين بن قدامه بمصر 1352 هـ ص 148.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى» انه لا خلاف بين أحد من الأمة فى أن ذا القربى يحد فى قذف ذى القربى، وان ذلك لا يضاد الاحسان المأمور به، بل أن اقامة الحد على الوالدين فمن دونهما احسان اليهما. وبر بهما، لأنه حكم الله تعالى الذى لولاه لم يجب بره بهما.
والحدود والقود واجبان على الأب للولد فى الزنا بأمة ولده، وفى السرقة من مال ولده، وفى قتله اياه، وجرحه اياه فى أعضائه وفى قذفه. واذا قذف الأب أم ابنه أو أم عبد له فللابن أن يأخذ أباه بذلك، لان حد القذف حد لله تعالى: لا للمقذوف، فاذ هو كذلك فأخذ واجب على كل حال، قام به من قام من المسلمين
(1)
.
وجاء فى «المحلى» كذلك أن قذف المؤمنات من الكبائر، وتعرض المرء لسب أبويه من الكبائر - فقد قال أبو محمد: عن عبد الله ابن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ان من أكبر الكبائر شتم الرجل والديه. قالوا: يا رسول الله - وكيف يشتم الرجل والديه - قال: نعم - يسب أبا الرجل، فيسب أباه. ويسب أمه، فيسب أمه «فصح أن السب المذكور من الكبائر وان لم يكن قذفا»
(2)
.
وقال أبو محمد: ان من انتفى من أبيه عليه التعزير ولا حد فى ذلك
(3)
.
مذهب الزيدية:
وجاء فى كتاب «شرح الأزهار» أنه لو كان القاذف والدا للمقذوف فإنه يلزمه الحد.
ولا خلاف فى أن الابن إذا قذف أباه لزمه الحد. فان قيل: لم حد الوالد للقذف ولم يقتص منه مع أنه لا شبهة له فى بدنه، قلنا:
القذف مشوب بحق الله سبحانه وتعالى، والقصاص حق له محض فيصح منه العفو بخلاف القذف بعد المرافعة، وقيل انه سبب فى إيجاده فلا يكون سببا فى إعدامه - ويقول صاحب «شرح الأزهار». الأولى أن يقال:
القصاص خصه الخبر بخلاف القذف، فعموم الدليل لم يفصل
(4)
.
مذهب الإمامية:
وجاء فى كتاب «الخلاف فى الفقه» أنه اذا قذف الرجل زوجته ووجب عليه الحد فأراد اللعان فماتت المقذوفة انتقل ما كان لها من المطالبة بالحد الى ورثتها، ويقومون مقامها فى المطالبة، لأن ذلك من حقوق الآدميين
(5)
. واذا ثبت أن هذا الحد حق موروث فانه يرثه المناسبون جميعهم، ذكرهم وأنثاهم دون ذوى الأسباب
(6)
.
(1)
المحلى لابن حزم ح 11 ص 295، 296 المسألة رقم 2243.
(2)
نفس المصدر ح 11 ص 268، 269 مسألة رقم 2225.
(3)
المصدر نفسه ح 11 ص 282.
(4)
شرح الأزهار ح 4 ص 355 الطبعة الثانية شهر شعبان 1357 هـ.
(5)
كتاب الخلاف فى الفقه للطوسى ح 2 ص 281 مسألة رقم 10 فى اللعان.
(6)
نفس المرجع ح 2 ص 282.
وجاء فى «المختصر النافع» أن الأب يعزر لو قذف ولده ويحد الولد لو قذف الأب وكذا الأقارب، وحد القذف يورث كما يورث المال، ولا يرثه الزوج ولا الزوجة
(1)
.
وجاء فى «الروضة البهية» أنه لو قال رجل لغير ولده: زنا بك أبوك لو يا ابن الزنا. حد للأب خاصة لأنه قذف له دون المواجه لأنه لم ينسب اليه فعلا لكن يعزر له لتأذيه به. ولو قال: رنت بك أمك أو يا ابن الزانية حد للأم.
ولو قال: يا ابن الزانين فلهما، ولو قال:
ولدت من الزنا. فالظاهر القذف للأبوين، لأن تولده انما يتحقق بهما وقد نسبه الى الزنا فيقوم بهما ويثبت الحد لهما ولأنه الظاهر عرفا. وفى مقابلة الظاهر كونه قذفا للأم خاصة لاختصاصها بالولادة ظاهرا، ويضعف بأن نسبة اليهما واحدة والاحتمال قائم فيهما بالشبهة فلا يختص أحدهما به وربما قيل بانتفائه لهما لقيام الاحتمال بالنسبة الى كل واحد وهو دارئ للحد اذ هو شبهة، والأقوى الأولى الا أن يدعى الاكراه أو الشبهة فى أحد الجانبين فينتفى وحده
(2)
.
الأم والوصية
مذهب الحنفية:
جاء فى «القدورى» أن الوصية غير واجبة، وهى مستحبة، ولا تجوز الوصية لوارث الا أن يجيزها الورثة، ولا يجوز أن يوصى المرء بما زاد عن الثلث
(3)
.
وجاء فى «الهداية» ان من اوصى لاقاربه، فالوصية للأقرب فالأقرب من كل ذى رحم محرم منه، ولا يدخل فيها الوالدان والولد، ويكون ذلك للاثنين فصاعدا، وهذا عند أبى حنيفة. وقال صاحباه، الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له فى الاسلام
(4)
.
وجاء فى «الهداية» أن من أوصى بجارية الا حملها صحت الوصية والاستثناء، لأن اسم الجارية لا يتناول الحمل لفظا، ولكنه يستحق بالاطلاق تبعا، فاذا أفرد الأم بالوصية صح افرادها، ولأنه يصح افراد الحمل بالوصية فجاز استثناؤه، وهذا هو الأصل، ان ما يصح افراده بالعقد يصح استثناؤه منه، اذ لا فرق بينهما، وما لا يصح افراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه
(5)
.
ومن أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصى ولدا، وكلاهما يخرجان من الثلث، فهما للموصى له، لأن الأم دخلت فى الوصية أصالة، والولد تبعا حين كان متصلا بالأم، فاذا ولدت قبل القسمة، والتركة قبلها مبقاة على ملك الميت حتى يقضى بها ديونه، دخلا فى الوصية فيكونان للموصى له. وان لم يخرجا من الثلث، ضرب بالثلث وأخذ ما يخصه منهما جميعا فى قول أبى يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يأخذ ذلك من الأم، فان فضل شئ أخذه من الولد. وفى «الجامع الصغير» عين صورة وقال: رجل له ستمائة
(1)
المختصر النافع ص 299.
(2)
الروضة البهية ح 2 ص 365.
(3)
مختصر القدورى لأبى الحسن أحمد بن محمد بن جعفر بن حمدان ص 138.
(4)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 9 ص 401، 402.
(5)
نفس المرجع السابق ح 9 ص 360 وما بعدها.
درهم، وأمة تساوى ثلثمائة درهم، فأوصى بالجارية لرجل، ثم مات فولدت ولدا يساوى ثلثمائة درهم قبل القسمة فللموصى له الأم وثلث الولد عند أبى حنيفة. وعند أبى يوسف ومحمد للموصى له ثلثا كل واحد منهما «الأم والولد» ، لأن الولد دخل فى الوصية تبعا حالة الاتصال، فلا يخرج عنها بالانفصال كما فى البيع والعتق، فتنفذ الوصية فيهما على السواء من غير تقديم الأم، أما أبو حنيفة فيرى أن الأم أصل والولد تبع، والتبع لا يزاحم الأصل، فلو نفذنا الوصية فيهما جميعا تنتقض الوصية فى بعض الأصل، وذلك لا يجوز بخلاف البيع، لأن تنفيذ البيع فى التبع لا يؤدى الى نقضه فى الأصل، بل يبقى تاما صحيحا فيه، الا أنه لا يقابله بعض الثمن ضرورة مقابلته بالولد اذا اتصل به القبض، ولكن الثمن تابع فى البيع حتى ينعقد البيع بدون ذكره وان كان فاسدا. هذا اذا ولدت قبل القسمة، فان ولدت بعد القسمة فالولد للموصى له، لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «حاشية الدسوقى فى الشرح الكبير» أنه بطل الايصاء لوارث ولو بقليل زيادة على حقه فان أوصى للوارث ولغيره بطلت حصة الوارث فقط كما تبطل الوصية لغير الوارث بزائد على الثلث، وان أجيز ما أوصى للوارث أو الزائد على الثلث أى أجازه الورثة فهو عطية منهم لا تنفيذ لوصية الموصى، فلا بد من قبول الموصى له وحيازته قبل حصول مانع للمجيز، وأن يكون المجيز من أهل التبرع ولو قال من أوصى لبعض ورثته ان لم يجز بقية الورثة الوصية للوارث فللمساكين أو نحوهم تكون الوصية باطلة وترجع ميراثا بخلاف العكس وهو ما لو قال ثلث مالى للمساكين الا أن يجيزه الورثة لابنى زيد مثلا فانها وصية جائزة لابنه ان أجازها الورثة والا فهى للمساكين لبدئه بهم بخلاف السابقة فانه بدأ بذكر ما تبطل به
(2)
. ولو أوصى لأقارب فلان أو أقاربه أو لذى رحم فلان أو رحمى أو لأهله دخل فى لفظة الأقارب، وفى لفظة الأرحام، وفى لفظة الأهل أقاربه لأمه لأنهم غير ورثة للموصى ولا يدخل أقاربه لأبيه حيث كانوا يرثونه ان لم يكن له أقارب لأبيه لا يرثونه والا اختصوا به ولا يدخل معهم أقاربه من جهة أمه وان قال أوصيت لأقارب فلان أو لأهله أو لذوى رحمه اختص بها أقاربه لأمه ان لم يكن له أقارب من جهة أبيه والا اختصوا بها مطلقا كانوا ورثة لفلان أولا ولا يدخل معهم أقاربه من جهة أمه. وقوله أقاربه لأمه أى أقارب الموصى ان كانت الوصية لأقاربه أو أقارب فلان لأمه ان كانت الوصيه لاقارب فلان وقوله ان لم يكن اقارب لأب هذا هو قول ابن القاسم هنا وفى الحبس وقال غيره بدخول أقارب الأم مع أقارب الأب هنا وفى الحبس والمصنف فرق بين المسألتين فدرج فى الحبس على قول غير ابن القاسم ولكن الكلام فى الحبس عن المتيطى يفيد ترجيح ما مشى عليه المصنف من قوله وأقاربى أقارب جهتيه مطلقا.
(1)
نفس المصدر ح 9 ص 386، 387 نفس الطبعة.
(2)
الشرح الكبير ح 4 ص 427، 428.
والوارث من أقارب الأجنبى كغيره فيدخل الجميع بخلاف ايصائه لذوى رحم نفسه أو أهله أو أقاربه هو فلا يدخل وارثه فى لفظ من هذه الألفاظ اذ لا وصية لوارث كما لا يدخل أقارب أمه حيث كان أقارب لأب بل نختص بهم حيث كانوا غير ورثته
(1)
.
وجاء فى «المدونة الكبرى» أنه لو هلكت امرأة وتركت ولدا صغيرا يتيما فأوصت الأم بالصبى وبمالها الى رجل ولها ورثة سوى الصبى فانه لا يجوز من وصية الأم شئ عند الامام مالك رضى الله عنه، ولا يجوز أن يقاسم وصى الأم لهذا الصبى الذى أوصت به الأم اليه. ويرى الامام مالك أن وصى الأم ليس بوصى وانما هو كرجل من الناس فلا يجوز على الصبى شئ من صنيعه. واذا كان ما تركته المرأة فى يديه مالا تافها يسيرا جاز أن يترك هذا المال فى يديه. ولو أن امرأة هلكت وأوصت بثلثها أن ينفذ وأوصت بذلك الى رجل أن ينفذه فهو وصى فى ثلثها وذلك اليه، تكون وصيتها الى هذا الرجل فى ثلثها وذلك جائز
(2)
. ويرى ابن القاسم رأى الامام مالك رضى الله عنهما فى أن وصى الأم يكن وصيا فى الشئ اليسير، وأما فى الشئ الكثير فان السلطان ينظر له فى ذلك عند ابن القاسم
(3)
.
ولا يجوز أن تقاسم الأم على ابنها الصغير قليلا ولا كثيرا الا أن تكون الأم وصية
(4)
.
وجاء فى «الموطأ» للامام مالك أن المرأة الحامل اذا أثقلت لم يجز لها قضاء الا فى ثلثها فأول الاتمام ستة أشهر فاذا مضت للحامل ستة أشهر من يوم حملت لم يجز لها قضاء فى مالها الا فى الثلث
(5)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب «الأم» أن الشافعى رحمه الله قال: قال الله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ، فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
(6)
. وكان فرضا فى كتاب الله تعالى على من ترك خيرا والخير المال أن يوصى لوالديه وأقربيه. ثم زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة.
واختلفوا فى الأقربين غير الوارثين. قال الشافعى: فأكثر من لقيت من أهل العلم من حفظت عنه - قال: الوصايا منسوخة، لأنه انما أمر بها اذا كانت انما يورث بها، فلما قسم الله تعالى ذكره المواريث كانت تطوعا، وهذا كله كما قالوا.
والدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى:
ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد، فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فان كان له اخوة فلأمه
(1)
نفس المرجع ح 4 ص 432 نفس الطبعة.
(2)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 4 ص 258.
(3)
نفس المرجع ح 4 ص 286 نفس الطبعة.
(4)
نفس المرجع ح 4 ص 259 نفس الطبعة.
(5)
الموطأ طبعة كتاب الشعب ص 477.
(6)
الآيات 180، 181 من سورة البقرة.
السدس
(1)
. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث» . ويقول الشافعى: وما وصفت من أن الوصية الوارث منسوخة بأى المواريث وان لا وصية لوارث مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافا ..
واذا كانت الوصايا لمن أمر الله تعالى ذكره بالوصية له منسوخة بأى المواريث، وكانت السنة تدل على أنها لا تجوز لوارث، وتدل على انها تجوز لغير قرابة، دل ذلك على نسخ الوصايا للورثة، وأشبه أن يدل نسخ الوصايا لغيرهم. ودل على أن الوصايا للوالدين وغيرهما ممن يرث بكل حال اذا كان فى معنى غير وارث فالوصية له جائزة ومن قيل أنها انما بطلت وصيته اذا كان وارثا، فاذا لم يكن وارثا فليس بمبطل للوصية.
واذا كان الموصى يتناول من شاء بوصيته كان والده دون قرابته اذا كانوا غير ورثة فى معنى من لا يرث ولهم حق القرابة وصلة الرحم.
والدليل على أن الوصية لغير ذى الرحم جائزة حديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له ليس له مال غيرهم فجزأهم النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين وأرق أربعة، والمعتق عربى، وانما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه، فلو لم تجز الوصية الا لذى قرابة لم تجز للمملوكين، وقد أجازها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
. وجاء فى كتاب الوجيز، أنه لو أوصى المرء لأقرب أقاربه دخل فيه الأب والابن، ثم لا ترجيح بالذكورة، فيستوى الأب والأم والأخ والأخت
(3)
. ويجوز التفويص الى النساء، والأم أولى من ينصب قيما، فان لم تنصب فلا ولاية لها. ولو أوصى المرء الى مستولدته أو مدبره ففيه تردد
(4)
.
وجاء فى كتاب «الأنوار» أنه لا تصح الوصاية من الصبى والمجنون والرقيق، ومن الأم والأخ والعم والوصى المطلق، وتصح الى الأنثى، وأم الطفل أولى من غيرها
(5)
.
ولو أوصى بشئ لأقارب زيد مثلا أو رحمه دخل كل قرابة له وإن بعد مسلما كان أو كافرا غنيا أو فقيرا حرا أو رقيقا ويكون نصيبه لسيده، ولا يدخل الأصل أى الأب والأم فقط ولا الفرع أى أولاد الصلب فى الأصح اذ لا يسمون أقارب عرفا. أما الأجداد والأحفاد فيدخلون لشمول الاسم لهم ورأى آخر يدخل الأصل والفرع لأنهما يدخلان فى الوصية لأقرب الأقارب. فكيف لا يكونون من الأقارب، قال السبكى وهذا أظهر بحثا ونقلا. ولا تدخل قرابة الأم فى الوصية للأقارب فى وصية العرب للأصح ويدخل فى أقرب أقارب الموصى الأصل من أب وأم والفرع من ابن وبنت كما يدخل غيرهم عند عدمهم لأن أقربهم هو المنفرد بزيادة القرابة
(1)
الآية رقم 11 من سورة النساء.
(2)
الأم للامام الشافعى ح 4 ص 27.
(3)
الوجيز لمحمد بن محمد أبو حامد الغزالى ح 1 ص 166 طبعة مطبعة حوش قدم بمصر.
(4)
المرجع نفسه ح 1 ص 114 نفس الطبعة.
(5)
الأنوار لأعمال الأبرار ليوسف الأردبيلى ح 2 ص 24 الطبعة الأولى بمطبعة الجمالية بمصر 1328 هـ - 1910 م كتاب على هامشه حاشية الكمثرى وحاشية الحاج ابراهيم.
وهم كذلك وان لم يطلق عليهم أقارب عرفا والمراد دخولهم فى الجملة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كتاب «المغنى» أنه لا وصية لوارث الا أن يجيز الورثة ذلك. وجملة ذلك أن الانسان اذا أوصى لوارثه بوصية لم يجزها سائر الورثة لم تصح بغير خلاف بين العلماء.
قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا، وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ان الله قد أعطى كل ذى حق حقه، فلا وصية لوارث» رواه أبو داود وابن ماجه والترمذى. ولأن النبى صلى الله عليه وسلم منع الانسان من عطية بعض ولده، وتفضيل بعضهم على بعض فى حالة الصحة وقوة الملك وامكان تلافى العدل بينهم باعطاء الذى لم يعطه فيما بعد ذلك لما فيه من ايقاع العداوة والحسد بينهم، ففى حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به وتعذر تلافى العدل بينهم أولى وأحرى.
وان أجازوها جازت فى قول الجمهور من العلماء وقال بعض أصحابنا: الوصية باطلة وان أجازها سائر الورثة الا أن يعطوه عطية مبتدأة، أخذا من ظاهر قول أحمد فى رواية ابنه حنبل لا وصية لوارث
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى» أنه فرض على كل مسلم أن يوصى لقرابته الذين لا يرثون اما لرق، واما لكفر، واما لأن هناك من يحجبهم عن الميراث، أو لأنهم لا يرثون فيوصى لهم بما طابت به نفسه لاحد فى ذلك. فان لم يفعل أعطوا ولا بد، ما رآه الورثة أو الوصى. فان كان والداه أو أحدهما على الكفر، أو مملوكا ففرض عليه أيضا أن يوصى لهما أو لأحدهما ان لم يكن الآخر كذلك، فان لم يفعل أعطى أو أعطيا من المال ولا بد، ثم يوصى فيما شاء بعد ذلك. فان أوصى لثلاثة من أقاربه المذكورين أجزأه. والأقربون من يجنمعون مع الميت فى الأب الذى به يعرف اذا نسب، ومن جهة أمه كذلك أيضا هو من يجتمع مع أمه فى الأب الذى يعرف بالنسبة اليه، لأن هؤلاء فى اللغة أقارب، ولا يجوز أن يوقع على غير هؤلاء اسم أقارب بلا برهان. وبرهان ذلك قول الله تبارك وتعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}.
{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ، إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
(3)
.
فهذا فرض خرج منه الوالدان والأقربون
(1)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ح 3 ص 59 - 60. فى كتاب على هامشه متن المنهاج للامام النووى.
(2)
المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد ابن محمد بن قدامه على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ح 6 ص 419 بتحقيق السيد محمد رشيد رضا طبع مطبعة المنار بمصر 1341 هـ.
(3)
الآية رقم 180، 181 من سورة البقرة.
الوارثون، وبقى من لا يرث منهم على هذا الفرض. واذ هو حق لهم واجب فقد وجب لهم من ماله جزء مفروض اخراجه لمن وجب له، ان ظلم هو ولم يأمر باخراجه، واذا أوصى لمن أمر به فلم ينه عن الوصية لغيرهم فقد أدى ما أمر به. وله أن يوصى بعد ذلك بما أحب. ومن أوصى لثلاثة أقربين فقد أوصى للأقربين، وهذا قول طائفة من السلف
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «شرح الأزهار» أنه لو كانت الوصية المندوبة موصى بها لوارث لقول الله سبحانه وتعالى: «لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ»
(2)
. ونسخ وجوبها لا يسخ ندبها، كما أن نسخ وجوب صوم يوم عاشوراء لا ينسخ ندبه - وهى مندوبة عند الهادوية
…
قيل وهو اجماع أهل البيت - وأكثر الفقهاء - انها لا تصح للوارث لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث» . فان صح الخبر حمل على الوجوب لا على الندب. وحكاه فى «شرح الابانة» عن زيد بن على وأبى عبد الله الداعى، واختلفوا اذا أجاز الوارث، يعنى أجاز باقى الورثة للوارث، قيل أنها تصح، لقول ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم انه لا تجوز الوصية للوارث الا أن يشاء الورثة، فعلقوا الجواز بالمشيئة من الوارث، فدل على أنهم ان شاءوا نفذت الوصية
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «الخلاف» أنه يصح الوصية الوارث مثل الابن والأبوين وغيرهم. والدليل هو اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قول الله تبارك وتعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ»
(4)
. وهذا نص، فان ادعوا أن هذا منسوخ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«لا وصية لوارث» قلنا هذا خبر واحد، ولا يجوز نسخ القرآن بأخبار الآحاد بلا خلاف. فان ادعوا الاجماع على صحة الخبر، قلنا: لا نسلم بذلك. على أن فى أصحابنا من منع من نسخ القرآن بالسنة.
وان كانت متطوعا بها. واذا منع من ذلك فليس فى القرآن ما يدل على نسخه، فوجب حمل الآية على ظاهرها. فان حملها انسان على الوالدين والأقربين اذا كانوا كفارا غير وارثين. قيل هذا تخصيص بغير دليل
(5)
.
وجاء فى «الروضة البهية أنه تستحب الوصية لذوى القرابة وارثا كان أم غيره واستشهد بالآية السابقة، ولأن فيه صلة
(1)
المحلى لأبى أحمد سعيد الاندلسى ح 9 ص 314.
(2)
الآية رقم 180 من سورة البقرة
(3)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث الدرار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ح 4 ص 516 الطبعة الثانية فى شهر شعبان 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بالقاهرة.
(4)
الآية رقم 180 من سورة البقرة.
(5)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن الطوسى ح 2 ص 89 المسألة رقم (1) فى الوصية. الطبعة الثانية فى ربيع الثانى سنة 1382 هـ طبعة مطبعة نابان بايران.
الارث لأن كل مرتبة أقرب اليه من التى بعدها لكن يتساوى المستحق هنا لاستواء نسبتهم الى سبب الاستحقاق وهو الوصية، والأصل عدم التفاضل فللذكر مثل حظ الانثى
(1)
.
مذهب الإباضية:
الوصية للوالدين ان لم يرثا الموصى، أو لوارث من ورثته اذا منع من الارث، وذلك للرحم، وأقل مراتبه الاستحباب. ولو أوصى لأقرب الناس اليه نسبا نزل على مراتب جاء فى «كتاب شرح النيل» انه تجوز بالشرك أو العبودية، اذا كان عبدا لغير وارث، أو لبعض ورثته ان أجازها له باقيهم فى حياته، وردها ذلك الباقى بعد موته أو لمشرك قولان، وكذا ان أجاز بعض الورثة دون بعض فقيل تثبت لأبيه وأمه أو وارثه.
لان المانع له من الوصية الارث، وقد زال الارث المانع فتثبت
(2)
.
الأم والجنين
مذهب الحنفية:
جاء فى كتاب «الهداية شرح بداية المبتدى» أنه اذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ففيه غرة، وهى نصف عشر دية الرجل هذا فى الذكر، أما فى الأنثى فهى عشر دية المرأة وكل منهما خمسمائة درهم. والقياس أن لا يجب شئ، لأنه لم يتيقن بحياته، والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق. وجه الاستحسان ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«فى الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» ويروى خمسمائة فتركنا القياس بالأثر.
وهى على العاقلة اذا كانت خمسمائة درهم، وتجب فى سنة على ما روى عن محمد بن الحسن أنه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله على العاقلة فى سنة، ولأنه ان كان بدل النفس من حيث أنه نفس على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم، الأول فى حق التوريث والثانى فى حق التأجيل الى سنة لأنه بدل العضو اذا كان ثلث الدية أو أقل أكثر من نصف العشر يجب فى سنة بخلاف أجزاء الدية، لأن كل جزء منها على من وجب يجب فى ثلاث سنين ويستوى فيه الذكر والأنثى لأطلاق ما روى، ولأن فى غير الجنين انما ظهر التفاوت ليتفاوت معانى الآدمية ولا تفاوت فى الجنين فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة. فأن ألقته حيا ثم مات ففيه دية كاملة لأنه أتلف حيا بالضرب السابق. وأن ألقته ميتا ثم ماتت الأم فعليه دية بقتل الأم وغرة بالقائها. وان ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه دية فى الأم ودية فى الجنين لأنه قاتل شخصين. وان ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية فى الأم ولا شئ فى الجنين
(3)
.
وجاء فى كتاب «المبسوط» أنه ان كان فى بطنها
(1)
الروضة البهية فى «شرح اللمعه الدمشقية» لزين الدين الجبعى العاملى ح 2 ص 55. طبع مطبعة دار الكاتب العربى بمصر.
(2)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل فى فقه الإباضية للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ح 6 ص 206 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى بمصر.
(3)
الهداية فى شرح بداية المبتدى ح 9 ص 232 وما بعدها.
جنينان خرج أحدهما قبل موتها وخرج الآخر بعد موتها وهما ميتان ففى الذى خرج قبل موتها خمسمائة درهم وليس فى الذى خرج بعد موتها شئ اعتبارا لكل واحد منهما بما لو كان وحده، وهذا لأنه لا سبب لموت الذى خرج قبل موتها سوى الضربة واشتبه السبب فى الذى خرج بعد موتها، ومع اشتباه السبب لا يجب الضمان.
ثم الذى خرج قبل موتها ميتا لا يرث من دية أمه، لأن شرط التوريث بقاء الوارث حيا بعد موت المورث، ولها ميراثها منه لأنها كانت حية بعد ما وجب بدل هذا الجنين بانفصاله ميتا فلها ميراثها منه. وان كان الذى خرج بعد موتها خرج حيا ثم مات ففيه الدية أيضا، لأن الاشتباه زال حين انفصل حيا وقد مات بالضربة بعد ما صار نفسا من كل وجه فتجب فيه الدية كاملة، وله ميراثه من دية أمه، ومما ورثت أمه من أخيه وان لم يكن لأخيه أب حى فله ميراثه من أخيه أيضا، لأنه كان حيا بعد موتهما فيكون له الميراث منهما
(1)
.
وجاء فى كتاب «الهداية» أيضا أن ما يجب فى الجنين موروث عنه لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ولا يرثه الضارب حتى لو ضرب رجل بطن مرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث فيها لأنه قاتل بغير حق ولا ميراث للقاتل. وفى جنين الأمة ان كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا، وعشر قيمته لو كان أنثى لأنه بدل نفسه، لأن ضمان الطرف لا يجب الا عند ظهور النقصان ولا يعتبر به فى ضمان الجنين، فكان بدل نفسه فيقدر بها. وقال أبو يوسف: يجب ضمان النقصان لو انتقصت الأم اعتبارا كجنين البهائم، وهذا لأن الضمان فى قتل الرقيق ضمان مال عنده فصح الاعتبار على أصله. فان ضربت الأمة فأعتق المولى ما فى بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا ولا تجب الدية، وان مات بعد العتق، لأنه قتله بالقتل بالضرب السابق وقد كان فى حالة الرق فلهذا تجب القيمة دون الدية، وتجب قيمته حيا لأنه بالضرب صار قاتلا اياه وهو حى فنظر الى حالتى السبب والتلف، وقيل هذا عندهما، وعند محمد تجب قيمته ما بين كونه مضروبا الى كونه غير مضروب لأن الاعتاق قاطع للسراية.
ولا كفارة فى الجنين لأن الكفارة فيها معنى العقوبة، وقد عرفت فى النفوس فلا تتعداها، ولهذا لم يجب كل البدل قالوا: الا أن يشاء ذلك لأنه ارتكب محظورا، فاذا تقرب الى الله تعالى كان أفضل له ويستغفر مما صنع.
والجنين الذى استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام فى جميع هذه الأحكام لاطلاق ما روى، ولأنه ولد فى حق أمومية الولد، وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك فكذا فى حق هذا الحكم ولأنه بهذا القدر يتميز من العلقة والدم فكان نفسا
(2)
.
وجاء فى كتاب «الهداية» أيضا أنه تجوز الوصية للحمل وبالحمل اذا وضع لأقل من ستة شهر من وقت الوصية، أما الوصية للحمل فلأن الوصية استخلاف من وجه لأنه يجعله
(1)
المبسوط ح 26 ص 90.
(2)
الهداية شرح بداية المبتدى ح 9 ص 232 - 239.
خليفة فى بعض ماله، والجنين صلح خليفة فى الارث، فكذا فى الوصية اذ هى أخته الا أنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك بخلاف الهبة لأنها تمليك محض ولا ولاية لأحد ليملكه شيئا. أما الوصية بالحمل فلأنه بفرض الوجود اذ الكلام فيما اذا علم وجوده وقت الوصية وبابها أوسع لحاجة الميت وعجزه، ولهذا تصح فى غير الموجود كالثمرة فلأن تصح فى الموجود أولى
(1)
. وجاء فى القدورى. أن من وهب جارية الا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الموطأ للامام مالك أنه قال: «ان فدية جنين الحرة عشر ديتها والعشر خمسون دينارا أو ستمائة درهم» وقال: ولم أسمع أحدا يخالف فى أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزايل بطن أمه ويسقط من بطنها ميتا.
وقال الامام مالك: وسمعت أنه اذا خرج الجنين من بطن أمه حيا ثم مات أن فيه الدية كاملة وقال: ولا حياة للجنين الا بالاستهلال، فاذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة ونرى أن فى جنين الأمة عشر ثمن أمه.
وقال الامام مالك: واذا قتلت المرأة رجلا أو امرأة عمدا والتى قتلت حامل لم يقد منها حتى تضع حملها. وان قتلت المرأة وهى حامل عمدا أو خطأ فليس على من قتلها فى جنينها شئ، فان قتلت عمدا قتل الذى قتلها وليس فى جنينها دية. وان قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها ديتها وليس فى جنينها دية، وحدث يحيى أن مالكا سئل عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح فقال: أرى أن فيه عشر ديه أمه
(3)
.
وجاء فى «المدونة الكبرى» أنه لو أوصى رجل لجنين امرأة فأسقطته بعد موت الموصى فيرى ابن القاسم أن لا شئ له من الوصية الا أن يخرج حيا ويستهل صارخا
(4)
. وجاء فى المدونة أيضا أن البكر الحامل من الزنا يؤخر جلدها حتى تضع حملها ويجف دمها وتتعالى من نفاسها. وان كان حدها الرجم تمهل حتى تضع ما فى بطنها فاذا وضعت ما فى بطنها، فان أصابوا للصبى من يرضعه أقيم عليها الحد ولم تؤخر، وان لم يصيبوا للصبى من يرضعه لم يعجل عليها حتى ترضع ولدها
(5)
.
وجاء فى «المدونة الكبرى» أنه اذا اشترى العبد المأذون له فى التجارة جارية فوطئها بملك اليمين باذن السيد أو بغير اذن السيد فولدت منه ثم أعتق العبد بعد ذلك فتبعته كما يتبعه ماله. قال مالك: لا تكون به أم ولد وله أن يبيعها وكل ولد ولدته قبل أن يعتق أو أعتقه سيده وأمته حامل لم تضعه فان ما ولدته قبل أن يعتقه سيده وما فى بطن أمته رقيق كلهم للسيد ولا تكون بشئ منهم أم ولد
(1)
المرجع السابق ص 360 وما بعدها.
(2)
مختصر القدورى ص 69.
(3)
الموطأ للامام مالك ص 534 طبعة دار الشعب.
(4)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 4 ص 290.
(5)
نفس المرجع ح 4 ص 404 نفس الطبعة.
لأنهم عبيد وانما أمهم بمنزله ماله، لأنه اذا أعتقه سيده تبعه ماله. قال ابن القاسم: الا أن يملك العبد ذلك الحمل الذى فى بطن جاريته منه حريته قبل أن تضعه فتكون به أم ولد - فقيل لمالك: فلو أن العبد حيث أعتقه سيده أعتق جاريته وهى حامل منه؟ قال مالك:
لا عتق فى جاريته. وحدودها وحرمتها وجراحها جراح أمة حتى تضع ما فى بطنها فيأخذه سيده وتعتق الأمة اذا وضعت ما فى بطنها بالعتق الذى أعتقها به العبد المعتق ولا تحتاج الجارية هنا الى أن يجدد لها عتقا.
قال ابن القاسم سئل مالك أرأيت المدبر اذا اشترى جارية فوطئها ثم حملت ثم عجل سيده عتقه. وقد علم أن ماله يتبعه - أترى ولده يتبع المدبر؟ قال مالك: لا ولكنها اذا وضعته كان مدبرا على حال ما كان عليه الأب قبل أن يعتقه السيد. والجارية للعبد تبع لأنها ماله. وقد اختلف قول مالك فى هل تصير ملكا له ولا تكون بهذا الولد أم ولد بمنزلة ما اختلف فى المكاتب وجعله فى هذه الجارية بمنزلة المكاتب فى جاريته قال ابن القاسم:
والذى سمعت من مالك أنه قال: تكون أم ولد اذا ولدته فى التدبير أو فى الكتابة وان لم يكن لها يوم تعتق ولد حى.
وحجة مالك فى التى فى بطنها ولد من هذا العبد الذى أعتقه سيده، فقال المعتق هى حرة ثم جعلها فى جراحها وحدودها بمنزلة الأمة، وانما فى بطنها ولد للسيد، وهى اذا ما وضعت ما فى بطنها كانت حرة باللفظ الذى أعتقها به العبد المعتق - لأن ما فى البطن ملك للسيد فلا يصلح أن تكون حرة وما فى بطنها رفيق فلما لم يجز هذا وقفت ولم تنفذ لها حريتها حتى تضع ما فى بطنها، ومما يبين أن العبد اذا كاتبه سيده وله أمة حامل منه أن ما فى بطنها رقيق ولا يدخل فى كتابة المكاتب الا أن يشترط المكاتب
(1)
. واذا كانت الأمة بين الرجلين فعتق أحدهما ما فى بطنها وهو موسر، فاذا وضعت قوم عليه حين تضعه. قال مالك:
عقل الجنين اذا أعتق فى بطن أمه عقل جنين أمه فاذا لم يجعله عقله عقل جنين الحرة علمنا أن عتقه انما هو فى قول مالك بعد خروجه، فاذا خرج قوم على شريكه يوم يحكم فيه.
وان ضرب بطن الأمة فألقت هذا الجنين وقد أعتقه أحد الشريكين فالعقل بينهما لأن مالكا جعل حريته بعد خروجه.
قال مالك: اذا أعتق الرجل ما فى بطن أمته وهو صحيح ثم مرض فولدته وهو مريض، أو ولدته بعد موته فانه فارع من رأس المال، ولا يكون فى شئ من الثلث، لأن من أعتق عبدا له الى أجل من الآجال والسيد صحيح ثم مرض فمات من مرضه ذلك أن العبد يعتق من رأس المال فكذلك الجنين فى بطن أمه، فهو قبل خروجه فى حالاته كلها فى الجنايات عليه، وغير ذلك خلاف العبد وهو من رأس المال وليس من الثلث. وان كان لهذا الجنين الذى أعتقه سيده أخوة أحرار فضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا فعقله لسيده دون اخوته
(2)
.
وان أعتق رجل ما فى بطن أمته ثم لحقه الدين من بعد ما أعتق ما فى بطنها ثم ولدته قبل أن
(1)
المدونة الكبرى ح 2 ص 114 نفس الطبعة.
(2)
المدونة الكبرى ح 2 ص 383.
يقوم الغرماء على سيد الأمة فليس لهم على الولد سبيل، لأنه قد زايل الأم قبل أن يقوم الغرماء على حقهم، ولأن عتقه اياه قد كان قبل دين الغرماء. وان أعتق رجل ما فى بطن أمته وهو صحيح ثم لحق السيد دين فقامت الغرماء على الأمة - قال مالك: تباع بما فى بطنها للغرماء ويفسخ عتق السيد فى الولد لأنه اذا بيعت أمه فى الدين كان الولد تابعا لها، لأنه لا يجوز أن تباع أمه ويستثنى ما فى بطنها، فلذلك بطل عتق هذا الولد. ولو لم تقم الغرماء على هذا السيد حتى يزايل الولد أمه أعتق الولد من رأس المال اذا كان عتق السيد اياه فى الصحة قبل الدين وبيعت الأم وحدها فى الدين
(1)
. ولو أن أم ولد رجل حملت من سيدها فضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا فعقله عقل جنين حرة لأن أم الولد حين حملت به فهو حر، ولو أن رجلا قال لأمته ما فى بطنك حر ولها زوج ولا يعلم أنها حامل يومئذ فجاءت بولد لأربع سنين فلا يعتق من هذا الا ما كان لأقل من ستة أشهر
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب «الأنوار» أن الموجب فى دية الجنين وهو جناية ينفصل بها الجنين ميتا ذو قيود:
القيد الأول: وهو ما يؤثر فى الجنين من ضرب وايجار دواء وتهديد شديد وشهر صلاح ونحوها، ولا أثر للطمة خفيفة وشبهها.
القيد الثانى: الانفصال فلو ماتت الأم ولم ينفصل الجنين لم يجب الضارب شئ للجنين، وان سمع من البطن طرقا، ولو كانت منتفخة البطن فضربها فزاد الانتفاخ أو كانت تجد تحركا فى بطنها «تزال فكذلك» ولا يشترط انفصاله بتمامه، فاذا ضرب بطنها فخرج رأس الجنين وماتت أمه ولم ينفصل أو خرج رأسه ثم جنى عليها فماتت وجبت الغرة.
والقيد الثالث: كونه ميتا، فاذا انفصل حيا وبقى زمانا سالما غير متألم فلا ضمان، وان مات كما خرج أو بقى متألما حتى مات وجبت دية كاملة على العاقلة استهل أم لا. ولا يشترط تيقن الحياة لوجوب الدية ولاستقرارها، بل يكفى ما يدل عليها كالتنفس وامتصاص اللبن والحركة القوية كقبض اليد وبسطها وفتح عينيه وتطبيقهما، ولا عبرة لمجرد الاختلاج، ولا يشترط بلوغه وقتا يعيش الولد فيه وهو ستة أشهر فما فوقها.
ولو ماتت المضروبة ثم انفصل ميتا وجبت دية لها وغرة للجنين. وان انفصل حيا ثم مات وجبت ديتان وورثت منه ان مات أولا ويرث هو منها ان ماتت أولا. ولا فرق فى وجوب الغرة بين أن يكون الجنين ذكرا أو أنثى أو خنثى أو مجهول الحال، كان ثابت النسب أو غيره تام الأعضاء أو ناقصها. ولو اشترك اثنان فى الضرب فالغرة على عاقلتهما مناصفة. ولو ألقت جنينين وجبت غرتان، ولو ألقت حيا وميتا فلكل حكمه، ولو ألقت يدا أو رجلا أو عينا أو غير ذلك مما يدل على تصور وماتت ولم ينفصل وجبت غرة، وكذا او ألقت رأسين أو أربع أيدى أو أربع أرجل.
(1)
نفس المرجع ح 2 ص 377، 378.
(2)
نفس المرجع ح 2 ص 389.
ولو ألقت بيدين وجبت غرتان. ولو ألقت يدا أو رجلا ثم انفصل فقيد اليد أو الرجل ميتا بلا اندمال وجبت غرة. وان انفصل حيا فقيدا بلا اندمال ومات وجبت دية كاملة، وان عاش فان قالت القوابل انها يد من لم تخلق الحياة فيه وجب نصف غرة، وان قلن انها يد من خلقت فيه الحياة وجب نصف الدية وكذا ان عرف انفصال اليد بعد وجود الحياة بأن ألقته عقيب الضرب ثم انفصل. وان شك وجب نصف الغرة، وان ألقته بعد اندماله لم يضمن الجنين حيا كان أو ميتا، أما اليد فان خرج ميتا وجب نصف الغرة، وان خرج حيا ومات أو عاش فقيل يجب نصف غرة وقيل يراجع القوابل. وان انفصل حيا ومات وجبت دية، وان عاش فحكومة. وبهذا التفصيل قطع الغزالى. وفى التتمة والتهذيب أنه ان انفصل ميتا فغرتان، وان انفصل حيا ومات فدية وغرة. ولو ألقت أولا جنينا كاملا ثم يدا فكذلك الحكم، ولو انفصل بعد الاندمال فلا شئ للجنين.
وتجب الغرة اذا انفصل ما ظهر فيه صورة الآدمى من يد أو أصبع أو ظفر أو غيره، ويكفى الظهور فى طرف واحد، ولا يشترط فى الأطراف كلها. ولو لم يظهر شئ من ذلك وشهدت القوابل بأن فيه صورة خفية يختص بمعرفتها أهل الخبرة وجبت غرة، وان قلن ليست فيه صورة خفية لكن لو بقى لتصور أو شككن فى أنه أصل آدمى أو لا لم تجب الغرة. وليس فى القاء العلقة شئ. ولا تجب الغرة القابلة الا بجنين كامل وهو المحكوم بالاسلام تبعا لأبويه أو لأحدهما، وبالحرية تبعا لحرية الأم أو بسبب آخر مع رقها كما فى نكاح الغرور أو اعتقاق السيد الحمل وحده فأما المحكوم بالتهود، والتنصر تبعا ففيه ثلث غرة المسلم وهو بعير وثلثان فيشترى به غرة ان وجدت والا فيعدل الى قيمة الابل.
والمحكوم بالتمجس ففيه ثلثا عشر غرة المسلم وهو ثلث بعير فيشترى به غرة ان وجدت والا فالابل أو الدراهم. وان كان أحد أبويه يهوديا والآخر مجوسيا فكجنين الأشرف، ولو جنى على ذمية حبلى من ذمى فأسلم أحدهما ثم أجهضت وجبت غرة كاملة وكذا لو جنى على أمة حبلى فعتقت ثم ألقته ميتا وللسيد منه الأقل من عشر قيمة الأم ومن الغرة. ولو جنى السيد على أمته الحامل من غيره فعتقت ثم القت الجنين فلا شئ أما الجنين الرقيق ففيه عشر قيمة الأم أكثر ما كانت من الجناية الى الاجهاض ذكرا كان أو أنثى .. قنة كانت الأم أو مدبرة أو مكاتبة أو مستولدة. ولو كان الجنين سليما والأم مقطوعة الأطراف تقدر سليمة وتقوم، ولو كان فقيد الأطراف والأم سليمة لم تقدر مقطوعة، ولو كان رقيقا والأم حرة بأن كانت لرجل والجنين لآخر فأعتقها سيدها وألقت جنينا تقدر الأم رقيقة وتقوم. ولو حبلت الأمة المشتركة من زوج أو زنا فألقت جنينا فالواجب للسيدين - ولو ضربها أحدهما فألقت جنينا ميتا لزمه نصف عشر قيمة الأم لشريكه ويهدر نصفه ولو وطئا الأمة المشتركة فحبلت وألقت جنينا فان أيسرا فالجنين حر وعلى عاقلة الجانى غرة لمن يلحقه الجنين، وان أعسرا فنصفه حر وعلى الجانى نصف غرة لمن يلحقه ونصف عشر قيمة الأم لمن لا يلحقه.
والمستحق للغرة هو ورثة الجنين. ولو
كان مات مورثه ووقف له شئ فلا يجعل الموقوف لورثته بل هو لورثة مورثه. ولو جنت الحامل على نفسها بشرب دواء أو أكله أو حمل شئ ثقيل أو بطفرة أو غيرها وأجهضت وجبت الغرة على عاقلتها، ولا شئ لها منها لأنها قاتلة. ولو ضرب زوج زوجته فألقت جنينا وجبت غرة على عاقلته ولا شئ له منها لأنه قاتل
(1)
.
وجاء فى «الوجيز» أنه اذا خلف الميت زوجة حبلى نأخذ بأضر الأحوال فى حق كل واحد من الورثة وأقصى المحتمل من حيث العدد أن يقدر أربعة أولاد. وجاء فى «الوجيز» أيضا أنه لو أوصى لحمل جاز بشرط أن ينفصل حيا لوقت يعلم وجوده عند الوصية وهو لما دون ستة أشهر. فان كان لما فوقه والمرأة ذات زوج لم يستحق لظهور طريان وط ء الشبهة بعيد ومهما انفصل الجنين أنه يستحق. الا أن يجاوز أربع سنين لأن طريان وط ء الشبهة بعيد ومهما انفصل الجنين ميتا ولو بجناية جان فلا شئ له. ولو أوصى لحمل سيكون فسد فى أصح الوجهين اذ لا متعلق للعقد فى الحال .. ولو أوصى بحمل سيكون صح فى أصح الوجهين كالوصية بالمنافع وثمار الأشجار
(2)
واذا أوصى بجارية دون حملها أو بالحمل دون الجارية صح.
وعند الاطلاق هل يتناول الحمل باسم الجارية؟ فيه خلاف. فان تناوله فلا ينقطع بالانفصال، بل يبقى موصى به. فاذا قال لحمل فلانة كذا فأتت بولدين وزع عليهما بالسوية، واستوى الذكر والأنثى فى المقدار.
خلو خرج حى وميت فالكل للحى. وقيل يسقط الشطر. ولو قال ان كان فى بطنها غلام فأعطوه، استحق الغلام دون الجارية. وان كانا غلامين فثلاثة أوجه: قيل يوزع عليهما، وقيل خيار التعيين الى الوارث. وقيل يوقف بينهما الى الصلح عند البلوغ
(3)
.
وجاء فى «الأنوار» أن الحامل لا يقتص منها فى النفس والطرف، ولا تحد بالقذف وغيره حتى تضع حملها وترضعه اللبأ، من زنا كان أو غيره وحتى تفطمه ان لم يوجد مرضعه أو ما يعيش به الولد. ولو بادر والحالة هذه وقتلها ومات الولد لزمه القود كما لو حبسه فى بيت ومنعه الطعام ولو قالت أنا حامل وجب التأخير الى ظهور مخايل الحمل. وتحبس الحامل الى وقت الاستيفاء، فان بادر الوارث وقتلها عصى ولزمت غرة الجنين على عاقلته ان انفصل ميتا، وان انفصل حيا متألما ومات وجبت الدية - ولا يجوز للامام اتخاذ جلاد كافر لاقامة الحدود على المسلمين كما لا يجوز عن توكيله باستيفاء القصاص من المسلم
(4)
.
وجاء فى «الوجيز» أن الولى لو قتلها بتسليط الامام فيحال بالغرة على الامام فى وجه لتقصيره فى التسليط أو ترك البحث، وعلى الولى فى وجه لمباشرته، وعليهما بالشركة فى وجه. وفى وجه رابع يحال على الامام ان كان عالما، فان كان جاهلا فلا. أما
(1)
الأنوار لأعمال الأبرار للأردبيلى ح 2 ص 294 - 296 الطبعة الأولى بمطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ - 1910 م.
(2)
الوجيز لمحمد بن محمد أبى حامد الغزالى ح 1 ص 162.
(3)
نفس المرجع ح 1 ص 165 نفس الطبعة.
(4)
الأنوار ح 2 ص 262 نفس الطبعة.
الجلاد فلا عهدة عليه عند جهله بحال
(1)
.
ولا يزكى المال الموقوف للجنين أى المنسوب اليه وان بانت حياته، اذ لا ثقة بوجوده ولا بحياته
(2)
. وجاء فى «الأنوار» أنه لو ماتت ذمية حامل بمسلم دفنت بين مقابر المسلمين والكفار، ويجعل ظهرها الى القبلة ليتوجه الجنين الى القبلة فان وجهه الى ظهر الأم. ولو ماتت امرأة حاملا فان كان يرجى حياة الجنين شق جوفها وأخرج ثم دفنت وان لم يرج فلا، يترك حتى يموت ثم يدفن
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «عمدة الفقه» أن دية الجنين اذا سقط غرة عبد أو أمة قيمتها خمس من الابل موروثة عنه. ولو شربت الحامل دواء فأسقطت به جنينها فعليها غرة لا ترث منها شيئا. وان كان الجنين كتابيا ففيه عشر دية أمه، وان كان عبدا ففيه عشر قيمة أمه. وان سقط الجنين حيا ثم مات من الضربة ففيه دية كاملة اذا كان سقوطه لوقت يعيش فى مثله
(4)
.
وجاء فى «كشاف القناع» أنه اذا مات انسان عن حمل يرثه ومع الحمل من يرث أيضا ورضى بأن يوقف الأمر الى الوضع وقف الأمر اليه وهو أولى لتكون القسمة مرة واحدة، فان طلب بقية الورثة أو بعضهم القسمة لم يجبروا على الصبر ولم يعطوا كل المال ووقف للحمل الأكثر من ارث ذكرين أو انثيين لأن ولادة التوأمين كثيرة معتادة فلا يجوز قسم نصيبهما كالواحد وما زاد عليهما نادر فلم يوقف له شئ كالخامس والسادس.
مثال: كون الذكرين نصيبهما أكثر لو خلف زوجة حاملا وابنا فيدفع للزوجة ثمنها ويوقف للحمل نصيب ذكرين لأنه أكثر من نصيب أنثيين. ومثاله فى الانثيين كزوجة حامل مع أبوين.
ومتى زادت الفروض على الثلث فميراث الاناث أكثر لأنه يفرض لهن الثلثان. ويدخل النقص على الكل بالمحاصة. وان نقصت كان ميراث الذكرين أكثر وان استوت كأبوين وحمل استوى ميراث الذكرين والانثيين.
ومن لا يحجبه الحمل يأخذ ارثه كاملا كزوج أو زوجة مع أم حامل، ويعطى من ينقصه الحمل شيئا التعبيين كالأم فى المثال تعطى السدس لاحتمال أن يكون حملها عددا فيحجبها عن الثلث الى السدس. وكذا من مات عن زوجة حاملا تعطى الثمن لأنه يفين.
ومن سقط بالحمل لم يعط شيئا، فمن مات عن حمل منه وعن أخ أو أخت أو عم لم يعط شيئا، فاذا ولد الحمل وورث الموقوف كله دفع اليه لأنه ميراثه والمراد الى وليه. وان زاد ما وقف له عن ميراثه رد الباقى لمستحقه.
وان أعوز شيئا بأن وقف له نصيب ذكرين فولدت ثلاثة رجع على من هو بيده بباقى ميراثه، وربما لا يرث الحمل الا اذا كان أنثى كزوج وأخت لأبوين وامرأة أب حامل يوقف له سهم من سبعة، فان ولدته أنثى فأكثر من الاناث أخذته، وان ولدته ذكرا أو ذكرا وأنثى فأكثر اقتسمه الزوج والأخت. وربما
(1)
الوجيز للغزالى ح 2 ص 83 نفس الطبعة.
(2)
حاشية الكمثرى على هامش الأنوار ح 1 ص 127 نفس الطبعة السابقة.
(3)
الأنوار ح 1 ص 125 نفس الطبعة.
(4)
عمدة الفقه لابن قدامة ص 140، 141 نفس الطبعة السابقة.
لا يرث الا اذا كان ذكرا كبنت وعم وامرأة أخ حامل فانه يوقف له ما فضل عن ارث البنت وهو نصف، فان ظهر ذكرا أخذه وان أنثى أخذه العم
(1)
. ولو كان الحمل من كافر غيره فأسلمت أمه قبل وضعه قبل أن يخلف كافر أمه الكافرة حاملا من غير أبيه فيتبعها حملها ولا يرث للحكم باسلامه قبل الوضع، وعلى مقتضى القول بأنه يرث بالموت هنا لتأخر الاسلام عنه.
ويرث طفل حكم باسلامه بموت أحد أبويه منه. ويرث الحمل ويورث بشرطين: أحدهما أن يعلم أنه كان موجودا حال موت مورثه بأن تأتى به الأم لأقل من ستة أشهر فراشا كانت أو لا، فان أتت به أمه لأكثر من ستة أشهر وكان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث، الا أن تقر الورثة أنه كان موجودا حال الموت فيلزمهم دفع ميراثه اليه مؤاخذة لهم باقرارهم، وان كانت التى وضعت الحمل لا توطأ لعدم وجود الزوج أو السيد أو غيبتهما أو اجتنابهما الوط ء عجزا أو قصدا أو غيره ويرث ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل أربع سنين اناطة للحكم بسببه الظاهر.
والشرط الثانى: أن تضعه حيا، وتعلم حياته اذا استهل بعد وضعه كله صارخا أو عطس أو بكى أو ارتضع أو تحرك حركة طويلة أو تنفس أو طال زمن التنفس ونحو ذلك مما يدل على حياته لا لحركة يسيرة أو اختلاج يسير أو تنفس يسير لأنها لا تدل على حياته، فاذا استهل يثبت له أحكام الحى لحديث أبى هريره:«اذا استهل المولود صارخا ورث» رواه أحمد وأبو داود - وان خرج بعضه حيا فاستهل ثم انفصل ميتا لم يرث.
وان جهل مستهل من توأمين ذكر وأنثى وارثهما مختلف بأن كانا من غير ولد الأم عين المستهل بقرعة. وقال الخبرى: ليس فى هذا عن السلف نص، وقال بعض الفرضيين تعمل المسألة على الحاليين ويعطى لكل وارث اليقين، ويوقف الباقى حتى يصطلحوا عليه.
ومن خلف أما مزوجة وورثة لا تحجب ولدها، لم توطأ حتى تستبرأ ليعلم أحامل هى أو لا، فان وطئت وولدته بعد فقد تقدم فى الشرط الأول. ولو زوج أمته بحر فأحبلها، فقال السيد: ان كان حملك ذكرا فأنت وهو رقيقان، والا فأنتما حران فعلى ما قال. وهى القائلة.
ان ألد ذكرا لم أرث ولم يرث والا ان ولدت أنثى ورثنا لأنهما حران حال الموت. ومن خلفت زوجا وأما واخوة لأم اثنين فأكثر وامرأة أب حامل فهى القائلة: ان ألد أنثى ورثت لا ذكرا لأنها ان ولدت أنثى واحدة أعيل لها بالنصف
(2)
.
وجاء فى عمدة الفقه أنه تصح الوصية لكل من تصح الهبة له، وللحمل اذا علم أنه كان موجودا حين الوصية له
(3)
.
وجاء فى «كشاف القناع» أنه ان أعتق الرجل
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 2 ص 589 نفس الطبعة السابقة.
(2)
نفس المرجع ح 2 ص 589، 590 نفس الطبعة.
(3)
عمدة الفقه لابن قدامه ص 79 نفس الطبعة.
أمة حاملا عتق جنينها لأنه يتبعها فى البيع والهبة فتبعها فى العتق الا أن يستثنيه فلا يعتق، وان أعتق ما فى بطنها دونها عتق حملها وحده ولم يسر العتق الى أمه لأن الأصل لا يتبع الفرع بخلاف عكسه. ولو أعتق أمة حملها لغيره والمعتق موسر بقيمة الحمل، كالحمل الموصى به اذا أعتق الوارث الموسر أمة عتق الحمل تبعا لأمه بالسراية وضمن المعتق قيمته للموصى له بها لأنه فوته عليه وتعتبر قيمته يوم وضعه لأنه أول وقت يتأتى تقويمه فيه
(1)
.
وان ماتت حامل بمن يرجى حياته حرم شق بطنها من أجل الحمل مسلمة كانت أم ذمية لما فيه من هتك حرمة متيقنة لابقاء حياة موهومة، لأن الغالب والظاهر أن الولد لا يعيش وبدلا من شق بطنها تسطو عليه القوابل أو غيرهن من النساء فيدخلن أيديهن فى فرجها فيخرجن الجنين من بطنها. والجنين الذى ترجى حياته هو الذى تم له ستة أشهر وكان يتحرك حركة قوية وانتفخت المخارج. فان لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليه لما فيه من هتك حرمتها، فان تعذر عليهن اخراجه ترك حتى يموت ولا تشق بطنها.
ولا تدفن قبل موت حملها لما يلزمه من دفنه معها. ولا يوضع عليه ما يموته لعموم النواهى عن قتل النفس المحرمة. ولو خرج بعض الحمل حيا شق بطنها حتى يخرج الباقى لتيقن حياته بعد أن كانت موهومة. فلو مات الحمل قبل خروجه، أخرج وغسل كغيره، وان تعذر خروج باقى الحمل ترك بحاله وغسل ما خرج منه لأن له حكم السقط وأجزأ غسله.
وما بقى من الحمل فى جوفها ففى حكم الباطل لا يحتاج الى التيمم من أجله لأنه فى حكم الحمل.
وصلى على من خرج بعضه مع أمه بأن ينوى الصلاة عليهما حيث تم له أربعة أشهر فأكثر.
وان ماتت ذمية أو كافرة حامل بمسلم دفنت وحدها أى فى مكان غير مقابر المسليمن وغير مقابر الكفار ان أمكن دفنها وحدها وان لم يمكن دفنها وحدها فانها تدفن مع المسلمين لأن ذلك أولى من دفن المسلم الذى هو الجنين مع الكفار، وجعل ظهرها الى القبلة، وتدفن على جنبها الأيسر ليكون الجنين على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، لأن ظهره لوجه أمه، ولا يصلى عليه لأنه غير مولود ولا سقط وكالمأكول ببطن الآكل. ويصلى على مسلمة حامل وعلى حملها بعد مضى زمن تصويره وهو أربعة أشهر فينويهما بالصلاة، وان لم يمض زمن تصويره صلى عليها دونه
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى (المحلى) أنه ان قتلت حامل بينة الحمل فطرحت جنينها ميتا أو لم تطرحه فيه غرة ولا بد لأنه جنين أهلك
(3)
، ومن ضرب حاملا فأسقطت جنينا، فإن كان قبل الأربعة أشهر قبل تمامها فلا كفارة فى ذلك، لكن الغرة واجبة فقط لأن رسول الله صلّى الله
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ح 2 ص 628 نفس الطبعة.
(2)
كشاف القناع ح 1 ص 414 نفس الطبعة.
(3)
المحلى لابن حزم ح 11 ص 28، 29 مسألة رقم 2123.
عليه وسلم حكم بذلك ولم يقتل أحدا، ولكن أسقطها جنينا فقط، واذا لم يقتل أحدا لا خطأ ولا عمدا فلا كفارة فى ذلك، إذ لا كفارة الا فى قتل الخطأ، ولا يقتل إلا ذو روح.
وهذا لم ينفخ فيه الروح بعد. وإن كان بعد تمام الأربعة الأشهر وتيقنت حركته بلا شك وشهد بذلك أربع قوابل عدول فإن فيه غرة عبدا أو أمة فقط لأنه جنين قتل فهذه هى ديته.
والكفارة واجبة بعتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لأنه قتل مأمنا خطأ. وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أن الروح ينفخ فيه بعد مائة ليلة وعشرين ليلة وان تعمدت المرأة قتل جنينها وقد تجاوزت مائة ليلة وعشرين ليلة بيقين فقتلته، أو تعمد أجنبى قتله فى بطنها فقتله، فالقول أن القود واجب فى ذلك ولا بد ولا غرة فى ذلك حينئذ إلا أن يعفى عنه فتجب الغرة فقط لأنها دية ولا كفارة فى ذلك لأنه عمد وإنما وجب القود لأنه قاتل نفس مؤمنة عمدا فهو نفس بنفس وأهله بين خيرتين اما القود واما الدية، أو المفادات كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل مؤمنا
(1)
، وبالله تعالى التوفيق.
وان تعمدت المرأة اسقاط ولدها بأن كانت حبلى فذهبت تستدخل فألقت ولدها فان عليها عتق رقبة ولزوجها عليها غرة عبد أو أمة.
وعن ابراهيم النخعى أنه قال فى امرأة شربت دواء فأسقطت قال: تعتق رقبة وتعطى أباه غرة. قال أبو محمد: هذا أثر فى غاية الصحة وقال على: ان كان لم ينفخ فيه الروح فالغرة عليها، وان كان قد نفخ فيه الروح - فان كانت لم تعمد قتله فالغرة أيضا على عاقلتها والكفارة عليها، وإن كانت تعمدت قتله فالقود عليها، أو المفادات فى مالها، فإن ماتت هى فى كل ذلك قبل القاء الجنين ثم القته فالغرة واجبة فى كل ذلك. فى الخطأ على عاقلة الجانى هى كانت أو غيرها، وكذلك فى العمد قبل أن ينفخ فيه الروح، واما ان كان قد نفخ فيه الروح فالقود على الجانى إن كان غيرها، وأما إن كانت هى فلا قود ولا غرة ولا شئ، لأنه لا حكم على ميت وماله قد صار لغيره
(2)
.
قال على: فى الجنين اذا طرح ميتا غرة عبد أو وليدة، فان كانا اثنين ففيهما غرتان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دية جنينها عبد أو أمة، وكل جنين ولو أنهم عشرة فهو جنين لها، ففى كل جنين غرة عبد أو أمة، فلو قتلوا بعد الحياة ففى كل واحد دية وكفارة
(3)
.
وقال أبو محمد ان الجنين اذا تيقنا أنه تجاوز الحمل به مائة ليلة وعشرين ليلة فالغرة موروثة لورثته الذين كانوا يرثونه لو خرج حيا فمات على حكم المواريث، وان لم يوقن أنه تجاوز الحمل به مائة ليلة وعشرين ليلة فالغرة لأمه فقط
(4)
. قال على: لا خلاف فى أن جنين الأمة من سيدها الحر مثل جنين الحرة
(1)
المرجع نفسه ح 11 ص 30، 31 المسألة رقم 2124 نفس الطبعة.
(2)
نفس المرجع ح 11 ص 31 مسألة رقم 2125 نفس الطبعة.
(3)
المرجع نفسه ح 11 ص 32 مسألة 2126 نفس الطبعة.
(4)
المرجع نفسه ح 11 ص 33 مسألة رقم 2127.
ولا فرق
(1)
. وفى جنين الذمية أيضا غرة عبد أو أمة، يقضى على عاقلة الضارب به فيطلبون غلاما أو أمة كافرين فيدفعانه أو يدفعانها الى من تجب له، فان لم يوجد فبقيمة أحدهما لو وجد، والقيمة فى هذا وفى الغرة جملة اذا عدمت أقل ما يمكن اذ لا يجوز أن يلزم أحد غرامة الا بنص أو اجماع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام» فأقل ما كانت تساوى الغرة لو وجدت واجب على العاقلة بالنص، وما زاد على ذلك غير واجب لا بنص ولا باجماع فهو ساقط لا يجوز الحكم به. ولو أن ذميا ضرب امرأة مسلمة خطأ فأسقطت جنينا يكلف إن تبتاع عاقلته عبدا كافرا أو أمة كافرة ولا بد، ولا يجوز أن يبتاع عبدا مسلما ولا أمة مسلمة. والرقبة الكافرة تجزى فى الغرة المذكورة سواء كان الجانى وعاقلته مسلمين أو كانوا كفارا وانما الواجب عبد أو أمة فقط
(2)
. ولا يجوز عتق الجنين دون أمه اذا نفخ فيه الروح قبل أن تضعه أمه ولا هبته دونها. ويجوز عتقه قبل أن ينفخ فيه الروح، وتكون أمه بذلك العتق حرة وان لم يرد عتقها. ولا تجوز هبته أصلا دونها، فان أعتقها وهى حامل - فان كان جنينها لم ينفخ فيه الروح فهو حر الا أن يستثنيه، فان استثناه فهى حرة وهو غير حر، وان كان قد نفخ فيه الروح - فان اتبعها اياه اذا أعتقها فهو حر، وان لم يتبعها اياه أو استثناه فهى حرة وهو غير حر. وكذلك القول فى الهبة اذا وهبها سواء بسواء ولا فرق.
وحد نفخ الروح فيه تمام أربعة أشهر من حملها وبرهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى:
(3)
.
وعن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ان خلق أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله اليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات:
فيكتب رزقه وعمله وأجله، ثم يكتب شقى أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح». فهذه النصوص توجب كل ما قلناه. فصح أنه الى تمام المائة والعشرين ليلة ماء من ماء أمه ولحمة ومضغة من حشوتها كسائر ما فى جوفها فهو تبع لها، لأنه بعضها، وله استثناؤه فى كل حال، لأنه يزايلها كما يزايلها اللبن، واذ هو كذلك فاذا أعتق فقد أعتق بعضها، فوجب بذلك عتق جميعها، ولا تجوز هبته دونها لأنه مجهول، ولا تجوز هبة المجهول.
وأما اذا نفخ فيه الروح فهو غيرها، لأن الله تعالى سماه خلقا آخر، وهو حينئذ قد يكون ذكرا وهى أنثى ويكون اثنين وهى واحدة، ويكون أسود أو أبيض وهى بخلافه فى خلقه وخلقه، وفى السعادة والشقاء. فاذ
(1)
المرجع نفسه ح 11 ص 34 مسألة رقم 2128.
(2)
المرجع نفسه ح 11 ص 37، 38 المسألة رقم 2128 نفس الطبعة.
(3)
الآيات رقم 12 الى 14 من سورة «المؤمنون» .
هو كذلك فلا تجوز هبته ولا عتقه دونها، لأنه مجهول. ولا يجوز التقرب الى الله تعالى الا بما تطيب النفس عليه، ولا يمكن البتة طيب النفس الا فى معلوم الصفة والقدر. فان أعتقها فلا عتق له، لأنه غيرها، فان وهبها فكذلك، فان أتبعها حملها فى العتق والهبة والصدقة جاز ذلك، لأنه لم يزل الناس فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعلمه وبعده يعتقون الحوامل وينفذون عتق حملها، ويهبون كذلك، ويبعونها كذلك، ويتملكونها بالقسمة كذلك، ويتصدقون ويهدون ويضحون باناث الحيوان فيتبعون أحمالها لها، فتكون فى حكمها
(1)
.
ومن تزوج كافرة وحملت منه وهو مسلم وماتت حاملا، فان كانت قبل أربعة أشهر ولم ينفخ فيه الروح بعد دفنت مع أهل دينها، وان كان بعد أربعة أشهر والروح قد نفخ فيه دفنت فى طرف مقبرة المسلمين، لأن عمل أهل الاسلام من عهد رسول الله صلّى الله وسلم أن لا يدفن مسلم مع مشرك
(2)
. ولو ماتت امرأة حامل والولد حى يتحرك قد جاوز ستة أشهر فانه يشق بطنها طولا ويخرج الولد، لقول الله سبحانه وتعالى:«وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً»
(3)
. ومن تركه عمدا حتى يموت فهو قاتل نفس
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح «الأزهار» أنه تصح الوصية للحمل والعبد والوصية بهما، فاذا أوصى للحمل فولد ذكر وأنثى وخنثى كانت عليهم أثلاثا. فان أوصى للحمل ان كان ذكرا فله كذا، وان كان أنثى فله كذا فخرج خنثى أو ذكرين أو أنثيين أو ذكرا وأنثى فلا شئ له. يقال لو خرج توأمين أحدهما ميت والآخر حى قيل يسلم للحى النصف، وقيل بل يستحق الحى الجميع. فان خرج أنثى وخنثى فنصفان اذ هو عطية بشرط أن يكون موجودا حال الوصية أو تأتى به لدون ستة أشهر من يوم الوصية وأن يخرج حيا، فلو خرج ميتا بطلت الوصية، أما اذا كان موجودا حال الوصية فيصح، ولو أتت لأكثر من ستة أشهر، فان أوصى لما يحدث من حمل امرأة معينة بعد موته لم يصح لأنها وصية لمعدوم
(5)
. واذا كان الميت امرأة حاملا فانه يشق بطنها وجوبا من أيسره لاستخراج حمل عرف أنه قد تحرك بعد الموت، ولو علم أنه يموت وذلك حيث لم يبلغ ستة أشهر، لأن للحى حرمة ولو ساعة واحدة، ولأنه بخروجه حيا يرث ويورث. وعن أبى الفضل الناصر:
انما يشق له اذا بلغ ستة أشهر لا دونها فيترك ساعة حتى يموت. أما لو تحرك قبل الموت وسكن بعده فالأقرب أنه لا يدفن الميت حتى يغلب الظن موت الجنين. ولو دفنت المرأة والولد يتحرك فمات فقيل. يضمن الدافن
(1)
المحلى لابن حزم الأندلسى ح 9 ص 187، 188 مسألة رقم 1663 نفس الطبعة.
(2)
نفس المرجع ح 5 ص 142 مسألة رقم 582.
(3)
الآية رقم 32 من سورة المائدة.
(4)
المحلى لابن حزم الأندلسى ح 5 ص 166، 167 مسألة 607.
(5)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الأطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح مطبعة حجازى بالقاهرة الطبعة الثانية شهر شعبان 1357 هـ.
دية أنثاه لأنه المتيقن وفيه نظر، والقياس أنه يضمن الغرة اذا عرف بخروج يد أو نحوها، فلو دفنت المرأة والولد يتحرك ولم يتحقق من خروج يد أو نحوها فلا شئ اذ الأصل براءة الذمة. وان تيقن الحمل بنحو ذلك وجبت الغرة والصحيح أنه لا شئ لأن الأصل براءة الذمة لجواز أن يكون ريحا
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى «المختصر النافع» أن الحمل يرث ان سقط حيا، وتعتبر حركة الأحياء كالاستهلال والحركات الارادية دون التقلص
(2)
، وجاء فى كتاب «الخلاف» أنه اذا مات ميت وخلف ورثة وامرأة حاملا فانه يوقف ميراث ابنين ويقسم الباقى ويجوز أخذ ضمين الدليل أن العادة جرت بأن أكثر ما تلده المرأة اثنان وما زاد عليه شاذ خارج عن العادة، ولتجويز ذلك أخذنا الضمناء، وزيادته ما جرت به العادة، ووجوب ايقافه يحتاج الى دليل
(3)
.
وجاء فى «المختصر النافع» أن الشيخ قال: يوقف للحمل نصيب ذكرين احتياطا، ولو كان ذوو فرض أعطوا النصيب الأدنى
(4)
.
وجاء فى «الخلاف» أن دية الجنين اذا تم خلقه مائة دينار، واذا لم يتم فغرة عبد أو أمته، وعند الفقهاء عبدا وأمة على كل حال الا أن هذه الدية يرثها سائر المناسبين وغير المناسبين، وبه قال جميع الفقهاء الأربعة، فانه قال ان هذا العبد لأمه لأنه قتل ولم ينفصل منها فكأنه أتلف عضوا منها، الدليل اجماع الفرقة واخبارهم، وروى مغيرة بن شعبة أن امرأتين من هذيل افتتلتا فقتلت احداهما الأخرى، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، وقضى فى الجنين بغرة عبد أو أمة، فوجه الدلالة أن النبى عليه السلام أفرد دية الجنين عن دية النفس فثبت بذلك ما قلناه
(5)
ويرث دية الجنين أبواه ومن يتقرب بهما أو بالأب
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب «شرح النيل وشفاء العليل» أنه ان قتلت امرأة فخرج بعد موتها ولدها ميتا لم يلزم به شئ ويحكم بدية المرأة وحدها لأنهما كجسد، وان وقع حيا فمات فعلى الجانى ديته والكفارة به أيضا كما لزم بالأم وهى العتق على كل واحد، وان قتل فلا عتق عليه، وان كان ببطنها اثنان فخرج أحدهما ميتا ثم ماتت ثم خرج الآخر حيا ورث أمه وان مما ورثت من دية الخارج ميتا قبلها وان لم يكن لأخيه أب ورث منه منابه لأنه لما سقط ميتا خلف
(1)
المرجع السابق ح 1 ص 401 الطبعة السابقة.
(2)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى - الطبعة الثانية وزارة الأوقاف - القاهرة سنة 1377 هـ ص 274.
(3)
كتاب الخلاف فى الفقه للطوسى ح 2 ص 80 مسألة 125 فى الميراث طبعة ايران.
(4)
المختصر النافع ص 274 نفس الطبعة.
(5)
كتاب الخلاف ح 2 ص 80 مسألة 126 فى الميراث نفس الطبعة.
(6)
المختصر النافع ص 274 نفس الطبعة.
أخاه فى البطن وأمه فيرث أخوه فى البطن سهمه الذى ينوبه من الغرة باعتبار أنها غرة أخيه وسهمه من أمه من جميع ما لها مما كان لها من الغرة وغير ذلك
(1)
.
ومن ضرب امرأة فألقت جنينا ميتا وأمه حية فعليه الغرة للمالك لا على العاقلة أو قيمة الغرة ويورث ذلك عن الجنين على فرائض الله تعالى. واذا ألقت الأم جنينا ميتا بعد ضربها ثم ألقت بعده آخر وصرخ فانه يرث فى الأول ويورث عنها، وان كان الأول هو الذى صرخ فلا يرث فى الثانى. وقيل لا يرث ذلك الا الأبوان، وأيهما انفرد به كان له
(2)
.
أحكام الأم الرضاعية
مذهب الحنفية:
جاء فى كتاب «بدائع الصنائع» أنه تحرم المرضعة على المرضع لأنها صارت أما له بالرضاع فتحرم عليه لقول الله عز وجل:
(وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم)
(3)
معطوفا على قوله تعالى {(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ)} فسمى سبحانه وتعالى المرضعة أم المرضع وحرمها عليه، وكذا بناتها يحرمن عليه، سواء كن من صاحب اللبن أو من غير صاحب اللبن، من تقدم منهن ومن تأخر لأنهن أخواته من الرضاعة، وقد قال الله عز وجل {(وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ)} . أثبت سبحانه وتعالى الأخوة بين بنات المرضعة وبين المرضع، والحرمة بينهما مطلقا من غير فصل بين أخت وأخت وكذا بنات بناتها، وبنات أبنائها وان سفلن لأنهن بنات أخ المرضع وأخته من الرضاعة وهن يحرمن من النسب فكذا من الرضاعة، ولو أرضعت امرأة صغيرين من أولاد الأجانب صارا أخوين من الرضاعة لكونهما من أولاد المرضعة، فلا يجوز المناكحة بينهما اذا كان أحدهما أنثى. والأصل فى ذلك أن كل اثنين اجتمعا على ثدى واحد صارا أخوين أو أختين أو أخا وأختا من الرضاعة فلا يجوز لأحدهما أن يتزوج بالآخر ولا بولده كما فى النسب.
وأمهات المرضعة يحرمن على المرضع لأنهن جداته من قبل أمه من الرضاع. وآباء المرضعة أجداد المرضع من الرضاع فيحرم عليهم كما فى النسب. فأما بنات أخوة المرضعة وأخواتها فلا يحرمن على المرضع لأنهن بنات أخواله وخالاته من الرضاعة، وأنهن لا يحرمن من النسب، فكذا من الرضاعة. وتحرم المرضعة على أبناء المرضع وأبناء أبنائه وان سفلوا كما فى النسب. هذا تفسير الحرمة فى جانب المرضعة. والأصل فى هذه الجملة قول النبى صلى الله عليه وسلم:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» . فيجب العمل بعمومه الا ما خص بدليل
(4)
.
وأما الحرمة فى جانب زوج المرضعة التى
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش طبع المطبعة الأدبية بسوق الخضار بمصر ح 8 ص 65، 66.
(2)
نفس المرجع ح 8 ص 66، 67 نفس الطبعة.
(3)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ح 4 ص 302 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ، 1910 م طبعة مطبعة الجمالية بمصر.
نزل لها منه لبن فتثبت عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضى الله عنهم، وهى المسألة الملقبة عند الفقهاء «بلبن الفحل» أنه هل يحرم أو لا؟. وتفسير تحريم لبن الفحل: أن المرضعة تحرم على زوج المرضعة لأنها ابنته من الرضاعة، وكذا على أبنائه الذين من غير المرضعة لأنهم أخوتها لأب من الرضاعة وعلى هذا اذا كان لرجل امرأتان فحملتا منه وأرضعت كل واحدة منهما صغيرا أجنبيا فقد صارا أخوين لأب من الرضاعة، فان كان أحدهما أنثى فلا يجوز النكاح بينهما، لأن الذكر أخوها لأبيها من الرضاعة. وان كان أنثيين فلا يجوز لرجل أن يجمع بينهما لأنهما أختان لأب من الرضاعة، وتحرم على آباء زوج المرضعة لأنهم أجدادها من قبل الأب من الرضاعة، وكذا على أخوته لأنهم أعمامها من الرضاعة، وأخواته عمات المرضع فيحرمن عليه. وأما أولاد أخوته وأخواته فلا تحرم المناكحة بينهما لأنهم أولاد الأعمام والعمات، ويجوز النكاح بينهم فى النسب فيجوز فى الرضاعة. هذا تفسير لبن الفحل. والحجة فيه الحديث المشهور وهو قول النبى صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». وروى أن عائشة رضى الله عنها قالت: جاء عمى من الرضاعة فاستأذن على فأبيت أن آذن له حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسألته عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:«انما هو عمك فأذنى له» فقلت: يا رسول الله انما أرضعتنى المرأة ولم يرضعنى الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انه عمك فليلج عليك» قالت عائشة رضى الله عنها وكان ذلك بعد أن ضرب علينا الحجاب. أى بعد أمر الله عز وجل النساء بالحجاب عن الأجانب. وكان الداخل عليها أفلح أخا أبى القعيس وكانت امرأة أبى القعيس قد أرضعتها. وعن عمرة أن عائشة رضى الله عنها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن فى بيت حفصة، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن فى بيتك، فقال أراه فلانا «لعم حفصة من الرضاعة» فقلت يا رسول الله: لو كان فلان حيا - لعمى من الرضاعة - أكان يدخل على؟ فقال: «نعم. أن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة» وعن على رضى الله عنه أنه قال لا تنكح من أرضعته امرأة أبيك ولا امرأة أخيك ولا امرأة ابنك». وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه سئل عن رجل له امرأتان أو جارية وامرأة فأرضعت هذه غلاما وهذه جارية - هل يصلح للغلام أن يتزوج الجارية؟ فقال رضى الله عنه .. لا. اللقاح واحد.
بين الحكم وأشار الى المعنى وهو اتحاد اللقاح ولأن المحرم هو اللبن وسبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة جميعا، فيجب أن يكون الرضاع منهما جميعا، كما كان الولد لهما جميعا. وأما قولهم ان الله تعالى بين الحرمة فى جانب المرضعة لا فى جانب زوجها، فنقول:
ان لم يبينها نصا فقد بينها دلالة، وهذا لأن البيان من الله تعالى بطريقين: بيان احاطة، وبيان كفاية. فبين فى النسب بيان احاطة، وبين فى الرضاع بيان كفاية تسليطا للمجتهدين على الاجتهاد والاستدلال بالمنصوص على غيره، وهو أن الحرمة فى جانب المرضعة لمكان اللبن، وسبب حصول اللبن ونزوله هو ماؤهما جميعا،
فكان الرضاع منهما جميعا، وهذا لأن اللبن انما يوجب الحرمة لأجل الجزئية والبعضية، لأنه ينبت اللحم وينشز العظم على ما نطق به الحديث، ولما كان سبب حصول اللبن ونزوله ماؤهما جميعا، وبارتضاع اللبن تثبت الجزئية بواسطة نبات اللحم يقام سبب الجزئية مقام حقيقة الجزئية فى باب الحرمات احتياطا، والسبب يقام مقام المسبب خصوصا فى باب الحرمات أيضا فالمرأة تحرم على جدها كما تحرم على أبيها وان لم يكن تحريمها على جدها منصوصا عليه فى الكتاب العزيز، لكن لما كان مبينا بيان كفاية، وهو أن النبت وان حدثت من ماء الأب حقيقة دون ماء الجد، لكن الجد سبب ماء الأب، أقيم السبب مقام المسبب فى حق الحرمة احتياطا، كذا ههنا، والدليل عليه أنه لما لم يذكر البنات من الرضاعة نصا لم يذكر بنات الأخوة والأخوات من الرضاعة نصا، وانما ذكر الأخوات، ثم ذكر لبنات الأخوة، والأخوات دلالة حتى حرمن بالاجماع، كذا ههنا. على أنه ان لم يبين بوحى متلو فقد بين بوحى غير متلو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» . وقد خرج الجواب عن قولهم ان الارضاع وجد منها، لما ذكر أنه وجد منهما لأن سبب حصول اللبن ماؤهما جميعا. وأما الزوج اذا نزل له لبن فارتضعت به صغيرة فذاك لا يسمى رضاعا عرفا وعادة، ومعنى الرضاع أيضا لا يحصل به وهو اكتفاء الصغير به فى الغذاء لأنه لا يغنيه من جوع فصار كلبن الشاه. ثم انما تثبت الحرمة من جانب الزوج اذا كان للمرأة زوج، فأما اذا لم يكن لها زوج بأن ولدت من الزنا فنزل لها لبن فأرضعت به صبيا فالرضاع يكون منها خاصة لا من الزانى لأن نسبه يثبت منها لا من الزانى، والأصل أن كل من يثبت منه النسب يثبت منه الرضاع ومن لا يثبت منه النسب لا يثبت منه الرضاع.
وكذا البكر اذا نزل لها لبن وهى لم تتزوج قط فالرضاع يكون منها خاصة
(1)
. وكل من يحرم بسبب المصاهرة يحرم بسبب الرضاع فيحرم على الرجل أم زوجته وبنتها من زوج آخر من الرضاع كما فى النسب، الا أن الأم تحرم بنفس العقد على البنت اذا كان صحيحا، والبنت لا تحرم الا بالدخول بالأم كما فى النسب. وكذا جدات زوجته من أبيها وأمها وان علون أو بنات بناتها وبنات أبنائها وان سفلن من الرضاع كما فى النسب، وكذا تحرم حليلة ابن الرضاع وابن ابن الرضاع وان سفل على أب الرضاع وأب أبيه وان علا كما فى النسب. وتحرم منكوحة أب الرضاع وأب أبيه وان علا على ابن الرضاع وابن ابنه وان سفل كما فى النسب. وكذا يحرم بالوط ء أم الموطؤة وبنتها من الرضاع على الواطئ، وكذا جداتها وبنات بناتها كما فى النسب، وتحرم الموطوءة على أب الواطئ وابنه من الرضاع، وكذا على أجداده وان علوا، وعلى أبناء أبنائه وان سفلوا كما فى النسب سواء كان الوط ء حلالا بأن كان بملك اليمين أو الوط ء بنكاح فاسد أو شبهة نكاح أو كان بزنا.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 4 ص 3، 4 نفس الطبعة.
ثم قول النبى صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» مجرى على عمومه الا فى مسألتين:
احداهما: أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج بأخت ابنه من النسب لأمه، وهو أن يكون لابنه أخت لأمه من النسب من زوج آخر كان لها، ويجوز له أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع، وهو أن يكون لابنه من الرضاع أخت من النسب لم ترضعها امرأته، لأن المانع من الجواز فى النسب كون أم الأخت موطوءة الزوج، لأن أمها اذا كان موطوءة كانت هى بنت الموطوءة وأنها حرام، وهذا لم يوجد فى الرضاع، ولو وجد لا يجوز كما لا يجوز فى النسب.
والمسألة الثانية: أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أم أخته من النسب لأبيه، وهو أن يكون له أخت من أبيه من النسب لا من أمه، فلا يجوز له أن يتزوج أم هذه الأخت، ويجوز له أن يتزوج أم أخته من الرضاع وهو أن يكون لها أخت من الرضاعة فيتزوج أمها من النسب، لأن المانع فى النسب كون المتزوجة موطوءة أبيه، وهذا لم يوجد فى الرضاع. حتى لو وجدت لا يجوز كما فى النسب. ويجوز للرجل أن يتزوج أخت أخيه لأبيه من النسب، وصورته: منكوحة أبيه اذا ولدت ابنا ولها بنت من زوج آخر فهى أخت أخيه لأبيه فيجوز له أن يتزوجها، وكذا يجوز للرجل أن يتزوج أخت أخته من الرضاع وهذا ظاهر. ويجوز لزوج المرضعة أن يتزوج أم المرضع من النسب، لأن المرضع ابنه ويجوز للانسان أن يتزوج أم ابنه من النسب - وكذا أب المرضع من النسب يجوز له أن يتزوج المرضعة لأنها أم ابنه من الرضاعة، فهى كأم ابنه من النسب وكذا يجوز له أن يتزوج بمحارم أبى الصبى من الرضاعة أو النسب كما يجوز له أن يتزوج بأمه
(1)
.
وأما صفة الرضاع على المحرم فهو ما يكون فى حال الصغر، فأما ما يكون فى حال الكبر فلا يحرم عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضى الله عنهم، الا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنه يحرم فى الصغر والكبر جميعا، واحتجت بظاهر قول الله سبحانه وتعالى:«وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ، وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ 2» . من غير فصل بين حال الصغر والكبر، ولنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل يوما على عائشة رضى الله عنها فوجد عندها رجلا، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
من هذا الرجل؟ فقالت عائشة: هذا عمى من الرضاع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرن ما أخواتكم من الرضاعة، انما الرضاعة من المجاعة» : أشار صلى الله عليه وسلم الى أن الرضاع فى الصغر هو المحرم اذ هو الذى يدفع الجوع فأما جوع الكبير فلا يندفع بالرضاع وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال «الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم» وذلك هو رضاع الصغير دون الكبير لأن ارضاعه لا ينبت اللحم ولا ينشز العظم. وروى عنه
(1)
نفس المصدر ح 4 ص 4، 5 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الرضاع ما فتق الأمعاء» ورضاع الصغير هو الذى يفتق الأمعاء لارضاع الكبير لان أمعاء الصغير تكون ضيقة لا يفتقها الا اللبن لكونه من ألطف الأغذية كما وصفه الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم بقوله عز وجل «خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ»
(1)
فأمعاء الكبير مفتقة لا تحتاج الى الفتق باللبن وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال: «لا رضاع بعد فصال» وروى أن رجلا من أهل البادية ولدت امرأته ولدا فمات ولدها فورم ثدى المرأة فجعل الرجل يمصه ويمجه فدخلت جرعة منه حلقه فسأل عنه أبا موسى الأشعرى رضى لله عنه فقال: «قد حرمت عليك. ثم جاء الى عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه فسأله فقال: سألت أحدا؟ قال الرجل: نعم سألت أبا موسى الأشعرى فقال حرمت عليك. فجاء ابن مسعود أبا موسى الأشعرى رضى الله عنهما فقال له.
أما علمت انه انما يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم؟ فقال أبو موسى: لا تسألونى عن شئ ما دام هذا الحبر بين أظهركم وعن عبد الله ابن عمر ان رجلا جاء الى عمر رضى الله عنه فقال كانت لى وليدة أطؤها فعمدت امرأتى اليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت: دونك مقدور الله. أرضعتها. قال عمر رضى الله عنه:
واقعها فهى جاريتك فانما الرضاعة عند الصغر وبهذا يتبين ان ليس المراد من الآية الكريمة رضاع الكبير لأن النبى صلى الله عليه وسلم فسر الرضاع المحرم بكونه دافعا للجوع منبتا للحم منشزا للعظم فاتقا للأمعاء وهذا وصف رضاع الصغير لا الكبير فصارت السنة مبينة لما فى الكتاب أصله
(2)
.
وقد اختلف فى مدة الرضاع المحرم فقال أبو حنيفة ثلاثون شهرا ولا يحرم بعد ذلك سواء فطم أو لم يفطم وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: حولان لا يحرم بعد ذلك فطم أو لم يفطم وقال زفر ثلاثة أحوال وقال بعضهم خمس عشرة سنة وقال بعضهم أربعون سنة احتج أبو يوسف ومحمد يقول الله سبحانه وتعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ»
(3)
جعل الله تعالى الحولين الكاملين تمام مدة الرضاعة وليس وراء التمام شئ. بقول الله سبحانه وتعالى: «وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ»
(4)
وقوله عز وجل: «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً»
(5)
وأقل مدة الحمل ستة أشهر فبقى مدة الفصال حولين وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا رضاع بعد الحولين» وهذا نص فى الباب.
ولأبى حنيفة قول الله سبحانه وتعالى:
«وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ»
(6)
أثبت الحرمة بالرضاع مطلقا عن التعرض لزمان الارضاع الا أنه قام الدليل على ان زمان ما بعد الثلاثين شهرا ليس بمراد فيعمل باطلاقه فيما وراءه وقوله تعالى «فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ»
(7)
والاستدلال به من وجهين
(1)
الآية رقم 66 من سورة النحل.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 4 ص 5.
(3)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 14 من سورة لقمان.
(5)
الآية رقم 15 من سورة الأحقاف.
(6)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
(7)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
أحدهما: انه أثبت لهما ارادة الفصال مطلقا عن الوقت ولا يكون الفصال الا عن الرضاع فدل على بقاء حكم الرضاع فى مطلق الوقت الى أن يقوم الدليل على التقييد. وقوله تعالى:
«وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ»
(1)
أثبت لها ارادة الاسترضاع مطلقا عن الوقت فمن ادعى التقييد بالحولين فعليه الدليل ولأن الارضاع انما يوجب الحرمة لكونه منبتا للحم منشزا للعظم على ما نطق به الحديث ومن المحال عادة ان يكون منبتا للحم الى الحولين ثم لا ينبت بعد الحولين بساعة لطيفة لأن الله تعالى ما أجرى العادة بتغير الغذاء الا بعد مدة معتبرة ولان المرأة قد تلد فى البرد الشديد والحر الشديد فاذا تم على الصبى سنتان لا يجوز أن تؤمر أمه بفطامه لأنه يخاف منه الهلاك على الولد اذا لو لم يعود بغيره من الطعام فلا بد وان تؤمر بالرضاع ومحال أن تؤمر بالرضاع ويحرم عليها الرضاع فى وقت واحد فدل أن الرضاع بعد الحولين يكون رضاعا الا أن أبا حنيفة استحق فى تقديره مدة ابقاء حكم الرضاع بعد الحولين بستة أشهر لانه أقل مدة تغير الولد فان الولد يبقى فى بطن أمه ستة أشهر يتغذى بغذائها ثم ينفصل فيصير أصلا فى الغذاء. زفر اعتبر بعد الحولين سنة كاملة فقال لما ثبت حكم الرضاع فى ابتداء السنة الثالثة لما قاله أبو حنيفة يثبت فى بقيتها كالسنة الأولى والثانية وأما الآية الأولى ففيها أن الحولين مدة الرضاعة فى حق من أتم الرضاع وهذا لا ينفى أن يكون الزائد على الحولين مدة الرضاع فى حق من لم يرد أن يتم الرضاعة من أن ذكر الشئ بالتمام لا يمنع من احتمال الزيادة عليه على أن فى الآية الكريمة أن الحولين تمام مدة الرضاعة لكنها تمام مدة الرضاع فى حق الحرمة أو فى حق وجوب اجر الرضاع على الأب؟
فالنص لا يتعرض له. وعندهما تمام مدة الرضاع فى حق وجوب الأجر على الأب حتى أن الأم المطلقة اذا طلبت الأجر بعد الحولين ولا ترضع بلا أجر لم يجبر الأب على أجر الرضاع. فيما زاد على الحولين أو تحمل الآية على هذا توفيقا بين الدلائل لأن الله عز وجل لا تتناقض وأما الآية الثانية فالفصال فى عامين لا ينفى الفصال فى أكثر من عامين كما لا ينفيه فى أقل من عامين عن تراض منهما وتشاور فكان هذا استدلالا بالمسكوت كقول الله عز وجل «فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً»
(2)
انه لا يمنع جواز الكتابة اذا لم يعلم فيهم خيرا وأما الآية الثالثة فتحتمل ما ذكرتم أن المراد من الحمل هو الحمل بالبطن والفصال هو الفطام فيقتضى أن تكون مدة الرضاع سنتين ومدة الحمل ستة أشهر كما روى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما وتحتمل أن يكون المراد من الحمل باليد والحجر فيقتضى أن يكون الثلاثون شهرا مدة الحمل والفصال جميعا لانه يحمل باليد والحجر فى هذه المدة غالبا لا أن يكون بعض هذه المدة مدة الحمل، وبعضها مدة الفصال، لأن اضافة السنتين الى الوقت لا تقتضى قسمة الوقت
(1)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 33 من سورة النور.
عليهما بل تقتضى أن يكون جميع ذلك الوقت مدة لكل واحد منهما كقول القائل. صومك وزكاتك فى شهر رمضان هذا لا يقتضى قسمة الشهر عليهما بل يقتضى كون الشهر كله وقتا لكل واحد منهما فيقتضى ان يكون الثلاثون شهرا مدة الرضاع كما هو مذهب أبى حنيفة فلا يكون حجة مع الاحتمال على انه ان وقع التعارض بين الآيات ظاهرا لكن ما تلون حاظر وما تلوتم مبيح والعمل بالحاظر اولى احتياطا وأما الحديث فالمشهور «لا رضاع بعد فصال» ونحن نقول بموجبه فجائز أن يكون أصل الحديث هذا وان من ذكر الحولين حمله على المعنى عنده ولو ثبت هذا اللفظ فيحتمل أن يكون معناه الارضاع على الأب بعد الحولين أى فى حق وجوب الأجر عليه على ما ذكر من تأويل الآية أو يحمل على هذا عملا بالدلائل كلها ثم الرضاع يحرم فى المدة على اختلافهم فيها سواء فطم فى المدة أو لم يفطم هذا جواب ظاهر الرواية عن الأحناف حتى لو فصل الرضيع فى مدة الرضاع ثم سقى بعد ذلك فى المدة كان ذلك رضاعا محرما ولا يعتبر الفطام انما يعتبر الوقت فيحرم عند أبى حنيفة ما كان فى السنتين ونصف وعندهما ما كان فى السنتين لان الرضاع فى وقته عرف محرما فى الشرع لما ذكر من الدلائل من غير فصل بين ما اذا فطم أو لم يفطم وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه قال اذا فطم فى السنتين حتى استغنى بالفطام ثم ارتضع بعد ذاك فى السنتين أو الثلاثين شهرا لم يكن ذلك رضاعا لأنه لا رضاع بعد الفطام.
وان هى فطمته فأكل أكلا ضعيفا لا يستغنى به عن الرضاع ثم عاد فأرضع كما يرضع أولا فى الثلاثين شهرا فهو رضاع محرم كما يحرم رضاع الصغير الذى لم يفطم ويحتمل أن تكون رواية الحسن تفسير الظاهر قول اصحابنا وهو ان الرضاع فى المدة بعد الفطام انما يكون رضاعا محرما اذا لم يكن الفطام تاما بأن كان يستغنى بالطعام عن الرضاع فان استغنى لا يحرم بالاجماع.
ويحمل قول النبى صلى الله عليه وسلم «لا رضاع بعد الفصال» على الفصال المتعارف المعتاد، وهو الفصال التام المغنى عن الرضاع
(1)
.
ويستوفى الرضاع المحرم قليله وكثيره عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضى الله عنهم وروى عن عبد الله بن الزبير وعائشة رضى الله عنهما: أن قليل الرضاع لا يحرم ولنا قوله عز وجل {(وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ)}
(2)
مطلقا عن القدر وروى عن على وعن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم أنهم قالوا: قليل الرضاع وكثيره سواء. وروى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال: الرضعة الواحدة تحرم.
وروى أنه لما بلغه أن عبد الله بن الزبير يقول:
لا تحرم الرضعة والرضعتان فقال: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير وتلا قول الله سبحانه وتعالى «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ» .
وروى أنه لما بلغه أن عائشة رضى الله عنها تقول. لا تحرم المصة والمصتان فقال: حكم
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح 4 ص 6، 7 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
الله تعالى أولى وخير من حكمها. وكذا يستوى فيه لبن الحية والميتة بأن حلب لبنها بعد موتها فى قدح فأوجر به الصبى يحرم عند الاحناف وحجتهم فى هذا الحديث المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. واسم الرضاع لا يقف على الارتضاع من الثدى فان العرب تقول:
يتيم راضع وان كان يرضع بلبن الشاه والبقر ولا على فعل الارتضاع منها بدليل انه لو ارتضع الصبى منها وهى نائمة يسمى ذلك رضاعا ويحرم ويقال أيضا ارضع هذا الصبى بلبن هذه الميتة كما يقال ارضع بلبن الحية وقوله صلى الله عليه وسلم «الرضاع من المجاعة» وقوله «الرضاع ما انبت اللحم وأنشز العظم» وقوله الرضاع ما فتق الامعاء» ولبن الميتة يدفع الجوع وينبت اللحم وينشز العظم ويفتق الأمعاء فيوجب الحرمة ولأن اللبن كان محرما فى حال الحياة والعارض هو الموت واللبن لا يموت كالبيضة. كذا روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال: اللبن لا يموت ولأن الموت يحل محل الحياة ولا حياة فى اللبن فالمرأة لم تتألم بأخذ، فى حال حياتها والحيوان يتألم بأخذ ما فيه حياة من لحمه وسائر أعضائه واذا لم يكن فيه حياة كان حاله بعد موت المرأة كحالة قبل موتها، وقبل دونها محرم فهو كذلك بعده محرم
(1)
ويستوى فى تحريم الرضاع الارتضاع من الثدى والاسعاط والايجار لأن المؤثر فى التحريم هو حصول الغذاء باللبن وانبات اللحم وانشاز العظم وسد المجاعة لكى تتحقق الجزئية وذلك يحصل بالاسعاط والايجار لأن السعوط يصل الى الدماغ والى الحلق فيغذى ويسد الجوع، والجور يصل الى الجوف فيغذى وأما الاقطار فى الاذن فلا يحرم لأنه لا يعلم وصوله الى الدماغ لضيق الخرق فى الأذن وكذلك الاقطار فى الاحليل لآنه لا يصل الى الجوف فضلا عن الوصول الى المعدة وكذلك الأقطار فى العين والقبل لما سبق وكذلك الاقطار فى الجائفة وفى الآمة لأن الجائفة نصل الى الجوف لا الى المعدة والآمة وان كان يصل الى المعدة لكن ما يصل اليها من الجراحة لا يحصل به الغذاء فلا تثبت به الحرمة والحقنة لا تحرم بأن حقن الصبى باللبن فى الرواية المشهورة وروى عن محمد انها تحرم وجه هذه الرواية انها وصلت الى الجوف حتى أوجبت فساد الصوم فصار كما لو وصل من الفم.
وجه ظاهر الرواية أن المعتبر فى هذه الحرمة هو معنى التغذى والحقنة لا تصل الى موضع الغذاء لأن موضع الغذاء هو المعدة والحقنة لا تصل اليها فلا يحصل بها نبات اللحم ونشوز العظم واندفاع الجوع فلا توجب الحرمة ولو جعل اللبن مخيضا أو رائبا أو شيرازا أو جبنا أو أقطا أو مصلا فتناوله الصبى لا يثبت به الحرمة لأن اسم الرضاع لا يقع عليه وكذا لا ينبت اللحم وينشز العظم ولا يكتفى به الصبى فى الاغتذاء فلا يحرم
(2)
.
ولو اختلط اللبن بغيره فهذا على وجوه أما أن اختلط بالطعام أو بالدواء أو بالماء أو بلبن
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح 4 ص 8 نفس الطبعة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 4 ص 8 نفس الطبعة.
البهائم أو بلبن امرأة اخرى فان اختلط بالطعام فان مسته النار حتى نضج لم يحرم فى قولهم جميعا لأنه تغير عن طبعه بالطبخ وان لم تمسه النار فان كان الغالب هو الطعام لم تثبت الحرمة لأن الطعام اذا غلب سلب قوة اللبن وأزال معناه وهو التغذى فلا تثبت به الحرمة وان كان اللبن غالبا للطعام وهو طعام يستبين لا يثبت به الحرمة فى قول أبى حنيفة وعند أبى يوسف ومحمد يثبت. وجه قولهما أن اعتبار الغالب والحاق المغلوب بالعدم أصل فى الشرع فيجب اعتباره ما أمكن كما اذا اختلط بالماء أو بلبن شاة ولأبى حنيفة ان الطعام وان كان أقل من اللبن فانه يسلب قوة اللبن لأنه يرق ويضعف بحيث يظهر ذلك فى حس البصر فلا تقع الكفاية به فى تغذية الصبى فكان اللبن مغلوبا معنى وان كان غالبا صورة.
وان اختلط اللبن بالدواء أو بالدهن أو بالنبيذ يعتبر فيه الغالب فان كان اللبن غالبا يحرم لأن هذه الأشياء لا تحل بصفة اللبن وصيرورته غذاء بل بقدر ذلك لأنها انما تخلط باللبن ليوصل اللبن الى ما كان لا يصل اليه بنفسه لاختصاصها بقوة التنفيذ ثم اللبن بانفراده يحرم فمع هذه الأشياء أولى. وان كان الدواء هو الغالب لا تثبت به الحرمة لأن اللبن اذا صار مغلوبا صار مستهلكا فلا يقع به التغذى فلا تثبت به الحرمة وكذا اذا اختلط بالماء يعتبر فيه الغالب أيضا فان كان اللبن غالبا يثبت به الحرمة، وان كان الماء غالبا لا يثبت به لأن الشرع علق الحرمة فى باب الرضاع بمعنى التغذى على ما نطقت به الأحاديث واللبن المغلوب بالماء لا يغذى الصبى لزوال قوته لأنه لا يقع الاكتفاء به فى تغذية الصبى فلم يكن محرما.
وذكر الجصاص أن جواب الكتاب ينبغى أن يكون قولهما فأما على قول أبى حنيفة ينبغى أن لا يحرم وان كان اللبن غالبا وقاس الماء على الطعام وجمع بينهما من حيث أن اختلاطه بالماء يسلب قوته وان كان الماء قليلا كاختلاطه بالطعام القليل وفى ظاهر الرواية أطلق الجواب ولم يذكر الخلاف ولو اختلط بلبن البهائم كلبن الشاة وغيره يعتبر فيه الغالب أيضا لما ذكر.
ولو اختلط لبن امرأة بابن امرأة أخرى فالحكم للغالب منهما فى قول أبى يوسف وروى عن أبى حنيفة كذلك وعند محمد ثبتت الحرمة منهما جميعا وهو قول زفر. وجه قول محمد ان اللبنين من جنس واحد والجنس لا يغلب الجنس فلا يكون خلط الجنس بالجنس استهلاكا فلا يصير القليل مستهلكا فى الكثير فيتغذى الصبى كل واحد منهما بقدره بانبات اللحم وانشاز العظم وسد الجوع لأن أحدهما لا يسلب قوة الآخر.
والدليل على أن خلط الجنس بالجنس لا يكون استهلاكا له أن من غصب من آخر زيتا مخلطة بزيت آخر اشتركا فيه فى قولهم جميعا ولو خلط بشيرج أو بدهن آخر من غير جنسه يعتبر الغالب فان كان الغالب هو المغصوب كان لصاحبه أن يأخذه ويعطيه قسط ما اختلط بزيته وان كان الغالب غير المغصوب صار المغصوب مستهلكا فيه ولم يكن له أن يشاركه فيه ولكن الغاصب يغرم له مثل ما غصبه فدل ذلك على اختلاف حكم الجنس الواحد والجنسين وأبو يوسف اعتبر هذا النوع من الاختلاط باختلاط اللبن بالماء وهناك الحكم للغالب كذا ههنا ولمحمد أن يفرق بين الفصلين فان اختلاط اللبن بما هو من جنسه لا يوجب الاخلال بمعنى التغذى من كل واحد منهما بقدره لأن أحدهما لا يسلب قوة
الآخر وليس كذلك اختلاط اللبن بالماء واللبن مغلوب لأن الماء يسلب قوة اللبن أو يخل به فلا يحصل التغذى أو يختل
(1)
.
ولو طلق الرجل امرأته ولها لبن من ولد كانت ولدته منه فانقصت عدتها وتزوجت بزوج آخر. وهى كذلك فأرضعت صبيا عند الثانى ينظران أرضعت قبل أن تحمل من الثانى فالرضاع من الأول بالاجماع لأن اللبن نزل من الاول فلا يرتفع حكمه بارتفاع النكاح كما لا يرتفع بالموت وكما لو حلب منها لبن ثم ماتت لا يبطل حكم الرضاع من لبنها كذا هذا وان أرضعت بعد ما وضعت من الثانى فالرضاع من الثانى بالاجماع لأن اللبن منه ظاهرا.
وان أرضعت بعد ما حملت من الثانى قبل أن تضع فالرضاع من الاول الى أن تضع فى قول أبى حنيفة. وقال أبو يوسف: ان علم أن هذا اللبن من الثانى بأن ازداد لبنها فالرضاع من الثانى وان لم يعلم فالرضاع من الاول وروى الحسن بن زياد عنه أنها اذا حبلت فاللبن للثانى وقال محمد وزفر الرضاع منهما جميعا الى أن تلد، فاذا ولدت فهو من الثانى وجه قول محمد أن اللبن الأول باق والحمل سبب لحدوث زيادة لبن فيجتمع لبنان فى ثدى واحد فتثبت الحرمة بهما كما قال: فى اختلاط أحد اللبنين بالآخر بخلاف ما اذا وضعت لأن اللبن الأول ينقطع بالوضع ظاهرا وغالبا فكان اللبن من الثانى فكان الرضاع منه ووجه قول أبى يوسف أن الحامل قد ينزل لها لبن فلما ازداد لبنها عند الحمل من الثانى فدل أن الزيادة من الحمل الثانى، اذ لو لم يكن الحمل لم تكن هناك زيادة فى اللبن بل ينقص أو العادة أن اللبن ينقص بمضى الزمان ولا يزداد فكانت الزيادة دليلا على أنها من الحمل الثانى لا من الأول. ووجه رواية الحسن عنه أن العادة أن بالحمل ينقطع اللبن الأول ويحدث عنده لبن آخر فكان الموجود عند الحمل الثانى من الحمل الثانى لا من الأول فكان الرضاع منه لا من الأول ولأبى حنيفة ان نزول اللبن من الأول ثبت بيقين لأن الولادة سبب لنزول اللبن بيقين عادة فكان حكم الأول ثابتا بيقين فلا يبطل حكمه ما لم يوجد سبب آخر مثله بيقين وهو ولادة أخرى لا الحمل لأن الحامل قد ينزل لها لبن بسبب الحمل وقد لا ينزل حتى تضع والثابت بيقين لا يزول بالشك وأما قول أبى يوسف لما ازداد اللبن دل على حدوث اللبن من الثانى فممنوع أن زيادة اللبن تدل على حدوث اللبن من الحمل فان لزيادة اللبن أسبابا من زيادة الغذاء وجودته وصحة البدن واعتدال الطبيعة وغير ذلك فلا يدل الحمل على حدوث الزيادة بالشك فلا ينقطع الحكم عن الأول بالشك وقد خرج الجواب عما قاله محمد: ويستوى فى تحريم الرضاع الرضاع المقارن للنكاح والطارئ عليه لان دلائل التحريم لا توجب الفصل بينهما
(2)
وبيان هذا الأصل فى مسائل: اذا تزوج صغيرة فأرضعتها أمه من النسب أو من الرضاع حرمت عليه لأنها صارت أختا له من الرضاع فتحرم عليه كما فى النسب وكذا اذا أرضعتها أخته أو بنته من النسب أو من الرضاع لأنها صارت بنت أخته أو بنت بنته من الرضاع وانها تحرم من الرضاعة كما تحرم من النسب. ولو تزوج صغيرتين رضيعتين فجاءت امرأة أجنبية
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح 4 ص 9، 10 نفس الطبعة.
(2)
نفس المصدر ح 4 ص 10 نفس الطبعة.
فأرضعتهما معا أو على التعاقب حرمتا عليه لانهما صارتا اختين من الرضاع فيحرم الجمع بينهما فى حالة البقاء كما يحرم فى حالة الابتداء كما فى النسب، ويجوز أن يتزوج احداهما أيتهما شاء لأن المحرم هو الجمع كما فى النسب فان كن ثلاثا فارضعتهن جميعا معا حرمن عليه لأنهن صرن أخوات من الرضاعة فيحرم الجمع بينهن وله أن يتزوج واحدة منهن أيتهن شاء. وان ارضعتهن على التعاقب واحدة بعد واحدة حرمت عليه الأوليان وكانت الثالثة زوجة لأنها لما أرضعت الأولى ثم الثانية صارتا اختين فبانتا منه فاذا أرضعت الثالثة فقد صارت أختا لهما لكنهما أجنبيتان من الزوج فلم يتحقق الجمع فلا تبين منه وكذا اذا أرضعت البنتين معا ثم الثالثة حرمتا والثالثة امرأته كما قلن.
ولو أرضعت الأولى ثم الثنتين معا حرمن جميعا لأن الأولى لم تحرم بمجرد الارضاع لعدم الجمع فاذا أرضعت الأخريين معا صرن أخوات فى حالة واحدة فيفسد نكاحهن.
ولو كن أربع صبيانه فأرضعتهن على التعاقب واحدة بعد واحدة حرمن جميعا لأنها لما ارضعت الثانية فقد صارت أختا للأولى فحصل الجمع بين الأختين من الرضاعة. فبانتا ولما أرضعت الرابعة فقد صارت أختا للثالثة فحصل الجمع فبانتا. وحكم المهر والرجوع فى مثل هذه المسائل يأتى فى المسألة الآتية وهى: ما اذا تزوج صغيرة وكبيرة فارضعت الكبيرة الصغيرة فأما حكم النكاح فقد حرمتا عليه لأن الصغيرة صارت بنتا لها والجمع بين الأم والبنت من الرضاع نكاحا حرام كما يحرم من النسب، ثم أن كان ذلك بعد ما دخل بالكبيرة لا يجوز له أن يتزوج واحدة منهما ابدا كما فى النسب.
وان كان قبل أن يدخل بالكبيرة جاز. له أن يتزوج الصغيرة لأنها ربيبة من الرضاع لم يدخل بأمها فلا يحرم عليه نكاحها كما فى النسب ولا يجوز له أن يتزوج الكبيرة ابدا لأنها أم منكوحته من الرضاع. فتحرم بمجرد نكاح البنت دخل بها أو لم يدخل بها كما فى النسب.
واما حكم المهر فان كان قد دخل بالكبيرة فلها جميع مهرها سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد لأن الأصل أن الفرقة الحاصلة قبل الدخول توجب سقوط كل المهر لأن المبدل يعود سليما الى المرأة وسلامة المبدل لأحد المتعاقدين يوجب سلامة البدل للآخر لئلا يجتمع المبدل والبدل فى ملك واحد فى عقد المبادلة كان ينبغى الا يجب على الزوج شئ سواء كانت الفرقة بغير طلاق أو بطلاق الا أن الشرع أوجب عليه فى الطلاق قبل الدخول ما لا مقدرا بنصف المهر المسمى ابتداء بطريق المتعة صلة لها تطيبيا لقلبها لما لحقها من وحشة الفراق بفوات نعمة الزوجية عنها من غير رضاها فاذا أرضعت فقد رضيت بارتفاع النكاح فلا تستحق شيئا.
وأما الصغيرة فلها نصف المهر على الزواج عند عامة العلماء ولنا ما ذكرنا أن الفرقة من أيهما كانت توجب سقوط كل المهر لما ذكر، وانما يجب نصف المهر مقدرا بالمسمى ابتداء صلة للمرأة نظرا لها ولم يوجد من الصغيرة ما يوجب خروجها عن استحقاق النظر لأن فعلها لا يوصف بالحظر وليست هى من أهل الرضا لنجعل فعلها دلالة الرضا بارتفاع النكاح فلا تحرم نصف الصداق بخلاف الكبيرة لأن اقدامها على الارضاع دلالة الرضا بارتفاع النكاح وهى من أهل الرضا وارضاعها جناية فلا تستحق النظر بايجاب نصف المهر لها ابتداء اذ الجانى لا يستحق النظر على جنايته بل يستحق الزجر
وذلك بالحرمان لئلا يفعل مثله فى المستقبل فلا يجب لها شئ سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد لأن فعلها جناية فى الحالين ويرجع الزوج بما أدى على الكبيرة ان كانت تعمدت الفساد وان كانت لم تتعمد لم يرجع عليها كذا ذكر المشايخ وهذا قول أبى حنيفة وابى يوسف وروى عن محمد أن له أن يرجع عليها سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد وهو قول زفر وبشر المريسى والشافعى وجه قولهم أن هذا ضمان الاتلاف وانه لا يختلف بالعمد والخطأ والدليل على أن هذا ضمان الاتلاف فى أن الفرقة حصلت من قبلها بارضاعها صارت بالارضاع مؤكدة نصف المهر على الزوج لأنه كان محتملا للسقوط بردتها أو تمكينها من ابن الزوج أو تقبيلها اذا كبرت فهى بالارضاع أكدت نصف المهر بحيث لا يحتمل السقوط فصارت متلفة عليه ماله فتضمن. وجه قول محمد انها وان تعمدت الفساد فهى صاحبة شرط فى ثبوت الفرقة لأن علة الفرقة هى الارتضاع للصغيرة لما بينا والحكم يضاف الى العلة لا الى الشرط على أن ارضاعها ان كان سبب الفرقة فهو سبب محض لأنه طرأ عليه فعل اختيارى وهو ارتضاع الصغيرة والسبب اذا اعترض عليه فهو فعل اختيارى يكون سببا محضا، السبب المحض لا حكم له وان كان صاحب السبب متعمدا فى مباشرة السبب كفتح باب الاسطبل والقفص حتى خرجت الدابة وضلت أو طار الطير وضاع، ولأن الضمان لو وجب عليها اما أن يجب باتلاف ملك النكاح أو باتلاف الصداق أو بتأكيد نصفه على الزوج.
لا وجه للأول لأن ملك النكاح غير مضمون باتلاف على اصلنا، ولا وجه للثانى لأنها ما أتلفت الصداق بل أسقطت نصفه والنصف الباقى بقى واجبا بالنكاح السابق ولا وجه للثالث لأن التأكيد لا يماثل التفويت فلا يكون اعتداء بالمثل. ولأبى حنيفة وأبى يوسف أن الكبير. وان كانت محصلة شرط الفرقة وعلة الفرقة من الصغيرة كما ذكره محمد لكن الأصل أن الشرط مع العلة اذا اشتركا فى الحظر والاباحة أى فى سبب المؤاخذة وعدمه فاضافة الحكم الى العلة أولى من اضافته الى الشرط فأما اذا كان الشرط محظورا والعلة غير موصوفة بالحظر فاضافة الحكم الى الشرط أولى من اضافته الى العلة كما فى حفر البئر على قارعة الطريق.
فالكبيرة اذا لم تكن تعمدت الفساد فقد استوى الشرط والعلة فى عدم الحظر فكانت الفرقة مضافة الى العلة وهى ارتضاعها وان كانت تعمدت الفساد كان الشرط محظورا وهو ارضاع الكبيرة والعلة غير موصوفة بالحظر وهى ارتضاع الصغيرة فكان اضافة الحكم الى الشرط أولى. واذا أضيفت الفرقة الى الكبيرة عند تعمدها الفساد ووجب نصف المهر على الزوج ابتداء ملازما للفرقة صارت الفرقة الحاصلة منها كأنها علة لوجوبه لا أنه بقى النصف بعد الفرقة واجبا بالنكاح السابق، لأن ذلك قول بتخصيص العلة لأنه قول ببقاء نصف المهر على وجود العلة المسقطة لكله، وأنه باطل فصارت الكبيرة متلفة هذا القدر من المال على الزوج اذ الأداء مبنى على الوجوب فيثبت له حق الرجوع عليها ولهذا المعنى وجب الضمان على شهود الطلاق قبل الدخول اذا رجعوا بالاجماع بخلاف اذا لم تتعمد الفساد لأن عند عدم التعمد لا تكون الفرقة مضافة الى فعل الكبيرة فلم يوجد منها علة وجوب نصف المهر على الزوج فلا يرجع عليها. ثم تعمد الفساد ويثبت بثلاثة أشياء:
بعلمها بنكاح الصغيرة وعلمها بفساد النكاح بارضاعها وعدم الضرورة وهى ضرورة خوف الهلاك على الصغيرة ان لم ترضعها والقول قولها فى انها لم تتعمد الفساد مع يمينها لأن الزوج بدعوى تعمد الفساد يدعى عليها الضمان وهى تنكر فكان القول قولها.
وعلى هذا حكم المهر والرجوع فى المسائل المتقدمة من الاتفاق والاختلاف.
ولو تزوج
(1)
كبيرة وصغيرتين فأرضعتهما الكبيرة فان أرضعتهما معا حرمن عليه لانهما جميعا صارتا بنتين للمرضعة فصار جامعا بينهن نكاحا فحرمن عليه ولا يجوز له أن يتزوج الكبيرة أبدا سواء كان دخل بها أو لم يدخل لأنها أم منكوحته فتحرم بنفس العقد على البنت ولا يجوز له أن يجمع بين الصغيرتين ابدا لأنهما صارتا اختين من الرضاع ويجوز أن يتزوج باحداهما ان لم يدخل بالكبيرة لأنها ربيبة من الرضاعة فلا تحرم بمجرد العقد على الأم كما فى النسب وان كان قد دخل بها لا يجوز كما فى النسب وان أرضعتهما على التعاقب واحدة بعد أخرى فقد حرمت الكبيرة مع الصغيرة الأولى لأنها لما أرضعت الأولى صارت بنتا لها فحصل الجمع بين الأم والبنت فبانتا منه.
وأما الصغيرة الثانية فانما أرضعتها بعد ما باتت الكبيرة فلم يصر جامعا، لكنها ربيبته من الرضاعة فان كان قد دخل بأمها تحرم عليه والا فلا ولا يجوز نكاح الكبيرة بعد ذلك ولا الجمع بين الصغيرتين لما ذكر.
ولو تزوج كبيرة وثلاث صبيات فأرضعتهن على التعاقب واحدة بعد أخرى حرمن عليه جميعا لانها لما أرضعت الأولى صارت بنتا لها فحصل الجمع بين الأم والبنت فحرمتا عليه ولما أرضعت الثانية فقد أرضعتها والكبيرة والصغيرة الأولى مبانتان فلا يحرم بسبب الجمع لعدم الجمع ولكن ينظر ان كان قد دخل بالكبيرة تحرم عليه للحال لأنها ربيبته وقد دخل بأمها وان كان لم يدخل بأمها لا تحرم عليه للحال حتى ترضع الثالثة فاذا ارتضعت الثالثة حرمتا عليه لأنهما صارتا أختين والحكم فى تزوج الكبيرة بعد ذلك والجمع بين الصغيرتين وتزوج احدى الصغائر كما ذكر.
ولو تزوج صغيرتين وكبيرتين فعمدت الكبيرتان الى احدى الصغيرتين فأرضعتاها احداهما بعد أخرى ثم أرضعتا الثانية واحدة بعد أخرى بانت الكبيرتان والصغيرة الأولى والصغيرة الثانية امرأته لأنهما لما أرضعتا الصغيرة الأولى صارت كل واحدة من الكبيرتين أم امرأته وصارت الصغيرة بنت امرأته فصار جامعا بينهن فحرمن عليه فلما أرضعتا الثانية فقد أرضعناها بعد ثبوت البينونة فلم يصر جامعا فلا تحرم هذه الصغيرة بسبب الجمع ولكنها ابن منكوحة كانت له فان كان لم يدخل بها فلا تحرم عليه وان كان قد دخل بها تحرم ولا يجوز نكاح واحدة من الكبيرتين بعد ذلك بحال والأمر فى جواز نكاح الصغيرة الأولى على التفصيل الذى مر.
ولو كانت احدى الكبيرتين أرضعت الصغيرتين واحدة بعد الأخرى ثم أرضعت الكبيرة الأخرى الصغيرتين واحدة بعد الأخرى ينظر ان كانت الكبيرة الأخيرة بدأت بالتى بدأت بها الكبيرة الأولى بانت الكبيرتان والصغيرة الأولى والصغيرة الأخرى امرأته وان كانت بدأت بالتى لم تبدأ بها الأولى حرمن عليه
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 4 ص 11، 12 نفس الطبعة.
جميعا وانما كان ذلك لان الكبيرة الأولى لما أرضعت الصغيرة الأولى فقد صارت بنتها فحصل الجمع بين الأم وابنتها فحرمتا عليه فلما أرضعت الأخرى أرضعتها وهى أجنبية فلم يتحقق الجمع، لكن صارت الأخرى ربيبته فان كان لم يدخل بأمها لا تحرم وان كان قد دخل بها تحرم فلما جاءت الكبيرة الأخيرة فأرضعت الصغيرة الأولى فقد صارت أم منكوحته فحرمت عليه فلما أرضعت الصغيرة الأخرى فقد أرضعتها وهى أجنبية فصارت ربيبته فلا تحرم اذا كان لم يدخل بأمها وان كان قد دخل بأمها تحرم واذا كانت الكبيرة الأخيرة بدأت بالتى لم تبدأ بها الكبيرة الأولى فقد صارت بنتا لها فصار جامعها مع أمها فحرمتا عليه كما حرمت الكبيرة الأولى مع الصغيرة الأولى فحرمن جميعا. ولو كانت تحته صغيرة وكبيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة بانتا لأنهما صارتا أختين وكذا اذا أرضعت أخت الكبيرة الصغيرة لانها صارت بنت أخت امرأته والجمع بين المرأة وبين بنت أختها لا يجوز فى الرضاع كما لا يجوز فى النسب ولو أرضعتهما عمة الكبيرة أو خالتها لم تبن لانها صارت بنت عم امرأته أو بنت خالتها ويجوز للانسان ان يجمع بين امرأة وبين بنت عمتها أو بنت خالتها فى النسب فكذا فى الرضاع
(1)
.
ولو طلق رجل امرأته ثلاثا ثم أرضعت المطلقة قبل انقضاء عدتها امرأة صغيرة له بانت الصغيرة لانها صارت بنتا له فحصل الجمع فى حال العدة والجمع فى حال قيام العدة كالجمع فى حال قيام النكاح ولو زوج ابنه وهو صغير امرأة لها لبن فارتدت وبانت من الصبى ثم أسلمت فتزوجها رجل فحبلت منه ثم أرضعت بلبنها ذلك الصبى الذى كان زوجها حرمت على زوجها الثانى كذا روى بشر بن الوليد عن محمد لأن ذلك الصبى صار ابنا لزوجها فصارت هى منكوحة ابنه من الرضاع فحرمت عليه. ولو زوج رجل أم ولده مملوكا صغيرا فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها وعلى مولاها. لان الزوج صار ابنا لزوجها فصارت هى موطؤة أبيه فتحرم عليه - ولا يجوز للمولى أن يطأها بملك اليمين لأنها منكوحة ابنه ولو تزوج صغيرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه لأنها صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت
(2)
.
ويقول صاحب «بدائع الصنائع» أما بيان ما يثبت به الرضاع أى يظهر به فالرضاع يظهر فى أحد أمرين أحدهما الاقرار والثانى البينة أما الاقرار فهو ان يقول لامرأة تزوجها هى أختى من الرضاعة أو أمى من الرضاعة أو بنتى من الرضاعة ويثبت على ذلك ويصر عليه فيفرق بينهما. لأنه أقر ببطلان ما يملك ابطاله للحال فيصدق فيه على نفسه واذا صدق لا يحل له وطؤها والاستمتاع بها فلا يكون فى ابقاء النكاح فائدة فيفرق بينهما سواء صدقته أو كذبته لان الحرمة ثابتة فى زعمه ثم ان كان قبل الدخول بها فلها نصف المهر ان كذبته لان الزوج مصدق على نفسه لا عليها بابطال حقها فى المهر. وان كان بعد الدخول بها فلها كمال المهر والنفقة والسكنى
(1)
المصدر نفسه ح 4 ص 12، 13.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 4 ص 13، 14 نفس الطبعة.
لانه غير مصدق بابطال حقها فان أقر بذلك ثم قال أو همت أو أخطأت أو غلطت أو نسيت أو كذبت فهما على النكاح ولا يفرق بينهما عندنا ولنا أن الأقرار اخبار فقوله: هذه أختى اخبار منه انها لم تكن زوجته قط لكونها محرمة عليه على التأبيد فاذا قال أو همت صار كأنه قال ما تزوجتها ثم قال تزوجتها وصدقته المرأة، ولو قال ذلك يقران على النكاح كذا بخلاف الطلاق لان قوله كنت طلقتك ثلاثا اقرار منه بانشاء الطلاق الثلاث من جهته ولا يتحقق انشاء الطلاق الا بعد صحة النكاح فاذا أقر ثم رجع عنه لم يصدق وبخلاف قوله لأمته هذه أمى أو ابنتى لان ذلك لا يقتضى نفى الملك فى الأصل لأنها لو كانت أمه أو بنته حقيقة جاز دخولها فى ملكه حتى يقع العتق عليها من جهته فتضمن هذا اللفظ منه انشاء العتق عليها فاذا قال أوهمت لا يصدق كما لو قال هذه حرة ثم قال أوهمت وكذلك اذا أقر الزوج بهذا قبل النكاح فقال هذه أختى من الرضاع أو أمى أو ابنتى وأصر على ذلك ودوام عليه لا يجوز له ان يتزوجها ولو تزوجها يفرق بينهما. ولو قال أوهمت أو غلطت جاز له أن يتزوجها ولو جحد الاقرار فشهد شاهدان على اقراره فرق بينهما. وكذلك اذا أقر بالنسب فقال هذه أمى من النسب أو ابنتى أو أختى وليس لها نسب معروف وانها تصلح بنتا له أو أما له فانه يسأل مرة أخرى فان أصر على ذلك وثبت عليه يفرق بينهما لظهور النسب باقراره مع اصراره عليه وان قال أو همت أو أخطأت أو غلطت يصدق ولا يفرق بينهما. وان كان لها نسب معروف أو لا تصلح أما أو بنتا له، لا يفرق بينهما وان داوم على ذلك لأنه كاذب فى اقراره بيقين
(1)
وجاء فى كتاب الفتاوى الهندية ان محمدا ذكر فى كتاب النكاح اذا قال الرجل لامرأة هذه أمى من الرضاعة ثم أراد أن يتزوجها بعد ذلك فقال أخطأت فى ذلك فله أن يتزوجها استحسانا.
لأنه فى الرضاع ما أخبر عن فعل نفسه فى زمان يتذكره هو انما سمع من غيره والخطأ فيه ليس بنادر
(2)
وأما البينة فهو أن يشهد على الرضاع رجلان أو رجل وامرأتان ولا يقبل على الرضاع أقل من ذلك ولا شهادة النساء بانفرادهن لما روى محمد عن عكرمة بن خالد المخزومى عن عمر رضى الله عنه انه قال لا يقبل على الرضاع أقل من شاهدين وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يظهر النكير من أحد فيكون اجماعا ولان هذا باب مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد كالمال. وذلك لان الرضاع مما يطلع عليه الرجال أما ثدى الأمة فلانه يجوز للاجانب النظر اليه واما ثدى الحرة فيجوز لمحارمها النظر اليه فثبت أن هذه شهادة مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد لأن قبول شهادتهن بانفرادهن فى أصول الشرع بالضرورة وهى ضرورة عدم اطلاع الرجال على المشهود به فاذا جاز الاطلاع عليه فى الجملة لم تتحقق
(1)
المرجع نفسه ح 4 ص 14 نفس الطبعة.
(2)
الفتاوى العالمكيرية المعروف بالفتاوى الهندية ح 1 ص 276 الطبعة الثانية بالمطبعة الأميرية ببولاق سنة 1310 هـ بكتاب على هامشه فتاوى قاضى خان محمود الاوزجندى.
الضرورة بخلاف الولادة فانه لا يجوز لأحد فيها من الرجال الاطلاع عليها فدعت الضرورة الى القبول واذا شهدت امرأة على الرضاع فالأفضل للزوج أن يفارقها لما روى محمد أن عقبة بن الحرث قال تزوجت بنت أبى اهاب فجاءت سوداء فقالت انى أرضعتكما فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فارقها فقلت انها امرأة سوداء وانها كيت وكيت فقال صلى الله عليه وسلم كيف؟ وقد قيل فى بعض الروايات قال عقبة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض ثم ذكرتها فأعرض حتى قال فى الثالثة والرابعة فدعها اذن وقوله فارقها أو فدعها اذن ندب الى الأفضل والأولى لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفرق بينهما بل أعرض ولو كان التفريق واجبا لما أعرض فدل قوله صلى الله عليه وسلم فارقها على بقاء النكاح وروى أن رجلا تزوج امرأة فجاءت امرأة فزعمت انها أرضعتهما فسأل الرجل عليا رضى الله عنه فقال: هى امرأتك ليس أحد يحرمها عليك فان تنزهت فهو أفضل وسأل ابن عباس رضى الله عنهما فقال له مثل ذلك ولانه يحتمل ان تكون صادقة فى شهادتها فكان الاحتياط هو المفارقة فاذا فارقها فالأفضل له ان يعطيها نصف المهر ان كان قبل الدخول بها لاحتمال صحة النكاح لاحتمال كذبها فى الشهادة والأفضل لها ان تأخذ شيئا منه لاحتمال فساد النكاح لاحتمال صدقها فى الشهادة وان كان بعد الدخول فالأفضل للزوج أن يعطيها كمال المهر والنفقة والسكنى لاحتمال جواز النكاح والأفضل لها ان تأخذ الأقل من مهر مثلها ومن المسمى ولا تأخذ النفقة والسكنى لاحتمال الفساد وان لم يطلقها فهو فى سعة من المقام معها لان النكاح قائم فى الحكم. كذا اذا شهدت امرأتان أو رجل وامرأة أو رجلان غير عدلين أو رجل وامرأتان غير عدول واذا شهد رجلان عدلان أو رجل وامرأتان وفرق بينهما فان كان قبل الدخول بها فلا شئ لها لانه تبين ان النكاح كان فاسدا وان كان بعد الدخول بها يجب لها الأقل من المسمى ومن مهر المثل ولا تجب النفقة والسكنى فى سائر الأنكحة الفاسدة
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «حاشية الدسوقى والشرح الكبير» أن وصول لبن امرأة مرضعة الى جوف الطفل محرم ما حرمه النسب ان حصل فى الحولين من يوم الولادة أو بزيادة الشهرين عليهما الا ان يستغنى الصبى بالطعام عن اللبن ولو فى الحولين استغناء بينا بحيث لا يغنيه اللبن عن الطعام لو عاد اليه هذا هو المراد وسواء كان الاستغناء فيهما بمدة قريبة أو بعيدة خلافا لمن قال ببقاء التحريم الى تمامها وظاهره ان الرضاع اذا حصل بعد الشهرين والحولين لا يحرم ولو كان بعدهما بيوم واحد الا ان يستغنى بعد الفطام أما لو استمر الرضاع من غير فطام كان محرما فى مدته مطلقا ولو استغنى عنه بالطعام بالفعل فان استغنى بالطعام بعد الفطام كان غير محرم ولو كان الاستغناء فى حولين وسواء رضع فيهما بعد الاستغناء بمدة قريبة أو بعيدة على المشهور
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 4 ص 14.
15 نفس الطبعة.
لأن القرب والبعد انما يعتبران بين الاستغناء والعود للرضاع وحاصل النفقة كما فى التوضيح انه اذا حصل الرضاع فى الحولين فان لم يستغن بأن لم يفطم أصلا أو فطم ولكن أرضعته بعد فطامه بيوم أو يومين نشر الحرمة باتفاق وان استغنى فاما ان يحصل الرضاع بعد الاستغناء بمدة قريبة أو بعيدة فان كان بمدة بعيدة لم يعتبر وكذا ان كان بمدة قريبة على المشهور وهو مذهب المدونة فمذهبها أن الرضاع بعد الاستغناء لا يحرم سواء حصل بعد الاستغناء بمدة قريبة أو بعيدة ومقابلة لطرف وابن الماجشون وأصيغ فى «الواضحة» انه يحرم الى تمام الحولين ولو حصل بعد الاستغناء بمدة قريبة أو بعيدة.
ويحرم لبن المرأة وان كانت ميتة أى هذا اذا كانت تلك المرأة حية بل ولو كانت ميتة دب الطفل فرضعها أو حلب منها وعلم ان الذى بثديها لبن وكذا ان شك هل حولين أو غيره لانه أحوط وكذلك ان كانت صغيرة لا تطيق الوط ء وعجوزا فعدت عن الولادة أى فلبنها محرم ويحرم اللبن وان وصل الى جوف الصبى بوجور أو سعوط أو حقنة تكون غذاء وقت انصبابها وان احتاج بعد ذلك لغذاء بالقرب واما ما وصل من منفذ عال كالفم والانف فلا يشترط فيه أن يكون غذاء بل تحرم وان كانت مصة. ويحرم لبن المرأة اذا خلط بغيره من طعام أو شراب وكان غالبا أو مساويا لغيره لا مغلوبا بأن لم يبق له طعم أى لاستهلاكه فلا يحرم فلو خلط لبن امرأة بلبن أخرى صار ابنا لهما مطلقا تساويا أم لا. ولا ان كان كماء أصفر أو غيره مما ليس بلبن - ولبن البهيمة لا يحرم - ولا الاكتحال بلبن المرأة أو وصوله من أذن أو مسام الرأس
(1)
.
ويحرم لبن المرضعة ما حرمه النسب من الذوات فالمحرم من النسب سبع بقول الله سبحانه وتعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ .. }. الى آخر الآية»
(2)
ولم يصرح فى الآية بما حرمه الرضاع الا بالأم والأخت وقال عليه الصلاة والسلام «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فأمك من الرضاع من أرضعتك أو أرضعت من له عليك ولادة وأمهاتها وأختك من رضعت معك على امرأة وكل بنت ولدتها مرضعتك أو فحلها المنسوب له ذلك اللبن وبنتك كل من أرضعته زوجتك بلبنك أو أرضعتها بنتك من نسب. أو رضاع وأخوات الفحل عماتك وأخوات المرضع خالاتك وبنات الأخ من أرضعته زوجة أخيك بلبنه وبنات الأخت من أرضعته أختك ومثل النسب الصهر واستثنى العلماء من ذلك ست مسائل هى أم أخيك أو أم أختك فانها تحرم من النسب لانها اما أمك أو امرأة أبيك ولو أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لم تحرم عليك.
وأم ولد ولدك هى من النسب أما بنتك أو زوجة ابنك وكلتاهما حرام عليك. ولو
(1)
الشرح الكبير ح 2 ص 502 وما بعدها الى ص 504.
(2)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
أرضعت امرأة ولد ولدك لم تحرم عليك والا جدة ولدك هى أمك أو أم زوجتك ولو أرضعت أجنبية ولدك لم تحرم عليك أمها وأخت ولدك هى بنتك أو ربيبتك ولو أرضعت امرأة ولدك فلك نكاح أخته من الرضاع والا أم عمك وعمتك هى أما جدتك أو زوجة جدك ولو أرضعت أجنبية عمك أو عمتك لم تحرم عليك وأم خالك وخالاتك هى كالتى قبلها فقد لا يحرمن هذه الستة من الرضاعة وقد يحرمن لعارض كما لو رضعت بنت مع ولدك على زوجتك أو على أمك فصارت بنتك أو أختك وقدر الطفل الرضيع خاصة دون اخوته وأخواته أى ودون أصوله ولدا لصاحبة اللبن ولصاحبه زوج أو سيد فكأنه حصل من بطنها وظهره وأما فروع ذلك الطفل فانهم مثله فى حرمة المرضعة وأمهاتها وبناتها وعماتها وخالاتها ويعتبر الطفل الرضيع ولدا لصاحب اللبن من حين وطئه للمرضعة الذى أنزل فيه اللبن لانقطاعه ولو بعد سنين كثيرة ولو طلقها فأولاده من غيرها ما تقدم أو تأخر على الرضاع أخوة لذلك الطفل ولو تأيمت وفى ثديها لبن من الأول ووطئها ثان وأنزل اشترك الزوج الثانى مع الزوج القديم فى الولد الذى أرضعته بعد وط ء الثانى ولو كثرت الأزواج كان ابنا للجميع ما دام لبن الأول فى ثديها وثبتت الحرمة وصاحب اللبن، ولو حصل اللبن بحرام أى بسبب وط ء حرام لا يلحق الولد به كما اذا زنى بامرأة ذات لبن أو حدث من وطئه لبن فكل رضيع شرب من هذا اللبن يكون ابنا لصاحبه أو تزوج بمحرمه أو بخامسة عالما فأولى فى نشر الحرمة لو كان بحرام يلحق به الولد كما لو تزوج بما ذكر جاهلا على المشهور فما فى أكثر النسخ من قوله الا أن لا يلحق الولد به ضعيف أى لأن المشهور نشر الحرمة ولا يقال هذا معارض لما مر من انه لا يحرم بالزنا حلال لأن ما مر فى النكاح أى أن الزنا لا ينشر الحرمة بين أصول المزنى بها وفروعها وبين الزانى وما هنا فى نشر الحرمة بين المرتضع وبنات الرجل. وحرمت الزوجة على الزوج صاحب اللبن ان أرضعت بلبنه طفلا كان زوجا لها سابقا فصورتها تزوجت رضيعا بولاية أبيه ثم طلقها عليه لمصلحة فتزوجت بالغا وطئها فحدث لها لبن فأرضعت الطفل الذى كان زوجها فتحرم على الزوج لانها والحالة هذه زوجة ابنه من الرضاع فالبنوة طرأت بعد الوط ء كمرضعة مبانته أى كتحريم زوجة أرضعت رضيعة كان أبانها زوجها وصورتها تزوج برضيعة وطلقها وعنده زوجة كبيرة وطئها وبها لبن أرضعت تلك الرضيعة التى كان أبانها فان المرضعة تحرم على زوجها لانها صارت أم زوجته والعقد على البنات يحرم الامهات. وكذلك تحرم الزوجة على الزوج صاحب اللبن ان أرضعت مرتضع من مبانته واللبن من غيره ومعناه انه طلق زوجته المدخول بها فتزوجت بغيره وحدث لها لبن من الثانى فارضعت طفله فهذه الرضيعة تحرم على كل من كان طلقها لانها صارت بنت زوجته رضاعا فتقدير المصنف وكتحريم رضيعة مرتضعة من مطلقته. وان أرضعت امرأة تحل له بناتها ولم يكن تلذذ بها زوجتيه الرضيعتين اختار واحدة منهما وكذا لو كن أكثر لصيرورتهن اخوة من الرضاعة وان الأخيرة عقدا أو رضاعا وان كان الزوج قد بنى بالزوجة التى أرضعت
حرم الجميع المرضعة للعقد على الرضيعتين والعقد على البنات يحرم الامهات والرضيعتان للتلذذ بأمهما من الرضاع.
وأدبت المتعمدة بارضاعها من ذكر للافساد وفسخ نكاح الزوجين المكلفين المتصادقين على الرضاع باخوة أو غيرها ولو سفيهين قبل الدخول أو بعده كقيام بينة يثبت بها الرضاع على اقرار أحدهما به قبل العقد ولم يطلع على ذلك الا بعد العقد أقامها أحدهما أو غيرهما أو قامت احتسابا. ومفهوم الاقرار قبل العقد فيه تفصيل فان كان المقر بعده هو الزوج فكذلك وان كان الزوجة لم يفسخ لاتهامها على مفارقته ولم يتهم هو لان الطلاق بيده. ولها اذا فسخ المسمى الحلال والا فصداق المثل بالدخول سواء كانا عالمين بالرضاع حين العقد أو جهلا أو علم فقط الا أن تعلم فقط بالرضاع وأنكر العلم فكالغارة للزوج بانقضاء عدتها وتزوجت فيها عالمة بالحكم فلها ربع دينار بالدخول ولا شئ لها قبله. وان ادعى الزوج الرضاع بعد العقد وقبل البناء فأنكرت أخذ باقراره فيفسخ نكاحه ولها النصف لانه يتهم على انه أقر ليفسخ بلا شئ. وهذه احدى المسائل الثلاث المستثناة من القاعدة وهى ان كل عقد فسخ قبل الدخول فلا شئ فيه الا نكاح الدرهمين وفرقة المتلاعنين وفسخ المتراضعين وهى هذه.
وان ادعته بعد العقد وقبل البناء وبعده فانكر لم يندفع النكاح عنها بالفسخ لاتهامها على قصد فراقه ولا تقدر على طلب المهر قبل الدخول أى لا تمكن من طلب ذلك وان طلقت قبل الدخول فلا شئ لها لاقرارها بفساد العقد وظاهره ولو بالموت وهو ظاهر. واقرار الأبوين بالرضاع بين ولديهما الصغيرين مقبول قبل عقد النكاح فيفسخ أن وقع لا بعده فلا يقبل كاقرارهما برضاع ولديهما الكبيرين فهما بالنسبة للكبيرين كأجنبيين فلا بد من كونهما عدلين أو فشوا قبله كما يأتى وشمل قوله الأبوين أباه وأباها أو أبا أحدهما وأم الآخر ولا يشمل أمهما لدخول هذه فى قوله امرأتين وشبه فى القبول قبل النكاح لا بعده قوله كقول أبى أحدهما أى انه يقبل اقرار أحد الأبوين قبل النكاح لا بعده حيث كان ولده غير بالغ بأن يقول رضع ابنى مع فلانة أو بنتى مع فلان ولا شك أن هذه المسألة تغنى عما قبلها لفهمها من هذه بالأولى. واذا قبلا أو أحدهما - أى اذا قبل صغيرين أو اقرار أبوى أحدهما - قبل عقد النكاح وأراد النكاح بعد ذلك لا يقبل منه بعد ذلك أنه أراد الاعتذار بأن يقول انما فعلته لعدم ارادة النكاح. وان حصل عقد فسخ بخلاف قول أم أحدهما أرضعته أو أرضعتها مع ابنى مثلا واستمرت على اقرارها أو رجعت عنه اعتذارا بأن تقول أنا كنت كاذبة فى اقرارى برضاعها انما أردت منعه منها فالتنزه مستحب لا واجب وليست كالأب ولو كانت وصية لكن المعتمد انه أن فشا منها ذلك قبل ارادة النكاح وجب التنزه وقبل قولها وأولى كل منهما، ويثبت الرضاع برجل وامرأة أى مع امرأة وبامرأتين أن فشا ذلك منهما فى الصورتين أما فى الأولى فباتفاق واما فى الثانية فعلى قول ابن القاسم وهو المشهور ومقابله قول سحنون يثبت الرضاع بشهادة المرأتين فى عدم الفشو اذا كانتا عدلتين قبل العقد لا ان لم يفش ذلك منهما فلا يثبت وشمل كلامه الأب والأم فى
البالغين والأم مع امرأة أخرى فى البالغين كما يشمل أمهما اذا كانا صغيرين فلا يثبت الرضاع بشهادتهما الا اذا فشا ذلك منهما قبل العقد. وهل تشترط عدالة الرجل والمرأة وعدالة المرأتين مع الفشو أو لا تشترط الا مع عدمه، وأما معه فلا تشترط لقيام الفشو مقامها تردد والراجح لا تشترط. ويثبت الرضاع برجلين عدلين اتفاقا فشا أولا وغير العدلين لا يقبلان الا مع فشو قبله فالتردد ولا يثبت بامرأة أجنبية ولو فشا ذلك منها قبل العقد وندب التنزه مطلقا فى كل شهادة لا توجب فراقا كشهادة امرأة واحدة أو رجل واحد ولو عدلا أو امرأتين بلا فشو على أحد الترددين ومعنى التنزه عدم الاقدام على النكاح والطلاق ان حصل النكاح
(1)
.
ورضاع الكفر معتبر فلو أرضعت الكافرة صغيره مع ابنها أو صغيرا مع بنتها لم يحل لذلك الطفل نكاح الصغيرة ولا الكبيرة.
مذهب الشافعية:
جاء فى «المهذب» أنه اذا ثار للمرأة لبن على ولد فارتضع منها طفل له دون الحولين خمس رضعات متفرقات صار الطفل ولدا لها فى حكمين: فى تحريم النكاح وفى جواز الخلوة وأولاده أولادها وصارت المرأة أما له وأمهاتها جداته وأباؤها أجداده وأولادها اخوته وأخواته وأخواتها أخواله وخالاته. وان كان الولد ثابت النسب من رجل صار الطفل ولدا له وأولاده أولاده، وصار الرجل أبا له وأباؤه أجداده وأمهاته جداته وأولاده اخوته وأخوته وأخواته أعمامه وعماته والدليل عليه قول الله تبارك وتعالى:«وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ»
(2)
فنص على الامهات والأخوات فدل على ما سواه وروى ابن عباس رضى الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أريد على ابنة حمزة بن عبد المطلب فقال انها ابنة أخى من الرضاعة وأنه يحرم من الرضاع مثل ما يحرم من النسب» . وروت عائشة رضى الله عنها: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة» وروت عائشة رضى الله عنها:
«أن أفلح أخا أبى القيس استأذن عليها فأبت أن تأذن له فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أفلا أذنت لعمك؟» فقالت يا رسول الله: انما أرضعتنى المرأة ولم يرضعنى الرجل قال: «فأذنى له فانه عمك» وكان أبو القعيس زوج المرأة التى أرضعت عائشة رضى الله عنها ولان اللبن حدث للولد والولد ولدهما فكان المرضع باللبن ولدهما وتنتشر حرمة الرضاع من الولد الى أولاده وأولاد أولاده ذكورا كانوا أو اناثا ولا تنتشر الى أمهاته وآبائه واخوته وأخواته ولا يحرم على المرضعة أن تتزوج بأبى الطفل ولا بأخيه. ولا يحرم على زوج المرضعة التى ثار اللبن على ولده أن يتزوج بأم الطفل لا بأخته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «وحرمة النسب فى الولد تنتشر الى أولاده
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للشيخ محمد عرفة الدسوقى ح 2 ص 504 - 508 طبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى لحلبى وشركاه.
(2)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
ولا تنتشر الى أمهاته وآبائه ولا الى أخوته وأخواته فكذلك الرضاع ولا يثبت تحريم الرضاع فيما يرتضع بعد الحولين. لقول الله سبحانه وتعالى: «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ»
(1)
فجعل تمام الرضاع فى الحولين فدل على أنه لا حكم للرضاع بعد الحولين وروى يحيى بن سعيد أن رجلا قال لأبى موسى الأشعرى: أنى مصصت من ثدى امرأتى لبنا فذهب فى بطنى قال أبو موسى: لا أراه الا قد حرمت عليك.
فقال عبد الله بن مسعود: أنظر ما تفتى به الرجل فقال أبو موسى ما تقول أنت؟ فقال:
عبد الله: لا رضاع الا ما كان فى الحولين. قال أبو موسى لا تسألونى عن شئ مادام هذا الحبر بين أظهركم وعن ابن عباس رضى الله عنه قال: لا رضاع الا ما كان فى الحولين
(2)
.
ولا يثبت تحريم الرضاع بما دون خمس رضعات وقال أبو ثور يثبت بثلاث رضعات لما روت أم الفضل رضى الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحرم الا ملاجة ولا الا ملاجتان فدل أن الثلاث يحرمن والدليل على أنه لا يحرم مادون خمس الرضعات ماروت عائشة رضى الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخ بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ فى القرآن.
وحديث أم الفضل يدل على ان الثلاث يحرمن من جهة دليل الخطاب والنص يقوم على دليل الخطاب وهو ما رويناه ولا يثبت الا بخمس رضعات متفرقات لان الشرع ورد بها مطلقا فحمل على العرف والعرف فى الرضعات أن يرتضع ثم يقطعه باختياره من غير عارض ثم يعود اليه بعد زمان ثم يرتضع ثم يقطعه وعلى هذا الى أن يستوفى العدد كما أن العادة فى الأكلات أن تكون متفرقة فى أوقات فأما اذا قطع الرضاع لضيق نفس أو لشئ يلهيه ثم رجع اليه أو انتقل من ثدى الى ثدى كان الجميع رضعة، كما أن الآكل اذا قطعه لضيق نفس أو شرب ماء أو لانتقال من لون الى لون كان الجميع أكلة فان قطعت المرضعة عليه ففيه وجهان: أحدهما: أن ذلك ليس برضعة لأنه قطع عليه بغير اختياره والثانى أنه رضعة لأن الرضاع يصح بكل واحد منهما ولهذا لو أوجرته وهو نائم ثبت التحريم كما يثبت اذا ارتضع منها وهى نائمة فاذا تمت الرضعة بقطعة وجب أنه تم بقطعها فان أرضعته امرأة أربع رضعات ثم أرضعته امرأة أخرى أربع رضعات ثم عاد الى الأولى فارتضع منها وقطع وعاد الى الأخرى فى الحال فارتضع منها ففيه وجهان: أحدهما لا يتم عدد الخمس من واحدة منهما لانه انتقل من احداهما الى الأخرى قبل تمام الرضعة فلم تكن كل واحدة منهما رضعة كما لو انتقل من ثدى الى ثدى. والوجه الثانى: يتم العدد من كل واحدة منهما لأن الرضعة أن يرتضع القليل والكثير ثم يقطع ولا يعود الا بعد زمان طويل وقد وجد ذلك وان شكت المرضعة هل أرضعته أم لا؟ أو هل أرضعته خمس رضعات أو أربع رضعات لم يثبت التحريم كما لو شك الزوج.
هل طلق امرأته أم لا؟ وهل طلق ثلاثا أم طلقتين.
(1)
الآية رقم 33 من سورة البقرة.
(2)
المهذب لابى اسحق بن على بن يوسف الشيرازى ح 2 ص 155، 156
ويثبت التحريم بالوجور لأنه يصل اللبن الى حيث يصل بالارتضاع ويحصل به من انبات اللحم وانشاز العظم ما يحصل بالرضاع ويثبت بالسعوط لانه سبيل لفطر الصائم فكان سبيلا لتحريم الرضاع كالفم وهل يثبت بالحقنة؟. فيه قولان: القول الأول يثبت لما ذكرناه فى السعوط والقول الثانى - لا يثبت لأن الرضاع جعل لانبات اللحم وانشاز العظم والحقنة جعلت للاسهال فان ارتضع مرتين وأوجر مرة، وأسعط مرة وحقن مرة وقلنا ان الحقنة تحرم يثبت التحريم لانا جعلنا الجميع كالرضاع فى التحريم وكذلك فى اتمام العدد. وان حلبت المرضعة لبنا كثيرا فى دفعة واحدة وسقته فى خمس أوقات فالمنصوص أنها رضعة وقال الربيع فيه قول آخر أنه خمس رضعات. فمن أصحابنا من قال: هو من تخريج الربيع ومنهم من قال فيه قولان. أحدهما. أنه خمس رضعات لأنه يحصل به ما يحصل بخمس رضعات والقول الثانى انه رضعة وهو الصحيح لان الوجور فرع للرضاع ثم العدد فى الرضاع لا يحصل الا بما ينفصل خمس مرات فكذلك فى الوجور وان حلبت المرضعة خمس مرات وسقته دفعة واحدة ففيه طريقان: من أصحابنا من قال هو على قولين كالمسألة التى قبلها ومنهم من قال هو رضعة قولا واحدا لانه لم يشرب الا مرة وفى المسألة التى قبلها شرب خمس مرات وان حلبت خمس مرات وجعلتها فى اناء ثم فرقته وسقته خمس مرات ففيه طريقان:
من أصحابنا من قال يثبت التحريم قولا واحدا لانه تفرق فى الحلب والسقى ومنهم من قال هو على قولين لأن التفريق الذى حصل من جهة المرضعة قد بطل حكمه بالجمع فى اناء - وان جبن اللبن وأطعم الصبى حرم لانه يحصل به ما يحصل باللبن من انبات اللحم وانشاز العظم فان خلط اللبن بمائع أو جامد وأطعم الصبى حرم. وحكى عن المزنى انه قال: ان كان اللبن غالبا حرم وان كان مغلوبا لم يحرم لان من غلبة المخالطة يزول الاسم والمعنى الذى يراد به وهذا خطأ لان ما تعلق به التحريم اذا كان غالبا تعلق به اذا كان مغلوبا كالنجاسة فى الماء القليل - فان شرب لبن امرأة ميتة لم يحرم لانه معنى يوجب تحريما مؤبدا فبطل بالموت كالوط ء.
ولا يثبت التحريم بلبن البهيمة فان شرب طفلان من لبن شاة لم يثبت بينهما حرمة الرضاع لان التحريم بالشرع ولم يرد الشرع الا فى لبن الآدمية والبهيمة دون الآدمية فى الحرمة ولبنها دون لبن الآدمية فى اصلاح البدن فلم يلحق به فى التحريم ولأن الأخوة فرع على الأمومة فاذا لم يثبت بهذا الرضاع أمومة فلأن لا يثبت به الاخوة أولا ولا يثبت التحريم بلبن الرجل وقال الكرابيسى يثبت كما يثبت بلبن المرأة وهذا خطأ لان لبنه لم يجعل غذاء للمولود فلم يثبت به التحريم كلبن البهيمة. وان ثار للخنثى لبن فارتضع منه صبى فان علم انه رجل لم يحرم وان علم انه امرأة حرم فان أشكل فقال أبو اسحق ان قال النساء ان هذا اللبن لا يكون على غزارته الا لامرأة حكم بأنه امرأة وان لبنه يحرم. ومن أصحابنا من قال: لا يجعل اللبن دليلا لأنه قد يثور اللبن للرجل فعلى هذا يوقف أمر من يرضع بلبنه كما يوقف أمره.
فان ثار للبكر لبن أو لثيب لا زوج لها فأرضعت به طفلا ثبت بينهما حرمة الرضاع لان لبن النساء غذاء للأطفال. فان ثار للمرأة لبن على ولد من الزنا فأرضعت به طفلا ثبت بينهما حرمة الرضاع لأن الرضاع تابع للنسب ثم النسب يثبت بينه وبينها ولا يثبت بينه وبين الزانى فكذلك حرمة الرضاع
(1)
.
واذا ثار لها لبن على ولد من زوج فطلقها وتزوجت بآخر فاللبن للأول الى ان تحبل من الثانى وينتهى الى حال ينزل اللبن على الحبل فان أرضعت طفلا كان اللبن للأول زاد اللبن أو لم يزد انقطع ثم عاد أو لم ينقطع لأنه لم يوجد سبب يوجب حدوث اللبن غير الأول فان بلغ الحمل من الثانى الى حال ينزل فيه اللبن نظرت فان لم يزد اللبن فهو للأول فان أرضعت به طفلا كان ولدا للأول لأنه لم يتغير اللبن فان زاد فارتضع به طفل ففيه قولان.
قال فى القديم هو ابنها لان الظاهر ان الزيادة لأجل الحبل والمرضع به لبنهما فكان ابنهما. وقال:
فى الجديد هو ابن الأول لأن اللبن للأول يقين ويجوز أن تكون الزيادة لفضل الغذاء ويجوز أن تكون للحمل فلا يزال اليقين بالشك فان انقطع اللبن ثم عاد فى الوقت الذى ينزل اللبن على الحبل فارتضعت به طفلا ففيه ثلاثة أقوال القول الأول: أنه ابن الأول لأن اللبن خلق غذاء للولد دون الحمل والولد للأول فكان المرضع به ابنه والقول الثانى: انه من الثانى لأن لبن الأول انقطع فالظاهر انه حدث للحمل والحمل للثانى فكان المرضع باللبن ابنه والقول الثالث. انه ابنهما لان لكل واحد منهما امارة تدل على أن اللبن له فجعل المرضع باللبن ابنهما فان وضعت الحمل وأرضعت طفلا كان ابنا للثانى فى الأحوال كلها زاد اللبن أو لم يزد اتصل أو انقطع ثم عاد لان حاجة المولود الى اللبن تمنع أن يكون اللبن لغيره
(2)
.
وان وطئ رجلان امرأة وطأ يلحق به النسب فأتت بولد وأرضعت بلبنه طفلا كان الطفل ابنا لمن يلحقه نسب الولد لان اللبن تابع للولد فان مات الولد ولم يثبت نسبه بالقافة ولا بالانتساب الى أحدهما فان كان له ولد قام مقامه فى الانتساب فاذا انتسب الى أحدهما صار المرضع ولد من انتسب اليه. وان لم يكن له ولد ففى المرضع بلبنه قولان أحدهما انه ابنهما لان اللبن قد يكون من الوط ء وقد يكون من الولد والقول الثانى: أنه لا يكون ابنهما لان المرضع تابع للمناسب ولا يجوز أن يكون المناسب ابنا لاثنين فكذلك المرضع فعلى هذا هل يخير المرضع فى الانتساب الى أحدهما فيه قولان: القول الأول: لا يخير لانه لا يعرض على القافة فلا يخير بالانتساب والقول الثانى يخير لان الولد قد يأخذ الشبه بالرضاع فى الأخلاق ويميل بطبعه الى من ارتضع بلبنه، ولهذا روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أفصح العرب ولا فخر
(1)
المرجع السابق ح 2 ص 156، 157.
(2)
المهذب لأبى اسحق الشيرازى ح 2 ص 157، 158.
بيد انى من قريش ونشأت فى بنى سعد وارتضعت فى بنى زهرة». ولهذا يقال يحسن خلق الولد اذا حسن خلق المرضعة ويسوء خلقه اذا ساء خلقها فاذا قلنا انه يخير فانتسب الى أحدهما كان ابنه من الرضاعة فاذا قلنا لا يخير فهل له أن يتزوج بنتيهما؟ فى ذلك الأمر ثلاثة أوجه: الوجه الأول منها وهو الأصح أنه لا يحل له نكاح بنت واحد منهما لأنا وان جهلنا عين الأب منهما الا أنا نتحقق ان بنت أحدهما أخته وبنت الآخر أجنبية فلم يجز له نكاح واحدة منهما كما لو اختلطت أخته بأجنبية، والوجه الثانى منها أنه يجوز أن يتزوج بنت من شاء منهما فاذا تزوجها حرمت عليه الأخرى لأن الأصل فى بنت كل واحد منهما الاباحة وهو يشك فى تحريمها واليقين لا يزال بالشك فاذا تزوج احداهما تعينت الأخوة فى الأخرى فحرم نكاحها على التأبيد كما لو اشتبه ماء طاهر وماء نجس فتوضأ بأحدهما بالاجتهاد فان النجاسة تتيقن فى الآخر. ولا يجوز أن يتوضأ به - والوجه الثالث منها انه يجوز أن يتزوج بنت كل واحد منهما ثم يطلقها ثم يتزوج الأخرى لأن الحظر لا يتعين فى واحدة منهما كما يجوز أن يصلى بالاجتهاد الى جهة أخرى ويحرم أن يجمع بينهما لان الحظر يتعين فى الجميع فصار كرجلين رأيا طائرا فقال أحدهما ان كان هذا الطائر غرابا فعبدى حر وقال الآخران لم يكن غرابا فعبدى حر فطار ولا يعلم انه غراب أو غيره، فانه يعتق على واحد منهما لانفراده بملك مشكوك فيه وان اجتمع العبدان لواحد عتق أحدهما لاجتماعهما فى ملكه.
وان أتت امرأته بولد ونفاه باللعان فأرضعت بلبنه طفلا كان الطفل ابنا للمرأة ولا يكون ابنا للزوج لان الطفل تابع للولد والولد ثابت النسب من المرأة دون الزوج فكذلك الطفل فان أقر بالولد صار الطفل ابنا له لانه تابع للولد وان كان لرجل خمس أمهات أولاد فثار لهن منه لبن فارتضع صبى من كل واحدة منهن رضعة ففيه وجهان.
الوجه الأول منهما: وهو قول أبى العباس ابن سريج وأبى القاسم الانماطى وأبى بكر بن الحداد المصرى انه لا يصير المولى أبا للصبى لأنه ارضاع لم يثبت به الأمومة فلم تثبت به الابوة. الوجه الثانى منهما: وهو قول أبى اسحق وأبى العباس ابن القاص أنه يصير المولى أبا للصبى وهو الصحيح لانه ارتضع من لبنه خمس رضعات فصار ابنا له وان كان لرجل خمس أخوات فارتضع طفل من كل واحدة منهن رضعة فهل يصير خالا له.
الحكم على الوجهين السابقين وان كان لرجل زوجة صغيرة فشربت من لبن أمه خمس رضعات انفسخ بينهما النكاح لأنها صارت أخته. وان كانت له زوجة كبيرة وزوجة صغيرة فارضعت الكبيرة الصغيرة خمس رضعات انفسخ نكاحهما لانه لا يجوز أن يكون عنده امرأة وابنتها فان كان له زوجتان صغيرتان فجاءت امرأة فأرضعت احداهما خمس رضعات ثم أرضعت الأخرى خمس رضعات ففيه قولان.
القول الأول: ينفسخ نكاحهما وهو اختيار المزنى لانهما صارتا أختين فانفسخ نكاحهما كما لو أرضعتهما فى وقت واحد.
القول الثانى: انه ينفسخ نكاح الثانية لأن سبب الفسخ حصل بالثانية فاختص نكاحها
بالبطلان كما لو تزوج احدى الأختين بعد الأخرى
(1)
.
ومن أفسد نكاح امرأة بالرضاع فالمنصوص أنه يلزمه نصف مهر المثل ونص فى الشاهدين بالطلاق اذا رجعا على قولين.
القول الأول: يلزمها مهر المثل.
القول الثانى: يلزمهما نصف مهر المثل واختلف أصحابنا فيه فنقل أبو سعيد الاسطخرى جوابه من احدى المسألتين الى الأخرى وجعلهما على قولين.
القول الأول: يجب المثل لانه أتلف البضع فوجب ضمان جميعه.
القول الثانى: يجب نصف مهر المثل لانه لم يغرم للصغيرة الا نصف بدل البضع فلم يجب له أكثر من نصف بدله.
وقال أبو اسحق يجب فى الرضاع نصف المهر وفى الشهادة يجب الجميع والفرق بينهما ان فى الرضاع وقعت الفرقة ظاهرا وباطنا.
وتلف البضع عليه وقد رجع اليه بدل النصف فوجب له بدل النصف وفى الشهادة لم يتلف البضع فى الحقيقة وانما حيل بينه وبين ملكه فوجب ضمان جميعه والصحيح طريقة أبى اسحق وعليه التفريع وان كان لرجل زوجة صغيرة فجاء خمسة أنفس وأرضع كل واحد منهم الصغيرة من لبن أم الزوج أو أخته رضعة وجب على كل واحد منهم خمس نصف المهر لتساويهم فى الاتلاف وان كانوا ثلاثة فأرضعها أحدهم رضعة وأرضعها كل واحد من الآخرين رضعتين ففيه وجهان الوجه الأول. انه يجب على كل واحد منهم ثلث النصف لان كل واحد منهم وجد فيه سبب الاتلاف فتساووا فى الضمان كما لو طرح رجل فى خل قدر دانق من نجاسة وآخر قدر درهم.
الوجه الثانى: يقسط على عدد الرضعات فيجب على من أرضع رضعة الخمس من نصف المهر وعلى كل واحد من الآخرين الخمسان لان الفسخ حصل بعدد الرضعات فيقسط الضمان عليه واذا ارتضعت الصغيرة من أم زوجها خمس رضعات والأم نائمة سقط مهرها لان الفرقة قد حصلت بفعلها. فسقط مهرها ولا يرجع الزوج عليها بمهر مثلها ولا بنصفه لأن الاتلاف من جهة العاقد قبل التسليم لا يوجب غير المسمى فان ارتضعت من أم الزوج رضعتين والأم نائمة وأرضعتها الأم تمام الخمس والزوجة نائمة ففيه وجهان.
الوجه الأول: أنه يسقط من نصف المسمى نصفه وهو الربع ويجب الربع.
الوجه الثانى: يقسط على عدد الرضعات فيسقط من نصف المسمى خمسان ويجب ثلاثة أخماسه ووجهها ما ذكرناه فى المسألة التى قبلها
(2)
.
وقد جاء فى كتاب «الأم» للامام الشافعى أنه تجوز شهادة النساء فى الرضاع كما تجوز شهادتهن فى الولادة ولو رأى ذلك رجلان عدلان أو رجل وامرأتان جازت شهادتهم فى
(1)
المهذب لاسحق الشيرازى ح 2 ص 158.
(2)
المرجع السابق ح 2 ص 158، 159.
ذلك ولا تجوز شهادة النساء فى الموضع الذى ينفردان فيه الا أن يكن حرائر عدولا بوالغ ويكن أربعا لان الله عز وجل اذا أجاز شهادتهن فى الدين جعل امرأتين تقومان مقام رجل بعينه فاذا شهد أربع نسوة ان امرأة أرضعت امرأة خمس رضعات وأرضعت زوجها خمسا أو أقر زوجها بأنها أرضعته خمسا فرق بينهما فان أصابها فلها مهر مثلها وان لم يصبها فلا نصف مهر لها ولا متعة. وكذلك ان كان فى النسوة أخوات المرأة وعماتها وخالاتها لانها لا يرد لها الا شهادة ولد أو والد وان كانت المرأة تنكر الرضاع فكانت فيهن ابنتها وأمها جزن عليها، أنكره الزوج أو ادعاه وان كانت المرأة تنكر الرضاع والزوج ينكر أو لا ينكر فلا يجوز فيه أمها ولا أمهاتها ولا ابنتها ولا بناتها وسواء هذا قبل عقدة النكاح وبعد عقدته قبل الدخول وبعده لا يختلف لا يفرق فيه بين المرأة والزوج الا بشهادة أربع ممن تجوز شهادته عليه ليس فيهن عدد للمشهود عليه أو غير عدل ويجوز فى ذلك شهادة التى أرضعت لانه ليس لها فى ذلك ولا عليها شئ ترد به شهادتها وكذلك تجوز شهادة ولدها وأمهاتها ويوقفن حتى يشهدن ان قد أرضع المولود خمس رضعات تخلص كلهن الى جوفه أو يخلص من كل واحدة منهن شئ الى جوفه وتسعهن الشهادة على هذه لانه لا يستدرك فى الشهادة فيه أبدا أكثر من رؤيتهن الرضاع وعلمهن وصوله بما يرين من ظاهر الرضاع قال الشافعى: واذا لم يكمل فى الرضاع شهادة أربع نسوة أحببت له فراقها وان كان نكحها وترك نكاحها ان لم يكن نكحها للورع فانه ان يدع ماله نكاحه خير من أن ينكح ما حرم عليه ولو نكحها لم أفرق بينهما الا بما أقطع به الشهادة على الرضاع فقد أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرنى ابن أبى مليكة أن عقبة بن الحرث أخبره انه نكح أم يحيى بنت أبى اهاب فقالت أمه سوداء قد أرضعتكما قال فجئت الى النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض فتنحيت فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت انها أرضعتكما قال الشافعى اعراضه صلى الله عليه وسلم يشبه ان يكون لم ير هذا شهادة تلزمه وقوله وكيف وقد زعمت انها أرضعتكما يشبه أن يكون كره له ان يقيم معها وقد قيل انها أخته من الرضاعة وهذا معنى ما قلنا من أن يتركها ورعا لا حكما
(1)
واذا أقر رجل أن أمرأة أمه من الرضاعة أو ابنته من الرضاعة ولم ينكح واحدة منهما وقد ولدت المرأة التى يزعم انها أمه وكان لبن يعرف للمرضع مثله وكان لها سن يحتمل ان يرضع مثلها مثله لو ولد له وكانت له سن تحتمل ان ترضع امرأته أو أمته التى ولدت منه مثل الذى أقر انها ابنته لم تحلل له واحدة منهما ابدا فى الحكم ولا من بناتهما ولو قال مكانه غلطت أو وهمت لم يقبل منه لأنه قد أقر أنهما ذواتا محرم منه قيل يلزمه لهما أو يلزمهما له شئ وكذلك لو كانت هى المقرة بذلك وهو يكذبها ثم قالت غلطت لانها أقرت به فى حال لا يدفع بها عن نفسه ولا يجر اليها ولا تلزمه ولا نفسها باقرارها شيئا ولو كانت المسألة بحالها غير أن لم تلد التى أقر أنها أرضعته
(1)
الأم للامام الشافعى ح 5 ص 29، 30 طبعة دار الشعب سنة 1388 هـ - 1968 م.
أو ولدت وهى أصغر مولودا منه فكان مثلها لا يرضع لمثله بحال أو كانت التى ذكر أنها ابنته من الرضاعة مثله فى السن أو أكبر منه أو قريبا منه لا يحتمل مثله أن تكون ابنته من الرضاعة كان قوله وقولها فى هذه الأحوال باطلا ولم يحرم عليه ان ينكح واحدة منهما ولا ولدا لها انما تقبل دعواه ويلزمه اقراره فيما يمكن مثله وسواء فى ذلك كذبته المرأة أو صدقته أو كانت المدعية دونه ولو كانت المسألة فى دعواها بحالها فقال هذه أختى من الرضاعة أو قالت هذا أخى من الرضاعة قبل أن يتزوجها وكذبته أو صدقته أو كذبها فى الدعوى أو صدقها كان سواء كله ولا يحل لواحد منهما أن ينكح الآخر ولا واحدا من ولده فى الحكم ويحل فيما بينه وبين الله تعالى ان علما أنهما كاذبان ان يتناكحا أو ولدهما ولو أقر انها أخته من الرضاعة من امرأة لم يسمها قبل ذلك منه ولم ينظر الى سنه وسنها لانه قد يكون أكبر منها وتعيش التى أرضعته حتى ترضعها بلبن ولد غير الولد الذى أرضعته به وكذلك ان كانت أكبر منه وان سمى امرأة أرضعته فقال أرضعتنى واياها فلانة فكان لا يمكن بحال ان ترضعه أولا يمكن بحال أن ترضعها لتفاوت السنين أو موت التى زعم انها أرضعتهما قبل أن يولد أحدهما كان اقراره باطلا انما يلزمه اقراره واقرارها فيما يمكن مثله ولا يلزمهما فيما لا يمكن مثله اذا كان اقرارهما لا يلزم واحدا منهما لصاحبه شيئا قال الشافعى ولو كان ملك عقدة نكاحها ولم يدخل بها حتى أقر انها ابنته أو أخته أو أمه وذلك يمكن. فيها وفيه، سألتها فان صدقته فرقت بينهما ولم أجعل لها مهرا ولا متعة وان كذبته أو كانت صبية فأكذبه أبوها أو أقر بدعواه فسواء لانه ليس له ان يبطل حقها وفرق بينهما بكل حال وأجعل لها عليه نصف المهر الذى سمى لها لأنه انما أقر بأنها محرم منه بعد ما لزمه لها المهر ان دخل ونصفه ان طلق قبل أن يدخل فأقبل اقراره فيما يفسده على نفسه وأرده فيما يطرح به حقها الذى يلزمه وأن أراد احلافها وكانت بالغة أحلفتها له ما هى أخته من الرضاعة فان حلفت كان لها نصف المهر وان نكلت حلف على انها أخته من الرضاعة وسقط عنه نصف المهر، وان نكل لزمه نصف المهر وان كانت صبية أو معتوهة فلا يمين عليها وآخذه لها بنصف المهر الذى سمى فان كبرت الصبية أحلفتها له ان شاء ولو كان لم يفرض لها وكانت صبية أو محجورا عليها كان لها نصف صداق مثلها لانه ليس لوليها أن يزوجها بغير صداق وان كانت بالغة غير محجور عليها فزوجت برضاها بلا مهر فلا مهر لها ولا متعة ولو كانت هى المدعية لذلك أفتيته بأن يتقى الله عز وجل ويدع نكاحها بتطليقة يوقعها عليها لتحل بها لغيره ان كانت كاذبة ولا يضره ان كانت صادقة ولا أجبره فى الحكم على ان يطلقها لانه لزمها نكاحه فلا أصدقها على افساده وأحلفه لها على دعواها ما هى اخته من الرضاعة فان حلف أثبت النكاح وان نكل أحلفتها فان حلفت فسخت النكاح ولا شئ لها وان لم تحلف فهى امرأته بحالها وهذا اذا لم يقم واحد منهما أربع نسوة ولا رجلين ولا رجلا وامرأتين على ما ادعى فان أقاما على ذلك من تجوز شهادته فلا أيمان
بينهما والنكاح مفسوخ اذا شهد النسوة على الرضاع أو الرجال. فان شهد على اقرار الرجل والمرأة بالرضاع أربع نسوة لم تجز شهادتهن لان هذا مما يشهد عليه الرجال وانما تجوز شهادة النساء منفردات فيما لا ينبغى للرجال ان يتعمدوا النظر اليه لغير شهادة. وان كان هذا بعد اصابته اياها وكان هو المقر فان كذبته فلها المهر الذى سمى لها وان صدقته فلها مهر مثلها كان أكثر أو أقل من المهر الذى سمى لها وان كانت هى المدعية أنها أخته لم تصدق الا أن يصدقها فيكون لها مهر مثلها.
وان نزل للرجل من ثديه لبن فأرضع به مولودة يكره له نكاحها ولولده فان نكحها يرى الشافعى انه لا ينفسخ لان الله سبحانه وتعالى ذكر رضاع الوالدات - والوالدات اناث والوالدون غير الوالدات وذكر الوالد بأن عليه مؤنة الرضاع. فقال عز وجل «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» فلم يجز أن يكون حكم الآباء حكم الأمهات ولا حكم الأمهات حكم الآباء وقد فرق الله عز وجل بين أحكامهم
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كتاب «المغنى» ان الأصل فى التحريم بالرضاع الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ»
(2)
ذكرهم الله سبحانه وتعالى فى جملة المحرمات. أما السنة فما روت عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «ان الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة» متفق عليه. وفى لفظ «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» رواه النسائى وعن ابن عباس رضى الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بنت حمزة «لا تحل لى يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وهى ابنة أخى من الرضاع» متفق عليه فى أخبار كثيرة وأجمع علماء الأمة على التحريم بالرضاع اذا ثبت هذا فان تحريم الأم والأخت ثبت بنص الكتاب وتحريم البنت ثبت بالتنبيه فانه اذا حرمت الأخت فالبنت أولى وسائر المحرمات ثبت تحريمهن فى السنة وتثبيت المحرمية لأنها فرع على التحريم اذا كان بسبب مباح أما بقية أحكام النسب من النفقة والعتق ورد الشهادة وغير ذلك فلا يتعلق به لأن النسب أقوى منه فلا يقاس عليه فى جميع أحكامه وانما يشبه به فيما نص عليه فيه
(3)
.
والرضاع الذى لا يشك فى تحريمه أن يكون خمس رضعات فصاعدا وفى هذه المسألة مسألتان أحدهما أن الذى يتعلق به التحريم خمس رضعات فصاعدا هذا الصحيح فى المذهب وروى هذا عن عائشة وابن مسعود وابن الزبير وعطاء وطاووس وهو قول الشافعى وعن أحمد رواية ثانية هى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم
(4)
.
واذا وقع الشك فى وجود الرضاع أو فى
(1)
الأم للامام الشافعى ح 5 ص 30، 31 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
(3)
المغنى ح 9 ص 191، 192.
(4)
نفس المرجع ح 9 ص 192.
عدم الرضاع المحرم هل كمل أولا لم يثبت التحريم لان الأصل عدمه فلا نزول عن اليقين بالشك - والمسألة الثانية ان تكون الرضعات متفرقات والمرجع فى معرفة الرضعة الى العرف لان الشرع ورد بها مطلقا ولم يحدها بزمن ولا مقدار أدل ذلك على انه ردهم الى العرف فاذا ارتضع الصبى وقطع قطعا بينا باختياره كان ذلك رضعة فاذا عاد كانت رضعة أخرى فأما ان قطع لضيق نفس أو للانتقال من ثدى الى ثدى أو لشئ يلهيه أو قطعت عليه المرضعة نظرنا فان لم يعد قريبا فهى رضعة وان عاد فى الحال ففيه وجهان أحدهما ان الأولى رضعة فاذا عاد فهى رضعة أخرى وهذا اختيار أبى بكر رحمه الله وظاهر كلام أحمد فى رواية حنبل فانه قال: أما ترى الصبى يرتضع من الثدى فاذا أدركه النفس أمسك عن الثدى ليتنفس أو يستريح فاذا فعل ذلك فهى رضعة. وذلك لان الأولى رضعة لو لم يعد فكانت رضعة وان عاد كما لو قطع باختياره والوجه الآخر: ان ذلك رضعة الا فيما اذا قطعت عليه المرضعة ففيه وجهان لانه لو حلف لا أكلت اليوم الا أكلة واحدة فاستدام الأكل زمنا أو قطع لشرب الماء أو انتقال من لون الى لون أو انتظار لما يحمل اليه من الطعام لم يعد الا أكلة واحدة فكذا ههنا.
والأول أصح لان اليسير من السعوط والوجور رضعة، فكذا هذا
(1)
. والسعوط كالرضاع وكذا الوجور، ومعنى السعوط أن يصب اللبن فى أنفه من اناء أو غيره والوجور ان يصب فى حلقه صبا من غير الثدى واختلفت الرواية فى التحريم بهما فاصح الروايتين ان التحريم يثبت بذلك كما يثبت بالرضاع لما روى ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم «لا رضاع الا ما أنشز العظم وأنبت اللحم» رواه أبو داود ولأن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع ويحصل به من انبات اللحم وانشاز العظم ما يحصل من الارتضاع فيجب أن يساويه فى التحريم.
والأنف سبيل الفطر للصائم فكان سبيلا للتحريم كالرضاع بالفعل. وانما من السعوط والوجور مثل الذى يحرم بالرضاع وهو خمس فى الرواية المشهورة فانه فرع على الرضاع فيأخذ حكمه. فان ارتضع وكمل الخمس بسعوط أو وجور أو استسعط أو أوجر وكمل الخمس برضاع ثبت التحريم لانا جعلناه كالرضاع فى أصل التحريم فكذلك فى اكمال العدد.
ولو حلبت فى اناء دفعة واحدة ثم سقته غلاما فى خمسة أوقات فهو خمس رضعات فانه لو أكل من طعام خمس أكلات متفرقات لكان قد أكل خمس أكلات. وان حلبت فى اناء حلبات فى خمسة أوقات ثم سقته دفعة واحدة كان رضعة واحدة كما لو جعل الطعام فى اناء واحد فى خمسة أوقات ثم أكله دفعة واحدة كان أكلة واحدة والاعتبار بشرب الصبى له لأنه المحرم ولهذا ثبت التحريم به من غير رضاع.
ولو ارتضع بحيث يصل الى فيه ثم مجه لم يثبت التحريم فكان الاعتبار به وما وجد منه الا دفعة واحدة فكان رضعة واحدة وان سقته فى أوقات فقد وجد فى خمسة أوقات فكان خمس رضعات، فأما ان
(1)
نفس المرجع ح 9 ص 193، 194.
سقته اللبن المجموع جرعة بعد جرعة متتابعة فظاهر قول الخرقى أنه رضعة واحدة لا اعتباره خمس رضعات متفرقات ولأن المرجع فى الرضعة الى العرف وهم لا يعدون هذا رضعات فأشبه ما لو أكل الطعام لقمة بعد لقمة فانه لا يعد أكلات، ويحتمل أن يخرج على ما اذا قطعت عليه المرضعة الرضاع
(1)
وان عمل اللبن جبنا ثم أطعمه الصبى ثبت به التحريم لأنه واصل الحلق يحصل به انبات اللحم وانشاز العظم فحصل به التحريم كما لو شربه
(2)
فأما الحقنة فقال أبو الخطاب المنصوص عن أحمد أنها لا تحرم لأن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذى فلم ينشر الحرمة كما لو قطر فى احليله ولأنه ليس برضاع ولا فى معناه فلم يجز اثبات حكمه فيه ويفارق فطر الصائم فانه لا يعتبر فيه انبات اللحم ولا انشاز العظم وهذا لا يحرم فيه الا ما أنبت اللحم وأنشز العظم ولأنه وصل اللبن الى الباطن من غير الحلق أشبه ما لو وصل من جرح
(3)
واللبن المشوب كالمحض، والمشوب هو المختلط بغيره والمحض هو الخالص الذى لا يخالطه سواه، وسوى الخرقى بينهما سواء شيب بطعام أو شراب أو غيره. وقال أبو بكر قياس قول أحمد أنه لا يحرم لأنه وجور.
وحكى عن ابن حامد قال: ان كان الغالب اللبن حرم والا فلا، لأن الحكم للاغلب ولأنه يزول بذلك الاسم والمعنى المراد به. ووجه الأول أن اللبن متى كان ظاهرا فقد حصل شربه ويحصل منه انبات اللحم وانشاز العظم فحرم كما لو كان غالبا وهذا فيما اذا كانت صفات اللبن باقية فأما ان صب فى ماء كثير لم يتغير به لم يثبت به التحريم لأن هذا ليس بلبن مشوب ولا يحصل به التغذى ولا انبات اللحم ولا انشاز العظم لأن هذا ليس برضاع ولا فى معناه فوجب أن لا يثبت حكمه
(4)
.
وان حلب من نسوة وسقيه الصبى فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن لأنه لو شيب بماء أو عسل لم يخرج عن كونه رضاعا محرما فكذلك اذا شيب بلبن آخر.
(5)
ويحرم لبن الميتة كما يحرم لبن الحية لأن اللبن لا يموت، والمنصوص عن أحمد فى رواية ابراهيم الحربى أنه ينشر الحرمة لأنه وجد الارتضاع على وجه ينبت اللحم وينشز العظم من امرأة فأثبت التحريم كما لو كانت حية ولأنه لا فارق بين شربه فى حياتها وموتها الا الحياة والموت أو النجاسة وهذا لا أثر له فان اللبن لا يموت، والنجاسة لا تمنع كما لو حلب فى وعاء نجس، ولأنه لو حلب منها فى حياتها فشربه بعد موتها لنشر الحرمة، وبقاؤه فى ثديها لا يمنع ثبوت الحرمة لأن ثديها لا يزيد على الاناء فى عدم الحياء وهى لا تزيد على عظم الميتة فى ثبوت النجاسة. ولو حلبت المرأة لبنها فى اناء ثم ماتت فشربه صبى نشر الحرمة فى قول كل من جعل الوجور محرما وذلك لأنه لبن امرأة فى حياتها فأشبه فيما لو شربه فى الحياة
(6)
.
(1)
المغنى لابن قدامة ح 9 ص 196 الطبعة السابقة.
(2)
نفس المرجع ح 9 ص 196 نفس الطبعة.
(3)
المغنى لابن قدامة ح 9 ص 197 الطبعة السابقة.
(4)
نفس المرجع ح 9 ص 197، 198 نفس الطبعة.
(5)
نفس المرجع ح 9 ص 198 نفس الطبعة.
(6)
نفس المرجع ح 9 ص 199 نفس الطبعة.
واذا حبلت ممن يلحق نسب ولدها به فثاب لها لبن فأرضعت به طفلا خمس رضعات متفرقات فى حولين حرمت عليه وبناتها من أبى هذا الحمل ومن غيره وبنات أبى هذا الحمل منها ومن غيرها وان أرضعت صبية فقد صارت ابنة لها ولزوجها لان اللبن من الحمل الذى هو منه. وجملة ذلك أن المرأة اذا حملت من رجل وثاب لها لبن فأرضعت به طفلا رضاعا محرما صار الطفل المرتضع ابنا للمرضعة وصار أيضا ابنا لمن ينسب الحمل اليه فصار فى التحريم واباحة الخلوة ابنا لهما وأولاده من البنين والبنات أولاد أولادهما وان نزلت درجتهم وجميع أولاد المرضعة من زوجها ومن غيره وجميع أولاد الرجل الذى انتسب الحمل اليه من المرضعة ومن غيرها اخوة المرتضع وأخواته وأولاد أولادها أولاد اخوته وأخواته وان نزلت درجتهم وأم المرضعة جدته وأبوه جده واخوتها أخواله واخواتها خالاته وأبو الرجل جده وأمه جدته واخوته أعمامه وأخواته عماته وجميع أقاربهما ينتسبون الى المرتضع كما ينتسبون الى ولدهما من النسب لأن اللبن الذى ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة فنشر التحريم اليهما ونشر الحرمة الى الرجل والى أقاربه وهو الذى يسمى لبن الفحل. والحجة القاطعة فيه ما روت عائشة أن أفلح أخا أبى القعيس استأذن على بعد ما أنزل الحجاب فقلت والله لا آذن له حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان أخا أبا القعيس ليس هو الذى أرضعنى ولكن أرضعتنى امرأة أبى القعيس فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ان الرجل ليس هو الذى أرضعنى ولكن أرضعتنى امرأته قال: «ائذنى له فانه عمك تربت يمينك» قال عروة فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول: حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب متفق عليه
(1)
وسئل ابن عباس رضى الله عنهما عن رجل تزوج امرأتين فأرضعت أحدهما جارية والأخرى غلاما هل يتزوج الغلام بالجارية قال لا: اللقاح واحد.
فأما المرتضع فان الحرمة تنتشر اليه والى أولاده وان نزلوا ولا تنتشر الى من فى درجته من اخوته وأخواته ولا الى أعلى منه كأبيه وأمه وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته وأجداده وجداته فلا يحرم على المرضعة نكاح أب الطفل المرتضع ولا أخيه ولا عمه ولا خاله ولا يحرم على زوجها نكاح أم الطفل المرتضع ولا اخته ولا عمته ولا خالته ولا بأس أن يتزوج أولاد المرضعة وأولاد زوجها اخوة الطفل المرتضع وأخواته قال أحمد: لا بأس أن يتزوج الرجل أخت أخته من الرضاع ليس بينهما رضاع ولا نسب وانما الرضاع ليس بينهما رضاع ولا نسب وانما الرضاع بين الجارية وأخته
(2)
اذا ثبت هذا فان شرط تحريم الرضاع أن يكون فى الحولين لقول الله سبحانه وتعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ»
(3)
فجعل تمام ارضاعة حولين فيدل على أنه لا حكم له بعدهما وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فتغير وجه النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: انه أخى
(1)
المغنى ح 9 ص 199، 200 نفس الطبعة.
(2)
نفس المرجع ص 201 نفس الطبعة.
(3)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
من الرضاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنظرن من اخواتكن فانما الرضاعة من المجاعة» متفق عليه وعن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام» أخرجه الترمذى وقال حديث حسن صحيح وروى عنه عليه الصلاة والسلام «لا رضاع الا ما كان فى الحولين» والفطام معتبر بمدته لا بنفسه قال أبو الحطاب لو ارتضع بعد الحولين بساعة لم يحرم وقال القاضى «لو شرع فى الخامسة فحال الحول قبل كمالها لم يثبت التحريم ولا يصح هذا لأن ما وجد من الرضعة فى الحولين كاف فى التحريم بدليل ما لو انفصل مما بعده فلا ينبغى أن يسقط حكم بايصال مالا أثر له به واشترط الخرقى نشر الحرمة بين المرتضع وبين الرجل الذى ثاب اللبن بوطئه ان يكون لبن حمل ينتسب الى الواطئ اما لكون الوط ء فى نكاح أو ملك يمين أو شبهة فأما لبن الزانى أو النافى للولد باللعان فلا ينشر الحرمة بينهما فى مفهوم كلام الخرقى وقال أبو بكر عبد العزيز: تنتشر الحرمة بينهما لأنه معنى ينشر الحرمة فاستوى بذلك فى مباحه ومحظوره كالوط ء يحققه أن الواطئ حصل منه لبن وولد ثم ان الولد ينشر الحرمة بينه وبين الواطئ كذلك اللبن ولأنه رضاع ينشر الحرمة الى المرضعة فنشرها الى الواطئ كصورة الاجماع. ووجه القول الأول أن التحريم بينهما فرع لحرمة الأبوة فلما لم يثبت حرمة الأبوة لم يثبت ما هو فرع لها ويفارق تحريم ابنته من الزنا لانها من نطفته حقيقة بخلاف مسألتنا ويفارق تحريم المصاهرة فان التحريم ثم لا يقف على ثبوت النسب، ولهذا تحرم أم زوجته وابنتها من غير نسب. وتحريم الرضاع مبنى على النسب ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» .
فأما المرضعة فان الطفل المرتضع محرم عليها ومنسوب اليها عند الجميع، وكذلك يحرم جميع أولادها وأقاربها الذين يحرمون على أولادها على هذا المرتضع كما فى الرضاع باللبن المباح. وان كان المرتضع جارية حرمت على الملاعن بغير خلاف أيضا لأنها ربيبته فانها بنت امرأته من الرضاع وتحرم على الزانى من يرى تحريم المصاهرة وكذلك يحرم بناتها وبنات المرتضع من الغلمان لذلك
(1)
.
واذا وطئ رجلان امرأة فأتت بولد فأرضعت بلبنه طفلا صار ابنا لمن ثبت نسب المولود منه سواء ثبت نسبه منه بالقافة أو بغيرها. وان الحقته القافة بهما صار المرتضع ابنا لهما فالمرتضع فى كل موضع تبع للمناسب فمتى لحق المناسب بشخص فالمرتضع مثله. وان انتفى المناسب عن أحدهما فالمرتضع مثله لأنه بلبنه ارتضع وحرمته فرع على حرمته وان لم يثبت نسبه منهما لتعذر القافة أو لاشتباهه عليهم ونحو ذلك حرم عليهما تغليبا للحظر لانه يحتمل أن يكون منهما ويحتمل أن يكون من أحدهما فيحرم عليه أقاربه دون أقارب الآخر وقد اختلطت أخته بغيرها فحرم الجميع كما لو علم أخته بعينها ثم اختلطت بأجنبيات وان انتفى عنهما جميعا بأن تأتى به لدون ستة أشهر من وطئهما أو لأكثر من أربع سنين أو لدون ستة أشهر من وط ء أحدهما أو لأكثر من أربع سنين من وط ء الآخر انتفى المرتضع عنهما أيضا. فان كان
(1)
المغنى ح 9 من 201 - 204 نفس الطبعة.
المرتضع جارية حرمت عليهما تحريم المصاهرة ويحرم أولادها عليهما أيضا لأنها ابنة موطوءتهما فهى ربيبة لهما
(1)
وان ثاب للمرأة لبن من غير وط ء فان أرضعت به طفلا نشر الحرمة فى أظهر الروايتين لقول الله تعالى:
«وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ»
(2)
ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم كما لو ثاب بوط ء ولأن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال فان كان هذا نادرا فجنسه معتاد. والرواية الثانية لا تنشر الحرمة لأنه نادر لم تجر العادة به لتغذية الأطفال فأشبه لبن الرجال والأول لبن أصح
(3)
.
واذا كان لرجل خمس امهات أولاد له منهن لبن فارتضع طفل من كل واحدة منهن رضعة لم يصرن أمهات له وصار المولى أبا له. وهذا قول ابن حامد لأنه ارتضع من لبنه خمس رضعات وفيه وجه آخر لا تثبت الأبوة لانه رضاع لم يثبت الأمومة فلم يثبت الأبوة كالارتضاع بلبن الرجل. والأول أصح فان الابوة انما تثبت لكونه رضع من لبنه لا لكون المرضعة أما له واذا قلنا بثبوت الابوة حرمت عليه المرضعات لانه ربيبهن وهن موطوءات أبيه. وان كان لرجل خمس بنات فأرضعن طفلا كل واحدة رضعة لم يصرن امهات له وهل يصير الرجل جدا له وأولاده أخوالا له وخالات؟ على وجهين: أحدهما يصير جدا واخوهن خالا لأنه قد كمل للمرتضع خمس رضعات من لبن بناته أو اخواته فأشبه ما لو كان من واحدة والوجه الآخر: لا تثبت ذلك لأن كونه جدا فرع كون ابنته أما وكونه خالا فرع كون اخته أما. ولم يثبت ذلك فلا يثبت الفرع وعلى هذا الوجه يترجح فى هذه المسألة، لأن الفرعية متحققة بخلاف التى قبلها فان قلنا يصير اخوهن خالا لم تثبت الخؤولة فى حق واحدة منهن لأنه لم يرتضع من لبن اخواتها خمس رضعات ولكن يحتمل التحريم لأنه قد اجتمع من لبن المحرم خمس رضعات ولو كمل للطفل خمس رضعات من اخته وابنته وزوجته وزوجة أبيه من كل واحدة رضعة خرج على الوجهين
(4)
.
واذا كان لامرأة لبن من زوج فأرضعت طفلا ثلاث رضعات وانقطع لبنها فتزوجت آخر فصار لها منه لبن فأرضعت منه الصبى رضعتين صارت أما له بغير خلاف علمناه عند القائلين بأن الخمس محرمات ولم يصر واحد من الزوجين آبا له لأنه لم يكمل عدد الرضاع من لبنه ويحرم على الرجلين لكونه ربيبهما لا لكونه ولدهما
(5)
.
ولو طلق زوجته ثلاثا وهى ترتضع من لبن ولده فتزوجت بصبى مرضع فأرضعته حرمت عليه ثم تزوجت بآخر ودخل بها ووطئها ثم طلقها أو مات عنها لم يجز أن يتزوجها الأول لأنها صارت من حلائل الابناء لما ارضعت الصبى الذى تزوجت به هذه المسألة من فروع المسألة التى قبلها وهو أن المرتضع يصير ابنا للرجل الذى ثاب اللبن بوطئه فهذه المرأة لما تزوجت صبيا ثم أرضعته بلبن مطلقها صار ابنا لطلقها فحرمت عليه لانها أمه وبانت منه
(1)
المغنى ح 9 ص 204 الى 205.
(2)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
(3)
المغنى ح 9 ص 206 نفس المطبعة.
(4)
نفس المرجع ح 9 ص 206 - 207.
(5)
نفس المرجع ح 9 ص 207 نفس الطبعة.
وكانت زوجة له فصارت زوجة لابن مطلقها فحرمت على الأول على التأبيد لكونها صارت من حلائل ابنائه
(1)
.
ولو تزوجت امرأة صبيا فوجدت به عيبا ففسخت نكاحه ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبى خمس رضعات حرمت على زوجها لأنها صارت من حلائل ابنائه. ولو زوج الرجل أم ولده أو امته بصبى مملوك فأرضعته بلبن سيدها خمس رضعات انفسخ نكاحه وحرمت على سيدها على التأبيد لأنها صارت من حلائل ابنائه فان كان الصبى حرا لم يتصور هذا الفرع لم يصح نكاحه لأن من شروط جواز نكاح الحر الأمة خوف العنت ولا يوجد ذلك فى الطفل فان زوج بها كان النكاح فاسدا وان أرضعته لم تحرم على سيدها لأنه ليس بزوج فى الحقيقة
(2)
واذا طلق الرجل زوجته ولها منه لبن فتزوجت آخر لم يخل من خمسة أحوال.
الأول: أن يبقى لبن الأول بحاله لم يزد ولم ينقص ولم تلد من الثانى فهو للأول سواء حملت من الثانى أو لم تحمل - لا نعلم فيه خلافا لان اللبن كان للأول ولم يتجدد ما يجعله من الثانى فبقى للأول.
الثانى: أن لا تحمل من الثانى فهو للأول سواء زاد أو لم يزد أو انقطع ثم عاد أو لم ينقطع.
الثالث: أن تلد من الثانى فاللبن له خاصة سواء زاد أو لم يزد أو انقطع أو اتصل لأن اللبن الأول ينقطع بالولادة من الثانى فان حاجة المولود الى اللبن تمنع كونه لغيره.
الرابع: أن يكون لبن الأول باقيا وراد بالحمل من الثانى فاللبن منهما جميعا، لأن زيادته عند حدوث الحمل ظاهر فى أنها منه.
وبقاء لبن الأول يقتضى كون أصله منه فيجب أن يضاف اليهما كما لو كان الولد منهما.
الخامس: انقطع من الأول ثم ثاب بالحمل من الثانى فقال أبو بكر هو منهما اذا انتهى الحمل الى حال ينزل به اللبن وذلك لأن اللبن كان للأول، فلما عاد بحدوث الحمل فالظاهر أن لبن الأول ثاب بسبب الحمل الثانى فكان مضافا اليهما كما لو لم ينقطع. واختار أبو الحطاب أنه من الثانى لأن لبن الأول انقطع فزال حكمه بانقطاعه وحدث بالحمل من الثانى فكان له كما لو لم يكن لها ابن من الأول
(3)
ولو تزوج كبيرة وصغيرة ولم يدخل بالكبيرة حتى أرضعت الصغيرة فى الحولين حرمت عليه الكبيرة وثبت نكاح الصغيرة. وان كان دخل بالكبيرة حرمتا عليه جميعا. ويرجع بنصف مهر الصغيرة على الكبيرة. نص أحمد على هذا كله فى هذه المسألة فصول أربعة:
الأول: أنه متى تزوج كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة قبل دخوله بها فسد نكاح الكبيرة فى الحال وحرمت على التأبيد لأنه أمكن ازالة الجمع بانفساخ نكاح الكبيرة وهى أولى به لأن نكاحها محرم على التأبيد فلم يبطل
(1)
نفس المرجع ح 9 ص 207، 208.
(2)
المغنى لابن قدامه ح 9 ص 208 نفس الطبعة.
(3)
نفس المرجع ح 9 ص 208، 209 نفس الطبعة.
نكاحهما به كما لو ابتدأ العقد على اخته وأجنبية، ولأن الجمع طرأ على نكاح الأم والبنت فاختص الفسخ بنكاح الأم كما لو أسلم وتحته امرأة وبنتها، وفارق الأختين لانه ليست أحدهما أولى بالفسخ من الأخرى وفارق ما لو ابتدأ العقد عليهما لأن الدوام أقوى من الابتداء.
الثانى: أنه ان كان دخل بالكبيرة حرمتا جميعا على الأبد وانفسخ نكاحهما لأن الكبيرة صارت من أمهات النساء والصغيرة ربيبة قد دخل بأمها فتحرم تحريما مؤبدا وان كان الرضاع بلبنه صارت الصغيرة بنتا محرمة عليه لوجهين: لكونها بنته وربيبته التى دخل بأمها.
الثالث: أن عليه نصف مهر الصغيرة لان نكاحها انفسخ قبل دخوله بها من غير جهتها والفسخ اذا جاء من أجنبى كان كطلاق الزوج فى وجوب الصداق عليه ولا مهر للكبيرة ان لم يكن قد دخل بها لأن فسخ نكاحها بسبب من جهتها فسقط صداقها كما لو ارتدت ولا نعلم فيه خلافا وان كان قد دخل بالكبيرة لم يسقط مهرها لأنه استقر بدخوله بها لا يسقطه شئ ولذلك لا يسقط بردتها ولا بغيرها.
الرابع: أنه يرجع على الكبيرة بما لزمه من صداق الصغيرة والواجب نصف المسمى لا نصف مهر المثل لأنه انما يرجع بما غرم والذى غرم نصف ما فرض لها فرجع به لأن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له بدليل ما لو قتلت نفسها أو ارتدت أو ارضعت من ينفسخ نكاحها بارضاعه فانها لا تغرم له شيئا وانما الرجوع ههنا بما غرم فلا يرجع بغيره ولأنه لو رجع بقيمة المتلف لمرجع بمهر المثل كله، ولم يختص بنصفه لأن التلف لم يختص بالنصف ولأن شهود الطلاق قبل الدخول اذا رجعوا لزمهم نصف المسمى كذا ههنا
(1)
.
وكل امرأة تحرم بنتها اذا أرضعت زوجته الصغيرة أفسدت نكاحه وحرمتها عليه ولزمها نصف الصداق فان أرضعتها أمه صارت اخته وان أرضعتها جدته صارت عمه أو خالته، وان أرضعتها اخته صارت بنت اخته وكل امرأة تحرم بنت زوجها اذا أرضعتها بلبن زوجها حرمتها عليه، وعليها نصف مهرها كامرأة ابنه أو امرأة أبيه وامرأة أخيه وامرأة جده لأنها ان أرضعتها امرأة أبيه بلبنه صارت أخته وأن أرضعتها امرأة أبنه صارت بنت أبيه وان أرضعتها امرأة أخيه صارت بنت أخيه وان أرضعتها امرأة جده صارت عمته أو خالته.
وان أرضعتها امرأة أحد هؤلاء بلبن غيره لم تحرم عليه لأنها صارت ربيبة زوجها. وان أرضعتها من لا تحرم بنتها كعمته وخالته لم تحرمها عليه ولو تزوج ابنة عمه فأرضعت جدتهما احدهما صغيرا انفسخ النكاح لأنها ان أرضعت الزوج صار عم زوجته وان أرضعت الزوجة صارت عمته وان أرضعتهما جميعا صار كل واحد منهما عم الآخر وان تزوج بنت عمته فأرضعت جدتهما أحدهما صغيرا انفسخ النكاح لأنها ان أرضعت الزوج صار خالا لها وان أرضعت الزوجة صارت عمتها. وان تزوج ابنة خاله فأرضعت جدتها الزوجة صار عم زوجته وان أرضعتها صارت خالتها. وان تزوج ابنة خالته فأرضعت الزوج صار خال زوجته وان ارضعتها صارت خالة زوجها وان تزوج كبيرة ثم طلقها فأرضعت صغيرة بلبنه صارت بنتا له وان
(1)
المغنى لابن قدامه ح 9 ص 210 - 214 نفس الطبعة.
أرضعتها بلبن غيره صارت ربيبة فان كان قد دخل بالكبيرة حرمت الصغيرة على التأبيد وان كان لم يدخل بها لم تحرم لأنها رببية لم يدخل بأمها. وان تزوج صغيرة ثم طلقها فأرضعتها امرأة حرمت المرضعة على التأبيد لأنها من امهات نسائه وان تزوج كبيره وصغيرة ثم طلق الصغيرة فأرضعتها الكبيرة حرمت الكبيرة وانفسخ نكاحها وان كان لم يدخل بها فلا مهر لها وله نكاح الصغيرة وان كان دخل بها فلها مهرها وتحرم هى والصغيرة على التأبيد. وان طلق الكبيرة وحدها قبل الرضاع فأرضعت الصغيرة ولم يكن دخل بالكبيرة ثبت نكاح الصغيرة وان كان دخل بها حرمت الصغيرة وانفسخ نكاحها. ويرجع على الكبيرة بنصف صداقها وان طلقهما جميعا فالحكم فى التحريم على ما مضى. ولو تزوج رجل كبيرة وآخر صغيرة ثم طلقاهما ونكح كل واحد منهما زوجة الآخر ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت عليهما الكبيرة وانفسخ نكاحها.
وان كان زوج الصغيرة دخل بالكبيرة حرمت عليه وانفسخ نكاحها والا فلا. وان أرضعت بنت الكبيرة الصغيرة فالحكم فى التحريم والفسخ حكمه ما لو أرضعتها الكبيرة لأنها صارت جدتها والرجوع بالصداق على المرضعة التى أفسدت النكاح. وان أرضعتها أم الكبيرة انفسخ نكاحهما معا لأنهما صارتا اختين فان كان لم يدخل بالكبيرة فله أن ينكح من شاء منهما. ويرجع على المرضعة بنصف صداقهما.
وان كان قد دخل بالكبيرة فله نكاحها لأن الصغيرة لا عدة عليها وليس له نكاح الصغيرة حتى تنقضى عدة الكبيرة لأنها قد صارت اختها فلا ينكحها فى عدتها. وكذلك الحكم ان أرضعتها اختها أو زوجة اخيها بلبنه لأنها صارت بنت أخت الكبيرة أو بنت أخيه وكذلك ان أرضعتها بنت أخيها أو بنت أخيه ولا يحرم فى شئ من هذا واحدة منهن على التأبيد لأنه تحريم جمع الا اذا أرضعتها بنت الكبيرة وقد دخل بأمها
(1)
. ومن أفسد نكاح امرأة بالرضاع قبل الدخول غرم نصف صداقها وان كان بعد الدخول فنص أحمد على أن يرجع عليه بالمهر كله لأن المرأة تستحق المهر كله على زوجها فترجع بما لزمه كنصف المهر فى غير المدخول بها والصحيح ان شاء الله تعالى: انه لا يرجع على المرضعة بعد الدخول بشئ لأنها لم تقرر على الزوج شيئا ولم تلزمه اياه فلم يرجع عليها بشئ كما لو أفسدت نكاح نفسها ولأنه لو ملك الرجوع بالصداق بعد الدخول تسقط اذا كانت المرأة هى المفسدة للنكاح كالنصف قبل الدخول.
ولأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقيم ما ذكر فيما مضى ولذلك لا يجب مهر المثل وانما رجع الزوج بنصف المسمى قبل الدخول لأنها قررته عليه ولذلك يسقط اذا كانت هى المفسدة لنكاحها.
ولم يوجد ذلك هنا ولأنه لو رجع بالمهر بعد الدخول لم يخل اما أن يكون رجوعه ببدل البضع الذى فوتته أو بالمهر الذى اداه لا يجوز أن يكون ببدل البضع لأنه لو وجب بدله لوجب له على الزوجة اذا فات بفعلها أو بقتلها ولكان الواجب لها مهر مثلها ولا يجوز أن يجب له بدل ما أداه اليها وذلك ولأنها ما أوجبته ولا لها أثر فى ايجابه ولا أداه ولا تقريره ولا نعلم بينهم خلافا فى انها اذا أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول انه لا يسقط مهرها ولا يرجع عليها بشئ ان كان أداه اليها ولا فى أنها اذا أفسدته
(1)
المغنى لابن قدامة ح 9 ص 215، 216 نفس الطبعة.
قبل الدخول انه يسقط صداقها وأنه يرجع عليها بما أعطاها فلو دبت صغيرة الى كبيرة فأرتضعت منها خمس رضعات وهى نائمة وهما زوجتا رجل انفسخ نكاح الكبيرة وحرمت على التأبيد. فان كان دخل بالكبيرة حرمت الصغيرة وأنفسخ نكاحها ولا مهر للصغيرة لأنها فسخت نكاح نفسها وعليه مهر الكبيرة يرجع به على الصغيرة عند أصحابنا ولا يرجع به على ما اخترناه وان لم يكن دخل بالكبيرة فعليه نصف صداقها يرجع به على مال الصغيرة لأنها فسخت نكاحها وأن ارتضعت الصغيرة منها رضعتين وهى نائمة ثم انتبهت الكبيرة فأتمت لها ثلاث رضعات فقد حصل الفساد بفعلها فيتقسط الواجب عليهما وعليه مهر الكبيرة.
وثلاثة اعشار مهر الصغيرة يرجع به على الكبيرة وان لم يكن دخل بالكبيرة فعليه خمس مهرها يرجع به على الصغيرة وهل ينفسخ نكاح الصغيرة؟ على روايتين
(1)
.
وان أفسد النكاح جماعة تقسط المهر عليهم فلو جاء خمس فسقين زوجة صغيرة من لبن أم الزوج خمس مرات انفسخ نكاحها ولزمهن نصف مهرها بينهن فان سقتها واحدة شربتين وأخرى ثلاثا فعلى الأولى الخمس وعلى الثانية خمس وعشر وان سقتها واحدة شربتين وسقاها ثلاث شربات فعلى الأولى الخمس وعلى كل واحدة من الثلاث عشر وان كان له ثلاث نسوة كبار وواحدة صغيرة فأرضعت كل واحدة من الثلاث الصغيرة أربع رضعات ثم حلبن فى اناء وسقيناه الصغيرة حرم الكبار وانفسخ نكاحهن فان لم يكن دخل بهن فنكاح الصغيرة ثابت على احدى الروايتين وعليه لكل واحدة منهن ثلث صداقها ترجع به على ضرتها لأن فساد نكاحها حصل بفعلها وفعلهما فسقط ما قابل فعلها وهو سدس الصداق وبقى عليه الثلث فرجع به على وريثها. فان كان صداقهن متساويا سقط ولم يجب شئ لانه يتقاص مالها على الزوج بما يرجع به عليها اذ لا فائدة فى أن يجب لها عليه ما يرجع به عليها وان كان مختلفا وهو من جنس واحد تقاضا منه بقدر اقلهما ووجب الفضلة به لصاحبها.
وان كان من أجنس ثبت التراجع على ما ذكرنا وان كان قد دخل باحدى الكبار حرمت الصغيرة أيضا وانفسخ نكاحها ووجب لها نصف صداقها ترجع به عليهن أثلاثا والتى دخل بها المهر كاملا. وفى الرجوع به ما سلف من الخلاف وان حلبن فى اناء فسقته احداهن الصغيرة خمس مرات كان صداق ضراتها يرجع به عليها ان كان قبل الدخول بهن لأنها أفسدت نكاحهن ويسقط مهرها ان لم يكن دخل بها وان كان دخل بها فلها مهرها ولا ترجع به على احد وان كانت كل واحدة من الكبار أرضعت الصغيرة خمس رضعات حرم الثلاث فان كان لم يدخل بهن فعليه لكل واحدة مهرها لا يرجع به على أحد وتحرم الصغيرة ويرجع بما لزمه من صداقها على المرضعة الأولى لأنها هى التى حرمتها عليه وفسخت نكاحها. ولو أرضع الثلاث الصغيرة بلبن الزوج فأرضعتها كل واحدة رضعتين صارت بنتا لزوجها فى الصحيح وينفسخ نكاحها ويرجع بنصف صداقها عليهن على المرضعتين الاوليين منه أربعة اخماس وعلى الثالثة خمسه لأن رضعتها الأولى حصل بها التحريم لكمال الخمس بها والثانية لا أثرا لها فى التحريم فلم يجب عليها بها شئ ولا ينفسخ نكاح الأكابر لأنهن لم يصرن امهات
(1)
المغنى لابن قدامة ح 9 ص 215، 216.
لها. ولو كان لامرأته الكبيرة خمس بنات لهن لبن فأرضعن امرأته الصغيرة رضاعا تصير به احداهن أما لها لحرمت أمها وأنفسخ نكاحها.
وهل ينفسخ نكاح الصغيرة؟ على روايتين وان أرضعت كل واحدة منهن الصغيرة رضعة فالصحيح أن الكبيرة لا تحرم بهذا لأن كونها جدة يبنى على كون ابنتها أما وما صارت واحدة من بناتها أما، ويحتمل أن تحرم لأنه قد كمل لها من بناتها خمس رضعات وكذلك الحكم لو أرضعتها بنتها رضعة وبنت ابنها رضعة وبنات بناتها ثلاث رضعات، ولو كمل لها من زوجته بلبنه ومن أمه وأخته وابنته ابنة ابنه خمس رضعات فعلى الوجهين: أصحهما لا يثبت تحريمها وفى الآخر يثبت فعلى هذا الوجه ينفسخ نكاحها ويرجع عليهن بما غرم من صداقها على قدر رضاعهن فان قيل فلم لا يرجع عليهن على عدد رءوسهن لكون الرضاع مفسد فيستوى قليله وكثيره كما لو طرح النجاسة جماعة فى مائع فى حالة واحدة قلنا لأن التحريم يتعلق بعدد الرضعات فكان الضمان متعلقا بالعدد بخلاف النجاسة فان التنجيس لا يتعلق بقدر فيستوى قليله وكثيره ليكون القليل والكثير سواء فى الافساد فنظير ذلك أن يشرب فى الرضعة من احداهما أكثر مما يشرب من الأخرى
(1)
.
واذا كانت له زوجة أمة فأرضعت امرأته الصغيرة فحرمتها عليه وفسخت نكاحها كان ما ازمه من صداق الصغيرة له فى رقبة الأمة لأن ذلك من جنايتها. وان أرضعتها أم ولده أفسدت نكاحها وحرمتها عليه لأنها ربيبة دخل بأمها وتحرم أم الولد عليه ابدا لأنها من أمهات نسائه ولا غرامة عليها لأنها أفسدت على سيدها فان كان قد كاتبها رجع عليها لأن المكاتبة يلزمها أرش جنايتها وان أرضعت أم ولده امرأة ابنه بلبنه فسخت نكاحها وحرمتها عليه لأنها صارت أخته وان أرضعت زوجة أبيه بلبنه حرمتها عليه لأنها صارت بنت ابنه ويرجع الأب على ابنه بأقل الأمرين مما غرمه لزوجته أو قيمتها لأن من ذلك من جناية أم ولده.
وان أرضعت واحدة منهما بغير لبن سيدها لم تحرمها لأن لها واحدة منهما صارت بنت ام ولده
(2)
ولو تزوج بكبيرة وصغيرتين فأرضعت الكبيرة الصغيرتين حرمت عليه الكبيرة وانفسخ نكاح الصغيرتين ولا مهر عليه للكبيرة ويرجع عليها بنصف صداق الصغيرتين لأنها أفسدت نكاحهما وله ان ينكح ما شاء منهما لأن انفساخ نكاحهما للجمع ولا يوجب تحريما مؤيدا وهذا على الرواية التى قلنا انها اذا أرضعت الصغيرة اختص الفسخ بالكبيرة فأما على الرواية التى نقول ينفسخ نكاحهما معا فانه يثبت نكاح الأخيرة من الصغيرتين لأن الكبيرة لما أرضعت الأولى انفسخ نكاحهما ثم أرضعت الأخرى فلم تجتمع معهما فى النكاح فلم ينفسخ نكاحهما. فأما ان كان دخل بالكبيرة حرمت وحرمت الصغيرتان على التأبيد لانهما ربيبتان قد دخل بأمهما. فان أرضعت الصغيرتين أجنبية انفسخ نكاحهما أيضا لأنه جامع بين الأختين فى النكاح فانفسخ نكاحهما كما لو أرضعتهما معا. وان أرضعتهما بنت الكبيرة
(1)
المغنى لابن قدامة ح 9 ص 216، 220، نفس الطبعة.
(2)
المغنى لابن قدامة ح 9 ص 220، 222 نفس الطبعة السابقة.
فالحكم فى الفسخ كما لو أرضعتهما الكبيرة نفسها لأن الكبيرة تصير جدة لهما ولكن الرجوع يكون على المرضعة المفسدة لنكاحهن. وان كن الأصاغر ثلاثا فأرضعتهن منفردات حرمت الكبيرة وانفسخ نكاح المرضعتين أولا وثبت نكاح آخرهن رضاعا. فان أرضعت احداهن منفردة واثنتين بعد ذلك معا حرمت الكبيرة وانفسخ نكاح الأصاغر وتزوج من شاء من الأصاغر.
وان كان دخل بالكبيرة حرم الكل عليه على الأبد، حرمت الكبيرة لأنها صارت من أمهات النساء وانفسخ نكاح المرضعتين أولا لأنهما صارتا أختين فى نكاحه وثبت نكاح الأخيرة لأن رضاعها بعد انفساخ نكاح الصغيرتين اللتين قبلها فلم يصادف اخوتها جميعا فى النكاح. وان أرضعت احداهن منفردة واثنتين بعد ذلك معا بأن تلقم كل واحدة منهما ثديا فيمتصان معا أو تحلب من لبنها فى اناء فتسقيهما انفسخ نكاح الجميع لأنهن صرن اخوات فى نكاح وله أن يتزوج من شاء من الأصاغر لأن تحريمهن تحريم جمع لا تحريم تأبيد فانهن ربائب لم يدخل بأمهن. وان دخل بالكبيرة حرم الكل على الأبد لأنهن ربائب مدخول بأمهن هذا على الرواية الأولى وعلى الأخرى لما أرضعت الأولى انفسخ نكاحها ونكاح الكبيرة لأنها صارت امها واجتمعتا فى نكاحه ثم ارتضعت الثانية فلم ينفسخ نكاحها لأنها منفردة بالرضاعة فى النكاح فلما أرضعت الثالثة صارتا اختين فانفسخ نكاحهما. فان ارضعتهن بنت الكبيرة فهو كما لو ارضعتهن امها.
ولو كان لها ثلاث بنات فأرضعت كل واحدة منهن زوجة من الأصاغر حرمت الكبيرة بارضاع أولادهن ويرجع على مرضعتهما بما لزمه من مهرها لأنها أفسدت نكاحها ولا ينفسخ نكاح الاصاغر لأنهن لم يصرن اخوات انما هن بنات خالات.
وعلى الرواية الأخرى ينفسخ نكاح المرضعة الأولى لاجتماعها مع جدتها فى النكاح ويثبت نكاح الأخيرتين ويرجع بما لزمه من مهر التى فسد نكاحها على التى أرضعتها. وان كان دخل بالكبيرة حرم الكل عليه على الأبد ورجع على كل واحدة بما لزمه من مهر التى أرضعتها وان قلنا أنه يرجع بمهر الكبيرة رجع به على المرضعة الأولى لأنها التى أفسدت نكاحها
(1)
.
واذا شهدت امرأة واحدة على الرضاعة حرم النكاح اذا كانت مرضية. وقد روى عن أبى عبد الله رحمه الله رواية أخرى: ان كانت مرضية استحلفت فان كانت كاذبة لم يحل الحول حتى تبيض ثدياها وذهب فى ذلك الى قول ابن عباس رضى الله عنهما. وجملة ذلك ان شهادة المرأة الواحدة مقبولة فى الرضاعة اذا كانت مرضية وعن أحمد رواية أخرى: لا يقبل الا شهادة امرأتين وهو قول الحكم لأن الرجال أكمل من النساء ولا يقبل الا شهادة رجلين فالنساء أولى وعن أحمد رواية ثالثة ان شهادة المرأة الواحدة مقبولة وتستحلف مع شهادتها وهو قول ابن عباس لانه قال فى امرأة زعمت انها أرضعت رجلا وأهله فقال اذا كانت مرضية استحلفت وفارق امرأته وقال ان كانت كاذبة لم يحل الحول حتى تبيض ثدياها يعنى يصيبها
(1)
نفس المرجع ح 9 ص 220، 221 نفس الطبعة.
فيها برص عقوبة على كذبها وهذا لا يقتضيه قياس ولا يهتدى اليه رأى، فالظاهر أنه لا يقوله الا توقيفا، ولنا ما روى عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبى اهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال «وكيف وقد زعمت ذلك» ؟ متفق عليه وفى لفظ رواه النسائى قال فأتيته من قبل وجهه فقلت انها كاذبة قال «كيف وقد زعمت انها ارضعتكما؟ خل سبيلها وهذا يدل على الاكتفاء بالمرة الواحدة ويقبل فيه شهادة المرضعة على فعل نفسها لما ذكر من حديث عقبة من أن الأمة السوداء قالت قد أرضعتكما فقبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادتها ولانه فعل لا يحصل لها منه نفع مقصود ولا تدفع عنها به ضررا فقبلت شهادتها كفعل غيرها فان قيل فانها تستبيح الخلوة به والسفر معه وتصير محرما له. قلن ليس هذا من الأمور المقصودة التى ترد بها الشهادة الا ترى أن رجلين لو شهدا ان فلانا طلق زوجته واعتق امته قبلت شهادتهما وان كان يحل لهما نكاحهما بذلك
(1)
.
ولا تقبل الشهادة على الرضاعة الا مفسرة فلو قالت أشهد أن هذا ابن هذه من الرضاعة لا يقبل لأن الرضاع المحرم يختلف الناس فيه منهم من يحرم بالقليل ومنهم من يحرم بعد الحولين فلزم الشاهد تبيين كيفيته ليحكم الحاكم فيه باجتهاده فيحتاج الشاهد أن يشهد ان هذا قد ارتضع من ثدى هذه خمس رضعات متفرقات خلص اللبن فيهن الى جوفه فى الحولين.
فان قيل خلوص اللبن الى جوفه لا طريق له الى مشاهدته فكيف تجوز الشهادة؟ قلن اذا علم ان هذه المرأة ذات لبن ورأى الصبى قد التقم ثديها وحرك فمه فى الامتصاص وحلقه فى الاجتراع حصل ظن يخرج الى اليقين ان اللبن قد وصل الى جوفه، وما يتعذر الوقوف عليه بالمشاهدة اكتفى فيه بالظاهر كالشهادة فى الملك وثبوت الدين فى الذمة والشهادة على النسب بالاستفاضة ولو قال الشاهد ادخل رأسه تحت ثيابها والتقم ثديها لا يقبل، لأنه قد يدخل رأسه ولا يأخذ الثدى وفد يأخذ الثدى ولا يمص فلا بد من ذكر ما يدل عليه.
وان قال أشهد أن هذه أرضعت هذا فالظاهر أنه يكتفى بثبوت أصل الرضاعة لأن المرأة التى قالت قد أرضعتكما اكتفى بقولها
(2)
. واذا تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول هى اختى من الرضاعة انفسخ النكاح. فان صدقته المرأة فلا مهر لها وان كذبته فلها نصف المهر وجملته أن الزوج اذا أقر أن زوجته اخته من الرضاعة انفسخ نكاحه ويفرق بينهما لأنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه فلا يقبل رجوعه عنه كما لو أقر بالطلاق ثم رجع وأقر أن أمته أخته من النسب، وهذا الكلام فى الحكم فأما فيما بينه وبين ربه فينبنى ذلك على علمه بصدقه. فان علم أن الأمر كما قال فهى محرمة عليه ولا نكاح بينهما وان علم كذب نفسه فالنكاح باق بحاله وقوله كذب لا يحرمها عليه لان المحرم حقيقة الرضاع لا القول وان شك فى ذلك لم ينزل عن اليقين بالشك. وقيل فى حلها له اذا علم كذب نفسه
(1)
المغنى ح 9 ص 222، 223 - نفس الطبعة السابقة.
(2)
نفس المرجع ص 224 نفس الطبعة السابقة.
روايتان والصحيح ما قلناه لان قوله ذلك اذا كان كذبا لم يثبت التحريم كما لو قال وهى أكبر منه هى ابنتى من الرضاعة. اذا ثبت هذا فانه ان كان قبل الدخول وصدقته المرأة فلا شئ لها لأنهما اتفقا على هذا ان النكاح فاسد من أصله لا يستحق فيه مهر فأشبهه ما لو ثبت ذلك ببينة وان أكذبه فالقول قولها لأن قوله غير مقبول عليهما فى اسقاط حقوقها فلزمه اقراره فيما هو حق له وهو تحريمها عليه وفسخ نكاحه ولم يقبل قوله فيما عليه من المهر. فان قال هى عمتى أو خالتى أو أبنة أخى أو أختى أو أمى من الرضاعة وأمكن صدقه فالحكم فيه أما لو قال هى أختى وان لم يمكن صدقه مثل أن يقول لأصغر منه أو لمثله هى أمى أو لاكبر منه أو لمثله هذه ابنتى لم تحرم عليه ولنا أنه أقر بما تحقق كذبه فيه فأشبه ما لو قال أرضعتنى واياها حواء أو كما لو قال هذه حواء. ويفارق اذا أمكن فانه لا يتحقق كذبه والحكم فى الاقرار بقرابة من النسب تحرمها عليه كالحكم فى الاقرار بالرضاعة لأنه فى معناه واذا أدعى أن زوجته أخته من الرضاع فأنكرته فشهدت بذلك أمه أو ابنته لم تقبل شهادتهما لأن شهادة الوالدة لولدها والوالد لولده غير مقبولة وان شهدت بذلك أمها أو ابنتها قبلت. وعنه لا يقبل بناء على شهادة الوالد على ولده والولد على والده وفى ذلك روايتان وان أدعت ذلك المرأة وأنكره الزوج فشهدت لها أمها أو ابنتها لم تقبل وأن شهدت لها أم الزوج أو ابنته فعلى روايتين وان كانت المرأة هى التى قالت هو أخى من الرضاعة فأكذبها ولم تأت بالبينة على ما وصفته فهى زوجته فى الحكم. وجملة أن المرأة اذا أقرت أن زوجها أخوها من الرضاعة فأكذبها لم يقبل قولها فى فسح النكاح، لأنه حق عليها، فان كان قبل الدخول فلا مهر لها لأنها تقر بأنها لا تستحقه فان كانت قد قبضته لم يكن للزوج أخذه منها لأنه يقر بأنه حق له وان كان بعد الدخول فأقرت أنها كانت عالمة بأنها أخته وبتحريمها عليه ومطاوعة له فى الوط ء فلا مهر لها أيضا لاقرارها بأنها زانية مطاوعة وان أنكرت شيئا من ذلك فلها المهر لأنه وط ء بشبهة وهى زوجته فى ظاهر الحكم لأن قولها عليه غير مقبول فاما فيما بينها وبين الله تعالى فان علمت صحة ما أقرت به لم يحل لها مساكنته وتمكينه من وطئها وعليها أن تفر منه وتفتدى نفسها بما أمكنها لأن وطأه لها زنا فعليها التخلص منه مهما أمكنها كما قلنا فى التى علمت أن زوجها طلقها ثلاثا وجحدها ذلك.
وينبغى أن يكون الواجب لها من المهر بعد الدخول أقل الأمرين من المسمى أو مهر المثل لأنه ان كان المسمى أقل فلا يقبل قولها فى وجوب زائد عليه وان كان الأقل مهر المثل لم تستحق أكثر منه لاعترافها أن استحقاقها له بوطئها الا بالعقد فلا تستحق أكثر منه.
وان كان اقرارها بأخوته قبل النكاح لم يجز لها نكاحه ولا يقبل رجوعها عن اقرارها فى ظاهر الحكم لأن اقرارها لم يصادف زوجيه عليها يبطلها فقبل اقرارها على نفسها بتحريمها عليها، وكذلك لو أقر الرجل أن هذه أخته من الرضاعة أو محرمة عليه برضاع أو غيره وأمكن صدقه لم يحل له تزوجها فيما بعد ذلك فى ظاهر الحكم.
وأما فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى
فينبنى على علمه بحقيقة الحال كما ذكر وان ادعى أحد الزوجين على الآخر أنه أقر أنه أخو صاحبه من الرضاعة فأنكر لم يقبل فى ذلك شهادة النساء المنفردات لأنها شهادة على الاقرار والاقرار مما يطلع عليه الرجال فلم يحتاج فيه الى شهادة النساء المنفردات فلم يقبل ذلك بخلاف الرضاع نفسه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى لابن حزم الظاهرى» أنه من كانت له امرأتان أو أمتان أو زوجة وأمة فأرضعت أحداهما بلبن حدث لها من حمل منه رجلا رضاعا محرما وأرضعت الأخرى بلبن حدث لها من حمل منه امرأة كذلك، لم يحل لأحدهما نكاح الآخر أصلا. وكل من أرضعت الرجل حرمت عليه لأنها أمه من الرضاعة وحرم عليه بناتها لأنهن أخواته سواء فى ذلك من ولدت قبله أو من ولدت بعده من الرضاعة. وحرمت عليه أخواتها لأنهن خالاته من الرضاعة.
وحرمت عليه أمهاتها لأنهن جداته وحرم عليه أخوات زوج التى أرضعته بلبنها من حمل منه لأنهن عماته من الرضاعة وحرمت عليه أمهاته لأنهن جداته وحرم عليه من أرضعت امرأته بلبن حدث لها من حمل منه لأنهن بناته وكذلك يحرم على الرجل الذى أرضعت امرأته وحكم التى ترضع امرأته كحكم ابنتها التى ولدتها ولا يجمع بين الأختين من الرضاعة. برهان ذلك قول الله عز وجل فيما حرم من النساء «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ»
(2)
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة»
(3)
ولبن الفحل يحرم وهو أن ترضع امرأة رجل ذكرا، وترضع امرأته الأخرى أنثى فتحرم احداهما على الاخرى
(4)
. ولو أن رجلا تزوج امرأتين فأرضعتهما امرأة رضاعا محرما حرمتا جميعا وانفسخ نكاحهما اذ صارتا بذلك الرضاع أختين أو عمة وبنت أخ أو خالة وبنت أخت أو حريمة امرأة له لأنهما معا حدث لهما التحريم فلم تكن احداهما أولى بالفسخ من الأخرى وكذلك لو دخل بهما فأرضعت احداهما الأخرى رضاعا محرما ولا فرق، فلو لم يدخل بهما فأرضعت احداهما الأخرى رضاعا محرما انفسخ نكاح التى صارت أما للأخرى وبقى نكاح التى صارت لها ابنة صحيحا، لأن الله تعالى قال:«وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ»
(5)
فصارت بنت امرأته التى لم يدخل بها ولا هى فى حجره، فثبت نكاحها، وصارت الأخرى من أمهات نسائه فحرمت جملة
(6)
.
وأما صفة الرضاع المحرم فانه هو ما امتصه الراضع من ثدى المرضعة بفيه فقط. فأما من
(1)
المغنى لابن قدامه ج 9 ص 224 - 228 نفس الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
(3)
المحلى لابن حزم الأندلسى ح 10 ص 2 المسألة رقم 1863.
(4)
المصدر السابق ح 10 ص 2 المسألة رقم 1864.
(5)
الآية رقم 23 من سورة النساء.
(6)
المحلى ح 10 ص 6، 7 المسألة رقم 1865.
سقى لبن امرأة فشربه من اناء أو حلب فى فيه فبلعه أو أطعمه بخبز أو فى طعام أو صب فى فمه أو فى أنفه أو فى أذنه أو حقن به فكل ذلك لا يحرم شيئا ولو كان ذلك غذاءه دمره كله.
برهان ذلك قول الله عز وجل: «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فلم يحرم الله سبحانه وتعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فى هذا المعنى نكاحا الا بالارضاع والرضاع والرضاعة فقط: «ولا يسمى ارضاعا ألا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها فى فم الرضيع وقالوا: يقال أرضعته ترضعه ارضاعا ولا يسمى رضاعة ولا ارضاعا الا أخذ المرضع أو الرضيع بفيه الثدى وامتصاصه اياه.
تقول رضع يرضع رضاعا ورضاعة وأما كل ما عدا ذلك مما ذكرنا فلا يسمى بشئ منه ارضاعا ولا رضاعة ولا رضاعا وانما هو حلب وطعام وسقاء وشراب وأكل وبلع وحقنة وسعوط وتقطير ولم يحرم الله عز وجل بهذا شيئا
(1)
. وان ارتضع صغير أو كبير من لبن ميتة أو مجنونة أو سكرى خمس رضعات فان التحريم يقع به لأنه رضاع صحيح
(2)
.
ولا يحرم من الرضاع الا خمس رضعات تقطع كل رضعة من الأخرى. أو خمس مصات مفترقات كذلك، أو خمس ما بين مصة ورضعة تقطع كل واحدة من الأخرى هذا اذا كانت المصة تغنى شيئا من دفع الجوع.
والا فليست شيئا ولا تحرم شيئا
(3)
ورضاع الكبير محرم ولو أنه شيخ يحرم كما يحرم رضاع الصغير ولا فرق
(4)
. وان حملت امرأة ممن يلحق ولدها به فدر لها اللبن ثم وضعت فطلقها زوجها أو مات عنها وتزوجها آخر أو كانت أمة فملكها آخر. فما أرضعت فهو ولد للأول لا للثانى، فان حملت من الثانى فتمادى اللبن فهو للأول الا أن يتغير ثم يعتدل. فانه اذا تغير فقد بطل حكم الأول وصار للثانى
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «كتاب شرح الأزهار» ، «أنه لا خلاف فى أن اجراء الرضاع مجرى النسب مقصور على تحريم النكاح دون سقوط القيود والشهادة - على القول بأن شهادة القريب لا تصح والمختار أنها تصح - وثبوت النفقة ونحو ذلك كالارث والحد والعقل والعتق.
ويثبت حكم الرضاع بشروط خمسة لا يتم من دونها:
الشرط الأول: أن يكون اللبن وصل الى جوف الرضيع حيا، فلو لم يصل الا الى الحلق أو الصدر لم يثبت حكمه ويكفى فى ذلك غالب الظن.
الشرط الثانى: أن يكون دخوله من فيه أو أنفه أو نحوهما كعينه أو أذنه، فلو كان من
(1)
المصدر نفسه ح 10 ص 9 المسألة رقم 1866.
(2)
نفس المصدر ح 10 ص 6، 7 المسألة رقم 1867.
(3)
المصدر نفسه ج 10 ص 9 المسألة رقم 1868.
(4)
نفس المصدر ح 10 ص 17 المسألة رقم رقم 1869.
(5)
نفس المصدر ح 10 ص 24 المسألة رقم 1870
حقنة أو نحو ذلك لم يؤثر.
الشرط الثالث: أن يكون الرضاع والصبى فى الحولين لم يتعد عمره عليهما.
الشرط الرابع: أن يكون لبن آدمية وسواء كان فيه لون اللبن أم لا، فلو ارتضع صبيان من رجل أو خنثى أو جنية - لو فرض وقوعه - أو بهيمة لم يصيرا أخوين.
الشرط الخامس: أن تكون تلك الآدمية قد دخلت فى السنة العاشرة فأما اذا لم تبلغ سنا يصح فيها العلوق فهى كالذكر وقيل اذا دخلت فى السنة التاسعة. ولبن الآدمية يقتضى لتحريم، ولو أخذ منها فى حال كونها ميتة أو بكرا لم تلد ولم تزوج، وأما الرضيع فلا بد من كونه حيا لا ميتا فلا تحريم وفائدة التحريم بعد موته لو كان قد عقد بامرأة لم يحرم على ذوى اللبن وكذا لو كان لرجل زوجتان رضعت الصغرى من الكبرى ثم ماتت قبل وصول اللبن جوفها لم تحرم عليه الكبرى ولو تناول لبنا بعد أن صار متغيرا بأن صار دهنا أو مطبوخا أو أخذ فى لخا. وأسعط الصبى فانه فى هذه الوجوه يقتضى التحريم بخلاف الجبن فانه لا يحرم وقيل انه يحرم وأما الزبد فقيل الخلاف فيه كالجبن وقيل انه يحرم ولو شربه مع جنسه وهو لبن الادميات فانه يقتضى التحريم مطلقا أى سواء كان غالبا أو مغلوبا اذا كان يصل الجوف لو انفصل عن الخلط، أو خلط مع غيره أو غير جنسه كالماء ولبن البهائم والمرق أو طعام أو نحوه وكان هو الغالب وهو ظاهر لما خلط به فانه يقتضى التحريم الا أن يخلط بالسمن لم يحرم والأولى انه يحرم ولا بد أن يقدر أنه لو انفصل وصل الجوف، فان كان اللبن مساويا لما خلط به أو مغلوبا أو التبس الأغلب منهما فلا تحريم ولا فرق بين أن يلتبس من أصله أو يعلم أن أحدهما أكثر ثم يلتبس لان الأصل التحريم. وقيل يقتضى التحريم والمراد بالغلبة التسمية. فان كان يسمى لبنا فهو الغالب واقتضى التحريم، وان كان لا يسمى لبنا فهو المغلوب ولم يحرم واذا التبس دخول المرضعة فى السنة العاشرة فانه يقتضى التحريم، وهذا مبنى على أنه قد تحقق دخولها فى العاشرة والتبس الرضاع قبلها أم فيها. أما لو التبس حين الرضاع هل قد دخلت فى السنة العاشرة أم هى فى التاسعة فانه يحكم بالأصل وهو عدم دخول العاشرة. لا لو التبس حين رضاع الصبى هل قد زاد عمره على الحولين أم لا بل هو فى الحولين، فان الرضاع مع هذا اللبس لا يقتضى التحريم هذا مع الاطلاق لا مع التاريخ الى وقت معلوم محتمل فالأصل الصغر. هذا الذى صحح للمذهب. أعنى الفرق بين التباس دخول العاشرة وبين التباس بقاء الحولين. فمتى ثبت الرضاع على الشروط الخمسة التى تقدمت ثبت حكم البنوة للمرضعة بمعنى أن الولد يصير لها ولدا وكذلك يثبت حكم البنوة لذى اللبن وهو زوجها الذى علقت منه وأرضعت بعد العلوق
(1)
.
والزوج يشارك الأم فى حكم البنوة ان كان
(1)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 559 - 561.
لها زوج والا فالولد لها فحسب ومعنى ثبوت حكم البنوة انما هو فى تحريم النكاح وجواز النظر والسفر بها والخلوة دون غيره من الأحكام كالنسب والارث وسقوط القود ونحو ذلك.
وانما يشاركها الزوج فى حكم البنوة فى المرضع فيصير ابنا له كما هو ابن لها من وطئها أو استدخلت ماءه وعلقت منه بولد ولحقه نسبه فان كان اللبن بعد العلوق ويصير لهما جميعا. وقبل العلوق لا يشاركها فيه. ولا يزال الرجل مشاركا للمرأة فى اللبن حتى ينقطع منها بالكلية فلو عاد بعد الانقطاع لم يرجع له فيه حق ما لم تحبل أو لم ينقطع منها اللبن لم يزل مشاركا لها، ولو طلقها وتزوجت غيره لم ينقطع حق الأول فى اللبن حتى تضع ولو بعض الحمل من زوج غيره، فمتى وضعت بطل حق الأول، ولا فرق بين أن تضع من زوج أو من غيره ولو من زنا فمتى وضعت من زنا انقطع حق الأول وكان الولد لها وقيل انه لا ينقطع حق الأول الا اذا علقت ممن يلحق والزانى لا حق له فلا يقطع حق غيره واذا طلقها الزوج الأول المشارك لها فى اللبن ثم تزوجت آخر لم يكن للآخر نصيب فى اللبن حتى تعلق منه أيضا وحين تعلق منه يشترك الثلاثة فى اللبن وهم:
المرأة والزوج الأول والزوج الثانى، فلا يزالون مشتركين فى اللبن من العلوق الثانى الى الوضع فمن ارتضع منها ما بين العلوق والوضع كان لبنا للمرأة وللزوج الثانى والأول وقيل انه لا يثبت الاشتراك فى الولد بين الزوجين: لكن للأول الى وضع الحمل ثم للثانى وقيل هو للأول الى ظهور الحمل ثم للثانى. وقد يكون الابن من الرضاع ابنا للرجل فقط دون من أرضعته فيكون للرجل من الرضاع لا أم له، وذلك حيث يعتدى بلبن من زوجيته واللبن لا يصل الجوف الا مجتمعا بحيث لو انفصل لبن كل واحدة وحده لم يصل الجوف لقلته فانه فى هذه الصورة اذا جمعتاه فشربه صار ابنا لزوجهما لا لهما وكذلك لبن أمى أولاده أو غير ذلك ممن يلحقه نسبه ولو لم تكن زوجة كوط ء الغلط والوط ء فى ملك أو شبهة ملك فانه يكون اللبن له ويثبت تحريم من ارتضع منه فى حقه ومثله فى البيان وأما على المختار فانه لا يقتضى التحريم فى وط ء الغلط مسلم فى تحريم المصاهرة وأما ثبوت حكم الرضاع فيثبت كما اقتضاه عموم قوله وانما يشاركه من علقت منه ولحقه وهو هنا لاحق به
(1)
. ويحرم بالرضاع من النساء من صيره اللبن للراضع محرما كالأم من الرضاع والأخت من الرضاع لأب وأم، أو لأب أو لأم. والعمة كذلك والجدة أم الأم وأم الأب، وزوجة الأب من الرضاعة.
وضابط ذلك أن حرمة الرضاع تنتشر من المرضعة الى أصولهما وفصولهما ونسائهما وحواشيهما، وتنتشر من الرضيع الى فصوله فقط ونسائه ونساء فروعه دون أصوله وحواشيه وعلى الجملة ان ما حرم بالنسب لأجل النسب والصهر حرم بالرضاع الا أخت الابن من الرضاع ونحوه. ومن فسخ نكاح منكوحة غير مدخولة بفعله مختارا، ولو قد خلا بها غير مكره، رجع بما لزم من المهر ونفقة عدة الفسخ فى المدخولة عليه على الذى فعل ذلك الرضاع. فان كان الفاعل هو الرضيع نحو أن تدب صغرى زوجيته على الكبرى وهى
(1)
المصدر نفسه ح 2 ص 562، 563.
نائعة أو غير نائمة ولم يكن منها فعل فترضع منها بغير علمها فانه يرجع على الصغرى بنصف مهر الكبرى. وفى هامش البيان - ما لفظه: فان لم تكن نائمة ولم تمنعها ولا ناولتها ثديها فانه يسقط مهرهما جميعا.
والوجه فيه أنها حينئذ متعدية بتركها أو مفرطة، لأن لبنها معها كالوديعة يجب حفظه.
وان كان شخص عاقل هو الذى قرب الصغرى للرضاع رجع عليه بنصف مهر كل واحدة.
الا أن يكون الذى فعل الرضاع جاهلا محسنا، بأن تخشى المرضعة على الصغيرة التلف ولضرر وهى جاهلة لانفساخ النكاح بذلك، فانه لا يرجع عليها، ولا مهر لها، لأن الفسخ من جهتها اذا كانت غير مدخولة حينئذ فيبطل الرجوع فى المهر بهذين الشرطين وهما: الجهل وخشية التلف. وأما المدخولة أو وجد خلوة فى عقد صحيح وظاهر فلا يسقط مهرها بحال ولو انفسخ نكاحها بأى وجه، ولا يرجع به على أحد لأنه قد استوفى ما فى مقابلته بالوط ء. فان أكره الزوج الكبيرة فانفسخ من جهته فلا يرجع عليها بمهر الصغيرة، ولها نصف مهرها ان لم يكن قد خلا بها، يعنى الكبيرة حيث لا فعل لها. وان كان المكره الغير رجع على المكره بنصف المهرين، فان بقى لها فعل سقط مهرها لأن الاتلاف حصل من جهتها، ويضمن الزوج للصغرى ويرجع على الكبرى وهى ترجع على المكره فان لم يبق لها فعل ضمن الزوج لهما جميعا ويرجع به على المكره، ويقال لا يسقط، وسواء بقى لها فعل أم لا كما لو أكرهها على اتلاف مال الغير. ويثبت حكم الرضاع على الزوج باقراره أو نكوله أو رده اليمين، وكذا لو لم يكن منه اقرار ولا بينة اذا علم الحاكم بتواتر أو غيره وجب الفسخ ولزم اجبارها.
ويثبت كذلك ببينتها ولو من جهة الحسبة يعنى مع الحكم. وأما البينة من دون حكم فلا حكم له. ويكفى فى اقراره أن يقر بأن المرأة محرمة عليه بسبب الرضاع أو أنها أخته من الرضاع أو نحو ذلك. والشهادة على الرضاع لابد فيها من رجلين أو رجل وامرأتين سوى المرضعة لأنها تشهد على امضاء فعلها.
قيل: ذكر أبو جعفر أن شهادتها لا تقبل اذا شهدت أنها ناولته ثديها، لا اذا شهدت أنها وضعت اللبن بين يديه فتقبل، أو رضع الصبى بنفسه من ثديها، أو يوجر الغير من لبنها فحينئذ تقبل شهادتها بذلك اذ لا فعل لها. وقيل انها لا تقبل مطلقا لأنها تجر الى نفسها البنوة
(1)
.
والرضاع فى التحريم كالنسب، أى يحرم به ما يحرم من النسب. فيحرم على الرضيع أصول أمه من الرضاعة وأصول أبيه، وأول فصل من كل أصل قبلهما، ونساؤهم، أى نساء أصول أبيه ونساء أصول أمه، وأما نساء أول فصل فلا يحرمن. ويحرم على الأب والأم فصول ولدهما من الرضاع ما تناسلوا ونساؤهم. ويحرم على الابن فصول أبويه نسبا لهما ورضاعا، وهم اخوته من الرضاعة ما تناسلوا. غالبا يحترز من ست.
الأولى: فانها تحرم لأجل النسب ولا تحرم
(1)
شرح الازهار ح 2 ص 563، 564 نفس الطبعة السابقة.
لأجل الرضاع وهى أخت الابن من الرضاع، فانها تحل لأبيه، ولا تحل له أخت ابنه من النسب لأنها تكون بنته أو ربيبته.
الثانية: عمة الابن من الرضاعة لأبيه، والعكس لا تحل عمة الابن من النسب لانها أخت الأب.
الثالثة: جدة الابن من الرضاع أم أمه وأم أبيه من النسب، فانها تحل لأبيه من الرضاع، ولا تحل جدة الابن من النسب، لأنها أم الأب أو أم زوجته.
الرابعة: أم الأخ من الرضاع التى ولدته، فانها تحل لأخيه لأمه من الرضاع، ولا تحل أم الأخ من النسب لانها أم أو امرأة أب.
الخامسة: عمة الأخ من الرضاع فانها تحل لأخيه من الرضاع.
السادسة: خالة الأخ من الرضاع فانها تحل لأخيه من الرضاع
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «الخلاف» أنه اذا حصل الرضاع المحرم لم يحل للفحل نكاح أخت المولود المرتضع بلبنه، ولا لأحد أولاده من غير المرضعة ومنها لأن أخواته واخوته صاروا بمنزلة أولاده.
والدليل: اجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وليس فى الشرع جواز أن يتزوج الرجل بأخت ابنه على كل حال فحكم الرضاع مثله
(2)
. وتنشر حرمة الرضاع للأم المرضعة والفحل صاحب اللبن، فيصير الفحل أبا للمرتضع وأبوه جده وأخته عمته، وأخوه عمه، وكل ولد له فهم أخوة لهذا المرتضع
(3)
، وهناك خلاف على عدد الرضعات التى تحرم، فقد جاء فى الخلاف، من أصحابنا من قال ان الذى يحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لم يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى. ومنهم من قال خمس عشرة رضعة وهو الأقوى أو ارضاع يوم وليلة، أو ما أنبت اللحم وشد العظم اذا لم يتخلل بينهن رضاع امرأة أخرى وواحد الرضعة ما يروى به الصبى دون المصة. والدليل: أن الأصل عدم التحريم وما ذكر مجمع على أنه يحرم، وما قالوه ليس عليه دليل. وأيضا عليه اجماع الفرقة الا من شذ منهم ممن لا يعتد بقوله.
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرضاعة من المجاعة» يعنى ما سد الجوع وقال صلى الله عليه وسلم: «الرضاع ما أنبت اللحم وشد العظم» وروى سفيان ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحرم المصة ولا المصتان،
(1)
المرجع السابق ح 2 ص 207، 208.
(2)
كتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى ح 2 ص 318 المسألة رقم 1.
(3)
نفس المصدر السابق ج 2 ص 318 المسألة رقم (2).
ولا الرضعة ولا الرضعتان». وروى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت:
«كان مما أنزل الله فى القرآن أن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى مما نقرأ فى القرآن» ووجه الدلالة أنها أخبرت أن عشر رضعات كان فيما أنزله الله، وقولها:«ثم نسخن بخمس رضعات» قولها ولا خلاف لا يقبل قول الراوى انه نسخ كذا بكذا الا أن يبين ما نسخه لينظر فيه هل هو نسخ أم لا
(1)
؟ والرضاع انما ينشر الحرمة اذا كان المولود صغيرا، فأما ان كان كبيرا. فلو ارتضع المدة الطويلة لم ينشر الحرمة والدليل اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قول الله تبارك وتعالى:«وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ 2» وفيه دليلان.
الأول: أنه جعل الحولين تمام الرضاعة، ومعلوم أنه لم يرد الاسم واللغة ولا الجواز، أنه ينطلق على بعد الحولين، ثبت أنه أراد الرضاع الشرعى الذى يتعلق به الحرمة والتحريم.
الثانى: حده بالحولين، فلا يخلو اما أن يفيد جواز الرضاعة أو الكفاية أو التحريم، فبطل أن يريد الجواز لانه جائز بلا خلاف، وبطل أن يريد الكفاية لأنه قد يكتفى بدون الحولين، فلم يبق الا أنه حده بهذه المدة لان الحكم بها يتعلق لا غير.
وأيضا روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«لا رضاع بعد الحولين» ومعلوم أنه لم يرد سلب الاسم بعد الحولين لأن الاسم ينطلق عليه بعدها، ثبت أنه أراد سلب حكمه
(3)
.
والقدر المعتبر فى الرضاع المحرم ينبغى أن يكون كله واقعا فى مدة الحولين فان وقع بعضه فى مدة الحولين وبعضه خارجا لم يحرم. مثاله: ان من راعى عشر رضعات من أصحابنا أو خمس عشرة رضعة على ما اعتبرناه. فان وقع خمس رضعات فى مدة الحولين وباقيها بعد تمام الحولين فانه لا يحرم الدليل: قول الله سبحانه وتعالى:
«حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ» وما سبق فى المسألة الرابعة
(4)
. ولا فرق بين أن يكون المرتضع مفتقرا الى اللبن أو مستغنيا عنه، فانه متى حصل الرضاع بالقدر الذى يحرم نشر الحرمة والدليل: عموم الأخبار
(5)
. واذا اعتبرنا عدد الرضعات فالرضعة ما يشربه الصبى حتى يروى ولا تعتبر بالمصة ويراعى ألا يدخل بين الرضعة والرضعة رضاع امرأة أخرى فان فصل بينهما برضاع امرأة أخرى بطل حكم الأولى. والدليل اجماع الفرقة
(1)
المصدر نفسه ح 2 ص 320 المسألة رقم (3).
(2)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(3)
الخلاف ج 2 ص 320 المسألة رقم (4).
(4)
نفس المصدر ح 2 ص 320، 321 المسألة رقم (5).
(5)
المصدر نفسه ج 2 ص 321 المسألة رقم (6).
واخبارهم
(1)
.
واذا أوجر اللبن فى حلقه وهو أن يصب فى حلقه صبا ووصل الى جوفه لم يحرم. والدليل ما جاء فى المسألة الأولى وأيضا قول الله سبحانه وتعالى: «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ» وهذه ما أرضعت، ولأن الأصل نفى الحرمة
(2)
واذا سعط باللبن حتى يصل الى دماغه فانه لا ينشر الحرمة. والدليل ما جاء فى المسألة الأولى
(3)
. واذا حقن المولود باللبن لا ينشر الحرمة. والدليل ما جاء فى المسألة الأولى، وأيضا قول الله سبحانه وتعالى:«وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ» وهذه ما أرضعت
(4)
. واذا شيب اللبن بغيره ثم سقى المولود لم ينشر الحرمة غالبا كان اللبن أو مغلوبا، وسواء شيب بجامد كالسويق والدقيق والأرز ونحوه أو بمايع كالماء والخل واللبن، كان مستهلكا أو غير مستهلك.
والدليل قول الله سبحانه وتعالى: «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ» وهذه ما أرضعت ولأن الأصلى نفى التحريم
(5)
واذا جمد اللبن أو غلى لم ينشر الحرمة. والدليل ما سبق فى المسألة الأولى
(6)
. ولبن الميتة لا ينشر الحرمة، ولو ارتضع أكثر الرضعات حال الحياة وتمامها بعد الوفاة لم ينشر الحرمة، والدليل قول الله سبحانه وتعالى:«وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ» وهذه ما أرضعت ولأن الأصل الاباحة، وأيضا قول الله سبحانه وتعالى:«وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ»
(7)
وهذه من وراء ذلك
(8)
. واذا كانت له زوجة مرتضعة فأرضعتها من يحرم عليه بنتها انفسخ النكاح بلا خلاف، ولا يلزمها شئ من المهر اذا لم يكن بأمره. والدليل أن الأصل براءة الذمة
(9)
. واذا أرضعتها من يحرم عليه بنتها مثل أمه أو جدته أو أخته أو بنته وامرأة أبيه بلبن أخيه فانفسخ النكاح لم يكن للزوج على المرضعة شئ، قصدت المرضعة فسخ النكاح أو لم تقصد. والدليل ما جاء فى المسألة الأولى
(10)
واذا كانت له زوجة كبيرة لها لبن من غيره وله ثلاث زوجات صغيرات دون الحولين فأرضعت منهن واحدة بعد واحدة، فاذا رضعت الأولى الرضاع المحرم انفسخ نكاحها ونكاح الكبيرة، فاذا أرضعت الثانية فان كان قد دخل بالكبيرة انفسخ نكاح الثانية، وان لم يكن دخل بها فالنكاح بحاله، لأنها بنت من لم يدخل بها، فاذا أرضعت بعد ذلك الثالثة صارت الثالثة أخت الثانية من رضاع فانفسخ نكاحها ونكاح الثانية. والدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وهذه أخت زوجته من أمها من جهة
(1)
نفس المصدر ج 2 ص 321 المسألة رقم (7).
(2)
كتاب الخلاف فى الفقه ج 2 ص 321 المسألة رقم (8) فى الرضاع.
(3)
نفس المرجع ج 2 ص 321، 322 المسألة رقم (9).
(4)
نفس المرجع ج 2 ص 322 مسألة رقم (10).
(5)
نفس المرجع ح 2 ص 322 مسألة (11)
(6)
نفس المرجع ح 2 ص 322 المسألة رقم (12).
(7)
الآية رقم 24 من سورة النساء.
(8)
كتاب الخلاف ح 2 ص 323 مسألة (14).
(9)
نفس المرجع ح 2 ص 323 المسألة رقم (15).
(10)
نفس المرجع ص 323. المسألة رقم (16).
الرضاع فوجب أن تحرم
(1)
. ولا تقبل شهادة النساء فى الرضاع بحال لا منفردات ولا مع الرجال. والدليل اجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأصل ارتفاع الرضاع
(2)
. واذا قال الرجل لمن هو أكبر سنا منه أو مثله فى السن: هذا ابنى من الرضاع، أو قالت المرأة ذلك سقط قولهما ولم يقبل اقرارهما بذلك. والدليل أن هذا معلوم كذبه فاذا علمنا كذبه أسقطنا قوله
(3)
.
واذا در لبن امرأة من غير ولادة فأرضعت صبيا صغيرا لم ينشر الحرمة. وخالف جميع الفقهاء فى ذلك. والدليل اجماع الفرقة وأخبارهم
(4)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أنه لا ترضع امرأة غير ولدها بلا ضرورة الا باذن زوجها. وقد قيل لأن تجعل ثديها فى فم حية خير لها من فم غير ولدها لا لحاجة، كراهة تشبيك الانساب، ولتشهد على ذلك ان ارادته. وان جعلت ثديها بفم طفل وشكت أنه تجرع لبنها أو قطرته فى أذنه أو عينه أو منخره أو فى جرح بحلقه بتداو أو غيره وشكت فى وصوله الى جوفه فذلك موجب شبهة فلا يتزوجها مخافة أن يكون قد وصل الجوف ولا يصافحها كما يصافح ذات محرم مخافة أن يكون لم يصل، وكذا غيره وغيرها ممن يحرم بهما، وكذا لو فعلت ذلك بطفلة فيحتمل الوصول، فهى بنتها فلا يتزوجها ولدها، ولا يتزوج بنتها ابن الكبيرة. وان وقع التزويج أو المصافحة لم يحكم بالتحريم ولا بالكفر ولا يجب التفريق. وقيل لا بأس بقطرة فى أذن أو دبر، ومعنى هذا أنه لا حد للرضاع فأقل قليل رضاع وهو الصحيح وان صبته فى فيه من اناء أو من يدها أو ثديها ولو قاءه بعد وصوله الى جوفه فرضاع لانه صدق عليه أنه رضعها، والرضاع يكون ولو عن قهر ولو جعلت اللبن فى كماء أو لبن شاة أو غيرها أو بطعام غير يابس فلم يعلم موضع لبن المرأة أو علم موضعه لكنه رطب كثيرا بحيث يسرى فسقته أو أطعمته الكل أو الأكثر فذلك رضاع والأقل شبهة وأن تفرد اللبن فى جانب وتبين ولم يشرب فلا رضاع ولا شبهة وقيل لو قطرت قطرة من لبن امرأة فى بئر فشرب منها صبى لكان رضاعا، وقيل لا، ان استهلكت عين اللبن ولونه وغلب عليه الماء، وقيل لا أيضا، ان كان الماء أكثر وان جعلته بدقيق أو طعام يابس فأطعمته ولو قليله فذلك رضاع ان لم يتبين موضعه أو عجنت به ذلك الطعام. وقيل شبهة ان لم يتبين ولم تطعمه الكل ولا الأكثر، وان تبين لم يكن رضاعا ما لم تطعمه، ولا شك ان عجنته كله به وحده فانه رضاع وان طبخت لبنها فى أرز فأكل منه صبى أو شرب من مائه فشبهة ويكون رضاعا الا ان جف الأرز جفافا لا تلحقه رطوبة منه وتغير واحتمله وذهب عينه واختير الاحتياط وفى الديوان قولان:
اذا ذهب لونه وطعمته فى نحو ماء أو طعام، وان طبخ وحده أو مع غيره حتى غيرته النار لم
(1)
نفس المرجع ص 324 المسألة رقم (18).
(2)
نفس المرجع ص 324 المسألة رقم (19).
(3)
نفس المرجع ص 325 المسألة رقم (21).
(4)
نفس المرجع ص 325 المسألة رقم (22).
يكن رضاعا ولكن صاحب شرح النيل يرى انه رضاع. واذا وقع لبنها فى طعام وتيبس حتى ذهبت رطوبته فأكله الصبى لم يكن رضاعا لزواله ولا يشترط فى اللبن الا زوال رطوبته فى الرضاع وان جعلته فى اناء واحد فشربه طفلان أو أكثر فرضاع وهم أخوة من الرضاع وان جعلت نساء البانهن أو امرأتان فى اناء واحد فشرب طفل بعضه فشبهة بينهن لاحتمال أن يكون البعض المشروب لبن هذه أو لبن هذه أو لبنهن واما هو فقد تحقق انه شرب غير لبن أمه فلا يتزوج ولا يصافح واحدة منهن وان شرب كله فرضاع منهن وان شربه أو شرب بعضه فريق متعدد من الاطفال فشبهة فى حق كل واحد مع الآخر وعليهن جميعا
(1)
وان ألقم صبى الثدى ومص وقعت شبهة والرضاع أولى به وتركت الشبهة وذلك ان كان فيه لبن والمص دون ظهور اللبن لا يوجب رضاعا لأنه قد يمص ولا ينحدر له اللبن الا أنه شبهة ولا يحكم الا بالرضاع أو الا بظهور اللبن فى طرفى شفتيه أو باحساسها اللبن يتحلب منها وبشهادة وقيل اذا رأته يمص وغلب ظنها انه وصل جوفه فرضاع والطفلة كالطفل بالنسبة الى ابن مرضعتها ومن يحرم برضاعها. وان ارضعت ابن حولين قبل الحلول فى الثالث فأقل فتجرعه رضاع ولو استغنى عن الرضاع وقيل ان جمع الاكل والرضاع فرضاع وان اعتمد على الطعام واجتزأ به فليس برضاع لا ان ارضعت ابن ثلاث سنين فأكثر وابن الثلاث هو الداخل فى السنة الثالثة ما لم يخرج منها. فليتزوج مرضعته ومحرماتها هذا الأمر للاباحة.
والاذن ولا يصافحهن ولو لم يستغن عن الرضاع وقيل ان لم يستغن فرضاع حتى يدخل الرابعة وقيل أبعد الربية أربعة أعوام (احتياطا) أى دخول الرابع قائله أبو عبيدة احتياطا وقاله البعض جزما وذكر الريبة والبعد عنها بناء على أن المدار فى الرضاع على اعتماد الصبى على اللبن فى تغذية ويدل على أن المدار على ذلك قول البعض أنه أن اجتزئ بالطعام قبل الخروج من العامين فليس برضاع ووجه الحوطة ما يروى من الزيادة على عامين وشهر عنه صلى الله عليه وسلم «لا رضاع بعد حولين» وروى وأربعة أشهر وروى وستة أشهر وأجمعوا أن للأم أن تطالب الزوج بنفقة الرضاع الى الحولين ولا يحكم لها بها بعدهما كما لو طلب الرضاع بعدهما لم يحكم به عليها: وانه لا يحرم عليه أن يرضع من لبن زوجته - وعلى القول بأن أبعد الريبة أربعة فمن أرضعته دونها لا تتزوجه وهو معنى قولهم ابن سنتين يصافح مرضعته ولا يناكحها لأنها محرمته وابن ثلاث لا يصافح لربية أن لا تحرم عليه ولا يناكح لريبة أن تحرم عليه وابن أربع يناكح لتيقن أنها ليست محرمة له ولا يصافح لذلك أيضا وأما على القول الأول فابن ثلاث كابن أربع
(2)
.
وان دخلت امرأة محلة فأرضعت صبيانا فيها فخفى ذلك على أهلها وقد علموا بالرضاع جازت مناكحة القوم الا من علم انه أخ الآخر.
ومنعها بعض وان كان لرجل أكثر من زوجة
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ح 3 ص 345 - 350 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى بمصر.
(2)
نفس المصدر ح 3 ص 350، 351 نفس المطبعة.
أو كان معها أى مع الزوجة الواحدة أو الزوجات سرية أو سريتان أو أكثر أو تجردت له سريتان أو أكثر فرضيع واحدة من لبنه لا يتزوج رضيع آخر منه لأنه أخوه من أبيه من الرضاع ولا يتزوجها لانه ربيبها من الرضاع لاتحاد الفحل لأن اللبن له وكذا ان كان الرضيع جارية فلا تحل لأحد من ولد الرجل ولو لم تجتمع المرضعات عنده فى المسألتين ولو تقدم الأخ أو الاخت من الرضاعة على الرضيع وكذا فى سائر المسائل. فان ولدت امرأة ثم بانت فتزوجت آخر فأرضعت من لبنه غلاما أو جارية فلا يحل أحدهما لأحد من ولد الأول وله أن يتزوج من ولد الأخيرة من غير المرأة لجواز أن يريد بالرضيع الولد الرضيع ذكرا أو انثى.
ومن طلق زوجة أو مات عنها أو فارقته بوجه ما أو أعتق سرية أو اعتزلها أو باعها ثم تزوجت غيره أو تسراها فان مسها الثانى انقطع اللبن عن الأول الى الثانى، ولو كانت ترضع ولد الأول فيحل له تزوج امرأة الأول وأمها وبنتها وخالتها ونحوهن. وقبل المس تحرم عليه هؤلاء ويحللن له من الثانى. وقيل لا ينقطع حتى تحمل من الثانى وقيل حتى تحمل منه وتضع والمس هنا هو الجماع فلا ينقطع اللبن بمس فرج بيد ولا بنظر.
قال فى الديوان يكون اللبن لمجنون ان مس بالغة ولعبد ومشرك لا لطفل ويكون لناكح فاسدا ولواطئ فى دبر أو فيما دون أو فى حيض أو نفاس أو بزنا لا لماس فرجا بيد ولا لناظر بطن جسد أى ولو باطن فرج ولا لمجبوب ولا لواطئ فى نكاح حرام بعمد ويقطع الزوج البالغ اللبن اذا مس مسا تاما أى بأن غابت الحشفة فلو لم تغب لم يقطع قال وكل مس يقطع اللبن اذا كان يثبت به اللبن الا المس فيما دون الفرج. فانه يثبته ولا يقطعه ولا مس طفل بزنا ولا بنكاح محرم عمدا كنكاح خائنة أو فى عدة ويقطعه بنكاح فاسد والذبد كاللبن وفى المنجوس قولان.
والمغصوب والمسروق رضاع. ولبن الرجل لا يكون رضاعا وقيل يكون ويكونه لبن الخنثى ولا يتزوج أب زان بامرأة كأبنة رضيعها من لبنه اذا كان الرضيع انثى وكذا الآباء والامهات صاعدا أو سافلا من الجهتين والأبناء كذلك وذلك أن يزنى بامرأة فتحل بزناه ولا زوج لها بذلك اللبن ينسب اليه فلا يتزوج ما أرضعت به ولا يتزوج ما أرضعته والده ولا والدته ولا ولده ونحوهم مما يحرم لو كانت تلك زوجته وكان من أرضعته ولدا له وان كان لها زوج فاللبن له لا يقطعه الزانى فالولد له لا للزانى فلا يحرم من رضعها بعد زناه بها عليه فى ظاهر الحكم ولا على من فوقه أو تحته ويستحب له أن يجتنب ذلك فانه شبهه
(1)
وحرم ارضاع طفل لبن امرأة ميتة لانه نجس حرام فلا يحل الا لضرورة وهو رضاع ان وقع من امرأة ميتة ان خرج من ثديها شئ ولو لم يعرف ما هو وقيل لا.
وعلى انه رضاع هل يتجاوزها الى غيرها فلا يتزوج بنتها ولو سفلت ولا امها ولو علت أو لا؟ قولان: ولبن أمة من عبد ومشركة من مشرك رضاع وهل يتجاوزهما وينشر الحرمة فى أولادهما وامهاتهما كحرة ومسلمة أو لا يتجاوزهما؟ خلاف. والأول أصح عند بعض،
(1)
المصدر نفسه ح 3 ص 351، 352 نفس المطبعة
ووجهه عموم لفظ الرضاع ووجه من قال لا يتجاوز ان التحريم بالرضاع محمول على التحريم بالأم والمشركة لا تكون أما لولد مسلم الا ان كانت كتابية لأنها لا تحل له وكذا الميتة فاقتصر فى المشركة عليها، ولا بد لعموم ظاهر «وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم» فى الميتة ولعموم لفظ الرضاع فى الأحاديث والأمة ولو صح أن تكون أما لولد مسلم لكن قد عارض التحريم بها أن ولد الأمة عبد ومن أرضع أمة يكون كولدها ولا سبيل الى تصييره عبدا بلبنها مع انه ولد حرة فألغى كون ذلك رضاعا الا فى حقها ومما يؤكد التجاوز فى الميتة حديث «حرمة موتانا كحرمة أحيائنا» . وكون أرش الميت كأرش الحى واما لبن أمة من حر ولبن مشركة من مسلم فينشر الحرمة لقوته بالحر والمسلم فان اللبن للزوج فالتحريم فى جانبه لأن اللبن له وفى جانبها لأنها مرضعة وكذا لبن حرة من عبد يقوى بها فينشر الحرمة وقال فى الديوان «لبن المشركة والأمة اذا مسهما فحل بحرام فهو رضاع لا يجاوزهما كالحرة الموحدة وقيل يجاوزهما» .
ومعنى كونه لا يجاوزهما هو انه لا يتعداهما الى بناتهما وامهاتهما وظاهره اختيار انه لا يجاوزهما ولكن خص المسألة بمس الحرام والظاهر أن لبن الحرة الموحدة يتجاوزهما قطعا وهو الحق وعليه الجمهور.
فمن له امرأتان ترضع احداهما صبيا والأخرى صبية وليسا منه فالجمهور على تحريم تناكحهما وغيرهم على جوازه وعلى قول الجمهور لا يتزوج بنته من رضاع وهى التى رضعت من لبنه ولا اخته وهى بنت مرضعته وبنت من رضع من لبنه ولا عمته ولا خالته وبنت أخيه أو أخته ولا امرأة من ولد مرضعته كانت بنت ابن أو بنت بنت ولا ولد ولد الذى رضع من لبنه. ومن زنا بأمرأة فأرضعت جارية حرمتا عليه ولك أن تتزوج أم بنتك من رضاع واختها ومرضعة اخيك
(1)
.
وأن اسلمت مشركة فما أرضعته بشرك فكرضاع المشركات فى أنه هل ينشر الحرمة أو لا قولان وما أرضعته فى الاسلام فرضاعه كرضاع المسلمات فى نشر الحرمة على المذهب الحق. وكذا رضاع أمة قبل العتق كرضاع الأمة من لبن عبد فى أنه هل ينشر الحرمة أم لا؟ ورضاعها بعد العتق كرضاع الحرة فى نشر الحرمة وما أرضعته أمة من لبن حر متزوج لها أو متسر فكرضاع الحرائر فى النشر وكذا ما أرضعت كتابية معاهدة من لبن مسلم فكرضاع المسلمات فى النشر وما أرضعت حرة من لبن عبد فكرضاع الحرائر فى النشر وكذا لا يراعى الزوج فيما أرضعته مسلمة من مشرك فانه يكون رضاع كرضاع المسلمة الحرة لا كرضاع المشركة. وتصوير ذلك أن تتزوج على أنه مسلم فظهر انه مشرك، أو يزنى مشرك بمسلمة لا زوج لها فتبين اللبن مته، وأن تسلم مشركة تحت مشرك وقد حملت منه أو كان منه لبن ولا يقيم عليها. وأن أسلمت مشركة بعد ما حملت من شرك فرضاعها كرضاع مسلمة.
والزبد من لبن المرأة وكل ما تحصل من لبنها كاللبن، والضابط هو أن اللبن تابع للحرية والاسلام اذا اجتمع أحدهما مع ضده وكذا الزبد
(2)
وان تغير لبن بدم أو قيح أو بهما فتجرعهما فهو موجب للشبهة ولو كان اللبن مغلوبا من باب التحرج والتورع لا يتزوج ولا يصافح وأما الحكم فللأغلب. فان كان
(1)
نفس المصدر ح 3 ص 352، 354.
(2)
نفس المصدر ح 3 ص 354.
اللبن مغلوبا فلا رضاع أو غالبا فرضاع وان استوى بغيره رجح الجزم بأنه رضاع
(1)
.
واختلف فى رضاع لبن جارية بكر أو ثيب قبل أن يمسها فحل لا حلالا ولا حراما والمراد هنا البالغ وفى عجوز لم يمسها وفى طفلة. وجه القول بأن ذلك رضاع عموم لفظ الرضاع ووجه القول بأنه غير رضاع أنها ليست زوجة قط لأحد، ولا كان اللبن لأحد. والتحريم بالرضاع انما هو محمول على أصله الذى هو ارضاع الوالدة ولدها. ولبن ثدى الرجل أو الطفل رضاع. وفيما حلبته امرأة من ثديها مشوبا لا خالص لبن هل هو رضاع شرعى أو لا؟ قولان ثالثهما أنه رضاع ان كان ينبت اللحم وعنه صلى الله عليه وسلم لا رضاع الا ما شد اللحم رواه ابن مسعود وعنه صلى الله عليه وسلم «لا يحرم من الرضاع الا ما فتق» روته أم الفضل وعلى هذا القول لا يقع التحريم بلبن قديم ضعيف طال عهده فى المرأة بحيث لا يغذى ولا ينبت اللحم. ولبن الخنثى رضاع. وان قالت أرضعت فلانا وفلانة حرم تناكحهما ولو قالت بعد كذبت. وفرق بينهما حتما ان سبق قولها بأنها أرضعتهما تناكحهما. وقد قيل لو نطق طائر برضاع لم يجز الاقدام على التزوج لا ان قالت أرضعتهما بعد نكاح ظاهر وحضرته بأن كانت فى البلد بحيث يصلها فى العادة. وان غابت وبلغها الخبر بالتزوج، فقالت ذلك وكانت فى البلد بحيث يصلها فى العادة. وان غابت وبلغها الخبر بالتزوج فقالت ذلك فرق، كما اذا بلغتها ارادة التزوج فقالته أو لما قدمت اخبرتهم بأنها أرضعتهما وتصدق ان ادعت نسيانا انها لم تخبرهم بالارضاع لنسيانها اياه وكانت متولاه والا لم تصدق الا ببيان وقيل تصدق ان ادعت نسيانا لو غير متولاه ويقبل قولها مطلقا فى انسان ممكن أن ترضعه. وان أرضعته ولو قالت انها أرضعت من هو أكبر منها أو مثلها أو دونها ولم تفقه بسبع سنين ولا بست وبعض السابعة أو فاقته بها وقد تبين انها حينئذ لا تتزوج أو لم يكن لها لبن فى وقت ادعت ارضاعه لم يكن قولها بشئ. ومن أقر بمحرمة من رضاع ثم ادعى غلطا أو نسيانا أو خطأ فله تزوجها أن صدقته وان لم يدع فرقا. ويقبل اقراره فى الحرمة للأم لا عليها فى الصداق وان أقرت المرأة وأنكر ثم كذبت نفسها وقالت أخطأت فتزوجها جاز ولا يقبل قولها بعد التزوج الا ان صدقها أو بينت وأن صدقت افتدت وأن تزوجها قبل أن تكذب نفسها لم يفرقا ويؤمر بتركها. وان ادعى وتزوجته قبل أن يكذب نفسه ثم كذب نفسه فسد وقيل لا كأعمى أشار لاخته فأخطأ بأمرأته فقال هذه اختى ورد بأنه لا للمبصر الرجوع، وكذا فى العتق ومن أدعى حرمة رضاع أو نسب وقد علم خلافها لم يفرقا وأن لم يعلم فرقا. وان باعت عبدا فادعى انها أرضعته لم يقبل فى ذلك ولو صدقته الا عدلان شهدا باقرارها قبل، فان كان ردت الثمن ورجع العبد اليها.
وجازت شهادة المرضعة ولو لم تسأل وقيل ولا رجوع لشهادة بالرضاع وان قال أمينان فلانة أرضعت فلانا وفلانة أو أحدهما وقالت لم أرضعهما نقول الأمناء أحق من قولها وأما أهل الجملة فلا يؤخذ بقولهم مع انكارها ولو كثروا الا عند من أجاز الحكم بشهادتهم ولو وقع الانكار ما لم يسترابوا فانه يؤخذ بقولهم وهو أحوط وهل تقبل شهادة النساء
(1)
المصدر نفسه ح 3 ص 355 نفس المطبعة
برضاع أن فلانة أرضعت فلانا أو فلانة أو أنى أرضعتهما ولو وجدهن أولا؟
قولان: وعلى الأول فهل تقبل من أربع أو اثنتين أو واحدة مرضية وتستحلف أو لا تستحلف أقوال ومذهبنا جواز الواحدة الأمينة المرضعة حرة أو أمة ولو بعد النكاح وترد من غيرها بعد الدخول وقيل ترد بعد العقد ولو لم يكن الدخول ويؤمر بقبول قولها قبد الدخول لا وجوبا ولا يقبل العراقيون قول المرضعة ولو أمينة وجازت من عدلين عن مرضعة ان ماتت أو جنت أو غابت لا دون ذلك. وصدق بعض المجوسية ان لم تتهم وكذا سائر المشركات وجازت شهادة الذميين فى الرضاع وأجيزت الأمة الكتابية ان لم تتهم وان أخبرت غير الأمينة برضاع بعد العقد فقال الزوج أصدقها ولا أقوم على شبهة فان قالت الزوجة كذلك افترقا بلا طلاق ولا صداق والا وحاكمته حكم عليه بالطلاق ونصف الصداق وقال صاحب النيل فى بعض مختصراته اختلف فى شهادة المرضعة قبل العتق ان كانت غير عدلة ولا يفرق بين الزوجين بعد الجواز الا بعدلة وقيل بعدلين وجازت من الذمية ان كانت عدلة فى دينها وقيل لا.
وجازت من الأم لا الأب على البنت بالرضاع وعن أبى عبد الله لا تجوز المرأة وحدها الا على ارضاعها لأحد دون ارضاع سواها لأحد وجازت عند بعض من قابلة عدلة وان قالت امرأة لم أرضعهما ثم قالت أرضعتهما ونسيت أو بالعكس قبلت مطلقا ان عدلت وقيل ان نفت وعلمت بنكاحهما ورأتهما مجتمعين فلم تشهد حتى مضى زمان اتهمت وردت وان شهدت ثم رجعت قبل أن يفرق قبلت وان رجعت بعد التفريق ردت وغرمت الصداق وتم التفريق.
وان قالت أرضعتهما ثم أنكرت رد قولها الأول وقيل اذا قالت ثم رجعت قبل الحكم ثم شهدت بذلك بينة رد الأول لرجوعها عنه وان شهدت أمة انها أرضعت مولاها فلا تجب له بيعها ولا نكاحها ولا ما ولدت وجوز بيعها لأنها تجر نفعا لنفسها ومن خطب امرأة أو أراد تسريها فزعمت زوجته أو سريته أو غيرهما أنها أرضعتها أو أرضعت من لا تحل به المخطوبة ثم كلما أراد أمرأة بنكاح أو تسر قالت أرضعتها أو من لا تحل به دفع قولها ان استربيت وان لم تسترب أو قالت ذلك بعدلين قبل العقد أو التسرى صدقت وقيل أن متولاة. ومن تزوج محرمة برضاع بلا علمه ثبت النسب ولو علمت وان علم الأب ضمن له الصداق وعوقب.
وان خطب امرأة فقال أبوه أو من تحرم به مستها أو أرضعتها أو رضعتنى تركها وان قالوا بعد العقد أو المس لم يصدقوا وقيل يصدقون قبل المس وقيل يصدقون ولو بعده ان ادعوا نسيانا ولو حضروا أو لم يتولوا وأن تزوج امرأة وطفلة فأرضعتها فارقها وأن فى عقدة فارقها وجدد للطفلة وان مسها فارق الكبيرة أو مسهما فارق الطفلة وقيل حرمتا وأن مسها فارق الطفلة وان تزوج امرأة وطفلتين فأرضعت واحدة فارقها وأمسكها وان أرضعتهما استأنف لواحدة، وان مس الكبيرة فارقهما وكذا ان مسهما فأرضعتهما، وان مسهما فارقها وجدد لواحدة وكذا ان مس احداهما وان تزوج أربعا فأرضعتهن أجنبية استأنف لمن شاء وقيل يقيم على من شاء.
ومن تزوج طفلة فأرضعتها من تحرم به أصدقها ورجع على المرضعة أن تعمدت التحريم وان كانت أمة فعلى ربها قيمتها فأقل
(1)
.
أم الفروخ «أم الأرامل»
معنى أم الفروخ:
أم الفروخ مسألة من مسائل الميراث العائلة، أى التى تزيد سهام الورثة فيها عن سهام التركة ومعنى هذا الاسم أنها شبهت بالطائر الذى له فروخ كثيرة كالدجاج ونحوه، لكثرة السهام العائلة فيها. فلذلك سميت بهذا الاسم كما سميت بالشريحية لأن أول من قضى فيها القاضى شريح الكندى.
صورة المسألة:
ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وأختين من الأم وأختين من الأب والأم.
حكم التوريث فيها:
للزوج النصف، وللأم السدس، وللأختين من الأم الثلث، وللأختين من الأم والأب الثلثان.
فأصلها من ستة وتعول الى عشرة، وهو أكثر ما تعول اليه الفرائض: لأنها عالت بثلثيها.
وقد اتفقت المذاهب الاسلامية على ذلك
(2)
.
مسائل أخرى مماثلة لأم الفروخ
أم الأرامل:
وسميت بهذا الاسم لأن أهل الفرض كلهم نساء وتسمى أم الفروخ أيضا.
وصورتها:
مات رجل وخلف ثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات من الأم وثمانى أخوات من الأب والأم. فللزوجات الربع وللجدتين السدس وللأخوات من الأم الثلث وللأخوات من الأب والأم الثلثان.
وأصلها من اثنى عشر وهو أكثر ما يعول اليه هذا الأصل
(3)
.
كما تسمى هذه المسألة أيضا بالدينارية الصغرى على أساس أنها تقسم بعولها الى سبعة عشر حيث المال فى التركة سبعة عشر دينارا
(4)
.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 355 - 357 نفس المطبعة.
(2)
راجع السراجية وشرحها والمهذب فى هامشه ح 2 ص 28 وبلغة السالك ح 2 ص 453.
(3)
شرح المهذب فى فقه الشافعية للامام الشيرازى ج 2 ص 38.
(4)
بلغة السالك لأقرب المسالك فى فقه المالكية للامام الشيخ أحمد الصاوى ح 2 ص 454.
«أم ولد»
التعريف فى اللغة:
أم ولد مركب اضافى يلاحظ طرفاه فيمن يطلق عليه، فتعريفه لغويا يقتضى تعريف كل من طرفيه فى اصطلاح اللغويين.
أما كلمة (أم) بضم الهمزة فهى اسم من الفعل أم، يقال أمت المرأة وتؤم أمومة صارت أما. وأمت المرأة ولدا صارت له كالأم.
والأم بضم الهمزة: أصل الشئ (للحيوان والنبات)، والأم: الوالدة وتطلق على الجدة، يقال حواء أم البشر. ويتغير معناها تبعا لتغير ما تضاف اليه وما توصف به، فأم الكتاب فاتحته وأم النجوم المجرة وأم الطريق الأعظم بجانبيه طرق أخرى، وأم المثوى مدبرة المنزل، وأم القرى مكة، وأم الرأس الدماغ، وأم الخبائث الخمر.
والأم الحنون (فى التشريح):
الغشاء الوعائى الرقيق المؤلف للطبقة الداخلة من الأغلفة الثلاثة المحيطة بالمخ والحبل الشوكى
(1)
. وأما كلمة ولد، فالولد كل ما ولد ذكرا كان أو أنثى، مفردا أو مثنى أو جمعا.
فأم الولد هى كل من ولد لها ولد
(2)
.
التعريف فى اصطلاح الفقهاء:
جرى استعمال الفقهاء لكلمة (أم ولد) على معنى: الجارية التى استولدها سيدها فصارت أم ولد، مع اختلاف فى الشروط والأسباب
(3)
.
سبب صيرورة الجارية أم ولد
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» أن سبب صيرورة الجارية أم ولد لسيدها هو ثبوت نسب الولد لأن الوط ء المعلق أوجب الجزئية بين المولى والجارية بواسطة الولد لاختلاط الماءين وصيرورتهما شيئا واحدا وانخلاق الولد منه فكان الولد جزءا لهما وبعد الانفصال عنها ان لم يبق جزءا لها على الحقيقة فقد بقى حكما لثبوت النسب، ولهذا تنسب كل الأم اليه بواسطة الولد، يقال أم ولده، فلو بقيت حقيقة الحرية لثبتت حقيقة الحرية للحال، فاذا بقيت حكما ثبت الحق على ما عليه وضع مأخذ الحجج فى ترتيب الأحكام على قدر قوتها وضعفها، والى هذا المعنى أشار عمر رضى الله تعالى عنه فقال أبعد ما اختلطت لحومكم بلحومهن ودماؤكم بدمائهن تريدون بيعهن. ثم اختلف أصحابنا رحمهم الله تعالى فى كيفية هذا السبب، فقال علماؤنا الثلاثة:
السبب هو ثبوت النسب شرعا، وقال زفر رحمه الله تعالى:
هو ثبوت النسب مطلقا، سواء ثبت شرعا أو حقيقة وبيان هذه الجملة فى مسائل، اذا تزوج جارية انسان فاستولدها ثم ملكها صارت أم ولد له عند أصحابنا لأن سبب الاستيلاد وهو ثبوت النسب وقد ثبت فتحقق
(1)
لسان العرب لابن منظور والقاموس المحيط لفيروزابادى ح 4 ص 75، 76 مادة (أم) الطبعة الخامسة والمعجم الوسيط اخراج لجنة من مجمع اللغة العربية بمصر ح 1 ص 26، 27 طبع مطبعة مصر سنة 1380 هـ سنة 1860 م.
(2)
المعجم الوسيط ح 2 ص 1069 الطبعة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 4 ص 123 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م والتاج والاكيل لشرح مختصر خليل لابى عبد الله محمد بن يوسف بن أبا القاسم العبدرى الشهير بالمواق ح 6 ص 355 فى كتاب على هامشه مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.
السبب، الا أنه توقف الحكم على وجود الملك فتعذر اثبات حكمه وهو حق الحرية فى غير الملك كما يتعذر اثبات الحقيقة فى غيره فتأخر الحكم الى وقت الملك. وعند الشافعى رضى الله تعالى عنه لا تصير أم ولد له.
وهو قول ابراهيم النخعى رضى الله تعالى عنه لان السبب عنده علوق الولد حرا على الاطلاق ولم يوجد لان الولد رقيق فى حق مولاه. واذا ملك ولده الذى استولده عتق عليه بالاجماع.
أما عندنا فلأنه ملك ذا رحم محرم منه فيعتق. واما عنده فلأنه ملك ولدا ثابت النسب منه شرعا.
وكذلك اذا ثبت النسب من غير مالك الجارية بوط ء بشبهة ثم ملكها فقد صارت أم ولد له حين ملكها عندنا لوجود السبب وعنده لا تصير أم ولد لانعدام السبب. ولو ملك الولد عتق لما قلنا، ولو زنى بجارية فاستولدها بأن قال زنيت بها أو فجرت بها أو قال هو ابنى من زنا أو فجور وصدقته وصدقه مولاها فولدت ثم ملكها لم تصر أم ولد له عند أصحابنا الثلاثة وهو استحسان، والقياس ان تصير أم ولد له وهو قول زفر رحمه الله تعالى بناء على ان السبب عنده ثبوت النسب مطلقا وقد ثبت النسب حقيقة بدليل انه لو تملك الولد عتق عليه بلا خلاف بين أصحابنا، والسبب عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى هو ثبوت نسب الولد شرعا، ولم يثبت
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «مواهب الجليل» نقلا عن ابن الحاجب رحمه الله تعالى أن الأمة تصير أم ولد بثبوت اقرار السيد بالوط ء وثبوت الاتيان بولد حى أو ميت علقة فما فوقها مما يقول النساء انه حمل. ولو ادعت سقطا من ذلك ورأى النساء أثره اتبع
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «مغنى المحتاج» انه اذا أحبل رجل حر مسلم أو كافر أصلى أمته بان علقت منه ولو سفيها أو مجنونا أو مكرها أو أحبلها الكافر حال اسلامه قبل بيعها عليه بوط ء مباح أو محرم فولدت ولدا حيا أو ميتا.
أو ما تجب فيه غرة كمضغة ظهر فيها صورة آدمى، وان لم تظهر الا لأهل الخبرة عتقت من رأس المال بموت السيد
(3)
.
شروط صيرورة الأمة أم ولد
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» ان شرط لاستيلاد هو شرط ثبوت النسب شرعا وهو الفراش، ولا فراش الا بملك اليمين أو شبهة أو تأويل
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 4 ص 124، 125 الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالخطاب ح 6 ص 755 فى كتاب على هامش التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 492 فى كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
الملك أو ملك النكاح أو شبهته.
ولا تصير الأمة فراشا فى ملك اليمين بنفس الوط ء بل بالوط ء مع قرينة الدعوى عندنا، فلا يثبت الاستيلاد بدون الدعوة.
ويستوى فى الاستيلاد ملك القنة والمدبرة لاستوائهما فى إثبات النسب الا أن المدبرة إذا صارت أم ولد بطل التدبير لأن أمية الولد أنفع لها.
الا ترى أن أم الولد لا تسعى لغريم ولا لوارث، والمدبرة تسعى.
ويستوى فى ثبات النسب ملك كل الجارية وبعضها وكذا فى الاستيلاد، حتى لو أن جارية بين اثنين علقت فى ملكهما فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه وصارت الجارية كلها أم ولد له بالضمان وهى نصف قيمة الجارية - ويستوى فى هذا الضمان اليسار والاعسار، ويغرم نصف العقر لشريكه ولا يضمن من قيمة الولد شيئا.
أما ثبوت النسب فلحصول الوط ء فى محل له فيه ملك لان ذلك القدر من الملك أوجب ثبوت النسب بقدره والنسب لا يتجزأ، واذا ثبت فى بعضه ثبت فى كله، ضرورة عدم التجزئ ولأن النسب ثبت بشبهة الملك فلأن يثبت بحقيقة الملك أولى.
وأما صيرورة الجارية كلها أم ولد له فالنصف قضية للتسبب لان نصف الجارية مملوك له والنصف الآخر اما باعتبار أن الاستيلاد لا يتجزأ فيما يمكن نقل الملك فيه.
فاذا ثبت فى البعض ثبت فى الكل لضرورة عدم التجزئ، واما باعتبار أنه وجد سبب التكامل وهو النسب على كونه متجزئا فى نفسه لان سبب الاستيلاد هو ثبوت النسب والنسب لا يتجزأ والحكم على وفق العلة فثبت الاستيلاد فى نصيبه قضية للسبب، ثم يتكامل فى الباقى بسبب النسب، واما باعتبار سبب آخر أوجب التكامل على ما عرف فى الخلافيات.
ثم لا سبيل الى التكامل بدون ملك نصيب شريكه فيصير متملكا نصيب شريكه ضرورة صحة الاستيلاد فى ذلك النصيب، ولا سبيل الى تملك مال الغير من غير بدل فيتملكه بالبدل وهو نصف قيمتها، وانما استوى فى هذا الضمان حالة اليسار والاعسار لأنه ضمان ملك كضمان المبيع.
واما وجوب نصف العقر فلوجود الاقرار منه بوط ء ملك الغير وأنه حرام الا أن الحد لم يجب لمكان شبهة لحصول الوط ء فى ملكه وملك شريكه، فلا بد من وجوب العقر ولا يدخل العقر فى ضمان القيمة لان ضمان نصف القيمة ضمان الجزء وضمان البضع ضمان الجزء، ولأن منافع البضع لها حكم الأجزاء، وضمان الجزء لا يدخل فى مثله، وأما عدم وجوب نصف قيمة الولد فلأنه يملك نصيب شريكه بالعلوق السابق فصار الولد جاريا على ملكه فلا يكون مضمونا عليه، ولأن الولد فى حال العلوق لا قيمة له فلا يقابل بالضمان، ولأنه كان بمنزلة الأوصاف فلا يفرد بالضمان.
ويستوى فى ثبوت النسب وصيرورة الجارية أم ولد ملك الذات وملك اليد كالمكاتب اذا استولد جارية من اكسابه.
ويستوى فى دعوة النسب
حالة الصحة وحالة المرض لان النسب من الحوائج الأصلية، وكذلك اذا ادعاه أحدهما وأعتقه الآخر وخرج القول منهما معا فعتقه باطل ودعوة صاحبه أولى لأن الدعوة استندت الى حالة متقدمة، وهى العلوق.
والعتق وقع فى الحال فصارت الدعوة أسبق من الاعتاق، فكانت أولى وان ادعياه جميعا فهو ابنهما والجارية أم ولد لهما تخدم لهذا يوما ولذاك يوما، ولا يضمن واحد منهما من قيمة الأم لصاحبه شيئا، ويضمن كل واحد منهما نصف العقر فيكون قصاصا.
أما ثبوت النسب منهما فمذهبنا، واما صيرورة نصيب كل واحد منهما من الجارية أم ولد فلثبوت نسب ولدها منه فصار كأنه انفرد بالدعوة، وانما لا يضمن أحدهما للآخر شيئا من قيمة الأم لأن نصيب كل واحد منهما لم ينتقل الى شريكه وانما ضمن كل واحد منهما لصاحبه نصف العقر لوجود سبب وجوب الضمان وهو الاقرار بالوط ء فى ملك الغير فيصير أحدهما قصاصا للآخر لعدم الفائدة فى الاستيفاء، وكذلك لو كانت الجارية بين ثلاثة أو أربعة أو خمسة فادعوه جميعا معا يثبت نسبه منهم وتصير الجارية أم ولد لهم فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبى يوسف لا يثبت النسب من أكثر من اثنين، وعند محمد لا يثبت النسب من أكثر من ثلاثة وان كان الأنصباء مختلفة بأن كان لأحدهم السدس ولآخر الربع ولآخر الثلث ولآخر ما بقى يثبت نسبه منهم ويصير نصيب كل واحد منهم من الجارية أم ولد له لا يتعدى الى نصيب صاحبه حتى تكون الخدمة والكسب والغلة بينهم على قدر أنصبائهم لأن كل واحد منهم ثبت الاستيلاد منه فى نصيبه فلا يجوز أن يثبت فيه استيلاد غيره
(1)
.
ولو كانت الأمة بين الأب والابن فجاءت بولد فادعياه جميعا معا ثبت النسب منهما جميعا عند زفر رحمه الله تعالى لأنهما استويا فى سبب الاستحقاق وهو أصل الملك، فيستويان فى الاستحقاق.
أما عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله تعالى فالأب أولى لان نصف الجارية ملكه حقيقة وله حق تمليلك النصف الآخر، وليس للابن الا ملك النصف، فكان الأب أولى، ويتملك نصيب الابن من الجارية بالقيمة ضرورة ثبوت الاستيلاد فى نصيبه لأنه لا يتجزأ، فلا يتصور ثبوته فى البعض دون البعض كما فى الجارية المشتركة بين الأجنبيين، ويضمن كل واحد منهما للآخر نصف العقر لان الوط ء من كل واحد منهما فى قدر نصيب شريكه حصل فى غير الملك كما فى الأجنبيين يضمن كل واحد منهما نصف العقر للآخر ثم يكون النصف بالنصف قصاصا كما فى الأجانب.
وهذا بخلاف حالة الانفراد، فان أمة لرجل اذا جاءت بولد فادعاه أبوه ثبت نسبه منه ولا عقر عليه عند أصحابنا الثلاثة لأن هناك صار متملكا الجارية ضرورة صحة الاستيلاد سابقا عليه أو مقارنا له لانعدام حقيقة الملك فجعل الوط ء فى الملك، وههنا
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ح 4 ص 125، ص 126 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.
الاستيلاد صحيح بدون التملك لقيام حقيقة الملك فى النصف فلا حاجة الى التملك لصحة الاستيلاد وهو صحيح بدونه، وانما يثبت ضرورة ثبوت الاستيلاد فى نصيبه لأنه يحتمل التجزئ. وكذلك الجد عند عدم الأب لأنه بمنزلة الأب عند عدمه ولو كان بين الجد والحافد جارية فجاءت بولد فادعياه معا والأب حى يثبت النسب منهما جميعا لأن الجد حال قيام الأب بمنزلة الأجنبى، ولو ادعى الولد أحد المالكين وأب المالك الآخر فالمالك أولى لأن له حقيقة الملك ولأب المالك الآخر حق التملك فكان المالك الحقيقى أولى.
هذا كله اذا كان الشريكان المدعيان حرين مسلمين، فان كان أحدهما حرا والآخر عبدا فالحر أولى لأن إثبات النسب منه أنفع حيث يصل هو الى حقيقة الحرية وأمه الى حق الحرية، وكذلك لو كان أحدهما حرا والآخر عبدا مكاتبا، فالحر أولى لان الولد يصل الى حقيقة الحرية ولو كان أحدهما مكاتبا والآخر عبدا فالمكاتب أولى لانه حر يدا فكان أنفع للولد، ولو كانا عبدين يثبت النسب منهما جميعا، لكن هل يشترط فيه تصديق المولى؟ فيه روايتان، ومنهم من وفق بين الروايتين فحمل شرط التصديق على ما اذا كان العبد محجورا، وحمل الأخرى على ما اذا كان مأذونا عملا بهما جميعا.
ولو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا فالمسلم أولى استحسانا، والقياس ان يثبت نسبه منهما وهو رواية الحسن عن أبى حنيفة وزفر رضى الله تعالى عنهم.
وجه القياس ان النسب حكم الملك وقد استويا فى الملك فيستويان فى حكمه كما فى سائر الأحكام المتعلقة بالملك.
ووجه الاستحسان ان اثبات النسب من المسلم أنفع للصبى لأنه يحكم باسلامه تبعا له.
وكذلك لو كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا، فالقياس ان يثبت النسب منهما لاستوائهما فى الملك، وفى الاستحسان الكتابى أولى لأنه أقرب الى الاسلام من المجوسى فكان أنفع للصبى.
ولو كان أحدهما عبدا مسلما أو مكاتبا مسلما والآخر حرا كافرا فالحر أولى لأن هذا أنفع للصبى لأنه يمكنه أن يكتسب الاسلام بنفسه اذا عقل ولا يمكنه اكتساب الحرية بحال ولو كان أحدهما ذميا والآخر مرتدا فهو ابن المرتد لان ولد المرتد على حكم الاسلام، ألا ترى أنه اذا بلغ كافرا يجبر على الاسلام، واذا أجبر عليه فالظاهر انه يسلم فكان هذا أنفع للصبى.
هذا كله اذا خرجت دعوة الشريكين معا، فأما اذا سبقت دعوة أحدهما فى هذه الفصول كلها كائنا من كان فهو أولى لان النسب اذا ثبت من انسان فى زمان لا يحتمل الثبوت من غيره بعد ذلك الزمان.
هذا اذا حملت الجارية فى ملكهما فجاءت بولد فادعاه أحدهما أو ادعياه جميعا، فاما اذا كان العلوق قبل الشراء بأن اشترياها وهى حامل فجاءت بولد فادعاه أحدهما.
فأما حكم نسب الولد وصيرورة الجارية أم ولد له وضمان نصف قيمة الأم موسرا كان أو
معسرا فلا يختلف، ويختلف حكم العقر والولد فلا يجب العقر هنا ويجب هناك لأن الاقرار بالنسب هنا لا يكون اقرارا بالوط ء لتيقننا بعدم العلوق فى الملك بخلاف الأول، والولد يكون بمنزلة عبد بين شريكين أعتقه أحدهما لان ابتداء العلوق لم يكن فى ملكه فلم يجز اسناد الدعوى الى حالة العلوق الا أنه ادعى نسب ولد بعضه على ملكه ودعوى الملك بمنزلة انشاء اعتاق، ولو أعتق هذا الولد يضمن نصيب شريكه منه ان كان موسرا ولم يضمن ان كان معسرا، كذا هذا، بخلاف ما اذا علقت الجارية فى ملكهما لأن هناك استندت الدعوة الى حال العلوق فسقط الضمان، وهنا لا تستند فلا بد من افراد الولد بالضمان والولاء بينهما، وان ادعياه فهو بينهما ولا عقر لواحد منهما على صاحبه كما فى الأول ولا يفترقان الا فى الولاء فان ثبت هنا لا يثبت هناك لان الدعوة ثمة دعوة الاستيلاد فيعلق الولد حرا، والدعوة هنا دعوة تحرير، وهو يوجب استحقاق الولاء.
قال صلى الله عليه وسلم: الولاء لمن أعتق.
ولو كانت الجارية المشتراة زوجة أحدهما فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه من الزوج من غير دعوة لانها اذا جاءت به لأقل من ستة أشهر فقد تيقنا أن علوق الولد كان من النكاح، وعقد النكاح يوجب الفراش بنفسه ويضمن نصف قيمة الجارية لانها صارت أم ولد له فصار متملكا نصيب شريكه بالقيمة ولا يضمن قيمة الولد لانه عتق عليه من غير صنعه
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «الشرح الكبير» وحاشية الدسوقى عليه ان السيد اذا أقر فى صحته أو مرضه بوط ء أمته وأنه أنزل وأتت بولد كامل لستة أشهر فأكثر من يوم الوط ء وادعت انه معه وان لم تثبت ولادتها له أو ثبت القاؤها علقة فانها تصير به أم ولد وتعتق من رأس المال.
ولو ادعت الأمة أو غيرها أن ولدها منه وأنكر أن يكون منه فلا عبرة بدعواها المجردة عن اقراره بالوط ء والانزال، ولا يمين عليه ان أنكر وطأها وادعت انه وطئها وأن هذا الولد أو الحمل منه بعد اقراره بوطئها، لانها دعوى عتق لا تثبت الا بعدلين، فلا يمين بمجردها، وذلك كأن يقر السيد بوط ء أمته ويدعى انه استبرأها بحيضة واحدة ولم يطأها بعد ذلك، وادعت الأمة أنه وطئها بعد ذلك وأتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم الاستبراء فانه لا يلحق به ولا يلزمه يمين على عدم الوط ء وينتفى عنه بلا لعان ولا حد عليها وان فقد واحد من الأمور الثلاثة السابقة، بأن أقر بوطئها وادعى انه لم يستبرئها، أو أقر بوطئها وأقر أنه استبرأها ولم ينف الوط ء بعد الاستبراء، أو أقر أنه وطئها وأنه استبرأها ونفى الوط ء بعده لكنها أتت بولد لأقل من ستة أشهر بأن أتت به لستة أشهر الا ستة أيام فأقل من يوم الاستبراء فانه يلحق به فى الصور الثلاث الا أنه فى الصورتين الأوليين يلحق به ولو أتت به لأكثر أمد الحمل.
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 245، ص 246 نفس الطبعة.
وان ثبت القاء علقه
(1)
ففوق من مضغة أو ولد حى أو ميت ولو كان ثبوت الالقاء بامرأتين اذا لم يكن معها الولد وسيدها مقر بوطئها أو قامت بينة على اقراره بالوط ء وهو منكر صارت أم ولد.
فان لم يثبت القاؤها بامرأتين بان كان مجرد دعوى من الأمة أو شهد لها امرأة فقط فلا تكون أم ولد الا أن يكون الولد معها وسيدها مقر بالوط ء فتكون أم ولد ولو لم يثبت ولادتها ولا يحتاج لثبوت الالقاء. وذلك بأن تدعى الأمة انها أسقطت سقطا رأى النساء ولو امرأتين أثره من تورم المحل وتشققه أى والسقط ليس معها والسيد مقر بوطئها فيلحق به وتكون أم ولد، فلو كان السقط معها لصدقت باتفاق، فلو كان السيد منكرا للوط ء لم تكن أم ولد مطلقا سواء كان السقط موجودا معها أم لا
(2)
.
وجاء فى «التاج والاكليل» نقلا عن ابن رشد رحمه الله تعالى ان قول مالك رضى الله تعالى عنه اختلف فيمن تزوج أمة ثم اشتراها وهى حامل فمرة قال انها تكون أم ولد لأنه عتق عليه وهو فى بطنها وهو مذهب ابن القاسم وأكثر أصحاب مالك رحمهم الله تعالى وذكر صاحب مواهب الجليل أن هذا هو المشهور
(3)
، يريد اذا لم تكن ملكا لمن يعتق عليه ولدها كأبيه ونحوه، فان كانت ملكا لهذا لم تكن بذلك أم ولد بلا خلاف، قاله فى التوضيح، أما ان أعتق البائع ولدها ففى ذلك قولان، واقتصر فى التوضيح على انها تكون به أم ولد، قال ومن تزوج أمة والده فمات فورثها وهى حامل فان كان حملا ظاهرا أو لم يكن ظاهرا ووضعته لأقل من ستة أشهر لم تكن به أم ولد لأنه عتق على حدة، وان وضعته لستة أشهر فأكثر فهى به أم ولد.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى من زعم انه وطئ جاريته وأنه يعزل فأتت بولد فانها أم ولده الا أن يدعى الاستبراء، ومن زعم انه يطأ جاريته ولا ينزل فأتت بولد فلا يلحقه ولا تكون أم ولد الا ان زعم أنه كان يقضى وينزل ويعزل فالعزل قد يخطئ ويصيب ولذلك لزمه الولد، واذا قال كنت أطأ ولا أنزل فانه ليس ههنا موضع خوف فى أن يكون قد أفضى فيها بالعزل، فلذلك لم يلزمه الولد، قال ابن رشد رحمه الله تعالى: هذا بين لأن الولد انما يكون من الماء الدافق، قال الله عز وجل:«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ» فاذا لم ينزل أصلا علم أنه لم يكن ما يكون عنه الولد فوجب ان لا يلزمه، واذا وطئ وأنزل فعزل الماء عن الموطوءة
(1)
المراد بالعلقة الدم المجتمع الذى اذا صب عليه الماء الحار لا يذوب (انظر الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه) ح 4 ص 408.
(2)
الشرح الكبير لسيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفه الدسوقى ح 4 ص 407 وما بعدها الى ص 409 طبع دار احياء الكتب العربية.
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر ابى الضياء سيدى خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب ج 6 ص 356 فى كتاب على هامش التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.
وأنزل خارجا منها احتمل ان يكون لم يعزله بجملته وسبقه شئ كان عنه الولد فوجب أن يلزمه لانها صارت فراشا له بوطئه اياها فوجب ان يلحق به حتى يوقن أنه ليس منه، وقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث العزل «ما من نسمة كائنة الى يوم القيامة الا وهى كائنة» اخبار ان الولد قد يكون مع العزل اذا شاء الله أن يكون.
وقال فى آخر كتاب الاستبراء من المدونة:
ومن قال كنت أطأ أمتى ولا أنزل فيها فان الولد يلحقه ولا ينفعه ان يقول كنت أعزل
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «نهاية المحتاج» انه اذا أحبل السيد أمته فولدت حيا أو ميتا أو ما يجب فيه غرة كمضغة فيها صورة آدمى ظاهرة أو خفية، أخبر بها القوابل - ويعتبر أربع منهن أو رجلان خبيران أو رجل وامرأتان - عتقت بموت السيد لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أيما أمة ولدت من سيدها فهى حرة عن دبر منه»
(2)
ولان ولدها كالجزء منها وقد انعقد حرا فاستتبع الباقى كالعتق، لكن العتق فيه قوة من حيث صراحة اللفظ فأثر فى الحال، وهذا فيه ضعف فأثر بعد الموت، ولما روى البيهقى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال: أم الولد أعتقها ولدها وان كان سقطا، نعم لو مات بعد انفصال بعضه ثم انفصل باقيه لم تعتق الا بتمام انفصاله.
وقول صاحب المنهاج: أحبل، بشمل احباله بوط ء حلال أو حرام بسبب حيض أو نفاس أو احرام أو فرض صوم، أو اعتكاف، أو لكونه قبل استبرائها أو لكونه ظاهر منها ثم ملكها قبل التكفير أو لكونها محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو لكونها مزوجة أو معتدة أو مجوسية أو وثنية أو مرتدة أو مكاتبة، أو لكونها مسلمة وهو كافر. وليس شرطا ان يقوم السيد باحبالها، فلو استدخلت ذكره أو ماءه المحترم وعلقت منه ثبت ايلادها وعتقت بموته.
ولا بد للسيد من أن يكون بحيث يولد لمثله ولا فرق بين كونه عاقلا ومجنونا، ومختارا ومكرها ومحجورا عليه بسفه.
ومحل ما ذكر اذا لم يتعلق بالأمة حق الغير، والا لم ينفذ الايلاد، كما لو أولد راهن معسر مرهونة بغير اذن المرتهن الا أن يكون المرتهن فرعه كما بحثه بعضهم فان انفك الرهن نفذ فى الأصح، وكما لو أولد مالك معسر أمته الجانية المتعلق برقبتها مال الا ان كان المجنى عليه فرع مالكها، وكما لو أولد محجور فلس أمته كما رجحه السبكى والاذرعى والدميرى رحمهم الله تعالى - وهو المعتمد.
(1)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 6 ص 356، ص 357 فى كتاب على هامشه مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.
(2)
رواه ابن ماجة والدارقطنى والبيهقى والحاكم، وصحح اسناده، وقال ابن حجر له طرق.
وان ذهب الغزالى الى النفوذ ورجحه فى المطلب، وقال البلقينى وابن النقيب رحمهما الله تعالى: انه الذى يظهر القطع به لان حجر الفلس دائر بين حجر السفه والمرض وكلاهما ينفذ معه الايلاد ورد بانه امتاز عن حجر المرض بعموم الحجر عليه فيما معه، وعن حجر السفه بكونه لحق الغير، وكما لو أولد وارث معسر جارية تركة مورثه المدين، وكما لو أقر محجور سفه بايلاد أمته ولم يثبت كونها فراشا له فانه لا يقبل فتباع ان اختاره الولى. فان ثبت كونها فراشا له أو ولدته لمدة الامكان ثبت الايلاد كما مر ولو أقر بنسبه ثبت نسب الولد وحريته وأنفق على المستلحق من بيت المال، وكما لو أولد معسر جارية تجارة عبده المأذون المدين بغير اذن العبد والغرماء، وكما لو أولد أمة نذر التصدق بثمنها أو بها، بخلاف ما لو نذر اعتاقها.
ويجاب بمنع استثنائها لزوال ملكه عنها بمجرد نذره التصدق بها أو بثمنها، وكما لو أولد وارث أمة نذر مورثه اعتاقها، وكما لو أولد وارث أمة اشتراها مورثه بشرط أعتاقها لان نفوذه مانع من الوفاء بالعتق عن جهة مورثه، وكما لو أولد وارث أمة اوصى مورثه باعتاقها وهى تخرج من الثلث فلا ينفذ لافضائه الى ابطال الوصية، وكما لو أولد مكاتب أمته فلا ينفذ ويحرم عليه وطؤها وان أذن له سيده لضعف ملكه ولو أولد المبعض أمة ملكها ببعضه الحر نفذ ايلاده كما اقتضاه اطلاق صاحب المنهاج وصححه البلقينى وغيره وجزم به الماوردى رحمهم الله تعالى ولا يشكل عليه كونه غير أهل للولاء لانه انما يثبت له بموته. فان عتق قبله فذاك والا فقد زال ما فيه من الرق بموته.
ولو وطئ صبى لم يستكمل تسع سنين أمته فولدت لأكثر من ستة أشهر لحقه ولم يحكم ببلوغه ولم يثبت ايلاده لأن النسب يكفى فيه الامكان والأصل بقاء صغره وعدم صحة تصرفه والأصل عدم المانع من ازالة ملكه عن الأمة أما ايلاد المرتد فانه موقوف كملكه، وايلاد الواقف أو الموقوف عليه الأمة الموقوفة فانه لا ينفذ، وما لو أستد خلت منى سيدها المحترم بعد موته فانها لا تصير أم ولد لانتفاء ملكه لها حال علوقها وان ثبت نسب الولد وما بعده وورث منه لكون المنى محترما ولا يعتبر كونه محترما حال استدخالها خلافا لبعضهم فقد صرح بعضهم بأنه لو أنزل فى زوجته فساحقت بنته فحبلت منه لحقه الولد، وكذا لو مسح ذكره بحجر بعد انزاله فى زوجته فاستجمرت به أجنبية فحبلت منه.
واستثنى من مفهوم كلامه مسائل يثبت فيها الايلاد.
الأولى: اذا أحبل أمة مكاتبه.
الثانية: اذا أحبل أصل حر أمة فرعه التى لم يولدها وان كان معسرا وتجب عليه قيمتها، وكذا مهرها ان تأخر الانزال عن مغيب الحشفة.
الثالثة: لو وطئ أمة اشتراها بشرط الخيار للبائع باذنه لحصول الاجازة حينئذ.
الرابعة: جارية المغنم اذا وطئها بعض الغانمين وأحبلها قبل القسمة واختيار التملك فقد أحبلها قبل ملكه لشئ منها
والولد حر نسيب ان كان الواطئ موسرا، وكذا ان كان معسرا كما نقلا عن تصحيح القاضى أبى الطيب والرويانى وغيرهما رحمهم الله تعالى. وينفذ الايلاد فى قدر حصته ان كان معسرا ويسرى الى باقيها ان كان موسرا لأن حق الغانم أقوى من حق الأب فى مال ابنه، كذا فى الحاوى الصغير تبعا لقول العزيز الظاهر المنصوص نفوذه، ورجحه الامام وجزم به البغوى لكنه نقل عدم نفوذه عن العراقيين، وكثير من غيرهم وجعله فى أصل الروضة المذهب، ثم فرع عليه انه لو ملكها بعد بشبهة أو بسبب آخر هل ينفذ الايلاد فيه قولان كنظائره فى مرهونة وجانية ونحوهما أظهرهما النفوذ ويحتمل أن يريد بنظائره ايلاد أمة الغير بشبهة أو نكاح، ولا ينافيه ترجيح النفوذ هنا اذ لا يلزم من جريان الخلاف الاتحاد فى الترجيح، ويفرق بقوة حق الغانم.
الخامسة: التى يملك بعضها اذا أحبلها سرى الايلاد الى نصيب شريكة ان كان موسرا كالعتق، فان كان معسرا فلا يسرى الا اذا كان شريك المولد فرعا له كما لو أولد الأمة التى كلها لفرعه وحيث سرى الايلاد فالولد حر كله، والا فالمحكى عن العراقيين انه حر كله ولا يتبعض.
وحكى الرافعى فى السير فى أمة المغنم تصحيحه عن القاضى أبى الطيب والماوردى وغيرهما، وصححه فى الشرح الصغير وأصل الروضة، وحكى الرافعى فى آخر الكتابة القول بالتبعيض عن أبى اسحق وأن البغوى قال انه الأصح، وجعله فى أصل الروضة الأصح، وقال الرافعى رحمه الله تعالى فى الكلام على وط ء أحد الشريكين هل يكون الولد حرا كله أو نصفه قولان اظهرهما الثانى.
السادسة: الأمة التى يملك فرعه بعضها اذا اولدها الأب الموسر سرى الايلاد الى نصيب الشريك الأجنبى أيضا.
فان كان معسرا لم يسر
(1)
.
ولو أحبل أمة غيره بنكاح لا غرور فيه بحريتها أو زنا فالولد رقيق تبعا لأمه فيكون لمالك أمه بالاجماع اذ الفرع يتبع الأب فى النسب والأم فى الرق والحرية وأشرفهما فى الدين وايجاب البدل وتقرير الجزية وأخفهما فى عدم وجوب الزكاة وأخسهما فى النجاسة وتحريم الذبيحة والمناكحة ولا تصير أم ولد له اذا ملكها لانتفاء العلوق بحر اذ ثبوت الحرية للأم فرع ثبوتها للولد فاذا انعقد الولد رقيقا لم يتفرغ عنه ذلك
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «الشرح الكبير» على متن المقنع أن لمصير الأمة أم ولد شرطين.
الشرط الأول: ان تحمل به فى ملكه سواء كان من وط ء مباح أو محرم كالوط ء فى الحيض والنفاس والاحرام والظهار فأما ان علقت
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير ج 8 ص 403 وما بعدها الى ص 407 فى كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملى، وعلى هامشه حاشية أحمد ابن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ سنة 1938 م.
(2)
المرجع السابق ح 8 ص 408 نفس الطبعة.
منه فى غير ملكه لم تصر بذلك ام ولد، سواء علقت منه بمملوك مثل أن يطأها فى ملك غيره بنكاح أو زنا، أو علقت بحر مثل أن يطأها بشبهة أو غر من أمة فتزوجها على أنها حرة فاستولدها أو اشترى جارية فاستولدها ثم ظهرت مستحقة فان الولد حر ولا تصير الأمة أم ولد فى هذه المواضع بحال.
الشرط الثانى: أن تضع ما يتبين فيه شئ من خلق الانسان من رأس أو يد أو رجل أو تخطيط سواء وضعته حيا أو ميتا وسواء أسقطته أو كان تاما، قال عمر رضى الله تعالى عنه: اذا ولدت الأمة من سيدها فقد عتقت وان كان سقطا، وروى الأثرم باسناده عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهم انه قال: اعتقها ولدها وان كان سقطا، وقال الأثرم؟ قلت لابى عبد الله أم الولد اذا أسقطت لا تعتق؟ فقال اذا تبين فيه يد أو رجل أو شئ أو خلقة فقد عتقت - هذا قول الحسن والشافعى رضى الله تعالى عنهما وقال الشعبى رحمه الله تعالى:
اذا نكس فى الخلق الرابع فكان مخلقا أنقضت به عدة الحرة وعتقت به الأمة، قال شيخنا رحمه الله تعالى: ولا أعلم فى هذا خلافا بين من قال بثبوت حكم الاستيلاد. فأما ان القت نطفة أو علقة لم يثبت به شئ من أحكام الولادة لأنه ليس بولد، وروى يوسف بن موسى أن أبا عبد الله رحمهما الله تعالى قيل له ما تقول فى الأمة اذا ألقت مضغة أو علقة؟ قال: تعتق، وهذا قول ابراهيم النخعى رحمه الله تعالى.
وذكر الخرقى لمصيرها أم ولد شرطا ثالثا:
وهو ان تحمل بحر ويتصور ذلك فى الملك فى موضعين.
أحدهما: فى العبد اذا ملكه سيده وقلنا انه يملك فوطئ أمته فاستولدها فولده مملوك ولا تصير الامة به أم ولد يثبت لها حكم الاستيلاد بذلك وسواء اذن له سيده فى التسرى بها أو لم يأذن.
الثانى: اذا استولد المكاتب أمته فان ولده مملوك له، ولا يثبت للأمة أحكام أم الولد فى العتق بموته فى الحال لان المكاتب ليس بحر وكذلك ولده منها، فأولى ان لا تتحرر هى ومتى عجز المكاتب وعاد الى الرق أو مات قبل أداء كتابته فهى أمة قن كالعيد القن
(1)
اما اذا وضعت مضغة لم يظهر فيها شئ من خلق الآدمى فشهد ثقات من القوابل ان فيها صورة خفية تعلقت بها الاحكام لأنهن أطلعن على الصورة التى خفيت على غيرهن وان لم يشهدن بذلك لكن علم انه مبتدأ خلق آدمى بشهادتهن أو غير ذلك ففيه روايتان.
احداهما: لا تصير به الأمة أم ولد ولا تنقضى به عدة الحرة وهذا ظاهر كلام الخرقى والشافعى رضى الله تعالى عنهما وظاهر ما نقله الاثرم عن أحمد وظاهر قول الحسن والشعبى وسائر من أشترط أن يتبين فيه شئ من خلق الآدمى.
والرواية الثانية: تتعلق به الأحكام لأنه مبتدأ خلق آدمى أشبه اذا تبين.
(1)
الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن ابى عمر محمد ابن أحمد بن قدامه المقدسى ج 12 ص 489، ص 490 فى كتاب اسفل المغنى لموفق الدين ابى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله ابن أحمد الخرقى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
وخرج أبو عبد الله بن حامد رحمه الله تعالى رواية ثالثة وهى أن الأمة تصير أم ولد، ولا تنقضى به عدة الحرة لأنه روى عن أحمد رضى الله تعالى عنه اذا وضعت شيئا فمسته القوابل فعلمن أنه لحم ولم يتبين لحمه فيحتاط فى العدة باخرى ويحتاط بعتق الأمة فظاهر هذا انه حكم بعتق الامة ولم يحكم بانقضاء العدة لأن عتق الأمة تحصيل للحرية فاحتيط بتحصيلها والعدة يتعلق بها تحريم التزويج وحرمة الفرج فاحتيط بابقائها، وقال بعض الشافعية بالعكس لا تجب العدة ولا تصير الأمة أم ولد لأن الأصل عدم كل واحد منهما فيبقى على أصله ولا يصح لأن العدة كانت ثابتة والأصل بقاؤها على ما كانت عليه، والأصل فى الآدمى الحرية فتغلب على ما يفضى اليها
(1)
وان أصابها فى ملك غيره بنكاح أو غيره ثم ملكها حاملا عتق الجنين ولم نصر أم ولد له، سواء ملكها حاملا فولدت فى ملكه أو ملكها بعد ولادتها وبه قال الشافعى رضى الله تعالى عنه لأنها علقت منه بمملوك فلم يثبت لها حكم الاستيلاد كما لو زنى بها ثم أشتراها لأن الأصل بقاء الرق، وانما خولف هذا الأصل فيما اذا حملت منه فى ملكه بقول الصحابة رضى الله تعالى عنهم، ففيما عداه يبقى على الأصل، ونقل ابن أبى موسى عن أحمد رضى الله تعالى عنهما انها تصير أم ولد فى الحالين وهو قول الحسن وابى حنيفة رضى الله تعالى عنهما لأنها أم ولده وهو مالك لها فيثبت لها حكم الاستيلاد كما لو حملت فى ملكه.
قال شيخنا رحمه الله تعالى:
ولم أجد هذه الرواية عن أحمد فيما اذا ملكها بعد ولادتها انما نقل عنه التوقف عنها فى رواية مهنا، فقال لا أقول فيها شيئا، وصرح فى رواية سواه بجواز بيعها، فقال لا أرى بأسا فى أن يبيعها، انما الحسن وحده قال انها أم ولد، وقال أكثر ما سمعنا فيه من التابعين يقولون أنها لا تصير أم ولد حتى تلد عنده وهو يملكها كان عبيدة السلمانى يقول ببيعها وشريح وابراهيم والشعبى، أما اذا ملكها حاملا فظاهر كلام أحمد أنها تصير أم ولد - وهو مذهب مالك رضى الله تعالى عنه - لأنها ولدت منه فى ملكه، فاشبه ما لو أحبلها فى ملكه.
وقد صرح أحمد فى رواية اسحاق بن منصور أنها لا تكون أم ولد حتى يحدث عنده حمل، وروى عنه ابنه صالح قال سألت ابى عن الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها قال لا تكون أم ولد له. قلت: فان اشتراها وهى حامل منه؟ قال اذا كان الوط ء يزيد فى الولد، وكان يطؤها بعد ما اشتراها وهى حامل كانت أم ولد له، قال ابن حامد ان وطئها فى ابتداء حملها أو بواسطة صارت له بذلك أم ولد لأن الماء يزيد فى سمع الولد وبصره. وقال القاضى رحمه الله تعالى: ان ملكها حاملا فلم يطأها حتى وضعت لم تصر أم ولد وان وطئها حال حملها نظرنا فان كان بعد أن كمل الولد وصار له خمسة اشهر لم تصر بذلك أم ولد وان وطئها قبل ذلك صارت له بذلك أم ولد لأن عمر رضى الله تعالى عنه قال: أبعد ما اختلطت دماؤكم ودماؤهن ولحومكم ولحومهن بعتموهن؟ فعلل بالمخالطة، والمخالطة ههنا حاصلة لأن الماء يزيد فى الولد، ولأن لحرية البعض أثرا فى تحرير
(1)
المرجع السابق ح 12 ص 492، ص 493 نفس الطبعة.
الجميع بدليل ما لو أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد.
وقال أبو الخطاب رحمه الله تعالى: ان وطئها بعد الشراء فهى أم ولد وكلام الخرقى رحمه الله تعالى يقتضى أن لا تكون أم ولد الا ان تحبل منه فى ملكه، وهو الذى رواه اسحق ابن منصور عن أحمد، وهو ظاهر المذهب لأنها لم تعلق منه بحر فلم يثبت له حكم الاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها، ولأن حملها منه اذا لم يفد الحرية لولدها فلأن لا يفيدها الحرية أولى، ويفارق هذا ما اذا حملت منه فى ملكه فان الولد حر فتحرر بتحريره وما ذكروه من أن الولد يزيد فيه الوط ء غير مستيقن فلا يثبت الحكم بالشك ولو ثبت أنه زاد لم يثبت الحكم بهذه الزيادة بدليل ما لو ملكها وهى حامل منه من زنا أو غيره فوطئها لم تصر أم ولد وان زاد به الولد، ولان حكم الاستيلاد انما ثبت بالاجماع فى حق من حملت منه فى ملكه، وما عداه ليس فى معناه وليس فيه نص ولا اجماع، فوجب أن لا يثبت هذا الحكم، ولأن الأصل الرق فتبقى على ما كانت عليه
(1)
. واذا وطئ الرجل جارية ولده فان كان قد تملكها وقبضها ولم يكن الولد وطئها ولا تعلقت بها حاجته فقد ملكها الأب بذلك وصارت جاريته والحكم فيها كما لو اشتراها، وان وطئها قبل تملكها فقد فعل محرما لقول الله عز وجل «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ»
(2)
وهذه ليست زوجته ولا ملك يمينه فان قيل: فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك .. فاضاف مال الابن الى أبيه بلام الملك والاستحقاق فيدل على أنه ملكه.
قلنا لم يرد النبى صلى الله عليه وسلم حقيقة الملك بدليل أنه أضاف اليه الولد وهو ليس بمملوك وأضاف اليه ماله فى حال اضافته الى الولد ولا يكون الشئ ملكا لمالكين حقيقة بدليل انه يحل له وط ء ايمائه والتصرف فى ماله وصحة بيعه وهبته وعتقه ولان الولد لو مات لم يرث أبوه منه الا ما قدر له، ولو كان ماله لاختص به، ولو مات الأب لم يرث ورثته مال ابنه، ولا يجب على الأب حج ولا زكاة ولا جهاد بيسار ابنه، فعلم ان النبى صلى الله عليه وسلم انما أراد التجوز بتشبيهه بماله فى بعض أحكامه. اذا ثبت هذا فأنه لا حد على الأب للشبهة لأنه اذا لم يثبت له حقيقة الملك فلا أقل من أن يكون شبهة تدرأ الحد، فان الحد يدرأ بالشبهات، ولكن يعزر لأنه وطئ وطئا محرما فاشبه وط ء الجارية المشتركة، وفيه وجه آخر انه لا يعزر لأن مال ولده كماله، ولا يصح لأن ماله مباح له غير ملوم عليه بخلاف وط ء الأب فانه عاد فيه ملوم عليه، فان علقت منه فالولد حر لأنه من وط ء درئ فيه الحد لشبهة الملك فكان حرا كولد الجارية المشتركة، ولا يلزمه قيمته لأن الجارية تصير ملكا له بالوط ء فيحصل علوقها بالولد وهى ملكه، وتصير أم ولد لم تعتق بموته وتنتقل الى ملكه فيحل له وطؤها بعد ذلك، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعى فى أحد قوليه وقال فى الآخر: لا تصير أم ولد له ولا يملكها لأنه استولدها فى غير ملكه فاشبه الأجنبى ولأن
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 493 وما بعدها الى ص 496 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 7 من سورة المؤمنون.
ثبوت أحكام الاستيلاد انما كان بالاجماع فيما اذا استولد مملوكته، وهذه ليست مملوكته ولا فى معنى مملوكته لأنها محرمة عليه، فوجب أن لا يثبت لها هذا الحكم لأن الأصل الرق فتبقى على الأصل، ولأن الوط ء المحرم لا ينبغى أن يكون سببا للملك الذى هو نعمة وكرامة لأنه يفضى الى تعاطى المحرمات.
ويدل لنا أنها علقت منه بحر لأجل الملك فصارت أم ولد له كالجارية المشتركة، وبهذا فارق وط ء الأجنبى
(1)
فان الابن قد وط ء جاريته ثم وطئها أبوه فأولدها فقد روى عن أحمد رضى الله تعالى عنه فيمن وقع على جارية ابنه ان كان الأب قابضا لها ولم يكن الابن وطئها فهى أم ولده فليس للابن فيها شئ.
قال القاضى رحمه الله تعالى: فظاهر هذا ان الابن ان كان قد وطئها لم تصر أم ولد للأب باستيلادها لأنها تحرم عليه تحريما مؤبدا بوط ء ابنه ولا تحل له بحال فاشبه وط ء الأجنبى، فعلى هذا القول لا يملكها ولا تعتق بموته، فأما ولدها فيعتق على أخيه لأنه ذو رحمه كما لو استولد مملوكته التى وطئها ابنه فانها تصير أم ولد له مع تحريمها عليه الى التأبيد، فكذلك ههنا لأنه وط ء يدرأ فيه الحد لشبهة الملك فصارت به أم ولد كما لو لم يطأها الابن
(2)
. فان وطئ لابن جارية أبيه فهو زان عليه الحد اذا كان عالما بالتحريم ولا تصير أم ولد له ويلزمه مهرها ويعتق ولده على جده لأنه ابن ابنه اذا قلنا أن ولد الزنا يعتق على أبيه، وتحرم الجارية على الأب على التأبيد، ولا تجب قيمتها على الابن لأنه لم يخرجها عن ملك أبيه ولم يمنعه بيعها ولا التصرف فيها بغير الاستمتاع فان استولدها الأب بعد ذلك فقد فعل محرما ولاحد عليه، لأنه وعاء صادف ملكا، وتصير أم ولد لأنه استولد مملوكته فاشبه ما لو وطئ أمته المرهونة
(3)
. فان وطئ امته وهى مزوجة فقد فعل محرما ولا حد عليه لأنها مملوكته ويعزر، فان أولدها صارت أم ولد له لأنه استولد مملوكته وتعتق بموته وولده حر، وما ولدت بعد ذلك من الزوج فحكمه حكم امه
(4)
.
ولو ملك رجل أمه من الرضاع أو اخته أو ابنته لم يحل له وطؤها فان وطئها فلا حد عليه فى أصح الروايتين لأنها مملوكته ويعزر وان ولدت منه فالولد حر ونسبه لا حق به وهى أم ولده ولذلك لو ملك أمة مجوسية أو وثنية فاستولدها أو ملك الكافر أمة مسلمة فاستولدها فلا حد عليه ويعزر، ويلحقه نسب ولده وتصير أم ولد تعتنق بموته لما ذكرنا، وكذلك لو وطئ أمته المرهونة أو وطئ رب المال أمة من مال المضاربة فاولدها صارت له بذلك أم ولد وخرجت من الرهن والمضاربة وان كان فيها ربح جعل الربح فى مال المضاربة وعليه قيمتها
(1)
الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة ج 12 ص 496 وما بعدها الى الصفحة 498 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 12 ص 498، ص 499 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ح 12 ص 499 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ح 12 ص 449 نفس الطبعة.
للمرتهن تجعل مكانها رهنا أو يوفيه عن دين الرهن
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى» أن كل مملوكة حملت من سيدها فأسقطت شيئا يدرى أنه ولد أو ولدته فهى أم ولد
(2)
ومن وطئ أمة له حاملا من غيره فجنينها حر سواء امنى فيها أو لم يمن لما روينا من طريق أبى داود الطيالسى باسناده عن أبى الدرداء رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة مجح
(3)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل صاحب هذه أن يكون يلم بها لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه فى قبره كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يسترقه وهو لا يحل له فاذا لم يحل له أن يسترقه فهو حر بلا شك وهو غير لاحق به
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «البحر الزخار» أنه انما تثبت أم ولد بوضع متخلق، وأن لم ينفخ فيه الروح، لا بمجرد دم اجماعا فان التبست المضغة بالدم وضعت فى ماء حار، فان تفرق وانماع فدم، وأن تقبض فمضغه، وأما ان تبين سمعه وبصره وشعره وظفره فواضح، وأما العلقة والمضغة فوجهان. قال الامام يحيى أصحهما لا تكون به أم ولد لشبهه بالدم وان انقضت به العدة فان وضعته جسدا لا تخطيط فيه عمل بقول النساء العارفات بالتخاطيط الباطنة.
قال الهادى رحمه الله تعالى: وشرط الاستيلاد مقارنة الملك للعلوق كالكتابة والتدبير والعتق، فلو اشتراها زوجها لم تصر أم ولد بما قد بما قد ولدت منه قبل الشراء.
قال الناصر: القصد ثبوت نسب الولد من السيد سواء تقدم أو تأخر. قال صاحب البحر: هذا سبب عتق فلا يتقدم على الملك كالكتابة فان اشتراها الزوج وهى حامل منه فوضعت عنده عتق كل ولد بكل حال لملك أبيه اياه، وفى كونها أم ولد خلاف
(5)
قال الهادى:
اذا اشتراها صارت أم ولد بما قد ولدت له فى النكاح اذ هى مملوكة ولدت عن وط ء منه مباح.
وفى قول آخر له: لا تصير بذلك أم ولد اذ لم تعلق بما ولدت فى ملكه قال المؤيد بالله والامام يحيى: ان اشتراها حاملا فولدت فى ملكه صارت أم ولد اعتبارا بالولادة.
قال صاحب البحر: لا نسلم كون الولادة فى الملك شرطا، بل المعتبر اجتماع ملكها وحصول الولد منها سواء تقدم الملك أم تأخر
(6)
. وليس للأب وط ء أمة ابنه اذ لا ملك ولا نكاح، فان فعل ولم تعلق فلا حد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت
(1)
المرجع السابق ح 12 ص 500 نفس الطبعة.
(2)
المحلى لأبى محمود على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 9 ص 217 مسألة رقم 1683 الطبعة الأولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.
(3)
جحت المرأة حملت واصل الاجحاح للسباع والسبعة اذا حملت فاضربت وعظم بطنها قد أجحت فهى مجح (لسان العرب والصحاح).
(4)
المحلى لأبى محمد على بن حزم ح 9 ص 216 مسألة رقم 1680 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 4 ص 225 الطبعة الأولى طبع مطبعة انصار السنة المحمدية بالقاهرة سنة 1368 هـ سنة 1949 م.
(6)
المرجع السابق ح 3 ص 135 نفس الطبعة
ومالك لأبيك» ولما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم
(1)
فكان شبهة فان علقت فلا مهر لدخوله فى قيمتها كمن قطع يد رجل ثم قتله، وتصير أم ولد اذ علقت منه مع شبهة
(2)
ملك وليس للابن وط ء أمة والده فان فعل عالما بالتحريم حد ولا مهر ولا نسب ويعتق الولد على الجد لرحمه، ولا تصير أم ولد فى الحالين اجماعا
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى «شرائع الاسلام» أن الاستيلاد يتحقق بعلوق أمته منه فى ملكه ولو أولد أمة غيره مملوكا ثم ملكها لم تصر أم ولده، ولو أولدها حرا ثم ملكها، قال الشيخ رحمه الله تعالى: تصير أم ولده وفى رواية ابن مارد لا تصير أم ولده.
ولو وطئ المرهونة فحملت دخلت فى حكم أمهات الأولاد وكذا لو وطئ الذمى أمته فحملت منه .. ولو اسلمت بيعت عليه، وقيل يحال بينه وبينها وتجعل على يد امرأة ثقة، والأول أشبه
(4)
.
وذكر صاحب «الروضة البهية» أن الاستيلاد يحصل بعلوق أمته منه فى ملكه بما يكون مبدأ نشوء آدمى ولو مضغة لا بعلوق الزوجة الأمة، ولا الموطوءة بشبهة وان ولدته حرا أو ملكهما بعد على الأشهر، ولا يشترط الوط ء بل يكفى مطلق العلوق منه، ولا يشترط حل الوط ء اذا كان التحريم عارضا كالصوم والاحرام، والحيض والرهن، اما اذا كان التحريم أصليا بأن يتزوج الأمة مع العلم بالتحريم فلا تصير به أم ولد من جهة الزنا لعدم لحوق النسب، ويشترط مع ذلك الحكم بحرية الولد، فلا يحصل بوط ء المكاتب أمته قبل الحكم بعتقه، فلو عجز استرق المولى الجميع. نعم لو عتق صارت أم ولد، وليس له بيعها قبل عجزه وعتقه لتشبثها بالحرية، ولا يوط ء العبد أمته التى ملكه اياها مولاه لو قلنا بملكه
(5)
.
أحكام امهات الأولاد
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» أن حكم الاستيلاد نوعان أحدهما يتعلق بحال حياة المستولد والثانى يتعلق بما بعد موته.
أما الأول فثبوت حق الحرية عند عامة العلماء رضى الله تعالى عنهم وقال بشر بن غياث المريسى: لا حكم له فى الحال لما روى عن جابر ابن عبد الله أنه قال كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى ما نرى تبتنى جملة من الأحكام فلا يجوز بيع أم الولد لما روى عن رسول الله صلى الله
(1)
أخرجه الترمذى والنسائى ولأبى داود ونحوه.
(2)
البحر الزخار لاحمد بن يحيى المرتضى ج 3 ص 136، ص 137 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 137 نفس الطبعة
(4)
شرائع الإسلام فى الفقه الإسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 107 طبع مطابع دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ببيروت.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ح 2 ص 211 بتصحيح الشيخ عبد الله السبيتى.
عليه وسلم أنه قال: أم الولد لا تباع ولا توهب، وهى حرة من جميع المال، وهذا نص فى الباب. وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال فى أم ابراهيم عليه السلام أعتقها ولدها فظاهره يقتضى ثبوت حقيقة الحرية للحال أو الحرية من كل وجه، الا أنه تأخر ذلك الى ما بعد الموت بالاجماع، فلا أقل من انعقاد سبب الحرية أو الحرية من كل وجه الا أنه تأخر ذلك الى ما بعد الموت بالاجماع، وكل ذلك عدم بمنع جواز البيع وروى أن سعيد بن المسيب رضى الله تعالى عنه سئل عن بيع أمهات الأولاد فقال ان الناس يقولون ان أول من أمر بعتق أمهات الأولاد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، وليس كذلك، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أول من أعتقهن.
ولا يجعلن فى الثلث ولا يستسعين فى دين.
وعن سعيد بن المسيب رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن فى دين ولا يجعلن فى الثلث، وكذا جميع التابعين على أنه لا يجوز بيع أم الولد فكان قول بشر مخالفا للاجماع، فيكون باطلا ومن مشايخنا من قال عليه اجماع الصحابة أيضا لما روى عن على رضى الله تعالى عنه أنه سئل عن بيع أمهات الأولاد فقال كان رأيى ورأى عمر أن لا يبعن ثم رأيت بيعهن فقال له عبيدة السلمانى رأيك مع الجماعة أحب الى من رأيك وحدك وفى رواية أخرى عن على رضى الله تعالى عنه: اجتمع رأيى ورأى عمر فى ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عتق أمهات الأولاد، ثم رأيت بعد ذلك أن يبعن فى الدين فقال عبيدة:«رأيك ورأى عمر فى الجماعة» أحب الى من رأيك فى الفرقة، فقول عبيدة فى الجماعة اشارة الى سبق الاجماع من الصحابة رضى الله تعالى عنهم ثم بدا لعلى رضى الله تعالى عنه فيحمل خلافه على أنه كان لا يرى استقرار الاجماع ما لم ينقرض العصر، ومنهم من قال كانت المسئلة مختلفة بين الصحابة رضى الله تعالى عنهم فكان على وجابر رضى الله تعالى عنهما يريان بيع أم الولد لكن التابعين أجمعوا على أنه لا يجوز، والاجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عند أصحابنا لما عرف فى أصول الفقه ولأن أم الولد تعتق عند موت السيد بالاجماع ولا سبب سوى الاستيلاد السابق فعلم أنه أنعقد سببا للحال لثبوت الحرية بعد الموت وأنه يمنع جواز البيع وأما حديث جابر ابن عبد الله رضى الله تعالى عنه فيحتمل أنه أراد بالبيع الاجارة لأنها تسمى بيعا فى لغة أهل الدينة. ولأنها بيع فى الحقيقة لكونها مبادلة شئ مرغوب بشئ مرغوب ويحتمل أنه كان فى ابتداء الاسلام حينما كان بيع الحر مشروعا ثم انتسخ بانتساخه فلا يكون حجة مع الاحتمال.
وأما قوله انها مملوكة للمستولد فنعم لكن هذا لا يمنع انعقاد سبب الحرية من غير حرية أصلا ورأسا.
وهذا القدر يكفى للمنع من جواز البيع.
وسواء كان المستولد مسلما أو كافرا مرتدا أو ذميا أو مستأمنا خرج الى ديارنا ومعه أم ولده لا يجوز له بيعها لأنها أم ولد لأن أمية الولد تتبع ثبات النسب والكفر لا يمنع
ثبوت النسب ولما دخل المستأمن دار الاسلام بأمان فقد رضى بحكم الاسلام ومن حكم الاسلام أن لا يجوز بيع أم الولد وكذلك كل تصرف يوجب بطلان حق الحرية الثابتة لها بالاستيلاد لا يجوز، كالهبة والصدقة والوصية والرهن لأن هذه التصرفات توجب زوال ملك العين فيوجب بطلان هذا الحق، وما لا يوجب بطلان هذا الحق فهو جائز كالاجارة والاستخدام والاستسعاء والاستغلال والاستمتاع والوط ء لأنها تصرف فى المنفعة لا فى العين - والمنافع مملوكة له والاجرة والكسب والغلة والعقر والمهر للمولى لانها بدل المنفعة والمنافع على ملكه وكذا ملك العين قائم لأن العارض - وهو التدبير - لم يؤثر الا فى ثبوت حق الحرية من غير حرية فكان ملك اليمين قائما وانما الممنوع منه تصرف يبطل هذا الحق، وهذه التصرفات لا تبطله وكذا الارش له بدل جزء هو ملكه وله أن يزوجها لأن التزويج تمليك المنفعة ولا ينبغى أن يزوجها حتى يستبرئها بحيضة لاحتمال انها حملت منه فيكون النكاح فاسدا ويصير الزوج بالوط ء ساقيا ماءه زرع غيره فكان التزويج تعريضا للفساد فينبغى أن يتحرز من ذلك بالاستبراء لكن هذا الاستبراء ليس بواجب بل هو مستحب كاستبراء البائع ولو زوجها فولدت لاقل من ستة أشهر فهو من المولى والنكاح فاسد لأنه تبين انه زوجها وفى بطنها ولد ثابت النسب منه، وان ولدت لأكثر من ستة أشهر فهو ولد الزوج لأن الزوج له فراش والولد للفراش على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فراش للمولى لزوال فراشه بالنكاح فان ادعاه المولى وقال هذا ابنى لا يثبت نسبه منه لسبق ثبوته من غيره وهو الزوج فلا يتصور ثبوته فلا تصح دعوته لكنه يعتق عليه لأنه فى ملكه وقد أقر بحريته فيعتق عليه وان لم يثبت نسبه منه كما اذا قال لعبده: هذا ابنى وهو معروف النسب من الغير ونسب ولد أم الولد يثبت من المولى من غير دعوة عند عدم الحرية الا اذا حرمت عليه حرمة مؤبدة فجاءت بولد لستة أشهر من وقت الحرمة أو زوجها فجاءت بولد لستة أشهر من وقت التزويج فلا يثبت نسبه الا بالدعوة وانما قلنا انه يثبت نسب ولدها من المولى من غير دعوة عند عدم الحرمة المؤبدة والنكاح لأنها صارت فراشا بثبوت نسب ولدها.
والولد المولود على الفراش يثبت نسبه من غير دعوة قال النبى صلى الله عليه وسلم:
الولد للفراش بخلاف الأمة القنة أو المدبرة لأنه لا يثبت نسب ولدها وأن حصنها المولى وطلب ولدها بدون الدعوة عندنا فلا تصير فراشا بدون الدعوة.
ثم انما يثبت نسب ولد أم الولد بدون الدعوة دون ولد القنة والمدبرة لأن الظاهر أن ولد أم الولد من المولى لانه لا يتحرز عن الاعلاق اذ التحرز لخوف فوات ماليتها وقد حصل ذلك منه فالظاهر أن لا يعزل عنها بل يعلقها فكان الولد منه من حيث الظاهر فلا تقع الحاجة الى الدعوة بخلاف القنه والمدبرة، فان هناك الظاهر انه لا يعلقها بل يعزل عنها تحرزا عن اتلاف المالية، فلا يعلم انه منه الا بالدعوة فلا يثبت النسب الا بالدعوة فهو الفرق فان صارت أم الولد محرمة على المولى على التأبيد بأن وطئها ابن المولى أو أبوه أو وطئ المولى أمها أو بنتها فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يثبت نسب الولد الذى أتت به بعد التحريم من غير دعوة
لأن الظاهر انه ما وطئها بعد الحرمة فكان حرمة الوط ء كالنفى دلالة، وان ادعى يثبت النسب لأن الحرمة لا تزيل الملك، وذكر القدورى رحمه الله تعالى فى شرحه مختصر الكرخى أصلا فقال:
اذا حرمت أم الولد بما يقطع نكاح الحرة ويزيل فراشها مثل المسائل التى ذكرنا لا يثبت نسب ولدها من مولاها الا أن يدعيه لأن فراش الزوجة أقوى من فراش أم الولد وهذه المعانى تقطع فراش الزوجة فلأن تقطع فراش أم الولد أولى وكذلك اذا زوجها فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر لأنها صارت فراشا للزوج فيستحيل أن تصير فراشا لغيره الا أنه اذا ادعى يعتق عليه كما اذا قال لعبده وهو معروف النسب من الغير هذا ابنى وان حرمت عليه بما لا يقطع نكاح الحرة لا يزيل فراشها مثل الحيض والنفاس والاحرام والصوم يثبت نسب ولدها منه لانه تحريم عارض لا يغير حكم الفراش وللمولى أن ينفى ولد أم الولد من غير لعان.
أما النفى فلأنه يملك العزل عنها بغير رضاها فاذا أخبر عن ذلك فقد أخبر عما يملك فكان مصدقا وأما النفى من غير لعان فلأن فراش أم الولد أضعف من فراش الحرة
(1)
.
وولد أم الولد من غير مولاها بمنزلة الأم بأن زوج أم ولده فولدت ولدا لستة أشهر فصاعدا من وقت التزويج لأن الولد يتبع الأم فى الرق والحرية، وقد ثبت حق الحرية فى الأم فيسرى الى الولد فكان حكمه حكم الأم فى جميع الأحكام هذا اذا استولد جارية فى ملكه فان كان استولدها فى ملك غيره بنكاح حتى يثبت نسب ولدها منه ثم ملكها ولها ولد من زوج آخر بأن استولدها ثم فارقها فزوجها المولى من آخر فجاءت بولد ثم ملكها يوما من الدهر وولدها صارت الجارية أم ولده عند أصحابنا رضى الله تعالى عنهم ولا يصير ولدها ولد أم ولد حتى يجوز بيعه فى قول أصحابنا لثلاثة وقال زفر رحمه الله تعالى اذا ملك من ولدته بعد ثبوت نسب ولدها منه فهو ولد أم ولده يثبت فيه حكم الأم لأن الاستيلاد وان كان فى ملك الغير لكنه لما ملكها فقد صارت أم ولد عند أصحابنا وانما صارت أم ولد بالعلوق السابق والولد حدث بعد ذلك فيحدث على وصف الأم فاذا ملكه يثبت فيه الحكم الذى يثبت فى الأم.
ويدل لنا أن الاستيلاد فى الأم - وهو أمية الولد شرعا - انما تثبت وقت ملك الأم، والولد منفصل فى ذلك الوقت والسراية لا تثبت فى الولد المنفصل، ويتعلق الدين بكسبها لا برقبتها لأنها لا تقبل البيع، وتسعى فى ديونها بالغة ما بلغت لأن الدين عليها لا فى رقبتها وأرش جنايتها على المولى وهو الأقل من قيمتها ومن الارش. وليس على المولى الا قدر قيمتها وان كثرت الجنايات كالمدبرة ويجوز اعتاقها لما فيه من استعجال مقصودها وهو الحرية ولو أعتق المولى نصفها يعتق كلها وكذا اذا كانت مشتركة بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه عتق جميعها لما ذكرنا ولا ضمان على المعتق ولا سعاية عليها عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى:
إن كان المعتق موسرا ضمن لشريكه، وإن
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ح 4 ص 129 وما بعدهما الى ص 131 الطبعة السابقة.
كان معسرا سعت فى نصف قيمتها للشريك الذى لم يعتق.
ولو مات عن أم ولد بينه وبين شريكه عتق جميعها ولا ضمان عليه بالاجماع لانه لا صنع له فى الوت، ويقع الاختلاف فى السعاية، فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا سعاية عليها وعند أبى يوسف ومحمد عليها السعاية وعلى هذا الخلاف الغصب والقبض فى البيع الفاسد ففى قول أبى حنيفة لا تضمن، وعندهما تضمن ولا خلاف فى المدبرة انها تضمن بهذه الأسباب.
وجه قولهما أن أم الولد مملوكة للمولى ولا شك ولهذا يحل له وطؤها واجارتها واستخدامها وكتابتها وملكه فيها معصوم لأن الاستيلاد له لم يوجب زوال العصمة فكانت مضمونة بالغصب والاعتاق والقبض فى البيع الفاسد كالمدبر والدليل على أن رقها متقوم أن أم ولد النصرانى اذا أسلمت تخرج الى العتاق بالسعاية فلولا أن ماليتها متقومة لعتقت مجانا ولم يكن للمولى أخذ السعاية بدلا عن ماليتها وكذا يجوز للمولى أن يكاتبها والاعتياض انما يجوز عن مال متقوم والدليل عليه انها تضمن بالقتل بالاجماع، ويدل لأبى حنيفة قول النبى صلى الله عليه وسلم لمارية لما ولدت ابراهيم عليه السلام اعتقها ولدها فظاهر الحديث يقتضى ثبوت العتق فى الحال فى حق جميع الأحكام الا أنه خص منه الاستمتاع والاستخدام بالاجماع ولا اجماع فى التقويم فكانت حرة فى حق التقويم بظاهر الحديث وكذا سبب العتق للحال موجود وهو ثبوت نسب الولد لأن ذلك يوجب الاتحاد بين الواطئ والموطوءة ويجعلهما نفسا واحدة، فقضيته ثبوت العتق للحال فى جميع الأحكام الا أنه لم يظهر فى سائر الأحكام بالاجماع فيظهر فى حق سقوط التقوم بخلاف المدبر. لأن هناك السبب وهو التدبير أضيف الى ما بعد الموت لأن التدبير اثبات العتق عن دبر الا أنه جعل سببا للحال لضرورة ذكرناها فى بيع المدبر، والثابت بالضرورة يتقيد بقدر الضرورة.
والضرورة فى حرمة البيع لا فى سقوط التقوم وههنا الأمر على القلب من ذلك لأن السبب يقتضى الحكم للحال، والتأخر على خلاف الأصل والدليل على أنها غير منفومة من حيث هى مال أنها لا تسعى لغريم ولا لوارث، ولو كانت متقومة من حيث هى مال لثبت للغريم حق فيها وللوارث فى ثلثيها فيجب ان يسعى فى ذلك كالمدبر والسعاية مبنية على هذا الأصل لأن استسعاء العبد يكون بقيمته، ولا قيمة لأم الولد فلا سعاية عليها وأما قوله ان ملك المولى فيها قائم بعد الاستيلاد والعصمة قائمة فمسلم، لكن قيام الملك والعصمة لا يقتضى التقوم كملك القصاص وملك النكاح وملك الخمر وجلد الميتة، واما أم ولد النصرانى اذا أسلمت فالجواب من وجهين.
أحدهما أنها متقومة فى زعمهم واعتقادهم ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون فاذا دانوا تقويمها يتركون وذلك. ولذلك جعلت خمورهم متقومة كذا هذا.
والثانى أن أم ولد النصرانى اذا أسلمت تجعل مكاتبة للضرورة اذ لا يمكن القول بعتقها لأن ملك الذمى ملك محترم، فلا يجوز ابطاله عليه، ولا سبيل الى ابقائها
على ملكه يستمتع بها ويستخدمها لما فيه من الاستذلال بالمسلمة، ولا وجه الى دفع المذلة عنها بالبيع من المسلم لخروجها بالاستيلاد عن محلية البيع فتجعل مكاتبة وضمان الكتابة ضمان شرط ولأنه لا يوقف على كون ما يقابله مالا متقوما كما فى النكاح والخلع، ثم اذا سعت تسعى وهى حرة عند زفر رحمه الله تعالى لأن الاستسعاء استذلال بها وهذا لا يجوز، وعند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى تسعى وهى رقيقة لأن فى الحكم بعتقها ابطال ملك الذمى عليه وتتعلق ديونه بذمة المفلس وملكه معصوم والاستذلال فى الاستمتاع والاستخدام لا فى نفس الملك، ألا ترى أن أمة النصرانى اذا أسلمت فكاتبها المولى لا يجبر على البيع، وقد خرج الجواب عن الكتابة وانما ضمنت بالقتل لأن ضمان القتل ضمان الدم والنفس، وهى متقومة من هذه الجهة، وما ذكر محمد رحمه الله تعالى فى الاملاء عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه فذلك ضمان القتل لأنه اذا لم يحفظها حتى هلكت بسبب حادث فقد تسبب لقتلها وتجوز كتابتها كما يجوز اعتاقها لما فيه من تعجيل العتق اليها ولا تشكل الكتابة على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنها معاوضة، ورق أم الولد لا قيمة له فلا يجوز أن يستحق المولى عليه عوضا لأن صحة المعاوضة لا تقف على كون المعوض مالا أصلا فضلا عن كونه متقوما كما فى النكاح والخلع، فان مات المولى قبل أن تؤدى بدل الكتابة عتقت ولا شئ عليها أما العتق فلأنها كانت أم ولد وقد مات مولاها، وأما العتق بغير شئ فلأن الكتابة قد بطلت لأن الحرية توجهت اليها من وجهين هما.
الاستيلاد والكتابة، فاذا ثبت العتق بأحدهما بطل حكم الآخر وكذا يجوز اعتاقها على مال، وبيعها نفسها حتى اذا قبلت عتقت والمال دين عليها لأن الاعتاق على مال من باب تعجيل الحرية.
وأما الثانى وهى ما يتعلق بما بعد موت المولى، فمن أحكامها عتقها لأن عتقها كان معلقا شرعا بموت المولى لما روى عكرمة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل ولدت أمته منه فهى معتقة عن دبر منه، وقد روينا عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين ولدت أم ابراهيم عليه السلام: أعتقها ولدها، ومعلوم أنه لا يثبت حقيقة العتق فى حال الحياة فلو لم يثبت بعد الموت لتعطل الحديث ولأن سبب ثبوت العتق قد وجد وهو ثبوت نسب الولد ولم يعمل فى حال الحياة فلو لم يعمل بعد الموت لبطل السبب، ويستوى فيه الموت الحقيقى والحكمى بالردة واللحوق بدار الحرب وكذا الحربى والمستأمن اذا اشترى جارية فى دار الاسلام واستولدها ثم رجع الى دار الحرب واسترق الحربى عتقت الجارية وكذا يعتق ولدها الذى ليس من مولاها اذا سرت أمية الولد اليها لأن الولد يتبع الأم فى الرق والحربة. ومنها أنها تعتق من جميع المال ولا تسعى للوارث ولا للغريم بخلاف المدبرة لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أم الولد لا تباع ولا توهب وهى حرة من جميع المال. وهذا نص.
وروينا عن سعيد بن المسيب رضى الله
تعالى عنه أنه قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه سلم بعتق أمهات الأولاد من غير الثلث ولا يبعن فى دين ولا يجعلن فى الثلث وفى بعض الروايات ولا يجعلن فى الثلث ولا يستسعين فى دين، وفى بعضها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق أمهات الأولاد من غير الثلث ولا يبعن فى دين ولأن سبب ثبوت حرية أم الولد هو ثبوت نسب الولد، والنسب لا تجامعه السعاية كذا حرية الاستيلاد ومنها أن ولاءها للمولى لأن الاعتاق منه
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «الشرح الكبير» وحاشية الدسوقى عليه أنه يجوز لسيد أم الولد أجارتها لخدمة أو رضاع برضاها والا فسخت، فان حصلت الاجارة بغير رضاها ولم تنفسخ واستوفيت المنافع فأن الأجرة يفوز بها السيد ولا ترجع أم الولد ولا المستأجر عليه بشئ وجاز برضاها عتق على مال مؤجل فى ذمتها بأن يقول لها أنت حرة من الآن على مائة دينار مؤجلة لشهر كذا، وأما بمعجل فيجوز وان لم ترض وينجز عتقها فيهما والعتق على مال مطلقا غير الكتابة لاشتراط الصيغة فيها ولعدم تنجيز العتق فيها ولأنه جرى خلاف فى جبر العبد عليها قال الدسوقى رحمه الله تعالى:
وأما عتقها على اسقاط حضانتها وأن الولد يكون عنده فقيل لا يلزمها وذلك لأنه وقع الشرط عليها فى حالة يملك السيد فيها جبرها، وقيل يلزم كالحرة، وهما روايتان عن ابن القاسم رضى الله تعالى وللسيد فى أم ولده قليل خدمة والمراد به ما فوق ما يلزم الزوجة ودون ما يلزم القن، وله كثيرها فى ولدها الحادث من غيره بعد ثبوت أمومة الولد لها، وله غلته واجارته ولو بغير رضاه ذكره ابن رشد رحمه الله تعالى.
وله أرش جناية على أم الولد وولدها من غيره الحادث بعد ايلادها، واذا قتلت لزم الجانى قيمتها قنا عند ابن القاسم رحمه الله تعالى. وان مات السيد بعد الجناية وقبل قبض الأرش فلوارثه، قال الامام أى لأنه حق ثبت لمورثه قبل موته ثم رجع الامام رضى الله تعالى عنه الى أنه لها لأن لها حرمة ليست لغيرها، واختاره ابن القاسم رحمه الله تعالى، وقال ابن المواز:
القياس الأول، ومقتضى أن الثانى هو المرجوع اليه مع استحسان ابن القاسم له أن يكون هو الراجح. وأما ان أعتقها السيد بعد الجناية عليها وقبل قبض أرشها كان أرش الجناية لهما وقيل للسيد والأول هو المذهب كما قال بعض، وقال محمد بن المواز رضى الله تعالى عنه هو الاستحسان، والثانى قول أشهب رحمه الله تعالى.
وله الاستمتاع بها فان منعت الاستمتاع فالظاهر أنها لا تسقط نفقتها لأنها تجب لها بشائبة الرق كما قاله الشيخ أحمد الزرقانى رحمه الله تعالى ولعدم سقوط نفقة الرقيق ولو كان فيه شائبة حرية بالعسر بخلاف الزوجة وله انتزاع مالها ما لم يمرض مرضا مخوفا فان مرض فليس له انتزاعه لأنه ينتزعه لغيره وكذا له انتزاع مال
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 131 وما بعدها الى ص 133 نفس الطبعة.
ولدها من غيره بالأولى منها لما له فيه من كثير الخدمة ما لم يمرض لا الاستمتاع به ان كان أنثى لأنها بمنزلة الريبة وكره له تزويجهما من غيره وان برضاها لأنه ليس من مكارم الأخلاق لمنافاته للغيرة واذا باعها سيدها مرتكبا للحرمة وماتت عند المشترى فمصيبتها من بائعها لأن الملك فيها لم ينتقل الى المشترى، فيرد الثمن للمشترى ان قبضه البائع، ولا يطالب المشترى به ان لم يقبضه وان أعتقها المشترى لها معتقدا أنها قن أو عالما أنها أم ولد رد عتقها حيث لم يشترها على أنها حرة بالشراء أو بشرط العتق فان اشتراها على أنها حرة بالشراء تحررت بمجرده سواء علم حين الشراء أنها أم ولد أو أعتقد أنها قن، ويستحق سيدها الثمن فى الوجهين وان اشتراها بشرط العتق وعتقها لم يرد عتقها لكن ان علم وقت الشراء أنها أم ولد استحق سيدها ثمنها أيضا لأن المشترى حينئذ كأنه فكها والولاء لسيدها فان أعتقد أنها قن فالثمن له لا للبائع والولاء للبائع على كل حال.
ويجب على سيدها فداؤها ان جنت على شخص أو أتلفت شيئا بيدها أو بدابتها أو بحفر فى مكان لا ملك لها فيه، أو غصبته ولا يجوز له أن يسلمها للمجنى عليه لأن الشرع منع من تسليمها للمجنى عليه كما منع بيعها فيفديها بأقل الأمرين القيمة على أنها أمة بدون مالها يوم الحكم، والأرش
(1)
.
وحرمت على مرتد أم ولده حتى يسلم، فتنزع من تحت يده بالردة كماله ولا يمكن من وطئها ولو ارتدت بعده فان عاد للاسلام حلت له حيث أسلمت، ومثله ما اذا أرتدت أم الولد دون سيدها فانها تحرم عليه فان عادت للاسلام حلت له كعوده للاسلام، فان قتل بردته عتقت من رأس المال، وقيل تعتق بمجرد ردته كطلاق زوجته، وأجيب بالفرق بأن سبب حل أم الولد الملك وهو باق بعد الردة وسبب حل الزوجة العصمة وقد زالت بالردة واذا أرتد السيد وفر لدار الحرب وتعذر استتابته فان أم ولده ومدبره يوقفان فان أسلم عادا له وان مات عتق من الثلث وهذا اذا كان بحيث يعلم موته وحياته وكان له مال ينفق عليهما منه فيعمل بذلك ولو زاد على أمد التعمير، وأما اذا جهل حاله فان أم الولد تبقى لأمد التعمير اذا كان له مال ينفق عليها منه ثم يحكم بعتقها من رأس المال فان لم يكن له مال ينفق عليها منه فقولان قيل ينجز عتقها من الآن وقيل أنها تسعى فى النفقة على نفسها الى التعمير
(2)
ولا تجوز كتابة أم الولد بغير رضاها، وفسخت وعتقت ان أدت نجوم الكتابة وفات الفسخ حينئذ ولا رجوع لها فيما أدته اذ له انتزاع مالها ما لم يمرض.
وأما برضاها فيجوز على الراجح لأن عجزها عن الكتابة لا يخرجها عما ثبت لها من أمومة الولد
(3)
.
(1)
الشرح الكبير لسيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفه الدسوقى ج 4 ص 410، ص 411 طبع دار إحياء الكتب العربية.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 414 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 415 نفس الطبعة.
مذهب الشافعية:
جاء فى «نهاية المحتاج» أن للسيد وط ء أم الولد منه لبقاء ملكه عليها وحكى الترمذى رضى الله تعالى عنه فيه الاجماع، واستثنى مسائل يمتنع وطؤها فيها كأم ولد الكافر المسلمة، وأم ولده المحرم كأخته من الرضاع وأم ولد موطؤة لفرعه وأم ولد مكاتبه وأم ولد مبعض وان أذن مالك بعضه وأمة لم ينفذ ايلادها لرهن وضعى أو شرعى أو لجناية، وأمة مجوسية أو وثنية، وأمة موصى بمنافعها اذا كانت ممن تحبل فاستولدها الوارث فالولد حر وعليه قيمته يشترى بها عبد ليكون مثلها رقبته للوارث ومنفعته للموصى له ويلزمه مهرها وتصير أم ولد فتعتق بموته مسلوبة المنفعة وليس له وطؤها الا باذن الموصى له بالمنفعة بخلاف من لا تحمل فيجوز بغير اذنه كما صححه فى أصل الروضة، وكأمة تجارة عبده المأذون المدين لا يجوز له وطؤها الا باذن العبد والغرماء كما مر فان أحبلها وكان معسرا ثبت الايلاد بالنسبة الى السيد فينفذ اذا ملكها بعد أن بيعت كالمرهونة ولا يجوز له الوط ء قبل بيعها الا بالاذن وكأم ولد المرتد لا يجوز له وطؤها فى حال ردته وكأم ولد ارتدت وأم ولد كاتبها.
حكم استخدامها واجارتها واعارتها:
وللسيد استخدامها واجارتها لا من نفسها لبقاء ملكه عليها وعلى منافعها وانما امتنع بيعها ونحوه لتأكد حق العتق فيها وخالفت المكاتب حيث امتنع استخدامه وان كان ملكه عليه باقيا لما فيه من ابطال مقصود عقد الكتابة وهو تمكنه من الاكتساب ليؤدى النجوم فيعتق ولهذا لو كانت أم ولد مكاتبة بأن سبقت الكتابة الاستيلاد أو عكسه لم يكن له استخدامها ولا غيره مما ذكر وله أيضا كتابتها لأنه يملك كسبها فاذا أعتقها على صفة جاز وفارق جواز اجارتها وان كانت بيعا لمنافعها منع اجارة الأضحية المعينة كبيعها بخروجها عن ملكه بالكلية بخلاف المستولدة.
وعلم من جواز اجارتها جواز اعارتها بالأولى ولو أجرها ثم مات فى أثناء المدة عتقت وانفسخت الاجارة ومثلها المعلق عتقه بصفة والمدبر، بخلاف ما لو أجر عبده ثم أعتقه فان الأصح عدم الانفساخ والفرق هو تقدم سبب العتق بالموت أو الصفة على الاجارة فيهن بخلاف الاعتاق، ولهذا لو سبق الايجار الاستيلاد ثم مات السيد لم تنفسخ لتقدم استحقاق المنفعة على سبب العتق.
حكم أرش الجناية عليها:
وللسيد أرش جناية على أم ولده لبقاء ملكه عليها فلو قتلها جان ضمن قيمتها وكذا لو غصبها غاصب وماتت فى يده ولو أبقت فى يده غرم قيمتها ثم اذا مات سيدها استردها من تركته لعتقها وكذا لو غصب عبدا فأبق وغرم قيمته ثم أعتقه سيده، بخلاف ما لو قطع جان يد أم الولد وغرم أرشها ثم عتقت بموت السيد لا يسترد الارش لانه بدل الطرف الفائت ولم يشمله العتق.
ولو شهد اثنان على اقرار السيد بالايلاد وحكم بهما ثم رجعا لم يغرما لأن الملك باق فيها ولم يفوتا الا سلطنة البيع ولا قيمة لها بانفرادها فإذا مات سيدها غرما قيمتها لورثته.
حكم تزويج السيد اياها:
وكذا للسيد ان يزوج أم ولده بغير اذنها فى لأصح لملكه الرقبة والنفعة كالمدبرة.
والقول الثانى - وهو القابل للأصح - لا يجوز له أن يزوجها الا برضاها لأنها ثبت لها حق العتق بسبب لا يملك السيد ابطاله.
وفى قول ثالث: لا يجوز له أن يزوجها وان رضيت لانها ناقصة فى نفسها وولاية الولى عليها ناقصة فاشبهت الصغيرة فلا يزوجها أحد برضاها. وظاهر انه لو ثبت الايلاد فى بعضها زوجها السيدان بغير اذنها على الراجح.
والخلاف أقوال كما ذكره الرافعى وغيره ولو كان سيدها مبعضا لم يزوج أمته بحال قاله البغوى رضى الله تعالى عنه.
قال لان مباشرته العقد ممتنعة اذ لا ولاية له ما لم تكمل الحرية واذا امتنعت مباشرته بنفسه امتنعت انابته غيره وتزويجها بغير اذنه ممتنع فانسد باب تزويجها.
قال الأذرعى رضى الله تعالى عنه:
وتعليله دال على البناء على أن السيد يزوج بالولاية والأصح انه انما يزوج بالملك فيصح تزويجه وقد قال البلقينى ما قاله البغوى ممنوع لان تزويج السيد أمته بالملك وهو موجود، والكافر لا يزوج أمته المسلمة.
بخلاف ما لو كان السيد مسلما وهى كافرة ولو وثنية أو مجوسية لان حق المسلم فى الولاية آكد، ألا ترى أنه يثبت له الولاية عليها بالجهة العامة ويزوجها الحاكم باذنه وحضانة ولدها لها وان كانت رقيقة لتبعيته لها فى الاسلام.
حكم بيعها:
ويحرم على السيد بيع أم ولده لخبر «أمهات الأولاد لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع منها سيدها ما دام حيا فاذا مات فهى حرة»
(1)
وأجمع التابعون فمن بعدهم على ذلك.
قال النووى رحمه الله تعالى فى شرح المهذب هذا هو المعتمد فى المسألة ان قلنا الاجماع بعد الخلاف يرفع الخلاف وحينئذ فيستدل بالأحاديث وبالاجماع على نسخ الأحاديث فى بيعها قال الصيمرى رحمه الله تعالى وغيره:
وأجمعوا على المنع اذا كانت حاملا بحر، وانما اختلفوا بعد الولادة ولهذا احتج ابن سريج رحمه الله تعالى فى الودائع بالاتفاق على انها لا تباع فى حال الحبل قال فدلالة اتفاقهم قاضية على حكم ما اختلفوا فيه بعد الولادة ونقض هذا الاستدلال بالحامل بحر من وط ء شبهة فانها لا تباع فى حال الحبل وتباع بعد الوضع وأجيب عنها بقيام الدليل فيها بجواز البيع بعد الوضع بخلاف أم الولد ونص الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه على منع بيعها فى خمسة عشر كتابا ولو حكم قاض بجواز بيعها نقض قضاؤه لمخالفته الاجماع وما كان فى بيعها من خلاف بين القرن الأول فقد انقطع وصار مجمعا على منعه، وأما خبر أبى داود وغيره عن جابر رضى الله تعالى عنهم.
(1)
رواه الدارقطنى والبيهقى رضى الله تعالى عنهما وصححا وقفة على عمر رضى الله تعالى عنه وخالف ابن القطان فصحح رفعه وحسنه وقال رواته كلهم ثقات.
كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبى صلى الله عليه وسلم حى لا نرى بذلك بأسا فأجيب عنه بانه منسوخ وبانه منسوب الى النبى صلى الله عليه وسلم استدلالا واجتهادا فيقدم عليه ما نسب اليه صلى الله عليه وسلم قولا ونصا وبانه صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك كما ورد فى خبر المخابرة عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما كنا نخابر لا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج انه صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة فتركناها، وزاد الحاكم فيه: لا نرى بذلك بأسا فى زمن أبى بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا ورواه البيهقى بدون هذه الزيادة وقال يحتمل أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يشعر بذلك ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهى أو قبل ما استدل به عمر وغيره من أمر النبى صلى الله عليه وسلم على عتقهن ومن فعله منهم لم يبلغه ذلك.
وقال البيهقى رضى الله تعالى عنه: ليس فى شئ من الطرق أنه أطلع عليه وكما يحرم بيعها لا يصح، ومحل ما ذكره النووى رضى الله تعالى عنه اذا لم يرتفع الايلاد فان ارتفع بأن كانت كافرة وليست لمسلم وسبيت وصارت قنة صح جميع ذلك ويستثنى من ذلك مسائل يجوز بيعها.
الأولى المرهونة رهنا وضعيا أو شرعيا حيث كان المستولد معسرا حال الايلاد.
الثانية الجانية وسيدها كذلك.
الثالثة مستولدة المفلس.
الرابعة بيعها من نفسها بناء على انه عقد عتاقة وهو الأصح وكبيعها فى ذلك هبتها كما صرح به البلقينى والاذرعى رضى الله تعالى عنهما بخلاف الوصية بها لاحتياجها الى القبول وهو انما يكون بعد الموت والعتق يقع عقبه.
قال الاذرعى وددت لو قيل بجواز بيعها ممن تعتق عليه بقرابة وقال الزركشى رحمه الله تعالى: ينبغى صحة بيعها ممن تعتق عليه كأصلها أو فرعها أى ومن أقر بحريتها وهو مردود.
الخامسة اذا سبى سيد المستولدة واسترق فيصح بيعها ولا تعتق بموته.
السادسة اذا كانت حربية وقهرها حربى آخر ملكها. ويحرم رهنها وهبتها، اما الهبة فلأنها نقل ملك الى الغير واما الرهن فلأنه تسليط على ذلك فأشبه البيع، والحاصل ان حكم أم الولد حكم القنة الا فيما ينتقل به الملك أو يؤدى الى انتقاله
(1)
. ولا تصح الوصية بها ولا وقفها ولا تدبيرها، وظاهر أن أم الولد التى يجوز بيعها لعلقة رهن وضعى أو شرعى أو جناية أو نحوها تمنع هبتها.
ولو ولدت من زوج أو زنا فالولد للسيد يعتق بموته كالأم لأن الولد يتبع أمه فى الرق والحرية وكذا فى سببها اللازم لا فرق فى ذلك هنا بين أن تكون أم الولد موجودة أم لا فلو ماتت قبل موت السيد بقى حكم الاستيلاد فى حق الولد
(1)
.
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 9 ص 409 وما بعدها الى ص 411 فى كتاب أسئلة حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملسى وعلى هامشه حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ سنة 1938 م.
حكم أولادها:
وأولادها قبل الاستيلاد من زنا أو زوج لا يعتقون بموت السيد وله بيعهم لأنهم حدثوا قبل أن يثبت سبب الحرية، بخلاف الحادثين بعد الاستيلاد فلو لم ينفذ الاستيلاد لاعسار الراهن ثم اشتراها حاملا من زوج أو زنا قال الامام رضى الله تعالى عنه: هذا موضع نظر يجوز أن يقال تتعدى أمية الولد الى الحمل وهو الظاهر لأن الحرية فيها تأكدت تأكدا لا يرتفع والولد متصل بخلاف حمل المدبرة فان التدبير عرضة للارتفاع، ويجوز أن يخرج على القولين فى سراية التدبير الى الحمل نقله الزركشى رحمه الله تعالى
(1)
.
حكم عتقها:
وعتق المستولدة من رأس المال مقدما على الديون والوصايا لظاهر الأحاديث كخبر «أعتقها ولدها» وسواء استولدها فى الصحة أم المرض أم نجز عتقها فى مرض موته، ولا نظر الى ما فوته من منافعها التى كان يستحقها الى موته لأن هذا اتلاف فى مرضه فاشبه ما لو أتلف طعامه وشرابه وبالقياس على من تزوج امرأة بأكثر من مهر مثلها فى مرض موته، وهذا الحكم جار فى أولاده الحادثين الأرقاء له.
حكم الايصاء بها:
ولو أوصى بها من الثلث لقصد الرفق بالورثة فهل ينفذ كما تصح الوصية بحجة الاسلام من الثلث قال الزركشى رضى الله تعالى عنه:
الظاهر المنع لان المستولدة كالمال الذى يتلفه فى حال المرض بالأكل والشرب فلا يحسب من الثلث وهى تعتق من رأس المال بمجرد الموت فليس للوصية هنا معنى وجزم بذلك الدميرى رحمه الله تعالى. قال بعضهم:
وفيه نظر اذ محصل هذه الوصية ان قدر قيمة أم الولد المتلفة تزاحم وصاياه رفقا بورثته ولو أتلف عينا فى مرض موته وأوصى أن تكون قيمتها محسوبة من ثلثه رفقا بورثته لم يتجه الى الصحة وما قاسه وقاس عليه مردود.
حكم جناية أم الولد:
ولو جنت أم الولد لزم السيد فداؤها بأقل الأمرين من قيمتها يوم الجناية ومن أرش الجناية وان ماتت عقبها لمنعه من بيعها باحبالها وجنايتها كواحدة فى الاظهر
(2)
حكم الأمة المشتركة:
ولو أتت أمة شريكين بولد من كل منهما بان أولدها كل منهما ولدا واشتبها كأن ماتا، وادعى كل سبق ايلاده فان كانا موسرين ولم يعلم
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 413 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 411، ص 412 نفس الطبعة.
السابق فليس أحدهما أولى من الآخر فيؤمران بالانفاق عليها فاذا ماتا عتق كلها للاتقاق على ثبوت استيلادها ووقف الولاء بين عصبتيهما حتى يتبين الحال، وان مات أحدهما لم يعتق شئ منها لاحتمال انها مستولدة الآخر، وان كانا معسرين ثبت ايلاد كل منهما فى قدر نصيبه فاذا ماتا فالولاء بين عصبتيهما كذلك وان كان أحدهما موسرا والآخر معسرا ثبت الايلاد فى نصيب الموسر اذ لا نزاع للمعسر فيه والنزاع فى نصيب المعسر اذ كل منهما يدعيه فاذا مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لورثته فاذا مات المعسر بعده عتق نصيبه وولاؤه موقوف وان مات المعسر أولا لم يعتق شئ منها فاذا مات الموسر بعده عتقت كلها وولاء نصيب الموسر لورثته وولاء الآخر موقوف أو لو كان الاختلاف عكسه فقال كل منهما للآخر أنت وطئت أولا فسرى الى نصيبى وهما موسران أو أحدهما فقط فقال البغوى رحمه الله تعالى:
يتحالفان ثم يتفقان عليها فان مات أحدهما فى صورة يسارهما لم يعتق نصيبه لاحتمال صدقه فى أن الآخر سبقه وعتق نصيب الحى لاقراره ووقف ولاؤه فاذا مات عتقت كلها ووقف ولاء الكل فاذا مات الموسر فى الصورة الثانية أولا عتقت كلها نصيبه بموته وولاؤه لعصبته ونصيب المعسر باقراره ووقف ولاؤه وان مات المعسر أولا لم يعتق منها شئ لاحتمال سبق الموسر فاذا مات الموسر عتقت كلها وولاء نصيبه لعصبته وولاء نصيب المعسر موقوف ولو كانا معسرين فكما لو ادعي كل منهما انه أولدها قبل ايلاد الآخر لها وقد مر حكمه والعبرة فى اليسار وعدمه بوقت الاحبال.
ولو كان له ثلاثة أخوة فى أيديهم أمة وولدها وهو مجهول النسب فقال أحدهم: هى أم ولد أبينا والابن أخونا وقال الآخر هى أم ولدى وولدها منى وقال الآخر هى جاريتى وولدها عبدى لم يثبت نسب الولد من أبيهم ويثبت من الثانى والولد حر بقول الأول والثانى ويعتق على الثانى نصيب مدعى الرق من الولد وينفذ ايلاده فى نصيبه من الأمة ويسرى الى حق مدعى الملك ان كان موسرا فان كان معسرا فلا وذلك بعد التحالف بين الثانى والثالث فقط لان القائل هى أم ولد أبينا لم يدع لنفسه شيئا على الآخرين فلا يحلفهما نعم ان ادعت الأمة ذلك وانها عتقت بموت الاب حلفتهما على نفس علمهما ان أباهما أولدها واما الآخران فكل منهما يدعى ما فى يد صاحبه هذا يقول هى مستولدتى وهذا يقول هى ملكى فيحلف كل منهما على نفى مدعى الآخر فى الثلث الذى فى يده قال فى الروضة فى كتاب العتق:
والقائل هى أم ولد أبينا لا غرم له لانه لا يدعى شيئا ولا عليه والذى يدعى الايلاد يلزمه الغرم لمدعى الملك لاعترافه بانه فوت عليه نصيبه من الأمة والولد، كذا عللوه ومقتضاه ان تكون الصورة فيما اذا سلم انه كان لمدعى الرق فيها نصيب بالارث أو غيره والا فلا يلزم من قوله مستولدة كونها مشتركة من قبل، ويغرم للثالث ثلث القيمة فى الأصح لانها فى يد الثلاثة حكما
(1)
ولو وطئ شريكان أمة لهما وأتت بولد وادعيا الاستبراء
(1)
المرجع السابق ح 8 ص 114 نفس الطبعة.
وحلفا فلا نسب ولا ايلاد وان لم يدعياه فله أحوال:
أحدها ان لا يمكن كونه من أحدهما بان ولدته لأكثر من أربع سنين من وط ء الأول والأقل من ستة أشهر من وط ء الثانى أو لأكثر من أربع سنين من آخرهما وطأ فكما لو أدعيا الاستبراء.
والثانى: أن يمكن من الأول دون الثانى بأن ولدته لما بين أقل مدة الحمل وأكثرها من وط ء الأول ولما بين دون أقل من مدة الحمل من وط ء الثانى فيلحق بالأول ويثبت الايلاد فى نصيبه ولا سراية ان كان معسرا فان كان موسرا سرى.
الثالث: أن يمكن من الثانى دون الأول بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من وقت وط ء الأول ولما بين ستة أشهر وأربع سنين من وط ء الثانى فيلحقه ويثبت ايلاده فى نصيبه ولا سراية إن كان معسرا وإن كان موسرا سرى.
الرابع: ان يمكن كونه من كل منهما بان ولدته لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وط ء كل منهما وادعياه أو أحدهما فيعرض على القائف فان تعذر أمر بالانتساب اذا بلغ ولو كان له أمة خلية ذات ولد فقال هذا ولدى من هذه لحقه ان أمكن ولا تصير أم ولد له فان قال استولدتها به فى ملكى أو علقت به فى ملكى أو هذا ولدى منها وهى فى ملكى من عشر سنين والولد ابن سنة.
مثلا ثبت نسبه منه وهى أم ولد له والعلوق فى الملك مقتض لثبوت أمية الولد ما لم يمنع منه مانع والأصل عدمه ومجرد احتمال المانع ليس مانعا ولو كانت مزوجة فالولد للزوج ولا أثر لالحاق السيد ولو كانت فراشا لسيدها لاقراره بوطئها لحقه الولد بالفراش ولا حاجة الى الاقرار ولا يعتبر الا الامكان وسواء أجرى الاقرار فى الصحة أم المرض وفى أصل الروضة قبيل التدبير نقلا عن فتاوى القاضى الحسين انه لو قال: مضغة هذه الجارية أى أمته حرة فهو اقرار بان الولد انعقد حرا وتصير الأم به أم ولد وقال صاحب المنهاج: وينبغى أن لا تصير حتى يقر بوطئها فى ملكه لانه يحتمل انه حر من وط ء أجنبى بشبهة وهو ظاهر وفى فروع ابن القطان رضى الله تعالى عنه: لو قالت الأمة التى وطئها السيد القيت سقطا صرت به أم ولد فأنكر السيد القاءها ذلك فمن المصدق وجهان.
قال الاذرعى رضى الله تعالى عنه: الظاهر ان القول قول السيد لان الأصل معه لا سيما اذا أنكر الاسقاط والعلوق مطلقا وفيما اذا اعترف بالحمل احتمال والاقرب تصديقه أيضا الا ان تمضى مدة لا يبقى الحمل منتسبا اليها. ولو اتفقا على انها أسقطت وادعت انه سقط مصورا وقال بل لا صورة فيه أصلا فالظاهر تصديقه لأن الأصل معه قال فى البيان واذا صارت الأمة فراشا لرجل ومعها ولد فأقرت بانه ولد لغيره لم يقبل قولها بل القول قول صاحب الفراش ولو تنازع السيد والمستولدة فى ان ولدها ولدته قبل الاستيلاد أو بعده فالقول قول السيد والوارث وتسمع دعواها لولدها حسبة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «الشرح الكبير» على متن المقنع أن الأمة اذا حملت من سيدها وولدت منه ثبت
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 415 نفس الطبعة.
لها حكم الاستيلاد وحكمها حكم الاماء فى حل وطئها لسيدها واستخدامها وملك كسبها وتزويجها واجارتها وعتقها وتكليفها وحدها وعورتها وهذا قول اكثر أهل العلم وحكى عن مالك رضى الله تعالى عنه أنه لا يملك اجارتها وتزويجها لأنه لا يملك بيعها فلا يملك تزويجها واجارتها كالحرة ويدل لنا أنها مملوكة ينتفع بها فيملك سيدها تزويجها واجارتها كالحرة وانما منع بيعها لأنها استحقت ان تعتق بموته وبيعها يمنع ذلك بخلاف التزويج والاجارة ويبطل دليلهم بالموقوفة والمدبرة عند من منع بيعها إذا ثبت هذا فإنها تخالف الأمة القن فى أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال ولا يجوز بيعها ولا التصرف فيها بما ينقل الملك من الهبة والوقف ولا ما يراد للبيع وهو الرهن ولا تورث لأنها تعتنق بموت سيدها ويزول الملك عنها روى هذا عن عمر وعثمان وعائشة وعامة الفقهاء رضى الله تعالى عنهم وروى عن على وابن عباس وابن الزبير رضى الله تعالى عنهم اباحة بيعهن واليه ذهب داود وروى صالح بن أحمد قال: قلت لأبى الى أى شئ تذهب فى بيع أمهات الأولاد؟ قال أكرهه وقد باع على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه.
وقال فى رواية اسحاق بن منصور لا يعجبنى بيعهن قال أبو الخطاب رحمه الله تعالى: وظاهر هذا انه يصح بيعهن مع الكراهة فجعل هذا رواية ثانية عن أحمد رضى الله تعالى عنه قال شيخنا: والصحيح أن هذا ليس برواية مخالفة لقوله انهن لا يبعن لان السلف رحمة الله تعالى عليهم كانوا يطلقون الكراهة على التحريم كثيرا ومتى كان التحريم والمنع مصرحا به فى سائر الروايات عنه وجب حمل هذا اللفظ المحتمل على المصرح به ولا يجعل ذلك اختلافا وحجه من أجاز بيعهن ما روى جابر رضى الله تعالى عنه قال بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر رضى الله تعالى عنه فلما كان عمر رضى الله تعالى عنه نهانا فانتهينا وما كان جائزا فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر لم يجز نسخه بقول عمر ولا غيره ولان نسخ الاحكام انما يجوز فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم لان النص انما ينسخ بنص واما قول الصحابى فلا ينسخ ولا ينسخ به وان اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم كانوا يتركون اقوالهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتركونه باقوالهم وانما تحمل مخالفة عمر رضى الله تعالى عنه لهذا النص على انه لم يبلغه ولو بلغه لم يعده الى غيره ولأنها مملوكة لم يعتقها سيدها ولا شيئا منها ولا قرابة بينها وبينه فلم تعتق كما لو ولدت من أبنه فى نكاح أو غيره ولأن الأصل الرق ولم يرد بزواله نص ولا اجماع ولا ما فى معنى ذلك فوجب البقاء عليه ولأن ولادتها لو كانت موجبة لعتقها لثبت
العتق بها حين وجودها كسائر اسبابه وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما رواية أخرى انها تجعل فى سهم ولدها لتعتق عليه ويدل لنا ما روى عكرمة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ايما امرأة ولدت من سيدها فهى حرة عن دبر منه» وقال ابن عباس: ذكرت أم ابراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «أعتقها ولدها»
(1)
وذكر الشريف ابو جعفر فى مسائل عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع أمهات الأولاد ولا يبعن ولا يرهن ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما بداله فان مات فهى حرة قال شيخنا رحمه الله تعالى:
وهذا فيما اظن عن عمر ولا يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم ولانه اجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم بدليل قول على كان رأيى ورأى عمر ان لا تباع امهات الأولاد وقوله فقضى به عمر حياته وعثمان فى حياته وقول عبيدة رأى على فى الجماعة أحب الينا من رأيه وحده وروى عكرمة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم قال عمر ما من رجل يقر بأنه يطأ جارية ثم يموت الا أعتقها اذا ولدت وان كان سقطا
(2)
ومن أجاز بيعهن فعلى قوله ان لم يبعها سيدها حتى مات ولم يكن له وارث الا ولدها عتقت عليه وان كان له وارث سوى ولدها حسبت من نصيبه فعتقت وكان له ما بقى من ميراثه وان لم يبق شئ فلا شئ له وان كانت أكثر من نصيبه عتق منها قدر نصيبه وباقيها رقيق لسائر الورثة الا على قول من قال انه اذا ورث سهما ممن يعتق عليه سرى العتق الى باقيه فانه يعتق ان كان موسرا وان لم يكن لها ولد من سيدها ورثها ورثته كسائر رقيقة
(3)
واذا ولدت أم الولد بعد ثبوت حكم الاستيلاد لها من غير سيدها من زوج أو غيره فحكمه حكمها فى انه يعتق بموت سيدها ويجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها ويمتنع فيه ما يتمتع فيها. قال أحمد رحمه الله تعالى:
قال عمر وابن عباس وغيرهما رضى الله تعالى عنهم:
ولدها بمنزلتها ولا يعلم فى هذا خلافا بين القائلين بثبوت حكم الاستيلاد وان ماتت أم الولد قبل سيدها لم يبطل حكم الاستيلاد فى الولد وتعتق بموت سيدها لأن السبب لم يبطل وانما لم تثبت له الحرية فيها لأنها لم تبق محلا وكذلك ولد المدبرة لا يبطل الحكم فيه بموت أمه فان اعتق السيد أم الولد أو المدبرة لم يعتق ولدها لأنها عتقت بغير السبب الذى تبعها فيه ويبقى عتقه موقوفا على موت السيد وكذلك أن أعنق السيد ولد أم الولد أو المدبرة لم يعتقا بعتقه.
أما ما ولدته أم الولد قبل استيلادها فلا يتبعها لوجوده قبل انعقاد السبب فيها وزوال حكم التبعية عنه قبل تحقق السبب فى أمة ولهذا لا يتبعها فى العتق المنجز
(4)
ففى السبب أولى
(1)
رواهما ابن ماجة.
(2)
الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين ابى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسى ج 12 ص 500 وما بعدها الى ص 503 فى كتاب اعلاه المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله ابن أحمد الخرقى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ ..
(3)
المرجع السابق ج 12 ص 505 نفس المرجع.
(4)
المرجع السابق ج 12 ص 505 وما بعدها الى ص 507 نفس الطبعة.
واذا جنت أم الولد تعلق ارش جنايتها برقبتها وعلى السيد ان يفديها باقل الأمرين من قيمتها أو دونها وبهذا قال الشافعى رضى الله تعالى عنه وحكى ابو بكر عبد العزيز رحمه الله تعالى قولا آخر انه يفديها بارش جنايتها بالغة ما بلغت لأنه لم يسلمها فى الجناية فلزمه ارش جنايتها بالغة ما بلغت كالقن وقال أبو ثور رحمه الله تعالى: ليس عليه فداؤها وجنايتها فى ذمتها تتبع بها اذا عتقت لأنه لا يملك بيعها فلم يكن عليه فداؤها كالحرة.
ويدل لنا انها مملوكة له يملك كسبها لم يسلمها فلزمه ارش جنايتها كالقن ولا تلزمه زيادة على قيمتها لأنه لم يمتنع من تسليمها، وانما الشرع منع ذلك لكونها لم تبق محلا للبيع ولا لنقل الملك فيها وأما القن اذا لم يسلمها فلنا فيه منع وان سلم فلأن القن امكن ان يسلمها للبيع فربما زاد فيها راغب أكثر من قيمتها فاذا امتنع مالكها من تسليمها أوجبنا عليه الارش بكماله بخلاف أم الولد فان ذلك لا يحتمل فيها لأنه لا يجوز بيعها فلم يكن عليه أكثر من قيمتها
(1)
. فان ماتت قبل فدائها فلا شئ على سيدها لأنه لم يتعلق بذمته شئ وانما تعلق برقبتها فاذا ماتت سقط الحق لتلف متعلقه، وان نقصت قيمتها قبل فدائها وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء لأنها لو تلفت جميعها لسقط الفداء فيجب ان يسقط بعضه بتلف بعضها وان زادت قيمتها، زاد فداؤها لأن متعلق الحق زاد فزاد الفداء بزيادته كالقن، وينبغى ان تجب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد لأن ذلك ينقصها فاعتبر كالمرض وغيره من العيوب ولأن الواجب قيمتها فى حال فدائها وقيمتها ناقصة عن قيمة أم الولد فيجب أن ينقض فداؤها وأن يكون مقدرا بقيمتها فى حال كونها أم ولد.
فان كسبت بعد جنايتها شيئا فهو لسيدها لأن الملك ثابت له دون المجنى عليه وكذلك ولدها لأنه منفصل عنها فأشبه الكسب وان فداها فى حال حملها فعليه قيمتها حاملا لأن الولد متصل بها أشبه سمنها وان اتلفها سيدها فعليه قيمتها لأنه أتلف حق غيره فأشبه اتلاف الراهن وان نقصها فعليه نقصها لأنه لما ضمن العين ضمن أجزاءها، فاما ان جنت جنايات فان كانت الجنايات كلها قبل فداء شئ منها تعلق ارش الجميع برقبتها ولم يكن عليه فيها كلها الا قيمتها أو ارش جميعها وعليه الأقل منهما ويشترك المجنى عليهم فى الواجب لهم فان لم يف بها تحاصوا فيها بقدر أروش جناياتهم وان كانت الجناية الثانية بعد فدائه من الأولى فعليه فداؤها من التى بعدها كالأولى وحكى أبو الخطاب رواية ثانية عن أحمد رضى الله تعالى عنه انه اذا فداها بقيمتها مرة لم يلزمه فداؤها بعد ذلك لأنها جناية فلم يلزمه أكثر من قيمتها كما لو لم يكن فداها وقال الشافعى رضى الله تعالى عنه فى أحد قوليه.
لا يضمنها ثانيا ويشارك الثانى الأول فيما أخذه كما لو كانت قبل فدائها ويدل لنا انها أم ولد جانية فلزمه فداؤها كالأولى ولأن ما أخذه الأول عوض جنايته أخذه بحق فلم يجز ان يشاركه غيره فيه كارش جناية الحر أو الرقيق القن وفارق ما قبل الفداء لأن ارش الجنايات تعلق برقبتها فى وقت واحد فلم يلزم السيد أكثر من قيمة واحدة كما لو كانت الجنايات على واحد فان ابرأ بعضهم من حقه توفر الواجب
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 508، ص 509 نفس الطبعة.
على الباقين اذا كانت كلها قبل الفداء وان كانت المعفو عنها بعد فدائه توفر ارشها على سيدها
(1)
.
وللسيد تزويجها وان كرهت لأنها أمة يملك الاستمتاع منها واستخدامها فملك تزويجها واذا زوجها فالمهر له لأنه بمنزلة كسبها وكسبها له
(2)
واذا قتلت أم الولد سيدها عمدا فعليها القصاص لورثة سيدها ان لم يكن له منها ولد كما لو لم تكن أم ولد وان كان له منها ولد وهو الوارث وحده لم يجب عليها القصاص لأنه لو وجب لوجب لولدها ولا يجب للولد على أمه قصاص، وقد توقف أحمد عن هذه المسئلة فى رواية مهنا وقال دعنا من هذه المسائل وقياس مذهبه ما ذكرناه وان كان مع ولده منها أولاد له من غيرها لم يجب القصاص أيضا لأن حق ولدها من القصاص يسقط فيسقط كله ونقل مهنا عن احمد انه يقتلها اولاده من غيرها وهذه الرواية تخالف أصول مذهبه والصحيح انه لا قصاص عليها واذا لم يجب القصاص فعليها قيمة نفسها ويدل لنا انها جناية من أم ولد فلم يجب بها أكثر من قيمتها كما لو وجب على أجنبى ولان اعتبار الجناية فى حق الجانى بحال الجناية بدليل ما لو جنى عبد فأعتقه سيده وهى فى حال الجناية أمه فانها انما عتقت بالموت الحاصل بالجناية فيكون عليها فداء نفسها بقيمتها كما يفديها سيدها اذا قتلت غيرها ولأنها ناقصة بالرق اشبهت القن وتفارق الحر فانه جنى وهو كامل وانما تعلق موجب الجناية بها لأنها فوتت رقها بقتلها سيدها فأشبه ما لو فوت المكاتب الجانى رقه بادائه
(3)
. ولا حد على قاذفها وعنه عليه الحد والأول قول أكثر أهل العلم وروى عن أحمد رضى الله تعالى عنه أن عليه الحد لأن ذلك يروى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ولأن قذفها قذف لولدها الحر وفيها معنى منع بيعها فاشبهت الحرة والأول أصح لأنها أمة حكمها حكم الاماء فى أكثر احكامها ففى الحد أولى لأن الحدود يدرأ بالشبهات ويحتاط لاسقاطها ولأنها أمة تعتق بالموت اشبهت المدبرة وتفارق الحرة فانها كاملة ولا يجب القصاص على الحرة بقتلها لعدم المكافأة فان كان القاتل رقيقا وجب القصاص عليه لأنها أكمل منه وان جنت على عبد أو أمة جناية فيها القصاص لزمها القصاص لأنها أمة احكامها احكام الاماء واستحقاق العتق لا يمنع القصاص كالمدبرة
(4)
.
وجاء فى المغنى أن الكافر يصح منه الاستيلاد لأمته كما يصح منه عتقها واذا استولد الذمى أمته ثم أسلمت لم تعتق فى الحال وعن أحمد رضى الله تعالى عنه رواية أخرى انها تستسعى فان أدت عتقت وهو قول أبى حنيفة لأن فيه جمعا بين الحقين حقها فى أن لا يبقى ملك الكافر عليها وحقه فى حصول عوض ملكه فاشبه بيعها اذا لم تكن أم ولد ويدل لنا أنه اسلام طرأ على ملك فلم يوجب عتقا ولا سعاية كالعبد القن وما ذكروه مجرد حكمة لم يعرف من الشارع اعتبارها وبقاؤها ضرر فان فى عتقها مجانا
(1)
الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة ج 12 ص 509 وما بعدها الى ص 511 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 12 ص 511 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 12 ص 512، 513 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 12 ص 513 نفس الطبعة.
اضرارا بالمالك بازالة ملكه بغير عوض وفى الاستسعاء الزام لها بالكسب بغير رضاها وتضييع لحقه لأن فيه احالة على سعاية لا تدرى هل يحصل منها شئ أولا؟
وان حصل فالظاهر انه يكون يسيرا فى أوقات متفرقة وجوده قريب من عدمه والحق ان يبقى الملك على ما كان عليه ويمنع من وطئها والتلذذ بها كى لا يطأها ويبتذلها وهو مشرك ويحال بينه وبينها ويمنع الخلوة بها لئلا يفضى الى الوط ء المحرم ويجبر على نفقتها على التمام لانها مملوكته ومنعه من وطئها بغير معصية منها فأشبهت الحائض والمريضة وتسلم الى امرأة ثقة تكون عندها لتحفظها وتقوم بأمرها، وان احتاجت الى آجر أو أجر مسكن فعلى سيدها.
وذكر القاضى ان نفقتها فى كسبها وما فضل من كسبها فهو لسيدها وان عجز عن نفقتها فهل يلزم سيدها تمام نفقتها؟ على روايتين، والصحيح ان نفقتها على سيدها وكسبها له يصنع به ما شاء وعليه نفقتها على التمام سواء كان لها كسب أو لم يكن لأنها مملوكة له ولم يجر بينهما عقد يسقط نفقتها ولا يملك به كسبها فأشبهت أمته القن أو ما قبل اسلامها ولأن الملك سبب لهذين الحكمين، والحادث منهما لا يصلح مانعا لأن الاستيلاد لا يمنع منهما بدليل ما قبل اسلامها والاسلام لا يمنع بدليل ما لو وجد قبل ولادتها واجتماعهما لا يمنع لأنه لا نص فيه ولا هو فى معنى المنصوص عليه، ولانه اذا لم تلزمه نفقتها ولم يكن لها كسب أفضى الى هلاكها وضياعها ولأنه يملك فاضل كسبها فيلزمه فضل نفقتها كسائر مماليكه
(1)
، واذا عتقت أم الولد بموت سيدها فما كان فى يدها من شئ فهو لورثة سيدها لأن أم الولد أمة وكسبها لسيدها وسائر ما فى يدها له فاذا مات سيدها فعتقت انتقل ما فى يدها الى ورثته كسائر ماله وكما فى يد المدبرة وتخالف المكاتبة فان كسبها فى حياة سيدها لها فاذا عتقت بقى لها كما كان لها قبل العتق
(2)
.
والوصية لأم الولد تصح. فلا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم القائلين بثبوت حكم الاستيلاد وبهذا قال الشافعى واسحاق واصحاب الرأى.
وقد روى الامام احمد وسعيد ابن منصور عن هشيم باسناده أن عمر ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه أوصى لأمهات أولاده باربعة آلاف ولأن أم الولد حرة فى حال نفوذ الوصية لها لأن عتقها يتنجز بموته فلا تقع الوصية لها الا فى حال حريتها
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى «المحلى» أن كل مملوكة حملت من سيدها فأسقطت شيئا يدرى
(1)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله ابن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 12 ص 508، ص 509 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة المقدسى الطبعة الاولى طبع مطبعة المطار بمصر سنة 1348 هـ.
(2)
المرجع السابق ح 12 ص 509، 510 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ح 12 ص 510 نفس الطبعة.
أنه ولد أو ولدته فقد حرم بيعها وهبتها ورهنها والصدقة بها وقرضها ولسيدها وطؤها واستخدامها مدة حياته فاذا مات فهى حرة من رأس ماله، وكل مالها هو لها اذا عتقت ولسيدها انتزاعه فى حياته فان ولدت من غير سيدها بزنا أو اكراه أو نكاح بجهل فولدها بمنزلتها اذا عتقت عتقوا
(1)
.
ويجوز لأم الولد أن تعتق عبدها ويكون الولاء لها يدور معها حيث دار
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «البحر الزخار» أن أم الولد كالقن فى جواز الوط ء والاستخدام اتفاقا لما رواه ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد قال: لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن، يستمتع منها السيد ما دام حيا، فاذا مات فهى حرة قال الهادى والمؤيد بالله: وليس له تزويجها حتى يثبت عتقها، اذ قد ثبت فراشها الموجب للنسب والعدة فلا تنكح حتى يرتفع كفراش الزوجية.
وقال الامام يحيى والعترة: يجوز برضاها لا مع الاكراه لشبهها بالحرة لحصول سبب عتق لا يملك السيد ابطاله.
ويدل لنا أن هذا معارض بالقياس الذى ذكرنا، ولا قياس مع الفرق.
وعلى رأى من يجوز انكاحها فان ذلك يكون الى الحاكم للخلاف.
وقال الامام يحيى وابن أبى هريرة: يكون انكاحها الى الحاكم مع التشاجر والا فالى السيد. قال العترة: وله تأجيرها وقال مالك رضى الله تعالى عنه:
لا، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن خراج الأمة
(3)
ويدل لنا قوله صلى الله عليه وسلم: «وليستمتع بها مدة حياته» ونهيه صلى الله عليه وسلم متعلق بالخراج المحظور لقوله تعالى «وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ»
(4)
وتجبر على الخدمة والاجارة لا التزويج، اذ ثبت لها سبب عتق ليس للمولى ابطاله كالمكاتبة، ويتبعها الأولاد ولا يبطل عتقهم بموتها قبل السيد لثبوت الحق لهم وان ماتت رقيقة، واذا وطئت بشبهة فالمهر للسيد لملكه المنافع وارش جنايتها له لبقاء حكم الملك وجنايتها عليه الى قيمتها ثم فى ذمتها اذ لا يصح استرقاقها ولا تتعدد القيمة بتعدد الجنايات ما لم يتخلل التسليم.
ومن وطئ أمته الرضيعة فلا حد مع الجهل ومع العلم وجهان:
أصحهما يحد لقوة وجه التحريم.
والثانى: لا، اذ وطئ فى ملك كما
(1)
المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ح 9 ص 217 مسألة رقم 1683 طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الاولى سنة 1351 هـ.
(2)
المرجع السابق ح 9 ص 216 مسألة رقم 1679 نفس الطبعة.
(3)
عن رافع بن رفاعة رضى الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الأمة الا ما عملت بيديها، وقال: هكذا بأصابعه «نحو الخبز والمغزل والنقش» رواه أبو داود.
(4)
الآية رقم 33 من سورة النور.
لو وطئ حائضة ولو وطئ أمته المجوسية والوثنية ففيه هذان الوجان وتصير بالعلوق أم ولد مع الجهل فى المسألتين لوقوعه فى ملك.
قال الامام يحيى: واذا أسلمت أم ولد الذمى فالحكم مامر، ولا يؤمر ببيعها لئلا تبطل حريتها وتنفق من كسبها ان كان والا فمالكها ينفق عليها لبقاء ملكه.
قال صاحب البحر: والمذهب انها تعتق بانقضاء حيضتها ولم يسلم سيدها وتسعى كما مر.
فان وطئها بعد اسلامها فكالرضيعة.
ويسرى الاستيلاد كالتدبير، ويحد الشريك ان وطئها عالما بعد استيلاد شريكه اياها، اذ صارت كالأجنبية فان استولدها عتقت بموت الأول ان علم والا فبموتهما جميعا ويضمن كل لشريكه فان أعسرا سعت واذا ماتت قبل السيد ماتت رقيقة ويعتق أولادها بموت السيد اذ قد ثبت لهم حق مستقر
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى «شرائع الاسلام» أن أم الولد مملوكة لا تحرر بموت المولى بل هى من نصيب ولدها لكن لا يجوز للمولى بيعها ما دام ولدها حيا الا فى ثمن رقبتها اذا كان دينا على المولى ولا وجه لادائه الا منها ولو مات ولدها رجعت طلقا، وجاز التصرف فيها بالبيع وغيره من التصرفات واذا مات مولاها وولدها حى جعلت فى نصيب ولدها وعتقت عليه، ولو لم يكن سواها عتق نصيب ولدها منها وسعت فى الباقى وفى رواية تقوم على ولدها ان كان موسرا وهى مهجورة.
واذا أوصى لأم ولده قيل: تنعتق من نصيب ولدها وتعطى الوصية، وقيل: تنعتق من الوصية فان فضل منها شئ عتقت من نصيب ولدها وهو أشبه.
واذا جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها وللمولى فكها، وبكم يفكها؟ قيل:
بأقل الأمرين من أرش الجناية، وهو الأشبه، وان شاء دفعها الى المجنى عليه وفى رواية سمع عن أبى عبد الله عليه السلام:
جنايتها فى حقوق الناس على سيدها.
ولو جنت على جماعة فالخيار للمولى أيضا بين فديتها وتسليمها الى المجنى عليهم أو ورثتهم على قدر الجنايات.
وروى محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه السلام فى وليدة نصرانية أسلمت عند رجل وولدت منه غلاما ومات فاعتقت وتزوجت نصرانيا وتنصرت وولدت فقال عليه السلام: ولدها لابنها من سيدها وتحبس حتى تضع فاذا ولدت فأقتلها وفى رواية يفعل بها ما يفعل بالمرتدة والرواية شاذة
(2)
.
(1)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 4 ص 225، ص 226 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة سنة 1368 هـ سنة 1949 م.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 107، ص 108 دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ببيروت.
ما يظهر به الاستيلاد
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» ان الاستيلاد يظهر باقرار المولى، ثم ان أقر به فى حال الصحة ان هذه الجارية قد ولدت منه فقد صارت أم ولده سواء كان معها ولد أو لم يكن لأن الاقرار فى حال الصحة لا تهمة فيه فيصح سواء كان معها ولد أو لم يكن ولهذا لو أعتقها فى الصحة يعتبر من جميع المال وان كان الاقرار به فى مرض موته فان كان معها ولد صارت أم ولده أيضا وتعتق من جميع المال اذا مات المولى لان كون الولد معها دليل الاستيلاد فكان الظاهر شاهدا له فيصح اقراره ولان التسبب من الحوائج الأصلية وتصرف المريض فى مرض الموت فيما يحتاج اليه حاجة أصلية نافذ، كشراء الطعام والكسوة ونحو ذلك وان لم يكن معها ولد عتقت من الثلث لانه متهم فى اقراره فى حق سائر الورثة ولم يوجد ما ينفى التهمة وهو الولد وكذا اذا لم يكن معها ولد لا تحتاج الى التسبب فيصير قوله هذه أم ولدى كقوله هذه حرة بعد موتى فتعتق بعد موته من الثلث
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «الشرح الكبير» وحاشية الدسوقى عليه ان الاستيلاد يثبت باقرار السيد فى صحته أو فى مرضه بوط ء أمته مع الانزال
(2)
، فاذا كان الاقرار فى مرضه المخوف فقال ولدت منى فى المرض أو فى الصحة ولا ولد لها ظاهر صدق ان ورثه ولد من غيرها ذكرا كان أو أنثى لانه حينئذ ورثه غير كلالة فتعتق من رأس المال عند ابن القاسم رحمه الله تعالى اذ لا تهمة وقال أكثر الرواة لا تعتق من رأس المال ولا من الثلث فان لم يكن له ولد فانه يتهم فى اقراره ولا تعتق من رأس مال ولا ثلث
(3)
وان أقر سيد مريض بايلاد لجاريته فى صحته أو مرضه ولا ولد له منها ولا من غيرها أو أقر المريض بعتق لقن ذكرا وأنثى فى صحته ولو مع ولد لم تعتق من ثلث لأنه لم يقصد به الوصية ولا من رأس مال لأن تصرفات المريض لا تكون فى رأس المال
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «مغنى المحتاج» أن الأمة تعتق اذا أحبلها سيدها الحر المسلم أو الكافر الأصلى بأن علقت منه ولو سفيها أو مجنونا أو مكرها أو أحبلها الكافر حال اسلامه قبل بيعها عليه بوط ء مباح أو محرم كأن تكون حائضا أو محرما له كأخته أو زوجة باستدخالها ذكره ولو كان نائما أو ماءه المحترم فى حال حياته فولدت ولدا حيا أو ميتا أو ما تجب فيه غرة كمضغة ظهر فيها صورة آدمى وان لم تظهر
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح 4 ص 133.
(2)
الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفة الدسوقى ج 4 ص 7 طبع دار احياء الكتب العربية بمصر.
(3)
المرجع السابق ح 4 ص 411، 412 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ح 4 ص 412 نفس الطبعة.
الا لأهل الخبرة
(1)
ولو شهد اثنان على اقرار سيد الأمة بايلادها وحكم به ثم رجعا عن شهادتهما لم يغرما شيئا لأن الملك باق فيها ولم يفوتا الا سلطنة البيع، ولا قيمة لها بانفرادها وليس كاباق العبد منه يد غاصبه فانه فى غيره ضمان يد حتى يعود الى مستحقه فان مات السيد غرما للوارث لأن هذه الشهادة لا تنحط عن الشهادة بتعليق العتق لو شهدا بتعليقه فوجدت الصفة وحكم بعتقه ثم رجعا غرما
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى «كشاف القناع» أنه يصح اقرار المريض باحبال الأمة لأنه يملك ذلك فملك الاقرار به فاذا أقر بذلك ثم مات فان بين انه استولدها فى ملكه فولدت حر الأصل فأم ولد تعتق بموته من رأس المال، وان أقر بأن ذلك كان من نكاح أو وط ء بشبهة عتق الولد ولم تصر أم ولد وان لم يبين السبب فالأصل الرق ولا ولاء على الولد لأن الأصل عدمه فان كان له وارث قام مقامه فى بيان كيفية استيلادها
(3)
.
قال صاحب المغنى: ويحتمل أن تصير الأمة التى لم يتبين استيلادها أم ولد، لأن الظاهر استيلادها فى ملكه من قبل أنها مملوكته والولادة موجودة
(4)
واذا كان له أمة لها ثلاثة أولاد ولا زوج لها ولا اقر بوطئها فقال أحد هؤلاء ولدى فاقراره صحيح ويطالب بالبيان فان عين أحدهم ثبت نسبه وحريته ثم يسئل عن كيفية الاستيلاد فان قال: كان بنكاح فعلى الولد الولاء لأنه قدمه رقا والأم وولداها الآخران رقيق قن وان قال استولدتها فى ملكى فالمقربه حر الأصل لاولاء عليه والأمة أم ولده ثم ان كان المقربه الأكبر فاخواه أبناء أم ولد حكمهما حكمها فى العتق بموت سيدها وان كان الأوسط فالأكبر قن والأصغر له حكم الأم وان عين الأصغر فاخواه رقيق قن لانها ولدتهما قبل الحكم بكونها أم ولد، وان قال هو من وط ء شبهة فالولد حر الأصل واخواه مملوكان، وان مات قبل أن يبين أخذ ورثته بالبيان ويقوم بيانهم مقام بيانه، فان بينوا النسب ولم يبينوا الاستيلاد ثبت النسب وحرية الولد ولم يثبت للأم ولا ولديها حكم الاستيلاد لأنه يحتمل أن يكون فى نكاح أو وط ء شبهة وأن لم يبينوا النسب وقالوا لا نعرف ذلك ولا الاستيلاد فانا نريه القافة فان الحقوا به واحدا منهم
(1)
المغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 492 فى كتاب على هامش متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
(2)
المرجع السابق ح 4 ص 495 نفس الطبعة.
(3)
كشاف القناع على متن الاقناع للشيخ منصور بن دريس الحنبلى ح 4 ص 296 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(4)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله ابن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ح 5 ص 347، 348 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.
الحقناه ولا يثبت حكم الاستيلاد لغيره، فان لم تكن قافة أقرع بينهم فمن وقعت له القرعة عتق وورث لأنه حر استندت حريته الى اقرار أبيه فورث كما لو عينه فى اقراره
(1)
واذا كان له امتان لكل واحدة منهما ولد فقال أحد هذين ولدى من أمتى نظرت فان كان لكل واحدة منهما زوج يمكن الحاق الولد به لم يصح اقراره ولحق الولدان بالزوجين، وان كان لاحداهما زوج دون الأخرى انصرف الاقرار الى ولد الأخرى لأنه الذى يمكن الحاقه به وان لم يكن لواحدة منهما زوج، ولكن أقر السيد بوطئهما صارتا فراشا ولحق ولداهما به اذا أمكن أن يولد بعد وطئه. وان أمكن فى احداهما دون الأخرى انصرف الاقرار الى من أمكن لأنه ولده حكما.
وان لم يكن أقر بوط ء بواحدة منهما صح اقراره وتثبت حرية المقر به لأنه أقر بنسب صغير مجهول النسب مع الامكان لا منازع له فيه فلحقه نسبه، ثم يكلف البيان كما مر طلق احدى نسائه، فاذا بين قبل بيانه لأن المرجع فى ذلك اليه ثم يطالب ببيان كيفية الولادة فان قال استولدتها فى ملكى فالولد حر الأصل لا ولاء عليه وأمه أم ولد وان قال فى نكاح فعلى الولد الولاء لأنه مسه رق والأمة قن لأنها علقت بمملوك وان قال بوط ء شبهة فالولد حر الأصل والأمة قن لأنها علقت به فى غير ملك.
وان ادعت الأخرى أنها التى استولدها فالقول قوله مع يمنيه لأن الأصل عدم الاستيلاد فأشبه ما لو ادعت ذلك من غير اقراره بشئ فاذا حلف رقت ورق ولدها واذا مات ورثه ولده المقربه وان كانت أمة صارت أم ولد عتقت أيضا وان لم تصر أم ولد عتقت على ولدها ان كان هو الوارث وحده وان كان معه غيره عتق منها بقدر ما ملك فان مات قبل أن يبين قام وارثه مقامه فى البيان لأنه يقوم مقامه فى الحاق النسب وغيره فاذا بين كان كما لو بين الموروث وان لم يعلم الوارث كيفية الاستيلاد ففى الأمة وجهان.
أحدهما: تكون رقيقا لأن الرق الأصل فلا يزول بالاحتمال.
والثانى: يعتق لأن الظاهر انها ولدته فى ملكه لأنه اقر بولدها وهى فى ملكه وهذا منصوص الشافعى - فان لم يكن وارث أو كان وارث فلم يعين عرض على القافة فان الحقت به أحدهما ثبت نسبه وكان حكمه كما لو عين الوارث فان لم تكن قافة أو كانت فلم تعرف أقرع بين الولدين فيعتق احدهما بالقرعة لأن للقرعة مدخلا فى اثبات الحرية
(2)
.
صفة الاستيلاد
مذهب الحنفية:
جاء فى «بدائع الصنائع» أن الاستيلاد لا يتجزأ عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كالتدبير وعند أبى حنيفة هو متجزئ الا أنه قد يتكامل عند وجود سبب التكامل وشرطه وهو امكان التكامل وقيل أنه لا يتجزأ عنده أيضا، لكن فيما يحتمل نقل الملك فيه، وأما فيما
(1)
المرجع السابق ح 5 ص 336، 337 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ح 5 ص 337، 338 نفس نفس الطبعة.
لا يحتمل فهو متجزئ عنده، كما لو كانت أمة قنة بين اثنين جاءت بولد فادعاه أحدهما، فان كلها تصير أم ولد له.
وان ادعياه جميعا صارت أم ولد لهما جميعا، ثم أم الولد الخالصة اذا اعتق المولى نصفها عتق كلها بالاجماع وكذا اذا كانت بين اثنين فأعتق احدهما نصيبه عتق جميعها بلا خلاف لكن عند أبى يوسف ومحمد لعدم تجزئ الاعتاق وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لعدم الفائدة فى بقاء حكم الاستيلاد فى الباقى، لا باعتاقه، كما فى الطلاق والعفو عن القصاص.
ولا ضمان على الشريك المعتق ولا سعاية عليها فى قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه.
ولو كانت مدبرة صار نصب تعالى عنه. ولو كانت مدبرة صار نصيب المدعى أم ولد له ونصيب الآخر بقى مدبرا على حاله وان كانت مكاتبة بين اثنين صار نصيب المدعى أم ولد عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وتبقى الكتابة وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يصير الكل أم ولد للمدعى وتفسخ الكتابة فى النصف
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى «الشرح الكبير» وحاشية الدسوقى عليه أنه ان وطئ شريك أمة للشركة فحملت غرم نصيب الآخر لأنه افاتها عليه بالحمل وسواء اذن له شريكه فى وطئها أم لا.
وهل تقويمها على الوطئ يوم الوط ء أو يوم الحمل؟ قولان. ولا شئ عليه من قيمة الولد على القولين وان لم تحمل فان أذن له فى وطئها قومت أيضا يوم الوط ء، وان لم يأذن له لم تقوم عليه، ويغرم له القيمة فى الصور الثلاثة عاجلا، هذا كله ان أيسر، فان أعسر وقد حملت خير، أولا فى ابقائها للشركة ويرجع عليه بنصف قيمة الولد لأنه حر وفى تقويمها عليه، فان اختار تقويمها خير الشريك وهو غير الواطئ.
ثانيا فى اتباعه بقيمة حصته منها يوم الوط ء الناشئ عنه الحمل، فان تعدد الوط ء اعتبر يوم الحمل، فالقيمة تعتبر يوم الحمل على كل حال سواء تعدد الوط ء أم لا
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى «مغنى المحتاج» أن استيلاد أحد الشريكين الموسر الأمة المشتركة بينهما يسرى الى نصيب شريكه كالعتق بل أولى منه بالنفوذ لأنه فعل وهو أقوى من القول، ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليه دون عتقهما وايلاد المريض من رأس المال واعتاقه من الثلث هذا اذا كان الشريك الذى استولد الأمة موسرا، فان كان معسرا فلا يسرى استيلاده كالعتق نعم ان كان الشريك المستولد أصلا لشريكه سرى كما لو استولد الجارية التى كلها
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 4 ص 129 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير لسيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفة الدسوقى ج 4 ص 412، ص 413 فى كتاب على هامشه الشرح المذكور طبع دار احياء الكتب العربية بمصر.
له وعليه قيمة نصيب شريكه للاتلاف بازالة ملكه وعليه أيضا حصته من مهر المثل للاستمتاع بملك غيره
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى (كشاف القناع) أن من وطئ أمة مشتركة بينه وبين آخر فاحبلها صارت أم ولد له اذا وضعت ما يتبين فيه بعض خلق الانسان كما لو كانت خالصة له، وتخرج بذلك عن ملك الشريك موسرا كان الواطئ أو معسرا لأن الايلاد أقوى من الاعتاق.
وولده حر ولم يلزم الواطئ لشريكه سوى نصف قيمتها لأنه اتلف نصيبه منها عليه فيدفعه اليه ان كان موسرا. وان كان معسرا ثبت فى ذمته كما لو اتلفها ولا شئ عليه لشريكه فى المهر والولد لأن حصة الشريك انتقلت اليه بمجرد العلوق فلا يلزمه شئ من مهر مملوكته والولد قد انعقد حرا، والحر لا قيمة له
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى «البحر الزخار» أن الاستيلاد كالتدبير ويحد الشريك ان وطئها عالما بعد استيلاد شريكه اياها، اذ صارت كالأجنبية فان استولداها عتقت بموت الأول ان علم والا فبموتها جميعا ويضمن كل لشريكه فان أعسرا سعت واذا ماتت قبل السيد ماتت رقيقة ويعتق أولادها بموت السيد اذ قد ثبت لهم حق مستقر
(3)
.
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 456 فى كتاب على هامشة متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
(2)
كشاف القناع على متن الاقناع للشيخ بن إدريس الحنبلى ح 2 ص 684 الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرية الشرقية سنة 1319 هـ.
(3)
البحر الزخار ح 4 ص 226 الطبعة السابقة.
روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن واب وأم وآل التعريف
وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها
حرف الألف:
ابراهيم الحربى توفى سنة 285 هـ:
ابراهيم بن اسحاق بن بشير بن عبد الله البغدادى الحربى أبو اسحاق من اعلام المحدثين أصله من مرو واشتهر وتوفى ببغداد، ونسبته الى محله فيها كان حافظا للحديث عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام قيما بالأدب زاهدا أرسل اليه المعتضد ألف دينار فردها نفقة على الامام أحمد وصنف كتبا كثيرة منها غريب الحديث ومناسك الحج وسجود القرآن الكريم والهدايا والسنة فيها والحمام وآدابه ودلائل النبوة وكان عنده اثنا عشر ألف جزء فى اللغة وغريب الحديث كتبها بخطه.
الأبهرى:
انظر موسوعة الفقه الاسلامى ح 7 ص 378
ابن اثير الأذرعى:
انظر موسوعة الفقه الاسلامى ح 1 ص 247
ابن اذنية:
هو عمر بن عبد الرحمن ابن أذينة قال القمى هو شيخ أصحابنا البصريين ووجههم روى عن أبى عبد الله عليه السلام بمكاتبة، له كتاب الفرائض وكان ثقة صحيحا وكان قد هرب من المهدى العباسى ومات باليمن فلذلك لم يرو عنه كثيرا وأذينة بضم الهمزة وفتح الذال المعجمة وسكون الياء المنطقة تحتها نقطتان وقد يطلق ابن أذينة على الشاعر قال:
ما كل يوم ينال المرء مطالبا ولا يسوغه المقدور ما وهبه الى آخر القصيدة ذكره ابن الشحنة فى روضة الناظر فى ملوك العرب
أبو اسحاق توفى سنة 369 هـ:
أبو اسحاق ابراهيم بن أحمد البغدادى البزار شيخ الحنابلة وتلميذ أبى بكر عبد العزيز كهلان فى رجب (169) وكان صاحب حلقة للفيتا والأشغال بجامع المنصور
اسد الشيخ اسماعيل:
انظر أسد بن الفرات ح 1 ص 248، 249
اشهب:
انظر موسوعة الفقه ح 1 ص 249
اصبغ:
انظر ح 1 ص 249
أسلم توفى سنة 80 هـ:
مولى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه مذكور فى المهذب فى أول القراض وفى احياء الموات وفى مسألة كسر الترقوة من كتاب الديات وفى الجزية هو أبو خالد ويقال أبو زيد القرشى العدوى المدنى مولى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه من سبى اليمن هكذا قال البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم وآخرون وحكى عن سعيد بن المسيب أنه قال هو حبشى قالوا بعث أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنهما سنة احدى عشرة فأقام للناس الحج واشترى.
أسلم سمع أبا بكر الصديق وعمر وعثمان وأبا عبيده ومعاذ وابن عمر ومعاوية وأبا هريرة وحفصة رضى الله تعالى عنهم روى عنه ابنه زيد والقاسم بن محمد ونافع وآخرون واتفق الحفاظ على توثيقه وروى له البخارى ومسلم وحضر الجابية مع عمر وتوفى بالمدينة سنة 80 هـ قال أبو عبيد بن سلام وقال البخارى صلى عليه مروان بن الحكم وهذا يخالف الأول لأن مروان بن الحكم مات سنة خمس وستين وكان معزولا
عن المدينة قال البخارى فى التاريخ توفى أسلم وهو ابن مائة وأربع عشرة سنة
أنس بن مالك:
انظر ح 1 ص 249.
ابن ايوب:
انظر ح 2 ص 237.
حرف الباء:
الباجى:
انظر ح 1 ص 250.
البدر القرافى:
انظر القرافى ح 1 ص 272.
البراء بن عازب:
انظر ح 2 ص 345.
ابن برى:
هو عبد الله برى بن عبد الجبار المقدس الأصلى المصرى أبو محمد بن أبى الوحش من علماء العربية النابهين ولد ونشأ وتوفى بمصر وولى رياسة الديوان المصرى له الرد على ابن الخشاب انتصر فيه للحريرى وغلط الضعفاء من الفقهاء وشرح شواهد الايضاح نحو حواش على صحاح الجوهرى وحواش على درة الغواص لحريرى.
ابن برى توفى سنة 730 هـ:
هو على بن محمد بن الحسن الرباطى أبو الحسن المعروف بابن برى عالم بالقراءات من أهل نازة ولى رياسة ديوان الانشاء فيها من كتبه الدرر اللوامع فى أصل مقرأ الامام نافع آرجوزة فى القراءات لقيت من الذيوع فى شمالى أفريقيا مثل ما لقى كتاب الاجرودية.
البذرلى:
انظر ح 5 ص 365.
ابن بشر:
انظر ح 4 ص 361.
البغوى:
انظر ح 2 ص 346.
أبو بكر:
انظر ح 3 ص 345.
بلال:
انظر ح 3 ص 338.
أم بلال:
أم بلال امرأة بلال ذكرها موسى فقال أم بلال بنت هلال المزنية روت عن النبى صلى الله عليه وسلم «ضموا بالجذع من الضأن فأنه يجزئ» .
بهرام:
انظر ح 5 ص 365.
حرف التاء:
الترمذى:
انظر ح 1 ص 251.
حرف الجيم:
جابر:
انظر ح 1 ص 252.
جابر: انظر ح 3 ص 339.
ابن جؤية:
هو ساعدة بن جؤية الهذلى من بنى كعب ابن كاهل من سعد هذيل شاعر من مخضرمى الجاهلية والاسلام أسلم وليست له صحبة قل الآمدى شعره محشو بالغريب والمعانى الغامضة له ديوان شعر.
جبير بن مطعم:
انظر ح 1 ص 252.
أبو جعفر:
انظر ح 1 ص 263.
الفقيه أبو جعفر:
انظر ح 1 ص 253.
جمال الدين بن طاووس توفى سنة 673 هـ:
أبو الفضائل جمال الدين أحمد بن موسى بن جعفر العالم الفاضل الفقه الورع المورث صاحب التصانيف الكثيرة المتوفى سنة 673 هـ والمدفون بالحلة قال شيخنا فى المستدرك فى ذكر مشايخ أية الله العلامة الحلى
السابع من مشايخ العلامة جمال الدين أبو الفضائل والمناقب والمكارم السيد الجليل أحمد ابن السيد الزاهر سعد الدين أبى ابراهيم موسى بن جعفر وهو صاحب التصانيف الكثيرة البالغة الى حدود الثمانين التى منها كتاب البشرى فى الفقه فى ست مجلدات ولم يبق مهنا أثر لقلة الهمم سوى بعض الرسائل كعين العبرة غبن العترة وكلما أطلق فى مباحث الفقه والرجال ابن طاووس فهو المراد منه.
جميل:
هو جميل بن صالح الأسدى ثقة وجه روى عن ابى عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام ذكره أبو العباس فى كتاب الرجال له أصل روى عنه سماعة وأكثر ما يروى منه نسخة رواية الحسن بن محبوب أو محمد بن أبى عمير وقد رواه على بن حديد، وروى عنه الحسن بن محبوب ثلاث مرات فى باب ما أحل الله تعالى من النكاح وما حرم منه، وروى عنه على بن رئاب فى باب ما نجوز الصلاة فيه من اللباس وفى باب ما تجوز الصلاة فيه من أبواب الزيارات وفى باب الصلاة فى الكعبة وفوقها وروى عنه سعيد بن عبد الله فى باب حكم الجناية ورواية سعد ابن عبد الله عن جميل ابن صالح مرسلة لبعد زمانهما كثيرا وروى عنه ابن أبى عمير فى باب الطلاق وفى باب الرضا بالقضاء وفى باب حكم المذى والودى وفى باب السنة فى القنوت فى صلاة الجمعة، وروى عنه عمار بن موسى السباباطى فى باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وفى مقدار ما يحرم من النكاح من الرضاع وروى عنه القاسم بن محمد الجوهرى فى باب كراهية السرف فى أواخر كتاب الزكاة.
جندب بن عبد الله:
جندب بن عبد الله بن سفيان البجلى العلقى أبو عبد الله وقد ينسب الى جده فيقال جندب بن سفيان، سكن الكوفة ثم البصرة قدمها مع مصعب بن الزبير. وروى عنه أهل المصريين قلت وقد روى عنه من أهل الشام شهر بن خوشب فقال:
حدثنى بن جندب بن سفيان قال بن السكن وأهل البصرة يقولون جندب بن عبد الله.
وأهل الكوفة يقولون جندب ابن سفيان غير شريك وحده ويقال له جندب الخير وأنكره ابن الكلبى وقال البغوى يقال له جندب الخير وجندب الفاروق وجندب ابن أم جندب وقال ابن حيان هو جندب بن عبد الله بن سفيان، ومن قال ابن سفيان نسبة الى جده وقد قيل أنه جندب ابن خالد بن سفيان والاول أصح وحكى الطبرانى نمو ذلك وفى الطبرانى من طريق أبى عمران الجونى قال:
قال لى: جندب كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما حرورا وفى صحيح مسلم من طريق صفوان بن محرز أن جندب ابن عبد الله البجلى بعث الى عسعس بن سلامة زمن فتنة ابن الزبير قال اجمع لى نفرا من اخوانك وفى الطبرانى من طريق الحسن قال جلست الى جندب فى امارة المصعب يعنى بن الزبير.
الجيلى توفى سنة 417 هـ:
باى بن جعفر بن باى أبو منصور الجيلى الفقيه الشافعى وباى، بفتح الباء الموحدة وآخرها آخر
الحروف مشددة ووهم من زعمه بياءين أو بياء مفتوحة بدل آخر الحروف تفقه على الشيخ أبى حامد وكان من مدرس أصحاب الشيخ أبى حامد وحكى أنه لما آن أن يجلس فى الحلقة قيل للخليفة: كيف تعطى الحلقة من اسمه هذا فغيره وصيره عبد الله قال الخطيب: سمع الحديث من أبى الحسن بن الجندى - بضم الجيم - وأبى القاسم الصيدلانى وغيرهما، قال وكتبنا عنه وكان ثقة مات أول المحرم سنة اثنتين وخمسين واربعمائة.
الجيلى توفى سنة 417 هـ:
جعفر بن باى أو مسلم الجيلى أحد أصحاب الشيخ أبى حامد وهو والد الشيخ منصور باى بن جعفر بن باى سمع الحديث من ابى بكر المقرى وابن بطة العكبرى، روى عنه الخطيب وقال مات سنة سبع عشرة واربعمائة بقرية يزيد بياء موحدة ثم زاى مكسورة، ثم ياء مثناه من تحت ساكنة ثم دال معجمة.
حرف الحاء:
ابن الحاجب:
انظر ح 1 ص 253
ابن حارث:
انظر ح 5 ص 366
ابن حبيت:
انظر ح 1 ص 253
الحسن:
انظر ح 2 ص 349
الحسن البصرى:
انظر ح 1 ص 349
أبو الحسن الرضا:
انظر ح 2 ص 349
الحسن بن زياد:
انظر ح 1 ص 254
الفقيه حسن توفى سنة 1142:
هو الحسن بن محمد بن سعيد المغربى فقيه زيدى يمانى من أهل صنعاء وله حاشية على شرح القلائد للنجدى فى أصول الدين.
الحسن الصيقل:
الحسن بن زياد الصيقل مده الشيخ فى رجاله من أصحاب الباقر عليه السلام مرتين بالعنوان المذكور، وأخرى بزيادة قوله أبو محمد الكوفى وعده فى باب أصحاب الصادق عليه السلام من رجاله تارة بعنوان الحسن ابن زياد والصيقل الكوفى وأخرى بعنوان الحسن بن زياد الصيقل يكنى أبا الوليد مولى كوفى واماما فى موضوعين من باب أصحاب الرضا عليه السلام من رجال الشيخ فهو الحسن مصغرا لا مكبرا نقل عن روضة الكافى أنه روى عن ابن مسكان عن الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام أنه قال ان ولى على لا يأكل الا الحلال لانه صاحبه كان كذلك وان ولى عثمان لا يبالى حلالا أصاب أم حراما لان صاحبه كان كذلك الحديث.
حمران:
حمران بن أعين الشيبانى أخوزرارة وقد عد الشيخ الرجل من الباقر عليه السلام قائلا حمران بن أمين الشيبانى مولاهم يكنى أبا الحسن وقيل أبو حمزة تابعى، وأخرى من أصحاب الصادق عليه السلام قائلا حمران بن أعين الشيبانى مولى كوفى تابعى وعن الشيخ أيضا عدة من الممنوحين ممن كان يختص ببعض الائمة، ويتولى له الامر بمنزلة القوام وقال فى القسم الاول من الخلاصة حمران بن أعين الشيبانى مولى كوفى تابعى مشكور روى الكشى عن محمد بن الحسن عن أيوب
ابن نوح عن سعد العطار عن حمزة الزيات عن حمران ابن أعين عن ابى جعفر عليه السلام قال: أنت من شيعتنا فى الدنيا والاخرة. وروى أنه من حوارى محمد بن على بن جعفر بن محمد عليهم السلام وعن شهاب بن عبد ربه قال جرى ذكر حمران عند أبى عبد الله عليه السلام فقال:
مات والله مؤمنا وكان حمران من أكثر مشايخ الشيعة المفضلين الذين لا يشك فيهم وكان أحد حملة القرآن الكريم ومن بعده يذكر اسمه فى القراءات وكان مع ذلك عالما بالنحو واللغة.
حمزة بن حمران:
حمزة بن حمران أعين الشيبانى الكونى عده الشيخ تارة بهذا العنوان من أصحاب الصادق عليه السلام وأخرى بعنوان حمزة بن حمران بن أعين كوفى من أصحاب الباقر عليه السلام وقال فى الفهرست حمزة ابن حمران له كتاب اخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبى الفضل عن حميد ابن زياد عن ابن سماغة عنه وقال النجاش حمزة بن حمران بن أعين الشيبانى روى عنه عليه السلام له كتاب يرويه عدة من أصحابنا. أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز قال حدثنا أبو القاسم على ابن حبش بن قونى قال حدثنا حميد بن زياد قرائه قال حدثنا القاسم بن اسماعيل قال حدثنا صفوان بن يحيى عن حمزة بكتابة قلت يستفاد من هذه الكلمات من حيث عدم الغمز فى مذهبه كونه اماميا فاذا انضم الى ذلك رواية صفوان وابن أبى عمير من أصحاب الاجماع عنه المشعرة بوثاقته وكذا رواية ابن بكير وغيره من جلة الا عنه وكون روايته سديدة مقبولة اندرج الرجل فى الحسان وقد نقل المولى الوحيد عن خاله عده ممدوحا لأن للصدوق اليه طريق وعن جده أن الحق، أن رواياته سديدة ليس فيها ما يشتبه مع صحة طريقه يعنى الصدوق وعن أبى عمير وهو من أهل الاجماع بل يمكن كونه مع حسنة كالصحيح بل صحيحا على الصحيح لتصحيح العلاقة فى التذكرة والشهيد الثانى فى المسالك صريحا فى مسألة جواز شراء المماليك من ذى السيد عليها من باب بيع الحيوان وكنت بشهادتهما فى ذلك حجة بديعة.
أبو الحوارى:
انظر ح 1 ص 255 شمس الأئمة.
الحلوانى:
انظر ح 9 ص 373.
حرف الدال:
أبو داود:
انظر ح 1 ص 257.
حرف الراء:
الربيع بن سيرة الجهنى:
هو الربيع بن سبرة التابعى رحمه الله تعالى مذكور فى المختصر فى باب المتعثر وفى المهذب فى أول كتاب الصلاة وهو الربيع بن سيرة بن معبد الجهنى المدنى التابعى روى عن أبيه وعمر بن عبد العزيز وغيرها وروى عنه ابناه عبد الملك وعبد العزيز والزهرى وآخرون قال أحمد بن عبد الله العجلى هو ثقة وروى له مسلم.
ربيعة:
انظر ح 1 ص 258.
الرجراجى توفى سنة 810 هـ:
أبو على عمر بن محمد الرجراجى الفاسى الولى الزاهد والعالم العامل أخذ عن جماعة من مشيحة فاس منهم أبو عمر العبرى وعنه جلة منهم ابن الخطيب القسيطينى توفى رحمه الله سنة 810 هـ وقبره معروف.
ابن رشد:
انظر ح 1 ص 258.
ابن الرفعة:
انظر ح 1 ص 259.
حرف الزاى:
ابن زرب:
انظر ح 9 ص 373.
الزركشى:
انظر ح 1 ص 259.
القاضى زيد:
انظر ح 1 ص 260.
الزعفرانى:
انظر ح 1 ص 259.
أبو زكريا:
انظر ح 2 ص 352.
زيد بن ثابت:
انظر ح 1 ص 260.
حرف السين:
سبرة الجهنى:
سبرة الجهنى بن معبد عوسجة بن حرملة من سبرة الجهنى أبو ثرية المثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية ومصغر صحابى نزل المدينة وأقام بذى المروة روى عنه ابنه الربيع وذكر بن سعد أنه شهد الجندق وما بعدها ومات فى خلافة معاوية وقد علق له البخارى وروى له مسلم وأصحاب السنن وعند مسلم وغيره من حديثه انه خرج هو وصاحب له يوم الفتح فأصابا جارية من بنى عامر جميلة فأرادا ان يستمتعا منها قالت فما تعطيانى فقال كل منا بردى قال فجعلت انظر فترانى أشب وأجمل من صاحب وترى برد صاحب أجود من بردى قال فاختارتنى على صاحبى فكنت معها ثلاثا ثم امرنا النبى صلى الله عليه وسلم ان نفارقهن وروى سيف فى الفتوح انه كان رسول على لما ولى الخلافة بالمدينة الى معاوية يطلب منه بيعة أهل الشام.
أبو ستة:
انظر ح 11 ص 378.
سحنون:
انظر ح 1 ص 261.
ابن سراج توفى سنة 489 هـ:
عبد الملك بن سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج مولى بنى أمية أبو مروان وزير، أديب من بيت علم ووقار فى قرطبة أطنب ابن بسام فى الثناء عليه وأشار الى تقدما فى علوم اللغة، وأنه أحيا كتبا كثيرة كاد يفسدها جهل الرواة، واستدرك فيها أشياء من أوهام مؤلفيها أنفسهم ككتاب «البارع» لأبى على البغدادى وشرح «غريب الحديث» للخطابى، وروا أبيات المعانى للقتبى والبنات لأبى حنيفة وذكر مجموعة مما قاله أكابر شعراء عصره فى رثائه.
السرخسى:
انظر ح 1 ص 261.
سعيد بن جبير:
انظر ح 1 ص 261.
سعيد بن عبد الله توفى سنة 300 هـ:
سعيد بن عبد الله الأشعرى القمى، أبو القاسم:
فقيه امامى من أهل «قم» سافر كثيرا فى طلب الحديث من كتبه «مقالات الأمامية» ومناقب رواة الحديث، ومثالب رواة الحديث نحو ألف ورقة، وفضل العرب والرد على الغلاة.
سعيد بن المسيب:
انظر ح 1 ص 262.
السكونى:
انظر ح 2 ص 353.
ام سلمة:
انظر ح 1 ص 261.
سلمة بن الأكوع:
انظر ح 9 ص 375.
حرف الشين:
ابن شلبى:
انظر ح 2 ص 354.
شعبة:
انظر ح 1 ص 263.
الشيرازى:
انظر ح 1 ص 263.
حرف الصاد:
صالح بن الامام أحمد:
انظر ح 1 ص 264.
الصيمرى:
انظر ح 7 ص 393.
حرف الطاء:
الطحاوى:
انظر ح 1 ص 262.
حرف الظاء:
ظهر الدين:
انظر ح 7 ص 393.
حرف العين:
عائشة:
انظر ح 1 ص 265.
ابن عباد:
انظر ح 5 ص 372.
العبادى توفى سنة 458 هـ:
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عباد الهروى الامام الجليل القاضى أبو عاصم العبادى الفقيه الشافعى صاحب الزيادات وزيادة الزيادات والمبسوط والهادى وأدب القضاء الذى شرحه أبو سعد الهروى فى كتابه الاشراف على غوامض الحكومات وله أيضا طبقات الفقهاء وكتاب الرد على القاضى السمعانى كان اماما جليلا حافظا للمذهب بحرا يتدفق بالعلم وكان معروفا بغموض العبارة وتعويض الكلام ضنة منه بالعلم وحبا لاستعمال الأذهان الثاقبة فيه ولد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة أخذ العلم عن أربعة: القاضى أبو منصور محمد بن محمد الازدى مهراة، والقاضى أبو عمر البسطامى والاستاذ أبى طاهر الزيادى وأبى اسحاق الاسغرايينى بنيسابور، قال القاضى أبو سعد الهروى لقد كان - يعنى أبا عاصم - أرفع أبناء عصره فى غزارة نكت الفقه والاحاطة بضرائبه عمادا وأعلامهم فيه اسنادا قال وتفليق الكلام كان من عادته التى لم يصادف على غيرها فى مدة عمره قال والمحصلون وأن أزروا عليه تغميض الكلام وتحددا الايضاح عليه لكن جيلا من العلماء الأولين عمدوا على التغميض وفضلوه على الايضاح وكأنهم ضنوا بالمعاش التى هى الاغلاق النفسية على غير أهلها ثم قال مع ان السبب الذى دعاه الى التعليق وحمله على التغميض أنه كان من المتلقنين على الامام أبى اسحاق الاسغرايينى ومن تصفيح مصنفات أبى اسحاق لا سيما تجربة الافهام فى الفقه ألقاها على شدة الغموض والاغلاق. وأعلم ان الأستاذ أبا اسحاق اعدى
الشيخ أبا عاصم بدائه وذهب به فى مذهب الايضاح عن سوائه، انتهى كلام أبى سعد، روى أبو عاصم عن أبى بكر أحمد بن محمد ابن ابراهيم من سهل القراب وغيره وروى عنه اسماعيل ابن أبى صالح المؤذن مات فى شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن ثلاث وثمانين سنة.
عبادة بن الصامت:
انظر ح 2 ص 356.
ابن عباس:
انظر عبد الله ح 1 ص 267.
أبو العباس بن سريح:
انظر ح 7 ص 393.
أبو العباس بن القاضى:
انظر ح 4 ص 367.
عبد الله زرارة:
عبد الله بن زرارة بن أعين الشيبانى روى عن أبى عبد الله عليه السلام ثقة له كتاب عن على بن النعمان وأخذ عنه القاسم ابن سليمان فى باب القضاء فى الديات عنه عبد الله بن بكير فى باب:
ان التى يتوفى عنها زوجها من أبواب العدد روى هذا الخبر بعينه عبد الله بن بكير عن عبيد الله بن زرارة فى باب عدد النساء الظاهر أنه الصواب بقرينة رواية ابن بكير عن عبيد الله بن زرارة كثيرا واتحاد الخبر وعدم روايته عن عبد الله بن زرارة الا هنا والله أعلم.
عبد الله بن عباس:
أنظر ح 1 ص 267.
عبد الله بن مسعود:
أنظر ح 1 ص 267.
أبو عبد الله:
أنظر ح 6 ص 387.
أبو عبيدة:
أنظر ح 5 ص 373.
عبد الله بن عمر:
انظر ح 1 ص 267.
أبو عبد الله عليه السلام:
انظر ح 6 ص 287.
عثمان:
أنظر ح 1 ص 268.
عروة:
أنظر ح 5 ص 373.
عروة البارتى:
أنظر ح 9 ص 379.
عبد الرحمن بن القاسم:
انظر ح 6 ص 266.
عبد الرازق:
أنظر ح 2 ص 356.
على بن جعفر:
أنظر ح 10 ص 400
عكرمة:
أنظر ح 1 ص 268.
على خليل:
أنظر ح 10 ص 400
علقمة:
أنظر ح 1 ص 269.
عمران بن الحصين:
أنظر ح 2 ص 359.
عمر:
أنظر ح 1 ص 269.
ابن عمر:
أنظر ح 1 ص 267.
عبد الوهاب:
أنظر ح 9 ص 379.
حرف الغين:
ابنة غزوان:
هى برة بنت غزوان التى قال أبو هريرة رضى الله تعالى عنه قال: كنت أجيرا لبرة بنت غزوان لنفقة رحلى وطعام بطنى فاذا ركبوا سبقت بهم واذا نزلوا خدمتهم فزوجنيها الله سبحانه وتعالى فأنا أركب واذا نزلت خدمت.
حرف الفاء:
الفارقى توفى سنة 492 هـ:
محمد بن الفرج بن ابراهيم ابن على بن الحسن السلمى الشيخ أبو الغنائم الفارقى فقيه شافعى أحد الائمة الرفعاء من تلامذة الشيخ أبى اسحاق الشيرازى قدم بغداد مع أبيه سنة نيف واربعين واربعمائة فتفقه على الشيخ وبرع فى المذهب وسمع الحديث من عبد العزيز الازجى وأبى اسحاق البرمكى والحسن بن على الجوهرى والقاضى أبى الحسين بن المهتدى وغيرهم وعاد الى ديار بكر ثم قدم بعد حين ودرس ثم عاد فسكن جزيرة ابن عمر وحدث وروى عنه أبو الفتح بن البطى وكان فقيها زاهدا موصوفا بالعلم والدين، توفى يوم الخميس مستهل شعبان سنة اثنتين وتسعين واربعمائة ووقع فى ترجمة تلميذه (ابن المدرك) من تاريخ شيخنا الذهبى أن أبا الغنائم مات سنة ثلاث وثمانين وهو وهم.
ابن الفضل:
أنظر ح 8 ص 371.
حرف القاف:
ابن القاسم:
أنظر ح 1 ص 271.
القاسم:
أنظر ح 1 ص 271.
القاسم بن عبد الرحمن:
ابن عبد الله بن مسعود الهزلى أبو عبد الرحمن الكوفى قاضيها روى عن أبيه وأبى ذر وعبد الله بن عمر وجابر ابن شمرة روى عنه الاعمن والمسعودى ومسعر وآخرون قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال يحيى بن معين هو ثقة وقال أحمد بن عبد الله هو ثقة رجل صالح وكان لا يأخذ على القضاء والغيتا أجرا واتفقوا على توثيقه قال على بن المدينى لم يلق القاسم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير جابر بن سمرة قيل له فلقى ابن عمر فقال كان يحدث عنه حديثين ولم يسمع منه شيئا.
القاسم بن محمد:
أنظر ح 3 ص 352.
القاضى:
أنظر ح 1 ص 268، ج 2 ص 261، ح 3 ص 253
القاضى أبو بكر توفى سنة 361 هـ:
هو محمد بن احمد بن شاهوبه أبو بكر القاضى الفارسى سمع أبا خليفة القاضى وزكرياء بن يحيى الساجى وأقرانهما قد كان امام نيسابور زمانا ثم خرج الى بخارى وكان يدرس فى مدرسة أبى حفص الفقيه ثم انصرف الى نيسابور وحدث بها ومات بنيسابور.
القاضى اسماعيل توفى سنة 282 هـ:
اسماعيل بن اسحاق بن اسماعيل بن حماد بن زيد الازى وكنيته أبو اسحاق الفقيه المالكى القارئ المقرئ الاصولى المحدث الاديب أصله من البصرة وبها نشأ واستوطن بغداد كان من بيت علم ومجد وسؤدد فى الدين والدنيا ولبيته فضل كبير فى نشر مذهب مالك بالعراق تتلمذ عليه كثير منهم موسى بن هارون وعبد الله بن الامام أحمد بن حنبل وأبو القاسم البغوى ويحب بن صاعد وغيرهم، ألف كتبا كثيرة منها كتاب فى أحكام القرآن وكتاب الفرائض وكتاب الاصول
القاضى شريح الكندى توفى سنة 78 هـ:
شريح بن الحارث بن قيس الكندى من أشهر القضاة الفقهاء أصلا من اليمن ولى قضاء الكوفة فى زمن عمر
وعثمان ومعاوية. استعفى زمن الحجاج، توفى بالكوفة سنة 78 هـ.
القاضى أبو يعلى الخطاب:
أنظر ح 1 ص 281.
قبيصة بن دؤيب:
أنظر ح 3 ص 353.
قتادة:
أنظر ح 3 ص 2 ص 362.
ابن قدامه:
أنظر ح 1 ص 272.
القدورى:
أنظر ح 1 ص 272.
القرافى:
أنظر ح 1 ص 272.
ابن القصار:
أنظر ح 3 ص 354
القهستانى:
أنظر ح 2 ص 362.
قيس بن الحارث:
ابن حذاف الاسدى وقيل الحارث بن قيس والثانى أشبه لانه قول الجمهور وحزم بالاول أحمد بن ابراهيم الدورقى وجماعه وبالثانى البخارى وابن السبكى وقال ابن حبان قيس بن الحارث الاسدى له صحبة قال ابن أبى حاتم مثله قال أسلمت وعندى ثمان نسوه، الحديث روى عنه حميضة بن الشمرول.
حرف الكاف:
الكرخى:
أنظر ح 1 ص 273.
أم كرز:
الخزاعية ثم الكعبية قال ابن سعد: المكية أسلمت يوم الحديبية والنبى صلى الله عليه وسلم يقسم لحوم بدنة فماتت ولها حديث فى العقيقة أخرجه أصحاب السنن الاربعة روى عنها ابن عباس وعطاء وطاووس ومجاهد وسباع بن ثابت وعروة وغيرهم واختلف فى حديثها على عطاء فقيل عن قتاده عنه عن أبيه عن ابن عباس عنها وقيل عن ابن جريح ومحمد ابن اسحاق وعمرو بن دينار ثلاثتهم عن عطاء عن قتيبة ابن ميسرة بن أبى حبيب عنها وقيل عن حجاج بن أرطأة عن عطاء عن عبيد بن عمير عنها وقيل عن حجاج عن عطاء عن ميسرة بن أبى حبيب عنها وقيل عن أبى الزبير ومنصور ابن زادان وقيس بن مسعد ومطر الوراق أربعتهم عن عطاء بلا واسطة وزاد حماد ابن سلمة عن قيس عن عطاء طاووسا ومجاهدا ثلاثتهم عن أم كرز ولم يذكر الواسطة وقيل عن قيس ابن سعد عن أم عثمان بن خيثم عن أم كرز وقيل عن يزيد ابن أبى زياد وعن عطاء عن سبيعة بنت الحارث وقيل عن عبد الكريم بن أبى المخارق عن عطاء جابر وقيل عن محمد بن أبى حميد عن عطاء عن جابر وأقواها رواية ابن جريج ومن تابعه وصححهما ابن حبان ورواية حماد بن سلمة عند النسائى ورواية عبيد الله ابن أبى زيد عن سباع ابن ثابت عنها نحوه وأخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجة (قلت) وو مع عند أبى اسحاق ابن رابويه؟؟؟ عن عبد الرزاق عن ابن جريج بسنده فقال عن أم بنى كرز اللمعيين وكذا أخرجه ابن حبان من طريقه ويمكن الجمع بأنها كانت تكنى أم كرز وكان زوجها يسمى كرزا. والمراد ببنى كرز بنو ولدها كرز كانوا ينسبون الى جدتهما هذه، والله أعلم ولها حديث آخر من رواية عبد الله بن زيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز قالت أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية أسأله عن لحوم الهدى
غدا، اليوم خمر وغدا أمر، ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بنى أسد. وقال فى ذلك شعرا كثيرا وكانت حكومة فارس ساخطة على بنى آكل المرار «آباء امرؤا لقب» فأوعزت الى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس فطلبه ما بتعد وتفرق عنه أنصاره فطاف قبائل العرب حتى انتهى الى السمؤل فأجاره فمكث عنده مدة ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس فقدم الحارث بن أبى شمر الغسانى والى بادية الشام فسيره هذا الى قيصر الروم يوستنياس ويسمى فى القسطنطينية فوعد ومطله ثم والى أمرة فلسطين البادية ولقبه فبلارق فرحل يريدها فلما كان بأنقره ظهرت فى جسمه قروح فأقاله الى أن مات فى أنقره وقد جمع بعض ما ينسب اليه من الشعر فى ديوان صغير وكثر الاختلاف فيما كان يدين به ولعل الصبح انه كان على المزركية وفى تاريخ ابن عساكر أن امرأ القيس كان فى أعمال دمشق وان سقط اللوى والدخول وحومل وتوضح المقراة الواردة فى مطلع معلقته أماكن معروفة بحوران ونواحيها وقال ابن قتيبة هو من أهل نجد والديار التى يصفها فى شعره كلها ديار بنى أسد وكشف لنا ابن بليهو فى صحيح الأخبار عن طائفة الأماكن الوارد ذكرها فى شعره أين تقع وبماذا تسمى اليوم وكثير منها فى نجد ويعرف امرؤ القيس بالملك الضليل لاضطراب أمره طول حياته وذى القروح لما أصابه فى مرض موته وكتب الأدب مشحونة بأخباره، وعنى معاصرونا بشعره وسيرته فكتب سليم الجندى حياة امرؤ القيس ومحمد أبو حديد الملك الضليل امرؤ القيس ومحمد الهادى بن على الدفتر امرؤ القيس وأشعاره ومحمد صالح سمك أمير الشعراء فى العصر القديم ورئيف الخورى امرؤ القيس ومثله الفؤاد البستانى ولمحمد صبرى مثل ذلك.
ابن مسعود:
انظر عبد الله انظر ح 1 ص 276
ابن المننر:
انظر ح 1 ص 277
أبو منصور الماتردى:
انظر ح 1 ص 274
الموفق:
انظر ابن قداسة: انظر ح 1 ص 271
ابن المقرى:
انظر ح 5 ص 378
المؤيد بالله:
انظر ح 1 ص 275
موسى بن جعفر:
انظر ح 8 ص 380
حرف النون:
نافع مولى بن عمر:
انظر ح 2 ص 358
النابغة الجعدى توفى سنة 50 هـ:
هو قيس بن عدس ربيعة الجعدى العامرى أبو يعلى شاعر معلق صحابى من المعمرين اشتهر فى الجاهلية وسمى النابغة لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله وكان ممن هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل ظهور الاسلام ووقد على النبى صلى الله عليه وسلم فأسلم وأدرك صفين فشهدها مع على ثم سكن الكوفة فسيره معاوية الى
أصبهان مع أحد ولاتها، فمات فيها وقد كف بصره، وجاوز المائة وأخباره كثيرة.
النسائى:
انظر ح 1 ص 279
حرف الهاء:
أم هلال:
أم هلال بنت هلال السلمية وقال أبو عمر المزنية ووهم قال روت حديث ضحوا بالجذع قلت اخرجه مسدد وأحمد قال حدثنا يحيى القطان عن محمد عن أبى يحيى الاسلمى عن أبيه عن أم بلال وكان أبوها مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قلت قال النبى صلى الله عليه وسلم ضحوا بالجذع من الضأن فانه جائز واخرجه ابن السكن من رواية يحيى القطان وقال فى سياقه أم بلال امرأة من أسلم وقال ابن منده تابعه حاتم بن اسماعيل والقاسم ابن الحكم عن محمد بن أبى يحيى ثم قال هو وابن السكن ورواه أبو ضمرة عن محمد بن أبى يحيى فقال عن محمد بن أبى يحيى كذلك وذكرها كذلك العجلى فى ثقات التابعين.
أبو الهيثم توفى سنة 316 هـ:
داود بن الهيثم بن اسحاق أبو سعد التنوخى الانبسارى فاضل من اللغويين النجاة من أهل الأنبار مولدا ووفاة.
له كتاب فى النحو على مذهب الكوفيين وكتاب «خلق الانسان» وشعره.
حرف الواو:
وابصة بن معبد:
انظر ح 2 ص 366
ابن وهب:
انظر ح 1 ص 404
يعلى بن أمية:
انظر ح 3 ص 359
ابن يونس:
انظر ح 1 ص 281
يونس بن يعقوب:
انظر ح 5 ص 379
يونس توفى سنة 429 هـ:
هو يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث أبو الوليد المعروف بابن الصغار قاض أندلس من أهل قرطبة من متصوفة العلماء بالحديث كان قاضيا ببطليوس وأعمالها فخطيبا بجامع الزهراء مع خطة الشورى وقلده الخليفة هشام بن محمد المروانى القضاء بقرطبة مع الوزارة سنة 419 هـ ثم اقتصر على القضاء الى ان مات صنف كتبا منها المستوعب فى شرح الموطأ وفضائل المنقطعين الى الله عز وجل والتسلى عن الدنيا بتأميل خير الآخرة والابتهاج بحجية الله تعالى والتيسير والاختصاص والتقريب وفضائل المتهجدين وجميع مسائل ابن زرب وله نظم حسن فى الزهد وشهابه.
يونس المالكى توفى سنة 770 هـ:
يونس المالكى شرف الدين صاحب الكنز المدفون والفلك المشحون المنسوب الى جلال الدين السيوطى والجوهر المصون كان من تلاميذ الذهبى المتوفى سنة 748 هـ.