المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أمَان ‌ ‌معناه اللغوى والإصطلاحى: الأمان - لغة - وكذا الأمن والأمنة - - موسوعة الفقه الإسلامي - الأوقاف المصرية - جـ ٢٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

‌أمَان

‌معناه اللغوى والإصطلاحى:

الأمان - لغة - وكذا الأمن والأمنة - ضد الخوف، مِنْ أمِنَ يأمَن، من باب فهم وسلم. وأمن الأسيرَ بالمد: أعطاه الأمان فأمِنَ هو بالكسر، وأمِنَ البلدُ: أطمأن به أهله فهو آمن وأمين واستأمن إليه: دخل في أمانة

(1)

.

واستعمال الفقهاء لهذا اللفظ لا يخرج عن معناه اللغوى غالبا قال في كشاف القناع: الأمان هو ضد الخوف

(2)

وحدد له البعض معنى اصطلاحيا، فقال العسوى عن ابن عرفة: الأمان هو رفع استباحة دم الحربى ورفع استبحاحه ورقه وماله حين قتاله أو العزم على قتاله مع استقراره تحت حكم الإسلام مدة ما. فلا يدخل فيه - حسب هذا التعريف - العفو عن القاتل، ولا الصلح والمهادنة

(3)

وقد فرق ابن عرفة بين الأمان والاستئمان. فعرف الاستئمان بأنه إعطاء الأمان لحربى ينزل دار الإِسلام لقضاء أمر معين ثم ينصرف بانقضائه، فهو إعطاؤه الأمان الخاص لنزوله أرض الإِسلام لشراء ونحوه فإذا فرغ سببه انصرف الأمان (أي انتهى). والألف والسين في استئمان زائدتان وليسا للطلب

(4)

.

وقال الشيعة الأمامية: الأمان هو الكلام - ومافى حكمه - الدال على سلامة الكافر نفسا

(5)

.

‌أنواع الأمان

مذهب الحنفية: قال الإمام الكاسانى في بدائع الصنائع: الأمان نوعان: مؤقت ودائم. ومن أنواع الأمان المؤقت: أمان المحصورين، وهو أن يحاصر الغزاة مدينة أو حصنا من حصون الكفرة فستأمن الكفار فيؤمنهم المسلمون، وأمان التاجر والرسول ونحوهما. والأمان الدائم: وهو عقد الذمة

(6)

.

وقيل أن الموادعة أو الهدنة - من أنواع الأمان، وهى المعاهدة والصلح على ترك القتال.

(7)

.

‌مذهب المالكية:

عرفوا الأمان على ما زكرنا من إنه رفع استباحة دم الحربى ورقه وماله حين قتاله أو العزم عليه مع استقراره تحت حكم الإسلام مدة ما، قالوا لا يدخل فيه المهادنة والصلح (على الجزية)

(8)

وقالوا أن المهادنة هي ترك القتال بالمصلحة مدة باجتهاد الإمام وندب إلا تجاوز أربعة أشهر إلا لمصلحة

(9)

.

ويدخل في ايمان عندهم أمان التاجر ونحوه والرسول والمحصورين.

(1)

مختار الصحاح والمصباح المنير.

(2)

كشاف القناع جـ 3 ص 104 طبعة الرياض.

(3)

الخرشى جـ 3 ص 122 (الحاشية) وكذا ابن عرفة: الشرح الصغير جـ 2 ص 283 و 286 لطبعة دار المعارف 1972)

(4)

الخرشى جـ 3 ص 25 (حاشية العدوى)

(5)

الروضة البهية جـ 1 ص 220

(6)

بدائع الصنائع جـ 7 ص 196 و 108 وما بعدها.

(7)

البدائع الموضع السابق.

(8)

الشرح الصغير بحاشية العادى المرجع السابق جـ 2 ص 283، و 286

(9)

الشرح الصغير بحاشية الصاوى جـ 2 ص 317

ص: 3

‌مذهب الشافعية:

قالوا إن العقود التي تفيد الأمن ثلاثة: أمان وجزية وهدنة. فإن تعلق العقد بمحصور أصالة فهو الأمان. وإن كان إلى غاية فهو الهدنة. إلا (إذا لم يتعلق بما سبق فهو عقد الجزية

(1)

وقالوا أن المهادنة هي الصلح مع الكفار على ترك القتال مدة معينة من غير عوض أو معه

(2)

. وإن عقد الجزية - هي عقد على مال يلتزمه الكفار على وجه معين بأركان خمسة هي عاقد ومعقود له ومال وصيفة ومكان

(3)

.

ويدخل في الأمان عندهم أمان التاجر ونحوه والرسول والمحصورين.

‌مذهب الحنابلة:

قالوا أن الأمان يحرم به القتل والرق والأسر والمال. وإما الهدنة فهى العقد على ترك القتال مدة معلومة بقدر الحاجة وإن عهد الذمة هو إقرار بعض الكفار على كفره بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة

(4)

ويدخل في الأمان عندهم أمان التاجر ونحوه والرسول والمحصورين.

‌مذهب الظاهرية:

ليس فيه أحكام للأمان.

‌مذهب الزيدية:

قالوا يكون الأمان لمن أرسل إلينا أو من أومن قبل نهى الإمام (بشروطه) وإن المهادنة هي عقد الصلح مع الكفار والبغاة لمصلحة مدة معلقة

(5)

.

‌مذهب الإِمامية الجعفرية:

يختلف الأمان عن الهدنة. فالأمان هو الكلام - وما في حكمه - الدال على سلامة الكافر نفسا وإما الهدنة فهى المعاقدة من الإمام أو من نصبه لذلك على ترك الحرب مدة معينة بعوض أو غيره بحسب ما يراه الرد إما لمدة لا تزيد على عشرة سنوات ولا تقل عن أربعة أشهر

(6)

وإما عقد الذمة فهو بذل الحرية والتزام أحكامنا وترك التعرض للمسلمات بالنكاح وللمسلمين مطلقا بالفتنة في دينهم وقطع الطريق وإيواء عين المشركين والدلالة على عورات المسلمن وإظهار المنكرات في شريعة الإسلام

(7)

.

‌انعقاد الأمان

‌ما ينعقد به الأمان:

‌مذهب الحنفية:

ينعقد الأمان بأى لغة متى فهم الطرفان أن المقصود منها الأمان

(8)

ويصح بالصريح، كأمنت، أو لا بأس عليكم، وبالكناية كتعال إذا ظنه أمانًا وينعقد بالإشارة بالأصبع إلى السماء لأن فيه بيان في اعطينك ذمة إله السماء سبحانه وتعالى أو أنت آمن بحقه

(9)

. ولو نادى المشرك

(1)

القليوبى وعميرة جـ 4 ص 225

(2)

القليوبى وعميرة جـ 4 ص 227.

(3)

القليوبى وعميرة جـ 4 من 228.

(4)

كشاف القناع (الطبعة السابقة) جـ 4 ص 104 و 111 و 116

(5)

شرح الأزهر جـ 4 ص 559 و 562 و 566

(6)

الروضة البهية جـ 1 ص 221

(7)

الروضة البهية جـ 1 ص 219

(8)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 135 (طبعة مصطفى المجلى سنة 1966.

(9)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 135

ص: 4

بالأمان صح، لو كان ممتنعا أي في موضع يمنعه عن وصولنا إليه، وليس معناه أنه يصير آمنا بمجرد طلبه الأمان بل إذا ترك منعته وجاء الينا، وهذا إذا كان جاء إلينا وحده بلا سلاح أما إذا أقبل سالا سيفه مادًا برمحه فلما قرب استأمن فهو فئ لأن البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف على حقيقته جائز ولو في إباحة الدم، إذ الحاصل أن من فارق المنعة عند الاستئمان يكون آمنا عادة، والعادة توجد الحكم إذا لم يوجد التصريح بخلافه.

(1)

ويشترط لذلك سماعهم ذلك من المسلمين.

قال ابن عابدين: ووجه لو قال: أمنونى على أهلى أو على ذرارى أو على متاعى أو قال: أمنونى على عشرة من أهل الحصن، دخل هو أيضًا لأنه ذكر نفسه بضمير الكناية وشَرطَ ما ذكره معه لأن "على" للشرط. ولو قال أمنونى على أولادى دخل فيه أولاده لصلبه وأولادهم من قِبَل الذكور لا من قبل البنات لأنهم ليسو أولاده، وذلك في رواية عن محمد. وفى رواية عنه للخصاف: إنهم يدخلون، لقوله صلى الله عليه وسلم مخبرًا عن الحسن والحسين: أولادنا أكبادنا. ووجه الرواية الأولى أن هذا مجاز بدليل قوله تعالى: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم" أو هو خاص بأولاد فاطمة لما روى عنه عليه الصلاة والسلام: "كل الأولاد ينتمون إلى أبائهم إلا أولاد فاطمة فانهم ينسبون إليّ، أنا أبوهم. " ولكنه حديث شاذ. ولو قال: أمنونى على أولاد أولادى دخل أولاد البنات. وفى دخول أولاد البنات في الذرية روايتان لأن اسم ولد الولد حقيقة لمن ولده ولدك، وابنتك ولدك، فما ولدته ابنتك يكون ولد ولدك حقيقة بخلاف الأول.

‌مذهب المالكية:

يكون الأمان من امام أو غيره بلفظ دال عليه، عربيا كان اللفظ أو غير عربى، وذلك بنحو قوله: أمناك. لما يكون الأمان بإشارة برأس أو يد يفهم الحربى منها الأمان، وإن قصد بها المسلم ضده. وينعقد الأمان لو ظن الحربى أن ما قاله المسلم أو أشار به هو أمان، والحال أن المسلم لم يؤمنه وإنما خاطب غيره أو خاطبه بكلام لم يفهمه، فظن أنه أمنه، فجاء إلينا معتمدًا على ظنه.

(2)

وقال في التوضيح: يشترط في ذلك قصد الأمان وقال المواق: لا يشترط هذا القصد. قال الدسوقى: فيحمل ما في التوضيح على أن الأمان الذي يشترط فيه القصد هو الأمان المنعقد الذي لا يرد، ويحمل في المواق على أن الأمان الذي لا يشترط فيه القصد هو الذي يكون فيه تخيير الإمام؛ فإذا فتحنا لهم المصحف وحلفنا أن نقتلهم فظنوا ذلك أمانا، فإن هذا الأمان يعصم دمه وماله ولكن يخير الامام بين أوضائه ورده لمأمنه وبهذا يجمع بين ما في التوضيح والمواق.

(3)

ويجوز الاشتراط في الأمان. فإذا اشترط علينا شخص من العدو مثلا إنه إذا فتح لنا الحصن أو البلد أو القلعة على أن نؤمنه على نفسه أو على ماله أو على غير ذلك فإنه يجب علينا أن نوفيه بذلك. ولو قال: افتح لكم على أن تؤمنونى على فلان رأس الحصن فرضوا، فالرأس مع الرجل آمنان، وكذا لو قال مع أن تؤمنونى على فلان، لأنه لا يطلب الأمان لغيره إلا مع نفسه (الخرشى جـ 3 جـ 121 و 122)

(1)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 136 (الطبعة السابقة)

(2)

الشرح الصغير بحاشية الصاوى (الطبعة السابقة) جـ 2 ص 288 و 289.

(3)

حاشية الدسوقى جـ 2 ص 186

ص: 5

‌مذهب الشافعية:

يصح الأمان بكل لفظ يفيد مقصوده، صريح أو كناية. ومن الصريح: نحو أمنتك أو أجرتك أو أنت في أمانى. ومن الكناية نحو قوله: أنت على ما تحب، أو كن كيف شئت. كما يصح الأمان بكتابة ورسالة ولو كان الرسول كافرًا. ويشترط علم الكافر بالأمان بأن يبلغه فإن لم يبلغه فلا أمان؛ فلو بدر مسلم إلى الكافر فقتله قبل أن يبلغه الأمان جاز. وإذا علم الكافر بالأمان فإن رد بطل الأمان. وكذلك إن لم يقبله بأن سكت في الأصح. وفى الوجه الثاني: لا يبطل بالسكوت. وتكفى إشارة فهمه للقبول من قادر على النطق، وكذا في الإيجاب ما في هذه الاشارة ويصح بالعجمية أيضا. ولا يدخل في الأمان ماله وأهله بدار الحرب حِرما. أما ما معه من الأهل والمال فلا يدخل في الأمان في الأصح إلا بشرط، ومقابل الأصح يدخل ما معه من أهل ومال في الأمان بدون شرط ويصح للامام أن يعاقد المعلج - وهو الكافر الشديد الغليظ - على أن يدله على قلعة تفتح عنوة ليكون له منها جارية معينة كانت أو مبهمة، رقيقة كانت أو حرة لأنها تصير رقيقة بالأسر، والمبهمة يعينها الامام. فإن فتحت بدلالته وفيها الجارية أعطيت له إن كان في دلالته كلفة كما في الإجارة على المعتمد وإلا لم يجب، وإن فتحت صلحا أعطى بدلها. وإن فتحت بغير دلالته فلا شئ له في الأصح لأن القصد الدلالة الموصلة إلى الفتح. الوجه الثاني: يستحقها بالدلالة فإن لم تفتح فلا شئ له. وقيل: إن لم يعلق الجعل بالفتح فله أجر مثل دلالته فإن لم يكن فيها جارية أو ماتت قبل العقد أو سلمت ففى وجوب بدلها تفصيل

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

يصح الأمان بكل ما يدل عليه من قول وإشارة مفهومة حتى مع القدرة على النطق لقول عمر: "والله لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل بأمانه فقتله لقتلته به"، بخلاف البيع والطلاق، تغليبا لحقن الدماء مع أن الحاجة داعية للإشارة لأن الغالب فيهم عدم فهم كلام المسلمين. ويصح برسالة بأن يراسله بالأمان، وكتاب بأن يكتب له بالأمان، كالإِشارة وإذا قال لكافر: أنت آمن فقد أمّنه، لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:"من دخل دار أبى سفيان فهو آمن". وقال لكافر: لا بأس عليك فقد أمنه. لأن عمر لما قال للهرمزان: تكلم ولا بأس عليك ثم أراد قتله قال له أنس والزبير: لقد أمنته لا سبيل لك عليه، أو قال له أجرتك فقد أمنه لقوله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، ولو قال له: قف أو قم أو لا تخف أو لا تخشى أو لا خوف عليك أو لا تذهل أو ألق سلاحك، فقد أمنه لدلالة ذلك عليه ويقع الأمان إذا أمن بعضه أو يده لأنه لا يتبعض ويقع الأمان بالبدل قال أحمد: إذا اشتراه ليقلته فلا يقتله لأنه إذا اشتراه فقد أمنه فإن أشار إليهم المسلم بما أعتقده الحربيون أمانا، وقال: أردت به الأمان، فهو أمان لصحته بالإِشارة لما تقدم وإن قال: لم أرد به الأمان فالقول قوله لأنه أعلم بمراده. وإن خرج الكفار من حصنهم بناء على هذه الإِشارة لم يجز قتلهم ويردون إلى مأمنهم. قال أحمد: إذا أشير إليه بشئ غير الأمان فظنه أمانًا فهو أمان. وكل شئ يراه العلج (الكافر الغليظ الشديد) إنه أمان فهو أمان. وإن مات المسلم الذي وقعت منه هذه الإشارة المتحملة أو غاب ردوا إلى مأمنهم لأن الأصل عدم الأمان. وإذا قال لكافر: أنت آمن، فردّ الكافر الأمان انتقض

(1)

القليوبى وعميرة جـ 4 ص 226 و 277.

ص: 6

أمانه لأنه حق له يسقط بإسقاطه. وإن قبل الكافر الأمان ثم رده انتقض الأمان

(1)

ويصح الأمان منجزًا كقوله: أنت آمن ويصح معلقا بشرط كقوله من فعل كذا فهو آمن لقول النبي صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

(لم نقف فيه على أحكام الأمان).

‌مذهب الزيدية:

صيغ الأمان ثلاثة: صريح: كأنت آمن أو نحوه. وكناية: كانت جارى ونحوه، ولا بأس عليك ولا تخف والثالثة بالفعل كالإِشارة والكتابة. ولابد أن يفهمه المستأمن وإلا لم ينعقد. ولذا، لو لم يقبل الأمان بل سكت أو رده، لم ينعقد فلنا اغتياله

(3)

. وإذا انعقد الأمان كان له ولولده الصغير وأمواله المنقولة ونسائه

(4)

.

إلا إذا اقتضى اللفظ غير ذلك، كما قال: أمنتك على نفسك ولا يدخل مالة،

(5)

.

‌مذهب الأمامية:

ينعقد الذمام (أي الأمان) بأن يقول: أمنتك وأجرتك أو أنت في ذمة الإِسلام، وكذا كل لفظ دال على هذا المعنى صراحة. وكذا كل كناية عُلم بها ذلك من قصد العاقد. ولو قال: لا بأس عليك أو لا تخف لم يكن ذلك زماما (أمانا) ما لم ينضم إليه ما يدل على الأمان

(6)

.

‌شرط انعقاد الأمان:

اشترط جمهور المذاهب في الأمان إلا يكون فيه مفسدة أو ضرر

(7)

. فإذا كان فيه مفسدة أو ضرر، كما لو عقد لجاسوس أو طليعة أو لمن في عقده له مضرة للمسلمين لم يجز، ويكون للأمام أن ينبذه عند البعض ويحل قتالهم،

(8)

ولا ينعقد عند البعض الآخر،

(9)

ولا يستحق من يعقد له أن يبلغ مأمنه.

(10)

.

وشرط البعض الآخر أن يكون فيه مصلحة راجحة، أو لا يكون فيه مصلحة ولا ضرر

(11)

ومن المصلحة. كما بينها الشيعة الأمامية الجعفرية: استمالة الكافر ليرغب في الإِسلام وترفيه الجند وترتيب أمورهم وعند قلتهم ولينتقل الأمر فيه إلى دخولنا دارهم فنطلع على عورتهم.

(1)

كشاف القناع - طبعة الرياضى - جـ 3 ص 105 وما بعدها. (باب الأمان)

(2)

كشاف جـ 3 ص 104

(3)

البحر الزخار جـ 5 ص 453 و 454.

(4)

شرح الأزهار جـ 4 ص 560

(5)

البحر الزخار جـ 5 ص 454.

(6)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 149

(7)

كذا عند الحنفية: الهداية جـ 2 ص 140 (طبعة 1966)

والشافعية: القليوبى وعميرة جـ 2 ص 226.

والحنابلة: كشاف القناع جـ 3 ص 104.

والشيعة الزيدية: البحر الزخار جـ 5 ص 454

(8)

عند الحنفية - الهداية الموضع السابق.

(9)

عند الشافعية والزيدية الواضعين السابقين.

(10)

القليوبى وعميرة الدفع السابق.

(11)

عند المالكية: الدسوقى جـ 2 ص 186.

والشيعة الأمامية الحضرية: الروضة البهية جـ 1 ص 221.

ص: 7

‌من له عقد الأمان

‌مذهب الحنفية:

يجوز الأمان من الرجل الحر والمرأة الحرة للكافر والجماعة وأهل الحصن أو المدينة وعندئذ لا يكون لأحد من المسلمين قتالهم (من فتح القدير جـ 4 ص 298) والأصل فيمن له عقد الأمان قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم" وأخرج أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

(1)

قال: قال رسول الله: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم يردّ عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم". ومعنى يرد علمهم أقصاهم: أي يرد الأبعد منهم التبعة عليهم. ولكن رواه ابن ماجه: " .. ويجبر علمهم أقصاهم وهم يد .. " الحديث، ففسر الرد في هذا الحديث بأنه الإِجارة (من أجار يجير أي أمّن) فالمعنى يرد الإجارة عليهم حتى يكون كلهم مجيرًا. وفى الصحيحين عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه قال: ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة: قال صلى الله عليه وسلم المدينة حرم فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا" قيل: يسعى بذمتهم أي أمانهم وعهدهم أدناهم: أي أقلهم عددًا

(2)

وقيل: أن الأدنى إما أن يكون من الدناءة وهى الخساسة وإما أن يكون من الدنو وهو القرب. والأول ليس بمراد لأن الحديث يتناول المسلمين بقوله صلى الله عليه وسلم: تتكافأ دماؤهم، ولا خساسة مع الإِسلام

(3)

.

وتحصل من ذلك أنه يصح أمان الواحد لقوله عليه الصلاة والسلام "ويسعى بذمتهم أدناهم" ولأن الوقوف على حالة الضعف والقوة لا يقف على رأى الجماعة فيصح من الواحد سواء أمن جماعة كثيرة أو قليلة أو أهل المصر أو القرية فذلك جائز

(4)

ويجوز أمان الفاسق والذكورة ليست بشرط، فيصح أمان المرأة. وقد روى أن زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم أمنت زوجها أبا العاص (بن الربيع بن عبد شمس) رضى الله عنه (ولم يكن قد أسلم بعد) وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم أمانها

(5)

.

ويشترط فيمن يؤمن الحربيين أن يكون مسلما فالإسلام شرط في الأمان فلا يصح أمان الكافر ولو قاتل مع المسلمين لأنه منهم في حق المسلمين فلا تؤمن خيانته ولأنه إذا كان منهما فلا يدرى أنه بنى أمانه على مرعاة مصلحة المسلمين بالنسبة لمراعات حال القوة والضعف فيقع الشك في وجود شرط الصحة فلا يصح مع الشرك.

(1)

أي عبد الله بن عمرو فهو عمرو بن شعيب بن محمد عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمى - أبو إبراهيم (عن ميزان الاعتدال جـ 3 ص 263 - عيسى البابى الحلبى بتحقيق اليجادى).

(2)

بدافع الضالع جـ 7 ص 106

(3)

بدائع جـ 7 ص 107

(4)

أبن عابدين جـ 4 ص 134.

(5)

البدائع جـ 7 ص 107.

ص: 8

والبلوغ شرط لصحة الأمان وقال محمد رحمه الله: البلوغ ليس بشرط، فالصبى المراهق الذي يعقل الإِسلام، لا يصح أمانه عند أبى حنيفة وأبى يوسف، وعند محمد يصح. وجه قوله: أن أهلية الأمان مبنية على أهلية الإيمان، والصبى الذي يعقل الإِسلام من أهل الإيمان، فيكون من أهل الأمان كالبالغ. ووجه قولهما: أن الصبى ليس مكلفا، فلا يكون من أهل الأمان؛ لأن حكم الأمان: حرمة القتال؛ وخطاب التحريم لا يتناول. ولأن من شرط صحة الأمان أن يكون بالمسلمين ضعف وبالكفرة قوة؛ وهذه حالة خفية لا يوقف عليها إلا بالتأمل والنظر؛ ولا يوجد ذلك من الصبى، لاشتغاله، باللهو واللعب

(1)

.

والسلامة عن العمى والزمانة والمرض ليست بشرط للأمان، فيصع أمان الأعمى والزمن والمريض لأن الأصل في صحة الأمان صدوره عن رأى ونظر في الأحوال الخفية من الضعف والقوة؛ وهذه العوارض لا تقدح فيه

(2)

.

ولا يجوز أمان التاجر في دار الحرب، والأسير فيها، والحربى الذي أسلم هناك. لأن هؤلاء لا يقفون على حال الغزاة: من القوة والضعف؛ فلا يعرفون للأمان مصلحة. ولأنهم متهمون في حق الغزاة، لكونهم مقهورين في أيدى الكفرة.

(3)

.

وليست الحرية بشرط لصحة الأمان، فيصح أمان العبد المأذون في القتال بالإِجماع

(4)

. وإما العبد غير المأذون فيه فلا، يجوز أمانه عند أبى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد يصح وجه قوله حنيفة وأبى يوسف وقال محمد يصح وجه قوله ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، والذمة العهد، والأمان نوع عهد، والعبد المسلم أدنى المسلمين فيتناوله الحديث، ولأن حجر المولى يعمل في التصرفات الضارة دون النافعة، بل هو في التصرفات النافعة غير محجور كقبول الهبة والصدقة، ولا مضرة للمولى في أمان العبد بتعطيل منافعه عليه؛ لأنه يتأدى في زمان قليل، بل له ولسائر المسلمين فيه منفعة فلا يظهر إنحجاره عنه، فأشبه المأذون بالقتال.

ووجه قولهما: أن الأصل في الأمان أن لا يجوز؛ لأن القتال فرض، والأمان يحرم القتال، إلا إذا وقع في حال يكون بالمسلمين ضعف وبالكفرة قوة، لوقوعه وسيلة إلى الاستعداد للقتال في هذه الحالة، فيكون قتالا معنى، إذ الوسيلة إلى الشئ حكمها حكم ذلك الشئ، وهذه حالة لا تعرف إلا بالتأمل، والنظر في حال المسلمين، في قوتهم وضعفهم والعبد المحجور لاشتغاله بخدمة المولى لا يقف عليهما، فكان أمانه تركا للقتال المفروض صورة ومعنى، فلا يجوز فبهذا فارق المأذون؛ لأن المأذون بالقتال يقف على هذه الحالة، فيقع أمانة وسيلة إلى القتال فكان إقامة للفرض معنى فهو الفرق، وأما الحديث فلا يتناول المحجور، لأن الأدنى إما أن يكون من الدناءة وهى الخساسة، وإما أن يكون من الدنو وهو القرب، والأول ليس بمراد، لأن الحديث يتناول المسلمين بقوله عليه الصلاة والسلام: تتكافأ

(1)

بدائع الصنائع: جـ 7 ص 107

(2)

بدائع جـ 7 ص 106

(3)

بدائع الصنائع جـ 7 ص 106

(4)

الخرشى جـ 3 ص 123

ص: 9

دماؤهم، ولا خساسة مع الإِسلام، والثانى: لا يتناول المحجور، لأنه

(1)

لا يكون في صف القتال، فلا يكون أقرب إلى الكفرة.

‌مذهب المالكية:

تأمين الإِقليم من خصائص الإمام وحده

(2)

.

والمراد بالإقليم العدد الذي لا ينحصر الأسر وليس المراد الإِقليم المعروف هو أرض ذات بلدان، ويجب الوفاء بأمانه مطلقا بأى بلد كان، سواء كان ببلد الإمام أو ببلد من بلاد سلطان آخر من المسلمين وسواء أمنه على مال أو على غيره كنفسه وأهله، وسواء كان الأمان لإقليم أو كان لعدد محصور وسواء كان الأمان بعد الفتح أو قبله

(3)

فأى إقليم حل فيه من أمنه الإِمام فماله ودمه معصوم، ولا يحل لأحد أن يستبيح من ذلك شيئا، وإذا أراد أن يرجع إلى بلده فلا يجوز لأحد أن يتعرض له، بل يخلى سبيله لأنه وجب الوفاء له في كل بلد من بلاد المسلمين، ومثل أمير المؤمنين في ذلك أمير الجيش

(4)

.

ويجوز لغير الإِمام إعطاء الأمان لمصلحة، وذلك أن كملت فيه تسعة شروط، وهى: الإِسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والذكورة، والطوع، ولم يكن خارجا على الإِمام، وأمن دون الإقليم، وكان تأمينه قبل الفتح. فإذا أعطى من توفرت فيه هذه الشروط أمانا كان أمانه كأمان الإِمام اتفاقا. وأما الصبى المميز والمرأة والرقيق والخارج عن الإِمام إذا أمن واحد منهم دون إقليم قبل الفتح ففيه خلاف فقيل يجوز ويمضى وقيل لا يجوز ابتداء. وللأمان أن يمضيه. وأما الكافر وغير المميز فلا يمضى أمانهما اتفاقا

(5)

لأن الكفر بالنسبة للأمان الذي يحمله على سوء النظر بالمسلمين.

فإن أمن غير الإمام إقليما أي عددًا غير محصور أو أمن بعد فتح البلد عددًا محصورًا، نظر الإِمام في ذلك فإن كان صوابا أبقاه وإلا رده.

(6)

.

‌مذهب الشافعية:

يصح لكل مسلم مكلف مختار أمان حربى واحد أو عدد محصور فقط كعشرة ومائة بخلاف أهل الناحية والبلد ممن لم يعلم عددهم، فلا يصح أن أنسد باب الجهاد بهذا الأمان وإلا فيصح على المعتمد فالمعلم الواحد يؤمن الحربى الواحد - سواء كان كل منهما ذكرا أو أنثى - أو يؤمن عددًا محصورًا ويصح أمان العبد، والمرأة، والمحجور عليه لسفة، وغيرهم ممن يدخل في ضابط "المسلم المكلف المختار" فلا يصح أمان المكره والصبى، والكافر، ولا يصح أمان الأسير لمن هو معهم في الأصح والثانى يصح لأنه مسلم مكلف والوجه الأول نظر إلى أنه الأسير مقهور في أيديهم فليس مختارًا. ولا يصح أمان أسير منهم معنا إلا من الإِمام ونائبه، وكذا ممن أسره أن لم يتسلمه الإِمام منه، وإلا فلا على المعتمد.

(1)

بدائع الصنائع جـ 7 ص 106

(2)

الخرشى جـ 3 ص 122

(3)

الدسوقى جـ 2 ص 184

(4)

الخرشى 3 ص 122

(5)

الشرح الصغير بحاشية الصاوى جـ 2 ص 287. (طبعة المعارف)

(6)

القليوبى وعميرة جـ 4 ص 226.

ص: 10

‌مذهب الحنابلة:

يصح الأمان من الإِمام لجميع المشركين لأن ولايته عامة، ويصح أمان أمير لأهل بلدة ولى قتالهم؛ لأن له الولاية عليهم فقط. وإما في حق غيرهم، فهو كالآحاد من الرعية المسلمين. لأن ولايته على قتال أولئك دون غيرهم. ويصح الأمان من إمام وأمير لأسير كافر بعد الإِستيلاء عليه، وليس ذلك لأحد من الرعية إلا أن يجيزه الإِمام، لأن أمر الأسير مفوض إلى الإِمام، فلم يجز الافتيات عليه. وقيل: يصح أمان غير الإِمام للأسير الكافر؛ نص عليه في رواية أبى طالب وقدّمه في المحرر وغيره لقصته زينب في أمان زوجها. وأجاب عنه في المغنى أنه إنما صح بإجازة النبي صلى الله عليه وسلم. ويصح أمان أحد الرعية لواحد وعشرة وقافلة وحصن صغيرين عرفا، لأن عمر بن الخطاب أجاز أمان العبد لأهل الحصن. وقيل: يصح لمائة فأقل. فهناك قولان: أحدهما أن يكون الجمع صغيرا عرفا - وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، قيل: وهو الصواب، والثانى: أن يكون مائة فأقل. فلا يصح أمان أحد الرعية لأهل بلدة كبيرة ولا رستاق ولا جمع كبير لأنه يفضى إلى تعطيل الجهاد والافتيات على حق الامام

(1)

. ويشترط أن يكون الأمان من مسلم فلا يصح من كافر ولو كان ذميًا، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم"؛ ولأنه متهم على الإِسلام وأهله، فلم يصح منه كالحربى. كما يشترط أن يكون الأمان من عاقل، لا طفل ولا مجنون؛ لأن كلامه غير معتبر، فلم يثبت به حكم. وأن يكون مختارا فلا يصح من مكره عليه. ويصح من صبى مميز، لعموم الخبر، ولأنه عادل فصح منه كالبالغ. ويصح من العبد لقول عمر:"العبد المسلم رجل من المسلمين يجوز أمانه"، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم "يسعى بها أدناهم". ولأنه مسلم عاقل فأشبه الحر. ويصح من الأنثى لقوله صلى الله عليه وسلم:"قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" ولأن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارت أبا العاص بن الربيع، وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم أمانها. ويصح الأمان من هرم وسفيه، لعموم الحديث السابق

(2)

. ويصح أمان الأسير بدار الحرب: إذا عقده غير مكره؛ للعموم. وكذا أمان أجير وتاجر في دار الحرب، لعموم الحديث السابق ولا ينتقص الإمام أمان المسلم حيث وقع صحيحا، لوقوعه لازما. إلا أن يخاف خيانة من أعطى له، فينقضه لفوات شرطه، وهو: عدم الضرر

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

يعقد الأمان مكلف، سواء كان ذكرًا أم أنثى، حرًا أم عبدًا، وذلك قبل نهى الامام أصحابه عن أن يؤمنوا أحدًا. وقيل: لا يصح أمان المرأة. والوجه عند من قال بصحة أمانها أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع، وأن أم هانئ بنت عبد المطلب أجارت رجلين. وإما من أرسل الينا من جهة الكفار فإنه يكون آمنا وإن لم يصدر له أحد من المسلمين أمانا، ولكن لابد له من بينه على أنه رسول

(4)

ولا يصح أمان الذمى لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم" فشرط

(1)

كشاف القناع جـ 3 ص 104 وما بعدها الطبعة السابقة

(2)

كشاف القناع جـ 3 ص 104

(3)

كشاف القناع جـ 3 ص 105

(4)

شرح الأزهار جـ 4 ص 559.

ص: 11

الإِسلام. ولا يصح أمان الصبى لأن قوله: يسعى بذمتهم أدناهم خطاب للبالغين لا للمجنون والمعتوه، وذلك كعقوده. ولا يصح أمان المكره اجماعا كعقده، ولا الأسير كالمكره، فهو ليس مختارًا لأجل الأسر

(1)

.

‌مذهب الإِمامية:

يذم الإمام ويعطى الأمان لأهل الحرب عموما وخصوصا. وكذا من نصبه الإِمام للنظر في جهة يذم لأهلها ويعطيها الأمان ويجوز أن يذم الواحد من المسلمين لآحاد من أهل الحرب، فلا يذم ذماما عاجا، ولا لأهل الأقليم، وقيل يذم أهل القرية أو الحصن، كما أجاز على كرم الله وجهه ذمام الواحد لحصن من الحصون، وقيل: لا يُذم، وهو الأشبه، وفعل عليّ قضية في واقعة، فلا يتعدى. والعاقد للذمام (الأمان) لابد أن يكون بالغا عاقلا مختارًا، ويستوى في ذلك الحر والمملوك والذكر والأنثى. ولو أذم المراهق والمجنون لم ينعقد ذمامه لكن يعاد المؤمن إلى مأمنه. وكذلك يعاد إلى مأمنه كل حربى دخل في دار الإِسلام بشبهة الأمان، كأن يسمع لفظا فيعتقده أمانا، أو يصحب رفقة فيتوهمهم أمانا

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

يعطى الأمان لمشرك غير معط للجزية إذا دخل أرض الإسلام متجرا، ولو استأمنه رجل واحد

(3)

. ومن لا قرار له - كأهل البادية والمتنقلين من بلد لآخر - لا يتصرف فيهم سوى الإِمام الظاهر، أو نائبه أو مأذونه. وقيل: ما جاز للإمام العدل جاز محمد له رياسة وأتباع

(4)

.

‌من ينعقد له الأمان وإثباته:

‌مذهب الحنفية:

يعقد الأمان للحربيين المحصورين في مدينة أو حصن من الحصون، قلوا أو كثروا.

(5)

. ويشترط فيمن يطلبه من المشركين أن يكون ممتنعا أي في موضع يمنعه عن وصولنا إليه، وإن كان في موضع ليس يمتنع به وهو ماد سيفه أو رمحه فهو فئ. فإذا ترك منعته وجاء الينا طالبا الأمان صح أمانه. قال ابن عابدين: لو كان في منعته بحيث لا يسمع المسلمون كلامه ولا يرونه فانحط الينا وحده بلا سلاح، فلما كان بحيث نسمعه نادى بالأمان فهو آمن، بخلاف ما إذا أقبل سالا سيفه مادًا رمحه نحونا، فلما اقترب استأمن فهو فئ لأن البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف على حقيقته جائز ولو في إباحة الدم

(6)

.

وينعقد الأمان المؤقت لرسل الحربيين ولو وجدنا حربيا في دارنا فقال: أنا رسول الملك إلى الخليفة فإنه يكون آمنا (يعنى بدون أن يبذل له مسلم أمانا) إذا أخرج كتابا يشبه أن يكون كتاب ملكهم وإن احتمل أن يكون مفتعلا لأن الرسول آمن كما جرى به الرسم جاهلية وإسلاما، ولا يجد رسول الحربيين في دار الإِسلام مسلممن ليشهدوا له. فلو لم يصحبه دليل ولا كتاب معه وأخذه المسلمون فهو فئ لجماعة المسلمين عند أبى حنيفة، كمن وُجد في عسكرنا

(1)

البحر الزخار جـ 5 ص 452.

(2)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 148.

(3)

شرح النيل جـ 10 ص 412

(4)

شرح النيل جـ 10 ص 401 و 403

(5)

بدائع جـ 7 ص 106

(6)

ابن عابدين جـ 4 ص 135 (الطبعة السابقة)

ص: 12

في دار الحرب فأخذه واحد. وهو عند محمد فئ لمن أخذه كالصيد والحشيش

(1)

.

ويعقد الأمان المؤقت كذلك للتجار الحربيين، ويمكنون من الإقامة اليسيرة - وهى مدة أقل من سنة - لأن في منعها قطع المسيرة والجلب وسد باب التجارة، ففصلوا بينها بسنة، فإذا دخل الحربى مستأمنا لم يمكن أن يقيم في دار الإِسلام سنة، لأن الأصل أن الحربى لا يمكن من الإقامة الدائمة في دارنا إلا بالاسترقاق أو الجزية لأنه يصير عند ذلك عينا لهم وعونا علينا فتلتحق المضرة بالمسلمين

(2)

. ويشترط لذلك أن يدخل مستأمنا أي طالبا للأمان، فلو دخل دارنا بلا أمان كان وما معه فيئا. ولو قال مسلم: أنا أمنته، لم يصدق إلا أن يشهد رجلان غيره

(3)

.

ولا يجوز عقد الأمان لجاسوس ونحوه ممن يضر أمانهم بالمسلمين.

ويجوز للإمام أن يوادع المرتدين حتى ينظر في أمرهم لأن الإِسلام مرجو منهم، فجاز تأخير قتالهم طمعا في إسلامهم

(4)

ولكن لا يترك المرتد على ردته بأمان مؤقت ولا أمان مؤبد

(5)

.

وأما البغاة فيجوز إعطاؤهم الأمان. فلو دخل باغ بأمان فقتله عادل عمدًا لزمته الدية كما في المستأمن

(6)

.

‌مذهب المالكية:

يُعقد الأمان للحربيين قبل الفتح وبعده وذلك إن لم يضر الأمان بالمسلمين بأن تكون فيه مصلحة أو استوت المصلحة وعدم الضرر

(7)

. وإذا أخذ الحربى وهو مقبل إلينا بأرضهم، فقال: جئت أطلب الأمان منكم، أو أخذ بأرضنا وقال: ظننت أنكم لا تعرضون لتاجر ومعه تجارة، أو أخذ بمن أرضنا وأرضهم وقال جئت أطلب الأمان فيرد إلى مأمنه ولا يجوز قتله ولا أسره ولا أخذ ماله إلا لقرينة كذب كوجود آلة الحرب معه فلا يرد ويرى الإِمام فيه ما يراه في الأسرى

(8)

وإن رُدّ المؤمن إلينا بسبب ريح (مضاد للمركب) قبل الوصول لمأمنه فهو على أمانه السابق حتى يصل إلى مأمنه، فإذا أقام فليس للإِمام إلزامه الذهاب لأنه على الأمان. ومثل الرد بالريح رجوعه قبل وصوله ولو اختيارا على ظاهر كلام ابن يونس. وأما أن رجع بعد بلوغه مأمنه بريح أو غيرها، فقيل: الإمام مخير إن شاء أنزله، وإن شاء رده. وقيل هو حل. وقيل: إن رد غلبة فالإمام مخير، وإن رد اختيارا فهو حل

(9)

.

‌مذهب الشافعية:

يعطى الأمان للحربى والعدد المحصور

(10)

ولا يمكن الحربى من دخول دار الإِسلام من غير حاجة، لأنه لا يؤمن كيده، فلعله دخل للتجسس أو شراء السلاح، فإن استأذن في الدخول لأداء

(1)

ابن عابدين جـ 4 ص 135.

(2)

الهداية جـ 2 ص 154.

(3)

ابن عابدين جـ 4 ص 168.

(4)

الهواء جـ 2 ص 139

(5)

ابن عابدين جـ 2 ص 247 الطبعة السابقة

(6)

ابن عابدين جـ 2 ص 267.

(7)

الدسوقى جـ 2 ص 185 و 186.

(8)

الشرح الصغير جـ 2 ص 289 (الطبعة السابقة)

(9)

الشرح الصغير جـ 2 ص 289 جـ 290 وانظر حاشية الدسوقى 20/ 186.

(10)

قليوبى وعميرة جـ 4 ص 225 و 226.

ص: 13

رسالة أو عقد ذمة أو هدنة أو حمل ميرة للمسلمين وهم في حاجة لها جاز الأذن له من غير عوض لأن في ذلك مصلحة للمسلمين، وإذا انقضت حاجته لم يمكن من المقام

(1)

وإن دخل لتجارة لا حاجة للمسلمين فيها، لم يؤذن له إلا بمال يؤخذ من تجارته لأن عمر أخذ العشر. وإن ادعى أنه دخل لرسالة قُبِلَ قوله، لأنه يتعذر إقامة البينة على الرسالة

(2)

وإن عقد البغاة لأهل الحرب أمانا بشرط معاونتهم على أهل الحق، لم ينعقد لأن من شرط الأمان ألا يقاتلوا المسلمين، فلم ينعقد الأمان على شرط القتال، ولا يجوز لأهل البغى أسر من عاهدوهم من أهل الحرب أو قتلهم. أو استرقاقهم، لأنهم بذلوا الأمان، فلزمهم الوفاء به

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

الأصل في الأمان قوله تعالى: وإن أحد من المشركين استجار فأجره حتى يسمع كلام الله

(4)

ويجوز عقده لرسول ومستأمن لقول ابن مسعود جاء ابن النواحة وابن أثال - رسولا مسيلمة إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال لهما: لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما فمضت السنة: أن الرسل لا تقتل رواه أحمد ولأبى دواد نحوه ولأن الحاجة داعية إلى ذلك إذ لو قتل لفاتت مصلحة المراسلة قال في المبدع: فظاهره جواز عقد الأمان لكل منهما مطلقا ومقيدا بمدة قصيرة وطويلة. ومن وكل عنهم دار الإِسلام بغير أمان وادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يبيعه، قُبل منه إن صدّقته عادةٌ كدخول تجارتهم إلينا ونحوه لأن ما ادعاه ممكن فيكون شبهة في درء القتل، ولأنه يتعذر إقامة البينة على ذلك فلا يتعرض إليه ولجريان العادة مجرى الشرط؛ فإن انتفت العادة وجب بقاؤه على ما كان عليه من عدم العصمة وكذا إذا لم يكن معه تجارة لم يقبل منه إذا قال: جئت مستأمنا، لأنه غير صادق فيكون كأسير - يخير فيه الإِمام بين قتل ورق ومن وفداء ولا يعطى الأمان لجاسوس ويخير فيه الامام كأسير. وإن كان ممن ضل الطريق أو حملته ريح في مركبة إلينا أو شرد إلينا بعض دوابهم أو أبق لبعض رقيقهم فهو لمن أخذه غير مخموس، لأنه مباح ظهر عليه بغير قتال في دار الإِسلام فكان لآخذ ذلك كالصيد. ويصح الأمان لأسير كافر بعد الاستيلاء عليه معه الامام أو الأمير وليس ذلك لأحد من الرعية إلا أن يميزه الإمام لأن أم الأسير مفوض إليه فله يحبز الافتيات عليه

(5)

.

وقال أحمد: إذا لقى علجا (كافرا شديدا غليظا) فطلب منه الأمان يؤمنه لأنه يخاف شره وشرط الأمان أمن شره. وإن كما في المسلمون سرية فلمن أمانه لأمنهم شره.

وإن لقيت سرية أعلاجا فادعوا أنهم جاءوا مستأنسين قبل منهم إن لم يكن معهم سلاح لأن ظاهر الحال قرينة تدل على صدقهم (الكشاف جـ 3 ص 107).

‌مذهب الزيدية:

من أرسل إلينا من جهة الكفار فهو آمن وإن لم يصدر له أمان من أحد المسلمين، لكن لابد من بينة على ذلك أو قرينة حال. ويجوز تأمين غير الرسل قبل نهى الإمام عن ذلك

(6)

وللإمام

(1)

المهذب جـ 3 ص 258.

(2)

المهذب جـ 2 ص 259.

(3)

المهذب جـ 2 ص 220.

(4)

كشاف القناع الطبعة السابقة، جـ 3 ص 104

(5)

كشاف القناع جـ 3 ص 104

(6)

شرح الأزهار جـ 4 ص 559

ص: 14

أن يؤمن كل من دخل تاجرًا للآحاد. ولا ينعقد الأمان لمن يضر بالمسلمين كالجاسوس والمرجف ونأقل أسرارهم

(1)

وإذا أعدى بعض المشركين أنه دخل بأمان فأنكر المسلمون ذلك كانت البينة على المؤمن أي الحربى الذي أدعى الأمان مطلقا سواء كانت دعواه قبل الفتح أو بعده، فإن بين الأمان - إما بشهادة أو إقرار ممن أدعى أنه أمنه - عمل يقتضى ذلك وإلا جاز قتله وأما إذا ادعى بعض المسلمين إنه كان أمن بعض المشركين كانت البينة على المسلم المؤمِّن للمشرك إذا أدعى ذلك بعد قوله لابد له يؤمن من شاء قبل الفتح ما لم ينه الإِمام، إلا كان المدعى لأمان ببعض المشركين هو الامام فالمقوله له ولا بينة عليه لا قبل الفتح ولا بعده لأن الأمان إليه في أي وقت شاء.

(2)

.

‌مذهب الإِمامية:

يجوز الذمام من الإمام لأهل الحرب عموما، لأهل القرية أو الحصن أو الواحد منهم خصوصا

(3)

ويكون ذلك قبل الأسر، ولو أشرف جيش الإِسلام على الظهور، فاستذم الخصم جاز مع نظر المصلحة، وأما طلبهم الأمان بعد حصولهم في الأسر، فلا يجابون إليه، ولا يصح إعطاؤهم إياه في هذه الحالة وقال في الروضة البهية يصح من الإِمام بعد الأسر، كما يجوز له المن عليهم. ولو أقر المسلم أنه أذم لمشرك، فإن كان في وقت يصح منه إنشاء الأمان جاز. ولو ادعى الحربى على المسلم الأمان، فأنكر المسلم، فالقول قوله

(4)

.

‌مذهب الإِباضية:

يعطى الأمان للمشرك غير معط للجزية، إذا دخل دار الإِسلام متجر

(5)

.

‌بطلان الأمان والدخول بغير أمان

‌مذهب الحنفية:

ينقض الإمام الأمان الذي يضر بقاؤه بالمسلمين ويؤدب من باشره بلا مصلحة. وبطل أمان الذمى - إلا إذا أمره به مسلم كما يبطل أمان الأسير والتاجر والصبى والعبد المحجور معه عن القتال وصحح محمد أمان العبد ويبطل أمان المجنون ومن أسلم ولم يهاجر إلينا. لأنهم لا يملكون القتال - وقال ابن عابدين نقلا عن شرح السير: لو أمنهم الأسير ثم جاء بهم ليلا إلى عسكرنا فهم فئ لكن لا نقتل رجالهم استحسانا لأنهم جاءوا للاستئمان لا للقتال كالمحصور إذا جاء تاركا القتال بأن القى السلاح ونادى بالأمان، فإنه يأمن القتل وإذا وجد في دار الإِسلام من إدعى أنه رسول وليس معه دليل ولا كتاب فهو فئ لجماعة المسلمين عند أبى حنيفة كمن وجد في عسكرنا في دار الحرب فأخذه واحد ففيه روايتان وهو عند محمد فئ،

(1)

البحر الزخار جـ 5 ص 454

(2)

شرح الأزهار جـ 4 ص 561، 562

(3)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 148

(4)

شرائع النيل جـ 1 ص 149 والروضة البهية جـ 1 ص 221

(5)

شرح النيل جـ 1 ص 412

ص: 15

لمن أخذه كالصيد الخسيس وفى إيجاب الخمس فيه روايتان عن محمد

(1)

.

‌مذهب المالكية:

لو ظن الحربى أن المسلم أمنه، والحال أنه لم يؤمنه وإنما خاطب غيره أو خاطبه بكلام لم يفهمه فظن أنه أمنه فجاء إلينا معتمدا على ظنه، أو نهى الإِمام الناس عن الأمان فعصوا وأمنوا واحدًا أو طائفة، أو نسوا أن الإمام نهى عن الأمان فأمنوا حربيا أو أكثر، أو ظن الحربى الذي إن أمنه مسلم، وهو ذمى، فجاء إلينا معتمدا على ذلك، أمضى الإِمام الأمان إن شاء، أو رد الحربى لمأمنه ولا يجوز قتله ولا أسره ولا سلب ماله. وكذلك يرد الحربى لمأمنه إن أُخِذَ وهو مقبل إلينا بأرضهم فقال: جئت لأطلب الأمان منكم، أو أخذ بأرضنا وقال: ظننت أنكم لا تتعرضون لتاجر، ومعه تجارة. أو أخذ بين أرضنا وأرضهم وقال، ما ذكر، فيرد لمأمنه. إلا لقرينة كذب فلا يرد

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يصح أمان المسلم للعدد غير المحصور أو الذين لم يعلم عددهم أن انسد به باب الجهاد. ولا يصح أمان الأسير لمن هو معهم في الأصح، والثانى: يصح. وإذا أمن مسلم كافرًا ولم يبلغه الأمان فلا أمان له فلو قتله أحد المسلمين جاز. ويبطل الأمان إذا رده من صدر إليه وكذا إن لم يقبله بأن سكت في الأصح.

والثانى: لا يبطل بالسكوت. ولا ينعقد أمان يضر بالمسلمين كجاسوس وطليعة وينبغى ألا يستحق تبليغ المأمن

(3)

وإذا بطل أمان رجال لم يبطل أمان نسائهم وصبيانهم في الأصح. والثانى: يبطل تبعا لهم كما تبعوهم في الأمان. ودفع هذا القول بإنه لم يوجد منهم ناقض

(3)

مكرر.

‌مذهب الحنابلة:

لا يصح الأمان من كافر ولو ذميا ولا من مجنون وسكران وطفل ونحوه ومغمى عليه لأنهم لا يعرفون المصلحة من غيرها. ولا يصح الأمان من غير الإِمام لأسير بعد أخذه، وقيل يصح. ولا يصح أمان أحد الرعية لأهل البلد الكبير ولا الجمع الكبير لأنه يفضى لتعطيل الجهاد والافتيات على الإِمام

(4)

وإذا خرج الكفار من الحصن بما ظنوه أمانا، وقال المسلم: لم أرد به الأمان، لم ينعقد، ولم يجز قتلهم ويردون إلى مأمنهم. وإذا رد الكافر الأمان لم ينعقد أمانه وإن قبله ثم رده بصول على المسلم انتقض أمانه لفوت شرطه وهو عدم الضرر

(5)

. ومن دخل منهم دار الإِسلام بغير أمان وادعى أنه رسول أو تاجر وانتفى ما يصدق من أجله وجب بقاؤه على ما كان عليه من عدم العصمة، فيكون كأسير يخير فيه الإِمام

(6)

.

(1)

حاشية ابن عابدين (الطبعة السابقة) جـ 4 ص 136 إلى ص 137

(2)

الشرح الصغير (الطبعة السابقة) جـ 2 ص 289.

(3)

قليوبى وعميرة جـ 4 ص 226

(4)

كشاف القناع الطبعة السابقة جـ 3 ص 104 و 105

(5)

كشاف القناع جـ 3 ص 105 و 106

(6)

كشاف القناع جـ 3 ص 108

ص: 16

‌مذهب الزيدية:

وإذا اختل قيد من القيود التي يعقد بها الأمان رد من صدر له الأمان إلى مأمنه فلا يجوز قتله ولا اتمام أمانه بل يرد إلى مأمنه قبل بلوغه مراده بالأمان. وإن قتل فلا شئ إذا كان مغرورًا أما إذا دخل الحربى جهلا فإنه يقتل لأنه غير مغرور. وإذا قال المسلم: ما قصدت الأمان وقال الكافر: فهمت الأمان وجب رده إلى مأمنه ولا يجوز قتله. ومن عقد له أمان بعد نهى الإِمام عنه فإنه لا يرد إلى مأمنه بل يجوز قتله.

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

لو أذم المراهق والمجنون حربيا لم ينعقد الأمان لكن يعاد إلى مأمنه. وكذا كل حربى دخل دار الإسلام بشبهة الأمان كأن يسمع لفظا فيعتقده أمانا أو يصحب رفقه فيتوهمهم أمانا. ولو أكره العاقد على الذمة لم تنعقد

(2)

وحيث يختل شرط الصحة - وهو أن يكون قبل الأسر من غير الإمام وإن يخلو من مفسدة - يرد الكافر إلى مأمنه كما لو دخل بشهة أمان مثل أن يسمع لفظا فيعتقده أمانا أو يصحب رفقة فيظنها كافية أو يقال له: لا نذمك فتهوم الإثبات ومثله الداخل بسفارة أو ليسمع كلام الله

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

إذا دخل المشرك التاجر أرض الإسلام بلا أمان، جاز للإمام أن يفعل معه ما يظهر له من السبى والغنم، وللإمام وللمسلمين بعد الإثخان بقتل المحاربين وتوهين شوكتهم أسر من دخل منهم دار الإِسلام بقصد الغذاء ولا يجوز قتلهم

(4)

.

‌أحكام الأمان المؤقت

‌الالتزام بالأمان ومدته:

‌مذهب الحنفية:

إذا صدر الأمان صحيحا على شرطه السابق ذكره، لم يجز لأحد من المسلمين قتال من صدر إليه الأمان

(5)

. ومن دخل من المسلمين دار الحرب بأمان حرم تعرضه لشئ من دم ومال وفرج منهم إذ المسلمون عند شروطهم

(6)

وظاهر المتون: أن قول الامام له إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية شرط لكونه ذميا، فلو أقام سنة أو سنتين قبل القول فليس بذمى، وبه صرح العتابى وبه حزم في الدر. ولكن قال في المبسوط: وإن لم تقدر له مدة فالمعتبر

(1)

شرح الأزهار جـ 4 ص 561

(2)

شرائع الإسلام جـ 10 ص 413

(3)

الروضة البهية جـ 1 ص 221.

(4)

شرح النيل جـ 10 ص 413

(5)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 134.

(6)

حاشية ابن عابدين 4 ص 166.

ص: 17

الحول. وقال في الفتح لا يلزم من هذا أن قول الإمام له ذلك غير شرط. فإنه يصدُق بقوله له: إن أقمت طويلا منعتك من العودة، فإن أقام سنة منعه من العودة

(1)

ويجوز توقيت ما دون السنة كالشهر والشهرين، ولكن ينبغى ألا يلحقه ضرر بتقصير المدة جدا

(2)

.

ولا يمكن الحربيون من الإقامة في جزيرة العرب لخبر لا يجتمع دينان في جزيرة العرب

(3)

.

وإذا أراد الحربى المستأمن الذي أقام في دار الإِسلام فوق الحول الرجوع إلى دار الحرب بعد الحول - ولو لتجارة أو قضاء حاجة - منع لأنه قد صار ذميا، وعقد الذمة لا ينقض كما يمنع لو وضع عليه الخراج عند الحول ولو لم توضع عليه الجزية لأن خراج الأرض كخراج الرأس. كما تمنع المرأة المستأمنة الكتابية من الرجوع لو صار لها زوج مسلم أو ذمى في دار الإِسلام وإن لم يدخل بها،

(4)

وإذا دخل الحربى دار الإِسلام مستأمنًا لا يمكن من الإقامة فيها سنة ويقول له الإِمام إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية لأن الحربى لا يمكن من إقامة دائمة في دار الإِسلام بالاسترقاق أو الجزية لأنه يصير عينا (جاسوسًا) لهم وعونا (ظهيرا) على مضرة بالمسلمين. ويمكن من الإِقامة اليسيرة لأن في منعها قطع الميرة والجلب وسد باب التجارة فحددت المدة بسنة لأنها مدة تجب فيها الجزية، فإن رجع إلى وطنه قبل تمام السنة فلا سبيل عليه وإذا مكث سنة فهو ذمى لأنه لما أقام سنة بعد قول الإمام له ما تقدم صار ملتزما للجزية فيصير ذميًا، وللإمام أن يوقف في ذلك ما دون السنة كالشهر أو الشهرين.

(5)

.

‌مذهب المالكية:

إذا وقع الأمان للحربيين من الامام أو من غيره بشروطه وجب على المسلمين جميعا الوفاء به، فلا يجوز أسرهم ولا أخذ شئ من مالهم إلا بوجه شرعى، ولا تجوز أذيتهم بغير وجه شرعى. وإذا وقع الأمان بعد الفتح من الإمام أو غيره فالأمان يسقط القتل وللإِمام أن ينظر في غير القتل من أسر أو من أو فداء أو ضرب جزية

(6)

.

ولا يجوز تأمين غير المسلمين على السكنى في جزيرة العرب - من الحجاز واليمن لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقين دينان بجزيرة العرب" ولهم الاجتياز فيها في سفرهم لتجارة ونحوها وإقامة الأيام كالثلاثة لمصالحهم إذ دخلوا لمصلحة. كبيع طعام ونحو وليست الثلاثة قيدًا في أيام الإقامة - بل المدار على الإِقامة للمصالح. والممنوع الإِقامة لغير مصلحة. وظاهره: إن لهم المرور ولو لغير مصلحة. وهو كذلك

(7)

.

ولا يمكن مشرك من دخول الحرم لقوله عز وجل "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" والمسجد الحرام عبارة عن الحرم، فإن جاء رسولا خرج إليه من يسمع رسالته، وإن جاء لحمل ميرة خرج إليه من يشترى منه ومن جاء ليسلم خرج إليه من يسمع كلامه وإن دخل ومرض فيه لم يترك فيه وإن مات لم يدفن فيه وإن دفن فيه نبش وأخرج

(1)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 168 و 169

(2)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 168 و 169

(3)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 168

(4)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 202

(5)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 171

(6)

الشرح الصغير (الطبعة السابقة) جـ 2 ص 288.

(7)

المهذب جـ 2 ص 259

ص: 18

منه .. وإن دخل بعد إذن فإن كان عالما بتحريمه عذر، وإن كان جاهلا أعلم، فإن عاد عذر وإن أذن له في الدخول بمال لم يجز فإن فعل استحق عليه المسمى لأنه حصل له المعوض، ولا يستحق عوض المثل وإن كان فاسدًا لأنه لا أجرة لمثله

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يمكن الحربى من دخول دار الإِسلام من غير حاجة لأنه لا يؤمن كيده ولعله دخل للتجسس أو شراء سلاح. فإن استأذن في الدخول لآداء رسالة أو عقد ذمة أو هدنة أو حمل ميرة وللمسلمين إليها حاجة جاز الإِذن له من غير عوض لأن في ذلك مصلحة للمسلمين. وإذا انقضت حاجته لم يُمَكَّن من المقام، فإن دخل من غير ذمة ولا أمان فللإمام أن يختار ما يراه من القتل والاسترقاق والمن والفداء وإن أراد الدخول لتجارة ولا حاجة للمسلمين إليها لم يؤذن له إلا بمال يؤخذ من تجارته، لأن عمر رضى الله عنه أخذ العشر من أهل الحرب.

(2)

ولا يمكن مشرك من الإِقامة في الحجاز - وهى كما قال الشافعي رحمه الله: مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها. والنبى صلى الله عليه وسلم لما قال في وجعه أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، أراد الحجاز. وإن عمر رضى الله عنه أجلى اليهود والنصارى من الحجاز، ولم ينقل أن أحدا من الخلفاء أجلى من كان باليمن من أهل الذمة وإن كانت من جزيرة العرب فإن جزيرة العرب في قول الأصمعى من أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول ومن جدة وما والها من ساحل البحر إلى أطراف الشام في العرض. ويجوز تمكينهم من دخول الحجاز لغير الإقامة ولا يقيم أكثر من ثلاثة أيام فإن أقام في موضع آخر وأقام ثلاثة أيام ثم انتقل إلى غيره فأقام ثلاثة وهكذا جاز لأنه لم يصر مقيما في موضع.

‌مذهب الحنابلة:

إذا أعطى الأمان أهل الحرب حرم قتلهم وحرم مالهم والتعرض لهم

(3)

.

ويجوز عقد الأمان للرسول والمستأمن مطلقا أي بدون قيد من مدة، كما يجوز عقده له مقيدًا بمدة سواء كانت طويلة أو قصيرة بخلاف الهدنة فلا تجوز إلا مقيدة بمدة لأن في جوازها مطلقا تركا للجهاد وهذا بخلافه. وقال أبو الخطاب: لا يجوز أن يقيم الرسول والمستأمن سنة بغير جزية. ووجه الأول أن هذا كافر أبيح له الإِقامة في دار الإِسلام من غير التزام جزية فلم تلزمه مدة السنة لأنه لا يؤدى جزية كالنساء والصبيان، ولأن الرسول لو كان ممن لا يجوز أخذ الجزية منه يستوى في حقه السنة في دونها

(1)

الشرح الصغير جـ 2 ص 309 وما بعدها.

(2)

المغنى جـ 9 ص 241 (طبعة مطبعة القاهرة من 1969) مسافة من أعطاهم الأمان منا من رجل أو امرأة أو عبد جاز أمانه)

(3)

المهذب 2 ص 257 و 258

ص: 19

ووجه قول أبى خطاب

(1)

هو قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية

(2)

.

ويمنع غير المسلمين من دخول حرم مكة، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} الآية من سورة التوبة رقم 28. والمراد حرم مكة لا خصوص المسجد. وإنما منع غير المسلمين من الحرم دون سائر الحجاز لأن الحرم أفضل أماكن العبادات للمسلمين وأعظمها ولأنه محل النسك فوجب أن يمنع منه من لا يؤمن به. وظاهر هذا المنع أنه مطلق، أي سواء أذن له أو لم يؤذن. ولا يمنعون دخول حرم المدينة لأن الآية نزلت واليهود بالمدينة ولم يمنعوا من الإِقامة بها. فإن قدم رسول من الكفار لابد له من لقاء الإِمام، والإِمام بالحرم المكى، خرج إليه الإِمام ولم يأذن له في الدخول لعموم الآية. فإن دخل الكافر الحرم - رسولًا كان أو غيره - عالما بالمنع، عزر لإِتيانه محرما وأخرج من الحرم. وينهى الجاهل عن العود لمثل ذلك ويهدد ويخرج ولا يعذر لأنه معذور بالجهل. فإن مرض بالحرم أو مات به أخرج منه، لأنه إذا وجب إخراجه حيا فإخراج جيفته أولى، وإنما جاز دفنه بالحجاز سوى حرم مكة لأن خروجه من حرم مكة سهل ممكن لقرب الحِلِّ منه، وخروجه من أرض الحجاز وهو مريض أو ميت صعب شاق لبعد المسافة. وإن دفن بالحرم نبش وأخرج، إلا أن يكون قد بلى فيترك، وكذا لو تصعب إخراجه لنتنه وتقطعه للمشقة في إخراجه. وإن صالحهم الإِمام على دخول الحرم بعوض فالصلح باطل لأنه صلح يحل حراما، فإذا دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه لم يرد إليهم العوض لئلا يجمعوا بين العوض والمعوض، وإن دخلوا إلى بعض الموضع الذي صالحهم عليه أخذ من العوض بقدره ويمنعون من الإقامة بالحجاز، والأصل في ذلك ما روى أبو عبيدة بن الجراح: أن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اخرجوا اليهود من أرض الحجاز، رواه أحمد. وقال عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلما. رواه الترمذى وقال حسن صحيح. والمراد الحجاز؛ بدليل أن الخلفاء لم يخرجوا أحدًا من اليمن وتيماء، قال أحمد: جزيرة العرب: المدينة وما والاها، يعنى أن الممنوع من سكنى الكفار: مكة والمدينة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها. وليس لهم دخول الحجاز إلا بإذن الإمام، وفى المستوعب: وقد وردت السنة بمنعهم من جزير العرب. كما تقدم في الخبر. وحد الجزيرة على ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام: من عدن إلى ريف العراق طولا ومن تهامة إلى ما وراء أطراف الشام عرضا. فإن دخلوا الحجاز لتجارة أو غيرها لم يقيموا في موضع واحد أكثر من ثلاثة أيام لأن عمر أذن لمن دخل تاجرا في إقامة ثلاثة أيام، فدل على المنع في الرائد. وله أن يقيم مثل ذلك أي ثلاثة أيام فأقل - في موضع آخر من أراضى الحجاز، وكذا له أن يقيم ثلاثة أيام في دونها في موضع ثالث وموضوع رابع وهكذا، فإن أقام أكثر منها في موضع واحد من الحجاز عزر إن لم يكن له عذر لها فإن كان في الداخلين من له

(1)

المغنى جـ 4 ص 244 (فصل ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله).

(2)

آية رقم 9 من سورة التوبة.

ص: 20

دين حالّ أجبر غريمه على وفائه ليخرج، فإن تعذر جازت الإِقامة لإِستيفائه لأن العذر من غيره (أي من المدين) وفى إخراجهم قبل استيفاء ديونهم ذهاب أموالهم، وسواء كان التعذر لمطل أو تغيب أو غيرهما. وإن كان الدين مؤجلا لم يمكن من الإِقامة حتى يحل، لئلا يتخذ ذلك ذريعة للإقامة. ويو كل من يستوفيه له إذا حلّ. وإن مرض من دخل الحجاز منهم جازت إقامته به حتى يبرأ من مرضه، لأن الإنتقال يشق على المريض، وتجوز الإِقامة أيضا لمن يُمرِّضه لضرورة إقامته، وإن مات دفن للضرورة ولا يمنعون من تيماء فَيد (بفتح الفاء) وهى من بلاد طى ونحوهما من باقى الجزيرة غير الحجاز لما مر من أن أحد الخلفاء لم يخرج واحدًا منهم من ذلك. وليس لهم دخول مساجد الحل ولو بإذن مسلم لأن على بن أبى طالب بصر بمجوسى وهو على المنبر فنزل وضربه وأخرجه، وهو قول عمير، ولأن حدث الجنابة والحيض يمنع من دخول المسجد فالشرك أولى. وقيل يجوز بإذن مسلم، لأنه صلى الله عليه وسلم قدم عليه وفد أهل الطائف فأنزلهم في المسجد قبل إسلامهم وأجاب أصحاب القول الأول عن ذلك: بإنه كان بالمسلمين حاجة، وبانهم كانوا يخاطبونه صلى الله عليه وسلم ويحملون إليه الرسائل والأجوبة وقد يسمعون منه الدعوة، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ليخرج لكل من قصده من الكفار

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

من أُمِّن أمانا صحيحا فهو آمن لا يجوز لأحد من المسلمين حرّم أمانة وليس لواحد من المسلمين أن يعقد لأحد من المشركين أمانا إلا لمدة يسيرة وهى دون السنة وليس له أن يعقده سنة فصاعدا. وفى الأمانة دون السنة وفوق الأربعة أشهر قولان

(2)

.

‌مذهب الإِمامية:

لو دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فسرق وجب إعادة ما سرق سواء كان صاحبه في دار الإِسلام أو دار الحرب

(3)

ومن أعطيناه ذماما وجب علينا الوفاء له بالذمام ما لم يكن متضمنا ما يخالف الشرع

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

إذا دخل مشرك غير معط للجزية أرض الإِسلام بتجر، وكان دخوله بأمان، فإنه يترك ويؤخذ منه ما يؤخذ من تجار المسلمين وهو الزكاة فقط، قيل: وما ينوب في إصلاح الطرق وغيرها بحسب المصالح فإنه يؤخذ من تجار المشركين مثل ما يؤخذ من تجار المسلمين ويجوز للإمام بنظر أهل المشورة من المسلمين أن يأخذ ما ظهر له. ويأخذ المسلمون ذلك إن لم يكن لهم إمام. ولهم أن يأخذوه ولو لم يأخذوا من تجار المسلمين لعدم دوران الحول للزكاة ويؤخذ ذلك من المشركين ولو كان أهل الإسلام لا يدخلون أرض الشرك ولو بسبب بعدها، وإن شاء المسلمون تركوا التاجر المشرك فلا يأخذون منه شيئا

(5)

.

(1)

كشاف القناع جـ 3 ص 134 أو ما بعدها. الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار جـ 4 ص 559 وجـ 560

(3)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 149

(4)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 148

(5)

شرح النيل جـ 1 ص 410 وص 413

ص: 21

‌مال المستأمن

‌مذهب الحنفية:

إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان حرم عليه تعرضه لشئ من أموالهم ودمائهم وفروجهم، فلو أخرج إلينا شيئا ملكه ملكا حراما للغدر فيتصدف به وجوبا. ولو اغتصب منهم شيئا ولم يخرجه وجب رده عليهم. إلا إذا وجد امرأته أو أم ولده أو مدبرته مأسورة، جاز له إخراجهن لأنهم لم يملكونهن، بخلاف الأمة ولو وطئهن إهل الحرب تجب العدة للشبهة. وإن أدانه حربى دينا ببيع أو قرض أو أدان هو حربيا أو غصب إحدهما صاحبه وخرجا إلينا لم نقض لأحد بشئ، لأن القضاء يستدعى الولاية ويعتمدها، ولا ولاية وقت الإِدانة أصلا إذ لا قدرة للقاضى فيه على من هو في دار الحرب ولا وقت القضاء على المستأمن لأنه ما التزم حكم الإسلام فيما مضى من أفعال، وإنما التزمه فيما يستقبل في حق أحكام يباشرها في دار الإسلام والغصب في دار الحرب سبب يفيد الملك؛ لأنه استيلاء على مال مباح غير معصوم فصار كالإِدانة فإذا ملكه فليس للحاكم أن يتعرض له بالحكم ولكن يفتى المسلم برد المغصوب ويأمره به، لأنه التزم بالأمان أن لا يغدرهم وهذا غدر وقال أبو يوسف: يقضى بالدين على المسلم دون الغضب لأنه التزم أحكام الإسلام حيث كان ألا ترى أنهما لو خرجا مسلمين يحكم عليهما بالدين، فكذا هذا. وأجيب: بإنه إذا امتنع في حق المستأمن امتنع في حق المسلم أيضا تحقيقا للتسوية بينهما. وكذلك لا يقضى بين اثنين من أهل الحرب إذ دان أحدهما الآخر أو غضب منه ثم استأمنا إلينا. وإذا قتل أحد المسلمين المستأمنين صاحبه عمدا أو خطأ (في دار الحرب)، تجب الدية في ماله ولا تجب على العاقلة لتعذر الصيانة مع تباين الدارين وإنما وجبت الدية في القتل العمد هنا لسقوط القود في دار الحرب، كما تجب الكفارة في القتل الخطأ، لإِطلاق النص، وهو قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ

} بلا تقييد بدار الإِسلام أو الحرب

(1)

.

وإذا استأمن إلينا كافر فلا جزية عليه في حول المكث إلا إذا شرط عليه أخذها منه فيه. ولا يحل أخذ ماله بعقد فاسد بخلاف المسلم المستأمن في دار الحرب فإن له أخذ مالهم برضاهم ولو بربا أو قمار لأن مالهم مباح لنا إلا أن الغدر حرام، وما أخذ برضاهم فعند أبى يوسف: هو للمرتهن بدينه، وعند محمد يباع الرهن ويستوفى دينه، والزيادة فئ للمسلمين.

ليس غدرًا من المستأمن بخلاف المستأمن منهم في دارنا لأن دارنا محل إجراء الأحكام الشرعية فلا يحل لمسلم في دارنا أن يعقد مع المستأمن إلا ما يحل من العقود مع المسلمين، ولا يجوز أن يؤخذ منه شئ لا يلزمه شرعا وإن جرت به العاده كالذى يؤخذ من زوار بيت المقدس. وإذا استأجر مسلم من حربى مركبا ودفع عليه سوكرة (تأمينا) على أنه مهما هلك من المال الذي في الركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره أخذ من المؤمن (الذي يأخذ السوكرة) قيمته، فإنه - كما يظهر لابن عابدين - لا يحل للتاجر المسلم أن يأخذ بذل

(1)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 166 و 167 والزيلعى جـ 3 ص 266 - 267

ص: 22

الهالك من ماله لأن ذلك التزام ما لا يلزم. وليس كذلك إذا أخذ المودع أجرة على وديعة يضمنها إذا هلكت لأن المال ليس في يد صاحب السوكرة (المؤمن) ولكن في يد صاحب المركب

(1)

(المؤمر غير المسلم) ويضمن المسلم قيمة خمره وخنزيره إذا أتلفه وتجب الدية إذا قتله خطأ.

ولو دخل الحربى إلينا وله في دار الحرب وديعة مع معصوم أو غيره فأسلم الحربى عندنا أو صار ذميا ثم ظهرنا علمهم فوديعته التي في دار الحرب فئ لعدم يده وولايته وإن أسلم فجاء إلينا فظهرنا عليهم فطفله حر مسلم ووديعته مع معصوم تكون له؛ لان يده كيده محترمة ووديعته مع غير معصوم فئ ولو كانت عينا غصبها مسلم لعدم النيابة. وللإِمام حق أخذ دية مسلم لا ولى له أصلًا أو ديةً مستأمن أسلم هنا من عاقلة قاتله خطأ لقتله نفسا معصومة. وفى العمد: له القتل قصاصا أو الدية صلحًا، لا العفو نظرًا لحق العامة

(2)

.

ولو رجع المستأمن إليهم ولو لغير داره، فإن ترك وديعة عند معصوم - مسلم أو ذمى - أو دينا عليهما فأسر أو ظُهير عليه فأخذوه سقط دينه سَلَمه وما غصب منه وأجرة عن أجرها، وصار له كود يعنه وما عند شريكه ومضاربه وما في بيته في دارنا فينا. واختلف في الرهن وإن مات المؤمن عندنا فحاله لوارثة إن كان معه وارثة وإن لم يكن معه وارثه أرسل المال لوارثه بأرضهم إن دخل دار الإِسلام على التجهيز (أي لقضاء مصالحة من تجارة أو غيرها) ولم تطل إقامته بدار الإِسلام فإن طالت إقامته في دار الإِسلام فماله في محله بيت مين. وإن مات في بلدة وكان له مال عندنا نحو وديعة فانها ترسل لوارثه

(3)

وإن قتل أو مات فقط بلا غلبة عليه فديته ووديعته لورثته لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذا ماله، كما لو ظهر عليه فهرب فماله له

(3)

. ولو مات المستأمن في دارنا وورثته في دار الحرب، وقف ماله لهم. ويأخذ وده ببينة ولو من أهل الذمة. فإن أقاموا بينه من أهل الذمة قلبت استحسانا لأنهم لا يمكنهم إقامتها من المسلمين وإذا أخذوا البينة من أهل الذمة بتكفيل، ولا يقبل كتاب ملكهم

(4)

.

‌مذهب المالكية:

إذا دخل المستأمن دار الإسلام بمال كان قد سرقة من دار الإسلام فعاهد برمن عهده، سواء كان هو أو غيره فإنه ينزع منه ويقطع إن كان هو السارق وإن شرط عند الأمان أنه لا يقطع إن سرق، ولا يوفى له بشرطه، بخلاف ما أغاروا عليه وسلبوه منا من الأموال أو سرقوه في غير زمن عهدهم فلا ينزع منهم أن دخلوا به عندنا بأمان ولا يتعرض لهم فيه، غاية ما فيه يكره لغير مالكه اشراؤه منهم لأنه به تسليطا لهم على أموال المسلمين وشراؤها يفوتها على المالك

(5)

.

وأما لو قدم الحربى دار الإسلام قهرًا فإذا نهبوا أمتعة المسلمين وأرادوا بيعها فلا يجوز الشراء منها وهى باقية على ملك أربابها فلهم أخذها ممن اشتراها بقصد التملك مجانا بخلاف

(1)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 167 وما بعدها.

(2)

حاشية ابن عابدين جـ 1 ص 173 و 174.

(3)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 171

(4)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 173، 174

(5)

الشرح الصغير جـ 2 ص 291

ص: 23

من دخل بلادنا بأمان وبيده شئ من أموال المسلمين أخذها منهم وهو بدار الحرب فإنه يملكها

(1)

.

ويؤخذ من التجار الحربيين النازلين عندنا بأمان عشر ثمن ما قدموا به للتجارة باعوا أولم يبيعوا، ولا يؤخذ إلا بشرط، فيؤخذ منهم ما وقع الاشتراط عليه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

إذا دخل الحربى دار الإِسلام بأمان فإن ماله وأهله بدار الحرب لا يدخل فيه وكذا ما معه منهما إلا بشرط في الأصع ومقابل الأصح. يدخلان في أمانه بدون شرط، فلا يحتاج لشرط لذلك قال القليوبى: إن لمال الحربى ثمانية أحوال: لأنه إما أن يكون بدارنا أو بدارهم، وفى كل من الحالين: إما إن يكون ماله معه أو لا يكون ماله معه. وفى كل: إما أن يؤمنه الإمام أو نائبه، أو يؤمنه غيره. وحاصل الحكم في هذه الأحوال أنه إن أمنه الإِمام أو نائبه دخل في الأمان وما معه من ماله وأهله وكذا زوجته هنا ولو بلا شرط سواء أمنه بدارنا أو بدارهم. ويدخل ما ليس معه منها إن شرط دخوله، وإلا فلا يدخل. وإن أمنه غير الإمام لم يدخل ما ليس معه مطلقا ويدخل ما معه أن شرط دخوله، وإلا فلا يدخل

(3)

.

وإن استأذن الحربى في دخول دار الإِسلام لأداء رسالة أو عقد ذمة أو هدنة أو حمل ميرة وللمسلمين إليها حاجة، جاز الأذن له من غير عوض لأن في ذلك مصلحة للمسلمين. وإذا انقضت حاجته لم يمكن من المقام وإن أراد الدخول لتجارة ولا حاجة للمسلمين إليها لم يؤذن له إلا بمال يؤخذ من تجارته لأن عمر رضى الله عنه أخذ العشر من أهل الحرب ويستحب أن لا ينقص عن ذلك اقتداء بعمر رضى الله عنه فإن نقص باجتهاد الامام جاز. لأنه أخذ باجتهاده فكان تقديره إليه. وما يؤخذ من الحربى في دخول دار الإِسلام فيه وجهان؛ أحدهما: أنه يؤخذ منه كل في سنة مر كأهل الذمة في الحجاز، والثانى: إنه يؤخذ منه في كل مرة يدخل لأن الحربى يرجع إلى دار الحرب فإذا لم يؤخذ منه فات ما شرط عليه بخلاف الذمى فإنه تحت يد الإِمام فلا يفوت ما شرط عليه بالتأخير وإن شرط أن يؤخذ من تجارته أخذ منه ما شرط سواء باع أولم يبع وإن شرط أن يؤخذ من ثمن تجارته فكسد المتاع ولم يبع لم يؤخذ منه لأنه لم يحصل الثمن. وإن دخل الحربى دار الإِسلام ولم يشرط عليه في دخوله مال لم يؤخذ منه شئ ومن الأصحاب عند الشافعي من قال يؤخذ من تجارة الحربى العشر لأنه قد تقرر هذا في الشرع بفعل عمر رضى الله عنه فحمل مطلق العقد عليه. والمذهب الأول لأنه أمان من غير شرط المال فلم يستحق به مال كالهدنة

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

من دخل من المسلمين دار الكفار بأمان حرمت عليه خيانتهم وحرم عليه معاملتهم بالربا

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 290

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 318

(3)

القليوبى وعميرة جـ 4 ص 226

(4)

المهذب جـ 2 ص 259

ص: 24

فإن خانهم أو سرق منهم أو اقترض منهم شيئا

وجب رده إلى أربابه فإن جازوا إلى دار الإسلام

إعطاه لهم وإلا بعثه إليهم لأنه مال معصوم

بالنسبة إليه

(1)

. ومن جاءنا منهم بأمان فخاننا

كان ناقضا لأمانه. وإن أو دع المستأمن ماله

مسلما أو ذميا أو أقرضه المستأمن إياه - أي

ماله - ثم عاد المستأمن إلى دار الحرب لتجارة

أو حاجة على عزم عوده إلينا فهو على أمانه لأنه

لم يخرج عن نية الإقامة بدار الإِسلام. وإن دخل

إلى دار الحرب مستوطنا أو محاربا انتقض عهده

في نفسه وبقى العهد في ماله لأنه لما دخل دار

الإِسلام بأمان ثبت الأمان لماله فإذا بطل في نفسه

بدخوله إلى دار الحرب بقى في ماله الذي لم

يدخل دار الحرب. فإن تصرف المستأمن بعد

نقضه عهده ببيع أو هبة أو نحوهما كشركة

أو إجارة صح تصرفه لبقاء ملكه عليه وإن مات

فلوارثه كسائر أملاكه واختلاف الدارين ليس

بمانع من الإِرث بالنسبة له وإن لم يكن له وارث

فهو فئ لأنه مال كافر لا يستحق له كما لو مات

بدارنا ولا دار له وإن كان الذي لحق بدار الحرب

مستوطنا فيها أو محاربا معه ماله انتقض الأمان

في المال كما ينتقض في نفسه لوجود المبطل فيهما وإن أخذ مسلم من حربى في دار الحرب مالا مضاربة أو وديعة ودخل به دار الإِسلام فالمال في أمان بمقتضى العقد المذكور وإن أخذ المسلم مال حربى في دار الحرب ببيع في الذمة أو قرض فالثمن في ذمته بمقتضى العقد عليه أداؤه إليه لعموم حديث: "أد الأمانة إلى من ائتمنك" إن اقترض الحربى من حربى ما لا ثم دخل إلينا فأسلم فعليه البدل لاستقراره في ذمته. وإذا سرق المستأمن في دارنا أو قتل أو غصب أو لزمه مال بأى وجه كان ثم عاد إلى دار الحرب ثم خرج مستأمنا مرة ثانية استوفى منه ما لزمه في أمانة الأول لاستقراره عليه وعدم ما يسقطه. وإن اشترى المستأمن عبدا مسلما فخرج به إلى دار الحرب ثم قُدِر على العبد لم يغنم لأنه له يثبت ملكه عليه لكون الشراء باطلا فلا يترتب عليه أثره من انتقال الملك ويُرَد العبد إلى بائعة ويَرُد بائعة الثمن إلى الحربى إن كان باقيا وعد له أن كان تالفا لأنه مقبوض بعقد فاسد

(2)

وحكم المستأمن إذا اتجر في بلد الإِسلام كحكم الذمى في أخذ العشر

(3)

ولو كان معه جارية فادعى أنفا زوجته أو ابنته صدق

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

إذا أمن أهل الحرب مسلما كان أمانهم له أمانا لهم منه، فلا يجوز أن يغنم عليهم شيئا من أموالهم ولا أنفسهم، وعليه أن يرد لهم ما اشتراه من غنائم أخذت منهم: إذا اشتراه ممن غنمه بعد الامان الذي عقد بينه وبينهم ويستحب الوفاء لهم بالمال ما لم يكن سلاحا

(5)

وكراعا ولا يجوز أن يمكن المستأمن من أهل الحرب في دار الإِسلام - من شراء آلة الحرب سيف أو قوس أو مغفر أو نحو ذلك إلا بأفضل منه من آلة الحرب لا من غيرها

(6)

.

(1)

كشاف القناع جـ 3 ص 108

(2)

كشاف القناع جـ 3 ص 108 و 109

(3)

كشاف القناع جـ 3 ص 109 وما بعدها.

(4)

كشاف القناع جـ 3 ص 138.

(5)

شرح الأزهار جـ 4 ص 552، ص 553.

(6)

شرح الأزهار جـ 4 ص 561

ص: 25

‌مذهب الشيعة الجعفرية الأمامية:

إذا عقد حربى لنفسه الأمان ليسكن في دار الإِسلام دخل ماله تبعا ولو التحق بدار الحرب للإستيطان انتقض أمانه لنفسه دون ماله ولو مات انتقض الأمان في المال أيضا إن لم يكن له وارث مسلم، وصار فيئا، ويختص به الامام، لأنه لم يوصف عليه، وكذا الحكم لو مات في دار الإِسلام. ولو أسره المسلمون فاسترق - ملك ماله تبعا لرقبته، ولو دخل المسلم مستأمنا دار الحرب مسلما فسرق وجب إعادة المسروق سواء كان صاحبه في دار الإِسلام أو دار الحرب

(1)

.

‌ولد المستأمن وزوجه

‌مذهب الحنفية:

يصح للمستأمن طلب الأمان لزراريه،

(2)

ولو قال أمنونى على أولادى دخل فيه أولاده لصلبه وأولادهم من قبل الذكور دون أولاد البنات لأنهم ليسو بأولاده هكذا ذكر محمد وذكر الخصبان عن محمد أنهم يدخلون لقوله عليه السلام حين أخذ الحسن والحسين (أولادنا أكبادنا) ووجه الرواية الأولى أن هذا مجاز بدليل قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم أو هو خاص بأولاد فاطمة.

ولو قال أمنونى على أولاد أولادى دخل أولاد البنات لأن اسم ولد الولد حقيقة لمن ولده ولده وابنتك ولدك فما ولدته ابنتك يكون ولد ولدك حقيقة بخلاف الأول. لأن ولدك من حيث الحكم من ينسب إليك وذلك أولاد الإِبن دون أولاد البنات.

والصبى يتبع أحد أبويه في الإِسلام وإن كان لا يعقل ما لم يبلغ: فلو دخل الصغير الذي يعبر عن نفسه دارنا لزيارة أبوية، فإن كانا ذميين فله الرجوع إلى دار الحرب بخلاف ما إذا كانا مسلممن أو أحدهما، فإنه يصير مسلما تبعا للمسلم منهما

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

إذا أمن الإِمام حربيا، أو أمنه نائبه، دخل، ما معه من ماله وأهله وكذا زوجته ولو بلا شرط سواء أمنه بدارنا أو بدارهم. ويدخل ما ليس معه منهما إن شرط دخوله في الأمان وأن لم يشرط دخوله فلا يدخل في الأمان. وإن أمنه غير الإمام لم يدخل ما ليس معه مطلقا، ويدخل ما معه إن شرط دخوله وإلا فلا. ولا تدخل الزوجة هنا ولو شرط دخولها

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

إذا أعطى الأمان للحربى ممن يصح منه إعطاء الأمان سرى الأمان إلى من مع المؤمن من أهل ومال، إلا أن يقول مؤفَئه امنتك وحدك ونحوه مما يقتضى تخصيصه وحده بالأمان فمختص به

(5)

. ولا ينتقض بنقض عهده عهد نسائه وأولاده الصغار الموجودين، لحقوا بدار الحرب أو لا، لأن النقض وجد منه دونهم

(1)

شرح الأزهار جـ 1 ص 552

(2)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 135 و 136 وكذا: 173 الإستئمان

(3)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 173

(4)

القليوبى وعميرة جـ 4 ص 226.

(5)

كشاف القناع جـ 3 ص 107

ص: 26

فاختص حكمه به ولو لم ينكروا عليه النقض. وأما من حملت به أمه وولدته بعد النقض فإنه يسترق ويسبى لعدم ثبوت الأمان له

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

من أسلم في دارهم ثم هاجر إلينا وترك ماله وولده حصن بإسلامه طفله إذ الطفل تابع لأبيه في الإِسلام لقوله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم الولد يولد على الفطره ولم يفصل وأما البالغون فلهم حكم أنفسهم كفرا واسلاما. وإذا أسلم الحربى فى دارنا لم يحصن فى دارهم إلا طفله لا ماله المنقول وغيره لغلبة دار الحرب عليهم فكان فيئا لا أطفاله

(2)

.

‌انتهاء الأمان المؤقت

‌مذهب الحنفية:

ينقض الامام الأمان لو بقاؤه شرًا ويعلمهم بذلك

(3)

وذلك تحرزًا من الغدر المحرم، وينتقض عهد الحربى بقوله: نقضت العهد بخلاف الذمى فلا ينتقض قوله بالقول بل بالفعل. ووجه الغرق إن أمان الحربى على شرف الزوال لتمكنه من العودة متى أراد فهو غير لازم بخلاف عهد الذمى فهو لازم لا يصح الرجوع عنه ولذا لا يمكن من العودة إلى دار الحرب

(4)

.

‌مذهب المالكية:

إذا نزل الحربى دار الإِسلام لأمر فأنه ينصرف بانقضائه، فإن هذا أمان خاص لأنه يؤمن لنزوله دار الإِسلام لشراء أو نحوه فإذا فرغ سببه انصرف الأمان وهذا القيد أقمع به المهادنة وغيرها

(5)

وإن دخل إلينا على الإِقامة، وكانت عادتهم ذلك أو جهل ما دخل عليه، ولا عادة يعرف منها ما يدخلون عليه أو مدة اقامتهم أو دخل على التجهيز لأمر والإِنصراف بمجرد قضائه وطالت إقامته بالعرف، فإنه لا يمكن في هذه الوجوه من الرجوع إذا أراده

(6)

وإن استشعر خيانتهم نبذ أمانهم وانذرهم، وإلا فليزمنا الوفاء بما اشترطوا علينا

(7)

.

‌مذهب الشافعية:

ليس للامام نبذ الأمان إن لم يخف خيانة وليس لغيره ذلك من باب أولى. فإن خافها نبذه، كالهدنة

(8)

.

‌مذهب الحنابلة:

إذا دخل المستأمن إلى دار الحرب مستوطنا أو محاربا أنتقض عهده في نفسه ويقى في ماله لأنه لما دخل دار الإِسلام بأمان ثبت لماله فإذا بطل في نفسه بدخوله إلى دار الحرب بقى الأمان بالنسبة لماله الذي لم يدخل دار الحرب. ولا يعتبر المال تابعا له في الأمان حتى يقال إذا أبطل الأمان في المتبوع فالتابع كذلك لأن الأمان لم يثبت في المال تبعا وإنما ثبت الأمان في النفس والمال معا. فإذا بطل في أحدهما بطل في الآخر.

(9)

.

(1)

كشاف القناع جـ 3 ص 144

(2)

البحر الزخار جـ 5 ص 409 و 410

(3)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 136

(4)

حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 212

(5)

الخرشى جـ 3 ص 250 (حاشية العدوى)

(6)

الخرشى جـ 3 ص 125 (شرح الخرشى)

(7)

الخرشى جـ 3 ص 151

(8)

قليوبى وعمرة جـ 4 ص 226

(9)

كشاف القناع جـ 3 ص 108 طبعة النصر بالرياض مكتبة النصر الحديثة

ص: 27

‌مذهب الزيدية:

أن تعدى المستأمن السنة عالما بأنه لا أمان له بعد المدة خير الامام بين قتله واسترقاقه وأن تعداها جاهلا خير الإمام بين أن يزعجه عن دار الإِسلام وبين أن يقرره سنة أخرى فإن تعداها ضرب عليه الجزية

(1)

.

‌الأمان الدائم

انظر: أهل الذمة.

روجعت هذه الكلمة وصارت صالحة للنشر على هذا الوجه بعد اعتمادها من اللجنة العامة.

‌أمانَة

‌تعريف الأمانة في اللغة:

الأمانة ضد الخيانة؛ لأنه يؤمن أذاه، والأَمَنَة جمع أَمِن وهو الحافظ، والأمين: المؤتَمِن ويقال أمنته على كذا وأئتمنته بمعنى، والأمانة تقع على الطاعة، والعبادة: والوديعة، والثقة، والأمان. قال تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا .. وروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا: الأمانة ههنا الفرائض التي افترضها الله تعالى على عباده، والأمين القوى؛ لأنه يُوثَق بقَوته.

‌تعريف الأمانة في الاصطلاح

والأمانة في الاصطلاح: هي كل مموّل في حوزة إنسان بمسوّغ شرعى ولم يقم دليل على تضمين صاحبها، وهى علم لما هو غير مضمون فتشمل جميع الصور التي لا ضمان فيها سواء أكانت بعقد كالوديعة والعارية عند بعض الفقهاء والرهن عند بعض الفقهاء أم كانت بغير عقد كاللقطه إذا التقطها الملتقط بقصد ردها لمالكا وكالمال يلقيه الريح في حجر إنسان أو في داره وهذه يطلق عليها الأمانة الشرعية. والحكم في كل واحد كما سيأتي في حجر إنسان كالذى تلقيه ريح في حجرة

(2)

وهذه هي التي يطلق عليها الفقهاء الأمانة الشرعية والفرق بينها وبين الوديعة: أن الوديعة استحفاظ مع القصد، والأمانة أعم من ذلك.

2 -

‌ حكم الأمانة

‌مذهب الحنفية:

(3)

الوديعة أمانة في يد المودع إذا هلكتا لم يضمنها؛ لقوله عليه السلام: "ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان". ولأن بالناس حاجة إلى الاستيداع فلو ضمناه يمتنع الناس عن قبول الودائع فتتعطل مصالحهم، وللمودع أن

(1)

شرح الأزهار جـ 4 ص 564 و 565.

(2)

شرح الأزهار جـ 3 ص 510

(3)

الهداية: جـ 3 ص 157

ص: 28

يحفظها بنفسه، وبمن في عياله؛ لأن الظاهر أنه يلتزم حفظ مال غيره على الوجه الذي يحفظ مال نفسه، ولأنه لا يجد بدا من الدفع إلى عياله لأنه لا يمكنه ملازمة بيته ولا استصحاب الوديعة في خروجه فكان المالك راضيا به، فإن حفظها بغيرهم أو أودعها غيرهم ضمن لأن المالك رضى بيده لا بيد غيره، والأيدى تختلف في الأمانة، ولأن الشئ لا يتضمن مثله كالوكيل لا يوكل غيره، والوضع في حرز غيره إبداع إلا إذا استأجر الحرز فيكون حافظا بحرز نفسه، إلا أن يقع في داره حريق فيسلمها إلى جاره أو يكون في سفينة فخاف الغرق فيلقيها إلى سفينة أخرى لأنه تعين طريقا للحفظ في هذه الحالة فيرتضيه المالك ولا يصدق على ذلك إلا ببينه، لأنه يدعى ضرورة مسقطه للضمان بعد تحقق السبب فصار كما إذا ادعى الأذن في الإبداع، فإن طلبها صاحبها فمنعها وهو يقدر على تسليمها ضمنها، لأنه متعد بالمنع وهذا لأنه لما طالبه لم يكن راضيا بإمساكه بعده فيضمنه بحبسه عنه، وإن خلطها المودع بما له حتى لا تتميز ضمنها ولا سبيل للمودع عليها عند أبى حنيفة رحمه الله. مثالا إذا خلطها بجنسها شركه أن شاء وإن اختلطت بماله من غير فعله فهو شريك لصاحبها اتفاقا

(1)

والإِيداع عقد جائز؛ لأنه تصرف من المالك في ملكه، وقد يحتاج إليه عند إرادة السفر، والمودع ينب له القبول شرعا لما فيه من الإِعانة على البر قال الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" وبالقبول عليه أداء ما التزم وهو الحفظ حتى يؤديها إلى صاحبها؛ بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} .

قال صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" وقال: "علامة المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" فعلى الموحد أن يحترز عما هو من علامة المنافق، وذلك بأن يحفظ الوديعة على الوجه الذي يحفظ به مال نفسه فيضعها في بيته أو صندوقه، لأنه وعد لصاحبها ذلك وخلف الوعد مذموم، وإذا ترك الحفظ بعد غيبة صاحبها ففيه ترك الوفاء بما التزم والغرور في حق صاحبها، وذلك حرام. فإن وضعها في بيته أو صندوقه فهلكت لم يضمنه لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"من أودع وديعة فهلكت فلا ضمان عليه"، والعارية أيضا تعتبر أمانه فلا ضمان إذ اهلكت قال عمر رضى الله تعالى عنه: العارية كالوديعة لا يضمنها صاحبها إلا بالتعدى. وقال على رضى الله تعالى عنه: لا ضمان على راع ولا على مؤتمن والمعنى أن المودع متبرع في حفظها لمالكها والتبرع لا يوجب ضمانا على المتبرع للمتبرع عليه فكان هلاكها في يده كهلاكها في يد مالكها وهو معنى قول الفقهاء رحمهم الله تعالى: يد المودع كيد المودع ويستوى إن هلك بما يمكن التحرز عنه أو بما لا يمكن لأن الهلاك بما يمكن التحرز عنه بمعنى العيب في الحفظ ولكن صفة السلامة عن العيب إنما يقر مستحقا في المعاوضة دون التبرع، والمودع متبرع. فإن دفعها إلى بعض من في عياله من زوجته أو ولده أو والديه أو أجيره فلا ضمان عليه إذا هلكت.

(1)

المبسوط جـ 11 ص 108.

ص: 29

والمستودع أمين فإذا طلب المودع الوديعة فقال المستودع قد رددتها عليك فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه أمين، والقول قول الأمين مع اليمين لإنكاره السبب الموجب للضمان وإخباره بما هو مسلط عليه وهو رد الوديعة على صاحبها والمودع هو الذي سلطه على ذلك فيجعل قوله كقول المسلّط إلا أنه يستحلف لنفى التهمة عنه وكذلك لو سرقت أو ضاعت أو ذهبت وقال: لا أدرى كيف ذهبت لأنه أمين أخبر بما هو محتمل، ولأنه ينكر وجوب الضمان عليه، والمالك يدعى عليه سبب الضمان وهو المنع فلا يصدق إلا بحجة وكذلك العارية في جميع ذلك، لأنها أمانة كالوديعة

(1)

.

ولو وكل رجل رجلا بقبض أمانة له في يد رجل فقال ذو اليد: قد دفعتها إلى الموكل، فالقول قوله مع يمينه لأن مطالبة الوكيل إياه بالرد كمطالبة الموكل ودعوى الأمين الرد على الموكل أو على الوكيل مقبولة، لأنه سلط على ذلك، ولأنه مجبر بأداء الأمانة إلا أنه يقبل قوله في إبرائه عن الضمان إلا في إيجاب الضمان عن الغير حتى إذا ادعى الرد على الوكيل وحلف لم يضمن شيئا، وكذلك لا يضمن إذا جحد وحلف وإن وكل رجلين بقبض عبد له وديعة فقبضه أحدهما بغير أمر الآخر لم يجز وهو ضامن لأنه رضى برأيهما وأمانتهما فلا يكون راضيا بأمانة أحدهما، ولو قبضه ثم أودعه أحدهما من الآخر جاز لأنهما امتثلا أمره في القبض ثم لا يقدران على الاجتماع على حفظه آناء الليل والنهار وهو لا يحتمل التبعيض ليحفظ كل واحد منهما نصفه ولما استحفظهما على علمه بذلك فقد صار راضيا بترك أحدهما عند صاحبه ولكن إنما يعتبر هذا فيما يطول وهو استدامة الحفظ، فأما في ابتداء القبض فيتحقق اجتماعهما عليه من غير ضرر فلهذا لا ينفرد به أحدهما

(2)

.

والمقبوض بحكم الرهن يكون أمانة فيما زاد على الدين.

وما في يد الأجير الخاص يعتبر أمانة فلا يضمن ما هلك في يده بغير صفة أو بعمله المأذون فيه راجع باب ضمان الأجير الدر المختار وحاشيته ابن عابدين.

‌مذهب المالكية:

(3)

الوديعة أمانة والأمين لا ضمان عليه ما لم يفرط، وتُضمن بسقوط شئ من يد المودَع عليها فتتلف ولو خطأ لأنه كالعمد في الأموال لا يضمن إن انكسرت الوديعة من المودع بلا تفريط في نقل مثلها المحتاج إليه من مكان إلى آخر ونقل مثلها هو الذي يرى الناس فيه أنه غير متعد به فإن لم يحتج له أو احتاج ولكن نقلها نقل غير مثلها ضمن، وضمن بخلطها بغيرها وإن لم يحصل فيها تلف إذا تعذر التمييز أو تعسر إلا كقمع خلط بمثله جنسا وصفة فلا يضمن فإن خلط سمراء بغيرها ضمن ولو خلط دراهم بدنانير لا يضمن لتيسر التمييز وأولى إذا خلط دراهم بمثلها أو دنانير بمثلها وعدم الضمان في هذه الصور إذا كان القصد من الخلط الأحراز والحفظ وإن لم يكن الخلط لذلك ضمن لأنه يمكن إذا بقى كل على حدته أن يضيع أحدهما دون الآخر، ثم إن تلف بعضه بعد الخلط للإحراز فهو على حسب الأنصباء فإذا تلف واحد من

(1)

المبسوط جـ 11 ص 114.

(2)

المبسوط جـ 19 ص 86.

(3)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير جـ 3 ص 419.

ص: 30

ثلاثة لأحدهما واحد ولصاحبه اثنان فعلى صاحب الواحد ثلثه وعلى صاحب الاثنين ثلثاه إلا أن يتميز التالف كما في الدنانير والدراهم فالتالف من ربه خاصة وتضمن الوديعة بانتفاع المودع بها بلا إذن ربها فتلفت أو تعيبت كركوبه الدابة فعطبت ولو بسماوى إن كانت تعطب بمثله بأن كانت المسافة شأن الدواب أن تعطب بمثلها وإلا فلا ضمان في السماوى وكذا لبسه الثوب فضاع أو أبلاه وكذا لو سافر بالوديعة بغير أذن ربها إن قدر على إيداعها عند أمين وإلا فلا ضمان أن خاف عليها أن تركت بعد الانتفاع بها أو السفر بها سالمة لموضع إيداعها ثم تلفت بعد بلا تفريط فلا ضمان

(1)

.

والوكيل أمين

(2)

فإذا وكل الوكيل غير المفوض على قبض حق فقال: قبضته وتلف منى فإنه يبرأ لموكله من ذلك لأنه أمين، وأما الغريم الذي عليه الدين فإنه لا يبرأ من الدين إلا إذا أقام بينه تشهد له أنه دفع الدين إلى الوكيل المذكور، ولا تنفعه شهادة الوكيل لأنها شهادة على فعل نفسه وإذا غرم الغريم فإنه يرجع بذلك على الوكيل إلا أن يتحقق تلفه من غير تفريط منه، وأما الوكيل المفوض إليه ومثله الوصى إذا أقر كل منهما بأنه قبض الحق لموكله أو ليتيمه ثم قال بعد ذلك: تلف منى أو رددته فإنه يبرأ من ذلك وكذلك الغريم يبرأ من الدين ولا يحتاج إلى إقامة بينة لأن المفوض جعل له الإقرار والوصى مثله، وللغريم تحليف الموكل على عدم العلم بدفعه إلى الوكيل وعدم وصول المال إليه

(3)

.

والأجير تحت يد الصانع أمين لا يضمن ما تلف منه، وظاهره سواء غاب عليه أم لا وعن أشهب في الغسال تكثر عنده الثياب فيؤاجر آخر يبعثه البحر بشئ منها يغسله فيدعى تلفه أنه ضامن، وقال ابن ميسر: هذا إذا أجره على عمل أثواب مقاطعة كل ثوب بكذا وإما إن كان أجره يوما أو شهرا أو سنة فدفع إليه شيئا يعمله في داره أو غاب عليه فلا ضمان عليه

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

(5)

يستحب لمن قدر على حفظ الوديعة وأداء الأمانة فيها أن يقبلها لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ولما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من يصلح لذلك، غيره وخاف إن لم يقبل أن تهلك تعين عليه قبولها لأن حرمة المال كحرمة النفس والدليل عليه ما روى ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"حرمة مال المؤمن كحرمة دمه" ولو خاف على دمه لوجب عليه حفظه فكذلك إذا خاف على ماله، وإن كان عاجزا عن حفظها أو لا يأمن أن يخون فيها لم يجز له قبولها لأنه يغرر بها ويعرضها للهلاك فلم يجز له أخذها.

(6)

ولا يصح الإِيداع إلا من جائز التصرف في المال فإن أودعه صبى أو سفيه لم يقبل لأنه تصرف في المال فلم يصح من الصبى والسفيه كالبيع فإن أخذها المودع منه ضمنها لأنه أخذ مال من غير إذن من له الاذن فضمنه كما لو غصبه

(1)

حاشية الدسوقى جـ 3 ص 421.

(2)

الخرشى جـ 6 ص 81.

(3)

الخرشى 6 ص 82.

(4)

الخرشى جـ 7 ص 27.

(5)

المهذب جـ 1 ص 358.

(6)

مهذب جـ 1 ص 358.

ص: 31

الناظر في ماله كما نقول فيما غصبه من مال غيره وإن خاف المودع أنه أن لم يأخذه من الصبى استهلكه فأخذه ففيه وجهان بناء على القولين في المحرم إذا خلص طائرا من جارحة وأمسكه ليحفظه: أحدهما لا يضمن لأنه قصد حفظه، والثانى: يضمن لأنه وضع يده عليه من غير ائتمان.

ولا يصح إلا عند جائز التصرف فإن أودع صبيا أو سفيها لم يصح الإِيداع لأن القصد من الإِيداع الحفظ والصبى والسفيه ليسا من أهل الحفظ، فإن أودع واحدا منهما فتلف عنده لم يضمن لأنه لم يلزمه حفظه فلا يضمنه كما لو تركه عند بالغ من غير إيداع فتلف، وإن أودعه فأتلفه ففيه وجهان، أحدهما: يضمن لأنه لم يسلطه على إتلافه فضمنه بالاتلاف كما لو أدخله داره فأتلفه، والثانى: لا يضمن لأنه مكنه من إتلافه فلم يضمنه كما لو باع منه شيئا وسلمه إليه فأتلفه.

(1)

والوديعة أمانة في يد المودع فإن تلفت من غير تفريط لم تضمن لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أودع وديعة فلا ضمان عليه" وروى ذلك عن أبى بكر وعمرو على وابن مسعود وجابر رضى الله عنهم وعليه إجماع فقهاء الأنصار ولأنه يحفظها للمالك فكانت يده كيده ولأن حفظ الوديعة معروف وإحسان فلو ضمنت من غير عدوان زهد الناس في قبولها فيؤدى إلى قطع المعروف فإن أودعه وشرط عليه الضمان لم يصر مضمونا لأنه أمانة فلا يصير مضمونا بالشرط كالمضمون بالعقد لا يصير أمانة بالشرط، وإن ولدت الوديعة، ولدا كان الولد أمانة لأنه لم يوجد فيه سبب يوجب الضمان لا بنفسه ولا بأمه وهل يجوز له إمساكه؟ فيه وجهان، أحدهما: لا يجوز بل يجب أن يعلم صاحبه كما لو ألقت الريح ثوبا في داره والثانى: يجوز لأن إيداع الأم إيداع لما يحدث منها.

والوكيل أمين

(2)

فيما في يده من مال الموكل فإن تلف في يده من غير تفريط لم يضمن لأنه نائب عن الموكل في اليد والتصرف فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد الموكل فلم يضمن، وإن وكله في بيع سلعة وقبض ثمنها فباعها وقبض ثمنها وتلف الثمن واستحق المبيع رجع المشترى بالثمن على الموكل لأن البيع له فكان الرجوع بالعهدة عليه كما لو باع نفسه.

(3)

وإذا رهن الرجل رهنا فقبضه لمرتهن أو قبضه عدل رضيا به فهلك الرهن في يده. أو في يد العدل فالرهن أمانة والدين كما هو لا ينقص منه شئ.

واختلف في رد المستأجر بعد انقضاء الإِجارة: فمنهم من قال لا يلزمه قبل المطالبة لأنه أمانة فلا يلزمه ردها قبل الطلب كالوديعة، ومنهم من قال يلزمه لأنه بعد انقضاء الإِجارة غير مأذون له في إمساكها فلزمه الرد كالعارية المؤقتة بعد انقضاء وقتها فإن قلنا لا يلزمه الرد لم يلزمه مؤنة الرد كالوديعة وإن قلنا يلزمه لزمه مؤنه الرد كالعارية

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

(5)

والوديعة أمانة فإذا تلفت بغير تفريط من

(1)

مهذب جـ 1 ص 359.

(2)

مهذب جـ 1 ص 357.

(3)

الأم جـ 7 ص 106.

(4)

المهذب جـ ص 401.

(5)

المغنى جـ 7 ص 280.

ص: 32

المودع فليس عليه ضمان سواء، ذهب معها شئ من مال المودع أو لم يذهب هذا قول أكثر أهل العلم وعن أحمد رواية أخرى إن ذهبت الوديعة من بين ماله غرمها لما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله، قال القاضي أبو يعلى: والأولى أصح لأن الله تعالى سماها أمانة والضمان ينافى الأمانة ويروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المستودع ضمان" ويروى عن الصحابة ولأن المستودع مؤتمن فلا يضمن ما تلف من غير تعديه وتفريطه كالذى ذهب مع ماله ولأن المستودع إنما يحفظها لصاحبها متبرعا من غير نفع يرجع عليه فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من قبول الودائع وذلك مضر وما روى عن عمر محمول على التفريط من ليس في حفظها فلا ينافى ما ذكر فأما إن تعدى المستودع فيها أو فرط في حفظها فتلقت ضمن بغير خلاف لأنه متلف لمال غيره فضمنه كما لو أتلفه من غير استيداع

(1)

.

(2)

والمودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف الوديعة بغير خلاف قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر أنها ضاعت أن القول قوله وقال أكثرهم مع يمينه وأن ادعى ردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه أيضا.

(3)

وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره لأنه رضى بكونه في يده ولم يرجع عن ذلك فإن طلبه فأخر رده مع إمكانه فتلف ضمنه وأن وعد برده ثم ادعى أننى كنت رددته قبل طلبه أو أنه كان تلف لم يقبل قوله لأنه مكذب لنفسه بوعده برده فإن صدقه الموكل برئ وأن كذبه فالقول قول الموكل فإن أقام الوكيل بينه بذلك فهل يقبل؟ على وجهين أحدهما يقبل لأنه لو صدقه الموكل برئ فكذلك إذا قامت له بينه ولأن البينه إحدى الحجتين فبرئ بها كالإقرار أو الثاني: لا يقبل لأنه كذبه بوعده بالدفع أما إذا صدقه فقد أقر ببراءته فلم يبق له منازع وأن لم يعده برده لكن منعه أو مطله برده مع إمكانه ثم ادعى التلف أو الرد لم يقبل قوله لأنه ضامن بالمنع خارج عن حال الأمانة وأن أقام بما ادعاه من الرد أو التلف بينه سمعت لأنه لم يكذبها.

(4)

وإذا باع العدل الرهن بإذنهما وقبض الثمن فتلف في يده من غير تعد فلا ضمان عليه لأنه أمين فهو كالوكيل ويكون من ضمان الراهن وإن ادعى التلف فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين ويتعذر عليه إقامة البينة على ذلك وإن كلفناه البينة شق عليه وربما أدى إلى أن لا يدخل الناس في الأمانات فإن خالفاه في قبض الثمن فقالا ما قبضه من المشترى وادعى ذلك ففيه وجهان: أحدهما: القول قوله لأنه أمين والآخر لا يقبل لأن هذا براء للمشترى من الثمن فإن يقبل قوله فيه كما لو أبرأه من غير الثمن فإن علم المشترى بعد تلف الثمن في يد العدل رجع على الراهن ولا شئ على العدل

(5)

.

وإن تلفت السلعة في مدة الخيار فلا يخلو إما أن تكون قبل القبض أو بعده فإن كان قبل القبض وكان مكيلا أو موزونا انفسخ البيع. وكان من مال البائع إلا أن يتلفه المشترى فيكون من

(1)

المرجع السابق ص 281.

(2)

نفس المرجع ص 291.

(3)

المغنى جـ 5 ص 229.

(4)

المغنى جـ 4 ص 394.

(5)

المغنى جـ 4 ص 395.

ص: 33

ضمانه ويبطل خياره، وفى خيار البائع روايتان، وإن كان المبيع غير المكيل والموزون ولم يمنع البائع المشترى من قبضه فظاهر المذهب: أنه من ضمان المشترى ويكون كتلفه بعد القبض، وأما إن تلف المبيع بعد القبض في مدة الخيار فهو من ضمان المشترى ويبطل خياره وفى خيار البائع روايتان: أحدهما يبطل والثانية لا يبطل

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

(2)

والوديعة أمانة فلا تضمن إلا بتعد من الوديع كأن يتصرف فيها لنفسه باستعمال نحو أن يلبس الثوب أو يركب الدابة ونحو إعارة أو تأجير أو رهن فإنه يصير ضامنا بذلك لأجل التعدى ومن التعدى وقوع تحفظ لها فيما لا يحفظ مثلها في مثله فلو وضع الوديعة في موضع ليس مثله حرزا لمثلها فإنه يضمنها بذلك. ولكل مال حرز يليق به فللدراهم والجواهر ونحوهما المنزل والصندوق ونحو ذلك وللأخشاب ما داخل باب الدار فلو وضع الدراهم وكان الأخشاب ضمن وهذا إذا لم يعيد المالك لإِحرازها موضعا وأما إذا عين فإن عين غير حرز نحو أن يقول ضعها في الطريق فلا يضمن عند المؤيد بالله وكأنه وكله بإباحته كما لو سيب العارية بإذن مالكها وأن عين لها حرزا فإن امتثل فلا ضمان وإن خالف ففى الواقى أنه إن كان من دار إلى دار ضمن ولو هي حرز وإن كان من بيت إلى بيت لم يضمن مطلقا وأشار في مجمع البحرين أنه لا يضمن إن كان مساويا وإن نقل إلى ما هو دون كان ضامنا من غير فرق بين الدارين والبيتين وأن نقله إلى أعلى وقد نهاه عنه فلا يضمن وهو الظاهر من قول المؤيد بالله وهو الذي يقتضيه عموم كلام الأزهار.

والثانى: يضمن وهو الذي اختاره في الانتصار وإذا وضع الوديعة مع من لا يستحفظ مثلها معه ضمنها فلو وضعها من يثق به من أهله وولده وسائر من يثق به في أمواله ليحفظها في منزله الذي يسكنه فتلفت لم يضمنها وإن دفعها إلى هؤلاء ليحفظوها في غير منزله الذي يسكنه ضمنها وهذا قول زيد بن على إلا أن يكون من دفعها إليه ممن تلزمه نفقته.

(3)

والرهن مع المرتهن كالوديعة في أنه لا يجوز له الانتفاع به إلا بإذن الراهن ولا تأجيره ولا رهنه ولا شئ من التصرفات إلا أنه يخالف الوديعة في أمرين: أحدهما: جواز الحبس ولو كره المالك والثانى أن المرهون في العقد الصحيح ولو كان المرهون مستأجر أو مستعار للرهن ولم يخالف المالك فيما عين فهو هنا مضمون كله ضمان الرهن عند تلفه بأوفر قيمة من القبض إلى التلف وضمان الجناية أن تلف بالتعدى وأما في الرهن الفاسد لأجل شياع أو نحوه فليس بمضمون وقال الناصر أن الرهن أمانة في يد المرتهن وأما إذا خالف المستأجر أو المستعير المالك فيما إذن لهما أن يرهنا فيه أما في القدر أو في الشخص أو في المكان أو في الزمان أو في تنجيم أو في سلعة أو مع واحدا واثنين أومعجل أو مؤجل فسد الرهن وصارا ضامنين ضمان الغصب لا ضمان الرهن فإن أطلق ولم يقيد انصرف إلى المعتاد إذا

(1)

الشرح الكبير لابن قدامه جـ 4 ص 75.

(2)

شرح الأزهار جـ 3 ص 510.

(3)

شرح الأزهار جـ 3 ص 403.

ص: 34

كان في قيمته زيادة على الدين ضمنها المرتهن وقال القاسم أن المرتهن لا يضمن زيادة الرهن وهو ضار من له ضمان الرهن أن تلف وضمان الجناية أن اتلف.

‌مذهب الظاهرية:

(1)

وعلى من أُودعت عنده وديعة حفظُها وردها إلى صاحبها إذا طلبها منه لقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ولقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ومن البر حفظ مال المسلم أو الذمى وقد صح نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وهذا عموم لمال المرء ومال غيره فإن تلفت من غير تعد منه ولا تضييع لها فلا ضمان عليه فيها لأنه إذا حفظها ولم يتعد ولا ضيع فقد أحسن والله تعالى يقول {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فمال هذا المودع حرام على غيره ما لم يوجب أخذه منه نص وقد صح عن عمر بن الخطاب تضمين الوديعة رُوى عنه وعن غيره أن لا تضمن فإن تعدى المودع في الوديعة أو أضاعها فتلفت لزمه ضمانها ولو تعد على بعضها دون بعض لزمه ضمان ذلك البعض الذي تعدى فيه فقط لأنه في الإِضاعة أيضا متعد لما أمر به والقول في هلاك الوديعة أو في ردها إلى صاحبها أو في دفعها إلى من أمره صاحبها بدفعها إليه قول الذي أودعت عنده مع يمينه سواء دفعت إليه ببينه أو بغير بينه لأن ماله محرم فهو مدعى علمه وجوب غرامة قد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن اليمين على من ادعى عليه.

‌مذهب الإِمامية:

(2)

عقد الوديعة: استنابة في الحفظ ويفتقر إلى إيجاب وقبول ويقع بكل عبارة دلت على معناه ويكفى الفعل الدال على القبول فلو طرح الوديعة عنده لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها، وكذا لو أكره على قبضها لم تصر وديعة ولا يضمنها لو أهمل. وإذا استودع وجب عليه الحفظ ولا يلزمه ضمانها لو تلقت من غير تفريط وأخذت منه قهرا، نعم لو تمكن من الدفع وجب، ولو لم يفعل ضمن ولا يجب تحمل الضرر الكثير بالدفع كالجرح وأخذ المال ولو أنكرها فطولب باليمين ظلما جاز الحلف موريا بما يخرج به عن الكذب وهى عقد جائز من طرفيه يبطل بموت واحد منهما وبجنونه وتكون الوديعة به أمانه وتحفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها كالثوب والكتب في الصندوق والدابة في الاصطبل والشاة في المراح أو ما يجرى مجرى ذلك، ويلزمه سقى الدابة وعلفها أمره بذلك أو لم يأمره، ويجوز أن يسقيها بنفسه وبغلامه اتباعا للعادة ولا يجوز إخراجها من منزله لذلك إلا مع الضرورة كعدم التمكن من سقيها أو علفها في منزله أو شبه ذلك من الاعذار ولو قال المالك لا تعلفا ولا تسقها لم يجب القبول بل يجب عليه سقيها وعلفها نعم لو أخل بذلك والحال هذه اثم ولم يضمن لأن المالك اسقط الضمان بنهيه كما أمره بالقاء ما له في البحر - ولو عين له موضع الاحتفاظ اقتصر عليه ولو نقلها ضمن إلا إلى حرز أو مثله على قول ولا يجوز نقلها إلى ما دونه ولو كان حرزا إلا مع الخوف من ابقائها فيه لو قال لا تنقلها من هذا الحرز ضمن بالنقل

(1)

المحلى جـ 8 ص 276.

(2)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 227.

ص: 35

كيف كان إلا أن يخاف تلفها فيه ولو قال وإن تلفت.

ولا تصح وديعه الطفل والمجنون ويضمن القابض ولا يبرأ بردها إليهما وكذا لا يصح أن يستودعا ولو اودعا لم يضمنا بالإهمال لأن المودع لهما متلفا ماله. وتجب إعادة الوديعه على المودع مع المطالبة ولو كان كافرا إلا أن يكون المودع غاصبا لها فيمنع منها ولو مات فطلبها وارثة وجب الإنكار ويجب إعادتها على المغصوب منه أن عرف وأن جهل عرفت سنه ثم جاز التصدق بها عن المالك ويضمن المتصدق أن كره صاحبها ولو كان الغاصب مزجها بما له ثم اودع الجميع فإن أمكن المستودع توزيع المالين رد عليه ما له ومنع الآخر وأن لم يمكن تمييزهما وجب إعادتهما على الغاصب. وموجبات الضمان: التفريط والتعدى، أما التفريط فكأن يطرحها فيما ليس يحرز أو يترك سقى الدابة أو علفها أو نشر الثوب الذي يفتقر إلى النشر أو يودعها من غير ضرورة ولا إذن أو يسافر بها كذلك مع خوف الطريق ومع أمنه وطرح الأقمشة في المواضيع التي تعفنها وكذا لو ترك سقى الدابه أو علفها مدة لا تصبر عليها في العادة فماتت به. وأما التعدى: فمثل أن يلبس الثوب أو يركب الدابة أو يخرجها من حرزها لينتفع بها نعم لو نوى الانتفاع لم يضمن بمجرد النيه، ولو طلبت منه فامتنع من الرد مع القدرة ضمن وكذا لو جحدها ثم قامت عليه بينه أو اعترف بها ويضمن لو خلطها بماله بحيث لا يتميز وكذا لو أودعه مالا في كيس مختوم ففتع ختمه وكذا لو أودعه كيسين فمزجهما ولو جعلها المالك في حرز مقفل ثم أودعها ففتحه المودع أخذ بعضها ضمن ما أخذ ولو أعاد بدله لم يبرأ.

ويجب على الوكيل تسليم ما فى يده إلى الموكل مع المطالبة وعدم العذر فإن امتنع من غير عذر ضمن وإن كان هناك عذر لم يضمن ولو زال العذر فأخر التسليم ضمن ولو ادعى بعد ذلك إن تلف المال قبل الامتناع أو ادعى الرد قبل المطالبة قيل: لا يقبل دعواه ولو أقام ببينه والوجه أنها تقبل.

(2)

والرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف ولا تسقط به شئ من حقه ما لم يتلف بتفريطه، ولو تصرف فيه بركوب أو سكن أو إجاره ضمن ولزمته الأجرة ولو كان للرهن مؤنة كالدابة أنفق عليها وتقاصا، وقيل: إذا أنفق عليها كان له ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفى ويجوز للمرتهن أن يتستوفى دينه مما في يده إن خاف جحود الوارث مع اعترافه وأما لو اعترف بالرهن وادعى دينا لم يحكم له وكلف البينة وله احلاف الوارث وإن ادعى علمه وإذا وضعا الرهن على يد عدل فللعدل. رده عليهما أو تسليمه إلى من يرتضيانه ولا يجوز له تسليمه مع وجودهما إلى الحاكم ولا إلى أمين غيرهما من غير اذنهما ولو سلمه ضمن ولو كانا غائبين وأراد تسليمه إلى الحاكم أو عدل آخر من غير ضرورة لم يجز. ويضمن لو سلم. وكذا لو كان أحدهما غائبا. وإن كان هناك عذر سلمه إلى الحاكم ولو دفعه إلى غيره من غير إذن الحاكم ضمن.

(3)

(2)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 243.

(3)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 196.

ص: 36

‌3 - يد الأمانة ويد الضمان

يد الأمانة هي التي وضعت على المال بمسوغ شرعى ولم يقم دليل على تضمينها عند الهلاك ويد الضمان ما عدا ذلك.

‌مذهب الحنفية:

(1)

يد المتفاوضين وشريكى العنان يد أمانة لأنه قبض المال بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة فصار كالوديعة، وكذلك شركة الصنائع كالخياطين والصباغين يشتركان على أن يتقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما فيد الشريكين فيها يد أمانة بالنسبة للكسب.

(2)

ومن باع لرجل ثوبا وضمن له الثمن أو مضارب ضمن ثمن متاع رب المال فالضمان باطل لأن الكفاله التزام المطالبة وهى إليهما فيصير كل واحد منهما ضامنا لنفسه ولأن المال أمانة في أيديهما والأمانة لا تضمن لأن ضمانها تغيير لحكم الشرع فيرد عليه كاشتراط الضمان على المودع والمستعير.

(3)

المدفوع إلى المضارب أمانة في يده لأنه قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل والوثيقة وهو وكيل فيه لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه وإذا ربح فهو شريك فيه لتملكه جزءا من المال بعمله فإذا فسدت ظهرت الاجاره حتى استوجب العامل أجر مثله وإذا خالف كان غاصبا لوجود المعدى منه على مال غيره والمضاربة عقد على الشركة في الربح بمال من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر ولا مضاربه بدونها إلا ترى أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة ولو شرط جميعه للمضارب كان فرضا.

‌مذهب المالكية:

(4)

الشريك أمين في مال الشركة فإن كان بيد أحدهما شيء من مال الشركة فقال تلف ما بيدى كلا أو بعضا أو خسرت فيه فإنه يصدق بيمنه إن اتهم ولو كان غير متهم في نفس الأمر ما لم تقم عليه تهمة كدعوى التلف وهو في رفقه لا يخفى ذلك عنها فيسأل أهل الرفقة فلم يعلم ذلك أحد منهم أو يدعى الخسارة في سلعة لم يعلم ذلك فيها لشهرة سعرها ونحو ذلك وكذلك يقبل قول أحد الشريكين إذا اشترى شيئا يناسبه من المأكل والمشرب والملبس أنه اشتراه لنفسه وأما إذا اشترى عروضا أو عقارا حيوانا وقال اشتريته لنفسى فإنه لا يصدق في ذلك ولشريكه الدخول فيه معه وإذا مات أحد الشريكين فأرادت الورثة المفاصلة من شريكة، وقال لمورثنا الثلثان وقال الشريك بل المال بينى وبين مورثهم على التنصيف فالقول في ذلك قول مدعى النصف، وإذا ادعى أحدهما أن المال بيننا على التنصيف وادعى الآخر أنه على التفاوت ركانا حيين فإن القول قول مدعى النصف ويحملان عليه عند التنازع أي بعد ايمانهما.

(5)

وإذا وقع أن الضامن تسلم الدين من المدين ليدفعه إلى ربه فضاع منه أو تلف فإنه بضمنه إن تسلمه على وجه الاقتضاد ولو بغير تفريط منه لا إن تسلمه على وجه الرسالة بأن دفعه له المضمون ابتداء ولم يشترط براءته منه فتلف وضاع بغير تفريط فإنه لا ضمان عليه.

(1)

هداية جـ 3 ص 8.

(2)

هداية جـ 3 ص 70.

(3)

هداية جـ 3 ص 147.

(4)

الخرش جـ 6 ص 46.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير جـ 3 ص 399

ص: 37

‌مذهب الشافعية:

(1)

والشريك أمين فيما يده من مال شريكه فإن هلك المال في يده من غير تفريط لم يضمن لأنه نائب عنه في الحفظ والتصرف فكان الهالك في يده كالهالك في يده فإن ادعى الهلاك فإن كان بسبب ظاهر لم يقبل حتى يقيم البينه عليه فإذا أقام البينه على السبب فالقول قوله في الهلاك مع يمينه وأن كان بسبب غير ظاهر فالقول قوله مع يمينه من غير بينه لأنه يتعذر اقامه البينه على الهلاك فكان القول قوله مع يمينه وأن ادعى علمه الشريك خيانة وأنكر فالقول قوله لأن الأصل عدم الخيانة وأن كان في يده عين وادعى شريكه أن ذلك من مال الشركة وادعى هوانه له فالقول قوله مع يمينه لأن الظاهر مما في يده أنه ملكه فإن اشترى شيئا فيه ربح فادعى الشريك أنه اشتراه للشركة وادعى هوانه اشتراه لنفسه أو اشترى شيئا فيه خسارة وادعى الشريك أنه اشتراه لنفسه وادعى هوانه اشتراه للشركة فالقول قوله لأنه اعرف بعقده ونيته ويصح

(2)

ضمان كل دين لازم كالثمن والأجره وعوض الفرض ودين المسلم وأرش الجناية وغرامه المتلف لأنه وثيقة يستوفى منها الحق فصح في كل دين لازم كالرهن وأما مالا يلزم بحال وهو دين الكتابة فلا يصح ضمانه لأنه لا يلزم المكاتب أداؤه فلم يلزم ضمانه ولأن الضمان يراد لتوثيق الدين ودين الكتابة لا يمكن توثيقه لأنه يملك اسقاطه إذا شاء فلا معنى لضمانه وفى مال الجعاله والثمن في مدة الخيار ثلاثة أوجه أحدهما لا يصح ضمانه لأنه دين غير لازم فلم يصح ضمانه كدين الكتابة والثاني يصح لأنه يؤول إلى اللزوم فصح ضمانه والثالث يصح ضمان الثمن في مدة الخيار ولا يصح ضمان مال الجعاله لأن عقد البيع يؤول إلى اللزوم وعد الجعاله لا يلزم بحال فأما المال المشروط في السنن والرمى ففيه قولان أحدهما أنه كالاجاره فيصح ضمانه والثانى أنه كالجعاله فيكون في ضمانه وجهان.

(3)

وأن تكفل بعين فإن كان أمانة كالوديعة لم يصح لأنه إذا لم يجب ضمانها على من هي عنده فلأن لا يجب على من يضمن عنه أولى وأن كان عينا مضمونه كالمغصوب والعاريه والمبيع قبل القبض ففيه وجهان بناء على القولين في كفالة البدن فإن قلنا أنها تصح فهلكت العين فقد قال أبو العباس فيه وجهان أحدهما يجب عليه ضمانها والثانى لا يجب وقال الشيخ أبو حامد لا يجوز بناء ذلك على كفاله البدن فإن البدن لو تلف لم يضمن بدله ولو هلكت العين ضمنها.

(4)

والعامل أمين فيما في يده فإن تلف المال في يده من غير تفريط لم يضمن لأنه نائب عن رب المال في التصرف فلم يضمن من غير تفريط كالمودع فإن دفع إليه ألفا فاشترى عبدا في الذمة ثم تلف الألف قبل أن ينقده في ثمن العبد انفسخ القراض لأنه تلف رأس المال بعينه وفى الثمن وجهان أحدهما أنه على رب المال لأنه اشتراه له فكان الثمن عليه كما لو اشترى الوكيل في الذمة ما وكل في شرائه فتلف الثمن في يده قبل أن ينقده والثاني أن الثمن على العامل لأن رب المال لم يأذن له في التجارة إلا في رأس المال فلم يلزمه ما زاد وإن دفع إليه ألفين فاشترى

(1)

المهذب جـ 1 ص 147.

(2)

المهذب جـ 1 ص 340.

(3)

المرجع السابق ص 344 الضمان.

(4)

المهذب جـ 1 ص 388.

ص: 38

بهما عبدين ثم تلف أحدهما ففيه وجهان أحدهما يتلف من رأس المال وينفسخ فيه القراض لأنه بدل عن رأس المال فكان هلاكه كهلاكه والثانى أنه يتلف من الربح لأنه تصرف في المال فكان في القراض وأن قارضه رجلان على مالين فاشترى لكل واحد منهما جاريه ثم اشكلتا عليه ففيه قولان أحدهما تباعان فإن لم يكن فيهما ريح قسم بين ربى المال وأن كان فيهما ربح شاركهما العامل في الربح وأن كان فيهما خسران ضمن العامل ذلك لأنه حصل بتفريطه والقول الثاني أن الجاريتين للعامل ويلزمه قيمتهما لأنه تعذر ردهما بتفريطه فلزمه ضمانهما كما لو اتلفهما.

‌مذهب الحنابلة:

(1)

وشركة العنان مبنية على الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما يدفع المال إلى صاحبه أمنه وبإذنه له في التصرف وكله، ومن شرط صحتها أن يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف فإن أذن له مطلقا في جميع التجارات تصرف فيها وأن عين له جنسا أو نوعا أو بلدا تصرف فيه دون غيره لأنه متصرف بالأذن فوقف عليه كالوكيل، ويجوز لكل واحد منهما أن يبيع ويشترى مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة وكيف رأى المصلحة لأن هذا عادة التجارة وله أن يقبض المبيع والثمن ويقبضهما ويخاصم في الدين ويطالب به ويحيل ويحتال ويرد بالعيب فيما وليه وهو هو وفيما ولى صاحبه وله أن يستأجر من رأس مال الشركة ويؤجر لأن المنافع أجريت مجرى الإعيان قصار كالشراء والبيع والمطالبة بالأجر لهما وعليهما لأن حقوق العقد لا يختص بالعاقد.

(2)

والعامل أمين في ماله المضاربة لأنه متصرف في مال غيره بإذنه لا يختص ينفعه فكان أمينا كالوكيل وفارق المستعير فإنه قبضه لمنفعته خاصة فكانت يده يد ضمان وههنا المنفعة بينهما فعلى هذا القول قوله في قدر رأس المال قال ابن المنذر اجمع كل من تحفظ عنهم من أهل العلم أن القول قول العامل في قدر رأس المال كذا قال الثورى وإسحاق وأصحاب الرأى وبه نقول ولأنه يدعى عليه قبض شيء وهو ينكره والقول قول المنكر وكذلك القول قوله فيما يدعيه من تلف المال أو خسارة فيه وما يدعى عليه من خيانة وتفريط وفيما يدعى أنه اشتراه لنفسه أو للمضاربة لأن الاختلاف ها هنا في نيته وهو أعلم بما نواه لا يطلع على ذلك أحد سواه فكان القول قوله فيما نواه كما لو اختلف الزوجان في نية الزوج بكناية الطلاق ولأنه أمين في الشراء فكان القول قوله كالوكيل ولو اشترى عبدا فقال رب المال كنت نهتيك عن شرائه فأنكر العامل فالقول قوله لأن الأصل عدم النهى.

‌مذهب الزيدية:

(3)

وإذا اختلف الوديع والمودع فقال الوديع قد رددتها وأنكر المالك أو قال هذه وديعتك فأنكرها أو قال قد تلفت فأنكر المالك كان القول للوديع في ذلك كله أي في ردها وعينها وتلفها لأنه أمين ويقبل قوله بتلفها وإن لم يبين سبب التلف ولو أعطى رجل رجلا شيئا ثم تلف ذلك

(1)

المغنى جـ 5 ص 129.

(2)

المغنى جـ 5 ص 191.

(3)

شرح الأزهار جـ 3 ص 517.

ص: 39

الشئ فادعى المالك أنه كان قرضا مع الذي تلف عنده فيطلبه العوض ويقول الذي تلف عنده بل كان وديعة فلا ضمان على فالقول قول الوديع في أن المالف وديعة لا قرض لأن الأصل براءة الذمة سواء قال تركته معى وديعة أو أخذته منك وديعة فلا فرق بينهما بخلاف المسئلة التي تأتي بعد هذه فإن بين اللفظين فرقا وقال المؤيد بالله وأحد قولى أبى طائل بفرق بين اللفظين هنا أيضا فإن قال تركتها معى وديعة فالقول قوله وأن قال أخذتها منك وديعة فالقول قول المالك ولا يقبل قول المالك أن ذلك الشئ الذي تلف في يد الغير غصب عليه إذا قال الذي تلف في يده بل كان وديعة إلا أن يدعى المالك أنه غصب بعد قول الوديع أخذته وديعة ولم يقل تركته معى وديعة فإن القول قول المالك أنه غصب لا قرار خصمه بأنه أخذه والمالك منكر للتسليم

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

(2)

ولا ضمان على العامل فيما تلف من المال ولو تلف كله ولا فيما خسر فيه ولا شيء له على رب المال إلا أن يتعدى أو يضيع فيضمن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام".

وإن تعدى العامل فربح فإن كان اشترى في ذمته ووزن من مال القراض فحكمه حكم الغاصب وقد صار ضامنا للمال أن تلف أو لما تلف منه بالتعدى ويكون الربع له لأن الشرى له.

‌مذهب الإمامية:

(3)

ولو أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه جاز لهما التصرف وإن انفردا ولو شرطا الاجتماع لم يجز الانفراد ولو تعدى المتصرف ما حد له ضمن وليس لأحدهما المطالبة بإقامة رأس المال بل يقتسمان العين الموجودة ما لم يتفقا على البيع ولو شرطا التأجيل في الشركة لم يصح ولكل منهما أن يرجع متى شاء، ولا يضمن الشريك ما تلف في يده لأنه أمانة إلا مع التعدى أو التفريط في الاحتفاظ ويقبل قوله مع يمينه في دعوى التلف سواء ادعى سببا ظاهرا كالحرق والغرق أو خفيا كالسرقة وكذا القول قوله مع يمينه لو ادعى عليه الخيانة أو التفريط ويبطل الأذن بالجنون والموت.

والحق

(4)

المضمون هو كل مال ثابت في الذمة سواء كان مستقرا كالبيع بعد القبض وانقضاء الخيار لعل المراد وقبل انقضاء الخيار أو معرضا للبطلان كالثمن في مدة الخيار بعد قبض الثمن، وكذا ما ليس بلازم لكن يؤول إلى اللزوم كمال الجعالة قبل فعل ما شرط وكمال السبق والرماية، على تردد، ولو ضمن ما هو أمانة كالمضاربة والوديعة لم يصح لأنها ليست مضمونة في الأصل

(5)

.

(6)

والعامل أمين لا يضمن ما يتلف إلا عن تفريط أو خيانة وقوله مقبول في التلف وهل يقبل في الرد فيه تردد اظهره أنه لا يقبل.

(1)

شرح الأزهار جـ 3 ص 518.

(2)

المحلى جـ 8 ص 248.

(3)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 215.

(4)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 207.

(5)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 207.

(6)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 219.

ص: 40

‌مذهب الإباضية:

(1)

ولا تجوز معاملة أحد الشركاء فيما اشتركوا دون مرضاة شركائه إذ لا تحل الأموال - إلا برضا ملاكها وهذا في شركة المخصوص وكذلك أيضا محاللة أحد الشركاء لا تجرى دون شركائه إلا أن كان أمينا ويكون الضمان عليه لأن الأمين حجة في نزوع التباعات وكذلك أيضا من كان في يده مال غيره بالوديعة أو العارية أو المضاربة ومال اليتيم والغائب في يد خلائقهم تجزى محالله هؤلاء من أفسد في ذلك المال شيئا إذا كانوا أمناء لأنهم أخصاء في ذلك الشئ الذي في أيديهم وذهب بعض إلى أن محاللة أحد الشركاء فيما دون سهمه تجزى.

(2)

وأن كان المضارب يعمل بيده في المال فيكره له أن يأخذ أجر ذلك وأما كراء المنزل والدابه إذا كانت له فلا بأس أن يأخذ ذلك كما يكون لغيره وأن منعه صاحب المال على التصرف في ماله فإنه أن لم يكن الربح في المال فلا يجوز له فيه المصرف بعد منع صاحبه وأن كان الربح فجائز له التصرف ويبيع ويوصل لصاحب المال ماله وما نابه من الربح وكذلك أن لم يتبين له أكان الربح في المال أو لم يكن يجوز له التصرف وكذلك ورثة المقارض أن مات لا يجوز لهم في التصرف لأنهم ليسوا بمقارضين لصاحب المال إلا أن يبيعوا ما يحتاج إلى البيع ويجمعوا المال ويأخذوا سهم وارثهم من الربح أن كان ويوصلوا المال إلى صاحبه وما نابه من الربح ويدرك صاحب المال عليهم ذلك لأن عليهم ما لزم وارثهم قد اتجروا أن اتجروا بالمال بعدما مات وارثهم فإنه أن اتجروا وارثهم بالمال أول مرة فلهم نصيبهم من الربح كان الربح أول مرة أو لم يكن لأن وارثهم قد اتجر به فإن تلف المال فعليهم الضمان أن علموا بموت وارثهم فلا ضمان عليهم وأن لم يتجر وارثهم أول مرة فاتجروا هم به بعد موته فلهم أجر عناهم أن لم يعلموا بموت وارثهم ولا ضمان عليهم إن تلف المال وإن علموا فعليهم الضمان وليس لهم شيء في الحكم ولهم عناؤهم فيما بينهم وبين الله لأنهم اتجروا بمال بغير إذن مالكه.

"‌

‌ التصرف في الأمانة

"

(أ) جواز نقلها وعدمه

‌مذهب الحنفية:

(3)

للمودع أن يسافر بالوديعة وإن كان لها حمل ومؤنة عند أبى حنيفة رحمه الله إذا كان الطريق مأمونا لأن المودع (باكسر) أطلق له الأمر بالحفظ فله السفر بها ولو في المغازه متى كان الطريق أمنا ولهذا يملك الأب والوصى ذلك في مال الصبى وقالا: ليس المودع (بالفتح) إذا كان لها حمل ومؤنة لأن في ذلك تحميل المودع (بالكسر).

وإذا نهى المودع (بالكسر) المودع عن الخروج بالوديعة فخرج بها؛ ضمن لأن التقييد بالحفظ في المصر مفيد إذ الحفظ فيه أبلغ.

(1)

الإيضاح جـ 3 ص 437.

(2)

جـ 3 ص 404 الإيضاح.

(3)

هداية جـ 3 ص 158.

ص: 41

‌مذهب المالكية:

(1)

لو بعث الوديعة لربها بغير إذنه فضاعت أو تلفتا من الرسول ضمن وكذا لو ذهب بها لربها بلا إذن فضاعت.

‌مذهب الشافعية:

(2)

إن أراد المودع السفر ووجد صاحبها أو وكيله سلمها إليه فإن لم يجد سلمها إلى الحاكم لأنه لا يمكن منعه من السفر ولا قدرة على المالك ولا وكيله فوجب الدفع إلى الحاكم كما لو حضر من يخطب المرأة والولى غائب فإن الحاكم ينوب عنه في التزويج فإن سلم إلى الحاكم مع وجود المالك أو وكيله ضمن لأن الحاكم لا ولاية له مع وجود المالك أو وكيله كما لا ولاية له في تزويج المرأة مع حضور الولي أو وكيله فإن لم يكن حاكم سلمها إلى أمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت عنده ودائع فلما أراد الهجرة سلمها إلى أم أيمن واستخلف عليا كرم الله وجهه في ردها وأن سلم إلى أمين مع وجود الحاكم ففيه وجهان أحدهما: لا يضمن وهو ظاهر النص وهو قول أبى إسحاق لأنه أمين فأشبه الحاكم، والثانى: يضمن وهو ظاهر قوله في الرهن وهو قول أبى سعيد الاصطخرى لأنَّ أمانة الحاكم مقطوع بها وأمانة الأمين غير مقطوع بها فلا يجوز ترك ما يقطع به بما لا يقطع به كما لا يترك النص للاجتهاد فإن لم يكن أمين لزمه أن يسافر بها لأن السفر في هذه الحال أحوط فإن وجد المالك أو الحاكم أو الأمين فسافر بها ضمن لأن الإيداع يقتضى الحفظ في الحرز وليس السفر من مواضع الحفظ لأنه إما أن يكون مخوفا أو آمنا لا يوثق بأمنه فلا يجوز مع عدم الضرورة وإن دفنها ثم سافر فإن كان في موضع لا يد فيه لأحد ضمن لأن ما تتناوله الأيدى معرض للأخذ فإن كان في موضع مسكون فإن لم يعلم بها أحدا ضمن لأنه ربما أدركته المنية في السفر فلا تصل إلى صاحبها فإن أعلم بها من لا يسكن في الموضع ضمن لأن ما في البيت إنما يكون محفوظا يحافظ فإن أعلم بها من يسكن في الموضع فإن كان غير ثقة ضمن لأنه عوضة للأخذ وإن حضره الموت فهو بمنزله من حضره السفر لأنه لا يمكنه الحفض مع الموت بنفسه كما لا يمكنه الحفظ مع السفر وإن قال في مرضه عندى وديعة ووصفها ولم يوجد ذلك في تركته فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق لا بضرب المقر له مع الغرماء بقيمتها لأن الوديعة أمانة فلا يضمن بالشك ومن أصحابنا من قال: يضرب المقر له بقيمتها مع الغرماء وهو ظاهر النص لأن الأصل وجوب ردها فلا يسقط ذلك بالشك.

(3)

وإذا أخرج الوديعة من الحرز لمصلحة لها كإخراج الثياب لمصلحة لها لم يضمن لأن ذلك من مصلحة الوديعة ومقتضى الإيداع فلم يضمن به وإن أخرجها لينتفع بها ضمنها لأنه تصرف في الوديعة بما ينافى مقتضاها فضمن به كما لو أحرزها في غير حرزها فإن كان دابة فأخرجها للسقى والعلف إلى خارج الحرز فإن كان المنزل ضيقا لم يضمن لأنه مضطر إلى الاخراج وإن كان المنزل واسعا ففيه وجهان أحدهما يضمن وهو المنصوص وهو قول أبى

(1)

حاشية الدسوقى جـ 3 ص 424.

(2)

مهذب جـ 1 ص 360.

(3)

المهذب جـ 1 ص 361.

ص: 42

سعيد الاصطخرى لأنه أخرج الوديعة من حرزها من غير حاجة فضمنها كما لو أخرجها ليركبها، والثاني: أنه لا يضمن وهو قول أبى إسحاق لأن العادة قد جرت بالسقى والعلف خارج المنزل وإن نوى إخراجها للانتفاع كاللبس والركوب أو نوى أن لا يردها على صاحبها ففيه ثلاثة أوجه أحدها وهو قول أبي العباس أنه يضمن كما يضمن اللقطة إذا نوى تملكها والثانى وهو قول القاضي أبي حامد المروروزى أنه إن نوى إخراجها للانتفاع بها لم يضمن وأن نوى أن لا يردها ضمن لأن بهذه النية صار ممسكا لها على نفسه وبالنية الأولى لا يصير ممسكا لها على نفسه والثالث وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يضمن لأن الضمان إنما يكون بفعل يقع في العين وذلك لم يوجد.

‌مذهب الحنابلة:

(1)

وإذا أخرج الوديعة المنهى عن إخراجها فتلفت وادعى أنه أخرجها لغشيان نارا أو سيل أو شئ ظاهر فأنكر صاحبها وجوده فعلى المستودع البينة أنه كان في ذلك الموضع ما ادعاه لأن هذا مما لا تتعذر إقامة البينة عليه لأنه أمر ظاهر فإذا ثبت ذلك كان القول قوله في التلف مع يمينه ولا يحتاج إلى بينه لأنه يتعذر إقامة البينة فلم يطالب بها كما لو ادعى التلف بأمر خفى إذا شرط المتراهنان كون الرهن على عدل رضيا به واتفقا عليه جاز

(2)

.

(3)

وما دام العدل بحاله لم يتغير عن الأمانة ولا حدثت بينه وبين أحدهما عداوة فليس لأحدهما ولا للحاكم نقل الرهن عن يده لأنهما رضيا به في الابتداء وأن اتفقا على نقله جاز لأن الحق لهما لم بعدهما وكذلك لو كان الرهن في يد المرتهن فلم يتغير حاله لم يكن للراهن ولا للحاكم نقله عن يده وأن تغيرت حال العدل بفسق أو ضعف عن الحفظ أو حدثت عداوة بينه وبينهما أو بين أحدهما فلمن طلب نقله عن يده ذلك ويضعانه في يد من يتفقان عليه فإن اختلفا ومنعه الحاكم على يد عدل وأن اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما يظهر له وهكذا لو كان في يد المرتهن فتغيرت حالة من الثقة والحفظ فللراهن رفعه عن يده إلى الحاكم ليضعه في يد عدل وإذا ادعى الراهن تغير الحال لمرتهن فأنكر بحث الحاكم عن ذلك وعمل بما بان له وأن مات العدل أو المرتهن لم يكن لورثتهما إمساكه إلا بتراضيهما فإن اتفقا على ذلك جاز وأن اتفقا على عدل يضعانه على يده فلهما ذلك لأن الحق لهما فيفوض أمره إليهما فإن اختلف الراهن والمرتهن عند موت العدل أو اختلف الراهن وورثة المرتهن رفعا الأمر إلى الحاكم ليضعه على يد عدل وأن كان الرهن في يد اثنين فمات أحدهما أو تغيرت حاله بفسق أو ضعف عن الحفظ أو عداوة بين أحد المتراهنين أقيم مقامه عدل ينضم إلى العدل الآخر فيحفظان معًا.

‌مذهب الزيدية:

(4)

الوديعة أمانة فلا تضمن إلا لتعد من

(1)

المغنى جـ 7 ص 286.

(2)

المغنى جـ 4 ص 386.

(3)

المرجع السابق ص 388.

(4)

شرح الأزهار جـ 3 ص 510.

ص: 43

المودع وهو أن يتصرف فيها لنفسه كاستعمال نحو أن يلبس أو يركب الدابه ونحو إعارة أو تأجير أو رهن فإنه يصير ضامنا بذلك لأجل التعدى.

ومتى زال التعدى في الحفظ صارت أمانة وذلك نحو أن يسافر بها أو يتركها في موضع غير حريز ثم زال التعدى فإنها تعود أمانة وأما إذا تعدى في التصرف ثم زال وذلك نحو أن يركبها أو يعيرها أو غير ذلك فإنها لا تعود أمانة.

(1)

ومن التعدى إيداع لها وسفر بها بلا عذر موجب فيهما فأما إذا فعل ذلك لعذر من خوف حريق أو سرقه أو لص جاز له إيداعها مع ثقة أو مع حاكم وكذلك السفر بها فإن كان العذر غير موجب لم يكن له ذلك إلا بإذن المودع.

‌مذهب الظاهرية:

(2)

إن لقى المودع من أودعه في غير الموضع الذي أودعه فيه فليس له مطالبته بالوديعة ونقل الوديعة بالحمل والرد على المودع لا على الوديع وإنما عليه أن لا يمنعها من صاحبها فقط وهذا بخلاف الغاصب والمتعدى في الوديعة أو غيرها وأخذ المال بغير حق فرده على المتعدى والغاصب وأخذه بغير حق إلى صاحبه حيث لقيه في أي مكانه لأن فرضا عليه الخروج من الظلم والمطل في كل أوان ومكان.

‌مذهب الإمامية:

(3)

لا يجوز إخراج الوديعة أن كانت دابة من منزله لسقمها أو علفها لذلك إلا مع الضرورة كعدم التمكن من سقيها أو علفها في منزله أو شبه ذلك من الاعذار ولو قال المالك: لا تعلفها ولا تسقها لحم يجز القبول بل يجب عليه سقيها وعلفها. نعم لو أخل بذلك والحال هذه أثم ولم يضمن لأن المالك أسقط الضمان بنهيه كما لو أمره. بإلقاء ماله في البحر ولو عين له موضع الاحتفاظ اقتصر عليه، ولو نقلها ضمن إلا إلى الاحرز أو مثله على قول ولا يجوز نقلها إلى ما دونه ولو كان حرز إلا مع الخوف من إبقائها فيه ولو قال: لا تنقلها من هذا الحرز ضمن بالنقل كيف كان إلا أن يخاف تلفها فيه ولو قال وإن تلفت.

ويجوز السفر بالوديعة إذا خاف تلفها مع الإقامة ثم لا يضمن ولا يجوز السفر بها مع ظهور إمارة الخوف وإن سافر والحال هذه ضمن.

‌مذهب الإباضية:

(4)

وحكم العارية الضمان على قول إذا تلفت في يد المستعير بآفه سماويه أو أتلفها هو ولو بلا تقصير الضمان لحديث: العارية مضمونة رواه أبو داود وغيره، ولأنها مال يجب رده لمالكه فيضمن عند تلفه كالمأخوذ بجهة السوم، فإن تلفت باستعمال مأذون فيه كاللبس والركوب المعتادين لم يضمن لحصول التلف بسبب مأذون فيه. والصحيح أن لا ضمان على المستعير بآفة سماوية وبما لا طاقه عليه منه ولا تضييع فيه.

(1)

المرجع السابق ص 514.

(2)

المحلى جـ 8 ص 287.

(3)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 277.

(4)

شرح النيل جـ 6 ص 75.

ص: 44

(ب) جواز إيداعه وعدمه

‌الحنفية:

(1)

من أودع رجلا وديعة فأودعها آخر فهلكت فله أن يضمن الأول وليس له أن يضمن الآخر فهذا عند أبى حنيفة رحمه الله وقالا: له أن يضمن أيهما شاء فإن ضمن الأول لا يرجع على الآخر وإن ضمن الآخر رجع على الأول لهما؛ إنه قيض المال من يد ضمين فيضمنه كمودع الغاصب وهذا لأن المالك لم يرض بأمانة غيره فيكون الأول متعديا بالتسليم والثانى بالقبض فيخير بينهما غير أنه إن ضمن الأول لم يرجع على الثاني لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه أودع ملك نفسه وإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه عامل له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة وله أنه قبض المال من يد أمين لأنه بالدفع لا يضمن ما لم يفارقه لحضور رأيه فلا تعدى منهما فإذا فارقه فقد ترك الحفظ الملتزم فيضمنه بذلك وأما الثاني فمستمر على الحالة الأولى ولم يوجد منه منع فلا يضمنه كالريح إذا ألقت في حجره ثوب غيره.

‌مذهب المالكية:

(2)

ويضمن بإيداعها عند أمين لأن ربها لم يأتمن غيره بخلاف الملتقط فله الإيداع ولا ضمان عليه ويضمن بإيداعها ولو في حال سفره وقد أخذها في السفر قال فيها إن أودعت لمسافر مالا فأودعه في سفره ضمن وإنما بالغ على السفر لئلا يتوهم أنه لما قبلها فيه كان مظنة الإذن في الإيداع ومحل الضمان إذا أودعها لغير زوجه وأمة اعتيدا بذلك ومثلهما العبد والأجير في عياله والابن المعتاد ومن في ذلك بالتجربة مع طول الزمان وإلا ضمن ولا يضمن بإيداعها إذا كان الإيداع لعذر حدث للمودع كهدم الدار وجار السوء أو لإرادة سفر طرأ عليه عند عجز الرد لربها إلا إذا كان غائبا أو مسجونا فيجوز له إيداعها ولا ضمان عليه إن تلفت أو ضاعت وإذا كان العزر موجودا قبل الإِيداع وعلم ربها به فليس للمودع بالفتح الإيداع وإلا ضمن فإن لم يعلم ربها به فليس للمودع قبولها فإن قبلها وضاعت ضمن مطلقا أودع أم لا

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

(4)

وإن أودع الوديعة غيره من غير ضرورة ضمنها لأن المودع لم يرض بأمانة غيره فإن هلكت عند الثاني جاز لصاحبها أن يضمن الأول لأنه سلم ما لم يكن له تسليمه وله أن يضمن الثاني لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه فإن ضمن الثاني فإن كان قد علم بالحال لم يرجع بما ضمنه على الأول لأنه دخل على أنه يضمن فلم يرجع فإن لم يعلم ففيه وجهان أحدهما أنه يرجع لأنه دخل على أنه أمانه فإذا ضمن رجع على من غيره والثاني أنه لا يرجع لأنه هلك في يده فاستقر الضمان عليه فإن ضمن الأول فإن قلنا أن الثاني إذا ضمن يرجع على الأول لم يرجع الأول عليه وإن قلنا أنه لا يرجع رجع الأول عليه فأما إذا استعان بغيره في حملها ووضعها في الحرز أو سقيها أو علفها فإنه لا يضمن لأن العادة قد جرت بالاستعانة ولأنه ما أخرجها عن يده ولا فوض حفظها إلى غيره.

‌مذهب الحنابلة:

لا يجوز للوديع أن يودع الوديعة عند غيره وإلا ضمن وذلك عدم العذر أما إذا كان فيحوز

(1)

الهداية جـ 3 ص 160.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ص 423.

(3)

حاشية الدسوقي جـ 424.

(4)

مهذب جـ 1 ص 361.

ص: 45

فإذا هلكت لم يضمن ومن الأعذار سفر الوديع أو خوفه من هلاكها عنده من حرق أو غرق أو نحوه

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

(2)

ومن التعدى إيداع الوديع للوديعة وسفره بها بلا عذر موجب فيهما، فأما إذا فعل ذلك لعذر من خوف حريق أو سرقة أو لص جاز له إيداعها عند ثقة أو عند حاكم وكذلك السفر بها فإن كان العذر غير موجب كالتشويش والاضطراب لم يكن له ذلك إلا بإذن المودع وقال الناصر له أن يسافر بها ولا ضمان عليه.

‌تطبيقات

‌مذهب الحنفية:

(3)

لو قال: عندى أو معى أو في بيتى أو في صندوقي مال لفلان فهو إقرار بأمانة في يده لأن كل ذلك إقرار بكون الشئ في يده وذلك يتنوع إلى مضمون وأمانة فيثبت أقلهما وهو الأمانة.

‌مذهب المالكية:

سواء تقدم الأكثر أو تأخر، وقيل إن قدم الأكثر فقط وهو المائتان سواء تقدم الأكثر أو تأخر وقيل إن قدم الأكثر لزمه الجميع وإن قدم الأقل لزمه الأكثر لدخول الأقل فيه وقيل يلزمه الجميع مطلقا وأنكر ابن عرفة القول الذي مشى عليه المصنف ورد بأنه قول ابن القاسم، وفى قوله: له على حل المائة أو قر بها أو نحوها.

(4)

وأن أبرأه مما معه بأن قال له أبرأتك مما معك برئ من الأمانة كوديعة وقراض وابضاع لا الدين فلا يبرأ منه لأنه عليه لا معه وهذا محمول على ما إذا كان العرف عدم تناول مع لما في الذمة وأما لو كان العرف تساوى مع العند. وعلي برئ مطلقا وكذلك يبرأ من الدين إذا أبرأه مما معه ولم يكن له عنده أمانة بل مجرد دين ولو أبرأه مما عليه برئ من الدين لا الأمانة إلا أن يكون له عنده أمانة فقط فيبرأ منها وإن أبرأه مما عنده برئ منهما عند المازرى ومن الأمانة فقط عند ابن رشد.

‌مذهب الحنابلة:

(5)

لو قال لآخر عندى عشرة دراهم ثم فسر إقراره بأنها وديعة قبل تفسيره سواء فسره بكلام متصل أو منفصل لأنه فسر لفظه بما يقتضيه فقبل فعند ذلك تثبت فيها أحكام الوديعة بحيث لو ادعى تلفها بعد ذلك أوردها كان القول قوله وأن فسرها بدين عليه قبل أيضا لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وأن قال له عندى وديعة رددتها إليه أو تلفت لزمه ضمانها ولم يقبل قوله لما فيه من مناقضه الإقرار والرجوع عما أدر به فإن الألف المردود والتالف ليست عنده أصلا ولا هي وديعة وكل كلام يناقض الإقرار ويحيله يجب أن يكون مردودا وقال القاضي أبو على؟؟ يقبل قوله لأن أحمد قال في رواية ابن منصور إذا قال لك عندى وديعة دفعتها إليك صدق لأنه ادعى تلف الوديعة أوردها فقبل كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل وأن قال كانت عندى وظننت أنها باقية ثم عرفت أنها كانت قد هلكت فالحكم فيها كالتى قبلها.

(1)

المغنى جـ 7 ص 282، ص 283.

(2)

شرح الأزهار جـ 3 ص 512.

(3)

الهداية جـ 3 ص 133.

(4)

الشرح الكبير جـ 3 ص 411.

(5)

المغنى جـ 5 ص 308.

ص: 46

‌أمَة

‌التعريف بها:

الأمة لغة: هي الأنثى من الرقيق، وهى غير الحرة. ولم تخرج فى استعمال الفقهاء عن هذا المعنى. وتجمع على إماء وأموَات. وهى تشمل المدبرة (التدبير هو تعليق العتق على مطلق موته)، والمكاتبة (الكتابة هي تحرير المملوك يدًا حالًا ورقبته مآلا عنه أداء البدل)، والمستسعاة (يكون الاستسعاء: إذا اعتق بعض عبد العبد فيسعى فيما بقى بلا رد إلى الرحق لو عجز) والمعتق بعضها وأم الولد (الاستيلاد هو طلب الولد من الأمة، وأم الولد هي الأم التي تلد من سيدها ولو سقطا)؛ ونحن نقتصر على الكلام على الأمة غير المدبرة والمكاتبة والمستسعاة وأم الولد.

‌الأمة - أحكامها في العبادة

‌ستر الأمة عورتها في الصلاة وخارجها:

‌مذهب الحنفية:

عورة الأمة - ولو خنثى أو مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد - ما تحت السرة إلى ما تحت الركبة مع ظهرها وبطنها. والبطن ما لان من المقدم. والظهر ما قابل البطن من تحت الصدر إلى السرة. فالصدر وما قابله من الخلف ليسا بعورة. والثدى أيضا غير عورة. والجنب مما يلى البطن تبع له ومما يلى الظهر تبع له فهو عورة تبع لهما. وأعضاء عورة الأمة ثمانية - 1، 2 - الفخدان مع الركبتين - 3، 4 - والأليتان - 5 - والقبل وما حوله - 6 - والدبر وما حوله - 7 - والبطن وما يليه من الجنب - 8 - والظهر وما يليه من الجنب.

ويجب على الأمة ستر عورتها في الصلاة عن غيرها ولو كانت في مكان مظلم أو مكان ليس فيه أحد لأن رؤية العورة في أحد هذين المكانين ممكنة حكما. وستر العورة يجب أن يكون بساتر لا يصف ما تحته بأن لا يرى منه لون البشرة فإن كان الساتر يرى منه لون البشرة كالثوب الرقيق والزجاج فلا يعتبر ساترا. ولا يجب على الأمه ستر العورة عن نفسها. حتى لو رأت عورتها من زيق قميصها لا يضر ذلك بالصلاة وأن كان ذلك مكروها لما روى عن سلمة بن الأكوع قال قلت يا رسول الله أصلى في قميص واحد قال زره عليك ولو بشوكة - زيق القميص - بالكسر - ما أحاط بالعنق منه - وانكشاف ربع عضو من أعضاء العورة انكشافا مقارنا لابتداء الصلاة يمنع من انعقادها. والانكشاف في أثناء أداء الصلاة بصنعه مبطل للصلاة. وإذا كان انكشاف ربع العضو أثناء الصلاة بدون صنعه فإن كان أقل من قدر أداء الركن لا يفسد الصلاة وأن كان قدر أداء الركن يفسد الصلاة. ومقدار أداء الركن هو ثلاث تسبيحات. وهذا هو قول أبى يوسف رضى الله عنه وهو المختار للاحتياط واعتبر محمد رضى الله عنه أداء الركن حقيقة. ولا فرق في ذلك بين العورة الغليظة وهى القبل والدبر وما حولهما. والخفيفة وهى عدا ذلك. وإذا حصل انكشاف في مواضع متفرقة فإن كان ذلك في عضو واحد جمعت الأجزاء المتفرقة فإن بلغت ربع هذا العضو اعتبر ذلك كشفا لربع عضو من أعضاء العورة كثمن فخذ في موضع ثمن هذا الفخد في

ص: 47

موضع أخر. وأن كان المكشوف من عضوين فإن بلغت الأجزاء المكشوفة قدر ربع أدنى العضوين المنكشفين اعتبر ذلك كشفا لربع عضو فإن كانت الأجزاء المكشوفة من الفخد والقبل وما حولها وكانت الأجزاء المكشوفة قدر ربع القبل وما حوله اعتبر ذلك كشفا لربع عضو

(1)

.

وكذلك يجب على الأمة ستر عورتها خارج الصلاة بالنسبة للرجال الأعلى زوجا وسيدها أن كانت تحل له. لأن لكل منهما أن ينظر إليها من المفرق إلى القدم والنظر دون الوطء الحلال. فإن كانت لا تحل لسيدها كالمجوسية والمكاتبة وزوجة الغير والمحرمة برضاع أو مصاهرة كانت كأنه الغير فيجب عليها ستر عورتها بالنسبة له.

وبالنسبة للنساء المسلمات يجب على الأمة أن تستر ما تحت سرتها إلى ما تحت ركبتها. وبالنسبة للنساء الذميات يجب على الأمة المسلمة أن تستر عورتها لأنه لا يحل للمسلمة أن تنكشف بين يدى يهودية أو نصرانية أو مشركة إلا أن تكون أمة لها

(2)

.

‌مذهب المالكية:

عورة الأمة نوعان: مغلظة وغير مغلظة

فالمغلظة هما السوأتان مع الألينين فيجب سترها في الصلاة وخارجها فإذا انكشف منها شيء من ذلك في الصلاة إعادت أبدًا

(3)

. وغير المغلظة ما بين السرة والركبة وهذه - تجب سترها بالنسبة للرؤية والصلاة أيضًا وأن كانت بالنسبة للصلاة واجبة غير شرط فإذا صلت بادية الفخد أعادت في الودت استحبابا. ولا يلزم من جواز الرؤية جواز الجس

(4)

. ويكره لمن يريد شراء أمَه أن يكشف صدرها أو ساقها أو معصمها، بل ينظر إلى الوجه والكف ونحوهما كما في زواج الحرة، وأما الجس باليد فحرام

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

عورة الأمة في الصلاة ما بين السرة والركبة في الأصح إلحاقا لها بالرجل. وقيل: عورتها جميع بدنها إلا الرأس والذراع لأن ذلك تدعو الحاجة إلى الكشفة

(6)

. وستر عورة الأمة في الصلاة وفى خارجها واجب

(7)

.

‌مذهب الحنابلة:

عورة الأمة ما بين السرة والركبة، وقد كان عمر ينهى عن التقنع وقل: إنما القناع للحرائر، واشتهر ذلك ولم ينكر فكان كالإجماع

(8)

. وكذا أم الولد ومعتق بعضها ومدبرة ومكاتبة ومعلق عتقها على صفة فعورتهن ما بين السرة والركبة لبقاء الرق فيهن. والمقتضى للستر بالإجماع هو الحرية الكاملة. وقل في المبدع في الأمة: يسن ستر رأسها في الصلاة

(9)

ويجوز للأمة المباحة لسيدها كشف عورتها له ونظرها لعورته لقوله علمه الصلاة والسلام: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك. وخرج بالمباحة

(1)

الدر المختار وحاشية ابن عابدين جـ 1 ص 375 - 380 باب شروط الصلاة. مطلب في ستر العورة.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 320 - 327 فصل في النظر والمس.

(3)

بلغة السالك لا قرب المسالك للصاوى على الشرح الصغير للدردير (مصطفى البابي الحلبي - 1952) جـ 1 ص 104، 105.

(4)

المرجع نفسه جـ 1 ص 105.

(5)

المرجع نفسه جـ ص 106 (حاشية الصاوى).

(6)

الخرشىي جـ 1 ص 250 و 251.

(7)

المهذب جـ 1 ص 64.

(8)

المهذب جـ 1 ص 64.

(9)

كشاف الفتح جـ 1 ص 182.

ص: 48

المجوسية ونحوها والأمة المزوجة والمعتدة والمستبرأة من غيره

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

تستر المرأة في الصلاة جميع جسمها عدا الوجه والكفين فقط. والحرة والأمة في ذلك سواء. ومن أراد شراء أمة فلا يجوز له أن ينظر منها إلا وجهها والكفين فقط، لكن يأمر امرأة تنظر إلى جميع جسمها وتخبره

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

عورة الأمة في الصلاة كعورة الرجل من الركبة إلى ما تحت السرة بمقدار الشفة، فإذا بدا شعرة من هذا القدر فسدت الصلاة

(3)

ويجب سحرها في الصلاة، كما يجب ستر ما لا تم ستر العورة إلا بستره كبعض الساق ليكمل ستر الركبة. ويندب سحر ظهرها وصدرها في الصلاة ولا ينظر الرجل من أمته المزوجة ولا أمة غيره ما بين الركبة والسرة ولا يمس ذلك ولا غيره مع الشهوة

(4)

.

‌مذهب الأمامية:

قالوا: تصلى الأمة بغير خمار كالصبية

(5)

وفى غير ذلك فهى كالمرأة الحرة في صلاتها

(6)

.

‌مذهب الإباضية:

الأمة كالحرة في عورة الصلاة بل كالرجل. فعورتها من السرة إلى الركبة، ويجب سترها في الصلاة

(7)

.

‌صوم الأمة واعتكافها:

‌مذهب الحنفية:

لو صام العبد ومن في حكمه - كالأمة والمدبرة وأم الولد - صوم تطوع بلا إذن المولى كره صومه هذا. إلا إذا كان المولى غائب ولا ضرر له في ذلك. وقيل: بل وأن لم يضره لأن منافعهم مملوكة للمولى، ولأن العبد لم يبق على أصل الحرية في العبادات إلا في الفرائض، وأما في النوافل فلا. وإن أفطرها المولى قضت بإذنه أو تقضى بعد عتقها

(8)

وقال في البحر الرائق: الصوم والصلاة والحج في ذلك سواء

(9)

. ولا تعتكف الأمة إلا بإذن سيدها. وإذا أذن لها كان له أن يأتيها بعد الإذن وأن يمنعها مع الكراهة والمؤثمة

(10)

.

‌مذهب المالكية:

ليس لامرأة يحتاج زوجها أو سيدها لجماعها أن تتطوع بصوم أو حج أو عمرة أو نذر شيء من ذلك بلا إذن

(11)

. زوجها أو سيدها. فإذا تطوعت بلا إذنه كان له إفساد المطوع أو النذر بالجماع. ويجب عليها القضاء لأنها متعدية، فكأنها اأفطرت عمدا حراما. ولا يفطرها سيدها بأكل أو شرب لأن احتياجه لها. الموجب لتفطيرها دون وجه الوطء فلا وجه لإفساده عليها

(1)

كشاف القناع جـ 1 ص 181.

(2)

المحلى لابن حزم جـ 3 ص 210 و 10 ص 31.

(3)

شرح الأزهار جـ 1 ص 174 و 173.

(4)

شرح الأزهار جـ 4 ص 113 (هامش 4).

(5)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 48 (طبعة دار مكتبة الحياة ببيروت).

(6)

الموضع نفسه:

(7)

شرح النيل جـ 1 ص 333.

(8)

ابن عابدين جـ 1 ص 431. (طبعة مصطفى الحلبى 1966).

(9)

البحر الرائق جـ 2 ص 309.

(10)

البحر الرائق جـ 2 ص 109، 110.

(11)

بلغة السالك جـ 1 ص 254.

ص: 49

بالأكل والشرب. فإن أرادت تعجيل قضاء رمضان فقد قال العدوى: ليس له المنع وقال الشيخ الأمير قد يقال له منها بالأولى من فرض اتسع وإما أن اذتها بالصوم فليس له افساد صومها

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يجوز (أي يحرم) للأمة التي تحل لسيدها صوم تطوع وسيدها حاضر إلا بإذنه، وقال جماعة من الأصحاب يكره بنديها هذا: والصحيح الأول. فلو صامت بغير إذن سيدها صح صومها بالاتفاق وأن كان الصوم حراما لأن تحريمه لمعنى آخر، لا لمعنى يعود إلى نفس الصوم. فهو كالصلاة في دار مغصوبة أما الأمة التي لا تحمل لسيدها كالمجوسية فأن كان صوم التطوع بضعف أو غيره، لم يجز بغير إذن السيد. وإلا جاز

(2)

. ولا يجوز للأمة أن تعتكف بغير إذن مولاها. فأن اعتكفت بأذن مولاها، فأن كان تطوعًا جاز له أن يخرجها منه. وأن كان في فرض (نذر) غير متعلق بزمان نفيه وجهان

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

لا يجوز للأمة أن تتطوع بصلاة ولا بصوم ولا تعتكف بغير إذن السيد لأن منافعها مملوكة له والاعتكاف يفوتها ويمنع استيفاءها وليس بواجب الشرع فلم يجز إلا بإذن مالك المنفعة وهو السيد. فإن شرعت فيه بغير إذن السيد فله تحليلها منه ولو كان الاعتكاف نذرًا، وذلك لحديث أبى هريرة: "لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه، رواه الخمسة وحسنه الترمذي، وضرر الاعتكاف أعظم ولأن إقامتها على ذلك تتضمن تفويت حق غيرها بغير إذنه، فكان لصاحب الحق المنع منه، كرب الحق مع غاصبه. فإن لم يحللها من الاعتكاف صح وأجزأ عنها. وإن كان الاعتكاف بإذن من السيد فله تحليلها أن كان تطوعًا، لأن حق السيد واجب والتطوع لا يلزم بالشروع ولأن له المنع منه ابتداء فكان له المنع دوامًا كالعارية. ويخالف الحج لأنه يلزم بالشروع ويجب المضى في فاسده. وإن كان الاعتكاف الذي شرعت فيه الأمة بإذن السيد نذرًا - ولو غير معين - فلا يحللها لأنه يتعين بالشروع فيه ويجب اتمامه كالحج. ولو رجع السيد بعد الأذن للأمة في الاعتكاف قبل الشروع فيه جاز. والأذن في عقد النذر إذن في فعله إن نذرت زمنا معينًا بالإِذن وإلا فلا

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

لا يحل للأمة أن تصوم تطوعًا بغير إذن سيدها أن كان حاضرًا، وأما الفروض فتصومها كلها أحب أو كره

(5)

وإن أحرمت الأمة من الميقات بغير إذن سيدها - وكان الحج تطوعا - فله منعها وإحلالها. وإن كان الحج فرضًا وكان لا غنى له عنها لمرضه أو لضيعته دونها فله إحلالها

(6)

.

‌مذهب الزيدية:

يجوز للسيد أن يمنع الأمة من الاعتكاف ونحوه مما يشغلها عن منافعه أو يضعفها

(1)

بلغة السالك جـ ص 254.

(2)

المجموع جـ 6 ص 392.

(3)

المجموع جـ 6 ص 478 و 476.

(4)

كشاف القناع جـ 1 ص 531 و 532. والكشاف جـ 5 ص 188 (طبعة الرياضين) باب عشرة النساء.

(5)

المحلى جـ 3 ص 30.

(6)

المحلى جـ 7 ص 52.

ص: 50

كالصوم ما لم يأذن لها. فإن إذن لها ودخلت فيه لم يجز له منعها بعد ذلك. وأما إذا أوجبته من غير إذن السيد فله أن يمنعها ويبقى ما أوجبت في ذمتها حتى تعتق أو يحصل لها الإِذن ويجوز للسيد أن يرجع في إذنه بعد أن بإذن وقبل أن يقع الإيجاب منها. وأما بعد وقوع الإيجاب فلا رجوع. فأن إذن لها بإيجاب وقت معين فلا إشكال أنه لا تأثير لرجوعه بعد أن أوجبته. وأن كان غير معين فليس له أن يمنعها من فعله بعد أن أوجبته عنه من جعل الواجبات على الفور

(1)

.

‌مذهب الأمامية:

لا يجوز للأمة أن تعتكف دون إذن مولاها. فإذن مولاها شرط لصحة اعتكافها

(2)

.

‌التسرّى بالإماء

التسرى بالأمة من السرور

(3)

لأنه يحصل السرور به. ويتخذها سُرِّية بضم السين وكسر الراء المشددة. وديل: نسبة إلى السر وهو النكاح

(4)

.

‌مذهب الحنفية:

للرجل أن يتسرى بما شاء من الإماء المملوكة له اللاتى يحل له وطؤهن، ولا يلام في ذلك

(5)

. ولا يصح للرجل أن يطأ بملك عابدة عابدة كوكب لا كتاب لها ولا المجوسية ولا الوثينة (5 م). ومن ملك استمتاعا بأمة بنوع من أنواع الملك - كشراء أو أرث - ولو بكرًا أو مشتراة من امرأة أو محرمها أو كانت مملوكة لصبى، حرم عليه وطؤها ودواعيه - في الأصح - حتى يستبرتها بحيضة فيمن تحيض وبشهر في ذات الأشهر وبوضع الحمل في الحامل. واستبراء الجارية طلب براءة رحمها من الحمل وهو واجب لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: لا "لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحبالى حتى يستبرأن بحيضة". أخرجه أبو داود والحاكم. والحبالى جمع حبلى والحبالى جمع حائل وهى غير الحامل

(6)

. والاستبراء يجب على المشترى لا على البائع، لأن العلة الحقيقية هي أرادة الوطء، والمشترى هو الذي يريده دون البائع

(7)

وحرم الجمع في وطء بملك يمين بين امرأتين ايتهما فرضت ذكرا لم تحل للأخرى

(8)

.

‌مذهب المالكية:

يحل التمتع بالأنثى بملكها، بغير وطء في الدبر

(9)

ويحل به حتى النظر للفرج. وذلك إذا كان مستقلا بملكها وليس بها مانع من محرمية وغيرها، ويجوز لكل منهما أن يتمتع بصاحبه بجميع أوجه الاستمتاع

(10)

.

ويحرم وطء اثنيين بالملك لو قدرت كل منهما ذكرًا حرم على الأخرى أما إذا جمعهما بالملك بلا وطء ولا تلذذ بهما فلا يحرم وكذا لو وطئ

(1)

شرح الأزهار، جـ 2 ص 47 وما بعدها.

(2)

شرائع الإسلام جـ 1 ص 10.

(3)

لسان العرب.

(4)

ابن عابدين جـ 3 ص 48 كتاب النكاح - فصل المحرمات.

(5)

ابن عابدين جـ 3 ص 48.

(5 م) مكرر ابن عابدين جـ 3 ص 46 (المحرمات).

(6)

ابن عابدين جـ 6 ص 364 وما بعدها (فصل في النظر واللمس).

(7)

الهداية جـ 4 ص 88.

(8)

ابن عابدين جـ 3 ص 380.

(9)

بلغة السالك جـ 1 ص 377 وما بعدها.

(10)

الخرشى جـ 3 ص 166.

ص: 51

إحداهما وترك الأخرى للخدمة مثلا فلا يحرم

(1)

. مكرر ويجب استبراء الأمة بحيضة أن كانت من ذوات الحيض أو بثلاثة أشهر أن كانت من غيرهن بتملكه لها بشراء أو غيره أن أراد وطأها ويجب الاستبراء على الجارية أن اعتقها سيدها بعد الوطء لها وارادت الزواج بغيره ولم تر الحيض بعد الوطء ولم تعلم براءتها. ويجب الاستبراء على المالك أن أراد بيع موطوءته - التي وطأها بالفعل - أو تزويجها أو كانت وطئت بشية أو رجعت له من غصب وذلك بالامتناع عن وطئها

(2)

إلا إذا كان لا يحل له وطوءها

(3)

. وتجب مواضعة العلية - أي الرائعة الجيدة التي شأنها أن تراد للفراش لحسنها - سواء أقر البائع بوطئها أم لا ألا في أحوال كما تجب مواضعة من أقر البائع بوطئها ولو كانت وخشا. والمواضعة هي أن يجعلها مدة الاستبراء عند من تؤمن من النساء أو رجل له أهل

(4)

. ويحرم المالك الاستمتاع بالوطء ومقدماته في زمن الاستبراء

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

من ملك جارية يملك وطأها فله أن ينظر إلى

غير فرجها. وفى نظر فرجها وجهان، الصحيح منهما أنه يملك ذلك؛ لأنه يملك الاستمتاع بها فجاز له النظر إليه

(6)

ولا تصير امته أمة فراش - أي سرية - إلا بالوطء، ويعلم الوطء بإقرار منه وبالبينة عليه

(7)

. ويجب استبراء الأمة لسببين الأول: التملك بالشراء أو الارث أو الهبة أو السبي أو غيره، سواء كانت الأمة بكرًا أو استبرأها البائع قبل البيع أو انتقلت ملكيتها من صبي أو امرأة، أو كانت صغيرة أو آيسة. والأصل فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس:"لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" والتي لا تحيض يكون استبراؤها بشهر.

ويجب الاستبراء كذلك إذا عاد ملك الاستمتاع للسيد، كما في مكاتبة عجزها السيد أو فسخ عد كتابتها أو مرتدة عادت إلى الإسلام في الأصح

(8)

. ويحرم الاستمتاع بالمستبرأة، قبل انقضاء مدة الاستبراء، بوطء أو غيره كالمس والقبل والنظر بشهوة، إلا المسبية فيحل غير الوطء وقيل لا يحل كغيرها

(9)

. والسبب الثاني الذي يجب به الاستبراء: هو زوال الفراش عن أمة موطوءة، فيجب عليها الاستبراء كما تجب العدة على المفارقة من نكاح

(10)

. ومن حرم جمعهما بنكاح حرم وطؤهما بملك، لا ملكهما، فيجوز شراء أختين مثلا ويحرم وطؤهما، فأن وطئ أحداهما حرمت الأخرى حتى تحرم الأولى بمحرِّم كبيع أو نكاح

(11)

. ويحرم على المسلم التسرى بأمة لا يحل له زواجها كمن لا كتاب لها كوئنية ومجوسية

(12)

. ولا يحرم عزله عن مملوكته بدون توقف على ملكها

(13)

.

(1)

بلغة السالك جـ 1 ص 400.

(2)

بلغة السالك جـ 1 ص 507 وما بعدها.

(3)

بلغة السالك جـ 1 ص 508.

(4)

بلغة السالك جـ 1 ص 509.

(5)

بلغة السالك جـ 1 ص 510.

(6)

بلغة السالك جـ 1 ص 509.

(7)

المهذب جـ 2 ص 35.

(8)

القليوبي وعميرة جـ 4 ص 58.

(9)

القليوبي وعميرة جـ 4 ص 61.

(10)

القليوبي وعميرة جـ 4 ص 59.

(11)

القليوبي وعميرة جـ 3 ص 245.

(12)

القليوبي وعميرة ج 3 ص 251. والقول في التسرى للقليوبي.

(13)

المهذب جـ 2 ص 606.

ص: 52

‌مذهب الحنابلة:

يجوز التسرى بالإماء إجماعا لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} سورة المؤمنون الآية 5. واشتهر أنه صلى الله عليه وسلم أولد مارية القبطية وعملت الصحابة على ذلك، ومنهم عمر وعلى

(1)

. وليس للعبد أن يتسرى ولو إذنه سيده لأنه لا يملك (1 مكرر). وقال في المغنى: للعبد أن يتسرى بإذن سيده وكرهه البعض

(2)

ويحرم على الرجل الجمع بين الأختين والمحارم في التسرى، فإذا وطئ إحداهما لم تبح له الأخرى حتى يُحرِّم الموطوءة على نفسه بتزويج أو إزالة ملك

(3)

ولا يطأ الرجل أمته إذا علم منها فجورًا - أي زنا - حتى تتوب، ويستبرئها خشية أن تلحق به ولدًا (3 مكرر) وأمته الكتابية حلال له لا المجوسية، وعليه أكثر أهل العلم. ومن قال بتحليل المجوسية احتج بحديث سبي أوطاس وأن الصحابة كانوا يطئون السبايا وهن كفار في ذلك الوقت

(4)

. ومن حَرُم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين كالمجوسية، لأن النكاح إذا حرم لكونه طريقا إلى الوطء فتحريم الوطء بالملك أولى. إلا الأماء الكتابيات فيحرم نكاحهن ولا يحرم وطأهن بملك اليمين، وكل من حرّمها النكاح حرّمها الوطء بملك اليمين (4 مكرر)

(5)

. ويجب استبراء الأمة في ثلاثة مواضع: أولها: إذا ملكها - ولو كان طفلا - ببيع أو هبة أو إرث أو بأى سبب من أسباب الملك، فلا يحل له وطؤها ولا الاستمتاع بها بقبلة أو بنظر بشهوة ولا بما دون الفرج، سواء كانت بكرًا أو ثيبا صغيرًا يوطأ مثلها أو كبيرة ممن تحمل أو لا تحمل، حتى يستبرئها للحديث السابق ذكره. ولحديث رويفع بن ثابت:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره" رواه أحمد والترمذى وأبو داود بإسناد حسن، وسواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو أمرأة أو مجبوب أو ممن استبرأها ثم لم يطأها. وأن أسلمت أمته المجوسية أو المرتدة التي حاضت عنده أو كان هو مرتدًا وأسلم حلف بغير استبراء. ويحرم وطء المستبرأة من غيره في زمن استبرائها فإن وطئها لم ينقطع الاستبراء به وتبنى على ما مضى من الاستبراء فإن حاضت بعده فقد تم الاستبراء وأن حملت قبل الحيض استبرأت بوضع الحمل لأنها ذات حمل والموضع الثاني الذي يجب الاستبراء به: إن وطئ أمته ثم أراد تزويجها أو بيعها، فلا يجوز ذلك حتى يستبرئها. والموضع الثالث من مواضع الاستبراء: إذا اعتق أم ولده أو أمته التي كان يصبلها قبل الاستبراء أو مات عنها لزمها استبراء نفسها

(6)

. ويحصل استبراء الحامل بوضع الحمل كله، وغير الحامل بحيضة لمن تحيض وبمضى شهر لآيسة وصغيرة وبالغ لم تحض

(7)

.

(1)

كشاف القناع جـ 4 ص 567 (طبعة الرياض)(باب أحكام أمهات الأولاد)(1 مكرر) كشاف القناع جـ 5 ص 81 (المحرمات إلى أمه).

(2)

المغنى جـ 7 ص 86 - مطبعة القاهرة (كتاب النكاح).

(3)

المحرر جـ 2 ص 20.

(4)

المغنى جـ 2 ص 20.

(5)

المغنى جـ 7 ص 134 - الطبعة السابقة (كتاب النكاح).

(6)

كشاف القناع جـ 5 ص 435 و 438 وما بعدها (الاستبراء).

(7)

كشاف القناع جـ 5 ص 441.

ص: 53

‌مذهب الظاهرية:

من كانت له جارية يطؤها فأراد بيعها أو إنكاحها أو هبتها؛ فإن كانت ممن تحيض فالواجب عليه ألا يبيعها حتى تحيض حيضه، وإن كانت ممن لا تحيض فلا يبيعها حتى يوقن أنه لا حمل بها وعلى الذي انتقل ملكها إليه إلا يطأها حتى يستبرءها بحيضة إن كانت ممن تحيض أو حتى يوقن أنه لا حمل بها إلا أن يصح عنده أنها قد حاضت عند الذي انتقل ملكها عنه حيضا متيقنا أو أنه لم يخرجها عن ملكه حتى أيقن أنه لا حمل بها؛ فليس عليه أن يستبرءها حينئذ. ولا يجبر على مواضعتها على يدى ثقة ولا أن يمنع منها ولا يجب في البكر استبراء أصلا

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

يجوز للرجل وطء الأمة التي في ملكه وبه يثبت الفراش بأربعة شروط: أولها: بالوطء في ملكه ولو كانت مشتركة أو بشبهة ملكٍ كأمة الأبن - ولا يكفى إمكان الوطء كالزوجة بل لابد من وقوع الوطء. وثانيها: أن يقع الوطء بعد بلوغها. والثالث: أن تمضى أقل مدة الحمل. والرابع: الدعوة، فلو جاءت بولد ولم يدَّعِه لنفسه لم يثبت لها الفراش ولو أقر بالوطء، وقيل: يكفى ادعاؤها للوطء

(2)

. ومن وطء أمته فلا يستنكح أختها ونحوها أي لا يتزوجها. ويجوز له أن يتملك اختها بشراء وغيره ولكن لا يطأها بعد أن وطئ الأولى حتى يخرج الأولى من ملكه. ومن جمع بين أختين أو نحوهما مملوكتين له في وطء جاهلا أو عالمًا اعتزلهما جميعًا حتى يزيل إحداهما عن ملكه

(3)

وعلى واهب الأمة وبائعها استبراء الأمة قبل البيع والهبة مطلقا سواء كان الواهب والبائع رجلا أو امرأة وسواء كانت المبيعة بكرًا أو ثيبا موطوءة أو لا تصلح للجماع. واستبراء الحائض بحيضة غير الحيضة التي تكون بها حين عزم على بيعها أو هبتها - وأن كانت منقطعة الحيض لعارض - لا لأجل اليأس - فبأربعة أشهر وعشر ويستبرأ غيرهما - وهى الصغيرة والكبيرة الآيسة - بشهر

(4)

. وليس على من تجددت له يد على الأمة أن يستبرأها إن أراد وطأها، بأن تكون مرهونة أو مؤجرة للغير أو نحو ذلك. وإذا كانت حاملا استبرأها بالوضع والخروج من النفاس وأن كانت مطلّقة أو توفى عنها زوجها استبرأها بمضى العدة. ولهم الاستمتاع من الأمة مدة الاستبراء في غير الفرج قيل: ما لم تكن حاملا، فإن كانت ممن يجوز أن تحمل، فلا يجوز للمشترى ونحوه أن يستمتع بها مدة الاستبراء أي مطلقا

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

يجوز للرجل التسرى بأمته ولا بأس أن يطأ الأمة وفى البيت غيره، وأن ينام بين أمتين، ويكره ذلك في الحرة

(6)

ويجوز له - في الأشبه - تحليل أمته لمملوكه ليتسرى بها لأن المملوك أهل للإباحة

(7)

. وكل من ملك أمة بوجه من الوجوه حرم عليه وطؤها حتى

(1)

المحلى جـ 10 ص 315.

(2)

شرح الأزهار جـ 2 ص 372.

(3)

شرح الأزهار جـ 2 ص 341 وما بعدها.

(4)

شرح الأزهار جـ 2 ص 354 وما بعدها.

(5)

شرح الأزهار جـ 2 ص 356 وما بعدها.

(6)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 30.

(7)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 37.

ص: 54

يستبرأها بحيضة فإن تأخرت الحيضة وكانت في سن من تحيض اعتدت بخمسة وأربعين يوما. ويسقط ذلك إذا ملكها حائضا إلا من حيضتها، وكذا أن كانت لعدل وأخبر باستبرائها، وكذلك إذا كانت لامرأة أو كانت آيسًا أو حاملًا، على كراهية

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

لا يتسرى الرجل إلا بأمة ملكها، فلو كانت معاوة لم يجز له التسرى بها. وأن كانت مقرضة له فقيل بجواز التسرى بها لأن الإقراض يدخل الشئ المقترض في الملك. وقيل لا يجوز القرض في الجوارى

(2)

. وللرجل - عاقل أو مجنون أو طفل - أن يتسرى ما شاء من الجوارى بلا عدد مقيد. ولا تلزمه عدالة بينهن في التسوى ولا بين زوجة - حرة أو أمة - وبين سُرّية

(3)

. ويشهد على التسرى عدلان عند الدخول بها لا قبله أو بعده بلا وجوب؛ فلو تسرى بلا إشهاد أو بإشهاد قبله أو بعده لم تحرم، ولكن بكراهة لأنه قد يؤدى إلى استعباد الولد، كأن يموت الوالد فيحكم بأن ولدها عبد

(4)

. ولا تباع سُرية ولا تخرج من ملكه بوجه ما قبل الاستبراء. وجاز البيع أن علم المشترى أنه لم يستبرئها وأثم. وينبغي لمن اشترى من بائع سريته أن يجعلها عند أمين حتى تنقضى مدة الاستبراء

(5)

ولزم استبراء الأمة قبل أن يتسرى بها بحيضتين أو بخمسة وأربعين يومًا لغير من تحيض إن كانت ببيع أو نحوه. وإن ورثها بموت سيدها أو اشتراها من ورثته فتستبرأ بشهرين وخمسة أيام إن لم تخلف معها ولد. فإن خلّف معها ولد استبرئت كالحرة بأربعة أشهر وعشرة

(6)

.

‌نكاح الإِماء

‌مذهب الحنفية:

للسيد الولاية على الأمة التي يملكها. وهى ولاية إجبار

(7)

. فله إجبار أمته - ولو أم ولده - على تزويجها ويندب له الاستبراء. فلو ولدت لا قل من نصف حول فهو من المولى والنكاح فاسد (4 مكرر أولا). وإذن المولى شرط لصحة نكاح الرقيق (4 مكرر ثانيا) فأن تزوجت الأمة بلا إذن فعتقت نفذ عقد الزواج لزوال المانع ولا خيار لها. وكذلك إذا بيعت بعد الزواج فأجاز المشترى العقد نفذ الزواج (4 مكرر ثالثا). لا يجوز للمولى أن يتزوج أمته ولو كان مالكا لبعضها لأن المملوكية تنافى المالكية. فالنكاح يؤدى إلى ثمرات مشتركة في الملك بين المتناكحين - منها ما تختص هي بملكه كالنفقه والسكنى والقسم والمنع من العزل إلا بإذن - ومنها ما يكون الملك في كل منها

(1)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 29.

(2)

شرح النيل جـ 3 ص 317.

(3)

شرح النيل جـ 3 ص 318.

(4)

شرح النيل جـ 3 ص 318.

(5)

شرح النيل جـ 3 ص 326.

(6)

شرح النيل جـ 3 ص 323.

(7)

ابن عابدين جـ 3 ص 55 الطبعة السابقة. (باب الولى).

(4 مكرر أولا) ابن عابدين جـ 3 ص 172. (نكاح الرقيق).

(4 مكرر ثانيا) ابن عابدين جـ 3 ص 55.

(4 مكرر ثالثا) ابن عابدين جـ 3 ص 178. (نكاح الرقيق).

ص: 55

مشتركا كالاستمتاع بالمجامعة والمباشرة والولد - والمملوكية تنافى المالكمة فهى منافية لأمر لازم لعقد النكاح ومنافى اللازم مناف للملزوم. فإذا تزوجها السيد احتياطا أي متنزها عن وطئها حراما على سبيل الاحتمال - كما إذا كان هناك احتمال أن تكون حرة أو كان هناك احتمال في عدم صحة الملك - فهو حسن

(1)

. وصح تزوج الأمة ولو كانت كتابية أو مع طول الحرة أي مع القدرة على مهرها ونفقتها لأن الأصل عندهم أن ما يحل بملك يمين يحل بنكاح وما لا يحل بملك يمين لا يحل بنكاح وإن كره تنزيها في الأمة. وصح زواج حرة على أمة لا عكسه ولو أم ولد، ولا يصح جمعهما في عقد واحد. وحرمة أدخال الأمة على الحرة إذا كان نكاح الحرة صحيحا. ولا يصح أدخال الأمة على الحرة ولو في عدة الحرة ولو بائنًا وصح لو راجع الأمة على الحرة

(2)

وإذا ملك السيد زوجته أو بعضها فسد النكاح وأما المأذون والمدبر والمكاتب إذا أشتروا زوجاتهم لم يفسد النكاح لأنهم لا يملكونها بالعقد وإنما ثبت لهم فيها حق الملك. وكذا إذا اشترى زوجته بالخيار: قال أبو حنيفة لم يفسد نكاحها على أصله أن خيار المشترى لا يدخل المبيع في ملكه

(3)

وإن تزوج الرجل بنكاح صحح أخت أمته التي قد وطئها جاز، لكن لا يطأ واحدة منهما حتى يحرم حل استمتاع أحداهما عليه بسبب ما

(4)

وتوقف نكاح الأمة على أجازة المولى فإن أجاز نفذ وأن رد بطل فلا مهر للأمة. والمراد بالمولى من له ولاية تزويج الأمة كأب وجدٍ لمالك الأمة إذا كان عديم الأهلية

(5)

. ولو زوج المولى أمته من عبده لا يجب المهر في الأصح وقيل: بل يسقط.

‌مذهب المالكية:

لمالك الأمة أن يجبرها على النكاح ولو كان المالك أنثى. وله أن يزوج الأمة مع وجود أبيها فهو مقدم لقوة تصرفه. وله جبر الثيب والبكر والكبيرة والصغيرة والذكر والأنثى لأنهم مال من أمواله وله أن يصلح ماله بأى وجه. ويشترط في المالك المجبر الإسلام والحرية والرشد فأن كان المالك عبدًا فالجبر لمالكه ما لم يكن العبد المالك مأذونًا له في التجارة أو مكاتبا. وليس للأمة جبر سيدها على تزويجها ولو حصل لها ضرر بعدمه، بل ولو قصد أضرارها بعدمه ولي بؤمر بالبيع ولا بالتزويج لأن الضرر إنما يجب رفعه إذا كان فيه منع حق واجب ولاحق لها في النكاح وما في التوضيح - من أنه إذا قصد بمنعهما الضرر أمر بالبيع أو الترويج - ضعيف كما نص عليه الحطاب فإن كان النكاح يلحق ضررًا بالمملوك - كالتزويج من ذى عاهة - فلا جبر للمالك ويفسخ النكاح ولو طال. وللسيد أن يضع صداقها عن الزوج قبل الدخول الأربع دينار فلا يصح إسقاطه لأنه حق لله لا تحل الفروج إلا به وأما بعد الدخول فله إسقاط الجميع وله أخذ صداق أمته لنفسه ولو قبل الدخول وأن باعها لشخص بمكان بعيد يشق على زوجها الوصول إليه فلسيدها صداقها إلا أن يبيعها قبل الدخول لظالم لا يتمكن زوجها معه من الوصول لها فليس له أخذ الصداق ولا يلزم الزوج ورده السيد

(1)

ابن عابدين جـ 3 ص 43. وما بعدها (المحرمات).

(2)

ابن عابدين جـ 3 ص 47 و 48 (المحرمات).

(3)

ابن عابدين جـ 3 ص 44.

(4)

ابن عابدين جـ 3 ص 40.

(5)

ابن عابدين جـ 3 ص 163 وما بعدها (نكاح الرقيق).

ص: 56

إن أخذه. وسقط الصداق عن زوج الأمة لزوجها قبل البناء

(1)

.

ولا يصح العقد على أمة كتابية ولو خشى على نفسه العنت، لما يلزم من استرقاق ولدها لسيدها الكافر، وإنما يجوز وطؤها بالملك - لا غير ولا يصح عقد على مجوسية حرة أو أمة

(2)

. ولا يجوز للمالك الذكر أن يتزوج أمته، ولا الأنثى عبدها للإجماع على أن الزوجية والملك لا يجتمعان لتنافى الحقوق، ولو أشترى الزوج زوجته انفسخ بلا طلاق، لأنه من المجمع على فساده. وفى وطئها بالملك بعد الفسخ قبل الاستبراء أو بشرط الاستبراء وبعده قولان

(3)

ويحرم على الذكر أن يتزوج بأمة غير مملوكة لأصله؛ أي لآبائه ولا أمهاته، خشية رقية الولد، فأن كانت أمة أبيه أو أمه أو جده أو جدته لم يحرم لتخلق ولده على الحرية، وإنما يحرم على الذكر تزوج أمة غير أصله بشروط: هي إن كان حرا بولد له منها وأما العبد فيحل له التزوج من الأمة مطلقًا كانت لسيده أو لغيره، خشى العنت على نفسه أم لا، كانت مملوكة لأبيه أو أمه أم لا. فالخطاب في قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} للاحرار، أما الحر الذي لا يولد له - كخصى ومجبوب وعقيم فلا يحرم عليه نكاح الأمة لانتفاء علة استرقاق ولده، وإذا كانت عقيمًا لا يولد منها فيجوز أيضًا. وإن يخشى على نفسه العنت أي الزنا فيها أو فى غيرها، وإلا يجد لحرة ولا كتابية طولا: أي ما ينكحها به من عين أو عرض. لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} . وقال أصبغ: الطول هو المال الذي يقدر به على نكاح الحرة والنفقه عليها، وهو خلاف رواية محمد من أن القدرة على النفقة لا تعتبر. ويشترط أن تكون الأمة مسلمة لقوله تعالى:{فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} احترازًا من الكافرة فلا يجوز نكاحها والمعتمد أنه لو تزوج الأمة بشرطها ثم زال المبيح لم ينفسخ نكاحها وكذا إذا طلقها ووجد مهر الحرة فله رجعتها. وقيل أنها شروط في الابتداء والدوام وعليه: إذا تزوج الأمة بشروطها ثم زال المبيح انفسخ النكاح ولا تصح الرجعة

(4)

ومنع نكاح المريض الأمة على الأصح لجواز إسلام الكتابية وعتق الأمة فيصيران من أهل الإرث ويفسخ قبل البناء وبعده ما لم يصح

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

للسيد إجبار أمته على النكاح، بأى صفة كانت، من صغر وكبر وبكارة وثيوبة وعقل وجنون ما لم يتعلق بها حق؛ كالأمة المرهونة لا يزوجها إلا للمرتهن أو بإذنه، وأمة المفلس لا يزوجها بغير إذن الغرماء، لأن النكاح يرد على منافع البضع وهى مملوكة له، وبهذا تفارق العبد. لكن لا يزوجها بغير كفء بعيب أو غيره إلا برضاها، فأن خالف بطل النكاح، وفى قول: يصح ولها الخيار. وله تزويجها برقيق دنئ النسب، لأنها لا نسب لها لأن الرق تضمحل معه الخصال. فأن طلبت الزواج لم يلزمه تزويجها لأنه ينقص قيمتها ويفوت الاستمتاع عليه فيمن تحل له. وقيل: أن حرمت عليه مؤبدًا - كأن تكون أخته - لزمه؛ إذ لا يتوقع منه قضاء شهوه ولابد من إعفافها، بخلاف

(1)

بلغة السالك جـ 1 ص 405 وما بعدها.

(2)

بلغة السالك جـ 1 ص 388.

(3)

بلغة السالك جـ 1 ص 403 و 404.

(4)

بلغة السالك جـ 1 ص 404 و 405.

(5)

بلغة السالك جـ 1 ص 405.

ص: 57

ما لو وطئ إحدى أختين ملكهما فإنه لا يلزمه تزويج الأخرى قطعًا لأنه تحريمها عليه قد يزول فتتوقع منه قضاء الشهوة. وإذا زوجها فالأصح أنه بالملك لا بالولاية لأنه يملك الاستمتاع بها.

والثاني: أنه بالولاية لما عليه من رعاية الحظ (أي رعاية مصلحتها) حتى أنه لا يزوجها بغير كفء. وتفريعا على القول الأصح: يزوج مسلم أمته الكتابية، ويزوج فاسق ومكاتب أمته. وعلى القول الثاني: لا يزوج واحد من الثلاثة، من ذكرت لأن المسلم لا يلى الكافرة (أي لا يكون وليا عليها) والفسق يسلف الولاية والرق يمنعها

(1)

.

ولا يتزوج السيد مملوكته ملكا تاما أو بعضها؛ ولو ملك زوجته أو بعضها بطل الزواج أي انفسخ، وذلك إن كان ملكا تام بأن لا يكون لواحد منهما خيار مجلس أو غيره، لأن ملك اليمين أقوى من النكاح لأنه يملك به الرقبة والمنفعة والنكاح لا يملك به إلا ضربًا من المنفعة فسقط الأضعف بالأقوى

(2)

ولا ينكح الحر أمة غيره إلا بشروط: أن لا تكون تحته حرة - مسلمة أو كتابية - تصلح للاستمتاع عرفا ولو مآلا كصغيرة أمن الزنا إلى صلاحها. وقيل. ولا يشترط أن تكون صالحة للاستمتاع كأن تكون صغيرة ولا مجنونة ولا مجذومة أو برصاء أو رتقاء لا طلاق النهى في حديث نهى عن أن تنكع الأمة على الحرة (رواه البيهقي عن الحسن مرسلا) وصاحب الرأى الأول يرى أن هذا الحديث مقيد بالحرة الصالحة للاستمتاع بالنظر إلى معناه. والشرط الثاني: أن يعجز عن حرة مسلمة أو كتابيه تصلح للاستمتاع بأن لا يجدها أو لا يقدر على صداقها، لقوله تعالى، {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} أي الحرائر. وقوله:"المؤمنات" جرى على الغالب وقيل: لا يشترط أن تكون صالحة الاستمتاع بل يجوز أن تكون غير صالحة الاستمتاع كالقرناء والرتقاء فلو قدر على غائبة حلت له نكاح الأمة أن لحقه مشقة ظاهرة في قصدها والوصول إليها الاجتماع بها. أو خاف زنا مدة قصده فأن لم تلحقه مشقة ظاهرة في قصدها ولم يخف نفسه الزنا فلا تحل له الأمة وضبط الإمام المشقة المعتبره أن ينسب إليه في طلب الزوجة الغائبة الإسراف ومجاوزة الحد ولو وجد حرة بمهر مؤجل أو بدون مهر مثل وهو قادر علمه، فالأصح حل الأمة إذا كان يجد مهر الحرة بمؤجل، دون ما إذا وجدها بدون مهر المثل، لأنه قد لا يقدر على مهر الحرة عند حلول الأجل، وفى الثانية هو قادر على نكاح الحرة. وقيل: لا تحل له الأمة إذا وجد مهر الحرة بمؤجل وتحل له أن وجد الحرة بدون مهر ووجهة أن ذلك يمكنه من نكاح الحرة في الحالة الأولى، ووجه في الثانية إن وجدها بدون مهر يعرضه للمنة والنقص. وأجيب بأن المنة فيه قليلة لجريان العادة بالمسامحة في المهور. والشرط الثالث: أن يخاف الزنا بأن تغلب شهوته ويضعف تقواه، بخلاف من ضعفت شهوته أو قوى على مغالبة الشهوة، قال تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} أي الزنا. وعلم من هذا الشرط أن من تحته أمة لا ينكح أخرى، فلو أمكنه التسرى بشراء أمة فلا خوف في الأصح، فلا يحل له نكاح الأمة. والوجه الثاني: يحل له لأنه لا يستطيع طول الحرة. الشرط الرابع: إسلامها، فلا لحل الكتابية للحر لقوله تعالى:

(1)

القليوبي وعميرة جـ 3 ص 239 و 240.

(2)

القليوبي وعميرة جـ 3 ص 247.

ص: 58

{فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}

(1)

وتحل أمة كتابية لكتابى حرًا أو عبدًا على الصحيح لاستوائهما في الدين، وقابل الصحيح: أن كفرها مانع من زواجها. ولا تحل الأمة الكتابية لعبد مسلم في المشهور لأن كفرها مانع من نكاحها والقول المقابل له: أن الأمة الكافرة تحل للعبد المسلم لاستوائهما في الرق.

ولو نكح حر أمة بشرطه ثم أيسر، أو نكح حرة لم ينفسخ زواج الأمة لقوة الدوام.

ومن لا يحل له زواج الأمة إذا تزوج حرة وأمة بعقد واحد بطل العقد بالنسبة للأمة قطعًا لانتفاء شروطها، لا الحرة في الأظهر. والقول المقابل له: يبطل العقد بالنسبة للحرة أيضًا فرارًا من تبعيض العقد فلو قال له: زوجتك بنتى وأمتى فقال: قبلت نكاحها فعلى الأول يبطل العقد بالنسبة للأمة فقط وعلى القول الثاني يبطل العقد بالنسبة لهما معا. ولو جمعهما من تحل له الأمة بعقد واحد كأن رضيت الحرة بتأجيل المهر بطل عقد الأمة قطعا لأنها لا تقارن الحرة كما لا تدخل عليها لاستغنائه عنها. وفى الحرة طريقان أرجحهما: ما في الشرح الصغير للرافعى على الوجيز أنه على القولين، والثانى: القطع بالبطلان لأنه جمع بين امرأتين يجوز أفراد كل منهما فيمتنع الجمع بينهما كالأختين

(2)

. ومن حرم جمعهما بنكاح حرم جمعهما في الوطء بملك لا يحرم ملكهما معا، فيجوز شراء أختين مثلا ويحرم وطؤهما وله وطء أيتهما يشاء فإن وطئ واحدة منهما حرمت الأخرى حتى يحرّم الأولى بمحرِّم كبيع أو تزويج أو كتابه أما الحيض أو الإحرام فلا يحلان وطء الثانية لأنه لا يزيل الملك ولا الاستحقاق، وكذا على الأصح. ولو ملكها ثم نكح أختها الحرة أو العكس حلت المنكوحة دون المملوكة

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

ولى الأمة - ولو كانت آبقة - هو سيدها المكلف الرشيد لأنه عقد على منافعها فكان إليه كالإجارة، ولو كان سيدها فاسقًا أو مكاتبًا لأن تزويجه إياها تصرف في ماله فصح ذلك منه كالبيع ولكن لا يزوجها المكاتب إلا بإذن سيده فإن كان لها سيدان اشتركا في الولاية وليس لواحد منهما الاستقلال بها بغير إذن صاحبه

(4)

. ويزوّج الأمة المملوكة لامرأة مات من يزوج سيدتها من أب وجد وأخ وعم ونحوهم وذلك بإذنها وبشرط نطقها بالإذن. ولو كانت المالكة بكرًا فلابد من نطقها بالإذن وإن كانت المالكة محجورا عليها فيزوج أمتها وليها في مالها من أب أو وصى أو حاكم أو قيم على سيدتها وكذلك الحكم في أمة أبنه الصغير أو المجنون أو السفيه

(5)

ولو زوجت السيدة أمتها أو وكلت غير وليها في تزويج أمتها لم يصح نكاحها لعدم وجود شرط النكاح

(6)

.

وإن وطئ أمته ثم تزوج أختها أو عمتها أو خالتها ونحوها لم يصح النكاح لأن عقد النكاح تصير به المرأة فراشا فلم يجز أن يرد على فراش الأخت كالوطء. ولأن وطء مملوكته معنى يحرم

(1)

القليوبي وعميرة جـ 3 ص 249.

(2)

القليوبي وعميرة جـ 3 ص 249 و 250.

(3)

القليوبي جـ 3 ص 245.

(4)

كشاف القناع جـ 5 ص 52 (طبعة الرياض) باب الولى.

(5)

الكشاف جـ 5 ص 49.

(6)

كشاف القناع جـ 5 ص 48.

ص: 59

أختها لعلة الجمع، فمنع صحة النكاح كالزوجية. فإن حرمت عليه سُرِّيته بإخراجها من ملكه ثم تزوج الأخت ونحوها بعد استبرائها صح النكاح لزوال كونها فراشا له، فإن رجعت إليه الأمة فالزوجية بحالها لأنها أقوى، ولا يطأ واحدة منهما حتى تحرُم عليه الأخرى. وأن اعتق سُرّيته ثم تزوج أختها قبل فراغ مدة استبرائها لم يصح النكاح

(1)

. والأمة الكتابية لا تحل لمسلم ولو عبدًا نكاحها لقوله تعالى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ولئلا يؤدى إلى استرقاق الكافرة ولدها المسلم

(2)

. ولا تحل أمة مسلمة لحر مسلم، إلا أن يخاف الحر عنت العزوبة إما لحاجة متعة وإما لحاجة خدمة لكبر أو سقم أو نحوهما، ولا يجد طولا لنكاح حرة ولو كانت كتابية، بألا يكون معه مال حاضر يكفى لنكاحها ولا يقدر على ثمن الأمة ولو كتابية فتحل له الأمة إذن لقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} هذا إن لم تجب نفقته على غيره. فإن وجبت لم يجز له أن يتزوج أمة لأن المنفق يتحمل ذلك عنه فيعفه بحرة، وإن قدر على ثمن أمة لم يتزوج الأمة قاله كثير من الأصحاب وهو الأظهر. والصبر عن نكاح الأمة مع حله له خير وأفضل لقوله تعالى:{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} . وللحر تزوج الأمة بالشرطين المذكورين مع صغر زوجته الحرة أو غيبتها أو مرضها بحيث تعجز بالمرض عن الخدمة لأن الحرة التي لا تعفه كالعدم. أو كان له مال ولكن لم يستطع زواج حرة لقصور نسبة فله نكاح الآمة لأنه غدر مستطلِع الطول إلى نكاح حرة، أو كان له مال غائب فله أن يتزوج الأمة بشرطه وهو خوف العنت فإن وجد من يقرضه ما يتزوج حرة أو رضيت الحرة بتأخير صداقها أو بدون مهر مثلها أو بذله له باذل لم يلزمه أن يتزوج الحرة وجاز له أن يتزوج الأمة حيث خاف العنت لأنه لم يستطع طولا لنكاح الحرة بلا ضرر عليه لما فيه من المنة أو التعرض للمطالبة. والقول قوله في خشية العنت وعدم الطول حتى لو كان في يده مال فادعى أنه وديعة أو مضاربة قبل قوله. ومتى تزوج أمة ثم ذكر أنه كان موسرًا حال النكاح أو لم يكن يخشى العنت فرق بينهما، فإن كان إقراره قبل الدخول وصدقه السيد فلا مهر، لاتفاقهما على بطلان النكاح وأن كذبه السيد فللسيد نصف المهر، وإن كان إقراره بعد الدخول فعليه المسمى جميعه. وإذا تزوج الأمة وفيه الشرطان ثم أيسر أو نكح حرة أو زال خوف العنت أو نحوه كما لو تزوجها لغيبة زوجته فحضرت أو لصغرها فكبرت أو لمرضها فعوفيت لم يبطل نكاحها وحكم الأمة الكتابية في زواجها الكتابى الحر كحكم الأمة المسلمة في زواجها بالحر المسلم، فلا يحل للكتابى أن يتزوج الأمة الكتابية إلا بالشرطين

(3)

والأمة تتزوج الرقيق كله أو بعضه ولو فقد فيه الشرطان ولو كان معه حرة.

ولا يصح لحر أن يتزوج أمته لأن النكاح يوجب للمرأة حقوقا من القسم والمبيت وغيرهما وذلك يمنعه ملك اليمين، فلا يصح مع وجود ما ينافيه ولأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة

(1)

كشاف القناع جـ 5 ص - 79 و 80 (المحرمات).

(2)

كشاف القناع جـ 5 ص 84 و 85 وما بعدها (المحرمات إلى أمد).

(3)

كشاف القناع جـ 5 ص 85 وما بعدها (في بيان المحرمات إلى أمد).

ص: 60

البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه، ولا يصح للحر أن يتزوج أمة مكاتبه ولا أمة ولده من النسب دون الرضاع، وأن ملك حر زوجته كلها أو بعضها أنفسخ النكاح لأن ملك اليمين أقوى من النكاح فيزيله وكذلك ينفسخ نكاحها إذا ملكها أبيه الحر لأن ملك الولد كملك أصله في إسقاط الحد فكان كملكه في إزالة النكاح

(1)

، والوطء في ملك اليمين وأن يحرم من حرّمها النكاح من أمهات النساء وبنهاتهن وحلائل الآباء وحلائل الأبناء لأن الوطء آكد في التحريم من العقد

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

لا يحل لأحد أن يتزوج مملوكته قبل أن يعتقها. وله أن يتزوج أمة والده التي لا تحل لوالده وأمة ولده التي لا تحل لولده وأمة أمه وأمة ابنته

(3)

، ولا يحل للأمة أن تتزوج إلا بإذن سيدها، فإن تزوجت بغير إذنه عالمة بالنهى فعليها حد الزنا. ولا يحل للسيد إجبار أمته على النكاح، فإن أجبره السيد فليس نكاحا

(4)

. ويحل للحر نكاح الأمة والصبر عن تزوج الحر للأمة أفضل

(5)

ولا يجوز للرجل وطء الأمة التي وطأها أبوه أو ابنه بملك يمين أو زواج. والجد في كل ما ذكرنا وأن علا من قبل الأب أو الأم كالأب لا فرق، وابن الابن وابن الأبنة وأن سفلا كالأبن في كل ما ذكرنا ولا فرق

(6)

ولا يحل نكاح أم الأمة التي وطأها وإن علت

(7)

ومن أعتق أمته على أن يتزوجها وجعل عتقها صداقها لا صداق لها غيره فهو صداق صحيح ونكاح صحيح وسنة فاضلة فلو أبت أن تتزوجه بطل عتقها وهى مملوكة كما كانت؛ فإن عِتقْها لم يتم إذا لم تتزوجه، ولا صداق لنكاح لم يتم فهو باطل. وأما أن تزوجته فقد تم النكاح وصح العتق لصحة النكاح الذي علق عليه، فإن طلقها قبل الدخول فهى حرة ولا يرجع عليها بشئ

(8)

.

‌مذهب الزيدية:

ينفذ النكاح في حق الأمة بأحد أمور ثلاثة: الأول عقد المالك المرشد الموافق في الملة إذا كان رجلا، فله تزويج أمته سواء رضيت أم كرهت. وإذا كانت مملوكة لامرأة مكلفة لم يكن لها أن تزوجها بنفسها لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تنكح المرأة المرأة ولا المرأة نفسها" وإنما يزوجها وكيل تلك المالكة. وإذا كانت الأمة مملوكة لصغير فولى ماله هو ولى زواج أمته، فإن كان الولى على المال امرأة من جهة الوصاية فوكيلها هو الذي يزوج الأمة. والثانى جازه هؤلاء.

الثالث: عتق المالك لها قبل إجازته عقد نكاحها الموقوف على إجازته وذلك بأن عقد عقدها أبوها الحر أو أحد أوليائه برضاها فإن هذا العقد موقوف، على أجازة المالك فإن أعتقها قبل الإجازة نفذ العقد لأن هذا العقد صدر من يصح منه لولا ملك المالك فلما عتقها خرجت عن ملكته فينفذ العقد

(9)

وللسيد أن يجبر الأمة على تمكين نفسها لزوجها لأنه نهى عن المنكر إلا أن يكون

(1)

الكشاف جـ 5 ص 88.

(2)

كشاف القناع جـ 5 ص 89 و 90.

(3)

المحلى جـ 10 ص 30.

(4)

المحلى جـ 9 ص 467 و 469.

(5)

المحلى جـ 9 ص 41، و 443.

(6)

المحلى جـ 9 ص 525.

(7)

المحلى جـ 9 ص 520 و 527.

(8)

المحلى جـ 9 ص 501 و 507

(9)

شرح الأزهار جـ 2 ص 332.

ص: 61

الزوج مجذوما أو نحوه

(1)

ولا يلزم السيد إذا اضطرت الأمة إلى النكاح أن يعفها إلا أن تتضرر بذلك فإنه يجب على السيد كالدواء، وقيل: لا يجب

(2)

.

ويحرم تزوج الأمة في موضعين: أحدهما حيث تُنكح على الحرة، فإنها لا تحل حينئذ. وأن رضيت الحرة بذلك، سواء كان الزوج حرًا أم مملوكا. والثانى: حيث يكون نكاحها لحر فأنها تحرم عليه إلا أن يكون نكاحها لشخص عَنِت (بكسر النون) وهو الخائف من الوقوع في المحظور، ولم يتمكن من نكاح حرة لفقره أو غيره؛ فعند هذين الشرطين يجوز للحر نكاح الأمة

(3)

.

ومن وطئ أمته فلا يستنكح أختها سواء كانت الأخت حرة أو أمة فلو عقد بالأخت كان العقد غير صحيح (أي لم ينعقد) حتى يخرج الأولى من ملكه ببيع أو عتق أو هبة لا رجوع فيها. وله تملك الأخت ولكن لا يطأها بعد أن وطئ الأولى حتى تخرج الأولى من ملكه ولا يجمع بينها وبين خالتها أو عمتها أو نحوهما في وطء وأن اختلف سببه. فإذا جمع بين الأختين ونحوهما جاهلا أو عالما اعتزلهما جميعا فلا يطأ بعد ذلك واحدة منهما حتى يزيل أحداهما

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

لا يجوز نكاح الأمة نكاحا دائما أو منقطعا (متعة) إلا بإذن مالكها ولو كانت لامرأة

(5)

. وقيل يجوز لها أن تتزوج متعة إذا كانت مملوكة لامرأة من غير إذنها والأول أشبه

(6)

وإذا تزوج الحر أمة من غير إذن مالكها ثم وطئها قبل الرضا عالما بالتحريم كان زانيا وعليه الحد ولا مهران كانت عالمة مطاوعة، ولو أتت بولد كان رقا لمولاه. وإن كان الزوج جاهلا أو كانت هناك شبهة فلا حد ووجب المهر وكان الولد حرًا لكن يلزمه قيمته للمولى يوم ولادته وكذا لو عقد عليها لدعواها الحرية لزمه المهر

(7)

. ولا يجوز للحر أن يعقد على الأمة إلا بشرطين: عدم الطول، أي عدم المهر والنفقة، وخوف العنت أي المشقة الناشئة عن الترك، وقيل: يكره ذلك من دونهما (أي إذا لم يتحقق الشرطان) وهو الأشهر. ومن قال بالأول قال لا ينكح إلا أمة واحدة لزوال العنت بها. ومن قال بالثانى أباح أمتين

(8)

. ولا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها، فإن بادر في ذلك كان العقد باطلا، وقيل: كان للحرة الخيار. في الفسخ والإمضاء ولها فسخ عقدها والأول أشبه. وأما لو تزوج الحرة على الأمة كان العقد ماضيا ولها الخيار في نفسها إن لم تعلم. وإن جمع بينهما في عقد واحد صح عقد الحرة دون الأمة

(9)

. ولو وطئ أمة بالملك ثم تزوج أختها فقد قيل: يصح وحرمت الموطوءة بالملك أولا ما دامت الثانية في حباله ولو كانت له أمتان أختان فواطئهما قيل حرمت الأولى حتى تخرج الثانية من ملكة،

(1)

شرح الأزهار جـ 2 ص 334.

(2)

شرح جـ 2 ص 553 و 554.

(3)

شرح الأزهار جـ 2 ص 212 وما بعدها.

(4)

شرح الأزهار جـ 2 ص 341 و 342.

(5)

أظنه يعنى النكاح الدائم والمتعة.

(6)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 11.

(7)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 26.

(8)

شرائع الإسلام. جـ 2 ص 17.

(9)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 17.

ص: 62

وقيل: إن كان بجهالة لم تحرم الأولى وإن كان مع العلم حرمت حتى تخرج الثانية، لا للعود إلى الأولى، ولو أخرجها للعود والحالى هذه لم تحل الأولى، والوجه: أن الثانية تحرم مع التقديرين دون الأولى

(1)

، ولو كانت له أمة يطؤها فارضعت زوجته الصغيرة حرمتا عليه جميعا ولا تحرم مملوكة الأب على الابن بمجرد الملك ولا مملوكة الأبن علي الأب، ولو وطئ أحدهما مملوكته حرمت على الآخر ولا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الأخر إلا بعقد أو ملك أو إباحة

(2)

. وإذ زوج أمته ملك المهر لثبوته في ملكه فإن باعها قيل الدخول سقط المهر لانفساخ العقد الذي ثبت المهر باعتباره فإن أجاز المشترى كان المهر له لأن إجازته كالعقد المستأنف ولو باعها بعد الدخول كان المهر للأول سواء أجاز الثاني أو فسخ لاستقراره في ملك الأول

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

يصح نكاح الأمة بإذن سيدها أو اجازته بعد العقد وقبل أن يمسها، وجوزه البعض بعد المس ترخيصا

(4)

فإذا تزوج الأمة بإذن من ظنه سيدها ووطئها فخرجت لغيره، فإنه يمتنع عليه نكاحها بعد الزواج، ويثبت نسب الأولاد، يأخذهم أبوهم بالقيمة

(5)

وإيما عبد أو أمة تزوج بغير إذن سيده فهو زان لقوله صلى الله عليه وسلم: "ايما عبد أو أمة تزوج بغير إذن سيده فهو زان" فإن تزوج من ظنها حرة ومسها فإذا هي أمة فلا يتزوجها أو يتسراها لأن ذلك المس حرام، وقيل لا تحرم لأنه لم يمسها بنية الزنا، وأما هي فقد قيل أنه يحرم علمها إن علم أنها أمة وقيل غير ذلك

(6)

. ولا يجوز أن يزوج عبده من أمته لأنه تزويج ماله من ماله والصداق عليه لنفسه وهو ما لا يتصور، وقيل: يجوز لأنهما نفسان لا نفس واحدة، وتملك صداقها إذا أعطاه لها سيدها

(7)

. وإذا أعتق أمته على أن يتزوجها ثم امتنعت فلا يجبرها ولا يردها في الرق لصحة العتق وبطلان الشرط، واستحسن لمن أعتق أمة لوجه الله أن لا يتزوجها ولا يستخدمها

(8)

. ولا تنكح حرة على أمة، وجوّزه البعض أن رضيت. ومن تزوج حرة على أمة بلا علمها فللحرة أن تنكر بعد علمها بالأمة ولها أن ترضى والإنكار فرقة بلا طلاق ولابد من العدة علمها أن مست وهى فرقة بائنة وقيل: نكاح الحرة طلاق للأمة ونكاح الأمة طلاق للأمة الأخرى وقيل نكاح الحرة طلاق للأمة وعكسه

(9)

.

‌حقوق كل من الزوج والمولى على الأمة ونفقتها

‌مذهب الحنفية:

إذا زوج أمته أو أم ولده فلا تجب عليه تبوئتها وإن شرطها في العقد. والتبوئة هي: أن يخلى بينها وبين زوجها، ويدفعها إليه ولا يستخدمها (قاله الخصاف في شرح النفقات). وأما إذا كانت تذهب وتجئ وتخدم مولاها فلا تكون تبوئة. فإن استوفى صداقها أُمِرَ المولى أن

(1)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 17.

(2)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 16.

(3)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 28.

(4)

شرح النيل جـ 3 ص 208.

(5)

شرح النيل جـ 3 ص 229.

(6)

شرح النيل جـ 3 ص 228.

(7)

شرح النيل جـ 3 ص 209.

(8)

شرح النيل جـ 3 ص 222.

(9)

شرح النيل جـ 3 ص 222 و 217.

ص: 63

كانت تذهب وتجئ وتخدم مولاها فلا تكون تبوئة. فإن استوفى صداقها أُمِرَ المولى أن يُدخِلها على زوجها وأن لم يلزمه أن يبوئها. والتسليم الواجب على السيد بعد قبض المهر يكتفى فيه بالقول بأن يقول له المولى: متى ظفرت بها وطئتها

(1)

. ولا نفقة ولا سكنى للأمة المزوجة على زوجها إلا بالتبوئة: بأن يدفعها سيدُها إليه ولا يستخدمها، لأن النفقة جزاء الاحتباس. وتخدم المولى ويطؤها الزوج أن ظفر بها فارغة عن خدمة المولى. ولو خدمت السيد بعد التبوئة أو استخدمها نهارًا وإعادها ليلا لبيت زوجها، لا تسقط النفقة لبقاء التبوئة. وللمولى السفر بها وإن أبى الزوج

(2)

.

والإذن في العزل - وهو الإنزال خارج الفرج - لمولى الأمة لا لها، لأن الولد حقه. ويعزل عن الحرة والمكاتبة بإذنها

(3)

.

وللأمة والمكاتبة وأم الولد والمدبرة والمبعضة نصف ما للحرة في القسم أي من البيتوتة والسكنى معها، أما النفقة فبحالها. فإذا كان له زوجتان أمة وحرة فللأمة نصف، ما للحرة إن بوّأها سيدها السيد منزلا

(4)

.

‌مذهب المالكية:

لا تبوأ الأمة منزلًا، أي ليس لها ولا لزوجها أفرادها عن سيدها بمنزل لما فيه من أبطال حق سيدها في الخدمة أو غالبها، بل يأتيها زوجها ببيت سيدها لقضاء وطره بلا شرط أو عرف، وإلا فيقضى به ولا كلام لسيدها. وللسيد السفر والبيع لمن يسافر بمن لم تبوأ وإن طال السفر، ويقال لزوجها: سافر معها إن شئت، إلا لشرط أو عرف كما أن المبوأة ليس لسيدها السفر بها إلا لشرط أو عرف فيعمل به

(5)

. ولزوج الأمة العزل عنها أن أذنت هي وسيدها له في العزل أي رضيا به وهذا أن تودع حملها وأن لم يتوقع حملها لصغرها أو إياسها أو عقمها فالعبرة بإذنها فقط فإن أذنت جاز وإلا فلا يجوز كالحرة العبرة بأذنها فقط دون وليها

(6)

. وتجب نفقة الزوجة الأمة المدخول بها سواء كانت مطبقة للوطء أم لا وسواء كان الزوج بالغا أم لا، أما قبل الدخول فلا تجب لها النفقة إلا إذا كانت مطبقة للوطء وكان الزوج بالغا (انظر مصطلح نفقة).

ولا يجب القسم على الزوج بين الزوجة

والأمة ولا بين الإِماء في المبيت ولا في غيره كالوطء والكسوة والنفقة. وإن كانت الزوجات إماء كلهن أو بعضهن فلا يجب القسم إلا للضرر أي إلا أن يقصد بتركه ضررًا فيمتنع ويجب عليه ترك الضرر ككفه عن وطء واحدة مع قدرته عليه لتتوفر لذته للأخرى

(7)

.

‌مذهب الشافعية:

إذا زوج السيد أمته استخدمها نهارًا وسلمها للزوج ليلا، لأنه يملك منفعتى استخدامها والاستمتاع بها، وقد نقل الثانية للزوج فتبقى له الأخرى ويستوفيها في النهار دون الليل لأنه محل الاستراحة والاستمتاع، ولا نفقة على الزوج أي حين استخدامها في الأصح لانتفاء التسليم، والتمكين التام، والثاني: يجب،

(1)

ابن عابدين جـ 3 ص 170 (الطبعة السابقة - باب نكاح الرقيق).

(2)

ابن عابدين جـ 3 ص 171 وما بعدها.

(3)

ابن عابدين جـ 3 ص 175.

(4)

ابن عابدين جـ 3 ص 206 (القسم).

(5)

بلغة السالك جـ 1 ص 405.

(6)

بلغة السالك جـ 1 ص 406.

(7)

بلغة السالك جـ 1 ص 436 و 437.

ص: 64

لوجود التسليم الواجب، والثالث: يجب شطرها توزيعا لها على الزمان، فلو سلمها ليلا ونهارًا وجبت قطعًا

(1)

. ولو أخلى السيد في داره بيتا وقال للزوج: تخلو بها فيه لم يلزمه ذلك على الأصح، لأن الحياء والمروءة يمنعانه من دخول داره، ولو فعل ذلك فلا نفقة عليه، والثانى: يلزمة ذلك لتدوم يد السيد على ملكه مع تمكن الزوج من الوصول إلى حقه وعلى هذا تلزمه النفقة

(2)

. وللسيد السفر بالأمة الزوجة وإن لم يرض الزوج لأنه مالك رقبتها فيقدم على مالك الاستمتاع وللزوج صحبتها في سفرها ليستمتع بها ليلا وليس للسيد منعه من السفر ولا إلزامه به لينفق عليها وإذا لم يسافر الزوج فلا نفقة عليه وكذلك أن سافر ولم تسلم له ليلا ولا نهارًا فلا نفقة عليه أيضًا وليس له أن يسافر بها بدون إذن سيدها

(3)

. ولو زوج أمته بعبده لم يجب مهر لأن السيد لا يثبت له على عبده دين فلا حاجة إلى تسميته، وقيل: يجب ثم يسقط فيسمى ندبا على هذا القول حتى لا يعرى النكاح عن مهر

(4)

. ويختص القسم بالزوجات ولو كن إماء أو كتابيات. أما الأمة المملوكة فلا حق لها في القسم

(5)

ويكون للحرة ضعف. للزوجة الأمة في القسم

(6)

.

‌مذهب الحنابلة:

إن كانت الزوجة أمة فلا يجب على السيد تسليمها لزوجها إلا ليلا

(7)

. وللسيد استخدامها نهارًا لأنها مملوكة عُقِدَ على إحدى منفعتيها فلم يجب تسليمها في غير وقتها، كما لو أجرها لخدمة نهارًا، فلو شرط الزوج تسليمها نهارًا أو بَذَله السيد وجب تسليمها ليلا ونهارًا لأن الزوجية تقتضى وجوب التسليم مع البذل ليلا ونهارًا، وإنما منع منه في الأمة في زمان النهار لحق السيد، فإذا بذله فقد ترك حقه فعاد إلى الأصل في الزوجية ولأن عقد الزوجية اقتضى لزوم نفقتها ليلا ونهارًا ما لم يمنع منه مانع. فإذا امتنع المانع ببذل السيد تسليمها وجب على الزوج قبوله

(8)

. فليس للزوج السفر بزوجته الأمة بلا إذن السيد، ولا لسيدها ولو بصحبة الزوج السفر بها بغير إذن الآخر لما في ذلك من تفويت حقه عليه. ولو بوأها السيد - أي بذل لها مسكنا ليأتيها الزوج فيه - لم يلزم الزوج آيتانها فيه. وللسيد بيع الأمة الزوجة لأنه صلى الله عليه وسلم إذن لعائشة في شراء بريرة وهى ذات زوج

(9)

ومن تحته حرة وأمة يقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين لأنها على النصف من الحرة وإن كانت الحرة كتابية، لقول على: إذا تزوج الحرة على الأمه قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين (رواه الدارقطني واحتج به أحمد) ولأن الحرة حقها في الإيواء أكثر والحق في القسم اللأمة لا لسيدها، فللأمة أن تهب ليلتها لزوجها أو لبعض ضرائرها بإذن زوجها كالحرة وليس لسيدها الاعتراض ولا أن يهبه دونها وإذا تزوج بكرا ولو أمة ومعه غيرها أو حرائر أقام عندها سبعا ثم دار، وإذا تزوج ثيبا ولو أمة أقام عندها ثلاثًا لأنه يراد للأنس وإزالة الاحتشام والأمة والحرة

(1)

القليوبي وعميرة جـ 3 ص 273.

(2)

القليوبي وعميرة جـ 3 ص 273 و 274.

(3)

قليوبي وعميرة جـ 3 ص 274.

(4)

القليوبي وعميرة جـ 3 ص 274 و 275.

(5)

قليوبى وعميرة جـ 3 ص 299.

(6)

القليوبى وعميرة جـ 3 ص 302 و 303.

(7)

كشاف القناع (طبعة الرياض) جـ 5 ص 187 (باب عشرة النساء).

(8)

كشاف القناع جـ 5 ص 188 (طبعة الرياض).

(9)

كشاف القناع: جـ 5 ص 201 (فصل في القسم).

ص: 65

سواء في الاحتياج إلى ذلك فاستويا فيه كالنفقة

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

على الزوج نفقة زوجتة الأمة وكسوتها بوئت بيتا أو لم تبوأ - مذ يعقد النكاح، ونفقتها وما تتوطأه. وتتغطاه وتفترشه وإسكانها كذلك

(2)

، ولا يجوز أن يفضل في قسمة الليالى حرة على أمة متزوجة، ولا يجوز للرجل أن يقسم لأم ولده ولا لأمته مع زوجته إن كانت، فلو طابت نفس الزوجة بذلك فله أن يقسم لأمته لكن له أن يطأ أمته متى شاء

(3)

وعلى الرجل القسم بينهن على أن يكون للأمة نصف الحرة والأمة المملوكة لاحق لها في القسم مع الزوجات. وإذا تزوج الرجل بكرًا - حرة أو أمة - وله زوجة أخرى حرة أو أمة فعليه أن يخص البكر بمبيت سبع ليال عندها ثم يقسم فيعود ولا يحاسبها بتلك السبع ولا بشئ منها. فإن تزوج ثيبا فله أن يخصها بمبيت ثلاث ليال ثم يقسم ويعدل ولا يحاسبها بتلك الثلاث

(4)

. ولا يحل العزل عن حرة أو أمة

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

يجوز لمالك الأمة المزوجة أن يتصرف فيها بالبيع أو الهبة والعتق والكتابة والإجارة واستخدام واستصحابها في سفره لتخدمه، ولا يجوز له أن يطأها وهى مزوجة أو في العدة ولا يجوز له أن يمنع زوجها من وطئها في الأوقات المعتادة ويخير السيد بين تسليم الأمة المزوجة للوطء فقط إلى دار الزوج أو تخلية الزوج يطأها في دار السيد حيث كان العرف الحاجه إليها للخدمة في الليل وإلا وجب تسليمها للمبيت في دار الزوج، وقيل: يجب على السيد تسليمها للوطء في داره فقط

(6)

. وإذا سلم السيد الأمة المزوجة تسليما مستداما - وأقل المستدام يوم وليلة متصلة - وجبت للسيد على زوج أمته لنفقتها فإن كان حرًا فعليه وإن كان عبدا فعلى سيده. وإذا شرط السيد على الزوج نفقة الزوجة الأمة مع عدم التسليم المستدام صح الشرط فيلزم الزوج ذلك ويصح العكس أيضا وهو أن يشرط الزوج أنه لا نفقة عليه ولو كانت مسلمة تسليما مستداما

(7)

. وليس للزوجة الأمة اخدام إلا أن تحتاج إلى الخدمة لزمانة أو مرض، فإن الزوج يلزم بإقامة من يخدمها ويمرضها والحرة والأمة هنا سواء

(8)

.

‌مذهب الإمامية الجعفرية:

تثبت النفقة للزوجة الأمة

(9)

وإذا زوج المولى عبده أمته هل يجب أن يعطيها المولى شيئا من ماله؟ قيل نعم والاستحباب أشبه

(10)

وإذا كانت الأمة مع حرة أو الحرائر فللحرة ليلتان وللأمة ليلة

(11)

.

‌مذهب الإباضية:

تجب نفقة الأمة وكسوتها وسكناها على

(1)

كشاف القناع: جـ 5 ص 207 (فصل وإذا تزوج بكرا).

(2)

المحلى جـ 9 ص 510، وجـ 10 ص 92 و 101 و 108.

(3)

المحلى جـ 10 ص 41 و 67.

(4)

المحلى جـ 10 ص 67 و 63.

(5)

المحلى جـ 10 ص 70.

(6)

شرح الأزهار جـ 336 (هامش 11).

(7)

شرح الأزهار جـ 2 ص 335 و 336 و 533.

(8)

شرح الأزهار جـ 5362.

(9)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 46 وما بعدها.

(10)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 27.

(11)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 40.

ص: 66

زوجها ولو عبدًا على الصحيح وتدرك (تفرض) على مولى الزوج وذلك أن جلبها الزوج وإلا فعلى سيدها. وإن كانت الأمة عند الزوج ليلا فقط لزمه الإنفاق عليها ليلا وعلى سيدها الإنفاق عليها نهارًا ولا يأتيها زوجها إلا بأوقات لا يشغلها فيها عن خدمة السيد وأن خلاها للزوج ليلا ونهارًا فعلى زوجها نفقتها وكسوتها وفراش نومها وسكناها فيهما، ولو كانت تخدم للسيد. وأن حبسها فيهما السيد فذلك كله عليه. وقيل: لا نفقة للأمة على زوجها مطلقا بل على سيدها

(1)

.

ولا يعزل الزوج عن الأمة أي لا يترك جماعها أو لا ينزل خارج فرجها إلا بإذنها أو بإذن سيدها، وإن إذن أحدهما ومنع الآخر فالحجة لها (أي الأمر لها) وعلى الزوج أن يعدل بين نسائه جميعا ولو اختلفن في حرية وعبودية وذلك إن جلبهن أو طلب جلبهن أو طلبه هو ومنع حتى يؤدى عماجلهن. قيل: تلزمه حقوقهن والعدل بينهن ولو لم يجلبهن أو طلب إليه ذلك، وذلك في المسكن والنفقة واللباس والجماع والمبيت وما دون ذلك عند الأكثر، وقيل: لا يجب في الجماع

(2)

وإذا اجتمع عنده أمه وحرة - عند من يبيح ذلك - فللحرة يومان وللأمة يوم واحد

(3)

.

‌ولد الأمة

‌مذهب الحنفية:

الولد يتبع أمه في الحرية والرق

(4)

وولد الأمة إن كان من سيدها فهو حر وهى أم ولد (انظر استيلاد).

وإذا شرط الحر حرية أولاده من زوجته الأمة على مولاها صح الشرط وعتق كل من ولدته في هذا النكاح لأن قبول المولى الشرط والتزويج على اعتباره هو معنى تعليق الحرية بالولادة فيصح. ويشترط في ذلك أن يكون الزوج حرًا فإن كان عبدًا كان أولاده عبيدًا عند أبو حنيفة وأبو يوسف خلافا لمحمد. وكذلك في العبد المغرور إذا تزوج امرأة على أنها حرة فظهرت أمة. فإن أولاده عبيد. بخلاف الحر المغرور فإن أولاده أحرار بالقيمة اتفاقا. والظاهر أن اشتراط الحرية بعد العقد يصح. ويحرر الأولاد. ويكون الشرط قاصرًا على هذا النكاح فإن طلقها ثم نكحها بعد ذلك فهم أرقاء إلا إذا شرط كالأول

(5)

.

‌مذهب المالكية:

الولد يتبع أمه في الرق والحرية ويستثنى من ذلك ولد الزوج الحر المغرور بحريتها فهو حر. بإجماع الصحابة وهذا الاستثناء قاصر فقط على ولد الحر المغرور بحريتها دون ولد العبد المغرور، والحر غير المغرور. وعلى الحر

(1)

شرح النيل جـ 3 ص 227 و 228.

(2)

شرح النيل جـ 3 ص 228.

(3)

شرح النيل جـ 3 ص 309.

(4)

فتح القدير جـ 3 ص 418.

(5)

حاشية ابن عابدين (طبعة الحلبى 1966) جـ 3 ص 171 (باب نكاح الرقيق).

ص: 67

المغرور أن ردها بالغرر منها أو من سيدها قيمة الولد مطلقا ردها أو امسكها، كان الغرور منها أو من سيدها أو من أجنبى لأنه حر وتعتبر قيمة الولد يوم الحكم بالقيمة لا يوم الولادة ولا يكون مال الولد لسيد أمه ولا ولاء عليه لتخلقه على الحرية. فإذا أعدم الأب بعسر أو موت أخذت القيمة من نفس الولد إن ايسر ولا يرجع بها على أبيه كما لا يرجع بها أبوه عليه ان غرمها

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

ولد الأمة المنكوحة رقيق لمالكها تبعا لها وأن كان زوجها حرًا عربيا، وفى قول قديم: أن ولد العربى حر

(2)

. ولو غُرّ الزوج بحرية أمة في نكاحه اياها سواء وقع التغرير في العقد أو قبله أو بعده فالولد الحاصل قبل الكل لم بأنها أمة حر لظن الزوج حريتها حين حصوله، سواء كان الزوج حرًا أم عبدا وسواء فسخ العقد أم اجازه إذا ثبت له الخيار. وعلى المغرور قيمته لسيدها لأنه فوت عليه رقه التابع لرقها بظنه حريتها فتستقر في ذمته حرًا كان أو عبدًا وتعتبر قيمته يوم الولادة، ويرجع بها على الغار لأنه أوقعه في غرامتها وهو لم يدخل في العقد. وأما الولد الحاصل بعد العلم بأنها أمة والمراد بالحصول العلوق - فهو رقيق والتغرير بالحرية لا يتصور من سيدها لأنه لو قال: زوجتك هذه الحرة أو نحوه عتقت وإنما يتصور من وكيله في نكاحها

(3)

. ولو كان ولد الأمة من سيدها فهو حر (انظر استيلاد).

‌مذهب الحنابلة:

ولد المسلم أو الكتابى من الزوجة الأمة رقيق للسيد تبعا لأمه إلا أن يشترط الزوج على مالكها حرية الولد فيكون حرًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حراما أو حرم حلالا" ولأن هذا لا يمنع المقصود من النكاح فكان شرط لازما وليس للزوج أن يشترط حرية الولد على غير مالكها كناظر الوقف وولى المتيم

(4)

.

وأن تزوج الحر أمرأة يظنها حرة الأصل فبانت أمه أو شرطها حرة فبانت أمة فولده منها حر لأنه اعتقد حريتها فكان ولده حرًا لاعتقاده ما يقتضى حريته ويفديه الزوج بقيمته يوم ولادته؛ قضى بذلك عمر وعلى وابن عباس، لأنه محكوم بحريته عند الوضع فوجب أن يضمنه حينئذ لأنه وقت فوات رقه ولأن الزيادة بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الأمة فلم يضمنها، وذلك إن ولد حيا لوقت يعيش لمثله، سواء عاش أو مات بعد ذلك. ويرجع الزوج بذلك الفداء على من غره سواء كان الغار واحدًا أو أكثر

(5)

.

‌مذهب الظاهرية:

ومن زوج مملوكة لغيره بإذن السيد أو بغير إذن السيد سواء أدعت أنها حرة أو لم تدع، فكل ما ولدت منه فهم عبيد لسيدها لا يجبر على قبول فداء فيهم إلا أن ما كان من ذلك بغير إذن سيدها

(1)

بلغة السالك جـ 1 ص 428 و 429.

(2)

القليوبى جـ 3 ص 250.

(3)

القليوبى جـ 3 ص 267 و 268.

(4)

كشاف القناع طبعة الرياض جـ 5 ص 87 (المحرمات إلى أمد).

(5)

كشاف القناع جـ 5 ص 99 و 100 (فصل: فإن تزوجها على أنها مسلمة).

ص: 68

فعليها حد الزنا وليس نكاحا والولد لا حقوق بالرجل إن كان جاهلا

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

قالوا يلحق الولد بأمه فإن كانت حرة كان الولد حرا ولو كان أبوه عبدا وإن كانت مملوكة كان الولد مملوكا لمالكها ولو كان أبوه حرا فلا حق لولد العبد على أبيه الحر ولا على سيد أبيه إلا أن تكون أمه مملوكة له ويصح شرط حرية ذلك الولد فيكون حرًا

(2)

.

‌مذهبة الإمامية:

إذا تزوج الحر أمة من غير إذن مالكها ثم وطئها قبل الرضا عالما بالتحريم كان زانيا وعليه الحد ولا مهر إن كانت عالمة مطاوعة وإن أتت بولد كان رقيقا لمولاها. وإذا كان الزوج جاهلا بالحرمة أو كان هناك شبهة فلا حد ووجب المهر والولد حر ويلزم أباه قيمته يوم ولد لمولاة، وكذا لو عقد عليها لدعواها الحرية ولزمه المهر وكان ولدها منه رقيقا وعلى الزوج أن يفكه بالقيمة ويلزم المولى دفعه إليه، ولو لم يكن له مال. سعى في قيمته

(3)

وإذا تزوج عبد من أمه لغير مولاه فإن إذن الموليان فالولد لهما وكذا أن لم يأذنا. ولو أذن أحدهما كان الولد لمن لم يأذن

(4)

.

‌تفريق النكاح وآثاره

‌مذهب الحنفية:

إذا عتقت الأمة تحت حر أو عبد فانها تخير في نفسها وهو ما يسمى خيار العتق، ولو كان النكاح برضاها. فإن اختارت نفسها فلا مهر لها وإن اختارت زوجها فالمهر لسيدها. وإذا كانت صغيرة أخرت لبلوغها وليس لها خيار البلوغ على الأصح. والجهل بخيار العتق عذر. ولا يتوقف هذا الخيار على القضاء ولايبطل بالسكوت

(5)

.

والعدة لأمة تحيض لطلاق أو فسخ حيضتان لعدم التجزى ولأمة لم تحض - لطلاق أو فسخ - أو مات عنها زوجها نصف الحرة لقبول التنصيف، وفى حق الحامل مطلقا - أمة أو حرة أو كتابية أو من زنا - وضع جميع حملها

(6)

. وفى أم الولد تفصيل (انظر. استيلاد). وفى التسرى استيراء كما سلف.

‌مذهب المالكية:

لمن كمل عتقها من الإيماء وهى تحت عبد ولو بشائبة فراقه فيحال بينها وبينه حتى تختار فإذا اختارت الفراق أوقعت بنفسها طلقة واحدة بائنة وأن أوقعت طلقتين فله رد الثانية على قول الأكثر ولا شئ لها من الصداق إن اختارت نفسها قبل البناء ولها بعده المسمى لأنه تقرر لها بالوطء إلا إن تعتق قبل البناء ولم تعلم بعتقها فيطؤها غير عالمة فلها الأكثر من المسمى ومن

(1)

المحلى جـ 10 ص 35 و 36.

(2)

شرح الأزهار جـ 2 ص 331 و 332.

(3)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 26.

(4)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 27.

(5)

حاشية ابن عابدين جـ 3 ص 176 وما بعدها. (طبعة الحلبى)(باب نكاح الرقيق).

(6)

حاشية ابن عابدين جـ 3 ص 511. (باب العدة).

ص: 69

صداق المثل

(1)

. وعدة الأمة الحامل - وضع حملها، ولذات الحيض قرآن. وإن كانت من ذوات المدة، كالأيس ومن لم تر الحيض - فعدتها ثلاثة أشهر. وأن تأخر حيضها لغير عذر أو استحاضت ولم تميز تربصت سنة كاملة

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

من عتقت تحت رقيق أو من فيه رق تخيرت في فسخ النكاح قبل الدخول وبعده لأنها تتغير بمن فيه رق وهذا إذا كانت كاملة الأهلية فإن كانت ناقصة الأهلية كصغيرة ومجنونة حتى تكمل وللزوج وطؤها قبل الفسخ والأصل في ذلك أن بريرة عتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبدًا فاختارت نفسها رواه مسلم أما من عتقت تحت حر فلا خيار لها لأن ما حدث لها من الكمال متصف به الزوج ولو عتقا معا أو مات أو عتق بعد عتمها وقبل فسخها فلا خيار والأظهر أن الخيار على الفور كخيار البيع والثانى يمتد مدة التروى ثلاثة أيام ومبدؤها من حين علمت بالعتق وثبوت الخيار والثالث يمتد إلى أن تصرح بإسقاط أو تمكن من الوطء طائعة فإن قالت - بعد تأخيرها الفسخ - جهلت العتق صدقت بيمينها ان أمكن حملها، وكذا ان قالت جهلت الخيار به في الأظهر، والثانى: يمنع ذلك ويبطل خيارها بأن كان المعتق غائبا عنها حين العتق فإن كانت معه في بيته ويبعد خفاء العتق عليها فالمصدق الزوج. والفسخ بالعتق لا يحتاج إلى مرافعة إلى الحاكم لأنه ثابت بالنص والإجماع. ولو عتق بعضها أو كوتبت أو عتق عبد تحته أمة فلا خيار لها ولا له

(3)

. ولو نكح امرأة وشرط فيها الحرية فاخلف المشروط - بأن ظهرت أمة - فالأظهر صحة النكاح لأن المعقود عليه معين لا يتبدل بخلف الصفة المشروطة. والثانى: بطلانه لأن النكاح يعتمد الصفات والأسماء دون التعيين والمشاهدة فيكون اختلاف الصفة فيه كاختلاف العين. ثم على القول بالصحة - أن بان الموصوف خيرا مما شرط فيه، كأن شرطها أمة فبانت حرة فلا خيار

(4)

.

وعدة الأمة ومن فيها رق وأم الولد والمكاتبة بقرأين وإن عتقت في العدة أقوال ثلاثة؛ أحدها: تكمل عدة حرة مطلقا لوجود العتق في العدة، والثانى: عدة أمة مطلقا وطروّ العتق لا يغير ما وجب والثالث: وهو الأظهر: يكمل الرجعية عدة حرة لأنها كالزوجة فكأنها عتقت قبل الطلاق، والبائن عدة أمة لأنها كالأجنبية فكأنها عتقت بعد انقضاء العدة. إذا كانت الامة لم تحصن أو يئست من المحيض فعدتها شهر ونصف على النصف من الحرة وفى قول شهران لأنهما بدل قرأين وقيل ثلاثة لأن الماء لم يظهر أثره إلا بعدها

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

إن عتقت الأمة كلها وزوجها حر فلا خيار لها، أو عتقت كلها وبعضه حر فلا خيار لها؛ لأنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها خيار. ورواية عائشة وابن عباس أن زوج بريرة كان عبدًا مقدمة عندهم على رواية أنه كان حرًا. وعمل أهل المدينة على الأول. وإن كان زوج الأمة التي عتقت كلها عبدًا فلها فسخ النكاح

(1)

بلغة المسالك جـ 1 ص 430.

(2)

بلغة المسالك جـ 1 ص 497 وما بعدها.

(3)

القليوبى وعميرة جـ 3 ص 268، ص 269.

(4)

القليوبى وعميرة جـ 3 ص 265، ص 267.

(5)

القليوبى وعميرة جـ 4 ص 41 وما بعدها.

ص: 70

بنفسها بلا حاكم لأنه فسخ مجمع عليه غير مجتهد فيه فلم يفتقر إلى حكم حاكم. فإذا قالت: اخترت نفسى، أو قالت: فسخت النكاح، انفسخ. وكذا لو قالت اخترت فراقه أو طلقت نفسى ونوت المفارقة. وخيار الفسخ منها على التراضى فإن عتق زوجها قبل فسخها بطل خيارها، لأن الخيار لدفع الضرر بالرق وقد زال بالعتق فسقط الخيار. ولو رضيت العتيقة بالمقام معه بعد العتق فلا خيار لها، وكذا لو أمكنته من وطئها أو من مباشرتها أو من تقبيلها طائعة أو قبلته هي ونحوه مما يدل على الرضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبريرة:"إن قربك فلا خيار لك" رواه أبو داود. فإن ادعت الجهل بالعتق وكان ممكنا أو أدعت الجهل بملك الفسخ لم تسمع دعواها وبطل خيارها. ويجوز للزوج الأقدام على وطئها إذا كانت غير عالمة بالعتق لأنه حقه ولم يوجد ما يسقطه. ولو بذل الزوج لها عوضا على أن تختاره جاز. ولو شرط معتقها عليها دوام النكاح تحت حر أو عبد فرضيت بالشرط لزمها ذلك وليس لها الفسخ. وإن كانت صغيرة أو مجنونة فلا خيار لها في الحال ولها الخيار إذا بلغت تسعًا وعقلت ما لم يطأ الزوج قبل اختيارها الفسخ فيسقط كالكبيرة. وليس لولى الصغيرة أو المجنونة الاختيار عنها. فإن طلقت قبل الخيار وقع الطلاق أن كان بائنا وإن كان رجعيا فلها الخيار. وأن عتقت المعتدة الرجعية فلها الخيار. ومتى اختارت العتيقة الفرقة بعد الدخول فالمهر للسيد وإن كان الفسخ قبله فلا مهر وإن أعتق العبد وتحته أمه فلا خيار له. ولو تزوج رجل امرأة عن غير شرط الحرية أو الرق فبانت أمة فلا خيار له

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

إذا عتقت المملوكة المزوجة بعبد أو حر فإنها تخير، فإن اختارت فراقه فلها ذلك، وإن اختارت أن تقر عنده فلها ذلك، وقد بطل خيارها وعليها العدة فاختيارها فراقه كعدة الطلاق

(2)

وعدة الأمة المزوجة من الطلاق أو الوفاة كالحرة سواء بسواء

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

متى عتقت الأمة المزوجة خيرت بين فسخ النكاح أو البقاء سواء كان الزوج حرًا أو عبدا، وقيل: لا خيار لها أن كان الزوج حرًا

(4)

وعدة الأمة عن الوفاة أربعة أشهر وعشرا كيف كان الزوجان سواء كانا طفلين أو أحدهما أو كانت مدخولة أو غير مدخولة لا فرق بين الحرة والأمة

(5)

.

‌مذهب الإمامية الجعفرية:

إذا طلقت الأمة مرتين حرمت حتى تنكح زوجا غيره سواء كانت تحت حر أو عبد فلا تحل للأول بوطء المولى. وكذلك لا تحل لو ملكها المطلق لسبق التحريم على الملك

(6)

، وإذا تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أمة كان له الفسخ ولو دخل بها. وقيل: العقد باطل والأول أظهر ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول ولها المهر بعده

(7)

.

(1)

كشاف القناع - طبعة الرياض جـ 5 ص 102 وما بعدها. (فصل وإن عتقت الأمة).

(2)

المحلى جـ 10 ص 152 المسألة 1946.

(3)

المحلى جـ 10 ص 306.

(4)

شرح الأزهار جـ 20 ص 337.

(5)

شرح الأزهار جـ 2 ص 469 و 470.

(6)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 59.

(7)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 22.

ص: 71

‌مذهب الإباضية:

لا طلاق من عبد أو أمة إلا بإذن سيدها. ولا مراجعة ولا ظهار ولا إيلاء أو فداء إلا بإذن السيد، فلو راجعها زوجها عن فداء لم يجز إلا بإذن السيد وإن فعل عبد أو أمة شيئا من ذلك بلا إذن السيد ثم أجازه السيد جاز

(1)

وإذا أعتقت الأمة المزوجة كان لها التخيير ولو كان زوجها حرًا، ولو سها. وقيل خيارهما طلاق

(2)

.

‌حكم الأمة في الحدود والجنايات:

‌مذهب الحنفية:

إذا وطأ جارية أبيه أو أمه أو زوجته وقال ظننت أنها تحل لى فلا حد عليه ولا على قاذفه، وإن قال علمت أنها على حرام حُدّ، وكذا العبد إذا وطء جارية مولاه، لأن بين هؤلاء انبساطا في الانتفاع فظنه في حل الاستمتاع محتمل فكان شبهة اشتباه، إلا أنه زنا حقيقة فلا يحد قاذفه. وكذا إذا قالت الجارية: ظننت أنه يحل لى والفحل لم يدع في الظاهر لأن الفعل واحد وأن وطء جارية أخيه أو عمه وكذا سائر المحارم سوى الولاد، وقال: ظننت أنها تحل لى حُدّ لأنه لا انبساط في المال فيما بينهم. ولا حد على من وطئ جاريه ولده وولد ولده وأن قال علمت أنها على حرام لأن الشبهة حكمية لأنها نشأت عن دليل وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" والأبوة قائمة في حق الجد

(3)

. وتضرب الأمة في الحد خمسين جلدة لقوله تعالى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب نزلت في الإماء انظر مصطلح جد وأما حكمها في الجناية من وعليها - انظر مصطلح جنايات.

‌مذهب المالكية:

إذا وطئ جارية ابنه أو بنته فلا حد عليه وتقوم عليه حملت أم لم تحمل لأنها قد حرمت على ابنه فاستهلكها بذلك. وجاز للسيد إقامة حد الزنا على تعينه الذكر أو الأنثى

(4)

انظر.

‌مذهب الشافعية:

لا حد على الرجل أن وطء أمته المزوجة والمعتدة قطعا وقيل في الأظهر لشبهة الملك وكذا مملوكته المحرم برضاع أو نسب كموطوءة أبيه أو ابنه

(5)

. ويحرم على الأب وطء أمة ولده والمذهب وجوب مهر لأحد لأن له في مال ولده شبهة فإن احبلها فالولد حر ويحرم عليه نكاحها

(6)

. انظر مصطلح حد أما حكمها في الجناية منها وعلمها فانظر مصطلح جناية.

‌مذهب الحنابلة:

إذا زنت الأمة جلدت خمسين جلدة ولم تغرب بكرًا كانت أم ثيبا انظر مصطلح حد أما الجناية منها وعليها فانظر مصطلح جناية.

‌مذهب الظاهرية:

حد المماليك ذكورهم وإناثهم في الجلد والنفى المؤقت والقطع على النصف من حد الأحرار في كل ما يمكن أن يكون له نصف. وما لا يمكن أن يكون له نصف له من القتل بالسيف أو الصلب والنفى الذي لا وقت له

(1)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 59.

(2)

شرائع الإسلام جـ 2 ص 22.

(3)

الهداية جـ 2 جـ 75.

(4)

بلغة السالك جـ 2 ص 425.

(5)

القليوبى جـ 4 ص 179.

(6)

القليوبى جـ 2 ص 274.

ص: 72

فالمماليك والأحرار فيه سواء

(1)

. انظر مصطلح حد وأما منها أو عليها فانظر مصطلح جناية.

‌مذهب الزيدية:

ينصف الحد على العبد فيجلد نصف الحر ويستوى في ذلك الأمة والمدبرة وأم الولد

(2)

والمملوك لا يحصن فالأمة تحصن الحر وهو لا يحصنها

(3)

. ويحد السيد عبده وأمته عند عدم الإمام في الزمان، فلا يحده غير السيد فإن مات السيد أو انتقل الملك سقط الحد

(4)

. وللرجل قتل من وجده مع أمته حال الفعل

(5)

. وإذا وطئ الأب أمة أبنه فعلقت فقد استهلكها ويلزمه قيمتها يوم العلوق ولا يجب لها عقر وقيل غير ذلك

(6)

انظر مصطلح حد وأما الجناية منها أو عليها فانظر مصطلح جناية.

‌مذهب الإمامية الجعفرية:

يجوز للأب أن يقوم مملوكة ابنه إذا كان صغيرا ثم يطأها بالملك. ولو بادر أحدهما فوطئ مملوكة الآخر من غير شبهة كان زانيا لكن لا حد على الأب، وعلى الابن الحد. ولو كان هناك شبهة سقط الحد. انظر مصطلح حد - أما الجناية منها وعليها فانظر مصطلح جناية.

‌مذهب الإباضية:

العبد والأمة على نصف الحر في الحد ولا يرجمان في الزنا بل يجلدان نصف الحر مطلقا وهو خمسون جلدة وفى القذف أربعين جلدة. وقيل إن أحصنا جلدا في الزنا خمسين جلدة وإلا نكلا وهو الأصح

(7)

. انظر مصطلح حد وأما الجناية منها وعليها فانظر مصطلح جناية.

(1)

المحلى جـ 11 ص 160.

(2)

شرح الأزهار جـ 4 ص 343 والهامش.

(3)

شرح الأزهار جـ 4 ص 335 والهامش.

(4)

شرح الأزهار جـ 4 ص 347.

(5)

شرح الأرهار جـ 2 ص 336.

(6)

شرح الأزهار جـ 2 ص 363.

(7)

شرح النيل جـ 3 ص 336.

ص: 73

بسم الله الرحمن الرحيم

‌امتناع

‌التعريف في اللغة:

امتناع مصدر فعله امتنع المزيد على أصله الهمزة والتاء، فأصل مادته منع بالتخفيف؛ جاء في لسان العرب

(1)

: منع الشئ يمنعه منعًا ومنعه بالنون المشددة فامتنع منه وتمنع، والمنع أن تحول بين الرجل وبين الشئ الذي يريده، وهو خلاف الإعطاء، ويقال هو تحجير الشئ؛ يقال رجل منوع ومانع ومناع ضنين ممسك. ومن ذلك ما جاء في التنزيل "مناع للخير"

(2)

، وقوله تعالى:"إذا مسه الخير منوعا"

(3)

، ومنيع: لا يخلص إليه في قوم منعاء، والاسم المنعة. بقتع الميم وفتح النون وسكونها - والمنعة بكسر الميم وسكون النون. قال ابن الأعرابى: رجل منوع يمنع غيره، ورجل منيع يمنع نفسه، قال: والمنيع أيضا الممتنع: والمنوع الذي يمنع غيره، قال عمرو بن معد يكرب:

بَرانى حُب من لا أستطيعُ

ومن هو للذى أهوى منوع

والمانع من صفات الله تعالى له معنيان:

أحدهما: ما روى عنه النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت" فكان عز وجل يعطى من استحق العطاء ويمنع من لم يستحق إلا المنع، ويعطى من يشاء ويمنع من يشاء، وهو العادل في جميع ذلك. والمعنى الثاني من تفسير المانع: أنه تبارك وتعالى يمنع أهل دينه أي يحوطهم وينصرهم. وقيل: يمنع من يريد من خلقه ما يريد ويعطيه ما يريد، ومن هذا يقال فلان في منعة أي في قوم يحمونه ويمنعونه، وهذا المعنى في صفة الله جل جلاله بالغ؛ إذ لا منعة لمن لم يمنعه الله، ولا يمتنع من لم يكن الله له مانعا، وفى الحديث الشريف:"اللهم من منعت ممنوع" أي من حرمته فهو محروم لا يعطيه أحد غيرك، وفى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن عقوق الأمهات، ومنع وهات، أي عن منع ما عليه إعطاؤه وطلب ما ليس له. وجاء في المعجم الوسيط

(4)

: منع فلانا الشئ، ومنعه منعا: حرمه اياه، ويقال: منعه من حقه ومنع حقه منه. ومنع الجار: أجاره وحماه. ويقال: امتنع الشئ: تعذر حصوله، وامتنع عن الشئ: كف عنه، ويقال امتنع من الأمر وامتنع به: تقوى واحتمى به، ويقال تمانعا بمعنى امتنعا، وتمانعا على أنفسهما: تحاميا، وتمنَّع الشئ: امتنع وتمنع به: احتمى، وتمنع عنه: انكف. وقال صاحب القاموس المحيط

(5)

: المنعى - على وزن

(1)

لسان العرب للإمام أبي الفضل جمال الدين محمد بن الإمام جلال الدين أبى العز مكرم بن الشيخ نجيب الدين المعروف بابن منظور المصري جـ 10 ص 220، ص 221 مادة (منع) طبعة مصورة عن طبعة بولاق بمصر.

(2)

الآية رقم 25 من سورة نون.

(3)

الآية رقم 21 من سورة المعارج.

(4)

المعجم الوسيط إخراج إبراهيم مصصفى وآخرين جـ 2 ص 895 مادة (منع) طبع مطبعة مصر بالقاهرة سنة 1381 هـ سنة 1961 م.

(5)

القاموس المحيط لمجد الدين الفيروز آبادي ص 86 مادة (منع) الطبعة الخامسة طبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر.

ص: 74

سكرى - الامتناع، والامتناع الكف عن الشئ، والممتنع الأسد القوى العزيز في نفسه. قال صاحب اللسان: وحكى ابن برى عن النجيرمى: منعة جمع مانع، وفى الحديث الشريف: سيعوذ بهذا البيت قوم ليست لهم منْعة أي قوة تمنع من يريدهم بسوء. ويقال امرأة منيعة أي ممتنعة لا تؤاتى على فاحشة

(1)

.

التعريف في اصطلاح الأصوليين والفقهاء: الأصوليون والفقهاء يكادون لا يخرجون في استعمالاتهم لكلمة امتناع على المعنى اللغوى، فهو بمعنى العصمة والتحجير، وبمعنى تعذر الحصول، وبمعنى الكف عن الشئ، وبمعنى التقوى والاحتماء. ولكل من هذه الاستعمالات مجاله على ما سيأتي مفصلا إن شاء الله تعالى.

‌أولا: الامتناع في استعمال الأصوليين التكليف بالممتنع

أصول الحنفية: جاء في فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت أنه لا يجوز التكليف بالممتنع بالذات مطلقا في ذاته، لا بالنسبة إلى قدرة دون قدرة، كالجمع بين الضدين، أو الممتنع بالذات صدوره من المكلف وإن كان ممكنا بالنسبة إلى قدرة الله تعالى كخلق الجوهر من القدرة الحادثة. وجوز الأشعرية التكليف بالممتنع بالذات بالنحوين المذكورين، واختلفوا في وقوعه، فمنهم من قال إنه واقع، ومنه من قال لا. وأما الممتنع عادة - وهو الممكن في ذاته - وبالنظر إلى قدرة المكلف لكن في العادة لا يصدر من المكلف كحمل الجبل فيجوز التكليف به عندنا عقلا خلافا للمعتزلة فإنهم لا يجوزونه عقلا، ولا يجوز عندنا شرعا لقول الله عز وجل:"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"

(2)

، والإِجماع منعقد على صحة التكليف بما علم الله تعالى أنه لا يقع، وإن كان هذا الذي لا يقع محالا بالغير وفى شرح الشرح بل على وقوعه أيضا. ويدل لنا: أنه لو صح التكليف بالممتنع لكان مطلوبا لأنه معنى التكليف، والطلب موقوف على تصور وقوعه كما طلب. وإن لم يتصور ذلك المطلوب لما طلب ذلك بل لشئ آخر، وهذا ضرورى، فقد خرج لو جاز التكليف بالممتنع لكان مقصورا كما طلب أي من جهة الوقوع، وتصور وقوع المحال من حيث إنه محال، ومعلوم الاستحالة في الخارج باطل بالضرورة، فجواز التكليف بالمحال باطل، فإن قلت هذا استدلال في مقابلة الضرورة إذ لا استحالة فيما إذا قال للمكلف أوجد اجتماع النقيضين أو المحال، قال: وهذا الذي ذكرنا في التكليف الحقيقى والطلب حقيقة، وأما التكليف الصورى الذي من غير طلب حقيقى بأن يتلفظ بصيغة الأمر ويقول أوجد المحال أو ائت باجتماع النقيضين فما هو إلا كقولك اجتماع النقيضين واقع، فإن الإِخبار به حقيقة غير

(1)

لسان العرب لابن منظور جـ 10 ص 221 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

ص: 75

صحيح وإن كان التلفظ به صحيحا كذا هاهنا الطلب حقيقة غير صحيح وإن كان التلفظ بصيغة الأمر صحيحا ولا نقول باستحالة هذا التلفظ بهذا الدليل. وإنما قيل في كلام أهل الحق بامتناعه لمدرك آخر دال عليه لو تم المدرك لتم امتناع هذا التلفظ والمدرك الآخر هو أن التلفظ بما لا يقصد معناه سفه أو هزل وهو مستحيل على الله تعالى.

وإن التكليف بالمحال نقص مستحيل عليه تعالى، وهذا المدرك شامل للصورى والحقيقى، إلا أنه مختص بتكليف الله تعالى

(1)

.

أصول غير الحنفية: جاء في الأحكام أنه اختلف قول أبى الحسن الأشعرى رضى الله تعالى عنه في جواز التكليف بما لا يطاق نفيا وإثباتا، وذلك كالجمع بين الضدين وقلب الأجناس وإيجاد القديم وإعدامه ونحو ذلك، وميله في أكثر أقواله إلى الجواز وهو لازم على أصله في اعتقاد وجوب مقارنة القدرة الحادثة للمقدور بها، مع تقدم التكليف بالفعل على الفعل، وأن القدرة الحادثة غير مؤثرة في مقدورها، بل مقدورها مخلوق لله تعالى ولا يخفى أن التكليف بفعل الغير حالة عدم القدرة عليه تكليف بما لا يطاق وهذا هو مذهب أكثر أصحابه وبعض معتزلة بغداد حيث قالوا بجواز تكليف العبد بفعل في وقت علم الله تعالى أن يكون ممنوعا عنه، والبكرية حيث زعموا أن الختم والطبع على الأفئدة مانعان من الإِيمان مع التكليف به، غير أن من قال بجواز ذلك من أصحابه اختلفوا في وقوعه نفيا وإثباتا، ووافقه على القول بالنفى بعض الأصحاب، وهو مذهب البصريين من المعتزلة وأكثر البغداديين، وأجمع الكل على جواز التكليف بما علم الله تعالى أنه لا يكون عقلا وعلى وقوعه شرعا كالتكليف بالإِيمان لمن علم الله تعالى أنه لا يؤمن كأبى جهل، خلافا لبعض الثنوية. والمختار إنما هو امتناع التكليف بالمستحيل لذاته، كالجمع بين الضدين ونحوه، وجوازه في المستحيل باعتبار غيره، وإليه ميل الغزالى رضى الله تعالى عنه. ولنفرض الكلام في الطرفين؛ أما الطرف الأول: وهو امتناع التكليف بالمستحيل لذاته فيدل عليه أن التكليف طلب ما فيه كلفة، والطلب يستدعى مطلوبا متصورا في نفس الطالب، فإن طلب ما تصور له في النفس محال، والمستحيل لذاته كالجمع بين الضدين، والنفى والإِثبات معا في شئ واحد ونحوه لا تصور له في النفس، ولو تصور في النفس لما كان وقوعه في الخارج ممتنعا لذاته، وكما يمتنع التكليف بالجمع بين الضدين في طرف الوجود، فكذلك يمتنع التكليف بالجمع بين الضدين في طرف السلب إذا لم يكن بينهما واسطة كالتكليف بسلب الحركة والسكون معا في شئ واحد لاستحالة ذلك لذاتيهما، وعلى هذا فمن توسط مزرعة مغصوبة فلا يقال له لا تمكث ولا تخرج كما ذهب الله أبو هاشم، وإن كان في كل واحد من المكث والخروج إفساد زرع الغير، بل يتعين التكليف بالخروج لما فيه من تقليل الضرر، وتكثيره في المكث، كما يكلف المولج في الفرج الحرام بالنزع وإن كان به مماسا للفرج المحرم لأن ارتكاب أدنى

(1)

فواتح الرحموت لعبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه للإمام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور جـ 2 ص 133، ص 134 في كتاب أعلاه المستصفى من علم الأصول للإمام حجة الإسلام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى الطبعة الأولى المطبعة الأميرية بمصر سنة 1322 هـ.

ص: 76

الضررين يصير واجبا نظرا إلى رفع أعلاهما، كإيجاب شرب الخمر على من غص بلقمة ونحو، ووجوب الضمان عليه بما يفسده عند الخروج لا يدل على حرمة الخروج، كما يجب على المضطر في المخمصة بما يتلفه بالأكل وإن كان الأكل واجبا وإن قدر انتفاء الترجيح بين الطرفين وذلك كما إذا سقط إنسان من شاهق على صدر صبى محفوفا بصبيان، وهو يعلم أنه إن استمر قتل من تحته وإن انتقل قتل من يليه، فيمكن أن يقال بالتخيير بينهما أو يخلو مثل هذه الواقعة عن حكم الشارع وهو أولى من تكليفه ما لا تصور له في نفس الطالب على ما حققناه، وهذا بخلاف ما إذا كان محالا باعتبار غيره فإنه يكون ممكنا باعتبار ذاته، فكان متصورا في نفس الطالب وهو واضح لا غبار عليه. فإن قيل: ما ذكرتموه من إحالة طلب الجمع بين الضدين بناء على عدم تصوره في نفس الطالب غير صحيح، وذلك لأنه لو لم يكن متصورا في نفس الطالب لما علم إحالته، فإن العلم بصفة الشئ فرع تصور ذلك الشئ، واللازم ممتنع؛ وإن سلم دلالة ما ذكرتموه إلا أنه معارض بما يدل على جواز التكليف بالجمع بين الضدين ووقوعه شرعا وبيانه قوله تعالى لنوح عليه السلام:"إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن "

(1)

أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يؤمن غير من آمن مع أنهم كانوا مكلفين بتصديق فيما يخبر به، ومن ضرورة ذلك تكليفهم بألا يصدقوه تصديقا له في خبره أنهم لا يؤمنون. وأيضا فإن الله تعالى كلف أبا لهب بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم في إخباره، ومن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا لهب لا يصدقه لإخبار الله تعالى لنبيه بذلك، فقد كلفه بتصديقه في إخباره بعدم تصديقه له، وفى ذلك تكليفه بتصديقه وعدم تصديقه، وهو تكليف بالجمع بين الضدين. قلنا: أما الإِشكال الأول فمندفع، وذلك لأن الجمع المعلوم المقصور المحكوم بنفيه عن الضدين إنما هو الجمع المعلوم بين المختلفات التي ليست متضادة، ولا يلزم من تصوره منفيا عن الضدين تصوره ثابتا لهما، وهو دقيق فليتأمل، وما ذكروه من المعارضة، فلا نسلم وجود الأخبار بعدم الإِيمان في الآيتين مطلقا. أما في قصة أبى لهب فغاية ما ورد فيه قول الله عز وجل:"سيصلى نارا ذات لهب"

(2)

وليس في ذلك ما يدل على الإِخبار بعدم تصديقه للنبى مطلقا، فإنه لا يمتنع تعذيب المؤمن، وبتقدير امتناع ذلك أمكن حمل قوله تعالى "سيصلى نارا ذات لهب" على تقدير عدم إيمانه، وكذلك التأويل في قوله تعالى:"إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" أي بتقدير عدم هداية الله تعالى لهم إلى ذلك. وذلك لا يدل على الإِخبار بعدم الإِيمان مطلقا، وإن سلمنا ذلك ولكن لا نسلم أنهم كلفوا بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر من عدم تصديقهم بتكذيبه، وهذا مما اتفق عليه نفاة التكليف بالجمع بين الضدين. وأما الطرف الثاني وهو بيان جواز التكليف بالمستحيل لغيره فقد احتج الأصحاب عليه بالنص والمعقول، أما النص فقوله تعالى: "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به

(3)

فقد سألوا دفع التكليف بما لا يطاق، ولو كان ذلك ممتنعا لكان مندفعا بنفسه ولم يكن إلى سؤال دفعه عنهم حاجة. فإن قيل إنما يمكن حمل الآية على سؤال رفع ما لا يطاق أن لو كان ذلك ممكنا وإلا

(1)

الآية رقم 36 من سورة هود.

(2)

الآية رقم 3 من سورة المسد.

(3)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

ص: 77

لتعذر السؤال بدفع ما لا إمكان لوقوعه كما ذكرتموه، وإمكانه متوقف على كون الآية ظاهرة فيه فيكون دورا، سلمنا كونها ظاهرة فيما ذكرتموه، ولكن أمكن تأويلها بالحمل على سؤال دفع ما فيه مشقة على النفس، وإن كان مما يطاق ويجب الحمل عليه لموافقته منا سنذكره من الدليل بعد هذا، سلمنا إرادة دفع ما لا يطاق، لكنه حكاية حال الداعين، ولا حجة فيه، سلمنا صحة الاحتجاج بقول الداعين، لكن لا يخلو إما أن يقال بأن جميع التكاليف غير مطاقة أو البعض دون البعض. الأول يوجب إبطال فائدة تخصيصهم بذكر ما لا يطاق. بل كان الواجب أن يقال لا يكلفنا، وإن كان الثاني فهو خلاف أصلكم، سلمنا دلالة ما ذكرتموه، لكنه معارض بقوله تعالى "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"

(1)

وهو صريح في الداب، وقوله تعالى:"وما جعل عليكم في الدين حرج"

(2)

ولا حرج أشد من التكليف بما لا يطاق، والجواب عن السؤال الأول إن الآية بوصفها ظاهرة فيما لا يطاق فيجب تقدير إمكان التكليف به ضرورة حمل الآية على ما هى ظاهرة فيه حذرا من التأويل من غير دليل، وعن الثاني أنه ترك الظاهر من غير دليل. وعن الثالث أن الآية إنما وردت في معرض التقرير لهم والحث على مثل هذه الدعوات، فكان الاحتجاج بذلك لا بقولهم. وعن الرابع أنه وإن كان كل تكليف عندنا تكليفا بما لا يطاق غير أنه يجب تنزيل السؤال على ما لا يطاق وهو ما يتعذر الإِتيان به مطلقا في عرفهم دون ما لا يتعذر لما فيه من إجراء اللفظ على حقيقته وموافقة أهل العرف في عرفهم غايته إخراج ما لا يطاق مما هو مستحيل في نفسه لذاته من عموم الآية لما ذكرنا من استحالة التكليف به وامتناع سؤال الدفع للتكليف بما لا تكليف به. ولا يخفى أنه تخصيص، والتخصيص أولى من التأويل، وعن المعارضة بالآيتين أن غايتهما الدلالة على نفس وقوع التكليف بما لا يطاق. ولا يلزم من ذلك ففى الجواز المدلول عليه من جانبنا، كيف وإن الترجيح لما ذكرناه من الآية لاعتضادها بالدليل العقلى على ما يأتى، ومع ذلك فلا خروج لها عن الظن والتخمين، وربما احتج بعض الأصحاب بقوله تعالى:"يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون"

(3)

وهو تكليف بالسجود مع عدم الاستطاعة، وإنما يصح الاحتجاج به إن أمكن أن يكون الدعاء في الآخرة بمعنى التكليف. وليس كذلك بالإجماع على أن الدار الآخرة إنما هي دار مجازاة لا دار تكليف. وأما من جهة المعقول فقد احتج فيه بعضهم بحجج واهية؛ الأولى منها: هو أن الفعل المكلف به إن كان مع استواء داعى العبد إلى الفعل والترك كان الفعل ممتنعا لامتناع حصول الرحجان معه، وإن كان مع الترجيح لأحد الطرفين كان الراجح واجبا والمرجوح ممتنعا، والتكليف بهما يكون محالا. الثانية: أن الفعل الصادر من العبد إما أن يكون العبد متمكنا من فعله وتركه أو لا يكون، فإن لم يكن متمكنا منه فالتكليف له بالفعل يكون تكليفا بما لا يطاق، وإن كان متمكنا منه فإما أن لا يتوقف ترجح فعله على تركه على مرجح أو يتوقف؛ الأول محال وإلا كان كل موجود حادثا هكذا، ويلزم منه سد باب إثبات

(1)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(2)

الآية رقم 78 من سورة الحج.

(3)

الآية رقم 42 من سورة القلم.

ص: 78

واجب الوجود، وإن توقف فذلك المرجح إن كان من فعل العبد عاد التقسيم وهو تسلسل ممتنع وإن كان من فعل غيره فإما أن يجب وقوع الفعل أو لا يجب، وإذا لم يجب كان ممتنعا أو جائزا، والأول محال وإلا كان المرجح مانعا، وإن كان الثاني عاد التقسيم بعينه وهو متنع. فلم يبق سوى الوجوب. والعبد إذ ذاك يكون مجبورا لا مخيرا وهو عين التكليف بما لا يطاق. الثالثة: أن قدرة العبد غير مؤثرة في فعله، وإلا كانت مؤثرة فيه حال وجوده، وفيه إيجاد الموجود أو قبل وجوده، ويلزم من ذلك أن يكون تأثير القدرة في المقدور مغايرا له لتحقق التأثير في الزمن الأول دونه. والكلام في ذلك التأثير وتأثير مؤثره فيه كالأول. وهو تسلسل ممتنع. والقدرة غير مؤثرة في الفعل وهو المطلوب. الرابعة: أن العبد مكلف بالفعل قبل وجود الفعل، والقدرة غير موجودة قبل الفعل؛ لأنها لو وجدت لكان لها متعلق ومتعلقها لا يكون عدما لأنه نفى محض، فلا يكون أثرا لها. فكان وجودا، ولزم من ذلك أن تكون موجودة مع الفعل لا قبله. الخامسة: أن العبد مأمور بالنظر في قوله تعالى: "قل انظروا"

(1)

والنظر متوقف على القضايا الضرورية قطعا للتسلسل، وهى متوقفة على تصور مفرداتها، وهى غير مقدورة التحصيل، لأنه إن كان عالما بها، فتحصيل الحاصل محال، وإن لم يكن عالما بما بها فطلبها محال، فالنظر يكون ممتنع التحصيل. وهذه الحجج ضعيفة جدا. أما الحجة الأولى فلقائل أن يقول: المانع أن يكون وجود الفعل مع رجحان الداعى إلى الفعل. وقوله لأنه صار الفعل واجبا، يجاب عليه بأنه صار واجبا بالداعى إليه والاختيار له أو لذاته، الأول مسلم، والثانى ممنوع، وعلى هذا خرج العبد عن كونه مكلفا بما لا يطاق ثم يلزم عليه أن تكون أفعال الرب تعالى غير مقدورة بعين ما ذكروه وهو ممتنع، فما هو الجواب عن أفعال الله يكون مشتركا. وأما الثانية فهى بعينها أيضا لازمة على أفعال الله إذ أمكن أن يقال فعل الله إما ألا يكون متمكنا منه أو يكون. وهو إما أن يفتقر إلى مرجح أو لا، وإن افتقر إلى مرجح. فإن كان من فعله عاد التقسيم، وإن لم يكن من فعله فإما أن يجب وقوع الفعل معه أو لا يجب وهلم جرا إلى آخره، والجواب يكون مشتركا. وكذلك الثالثة أيضا لازمة على أفعال الله مع أنها مقدرة له إجماعا. وأما الرابعة؛ فيلزم منها أن تكون قدرة الرب تعالى حادثة موجودة مع فعله لا قبله، وهو مع إحالته فقائل هذه الطريقة غير قائل به. وبيان ذلك أنه أمكن أن يقال: لو وجدت قدرة الرب قبل وجود فعله لكان لها متعلق وليس متعلقها العدم، فلم يبق غير الوجود ويلزم ألا يكون قبل الفعل بعين ما ذكروه. وأما الخامسة فأشد ضعفا مما قبلها إذ هي مبنية على امتناع اكتساب التصورات. وبتقدير ألا تكون التصورات مكتسبة، فالعلم بها يكون حاصلا بالضرورة والتكليف بالنظر المستند إلى ما ينقطع التسلسل عنده من المعلومات الضرورية، لا يكون تكليفا بما لا يطاق وهو معلوم بالضرورة. والمعتمد في ذلك مسلكان؛ المسلك الأول: أن العبد غير خالق لفعله، فكان مكلفا بفعل غيره وهو تكليف بما لا يطاق، وبيان أنه غير خالق لفعله أنه لو كان خالقا لفعله، فليس خالقا له بالذات والطبع إجماعا، بل بالاختيار، والخالق بالاختيار لا بد وأن يكون مخصصا

(1)

الآية رقم 101 من سورة يونس.

ص: 79

لمخلوقه بالإِرادة. ويلزم من كونه مريدا له أن يكون عالما به ضرورة، والعبد غير عالم بجميع أجزاء حركاته في جميع حالاته ولا سيما في حالة إسراعه، فلا يكون خالقا لها. المسلك الثانى: أن إجماع السلف منعقد قبل وجود المخالفة من التنويه على أن الله تعالى مكلف بالإِيمان لمن علم أنه لا يؤمن، كمن مات على كفره، وهو تكليف بما يستحيل وقوعه؛ لأنه لو وقع لزم أن يكون علم البارى تعالى جهلا وهو محال فإن قيل: أما المسلك الأول وإن سلمنا أن العبد لا بد من أن يكون عالما بما يخلقه من أفعاله لكن من جهة الجملة أو من جهة التفصيل، الأول سبيل إلى نفيه، والثانى ممنوع، وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن العبد غير خالق لفعله لكنه معارض بما يدل على خلقه له، ودليله المعقول والمنقول؛ أما المعقول فهو أن قدرة العبد ثابتة بالإِجماع منا ومنكم على فعله؛ فلو لم تكن هي المؤثرة فيه لانتفى الفرق بين المقدور وغيره وكان المؤثر فيه غير العبد ويلزم منه وجود مقدور بين قادرين، ولما وقع الاختلاف بين القوى والضعيف، ولجاز أن يكون متعلقه بالجواهر والألوان، كما في العلم، ولكان العبد مضطرا بما خلق فيه من الفعل لا مختارا، ولجاز أن يصدر عن العبد أفعال محكمة بديعة وهو لا يشعر بها، ولما انقسم فعله إلى طاعة ومعصية لأنه ليس من فعله ولكان الرب تعالى أضر على العبد من إبليس، حيث إنه خلق فيه الكفر وعاقبه عليه، وإبليس داع لا غيره، ولما حسن شكر العبد ولازمه على أفعاله ولا أمره ولا نهيه ولا عقابه ولا ثوابه، ولكان الرب تعالى آمرا للعبد بفعل نفسه وهو قبيح معدود عند العقلاء من الجهل والحمق، ولكان الكفر والإيمان من قضاء اللّه تعالى وقدره وهو إما أن يكون حقا أو باطلا فإن كان حقا فالكفر حق وإن كان باطلا فالإيمان باطل، ولكان الرب تعالى إما راضيا به أو غير راض والأول يلزم منه الرضى بالكفر، والثانى يلزم منه عدحم الرضى بالإيمان، والكل محال مخالف للإجماع، وأما النقل، فقوله تعالى:"وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا"

(1)

، وقوله تعالى:"أم حسب الذين اجترحوا السيئات"

(2)

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اعملوا وقاربوا وسددوا"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"نية المؤمن خير من عمله" إلى غير ذلك من النصوص الدالة على نسبة العمل إلى العبد، والعقلاء متوافقون على إطلاق إضافة الفعل إلى العبد بقولهم: فلان فعل كذا وكذا والأصل في الإطلاق الحقيقة، وأما المسلك الثاني، فهو أن تعلق علم البارى تعالى بالفعل أو بعدمه، إما أن يكون موجبا لوجود ما علم وجوده، وامتناع وجود ما علم عدمه، أو لا يكون كذلك، فإن كان الأول فيلزمه محالات وهو أن يكون العلم هو القدرة أو أن يستغنى به عن القدرة ولا يكون الرب قادرا على إيجاد شئ أو عدمه، وألا يكون للرب اختيار ولا للعبد في وجود فعل من الأفعال لكونه واجبا بالعلم أو ممتنعا. وإن لم يكن موجبا للوجود ولا للعدم فقد بطل الاستدلال وإن سلم ذلك. لكنه معارض بما سبق من الأدلة العقلية والنقلية. والجواب عما ذكروه أولا على المسلك الأول بأن الفعل المخلوق للعبد بتقدير خلقه له مخلوق له بجميع أجزائه، وكل جزء منه مخلوق له بانفراده فيجب أن يكون عالما به لما سبق. وهذا هو العلم بالتفصيل وهو غير عالم لما حققناه. والجواب عما ذكروه من الإلزام الأول

(1)

الآية رقم 82 من سورة طه.

(2)

الآية رقم 21 من سورة الجاثية.

ص: 80

بمنع عدم الفرق بين القدور وغيره. وعن الثاني أنه إنما يمتنع وجود مقدور بين قادرين خالقين أو مكتسبين، أما بين خالق ومكتسب فهو غير مسلم. وعن الثالث بأن الاختلاف بمن القوى والضعيف إنما هو واقع في كثرة ما يخلقه الله تعالى من القُدَر على المقدورات في أحد الشخصين دون الآخر، لا في التأثير. وعن الرابع أنه إنما يلزم أن لو كان تعلق العلم بالجواهر والأعراض من جهة كونه غير مؤثر فيها وهو غير مسلم. وعن الخامس أنه إنما يلزم أن يكون العبد مضطرا أن لو لم يكن فعله مكتسبا له ومقدورا، ولا يلزم من عدم التأثير عدم الاكتساب. وعن السادس أنه لا مانع من تلازم القدرة على الشئ والعلم به. وعن السابع أنه لا معنى لانقسام فعل العبد إلى الطاعة والمعصية غير كونه مأمورا بهذا ومنهيا عن هذا لكسبه وهو كذلك. وعن الثامن أنه لازم على أصلهم أيضا، فإن التمكن من الكفر بخلق القدرة عليه أضر من الدعاء إليه، وقد فعل الله تعالى ذلك بالعبد، فما هو جواب لهم هو جوابنا. وعما ذكروه من الأمر والنهى، والشكر والذم، والثواب والعقاب، والأمر للعبد بما هو من فعل الله تعالى بالمنع من تقبيح ذلك بتقدير أن يكون قادرا غير مؤثر. كيف وأنه مبنى على التحسين والتقبيح العقلى وقد أبطلناه. وعن الإِلزام بالقضاء قد يطلق بمعنى الإِعلام والأمر والاختراع وانقضاء الأجل وإلزام الحكم وتوفية الحقوق والإِرادة لغة، وعلى هذا فالإِيمان من قضائه بجميع هذه الاعتبارات وهو حق، وأما الكفر فليس من قضائه بمعنى كونه مأمورا، بل بمعنى خلقه وإرادة وقوعه، وهو حق من هذا الوجه أيضا. وعن الإِلزام بالرضى: أنه راض بالإيمان وغير راض بالكفر. وعن المنقول: بأن ما ذكروه غايته إضافة الفعل إلى العبد حقيقة. ونحن نقول به فإن الفاعل عندنا على الحقيقة هو من وقع الفعل مقدورا له، وهو أعم من الموجد. والجواب عما ذكروه في المسلك الثاني بأن تعلق العلم بوجود الفعل بملازمة الوجود المقدور، فإنه إنما يعلم وجوده مقدورا لا غير مقدور، وكذا في العدم وعلى هذا، فلا يلزم منه عدم القدرة في حق الله تعالى ولا سلب اختياره في فعله، وكذلك العبيد فإنه إنما علم وقوع فعل العبد مقدورا للعبد والمعارضات فقد سبق الجواب عنها

(1)

.

وجاء في المستصفى أن من شروط الفعل الداخل تحت التكليف جواز كونه مكتسبا للعبد حاصلا باختياره إذ لا يجوز تكليف زيد كتابة عمود وخياطته وإن كان ممكنا فليكن مع كونه ممكنا مقدورا للمخاطب. وذهب قوم إلى أن كون المكلف به ممكن الحدوث ليس بشرط، بل يجوز تكليف ما لا يطاق والأمر بالجمع بين الضدين وقلب الأجناس وإعدام القديم وإيجاد الموجود وهو المنسوب إلى الشيخ أبى الحسن الأشعرى رضى الله تعالى عنه وهو لازم على مذهبه من وجهين أحدهما أن القاعد عنده غير قادر على القيام إلى الصلاة لأن الاستطاعة عنده مع الفعل لا قبله وإنما يكون مأمورا قبله. والآخر: أن القدرة الحادثة لا تأثير لها في إيجاد المقدور بل أفعالنا حادثة بقدرة الله تعالى

(1)

الإحكام في أصول الأحكام للإمام الشيخ سيف الدين أبى الحسن على بن أبى على بن محمد الآموى جـ 1 ص 191 وما بعدها إلى صـ 206 طبع مطبعة المعارف بمصر سنة 1332 هـ سنة 1914 م.

ص: 81

واختراعه، فكل عبد هو عنده مأمور بفعل الغير، واستدل على هذا بثلاثة أشياء؛ أحدها: قوله تعالى: "ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"

(1)

والمحال لا يسأل دفعه فإنه مندفع بذاته، وهو ضعيف لأن المراد به ما يشق ويثقل علينا إذ من أتعب بالتكليف بأعمال تكاد تفضى إلى هلاكه لشدتها كقوله تعالى:"اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم"

(2)

فقد يقال حمل ما لا طاقة له به، فالظاهر المؤول ضعيف الدلالة في القطعيات. الثاني: قولهم إن الله تعالى أخبر أن أبا جهل لا يصدق وقد كلفه الإِيمان، ومعناه أن يصدق محمدا فيما جاء به، ومما جاء به أنه لا يصدقه فكأنه أمره أن يصدقه في أن لا يصدقه وهو محال، وهذا ضعيف أيضا لأن أبا جهل أمر بالإِيمان بالتوحيد والرسالة والأدلة منصوبة، والفعل حاضر إذ لم يكن هو مجنونا فكان الإِمكان حاصلا، لكن الله تعالى علم أنه يترك ما يقدر عليه حسدا وعنادا، فالعلم يتبع المعلوم ولا يغيره، فإذا علم كون الشئ مقدورا لشخص وممكنا منه ومتروكا من جهته مع القدرة عليه، فلو انقلب محالا لانقلب العلم جهلا ويخرج عن كونه ممكنا مقدورا، وكذلك نقول القيامة مقدور عليها من جهة الله تعالى في وقتنا هذا وإن أخبر أنه لا يقيمها ويتركها مع القدرة عليها وخلاف خبره محال إذ يصير وعيده كذبا ولكن هذه الاستحالة لا ترجع إلى نفس الشئ فلا ثؤثر فيه. الثالث: قولهم لو استحال تكليف المحال لاستحال إما لصيغته أو لمعناه أو لمفسدة تتعلق به أو لأنه يناقض الحكمة ولا يستحيل لصيغته إذ لا يستحيل أن يقول "كونوا قردة خاسئين"

(3)

، وأن يقول السيد لعبده الأعمى: أبصر، وللزمن: امش. وأما قيام معناه بنفسه فلا يستحيل أيضا إذ يمكن أن يطلب من عبده كونه في حالة واحدة في مكاننين ليحفظ ماله في بلدين، ومحال أن يقال إنه ممتنع للمفسدة أو مناقضته الحكمة، فإن بناء الأمور على ذلك في حق الله تعالى محال، إذ لا يقبح منه شئ، ولا يجب عليه الأصلح، ثم الخلاف فيه وفى العباد واحد، والفساد والسفه من المخلوق ممكن فلم يمتنع ذلك مطلقا. والمختار استحالة التكليف بالمحال، ولا لقبحه ولا لمفسدة تنشأ عنه ولا لصيغته؛ إذ يجوز أن ترد صيغته ولكن للتعجيز لا للطلب، كقوله تعالى "كونوا حجارة أو حديدا"

(4)

، وكقوله تعالى "كونوا قردة خاسئين"، أو لإظهار القدرة كقوله تعالى:"كن فيكون"

(5)

، لا بمعنى أنه طلب من المعدوم أن يكون بنفسه، ولكن يمتنع لمعناه إذ معنى التكليف طلب ما فيه كلفة، والطلب يستدعى مطلوبا وذلك المطلوب ينبغى أن يكون مفهوما للمكلف بالاتفاق فيجوز أن يقول تحرك إذ التحرك مفهوم، فلو قال له تحرك فليس بتكليف إذ معناه ليس بمعقول ولا مفهوم ولا له معنى في نفسه فإنه لفظ مهمل، فلو كان له معنى في بعض اللغات يعرفه الآمر دون المأمور، فلا يكون ذلك تكليفا أيضا لأن التكليف هو الخطاب بما فيه كلفة وما لا يفهمه المخاطب لا يكون خطابا معه، وإنما يشترط كونه مفهوما ليتصور منه الطاعة لأن التكليف اقتضاء طاعة فإذا لم يكن في العقل طاعة لم يكن اقتضاء الطاعة متصورا معقولا إذ يستحيل أن يقوم بذات العاقل طلب

(1)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(2)

الآية رقم 54 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 65 من سورة البقرة.

(4)

الآية رقم 50 من سورة الإسراء.

(5)

الآية رقم 82 من سورة يس.

ص: 82

الخياطة من الشجر لأن الطلب يستدعى مطلوبا معقولا أولا وهذا غير معقول أي لا وجود له في العقل فإن الشئ قبل أن يوجد في نفسه فله وجوده في العقل، وإنما يتوجه إليه الطلب بعد حصوله في العقل وإحداث القديم غير داخل في العقل فكيف يقوم بذاته طلب إحداث القديم، وكذلك سواد الأبيض لا وجود له في العقل، وكذلك قيام القاعد فكيف يقول له قم وأنت قاعد فهذا الطلب يمتنع قيامه بالقلب لعدم المطلوب، فإنه كما يشترط في المطلوب أن يكون معدوما في الأعيان يشترط أن يكون موجودا في الأذهان أي في العقل حتى يكون إيجاده في الأعيان على وفقه في الأذهان فيكون طاعة وامتثالا له احتذاء لمثال ما في نفس الطالب فما لا مثال له في النفس لا مثال له في الوجود. فإن قيل فإذا لم يعلم عجز المأمور عن القيام تصور أن يقوم بذاته طلب القيام. قلنا ذلك طلب مبنى على الجهل، ربما يظن الجاهل أن ذلك تكليف فإذا انكشف تبين أنه لم يكن طلبا وهذا لا يتصور من الله تعالى. فإن قيل: فإذا لم تؤثر القدرة الحادثة في الإِيجاد وكانت مع الفعل كان كل تكليف تكليفًا بما لا يطاق. فلنا: نحن ندرك بالضرورة تفرقة بين أن يقال للقاعد الذي ليس بزمن: ادخل البيت، وبين أن يقال له اطلع السماء، أو يقال له قم مع استدامة القعود أو اقلب السواد حركة والشجرة فرسا إلا أن النظر في أن هذه التفرقة إلى ماذا ترجع ويعلم أنها ترجع إلى تمكن وقدرة بالإضافة إلى أحد هذه الأوامر دون البقية ثم النظر في تفصيل تأثير القدرة ووقت حدوث القدرة كيفما استقر أمره لا يشككنا في هذا ولذلك جاز أن نقول:"لا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، فإن استوت الأمور كلها فأى معنى لهذا الدعاء، وأى معنى لهذه التفرقة الضرورية فغرضنا من هذه المسألة غير موقوف على البحث عن وجه تأثير القدرة ووقتها

(1)

.

وجاء في روضة الناظر أن من الشروط المعتبرة للفعل المكلف فيه أن يكون ممكنا فإن كان محالا كالجمع بين الضدين ونحوه لم يجز الأمر به، قال صاحب نزهة الخاطر: أي أنه يشترط إمكان الفعل المكلف به لأن حصوله مطلوب الشرع، وكل ما كان مطلوب الحصول يجب أن يكون متصور الوقوع، فالمكلف به يجب أن يكون متصور الوقوع - وهو معنى كونه ممكنا - لكن المحال لا يتصور وقوعه، وما لا يتصور وقوعه لا يستدعى حصوله. دليل الأولى ظاهر، ودليل الثانية أن استدعاء الحصول لا يكون إلا لفائدة، وحصول الفائدة مما لا يتصور وقوعه لا يعقل، وإذا ثبت أن المحال لا يستدعى حصوله فلا يكلف به لعدم فائدة التكليف. واعلم أن المستحيل على أقسام؛ أحدها: أن يكون لذاته ويعبر عنه أيضا بالمستحيل عقلا، وهذا القسم هو الذي ذكره ابن قدامة ومثل له بالجمع بين الضدين والنقيضين، ومثله الحصول في حيزين في وقت واحد. الثاني: أن يكون للعادة كالطيران بلا آلة وبلا واسطة وكخلق الأجسام وكحمل الجبل العظيم. والثالث: أن يكون لطريان مانع كتكليف المقيد العدو وتكليف الزمن المشى. والرابع: أن يكون لانتفاء القدرة عليه حالة التكليف مع أنه مقدور عليه حال الامتثال كالتكاليف كلها لأنها غير

(1)

المستصفى من علم الأصول للإمام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى جـ 1 ص 86 وما بعدها إلى ص 88 في كتاب أسفله فواتح الرحموت للعلامة عبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه للإمام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1322 هـ.

ص: 83

مقدورة قبل الفعل عند من يقول القدرة لا تكون إلا مع الفعل وهو الأشعرى. والخامس: أن يكون لتعلق العلم به كالإِيمان من الكافر الذي علم الله تعالى أنه لا يؤمن فإن الإيمان منه مستحيل إذ لو آمن لانقلب علم الله تعالى جهلا وهو محال. وهذا التقسيم هو المسلوك به التحقيق. وبعض الأصوليين قد زاد فيه ما ليس منه وغاير بين أشياء هي متحدة في المعنى كما حكاه الأسنوى في شرح المنهاج الأصولى. ثم قال: إذا تقرر ذلك فالقسم الخامس جائز وواقع اتفاقا إذا لو لم يكونوا مأمورين بذلك لما عصوا باستمرارهم على الكفر. ونقل الآمدى عن بعض الثنوية أنه منع جوازه. والرابع أيضا واقع عند الأشعرى بمقتضى الأصل الذي أصله. وأما الثلاثة الأوائل فهى محل النزاع. قال وحاصل ما فيها من الخلاف ثلاثة مذاهب؛ الأول: القول بالجواز مطلقا وهو مختار الرازى وأتباعه. والثانى المنع مطلقا ونقله في المحصول عن المعتزلة واختاره ابن الحاجب رضى الله تعالى عنه. والثالث: إن كان ممتنعا لذاته فلا يجوز وإلا فيجوز واختاره الآمدى رضى الله تعالى عنه. وإذا قلنا بالجواز ففى وقوعه مذاهب أحدها: المنع مطلقا سواء كان ممتنعا لذاته أم لا، والثانى: الوقوع فيها واختاره في المحصول. والثالث: التفصيل وهذا الذي ذكرناه مبسوطا أكثر مما ذكره أكثر أصحابنا، والذي أشار إليه صاحب روضة الناظر وصرح به الطوفى أن المحال ضربان؛ محال لنفسه ومحال لغيره، ثم قال الطوفى رضى الله تعالى عنه: والإجماع على صحة التكليف بالمحال لغمره، والأكثرون على امتناعه بالمحال لذاته. قال ابن قدامة في روضة الناظر: وقال قوم يجوز التكليف بالمحال لذاته، ومن أولئك الطوفى رضى الله تعالى عنه من أصحابنا؛ بدليل قوله تعالى:"ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به"

(1)

والمحال لا يسأل دفعه، ولأن الله تعالى علم أن أبا جهل لا يؤمن وقد أمره بالإِيمان وكلفه اياه، ولأن تكليف المحال لا يستحيل لصيغته إذ ليس يستحيل أن يقول كونوا قردة. كونوا حجارة. وإن أحيل طلب المستحيل للمفسدة ومناقضة الحكمة فإن بناء الأمور على ذلك في حق الله تعالى محال إذ لا يقبح منه شئ ولا يجب عليه الأصلح ثم الخلاف فيه وفى العباد واحد، فالسفه من المخلوق ممكن. ووجه استحالة التكليف بالمحال قوله الله عز وجل "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"

(2)

، وقوله تعالى:"لا نكلف نفسا إلا وسعها"

(3)

، ولأن الأمر استدعاء وطلب، والطلب يستدعى مطلوبا، ولأن الأشياء لها وجود في الأذهان قبل وجودها في الأعيان وإنما يتوجه إليه الأمر بعد حصوله في العقل، والمستحيل لا وجود له في العقل، فيمتنع طلبه. وأما الاستدلال بقوله تعالى:"ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" فقد قيل المراد به ما يثقل ويشق بحيث يكاد يفضى إلى إهلاكه كقوله: "اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم"

(4)

وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في المماليك: لا تكلفوهم ما لا يطيقون. وقوله تعالى: "كونوا قردة"

(5)

تكون إظهارًا للمقدمة، وقوله:"كونوا حجارة"

(6)

تعجيز، وليس

(1)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(2)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 42 من سورة الأعراف.

(4)

الآية رقم 66 من سورة النساء.

(5)

الآية رقم 65 من سورة البقرة.

(6)

الآية رقم 5 من سورة الإسراء.

ص: 84

شئ من ذلك آمرا وتكليف آبى جهل الإِيمان غير محال، فإن الأدلة منصوبة والعقل حاضر وآلته تامة، ولكن علم الله تعالى منه أنه يترك ما يقدر عليه حسدا وعنادا، والعلم يتبع المعلوم ولا يغيره، وكذلك نقول: الله قادر على أن يقيم القيامة في وقتنا وإن أخبر أنه لا يقيمها الآن، وخلاف خبره محال إذ يصير وعيده كذبا، لكن استحالته لا ترجع إلى نفس الشئ، فلا تؤثر فيه

(1)

.

وجاء في إرشاد الفحول أن شرط الفعل الذي وقع التكليف به أن يكون ممكنا فلا يجوز التكليف بالمستحيل عند الجمهور وهو الحق، وسواء كان مستحيلا بالنظر إلى ذاته أو بالنظر إلى امتناع تعلق قدرة المكلف به وقال جمهور الأشاعرة بالجواز مطلقا، وقال جماعة منهم إنه ممتنع في الممتنع لذاته، جائز في الممتنع لامتناع تعلى قدرة المكلف به. واحتج الأولون بأنه لو صح التكليف بالمستحيل لكان مطلوبا حصوله، واللازم باطل لأن تصور ذات المستحيل مع عدم تصور ما يلزم ذاته لذاته من عدم الحصول يقتضى أن تكون ذاته غير ذاته فيلزم قلب الحقائق؛ وبيانه أن المستحيل لا يحصل له صورة في العقل فلا يمكن أن يتصور شئ هو اجتماع النقيضين، فتصوره إما على طريق التشبيه بأن يعقل بين السواد والحلاوة أمر هو الاجتماع ثم يعقل مثل هذا الأمر لا يمكن حصوله بين السواد والبياض، وإما على سبيل النفى بأن يعقل أنه لا يمكن أن يوجد مفهوم اجتماع السواد والبياض وبالجملة فلا يمكن تعقله بماهيته بل باعتبار من الاعتبارات. والحاصل أن قبح التكليف بما لا يطاق معلوم بالضرورة فلا يحتاج إلى استدلال، والمجوز لذلك لم يأت بما ينبغى الاشتغال بتحريره والتعرض لرده ولهذا وافق كثير من القائلين بالجواز على امتناع الوقوع فقالوا يجوز التكليف بما لا يطاق مع كونه ممتنع الوقوع، ومما يدل على هذه المسألة في الجملة قوله سبحانه وتعالى:"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"

(2)

. وقوله عز وجل "لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها

(3)

، وقوله تعالى:"ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"

(4)

، وقد ثبت في الصحيحين أن الله سبحانه وتعالى قال عند هذه الدعوات المذكورة في القرآن: قد فعلت. وهذه الآيات ونحوها إنما تدل على عدم الوقوع لا على عدم الجواز، على أن الخلاف في مجرد الجواز لا يترتب عليه فائدة أصلا. قال المثبتون للتكليف بما لا يطاق: لو لم يصح التكليف به لم يقع، وقد وقع لأن العاصى مأمور بالإِيمان وممتنع منه الفعل لأن الله قد علم أنه لا يؤمن، ووقوع خلاف معلوم الله سبحانه وتعالى محال، وإلا لزم الجهل، واللازم باطل، فالملزوم مثله. وقالوا أيضا بأنه لو لم يجز لم يقع، وقد وقع فإنه سبحانه كلف أبا جهل بالإِيمان وهو تصديق رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به، ومن جملة ما جاء به أن أبا جهل لا يصدفه، فقد كلفه بأن يصدقه في أنه لا يصدقه، وهو محال. وأجيب عن الدليل الأول بأن ذلك لا يمنع تصور

(1)

روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن قدامة المقدسى الدمشقي جـ 1 ص 149 وما بعدها إلى ص 156 في كتاب أسفله شرح روضة الناظر: نزهة الخاطر العاطر للشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بدران الدومى ثم الدمشقى طبع المطبعة السلفية بمصر سنة 1342 هـ.

(2)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 7 من سورة الطلاق.

(4)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

ص: 85

الوقوع لجواز وقوعه من المكلف في الجملة وإن امتنع لغيره من علم أو غيره فهو في غير محل النزاع، وعن الثاني بأنه لم يكلف إلا بتصديقه وهو ممكن في نفسه متصور وقوعه إلا أنه ممن علم الله تعالى أتهم لا يصدقونه كعلمه بالعاصين. هذا الكلام في التكليف بما لا يطاق، وأما التكليف بما علم الله تعالى أنه لا يقع فالإِجماع منعقد على صحته ووقوعه

(1)

.

‌امتناع المنهى عنه أو المأمور به

أصول الحنفية: جاء في فواتح الرحموت أن المنهى عنه لا يكون ممتنعا مطلقا أو عن المكلف عندنا خلافا للأئمة الثلاثة مالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى. ودليلنا أن المنهى عنه مقدور لأن المنهى تكليف بالكف، والمكلف به مقدور، فالكف مقدور، والقدرة على أحد الضدين قدرة على الآخر، فالفعل المنهى عنه مقدور، وأيضا: النهى طلب الكف باختيار المكلف، فيكون المكفوف عنه مقدورا ولا شئ من الممتنع بمقدور، وهذا ضرورى، بالمنهى عنه ليس ممتنعا، وأورد أولا أنه ممتنع بهذا المنع، وطلب الكف عنه ليس بمحال، وإنما المحال طلب الكف عن الممتنع بغير هذا المنع كتحصيل الحاصل بهذا الحصول فإنه ليس ممتنعا، وإنما الممتنع تحصيل الحاصل بحصول مغاير لهذا الحصول، فالفعل كان مقدورا قبل ورود النهى، وإنما لم يبق مقدورا بالنهى فلا استحالة، كذا في شرع المختصر، ولا يخفى جوابه، فإن الكلام في الممتنع لذاته ولا يصح فيه أنه امتنع بهذا المنع كيف ولو امتنع بهذا المنع ففعله واجب أو ممكن، وعند ورود النهى صار ممتنعا وهذا انقلاب محال بل المحال محال دائما. أقول: يلزم أن يكون النهى سلبا للقدرة لأن الشئ قد استمال بالنهى وهو غير مقدور وفيه انقلاب حقيقة النهى؛ لأنه امتناع عنه بالاختيار بالضرورة، والآن يصير امتناعا بالضرورة، هذا خلف، وبعبارة أخرى: حقيقة النهى طلب الكف بالاختيار، والممتنع سواء كان ممتنعا بهذا المنع أو غيره لا يصح كفه بالاختيار، فلا يكون منهيا عنه. فإن قلت لعل مقصود المورد أن الحقيقة الصلاتية لها شروط وأركان أبانها الشرع الشريف بالأوامر والنواهى، فإذا نهى عن الصلاة قبل الوقت علم أن الوقت شرط، وكذا إذ نهى عنها من غير طهارة علم أن الطهارة شرط، فالشرطية إنما فهمت بهذا النهى، وجاء الامتناع به، فتعلق هذا النهى غير ممتنع. قلت لا شك في أن الشئ بدون الركن والمشروط بدون الشرط ممتنع لذاته البتة، فلا يمكن تعلق النهى لما بينا. وقد ظهر من هذا أنه لا يصح إبانة الشرائط بالنهى أصلا، بل النهى يقتضى أن يوجد المنهى عنه بدونها، والشرطية تنافيه. نعم يستبان بالأوامر الشرائط عند إرادة الفعل، فإن الفعل بعد تمام شرائطه لا يخرج عن إمكانه الذاتى. فإن قلت الأركان المحسوسة ممكنة بالضرورة وإنما امتنع في نظر الشارع بالنهى

(1)

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكانى جـ 1 ص 8، ص 9 في كتاب على هامشه شرح العلامة الشيخ أحمد بن قاسم العبادي الشافعي على شرح الإمام جلال الدين محمد أحمد المحلى على الورقات في الأصول لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجوينى. طبع مطبعة محمد على صبيح وأولاده. بمصر سنة 1349 هـ.

ص: 86

فيجوز أن ينهى عنها حال عدم الشروط المعتبرة للصحة شرعا. قلت الأركان المخصوصة ليست مشروطة في الوجود الحسى بالطهارة، فليست هي مشروطات من غير شروط، ولا يمتنع تعلق النهى بها، وإنما يمتنع تعلق النهى بالحقيقة الشرعية المشروطة بالطهارة حال عدم الطهارة فإنها مستحيلة بالذات وصيغ النهى الواردة المتعلقة بالشرعيات إن علم فقدان شرط أو ركن بدليل آخر لا بأس بحمله على الأركان الحسية، وإلا فلا يصح الحمل عليها لأن الحقيقة أصل فلا تترك. وبهذا يندفع أيضا ما لو قيل: سلمنا أن الحقيقة الشرعية بدون الشروط محالة، لكن لمَ لا يجوز أن يكون النهى المتعلق هاهنا عن الأركان الحسية وتكون باطلة في نظر الشارع فيتم مقصودهم بأن النهى مطلقا يوجب الفساد وذلك الاندفاع بأن الحمل على الأركان الحسية مجاز فلا يصار إليه بالضرورة، وقد يقرر مقصودهم بأن الحقائق الشرعية عبارة عن الأركان المخصوصة، وهى قد توجد بدون الشروط الشرعية وجعلت موجبة لثمرات مخصوصة لكن لا مطلقا بل إذا كانت مع شرائط مخصوصة، فالشرائط ليست لوجود تلك الحقيقة بل لترتب الثمرات المخصوصة فوجودها بدون تلك الشرائط ممكن لكنه لا يترتب عليها حينئذ تلك الثمرات. والنهى المتعلق بها عند عدم وجود الشراط نهى عن أمور ممكنة بالذات قد استحال ترتب الثمرات عليها وهو مرادهم بالممتنع وهو كاف لمقصودهم من إيجاب الفساد الذاتى للنهى مع أن الأئمة الثلاثة رضى الله عنهم صرحوا بأن الفاتحة ركن للصلاة وتركها موجب للبطلان، وجوزوا تعلق النهى بها، وهذا صريح في أنهم يجوزون كون الصلاة إن كانت متروكة منهيا عنها مع أن الشئ منفك عن الجزء ممتنع بالذات. وأورد ثانيًا النقض بنحو قوله صلى الله عليه وسلم "دعى الصلاة أيام أقرائك"

(1)

وتدع الصلاة أيام أقرائها، وهذا في معنى النهى، وقد تعلق بالصلاة المقارنة عدم الشرط وحاصله النقض بالنهى المتعلق بالشئ المقارن عدم الشرط والركن فلا تنفع المنافشة في هذا المثال الخاص. قلنا مثله محمول على بيان الانتفاء أيام الأقراء، يعنى النهى مجاز عن النفى، فالمعنى ليس تتحقق صلاة في أيام الأقراء، وهذا تصرف في صيغة النهى. أو قلنا النهى راجع إلى الإِيقاع والعزم عليه لا إلى الفعل، فالمعنى دعى عزم الصلاة أيام أقرائك فإنه لا تتحقق الصلاة فيها، والعزم على المحال ممكن عند عدم الاعتقاد بالاستحالة، بل معها أيضا وإن كان من غير فائدة، وإنما حملنا على أحد هذين المجازين تقديما للعقل باستحالة تعلق النهى الحقيقى بالصلاة الحقيقية في تلك الأيام على النقل الوارد فيه النهى متعلقا في تلك الأيام فأول بأحد التأويلين. وقد يجاب بأن المراد بالصلاة الشبيه بها من القيام والقعود والسجود وغير ذلك، وهى أفعال حسية لا يقتضى النهى عنها الصحة وهى أمور ممكنة أيضا، لكن هذا إنما يتم لو كانت الحائضة الأمية والخرساء لو أتت بهذه الأركان من غير نية وعزم على الصلاة كانت آثمة، وما وجد رواية صريحة فيها، فبيع الحر والمضامين - وهى ما كان في صلب الآباء من النطفة - والملاقيح

(2)

وما أشبه ذلك كبيع الميتة كلها منفيات، أي ليست بيوعا، والنهى الوارد

(1)

رواه الترمذى وأبو داود.

(2)

الملاتيح ما كان في رحم الأم من الحبل.

ص: 87

بها ليس على الحقيقة بل مجاز عن النفى، وليس ركن البيع - وهو مبادلة المال بالمال - مفقودا، ووجود الشئ من غير وجود الركن من المستحيلات التي لا تصلح لتعلق النهى بها

(1)

.

وجاء في المستصفى أن المعتزلة ذهبت إلى أن المأمور لا يعلم كونه مأمورا قبل التمكن من الامتثال، وذهب القاضي وجماهير أهل الحق إلى أنه يعلم ذلك، وفى تفهيم حقيقة المسألة غموض، وسبيل كشف الغطاء عنه أن نقول: إنما يعلم المأمور كونه مأمورا مهما كان مأمورا لأن العلم يتبع المعلوم، وإنما يكون مأمورا إذا توجه الأمر عليه، ولا خلاف في أنه يتصور أن يقول السيد لعبده صم غدا وإن هذا أمر محقق ناجز في الحال وإن كان مشروطا ببقاء العبد إلى غد، ولكن اتفقت المعتزلة على أن الأمر المقيد بالشرط أمر حاصل ناجز في الحال، لكن يشترط أن يكون تحقيق الشرط مجهولا عند الآمر والمأمور، أما إذا كان معلوما فلا، فإنه لو قال صم إن صعدت إلى السماء أو إن عشت ألف سنة فليس هذا بأمر، أي هذه الصيغة ليست عبارة عن حقيقة المعنى الذي يقوم بالنفس ويسمى أمرا، ولو قال صم إن كان العالم مخلوقا أو كان الله موجودا فهذا أمر ولكن ليس بمقيد بشرط، وليس هذا الشرط في شئ فإن الشرط هو الذي يمكن أن يوجد ولا يوجد فلما كان العلم بوجود الشرط أو عدمه منافيا وجود الأمر المقيد بالشرط زعموا أن الله عالم بعواقب الأمر، فالشرط في أمره محال، ونحن نسلم أن جهل المأمور شرط، أما جهل الآمر فليس بشرط حتى لو علم السيد بقول نبى صادق أن عبده يموت قبل رمضان فيتصور أن يأمره بصوم رمضان مهما جهل العبد ذلك وربما كان له فيه لطف يدعوه إلى الطاعات ويزجره عن المعاصى، وربما كان لطفا لغير المأمور بحث أو زجر، وربما كان امتحانا له ليشتغل بالاستعداد فيثاب على العزم على الامتثال ويعاقب على العزم على الترك. والمعتزلة أحالوا ذلك وقالوا إذا شهد العبد هلال رمضان توجه عليه الأمر بحكم قوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"

(2)

لكن ذلك بناء على ظن البقاء ودوام القدرة، فإن الحياة والقدرة شرط في التكليف، فإذا مات في منتصف الشهر بينا أنه كان. مأمورا بالنصف الأول وأنه لم يكن مأمورا بالنصف الثانى. ويدلك على بطلان مذهبهم مسالك؛ المسلك الأول: أن الأمة مجمعة قبل ظهور المعتزلة على أن الصبى كما يبلغ يجب عليه أن يعلم ويعتقد كونه مأمورا بشرائع الإِسلام منهيا عن الزنا والسرقة والقتل في الحال وإن لم يحضره وقت صلاة ولا زكاة ولا حضر من يمكن قتله والزنا به ولا حضر مال تمكن سرقته، ولكن يعلم نفسه مأمورا منها بشرط التمكن لأنه جاهل بعواقب أمره وعلمه بأن الله تعالى عالم بها لا يدفع عنه وجوب هذا الاعتقاد. المسلك الثاني: أن الأمة مجمعة على أن من عزم على ترك ما ليس منهيا عنه فليس بمتقرب إلى الله تعالى، ومن عزم على ترك المنهيات والإِتيان بالمأمورات كان متقربا إلى الله تعالى وإن احتمل أن لا يكون مأمورا أو منهيا لعلم الله تعالى بأنه لا يساعده التمكن فينبغى أن نشك في كونه متقربا ونتوقف ونقول إن مت بعد هذا العزم وقبل التمكن فلا ثواب لك لأنه لا تقرب منك، وإن عشت وتمكنت تبينا عند ذلك

(1)

فواتح الرحموت لعبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصاري بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه للإمام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور جـ 1، ص 399 في كتاب أعلاه المستصفى من علم الأصول للإمام حجة الإسلام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1322 هـ.

(2)

الآية رقم 185 من سورة البقرة.

ص: 88

كونك متقربا وهذا خلاف الإجماع. المسلك الثالث: إجماع الأمة على أن صلاة الفرض لا تصح إلا بنية الفرضية ولا يعقل تثبيت نية الفرضية إلا بعد معرفة الفرضية، والعبد ينوى في أول وقت الصلاة فرض الظهر، وربما يموت في أثناء وقت الصلاة فيتبين عند المعتزلة أنه لم يكن فرضا فليكن شاكا في الفرضية وعند ذلك تمتنع النية، فإن النية قصد لا يتوجه إلا إلى معلوم. فإن قيل إن نوى فرضية أربع ركعات فلو مات بعد ركعتين يعلم أنه لم تكن الأربع فريضة وهو مجوز للموت فكيف ينوى فرض ما هو شاك فيه؟ قلنا: ليس شاكا فيه بل هو قاطع بأن الأربع فرض بشرط البقاء فالأمر بالشرط أمر في الحال وليس بمعلق، والفرض بالشرط فرض أي أنه مأمور أمر إيجاب من عزم عليه يثاب ثواب من عزم على واجب، وإذا قال السيد لعبده: صم غدا فهو أمر في الحال بصوم في الغد، لا إنه أمر في الغد، وإذا قال أوجبت عليك بشرط بقائك فهو موجب في الحال لكن إيجابا بشرط فهكذا ينبغى أن تفهم حقيقة هذه المسألة، وكذلك إذا قال لوكيله بع دارى غدا فهو موكل وآمر في الحال، والوكيل مأمور ووكيل في الحال، حتى يعقل أن يعزل قبل مجئ الغد. فإذا قال الوكيل وكلنى ثم عزلنى وأمرنى ثم منعنى كان صادقا، فلو مات قبل مجئ الغد لا يتبين أنه كان كاذبا. المسلك الرابع: إجماع الأمة على لزوم الشروع في صوم رمضان أعنى أول يوم مثلا، ولو كان الموت في أثناء النهار يبين عدم الأمر فالموت مجوز، فيصير الأمر مشكوكا فيه، ولا يلزمه الشروع بالشك، فإن قيل لأنه إن بقى كان واجبا والظاهر بقاؤه والحاصل في الحال يستصحب، والاستصحاب أصل تبنى عليه الأمور، كما أن من أقبل عليه سبع يهرب. وإن كان يحتمل موت السبع قبل الانتهاء إليه، لكن الأصل بقاؤه فيستصحبه، ولأنه لو فتح هذا الباب لم يتصور امتثال الأوامر المضيقة أوقاتها كالصوم، فإنه إنما يعلم تمام التمكن بعد انقضاء اليوم ويكون قد فات. قلنا هذا يلزمكم في الصوم ومذهبكم هو الذي يفضى إلى المحال، وما يفضى إلى المحال فهو محال، وأما الهرب من السبع فحزم وأخذ بأسوأ الأحوال ويكفى فيه الاحتمال البعيد، فإن من شك في سبع على الطريق أو سارق فيحسن منه الحزم والاحتراز، أما الوجوب فلا يثبت بالشك والاحتمال، وينبغى أن يقال من أعرض عن الصوم ومات فبل الغروب لم يكن عاصيا لأنه أخذ بالاحتمال الآخر وهو احتمال الموت فليكن معذورا به. فإن زعموا أن ظن البقاء بالاستصحاب أورث ظن الوجوب اقتضى تحقق الوجوب من الشرع جزما قطعا، فهذا تعسف وتناقض. المسلك الخامس: إن الإجماع على أن من حبس المصلى في أول الوقت وقيده ومنعه من الصلاة متعد عاص بسبب منعه من الصلاة الواجبة، فإن كان التكليف يندفع به فقد أحسن إليه إذ منع التكليف عنه فلم عصى؟، وهذا فيه نظر لأن التصرف في الغير بضبطه ومنعه حرام، وإن منعه غير مباح أيضا، ولأن منعه صار سببا لوجوب القضاء في ذمته، وهو على خطر من فواته، أو يحرم لأنه أخرجه عن أن يكلفه وفى التكليف مصلحة وقد فوتها عليه بدليل أنه لو قيده قبل وقت الصلاة أو قبل البلوغ إلى أن بلغ ودخل الصلاة عصى، ولم يكن على الصبى أمر ناجز لا بشرط ولا بغير شرط. وللمعتزلة شبه على ذلك؛ الأولى منها: قولهم إثبات الأمر بشرط يؤدى إلى أن يكون وجود الشئ مشروطا بما يوجد بعده، والشرط ينبغى

ص: 89

أن يقارن أو يتقدم أما تأخير الشرط عن المشروط فمحال. قلنا: ليس هذا شرطا لوجود ذات الأمر وقيامه بذات الآمر، بل الأمر موجود قائم بذات الآمر وجد الشرط أو لم يوجد، وإنما هو شرط لكون الأمر لازما واجب التنفيذ وليس ذلك من شرط كونه موجودا بسبيل، ولهذا قلنا: الأمر أمر للمعدوم بتقدير الوجود وإن لم يبلغه بشرط بلوغه فليس البلوغ شرطا لقيام نفس الأمر بذات الآمر بل للزوم تنفيذه. فإن قال قائل: اختلاف قول الشافعي رضى الله عنه في أن من جامع في نهار رمضان ثم مات أو جن قبل الغروب هل يلزمه الكفارة. هل يلتفت إلى هذا الأصل؛ قلنا: أما من ذهب إلى أنا نتبين عند زوال الحياة انتفاء الأمر من أصله فلا يمكن إيجاب الكفارة، وأما من ذهب إلى أنا لا نتبين عدم الأمر فيحتمل منه التردد إذ يحتمل أن يقول قد أفسد بالجماع الصوم الذي كان واجبا عليه وقطع الصوم الواجب بحكم الوقت وإفساده يوجب الكفارة. ويحتمل أن يقال وجوب الكفارة بإفساد الصوم لا يتعرض للفساد والانقطاع قبل الغروب، وهذا متعرض له فيكون مانعا من الإِلحاق بالصوم الذي يتعين الجماع لإِفساده، فإن قال قائل: فلو علمت المرأة بالعادة أنها تحيض في أثناء النهار أو علمت بقول نبى صادق حيضا أو جنونا وموتا فهل يلزمها الصوم حتى تصوم بعض اليوم؟ قلنا على مذهب المعتزلة لا ينبغى أن يلزم لأن بعض اليوم غير مأمور به، وهى غير مأمورة بالكل. أما عندنا فالأظهر وجوبه لأن المرخص في الإفطار لم يوجد، والأمر قائم في الحال، والميسور لا يسقط بالمعسور. الشبهة الثانية: قولهم إن الأمر طلب فلا يقوم بذات من يعلم امتناع وجود المأمور، فكيف يقوم بذات السيد طلب الخياطة إن صعد العبد إلى السماء وهو يعلم أنه لا يصعد. نعم يمكن أن يقول خط إن صعدت إلى السماء، لكنه صيغة أمر، ولا يقوم الطلب بذاته، كما لو قال له اصعد إلى السماء لم يكن أمرا لعجزه وعلم الآمر بامتناعه إلا على مذهب من يجوز تكليف ما لا يطاق وأنتم قد ملتم إلى منع تكليف المحال، وبه يفارق الآمر الجاهل، فإن من لا يعرف عجز عبده عن القيام يتصور أن يقول قم ويقوم بذاته الطلب أما إذا علم عجزه فلا يقوم بذاته طلب الممتنع. وهذا التحقيق وهو أن الجهل إذا كان شرطا لقيام هذا الأمر بذاته فالمؤثر في صفة ذاته لا جهل المأمور، فمهما علم الآمر عدم الشرط فكيف يكون طالبا، وإذا لم يكن طالبا فكيف يكون آمرا؛ والأمر هو الطلب وهذا واقع. والجواب أن هذا لا يصح من المعتزلة مع إنكارهم كلام النفس، أما عندنا فليس المراد بالطلب الذي هو معنى الأمر إرادة وتشوقا لأن المعاصى عندنا مرادة وهى غير مأمور بها، والطاعات مأمور بها وقد لا تكون مرادة، فإن ما أراد الله واقع، والتشوق على الله محال، وإنما معناه اقتضاه فعله لمصلحة العبد ولكنه يكون توطئة للنفس على عزم الامتثال أو الترك لما يخالفه لطفا به في الاستعداد والانحراف عن الفساد، وهذا لطف متصور من الله تعالى، ويتصور أيضا من السيد أن يستصلح عبده بأوامر ينجزها عليه مع عزمه على نسخ الأمر قبل الامتثال امتحانا للعبد واستصلاحا له، وكل أمر مقيد بشرط أن لا ينسخ وكل وكالة مقيدة بشرط أن لا يعزل الوكيل

(1)

.

(1)

المستصفى من علم الأصول للإمام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى جـ 2 ص 15 وما بعدها إلى ص 24 في كتاب أسفله فواتح الرحموت للعلامة عبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى، بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه أيضا للإمام الشيخ محب الله بن عبد الشكور الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1324 هـ.

ص: 90

وجاء في روضة الناظر أنه يجوز الأمر من الله سبحانه وتعالى لما في معلومه أن المكلف لا يتمكن من فعله، وعند المعتزلة: لا يجوز ذلك إلا أن يكون تعلقه بشرط تحققه مجهولا عند الآمر، أما إذا كان معلوما أنه لا يتحقق الشرط فلا يصح الأمر به لأن الأمر طلب، فكيف يطلب الحكيم ما يعلم امتناعه، وكيف يقول السيد لعبده خط ثوبى إن صعدت السماء وبهذا يفارق أمر الجاهل لأن من لا يعرف عجز غيره عن القيام يتصور أن يطلبه منه أما إذا علم امتناعه فلا يكون طالبا وإذا لم يكن آمرا، ولأن إثبات الأمر بشرط يفضى إلى أن يكون وجود الشئ مشروطا بما يوجد بعده، والشرط ينبغى أن يقارن أو يتقدم، أما أن يتأخر عن المشروط فمحال، وهذه المسألة تنبنى على النسخ قبل التمكن، وإن فيه فائدة على ما مضى. ويدل لنا الإجماع على أن الصبى إذا بلغ يجب عليه أن يعلم ويعتقد أنه مأمور بشرائع الإِسلام منهى عن الزنا والسرقة. ويثاب على العزم على امتثال المأمورات وترك المنهيات. ويكون متقربا بذلك وإن لم يحضر وقت عبادة ولا يمكن من زنا ولا سرقة، وعلم بأن الله تعالى عالم بعاقبة الأمر لا ينفى عنه ذلك وإن احتمل أن لا يكون مأمورا منهيا لعدم مساعدة التمكن يجب أن يشك في كونه مأمورا منهيا وفى كونه متقربا؛ إذ لا خلاف في أن العزم على امتثال ما ليس بمأمور وترك ما ليس بمنهى ليس بقربة، وهذا لا يتيقن أنه مأمور ولا متقرب، وهذا خلاف الإجماع. دليل ثان: الإِجماع على أن صلاة الفرض لا تصح إلا بنية الفرضية، ولا تقبل نية الفرضية إلا بعد معرفة الفرضية، والعبد ينوى في أول الوقت فرض الظهر، وربما مات في أثنائها، فتبين عندهم أنها لم تكن فرضا، فليكن شاكا في الفرضية، فتمتنع النية لأنها لا تتوجه إلا إلى معلوم. فإن قيل فإذا مات في أثنائها فكيف يقال إن الأربع كانت فريضة على الميت؟ قلنا: هو قاطع بأنها فرض عليه لكن بشرط البقاء، والأمر بشرط أمر في الحال وليس بمعلق .. هذا الأمر من عزم عليه يثاب ثواب العزم على الواجبات، فإن قول السيد لعبده صم غدا أمر في الحال بصوم الغد، لا إنه أمر في الغد، ولو قال فرضت عليك بشرط بقائك فهو فارض في الحال لكن بشرط، ولو قال لوكيله: بع دارى في رأس الشهر كان وكيلا في الحال يصح أن يقال وكله ويصح عزله، وإذا قال وكلنى وعزلنى كان صادقا، فإن مات قبل رأس الشهر لم يتبين كذبه، بخلاف ما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت وكيلى فإنه لا يكون وكيلا في الحال. الدليل الثالث: الإِجماع على لزوم الشروع في صوم رمضان، فإن كان الموت يتبين به عدم الأمر والموت مجوز فيصير مشكوكا فيه فكيف تلزمه العبادة بالشك؟ قالوا لأن الظاهر بقاؤه، والحاصل يستصحب، والاستصحاب أصل تنبنى عليه الأمور، كما أن من أقبل عليه سبع لا يقبح الهرب، وإن كان من المحتمل موت السبع دونه ولو فتح هذا الباب لم يتصور امتثال أمر. قلنا: هذا يلزمكم ومذهبكم يفضى إليه، وما أفضى إليه المحال محال، وأما الهرب فحزم وأخذ بالأسوأ من الأحوال، ويكفى فيه الاحتمال البعيد والشك، فإن من شك في سبع في الطريق أو لص حسن منه الاحتراز عنه. وأما الوجوب فلا يثبت بالشك والاحتمال بل ينبغى أن من أعرض عن الصوم لم يكن عاصيا لأنه أخذ بالاحتمال الآخر. وقولهم الأمر طلب وطلب المستحيل من الحكيم محال. قلنا الأمر إنما هو قول الأعلى لمن دونه افعل مع تجردها من القرائن، وهذا مقصور على علمه بالاستحالة، وعلى أنا لو سلمنا أن الأمر طلب

ص: 91

فليس الطلب من الله تعالى كالطلب من الآدميين، وإنما هو استدعاء فعل لمصلحة العبد وهذا يحصل مع الاستحالة لكى يكون توطئة للنفس على عزم الامتثال أو الترك لطفا به في الاستعداد والانحراف عن الفساد، وهذا متصور، ويتصور من السيد أيضا أن يستصلح عبده بأوامر ينجزها عليه مع عزمه على فتح الأمر قبل الامتثال امتحانا للعبد واستصلاحا له، ولو وكل رجلا في عتق عبده غدا مع عزمه على عتق العبد صح، ويتحقق فيها المقصود من استمالة الوكيل وامتحانه في إظهار الاستبشار بأوامره والكراهية له وكل ذلك معقول الفائدة فكذا هاهنا. وقولهم يفضى إلى تقدم المشروط على الشرط. قلنا ليس هذا شرطا لذات الأمر، بل الأمر موجود وجد الشرط أم لم يوجد، وإنما هو شرط لوجوب التنفيذ فلا يفضى إلى ما ذكروه

(1)

.

‌ثانيا: الامتناع في استعمال الفقهاء حكم امتناع الولى من تزويج موليته

‌مذهب الحنفية:

جاء في حاشية ابن عابدين نقلا عن المنتقى أنه إذا كان للصغيرة أب امتنع عن تزويجها لا تنتقل الولاية إلى الجد، بل يزوجها القاضي، ونقل مثله ابن الشحتة عن الغاية عن روضة الناطقى، وكذا المقدسى عن الغاية. وأشار إليه الزيلعى حيث قال في مسألة تزويج الأبعد بغيبة الأقرب: وقال الشافعي رحمه الله تعالى بل يزوجها الحاكم اعتبارا بعضله، وكذا قال في البدائع أن نقل الولاية إلى السلطان أي حال غيبة الأقرب باطل؛ لأنه ولى من لا ولى له، وهاهنا لها ولى أو وليان، فلا تثبت الولاية للسلطان إلا عند العضل من الولى ولم يوجد. وكذا فرق في التسهيل بين الغيبة والعضل بأن العاضل ظالم بالامتناع فقام السلطان مقامه في دفع الظلم بخلاف الغائب خصوصا للحج، وبه أفتى العلامة ابن شلبى رحمه الله تعالى، فهذه المنقول تفيد الاتفاق عندنا على ثبوتها بعضل الأقرب للقاضى فقط. و أما ما في الخلاصة والبزازية من أنها تنتقل إلى الأبعد بعضل الأقرب إجماعا فالمراد بالأبعد القاضي لأنه آخر الأولياء، فالتفضيل على بابه. وحمله في البحر على الأبعد من الأولياء، ثم ناقض نفسه بعد

(1)

روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامه المقدسى الدمشقى جـ 2 ص 107 وما بعدها إلى ص 111 في كتاب أسفله نزهة الخاطر العاطر للشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بدران الدومى ثم الدمشقى طبع المطبع السلفية بمصر سنة 1342 هـ.

ص: 92

سطرين بقوله قالوا وإذا خطبها كفء وعضلها الولى تثبته الولاية للقاضى نيابة عن العاضل، فله التزويج وإن لم يكن في منشوره. هذا خلاصة ما في الرسالة، ثم ذكر فيها عن شرح المنظومة الوهبانية عن المنتفى ثبوت الخيار لها بالبلوغ إذا زوجها القاضي بعضل الأقرب، وعن المجرد عدم ثبوته، والأول على أن تزويجه بطريق الولاية، والثانى على أنه بطريق النيابة عن العاضل. هذا إذا امتنع عن التزويج من كفء وبمهر المثل، أما لو امتنع عن غير الكفء أو لكون المهر أقل من مهر المثل فليس بعاضل، وإذا امتنع عن تزويجها من هذا الخاطب الكفء ليزوجها من كفء غيره استظهر في البحر أنه يكون عاضلا، قال ولم أره، وتبعه المقدسى والشرنبلالى، واعترضه الرملى رحمه الله تعالى بأن الولاية بالعضل تنتقل إلى القاضي نيابة لدفع الإِضرار بها، ولا يوجد إضرار بها مع إرادة التزويج بكفء غيره. قلت: وفيه نظر؛ لأنه متى حضر الكفء الخاطب لا ينتظر غيره خوفا من فوته، ولذا تنتقل الولاية إلى الأبعد عند غيبة الأقرب كما مر. نعم لو كان الكفء الآخر حاضرا أيضا وامتنع الولى الأقرب من تزويجها من الكفء الأول لا يكون عاضلا لأن الظاهر من شفقته على الصغيرة أنه اختار لها الأنفع لتفاوت الأكفاء أخلاقا وأوصافا فيتعين العمل بهذا التفصيل

(1)

. وجاء في بدائع الصنائع أن المرأة إذا زوجت نفسها من كفء وبلغ الولى فامتنع من الإجازة فرفعت أمرها إلى الحاكم قال محمد رضى الله تعالى عنه: يستأنف العقد لأن العقد كان موقوفا على إجازة الولى، فإذا امتنع من الإجازة فقد رده فيرتد ويبطل من الأصل فلا بد من الاستئناف وقال أبو يوسف رضى الله تعالى عنه يجيزه لأنه بالامتناع صار عاضلا؛ إذ لا يحل له الامتناع من الاجازة إذا زوجت نفسها من كفء، فإذا امتنع فقد عضلها فخرج من أن يكون وليا وانقلبت الولاية إلى الحاكم

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أنه يجب على الولى ولو أبا غير مجبر الإجابة لكفء رضيت به، سواء طلبته للتزوج به أو لم تطلبه بأن خطبها ورضيت به؛ لأنه لو لم يجب لذلك مع كونها مضطرة لعقده كان ذلك ضرارا بها، وأما الأب المجبر فلا يجب عليه الإجابة لكفئها لأنه يجبرها إلا لنحو خصى، إلا أن يتبين عضله، فإن تبين عضله وجب عليه أن يجيب لكفئها هذا إذا لم تكن كتابية وتدعو بمسلم، فإن كانت كذلك فلا تجاب له حيث امتنع أولياؤها لأن المسلم غير كفء لها عندهم فلا يجبرون على تزويجها به. ولو دعت لكفء ودعا وليها لكفء غيره كان كفؤها أولى لأنه أقرب إلى دوام العشرة، فيأمره الحاكم يتزويجها إن امتنع من تزويجها بالكفء الذي رضيت به في المسئلتين - الأولى ما إذا طلبها كفء ورضيت به سواء طلبت التزويج به أو لا، والثانية ما إذا دعت

(1)

حاشية الشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين المسماة رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار جـ 2 ص 324 في كتاب على هامشه الشرح المذكور مع تقريرات لبعض الأفاضل وتعليقات للمحقق الشيخ محمد العباس المهدى. وتغييرات لوالده الشيخ محمد أمين المهدي الطبعة الثالثة طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1323 هـ.

(2)

بدائع الصنائع في ترتيب. الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 2 ص 248 الطبعة الأولى طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هـ.

ص: 93

لكفء ودعا وليها لكفء آخر - بعد أن يسأله عن وجه امتناعه ولا يظهر له وجه صحيح، وأما إن سأله عن وجه امتناعه فأبدى له وجهه ورآه صوابا ردها إليه. ثم إن امتنع بعد أمر الحاكم زوجها الحاكم أو وكل من يعقد عليها ولو أجنبيا عنها لأن الولى يصير عاضلا برده أول كفء ولا ينتقل بسبب امتناعه من تزويجها لكفئها الحق إلى الأبعد، مثله في التوضيح، وخالف في ذلك ابن عبد السلام رضى الله تعالى عنه فقال: إنما يزوجها الحاكم عند عدم الولى غير العاضل، وأما عند وجوده فينتقل الحق للأبعد؛ لأن عضل الأقرب واستمراره على الامتناع صيره بمنزلة العدم فينتقل الحق للأبعد، وأما الحاكم فلا يظهر كونه وكيلا له إلا إذا لم يظهر منه امتناع كما لو كان غائبا مثلا، وما ذكره ابن عبد السلام استصوبه شيخنا. ولا يعد الأب المجبر عاضلا لمجبرته برده لكفئها ردا متكررًا، وذلك لما جبل عليه الأب من الحنان والشفقة على بنته ولجهلها بمصالح نفسها، فربما عَلِمَ الأب من حالها أو من حال الخاطب ما لا يوافق فلا يعد عاضلا بما ذكر حتى يتحقق عضله، وفى البدر القرافى عن ابن حبيب - رضى الله تعالى عنه: منع مالك رضى الله تعالى عنه بناته وقد رغب فيهم خيار الرجال، وفعله العلماء قبله وبعده وحاشاهم أن يقصدوا به الضرر. ومثل الأب المجبر وصيه المجبر، وقيل إن الوصى المجبر يعد عاضلا برد أول كفء وهو ظاهر خليل. هذا في المجبرة أما غير المجبرة سواء كان ثيبًا أو بكرًا مرشدة فيعد الأب عاضلا برد أول كفء كما أن غيره من الأولياء كذلك. فإذا تحقق عضله أمره الحاكم بالتزويج، فإذا امتنع منه بعد أمره به زوج الحاكم، ولا يسأله الحاكم عن وجه امتناعه إذ لا معنى للسؤال مع تحقق العضل

(1)

، وإذا رضى الولى بغير كفء وزوجها منه ثم طلقها طلاقًا بائنًا أو رجعيًا وانقضت العدة وأراد عودها فرضيت الزوجة وامتنع الولى منه فليس له الامتناع حيث لم يحدث ما يوجب الامتناع لأن رضاه أو لا أسقط حقه من الامتناع؛ ويعد عاضلا إن امتنع، فإن حدث عيب بأن زاد فسق فله الامتناع. أما إذا كان الطلاق رجعيا ولم تنفض العدة فهى زوجة فلا كلام لها ولا لوليها

(2)

وإذا كلم السيد في إجازة نكاح عبده فامتنع ابتداء بأن قال لا أجيزه فقط أو لا أمضى مافعله من غير أن يقول فسخت أو رددت نكاحه فإن له أن يجيز إن قرب وقت الإِجازة من الامتناع كيومين فأقل. والأيام الثلاثة فما فوفها طول فلا تصح الإِجازة بعدها. وأما إذا لم يحصل منه امتناع - بأن كلم في اجازة النكاح فسكت - فله الاجازة ولو طال الزمن. هذا إذا لم يرد السيد بامتناعه الفسخ، فإن أراد به الفسخ فلا تصح اجازته بعد ذلك

(3)

.

(1)

الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه لشمس الدين الشيخ محمد عرفه الدسوقى جـ 2 ص 231، ص 232 في كتاب على هامشه الشرح المذكور مع تقديرات للعلامة المحقق الشيخ محمد عليش طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر.

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 249.

(3)

المرجع السابق جـ 2 ص 243 نفس الطبعة.

ص: 94

‌مذهب الشافعية:

جاء في مغنى المحتاج أن السلطان يزوج إذا عضل أي امتنع من تزويجها النسيب القريب ولو مجبرا، وكذا إذا امتنع المعتق وعصبته؛ لأنه حق عليهم، فإذا امتنعوا من وفائه وفاه الحاكم، ولا تنتقل الولاية للأبعد جزما وهذا محله إذا كان العضل دون ثلاث مرات، فإن كان ثلاث مرات زوج الأبعد بناء على منع ولاية الفاسق كما قاله الشيخان، وهذا فيمن لم تغلب طاعاته على معاصيه كما ذكروه في الشهادات، وإلا فلا يفسق بذلك، وهل المراد ما قالاه هنا بالمرات الثلاث الأنكحة أو بالنسبة إلى عرض الحاكم ولو في نكاح واحد؟ قال في المهمات فيه نظر. والأوجه الثاني، ووقع في فتاوى المصنف أن العضل كبيرة بإجماع المسلمين، واعترض بأن الذي اختاره الإمام في النهاية أنه لا يحرم إلا إذا لم يكن في الخطة حاكم. قيل وينبغى أنه لا يحرم مطلقا إذا جوزنا التحكيم. وإنما يحصل العضل من الولى إذا دعت بالغة عاقلة سواء كانت رشيدة أو سفيهة إلى كفء وامتنع الولى من تزويجه لأنه إنما يجب عليه تزويجها من كفء، فإن دعته إلى غير كفء كان له الامتناع لأن له حقا في الكفاءة. ويؤخذ من التعليل أنها لو دعت إلى تزويجها من عنين أو مجبوب لزمه إجابتها، فإن امتنع كان عاضلا إذ لا حق له في الامتناع، بخلاف ما إذا دعته إلى تزويجها من أجذم أو أبرص أو مجنون لأنه يعير بذلك. وليس له الامتناع لنقصان المهر أو لكونه من غير نقد البلد إذا رضيته بذلك لأن المهر محض حقها، ولو امتنع من نكاحها في تزويج التحليل فعن بعض المتأخرين أنه إن امتنع للخروج من الخلاف أو لقوة دليل التحريم عنده فلا إثم عليه، بل يثاب على قصده. قال ابن شهبة رحمه الله تعالى: وفى تزويج الحاكم حينئذ نظر لأنه بامتناعه لا يعد عاضلا، وهذا ظاهر وفى زوائد الروضة لو طلبت التزويج برجل وادعت كفاءته وأنكر الولى رفع للقاضى فإن ثبتت كفاءته ألزمه تزويجها، فإن امتنع زوجها به وإن لم تثبت فلا، ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم ليزوج بأن يحضر الولى والخاطب والمرأة فيأمر الحاكم الولى بالتزويج فيمتنع منه أو يسكت أو تقام البينة عليه لتوار أو تعزز أو غيبة لا يزوج فيها القاضي. وإذا ظهرت حاجة المجنونة إلى النكاح وامتنع الولى من تزويجها كان عضلا. ولو عينت مجبرة كفأ وأراد الأب أو الجد المجبر كفأ غيره فله ذلك في الأصح لأنه أكمل نظرا منها، والقول الثاني المقابل للأصح: يلزمه إجابتها إعفافا لها، واختاره السبكى، والمعتبر في غير المجبر من عينته جزما كما اقتضاه كلام الشيخين لأن أصل تزويجها يتوقف على إذنها

(1)

. ويلزم المجبر - وهو الأب والجد - وغير المجبر إن تعين كأخ واحد وعم أن يجيب ملتمسة التزويج البالغة إن دعت إلى كفء تحصينا لها فإن امتنع أثم كالقاضى أو الشاهد إذا تعين عليه القضاء أو الشهادة وامتنع وقيل لا يلزمه الإِجابة ولا يأثم لأن الغرض يحصل بتزويج الحاكم فإن لم يتعين غير المجبر كأخوة أشقاء أو لأب فسألت بعضهم أن يزوجها لزمه الإِجابة إليه في الأصح لئلا يؤدى إلى التواكل فلا يعفوها، والقول الثاني المقابل للأصح: المنع لإِمكانه بغيره وهما

(1)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 3 ص 144، ص 145 في كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.

ص: 95

كالوجهين في الشهود إذا طلب من بعضهم أداء الشهادة وقضية الأول أنه يصير بالامتناع عاضلا فيزوج السلطان، قال الزركشى رحمه الله تعالى: وهو مشكل إذ كيف يزوج مع وجود ولى آخر في درجة الممتنع والأقرب أنه يزوج هنا بإذنهم وينبغى ضبط مدة المراجعة بمسافة القصر. وما قاله مخالف للروضة وأصلها من أن السلطان إنما يزوج عند امتناع الجميع

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء في المغنى أن الولى الأقرب إذا عضل المرأة انتقلت الولاية إلى الأبعد، نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه، وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان وهو اختيار أبى بكر، وذكر ذلك عن عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه وشريح وبه قال الشافعي رضى الله تعالى عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له" ولأن ذلك حق علمه امتنع من أدائه فقام الحاكم مقامه كما لو كان علمه دين وامتنع من قضائه. ويدل لنا أنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فملكه الأبعد كما لو جن ولأنه يفسق بالعضل فتنتقل الولاية عنه كما لو شرب الخمر، فإن عضل الأولياء كلهم زوج الحاكم، والحديث حجه لنا لقوله صلى الله عليه وسلم "السلطان ولى من لا ولى له"، وهذه لها ولى ويمكن حمله على ما إذا عضل الكل لأن قوله "فإن اشتجروا" ضمير جمع يتناول الكل. والولاية تخالف الدين من وجوه ثلاثة أحدها أنها حق للولى والدين حق علمه. الثاني أن الدين لا ينتقل عنه والولاية تنتقل لعارض من جنون الولى وفسقه وموته. الثالث: أن الدين لا يعتبر في بقائه العدالة، والولاية يعتبر لها ذلك وقد زالت العدالة بما ذكرنا، فإن قيل فلو زالت ولايته لما صح منه التزويج إذا أجاب إليه، قلنا فسقه بامتناعه، فإذا أجاب فقد نزع عن المعصية وراجع الحق فزال فسقه فلذلك صح تزويجه. ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه قال معقل بن يسار زوجت أختا لى من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثحم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية "ولا تعضلوهن"

(2)

فقلت الآن أفعل يا رسول الله، قال فزوجها إياه

(3)

. وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهم، وقال أبو حنيفة لهم منعها من التزويج بدون مهر مثلها لأن عليهم في ذلك عارا وفيه ضرر على نسائها لنقص مهر مثلهن. ويدل لنا أن المهر خالص حقها وعوض يختص بها فلم يكن لهم الاعتراض عليها فيه كثمن عبدها وأجرة دارها ولأنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كله فبعضه أولى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أراد أن يزوجه: التمس ولو خاتما من حديد. وقال لامرأة زوجت بنعلين: أرضيت بنعلين من نفسك؟ قالت نعم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، وقولهم فيه عار عليهم ليس كذلك، فإن عمر رضى الله عنه قال: لو كان مكرمة في الدين أو تقوى عند الله

(1)

المرجع السابق جـ 3 ص 151 نفس الطبعة.

(2)

الآية رقم 19 من سورة النساء.

(3)

رواه البخارى.

ص: 96

كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى غلو الصداق. فإن رغبت في كفء بعينه وأراد تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها، فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ولا يكون عاضلا لها بهذا لأنها لو زوجت من غير كفئها كان أول فسخ النكاح، فلأن تمتنع منه ابتداء أولى

(1)

. ولو طلبت الأمة من سيدها أن يزوجها فإن كان يطؤها لم يجبر على تزويجها لأن علمه ضررا في تزويجها، ووطؤه لها يدفع حاجتها فإن كان لا يطؤها لكونها محرمة عليه كالمجوسية وأخته من الرضاع، أو محللة له لكن لا يرغب وطئها أجبر على تزويجها أو وطئها إن كانت محللة له أو إزالة ملكه عنها لأنه وليها فأجبر على تزويجها كالحرة، ولأن حاجتها قد تشتد إلى ذلك فؤجبر على دفعها كالإِطعام والكسوة، وإذا امتنع أجبره الحاكم، وإن طلبت منه من نصفها حر أو المكاتبة أو أم الولد التزويج أجبر عليه لأنه وليهن فأجبر على تزويجهن كالحرائر

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أنه لا يحل للمرأة نكاح ثيبا كانت أو بكرا إلا بإذن وليها الأب أو الأخوة أو الجد أو الأعمام أو بنى الأعمام وإن بعدوا، والأقرب فالأقرب أولى، ومعنى ذلك أن يأذن لها فى الزواج، فإن آبى أولياؤها من الإِذن لها زوجها السلطان. برهان ذلك قول الله عز وجل "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم"

(3)

وقوله تعالى: "ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا"

(4)

، وهذا خطاب للأولياء لا للنساء، وروينا من طريق ابن وهب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تنكح المرأة بغير وليها، فإن نكحت فنكاحها باطل ثلاث مرات، فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له"

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أن العضل هو امتناع الولى من تزويج البالغة الراضية من الكفء من غير مانع، فتبطل ولايته لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ثلاث لا ينبغى التأنى فيهن" فلو قال دعنى إلى وقت آخر كان عاضلا. قال الإِمام يحيى عليه السلام: لا يكون عاضلا لو قال حتى أصلى أو

(1)

جاء في المغنى للشيخ موفق الدين أبى عبد الله بن أحمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 3 ص 368، ص 369 في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للشيخ شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بإشراف السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 7 ص 399 نفس الطبعة.

(3)

الآية رقم 32 من سورة النور.

(4)

الآية رقم 221 من سورة البقرة.

(5)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم جـ 9 ص 452 مسئلة رقم 1821 بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.

ص: 97

نحوه. قلت: فيه نظر إلا لتعرف حاله. وإذا بطلت ولاية الممتنع انتقلت ولايته إجماعا ولا يخير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له". ولا يقبل قولها فيه، إذ حق الولى ثابت في الظاهر، فإن لم يكن إمام وكلت، وعن قوم: ينتظر. ويدل لنا ما مر. فإن رجع عن العضل قبل الإِنكاح عادت الولاية. قلت: ومن عرف من حاله العضل عن تزويج نسائه فيما مضى، وخيف من مؤاذنته في الحال كسلاطين اليمن انتقلت ولايته، وإن لم يؤاذن عملا بالظاهر واستصحاب الحال

(1)

قال الإمام يحيى عليه السلام: والمجنون المطبق كالصغير، تعتبر المصلحة، قال: والسفيه والمعتوه يزوجه وليه حتما إن طلب كإنفاقه من ماله، وله أن يأذن له إذ هو ممن يصح عقده كطلاقه، فإن امتنع وليه فعقد لنفسه فوجهان: لا يصح كالصغير، ويصح كمن امتنع غريمه على دينه فأخذ من ماله. دلت الأقرب أن هذا لغير المذهب، فأما التخيير فحكمه فيه حكم الثيب

(2)

. ولا يصح نكاح عبد إلا بإذن سيده لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر" قال الإمام يحيى: أراد به أنه كالعاهر، وليس بزان حقيقة لاستناده إلى عقد. قلت: بل زان إن علم التحريم فيحد ولا مهر، قالت العترة: فإن عقد كان موقوفا ينفذ بالإجازة. قال الناصر عليه السلام: لا ينفذ بالإِجازة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "إذا نكح العبد بغير إذن مواليه فنكاحه باطل" قلنا: يعنى غير نافذ جمعا بينه وبين خبر حكيم بن حزام في الموقوف

(3)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء في الروضة البهية أن الولى لو عضل موليته فلم يزوجها من الكفء مع وجوده ورغبتها فلا بحث في سقوط ولايته وجواز استقلالها به، ولا فرق حينئذ بمن كون النكاح بمهر المثل وغيره، ولو منع من غير الكفء لم يكن عضلا

(4)

. وجاء في الخلاف أن الولى إذا عضل المولية كان لها أن توكل من يزوجها، أو تزوج نفسها إذا كانت بالغة

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أن الولى يجبر على تزويج موليته إن امتنع من تزويجها بلا عذر، وهو ظلم لها وكبيرة يرضيها عليه أو تجعله في حل. ويجبر بلا ضرب إن لم يجد كفأها ووجد غيره وخاف عليها الزنا. وإن امتنع وكلت حينئذ من يزوجها أو زوجها الحاكم والإمام أو الجماعة. واختلف في كيفية إجبار الولى الممتنع، فقيل يجبر بحبس - وهو الصحيح - وقيل: يضرب بلا عدد محدود حتى يزوجها من كفؤها إن حضر الكفء، وقيل: يضرب تأديبا، ويزوجها الإمام أو نحوه، أو الجماعة، أو يوكلون لها، أو توكل هي، أو يزوجها ولى دون الولى الممتنع، كشقيق أبى أن يزوجها

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن مرتضى جـ 3 ص 55 الطبعة الأولى مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1367 هـ سنة 1948 م.

(2)

المرجع السابق جـ 3 ص 58 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 3 ص 131 نفس الطبعة.

(4)

الروضة اليهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجعبى العاملى جـ 2 ص 71، ص 72 بتصحيح العلامة الشيخ عبد الله السبيتى.

(5)

الخلاف في الفقه للإمام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى جـ 2 ص 152 مسألة رقم 38 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان في طهران سنة 1382 هـ.

ص: 98

فيزوجها أخ الأب. وكذا السيد إن طلبه مملوكه - على الصحيح - يجبر بالضرب بلا عدد، وقيل: بالحبس، وقيل: لا، وكذا يجبر خليفة اليتيمم أو المجنون إذا طلبه عبيدهما أو إماؤهما كما قال أبو زكرياء رحمه الله تعالى. وحرم على الولى أن يأخذ مالا من وليته على تزويجها بلا طيب نفس منها إن امتنع من تزويجها إلا بالمال؛ لأن تزويجه إياها فرض، ولا يحل أخذ مال على فرض، وهل لها أن تعطي، قال الله تعالى:"وأنكحوا الأيامى منكم"

(1)

فأمر الأولياء بالإِنكاح، والأمر للموجوب والفرض، أي إن أردن ذلك. وقال الله تعالى:"ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن"

(2)

أي أن يتخذن أزواجا فنهاهم أن يمسكوهن، والنهى للتحريم إلا بقرينة فلا يجوز له أن يفعل المنع ويتوصل به إلى الأجرة إلا إن كان يسافر إلى العقد فله الأجرة، ويحتمل أن يريد بأزواجهن من هن في عدة طلاقهم، نهاهم أن يمنعوهن عن الرجوع وقد تدل الآية على أنه يجوز منعهن عن غير أكفائهن إذا قلنا معنى ينكحن أزواجهن: أن يتخذن أزواجا، بأن يقال: المعنى أن ينكحن الأزواج الذين يتأهلن لهم، والإضافة لهذا المعنى، كأنه قيل: أن ينكحن أقرانهن، كما قال الله تعالى:"الطيبات للطيبين"

(3)

الآية، يقال فلان زوج لفلانة بمعنى كفؤها، وفلان ليس زوجا لها أي ليس كفئا لها، فيفهم أن لهم أن يعضلوهن إذا أردن الزواج ممن ليس زوجا لهن، أعنى من لا يصلح لهن زوجا، أما إذا فسرنا الآية بالرجعة فلا تمنع عن زوجها ولو لم يكن كفئا لها، وليس النكاح إليها حينئذ بل يراجعها ولو كرهت، قال في الديوان: ينظر المسلمون في منعه فإن أراد به المال ومضرتها فلا يتركوه إلى ذلك وليخوفوه بالله تعالى لقول الله عز وجل: "ولا تعضلوهن" وإن اعمل بعلة نظروا فإن وجدوا لها وجها رجعوا إلى المرأة وأمروها بطاعة وليها لأنه الناظر لها وإن أراد إضرارها أمروها أن تولى أمرها غيره وإن طلبت إليه واحدا فرده ثم آخر فرده أو أكثر فهل يكون ذلك تعطيلا أم لا؟ قولان، وإنما ينظر إلى إضرارها إذ لا حد لذلك لأنه ربما رد واحدا أو أكثر وله وجه، وربما رد واحدا وهو فيه أضر. وللإمام ومن أمره قاضيه والسلطان ومن أمره ولو جاء إن لم يكن الإِمام وقيل الجائر كواحد من الرعية، وللحاكم إن لم يكن قاض ولو للجائر، والجماعة أو ثلاثة منهم إن لم يكن الحاكم لهؤلاء جميعا تزويج امرأة إن امتنع وليها بما لا يقبل ولم يكن من دونه من الأولياء

(4)

.

(1)

الآية رقم 32 من سورة النور.

(2)

الآية رقم 185 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 26 من سورة النور.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 3 ص 69، ص 70 طبع المطبعة الأدبية بمصر.

ص: 99

‌حكم امتناع المرأة من زوجها

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن المرأة إذا طالبت بالمهر وجب على الزوج تسليمه أولا لأن حق الزوج في المرأة متعين وحق المرأة في المهر لم يتعين بالعقد، وإنما يتعين بالقبض، فوجب على الزوج التسليم عند المطالبة ليتعين كما في البيع أن المشترى يسلم الثمن أولا ثم يسلم البائع المبيع إلا أن الثمن في باب البيع إذا كان دينا يقدم تسليمه على تسليم المبيع ليتعين، وإن كان عينا يسلمان معا، وههنا يقدم تسليم المهر على كل حال سواء كان دينا أو عينا لأن القبض والتسلم هاهنا معا متعذر ولا تعذر في البيع. وإذا ثبت هذا فنقول للمرأة قبل دخول الزوج بها أن تمنع الزوج عن الدخول حتى يعطيها جميع المهر ثم تسلم نفسها إلى زوجها وإن كانت قد انتقلت إلى بيت زوجها لما ذكرنا أن بذلك يتعين حقها فيكون تسليما بتسليم، ولأن المهر عوض عن بضعها كالثمن عوضا عن المبيع وللبائع حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن فكان للمرأة حق حبس نفسها لاستيفاء المهر وليس للزوج منعها عن السفر والخروج من منزله وزيارة أهلها قبل إيفاء المهر لأن حق الحبس إنما يثبت لاستيفاء المستحق فإذا لم يجب عليها تسليم النفس قبل إيفاء المهر لم يثبت للزوج حق الاستيفاء فلا يثبت له حق الحبس، وإذا أوفاها المهر فله أن يمنعها من ذلك كله إلا من السفر للحج إذا كان عليها حجة الإِسلام ووجدت محرما، وله أن يدخل بها لأنه إذا أوفاها حقها يثبت له حق الحبس لاستيفاء المعقود عليه فإن أعطاها المهر إلا درهما واحدا فلها أن تمنع نفسها وأن تخرج من مصرها حتى تقبضه لأن حق الحبس لا يتجزأ، فلا يبطل إلا بتسليم كل البدل كما في البيع، ولو خرجت لم يكن للزوج أن يسترد منها ما قبضت لأنها قبضته بحق لكون المقبوض حقا لها والمقبوض بحق لا يحتمل النقص. هذا إذا كان المهر معجلا بأن تزوجها على صداق عاجل أو كان مسكوتا عن التعجيل والتأجيل لأن حكم المسكوت حكم المعجل، لأن هذا عقد معاوضة فيقتضى المساواة من الجانبين، والمرأة عينت حق الزوج فيجب أن يعين الزوج حقها وإنما يتعين بالتسلمم، فأما إذا كان مؤجلا بأن تزوجها على مهر آجل، فإن لم يذكر الوقت لشئ من المهر أصلا بأن قال تزوجتك على ألف مؤجلة، أو ذكر وقتا مجهولا جهالة متفاحشة بأن قال تزوجتك على ألف إلى وقت الميسرة أو هبوب الرياح أو إلى أن تمطر السماء فكذلك؛ لأن التأجيل لم يصح لتفاحش الجهالة فلم يثبت الأجل، ولو قال نصفه معجل ونصفه مؤجل كما جرت العادة في ديارنا ولم يذكر الموت للمؤجل، اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: لا يجوز الأجل ويجب حالا كما إذا قال تزوجتك على ألف مؤجلة، وقال بعضهم يجوز ويقع ذلك على وقت وقوع الفرقة بالطلاق أو الموت. وروى عن أبى يوسف رضى الله تعالى عنه ما يزيد هذا القول، وهو أن رجلا كفل لامرأة عن زوجها نفقة كل شهر ذكر في كتاب النكاح أنه يلزمه نفقة شهر واحد في الاستحسان، وذكر عن أبى يوسف رضى الله تعالى عنه أنه يلزمه نفقة كل شهر ما دام النكاح قائما بينهما، فكذلك هاهنا. وإن ذكر وقتا معلوما للمهر فليس لها أن لمنع نفسها في قول أبى حنيفة ومحمد رضى الله تعالى عنهما، وقال

ص: 100

أبو يوسف رضى الله عنه: أخيرا لها أن تمنع نفسها سواء كانت المدة قصيرة أو طويلة بعد أن كانت معلومة أو مجهولة جهالة متقاربة كجهالة الحصاد والرياس. وجه قول أبى يوسف أن من حكم المهر أن يتقدم تسليمه على تسليم النفس بكل حال، ألا ترى أنه لو كان معينا أو غير معين وجب تقديمه، فلما قبل الزوج التأجيل كان ذلك رضا بتأخير حقه في القبض بخلاف البائع إذا أجل الثمن أنه ليس له أن يحبس المبيع ويبطل حقه في الحبس بتأجيل الثمن لأنه ليس من حكم الثمن تقديم تسليمه على تسليم المبيع لا محالة ألا ترى أن الثمن إذا كان عينا يسلمان معا فلم يكن قبول المشترى التأجيل رضا منه بإسقاط حقه في القبض. ووجه قول أبى حنيفة ومحمد: أن المرأة بالتأجيل رضيت بإسقاط حق نفسها فلا يسقط حق الزوج كالبائع إذا أجل الثمن فإنه يسقط حق حبس المبيع، بخلاف ما إذا كان التأجيل إلى مدة مجهولة جهالة متفاحشة لأن التأجيل ثمة لم يصح فلم يثبت الأجل فبقى المهر حالا. وأما قوله من شأن المهر أن يتقدم تسليمه على تسليم النفس فنقول نعم إذا كان معجلا أو مسكوتا عن الوقت، فأما إذا كان مؤجلا تأجيلا صحيحا فمن حكمه أن يتأخر تسليمه عن تسليم النفس لأن تقديم تسليمه ثبت حقا لها لأنه ثبت تحقيقا للمعاوضة المقتضية للمساواة حقا لها، فإذا أجلته فقد أسقطت حق نفسها فلا يسقط حق زوجها لانعدام الإسقاط منه والرضا بالسقوط، لهذا المعنى سقط حق البائع في الحبس بتأجيل الثمن. كذا هذا، ولو كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا أجلا معلوما فله لين يدخل بها إذا أعطاها الحال بالإجماع؛ أما عندهما فلأن الكل لو كان مؤجلا لكان له أن يدخل بها فإذا كان البعض معجلا وأعطاها ذلك أولى، والفقه ما ذكرنا أن الزوج ما رضى بإسقاط حقه فلا يسقط حقه. وأما عند أبى يوسف فلأنه لما عجل البعض فلم يرض بتأخير حقه عن القبض لأنه لو رضى بذلك لم يكن لشرط التعجيل فائدة بخلاف ما إذا كان الكل مؤجلا، لأنه لما قبل التأجيل فقد رضى بتأخير حقه، ولو لم يدخل بها حتى حل أجل الباقى فله أن يدخل بها إذا أعطاها الحال لما قلنا. ولو كان الكل مؤجلا أجلا معلوما وشرط أن يدخل بها فبل أن يعطيها كله فله ذلك عن أبى يوسف أيضا لأنه لما شرط الدخول لم يرض بتأخير حقه في الاستمتاع، ولو كان المهر مؤجلا أجلا معلوما فحل الأجل فليس لها أن تمنع نفسها لتستوفى المهر على أصل أبى حنيفة ومحمد؛ لآن حق الحبس قد سقط بالتأجيل، والسادس لا يحتمل العود كالثمن في المبيع، وعلى أصل أبى يوسف لها أن تمنع نفسها لأن لها أن تمنع قبل حلول الأجل فبعده أولى. ولو كان المهر حالا فأخرته شهرا فليس لها أن تمنع نفسها عندهما، وعنده لها ذلك لأن هذا تأجيل طارئ فكان حكمه حكم التأجيل المقارن. ولو دخل الزوج بها برضاها وهى مكلفة فلها أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر ولها أن تمنعه أن يخرجها - من بلدها في قول أبى حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد ليس لها ذلك. وعلى هذا الخلاف: إذا خلا بها. وجه قولهما أنها بالوطء مرة واحدة أو بالخلوة الصحيحة سلمت جميع المعقود عليه برضاها وهى من أهل التسليم فبطل حقها في المنع كالبائع إذا سلم المبيع ولا شك في الرضا وأهلية التسليم. والدليل على أنها سلمت جميع المعقود عليه أن المعقود عليه في هذا الباب في حكم العين، ولهذا يتأكد جميع المهر بالوطء مرة

ص: 101

واحدة، ومعلوم أن جميع البدل لا يتأكد بتسليم بعض المعقود عليه، وما يتكرر من الوطاءات ملتحق بالاستخدام فلا يقابله شئ من المهر. ويدل لأبى حنيفة رضى الله تعالى عنه أن المهر مقابل بجميع ما يستوفى من منافع البضع في جميع الوطاءات التي توجد في هذا الملك لا بالمستوفى بالوطأة الأولى خاصة لأنه لا يجوز إخلاء شئ من منافع البضع عن بدل يقابله احتراما للبضع وإبانة لخطره، فكانت هي بالمنع ممتنعة عن تسليم ما يقابله بدل فكان لها ذلك بالوطء في المرة الأولى، فكان لها أن تمنعه عن الأول حتى تأخذ مهرها، فكذا عن الثاني والثالث إلا أن المهر يتأكد بالوطء مرة واحدة لأنه موجود معلوم وما وراءه معدوم مجهول فلا يزاحمه في الانقسام ثم عند الوجود يتعين قطعا فيصير مزاحما، فيأخذ قسطا من البدل كالعبد إذا جنى جناية يجب دفعه بها، فإن جنى جناية أخرى فالثانية تزاحم الأولى عند وجودها في وجوب الدفع بها، وكذا الثالثة والرابعة إلى ما لا يتناهى، بخلاف البائع إذا سلم المبيع قبل قبض الثمن أو بعد ما قبض شيئا منه، ثم أراد أن يسترد أنه ليس له ذلك لأنه سلم كل المبيع، فلا يملك الرجوع فيما سلم، وهاهنا ما سلمت كل المعقود عليه بل البعض دون البعض لأن المعقود عليه منافع البضع وما سلمت كل المنافع بل بعضها دون البعض فهى بالمنع تمتنع عن تسليم ما لم يحصل مسلما بعد، فكان لها ذلك كالبائع إذا سلم بعض المبيع قبل استيفاء الثمن كان له حق حبس الباقى ليستوفى الثمن، كذا هذا، وكان أبو القاسم الصفار رضى الله تعالى عنه يفتى في منعها بقول أبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهما، وفى السفر بقول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وبعد إيفاء المهر كان له أن ينقلها حيث شاء، وحكى الفقيه أبو جعفر الهندوانى عن محمد بن سلمة أنه كان يفتى أن بعد تسليم المهر ليس لزوجها أن يسافر بها، قال أبو يوسف ولو وجدت المرأة المهر زيوفا أو ستوتا فردت، أو كان المقبوض عرضا اشترته من الزوج بالمهر فاستحق بعد القبض وقد كان دخل بها فليس لها أن تمنع نفسها في جميع ذلك، وهذا على أصلهما مستقيم لأن من أصلهما أن التسليم من غير قبض المهر يبطل حق المنع، وهذا تسليم من غير قبض لأن ذلك القبض بالرد والاستحقاق انتقض والتحق بالعدم فصار كأنها لم تقبضه، وقبل القبض الجواب هكذا عندهما، وأما عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه فينبغى أن يكون لها أن تمنع نفسها، ثم فرق أبو يوسف بين هذا وبين المنع أنه إذا استحق الثمن من يد البائع أو وجده زيوفا أو ستوتا فرده فله أن يسترد المبيع فيحبسه لأن البائع بعد الاسترداد يمكنه الحبس على الوجه الذي كان قبل ذلك، وأما هاهنا فلا يمكنه لأنه استوفى بعض البضع، فلا يكون هذا الحبس مثل الأول فلا يعود حقها في الحبس وجاء في الفتاوى الهندية: أنه لا يجوز للرجل أن يجمع بين ضرتين أو بين الضرائر في مسكن واحد إلا برضاهن للزوم الوحشة، ولو اجتمعت الضرائر في مسكن واحد بالرضا يكره أن يطأ إحداهما بحضرة الأخرى حتى لو طلب وطأها لم تلزمها الإجابة ولا تصير في الامتناع ناشزة ولا خلاف في هذه المسائل، وله أن يجبرها على الغسل من الجنابة والحيض والنفاس إلا أن تكون ذمية وله جبرها على التطييب والاستحداد - كذا في البحر - وله أن يمنعها من

ص: 102

أكل ما يتأذى من رائحته ومن الغزل، وعلى هذا له أن يمنعها من التزيين بما يتأذى بريحه كأن يتأذى برائحة الحناء الأخضر ونحوه، وله ضربها بترك الزينة إذا كان يريدها وترك الإِجابة وهى طاهرة والصلاة وشروطها كذا في فتح القدير. وإذا كان رجل له امرأة لا تصلى فله أن يطلقها وإن لم يقدر على إيفاء مهرها فإن أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم بلا إذنه لم يكن لها ذلك، فإن وقعت لها نازلة وزوجها عالم بها أو جاهل لكنه يسأل عالما لا تخرج وإلا فلها أن تخرج وإن كان لها أب زمن وليس له من يقوم عليه وزوجها يمنعها من الخروج إليه لها أن تعصى زوجها وتطيع الوالد مؤمنا كان أو كافرا. ولو كان رجل له أم شابة تخرج إلى الوليمة المصيبة وليس لها زوج لا يمنعها ابنها ما لم يتحقق عنده أنها تخرج لفساد فحينئذ يرفع الأمر إلى القاضي فإذا أمره القاضي بالمنع فله أن يمنعها لقيامه مقامه كذا في الكافى

(1)

. وجاء في فتاوى قاضيخان أنهم قالوا ليس للمرأة أن تخرج بغير إذن الزوج إلا بأسباب معدودة، منها إذا كانت في منزل يخاف السقوط عليها، ومنها الخروج إلى مجلس العلم إذا وقعت لها نازلة ولم يكن الزوج فقيها، ومنها الخروج إلى الحج الفرض إذا وجدت محرما ويجوز للزوج أن يأذن لها في الخروج ولا يصير عاصيا بالإِذن، ومنها الخروج إلى زيارة الو الدين وتعزيتهما وعيادتهما وزيارة المحارم. وكذا لو كانت المرأة قابلة فاستأذنت الزوج لرفع الولد، وكذا إذا كانت تغسل الموتى، وإذا كان عليها حق أولها حق على غيرها. وليس لها أن تعطى شيئا من بيته بغير إذنه، ولا تصوم لغير فرض، وليس عليها أن تعمل بيدها شيئا لزوجها قضاء من الخبز والطبخ وكنس البيت وغير ذلك. ولو كان الرجل فاسقا يتخذ الضيافة للفساق كان للمرأة أن تخبز وتطبخ إلا أنها تنوى عند الطبخ والخبز أنهم ما داموا مشغولين بأكل يمتنعون عن الشرب كمن جلس عند الفساق ينوى أنهم يمتنعون عن الفسق في تلك الساعة كان له ذلك ويؤجر عليه

(2)

. وجاء في بدائع الصنائع أن الزوجة إذا لم تطع زوجها فيما يلزم طاعته بأن كانت ناشزة فله أن يؤدبها لكن على الترتيب، فيعظها أولا على الرفق واللين بأن يقول لها كونى من الصالحات القانتات الحافظات للغيب ولا تكونى من كذا وكذا فلعلها تقبل الموعظة فتترك النشوز، فإن نجعت فيها الموعظة ورجعت إلى الفراش وإلا هجرها، وقيل يخوفها بالهجر أولا والاعتزال عنها وترك الجماع والمضاجعة فإن تركت وإلا هجرها لعل نفسها لا تحتمل الهجر، ثم اختلف في كيفية الهجر، قيل يهجرها بأن لا يجامعها ولا يضاجعها على فراشه، وقيل يهجرها بأن لا يكلمها في حال مضاجعته إياها لا أن يترك جماعها ومضاجعتها لأن ذلك حق مشترك بينهما فيكون في ذلك عليه من الضرر ما عليها فلا يؤدبها بما يضر بنفسه ويبطل حقه، وقيل يهجرها بأن يفارقها في

(1)

الفتاوى العالمكيرية المعروفة بالفتاوى الهندية أليفة جماعة من علماء الهند برئاسة الشيخ نظام جـ 1 ص 341، ص 342 في كتاب على هامشه فتاوى فخر الملة والدين قاضيخان الأذرجندي الطبعة الثانية طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1310 هـ.

(2)

فتاوى فخر الملة والدين قاضيخان محمود الأذرجندى جـ 1 ص 443 في كتاب على هامش الفتاوى الهندية الطبعة السابقة.

ص: 103

المضجع ويضاجع أخرى في حقها وقسمها لأن حقها عليه في القسم في حال الموافقة وحفظ حدود الله تعالى إلا في حال التضييع وخوف النشوز والتنازع وقيل يهجرها بترك مضاجعتها وجماعها لوقت غلبة شهوتها وحاجتها لا في وقت حاجته إليها لأن هذا للتأديب والزجر فينبغى أن يؤدبها لا أن يؤدب نفسه بامتناعه عن المضاجعة في حال حاجته إليها فإذا هجرها فإن تركت النشوز وإلا ضربها عند ذلك ضربا غير مبرح ولا شائن. والأصل فيه قول الله عز وجل: "واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن

(1)

فظاهر الآية وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع المطلق، لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب، والواو تحتمل ذلك، فإن نفع الضرب، وإلا رفع الأمر إلى القاضي ليوجه إليهما حكمين حكما من أهله وحكما من أهلها كما قال الله تعالى:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"

(2)

وسبيل هذا سبيل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في حق سائر الناس أن الآمر يبدأ بالموعظة على الرفق واللين دون التغليظ في القول، فإن قبلت وإلا غلظ القول به فإن قبلت وإلا بسط يده فيه، وكذلك إذا ارتكبت محظورا سوى النشوز ليس فيه حد مقدر فللزوج أن يؤدبها تعزيرا لها لأن للزوج أن يعزر زوجته كما للمولى أن يعزر مملوكه

(3)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن للزوجة الامتناع من الدخول والوطء بعد العقد إن تعذر أخذ المهر من الزوج أو المتحمل به لكونه معسرا، وأما لو كان لا يتعذر الأخذ منه لكونه مليا لم يكن لها الامتناع. وإنما يكون لها الامتناع حتى يقرر لها صداقا في نكاح التفويض ولأخذ الحال أصالة أو بعد أجله في نكاح التسمية، بأن كان مؤجلا فحل أجله وتسوية صاحب الشرع الكبير بمن الحال ابتداء وبين ما حل بعد التأجيل من أن لها الامتناع حتى تقبضه فيه نظر، بل إنما يكونان سواء لو كان الصداق على الزوج، وأما إذا كان على المتحمل به فليس لها المنع من التمكين إلا بالنسبة للحال أصالة دون ما حل بعد أجله كما قاله اللخمى ونقله ابن عرفة عنه. وإذا امتنعت الزوجة من الدخول لتعذر خلاص الصداق من الملتزم فإن الزوج يخير بين أن يدفع الصداق من عنده أو يطلقها، فإن دفعه من عنده رجع به على الملتزم إن كان التزامه به على وجه الحمل مطلقا أو على وجه الضمان، وكان قبل العقد أو فيه، وإن كان على وجه الحمالة أو الضمان بعد العقد فلا رجوع له عليه، وإن طلقها فلا شئ عليه إذا كان الملتزم التزمه على وجه الحمل أو على وجه الضمان وكان قبل العقد أو حينه، وأما إن كان التزامه على وجه الحمالة أو الضمان بعد العقد فإنه إن طلقها يغرم لها نصف الصداق وإن دخل غرم الجميع

(4)

. وإذا كان الصداق من العروض أو

(1)

الآية رقم 31 من سورة النساء.

(2)

الآية رقم 35 من سورة النساء.

(3)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 2 ص 334 الطبعة الأولى مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هـ.

(4)

الشرح الكبير البركان سيدى أحمد الدردير جـ 2 ص 247، 248 من كتاب على هامش الشرح المذكور مع تقريرات العلامة الممتدة للشيخ محمد عليش طبع بمطبعة دار اإحياء التراث الكتب العربية بمصر.

ص: 104

الرقيق أو الحيوان أو الأصول، فإن كان غائبا عن بلد العقد صح النكاح إن أجل قبضه بأجل قريب بحيث لا يتغير فيه غالبا، وإلا فسد النكاح، وإن كان حاضرا في البلد وجب تسليمه لها أو لوليها يوم العقد، ولا يجوز تأخيره ولو رضيت بذلك حيث اشترط التأخير في صلب العقد وإن لم يشترط كان تعجيله من حقها فإن رضيت بالتأخير جاز. وإن لم يكن معينا وتنازعا في التبدئة بأن طلب الزوج الدخول قبل دفع الصداق وطلبت هي دفعه قبل الدخول ندب لها منع نفسها من الدخول عليها وإن كانت معيبة بعيب لا قيام له به بأن رضى به أو حدث بعد العقد، وإن دخل بها فلها منع نفسها من الوطء بعد الدخول بمعنى الاختلاء بها لا بمعنى الوطء، ولها منع نفسها من السفر معه. وغاية منعها من الدخول، ومن الوطء بعده إذا مكنته من الدخول، ومن السفر معه، إلى أن يسلم ما حل من المهر أصالة أو بعد التأجيل، وإنما كان لها منع نفسها لأنها بائعة، والبائع له منع سلعته حتى يقبض الثمن. أما بعد الدخول بمعنى الوطء أو التمكين من الوطء وإن لم يطأ فليس لها منع نفسها منه معسرا كان أو موسرا، وكذا ليس لها منع نفسها من السفر معه. قال الدسوقى: هكذا في التوضيح عن ابن عبد السلام رضى الله تعالى عنه. والذي ارتضاه ابن عرفة رضى الله تعالى عنه أنه لا يسقط منعها إلا الوطء بالفعل. فإن استُحق الصداق من يدها بعد الوطء فلها الامتناع حتى تقبض عوضه من قيمة المقوم ومثل المثلى إن غرها بأن علم أنه لا يملكه، بل ولو لم يغرها على الأظهر هذا هو المعتمد، وقيل ليس لها بعد الوطء سواء استحق أولا، غرها أو لا. وقيل إن غرها فلها المنع، وإلا فلا، وهما ضعيفان ومن بادر من الزوجين بدفع ما في جهته - حصلت بينهما منازعة أم لا - أجبر له الآخر بتسليم ما عليه إن بلغ الزوج الحلم وأمكن وطؤها؛ فإن دفع الزوج ما حل من الصداق وطلب الدخول فامتنعت الزوجة وكانت مطيقة للوطء والزوج بالغ فإنها تجبر على أن تمكنه من نفسها وكذلك لو بادرت بالتمكين من نفسها وهى مطيقة للوطء وأبى الزوج أن يدخل عليها وهو بالغ وامتنع من دفع الصداق حتى يدخل بها فإنه يجبر على أن يدفع لها ما حل من صداقها، وهذا كله إذا كان الصداق غير معين بل كان موصوفا في الذمة، أما لو كان معينا فلا يشترط بلوغ ولا إطاقة، بل يجب تعجيله كما مر، ولا يجوز اشتراط تأخيره سواء كان الزوج بالغا أم لا، أمكن وطؤها أم لا. فإن لم يبلغ الزوج لم تجبر له الزوجة إن كانت مطلوبة ولا يجبر لها الزوج إن كان مطلوبا. وكذا لو كانت غير مطيقة، فلا تجبر له إن كانت مطلوبة ولا يجبر لها الزوج إن كان مطلوبا من وليها. فإن لم يمكن وطؤها لمرض فكالصحيحة تجبر إذا لم تبلغ حد السياق. وتمهل الزوجة عن الدخول أي تجاب للإمهال ولو دفع الزوج ما حل من الصداق سنة إن اشترطت عند العقد على الزوج لأجل تغربتها عنهم بأن يسافر بها فقصد والتمتع بها، أو لأجل صغر يمكن معه الوطء. وإن لم يشترط السنة بأن دفع ذكرها بعد العقد أو كانت لا لتغربة ولا لصغر بطل شرط الإِمهال والنكاح صحيح، لا إن شرط أكثر من سنة لصغر أو تغربة، فإنه يبطل جميع ما اشترط لا ما زاد عليها فقط، وتمهل الزوجة للمرض والصغر الحاصلين لها قبل البناء المانعين من الجماع لزوالهما وإن طال، وإن لم يشترط الإِمهال عند العقد، وما ذكره في المرض تبع فيه ابن الحاجب والذي في المدونة أنها لا تمهل في المرض إلا إذا بلغ

ص: 105

المريض حد السياق، وإلا فلا تمهل لزواله. وتمهل قدر زمن يهيأ مثلها فيه أمرها، وكذا يمهل هو قدر ما يهيئ مثل أمره، وذلك يختلف باختلاف الناس والجهاز والزمان والمكان، ولا نفقة لها في مدة التهيئة. ولو حلف ليدخلن الليلة وحلفت على عدم الدخول حتى يهيئ لها أمرها فينبغى أن يحنث الزوج لأنها حلفت على حقها، وإن كان هو أيضا صاحب حق لكن حقها أصلى. ولا تمهل لحيض ولا نفاس لإِمكان الاستمتاع بها بغير الوطء

(1)

. وإذا كان بالزوجة داء من أدواء الفرج من نحو رتق أو فرن أو عفل أو بخر، فهو إما أن يكون خلقة أو عارضا، وفى كل إما أن تطلب الزوجة التداوى منه ويأبى الزوج أو يطلبه الزوج وتأباه الزوجة، وفى كل إما أن يترتب على التداوى عيب في الإصابة أو لا يترتب؛ فإن كان خلقة وطلبت الزوجة التداوى وأباه الزوج أجيبت لما طلبته إن كان لا يترتب على التداوى عيب في الإصابة وإلا فلا تجاب، وإن طلبه الزوج وامتنعت فلا تجبر عليه سواء كان يترتب على التداوى عيب في الإصابة أولا، وإن كان الداء عارضا وطلبه أحدهما فكل من طلبه منهما أجيب له إن لم يترتب عليه عيب في الإِصابة، فإن ترتب عليه عيب أجبرت عليه إن طلبه الزوج وإن طلبته هي فلا يجبر عليه الزوج بل يخير

(2)

. وإذا نشزت الزوجة فإن بلغ نشوزها الإِمام ولم يرج صلاحها على يد زوجها وعظها الإِمام، فإن لم يبلغ الإِمام أو بلغه ورجى صلاحها على يد زوجها وعظها زوجها - والنشوز الخروج عن الطاعة الواجبة كأن منعته الاستمتاع بها، أو خرجت بلا إذن لمحل تعلم أنه لا يأذن فيه وعجز عن ردها لمحل طاعته فإن قدر على ردها بصلحها فلا تكون ناشزا، وتكون ناشزا لو تركت حقوق الله تعالى كالغسل أو الصلاة، وكذا لو أغلقت الباب دونه - ووعظها يكون بتذكيرها بما يلين القلب من الثواب والعقاب المترتبين على طاعته ومخالفته وذلك لقبول الطاعة واجتناب المنكر. ثم إذا لم يفد الوعظ هجرها أي تجنبها في المضجع فلا ينام معها في فرش لعلها أن ترجع عما هي عليه من المخالفة، قال الدسوقى رحمه الله تعالى: وغاية الأولى منه شهر ولا يبلغ به أربعة أشهر كما في القرطبي. ثم إذا لم يفد الهجر جاز له أن يضربها ضربا غير مبرح - وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة - ولا يجوز الضرب المبرح ولو علم أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع فلها التطليق عليه والقصاص. ولا ينتقل لحالهَ حتى يظن أن التي قبلها لا تفيد كما أفاده العطف بثم. أي أنه يعظها إن جزم بالإِفادة أو ظنها أو شك فيها، فإن جزم أو ظن عدمها هجرها إن جزم بالإِفادة أو ظنها أوشك فيها، فإن جزم أو ظن عدمها ضربها إن جزم بالإِفادة أو ظنها لا إن شك فيها. وإذا ثبت بالبينة أو الإِقرار تعدى الزوج عليها وعظه الحاكم أولا إن جزم بالإِفادة أو ظنها أوشك فيها فإن لم يفد ذلك ضربه إن جزم بالإِفادة أو ظنها، وهذه الطريقة ظاهر النفل، وهناك طريقة أخرى حاصلها أنه يعظه أولا فإن لم يفد أمر الزوجة بهجره، فإن لم يفد ضربه. والطريقتان على حد سواء، ولكن الظاهر الثانية لأن هجرها له فيه مشقة عليه بل ربما كان أضر عليه من الضرب.

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 297 وما بعدها إلى ص 299 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 284 نفس الطبعة.

ص: 106

فإن لم يثبت تعدى الزوج وعظه الحاكم فقط دون ضرب، فإن ثبت تعدى كل منهما على صاحبه وعظهما الحاكم ثم ضربهما باجتهاده، فإن لم يثبت فالوعظ فقط. وإذا ادعت الزوجة الضرر وتكررت شكواها وعجزت عن إثبات دعواها أو ادعى كل منهما الضرر وتكرر منهما الشكوى وعجزا عن إثباته سكنها بين قوم صالحين - وهم من تقبل شهادتهم لا الأولياء أصحاب الكرامات - إن لم تكن بينهم، فإن كانت بينهم من أول الأمر فإنهم يوصون على النظر في حالهما ليعلم من عنده ظلم منهما. وإن استمر الإشكال بعد تسكينها بين قوم صالحين أو كانت بينهم ابتداء أو لم يمكن السكنى بينهم بعث الحاكم أو من يقوم مقامه حكمين من أهلهما أي حكما من أهله وحكما من أهلها إن أمكن، وإن لم يدخل الزوج بها فقد يكونان في بيت واحد أو جارين فيتنازعان. ولا يجوز بعث أجنبيين مع إمكان الأهلين لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطيب للصلاح ونفوس الزوجين أسكن إليهما فيبرزان لهما ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الفرقة أو الصحبة. فإن بعث أجنبيين مع إمكان الأهلين ففى نقض حكمهما تردد، فإن لم يمكن كونهما معا من الأهل، بل واحد فقط من أهل أحدهما والثانى أجنبى قال اللخمى رحمه الله تعالى: ضم لأهل أحدهما أجنبى، وقال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: يتعين كونهما أجنبيين ويترك قريب أحدهما لئلا يميل القريب إلى قريبه. وندب كونهما جارين في بعث الأهلين إن أمكن والأجنبيين إن لم يمكن، وبطل حكم غير العدل وحكم السفيه والمرأة وغير الفقيه بأحكام النشوز من طلاق أو إبقاء أو بحال ونفذ طلاق الحكمين ويقع بائنا ولو لم يكن خلعا بأن كان بلا عوض، وإن لم يرض الزوجان به بعد إيقاعه، وأما قبله فلهما الإقلاع، وكذا ينفذ إن لم يرض الحاكم به سواء كانا مقامين من جهة الحاكم أو من جهة الزوجين، فهو نافذ ولو لم يرض من ذكر به لأن طريقهما الحكم لا الوكالة ولا الشهادة. ولا ينفذ أكثر من طلقة واحدة لأن الزائد خارج عن معنى الإصلاح الذي بعثا إليه فللزوج رد الزائد. وللزوجة التطليق على الزوج بالضرر وهو ما لا يجوز شرعا كهجرها بلا موجب شرعى وضربها كذلك وسبها وسب أبيها كما يقع كثيرا من رعاع الناس ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق، وكوطئها في دبرها، لها التطليق بالضرر المذكور لا بمنعها من حمام وفرجة ونزهات وتأديبها على ترك صلاة ولا بتسر وتزوج عليها. قال الدسوقي: وليس للزوج أن يمنع زوجته من التجر والبيع والشراء حيث كانت لا تخرج ولا تخلو بأجنبى ولا يخشى عليها الفساد بذلك، وليس له غلق الباب عليها. ومتى شهدت بينة بأصل الضرر فلها اختيار الفراق ولو لم تشهد البينة بتكرر الضرر، ولها اختيار البقاء معه ويزجره الحاكم ولو سفيهة أو صغيرة، ولا كلام لوليها في ذلك. وعلى الحكمين وجوبا الإصلاح بين الزوجين بكل وجه ممكن فإن تعذر الإِصلاح نظرا فإن أساء الزوج عليها طلقا عليه بلا مال يأخذانه منها له لظلمه، وبالعكس بأن كان الإِساءة منها فقط أئتمناه عليها وأمراه بالصبر وحسن المعاشرة أو خالعا بنظرهما في قدر المخالع به ولو زاد على الصداق إن أحب الزوج الفراق أو علما أنها لا تستقيم معه. وإن حصلت الإساءة من كل ولو غلبت من أحدهما على الآخر فهل يتعين عند العجز عن الإِصلاح الطلاق بلا خلع إن لم ترض

ص: 107

بالمقام معه أولهما أن يخالعا بالنظر على شئ يسير منها له وعلمه الأكثر تأويلان. وأتيا الحاكم إن شاءا فأخبراه بما فعلا ونفذ حكمهما وجوبا، ولا يجوز له معارضته ونقضه ولو كان حكمهما مخالفا لمذهبه

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في مغنى المحتاج أن للمرأة أن تحبس نفسها عن الزوج ولو بلا عذر لتقبض المهر المعين والحال كله أو بعضه في العقد أو الفرض الصحيح؛ دفعا لضرر فوات البضع فيجب عليه تأديته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول ما يسأل عنه المؤمن من ديونه صداق زوجته". وقال صلى الله عليه وسلم: "من ظلم زوجته في صداقها لقى الله تعالى يوم القيامة وهو زان". وفرض صاحب المنهاج ذلك في المالكة لأمرها، وأما غيرها لصغر أو جنون أو سفه فحبسها لوليها، فإن رأى المصلحة في الترك فعله، وأما الأمة فحبسها لسيدها أو وليه، هذا في غير المكاتبة كتابة صحيحة، أما هي فقال الأذرعى رضى الله تعالى عنه: يشبه أن يجرى في منع سيدها خلاف من الخلاف في تبرعاتها، ويحتمل أن يكون لها ذلك وإن أبى السيد قطعا. والأوجه أنه ليس له المنع. ويستثنى ضرور لا حبس فيها؛ الأولى: إذا عتق السيد الأمة وأوصى لها بصداقها، فليس لها حبس نفسها لأن الاستحقاق هنا بالوصية لا بالنكاح. الثانية: أم الولد إذا زوجها السيد ثم مات وعتقت وصار الصداق للوارث، فليس له حبسها؛ إذ لا ملك له فيها ولا لها لأن الصداق ليس لها. الثالثة: الأمة المزوجة إذا باعها السيد أو أعتقها بعد استحقاقه لصداقها فالمهر له ولا حبس لخروجها عن ملكه. هذا في المهر الحال، أما المؤجل فلا تحبس المرأة نفسها بسببه لرضاها بالتأجيل، فلو حل الأجل قبل تسليم نفسها للزوج فلا حبس في الأصح لوجوب تسليمها نفسها قبل الحلول فلا يرفع لحلول الحق، وهذا ما حكاه في الشرح الكبير عن أكثر الأئمة وهو المعتمد، والقول الثاني المقابل للأصح: لها الحبس كما لو كان حالا ابتداء، ورجحه القاضي أبو الطيب رضى الله تعالى عنه وقال إن الأول غلط، وصوبه في المهمات هنا وفى البيع اعتمادا على نص نقله عن المزنى رضى الله تعالى عنه، قال الأذرعى: وقد راجعت كلام المزنى فوجدته من تفقهه ولم ينقله عن الشافعي رضى الله تعالى عنه. ولو تنازع الزوجان في البداءة بالتسليم، كأن قال كل منهما للآخر لا أسلم حتى تسلم، أي قال الزوج لا أسلم المهر حتى تسلمى نفسك، وقالت هي لا أسلم نفسى حتى تسلم إلى المهر ففى قول يجبر هو على تسليم الصداق أولا؛ لأن استرداده ممكن بخلاف البضع. محل هذا إذا كانت مهيأة للاستمتاع كما في الروضة وأصلها، لا كمريضة ومحرمة، قال الأذرعى رضى الله تعالى عنه: ولا يختص هذا بهذا القول بل هو معتبر على كل قول حتى لو بذلت نفسها وبها مانع من إحرام أو غيره لم يجبر صرح به العراقى شارح المهذب. وفى قول لا إجبار على كل منهما لاستوائهما في ثبوت الحق لكل منهما على الآخر وحينئذ فمن بادر وسلم منهما أجبر صاحبه على التسليم والأظهر أنهما يجبران، فيؤمر الزوج بوضع المهر عند عول وتؤمر الزوجة بالتمكين، فإذا سلمت نفسها أعطاها

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 343 وما بعدها إلى ص 343 نفس الطبعة.

ص: 108

العدل المهر؛ لما فيه من فصل الخصومة، قال الإمام رضى الله تعالى عنه: فلو هم بالوطء بعد أن تسلمت المهر فامتنعت فالوجه استرداده. واقتصار صاحب المنهاج على هذه الأقوال الثلاثة يشعر بأنه لا يجئ قول رابع بإجبار الزوجة، وهو كذلك كما صرح به الإِمام لفوات البضع عليها بالتسليم، واستشكل ابن الرفعه القول الأول المرجح بالوضع عند عدل بأنه إن كان نائبا عن الزوجة فالمجبر الزوج وهو القول الأول، وإن لم يكن نائبا عنها فقد أجبرت أولا ولا قائل به، وأجاب بأنه نائب عنها كما قال الأصحاب لكنه ممنوع من تسليم المهر إليها، وهى ممنوعة من التصرف فيه قبل التمكين بخلافه على القول الأول فإنها تتصرف فيه بمجرد قبضه، وأجاب آخر بأنه نائبهما واستشهد له بمقتضى كلام الأصحاب المذكور، وأجاب آخر بأنه نائبه، ولا محظور في إجباره لزوال العله المقتضية لعدم إجبارها، وأجاب آخر بأنه نائب الشرع لقطع الخصومة بينهما وهذا أولى. ولو بادرت الزوجة فمكنت الزوج طالبته بالمهر على كل قول لأنها بذلت ما في وسعها، ولها حينئذ أن تستقل بقبض الصداق بغير إذن الزوج كنظيره في البيع، فإن لم يطأ جاز لها الامتناع من تمكينه حتى يسلم المهر لأن القبض في النكاح بالوطء دون التسليم، فإن وطأها بتمكينها منه مختارة مكلفة ولو في الدبر فلا يجوز لها الامتناع كما لو تبرع البائع بتسليم المبيع فليس له استرداده ليحبسه، أما إذا وطئت مكرهه أو غير مكلفة لصغر أو جنون فلها الامتناع لعدم الاعتداد بتسليمها. نعم لو سلم الولى المجنونة أو الصغيرة لمصلحة فينبغى - كما في الكفاية - أنه لا رجوع لها وإن كما كما لو ترك الولى الشفعة لمصلحة ليس للمحجور عليه الأخذ بها بعد زوال الحجر على الأصح، بخلاف ما لو سلمها لغير مصلحة، بل المحجور عليها لسفه لو سلمت نفسها ورأى الولى خلافه فينبغى - كما قال شيخنا رضى الله تعالى عنه - أن يكون له الرجوع وإن وطئت. ولو بادر الزوج فسلم المهر فلتمكن زوجها وجوبا إذا طلبه لأنه فعل ما عليه، فإن امتنعت الزوجة من تمكين زوجها بلا عذر منها استرد المهر منها إن قلنا بالمرجوح أنه يجبر على التسليم أولا لأنه لم يتبرع، أما إذا قلنا بالراجح - وهو أنه لا يجبر أولا - لم يسترد لأنه تبرع بالمبادرة فكان كتعجيل الدين المؤجل. ولو استمهلت هي أو وليها لتنظيف ونحوه كإزالة وسخ وشعر عانه وشعر إبط أمهلت وجوبا على الأظهر ولو قبضت المهر وقيل قطعا ما يراه قاض كيوم أو يومين سواء كانت طاهرا أم حائضا أم نفساء، ولا يجاوز ثلاثة أيام بلياليها لأن الغرض من ذلك يحصل فيها ولأنها أقل الكثير وأكثر القليل لا لينقطع حيض أو نفاس فلا تمهل لذلك بل تسلم للزوج حائضا ونفساء لأنها محل للاستمتاع في الجملة وإنما تعذر نوع منه كالقرناء والرتقاء، قال الغزالى رضى الله تعالى عنه إلا إذا علمت من عادته أنه يغشاها في الحيض فلها الامتناع من مضاجعته، ولو كانت مدة الحيض لا تزيد على مدة الإِمهال للتنظيف ونحوه أمهلت كما قاله في التتمة. ولا تسلم صغيرة لا تحتمل الوطء، ولا مريضة ولا من بها هزال تتضرر بالوطء معه، حتى يزول مانع وطء لأنه يحمله فرط الشهوة على الجماع فتتضرر به. قال الخطيب: شمل إطلاق النووى ما لو قال الزوج سلموها لى ولا أطأها حتى تحتمله وهو الأصح المنصوص كما قاله

ص: 109

الأذرعى وغيره وجزم به الإِمام والمتولى وإن كان ثقة إذ لا يؤمن من هيجان الشهوة وقال البغوي يجاب الثقة في المريضة دون الصغيرة وجرى عليه ابن المقرى والمراد كراهة التسليم كما صرح به في الروضة كأصلها في الصغيرة ومثلها المريضة ويحرم وطء من لا تحتمل الوطء لصغر أو جنون أو مرض أو هزال أو نحو ذلك لتضررها به وتمهل حتى تطيق فلو سلمت له صغيرة لا توطأ لم يلزمه تسلمها لأنه نكح للاستمتاع لا للحضانة وإذا تسلمها لم يلزمه تسليم المهر كالنفقة وإن سلمه عالما بحالها أو جاهلا ففى استرداده وجهان أوجههما عدم الاسترداد كما يؤخذ من كلام الشيخين رضى الله تعالى عنهما، ولو سلمت إليه المريضة أو النحيفة لم يجز له الامتناع كما ليس له أن يخرجها من داره إذا مرضت، ويجب عليه نفقتها، فإن خافت النحيفة الإفضاء بعد لو وطئت لعبالة الزوج لم يلزمها التمكين من الوطء فيتمتع بغيره أو يطلق ولا فسخ له بذلك بخلاف الرتق أو القرن فإنه يمنع الوطء مطلقا، والنحافة لا تمنع وطء نحيف مثلها، وليست بعيب أيضا، نعم إن أفضاها كل أحد فله الفسخ لأنه حينئذ كالرتق، ومن أفضى امرأة بوطء امتنع عليه العود حتى تبرأ، فإن ادعى الزوج البرء وأنكرت أو قال ولى الصغيرة لا تحتمل الوطء وأنكر الزوج عرضت على أربع نسوة ثقات فيهما أو رجلين محرمين للصغيرة أو ممسوحين، ولو ادعت النحيفة بقاء ألم بعد الاندمال وأنكر الزوج صدقت بيمينها لأنه لا يعرف إلا منها

(1)

. وجاء في المهذب أن الرجل إذا تزوج امرأة فإن كانت ممن يجامع مثلها وجب تسليمها بالعقد إذا طلب ويجب عليه تسلمها إذا عرضت عليه، فإن طالب بها الزوج فسألت الإنظار أنظرت ثلاثة أيام لأنه قريب ولا تنظر أكثر من ذلك لأنه كثير، وإن كانت لا يجامع مثلها لصغر أو مرض يرجى زواله لم يجب التسليم إذا طلب الزوج، ولا التسلم إذا عرضت عليه لأنها لا تصلح للاستمتاع. وإن كانت لا يجامع مثلها لمعنى لا يرجى زواله بأن كانت نضوة

(2)

الخلق أو بها مرض لا يرجى زواله وجب التسليم إذا طلب والتسلم إذا عرضت عليه لأن المقصود من مثلها الاستمتاع بها في غير الجماع. وإن كانت الزوجة حرة وجب تسليمها ليلا ونهارا لأنه لاحق لغيرها عليها وللزوج أن يسافر بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه، ولا يجوز لها أن تسافر بغير إذن الزوج لأن الاستمتاع مستحق له فلا يجوز تفريته عليه، وإن كانت أمة وجب تسليمها بالليل دون النهار لأنها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها فلم يجب التسليم في غير وقتها كما لو أجرها لخدمة النهار، وقال أبو إسحاق رضى الله تعالى عنه: إن كان بيدها صنعة كالغزل والنسج وجب تسليمها بالليل والنهار لأنه يمكنها العمل في بيت

(1)

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربيني الخطيب جـ 3 ص 208 وما بعدها إلى ص 210 في كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووي.

(2)

النضو المهذول من الإبل، وناقة نضوة أي مهزولة.

ص: 110

الزوج. والمذهب الأول؛ لأنه قد يحتاج إليها في خدمة غير الصنعة. ويجوز للزوج أن يجبر امرأته على الغسل من الحيض والنفاس لأن الوطء يقف عليه وفى غسل الجنابة قولان أحدهما له أن يجبرها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه لأن النفس تعاف من وطء الجنب. والثانى ليس له أن يجبرها لأن الوطء لا يقف عليه، وفى التنظيف والاستحداد وجهان أحدهما يملك إجبارها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه. والثانى لا يملك إجبارها عليه لأن الوطء لا يقف عليه. وهل له أن يمنعها من أكل ما يتأذى برائحته؟ فيه وجهان أحدهما له منعها لأنه يمنع كمال الاستمتاع، والثانى ليس له منعها لأنه لا يمنع الوطء، فإن كانت ذمية فله منعها من السكر لأنه يمنع الاستمتاع لأنها تصير كالزق المنفوخ ولأنه لا يأمن أن تجنى عليه. وهل له أن يمنعها من أكل لحم الخنزير وشرب القليل من الخمر؟ فيه ثلاثة أوجه أحدها: يجوز له منعها لأنه يمنع كمال الاستمتاع، والثانى: ليس له منعها لأنه لا يمنع الوطء. والثالث وهو قول أبى على بن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه: أنه ليس له منعها من لحم الخنزير لأنه لا يمنع الوطء. وله منعها من قليل الخمر لأن السكر يمنع الاستمتاع ولا يمكن التمييز بين ما يسكر وبين ما لا يسكر مع اختلاف الطباع فمنع من الجميع

(1)

. وللزوج منع الزوجة من الخروج إلى المساجد وغيرها لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال رأيت امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ قال حقه عليها أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله وملائكة الرحمة وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع. قالت يا رسول الله وإن كان لها ظالما؟ قال: وإن كان لها ظالما. ولأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب، ويكره منعها من عيادة أبيها إذا أثقل وحضور مواراته إذا مات لأن منعها من ذلك يؤدى إلى النفور ويغريها

(2)

بالعقوق. ويجب على الزوج معاشرتها بالمعروف من كف الأذى لقول الله عز وجل: "وعاشروهن بالمعروف"

(3)

ويجب عليه بذل ما يجب من حقها من غير مطل لقول الله عز وجل: "وعاشروهن بالمعروف" ومن العشرة بالمعروف بذل الحق من غير مطل. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: مطل الغنى ظلم. ولا يجب عليه الاستمتاع لأن الداعى إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة فلا يمكن إيجابه، والمستحب أن لا يعطلها لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنهما قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصوم النهار؟ قلت نعم، قال: وتقوم الليل؟ قلت نعم، قال لكنى أصوم وأفطر وأصلى وأنام وأمس النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى. ولأنه إذا عطلها لم يأمن الفساد ووقوع الشقاق

(4)

. ولا يجوز وطؤها في الدبر؛ لما روى خزيمة بن ثابت رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من أتى امرأة في دبرها. ويكره العزل لما روت

(1)

المهذب للإمام الموفق أبى إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف النيرور آبادى الشيرازى حـ 2 ص 65، ص 66 في كتاب أسفله النظم المستعذب في شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(2)

أغراه بالشئ إذا ألزمه إياه، وأصله من الإلصاق بالغراء.

(3)

الآية رقم 19 من سورة النساء.

(4)

المهذب لأبى إسحاق الشيرازى جـ 2 ص 66 الطبعة السابقة.

ص: 111

جذامة بنت وهب قالت حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن العزل فقال ذلك الوأد الخفى. فإن كان ذلك في وطء أمته لم يحرم لأن الاستمتاع بها حق له لا حق لها فيه، وإن كان في وطء زوجته فإن كانت مملوكة لم يحرم لأنه يلحقه العار باسترقاق ولده منها، وإن كانت حرة فإن كان بإذنها جاز لأن الحق لهما، وإن لم تأذن فقيه وجهان أحدهما: لا يحرم لأن حقها في الاستمتاع دون الإِنزال، والثانى يحرم لأنه يقطع النسل من غير ضرر يلحقه. وتجب على المرأة معاشرة الزوج بالمعروف من كف الأذى كما يجب عليه في معاشرتها ويجب عليها بذل ما يجب له من غير مطل؛ لما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا أحدكم امرأته إلى فراشه فأبت فبات وهو عليها ساخط لعنتها الملائكة حتى تصبح. ولا يجب عليها خدمته في الخبز والطحن والطبخ والغسل وغيرها من الخدم لأن المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع، فلا يلزمها ما سواه

(1)

. وإن سافرت المرأة بغير إذن الزوج سقط حقها من القسم والنفقة لأن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد منعت ذلك بالسفر، وإن سافرت، بإذنه ففيه قولان أحدهما: لا يسقط حقها لأنها سافرت بإذنه فأشبه ما إذا سافرت معه، والثانى: يسقط لأن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد عدم الجميع فسقط ما تعلق به كالثمن لما وجب في مقابلة البيع سقط بعدمه

(2)

. وإذا ظهرت من المرأة أمارات النشوز وعظها لقول الله عز وجل: "واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن

(3)

، ولا يضربها لأنه يجوز أن يكون ما ظهر منها لضيق صدر من غير جهة الزوج. وإن تكرر منها النشوز فله أن يضربها لقول الله عز وجل:"واضربوهن" وإن نشزت مرة ففيه دولان أحدهما أنه يهجرها ولا يضربها لأن العقوبات تختلف باختلاف الجرائم ولهذا ما يستحق بالنشوز ولا يستحق بخوف النشوز، فكذلك ما يستحق بتكرر النشوز لا يستحق بنشوز مرة. والثانى وهو الصحيح: أنه يهجر ها ويضربها لأنه يجوز أن يهجرها للنشوز فجاز أن يضربها كما لو تكرر منها، فأما الوعظ فهو أن يخوفها بالله عز وجل وبما يلحقها من الضرر بسقوط نفقتها، وأما الهجران فهو أن يهجرها في الفراش لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال في قوله عز وجل "واهجروهن في المضاجع" قال لا تضاجعها في فراشك، وأما الهجران بالكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام. وأما الضرب فهو أن يضربها ضربا غير مبرح ويتجنب المواضع المخوفة والمواضع المستحسنة لما روى جابر رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بكتاب الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولأن القصد التأديب دون الإِتلاف والتشويه. وإن ظهرت من الرجل أمارات

(1)

المهذب لأبى إسحاق الشيرازي حـ 2 ص 67 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق حـ 2 ص 67 نفس الطبعة.

(3)

الآية رقم 24 من سورة النساء.

ص: 112

النشوز لمرض بها أو كبر سن ورأت أن تصالحه بترك بعض حقوقها من قسم وغيره جاز لقول الله عز وجل: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا"

(1)

قالت عائشة رضى الله تعالى عنها أنزل الله عز وجل هذه الآية في المرأة إذا دخلت في السن فتجعل يومها لامرأة أخرى. فإن ادعى كل واحد منهما النشوز على الآخر اسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ليعرف الظالم منهما فيمنع من الظلم، فإن بلغا إلى الشتم والضرب بعث الحاكم حكمين للإصلاح أو التفريق لقول الله عز وجل:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بمنهما"

(2)

. واختلف قوله في الحكمين فقال في أحد القولين: هما وكيلان فلا يملكان التفريق إلا بإذنهما لأن الطلاق إلى الزوج وبذل المال إلى الزوجة فلا يجوز إلا بإذنهما، وقال في القول الآخر: هما حاكمان فلهما أن يفعلا ما يريان من الجمع والتفريق بعوض وغير عوض لقول الله عز وجل: "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها" فسماهما حكمين ولم يعتبر رضا الزوجين، وروى عبيدة أن عليا رضى الله تعالى عنه بعث رجلين فقال لهما أتريان ما عليكما؛ عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقال الرجل أما هذا فلا، فقال كذبت لا والله ولا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك، فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لى وعلى. والمستحب أن يكون حكما من أهله وحكما من أهلها للآية، ولأنه روى أنه وقع بين عقيل بن أبي طالب وبين زوجته شقاق وكانت من بنى أمية فبعث عثمان رضى الله تعالى عنه حكما من أهله وهو ابن عباس رضى الله تعالى عنه وحكما من أهلها وهو معاوية رضى الله تعالى عنه، ولأن الحكمين من أهلهما أعرف بحالهما، وإن كانا من غير أهلهما جاز لأنهما في أحد القولين وكيلان وفى الآخر حاكمان، وفى الجميع يجوز أن يكونا من غير أهلهما

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء في المغنى أن الزوجة إن منعت نفسها حتى تتسلم صداقها وكان حالا فلها ذلك، قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها، وإن قال الزوج لا أسلم إليها الصداق حتى أتسلمها أجبر الزوج على تسليم الصداق أولا ثم تجبر هي على تسليم نفسها لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع والامتناع من بذل الصداق فلا يمكن الرجوع في البضع بخلاف المبيع الذي يجبر على تسليمه قبل تسليم ثمنه، فإذا تقرر هذا فلها النفقة ما امتنعت لذلك، وإن كان معسرا بالصداق لأن امتناعها بحق، وإن كان الصداق مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بالتأجيل رضى بتسليم نفسها قبل قبضه كالثمن المؤجل في البيع، فإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأن التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه فلم يكن لها أن تمتنع منه، وإن كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلها منع نفسها قبل قبض

(1)

الآية رقم 128 من سورة النساء.

(2)

الآية رقم 35 من سورة النساء.

(3)

المهذب لأبى إسحاق الشيرازي جـ 2 ص 69، ص 70 الطبعة السابقة.

ص: 113

العاجل دون الآجل. وإن كان الكل حالا فلها منع نفسها على ما ذكرنا، فإن سلمت نفسها قبل قبضه ثم أرادت منع نفسها حتى تقبضه فقد توقف أحمد رضى الله تعالى عنه عن الجواب فيها، وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحاق بن شاقلا رضى الله تعالى عنهما إلى أنها ليس لها ذلك وهو قول مالك والشافعى وأبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهم لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمتنع منه بعد ذلك كما لو سلم البائع المبيع. وذهب أبو عبد الله بن حامد رضى الله تعالى عنه إلى أن لها ذلك - وهو مذهب أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه - لأنه تسليم يوجهه عليها عقد النكاح فملكت أن تمتنع من قبل قبض صداقها كالأول، فأما إن وطأها مكرهة لم يسقط به حقها من الامتناع لأنه حصل بغير رضاها كالمبيع إذا أخذه المشترى من البائع كرها، وإن أخذت الصداق فوجدته معيبا فلها منع نفسها حتى يبدله أو يعطيها أرشه لأن صداقها صحيح، وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها خرج على الوجه من فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها ثم بدا لها أن تمتنع، وكل موضع قلنا لها الامتناع من تسليم نفسها فلها السفر بغير إذن الزوج لأنه لم يثبت للزوج عليها حق الحبس فصارت كمن لا زوج لها، ولو بقى منه درهم كان كبقاء جميعه لأن كل من ثبت له الحبس بجميع البدل ثبت له الحبس ببعضه كسائر الديون. وإن أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول فلها الفسخ لأنه تعذر الوصول إلى عوض العقد قبل تسليم المعوض فكان لها الفسخ كما لو أعسر المشترى بالثمن قبل تسليم المبيع، وإن أعسر بعد الدخول فعلى وجهين مبنيين على منع نفسها، فإن قلنا لها منع نفسها بعد الدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول، وإن قلنا ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين لها آخر، ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم لأنه مجتهد فيه

(1)

وإذا كانت المرأة لا يوطأ مثلها لصغرها فطلب وليها تسليمها والإِنفاق عليها لم يجب ذلك على الزوج لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز، وهذه لا يمكنه الاستمتاع بها، وإن كانت كبيرة فمنعته نفسها أو منعها أولياؤها فلا نفقة لها أيضا لأنها في معنى الناشز لكونها لم تسلم الواجب عليها، فلا يجب تسليم ما في مقابلته من الإِنفاق، وكل موضع لزمته النفقة فيه لزمه تسليم الصداق إذا طولب به، فأما الموضع الذي لا تلزمه نفقتها فيه كالصغيرة والمانعة نفسها فقال أبو عبد الله بن حامد رحمه الله تعالى يجب تسليم الصداق - وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه - لأن المهر في مقابلة ملك البضع وقد ملكه بخلاف النفقة فإنها في مقابلة التمكين، ورد قوم هذا، وقالوا المهر قد ملكته في مقابلة ما ملكه من بضعها فليس لها المطالبة بالاستيفاء إلا عند إمكان الزوج استيفاء العوض

(2)

. وإمكان الوطء في الصغيرة معتبر بحالها واحتمالها لذلك، قاله القاضي، وذكر أنهن يختلفن فقد تكون صغيرة السن تصلح وكبيرة لا تصلح، وحده أحمد رضى الله تعالى

(1)

المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 8 ص 80، ص 81 في كتاب أسفله الشارح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بإشراف وتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار في مصر سنة 1348 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 8 ص 77، ص 78 نفس الطبعة.

ص: 114

عنه بتسع سنين فقال في رواية أبى الحارث رضى الله تعالى عنه في الصغيرة يطلبها زوجها: فإن أتى عليها تسع سنين دفعت إليه ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع، وذهب في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة رضى الله تعالى عنها وهى ابنة تسع، قال القاضي رضى الله تعالى عنه: وهذا ليس على طريق التحديد وإنما ذكره لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها، فمتى كانت لا تصلح للوطء لم يجب على أهلها تسليمها إليه وإن ذكر أنه يحضنها ويربيها وله من يخدمها لأنه لا يملك الاستمتاع بها وليست له بمحل ولا يؤمن شرة نفسه إلى مواقعتها فيفضيها أو يقتلها. وإن طلب أهلها دفعها إليه فامتنع فله ذلك، ولا تلزمه نفقتها لأنه لا يمكن من استيفاء حقه منها، وإن كانت كبيرة إلا أنها مريضة مرضا مرجو الزوال لم يلزمها تسليم نفسها قبل برئها لأنه مانع مرجو الزوال فهو كالصغر، ولأن العادة لم تجر بزف المريضة إلى زوجها والتسليم في العقد يجب على حسب العرف، فإن سلمت نفسها فتسلمها الزوج فعليه نفقتها لأن المرض عارض يعرض ويتكرر فيشق إسقاط النفقة به فجرى مجرى الحيض، ولهذا لو مرضت بعد تسليمها لم تسقط نفقتها، وإن امتنع من تسلمها فله ذلك ولا تلزمه نفقتها لأنه لما لم يجب تسليمها إليه لم يجب عليه تسلمها كالصغيرة، ولأن العادة لم تجر بتسليمها على هذه الصفة، وقال القاضي رضى الله تعالى عنه: يلزمه تسلمها، وإن امتنع فعليه نفقتها لما ذكرنا من أنه عارض لا يمكن التحرز منه ويتكرر، فأشبه الحيض، فأما إن كان المرض غير مرجو الزوال لزم تسليمها إلى الزوج إذا طلبها ولزمه تسلمها إذا عرضت عليه لأنها ليست لها حالة يرجى زوال ذلك فيها فلو لم تسلم نفسها لم يفد التزويج فائدة، وله أن يستمتع بها، فإن كانت نضوة الخلق وهو جسيم تخاف على نفسها الإِفضاء من عظم خلقه فلها منعه من جماعها وله الاستمتاع بها في ما دون الفرج وعليه نفقتها ولا يثبت له خيار الفسخ لأن هذه يمكن الاستمتاع بها لغيره وإنما امتناع الاستمتاع لمعنى فيه وهو عظم خلقه، بخلاف الرتقاء، وإن طلب تسليمها إليها وهى حائض احتمل أن لا يجب ذلك لأنه خلاف العادة فأشبه المرض المرجو الزوال واحتمل وجوب التسليم لأنه يزول قريبا ولا يمنع من الاستمتاع بما دون الفرج فإذا طلب ذلك لم يجز منعه منه كما لم يجز لها منعه منه بعد تسلمها، وإن عرضت عليه فأباها حتى تطهر فعلى قول القاضي رضى الله تعالى عنه يلزمه تسلمها ونفقتها إن امتنع منه. ويتزوج على الزوال

(1)

. وإن طلب الزوج امرأته فسألت الأنظار أنظرت مدة جرت العادة إن تصلح أمرها فيها كاليومين والثلاثة لأن ذلك يسير جرت العادة بمثله، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:"لا تطرفوا النساء ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة" فمنع صلى الله عليه وسلم من الطروق وأمر بإمهاله لها لتصلح أمرها مع تقدم صحبته لها فهاهنا أولى. ثم أن كانت حرة وجب تسليمها ليلا ونهارا وله السفر بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه إلا أن يكون سفرا مخوفا فلا يلزمها ذلك. وإن كانت أمة لم يلزمها تسليمها إلا بالليل لأنها مملوكة عد على إحدى منفعتها فلم يلزم تسليمها في غير وقتها. كما لو أجرها لخدمة النهار لم يلزمه تسليمها بالليل ويجوز للمولى بيعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة رضى

(1)

المرجع السابق جـ 8 ص 78، ص 79 نفس الطبعة.

ص: 115

الله تعالى عنها في شراء بريرة وهى ذات زوج ولا ينفسخ النكاح بذلك بدليل أن بيع بريرة لم يبطل نكاحها

(1)

. وللزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية. حرة كانت أو مملوكة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له، فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه، وإن احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه لأنه لحقه، وله إجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لأن الصلاة واجبة عليها ولا تتمكن منها إلا بالغسل، فأما الذمية ففيها - روايتان إحداهما: له إجبارها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه فإن النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة. والثانية ليس له إجبارها عليه - وهو قول مالك والنورى رضى الله تعالى عنهما - لأن الوطء لا يقف عليه فإنه مباح بدونه. وفى إزالة الوسخ والدرن وتقليم الأظفار وجهان بناء على الروايتين في غسل الجنابة، وتستوى في هذه المسلمة والذمية لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها، وله إجبارها على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة رواية واحدة. ذكره القاضي، وكذلك الأظفار وإن طالا قليلا بحيث تعافه النفس ففيه وجهان. وهل له منعها من أكل ماله رائحة كريهة كالبصل والثوم والكراث؟ على وجهين أحدهما: له منعها من ذلك لأنه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع. والثانى: ليس له منعها منه لأنه لا يمنع الوطء، وله منعها من السكر وإن كانت ذمية لأنه يمنع الاستمتاع فإنه يزيل عقلها ويجعلها كالزق المنفوخ ولا يأمن أن تجنى عليه وإن أرادت شرب ما لا يسكرها فله منع المسلمة لأنهما تعتقدا تحريمه، وإن كانت ذمية لم يكن له منعها منه. نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه لأنها تعتقد إباحته في دينها، وله إجبارها على غسل فمها منه ومن سائر النجاسات ليتمكن من الاستمتاع بفيها ويتخرج أن يملك منعها منه لما فيه من الرائحة الكريهة وهو كالثوم، وهكذا الحكم لو تزوج مسلمة تعتقد إباحة يسير النبيذ فهل له منعها منه؟ على وجهين، ومذهب الشافعي على نحو من هذا الفصل كله. وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى مالها منه بد سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما، قال أحمد رضى الله تعالى عنه في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها، وقد روى ابن بطة في أحكام النساء عن أنس رضى الله تعالى عنه أن رجلا سافر ومنع زوجته الخروج فمرض أبو ها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عيادة أبيها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اتقى الله ولا تخالفى زوجك" فمات أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حضور جنازته فقال لها: "اتق الله ولا تخالفى زوجك" فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم "إنى قد غفرت لها بطاعة زوجها"، ولأن طاعة الزوج واجبة والعيادة غير واجبة فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب، ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه، ولكن لا ينبغى للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما لأن في ذلك قطيعة لهما وحملا لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف وليس هذا من المعاشرة بالمعروف، وإن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة لأن ذلك ليس بطاعة ولا نفع، وان كانت مسلمة فقال القاضى له منعها من الخروج إلى المساجد وهو

(1)

المرجع السابق جـ 8 ص 127 نفس الطبعة.

ص: 116

مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه، وظاهر الحديث يمنعه من منعها لقول النبى صلى الله عليه وسلم:"لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، وروى أن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت تخرج إلى المساجد وكان غيورا فيقول لها لو صليت في بيتك فيقول: لا أزال أخرج أو تمنعنى فكره منعها لهذا الخبر، وقال أحمد رضى الله تعالى عنه في الرجل تكون له المرأة أو الأمة النصرانية يشترى لها زنارا؟ قال لا بل تخرج هي لتشترى لنفسها، فقيل له جاريته تعمل الزنانير؛ قال لا

(1)

. وليس على المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز والطبخ وأشباهه، نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه، وقال أبو بكر بن أبى شيبة وأبو إسحاق الجوزجانى: عليها ذلك واحتجا بقصة على وفاطمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى على ما كان خارجا من البيت من عمل رواه الجوزجانى من طرق، قال الجوزجانى: وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر أو جبل أحمر إلى جبل أسود كان عليها أن تفعل" ورواه بإسناده. قال فهذا طاعته فيما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه؟ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه بخدمته فقال يا عائشة اسقينا، يا عائشة أطعمينا، يا عائشة هلمى الشفرة واشحذيها بحجر"، وقد روى أن فاطمة رضى الله تعالى عنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادما يكفيها ذلك. ويدل لنا أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقى دوابه وحصاد زرعه، فأما قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين على وفاطمة فعلى ما تليق به الأخلاق المرضية ومجرى العادة لا على سبيل الإِيجاب كما قد روى عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنهما أنها كانت تقوم بفرس الزبير وتلتقط له النوى وتحمله على رأسها، ولم يكن ذلك واجبا عليها ولهذا لا يجب على الزوجة القيام بمصالع خارج البيت ولا الزيادة على ما يجب لها من النفقة والكسوة ولكن الأولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به ولا تنتظم المعيشة بدونه

(2)

. ومتى ظهر من المرأة أمارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها فمخوفها الله سبحانه وتعالى ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية وما يسقط بذلك من حقوقها من النفقة والكسوة وما يباح له من ضربها وهجرها لقول الله عز وجل "واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن"

(3)

، فإن أظهرت النشوز وهى أن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع لقول الله عز وجل:"واهجروهن في المضاجع"، قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: لا تضاجعها في فراشك، فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" وظاهر كلام الخرقى أنه ليس له ضربها

(1)

المرجع السابق حـ 8 ص 128 وما بعدها إلى ص 130 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 8 ص 130، ص 131 نفس الطبعة.

(3)

الآية رقم 34 من سورة النساء.

ص: 117

في النشوز في أول مرة وقد روى عن أحمد رضى الله تعالى عنه إذا عصت المرأة زوجها فله ضربها ضربا غير مبرح، فظاهر هذا إباحة ضربها بأول مرة لقول الله عز وجل "واضربوهن"، ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت، ولأن عقوبات المعاصى لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقى المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل كمن هجم منزله فأراد إخراجه. وأما قول الله عز وجل:"واللاتى تخافون نشوزهن"

(1)

الآية ففيها إضمار تقديمه: واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع، فإن أصررن فاضربوهن كما قال سبحانه وتعالى:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض"

(2)

والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف في أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره - وللشافعى رضى الله تعالى عنه قولان كهذين - فإن لم ترتدع بالوعظ والهجر فله ضربها لقول الله عز وجل "واضربوهن" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح"

(3)

معنى غير مبرح أي ليس بالشديد. قال الخلال رحمه الله تعالى: سألت أحمد بن يحيى عن قوله ضربا غير مبرح قال غير شديد. وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة؛ لأن المقصود التأديب لا الإتلاف، ودد روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيرى عن أبيه رضى الله تعالى عنهم. قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن يطعمها إذا طعمت، ويكسوها إذا اكتست، ولا يقبح ولا يهجر إلا في البيت"، وروى عبد الله بن زمعة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله"

(4)

وله تأديبها على ترك فرائض الله، وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة عليه قال على فرائض الله، وقال في الرجل له امرأة لا تصلى يضربها ضربا رفيقا غير مبرح. فإن لم تصل فقد قال أحمد أخشى أن لا يحل لرجل يقيم مع امرأة لا تصلى ولا تغتسل من جنابة ولا تتعلم القرآن"

(5)

. وإذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها لرغبته عنها إما لمرض بها أو كبر أو دمامة فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها تسترضيه بذلك لقول الله عز وجل "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا "جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا"

(6)

، روى البخارى عن عائشة رضى الله تعالى

(1)

الآية رقم 34 من سورة النساء.

(2)

الآية رقم 33 من سورة المائدة.

(3)

رواه مسلم.

(4)

متفق عليه.

(5)

المغنى للإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الخرقى جـ 8 ص 162 وما بعدها إلى ص 164 الطبعة السابقة.

(6)

الآية رقم 128 من سورة البقرة.

ص: 118

عنها: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا" قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج عليها تقول له امسكنى ولا تطلقنى ثم تزوج غيرى فأنت في حل من النفقة. على والقسمة لى. ومتى صالحته على ترك شئ من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله جاز، فإن رجعت فلها ذلك. قال أحمد رضى الله تعالى عنه في الرجل يغيب عن امرأته فتقول لها إن رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم فتقول قد رضيت فهو جائز فإن شاءت رجعت

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أنه فرض على الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضا أم مريضة تتأذى بالجماع أو صائمة فرض، فإن امتنعت لغير عذر فهى ملعونة لما روينا من طريق مسلم بإسناده عن يزيد بن كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسى بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها" ولما حدثنا حمام بإسناده عن شعبة عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنهم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"إذا باتت المرأة هاجرة زوجها أو فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع"، ولما روى من طريق أحمد بن شعيب بإسناده عن طلحة بن علي رضى الله تعالى عنهم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا دعى الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور"

(2)

. ولا يلزم المرأة أن تخدم زوجها في شئ أصلا، لا في عجن ولا طبخ ولا فرش ولا كنس ولا غزل ولا نسج ولا غير ذلك أصلا، ولو أنها فعلت لكان أفضل لها، وعلى الزوج أن يأتيها بكسوتها مخيطه تامة وبالطعام مطبوخا تاما، وإنما عليها أن تحسن عشرته ولا تصوم تطوعا وهو حاضر إلا بإذنه ولا تدخل بيته من يكره، وأن لا تمنعه نفسها متى أراد، وأن تحفظ ما جعل عندها من ماله. وقال أبو ثور: على المرأة أن تخدم زوجها في كل شئ، ويمكن أن يحتج لذلك بالأثر الثابت عن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه قال شكت فاطمة مجل يديها من الطحين، وأنه أعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سأله خادما. وبالخبر الثابت من طريق أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنهما قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت، وكان له فرس وكنت أسوسه؛ كنت أحتش له وأقوم عليه. قال: فإذا خدمت هاتان الفاضلتان هذه الخدمة الثقيلة فمن بعدهما يترفع عن ذلك من النساء، قال أبو محمد: لا حجة لأهل هذا القول في شئ من هذه الأخبار لأنه ليس في شئ منها ولا من غيرها أنه صلى الله عليه وسلم أمرهما بذلك إنما كانتا متبرعتين بذلك وهما أهل الفضل والمبرة رضى الله تعالى عنهما، ونحن لا نمنع من ذلك إن تطوعت المرأة به، إنما نتكلم على سر الحق الذي تجب به الفتيا والقضاء بإلزامه. أما قوله تعالى: "فإن أطعنكم

(1)

المغنى لابن قدامة جـ 8 ص 165، ص 166 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم جـ 10 ص 40، ص 41 مسألة رقم 1887 بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى طبع إدارة الطبعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.

ص: 119

فلا تبغوا عليهن سبيلا"

(1)

فإن أول الآية بين فيما هي هذه الطاعة، قال الله عز وجل:"واللاتى تخافون نشوزهن. فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا". فصح أنها الطاعة إذا دعاها للجماع فقط

(2)

. ولو أن الزوج يمنعها النفقة أو الكسوة أو الصداق ظلما أو لأنه فقير لا يقدر لم يجز لها منع نفسها منه من أجل ذلك لأنه وإن ظلم فلا يجوز لها أن تمنعه حقا له قبلها، إنما لها أن تنتصف من ماله إن وجدته له بمقدار حقها، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة إذ قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل ممسك لا يعطينى ما يكفينى أفآخذ من ماله بغير علمه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف"

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أنه يصح التأجيل بالمهر إجماعا كثمن المبيع، قال المؤيد بالله وأبو طالب: ولا يصح الرجوع عنه كتأجيل الثمن. قال العباس وأبو طالب: ولا يحل بالدخول إذ لا مقتضى لذلك، وقال المؤيد بالله: بل يحل إذ هو مقرر له ويثبت حيث لم يسمه، فأولى أن يحل به الأجل، قلنا: لا، كتأجيل الثمن قبل قبض المبيع. وإذا كان المهر حالا فأعسر الزوج لم تجبر على تسليمه نفسها حتى يسلم كتسليمه المبيع، وإن كان موسرا وتشاجرا في التسليم، قال المسعودى: فالخلاف فيه كالخلاف في المبيع، قال الإِمام يحيى: ظاهر المذهب أنها تجبر على تسليم نفسها أولا؛ إذ المهر تابع لمنافع البضع فلا تسلمه حتى يستوفيها أو يتمكن. قلت: بل المذهب خلافه وهو أن لها الامتناع حتى يسلم، إذ النكاح بالقبض، بدليل صحة تصرفه بالطلاق والخلع. وأكثر العترة على أنها إن سلمت نفسها راضية أو ولى مال الصغيرة لم يكن لها الامتناع من بعد، كبائع سلم المبيع ثم طلب استرجاعه حتى يقبض الثمن. قال العباس: بل لها ذلك؛ إذ هي محسنة بالتسليم الأول وما على المحسنين من سبيل. قلت أسقطت حقها من الحبس فلا رجوع، كمن أبرأ ثم ندم، قال الصادق: فإن منعت نفسها مطالبة بما بطل من النفقة جاز، وفى قول لا يجوز لها ذلك إذ ليست كالثمن بخلاف المهر. فإن أجلت بالمهر فليس لها الامتناع كالتأجيل بالثمن، فإن تأخر التسليم حتى حل الأجل قال الإمام يحيى والمذهب أن لها الامتناع حينئذ كما لو لم تؤجل، وقال الاسفرايينى: ليس لها ذلك إذ قد أسقطت حق الحبس بالتأجيل، فلا يعود بالحلول. قلت: وهو أقرب، فإن أجلت ببعض دون بعض فلها الامتناع حتى يسلم البعض الحال. والمذهب والإِمام الشافعي على أنه إن وطأها كرها فلها الامتناع من بعد؛ إذ لم يسقط حقها، قال بعض أصحاب الشافعي: ليس لها الامتناع إذ قد بطل بالوطء كما لو قبض المشترى السلعة كرها. قلنا: لا نسلم الأصل، والقول لها إن ادعت الإِكراه حيث تقول سلمت نفسى مكرهة أو نحو ذلك. قال الإِمام يحيى والمذهب وبعض أصحاب الشافعي: لها الفسخ إن أعسر الزوج بالمهر قبل الدخول كإعسار المشترى قبل قبض المبيع، لا بعد الدخول إذ الوطء كتلف المبيع، قال المروزى: بل لها الفسخ بعده أيضا إذ وجوب

(1)

الآية رقم 34 من سورة النساء.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن حزم جـ 10 ص 73، ص 74 مسألة رقم 1910 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق جـ 10 ص 92، ص 93 مسألة رقم 1930 الطبعة السابقة.

ص: 120

استمرار التمكين بعد الوطء كبقاء بعض المبيع مع إعسار المشترى، فله ارتجاع الباقى، قلت: لازم لهم على مقتضى قياسهم. فإن تزوجته بعد العلم بإعساره فلا خيار لها، إذ قد رضيته، وكذا لو مكنته بعد الإِعسار، وقيل: بل تخير إذ دخلت وهى تجوز إيساره من بعد كالنفقة. قلنا: وجوب النفقة متجدد بخلاف الصداق فافترقا قلت: وقياس المذهب لا فسخ مطلقا كما في النفقة. ولها الامتناع إن لم يسمه حتى يسمى، وإذا سمى فحتى يعين لما مر، وما عينه ملكته كثمن المبيع المعين

(1)

. ونشوز

(2)

المرأة يسقط حقوقها غير المهر، إذ هو عوض الاستمتاع، ويجوز ضربها وهجرها للآية: والمذهب أنه لا ضرب إلا بعد الوعظ ثم الهجر، ولا يجمع بينهما كالنهى عن المنكر، قال الصيمرى: بل يجمع بينهما لظاهر الآية، قلنا القياس مقيد لها. والهجر إنما هو في المضجع للآية، لا في الكلام، فلا تحل فوق ثلاث للخبر، ولا يضربها ضربا مبرحا - وهو ما أدمى أو خشى منه تلف نفس أو عضو - ولا يزيد عدده على الحد، ويتوقى الوجه والمراق، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تضربوا إماء الله" منسوخ بإذنه بعد ذلك فيما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أنه قال: "كنا معشر قريش تغلب رجالنا نساءنا، فقدمنا المدينة فوجدنا نساءهم تغلب رجالهم، فخالطت نساؤنا نساءهم فذئرت

(3)

على أزواجهن. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله؛ ذئرت النساء على أزواجهن، فأذن رسول االله صلى الله عليه وسلم بضربهن"

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء في الروضة البهية أن للزوجة أن تمتنع قبل الدخول حتى تقبض المهر حالا، سواء كان الزوج موسرا أو معسرا، وسواء كان المهر عينا أو منفعة، وسواء كان متعينا أو في الذمة، لأن النكاح في معنى المعاوضة وإن لم تكن محضة، ومن حكمها أن لكل من المتعاوضين الامتناع من التسليم إلى أن يسلم إليه الآخر فيجبرهما الحاكم على التقابض معا لعدم الأولوية بوضع الصداق عند عدل إن لم يدفعه إليها ويأمرها بالتمكين. وهذا الحكم لا يختلف على تلك التقديرات. وربما قيل إنه إذا كان معسرا فليس لها الامتناع لمنع مطالبته، ويضعَّف بأن منع المطالبة لا يقتضى وجوب التسليم قبل قبض العوض، هذا إذا كان المهر حالا، فإن كان مؤجلا فإن تمكينها لا يتوقف على قبضه إذ لا يجب لها حينئذ شئ فيبقى وجوب حقه عليها بغير معارض، ولو أقدمت على فعل المحرم وامتنعت إلى أن حل الأجل ففيه قولان: جواز امتناعها حينئذ إلى أن تقبضه تنزيلا له منزلة الحال ابتداء، وعدم امتناعها بناء على وجوب

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 3 ص 105، ص 106 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1367 هـ سنة 1948 م.

(2)

النشوز في عرف اللغة الميل، وفى الشرع مخالفة ما تقتضيه المودة بين الزوجين، فنشوز المرأة منع الزوج من الاستمتاع لا على وجه حسن التبعل، لا مجرد الشتم له وفعل ما لا يرضاه ما لم تخرج من بيته وإن استحقت التأديب، وفى كونه إلى الزوج أو الحاكم ترد.

(3)

يقال ذئرت المرأة بذال معجمة مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم راء مهملة إذا نشزت ونفرت.

(4)

البحر الزخار لأحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 3 ص 88، ص 89 الطبعة السابقة.

ص: 121

تمكينها قبل حلوله فيستصحب، ولأنها لما رضيت بالتأجيل بنت أمرها على أن لا حق لها في الامتناع فلا يثبت بعد ذلك لانتفاء المقتضى. وأجود هذين الوجهين الثاني. ولو كان بعض المهر حالا وبعض مؤجلا كان لكل منهما حكم مماثلة فلها الامتناع قبل الدخول حتى تقبض البعض الحال وليس لها الامتناع بعد ذلك التأجيل، بل عليها التمكين. وإنما يجب تسليمه إذا كانت مهيأة للاستمتاع، فلو كانت ممنوعة بعذر وإن كان شرعيا كالإحرام لم يلزم لأن الواجب التسليم من الجانبين، فإذا تعذر من أحدهما لم يجب من الآخر. نعم لو كانت صغيرة يحرم وطؤها فالأقوى وجوب تسليم مهرها إذا طلبه الولى لأنه حق ثابت حال طلبه ممن له حق الطلب فيجب دفعه كغيره من الحقوق، وعدم قبض العوض الآخر جاء من قبل الزوج حيث عقد عليها كذلك موجبا على نفسه عوضا حالا ورضى بتأخير قبض المعوض إلى محله، وهذا بخلاف النفقة لأن سبب وجوبها التمكين التام دون العقد، ووجه عدم وجوب تسليم المهر إلى ولى الصغيرة الذي هو خلاف لأقوى قد علم مما سلف من أن الواجب التسليم من الجانبين فإذا تعذر من أن هما لم يجب على الآخر، كما علم جوابه من أن التسليم ليس بواجب من جانب الصغيرة حين صغرها فالعوض من جانبها المؤجل فلا يمنع من تسليم الجانب الآخر الذي هو الحال. وليس لها بعد الدخول الامتناع في أصح القولين لاستقرار المهر بالوطء الأول وهذا دليل على أنه لا تعلق للمهر بالوطء بعد الدخول حتى يصح إمساكه في مقابله بل إنما المتعلق به هو الوطء الأول. وقد حصل تسليمها نفسها برضاها فانحصر حقها في المطالبة دون الامتناع، ولأن النكاح معاوضة ومتى سلم أحد المتعاوضين العوض الذي من قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه ليتسلم العوض الآخر، ولأن منعها قبل الدخول ثابت بالإِجماع ولا دليل علمه بعده فينتفى بالأصل، فإن التسليم حق عليها والمهر حق عليه والأصل عدم تعلق أحدهما بالآخر فيتمسك به إلى أن يثبت الناقل، وقيل لها الامتناع كما لو كانت قبل الدخول لأنه المقصود بعقد النكاح منافع البضع فيكون المهر في مقابلها ويكون تعلق الوطء الأول به كتعلق غيره، والأقوى الأول. هذا كله إذا سلمت نفسها اختيارا، فلو دخل بها كرها فحق الامتناع بحاله لأنه قبض فاسد فلا يترتب عليه أثر الصحيح، ولأصالة البقاء إلى أن يثبت المزيل مع احتمال عدمه لصدق القبض

(1)

. وإذا ظهرت أمارة النشوز للزوج بتقطيب الزوجة في وجهه والضجر والسأم بحوائجه التي يجب عليها فعلها من مقدمات الاستمتاع بأن تمتنع أو تتثاقل إذا دعاها إليه، لا مطلق حوائجه إذ لا يجب عليها قضاء حاجته التي لا تتعلق بالاستمتاع، أو تغير عادتها في أدبها معه قولا كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كانت تجيبه بكلام لين، أو غير مقبلة عليه بوجهها بعد أن كانت تقبل عليه، أو فعلا كأن يجد منها إعراضا وعبوسا بعد لطف وطلاقة ونحو ذلك. إذا ظهرت تلك الأمارات وعظها أولا بلا هجر ولا ضرب فلعلها تبدى عذرا وتتوب عما جرى منها من غير عذر، والوعظ كأن يقول لها اتقى الله في الحق الواجب لى

(1)

الروصة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجعبى العاملى جـ 2 ص 121، ص 122 بتصحيح الشيخ عبد الله السبيتى.

ص: 122

عليك، واحذرى العقوبة، ويبين لها ما يترتب على ذلك من عذاب الله تعالى في الآخرة، وسقوط النفقة والقسم في الدنيا، ثم حول ظهره إليها في المضجع - بكسر الجيم - إن لم ينجح الوعظ، ثم اعتزلها ناحية في غير فراشها، ولا يجوز ضربها إن رجا رجوعها بدونه، فإذا امتنعت من طاعته فيما يجب له ولم ينجح ذلك كله ضربها مقتصرا على ما يؤمل به رجوعها، فلا تجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلا تدرج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن الضرب مدميا ولا مبرحا أي شديدا كثيرا لقول الله عز وجل:"واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن"

(1)

والمراد فعظوهن إذا وجدتم أمارات النشوز، واهجروهن إن نشزن، واضربوهن أن أصررن عليه، وأفهم قوله تعالى:"في المضاجع" أنه لا يهجرها في الكلام، وهذا فيما زاد عن ثلاثة أيام لقول النبى صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه في الكلام فوق ثلاث" وجوز في الثلاثة إن رجا به رجوعها، ولو حصل بالضرب تلف أو إدماء ضمن. ولو نشز الزوج بمنع حقوقها الواجبة عليه من قسم ونفقة فلها المطالبة بها وللحاكم إلزامه بها فإن أساء خلقه وأذاها بضرب وغيره بلا سبب صحيح نهاه عن ذلك، فإن عاد إليه عذره بما يراه، وإن قال كل منهما أن صاحبه متعد تعرف الحاكم الحال بثقة في جوارهما يختبرهما ومنع الظالم منهما، ولو تركت الزوجة بعض حقوقها الواجبة لها عليه من قسمة ونفقة استمالة له حل له قبوله، وليس له منع بعض حقوقها لتبذل له ما لا ليخلعها، فإن فعل فبذلت أثم وصح قبوله ولم يكن إكراها، نعم لو قهرها عليه بخصوصه لم يحل

(2)

. وجاء في شرائع الإِسلام أنه لو ظهر من الزوجة الامتناع عن طاعة الزوج فيما يجب له جاز ضربها ولو بأول مرة، ويقتصر على ما يؤمل معه رجوعها

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أن الزوجة تمنع الزوج من وطئها والاستمتاع بها ولو في غير الفرج أو باليد ولو أمة أو طفلة إلا إن أباح سيد الأمة. وذلك إذا أصدقها عاجلا وآجلا - سواء كان الأجل معينا مخصوصا وغير مخصوص أو كان غير معين - حتى يعطيها العاجل، وإن لم يمسها حتى حل الآجل جاز منعها له حتى يؤديهما لأن الأجل صار بحلوله كالعاجل، فلو لم يمسها حتى تزوج عليها أو تسرى أو راجع فلها منعه حتى يؤدى الاجل كما إذا أجل إلى مدة مخصوصة أو شئ مخصوص معين أو غير معين ولم يمس حتى حل الأجل فإن لها منعه حتى يؤديه، وإن مسها قهرا أو في نوم أو طفلة أو مجنونة أو أمة لم تمنعه بعد، وقيل تمنعه، وللولى منع طفلة أو مجنونة وللسيد منع أمة حتى يؤدى وللمرأة وولى الطفله والمجنونة وسيد الأمة منع الزوج الطفل والمجنون والعبد حتى يؤدى الولى والسيد. وأن أجل بوقت نحو عام أو شهر أو أطلق الأجل بحيث يحكم عليه به عند الفرقة أو النكاح أو التسرى فمسها فخرجت محرمته أو محرمة منه بوجه ما حل بذلك وانكشف الغيب أنها قد استحقته حين المس ولا يلزم الانتظار به

(1)

الآية رقم 33 من سورة المائدة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للعاملى جـ 2 ص 133 الطبعة السابقة.

(3)

شرائع الإسلام في الفقه الإسلامي الجعفرى للمحقق الحلى جـ 2 ص 41، ص 42 بإشراف الشيخ محمد جواد مغنية طبع دار الحياة للطباعة والنشر ببيروت.

ص: 123

إلى تمام الأجل لأن العقد غير صحيح فالأجل باطل غير منعقد لأنه أسند على غير صحيح، والصداق هنا إنما استحقته بالمس لا بالعقد

(1)

.

‌حكم الامتناع عن اللعان

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن المرأة التي قذفها زوجها إذا طالبته باللعان أجبره الحاكم عليه، ولو امتنع يحبس لامتناعه عن الواجب عليه كالممتنع من قضاء الدين، فيحبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه، وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه ليس لها ولاية المطالبة باللعان ولا يجبر عليه ولا يحبس إذا امتنع، بل يقام عليه الحد. وكذا إذا التعن الرجل تجبر المرأة على اللعان، ولو امتنعت تحبس حتى تلاعن أو تقر بالزنا، وعند الشافعي لا تجبر ولا تحبس، بل يقام عليها الحد؛ لقول الله عز وجل:"والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة"

(2)

فقد أوجب سبحانه وتعالى الجلد على القاذف من غير فصل بين الزوج وغيره، إلا أن القاذف إذا كان زوجا فله أن يدفع الحد عن نفسه بالبينة إن كانت له بينة وإن لم تكن له بينة يدفعه باللعان فكان اللعان مخلصا له من الحد. وقوله تعالى:"ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله"

(3)

جعل سبحانه وتعالى لعانها دفعا لحد الزنا عنها، إذ الدرء هو الدفع لغة؛ فدل على أن الحد وجب عليها بلعانه، ثم تدفعه بلعانها، ولأن بلعانه يظهر صدقه في القذف لأن الظاهر أنه لا يلاعن إلا وأن يكون صادقا في قذفه فيجب عليها الحد إلا أن لها أن تخلص نفسها عنه باللعان لأنها إذا لاعنت وقع التعارض فلا يظهر صدق الزوج في القذف فلا يقام عليها الحد. ويدل لنا قول الله عز وجل:"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله"

(4)

أي فليشهد أحدهم أربع شهادات بالله، فقد جعل سبحانه وتعالى موجب قذف الزوجات اللعان، فمن أوجب الحد فقد خالف النص، ولأن الحد إنما يجب لظهور كذبه في القذف، وبالامتناع من اللعان لا يظهر كذبه إذ ليس كل من امتنع من الشهادة أو اليمين يظهر كذبه فيه، بل يحتمل أنه امتنع منه صونا لنفسه عن اللعن والغضب، والحد لا يجب مع الشبهة، فكيف يجب مع الاحتمال، ولأن الاحتمال من اليمين بدل وإباحة، والإِباحة لا تجرى في الحدود، فإن من أباح للحاكم أن يقيم عليه الحد لا يجوز له أن يقيم. وأما آية القذف فقد قيل إن موجب القذف في الابتداء كان هو الحد في الأجنبيات والزوجات جميعا، ثم نسخ في الزوجات وجعل موجب قذفهن اللعان بآية اللعان، والدليل عليه ما روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه قال: كنا جلوسا في المسجد ليلة الجمعة فجاء رجل من الأنصار فقال يا رسول الله أرأيتم الرجل يجد مع امرأته رجلا فإن قتله قتلتموه، وإن تكلم به جلدتموه، وإن أمسك أمسك على

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 2 ص 111 طبع المطبعة الأدبية بمصر.

(2)

الآية رقم 4 من سورة النور.

(3)

الآية رقم 5 من سورة النور.

(4)

الآية رقم 6 من سورة النور.

ص: 124

غيظ، ثم جعل يقول: اللهم افتح، فنزلت آية اللعان. دل قوله: وإن تكلم به جلدتموه على أن موجب قذف الزوجة كان الحد قبل نزول آية اللعان، ثم نسخ في الزوجات بآية اللعان، فينسخ الخاص المتأخر العام المتقدم بقدره هكذا. هذا هو مذهب عامة مشايخنا رضى الله تعالى عنهم. وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه يبنى العام على الخاص، ويتبين أن المراد من العام ما وراء قدر الخاص سواء كان الخاص سابقا أو لاحقا، وسواء علم التاريخ فبينهما زمان يصلح للنسخ أو لا يصلح، أو جهل التاريخ بينهما فلم تكن الزوجات داخلات تحت آية القذف على قوله، فكيف يصح احتجاجه بها. وأما قوله تعالى "ويدرأ عنها العذاب" فلا حجة له فيه؛ لأن دفع العذاب يقتضى توجه العذاب لا وجوبه لأنه حينئذ يكون رفعا لا دفعا، على أنه يحتمل أن يكون المراد من العذاب هو الحبس إذ الحبس يسمى عذابا، قال الله عز وجل في قصة الهدهد:{لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا}

(1)

قيل في تفسير ذلك: لأحبسنه، وهذا لأن العذاب ينبئ عن معنى المنع في اللغة، يقال: أعذب أي منع، وأعذب أي امتنع، يستعمل لازما ومتعديا، ومعنى المنع يوجد في الحبس، وهذا هو مذهبنا أنها إذا امتنعت من اللعان تحبس حتى تلاعن أو تقر بالزنا فيدرأ عنها العذاب وهو الحبس باللعان، فإذن قلنا بموجب الآية الكريمة

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن الزوج إذا رمى زوجته بالزنى غصبا بأن قال زنت مغصوبة تلاعنا مطلقا صدقته أو كذبته، فإن نكلت رجمت. قال محمد بن المواز رحمه الله تعالى وقبله التونسى، وصوب اللخمى أنه إذا رماها بغصب أو شبهة فلا لعان عليها وإنما يلتعن الزوج لنفى الولد عنه ولا نعلم لرجمها وجها إذا لم تلتعن لأن الزوج لم يثبت عليها بلعانه زنا وإنما أثبت عليها غصبا فلا لعان عليها كما لو أثبتت البينة الغصب

(3)

. وإن ثبت الغصب أو ظهر بقرينة كمستغيثة عند النازلة التعن الزوج فقط دونها، فإن نكل لم يحد. وكذا يلتعن الزوج فقط إذا كانت الزوجة صغيرة عن سن من تحمل وهى مطيقة للوطء. قإن يلاعن دونها وتبقى زوجه ووقفت فإن ظهر بها حمل لم يلحق به ولا عنت وفرق بينهما، فإن نكلت حدث حد البكر. وإن شهد الزوج مع ثلاثة بزنا زوجته التعن الزوج ثم التعنت بعد وفرق بينهما وحد الثلاثة لعدم الاعتداد بشهادة الزوج، لا إن نكلت عن اللعان فلا حد علمهم لأنه قد حقق عليها ما شهدوا به بسبب نكولها، وتحد هي حد الزنا وتبقى زوجة إن جلدت وعلى حكم الزوجية إن رجمت، وأما إن نكلا أو نكل الزوج حد الأربعة لأن نكول الزوج كرجوع أحد شهود الزنا كبل الحكم فيوجب حد الأربعة وحدت الزوجة أيضا في الأولى

(4)

.

(1)

الآية رقم 21 من سورة النمل.

(2)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 3 ص 238، ص 239 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

(3)

الشرح الكبير لأبى البركات سيدي أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه لشمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقى جـ 2 ص 465 في كتاب على هامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق الشيخ محمد عليش طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر.

(4)

المرجع السابق جـ 2 ص 466 نفس الطبعة.

ص: 125

‌مذهب الشافعية:

جاء في المهذب أن الزوج إذا قذف امرأته وامتنع من اللعان فضرب بعض الحد، ثم قال أنا ألا عن سمع اللعان وسقط ما بقى من الحد، وكذلك إذا نكلت المرأة عن اللعان فضربت بعض الحد ثم قالت أنا ألاعن سمع اللعان وسقط بقية الحد لأن ما أسقط جميع الحد أسقط بعضه كالبينة

(1)

. وجاء في مغنى المحتاج أنه لو امتنع أحد الزوجين من اللعان ثم طلبه مكن منه

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء في المغنى أن الزوج إذا قذف زوجته المحصنة وامتنع من اللعان لزمه الحد وحكم بفسقه ورد شهادته - وبهذا قال مالك والشافعى - وقال أبو حنيفة يجب اللعان دون الحد، فإن أبى حبس حتى يلاعن لأن الله تعالى قال:"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات" الآيات، فلم يوجب بقذف الأزواج إلا اللعان. ويدل لنا قول الله عز وجل:"والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون"

(3)

وهذا عام في الزوج وغيره، وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه، مقام الشهادة في نفس الحد والفسق ورد الشهادة عنه. وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"البينة أو حد في ظهرك" وقوله لما لاعن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه فلزمه إذ لم يأت بالبينة المشروعة كالأجنبى

(4)

. وإذا لاعن الزوج وامتنعت هي من الملاعنة فلا حد عليها - وبه قال الحسن والأوزاعى وأصحاب الرأى رضى الله تعالى عنهم - وذهب مكحول والشعبى ومالك والشافعى وغيرهم رضى الله تعالى عنهم إلى أن عليها الحد لقول الله تعالى "ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله"

(5)

، والعذاب الذي يدرؤه لعانها هو الحد المذكور في قوله سبحانه وتعالى:"وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"

(6)

ولأنه بلعانه حقق زناها فوجب عليها الحد كما لو شهد عليها أربعة. ويدل لنا أنه لم يتحقق زناها فلا يجب عليها الحد كما لو لم يلاعن. ودليل ذلك أن تحقيق زناها لا يخلو إما أن يكون بلعان الزوج أو بنكولها أو بهما لا يجوز أن يكون بلعان الزوج وحده لأنه لو ثبت زناها به لما سمع لعانها ولا وجب الحد على قاذفها ولأنه إما يمين وإما شهادة وكلاهما لا يثبت له الحق على غيره ولا يجوز أن يثبت بنكولها لأن الحد لا يثبت بالنكول فإنه يدرأ بالشبهات فلا يثبت بها وذلك

(1)

المهذب للإمام الزاهد الموفق أبى إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادى الشيرازى جـ 2 ص 128 في كتابه أسفله النظم المستعذب في شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.

(2)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للإمام الشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 3 ص 350 في كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.

(3)

الآية رقم: من سورة النور.

(4)

المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرفى جـ 9 - ص 20، ص 21 في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

(5)

الآية رقم 8 من سورة النور.

(6)

الآية رقم 2 من سورة النور.

ص: 126

لأن النكول يحتمل أن يكون لشدة خفرها أو لعقلة على لسانها أو غير ذلك فلا يجوز إثبات الحد الذي اعتبر في بينته من العدد ضعف ما اعتبر في سائر الحدود واعتبر في حقهم أن يصفوا صورة الفعل وإن يصرحوا بلفظه وغير ذلك مبالغة في نفى الشبهات عنه وتوسلا إلى إسقاطه ولا يجوز أن يقضى فيه بالنكول الذي هو في نفسه شبهة لا يقضى به في شئ من الحدود ولا العقوبات ولا ما عدا الأموال، مع أن الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يرى القضاء بالنكول في شئ فكيف يقضى به في أعظم الأمور وأبعدها ثبوتا وأسرعها سقوطا، ولأنها لو أقرت بلسانها ثم رجعت لم يجب عليها الحد فلأن لا يجب بمجرد امتناعها من اليمين على براءتها أولى. ولا يجوز أن يقضى فيه بهما لأن ما لا يقضى فيه باليمين المفردة لا يقضى فيه باليمين مع النكول كسائر الحقوق، ولأن ما في كل واحد منهما من الشبهة لا ينتفى بضم أحدهما إلى الآخر، فإن احتمال نكولها لفرط حيائها وعجزها عن النطق باللعان في مجمع الناس لا يزول بلعان الزوج، والعذاب يجوز أن يكون الحبس أو غيره فلا يتعين في الحد، وإن احتمل أن يكون هو المراد فلا يثبت الحد بالاحتمال وقد يرجح ما ذكرناه بقول عمر رضى الله تعالى عنه: إن الحد على من زنا وقد أحصن إذا كانت بينة أو كان الحمل أو الاعتراف فذكر موجبات الحد ولم يذكر اللعان. واختلفت الرواية فيما يصنع بها؛ فردى أنها تحبس حى تلتعن أو تقر أربعا، قال أحمد رضى الله تعالى عنه: فإن أبت المرأة أن تلتعن بعد التعان الرجل أجبرتها عليه وهبت أن أحكم عليها بالرجم لأنها لو أقرت بلسانها لم أرجمها إذا رجعت فكيف إذا أبت اللعان؟ ولا يسقط النسب إلا بالتعانهما جميعا لأن الفراش قائم حتى تلتعن والولد للفراش. قال القاضي رحمه الله تعالى: هذه الرواية أصح، وهذا قول من وافقنا في أنه لا حد عليها وذلك لقول الله تعالى:"ويدرأ عنها أن تشهد أربع شهادات بالله" فيدل على أنها إذا لم تشهد لا يندرئ عنها العذاب. والرواية الثانية: يخلى سبيلها وهو قول أبى بكر رحمه الله تعالى لأنه لم يجب عليها الحد، فيجب تخلية سبيلها كما لو لم تكمل البينة، فأما الزوجية فلا تزول والولد لا ينتفى ما لم يتم اللعان بينهما في قول عامة أهل العلم إلا الشافعي رضى الله تعالى عنه، فإنه قضى بالفرقة ونفى الولد بمجرد لعان الرجل

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن من قذف امرأته بالزنا - هكذا مطلقا أو بإنسان سماه - طولب بالبينة، فإن أتى ببينه عدول بذلك أقيم عليها الحد، وإن لم يأت بالبينة قيل له التعن، فإذا التعن سقط عنه الحد لها وللذى رماها به، فإن لم يلتعن حد حد القذف. وإذا التعن ديل لها إن التعنت وإلا حددت حد الزنا، فإذا التعنت برئت من الحد وانفسخ نكاحها منه وحرمت عليه أبد الآبد لا تحل له أصلا لا بعد الزواج ولا قبله. وأما ما لم يتم هو اللعان أو تتمه هي فهما على نكاحهما، فلو مات أحدهما قبل تمام اللعان توارثا. وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث اللعان:"البينة أو حد في ظهرك"

(2)

.

(1)

المغنى لابن قدامة جـ 9 ص 72، ص 73 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم جـ 10 ص 143 وما بعدها إلى ص 148 مسألة رقم 1943، 1944 بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.

ص: 127

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أن الزوج إذا نكل عن أيمانه أو عن بعضها حد للقذف لقول الله عز وجل: "فاجلدوهم"

(1)

، وإذا نكلت حدت للزنا إذ أيمان الزوج كالشهود؛ لقول الله عز وجل:"ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله"

(2)

الآية. قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: بل يحبس الناكل حتى يلاعن إذ هو الواجب فقط بقذف الزوج لقول الله سبحانه وتعالى: "فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله"

(3)

قلنا: قال النبي صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية: "البينة أو الجلد". فلم يتعين اللعان. قالوا النكول دائم مقام غيره وهو الإِقرار فلا يثبت به الجلد كالادعاء قلنا يثبت بالقذف مشروطا بالنكول كالرجم بشرط الإحصان. قالوا: لو لزمها بأيمانه لم يسقط بعد وجوبه، قلنا: يثبت بالقذف مشروطا بالنكول كالرجم بشرط الإِحصان. قالوا: لو لزمها بأيمانه لم يسقط بعد وجوبه. قلنا: يسقط لقول الله عز وجل: "ويدرأ عنها العذاب" قالت القاسمية والإمام يحيى عليه السلام: ويحد لنكوله مرة كما لو أقر، وتحد هي لنكولها أربعا كما لو أقرت. وقال المؤيد بالله عليه السلام: بل الحد مرة فيهما كالإقرار

(4)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء في شرائع الإِسلام أن القذف يتعلق به وجوب الحد في حق الرجل، فإذا لاعن سقط الحد في حقه ووجب في حق المرأة، ولو أكذب نفسه أو نكل ثبت عليه الحد

(5)

. وجاء في الخلاف أن الرجل إذ لاعن الحرة المسلمة وامتنعت من اللعان وجب عليها الحد - وبه قال الشافعي رضى الله تعالى عنه - لإجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا لقوله تعالى:"ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين"

(6)

. فذكر الله تعالى لعان الزوج ثم أخبر أن المرأة تدرأ عن نفسها العذاب بلعانها، فثبت أنه لزمها عذاب بلعان الزوج، وذلك هو الحد بدلالة قوله تعالى:"وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"

(7)

يعنى الحد، وقال عز وجل:"فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب"

(8)

يعنى من الحد

(9)

. وإذا قذفها ولاعنها فامتنعت من اللعان فحدت، ثم قذفها أجنبى بذلك الزنا لم يجب عليه الحد وبه قال أبو إسحاق، وقال أبو العباس بن سريج: يجب عليه الحد. ويدل لنا قول الله عز وجل: "والذين يرمون المحصنات"

(10)

وهذا ما رمى

(1)

الآية رقم: 4 من سورة النور.

(2)

الآية رقم 8 من سورة النور.

(3)

الآية رقم 6 من سورة النور.

(4)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 3 ص 259، ص 260 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1367 هـ سنة 1948 م.

(5)

شرائع الإسلام في الفقة الإسلامي الجعفرى للمحقق الحلى جـ 2 ص 90 بإشراف الشيخ محمد جواد مغنية طبع دار مكتبة الحياة ببيروت.

(6)

الآية رقم 8 من سورة. النور.

(7)

الآية رقم 2 من سورة النور.

(8)

الآية رقم 25 من سورة النساء.

(9)

الخلاف في الفقه للإمام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى جـ 2 ص 282 مسألة رقم 12 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان في طهران سنة 1382 هـ.

(10)

الآية رقم 4 من سورة النور.

ص: 128

محصنة؛ لأن اللعان وإقامة الحد عليها يسقط حصانتها

(1)

.

‌مذهب الإِباضية:

جاء في شرح النيل أن الرجل إذا قذف زوجته ثم أبى من اللعان حين طولب به سجن، وإن سجن فأبى من اللعان وجب عليه الحد

(2)

.

‌حكم امتناع الملئ عن النفقة

يختلف حكم امتناع الملئ عن النفقة تبعا لاختلاف سبب وجوبها، فهى تجب بسبب الزوجية أو القرابة أو الملكية.

‌مذهب الحنفية:

أولا حكم الامتناع عن نفقة الزوجة جاء في بدائع الصنائع أن العلماء اختلفوا في كيفية وجوب نفقة الزوجة، قال أصحابنا رضى الله تعالى عنهم: إنها تجب على وجه لا يصير دينا في ذمه الزوج إلا بقضاء القاضي أو بتراضى الزوجين فإن لم يوجد أحد هذين تسقط بمضى الزمان، وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه: إنها تصير دينا في الذمة من غير قضاء القاضي ولا رضاه، ولا تسقط بمضى الزمان واحتج الشافعي بقوله عز وجل:"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"

(3)

، و (على) كلمة إيجاب، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن وجوب النفقة والكسوة مطلقا عن الزمان، وقوله عز وجل:"لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله"

(4)

، فقد أمر الله تعالى بالإِنفاق مطلقا عن الوقت، ولأن النفقة قد وجبت، والأصل أن ما وجب على إنسان لا يسقط إلا بالإِيصال أو الإِبراء كسائر الواجبات، ولأنها وجبت عوضا لوجوبها بمقابلة المتعة فبقيت في الذمة من غير قضاء كالمهر، والدليل عليه أن الزوج يجبر على تسليم النفقة ويحبس عليها والصلة لا تحتمل الحبس والجبر. ويدل لنا أن هذه النفقة تجرى مجرى الصلة وإن كانت تشبه الأعواض، لكنها ليست بعوض حقيقة لأنها لو كانت عوضا حقيقة فإما أن تكون عوضا عن نفس المتعة وهى الاستمتاع، وإما أن تكون عوضا عن ملك المتعة وهى الاختصاص بها لا سبيل إلى الأول لأن الزوج ملك متعتها بالعقد فكان هو بالاستمتاع متصرفا في ملك نفسه باستيفاء منافع مملوكة له ومن تصرف في ملك نفسه لا يلزمه عوض لغيره، ولا وجه للثانى لأن ملك المتعة قد قوبل بعوض مرة فلا يقابل بعوض آخر فخلت النفقة عن معوض فلا يكون عوضا حقيقة، بل كانت صلة، ولذلك سماها الله تعالى رزقا بقوله عز وجل:"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" والرزق اسم للصلة كرزق القاضي، والصلات لا تملك بأنفسها بل بقرينة تنضم إلمها وهى القبض كما في الهبة أو قضاء القاضي لأن القاضي له ولاية أو لزام في الجملة أو التراضى لأن ولاية الإِنسان على نفسه أقوى من ولاية القاضي عليه، بخلاف المهر لأنه أوجب بمقابلة ملك المتعة فكان عوضا

(1)

الخلاف في الفقه للطوسى جـ 2 ص 295 مسألة رقم 54 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف جـ 3 ص 541 طبع المطبعة الأدبية بمصر.

(3)

الآية رقم 23 من سورة البقرة.

(4)

الآية رقم 7 من سورة الطلاق.

ص: 129

مطلقا فلا تسقط بمضى الزمان كسائر الديون المطلقة، ولا حجة له في الآيتين لأن فيهما وجوب النفقة لا بقاؤها واجبة لأنهما لا يتعرضان للوقت، فلو ثبت البقاء فإنما يثبت باستصحاب الحال وأنه لا يصلح لإِلزام الخصم. وأما قوله إن الأصل فيما وجب على إنسان لا يسقط إلا بالإِيصال أو الإِبراء فنقول هذا حكم الواجب مطلقا لا حكم الواجب على طريق الصلة بل حكمه أنه يسقط بمضى الزمان كنفقة الأقارب وأجرة المسكن، وقد خرج الجواب عن قوله أنها وجبت عوضا وأما الجبر والحبس فالصلة تحتمل ذلك في الجملة فإنه يجبر على نفقة الأقارب ويحبس بها وإن كانت صلة، وكذا من أوصى بأن يوهب عبده من فلان بعد قوله فمات الموصى فامتنع الوارث من تنفيذ الهبة في العبد فإنه يجبر عليه ويحبس بأنه وإن كانت الهبة صلة فدل أن الجبر والحبس لا ينفيان معنى الصلة. وعلى هذا يخرج ما إذا استدانت على الزوج قبل الفرض أو التراضى فأنفقت أنها لا ترجع بذلك على الزوج بل تكون متطوعة في الإِنفاق، سواء كان الزوج غائبا أو حاضرا لأنها لم تصر دينا في ذمة الزوج لعدم شرط صيرورتها دينا في ذمته فكانت الاستدانة إلزام الدين الزوج بغير أمره وأمر من له ولاية الأمر فلم يصح، وكذا إذا أنفقت من مال نفسها لما قلنا، وكذا لو أبرأت زوجها من النفقة قبل فرض القاضي والتراضى لا يصح الإِبراء لأنه إبراء عما ليس بواجب، والإِبراء إسقاط، وإسقاط ما ليس بواجب ممتنع. وكذا لو صالحت زوجها على نفقة وذلك لا يكفيها ثم طلبت من القاضي ما يكفيها فإن القاضي يفرض لها ما يكفيها لأنها حطت ما ليس بواجب، والحط قبل الوجوب باطل كالإِبراء

(1)

. هذا ولوجوب الفرض على القاضي وجوازه منه شرطان أحدهما طلب المرأة الفرض منه لأنه إنما يفرض النفقة على الزوج حقا لها فلابد من الطلب من صاحب الحق، والثانى: حضرة الزوج حتى لو كان الزوج غائبا فطلبت المرأة من القاضي أن يفرض لها عليها نفقة لم يفرض، وإن كان القاضي عالما بالزوجية وهذا قول أبى حنيفة الآخر، وهو قول شريح، وقد كان أبو حنيفة أولا يقول - وهو قول إبراهيم النخعى - إن هذا ليس بشرط. ويفرض القاضي النفقة على الغائب، وحجة هذا القول ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لهند امرأة أبى سفيان خذى من مال أبى سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف، وذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كان فرضا للنفقة على أبى سفيان وكان غائبا، وحجة القول الأخير أن الفرض من القاضي على الغائب قضاء عليه وقد صح من أصلنا أن القضاء على الغائب لا يجوز إلا أن يكون عنه خصم حاضر ولم يوجد، وأما الحديث فلا حجة له فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال لهند على سبيل الفتوى لا على طريق القضاء بدليل أنه لم يقدر لها ما تأخذه من مال أبى سفيان. وفرض النفقة من القاضي تقديرها. فإذا لم تقدر لم تكن فرضا فلم تكن قضاء، تحقيقه أن من يجوز القضاء على الغائب فإنما يجوزه إذا كان غائبا غيبة سفر فأما إذا كان في المصر فإنه لا يجوز بالإجماع لأنه لا يعد غائبا وأبو سفيان لم يكن مسافرا، فدل أن ذلك كان إعانة لا قضاء، فإن لم يكن القاضي عالما

(1)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 4 ص 25، ص 26 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

ص: 130

بالزوجية فسألت القاضي أن يسمع بينتها بالزوجية ويفرض على الغائب قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: لا يسمعها ولا يفرض، وقال زفر رحمه الله تعالى: يسمع ويفرض لها وتستدين عليه، فإذا حضر الزوج وأنكر بأمرها بإعادة البينة في وجهه فإن فعلت نفذ الفرض وصحت الاستدانة وإن لم يفعل لم ينفذ ولم يصح. وجه قول زفر أن القاضي إنما يسمع هذه البينة لا لإِثبات النكاح على الغائب ليقال إن الغيبة تمنع من ذلك بل ليتوصل بها إلى الفرض، ويجوز سماع البينة في حق حكم دون حكم كشهادة رجل وامرأتين على السرقة وأنها تقبل في حق المال ولا تقبل في حق القطع، كذا هاهنا تقبل هذه البينة في حق صحة الفرض لا في إثبات النكاح. فإذا حضر وأنكر استعاد منها البينة، فإن أعادت نفذ الفرض وصحت الاستدانة عليه وإلا فلا. والصحيح قول أبى يوسف رضى الله تعالى عنه لأن البينة على أصل أصحابنا لا تسمع إلا على خصم حاضر، ولا خصم، فلا تسمع، وما ذكره زفر رضى الله تعالى عنه من أن بينتها تقبل في حق صحة الفرض غير سديد لأن صحة الفرض مبنية على ثبوت الزوجية، فإذا لم يكن إلى إثبات الزوجية بالبينة سبيل لعدم الخصم لم يصح، فلا سبيل إلى القبول في حق صحة الفرض ضرورة. هذا إذا كان الزوج غائبا ولم يكن له مال حاضر، فأما إذا كان له مال حاضر، فإن كان المال في يدها وهو من جنس النفقة فلها أن تنفق على نفسها منه بغير أمر القاضي لحديث أبى سفيان، فلو طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة في ذلك المال وعلم القاضي بالزوجية وبالمال فرض لها النفقة لأن لها أن تأخذه فتنفق على نفسها من غير فرض القاضي، فلم يكن الفرض من القاضي في هذه الصورة قضاء بل كان إعانة لها على استيفاء حقها، وإن كان في يد مودعه أو مضاربه أو كان له دين على غيره، فإن كان صاحب اليد مقرا بالوديعة والزوجية، أو كان من عليه الدين مقرا بالدين والزوجية، أو كان القاضي عالما بذلك فرض لها في ذلك المال نفقتها في قول أصحابنا الثلاثة رضى الله تعالى عنهم، وقال زفر رضى الله تعالى عنه: لا يفرض لأن هذا قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر؛ إذ المودع ليس بخصم عن الزوج، وكذا المدين فلا يجوز. ويدل لنا أن صاحب اليد وهو المودع إذا أقر بالوديعة والزوجية أو أقر المدين بالدين والزوجية فقد أقر أن لها حق الأخذ والاستيفاء لأن للزوجة أن تمد يدها إلى مال زوجها فتأخذ كفايتها منه لحديث امرأة أبى سفيان، فلم يكن القاضي فرض لها النفقة في ذلك المال قضاء بل كان إعانة لها على أخذ حقها وله على إحياء زوجته فكان له ذلك، وإن جحد أحد الأمرين ولا علم للقاضى به لم يسمع البينة ولم يفرض لأن سماع البينة والفرض يكون قضاء على الغائب من غير خصم حاضر؛ لأنه إن أنكر الزوجية لا يمكنها إقامة البينة على الزوجية لأن المودع ليس بخصم عنه في الزوجية وإن أنكر الوديعة أو الدين لا يمكنها إقامة البينة على الوديعة والدين لأنها ليست بخصم عن زوجها في إثبات حقوقه، فكان سماع البينة على ذلك قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر وذلك غير جائز عندنا هذا إذا كانت الوديعة والدين من جنس النفقة بأن كانت دراهم أو دنانير أو طعاما أو نيابا من جنس كسوتها، فأما إذا كان من جنس آخر فليس لها أن تتناول شيئا من ذلك

ص: 131

وإن طلبت من القاضي فرض النفقة فيه، فإن كان عقارا لا يفرض القاضي النفقه فيه بالإجماع لأنه لا يمكن إيجاب النفقة فيه إلا بالبيع، ولا يباع العقار على الغائب في النفقة بالاتفاق، وإن كان منقولا من العروض فقد ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوى الخلاف فيه، فقال القاضي: لا يبيع العروض عليه في قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وعندهما له أن يبيعها عليه، وهى مسألة الحجر على الحر العاقل البالغ. وذكر القدورى المسألة على الاتفاق فقال القاضي: إنما يبيع على أصلهما على الحاضر الممتنع عن قضاء الدين لكونه ظالما في الامتناع دفعا لظلمه، والغائب لا يعلم امتناعه، فلا يعلم ظلمه، فلا يباع عليه، وإذا فرض القاضي لها النفقة في شئ من ذلك وأخذ منها كفيلا فهو حسن لاحتمال أن يحضر الزوج فيقيم البينة على طلاقها أو على إيفاء حقها في النفقة عاجلا فينبغى أن يستوثق فيما يعطيها بالكفالة ثم إذا رجع الزوج ينظر إن كان لم يعجل لها النفقة فقد مضى الأمر، وإن كان قد عجل وأقام البينة على ذلك أو لم يقم بينة واستحلفها فنكلت فهو بالخيار إن شاء أخذ من المرأة وإن شاء أخذ من الكفيل

(1)

وإذا طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة على زوجها الحاضر، فإن كان قبل النقلة وهى بحيث لا تمتنع من التسليم لو طالبها بالتسليم أو كان امتناعها بحق، فرض القاضي لها إعانة لها على الوصول إلى حقها الواجب لوجود سبب الوجوب وشرطه، وإن كان بعد ما حولها إلى منزله فزعمت أنه ليس ينفق عليها أوشكت التضييق في النفقة فلا ينبغى له أن يعجل بالفرض ولكنه يأمره بالنفقة والتوسيع فيها لأن ذلك من باب الإمساك بالمعروف وهو مأمور به، ويتأنى في الفرض، ويتولى الزوج الإنفاق بنفسه قبل الفرض إلى أن يظهر ظلمه بالترك والتضييق في النفقة فحينئذ يفرض عليه نفقة كل شهر، ويأمره أن يدفع النفقة إليها لتنفق هي بنفسها على نفسها. ولو قالت: أيها القاضي إنه يريد أن يغيب فخذ لى منه كفيلت بالنفقة لا يجبره القاضي على إعطاء الكفيل لأن نفقة المستقبل غير واجبة للحال فلا يجبر. على الكفيل بما ليس بواجب يحققه أنه لا يجبر على الكفيل بدين واجب فكيف بغير الواجب، وإلى هذا أشار أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه فقال: لا أوجب عليه كفيلا بنفقة لم تجب لها بعد، وقال أبو يوسف رضى الله تعالى عنه: أستحسن أن آخذ لها منه كفيلا بنفقة شهر لأنا نعلم بالعادة أن هذا القدر يجب في السفر لأن السفر يمتد إلى شهر غالبا، والجواب أن نفقة الشهر لا تجب قبل الشهر فكان تكفيلا بما ليس بواجب فلا يجبر عليه، ولكن لو أعطاها كفيلا جاز لأن الكفالة بما يذوب على فلان جائزة. وإذا فرض القاضي لها نفقة كل شهر أو تراضيا على ذلك، ثم منعها الزوج قبل ذلك أشهرا غائبا كان أو حاضرا فلها أن تطالبه بنفقة ما مضى لأنها لما صارت دينا بالفرض أو التراضى صارت في استحقاق المطالبة بها كسائر الديون بخلاف نفقة الأقارب إذا مضت المدة ولم تؤخذ فإنها لا تسقط لأنها لا تصير دينا رأسا، لأن وجوبها للكفاية، وقد حصلت الكفاية فيما مضى، فلا يبقى الواجب، كما لو استغنى بماله، فأما وجوب هذه النفقة فليس للكفاية وإن كانت مقدرة بالكفاية، ألا ترى أنها تجب مع الاستغناء بأن كانت موسرة وليس في مضى الزمان إلا الاستغناء فلا يمنع

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 27، ص 28 نفس الطبعة.

ص: 132

بقاء الواجب. ولو أنفقت من مالها بعد الفرض أو التراضى فلها أن ترجع على الزوج لأن النفقة صارت دينا عليه، وكذلك إذا استدانت على الزوج لما قلنا، سواء كانت استدانتها بإذن القاضي أو بغير إذنه. ولو فرض الحاكم النفقة على الزوج فامتنع من دفعها وهو موسر وطلبت المرأة حبسه فلها أن تحبسه لأن النفقة لما صارت دينا عليه بالقضاء صارت كسائر الديون، إلا أنه ينبغى ألا يحبسه في أول مرة تقدم إليه، بل يؤخر الحبس إلى مجلسين أو ثلاثة يعظه في كل مجلس يقدم إليه، فإن لم يدفع حبسه حينئذ كما في سائر الديون، وإذا حبس لأجل النفقة فما كان من جنس النفقة سلمه القاضي إليها بغير رضاه بالإجماع، وما كان من خلاف الجنس لا يبيع عليه شيئا من ذلك ولكن بأمره أن يبيع بنفسه وكذا في سائر الديون في قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وعند أبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهما: يبيع عليه

(1)

ثانيا حكم الامتناع عن نفقة الأقارب: جاء في بدائع الصنائع أن نفقة الأقارب تجب على وجه لا تصير به دينا في الذمة أصلا، سواء فرضها القاضي أولا بخلاف نفقة الزوجات فإنها تصير دينا في الذمة بفرض القاضي أو التراضى، حتى لو فرض القاضي للقريب نفقة شهر فمضى الشهر ولم يأخذ فليس له أن يطالبه بها، يل تسقط. ويحبس في نفقة الأقارب كما يحبس في نفقة الزوجات، أما غير الأب فلا شك فيه، وأما الأب فيحبس في نفقة الولد أيضا، ولا يحبس في سائر ديونه لأن ايذاء الأب حرام في الأصل وفى الحبس إيذاؤه، إلا عن الولد إذ لو لم ينفق عليه لهلك فكان فهو بالامتناع من الإِنفاق عليه كالقاصد إهلاكه فدفع قصده بالحبس ويحمل هذا القدر من الأذى لهذه الضرورة وهذا المعنى لم يوجد في سائر الديون هاهنا ضرورة أخرى وهى ضرورة استدراك هذا الحق أعنى النفقة لأنها تسقط بمضى الزمان فتقع الحاجة إلى الاستدراك بالجبس لأن الحبس يحمله على الأداء فيحصل الاستدراك، ولو لم يحبس يفوت حقه رأسا فشرع الحبس في حقه لضرورة استدراك الحق صيانة له عن الفوات، وهذا المعنى لا يوجد في سائر الديون لأنها لا تفوت بمضى الزمان فلا ضرورة إلى الاستدراك بالحبس، ولهذا قال أصحابنا رضى الله تعالى عنهم: إن الممتنع من النفقة يضرب ولا يحبس بخلاف الممتنع من سائر الحقوق لأنه لا يمكن استدراك هذا الحق بالحبس لأنه يفوت بمضى الزمان فيستدرك بالضرب بخلاف سائر الحقوق، وكذلك الجد أب الأب وإن علا لأنه يقوم مقام الأب عند عدمه

(2)

. ثالثا: حكم الامتناع عن نفقة المملوك: جاء في بدائع الصنائع أن نفقة المملوك تجب على وجه يجبر عليها عند الطلب والخصومة في الجملة، وبيان ذلك أن المملوك إذا خاصم مولاه في النفقة عند القاضي فإن القاضي يأمره بالنفقة عليه، فإن أبى ينظر القاضي فكل من يصلح للإجازة يؤاجره وينفق عليه من أجرته أو يبيعه إن كان محلا للبيع كالقن ورأى البيع أصلح ولا يجبر على الإنفاق، وإن لم يصلح للإجارة بأن كان صغيرا أو جارية ولا محلا للبيع كالمدبر وأم الولد يجبره على الإنفاق لأنه لا يمكن بيعه ولا إجارته، وتركه

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 28، ص 29 نفس الطبعة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى جـ 4 ص 38 الطبعة السابقة.

ص: 133

جائعا تضييع إلى آدمى فيجبر المولى على الإِنفاق، هذا إذا كان المملوك آدميا أما نفقة البهائم فلا يجبر عليها في ظاهر الرواية ولكنه يفتى فيما بينه وبين الله تعالى أن ينفق عليها، وروى عن أبى يوسف أنه يجبر عليها لأن في تركه جائعا تعذيب الحيوان بلا فائدة وتضييع المال، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله، ولأنه سفه لخلوه عن العاقبة الحميدة، والسفه حرام عقلا، وجه ظاهر الرواية أن الجبر على الحق يكون عند الطلب والخصومة من صاحب الحق، ولا خصم فلا يجبر ولكن تجب فيما بينه وبين الله عز وجل لما قاله أبو يوسف رضى الله تعالى عنه، وأما نفقة الجمادات كالدور والعقار فلا يجبر عليها لما قلنا، ولا يفتى أيضا بالوجوب إلا أنه إذا كان هناك تضييع المال فيكره له ذلك

(1)

.

‌مذهب المالكية:

أولا: حكم الامتناع من نفقة الزوجة: جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن الزوج الموسر إذا امتنع من نفقة الزوجة وكسوتها فشكت الزوجة إلى الحاكم ألزمه بأحد أمرين؛ بأن يقول له إما أن تنفق عليها أو تطلقها، فإن أنفق وكسا أو طلق فلا كلام، وإن أبى من ذلك ومن الطلاق فإن الحاكم يطلق عليه حالا بلا تلوم على المعتمد، وقيل بعد التلوم. قال الدسوقى: وجماعة المسلمين العدول يقومون مقام الحاكم في ذلك وفى كل أمر يتعذر الوصول فيه إلى الحاكم أو لكونه غير عدل، والواحد منهم كاف كما قال شيخنا رحمه الله تعالى

(2)

، وقال صاحب مواهب الجليل: إن من لم يثبت عسره وامتنع من الإِنفاق والطلاق تارة يقر بأنه ملئ وتارة يدعى العسر، فإن ادعى أنه معسر تلوم له، وإن أقر بأنه ملئ فحكى ابن عرفة رضى الله تعالى عنه في ذلك قولين أحدهما أنه يعجل عليه الطلاق، والثانى أنه يسجن حتى ينفق وعليه إن كان له مال ظاهر أخذت النفقة منه كرها. وحكم الغائب في الطلاق بعدم النفقة كحكم الحاضر، قال في التوضيح: وهو المشهور، وقال القابس رحمه الله تعالى: لا يطلق على غائب لأنه لم يستوف حجته، وعلى الأول فلابد من أن تثبت الزوجية وأنه قد دخل بها أو دعا إلى الدخول، والغيبة بحيث لا يعلم موضعه. أو علم ولم يمكن الإِعذار إليه فيه، وأما إن علم وأمكن الإِعذار إليه فإنه يعذر إليه، ولا بد من أن تشهد لها البينة بأنها لا تعلم أن الزوج ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا يعوى فيه بشئ من مؤنتها ولا أنه بعث إليها بشئ وصل إليها في علمهم إلى هذا الحين، ثم بعد ذلك يضرب لها أجلا على حسب ما يراه، ثم يحلفها ما شهدت لها البينة، وحينئذ إن دعت إلى الطلاق طلقها هو أو أباح لها التطليق. ونقل ابن عرفة رحمه الله تعالى نحو ما تقدم عن المتيطى. ولابن سهل رحمه الله تعالى في بكر قام أبوها بتوكيلها إياه قبل البناء بذلك أفتى ابن عات أنها تحلف، فإذا حلفت طلقت نفسها، وأفتى ابن القطان رضى الله تعالى عنه أنه لا يمين عليها ولا على أبيها ولها أن تطلق

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 40 نفس الطبعة.

(2)

الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفة الدسوقى جـ 2 صلى 519 في كتاب على هامشه الشرح المذكور طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.

ص: 134

نفسها. وأفتى ابن رشيق فقيه المرية رضى الله تعالى عنه بحلفها، وزاد فيه أن زوجيتها لا تنقطع، قال ابن سهل رحمه الله تعالى: زيادة هذا في يمينها لا أعلمه لغيره وقول ابن القطان لا يمين عليها ولا على أبيها لا وجه له، وقد تقرر من قول ابن القاسم وغيره أن السفيه يحلف في حقه. قال ابن الحاجب رضى الله تعالى عنه: حكم الغائب ولا مال له حاضر حكم العاجز، قال ابن عبد السلام: يعنى أن الغائب البعيد الغيبة وليس له مال أوله ولا يمكنها الوصول إليه إلا بمشقة حكمه حكم الحاضر العاجز

(1)

. ولو أن رجلا غاب عن زوجته فقامت المرأة وادعت أنه لم يترك لها زوجها شيئا ورفعت أمرها إلى السلطان وأرادت الفراق إذ لم يترك لها زوجها نفقة ثم إن رجلا من أقارب الزوج أو أجنبيا عنه قال لها أنا أؤدى عنه النفقة ولا سبيل لك إلى فراقه. قال ابن الكاتب رحمه الله تعالى: لها أن تفارق لأن الفراق قد وجب لها، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن رحمه الله تعالى: لا مقال لها لأن عدم النفقة الذي أوجب لها القيام قد انتفى، قال الحطاب: وقد أشار ابن المناصف رحمه الله تعالى إلى هذا فقال ما حاصله قيام الزوجة في غيبة زوجها على وجهين أحدهما: لترجع بما تنفق عليه وفائدته قبول قولها من حين الدفع. الوجه الثاني: لتطلق نفسها لعدم الإِنفاق فإذا أثبت الزوجية والمغيب ولم يترك لها شيئا ولم يخلف ما يعدى فيه ولم يتطوع بالنفقة عنه ودعت إلى الطلاق إلى آخره فظاهره أن التطوع بإجراء النفقة يسقط مقالها كقول ابن عبد الرحمن وهو الذي تقتضيه المدونة

(2)

. وجاء في رسم شهر من سماع عيسى: أنه إن كان الزوج معروف العدم فلا يفرض لها السلطان إذ لا يجب على المعدم لامرأته نفقة ويفرق السلطان بينهما بعد التلوم، وإن أحبت الصبر عليه كتب لها كتابا بذلك اليوم من ذلك الشهر أنها قامت عنده عليه طالبة لنفقتها، فإن قدم وعلم أنه كان له مال كان القول قولها أنها أنفقت على نفسها من ذلك اليوم إن ادعى أنه خلف عندها أو بعث إليها، وأما إذا كان مجهول الحال لا يعرف ملؤه في غيبته من عدمه فقال في المدونة إن السلطان لا يفرض لها نفقة على زوجها في مغيبه حتى يقدم، فإن كان موسرا فرض عليه نفقة مثله لمثلها، وقال ابن حبيب رحمه الله تعالى في الواضحة: إنها إن أحبت الصبر عليه أشهد لها السلطان إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليا في غيبته وجب عليه لامرأته فريضة مثلها من مثله. وإن أحبت المرأة أن تفرض لها النفقة إذا لم يكن له مال حاضر فقال ابن القاسم رحمه الله تعالى: لا يفرض عليه شئ حتى يقدم إذا علم عدمه أو جهل أمره، وفى البيان عن ابن حبيب رضى الله تعالى عنه إذا أحبت الصبر عليه أشهد السلطان عليه إن كان فإن زوج فلانة اليوم مليا في غيبته فقد أوجبت عليه فريضة مثلها من مثله، أما إن علم أنه موسر فإنه يفرض لها نفقة مثلها، قال في الموازية، وتداين علمه ويقضى

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب جـ 4 ص 196 في كتاب على هامشه التاج والإكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله سيدى محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 199، ص 200 نفس الطبعة.

ص: 135

لها

(1)

. وقال المتيطى: إن علم أنه ملئ في غيبته فرض لها القاضي نفقة مثلها وكان دينا عليه تحاص به غرماءه وإذا قدم أخذته به، وإن كان معدما في غيبته فالمشهور لابن القاسم أنه لا يفرض لها

(2)

. قال في النوادر: إذا طلبت المرأة النفقة ولم يبن بها فإن فرغوا من جهازها حتى لم يبق ما يحبسها قيل له ادخل أو أنفق، ولو قال الزوج: أنظروني حتى أفرغ وأجهز بعض ما أريد فذلك له ويؤخر الأيام بقدر ما يرى وهو قول مالك رضى الله تعالى عنه. وإذا دعى الزوج إلى الدخول فامتنع قال مالك: تلزمه النفقة بنفس الامتناع، وقال أشهب رحمه الله تعالى: تلزمه بعد وقت السلطان له وفرضه للنفقة. قال اللخمى رحمه الله تعالى: والأول أحسن إن علم أنه امتنع لددا وأنه لا عذر له وإن أشكل أمره فحتى يوقفه السلطان. فعلى قول مالك تلزمه النفقة بنفس الدعاء إذا شهدت بذلك بنية

(3)

. ونقل صاحب التاج والإِكليل من المدونة أن من له على امرأته دين وهى معسرة فعليه أن ينفق عليها ولا يقاصها بما ترتب لها في ذمته من نفقة، وإن كانت مليئة فله مقاصتها بدينه في نفقتها

(4)

. وتسقط النفقة بخروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه إذا لم يقدر على ردها، أما إن كان قادرا على ردها فلا تسقط النفقة، نعم له أن يؤدبها هو أو الحاكم على خروجها بغير إذنه

(5)

. وفي المتيطية عن كتاب محمد إذا غلبت امرأة زوجها وخرجت من منزله وأرسل إليها فلم ترجع وامتنع من النفقة عليها حتى ترجع فأنفقت على نفسها، ثم طلبته بذلك قال مالك رضى الله تعالى عنه: ذلك عليه لها وترجع عليه وتغرمه، قال: ولو خرجت من مسكنه وسكنت سواه لم يكن عليه كراء، قال ابن المواز رحمه الله تعالى: وذلك لا يشبه النفقة

(6)

. ثانيا: حكم الامتناع من نفقة الأقارب: جاء في مواهب الجليل أن نفقة القريب - سواء كان أبا أو ابنا - تسقط بمضى الزمن عن قريبه، فلو تحيل في الإِنفاق، ثم أراد الرجوع فليس له ذلك لأنها مواساة لسد الخلة، فإذا انسدت الخلة زال الوجوب، وهذا بخلاف نفقة الزوجة لأنها في معنى المعاوضة فلا تسقط، أما نفقة القريب فتسقط إلا إذا كان القاضي قد فرضها فلا تسقط ويرجع بها المنفق ولو مضى زمنها أو ينفق على القريب شخص غير متبرع. قال ابن عرفة رضى الله تعالى عنه: هذا يقتضى أن نفقة الأجنبى غير متبرع كحكم القاضي بالنفقة وليس كذلك، إنما يقضى للمنفق غير متبرع إذا كان ذلك بعد الحكم بها، ولو قال إلا أن يفرضها فيقضى بها لهما أو لمن أنفق عليهما غير متبرع لكان أصوب، قال الشيخ نقلا عن الموازية: إذا رفع الأبوان إلى السلطان في مغيب الابن ولا مال له حاضر لم يأمرهما أن يتسلفا عليه، بخلاف الزوجة إذ لا تجب نفقتها إلا بالحكم. وكلام ابن عبد السلام قريب مما قاله ابن

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل جـ 4 ص 201 المرجع السابق.

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 182 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 4 ص 182 نفس الطبعة.

(4)

التاج والإكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله سيدي محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدري الشهير بالمواق جـ 4 ص 187 في كتاب على هامشه مواهب الجليل للحطاب الطبعة السابقة.

(5)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب جـ 4 ص 188 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق جـ 4 ص 188 نفس الطبعة.

ص: 136

عرفة

(1)

. قال في العتيبية في آخر رسم من سماع يحيى: وسألته عن الرجل يغيب عن أهله وله أولاد صغار في حجر أمهم تلزمه نفقتهم، فإذا قدم ادعت امرأته وهى أمهم أنها أنفقت عليهم من مالها، أيلزمه ذلك أم يبرأ بمثل ما يبرأ به من نفقتها إذا زعم أنه كان يبعث بها إليها ولا يكون لها عليه شئ إلا أن ترفع أمرها إلى السلطان؟ قال: حالها فيما تدعى من الإنفاق من مالها بمنزلة ما تدعى أنها أنفق على نفسها إذا لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يقدم لم تصدق، وإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم إذا عرف أنه ملئ وحسبه لها عليه من يوم يفرضه، وكان لها دين تتبع به

(2)

. ثالثا: حكم الامتناع عن نفقة المملوك: جاء في التاج والإِكليل نقلا عن ابن رشد رحمه الله تعالى أنه يقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب له عليه بالمعروف في مطعمه وملبسه، بخلاف ما يملكه من البهائم فإنه يؤمر بتقوى الله في ترك إجاعتها ولا يقضى عليه بعلفها والفرق بين العبد والدابة أن العبد مكلف تجب عليه الحقوق من الجنايات وغيرها فكما يقضى عليه يقضى له، والدابة غير مكلفة لا يجب عليها حق ولا يلزمها جناية، فكما لا يقضى عليها لا يقضى لها. قال ابن عرفة رضى الله تعالى عنه: وقال أبو عمر: يجبر الرجل على أن يعلف دابته أو يبيعها أو يذبحها إن كانت مما يؤكل ولا يترك يعذبها بالجوع، قال ابن عرفة: لازم هذا القضاء عليه لأنه منكر وتغيير المنكر واجب القضاء به وهذا أصوب من نقل ابن رشد. وقال ابن شاس رحمه الله تعالى: يجب على رب الدواب علفها أو رعيها إن كان في رعيها ما يقوم بها، فإن أجدبت الأرض تعين عليه علفها، فإن لم يعلف أخذ بأن يبيعها ولا يجوز أن يشرب لبنها بحيث يضر بنتاجها

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

‌أولا: حكم الامتناع عن نفقة الزوجة:

جاء في مغنى المحتاج أن نفقة الزوجة مال يجب بالشرع ويستقر في الذمة مثل الكفارة، فهى معاوضة في مقابلة التمكين من الاستمتاع، ولا تسقط بمضى الزمان

(4)

. وجاء في المهذب أن الزوج كان موسرا وامتنع من الإِنفاق لم يثبت لها الفسخ لأنه يمكن الاستيفاء بالحاكم، وإن غاب وانقطع خبره لم يثبت لها الفسخ لأن الفسخ يثبت بالعيب بالإِعسار، ولم يثبت الإعسار، ومن أصحابنا من ذكر فيه وجها آخر أَنه يثبت لها الفسخ لأن تعذر النفقة بانقطاع خبره كتعذرها بالإِعسار

(5)

. قال صاحب مغنى المحتاج ولو طلبت الزوجة بدل الحب خبزا أو قيمة وامتنع الزوج أو طلب الزوج إعطاء ذلك وامتنعت لم يجبر الممتنع منهما لأنه غير واجب،

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 211، ص 212 المرجع السابق.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 201 نفس الطبعة.

(3)

التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق جـ 4 ص 106 الطبعة السابقة ومواهب الجليل لشرح مخنصر خليل للحطاب جـ 4 ص 207 الطبعة السابقة.

(4)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 3 ص 391، ص 392 في كتاب على هامشه من المنهاج للإمام أبى زكريا يحيى بن شرف النووى.

(5)

المهذب لأبى إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادى الشرازى جـ 2 ص 163 في كتاب أسئلة النظم المستعذب في شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 137

والاعتياض شرطه التراضى

(1)

. وتجب النفقة للزوجة بالتمكين لا العقد فإن لم تعرض على الرجل زوجته مدة مع سكوته عن طلبها ولم تمتنع فلا نفقة لها فيها على الجديد لعدم التمكين، وتجب على القديم، وعلى الجديد إن عرضت عليه وهى بالغة عادلة مع حضوره فى بلدها كأن بعثت إليه تخبره أنى مسلمة نفسى إليك فاختر أن آتيك حيث شئت أو تأتى إلى وجبت نفقتها من حين بلوغ الخبر له لأنه حينئذ مقصر، فإن غاب عن بلدها قبل عرضها إليه ورفعت الأمر إلى الحاكم مظهرة له التسليم كتب الحاكم المرفوع إليه الأمر لحاكم بلد الزوج ليعلمه الحال فيجئ الزوج لها يتسلمها أو يوكل من يجئ يسلمها له أو يحملها إليه وتجب النفقة من وقت التسليم، فإن لم يفعل شيئا من الأمرين مع إمكان المجئ أو التوكيل ومضى زمن إمكان وصوله إليها فرضها القاضي في ماله من حين إمكان وصوله وجعل كالمتسلم لها لأن المانع منه، أما إذا لم يمكنه ذلك فلا يفرض عليه شيئا لأنه غير معرض، قاله العمرانى والجرجانى وغيرهما كذا نقله الأذرعى ومن تبعه وقيدوا به كلام الكتاب. هذا إن علم مكان الزوج فإن جهل كتب الحاكم إلى الحكام الذين ترد عليهم القوافل من بلده عادة لينادى باسمه فإن لم يظهر أعطاها القاضي نفقتها من ماله الحاضر وأخذ منها كفيلا بما يصرف إليها لاحتمال موته أو طلاقه، أما إذا غاب بعد عرضها عليه وامتناعه من تسلمها فإن النفقة تقرر عليه ولا تسقط بغيبته

(2)

. وتسقط نفقة كل يوم بخروج عن طاعة الزوج بعد التمكين والعرض على الجديد وقبله على القديم لأنها تجب بالتسليم فتسقط بالمنع والمراد بالسقوط عدم الوجوب وإلا فالسقوط حقيقة إنما يكون بعد الوجوب. هذا نشوز غير المكلفة كالمكلفة لاستواء الفعلين في التفويت على الزوج، وسواء أقدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهرا أم لا لأن له عليها حق الحبس في مقابلة وجوب النفقة، فإذا نشزت عليه سقط وجوب النفقة، ولو نشزت نهارا دون الليل أو عكسه أو بعض أحدهما سقطت نفقة جميع اليوم لأنها لا تتجزأ بدليل أنها تسلم دفعة واحدة ولا تفرق غدوة وعشية، وقيل تستحق نفقة ما قبل النشوز من زمن الطاعة بالقسط وقطع به السرخسى، وتسقط ولو كان نشوزها بمنع لمس أو غيره من مقدمات الوطء بلا عذر بها إلحاقا لمقدمات الوطء بالوطء، فإن كان عذر كمنع لمس من بفرجها قروح وعلمت أنه متى لمسها واقعها لم يكن منعها نشوزا. وعبالة زوج أو مرض بها يضرها معه الوطء عذر في منعها من وطئه فتستحق النفقة مع منع الوطء لعذرها إذا كانت عنده لحصول التسليم الممكن، ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه

(3)

. ولا يسقط النفقة عذر يمنع الجماع عادة كمرض ورتق وقرن وضنى

(4)

وحيض ونفاس وجنون وإن قارنت تسليم الزوجة لأنها أعذار بعضها يطرأ ويزول وبعضها دائم وهى معذورة فيها وقد حصل التسليم الممكن، ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه، وفارق ما لو غضبت بخروجها عن قبضة الزوج وفوات التمتع بالكلية وتسقط

(1)

مغنى المحتاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 3 ص 393 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق جـ 3 ص 400، ص 401 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 3 ص 401 نفس الطبعة.

(4)

الضنى بالفتح والقصر مرض مدنف.

ص: 138

نفقتها أو لا لأن المنع من قبله، الأقرب كما قال الأذرعى أنها إن منعته منه عنادا سقطت أو لإِعسار فلا تسقط ولا أثر لزناها وإن حبلت لأنه لا يمنع الاستمتاع بها. وسفرها بإذنه معه ولو لحاجتها أو وحدها بإذنه لحاجته لا يسقط نفقتها لأنها ممكنة في الأولى وفى غرضه في الثانية فهو المسقط لحقه

(1)

. والأظهر أنه لا نفقة ولا توابعها لصغيرة لا تحتمل الوطء لتعذره لمعنى فيها، والقول الثاني المقابل للأظهر. تجب كالرتقاء والقرناء والمريضة كما مر، وأجاب الأول بأن المرض يطرأ ويزول، والرتق والقرن مانع دائم قد رضى به ويشق معه ترك النفقة مع أن التمتع بغير الوطء لا يفوت كما مر

(2)

.

‌ثانيا: حكم الامتناع عن نفقة الأقارب:

جاء في مغنى المحتاج أنه يلزم الشخص ذكرا كان أو غيره نفقة الوالد الحر وإن علا من ذكر أو أنثى والولد الحر وإن سفل من ذكر أو أنثى، والأصل في الأول قول الله عز وجل "وصاحبهما في الدنيا معروفا"

(3)

ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما، والأصل في الثاني قوله عز وجل "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن"

(4)

إذ إيجاب الأجرة لإِرضاع الأولاد يقتضى إيجاب مؤنتهم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند:"خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف"

(5)

قال الشافعي رضى الله تعالى عنه: وإذا كانت هند زوجة لأبى سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها فأذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من مال أبى سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف فمثلها الرجل يكون له على الرجل الحق بأى وجه ما كان فيمنعه إياه قله أن يأخذ من ماله حيث وجده سرا وعلانية، وكذلك حق ولده الصغار وحق من هو قيم بماله ممن توكله أو كفله

(6)

. قال صاحب مغنى المحتاج: ويباع في نفقة القريب ما يباع في الدين من عقار وغيره لأن نفقة القريب مقدمة على وفاء الدين، وإذا بيع ذلك في الدين ففى المقدم عليه أولى

(7)

. وتسقط نفقه القريب بفواتها بمضى الزمان وإن تعدى المنفق بالمنع لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجزة وفد زالت بخلاف نفقة الزوجة فإنها معاوضة، وحينئذ لا تصير دينا في ذمته إلا بفرض قاض أو إذنه في اقتراض لغيبة أو منع، فإنها تصير دينا في ذمته لتأكد ذلك بفرض القاضي أو إذنه فيه. قال الأذرعى: وهذه المسألة مما تعم به البلوى، وحكام العصر يحكمون بذلك ظانين أنه المذهب فيجب التنبه لها وتحريرها وبسط الكلام في ذلك، ثم قال: والحق أن فرض القاضي بمجرده لا يؤثر عندنا بلا خلاف، ومحاولة إثبات خلاف مذهبى فيه تكلف محض. فالمعتمد كما عليه الجمهور أنها لا تصير دينا إلا باقتراض قاض بنفسه أو مأذونه

(8)

ثالثا: حكم الامتناع عن نفقة المملوك: جاء في مغنى المحتاج أنه يجب على المالك كفاية رقيقه نفقة طعاما وأدما

(1)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى جـ 3 ص 402 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق جـ 3 ص 403 نفس الطبعة.

(3)

الآية رقم 15 من سورة لقمان.

(4)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

(5)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج جـ 3 ص 411 الطبعة السابقة.

(6)

الأم للإمام أبى عبد الله محمد بن إدريس والشافعى جـ 5 ص 90 في كتاب على هامشه مختصر الإمام أبى إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزنى طبع مطبعة كتاب الشعب بمصر.

(7)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج جـ 3 ص 412 الطبعة السابقة.

(8)

المرجع السابق جـ 3 ص 413 نفس الطبعة.

ص: 139

وكسوة. وتسقط كفاية الرقيق بمضى الزمان، فلا تصير دينا عليه إلا باقتراض القاضي أو إذنه فيه واقترض، كنفقة القريب بجامع وجوبها بالكفاية، ويبيع القاضي أو يؤجر فيها ماله إن امتنع أو غاب لأنه حق وجب عليه تأديته، وكيفية بيعه أو إيجاره أنه إن تيسر بيع ماله أو إيجاره شيئا فشيئا بقدر الحاجة فذاك وإن لم يتيسر كعقار استدان عليه إلى أن يجتمع ما يسهل البيع أو الإِيجار ثم باع أو أجر ما يفى به لما في بيعه أو إيجاره شيئا فشيئا من المشقة، وعلى هذا يحمل كلام من أطلق أنه يباع بعد الاستدانة فإن لم يمكن بيع بعضه ولا إجارته وتعذرت الاستدانة باع جميعه أو أجره

(1)

. وعلى صاحب دواب علف دوابه المحترمة وسقيها أو تخليتها للرعى وورود الماء إن اكتفت به، فإن لم تكتف به كجدب الأرض ونحوه أضاف إليها ما يكفيها وذلك لحرمة الروح، ولخبر الصحيحين دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض

(2)

. والمراد بكافة الدابة وصولها لأول الشبع والرى دون غايتهما. فإن امتنع المالك من ذلك وله مال أجبر في الحيوان المأكول على أحد ثلاثة أمور؛ بيع له أو نحوه مما يزول به ضرره، أو علف، أو ذبج، وأجبر في غير المأكول على أحد أمرين، بيع أو علف، ويحرم ذبحه للنهى عن ذبع الحيوان إلا كله، وإنما أجبره على ذلك صونا له عن الهلاك، فإن لم يفعل ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال، فإن لم يكن له مال باع الحاكم. الدابة أو جزءا منها أو أكراها عليه، قال الأذرعى رضى الله تعالى عنه: ويشبه أن لا يباع ما أمكن إجارته، وحكى عن مقتضى كلام الشافعي والجمهور، فإن تعذر ذلك فعلى بيت المال كفايتها، فإن تعذر فعلى المسلمين كنظيره في الرقيق. ثم لو كانت دابته لا تملك ككلب لزمه أن يكفيها أو يدفعها لمن يحل له الانتفاع بها، قال الأذرعى رضى الله تعالى عنه: أو يرسلها

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

أولا: حكم الامتناع من نفقة الزوجة: جاء في المغنى أن الزوج إذا لم يدفع إلى امرأته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة أو دفع إليها أدل من كفايتها فلها أن تأخذ من ماله الواجب أو تمامه بإذنه وبغير إذنه بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم لهند: "خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف"، وهذا إذن لها في الأخذ من ماله بغير إذنه، ورد لها إلى اجتهادها في قدر كفايتها وكفاية ولدها وهو متناول لأخذ تمام الكفاية، فإن ظاهر الحديث دل على أنه قد كان يعطيها بعض الكفاية ولا يتممها لها، فرخص النبي صلى الله عليه وسلم لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه لأنه موضع حاجة، فإن النفقة لا غنى عنها ولا قوام إلا بها، فإذا لم يدفعها الزوج ولم تأخذها أفضى إلى ضياعها وهلاكها، فرخص لها في أخذ قدر نفقتها دفعا لحاجتها، ولأن النفقة تتجدد بتجدد الزمان شيئا فشيئا، فتشق المرافعة إلى الحاكم والمطالبة بها في كل الأوقات، فلذلك رخص لها في أخذها بغير إذن من هي عليه. وذكر القاضي بينها

(1)

المرجع السابق جـ 3 ص 423، ص 424 نفس الطبعة.

(2)

خشاش الأرض بفتح الخاء وكسرها أي هوامها.

(3)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 3 ص 425، ص 426 الطبعة السابقة.

ص: 140

وبين الدين فرقا آخر وهو أن نفقة الزوجة تسقط بفوات وقتها عند بعض أهل العلم ما لم يكن فرضها لها فلو لم تأخذ حقها أفضى إلى سقوطها والإضرار بها بخلاف الدين فإنه لا يسقط عند أحد بتحرك المطالبة فلا يؤدى ترك الأخذ إلى الإِسقاط

(1)

. وإذا منع الرجل امرأته النفقة لعسرته وعدم ما ينفقه فالمرأة مخيرة بين الصبر عليه وبين فراقه، وروى نحو ذلك عن عمر وعلى وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة وحماد ومالك والشافعى وغيرهم، وذهب عطاء والزهرى وابن شبرمة وأبو حنيفة وصاحباه إلى أنها لا تملك فراقه بذلك ولكن يرفع يده عنها لتكتسب لأنه حق لها عليه، فلا يفسخ النكاح لعجزه عنه كالدين، وقال العنبرى يحبس إلى أن ينفق. ويدل لنا قول الله عز وجل "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"

(2)

وليس الإِمساك مع ترك الإِنفاق إمساكا بمعروف، فيتعين التسريح، وروى سعيد عن سفيان عن ابن أبي الزناد، قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته أيفرق بينهما؟ قال نعم. قال سنة؟ قال سنة. وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن المنذر ثبت أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى، ولأنه إذا ثبت الفسخ بالعجز عن الوطء والضرر فيه أقل لأنه إنما هو فقد لذة وشهوة يقوم البدن بدونه، فلأن يثبت بالعجز عن النفقة التي لا يقوم البدن إلا بها أولى، إذا ثبت هذا فإنه متى ثبت الإِعسار بالنفقة على الإِطلاق فللمرأة المطالبة بالفسخ من غير إنظار، وهذا أحد قولى الشافعي رضى الله تعالى عنه؛ وقال حماد بن أبى سليمان: يؤجل سنة قياسا على العنين، وقال عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه: اضربوا له شهرا أو شهرين، وقال مالك رضى الله تعالى عنه: الشهر ونحوه، وقال الشافعي في القول الآخر: يؤجل ثلاثا لأنه قريب، ويدل لنا ظاهر حديث عمر ولأنه معنى يثبت الفسخ ولم يرد الشرع بالإِنظار فيه، فوجب أن يثبت الفسخ في الحال كالعيب، ولأن سبب الفسخ الإِعسار، وقد وجد فلا يلزم التأخير

(3)

. أما إن امتنع من الإِنفاق مع يساره فإن قدرت له على مال أخذت منه قدر حاجتها ولا خيار لها لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر هند بالأخذ ولم يجعل لها الفسخ، وإن لم تقدر رافعته إلى الحاكم فيأمره بالإِنفاق ويجبره عليه، فإن أبى حبسه، فإن صبر على الحبس أخذ الحاكم النفقة من ماله، فإن لم يجد إلا عروضا أو عقارا باعها في ذلك، وبهذا قال مالك والشافعى وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور رضى الله تعالى عنهم، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: النفقة في ماله من الدنانير والدراهم ولا يبيع عرضا إلا بتسليم لأن بيع مال الإِنسان لا ينفذ إلا بإذنه أو إذن وليه ولا ولاية على الرشيد. ويدل لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: "خذى ما يكفيك" ولم يفرق، لأن ذلك مال له فتؤخذ منه النفقة كالدراهم

(1)

المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى على مختصر أبى القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 7 ص 570، ص 571 تعليق السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثالثة طبع دار المنار بمصر سنة 1367 هـ.

(2)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى على مختصر الخرقى جـ 7 ص 573، ص 574 الطبعة السابقة.

ص: 141

والدنانير، وللحاكم ولاية إذا امتنع بدليل ولايته على دراهمه ودنانيره. وإن تعذرت النفقة في حال غيبته وله وكيل فحكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من المال عند امتناعه، وإن لم يكن له وكيل ولم تقدر المرأة على الأخذ أخذ لها الحاكم من ماله، ويجوز بيع عقاره وعروضه في ذلك إذا لم تجد ما تنفق سواه، وينفق على المرأة يوما بيوم، وبهذا قال الشافعي ويحيى بن آدم رضى الله تعالى عنهما، وقال أصحاب الرأى يفرض لها في كل شهر. ويدل لنا أن هذا تعجيل للنفقة قبل وجوبها فلم يجز كما لو عجل لها نفقة زيادة على شهر

(1)

. وإن غيب ماله، وصبر على الحبس، ولم يقدر الحاكم له على مال يأخذه، أو لم يقدر على أخذ النفقة من مال الغائب فلها الخيار في الفسخ في ظاهر قول الخرقى رحمه الله تعالى، واختيار أبى الخطاب، واختار القاضي أنها لا تملك الفسخ وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن الفسخ في المعسر لعيب الإِعسار ولم يوجد هاهنا، ولأن الموسر في مظنة إمكان الأخذ من ماله، وإذا امتنع في يوم فربما لا يمتنع في الغد، بخلاف المعسر. ويدل لنا أن عمر رضى الله تعالى عنه كتب في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا، وهذا إجبار على الطلاق عند الامتناع من الإِنفاق، ولأن الإنفاق عليها من ماله يتعذر، فكان لها الخيار كحال الإعسار، بل هذا أولى بالفسخ، فإنه إذا جاز الفسخ على المعذور فعلى غيره أولى، ولأن في الصبر ضررا أمكن إزالته بالفسخ فوجبت إزالته، ولأنه نوع تعذر يجوز الفسخ فلم يفترق الحال بين الموسر والمعسر، كما إذا أدى ثمن المبيع فإنه لا فرق في جواز الفسخ بين أن يكون المشترى معسرا وبين أن يهرب قبل أداء الثمن، وعيب الإعسار إنما جوز الفسخ لتعذر الإِنفاق بدليل أنه لو اقترض ما ينفق عليها أو تبرع له إنسان بدفع ما ينفقه لم تملك الفسخ. وقولهم إنه يحتمل أن ينفق فيما بعد هذا. قلنا: وكذلك المعسر يحتمل أن يغنيه الله وأن يقترض أو يعطى ما ينفقه فاستويا

(2)

. ومن وجبت علمه نفقة امرأته وكان له عليها دين فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان نفقتها، فإن كانت موسرة فله ذلك لأن من عليه حق فله أن يقضيه من أي أمواله شاء، وهذا من ماله، وإن كانت معسرة لم يكن له ذلك لأن قضاء الدين إنما يجب في الفاضل من قوته، وهذا لا يفضل عنها، ولأن الله تعالى أمر بإنظار المعسر بقوله سبحانه وتعالى:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"

(3)

فيجب إنظارها بما عليها

(4)

وكل موضع ثبت لها الفسخ لأجل النفقة لم يجز إلا بحكم الحاكم لأنه فسخ مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم كالفسخ بالعنة، ولا يجوز له التفريق إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه لحقها فلم يجز من غير طلبها كالفسخ للعنة، فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر رضى الله تعالى عنهما، وقال مالك رضى الله تعالى عنه: هو تطليقة وهو أحق بها إن أيسر في عدتها لأنه تفريق لامتناعه من الواجب عليه لها فأشبه تفريقه بين المولى وامرأته إذا امتنع من الفيئة والطلاق. ويدل لنا

(1)

المرجع السابق جـ 7 ص 575 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 7 ص 576 نفس الطبعة.

(3)

الآية رقم 280 من سورة البقرة.

(4)

المغنى لابن قدامة المقدسى جـ 7 ص 576 الطبعة السابقة.

ص: 142

أنها فرقة لعجزه عن الواجب لها عليه أشبهت فرقة العنة، فأما إن أجبره الحاكم على الطلاق فطلق أقل من ثلاث فله الرجعة عليها ما دامت في العدة، فإن راجعها وهو معسر أو امتنع من الإِنفاق عليها ولم يمكن الأخذ من ماله فطلبت المرأة الفسخ، فللحاكم الفسخ لأن المقتضى له باق أشبه ما قبل الطلاق

(1)

. وإن رضيت بالمقام معه مع عسرته أو ترك إنفاقه ثم بدا لها الفسخ أو تزوجت معسرا عالمة بحالته راضية بعسرته وترك إنفاقه، أو شرط عليها أن لا ينفق عليها، ثم عنَّ لها الفسخ فلها ذلك. وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه، وقال القاضي رضى الله تعالى عنه: ظاهر كلام أحمد رضى الله تعالى عنه ليس لها الفسخ ويبطل خيارها في الموضعين. وهو قول مالك رضى الله تعالى عنه لأنها رضيت بعيبه ودخلت في العقد عالمة به فلم تملك الفسخ، كما لو تزوجت عنينا عالمة بعنته أو قالت بعد العقد قد رضيت به عنينا. ويدل لنا أن وجوب النفقة يتجدد في كل يوم فيتجدد لها الفسخ ولا يصح إسقاط حقها فيما لم يجب لها كإسقاط شفعتها قبل البيع ولذلك لو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط، ولو أسقطتها أو أسقطت المهر قبل النكاح لم يسقط، وإذا لم يسقط وجوبها لم يسقط الفسخ الثابت به، وإن أعسر بالمهر وقلنا لها الفسخ لإِعساره به فرضيت بالمقام لم يكن لها الفسخ لأن وجوبه لم يتجدد بخلاف النفقة، ولو تزوجته عالمة بإعساره بالمهر راضية بذلك فينبغى أن لا تملك الفسخ بإعساره به لأنها رضيت بذلك في وقت لو أسقطته فيه سقط

(2)

، وإذا رضيت بالمقام مع ذلك لم يلزمها التمكين من الاستمتاع لأنه لم يسلم إليها عوضه فلم يلزمها تسليمه كما لو أعسر المشترى بثمن المبيع لم يجب تسليمه إليه وعليه تخلية سبيلها لتكتسب وتحصل ما تنفقه على نفسها لأن فى حبسها بغير نفقة إضرارا بها، ولو كانت موسرة لم يكن له حبسها لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤنة وأغناها عما لا بد لها منه ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب عليها فإذا انتفى الأمران لم يملك حبسها

(3)

. ومن تَرك الإنفاق الواجب لامرأته مدة لم يسقط بذلك وكان دينا في ذمته سواء تركه لعذر أو غير عذر في أظهر الروايتين، وهذا قول الحسن ومالك والشافعى وإسحاق وابن المنذر رضى الله تعالى عنهم. والرواية الأخرى تسقط نفقتها ما لم يكن الحاكم قد فرضها لها، وهذا مذهب أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه لأنها نفقة تجب يوما فيوما فتسقط بتأخيرها إذا لم يفرضها الحاكم كنفقة الأقارب، ولأن نفقة الماضي قد استغنى عنها بمضى وقتها فتسقط كنفقة الأقارب، ويدل لنا أن عمر رضى الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى، ولأنها حق يجب مع اليسار والإِعسار فلم يسقط بمضى الزمان كأجرة العقار والديون، قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإِجماع، ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها، ولأنها عوض واجب فأشبهت الأجرة، وفارق نفقة الأقارب فإنها صلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والإِعسار ممن تجب له،

(1)

المرجع السابق جـ 7 ص 576، ص 577 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 7 ص 577 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 7 ص 577 نفس الطبعة.

ص: 143

وجبت لتزجية الحال فإذا مضى زمنها استغنى عنها فأشبه ما لو أستغنى عنها بيساره، وهذه بخلاف ذلك، إذا ثبت هذا فإنه إن ترك الإِنفاق عليها مع يساره فعليه النفقة بكمالها، وإن تركها لإِعساره لم يلزمه إلا نفقة المعسر لأن الزائر سقط بإعساره

(1)

. والمرأة تستحق النفقة علي زوجها بشرطين أحدهما: أن تكون كبيرة يمكن وطؤها، فان كانت صغيرة لا تحتمل الوطء فلا نفقة لها؛ لأن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع ولا يتصور ذلك مع تعذر الاستمتاع، فلم تجب نفقتها، كما لو منعها أولياؤها من تسليم نفسها، وتفارق المريضة فإن الاستمتاع بها ممكن، وإنما نقص بالمرض، ولأن من لا تمكن الزوج من نفسها لا يلزم الزوج نفقتها، فهذه أولى لأن ذلك يمكن الزوج قهرها والاستمتاع بها كرها، وهذه لا يمكن ذلك فيها بحال. الشرط الثانى: أن تبذل التمكين التام من نفسها لزوجها فأما إن منعت نفسها أو منعها أولياؤها أو تساكتا بعد العقد فلم تبذل ولم يطلب فلا نفقة لها وإن أقاما زمانا. فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضى الله تعالى عنها ودخلت عليه بعد سنتين ولم ينفق إلا بعد دخوله ولم يلتزم نفقتها لما مضى، ولأن النفقة تجب فى مقابلة، التمكين المستحق بعقد النكاح فإذا وجد استحقت وإذا ققد لم تستحق شيئا، ولو بذلت تسليما غير تام بأن تقول أسلم إليك نفسى في منزلى دون غيره أو في الموضع الفلانى دون غيره لم تستحق شيئا إلا أن تكون قد اشترط ذلك في العقد لأنها لم تبذل التسليم الواجب بالعقد فلم تستحق النفقة، كما ئو قال البائع أسلم إليك السلعة على أن تتركها في موضعها أو في مكان بعينه، وإن شرطت دارها أو بلدها فسلمت نفسها في ذلك استحقت النفقة لأنها سلمت التسليم الواجب عليها ولذلك لو سلم السيد أمته المزوجة ليلا دون النهار استحقت النفقة، وفارق الحرة فإنها لو بذلت تسليم نفسها في بعض الزمان لم تستحق شيئا لأنها لم تسلم التسليم الواجب بالعقد، وكذلك إن أمكنته من الاستمتاع ومنعته استمتاعا لم تستحق شيئا لذلك

(2)

. وإن غاب الزوج بعد تمكينها ووجوب نفقتها عليه لم تسقط عنه، بل تجب عليه في زمن غيبته لأنها استحقت النفقة بالتمكين ولم يوجد منها ما يسقطها، وأن غاب قبل تمكينها فلا نفقة لها عليه لأنه لم يوجد الموجب لها، فإن بذلت التسليم وهو غائب لم تستحق نفقته لأنها بذلته في حال لا يمكنه التسليم فيه، لكن إن مضت إلى الحاكم فبذلت التسليم كتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه ذلك، فإن سار إليها أو وكل من يسلمها إليه فوصل وسلمها هو أو نائبه وجبت النفقة حينئذ، وإن لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها من الوقت الذي كان يمكن الوصول إليها ويسلمها فيه، لأن الزوج امتنع من تسلمها مع إمكان ذلك وبذلها إياه له فلزمته نفقتها كما لو كان حاضرا، وإن كانت الزوجة صغيرة يمكن وطؤها أو مجنونة فسلمت نفسها إليه فتسلمها لزمته نفقتها كالكبيرة، وإن لم يتسلمها لمنع نفسها أو منع أوليائها فلا نفقة لها عليه، وإن غاب الزوج فبذل وليها تسلميها فهو كما لو بذلت المكلفة التسليم فإن وليها يقوم مقامها، وإن بذلت هي دون وليها لم يفرض الحاكم النفقة لها

(1)

المرجع السابق جـ 7 ص 578 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 7 ص 601، ص 602 نفس الطبعة.

ص: 144

لأنه لا حكم لكلامها

(1)

. وإذا كانت المرأة كبيرة يمكن الاستمتاع بها فمكنت من نفسها أو بذلت تسليمها ولم تمنع نفسها ولا منعها أولياؤها فعلى زوجها الصبى نفقتها - وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعى في أحد قوليه، وقال في الآخر: لا نفقة لها لأن الزوج لا يتمكن من الاستمتاع بها فلم تلزمه نفقتها كما لو كانت غائبة أو صغيرة - ويدل لنا أنها سلمت نفسها تسليما صحيحا فوجب لها النفقة كما لو كان الزوج كبيرا. ولأن الاستمتاع بها ممكن وإنما تعذر من جهة الزوج كما لو تعذر التسليم لمرضه أو غيبته، وفارق ما إذا غابت أو كانت صغيرة فإنها لم تسلم نفسها تسليما صحيحا ولم تبذل ذلك فعلى هذا يجبر الولى على نفقتها من مال الصبى لأن النفقة على الصبى، وإنما الولى ينوب عنه في أداء الواجبات عليه كما يؤدى أروش جناياته وقيم متلفاته وزكواته، وإن لم يكن له مال فاختارت فراقه فرق الحاكم بينهما كما ذكرنا في حق الكبيرة فإن كان له مال وامتنع الولى من الإنفاق أجبره الحاكم بالحبس، فإن لم ينفق أخذ الحاكم من مال الصبى وأنفق عليها فإن لم يمكنه وصبر الولى على الحبس وتعذر الإنفاق فرق الحاكم بينهما إذا طلبت ذلك على ما ذكرنا ذلك في حى الكبير، وذكر القاضي في الكبير أنه لا يفرق بينهما فكذلك هاهنا مثله لأنها سواء في وجوب الإنفاق عليها فكذلك في أحكامه

(2)

، وإن بذلت الرتقاء أو الحائض أو النفساء أو النضرة الخلق التى لا يمكن وطؤها أو المريضة تسليم نفسها لزمته نفقتها وإن حدث بها شئ من ذلك لم تسقط نفقتها لأن الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها، وإن منع من الوطء، ويفارق الصغيرة فإن لها حالا يتمكن من الاستمتاع بها فيها استمتاعا تاما، والظاهر أنه تزوجها انتظارا لتلك الحال، بخلاف هؤلاء، ولذلك لو طلب تسليم هؤلاء وجب تسليمهن، ولو طلب تسليم الصغيرة لم يجب فإن قيل فلو بذلت الصحيحة الاستمتاع بما دون الوطء لم تجب لها النفقة فكذلك هؤلاء. قلنا: لأن تلك منعت مما يجب عليها وهؤلاء لا يجب عليهن التمكين. ما فيه ضرر، فإن ادعت أن عليها ضررا في وطئه لضيق فرجها أو قروح به أو نحو ذلك وأنكره أريت امرأة ثقة وعمل بقولها

(3)

. ثانيا: حكم الامتناع من نفقة الأقارب: جاء في المغنى أن الرجل يجبر على نفقة والديه وإن علوا وولده الذكور والإناث وإن سفلوا إذا كانوا فقراء وكان له ما ينفق عليهم، والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:"فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن"

(4)

فقد أوجب أجر رضاع الولد على أبيه، وقال سبحانه وتعالى:"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"

(5)

، وقال عز وجل "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا"

(6)

ومن الإحسان الإِنفاق عليهما عند حاجتهما. ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: "خذى ما يكفيك وولدتك بالمعروف"

(7)

. وروت عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن أطيب ما أكل الرجل من

(1)

المرجع السابق جـ 7 ص 602 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 7 ص 603 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 7 ص 603، 604 نفس الطبعة.

(4)

الآية رقم 280 من سورة البقرة.

(5)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(6)

الآية رقم 23 من سورة الإسراء.

(7)

متفق عليه.

ص: 145

كسبه وإن ولده من كسبه

(1)

، فكلوا من أموالهم) وأما الإِجماع فحكى ابن المنذر رحمه الله تعالى قال أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، ولأن ولد الإِنسان بعضه، وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله. وإذا ثبت هذا فإن الأم تجب نفقتها ويجب عليها أن تنفق على ولدها إذا لم يكن له أب لقول الله عز وجل:"وبالوالدين إحسانا"، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل سأله من أبر؟ قال:"أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب"

(2)

، ولأنها أحد الوالدين فأشبهت الأب، ولأن بينهما قرابة توجب رد الشهادة ووجوب العتق فأشبهت الأب، فإن أعسر الأب وجبت النفقة على الأم ولم ترجع بها عليه إن أيسر، لأن من وجب عليه الإِنفاق بالقرابة لم يرجع به كالأب

(3)

. ويلزم الرجل إعفاف أبيه إذا احتاج إلى النكاح، ولهم في إعفاف الأب الصحيح وجه آخر: أنه لا يجب، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: لا يلزم الرجل إعفاف أبيه سواء وجبت نفقته أو لم تجب لأن ذلك من أعظم الملاذ، فلم تجب للأب كالحلواء، ولأنه أحد الأبوين فلم يجب ذلك له كالأم. ويدل لنا أن ذلك مما تدعو حاجته إليه ويستضر بفقده فلزم ابنه إعفافه كالنفقة، ولا يشبه الحلواء لأنه لا يستضر بفقدها وإنما يشبه الطعام والأدم. وأما الأم فإنما إعفافها بتزويجها إذا طلبت ذلك وخطبها كفؤها، ونحن نقول بوجوب ذلك عليه وهم يوافقوننا عليه. إذا ثبت هذا فإنه يجب إعفاف من لزمت نفقته من الآباء والأجداد

(4)

، وإذا وجب عليه إعفاف أبيه فهو مخير إن شاء زوجه حرة وإن شاء ملكه أمة أو دفع إليه ما يتزوج به حرة أو يشترى به أمة، وليس للأب التخيير عليه إلا أن الأب إذا عين امرأة وعين الابن أخرى وصداقهما واحد قدم تعيين الأب لأن النكاح له والمؤنة واحدة فقدم قوله كما لو عينت البنت كفؤا وعين الأب كفؤا يقدم تعيينها. وإن اختلفا في الصداق لم يلزم الابن الأكثر؛ لأنه إنما يلزم أقل ما تحصل به الكفاية، ولكن ليس له أن يزوجه أو يملكه قبيحة أو كبيرة لا استمتاع فيها، وليس له أن يزوجه أمة لأن فيه ضررا عليه وهو إرقاق ولده والنقص في استمتاعه، وإن رضى الأب بذلك لم يجز لأن الضرر يلحق بغيره وهو الولد، ولذلك لم يكن للموسر أن يتزوج أمة. وإذا زوجه زوجة أو ملكه أمة فعليه نفقته ونفقتها ومتى أيسر الأب لم يكن للولد استرجاع ما دفعه إليه ولا عوض ما زوجه به لأنه دفعه إليه في حال وجوبه عليه فلم يملك استرجاعه كالزكاة

(5)

. وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته وكان محتاجا إلى إعفافه لأنه من عمودى نسبة وتلزمه نفقته فيلزمه إعفائه عند حاجته إليه كأبيه، قال

(1)

رواه أبو داود.

(2)

رواه أبو داود.

(3)

المغنى لأبى محمد. عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى على مختصر الخرقى جـ 7 ص 582، ص 583 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق جـ 7 ص 587، ص 588 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق جـ 7 ص 588 نفس الطبعة.

ص: 146

القاضي رحمه الله تعالى: وكذلك يجئ في كل من لزمته نفقته من أخ وعم أو غيرهم لأن أحمد قد نص في العبد يلزمه أن يزوجه إذا طلب ذلك وإلا بيع عليه. وكل من لزمه إعفافه لزمته نفقة زوجة لأنه لا يتمكن من الإِعفاف إلا بذلك، وقد روى عن أحمد رضى الله تعالى عنه أنه لا يلزم الأب نفقة زوجة الابن وهذا محمول على أن الابن كان يجد نفقتها

(1)

.

‌ثالثا: حكم الامتناع من نفقة المملوك:

جاء في المغنى أن السيد إذا امتنع مما يجب للعبد عليه من نفقة أو كسوة أو تزويج فطلب العبد البيع أجبر سيده عليه سواء كان امتناع السيد من ذلك لعجزه عنه أو مع قدرته عليه لأن بقاء ملكه عليه مع الإِخلال بسد خلاته إضرار به، وإزاله الضرر واجبة فوجبت إزالته، ولذلك أبحنا للمرأة فسخ النكاح عند عجز زوجها عن الإِنفاق عليها. وقد روى في بعض الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:"عبدك يقول أطعمنى وإلا فبعنى، وامرأتك تقول أطعمنى أو طلقنى" وهذا يدل بمفهومه على أن السيد متى وفى بحقوق عبده فطلب العبد بيعه لم يجبر السيد عليه، وقد نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه، قال أبو داود: قيل لأبى عبد الله رحمه الله تعالى: استباعت المملوكة وهو يكسوها مما يلبس ويطعمها مما يأكل. قال: لا تباع وإن أكثرت من ذلك إلا أن تحتاج إلى زوج فتقول زوجنى. وقال عطاء وإسحاق رضى الله تعالى عنهما في العبد يحسن إليه سيده وهو يستبيع: لا يبعه، لأن الملك للسيد والحق له فلا يجبر على إزالته من غير ضرر بالعبد كما لا يجبر على طلاق زوجته مع القيام بما يجب لها ولا على بيع بهيمته مع الإِنفاق عليها

(2)

. وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه، وإنما كان كذلك لأن نفقة العبد على سيده وقد قام الذى جاء به مقام سيده فى الواجب عليه فرجع به عليه كما لو أذن له، وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه: لا يرجع بشئ لأنه متبرع بإنفاق لم يجب عليه، ويدل لنا أنه أدى عنه ما وجب عليه عند تعذر أدائه منه فرجع به عليه، كما لو أدى الحاكم عن الممتنع من الإِنفاق على امرأته ما يجب عليه من النفقة، ويتخرج أن لا يرجع بشئ بناء على الروايه الأخرى فيمن أنفق على الرهن الذي عنده أو الوديعة أو الجمال إذا هرب فتركها مع المستأجر

(3)

. ومن ملك بهيمة لزمه القيام بها والإنفاق عليها ما تحتاج إليه من علفها أو إقامة من يرعاها لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا. فلا هي أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض"

(4)

. فإن امتنع من الإِنفاق عليها أجبر على ذلك، فإن أبى أو عجز أجبر على بيعها أو ذبحها إن كانت مما يذبح. وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: لا يجبره السلطان بل يأمره به كما يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر؛ لأن

(1)

المرجع السابق جـ 7 ص 589 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 7 ص 632، ص 633 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 7 ص 634 نفس الطبعة.

(4)

متقق عليه.

ص: 147

البهيمة لا يثبت لها حق من جهة الحكم ألا ترى أنه لا تصح منها الخصومة ولا ينصب عليها خصم فصارت كالزرع والشجر. ويدل لنا أنها نفقة حيوان واجبة عليه فكان للسلطان إجباره عليها كنفقة العبيد، ويفارق نفقة الشجر والزرع، فإنها لا تجب، فإن عجز عن الإِنفاق وامتنع من البيع بيعت عليه كما يباع العبد إذا طلب البيع عند إعسار سيده بنفقته، وكما يفسخ نكاحه إذا أعسر بنفقة امرأته، وإن عطبت البهيمة فلم ينتفع بها فإن كانت مما يؤكل خير بين ذبحها والإنفاق عليها، وإن كانت مما لا يؤكل أجبر على الإِنفاق عليها كالعبد الزمن، ولا يجوز أن يحمل البهيمة ما لا تطيق لأنها في معنى العبد، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم تكليف العبد ما لا يطيق، ولأن فيه تعذيبا للحيوان الذي له حرمة في نفسه وإضرارا به وذلك غير جائز

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

أولا: حكم الامتناع من نفقة الزوجة: جاء في المحلى أن الرجل ينفق على امرأته من حين يعقد نكاحها سواء دعى إلى البناء أو لم يدع ولو أنها في المهد، ناشزًا كانت أو غير ناشز، غنية كانت أو فقيرة، ذات أب كانت أو يتيمة بكرا أو ثيبا، حرة كانت أو أمة على قدر ماله؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في النساء:"ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"

(2)

. ويلزمه

(3)

إسكانها على قدر طاقته لقول الله عز وجل: "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم"

(4)

، ولا يلزمه لها حلى ولا طيب لأن الله عز وجل لم يوجبهما عليه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم

(5)

. ومن منع النفقة والكسوة وهو قادر عليها فسواء كان غائبا أو حاضرا هو دين في ذمته يؤخذ منه أبدا ويقضى لها به في حياته وبعد موته ومن رأس ماله يضرب به مع الغرماء لأنه حق لها فهو دين قبله

(6)

. ثانيا: حكم الامتناع من نفقة الأقارب: جاء في المحلى أنه فرض على كل أحد من الرجال والنساء والكبار والصغار أن يبدأ بما لا بدله منه ولا غنى عنه به من نفقة وكسوة على حسب حاله وماله، ثم بعد ذلك يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل بيده مما يقوم منه على نفسه من أبويه وأجداده وجداته وإن علوا، وعلى البنين والبنات وبنيهم وإن سفلوا، والإِخوة والأخوات والزوجات، فإن فضل عن هؤلاء بعد كسوتهم ونفقتهم شئ أجبر على ذوى رحمه المحرمة وموروثيه إن كان من ذكرنا لا شئ لهم ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنتهم منه. ويباع عليه في كل ما ذكرنا ما به عنه

(1)

المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد محمد بن قدامة المقدسى على مختصر أبى القاسم عمير بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 7 ص 634 ص 635 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن سعيد بن حزم جـ 10 ص 88 وما بعدها مسألة رقم 1922 بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.

(3)

المرجع السابق جـ 10 ص 91 مسألة رقم 1925 نفس الطبعة.

(4)

الآيه رقم 6 من سورة الطلاق.

(5)

المرجع السابق جـ 10 ص 91 مسألة رقم 1926 نفس الطبعة.

(6)

المرجع السابق جـ 10 ص 91 مسألة رقم 1927 نفس الطبعة.

ص: 148

غنى من عقاره وعروضه وحيوانه، ولا يباع عليه من ذلك ما إن بيع عليه هلك وضاع، فما كان هكذا لم يبع إلا فيما في نفسه إليه ضرورة إن لم يتداركها بذلك هلك

(1)

.

‌ثالثا: حكم الامتناع من نفقة مملوكه:

جاء في المحلى أن الرجل والمرأة ينفق كل منهما على مماليكه من العبيد والإِماء بأن يطعمه شبعه مما يأكل أهل بلده ويكسوه مما يطرد عنه الحر والبر ولا يكون به مثلة بين الناس لكن مما يلبس مثل ذلك المكسو في ذلك البلد مما تجوز فيه الصلاة ويستر العورة، وفرض عليه مع ذلك أن يطعمه مما يأكل ولو لقمة وأن يكسوه مما يلبس ولو في العيد، ويجبر السيد على ذلك، فإن أبى أو أعسر بيع من ماله ما ينفق به على من ذكرنا، ولا يباع ولا تعتق أم الولد من عدم النفقة لكن يجبر كما قلنا إن كان له مال، فإن لم يكن له مال كلفت ما يكلف فقراء المسلمين، برهان ذلك قول الله عز وجل:"كونوا قوامين بالقسط"

(2)

وكل من لزمت المسلم نفقته فقد وجب له حق في ماله، ففرض علينا إيصاله إليه وتوفيته إياه، فإذا لم يقدر على ذلك إلا ببيع عرض أو عقار بمع ذلك لقول الله عز وجل "وأحل الله البيع"

(3)

فمن لم يبع من مال من عليه حق ما يوصله به العبد أو غيره إلى حقه فقد عصى الله تعالى في قوله عز وجل: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان"

(4)

، ومن أبر البر إيفاء ذى الحق حقه، ومن الإِثم والعدوان منع ذى الحق حقه

(5)

. ويجبر أيضا على نفقة حيوانه كله أو تسريحه للرعى إن كان يعيش من الرعى، فإن أبى بيع عليه كل ذلك. برهان ذلك ما روينا، من طريق البخارى بإسناده عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة. قال كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية:"إن نبى الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". فإضاعة المال حرام وإثم وعدوان بلا خلاف، ومنع المرء حيوانه مما فيه معاشه أو إصلاحه إضاعة لما له، فالواجب منعه من ذلك لقول الله عز وجل "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان" والإِحسان إلى الحيوان بر وتقوى فمن لم يعن علي إصلاحه فقد أعان على الإِثم والعدوان وعصى الله تعالى. وقال أبو حنيفة لا يباع عليه حيوانه لكن يؤمر بالإِحسان إليه فقط ولا يجبر على ذلك واحتج له بأنه لا يجبر على حفظ ما له إذا أراد إضاعته كما لا يجبر على سقى نخله، ونقول: بل يجبر على سقى النخل إن كان في ترك سقيه هلاك النخل وكذلك في الزرع، برهان ذلك قول الله عز وجل:"وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"

(6)

. فمنع الحيوان ما لا معاش له إلا به من علف أو رعى وترك سقى شجر الثمر والزرع حتى يهلكا هو بنص كلام الله عز وجل فساد في الأرض وإهلاك للحرث والنسل والله تعالى لا يحب هذا العمل

(7)

.

(1)

المرجع السابق جـ 10 ص 100 وما بعدها مسألة رقم 1933 نفس الطبعة.

(2)

الآية رقم 135 من سورة النساء.

(3)

الآية رقم 275 من سورة البقرة.

(4)

الآية رقم 2 من سورة المائدة.

(5)

المحلى لأبى محمد على بن حزم جـ 10 ص 97 وما بعدها إلى ص 99 مسألة رقم 1931 الطبعة السابقة.

(6)

الآية رقم 205 من سورة البقرة.

(7)

المحلى لأبى محمد على بن حزم جـ 10 ص 99، ص 100 مسألة رقم 1932 الطبعة السابقة.

ص: 149

‌أولا: حكم الامتناع من نفقة الزوجية:

‌مذهب الزيدية:

جاء في شرح الأزهار أن الزوج إذا غاب أو تمرد عن إنفاق زوجته فإنه ينفق عليها الحاكم من مال ذلك الغائب إذا كانت غيبته بريدا، وقيل وقت حاجتها لأن الغيبة في باب النفقات الذي يتضرر من هي له، فإن لم يجد أنفق عليها من دونه إن غلب في ظنه صدقها، وإنما ينفق الحاكم عليها بعد أن يطلب منها كفيلا بالوفاء إذا انكشف خلاف ما ادعت، وإذا انكشف أن الزوج قد كان سلم لها نفقتها كان بيع الحاكم بالملا غير نافذ. ولا بد مع طلب الكفيل منها من أن يحلفها الحاكم أنه لم يعطها شيئا، فإن نكلت لم تعط شيئا إلا أن يكون نكولها استحياء وحشمة أو أنفة. وإذا قدم الزوج فهو على حجته. وكما ينفق الحاكم عليها من مال الغائب ينفق عليها من مال المتمرد الحاضر - ولو من دينه على الغير - ويبيع عليه العروض، كما يأخذ عليه الدراهم والدنانير إذا وجدها له ويلزم الزوج البخيل نفقة الزوجة بأى وجه أمكنه من تكسب - فيما يليق به من غير تعب زائد على المعتاد ولا دناءة - أو مسألة أو استدانة، وللحاكم أن يستدين عنه مع الغيبة أو التمرد، ويحبسه للمكسب إن امتنع منه إذا طلبت الزوجة حبسه، لا كسائر الديون فإنه لا يؤخذ فيها بذلك لأنها آكد من الدين بدليل قول الله عز وجل:"وعلى المقتر قدره"

(1)

وقوله سبحانه وتعالى في الدين: "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"

(2)

. ولا يجوز له فسخ النكاح بينهما عندنا، وحاصل الكلام أن من لم ينفق على زوجته له ثلاث حالات الأولى: أن يكون ذلك لتمرده عن النفقة مضارة وهو قادر عليها فقال في الشرح لا ينفسخ بينهما بالإِجماع، والعلة أنه يمكن إجباره، قال في الانتصار: فإن لم يمكن إجباره فسخ على قول من أثبت الفسخ. الحالة الثانية: أن يكون ذلك لغيبته ولا مال له، قال في الشرح: لا يفسخ بالإِجماع وجعل هذا حجة عليهم لأنه لا يمكن إجباره فكان حجة عليهم، وقال في الانتصار يفسخ وقواه صاحب الأزهار كما قواه في البحر. الحالة الثالثة: أن لا ينفق للإِعسار فمذهبنا أنه يتكسب فإن توانى فرق بينه وبين مداناتها إن تعذر إجباره، فإن عجز من غير توان فقيل لا يفرق بينهما، وقال في الانتصار إذا أعسر بالنفقة ولم يقدر على التكسب فللمرأة ثلاثة خيارات؛ الأول: أن تمكنه من الاستمتاع ونفقتها في ذمته. الخيار الثاني: أن تمنع نفسها ولا تستحق النفقة. الخيار الثالث: الفسخ، وفد اختلف في الفسخ للإعسار والتمرد والغيبة؛ فعند القاسمية: لا يفسخ النكاح واحتج على ذلك في الشرح من الكتاب والسنة والقياس، أما الكتاب فقول الله عز وجل:"ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها"

(3)

. وأما السنة فلم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم فسخ نكاح المعسر مع إعسار كثير من الصحابة، وأما القياس فعلى الغائب والمتمرد. القول الثاني: أنه يفسخ واحتج على ذلك من الكتاب والسنة والقياس، أما الكتاب فقوله عز وجل: "فإمساك بمعروف أو تسريح

(1)

الآية رقم 236 من سورة البقرة.

(2)

الآية رقم 280 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 62 من سورة المؤمنون.

ص: 150

بإحسان"

(1)

، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أعسر الرجل بنفقة أهله فرق بينهما"، ومن القياس على ما يثبت به الفسخ من العيوب، وما ذلك إلا لما عليها من المضرة والمضرة بترك الإِنفاق أعظم وأبلغ الجواب على ما ذكروا أما الآية فليس فيها أكثر من أن الزوج مأمور بالتسريح إذا لم يمسكها بالمعروف، وأما الخبر فيحمل على أن المراد من منع مداناتها، وأما القياس على عيوب النكاح فلا وجه له، وإلا لزم أن تكون هي التي تفسخ ولا تحتاج إلى فسخ الحاكم إلا مع المشاجرة كالعيوب. وقد ذهب إلى هذا على عليه السلام وعمر وأبو هريرة والحسن البصرى وابن المسيب وحماد وربيعة ومالك وأحمد رضى الله تعالى عنهم، وقواه الإمام شرف الدين والإِمام عز الدين، وهو اختيار السيد محمد بن إبراهيم الوزير والإِمام القاسم بن محمد والمفتى والشامى، قال في الانتصار: وهو المختار واختلف أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم إذا أعسر ببعض النفقة أو بنفقة الخادم أو بالكسوة أو بالسكنى هل نفسخ أم لا أصحهما الفسخ للكسوة لا لغيرها لأن الكسوة كالنفقة. ثم إن مالكا رضى الله تعالى عنه قال يفسخ بطلقة رجعية فإن أيسر في العدة عادت زوجته بغير رجعه، وقال الليث رحمه الله تعالى يفسخ بطلقة بائنة ويطلقها الحاكم. وغيرهما يقول بالفسخ من غير طلاق، قال في الانتصار إذا قلنا هو طلاق رفع إلى الحاكم ليطلق، فإن امتنع طلق عنه. ولا يجوز لها أن تمتنع منه مع الخلوة وإلا كانت ناشزة إلا أن تمتنع لمصلحة وذلك بأن يغلب على الظن أنه مع موافقتها إياه يستمر على التمرد وعدم الإنفاق لحصول غرضه لموافقته فإن لها أن تمتنع بأمر الحاكم لتكون أقرب إلى امتثاله بالمطلوب - وظاهر المذهب أن لها أن تمتنع ولو بغير أمر الحاكم وتسقط نفقتها، وقال المفتى إذا جاز لها الامتناع لم تسقط - وكذلك إذا كان الحبس غير مستور أو غير خال من الناس فلها الامتناع أو قصد مضارتها، ولها أن تحلفه. وإذا شكت المرأة تضييق الزوج عليها في النفقة وضعت عند عدله من النساء أو عدل من المحارم، ويؤخذ لها من الزوج ما تستحقه إذا وجد أي إن الحاكم يفرض لها ما تستحقه ثم توضع عند عدلة. والقول لمن صدقته تلك العدلة منهما في العشرة والنفقة، فإن صدقت الزوج فالقول قوله، وإن صدقت الزوجة فالقول قولها، وهذه العدلة يجب نفقتها على الطالب، فإن طلبها الزوج كانت عليه، وإن طلبتها الزوجة أنفقتها قال أبو العباس رضى الله تعالى عنه: هذا إذا لم يكن ثم بيت مال فإن كان فنفقتها منه كأجرة السجان. وقال مولانا عليه السلام: الأولى أن تكون كالقسام فتكون نفقتها عليهما جميعا. والقول للمطيعة في نفس النشوز الماضي وقدره فإذا كانت الزوجة مطيعة للزوج في الحال وادعى عليها أنها كانت ناشزة فأنكرت ذلك أو أقرت واختلفا في قدر مدة النشوز فالقول قولها في نفيه بالمرة إن أنكرته وفى قدره إن أقرت به واختلفا في مدته، وأما إذا كانت عاصية في الحال فالقول قول الزوج، وأما إذا كانت الزوجة في غير بيته بل في بيتها أو في بيت أهلها أو في غيرهما بإذنه وأنكرت إنفاقه عليها مدة ما هي في غير بيته فالقول قولها في

(1)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

ص: 151

عدم الإنفاق لأن الظاهر معها، وأما إذا كانت في بيت الزوج فالقول قوله لأن الظاهر أنه منفق عليها، وسواء كانت صغيرة أم كبيرة عاقلة أم مجنونة في الطرفين جميعا، قيل: ويقبل قول مطلقة ومغيبة

(1)

في عدم الإِنفاق عليها وتحلف ذكره السيد أبو طالب في المطلقة، المجنونة ورد في السؤال وكذا ذكره في المغيبة كما تقدم أن الحاكم ينفق من مال الغائب ويأخذ منها كفيلا، قال أبو العباس: وإذا لم تقم الكفيل لم تستحق شيئا من النفقة، قال مولانا عليه السلام وفيه نظر

(2)

.

‌ثانيا: حكم الامتناع عن نفقة الأقارب:

جاء في شرح الأزهار أن الموسر لو مطل المعسر ما وجب عليه حتى مضت مدته فإنه يسقط عنه الواجب الماضي زمانه بالمطل لأنها لدفع الحاجة فتسقط لذهاب الحاجة، ويكون الموسر عاصيا، قال في اللمع سواء كان ولدا أم غيره، وعن الأستاذ ولو حكم بها حاكم، والحيلة في منع سقوط نفقة الماضي أن يأمره الحاكم أن يستقرض للغائب مقدار قوته كل يوم ثم ينفقه على نفسه، وللحاكم أن ينفق على المعسر من مال الموسر الغائب إذا كانت غيبته يجوز معها الحكم بعد أن طلب كفيلا بالضمان أن تبين عدم ثبوت النفقة

(3)

. وللأب أن يأخذ من مال ولده الصغير والغائب من الدنانير والدراهم وينفقها على نفسه بالمعروف ولا يحتاج إلى إذن الحاكم، وأما إذا كان الولد العاقل حاضرا فلا يجوز للاب أن يأخذ إلا أن يتمرد فتأخذ بإذن الحاكم، قال أبو العباس: فإن لم يكن هناك في الناحية حاكم فيحتمل أن له أن يأخذ إن لم يوجد من يصلح وإلا فبإذنه، لا كسائر الديون لو كان للأب على الابن دين، قال عليه السلام: هذا في الدنانير والدراهم ونحوهما كالطعام، ولا يبيع الوالد المعسر ولا يؤجر عنه عرضا إلا بإذن الحاكم إن كان ثمة حاكم في الناحية، والفرق بين الدراهم والدنانير والطعام مبين العروض أن الدراهم والدنانير والطعام نفس ما وجب، والعقار والأرض ليس ما وجب فاحتاجت إلى الحاكم. وليس لسائر الأقارب مثل ما للأب من أخذ الدنانير والدراهم، قال عليه السلام: إنما احتاج الأب هنا إلى إذن الحاكم في بيع العروض مع أن له ولاية على بيع مال ولده الصغير لأن البيع هنا لأمر يخصه وهو الإِنفاق كما أن ليس للحاكم أن يحكم لنفسه ولو كان إليه ولاية الحكم، وفى أحد قولى المؤيد بالله أن الولد إذا كان صغيرا جاز للأب بيع ماله لنفقة نفسه يعنى من غير حكم حاكم

(4)

.

‌ثالثا: حكم الامتناع من نفقة المملوك:

جاء في شرح الأزهار أنه يجب على السيد شبع رقة الخادم لسيده حيث كان يطيقها فلو امتنع من الخدمة نسقط وجوب إنفاقه، وأما لو كان عاجزا عن الخدمة لزمن أو مرض أو عمى أو صغر لم يجب الشبع بل التقدير المستحسن - وهو الذي يضر النقصان منه - كنفقة سائر الأقارب،

(1)

بفتح الميم وسكون الغين وكسر الياء، ويروي بضم الميم وتشديد الياء. انظر القاموس المحيط.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح جـ 2 ص 542 وما بعدها إلى ص 546 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازي بمصر سنة 1357 هـ.

(3)

المرجع السابق جـ 2 ص 551، ص 552 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق جـ 2 ص 548، 549 نفس الطبعة.

ص: 152

ويجب له من الكسوة ما يستر عورته ويقيه الحر والبرد من أي لباس كان من صوف أو قطن فيكون السيد مخيرا بين القيام بمؤنته أو تخلية القادر يتكسب لنفسه، فإن تمرد السيد أجبره الحاكم على أحدهما، فأما لو لم يكن ثم حاكم أو كان لا يستطيع إجباره فللعبد أن يدفع الضرر عن نفسه بالانضواء إلى حيث يمكنه المراجعة بالإِنصاف فإن أنصف وإلا تكسب بقدر ما يستطيع من الخدمة فينفق على نفسه ويدفع الفضلة إلى سيده، فإن نقص كسبه عن الإنفاق وفاه السيد للشبع، قال في الحاشية: والمراد بتوفية السيد إياه أن التخلية لا تسقط النفقة عن السيد الممتنع عن إنفاقه، بل يقترضها الحاكم ويرجع بها على السيد. وإن لم يكن العبد قادرا على التكسب ولم ينفقه سيده كلف إزالة ملكه بعتق أو بيع أو نحوهما فإن تمرد السيد عن ذلك فالحاكم يبيعه عليه وذلك لأن الحاكم منصوب لمصالح المسلمين ودفع المضار وفصل الشجار وإيصال الحقوق إلى أهلها، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: الله الله في الضعيفين النساء والعبيد. قال عليه السلام وليس للحاكم أن يعتقه لأنه تفويت منافع من دون استحقاق، وله أن يكاتبه، فإن لم يكن ثمة حاكم أعتق نفسه، وقيل له أن يبيع نفسه كذلك. وللحاكم أن يستدين له عن السيد أو ينققه من بيت المال دينا أو مواساة على ما يراه إذا كان سيده مستحقا من بيت المال. ولا يلزم السيد إذا اضطر العبد أو الأمة إلى النكاح أن يعفه بالإِنكاح إلا أن يتضرر بتركه فيجب على السيد ويصير من باب الدواء، وقيل لا يجب. ويجب سد رمق من خشى عليه التلف أو الضرر من بنى آدم وهو محترم الدم كالمسلم والذمى لا الحربى فلا يجب إذ ليس بمحترم الدم. وهل يلزم ذلك في سائر الحيوانات التي لا تؤكل ولا يجوز قتلها؟ قال عليه السلام: عموم كلام الأزهار يقتضى ذلك وهو المفهوم من كلام أصحابنا في باب التيمم، أعنى أنه يجب سد رمقها، فأما لو كانت مما تؤكل أو تُقبل لم يجب لكنه يجب تذكية ما يؤكل حيث يخشى هلاكه، وهل تجب التذكية ولو كان مالكها غائبا أو ممتنعا؟ قال عليه السلام: الأقرب أن لا يلزمه تذكيته إلا حيث معه بينة يأمن معها التضمين ولا يبعد أن يجوز، قال المؤيد بالله يجب سد رمق محترم الدم اللقيط وغيره ولو بنية الرجوع عليه أو على مالكه أو مواساة، وقال أبو طالب: لا يصح الرجوع عليه، وهذا الخلاف إذا لم يسلمها بشرط الضمان وإلا لزم، فإن سكت فالخلاف، ويلزم على قول أبى طالب أن لا يلزم. فإن بذل المالك تسليم ماله للمضطر على عوض فله ذلك إلى قدر قيمته، فإن امتنع المضطر لم يلزم المالك بذله بلا عوض إذا كان المضطر قد ضعف جدا بحيث لا يتمكن من بذل العوض لزم المالك إطعامه بنية الرجوع عليه متى أمكنه. وذو البهيمة يجب عليه أن يعلف بهيمته علفا مشبعا أو يبيع تلك البهيمة أو يسيب في موضع مرتع، قال الإِمام يحيى: هذا إذا كانت ترتعى ما يكفيها بأن يكون هذا المرتع خصيبا فأما التسييب في المدن فإنه لا يكفى بل يجبر على إنفاقها، فإن كان عادتها أنها لا تأخذ ما يكفيها وجب على صاحبها تمام كفايتها. فأما لو خشى عليها السبع في المرتع قال مولانا عليه السلام: فالأقرب أنه يلزمه حفظها وإنفاقها وهى ملكه إذا سيبها غير راغب عنها، فإن رغب عنها فحتى تؤخذ، أي لا تخرج عن ملكه حتى تؤخذ فمتى أخذها الغير في الطرف الأخير ملكها

(1)

. ويجب على الشريك في العبد

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 553 وما بعدها إلى ص 555 نفس الطبعة.

ص: 153

والبهيمة حصته من الإِنفاق فإن كان الشريك غائبا أو متمردا وجب على الحاضر الإنفاق لحصته وحصة شريكه الغائب والمتمرد فمرجع على الشريك بقدر حصته إذا نوى الرجوع، وإن لم يكن غائبا بل كان حاضرا غير متمرد فلا يرجع شريكه عليه بما أنفقه لأنه متبرع إلا أن ينفق بأمر الشريك فيرجع عليه، وقال أبو حنيفة والشافعى رضى الله تعالى عنهما إذا لم يكن بإذن الإِمام والحاكم فلا رجوع. وكذلك مؤن كل عين مملوكة لغيره وهى في يده بإذن الشرع كالعارية والمستأجرة والمرهونة والوديعة إذا احتاجت إلى مؤنة من إنفاق أو حفظ أو غير ذلك كان حكم من هي في يده حكم الشريك يجب عليه القيام بذلك حيث المالك غائب أو متمرد، وكذلك حكم البئر والدار والنهر المشترك. قال في الحاشية وجاء في البحر أنه لا يجبر على إصلاح شجرة أو بناء إجماعا ويندب أمره للنهى عن إضاعة المال. وهذا كلام مستقيم في ملكه، أما المشترك فيجب على الشريك إصلاحه مع غيبة شريكه أو تمرده

(1)

.

‌مذهب الإِمامية:

‌أولا وثانيا: حكم الامتناع من نفقة الزوجة والأقارب:

جاء في الروضة البهية أن نفقة الزوجة تجب بالعقد الدائم بشرط التمكين الكامل وهو إن تخلى بينه وبين نفسها قولا وفعلا فى كل زمان ومكان يسوغ فيه الاستمتاع، فلو بذلت فى زمان دون زمان أو مكان دون مكان كذلك يصلحان للاستمتاع، فلا نفقة لها، وحيث كان مشروطا بالتمكين، فلا نفقة للصغيرة التى لم تبلغ سنا يجوز الاستمتاع بها بالجماع على أشهر القولين، لفقد الشرط وهو التمكين من الاستمتاع، وقال ابن إدريس تجب النفقة على الصغيرة لعموم وجوبها على الزوجة فتخصيصه بالكبيرة الممكنة يحتاج إلى دليل. ولو انعكس بأن كانت كبيرة ممكنة والزوج صغيرا وجبت النفقة لوجود المقتضى وانتفاء المانع لأن الصغر لا يصلح للمنع. ولا تجب للناشزة الخارجة عن طاعة الزوج ولو بالخروج من بيته بلا إذن ومنع لمس بلا عذر، ولا تجب للساكنة بعد العقد ما لم تعرض التمكين عليه بأن تقول سلمت نفسى إليك فى أى مكان شئت ونحوه

(2)

. ويجبر الحاكم الممتنع عن الإِنفاق مع وجوبه عليه وإن كان له مال يجب صرفه في الدين باعه الحاكم إن شاء وأنفق منه، وفى كيفية بيعه وجهان أحدهما: أن يبيع كل يوم جزءا بقدر الحاجة، والثانى: أن لا يفعل ذلك لأنه يشق ولكن يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له، والأقوى جواز الأمرين. ولو تعذرا فلم يوجد راغب في شراء الجزء اليسير ولا مقرض ولا بيت مال يقترض منه جاز له بيع أقل ما يمكن بيعه وإن زاد على قدر نفقة اليوم لتوقف الواجب عليه

(3)

. وتقضى نفقة الزوجة لأنها حق مالى وجب في مقابلة الاستمتاع فكانت كالعوض اللازم في المعاوضة، ولا تقضى نفقة الأقارب لأنها وجبت على طريق المواساة وسد الخلة لا التمليك، فلا تستقر في الذمة وإنما يأثم بتركها ولو قدرها

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 556، ص 557 نفس الطبعة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السيد زين الدين الجبعى العاملى جـ 2 ص 142 بتصحيح الشيخ عبد الله السبيتى.

(3)

المرجع السابق جـ 2 ص 145 نفس الطبعة.

ص: 154

الحاكم لأن التقدير لا يفيد الاستقرار، نعم لو أذن الحاكم للقريب في الاستدانة لغيبته أو مدافعته بها أو أمره الحاكم بالإِنفاق قضى لأنها تصير دينا في الذمة بذلك

(1)

. ثالثا: حكم الامتناع من نفقة المملوك: جاء في الروضة البهية أنه تجب النفقة على الرقيق ذكرا وأنثى وإن كان أعمى وزمنا والبهيمة بالعلف والسقى حيث تفتقر إليهما والمكان من مراح واصطبل يليق بحالها وإن كانت غير منتفع بها أو مشرفة على الحلف، ومنها دود القز فيأثم بالتقصير في إيصاله قدر كفايته ووضعه في مكان يقصر عن صلاحيته له بحسب الزمان، ومثله ما تحتاج إليه البهيمة مطلقا من الآلات حيث يستعملها أو الحل لدفع البرد وغيره حيث يحتاج إليه، ولو كان للرقيق كسب جاز للمولى أن يكله إليه، فإن كفاه الكسب بجميع ما يحتاج إليه من النفقة اقتصر عليه، وإلا يكفيه أتم له قدر كفايته وجوبا ويرجع في جنس ذلك إلى عادة مماليك أمثال السيد من أهل بلده بحسب شرفه وضعته واعتباره ويساره، ولا يكفى ساتر العورة في اللباس ببلادنا، وإن اكتفى به في بلاد الرقيق، ولا فرق بين كون نفقة السيد على نفسه دون الغالب في نفقة الرقيق عادة تقتيرًا أو بخلا أو رياضة وفوقه فليس للمولى الاقتصار بنفقة المملوك على نفسه بأن يفعل به ما يفعله بنفسه وهو ما دون الغالب تقتيرا أو بخلا أو رياضة بل الواجب الكفاية، ولا عبرة في الكمية بالغالب بل تجب الكفاية لو كان الغالب أقل منها، كما لا يجب الزائد لو كان فوقها وإنما تعتبر فيه الكيفية، ويجبر السيد على الإِنفاق أو البيع مع إمكانهما، وإلا أجبر على الممكن منهما خاصة، وفى حكم البيع الإِجارة مع شرط النفقة على المستأجر والعتق، فإن لم يفعل باعه الحاكم أو أجره، وهل يبيعه شيئا فشيئا أو يستدين عليه إلى أن يجتمع شئ فيبيع ما يفى به الوجهان - ولا فرق في الرقيق بين القن وأصله الذي ملك هو وأبوه، والمدبر وأم الولد لاشتراك الجميع في المملوكية وإن تشبث الأخيران بالحرية، أما المكاتب فنفقته في كسبه وإن كان مشروطا أو لم يؤد شيئا، وكذا يجبر المالك على الإِنفاق على البهيمة المملوكة إلا أن يجتزئ بالرعى، وترد الماء بنفسها فيجتزئ به فيسقطان عنه ما دام ذلك ممكنا، فإن امتنع أجبر على الإِنفاق عليهما أو البيع أو الذبح إن كانت البهيمة مقصورة بالذبح، وإلا أجبر على البيع أو الإِنفاق صونا لها عن التلف، فإن لم يفعل ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال. وإنما يتخير مع إمكان الافراد، وإلا تعين الممكن منهما، أما المملوك الذي لا روح فيه فقد اختلف في وجوب عمله، ففى التحرير قرب الوجوب من حيث أنه تضييع للمال فلا يقر عليه، وفى القواعد قطع بعدمه لأنه تنمية للمال فلا يجب كما لا يجب تملكه، ويشكل بأن ترك المملك لا يقتضى الإضاعة بخلاف التنمية التي يوجب تركها فواته رأسا، أما عمارة العقار فلا يجب، لكن يكره تركه إذا أدى إلى الخراب

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أن الحاكم يجبر الزوج على نفقة زوجته نفقة يوم وليلة، وقيل يوم أو ليلة لا على أكثر من ذلك دفعة، بضرب حتى

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 141 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 145، 146 نفس الطبعة.

ص: 155

ينفق أو يطلق طلاقا بائنا، وإن طلق رجعيا لم يضربه بل يأمره، وفى الديوان إن ذلك الطلاق بائن أي ولو لم يذكر الزوج أنه بائن، وهكذا كل طلاق كان على تضييق من نحو الحاكم لنحو نفقة كما ذكرته في كتاب النفقات وإنما يضرب حتى ينفق أو يطلق إن كان له مال أو قدر على الكسب، ويقال له أنفق وإن طلقت استرحت، وقيل يقال له أنفق أو طلق. وكذا يجبر على نفقة الأولياء والعبيد بضرب ويجبر في الحيوان بحبس ولو كان ذلك الحيوان لا نفع فيه له لأن له أن يذبحه وأن يتركه لمن شاء أن يأخذه، ولكن لا يتركه بحيث يضر أموال الناس ولا يعد ذلك تضييعا ودخل في ذلك الهر والدجاج ونحوهما. وكذا يجبر في كسوة لمن تلزم له بحبس مطلقا ولو شتاء، وقيل يجبر في الصيف بحبس وفى الشتاء بضرب وأيام البرد من الخريف والربيع كالشتاء وأيام الحر منهما كالصيف، بلا عدد تنازع فيه حبس وضرب في الكل من حبس وضرب، ويؤجلون له أجلا يهيئ فيه مسكنا وما تحتاج إليه مما يحتمل التأخير بخلاف الأكل والشرب والكسوة مما لا يحتمل التأخير، وإنما يجبرونه على لباس الشتاء فقط أو على لباس الصيف فقط

(1)

.

‌حكم الامتناع عن إرضاع الطفل أو حضانته

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن الأم لا تجبر على إرضاع ولدها إلا أن لا يوجد من ترضعه فتجبر عليه، وهذا قول عامة العلماء رضى الله تعالى عنهم، وقال مالك رضى الله تعالى عنه إن كانت شريفة لم تجبر وإن كانت دنية تجبر والصحيح قول العامة لقول الله عز وجل:"لا تضار والدة بولدها"

(2)

قيل في بعض وجوه التأويل: أي لا تضار بإلزام الإِرضاع مع كراهتها، وقوله عز وجل في المطلقات:"فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن"

(3)

جعل تعالى أجر الرضاع على الأب لا على الأم مع وجودها، فدل أن الرضاع ليس على الأم، وقول الله عز وجل:"المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"

(4)

أي رزق الوالدات المرضعات فإن أريد به المطلقات ففيه أنه لا إرضاع على الأم حيث أوجب بدل الإِرضاع على الأب مع وجود الأم وإن أريد به المنكوحات كان المراد منه إيجاب زيادة النفقة على الأب للأم المرضعة لأجل الولد وإلا فالنفقة تستحقها المنكوحة من غير ولد، ولأن الإِرضاع انفاق على الولد ونفقة الولد يختص بها الوالد لا يشاركه فيها الأم كنفقته بعد الاستغناء فكما لا تجب علمها نفقته بعد الاستغناء

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف اطفيش جـ 3 ص 301، ص 302 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

(4)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

ص: 156

لا تجب عليها قبله وهى إرضاعه وهذا في الحكم، وأما في الفتوى فتفتى بأنها ترضعه لقول الله عز وجل:"لا تضار والدة بولدها" قيل في بعض تأويلات الآية أي لا تضار بولدها بأن ترميه على الزوج بعد ما عرفها وألفها، ولا ترضعه فيتضرر الولد، ومتى تضرر الولد تضرر الوالد لأنه يتألم قلبه بذلك، وقد قال الله عز وجل:"ولا مولود له بولده" أي لا يضار المولود له بسبب الإِضرار بولده، كذا قيل في بعض وجوه التأويل، ولأن النكاح عقد سكن وازدواج، وذلك لا يحصل إلا باجتماعهما على مصالح النكاح، ومنها إرضاع الولد فيفتى به ولكنها إن أبت لا تجبر عليه لما قلنا إلا إذا كان لا يوجد من يرضعه، فحينئذ تجبر على إرضاعه إذ لو لم تجبر عليه لهلك الولد، ولو التمس الأب لولده مرضعا فأرادت الأم أن ترضعه بنفسها فهى أولى لأنها أشفق عليه ولأن انتزاع الولد منها اضرارا بها وهو منهى عنه لقول الله عز وجل:"لا تضار والدة بولدها" قبل في بعض الأقاويل أي لا يضارها زوجها بانتزاع الولد منها وهى تريد إمساكه وإرضاعه فإن أرادت أن تأخذ على ذلك أجرا في صلب النكاح لم يجز لها ذلك لأن الإرضاع وإن لم يكن مستحقا عليها في الحكم فهو مستحق في الفتوى ولا يجوز أخذ الأجر على أمر مستحق لأنه يكون رشوة ولأنها قد استحقت نفقة النكاح، وأجرة الرضاع بمنزلة النفقة فلا تستحق نفقتين، ولأن أجر الرضاع يجب لحفظ الصبى وغسله وهو من نظافة البيت ومنفعة البيت تحصل للزوجين، فلا يجوز لها أن لأخذ عوضا عن منفعة تحصل لها حتى لو استأجرها على إرضاع ولده من غيرها جاز لأن ذلك غير واجب عليها فلا يكون أخذ الأجرة على فعل واجب عليها وكذا ليس في حفظه منفعة تعود إليها لأنه لا يجب عليها أن تسكنه معها وكذلك إذا كانت معتدة من طلاق رجعى لا يحل لها أن تأخذ الأجرة كما لا يجوز في صلب النكاح لأن النكاح بعد الطلاق الرجعى قائم من كل وجه، وأما المبتوتة ففيها روايتان في رواية لا يجوز لها أن تأخذ الأجر لأنها مستحقة للنفقة والسكنى في حال قيام العدة فلا يحل لها الأجرة كما لا يحل للزوجه، وفى رواية يجوز لأن النكاح قد زال بالإبانة فصارت كالأجنبية. وأما إذا انقضت عدتها فالتمست أجرة الرضاع وقال الأب أنا أجد من يرضعه بغير أجر أو بأقل من ذلك فذلك له لقول الله عز وجل "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"

(1)

ولأن في إلزام الأب بما تلتمسه الأم إضرارا بالأب وقد قال الله سبحانه وتعالى: "لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده" أي لا يضار الأب بالتزام الزياده على ما تلتمسه الأجنبية، كذا ذكر في بعض التأويلات، ولكن ترضعه عند الأم ولا يفرق بينهما لما فيه من إلحاق الضرر بالأم

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإِكليل نقلا عن ابن زرب إنه إذا كان لأحد الزوجين ابن صغير لم يكن له حاضن أجبر من أبى منهما على البقاء معه، فإن أراد إخراجه بعد ذلك لم يكن ذلك لواحد منهما لدخوله عليه فإن اشترطت حضانته في الصداق

(1)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

(2)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 4 ص 40، ص 41 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

ص: 157

قلت وطاع الزوج بحضانة ابن الزوجة أو تطوعت الزوجة بحضانة ابن الزوج فإن التزم الزوج مع ذلك إجراء النفقة قلت وبإجراء النفقة بطول الزوجية إلى سقوط ذلك شرعا وذلك لازم للزوج وإن مات الابن سقط الطوع وإن كان لمدة معلومة وبقى من المدة شئ لأنها هبة لم تقبض وإن كان الطوع لمدة الزوجية فإنما يلزم الزوج الإِنفاق على الربيب ما دام صغيرا لا يقدر على الكسب. قال ابن عرفة نقلا عن ابن زرب: من تزوج امرأة وله ولد صغير من غيرها فأراد إمساكه بعد البناء وأبت ذلك نظر فإن كان له من يدفعه إليه من أهله يحضنه له ويكفله أجبر على إخراجه وإلا أجبرت على بقائه ولو بنى بها والصبى معها ثم أرادت إخراجه لم يكن لها ذلك، وكذلك الزوجة إن كان لها ذلك، وكذلك الزوجة إن كان لها ولد صغير مع الزوج حرف بحرف

(1)

. وذكر صاحب التاج والإكليل نقلا عن المدونة: أن مالكا رضى الله تعالى عنه قال: تجبر ذات الزوج على رضاع ولدها بلا أجر إلا أن تكون ممن لا ترضع لشرفها فذلك على الزوج، قال والرضاع عليها إن كانت طلقت فيه طلاقًا رجعيا إذا كانت ممن يرضع مثلها ما لم تنقض العدة، فإذا انقضت العدة أو كان الطلاق بائنا وإن لم تنقض العدة فعلى الأب أجر الرضاع، قال اللخمى رحمه الله تعالى: لذات الشرف رضاع ولدها بأجر. قال مالك رضى الله تعالى عنه: وإن مات الأب وللصبى مال فللأم أن لا ترضعه، ويستأجر له ما يرضعه من ماله إلا أن لا يقبل غيرها إرضاعه فتجبر على أن ترضعه بأجر من ماله. قال مالك وإن لم يكن للصبى مال لزمها رضاعه يريد وإن كان غيرها يقبل، بخلاف النفقة فإنه لا يقضى بها عليها، قال في غير المدونة: وكذلك إذا لم يكن لليتيم مال ولا لأمه فإن عليها إرضاعه بخلاف النفقة. قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: عليها رضاع ولدها منه ما لم يكن مثلها لا يرضع لشرفها أو لمرضها أو لقطع لبنها. وإن قالت بعد ما طلقها البتة: لا أرضعه إلا بمائة ووجد الزوج من يرضعه بخمسين. قال مالك رضى الله تعالى عنه: الأم أحق به بما يرضع به غيرها، يريد بأجر مثلها لا بخمسين، قاله بعض القرويين، وقال ابن يونس رحمه الله تعالى: وهو الصواب

(2)

. قال ابن القاسم رحمه الله تعالى سمعت مالكا رضى الله تعالى عنه قال في امرأة طلقها زوجها وله منها ولد فردته عليه استثقالا له ثم طلبته لم يكن ذلك لها، قال ابن رشد رحمه الله تعالى: وهذا كما قال إنها إذا ردته إليه استثقالا له فليس لها أن تأخذه لأنها قد أسقطت حقها في حضانته إلا على القول بأن الحضانة من حق المحضون وهو قول ابن الماجشون رحمه الله تعالى، ولو كان إنما ردته إليه من عذر مرض أو انقطاع لبنها لكان لها أن تأخذه إذا صحت أو عاد إليها اللبن علي ما وقع لمالك في سماع أشهب، ولو تركته بعد أن زال العذر حتى طال الأمد السنة وشبهها لم يكن لها أن تأخذه، واختلف إن مات هل لها أن تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعده؟ قال في آخر رسم من سماع

(1)

التاج والإكليل لمختصر سيدى خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق جـ 4 ص 186 في كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعربى الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 213، ص 214 نفس الطبعة.

ص: 158

أشهب: ليس لها أن تأخذه لأنه رأى تركها إياه عند أبيه إسقاطا منها لحقها في حضانته، وقد قيل إن لها أن تأخذه إذا مات لأن تركها له عند أبيه إنما يحمل منها على إسقاط حضانتها للأب خاصة. وقال ابن نافع رحمه الله تعالى: لها أن تأخذ، وروى مثله لابن القاسم في المدونة أن لها أن تأخذه إلا أن يكون عرض عليها فأبت من أخذه، وهذا على الاختلاف في السكوت هل هو كالإِقرار والإِذن أم لا؟ وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم رضى الله تعالى عنه

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في مغنى المحتاج أن على الأم إرضاع ولدها اللبأ

(2)

لأن الولد لا يعيش بدونه غالبا، وغيرها لا يغنى كما قاله في الكافى، والمراد كما قاله الرافعى رضى الله تعالى عنه أنه لا يعيش بدونه غالبا، أو أنه لا يقوى وتشتد بنيته إلا به، قال وإلا فإننا نشاهد من يعيش بلا لبأ. ولها أن تأخذ الأجرة عليه إن كان لمثله أجرة، ولا يلزمها التبرع بإرضاعه كما لا يلزم بدل الطعام للمضطر إلا بالبدل. ثم بعد إرضاع اللبأ لم يوجد إلا الأم أو أجنبية وجب على الموجود منهما إرضاعه إبقاء للولد، ولهما طلب الأجرة من ماله إن كان، وإلا فممن تلزمه نفقته. وإن وجدت الأم والأجنبية لم تجبر الأم وإن كانت في نكاح أبيه على إرضاعه لقول الله عز وجل:"وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"

(3)

وإذا امتنعت حصل التعاسر، فإن رغبت في إرضاعه وهى منكوحة أبى الرضيع فله منعها مع الكراهة من إرضاعه في الأصح لأنه يستحق الاستمتاع بها في الأوقات المصروفة إلى الرضاع، وهذا أقوى الوجهين في الشرحين، قلت الأصح ليس له منعها مع وجود غيرها، وصححه الأكثرون لأن فيه إضرارا بالولد لأنه عليه أشفق ولبنها له أصلح، ولا تزاد نفقتها للإرضاع، وإن احتاجت فيه إلى زيادة الغذاء لأن قدر النفقة لا يختلف بحال المرأة وحاجتها. ومثل المنكوحة البائن، فإن تبرعت لم ينزع الولد منها وإن طلبت أجرة فهى كالتى في نكاحه إذا توافقا وطلبت الأجرة. أما إذا كانت منكوحة غير أبى الرضيع فإن له منعها إلا أن تكون مستأجرة للإرضاع قبل نكاحه فليس له منعها كما قاله ابن الرفعة رضى الله تعالى عنه، وهذا كله كما قال الأذرعى في الزوجة والولد الحرين، أما لو كان رقيقا والأم حرة فله منعها كما لو كان الولد من غيره، ولو كانت رقيقة والولد حر أو رقيق قال فقد يقال من وافقه السيد منهما فهو المجاب ويحتمل غيره، والأول أوجه. فإن اتفقا على أن الأم ترضعه وطلبت أجرة مثل له أجيبت لقوله تعالى:"فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن"

(4)

. وكانت أحق به لما مر فاستئجار الزوج لها لذلك جائز، وقال العراقيون لا يجوز لأنه يستحق الاستمتاع بها في تلك الحالة فلا يجوز أن يعقد عليها عقدا آخر يمنع استيفاء الحق، وأجاب الأول بأن

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب جـ 4 ص 218، ص 219 في كتاب على هامشه التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق الطبعة السابقة.

(2)

اللبأ بهمز وقصر اللبن النازل أول الولادة.

(3)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

(4)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

ص: 159

الاستئجار منه رضى بترك الاستمتاع. وإذا أرضعت بالأجرة فإن كان الإِرضاع لا يمنع من الاستمتاع ولا ينقصه فلها مع الأجرة النفقة وإلا فلا. فإن طلبت الأم فوق أجرة المثل فلا تلزمه الإجابة لتضرره له وله استرضاع أجنبية، وكذا إن تبرعت أجنبية بإرضاعه أو رضيت بأقل من أجرة المثل ولو بشئ يسير لا يلزمه إجابة الأم إلى أجرة المثل في الأظهر لأن في تكليفه الأجرة مع المتبرعة أو الزيادة على ما رضيت إضرارا، وقد قال الله عز وجل:"وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم" والسؤال الثاني المقابل للأظهر: تجاب الأم لوفور شفقتها. هذا إذا استمرأ الولد لبن الأجنبية إما إذا لم يستمرئ لبنها فإنه يجب عليه إجابة الأم إلى إرضاعه بأجرة المثل قطعا كما قال بعض المتأخرين لما في العدول عنها من الإِضرار بالرضيع

(1)

. ويجوز للسيد إجبار أمته على إرضاع ولدها منه أو من غيره لأن لبنها ومنافعها له بخلاف الزوجة فإن الزوج لا يملك ذلك منها. ولو أراد تسليم ولدها منه إلى غيرها وأرادت إرضاعه لم يجز له منعها لما فيه من التفريق بينهما، لكن له ضمه في وقت الاستمتاع إلى غيرها إلى الفراغ، أما إذا كان الولد حرا من غيره أو مملوكا لغيره فله منعها من إرضاعه ويسترضعها غيره لأن إرضاعه على والده أو مالكه كما نقله ابن الرفعة وغيره عن الماوردى رضى الله تعالى عنهم وأقروه. وكذا غير ولدها يجبرها على إرضاعه أيضا إن فضل لبنها عن رى ولدها إما لاجتزائه بغيره وإما لقلة شربه، وإما لغزارة لبنها، فإن لم يفضل فلا إجبار لقول الله تعالى:"لا تضار والدة بولدها"

(2)

ولأن طعامه اللبن فلا يجوز أن ينقص من كفايته كالقوت. ويجبرها أيضا على فطمه قبل مضى حولين إن لم يضر الولد الفطم بأن اكتفى بغير لبنها ولم يضرها أيضا، ويجبرها على إرضاعه بعد الحولين إن لم يضرها ولم يضره أيضا، فليس لها استقلال برضاع ولا فطم لأنه لا حق لها في التربية بخلاف الحرة. وللحرة حق التربية وحينئذ فليس لأحد الأبوين الحرين فطم الولد قبل مضى حولين إلا برضا الآخر لأن مدة الرضاع لم تتم. ولهما فطمه قبل حولين إن لم يضره الفطم لاتفاقهما وعدم الضرر بالطفل، فإن ضره الفطم فلا، ويجوز لأحدهما فطمه إن اجتزأ بالطعام بعد حولين من غير رضا الآخر لأنها مدة الرضاع التام، فإن كان ضعيف الخلقة لا يجتزئ بغير الرضاع لم يجز فطامه، وعلى الأب بذل الأجرة حتى يبلغ حدا يجتزئ فيه بالطعام، وإذا امتنعت الأم من إرضاعه أجبرها الحاكم عليه إن لم يجد غيرها كما قاله المتولى وغيره

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء في المغنى أن رضاع الولد على الأب وحده، وليس له إجبار أمه على رضاعه، دنيئة كانت أو شريفة، سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة، ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت مفارقة خلافا، فأما إن كانت مع الزوج

(1)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 3 ص 413، ص 414 في كتاب على هامشه متن المنهاج للإمام أبى زكريا يحيى بن شرف النووى.

(2)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(3)

مغنى المحتاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 3 ص 424 الطبعة السابقة.

ص: 160

فكذلك عندنا وبه يقول الثورى والشافعى وأصحاب الرأى رضى الله تعالى عنهم، وقال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح رضى الله تعالى عنهما: له إجبارها على رضاعه، وهو قول أبى ثور ورواية عن مالك لقول الله عز وجل:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"

(1)

، والمشهور عن مالك أنها إن كانت شريفة لم تجر عادة مثلها بالرضاع لولدها لم تجبر عليه، وإن كانت ممن ترضع في العادة أجبرت عليه. ويدل لنا قول الله عز وجل:"وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"

(2)

، وإذا اختلفا فقد تعاسرا، ولأن الإِجبار على الرضاع لا يخلو إما أن يكون لحق الولد أو لحق الزوج أو لهما؛ لا يجوز أن يكون لحق الزوج فإنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمته فيما يختص به، ولا يجوز أن يكون لحق الولد فإن ذلك لو كان له للزمها بعد الفرقة، ولأنه ما يلزم الوالد لولده، فلزم الأب على الخصوص كالنفقة أو كما بعد الفرقة، ولا يجوز أن يكون لهما لأن ما لا مناسبة فيه لا يثبت الحكم بانضمام بعضه إلى بعض، ولأنه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة، والآية محمولة على حال الإِنفاق وعدم التعاسر وإذا طلبت الأم إرضاع الولد بأجر مثلها فهى أحق به، سواء كانت في حال الزوجية أو بعدها، وسواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد، وقال أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم: إن كانت في حبال الزوج فلزوجها منعها من إرضاعه لأنه يفوت حق الاستمتاع بها في بعض الأحيان، وإن استأجرها على رضاعه لم يجز لأن المنافع حق له فلا يجوز أن يستأجر منها ما هو أو بعضه حق له، وإن أرضعت الولد فهل لها أجر المثل؟ على وجهين، وإن كانت مطلقة وطلبت أجر المثل فأراد انتزاعه منها ليسلمه إلى من ترضعه بأجر المثل أو أكثر لم يكن له ذلك وإن وجد متبرعة أو من ترضعه بدون أجر المثل فله انتزاعه منها في ظاهر المذهب لأنه لا يلزمه التزام المؤنة مع دفع حاجة الولد بدونها، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: إن طلبت الأجر لم يلزم الأب بذلها لها ولا يسقط حقها من الحضانة، وتأتى المرضعة ترضعه عندها لأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز الإخلال بأحدهما. ويدل لنا على جواز الاستئجار أنه عقد إجارة يجوز من غير الزوج إذ أذن فيه فجاز مع الزوج كإجارة نفسها للخياطة أو الخدمة، وقولهم إن المنافع مملوكة له غير صحيح فإنه لو ملك منفعة الحضانة لملك إجبارها عليها ولم تجز إجارة نفسها لغيره بإذنه، ولكانت الأجرة له، وإنما امتنعت إجارة نفسها لأجنبى بغير إذنه لما فيها من تفويت الاستمتاع في بعض الأوقات ولما جاز بإذنه، وإذا استأجرها فقد أذن لها في إجارة نفسها فصح كما يصح من الأجنبى، وأما الدليل على وجوب تقديم الأم إذا طلبت أجر مثلها على المتبرعة فقول الله عز وجل:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"

(3)

، وقوله سبحانه:"فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن"

(4)

ولأن الأم أحنى وأشفق ولبنها أمرأ من لبن غيرها فكانت أحق به من غيرها، كما

(1)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(2)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

(3)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(4)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

ص: 161

لو طلبت الأجنبية رضاعة بأجر مثلها، ولأن في رضاع غيرها تفويتا لحق الأم من الحضانة وإضرارا بالولد ولا يجوز تفويت حق الحضانة الواجب والإضرار بالولد لغرض إسقاط حق الله تعالى على الأب، وقول أبى حنيفة يفضى إلى تفويت حق الولد من لبن أمه، وتفويت حق الأم في إرضاعه لبنها، فلم يجز ذلك كما لو تبرعت برضاعه، فأما إن طلبت الأم أكثر من أجر مثلها ووجد الأب من ترضعه بأجر مثلها أو متبرعة جاز انتزاعه منها لأنها أسقطت حقها باشتطاطها وطلبها ما ليس لها، فدخلت في عموم قولة تعالى:"وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"، وإن لم يجد مرضعة إلا بمثل تلك الأجرة فالأم أحق لأنهما تساوتا في الأجر فكانت الأم أحق، كما لو طلبت كل واحدة منهما أجر مثلها

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن الواجب على كل والدة حرة كانت أو أمة في عصمة زوج أو في ملك سيد أو كانت خلوا منهما لحق ولدها تولد من مائه أو لم يلحق .. الواجب عليها أن ترضع ولدها أحبت أم كرهت ولو أنها بنت الخليفة، وتجبر على ذلك إلا أن تكون مطلقة، فإن كانت مطلقة لم تجبر على إرضاع ولدها من الذي طلقها إلا أن تشاء هي ذلك فلها ذلك أحب أبوه أم كره، أحب الذي تزوجها بعده أم كره، فإن تعاسرت هي وأبو الرضيع أمر الوالد بأن يسترضع لولده امرأة أخرى ولا بد إلا أن لا يقبل الولد غير ثديها فتجبر حينئذ أحبت أم كرهت، أحب زوجها إن كان لها زوج أم كره، فإن مات أبو الرضيع أو أفلس أو غاب بحيث لا يقدر عليه أجبرت الأم على إرضاعه إلا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضُر به فإنه يسترضع له غيرها، ويتبع الأب بذلك إن كان حيا وله مال. فإن لم تكن مطلقة لكن في عصمته أو منفسخة النكاح منه أو من عقد فاسد بجهل فاتفق أبوه وهى على استرضاعه وقبل غير ثديها فذلك جائز، فإن أراد أبوه ذلك فأبت هي إلا إرضاعه فلها ذلك، فإذا أرادت هي أن تسترضع له غيرها وأبى الوالد لم يكن لها ذلك وأجبرت على إرضاعه سواء قبل غير ثديها أو لم يقبل غير ثديها إلا أن لا يكون لها لبن، أو كان لبنها يضر به فعلى الوالد حينئذ أن يسترضع لولده غيرها، فإن لم يقبل في كل ذلك إلا ثدى أمه أجبرت على إرضاعه إن كان لها لبن لا يضر به، فإن كان لا أب له إما بفساد الوطء بزنا أو إكراه أو لعان أو بحيث لا يلحق بالذي تولد من مائه وإما بموت أبيه فالأم تجبر على إرضاعه إلا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضر به. أما إجبار الأم على إرضاع ولدها دون تفريق في ذلك بينا شريفة ووضيعة فلقول الله عز وجل:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"

(2)

. وهذا عموم لا يحل لأحد أن يخص منه شيئا إلا ما خصه نص ثابت، وأما استثناء المطلقة من الإِجبار على إرضاع ولدها من الذي طلقها فلقول الله عز وجل في سورة

(1)

المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدس على مختصر أبى القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 7 ص 627 وما بعدها إلى ص 629 بتعليق السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثالثة الله طبع دار المنار بمصر سنة 1367 هـ.

(2)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

ص: 162

الطلاق بعد ذكر المعتدات: "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"

(1)

فلم يخص سبحانه وتعالى ذات زوج من غيرها، ولا جعل في ذلك خيارا للأب ولا للزوج، بك جعل الإِرضاع إلى الأمهات. وأما إجبار الأم على إرضاع ولدها إذا لم يقبل غير ثديها فلقول الله عز وجل:"قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم"

(2)

وقوله سبحانه وتعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان"

(3)

، وقوله عز وجل:"لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك"

(4)

. وهذه هي المضارة حقا، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من لا يرحم الناس لا يرحمه الله"

(5)

. فإن كان الولد لا يلحق نسبه بالذي تولد من مائه أو كان أبوه ميتا أو غائبا حيث لا يقدر عليه ولا وارث للرضيع فالرضاعة على الأم ولا شئ لها على أحد من أجل الرضاعة لقول الله عز وجل: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"

(6)

وليس هاهنا مولود له ولا وارث فهو عليها فقط. وإن كانت في غير عصمته فإن كانت أم ولد فأعتقها أو منفسخة النكاح بعد صحته بغير طلاق لكن بما يفسخ به النكاح بعد صحته، أو كانت موطوءة بعقد فاسد بجهل يلحق فيه الولد بوالده، أو طلقها طلاقا رجعيا وهو رضيع فلها في كل ذلك على والده النفقة والكسوة بالمعروف فقط وهو للمطلقة مدة عدتها، فإن كان فقيرا كلفت إرضاع الولد ولا شئ لها على الأب الفقير، فإن غاب وله مال اتبع بالنفقة والكسوة متى قدر عليه أو على مال له، وكذلك إن امتنع وله مال لقول الله عز وجل:"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"

(7)

وإذا أوجب الله تعالى ذلك لها فهو دين عليه إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فلقول الله عز وجل:"لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها"

(8)

، وإذا لم يكلف شيئا فلا يجوز أن يتبع إن أيسر بما لم يكلفه قط لكن إن أيسر والرضاع متماد كلف من حين يوسر. فإن رضيت هي بأجرة مثلها فإن الأب يجبر على ذلك أحب أم كره، ولا يلتفت إلى قوله أنا أجد من يرضعه بأقل أو بلا أجرة لقول الله عز وجل "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى

(9)

"فأوجب الله تعالى لهن الأجرة إلا مع التعاسر والتعاسر في لغة العرب التي نزل بها القرآن فعل من فاعلين، فإذا قنعت هي بأجرتها التي أوجبها الله تعالى لها بالمعروف فلم تعاسره وإذا لم تعاسره فهى على حقها في الأجرة المؤتمرة بالمعروف. فإن لم ترض إلا بأكثر من أجرة مثلها وأبى الأب إلا أجرة مثلها فهذا هو التعاسر وللأب حينئذ أن يسترضع لولده غيرها بأجرة مثلها أو بأقل أو بلا أجرة إن وجد. فإن لم يقبل الولد غير ثديها أو لم يجد الأب إلا من لبنها مضر بالرضيع أو من تضيعه أو كان الأب

(1)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

(2)

الآية رقم 44 من سورة الأنعام.

(3)

الآية رقم 2 من سورة المائدة.

(4)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(5)

روي من طرق شتى منها طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبى حازم عن جرير بن عبد الله البجلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(6)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(7)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(8)

الآية رقم 7 من سورة الطلاق.

(9)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

ص: 163

لا مال له أجبرت الأم حينئذ على إرضاعه، وتجبر هي والوالد حينئذ على أجرة مثلها إن كان له مال وإلا فلا شئ عليه لما ذكرنا من قول الله عز وجل:"وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا"

(1)

، ولما ذكرنا من قوله تعالى:"لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولد"

(2)

ولما ذكرنا من وجوب الرحمة. فإن كانت الأم مملوكة وولدها عبد لسيدها أو لغيره فرضاعه على الأم بخلاف نفقته وكسوته بعد الفطام لقول الله عز وجل: "لا تضار والدة بولدها"، وقوله تعالى "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، فإن كانت مملوكة وولدها حر فإن كان له أب أو وارث فالنفقة لها والكسوة والأجرة على الأب أو على الوارث، فإن لم يكن له وارث فرضاعه على أمه وإن ماتت أو مرضت أو أضر به لبنها أو كانت لا لبن لها ولا مال لها فإرضاعه على بيت المال فإن منع فعلى الجيران يجبرهم الحاكم على ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من ترك دينا أو ضياعا فإلى أو على"، ولقول الله عز وجل:"وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب"

(3)

، وهذا من الإحسان المفترض المأمور به

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أن على الأم أن ترضع ولدها اللبأ ثلاثة أيام أو سبعا، ولا أجرة لها على ذلك إذ لا يعيش من دونه، ولا قيمة له، ولا يلزمها ما زاد على ذلك إلا بالأجرة، ولا تجبر قال الإِمام يحيى عليه السلام: إجماعا. وعلى منفقه أجرة استرضاعه كالنفقة. والعترة على أن الأم لا تتعين للرضاع لقول الله عز وجل: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"

(5)

، قال الإِمام يحيى: وندب أن لا يمنعها الأب إذ هي أشفق، ويزيد على نفقتها أجرة حتما لقول الله عز وجل:"وعلى المولود له رزقهن" وهى قدر ما يراه الحاكم

(6)

. وللأم الامتناع إن قبل غيرها لقول الله عز وجل: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" ولها الأجرة كما ذكرنا إلا أيام اللبأ لتعينها عليها

(7)

. وتجبر الأم إن لم يقبل غيرها لقول الله عز وجل: "لا تضار والدة بولدها"، وللأب نقله إلى مثلها تربيه بدون ما طلبت لقول الله سبحانه وتعالى:"وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"، وإلا فلا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الأم أحق بحضانة ولدها"

(8)

، قال المؤيد بالله والهادى: وإن امتنعت الأم من الحضانة بطل حق أمهاتها كبقية الأولياء مع عضل الأقرب

(9)

.

(1)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

(2)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 36 من سورة النساء.

(4)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم جـ 10 ص 335 وما بعدها إلى ص 342 مسألة رقم 2017 بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.

(5)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

(6)

البحر الزخار الحامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 3 ص 377، ص 378 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1367 هـ سنة 1948 م.

(7)

المرجع السابق جـ 3 ص 386 نفس الطبعة.

(8)

المرجع السابق جـ 3 ص 378 نفس الطبعة.

(9)

المرجع السابق جـ 3 ص 388، ص 389 نفس الطبعة.

ص: 164

‌مذهب الإِمامية:

جاء في الروضة البهية أنه يجب على الأم إرضاع اللباء - بكسر اللام، وهو أول اللبن في النتاج - ولم أقف على تحديد مقدار ما يجب منه، وربما قيده بعض بثلاثة أيام، وظاهر ما نقلناه عن أهل اللغة أنه حلبة واحدة، وإنما وجب عليها ذلك لأن الولد لا يعيش بدونه، ومع ذلك لا يجب عليها التبرع به، بل بأجرة على الأب إن لم يكن للولد مال، وإلا ففى ماله جمع بين الحقين، ولا منافاة بين وجوب الفعل واستحقاق عوضه كبذل المال في المخمصة للمحتاج وبذلك يظهر ضعف ما قيل بعدم استحقاقها الأجرة عليه لوجوبه عليها لما علم من عدم جواز أخذ الأجرة على العمل الواجب، والفرق أن الممنوع من أخذ أجرته هو نفس العمل لا عين المال الذي يجب بذله، واللباء من قبيل الثاني لا الأول. نعم يجئ على هذا أنها لا تستحق أجرة على إيصاله إلى فمه لأنه عمل واجب، وربما منع من كونه لا يعيش بدونه فينقدح حينئذ عدم الوجوب. ويستحب للأم أن ترضعه طول المدة المعتبرة في الرضاع وهى حولان كاملان لمن أراد أن يتم الرضاعة. فإن أراد الاقتصار على أقل المجزئ فواحد وعشرون شهرا، ولا يجوز نقصانه عنها، ويجوز الزيادة على الحولين شهرا وشهرين خاصة، لكن لا تستحق المرضعة على الزائد أجرة، وإنما كان إرضاع الأم مستحبا لأن لبنها أوفق بمزاجه لتغذيه في الرحم دما. وهى أولى بإرضاعه ولو بالأجرة إذا قنعت بما يقنع به الغير أو أنقص أو تبرعت بطريق أولى فيهما، ولو طلبت زيادة عن غيرها جاز للأب انتزاعه منها وتسليمه إلى الغير الذي يأخذ أنقص أو يتبرع وللمولى إجبار أمته على الإِرضاع لولدها وغيره لأن منافعها مملوكة فله التصرف فيها كيف شاء، بخلاف الزوجة حرة كانت أو مملوكة لغيره، معتادة لإِرضاع أولادها أو غير معتادة لأنه لا يستحق بالزوجية منافعها وإنما استحق الاستمتاع

(1)

. وأما الحضانة فلا شبهة في كونها حقا لمن يستحقها. ولكن هل تجب عليه مع ذلك أم له إسقاط حقه منها؟ الأصل يقتضى ذلك، وهو الذي صرح به صاحب اللمعة في قواعده فقال: لو امتنعت الأم من الحضانة صار الأب أولى به، قال ولو امتنعا معا فالظاهر إجبار الأب، ونقل عن بعض الأصحاب وجوبها وهو حسن حيث يستلزم تركها تضييع الولد إلا أن حضانته حينئذ تجب كفاية كغيرة من المضطرين، وفى اختصاص الوجوب بذى الحق نظر، وليس في الأخبار ما يدل على غير ثبوت أصل الاستحقاق

(2)

.

‌حكم الامتناع من تسليم المبيع

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن من أحكام البيع ثبوت حق الحبس للمبيع لاستيفاء الثمن وهذا

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى جـ 2 ص 139، ص 140 بتصحيح الشيخ عبد الله السبيتى.

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 141 نفس الطبعة.

ص: 165

عندنا، وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه قول يسلمان معا، وفى قول يسلم المبيع أولا ثم يسلم الثمن، أما قوله الأول فبناء على أصله الذي ذكرنا وهو أن الثمن والمبيع من الأسماء المترادفة عنده ويتعين كل واحد منهما بالتعيين فكان كل ثمن مبيعا وكل مبيع ثمنا، وأما قوله الثاني وهو أن في تقديم تسليم المبيع صيانة العقد عن الانفساخ بهلاك المبيع وليس ذلك في تقديم تسليم الثمن لأنه لو هلك المبيع قبل القبض ينفسخ العقد وإن قبض الثمن فكان تقديم تسليم المبيع أولى صيانة للعقد عن الانفساخ ما أمكن. ويدل لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"الدين مقضى"، وصف صلى الله عليه وسلم الدين بكونه مقضيا عاما أو مطلق، فلو تأخر تسليم الثمن عن تسليم المبيع لم يكن هذا الدين مقضيا وهذا خلاف النص، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث لا يؤخرن، "الجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفأ، والدين إذا وجدت ما يقضيه" وتقديم تسليم المبيع تأخير الدين، وهو منفى بظاهر النص، ولأن المعاوضات مبناها على المساواة عادة وحقيقة ولا تتحقق المساواة إلا بتقديم تسليم الثمن لأن المبيع متعين قبل التسليم، والثمن لا يتعين إلا بالتسليم على أصلنا فلا بد من تسليمه أولا تحقيقا للمساواة. ثم الكلام في هذا الحكم في موضعين أحدهما بيان شرط ثبوت هذا الحكم، والثانى في بيان ما يبطل به بعد ثبوته. أما شرط ثبوته فشيئان أحدهما أن يكون أحد البدلين عينا والآخر دينا فإن كانا عينين أو دينين فلا يثبت حق الحبس بل يسلمان معا، والثانى: أن يكون الثمن حالا فإن كان مؤجلا لا يثبت حق الحبس لأن ولاية الحبس تثبت حقا للبائع لطلبه المساواة عادة لما بنينا ولما باع بثمن مؤجل نقد أسقط حق نفسه فبطلت الولاية. ولو كان الثمن مؤجلا في العقد فلم يقبض المشترى المبيع حتى حل الأجل فله أن يقبضه قبل نقد الثمن، وليس للبائع حق الحبس لأنه أسقط حق نفسه بالتأجيل، والساقط متلاش، فلا يحتمل العود، وكذا لو طرأ الأجل على العقد بأن أخر الثمن بعد العقد فلم يقبض البائع حتى حل الأجل له أن يقبضه قبل نقد الثمن، ولا يملك البائع حبسه لما قلنا، ولو باع بثمن مؤجل فلم يقبض المشترى حتى حل الأجل هل له أجل آخر في المستقبل ينظر إن ذكرا أجلا مطلقا بأن ذكرا سنة مطلقة غير معينة فله أجل آخر هو سنة أخرى من حين يقبض المبيع عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وعند أبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهما الثمن حال وليس له أجل آخر وإن ذكرا أجلا بعينه بأن باعه إلى رمضان فلم يقبضه المشترى حتى مضى رمضان صار الثمن حالا بالإِجماع، وجه قولهما أن السنة المطلقة تنصرف إلى سنة تعقب العقد بلا فصل فإذا مضت انتهى الأجل كما لو عين الأجل نصا، ولأبى حنيفة رضى الله تعالى عنه أن الأصل في الثمن شرع نظرا للمشترى لينتفع بالمبيع في الحال مع تأخير المطالبة بالثمن ولن يحصل هذا الغرض له إلا وأن يكون اعتبار الأجل من وقت قبض المبيع فكان هذا تأجيلا من هذا الوقت دلالة بخلاف ما إذا عين الأجل لأنه نص على تعينه فوجب اعتبار المنصوص عليه إذ لا دلالة مع النص بخلافها. ولو كان في البيع خيار لشرط لهما أو لأحدهما والأجل مطلق فابتداء من حين وجوب العقد وهو وقت سقوط الخيار لا من حين وجوده لأن تأجيل الثمن هو تأخيره عن وقت وجوبه، ووقت وجوبه هو وقت وجوب العقد وانبرامه لا قبله إذ لا وجوب للثمن قبله. وأما بيان ما يبطل حق الحبس بعد ثبوته وما لا يبطل فنقول وبالله التوفيق إذا أخر

ص: 166

الثمن بعد العقد بطل حق الحبس لأنه أخر حق نفسه في قبض الثمن فلا يتأخر حق المشترى في قبض المبيع، وكذا المشترى إذا نقد الثمن كله أو أبرأه البائع عن كله بطل حق الحبس لأن حق الحبس لاستيفاء الثمن واستيفاء الثمن ولا ثمن محال. ولو نقد الثمن كله إلا درهما كان له حق حبس المبيع جميعه لاستيفاء الباقى لأن المبيع في استحقاق الحبس بالثمن لا يتجزأ فكان كل المبيع محبوسا بكل جزء من أجزاء الثمن، وكذلك لو باع شيئين صفقة واحدة وسمى لكل واحد منهما ثمنا فنقد المشترى حصة أحدهما كان للبائع حبسهما حتى يقبض حق الآخر لما قلنا، ولأن قبض أحدهما دون الآخر تفريق الصفقة الواحدة في حق القبض والمشترى لا يملك تفريق الصفقة الواحدة في حق القبول بأن يقبل الإيجاب في أحدهما دون الآخر فلا يملك التفريق في حق القبض أيضا لأن للقبض شبها بالعقد، وكذلك لو أبرأه من حصة أحدهما فله حبس الكل لاستيفاء الباقى لما ذكرنا، وكذلك لو باع من اثنين فنقد أحدهما حصته كان له حق حبس المبيع حتى يقبض ما على الآخر، وروى عن أبى يوسف رضى الله تعالى عنه في النوادر أنه إذا نقد أحدهما نصف الثمن يأخذ نصف المبيع، ووجهه أن الواجب على كل واحد منهما نصف الثمن، فإذا أدى النصف فقد أدى ما وجب عليه، فلا معنى لتوقف حقه في قبض المبيع على أداء صاحبه، ولأنه لو توقف وصاحبه في الأداء قد يؤدى وقد لا يؤدى فيفوت حقه أصلا ورأسا وهذا لا يجوز، ولهذا جعل التخلية والتخلى تسليما وقبضا في الشرع. ووجه ظاهر الرواية على نحو ما ذكرنا أن المبيع في حق الاستحقاق لحبس الثمن لا يحتمل التجزئ فكان استحقاق بعضه كاستحقاق كله، وما ذكرنا أن الصفقة واحدة فلا تحتمل التفريق في البعض كما لا تحتمله في القبول، فإن غاب أحدهما لم يجبر الآخر على تسليم كل الثمن لأن الواجب على كل واحد منهما نصف الثمن لا كله فلا يؤاخذ بتسليم كله، فإن اختار الحاضر ذلك ونقد كل الثمن وقبض المبيع هل يكون متبرعا فيما تقدم أم لا؟ اختلف فيه، قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو متبرع في حصته لأنه قضى دين غيره بغير أمره فكان متبرعا كما في سائر الديون وقال أبو جنيفة ومحمد رضى الله تعالى عنهما: لا يكون متبرعا فيما نقد، وله أن يحبسه عن الشريك الغائب حتى يستوفى ما نقد عنه لأنه قضى دين صاحبه بأمره ودلالة فلا يكور متبرعا كما لو قضاه بأمره نصا ودلالة ذلك أنه لما غاب قبل نقد الثمن مع علمه أن صاحبه استحق قبض نصيبه من المبيع بتسليمه حصته من الثمن ولا يمكنه الوصول إليه إلا بتسليم كل الثمن كان إذنا له بتسليم حصته من الثمن فكان قاضيا دينه بأمره دلالة فلم يكن متطوعا وصار هذا كمن أعار ماله إنسانا ليرهنه بدينه فرهن ثم افتكه الغير من مال نفسه لا يكون متبرعا ويرجع على الراهن لأن الراهن لما علم أنه علق مال الغير بدينه ولا يزول العلوق إلا بانفكاكه فكان إذنا له بالفكاك دلالة كذا هذا، وله حق حبس العبد إلى أن يستوفى ما نقد عنه كما لو نقد بأمره نصا، ولو أدى جميع الثمن وقبض العبد ثم هلك في يده قبل الحبس يرجع على شريكه بنصف الثمن لأنه أدى عنه بأمره دلالة على ما ذكرنا. والرهن بالثمن والكفالة به لا يبطلان حق الحبس لأنهما لا يسقطان الثمن عن ذمة المشترى ولا حق المطالبة به فكانت الحاجة إلى تعيينه بالقبض قائمة فيبقى حق الحبس لاستيفائه. وأما الحوالة بالثمن فهل تبطل حق الحبس؟ قال أبو يوسف رضى الله تعالى

ص: 167

عنه: تبطل سواء كانت الحوالة من المشترى بأن أحال المشترى البائع بالثمن على إنسان وقبل المحال عليه الحوالة، أو كانت الحوالة من البائع بأن أحال البائع غريما له على المشترى وقال محمد رضى الله تعالى عنه: إن كانت الحوالة من المشترى لا تبطل وللبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفى الثمن من المحال عليه، وإن كانت من البائع فإن كانت مطلقة لا تبطل أيضا، وإن كانت مقيدة بما عليه تبطل، فأبو يوسف أراد بقاء الحبس على بقاء الدين في ذمة المشترى وذمته برئت من دين المحيل بالحوالة فيبطل حق الحبس، ومحمد اعتبر بقاء حق المطالبة لبقاء حق الحبس، وحق المطالبة لم يبطل بحوالة المشترى، ألا ترى أن له أن يطالب المحال عليه فلم يبطل حق الحبس وبطلت حوالة البائع إذا كانت مقيدة بما على المحال عليه فبطل حق الحبس، والصحيح اعتبار محمد لأن حق الحبس في الشرع يدور مع حق المطالبة بالثمن لا مع قيام الثمن في ذاته بدليل أن الثمن إذا كان مؤجلا لا يثبت حق الحبس والثمن في ذمة المشترى قائم، وإنما سقطت المطالبة، دل أن حق الحبس يتبع حق المطالبة بالثمن لا قيام الثمن في ذاته وحق المطالبة في حوالة المشترى وحوالة البائع إذا كانت مطلقة فكان حق الحبس ثابتا، وفى حوالة البائع إذا كانت مقيدة ينقطع فلم ينقطع حق الحبس وعلى هذا الخلاف إذا أحال الراهن المرتهن بدينه على رجل أو أحال المرتهن غريما له بدينه على الراهن حوالة مطلقة أو مقيدة فإنه يبطل حق المرتهن في حق حبس الرهن عند أبى يوسف، وعند محمد لا يبطل في حوالة الراهن وكذا في حوالة المرتهن إذا كانت مطلقة وإن كانت مقيدة تبطل، ولو أعار البائع المبيع للمشترى أو أودعه بطل حق الحبس حتى لا يملك استرداده في ظاهر الرواية وروى عن أبى يوسف أنه لا يبطل وللبائع أن يسترده، وجه هذه الرواية أن عقد الإعارة والإِيداع ليس بعقد لازم فكان له ولاية الاسترداد كالمرتهن إذا أعار الرهن من الراهن أو أودعه إياه له أن يسترده لما قلنا، كذا هذا ووجه ظاهر الرواية أن الإعارة والإيداع أمانة في يد المشترى وهو لا يصلح نائبا عن البائع في اليد لأنه أصل في الملك فكان أصلا في اليد، فإذا وقعت العارية أو الوديعة في يده وقعت بجهة الأصالة وهى يد الملك ويد الملك يد لازمة فلا يملك إبطالها بالاسترداد وبخلاف الرهن فإن المرتهن في اليد الثابتة بعقد الرهن بمنزلة الملك فيمكن تحقيق معنى الإنابة ويد النيابة لا تكون لازمة فملك الاسترداد، ولو قبض المشترى المبيع بإذن البائع بطل حق الحبس حتى لا يملك الاسترداد لأنه أبطل حقه بالإِذن بالقبض، ولو قبض بغير إذنه لم يبطل وله أن يسترده لأن حق الإِنسان لا يجوز إبطاله عليه من غير رضاه، ولو كان المشترى تصرف فيه نظر في ذلك إن كان تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع والهبة والرهن والإِجارة والإِمهار فسخه واسترده لأنه تعلق به حقه، وإن كان تصرفا لا يحتمل الفسخ كالإِعتاق والتدبير والاستيلاء لا يملك الاسترداد لأن الاسترداد والإعارة إلى الحبس، إما أن يكون مع نقض هذه التصرفات، وإما أن يكون مع قيامها، لا سبيل إلى الأول لأن هذه التصرفات لا تحتمل النقض ولا سبيل إلى الثاني لأنها إذا بقيت كانت الإعادة إلى الحبس حبس الجزء من كل وجه أو من وجه دون وجه، وكل ذلك لا يجوز، فبطل حق الحبس أصلا. ولو نقد المشترى الثمن فوجده البائع زيوفا أو ستوفا أو مستحقا أو وجد بعضه كذلك فهذا لا يخلو أما أن يكون المشترى قبض المبيع وإما

ص: 168

أن يكون لم يقبض، فإن كان لم يقبضه كان له حق الحبس في الفصول كلها لأنه تبين أنه ما استوفى حقه. وإن كان قبضه المشترى ينظر إن كان قبضه بغير إذن البائع فللبائع أن يسترده في الفصول كلها لما قلنا، وكذلك إن كان المشترى تصرف في المبيع فللبائع أن يفسخ تصرفه ويسترد المبيع إلا إذا كان تصرفا لا يحتمل الفسخ فلا يفسخ ويطالب المشترى بالثمن فلو نقد المشترى الثمن قبل أن يفسخ التصرف الذي يحتمل الفسخ لا يفسخ لأنه لما نقد الثمن فقد بطل حقه في الحبس فبطل حق الفسخ والاسترداد وإن كان قبضه بإذن البائع ينظر إن وجده زيوفا فردها لا يملك استرداد المبيع عند أصحابنا الثلاثة رضى الله تعالى عنهم، وعند زفر له أن يسترده وهو قول أبى يوسف - وجه قول زفر رضى الله تعالى عنه أن البائع مارضى بزوال حق الحبس إلا بوصول حقه إليه وحقه في الثمن السليم لا في المعيب فإذا وجده معيبا فلم يسلم له حقه فكان له أن يسترد المبيع حتى يستوفى حقه كالراهن إذا قضى دين المرتهن وقبض الرهن ثم إن المرتهن وجد المقبوض زيوفا كان له أن يرده ويسترد الرهن لما قلنا كذا هذا. ويدل لنا أن البائع يسلم المبيع بعد استيفاء جنس حقه فلا يملك الاسترداد بعد ما استوفى حقه دلالة ذلك أن الزيوف جنس حقه من حيث الأصل وإنما الفائت صفة الجودة بدليل أنه لو تجوز به في الصرف والسلم جاز ولو لم يكن من جنس حقه لما جاز لأنه يكون استبدالا ببدل الصرف والسلم وأنه لا يجوز وإذا كان المقبوض جنس حقه فتسلم المبيع بعد استيفاء جنس الحق يمنع من الاسترداد بخلاف الرهن لأن الارتهان استيفاء لحقه من الرهن والافتكاك إيفاء من مال آخر، فإذا وجد زيوفا تبين أن ما استوفى حقه فكان له ولاية الاسترداد، والدليل على التفرقة بين الرهن والبيع أنه لو أعار المبيع المشترى بطل حق الحبس حتى لا يملك استرداده، ولو أعار المرهون الراهن لا يبطل حتى الحبس وله أن يسترده فإن وجده ستوقا أو رصاصا أو مستحقا وأخذ منه له أن يرده بخلاف الزيوف لأن البائع إنما أذن للمشترى بالقبض على أنه أستوفى حقه وتبين أنه لم يستوف أصلا ورأسا لأن الستوق والرصاص ليسا من جنس حقه ألا ترى أنه لو تجوز بها في الصرف والسلم لا يجوز وإن كان الإِذن بالقبض على تقدير استيفاء الحق وقد تبين أنه لم يستوف فتبين أنه لم يكن آذنا له بالقبض ولا راضيا به فكان له ولاية الاسترداد ولو كان المشترى تصرف فيه فلا سبيل للبائع عليه سواء كان تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع والرهن والإِجازة ونحوها أو لا يكون كالإعتاق ونحوه بخلاف ما إذا قبضه بغير إذن البائع قبل نقد الثمن وتصرف فيه تصرفا يحتمل الفسخ أنه يفسخ ويسترد لأن هناك لم يوجد الإِذن بالقبض، فكان التصرف في المبيع إبطالا لحقه فسيرد عليه إذا كان محتملا للرد. وهاهنا وجد الإذن بالقبض فكان تصرف المشترى حاصلا عن تسليط البائع فنفذ وبطل حقه في الاسترداد كالمقبوض على وجه البيع الفاسد إذا تصرف فيه المشترى أنه يبطل حق البائع في الفسخ

(1)

ولو شرط رب السلم التسليم في بلد أو قرية فحيث سلمه إليه في ذلك الموضع فهو جائز وليس لرب السلم أن يتخير مكانا لأن المشروط هو التسليم في مكان منه مطلقا وقد وجده وإن سلم في غير المكان المشروط.

(1)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 5 ص 249 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.

ص: 169

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن رشد رضى الله تعالى عنه أن من حق البائع أن لا يدفع ما باع منه ولا يزنه له ولا يكيله له إن كان مكيلا أو موزونا حتى يقبض ثمنه. هذا متفق عليه في المذهب، ويختلف في غير هذا، قيل يجبر البائع على دفع السلعة، وكيل: يجبر المبتاع أولا على دفع الثمن، وقيل يقول الحاكم لهما من أحب منكما أن أقضى له على صاحبه فليدفع الله ثم ذكر قولين آخرين. قال ابن عرفة رضى الله تعالى عنه: إذا اختلف العاقدان في التبدئة بالدفع فقال المازرى لا أعرف فيه نصا جليا لمالك وأصحابه رضى الله تعالى عنهم، وقال ابن القصار: الذي يقوى في نفس جبر المشترى على البدء أو يقال لهما أنتما أعلم إما أن يتطوع أحدكما بالبدء أو كونا على ما أنتما عليه وأن يجبر المشترى أولا وهو قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه. وقال الحطاب: هذا في غير الصرف، أما في الصرف فلا يجبر واحد منهما، قال صاحب الطراز: المعقود عليه ثمن ومثمن فالثمن الدنانير والدراهم وما عداها مثمنات، فإذا وقع العقد في شئ من المثمنات بشئ من الأثمان فقال ابن القاسم رضى الله تعالى عنه يلزم المبتاع تسليم الثمن أولا. وقال قبله إنه إذا وقع العقد على دنانير بدنانير أو على دراهم بدراهم وقال كل واحد لا أدفع حتى أقبض لم يتعين على واحد منهما وجوب التسليم، وقيل له إن تراخى قبضكما فسخ الصرف، وإن كان بحضرة حاكم ففى الدنانير والدراهم بالدراهم يوكل القاضي من يحفظ علاقة الميزان ويأمر كل واحد أن يأخذ عين صاحبه، وفى الدراهم بالدنانير يوكل عدلا يقبض منهما ويسلم لهما فيقبض من هذا في وقت قبض هذا، وإن وقع العقد على شئ من المثمنات كعرض بعرض وتشاحا في الإِقباض فعلى ما تقدم في الذهب والورق إلا أن العقد لا ينفسخ بتراضى القبض عنه ولا بافتراقهما من مجلسه، وذكر في التوضيح عن المازرى أنه قال لا أعلم في هذه المسألة نصا لمالك ولا للمتقدمين، ثم ذكر كلام الزواوى أنه قال في المدونة ما هو نص أو كالنص على تبرئة المشترى، ففى كتاب العيوب: ومن اشترى عبدا فللبائع أن يمنعه من قبضه حتى يدفع إليه الثمن. وبحث في ذلك ابن عرفة رضى الله تعالى عنه فقال: كان يجرى لنا في البحث دفع دلالة لفظها على تبدئة المبتاع أنها تدل على عدم تبدئة البائع وعدم المقايضة والإِقراع والتسليم لعدل وذلك أعم من تبدئة المبتاع أو القول لها إما أن يتطوع أحدكما أو كونا على ما أنتما عليه. قلت: لفظها المتقدم نص في المسألة إذا ضم لقاعدة مقررة وهى أن مقتضى العقد المناجزة في الثمن والمثمن والتأخير فيهما أو في أحدهما لا يكون إلا بشرط أو عادة كما نقل ذلك في التوضيح عن المتأخرين في الكلام على بيع الثمار قبل بدو صلاحها، فإذا طلبا المناجزة أو أحدهما وقلنا إن مقتضى عقد البيع الحكم بها في الثمن والمثمون كان نصا في تبدئة المبتاع فتأمله منصفا

(1)

. وذكر صاحب التاج والإكليل نقلا عن المدونة أن المبتاع لو لم يقبض الأمة في

(1)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق، ومواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدي خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب جـ 3 ص 479 في كتاب على هامشه التاج والإكليل الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

ص: 170

البيع الصحيح حتى ماتت عند البائع أو حدث بها عنده عيب وقد قبض ثمنها أم لا فضمانها من المبتاع وإن كان البائع احتبسها بالثمن كالرهن، قال ابن رشد رضى الله تعالى عنه: المشهور من قول ابن القاسم رضى الله تعالى عنه أن السلعة المبيعة المحبوسة بالثمن رهن به تكون مصيبتها من المشترى إن قامت بينة بتلفها وإن لم تقم بينة لم يصدق البائع في ذلك ولزمه غرم قيمتها. قال ابن بشير رحمه الله تعالى: وفى معنى احتباسه بالثمن احتباسه حتى يشهد، قال: وما بيع نسيئة فليس لبائعه احتباسه بالثمن لأنه قد رضى بتسليمه دون أن يأخذ عوضا لكن يحبسه للإِشهار

(1)

. قال المقيطى بعد أن ذكر صفة وثيقة تكتب فيما إذا تعاقدا السلم على الصحة ثم امتنع المسلم من الدفع أو المسلم إليه من القبض حتى حل أجل السلم ما نصه: فإذا ظفر الطالب منهما بالفار وأثبت هذا العقد على عينه أو لم يظفر به وأثبته في مغيبه قضى السلطان عليه بإمضاء الصفقة إن كان الفار من المسلم إليه بعد الإِعذار إليه وعجزه عن الدفع وأخذه ذلك منه في حضوره للمسلف بعد حلول الأجل وفى مغيبه يقضى بذلك عليه في ماله وترجى له الحجة إلى حضوره، وإن كان المسلم إليه هو الطالب للمسلف فلا يقضى على المسلف بشئ ويفسخ السلف وإن كان المسلف هو الفار ثم جاء يصلب المسلم إليه وأبى المسلم إليه من إمضاء السلف لم يقض عليه بذلك، وإذا وقع بين المتصارفين مثل هذا أوقر أحدهما لزم الفار منهما الصرف متى ظفر به

(2)

. ولا يلزم المسلم إليه دفع المسلم فيه بغير محله ولو خف حمله إلى المسلم إذا طلبه ويريد إلا العين، وعكس هذا إذا طلب المسلم إليه أن يدفع المسلم فيه إلى المسلم وهو كذلك، وهنا في غير العين، قال ابن رشد رضى الله تعالى عنه في أواخر السلم الأول من التنبيه: وإذا لقى المسلم المسلم إليه في غير البلد الذي اشترط فيه القضاء فإن كان عينا وجب على كل واحد منهما الرضا بالأخذ إذا طلبه الآخر، فإن كان عروضا لها حمل ومؤنة لم يجبر كل واحد منهما بالقضاء إلا بالتراضى، فإن كان عروضا لا حمل لها كالجواهر مثلا فهل تكون كالعين أو كالنوع الآخر؟ فيه فولان وهما خلاف في حال، فإن كان الأمن في الطريق فلا شك في كونها كالعين أو كان غيره فلا شك في كونها كالعرض، وينبغى أيضا أن يكون كالعروض مع الخوف. ونقله عنه ابن عرفة رضى الله تعالى عنه، فلو ظفر به في غيره وكان في الحمل مؤنة لم يلزمه القضاء - على ما تقدم - وطلب المشترى من البائع أن يدفع له المسلم فيه فإن كان له حمل ومؤنة لم يلزم البائع ما طلبه به المشترى وإن لم يكن له حمل فقولان والمشهور أنه مثل الأول. وقال في التوضيح: فإن ظفر من عليه الدين بالطالب وأراد المديان التعجيل فامتنع الطالب ويحتمل عكسه فعلى الأول قال ابن بشير وغيره رحمهم الله تعالى: المسألة على ثلاثة أقسام إن كان الدين عينا وجب القبول، قال في أنواره إلا أن يتفق أن للطالب فائدة في التأخير كما لو حصل في الزمن خوف أو فيما بين البلدين، وإن كان الدين عروضا لها حمل أو طعاما فلا يجبر على قبوله، وإن لم يكن لها حمل كالجواهر فقولان، والمشهور أنها كالعرض، وقيل كالعين على ما تقدم ذكره، وهذا إذا كان من البيع، وأما القرض فيجبر على قبوله مطلقا وعلى الثاني

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 478 نفس الطبعة.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب جـ 4 ص 514 الطبعة السابقة.

ص: 171

معنى الاحتمال الثاني في كلام ابن الحاجب رحمه الله تعالى، فنص محمد وغيره على أنه ليس جبر المطلوب مطلقا، قال اللخمى: ولأشهب عن محمد ما يفهم منه أنه إذا كان سعر البلدين سواء أو هو في البلد الذي لقيه فيه أرخص أنه يجبر المسلم إليه على القضاء في البلد الذي لقيه فيه. قال الحطاب: وما نقله في الإيماء بأنه عارية الفروج، فإن تغير بنقص التوضيح مخالف لقول الشيخ رضى الله تعالى عنه في آخر فصل القرض: ولم يلزم رده إلا بشرط أو عادة كأخذه بغير محله إلا العين. ولقول ابن الجلال. ومن أقرض رجلا شيئا إلى معروفه عليه بالقرض، ووجوب قضائه بمحل أجل فليس له مطالبته به قبل الأجل ولو رده المقرض قبل أجله لزمه قبوله عرضا كان أو عينا إذا رده إليه في المكان الذي اقترضه منه فيه أورده في غير الموضع الذي أخذه فيه لم يلزم ربه قبوله. ونحوه في الإِرشاد، وعكسه في القرض أعنى إذا طلب المقرض حقه من المقرض في غير محل السلف، قال في الجلاب: ومن اقترض قرضا لم يشترط للقضاء موضعا فإنه يلزم المقرض القضاء في الموضع الذي أقرضه فيه فطالبه بالقضاء لم يلزمه ذلك ويلزمه أن يوكل من يقضيه عنه في البلد الذي ابن القاسم في رواية محمد لا يجبر، وإما اقترضه منه، ولو اصطلحا على القضاء في البلد الذي هما فيه وهو غير البلد الذي تقارضا فيه كان ذلك جائزا إذا كان بعد حلول الأجل، وإن كان قبل حلوله لم يجز. وأجاز في الجلاب هذا مطلقا وأبقاه التلمسانى والقرافى على إطلاقه وهو مقيد بغير العين، وأما العين فله أخذه حينما لقيه بعد الأجل

(1)

. قال صاحب التاج والإَكليل نقلا عن المدونة: إذا كان لك على رجل دين دنانير أو دراهم إلى أجل فعجلها لك قبل الأجل جبرت على أخذها سواء كانت من بيع أو قرض. وقال صاحب مواهب الجليل قال في المسائل الملقوطة: وإذا وعدت غريمك بتأخير الدين لزمك لأنه إسقاط لازم للحق، سواء قلت له أؤخرك أو أخرتك. وقال ابن عرفة: وللمقرض فواضح عدم القضاء بقبوله، ولو تغير بزيادة رد عين القرض ما لم يتغير وبه اتضح منعه في فالأظهر وجوب القضاء بقبوله، قبل أجله وهو عرض لانتفاء المنة عن المقرض فيهما لتقدم قبضه وهو غير عين، ويجوز بغيره تراضيا الخلاف إن حل أجله وإلا فلا، قال ابن عتاب عن المشاور: من أقرض طعاما ببلد فخرب وانجلى أهله وأيس من عمارته بعد طول فله أخذ قيمته في موضع السلف وإن رجى قرب عمارته تربص إليها وإن كان من سلم خير في الإياس بين تربصة أو أخذ ماله. قال ابن ناجي: اختلف المذهب إذا أراد المديان دفع بعض ما عليه وهو موسر هل يجبر رب إلمال علي قبضه أم لا؟ روى محمد في رواية أبى زيد أنه يجبر، وقال المعسر فيجبر اتفاقا. وعزا الجزولى القول الأول لمالك وعطف الثاني بقيل، واقتصر الشيخ يوسف بن عمر على الثاني، وفى كتاب المديان من ابن يونس نقل ابن المواز عن مالك قوله: ومن كان له علي رجل حق فجاءه ببعضه فقال لا أقبل إلا كله فأري أن يجبر علي أخذ ما جاء به قال ابن يونس رحمه الله تعالى: إن كان الغريم موسرا لم يجبر رب الحق على أخذ ما جاء به

(2)

. قال ابن القاسم رحمه الله تعالى:

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب جـ 4 ص 544، ص 545 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 548، ص 549 نفس الطبعة.

ص: 172

ومن اشترى لك سلعة بأمرك وأسلفك الثمن من عنده فليس له حبسها بالثمن لأنها عنده كالوديعة لا كالرهن إلا أن يقول أنقد عنى فيها واحبسها حتى أدفع إليك الثمن فإنها تكون بمنزلة الرهن

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في مغنى المحتاج أن من باع مال نفسه بثمن حال في الذمة بعد لزوم العقد إذا قال لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشترى لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع وترافعا إلى حاكم أجبر البائع على الابتداء بالتسليم لأن حق المشترى في العين وحق البائع في الذمة فيقدم ما يتعلق بالعين كأرش الجناية مع غيره من الديون، وفى قول يجبر المشترى على الابتداء بالتسليم لأن حقه متعين في المبيع وحق البائع غير متعين في الثمن فيؤمر بالتعيين ليتساويا في تعيين الحق. وفى قول يجبران لأن التسليم واجب عليهما فيلزم الحاكم كلا منهما بإحضار ما عليه إليه أو إلى عدل، فإذا فعل سلم الثمن للبائع والمبيع للمشترى يبدأ بأيهما شاء. فإن كان الثمن معينا سقط القولان الأولان سواء أكان الثمن نقدا أم عرضا كما صرح به في الشرح الصغير وزوائد الروضة وأجبرا في الأظهر لاستواء الجانبين لأن الثمن المعين كالمبيع في تعلق الحق بالعين، أما ذا كان نائبا عن غيره كالوكيل وناظر الوقف والحاكم في بيع أموال المفلس وعامل القراض فإنه لا يجبر على التسليم بل لا يجوز له ذلك حتى يقبض الثمن فلا يأتى إلا إجبارهما أو إجبار المشترى، ولا يأتى قول الأعراض عنهما لأن الحال لا يحتمل التأجيل، قال الإمام رضى الله تعالى عنه: ولو تبايع وليان أو وكيلان لم يأت سوى إجبارهما. وإذا أسلم البائع المبيع بإجبار أو بدون إجبار أجبر المشترى على تسليم الثمن في الحال إن حضر الثمن في المجلس لأن التسليم واجب عليه ولا مانع منه، وإذا أصر المشترى على الامتناع لا يثبت للبائع حق الفسخ - والمراد بحضور الثمن حضور عينه إن كان معينا أو نوعه الذي يقضى منه إن كان في الذمة فإن ما في الذمة قبل قبضه لا يسمى ثمنا إلا مجازا - وإن لم يحضر الثمن فإن كان المشترى معسرا بالثمن فهو مفلس فللبائع أن يفسخ بالفلس وأخذ المبيع وحينئذ فيشترط فيه حجر القاضي، وفى افتقار الرجوع بعد الحجر إلى إذن الحاكم وجهان أشهرهما كما قال الرافعى رضى الله تعالى عنه: أنه لا يفتقر، وإن كان موسرا وماله بالبلد أو بمسافه قريبة وهو دون مسافة القصر حجر عليه في المبيع وفى جميع أمواله وإن كانت وافية بدينه حتى يسلم الثمن لئلا يتصرف في ذلك بما يبطل حق البائع وهذا يسمى بالحجر الغريب، قال السبكى رضى الله تعالى عنه: والفرق بينه وبين حجر الفلس حيث اعتبر فيه نقص ماله مع المبيع عن الوفاء أن المفلس سلطه البائع على المبيع باختياره ورضى بذمته بخلافه هنا، هذا إذا لم يكن محجورا علمه بفلس وإلا لم يحجر عليه أيضا هذا الحجر لعدم فائدته لأن حجر الفلس يتمكن فيه من الرجوع في عين ماله بشرطه، وهذا الحجر يخالفه في ذلك وفى كونه لا يتوقف على ضيق المال ولا يتوفف على فك القاضي، بل ينفك بمجرد التسليم كما جزم به الإمام وتبعه البلقينى، وإن خالف في ذلك الأسنوى وجعله كحجر الفلس. فإن كان ماله بمسافة القصر فأكثر لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره لتضرره بذلك، والأصح أن له الفسخ ولا يحتاج هنا إلى حجر خلافا لبعض المتأخرين لتعذر

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 134 نفس الطبعة.

ص: 173

تحصيل الثمن كالإِفلاس به، والقول الثاني المقابل للأصح: ليس له الفسخ بل يباع المبيع ويؤدى حقه من الثمن كسائر الديون، فإن صبر البائع إلى إحضار المال فالحجر يضرب على المشترى كما ذكرنا في المبيع وفى جميع أمواله حتى يسلم الثمن. وللبائع أن يحبس مبيعه حتى يقبض ثمنه كله الحال أصالة إن خاف فوته بلا خوف، وكذا للمشترى حبس الثمن المذكور إن خاف فوت المبيع بلا خوف، وإنما الأقوال السابقة إذا لم يخف البائع فوت الثمن وكذا لم يخف المشترى فوت المبيع وتنازعا في مجرد الابتداء بالتسليم لأن الإجبار عند خوف الفوت بالهرب أو تمليك المال أو نحو ذلك فيه ضرر ظاهر أما الثمن المؤجل فليس للبائع حبس المبيع به وإن حل قبل التسليم كما مر لرضاه بتأخير

(1)

. وجاء في المهذب أنه لو باع رجل من رجل عينا فأحضر المشترى نصف الثمن ففيه وجهان أحدهما لا يجبر البائع علي تسليم شئ من المبيع لأنه محبوس بدين فلا سلم شئ منه بحضور بعض الدين كالرهن، والثانى أنه يجبر على تسليم نصف المبيع لأن كل واحد منهما عوض عن الآخر وكل جزء من المبيع في مقابلة جزء من الثمن، فإذا سلم بعض الثمن وجب تسليم ما في مقابلته ويخالف الرهن في الدين، فإن الرهن ليس بعوض من الدين: إنما هو وثيقة به فجاز له حبسه إلى أن يستوفى جميع دينه، وإن باع من اثنين عبدا بثمن أحدهما نصف الثمن وجب تسليم حصته إليه لأنه أحضر جميع ما عليه من الثمن فوجب تسليم ما في مقابلته من المبيع كما لو اشترى عينا وأحضر ثمنها

(2)

قال صاحب مغنى المحتاج: والمبيع قبل قبضه من ضمان البائع، بمعنى انفساخ البيع بتلفه وثبوت الخيار بتعييبه وبإتلاف الأجنبى له لبقاء سلطنته عليه، سواء أعرضه على المشترى فلم يقبله أم لا، نعم إن وضعه بين يديه عند امتناعه برئ في الأصح كما في الروضة وأصلها، لكن لو خرج مستحقا ولم يقبضه المشترى لم يكن للمستحق مطالبته، وكذا لو باعه قبل نقله فنقله المشترى الثاني فليس للمستحق مطالبة المشترى الأول، قال الإمام: وإنما يكون الوضع بين يدى المشترى قبضا في الصحيح دون الفاسد، وكذا تخلية الدار ونحوها إنما تكون قبضا في الصحيح دون الفاسد

(3)

. ولا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه غير جنسه كالبر عن الشعير، وغير نوعه كالتمر البرنى عن المعتقلى؛ لأن الأول اعتياض عن المسلم فيه وهو ممتنع، والثانى يشبه الاعتياض عنه، وقيل يجوز أن يستبدل عن المسلم فيه غير نوعه لأن الجنس يجمعهما فكان كما لو اتحد النوع واختلفت الصفة، ولهذا يحرم التفاضل بينهما ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة، ولكن لا يجب قبوله لاختلاف الأغراض باختلاف الأنواع، ويجوز إعطاء أردأ من المشروط لأنه من جنى حقه، ولكن لا يجب قبوله لأنه دون

(1)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 2 ص 72، ص 73 في كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.

(2)

المهذب للإمام أبى إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز ابادي الشيرازي جـ 1 ص 295، ص 196 في كتاب أسئلة النظم المستعذب في شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.

(3)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 2 ص 63، ص 64 الطبعة السابقة.

ص: 174

حقه، ويجوز إعطاء أجود من المشروط صفة ويجب قبوله في الأصح لأن الامتناع من قبوله عناد، ولأن بذله يشعر بأنه لم يجد سبيلا إلى براءة ذمته بغيره وذلك يهون أمر المنة التي يعلل بها الثاني، والقول الثاني المقابل للأصح: لا يجب قبوله لما فيه من المنة كما لو سلم إليه في خشبة خمسة أذرع فجاء بها ستة فإنه لا يجب عليه قبولها، وفرق الأول بأن الجودة والرداءة لا يمكن فصلها لأنها تابعة، بخلاف زيادة الخشبة، نعم إن كان على المسلم ضرر في قبوله كما أو أسلم إليه في عبد أو أمة فجاء بفرعه أو أصله أو زوجته أو زوجها لم يجب قبوله، وإن جاء بأخيه أو عمه فوجهان، وجه المنع وهو الظاهر أن من الحكام من يحكم بعتقه عليه ذكره الماوردى رضى الله تعالى عنه. هذا وتفاوت الرطب والتمر تفاوت نوع لا تفاوت وصف، وكذا ما سقى بماء السماء وبماء الأرض، والعبد الهندى فلا يجب عليه قبول الآخر ولا يجوز ولا يصح أن يقبض ما أسلمه فيه كيلا بالوزن ولا عكسه ولا بكيل أو وزن غير الذي وقع عليه العقد كأن باع صاعا فاكتاله بالمد ولا يزلزل المكيال ولا يضع الكف على جوانبه بل يملؤه ويصب على رأسه بقدر ما يحمل ويسلم التمر جافا ولو في أول جفافه لأنه قبل جفافه لا يسمى تمرا ولا يجزئ ما تناهى جفافه حتى لم يبق فيه نداوة لأن ذلك نقص كما ذكره ابن الرفعة والسبكى وغيرهما، ويسلم الرطب غير مشدخ - وهو البسر يعالج بالغمر ونحوه حتى يتشدخ أي يترطب وهو المسمى بالمعمول في بلاد مصر - وتسلم الحنطة ونحوها نقية من التراب والذرة والشعير ونحو ذلك وقليل التراب ونحوه يحتمل في الكيل لأنه لا يظهر فيه، لا في الوزن لظهوره فيه، ومع احتماله في الكيل إن كان لإخراج التراب ونحوه مؤنة لم يلزمه قبوله كما حكاه في الروضة وأقره. ولو أحضر المسلم فيه المؤجل قبل وقت حلوله فامتنع المسلم من قبوله لغرض صحيح كأن كان حيوانا يحتاج إلى مؤنة لها وقع كما قيده في المحرر بذلك فلو قصرت المدة لم يكن له الامتناع، أو كان وقت إغارة، أو كان تمرا أو لحما يريد أن يأكله عند وقت الحلول طريا، أو كان مما يحتاج إلى مكان له مؤنة كالحنطة الكثيرة لم يجبر على قبوله لتضرره وإن كان للمؤدى غرض صحيح في التعجيل. وإن لم يكن للمسلم غرض صحيح في الامتناع، فإن كان للمؤدى غرض صحيح في التعجيل نحو فك رهن أو براءة ضامن أجبر المسلم على القبول لأن امتناعه حينئذ تعنت، وكذا يجبر عليه لخوف انقطاع الجنس عند الحلول أو لمجرد غرض براءة ذمة المسلم إليه في الأظهر، وكذا لا لغرض كما اقتضاه كلام الروض لأن الأجل حق المدين وقد أسقطه فامتناعه من قبوله محض تعنت. فإن قيل قد ذكروا في باب المناهى: أن المدين إذا أسقط الأجل لا يسقط حتى لا يتمكن المستحق من مطالبته أجيب بأن الإِسقاط هنا وسيلة إلى الطلب المؤدى للبراءة والدفع محصل لها نفسها فكان أقوى مع أن الأجل لم يسقط في الموضعين، والقول الثاني المقابل للأظهر: لا يجبر للمنة، وعلم مما تقرر أنه لو تعارض غرضاهما فالمرعى جانب المستحق على الأصح فإن لم ينظر إلى غرض المؤدى إلا عند عدم غرض المستحق، ويجبر الدائن على قبول كل دين حال إن كان غرضه غير البراءة، ويجبر عليه أو على الإِبراء إن كان غرضه البراءة، قال السبكى رضى الله تعالى عنه: هذا إذا أحضره من هو عليه فإن تبرع به غيره فإن كان

ص: 175

عن حى لم يجب القبول للمنة وإلا فإن كان المتبرع الوارث وجب القبول لأنه يخلص التركة لنفسه أو غيره ففيه تردد جواب القاضي. والظاهر عدم الوجوب وحيث ثبت الإِجبار وأصر على الامتناع قبضه الحاكم له. ولو أحضر المسلم فيه الحال في مكان التسليم لغرض غير البراءة أجبر المسلم على قبوله، أو أحضر لغرض البراءة أجبر على القبول أو الإبراء، وقد يقال بالتخيير في المؤجل والحال المحضر في غير مكان التسليم أيضا.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أن البائع إن قال: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشترى: لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع، وكان الثمن عينا أو عرضا جعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم إليهما لأن حق البائع قد تهلق بعين الثمن كما تعلق حق المشترى بعين المبيع فاستويا وقد وجب لكل واحد منهما على الآخر حق قد استحق قبضه فأجبر كل واحد منهما على إيفاء صاحبه حقه - وهذا قول الثورى وأحد أقوال الشافعي رضى الله تعالى عنهما، وعن أحمد رضى الله تعالى عنه ما يدل على أن البائع يجبر على تسليم المبيع أولا وهو قول ثان للشافعى، والأول أولى لما ذكرنا، وقال أبو حنيفة ومالك رضى الله تعالى عنهما يجبر المشترى على تسليم الثمن قبل الاستيفاء كالمرتهن. ويدل لنا أن تسليم المبيع يتعلق به استقرار البيع وتمامه فكان تقديمه أولى، ويخالف الرهن فإنه لا تتعلق به مصلحة عقد الرهن، والتسليم هاهنا يتعلق به مصلحة عقد البيع. وإن كان الثمن دينا أجبر البائع على تسليم المبيع ثم أجبر المشترى على تسليم الثمن لأن حق المشترى تعلق بعين المبيع وحق البائع تعلق بالذمة، وتقديم ما تعلق بالعين أولى لتأكده، وكذلك تقديم الدين الذي به الرهن على ما في الذمة وكذلك تقديم أرش الجناية على الدين لذلك، وقال مالك وأبو حنيفة رضى الله تعالى عنهما يجبر المشترى أولا على تسليم الثمن كالمسألة قبلها، وقد ذكرنا ما يدل على خلافه. إذا ثبت وأوجبنا على البائع التسليم فسلم فإن كان المشترى موسرا والثمن حاضرا أجبر على تسليمه، وإن كان الثمن غائبا عن البلد في مسافة القصر أو كان المشترى معسرا فللبائع الفسخ لأن عليه ضررا في تأخير الثمن فكان له الفسخ والرجوع في عين ماله كالمفلس، وإن كان الثمن في بيته أو بلده حجر على المشترى في المبيع وسائر ماله حتى يسلم الثمن لئلا يتصرف في ماله تصرفا يضر بالبائع، وإن كان غائبا عن البلد قريبا دون مسافة القصر فللبائع الفسخ في أحد الوجهين لأن عليه ضررا في تأخير الثمن أشبه المفلس. والوجه الثاني: لا يثبت له خيار الفسخ لأنه كالحاضر، فعلى هذا يحجر على المشترى كما لو كان في البلد، وهذا كله مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه، وقال شيخنا رحمه الله تعالى: ويقوى عندى أنه لا يجب على البائع تسليم المبيع حتى يحضر الثمن ويتمكن من تسليمه لأن البائع إنما رضى ببذل المبيع بالثمن فلا يلزمه دفعه قبل حصول عوضه، ولأن المتعاقدين سواء في المعاوضة فيستويان في التسليم، وإنما يؤثر ما ذكر في الترجيع في تقديم التسليم مع حضور العوض الآخر لعدم الضرر فيه أما مع الحظر المحوج إلى الحجر أو المجوز الفسخ فلا ينبغى أن يثبت، ولأن شرع الحجر لا يندفع به الضرر لأنه يقف على الحاكم ويتعذر ذلك في الغالب، ولأن ما أثبت الحجر والفسخ بعد التسليم أولى أن يمنع التسليم لأن

ص: 176

المنع أسهل من الرفع، والمنع قبل التسليم أسهل من المنع بعده، ولذلك ملكت المرأة منع نفسها من التسليم قبل قبض صداقها ولم تملكه بعد التسليم على أحد الوجهين، وكل موضع قلنا فيه له الفسخ فإنه يفسخ بغير حكم حاكم لأنه فسخ للبيع لتعذر ثمنه فملكه البائع كالفسخ في عين ماله إذا أفلس المشترى، وكل موضع قلنا فيه يحجر عليه فذلك إلى الحاكم لأن ولاية الحجر إليه

(1)

. فإن هرب المشترى قبل وزن الثمن وهو معسر فللبائع الفسخ في الحال لأنه يملك الفسخ مع حضوره فمع هربه أولى. وإن كان موسرا أثبت البائع ذلك عند الحاكم ثم إن وجد الحاكم له مالا قضاه وإلا باع المبيع وقضى ثمنه منه: وما فضل فللمشتري وإن اعوز ففى ذمته، قال شيخنا ويقوى عندى أن للبائع الفسخ بكل حال لأنا أبحنا له الفسخ مع حضوره إذا كان الثمن بعيدا عن البلد للضرر في التأخير فهاهنا مع العجز عن الاستيفاء بكل حال أولى، ولا يندفع الضرر برفع الأمر إلى الحاكم لأنه قد يعجز عن إثباته عنده وقد يكون المبيع في مكان لا حاكم فيه والغالب أن لا يحضره من يعرفه الحاكم بالعدالة فإحالته على هذا تضييع لماله، وهذه الفروع تقوى ما ذكرته من أن للبائع منع المشترى من قبض المبيع قبل إحضار الثمن لما في ذلك من الضرر

(2)

. وليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لأجل الاستبراء، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعى وحكى عن مالك في القبيحة، وقال في الجميلة يضعها على يدى عدل حتى تستبرأ لأن التهمة تلحقه فيها فمنع منها، ويدل لنا أنه بيع عين لا خيار فيها قد قبض ثمنها فوجب تسليمها كسائر المبيعات، وما فكره من التهمة لا يمكنه من المنع كالقبيحة، ولأنه إن كان استبرأها قبل بيعها فاحتمال وجود الحمل منها بعيد نادر وإن كان لم سيتبرئها فهو الذي ترك الحفظ لنفسه، ولو طالب المشترى البائع بكفيل لئلا تظهر حاملا لم يكن له ذلك لأنه ترك التحفظ لنفسه حال العقد فلم يكن له كفيل كما لو طالب كفيلا بالثمن المؤجر

(3)

. وإن تعيب المبيع في يد البائع أو تلف بعضه بأمر سماوى فالمشترى مخير بين أخذه ناقصا ولا شئ له وبين فسخ العقد والرجوع بالثمن لأنه إن رضيه معيبا فكأنه اشترى معيبا عالما بعيبه لا يستحق شيئا من أجل العيب، وإن فسخ العقد لم يكن له أكثر من الثمن لأنه لو تلف المبيع كله لم يكن له أكثر من الثمن فإذا تعيب أو تلف بعضه لم يكن له الفسخ لذلك لأنه أتلف ملكه فلم يرجع على غيره، وإن كان بفعل البائع فقياس قول أصحابنا أن المشترى مخير بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين أخذه والرجوع على البائع يعوض ما أتلف أو عيب. وقياس قول الشافعي رضى الله تعالى عنه أنه بمنزلة ما لو تلف بفعل الله تعالى، وإن كان بفعل أجنبى فله الفسخ والمطالبة بالثمن وأخذ البيع ومطالبة الأجنبى بعوض ما أتلف

(4)

. وذكر صاحب المغنى أنه متى أحضر المسلم فيه على الصفة المشروطة لم يخل من ثلاثة أحوال

(1)

تكملة البحر الرائق شرح كنز الدقائق للإمام محمد بن حسين بن علي الطورى الحفنى جـ 8 ص 168 الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية.

(2)

الفتاوى العالمكيرية المعروفة بالفتاوى الهندية جـ 5 ص 201، ص 208 في كتاب على هامشه الفتاوى البزازية المسماة بالجامع الوجيز للشيخ الإمام حافظ الدين محمد بن محمد بن شهاب المعروف بابن البزاز الكرورى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية، بمصر سنة 1310 هـ.

(3)

المرجع السابق جـ 5 ص 209 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق جـ 5 ص 209 نفس الطبعة.

ص: 177

أحدها: أن يحضره في محله في لزمه قبوله لأنه أتاه بحقه في محله فلزمه قبوله كالمبيع المعين، وسواء كان عليه في قبضه ضرر أو لم يكن، فإن أبى قيل له إما أن تقبض حقك وإما أن تبرئ منه، فإن امتنع قبضه الحاكم من المسلم إليه للمسلم وبرئت ذمته منه لأن الحاكم يقوم مقام الممتنع بولايته وليس له أن يبرئ لأنه لا يملك الإبراء. الحال الثانية: أن يأتى به قبل محله فينظر فيه فإن كان مما في قبضه قبل محله ضرر إما لكونه مما يتغير كالفاكهة والأطعمة كلها أو كان قديمه دون حديثه كالحبوب ونحوها لم يلزم المسلم قبوله لأن له غرضا فى تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه فى ذلك الوقت، وكذلك الحيوان لأنه لا يأمن تلفه ويحتاج إلى الإِنفاق عليه إلى ذلك الوقت وربما يحتاج إليه في ذلك الوثت دون ما قبله، وهكذا إن كان مما يحتاج فى حفظه إلى مؤنة كالقطن ونحوه أو كان الوقت مخوفا يخشى نهب ما يقبضه فلا يلزمه الأخذ فى هذه الأحوال كلها لأن عليه ضررا فى قبضه ولم يأت محل استحقاقه له فجرى مجرى نقص صفة فيه، وإن كان مما لا ضرر فى قبضه بأن يكون لا يتغير كالحديد والرصاص والنحاس فإنه يستوى قديمه وحديثه ونحو ذلك الزيت والعسل ولا فى قبضه ضرر الخوف ولا تحمل مؤنة فعليه قبضه لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وتعجيل الدين المؤجل. الحال الثالث أن يحضره بعد محل الوجوب فحكمه حكم ما لو أحضر المبيع بعد تفرقهما (1). ولا يخلو إما أن يحضر المسلم فيه على صفته أو دونها أو أجود منها، فإن أحضره على صفته لزم قبوله لأنه حقه وإن أتى به دون صفته لم يلزمه قبوله لأن فيه إسقاط حقه فإن تراضيا على ذلك وكان من جنسه جاز وإن كان من غير جنسه لم يجز لما تقدم، وإن اتفقا على أن يعطيه دون حقه ويزيده شيئا لم يجز لأنه أفرد صفة الجودة بالبيع وذلك لا يجوز، ولأن بيع المسلم فيه قبل قبضه غير جائز فبيع وصفه أولى. أما إن أحضر المسلم فيه أجود من الموصوف فينظر فيه فإن أتاه به من نوعه لزمه قبوله لأنه أتى بما تناوله العقد وزيادة تابعة له فينفعه ولا يضره إذ لا يفوته غرض، فإن أتى به من نوع آخر لم يلزمه قبوله لأن العقد تناول ما وصفاه على الصفة التي شرطاها وقد فات بعض الصفات فإن النوع صفة وقد فات فأشبهه ما لو فات غيره من الصفات، وقال القاضي رحمه الله تعالى يلزمه قبوله لأنهما جنس واحد يضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة فأشبه الزيادة في الصفة مع اتفاق النوع. والأول أجود لأن أحدهما يصلح لما لا يصلح له الآخر فإذا فوته عليه فوت عليه الغرض المتعلق به فلم يلزمه قبوله كما لو فوت عليه صفة الجودة وهذا مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه، فإن تراضيا على أخذ النوع بدلا عن النوع الآخر جاز لأنهما جنس واحد لا يجوز بيع أحدها بالآخر متفاضلا ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة فجاز أخذ أحدهما عن الآخر كالنوع الواحد، وقال بعض أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم: لا يجوز له أخذه للمعنى الذي منع لزوم أخذه، وقال إبراهيم لا تأخذ فوق سلمك في كيل ولا صفة، ويدل لنا أنهما تراضيا على دفع المسلم فيه من جنسه فجاز كما لو تراضيا على دفع الرديء الجيد أو الجيد مكان الرديء،

ص: 178

وبهذا ينتقض ما ذكروه فإنه لا يلزم أخذ الردئ ويجوز أخذه، ولأن المسلم أسقط حقه من النوع فلم يبق بينهما إلا صفة الجودة وقد سمح بها صاحبها

(1)

. وإذا جاءه بالأجود فقال خذه وزدنى درهما لم يصح لأن الجودة صفة فلا يجوز إفرادها بالعقد كما لو كان مكيلا أو موزونا، فإن جاءه بزيادة في القدر فقال خذه وزدنى درهما ففعلا صح لأن الزيادة هاهنا يجوز إفرادها بالعقد، وليس له إلا أقل ما تقع عليه الصفة لأنه إذا أسلم إليه ذلك فقد سلم إليه ما تناوله العقد فبرئت ذمته منه، وعليه أن يسلم إليه الحنطة نقية من التبن والقصل والشعير ونحوه مما لا يتناوله اسم الحنطة وإن كان فيه تراب كثير يأخذ موضعا من المكيال لم يجز وإن كان يسيرا لا يؤثر في المكيال ولا يعيبها لزمه أخذه، ولا يلزمه أن يأخذ التمر إلا جافا، ولا يلزم أن يتناهى جفافه لأنه يقع عليه الاسم، ولا يلزمه أن يقبل معيبا بحال، ومتى قبض المسلم فيه فوجده معيبا فله المطالبة بالبدل أو الأرش كالمبيع سواء

(2)

. ولا يقبض المكيل إلا بالكيل ولا الموزون إلا بالوزن، ولا يقبضه جزافا ولا بغير ما يقدر به لأن الكيل والوزن يختلفان فإن قبضه بذلك فهو كقبضه جزافا فيقدره بما أسلم فيه ويأخذ قدر حقه ويرد الباقى ويطالب بالعوض، وهل له أن يتصرف في قدر حقه منه قبل أن يعتبره؟ على وجهين

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن من باع شيئا فقال للمشترى: لا أدفع الثمن حتى أقبض ما ابتعت، وقال البائع: لا أدفع حتى أقبض أجبرا معا على دفع المبيع والثمن معا لأنه ليس أحدهما أحق بالإِنصاف والانتصاف من الآخر وبيد كل واحد منهما حق للآخر، وفرض على كل واحد منهما أن يعطى الآخر حقه فلا يجوز أن يخص أحدهما بالتقدم وفعل ذلك جور وحيف وظلم وهذا قول أصحابنا وعبيد الله بن الحسن

(4)

. فإن أبى المشترى من أن يدفع الثمن مع قبضه لما اشترى وقال: لا أدفع الثمن إلا بعد أن أقبض ما اشتريت فللبائع أن يحبس ما باع حتى ينتصف وينصف معا، فإن تلف عنده من غير تعد منه فهو من مصيبة المشترى وعليه دفع الثمن ولا ضمان على البائع فيما هلك عنده من غير تعديه لأنه احتبس بحق قال الله عز وجل:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"

(5)

إلا أن يكون في بعض ما حبس وفاء بالثمن فإنه يضمن ما زاد على هذا المقدار لأنه مقعد باحتباسه أكثر مما تعدى عليه فيه الآخر، هذا إن كان مما يمكن أن ينقسم، فإن كان مما لا يمكن أن ينقسم إلا بفساده أو حط ثمنه فلا ضمان عليه أصلا: فلو قال البائع: لا أدفع إلا بعد قبض الثمن ودعاه المشترى إلى أن يقبض ويدفع معا فأبى فهو هاهنا ضامن لأنه متعد باحتباسه ما حبس وقد دعى إلى الإنصاف فأبى

(6)

. ولا يحل أن يجبر أحد على أن يبيع

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 346، ص 347 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق 4 ص 347 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 4 ص 347 نفس الطبعة.

(4)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى جـ 4 ص 308 ص 409 مسألة رقم 1439 الطبعة الأولى.

(5)

الآية رقم 194 من سورة البقرة.

(6)

المحلى لأبى محمد على بن حزم جـ 8 ص 409 مسألة رقم 144 الطبعة السابقة.

ص: 179

مع شريكه لا ما ينقسم ولا ما لا ينقسم ولا على أن يقاومه فيبيع أحدهما من الآخر، لكن من شاء من الشريكين أو الشركاء أن يبيع حصته فله ذلك ومن أبى لم يجبر فإن أجبره على ذلك حاكم أو غيره فسخ حكمه أبدا وحكم فيه بحكم الغصب برهان ذلك قول الله تبارك وتعالى:"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم"

(1)

ومن أجبر على بيع حقه فلم يرض فلا يجوز عليه لأنه خلاف أمر الله فهو أكل مال بالباطل إلا حيث أمر الله تعالى بالبيع وإن لم يرض كالشفعة وعلى الغائب وعلى الصغير وعلى الظالم، واحتج القائلون بإجبار الشريك على البيع مع شريكه بخبر روى فيه "لا ضرر ولا ضرار" وهذا خبر لم يصح قط، إنما جاء مرسلا أو من طريق فيها إسحاق بن يحيى وهو مجهول، ثم لو صح لكان حجة عليهم لأن أعظم الضرار والضرر هو الذي فعلوه من إجبارهم إنسانا على بيع ماله بغير رضاه وبغير أن يوجب الله تعالى علمه ذلك، وما أباح الله تعالى قط أن يراعى رضا أحد الشريكين بإسخاط شريكه في ماله نفسه وهذا هو الجور والظلم الصراح، ولا فرق بين أن يجاب أحد الشريكين إلى قوله لابد من أن يبيع شريكى معى لأستجزل الثمن في حصتى مبين أن يجاب الآخر إلى قوله لا بد من أن يمنع شريكى من بيع حصته لأن في ذلك ضررا على في حصتى وكلا الأمرين عدوان وظلم لكن الحق أن كليهما ممكن من حصته من شاء باع حصته ومن شاء أمسك حصته، وقد موهوا في ذلك بما روينا من طريق وكيع حدثنا أبو بشر عن أن ابن نجيح عن مجاهد أن نخلة كانت لإنسان في حائط آخر فسأله أن يشتريها منه فأبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر في الإسلام" وهذا مرسل، ثم لو صح لكان حجة عليهم لأننا نقول لهم: نعم هذا منع من أن يجبر الآخر على الشراء من شريكه وهو لا يريد ذلك أو على البيع منه أو من غيره وهو لا يريد ذلك، فهذان ضرر ظاهر. وذكروا أيضا ما رويناه من طريق أبى داود عن واصل مولى أبى عينية بإسناده قال سمعت محمد بن على يحدث عن سمرة بن جندب أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار قال: ومع الرجل أهله فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به فطلب إليه أن يبيعه أو يناقله فأبى فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى، قال: فهبه له ولك كذا وكذا أمرا رغبه فيه فأبى فقال: أنت مضار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصارى: اذهب فاقلع نخله. قال أبو محمد: هذا منقطع لأن محمد بن علي لا سماع له من سمرة، ثم لو صح لكانوا مخالفين له في موضعين، أحدهما أنهم لا يجبرون غير الشريك على البيع من جاره ولا على البيع معه، وفى هذا الحديث خلاف ذلك، والثانى قلع نخله وهم لا يقولون بهذا

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في شرح الأزهار أنه إذا تنازع البائع والمشترى أيهما يسلم أولا فالصحيح للمذهب أنه يقدم تسليم الثمن إن حضر المبيع بحيث يمكن قبضه عقيب تسليم الثمن ليستويا في التعيين، فإن كان المبيع غائبا لم يلزم المشترى تقديم

(1)

الآية رقم 282 من سورة البقرة.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى جـ 9 ص 28. مسألة رقم 1540 الطبعة السابقة.

ص: 180

الثمن، ولو كان المشترى اثنين فله حبس المبيع حتى يستوفى الثمن منهما جميعا ما لم يكن قسمته إفراز. فلو كانا مبيعين فلعله يقرع بينهما، وفى بعض الحواشى: فها بها أي يدا بيد، وقيل يقدم ما دخلت عليه الباء. وقال المنصور بالله: بل يقدم تسليم المبيع ثم الثمن عقيبه؛ ليستويا في جواز التصرف، وقال المؤيد بالله: يعدل الثمن ثم يسلم المبيع وفاء بالحقين

(1)

. ولا يجب على البائع التسليم للمبيع إلى موضع العقد، وإنما الواجب أن يسلم المبيع حيث هو إلا أن يشرط عليه تسليمه إلى موضع العقد لزمه الوفاء به. وعند المؤيد بالله أنه يجب على البائع تسليم المبيع إلى موضع العقد ولو عرف المشترى أنه في موضع آخر. ولا يلزم البائع تسليم المبيع إلى منزل المشترى إلا لعرف جرى بذلك كما يجرى في الحطب والحشيش ونحوهما فإن العرف جار بأن يوصله البائع إلى منزل المشترى في المصر. قال في الحاشية هذا إذا كانت منزل المشترى معروفا فإن لم يكن معروفا فسد العقد، ويحتمل أن يصح العقد ويلزمه الإيصال في الميل، والمقرر الأول؛ لأن هذه الجهالة مغتفرة لأن هذا من باب الحقوق وهى تغتفر الجهالة فيها

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء في الروضة البهية إن إطلاق العقد بتجريده عن شرط تأخير أحد العوضين أو تأخيرهما إذا كانا عينين أو أحدهما يقتضى قبض العوضين فيتقابضان معا لو تمانعا من التقدم، سواء كان الثمن عينا أو دينا، وإنما لم يكن أحدهما أولى بالتقديم لتساوى الحقين في وجوب تسليم كل منهما إلى مالكه، وقيل يجبر البائع على الإِقباض أولا لأن الثمن تابع للمبيع، ويضعف باستواء العقد في إفادة الملك لكل منهما، فإن امتنعا أجبرهما الحاكم معا مع إمكانه، كما يجبر الممتنع من قبض ماله فإن تعذر فكالدين إذا بذله المدين فامتنع من قبوله، ويجوز استراط تأخير إقباض المبيع مدة معينة كما يجوز اشتراط تأخير الثمن والانتفاع به منفعة معينة لأنه شرط سائغ فيدخل تحت العموم. والقبض في المنقول كالحيوان والأقمشة والمكيل والموزون والمعدود نقله، وفى غيره التخلية بينه وبينه بعد رفع اليد عنه، وحيث يكتفى بالتخلية فالمراد بها رفع المانع للمشترى من القبض بالإِذن فيه ورفع يده ويد غيره عنه إن كان، ولا يشترط مضى زمان يمكن وصول المشترى إليه إلا أن يكون في غير بلده بحيث يدل العرف على عدم القبض بذلك، والظاهر أن اشتغاله بملك البائع غير مانع منه وإن وجب على البائع التفريغ، ولو كان مشتركا ففى توقفه على إذن الشريك قولان أجودهما العدم لعدم استلزامه التصرف في مال الشريك. نعم لو كان منقولا توقف على إذنه لافتقار قبضه إلى التصرف بالنقل فإن امتنع من الإِذن نصب الحاكم من يقبضه أجمع، بعضه أمانة وبعضه لأجل البيع، وقيل يكفى حينئذ التخلية وأن لم يكتف بها قبله

(3)

. ويجب قبض الثمن لو دفعه إلى البائع

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح جـ 3 ص 349 في كتاب أسفله هوامش عليه.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى جـ 1 ص 335 الطبعة مكتبة دار الكتب مصر.

(3)

المرجع السابق جـ 1 ص 334 الطبعة السابقة.

ص: 181

مع الحلول مطلقا وفى الأجل أى بعده لا قبله، لأنه غير مستحق حينئذ، وجاز تعلق غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل فإن الأغراض لا تنضبط، فلو امتنع البائع من قبضه حيث يجب قبضه الحاكم إن وجد فإن تعذر قبض الحاكم ولو بالمشقة البالغة في الوصول إليه أو امتناعه من قبض حقه، ومقتضى العبارة أن المشترى يبقيه بيده مميزا على وجه الأمانة، وينبغى مع ذلك أن لا يجوز له التصرف فيه، وأن يكون نماؤه للبائع تحقيقا لتعينه له، وربما قبل ببقائه على ملك المشترى وإن كان تلفه من البائع، وفى الدروس: أن للمشترى التصرف فيه فيبقى في ذمته

(1)

. وإذا دفع المسلم إليه فوق الصفة وجب القبول لأنه خير وإحسان، فالامتناع منه عناد، ولأن الجودة صفة لا يمكن فصلها فهى تابعة، بخلاف ما لو دفع أزيد قدرا يمكن فصله ولو في ثوب، وقيل لا يجب لما فيه من المنة، ودور الصفة المشترطة لا يجب قبوله وإن كان أجود من وجه آخر لأنه ليس حقه مع تضرره به ويجب تسليم الحنطة ونحوها عند الإِطلاق نقية من الزوان والمذر والتراب والقشر غير المعتاد، وتسليم التمر والزبيب جافين والعنب والرطب صحيحين ويعفى عن اليسير المحتمل عادة. ولو رضى المسلم بالأدون صفة لزم لأنه أسقط حقه من الزائد برضاه، كما يلزم لو رضى بغير جنسه، ولو انقطع المسلم فيه عند الحلول حيث يكون مؤجلا ممكن الحصول بعد الأجل عادة فاتفق عدم تخير المسلم بين الفسخ فيرجع برأس ماله لتعذر الوصول إلى حقه وانتفاء الضرر وبين الصبر إلى أن يحصل، وله أن لا يفسخ ولا يصبر بل يأخذ قيمته حينئذ لأن ذلك هو حقه. والأقوى أن الخيار ليس فوريا فله الرجوع بعد الصبر إلى أحد الأمرين ما لم يصرح بإسقاط حقه من الخيار ولو كان الانقطاع بعد بذله ورضاه بالتأخير سقط خياره بخلاف ما لو كان بعدم المطالبة أو بمنع البائع مع إمكانه، وفى حكم انقطاعه عند الحلول موت المسلم إليه قبل الأجل وقبل وجوده لا العلم قبله بعدمه بعده، بل يتوقف الخيار على الحلول على الأقوى لعدم وجود المقتضى له الآن، إذا لم يستحق شيئا حينئذ، ولو قبض البعض تخير أيضا بين الفسخ في الجميع والصبر وبين أخذ ما قبضه والمطالبة بحصة غيره من الثمن أو قيمة الثمن على القول الآخر

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أن من اشترى متاعا لأجل وتم البيع ولم يقبضه حتى حل الأجل فقيل لا يجبر على إعطاء الثمن قبل القبض ويجدد أجلا قبل قبضه من يومه إلا إن أراد المشترى أن يسلم إليه الثمن بلا تجديد أجل والمختار جبره على تسليم الثمن وإن لم يقبض ذلك المتاع إن تركه باختياره وإن حبسه عنه البائع حتى يوفيه الثمن أو يشهد أو يثبت أو نحو ذلك وتلف ذهب بما فيه كالرهن، وإن قبض قبل تمام الأجل فقيل يجد الأجل من القبض وقيل لا، ولا خلاف في لزوم إعطاء الثمن بلا تجديد الأجل إن تركه بعد قبضه باختياره أيضا ولا في عدم لزوم الإعطاء بلا تجديد إن تركه بدون اختياره قبل قبضه وإن تركه بعد قبضه باختياره ثم طلب أن يجلبه فمنع منه جدد له من الزمان مثل ما بين وقت الطلب

(1)

المرجع السابق جـ 1 ص 316، ص 317 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 37، ص 38 نفس الطبعة.

ص: 182

وتمام الأجل، وإن تركه قبل قبضه لمانع غير البائع فلا تجديد، وطفل البائع وعبده ومأموره مثله إن منعوا. وإن قال له البائع خذ مالك فأبى فقال لا، أو سكت وتركه أو قال له دعه عندك فإنه كأمانة لا يجدد الأجل وإن أبى البائع أن يناول المشترى حتى يعطيه الثمن وأبى المشترى أن يناوله الثمن حتى يقبض ما أشترى حكم على المشترى أولا أن يعطى الثمن ثم على البائع أن يناوله ما باع وليس لهما الرجوع كما قال بعض إن لهما الرجوع قال الشيخ عن بعض قولا آخر إن القبض في العروض والمتاع شرط أو واجب فما لم يكن فلا بيع لأنه لا يحكم عليه بقبض، أي لا يحكم على المشترى أن يقبض، ولا بتسليم على البائع حتى يسلم إليه الثمن إذا كان حالا فإن سلم الثمن حكم على البائع أن يسلم إليه المبيع

(1)

ويجبر البائع أولا بأن يسلم للمشترى ما باع، ويجبر المشترى بالقبض وإحضار الثمن للبائع حينئذ، وإن أجل فحين حل الأجل، ويحبس البائع حتى يسلم ويحبس المشترى حتى يقبض إن امتنعا إن لم تقع إقالة بينهما رضى منهما بها، قال في بعض مختصراته وقيل إن رجلا ابتاع من رجل طعاما وقال له إذا أوفيتنى أنقدتك الثمن فجعل لا يقبضه فاختصما إلى شريح فقال اربطوه إلى سارية المسجد بإيماء منه بذلك حتى يستوفى ويجبر على القبض والإِنقاد، وقيل لا يحكم بتسليم العروض حتى يوفى المشترى الثمن، وقيل لا يحكم عليه بإنقاده حتى يقبض مشتراه، وقيل يحكم بالتسليم والإِنقاد معا لا قبل ولا بعد، وقيل يجبران معا لا قبل ولا بعد في التسليم والقبض مع إنقاد الثمن، ومعنى المعية أن لا ينتظر بإجبار أحدهما إلى أن يفعل الآخر ما أجبر عليه، وأما سبق الكلام لأحدهما والشروع في جبره قبل الآخر بحسب الإِمكان لا للركون فلا بأس به أو حضرا معا وأبى هذا من تسليم المبيع وأبى هذا من قبضه ونقد الثمن وأراد الحاكم قطع العناد بينهما نهيا عن المنكر وقطعا لأن كلا منهما عاص أو ترتب أمر على ذلك من غيرهما كالضمان، وأما على القول الأول فيجبر أحدهما خاصة فإذا ذعن أجبر الآخر

(2)

.

‌حكم الامتناع من القسمة

‌مذهب الحنفية:

جاء في تكملة البحر الرائق أنه إذا طلب بعض الشركاء القسمة يجبر الآبى على القسمة في متحد الجنس، سواء كان من ذوات الأمثال أولا، ولا يجبر في غير متحد الجنس كالغنم مع الإِبل، وفى غاية البيان قال في الفتاوى الصغرى: القسمة ثلاثة أنواع: قسمة لا يجبر الآبى عليها كقسمة الأجناس المختلفة، وقسمة يجبر عليها الآبى كقسمة ذوات الأمثال كالمكيل والموزون، وقسمة يجبر الآبى في غير المثليات كالثياب من نوع واحد والبقر والغنم

(3)

. وجاء في الفتاوى الهندية أنه لو كان بين رجلين دار نصب أحدهما أكثر فطلب صاحب الكثير القسمة وأبى الآخر فإن القاضي يقسم عن الكل، وإن طلب صاحب القليل القسمة

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف جـ 4 ص 35، ص 36 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 37، ص 38 نفس الطبعة.

(3)

تكملة البحر الرائق شرح كنز الدقائق للإمام محمد بن حسن بن علي الطورى الحنفى جـ 8 ص 168 الطبعة الأولى طبع بالمطبعة العالمية.

ص: 183

وأبى صاحب الكثير فكذلك وهو اختيار الإِمام الشيخ المعروف بخواهر زاده وعليه الفتوى في البيت الصغير بين رجلين إذا كان صاحب القليل لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة فطلب صاحب القليل القسمة قالوا لا يقسم، وذكر الخصاف أنه لو كانت دار بين رجلين نصيب كل واحد لا ينتفع به بعد القسمة وطلب القسمة من القاضي فإن القاضي يقسمه، وإن طلب أحدهما القسمة وأبى الآخر لا يقسم لأن الطالب متعنت، وإن كان ضرر القسمة على أحدهما بأن كان نصيب أحدهما أكثر ينتفع به بعد القسمة فطلب صاحب الكثير القسمة وأبى الآخر فإن القاضي يقسم وإن طلب صاحب القليل لا يقسم، وحكى عن الجصاص رضى الله تعالى عنه عكس هذا، والأصح ما ذكره الخصاف رضى الله تعالى عنه - كذا في التبيين - وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: إذا كان الطريق بين قوم إن اقتسموه لم يكن لبعضهم طريق ولا منفذ فأراد بعضهم قسمته وأبى الآخر فإنى لا أقسمه بينهم، وإن كان لكل واحد طريق ومنفذ فإنى أقسمه بينهم، قال بعض مشايخنا: المسألة محمولة على أن الطريق بينهم على السواء وكان بحيث لو قسم بينهم لا يبقى لواحد منهم طريق ومنفذ فأما إذا كان الطريق بينهم على التفاضل بحيث لو قسم لا يبقى لصاحب القليل طريق ولا منفذ ويبقى لصاحب الكثير طريق ومنفذ فالقاضى يقسم بينهم إذا طلب صاحب الكثير القسمة كما في مسألة البيت إذا طلب صاحب الكثير القسمة، ومنهم من قال: الطريق لا يقسم في الحالين بخلاف البيت كذا في المحيط. وإن كان مسيل ماء بين رجلين أراد أحدهما قسمة ذلك وأبى الآخر فإن كان فيه موضع يسيل منه ماؤه سوى هذا قسم وإن لم يكن له موضع إلا بضرر لم يقسم. وهذا والطريق سواء. ولو كان بيت بين رجلين فانهدم فطلب أحدهما قسمة الأرض قال أبو يوسف رحمه الله تعالى تقسم بينهما، وقال محمد رحمه الله تعالى لا تقسم، فإن أراد أحدهما أن يبنى كما كان وأبى الآخر ذكر في نوادر ابن رستم أنه لا يجبر على البناء إلا أن يكون لهما عليه جذع فيجبر على البناء، فإن كان الآبى معسرا يقال لشريكه ابن أنت وأمنع الآخر من وضع الجذع حتى يعطيك نصف ما أنفقت. ولا يقسم الحمام والحائط وما أشبه ذلك بين الشركاء، فإن رضوا به جميعا قسم لوجود التراضى منهم بالتزام الضرر، ومن أصحابنا رضى الله تعالى عنهم من يقول هذا في الحمام فكل واحد منهما ينتفع بنصيبه بجهة أخرى بأن يجعله بيتا وربما كان ذلك مقصود كل واحد منهم، فأما ما الحائط إن رضوا بالقسمة لينتفع كل واحد منهم بنصيبه من غير هدم فكذلك الجواب، وإن رضوا بالهدم وقسمة الآس بينهم لم يباشر القاضي ذلك، ولكن إن فعلوا ذلك فيما بينهم لم يمنعهم من ذلك. ولو كان بناء بين رجلين في أرض رجل قد بنياه فيه بإذنه ثم أراد قسمة البناء وصاحب الأرض غائب فلهما ذلك بالتراضى وإن امتنع أحدهما لم يجبر عليه، وإن كان أحدهما أراد قسمة البناء وهدمه وأبى الآخر ففى هذه القسمة إتلاف الملك وقد بينا أن القاضي لا يفعل ذلك، ولكن إذا أراد أن يفعلاه لم يمنعهما عن ذلك وإن أخرجهما صاحب الأرض هدماه ثم النقض يحتمل القسمة بينهما فيفصله القاضي عند طلب بعض الشركاء. قال محمد رحمه الله تعالى في الأصل لو كان دكان في السوق بين رجلين يبيعان فيه بيعا أو يعملان فيه بأيديهما فأراد أحدهما قسمته وأبى الآخر وصاحب الأرض غائب فإن القاضي ينظر في ذلك إن كان لو قسم أمكن لكل واحد منهما أن

ص: 184

يعمل في نصيبه العمل الذي كان يعمله قبل القسمة قسم، وإن كان لا يمكنه ذلك لم يقسم، وإذا كان الزرع بين ورثة في أرض لغيرهم فأرادوا قسمة الزرع فإن كان قد أدرك لم يقسم بينهم حتى يحصد لا بالتراضى ولا بغير التراضى لأن الحنطة مال الربا فلا تجوز قسمته مجازفة إلا بالكيل ولا تمكن قسمته بالكيل قبل الحصاد وإن كان بقلا لم يقسم إلا أن يشترطوا في البقل أنه يجز كل واحد منهما ما أصابه فإذا اقتسموه على هذا بتراضيهم أجزته

(1)

. ولو كانت ثلاثة أثواب بين رجلين فأراد أحدهما قسمتها وأبى الآخر فإنى أنظر في ذلك إن كانت قسمتها تستقيم من غير قطع بأن تكون قيمة ثوبين مثل قيمة الثالث فإن القاضي يقسمها بينهما فيعطى أحدهما ثوبين والآخر ثوبا، وإن كانت لا تستقيم لم تقسم بينهما إلا أن يتراضوا فيما بينهما على شئ هكذا قال في الكتاب، والأصح أن يقال إن استوت القيمة وكان نصيب كل واحد منهما ثوبا ونصفا فإنه يقسم الثوبين بينهما ويدع الثالث مشتركا، وكذلك إن استقام أن يجعل أحد القسمين ثوبا وثلثى الآخر والقسم الآخر ثوبا وثلث الآخر أو أحد القسمين ثوبا وربعا والآخر ثوبا وثلاثة أرباع فإنه يقسم بينهم ويترك الثالث مشتركا كذا في النهاية

(2)

. والأوانى المتخذة من أصل واحد كالإِجانة والقمقمة والطست المتخذة من صفر ملحقة بمختلفة الجنس فلا يقسمها القاضي جبرا كذا في العناية. ويقسم تبر الفضة والذهب وما أشبه ذلك مما ليس بمصوغ من الحديد والصفر والنحاس وكذلك علو بين رجلين نصيب كل واحد منهما مما ينتفع به والسفل لغيرهما أو سفل بينهما والعلو لغيرهما فذلك كله يقسم إذا طلب بعض الشركاء كذا في المبسوط

(3)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإِكليل نقلا عن المدونة أنه لا يقسم أصل العين والآبار، ولكن يقسم شربها بالقلد، ولا يقسم مجرى الماء وما علمت أن أحدا أجازه. قال ابن حبيب رضى الله تعالى عنه: تفسير قسمة الماء بالقلد أن تحاكموا فيه وأجمعوا على قسمه أن يأمر الإمام رجلين مأمونين أو يجتمع الورثة على الرضا بهما فيأخذان قدرا من فخار وشبهها فيثقبا في أسفلها بمثبت يمسكانه عندهما ثم يعلقانها ويجعلان تحتها قصرية ويعدان الماء في جرار ثم إذا انصدع الفجر صبا الماء في القدر فسال الماء من الثقب فكلما هم الماء أن يفرغ صبا حتى يكون سيل الماء من الثقب معتدلا النهار كله والليل كله إلى انصداع الفجر فينحيانها ويقتسمان ما اجتمع من الماء على أقلهم سهما كيلا أو وزنا ثم يجعلان لكل وارث قِدرا يحمل سهمه من الماء ويثقبا كل قدر منها بالمثقب الذي ثقبا به القدر الأولى، فإذا أراد أحدهم السقى على قدره بمائه صرف الماء كله إلى أرضه فسقى وأسال الماء من قدره ثم كذلك بقيتهم ثم إن تشاحوا في التبدئة استهموا. وروى عن المجموعة قول مالك رضى الله تعالى عنه في الجدار بين الرجلين يسقط، فإن كان لأحدهما لم يجبر على بنائه ويقال للآخر استر على نفسك إن شئت، وإن كان الجدار بينهما أمر الآبى أن

(1)

الفتاوى العالمكيرية المعروفة بالفتاوي الهندية جـ 5 ص 207، 208 في كتاب على هامشه الفتاوى البزازية المسماة بالجامع الوجيز للشيخ الإمام حافظ الدين محمد بن محمد بن شهاب المعروف بابن البزاز الكردرى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأمير بمصر سنة 1310 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 209 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق 5 ص 209 نفس الطبعة.

ص: 185

يبنى مع صاحبه إن طلب ذلك، قال في العتبية: إن كان لأحدهما فهدمه أو انهدم بغير فعله وهو قادر على رده فيترك ذلك ضررا أجبر على رده. وإن كان يضعف عن إعادته عذر، وقيل للآخر استر على نفسك إن شئت. وقال ابن القاسم رضى الله تعالى عنه: إن انهدم بأمر من الله لم يجبر على إعادته وكذلك إن هدمه هو لوجه منفعة ثم عجز عن ذلك أو استغنى عنه فإنه لا يجبر على رده ولو هدمه للضرر جبر على أن يعيده

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في المهذب أنه إن طلب أحد الشريكين القسمة وامتنع الآخر نظرت فإن لم يكن على واحد منهم ضرر في القسمة كالحبوب والأدهان والثياب الغليظة وما تساوت أجزاؤه من الأرض والدور أجبر الممتنع لأن الطالب يريد أن ينتفع بماله على الكمال وأن يتخلص من سوء المشاركة من غير إضرار بأحد فوجبت إجابته إلى ما طلب وإن كان عليهما ضرر كالجواهر والثياب المرتفعة التي تنقص قيمتها بالقطع والرحى الواحدة والبئر والحمام الصغير لم يجبر الممتنع لقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار، ولما روى أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، ولأنه إتلاف مال وسفه يستحق به الحجر فلم يجبر عليه وإن كان على أحدهما ضرر دون الآخر نظرت فإن كان الضرر على الممتنع أجبر عليها، وقال أبو ثور رحمه الله تعالى: لا يجبر عليها لأنها قسمة فيها ضرر فلم يجبر عليها كما لو دخل الضرر عليهما وهذا خطأ لأنَّهُ يطلب حقا له فيه منفعة فوجبت الإِجابة إليه، وإن كان على المطلوب منه ضرر كما لو كان له دين على رجل لا يملك إلا يقضى به دينه وإن كان الضرر على الطالب دون الآخَر ففيه وجهان أحدهما أنه يجبر لأنَّهُ قسمة لا ضرر فيها على أحدهما فأجبر الممتنع كما لو كان الضرر على الممتنع دون الطالب، والثانى أنه لا يجبر وهو الصحيح لأنه يطلب ما لا يستضر به فلم يجبر الممتنع ويخالف إذا لم يكن على الطالب ضرر لأنَّهُ يطلب ما ينتفع به وهذا يطلب ما يستضر به وذلك سفه فلم يجبر الممتنع

(2)

. وإن كان دينهما دور أو أراض مختلفة في بعضها نخل وفى بعضها شجر أو بعضها يسقى بالسيح وبعضها يسقى بالناضح وطلب أحدهما أن يقسم بينهما أعيانا بالقيمة وطلب الآخَر قسمة كل عين قسم كل عين لأن كل واحد منهما له حق في الجميع فجاز له أن يطالب بحقه في الجميع وإن كان بينهما عضائد متلاصقة وأراد أحدهما أن يقسم أعيانا وطلب الآخر أن يقسم كل واحد منهما على الانفراد ففيه وجهان أحدهما أنها تقسم أعيانا كالدار الواحدة إذا كان فيها بيوت، والثانى أنه يقسم كل واحدة منها لأن كل واحدة على الانفراد فقسم كل واحد منها كالدور المتفرقة

(3)

. فإن كان بينهما دار وطلب أحدهما أن تقسم فيجعل العلو لأحدهما والسفل للآخر وامتنع الآخر لم يجبر الممتنع لأن العلو تابع للعرصة في القسمة، ولهذا لو كان بينهما عرصة وطلب أحدهما القسمة وجبت القسمة ولو كان بينهما غرفة فطلب أحدهما القسمة لم يجب ولا يجوز أن يجعل التابع في القسمة متبوعا

(4)

. وإن كان بين ملكهما عرصة حائط

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 253، ص 254 نفس الطبعة.

(2)

المهذب للإمام أبى إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى جـ 2 ص 307 في كتاب أسئلة النظم المستعذب في شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى مصر.

(3)

المرجع السابق جـ 2 ص 307 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق جـ 2 ص 307 نفس الطبعة.

ص: 186

فأراد أن تقسم طولا فيجعل لكل واحد منهما نصف الطول في كمال العرض واتفقا عليه جاز، وإن طلب أحدهما ذلك وامتنع الآخر أجبر عليها لأنَّهُ لا ضرر فيها وإن أراد قسمتها عرضا في كمال الطول واتفقا عليه جاز وإن طلب أحدهما ذلك وامتنع الآخَر ففيه وجهان أحدهما أنه لا يجبر لأنَّهُ لا تدخله القرعة لأنَّهُ إذا أقرع بينهما ربما ضار بها مال كل واحد منهما إلى ناحية ملك الآخر ولا ينتفع به، وكل قسمة لا تدخلها القرعة لا يجبر عليها كالقسمة التي فيها رد، والوجه الثاني - وهو الصحيح - أنه يجبر عليها لأنَّهُ ملك مشترك يمكن كل واحد من الشريكين أن ينتفع بحصته إذا قسم فأجبر على القسمة كما لو أراد أن يقسماها طولا، فإن كان بينهما حائط فأرادا قسمته نظري فإن أراد قسمته طولا في كمال العرض واتفقا عليه جاز، وإن أراد ذلك واحد وامتنع الآخَر ففيه وجهان أحدهما أنه لا يجبر لأنَّهُ لابدّ من قطع الحائط وفى ذلك إتلاف، والوجه الثاني أنه يجبر وهو الصحيح لأنَّهُ تمكن قسمته على وجه ينتفعان به فأجبرا علمها كالعرصة فإن أراد قسمته عرضا في كمال الطول واتفقا عليها جاز، وإن طلب أحدهما وامتنع الآخَر لم يجبر لأن ذلك إتلاف وإفساد

(1)

. وإن كان بينها أرض مختلفة الأجزاء بعضها عامر وبعضها خراب أو بعضها فوى وبعضها ضعيف أو بعضها شجر أو بناء وبعضها بياض أو بعضها يسقى بالسيح وبعضها بالناضج نظرت فإن أمكن التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه بأن يكون الجيد في مقدمها والردئ في مؤخرها فإذا قسمت بينهما نصفين صار إلى كل واحد منهما من الجيد والردئ مثل ما صار إلى الآخَر من الجيد والردئ فطلب أحدهما هذه القسمة أجبر الآخَر عليها لأنها كالأرض المتساوية الأجزاء في إمكان التسوية بينهما فيها، وإن لم تمكن التسوية بينهما في الجيد والردئ بأن كانت العمارة أو الشجر أو البناء في أحد النصفين دون الآخَر نظرت فإذا أمكن أن يقسم قسمة تعديل بالقيمة بأن تكون الأرض ثلاثين جريبا وتكون عشرة أجربة من جيدها بقيمة عشرين جريبا من رديئها فدعا إلى ذلك أحد الشريكين وامتنع الآخَر ففيه قولان أحدهما أنه لا يجبر الممتنع لتعذر التساوى في الزرع وتوقف القسمة إلى أن يتراضيا، والقول الثاني أنه يجبر لوجود التساوى بالتعديل فعلى هذا في أجرة القسام وجهان أحدهما أنه يجب على كل واحد منهما نصف الأجرة لأنهما يتساويان في أصل الملك، والوجه الثاني أنه يجب على صاحب العشرة ثلث الأجرة وعلى صاحب العشرين ثلثاها لتفاضلهما في المأخوذ بالقسمة وإن أمكن قسمته بالتعديل وقسمة الرد فدعا أحدهما إلى قسمة التعديل ودعا الآخَر إلى قسمة الرد فإن قلنا إن قسمة التعديل يجبر عليها فالقول قول من دعا إليها لأن ذلك مستحق وإن قلنا لا يجبر وقف إلى أن يتراضيا على إحداهما

(2)

. وإن كانت بينهما أرض مزروعة وطلب أحدهما قسمة الأرض دون الزرع وجبت القسمة لأن الزرع لا يمنع القسمة في الأرض فلم يمنع وجوبها كالقماش في الدار، وإن طلب أحدهما قسمة الأرض والزرع لم يجبر لأن الزرع لا يمكن تعديله فإن تراضيا على ذلك فإن كان بذرا لم يجز قسمته لأنَّهُ مجهول وإن كان قد ظهر

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 307، 308 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 308 نفس الطبعة.

ص: 187

فإن كان مما لا ربا فيه كالقصيل والقطن جاز لأنَّهُ معلوم مشاهد، وإن كان قد انعقد فيه الحب لم يجز لأنا إن قلنا إن القسمة بيع لم يجز لأنَّهُ بيع أرض وطعام بأرض وطعام ولأنه قسمة مجهول ومعلوم وإن قلنا إن القسمة فرز النصيبين لم يجز لأنَّهُ قسمة مجهول ومعلوم

(1)

. وإن كان بينهما عبيد أو ماشية أو أخشاب أو ثياب فطلب أحدهما قسمتها أعيانا وامتنع الآخَر فإن كانت متفاضلة لم يجبر الممتنع وإن كانت متماثلة ففيه وجهان أحدهما - وهو قول أبي العباس وأبى إسحاق وأبى سعيد الاصطخرى رضى الله تعالى عنهم - أنه يجبر الممتنع وهو ظاهر المذهب لأنها متماثلة، والوجه الثاني وهو قول أبى على بن خيران وأبى على بن هريرة أنه لا يجبر الممتنع لأنها أعيان مختلفة فلم يجبر على قسمتها أعيانا كالدور المتفرقة

(2)

. وإن كان بينهما منافع فأراد قسمتها مهايأة - وهو أن تكون العين في يد أحدهما مدة ثم في يد الآخَر مثل تلك المدة - جاز لأن المنافع كالأعيان فجاز قسمتها كالأعيان، وإن طلب أحدهما وامتنع الآخَر لم يجبر الممتنع، ومن أصحابنا من حكى فيه وجها آخر أنه يجبر كما يجبر على قسمة الأعيان، والصحيح أنه لا يجبر لأن حق كل واحد منهما تعجل فلا يجبر تأخيره بالمهايأة ويخالف الأعيان فإنه لا يتأخر بالقسمة حق كل واحد، فإذا عقدا على مدة اختص كل واحد منهما بمنفعة تلك المدة، وإن كان يحتاج إلى النفقة كالعبد والبهيمة كانت نفقته على من يستوفى منفعته، وإن كسب العبد كسبا معتادا في مدة أحدهما كان لمن هو في مدته

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أنه إذا كان بين شخصين حائط مشترك فأنهدم فطلب أحدهما إعادته وأبى الآخَر فهل يجبر الممتنع على إعادته قال القاضي رحمه الله تعالى: فيه روايتان إحداهما يجبر، نقلها ابن القاسم وحرب وسندى رحمهما الله تعالى، قال القاضي هي أصح، وقال ابن عقيل رحمه الله تعالى: وعلى ذلك أصحابنا وبه قال مالك رضى الله تعالى عنه في إحدى روايتيه، والشافعى في قديم قوليه واختاره بعض أصحابه وصححه لأن في ترك بنائه إضرار فيجبر عليه كما يجبر على القسمة إذا طلبها أحدهما وعلى النقض إذا خيف سقوطه عليهما، ولقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا إضرار" وهذا وشريكه يتضرران في ترك بنائه. والرواية الثانية: لا يجبر، نقل عن أحمد رضى الله تعالى عنه ما يدلُّ على ذلك وهو أقوى دليلا وهو مذهب أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه؛ لأنَّهُ ملك لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الإِنفاق عليه كما لو انفرد به ولأنه بناء حائط فلم يجبر عليه كالابتداء، ولأنه لا يخلو إما أن يجبر على بنائه لحق نفسه لو لحق جاره أو لحقيهما جميعا؛ لا يجوز أن يجبر عليه لحق نفسه بدليل ما لو انفرد به، ولا لحق غيره كما لو انفرد به جاره، فإذا لم يكن كل واحد منهما موجبا عليه فكذلك إذا اجتمعا، وفارق القسمة فإنها دفع للضرر عنهما بما لا ضرر فيه والبناء فيه مضرة لما فيه من الغرامة وإنفاق ماله، ولا يلزم من إجباره على إزالة الضرر بما لا ضرر فيه إجباره علي إزالته بما فيه ضرر بدليل قسمة ما في قسمته ضرر، ويفارق هدم الحائط إذا خيف سقوطه لأنَّهُ يخاف سقوط حائطه

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 308 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 308 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 2 ص 308 نفس الطبعة.

ص: 188

على ما يتلفه فيجبر على ما يزيل ذلك ولهذا يجبر عليه، وإن انفرد بالحائط بخلاف مسألتنا، ولا نسلم أن في تركه إضرارا فإن الضرر إنما حصل بانهدامه وإنما ترك البناء ترك لما يحصل النفع به وهذا لا يمنع الإِنسان منه بدليل حالة الابتداء، وإن سلمنا أنه إضرار لكن في الإِجبار إضرارا ولا يزال الضرر بالضرر، وقد يكون الممتنع لا نفع له في الحائط أو يكون الضرر عليه أكثر من النفع أو يكون معسرا ليس معه ما يبنى به فيكلف الغرامة مع عجزه عنها، فعلى هذه الرواية إذا امتنع أحدهما لم يجبر، فإن أراد شريكه البناء فليس له منعه منه لأن له حقا في الحمل ورسما فلا يجوز منعه منه، وله بناؤه بأنقاضه إن شاء وبناؤه بآلة من عنده، فإن بناه بآلته وأنقاضه فالحائط بينهما على الشركة كما كان لأن المنفعة عليه إنما أنفق على التالف وذلك أثر لا عين يملكها وإن بناه بآلة من عنده فالحائط ملكه خاصة وله منع شريكه من الانتفاع به ووضع خشبه ورسومه عليه لأن الحائط له، وإذا أراد نقضه فإن كان بناه بآلته لم يملك نقضه لأنَّهُ ملكهما فلم يكن له التصرف فيه بما فيه مضرة عليهما، وإن بناه بآلة من عنده فله نقضه لأنَّهُ ملكه خاصة، فإن قال شريكه أنا أدفع إليك نصف قيمة البناء ولا تنقضه لم يجبر لأنَّهُ لما لم يجبر على البناء لم يجبر على الإِبقاء، وإن أراد غير البانى نقضه أو إجبار بانيه على نقضه لم يكن له ذلك على الروايتين جميعًا لأنَّهُ إذا لم يملك منعه من بنائه فلأن لا يملك إجباره على نقضه أولى، فإن كان له على الحائط رسم انتفاع ووضع خشب قال له إما أن تأخذ منى نصف قيمته وتمكننى من انتفاعى ووضع خشبى وإما أن تقلع حائطك لنُعيد البناء بيننا فيلزم الآخَر إجابته لأنَّهُ لا يملك إبطال رسومه وانتفاعه ببنائه وإن لم يرد الانتفاع به فطالبه البانى بالغرامة أو القيمة لم يلزم ذلك لأنَّهُ إذا لم يجبر على البناء فأولى أن لا يجبر على الغرامة إلا أن يكون قد أذن في البناء والإنفاق فيلزمه ما أذن فيه، فأما على الرواية الأولى فمتى امتنع أجبره الحاكم على ذلك فإن لم يفعل أخذ الحاكم من ماله وأنفق عليه وإن لم يكن له مال فأنفق عليه الشريك بإذن الحاكم أو إذن الشريك رجع عليه متى قدر، وإن أراد بناءه لم يملك الشريك منعه، وما أنفق إن تبرع به لم يكن له الرجوع به، وإن نوى الرجوع به فهل له الرجوع بذلك؟ يحتمل وجهين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه، وإن بناه لنفسه بآلته فهو بينهما، وإن بناه بآلة من عنده فهو له خاصة، فإن أراد نقضه فله ذلك إلا أن يدفع إليه شريكه نصف قيمته فلا يكون له نقضه لأنَّهُ إذا أجبر على بنائه فأولى أن يجبر على إبقائه

(1)

. فإن لم يكن بين ملكيهما حائط قديم فطلب أحدهما من الآخَر مباناته حائطا يحجز بين ملكيهما فامتنع لم يجبر عليه رواية واحدة، وإن أراد البناء وحده لم يكن له البناء إلا في ملكه خاصة لأنَّهُ لا يملك التصرف، في ملك جاره المختص به ولا في الملك المشترك بغير ماله فيه رسم وهذا لا رسم له، ولا أعلم في هذا خلافا

(2)

. فإن كان السفل لرجل والعلو لآخر فانهدم السقف الذي بينهما طلب أحدهما المباناة من الآخَر فامتنع فهل يجبر الممتنع على ذلك

(1)

المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسن بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 5 ص 45 وما بعدها إلى ص 47 في كتاب أسئلة الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثانية طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 47 نفس الطبعة.

ص: 189

على روايتين كالحائط بين البيتين، وللشافعى رضى الله تعالى عنه قولان كالروايتين، وإن انهدمت حيطان السفل فطالبه صاحب العلو بإعادتها فعلى روايتين إحداها: يجبر وهو قول مالك وأبى ثور وأحد قولى الشافعي، فعلى هذه الرواية يجبر على البناء وحده لأنَّهُ ملكه خاصة، والرواية الثانية: لا يجبر، وهو قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وإن أراد صاحب العلو بناءه لم يمنع من ذلك على الروايتين جميعًا، فإن بناه بآلته فهو على ما كان وإن بناه بآلة من عنده فقدروى عن أحمد رضى الله تعالى عنه لا ينتفع به صاحب السفل، يعنى حتَّى يؤدى القيمة فيحتمل أن لا يسكن - وهو قول أبى حنيفة - لأن البيت إنما يبنى للسكنى فلم يملكه كغيره، ويحتمل أنه أراد الانتفاع بالحيطان خاصة من طرح الخشب وسمر الوتد وفتح الطاق، ويكون له السكنى من غير تصرف في ملك غيره - وهذا مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه - لأن السكنى إنما هي إقامته في فناء الحيطان من غير تصرف فيها فأشبه الاستظلال بها من خارج، فأما إن طالب صاحب السفل بالبناء وأبى صاحب العلو ففيه روايتان إحداهما: لا يجبر على بنائه ولا مساعدته - وهو قول الشافعي - لأن الحائط ملك صاحب السفل مختص به فلم يجبر غيره على بنائه ولا المساعدة فيه كما لو لم يكن عليه علو. والرواية الثانية: يجبر على مساعدته والبناء معه - وهو قول أبى الدرداء رضى الله تعالى عنه - لأنَّهُ حائط يشتركان في الانتفاع به أشبه الحائط بين الدارين

(1)

. فإن كان بين البيتين حائط لأحدهما فانهدم فطاب أحدهما من الآخَر بناءه أو المساعدة في بنائه فامتنع لم يجبر لأنَّهُ إن كان الممتنع مالكه لم يجبر على بناء ملكه المختص به كحائط الآخر، وإن كان الممتنع الآخَر لم يجبر على بناء ملك غيره ولا المساعدة فيه، ولا يلزم على هذا حائط السفل حيث يجبر صاحبه على بنائه مع اختصاصه بملكه لأن الظاهر أن صاحب العلو ملكه مستحق لإِبقائه على حيطان السفل دائما فلزم صاحب السفل تمكينه مما يستحقه وطريقة البناء فلذلك رجب، بخلاف مسألتنا، وإن أراد صاحب الحائط بناءه أو نقضه بعد بنائه لم يكن لجاره منعه لأنَّهُ ملكه خاصة، وإن أراد جاره بناءه أو نقضه أو التصرف فيه لم يملك ذلك لأنَّهُ لا حق له فيه

(2)

. ومتى هدم أحد الشريكين الحائط المشترك أو السقف الذي بينهما نظرت فإن كان إنما هدمه لأنَّهُ خيف سقوطه ووجب هدمه فلا شئ على هادمه ويكون كما لو انهدم بنفسه لأنَّهُ فعل الواجب وأزال الضرر الحاصل بسقوطه، وإن هدمه لغير ذلك فعليه إعادته سواء هدمه لحاجة أو غيرها وسواء التزم إعادته أو لم يلتزم لأن الضرر حصل بفعله فلزمه إعادته

(3)

. فإن كان بينهما نهر أو قناة أو دولاب أو ناعورة أو عين فاحتاج إلى عمارة ففى إجبار الممتنع منهما روايتان، وَحُكِىَ عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه أنه يجبر هاهنا على الإنفاق لأنَّهُ لا يتمكن شريكه من مقاسمته فيضر به بخلاف الحائط فإنه يمكنهما قسمة العرصة، والأولى التسوية لأن في قسمة العرصة إضرارا بهما والإِنفاق أرفق بهما فكانا سواء، والحكم في الدولاب والناعورة كالحكم في الحائط على ما ذكرناه، وأما البئر والنهر فلكل واحد منهما

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 47 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 47، ص 48 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 5 ص 48، ص 49 نفس الطبعة.

ص: 190

الإنفاق عليه، وإذا أنفق عليه لم يكن له منع الآخَر من نصيب من الماء لأن الماء ينبع من ملكيهما وإنما أثر أحدهما في نقل الطين منه وليس له فيه عين مال فأشبه الحائط إذا بناه بآلته، والحكم في الرجوع بالنفقة كحكم الرجوع في النفقة على الحائط على ما مضى

(1)

. وإذا كانت بينهما عرصة حائط فاتفقا على قسمها طولا جاز ذلك سواء اتفقا على قسمها طولا أو عرضا لأنها ملكهما ولا تخرج عنهما وإن اختلفا فطلب أحدهما قسمها وهو أن يجعل له نصف الطول في جميع العرض وللآخر مثله فقال أصحابنا رضى الله تعالى عنهم: يجبر الممتنع على القسمة - وهو مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه - لأن ذلك لا يضر فإذا اقتسما اقترعا فكان لكل واحد منهما ما تخرج به القرعة، فإن كان مبنيا فلا كلام وإن كان غير مبنى كان لكل واحد منهما أن يبنى في نصيبه، وإن أحب أن يدخل بعض عرصته في داره فعل، وإن أحب أن يزيد في حائطه من عرصته فعل ويحتمل أن لا يجبر على القسمة لأنها توجب اختصاص كل واحد منهما ببعض الحائط المقابل لملك شريكه وزوال ملك شريكه فيتضرر لأنَّهُ لا يقدر على حائط يستر ملكه وربما اختار أحدهما أن لا يبنى حائطه فيبقى ملك كل واحد منهما مكشوفا أو يبنيه ويمنع جاره من وضع خشبه عليه وهذا ضرر لا يرد الشرع بالإِجبار عليه، فإن قيل: فإذا كان مشتركا تمكن أيضًا من منع شريكه وضع خشبه عليه؟ فلنا إذا كان له عليه رسم وضع خشبه أو انتفاع به لم يملك منعه من رسمه وهاهنا يملك منعه بالكلية، وأما إن طلب قسمها عرضا وهو أن يجعل لكل واحد منهما نصف العرض في كمال الطول نظرنا فإن كانت العرصة لا تتسع لحائطين لم يجبر الممتنع من قسمها واختلفوا واختار ابن عقيل رحمه الله تعالى أنه يجبر وهو ظاهر كلام الشافعي رضى الله تعالى عنه لأنها عرصة فأجبر على قسمها كعرصة الدار، ويدل لنا أن في قسمها ضررا فلم يجبر الممتنع من قسمها عليه كالدار الصغيرة وما ذكروه ينتقض بذلك وإن كانت تتسع لحائطين بحيث يحصل لكل واحد منهما ما يبنى فلِه حائطا ففى إجبار الممتنع وجهان أحدهما: يجبر، قاله أبو الخطاب رحمه الله تعالى لأنَّهُ لا ضرر في القسمة لكون كل واحد منهما يحصل له ما يندفع به حاجته فأشبه عرصة الدار التي يحصل لكل واحد منهما ما يبنى فيه دارا، والوجه الثاني: لا يجبر، ذكره القاضي رحمه الله تعالى لأن هذه القسمة لا تقع فيها قرعة لأننا لو أفرغنا بينهما لم نأمن أن تخرج قرعة كل واحد منهما على ما يلى ملك جاره فلا ينتفع به، فلو أجبرناه على القسمة لأجبرناه على أخذ ما يلى داره من غير قرعة، وهذا لا نظير له، ولأصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم وجهان كهذين. ومتى اقتسما العرصة طولا فبنى كل واحد منهما لنفسه حائطا وبقيت بينهما فرجة لم يجبر أحدهما على سدها ولم يمنع من سدها لأن ذلك يجرى مجرى بناء الحائط في عرصته

(2)

. وإن كان بينهما حائط فاتفقا على قسمته طولا جاز ويعلم بين نصيبيهما بعلامة، وإن اتفقا على قسمته عرضا فقال أصحابنا يجوز القسمة لأن الحق لهما لا يخرج عنهما فأشبه العرصة ويحتمل أن لا تجوز القسمة لأنها لا تكون إلا بتمييز نصيب أحدهما من الآخَر

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 52 ص 53 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 53 نفس الطبعة.

ص: 191

بحيث يمكنه الانتفاع بنصيبه دون نصيب صاحبه، وهاهنا لا يتميز ولا يمكن انتفاع أحدهما بنصيبه منفردا لأنَّهُ إن وضع خشبة على أحد جانبى الحائط كان ثقله على الحائط كله، وإن فتح فيه طاقا يضعفه ضعف كله، وإن وقع بعضه تضرر النصيب الآخر، وإن طلب أحدهما قسمه وأبى الآخَر فذكر القاضي رحمه الله تعالى أن الحكم في الحائط كالحكم في عرصته سواء، ولا يجبر على قسم الحائط إلا أن يطلب أحدهما قسمه طولا، ويحتمل أن لا يجبر على قسمه أيضًا وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنهما إن قطعاه بينهما فقد أتلفا جزءا من الحائط، ولا يجبر الممتنع من ذلك كما لو كان بينهما ثوب فطلب أحدهما قطعه، وإن لم يقطع وعلما علامة على نصفه كان انتفاع أحدهما بنصيبه انتفاعا بنصيب الآخَر، ووجه الأول أنه يجبر على قسم الدار وقسم حائطها المحيط بها وكذلك قسم البستان وحائطه ولا يجبر على القطع المضر بل يعلمه بخط بين نصيبهما ولا يلزم من ذلك انتفاع أحدهما بنصيب الآخَر وأن اتصل به بدليل الحائط المتصل في دارين

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن القسمة جائزة في كل حق مشترك إذا أمكن وعلى حسب ما يمكن، ويجبر الممتنع منهما عليها ويوكل للصغير والمجنون والغائب من يعزل له حقه لما ذكرنا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى كل ذى حق حقه، فوجب أن ينفذ ذلك ويقضى به لكل من طلب حقه

(2)

. ولا يجوز أن يجبر أحد من الشركاء على بيع حصته مع شريكه أو شركائه ولا على تقاومهما الشئ الذي هما فيه شريكان أصلا كان مما ينقسم أو مما لا ينقسم من الحيوان لكن يجبران على القسمة إن دعا إليها أحدهما أو أحدهم أو تقسم المنافع بينهما إن كان لا تمكن القسمة، ومن دعا إلى البيع قيل له: إن شئت فبع حصتك وإن شئت فأمسك وكذلك شريكك إلا أن يكون في ذلك إضاعة للمال بلا شئ من النفع فيباع حينئذ لواحد كان أو لشريكين فصاعدا إلا أن يكونا اشتركا لتجارة فيجبر على البيع هاهنا خاصة من أباه، برهان ذلك قول الله عز وجل:"لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم"

(3)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فصح بهذا أنه لا يحل أن يخرج مال أحد عن ملكه بغير تراض منه والإِجبار على البيع إخراج للمال عن صاحبه إلى من هو حرام عليه بنص القرآن الكريم والسنة النبوية وهذا ظلم لا شكَّ فيه، فإن قيل: إن في ترك أحدهما البيع ضررا بانتقاص قيمة حصة الآخَر قلنا: لا ضرر في ذلك بل الضرر كله هو أن يجبر المرء على إخراج ملكه عن يده فهذا الضرر هو المحرم لا ضرر إنسان بأن إلا ينفذ له هواه في مال شريكه، وقد وافقنا المخالفون هاهنا على أن من له قطعة أرض أو دار صغيرة إلى جنب أرض أو دار لغيره لو بيعتا معا لتضاعفت القيمة لهما وإن بيعتا متفرقتين نقصت القيمة أنه لا يجبر أحد على ذلك إن أباه

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 53 نفس الطبعة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى جـ 8 ص 28 مسألة رقم 1248، 1249 بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

(3)

الآية رقم 4 من سورة النساء.

ص: 192

فمن أين وقع لهم هذا الحكم في المشترك من الأموال دون المقسوم منها؟ وقولهم هاهنا عار من الأدلة كلها وظلم الاخفاء به

(1)

. ومن كانت بينهما سلع مشتركة ابتاعاها للبيع فأراد أحدهما البيع أجبر شريكه على البيع لأنهما على ذلك تعاقدا الشركة فإن لم تكن للبيع لم يجبر على البيع من لا يريده لأنَّهُ لم يوجب ذلك نص، ومن كانت بينهما دابة أو عبد أو حيوان أجبرا على النفقة وعلى ما فيه صلاح كل ذلك ومن كانت بينهما أرض لم يجبر من لا يريد عمارتها على عمارها لكن يقتسمانها ويعمر من شاء حصته لقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"من كانت له أرض فليزرعها أو فليزرعها أو ليمسك أرضه" ومن كانت بينهما دار أو رحى أو مال ينقسم أجبرا على الاصلاح لنهى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ولكل أوامره حقها من الطاعة لا يحل ضرب بعضها ببعض وبيع الشريك فيما اشتركا فيه للبيع جائز على شريكه وابتياعه كذلك لأنهما على ذلك تعاقدا فكل واحد منهما وكيل للآخر، فإن تعدى ما أمره به فباع بوضيعة أو إلى أجل أو اشترى عيبا فعليه ضمان كل ذلك لأنه لم يوكله بشئ من ذلك فلا يجوز له في مال غيره إلا ما أباحه له، ولا يجوز إقرار أحدهما على الآخَر في غير ما وكله به من بيع أو ابتياع لقول الله عز وجل:"ولا تكسب كل نفس إلا عليها"

(2)

، وكل واحد منهما إذا أراد الانفصال فله ذلك، ولا تحل الشركة إلى أجل مسمى لأنَّهُ شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في شرح الأزهار وحواشيه أن الممتنع من القسمة يجبر عليها بشرطين أحدهما: توفية النصيب من الجنس المقسوم فلا يعطى في توفية نصيبه من الأرض دراهم بل يوفى من الأرض وكذلك ما أشبهه إلا فيما كان الطريق إلى قسمته المهايأة كالثوب والحيوان ونحوهما مما لا يمكن توفية النصيب من جنسه فيجبر الممتنع من توفية من غير الجنس. والشرط الثاني من شرطى إجبار الممتنع من القسمة أن لا تقسم قسمة تتبعها قسمة، يعنى أنه لا يجبر الممتنع على قسمة تتبعها قسمة بأن يكونوا ثلاثة شركاء وأنصباؤهم نصف وثلث وسدس فيقتسمون أسداسا للأول ثلاثة أسداس وللثانى سدسين وللثالث سدس، فإذا قسمت أسداسا أجبر الممتنع لأنها لا تتبعها قسمة في ذلك فإن قسمها نصفين أسدادا للأول ثلاثة أسداس وللثانى سدسان وللثالث سدس، فإذا قسمت أسداسا أجبر الممتنع لأنها لا تتبعها قسمة في ذلك فإن قسمها نصفين لم يجبر رب الثلث والسدس لأنَّهُ يتبع نصيبهما قسمة فيما بينهما وكذلك ما أشبه ذلك

(4)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء فى الروضة البهية أن الشريك يجبر على القسمة لو التمس شريكه القسمة ولا ضرر ولا رد - والمراد بالضرر نقص قيمة الشقص بها عنه منضما نقصا فاحشا على ما اختاره صاحب اللمعة الدمشقية في الدروس، وقيل: مطلق نقص القيمة، وقيل: عدم الانتفاع به

(1)

المحلى لابن حزم جـ 8 ص 130 مسألة رقم 1251 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 6 من سورة الأنعام.

(3)

المحلى لأبى محمد على بن حزم جـ 8 ص 126، ص 127 مسألة رقم 1247 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح جـ 3 ص 383، ص 384 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 193

منفردا، وقيل عدمه على الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة، والأجود الأول - ولو تضمنت ردا أي دفع عوض خارج عن المال المشترك من أحد الجانبين لم يجبر الممتنع منهما لاستلزامه المعاوضة على جزء من مقابله صوريا أو معنويا وهو غير لازم، وكذا لا يجبر الممتنع لو كان فيها ضرر، كالجواهر والعضائد الضيقة والسيف، والضرر في هذه المذكورات يمكن اعتباره بجميع المعانى. عدا الثالث في السيف فإنه ينتفع بقسمته غالبًا في غيره مع نقص فاحش. فلو طالب أحد الشريكين المهايأة وهى قسمة المنفعة بالأجزاء أو بالزمان جاز، ولم يجب إجابته، سواء كان مما يصح قسمته إجبارا أو لا، وعلى تقدير الإجابة لا يلزم الوفاء بها، بل يجوز لكل منهما فسخها، فلو استوفى في أحدهما نفسخ الآخَر أو هو كان عليه أجرة حصة الشريك (1).

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أن الشركاء يتجابرون على القسمة إن طلبت وأمكنت بلا فساد، ولا إجبار على قسمة ما لا تمكن فيه إلا بفساده، وقيل في جميع ما اشترك يجبر الشركاء على ما يفصل بينهم ولو لم تمكن القسمة أو اختلف الجنس لأن القسمة تمكن إما في العين أو بالمنافع أو بالبيع. ومذهب جمهور الأمة على أنه لا جبر في قسمة المنافع، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه بالجبر عليها، قال أبو زكريا رحمه الله تعالى: من استمسك برجل على قسمة الأصل فلا يسترد وله الجواب حتَّى يذكر أنهما اشتركا في ذلك بالهبة أو غير ذلك ولا يلزمه ذكر البائع أو الواهب أو نحو ذلك إلا أن اشتركا بالإِرث فلا يسترد حتَّى يقول اشتركناه بالإِرث عن فلان، وإن أقر المدعى عليه جبره الحاكم على القسمة بالحبس إن أبى ولا يجبر الحاكم العقيدين على القسمة فيما بينهما. والذي عندى أنه يجبرهما لأنَّهُ إن أراد أحدهما القسمة ومنع منها كان ضررا عليه والضرر لا يحل، ووجه عدم الجبر أن العقيدين كالإنسان الواحد في كل ما يتعلق بالمال، والقسمة إنما هي بين اثنين، وإذا قسما شيئًا أو حدث لأحدهما مال فليسا عقيدين فحينئذ يجبران ويؤخذ الأب على قسمة مال ابنه الطفل أو المجنون من طفوليته وقيل ولو جن بعد البلوغ، وعلى الأول تتخلف العشيرة أو القاضي أو نحوه لمن جن بعده ويجبر خليفة الغائب واليتيم ونحوهما على ما حدث بعد الاستخلاف، قال أبو زكريا رحمه الله تعالى: يجبر خليفة الغائب واليتيم فيما ورثه الغائب بعد غيبته، ولا يجبر على قسمة مال قوم اختلط بنحو سيل أو ريح من الحب والسوالع وغيرها من غير شركة عقدوها، وعلى الحاكم أن يحكم بقسم الأموال إذا طلبه الشركاء إليه وليس عليه أن يتولاه بينهم، وجاز له حبس ممتنع منه بعد أن طلب حتى يفعله، ولا يجبر الحاكم قاسما يقسمه بين الشركاء وإن لم يكن للشريك قائما بالعدل ينصف له وقد أبى شريكه أخذ سهمه بالكيل أو الوزن مما يكال أو يوزن أو بالعدد مما يعد وترك سهم شريكه ولا يضمنه ولو تركه في فلاة بعد أن يحتج عليه برجل إن حضر وإن غاب فبرجلين، وقيل يجوز بواحد، فإن كان المشترك عبدا أو أمة أو دابة أو آلة خدمة استعمله منابه وإن كان منزلا سكنه أو أكرى ذلك وأخذ منابه من الكراء وحفظ سهم شريكه

ص: 194

ولا نحب إلا أن يحفظه

(1)

. وإذا أبى الشركاء من قسمة الأرض حرثها من أراد القسمة ببذرهم فيأخذوا مقداره وما صرفوا من المؤنة ثم حصصهم. والمشترك منه ما يقسم جبرا وصلحا كالأرض والسدر والبستان ونحوها، ومنه ما لا يصح فيه القسم كاللؤلؤة والجوهرة، ومنه ما يقسم صلحا لا جبرا كالبناء المنفرد والسفينة، فإذا كان عبدا أو دارا بين الشركاء وكل يريد استخدامه أو سكنها أولًا قيل يجبرون على الاقتراع، وقيل يجبرون على بيعه، ولا تكون القسمة فيما لرجل واحد من جميع الوجوه مثل من علق ماله في يد رجل بالرهن أو بالوصية فكان الفضل فيه عن حقه الذي كان في يده فلا يدرك عليه أن يقتسم مع من له ذلك المال حتَّى يستوفى ما رهن وينفذ ما كان فيه من وصية

(2)

. وإن اقتسما دارا على أن يبنيا بينهما حائطا ولو في سهم أحدهما جازت، فمن أبى من البناء أجبر عليه لئلا يرى كل منهما ما بدار صاحبه فيطيلان البناء حتَّى لا يرى ذلك كما يفيده التعليل وإن اتفقا على أن يبنيا أقل من ذلك أو أكثر جاز ألا ترى أنهما لو لم يتفقا على البناء لم يدركه أحدهما على الآخَر فيستتر كل منهما في داخل بيوته وذلك بحسب العادة، فلو اعتيد البناء في بلد لزم البناء ولو لم يشترطاه كما في بلادنا هذه، وفى الأثر يبنى بينهما قدر القامة الوسطى وجدا ذلك أو لم يجداه قبل، وإن شرط أحدهما على الآخَر أن يبنى بينهما وحده في قسط من المقسوم جاز. وإن لم يذكرا بناء بينهما لم يبن كل منهما بينه وبين صاحبه إلا باتفاقهما، وإن بدآ في البنيان على غير شرط كان في القسمة فبدا لأحدهما قبل أن يتماه فلا يدرك عليه شريكه إتمامه في الحكم

(3)

. وإن انهدم حائط دار من ناحية أحدهما وحده لا مما يلى الآخَر وهو حائط يلى الطريق أو الصحراء وليس بينهما بعد القسمة أجبر على بنائه لسد ضرر السرقة والدواب والعيون وغير ذلك كالماء، ويبنيه وحده إلا ان قسماها أولًا على أن يبنيا بينهما حائطا أو أن يبنيه أحدهما فانهدم من ناحية أحدهما وذلك الحائط الذي ليس بينهما أجبر على بناء ما بينهما إن كان لم يبن، وذلك أنهما يبنيان معا، فإن أبى الذي انهدم الحائط الآخر من جهته أن يبنى مع المقتسم ما بينهما أجبر، وإن كانت القسمة على أن يبنى وحده أجبر على البناء وحده، وكذا إن أبى المقتسم حيث لزمهما، وإن كان حين انهدم من ناحية أحدهما ما بينهما مبنيا لا يتضرر بانهدام ما هو من جهة الآخَر فلا يجبر على بنائه، وإن انهدم من جهة أحدهما ولا يتضرر المقاسم الآخَر لم يجبر على بنائه، وكذا إن انكسر فدان من ناحيته بعد القسمة أجبر على بنائه وحده إن كان في انكساره ضرر على الآخر من ذهاب الماء أو دخول السارق أو الدابة أو نحو ذلك إلا إن قسما على أن يبنيا معا كل ما انكسر ولو من جهه غيره فيبنيان معا أو قسما على عمل جسر بينهما تجابرا على عمل الجسر دون غيره مما انكسر من جانب أحدهما، وإن قسما على أن يبنيه أحدهما فقط في قسط فعلى شرطهما

(4)

. ولو دعا شخص شريكه إلى حاكم في قسمة أصل بينهما بنحو إرث أو هبة أو شراء فإن أقر بالشركة وجهة الاشتراك أجبر على القسمة بالحبس إن أبى كما قال أبو زكرياء رحمه

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 5 ص 348، ص 349 طبع محمد بن يوسف الباروني.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 374، ص 375 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 5 ص 375، ص 376 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق جـ 5 ص 375، 376 نفس الطبعة.

ص: 195

الله تعالى إذا أمكنت، وإن أقر بالشركة وأنكر الجهة فلا يجبرهما حتَّى يبنيها مثل أن يقول اشتركنا بالهبة ويقول الآخَر ليس بها أو يقول بل بكذا

(1)

. وإن طلب من حاكم إغلاق بيوت أو دور تركها مورثهم جاز له ذلك الطلب فيغلقها الحاكم إن صحت للموروث، وكذا كل ما ترك موروثهم يعطل إن أراد أحدهم تعطيله إذا أبى غيره القسمة وقد أمكنت وسجن آبيا من القسمة حتَّى ينعم بالقسمة، ثم إن خاف تعطيلا طلب إليه محيلا، ولا يرفع غير الآبى يده من المشترك بترك القسمة بأن يقول إنه امتنع فأنا أمضى في سبيلى حيث شئت كالسفر لا يجد ذلك بل يبقى على إرادة القسمة والتهيؤ لها حتَّى ينعم بها ذلك الذي أباها سواء سجن أو لم يسجن إن جعلوا في المشترك أيديهم بأن تهيأوا لقسمته وكذا إن لم يتهيأوا لكن اقتصر على الأول لأنَّهُ الذي يتوهمون التوسع حيث تهيأوا فلم يجدوا من الممتنع إجابة، ويحتمل أنه يريد أنه لا يرفع غيره يده من القسمة إن أثبتوا أيديهم فيه وبقوا على دعوى ملكه ولم ينفوا أنفسهم منه وأولى من ذلك كله أن يكون المراد أنهم يبقون على الانتفاع من ذلك المشترك إذا كانوا ينتفعون منه قبل إبائه وإن قيل له اخرج منه نقسم وإذا سجن الآبى لم يجز لغيره السفر لأن سفره نقض لحكم الحاكم بالسجن وإن لم يسجن وأبى وأراد ثان أن يسافر وهو مذعن لم يجد السفر إن أبى الثالث

(2)

.

‌حكم الامتناع من تسليم المرهون

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن وقت وجوب تسليم المرهون إلى الراهن هو ما بعد قضاء الدين، يقضى الدين أولًا ثم يسلم الرهن لأن الرهن وثيقة، وفى تقديم تسليمه إبطال الوثيقة، ولأنه لو سلم الرهن أولًا فمن الجائز أن يموت الراهن قبل قضاء الدين فيصير المرتهن كواحد من الغرماء فيبطل حقه فلزم تقديم قضاء الدين على تسليم الرهن إلا أن المرتهن إذا طلب الدين يؤمر بإحضار الرهن أولًا ويقال له أحضر الرهن إذا كان قادرا على الإحضار من غير ضرر زائد، ثم يخاطب الراهن بقضاء الدين لأنَّهُ لو خوطب بقضائه من غير إحضار الرهن ومن الجائز أن الرهن قد هلك وصار المرتهن مستوفيا دينه من الرهن فيؤدى إلى الاستيفاء مرتين. وكذلك المشترى يؤمر بتسليم الثمن أولًا إذا كان دينا ثم يؤمر البائع بتسليم المبيع، إلا أن البائع إذا طالبه بتسليم الثمن يقال له أحضر المبيع لجواز أن المبيع قد هلك وسواء كان عين الرهن قائما في يد المرتهن أو كان في يده بدله بعد أن كان البدل من خلاف جنس الدين، نحو ما إذا كان المرتهن مسلطا على بيع الرهن فباعه بخلاف جنس الدين أو قتل الرهن خطأ وقضى بالدية من خلاف جنس الدين فطالبه المرتهن بدينه كان للراهن أن لا يدفع حتَّى يحضره المرتهن؛ لأن البدل قائم مقام المبدل فكان المبدل قائم، ولو كان قائما كان له أن يمنع ما لم يحضره المرتهن، فكذلك إذا قام البدل مقامه، ولو كان الرهن على يدى عدل وجعلا للعدل أن يضعة عند من أحب وقد وضعه

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 377، ص 378 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 379، ص 370 نفس الطبعة.

ص: 196

عند رجل فطلب المرتهن دينه أجبر الراهن على قضاء الدين ولا يكلف المرتهن بإحضار الرهن لأن قضاء الدين واجب على الراهن على سبيل التضييق إلا أنه رخص له التأخير إلى غاية إحضار الدين عند القدرة على الإحضار وهنا لا قدرة للمرتهن على إحضاره لأن للعدل أن يمنعه عنه، ولو أخذه من يده جبرا كان غاصبا، وإذا سقط التكليف بالإحضار زالت الرخصة فيخاطب بقضاء الدين، وكذلك إذا وضعا الرهن على يد عدل فغاب العدل بالرهن ولا يدرى أين هو لا يكلف المرتهن بإحضار الرهن ويجبر الراهن على قضاء الدين لما ذكرناه ولو كان الرهن في يد المرتهن فالتقيا في بلد آخر فطالب المرتهن الراهن بقضاء دينه، فإن كان الدين مما له حمل ومؤنة يجبر الراهن على قضاء الدين ولا يجبر المرتهن على إحضار الرهن لما ذكرنا من أن قضاء الدين واجب عليه على سبيل التضييق والتأخير إلى وقت الإحضار للضرورة التي ذكرناها عند القدرة على الإحضار من غير ضرر زائد، والمرتهن هنا لا يقدر على الإِحضار إلا بالمسافرة بالرهن أو بنقله من مكان العقد وفيه ضرر بالمرتهن فسقط التكليف بالإِحضار. ولو ادعى الراهن هلاك الرهن فقال المرتهن لم يهلك. فالقول قول المرتهن مع يمينه لأن الرهن كان قائما والأصل في الثابت بقاؤه فالمرتهن يستصحب حالة القيام والراهن يدعى زوال تلك الحالة، والقول قول من يدعى الأصل لأن الظاهر شاهد له ولأن الراهن بدعوى الهلاك يدعى على المرتهن استيفاء الدين وهو منكر فكان القول قوله مع يمينه ويحلف على البتات لأنَّهُ يحلف على فعل نفسه وهو القبض السابق لأن المرتهن لا يصير مستوفيا بالهلاك لأنَّهُ لا صنع له فيه بل بالقبض السابق وذلك فعله بخلاف ما إذا كان الرهن عند عدل. فغاب بالرهن فاختلف الراهن والمرتهن في هلاك الرهن أن هناك يحلف المرتهن على العلم لا على البتات لأن ذلك تحليف على فعل غيره وهو قبض العدل فتعذر التحليف على البتات فيحلف على العلم كما لو أدعى الراهن أنه أوفى الدين وكيل المرتهن والمرتهن ينكر، أنه يحلف على العلم لما ذكرنا، كذا هذا، وإن كان الرهن مما لا حمل له ولا مؤنة فالقياس أنه يجبر على قضاء الدين، وفى الاستحسان لا يجبر ما لم يحضر المرتهن الرهن لأنَّهُ ليس في إحضاره ضرر زائد (وعلى هذا الأصل مسائل في الزيادات)، ولو اشترى شيئا ولم يقبضه ولم يسلم الثمن حتَّى لقيه البائع في غير مصره الذي وقع البيع فيه فطالبه بالثمن وأبى المشترى حتَّى يحضر المبيع لا يجبر المشترى على تسليم الثمن حتَّى يحضر البائع المبيع سواء كان له حمل ومؤنة أو لم يكن، فرق بين البيع والرهن، ووجه الفرق أن البيع معاوضة مطلقة والمساواة في المعاوضات المطلقة مطلوبة عادة وشريعة، ولا تتحقق المساواة من غير إحضار المبيع بخلاف الرهن لأنَّهُ ليس بمعاوضة مطلقة، وإن كان فيه معنى المعاوضة فلا يلزم اعتبار المساواة بين المرهون والمرهون به وهو الدين في هذا الحكم

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإِكليل نقلا عن المدونة أن الشخص إن باع من رجل سلعة على أن يرهنه عبده ميمونا بحقه ففارقه المشترى قبل أن يقبض

(1)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 6 ص 153، ص 154 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

ص: 197

البائع الرهن لم يبطل الرهن، وللبائع أن يأخذه منه رهنا ما لم يقم عليه الغرماء، وقال ابن الحاجب في الكافى: إن شرط رهنا مطلقًا بغير عينه ثم أبى المشترى من دفعه خير البائع في إمضاء البيع بغير رهن وفى فسخه. قال ابن عرفة: قول ابن الحاجب يخير البائع وشبهه في الفسخ في غير المعين وهو مدلول قول المدونة

(1)

. قال صاحب مواهب الجليل: وإذا باع الراهن الرهن قبل أن يقبضه المرتهن، فإن كان بتفريط منه مضى البيع وليس له أخذه برهن آخر، قاله في المدونة، قال في التوضيح: وأما إذا كان المرتهن لم يفرط، وإنما بادر الراهن إلى البيع ففى إمضاء البيع كما في التفريط وعدم إمضائه تأويلان. وقال ابن رشد رضى الله عنه: أنه ليس له رد البيع وإنما له فسخ البيع عن نفسه لأنَّهُ إنما دخل على ذلك الرهن بعينه ذكر ذلك في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب الرهون

(2)

. قال في المدونة: وإذا تعدى المرتهن فباع الرهن أو وهبه فلربه رده حيث وجده فيأخذه ويدفع ما عليه فيه ويتبع المبتاع بائعه فيلزمه بحقه، قال اللخمى رحمه الله تعالى: يريد إذا بيع بعد الأجل فيدفع الراهن للمرتهن ما عليه ويأخذ رهنه ويتبع المشترى المرتهن بالثمن، وإن كان وهبه دفع الدين للمرتهن وأخذه من الموهوب له ولا شئ للموهوب له على الواهب، وإن غاب المرتهن واختلف الدين والثمن فإن كان الدين أكثر دفع إلى المشترى ثمنه ووقف السلطان الفضل، وإن كان الثمن أكثر أخذ الدين واتبع البائع بالفضل وإن باعه بعرض أو مكيل أو موزون ثم غاب فإن السلطان يقبض الدين من الراهن ويدفع إليه الرهن ويشترى من الدين مثل ما قبضه المرتهن من المشترى، فإن فضل للغائب شئ وقف له وإن فضل عليه شئ اتبع به وإن كان باعه بعرض دفع قيمته. وقال ابن يونس رحمه الله تعالى: يريد أنه باعه بعد الأجل، وأما إن باعه قبل حلول الأجل فيخير الراهن في إجازة البيع وقبض الثمن ولا يرده للمرتهن ويجعله بيد عدل رهنا إلى أجله إلا أن يأتى برهن ثقة فله قبض الثمن ويوقف له الرهن وكذلك إن أراد البيع فإن الرهن يوقف بيد عدل لئلا يبيعه ثانية. قال الحطاب: ويؤخذ من كلام اللخمى المتقدم أن المرتهن إذا غاب وكان الرهن موجودا وحل الأجل فيقبض السلطان الدين من الراهن للمرتهن ويدفع الرهن للراهن وهو بين. قال في التوضيح: وإذا رفع المرتهن الأمر إلى الحاكم أمره بالوفاء فإن لم يكن عنده شئ وقال صاحب البيان أو ألد أو غاب باع الحاكم عليه الرهن بعد أن يثبت عنده الدين والرهن، وقال في البيان: اختلف، هل عليه أن يثبت ملك الراهن له؟ على قولين يتخرجان على المذهب، وذلك عندى إذا أشبه أن يكون له، وأما إن لم يشبه كرهن الرجل حليا أو ثوبا لا يشبه لباسه وكرهن المرأة سلاحا فلا يبيعه إلا السلطان بعد إثبات الملك

(3)

. وروى صاحب التاج والإكليل عن المدونة أن من ارتهن نخلا ببئرها أو زرعا أخضر ببئره فانهارت البئر فأبى الراهن أن يصلح فأصلحها

(1)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدوى الشهير بالمواق جـ 5 ص 17 في كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب جـ 5 ص 19 في كتاب على هامشه التاج والإكليل للمواق الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق جـ 5 ص 23 نفس الطبعة.

ص: 198

المرتهن لخوف هلاك الزرع أو النخل فلا رجوع له بما أنفق على الراهن ولكن يكون ذلك في الزرع وفى رقاب النخل يبدأ فيه بنفقته فما فضل كان في دينه فإن بعد ذلك شئ كان لربه، قال ابن يونس رحمه الله تعالى: وينبغى أن يكون أحق بنفقته وبمقدار دينه من الغرماء كافتدائه العبد الرهن إذا جنى. وروى عن المدونة أيضًا أن الراهن إذا خاف هلاك الزرع وأبى المرتهن أن ينفق فيه فأخذ مالا من أجنبى فأنفقه فيه فالأجنبى أحق بمبلغ نفقته من ثمن الزرع من المرتهن وما فضل كان للمرتهن، فإن لم يفضل منه شئ رجع المرتهن بدينه على الراهن. قال ابن يونس وذلك إذا شرط أن نفقته فيه وإلا فلا يكون أحق بذلك لأنَّهُ سلف في ذمة الراهن

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في المهذب أن الراهن إذا امتنع من تسليم الرهن أو انفسخ العقد قبل القبض نظرت فإن كان الرهن غير مشروط في العقد على البيع بقى الدين بغير رهن، وإن كان الرهن مشروطا في البيع ثبت للبائع الخيار بين أن يمضى البيع من غير رهن أو يفسخه لأنَّه دخل في البيع بشرط أن يكون له بالثمن وثيقة ولم تسلم له فثبت له الخيار بين الفسخ والإمضاء

(2)

، ويجوز أن يجعل الرهن في يد المرتهن ويجوز أن يد عدل لأن الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه من ذلك، فإن كان المرهون أمة لم توضع إلا عند امرأة أو عند محرم لها أو عند من له زوجة لقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"لا يخلو أحدكم بامرأة ليست له بمحرم فإن ثالثهما الشيطان"، فإن جعل الرهن على يد عدل ثم أراد أحدهما أن ينقله إلى غيره لم يكن له ذلك لأنَّهُ حصل عند العدل برضاهما فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد بنقله، فإن اتفقا على النقل إلى غيره جاز لأن الحق لهما وقد رضيا، فإن مات العدل أو اختل فاختلف الراهن والمرتهن فيمن يكون عنده أو مات المرتهن أو اختل والرهن عنده فاختلف الراهن ومن ينظر في مال المرتهن فيمن يكون الرهن عنده رفع الأمر إلى الحاكم فيجعله عند عدل، فإن جعلا الرهن على يد عدلين فأراد أحد العدلين أن يجعل الجميع في يد الآخَر ففيه وجهان أحدهما لا يجوز لأن ما جعل إلى اثنين لم يجز أن ينفرد به أحدهما كالوصية، والوجه الثاني: يحوز لأن في اجتماع الاثنين على حفظه مشقة، فعل هذا إن اتفقا على أن يكون في يد أحدهما جاز، وإن تشاحا نظرت فإن كان مما لا ينقسم جعل في حرز لهما وإن كان مما لا ينقسم جعل في فيكون عند كل واحد منهما نصفه، فإن اقتسما ثم سلم أحدهما حصته إلى الآخر ففيه وجهان أحدهما يجوز لأنه لو سلم إليه قبل القسم جاز فكذلك بعد القسمة، والثانى لا يجوز لأنهما لما اقتسما صار كل واحد منهما منفردا بحصته فلا يجوز أن يسلم ذلك إلى غيره كما لو جعل في يد كل واحد منهما نصفه

(3)

. وما يحتاج إليه

(1)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل للحطاب جـ 5 ص 25 الطبعة السابقة.

(2)

المهذب للإمام الموفق أبى إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى جـ 1 ص 307 في كتاب أسفله النظم المستعذب في شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.

(3)

المرجع السابق جـ 1 ص 310.

ص: 199

مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب نفقته". والذي يركب ويشرب هو الراهن فوجب أن تكون النفقة عليه، ولأن الرقبة والمنفعة على ملكه فكانت النفقة عليه، وإن احتاج إلى شرب دواء أو فتح عرق فامتنع لم يجبر عليه لأن الشفاء بيد الله تعالى، وقد يجئ من غير فصد ولا دواء ويخالف النفقة فإنه لا يبقى دونها فلزمه القيام بها

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أن الراهن والمرتهن إن اتفقا على عدل يضعان الرهن على يده فلهما ذلك لأن الحق لهما فيفوض أمره إليهما. ولو أراد العدل رده عليهما فله فلك وعليهما قبوله وبهذا قال الشافعي رضى الله عنه - لأنَّهُ أمين متطوع بالحفظ فلا يلزمه المقام عليه، فإن امتنعا أجبرهما الحاكم، فإن تغيبا نُصِبَ الحاكم أمينا يقبضه لهما لأن للحاكم ولاية على الممتنع من الحق الذي عليه، ولو دفعه إلى الأمين من غير امتناعهما ضمن وضمن الحاكم لأنَّهُ لا ولاية له على غير الممتنع، وكذا لو تركه العدل عند آخر مع وجودهما ضمن وضمن القابض، وإن امتنعا ولم يجد حاكما فتركه عند عدل آخر لم يضمن. وإن امتنع أحدهما لم يكن له دفعه إلى الآخَر، فإن فعل ضمن. والفرق بينهما أن أحدهما يمسكه لنفسه والعدل يمسكه لهما. هذا فيما إذا كان حاضرين، فأما إذا كانا غائبين نظرت فإن كان للعدل عذر من مرض أو سفر أو نحوه رفعه إلى الحاكم فقبضه منه أو نُصِبَ له عدلا يقبضه لهما فإن لم يجد حاكما أودعه عند نفسه، وليس له دفعه إلى ثقة يودعه عنده مع وجود الحاكم فإن فعل ضمن فإن لم يكن له عذر وكانت الغيبة بعيدة إلى مسافة القصر قبضه الحاكم منه، فإن لم يجد حاكما دفعه إلى عدل، وإن كانت الغيبة دون مسافة القصر فهو كما لو كانا حاضرين لأن ما دون مسافة القصر في حكم الإقامة، وإن كان أحدهما حاضرا والآخر غائبا فحكمهما حكم الغائبين وليس له دفعه إلى الحاضر منهما، وفى جميع هذه الأقسام متى دفعه إلى أحدهما لزمه رده إلى يده وإن لم يفعل فعليه ضمان حق الآخَر

(2)

. وإن كان الرهن ثمرة فاحتاجت إلى سقى وتسوية وجذاذ فذلك على الراهن، وإن احتاجت إلى تجفيف والحق مؤجل فعليه التجفيف لأنَّهُ يحتاج إلى أن يستبقيها رهنا حتى يحل الحق، وإن كان حالًا بيعت ولم يحتج إلى تجفيفها، وإن اتفقا على بيعها وجعل ثمنها رهنا بالحق المؤجل جاز، وإن اختلفا في ذلك قدم قول من يستبقيها بعينها لأن العقد يقتضى ذلك، إلا أن يكون مما تقل قيمته بالتجفيف، وقد جرت العادة ببيعه رطبا فإنه يباع ويجعل ثمنه مكانه، وإن اتفقا على قطع الثمرة في وقت فلهما ذلك سواء كان الحق حالًا أو مؤجلا، وسواء كان الأصلع القطع أو الترك، لأن الحق لا يخرج عنهما، وإن اختلفا قدمنا قول من طلبه الأصلع إن كان ذلك قبل حلول الحق، وإن كان الحق حالًا قدم قول من طلب القطع لأنَّهُ إن كان المرتهن فهو طالب لاستيفاء حقه الحال فلزم إجابته، وإن كان

(1)

المرجع السابق جـ 1 ص 314 نفس الطبعة.

(2)

المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي جـ 4 ص 389، ص 390 في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا طبع مطبعة المنار بمصر الطبعة الثانية سنة 1347 هـ.

ص: 200

الراهن فهو يطلب تبرئة ذمته وتخليص عين ملكه من الراهن، والقطع أحوط من جهة أن في تبقيته غررا، ذكر القاضي هذا في المفلس وهذا في معناه، ويحتمل أن ينظر في الثمرة، فإن كانت تنقص بالقطع نقصا كثيرًا لم يجبر الممتنع من قطعها عليه لأن ذلك إتلاف فلا يجبر عليه كما لا يجبر على نقض داره ليبيع أنقاضها ولا على ذبع فرسه ليبيع لحمها، وإن كانت الثمرة مما لا ينتفع بها قبل كمالها لم يجز قطعها قبله ولم يجبر عليه بحال

(1)

. وإن كان الرهن ماشية تحتاج إلى إطراق الفحل لم يجبر الراهن عليه لأنَّهُ ليس عليه ما يتضمن زيادة في الرهن وليس ذلك مما يحتاج إله لبقائها ولا يمنع من ذلك لكونها زيادة لهما لا ضرر على المرتهن فمه، وإن احتاجت إلى رعى فعلى الراهن أن يقيم لها راعيا لأن ذلك يجرى مجرى علفها وإن أراد الراهن السفر بها ليرعاها في مكان آخر وكان لها في مكانها مرعى تتماسك به فللمرتهن منعه من ذلك لأن في السفر بها إخراجها عن نظره ويده، وإن أجدب مكانها فلم يجد ما تتماسك به فللراهن السفر بها لأنَّهُ موضع ضرورة لأنها تهلك إذا لم يسافر بها إلا أن تكون في يد عدل يرضيان به أو ينصبه الحاكم، ولا ينفرد الراهن بها، فإن امتنع الراهن من السفر بها فللمرتهن نقلها لأن في بقائها هلاكها وضياع حقه من الرهن، فإن أراد جميعًا السفر بها واختلفا في مكانها قدمنا قول من يعين الأصلح فإن استويا قدمنا قول المرتهن، وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه يقدم قول الراهن وإن كان الأصلح غيره لأنَّهُ أملك بها إلا أن يكون مأواها إلى يد عدل. ويدل لنا أن اليد للمرتهن فكان أولى كما لو كانا في بلد واحد، وأيهما أراد نقلها عن البلد مع خصبه لم يكن له سواء أراد نقلها إلى مثله أو أخصب منه، إذ لا معنى للمسافرة بالرهن مع إمكان ترك السفر به، وإن اتفقا على نقلها جاز إيضا سواء كان أنفع لها أو لا لأن الحق لهما لا يخرج عنهما

(2)

. وإن كان عبدا يحتاج إلى ختان والدين حال أو أجله قبل برئه منع منه لأنَّهُ ينقص ثمنه وفيه ضرر، وإن كان يبرأ قبل محل الحق والزمان معتدل لا يخاف عليه فيه فله ذلك لأنَّهُ من الواجبات ويزيد به الثمن ولا يضر المرئهن ومؤنته على الراهن. فإن مرض فاحتاج إلى دواء لم يجبر الراهن عليه لأنَّهُ لا يتحقق أنه سبب لبقائه وقد يبرأ بغير علاج بخلاف النفقة، وإن أراد الراهن مداواته بما لا ضرر فيه لم يمنع منه لأنَّهُ مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما، وإن كان الدواء مما يخاف غائلته كالسموم فللمرتهن منعه منه لأنَّهُ لا يأمن تلفه، وإن احتاج إلى فصد أو احتاجت الدابة إلى توديج

(3)

، أو تبزيغ فللراهن فعل ذلك ما لم يخف منه ضررا، وإن احتيج إلى قطع شئ من بدنه بدواء لا يخاف منه جاز، وإن خيف منه فأيهما امتنع منه لم يجبر، وإن كانت به آكلة كان له قطعها لأنَّهُ يخاف من تركها لا من قطعها لأنَّهُ لا يحس بلحم ميت، وإن كانت به خبيثة فقال أهل الخبرة الأحوط قطعها وهو أنفع من بقائها فللراهن ذلك، وإلا فليس له فعله، وإن تساوى الخوف عليه في الحالين لم يكن له قطعها لأنَّهُ يحدث جرحا فيه

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 438 ص 439 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 439، ص 440 نفس الطبعة.

(3)

التوديج فتح الودجين حتَّى يسيل الدم، والودجان عرقان عريضان غليظان من جانبى ثغرة النحر، والتبزيغ فتح الرهصة.

ص: 201

لم يترجع إحداثه، وإن كانت به سلعة أو أصبع زائدة لم يملك الراهن كطعها لأن قطعها يخاف منه وتركها لا يخاف منه، وإن كانت الماشية جربة فأراد الراهن دهنها بما يرجى نفعه ولا يخاف ضرره كالكثير فللمرتهن منعه، وقال القاضي رحمه الله تعالى: له ذلك بغير إذن المرتهن لأن له معالجة ملكه، وإن امتنع من ذلك لم يجبر عليه، ولو أراد المرتهن مداواتها بما ينفعها ولا يخشى ضرره لم يمنع لأن فيه إصلاح حقه بما لا يضر بغيره وإن خيف منه الضرر لم يمكن منه لأن فيه خطر بحق غيره

(1)

.

فإن كان الرهن نخلا فاحتاج إلى تأبير فهو على الراهن، وليس للمرتهن منعه منه لأن فيه مصلحة بغير مضرة، وما يسقط من ليف أو سعف أو عراجين فهو من الرهن لأنَّهُ من أجزائه أو من نمائه، وإن كان الرهن كرما فله زباره لأنَّهُ لمصلحته ولا ضرر فيه والزرجون من الرهن، ولو كان الشجر مزدحما وفى قطع بعضه صلاح لما يبقى فله ذلك، وإن أراد تحويله كله لم يملك ذلك، وإن قيل هو الأولى لأنَّهُ قد لا يعلق فيفوت الرهن، وإن امتنع الراهن من فعل هذا كله لم يجبر عليه لأنَّهُ لا يلزمه فعل ما فيه زيادة الرهن

(2)

، وكل زيادة تلزم الراهن إذا امتنع أجبر الحاكم عليها وإن لم يفعل اكترى له الحاكم من ماله، فإن لم يكن له مال اكترى من الرهن، فإن بذلها المرتهن متطوعا لم يرجع بشئ، وإن أنفق بإذن الراهن أو إذن الحاكم عند تعذر إذن الراهن محتسبا رجع به، وإن تعذر إذنهما أشهد على أنه أنفق لمرجع بالنفقة وله الرجوع بها، وإن أنفق من غير استئذان الحاكم مع إمكان أو من غير إشهاد بالرجوع عند تعذر استئذانه ليرجع به فهل يرجع؟ على روايتين، وإن أنفق بإذن الراهن ليكون الرهن رهنا بالنفقة والدين الأول لم يصح ولم يصر رهنا بالنفقة لما ذكرنا وإن قال الراهن أنفقت متبرعا، وقال المرتهن بل أنفقت محتسبا بالرجوع فالقول قول المرتهن لأن الخلاف في نيته وهو أعلم بها ولا اطلاع لغيره من الناس عليها وعليه اليمين لأن ما قاله الراهن محتمل. وكل مؤنة لا تلزم الراهن كنفقة المداواة والتأبير وأشباههما لا يرجع بها المرتهن إذا أنفقها سواء أنفقها محتسبا أو متبرعا

(3)

. وإذا قضاه جميع الحق أو أبرأه من الدين بقى الرهن أمانة في يده - وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه - وقال أبو حنيفة إذا قضاه كان مضمونا وإذا أبرأه أو وهبه لم يكن مضمونا استحسانا، وهذا مناقضة لأن القبض المضمون منه لم يزل ولم يبرئه منه. وعندنا أنه كان أمانة وبقى على ما كان عليه، وليس عليه رده لأنَّهُ أمسكه بإذن مالكه ولا يختص بنفعه فهو كالوديعة بخلاف العارية فإنه يختص بنفعها وبخلاف ما لو أطارت الريح إلى داره ثوبا لزمه رده إلى مالكه لأن مالكه لم يأذن في إمساكه، فأما إن سأل مالكه في هذه الحال دفعه إليه لزم من هو في يده من المرتهن أو العدل دفعه إليه إذا أمكنه، فإن لم يفعل صار ضامنا كالمودع إذا امتنع من رد الوديعة عند طلبها، وإن كان امتناعه لعذر مثل أن يكون بينه وبينه طريق مخيف أو باب مغلق لا يمكنه فتحه أو كان يخاف فوت جمعة أو جماعة أو فوت صلاة أو به مرض أو جوع شديد وما أشبهه فأخر التسليم لذلك فتلف

(1)

المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى جـ 4 ص 440، ص 441 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 440 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 4 ص 441، ص 442 نفس الطبعة.

ص: 202

فلا ضمان عليه لأنَّهُ لا تفريط منه فأشبه المودع

(1)

. وإذا قبض المرتهن الراهن فوجده مستحقا لزمه رده على مالكه والرهن باطل من أصله، فإن أمسكه مع علمه بالغصب حتَّى تلف في يده استقر عليه الضمان وللمالك تضمين أيهما شاء، فإن ضمن المرتهن لم يرجع على أحد لذلك وإن ضمن الراهن رجع عليه، وإن لم يعلم بالغصب حتى تلف بتفريطه فالحكم كذلك لأن الضمان يستقر عليه، وإن تلف بغير تفريطه ففيه ثلاثة أوجه:

أحدهما: يضمن ويستقر الضمان عليه لأن مال غيره تلف تحت يده العادية فاستقر الضمان عليه كما لو علم.

الثاني: لا ضمان عليه لأنَّهُ قبضه على أنه أمانة من غير علمه فلم يضمنه كالوديعة، فعلى هذا يرجع المالك على الغاصب لا غير.

والوجه الثالث: أن للمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الغاصب، فإن ضمن الغاصب لم يرجع على أحد وإن ضمن المرتهن رجع على الغاصب لأنَّهُ غره فرجع عليه كالمغرور بحرية أمة

(2)

. وإذا حل الحق لزم الراهن الإيفاء لأنَّهُ دين حال فلزم إيفاؤه كالذى لا رهن به فإن لم يوف وكان قد أذن للمرتهن أو للعدل في بيع الرهن باعه ووفى الحق من ثمنه وما فضل من ثمنه فلمالكه، وإن فضل من الدين شئ فعلى الراهن. وإن لم يكن أذن لهما في بيعه أو كان قد أذن لهما ثم عزلهما طولب بالوفاء وبيع الرهن، فإن فعل وإلا فعل الحاكم ما يرى من حبسه وتعزيره ليبيعه أو يبيعه بنفسه أو أمينه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: لا يبيعه الحاكم لأن ولاية الحاكم على من عليه الحق لا على ماله فلم ينفذ بيعه بغير إذنه. ويدل لنا أنه حق تعين عليه فإذا امتنع من أدائه قام الحاكم مقامه في أدائه كالإِيفاء من جنس الدين وإن وفى الدين من غير الرهن انفك الرهن

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن من ارتهن شيئًا فخاف فساده كعصير خيف أن يصير خمرا ففرض عليه أن يأتى الحاكم فيبيعه ويوقف الثمن لصاحبه إن كان غائبا أو ينصف منه الغريم المرتهن إن كان الدين حالًا أو يصرف الثمن إلى صاحبه إن كان الدين مؤجلا فإن لم يمكنه السلطان فليفعل هو ما ذكرنا لقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

(4)

ولنهى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، ولأن ثمن الرهن هو غير الرهن، وإنما عقده في الرهن لا في ثمنه وإنما ثمنه مال من مال مالكه كسائر ماله ولا فرق

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أنه يصح تعديل الرهن اتفاقا ويد العدل يد المرتهن، فلو تصادقا على تسليمه إليه وأنكر العدل فلا حكم لإنكاره إذ الحق لهما، فإن رجع أحدهما فصدقه العدل لم يقبل

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 443، ص 444 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 444 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 4 ص 451، ص 452 نفس الطبعة.

(4)

الآية رقم 2 من سورة المائدة.

(5)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى الظاهرى جـ 8 ص 100 مسألة رقم 1216 الطبعة الأولى بتحقيق محمد منير عبده أغا الدمشقى المطبعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

ص: 203

لتقدم إقراره، ولو أقر الراهن والعدل بالقبض، وأنكر المرتهن فالقول له؛ إذ الأصل عدمه. وللعدل رده إليهما، إذ هو أمين فلا يلزمه بقاؤه، فإن امتنعا أجبرهما الحاكم، فإن رده إلى الحاكم قبل امتناعهما ضمن هو والحاكم إذ لا ولاية له حينئذ وكذا لو أودعه، فإن امتنعا ولا حاكم فله تركه عند عدل، إذ هو معذور، وكذا إن غابا فللعدل إيداعه للعذر من سفر أو خوف، وللحاكم حينئذ نُصِبَ عدل آخر لولايته

(1)

، وإذا أوفى الراهن الدين لم يلزم المرتهن إيصال الرهن إذا صار أمانة وليس للمرتهن بيعه بعد حلول الدين إلا بتسليط من الراهن أو الحاكم إذ ليس له ملك ولا ولاية وإذا امتنع من رده بعد الإِيفاء فغاصب

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء في الروضة البهية أن الرهن إذا كان له نفع كالدابة والدار أجر باتفاقهما، وإلا آجره الحاكم، ولو احتاج إلى مؤنة كما إذا كان حيوانا فعلى الراهن مؤنته لأنَّهُ المالك، فإن كان في يد المرتهن وبذلها الراهن أو أمره بها أنفق ورجع بما غرم، وإلا استأذنه، فإن امتنع أو تعذر استئذانه لغيبة أو نحوها رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذر أنفق هو بنية الرجوع وأشهد عليه ليثبت استحقاقه بغير يمين ورجع، فإن لم يشهد فالأقوى قبول قوله في قدر المعروف منه بيمينه ورجوعه

(3)

به. والرهن لازم من جهة الراهن حتَّى يخرج من الحق، فيبقى أمانة في يد المرتهن مالكية لا يجب تسليمه إلا مع المطالبة لأنَّهُ مقبوض بإذنه. وينتقل حق الرهانة إلى الوارث بالموت لأنَّهُ مقتضى لزوم العقد من طرف الراهن، ولأنه وثيقة على الدين فيبقى ما بقى ما لم يسقط المرتهن، وللراهن الامتناع من استئمان الوارث وإن شرط وكالة البيع والاستيفاء لأن الرضا بتسليم المورث لا يقتضيه، ولاختلاف الأشخاص فيه، وبالعكس للوارث الامتناع من استئمان الراهن علمه فليتفقا على أمين يضعانه تحت يده وإن لم يكن عدلا، لأن الحق لا يعد وهما فيتقيد برضاهما، وإلا يتفقا فالحاكم يعين له عدلا يقبضه لهما، وكذا لو مات الراهن فلورثته الامتناع من إبقائه في يد المرتهن لأنَّهُ في القبض بمنزلة الوكيل تبطل بموت الموكل، وإن كانت مشروطة في عقد لازم إلا أن يشترط استمرار الوضع بعد موته فيكون بمنزلة الوصى في الحفظ

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أن الرهن إن كان حيوانا يرعى لزم الراهن علفه ورعيه وخير في أحدهما، أي لا يخاطب بعلفه ورعيه غيره لكنه يخير في أحدهما وإن اتفقا على الرعى والعلف، ولا يمنعه المرتهن من إخراجه للرعى فيما يرعى فيه مثله من الناس بحب الصلاح والأمن ومحافظة الراعى وكل ما يفعله من ذلك

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 4 ص 121، ص 122 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 132 نفس الطبعة.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى جـ 1 ص 355 طبع دار الكتاب العربى بمصر.

(4)

المرجع السابق جـ 1 ص 357 نفس الطبعة.

ص: 204

بنفسه أو بماله فلا يدركه على المرتهن، وإن كان الرهن رقيقا أو بهيمة لزمه ما احتاج إليه من ختان ومداواة الختان أو احتجام أو مداواة ظفر أو جلال للفرس أو غيره واللباس للرقيق أو دهن أو ضفر للشعر أو دواء لمرض ونحوها مما لا يستغنى عنه من ماله لا من الرهن أيضا، وكذا نكاح الرقيق وطلاقه وظهاره وفداؤه وارتجاعه وكفنه ودفنه وغسله إن مات بيده، دون المرتهن أو المسلط فإنهما لا يلزمهما شئ من ذلك ولا يصح إن وقع إلا أن أذن له أو أجيز بعد الفعل إلا الكفن والدفن والغسل فإنهم إن وقعن بالمسلط أو المرتهن صححن، وكل ذلك يقع بالعبد والأمة فإن سيد الأمة إذا شرط على متزوجها أن الطلاق بيده معلقا لمعلوم فله أن يطلق، فإذا طلقها كذلك فلا يملك الزوج رجعتها على الصحيح إلا برضى سيدها فله دخل في ارتجاعها، وإذا طلب العبد أو الأمة التزويج لزم السيد أن يزوجه ويجبر بضرب حتى يزوج وقيل يحبس وقيل لا يجبر وإن كان معسرًا لم يجبر بالضرب بل يؤمر فإن شاء تكلف ذلك أو باع فاستراح أو أخرجه بوجه ما أو أعتقه لوجه الله تعالى. وفى الديوان: إن أبى الراهن أو المرتهن مما رجب عليه أجبر عليه وإن كان الرهن عبدا فمات فعلى الراهن كفنه وسننه من الغسل والدفن وما أشبه ذلك، وإن عمل ما يجب به الحد أخذ الراهن أن يأتى به

(1)

. وإن ضيع الراهن نفقة الرهن وكسوته وعلفه وامتنع بعد ما طلبه المرتهن أو المسلط بلا هرب أو طلبه وهرب أو كان غائبا أو طفلا أو مجنونا ولا خليفة له أو قائم فأنفق المرتهن أو المسلط من ماله وكسا أو علف أخذ مثل ذلك أو قيمته من ثمن الرهن إذا باعه إن لم يعطه الراهن له مثل ما أنفق أو قيمته وإن لم يكن في ثمن الرهن فضل تبع به الراهن وإن أنفق ولم يطلب الراهن أو خليفته أو قائمه قبل الإِنفاق عد متبرعا، وإن أعطى المرتهن أجرة صارم الرهن أو حاصده أو حامله للبيت من ماله فذهب الشجر والغلة أو أحدهما قبل أن يقضى ماله من ثمن الغلة أو بعد بيعها أو قبل أن يبيع ذهب الرهن بما فيه، وإن لم تذهب الغله فله أخذ ما أعطى على الصرم مثلا منها وكذا من الرهن إن لم يتلف، وأدرك - في هذه الصورة السابقة من إعطاء أجرة الصرم مثلًا وذهاب الرهن وفى صورة إعطائه أجرة الصرم وعدم ذهاب الرهن - على الراهن إن امتنع من الصرم أو الحصد أو الحمل أو غاب ولم يكن خليفة له أو كان مجنونا أو طفلا ولم يكن له خليفة .. أدرك عليه ما أعطى على الصرام والحصد أو الحمل، فكل ما يهلك الرهن بتركه إذا فعله مرتهنه أو المسلط من ماله أدركه على راهنه إن امتنع من فعله أو غاب ولم يكن له خليفة أو كان طفلا أو مجنونا ولا خليفة له، وإذا امتنع الخليفة أدرك على الراهن ويجبر الراهن أو الخليفة على الفعل وقيل لا يجبره، وكذا ما داواه المرتهن أو المسلط ولو لم يبرأ به من مرض أو جنون أو جرح أو فداه به من عدد يدركه على راهنه في رأى من جعل الرهن ثقة بحق المرتهن في يده كالضمانة فإن الحق يتعلق بالضامن والمضمون

(2)

. وإن كان الرهن رقيقا أو دابة

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 5 ص 529 وما بعدها إلى ص 531 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 536، ص 537 نفس الطبعة.

ص: 205

مثلًا، ثم ذهب منه عضو كالعين والأذن والرجل فما أنقصه ذلك الذهاب فمن مال المرتهن وإن ذهب الرهن أو الباقى منه من يد المرتهن أو المسلط بعد استيفاء حقه من الراهن أو ممن ناب عنه أو بعد فسخه ضمنه مرتهنه كله أو الباقى إن كان قد بقى منه شئ ثم ذهب لأنَّهُ بيده على غير الأمانة وليس حينئذ رهنا فضلا عن أن يكون بما فيه، ولو كان أكثر من دينه إن لم يدفعه مرتهنه أو المسلط للراهن فيمتنع من أخذه ولم يكن غائبا أو مصابا بجنون، فلو دفعه المرتهن أو المسلط للراهن فأبى من أخذه أو كان الراهن غائبا أو مصابا بجنون ولا خليفة لهما أو دفعه للخليفة ولم يقبضه أو غاب الخليفة أيضا أو جن فأمسكه المرتهن أو المسلط فلا ضمان للراهن إن ذهب لأنَّهُ حينئذ بيد المرتهن أو المسلط كالوديعة، وعندى أنه لا يضمن المرتهن الرهن إن لم يضيع ولم يتعد بعد خروجه من حكم الرهن إلا إن طلبه الراهن فلم يعطه أو نائب الراهن أو لم يعلم الراهن بخروجه من الرهن فلم يعلمه ولم يوصله. وفى الديوان وإما إن أخذ دينه أو أبرأه منه أو أعطاه لغيره أو خرج أصل دينه منفسخا أو حوله على غريم له فمنع له الرهن بعد ذلك فهو ضامن له وإن لم يمنعه فلا يضمن. وذلك لأنَّهُ موضوع بيده كالأمانة ولم يكن بيده بتعديه ولأنه لا يلزم المرتهن إيصاله إلى الراهن بل على الراهن أن يجلبه وعليه مؤنة حمله. وفى المنهاج: وإن قضى الراهن ما عليه ولم يطلب رهنه حتى تلف من يد مرتهنه فقيل هو في حكم الرهن ما لم يدفعه إليه أو يعرضه عليه ليقبضه فيدعه لأنَّهُ كالأمانة، وقيل زال عنه لأنَّهُ ليس الآن مرهونا في شئ، وإذا زال المرتهن الرهن ببيع أو هبة ثم استخرج ثم تلف ضمنه وإن استحق الراهن على المرتهن تسليمه بوجه من وجوه فكه ولم يدفعه إليه ولم يطلبه الراهن فيحول دونه المرتهن ويمنعه منه ولا دفعه إليه فيأبى من قبضه فالرهن بحاله في جملة الحق، وإن فداه وطلبه وقدر المرتهن على دفعه إليه فمنعه عنه بما لا يقدر فيه ضمن جملة الرهن بلا خلاف وإن دفعه إليه وأبى من قبضه بلا عذر فلا ضمان عليه ولا يذهب حقه بذهابه ولا يضمنه إن لم يضيع ولم يقصر في حفظه اتفاقا، وإن كان للراهن عذر في تركه فهو بحاله ولا يضمنه المرتهن أيضًا، وإذا دفع إليه الراهن حقه ولم يمنعه من قبض رهنه فتلف فلا عليه

(1)

.

‌حكم الامتناع في الإِجارة

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن عقد الإِجارة إن شرط فيه تعجيل البدل فعلى المستأجر تعجيلها والابتداء بتسليمها سواء كان ما وقع عليه الإِجارة شيئًا ينتفع بعينه كالدار والدابة وعبد الخدمة أو كان صانعا أو عاملا ينتفع بصنعته أو عمله كالخياط والقصار والصياغ والإِسكاف؛ لأنهما لما شرطا تعجيل البدل لزم اعتبار شرطهما لقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم"، وملك الآجر البدل حتَّى تجوز له هبته والتصدق به والإِبراء عنه والشراء والرهن والكفالة وكل تصرف يملك البائع في

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 548، ص 549 نفس الطبعة.

ص: 206

الثمن. وللمؤاجر أن يمتنع عن تسليم المستأجر في الأشياء المنتفع بأعيانها حتَّى يستوفى الأجرة، وكذا للأجير الواحد أن يمتنع عن تسليم النفس، وللأجير المشترك أن يمتنع عن إيفاء العمل قبل استيفاء الأجرة كالثمن في البياعات، وللبائع حبس المبيع إلى أن يستوفى الثمن إذا لم يكن مؤجلا، كذا ههنا وإن شرط فيه تأجيل الأجرة يبتدأ بتسليم المستأجر وإيفاء العمل، وإنما يجب بتسليم البدل عند انقضاء الأجل لأن الأصل في الشروط اعتبارها للحديث الذي روينا، هذا إذا شرط في عقد الإِجارة تعجيل البدل أما أن كان العقد مطلقًا عن شرط التعجيل والتأجيل فيبتدأ بتسليم ما وقع عليه العقد في نوعى الإجارة، فيجب على المؤاجر تسليم المستأجر، وعلى الأجير تسليم النفس أو إيفاء العمل أولًا عندنا خلافا للشافعى رضى الله تعالى عنه؛ لأن الأجرة لا تجب عندنا بالعقد المطلق، وعنده تجب. غير أن في النوع الأول وهو الإجارة على الأشياء المنتفع بأعيانها إذا سلم المستأجر لا يجب على المستأجر تسليم البدل كله للحال بل على حسب استيفاء المنفعة شيئًا فشيئا حقيقة أو تقديرا بالتمكن من الاستيفاء في قول أبى حنيفة الآخر، وللمؤاجر أن يطالبه بالأجرة بمقدار ذلك يوما فيوما في الإِجارة على العقار ونحوه ومرحلة مرحلة في الإِجارة على المسافة، ولكن يخير المكارى على الحمل إلى المكان المشروط إذ لو لم يخير لتضرر المستأجر. وفى قوله الأول وهو قول أبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهما: لا يجب تسليم شئ من البدل إلا عند انتهاء المدة أو قطع المسافة كلها في الإِجارة على قطع المسافة. وأما في النوع الآخر وهو استئجار الصناع والعمل فلا يجب تسليم شئ من البدل إلا عند انتهاء المدة أو قطع المسافة بعد الفراغ من العمل بلا إخلاف حتَّى قالوا في الحمال ما لم يحط المتاع من رأسه لا يجب الأجر لأن الحط من تمام العمل، وهكذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الحمال بطلب الأجرة بعد ما بلغ المنزل قبل أن يضعه أنه ليس له ذلك لأن الوضع من تمام العمل، والفرق أن كل جزء من العمل في هذا النوع غير مقصود لأنَّهُ لا ينتفع ببعضه دون بعض، فكان الكل كشئ واحد فما لم يوجد لا يقابله البدل بلا خلاف، بخلاف النوع الأول على قول أبى حنيفة الآخر رضى الله تعالى عنه؛ لأن كل جزء من السكنى وقطع المسافة مقصود فيقابل بالأجرة، ثم في النوع الآخر إذا أراد الأجير حبس العين بعد الفراغ من العمل لاستيفاء الأجرة هل له ذلك؟ ينظمه إن كان لعمله أثر ظاهر في العمن كالخياط والقصار والصباغ والإِسكاف له ذلك لأن ذلك الأثر هو المعقود عليه وهو صيرورة الثوب مخيطا مقصورا، وإنما العمل يحصل ذلك الأثر عادة والبدل يقابل ذلك الأثر فكان كالمبيع فكان له أن يحبسه لاستيفاء الأجرة كالمبيع قبل القبض فإنه يحبس لاستيفاء الثمن إذا لم يكن الثمن مؤجلا، ولو هلك قبل التسليم تسقط الأجرة لأنَّهُ مبيع هلك قبل القبض. وهل يجب الضمان؟ لا يجب عند أبى حنيفة، وعندهما يجب لأنَّهُ يجب قبل الحبس عندهما، فبعد الحبس أولى. وإن لم يكن لعمله أثر ظاهر في العين كالحمال والملاح والمكارى فليس له أن يحبس العين لأن ما لا أثر له في العين فالبدل إنما يقابل نفس العمل، إلا أن العمل كله كشئ واحد إذ لا ينتفع ببعضه دون بعض، فكما فرغ حصل في يد المستأجر فلا يملك حبسه عنه بعد طلبه كاليد المودعة؛ ولهذا لا يجوز حبس الوديعة بالدين، ولو حبسه فهلك قبل

ص: 207

التسليم لا تسقط الأجرة لما ذكرنا أنه كما وقع في العمل حصل مسلما إلى المستأجر لحصوله في يده فتقررت عليه الأجرة فلا تحتمل السقوط بالهلاك، ويضمن لأنَّهُ حبسه بغير حق فصار غاصبا بالحبس، ونص محمد رضى الله تعالى عنه على الغصب فقال فإن حبس الحمال المتاع في يده فهو غاصب، ووجهه ما ذكرنا أن العين كانت أمانة في يده فإذا حبسها بدينه فقد صار غاصبا كما لو حبس المودع الوديعة بالدين. هذا الذي ذكرنا أن العمل لا يصير مسلما إلى المستأجر إلا بعد الفراغ منه حتى لا يملك الأجير المطالبة بالأجرة قبل الفراغ إذا كان المعمول فيه في يد الأجير، فإن كان في يد المستأجر فقدر ما أوقعه من العمل فيه يصير مسلما إلى المستأجر قبل الفراغ منه حتَّى يملك المطالبة بقدره من المدة؛ بأن استأجر رجلا ليبنى له بناء في ملكه أو فيما في يده بأن استأجره ليبنى له بناء في داره أو يعمل له ساباطا أو جناحا أو يحفر له بئرا أو قناة أو نهرا أو ما أشبه ذلك في ملكه أو فيما في يده فعمل بعضه فله أن يطالبه بقدره من الأجرة لكنه يجبر على الباقى حتَّى لو انهدم البناء أو انهاري البئر أو وقع فيها الماء والتراب وسواها مع الأرض أو سقط الساباط فله أجر ما عمله بحصته لأنَّهُ إذا كان في ملك المستأجر أو في يده فكما عمل شيئًا حصل في يده قبل هلاكه وصار مسلما إليه فلا يسقط بدله بالهلاك، ولو كان غير ذلك في غير ملكه ويده فليس له أن يطلب شيئًا من الأجرة قبل الفراغ من عمله وتسليمه إليه حتَّى لو هلك قبل التسليم لا يجب شئ من الأجرة؛ لأنَّهُ إذا لم يكن في ملكه ولا في يده توقف وجوب الأجرة فيه على الفراغ والتمام، وقال الحسن بن زياد: إذا أراه موضعا من الصحراء يحفر فيه بئرا فهو بمنزلة ما هو في ملكه ويده، وقال في آخر الكلام: وهذا قياس قول أبى حنيفة، وقال محمد: لا يكون قابضا إلا بالتخلية وإن أراد الموضع وهو الصحيح لأن ذلك الموضع بالتعيين لم يصر في يده فلا يصير عمل الأجير فيه مسلما له وإن كان ذلك في غير ملك المستأجر ويده فعمل الأجير بعضه والمستأجر قريب من العامل، فخلى الأجير بينه وبينه فقال المستأجر لا أقبضه منك حتَّى يفرغ فله ذلك؛ لأن قدر ما عمل لم يصر مسلما إذا لم يكن في ملك المستأجر ولا في يده لأنَّهُ لا ينتفع ببعض عمله دون بعض، فكان للمستأجر أن يمتنع من التسليم حتى يتمه. ولو استأجر لبانا ليضرب له لبنا في ملكه أو فيما في يده لا يستحق الأجرة حتَّى يجف اللبن وينصبه في قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وقال أبو يوسف ومحمد حتى يجف أو ينصبه ويشرجه

(1)

.

ولا خلاف في أنه إذا ضربه ولم يقمه أنه لا يستحق الأجرة لأنَّهُ ما لم يقلبه عن مكانه فهو أرض فلا لتناوله اسم اللبن، والخلاف بينهم يرجع إلى أنه هل يصير قابضا له بالإقامة أو لا يصير إلا بالتشريج؟ فعلى قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه يصير قابضا له بنفس الإِقامة لأن نفس الإِقامة من تمام هذا العمل فيصير اللبن مسلما إليه بها، وعلى قولهما: لا يصير قابضا ما لم يشرج لأن تمام العمل به حتى لو هلك قبل النصب في قول أبى حنيفة وقبل التشربح في قولهما فلا أجر له لأنَّهُ هلك قبل تمام العمل على اختلاف الأصلين، ولو هلك بعده فله الأجر لأن العمل قد تم فصار مسلما إليه

(1)

شرج اللبن يشرج شرجا على وزن نصر: نضده، وللمبالغة فيه يقال: شرج بالتضعيف (المعجم الوسيط مادة شرج).

ص: 208

لكونه في ملكه أو في يده فهلاكه بعد ذلك لا يسقط البدل. وجه قولهما أن الأمن عن الفساد يقع بالتشربح ولهذا حرت العادة بين الناس إن اللبان هو الذي يشرج ليؤمن عليه الفساد فكان ذلك من تمام العمل كإخراج الخبز من التنور. ولأبى حنيفة أن المستأجر له ضرب اللبن ولما جف ونصبه فقد وجد ما ينطلق عليه اسم اللبن وهو في يده أو في ملكه فصار قابضا له، فأما التشربح فعمل زائد لم يلزمه العامل بمنزلة النقل من مكان إلى مكان فلا يلزمه ذلك، وإن كان ذلك في غير ملكه ويده لم يستحق الأجرة حتَّى يسلمه وهو أن يخلى الأجير بين اللبن وبين المستأجر، لكن ذلك بعد ما نصبه عند أبى حنيفة وعندهما بعدما شرجه، وروى ابن سماعة عن محمد رضى الله تعالى عنهما في رجل استأجر خبازا ليخبز له قفيزا من دقيق بدرهم فاحترق الخبز في التنور قبل أن يخرجه أو ألزقه في التنور ثم أخذه ليخرجه فوقع من يده في التنور فاحترق فلا أجرة له لأنَّهُ هلك قبل تمام العمل لأن عمل الخبز لا يتم إلا بالإِخراج من التنور فلم يكن قبل الإِخراج خبز فصار كهلاك اللبن قبل أن يتمه، قال ولو أخرجه من التنور ووضعه وهو يخبز في منزل المستأجر فاحترق من غير جناية فله الأجر ولا ضمان عليه في قول أبى حنيفة، أما استحقاق الأجر فلأنه فرغ من العمل بإخراج الخبز من التنور وحصل مسلما إلى المستأجر لكونه في ملك المستأجر، وأما عدم وجوب الضمان فلأن الهلاك من غير صنع الأجير المشترك لا يتعلق به الضمان عنده، وأما على قول من يضمن الأجير المشترك فإنه ضامن له دقيقا مثل الدقيق الذي دفعه إليه ولا أجر له وإن شاء ضمنه قيمة الخبز مخبوزا وأعطاه الأجر لأن قبض الأجير قبض مضمون عندهما فلا يبرأ عن الضمان بوضعه في منزل مالكه وإنما يبرأ بالتسليم كالغاصب إذا رجب الضمان عليه عندهما فصاحب الدقيق بالخيار إن شاء ضمنه دقيقا وأسقط الأجر لأنَّهُ لم يسلم إليه العمل، وإن شاء ضمنه خبزا فصار العمل مسلما إليه، فوجب الأجر عليه، قال ولا أضمنه القصب ولا الملح لأن ذلك صار مستهلكا قبل وجوب الضمان عليه، وحين رجب الضمان عليه لا قيمة له لأن القصب صار رمادا والملح صار ماء، وكذلك الخياط الذي يخيط له في منزله قميصا فإن خاط له بعضه لم يكن له أجرته لأن هذا العمل لا ينتفع ببعضه دون بعضه فلا تلزم الأجرة إلا بتمامه، فإذا فرغ منه ثم هلك فله الأجرة في قول أبى حنيفة لأن العمل حصل مسلما إليه لحصوله في ملكه، وأما على قولهما فالعين مضمونة فلا يبرأ عن ضمانها إلا بتسليمها إلى مالكها، فإن هلك الثوب فإن شاء ضمنه قيمته صحيحا ولا أجر له، وإن شاء ضمنه قيمته مخيطا وله الأجر لما بينا

(1)

، ولو أجر شخص داره ثم رهنها قبل انقضاء مدة الإجارة فإن العقد يكون جائزا فيما بينه وبين المرتهن موقوف في حق المستأجر لتعلق حقه بالمستأجر وله أن يحبس حتى تنقضى مدته، وعلى هذا بيع المرهون من الراهن فهو جائز بين البائع والمشترى موقوف في حق المرتهن، وله أن يحبسه حتى يستوفى ماله فإذا افتكها الراهن يجب عليه تسليم الدار إلى المشترى كما في الإجارة إلا أن ههنا إذا أجاز المرتهن البيع حتَّى جاء وسلم الدار إلى المشترى فالثمن يكون رهنا

(1)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 2 ص 203 وما بعدها إلى ص 206 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

ص: 209

عند المرتهن قائما مقام الدار لأن حق حبس العين كان ثابتا له ما دامت في يده وبدل العين قائم مقام العين فثبت له حق حبسه

(1)

. ولو استأجر دابة ليركبها أو ليحمل عليها إلى مكان معلوم فذهب ولم يركبها ولم يحمل علمها شيئًا فعليه الأجر لأنَّهُ سلم المنافع إليه بتسليم محلها إلى المكان المعلوم فصار كما لو استأجر دارا ليسكنها فسلم المفتاح إليه فلم يسكن حتى مضت المدة أنه يجب الأجرة لما قلنا. كذا هذا، ولو أمسك الدابة في الموضع الذي استأجرها ولم يذهب بها إلى الموضع الذي استأجرها إليه فإن أمسكها على قدر ما يمسك الناس إلى أن يرتحل فهلك فلا ضمان عليه لأن حبس الدابة ذلك القدر مستثنى عادة فكان مأذونا فيه دلالة، وإن حبس مقدار ما لا يحبس الناس مثله يومين أو ثلاثة فعطب يضمن لأنَّهُ خالف في المكان بالإِمساك الخارج عن العادة فصار غاصبا فيضمن إذا هلك ولا أجرة عليه لما قلنا، وإن لم تهلك فأمسكها في بيته فلا أجر عليه لما مر من أن الأجر بمقابلة تسليم الدابة في جميع الطريق ولم يوجد، بخلاف ما إذا استأجرها عشرة أيام ليركبها فحبسها ولم يركبها حتَّى ردها يوم العاشر فإن عليه الأجرة، ويسع لصاحبها أن يأخذ الكراء وإن كان يعلم أنه لم يركبها لأن استحقاق الأجرة في الإِجارات على الوقت بالتسليم في الوقت وقد وجد فتجب الأجرة كما في إجارة الدار ونحوها، بخلاف الإجارة على المسافة فإن الاستحقاق هناك بالتسليم في جميع الطريق ولم يوجد فلا يجب

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء في مواهب الجليل أنه يقضى بتعجيل الأجرة إذا شرط التعجيل سواء كانت الأجرة شيئًا بعينه أو شيئًا مضمونا في الذمة، وكذلك يقضى بالتعجيل إذا كانت العادة التعجيل سواء كانت الأجرة شيئًا معينًا أو شيئًا مضمونا، وكذلك يقضى بالتعجيل إذا كانت المنفعة المستأجرة مضمونه في ذمة الأجير وتأخر شروعه في العمل يومين وأما لو أخره إلى يوم واحد فيجوز التقديم والتأخير. وقال ابن القاسم رحمه الله تعالى: ومن اكترى دابة لركوب أو حمل أو اكترى دارا أو استأجر أجيرا بشئ بعينه من عين أو عرض أو حيوان أو طعام فتشاحا في النقد ولم يشترطا شيئًا، فإن كانت سنة الكراء في البلد بالنقد جاز وقضى بقبضها، وإن لم تكن سنتهم بالنقد لم يجز الكراء وإن عجلت هذه الأشياء إلا أن يشترط النقد في العقد كما لا يجوز بيع ثوب أو حيوان بعينه على أن لا يقبض إلا إلى شهر ويفسخ. قال ابن القاسم: وإن اكترى ما ذكرناه بدنانير معينة ثم تشاحا في النقد فإن كان الكراء بالبلد بالنقد قضى به وإلا لم يجز الكراء إلا أن يعجلها. ثم قال في المدونة إثر الكلام السابق: كقول مالك فيمن ابتاع سلعة بدنانير له ببلد آخر عند قاض أو غيره: فإن شرط ضمانها إن تلفت جاز وإلا لم يجز البيع، فأرى أنه إن كان الكراء لا ينقد في مثله فلا يجوز إلا أن يشترط عليه أن تلفت فعليه مثلها، ولا يجوز اشتراط هذا في طعام ولا عرض في بيع ولا كراء لأنَّهُ مما يبتاع لعينه

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 208 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 215 ص 216 نفس الطبعة.

ص: 210

فلا يدرى أي الصفقتين ابتاع ولا يراد من المال عينه

(1)

.

وجاء في التاج والإكليل نقلا عن المدونة أن مالكا رضى الله تعالى عنه قال: إذا أراد الصناع والأجراء تقديم الأجر قبل الفراغ وامتنع رب العمل حملوا على المتعارف بين الناس فإن لم تكن لهم سنة لم يقض لهم إلا بعد فراغ أعمالهم، وأما الأكرية في دار أو راحلة أو إجارة بيع السلع ونحوها فبقدر ما مضى وليس للخياط إذا خاط نصف الثوب أخذ نصف الأجر حتَّى يتم إذا لم يأخذه على ذلك

(2)

.

وجاء في مواهب الجليل نقلًا عن المدونة أن من آجر ظئرين

(3)

فماتت واحدة فللباقية أن لا ترضع وحدها، ومن آجر واحدة ثم آجر أخرى فماتت الثانية فالرضاع للأولى لازم كما كانت، وإن ماتت الأولى فعليه أن يأتى بمن ترضع مع الثانية. قال أبو الحسن عبد الحق رحمه الله تعالى: هذا إن علمت حين الإجارة أن معها غيرها، وإن لم تعلم فلا كلام لها لأنها دخلت على أن ترضع وحدها، وكذلك ذكر حمد يس. قال في المدونة: وإذا مرضت الظئر مرضا لا تقدر معه على الرضاع فسخت الإجارة، ولو صحت في بقية منها أجبرت على الرضاع بقيتها ولها من الأجر بقدر ما أرضعت

(4)

. قال في المدونة: وإن مات الأب ولم يدع مالا ولم تأخذ الظئر من إجارتها شيئًا فلها فسخ الإِجارة، ولو تطوع رجل بأدائها لم تفسخ

(5)

. قال مالك رضى الله تعالى عنه: وإن اكتريت من رجل إبله إلى بلد فهرب بها والكراء إلى مكة وغيرها تكارى عليك الإمام ورجعت عليه بما اكتريت به، قال ابن المواز رحمه الله تعالى: إنما يكرى عليه إذا كان له مال معروف، وجاء في المدونة أنه إذا تغيب الجمال يوم خروجك فليس لك عليه إن لقيته بعد ذلك إلا الركوب أو الحمل وله كراؤه، وهذا في كل سفر في كراء مضمون إلا الحاج فإنه يفسخ وإن قبض الكراء ورده لزوال إبانه

(6)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في نهاية المحتاج أنه يجب على المكرى تسليم مفتاح ضبة الدار معها إلى المكترى لتوقف الانتفاع عليه وهو أمانة بيده فلو تلف ولو بتقصير فعلى المكرى تجديده، فإن امتنع من التجديد لم يجبر ولم يأثم، نعم يتخير المكترى، ويجرى ذلك في جميع ما يأتى. وقول القاضي بانفساخها في مدة المنع غير ظاهر لتقصيره بعدم الفسخ مع ثبوت الخيار له، نعم لو كان جاهلا بثبوته وهو ممن يعذر، احتمل ما قاله. هذا بالنسبة لمفتاح الضبة فإن كان قفلا فلا يجب تسليمه فضلا عن مفتاحه لأنَّهُ منقول

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى المعروف بالحطاب جـ 5 ص 394 في كتاب على هامشه التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

(2)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق جـ 5 ص 393 في كتاب على هامش مواهب الجليل للحطاب الطبعة السابقة.

(3)

الظئر بالظاء المعجمة والهمزة المرضع.

(4)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب جـ 5 ص 411 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق جـ 5 ص 412 نفس الطبعة.

(6)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل للمواق جـ 5 ص 435 الطبعة السابقة.

ص: 211

وليس بتابع. وقال الشبراملسى فى حاشيته على نهاية المحتاج: وهذا شكل؛ فإنه حيث صحت الإِجارة استحق المكترى المنفعة على الكرى، فعدم التسليم والتجديد امتناع من حق توجه عليه فإله فالقياس أنه يأثم بعدمه ويجبر على التسليم كما أن البائع يجبر على تسليم المبيع حيث قبض الثمن أو كان مؤجلا. وعمارة الدار المؤجرة على المؤجر وهى تشمل نحو تطيين سطح وإعادة رخام قلعه هو أو غيره - كما هو ظاهر - ولا نظر لكون الغائت به مجرد الزينة لأنها غرض مقصود ومن ثم امتنع على المؤجر قلعه ابتداء ودواما وإن احتاجت لآلات جديدة، فإن بادر قبل مضى مدة لمثلها أجرة وأصلحها أو سلم المفتاح فذاك وإن لم يبادر فللمكترى قهرا على المؤجر الخيار إن نقصت المنفعة بين الفسخ والإبقاء لتضرره ومن ثم زال بزواله ولو وكف السقف

(1)

تخير حالة وكفه فقط إلا أن يتولد منه نقص وبحث الولى العراقى رضى الله تعالى عنه سقوط الخيار بالبلاط بدلٌ الرخام لأن التفاوت بينهما ليس له كبير وقع، وأنه لو شرط إبقاء الرخام فسخ بخلف الشَّرط، ومحل ما تقرر في الحادث أما مقارن علم المكترى به فلا خيار له، وإن علم أنه من وظيفة المكرى لتقصيره بإقدامه مع علمه به هذا كله فيمن تصرف عن نفسه أما المتصرف عن غيره والناظر فتجب عليه العمارة عند تمكنه منها لكن لا من حيث الإِجارة، ويلزم المؤجر أيضًا انتزاع العين ممن غصبها حيث قدر على تسليمها ابتداء أو دواما إن أراد دوام الإِجارة وإلا فللمكترى الخيار كدفع نحو حريق ونهب عنها فإن قدر عليه المستأجر من غير خطر لزمه كالوديع، ويؤخذ منه أنه لو قصر ضمن، وأنه لا يكلف النزع من الغاصب وإن سهل عليه كالمودع كما هو مصرح به في كلامهم. وكسح الثلج عن السطع الذي لا ينتفع به الساكن كالجملون على المؤجر بالمعنى السابق؛ أي يتعين لدفع الخيار. وتنظيف عرصة الدار وسطحها الذي ينتفع ساكنها به كما بحثه ابن الرفعة عن ثلج وإن كثر وكناسة حصلا في دوام المدة وهى ما يسقط من نحو قشر وطعام ومثلها رماد الحمام كما اعتمده ابن الرفعة رحمه الله تعالى، ورماد غيره كذلك على المكترى بمعنى أنه لا يجبر عليه المكرى لتوقف كمال انتفاعه لا أصله على رفع الثلج ولأن الكناسة من فعله والتراب الحاصل بالريح لا يلزم واحدا منهما نقله وبعد انقضاء المدة يجبر المكترى على نقل الكناسة وعليه بالمعنى المار تفريغ بالوعة وحسن

(2)

مما حصل فيهما بفعله، ولا يجبر على ذلك بعد انقضاء المدة، وفارقا الكناسة بأنهما نشآ عما لابدّ منه بخلافها، وبأن العرف فيها رفعها أولًا فأولا بخلافهما، ويلزم المؤجر تسليمهما عند العقد فارغين، وإلا ثبت للمكترى الخيار ولو مع علمه بامتلائهما ويفارق ما مر من عدم خياره بالعيب المقارن بأن استيفاء منفعة السكنى تتوقف على تفريغه بخلاف تنقية الكناسة ونحوها للتمكن من الانتفاع مع وجودهما. وإن أجر دابة لركوب عينا أو ذمة فعلى المؤجر عند الإِطلاق إكاف

(3)

والمراد هنا

(1)

جاء في لسان العرب: وكف البيت والسطح وكفا ووكيفا ووكوفا ووكفانا: هطل وقطر.

(2)

الحسن بفتح الحاء وضمها: المتوضأ، سمى به لأنهم كانوا يذهبون عند قضاء الحاجة إلى البساتين، فأصل الحسن: جماعة النخل، والبستان أيضا.

(3)

الإكاف بكسر أوله وضمه: هو للحمار كالسرج للفرس وكالقتب للبعير، وفسره كثير بالبرذعة، ولعله مشترك، وفى المطلب أنه يطلق في بلادنا على ما يوضع فوق البرذعة ويشد عليه الحزام.

ص: 212

ما تحت البرذعة، وبرذعة

(1)

وحزام - و هو ما يشد به الإِكاف - وثفر

(2)

، وبرة

(3)

وخطام

(4)

لتوقف التمكين اللازم له عليها مع إطراد العرف به فاندفع بحث الزركشى رحمه الله تعالى أن محل ذلك عند اطراد العرف به وإلا وجب البيان. أما إذا شرط أنه لا شئ عليه من ذلك فلا يلزمه، وعلى المكترى محمل ومظلة - أي ما يظلل به على المحمل - ووطاء

(5)

وغطاء وتوابعهما كحبل يشد به المحمل على البعير أو أحد المحملين إلى الآخَر لأن ذلك يراد لكمال الانتفاع فلم يستحق بالإِجارة، وقد نقل الماوردى رضى الله تعالى عنه عن اتفاقهم أن الحبل الأول على الجمال لأنَّهُ من آلة التمكين وهو ظاهر لكونه كالحزام، وفارق الثاني بأن الثاني لإِصلاح ملك المكترى، والأصح في السرج للفرس المستأجر عند الإِطلاق اتباع العرف قطعا للنزاع، ومحله عند اطراده بمحل العقد وإلا وجب البيان. والثانى أنه على المؤجر كالإكاف، والثالث المنع لأنَّهُ ليس له عادة مطردة، ولو اطرد العرف بخلاف ما نصوا عليه عمل به فيما يظهر بناء على أن الاصطلاح الخاص يرفع الاصطلاح العام كما اقتضاه كلامهم، وإن اقتضى في مواضع أخرى عدمه، لأن العرف هنا مع اختلافه باختلاف اقال كثيرا هو المستقل بالحكم فوجبت إناطته به مطلقًا وظرف المحمول على المؤجر في إجارة الذمة لالتزامه النقل وعلى المكترى في إجارة العين لأنَّهُ ليس علمه سوى تسليم الدابة مع نحو إكافها وحفظ الدابة على صاحبها ما لم يسلمها له ليسافر عليها وحده فيلزمه حفظها صيانة لها لأنَّهُ كمودع. وعلى المؤجر في إجارة الذمة الخروج مع الدابة بنفسه أو نائبه ليتعهدها، وعليه أيضًا إعانة الراكب في ركوبه ونزوله بحسب الحاجة والعرف في كيفية الإِعانة فينيخ البعير لنحو امرأة وضعيف حالة الركوب وإن كان قويا عند العقد، ويقرب نحو الحمار من مرتفع ليسهل ركوبه وينزله لما لا يتأتى فعله عليها كصلاة فرض لا نحو أكل، وينتظر فراغه ولا يلزمه مبالغة تخفيف ولا قصر ولا جمع وليس له التطويل على قدر الحاجة أي بالنسبة للوسط المعتدل من فعل نفسه فيما يظهر، فلو طول ثبت للمكرى الفسخ قاله الماوردى رضى الله تعالى عنه، وله النوم عليها وقت العادة دون غيره لثقل النائم ولا يلزمه النزول عنها للإراحة بل للعقبة إن كان ذكرا قويا لا وجاهة ظاهرة له بحيث يخل المشى بمرووته عادة وعليه إيصاله إلى أول البلد المكرى إليها من عمرانها إن لم يكن لها سور وإلا فإلى السور دون مسكنه، قال الماوردى: إلا إن كان البلد صغيرا تتقارب أقطاره فيوصله منزله، ولو استأجره لحمل حطب إلى دارد وأطلق لم يلزمه إطلاعه السقف، وهل يلزمه إدخاله الدار والباب ضيق أو تفسد الإجارة؟ قولان أصحهما أولهما، ولو ذهب مستأجر الدابة بها والطريق آمن فحدث خوف فرجع بها ضمن أو مكث هناك ينتظر الأمن لم تحسب عليه مدته وله حينئذ حكم الوديع في حفظها وإن قارن

(1)

البرذعة: بفتح أوله ثم ذال معجمة أو مهملة هي الحلس الذي تحت الرجل كذا في الصحاح في موضع كالمشارق، وقال في حلس: الحلس للبعير وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة وهى الآن ليست واحدا من هذين، بل حلس غليظ محشو ليس معه شئ آخر غالبًا.

(2)

الثفر بمثلثة وفاء مفتوحة: ما يجعل تحت ذنب الدابة.

(3)

البرة بضم أوله وتخفيف الراء: حلقة تجعل في أنف البعير.

(4)

الخطام بكسر أوله: يشد في البرة ثم يشد بطرف المقود بكسر الميم.

(5)

الوطاء بكسر أوله: ما يفرش في المحمل لمجلس عليه.

ص: 213

الخوف العقد فرجع فيه لم يضمن إن عرفه المؤجر وإن ظن الأمن فوجهان أصحهما عدم تضمينه.

وعليه أيضًا رفع الحمل وحطه وشد المحمل وحله وشد أحد المحملين إلى الآخَر وهما بالأرض وأجرة دليل وخفير وقائد وسائق وحافظ متاع في المنزل وكذا نحو دلو ورشاء في استئجار لنحو الاستفاء لاقتضاء العرف جميع ذلك. وليس عليه إجارة العين إلا التخلية بين المكترى والدابة فلا يلزمه شئ مما مر لأنَّهُ لم يلتزم سوى التمكين منها المراد بالتخلية، وليس المراد أن قبضها بالتخلية لئلا يخالف قبض المبيع فقد ذكر الرافعى رضى الله تعالى عنه هناك أنه يشترط في قبض الدابة سوقها أو قودها، زاد النووى رضى الله تعالى عنه: ولا يكفى ركوبها، وتستقر الأجرة في الصحيحة دون الفاسدة بالتخلية في العقار وبالوضع بين يدى المستأجر وبالعرض عليه وامتناعه من القبض إلى انقضاء المدة وله قبله أن يؤجرها من المؤجر كما صححه في الروضة هنا لا من غيره

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أن المؤجر يملك الأجرة بمجرد العقد إذا أطلق ولم يشترط المستأجر أجلا كما يملك البائع الثمن بالبيع - وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه، وقال مالك وأبو حنيفة رضى الله تعالى عنهما: لا يملكها بالعقد فلا يستحق المطالبة بها إلا يوم بيوم إلا أن يشترط تعجيلها. قال أبو حنيفة إلا أن تكون معينة كالثوب والعبد والدار لأن الله تعالى يقول: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}

(2)

. فأمر بإيتائهن بعد الارتضاع، وقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره .. " فتوعد على الامتناع من دفع الأجر بعد العمل فدل على أنها حالة الوجوب، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" رواه ابن ماجة، ولأنه عوض لم يملك معوضه فلم يجب تسليمه كالعوض في العقد الفاسد فإن المنافع معدومة لم تملك ولو ملكت فلم يتسلمها لأنَّهُ يتسلمها شيئًا فشيئا فلا يجب عليه العوض مع تعذر التسليم في العقد، ويدل لنا أنه عوض أطلق فكره في عقد معاوضة فيستحق بمطلق العقد كالثمن والصداق أو نقول عوض في عقد يتعجل بالشرط فوجب أن يتعجل بمطلق العقد كالذى ذكرنا، فأما الآية فيحتمل أنه أراد الإِيتاء عند الشروع في الرضاع أو تسليم نفسها كما قال تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}

(3)

أي إذا أردت القراءة، ولأن هذا تمسك بدليل الخطاب ولا يقولون به، وكذلك الحديث يحققه أن الأمر بالإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله كقوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}

(4)

. والصداق يجب قبل الاستمتاع وهذا هو الجواب عن الحديث ويدل عليه أنه إنما

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير جـ 5 ص 214 وما بعدها إلى ص 300 في كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على بن علي الشبراملسى. وعلى هامشه حاشية الشيخ أحمد بن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ سنة 1938 م.

(2)

الآية رقم 65 من سورة الطلاق.

(3)

الآية رقم 98 من سورة النمل.

(4)

الآية رقم 24 من سورة النساء.

ص: 214

توعد على ترك الإِيفاء بعد الفراغ من العمل، وقد قلتم تجب الأجر شيئا فشيئا، ويحتمل أنه توعده على ترك الإِيفاء في الوقت الذي تتوجه المطالبة فيه عادة. هذا إلى أن الآية والأخبار إنما وردت فيمن استؤجر على عمل، فأما ما وقعت الإِجارة فيه على مدة فلا تعرض لها به، وأما إذا كانت الإِجارة على عمل فإن الأجر يملك بالعقد أيضًا لكن لا يستحق تسليمه إلا عند تسليم العمل، قال ابن أبي موسى من استؤجر لعمل معلوم استحق الأجر عند إيفاء العمل وإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل يوم عند تمامه، وقال أبو الخطاب رحمه الله تعالى: الأجر يملك بالعقد ويستحق بالتسليم ويستقر بمضى المدة. وإنما توقف استحقاق تسليمه على العمل لأنَّهُ عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق والثمن في المبيع، وفارق الإجارة على الأعيان لأن تسليمها جرى مجرى تسليم نفعها ومتى كان على منفعة في الذمة لم يحصل تسليم المنفعة ولا ما يقوم مقامها فتوقف استحقا تسليم الأجر على تسليم العمل، وقولهم لم يملك المنافع قد سبق الجواب عنه، فإن قيل: فإن المؤجر إذا قبض الأجر انتفع به كله بخلاف المستأجر فإنه لا يحصل له استيفاء المنفعة كلها، قلنا لا يمتنع هذا كما لو شرطنا التعجيل أو كان الثمن عينا

(1)

. وإذا استوفى المستأجر المنافع استقر الأجر لأنَّهُ قبض المعقود عليه فاستقر عليه البدل كما لو قبض المبيع، وإن سلمت إليه العين التي وقعت الإِجارة عليها ومضت المدة ولا حاجز له عن الانتفاع استقر الأجر وإن لم ينتفع لأن المعقود عليه تلف تحت يده وهى حقه فاستقر عليه بدلها كثمن المبيع إذا تلف في يد المشترى، وإن كانت الإِجارة على عمل فتسلم المعقود عليه ومضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها مثل أن يكترى دابة ليركبها إلى حمص فقبضها ومضت مدة يمكن ركوبها فيها فقال أصحابنا: يستقر عليه الأجر - وهو مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه - لأن المنافع تلفت تحت يده باختياره فاستقر الضمان عليه كما لو تلفت العين في يد المشترى وكما لو كانت الإِجارة على مدة فمضت، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: لا يستقر الأجر علمه حتَّى يستوفى المنفعة لأنَّهُ عقد على منفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر بدلها قبل استيفائها كالأجر للأجير المشترك، فإن بذل تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتَّى انقضت المدة استقر الأجر عليه لأن المنافع تلفت باختياره في مدة الإِجارة فاستقر عليه الأجر كما لو كانت في يده، وإن بذل تسليم العين وكانت الإِجارة على عمل فقال أصحابنا إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها استقر عليه الأجر وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه لأن المنافع تلفت باختياره. وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه لا أجر عليه وهو أصح عندى لأنَّهُ عقد على ما في الذمة فلم يستقر عوضه ببذل التسليم كالمسلم فيه، ولأنه عقد على منفعة مؤقتة بزمن فلم يستقر عوضها بالبذل كالصداق إذا بذلت تسليم نفسها وامتنع الزوج من أخذها، وإن كان هذا في إجارة فاسدة ففيما إذا عرضها على المستأجر فلم يأخذها لا أجر عليه لأنها لم تتلف تحت يده ولا في ملكه، وإن قبضها ومضت المدة أو مضت مدة يمكن استيفاء

(1)

المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 6 ص 14 وما بعدها إلى ص 16 في كتاب أسئلة الشرح الكبير على متن المقفع للشيخ الإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.

ص: 215

المنفعة فيها أو لا يمكن فعن أحمد رضى الله تعالى عنه روايتان:

إحداهما: عليه أجر المثل لمدة بقائها في يده - وهو قول الشافعي - لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاها.

والثانية: لا شئ له وهو قول أبى حنيفة لأنَّهُ عقد فاسد على منافع لم يستوفها فلم يلزمه عوضها كالنكاح الفاسد، وإن استوفى المنفعة في العقد الفاسد فعليه أجر المثل، وبه قال مالك والشافعى، وقال أبو حنيفة يجب أقل الأمرين من المسمى أو أجر المثل بناء منه على أن المنافع لا تضمن إلا بالعقد، ويدل لنا أن ما ضمن بالمسمى في العقد الصحيح وجب ضمانه بجميع القيمة في الفاسد كالأعيان وما ذكره لا نسلمه

(1)

.

وإذا استأجر عقارا مدة فسكنه بعض المدة ثم أخرجه المالك ومنعه تمام السكنى فلا شئ له من الأجرة، وقال أكثر الفقهاء له أجر ما سكن لأنَّهُ استوفى ملك غيره على سبيل المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته كما لو تعذر استيفاء الباقى لأمر غالب ويدل لنا أنه لم يسلم إليه ما عقد الإِجارة عليه فلم يستحق شيئًا كما لو استأجره ليحمل كتابا فحمله بعض الطريق أو استأجره ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرة وامتنع من حفر الباقى، وقياس الإِجارة على الإِجارة أولى من قياسها على البيع، ويفارق ما إذا امتنع لأمر غالب لأن له عذرا والحكم فيمن اكترى دابة فامتنع المكرى من تسليمها في بعض المدة أو آجر نفسه أو عبده للخدمة مدة وامتنع من إتمامها أو أجر نفسه لبناء حائط أو خياطة أو حفر بئر أو حمل شئ إلى مكان وامتنع من إتمام العمل كالحكم في العقار يمتنع من تسليمه وأنه لا يستحق شيئًا لما ذكرنا

(2)

. وإذا هرب الأجير أو شردت الدابة أو أخذ المؤجر العين وهرب بها أو منعه استيفاء المنفعة منها من غير هرب لم تنفسخ الإِجارة لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فإن فسخ فلا كلام وإن لم يفسخ انفسخت الإِجارة بمضى المدة يوما فيوما، فإن عادت العين في أثناء المدة استوفى ما بقى منها، فإن انقضت المدة انفسخت الإِجارة لفوات المعقود عليه وإن كانت الإِجارة على موصوف في الذمة كخياطة ثوب أوْ بناء حائط أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله من يعمله كما لو أسلم إليه في شئ فهرب ابتيع من ماله فإن لم يمكن ثبت للمستأجر الفسخ فإن فسخ فلا كلام وإن لم يفسخ وصبر إلى أن يقدر علمه فله مطالبته بالعمل لأن ما في الذمة لا يفوت بهربه، وكل موضع امتنع الأجير من العمل فيه أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع إذا كان بعد عمل البعض فلا أجر له فيه على ما سبق إلا أن يرد العين قبل انقضاء المدة أو يتم العمل إن لم يكن على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل فأما إن شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الأجر بقدر ما استوفى بكل حال

(3)

. وإذا اكترى عينا فوجد بها عيبا لم يكن علم به فله فسخ العقد بغير خلاف نعلمه، قال ابن المنذر

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 16 وما بعدها إلى ص 18 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 24 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 24، 25 الطبعة السابقة.

ص: 216

رحمه الله تعالى: إذا اكترى دابة بعينها فوجدها جموحا أو عضوضا أو نفورا أو بها عيب غير ذلك مما يفسد ركوبها فللمكترى الخيار إن شاء ردها وفسخ الإِجارة وإن شاء أخذها وهذا قول أبى ثور وأصحاب الرأى رضى الله تعالى عنهم، ولأنه عيب في المعقود عليه فأثبت الخيار كالعيب في بيوع الأعيان والعيب الذي يرد به ما تنقص به قيمة المنفعة كتعثر الظهر في المشى والعرج الذي يتأخر به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها جموحة أو عضوضة أو أشباه ذلك، وفى المكترى للخدمة ضعف البصر والجنون والجذام والبرص، وفى الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها وانقطاع الماء من بئرها أو تغيره بحيث يمتنع الشرب والوضوء وأشباه ذلك من النقائص، ومتى حدث شئ من هذه العيوب بعد العقد ثبت للمكترى خيار الفسخ لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا شيئًا فشيئًا فإذا حدث العيب فقد وجد قبل قبض الباقى من المعقود عليه فأثبت الفسخ فيما بقى منها، ومتى فسخ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين، وإن رضى المقام ولم يفسخ لزمه جميع العوض لأنَّهُ رضى به ناقصا فأشبه ما لو رضى بالببيع معيبا، وإن اختلفا في الموجود هل هو عيب أو لا؛ رجع فيه إلى أهل الخبرة فإن قالوا ليس بعيب مثل أن تكون الدابة خشنة المشى أو أنها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيرًا فليس له فسخ، وإن قالوا هو عيب فله الفسخ، هذا إذا كان العقد يتعلق بعينها فأما إن كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد وعلى المكرى إبدالها لأن العقد لم يتعلق بعينها أشبه المسلم فيه إذا سلمه على غير صفته فإن عجز عن إبدالها أو امتنع منه ولم يمكن إجباره عليه فللمكترى الفسخ أيضًا

(1)

. وعلى المكرى ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم مفاتيح الدار والحمام لأن عليه التمكين من الانتفاع وتسليم مفاتيحها تمكين من الانتفاع فوجب عليه، فإن ضاعت بغير تفريط من المكترى فعلى المكرى بدلها لأنها أمانة في يد المكترى فأشبه ذلك حيطان الدار وأبوابها، وعليه بناء حائط إن سقط وإبدال خشبه إن انكسر، وعليه تبليط الحمام وعمل الأبواب والبزل ومجرى الماء لأن بذلك يتمكن من الانتفاع، وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبكرة فعلى المكترى، وأما التحسين والتزويق فلا يلزم واحدا منهما لأن الانتفاع ممكن بدونه، وأما تنقيه البالوعة والكنف فإن احتيج إلى ذلك عند الكراء فعلى المكرى لأن ذلك مما يتمكن به من الانتفاع، وإن امتلأت بفعل المكترى فعليه تفريغها، وهذا قول الشافعي، وقال أبو ثور: هو على رب الدار لأن به يتمكن من الانتفاع فأشبه ما لو اكترى وهى ملأى، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: القياس أنه على المكترى والاستحسان أنه على رب الدار لأن عادة الناس ذلك. ويدل لنا أن ذلك حصل بفعل المكترى فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا، والقول في تفريغ جية الحمام التي هي مصرف الماء كالقول في بالوعة الدار، وإن انقضت الإِجارة وفى الدار زبل أو قمامة من فعل الساكن فعليه نقله وهذا قول الشافعي وأبى ثور وأصحاب الرأى رضى الله تعالى عنهم

(2)

. وإذا أجره الأرض للغراس سنة صح لأنَّهُ يمكن تسليم منفعتها المباحة المقصودة فأشبهت سائر

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 30، 31 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 6 ص 31، ص 32 نفس الطبعة.

ص: 217

المنافع، وسواء شرط قلع الغراس عند انقضاء المدة أو أطلق، وله أن يغرس قبل انقضاء المدة فإذا انقضت المدة لم يكن له أن يغرس لزوال عقده، فإذا انقضت السنة وكان قد شرط القلع عند انقضائها لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه، وليس على صاحب الأرض غرامة نقصه ولا على المكترى تسوية الحفر وإصلاح الأرض لأنهما دخلا على هذا لرضاهما بالقلع واشتراطهما عليه، وإن اتفقا على إبقائه بأجر أو غيره جاز إذا شرطا مدة معلومة، وكذلك لو اكترى الأرض سنة بعد سنة كلما انقضى عقد جدد آخر جاز، وإن أطلق العقد فللمكترى القلع لأن الغرس ملكه فله أخذه كطعامه من الدار التي باعها، وإذا قلع فعليه تسوية الحفر لأنَّهُ نقص دخل عل ملك غيره بغير إذنه وهكذا إن قلعه قبل انقضاء المدة ههنا، وفى التي قبلها لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك ولأنه تصرف في الأرض تصرفا نقصها لم يقتضه عقد الإِجارة، وإن أبى القلع لم يجبر عليه إلا أن يضمن له المالك نقص غرسه فيجبر حينئذ وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه وقال أبو حنيفة ومالك رضى الله تعالى عنهما: عليه القلع من غير ضمان النقص له لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضى التفريغ عند انقضائها كما لو استأجرها للزرع.

ويدل لنا قول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق" مفهومه أن ما ليس بظالم له حق وهذا ليس بظالم ولأنه غرس بإذن المالك ولم يشرط قلعه فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص كما لو استعار منه أرضا للغرس مدة فرجع قبل انقضائها، ويخالف الزرع فإنه لا يقتضى التأبيد فإن قيل: فإن كان إطلاق العقد في الغراس يقتضى التأبيد فشرط القلع ينافى مقتضى العقد فينبغى أن يفسده، قلنا: إنما اقتضى التأبيد من حيث أن العادة في الغراس التبقية فإذا أطلقه حمل على العادة وإذا شرط خلاصه جاز كما إذا باع بغير نقد البلد أو شرط في الإِجارة شرطا يخالف العادة. إذا ثبت هذا فإن رب الأرض يخير بين ثلاثة أشياء:

أحدها: أن يدفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع أرضه.

الثاني: أن يقلع الغراس والبناء ويضمن أرش نقصه.

الثالث: أن يقر الغراس والبناء ويأخذ منه أجر المثل وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه، وقال مالك رضى الله تعالى عنه: يخير بين دفع قيمته فيملكه وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان وبين تركه فيكونان شريكين وليس بصحيح لأن الغراس ملك لغارسه لم يدفع إليه عنه عوض ولا رضى بزوال ملكه عنه فلا يزول عنه كسائر الغرس، وإن اتفقا على بيع الغراس والبناء للمالك جاز وإن باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض جاز ومشتريهما يقوم فيهما مقام البائع، وقال أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم في أحد الوجهين: ليس له بيعها لغير مالك الأرض لأن ملكه ضعيف بدليل أن لصاحب الأرض تملكه عليه بالقيمة من غير إذنه. ويدل لنا أنه مملوك له يجوز بيعه لمالك الأرض فجاز لغيره كشقص مشفوع وبهذا يبطل ما ذكروه فإن للشفيع تملك الشقص وشراؤه ويجوز بيعه لغيره

(1)

. ويلزم المكرى للركوب كل ما جرت به العادة أن يوطأ به المركوب للراكب من

(1)

المرجع السابق جـ 6 ص 66 وما بعدها إلى ص 68 نفس الطبعة.

ص: 218

الحداجة للجمل والقتب والزمام الذي يقاد به البعير والبرة التي في أنف البعير إن كانت العادة جارية بينهم بها، وإن كان فرسا فاللجام والسرج، وإن كان بغلا أو حمارا فالبرذعة والإِكاف لأن هذا هو العرف فحمل الإِطلاق عليه، وعلى المكترى مايزيد على ذلك كالمحمل والمحارة والحبل الذي يشد به بين المحملين أو المحارتين لأن ذلك من مصلحة المحمل والوطاء الذي يشد فوق الحداجة تحت الجمل، وعلى المكرى رفع المحمل على الجمل ورفع الأحمال وشدها وحطها لأن هذا هو العرف وبه يتمكن من الركوب ويلزمه القائد والسائق، هذا إذا كان الكراء على أن يذهب مع المكترى وإن كان على أن يتسلم الراكب البهيمة يركبها لنفسه فكل ذلك عليه لأن الذي على المكرى تسليم البهيمة وقد سلمها، فأما الدليل فهو على المكترى لأن ذلك خارج عن البهيمة المكتراة وآلتها فلم يلزمه كالزاد، وقيل إن كان اكترى منه بهيمة بعينها فأجرة الدليل على المكترى لأن الذي عليه أن يسلم الظهر وقد سلمه، وإن كانت على حمله إلى مكان معين في الذمة فهو على المكرى لأنَّهُ من مؤنة إيصاله إليه وتحصيله فيه. وإذا كان الراكب ممن لا يقدر على الركوب والبعير قائم كالمرأة والشيخ والضعيف والسمين وشبههم فعلى الجمال أن يبرك الجمل لركوبه ونزوله لأنه لا يتمكن من الركوب والنزول إلا به وإن كان ممن يمكنه الركوب والنزول والبعير قائم لم يلزم الجمال أن يبرك له الجمل لأنه يمكنه استيفاء المعقود عليه بدون هذه الكلفة، وإن كان قويا حال العقد فضعف في أثنائه أو ضعيفا فقوى فالاعتبار بحال الركوبة لأن العقد اقتضى ركوبه بحسب العادة، ويلزم الجمال أن يقف البعير لينزل لصلاة الفريضة وقضاء حاجة الإِنسان وطهارته ويدع البعير واقفا حتَّى يفعل ذلك لأنَّهُ لا يمكنه فعل شئ من هذا على ظهر البعير، وما أمكنه فعله عليه من أكل والشرب وصلاة النافلة من السنن وغيرها لم يلزمه أن يبركه له ولا يقف عليه من أجله، وإن أراد المكترى إتمام الصلاة وطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه ذلك بل تكون خفيفة في تمام، ومن اكترى بعمر الإِنسان يركبه لنفسه وسلمه إليه لم يلزمه سوى ذلك لأنَّهُ وفى له بما عقد عليه فلم يلزمه شئ سواه

(1)

. وإذا اكترى ظهرا في طريق العادة فيه النزول والمشى عند اقتراب المنزل والمكترى امرأة أو ضعيف لم يلزمه النزول لأنَّهُ اكتراه جميع الطريق ولم تجر له عادة بالمشى فلزمه حمله في جميع الطريق كالمتاع، وإن كان جلدا قويا ففيه وجهان:

أحدهما: لا يلزمه النزول أيضا لأنَّهُ عقد على جميع الطريق فلا يلزمه تركه في بعضها كالضعيف.

والثاني: يلزمه لأنَّه متعارف والمتعارف كالمشروط

(2)

.

وإن هرب الجمال في بعض الطريق أو قبل الدخول فيها لم يخل من حالين:

أحدهما: أن يهرب بجماله فينظر فإن لم يجد المستأجر حاكما أو وجد حاكما لم يمكن إثبات الحال عنده أو أمكن الإِثبات عنده ولا يحصل له ما يكترى به ما يستوفى حقه منه فللمستأجر فسخ الإِجارة لأنه تعذر عليه قبض المعقود عليه فأشبه ما لو أفلس المشترى أو انقطع المسلم فيه عند محله، فإن فسخ العقد وكان الجمال قد قبض

(1)

المرجع السابق جـ 6 ص 65، ص 96 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 6 ص 96 نفس الطبعة.

ص: 219

الأجر كان دينا في ذمته وإن اختار المقام على العقد وكانت الإِجارة على عمل في الذمة فله ذلك ومتى قدر على الجمال طالبه به، وإن كان العقد على مدة انقضت في هربه انفسخ العقد بذلك، وإن أمكنه إثبات الحال عند الحاكم وكان العقد على موصوف غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الأمر إلى الحاكم ويثبت عنده حاله فينظر الحاكم فإن وجد للجمال مالا اكترى به له وإن لم يجد له مالا وأمكنه أن يقترض على الجمال من بيت المال أو من غمره ما يكترى له به فعل، فإن دفع الحاكم المال إلى المكترى لمكترى لنفسه به جاز في ظاهر كلام أحمد رضى الله تعالى عنه، وإن اقترض عليه من المكترى ما يكرى به جاز وصار دينا في ذمة الجمال، وإن كان العقد على معين لم يجز إبداله ولا اكتراء غيره لأن العقد تعلق بعينه فيتخير المكترى بين الفسخ أو البقاء إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعمل.

الحال الثاني: إذا هرب الجمال فترك جماله فإن المكترى يرفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد للجمال مالا استأجر به من يقوم مقام الجمال في الإِنفاق على الجمال والشد عليها وحفظها وفعل ما يلزم الجمال فعله فإن لم يجد له غير الجمال وكان فيها فضله عن الكراء باع بقدر ذلك وإن لم يكن فيها فضل أو لم يمكن بيعه اقترض عليه الحاكم كما قلنا، وإن أدان من المكترى وأنفق جاز، وإن أذن للمكترى في الإِنفاق من ماله بالمعروف ليكون دينا على الجمال جاز لأنَّهُ موضع حاجة، وإذا رجع الجمال واختلفا فيما أنفق نظرنا فإن كان الحاكم قدر له ما ينفق قبل له في قدر ذلك وما زاد لا يحتسب به وإن لم يقدر له قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف لأنَّهُ أمين وما زاد لا يرجع به لأنَّهُ متطوع به، وإذا وصل المكترى رفع أمره إلى الحاكم ففعل ما يرى الخط فيه من بيع الجمال فيوفى عن الجمال ما لزمه من الدين للمكترى أو لغيره ويحفظ باقى الثمن له وإن رأى بيع بعضها وحفظ باقيها والإِنفاق على الباقى من ثمن ما باع جاز. وإن لم يجد حاكما أو عجز عن استئذانه فله أن ينفق عليها ويقيم مقام الجمال فيما يلزمه، فإن فعل ذلك متبرعا لم يرجع بشئ وإن نوى الرجوع وأشهد على ذلك رجع به لأنَّهُ حال ضرورة، وهذا أحد الوجهين للشافعى رضى الله تعالى عنه، وإن لم يشهد ونوى الرجوع ففى الرجوع وجهان:

أحدهما: يرجع به لأن ترك الجمال مع العلم بأنها لابدّ لها من نفقة إن إذن في الإِنفاق.

والثانى: لا يرجع به لأنَّهُ يثبت لنفسه حقا على غيره، وكذلك إن لم يجد من يشهده فأنفق محتسبا بالرجوع، وقياس المذهب أن له الرجوع لقولنا يرجع بما أنفق على الأبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة المرهونة ولو قدر على استئذان الحاكم فأنفق من غير استئذانه وأشهد على ذلك ففى رجوعه وجهان أيضًا، وحكم موت الجمال حكم هربه، وقال أبو بكر رحمه الله تعالى: مذهب أحمد رضى الله تعالى عنه أن الموت لا يفسخ الإِجارة وله أن يركبها ولا يسرف في علفها ولا يقصر ويرجع بذلك في مال المتوفى فإن لم يكن في يد المستأجر ما ينفقه لم يجز أن يبيع منها شيئًا لأن البيع إنما يجوز من المالك أو من نائبه أو ممن له ولاية عليه

(1)

.

(1)

المرجع السابق جـ 6 ص 96 وما بعدها إلى ص 98 نفس الطبعة.

ص: 220

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أن العترة على أن عقد الإجارة لازم، قال الهادى رضى الله تعالى عنه: فمن اكترى دارا لم يكن لأيهما الفسخ بعد العقد إلا لعذر، وفَّرت الأجرة أم لا. وعلى المكرى تسليم المفتاح والتخلية حتَّى للكنيف ليتمكن من الانتفاع، وعلى المكترى تفريغه في مدته للرد إذ هو الذي شغله. وعلى المالك إصلاح ما أجر من المغالق والأخشاب ونحوها لينتفع المستأجر، وفى جواز وضع ما يستدعى الفأرة ونحوها وجهان؛ قال الإِمام يحيى رضى الله تعالى عنه: أصحهما الجواز للعرف، وقيل: لا لإِضراره، وعلى المكرى إزالة عفونات السمسرة ونحوها وإصلاح السقف والميزاب والساحل والبئر بالحبل والدلو، والحوض للشرب، وإعاضة ما ضاع من مفاتيحها في يد المكترى؛ إذ هو أمين ويخير حيث وجد عيبا، ولا يلزمه عند الرد كسح الحجر والساحات

(1)

. قال الهادى عليه السلام: وعلى المالك إصلاح ما انهدم في مدة الإِجارة ليتمكن المكترى، ولا خلاف فيه، ولا ينفسخ بالعذر إلا أن يفسخه المكترى، فله ذلك ما لم يصلح

(2)

. ولو قال صاحب المنزل لمستأجره دونكه فلم يفتحه حتى مضت المدة لزمت أجرته حيث أمكنه الفتح لصحة التخلية، حيث لا مشقة ولا مؤنة في الفتح، فإن تعذر إلا بكسر الغلق لم يجز، فإن فعل لزمت الأجرة وضمان ما كسر، فإن أمكن بالفك أو التسلق جاز ولا يجب، فأما لو تعذر عليه الفتح بالمفتاح وهو يمكن أكثر الناس، فوجهان: أصحهما فساد التخلية إذا العبرة به

(3)

. وإذا حصد المكترى زرعه فعليه قلع ما بقى من أصوله ليرد الأرض فارغة كوجوب تفريغ الدار

(4)

. وعلى مكرى الحيوان الحبال والحلق التي يستر بها التغطية والقتب ونحوه، لا الفراش في المحمل، ولا يمنع من فرش ما لا يثقل، وفى تعليق الدلو ونحوه وجهان، قال الإمام يحيى عليه السلام: أصحهما لا يجب إلا بشرط، وقيل يجب للعرف والحاجة، قلنا: ليس لكل راكب معاليق، والمعاليق تختص غير ذوات السروج وعلى المكرى إعانة الراكب في الركوب والنزول والإِناخة حيث يحتاج، كالمريض للعرف وللطهارة للفرض ولصلاته، لا للأكل والنفل وأجرة الدليل حيث يلزمه السير، وإلا فعلى المكترى

(5)

. وإذا عين المحمول والحامل لغا تعيين الحامل؛ إذ المقصود حينئذ الحمل فتعيين الحامل تابع لا حكم له، فلو تلف لزمه إبداله بلا تفويت غرض، وللمكرى أن يحمل على غيره مع وجوده ويضمن المحمول ضمان المشترك ويلزمه السير معه للعرف، وإذا امتنع المكترى ولا حاكم فلا أجرة ولو خلى له الحامل، إذ ليس بمتعين وتبطل بتلف المحمول

(1)

البحر الزخار لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى ج 4 ص 34 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 35 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 4 ص 37 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق جـ 4 ص 39 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق جـ 4 ص 40 نفس الطبعة.

ص: 221

لذلك، فإن لم يعين أيهما فسدت للجالة، فإن عين المحمول فحسب صحت والحكم ما مر، فإن عين الحامل فحسب صحت وتعين، فلا يلزم إبداله إن تلف كتلف المبيع، وتنعكس تلك الأحكام لتعيينه حينئذ، قلت: إلا لعرف في السير فيتبعه ضمان

(1)

الحمل. والعقد الخاص إنما يتناول تسليم النفس، فهو أمين فيما يقبضه لا يضمن إلا لتعد أو تفريط كالمودع ولا يضمن الجناية ولو خطأ. وإنما يستحق الأجرة بتسليم نفسه المدة المعلومة، فللمستأجر منعه من العمل لغيره واستعماله في أي عمل شاء، فإن اممنع من العمل أو عمل للغير فلا أجرة على المستأجر والأجر له، وقيل: بل للمستأجر لملكه المنافع كالعبد. قلت: والقياس يقتضيه

(2)

. والمذهب على أنه إذا مرض الأجير الخاص لم تسقط حصة مدة المرض إن لم يفسخ إذ يستحق بالمدة، وللمستأجر الفسخ بالعيب إن كان الأجير ممن يتولى العمل بنفسه، فإن أبق العبد الأجير أو مات لم يلزم إبداله إجماعا، وسقطت حصة باقى المدة، إذ لم يسلم نفسه فيها خلاف

(3)

.

والمذهب أن للأجير حبس العين لقبض الأجرة والضمان بحاله. قلت: وكذا المبيع بعد التفاسخ إذ هي عين تعلق بها حق فأشبهت الرهن، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: له حبس المصنوع لا المحمول، قلنا: لا وجه للفرق. قال الإِمام يحيى عليه السلام: ولا يسقط الضمان بالتخلية ما لم يتسلمه المالك، قال أبو طالب: كما قال أبو حنيفة لو سلم المبيع بالتخلية ثم تلف قبل تسليم المشترى فإنه يتلف من مال البائع، لكن فائدة التخلية لزوم الثمن، فللبائع بعدها المطالبة لا قبلها. قل: وظاهر المذهب أن التخلية كالقبض لكن بعد تسليم الثمن أو تخليته فيتلف حينئذ من مال المشترى، فينظر لا إجماع

(4)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء في الروضة البهية أن الأجير يملك الأجرة بالعقد لاقتضاء صحة المعاوضة انتقال كل من العوضين إلى الآخر، لكن لا يجب تسليمها قبل العمل، وإنما تظهر الفائدة في ثبوت أصل الملك فيتبعها النماء متصلا ومنفصلا، ويجب تسليمها بتسليم العين المؤجرة وإن كانت على عمل فبعده لا قبل ذلك، حتى لو كان المستأجر وصيا أو وكيلا لم يجز له التسليم قبله إلا مع الإِذن صريحا أو بشاهد الحال، ولو فرض توقف الفعل على الأجرة كالحج وامتنع المستأجر من التسليم تسلط الأجير على الفسخ

(5)

وإذا تسلم المستأجر العمن ومضت مدة يمكن فيها الانتفاع بها فيما استأجرها له استقرت الأجرة وإن لم يستعملها، وفى حكم التسليم ما لو بذل المؤجر العين فلم يأخذها المستأجر حتَّى انقضت المدة أو مضت مدة يمكنه الاستيفاء فتستقر الأجرة

(6)

. ومؤنة العبد والدابة على المالك لا المستأجر لأنها تابعة للمالك، وأصالة عدم وجوبها على غير المالك، وقيل: على المستأجر مطلقًا وهو ضعيف. ثم إن كان المالك حاضرا عندها أنفق وإلا استأذنه المستأجر في

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 43 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 50 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 4 ص 51 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق جـ 4 ص 57 نفس الطبعة.

(5)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 4 بتصحيح الشيخ عبد الله السبيتى.

(6)

المرجع السابق جـ 2 ص 8 نفس الطبعة.

ص: 222

الإِنفاق ورجع عليه، ولو أنفق عليه المستأجر بنية الرجوع على المالك صح مع تعذر إذن المالك أو الحاكم، وإن يشهد على الأقوى، ولو أهمل مع غيبة المالك ضمن لتفريطه إلا أن ينهاه المالك. ولو استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر في المشهور استنادا إلى رواية سليمان بن سالم عن الرضا عليه السلام ولاستحقاق منافعه المانع من ثبوت النفقة عليه، والأقوى أنه كغيره لا تجب نفقته إلا مع الشَّرط

(1)

. وكل ما يتوقف عليه توفيه المنفعة فعلى المؤجر كالقنب والزمام والحزام والسرج والبرذعة ورفع المحمل والأحمال وشدها وحطها والقائد والسائق إن شرط مصاحبته والمدى في الفسخ لتوقف إيفاء المنفعة الواجبة عليه بالعقد اللازم فيجب من باب المقدمة. والأقوى الرجوع فيه إلى العرف، فإن انتفى أو اضطرب فعلى المستأجر لأن الواجب على المؤجر إنما هو العمل لأن ذلك هو المقصود من إجارة العين، أما الأعيان فلا تدخل في مفهوم الإِجارة على وجه يجب إذهابها لأجلها إلا في مواضع نادرة تثبت على خلاف الأصل كالرضاع والاستحمام ومثله الخيوط للخياطة والصبغ للصباغة والكش للتلقيح، وكذا يجب على المؤجر المفتاح في الدار لأنَّهُ تابع المغلق المثبت الذي يدخل في الإِجارة بل هو كالجزء منه وإن كان منقولا، ومن شأن المنقول أن لا يدخل في إجارة العقار الثابت، وأما مفتاح القفل فلا يجب تسليمه كما لا يجب تسليم القفل لانتفاء التبعية عرفا

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أن المكترى إن قال للحمال: ادفع الحمل إلى فلان وخذ منه الكراء فلما قدم أبى أن يقبضه ويدفع الكراء أو وجده غائبا اختير أن يستردعه الوالى أو الجماعة إنسانا ولا يضمنه الإِنسان، وقال الأزهر بن على يرده لصاحبه حتما ويأخذ كراءه مرتين، قال صاحب النيل: هذه المسئلة كثر الابتلاء بها في بلادنا

(3)

ومؤنة دابة كريت لحرث أو حمل وعلفها وشرابها ورعيها وأجرة راعيها على ربها كالعمل، يعنى أن على صاحبها الذي يعمل بنفسه أو بأمره عليها كل ما تحتاج إليها في نفسها كما أن عليه أن يعمل بنفسه أو بأمره على مستأجر عليها سواء شرط ذلك مالكها أو لم يشترطه، وإن شرطه المكترى على مالكها فله ذلك. وأما ما يحتاج إليه في عملها من أداة كسرج ولجام وقتب وخطام فهو إلى اتفاقهما لأن لكل رجوعا حتَّى يجب الكراء

(4)

. ومن أكرى دارا أو بيتا أو نحوهما لزمه نزع ما حدث عليها أو على البيت ونحوه سواء أحدثه هو أو غيره، والمعنى لزمه السعى في نزعه توفيرا لنفع المكترى من ضرر سواء أحدثه هو أو جاره أو غيرهما إن أضر بسكنى مكتريها، ويدرك نزعه على محدثه وإن لم يضر بسكناه جاز له نزعه وتركه، وكذا إن رضى المكترى بالمضرة فللمكرى أن يقوم بالنزع وأن لا يقوم به، وللمكترى إدراك النزع أيضا على محدثه ولو رضى به مالك الدار مثلًا إذ كان مضرة لمن اكتراها إن ضر سكناه، وإلا لم يدرك على

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 11 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 12 نفس الطبعة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 5 ص 8 ص 89 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(4)

المرجع السابق جـ 5 ص 112، ص 113 نفس الطبعة.

ص: 223

محدثه كائنا من كان نزعه، بل يدرك مالك الدار البيت على محدثه إن أحدثه غيره

(1)

. ولا رجوع بعد شروع في العمل عند القائل باللزوم، ويجبر الأجير على إتمام العمل بعد الشروع فيه، ويجبر المستأجر على نقد الثمن إن أمكن الوصول لتمام العمل وإلا أعطى الأجير مقابل عمله من الأجرة ولا رجوع بعد العقد عند القائل بأن عقدها لازم ولو لم يدخل في العمل فيجبر على الدخول والإِتمام، ويجبر المستأجر على نقد الأجرة، فيجبر الممتنع منهما على ما ترك، وإن قال الأجير لا أرد لك الأجرة فله ذلك، وإن قال المستأجر لا تزد باقى زاد

(2)

. وإن هلك طعام استؤجر على نقله إلى معين بطريق أو غنم على رعيها سنة في أثنائها بمعلوم فيهما فليس لرب الدابة والراعى إلا قدر السير والرعى ولو قبضا لأن التلف جاء من الله، وقيل لم يلزم الراعى ورب الدابة ومثلهما غيرهما رد لباقى الأجرة بعد قبض لها كلها أو بعضها إذا كان في هذا البعض ما يزيد على ما وقع منهما من العمل، وخير على هذا القول رب العمل في ترك الأجرة للأجير كما هي في يده وهى ملك للأجير بدون أن يحضر له ما يتم فيه العمل، وفى إتيان بطعام آخر ينقله أو غنم أخرى يرعاها، وهكذا كل عمل عقد عليه ولا يدرك عليه غير العمل الذي هلك إذا لم يكن من صنفه ولو كان من جنسه فإن هلك طعامه لم يدرك عليه نقل طعام آخر غير صنف الأول كبر وشعير ولا نقل غير طعام كحجارة فإن هلك غنمه لم يدرك عليه رعى بقر وهكذا، وكذا مسترضع امرأة لصبى نقد لها أجرتها ثم مات الصبى أو استغنى عن اللبن بطعام وشراب أو بشراب من الأشربة فترك الرضاع أو أبى بقبول منها ويريد من غيرها قبل تمام مدة الرضاع وهى حولان إذا أطلقا وإن قيدا مدة كسنة فقبل تمامها ففى الرد لباقى الأجرة للمسترضع وهو الذي عقد لها أجرة الرضاع قولان، قيل: لا ترد له لأنَّهُ لم يجئ الامتناع منها، فإن لم تصلها الأجرة كلها زادها على مقدار ما يقابل عملها، وإن شاء أحضر لها طفلا ترضعه باقى المدة على ما مر آنفا، وقيل ترد له مقدار ما يقابل باقى المدة من الأجرة، وإن حدث بالصبى ما يضرها إن أرضعته كجذام وبرص لأنهما ينتقلان بإذن الله إلى مجاورهما، وكذا ذكر الأطباء الجرب والجدرى والحمى الدقيقة والقروح العفنة إلى غير ذلك من الأمراض المعدية فأبت أن ترضعه كعكسه وهو أن يكون بها مضر به كجذام وبرص ونحوهما مما مر، أو غار لبنها أو بان بها حمل فإن لبن الحامل معيب، وقد كان صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهى عنه فبلغه أن فارسا والروم لا يضرهم فلم ينه، وليس عدم نهيه مخرجا له عن كونه معيبا بل يفيد أنه ممكن إرضاعه والاكتفاء به ولو كان معيبا، ولم يرض وليه أن ترضعه على ذلك المذكور من المضر أو الحمل قوصصت في الأجرة أي اتبع إرضاعها وما بقى من المدة وردت ما بقى من الأجرة مقابلا لما بقى من المدة وأخذت ما يقابل إرضاعها، فإن لم يأب وليه ولم تأب هي فلها الأجرة كاملة ولو كان لا يحل له ولا لها أن يرضى أو ترضى بما يضرها أو يضر الصبى، فإن كانت العلة فيهما جميعًا ولم يكن خوف زيادتها فيه أو فيها بالملاقاة فلا يكون ذلك عذرًا لمن أراد منهما ترك الإرضاع، وإن كانت واحدة فيهما، لكن اختلفت

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 117 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 120 نفس الطبعة.

ص: 224

كبرص أبيض في واحد وبرص أحمر أو أسود في غيره أو خيف زيادتها فإنه يعذر من أراد منهما الترك فلها بحساب ما مضى فقط وقيل لا تجوز الأجرة على الرضاع للجهل بكمية رضاعه، ويشكل عليه قوله تعالى:{فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}

(1)

ويجاب بأن المراد بالأجور العناء، والممنوع عند صاحب هذا القول إنما هو عقد الأجرة على الرضاع، وأما أن ترضع فتعطى عناءها فجائز

(2)

، ويجوز للأجير منع ما بيده لأجل الأجرة حتَّى يأخذ أجرته، فللراعى منع الضأن والمعز مثلًا عن أصحابها ولا يخليها تذهب إلى صاحبها حتى يأتيه بالأجرة عند تمام الشهر مثلًا، وأما أن يمنعه لغير ذلك فلا يجوز، وإن منعه لغير ذلك وضاع وإن بلا تضييع ضمنه غير معمول ولا أجرة له، وقيل يجوز حبسه في دين جحده فإن ضاع حسب من دينه، وإذا حبسه حتَّى يأخذ أجرته وتلف بما هو سبب مخلوق أو بتضييع أو تعد أو بما جاء من قبل الله بلا واسطة مخلوق أو تلف ولم يحبسه، فإن تلف بنار أو ماء أو غير ذلك معمولا ضمن قيمته معمولا، وأخذ أجرته لأنَّهُ تلف وهو معمول والعمل نفع لصاحبه، وقيل ضمن قيمته غير معمول لأن عمله لم يتصل بيد صاحبه ولم يخرج من يد عامله بل أبطله عامله فكأنه لم يكن من أول الأمر ولا أجرة له. ولا ضمان إن تلف بأمر غالب كلص وموت وسيل وله أجره ولو حبسه حتَّى يأخذ أجره لأن ذلك مصيبة نزل بصاحبه والأمر الغالب كالحرق والسيل والغصب، وإن تلف قبل العمل ضمنه غير معمول على قول الضمان سواء نوى حبسه أو لم ينوه. وقيل لا يضمنه

(3)

.

‌حكم الامتناع من تسليم العارية

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن للمعير أن يرجع في العاريه سواء أطلق العارية أو وقت لها وقتا، وعلى هذا إذا استعار من آخر أرضا ليبنى عليها أو ليغرس فيها ثم بدا للمالك أن يخرجه فله ذلك سواء كانت العارية مطلقة أو مؤقتة لما قلنا، غير أنها إن كانت مطلقة كانت له أن يخرجه المستعير على قلع الغرس ونقض البناء لأن في الترك ضررا بالمعير لأنَّهُ لا نهاية له، وإذا قلع ونقض لا يضمن المعير شيئًا من قيمة الغرس والبناء؛ لأنَّهُ لو وجب عليه الضمان لوجب بسبب الغرور ولا غرور من جهته حيث أطلق العقد ولم يوقت فيه وقتا فأخرجه قبل الوقت! بل هو الذي غرر نفسه حيث حمل المطلق على الأبد، وإن كانت مؤقتة فأخرجه قبل الوقت لم يكن له أن يخرجه ولا يجبر على النقض والقلع، والمستعير بالخيار إن شاء ضمن صاحب الأرض قيمة غرسه وبنائه قائما سليما وترك ذلك عليه لأنَّهُ لما وقت للعارية وقتا ثم أخرجه قبل الوقت فقد غره فصار كفيلا عنه فيما يلزمه من العهدة؛ إذ ضمان الغرور كفالة، فكان له أن يرجع عليه بالضمان ويملك صاحب الأرض البناء والغرس بأداء الضمان لأن هذا حكم المضمونات أنها تملك بأداء الضمان، وإن شاء

(1)

الآية رقم 65 من سورة الطلاق.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 5 ص 126 وما بعدها إلى ص 128 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق جـ 5 ص 181 نفس الطبعة.

ص: 225

أخذ غراسه وبناءه ولا شيء على صاحب الأرض، ثم إنما يثبت خيار القلع والنقض للمستعير إذا لم يكن القلع أو النقض مضرا بالأرض فإن كان مضرا بها فالخيار للمالك لأن الأرض أصل والبناء والغرس تابع لها فكان المالك صاحب أصل والمستعير صاحب تبع فكان إثبات الخيار لصاحب الأصل أولى إن شاء أمسك الغرس والبناء بالقيمة وإن شاء رضى بالقلع والنقض هذا إذا استعار أرضا للغرس أو البناء فأما إذا استعار أرضا للزراعة فزرعها ثم أراد صاحب الأرض أن يأخذها لم يكن له ذلك حتَّى يحصد الزرع بل يترك في يده إلى وقت الحصاد بأجر المثل استحسانا وفي القياس أن يكون له ذلك كما في البناء والغرس، ووجه الفرق للاستحسان أن النظر من الجانبين ورعاية الحقين واجب عند الإمكان، وذلك ممكن في الزرع لأن إدراك الزرع له وقت معلوم فيمكن النظر من الجانبين جانب المستعير لا شكَّ فيه وجانب المالك بالترك إلى وقت الحصاد بالأجر ولا يمكن في الغرس والبناء لأنَّهُ ليس لذلك وقت معلوم فكان مراعاة صاحب الأصل أولى

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن عرفة رحمه الله تعالى أن الوفاء بالعارية لازم، وفي المدونة: من ألزم نفسه معروفا لزمه، ومن كتاب محمد قال مالك رضي الله تعالى عنه في السائل يقف بالباب فيؤمر له بالكسرة فيوجد قد ذهب فأرى أن يعطى لغيره وما هو بالواجب، ومن قال لمديان أو غيره أنا أعيرك أنا أهبك فلا يلزمه وقد رغب عن مكارم الأخلاق ولا أدري كيف ذلك فيما بينه وبين الله تعالى، قال ابن القاسم رضي الله تعالى عنه: وأما ما أدخله بوعده في لازم فذلك الوعد يلزم، قال مالك إلا أن يموت المعطى قبل القبض، ومن نوازل سحنون من جامع البيوع في المشتري يخاف الوضيعة فيقول له البائع لا تأس قد حط الله عنك من ثمنه كذا ثم إن المشتري باع بربح قال لا تلزم الحطيطة، قال ابن رشد رضي الله تعالى عنه: صار السبب شرطا لها فوجب بطلانها بارتفاع الشَّرط مثل ما في سماع يحيى في الذي أراد سفرا فينتظر صاحبه دينه فينظره ثم يبدو له العدول عن السفر قال تسقط النظرة. قال اللخمي رحمه الله تعالى إن أجلت العارية بزمن أو انقضاء عمل لزمت إليه، وإلا فالمعتاد على ما قاله ابن الحاجب، وعن ابن القاسم: إن كانت العارية ليبني بسكن ولم يضرب أجلا قليس له إخراجه حتَّى يبلغ ما يعار لمثله من الأمد، قال ابن يونس رحمه الله تعالى: وهذا صواب لأن العرف كالشرط، قال ابن غازي قوله وإلا فالمعتاد هو خلاف ما في المدونة إلا أن ابن يونس صوبه وقوله وله الإخراج وفاق لما في المدونة، وكلامه متناقض، وقد عدها ابن الحاجب قولين، وقبله ابن عبد السلام وابن عرفة، قال في مواهب الجليل: وله الإخراج في كبناء إن دفع ما أنفق وفيها أيضًا قيمته وهل خلاف أو قيمته إن لم يشتره أو إن طال أو إن اشتراه بغبن كثير؟ تأويلات. قال في التاج والإكليل: وما قاله ابن غازي صحيح لا غبار عليه، وعلى ما ذكره خليل في البناء هنا مشى في كتاب الشركة في مسألة إعارة الجدار

(1)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 216، ص 217 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

ص: 226

وما بعده وهو أحد الأقوال الستة التي حصلها ابن زرقون على ما قاله في التوضيح، كأنه والله أعلم أشار به إلى أخذها من كلام ابن رشد وقال البساطي هنا فإن قلت قوله (وإلا فالمعتاد) يقتضي أن العارية لازمة إلى انتهاء المدة، وقوله (وله الإخراج) ينافي ذلك. قلت هو تابع في ذلك للمدونة ويبين لك ذلك بنصها قال ومن أذنت له أن يبني في أرضك أو يغرس فلما فعل أردت إخراجه فإن كان بقرب ذلك مما يرى أنه لا يشبه أن يعير إلى تلك المدة فليس لك إخراجه إلا أن تعطيه ما أنفق. فأنت ترى أنه جعلها الأزمة إلى المدة ولكنه جعل للمعير الإخراج بشرط أن يعطيه ما أنفق فليس بين الكلامين خلاف قال صاحب التاج والإكليل نقلًا عن المدونة قال ابن القاسم: وإن أردت إخراجه بعد أمد يشبه أنك أعرته إلى مثله فلك أن تعطيه قيمة البناء أو الغرس مقلوعا، قال محمد رحمه الله تعالى: بعد طرح أجرة القلع وإلا أمرته بقلعه إلا أن يكون مما لا قيمة له ولا نفع فيه إذا قلع مثل الجص ونحوه فلا شيء للباني فيه وكذلك لو ضربت لعارية أجلا يبلغه فليس لك ههنا إخراجه قبل الأجل وإن أعطيته قيمة ذلك قائما

(1)

. قال ابن رشد رحمه الله تعالى: وأجرة حمل العارية على المستعير واختلف في أجرة ردها فقيل على المستعير وهو الأظهر. ونقل عن الاستغناء: قال بعض أصحابنا من استعار دابة أو شيئًا له نفقة فذلك على صاحبها وليس على المستعير من ذلك شيء لأنه لو كان على المستعير لكان كراء ويكون العلف في الغلاء أكثر من الكراء ويخرج من عارية إلى كراء وقال بعض المفتين: إلا في الليلة والليلتين فذلك على المستعير وقيل أيضًا في الليلة والليلتين على ربها، وأما في المدة الطويلة والسفر البعيد فعلى المستعير كنفقة العبد المخدم، وكأنه أقيس

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في مغني المحتاج أن لكل من المعير والمستعير رد العارية متى شاء وإن كانت مؤقتة والمدة باقية لأنها مبرة من المعير وارتفاق من المستعير فلا يليق بها الإلزام ورد المعير بمعنى رجوعه كما في المحرر إلا إذا كانت العارية لازمة كمن أعار أرضا لدفن ميت محترم و فعل المستعير فلا يرجع المعير في موضعه الذي دفن فيه وامتنع على المستعير ردها فهى لازمة من جهتها حتَّى يندرس أثر المدفون بأن يصير ترابا لا يبقى منه شيء غير عجب الذنب. وإذا أعار للبناء أو الغراس ولم يذكر مدة بأن أطلق ثم رجع بعد أن بني المستعير أو غرس إن كان المعير شرط عليه القلع فقط أو شرطه مجانا أي بلا أرش لنقصه لزمه قلعه عملا بالشرط فإن امتنع فللمعير القلع ويلزم المستعير تسوية الحفر إن شرطت وإلا فلا. ولو اختلف المعير والمستعير هل شرط القلع بأرش أو لا قال الأذرعي رضي الله تعالى عنه: الظاهر تصديق المعير كما لو اختلفا في أصل العارية لأن من كان القول قوله في شيء كان القول قوله في

(1)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله نور الدين محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدى الشهير بالمواق جـ 5 ص 270، ص 271 في كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع سنة 1329 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 273 نفس الطبعة.

ص: 227

صفته، وإن لم يشرط عليه القلع فإن اختار المستعير القلع بلا أرش لأنَّهُ ملكهـ وقد رضي بنقصانه ولا يلزمه تسوية الأرض في الأصح في المحرر لأن الإعارة مع العلم بأن للمستعير. أن يقلع رضا بما يحدث من القلع، قلت الأصح تلزمه التسوية لأنَّهُ قلع باختياره، ولو امتنع منه لم يجبر عليه فيلزمه إذا قلع رد الأرض إلى ما كانت عليه ليرد كما أخذ وهذا هو الأظهر في الشرحين، وقال في الروضة: إنه قول الجمهور وإن ما في المحرر ضعيف، وقال السبكي إن كان الكلام في حفر حصلت في مدة العارية لأجل الغرس والبناء فالأمر كما في المحرر وإن كان في حفر حصلت من القلع زائدة على ما حصل قبل ذلك فالراجح وجوب التسوية، ثم قال: فتلخص للفتوى الفرق بين الحفر لأجل الغراس والبناء وبين الحفر للقلع وهذا الحمل متعين. ومحل الخلاف كما قاله ابن الملقن رحمه الله تعالى إذا كانت الحفر الحاصلة في الأرض على قدر الحاجة فإن كانت زائدة على حاجة القلع لزمه طم الزائد قطعا. وإن لم يختر المستعير القلع لم يقلع المعير مجانا لأنَّهُ وضع بحق فهو محترم، بل للمعير الخيار بين أن يبقيه بأجرة مثله أو يقلع ويضمن أرش نقصه وهو قدر التفاوت ما بين قيمته قائما ومقلوعا كما في الكفاية، قيل: أو يتملكه بعقد، ولا يلحق بالشفيع كما يؤخذ من كلام الرافعي بقيمة مستحق القلع حين التملك كما قاله العمراني رحمه الله تعالى فإن قيمته تنقص على هذا التَّقديرُ ووجه مقابله أن ذلك بيع فلابد فيه من التراضي وتخييره بين الثلاث هو المعتمد وفاقا للإمام والغزالي وصاحب الحاوى الصغير والأنوار وغيرهم، ومقتضي كلام الروضة وأصلها في الصلح خلافا لما فيها هنا من تخصيص التخيير بالأول والثالث، وأما ما وقع في الكتاب تبعًا لأصله من التخيير بين التبقية بالأجرة وبين القلع مع غرامة الأرش دون التملك بالقيمة لم يذكراه في الشرحين والروضة وجها فضلا عن تصحيحه بل لم يذكره غيرهما إلا ما يوهمه كلام التنبيه، بل قال الزركشي تبعًا للبلقيني رحمهما الله تعالى: ليس في المسئلة خلاف كما زعمه الشيخان، بل الكل متفقون على التخيير بين الثلاث ونسبه الإمام إلى كافة الأصحاب. فإن لم يختر المعير واحدة من الخصال التي خير فيها لم يقلع مجانا - أي ليس له ذلك - إن بذل المستعير الأجرة لانتفاء الضرر، وكذا إن لم يبذلها في الأصح لأن المعير مقصر بترك الاختيار راض بإتلاف منافعه، والقول الثاني المقابل للأصح: يقلع لأنَّهُ بعد الرجوع لا يجوز الانتفاع بما له مجانا، ثم على الأصح قيل يبيع الحاكم الأرض وما فيها من بناء وغراس ويقسم بينهما فصلا للخصومة، والأصح أن الحاكم يعرض عنهما حتَّى يختارا شيئًا أي يختار المعير ماله اختياره ويوافقه المستعير عليه لينقطع النزاع بينهما

(1)

. والعارية المؤقتة لبناء أو غراس أو غيره كالمطلقة فيما مر من الأحكام إذا انتهت المدة أو رجع فيها، لكن في المؤقتة يجوز له أن يغرس ويبني المرة بعد الأخرى ما لم تنقض المدة أو يرجع المعير، وفي المطلقة لا يفعل ذلك إلا مرة واحدة، فإن قلع ما بناه أو غرسه لم يكن له إعادته إلا بإذن جديد إلا إن صرّح له بالتجديد مرة بعد أخرى، ذكره الشيخان في الكلام على الزرع وغير الغراس والبناء في معناهما، فإن فعل عالما أو جاهلا برجوعه

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 251، ص 252 نفس الطبعة.

ص: 228

أو بعد انقضاء المدة قلع مجانا وكلف تسوية الأرض كالغاصب في حالة العلم وكذلك ما نبت بحمل السيل إلى أرض غيره في حالة الجهل، وفى قول له القلع في المؤقتة مجانا إذا رجع بعد المدة ويكون هذا فائدة التأقيت، ومقابله يقول فائدته طلب الأجرة. وإذا أعاره أرضا لزراعته مطلقًا ورجع المعير قبل إدراك الزرع فالصحيح أن عليه الإِبقاء إلى الحصاد لأنَّهُ محترم وله أن ينتظر بخلاف البناء والغراس ومقابل الأصح وجهان:

أحدهما: له قلعه ويغرم أرش النقص.

والثانى: له التملك بالقيمة في الحال وعلى الأول إن كان الزرع مما يعتاد قلعه قصيلا كلف القلع وكذا إن لم ينقص بالقلع كما في المطلب وإن لم يعتد قطعه، والصحيح وفى الروضة الأصح أن له الأجرة من وقت الرجوع إلى الحصاد لأن الإباحة انقطعت بالرجوع فأشبه ما إذا أعار دابة ثم رجع في الطريق فإن عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل، والثانى لا أجرة له لأن منفعة الأرض إلى الحصاد كالمستوفاه بالزرع ثم أشار إلى ما هو كالمستثنى مما قبله بقوله: ولو عين المعيد مدة للزراعة ولم يدرك أي الزرع فيها لتقصير المستعير بتأخير الزراعة قلع المعير الزرع مجانا لما أشار إليه من كونه مقصرا ويلزمه أيضًا تسوية الأرض وإن قصر بالزرع ولم يقصر بالتأخير كأن كان على الأرض سيل أو ثلج أو نحو ذلك لا يمكن معه الزرع ثم زرع بعد تمكنه وهو لا يدرك في المدة فالحكم كذلك أما إذا لم يحصل منه تقصير فإنه لا يقلع مجانا بل يكون كما لو أعار مطلقًا سواء كان عدم الإِدراك لحر أم برد أم مطر أم لقلة المدة المعينة أم لأكل الجراد رءوس الزرع فنبت ثانيًا، قال الأسنوى وذكر الرافعى في الإِجارة أنه إذا أبدل الزرع المعين بغيره كان كالتقصير بالتأخير فيأتى مثله هنا أيضًا. ولو حمل السيل أو نحوه كهواء بذرا لغيره إلى أرضه فنبت فيها فالنابت لصاحب البذر لأنَّهُ عين ماله تحول إلى صفة أخرى فلم يزل ملكه عنه فيجب رده إليه إن حضر وعلمه وإلا فيرده إلى القاضي لأنَّهُ نائب الغائب ويحفظ المال الضائع. والأصح أن المالك يجبر على قلع ما ذكر لأن مالك الأرض لم يأذن له، والقول الثانى المقابل للأصح: لا يجبر لأنَّهُ غير متعد فهو كالمستعير، وعلى الأول يلزمه تسوية الأرض لأن ذلك لتخليص ملكه ولا أجرة عليه للمدة التي قبل القلع كما في المطلب لعدم فعله، أما إذا أعرض عنها مالكها وكان ممن يصح إعراضه فهى لمالك الأرض

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أن مالك الشئ لو أعاره شخصا لينتفع به انتفاعا يلزم من الرجوع في العارية في أثنائه ضرر بالمستعير لم يجز له الرجوع لأن الرجوع يضر بالمستعير فلم يجز له الإِضرار به، مثل أن يعيره لوحا يرقع به سفينته فرقعها به ولجج بها في البحر لم يجز له الرجوع ما دامت في البحر وله الرجوع قبل دخولها في البحر وبعد الخروج منه لعدم الضرر فيه. وإن أعاره أرضا ليدفن فيها فله الرجوع ما لم يدفن فيها، فإذا دفن لم يكن له الرجوع ما لم يبل الميت، وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه جاز كما تجوز إعارة الأرض

(1)

المرجع السابق جـ 2 ص 253، 254 نفس الطبعة.

ص: 229

للبناء وللغراس وله الرجوع ما لم يضعه وبعد وضعه ما لم يبن عليه لأنَّهُ لا ضرر فيه، فإن بنى عليه لم يجز الرجوع لما في ذلك من هدم البناء، وإن قال أنا أدفع إليك أرش ما نقص بالقلع لم يلزم المستعير ذلك لأنَّهُ إذا قلعه انقلع ما في ملك المستعير منه ولا يجب على المستعير قلع شئ من ملكه بضمان القيمة، وإن انهدم الحائط وزال الخشب عنه أو أزاله المستعير باختياره لم يملك إعادته سواء بنى الحائط بآلته أو بغيرها لأن العارية لا تلزم، وإنما امتنع الرجوع قبل انهدامه لما فيه من الضرر بالمستعير بإزالة المأذون في وضعه وقد زال ذلك، وكذلك إذا سقط الخشب والحائط بحاله، وإن أعاره أرضا لزراعة شئ فله الرجوع ما لم يزرع فإذا زرع لم يملك الرجوع فيها إلى أن ينتهى الزرع، فإن بذل له قيمة الزرع ليملكه لم يكن له ذلك نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه لأن له وقتا ينتهى إليه، فإن كان مما يحصد قصيلا فله الرجوع في وقت إمكان حصاده لعدم الضرر فيه، وإن لم يكن كذلك لم يكن له الرجوع حتَّى ينتهى، وإن أذن له في البناء والغراس فيها فله الرجوع قبل قلعه، فإذا غرس وبنى فللمالك الرجوع فيما بين الغراس والبناء لأنَّهُ لم يتعلق به ملك المستعير ولا ضرر عليه في الرجوع منه فأشبه ما لو لم يبن في الأرض شيئًا ولم يغرس فيها، ثم إن اختار المستعير أخذ بنائه وغراسه فله ذلك لأنَّهُ ملكه فملك نقله ولا يلزم تسوية الحفر، ذكره القاضي لأن المستعير رضى بذلك حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه، ويحتمل أن عليه تسوية الحفر لأن القلع باختياره، فإنه لو امتنع منه لم يجبر عليه فلزمه تسوية الحفر كما لو خرب أرضه التي لم يستعرها، وإن أبى القلع فبذل له المعير ما ينقص بالقلع أو قيمة غراسه وبنائه دائما ليأخذه المعير أجبر المستعير عليه لأنَّهُ رجوع في العارية من غير إضرار، وإن قال المستعير أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لى لم يكن له لأن الغراس تابع والأرض أصل ولذلك يتبعها الغراس والبناء في البيع ولا تتبعهما، وبهذا كله قال الشافعي رضى الله تعالى عنه، وقال أبو حنيفة ومالك رضى الله تعالى عنهما: يطالب المستعير بالقلع من غير ضمان إلا أن يكون أعاره مدة معلومة فرجع فيها قبل انقضائها لأن المعير لم يعره فكان عليه القلع كما لو شرطه عليه. ويدل لنا أنه بنى وغرس بإذن المعير من غير شرط القلع فلم يلزمه القلع من غير ضمان كما لو طالبه قبل انقضاء الوقت، وقولهم لم يعره ممنوع فإن الغراس والبناء يردان للمتبقية وتقدير المدة ينصرف إلى ابتدائه كأنه قال له: لا تغرس بعد هذه المدة، فإن امتنع المعير من دفع القيمة وأرش النقص، وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجرة لم يقلع لأن الإعارة تقتضى الانتفاع من غير ضمان والإذن فيما يبقى على الدوام وتضر إزالته رضا بالإبقاء، وقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"ليس لعرق ظالم حق" يدلُّ بمفهومه على أن العرق الذي ليس بظالم له حق فعند ذلك إن اتفقا على البيع بيعت الأرض بغراسها ودفع إلى كل واحد منهما قدر حقه فيقال كم قيمة الأرض غير مغروسة ولا مبنية؟ فإذا قيل عشرة، قلنا وكم تساوى مغروسة ومبنية؟ فإن قالوا خمسة عشر قلنا فللمعير ثلثا الثمن وللمستعير ثلثه، وإن امتنعا عن البيع بقيا على حالهما وللمعير دخول أرضه كيف شاء والانتفاع بها بما لا يضر الغراس

ص: 230

والبناء ولا ينتفع بهما وليس لصاحب الغراس والبناء الدخول إلا لحاجة مثل السقى وإصلاح الثمرة لأن الإِذن في الغراس إذن فيما يعود بصلاحه وأخذ ثماره وسقيه وليس له دخولها للتفرج لأنَّهُ قد رجع في الإِذن له ولكل واحد منهما بيع ما يختص به من الملك منفردا فيكون للمشترى مثل ما كان لبائعه. وقال بعض أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم ليس للمستعير بيع الشجر لأن ملكه فيه غير مستقر بدليل أن للمعير أخذه متى شاء بقيمته، قلنا: عدم استقراره لا يمنع بيعه بدليل الشقص المشفوع والصداق قبل الدخول، وفى جميع هذه المسائل متى كان المعير شرط على المستعير القلع عند رجوعه ورد العارية غير مشغولة لزمه ذلك لأن المسلمين على شروطهم ولأن العارية مقيدة غير مطلقة فلم تتناول ما عدا المقيد لأن المستعير دخل في العارية راضيا بالتزام الضرر الداخل عليه بالقلع وليس على صاحب الأرض ضمان نقصه ولا نعلم في هذا خلافا. وأما تسوية الحفر الحاصلة بالقلع فإن كانت مشروطة عليه لزمه كما ذكرنا، وإن لم تكن مشروطة لم يلزم لأنَّهُ رضى بضرر القلع من الحفر ونحوه حيث اشترط القلع، ولم ينكر أصحابنا على المستعير أجرا في شئ من هذه المسائل إلا فيما إذا استعار أرضا للزرع فزرعها ثم رجع المعير فيها قبل كمال الزرع فإن عليه أجر مثله من حين رجع المعير لأن الأصل جواز الرجوع، وإنما منع من القلع لما فيه من الضرر ففى دفع الأجر جمع بين الحقين فيخرج في سائر المسائل مثل هذا الوجود هذا المعنى فيه، ويحتمل أن لا يجب الأجر في شئ من المواضع لأن حكم العارية باق فيه لكونها صارت لازمة للضرر اللاحق بفسخها والإِعارة تقتضى الانتفاع بغير عوض

(1)

.

وإذا حمل السيل بذر رجل من أرض إلى أرض غيره فنبت فيها لم يجبر على قلعه، وقال أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم في أحد الوجهين: يجبر على ذلك إذا طالبه رب الأرض به لأن ملكه حصل في ملك غيره بغير إذنه فأشبه ما لو انتشرت أغصان شجرته في هواء ملك جاره. ويدلُّ لنا أن قلعه إتلاف للمال على مالكه ولم يوجد منه تفريط ولا يدوم ضرره فلا يجبر على ذلك، كما لو حصلت دابته في دار غيره على وجه لا يمكن خروجها منها إلا بقلع الباب أو قتلها فإننا لا نجبره على قتلها، ويفارق أغصان الشجرة فإنه يدوم ضرره ولا يعرف قدر ما يشغل من الهواء فيؤدى أجره. إذا ثبت هذا فإنه يقر في الأرض إلى حين حصاده بأجر مثله، وقال القاضي رحمه الله تعالى ليس عليه أجر لأنَّهُ حصل في أرض غيره بغير تفريط فأشبه ما لو باتت دابته في أرض إنسان بغير تفريطه وهذا بعيد لأن إلزامه تبقية زرع ما أذن فيه في أرضه بغير أجر ولا انتفاع إضرار به وشغل لملكه بغير اختياره من غير عوض فلم يجز كما لو أراد إبقاء بهيمته في دار غيره عاما، ويفارق مبيتها لأن ذلك لا يجبر المالك عليه ولا يمنع من إخراجها، فإذا تركها اختيارا

(1)

المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 5 ص 365 وما بعدها إلى ص 368 في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقفع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الأولى بتصحيح وتعليق السيد محمد رشيد رضا طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.

ص: 231

منه كان راضيا به بخلاف مسئلتنا، ويكون الزرع لمالك البذر لأنَّهُ من عين ماله، ويحتمل أن يكون حكم هذا الزرع حكم زرع الغاصب لأنَّهُ حصل في أرضه بغير إذنه فأشبه ما لو زرعه مالكه، والأول أولى لأن هذا بغير عدوان وقد أمكن جبر حق مالك الأرض بدفع الأجر إليه، وإن أحب مالكه قلعه فله ذلك وعليه تسوية الحفر وما نقصت الأرض لأنَّهُ أدخل النقص على ملك الغير لاستصلاح ملكه فأشبه المستعير، وأما إن كان السيل حمل نوى فنبت شجرا في أرض غيره كالزيتون والنخيل ونحوه فهو لمالك النوى لأنَّهُ من نماء ملكه فهو كالزرع ويجبر على قلعه ههنا لأن ضرره يدوم فأجبر على إزالته كأغصان الشجرة المنتشرة في هواء ملك غير مالكها، وإن حمل السيل أرضا بشجرها فنبت في أرض آخر كما كانت فهى لمالكها يجبر على إزالتها، وفى كل ذلك إذا ترك صاحب الأرض المنتقلة أو الشجر أو الزرع ذلك لصاحب الأرض التي انتقل إليها لم يلزمه نقله ولا أجر ولا غير ذلك لأنَّهُ حصل بغير تفريطه ولا عدوانه وكانت الخيرة إلى صاحب الأرض المشغولة به إن أخذه لنفسه وإن شاء قلعه

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في شرح الأزهار وحواشيه أنه يصح لمن أعار عينا وكذا يصح لمن استعارها الرجوع فيها متى شاء مطلقًا، أي سواء كانت مطلقة أم مؤقتة، هذا مذهبنا ما لم يؤد ذلك إلى فعل محظور أو ترك واجب نحو أن يستعير ثوبا ليستر عورته في الصلاة الواجبة أو ليصلى عليه في الموضع المتنجس. أو استعارة المرأة عبدا محرما لها ليحج بها فإنه لا يجوز الرجوع عن العارية بعد الإِحرام للصلاة والحج، ونحو أن يستعير سفينة ليعبر عليها أو خيطا ليربط جرح محترم أو آلة من رشا أو غيره لينقذ به محترم الدم في بئر أو نحو ذلك فإنه لا يجوز الرجوع في العارية حيث يحصل تلف محترم الدم أو ضرره، أو ثوبا ليكفن به الميت فإنه لا يجوز الرجوع بعد الدفن وله أجرة المثل من يوم الرجوع. ولو استعار رجل جملا أو نحوه من رجل آخر ليحمل عليه إلى موضع آخر ثم رجع المعير له في بعض الطريق عن عاريته قال عليه السلام يلزم المعير أجرته إلى حيث أعاره إن وجد ما يحمله عليه وإلا لزمه تمام العارية، وكذا لو أعار مدفنا في جهة بعيدة ثم حمل المستعير الحب إليها أو إلى بعض الطريق فرجع المعير لزمه غرامة المستعير في ذلك. ولو أن رجلا استعار حائطا ليبنى عليه بناء أو استعار أرضا ليغرس فيها فبنى أو غرس ثم طالبه المعير برفع ذلك فإنه ينظر فإن كانت مؤقتة فطالبه بعد انقضاء الوقت رجب على المستعير رفعه ولا شئ له عندنا. ويجب على الراجع في العارية المطلقة والمؤقتة قبل انقضاء الوقت للمستعير في الغرس والبناء ونحوهما كوضع الفص في الخاتم والجزع في وسط الجدار ونحو ذلك .. يجب عليه الخيارات وهما إن شاء طلب من المعير قيمة البناء والغرس قائما ليس له حق البقاء، وإن شاء قلع بناءه وغرسه وطلب أرش النقصان، وفى وجوب تسوية الأرض وجهان أصحهما: لا يلزم إذ الإذن للمستعير بالغرس إسقاط لما تولد عنه، وقيل: يجب الإصلاح. وذكر في البيان لمذهب الهادى عليه السلام أنه إذا اختار النقص فلا شئ له.

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 369، ص 370 نفس الطبعة.

ص: 232

وأما إذا استعار الأرض للزرع فرجع المعير قبل انقضاء الوقت وجب للمستعير في الزرع والثمر الثلاثة الخيارات؛ فالأولان هما الخياران المذكوران في الغرس والبناء والثالث أن يبقى الزرع إلى أن يحصد بالأجرة لصاحب الأرض. وإنما تلزم المستعير الأجرة من بعد الرجوع لبقاء الزرع إن قصر حتَّى تعدى المدة المؤقتة، فأما لو لم يكن منه تقصير استحق بقاء الزرع بلا أجرة حتَّى يحصد ولو تعدى المدة المضروبة. قال عليه السلام: ولا يبعد لو استعار الأرض للغرس ورجع المعير وفى الشجر المغروس ثمر أنه لا يجب القلع حتَّى يجذ الثمر قال في الحاشية: ظاهره بلا أجرة لمالك الأرض

(1)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء في الروضة البهية أن للمالك الرجوع في العارية متى شاء لاقتضاء جواز العقد ذلك إلا في الإِعارة لدفن الميت المسلم ومن في حكمه فلا يجوز الرجوع فيه بعد الطم لتحريم نبشه وهتك حرمته إلى أن تندرس عظامه، ولو رجع قبله جاز وإن الميت قد وضع على الأقوى للأصل، فمؤنة الحفر لازمة لولى الميت لقدومه على ذلك إلا أن يتعذر عليه غيره مما لا يزيد عوضه عنه فيقوى كونه من مال الميت لعدم التقصير ولا يلزم وليه طمه للإذن فيه. ويستثنى آخران أيضًا. أحدهما إذا حصل بالرجوع ضرر على المستعير لا يستدرك كما لو أعاره لوحا رفع به سفينة ولجج في البحر فلا رجوع للمعير إلى أن يمكنه الخروج إلى الشاطئ أو إصلاحها مع نزعه من غير ضرر، ولو رجع قبل دخول السفينة أو بعد خروجها فلا إشكال في جوازه مع احتمال الجواز مطلقًا، وإن رجب الصبر بقبضه إلى أن يزول الضرر

(2)

. وذكر صاحب الخلاف أن المعير إذا طالب المستعير بقلع ما أذن له في غراسه من غير أن يضمن له أرش النقصان وأبى ذلك صاحبه لم يجبر عليه، وبه قال الشافعي رضى الله تعالى عنه. وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: يجبر على ذلك وإن لم يضمن. دليلنا قول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق" وهذا ليس بظالم فيجب أن يكون له حق، وروت عائشة رضى الله تعالى عنها أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من بنى في رباع قوم بإذنهم فله قيمته

(3)

.

‌حكم الامتناع من تسليم مال المضاربة أو بيعه

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أنه إذا اشترى المضارب، بمال المضاربة متاعا وفيه فضل أو لا فضل فيه فأراد رب المال بيع ذلك فأبى المضارب وأراد إمساكه حتَّى يجد ربحا فإن المضارب يجبر على بيعه إلا أن يشاء أن يدفعه إلى رب المال لأن منع المالك عن تنفيذ إرادته

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح جـ 2 ص 430 وما بعدها إلى ص 432 في كتاب أسفله مجموعة حواشى عليه الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى جـ 1 ص 389 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

(3)

الخلاف في الفقه لشيخ الطائفة الإمام أبى جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي جـ 1 ص 670 مسألة رقم 9 الطبعة الثانية طبع مطبعة رنكين في طهران سنة 1377 هـ.

ص: 233

في ملكه لحق يحتمل الثبوت والعدم وهو الربح لا سبيل إليه، ولكن يقال له إن أردت الإمساك فرد عليه ماله وإن كان فيه ربح يقال له ادفع إليه رأس المال وحصته من الربح ويسلم المتاع إليك

(1)

. وعقد المضاربة عد غير لازم ولكل من رب المال والمضارب أن يفسخه لكن عند وجود شرطه وهو علم صاحبه، ويشترط أيضًا أن يكون رأس المال عينا وقت الفسخ دراهم أو دنانير، حتَّى لو نهى رب المال المضارب عن التصرف ورأس المال عروض وقت النهى لم يصح نهيه وله أن يبيعها لأنَّهُ يحتاج إلى بيعها بالدراهم والدنانير لمظهر الربح فكان النهى والفسخ إبطالا لحقه في التصرف فلا يملك ذلك، وإن كان رأس المال دراهم ودنانير وقت الفسخ والنهى صح الفسخ والنهى لكن له أن يصرف الدراهم إلى الدنانير والدنانير إلى الدراهم لأن ذلك لا يعد بيعا لاتحادهما في الثمنيه

(2)

. وإذا انفسخت المضاربة ومال المضاربة ديون على الناس وامتنع عن التقاضي والقبض فإن كان في المال ربح أجبر على التقاضى والقبض، وإن لم يكن فيه ربح لم يجبر عليهما وقيل له أحل رب المال بالمال على الغرماء لأنَّهُ إذا كان هناك ربح كان له فيه نصيب فيكون عمله عمل الأجير والأجير مجبور على العمل فيما التزم وإن لم يكن هناك ربح لم تسلم له منفعة فكان عمله عمل الوكلاء فلا يجبر على إتمام العمل كما لا يجبر الوكيل على قبض الثمن، غير أنه يؤمر المضارب أو الوكيل أن يحيل رب المال على الذي عليه الدين حتَّى يمكنه قبضه لأن حقوق العقد راجعة إلى العاقد فلا تثبت ولاية القبض للآمر إلا بالحوالة من العاقد فيلزمه أن يحمله بالمال حتَّى لا يتوى حقه

(3)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة، قال مالك رضى الله تعالى عنه: لرب المال رد المال ما لم يعمل به العامل أو يظعن به لسفر، وإن ابتاع به سلفا وتجهز يريد بعض البلدان فنهاه ربه أن يسافر فليس له أن يمنعه بعد شرائه لأنَّهُ يبطل عليه عمله كما لو اشترى سلعا فأراد رب المال أن يبيع ذلك مكانه فليس له ذلك ولكن ينظر السلطان فمؤخر منها ما يرجى له سوق لئلا يذهب عمل العامل باطلًا. قال محمد رحمه الله تعالى: لو اشترى مثل الزاد والسفرة فإن رضى رب المال بأخذ ذلك بما اشتراه فذلك له. قال مالك رضى الله تعالى عنه: وليس لرب المال جبر العامل على بيع سلع قراضة لأخذ رأس ماله، وينظر الإِمام فيها إن رأى وجه بيعها عجله وإلا أخره إلى إبان سوقها كالحبوب تشترى في الحصاد ترفع لإِبان نفاقها والضأن تشترى قبل أيام النحر ترفع ليومه، قال اللخمى رحمه الله تعالى: وكذا العامل إن أراد تعجيل بيعها وأبى ربها

(4)

.

(1)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني جـ 6 ص 100 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

(2)

المرجع السابق جـ 6 ص 109 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 6 ص 114 نفس الطبعة.

(4)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق جـ 5 ص 369 في كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

ص: 234

‌مذهب الشافعية:

جاء في مغنى المحتاج أن لكل من طرفى المضاربة فسخ عقدها متى شاء من غير حضور الآخر ورضاه لأن القراض في ابتدائه وكالة وفى انتهائه إما شركة وإما جعالة وكلها عقود جائزة. ولو مات أحدهما أو جن أو أغمى عليه انفسخ عقد القراض كالوكالة، وللعامل إذا ما المالك أو جن الاستيفاء والتنضيض بغير إذن الورثة في الأولى والولى في الثانية اكتفاء بإذن العاقد كما في حال الحياة، وكالجنون الإغماء المفهوم بالأولى، بخلاف ما لو مات العامل فإن ورثته لا تملك المبيع بدون إذن المالك لأنَّهُ لم يرض بتصرفهم، فإن امتنع المالك من الإِذن في البيع تولاه أمين من جهة الحاكم ولا تقرر ورثة المالك العامل على القراض كما لا تقرر المالك ورثة العامل عليه لأن ذلك ابتداء قراض وهو لا يصح على العروض، فإن نض المال ولو من غير جنس المال جاز تقرير الجميع فيكفى أن تقول ورثة المالك للعامل قررناك على ما كنت عليه مع قبوله أو يقول المالك لورثة العامل قررتكم على ما كان مورثكم عليه مع قبولهم لفهم المعنى وكالورثة وليهم وكالموت الجنون والإغماء. ويلزم العامل الاستيفاء لدين القراض إذا فسخ أحدهما أو هما أو انفسخ كأن باع بنقد ثم انفسخ القراض قبل توفير الثمن لأن الدين ناقص وقد أخذ منه ملكا تاما فليرد كما أخذ سواء كان في المال ربح أم لا، قال الخطيب: قضية إطلاق صاحب المنهاج كغيره الاستيفاء أنه يلزمه استيفاء رأس المال والربع معا وهو كذلك كما صرّح به في المرشد، وإن كان ظاهر كلام المهذب أنه إنما يلزمه استيفاء رأس المال وصرح به ابن يونس رحمه الله تعالى، فإن قيل يدلُّ هذا تصريحهم بأن في العروض لا يلزمه إلا تنضيض رأس المال فقط أجيب بأن القراض مستلزم لشراء العروض والمالية فيه محققة فاكتفى بتنضيض رأس المال فقط بخلاف الدين ولو رضى المالك بقبول الحوالة جاز. ويلزم العامل أيضًا تنضيض رأس المال إن كان عند الفسخ عرضا وطلب المالك تنضيضه سواء أكان في المال ربع أم لا، ولو كان المال عند الفسخ ناضا لكنه من غير جنس رأس المال أو من جنسه ولكن من غير صفته كالصحاح والمكسرة فكالعروض، ولو أبطل السلطان النقد الذي جرى عليه القراض والمال عرض رد من الأول في زيادة الروضة، وقيل من الحادث فإن لم يطلب المالك التنضيض لم يجب إلا أن يكون المال لمحجور عليه وحظه في التنضيض فيجب، ولو قال المالك لا تبع ونقسم العروض بتقويم عدلين أو قال أعطيك نصيبك من الربح ناضا أجيب، وكذا لو رضى بأخذ العروض من العامل بالقيمة ولم يزد راغب كما جزم به ابن المقرى رضى الله تعالى عنه، فلو حدث بعد ذلك غلاء لم يؤثر وخرج بقدر رأس المال الزائد عليه فلا يلزمه تنضيضه بل هو عرض اشترك فيه اثنان لا يكلف أحدهما بيعه، نعم لو كان بيع بعضه ينقص قيمته كالعبد لزمه تنضيض الكل كما بحثه في المطلب. وقيل لا يلزم العامل التنضيض إذا لم يكن ربع إذ لا فائدة له فيه، ودفع بأنه في عهده أن يرد كما أخذ

(1)

.

(1)

مغنى المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 2 ص 296، ص 297 في كتاب على هامشه متن المنهاج لإمام أبى يحيى زكريا بن شرف النووى.

ص: 235

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أن المضاربة من العقود الجائزة تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان وبموته وجنونه والحجر عليه لسفه لأنَّهُ متصرف في مال غيره بأذنه فهو كالوكيل ولا فرق بمن ما قبل التصرف وبعده فإذا انفسخت والمال ناض لا ربع فيه أخذه ربه، وإن كان فيه ربح قسما الربع على ما شرطاه، وإن انفسخت والمال عرض فاتفقا على بيعه أو قسمه جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما، وإن طلب العامل البيع وأبى رب المال وقد ظهر في المال ربح أجبر رب المال على البيع - وهو قول إسحاق والثورى - رحمهما الله تعالى - لأن حق العامل في الربح لا يظهر إلا بالبيع، وإن لم يظهر ربح لم يجبر لأنَّهُ لاحق له فيه وقد رضيه مالكه كذلك فلم يجبر على بيعه - وهذا ظاهر مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه - وقال بعضهم فيه وجه آخر أنه يجبر على البيع لأنَّهُ ربما زاد فيه زائد أو رغب فيه راغب فزاد على ثمن المثل فيكون للعامل في البيع حظ، ويدل لنا أن المضارب إنما استحق الربع إلى حين الفسخ وذلك لا يعلم إلا بالتقويم ألا ترى أن المستعير إذا غرس أو بنى أو المشترى كان للمعير والشفيع أن يدفعا قيمة ذلك لأنَّهُ مستحق للأرض فههنا أولى، وما ذكروه من احتمال الزيادة بزيادة مزايد أو راغب على قيمته فإنما حدث ذلك بعد فسخ العقد فلا يستحقها العامل. وإن طلب رب المال البيع وأبى العامل ففيه وجهان:

أحدهما: يجبر العامل على البيع - وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه - لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه.

والوجه الثاني: لا يجبر إذا لم يكن في المال ربع أو أسقط حقه من الربع لأنَّه بالفسخ زال تصرفه وصار أجنبيا من المال فأشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق رده فزالت وكالته قبل رده. ولو كان رأس المال دنانير فصار دراهم أو كان دراهم فصار دنانير فهو كما لو كان عرضا، وإذا نض رأس المال جميعه لم يلزم العامل أن ينض له الباقى لأنَّهُ شركة بينهما ولا يلزم الشريك أن ينض مال شريكه ولأنه إنما لزمه أن ينض رأس المال ليرد إليه رأس ماله على صفته ولا يوجد هذا المعنى في الربح

(1)

. وإن طلب أحد المتضاربين قسمة الربع من رأس المال وأبى الآخَر قدم قول الممتنع لأنَّهُ إن كان رب المال فلأنه لا يأمن الخسران في رأس المال فيجبره بالربح، وإن كان الممتنع العامل فإنه لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقت لا يقدر عليه، وإن تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما وسواء اتفقا على قسمه جميعه أو بعضه أو على أن يأخذ كل واحد منهما شيئًا معلوما ينفقه، ثم متى ظهر في المال خسران أو تلف كله لزم العامل رد أقل الأمرين مما أخذه أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربع نصفين وذلك لأن المال لهما فجاز لهما أن يقتسما بعضه كالشريكين: أو نقول أنهما شريكان فجاز لهما قسمة الربع قبل المفاصلة كشريكى العنان

(2)

.

(1)

المغني للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 5 ص 179، ص 180 في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار في مصر سنة 1347 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 178، ص 179 نفس الطبعة.

ص: 236

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن أي طرفى القراض أراد ترك العمل فله ذلك ويجبر العامل على بيع السلع معجلا خسر أو ربح لأنَّهُ لا مدة في القراض، فإنه ليس فيه مدة فلا يجوز أن يجبر الآبى منهما على التمادى في عمل لا يريده أحدهما في ماله ولا يريده الآخَر في عمله ولا يجوز التأخير في ذلك لأنَّهُ لا يدرى كم يكون التأخير. وقد تسمو قيمة السلع وقد تنحط فإيجاب التأخير في ذلك خطأ، ولا يلزم أحدا أن يبيع ماله لغيره ليموله به

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أن لكل من عاقدى المضاربة أن يفسخها متى شاء إذ عقدها جائز

(2)

. ولا يجبر الممتنع عن قسمة الربح مع بقاء العقد، فإن تراضيا صح، ولا جبر لخسر حدث بعدها مما قد أخذا

(3)

. وإذا مات العامل فعلى الوارث رد العين فورا وإلا ضمن إذ ليس مأذونا بالإِمساك إلا لعذر، فإن غاب المالك رد إلى الحاكم أو أمسكه بإذنه وتبطل بموت المالك لانتقال الملك، فيسلم العامل الحاصل من نقد أو عرض تيقن أن لا ربح فيه، ولا يلزمه البيع إذ قد ملكه الوارث ويطلب الولاية، ويبيع برضا الوارث ما فيه ربح فإن امتنع الوارث مع تجويز الربع أجبر إذ لا يظهر الربح إلا به وبموت العامل، وعلى وارثه كذلك

(4)

. وإذا خالف العامل ما شرط في الحفظ ضمن إجماعا إذ صار كالغاصب، ولا تبطل به المضاربة إن سلم، والعترة على أن الربح على ما شرطا إذ لا خلل في العقد. ولو شرط أن يتجر بشئ مخصوص موجود شتاء وصيفا وخريفا تعين إذ هو كالوكيل، فإن كان لا يوجد إلا نادرا قال الإِمام يحيى: صحت أيضًا عند العترة إذ العقد صحيح وعروض التعذر لا يمنع كما لو عدم ما كان كثيرًا كل وقت. فإن خالف ما عين ضمن إجماعا لتعديه كالمودع

(5)

. قال المؤيد بالله: ولو قال لا تتجر بعد الخسر فخالف كالمخالفة في العين

(6)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء في الروضة البهية أن العامل في المضاربة يقتصر من التصرف على ما أذن المالك له من نوع التجارة ومكانها وزمانها ومن يشترى منه ومن يبيع عليه وغير ذلك، فإن خالف ما عين له ضمن المال، لكن لو ربع كان بينهما بمقتضى الشَّرط للأخبار الصحيحة، ولولاها لكان التصرف باطلًا أو موقوفًا على الإِجارة

(7)

. ولو تجاوز ما حد له المالك من الزمان والمكان والصنف ضمن

(8)

. ولو كان

(1)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم جـ 8 ص 249 مسألة رقم 1374 الطبعة الأولى بتحقيق محمد منير الدمشقى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

(2)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 4 ص 87 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.

(3)

المرجع السابق جـ 4 ص 88 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق جـ 4 ص 87 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق جـ 4 ص 85 نفس الطبعة.

(6)

المرجع السابق جـ 4 ص 85 نفس الطبعة.

(7)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى جـ 1 ص 381 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

(8)

المرجع السابق جـ 1 ص 382 نفس الطبعة.

ص: 237

المال عروضا عند الفسخ فإن كان به ربح للعامل فللعامل بيعه إن لم يدفع المالك إليه حقه منه، وإلا لم يجز إلا بإذن المالك وإن رجى الربح حيث لا يكون بالفعل. ولو طلب المالك إنضاضه ففى إخبار العامل عليه قولان أجودهما العدم، ولو انفسخ العقد من غير المالك إما بعارض يفسد العقد الجائز أو من قبل العامل فلا أجرة له بل الحصة إن ظهر ربح، وقيل له الأجرة أيضًا

(1)

. وجاء في مفتاح الكرامة أنه لو امتنع أحد عاقدى القراض من القسمة لم يجبر عليها. وفى التذكرة والتحرير وجامع المقاصد أنه إذا أراد أحدهما قسمة الربح مع بقاء المضاربة فامتنع الآخَر لم يجبر عليها، والقيد ببقاء المضاربة مراد للمبسوط، وما ذكر بعده جزما بل كلام المبسوط صريح في ذلك عند بيان الوجه في عدم إجبار أحدهما قال لأنَّهُ إن كان المطالب هو العامل لم يجبر المالك لأنَّهُ يقول الربح وقاية لرأس المال فلا تأخذ شيئًا من الربح قبل أن آخذ رأس مالى، وإن كان رب المال لم يجد العامل لأنَّهُ يقول: متى قبضت شيئًا من الربح لم يستقر مالى لأن المال قد يخسر فيلزمنى رد ما أخذت. قلت: ولعله أخرج وصرف ما وصل إليه فيحتاج إلى غرم ما حصل له بالقسمة وذلك ضرر بل توجه المطالبة ضرر هذا، وإذا اتفقا على فسخ المضاربة وطالب أحدهما بالقسمة وامتنع الآخر جاءت أحكام القسمة

(2)

. وإن انفسخ القراض وبالمال عروض فإن ظهر فيه ربح وطلب العامل بيعه ففى إجبار المالك على بيعه إشكال، وقد جزم في المبسوط بأنه إذا فسخ المالك أو العامل والمال كله أو بعضه عروض كان للعامل بيعه سواء لاح فيه ربح أم لا، ونحوه ما في جامع الشرائع، وموضع آخر من المبسوط، وقالا إلا أن يأخذه رب المال بقيمته وقضية كلامهما أن المالك يجبر على إجابته، وقال في التذكرة: إن للعامل الامتناع وعدم قبول قول المالك إذا قال له أنا آخذه بقيمته أو قال أعطيك نصيبك من الربح ناضا فإنه قد يجد من يشتريه بأكثر من قيمته وهو قضية إطلاق قوله في الإِيضاح الأصح إجبار المالك على إجابته وقد جعل في جامع المقاصد وجوب تمكينه من البيع مقتضى النظر إذا توقف حصول الفائدة للعامل عليه، وإليه مال في المسالك. وفى الروضة إن كان به ربح فللعامل إن لم يدفع المالك إليه حقه وإلا لم يجز إلا بإذن المالك وإن رجى الربح حيث لا يكون بالفعل، قلته وهو قوى جدا. والوجه في ذلك أن وصول العامل إلى حقه حاصل بالقسمة فلا يجبر المالك على بيع ماله ولا يزيد حاله على حال الشريك فإنه لا يكلف البيع لأجل شريكه، ووجه الإِجبار أنه يجب تمكينه من الوصول إلى حقه وعوض عمله وربما لا يوجد راغب في شراء البعض ولا سيما إذا كان العروض سلفا أو لا يباع إلا بنقصان، وللعامل مزية على الشريك لأنَّهُ يستحق التمكين من الوصول إلى عوض عمله وشئ من ذلك لا يقضى بوجوب مخالفة القاعدة القطعية وهو أنه لا يجبر الإنسان على بيع ماله لتوقف حصول فائدة للغير عليه على أن الخصم يدعى إمكان وصول حقه إليه بالقسمة. هذا على القول بأنه يملك بالظهور وأما على القول بأنه إنما يملك بالإِنضاض

(1)

المرجع السابق جـ 1 ص 382 نفس الطبعة.

(2)

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة للسيد محمد الجواد بن محمد الحسيني العاملي الشقرائي المجاور بالنجف جـ 7 ص 500 في كتاب متن قواعد العلامة طبع مطبعة الشورى بمصر سنة 1326 هـ.

ص: 238

أو القسمة فمنشأ الإِشكال أنه لا حق له الآن فلا يستحق التسلط على بيعها وإنما له الأجرة، ومن أنه ملك أن يملك بظهور الربع فله المطالبة بما يتوقف عليه حق الملك. كذا قال في جامع المقاصد في توجيه هذا الشق، وقال في جامع المقاصد: إن موضع الإشكال ما إذا طلب العامل البيع في الحال، أما إذا طلب تأخيره إلى موسم رواج المتاع فليس له ذلك قطعا. ولو وجدنا زبونا يحصل له ربع ببيعه عليه أجبر المالك على إجابته على إشكال، قال في الإِيضاح: الأصح أنه يجبر، وفى جامع المقاصد أن الذي ينساق إليه النظر. ومنشأ الإشكال من أنه يمكن حصول عوض عمله إليه بالبيع فيجب تمكينه منه، ولأن ذلك يعد ربما لأن الربع هو الزيادة وقد يكون حصولها بسبب خصوص العين لوجود راغب فيها بالفعل بزيادة عن قيمتها فيجب أن يستحق فيه الحصة لوجودها بالقوة القريبة وإن يمكن من البيع الذي يتوقف حصولها بالفعل عليه ومن أن هذه الزيادة لا تعد ربحا وإنما هو رزق يساق إلى مالك العروض لأن حصول الربح إما بزيادة القيمه السوقية أو بحصول الشراء بذلك، أما نفس البذل ولوعد ربحا لم يستحق الربح إلى حين الفسخ لا ما يتجدد بعده إلا أن تقول إن هذه الزيادة التي هي الربع موجودة بالقوة القريبة فلا تكون كغيرها. وإن لم يظهر ربح ولا زبون لم يجبر المالك كما هو في خيرة الشرائع والتحرير وجامع المقاصد. ولو طلب المالك من العامل بيعه فإن لم يكن ربح أو كان وأسقط العامل حقه فالأقرب إجباره على البيع ليرد المال كما أخذه، وفى جامع الشرائع أنه إذا طلب المالك بيعه من العامل فله جبره على بيعه ليأخذ ماله ناضا، من غير فارق بين ظهور الربح وعدمه، ولا بين إسقاطه حقه وعدمه ونحوه ما في موضع من المبسوط، وقد جزم في الشرائع بأنه لا يجب عليه البيع غير فارق أيضًا بين ظهور الربع وعدمه وإسقاط حقه وعدمه، واستجوده في الروضة، وقال في المسالك: لعله أقوى في صورة عدم الربح، وجزم في موضع من التذكرة بوجوب بيعه عليه حيث لا ربح كما سمعته آنفا. واستشكل في موضع آخر في ذلك حيث لا ربح

(1)

، قال صاحب مفتاح الكرامة: وكذا يجبر مع الربع كما في التذكرة والإِيضاح، واستظهر في مجمع البرهان أنه لا يجبر، وفى جامع المقاصد أن المسئلة موضع تأمل وأن في الفرق بينه وبين عدم الربح صعوبة، ويمكن أن يفرق بأنه إنما استحق الربح في مقابل العمل المأذون فيه وهو الشراء والبيع فيجب عليه القيام به، ولأن الإنضاض مشقة ومؤنة فلا يناسب أخذ العامل الحصة وجعل تلك المشقة على المالك، وقد يقال على الأول أنه إنما يتم قبل الفسخ، وأما إذا صار أجنبيا فلا، نعم إن طلب هو الربح فلابد له من الجباية. ولو نض قدر رأس المال فرده العامل لم يجبر على إنضاض الباقى وكان مشتركا بينهما، وقد صرّح بذلك في التذكرة والتحرير وغيرهما لأن المأخوذ هو رأس المال، وهو الذي يجب رده كما أخذه دون الباقى فيقسمانه عروضا وأولى منه لو كان أزيد، ولو كان أقل توجه جواز اقتصاره على إنضاض قدره لو قلنا بإجباره على الإنضاض.

(1)

المرجع السابق جـ 7 ص 504 نفس الطبعة.

ص: 239

ولو كان الفسخ في جميع هذه الصور من العامل فالحكم كذلك وبه صرّح في المبسوط والتحرير والمسالك وهو قضية كلام الباقين إلا في الأجرة، نعم قد يستبعد كثيرًا وجوب إجابة المالك له إلى بمعه مع أن الفسخ منه. ولو رده ذهبا ورأس المال فضة رجب الرد إلى الجنس - كما في المبسوط والتذكرة - إذا طلب المالك ذلك، وهو مبنى على وجوب البيع على العامل إذا طلبه المالك، فكل من قال بالوجوب هناك يلزمه القول به هنا، وهكذا من منع أو توقف، ولهذا مال إلى العدم أو قال به في مجمع البرهان، ومثله ما لو كان الحاصل دراهم ورأس المال صحاحا أو كان نقدا مخالفا لنقد رأس المال

(1)

. وإن انفسخ والمال دين رجب على العامل تفاضين وإن لم يظهر ربح كما هو ظاهر المبسوط، وهو قضية إطلاق الوسيلة بالنسبة إلى عدم الربح وكذا المالك، وفى الشرائع والإرشاد والروض أن عليه جباية السلف، وحاصل كلام الجميع أنه إذا أذن له في البيع نسيئة أو في الإِسلاف رجب عليه جبايته، وظاهرهم أنه لا مجال هنا لاحتمال العدم لكن قد حكى عن حواش الشهيد احتماله وقد قال المولى الأردبيلى إنه الظاهر. وجه الوجوب أن مقتضى المضاربة رد رأس المال على صفته والديون لا تجرى مجرى المال والدين ملك ناقص والذي أخذه كان ملكا تاما فليؤد كما أخذ لظاهر الخبر ووجه العدم منع كون مقتضى المضاربة كما ذكر والحال أن الإِدانة بإذن المالك مع أصل براءة الذمة من وجوبه عليه وضعف بأن إذن المالك فيه إنما كان على طريق الاستيفاء بدلالة القرائن، ولاقتضاء الخبر ذلك. ومما ذكر يظهر قوة القول بإجباره على بيعه، ومن قال به ثمة فبالأولى أن يقول به هنا، وإذا دعى العامل بعد الفسخ إن فيه ربحا أو قطعا بوجوده فهل له أن يجبر المالك على تسليطه على جبايته؛ احتمالان والجواز غير بعيد بل قد يقال إنه يتعين عليه إجابته في الفرض الثاني لأن الربح المشترك يجوز قبضه بدون إذنه إلا أن للمالك أن يعين معه ناظرا أو مشرفا. ولو مات المالك فلورثته مطالبة العامل بالتنضيض، وتجب عليه إجابتهم، وبه صرّح في جامع الشرائع، قال للوارث إلزامه بالبيع، وفى المبسوط والشرائع كان للعامل بيعه لكن قال في الشرائع إلا أن يمنعه الوارث، وهذا الاستثناء ظاهر المبسوط أو صريحه، وقضية كلامهم أنه لا يجب على الوارث إجابته

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أنه يصح الوضع لعامل القراض بجزء من الربح إذا امتنع هو وصاحب المال ولو لم يكن في المال ربح ولو بعد رد المال لربه على المختار وهو القول بأنه بمنزلة الأجير بجزء منه فصار كالشريك ولو لم يكن فيه ربح لأنَّه حال العمل به يعمل على الشركة في الربح ولا يوضع لصاحب المال لأنَّه ولو كان المال له وكان شريكا في الربح لكن لا حكم له في مال القراض ومقابله قول الربيع رحمه الله تعالى إن القارض بمنزلة الوكيل وعليه فإن امتنع من القبض وضع لصاحب المال إلا على ما استظهرته فيما مر من جواز الوضع لنائب

(1)

المرجع السابق جـ 7 ص 505 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 7 ص 506، ص 507 نفس الطبعة.

ص: 240

جرى العمل على يده وأما وضع المقارض من مال القراض لمن كان له على المقارض من جهه مال القراض فصحيح على المختار ولا يصح على قول الربيع إلا على ما استظهرته، وإنما الذي يضع على قوله هو صاحب المال، وإن امتنع المقارض من القبض ورضى رب المال بالقبض دفع إليه، كذا استظهر أبو عبد الله محمد بن عمرو بن أبى سنة رحمه الله تعالى على قول غير الربيع، والظاهر من كلام الشيخ أنه لا يدفع إليه لقوله أنه لا حكم له في ذلك، وفى الديوان: ولا يضع الرجل لغريمه ما عليه من الدين إلا إن كان الدين للغريم أو لابنه الطفل، وأما دين الغائب أو اليتيم أو المجنون فلا يضعه لخلفيته إذا أبى أن يأخذه، وكذلك وكيل صاحب الدين على قبضه فلا يضعه له وكذلك وكيل المديان على دفعه لا يضعه لصاحب الدين إذا أبى أن يأخذه، ومنهم من يرخص في هذا كله، قالوا وأما خليفة الغائب إن استخلفه الغائب أن يضع ما عليه من الدين فليضعه لغرمائه إذا أبوا قالوا، وأما العبد إذا أعتقه مولاه أو أخرجه من ملكه بوجه من الوجوه فلا يضع له شيئًا بعد ذلك وإنما يضع لمولاه

(1)

.

‌حكم الامتناع من اليمين

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين فإن كان ذلك في دعوى المال يقضى عليه بالمال عندنا، لكن ينبغى للقاضى أن يقول له إنى أعرض عليك اليمين ثلاث مرات فإن حلفت وإلا قضيت عليك لجواز أن يكون المدعى عليه ممن لا يرى القضاء بالنكول أو يكون عنده أن القاضي لا يرى القضاء بالنكول أو لحقه حشمة القضاة ومهابة المجلس في المرة الأولى فكان الاحتياط أن يقول له ذلك فإن نكل عن اليمين بعد العرض عليه ثلاثا فإن القاضي يقضى عليه عندنا، وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يقضى بالنكول ولكن يرد اليمين إلى المدعى فيحلف فيأخذ حقه، واحتج الشافعي رحمه الله تعالى بقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه" جعل البينة حجة المدعى واليمين حجة المدعى عليه ولم يذكر صلى الله عليه وسلم النكول، فلو كان حجة المدعى لذكره، والمعقول أنه يحتمل أنه نكل لكونه كاذبا في الإِنكار فاحترز عن اليمين الكاذبة، ويحتمل أنه نكل مع كونه صادقا في الإِنكار تورعا عن اليمين الصادقة فلا يكون حجة القضاء مع الشك والاحتمال لكن يرد اليمين إلى المدعى ليحلف فيمضى له لأنَّهُ ترجح جنبه الصدق في دعواه بيمينه، وقد ورد الشارع برد اليمين إلى المدعى فإنه روى أن سيدنا عثمان رضى الله تعالى عنه أدعى على المقداد مالا بين يدى سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه فأنكر المقداد وتوجهت عليه

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 4 ص 511، ص 512 طبع محمد بن يوسف البارونى.

ص: 241

اليمين فرد اليمين على سيدنا عثمان، وسيدنا عمر جوز ذلك. ويدل لنا ما روى أن شريحا قضى على رجل بالنكول فقال المدعى عليه أنا أحلف فقال شريح مضى قضائى وكان لا تخفى قضاياه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر، فيكون إجماعا منهم على جواز القضاء بالنكول، ولأنه ظهر صدق المدعى في دعواه عند نكول المدعى عليه فيقضى له، كما لو أقام البينة، ودلالة الوصف أن المانع من ظهور الصدق في خبره إنكاره المدعى عليه وقد عارضه النكول لأنَّهُ كان صادقا في إنكاره لما نكل فزال المانع للتعارض فظهر صدقه في دعواه، أما قوله يحتمل أنه نكل تورعا عن اليمين الصادقة فإننا نقول: هذا احتمال نادر لأن اليمين الصادقة مشروعة، فالظاهر أن الإنسان لا يرضى بفوات حقه تحرزا عن مباشرة أمر مشروع، ومثل هذا الاحتمال ساقط الاعتبار شرعا، ألا يرى أن البينة حجة القضاء بالإِجماع وإن كانت محتملة في الجملة لأنها خبر من ليس بمعصوم عن الكذب، لكن لما كان الظاهر هو الصدق سقط اعتبار احتمال الكذب، كذا هذا، وأما الحديث فنقول البينة حجة المدعى وهذا لا ينفى أن يكون غيرها حجة، وقوله لو كان حجة لذكره نقول فيه: يحتمل أنه لم يذكره لما قلتم، ويحتمل أنه لم يذكره نصا مع كونه حجة تسليطا للمجتهدين على الاجتهاد ولمعرف كونه حجة بالرأى والاستنباط فلا يكون حجة مع الاحتمال. وأما رد اليمين على المدعى فليس بمشروع لما قلنا من قبل، وأما حديث المقداد فلا حجة فيه لأن فيه نكر الرد من غير نكول المدعى عليه وهو خارج عن أقاويل الكل فكان مؤولا عند الكل، ثم تأويله أن المقداد رضى الله تعالى عنه أدعى الإيفاء فأنكر سيدنا عثمان رضى الله تعالى عنه فتوجهت اليمين عليه، ونحن به نقول. هذا إذا نكل عن اليمين في دعوى المال، فإن كان النكول في دعوى القصاص فنقول لا يخلو إما أن تكون الدعوى في القصاص في النفس وإما أن تكون فيما دون النفس، فإن كان في النفس فعن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه لا يقضى فيه بالقصاص ولا بالمال لكنه يحبس حتَّى يقر أو يحلف أبدا وإن كان الدعوى في القصاص في الطرف فإنه يقضى بالقصاص في العمد وبالدية في الخطأ وعندهما: لا يقضى بالقصاص في النفس والطرف جميعًا ولكن يقضى بالأرش والدية فيهما جميعًا بناء على أن النكول بذل عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه والطرف يحتمل البذل والإِباحة في الجملة فإنه من وقعت في يده آكلة والعياذ بالله تعالى فأمر غيره بقطعها يباح له قطعها صيانة للنفس وبه تبين أن الطرف يسلك مسلك الأموال لأنَّهُ خلق وقاية للنفس كالمال، فأما النفس فلا تحتمل البذل والإباحة بحال، وكذا المباح له القطع إذا قطع لا ضمان عليه والمباح له القتل إذا قتل يضمن، فكان الطرف جاريا مجرى المال بخلاف النفس فأمكن القضاء بالنكول في الطرف دون النفس فكان القياس أن لا يستحلف في النفس عنده كما لا يستحلف في الأشياء السبعة لأن الاستحلاف للتوسل إلى المقصود المدعى وهو إحياء حقه بالقضاء بالنكول ولا يقضى فيها بالنكول أصلا عنده فكان ينبغى أن لا يستحلف إلا أنه استحسن في الاستحلاف فيها لأن الشرع ورد به في القسامة وجعله حقا مقصودا في نفسه تعظيما لأمر الدم وتفخيما لشأنه لكون اليمين الكاذبة مهلكة فصار بالنكول مانعا حقا مستحقا عليه مقصودا فيحبس حتَّى يقر أو يحلف بخلاف الأشياء السبعة فإن

ص: 242

الاستحلاف فيها للتوسل إلى استيفاء المقصود بالنكول وأنه لا يقع وسيلة إلى هذا المقصود، وعندهما النكول إقرار فيه شبهة العدم لأنَّهُ إقرار. بطريق السكوت وأنه محتمل والقصاص يدرأ بالشبهات، وإذا سقط القصاص للشبهة يجب المال بخلاف شهادة النساء مع الرجال والشهادة على الشهادة أنها لا تقبل في باب القصاص أصلا لأن التعذر هناك من جهة من له القصاص وهو عدم الإتيان بحجة مظهرة للحق وهى شهادة شهود أصول ذكور والتعذر هنا من جهة من عليه القصاص وهو عدم التنصيص على الإِقرار، والأصل أن القصاص إذا بطل من جهة من له القصاص لا تجب الدية، وإذا بطل من جهة من عليه تجب الدية. وأما في دعوى السرقة إذا حلف على المال ونكل يقضى بالمال لا بالقطع لأن النكول حجة في الأموال دون الحدود الخالصة. وأما في حد القذف إذا استحلف على ظاهر الرواية فنكل يقضى بالحد في ظاهر الأقاويل لأنَّهُ بمنزلة القصاص في الطرف عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وعندهما بمنزلة التعزير، وقال بعضهم: هو بمنزلة سائر الحدود لا يقضى فيه بشئ ولا يحلف لأنَّهُ حد، وقيل يحلف ويقضى فيه بالتعزير دون الحد كما في السرقة يحلف ويقضى بالمال دون القطع

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء في شرح الخرشى أن من ادعى على شخص فأنكر وأراد المدعى تحليفه فلا يلزمه يمين حتَّى يثبت المدعى أن هناك خلطة بينه وبينه ولو بشهادة امرأة لأن المقصود من الخلطة اللطخ وهو يثبت بشهادة الواحد ولو أنثى، وتكون الخلطة بدين ولو مرة واحدة من سلف أو غيره أو تكرر بيع بالنقد. وكون الخلطة شرطا في توجه اليمين هو المشهور، وعليه مالك وعامة أصحابه رضى الله تعالى عنهم وعليه مشى في الرسالة، والذي لابن نافع رضى الله تعالى عنه أنها لا تشترط ونفاها في المبسوط وهو الذي عليه عمل القضاة بمصر، قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: وعليه عمل القضاة عندنا. ويستثنى من اشتراط ثبوت الخلطة مسائل تتوجه فيها اليمين على المدعى عليه من غير إثبات خلطة، منها الصانع إذا دعى عليه شخص بشئ مما له فيه صنعة، فإن اليمين تتوجه ولا يحتاج إلى إثبات خلطة بينه وبين من ادعى عليه لأنَّهُ نصب نفسه، ومنها المتهم في نفسه إذا ادعى عليه شخص بسرقة ونحوها فإن اليمين تتوجه عليه ولا يحتاج إلى إثبات خلطة، ومنها الضيف أي الغريب سواء ضافك وأتى لمنزلك ثم ادعى أنه ضاع له شئ، أو لم يضفك ولم يأت لمنزلك بأن كنت معه في المسجد فادعى عليك فتتوجه عليه اليمين ولا يحتاج إلى إثبات خلطة، ومنها الدعوى في شئ معين كثوب بيد إنسان، ومنها دعوى الوديعة بشرط أن يكون المدعى مثله يملك تلك الوديعة، وأن يكون المدعى عليه يودع عنده مثل تلك الوديعة وأن يكون الحال اقتضى الإيداع فتتوجه اليمين على المدعى عليه من غير إثبات خلطة، ومنها

(1)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني جـ 6 ص 230، ص 231 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

ص: 243

دعوى المسافر على بعض رفقته أنه أودعه مالا أو أنه أتلف منه مالا في حال سفره فإن اليمين تتوجه ولا يحتاج فيها إلى إثبات خلطة، لأنَّهُ قد يعرض له ما يوجب دفع ماله لبعض رفقته، ومنها المريض يدعى في مرض موته على آخر بدين فإن اليمين تتوجه على المدعى عليه ولا يحتاج إلى إثبات خلطة ومثله ورثته، ومنها رجل عرض سلعته في السوق للبيع فادعى البائع على رجل ممن حضر المزايدة أنه اشتراها بكذا وأنكر الرجل الشراء أو ادعى الرجل على البائع أنه ابتاعها منه بكذا وأنكر البائع البيع فتتوجه اليمين على المنكر منهما وإن لم تثبت خلطة

(1)

. قال صاحب شرح منح الجليل: وإن لم يجب المدعى عليه بإقرار أولًا إنكار بأن سكت أو قال لا أجيب ولا أخاصم حبس المدعى عليه حتَّى يجيب بإقرار أو إنكار، رواه أشهب رحمه الله تعالى، قال ابن رشد رضى الله تعالى عنه وبه جرى العمل وظاهره وإن لم يطلبه المدعى، وإن تمادى على عدم الجواب أدب بالضرب حتَّى يجيب بإقرار أو إنكار وبه أفتى فقهاء قرطبة، ثم إن استمر على الامتناع من الجواب حكم القاضي عليه بلا يمين من المدعى قاله ابن المواز رحمه الله تعالى لعدم امتناعه من الجواب إقرارا بما ادعاه المدعى. قال اللخمى رحمه الله تعالى: اختلف إذا ادعى شخص على آخر دعوى فلم يقر المدعى عليه ولم ينكر، فقال الإِمام مالك رضى الله تعالى عنه فيمن كانت بيده دار فادعى رجل أنها لأبيه أو لجده فسئل من هي في يده فلم يقر ولم ينكر أنه يجبر على أن يقر أو ينكر، قال محمد رضى الله تعالى عنه: فإن لم يرجع فيقر أو ينكر حكمت عليه للمدعى بلا يمين

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في نهاية المحتاج أنه إذا أصر المدعى عليه على السكوت عن جواب الدعوى الصحيحة وهو عارف أو جاهل فنبه ولم يتنبه جعل كمنكر ناكل فيما يأتى بقيده وهو أن يحكم القاضي بنكوله أو يقول للمدعى احلف، فحينئذ يحلف، ولا يمكن الساكت من الحلف لو أراده. ويندب له أن يكرر أجب ثلاثا، نعم إن غلب على ظنه أن سكوته لنحو دهشة أو جهل وجب إعلامه، فإن أصر فناكل، وسكوت أخرس عن إشارة مفهمة أو كتابة أحسنها كذلك، ومثله أصم لا يسمع وهو يفهم الإِشارة، وإلا فهو كمجنون؛ فإن ادعى عليه عشرة مثلًا فقال لا تلزمنى العشرة لم يكف في الجواب حتَّى يقول ولا بعضها، وكذا يحلف إن توجهت اليمين عليه لأن مدعى العشرة مدع لكل جزء منها فلابد من أن يطابق الإِنكار واليمين دعواه وإنما يطابقانها إن نفى كل جزء منها، فإن حلف على نفى العشرة واقتصر عليه فناكل عما دون العشرة فيحلف المدعى على استحقاق دون عشرة بجزء وإن قل بلا تجديد دعوى ويأخذه لأن اليمين مع النكول كالإِقرار، نعم إن نكل المدعى عليه عن العشرة وقد اقتصر القاضي في تحليف المدعى عليه على عرض اليمين عليها ولم يقل ولا شئ منها فليس للمدعى أن يحلف على استحقاق

(1)

شرح أبى عبد الله محمد الخرشى على المختصر الجليل لأبى الضياء سيدى خليل جـ 7 ص 155، ص 156 في كتاب على هامشه حاشية الشيخ على العدوى على شرح الخرشى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هـ.

(2)

شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل للشيخ محمد عليش جـ 4 ص 182 في كتاب على هامشه حاشيته المسماه تسهيل منح الجليل.

ص: 244

ما دونها إلا بعد تجديد دعوى ونكول المدعى عليه لأنَّهُ إنما نكل عن عشرة والناكل عنها لا يكون ناكلا عن بعضها، هذا إذا لم يسندها إلى عقد، بخلاف ما إذا أسندها إليه كأن قالت له نكحتنى أو بعتنى دارك بعشرة فحلف ما نكحتك أو ما بعتك بعشرة كفى لأن المدعى للنكاح أو البيع بعشرة غير مدع له بما دونها، فإن نكل عن اليمين لم يكن لها أن تحلف على الأقل إلا بدعوى مجددة، ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطى المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار، وله تحليفه لأنَّهُ لا يأمن أن يدعى عليه بما دفعه بعد، وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعى أن يحلف يمين الرد فقال خصمه أنا أبذل المال بلا يمين فيلزمه الحاكم بأن يقر وإلا حلف المدعى

(1)

. وقال صاحب المهذب: فإن امتنع عن اليمين لم يسأل عن سبب امتناعه، فإن ابتدأ وقال امتنعت لأنظر في الحساب أمهل ثلاثة أيام لأنها مدة قريبة ولا يمهل أكثر منها لأنها مدة كثيرة، فإن لم يذكر عذرا لامتناعه جعله ناكلا ولا يقضى عليه بالحق بنكوله لأن الحق إنما يثبت بالإِقرار أو البينة، والنكول ليس بإقرار ولا بينة، فإن بذل اليمين بعد النكول لم يسمع لأن بنكوله ثبت للمدعى حق وهو اليمين فلم يجز له إبطاله عليه، فإن لم يعلم المدعى أن اليمين صارت إليه قال له القاضي أتحلف وتستحق، وإن كان يعلم فله أن يقول ذلك وله أن يسكت، وإن قال أحلف ردت اليمين عليه لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق، وروى أن المقداد استقرض من عثمان مالا فتحاكما إلى عمر فقال المقداد هو أربعة آلاف وقال عثمان سبعة آلاف فقال المقداد لعثمان احلف أنه سبعة آلاف فقال عمر إنه أنصفك فلم يحلف عثمان، فلما ولى المقداد قال عثمان واللّه لقد أقرضته سبعة آلاف فقال عمر لم لم تحلف فقال خشيت أن يوافق ذلك به قدر بلاء فيقال بيمينه. واختلف قول الشافعي رضى الله تعالى عنه في نكول المدعى عليه مع يمين المدعى فقال في أحد القولين هما بمنزلة البينة لأنَّهُ حجة من جهة المدعى، وقال في القول الآخَر هما بمنزلة الإِقرار وهو الصحيح لأن النكول صادر من جهة المدعى عليه واليمين ترتب عليه وله فصار كإقراره، فإن نكل المدعى عن اليمين سئل عن سبب نكوله، والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث لم يسأل عن سبب نكوله أن بنكول المدعى عليه وجب للمدعى حق في رد اليمين والقضاء له فلم يجز سؤال المدعى عليه، وبنكول المدعى لم يجب لغيره حق فيسقط بسؤاله، فإن سئل فذكر أنه امتنع من اليمين لأن له بينة يقيمها وحسابا ينظر فيه فهو على حقه من اليمين ولا يضيق عليه في المدة ويترك ما تارك، والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث قلنا أنه لا يترك أكثر من ثلاثة أيام أن بترك المدعى عليه يتأخر حق المدعى في الحكم له وبترك المدعى لا يتأخر إلا حقه، وإن قال امتنعت لأنى لا أختار أن أحلف حكم بنكوله فإن بذل اليمين

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصري الأنصاري الشهير بالشافعى الصغير جـ 8 ص 326، ص 327 في كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على بن علي الشبراملسى، وعلى هامشه حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ سنة 1938 م.

ص: 245

بعد النكول لم يقبل في هذه الدعوى لأنه أسقط حقه منها، فإن عاد في مجلس آخر واستأنف الدعوى وأنكر المدعى عليه وطلب يمينه حلف فإن حلف ترك، وإن نكل ردت اليمين على المدعى فإذا حلف حكم له لأنها يمين في غير الدعوى التي حكم فيها بنكوله، فإن كان له شاهد واختار أن يحلف المدعى عليه جاز، وتنتقل اليمين إلى جنبة المدعى عليه فإن أراد أن يحلف مع شاهده لم يكن له في هذا المجلس لأن اليمين انتقلت عنه إلى جنبة غيره فلم تعد إليه، فإن عاد في مجلس آخر واستأنف الدعوى جاز أن يقيم الشاهد ويحلف معه لأن حكم الدعوى الأولى قد سقط، وإن حلف المدعى عليه في الدعوى الأولى سقطت عنه المطالبة، وإن نكل عن اليمين لم يقض عليه بنكوله وشاهد المدعى لأن للشاهد معنى تقوى به جنبة المدعى فلم يقض به مع النكول من غير يمين كاللوث في القسامة، وهل ترد اليمين على المدعى ليحلف مع الشاهد؟ فيه قولان:

أحدهما: أنه لا ترد لأنها كانت في جنبته وقد أسقطها وصارت في جنبة غيره فلم تعد إليه كالمدعى عليه إذا نكل عن اليمين فردت إلى المدعى فنكل فإنها لا ترد على المدعى عليه.

والقول الثاني: وهو الصحيح أنها ترد لأن هذه اليمين غير الأولى لأن سبب الأولى قوة جنبة المدعى بالشاهد وسبب الثانية قوة جنبته بنكول المدعى عليه واليمين الأولى لا يحكم بها إلا في المال وما يقصد به المال والثانية يقضى بها في جميع الحقوق التي تسمع فيها الدعوى فلم يكن سقوط إحداهما موجبا لسقوط الأخرى فإن قلنا إنها لا ترد حبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر لأنه تعين عليه ذلك وإن قلنا إنها ترد حلف مع الشاهد واستحق

(1)

. وإن كانت الدعوى في موضع لا يمكن رد اليمين على المدعى بأن ادعى على رجل دينا ومات المدعى ولا وارث له غير المسلمين وأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين ففيه وجهان ذكرهما أبو سعيد الاصطخرى:

أحدهما: أنه يقضى بنكوله لأنه لا يمكن رد اليمين على الحاكم لأنه لا يجوز أن يحلف عن المسلمين لأن اليمين لا تدخلها النيابة ولا يمكن ردها على المسلمين لأنهم لا يتعينون فقضى بالنكول لموضع الضرورة.

والثانى: وهو المذهب أنه بحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر لأن الرد لا يمكن لما ذكرناه، والقضاء بالنكول لا يجوز لما قدمناه لأنه إما أن يكون صادقا في إنكاره فلا ضرر عليه في اليمين أو كاذبا فيلزمه الإِقرار، وإن ادعى وصى دينا لطفل في حجره على رجل وأنكر الرجل ونكل عن اليمين وقف إلى أن يبلغ الطفل فيحلف لأنه لا يمكن رد اليمين على الوصى لأن اليمين لا تدخلها النيابة ولا على الطفل في الحال لأنه لا يصح يمينه فوجب التوقف إلى أن يبلغ

(2)

.

(1)

المهذب للشيخ الإمام الزاهد الموفق أبى إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى جـ 2 ص 301 في كتاب أسفله النظم المستعذب في شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.

(2)

المرجع السابق جـ 2 ص 301، ص 302 نفس الطبعة.

ص: 246

‌مذهب الحنابلة:

جاء في كشاف القناع أن المدعى عليه إن لم يحلف قال له الحاكم إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول؛ لأن النكول ضعيف فوجب اعتضاده بذلك، ويستحب أن يقول ذلك ثلاثا إزالة لمعذرته، وكذا يقول الحاكم للمدعى عليه في كل موضع قلت يستحلف المدعى عليه فإن لم يحلف المدعى عليه قضى بالنكول إذا سأله المدعى ذلك لأن عثمان رضى الله تعالى عنه قضى على ابن عمر رضى الله تعالى عنهما بنكوله، رواه أحمد، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: اليمين على المدعى عليه فحصرها في جهته فلم تشرع لغيره وسواء كان المدعى عليه مأذونا له أو مريضا أو غيرهما، والنكول كإقامة بينه لا كإقرار بالحق لا يتأتى جعله مقرا مع إنكاره، ولا كبذل الحق لأن البذل قد يكون تبرعا ولا تبرع هنا، لكن لا يشارك من قضى له بالنكول على محجور عليه لفلس غرمائه لاحتمال التواطؤ، ولا ترد اليمين على المدعى لحصره صلى الله عليه وسلم لها في جهته

(1)

. وإن كان للمدعى شاهد واحد في المال أو ما يقصد منه المال كالوكالة في المال عرفه الحاكم أن له أن يحلف مع شاهده ويستحق بلا رضا خصمه لما روى أن النبى - صلي الله عليه وسلم - قضى باليمين والشهادة، فإن قال المدعى: لا أحلف وأرضى يمينه استحلف له كما لو يكن أقامه، فإذا حلف سقط عنه الحق أي انقطعت الخصومة فإن عاد المدعى بعدها وقال أنا أحلف مع شاهدى لم يستحلف لأن اليمين فعله وهو قادر عليها فأمكنه أن يسقطها بخلاف البينة وإن عاد قبل أن يحلف المدعى عليه فبذل المدعى اليمين لم يكن له ذلك في هذا المجلس. نكره في الشرح والمبدع، وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر أو قال المدعى عليه لا أقر ولا أنكر أو قال لا أعلم قدر حقه قال له القاضي احلف وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك لأنه ناكل لما توجه عليه الجواب فيه فيحكم عليه بالنكول عنه كاليمين، والجامع بينهما أن كل واحد من القولين طريق إلى ظهور الحق، ويسن تكراره من الحاكم ثلاثا ذكره في الكافى والمستوعب والمنتهى

(1)

. وإن قال المدعى عليه بعد ثبوت الدعوى: قضيته أو أبرأنى وذكر أن له بينة بالقضاء أو الإبراء وسأل الإنظار أنظر ثلاثة أيام فقط لأن ما زاد عليها فيه طول بخلافها فإنها قريبة وقد لا تتكامل البينة فيما دونها ولو ألزمناه في الحال لكان تضييقا عليه، فإن عجز المدعى عليه عن بينة القضاء أو الإبراء حلف المدعى على نفى ما ادعاه من القضاء والإبراء لأن الأصل عدمه واستحق ما ادعى به لأن الأصل بقاؤه، فإن نكل المدعى عن اليمين قضى عليه بنكوله وصدق المدعى عليه لأنه منكر توجهت عليه اليمين فنكل عنها فحكم عليه بالنكول كما لو كان مدعى عليه ابتداء. هذا كله إن لم يكن المدعى عليه أنكر أولا سبب الحق، فأما إن أنكره ثم ثبت فادعى قضاء أو إبراء سابقا لإنكاره لم يسمع منه وإن أتى ببينة نصا

(2)

.

(1)

كشاف القناع على متن الإقناع للشيخ منصور بن إدريس جـ 4 ص 199 في كتاب على هامشه شرح منتهي الإرادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 200 نفس الطبعة.

ص: 247

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن الطالب إن لم يكن له بينه وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها سواء أحب أو كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شئ من الأشياء أصلا ولا ترد اليمين على الطالب البتة ولا ترد يمين أصلا إلا في ثلاثة مواضع فقط وهى القسامة فيمن وجد مقتولا فإنه إن لم تتكن لأوليائه بينة حلف خمسون منهم واستحقوا القصاص أو الدية فإن أبوا حلف خمسون من المدعى عليهم وبرئوا فإن نكلوا أجبروا على اليمين أبدا، وهذا مكان يحلف فيه الطالبون فإن نكلوا رد على المطلوبين. والموضع الثاني: الوصية في السفر لا يشهد عليها إلا كفار وإن الشاهدين الكافرين يحلفان مع شهادتهما، فإن نكلا لم يقض بشهادتهما. فإن قامت بعد ذلك بينة من المسلمين حلف اثنان منهم مع شهادتهما وحكم بها وفسخ ماشهد به الأولان، فإن نكلا بطلت شهادتهما وبقى الحكم الأول كما حكم به فهذا مكان يحلف فيه الشهود لا الطالب ولا المطلوب. والموضع الثالث: من قام له بدعواه شاهد واحد عدل أو امرأتان عدلتان فيحلف ويقضى له، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ، فإن نكل أجبر على اليمين أبدا فهذا مكان يحلف فيه الطالب، فإن نكل رد على المطلوب. قال أبو محمد: فإذ قد بطل القول بالقضاء بالنكول والقول برد اليمين على الطالب إذا نكل المطلوب لتعرى هذين القولين عن دليل من القرآن أو من السنة وبطل أن يصح في أحدهما قول عن أحد من الصحابة رضى الله تعالى عنهم فالواجب أن نأتى بالبرهان على صحة قولنا. قال أبو محمد: قد صح ما قد أوردناه آنفا من قول النبى صلى الله عليه وسلم بالقضاء باليمين على المدعى عليه وأنه لو أعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم وما قد روينا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينتك أو بمينه ليس لك إلا ذلك فصح يقينا أنه لا يجوز أن يعطى المدعى بدعواه دون بينته فبطل بهذا أن يعطى شيئا بنكول خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه لأنه أعطى بالدعوى، وصح أن اليمين بحكم الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدعى عليه فوجب بذلك أنه لا يعطى المدعى يمينا أصلا إلا حيث جاء النص بأن يعطاها وليس ذلك إلا فى القسامة فى المسلم يوجد مقتولا وفى المدعى يقيم شاهدا عدلا فقط، وكان من أعطى المدعى بنكول خصمه فقط أو بيمينه إذا نكل خصمه قد أخطأ كثيرا وذلك أنه أعطاه ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس له وأعطاه بدعواه المجردة عن البينة وأسقط اليمين عمن أوجبها الله تعالى عليه ولم يزلها عنه إلا أن يسقطها الذي هي له وهو الطالب الذي جعل الله تعالى له البينة فيأخذ أو يمين مطلوبة فإذ هي له فلم ترك حقه إن شاء فظهر صحة قولنا يقينا، وقال الله عز وجل:{ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان}

(1)

، فمن أطلق للمطلوب الامتناع من اليمين ولم يأخذه بها وقد أوجبها الله سبحانه وتعالى عليه فقد أعانه على الإثم والعدوان وعلى ترك ما افترض الله تعالى عليه إلزامه إياه وأخذه به. وفد ذكرنا في كلامنا في الإمامة قول رسول الله:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع" فوجدنا الممتنع مما أوجب الله عز وجل أخذه به من اليمين قد أتى منكرا بيقين فوجب تغييره باليد بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغيير باليد هو الضرب فيمن لم يمتنع أو بالسلاح في المدافع بيده الممتنع

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 201 نفس الطبعة.

ص: 248

من أخذه بالحق، فوجب ضربه أبدا حتى يجيبه الحق من إقراره أو يميته أو يقتله الحق من تغيير ما أعلن به من المنكر ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، ومن أطاع الله تعالى فقد أحسن، وأما السجن فلا يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له قط سجن، وقد لاح بما ذكرنا أن قولنا ثابت عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما كما أوردنا، ولا يصح عن أحد من الصحابة رضى الله تعالى عنهم خلافه

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أن القاضي إذا حضر إليه الخصمان سكت حتى يتكلم المدعى أو قال هو أو أعوانه: يتكلم المدعى، لا تتكلم يا فلان، تحريا للتسوية، وسكت الخصم حتى تتم الدعوى أو يأمر بإعادة الدعوى الفاسدة لتصح الشهادة عليها ويأمر الخصم بالإجابة. قال الإِمام يحيى: وإن لم يطلبها المدعى، وقيل لا، حتى يطلبها. قلنا إيراده الدعوى كالطلب، فإن أجاب بالإِقرار لم يحكم به حتى يطلبه المدعى إذ هو حق له فلا يفعله إلا بأمره، قال يحيى: بل يأمره بالخروج إذ الدعوى قرينة الطلب، وإن أنكر طلب من المدعى التثبيت لقول النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمى حين أنكر خصمه الكندى: ألك بينة؟ وله أن يسكت ولا يطلب يمين المنكر إلا بعد طلب المدعى إذ هي حقه فلا تستوفى إلا بإذنه، فإن حلف بغير إذنه فله استعادتها إذ لم تقع موقعها، وتسقط بالإبراء منها، وليس لمن عدم البينة إلا اليمين، وإن كان الحالف كافرا، لقول النبى صلى الله عليه وسلم:"ليس لك إلا يمينه" ولا يسأل المنكر عن سبب امتناعه من اليمين إن ردها، وليس له الرجوع إليها بعد ردها إذ قد أسقط حقه منها وصارت حقا للمدعى، فإن امتنع المدعى سئل عن سبب امتناعه إذ لا ينتقل إلى أحد فلا إضرار، بخلاف يمين المنكر فإنها تنتقل إلى المدعى بالامتناع، ففى السؤال إضرار به. وفى كون المردودة كالبينة أو كالإِقرار وجهان: قال الإِمام يحيى: أصحهما كالإِقرار إذ تثبت بالنكول. قلت: وقد مر له خلافه. ويقدم طلب البينة على يمين المنكر إذ قدمها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "ألك بينة"، ولقوتها إذ هي قول اثنين واليمين قول واحد

(2)

، وتجب اليمين في النكاح والطلاق والعتق والنسب وحد القذف، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: لا تجب إلا في الأموال. قلنا: لم يفصل الدليل، ولتحليفه صلى الله عليه وسلم ركانة في الطلاق. وإذا ادعى المنكر أته قد حلف مرة حلف خصمه أنه ما حلفه، فإن رد اليمين لم يصح لتأديته إلى الترداد، إذ يمكن دعواه أنه قد حلفه يمين الرد ثم كذلك، وإذا ادعى لميت حق لم يكن للمنكر رد اليمين إذ لا تصح النيابة في اليمين فيحبس حتى يقر أو يحلف أو يحكم عليه بالنكول، وكذا لو ادعى الولى للصبى حقا لم يرد عليه اليمين فيحكم

(1)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى جـ 9 ص 372 وما بعدها إلى ص 383 مسألة رقم 1783 الطبعة الأولى بتحقيق محمد منير الدمشقى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.

(2)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 5 ص 131، ص 132 الطبعة الأولى طبع بإشراف ومراجعة الشيخ عبد الله محمد الصديق والشيخ عبد الحفيظ سعد عطية طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.

ص: 249

بنكول المنكر للضرورة، ويوقف حتى يبلغ الصبى فيحلفه

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء في الروضة البهية أن المدعى عليه إن أنكر فإن كان الحاكم عالما بالحق قضى بعلمه - سواء كان من حقوق الله تعالى أو من حقوق الآدميين وسواء كان الحاكم إمام الأصل أم غيره كما صرح به في شرحه على الشرائع - مطلقا على أصح القولين، ولا فرق بين علمه به في حال ولايته ومكانها وغيرهما، وليس له حينئذ طلب البينة من المدعى مع فقدها قطعا ولا مع وجودها على الأقوى، وإن قصد رفع التهمة إلا مع رضاء المدعى، والمراد بعلمه هنا العلم الخاص وهو الإطلاع الجازم، وإلا يعلم الحاكم بالحق طلب البينة من المدعى إن لم يكن عالما بأنه موضع المطالبة بها وإلا جاز للحاكم السكوت. فإن قال لا بينة لى عرَّفه أن له إحلافه، فإن طلب إحلافه حلفه الحاكم ولا يتبرع الحاكم بإحلافه لأنه حق للمدعى فلا يستوفى بدون مطالبته، وإن كان إيقاعه إلى الحاكم، فلو تبرع المنكر به، أو استحلفه الحاكم من دون التماس المدعى لغى، وكذا لا يستقل به الغريم من دون إذن الحاكم لما قلنا من أن إيقاعه موقوف على إذنه، وإن كان حقا لغيره لأن وظيفته، فإن حلف المنكر على الوجه المعتبر سقطت الدعوى عنه، وإن بقى الحق في ذمته وحرم مقاصته به لو ظفر له المدعى بمال وإن كان مماثلا لحقه، إلا أن يكذب المنكر نفسه بعد ذلك. وكذا لا تسمع البينة من المدعى بعد حلف المنكر على أصح الأقوال لصحيحة ابن أبي يعفو به عن الصادق عليه السلام إذا رضى صاحب الحق بيمين المنكر بحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله، وإن أقام بعدما استحلفه خمسين قسامة فإن اليمين قد أبطلت كل ما أدعاه، وغيرها من الأخبار، وقيل تسمع بينته مطلقا، وقيل مع عدم علمه بالبينة وقت تحليفه ولو بنسيانها والأخبار حجة عليهما. وإن لم يحلف المدعى عليه ورد اليمين على المدعى حلف المدعى إن كانت دعواه قطعية، وإلا لم يتوجه الرد عليه كما مر، وكذا لو كان المدعى وليا أو وصيا فإنه لا يمين عليه وإن علم بالحال، بل يلزم المنكر بالحلف، فإن أبى حبس إلى أن يحلف أو يقضى بنكوله، فإن امتنع المدعى من الحلف حيث يتوجه عليه سقطت دعواه في هذا المجلس قطعا وفى غيره على قول مشهور إلا أن يأتى ببينة، ولو استمهل أمهل بخلاف المنكر، ولو طلب المدعى إحضار المال قبل حلفه ففى إجابته قولان أجودهما العدم، ومتى حلف المدعى ثبت حقه، لكن هل يكون حلفه كإقرار الغريم أو كالبينة؟ قولان أجودهما الأول. وإن نكل المنكر عن اليمين وعن ردها على المدعى بأن قال أنا ناكل أو قال لا أحلف عقيب قول الحاكم له احلف أو لا أرد، ردت اليمين أيضا على المدعى بعد أن يقول الحاكم للمنكر إن حلفت وإلا جعلتك ناكلا وردت اليمين مرة، ويستحب ثلاثا، فإن حلف المدعى ثبت حقه، وإن نكل فكما مر، وقال الشيخان والصدوقان وجماعة: يقضى على المنكر بالحق بنكوله لصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام أنه حكى عن أمير المؤمنين على أنه ألزم أخرس بدين ادعى عليه فأنكر ونكل عن اليمين فألزمه الدين بامتناعه عن اليمين، والأول

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 133، ص 134 نفس الطبعة.

ص: 250

أقرب لأن النكول أعم من ثبوت الحق لجواز تركه إجلالا، ولا دلالة للعام على الخاص، ولما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه رد اليمين على صاحب الحق. وللأخبار الدالة على رد اليمين على المدعى من غير تفصيل، ولأن الحكم مبنى على الاحتياط التام ولا يحصل إلا باليمين، وفى هذه الأدلة نظر بين

(1)

. هذا إذا أنكر المدعى عليه أما إن سكت فإن كان لآفة من طرش أو خرس توصل الحاكم إلى معرفة الجواب بالإشارة المقيدة لليقين ولو بمترجمين عدلين، وإن كان السكوت عنادا حبس حتى يجيب على قول الشيخ في النهاية؛ لأن الجواب حق واجب عليه، فإذا امتنع منه حبس حتى يؤوبه أو يحكم عليه بالنكول بعد عرض الجواب عليه بأن يقول له إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا، فإن أصر حكم بنكوله على قول من يقضى بمجرد النكول، ولو اشترطنا معه إحلاف المدعى احلف بعده، ويظهر من صاحب اللمعة التخيير بين الأمرين، والأولى جعلهما إشارة إلى القولين، وفى الدروس اقتصر على حكايتهما قولين ولم يرجح شيئا والأول أقوى

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أن المدعى عليه إن امتنع من الجواب على دعوى المدعى فيما يجب فيه رد الجواب أجبر على الجواب ولو بالضرب من الحاكم أو من أعوانه أو ممن أمره الحاكم بضربه أو أشار إليه به أو بالسجن أو بهما ولا يحكم عليه عند جمهورنا ولا يطبع عليه أعز ماله عليه منعا له من الانتفاع به ليرتدع خلافا للمالكية فقد قالت إنه يجبر على الجواب بالضرب والسجن فإن لم يجب قضى الحاكم للمدعى بلا بيان ولا يمين، وقيل يقضى له بعد اليمين وهو المختار عندهم

(3)

، وإن لم يجد المدعى البينة وطلب يمينا كلف به المدعى عليه بعد طلب المدعى منه الحلف، فإن نكل عن اليمين حبسه الحاكم حتى ينعم بها ويذعن إليها، قالوا في الديوان: ولا يحلف الحاكم على حقه أو حق ابنه الطفل وإن حلف على ذلك جاز، ولا يأمر الحاكم من وجب له اليمين من الخصمين أن يحلف خصمه، فإن أمر بذلك وحلفه فقد أخذ حقه، وكذلك إن حلفه بغير أمر الحاكم

(4)

. ويحلف عند الحاكم أو حيثما اتفق صاحب اليمين قائما أو قاعدا أو متكئا، ولا يشرط مسجد ونحوه ولا زمان فيما قل ولا فيما كثر. هذا هو المذهب، وقيل يحلف بالله قائما مستقبلا في ربع دينار فصاعدا في المسجد الجامع عند منبره، وقيل على المنبر، ومن أبى الخروج إلى موضع الحلف وقال أحلف في مكانى فهو نكول عن اليمين

(5)

. وللمدعى عليه رد اليمين على المدعى ما لم ينعم المدعى عليه للمدعى باليمين، فإذا أبى المدعى من اليمين المردودة عليه حتى يحضر مدعاه لم يجب الإحضار قبل أن يحلف لأنه إنما يجب له ذلك بعد اليمين، ولما كان لا يجب له إلا بعد اليمين كان لا يجب إحضاره إلا بعد اليمين؛ لأن ما لا يجب لأحد

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى جـ 1 ص 243 طبع دار الكتاب العربى بمصر.

(2)

المرجع السابق جـ 1 ص 244، ص 245 نفس الطبعة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 7 ص 2، ص 3 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(4)

المرجع السابق جـ 7 ص 4 وما بعدها إلى ص 6 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق جـ 7 ص 8 نفس الطبعة.

ص: 251

لا يجب إحضاره له، والذي عندى أنه يجب أن يحضره له إذا أراد أن يحلف لما يحلف ويعطله عنه بعد الحلف لأنه ولو لم يكن له إلا بعد الحلف في الحكم لكن يمكن أن يكون له في نفس الأمر فهو كالعرض المتحاكم عليه يجب أن يحضر محل الحكم

(1)

.

‌حكم امتناع الشاهد عن أداء الشهادة

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن الذي يلزم الشاهد هو أداء الشهادة لله سبحانه وتعالى فيما سوى أسباب الحدود لقوله عز وجل: {وأقيموا الشهادة لله}

(2)

وقوله سبحانه وتعالى: {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله}

(3)

إلا أن في الشهادة القائمة على حقوق العباد وأسبابها لابد من طلب المشهود له لوجوب الأداء فإذا طلب وجب عليه الأداء حتى لو امتنع بعد الطلب يأثم لقول الله سبحانه وتعالى {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}

(4)

أي دعوا لأداء الشهادة لأن الشهادة أمانة المشهود له في ذمة الشاهد، وقال الله عز وجل:{وليؤد الذي أؤتمن أمانته}

(5)

، وقال جل شأنه:{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}

(6)

، وأما في حقوق الله تبارك وتعالى وفيما سوى أسباب الحدود نحو طلاق امرأة وإعتاق عبد والظهار والإيلاء ونحوها من أسباب الحرمات فإنه تلزمه الإقامة حسبة لله تبارك وتعالى عند الحاجة إلى الإِقامة من غير طلب من أحد من العباد، وأما في أسباب الحدود من الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف فهو مخير بين أن يشهد حسبة لله تعالى وبين أن يستر لأن كل واحد منهما أمر مندوب إليه، قال الله تبارك وتعالى:{وأقيموا الشهادة لله} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة" وقد ندبه الشرع إلى كل واحد منهما إن شاء اختار جهة الحسبة فأقامها لله تعالى وإن شاء اختار جهة الستر فيستر على أخيه المسلم

(7)

.

‌مذهب المالكية:

جاء في مواهب الجليل أن تحمل الشهادة إن افتقر إليه فرض كفاية، وقال ابن رشد رضى الله تعالى عنه في شرح المسئلة الثالثة والعشرين من رسم نذر من سماع ابن القاسم من الجامع: من دعى أن يشهد على أمر جائز أو مستحب أو واجب فالإِجابة عليه فرض من فروض الكفاية، ومن دعى أن يشهد على مكروه فيكره له أن يشهد عليه، ومن دعى أن يشهد على حرام فلا يحل له أن يشهد عليه. وقال الدمامينى رحمه الله تعالى في كتاب الشهادات في قول النبى صلى الله عليه وسلم لا أشهد على جور، قال المهلب رحمه الله تعالى في الحديث من الفقه أن الإِنسان لا يضع اسمه في وثيقة لا تجوز، ومن العلماء من رأى جوازه بقصد الشهادة على الممنوع ليرد، قال ابن المنير رحمه الله تعالى:

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 20، ص 21 نفس الطبعة.

(2)

الآية رقم 2 من سورة الطلاق.

(3)

الآية رقم 135 من سورة النساء.

(4)

الآية رقم 282 من سورة البقرة.

(5)

الآية رقم 283 من سورة البقرة.

(6)

الآية رقم 58 من سورة النساء.

(7)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإِمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 6 ص 282، ص 283 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 هـ.

ص: 252

إنما يريد لا يضع خطه في وثيقة بظاهر الجواز مع أن الباطن باطل، وأما المساطير التي تكتب لإبطال المفاسد بصيغة الاستدراك لا البناء فلا خلاف ولا خفاء في وجوب وضع الشهادة فيها

(1)

. وجاء في التاج والإكليل نقلا عن مالك رضى الله تعالى عنه في قول الله عز وجل: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} : إنما هو من يدعى إلى الشهادة بعد أن يشهد، وأما قبل أن يشهد فأرجو أن يكون في سعة إن كان ثم من يشهد، قال ابن كنانة رحمه الله تعالى: إن لم يجد غيره وخاف أن يبطل حقه إن لم يشهد فعليه أن يجيب، قال ابن رشد: الدعاء ليشهد على الشهادة ويستحفظها فرض كفاية كصلاة الجنازة، ودعى مالك إلى شهادة فلم يجب واعتذر لمن دعاه فقال أخاف أن يكون في أمرك ما لا أرى أن أشهد عليه فيقتدى بى من حضر، فقبل منه وحكى الشعبانى أيضا عن مالك رضى الله تعالى عنه أنه ليس على الفقهاء أن يشهدوا بين الناس ولا أن يضيفوا أحد ولا أن يكافئوا على الهدايا. قال ابن عرفة رضى الله تعالى عنه: والأداء عرفا إعلام الشاهد الحاكم بشهادته بما يحصل له العلم بما شهد به، وهو واجب عينا على من لم يزد على عدو يثبت به المشهود به، وواجب كفاية على من زاد عدده عليه حاضرا كواحد من ثلاثة في الأموال وما يقبل فيه اثنان ومن خمسة فصاعدا في الزنا

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في نهاية المحتاج أن تحمل الشهادة فرض كفاية في النكاح لتوقف انعقاده عليه، ولو امتنع الجميع أثموا، ولو طلب من اثنين لم يتعينا إن وجد غيرهما بصفة الشهادة. زاد الأذرعى رضى الله تعالى عنه: وظن إجابة الغير، وإلا تعينا، وكذا الإِقرار والتصرف المالى وغيره كعتق وطلاق ورجعة وغيرها التحمل فيه فرض كفاية إلا الحدود. وكتابة الصك في الجملة - وهو الكتاب - فرض كفاية أيضا في الأصح للحاجة إليه لتمهيد إثبات الحقوق عند التنازع. وكتابة الصك لها أثر ظاهر في التذكر وفيها حفظ الحقوق عند الضياع. والثانى المنع لصحتها بدونه. ولا يلزمه الذهاب إلا إن كان ممن تقبل شهادته والمشهود عليه معذور بنحو حبس أو مرض أو تخدير أو دعا قاض إلى أمر ثبت عنده ليشهده عليه أو دعا الزوج أربعة إلى الشهادة بزنا زوجته، بخلاف دون أربعة، وبخلاف دعاء غير الزوج، قال البلقينى رضى الله تعالى عنه نقلا عن جمع أو لم يكن ثم ممن يقبل غيره وقدم هذه في السير إجمالا، وله طلب أجرة الكتابة وحبس الصك وأخذ أجرة التحمل، وإن تعين عليه حيث كان عليه فيه كلفة مشى أو نحوه لا للأداء، وإن لم يتعين عليه لأنه فرض عليه فلا يستحق عليه عوضا، ولأنه كلام يسير لا أجرة لمثله، وفارق التحمل بأن الأخذ للأداء يورث تهمة قوية مع أن زمنه يسير لا تفوت به منفعة متقومة بخلاف زمن التحمل، نعم إن دعى عن مسافة عدوى فأكثر فله نفقة الطريق وأجرة الركوب وإن لم يركب وكسب عطل عنه فيأخذ قدره لا لمن يؤدي في البلد إلا إن احتاجه فله أخذه وله صرف المعطى إلى

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى المكى الرعينى المعروف بالحطاب جـ 6 ص 194، ص 195 في كتاب على هامشه التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1325 هـ.

(2)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل للمواق جـ 6 ص 195 في كتاب على هامش مواهب الجليل للحطاب الطبعة السابقة.

ص: 253

غيره وله أن يقول لا أذهب معك إلى فوق مسافة العدوى إلا بكذا وإن كثر. واعلم أنه قد يكون مشى الشاهد من بلد إلى بلد مع قدرته على الركوب خرما للمروءة والمتجه امتناعه فيمن هذا شأنه. قال الأسنوى رحمه الله تعالى: قال الأذرعى: بل يتقيد ذلك بالبلدين فقد يأتى في البلد الواحد ويعد ذلك خرما للمروءة إلا أن تدعو الحاجة إليه أو يفعله تواضعا. وإذا لم يكن في القضية إلا اثنان كأن لم يتحمل غيرهما أو مات الباقون أو جنوا أو فسقوا أو غابوا الزمهما الأداء لقول الله عز وجل: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}

(1)

أي للأداء وقيل له وللتحمل. وقوله جل شأنه: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}

(2)

ومتى وجب الأداء كان فوريا، نعم له التأخير لفراغ حمام وأكل ونحوهما، ويؤخذ منه أن أعذار الشفعة أعذار هنا، فلو أدى واحد وامتنع الآخر بلا عذر وقال للمدعى احلف معه عصى، وإن كان الحاكم يرى الحكم بشاهد يمين لأن مقاصد الإشهاد والتورع عن الحلف، وكذا لو امتنع شاهدا نحو وديعه وقالا احلف على الرد، وإن كان في الواقعة شهود فالأداء فرض كفاية عليهم لحصول الغرض ببعضهم، فإن شهد منهم اثنان فذاك وإلا أثموا كلهم سواء دعاهم مجتمعين أم متفرقين، والممتنع أولا أكثرهم إثما لأنه متبوع كما أن المجيب أولا أكثرهم أجرا لذلك، فلو طلب الأداء من اثنين بأعيانهما لزمهما وكذلك لو طلب من واحد منهم ليحلف معه في الأصح لئلا يفضى إلى التواكل، والقول الثاني المقابل للأصح: لا كالمتحمل، وفرق الأول بأنه هناك طلبها لتحمل أمانة وهنا لأدائها ومحل الخلاف ما إذا علم المدعون أن في الشهود من يرغب في الأداء أو لم يعلم من حالهم شئ، أما إذا علم آباؤهم لزمهما قطعا. وإن لم يكن في القضية إلا واحد لزمه الأداء إذا دعى له إن كان فيما يثبت بشاهد ويمين والقاضى المدعو للأداء عنده يعتقد ذلك، وإلا فلا لعدم حصول المقصود به، وقيل لا يلزم الأداء إلا من تحمل قصدا لا اتفاقا لأنه لم يوجد منه التزام، ورد بأنها أمانة حصلت عنده فلزمه أداؤها، وإن لم يلتزمها كما لو طيرت الريح ثوبا في داره، ويتجه إلحاق النساء فيما يقبل شهادتهن فيه بالرجال في ذلك وإن كان معهن في القضية رجال، والأوجه عدم تكليف المخدرة الخروج بل يرسل إليها من يشهد عليها، ولو دعى لشهادتهن في وقت واحد قدم أخوفهما فوتا وإلا تخير. ولوجوب الأداء شروط أحدها أن يدعى من مسافة العدوى فأقل للحاجة إلى الإِثبات وتعذره بالشهادة على الشهادة لعدم قبولها حينئذ فإن دعى لما فوقها لم يجب للضرورة، واستثنى الماوردى رضى الله تعالى عنه من الوجوب ما إذا لم يعتد المشى ولا مركوب له أو أحضر له مركوب وهو ممن يستنكر الركوب في حقه فلا يلزم الأداء، فإذا لم يطلب لم يلزمه الأداء إلا في شهادة حسبة فيلزمه فورا إزالة للمنكر، وقيل الشرط أن يدعى من دون مسافة القصر لأنه في حكم الحاضر أما إذا دعى من مسافة القصر فلا تجب الإجابة جزما. نعم بحث الأذرعى رضى الله تعالى عنه وجوبه إذا دعاه الحاكم وهو في عمله أو الإِمام الأعظم مستدلا بفعل عمر رضى الله تعالى عنه واستدلاله إنما يتم من الإمام دون غيره والفرق بينهما ظاهر، وثانى الشروط أن يكون عدلا، فإن دعى ذو فسق مجمع عليه ظاهر أو خفى لم يجب عليه الأداء لأنه عبث بل يحرم عليه، وإن

(1)

الآية رقم 284 من سورة البقرة.

(2)

الآية رقم 283 من سورة البقرة.

ص: 254

خفى فسقه لأنه يحمل الحاكم على حكم باطل لكن مر عن ابن عبد السلام رضى الله تعالى عنه أوائل الباب جوازه وهو ظاهر إن انحصر خلاص الحق فيه وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى، وصرح الماوردى بموافقة ابن عبد السلام في الخفى لأن في قبوله خلافا. قيل أو ذو فسق مختلف فيه كشرب ما لا يسكر من النبيذ لم يجب الأداء لأنه يعرض نفسه لرد القاضي له بما بما يعتقده الشاهد غير قادح، والأصح أنه يلزمه وإن اعتقد هو أنه مفسق لأن الحاكم قد يقبله سواء أكان ممن يرى التفسيق ورد الشهادة به أم لا فقد يتغير اجتهاده ويرى قبولها وقضية التعليل عدم اللزوم إذا كان القاضي مقلدا لمن يفسق بذلك وهو ظاهر، وقد يمنع بأنه يجوز أن يقلد غير مقلده، وأجيب بأن اعتبار مثل هذا بعيد، ولو كان مع المجمع على فسقه عدل لم يلزمه الأداء إلا فيما يثبت بشاهد ويمين إذ لا فائدة له فيما عداه، ويجوز للعدل الشهادة بما يعلم أن القاضي يرتب عليه ما لا يعتقده هو كبيع عند من يرى إثبات الشفقة للجار وإن كان هو لا يراها أو شهد بتزويج صغيرة بولى غير مجبر عنده من يراه والشاهد لا يرى ذلك، وإن لم يقلد، ويجوز له تحمل ذلك ولو قصدا. وثالث الشروط أن لا يكون معذورا بمرض ونحوه من كل عذر مرخص في ترك الجماعة، فإن كان معذورا بذلك أشهد على شهادته أو بعث القاضي من يسمعها دفعا للمشقة عنه. وأفهم اقتصار صاحب المنهاج على هذه الشروط الثلاثة عدم اشتراط زيادة عليها، فيلزمه الأداء عند نحو أمير وقاض فاسق لم تصح توليته إن تعين وصول الحق لمستحقه طريقا له أو عند قاض متعنت أو جائر أي لم يخش منه على نفسه كما هو واضح، ولو قال لى عند فلان شهادة وهو ممتنع من آدائها من غير عذر لم يجب لاعترافه بفسقه بخلاف ما إذا لم يقل من غير عذر لاحتماله

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء في الشرح الكبير والمغنى أن تحمل الشهادة وأدائها فرض على الكفاية إذا قام بها من يكفى سقطت عن الباقين وإن لم يقم بها أحد تعينت على من وجد لقول الله تبارك وتعالى: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}

(2)

. وقال: {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}

(3)

، وإنما خص القلب بالإِثم لأنه موضع العلم بها، ولأن الشهادة أمانة فلزم أداؤها كسائر الأمانات، وقال الله عز وجل:{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}

(4)

، إذا ثبت هذا فإذا دعى إلى تحمل شهادة في نكاح أو دين أو عدة لزمته الإِجابة. قال الله عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله}

(5)

، فإن قام بالفرض في التحمل والأداء اثنان سقط عن الجميع، وإن امتنع الكل أثموا، وإنما يأثم الممتنع إذا لم يكن عليه ضرر وكانت شهادته تنفع، فإن كان عليه ضرر في التحمل أو الأداء أو كان ممن لا تقبل شهادته

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصرى الأنصارى الشهير بالشافعى الصغير جـ 8 ص 303 وما بعدها إلى ص 306 في كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على بن علي الشبراملسي،، وعلى هامشه حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ سنة 1938 م.

(2)

الآية رقم 282 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 283 من سورة النساء.

(4)

الآية رقم 58 من سورة النساء.

(5)

الآية رقم 8 من سورة المائدة.

ص: 255

أو يحتاج إلى التبذل في التزكية لم تلزمه لقول الله عز وجل: "ولا يضار كاتب ولا شهيد"

(1)

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" وهو لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره، وإذا كان ممن لا تقبل شهادته لم تجب عليه لأن مقصود الشهادة لايحصل منه، وهل يأثم بالامتناع إذا وجد غيره ممن يقوم مقامه؟ فيه وجهان:

أحدهما: يأثم لأنه قد تعين بدعاية، ولأنه منهى عن الامتناع بقول الله سبحانه وتعالى:{ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}

(2)

.

والثانى: لا يأثم غيره يقوم مقامه فلم تتعين في حقه كما لو لم يدع إليها، فأما قول الله عز وجل:{ولا يضار كاتب ولا شهيد} فقد قرئ بالفتح والرفع، فمن رفع فهو خبر معناه النهى، ويحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون الكاتب فاعلا أي لا يضر الكاتب والشهيد من يدعوه بأن لا يجيب أو يكتب ما لم يستكتب أو يشهد بما لم يستشهد.

والثانى: أن يكون يضار فعل ما لم يسم فاعله فيكون معناه ومعنى الفتح واحدا أي لا يضر الكاتب والشهيد بقطعهما عن شغلهما بالكتابة والشهادة ويمنعا حاجتهما

(3)

.

والشهادة - كما ذكرنا - من فروض الكفاية، فإن تعينت على شخص بأن لا يتحملها من يكفى فيها سواه لزمه القيام بها، وإن قام بها من يكفى غيره سقط عنه أداؤها إذا قبلها الحاكم، فإن كان تحملها جماعة فأداؤها واجب على الكل، فإذا امتنعوا أثموا كلهم كسائر فروض الكفايات، ودليل وجوبها قول الله تبارك وتعالى:{ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}

(4)

وقوله جل شأنه: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط} (3)، وفي آية أخرى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}

(5)

ولأن الشهادة أمانة فلزمه أداؤاها عند طلبه كالوديعة ولقول الله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}

(6)

فإن عجز عن إقامتها أو تضرر بها لم تجب عليه لقول الله تعالى: {ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم} ومن له كفاية فليس له أخذ الجعل على الشهادة لأنه أداء فرض، فإن فرض الكفاية إذا قام به البعض وقع منهم فرضا وإن لم تكن له كفاية ولا تعينت عليه حل له أخذ الجعل لأن النفقة على عياله فرض عين فلا يشتغل عنه بفرض الكفاية، فإذا أخذ الرزق جمع بين الأمرين، فإذا تعينت عليه الشهادة احتمل ذلك أيضا واحتمل أن ألا يجوز لئلا يأخذ العوض عن أداء فروض الأعيان، وقال أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم لا يجوز أخذ الأجرة لمن تعنيت عليه، وهل يجوز لغيره؟ على وجهين

(7)

.

(1)

الآية رقم 282 من سورة البقرة.

(2)

الآية رقم 582 من سورة البقرة.

(3)

الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن محمد بن قدامة المقدسى جـ 12 ص 3، ص 4 في كتاب أعلاه المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة علي مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

(4)

الآية رقم 282 من سورة البقرة.

(5)

الآية رقم 185 من سورة المائدة.

(6)

الآية رقم 135 من سورة النساء.

(7)

الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة المقدسى ج 12 ص 5 الطبعة السابقة.

ص: 256

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن أداء الشهادة فرض على كل من علمها إلا أن يكون عليه حرج في ذلك لبعد مشقة أو لتضييع مال أو لضعف في جسمه فليفعلها فقط، قال الله عز وجل:{ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}

(1)

فهذا على عمومه إذا دعوا للشهادة أو دعوا لأدائها، ولا يجوز تخصيص شئ من ذلك بغير نص فيكون من فعل ذلك قائلا على الله تعالى ما لا علم له به

(2)

. وكل من سمع إنسانا بغير بحق لزيد عليه إخبارا صحيحا تاما لم يصله بما يبطله أو بأنه قد وهب أمرا كذا لفلان أو أنه أنكح زيدا أو أي شئ كان فسواء قال له: اشهد بهذا على أو أنا أشهدك أو لم يقل له شيئا من ذلك أو لم يخاطبه أصلا لكن خاطب غيره، أو قال له: لا تشهد على فلست أشهدك، كل ذلك سواء، وفرض عليه أن يشهد بكل ذلك وفرض على الحاكم قبول تلك الشهادة والحكم بها لأنه لم يأت قرآنا ولا سنة ولا قول من الصحابة رضى الله تعالى عنهم، ولا قياس بالفرق بين شئ من ذلك

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار نقلا عن الإمام يحيى والمذهب: أنه يجب تحمل الشهادة كفاية لقول الله عز وجل: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}

(4)

، وكذا أداؤها، إذ تعم الآية تحملها وأداؤها، ولقوله عز وجل:{ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}

(5)

، ويجب الأداء على من تحملها لثبوت الحق بذلك، لا من سمع ولا بقصد التحمل إلا حيث خشى فوت الحق رعاية لحق المسلم، إذ ماله كدمه. وتجب في القطعى إلى من طلب لا الظن إلا إلى حاكم محق، وهو حق لمن تحملها له ولو كافرا، فيجب التكرار إن احتج إليه ليصل إلى حقه إذ هو المقصود، ويجب قطع المسافة لذلك وإن بعدت، قال المؤيد بالله إلا لشرط، إذ أسقط من هي له حقه بالشرط. قلت: إلا أن يخشى فوت الحق إلا أن يخاف من أدائها ضررا فله الترك كسائر الواجبات، والمذهب على أنه سواء خشى على بدن أو مال، إذ يؤدى إلى منكر

(6)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء في الروضة البهية أنه يجب التحمل للشهادة على من له أهلية الشهادة إذا دعى إليها خصوصا أو عموما على الكفاية لقول الله جل شأنه: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}

(7)

، فسره الصادق عليه السلام بالتحمل، ويمكن جعله دليلا عليه وعلى الإقامة، فيأثم الجميع لو أخلوا به مع القدرة، فلو فقد سواه فيما يثبت به وحده، ولو مع اليمين أو كان تمام العدد تعين

(1)

الآية رقم 282 من سورة البقرة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن عبد الله بن سعيد بن حزم الظاهرى جـ 9 ص 429 مسألة رقم 1798 بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى، طبع إدارة المطبعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.

(3)

المرجع السابق جـ 9 ص 434، ص 435 مسألة رقم 1815 نفس الطبعة.

(4)

الآية رقم 282 من سورة البقرة.

(5)

الآية رقم 283 من سورة البقرة.

(6)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 5 ص 16، ص 17 الطبعة الأولى بإشراف ومراجعة الأستاذين الشيخ عبد الله محمد الصادق والشيخ عبد الحفيظ سعد عطية طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.

(7)

الآية رقم 282 من سورة البقرة.

ص: 257

الوجوب كغيره من فروض الكفاية إذا لم يقم به غيره، وكذا يجب الأداء مع القدرة على الكفاية إجماعا سواء استدعاه أم لا على الأشهر إلا مع خوف ضرر غير مستحق على الشاهد أو بعض. المؤمنين فإن خيف ضرر مستحق كما لو كان للمشهود عليه حق على الشاهد لا يطالبه به وينشأ من شهادته المطالبة فلا يكفى ذلك في سقوط الوجوب لأنه ضرر مستحق، وإنما يجب الأداء مع ثبوت الحق بشهادته لانضمام من يتم به العدد أو حلف المدعى إن كان مما يثبت بشاهد ويمين، فلو طلب من اثنين فيما يثبت بهما لزمهما وليس لأحدهما الامتناع بناء على الاكتفاء بحلف المدعى مع الآخر، لأن من مقاصد الإشهاد التورع عن اليمين، ولو كان الشهود أزيد من اثنين فيما يثبت بهما وجب على اثنين منهما كفاية، ولو لم يكن إلا واحد لزمه الأداء إن كان مما يثبت بشاهد ويمين وإلا فلا. ولو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشاهد وجب عليه تعريفه إن خاف بطلان الحق بدون شهادته، ولا يقيمها الشاهد إلا مع العلم القطعى

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أنه يحسن لمن دعى إلى تحمل شهادة أن يجيب إلى تحملها إن لم تكن حراما ولم يربها كريبها بقطع شفعة مثل أن يستشهد على هبة في الأصل فتلوح له أمارة أنه أراد قطع الشفعة بها بأن يهبه بعضا ويبيع له بعضا، ومثل أن يستشهد على بيع بكذا فيريب بأمارة أنه زاد الثمن في اللفظ لقطعها، أو اتهام معامل بربا، كما إذا سمع أنه ممن يعمل الربا، أو رأى أمارة عمله أو كان ذلك في مسئلة صعبة والمعامل جاهل لا يعلمها أو ظن أنه لا يعلمها، أو معرفتك الداعى إلى تحمل الشهادة بواحد مما ذكر من قطع الشفعة أو الربا في الجملة أو أن يكون متهما لمريض أوصحيح بحيف وجور في وصية، مثل أن يستشهد على الإقرار لوارثه بحق ويتهمه بأنه زاد على حقه أو لا حق له عليه أو على الوصية لغير وارث بحق فوق الثلث ويتهمه أنه لا حق له عليه أو له حق فاتهمه بأنه زاد حتى إن الزيادة تجاوز الثلث، وإذا كان ذلك من مريض مع أنه في آخر حياته بحسب الظاهر فأولى بالمنع من الصحيح. أو إزالة إرث بهبة بأن يكون له بغض في ورثته فيجعل يهب ماله مرة بعد أخرى لئلا يبقى لهم إرث أو ليبقى لهم قليل أو أراد هبته بمرة لذلك أو هبة أكثره لذلك، أو بيع لأصل أو حيوان أو متاع ليتلف ثمنه عن الوارث، أو أن يكون اتهمه بطلاق بإضرار بأن يشهده على طلاق واتهمه في ذلك الطلاق بأنه أراد به أن لا ترثه فإنه في ذلك عاص فلا يشهد له ولو كانت ترث في قول أو نكاح بلا ولى بأن اتهمه أن يشهده الزوج على التزويج ويقول له اشهد أنى قد قبلت فلانة زوجة لى فاتهمه أن الولى لم يزوجها إياه، أو يقول الإنسان أشهد أنى زوجت فلانا من فلانة وليتى فاتهمه أنه ليس وليها، وكذا إذا عرف ذلك أو نحو ذلك مما خيف فيه إثم أو علم أن فيه إثما كهبة لولد بلا عدل بينه وبين الولد الآخر. واختلف في قول الله عز وجل:{ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}

(2)

هل معناه النهى عن الإباء من تحملها ولا نافية بمعنى النهى أو معناه النهى عن الإباء من إقامتها إذا دعوا لإقامتها؟

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى جـ 1 ص 255 طبع دار الكتاب العربى بمصر.

(2)

الآية رقم 282 من سورة البقرة.

ص: 258

تأويلان الأول في فرض الكفاية، والثانى في فرض العين. ثالثهما: النهى عن ترك التحمل والأداء وتسميتهم على الأول شهداء لأن مآلهم إلى أن يحملوا الشهادة بمقتضى طلب تحملها ويظن قبول تحملها ففيه مجاز في الأول بخلاف تسميتهم على الثاني فإنها حقيقة، وفى الثالث الجمع بين الحقيقة والمجاز، وفيه خلاف والمشهور المنع. والنهى في الآية للتحريم عند بعض، وقال بعض: لا يحرم ترك تحملها إلا إذا لم يوجد غير المطلوب لتحملها وإن كان غيره فهو مخير حتى يتركوها جميعا فيهلكوا لأن تحملها فرض كفاية، وإذا لم يوجد غيره وجب عليه تحملها وإن كان الاشتغال بتحملها يؤدى إلى تلف نفس أو عضو أو يشغل عن كسب قوت عيال فيمن لا مال له فلا يتحملها إلا أن أعطى ما يكتفى به في ذلك المحذور، مثل أن يعطى القوت أو يقرن له من يحفظه أو يحفظ غيره من التلف أبيح لوصى اليتيم أن يأكل من مال اليتيم والانتفاع منه بمعروف إذا لم يكن غنيا وأشغله القيام، ويناسب الأول أن الكاتب منهى عن إباء الكتابة أيضا والكتابة وتحمل الشهادة من مكارم الأخلاق لتضمنها إحياء حق المسلم وقضاء.

وقد ورد أن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وفى الديوان: لا يضيق أن يجيب إلى تحمل الشهادة إلا إن اضطر إليه ولم يكن غيره. وإن دعى أن يتحملها من بلد بعيد أو كان في شغله أو رأى ما يخاف فساده في الأنفس أو الأموال فاشتغل به أو اشتغل في معنى الصلاة كالوضوء، أو خاف من أخذ تلك الشهادة أو على ماله لم تلزمه الإِجابة، وقيل لا تلزمه ولو اضطر إليه أو لم يكن في شغل، ولا يلزمه التبليغ إذا كان له مانع كمرض لا يطيق التبليغ معه أو انكسار من الفخذ كالحريق إن دار به المطر أو الريح وإصلاح ما يخاف فساده في نفس أو مال واشتغاله بمعانى الصلاة كالوضوء وقد خاف فوت الوقت، ومثل أن يدعى للحق. وفى الأثر أو إن بعد الشاهد عن الحاكم وقوى على المسير فعليه أن يسير مع المشهود له إليه ولو بتحمل المؤنة ما لم يضر وإن بعياله، وإن قدر على المشى لا على الزاد فعلى المشهود له أن يزوده، وإن عجز عنهما وعن الكراء فعليه أن يحضر له ذلك

(1)

. وإذا تحملها فأبى من أدائها حيث يجب عليه الأداء فضاع المال أو النفس بعدم أدائه ضمنه، فإن أبى وأقام غيره كانت عليه التوبة، وإذا أقام الشهادة ثم احتاج صاحبها إلى إعادة الإقامة فله طلب الأجرة على ذلك لزوال الفرض عنه بالإقامة الأولى إن لم يكن القصور أو التقصير منه في إقامته الأولى، وإلا فلا يأخذ الأجرة على إعادتها ما لم يؤدها كما تحملها

(2)

. وندب التعفف عن القضاء والحكم والفتيا والشهادة والكتابة وكل ما فيه ولاية على الناس أو خوض في أموالهم أو دمائهم أو أعراضهم ما وجد قائم بذلك، قال أبو الربيع سليمان بن هارون رضى الله تعالى عنه قدم أبو يحيى سليمان بن ماطوس منزل حيان، فقال له حيان أرأيت يا شيخ إن أتانى رجل لأستدينه فأعطيته دابتى وجرابى ورأسمالى فامتار لى طعاما من السوق فنزعت منه حفنتين فأعطيتهما إياه في كرائه ثم بعث الباقى جزافا أيحل لى ذلك؟ قال نعم فقال له حيان أعطنى إذن

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 6 ص 565 وما بعدها إلى ص 567 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق جـ 6 ص 567، ص 568 نفس الطبعة.

ص: 259

من هذا الرجل - يعنى أبا محمد عبد الله بن الخبر - دعوته ليحضر شهادتى فيأبى على ذلك فلم يشتغل بذلك أيضا أبو محمد وإنما نقص منه ثم باعه ليكون باع جزافا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين بكيل واحد، ولعل الشيخ أبا محمد لم يحضر الشهادة للريبة أو لأنه قد وجد من يشهد سواه أو لأن ذلك شبيه بإعطاء الدين بمقداره وعمل ممن يأخذه لأنه ولو أعطاه الأجرة لكن قد ذهب أولا على أن يمتار له فيأخذه منه بالدين. وفى الديوان: وإن دعاه أن يبلغ الشهادة إلى حاكم جائر في النفس أو المال وخاف على نفسه أو ماله أو على المشهود عليه أو على غيره من الناس فلا يضيق عليه أن يبلغها ولكن يستودعها فيمن يبلغها إن لم يخف من المضرة على غيره في نفس أو مال

(1)

.

‌حكم الامتناع من تولى القضاء

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن القضاء إذا عرض على من يصلح له من أهل البلد ينظر إن كان في البلد عدد يصلحون للقضاء لا يفترض عليه القبول بل هو في سعة من القبول والترك، أما جواز القبول فلأن الأنبياء والمرسلين صلوات الله تعالى عليهم أجمعين قضوا بين الأمم بأنفسهم وقلدوا غيرهم وأمروا بذلك فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا رضى الله تعالى عنه إلى اليمن قاضيا، وبعث عتاب بن أسيد رضى الله تعالى عنه إلى مكة قاضيا، وقلد النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من الصحابة رضى الله تعالى عنهم الأعمال وبعثهم إليها، وكذا الخلفاء الراشدون قضوا بأنفسهم وقلدوا غيرهم فقلد سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه شريحا القضاء، وقرره سيدنا عثمان وسيدنا على رضى الله تعالى عنهما، وأما جواز الترك فلما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبى ذر رضى الله تعالى عنه: إياك والإِمارة، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تتأمرن على اثنين، ويروى أن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه عرض عليه القضاء فأبى حتى ضرب على ذلك ولم يقبل، وكذا لم يقبله كثير من صالحى الأمة، وهذا معنى ما نكر في الكتاب دخل فيه قوم صالحون وترك الدخول فيه قوم صالحون ثم إذا جاز الترك والقبول في هذا الوجه اختلفوا في أن القبول أفضل أم الترك؟ قال بعضهم: الترك أفضل، وقال بعضهم القبول أفضل، واحتج الفريق الأول بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من جعل على القضاء فقد ذبح بغير سكين، وهذا يجرى مجرى الزجر عن تقلد القضاء، واحتج الفريق الآخر بصنع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وصنع الخلفاء الراشدين لأن لنا فيهم قدوة، ولأن القضاء بالحق إذا أراد به وجه الله سبحانه وتعالى يكون عبادة خالصة، بل هو من أفضل العبادات، قال النبي المكرم عليه أفضل الصلاة والسلام: عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة، والحديث محمول على القاضي الجاهل أو العالم الفاسق أو الطالب الذي لا يأمن علي نفسه الرشوة فيخاف أن يميل إليها توفيقا بين الدلائل. هذا إذا كان في البلد عدد يصلحون للقضاء، أما إذا كان لم يصلح له إلا رجل واحد فإنه يفترض عليه القبول إذا عرض عليه لأنه إذا لم يصلح له غيره تعين هو لإِقامة هذه العبادة فصار فرض عين عليه إلا أنه لابد من التقليد فإذا قلد افترض عليه القبول على

(1)

المرجع السابق جـ 6 ص 570 نفس الطبعة.

ص: 260

وجه لو امتنع من القبول يأثم كما في سائر الفروض والأعيان

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن رشد رحمه الله تعالى أنه يجب أن لا يولى القضاء من أراده وطلبه، قال ابن عرفة رضى الله تعالى عنه: قبول ولاية القضاء من فروض الكفاية إن كان بالبلد عدد يصلحون لذلك فإن لم يكن من يصلح لذلك إلاواحد تعين عليه وأجبر على الدخول فيه، وقال الباجى رحمه الله تعالى: يجب على من هو أهله السعى في طلبه إن علم أنه إن لم يله ضاعت الحقوق أو وليه من لا يحل أن يولى وكذا إن وليه من لا تحل ولايته ولا سبيل لعزله إلا بطلبه، وقيل يستحب طلبه لمجتهد خفى علمه، وأراد إظهاره لولاية القضاء أو لعاجز عن قوته وقوت عياله إلا برزق القضاء. قال صاحب التاج والإكليل: وأجبر وإن بضرب، قال أبو عمر رحمه الله تعالى: إنما يجبر على القضاء من لم يوجد غيره يجبر بالسجن والضرب، عرف عياض بابن مسكين فقال والقضاء بعد إجماع الناس عليه على اختلاف مذهبهم، قال ابن الأغلب: أتدرى لم بعثته إليك قال: لأشاورك في رجل قد أجمع الخير قد أردت أن أوليه القضاء فامتنع، قال ابن مسكين: تجبره على ذلك. قال تمنع. قال يحبس قال قم أنت هو قال أننى رجل طويل الصمت قليل الكلام غير نشيط في أمورى ولا أعرف أهل البلد، فقال الأمير عندى مولى نشيط تدرب في الأحكام أنا أضمه إليك يكون لك كاتبا يصدر عنك في القول في جميع الأمور فما رضيت من قوله أمضيت وما سخطت رددت فضم إليه ابن البناء، قال المخبر فكثيرا ما كنت آتى مجلسه وهو صامت لا ينطق وابن البناء يقضى فقال الأمير لابن البناء بلغنى أنك تفصل بين الخصوم وهو ساكت ما أرى إلا أنه لم يقبل القضاء، فقال ابن البناء: قد قبل إلا أنى أكفيه فقال امض لا تعلم أحدا بما بينى وبينك وافصل بين خصمين بغير مذهبه، قال ابن البناء ففعلت فأمرهما ابن مسكين فدارا بين يديه وفصل بمذهبه فأخبرت الأمير فحمد الله وشكره وأمره. قال صاحب التاج والإكليل: وإلا فله الهرب، قال ابن رشد رحمه الله تعالى: الهرب عن القضاء واجب وطلب السلامة منه لاسيما في هذا الوقت. قال ابن شاس رحمه الله تعالى: للإمام إجباره وله هو أن يهرب بنفسه منه إلا أن يعلم أنه متعين عليه فيجب عليه القبول

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في المهذب أن القضاء فرض على الكفاية والدليل عليه قول الله عز وجل: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}

(3)

وقوله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}

(4)

وقوله سبحانه وتعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}

(5)

،

(1)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 7 ص 3، ص 4.

(2)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله سيدى محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق جـ 6 ص 100 في كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

(3)

الآية رقم 26 من سورة ص.

(4)

الآية رقم 58 من سورة النساء.

(5)

الآية رقم 49 من سورة المائدة.

ص: 261

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بين الناس وبعث عليا كرم الله تعالى وجهه إلى اليمن للقضاء بين الناس، ولأن الخلفاء الراشدين رضى الله تعالى عنهم حكموا بين الناس، وبعث عمر رضى الله تعالى عنه أبا موسى الأشعرى إلى البصرة قاضيا وبعث عبد الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيا ولأن الظلم في الطباع فلابد من حاكم ينصف المظلوم من الظالم فإن لم يكن من يصلح للقضاء إلا واحد تعين عليه ويلزمه طلبه، وإذا امتنع أجبر عليه لأن الكفاية لا تحصل إلا به فإن كان هناك من يصلح له غيره نظرت فإن كان خاملا وإذا ولى القضاء انتشر علمه استحب أن يطلبه لما يحصل به من المنفعة بنشر العلم، وإن كان مشهورا فإن كانت له كفاية كره له الدخول فيه لما روى أن النبى - صلي الله عليه وسلم - قال:"من استقضى فكأنما ذبح بغير سكين" ولأنه يلزمه بالقضاء حفظ الأمانات وربما عجز عنه وقصر فيه فكره له الدخول فيه، وإن كان فقيرا يرجو بالقضاء كفاية من بيت المال لم يكره له الدخول فيه لأنه يكتسب كفاية بسبب مباح، وإن كان جماعة يصلحون للقضاء اختار الإِمام أفضلهم وأورعهم وقلده، فإن اختار غيره جاز لأنه تحصل به الكفاية وإن امتنعوا من الدخول فيه أثموا لأنه حق وجب عليهم فأثموا بتركه كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهل يجوز للإمام أن يجبر واحدا منهم على الدخول فيه أم لا؟ فيه وجهان:

أحدهما: أنه ليس له إجباره لأنه فرض على الكفاية فلو أجبرناه عليه تعين عليه.

والثانى: أن له إجباره لأنه إذا لم يجبر بقى الناس بلا قاض وضاعت الحقوق وذلك لا يجوز

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء في الشرح الكبير أن الناس في القضاء على ثلاثة أضرب:

منهم: من لا يجوز له الدخول فيه وهو من لا يحسنه ولم تجتمع فيه شروطه، فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "القضاة ثلاثة" ذكر منهم رجلا قضى بين الناس بجهل فهو في النار، ولأن من لا يحسنه لا يقدر على العدل فيه فيأخذ الحق من مستحقه ويدفعه إلى غيره.

ومنهم: من يجوز له ولا يجب عليه وهو من كان من أهل العدالة والاجتهاد ويوجد غيره مثله فله أن يلى القضاء بحكم حاله وصلاحيته، ولا يجب عليه لأنه لم يتعين له فظاهر كلام أحمد رضى الله تعالى عنه أنه لا يستحب له الدخول فيه لما فيه من الخطر والغرر في تركه من السلامة، ولما ورد فيه من التشديد والذم، ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقى، وقد أراد عثمان رضى الله تعالى عنه تولية ابن عمر رضى الله تعالى عنهما القضاء فأباه، وقال أبو عبد الله بن حامد رحمه الله تعالى إن كان رجلا خاملا لا يرجع إليه في الأحكام فالأولى له تولية ليرجع إليه في الأحكام، ويقوم به الحق وينتفع به المسلمون، وإن كان مشهورا في الناس بالعلم يرجع إليه في تعليم العلم والفتوى فالأولى الاشتغال بذلك لما فيه من النفع مع الأمن

(1)

المهذب للإمام الموفق أبى إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى جـ 2 ص 289، ص 290 في كتاب أسفله النظم المستعذب في شرح تهذيب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.

ص: 262

من الغرور. هذا قول أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم، وقالوا أيضا إذا كان ذا حاجة، وله في القضاء رزق فالأولى له الاشتغال به فيكون أولى من سائر المكاسب لأن قربة وطاعة.

والثالث: من يجب عليه وهو من يصلح للقضاء ولا يوجد سواه فهذا يتعين عليه لأنه فرض كفاية لا يقدر على القيام به غيره فيتعين عليه كغسل الميت وتكفينه، وقد نقل عن أحمد رضى الله تعالى عنه ما يدل على أنه لا يتعين عليه فإنه سئل هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره؟ قال لا يأثم فهذا يحتمل أن يحمل على ظاهره في أنه لا يجب عليه لما فيه من الخطر فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره، ولذلك امتنع أبو قلابة رضى الله تعالى عنه منه، وقد قيل له ليس ههنا غيرك، ويحتمل أن يحمل على من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره فإن أحمد رضى الله تعالى عنه قال لابد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس

(1)

؟ وإن وجد غيره كره له طلبه بغير خلاف في المذهب لأن أنسا رضى الله تعالى عنه روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتغى القضاء وسأل فيه الشفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عز وجل ملكا يسدده". قال الترمذى حديث حسن غريب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: يا عبد الرحمن لا تسأل الإِمارة فإنك إن أعطيتها عن مسئلة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غمر مسئلة أعنت عليها" وإن طلب فالأفضل أن لا يجيب في ظاهر كلام أحمد رضى الله تعالى عنه، وقال ابن حامد رضى الله تعالى عنه: الأفضل الإجابة إذا أمن نفسه، وقد ذكرنا أن ظاهر كلام أحمد رضى الله تعالى عنه أن الأفضل والأولى له أن لا يجيب إذا طلب ووجد غيره لما فيه من الخطر والغرور، ولما في تركه من السلامة، ولما ورد فيه من التشديد والذم، ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقى لذلك، وقد أراد عثمان تولية ابن عمر رضى الله تعالى عنهم القضاء فأباه على ما سبق فكره

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أن القضاء فرض كفاية كالجهاد، ويتعين على من لا يغنى عنه غيره كالأمر بالمعروف، وهو أفضل من الجهاد، إذ هو لحفظ الموجود، والجهاد لطلب الزيادة وعليه ما روى عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"لا حسد إلا في اثنين: رجل أتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق"

(3)

ونحوه، وندب أن يقول المدعو: سمعا وطاعة، ويحرم على مختل شرط لما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين"

(4)

وإذا كثر الصالحون له فكفاية، فإن امتنعوا أثموا لما روى عن ابن

(1)

الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر بن أحمد بن قدامة المقدسى جـ 11 ص 375، ص 376 في كتاب أعلاه المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 11 ص 377 نفس الطبعة.

(3)

رواه البخارى وسلم.

(4)

أخرجه أبو داود وللترمذى نحوه.

ص: 263

مسعود رضى الله تعالى عنه وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوى غير متعتع"

(1)

وفى تعينه بتعيين الإمام وجهان، قال الإِمام يحيى رضى الله تعالى عنه: أصحهما بتعين فيجبر، إذ دعى إلى واجب، قلت: وكتعيينه للجهاد من شاء، وقيل: لا يجبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نجبر على الحكم أحدا" قلنا: يحتمل مع عدم الإِلزام لتأديته إلى تعطل الحكم حيث امتنعوا جميعا، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:"أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وإذا حكموا بين الناس حكموا كحكمهم لأنفسهم"

(2)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء في الروضة البهية أن القضاء واجب كفاية في حق الصالحين له إلا أنه مع حضور الإمام وظيفة الإِمام أو نائبه، فيلزمه نصب قاض في الناحية ليقوم به ويجب على من عينه الإجابة، ولو لم يعين وجبت كفاية، فإن لم يكن أهلا إلا واحد تعينت عليه، ولو لم يعلم به الإِمام لزمه الطلب، وفى استحبابه مع التعدد عينا قولان: أجودهما ذلك مع الوثوق من نفسه بالقيام به

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أن تولى القضاء فرض كفاية فإن قام به مسلم كفى وإلا هلكوا موافقهم ومخالفهم لأنه يلزمه أن يكون موافقا وأن يقوم بذلك - لا المرأة والعبد ونحوهما ممن لم يخاطب بالقضاء - وهلاك المخالف هلاك آخر غير هلاك خلافه. ويجب على الإمام أن ينصب للناس قاضيا، ومن أبى عن الولاية جبره عليه، ولا ينبغى لأحد أن يطلب القضاء، وإن دعى إليه فالأولى الامتناع لعسره إلا أن تعين عليه فيحبس أو يضرب وإن لم يصلح إلا واحد كان فرض عين عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقضى بين الناس ويأمر أصحابه رضى الله تعالى عنهم بالقضاء بينهم، وبعث عليا رضى الله تعالى عنه إلى اليمن ليقضى بينهم، وبعث عمر رضى الله تعالى عنه أبا موسى الأشعرى إلى البصرة قاضيا وابن مسعود إلى الكوفة

(4)

. وروى أن عمر رضى الله تعالى عنه دعا رجلا ليوليه القضاء فأبى فجعل يديره على الرضى فيأبى حتى قال أنشدك الله يا أمير المؤمنين أي ذلك تعلم خيرًا لى قال أن لا تلى، قال اعف عنى، قال قد فعلت

(5)

.

(1)

رواه الطبراني، ورواه ابن ماجة عن أبى سعيد أبسط منه.

(2)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 5 ص 110 وما بعدها إلى ص 112 الطبعة الأولى بمراجعة وإشراف الأستاذين الشيخ عبد الله محمد الصادق والشيخ عبد الحفيظ سعد عطية طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى جـ 1 ص 536 طبع دار الكتاب العربى بمصر.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 6 ص 536 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(5)

المرجع السابق جـ 6 ص 546 نفس الطبعة.

ص: 264

‌حكم الامتناع من إيفاء الدين واستيفائه ما يتعلق بذلك

‌مذهب الحنفية:

قال ابن عابدين فى حاشيته على الدر المختار: وفى الفتاوى الهندية أنه لو استقرض حنطة فأعطى مثلها بعد تغير سعرها يجبر المقرض على القبول. ولو استقرض الطعام ببلد الطعام فيه رخيص فلقيه المقرض في بلد الطعام فيه غال فأخذه الطالب بحقه، فليس له أن يحبس المطلوب، ويؤمر المطلوب بأن يوثق له بكفيل حتى يعطيه طعامه في البلد الذي أخذه منه فيه، قال في الذخيرة ما نصه، قال بشر عن أبى يوسف رضى الله تعالى عنهما: لو أقرض رجل طعاما أو غصبه إياه وله حمل ومؤنة والتقيا في بلدة أخرى الطعام فيها أغلى أو أرخص، فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال: يستوثق له من المطلوب حتى يوفيه طعامه حيث غصب أو حيث أقرضه، وقال أبو يوسف رضى الله تعالى عنه: إن تراضيا على هذا فحسن، وأيهما طلب القيمة أجبر الآخر عليه. ولو استقرض شيئا من الفواكه كيلا أو وزنا ثم انقطع عن أيدى الناس قبل أن يقبضه إلى المقرض فعند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه يجبر المقرض على أن يؤخر القبض إلى إدراك الجديد ليصل إلى عين حقه لأن الانقطاع بمنزلة الهلاك، ومن مذهبه أن الحق لا ينقطع عن العين بالهلاك، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: هذا لا يشبه كساد الفلوس لأن هذا مما يوجد فيجبر المقرض على التأخير إلا أن يتراضيا على القيمة وهذا في الوجه كما لو التقيا في بلد الطعام فيه غال فليس له حبسه ويوثق له بكفيل حتى يعطيه إياه في بلده

(1)

. وجاء في الفتاوى الهندية أنه لو استقرض الجمد في الصيف وسلم في الشتاء يخرج عن العهدة، ولو قال صاحب الجمد لا آخذ العام منك، قال أبو بكر الاسكاف رضى الله تعالى عنه: لا أعلم هنا حيلة سوى أن يدفع الذي عليه الجمد مثل وزنه جمدا ويطرح في مجمدة صاحبه حتى يبرأ عما عليه، وقال القاضي الإِمام فخر الدين رضى الله تعالى عنه: المخرج عندى أن يرفع الأمر إلى القاضي حتى يجبر على قبول مثل ما كان عليه كما لو استقرض من آخر حنطة فأعطى مثلها بعد ما تغير سعرها فإنه المقرض على القبول، كذا في مختار الفتاوى

(2)

. ولو قضى المدين الدين أجود مما عليه لا يجبر رب الدين على أن يقبله، كما لو دفع إليه أنقص مما عليه، وإن قبل جاز كما لو أعطاه خلاف الجنس وهو الصحيح، ولو كان الدين مؤجلا فقضاه قبل حلول الأجل يجبر على القبول، وإن أعطاه المدين أكثر مما علمه وزنا فإن كانت الزيادة تجرى بين الوزنين جاز

(3)

.

‌مذهب المالكية:

جاء في مواهب الجليل أن المديان إذا دفع الحق لصاحبه وأراد أخذ الوثيقة أو تقطيعها فإنه يقضى له بذلك إن امتنع رب الدين من ذلك قال

(1)

حاشية ابن عابدين على الدر المختار جـ 4 ص 180، ص 181 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1325 هـ.

(2)

الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية جـ 3 ص 202.

(3)

المرجع السابق جـ 3 ص 203، ص 204 نفس الطبعة.

ص: 265

الشيخ أبو الحسن الصغير رحمه الله تعالى في آخر كتاب المديان عند قول المدونة ومن أمر رجلا يدفع إلى فلان ألف درهم سواء قال عنى أو لم يقل، ثم قال الآمر كانت لى دينا على المأمور، وأنكر المأمور وقال بل أسلفته إياها، فالقول قول المأمور، قال أبو إسحق رحمه الله تعالى إلا أن يعلم أن مثله لا يملك هذا القدر لعدمه وفلسه يؤخذ من هذه المسألة أن من اقتضى دينا لا يلزمه أن يدفع الوثيقة لغريمه المطلوب خوف دعوى السلف. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ وابن دينار رضى الله تعالى عنهم: يجبر على دفعها وتقطع، قال ابن الهندى رحمه الله تعالى: ولا يبرأ بدفعها إلى الغريم إذا قام الطالب عليه، واستظهر المطلوب في الوثيقة أنه يقول سقطت منى فحكم عليه بردها للطالب وبالغرم بعد يمين الطالب. وقال في العتبية: وسئل عن رجل لقى رجلا قال: أشهدك أنى قد تقاضيت من فلان مائة دينار كانت لى عليه فجزاه الله خيرا فإنه أحسن قضائى فليس لى عليه قليل ولا كثير، فلقى الرجل الذي أشهد الرجل الذي زعم أنه قضاه فأخبره بما قال له، فقال كذب إنما أسلفته ذلك. قال ابن القاسم رضى الله تعالى عنه: القول قول الذي زعم أنه أسلفه مع يمينه إلا أن يأتى الآخر بالبينة أنه تقاضاها في دينه، قال ابن رشد أثرها: ويأتى على أصل أشهب في قوله أنه لا يؤاخذ أحد بأكثر مما يقربه على نفسه أن يكون القول قول المقتضى وهو قول ابن الماجشون نصا في هذه المسألة بعينها. ويقوم من هذه المسألة أن من كان له حق على رجل بوثيقة فدقع الذي عليه الحق إلى الذي له عليه الحق ودعا إلى قبض الوثيقة منه أو تحريقها أن ذلك ليس له وإنما له أن يشهد عليه وتبقى الوثيقة بيد صاحب الدين لأنه يدفع بها عن نفسه إذ لعل الذي كان عليه الدين أن يستدعى بينة قد سمعوا إقرار صاحب الدين بقبضه منه أو حضروا دفعه إليه ولم يعلموا على أى وجه كان الدفع فيدعى أنه إنما دفع إليه ذلك المال سلفا أو وديعة ويقول هات بينة تشهد لك إنما قبضت ذلك منى من حق واجب لك، فبقاء الوثيقة وقيامه بها يسقط هذه الدعوى التي تلزمه وقد كان شيخنا الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقيم ذلك فيما أخبرنى عنه غير واحد من أصحابنا وما أشك أن يكون في كلام سمعه منه من آخر مسئلة من كتاب المديان من المدونة وهو كلام صحيح، إلا أن محمد بن عبد الحكم يرى له من الحق أخذ الوثيقة وقطعها وهوقول عيسى بن دينار في بعض روايات العتبية وهو قول أصبغ في الواضحة. وقال ابن فرحون في تبصرته: وللذى عليه الدين أخذ وثيقة الدين من صاحبها أو يقضى عليه بتقطيعها، وقاله ابن العطار رحمه الله تعالى ونحوه في الواضحة وكتاب الحدانى وبه القضاء، وقال محمد بن الحكم رضى الله تعالى عنه لا يقطع وثيقة الدين ولا يجبر ربها على إعطائها، ويجبر على أن يكتب له براءة في الموضع الذي فيه الشهود عليه، ونحوه في وثائق ابن الهندى لأنه سبب لوجوب اليمين عليه إن ادعى عليه بعد ذلك دعوى كاذبة. وفى أحكام ابن سهل في امرأة قامت بصداق لم تثبته فحلف الزوج ودعا إلى قطعه وأرادت الزوجة حبس الصداق بيدها فأفتى ابن لبابة أنه يجاب إلى تقطيعه لأنه سقط عنه بيمينه لما ادعى عليه بما فيه، وإذا سقط عنه فليقطع. ثم قال إذا دفع إلى المطلقة أو المتوفى عنها زوجها كالئها ليس عليها أن تدفع كتاب صداقها إلى الزوج ولا إلى ورثته لما في حبس

ص: 266

صداقها من المنفعة بسبب الشروط التي لها فيه إن كانت ولأجل لحوق النسب أو الحمل إن كان حمل بعد موته وفى حياته إلا أن تتطوع بدفعه من غير أن يقضى عليها بذلك.

هذا هو القول المشهور المعمول به، وقال أصبغ رضى الله تعالى عنه في كتاب ابن حبيب، قال لأن به ثبت نكاحها وبه لأخذ ميراثها وتدفع بعد اليوم من دافعها عما ورث، أما لو قامت بباقى المهر في كتاب غير كتاب نكاحها فأخذت به ما كان لها فإنه يؤخذ منها ويقطع عن الورثة، وإن أخذت به أرضا أو عقارا من عقاره لم يؤخذ ذلك منها لأن به تدفع اليوم من دافعها عن ذلك وما يشبهه مما يلتمس التوثق به، وعلى الورثة أن يستوثقوا لأنفسهم بالإشهاد ونكر الكتاب الذي بيدها، قال ابن حبيب رحمه الله تعالى: وبه أقول وهذا أحب ما فيه إلى، وقيل: لابد من أخذه وتقطيعه، ورواه ابن حبيب عن مطرف فيمن مات وقامت امرأته بكتاب مهرها فأخذت به باقية فأراد الورثة تقطيعها فإن لهم ذلك، وإن قالت به أدفع بعد اليوم من دافعنى عما أخذت، ذكره المتيطي عن ابن سهل، وقال في الاستغناء: إن لم يدخل الزوج بالمرأة وأقرت المرأة أنه لم يمسها ولا وطئها فإن الصداق يقطع. نقله المشذ إلى برمته في آخر كتاب المديان وزاد بعد: قلت سئل ابن عبد السلام رضى الله تعالى عنه عمن كان عليه حق بصك وتنازع المديان ورب السلعة في تقطيعه أو تبطيله وبقائه عند ربه فما الذي عليه العمل من القولين، قال على الثاني خوف لو قطعناه أن يسئل المديان رب الدين هل قبض منه شيئا أم لا فإن قال قبضت ولكن من دين كان عليك لم يقبل منه، وإن قال لم أقبض حلف يمين غموس. قال في الذخيرة: وإذا طلب المصالح أخذ الوثيقة التي صالح عليها فللآخر منعه لأنها تشهد له بمال الصلح لثبوت أصل الحق ويكتب الآخر وثيقة بتاريخ متأخر يشهد له بصلحه، قاله مطرف رضى الله تعالى عنه. قال ابن رشد رحمه الله تعالى: وأما إذا أبى الذي بيده الوثيقة من الإِشهاد على نفسه بقبض ما فيها، وقال للذى كان عليه الدين خذ الوثيقة أو قطعها فتلك براءتك فليس له ذلك ويلزمه الإِشهاد على نفسه

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في نهاية المحتاج أن أداء القرض كأداء المسلم فيه في الصفة وفى الزمان والمكان، فلو أحضر المقترض القرض في زمن النهب لا يجب على المقرض قبوله، كما أنه لو أحضر المسلم فيه قبل محله لا يلزمه القبول، وإن أحضر المقترض القرض في زمان الأمن وجب قبوله. ولو ظفر المقرض بالمقترض في غير محل الإِقراض وللنقل من محله إلى محل الظفر مؤنة ولم يتحملها المقرض طالبه بقيمة بلد الإِقراض يوم المطالبة إذ الاعتياض عنه جائز، فعلم أنه لا يطالبه بمثله إذا لم يتحمل مؤنة حمله لما فيه من الكلفة وأنه يطالبه بمثل ما لا مؤنة لحمله وهو كذلك فالمانع من طلب المثل عند الشيخين رضى الله تعالى عنهما هو كثير مؤنة الحمل وعند جماعة منهم ابن الصباغ رحمه الله تعالى: هو كون قيمة بلد المطالبة أكثر من قيمة بلد الإِقراض. قال الأذرعي رضى الله تعالى

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى الحطاب جـ 5 ص 55، ص 56 في كتاب على هامشه التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

ص: 267

عنه: وكلام الشافعي رحمه الله تعالى هنا يشير إلى كك من العلتين، فإذا أقرضه طعاما أو نحوه في مصر ثم لقيه في مكة لم يلزمه أن يدفعه إليه لأنه بمكة أغلى. كذا نص عليه الشافعي رضى الله تعالى عنه بهذه العلة وبأن في نقله إلى مكة ضررا فالظاهر أن كل واحدة منهما علة مستقلة، وحيث أخذ القيمة فهى للفيصولة لا للحيلولة، فلو اجتمعا في بلد الإِقراض لم يكن للمقرض أن يردها ويطلب المثل، ولا للمقترض أن يستردها

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أنه لو اقترض رجل من آخر نصف دينار مثلا فدفع إليه دينارا صحيحا وقال نصفه قضاء ونصفه وديعة عندك أو سلما في شئ صح، وإن امتنع المقرض من قبوله فله ذلك لأن عليه في الشركة ضررا. ولو اشترى بالنصف الثاني من الدينار سلعة جاز إلا أن يكون ذلك عن مشارطة فقال أقضيك صحيحا بشرط أنى آخذ منك بنصفه الباقى قميصا فإنه لا يجوز لأنه لم يدفع إليه صحيحا إلا ليعطيه بالنصف الباقى فضل ما بين الصحيح والمكسور من النصف المقضى، ولو لم يكن شرطا جاز، فإن ترك النصف الآخر عنده وديعة جاز وكانا شريكين فيه، وإن اتفقا على كسره كسراه فإن اختلفا لم يجبر أحدهما على كسره لأنه ينقص قيمته

(2)

. ولو كان ما أقرضه موجودا بعينه فرده من غير عيب يحدث فيه لزم قبوله سواء تغير سعره أو لم يتغير وإن حدث به عيب لم يلزمه قبوله، وإن كان المرض فلوسا أو مكسرة فحرمها السلطان وتركت المعاملة بها كان للمقرض قيمتها ولم يلزمه قبولها سواء كانت قائمة في يده أو استهلكها لأنها تعيبت في ملكه، نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه في الدراهم المكسرة وقال يقومها كم تساوى يوم أخذها ثم يعطيه وسواء نقصت قيمتها قليلا أو كثيرا. قال القاضي رحمه الله تعالى: هذا إذا اتفق الناس على تركها فأما إن تعاملوا بها مع تحريم السلطان لها لزمه أخذها، وقال مالك والليث بن سعد والشافعى رضى الله تعالى عنهم: ليس له إلا مثل ما أقرضه لأن ذلك ليس بعيب حدث فيها، فجرى مجرى نقص سعرها، ويدل لنا أن تحريم السلطان لها منع إنفاقها وأبطل ماليتها فأشبه كسرها أو تلف أجزائها، وأما رخص السعر فلا يمنع ردها سواء كان كثيرا مثل إن كانت عشرة بدانق فصارت عشرين بدانق، أو كانت قليلا لأنه لم يحدث فيها شئ، إنما تغير السعر فأشبه الحنطة إذا رخصت ورثته لما في حبس صداقها من المنفعة بسبب الشروط التي لها فيه إن كانت ولأجل لحوق النسب أو الحمل إن كان حمل بعد موته وفى

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير جـ 4 ص 223 وما بعدها إلى ص 226 في كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على بن علي الشبراملسى وعلى هامشه حاشية الرشيدى طبع مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

المغنى للإمام موفق الدين أبى عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 4 ص 363 في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الثانية طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.

ص: 268

أو غلت

(1)

. وإذا أقرضه ما لحمله مؤنة ثم طالبه بمثله ببلد آخر لم يلزمه لأنه لا يلزمه حمله له إلى ذلك البلد، فإن طالبه بالقيمة لزمه لأنه لا مؤنة لحملها، فإن تبرع المستقرض بدفع المثل وأبى المقرض قبوله فله ذلك لأن عليه ضررا في قبضه لأنه ربما احتاج إلى حمله إلى المكان الذي أقرضه فيه، وله المطالبة بقيمة ذلك في البلد الذي أقرضه فيه لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه، وإن كان القرض أثمانا أو مالا مؤنة في حمله وطالبه بها وهما ببلد آخر لزمه دفعه إليه لأن تسليمه إليه في هذا البلد وغيره واحد

(2)

.

ومن طلب منه حق فامتنع من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض نظرت فإن كان الحق عليه بغير بينة لم يلزمه القاضي بالإشهاد لأنه لا ضرر عليه في ذلك فإنه متى ادعى الحق على الدافع بعد ذلك قال لا يستحق على شئ، والقول قوله مع يمينه، وإن كان الحق ثبت ببينة وكان من عليه الحق يقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل بغير جعل فكذلك لأنه متى ادعى عليه حق أو قامت به بينة فالقول قوله في الرد وإن كان ممن لا يقبل قوله في الرد أو يختلف في قبول قوله كالغاصب والمستعير والمرتهن لم يلزمه تسليم ما قبله إلا بالإشهاد لئلا ينكر القابض القبض ولا يقبل قول الدافع في الرد وإن قال لا يستحق على شيئا قامت عليه البينة أو إذا أشهد على نفسه بالقبض لم يلزمه تسليم الوثيقة بالحق إلى من عليه الحق لأن بينة القبض تسقط البينة الأولى، والكتاب ملكه فلا يلزمه تسليم إلى غيره

(3)

. ولو كان ما أقرضه موجودا بعينه فرده من غير عيب يحدث فيه يلزم أن يقبله سواء تغير سعره أو لم يتغير، أما إن حدث به عيب فإنه لا يلزمه أن يقبله، وإن كان القرض فلوسا أو مكسرة فحرمها السلطان وتركت المعاملة بها كان للمقرض قيمتها ولم يلزمه أن يقبلها سواء كانت قائمة في يده أو استهلكها لأنها تعيبت في ملكه، نص على ذلك الإمام أحمد رضى الله تعالى عنه في الدراهم المكسرة. وقال يقومها؛ كم تساوى يوم أخذها ثم يعطيه، وسواء نقصت قيمتها قليلا أو كثيرا، قال القاضي رحمه الله تعالى: هذا إذا اتفق الناس على تركها، فأما إن تعاملوا بها مع تحريم السلطان لزمه أن يأخذها، وأما رخص السعر فلا يمنع ردها سواء كان كثيرا - مثل إن كانت عشرة بدانق فصارت عشرين بدانق - أو قليلا لأنه لم يحدث فيها شئ إنما الذي حدث هو تغيير السعر فأشبه الحنطة إذا رخصت أو غلت

(4)

وإذا أقرضه ما لحمله مؤنة ثم طالبه بمثله في بلد آخر لم يلزمه ذلك لأنه لا يلزمه أن يحمله له إلى ذلك البلد، فإن طالبه بالقيمة لزمه لأنه لامؤنة لحملها، فإن تبرع المستقرض بدفع المثل وأبى المقرض أن يقبله فله ذلك لأن عليه ضررا في قبضه لأنه ربما احتاج إلى حمله إلى المكان الذي أقرضه فيه وله أن يطالبه بقيمة ذلك في البلد الذي أقرضه فيه، لأنه المكان الذي يجب عليه أن

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 365 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 4 ص 365 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق جـ 5 ص 136 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق جـ 4 ص 325 نفس الطبعة.

ص: 269

يسلم فيه، وإن كان القرض أثمانا أو ما لا مؤنة في حمله وطالبه بها وهما في بلد آخر لزمه أن يدفعه إليه لأن تسليمه إليه في هذا البلد وغيره واحد

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن صاحب الدين إن طالب المدين بدينه والشئ المستقرض حاضر عند المستقرض لم يجز أن يجبر المستقرض على أن يرد الذي أخذ بعينه ولابد، لكن يجبر على رد مثله إما ذلك الشئ وإما غيره مثله من نوعه لأنه قد ملك الذي استقرض وصار كسائر ماله ولا فرق ولا يجوز أن يجبر على إخراج شئ بعينه من ماله إذ لم يوجب عليه قرآن ولا سنة، فإن لم يوجد له غيره قضى عليه حينئذ برده لأنه مأمون بتعجيل إنصاف غريمه فتأخيره بذلك وهو قادر على الإِنصاف ظلم وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:"مطل الغنى ظلم" وهذا غنى فمطله ظلم

(2)

ومن لقى غريمه في بلد بعيد أو قريب وكان الدين حالا أو قد بلغ أجله فله مطالبته وأخذه بحقه ويجبره الحاكم على إنصافه عرضا كان الدين أو طعاما أو حيوانا أو دنانير أو دراهم كل ذلك سواء ولا يحل أن يجبر صاحب الحق على أن لا ينتصف إلا في الموضع الذي تدانيا فيه، برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مطل الغنى ظلم" وأمره صلى الله عليه وسلم أن يعطى كل ذى حق حقه، ومن ادعى أنه لا يجوز أن يجبر على إنصافه إلا حيث تداينا فقد قال الباطل لأنه قول لا دليل عليه لا من قرآن ولا سنة ولارواية سقيمة ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأى سديد، ثم يقال له: إن كان التداين بالأندلس ثم لقيه بصين الصين ساكنا هنالك أو كلاهما أترى حقه قد سقط أو يكلف الذي عليه الحق هو وصاحب الحق النهوض إلى الأندلس لينصفه هنالك من مدين، ثم لو طرووا قولهم للزمهم أن لا يجيزوا الإِنصاف إلا في البقعة التي كانا فيها بأبدانهما حين التداين، وهم لا يقولون هذا فنحن نزيدهم من الأرض شبرا شبرا حتى نبلغهم إلى أفصى العالم

(3)

. وإن أراد الذى عليه الدين المؤجل أن يعجله قبل أجله بما قل أو كثر لم يجبر الذى له الحق على قبوله أصلا، وكذلك لو أراد الذى له الحق أن يتعجل قبض دينه قبل أجله بما قل أو كثر لم يجز أن يجبر الذى عليه الحق على أدائه سواء في كل ذلك الدنانير والدراهم، والطعام كله، والعروض كله، والحيوان، فلو تراضيا على تعجيل الدين أو بعضه قبل حلول أجله أو على تأخيره بعد حلول أجله أو بعضه جاز كل ذلك، وهو قول أبى سليمان وأصحابنا رضى الله تعالى عنهم، وقال المالكيون: إن كان مما لا مؤنة في حمله ونقله أجبر الذي له الحق على قبضه، وإن كان مما فيه مؤنة في حمله ونقله لم يجبر على قبوله قبل محله، قال أبو محمد: وهذا قول فاسد أولا لأنه قولا بلا برهان لا من قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب لا مخالف له ولا قياس ولا رأى شديد، وثانيا: لأن شرط الأجل قد

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 325 نفس الطبعة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم جـ 8 ص 79، 80 مسألة رقم 1197 الطبعة الأولى بتحقيق محمد منير الدمشقى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1359 هـ.

(3)

المرجع السابق جـ 8 ص 80، ص 81 مسئلة رقم 1199 نفس الطبعة.

ص: 270

صح بالقرآن والسنة فلا يجوز إبطال ما صححه الله تعالى

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في التاج المذهب أنه يجب على من له الحق أن يقبض كل دين معجل حيث سلمه وعجله من هو علمه سواء كان مؤجلا أو كان حالا، وسواء كان مما يجب أن يسلم إلى موضع الابتداء أم لا، ولكن لا يلزمه إلا بشروط خمسة:

الأول منها: أن يكون مساويا لحقه أو زائدا عليه في الصفة ولم يخالف غرضه، أما لو كان ناقصا في القدر أو في الصفة أو في النوع أو كان زائدا في النوع أو في الصفة وخالف غرضه فإنه لا يلزمه أن يقبضه، فلو كان زائدا في القدر فيلزمه أن يأخذ قدر حقه إذا لم يكن لفصله مؤنة والزائد يكون إباحة فيخير فيه.

الشرط الثاني: أن لا يكون قبضه مع خوف الضرر في الحال نحو أن يخالف لو قبض حقه من أن يأخذه عليه ظالم فحينئذ لا يلزمه أن يقبض حقه سواء كان حالا أو مؤجلا.

الشرط الثالث: أن لا يكون قبضه مع خوف غرامة تلحقه لو قبض حقه، نحو أن تكون له مؤنة إلى وقت حلول الأجل فإنه إذا خشى الغرامة لا يلزمه أن يقبضه، وهذا حيث كان الأجل لازما بالعقد لا بالقرض ونحوه، فيجب أن يقبضه ولو لحقته غرامة إلى حلول الأجل.

الشرط الرابع: أن لا يخشى عليه الفساد وقت حلول الأجل، فإن خشى عليه الفساد وكان مؤجلا لم يلزمه أن يقبضه.

الشرط الخامس: أن لا يكون للمالك غرض في تأخيره إلى وقت حلول الأجل، فإن كان له غرض في تأخيره لم يلزمه أن يقبضه، وهذا إذا كان مؤجلا، فإن كان غير مؤجل لزمه أن يقبضه ولو كان له غرض في تأخيره.

وأما الحق المعجل إذا امتنع من عليه الحق من تسليمه واشترط الإِبراء في البعض أو اشترط الحط أو الإِسقاط فإنه لا يبرأ مما حط عنه، ولو كان الحط بأى ألفاظ التمليك لأنه لا يقابله عوض، وإنما هو كفاد لحقه فيبقى ما حط عنه إذ الامتناع محرم عليه

(2)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء في مفتاح الكرامة أنه لو أقرض شخص آخر جملة فدفع إليه تفاريق وجب العبول - كما في الدروس وجامع المقاصد - لأنه حق له استحق أخذه وليس كالمبيع والثمن يجب تسلمم جميعه نظر إلى اتحاد الصفقة فليس له فيما نحن فيه الامتناع من أخذه إلى أن يسلمه الجميع إذ لا صفقة هنا، ويطالب بالباقى في الحال، ولا يجب على المقرض التأخير وإن قل الزمان إلا مع الإِعسار

(3)

. وينصرف إطلاق القرض إلى أداء المثل في مكانه، فلو شرط القضاء في بلد آخر جاز سواء كان في حمله مؤنة أو لا. ويبقى الكلام في أن هذا يلزم أم لا بل يجوز لكل منهما المخالفة، والذي يقتضيه النظر أنه لا يجوز للمقرض المخالفة والمطالبة في غير بلد

(1)

المرجع السابق جـ 8 ص 81، 82 مسألة رقم 1200 نفس الطبعة.

(2)

التاج المذهب لأحكام المذهب جـ 2 ص 491، ص 492.

(3)

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة للسيد محمد حداد بن محمد بن محمد الحسينى العاملى جـ 5 ص 58 في كتاب على هامشه متن قواعد العلامة.

ص: 271

الشرط لأن العقد لازم من طرفه كما عرفت فيما سلف. ويلزمه ما شرطه أو شرط عليه، وليس ذلك من التأجيل في شئ وإن رجع إليه بالآخرة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون للمقترض مصلحة في ذلك أم لا أو يكون عليه ضرر أم لا. وأنه يجوز للمقترض المخالفة والدفع متى شاء لعدم لزومه من طرفه فيجب على المقرض قبوله وإن كان عليه في ذلك ضرر لأنه أقدم على ذلك، ولو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد أو فيه مع شرط غيره وجب الدفع مع مصلحة المقترض، وقال في التذكرة: وجب الدفع ولم يتعرض للمصلحة. والوجه في وجوب الدفع أن القرض حال والشرط لا يصيره مؤجلا ولا معنى لإِطراح الشرط بالكلية، فيجب أداء ماله عند المطالبة حيث لا مانع يمنع شيئا وليس إلا الضرر وقد فرض عدمه وفى المبسوط والتحرير: لو أقرضه في بلد ثم طالبه في بلد آخر لم يجب عليه حمله إلى بلد المطالبة ولا يجبر على دفعه لأن قيمته تختلف ولو طالبه بالقيمة لزم، وقد حكى ذلك عن القاضي أيضا في المختلف، وقال أنه غير جيد. ولو دفع في غير بلد الإطلاق أو الشرط وجب القبول مع مصلحة المقرض، ونفى في الدروس وجوب القبول وإن كان الصلاح للقابض، وفى التحرير: لو تبرع المستقرض بدفع المثل وامتنع المقرض كان له ذلك وإن لم يكن في حمله مؤنة، وحاصل ما أراد صاحب القواعد أن الحق لما كان حالا وكان لبلد الإِطلاق وبلد الشرط علاقة بوجوب الدفع فيه جمعنا بين الأمرين بأنه إن كان على المقرض ضرر كالاحتياج إلى حمله حيث كان ذا مؤنة أو الخوف من النهب ونحوه لم يجب القبول، وإلا وجب، وينبغى إبدال اشتراط المصلحة بعدم الضرر

(1)

ولا يجب دفع المؤجل سواء كان دينا أو ثمنا أو فرضا أو غير ذلك قبل الأجل، فإن تبرع لم يجب أخذه وإن انتفى الضرر يأخذه، ومع الحلول يجب قبضه، وإن امتنع دفعه إلى الحاكم ويكون من ضمان صاحبه وكذا البائع سلما يدفع إلى الحاكم مع الحلول وهو يبرأ من ضمان المشترى، وكذا كل من عليه حق حال أو مؤجل محل فامتنع صاحبه من أخذه، ولو تعذر الحاكم وامتنع صاحبه من أخذه فالأقرب أن هلاكه منه لا من المدين. وفى الكفاية: جاز الدفع إلى الحاكم، وأوجب في السرائر على الحاكم القبض ومنع من إجباره المستحق على قبضه أو إبرائه وهو ظاهر المبسوط في الأول وصريحه في الثاني، واستبعد ما في السرائر في الأمرين صاحب الدروس وقد حكم بهما في حواشيه على الكتاب فقال ليس له إجباره على القبض والإبراء، وحكى في المختلف عن أبى على أنه يجبره على الأخذ وحكى في سلم جامع المقاصد قولا بأنه إنما يقبضه الحاكم إذا سأله البائع إذا أجبر المسلم على القبض ولم يقبض، ثم استظهر أن له أن يقبضه وإن لم يجبره على قبضه إذا امتنع، وأنه لو لم يسأله لا يجب عليه قبضه، وأنه يجوز له ذلك وإن لم يسأله لأنه نائب مناب المالك وأنه ليس له إجباره إن لم يسأله المالك لأن يده يد رضى بها المشترى ولم يصدر منه ما ينافيه. قلت: وعلى ما استظهره يمكن تنزيل إطلاق كلام الأصحاب فتجتمع الكلمة ويبقى الكلام في كلام من أوجب دفعه إلى الحاكم بعد امتناعه من قبضه من أول مرة لعدم الدليل عليه، وحينئذ فله

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 59، ص 60 نفس الطبعة.

ص: 272

تأخير دفعه والتصرف فيه حيث يكون كليا كما هو المفروض إلى أن يطالبه المالك أو من يقوم مقامه

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أنه يجب قضاء دين وحسن تعجيله مع إمكان وقدرة، وإن غاب ربه طلبه الغريم حتى يقضى ما عليه، وقيل إن غاب بعد معاملته في بلده لزمه الإِيصاء له بما عليه. ولا يلزم المدين أن يخرج إلى غرمائه إذا ركبوا البحر إلا إن طالبوه فأبى أثم إلا أن أعسر ثم أيسر بعد أن خرجوا لزمه أن يصلهم حيث كانوا، ويأثم إثما كبيرا مطالب قادر على التأدية إن لم يؤد ما عليه من الحق لصاحبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"مطل الغنى ظلم" والظلم كبيرة، على أن المطل التأخير بعد الطلب، وقيل إذا بلغ الأجل وقدر على التأدية فلم يؤد أثم ولو لم يطالبه صاحب الحق إلا إن علم منه الرضى، وقيل لا يأثم حتى يطالب ويضيق عليه، قال في التاج قال ابن بركة رضى الله تعالى عنه: من عليه ديون كثيرة من أموال اغتصبها ومظالم ارتكبها ولا يملك قدر ما عليه لم يكن له عند الله أن يتصرف في ماله ويحبسه عن إنفاذه في ذلك إلا قدر ما يقوته كمثله، فإن باع أو وهب أو تزوج جاز عليه. وإن كانت الأموال من ديون تحملها من أربابها فلا يأثم بحبسها عنهم حتى يطلبوه بها ويضيقوا عليه ومن عرض عليه حقه بين له من أي وجه أو لم يبين ثم إنه لابد عند الإيصاء إلى ثقة من أن يشهد له شهودا يثقون به أو يعطيه ما يعطيه أو يتكفل له به الثقة من ماله لزمه قبوله أو إبراء غريمه، ولا يسعه السكوت ولا إنكاره ولا أن يقول لا أقبله ولا أن يقول إيت به في وقت آخر ولا أن يقول أمسكه عندك حتى أطلبه منك أو لا أقبضه حتى أشاور فلانا إلا أن رضى بذلك من عليه الحق إلا الإنكار فلا يرض به فإن شاء رجع به بعد الإِنكار من صاحبه على نية أن يؤديه بعد وإن عرض عليه ما دون حقه في الكمية أو في الجودة أو عرض عليه خلاف حقه أو بحضرة من يغصبه أو يسرقه منه أو حيث لا يجد له موضعا أو حاملا أو حيث لا يلزمه قبوله فله أن لا يقبل إلا أن عرض عليه ما دونه في الكمية أعنى في العدد على أن سيزيد له فإنه بقبضه إلا إن كان في قبضه ما يؤدى إلى سقوط باقيه، لكن إن عرض عليه فابرأ غريمه لم يلزم الغريم قبول الإبراء، بل أن لم يقبل الإبراء أدرك على صاحب الحق أن يقبضه لأن الإبراء هبة ولا يلزم قبول الهبة لكن لا إثم ولا إيصاء عليه

(2)

. ولا يبرئ غريما من دين وضعه كله أمام ربه حتى يأخذه إن امتنع من قبضه ويوصى له به ويشهد، وإن تقدم ذلك عند أحدهما كفى، وكذا إن أبى من قبضه فوضعه في حجره أو في يده ولم يمسكه لأن الحق متعلق بالذمة فلا يبرأ منه إلا بقبض أو تبرئة وإذا شخصه في الخارج بعد أن كان حقيقة في الذمة لم يخرج عن الذمة ولم يخرج ما شخصه من ملكه ولم يدخل ملك صاحب الحق، فإن قال له ضعه أمامى أو في حجرى أو في يدى ففعل أجزأه. وجوز وضع

(1)

المرجع السابق جـ 5 ص 64 وما بعدها إلى ص 66 نفس الطبعة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ص 439 وما بعدها إلى ص 441 طبع محمد بن يوسف البارونى.

ص: 273

الدين ومثله كل ما وجب له عليه أو وضع بعضه إن لم يجد إلا ذلك البعض أو إلا وضع ذلك البعض إذا امتنع في يده إن وجد اليد وإلا فليقصد حجره أو يضعه أمامه إن لم يجد حجره أو لم يصلح حجره حيث يراه في قريب منه حيث تصله يده وإن لم يجد هذا القرب فليضع أمامه حيث يراه ولو في بعيد ويقصد القرب ما أمكن وإن وضعه في جانب أو خلف أو فوق أو تحت ورآه حال الوضع وكان الوضع في قريب أو في بعيد إن لم يجد القرب وكان بحيث يتمكن منه أجزأه على هذا القول لأن الضابط لذلك الرؤية والتمكن من القبض مع الامتناع منه، وقد مر أن مجرد التخلية تقبيض وإن كان لا يراه أمامه لضعف بصره أو في جهة من الجهات أو لعمى لم يجزه إلا الوضع في يده أو حجره وإن وضعه في غيرهما فمد إليه يده حتى مسه أو وضعه حيث يضبطه ويعرفه كان يجده في داره فيمتنع من قبضه فيضعه في موضع من مواضعها التي يعرفها ذلك الأعمى أو ضعيف البصر ويسمى له ذلك الموضع، ووجه القول بذلك أن تخليص الذمة واجب على من شغلت ذمته وهو من البر والتقوى فوجب على صاحب الحق القبض لوجوب الإِعانة على البر والتقوى فلما امتنع أسيغ الوضع لضرورة الامتناع مع ما علمت من أن مجرد التخلية تقبيض ولا يصح وضع البعض إلا إن لم يجد من عليه الحق إلا البعض لفقره أو لكونه في محل لا يجد فيه إلا البعض، وإن وضع البعض وقد أمكنه وضع الكل لم يبرأ إلا إن قبضه صاحبه أو رضيه ويبرأ بالدفع - على هذا القول - ما لم يمنع ربه من أخذه خوف من سالب أو جائر أو غيرهما كوالد يأخذ كل ما علم أنه مال ابنه ويمكن دخوله في السالب وكمديان يأخذه منه بالقهر والضابط أنه إذا منعه من أخذه خوف لم يحبز الوضع سواء خاف أن يؤخذ منه في موضعه أو في غير موضعه إذا حضر من يأخذ أو كان على طريقة التي لابد له منها أو حضر من يعلمه إذا مشى بعد على طريق الذي يأخذ وكان لا يجد المحيد عنها أو خاف أن يغلظ عليه الخراج أخذه، وقيل يبرأ ولو وضعه بحيث العدو، ففى الديوان: وإن رأى المديان العدو قد أقبل إليه فأعطى للغريم دينه فأبى أن يقبله منه فإنه لا يضعه له ولا يبرأ من ذلك إن فعله ومنهم من يرخص وإما إن وضع له الوديعة التي معه فقد برئ .. هذا كله إن كان من مكيل أو موزون أو معدود أو ممسوح وكان ربه عالما بكيله أو وزنه أو عدده أو مساحته من جنس ماله وإلا يكن من مكيل أو موزون أو معدود أو ممسوح أو لم يكن من جنس ماله فلا يبرأ بالوضع حتى يأخذه منه من له الحق ويتصور وضع الجزاف فيما اشتراه جزافا وامتنع من أخذه فلا يجوز وضعه، وقيل أيضا بالجواز وإن كان بنحو كيل وأخذ بعضه بعد أن اجتمع كله بلا نحو كيل ثم دفع له الباقي بلا معرفة كم هو فلا يجزئه الوضع، وقيل يجزيه، وفى الديوان: وأما ما لا يكال ولا يوزن كالحيوان فلا يبرأ منه حتى يقبضه، والجزاف إذا امتنع من قبضه من اشتراه وقد خلى بينه وبينه فحكمه حكم الدين لا حكم الأمانة لأنه ليس في يده أمانة لأنه قال له احمل مالك فأبى، والأمانة تكون في يد المؤتمن برضاه وهذا لم يرض، ولا يلزمه حفظه إذ ليس أمانة

(1)

.

(1)

المرجع السابق جـ 4 ص 506 وما بعدها إلى ص 508 نفس الطبعة.

ص: 274

‌حكم الامتناع في الكفالة

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أن الكفالة إذا كانت بالنفس يطالب الكفيل بتسليم نفسه إلى الطالب إذا طالبه، وإن كانت بالعين المضمونة يطالب بتسليم عينها إذا كانت قائمة وتسليم مثلها أو قيمتها إذا كانت هالكة إذا طولب به، وإن كانت بفعل التسليم والحمل يطالب بهما، وإن كانت بدين يطالبه بالخلاص إذا طولب به، فكما طولب الكفيل طالب هو المكفول عنه بالخلاص، وإن حبس فله أن يحبس المكفول عنه لأنه هو الذي أوقعه في هذه العهدة فكان عليه تخليصه منها، وإن كانت الكفالة بغير أمره فليس للكفيل حق ملازمة الأصيل إذا لوزم هو ولا حق الحبس إذا حبس، وليس له أن يطالب بالمال قبل أن يؤدى هو وإن كانت الكفالة بأمره لأن ولاية المطالبة إنما تثبته بحكم القرض والتمليك وكل ذلك يقف على الأداء، ولم يوجد، بخلاف الوكيل بالشراء فإن له ولاية مطالبة الموكل بالثمن بعد الشراء قبل أن يؤدى هو من مال نفسه لأن هناك الثمن يقابل المبيع والملك في المبيع كما وقع للموكل فكان الثمن عليه فكان له أن يطالبه به، وهنا المطالبة بسبب القرض أو التمليك ولم يوجد هنا. وإذا أدى كان له أن يرجع عليه إذا كانت الكفالة بأمره لأن الكفالة بالأمر في حق المطلوب استقراض وهو طلب القرض من الكفيل والكفيل بأداء المال مقرض من المطلوب ونائب عنه في الأداء إلى الطالب وفى حق الطالب تمليك ما في ذمة المطلوب من الكفيل بما أخذ منه من المال، والمقرض يرجع على المستقرض بما أقرضه

(1)

. ويخرج الكفيل بالنفس عن الكفالة بتسليم النفس إلى الطالب وهو التخلية بينه وبين المكفول بنفسه في موضع يقدر على إحضاره مجلس القاضي لأن التسليم في مثل هذا الموضع محصل للمقصود من العقد وهو إمكان استيفاء الحق بالمرافعة إلى القاضي، فإذا حصل المقصود ينتهى حكمه فيخرج عن الكفالة، ولو سلمه في صحراء أو برية لا يخرج عن الكفالة لأنه لم يحصل المقصود، ولو سلم في السوق أو في المصر يخرج سواء أطلق الكفالة أو قيدها بالتسليم في مجلس القاضي، أما إذا أطلق فظاهر لأنه يتقيد بمكان يقدر على إحضاره مجلس القاضي بدلالة القرض، وكذا إذا قيد لأن التسليم في هذه الأمكنة تسليم في مجلس القاضي بواسطته ولو شرط أن يسلمه في مصر معين فسلمه في مصر آخر لا يخرج عن الكفالة عندهما لأن التقييد بالمصر مفيد لجواز أن يكون للطالب بينة يقدر على إقامتها فيه دون غيره فكان التعيين مفيدا، وعند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه يخرج عن الكفالة بذلك لأن المقصود من تسليم النفس هو الوصول إلى الحق بالمرافعة إلى القاضي وهذا الغرض ممكن الاستيفاء من كل قاض فلا يصح التعيين. ولو سلمه في السواد ولا قاضى فيه لا يخرج عن الكفالة لأن التسليم في مثل هذا المكان لا يصلح وسيلة إلى المقصود فكان وجوده وعدمه بمنزلة واحدة. ولو شرط أن يدفعه إليه عند الأمير فدفعه إليه عند القاضي

(1)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 6 ص 11 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

ص: 275

يخرج عن الكفالة، وكذا إذا عزل الأمير وولى غيره فدفعه إليه عند الثاني لأن التسليم عند كل من ولى فلك محصل للمقصود فلم يكن التقييد مفيدا فلا يتقيد

(1)

. ولو كفل بنفس رجل فإن لم يواف به غدا فعليه ما عليه وهو كذا فلقى الرجل الطالب فخاصمه الطالب ولازمه فالمال على الكفيل وإن لازمه إلى آخر اليوم لأنه لم يوجد من الكفيل الموافاة به، ولو قال الرجل للطالب: قد دفعت نفسى إليك عن كفالة فلان يبرأ الكفيل من المال سواء كانت الكفالة بالنفس بأمره أو لا لأنه أقام نفسه مقام الكفيل في التسليم عنه فيصح التسليم كمن تبرع بقضاء دين غيره فإنه هناك لا يجبر على القبول وهنا يجبر عليه، والفرق أن انعدام الجبر على القبول في باب المال للتحرز عن لحوق المنة المطلوبة من جهة المتبرع لأن نفسه ربما لا تطاوعه بتحمل المنة فيتضرر ربه وهذا المعنى هنا معدوم لأن تسليم نفسه واجب عليه ولا منة في أداء الواجب سواء كانت الكفالة بالنفس بأمره أو بغير أمره لأن نفسه مضمون التسليم في الحالين

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء في التاج والإكليل أن ابن شاس رحمه الله تعالى قال: من أحكام الضمان أن للكفيل إجبار الأصيل على تخليصه إذا طولب، وليس له ذلك قبل أن يطالب ولا يلزم تسليم المال إليه ليؤديه إذا لو هلك لكان من الأصيل. قال في المدونة ليس للكفيل أخذ الغريم بالمال قبل أن يؤخذ منه إلا أن يتطوع به الغريم لأنه لو أخذه منه ثم أعدم أو فلس كان للذى له الدين أن يتبع الغريم

(3)

. قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: للضامن المطالبة بتخليصه عند الطلب قال ابن عبد السلام: يعنى أن رب الدين إذا توجه له الطلب على غريمه فسكت عنه أو نص على تأخيره فللحميل أن لا يرضى بذلك ويقول لرب الدين إما أن تطلب حقك من الغريم معجلا وإلا أسقط عنى الحمالة لأن في ترك المطالبة بالدين عند وجوبه ضررا بالحميل لاحتمال أن يكون الغريم موسرا الآن ويعسر فيما يستقبل وإنما تصح المطالبة إذا كان الغريم موسرا، وأما إن كان معسرا فلا مقال للحميل لأن الطلب لم يتوجه على الغريم في هذا الحال. وقال في الجواهر: للكفيل إجبار الأصيل على تخليصه إذا طلب، وليس له ذلك قبل أن يطلب

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في مغنى المحتاج أنه إذا عين الكفيل في الكفالة مكان التسليلم تعين تبعا لشرطه وإن لم يعين مكانا فمكان الكفالة يتعين كما في السلم فيهما، وكلامهم يفهم أنه لا يشترط بيان موضع التسليم، وإن لم يصلح له موضع التكفل كاللجة أو كان له مؤنه وهو مخالف لنظيره في السلم المؤجل فيحتمل أن يلحق به ويحتمل خلافه أخذا بمفهوم كلامهم، ويفرق بأن السلم عقد معاوضة والتكفل محض التزام وهذا هو الظاهر، ويحمل

(1)

المرجع السابق جـ 6 ص 12 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 6 ص 13 نفس الطبعة.

(3)

التاج والإكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق جـ 5 ص 105 في كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

(4)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب حـ 5 ص 105، ص 106 في كتاب على هامشه التاج والإكليل للمواق الطبعة السابقة.

ص: 276

على أقرب موضع صالح للتسليم، ويبرأ الكفيل بتسليمه أو بتسليم وكيله في مكان التسليم المنكور بلا حائل كمتغلب يمنع المكفول له عنه لقيامه بما وجب عليه، فإن أحضره مع وجود الحائل لم يبرأ الكفيل لعدم الانتفاع بتسليمه. وقضية هذا الكلام: عدم البراءة بتسليمه في غير مكان التسليم وهو كذلك إن كان للمكفول له غرض في الامتناع كفوت حاكم أو معين، وإن امتنع لا لغرض تسلمه الحاكم عنه لأن التسليم حينئذ لازم له، فإذا امتنع منه ناب عنه الحاكم فيه، فإن لم يكن حاكم سلمه إليه وأشهده به شاهدين ويبرأ بتسليمه للمكفول له محبوسا بحق لإمكان إحضاره ومطالبته بالحق، بخلاف ما إذا كان محبوسا بغير حق لتعذر تسلمه، وكذا يبرأ الكفيل بأن يحضر المكفول في مكان التسليم ويقول للمكفول له سلمت نفس على جهة الكفيل، كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل الدين، ولو سلم نفسه عن الكفيل فأبى أن يقبله قال الماوردى رضى الله تعالى عنه أشهد المكفول أنه قد سلم نفسه عن كفالة فلان وبرئ الكفيل منها. وقياس ما تقدم أنه يتعين الرفع إلى الحاكم ثم الإشهاد. قال الخطيب: وإطلاق صاحب المنهاج يشمل الصبى والمجنون يسلمان أنفسهما عن جهة الكفيل، قال الأذرعى رحمه الله تعالى: وفيه وقفة، إذ لا حكم لقولهما، ولم أره نصا، والظاهر أنه إن قبل حصل التسليم وإلا فلا. وهو حسن، ولا يكفى مجرد حضوره من غير قوله سلمت نفسى عن الكفالة لأنه لم يسلمه إليه ولا أحد عن جهته، فلو سلمه إليه أجنبى عن جهة الكفيل بإذنه برئ أو بغير إذنه فلا إن لم يقبل، فإن قبل ولا يلزمه القبول برئ الكفيل

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أن الكفالة تصح حالة ومؤجلة كما يصح الضمان حالا ومؤجلا، وإذا أطلق كانت حالة لأن كل عقد يدخله الحلول اقتضى إطلاقه الحلول كالثمن والضمان. فإذا تكفل حالا كان له مطالبته بإحضاره، فإن أحضره وهناك يد حائلة ظالمة لم يبرأ منه ولم يلزم المكفول له تسلمه لأنه لا يحصل له غرضه، وإن لم تكن يد حائلة لزمه قبوله، فإن قبله برئ من الكفالة، وقال ابن أبي موسى رحمه الله تعالى: لا يبرأ حتى يقول قد برئت إليك منه أو قد سلمته إليك أو قد أخرجت نفسى من كفالته، والصحيح الأول لأنه عقد على عمل فبرئ منه بالعمل المعقود عليه كالإجارة، فإن امتنع من تسلمه برئ لأنه أحضر ما يجب تسليمه عند غريمه وطلب منه تسلمه على وجه لا ضرر في قبضه فبرئ منه كالمسلم فيه، وقال بعض أصحابنا إذا امتنع من تسلمه أشهد على امتناعه رجلين وبرئ لأنه فعل ما وقع العقد على فعله فبرئ منه، وقال القاضي رحمه الله تعالى يرفعه إلى الحاكم فيسلمه إليه، فإن لم يجد حاكما أشهد شاهدين على إحضاره وامتناع المكفول من قبوله، والأول أصح فإن مع وجود صاحب الحق لا يلزمه دفعه إلى نائبه كحاكم

(1)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني معرفة معاني المنهاج للشيخ محمد الشريف الخطيب جـ 2 ص 190، ص 191 في كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.

ص: 277

أو غيره. وإن كانت الكفالة مؤجلة لم يلزم إحضاره قبل الأجل كالدين المؤجل، فإذا حل الأجل فأحضره وسلمه برئ، وإن كان غائبا أو مرتدا لحق بدار الحرب لم يؤخذ بالحق حتى يمضى زمن يمكن المضى إليه وإعادته، وقال ابن شبرمة رحمه الله تعالى: يحبس في الحال لأن الحق قد توجه عليه، ويدل لنا أن الحق يعتبر في وجوب أدائه إمكان التسليم وإن كان حالا كالدين فإذا مضت مدة يمكن إحضاره فيها ولم يحضره أو كانت الغيبة منقطعة لا يعلم خبره أو امتنع من إحضاره مع إمكانه أخذ بما عليه، وقال أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم: إن كانت الغيبة منقطعة لا يعلم مكانه لم يطالب الكفيل بإحضاره ولم يلزمه شئ وإن امتنع من إحضاره مع إمكانه حبس، وقد دللنا على وجوب الغرم فيما مضى، وإن أحضر المكفول به قبل الأجل ولا ضرر في تسليمه لزمه، وإن كان فمه ضرر مثل أن تكون حجة الغريم غائبة أو لم يكن يوم مجلس الحاكم أو الدين مؤجل فإذا لم يكن اقتضاؤه منه أو قد وعده بالإنظار في تلك المدة لم يلزمه قبوله كما نقول فيمن دفع الدين المؤجل قبل حلوله

(1)

. وإذا عين في الكفالة تسليمه في مكان فأحضره في غيره لم يبرأ من الكفالة - وبه قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى - وقال القاضي إن أحضره بمكان آخر من البلد وسلمه برئ من الكفالة، وقال بعض أصحابنا رضى الله تعالى عنهم: متى أحضره في أي مكان كان وفى ذلك الموضع سلطان برئ من الكفالة لكونه لا يمكنه الامتناع من مجلس الحاكم ويمكن إثبات الحجة فمه، وقيل إن كان عليه ضرر في إحضاره بمكان آخر لم يبرأ الكفيل بإحضاره فيه، وإلا برئ كقولنا فيما إذا أحضره قبل الأجل، ولأصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم اختلاف على نحو ما ذكرنا. ويدل لنا أنه سلم ما شرط تسليمه في مكان غيره فلم يبرأ كما لو أحضر المسلم فيه في غير هذا الموضع الذي شرطه، ولأنه قد سلم في موضع لا يقدر على إثبات الحجة فيه لغيبة شهوده أو غير ذلك، وقد يهرب منه ولا يقدر على إمساكه، ويفارق ما إذا أحضره قبل الأجل فإنه عجل الحق قبل أجله فزاده خيرا، فإذا لم يكن فيه ضرر وجب قبوله، وإن وقعت الكفالة مطلقة وجب تسليمه في مكان العقد كالسلم فإن سلمه في غيره فهو كتسليمه في غير المكان الذي عينه، وإن كان المكفول به محبوسا عند غير الحاكم لم يلزمه تسليمه محبوسا لأن ذلك الحبس يمنعه استيفاء حقه وإن كان محبوسا عند الحاكم فسلمه إليه محبوسا لزمه تسليمه لأن حبس الحاكم لا يمنعه استيفاء حقه، وإذا طالب الحاكم بإحضاره أحضره مجلسه وحكم بينهما ثم يرده إلى الحبس وإن توجه عليه حق للمكفول له حبسه بالحق الأول أو حق المكفول له

(2)

.

(1)

المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 5 ص 98، ص 99 في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى مطبعة المنار في مصر سنة 1347 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 5 ص 99، 100 نفس الطبعة.

ص: 278

‌مذهب الظاهرية:

جاء في المحلى أن من ضمن آخر في حق مال من بيع أو من غير بيع من أي وجه كان حالا أو إلى أجل .. لا يرجع بما أدى سواء بأمره ضمن عنه أو بغير أمره إلا أن يكون المضمون عنه استقرضه؛ إذ من الباطل المتيقن والظلم الواضح أن يطالب الضامن من أجل أدائه حقا لزمه وصار عليه واستقر في ذمته من لا حق قبله له ولا للذى أداه عنه

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أن الكفالة تصح مؤقتة الابتداء كأن يقول: بعد شهر، وله الرجوع قبله، وتصح مؤقتة الانتهاء نحو أن يقول كفلت إلى شهر، فتسقط بعده ويصح تعجيل المؤجل كالقرض، فإن امتنع من القبول بلا عذر ولا حاكم أشهد عليه وبرئ

(2)

. ولا يصح الضمان مؤجلا بمجهول، نحو أنا ضامن بكذا إلى هبوب الريح، ويلغو التأجيل ويصير حالا، فإن تعلق به غرض كالدياس وورود القافلة صحت وتقيدت

(3)

.

‌مذهب الإِمامية:

جاء في الخلاف أنه إذا تكفل رجل ببدن رجل فغاب المكفول به غيبة يعرف موضعه ألزم الكفيل إحضاره، ويمهل مقدار زمان ذهابه ومجيئه لإِحضاره، فإن لم يحضره بعد انقضاء هذه المدة المذكورة حبس أبدا حتى يحضره أو يموت، وبه قال جميع من أجاز الكفالة بالبدن، وقال ابن شبرمة يحبس في الحال ولا يمهل لأن الحق قد حل عليه، دليلنا أن من شرط الكفالة إمكان تسليمه والغائب لا يمكن تسليمه في الحال فوجب أن يمهل حتى يمضى زمان الإِمكان

(4)

. وقال صاحب مفتاح الكرامة أن الكفيل يلزم اتباع المكفول في غيبته إن عرف مكانه، وينظر في إحضاره بقدر ما يمكنه الذهاب إليه والعود به وكذا إن كانت مؤجلة أخر بعد الحول بقدر ذلك، كما ذكر جميع ذلك في المبسوط والتذكرة والمسالك ومجمع البرهان والشرائع والتحرير والإرشاد لكن لم يذكر في هذه الثلاثة الأخيرة التقييد بمعرفة مكانه لكنه مراد فيها قطعا، وبذلك كله قال عام أهل العلم كما في التذكرة، وقال إنما يجب عليه إحضار الغائب عند إمكان ذلك، فإن كان غائبا غيبة منقطعة كأن لم يعرف موضعه وينقطع خبره لم يكلف الكفيل إحضاره لعدم الإمكان، أي لأنه تكليف ما لا يطاق ولا شئ عليه لأنه لم يكفل المال ولا فرق في الغائب المعلوم محله بين

(1)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم جـ 8 ص 116 مسألة رقم 1229 بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

(2)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 5 ص 74 الطبعة الأولى بإشراف ومراجعة الشيخ عبد الله محمد الصديق وعبد الحفيظ سعد عطية طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.

(3)

المرجع السابق 52 ص 76 نفس الطبعة.

(4)

الخلاف في الفقه للإمام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى جـ 1 ص 642 مسألة رقم 17 الطبعة الثانية طبع مطبعة رنكين في طهران سنة 1377 هـ.

ص: 279

التجاوز لمسافة القصر وغيره. ولو امتنع الكفيل إحضاره لعدم الإمكان، أي لأنه تكليف ما لا يطاق ولا شئ عليه لأنه لم يكفل المال ولا فرق في الغائب المعلوم محله بين التجاوز لمسافة القصر وضكمره، ولو امتنع الكفيل من إحضاره حبس حتى يحضهره أو يؤدى ما عليه كما في النهاية والسرائر والشرائع وظاهر هذه الكتب أنه إذا أدى ما علمه وجب على المكفول له أن يقبل ويبرأ الكفيل بذلك، وفى التذكرة وجامع المقاصد أن المكفول له إذا لم يرض بأن يدفع الكفيل المال وطلب إحضار المكفول ألزمه الحاكم بإحضاره، وفى المسالك والمفاتيح والرياض أن ذلك أقوى، وفى الروضة أنه قوى، وفى مجمع البرهان أنه ليس ببعيد، والظاهر أنه لا خلاف بينهم في جواز الاكتفاء عن الإِحضار بأداء ما عليه إذا رضى به المكفول له، وإنما الخلاف فيما إذا لم يرض. وحجة الأولين أن الفرض حاصل فكان كما لو أدى دين الغريم أجنبى، نعم إن قيل هناك بعدم وجوب القبول أمكن هنا، بل لعل احتمال الوجوب هنا أقوى لأنه يريد الخلاص من الكفالة، والظاهر أن المكفول قد انعقد ضميره على ذلك من حين الكفالة لأن الظاهر أن مقتضاها لزوم المال إن لم يحضره فإلزامه بالإحضار تكليف وإضرار وقد يكون لا غرض له إلا اللجاج، إلا أن تقول أنه إذا علم منه ذلك لم يجب. وحجة ما في التذكرة أنه قد يكون له غرض يتعلق بالأداء أو بالأداء من الغريم بخصوصه فإن الأغراض قد تتفاوت إذ قد يكون ماله لا يخلو عن شبهة أو يخاف أنه أظهر مستحقا لا يقدر على أخذ بدله منه ولأنه مقتضى الشرط، وهذا أقوى وينقدح من ذلك أنه لا يجب قبول الحق من غير من هو عليه

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أنه إن قضى حميل لمحول له خلاف ماله خير المحمول عليه في أن يغرم للحميل مثل ما قضى للمحمول له وإن لم يكن لى مثل أخذ قيمته بالتقويم إن شاء، وفى أن يعطى للحميل مثل ما تحمل الحميل به عليه لا ما قضى للمحمول له، وإنما لم يلزمه أن يعطى للحميل مثل ما قضى لأن الحمالة لم تعقد على القضاء بل على نفس الذين، فإن امتنع المحمول له من القضاء بل على نفس الدين فله، وإن رضيا بالقضاء فقضى له صح، فإن رضى المحمول عنه بأن يعطى للحميل مثل ما قضى أعطى، وإلا أعطى جنس الدين، ولأن إعطاء الحميل خلاف ما تحمل به مخالفة للنيابة لأن النيابة إنما هي فيما تحمل به والمنوب عنه إن خولف خير فالمحمول عنه مخير في إعطاء إن ما أعطى الحميل فيكون قد أمضى فعله امضاء كليا وفى إعطاء ما تحمل به فيكون قد أبطل مخالفته وأمضى أصل الحمالة، كما أن الوكيل إذا خلف الموكل كان الموكل مخيرا أو أن أعطى الحميل جنس الدين فأعطاه المحمول عنه غيره قضاء جاز إن رضى الحميل، وإلا أخذ عنه مثل ما أعطى، وأصل ذلك هو الوفاء بما كان العقد به، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الزعيم غارم" يعنى أنه غارم بما زعم به أعنى بما تكفل به لا بغيره إلا أن

(1)

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة للسيد محمد جواد بن محمد بن الحسينى العاملى جـ 5 ص 434، ص 435 في كتاب على هامشه متن قواعد العلامة.

ص: 280

وقع الرضى، وإذا أعطى غير الجنس وأراد الجنس فامتنع المحمول عنه إلا أن يعطى ما أعطى الحميل فله ذلك. وفى التاج: جاز للضامن أن يعطى للمضمون له غير جنس ما ضمن به مثل أن يضمن له بنقد فمعطيه عروضا أو أصلا كعكسه إلا إن كان أصل الحق من سلف أو أجرة أو بيع بنسبته فأجاز ذلك بعض والأكثر على المنع وإن أعطى من مال المضمون عنه فلا يعطى إلا من جنس ما عليه له وإن لم يعلم رب الحق من أين يعطيه الضامن إياه جاز له أخذه ولو لم يبر رب الحق المضمون عنه، وفى الأثر من كفل على رجل بدراهم إلى أجل فصالحه بما كفل به عنه فدفعه إليه قبله أو بعده ولم يقبضه المكفول لى أو صالحه على شئ من ذلك النوع أو غيره فلا بأس أن يعترض به من الكفيل من غير النوع بسعر يومه وأما أن يزداد فضلا لنفسه فلا نحب له ذلك

(1)

.

‌حكم امتناع المدعى عليه من الحضور

‌مذهب الحنفية:

جاء في الفتاوى الهندية أنه إذا تقدم رجل إلى القاضي وادعى على رجل حقا والقاضى لا يعرف أنه محق أو مبطل فأراد الأعداء على خصمه، يريد أنه طلب من القاضي أن يحضر خصمه، فهذا على وجهين:

الأول: أن يكون المدعى عليه في المصر وأنه على وجهين أيضا؛ الأول أن يكون المدعى عليه رجلا صحيحا أو امرأة صحيحة برزة تخالط الرجال وفى هذا الوجه القياس أن لا يعديه، وفى الاستحسان يعديه، والإِعداء على نوعين أحدهما أن يذهب القاضي بنفسه، والثانى أن يبعت من يحضره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كلا النوعين، إلا أن في زماننا القاضي لا يذهب بنفسه.

الوجه الثاني من هذا الوجه وهو ما إذا كان المدعى عليه في المصر إلا أنه يكون المدعى عليه مريضا أو امرأة مخدرة وهى التي لم يعهد لها الخروج، فالقاضى لا يعديهما، وتكلم المشايخ في مقدار المرض الذي لا يعديه القاضي قال بعضهم: أن يكون بحال لا يمكنه الحضور بنفسه والمشى على قدميه ولو حمل أو ركب على أيدى الناس يزداد مرضه، وقال بعضهم أن يكون بحال لا يمكنه الحضور بنفسه وإن كان يمكنه الحضور بالركوب وحمل الناس من غير أن يزداد مرضه، وهذا القول أرفق وأصح، ثم إذا لم يحضرهما يعنى المريض والمخدرة، ماذا يصنع القاضي؟ فالمسئلة على وجهين؛ إن كان القاضي مأذونا بالاستخلاف يبعث خليفته إليهما فيقضى بينهما وبين خصومهما، إِن القاضي إليه أمينا من أمنانا بالاستخلاف يبعث القاضي إليه أمينا من أمنائه فقيها ويبعث معه شاهدين عدلين حتى يخبر القاضي بما جرى، كذا في الذخيرة. وإنما يبعث شاهدين ممن يعرفان المرأة والمريض، كذا في المحيط. وينبغى للقاضى إذا بعث الأمين أن يبين له صورة الاستحلاف وكيفيته حتى إذا أنكر المدعي عليه حلفه على ما هو رأى القاضي، ثم إذا ذهبوا إلى المدعى عليه فالأمين يخبره بما ادعى عليه، فإن أقر بذلك أشهد عليه شاهدين بما أقربه وأمره أن يوكل وكيلا يحضر

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 4 ص 676، ص 677 طبع محمد بن يوسف البارونى.

ص: 281

معه مجلس القاضي ليشهد عليه شاهدان بما أقر به بحضرة وكيله فيقضى القاضي عليه بحضرة وكيله، وإن أنكر فالأمين يقول للمدعى: ألك بينة فإن قال نعم يأمر المدعى عليه أن يوكل وكيلا يحضر مع خصمه مجلس القاضي وتقام عليه البينة بحضرة وعليه، وإن قال ليس لى بينة فالأمين يحلف المدعى عليه فإن حلف أخبر الشاهدان القاضي بذلك حتى يمنع المدعى من الدعوى إلى أن يجد بينة، وإن نكل عن اليمين ثلاث مرات أمره أن يوكل وكيلا يحضر مع خصمه مجلس الحكم ويشهد عليه الشاهدين بنكوله ويقضى القاضي عليه بالنكول، هكذا نكر الخصاف رحمه الله تعالى في أدب القاضي. هذا إذا كان المدعى عليه في المصر فأما إذا كان المدعى عليه خارج المصر وهو الوجه الثاني من هذا الفصل وهو على وجهين أيضا. الأول أن يكون قريبا من المصر، والجواب فيه كالجواب فيما إذا كان في المصر فيعديه بمجرد الدعوى استحسانا، وإن كان بعيدا من المصر وهو الوجه الثاني لا يعديه والفاصل بين القريب والبعيد أنه إذا كان بحيث لو ابتكر من أهله أمكنه أن يحضر مجلس الحكم ويجيب خصمه ويبيت في منزله فهذا قريب، فإن كان يحتاج إلى أن يبيت في الطريق فهذا بعيد كذا في الذخيرة. ثم إذا كانت المسافة بعيدة إذا ادعى المدعى كيف يصنع القاضي اختلف المشايخ فيه منهم من قال يأمر المدعى بإقامة البينة على موافقة دعواه ولا تكون هذه البينة لأجل القضاء وإنما تكون لأجل الإِحضار والمستور في هذا يكفى، فإذا أقام أمر إنسانا أن يحضر خصمه، فإذا أحضره أمر المدعى بإعادة البينة فإذا أعاد فظهرت عدالة الشهود قضى بها عليه، ومنهم من قال يحلفه القاضي فإن نكل أقامه من مجلسه، وإن حلف أمر إنسانا أن يحضر خصمه، والأول أصح وعليه أكثر القضاة، كذا في شرح أدب القاضي. وإن أرسل القاضي إلى المدعى عليه من يحضره فلم يجده فقال المدعى للقاضى إنه توارى عنى، وسأل التسمير والختم على باب داره فالقاضى يكلفه بإقامة البينة على أنه في منزله، فإن جاء بشاهدان يشهدان أنه في منزله، فالقاضى يسألهما من أين علمتما، فإن قالا رأيناه فيه اليوم أو أمس أو منذ ثلاثة أيام قبل القاضي ذلك ويسمر ويأمر بالختم، كذا في المحيط، ويجعل بيته عليه سجنا ويسد عليه أعلاه وأسفله حتى يضيق عليه الأمر فيخرج، كذا في الظهيرية، وإن كانت الرؤية قد تقادمت لا يقبل ذلك منهما. ثم جعل ما زاد على ثلاثة أيام متقادما، قال شمس الأئمة الحلوانى رضى الله تعالى عنه: الصحيح أن ذلك مفوض إلى رأى القاضي إن تقادمت رؤية الشاهدين إلا أنه كان لا يمكن للمدعى الدعوى لتأخر خروج قرعته بأن كان القاضي أقرع بين الخصوم ليعلم كل واحد نوية دعواه يقبل ذلك منه، فإن قال الخصم للقاضى بعد ما ختم الباب ومضى أيام أنه قد جلس في الدار ولا يحضر، فانصب له عنه وكيلا أقيم عليه البينة، فإن أبا يوسف رضى الله تعالى عنه كان يقول يبعث القاضي رسولا ينادى على بابه ومعه شاهدان فينادى الرسول على باب الخصم ثلاثة أيام كل يوم ثلاث مرات، يا فلان ابن فلان إن القاضي يقول احضر مع خصمك فلان ابن فلان مجلس الحكم وإلا نصبت عنك وكيلا وقبلت البينة عليك بحضرة وكيلك، فإذا فعل ذلك ولم يحضر نصب القاضي عنه وكيلا وسمع البينة عليه وأمضى الحكم عليه بحضرة وكيله، قال الخصاف رحمه الله تعالى في أدب القاضي: وقال غير أبى يوسف رحمه الله

ص: 282

تعالى: لا أرى أن أنصب عنه وكيلا

(1)

وكذا لو كتب القاضي إلى القاضي كتابا في حادثة فلم يقدر القاضي المكتوب إليه على الخصم، فإن القاضي يوكل عنه على نحو ما قلنا كذا في التتارخانية. في نوادر هشام سألت محمدا رحمه الله تعالى ما تقول في سلطان الإِنسان قبله حق ولا يجيبه إلى القاضي فأخبرنى ان أبا يوسف رحمه الله تعالى كان يعمل بالإعداء وهو قول أهل البصرة، قال وصوره ذلك أن يبعث القاضي رسولا إليه من قبله ينادى على بابه أن القاضي يقول أجب خصمك، ينادى بذلك أياما، فإن أجاب وإلا جعل القاضي لذلك السلطان الذي أبى أن يجيب وكيلا فيخاصم هذا المدعى، فقلت له: فهل أنت تجعل له وكيلا؟ قال: نعم، فقلت: أفلا تكون قضيت على الغائب؛ فقال لا، وكان أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه لا يعمل بالإِعداء كذا في الذخيرة.

وأما الهجوم على الخصم، وصورته أن يكون لرجل على رجل دين فتوارى المدين في منزله وتبين ذلك للقاضى فيبعث أمينين من أمنائه ومعهما جماعة من أعوان القاضي ومن النساء إلى منزله بغتة حتى يهجموا على منزله ويقف الأعوان بالباب وحول المنزل وعلى السطح حتى لا يمكنه الهرب ثم تدخل النساء المنزل من غير استئذان وحشمة فيأمرن حرم المطلوب حتى يدخلن في زاوية ثم يدخل أعوان القاضي ويفتشون الدار غرفها وما تحت السرر حتى إذا وجدوه أخرجوه، وإذا لم يجدوه يأمرن النساء حتى تفتش النساء فربما تزيا بزى النساء. فإذا طلب المدعى ذلك من القاضي هل يفعله القاضي؟ قال صاحب الأقضية: وسع فيه بعض أصحابنا رضى الله تعالى عنهم قالوا أراد به أبا يوسف رضى الله تعالى عنه، فقد روى عنه أنه كان يفعل ذلك في زمن قضائه، وقد روى هشام عن محمد رحمه الله تعالى مثل هذا أيضا وأصل ذلك ما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه هجم على بيت رجلين أحدهما قرشى والآخر ثقفى بلغه أن في بيتهما شرابا فوجد في بيت أحدهما دون الآخر، وعن هذا قال أصحابنا رضى الله تعالى عنهم: لا بأس بالهجوم على بيت المفسدين والدخول فيه من غير استئذان إذا سمع منه صوت فساد للأ مر بالمعروف والنهى عن المنكر، قال شمس الأئمة الحلوانى: ظاهر المذهب عندنا أنه لا يجوز الهجوم للقاضى كذا في المحيط

(2)

. وإن رأى القاضي أن يعطى المدعى طينة أو خاتما أو قطعة قرطاس لإِحضار الخصم جاز كذا في الذخيرة - وهذا في خارج المصر وفى المصر يبعث الأشخاص - وقال الخصاف رضى الله تعالى عنه على قلب هذا، كذا في الخلاصة، والقضاة في هذا مختلفون بعضهم اختار دفع طينة وبعضهم اختار قطعة قرطاس وبعضهم اختار دفع الخاتم، ولو أعطاه القاضي طينة أو خاتما وذهب به إلى الخصم وأراه ينبغى له أن يقول للخصم هذا خاتم القاضي فلان يدعوك أتعرفه، فإن قال نعم أعرفه، ولكن لا أحضر، أشهد المدعى على ذلك شاهدين حتى يشهدا عند القاضي بتمرده، فإذا شهدا بذلك بعث القاضي من يحضره أو يستعين في ذلك بالوالى واختلف العلماء في

(1)

الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية جـ 3 ص 334 وما بعدها إلى ص 336 في كتاب على هامشه فتاوى فاضيخان للإمام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندى الفرغانى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1310 هـ.

(2)

المرجع السابق جـ 3 ص 337 نفس الطبعة.

ص: 283

أجرة المشخص بعضهم قال هي في بيت المال وبعضهم قال على المتمرد كذا في الذخيرة. أما مؤنة الموكل - وهو الشخص الذي أمره القاضي بملازمة المدعى عليه لإِخراجه - فقد فكر القاضي الإمام صدر الإسلام أنها على المدعى عليه وعليه بعض القضاة وبعض مشايخنا على أنها على المدعى وهو الأصح، ثم إذا حضر المدعى عليه مجلس القضاء فالقاضى يأمر المدعى بإعادة البينة على تمرده، فإذا أعاد البينة عاقبه على ما صنع من التمرد وإساءة الأدب، وكذلك لو كان المدعى عليه في الابتداء قال أحضر ثم لم يحضر إلا أنه يعاقبه في هذه الصورة دون ما يعاقبه في الصورة الأولى. وفى الخانية: وكذا إذا سكت المدعى عليه بعدما رأى الخصم ولم يجب ولم يرد لأنه ظهر تعنته.

وفى الفتاوى العتابية: وإذا حضر، غرره بضرب أو حبس على حسب حاله على ما يرى

(1)

. وإذا كان المدين يسكن في دار بأجرة وطالبه الغريم بالخروج إلى باب الحاكم فامتنع، فالقاضى هل يسمر الباب؟ اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه، والصحيح أنه يسمر، وفى مجموع النوازل: وإذا كان المدين يسكن في دار زوجته وأبى الخروج إلى الحاكم فالقاضى يسمر الباب عليه لأن العبرة في هذا الباب للمساكنة، حتى لو ثبت عند القاضي أنه نقل الأمتعة عنها ولم يبق ساكنا فيها لا يسمر الباب

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء في شرح منح الجليل أن القاضي يجلب الخصم المدعى عليه بخاتم سواء كان يضعه في يده أم بورقة مطبوعة به أو يجلبه برسول من القاضي للخصم المطلوب حضوره، قال ابن فتوح إن سأل الطالب القاضي برفع مطلوبه بمجلس القاضي أينبغى للقاضى إن كان قريبا أن يأمر غلامه الذي له الإِجارة من بيت المال بالسير معه؟ قال ابن عبد الحكم رحمه الله تعالى القريب من المدينة كمن يأتى ثم يرجع يبيت بمنزله، قال ابن شاس رحمه الله تعالى أن ناب الخصم ولم يكن موضعه يزيد على مسافة العدوى أحضره القاضي، قال ابن عبد الحكم إذا استعدى الرجل على الرجل فإن كان في المصر معه أعطاه عدواه بخاتم يختمه له أو رسول يرسله إليه حتى يجلبه إليه وأجرة الرسول على الطالب إلا أن يمتنع المطلوب من الحضور أو الجواب أو إعطاء ما ثبت عليه بإقراره أو بينة فتكون الأجرة عليه لظلمه لا يقال الظلم لا يبيع مال الظالم لأنا نقول الظلم الذي لا يبيح مال الظالم هو الظلم الذي لا يؤدى إلى ضياع مال المظلوم، ويجلب الخصم بخاتم أو رسول إن كان الخصم على مسافة العدوى

(3)

. قال ابن الحاجب رضى الله تعالى عنه: يجلب الخصم مع مدعيه بخاتم أو رسول إذا لم يزد على مسافة العدوى، فإن زاد عليها فلا يجلبه ما لم يشهد شاهد، قال ابن سلمون إن كان الخصم في مصر الحاكم أو على أميال يسيرة كتب برفعه، قال أصبغ وإلا فليكتب لأهل العدل أجمعوا بين

(1)

المرجع السابق جـ 3 ص 337، ص 338 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق جـ 3 صلى 338 نفس الطبعة.

(3)

العدوى: طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك كى ينتقم منه، يقال استعديت على فلان الأمير فأعدانى أي استعنت به فأعاننى عليه.

ص: 284

فلان وفلان للتناصف، فإن أبيا فانظروا فإن رأيتم للمدعى وجه مطلب ولا يريد بالمطلوب تعنيته فارفعوه إلينا وإلا فلا. وإن كان على أكثر من مسافة العدوى زيادة كثيرة كستين ميلا فلا يجلب منها إلا بشاهد يقيمه المدعى عند القاضي بحقه فيكتب إليه إما أن يرضى خصمه أو يحضر أو يوكل

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في مغنى المحتاج أن القاضي إذا استعدى على خصم صالح لسماع الدعوى والجواب عنها حاضر بالبلد، بأن طلب من القاضي إحضاره ولم يعلم القاضي كذبه كما قاله الماوردى وغيره، سواء عرف أن بينهما معاملة أم لا أحضره وجوبا إقامة لشعار الأحكام، ولزمه الحضور رعاية لمراتب الحكام، وقال ابن أبي الدم رحمه الله تعالى: إذا استحضره القاضي وجب عليه الإِجابة إلا أن يوكل أو يقضى الحق إلى الطالب. وهذا ظاهر، وعن ابن سريج رحمه الله تعالى أنه يحضر ذوى المروءات في داره لا في مجلس الحكم، والمذهب أنه لا فرق، ويستثنى من وجوب الإحضار من وقعت الإجارة على عينه وكان يتعطل بحضوره مجلس الحكم حق المستأجر ذكره السبكى رحمه الله تعالى في التفليس من شرحه على المهذب وأخذه من قول الغزالى رضى الله تعالى عنه بعدم حبس من وقعت الإجارة على عينه. وقال لا يعترض باتفاق الأصحاب على إحضار البرزة وإن كانت متزوجة وحبسها لأن الإجارة لها أن ينتظر وهو انقضاء المدة بخلاف النكاح وفى الزوائد عن العدة أن المستعدى عليه إذا كان من أهل الصيانة والمروءة وتوهم الحاكم أن المستعدى يقصد ابتذاله وأذاه لا يحضره ولكن ينفذ إليه من يسمع الدعوى تنزيلا لصيانته منزلة المخدرة. وجزم به سليم في التقريب. أما إذا دعاه الخصم إلى حاكم من غير رفع فقال الإمام: لا يلزمه الحضور بل الواجب أداء الحق إن كان عليه، وفى الحاوى والمهذب والبيان الحضور مطلقا لظاهر قوله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}

(2)

وحمل ابن أبى الدم الأول على ما إذا قال لي عليك كذا فاحضر معى إلى الحاكم فلا يلزمه الحضور وإنما عليه وفاء الدين، والثانى عنى ما إذا قال بينى وبينك محاكمة ولم يعلمه بها ليخرج عنها فيلزمه الحضور، وكلام الإِمام رضى الله تعالى عنه أظهر. ويحضر القاضي الخصم المطلوب إحضاره لمجلس الحكم بدفع مختوم طين رطب أو غيره للمدعى يعرضه على الخصم وليكن نقش الختم: أجب القاضي فلانا - وكان هذا أولا عادة قضاة السلف ثم هجر واعتاد الناس الآن. الكتابة في الكاغد وهو أولى - أو أحضره إن لم يجب بما مر بمرتب لذلك من الأعوان بباب القاضي يسمون في زماننا بالرسل صيانة للحقوق، ومؤنة العون على الطالب إن لم يرزق من بيت المال. وقال الشيخ أبو حامد: أنه يرسل الختم أولا فإن لم يحضر بعث إليه العون، قال البلقينى وفيه مصلحة لأن الطالب قد يتضرر بأخذ أجرته منه، أي فإن أجرة العون عليه إن لم يرزق من بيت المال، نعم ينبغى كما قال

(1)

شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل للشيخ محمد عليش جـ 4 ص 210 في كتاب على هامشه حاشية الشيخ محمد عليش المسماة تسهيل منح الجليل.

(2)

الآية رقم 51 من سورة النور.

ص: 285

شيخنا أن يكون مؤنة من أحضره عند امتناعه من الحضور ببعث الختم على المطلوب أخذ مما يأتى. وفى الحاوى للقاضى أن يجمع بمن ختم الطين والمرتب إن أدى اجتهاده إليه من قوة الخصم وضعفه، فإن امتنع المطلوب من الحضور بلا عذر أو سوء أدب بكسر الختم ونحوه ولو بقول العون الثقة أحضره وجوبا بأعوان السلطان وعليه حينئذ مؤنتهم لامتناعه وغرره بما يراه من ضرب أو حبس أو غيره وله العفو عن تعزيره إن رآه، فإن اختفى نودى بإذن القاضي على باب داره أنه إن لم يحضر إلى ثلاثة أيام سمر بابه أو ختم عليه فإن لم يحضر بعد الثلاثة وطلب الختم سمره أو ختمه إجابة إليه إن تغرر عنده أنها داره ولا يرفع المسمار ولا الختم إلا بعد فراغ الحكم والظاهر كما قال الأذرعى رضى الله تعالى عنه أن محل التسمير أو الختم إذا كان لا يأديها غيره وإلا فلا سبيل إلى ذلك ولا إلى إخراج من فيها، فإن عرف موضعه بعث إليه النساء ثم الصبيان ثم الخصيان يهجمون الدار ويفتشون عليه ويبعث معهم عدلين كما قاله ابن القاص وغيره، فإذا دخلوا الدار وقف الرجال في الصحن وأخذ غيرهم في التفتيش، قالوا ولا هجوم في الحدود إلا في حد قاطع الطريق. قال الماوردى رحمه الله تعالى: وإذا تعذر حضوره بعد هذه الأحوال حكم القاضي بالبينة، وهل يجعل امتناعه كالنكول في رده اليمين؟ الأشبه نعم، لكن لا يحكم عليه بذلك إلا بعد إعادة النداء على بابه ثانيا بأنه يحكم عليه بالنكول، فإذا امتنع من الحضور بعد النداء الثاني حكم بنكوله، وإن امتنع عن الحضور لعذر كخوف ظالم أو حبسه أو مرض بعث إليه نائبه ليحكم بينه وبين خصمه أو وكل المعذور من يخاصم عنه ويبعث القاضي إليه من يحلفه إن وجب تحليفه، قال في المهمات: ويظهر أن هذا غير معروف النسب أو لم يكن عليه بينة وإلا سمع الدعوى والبينة وحكم عليه لأن المرض كالغيبة في سماع شهادة الفرع، فكذا في الحكم عليه، قال وقد صرح بذلك البغوي. أو كان الاستعداد على غائب في غير محل ولاية القاضي، فليس له إحضاره لأنه لا ولاية له عليه، ولو استحضره لم يلزمه إجابته. بل يسمع الدعوى والبينة ثم إن شاء أنهى السماع وإن شاء حكم بعد تحليف المدعى وإن كان في مسافة قريبة كما مر عن الماوردى رحمه الله تعالى. أو كان الاستعداء على غائب في محل ولاية وله هناك نائب لم يحضره القاضي لما في إحضاره من المشقة مع وجود الحاكم هناك، بل يسمع بينة عليه بذلك ويكتب بسماعها إلى نائبه ليحكم بها لإِمكان الفصل بهذا الطريق فلا يكلف الحضور، وإذا كان لا نائب له هناك فالأصح يحضره من مسافة العدوى

(1)

فقط، لكن بعد تحرير الدعوى وصحة سماعها، والقول الثاني المقابل للأصح: إن كان دون مسافة القصر أحضره وإلا فلا لأن ما دون مسافة القصر حكم الحاضر في مسائل كثيرة، والثالت: يحضره وإن بعدت المسافة وهذا ما اقتضى كلام الروضة وأصلها ترجيحه، وعليه العراقيون، ورجحه ابن المقرى رحمه الله تعالى لأن عمر رضى الله تعالى استدعى المغيرة بن شعبة في قضية من البصرة إلى المدينة، ولئلا يتخذ السفر طريقا لإبطال الحقوق، ومع هذا فالأوجه ما نكره

(1)

مسافة العدوى هي التي يرجع منها مبكرا إلى موضعه ليلا، سميت بذلك لأن القاضي يعدى لمن طلب خصما منها لإحضار خصمه أي يقويه أو يعينه.

ص: 286

صاحب المنهاج، وليس في قضية عمر رضى الله تعالى عنه أنه أحضره بغير اختياره، ولما في ذلك من المشقة في إحضاره. ويبعث القاضي إلى بلد المطلوب. هذا إذا لم يكن هناك نائب وما لم يكن هناك من يتوسط ويصلح بينهما، فإن كان لم يحضره بل يكتب إليه أن يتوسط ويصلح بينهما، واشترط ابن الرفعة وابن يونس رضى الله تعالى عنهما فيه أهلية القضاء، ولم يشترطه الشيخان رضى الله تعالى عنهما، وقال الشيخ عماد الدين السحبانى رحمه الله تعالى: يتجه إلى أن يقال إن كانت القضية مما تنفصل بصلح فيكفى وجود متوسط مطاع يصلح بينهما وإن كانت لا تنفصل بصلح فلابد من صالح للقضاء في تلك الواقعة ليفوض إليه الفصل بينهما بصلح أو غيره. وهذا لا بأس به.

والأصح أن المخدرة

(1)

الحاضرة لا تحضر

للدعوى - بضم أوله وفتح ثالثه مضارع أحضر - أي لا تكلف الحضور للدعوى عليها؛ صرفا للمشقة عنها كالمريض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أعد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" فلم يطلبها لكونها مخدرة، ورجم الغامدية ظاهرا لكونها برزة، كذا استدل به ونظر فيه.

ولا تكلف أيضا الحضور للتحليف إن لم يكن في اليمين تغليظ بالمكان، فإن كان أحضرت على الأصح في الروضة في الباب الثالث من الدعاوى بل توكل أو يبعث القاضي إليها نائبه فتجيب من وراء الستر إن اعترف الخصم أنها هي أو شهد اثنان من محارمها أنها هي، وإلا تلفعت بنحو ملحفة وخرجت من الستر إلى مجلس الحكم، وعند الحلف تحلف في مكانها. والوجه الثاني المقابل للأصح: أنها تحضر كغيرها، وبه جزم القفال رضى الله تعالى عنه في فتاويه، وغير المخدرة - وهى البرزة بفتح الباء الموحدة - يحضرها القاضي، لكن يبعث إليها محرما لها أو نسوة ثقات لتخرج معهم بشرط أمن الطريق كما جرى عليه ابن المقرى وصاحب الأنوار رضى الله تعالى عنهما. ولو كانت برزة ثم لزمت التحذر، قال القاضي الحسين رضى الله تعالى عنه في فتاويه حكمها حكم الفاسق يتوب فلابد من مضى سنة في قول أو ستة أشهر في قول

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء في المغنى

(3)

أن المستعدى عليه لا تجلو من أن يكون حاضرا أو غائبا فإن كان حاضرا في البلد أو قريبا منه فإن شاء الحاكم بعث مع المستعدى عونا يحضر المدعى عليه، وإن شاء بعث معه قطعة من شمع أو طين مختومة بخاتمه فإذا بعث معه ختما فعاد فذكر إنه امتنع أو كسر الختم بعث إليه عيونا فإن امتنع انفذ صاحب

(1)

المخدرة من لا يكثر خروجها لحاجات متكررة كشراء خبز وقطن وبيع غزل ونحوها بأن لم تخرج أصلا إلا لضرورة، أو لم تخرج إلا قليلا لحاجة كزيارة وحمام وعزاء.

(2)

مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ 4 ص 382 وما بعدها إلى ص 384 في كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.

(3)

المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقى جـ 11 ص 411 وما بعدها إلى ص 413 في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

ص: 287

المعونة فأحضره فإذا حضر وشهد عليه شاهدان بالامتناع عزره إن رأى ذلك بحسب ما يراه تأديبا له إما بالكلام وكشف رأسه أو بالضرب أو بالحبس فإن اختبأ بعث الحاكم من ينادى على بابه ثلاثا أنه أن لم يحضر سمر بابه وختم عليه ويجمع أماثل جيرانه ويشهدهم على أعذاره فإن لم يحضر وسأل المدعى أن يسمر عليه منزله ويختم عليه وتقرر عند الحاكم أن المنزل منزله سمره أو ختمه، فإن لم يحضر بعث الحاكم من ينادى على بابه يحضره شاهدى عدل أنه إن لم يحضر مع فلان أقام عنه وكيلا وحكم علمه. فإن لم يحضر أقام عنه وكيلا وسمع البينة عليه وحكم عليه كما يحكم على الغائب وقضى حقه من ماله إن وجد له مالا، وهذا مذهب الشافعي وأبى يوسف وأهل البصرة حكاه عنهم أحمد. وإن لم يجد له مالا ولم تكن للمدعى بينة فكان أحمد ينكر التهجم علمه ويشهد عليه حتى يظهر وقال الشافعي إن علم له مكانا أمر بالهجوم علمه فيبعث خصيانا أو غلمانا لم يبلغوا الحلم وثقات من النساء معهم ذوو عدل من الرجال فيدخل النساء والصبيان فإذا حصلوا في صحن الدار دخل الرجال ويؤمر الخصيان بالتفتيش ويتفقد النساء النساء فإن ظفروا به أخذوه فاحضروه وإن استعدى على غائب نظرت فإن كان الغائب في غير ولاية القاضي لم يكن له أن يعدى عليه وله الحكم عليه. وإن كان في ولايته وله في بلده خليفة فإن كانت له بينة تثبت الحق عنده وكتب به إلى الخليفة ولم يحضره وإن لم تكن له بينة حاضرة نفذه إلى خصمه ليخاصمه عند خليفته وإن لم يكن له فيه خليفة وكان فيه ممن يصلح للقضاء أذن له في الحكم بينهما وإن لم يكن فيه من يصلح للقضاء قيل له حرر دعواك لأنه يجوز أن يكون ما يدعيه ليس بحق عنده كالشفعة للجار وقيمه الكلب أو خمر الذمى فلا يكلفه الحضور لما لا يقضى عليه به مع المشقة فيه بخلاف الحاضرة فإنه لا مشقة في حضوره فإذا تحررت بعث فاحضر خصمه بعدت المسافة أو قربت. وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف إن كان يمكنه أن يحضر ويعود فيأوى إلى وضعه أحضره وإلا لم يحضره ويوجد من يحكم بينهما، وقيل إن كانت المسافة دون مسافة القصر أحضره وإلا فلا. وما يدل لنا أنه لابد من فصل الخصومة بين المتخاصمين فإذا لم يكن إلا بمشقة فعل ذلك كما لو امتنع من الحضور فإنه يؤدب ويعزر ولأن إلحاق المشقة به أولى من إلحاقهما بمن ينفذه الحاكم ليحكم بينهما وإن كانت امرأة برزة لم يشترط في سفرها هذا محرم نص عليه أحمد لأنه لحق أدبى وحق الآدمى مبنى على الشح والضيق.

‌مذهب الزيدية:

جاء في البحر الزخار أن على القاضي أن يأمر بإحضار المدعى عليه، فإن لم يمتثل لأعوانه أعذر إليه بأمر من السلطان، ويعزر بحبس أو ضرب بعد قيام الشهادة الكاملة أن تأخره لغير عذر لقول الله عز - وجل:{فَتَبَيَّنُوا}

(1)

، وينادى على بابه فإن اختفى سمر عليه بابه، فإن لم يؤثر هجم عليه بالنساء ثم المراهقين، ثم الرجال ذوى الأمانة لفعل

(1)

الآية رقم 6 من سورة الحجرات.

ص: 288

السلف

(1)

. ويأمر بإحضار المرأة إن كانت غير مخدرة، وإلا وكلت، أو أمر من يحكم بينهما في بيتها كأمره صلى الله عليه وسلم أنيسا بالنظر في بعض الحدود، وينفذه إن صح فإن لم يصادق أنها خصمه بينت بعدلين، فإن جهلت رفع الستر وخاصمت متلفعة للضرورة. وتجب الإجابة إلى مجلس الحكم لذمه تعالى من أعرض في قوله تعالى:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُويهِ ييَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}

(2)

الآية، وعلى الحاكم أن ينصر من استنصره إذ نصب لذلك

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في شرح النيل أنه لا تجوز الحكومة لغائب ولا على غائب إذا لم تكن له الخليفة على ذلك، فإن كانت له الخليفة فإنه يحكم له ويحكم عليه ولا يقر الحاكم البينة أو يسمعها إلا بمحضر المشهود عليه، وقيل إلا ببينة الوكالة والنسب، فيجوز فيها ذلك بلا محضر منه، وقيل يجوز في الوكالة فقط، فإذا كان الخصم حاضرا في بلد القاضي أرسل إليه أحد خدامه ليرفعه لمجلس الحكم إن أبى وإن كان على يسير الأميال كفى فيه الكتب، وإن بعد أو كان الخوف أمر من يلى أمر بلد هو فيه أن يصلح بينهما أو يعزم على المطلوب في الوصول لمحل الحكم وذلك كله مع مخائل صدق المدعى لعله يريد تعنت المطلوب، وقيل يرسل إليه إذا كان في البلد مطلقا إلا أن تبين كذبه، وأجرة الرسول عندنا من بيت المال. وقال قومنا من مال من له الحق، وإذا عصى الأمر فعندنا يضرب أو يسجن، وقال قومنا كذلك، وزادوا أن يطبع عليه ما يهمه فلا ينتفع به ولو يترك إليه حتى يرجع للحق. واستدل بعضهم على الحكم على الغائب بإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وعيالها فإن ذلك أفتاء على الاطمئنان أو بغير ذلك، وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلى: إذا حضر الخصمان فلا تقض لأحدهما حتى تسمع حجة خصمه، وفى رواية: لا تقض لأحدهما حتى تسمع حجة الآخر، ولهذا قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: لا تسمع حجة على غائب، ولا يجوز عليه حكم، وكان فيما قيل يحكم للمرأة على زوجها وهو غائب. وقال أصحابنا رضى الله تعالى عنهم: يجوز الاستماع على الغائب عن مصره والممتنع عن الحكم والحضور إلى مجلس الحاكم وإنفاذ الحكم عليه، ووافقهم الشافعي وداوود لقول النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى ففى جعلها على المدعى دلالة على أنه إذا أحضرها حكم بها وبحديث هند بنت عتبة، كذا قال أبو إسحاق الحضرمى رحمه الله تعالى وهو صحيح لأن امتناع الخصم كحضوره، لكن الذي عندى أنه يجبر على الحضور ورد الجواب، قال وأما الحدود فلا يحكم بها على غائب باتفاق الأمة، وقال ابن محبوب: إذا تولى عن المجلس

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 5 ص 131 الطبعة الأولى بإشراف ومراجعة الأستاذين الشيخ عبد الله محمد الصديق والشيخ عبد الحفيظ سعد عطية طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.

(2)

الآية رقم 48 من سورة النور.

(3)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ 5 ص 134 الطبعة السابقة.

ص: 289

أو تماجن في السجن استمع عليه الحجة وحكم عليه، وإن استخلف أحد الخصمين على خصومته رجلا، فلما أن رأى الحاكم أراد أن يحكم على خليفته نزعه من الخلافة فإنه قد زال من الخلافة ويحكم الحاكم على المدعى عليه بما تبين عنده من ذلك، فإن أفاق المجنون أو بلغ الطفل حين أراد أن يحكم على خليفته أو حين أراد أن يحكم لخليفته فإنه يحكم لصاحب الحق ويحكم على من كان عليه الحق منهما حين صحت عقولهما. وإن نزع الأب خليفة ابنه الطفل على الخصومة أو المجنون أو نزعت العشيرة خليفتهما على الخصومة أو نزع هؤلاء أنفسهم من الخلافة حين أراد الحاكم أن يحكم عليهم وحين أراد أن يحكم لهم فلا يحكم بعد ذلك حتى يستخلفوا لهما، وكذلك إن رجع الشئ الذي كان في الخصومة إلى الحاكم بالميراث أو بغيره فلا يحكم لنفسه ولا يحكم على نفسه ولا يحكم الحاكم أيضا في كل خصومة له فيها نصيب مثل مال الشركة مع غيره مفاوضا أو غير مفاوض أو مال كان له في القراض أو مال كان له في يد عبده أو المأذون له أو حق قد وكل عليه أو استخلف عليه مثل حق اليتيم أو المجنون أو ابنه الطفل أو ما كان في يده بالأمانات كلها ضمنها أم لم يضمنها

(1)

.

‌حكم امتناع الذمى من إعطاء الجزية وتنفيذ ما عاهدوا عليه

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع أنه لو امتنع الذمى من إعطاء الجزية لا ينتقض عهده لأن الامتناع يحتمل أن يكون لعذر العدم فلا ينتقض العهد بالشك والاحتمال وكذلك لو سب النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقض عهده لأن هذا زيادة كفر على كفر، والعقد يبقى مع أصل الكفر فيبقى مع الزيادة، وكذلك لو قتل مسلما أو زنى بمسلمة لأن هذه معاص ارتكبوها وهى دون الكفر في القبح والحرية، ثم بقيت الذمة مع الكفر فمع المعصية أولى

(2)

. قال صاحب البحر الرائق: وفى رواية مذكورة في واقعات حسام: أن أهل الذمة إذا امتنعوا عن أداء الجزية ينتقض العهد ويقاتلون وهو قول الثلاثة. قال صاحب البحر: ولا يخفى ضعفها رواية ودراية

(3)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإِكليل نقلا عن ابن رشد رضى الله تعالى عنه أن أصحاب مالك اتفقوا

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ 6 ص 580 وما بعدها إلى ص 582 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ 7 ص 113 الطبعة الأولى مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

(3)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق للإمام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم جـ 5 ص 124، ص 125 في كتاب على هامشه الحواشى المسماة بمنحة الخالق على البحر الرائق للأستاذ السيد محمد أمين الشهير بابن عابدين الطبعة الأولى طبع المطبعة العالمية بمصر.

ص: 290

على اتباع قوله في أن أهل الذمة إذا نقضوا العهد ومنعوا الجزية وخرجوا من غير عذر أنهم يصيرون حربا وعدوا فيسبون ويقتلون إلا على شروط أشهب رحمه الله تعالى، وما اتفق عليه مالك وأصحابه أصح في النظر، وذلك كالصلح ينعقد مع أهل الحرب على شروط فإذا لم يوفوا بها انتقض الصلح، وكمن اكترى دارا مشاهرة فإذا منع من الكراء أخرج من الدار، وقال ابن القاسم رحمه الله تعالى في ناس من أهل الذمة هربوا ليلا إلى أرض العدو فأدركتهم خيل المسلمين، وقد دخلوا أرض الحرب فادعوا أن هربهم خوفا من اقظلم وكانوا مجاورين لقوم من العرب أهل ظلم لمن جاورهم أرى أن يصدفوا ويردوا إلى جزيتهم فإن لم يأمن عليهم ظلم الذين هربوا منهم أو ظلم غيرهم من أشباههم فليخل سبيلهم يسيرون حيث أحبوا إلى أرض العدو وغيرها، قال أصبغ رحمه الله تعالى: وإن أشكل أمرهم فكذلك أيضا ولا يستحلوا حتى يتبين أنهم نقضوا أشرا على غير شئ من تحت إمام عدل، قال ابن رشد قول أصبغ تفسير لقول ابن القاسم وقال ابن شاس: ينتقض العهد بالتمرد على الأحكام ومنع الجزية. قال صاحب التاج والإِكليل: وينتقض بغصب حرة مسلمة، فقد قتل عمر رضى الله تعالى عنه نصرانيا اغتصب مسلمة، قال ابن حبيب رحمه الله تعالى: وصداقها في ماله والولد مسلم لا أب له ولو أسلم غاصبها لم يقتل لأن قتله للغصب لا للزنا، وقاله أصبغ رحمه الله تعالى، قال اللخمى: ووطؤه الأمة المسلمة بملك أو زنى غير نقض إن طاوعته وإلا فقال محمد رحمه الله تعالى لا يقبل إذ لا يقتل حر بعبد، قال اللخمى رحمه الله تعالى: ووطؤه الحرة المسلمة إن كان زنى طوعا منها ففى كونه نقضا قولا ربيعة وإن كان بنكاح فغير نقض مطلقا، وقال ابن نافع رضى الله تعالى عنه: إن غرها فنقض ويضرب عنقه. قال سحنون رضى الله تعالى عنه: وإن وجدنا بأرض الإسلام ذميا كاتب لأهل الشرك بعورات المسلمين قتل ليكون نكالا لغيره، قال ابن شاس رحمه الله تعالى: وإن تعرض أحد منهم لرسول صلى الله عليه وسلم أو لغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالسب وجب عليه القتل إلا أن يسلم، وقال عياض رحمه الله تعالى في آخر كتاب الشفاء: وإذا صرح الذمى بسب النبي صلى الله عليه وسلم أو عرض أو وصفه بغير الوجه الذي كفر به فلا خلاف عندنا في قتله إن لم يسلم. قال ابن القاسم رحمه الله تعالى في ذمى قال إن محمدا لم يرسل إلينا وإنما أرسل إليكم: لا شئ عليه، وأما إن سبه فقال ليس بنبى أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن وإنما هو شئ تقوله ونحو هذا فيقتل

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج أن أهل الذمة لو قاتلونا من غير شبهة أو امتنعوا تغلبا من بذل الجزية التي عقد بها لغير عجز وإن كانت أكثر من دينار، أو امتنعوا من إجراء حكم الإسلام عليهم انتقض عهد الممتنع، وإن لم يشرط عليه ذلك لإِتيانه بنقيض عهد الذمة من كل وجه، أما الموسر الممتنع بغير نحو قتال فتؤخذ

(1)

التاج والإكليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق جـ 3 ص 385، ص 386 في كتاب على هامشه مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد لله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الأصل الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.

ص: 291

منه قهرا ولو قاتل بشبهة أو دفعا للصائلين أو قطاع الطريق لم ينتقض، ولو زنى ذمى بمسلمة أو لاط بمسلم أو أصابها بصورة نكاح مع علمه بإسلامها فيهما - ومثل الزنا مقدماته كما قال الناشرى - أو دل أهل الحرب على عورة للمسلمين كضعف، أو فتن مسلما عن دينه أو دعاه لكفر أو طعن في الإسلام أو القرآن أو ذكر جهرا لله تعالى أو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو نبيا بسوء مما لا يتدينون به أو قتل مسلما عمدا أو قذفه، فالأصح أنه إن شرط انتقاض العهد بها انتقض بمخالفته الشرط، وإن لم يشترط ذلك ومثله ما لو شك هل شرط أو لم يشرط في الأوجه، فلا ينتقض لانتفاء إخلالها بمقصود العقد. وهذا هو المعتمد وإن صح في أصل الروضة عدم النقض مطلقا، وسواء انتقض أم لا نقيم عليه موجب فعله من حد أو تعزير، فلو رجم وقلنا بانتفاضه صار ماله فيئا، أما ما يتدين به كزعمهم أن القرآن ليس من عند الله أو أن الله ثالث ثلاثة فلا نقض به مطلقا قطعا، ومن انتقض عهده بقتال جاز بل وجب دفعه به وقتاله. ولا يبلغ المأمن لعظم خيانته ومن ثم جاز قتله وإن أمكن دفعه بغيره كما يظهر من كلامهم، ويتجه أيضا أن محله في كامل ففى غيره يدفع بالأخف لأنه إذا اندفع به كان مالا للمسلمين، ففى عدم المبادرة إلى قتله مصلحة لهم فلا يفوت عليهم، ومن انتقض عهده بغير قتال لم يجب إبلاغه مأمنه في الأظهر، بل يختار الإمام فيه إن لم يطلب تجديد عقد الذمة وإلا وجبت إجابته قتلا ورقا ومنا وفداء لأنه حربى أبطل أمانه، وبه فارق من دخل بأمان نحو صبى ظنه أمانا، ولا ينافى هذا قولهما في الهدنة من دخل دارنا بأمان أو هدنة لا يقاتل وإن انتقض عهده بل يبلغ المأمن مع أن حق الذمى آكد؛ لأن جناية الذمى أفحش لمخالطته لنا خلطة ألحقته بأهل الدار، فغلظ عليه أكثر، فإن أسلم من انتقض عهده قبل الاختيار امتنع الرق والقتل والفداء، بخلاف الأسير لأنه لم يحصل في يد الإمام بالقهر، وله أمان متقدم فخف أمره، والحاصل أنه يتعين المن، وإذا بطل أمان رجال حصل بجزية أو غيرها لم يبطل أمان ذراريهم من نحو نسائهم والصبيان في الأصح لانتفاء جناية منهم ناقضة أمانهم، وإنما تبعوا في العقد دون النقض تغليبا للعصمة فيهما، والقول الثاني المقابل للأصح: يبطل تبعا لهم كما تبعوهم في الأمان، ورد بما مر، ولو طلبوا دار الحرب أجيب النساء دون الصبيان إذ لا اختيار لهم، وإذا اختار ذمى نبذ العهد واللحوق بدار الحرب بلغ المأمن وهو المحل الذي يأمن فيه على نفسه وماله من أقرب بلادهم لعدم ظهور جناية منه

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أنه ينبغى للإِمام عند عقد الهدنة أن يشترط عليهم شروطا نحو ما شرطه عمر رضى الله تعالى عنه، فمتى لم يوجد الشرط زال حكم العقد كما لو امتنع من التزام الأحكام، وذكر القاضي والشريف أبو جعفر رضى الله تعالى عنهما أن الشروط قسمان:

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصرى الأنصارى الشهير بالشافعى الصغير جـ 8 ص 98، ص 99 في كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على بن الشبراملسى، وعلى هامشه حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ سنة 1938 م.

ص: 292

أحدهما: ينتقض العهد بمخالفته وهو أحد عشر شيئا: الامتناع من بذل الجزية، وجرى أحكامنا عليهم إذا حكم بها حاكم، والاجتماع على قتال المسلمين والزنا بمسلمة؛ وإصابتها باسم نكاح، وفتن مسلم عن دينه؛ وقطع الطريق عليه، وقتله، وإيواء جاسوس المشركين؛ والمعاونة على المسلمين بدلالة من المشركين على عوراتهم أو مكاتبتهم. وذكر الله تعالى أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء؛ فالخصلتان الأوليان ينتقض العهد بهما بلا خلاف في المذهب وهو مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه؛ وفى معناهما قتالهم للمسلمين منفردين أو مع أهل الحرب لأن إطلاق الأمان يقتضى ذلك، فإذا فعلوه نقضوا الأمان لأنهم إذا قاتلونا لزمنا قتالهم وذلك ضد الأمان وسائر الخصال فيها روايتان: الرواية الأولى منهما: أن العهد ينتقض بها سواء شرط عليهم ذلك أو لم يشترط، وظاهر مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه قريب من هذا إلا أن ما لم يشترط عليهم لا ينتقض العهد بتركه ما خلا الخصال الثلاثة الأولى فإنه يتعين شرطها وينتقض العهد بتركها بكل حال، وقال أبو حنيفة لا ينتقض العهد إلا بالامتناع من الإمام على وجه لا يتعذر معه أخذ الجزية منهم، ويدل لنا مع ما ذكرناه ما روى أن عمر رضى الله تعالى عنه رفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا فقال ما على هذا صالحناكم وأمر به فصلب في بيت المقدس، ولأن فيه ضررا على المسلمين فأشبه الامتناع من بذل الجزية وكل موضع قلنا لا ينتقض عهده فإنه إن فعل ما فيه حد أقيم عليه حده أو قصاصه، وإن لم يوجب حدا عذر ويفعل به ما ينكف به أمثاله عن فعله فإن أراد أحد منهم فعل ذلك كف عنه فإن مانع بالقتال نقض عهده، ومن حكمنا بنقض عهده منهم خير الإمام فيه بين أربعة أشياء القتل والاسترقاق والفداء والمن كالأسير الحربى لأنه كافر قدرنا عليه في دارنا بغير عهد ولا عقد ولا شبهة فأشبه اللص الحربى؛ ويختص ذلك به دون ذريته لأن النقض إنما وجد منه دونهم فاختص به كما لو أتى ما يوجب حدا أو تعزيرا

(1)

. قال صاحب الشرح الكبير: ويجوز أن يشترط الإمام عليهم في عقد الذمة ضيافة من يمر بهم من المسلمين لما روى الإمام أحمد رضى الله تعالى عنه بإسناده عن الأحنف بن قيس أن عمر رضى الله تعالى عنه شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة وأن يصلحوا القناطر، قال القاضي رحمه الله تعالى: وإذا شرط عليهم الضيافة فإنه يشترط أن يبين أيام الضيافة وعدد من يضاف من الرجالة والفرسان فيقول تضيفون في كل سنة مائة يوم في كل يوم عشرة من المسلمين من خبز كذا وأدم كذا وللفرس من الشعير كذا ومن التبن كذا لأنه من الجزية فاعتبر العلم به كالنقود، فإن شرط الضيافة مطلقا صح في الظاهر لأن عمر رضى الله تعالى عنه شرط عليهم ذلك من غير عدد ولا تقدير، قال أبو بكر رحمه الله تعالى: وإذا أطلق مدة الضيافة فالواجب يوم وليلة لأن ذلك الواجب على المسلمين، ولا يكلفون الذبيحة ولا أن يضيفوهم بأرفع من طعامهم لأنه يروى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه اشتكى إليه

(1)

المغني للإمام موفق الدين أبى عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ 10 ص 606 وما بعدها إلى ص 609 في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

ص: 293

أهل الذمة أن المسلمين يكلفونهم الذبيحة فقال أطعموهم مما تأكلون. وقال الأوزاعى رضى الله تعالى عنه: ولا يكلفون الذبيحة ولا الشعير، وقال القاضي: إذا وقع الشرط مطلقا لم يلزمهم الشعير، ويحتمل أن يلزمهم ذلك للخيل لأن العادة جارية به فهو كالخبز للرجل. فإن امتنع بعضهم من القيام بما يجب عليه أجبر عليه، فإن امتنع الجميع أجبروا، فإن لم يمكن إلا بالقتال قوتلوا، فإن قاتلوا انتقض عهدهم

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال صاحب المحلى: ولا يقبل من كافر إلا الإسلام أو السيف، الرجال والنساء في ذلك سواء ماشا أهل الكتاب خاصة وهم اليهود والنصارى والمجوس فقط فإنهم أن أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصغار. والصغار هو أن يجرى حكم الإِسلام عليهم، وأن لا يظهروا شيئا من كفرهم ولا مما يحرم في دين الإسلام، قال الله عز وجل:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ}

(2)

، ويجمع الصغار شروط عمر رضى الله تعالى عنه عليهم. فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء في شرح الأزهار وحواشيه أنه لا خلاف في أن عهد أهل الذمة ينتقض بابتدائهم لنا بالنكث للعهد بقول أو فعل، أما القول فنحو أن يقولوا نحن براء من العهد الذي بيننا وبينكم في المؤبد والمؤقت، أو قد نقضنا العهد، أو الزموا حذركم منا أو نحو ذلك، وأما الفعل فنحو أن يأخذوا السلاح ويتأهبوا لقتال المسلمين عموما أو خصوصا لأجل الإِسلام، أو يأخذوا شيئا من أموال المسلمين على جهة القهر والمغالبة أو نحو ذلك مثل إيواء الجاسوس ومكاتبتهم إلى غيرهم من أهل الحرب، لكن ذلك كله لا يكون نقضا لعهدهم جميعا إلا حيث يحصل هذا النكث بالقول أو بالفعل من جميعهم أو من بعضهم ولو واحدا ورضى به الباقون أو سكتوا عن الناكثين، وأما إذا كره الباقون النكث وباينوا الناكث لم يكن نقضا لعهد المستمسك منهم، والمباينة إما بقتال الناكث معنا أو بإظهار البراءة منه والعزم على القيام عليه مع المسلمين. ولا ينتقض عهدهم بضربهم الناقوس، وإظهار معتقدهم أن الله ثالث ثلاثة، ودعاء المسلمين إلى الخمر، وركوب الخيل ونحوها مما لا ضرر فيه، بل يعزرون، ولو شرط الإمام النقض بذلك لم ينتقض بل يحمل على التخويف؛ إذ لا دليل على أنها موجبة للنقض، وأما الذمى إذا سب نبينا صلى الله عليه وسلم وكذب القرآن العظيم فقال الهادى والناصر والإمام يحيى إنه يكون نقضا لعهده، فيقتل، وقال المؤيد بالله: لا يكون نقضا بل يؤدب، وأما إذا قال إن محمدا رسول الله ليس بنبى، أو أن الله ثالث ثلاثة، أو عزير ابن الله، فإنه لا يقتل بذلك لأنه دينهم الذي صولحوا عليه وإن لم يقع النكث من جميعهم انتقض عهد من امتنع من الجزية إن تعذر إكراهه على تسليمها إلا أن يكون التعذر بقوة أحد

(1)

الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى جـ 10 ص 607 وما بعدها إلى ص 609 في كتاب أعلام المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 39 من سورة الأنفال.

(3)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى جـ 7 ص 345 وما بعدها إلى ص 347 مسألة رقم 958 الطبعة الأولى بتحقيق الشيخ عبد الرحمن الجزير طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1349 هـ.

ص: 294

من فساق المسلمين، فلا يكون ناكثا، وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه: بل ينتقض عهده بمجرد الامتناع من الجزية فيقتل أو يسترق. قيل: أو نكح مسلمة أو زنى بها فإنه ينتقض عهده بذلك، أو قتل مسلما أو فتنه عن دينه إما بالتوعد بما لا يباح من قتل أو ضرب أو أخذ مال مجحف، قال عليه السلام: أو بتزيين دينه وذم دين الإسلام ووصفه بالبطلان لأنه كذم النبي صلى الله عليه وسلم، أو دل على عورته نحو أن يدل لصا أو سارقا على مال ليأخذه باطلا أو يدل باغيا عليه فيقتله ونحو ذلك، أو قطع طريقا من طرق المسلمين أو الذميين فإنه متى فعل أي ذلك انتقض عهده فيجوز قتله أو استرقاقه، ذكر هذه الأمور وانتقاض العهد بها الناصر وزيد بن علي رضى الله تعالى عنهما، ولا نص لأهل المذهب فيها، قال مولانا عليه السلام: والأقرب أن أهل المذهب لا يحكمون بانتقاض العهد بذلك، بل يحكمون بإجراء الحد على من زنى، والقصاص على من قتل، والناكح للمسلمة زان مع العلم، وأما الفاتن عن الدين فهو بمنزلة الساب للرسول صلى الله عليه وسلم في انتقاض عهده فيقتل أو يسترق ولو في غير زمن الإمام، والدال على العورة يعزر، وقاطع الطريق يجرون عليه حكم المحارب

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء في شرائع الإِسلام أن شرائط الذمة ستة: الأول منها قبول الجزية. الثاني: أن

لا يفعلوا ما ينافى الأمان مثل العزم على حرب المسلمين أو إمداد المشركين، فإذا خالفوا هذين الشرطين خرجوا عن الذمة، الثالث: أن لا يؤذوا المسلمين كالزنى بنسائهم، واللواط بصبيانهم، والسرقة لأموالهم، وإيواء عين المشركين والتجسس لهم، فإن فعلوا شيئا من ذلك وكان تركه مشترطا في الهدنة كان نقضا، وإن لم يكن مشترطا كانوا على عهدهم وفعل بهم ما يقتضيه جنايتهم من حد أو تعزير. ولو سبوا النبي صلى الله عليه وسلم وآله، قتل الساب، ولو نالوه بما دونه عزروا إذا لم يكن شرط عليهم الكف. الرابع من الشروط: أن لا يتظاهروا بالمناكير كشرب الخمر والزنى وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات، فإن تظاهروا بذلك نقض العهد، وقيل: لا ينتقض بل يفعل معهم ما يوجبه شرع الإِسلام من حد أو تعزير. الخامس: أن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوسا فإن خالفوا عزروا، ولو كان مشترطا في العهد انتقض. السادس: أن يجرى عليهم أحكام الإِسلام

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في جوهر النظام أن أهل الذمة إن بذلوا الجزية كانت لهم ذمة بذلك ولو لم يسلموا، وإن نقضوا الذمة حوربوا، فإذا ما حاربوا سبوا وقسمت أموالهم غنيمة

(3)

.

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح جـ 4 ص 569 وما بعدها إلى ص 571 في كتاب أسفله مجموعة حواشيه الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1358 هـ.

(2)

شرائع الإسلام في الفقه الإسلامي الجعفرى للإمام المحقق الحلى جـ 1 ص 154، ص 155 بإشراف العلامة الشيخ محمد جواد مغنية من منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت.

(3)

جوهر النظام في علمى الأديان والأحكام لابن حميد السالمى ص 603، ص 604.

ص: 295

الأعلام

ص: 297

روعى في ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأَب وأَم وال التعريف.

وما نشر من الاعلام بالأَجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إِلى موضعه فيها.

ص: 298

روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن واب وأم وآل التعريف

وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها

ص: 298

الأعلام

‌حرف الألف

‌آدم الخرسانى - (المتوفى سنة 220 هـ)

انظر الجزء الأول ص 247

‌الآجرى (توفى سنة 360 هـ):

محمد بن الحسين بن عبد الله أبو بكر الآجرى، فقيه شافعى محدث، نسبته إلى آجر من قرى بغداد. ولد فيها وحدث ببغداد ثم انتقل إلى مكة فتنسك وتوفى بها، له تصانيف كبيرة منها كتاب الشريعة وأخلاق العلماء وكتاب الأربعين حديثا.

‌الآبى (توفى سنة 827 هـ) انظرجـ 1 ص 247 أبان بن سعيد بن العاص (توفى سنة 13 وقيل سنة 27 هـ):

صحابى. ابان بن سعيد بن العاصى بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى قال البخارى وأبو حاتم الرازى وابن حبان له صحبة وكان أبوه من أكابر قريش وله أولاد نجباء وقد أسلم أبان أيام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم فأرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ذكر جميع ذلك الواقدى ووافقه أهل العلم؛ الأخبار وهو المشهور وخالفهم ابن إسحاق فعد أبان فيمن هاجر إلى الحبشة ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية، وفى البخارى وأبى دواد عن أبى هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان بن سعيد بن العاص على سرية قبل نجد فقدم هو وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر "الحديث، وقال الواقدى حدثنا إبراهيم بن جعفر عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبان بن سعيد على البحرين ثم قدم أبان على أبى بكر وسار إلى الشام فقتل يوم أجنادين سنة ثلاث عشرة قاله موسى بن عقبة وأكثر أهل النسب وقال ابن إسحاق قتل يوم اليرموك ووافقه سيف بن عمر في الفتوح وقيل قتل يوم مرج السفر حكاه البرقى وقال أبو حسان الزيادي مات سنة 27 هـ في خلافة عثمان.

‌الأجهورى: جـ 3 ص 325

الإِمام أحمد: انظر "ابن حنبل" جـ 1 ص 255

‌أحمد بن عيسى (توفى سنة 221 هـ)

ـ:

ابن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب من مالك بن عامر يكنى أبا جعفر القمى وأول من سكن قم من آبائه سعد بن مالك الأحوص وكان السائب بن مالك وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر إلى الكوفة وأقام بها وأبو جعفر شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع ولقى أبى الحسن الرضا عليه السلام وصنف كتابا منها كتاب فضل النبي صلى الله عليه وسلم. كتاب المتعة. كتاب النوادر.

الشيخ أحمد الزرقانى. انظر الزرقانى جـ 5 ص 370

الأخفش: انظر جـ 1 ص 248

‌ابن إدريس توفى سنة 192 هـ:

أبو محمد عبد الله بن إدريس الأردنى الكوفى الحافظ العابد، روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته وقد روى عن مالك مع تقدمه وإجلاله، قال أحمد بن حنبل: كان عبد الله بن إدريس نسيج وحده، وقال أبو هاشم: هو أمام من أئمة المسلمين وقال غيره: لم يكن بالكوفة أعبد منه عاش اثنتين وسبعين سنة.

الأذرعى: انظر جـ 1 ص 248

‌الاردبيلى توفى سنة 799 هـ:

جمال الدين يوسف الأردبيلى من فقهاء الشافعية له كتاب الأنوار لأعمال الأبرار مع حاشية الكمثرى.

‌أروى بنت البيضاء بن عبد المطلب (توفيت سنة 15 هـ)

أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس العبشمية والدة عثمان بن عفان واسم أمها البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها ابن أبي عاصم في

ص: 299

الوجدان وأخرج هو والحاكم من طريق فيها ضعف عن الزهرى عبد عبيد الله بن عبد الله بن عتية عن إبن عباس قال أسلمت أم عثمان وأم طلحة وأم عمار وأم أبى بكر وأم الزبير وأم عبد الرحمن بن عوف قال ابن مندة ماتت في خلافة عثمان بن عفان ولا يعرف لها حديث قال ابن سعد تزوجها عفان بن أبى العاصى فولدت له عثمان وآمنة ثم تزوجها عقبة بن أبى معيط فولدت له الوليد وعمارة وخالد وأم كلثوم وأم حكيم وهندا وأسلمت أروى وهاجرت بعد ابنتها أم كلثوم وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تزل بالمدينة حتى ماتت ووجد بخط البحترى: توفيت أم عثمان ولها تسعون سنة فحمل عثمان سريرها وصلى عليها وأخرج ابن سعد بسند فيه الواقدى إلى عبد الله بن حنظلة بن الراهب شهدت أم عثمان يوم ماتت فدفنها ابنها بالبقيع ورجع وقد صلى الناس فصلى وحده وصلينا إلى جنبه فسمعته وهو ساجد يقول: اللهم ارحم أمى اللهم اغفر لأمى وذلك في خلافته ومن طريق عيسى بن طلحة رأيت عثمان حمل سرير أمه بين عمودين من دار عطيس فلم يزل حتى وضعها بموضع الجنائز قال ورأيته بعد أن دفنها قائما على قبرها يدعو لها.

‌الأزرقى (توفي سنة 250 هـ)

محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق، أبو الوليد الأزرقى، مؤرخ، يماني الأصل، من أهل مكة. له:"أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار" جزءان.

أسامة بن زيد: انظر جـ 1 ص 248

‌أسد بن الفرات (توفى سنة 214 هـ:

أسد بن الفرات بن سنان مولى بنى سليم أبو عبد الله قاضى القيروان وأحد القادة الفاتحين نشأ بالقيروان ثم بتونس ورحل إلى الشرق في طلب الحديث وكان صاحب رأى صنف الأسدية في الفقه المالكى وتوفى من جراحات أصابته في إحدى المعارك.

الإسفراييني في توفى سنة 418 هـ:

انظر جـ 1 ص 248

الاسنوى (توفى سنة 772 هـ):

انظر جـ 1 ص 249

‌اصبغ (المتوفى سنة 225 هـ):

اصبغ بن الفرج أبو عبد الله المصرى مفتى أهل مصر أخذ عن ابن وهب وابن القاسم وتصدر للاشتغال بالحديث قال ابن معين كان من أعلم خلق الله كلهم برأى مالك يعرفه مسألة مسألة، متى قالها مالك ومن خالفه فيها. وقال بعضهم ما أخرجت مصر مثل إصبغ وقد كان نكر للقضاء بمصر وله تصانيف حسان.

الأصطخرى (توفى سنة 328 هـ: انظر جـ 1 ص 249

الأصفهانى (توفى سنة 688 هـ):

انظر جـ 3 ص 337.

‌الأصمعى:

عبد الله بن قريب بن علي بن اصمع الباهلى أبو سعيد الأصمعى، راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان، مولده ووفاته بالبصرة، له تصانيف كثيرة في اللغة والشعر من الأصمعيات.

أطفيش توفى سنة 1332 هـ: انظر جـ 1 ص 249

‌ابن الأعراب (توفى سنة 231 هـ):

محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابى أبو عبد الله: راوية ناسب علامة باللغة من أهل الكوفة، قال ثعلب: شاهدت مجلس ابن الاعرابى وكان يحضره زهاء مائة إنسان كان يسأل ويقرأ عليهم فيجيب من غير كتاب، ولقد أملى على الناس ما يحمل على إجمال، مات بسامراء له تصانيف كثيرة.

الأعرج (نوفى سنة 727 هـ) انظر جـ 3 ص 336

إمام الحرمين (توفى سنة 478 هـ): انظر جـ 1 ص 249

أبو امامة الباهلى: انظر جـ 4 ص 360

أبو امامه اليتمى: التابعى ويقال أبو أميمة روى عن عمر بن الخطاب وروى عنه شعبة والعلاء بن المسيب والحسن بن عمرو الفقيمى قال يحيى بن

ص: 300

معين هو ثقة لا يعرف اسمه وقال أبو زرعه هو كوفى لا بأس به.

أنس بن مالك (توفى سنة 93 هـ): انظر جـ 1 ص 249

الأوزاعى توفى سنة 157 هـ: انظر جـ 1 ص 249

‌الأوزجندى:

محمود بن عبد العزيز شمس الأئمة الأوزجندى جد قاضيخان تفقه على السرخسى.

إياس بن عبد: إياس بن عبد المزنى الكوفى وقيل الحجازى روى حديث النهى عن بيع الماء ووقع في المهذب باياس بن عمرو وفى رواية الترمذى إياس بن عبد الله وكلاهما خطأ.

‌حرف الباء

الباجى توفى سنة 474 هـ: انظر جـ 1 ص 250

‌الباقلانى توفى سنة 403 هـ:

محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر أبو بكر قاض من كبار علماء الكلام انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة كان جيد الاستنباط سريع الجواب من كتبه إعجاز القرآن والإنصاف وغيره.

البخارى (توفى سنة 256 هـ): انظر جـ 1 ص 250

البدخشى: انظر جـ 2 ص 345

برهان الدين - توفى سنة 616 هـ: انظر جـ 1 ص 250

‌بريد بن معاوية المجلس - توفى سنة 250 هـ

بريد بن معاوية المحلى أبو القاسم وقد عد من أصحاب الباقر وأخر من أصحاب الصادق، ومات في حياة أبى عبد الله وجه من وجوه الأمامية وفقيه له محل عند الأئمة.

‌البزدوى - توفى سنة 482 هـ:

على بن محمد بن الحسين عبد الكريم أبو الحسين فخر الإسلام البزدوى فقيه أصولى من أكابر الحنفية من سكان سمرقند نسبته إلى يزدة قلعة يقرب نسف له تصانيف منها المبسوط، وكنز الوصول في أصول الفقه يعرف بأصول البزدوى.

ابن بشير - توفى سنة 198 هـ: انظر جـ 4 ص 361

‌ابن بطة - توفى سنة 387 هـ:

عبيد الله محمد بن حمدان أبو عبد الله العتبرى المعروف بابن بطة عالم بالحديث فقيه من كبار الحنابلة من أهل عتبرا مولدًا ووفاة، رحل إلى مكة والثغور والبصرة وغيرها في طلب الحديث ثم لزم بيته أربعين سنة وصنف كتبه وهى تزيد على مائة، منها الإبانة في أصول الديانة والسنن والأفكار على من قضى يكتب الأولى والتفرد والعزلة وفى رثائة البيت المشهور من قصيدة لتلميذه ابن شهاب. هيهات أن يأتى الزمان يمثله. أن الزمان بمثله لنخيل.

أبو بكر الصيديق: توفى سنة 13 هـ.

‌أبو بكر الفارسى:

من أئمة أصحابنا الشافعية وكبارهم ومتقدميهم وأعلامهم وهو الامام أبو بكر أحمد بن الحسين بن سهل الفارس تفقه على ابن العباس ابن سريج.

‌بلال - تتوفى سنة 60 هـ:

ابن الحارث بن عصم بن سعيد بن قرة بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور أبو عبد الرحمن المزنى من أهل المدينه أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم العقيق وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح وكان يسكن وراء المدينة ثم تحول إلى البصرة أحايثة في السنن وصحيحى ابن خزيمة وابن حبان.

ابن البناء: توفى سنة 721 هـ: انظر جـ 4 ص 338

البيضاوى - توفى سنة 685 هـ: انظر جـ 1 ص 251

‌ابن البيطار - توفى سنة 646 هـ:

عبد الله بن أحمد المالقى أبو محمد ضياء الدين المعروف بابن البيطار أمام النباتيين وعلماء الأعشاب ولد في مالقة وتعلم الطب ورحل إلى بلاد الأغارقة وأقصى الروم باحثا عن الأعشاب والعارفين بها حتى كان الحجة في معرفة أنواع النبات وتحقيقه وصفاته وأسمائه وأماكنه واتصل بالكامل الأيوبى محمد بن أبى بكر فجعله رئيس العشابين في الديار المصرية ولما توفى الكامل استبقاه ابنه الملك الصالح

ص: 301

أيوب وحظى عنده واشتهر شهرة عظيمة وهو صاحب كتاب الأدوية المفردة ط في مجلدين، المعروف بمفردات ابن البيطار وله المغنى في الأدوية المفردة خ مرتب على مداواة الأعضاء وميزان الطبيب خ توفي في دمشق.

البيهقى - توفى سنة 458 هـ: انظر جـ 1 ص 251

‌حرف التاء

الترمذى - توفى سنة 295 هـ: انظر جـ 1 ص 251

‌الشيخ تقى الدين:

هو عبد الله بن أحمد بن تمام الشيخ الإمام الأديب تقى الدين الصالحى الحنبلى أخو الشيخ القدوة محمد بن تمام كان فاضلا زاهدا ورعا معرضا عما أغرى بالناس من الرياسة وكان حسن البزة مع الزهد والقناعة حبرا نزها محبوبا إلى الفضلاء مليح المحاسن حسن العشرة سمع من ابن فهيرة والمرسى والبلدانى.

التلسانى - توفى سنة 771 هـ: انظر جـ 1 ص 251

‌تميم الدارى - توفى سنة 40 هـ:

تميم بن أوس بن خارجة الدارى أبو رقية، صحابى، نسبته إلى الدار ابن هانئ من لخم، أسلم سنة تسع هجرية، وكان يسكن المدينة ثم انتقل إلى الشام بعد مقتل عثمان فنزل بيت المقدس وهو أول من أسرج السراج بالمسجد، روى له البخارى ومسلم، وكان عابد أهل فلسطين ومات بها.

التميمى - توفى سنة 262 هـ: انظر جـ 3 ص 339

ابن تيمية - توفى سنة 728 هـ: انظر جـ 1 ص 251

‌حرف الثاء

‌ثابت بن الاقرم:

(صحابى): ابن اقرم بن ثعلبة بن عدى بن العجلان البلوى حليف الأنصار وروى الواقدى عن أبى هريرة قال شهدت مؤتة فقال لى ثابت بن أقرم إنك لم تشهدنا ببدر إننا لم ننصر بالكثرة اتفق أهل المغازى على أن ثابت بن أقرم قتل في عهد أبى بكر قتله طليحة بن خويلد الأسدى.

الثعالبى - توفى سنة 875 هـ: انظر جـ 1 ص 251

‌ابن الثلجى - توفى سنة 366 هـ:

محمد بن شجع بن الثلجى البغدادى أبو عبد الله. فقيه العراق في وقته من أصحاب أبى حنيفة وهو الذي شرح فقهه واحتج له وقواه بالحديث وكان فيه ميل إلى المعتزلة.

الثورى - توفى سنة 161 هـ: انظر جـ 1 ص 252

‌حرف الجيم

‌جابر بن زيد - توفى سنة 93 هـ:

جابر بن زيد الأزدى البصرى أبو الشعثاء، تابعى فقيه من أهل البصرة أصله من عمان

جابر بن عبد الله - توفى سنة 578: انظر جـ 1 ص 252

الجرجانى - توفى سنة 816 هـ: انظر جـ 1 ص 202

‌الجرجانى توفى سنة 398 هـ:

أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مهدى الجرجانى، فقيه حنفى عده المرغينانى صاحب الهواية من أصحاب التخريج، وتفقه عليه أبو الحسين القدورى، كما تفقه هو على أبى بكر الرازى، دفن إلى جوار قبر أبى حنيفة.

‌جرير البجلى: "صحابى" توفى سنة 51 هـ:

جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نضرة بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن خزيمة بن حرب بين على البجلى الصحابي الشهير، يكنى أبا عمرو وقيل يكنى أبا عبد الله، قدمه عمر بن الخطاب رضى الله عنه في حروب العراق على جميع بجيلة، وكان لهم أثر عظيم في فتح القادسية، روى عنه من الصحابة أنس بن مالك، سكن جرير الكوفة ثم قرقيسيا حتى مات سنة 51 هـ، وقيل سنة 54 هـ.

أبو جعفر الإمامى هـ: انظر جـ 2 ص 347

أبو جعفر الهندوانى - توفى 362 هـ: انظر جـ 1 ص 253

جلال الدين المحلى - توفى 864 هـ: انظر جـ 1 ص 253

‌أبو جندل بن سهيل - توفى سنة 18 هـ:

أبو جندل بن سهيل بن عمرو القرشي العامرى الصحابي كان من السابقين إلى الإسلام وممن عذب بسبب إسلامه ثبت ذكره في البخارى في قصة الحديبية.

ص: 302

‌الجورى:

على بن الحسين القاضي أبو الحسن الجورى بضم الجيم ثم الواو الساكنة ثم الراء بلدة من فارس أحد الأئمة من أصحاب الوجوه لقى أبا بكر النيسابورى وحدث عنه وعن جماعة ومن تصانيفه كتاب المرشد في شرع مختصر المزنى أكثر عنه ابن الرفعة والوالد رحمهما الله تعالى النقل ولم يطلع عليه الرافعى ولا النووى رحمهما الله تعالى، وقد أكثر فيه من نكر أبى على بن أبى هريرة وأحزابه وذكر ابن الصلاح أنه وقف على كتاب له اسمه الموجز على ترتيب المختصر يشتمل على حجاج مع الخصوم اعتراضا وجوابا.

الجوهرى توفى 392 هـ: انظر جـ 2 ص 62

ابن جنيد - نوفى 381 هـ: انظر جـ 1 ص 253

‌حرف الحاء

ابن الحاجب توفى 646 هـ: انظر جـ 1 ص 253

‌ابن حارث - توفى 371 هـ

محمد بن حارث بن أسد الحافظ أبو عبد الله الحسنى القيروانى المغربى تحمل عن أحمد بن نصر وأحمد بن زياد وقاسم بن أصبغ بالأندلس، من تأليفه: الاتفاق والاختلاف شفى مذهب مالك وكتاب الفتيا وكتاب تاريخ الاندلسيين وروى عنه أبو بكر بن حومل وغيره.

الحارثى - توفى 711 هـ: انظر جـ 1 ص 253

‌الحاكم - توفى 405:

هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابورى ولد سنة 321 هـ ولقب به بالحاكم لتوليه قضاء نيسابور سنة 359 هـ في أيام الدولة السلمانية. تفقه في المذهب الشافعي ثم طلب الحديث وغلب عليه وصنف في علومه ما يبلغ ألفا وخمسمائة جزء ومن أشهرها كتاب "المستدرك على الصحيحين" ولكن أخذ عليه تساهله فيه رغم أنه كان من الحفاظ البارعين وفيل إنه كان قد سوده لينقحه فعاجلته المنية قبل تنقيحه وتبييضه.

ابن حامد: انظر جـ 2 ص 348

الشيخ أبو حامد: انظر الغزالى جـ 1 ص 270

أم حبيبة بنت جحش: انظر جـ 5 ص 366

ابن حجر العسقلانى - توفى 852: انظر جـ 1 ص 254

‌حرمى بن عمارة - توفى سنة 201 هـ:

حرمى "بفتح الحاء المهملة والراء وياء مشددة" ابن عمارة - بضم العين - ابن أبي حفصة البصرى، روى عنه قرة بن خالد وشعبة.

ابن حزم الظاهرى: توفى سنة 456 هـ انظر جـ 2 ص 254

الحسن: انظر جـ 2 ص 349

الحسن البصرى - توفى 110 هـ: انظر جـ 1 ص 254

‌الحسن بن سعيد - توفى 579 هـ:

الحسن بن سعيد بن عبد الله بن بندار أبو على الشاتانى، فقيه غلب عليه الشعر فأجاد، في شاتان من نواحى ديار بكر واليها نسبته، وانتقل إلى الموصل فتوفى فيها.

الحسن بن علي: انظر "الحسن" جـ 2 ص 349

الحسين بن علي - توفى 561: انظر جـ 3 ص 341

‌الحصيرى - توفى سنة 636 هـ:

محمود بن أحمد بن عبد السيد بن عثمان أبو المحامد انتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه مولده في بخارى ونسبته إلى محله كان يعمل فيها الحصير، من كتبه التحرير في شرع الجامع الكبير والطريقة الحصيرية في الخلاف بين الشافعية والحنفية.

الحطاب - توفى 954 هـ: انظر جـ 1 ص 254

‌حفصة - توفيت سنة 45 هـ:

أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة اثنتين من الهجرة، وكانت ولادتها قبل البعثة بخمس سنوات، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنها كثيرون منهم أخوها عبد الله، ماتت في زمن معاوية.

الحكم بن عمر - توفى 50 هـ: انظر جـ 1 ص 255

‌حكيم بن حزام:

حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى الأزدى بن أخى خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسم أمه صفيه وقيل فاخته وقيل زينب بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى ويكنى أبا خالد له حديث في الكتب الستة روى عنه ابنه حزام وعبد الله بن الحارث بن نوفل وسعيد بن المسيب وموسى بن طلحة وعروة وغيرهم، قال موسى بن عبة عن أبى حبيبة مولى الزبير سمعت حكيم بن حزام يقول ولدت قبل الفيل بثلاث عشرة سنة وأعقل حين أراد عبد المطلب أن يذبح

ص: 303

عبد الله ابنه وحكى الواقدى نحوه وزاد ذلك قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين وحكى الزبير بن بكار أن حكيما ولد في جوف الكعبة قال وكان من سادات قريش وكان صديق النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعث وكان يوده ويحبه بعد البعثة ولكنه تأخر إسلامه حتى أسلم عام الفتح وثبت في السيرة وفى الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن وكان المؤلفة قلوبهم وشهد حنينا وأعطى من غنائمها مائة بعير ثم حسن إسلامه وكان قد شهد بدرًا مع الكفار ونجا مع من نجا قال الزبير: جاء الإسلام وفى يد حكيم الرفادة وكان يفعل المعروف ويصل الرحم وكان من العلماء بأنساب قريش وأخبارها مات سنة خمسين وقيل سنة أربع وقيل ثمان وقيل سنة ستين وهو ممن عاش مائة وعشرين سنة شطرها في الجاهلية وشطرها في الإسلام.

حماد - توفى سنة 179 هـ انظر جـ 3 ص 342

ابن حنبل - توفى 244 هـ: انظر جـ 1 ص 255

أبو حنيفة - توفى 150 هـ: انظر جـ 1 ص 255

‌حرف الخاء

‌خالد بن سعيد - توفى سنة 14 هـ

جده العاص بن أمية صحابى من الولاة الغزاة قديم الإسلام لزم الرسول صلى الله عليه وسلم معه في نواحى مكة خاليا هاجر إلى الحبشة فبقى بها طويلا غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم وحضر فتح مكة وتبوك توفى في وقعة مرج الصغرى في عهد أبى بكر.

ابن خديج - توفى 74 هـ: انظر جـ 3 ص 343

الخرشى: انظر جـ 2 ص 350

الخرقى - توفى 334 هـ: انظر جـ 1 ص 256

الخصاف - توفى 261 هـ: انظر جـ 1 ص 256

ابن خلدون - توفى 808 هـ: انظر جـ 1 ص 256

‌خليل بن إسحاق - توفى سنة 776 هـ

ضياء الدين بن إسحاق بن موسى الجندى فقيه مالكى من أهل مصر، تعلم في القاهرة وولى الإفتاء على مذهب مالك له "المختصر في الفقه" ترجم إلى الفرنسية وغيرها.

‌خوات بن جبير - توفى سنة 40 هـ

خوات بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس وامرئ القيس هذا يقال له البرك بن ثعلبة بن عمرو بن عون بن مالك بن الأوس يكنى أبا الله في قول ابن عمارة وغيره وقال الواقدى يكنى أبا صالح كان أحد فرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد بدرا هو وأخوه عبد الله بن جبير في قول بعضهم روى سفيان بن عيينة عن مسعر عن ثابت بن عبيد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال خوات بن جبير وكان بدريا وقال موسى بن عقبة خرج خوات بن جبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلما بلغ الصغر أصاب ساقه حجر فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وقال أبو إسحاق لم يشهد خوات بن جبير بدرا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهمه مع أصحاب بدر وشهدها أخوه عبد الله بن جبير يعد في أهل المدينة توفى بها سنة أربعين وهو ابن أربع وتسعين سنة وكان يخضب بالحناء والكتم روى خوات بن جبير في تحريم المسكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام وروى في صلاة الخوف وله في الجاهلية قصة مشهورة مع ذات النحيين قد محاها الإسلام.

‌حرف الدال

الدارقطنى - توفى 385 هـ: انظر جـ 1 ص 257

داود الظاهرى - توفى 270 هـ: انظر جـ 1 ص 257

أبو الدرداء - توفى 32 هـ: انظر جـ 1 ص 257

الدردير - توفى 1201 هـ: انظر جـ 1 ص 257

الدسوقى - توفى 1230 هـ: انظر جـ 1 ص 257

‌ابن أبي الدم - توفى سنة 642 هـ:

إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم الحموى، شهاب الدين أبو إسحاق، المعروف بابن أبي الدم، مؤرخ محدث من علماء الشافعية، مولده ووفاته بحماة في سورية، تفقه ببغداد، وسمع بالقاهرة وحدث بها وبكثير من بلاد الشام، وتولى قضاء حماة ومن تصانيفه:"التاريخ المظفرى"، أدب القاضي وغير ذلك.

ص: 304

‌الديلمى - توفى سنة 53 هـ:

فيروز الديلمى أبو الضحاك صحابى يمانى فارس الأصل وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث وعاد إلى اليمن فأعان على قتل الأسود العبسى ووفد على عمر في خلافته ثم سكن مصر وولاه معاوية على صنعاء فأقام بها إلى أن توفى.

‌حرف الذال

أبو ذر - توفى 32 هـ: انظر جـ 3 ص 344

‌الذهبى - توفى سنة 748 هـ:

محمد بن أحمد بن عثمان من قايماز الذهبى شمس الدين، حافظ مؤرخ علامة محقق، مولده ووفاته بدمشق رحل إلى القاهرة وطاف كثيرا من البلدان، تصانيفه كثيرة تقارب المائة منها سير النبلاء خمسة عشر مجلدا وتذكرة الحفاظ والعبر وميزان الاعتدال وغيرها.

‌حرف الراء

الرازى - توفى 606 هـ: انظر جـ 1 ص 258

الرافعى - توفى 623 هـ: انظر جـ 1 ص 258

الربيع: انظر جـ 3 ص 344

ربيعة بن أبي عبد الرحمن:

انظر ربيعة الرأس جـ 1 ص 258

‌ابن رجب - توفى سنة 795 هـ:

عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامى البغدادى ثم الدمشقى أبو الفرج من العلماء ولد في بغداد ونشأ وتوفى في دمشق ومن كتبه، القواعد الفقهية - الاستخراج لأحكام الخراج وذيل طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى وغيرها.

‌أم رمان - توفيت سنة 6 هـ:

بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة من سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنيم بن مالك بن كنانة امرأة أبى بكر الصديق ووالدة عبد الرحمن وعائشة قال أبو عمر هكذا نسبها مصعب وخالفه غيره والخلاف في نسبها من عامر إلى كنانة لكن اتفقوا على أنها من بنى غنم بن مالك بن كنانة وقال أبو إسحق أم رومان اسمها زينب بنت عبد بن دهمان أحد بنى فراس ابن غنم أسلمت وبايعت وهاجرت قال أبو عمر كانت وفاتها فيما زعموا في ذى الحجة سنة أربع أو خمس عام الخندق وقال ابن الأثير سنة ست وكذلك قال الوافدى.

‌الرهاوى - توفى سنة 612 هـ:

أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الفهمى مولاهم الرهاوى ثم الحرانى ولد سنة 536 هـ من حفاظ الحديث كان زاهدا كثير المصنفات ومنها كتاب الأربعين المتباينة الإسناد والبلاد والمادح والممدوح والفرائض وغيرها توفى بحران.

‌حرف الزاى

الزاهدى - توفى 658: انظر جـ 1 ص 259

زبان بن العلاء: انظر (أبو عمرو)

الزبير بن العوام - توفى 36 هـ: انظر جـ 1 ص 259

‌الزجاج - توفى سنة 311 هـ:

أبو إسحاق إبراهيم بن السرى بن سهل النحوى الأديب صاحب معاني القرآن والأمالى ومصنفات في الأدب أخذ عن المبرد وثعلب وأخذ عنه الزجاج وأبو على الفارسى كان يخرط الزجاج ثم تركه واشتغل بالأدب فنسب إليه.

أبو زرعة - توفى 302 هـ: انظر جـ 1 ص 259

زفر - توفى سنة 158 هـ: انظر جـ 1 ص 259

الزهرى - توفى سنة 124 هـ: انظر جـ 1 ص 260

ابن زياد: انظر جـ 2 ص 352

زيد بن ثابت - توفى 45 هـ: انظر جـ 1 ص 260

‌زيد بن خالد - توفى سنة 68 هـ

الجهنى الصحابي رضى الله عنه أبو عبد الرحمن وقيل أبو طلحة وقيل أبو زرعة سكن المدينة وشهد الحديبية وكان معه لواء جهينة يوم الفتح روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد وثمانون حديثا اتفقا على خمسة وانفرد مسلم بثلاثة توفى بالمدينة وقيل بالكوفة وقيل بمصر.

‌زيد بن عمر بن الخطاب:

هو بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه من زوجته أم كلثوم بنت على بن أبى طالب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى

ص: 305

الله عنهم. توفى زيد وأمه في ساعة واحدة وهو صغير.

الزيلعى - توفى سنة 122 هـ: انظر جـ 1 ص 260

‌حرف السين

‌السائب بن الأقرع:

السائب بن الأقرع بن عوف بن جابر بن سفيان بن سالم بن مالك بن جشم الثقفى قال البخارى مسع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وروى ابن منده من طريق أبى حمزة عن عطاء بن السائب عن بعض أصحابه عن السائب بن الأقرع أن أمه مليكة دخلت به على النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام فمسح رأسه ودعا له قال ابن منده ولى أصبهان ومات بها وعقبه بها منهم مصعب بن الفضل بن السائب وقال أبو عمر شهد فتح نهواند وسار بكتاب عمر إلى النعمان بن مقرن واستعمله عمر على المدائن قلت أخرج ذلك ابن أبي شيبة بإسناد صحيح في قصة وقال هشام بن الكلبى عن أبيه قال بن عباس لم يكن للعرب أمرد ولا أشيب أشد عقلا من السائب بن الأقرع وحكى الهيثم بن عدى عن الشعبى أن السائب شهد فتح مهرجان ودخل دار الهرمزان فرأى فيها ظبيا من حصن مادا يده فقال أقسم بالله أنه ليشير إلى شئ فنظر فإذا فيه خبيئة للهرمزان فيها شفت من جوهر وروى ابن أبي شيبة من طريق الشيبانى عن السائب بن الأقرع نحوه وقال سعيد بن عبد العزيز بن حصين بن أبى وائل قال كان السائب بن الأقرع عاملا لعمر.

السبكى - توفى 356 هـ: انظر جـ 1 ص 260

سحنون - توفى 240 هـ: انظر جـ 1 ص 261

السرخسى - توفى 483 هـ: انظر جـ 1 ص 261

أبو سعيد الخدرى - توفى 74 هـ: انظر جـ 1 ص 261

أبو سفيان - توفى 31 هـ: انظر جـ 1 ص 261

‌سلمة بن الأكوع - توفى سنة 74 هـ وقيل سنة 64 هـ:

سلمة بن عمرو بن الأكوع واسمه الأكوع سنان بن عبد الله وقيل اسم أبيه وهب وقيل غير ذلك أول ما شاهده الحديبية وكان من الشجعان ويسبق الفرسان عدوا وبايع النبي صلى الله عليه وسلم عند الشجرة على الموت رواه البخارى من حديثه، وقد روى أيضا عن أبى بكر وعمر وغيرهما روى عنه ابنه إياس والحسن بن الحنفية ويزيد بن أسلم، نزل المدينة ثم تحول إلى الربذة بعد قتل عثمان وتزوج بها وولد له حتى كان قبل أن يموت بليال نزل المدينة فمات بها رواه البخارى وكان ذلك سنة أربع وسبعين على الصحيح وقبل سنة أربع وستين.

سلمان الفارسى - توفى 36 هـ: انظر جـ 3 ص 346

أم سلمة - توفيت 62 هـ: انظر جـ 1 ص 261

ابن سلمون: انظر جـ 2 ص 354

ابن سماعة: انظر جـ 4 ص 365

ابن سهيل: انظر جـ 6 ص 385

‌سهيل بن بيضاء - توفى سنة 9 هـ:

سهيل بن بيضاء وبيضاء أمه وذكر ابن إسحاق أنه شهد بدرا وتوفى سنة تسع ونكره في البدريين أيضا موسى عن عقبة وزعم ابن الكلبى أنه الذي أسر يوم بدر فشهد له ابن مسعود ورد ذلك الواقدى وقال إنما هو أخوه سهل ويؤيد قول ابن الكلبى ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن أبى عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر" لا ينفلت منكم إلا بفداء أو جزية" قال عبد الله فقلت إلا سهيل بن بيضاء قال وقد كنت سمعته يذكر الإسلام "إلا سهيل بن البيضاء".

ابن سيرين - توفى 110 هـ: انظر جـ 1 ص 262

السيوطى - توفى 911 هـ: انظر جـ 1 ص 262

‌حرف الشين

ابن شاس: انظر جـ 2 ص 354

الشافعي - توفى 204 هـ: انظر جـ 1 ص 262

الشبراملسى - توفى 1087 هـ: انظر جـ 1 ص 262

شريح - توفى 78 هـ: انظر جـ 1 ص 263

شمس الأئمة السرخسى - توفى سنة 483 هـ:

انظر "السرخسى" جـ 1 ص 261

شهاب الدين أحمد: انظر "القرافى" جـ 1 ص 272

الشيرازى - توفى 476 هـ: انظر جـ 1 ص 263

ص: 306

‌حرف الصاد

الصادق - توفى 148 هـ: انظر جـ 1 ص 263

ابن الصباغ: انظر جـ 2 ص 355

‌أبو صفرة:

أبو صفرة الأزدى والد المهلب الأمير المشهور مختلف في صحبته وفى اسمه، قيل اسمه ظالم بن سارق وقيل ابن سراق وقيل قاطع بن سارق بن ظالم وقيل غالب بن سراق ونسبه ابن الكلبى فقال ظالم بن سارق بن صبح بن كندى بن عمرو بن عدى بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد وزعم بعضهم أن أصلهم من العجم وأنهم انتسبوا في الأسد وذكره ابن السكن في الصحابة وأخرج من طريق محمد بن عبد بن حميد قال حديثا محمد بن غالب بن عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة حدثنى أبى عن آبائه أن أبا صفرة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبايعه وعليه حلة صفراء نسجها خلفه ذراعان وله طول وجثة وجمال وفصاحة لسان فلما رآه أعجبه ما رأى من جماله فقال له من أنت قال أنا قاطع بن سارق بن ظالم بن عمرو بن شهاب بن الهلثام بن الجلند بن شكر الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا أنا الملك بن الملك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أبو صفرة دع عنك سارقا وظالما فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله حقا حقا يا رسول الله: إن لى ثمانية عشر ذكرا ورزقت بنتا سميتها صفرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت أبو صفرة، وقال أبو الفرج في الأغانى في ترجمة أبى عيينة المهلبى اسمه أبى صفرة وقيل غالب وقال ابن قتيبة المهلب من أسد عمان من قرية يقال دبى اسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ونزل على حكم حذيفة فبعثه إلى أبى بكر فأعتقه.

صفية بنت عبد المطلب: "صحابية" انظر جـ 4 ص 366

‌حرف الضاد

الضحاك - توفى 106 هـ: انظر جـ 5 ص 372

ضباعة بنت الزبير: انظر جـ 5 ص 348

‌حرف الطاء

أبو طالب الأملى - توفى 424 هـ: انظر جـ 1 ص 264

الطبراني - توفى 360 هـ: انظر جـ 1 ص 264

الطحاوى - توفى 321 هـ: انظر جـ 1 ص 264

‌أبو طلحة - توفى سنة 34 وقيل 51 هـ:

" صحابى" أبو طلحة الأنصارى، اسمه يزيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصارى الخزرجى شهد العقبة وبدرا وما بعدها كان من الرماة المذكورين من الصحابة قتل يوم حنين عشرين رجلا وأخذ أسلابهم، لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام:"من قتل قتيلا فله سلبه"، اختلف في وقت وفاته، فقيل سنة إحدى وثلاثين، وقال المدائنى: مات سنة إحدى وخمسين.

الطوسى - توفى 460 هـ: انظر ج 1 ص 265

‌حرف الظاء

‌ظهير الدين - توفى سنة 619 هـ

محمد بن أحمد بن عمر البخارى، أبو بكر ظهير الدين، فقيه حنفى، كان المحتسب في بخارى، من كتبه الفتاوى الظهيرية.

‌حرف العين

عائشة - توفيت 558: انظر جـ 1 ص 265

ابن عابدين - توفى 1252 هـ: انظر جـ 1 ص 265

العاملى - توفى 965 هـ: انظر جـ 1 ص 265

عبادة بن أنس - توفى سنة 118 هـ:

عبادة بن أنس الكندى، ثقة، توفى في خلافة هشام بن عبد الملك.

العباس - توفى 1298 هـ: انظر جـ 1 ص 349

ابن عباس: انظر عبد الله

‌أبو العباس بن القاص - توفى سنة 225 هـ:

أحمد بن أبى أحمد الطبرى الشيخ الإِمام أبو العباس بن القاصى، إمام عصره وصاحب التصانيف المشهورة: التلخيص والمفتاح وأدب القاضي والمواقيت وغيرها في الفقه وله مصنف في أصول الفقه كان إماما جليلا أخذ

ص: 307

الفقه عن أبى العباس بن شريح مات ابن القاصى بطرسوس.

ابن عبد البر - توفى 463 هـ: انظر جـ 1 ص 266

ابن عبد الحكم - توفى 214 هـ: انظر جـ 4 ص 367

عبد الرازق - توفى 214 هـ: انظر جـ 1 ص 367

عبد الرحمن بن عوف - توفى 32 هـ: انظر جـ 1 ص 266

عبد الرحمن المهدى - توفى 198 هـ: انظر جـ 1 ص 372

‌ابن عبد العزيز - توفى سنة 478 هـ:

محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن أبو بكر بن عامر بن ملوك الدولة العامرية في الأندلس كانت له بلنسية ودانية ومرسية والمرية وكان أبوه قد خلع سنة 457 هـ بسبته وخرج منها وقام صاحب الترجمة فاستردها وبايعه الناس وضغط أمورها ونظر في شأن العمال وأجزل العطاء للجند وكان فقيها عدلا متصدرا للفيتا قبل أن يلى السلطنة فلما وليها عدل وأحسن واستمر إلى أن توفى ببلنسية ومدة حكمة نيف وعشر سنين قال مؤرخوه لم يكن في أيامه ما يعاب عليه.

ابن عبد السلام - توفى 749 هـ: انظر جـ 1 ص 266

أبو عبد الله عليه السلام: انظر جـ 6 ص 387

عبد الله بن سنان: انظر جـ 7 ص 364

عبد الله بن عمر: انظر جـ 1 ص 267

عبد الله بن مسعود - توفى 32 هـ: انظر جـ 1 ص 267

‌عبد الله بن عبد الله بن عتبة - توفى 99 هـ:

هو أبو عبد الله، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهزلى المدنى الإِمام التابعى أحد فقهاء المدينة السبعة، سمع ابن عمر وعائشة وسمع جماعات من كبار التابعين، روى عنه عراك بن مالك والزهرى وأبو الزناد وغيرهم واتفقوا على جلالته وإمامته وعظم منزلته، قال ابن المدينى والهيثم: توفى سنة 99 هـ وقال البخارى سنة 95 أو سنة 94 هـ وقال الواقدى والترمذى سنة 98 هـ.

عثمان بن العاص - توفى 51 هـ: انظر جـ 1 ص 268

عثمان بن عفان - توفى 35 هـ: انظر جـ 1 ص 268

عثمان بن طلحة الحجبى - توفى 42 هـ: انظر جـ 7 ص 394

العدوى: انظر الدرديرى جـ 1 ص 257

‌عروة بن الزبير - توفى سنة 94 هـ:

هو أبو عبد الله، عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى القرشى الاسدى المدنى التابعى الجليل فقيه المدينة وأحد فقهائها السبعة، روى عنه عطاء وابن أبي مليكة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز وخلائق من التابعين وغيرهم، قال ابن شهاب: كان عروة بحرا لا يكدر وقال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة رضى الله عنها ثلاثة، عروة أحدهم، وقال ابن سعد؛ كان ثقة كثير الحديث فقيها عالما مأمونا ومناقبه كثيرة، قال الجمهور توفى سنة أربع وتسعين وقال البخارى سنة تسع وتسعين.

عطاء: انظر جـ 2 ص 357

ابن العطار - توفى 724 هـ: انظر جـ 3 ص 351

‌عقبة بن الحارث: "صحابى

"

رضى الله تعالى عنه هو أبو سروعة بكسر السين المهملة ابن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصى القرشى النوفلى المكى الصحابي أسلم يوم فتح مكة. روى له البخارى ثلاثة أحاديث.

عتبة بن عامر - توفى 58 هـ: انظر جـ 1 ص 351

عكرمه: انظر جـ 1 ص 268

على بن أبى طالب، والإمام على - توفى 40 هـ: انظر جـ 1 ص 269

على بن الحسين - توفى 94 هـ: انظر جـ 1 ص 351

عليش - توفى 1299 هـ: انظر جـ 1 ص 269

ابن علية: انظر جـ 2 ص 358

عمر بن الخطاب - توفى 23 هـ: انظر جـ 1 ص 269

عمر بن عبد العزيز - توفى 101 هـ: انظر جـ 1 ص 269

ابن عمر: انظر عبد الله

عمران بن حصين: انظر جـ 1 ص 359

‌العمرانى - توفى سنة 558 هـ:

يحيى بن سالم (أبو الخير) بن أسعد بن يحيى

ص: 308

أبو الحسين العمرانى: فقيه شافعى كان شيخ الشافعية في بلاد اليمن، له تصانيف منها: البيان في فروع الشافعية، والزوائد والأحداث وشرح الوسائل ومناقب الإمام الشافعي وغير ذلك.

عمرو بن حزم - توفى 51 هـ: انظر جـ 1 ص 269

عمرو بن العاص - توفى 43 هـ: انظر جـ 1 ص 352

‌العفوى - توفى سنة 232 هـ:

الإمام أبو يحيى هارون بن عبد الله الزهرى العوفى المكى القاضي الفقيه المالكى، نزل بغداد، تفقه بأصحاب مالك، قال الخطيب: إنه سمع من مالك وأنه ولى قضاء العسكر ثم قضاء مصر.

عيسى بن عمر - توفى 5149: انظر جـ 1 ص 270

العينى - توفى 198 هـ: انظر جـ 1 ص 270.

‌حرف الغين

‌ابن غازى - توفى سنة 919 هـ:

محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن غازى العثمانى المكناسى، أبو عبد الله، مؤرخ، حاسب فقيه من فقهاء المالكية من بنى عثمان ولد في مكناسة بالمغرب الأقصى وأقام زمنا في كتامة ومات بفاس له: الروضة الهتون في أخبار مكناسة، الفهرسة المباركة في أسماء محدثى فاس وكتابها، وكليات فقهية على مذهب المالكية ونظم نظائر رسالة القيروانى.

ابن الفرس: انظر جـ 1 ص 270

الغزالى: انظر جـ 1 ص 270

الغزى - توفى 524 هـ: انظر جـ 6 ص 376

‌غيلان بن سلمة - توفى 23 هـ:

غيلان بن سلمة الثقفى حكيم شاعر، أدرك الإسلام وأسلم يوم الطائف وعنده عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاختار أربعا فصارت سنة وهو ممن وفد على كسرى وأعجب كسرى بكلامه.

‌حرف الفاء

‌الفارابى - توفى سنة 339 هـ

محمد بن محمد بن طرخان، أبو نصر الفارابى ويعرف بالمعلم الثانى، أكبر فلاسفة المسلمين تركى الأصل مستعرب، ولد في فاراب وانتقل إلى بغداد وألف بها أكثر كتبه ورحل إلى مصر والشام وتوفى بدمشق، كان يحسن اليونانية وأكثر اللغات الشرقية المعروفة في عصره، ويقال: إن الآلة المعروفة بالقانون من وضعه، شرح مؤلفات أرسطو له نحو مائة كتاب، منها: النصوص وإحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، وآراء أهل المدينة الفاضلة والمدخل إلى صناعة الموسيقى وغير ذلك.

ابن فارس - توفى 395 هـ: انظر جـ 1 ص 252

فاطمة - توفيت 11 هـ: انظر جـ 1 ص 252

الفراء - توفى 458 هـ: انظر جـ 1 ص 375

ابن فرحون - توفى 799 هـ: انظر جـ 1 ص 271

‌أبو الفرج - توفى سنة 390 هـ:

الفرج بن زكريا بن يحيى بن حميد من حماد بن داود المعروف بأن طرار الجريرى النهروائى كان فقيها أديبا شاعرا عالما بكل فن ولى القضاء ببغداد بباب الطاق نيابة عن ابن صير القاضي وروى عن جماعة من الأئمة منهم أبو القاسم البغوي وأبو بكر بن داود وكان ثقة مأمونا في روايته وكانت ولادته يوم الخميس لسبع خلون من شهر رجب سنة 303، 305 هـ وله تصانيف مقدمة في الأدب وغيره ومات يوم اثنين الثامن عشر من ذى الحجة 390 هـ بالنهروان.

الفضل بن العباس - توفى 13 هـ: انظر جـ 1 ص 271

ابن أبي الفوارس: انظر جـ 1 ص 360

الفيروزابادى - توفى 817 هـ: انظر جـ 1 ص 271

‌حرف القاف

القاسم - توفى 244 هـ: انظر جـ 1 ص 271

‌القاسم بن محمد - توفى سنة 107 هـ:

القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق أبو محمد أحد الفقهاء السبعة في المدينة، ولد فيها وتوفى بقديد بين مكة والمدينة، من سادات التابعين، كان صالحا ثقة، قال أبو عيينة كان القاسم أفضل أهل زمانه.

ص: 309

القاضي الحنبلى: انظر جـ 2 ص 361

القاضي أبو حامد: انظر الاسفرايينى ج 1 ص 248

‌القاضي حسين:

هو الإمام أبو على الحسين بن محمد المروزى روى الحديث وتفقه عليه جماعات من الأئمة وهو من أصحاب الوجوه كبير القدر مرتفع الشأن غواص على المعانى الدقية والفروع المستفادة الأنيقة شافعى من أجل أصحاب المروزى له التعليق الكبير وللقاضى الفتاوى المفيدة وهى مشهورة.

قاضى زادة - توفى 998 هـ: انظر جـ 1 ص 271

القاضي عبد الجبار: انظر جـ 2 ص 361

‌القاضي الإمام أبو زيد - توفى سنة 430 هـ:

هو عبد الله بن عمر بن عيسى القاضي أبو زيد الدبوسى نسبة إلى دبوسية قرية بسمرقند أول من وضع علم الخلاف وأجل تصانيفه الأسرار وكان يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج مات ببخارى.

القاضي عبد الوهاب: انظر جـ 2 ص 361

قتادة: انظر جـ 2 ص 353

أبو قتادة: انظر جـ 2 ص 362

ابن قوامة المقدس - توفى 682 هـ: انظر جـ 1 ص 272

القدورى: توفى 428 هـ انظر جـ 1 ص 272

القرطبي - توفى 276 هـ: انظر جـ 1 ص 272

‌ابن القصار - توفى 398 هـ:

على بن أحمد البغدادى القاضي أبو الحسن المعروف بابن القصار، تفقه على الأبهرى، وله كتاب في مسائل الخلافة، كان أصوليا ولى قضاء بغداد، قال أبو ذر هو أفقه من رأيت من المالكيين، وكان ثقة قليل الحديث.

القفال - توفى 417 هـ: انظر جـ 1 ص 272

‌قوام الدين الكاكى - توفى سنة 749 هـ:

محمد بن محمد بن أحمد، قوام الدين الكاكى، فقيه حنفى، سكن القاهرة وتوفى فيها من كتبه: معراج الدراية في شرح الهداية، وجامع الأسرار، وعيون المذاهب الكاملى مختصر جمع فيه أقوال الأئمة الأربعة، وغير ذلك.

القيرودانى - توفى 5386: انظر جـ 1 ص 273

ابن القيم - توفى 751 هـ: انظر جـ 1 ص 273

‌حرف الكاف

الكاشانى - توفى 587 هـ: انظر جـ 1 ص 273

ابن كثير: انظر عبد الله

‌الكرابيسى - توفى سنة 245، 248 هـ:

أبو على الحسين على بن يزيد الكربيسى البغدادى، صاحب الإمام الشافعي رضى الله تعالى عنهما وكان أحفظ الناس لمذهبه، له تصانيف كثيرة في أصول الفقه وفروعه، وكان متكلما، عارفا بالحديث، أخذ عنه الفقه خلق كثير، ونسبته إلى الكرابيس وهى الثياب الغليظة وهو لفظ فارسى عرب وكان يبيعها فنسب إليها، قال ابن خلكان والأشبه بالصواب وفاته سنة 248 هـ.

الكرخى - توفى 340 هـ: انظر جـ 1 ص 273

الكسائى - توفى 189 هـ: انظر جـ 1 ص 273

الكمال بن همام - توفى 861 هـ: انظر جـ 1 ص 273

‌الكنى - توفى سنة 566 هـ:

أحمد بن أبى الحسن بن أبى الفتح الكنى الزيدى القاضي قطب الشيعة وأستاذ الشريعة قال في طبقات الزيدية: كان من أساطين الملة وسلاطين الأدلة وهو الغاية في حفظ المذهب يكنى: أبو العباس، ويقال: أبو الحسن، حدث عن بن أبى الفوارس والبيهض وعبد المجيد الزيدى وله مؤلفات في فقه الزيدية.

‌حرف اللام

ابن اللبان - توفى 402 هـ: انظر جـ 1 ص 274

اللخمى - توفى 478 هـ: انظر جـ 1 ص 274

‌اللقانى - توفى سنة 1041 هـ

إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقانى أبو الأمداد، برهان الدين: فاضل متصوف مصرى مالكى، نسبته إلى لقانة من البحيرة بمصر، له كتب منها: جوهرة التوحيد وبهجة المحافل وحاشية على مختصر خليل فقه وغير ذلك.

الليث بن سعد - توفى 175 هـ: انظر جـ 1 ص 274

ابن أبي ليلى - توفى 148 هـ: انظر جـ 1 ص 274

ص: 310

‌حرف الميم

ابن ماجة - توفى 273 هـ: انظر جـ 1 ص 274

المازرى - توفى 536 هـ: انظر جـ 1 ص 274

مالك - توفى 179 هـ: انظر جـ 1 ص 274

‌ابن مالك - توفى سنة 672 هـ:

جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الجيانى الأندلسي الشافعي نظام كتاب الألفية في تدوين المقاصد النموية ولد بجيان من بلاد الأندلس وقدم دمشق وتصدر بها ثم جاء حلب وتصدر بها أيضا واشتغل بفقه الشافعي، قيل كان آية في الاضطلاع على الحديث وكان أ كثر ما يستشهد بالقرآن فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث فإن لم يكن فيه فأشعار العرب له مصنفات فمنها الألفية وشرح التسهيل وشرح الجزولية إلى غير ذلك.

مالك بن الحويرث - توفى 94 هـ: انظر جـ 4 ص 371

المازدى - توفى 536 هـ: انظر جـ 1 ص 274

الماوردى - توفى 450 هـ: انظر جـ 1 ص 274

مجاهد: انظر جـ 3 ص 255

‌المجاملى - توفى سنة 320 هـ:

القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الصبى البغدادى كان عالما فاضلا، ولى قضاء الكوفة ستين سنة سمع البخارى ومحمد بن المثنى العنزى والزبير بن بكار وطبقتهم ومن بعدهم، وروى عنه الطبراني والدارقطنى وأبو بكر الحبابى وأبو حفص بن شاهين وغيرهم يحكى أنه كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل.

‌ابن محبوب - توفى سنة 328 هـ:

هو سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب من قريش أحد أئمة الإباضية في عمان، بويع على أثر فتن كثيرة في الديار العمانية واستقر له الأمر حوالى سنة 320 هـ وكان فقيها عالما بالدين، حسن سيرته واطمأن الناس في أيامه وتوفى في إحدى المواقع.

‌ابن محرز - توفى سنة 516 هـ:

أحمد بن محمد بن خلف بن محرز أبو جعفر الأنصارى الأندلسى: مقرئ أستاذ له كتاب "المقنع" في القراءات السبع، "والمقيد" في الثمان فرغ من تأليف المقنع في ذى الحجة سنة 516 هـ.

محمد بن الحسن - توفى 189 هـ: انظر جـ 1 ص 275

‌محمد بن الحنفية - توفى سنة 581:

محمد بن الحنفية بن علي بن أبى طالب الهاشمى القرشى أبو القاسم المعروف بابن الحنفية أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام وهو أخو الحسن والحسين غير أن أمهما فاطمة الزهراء وأمه خولة بنت جعفر الحنفية نسب إليها تمييزا له عنهما كان يقول الحسن والحسين أفضل منى وأنا أعلم منهما كان واسع العلم ورعا وأخبار قوته وشجاعته كثيرة مولده ووفاته في المدينة.

أبو محمد بن أبى زيد: انظر القيروانى جـ 1 ص 273

محمد عبده - توفى 1905 م: انظر جـ 1 ص 275

محمد بن عجلان - توفى 788 هـ: انظر جـ 1 ص 398

محمد بن منصور: انظر جـ 1 ص 275

‌محمد بن قيس - توفى سنة 151 هـ:

محمد بن قيس البجلى عده الطوسى في رجاله من أصحاب الصادق وقال أنه كوفى أسند عنه.

محمد بن يوسف: انظر أطفيش جـ 1 ص 241

المرغينانى - توفى 593 هـ: انظر جـ 1 ص 275

مروان بن الحكم - توفى 65 هـ: انظر جـ 1 ص 275

المروزى - توفى 294 هـ: انظر جـ 1 ص 275

مسلم - توفى 261 هـ: انظر جـ 1 ص 276

‌أبو مطيع البلخى - توفى سنة 197 هـ:

الحكم بن عبد الله بن سلمة بن عبد الرحمن القاضي الفقيه راوى كتاب الفقه الأكبر عن أبى حنيفة يروى عن أبى عون وهشام بن حسان ومالك بن أنس وغيره تفقه عليه أهل بلاده وكان ابن المبارك يجله لدينه وعلمه وكان أبو مطيع قاض بلح.

معاذ بن جبل - توفى 18 هـ: انظر جـ 1 ص 276

معاوية بن أبى سفيان - توفى 560: انظر جـ 1 ص 276

معقل بن يسار: صحابى انظر جـ 5 ص 373

المغيرة بن شعبة - توفى 50، 51 هـ: انظر جـ 3 ص 357

ابن أم مكتوم: انظر جـ 3 ص 357

ابن المنذر - توفى 277 هـ: انظر جـ 1 ص 277

المنصور بالله - توفى 158 هـ: انظر جـ 1 ص 277

ابن منظور - توفى 711 هـ: انظر جـ 1 ص 178

أبو موسى الأشعرى - توفى 544: انظر جـ 1 ص 178.

ص: 311

‌ابن المنير - توفى سنة 733 هـ:

عبد الواحد بن منصور بن محمد بن المنير، أبو محمد فخر الدين الاسكندرى المالكى، مفسر، له شعر ونظم في "كان وكان" ومن كتبه: تفسير، وأرجوزة في القراءات السبع وديوان في المدائح النبوية.

ابن المواز - توفى 281 هـ: انظر جـ 1 ص 278

أبو موسى الأشعرى: انظر جـ 2 ص 365

الموفق: انظر "ابن قدامة" جـ 1 ص 271

‌ميمونة - توفيت سنة 51 هـ:

ميمونة - بنت الحارث بن حزن الهلالية آخر امرأة تزوجها الرسول عليه الصلاة والسلام، وآخر من مات من زوجاته كان اسمها بره فسماها ميمونة، بايعت بمكه قبل الهجرة، روت عدة أحاديث توفيت بمكان قرب مكة ودفنت به.

‌حرف النون

الناصر - توفى 304 هـ: انظر جـ 1 ص 278

‌نافع بن عبد الحارث:

نافع بن الحارث بن كلدة الثقفى الطائفى كان من رفيق أهل الطائف، واعترف الحارث بنسبه إليه ولما ظهر الإسلام نزل من الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم وشهد الحروب استأذن عمر بإتخاذ دار له بأرض البصرة فأذن له فكان أول من بنى دارا بها.

ابن نعيم - توفى 970 هـ: انظر جـ 1 ص 271

النخعى - توفى 96 هـ: انظر جـ 1 ص 271

النسائي - توفى 303 هـ: انظر جـ 1 ص 271

النسائي - توفى 434 هـ: انظر جـ 1 ص 271

‌نوح بن دراج - توفى سنة 182 هـ:

نوح بن دراج النخعى، مولاهم، أبو محمد: قاص، من أصحاب أبى حنيفة. كوفى. كان أبوه حائكا من النبط، له أربعة أبناء تولوا القضاء، وولى نوح بالكوفة، وأصيبت عيناه فكان يقضى وهو أعمى، واستمر ثلاث سنين لا يعلم أحد بعماه، وتوفى وهو قاضى الجانب الشرقى من بغداد.

النووى - توفى 676 هـ: انظر جـ 1 ص 279

‌حرف الهاء

‌ابن الهائم - توفى سنة 798 هـ:

محمد بن أحمد بن محمد بن عماد أبو الفتح محب الدين بن الهائم فاضل مصرى الأصل مقدس الإِقامة والوفاة اشتغل بالفقه والحديث وخرج لنفسه ولغيره.

الهادى - توفى 298 هـ: انظر جـ 1 ص 280

أبو هريرة - توفى 59 هـ: انظر جـ 1 ص 280

‌هاشم بن حسان - توفى سنة 147 هـ:

هشام بن حسان الأزرى، أبو عبد الله القردوسى محدث، من أهل البصرة كان يكتب حديثه، وهو من المكثرين عن الحسن البصرى.

هشام بن عبد الحكم - توفى 402 هـ: انظر جـ 1 ص 280

هشام بن عبد الملك - توفى 125 هـ: انظر جـ 3 ص 359

هلال: انظر جـ 2 ص 366

الهندوائى: انظر أبو جعفر جـ 1 ص 253

‌الهيثم بن جميل - توفى سنة 213 هـ:

الهيثم بن جميل البغدادى الحافظ، نزيل أنطاكية، روى عن جرير وطبقته، وكان من صلحاء المحدثين واثباتهم.

‌حرف الواو

وائل بن حجر: صحابى انظر جـ 4 ص 374

وكيع - توفى سنة 197 هـ: انظر جـ 4 ص 374

ابن وهب: انظر جـ 2 ص 366

‌ابن وهبان - توفى سنة 768 هـ:

عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الحارثى الدمشقى فقيه حنفى ولى قضاء حماة وتوفى في نحو الأربعبن من عمره له منظومة في الفقه اسمها قيد الشرائد وشرحها بكتاب عقد القلائد، وله كتاب أحاسن الأخبار في محاسن السبعة الأخبار.

‌حرف الياء

الإمام يحيى بن حمزة - توفى سنة 740 هـ:

انظر جـ 1 ص 280

يحيى بن يحيى - توفى 234 هـ: انظر جـ 1 ص 280

‌يزيد بن أبى سفيان - توفى 18 هـ:

أبو خالد يزيد بن أبى سفيان صخر بن حرب

ص: 312

القرشى الأموى الصحابي ابن الصحابي، كان أفضل بنى أبى سفيان، وتوفى ولا عقب له، وكان يقال له يزيد الخير، أسلم يوم الفتح ومات سنة ثمانى عشرة، وقيل سنة تسع عشر وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

يعقوب (توفى سنة 205 هـ): انظر جـ 1 ص 281

‌يعلى بن أمية توفى سنة 37 هـ

أبو خالد يعلى بن أمية بن أبى عبيد بن هشام التميمى، أسلم يوم فتح مكة وشهد حنيفا والكائف وتبوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمله عمر على بعض اليمن، واستعمله عثمان على صنعاء، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرين حديثا، قتل بصفين مع على كرم الله وجهه.

أبو يوسف - توفى 182 هـ: انظر جـ 1 ص 281

‌يونس بن عبد الأعلى - توفى سنة 264 هـ:

(الصدفى) يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة أبو موسى الصدفى من كبار الفقهاء انتهت إليه رياسة العلم بمصر كان عالما بالأخبار والحديث صحب الشافعي وأخذ عنه، ولد ومات بمصر.

ص: 313