الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحصار
التعريف به:
الاحصار فى اللغة المنع والحبس
(1)
، وفى الشرع المنع من بعض أعمال معينة فى الحج أو العمرة على تفصيل فى المذاهب فيما يلى بيانه:
مذهب الحنفية:
عند الحنفية يكون الاحصار فى الحج بمنع الوقوف بعرفة والطواف الركن، فاذا قدر على أحدهما فليس بمحصر، وفى العمرة المنع من البيت ودليلهم قوله تعالى:
«فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»
(2)
.
ونقل الزيلعى عن المحيط والبدائع والتحفة والمرغينانى والأسبيجابى وغيرها.
أن المرأة اذا أحرمت بغير زوج أو محرم أو مات محرمها أو زوجها بعد احرامها فهى محصرة، ويكون الاحصار بالمرض، فان كان بغيره فهو مطلق فيتناوله وغيره من الأعذار فيكون بالعدو، والعدو يكون من المشركين والبغاة وقطاع الطريق والعدو يكون من المسلمين وغيرهم.
وبمعناه فى المبسوط وغيره وفيه أيضا أن الذى ضل الطريق فهو محصر يبقى محرما الى أن يحج ان زال الاحصار قبل فوات الحج
(3)
.
قال الحنفية: ومن منع بمكة من الطواف والوقوف بعرفة صار محصرا لانه تعذر عليه الوصول الى الأفعال كما اذا كان ذلك فى الحل، وان لم يمنع عنها بأن قدر على أحدهما لا يكون محصرا، أما اذا قدر على الوقوف بعرفة فلأنه أمن الفوات، واذا قدر على الطواف فلأنه فائت الحج يتحلل به والدم بدل عنه فى التحلل، فلا حاجة الى الهدى
(4)
. انظر مصطلح «تحلل، فوات، دم» .
مذهب المالكية:
الاحصار عند المالكية على ثلاثة أقسام:
الأول: من أحصر عن البيت، وعن الوقوف بعرفة معا لمحرم بالحج، أو أحصر عن البيت والسعى لمحرم بالعمرة.
والثانى: من أحصر عن البيت فقط.
والثالث: من أحصر عن عرفة فقط.
ويكون المنع بعدو كافر أو بسبب فتنة وقعت بين المسلمين أو بسبب حبس بدون حق (أى ظلما) أو كان الحق ثابتا لكن ثبت عسره، أو كان المنع لمرض أو بسبب هبوب ريح عطلت السفينة أو بسبب خطأ فى الأيام أو بسبب حبس بحق
(5)
.
(1)
لسان العرب لابن منظور مادة «حصر» ج 17 ص 195، طبع بيروت.
(2)
سورة البقرة: 196.
(3)
تبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق للزيلعى وحاشية الشلبى عليه ج 2 ص 77 الطبعة الأولى، طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1313 هـ، وبدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 175 الطبعة الأولى طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هـ.
(4)
الزيلعى ج 2 ص 81 الطبعة السابقة.
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 93 وما بعدها طبع دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه.
ومن منع بسبب حق بأن منعه الدائن حتى يؤدى دينه وكان قادرا على دفع الدين فلا يباح له التحلل لأنه متمكن من التخلص والسير فى نسكه فلا يكون محصرا
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يكون الحصر عن الوقوف أو الطواف أو السعى، والحصر يكون بالعدو سواء كان من المسلمين أو من المشركين، والحصر بالعدو هو الحصر العام أما الحصر الخاص فيكون بمنع الغريم له وحبسه ولم يجد ما يقضى دينه، ويكون بالمرض كذلك
(2)
.
وجاء فى نهاية المحتاج
(3)
بعد أن ذكر أن الاحصار هو المنع قال: ان الاحصار المنع من المقصود سواء منعه مرض أو عدو أو حبس، والحصر التضييق.
وقال موانع اتمام النسك ستة:
الأول: الحصر العام، وهو ما كان بسبب قطع طريق أو غيره، وسواء كان المانع كافرا أو مسلما، وسواء أمكن المضى بقتال أو بذل مال أو لم يمكن، اذ لا يجب احتمال الظلم فى أداء النسك، وسواء كان العدو فرقا أم فرقة واحدة لقول الله عز وجل:«فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} .. الآية» ، وقد نزلت بالحديبية حين صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت وكان معتمرا فنحر، والأولى قتال الكفار عند القدرة عليه ليجمعوا بين الجهاد ونصرة الاسلام واتمام النسك.
الثانى: الحصر الخاص، بمثل الحبس ظلما أو بدين مع الاعسار والعجز عن اثباته وبمثل المرض.
الثالث: الرق، فان أحرم العبد بلا اذن سيده، فان لسيده تحليله على تفصيل موضعه فى مصطلح «رق» .
الرابع: الزوجية فللزوج تحليل (أى اخراج زوجته من الاحرام) من حج تطوع لم يأذن فيه، وفى حج الفرض بلا اذن على الأظهر، وفيه تفصيل ينظر فى مصطلح «حج»
الخامس: الأبوة، وذلك بشرط أن يكونا مسلمين، فان كانا كذلك فلهما تحليله من نسك التطوع اذا أحرم بغير اذنهما، وفى ذلك تفصيل محله مصطلح «حج، أب، ابن» .
السادس: الدين، فلصاحب الدين منع المديون من السفر ليستوفيه الا ان كان معسرا، أو الدين مؤجلا أو يستنيب من يقضيه من مال حاضر وليس له تحليله.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 53 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب لابى اسحاق الشيرازى ج» ص 332 وما بعدها طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 351 وما بعدها طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ.
وجاء فى المهذب: ان أحصره العدو عن الوقوف أو الطواف أو السعى وكان له طريق آخر يمكنه الوصول منه الى مكة فلا يعتبر محصرا
(1)
.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: المحصر هو من يمنع من أداء النسك بعد الاحرام بحج أو عمرة سواء منعه عدو من المشركين أو من المسلمين ولم يكن له طريق آمن للحج وسواء كان الحصر عاما بالنسبة لكل الحجاج أو كان خاصا فى شخص واحد مثل أن يحبس بغير حق أو يأخذه اللصوص أو حبس بحق أو دين حال لكنه قد يستطيع أداءه أو منع لمرض أو ذهاب نفقة
(2)
، أما من منعه العدو وكان يمكنه الوصول الى الحرم من طريق أخرى غير التى أحصر فيها فلا يعتبر محصرا، كذلك من حبس بحق أو دين حال وكان قادرا على أدائه فلا يعتبر محصرا
مذهب الظاهرية:
وقال ابن حزم الظاهرى: كل من عرض له ما يمنعه من اتمام حجه أو عمرته قارنا كان أو متمتعا، من عدو أو مرض أو كسر أو خطأ طريق، أو خطأ فى رؤية الهلال، أو سجن أو أى شئ كان فهو محصر.
والاحصار والحصر بمعنى واحد، وهما اسمان يقعان على كل مانع من عدو أو مرض أو غير ذلك أى شئ كان
(3)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: الاحصار هو حصول مانع اضطرارى عقلى أو شرعى منع من اتمام ما أحرم له، وأسباب الحصر تسعة هى:
الحبس، أو المرض، أو الخوف، أو انقطاع الزاد بحيث يخشى على نفسه التلف أو الضرر اذا حاول الاتمام مع حصول أى هذه الأعذار. وهذه الموانع الاربعة عقلية.
أما الموانع الباقية فشرعية، وهى:
انقطاع المحرم فى حق المرأة، فاذا انقطع محرمها بسبب من الأسباب العقلية المتقدمة أو بموت أو بغيرها ولو تمردا منه، ولم تجد محرما غيره صارت بانقطاعه محصرة، فلو أحصر محرمها وقد بقى بينها وبين الموقف دون بريد، فهل يجوز لها الاتمام من دونه؟.
قال «الامام» : الأقرب أنه لا يجوز لها الاتمام من دونه الا ألا يبقى بينها وبين الموقف الا ما يعتاد فى مثله مفارقة المحرم فى السفر ويتسامح بمثله وأقرب ما يقدر به ميل.
والسبب الثانى من موانع الحصر الشرعية، من أحصره مرض من يتعين عليه
(1)
ج 1 ص 233 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 631، 632 الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ، والاقناع لشيخ الاسلام أبى النجا ج 1 ص 400 طبع المطبعة المصرية بالأزهر.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 203، 204 مسألة رقم 873 طبع ادارة الطباعة المنيرية الطبعة الأولى سنة 1352 هـ.
أمره نحو أن يمرض الزوج أو الزوجة أو الرفيق أو بعض المسلمين أو الذميين وخشى عليه التلف ان لم يكن معه من يمرضه وجب على زوجته أو رفيقه أن يقف معه ليمرضه ولا يجوز أن يعين غير الأخص كأن يجتمع مع الرجل زوجة ومحرم فيتعين فى حق الزوجة.
قال الامام: الا أن يعرف أن المحرم أرفق من الزوجة فانه يجوز له أن يعين المحرم.
وجاء فى حاشية شرح الأزهار تعليقا على ما سبق، مع يمينه أن تلك المحرم أرفق.
والسبب الثالث: من أحصره تجدد عدة كامرأة طلقت بعد الاحرام أو مات زوجها فالواجب عليها أن تعتد حيث طلقت.
والسببان الأخيران: بمنع الزوج أو السيد اذا جاز له المنع من الاتمام، وذلك اذا كان الاحرام بالنافلة من غير اذن الزوج أو السيد فان لهما المنع عن اتمام ما أحرما له، وبذلك تصير الزوجة محصرة ويصير العبد كذلك محصرا، ويلحق بمنع السيد لعبده كل من طولب بحق يجب عليه كالمطالب بالدين الحال لا المؤجل
(1)
.
وجاء فى البحر الزخار
(2)
: ويصير محصرا بالعدو المشرك اجماعا لنزول الآية فى احصار الحديبية، وكذا الباغى.
مذهب الإمامية:
أما الإمامية فقد فرقوا بين الاحصار والصد، فالمراد بالاحصار عندهم فى باب الحج منع الناسك بالمرض عن نسك يفوت الحج أو العمرة بفواته مطلقا كالموقفين (الوقوف بعرفة، والوقوف بالمشعر الحرام) وذلك بالنسبة للحج، أو عن النسك المحلل.
والمراد بالصد، منع الناسك بالعدو وما فى معناه عما يفوت الحج أو العمرة مع قدرة الناسك بذاته على الاكمال، فأثبتوا بهما أصل التحلل فى الجملة وفرقوا فى عموم التحلل على ما سيأتى
(3)
.
ومن الفروع التى تقوى تحقق الاحصار والصد فيها المنع عن مكة وأفعال منى معا ويقوى عدم تحققها بالمنع عن مكة بعد التحلل بمنى، وكذلك منع المعتمر عن أفعال مكة بعد دخولها، ومنع الحاج عن مناسك منى يوم النحر اذا لم يمكنه الاستنابة، فيه نظر من حيث تحقق الاحصار والصد به وعدم تحققه
(4)
.
مذهب الإباضية:
وقال الإباضية: المحصر هو الممنوع من اتمام الحج أو العمرة بعد الاحرام به ويقال أيضا محصور لأنه يقال حصر، وأحصره، والحصر يشمل السجن والقيد وخوف القتل
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الاطهار ج 2 ص 166 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام المرتضى ج 2 ص 387 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1366 هـ.
(3)
الروضة البهية فى شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى ج 1 ص 213 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر والمختصر النافع ص 124 طبع وزارة الاوقاف الطبعة الثانية.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 215 الطبعة السابقة.
أو المثلة أو الضرب المبرح أو نحو ذلك، ويشمل المرض كذلك
(1)
.
بم يتحلل المحصر
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: يتحلل المحصر بذبح الهدى على قول أبى حنيفة ومحمد، ولا حلق عليه ولا تقصير، وان حلق فحسن.
وقال أبو يوسف: عليه أن يحلق، ولو لم يحلق فلا شئ عليه لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحصروا فى الحديبية وأمرهم بأن يحلقوا وحلق عليه الصلاة والسلام بعد بلوغ الهدايا محلها.
وفى الكافى أن المراد فى قول أبى يوسف عليه الحلق، الاستحباب لا الوجوب، بدليل قوله: ولو لم يفعل لا شئ عليه.
لأن ترك الواجب يوجب الدم، وترك السنة اساءة.
وفى الكرمانى، فى حلق المحصر روايتان عن أبى يوسف: فى رواية واجب، وفى رواية غير واجب. وفى رواية النوادر عنه يجب الدم بتركه.
ولأبى حنيفة ومحمد أن الحلق لم يعرف كونه نسكا الا بعد أداء الأفعال وقبله جناية فلا يؤمر به.
وفى الكافى: لا يحلق عندهما اذا أحصر فى الحل، وأما اذا أحصر فى الحرم فيحلق لأن الحلق مؤقت بالحرم عندهما، وان لم يجد ما يذبح بقى محرما حتى يذبح أو يطوف
(2)
.
ولو كان المحصر قارنا بعث هديين: هديا لحجه، وهديا لعمرته لأنه محرم باحرامهما فلا يتحلل الا بعد الذبح عنهما، ولو بعث بهدى واحد يتحلل عن الحج ويبقى فى احرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما لأن التحلل منهما لم يشرع الا فى حالة واحدة فلو تحلل عن أحدهما دون الآخر يكون فيه تغيير للمشروع.
ولا يحتاج الى تعيين أحدهما للعمرة والآخر للحج لأن هذا التعيين غير مقيد، ولا يكفى هدى واحد ليتحلل من الاحرامين لأنه شرع قربة مقصودة بنفسها فلا ينوب الواحد عن اثنين، ولأن جهة الكفارة فيه راجحة، والكفارة تتعدد على القارن لجنايته على الطرفين
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: يختلف ما يكون به التحلل للمحرم المحصر باختلاف النسك الذى يمنع منه، وذلك على الوجه الآتى:
أولا: من أحرم بحج ومنع من الوقوف بعرفة والبيت معا، أو أحرم بعمرة ومنع عن البيت والسعى معا، وكان المنع ظلما
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للإمام يوسف أطفيش ج 2 ص 382، 406، 407 طبع محمد بن يوسف البارونى وشركاه.
(2)
الزيلعى ج 2 ص 78، 79 الطبعة السابقة.
(3)
الزيلعى والشلبى ج 2 ص 79 الطبعة السابقة.
بسبب عدو أو فتنة أو حبس بدون حق، أو بحق لكن ثبت عسره، فالأفضل له التحلل بالنية، بأن ينوى الخروج من الاحرام، ومتى نوى ذلك صار حلالا ولا يحرم عليه شئ مما يحرم على المحرم.
ويسن له أن ينحر هديه ويحلق رأسه أو يقصر فان لم يكن معه هدى لا يجب عليه.
وقوله تعالى: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» محمول على ما اذا كان الهدى مع المحصر من قبل كأن ساقه تطوعا، والنية فى الأصل كافية للتحلل ويجوز له البقاء على احرامه للعام القابل الا أن التحلل أفضل من البقاء على احرامه، وانما يجوز له التحلل بثلاثة شروط:
الأول: ان لم يعلم حين الاحرام أن هناك من يمنعه من عدو أو فتنة أو حبس، فان كان يعلم بذلك فليس له التحلل، بل يبقى على احرامه حتى يحج فى العام القابل، لكن ان علم بما يمنعه حين الاحرام وظن أنه لا يمنعه فمنعه فله حينئذ أن يتحلل بالنية، كما وقع للنبى صلى الله عليه وسلم حين أحرم بالعمرة عام الحديبية عالما بالعدو وهو يظن أنه لا يمنعه فمنعه، فلما منعه تحلل بالنية.
الثانى: أن ييأس من زوال المانع قبل فوات الحج بأن يعلم أن يظن أن المانع لن يزول قبل فوات الوقوف بعرفة فان لم ييأس اتنظر لعل المانع يزول.
الثالث: أن يكون الوقت متسعا لادراك الحج عند الاحرام به بحيث أنه اذا لم يمنع يتأتى له ادراكه، أما لو أحرم بوقت لا يدرك فيه الحج فليس له أن يتحلل، وان أحصر لأنه داخل على البقاء على احرامه، ولا يلزم المحصر طريق مخوف على نفسه وماله.
ثانيا: من وقف بعرفة وحصر عن البيت الحرام وما بعده عن مواضع النسك كمزدلفة ومنى لمرض أو عدو أو حبس ولو بحق أو فتنة فقد تم حجه لأن الحج عرفة، لكن لا يجوز له التحلل من احرامه الا بطواف الافاضة اذا كان قد قدم السعى، فان لم يكن قد سعى فلا يحل الا بطواف الافاضة والسعى ولو بعد سنين، فان بقى محصرا حتى فاته النزول بمزدلفة ورمى الجمار والمبيت بمنى ليالى الرمى فعليه هدى واحد لفوات الجميع.
ثالثا: من تمكن من البيت وأحصر عن الوقوف بعرفة فله أن يتحلل من احرامه ان شاء، وان شاء بقى على احرامه للعام القادم، لكن ان دخل مكة أو قاربها فالأفضل له التحلل، ويكره له البقاء على احرامه لقابل، ويكون التحلل بفعل عمرة ما لم يفته الوقوف وهو بمكان بعيد عن مكة جدا، فحينئذ يكون له التحلل بالنية كالمحصور عن البيت والوقوف معا، وفسر التحلل بالعمرة بأن يطوف ويسعى ويحلق بنية العمرة من غير تجديد احرام غير الأول بل ينوى التحلل من احرامه الأول بفعل العمرة ويخرج المتحلل بالعمرة للحل ليجمع
فى احرامه المتحلل منه بالعمرة بين الحل والحرم، لأن كل احرام يجب فيه الجمع بين الحل والحرم، وهذا اذا كان قد أحرم أولا بالحج من الحرم، أما لو أحرم بحجه أولا من الحل فلا يحتاج للخروج ثانية الى الحل، ولا يجوز له التحلل ان استمر على احرامه حتى دخل وقت الحج فى العام القابل، فان خالف وتحلل بعمرة فقيل يمضى تحلله ويكون متمتعا، وقيل لا يمضى تحلله وهو باق على احرامه وما فعله من التحلل لغو
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: من أحصر عن اتمام حج أو عمرة جاز له التحلل لأن الرسول لما صد عن البيت وكان معتمرا تحلل وأمر أصحابه بالتحلل لأن فى مصابرة الاحرام الى أن يأتوا بالأعمال مشقة وحرج وقد رفعه الله تعالى عنا. ولو منعوا من الرجوع أيضا جاز لهم التحلل فى الأصح، واذا جاز التحلل فان كان المحصر واجدا للهدى لم يجز له أن يتحلل حتى يهدى لقوله تعالى:
«فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» .
ويجب أن ينوى بالهدى التحلل لأن الهدى قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فوجب أن ينوى ليميز بينهما ثم يحلق.
وعلى القول بأن الحلق نسك حصل له التحلل بالهدى والنية والحلق، وعلى القول بأن الحلق ليس بنسك حصل له التحلل بالنية والهدى، فان كان عادما للهدى حسا أو شرعا كأن احتاج اليه أو الى شنه أو وجده غاليا فقيل لا بدل له لعدم ورود البدل فى الآية فيبقى فى ذمته، والأظهر أن له بدلا كغيره من الدماء ويكون البدل طعاما فيقوم فان عجز صام عن كل مد من المقوم به يوما كما فى الدم الواجب، وله اذا انتقل الى الصوم التحلل فى الحال على الأظهر بالحلق والنية، وقيل لا يتحلل الا بعد الصوم، ولا يجوز له التحلل اذا أحصره المرض لأنه لا يتخلص بالتحلل من الأذى الذى هو فيه فلا يتحلل كمن ضل الطريق، وتحلل الرقيق يكون بالنية والحلق
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: ويكون التحلل بذبح هدى شاة أو سبع بدنة، أو سبع بقرة لقوله تعالى «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» ، وينوى بذبح الهدى التحلل وجوبا، لقول النبى صلى الله عليه وسلم:
«إنما الأعمال بالنيات» ، ولفعله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، سواء كان الحصر عاما أو خاصا، وسواء كان المنع قبل الوقوف بعرفة أو بعده.
ولا يحل المحصر القادر على الهدى قبل ذبحه، فان كان معه هدى قد ساقه أجزأه وان لم يكن معه لزمه شراؤه ان أمكنه، فان لم يمكنه صام عشرة أيام بنية التحلل ثم حل، ولا اطعام فى الاحصار لعدم وروده
(1)
الشرح الكبير ج 2 ص 93 وما بعدها والشرح الصغير ج 1 ص 284 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب ج 1 ص 234، 235 الطبعة السابقة ونهاية المحتاج ج 3 ص 351، وما بعدها، الطبعة السابقة.
وقال الآجرى: ان عدم الهدى مكان احصاره قومه طعاما، وصام عن كل مد يوما وحل، وأوجب عليه ألا يحل حتى يصوم ان قدر فان صعب عليه حل ثم صام، ويجب مع الهدى حلق أو تقصير، وهو احدى الروايتين عن أحمد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم حلق يوم الحديبية وفعله فى النسك دال على الوجوب.
والرواية الثانية وهى ظاهر كلام الخرقى أنه لا يلزمه الحلق أو التقصير لأن الله تعالى ذكر الهدى وحده ولم يشترط سواه
(1)
. ومن حصر عن طواف الافاضة فقط بأن رمى وحلق بعد وقوفه لم يتحلل حتى يطوف طواف الافاضة ويسعى ان لم يكن قد سعى، وكذا لو حصر عن السعى فقط، لأن الشرع ورد بالتحلل عن احرام تام يحرم جميع المحظورات، ومن حصر عن واجب كرمى الجمار لم يتحلل وعليه دم وحجه صحيح، ومن صد عن عرفة دون الحرم فى حج تحلل بعمرة ولا شئ عليه، لأن قلب الحج الى العمرة مباح بلا حصر فمع الحصر أولى، فان كان قد طاف وسعى للقدوم ثم أحصر تحلل بطواف وسعى آخرين لأن الأولين لم يقصد بهما طواف العمرة ولا سعيها وليس عليه أن يجدد احراما
(2)
.
وما تقدم انما هو فى الاحصار ظلما بعدو كان أو بحق غير ثابت أو بحق مع اعسار، أما الاحصار بمرض أو ذهاب نفقة أو ضل الطريق لم يكن له التحلل، ويبقى على احرامه حتى يقدر على البيت، لأنه لا يستفيد بالاحلال الانتقال من حال الى حال خير منها ولا التخلص من الأذى الذى به
(3)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: للمحصر أن يحل من احرامه سواء شرع فى عمل الحج أو العمرة أو لم يشرع بعد، قريبا كان أو بعيدا، مضى له أكثر فرضهما أو أقله، كل ذلك سواء .. وعليه هدى ولا بد، الا أنه لا يعوض من هذا الهدى صوم ولا غيره فمن لم يجد فهو عليه دين حتى يجده وقال: المحصر اذا صد فقد بلغ هديه محله فله أن يحلق رأسه
(4)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: من أحصر بأى سبب من الأسباب التى ذكرت آنفا فانه يتحلل بعد أن يبعث بالهدى الى منى، ان كان المحصر حاجا، ولكنه ان كان معتمرا ويعين لنحره وقتا معلوما ينحر فيه فيحل من احرامه بعد ذلك الوقت بمعنى أنه يحل له محظورات الاحرام بعد ذلك الوقت، ولو لم يبلغه الخبر بأن الهدى قد ذبح.
لكن يستحب له تأخير الخروج عن الاحرام نصف نهار عن الموعد ليغلب على ظنه أنه قد ذبح الا أن يغلب على ظنه أنه لم يذبح لأمارة دلت على ذلك أنه يؤخر الاحلال حينئذ وجوبا، فان انكشف أنه
(1)
الاقناع ج 1 ص 399 وكشاف القناع ج 1 ص 631 والمغنى ج 3 ص 371، ص 372 الطبعة السابقة.
(2)
منتهى الايرادات ج 1 ص 707 وكشاف القناع ج 1، 23 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 633 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى ج 7 ص 203، ص 207 الطبعة السابقة
أحل، ففعل المحظور قبل الوقت الذى عينه أو قبل الذبح لزمته الفدية الواجبة فى ذلك المحظور وبقى محرما، ولو قد فعل ذلك المحظور، حتى يتحلل اما بفعل عمرة أو بهدى آخر ينحره فى أيام النحر من هذا العام أو من القابل فى مكانه، ومن أحصر ولم يجد هديا يتحلل به فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة اذا رجع الى أهله، لكن التحلل يحصل بصيام الثلاثة الأول.
قال الامام: ذلك فيمن أحصر عن الحج أما من أحصر عن العمرة، ولم يمكنه الهدى فالظاهر وجوب صيام ثلاثة أيام حيث عرض الاحصار، وأى وقت كان، وسبعة اذا رجع، فاذا تعذر عليه الصوم والهدى جميعا جاز له التحلل، ويبقى الهدى فى ذمته
(1)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: ومن صد بالعدو عن الموقفين ومكة ولا طريق غير الطريق المصدود عنه، أو له طريق آخر ولكن لا نفقة له تبلغه ولم يرج زوال المانع قبل خروج الوقت ذبح هديه المسوق أو غيره وقصر أو حلق وتحلل حيث صد حتى من النساء من غير تربص ولا انتظار لطوافهن ولو أحصر عن عمرة التمتع، فتحلل فالظاهر حل النساء أيضا، اذ لا طواف لهن بهما حتى يتوقف حلهن عليه.
ومتى أحصر الحاج بالمرض عن الموقفين معا أو عن أحدهما مع فوات الآخر عن المشعر مع ادراك اضطرارى عرفة خاصة دون العكس، وبالجملة متى أحصر عما يفوت بفواته الحج أو أحصر المعتمر عن مكة أو عن الأفعال بها فان دخلها بعث كل منهما ما ساقه ان كان قد ساق هديا أو ثمنه ان لم يكن ساق، والاجتزاء بالسوق مطلقا هو المشهور لأنه هدى مستيسر، والأقوى عدم التداخل ان كان السياق واجبا لاختلاف الأسباب المقتضية لتعدد السبب ولو لم يتعين ذبحه وكفى.
ويكون اطلاق هدى السياق حينئذ عليه مجاز، واذا بعث وأعد نائبه وقتا معينا لذبحه أو نحره، فاذا بلغ الهدى محله وحل وقت المواعدة حلق أو قصر وتحلل بنيته الا من النساء حتى يحج فى القابل، أو يعتمر مطلقا ان كان النسك الذى دخل فيه واجبا مستقرا أو يطاف عنه للنساء مع وجوب طوافهن فى ذلك النسك ان كان ندبا أو واجبا غير مستقر بأن استطاع له فى عامه، ولا يبطل تحلله الذى أوقفه بالمواعدة لو ظهر عدم ذبح الهدى وقت المواعدة ولا بعده لامتثال المأمور المقتضى لوقوعه مجزيا يترتب عليه أثره، ويبعثه فى القابل لفوات وقته فى عام الحصر، ولا يجب الامساك عند بعثه عما يمسكه المحرم الى أن يبلغ محله على الأقوى لزوال الاحرام بالتحلل السابق، والامساك تابع له، والمشهور وجوبه، ويمكن حل الرواية القائلة بالوجوب على الاستحباب كامساك باعث هديه من الآفاق تبرعا
(2)
.
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 16، 169، 171 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 214، 215 الطبعة السابقة.
مذهب الإباضية:
وقال الإباضية: قيل فى المحصر أن يبعث الهدى ان كان معه، فاذا نحر عنه حل له غير النساء والصيد، ويواعد على وقت الذبح، والا فيحتاط بتأخير حكم الاحلال، وقيل لا يحرم عليه الصيد والنساء اذا حل.
وقال أبو عبيدة وأبو نوح والربيع: لا حج لمن فاته الوقوف بها (أى عرفة)، وليصنع كالناس أى يفعل ما بقى من أفعال الحج ويجعله عمرة ثم يحل من احرامه، وقالوا: والمحصر عن حج أو عنهما فانما يتحلل اذا نحر عنه هديه يوم النحر أو يفوته الحج فيجعلها عمرة، فاذا نحر عنه يوم النحر حل له كل شئ الا النساء والصيد والطيب فحتى يحج من قابل وان لم يكن مع المحصر عن الحج بمرض هدى فلا يحل حتى يفوت وقت الحج، وقيل حتى يصح ويحج.
وقال قوم: لا هدى على محصر بعدو، وان كان معه هدى فلينحره حيث أحل، وقيل عليه هدى ينحره حيث أحل، وقيل لا ينحره الا فى الحرم، ومن فاته الحج بخطأ فى عدد الأيام أو لخفاء الهلال أو غير ذلك من الأعذار، فحكمه حكم المحصر بمرض ان بقى على احرامه حتى يحج من قابل فلا هدى عليه
(1)
.
أثر الاشتراط عند الاحرام
مذهب المالكية:
قال المالكية: ان نوى المحرم عند احرامه أو شرط باللفظ أنه متى حصل له مرض أو حصر من عدو أو فتنة أو حبس ظلما أو بحق أو غير ذلك من كل ما يمنعه من تمام نسكه كان متحللا من غير تجديد نية التحلل فى الحصر عن الوقوف والبيت، ومن غير فعل العمرة فى الحصر عن الوقوف فان تلك النية وذلك الاشتراط لا يفيده، ولو حصل له ذلك المانع بالفعل فهو عند وجود المانع باق على احرامه حتى يحدث نية التحلل أو يتحلل بعمرة
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: اذا أحرم وشرط التحلل اذا مرض أو ضاعت نفقته فقيل: ان الشرط لا يثبت لأنه عبادة لا يجوز الخروج منها بغير عذر فلم يجز التحلل منها بالشرط، وقيل: يثبت الشرط لحديث ضباعة بنت الزبير حيث دخل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: انى أريد الحج وأنا شاكية، فقال الرسول:«حجى واشترطى أن محلى حيث حبستنى» ، وعلى هذا اذا شرط أنه اذا مرض صار حلالا، فمرض صار حلالا، وقيل لا يتحلل الا بالهدى
(3)
.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 407، 408، 409 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير ج 2 ص 67 الطبعة السابقة.
(3)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 235 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: من شرط فى ابتداء احرامه أن يحل متى مرض أو ضاعت نفقته أو نفدت أو قال ان حبسنى حابس فمحلى حيث حبستنى فله التحلل بجميع ذلك، لحديث ضباعة السابق، وليس عليه هدى ولا صوم ولا قضاء، وله البقاء على احرامه حتى يزول عذره ويتم نسكه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: ان كان اشترط الحاج أو المعتمر عند احرامه أن محله حيث حبسه الله عز وجل، فليحل من احرامه ولا شئ عليه سواء شرع فى عمل الحج أو العمرة أو لم يشرع بعد، قريبا كان أو بعيدا، مضى له أكثر فرضهما أو أقله، كل ذلك سواء، ولا هدى فى ذلك ولا غيره ولا قضاء عليه فى شئ من ذلك الا أن يكون لم يحج قط ولا اعتمر، فعليه أن يحج ويعتمر ولا بد
(2)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: لا يسقط الهدى الذى يتحلل به بالاشتراط وقت الاحرام أن يحله حيث حبسه، وله تعجيل التحلل مع الاشتراط من غير انتظار بلوغ الهدى محله وهذه فائدة الاشتراط فيه. وقيل: انها سقوط الهدى، وقيل سقوط القضاء على تقدير وجوبه بدونه، والأقوى أنه تعبد شرعى، ودعاء مندوب، والاشتراط يفيد تعجيل التحلل للمحصر دون المصدود لجوازه بدون الشرط
(3)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: ان قال المحرم: ان محلى حيث حبست، فليحل من حين حبس، ولا تلزمه كفارة هدى ان حبس ويحل من احرامه حيث حبس ولم يرج التسريح ان لم يكن معه هدى، والا فحتى يبلغ محله، ويجوز له أن يحرم بحج وينوى ان تيسر فهو حج وان حبس ففعله عمرة
(4)
.
مكان الذبح
مذهب الحنفية:
وقال أبو يوسف ومحمد: يتوقت بالحرم حتى لا يجوز ذبحه فى غيره، وهذا هو رأى أبى حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد: يتوقت بالزمان وبالمكان وهو الحرم، وهذا فى المحصر بالحج، أما دم العمرة فالاجماع على عدم تعين الزمان لأن أفعال العمرة لا تتوقت فيه وانما قيد بالمكان بقوله تعالى:«وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» وهو اسم للمكان والمراد به الحرم بدليل قوله تعالى: «ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ 5» بعد ذكر الهدايا، وقال تعالى:«هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ 6» ولأنه دم كفارة لأنه يجب للاحلال قبل أوانه، ودم الكفارة يختص بالحرم
(7)
.
(1)
منتهى الارادات على كشاف القناع ج 1 ص 707 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم ج 7 ص 203 مسألة رقم 873 الطبعة السابقة.
(3)
الروضة البهية ج 1 ص 213، 214 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل ج 2 ص 406 وص 407، الطبعة السابقة.
(5)
سورة الحج: 33.
(6)
سورة المائدة: 95.
(7)
الزيلعى ج 2 ص 79 الطبعة السابقة.
مذهب المالكية:
قال المالكية: من أحصر عن الحج أو العمرة وتحلل نحو هديه الذى كان معه بمكانه الذى هو به ان لم يتيسر ارساله المكة، فان تيسر له ذلك بعثه، ومن أحصر عن الوقوف وتمكن من البيت وتحلل بفعل عمرة، وكان معه هدى، فلا يخلو، اما أن يخاف عليه العطب اذا أبقاه عنده حتى يصل الى مكة أولا، فان لم يخف عليه ندب حبسه معه حتى يأتى مكة ليأخذه معه لينحره بمكة
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: من أحصر وتحلل بالذبح، فان كان فى الحرم ذبح الهدى فيه، وان كان فى غير الحرم ولم يقدر على الوصول الى الحرم ذبح الهدى حيث أحصر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نحر هديه بالحديبية وهى خارج الحرم، وان قدر على الوصول الى الحرم، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يجوز أن يذبح فى موضعه لأنه موضع تحلله فجاز فيه الذبح كما لو أحصر فى الحرم، والرأى الثانى: لا يجوز أن يذبح الا فى الحرم لأنه قادر على الذبح فى الحرم، فلا يجوز أن يذبح فى غيره
(2)
.
مذهب الحنابلة:
محل ذبح الهدى عندهم فى موضع حصره حلا كان أو حرما الا أن يكون قادرا على أطراف الحرم، ففيه وجهان:
أحدهما: يلزمه نحره فى الحرم، لأن الحرم كله منحر وقد قدر عليه.
والثانى: ينحره فى موضعه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نحر هديه فى موضعه، وعن أحمد: ليس للمحصر نحر هديه الا فى الحرم فيبعثه ويواطئ رجلا على نحره فى وقت يتحلل فيه.
وعقب صاحب المغنى على ذلك فقال:
وهذا، والله أعلم، فيمن كان حصره خاصا، أما الحصر العام فلا ينبغى أن يقوله أحد لأن ذلك يفضى الى تعذر الحل لتعذر وصول الهدى الى محله، ولأن الرسول وأصحابه نحروا هداياهم فى الحديبية، وهى فى الحل، ولا ينحر من أحصر بمرض أو ذهاب نفقة، الهدى الذى معه الا بالحرم فيبعث به ليذبح فى الحرم
(3)
.
مذهب الظاهرية:
المحصر اذا صد فقد بلغ هديه محله، وأورد ابن حزم ما رواه أبى أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه أخبر أنه كان مع عبد الله بن جعفر فخرج معه من المدينة فمروا على الحسين بن على وهو مريض بالسقيا فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى اذا خاف الفوات خرج وبعث الى على بن أبى طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة فقدما عليه وأن حسينا أشار الى رأسه فأمر على بحلق رأسه فحلق ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا، ثم قال: انما أتينا بهذا الخبر لما فيه
(1)
الشرح الكبير ج 2 ص 93، 96 والشرح الصغير ج 1 ص 285 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 234، الطبعة السابقة.
(3)
المغنى ج 3 ص 371، 372، 373 الطبعة السابقة وكشاف القناع ج 1 ص 633 الطبعة السابقة
أنه كان معتمرا، فهذا على والحسين وأسماء رأوا أن يحل من عمرته ويهدى فى موضعه الذى كان فيه وهو قولنا
(1)
.
مذهب الزيدية:
لا يصح ذبح الهدى الا فى محله وهو منى، ان كان المحصر حاجا، ومكة ان كان معتمرا
(2)
.
مذهب الإمامية:
المصدود يذبح هدى التحلل أو ينحره حيث وجد المانع، أما المحصر فيبعثه الى محله وهو منى، ان كان حاجا، ومكة ان كان معتمرا، واذا اجتمع الاحصار والصد على المكلف بأن يمرض ويصد بالعدو فله أن يتخير أخذ حكم ما شاء منهما، وأخذ الأخف من أحكامهما لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم سواء عرضا دفعة أم متعاقبين
(3)
.
مذهب الإباضية:
المحصر بعدو يحل من عمرته أو حجته حيث أحصر عند الجمهور.
وقال أصحابنا: المحصر عن عمرة بعدو أو مرض يبعث هديه الى الحرم ان لم يصد فيه، ينحر فى يوم معلوم فيتحلل من احرامه اذا قضى ذلك اليوم، وان كان فى الحرم ذبحه حيث كان، وقال قوم: لا هدى على محصر بعدو، وان كان معه هدى فلينحره حيث أحل، وقيل: عليه هدى وينحره حيث أحل، وقيل لا ينحره الا فى الحرم
(4)
.
التوقيت بالحرم
اختلفت المذاهب على أقوال: فمنها ما وقت بالحرم فلا يذبح هدى المحصر الا فيه، ومنها ما وقت بالزمان فى أيام النحر مع التوقيت المكانى بالحرم، ومنها ما وقت بمكان الاحصار مع التفصيل بين هدى الحج وهدى العمرة فى كل ذلك.
مذهب الحنفية:
يتوقت دم الاحصار بالحرم حتى لا يجوز ذبحه فى غيره ولا يتوقت بيوم النحر حتى جاز ذبحه فى أى وقت شاء وهذا عند أبى حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد: يتوقت بالزمان وهو أيام النحر وبالمكان وهو الحرم، وهذا الخلاف فى المحصر بالحج، وأما دم المحصر بالعمرة فلا يتعين بالزمان بالاجماع لأن أفعال العمرة لا تتوقت فيه فكذا الهدى الذى يتحلل به منها، وجه قولهما أن هذا دم يتحلل به من احرام الحج فيختص بيوم النحر كالحلق فى الحج، وربما يعتبران بدم المتعة والقران، وله (أى لأبى حنيفة) قوله تعالى:«فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» ذكره
(1)
المحلى ج 7 ص 205، 207 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 169 الطبعة السابقة.
(3)
الروضة البهية ج 1 ص 213 وص 214 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل ج 2 ص 407 الطبعة السابقة.
مطلقا، والتقييد بالزمان فسخ له، فلا يجوز الا بمثله
(1)
.
مذهب الزيدية:
وقال الزيدية: اذا بعث المحصر بالهدى الى منى أو مكة عين لنحره وقتا معلوما للرسول ينحره فيه ليحل من احرامه بعد ذلك الوقت، ولا بد أن يكون ذلك الوقت من أيام النحر فى هدى الحج لا العمرة فلا يحتاج لتعيين اذ لا وقت له فلو عين غير أيام النحر قبلها لم يصح، وأما بعدها فيصح، ويلزم دم التأخير، فان أمر بالهدى ولم يعين وقتا بل أطلق تعينت أيام النحر ولا يتحلل الا بعد خروجها
(2)
.
وبقية المذاهب يتضح ما ذهبت اليه فى عنصر مكان الذبح السابق.
ما يجب على المحصر بعد التحلل
مذهب الحنفية:
المحصر عند الأحناف فى هذه المسألة اما أن يكون محصرا عن الحج أو عن العمرة أو عنهما معا، فقالوا: على المحصر بالحج ان تحلل حجة وعمرة، كذا روى عن ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم، لأنه لزمه الحج بالشروع وتلزمه العمرة للتحلل لأن المحصر فى معنى فائت الحج، والعمرة واجبة عليه لأن فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة، فان لم يأت بها قضاها فكذا المحصر، ولا يقوم الدم مقام العمرة الا فى حق التحلل، وهذا لأن احرام الحج لا يخرج عنه الا بأفعال الحج أو العمرة.
وينعقد لازما وان لم يقصد الالتزام، كمن شرع فى الحج بنية الفرض لزمه المضى وان فسد وجب عليه قضاؤه، وهذا اذا لم يقصد الحج من عامه ذلك، وأما اذا قضاه فيها لا يجب عليه العمرة لأنه لا يكون بمنزلة فائت الحج حينئذ، كذا روى عن أبى حنيفة، وعنه أنه لا يحتاج الى نية التعيين اذا قضاه فى تلك السنة.
وروى الحسن عنه أن عليه حجة وعمرة فى الوجهين وعليه نية القضاء، وهو قول زفر، ولو قضاهما من قابل فهو مخير ان شاء أتى بكل واحد منهما على الانفراد وان شاء قرن، ولو لم يحل حتى تحقق بوصف الفوات تحلل بالأفعال بلا دم ولا عمرة فى القضاء
(3)
.
والمعتمر اذا أحصر وتحلل يجب عليه قضاؤها لا غير.
والاحصار عنها متحقق عندنا لأنه عليه الصلاة والسلام وأصحابه أحصروا بالحديبية وكانوا معتمرين فكانت تسمى عمرة القضاء ولأن التحلل ثبت لدفع ضرر امتداد الاحرام والحج والعمرة فى ذلك سواء
(4)
.
وعلى القارن اذا أحصر وتحلل حجة وعمرتان لأنه صح شروعه فى الحج والعمرة فيلزمه بالتحلل قضاؤهما وقضاء عمرة أخرى اذا لم يقصد الحج فى تلك السنة.
(1)
الزيلعى ج 2 ص 79 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 168 الطبعة السابقة.
(3)
الزيلعى ج 2 ص 79، 80 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ص 80 الطبعة السابقة.
وروى الحسن عن أبى حنيفة أن الحاج عليه العمرة بعد التحلل، وان قضى العمرة فى تلك السنة.
والظاهر أنه لا يقضى العمرة اذا قضى الحج فى تلك السنة لأنه لم يؤخرها بل أتى بجميع أفعال الحج فى وقته الذى شرع فيه، وان شاء أدى عمرتين متفرقتين والحجة مفردة فيكفيه دم الاحصار، وان شاء ضم احدى العمرتين الى الحجة فيكون قارنا فيلزمه دم القران مع دم الاحصار، وفى المحيط ان شاء ضم احدى العمرتين فيكون قارنا فيلزمه ثلاثة دماء:
دم شكر للقران، ودما جبر لاحصاره قارنا، ولا يلزمه أن يقضى قارنا لأنه بالشروع التزم أصل العبادة لا صفتها
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: لا يسقط عن المحضر الذى تحلل بالنية أو بفعل عمرة حجة الفريضة وعمرة الاسلام ولو كان الحصر من عدو أو حبس ظلما بخلاف حجة التطوع فيقضيها اذا كان المانع لمرض أو خطأ عدد أو حبس بحق، أما لو كان المانع فى حجة التطوع ظلما بسبب عدو أو فتنة أو حبس فلا يطالب بالقضاء
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: لا قضاء على المحصر المتطوع اذا تحلل لعدم وروده لأنه لو وجب لبين فى القرآن أو الخبر لأن الفوات نشأ عن الاحصار الذى لا صنع له فيه، فان كان نسكه فرضا مستقرا عليه كحجة الاسلام وكالنذر والقضاء بقى فى ذمته ومن أحصر وبقى على احرامه غير متوقع زوال الاحصار حتى فاته الوقوف لزمه القضاء لفوات الحج كما لو فاته بخطأ طريق أو خطأ فى الأيام وتحلل بأفعال العمرة ان أمكنه التحلل بها
(3)
.
وجاء فى المهذب
(4)
: من أحصر بسبب عدو منعه أداء النسك فلا قضاء عليه وان كان الحصر خاصا كمنع غريم فقيل لا يلزمه القضاء كما لا يلزمه فى الحصر العام، وقيل يلزمه لأنه تحلل قبل الاتمام بسبب يختص به فيلزمه القضاء كما لو ضل الطريق.
وان أحصر فلم يتحلل حتى فاته الوقوف فان زال العذر وقدر على الوصول تحلل بعمرة ولزمه القضاء وهى للفوات، وان فاته والعذر لم يزل تحلل ولزمه القضاء وهدى للفوات وهدى للاحصار.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: لا قضاء على محصر ان كان حجه نفلا، لظاهر الآية. وذكر فى الانصاف أنه المذهب وقيده فى المستوعب والمنتهى بما اذا تحلل قبل فوات الحج، أما لو لم يتحلل حتى فاته الحج لزمه القضاء
(5)
.
أما فى الواجب فانه يفعله بالوجوب السابق فى الصحيح من المذهب
(6)
.
(1)
الزيلعى والشلبى ج 2 ص 80 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير ج 1 ص 66 والشرح الصغير ج 1 ص 286 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج ج 3 ص 357، 358 الطبعة السابقة.
(4)
ج 1 ص 234 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع ج 1 ص 632 الطبعة السابقة.
(6)
المغنى ج 3 ص 332 الطبعة السابقة.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: نحن لا نمنع من القضاء عاما آخر لمن أحب، وانما نمنع من ايجابه فرضا، لأن الله تعالى لم يأمر بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد صح أن الله تعالى لم يوجب على المسلم الا حجة واحدة وعمرة فى الدهر فلا يجوز ايجاب أخرى الا بقرآن أو سنة صحيحة توجب ذلك
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: يجب على المحصر القضاء لما أحصر عن اتمامه سواء كان الذى أحصر عنه واجبا أم تطوعا، وصفة القضاء كصفة الابتداء فبقضى الحج حجا والعمرة عمرة
(2)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: لا يسقط الحج الواجب مع الصد، ويسقط المندوب والمحصر الذى حل الا من النساء كما سبق يحج فى القابل ان كان واجبا، أو يطاف عنه للنساء ان كان مندوبا
(3)
.
متى يأمن المحرم الاحصار
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: لا احصار بعد ما وقف بعرفة لأنه لا يتصور الفوات بعده فأمن منه، وهذا بالنسبة للحاج، فلا يتحلل بالهدى ويمكنه أن يتحلل بالحلق فى يوم النحر فى غير النساء وان لزمه دم لكونه حلق فى غير الحرم فلا حاجة الى أن يبعث دم الاحصار ليتحلل من غير عذر، ثم ان دام الاحصار حتى مضت مدة التشريق فعليه لترك الوقوف بالمزدلفة دم ولترك رمى الجمار دم ولتأخير الحلق وطواف الزيارة دم عند أبى حنيفة.
وعندهما ليس لتأخير الطواف شئ، واختلفوا فى تحلله فى مكانه قيل: لا يتحلل، وقيل يتحلل
(4)
، على تفصيل ينظر فى مصطلح «تحلل، حلق» .
مذهبا الشافعية والحنابلة:
وذهب الشافعية والحنابلة: الى أن المحرم اذا تمكن من الوصول الى الحرم من طريق أخرى غير التى أحصر فيها لا يكون محصرا
(5)
.
مذهب الإمامية:
وذهب الإمامية الى أن من منع من المبيت بمنى أو منع من رمى الجمرات
فهو غير محصر فقالوا: أطبقوا على عدم تحقق الصد والحصر بالمنع من المبيت بمنى ورمى الجمرات بل يستنيب فى الرمى فى وقته ان أمكن والا قضاه فى القابل
(6)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: وان أغمى على الواقف بعد الزوال بعرفة أو وقع عليه مانع
(1)
المحلى ج 7 ص 206، 207 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 172 الطبعة السابقة.
(3)
المختصر النافع ص 124 الطبعة السابقة.
(4)
الزيلعى ج 2 ص 81 الطبعة السابقة.
(5)
المهذب ج 1 ص 233، ص 234.
وكشاف القناع ج 1 ص 632.
(6)
الروضة البهية ج 1 ص 21 الطبعة السابقة.
كجنون أو حبس بعد الوقوف فى بعض الزمان بعد الزوال حتى مضت أيام منى تم حجه ولا يخرج حتى يزور
(1)
.
ما يفعله من زال عنه الاحصار
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: ان بعث المحصر بالحج الهدى ثم زال عنه الاحصار فان كان يقدر أن يدرك الهدى والحج وجب التوجه عليه لأداء الحج، وليس له أن يتحلل بالهدى لأن ذلك كان لعجزه عن ادراك الحج فكان فى حكم البدل، وقد قدر على الأصل، قبل حصول المقصود بالبدل، فسقط اعتباره، ويصنع بالهدى ما شاء، لأنه ملكه وقد كان عينه لجهة فاستغنى عنه، وان كان لا يقدر أن يدركها لا يجب عليه التوجه، وان توجه يتحلل بأفعال العمرة جاز لأنه الأصل فى التحلل وفى التوجه فائدة وهو سقوط العمرة عنه فى القضاء، واذا أدرك الحج دون الهدى فعلى قول أبى حنيفة يجوز له التحلل استحسانا والقياس أنه لا يجوز وهو قول زفر، وهو أيضا رواية الحسن عن أبى حنيفة، أما على قول أبى يوسف ومحمد فلا يتصور لأنه دم الاحصار بالحج عندهما يتوقت بيوم النحر، فاذا أدرك الحج أدرك الهدى ضرورة وفى المحصر بالعمرة يتصور اتفاقا، فينبغى أن يكون جوابهما فيها كجواب أبى حنيفة، وجه القياس أن العجز عن أداء الأفعال قد زال فيسقط حكم البدل وهو الهدى لقدرته على الأصل وهو الحج، ووجه الاستحسان أنه لو لم يتحلل يضيع ماله مجانا وحرمة المال كحرمة النفس فيتحلل، والأفضل أن يتوجه لأن فيه ايفاء بما التزم كما التزم
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قالت الحنابلة، كما جاء فى كشاف القناع
(3)
: من زال عنه الحصر بعد تحلله وأمكنه فعل الحج الواجب فى ذلك العام لزمه فعله.
وجاء فى المغنى
(4)
لو لم يتحلل المحصر حتى خلى عنه لزمه السعى، وان كان بعد فوات الحج يتحلل بعمرة.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية، على ما جاء فى شرح الأزهار
(5)
: ان بعث المحصر بالهدى ثم زال عذره قبل الحل فى احرام العمرة وقبل مضى وقت الوقوف فى الحج لزمه فى هاتين الصورتين الاتمام لما أحرم له، وسواء كان الهدى قد ذبح أم لا فيتوصل اليه بغير مجحف، أى يتوصل الى حصول الاتمام بما لا يجحف بماله من بذل المال فيلزمه أن يستكرى ما يحمله ان احتاج الى ذلك ويستأجر من يعينه أو يهديه الطريق، واذا زال عذره الذى أحصر به
(1)
شرح النيل ج 2 ص 409 الطبعة السابقة.
(2)
الزيلعى ج 2 ص 280، 281 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 632 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى ج 7 ص 372 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الأزهار ج 2 ص 170 وما بعدها الطبعة السابقة.
فأتم ما أحرم له جاز له أن ينتفع بالهدى ان أدركه قبل أن ينحر فيفعل به ما شاء، فان أدركه بعد النحر قبل أن يصرف.
قال الامام: فالأقرب أن له أن ينتفع به كما لو أدركه حيا، وهذا انما يكون فى هدى العمرة سواء كان أتمها أم لا، وانما ينتفع به اذا أدركه وقد عرف أن تمام العمرة غير متعذر عليه فى ذلك الاحرام.
وأما فى هدى الحج فانه لا يجوز له أن ينتفع به قط الا ان أدرك الوقوف بعرفة، فاذا أدرك الوقوف انتفع به، وان لم يدرك الوقوف تحلل من احرامه بعمرة ولا يحتاج الى تجديد الاحرام لها بل يكفيه أن يطوف ويسعى ويحلق، ولا يجوز له الانتفاع بالهدى، ولهذا قال الامام: والا تحلل بعمرة ونحر.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية، كما جاء فى الروضة البهية
(1)
: لو زال عذره التحق وجوبا وان بعث هديه فان أدرك والا تحلل بعمرة، وان ذبح أو نحر على الأقوى، لأن التحلل بالهدى مشروط لعدم التمكن من العمرة فاذا حصل انحصر فيه، ووجه العدم الحكم بكونه محللا قبل التمكن وامتثال الأمر المقتضى له.
إحصان
بيان المعنى فى اللغة:
مادة: حصن تدل على المنع ومنه الحصن لأنه يمنع من فيه، ويقال: أحصن الرجل اذا تزوج وأحصن، اذا أسلم وأحصن اذا صار حرا، وأحصن اذا عف ..
وفى جميع ذلك معنى المنع. فالرجل اذا تزوج منع نفسه من الزنا، واذا أسلم منع نفسه من القتل، واذا عتق منع نفسه من أن يملك، والعفيف يمنع نفسه من الفحش.
فى القاموس: حصن ككرم منع فهو حصين، والحصن بالكسر كل موضع حصين لا يوصل الى جوفه، وامرأة حصان كسحاب: عفيفة أو متزوجة، ورجل محصن كمكرم، قد حصنه التزوج، وأحصن تزوج.
وفى مختار الصحاح: أحصنت المرأة عفت وأحصنها زوجها. وقال ثعلب: كل امرأة عفيفة فهى محصنة ومحصنة، وكل امرأة متزوجة فهى محصنة بالفتح لا غير، وقرئ «فاذا أحصن» على ما لم يسم فاعله زوجن.
والاحصان فى الشرع قسمان:
ا) احصان الرجم.
ب) احصان القذف.
ولكل شروط:
(1)
ج 1 ص 214 الطبعة السابقة.
فاحصان الرجم عبارة عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب رجم الشخص اذا زنى.
واحصان القذف: عبارة عن اجتماع صفات فى المقذوف تجعل قاذفه مستحقا للجلد.
وعرف صاحب المبسوط الاحصان بأنه عبارة عن خصال حميدة بعضها مأمور به وبعضها مندوب اليه وبأنه عبارة عن حال فى الزانى يصير الزنا فى تلك الحالة موجبا للرجم
(1)
.
شروط احصان الرجم
اتفق الفقهاء على أن الاحصان من شروط الرجم، ولكنهم اختلفوا فى شروط الاحصان على الوجه الآتى:
مذهب الحنفية:
قالوا ان الصفات التى اعتبرها الشرع لوجوب الرجم سبعة: العقل، والبلوغ، والحرية، والاسلام، والنكاح الصحيح وكون الزوجين جميعا على هذه الصفات والدخول فى النكاح الصحيح.
لأن هذه الصفات اذا اجتمعت فى الرجل أو المرأة ثم زنى كان مستحقا للرجم لأنها كلها مانعة من الزنا فهى كالحصن يمنع من دخل فيه ويحفظه.
أما العقل: فلأن الزنا عاقبته ذميمة، والعقل يمنع عن ارتكاب ماله عقابة ذميمة.
وأما البلوغ: فلأن الصبى لنقصان عقله وقلة تأمله لانشغاله باللهو واللعب لا يقف على عواقب الأمور فلا يعرف الحميدة منها والذميمة.
وأما الحرية: فلأن الحر يستنكف عن الزنا، وكذلك الحرة، ولهذا لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم آية المبايعة على النساء وهى قوله تعالى فى سورة الممتحنة «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً، وَلا يَسْرِقْنَ، وَلا يَزْنِينَ» ، ولما بلغ الى قوله «وَلا يَزْنِينَ» قالت هند امرأة أبى سفيان: أو تزنى الحرة يا رسول الله؟.
وأما الاسلام: فلأنه نعمة كاملة موجبة للشكر فيمنع من الزنا الذى هو وضع كفر النعمة موضع شكرها.
وأما اعتبار اجتماع هذه الصفات فى الزوجين جميعا: فلأن اجتماعها فيهما يشعر بكمال حالهما، وذلك يشعر بكمال اقتضاء الشهوة من الجانبين، لأن انقضاء الشهوة بالصبية والمجنونة قاصر، وكذا بالرقيق لكون الرق من نتائج الكفر فينفر عنه الطبع وكذا بالكافرة، لأن طبع المسلم ينفر عن الاستمتاع بالكافرة، ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم لحذيفة رضى الله عنه حين أراد أن يتزوج يهودية:«دعها فانها لا تحصنك» .
(1)
البدائع ج 7 ص 37، 40، والمبسوط ج 9 ص 42.
وأما الدخول فى النكاح الصحيح:
فلأنه اقتضاء الشهوة بطريق حلال فيقع به الاستغناء عن الحرام، والنكاح الفاسد لا يفيد فلا يقع به الاستغناء، وجعل الدخول متأخرا عما سبقه، لأن وجوده قبل استيفاء سائر ما سبق لا يجعل اقتضاء الشهوة على سبيل الكمال فلا يقع الاستغناء به عن الحرام على التمام وبعد استيفائها يقع به الاستغناء على الكمال والتمام.
وظاهر الرواية على اعتبار هذه الصفات مجتمعة أى انها شرائط الاحصان حتى لا يصير المسلم محصنا بنكاح الكتابية والدخول بها، وكذلك الذمى العاقل البالغ الحر الثيب لا يرجم اذا زنى بل يجلد.
وروى عن أبى يوسف أن الاسلام ليس من شرائط الاحصان، ولذا يصير المسلم محصنا بنكاح الكتابية، ويرجم الذمى اذا زنى، وليس بشرط فى المذهب أن يكون كل واحد من الزانيين محصنا حتى يجب الرجم، فلو كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن، فالمحصن منهما يرجم وغير المحصن يجلد.
ويتفرع على ما ذكرنا:
ا) أنه اذا اختلى الزوجان خلوة صحيحة وتصادقا على أنه لم يدخل بها لا يكونان محصنين لأن الخلوة انما تجعل كالاستيفاء فيما هو من حكم العقد، والاحصان ليس من ذلك فى شئ، فاذا أقرا بالجماع لزمهما حكم الاحصان، وان أقر به أحدهما صدق على نفسه دون صاحبه.
ب) وأنه لا يحصن الخصى اذا كان لا يجامع، وكذا المجبوب والعنين، فان جاءت بولد وثبت نسبه من الزوج ففى الخصى والعنين يكونا محصنين للزوجة لأن الحكم بثبوت النسب حكم بالدخول، وفى المجبوب ذكر فى اختلاف زفر ويعقوب رضى الله عنهما أنه على قول زفر رحمه الله تصير الزوجة محصنة لما حكمنا بثبوت النسب من الزوج. وعند أبى يوسف لا تصير محصنة، لأنه لا يتصور الجماع بدون الآلة والحكم بثبوت النسب بطريق الانزال بالسحق وليس ذلك من الجماع فى شئ، وثبوت حكم الاحصان يتعلق بعين الجماع.
ج) وأن الرتقاء لا تحصن لانعدام الجماع مع الرتق.
د) وأن النكاح الفاسد لا يحصن لأن الاحصان عبارة عن كمال الحال وذلك يحصل بوط ء هو نعمة بل نهاية فى النعمة حتى لا يحصل بالوط ء بملك اليمين والوط ء بالنكاح الفاسد حرام فلا يوجب الاحصان.
هـ) وأن الخنثى اذا دخل بامرأته أو دخل بالخنثى زوجها فهما محصنان لأنه لما حكم بكونه رجلا أو امرأة بالجماع فالنكاح الصحيح تحقق بينهما فثبت به حكم الاحصان.
و) وانه لو دخل مسلم بامرأته المسلمة ثم ارتدا - والعياذ بالله - بطل احصانهما، لأن الردة تحبط العمل، ويلحق المرتد بمن لم يزل كافرا، فكما أن الكافر الأصلى لا يكون محصنا فالمرتد كذلك، فان أسلما جميعا لم يكونا محصنين الا بجماع جديد بمنزلة زوجين حربيين أو ذميين أسلما.
ز) وأن العبد مع امرأته الأمة اذا عتقا لم يكونا محصنين حتى يجامعها بعد العتق، فان جامعها فهما محصنان علما بالعتق أو لم يعلما.
ح) وأنه اذا ولدت المرأة من الرجل وهما ينكران الدخول فهما محصنان لأن الولد شاهد على الدخول بينهما وهو أقوى من شهادة شاهدين
(1)
.
مذهب المالكية:
قالوا: ان المحصن هو المكلف الحر المسلم اذا وطئ وطئا مباحا بنكاح لازم ابتداء أو دواما فخرج من أصاب بملك أو زنا وخرج بنكاح غير لازم كنكاح عبد حرة بلا اذن سيده ومعيب أو فاسد مع انتشار الآلة بلا مناكرة بين الزوجين فى الوط ء بأن يعترفا بحصوله لا ان أقر أحدهما بحصوله وأنكره الآخر.
وغير المحصن: هو من لم يتقدم له وط ء مباح فى نكاح لازم بأن لم يتقدم له وط ء أصلا أو تقدم له وط ء فى أمته أو زوجته لكن فى حيضها أو نكاح فاسد.
وشروط الاحصان عندهم عشرة، اذا تخلف شرط منها لم يرجم وهى بلوغ، وعقل، وحرية، واسلام، وأصابة فى نكاح لازم، ووط ء مباح بانتشار، وعدم مناكرة، وكون الموطوءة مطيقة ولو لم تكن بالغا.
وخرج بكون الوط ء مباحا ما اذا كان محظورا كأن يكون فى الحيض أو الصيام فانه لا يحصن، وعمدة مالك فى اشتراط الاسلام أن الاحصان عنده فضيلة، ولا فضيلة مع عدم الاسلام.
فالحاصل أن الذكر المكلف الحر يتحصن بوط ء زوجته المطيقة ولو صغيرة أو كافرة أو أمة أو مجنونة، والأنثى البالغة تتحصن بوط ء زوجها ان كان بالغا ولو عبدا أو مجنونا، فشرط تحصين الذكر - مع مراعاة بقية الشروط - اطاقة موطوءته، وشرط تحصين الأنثى - مع الشروط الأخرى بلوغ واطئها فقط، ولا يقال واسلامه، لأن الكافر لا يصح نكاحه المسلمة فهو خارج بالنكاح الصحيح
(2)
.
مذهب الشافعية:
قالوا: ان شروط الاحصان أربعة:
1، 2 - البلوغ، والعقل .. فلا
(1)
البدائع ج 7 ص 38 والمبسوط ج 5 ص 150، 151.
(2)
الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 24، طبعة سنة 1319 هـ والشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوى عليه ج 2 ص 392، 393 طبعة سنة 1354 هـ وبداية المجتهد ج 2 ص 364 طبعة سنة 1329 هـ.
حصانة لصبى ومجنون لعدم الحد عليهما.
3 -
الحرية، فالرقيق ليس بمحصن ولو مكاتبا ومبعضا ومستولدة لأنه على النصف من الحر والرجم لا نصف له، ويرجم الحر ولو كان ذميا أو مرتدا لأنه عليه السلام رجم اليهوديين كما ثبت فى الصحيحين، وعقد الذمة شرط لاقامة الحد على الذمى لا لكونه محصنا، فلو وطئ حربى فى نكاح وصحح نكاحه فهو محصن، ولذا لو عقدت له ذمة فزنى رجم، ومثل الذمى المرتد والمستأمن لا يقام عليه حد الزنا على المشهور.
4 -
ووجود الوط ء فى نكاح صحيح بغيبوبة الحشفة أو قدرها عند فقدها من مكلف بقبل ولو لم تزل البكارة.
وحجتهم فى عدم اشتراط الاسلام ما ثبت «من أن النبى عليه السلام رجم اليهوديين اللذين زنيا، ولو كان الاسلام شرطا ما رجمهما»
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قالوا: ان شروط الاحصان سبعة:
الأول: الوط ء فى القبل لأن النبى عليه السلام قال «الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة» ، والثيابة تحصل بالوط ء فى القبل توجب اعتباره وعقد النكاح الخالى عن الوط ء لا يحصل به احصان سواء حصلت فيه خلوة أو وط ء فيما دون الفرج أو فى الدبر أو لم يحصل شئ من ذلك، لأن هذا لا تصير به المرأة ثيبا ولا تخرج به عن حد الأبكار الذين حدهم جلد مائة وتغريب عام، بمقتضى الخبر، ولا بد من أن يكون وطأ حصل فيه تغييب الحشفة فى الفرج لأن ذلك حد الوط ء الذى يتعلق به أحكام الوط ء.
الثانى: أن يكون فى نكاح لأن النكاح يسمى احصانا بدليل قوله تعالى:
«وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ» ، يعنى المتزوجات فالتسرى لا يحصل به الاحصان لكونه ليس بنكاح ولا تثبت به أحكامه.
الثالث: أن يكون النكاح صحيحا لأنه اذا لم يكن النكاح صحيحا يكون الوط ء فى غير الملك فلا يحصل به الاحصان كالوط ء بشبهة.
الرابع: الحرية، لقوله تعالى:«فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ» ، والرجم لا يتنصف وايجابه كله يخالف النص مع مخالفة الاجماع.
الخامس والسادس: البلوغ والعقل فلو وطئ وهو صبى أو مجنون ثم بلغ أو عقل لم يكن محصنا.
السابع: أن يوجد الكمال فيهما جميعا حال الوط ء فيطأ الرجل العاقل الحر امرأة عاقلة حرة لأنه اذا كان أحدهما ناقصا لم يكمل الوط ء فلا يحصل به الاحصان كما لو كانا غير كاملين، ولا يشترط الاسلام
(1)
الاقناع للشربينى ج 2 ص 225 وص 226 والميزان للشعرانى ج 2 ص 136.
فى الاحصان، وبذلك الذميان محصنين فان تزوج المسلم ذمية فوطئها صارا محصنين.
وقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: «جاء اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا
…
وذكر الحديث فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما» ولأن الجناية بالزنا استوت من المسلم والذمى فيجب أن يستويا فى الحد، وما قيل من أن النبى صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين بحكم التوراة بدليل أنه راجعها فلما تبين له أن ذلك حكم الله عليه أقامه فيهم وفيها أنزل الله تعالى:«إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ، يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا» ، فذلك غير سديد لأن النبى عليه السلام انما حكم عليهم بما أنزل الله اليه، بدليل قوله تعالى:
«فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً» ولأنه لا يسوغ للنبى صلى الله عليه وسلم الحكم بغير شريعته، فلو ساغ ذلك لساغ لغيره، وانما راجع التوراة لتعريفهم أن حكم التوراة موافق لما حكم به عليهم، وأنهم تاركون لشريعتهم مخالفون لحكمهم.
وفوق ذلك فانه اذا كان حكم الله فى وجوب الرجم ثابتا فى حقهم وجب أن يحكم به عليهم، فقد ثبت وجود الاحصان فيهم فانه لا معنى له سوى وجوب الرجم على من زنى منهم بعد وجود شروط الاحصان فيه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
أما الظاهرية، فقد قال ابن حزم فى المحلى: ما نعلم الاحصان فى اللغة والشريعة يقع الا على معنيين: على الزواج الذى يكون فيه الوط ء، فهذا اجماع لا خلاف فيه، وعلى العقد فقط، وما نعلمه يقع على الحرة المطلقة فقط، وان احصان العبد بتزوج الحرة واحصان الأمة أن يتزوجها الحر .. وفرعوا على ذلك.
ا) أن الحر والحرة اذا زنيا وكانا غير محصنين فان عليهما جلد مائة وتغريب عام، واستدلوا بقوله تعالى «الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» ، وبقوله عليه السلام «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» . وبما صح عن عمر رضى الله عنه من أنه جلد امرأة زنت مائة جلدة وغربها عاما، وروى مثله عن على بن أبى طالب.
ب) وان الحر والحرة اذا زنيا وكانا محصنين فان عليهما جلد مائة والرجم واستدلوا بقوله عليه السلام:
«خذوا عنى، خذوا عنى، وقد جعل الله لهن سبيلا: الثيب بالثيب جلد
(1)
المغنى لابن قدامة ج 9 ص 7 وما بعدها مطبعة العاصمة والاقناع ج 4 ص 250، 251 المطبعة المصرية بالازهر.
مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة». وبما روى عن على بن أبى طالب من أنه دعا بشراخة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج) وأن الأمة المحصنة اذا زنت فان حدها نصف حد الحرة، وهو جلدها خمسون جلدة، ونفيها ستة أشهر، واستدلوا بقوله تعالى:«فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ» . والحرة المحصنة عليها جلد مائة والرجم، والرجم لا نصف له لأنه موت، والموت لا يتنصف، فبقى عليهن نصف المائة، وهو خمسون، وأما النفى ستة أشهر فمن حديث «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» والعام يتنصف كما هو واضح.
د) وأن المملوك اذا زنى فان حده نصف حد الحر، أى جلده خمسين جلدة ونفيه ستة أشهر للمعنى الذى ذكره فى الأمة، واستدلوا بقوله تعالى:
«الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» ، وبقوله عليه السلام «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» ، والعام يتنصف كما مائة والرجم» فان الله سبحانه وتعالى عنى فى الآية الأحرار والحرائر، وكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا العبيد ولا الاماء -، فقد جاء فى القرآن والسنة بعموم لا يحل أن يخص الا ما خصه الله ورسوله.
وقد جاء النص من القرآن بتخصيص الاماء بأن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، وبالنسبة للعبيد فان تخصيصهم من هذا العموم بما جاء من قوله عليه السلام «اذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق فيه» فقد اقتضى هذا الحديث أن يكون حكم المماليك فى الحد بخلاف حكم الأحرار جملة، وبما روى عن على ابن أبى طالب رضى الله عنه من أنه قال:«أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» ، فانه موجب للحدود على العبيد والاماء، ولولا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على اقامة الحدود على ما ملكت أيماننا لكانت الحدود ساقطة عنهم جملة، فاذ قد صحت للحدود عليهم فلا يجوز أن يقام عليهم منها الا ما أوجبه عليهم نص أو اجماع، ولا نص ولا اجماع بوجوب الرجم عليهم ولا بايجاب أزيد من خمسين جلدة، ونفى نصف سنة، فوجب الأخذ بما أوجبه النص والاجماع واسقاط ما لا نص فيه ولا اجماع
(1)
.
(1)
المحلى ج 11 ص 280، 291 مطبعة الامام.
مذهب الزيدية:
الاحصان فى الشرع مشترك بين الحرية ومنه «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ» أى الحرائر وبين التزويج، ومنه «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ» ،} والاسلام، ومنه «فَإِذا أُحْصِنَّ» (أى أسلمن)، والعفة، ومنه «مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ» .
وشروط الاحصان عندهم المقتضية للرجم ستة:
الأول: النكاح، فلا احصان بالوط ء فى الملك اذ لا يسمى محصنا لغة.
الثانى: الجماع، فلا احصان بمجرد العقد اجماعا ولا بالخلوة الصحيحة اذ لا يحصل بمجردها تحصين فرج.
الثالث: صحة العقد، فلا احصان بباطل اجماعا لشبهه بالزنا لمخالفته الشرع قطعا واجتهادا، ولا بالفاسد اذ الاحصان صفة مدح فلا يستحق بما يستحق به الذم فى حل كالوط ء فى الدبر.
الرابع: التكليف، فلا احصان بوط ء فى صغر أو حال جنون اذ لا كمال للذتهما فلا تحصنهما.
الخامس: أن تكون الموطوءة غير مجنونة اذ لا كمال للذة فى جماعها فأشبه وط ء الصغيرة.
السادس: الحرية، فلا احصان لمملوك لتنصيف حده، وان حصن غيره، ولا يشترط الاسلام ولا احصان بوط ء المحرمة والحائط كالوط ء فى الدبر
(1)
.
مذهب الإمامية:
قالوا: ان الاحصان هو اصابة البالغ العاقل الحر فرجا أو قبلا مملوكا بالعقد الدائم أو الرق متمكنا بعد ذلك منه بحيث يغدو عليه ويروح، أى يتمكن منه أول النهار وآخره صابة معلومة بحيث غابت الحشفة أو قدرها فى القبل فلو أنكر من يملك الفرج على الوجه المذكور صدق بغير يمين، وان كان له منها ولد، لأن الولد قد يلحق من استرسال المنى بغير وط ء، فهذه قيود ثمانية بيانها ما يأتى:
ا) الاصابة: أى الوط ء قبلا على وجه يوجب الغسل، ولا يشترط الانزال ولا سلامة الخصيتين فيتحقق من الخصى ونحوه، لا من المجبوب وان ساحق.
ب) أن يكون الواطئ بالغا: فلو أولج الصبى حتى غيب مقدار الحشفة لم يكن محصنا وان مراهقا.
ج) أن يكون عاقلا: فلو وطئ مجنونا وان عقد عاقلا لم يتحقق الاحصان ويتحقق بوطئه عاقلا، وان تجدد جنونه.
د) الحرية: فلو وطئ العبد زوجته حرة أو أمة، لم يكن محصنا، وان عتق
(1)
البحر الزخار ج 5 ص 150.
ما لم يطأ بعده، ولا فرق بين القن والمدبر والمكاتب بقسميه والمبعض.
هـ) أن يكون الوط ء بفرج: فلا يكفى الدبر ولا التفخيذ ونحوه.
و) كونه مملوكا له بالعقد الدائم أو ملك اليمين: فلا يتحقق بوط ء الزنا ولا الشبهة، وان كانت بعقد فاسد ولا المتعة.
ز) كونه متمكنا منه غدوا ورواحا: فلو كان بعيدا عنه لا يتمكن منه فيهما وان تمكن فى أحدهما دون الآخر أو فيما بينهما أو محبوسا من الوصول اليه لم يكن محصنا، وان كان قد دخل قبل ذلك، ولا فرق فى البعيد بين كونه دون مسافة القصر وأزيد.
ح) كون الاصابة معلومة: ويتحقق العلم باقراره به أو بالبينة لا بالخلوة ولا الولد، لأنهما أعم كما ذكر.
وهذه القيود معتبرة فى المرأة أيضا، فالمرأة المحصنة هى المصابة حرة بالغة عاقلة من زوج بالغ دائم فى القبل بما يوجب الغسل اصابة معلومة، فلو أنكرت ذات الولد منه وطأه لم يثبت احصانها وان ادعاه فيثبت فى حقه كعكسه والتمكين من الوط ء لا يعتبر فى حقها، وانما يعتبر فى حق الرجل خاصة كما سبق.
ولا يشترط فى الاحصان الاسلام، فيثبت فى حق الكافر والكافرة مطلقا اذا حصلت الشرائط، فلو وطئ الذمى زوجته الدائمة تحقق الاحصان، وكذا لو وطئ المسلم زوجته الذمية حيث تكون دائمة كما لا يشترط عدم الطلاق، فلو زنى المطلق أو تزوجت المطلقة عالمة بالتحريم أو زنت رجمت اذا كانت العدة رجعية لأنها فى حكم الزوج، وان لم تتمكن هى من الرجعة بخلاف الطلاق البائن لانقطاع العصمة به، فلا بد فى تحقق الاحصان بعده من وط ء جديد
(1)
.
مذهب الإباضية:
قالوا: ان الاحصان شرعا كون الانسان العاقل البالغ الذى يتأتى منه أو فيه الوط ء ذا زوج بعقد صحيح جائز فيدخل الرجل والمرأة لأن كلا منهما انسان وزوج، ويقال له: احصان التزوج واحصان التزويج، وهو المراد فى قوله تعالى «مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ» ، وقوله عليه السلام «أحصن من ملك أو ملك له» ، أى من عقد النكاح لنفسه أو عقده له غيره ورضى به، أو المعنى من ملكه غيره وهو الزوجة يملكها الزوج ومن ملك له (بالتشديد) وهو الزوج، أى من جعل مالكا لغيره، ولهم احصان ثان وهو احصان الاسلام، وهو المراد فى قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» ، «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ» وثالث: وهو احصان الحرية وهو المراد فى قوله تعالى: «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» .
ورابع: وهو احصان العفة، وهو المراد فى قوله تعالى:«وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها» .
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 352 طبعة بيروت سنة 1960.
وقالوا: انه يحصن الحر البالغ المسلم العاقل السالم من عيب مانع للجماع حرة بالغة مسلمة عاقلة سالمة من العيب وان لم يتماسا وهو الصحيح.
وقيل يشترط التماس ولو فى دبر أو حيض أو نفاس أو احرام أو اعتكاف أو ظهار أو ايلاء، ووجه اشتراط التماس أنه ما لم يمس كالعازب، ووجه عدم اشتراطه أنه لو شاء لمس وأنه تلحقه غيرة ولو لم يمس فيكفه وجود الغيرة من نفسه على عدم هتك ستر غيره، وعدم تمكين نفسه لغيرة زوجته لأن لها غيرة وأن تمكينه وضع لرتبتها، واشتراط المس وعدمه يجرى فى المسلمين الحرين وفى المشرك والمشركة والعبد والأمة والمسلم والكتابية والحر والأمة والحرة والعبد.
وقالوا: قد اختلف فى المس الذى يكون به الاحصان، فقيل: غيوب الحشفة وقيل: كل مس بذكر فى موضع ما أو مس بيد فى فرج بعمد وشهوة، وقيل: مس الفرج بالذكر كذلك ولو لم تغب الحشفة.
وقالوا: انه يحصن الحر الأمة لأن لها فيه كفاية تامة لأنه حر وهى أمة ولا تحصنه لنقصها، وقيل تحصنه لأنها زوجة له يدفع بها عن نفسه العنت المؤدى الى الزنا، وتحصن حرة عبدا ولا يحصنها، ولا يحصن طفل بالغة ولا مجنون عاقلة ولا كتابية مسلما سواء كان المسلم حرا أو عبدا، وتحصن الأمة العبد كما يتحاصن المشرك والمشركة، والضابط فى ذلك أن الأفضل بصفة يحصن المفضول، والمفضول لا يحصن الأفضل، واذا استويا كان الاحصان.
ويحصن مجبوب الحرة والأمة والمشركة وتحصنه الحرة، وفى الأمة قولان، ولا يحصن عنين مستأصل (بفتح الصاد) زوجة، وفى الخصى قولان.
وتحصن الزوجة العنين والمستأصل والخصى.
ولا تحصن الرتقاء زوجها حتى تعالج، ويحصنها هو، فاذا زنى قبل أن تعالج جلد، وكذا بعد أن تعالج ولم يفد علاجها، فان زنى بعد علاجها المفيد رجم
(1)
.
هل الاحصان شرط للرجم أو علامة
من العلماء من قال: ان الاحصان علامة على وجوب رجم الزانى، ومنهم من قال انه شرط لوجوب رجمه
(2)
.
وجاء فى التلويح: وحاصل الكلام، ان الاحصان شرط الا أنه سمى علامة لمشابهته العلامة فى عدم الاتصال بالحكم
(3)
انظر «شرط» .
احصان القذف
واحصان القذف هو، كما ذكرنا، عبارة عن اجتماع صفات فى المقذوف تجعل قاذفه مستحقا للجلد، وللفقهاء كلام فى حد القذف، انظر «قذف» .
(1)
شرح النيل ج 3 ص 533.
(2)
كشف الاسرار للبزدوى ج 4 ص 1293.
(3)
التلويح ج 3 ص 135 طبعة سنة 1322 هـ.
معنى الاحصان فى المقذوف
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية: أن المحصن الذى يحد قاذفه هو من تتوافر فيه الشروط الآتية:
العقل، والبلوغ، والحرية، والاسلام والعفة عن الزنا
(1)
.
مذهب المالكية:
وعند المالكية: هو من توافر فيه البلوغ والحرية والعفاف والاسلام وأن يكون معه آلة الزنا بالنسبة للرجل أو تطيق الوط ء بالنسبة للمرأة
(2)
.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: أن يكون حرا مسلما بالغا عاقلا عفيفا عن وط ء يحد به، ومن زنى مرة ثم صلح بأن تاب وحسنت حاله لم يعد محصنا فلا يحد قاذفه، ولو زنى المقذوف سقط الحد عن قاذفه
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قالوا: ان شرائط الاحصان الذى يجب الحد بقذف صاحبه خمسة:
العقل، والحرية، والاسلام، والعفة عن الزنا، وأن يكون كبيرا يجامع مثله
وقالوا: انه يجب الحد على قاذف الخصى والمجبوب والمريض والمدنف والرتقاء والقرناء لعموم قوله تعالى:
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قالوا انه يجب الحد على كل من قذف انسانا مسلما أو كافرا حرا أو عبدا صغيرا أو مجنونا أو مكرها أو مجبوبا أو رتقاء أو قرناء أو بكرا أو عنينا محتجين بقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً» ، فعندهم أن المراد بالمحصنات هى الفروج المحصنات التى لا يقع الرمى بالزنا الا عليها، اذ لا يكون زنا المرمى الا منها
(5)
مذهب الزيدية:
شرط المقذوف كونه عفيفا حرا مسلما مكلفا غير أخرس، لأن حد القذف انما وجب على القاذف لايجابه على المقذوف حدا، والأخرس لا حد عليه، فكذلك لا حد على قاذفه بل يعزر
(6)
.
مذهب الإمامية:
يشترط فى المقذوف الاحصان، وهو يتحقق بالبلوغ، والعقل، والحرية، والاسلام، والعفة
(7)
.
(1)
البدائع ج 7 ص 40، 41.
(2)
بداية المجتهد ج 2 ص 368.
(3)
شرح المنهاج وحاشية القليوبى ج 4 باب اللعان ص 31 ومن باب حد القذف ص 184.
(4)
المغنى ج 9 ص 56 طبعة مطبعة العاصمة.
(5)
المحلى لابن حزم ج 11 ص 320 وما بعدها طبعة مطبعة الامام.
(6)
التاج المذهب ج 4 ص 224 طبعة سنة 1947.
(7)
الروضة البهية ج 2 ص 364 طبعة بيروت سنة 1960.
احياء
الاحياء فى اللغة
جعل الشئ حيا، والموات: الارض التى لا مالك لها ولا ينتفع بها أحد كما فى المصباح وغيره.
الموات فى اصطلاح الفقهاء:
مذهب الحنفية:
أرض تعذرت زراعتها لانقطاع الماء عنها أو لغلبته عليها غير مملوكة بعيدة من العامر
(1)
.
مذهب المالكية:
موات الأرض ما سلم عن الاختصاص
(2)
مذهب الشافعية:
الأرض التى لم تعمر قط أى لم يتيقن عمارتها فى الاسلام من مسلم أو ذمى وليست من حقوق عامر ولا من حقوق المسلمين
(3)
مذهب الحنابلة:
الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم
(4)
.
مذهب الظاهرية:
كل أرض لا مالك لها ولا يعرف أنها عمرت فى الاسلام
(5)
.
مذهب الزيدية:
الموات هو الأرض التى لم تزرع ولم تعمر ولا جرت عليها يد ملك أحد
(6)
.
مذهب الإمامية:
الموات هو الذى لا ينتفع به لعطلته اما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو غير ذلك من موانع الانتفاع به
(7)
.
مذهب الإباضية:
قال ناظم كتاب جوهر النظام فى علمى الأديان والأحكام:
أما الموات فهو أرض لم يقع
…
ملك لمخلوق عليها مخترع
(8)
آثاره:
ذهب الفقهاء الى أن من أحيا الموات فقد ملكه وصار أحق به من غيره ما عدا الإمامية
فقالوا: الموات للامام لا يملكه أحد وان أحياه ما لم يأذن له الامام على تفصيل فى اذن الامام سيأتى بيانه بعد
(9)
ويكون الاحياء فى الأرض الموات على الوجه الآتى فى المذاهب مع بيان شروطه.
(1)
تكملة البحر الرائق شرح كنز الدقائق ح 8 ص 238 المطبعة العلمية.
(2)
الشرح الكبير ح 4 ص 66 مطبعة الحلبى.
(3)
نهاية المحتاج ح 5 ص 327 مطبعة الحلبى.
(4)
الروض المربع بشرح زاد المستقنع ح 2 ص 31 المطبعة السلفية.
(5)
المحلى ح 8 ص 233 المطبعة المنيرية.
(6)
شرح الازهار ح 3 ص 319.
(7)
شرائع الاسلام ح 2 ص 168 مطبعة دار مكتبة الحياة.
(8)
جوهر النظام فى علمى الاديان والاحكام ص 503.
(9)
الإمامية شرائع الاسلام ح 2 ص 168 دار مكتبة الحياة والحنفية شرح الكنز ح 8 ص 239 الطبعة السابقة، المالكية الشرح الصغير ح 2 ص 272 مطبعة الحلبى، وللشافعية نهاية المحتاج ح 5 ص 327 الطبعة السابقة سنة 1357 هـ وللحنابلة المغنى ح 6 ص 147 الطبعة الأولى مطبعة النار سنة 1347 هـ، وللظاهرية المحلى ج 8 ص 233 الطبعة السابقة وللزيدية شرح الازهار ح 3 ص 319 والإباضية جوهر النظام فى علمى الاديان والاحكام ص 503.
مذهب الحنفية:
جاء فى العناية: الاحياء شرعا أن يكرب
(1)
الأرض ويسقيها فان كربها ولم يسقها أو سقاها ولم يكر بها فليس باحياء، وفى الكافى:
لو فعل أحدهما يكون احياء وعن أبى يوسف: الاحياء: البناء والغراس أو الكرب أو السقى، وعن شمس الأئمة الاحياء أن يجعل الأرض صالحة للزراعة
(2)
.
مذهب المالكية:
يكون الاحياء للموات بواحد من سبعة أمور بتفجير بئر أو عين للأرض. وبازالة الماء عن الأرض حيث كانت مغمورة به وببناء الأرض وبغرس فيها وبتحريكها بحرث ونحوه وبقطع الشجر عنها بنية وضع اليد عليها وبكسر حجرها مع تسويتها
(3)
.
مذهب الشافعية:
الاحياء الذى يملك به أن يعمر الأرض لما يريده ويرجع فى ذلك الى العرف لأن النبى صلى الله عليه وسلم أطلق الاحياء ولم يبين فحمل على المتعارف فان كان يريده للسكنى فأن يبنى سور الدار من اللبن والآجر والطين والجص ان كانت عادتهم ذلك أو القصب أو الخشب ان كانت عادتهم ذلك ويسقف وينصب عليه الباب لأنه لا يصلح للسكنى بما دون ذلك فان أراده مراحا للغنم - والمراح مأوى الابل والبقر والغنم - أو حظيرة للشوك والحطب - والحظيرة تقال لما حظر به على الغنم وغيرها من الشجر ليمنعها ويحفظها - بنى الحائط ونصب عليه الباب لأنه لا يصير مراحا وحظيرة بما دون ذلك، وان أراد للزراعة فأن يعمل لها مسناة
(4)
ويسوق الماء اليها من نهر أو بئر فان كانت الأرض من البطائح فأن يحبس عنها الماء لأن احياء البطائح
(5)
أن يحبس عنها الماء كما أن احياء اليابس بسوق الماء اليه، وبحرثها وهو أن يصلح ترابها، وهل يشترط غير ذلك؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا يشترط غير ذلك وهو منصوص فى الأم وهو قول أبى اسحق لأن الاحياء قد تم وما بقى الا الزراعة وذلك انتفاع بالمحى فلم يشترط كسكنى الدار.
والثانى: وهو ظاهر ما نقله المزنى: لا يملك الا بالزراعة لأنها من تمام العمارة.
والثالث: وهو قول أبى العباس أنه لا يتم الا بالزراعة والسقى لأن العمارة لا تكمل الا بذلك، وان أراد حفر بئر فاحياؤها أن يحفر الى أن يصل الى الماء لأنه لا يحصل البئر الا بذلك فان كانت الأرض صلبة تم الاحياء وان كانت رخوة لم يتم الاحياء حتى تطوق البئر لأنها لا تكمل الا به
(6)
.
مذهب الحنابلة:
من أحاط مواتا بأن أدار حوله حائطا منيعا بما جرت العادة به فقد أحياه سواء أرادها للبناء أو غيره لقوله عليه الصلاة والسلام:
من أحاط حائطا على أرض فهى له. رواه أحمد وأبو داود عن جابر، أو حفر بئرا فوصل الى الماء أو أجرى الماء الى الموات من عين ونحوها أو حبس الماء عن الموات لزرع
(1)
كرب الأرض هيأها للزراعة.
(2)
شرح كنز الدقائق ح 8 ص 238.
(3)
الشرح الكبير ح 4 ص 69 الطبعة السابقة.
(4)
مسناه لفظ أعجمى ومعناه حائط يبنى فى وجه الماء ليحبسه عن الارض.
(5)
البطائح - البطيحة والابطح كل مكان متسع،
(6)
المهذب ح 1 ص 424 مطبعة الحلبى.
اذا كان لا يزرع معه فقد أحياه لأن نفع الأرض بذلك أكثر من الحائط
(1)
، وقيل احياء الأرض ما عد احياء وهو عمارتها بما تنهيأ به لما يراد منها من زرع أو بناء وقيل ما يتكرر كل عام كالسقى والحرث فليس باحياء وما لا يتكرر فهو احياء وحكاه القاضى رواية لأن الشارع أطلق الاحياء ولم يبين صفته فوجب أن يرجع فيه الى العرف كالقبض والحرز
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يكون الاحياء للموات بقطع ما فيها من عشب أو شجر أو نبات بنية الاحياء لابنية أخذ العشب والاحتطاب فقط أو جلب ماء اليها من نهر أو عين أو حفر بئر يسقيها منه أو حرثها أو غرسها أو تذييلها
(3)
أو ما يقوم مقامه من نقل تراب اليها أو رماد أو قلع حجارة أو أخذ تراب ملح عن وجهها حتى يمكن بذلك حرثها أو غرسها أو يختط عليها بحظيرة للبناء فهذا كله احياء فى لغة العرب التى خاطبنا الله بها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فيكون له بذلك ما أدرك الماء فى فوره وكثرته من جميع جهات البئر أو العين أو النهر أو الساقية قد ملكه واستحقه لأنه أحياه
(4)
.
مذهب الزيدية:
تحيى الأرض بواحد من ستة أشياء:
(أ) الحرث والزرع قال بعض المحققين والتحقيق عندى أن المعتبر العرف فى ذلك.
(ب) وبالغرس أو امتداد الكرم أو ازالة شجر الأرض والتنقية لها حتى تصلح للزرع
(ج) وباتخاذ حائط حول الأرض ليمنع الدخول اليها والخروج منها.
(د) وباتخاذ خندق قعير
(5)
حول الأرض.
(هـ) وباتخاذ مسنى
(6)
للغدير.
(و) وبالحفر فى معدن أو غيره.
هذا ويعتبر فى ثبوت الملك بهذه الأشياء قصد الفعل فى الاحياء لا قصد التمليك اذ أنه لا يعتبر فلو أحرق الشجر أو قصه وصلح للزرع أو بنى أو حفر ملك بذلك وان لم يقصد الملك
(7)
ويجوز للمسلم الاستقلال باحياء الموات بشرطين:
الأول: أن تكون تلك الأرض لم يملكها مسلم ولا ذمى ولا تحجرها مسلم سواء كان معينا أو غيره، الا عرفة ومزدلفة ومنى فلا يجوز احياؤها، لتعلق حق الموقوف عليهم فى الأول والمبيت فى الآخرين.
والثانى: ألا يكون قد تعلق بها حق فان تعلق بها لم يجز الاستقلال باحيائها ويجوز باذن الامام الاحياء فيما لم يتعين صاحب الحق فيه بأن كان صاحب الحق قد جهل أو لا ينحصر كبطون الأودية التى تعلق بها حق الناس عموما لكن ان كان ذلك الحق قد تحول عن موضعه نحو أن يتحول مجرى الوادى جاز للامام أن يأذن باحيائه لمن شاء وان لم يكن قد تحول لم يجز احياؤه الا بثلاثة شروط:
(1)
الروض المربع بشرح زاد المستقنع ح 2 ص 232 الطبعة السابقة.
(2)
المقنع ح 2 ص 288.
(3)
اصلاحها.
(4)
المحلى ح 8 ص 238 الطبعة السابقة.
(5)
قعير أى يمنع الداخل من الخروج والخارج من الدخول.
(6)
المسنى لفظ اعجمى ومعناه حائط يبنى فى وجه الماء ليحبسه عن الارض والغدير القطعة من الماء يتركها السيل.
(7)
شرح الازهار ح 3 ص 319.
الأول: اذن الامام.
والثانى: ألا يكون فيه مضرة على المسلمين.
الثالث: أن تكون المصلحة عامة وان لم يكن صاحب الحق مجهولا بل كان معينا فالمعين لا يجوز له الاحياء الا باذن الامام وذلك نحو محتطب القرية ومرعاها حيث كان أهلها منحصرون
(1)
.
مذهب الإمامية:
المرجع فى كيفية احياء الموات هو العرف لعدم التنصيص لغة أو شرعا فقد عرف أنه اذا قصد سكنى أرض فأحاطها ولو بخشب أو قصب أو سقف مما يمكن سكنه سمى احياء وكذا لو قصد الحظيرة فاقتصر على الحائط دون السقف وليس تعليق الباب شرطا، ولو قصد الزراعة كفى فى تملكها التحجير بحروز وهو جمع التراب حول ما يريد احياءه من الأرض ليتميز عن غيره، أو مسناة، وسوقه اليها الماء بساقية أو ما شابهها ولو غرس شخص أرضا فنبت فيها الغرس وساق اليها الماء تحقق الاحياء، وكذا لو كانت مستأجمة
(2)
فعضد أى قطع شجرها وأصلحها للعمارة وكذا لو قطع عنها الماء الغالب وهيأها للعمارة فان العادة قاضية بتسمية ذلك كله احياء لأنه أخرجها بذلك الى حد الانتفاع
(3)
.
ويشترط فى التملك بالاحياء خمسة شروط:
الأول: ألا يكون عليها يد لمسلم، فان ذلك يمنع من مباشرة الاحياء.
والثانى: ألا يكون حريما للعامر كالطريق والشرب، وحريم البئر والعين والحائط.
والثالث: ألا يسميه الشرع مشعرا للعبادة كعرفة ومنى والمشعر الحرام، فان الشرع دل على اختصاصها موطنا للعبادة، فالتعرض لتملكها تفويت لتلك المصلحة.
والرابع: ألا يكون مما أقطعه امام الأصل ولو كان مواتا خاليا من تحجير لما أقطع النبى صلى الله عليه وسلم الدور أرضا بحضرموت فانه يفيد اختصاصا ومانعا من المزاحمة، فلا يصح رفع هذا الاختصاص بالاحياء.
والخامس: ألا يسبق اليه سابق بالتحجير فانه يفيد الأولية لا ملكا للرقبة، وان ملك به التصرف حتى لو تهجم عليه من يقصد الاحياء كان له منعه ولو قاهره فأحياه لم يملكه، ويعتبر من الشروط أيضا اذن الامام مع حضوره، ووجود ما يخرجها عن الموات بأن يتحقق الاحياء اذ لا ملك قبل كمال العمل المعتبر فيه
(4)
.
مذهب الإباضية:
قال الناظم:
وصفة الاحياء أن يسقيها
…
بالماء وهو قاصد يحييها
كذاك ان كان له بها عمل
…
كمثل أن يهبها على عجل
كذلك الجدار ان بناه
…
فانه يملك ما حواه
(5)
(1)
شرح الازهار ح 3 ص 319.
(2)
المستأجمة، الاجمة الشجر الكثير الملتف.
(3)
الروضة البهية ح 2 ص 256.
(4)
شرائع الاسلام ح 2 ص 168.
(5)
جوهر النظام فى علمى الاديان والاحكام ص 305 طبعة زنجبار.
وقد اختلف أرباب المذاهب فى اذن الامام هل هو شرط فى صحة تملك الموات أم لا.
مذهب الحنفية:
يرى الامام أبو حنيفة أن اذن الامام شرط فى صحة تملك الموات بالاحياء فمن أحيا أرضا ميتة بدون اذن الامام فلا يملكها لقوله عليه الصلاة والسلام (ليس للمرء الا ما طابت به نفس امامه) ولأنها ملك للمسلمين فليس لأحد أن يختص بها بدون اذن الامام مثل بيت المال، ثم انه عند الامام أبى حنيفة اذا لم يملكها بالاحياء بدون اذن الامام وملكها له الامام بعد الاحياء فانها تصير ملكا له والأولى للامام أن يجعلها له اذا أحياها ولا يستردها منه، وهذا اذا ترك استئذان الامام جهلا، أما لو تركه تهاونا بالامام فله أن يستردها منه زجرا له فاذا تركها له الامام فانه يتركها بالعشر أو الخراج، أما الصاحبان فاذن الامام عندهما ليس بشرط فى صحة تملك الموات بعد الاحياء فمن أحيا أرضا مواتا بدون اذن الامام فقد ملكها لقوله عليه الصلاة والسلام (من أحيا أرضا ليست لأحد فهو أحق بها) ولأنه مباح سبقت يده اليه فيملكه كالحطب والصيد
(1)
.
مذهب المالكية:
يفتقر احياء الموات الى اذن الامام أو نائبه لأجل أن ينظر ان كان يضر بالبلد أم لا فان كان لا يضر بالبلد أذن لهم فى الاحياء وان كان يضربها فلا يجوز الاذن للضرر وذلك ان كان المحيى مسلما وقرب من عمارة البلد بأن كان فى حريمها فان لم يستأذن الامام فيما قرب من عمارة البلد فللامام امضاؤه للمحيى أو جعله متعديا فيعطيه قيمة بنائه أوا غرسه ويبقيه للمسلمين من أهل البلد كلهم أو لمن شاء منهم ولا يرجع عليه بأجرته فيما مضى من المدة التى سكنها أو زرعها لأن أصله مباح بخلاف البعيد عن البلد، فان كان خارجا عن حريمها فلا يفتقر احياؤه الى اذن الامام بل يختص المحيى بما أحياه، ولو كان المحيى له ذميا حيث أحياه فى البعيد فى غير جزيرة العرب، وهل الذمى كالمسلم فى ذلك؟ ذهب بعضهم الى أنه يجوز له الاحياء فيما قرب من عمارة البلد بأن كان من حريمها وقد مال الى ذلك الباجى، والمشهور أنه لا يجوز ذلك للذمى ولو كان باذن الامام
(2)
.
مذهب الشافعية:
تملك الأرض الموات بالاحياء ويجوز ذلك بدون اذن الامام للخبر (من أحيا أرضا ميتة فهى له) ولأنه تملك مباح فلم يفتقر الى اذن الامام كالاصطياد
(3)
نعم لو حمى الامام لابل الصدقة موضعا من الموات فأحياه شخص لم يملكه بدون اذن الامام لما فيه من الاعتراض على الامام
(4)
.
مذهب الحنابلة:
لا يشترط اذن الامام فى تملكها فان من أحياها فقد ملكها سواء أذن الامام أم لم يأذن لعموم حديث (من أحياء أرضا ميتة فهى له) ولأن ذلك عين مباحة فلا يفتقر تملكها الى اذن الامام كأخذ الحشيش والحطب ونظر الامام فى ذلك لا يدل على اعتبار اذنه ألا
(1)
الجوهرة ح 1 ص 362.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 4 ص 66 الطبعة السابقة.
(3)
المهذب ح 1 ص 423 الطبعة السابقة.
(4)
نهاية المحتاج ح 5 ص 326 الطبعة السابقة.
ترى أن من وقف فى مشرعة
(1)
طالبه الامام أن يأخذ حاجته وينصرف، ولم يفتقر ذلك الى اذنه لأنه من المباحات فمن سبق اليه كان أحق به كسائر المباحات
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يكون الموات ملكا لمن سبق اليه وأحياه سواء باذن الامام فعل ذلك أو بغير اذنه، لا اذن فى ذلك للامام ولا للأمير ولو أنه بين الدور فى الأمصار
(3)
.
مذهب الزيدية:
يجوز للمسلم فقط الاستقلال باحياء الموات بدون اذن الامام. نص عليه الهادى بخلاف الذمى فلا يجوز له احياء الموات لقوله صلى الله عليه وسلم: «موتان الأرض لله وللرسول ثم هى لكم من بعدى» وليس للامام أن يأذن للذمى فى الاحياء الا لمصلحة وذهب بعضهم الى أنه يجوز له احياؤه باذن الامام وحجته أن اذن الامام يبيح له ذلك ورد ذلك بأنه ليس للامام مخالفة الخبر الوارد
(4)
.
مذهب الإمامية:
الموات لا يملكه أحد وان أحياه ما لم يأذن له الامام واذنه شرط فمتى أذن ملكه المحيى له اذا كان مسلما ولا يملكه الكافر ولو قيل بملكه مع اذن الامام عليه السلام لكان حسنا
(5)
.
الحكم فيمن سبق غيره الى مباح
قد بين الفقهاء الحكم لو سبق شخص غيره الى مباح على الوجه الآتى:
اتفقت آراؤهم على أن من سبق الى مباح قبل غيره فهو أحق به وهو ملكه دون سواه يجوز له التصرف فيه تصرف المالك فيما يملك ويورث عنه وتجوز فيه وصاياه ويضمنه الغير اذا أخذه بغير اذنه ويدخل فى ذلك الكلأ والماء والنار والحطب والمعادن وغيرها من المباحات التى لا تدخل فى ملك أحد على تفصيل فى المذاهب فيما اذا كان قد سبق الى المباح اثنان فأكثر أو تشاحا فيما بينهما أو طال المقام عليها أو كان الامام أقطعها كالطرق الواسعة ورحاب المساجد أو كان أقطعها الامام لشخص وسبق اليها غيره والدليل على ما اتفقت عليه كلمة المذاهب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سبق الى ما لم يسبق اليه فهو أحق به)
(6)
.
من أحيا أرضا مواتا وتركها حتى خربت هل تبقى على ملك محييها أم تعد مواتا
مذهب الحنفية:
من أحيا أرضا ثم تركها فزرعها غيره فقد قيل الثانى أحق بها لأن الأول ملك استغلالها لا رقبتها فاذا تركها كان الثانى أحق بها والأصح أن الأول ينزعها من الثانى لأنه ملكها بالاحياء على ما نطق به الحديث اذ الاضافة فيه بلام التمليك وملكه لا يزول بالترك
(7)
.
(1)
المشرعة مورد الشاربة.
(2)
المغنى والشرح الكبير ح 6 ص 151 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى ح 8 ص 233 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الازهار ح 3 ص 319 الطبعة السابقة.
(5)
شرائع الاسلام ح 2 ص 168 الطبعة السابقة.
(6)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ح 5 ص 388، وبلغة السالك ح 2 ص 272، والمهذب ح 1 ص 425، والروض المربع بشرح زاد المستقنع ح 2 ص 233 والمقنع ح 2 ص 289، وشرائع الاسلام ح 2 ص 171 والمحلى ح 8 ص 233، والتكميل لبعض ما أخل به كتاب النيل ص 81.
(7)
فتح القدير ح 8 ص 137.
مذهب المالكية:
لو اندرست الأرض الموات بعد الاحياء فاندراسها لا يزيل ملكها عن محييها الا لاحياء من غيره بعد اندراسها لا بقرب الاندراس بل بعد طول يرى العرف أن من أحياها أولا قد أعرض عنها فانها تكون للثانى ولا كلام للأول بخلاف احيائها بقرب لكن ان عمرها الثانى جاهلا بالأول فله قيمة عمارته قائما للشبهة وان كان عالما فله قيمتها منقوضا وهذا ما لم يسكت الأول بعد علمه بالثانى بلا عذر والا كان سكوته وهو حاضر بلا عذر دليل على تركها له، وقولنا بعد طول هذا هو المعتمد، وقيل تكون للثانى ولو لم يطل وهو ظاهر قول ابن القاسم وعليه درج الشيخ، وقيل لا تكون للثانى أبدا بل هى لمن أحياها ولو طال الزمن قياسا على من ملكها بشراء أو ارث أو هبة أو صدقة فاندرست فانها لا تخرج عن ملكه ولا كلام لمن أحياها اتفاقا الا لحيازة بشروطها
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ان ملك الخراب باحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا لم يملك باحياء ان كان لمعصوم لمفهوم حديث: (من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد) وقوله: (من غير حق مسلم) وهو مقيد لحديث (من أحيا أرضا ميتة فهى له) ولأن ملك المحيى أولا لم يزل عنها بالترك كسائر الأملاك وان علم ملكه لمعين غير معصوم وهو الكافر الذى لا أمان له فان كان أحياه بدار حرب واندرس كان ذلك كموات أصلى يملكه من أحياه لأن ملك من لا عصمة له كعدمه
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: ما ملك يوما ما باحياء أو بغيره ثم دثر وأشغر - أى خلا - حتى عاد كأول حاله فهو ملك لمن كان له لا يجوز لأحد تملكه بالاحياء أبدا، فان جهل أصحابه فالنظر فيه الى الامام ولا يملك الا باذنه
(3)
.
مذهب الزيدية:
واذا أحيا موضعا فانه يثبت به الملك ولو عطله ولو لم يستعمله بزرع أو غيره فملكه باق ولا يبطل بعوده كما كان قبل الاحياء ذكره فى تعليق الافادة
(4)
.
مذهب الإمامية:
من أحيا أرضا مواتا باذن الامام ملكها اذا كان مسلما ولا يملكها الكافر ولو قيل يملكه باذن الامام كان حسنا .. ولو ماتت لم يصح احياؤها لأن المالك لها معروف وهو المسلمون قاطبة .. وكذا كل أرض لم يجر عليها ملك لمسلم وكل أرض جرى عليها ملك لمسلم فهى له أو لورثته بعده وان لم يكن لها مالك معروف معين فهى للامام ولا يجوز احياؤها الا باذنه فلو بادر مبادر فأحياها بدون اذنه لم يملك، ولو كان الامام غائبا كان المحيى أحق بها مادام قائما بعمارتها فلو تركها فبارت آثارها فأحياها غيره ملكها ومع ظهور الامام يكون له رفع يده عنها
(5)
(1)
بلغة السالك ح 2 ص 271، ص 272.
(2)
منتهى الارادات ح 2 ص 428.
(3)
المحلى ح 8 ص 233.
(4)
شرح الازهار ح 3 ص 323.
(5)
شرائع الاسلام ح 2 ص 168.
أخ
الأخوة وبم تتحقق
الأخ:
من جمعك واياه صلب أو بطن أو هما معا.
والأخ من الرضاع من يشارك فى الرضاعة. والأخ الصديق.
وفى المثل «ان أخاك من آساك» و «رب أخ لك لم تلده أمك» .
ويقال: لا أخالك بفلان. لا صداقة معه والأخ الشريك المثيل. وأخو الشئ صاحبه وملازمه. يقال: هو أخو أسفار كثيرها.
وأخو القبيلة أحد رجالها.
والجمع:
آخاء، واخوان، وأخوة
(1)
.
وقد أطلق الفرضيون فى كتب الميراث.
الأسماء الآتية لكل من الأخوة والأخوات أشقاء. أو لأب. أو لأم. فهم يقولون.
بنى الأعيان:
على الأخوة والأخوات لأب وأم. فهذه الأخوة التى تجمعهم تسمى المعاينة واعيان القوم أشرافهم. ومنه جاءت تسمية الأخوة والأخوات الأشقاء ببنى الأعيان. أو لأنهم ولدوا من عين واحدة. أى من أب واحد وأم واحدة.
وبنى العلات:
على الأخوة والأخوات لأب وهم أولاد الرجل من نسوة شتى.
وبنى الأخياف:
على الأخوة والأخوات لأم.
قال فى القاموس: هم أخياف أى مختلفون وأخوة أخياف. أمهم واحدة والآباء شتى
(2)
ولاية الأخ فى الحضانة
مذهب الحنفية:
الحضانة لا تثبت الا للعصبه من الرجال.
بعد انتهاء حضانة النساء أو ان فقد النساء المستحقات لها. انظر حضانة.
ويتقدم الأقرب فالأقرب. ومرتبة الأخوة فى الحضانة بعد الأب. والجدأب الأب وان علا. وأولى الأخوة بحضانة الصغير. الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ولو كان للصغيرة ثلاثة أخوة كلهم على درجة. بأن كانوا كلهم أشقاء. أو لأب فأفضلهم صلاحا وورعا أولى فان كانوا فى ذلك سواء فأكبرهم سنا أولى بالحضانة وكل ذكر من قبل النساء. كالأخ لأم. لا حق له فى الولد. لانعدام العصوبة
(1)
المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية الطبعة الأولى سنة 1380 هـ، سنة 1960 م مطبعة مصر ح 1 ص 9. ع 2، 3.
(2)
الافصاح فى فقه اللغة طبعة دار الكتب سنة 1348 هـ سنة 1929 م ص 136، وأساس البلاغة للزمخشرى الطبعة الاولى مطبعة أولاد أورفان سنة 1372 هـ سنة 1953 م ص 319، ص 312، والقاموس المحيط الطبعة الثالثة المطبعة الاميرية سنة 1301 هـ ح 3 ص 136.
والأخ من الأب أحق من الخال، لأنه عصبة وهو أيضا أقرب لأنه من أولاد الأب.
والخال من أولاد الجد والأخ لأب أولى من العم. لأنه أقرب.
ويشترط فى الأخ الحاضن أن يكون أمينا على أخته فان كان لا يؤتمن لفسقه وخيانته لم يكن له فيها حق. لأن فى كفالته لها ضرر عليها. وهذه ولاية نظر فلا تثبت مع الضرر حتى لو كانت الأخوة غير مأمونين على نفسها ومالها لا تسلم اليهم. وينظر القاضى امرأة من المسلمين. ثقة. عدلة. أمينة. فيسلمها اليها الى أن تبلغ فتترك حيث شاءت، وان كانت بكرا، كما يشترط فى الأخوة أيضا اتحاد الدين. فلا حق لهم فى الصبى الا أن يكونوا على دينه لأن هذا الحق لا يثبت الا للعصبة. واختلاف الدين يمنع التعصيب وقد قالوا فى الأخوين على درجة واحدة اذا كان أحدهما مسلما والآخر يهوديا والصبى يهودى - اليهودى أولى به - لأنه عصبة لا المسلم.
ولا خيار للصغير والصغيرة اذا اختلف الأبوان أو الأخ والأخت فيهما قبل البلوغ.
(انظر خيار) لأنه لغلبة هواه يميل الى اللذة الحاضرة من الفراغ والكسل فيختار شر الأبوين. وهو الذى يهمله ولا يؤدبه
(1)
.
مذهب المالكية:
مرتبة الأخوة فى الحضانة - ان اجتمع الرجال وليس معهم نساء - بعد الأب ووصى الأب ويقدم الأخ الشقيق على الذى للأم.
ثم الذى للأم. ثم الذى للأب. وقدم فى المتساويين بالصيانة والشفقة فان تساويا فيهما قدم الأسن فان تساويا فالقرعة. ويشترط فى الأخ الحاضن أن يكون عنده من يحضن من الاناث. أى من يصلح من زوجة أو سرية أو أمة لخدمة فان لم يكن عنده ذلك فلا حق له فى الحضانة كما يشترط فيه أيضا الأمانة والاسلام ليس شرطا فى الحاضن
(2)
.
مذهب الشافعية:
مرتبة الأخوة فى الحضانة. هى مرتبتهم عند الأحناف. الأب. فالجد أب الأب وان علا. ثم الأخ ولكن تثبت الحضانة عندهم.
لكل ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث انظر «ارث» . ويقدم الجد على الأخ الشقيق.
والأخ الشقيق يقدم على الأخ لأب. والأخ لأب يقدم على الأخ لأم وفى الأخوين المستويين قربا. يقرع بينهما قطعا للنزاع.
هذا كله فى غير المميز. وفى المميز ان كانت العصبة محرما كالأخ يخير بينه وبين الأم ان لم يكن له أب ولا جد لما روى عامر بن عبد الله قال: «خاصم عمى أمى وأراد أن يأخذنى فاختصما الى على بن أبى طالب فخيرنى على ثلاث مرات فاخترت أمى فدفعنى اليها» ولا حضانة لفاسق. ولا لكافر على مسلم
(3)
«انظر حضانة» .
(1)
البدائع ح 4 ص 43 وفتح القدير ح 3 ص 316
(2)
حاشية الدسوقى ح 2 ص 536، 537، 538، 539.
(3)
تحفة المنهج ح 3 ص 316، ص 390.
ص 393 والمهذب ح 2 ص 172.
مذهب الحنابلة:
ومرتبة الأخوة فى الحضانة عندهم. ان لم توجد نساء مستحقات لها بعد الأب والجد أب الأب وان علا. وتثبت للأخ الشقيق ثم للأخ لأب. من العصبة. فاذا لم يكن عصبة تنتقل الحضانة لذوى الأرحام. وأولاهم بها أبو أم ثم أمهاته. فأخ لأم. لأنه له رحما وقرابة ويرث بالفرض وان استوى أخوان فأكثر فى حضانة من له دون سبع سنين قدم أحدهما بقرعة لعدم المرجح أما اذا بلغ المحضون سبع سنين عاقلا. خيره الحاكم بين أمه وأخيه العصبة عند عدم الأب والجد
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ينظر للصغير أو الصغيرة بالأحوط فى دينهما ثم دنياهما: فحيثما كانت الحياطة لهما. فى كلا الوجهين. وجبت هنالك عند الأب أو الأخ أو الأخت فان استووا فى صلاح الحال. فالأخ والأخت يأتيان بعد الأم والجدة والأب والجد فان لم يكن أحد من الأم أو الجدة أو الأب مأمونا فى دينه وكان للصغير أخ مأمون فى دينه أو أخت مأمونة فى دينها. فالمأمون أولى فان كان اثنان من الأخوة أو الأخوات مأمونين فى دينهما مستويين فى ذلك فان كان أحدهما أحوط للصغير فى دنياه فهو أولى. وان كان أحدهما أحوط فى دينه والآخر أحوط فى دنياه فالحضانة لذى الدين لقوله تعالى:
«كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ» وتفسير الأحوط فى دنياه أن يكون أحدهم أشد رفاهية فى عيشه وملبسه. فهذا فيه احسان فواجب أن يراعى بعد الدين. لقوله تعالى «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى» فان استوى الأخوة والأخوات فى كل ذلك فان تراضوا فى أن يكون الصغير أو الصغيرة عند كل واحد منهم مدة فذلك لهم فان كان فى ذلك ضرر على الصغير أو الصغيرة فان كان تقدم كونه عند أحدهم لم يزل عن يده فان أبوا فالقرعة
(2)
مذهب الزيدية:
مرتبة الأخ فى الحضانة بين العصبات ان عدم النساء اللاتى هن أحق بالحضانة هى بعد الأب والجد لأب وان علا، والأخ الشقيق أولى من الأخ لأب واذا لم يوجد عصبة محرم فالأخ لأم من ذوى الأرحام أولى من الجد أب الأم وأولى من الخال
(3)
.
مذهب الإمامية:
ومرتبة الأخوة فى الحضانة عندهم الأم ثم الأب ثم الجد ثم الأخت ثم الأخ فان فقد الأبوان والجد. فالحضانة للأقارب الأقرب فالأقرب منهم الى الولد على المشهور لآية أولى الأرحام «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (أى الأخ والأخت ومن يليهما) فان تعدد الأقرب (أو الاخوة) أقرع بينهم لما فى اشتراكهم من الاضرار بالولد. ولو اجتمع ذكر وأنثى ففى تقديم الأنثى قول
(1)
كشاف القناع ح 3 ص 326، 330، 331 والروض المربع ح 2 ص 328، 329 والمغنى ج 9 ص 309.
(2)
المحلى ح 10 ص 323، 324، 325.
(3)
شرح الازهار ح 2 ص 526.
مأخذه أن الأنثى أرفق لتربية الولد وأقوم لمصالحه وإطلاق الدليل يقتضى التسوية بين الذكر والأنثى كما يستفاد من الآية.
واذا بلغ الولد رشيدا سقطت حضانته لأنها ولاية والبالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد
(1)
.
ولاية الأخ فى النكاح
مذهب الحنفية:
لا خلاف عندهم فى أن لغير الأب والجد من العصبات ولاية الانكاح. الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات فى الارث.
انظر - ارث - عصبة.
فالأخ الشقيق أولى من الأخ لأب والأخ لأب أولى من العم والجد أبو الأب وان علا أولى من الأخ عند أبى حنيفة وعند أبى يوسف ومحمد الجد والأخ سواء كما فى الميراث وهذا لأن الأخ لا يرث مع الجد عند أبى حنيفة فكان بمنزلة الأجنبى.
وعندهما يشتركان فى الميراث فكانا كالأخوين. واختلفوا أيضا فى غير العصبات كالاخوة لأم فعند محمد وأبى يوسف يكون موقوفا على اجازة العصبة. وعند أبى حنيفة تثبت لهم هذه الولاية واذا اجتمع أخوان فى درجة واحدة. فلكل واحد منهما على حياله أن يزوج رضى الآخر أو سخط بعد أن كان التزويج من كفء بمهر وافر
(2)
.
مذهب المالكية:
مرتبة الأخ فى غير ولاية الاجبار تكون بعد الابن وان سفل والأب فى غير حالات الأجبار على الأصح. والأخ أولى من الجد والأخ الشقيق مقدم على الأخ لأب. وان تنازع اخوة متساوون درجة فى تولى العقد أو تنازعوا فى تعيين الزوج ولم تعين المرأة واحدا نظر الحاكم. فيمن يراه أحسنهم رأيا فيحكم بأنها انما تزوج بفلان والذى يباشر العقد الولى لا الحاكم
(3)
.
مذهب الشافعيه:
من على حاشية النسب أى طرفه كأخ لا يزوج صغيرة ولا مجنونة بحال ثيبا كانت أو بكرا لخبر الدارقطنى «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها» ولأن الاخوة ليسوا فى معنى الأب لوفور شفقته. أما فى غير الصغيرة والمجنونة.
فأحق الأولياء بالتزويج الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الأخ، يقدم أخ الأبوين على أخ لأب فى الأظهر كالارث لأنه أقرب وأشفق وقرابة الأم مرجحة وان لم يكن لها دخل هنا.
ولا يزوج الأخ لأم. اذ لا مشاركة بينهما فى النسب فلا يعتنى بدفع العار ولأن الولاية معتبرة بالتعصيب ومن ليس يعصبها شبيه بالأجنبى منها وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية والمالكية والحنابلة والشيعة الزيدية والظاهرية والإباضية
(4)
.
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 140، 141.
(2)
البدائع ح 2 ص 238، 240، 241، 250، 251 وفتح القدير ح 2 ص 405، 406، 413.
(3)
حاشية الدسوقى ح 2 ص 226، 229، 235، 238 وبداية المجتهد ح 2 ص 13.
(4)
تحفة المنهج ح 3 ص 135، 136 والاقناع ح 4 ص 47، 51 وللمالكية حاشية الدسوقى ح 2 ص 235 وبداية المجتهد ح 2 ص 13 وللحنابلة كشاف القناع ح 3 ص 27، 28، 30 وللزيدية شرح الازهار ح 2 ص 223، 228 وللإباضية شرح النيل ح 3 ص 60، 61 ص 64 وللظاهرية المحلى ح 9 ص 469، 451.
مذهب الحنابلة:
أحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها.
ثم أبوه وان علا. ثم اينها وان سفل. ثم أخوها الشقيق ثم أخوها لأبيها. كالارث لأن الولاية مبناها على النظر والشفقة ومظنة ذلك القرابة. والأحق بالميراث هو الأقرب فيكون أحق بالولاية واذا استوى وليان فأكثر لامرأة فى الدرجة كاخوة لها كلهم أشقاء أو لأب فان أذنت لواحد منهم بعينه.
تعين. ولم يصح نكاح غيره لعدم الاذن.
وان أذنت لكل واحد منهم أن يزوجها صح التزويج من كل واحد منهم لأن سبب الولاية موجود فى كل واحد منهم والأولى تقديم أفضلهم علما ودينا. ثم أسنهم. فان تشاحوا أقرع بينهم فان سبق غير من خرجت له القرعة فزوج وقد أذنت لهم صح التزويج لأن القرعة انما شرعت لازالة المشاحة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
لا يحل للمرأة نكاح، ثيبا كانت أو بكرا إلا بإذن وليها الأب. أو الأخوة أو الجد الأقرب فالأقرب «فيكون الأخ الشقيق أولى من الأخ لأب وهما أولى من الجد» ومعنى الولاية أن يأذن لها فى الزواج فإن آبى زوجها السلطان. لقوله تعالى «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ» الخطاب للأولياء
(2)
.
مذهب الزيدية:
ولى عقد النكاح الأقرب فالأقرب من عصبة النسب واقرب العصبة هو - الابن - ثم الأب - ثم أبوه وان علا - ثم الأخوة لأبوين. ثم الأخوة لأب واذا كان للمرأة أولياء من أهل درجة واحدة. نحو أن يكون لها اخوة من أب وأم جميعا أو من أب جميعا فانه يكفى فى انكاحها واحد منهم ولا يحتاج الى مراضاة الآخرين
(3)
.
مذهب الإمامية:
لا ولاية للأخ فى عقد النكاح
(4)
.
مذهب الإباضية:
أولى الأولياء بالنكاح الأب فالجد للأب فالأخ والأخ الشقيق أولى من الأبوى والأخ الأبوى أولى من ابن الأخ الشقيق والأكثر على أن الأخ الشقيق أو للأب أولى بالنكاح من الولد. وان زوج ولى من جمع متعدد متفق درجة كأخوة أشقاء. وكأخوة لأب جاز ومضى. وان كان أصغرهم أو أقلهم عقلا أو طفلا يعقل أو بلا اذن باقيهم ولو منع الباقون
(5)
.
الاقرار بالأخوة
مذهب الحنفية:
من أقر بنسب أخ لا يقبل اقراره فى النسب وان صدقه المقر له. بل لا بد فيه من البينة لأن فيه حمل النسب على الغير.
أما فى الميراث فيقبل اقراره لكن بشرط أن لا يكون للمقر وارث أصلا فان كان ثمة وارث قريبا كان أو بعيدا لا يقبل اقراره أصلا بالنسبة للميراث.
(1)
كشاف القناع ح 3 ص 26، 28، 29، 30، 33 والروض المربع ح 2 ص 270، 272.
(2)
المحلى ح 9 ص 451، 458، 469.
(3)
شرح الازهار ح 2 ص 221، 222، 223، 225، 228.
(4)
الروضة البهية ح 2 ص 71 والمختصر النافع ص 172، 173.
(5)
شرح النيل ح 2 ص 63، 64، 65.
فان أقر بأخ وله عمة أو خالة فميراثه لعمته أو لخالته ولا شئ للمقر له. لأنهما وارثان بيقين وحقهما ثابت بيقين فلا يجوز ابطاله بالصرف الى غيرهما. أما اقرار الوارث بأخ فاما أن يكون الوارث واحدا.
أو أكثر فان كان واحدا بأن مات رجل وترك ابنا فأقر بأخ يثبت نسبه عند أبى يوسف.
وعند أبى حنيفة ومحمد. لا يثبت النسب باقرار وارث واحد. لأن الاقرار بالأخوة اقرار على غيره لما فيه من حمل النسب على الغير فكان شهادة. وشهادة الفرد غير مقبولة. وأما ان كان الوارث اثنين فصاعدا فيثبت النسب بالاتفاق. لأن شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فى النسب مقبولة واتفقوا على أن اقرار الوارث الواحد يصح فى حق الميراث. بأن أقر الابن المعروف بأخ وحكمه أنه يشاركه فيما فى يده من الميراث. لأن الاقرار بالاخوة اقرار بشيئين. النسب واستحقاق المال والاقرار باستحقاق المال.
اقرار على نفسه وهو مقبول. ولو أقر الابن المعروف بأخت أخذت ثلث ما فى يده لأن اقراره قد صح فى حق الميراث ولها مع الأخ ثلث الميراث ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ ثالث. فان صدقه الأخ المعروف فى ذلك شاركهما فى الميراث كما اذا أقرا معا وان كذبه فيه. فانه يقسم المال بين الأخوين المعروفين أولا. نصفين. فيدفع النصف الى الأخ المنكر وأما النصف الآخر فيقسم بين الأخ المقر وبين المقر له نصفين لأن من زعم المقر أن حق المقر بنسبه فى الميراث حقه.
وأن من زعمه أيضا أن المنكر فيما يأخذه من الزيادة وهو النصف التام ظالم. فيجعل ما فى يده بمنزلة الهالك فيكون النصف الباقى بينهما بالسوية لكل واحد منهما ربع المال
(1)
مذهب المالكية:
ان استلحق شخص انسانا وارثا غير ولد كأخ. لم يرث المقر به من استلحقه - أى أقربه - ان كان للمقر وارث حائز لجميع المال يوم الموت لا يوم الاقرار لأن المقر يتهم على خروج الارث لغير من كان يرث وان لم يكن له وارث أصلا أو وارث غير حائز كأخ لأم فخلاف بالارث وعدمه.
والراجح الارث. أى ارث المقر به من المقر جميع المال فى الأولى. والباقى فى الثانية بناء على أن بيت المال ليس كالوارث المعروف والضعيف مبنى على أنه كالوارث المعروف ويجرى هذا التفصيل فى ارث المقر من المقر به حيث صدقه لأن كلا منهما حينئذ مقر بصاحبه فلو كذبه فلا ارث.
وان سكت. فهل هو كالتصديق. أو يرث المستلحق فقط خلاف، ومحل هذا الخلاف اذا لم يطل زمن اقرار المقر بالأخوة.
فان طال فانه يرثه قولا واجدا لأن قرينة الحال دلت على صدقه فى ذلك. فعلى هذا اذا أقر بأخ وكان له أخ وطال زمن الاقرار شارك الأخ المقر به. الأخ الثابت النسب.
(1)
تكملة فتح القدير ح 7 ص 18 والبدائع ح 7 ص 229، 230.
وان أقر أخوان عدلان بثالث ثبت النسب للمقر به. فان كانا غير عدلين فللمقر به ما نقصاه باقرارهما من الميراث فاذا خلف ثلاثة أقر اثنان بأخ لهما وأنكره الثالث يقسم المال على حال الانكار وعلى حال الاقرار ففى حال الانكار يقسم المال على ثلاثة وفى حال الاقرار يقسم المال على أربعة فيكون للمقر له ما نقصه كل من المقرين فى حال الاقرار عما كان لهما فى حال الانكار فاذا اعتبر مقدار التركة اثنى عشر سهما كان لكل أخ فى حال الانكار أربعة أسهم لكل أخ فى حال الاقرار ثلاثة أسهم. وعليه يكون للمقر به سهمان هما عبارة عن الفرق بين نصيبى المقرين فى الحالين ويكون لكل من المقرين ثلاثة أسهم وللمنكر أربعة أسهم ولا يثبت النسب لاجماع أهل العلم على أنه لا يثبت النسب بغير عدول. ولو كانوا حائزين للميراث.
واذا أقر وارث عدل هو أحد أخوين وارثين بأخ ثالث وانكره الأخ الثانى. حلف المقر به. وورث أى أخذ ثلثا من غير أن يثبت نسبه. فله أن يتزوج ببنت الميت وأخته.
وان لم يكن المقر عدلا. فحصة المقر غير العدل. كأنها المال المتروك. تقسم على الانكار لكل واحد ثلاثة وعلى الاقرار لكل واحد اثنان. فيأخذ المقر به ما نقصه المقر باقراره وهو واحد ويأخذ المقر اثنين ويأخذ المنكر ثلاثة.
وان ترك ميت أما وأخا. فأقرت الأم بأخ فللمقر به منها السدس لحجبها بهما من الثلث الى السدس وليس للأخ الثابت النسب من السدس الذى أخذه المقر به شئ لأنه أخذه بالاقرار لا بالنسب فلو تعدد الأخ الثابت النسب لم يكن للمقر به شئ. اذ لا تنقص الأم عن السدس
(1)
.
مذهب الشافعية:
ان مات رجل وخلف ابنا. فأقر على أبيه بنسب كأخ. فان كان لا يرثه بأن كان عبدا أو قاتلا. لم يقبل اقراره. لأنه لا يقبل اقراره عليه بالمال. فلا يقبل اقراره عليه فى النسب كالأجنبى وان كان يرثه. فان كان قد نفاه الأب لم يثبت لأنه يحمل عليه نسبا حكم ببطلانه وان لم ينفه الأب ثبت النسب باقراره.
وان مات وله ابنان. فأقر أحدهما بنسب أخ له وأنكر الآخر. لم يثبت لأن النسب لا يتجزأ فاذا لم يثبت فى حق أحدهما لم يثبت فى حق الآخر. ولا يشاركهما فى الميراث لأن الميراث فرع على النسب والنسب لم يثبت فلم يثبت الارث وان مات وخلف بنتا. فأقرت بنسب أخ. لم يثبت النسب لأنها لا ترث جميع المال اذ الباقى بعد نصيبها لبيت المال عندهم فان أقر معها الامام. ففيه وجهان. أحدهما أنه يثبت لأن الامام نافذ الاقرار فى مال بيت المال والثانى. أنه لا يثبت لأنه لا يملك المال بالارث. وانما يملكه المسلمون وهم لا يتعينون فلم يثبت النسب.
(1)
حاشية الدسوقى ج 3 ص 419، 420.
421، 422.
وان كان المقر له لا يحجب المقر عن الميراث. ورث معه ما يرثه. كما اذا أقر به المورث وان كان يحجب المقر مثل أن يموت الرجل ويخلف أخا من أب فيقر بأخ شقيق ثبت النسب للمقر له ولم يرث. لأن توريثه يخرج المقر عن أن يكون وارثا
(1)
.
واذا خرج عن أن يكون وارثا. بطل اقراره وسقط نسبه وميراثه. فأثبتنا النسب وأسقطنا الارث.
مذهب الحنابلة:
ان أقر بنسب أخ له فى حياة أبيه. لم يقبل لأن اقرار الانسان على غيره غير مقبول وان كان اقراره بنسب الأخ بعد موت الأب وهو الوارث وحده صح اقراره. وثبت النسب.
ولأن الوارث يقوم مقام مورثه فى حقوقه وهذا منها. الا أن يكون الميت قد نفاه قبل موته. ويدخل فى كلامهم أى فى صحة الاقرار. وثبوت النسب، اذا كان الوارث ابنة واحدة. لأنها ترث المال فرضا وردا.
وان كان مع المقر غيره. لم يثبت نسب المقر به لأنه لا يثبت فى حق شريكه. فوجب أن لا يثبت فى حقه. وللمقر له من الميراث ما فضل فى يد المقر. مؤاخذة له بمقتضى اقراره فان جحده لم يقبل جحده لأنه رجوع عن اقرار بحق عليه لغيره فاذا خلف ميت ابنين. فأقر أحدهما بأخ فله ثلث ما فى يد المقر. لأن اقراره تضمن أنه لا يستحق أكثر من ثلث التركة. وفى يده نصفها. فيكون السدس الزائد للمقر به. وهو ثلث ما بيده فيلزمه دفعه اليه. أما اذا أقر أحد الابنين بأخت له فلها خمس ما فى يد المقر. فان لم يكن فى يد المقر فضل فلا شئ للمقر به لعدم ما يوجبه.
وان خلف أخا من أب وأخا من أم. فأقرا بأخ شقيق ثبت نسبه. لاقرار الورثة كلهم به وأخذ ما فى يد الأخ لأب كله. لأنه تبين أن لا حق له. ولم يأخذ مما فى يد الأخ لأم شيئا لأنه لا فضل له بيده فان أقر بالأخ الشقيق الأخ من الأب وحده دون الأخ من الأم. أخذ الأخ الشقيق ما فى يد الأخ لأب مؤاخذة للمقر. بمقتضى اقراره. ولم يثبت نسبه المطلق. لانكار بعض الورثة وهو الأخ لأم وان أقر بالأخ الشقيق لأخ من الأم وحده فلا شئ للشقيق.
وان أقر الأخ من الأم بأخ سوى الشقيق ولو كان لأم. فلا شئ للمقر به. لأنه لا فضل بيد المقر. وان أقر الأخ من الأم بأخوين من أم دفع اليهما ثلثى ما فى يده.
لأن فى يده السدس وفى اقراره بهما قد اعترف أنه لا يستحق الا التسع
(2)
.
مذهب الزيدية:
يشترط فى الاقرار بالنسب عدم الواسطة بين المقر والمقر له. فلا يصح الاقرار الا بولد أو والد ولا يصح بأخ. فان كان الاقرار بأخ شارك المقر به المقر فى الارث لا فى النسب
(3)
.
(1)
المهذب ح 2 ص 351، 352.
(2)
كشاف القناع ح 4 ص 301 وح 2 ص 608، 609.
(3)
شرح الازهار ح 4 ص 163، 164، 165، 169، 170.
مذهب الإمامية:
لو تصادق اثنان فصاعدا على نسب غير التولد. كالأخوة بأن أقر أحد اثنين للآخر منهما بالأخوة فصادقه على ذلك صح تصادقهما وتوارثا. لأن الحق لهما ولم يتعدهما التوارث الى ورثتهما - فيم لو مات أحدهما عن ورثة فانهم لا يرثون الآخر - لأن حكم النسب انما ثبت بالاقرار والتصديق. فيقتصر فيه على المتصادقين. الا مع تصادق ورثتهما أيضا.
ولو أقر العم المحكوم بكونه وارثا ظاهرا بأخ للميت وارث دفع اليه المال لاعترافه بكونه أولى منه بالارث
(1)
.
مذهب الإباضية:
كل من استلحق أحدا من أقاربه كالأخ.
فلا يجوز استلحاقه عند جميع الناس لأنه انما استلحق فى فراش غيره فان أقر بأخ.
ثم مات. فان كان له وارث معروف النسب يحيط بالمال. لم يكن للمقر له شئ عند جميعهم وكان الوارث أولى.
وان كان لا يحيط بالمال بأن كان ذا فرض فانه يأخذ فرضه ويكون ما بقى لبيت المال.
وان لم يكن له وارث معروف من عصبة أو ذى فرض فالمال لبيت مال المسلمين والحاصل أنه لا ميراث للمقر به من الأخ وغيره وسواء كان للمقر وارث معروف أم لا وان أقر بعض الورثة بوارث كأخ. لم يصح نسبه إذا لم يصدقه الوارث الآخر.
لكن لزم المقر أن يعطى من أقر به ما ينوبه فى حصته ويمسك الباقى وإن كان المقر يحجب بالمقر به أعطاه سهمه ولم يرث. وكذا كل من صدقه. لأن التصديق اقرار
(2)
.
الأخ فى الرضاع
والأخ رضاعا هو من اجتمع مع غيره فى الرضاع من امرأة واحدة وفى ذكر أحكامه يرجع الى مصطلح «رضاع» .
الانفاق على الأخ والأخت
.
مذهب الحنفية:
تجب النفقة على الاخوة والأخوات لقوله تعالى «وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» عطفا على قوله تعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ» لا على ترك المضارة فى قوله تعالى «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها» فيكون المعنى وعلى الوارث مثل ما على المولود له من النفقة والكسوة.
والمراد بالوارث القريب الذى هو رحم محرم لا مطلق وارث.
وسبب وجوبها. هو القرابة المحرمة القطع وترك الانفاق سبب مفض الى القطع. فيحرم ترك الانفاق فان لم يكن من تجب عليه النفقة الا واحدا. من غير مزاحم. تجب كل النفقة عليه.
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 225، 226.
(2)
شرح النيل ح 8 ص 497، 500، 502.
وفى حال اجتماع أكثر من أخ تجب على كل منهم بقدر ميراثه. لأن الله سبحانه علق الاستحقاق بالارث فتجب بقدر الميراث فاذا كان له أخ شقيق وأخت شقيقة. كانت النفقة عليهما أثلاثا على قدر ميراثهما ولو كان له أخ شقيق. وأخ لأم. فالنفقة عليهما أسداسا.
سدسها على الأخ لأم. ولو كان له ثلاث أخوات متفرقات. فالنفقة على الأخوات على خمسة أسهم. ثلاثة منها على الأخت الشقيقة وسهم على الأخت لأم. وسهم على الأخت لأب. على قدر الميراث ولو كان له ثلاثة أخوة متفرقين فالنفقة على الأخ الشقيق.
وعلى الأخ لأم على قدر الميراث أسداسا لأن الأخ لأب لا يرث معهما. فيلحق بالعدم.
فان كان أحد الأخوة يحوز كل الميراث وهو معسر. فيجعل كالميت وتكون النفقة على الباقين على قدر مواريثهم أما ان كان يحوز بعض الميراث فقط فلا يجعل كالميت.
وتكون النفقة على قدر مواريث من يرث معه
فلو كان رجل معسر عاجز عن الكسب. وله ابن معسر عاجز عن الكسب أو هو صغير. وله ثلاثة أخوة متفرقين. فنفقة الأب على أخيه الشقيق وعلى أخيه لأمه أسداسا. سدس النفقة على الأخ لأم وخمسة أسداسها على الأخ الشقيق. ونفقة الولد على الأخ الشقيق خاصة. لأن الابن يحوز جميع الميراث فيجعل كالميت فتكون نفقة الأب على الأخوين على قدر ميراثهما منه.
أما الابن فوارثه العم الشقيق فقط فكانت نفقته عليه خاصة. ولو كان للرجل ثلاث أخوات متفرقات كانت نفقته عليهن أخماسا على قدر مواريثهن. ونفقة الابن على أخت أبيه الشقيقة لأنها هى الوارثة منه لا غير. ولو كان مكان الابن بنت والمسألة بحالها. فنفقة الأب فى الاخوة المتفرقين على أخيه الشقيق فقط. وفى الأخوات المتفرقات على أخته الشقيقة. لأن البنت لا تحوز جميع الميراث فلا حاجة الى أن تجعل كالميتة. فكان الوارث معها الأخ الشقيق لا غير والأخت الشقيقة لا غير. ونفقة البنت عليهما أيضا لا غير لأنهما وارثاها.
بخلاف المسألة الأولى. لأن هناك لا يمكن ايجاب النفقة على الأخوة والأخوات الا بجعل الابن كالميت لأنه يحوز جميع الميراث فمست الحاجة الى أن يجعل ميتا حكما.
ولو كان الابن ميتا كان ميراث الأب للأخ الشقيق وللأخ لأم أسداسا. وللأخوات أخماسا. فكذا النفقة
(1)
.
واذا اجتمع مع الأخوة غيرهم فحكم الأخوة فى وجوب النفقة عليهم يرجع فيه الى مصطلح «نفقة» .
مذهب الشافعية والمالكية:
تجب النفقة على ذى قرابة بعضية وتجب له. وهم الفروع وان نزلوا. والأصول وان علوا فقط دون سائر الأقارب كالأخ والأخت. فلا تجب عليهم ولا لهم لقوله
(1)
بدائع الصنائع ح 4 ص 31، 32، 33، 34، 35، 36.
تعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ» ومعنى «وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» أى فى عدم المضارة كما قيده ابن عباس وهو أعلم بالقرآن من غيره
(1)
.
مذهب الحنابلة:
تلزم النفقة كل من يرث بفرض أو تعصيب ممن سوى الوالدين والمولودين سواء ورثه الآخر. كأخيه أم لا. كبنت أخيه ودليلهم هو دليل الأحناف المذكور. فان كان للفقير أخوة فنفقته عليهم على قدر ارثهم منه. لأن الله تعالى رتب النفقة على الارث. فيجب أن يرتب المقدار عليه. فجدة وأخ شقيق أو لأب على الجدة سدس النفقة والباقى على الأخ كارثهما له ولو اجتمعت بنت وأخت شقيقة أو لأب أو بنت وأخ شقيق أو لأب أو ثلاث أخوات متفرقات فالنفقة بينهم على قدر الارث انظر «ارث» .
ومن له ابن فقير وأخ موسر. فلا نفقة له عليهما. أما الابن فلعسرته. وأما الأخ فلعدم ميراثه، وأبوان وأخوان وجد. والأب معسر. لا شئ على الأخوين لأنهما محجوبان وليسا من عمودى النسب. ويكون على الأم الثلث والباقى على الجد. كما لو لم يكن أخوان. وان لم يكن فى المسألة جد فالنفقة كلها على الأم دون الأب لعسرته ودون الأخوة لحجبهم
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل بيده مما يقوم منه على نفسه من أخوته وأخواته. يسوى بينهم فى ايجاب النفقة عليهم. ولا يقدم منهم أحد على أحد قل ما بيده بعد موته أو كثر، لكن يتواسون فيه. لقوله تعالى «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» ومن قدر منهم على معاش وتكسب وان خس فلا نفقة له. ولا يجوز ان كان الأخوة كثيرا أن ينفقوا على المحتاج الا على عددهم لا على قدر مواريثهم لأن النص سوى بينهم بايجاب ذلك عليهم. فلا تجوز المفاضلة بينهم
(3)
.
مذهب الزيدية:
تجب على كل موسر من الأخوة نفقة كل معسر بشرطين:
أحدهما: أن يكون على ملته، والثانى:
أن يكون الموسر يرث المعسر بالنسب فيجب عليه من النفقة على قدر ارثه اذا لم يسقطه وارث آخر. فان تعدد الوارث - الأخوة - فحسب الارث. أى لزم كل واحد منهم من النفقة بقدر حصته من الارث مثال ذلك.
معسر له ثلاث أخوات متفرقات. فعلى التى لأب وأم ثلاثة أخماس وعلى التى لأب خمس وعلى التى لأم خمس.
وأم وأخ لأم. وجد معسر. الكل على الأم لأن الأخ لأم ساقط لا ميراث له مع الجد وامرأة معسرة لها بنت معسرة وأم موسرة.
وأخ لأب موسر. كان على الأم ثلث النفقة وعلى الأخ لأب ثلثاها وذلك على قدر ارثهما بعد تقدير عدم البنت. لأنها صارت كالمعدومة لاعسارها
(4)
.
(1)
اسنى المطالب ح 3 ص 442 وتحفة المنهج ح 3 ص 385 والمهذب ح 2 ص 166 وللمالكية حاشية الدسوقى ح 2 ص 532.
(2)
كشاف القناع ح 3 ص 314، 315.
(3)
المحلى ح 10 ص 100، 101، 104، 107
(4)
شرح الازهار ح 2 ص 549، 550.
مذهب الإمامية:
لا تجب النفقة على الأخوة والأخوات.
بل تستحب ويتأكد الاستحباب فى الوارث منهم فى أصح القولين.
وقيل تجب النفقة على الوارث منهم لقوله تعالى «وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» .
واذا وجبت على الوارث والعلة هى الارث ثبت الانفاق من الطرفين لتساويهما فيه ولا فرق فى المنفق - بين الذكر والأنثى ولا بين الصغير والكبير - عملا بالعموم
(1)
.
مذهب الإباضية:
تجب النفقة للانسان على من يرثه سواء كان الآخر يرثه أم لا.
فتجب النفقة على المرأة لأخيها وأختها الشقيقين والأبويين. ولا يتداركها أخوة كلاليون بينهم وهم الأخوة من الأم الذكور والاناث فلا تدرك الأخت على أختها أو أخيها من أمها النفقة ولا يدركها أخوها عليها ولا يدركها على أخيه من أمه. ولو توارثوا.
لأنهم كالأجانب. اذ ليسوا من قوم الأب والأخ لأم اذا كان من العصبة أنفق على وجه العصبة لا على الكلالة كأخ لأم هو ولد عم.
فان كانت له ابنة وأخت فانه يأخذ منهما نفقته نصفين كما ترثانه.
ولا تجب النفقة على أخوة الأب مع وجود أشقاء موسرين. فان لم يوجد الأشقاء أو وجدوا معسرين وجبت على الأخوة لأب.
والأخ المعدم كعدمه
(2)
.
أثر الاخوة فى الشهادة
اتفقت المذاهب الاسلامية الثمانية على قبول شهادة الأخ لأخيه وأخته الا أن بعض المذاهب أطلق هذا الحكم والبعض الآخر قيده.
مذهب الحنفية:
تقبل شهادة الرجل لأخيه لانعدام التهمة لأن الأملاك ومنافعها متباينة. ولا بسوطة لبعضهم فى مال البعض. فالتحقوا بالأجانب
(3)
.
مذهب المالكية:
تجوز شهادة أخ لأخ ان برز فى العدالة بأن فاق أقرانه فيها. ولم يكن الشاهد فى عيال المشهود له. كما يشترط أن تكون الشهادة ليست بجرح عمد فيه قصاص والا فلا تقبل على المشهور لأن الحمية تأخذه فى القصاص.
وكما تجوز الشهادة يجوز للأخ أن يعدل أخاه وهو المشهور فى المذهب.
وقيل لا يجوز أن يعدله. لأنه اذا عدل أخاه تشرف بتعديله اياه فتكون تلك الشهادة قد جرت له نفعا فتكون باطلة
(4)
.
مذهب الشافعية والشيعة الإمامية:
تقبل الشهادة للأخ لضعف التهمة. والتهمة التى تمنع الشهادة هى: أن يجر بشهادته اليه
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 144 والمختصر النافع ح 1 ص 195.
(2)
شرح النيل ح 7 ص 270، 210، 211، 212
(3)
البدائع ح 6 ص 272 والهداية ح 3 ص 90
(4)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 4 ص 173 وبداية المجتهد ح 2 ص 464.
نفعا أو يدفع عنه ضرا. فلو شهد لأخيه بمال فمات وورثه قبل استيفاء المال. فان كان بعد الحكم أخذه والا فلا. وكذا لو شهد بقتل فلان لأخيه الذى له ابن. ثم مات الابن وورثه. فان صار وارثه بعد الحكم لم ينقض وان صار وارثه قبل الحكم لم يحكم له
(1)
.
مذهب الحنابلة:
تقبل شهادة العدل لأخيه الا شهادة الأخ الوارث بجرح موروثه قبل اندماله فلا تقبل لأنه ربما يسرى الجرح الى النفس فتجب الدية للشاهد بشهادته. فيصير كأنه شهد لنفسه
(2)
.
مذهب الظاهرية والشيعة الزيدية:
كل عدل فهو مقبول الشهادة لكل أحد وعليه كالأب والأم لا بنيهما ولأبيهما والابن والابنة للأبوين والأخ لأخيه. وكل ذى رحم لرحمه وسائر الأقارب بعضهم لبعض كالأباعد ولا فرق لقول عمر بن الخطاب «تجوز شهادة الوالد لولده والولد لوالده والأخ لأخيه»
(3)
.
مذهب الإباضية:
تجوز الشهادة من أخ لأخ شقيق أو أبوى أو أمى وترد ممن جر النفع كمن شهد باحصان موروثه فى الزنا أو بقتل العمد أو دفع الضر كشهادة بعض العاقلة بفسق شهود القتل خطأ
(4)
.
أثر الأخوة فى السرقة
مذهب الحنفية:
من سرق من ذى رحم محرم منه - كالأخ والأخت - لا تقطع يده لأن كل واحد من الأخوين يدخل منزل صاحبه بغير اذن عادة وذلك دلالة الاذن من صاحبه فاختل معنى الحرز. ولأن القطع بسبب السرقة. فعل يفضى الى قطع الرحم وذلك حرام.
والمفضى الى الحرام حرام، ولو سرق من أخ أو أخت له من الرضاع يقطع بالاتفاق
(5)
أما بقية المذاهب فعلى وجوب القطع خلافا للحنفية.
مذهب الشافعية والحنابلة
والمالكية والإمامية والزيدية
يقطع الأخوة والأخوات بسرقة بعضهم مال بعض لأن القرابة هنا لا تمنع قبول الشهادة من أحدهما على الآخر. فلا تمنع القطع ولأن الآية والأخبار تعم كل سارق خرج منه عمودى النسب. فبقى ما عداهما على الأصل
(6)
.
مذهب الظاهرية:
وجوب القطع على كل سارق بدون استثناء.
(1)
تحفة المنهج ح 4 ص 315، 317 والمهذب ح 2 ص 330 والاقناع ح 5 ص 97 وللامامية الروضة البهية ح 2 ص 253.
(2)
كشاف القناع ح 4 ص 262، 264 والروض المربع ح 2 ص 375.
(3)
المحلى ح 9 ص 415 وللزيدية شرح الأزهار ح 4 ص 198.
(4)
شرح النيل ح 6 ص 594، 603.
(5)
البدائع ح 7 ص 75 وفتح القدير ح 4 ص 238
(6)
تحفة المنهج ح 4 ص 102 وكشاف القناع ح 4 ص 84 وحاشية الدسوقى ح 4 ص 346 والروضة البهية ح 2 ص 375 وشرح الازهار ح 4 ص 375.
لأن الله سبحانه يقول: «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» والرسول عليه الصلاة والسلام يقول «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» فلم يخص الله سبحانه ولا رسوله ابنا من أجنبى فصح أن القطع واجب على الأب والأم اذا سرقا من مال ابنهما مالا حاجة بهما اليه أما الآية: «وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ} - الى قوله تعالى - {أَوْ صَدِيقِكُمْ» التى استدل بها على عدم قطع الرحم المحرم.
كالأخوة ليس فيها اسقاط القطع. انما فيها اباحة الأكل. لا اباحة الأخذ
(1)
.
أثر الأخوة فى الزنا
مذهب الحنفية:
اذا وطئ الأخ جارية أخيه أو أخته. يجب الحد. وان قال ظننت أنها تحل لى لأن هذا دعوى الاشتباه فى غير موضع الاشتباه لأن الأخ لا ينبسط بالانتفاع بمال أخيه وأخته عادة. فلم يكن هذا ظنا مستندا الى دليل.
فلا يعتبر. أما اذا تزوج أخته. أو أخت امرأته. فوطئها فلا حد عليه. عند أبى حنيفة وزفر. وعليه التعزير ان كان عالما بالحرمة. أما اذا لم يكن عالما بالحرمة فلا حد ولا تعزير لأن العقد صدر من أهله مضافا الى محله. فكان ينبغى أن ينعقد فى جميع الأحكام الا أنه تقاعد عن افادة حقيقة الحل فيورث شبهة. الا انه ارتكب جريمة وليس فيها حد مقدر فيعزر.
وعند الصاحبين. يجب الحد. اذا كان عالما بالحرمة ودليلهما أن هذا وط ء مجمع على تحريمه. من غير ملك ولا شبهة ملك.
والواطئ أهل للحد عالم بالتحريم. فيجب الحد، وليس العقد، شبهة، لأنه نفسه جناية هنا توجب العقوبة أما اذا قال ظننت أنها تحل لى سقط الحد. لأنه ظن أن صيغة لفظ النكاح من الأهل فى المحل دليل الحل فاعتبر هذا الظن فى حقه
(2)
.
مذهب المالكية:
يحد ان وطئ مملوكة له بشراء مثلا.
تعتق عليه بنفس الملك كأخت. ان علم بالتحريم. ويحد من باب أولى. ان وطئ محرمة له. كأخت بنسب أو رضاع لأنهما لا يكونان الا مؤبدين. وحاصل المسألة أن الأخت من الرضاع ان وطئها بنكاح حد وان وطئها بملك أدب. والأخت من النسب يحد لوطئها بالملك. وأولى بالنكاح. وان وطئ أختا من الرضاع تزوجها على أختها. فلا حد وأدب اجتهادا بخلاف أخت زوجته من النسب يحد ان وطئها. لتحريمها بالكتاب وهو قوله تعالى «وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ» أما أختها من الرضاع فتحريمها بالسنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» والتحريم بالكتاب أقوى من التحريم الثابت بالسنة
(3)
.
(1)
المحلى ح 11 ص 346.
(2)
البدائع ح 7 ص 35، 36 والهداية ح 2 ص 76 وفتح القدير ص 146، ص 149.
(3)
حاشية الدسوقى ح 4 ص 322، 323) 325
مذهب الشافعية:
لاحد فى وط ء مملوكته المحرم. كأخت من نسب أو رضاع. لشبهة الملك. وللخبر الصحيح «ادرؤا الحدود بالشبهات» ويحد فى وط ء محرم. كأخت وان كان قد تزوجها لأنه لا عبرة بالعقد الفاسد ومن ادعى الجهل لتحريمها بنسب بعد أن تزوجها وو طئها. لم يصدق. لبعد الجهل بذلك. نعم يصدق ان جهل النسب ولم يبن لنا كذبه فالظاهر تصديقه. فان ادعى الجهل بتحريمها برضاع فقولان. قال الأذرعى. أظهرهما تصديقه ان كان مما يخفى عليه ذلك
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ان وطئ الأخت فى عدة أختها البائن فلا حد سواء اعتقد تحريم ذلك أولا. للشبهة وان ملك أخته من الرضاع فوطئها عزر ولم يحد لأنها مملوكته. ولأنه وط ء اجتمع فيه موجب ومسقط والحد مبنى على الدرء والاسقاط.
وان اشترى أخته من النسب وو طئها فعليه الحد لأن الملك لا يثبت فيها فلا توجد الشبهة وان وطئ فى نكاح مجمع على بطلانه - مع العلم ببطلانه - كنكاح أخته من النسب أو الرضاع فعليه الحد لأنه وط ء لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك فأوجب الحد
(2)
.
مذهب الظاهرية:
من وقع على غير امرأة أبيه من سائر ذوات محارمه. كأخته أو أخت زوجته بنسب أو رضاع. وسواء كان ذلك بعقد أو بغير عقد. هو زان وعليه الحد فقط وان أحصن عليه الجلد والرجم. والجاهل فى كل ذلك لا شئ عليه. ومن أحل فرج أمته لأخيه.
فالولد غير لا حق. والحد واجب الا أن يكون جاهلا بتحريم ما فعل ولو زنى الوالد بأمة ابنه حد كما يحد الزانى. فأولى الأخ ان زنى بمملوكة أخيه أو أخته
(3)
.
مذهب الإمامية:
لا يكفى فى تحقق الشبهة الدارئة للحد.
العقد على المحرمة. كالأخت بمجرده من غير أن يظن الحل اجماعا لا نتفاء معنى الشبهة حينئذ. ويسقط الحد بدعوى الجهالة والشبهة بأن قال ظننت حلها مع امكان الجهالة والشبهة فى حقه فلو كان ممن لا يحتمل جهله بمثل ذلك لم يسمع. والزانى بالمحرم النسبى - كالأخت - حده القتل بالسيف.
وفى الحاق الأخت من الرضاع بالأخت من النسب وجه: مأخذه الحاقه به فى كثير من الأحكام
(4)
.
مذهب الإباضية:
النكاح ان اتفق على فساده. وكان فى القرآن. كذوات المحارم حد. ومنهن الأخت. الا ان لم يعلم أنها محرمة عليه
(5)
(1)
تحفة المنهج ح 4 ص 91، 92 واسنى المطالب ح 4 ص 127.
(2)
كشاف القناع ح 4 ص 58، 59.
(3)
المحلى ح 11 ص 256، 257.
(4)
الروضة البهية ح 2 ص 349، 351 والمختصر النافع ح 1 ص 213.
(5)
شرح النيل ح 3 ص 537.
أثر الأخوة فى الرجوع فى الهبة
اتفقت كل المذاهب على أنه لا يجوز للاخ أن يرجع فى هبته لأخيه.
مذهب الحنفية:
اذا وهب الأخ لأخيه فلا رجوع فى الهبة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها» أى ما لم يعوض وصلة الرحم عوض معنى. لأن التواصل سبب التناصر والتعاون فى الدنيا فيكون وسيلة الى استيفاء النصرة وسبب الثواب فى الدار الآخرة فكان أقوى من المال وأيضا لقوله عليه السلام «اذا كانت الهبة لذى رحم محرم منه لم يرجع فيها»
(1)
.
مذهب المالكية:
للأب والأم فقط اعتصار الهبة أى أخذها من الولد جبرا بلا عوض دون الجد والجدة والأخ والأخت
(2)
.
مذهب الشافعية:
لا رجوع لغير الأصول فى هبة مطلقة أو مقيدة بنفى العوض
(3)
.
مذهب الحنابلة:
لا يجوز لواهب أن يرجع فى هبته بعد لزومها بالقبض ولو صدقة وهدية ونحلة أو نقوطا وحمولة فى عرس ونحوه الا الأب الأقرب
(4)
.
مذهب الظاهرية:
من وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ لفظ بها. إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما فلهما الرجوع فيها أبدا. لقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ، «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ»
(5)
.
مذهب الزيدية:
اذا كانت الهبة لذى رحم محرم - كالأخ والأخت - لم يصح الرجوع فيها. سواء كانت لله أم لا الا الأب فله الرجوع فى هبة طفله
(6)
.
مذهب الإمامية:
يصح الرجوع فى الهبة بعد الاقباض.
ما لم تكن لرحم قريب كالأخ والأخت
(7)
.
مذهب الإباضية:
يصح عود والد فى الهبة. لا غيره.
كالأخ
(8)
.
أثر الأخوة فى الرق
مذاهب الحنفية والزيدية والإباضية:
اذا ملك أخاه عتق عليه نوى أولم ينو لأن شراءه جعل اعتاقا شرعا. حتى تتأدى به الكفارة والأصل عندهم أن كل من يملك
(1)
البدائع ح 6 ص 132 وتكملة فتح القدير ح 7 ص 134.
(2)
حاشية الدسوقى ح 4 ص 114.
(3)
تحفة المنهج ح 2 ص 347.
(4)
كشاف القناع ح 2 ص 483.
(5)
المحلى ح 9 ص 127.
(6)
شرح الأزهار ح 3 ص 433.
(7)
الروضة البهية ح 1 ص 268.
(8)
شرح النيل ح 6 ص 8.
ذا رحم محرم منه بالشراأ أو بقبول الهبة أو الصدقة أو الوصية أو الارث. يعتق عليه لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» وسواء كان المالك بالغا أو صبيا عاقلا أو مميزا يعتق عليه أخوه اذا ملكه لعموم الحديث «من ملك .. الخ» لانه علق الحكم وهو الحرية بالملك. فيقتضى أن كل من كان من أهل الملك كان من أهل هذا الحكم والصبى والمجنون من أهل الملك، وان أخته من الرضاعة لا تعتق عليه لأن شرط العتق ملك ذى رحم محرم. فلا بد من وجودهما. وهنا وجد المحرم بلا رحم ولو اشترى أمة وهى حبلى من أبيه. والأمة لغير الأب. جاز الشراء. وعتق ما فى بطنها لأنه أخوه وقد ملكه فيعتق عليه. ولا تعتق الأمة لأنها أجنبية عنه. ولا يجوز بيعها ما دائم الحمل قائما لأن فى بطنها ولدا حرا
(1)
.
مذهب المالكية:
يعتق بنفس الملك أى بمجرد الملك. من غير توقف على حكم. أخ وأخت نسبا مطلقا شقيقين أو لأب أو لأم.
والضابط: أنه يعتق بالملك. الأصول.
والفروع. والحاشية القريبة، كالاخوة والأخوات فقط دون أبنائهم ودون الأعمام والخالات ومحل العتق ان كان المالك رشيدا وكان هو والرقيق مسلمين أو أحدهما.
لا كافرين وحصول الملك مطلقا وان حصل بهبة أو صدقة. أو وصية فيعتق ولا يباع فى دين على المالك الذى هو الموهوب له. أو الموصى له. ان علم المعطى أنه يعتق على المعطى.
وان لم يعلم وقبله المعطى بيع للدين وان لم يقبله لم يعتق ولم يبع للدين لعدم دخوله فى ملكه.
أما ان ملك أخا له بارث أو شراء. وعليه دين فيباع فى الدين ولا يعتق. ولو علم بائعه أنه يعتق على المشترى. اذ لا يستقر فى ملكه وهو مدين فان لم يكن عليه دين عتق بنفس الملك
(2)
.
مذهب الشافعية:
لا يعتق على الحر بالملك الا أصل وان علا وفرع وان سفل أما غير الأصل والفرع من سائر الأقارب، كالأخ، والأخت فلا يعتق.
لأنه لم يرد فيه نص ولا هو فى معنى ما ورد فيه النص ولأنه لا بعضية بينهما فكانوا كالأجانب.
وأما خبر: من ملك ذا رحم محرم فقد عتق عليه، فضعيف. قال النسائى. انه منكر.
والترمذى أنه خطأ
(3)
.
مذهب الحنابلة:
من ملك ذا رحم محرم ولو مخالفا له فى الدين أو حملا عتق عليه. بخلاف ولد عمه ولو كان أخا له من الرضاع فانه لا يعتق عليه بالملك وان كان ذا رحم محرم لأن تحريمه بالرضاع لا بالنسب
(4)
.
(1)
البدائع ح 4 ص 47، 53 وفتح القدير ح 3 ص 371 وشرح الازهار ح 3 ص 566 والروض النضير ح 3 ص 312، 313 وشرح النيل ح 6 ص 328، 329
(2)
حاشية الدسوقى ح 4 ص 376، 378 وبدآية المجتهد ح 2 ص 370.
(3)
أسنى المطالب ح 4 ص 446 والمهذب ح 2 ص 4
(4)
كشاف القناع ح 2 ص 628، 629.
مذهب الظاهرية:
من ملك ذا رحم محرمة «كأخ وأخت» فهو حر ساعة يملكه فإن ملك بعضه لم يعتق عليه سوى الوالدين والأجداد والجدات.
وان ملك محرما بغير رحم لم يلزم عتقه وله بيعه ان شاء. كالأخ والأخت من الرضاع لأن قول الرسول «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» انما يحرم النكاح والتلذذ فقط
(1)
.
مذهب الإمامية:
لا يستقر للرجل ملك الأصول والفروع.
والاناث المحرمات كالأخت نسبا ورضاعا على أصح القولين لأن الرضاع لحمة كلحمة النسب ولا يستقر للمرأة ملك العمودين ويستقر على غيرهما وإن حرم نكاحه كالأخ والأخت.
ويستحب لها اعتاق المحرم. والمراد بعدم الاستقرار أنه يملك ابتداء لوجود سبب الملك آنا قليلا. ثم يعتقون اذ لولا الملك ما حصل العتق. ولا فرق بين الملك القهرى والاختيارى ولابين الكل والبعض فيقوم عليه باقيه ان كان مختارا. وقرابة الشبهة بحكم الصحيح بخلاف قرابة الزنا. والصبى والصبية لا يعتق عليهم ذلك لو ملكوه الى أن يبلغوا
(2)
.
الأخوة فى الكتابة
مذهب الحنفية:
ان اشترى المكاتب أخاه لم يدخل فى كتابته عند أبى حنيفة وقال محمد وأبو يوسف يدخل ويسعى على الاقساط التى على أخيه المكاتب لسيده اذا مات أو عجز عن الاداء
(3)
.
مذهب المالكية:
ان اشترى المكاتب من يعتق عليه كأخ أو أخت فى زمن الكتابة باذن سيده صار كمن عقدت الكتابة عليه فان مات المكاتب ولم يترك وفاء كان على أخيه الذى معه فى الكتابة أن يسعى ويؤدى مال الكتابة للسيد. فان أداه عتق والا صار رقيقا
(4)
.
مذهب الشافعية:
ان اشترى الأخ أخاه فلا يدخل فى كتابته لأنه لا يعتق عليه اذا ما اشتراه وهو حر
(5)
.
مذهب الحنابلة:
للمكاتب شراء ذى رحمه كأخيه وأخته لأنه اشترى مملوكا بما لا ضرر على السيد فى شرائه. أشبه الأجنبى، وله قبولهم اذا وهبوا له أو وصى له بهم. ولو أضروا بماله. وله أن يفديهم اذا جنوا. لأن فى ذلك كله تحصيلا لحريتهم بتقدير عتقه فكان له ذلك لأن العتق مطلوب شرعا واذا ملكهم لم يجز بيعهم. لأنه لا يملكه لو كان حرا فلا يملكه مكاتبا. وكسبهم له. لأنهم عبيده وحكمهم حكم المكاتب. ان عتق بالاداأ أو الابراء عتقوا. لأنه كمل فيهم ملكه وزال تعلق حق سيده بهم، وان عجز صاروا رقيقا لسيده لأنهم
(1)
المحلى ح 9 ص 200، 205.
(2)
الروضة البهية ح 1 ص 294.
(3)
البدائع ح 4 ص 154 والهدآية ح 3 ص 189
(4)
حاشية الدسوقى ح 4 ص 411.
(5)
أسنى المطالب ح 4 ص 497.
من ماله. واذا أعتقه سيده فلا يعتقون. بل هم أرقاء لسيده لأن من عتق على غير مال يكون ما بيده لسيده
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ولد المكاتب من أمته حر. وكذا لو ملك ذا رحم محرمة منه. لأن له أن يكاتب أو يعتق للنصوص الواردة فى ذلك. ولم يخص الله تعالى مكاتبا من غيره
(2)
.
مذهب الزيدية:
لا يعتق ما اشتراه المكاتب ممن يعتق عليه «كأخيه وأخته» الا بعتقه فلو اشترى عبدا يعتق عليه. صح شراؤه، ولم يعتق عليه لأن ملكه غير مستقر حتى يعتق بالوفاأ أو بالتنجيز. ولو عتق بعد الموت. عتق رحمه أيضا. وهو يعتق بعد موته بأحد وجهين.
اما بأن خلف وفاء. أو أوفى عنه. بأن يتبرع الغير بالوفاء عنه. واذا أعتق. عتق رحمه الذى اشتراه واذا اشترى المكاتب أخاه أو أخته كان له قبل العتق كسبه لا بيعه. وله أن يجبره على التكسب
(3)
.
مذهب الإمامية:
ليس للمكاتب شراء من ينعتق عليه كأخته لأنه تبرع. وله قبول هبتها مع عدم الضرر بأن تكون مكتسبة قدر مؤنتها فصاعدا
(4)
.
ميراث الأخ والأخوة الأشقاء
الأخ الشقيق عند غير الإمامية عاصب بنفسه، ومرتبته فى الارث تلى البنوة والأبوة ودليل عصوبته قوله تعالى:«وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ» .
وقد أجمع الفقهاء عدا الإمامية أيضا على أن الأخوة يرثون فى الكلالة وهى الميراث عند عدم الولد والوالد.
وأجمعوا أيضا على أنهم ان كانوا ذكورا واناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى:«وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» .
وأجمعوا على أن الأخوة الأشقاء لا يرثون مع الولد الذكر شيئا ولا مع ولد الولد ولا مع الأب، وانهم عصبة يعطون ما فضل عن البنات
(5)
.
مذهب الإمامية:
لا ميراث عندهم للعصبة على تقدير زيادة الفريضة عن السهام الا مع عدم القريب: أى الأقرب منهم، وذلك لعموم قوله تعالى:
«وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» واجماع أهل البيت فيرد فاضل الفريضة على البنت أو البنات
(6)
.
وقد أجمع الفقهاأ أيضا على أن الأخوة الأشقاء يحجبون الأخوة للأب عن الميراث قياسا على بنى الأبناء اذا كانوا مع الأبناء ولما روى عن على رضى الله عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيان
(1)
كشاف القناع ح 2 ص 657.
(2)
المحلى ح 9 ص 244.
(3)
شرح الازهار ح 3 ص 600.
(4)
الروضة البهية ح 2 ص 210.
(5)
بدآية المجتهد ح 2 ص 344 - 346.
(6)
الروضة البهية ح 2 ص 305 و 306.
بنى الأم يتوارثون دون بنى العلات) أى بنو الأعيان وهم الأخوة الأشقاأ أولى بالميراث من بنى العلات وهم الأخوة لأب، والمقصود من ذكر الأم فى الحديث اظهار ما يترجح به الأشقاء على الأخوة لأب ويترتب على كون الأخ الشقيق عصبة أن يرث المال كله اذا انفرد. والباقى بعد أصحاب الفروض.
ويسقط ميراثه اذا استغرقت الفروض التركة
(1)
الا فى موضع واحد وهى الفريضة التى تعرف بالمشتركة فان الفقهاء اختلفوا فيها وصورتها: امرأة توفات وتركت زوجها وأمها وأخوة لأمها وأخوة أشقاء فقط أو أخوة أشقاء وأخوات شقيقات.
فعند مالك والشافعى. يعطون للزوج النصف. وللأم السدس ويشركون الأخوة الأشقاء فى الثلث الباقى مع الأخوة لأم يقتسمونه بينهم. للذكر كالأنثى ويبقى مركز الأخوة الأشقاء بالنسبة لحجبهم غيرهم كما هو. وحجتهما فى ذلك أن الأخوة الأشقاء يشاركون الأخوة للأم فى السبب الذى به يستوجبون الارث وهى الأم فوجب أن لا ينفردوا به دونهم
(2)
.
وبقية المذاهب على خلافهما. أى لا يشركون الأخوة الأشقاء فى الثلث مع أخوة الأم فالثلث للأخوة للأم. ولا شئ للأخوة الأشقاء.
وحجتهم فى ذلك أن الأخوة الأشقاء عصبة فلا شئ لهم اذا أحاطت فرائض ذوى السهام بالميراث
(3)
.
واختلفوا أيضا فى هل يقوم الجد أبو الأب مقام الأب فى حجب الأخوة الأشقاأ أو لأب أم لا - انظر مصطلح «جد» .
ميراث الأخ والأخوة لأب
وهو فى كل أحكامه كالأخ الشقيق عند فقده. عدا مقاسمة الأخوة لأم غير أن الأخ لأب يحجب فى حالتين زائدتين عما يحجب فيه الأخ الشقيق وهما
أولا: حالة وجود الأخ الشقيق.
ثانيا: حالة وجود الأخت الشقيقة اذا صارت عصبة مع البنت أو بنت الابن.
والمذاهب فى حكم الأخ لأب كالأخ الشقيق فى كل ما ذكر
(4)
.
الأخ لأم فى الميراث
اتفقت المذاهب الثمانية على أن للأخوة والأخوات لأم أحوالا ثلاث:
أولا: السدس للواحد - لقوله تعالى «وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ» .
والمراد منه الأخ لأم اجماعا. كما يدل على ذلك أيضا من ناحية أخرى. أن الأخ الشقيق أو لأب لا يرث بالفرض بل ميراثه هو
(1)
حاشية الدسوقى ح 4 ص 465.
(2)
بداية المجتهد ح 2 ص 345، 346.
والمهذب ح 2 ص 26، 30 وحاشية الدسوقى ح 4 ص 466.
(3)
راجع بداية المجتهد ح 2 ص 345، 346 وكشاف القناع ح 1 ص 561 والروض النضير ح 2 ص 38 وشرح النيل ح 8 ص 310، 316، 317 والمحلى ح 9 ص 267.
(4)
شرح السراجية ص 64.
التعصيب بنص القرآن على حين أن ميراث الأخ المذكور فى الآية هو بالفرض لا بالتعصيب فيكون المراد به الأخ من الأم.
ثانيا: الثلث للاثنين فصاعدا لقوله تعالى «فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» ذكورهم واناثهم فى القسمة والاستحقاق سواء.
أما فى القسمة. فلان الأنثى منهم تأخذ مثل ما يأخذه الذكر. كما دل عليه قوله تعالى «فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» والشركة عند الاطلاق تقتضى التسوية بين الشركاء.
أما فى الاستحقاق. فلان الواحد منهم ذكرا كان أو أنثى. يستحق السدس واذا تعددوا ذكورا واناثا أو مختلطين استحقوا الثلث.
والاستحقاق يعم الواحد والمتعدد بخلاف القسمة.
أما الحالة الثالثة وهى حجبهم عن الميراث ففيها الخلاف الآتى:
يحجبون عن الميراث بالولد مطلقا ذكرا كان أو أنثى. وولد الابن وان سفل وبالأب بالاتفاق. وبالجد وان علا باتفاق المذاهب جميعها ما عدا الإمامية: فعندهم لا يحجب الجد الأخوة والأخوات لأم - انظر مصطلح «جد» .
ودليل الحنفية ومن وافقهم أنهم من قبيل الكلالة كما علم من الآية. وقد اشترط فى ارث الكلالة عدم الولد والوالد اجماعا لقوله تعالى «قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ» .
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
«الكلالة من ليس له ولد ولا والد» لكن ولد الابن داخل فى الولد لقوله تعالى «يا بَنِي آدَمَ» والجد داخل فى الوالد لقوله تعالى «كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ» فلا ارث لأولاد الأم مع هؤلاء
(1)
.
مذهب الإمامية:
الأخ وان كان للأم ومثله الأخت. يحجب ابن الأخ وان كان شقيقا لأنهما جهة واحدة يمنع الأقرب منها الأبعد
(2)
.
أخبار
التعريف اللغوى:
الاخبار هو الاتيان بالخبر، والخبر هو ما أتاك من نبأ عمن تستخبر، والجمع أخبار، وأخابير جمع الجمع والخبر أيضا قول يلزمه الصدق أو الكذب لذاته.
(1)
السراجية ص 32، 33، 80، 81 والمهذب ح 2 ص 27 وحاشية الدسوقى ح 4 ص 466 وكشاف القناع باب الميراث ص 557، 561 والمحلى ح 9 ص 267 والروضة البهية ح 2 ص 315 والبحر الزخار ح 5 ص 345، 346 والروض النضير (تتمة) ص 59، 36، 38 وشرح النيل ح 8 ص 310، 316، 317.
(2)
الروضة البهية ح 2 ص 317 وشرائع الاسلام ص 189.
الفرق بين الاخبار والانشاء
يفرق بين الاخبار والانشاء من أربعة وجوه
الأول: أن الانشاء سبب لمدلوله والخبر ليس سببا لمدلوله فان العقود سبب لمدلولاتها ومتعلقاتها بخلاف الاخبار.
الوجه الثانى: أن الانشاءات يتبعها مدلولها والاخبارات تتبع مدلولاتها، أما تبعية مدلول الانشاءات فان الطلاق والملك مثلا يقعان بعد صدور صيغة الطلاق والبيع وأما أن الخبر تابع لمدلوله فنعنى بالتبعية أنه تابع لتقرر مدلوله فى زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا فقولنا: قام فلان تبع لقيامه فى الزمن الماضى، وقولنا: هو قائم تبع لقيامه فى الحال، وقولنا سيقوم الساعة تبع لتقرر قيامه فى الاستقبال وليس المراد بالتبعية التبعية فى الوجود والا لما صدق ذلك الا فى الماضى فقط فهو تابع لتقرره.
الوجه الثالث: أن الانشاء لا يقبل التصديق والتكذيب فلا يحسن أن يقال لمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا صدق أو كذب الا أن يريد الاخبار عن طلاق وقع على امرأته بخلاف الخبر فانه قابل للتصديق، والتكذيب.
الوجه الرابع: أن الانشاء لا يقع الا منقولا عن أصل الوضع فى صيغ العقود والطلاق والعتاق ونحوها، وقد يقع انشاء فى الوضع الأول كالأوامر والنواهى فانها تنشئ الطلب بالوضع الأول والخبر يكفى فيه الوضع الأول فى فى جميع صوره، فقول الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثا لا يفيد طلاق امرأته بالوضع الأول بل أصل هذه الصيغة أنه أخبر عن طلاقها ثلاثا ولا يلزمه شئ كما يتفق فى بعض أحواله اذا سألته امرأته الطلاق بعد الطلاق ثلاثا فيقول لها أنت طالق ثلاثا اعلاما لها بتقدم الطلاق فهذا هو أصل الصيغة وانما صارت تفيد الطلاق بسبب النقل العرفى عن الاخبار الى الانشاء وكذلك جميع الصيغ
(1)
.
آراء العلماء فى صيغ العقود
من حيث كونها اخبارا أو انشاء
قد اختلف الفقهاء فى صيغ العقود هل هى انشاءات أم اخبارات.
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية الى أنها اخبارات على أصلها اللغوى، وذهب غيرهم الى أنها انشاءات منقولة عن الخبر مستدلين على ذلك بأمور، قال القرافى: الانشاء ينقسم الى ما اتفق الناس عليه أى على أنه انشاء، والى ما اختلفوا فيه. أما المختلف فيه هل هو انشاء أو خبر فهى صيغ العقود نحو بعت واشتريت وأنت حر وامرأتى طالق ونحو ذلك، قالت الحنفية:
انها اخبارات على أصلها اللغوى، وقال غيرهم: انها انشاءات منقولة عن الخبر اليه محتجين بأمور منها. أنها لو كانت اخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق، والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست اخبارا بل انشاء لحصول لوازم الانشاء فيها من استتباعها لمدلولاتها وغير ذلك من اللوازم، ومنها أنها لو كانت اخبارا لكانت اما كاذبة ولا عبرة بها أو صادقة فتكون متوقفة على تقدم أحكامها فحينئذ اما أن تتوقف عليها أيضا
(1)
المرجع السابق ح 1 ص 23 الطبعة السابقة.
فيلزم الدور، وحل هذا هو: أن تتوقف عليها أحكامها أيضا فيلزم أن تتوقف على ما توقف هو عليها فيلزم الدور وهو من المحال، أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده وهو ساكت وهذا خلاف الاجماع، ومنها أنها لو كانت اخبارا فاما أن تكون خبرا عن الماضى أو الحاضر وحينئذ يتعذر تعليقها على الشرط لأن من شرط الشرط ألا يتعلق بمستقبل أو خبر عن المستقبل وحينئذ لا يزيد على التصريح بذلك وهو لو صرح وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق بهذا اللفظ، وكذلك ما فى معناه، ومنها أنه لو قال للمطلقة الرجعية: أنت طالق لزمه طلقة أخرى مع أن اخباره صادق باعتبار الطلقة المتقدمة فلا حاجة الى طلقة أخرى، لكن لما لزمه طلقة أخرى دل ذلك على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق، ومنها أن الانشاء هو المتبادر فى العرف الى الفهم فوجب أن يكون منقولا اليه كسائر المنقولات، وقد أجاب الحنفية على هذه الاستدلالات بقولهم:
أما الأول فيلزمه الكذب أن لو لم يقدر فيها صاحب الشرع تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم بها لكن الاضمار أولى من النقل لما تقرر فى علم الأصول ولأن جواز الاضمار فى الكلام مجمع عليه، والنقل مختلف فيه فالمجمع عليه أولى ومتى كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل للانشاء وبقيت اخبارات على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل فى عدم النقل.
وعن الثانى: أن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شئ وبعده يقدر تقدم المدلول وبعد تقدير تقدم المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق متوقف مطلقا واللفظ متوقف عليه مطلقا، والتقدير متوقف على النطق، ويتوقف عليه الصدق فهاهنا ثلاثة أمور مترتبة بعضها على بعض وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده حتى يلزم الدور بل هى كالابن والأب والجد فى الترتيب والتوقف فامتنع الدور.
وعن الثالث أجاب الحنفية بقولهم: انا نلتزم أنها اخبارات عن الماضى ولا يتعذر التعليق وبيانه: أن الماضى له تفسيران.
أحدهما: ماض تقدم مدلوله قبل النطق به من غير تقدير فهذا يتعذر تعليقه لأن معنى التعليق توقيف أمر فى دخوله فى الوجود على دخول أمر آخر فى الوجود وهو الشرط وما دخل فى الوجود وتحقق لا يمكن توقيف دخوله فى الوجود على غيره فلأجل ذلك تعذر تعليق الماضى المحقق.
وثانيهما: ماض بالتقدير لا بالتحقيق فهذا يصح تعليقه وتقديره: أنه اذا قال لامرأته: أنت طالق ان دخلت الدار فقد أخبر عن ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه بالزمن الفرد لضرورة تصديقه واذا قدر الارتباط قبل النطق صار الاخبار عن الارتباط ماضيا لأن حقيقة الماضى هو الذى مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون ماضيا مع التعليق ففد اجتمع المضى والتعليق بهذا التفسير ولم يناف المضى التعليق.
أما الرابع فقالوا ردا عليه: ان المطلقة
الرجعية اذا قال لها أنت طالق ان أراد الاخبار عن الطلقة الماضية لم تلزمه طلقة ثانية، وان قصد الاخبار عن طلقة ثانية فهو اخبار كاذب لعدم تقدم وقوع ثانية فيحتاج للتقدير لضرورة التصديق فتلزمه الثانية بالتقدير كالأولى فالقول أن المطلقة الرجعية تستغنى عن التقدير غير مسلم بل هى وغيرها سواء، وانما يلزم الفرق بينها وبين غيرها اذا كان قوله: أنت طالق اخبارا عن الطلقة الأولى، وليس كذلك، ولم يجب الحنفية على الأخير وعلق صاحب الفروق بعد ذلك بقوله: هذه أجوبة حسنة للحنفية.
أما الوجه السادس فلا يتأتى الجواب عنه الا بالمكابرة، فان المبادرة للانشاء والعدول عن الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد فى أنفسنا أن القائل لامرأته: أنت طالق أنه يحسن تصديقه وتكذيبه لما ذكر من التقدير والبحث فى هذا المقام يعتمد التناصف فى الوجدان، أما الأجوبة المتقدمة عن بقية الوجوه فستجهة صحيحة، والأخيرة هو العمدة المحققة
(1)
.
هكذا نقل القرافى عن الحنفية، وقول صاحب الهداية: البيع: انشاء تصرف، والانشاء يعرف بالشرع، والموضوع للاخبار قد استعمل فيه فينعقد البيع به، وعلق عليه الكمال بن الهمام فى فتح القدير بما نصه:
والحاصل أن الانشاء على هذا الوجه لا يمكن الا ممن له الخلق والأمر تبارك وتعالى سواء سمى غيره انشاء اصطلاحا أولا واذا كان الانشاء لا يعرف الا بالشرع ولم يوضع له فى اللغة لفظ يخصه، والشرع قد استعمل فى اثباته من اللغة لفظ الخبر أى وضعه علة باثباته تعالى ذلك المعنى عنده فينعقد به أى يثبت به وهذه العبارة تدل على أن الخبر قد استعمل فى الانشاء
(2)
.
الفرق بين الانشاء والاخبار
فى الطلاق وغيره من العقود
اذا قال لامرأته: أنت طالق فانه لا يفيد الطلاق بالمعنى اللغوى لأن هذا اللفظ انما وضع لغة للخبر عن كونها طالقا وهو لو أخبر عن كونها طالقا لم يلزمه طلاق قصد الصدق أو الكذب، ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسئل عنها هل هى مطلقة أو باقية فى العصمة فقال: هى طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه بهذا طلقة ثانية وان كانت رجعية فى العدة، وانما يلزم الطلاق بقوله:
أنت طالق بالانشاء الذى هو الوضع العرفى لا اللغوى وقد فرق الفقهاء بين قوله: أنت طالق وبين قوله: أنت منطلقة وألزموا بالأول الطلاق من غير نية ولم يلزموا بالثانى الا بالنية ولم يكتفوا بالوضع اللغوى وما ذلك الا لأن لفظ طالق نقل للانشاء ولم ينقل لفظ منطلقة له، فيعلم أن لفظ الطلاق انما يزيل العصمة بغير الوضع اللغوى بل بالوضع العرفى وهذا يفيد أن زوال العصمة بالعرف والعوائد وأنها مدرك افادته كذلك لتنقلنا معها كيف تنقلت لأنها المدرك
(3)
.
والانشاء فى الطلاق والاقرار والعتق والعقود، منقول عن الاخبار بالعرف على
(1)
الفروق للقرافى ح 1 ص 29، 30، 31 الطبعة السابقة.
(2)
فتح القدير للكمال بن الهمام مع شرح العناية على الهداية ح 5 ص 75 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1315 هـ.
(3)
الفروق للقرافى ح 1 ص 37، 38 الطبعة السابقة.
ما يذهب اليه غير الأحناف، والقاعدة المعتمدة فى العقود كلها انما هى النية والقصد مع اللفظ المشعر بذلك أو ما يقوم مقامه من اشارة وشبهها ثم اللفظ اما ألا يشعر بالمقصود لغة ولا عرفا فلا بد من التنويه فى الفتوى والقضاء معا، واما أن يشعر بالمقصود لغة أو عرفا، والعرف لغوى وشرعى ووقتى حادث فيحمل فى القضاء دون تنويه على ما يشعر به من عرفى وقتى فشرعى فعرفى لغوى فلغوى أصلى، وبالفتوى على التنويه فالعرفى الوقتى فالشرعى فالعرفى اللغوى فاللغوى الأصلى، فان اجتمع فى اللفظ الأصلى والعرفى والشرعى والوقتى فالمعتبر الوقتى فى القضاء والفتوى، فاذا تقرر ذلك فالألفاظ التى ذكر الفقهاء أن المراد بها مطلق الطلاق أو مقيدة لا تخلو من أن تكون ارادة ذلك بها باللغة أو بعرف اللغة أو بعرف الشرع أو بعرف حادث فان كانت لغوية وضعا أو عرفا أو شريعة فالذى يقتضيه النظر أنها محمولة على مقتضاها فى كل زمان وبكل مكان ومستند ذلك أن كل لفظ ورد علينا من جهة الشارع فانا نحمله على عرفه أو على اللغة أو عرفها وان كانت عرفية بعرف حادث فهذه هى التى ينتقل الحكم بها بانتقال العرف وينعقد الطلاق والبيع وغيرها بسبب النقل العرفى من الخبر الى الانشاء، فأى شئ نقلته العادة لمعنى صريح صار صريحا فى العادة كذلك المعنى بالوضع العرفى
(1)
.
الفرق بين الاخبار والشهادة:
الشهادة خبر خاص قصد به ترتيب فصل القضاء عليه واشترط فى الشهادة العدد والذكورية والحرية ولا يشترط ذلك فى الاخبار مع اشتراط العدالة فيهما وهى تتضمن الاسلام والعقل والبلوغ: والمخبر ان كان يخبر عن أمر عام لا يختص بمعين فهو الرواية المحضة. وهى أحد أقسام الخبر. كقوله عليه الصلاة والسلام: انما الأعمال بالنيات، والشفعة فيما لا يقسم. فذلك لا يختص بشخص معين بل ذلك على جميع الخلق فى جميع الأمصار والأعصار، بخلاف قول العدل عند الحاكم لهذا عند هذا دينار فانه الزام لمعين لا يتعداه الى غيره فهذا هو الشهادة المحضة.
أقسام الخبر
الخبر ثلاثة أقسام رواية محضة، وشهادة محضة، والمشترك بين الاخبار والشهادة وله صور: أحدها الاخبار عن رؤية هلال رمضان من جهة أن الصوم لا يختص بشخص معين بل عام على جميع المصر أو أهل الآفاق على الخلاف فى أنه هل يشترط فى كل قوم رؤيتهم أولا، فهو من هذا الوجه رواية لعدم الاختصاص بمعين. وعموم الحكم ومن جهة أنه حكم يختص بهذا العام دون ما قبله وما بعده وبهذا القرن من الناس دون القرون الماضية والآتية صار فيه خصوص وعدم عموم فأشبه الشهادة وحصل الشبهان فجرى الخلاف
(2)
فيمن رأى الهلال وأخبر برؤيته، هل يعتبر قوله برؤية الهلال من الاخبار عن الديانات أم هو من باب الشهادة فقد قال الفقهاء بكل، فمن قال انه اخبار لم يشترط عددا لأن العدد لا يشترط فى الاخبار عن
(1)
هامش الفروق ح 1 ص 39 الطبعة السابقة.
(2)
الفروق ح 1 ص 5، 8 الطبعة السابقة.
الديانات وانما تشترط العدالة فقط ومن ذهب الى أنه من باب الشهادة ألزموا بالعدد لأن العدد شرط فى الشهادات، واختلفوا فى عدد من يلزم بشهادتهم ثبوت الرؤية على تفصيل فى المذاهب
(1)
انظر صوم - رؤية
وهنا يمكن ترجيح أحد الشبهين على الآخر. واتجه الفقه فى المذهبين: القائل بأنها اخبار والقائل بأنها شهادة فان عضد أحد الشبهين حديث أو قياس تعين المصير اليه
(2)
ومن الصور التى يشترك فيها الخبر بين الشهادة والرواية القائف فى اثبات الأنساب بالخلق هل يشترط فيه العدد أم لا، قولان لحصول الشبهين ومنها المترجم للفتاوى والخطوط قال مالك يكفى الواحد وقيل لا بد من اثنين ومنشأ الخلاف حصول الشبهين ومنها المقوم للسلع وأروش الجنايات والسرقات والغصوب وغيرها قال مالك يكفى الواحد فى التقويم الا أن يتعلق بالقيم حد كالسرقة فلا بد من اثنين وروى لا بد فى التقويم من اثنين فى كل موضع وذلك لأنه نوع من الشهادة على الصحيح لترتب فصل القضاء بالزام ذلك القدر المعين من العوض ومنها القاسم وفيه أقوال بكفاية الواحد واشتراط العدد للخلاف السابق ومنها اخبار العدل للمصلى بعدد ما صلى وهل يكتفى فيه بالواحد أم لا بد من الاثنين؟ خلاف ومنها المخبر عن نجاسة الماء قيل يكتفى فيه بقبول الواحد، وقيل انه مخبر عن وقوع سبب جزئى فى شخص جزئى وهذا شبه شديد بالشهادة ومنها المخبر عن قدم العيب أو حدوثه فى السلع عند التحاكم فى الرد بالعيب
(3)
.
فروع الاخبار
يقلد المؤذن الواحد فى الاخبار عن الوقت وكذلك الملاح ومن صناعته فى الصحراء يخبر كل منهما عن القبلة وخبر المخبر فى الهدية والاستئذان وخبر المخبر فى اهداء الزوجة لزوجها ليلة العرس
(4)
.
أخبار النساء فيما لا يعلم الا من جهتين
اتجه العلماء الى أن اخبار المرأة فيما لا يستطيع الرجال النظر اليه هو من باب الشهادة.
مذهب الحنفية:
شرط شهادة المرأة أن تكون فيما لا يستطيع الرجل النظر اليه، للحديث، شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر اليه وذلك كالولادة. واستهلال الصبى للصلاة عليه والبكارة وعيوب النساء
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 2 ص 80 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ طبعة مطبعة الجمالية بمصر، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ح 1 ص 316 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1313 هـ وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 1 ص 520 طبع دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر ونهاية المحتاج الى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ح 3 ص 153 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى واولاده بمصر سنة 1357 هـ والمحرر للامام مجد الدين أبى البركات ح 1 ص 288 طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ والمغنى مع الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ح 3 ص 827 الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ والمحلى لابن حزم الظاهرى ح 6 ص 235 مسألة رقم 757 طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر طبعة أولى سنة 1349 هـ وكتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار ح 2 ص 244 الطبعة الاولى سنة 1366 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر ومستمسك العروة الوثقى ح 8 ص 409 الطبعة الثانية طبع مطبعة النجف سنة 1376 هـ وشرح كتاب النيل وشفاء العليل ح 2 ص 182 طبع محمد بن يوسف البارونى وشركاه.
(2)
الفروق للقرافى ح 1 ص 8 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ح 1 ص 14 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ح 1 ص 14 وتهذيب الفروق بهامش الفروق ح 1 ص 21 الطبعة السابقة.
فيما لا يطلع عليه رجل وفى ثبوت الارث بالاستهلال عند أبى يوسف ومحمد خلافا لأبى حنيفة
(1)
وتعيين المولود يثبت بشهادة القابلة، ولا يقبل على الولادة شهادة امرأة واحدة اذا لم يكن الحبل ظاهرا أو لم يكن الزوج قد أقر به فى قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد تقبل شهادة المرأة الواحدة اذا كانت حرة مسلمة ويثبت النسب
(2)
.
(انظر شهادة).
مذهب الشافعية:
يقبل فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والرضاع والعيوب التى تحت الثياب شهادة النساء منفردات - عن الرجال - لأن الرجال لا يطلعون عليها فى العادة فلو لم تقبل فيها شهادة النساء منفردات بطلت عند التجاحد ولا يثبت شئ من ذلك الا بعدد لأنها شهادة فاعتبر فيها العدد ولا يقبل أقل من أربع نسوة لأن أقل الشهادات رجلان وشهادة امرأتين بشهادة رجل، ولا تقبل شهادة المرأة على ولادتها وتقبل شهادة النساء منفردات على استهلال الولد
(3)
.
مذهب الحنابلة:
لا نعلم بين أهل العلم خلافا فى قبول شهادة النساء المنفردات فى الجملة، قال القاضى، والذى تقبل فيه شهادتهن منفردات خمسة أشياء الولادة، والاستهلال. والرضاع والعيوب التى تحت الثياب. كالرتق والقرن والبكارة والثيوبة. والبرص وانقضاء العدة وروى عن على رحمه الله تعالى أنه أجاز شهادة القابلة وحدها فى الاستهلال
(4)
.
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى: فقد ذهب الى أنه لا خصوصية للنساء فى الشهادة فقال أما من احتج بتخصيص ما لا يجوز أن ينظر اليه الرجال فباطل، وما يحل للمرأة من النظر الى عورة المرأة الا كالذى يحل للرجل من ذلك ولا يجوز ذلك الا عند الشهادة الا للضرورة كنظرهم الى عورة الزانيين والرجال والنساء فى ذلك سواء (انظر شهادة)
(5)
.
الاخبار بالرضاع
وأما الاخبار بالرضاع فان فقهاء المذاهب تكلموا فيه بلفظ الشهادة فى أكثر عباراتهم واكتفوا فى بعض المذاهب باخبار المرأة الواحدة على تفصيل بينهم فى ذلك - انظر فى ذلك مصطلح شهادة ومصطلح رضاع.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية ويثبت الرضاع بما يثبت به المال وهو شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين عدول فلا يثبت بخبر الواحد رجلا أو امرأة وهو باطلاقه يتناول الاخبار قبل العقد وبعده وبه صرح فى الكافى والنهاية وذكر فى فتح القدير معزيا الى المحيط، لو شهدت امرأة واحدة قبل العقد قيل يعتبر فى رواية ولا يعتبر فى رواية أخرى، وفى الخانية اذا أراد الرجل أن يخطب امرأة فشهدت امرأة قبل النكاح أنها أرضعتهما كان
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ح 7 ص 67 الطبعة الاولى طبع المطبعة العلمية.
(2)
المرجع السابق ح 4 ص 175 الطبعة السابقة.
(3)
المهذب لابى اسحاق الشيرازى ح 2 ص 334 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(4)
المغنى لابن قدامة ح 2 ص 15، ص 16، ص 17 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لابن حزم ح 9 ص 403 مسألة رقم 1786 الطبعة السابقة سنة 1351 هـ.
فى سعة من تكذيبها وذكر فى باب المحرمات أنه اذا أخبر بالرضاع عدل ثقة يؤخذ بقوله ولا يجوز النكاح بينهما، وان كان الخبر بعد النكاح فالأحوط أن يفارقها، والحاصل أن الرواية قد اختلفت فى اخبار الواحدة قبل النكاح وظاهر المتون أنه لا يعمل به وكذا الاخبار برضاع طارئ فليكن هو المعتمد فى المذهب
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: يثبت الرضاع برجل وامرأة معه - ان فشا منهما - لا ان لم يحصل فشو قبل ذلك وبامرأتين ان فشا ذلك منهما وأولى من غيرهما قبل العقد لا ان لم يفش أو فشا بعده فلا يثبت بما ذكر ولا تشترط مع الفشو عدالة على الأرجح، ومقابله أنها تشترط معه، ويشمل الكلام الأب مع الأم فى البالغين والأم مع امرأة أخرى والأمين فى البالغين، وثبت بعدلين أو عدل وامرأتين مطلقا قبل العقد وبعده، فشا أم لم يفش ولا يثبت بامرأة فقط ولو فشا منها أو من غيرها ولا برجل واحد اذا كانا غير الأم والأب، أما اقرار أحدهما: الأم أو الأب مع الفشو قبله فيعتبر، ويجب التنزه ولا يصح العقد بعد اقرار واحد منهما
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية
(3)
: وتقبل فى الرضاع شهادة المرضعة، ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال كالرضاع، النساء منفردات ولا يقبل فى الشهادة الا أربع نسوة فلا تثبت الا بعدد وأقل الشهادات رجلان، وشهادة امرأتين برجل.
مذهب الحنابلة:
تقبل شهادة النساء منفردات فى الرضاع لما روى عقبة بن الحارث. قال: تزوجت أم يحيى بنت أبى اهاب فأتت أمة سوداء قالت قد أرضعتكما فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك فأعرض عنى ثم أتيته فقلت يا رسول الله انها كاذبة فقال كيف وقد زعمت ذلك. متفق عليه، ولأنها شهادة على عورة للنساء فيها مدخل فقبل فيها شهادة النساء.
وروى أبو الخطاب عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يجزئ فى الرضاع شهادة امرأة واحدة
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: ويقبل فى الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل
(5)
.
مذهب الزيدية:
تقبل شهادة النساء بالرضاع ولا تكفى فيه الواحدة فلا تصح الا من رجلين أو رجل وامرأتين غير المرضعة لأن شهادتها لا تقبل، وعن ابن جعفر أن المرضعة المستأجرة تقبل شهادتها اذ هى على فعله وفعلها
(6)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية بعد أن ذكروا شرائط التحريم بالرضاع: ولا تقبل الشهادة به الا
(1)
البحر الرائق ح 3 ص 249، ص 250
(2)
الدردير وبلغة السالك ح 1 ص 480.
(3)
المهذب ح 2 ص 334 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى ح 2 ص 15، ص 16، ص 17.
(5)
المحلى ح 9 ص 396.
(6)
البحر الزخار ح 5 ص 21 والتاج المذهب ح 2 ص 304.
مفصلة فلا تكفى الشهادة بحصول الرضاع المحرم مطلقا للاختلاف فى شرائطه كيفية وكمية فجاز أن يكون مذهب الشاهد مخالفا لمذهب الحاكم فيشهد بتحريم مالا يحرمه ولو علم موافقة رأى الشاهد لرأى الحاكم فى جميع الشرائط فالمتجه الاكتفاء بالاطلاق الا أن الأصحاب أطلقوا القول بعدم صحتها الا مفصلة فيشهد الشاهدان بأن فلانا ارتضع من فلانة «مفصلا حصول جميع الشرائط» ولا يكفى حكاية القرائن وان كانت هى السبب فى علمه لأن حكاية ذلك لا تعد شهادة وان كان علمه مرتبا عليها بل لا بد من التلفظ بما تقتضيه عند الحاكم
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: ان قالت أرضعت فلانا أو فلانة حرم تناكحهما، ولو قالت بعد كذبت، وفرق بينهما ان سبق، لا ان قالته بعد نكاح ظاهر وحضرته، وتصدق ان ادعت نسيانا وكانت متولاة، ويقبل قولها فى ممكن أن ترضعه، وان قال أمينا عن فلانة أرضعت فلانا وفلانة وقالت لم أرضعهما فقول الأمناء أحق ومن خطب امرأة فزعمت زوجته أنها أرضعتها ثم كلما أراد نكاح امرأة قالت أرضعتها دفع قولها ان استريبت
(2)
.
اخبار المرأة بانقضاء عدتها
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: يعرف انقضاء العدة بالقول والعقل، أما القول فهو اخبار المعتدة بانقضاء العدة فى مدة يحتمل الانقضاء فى مثلها فاذا كانت من ذوات الأشهر فلا تصدق فى أقل من ثلاثة أشهر فى عدة الطلاق ان كانت حرة ومن شهر ونصف ان كانت أمة فلا تصدق فى أقل من شهر ونصف شهر وفى عدة الوفاة لا تصدق الحرة فى أقل من أربعة أشهر وعشر ومن شهرين وخمسة أيام بالنسبة للأمة ولا خلاف فى هذه الجملة وان كانت من ذوات الاقراء فان كانت معتدة من وفاة فلا تصدق كذلك فى أقل مما ذكر فى الحرة والأمة وان كانت معتدة من طلاق، فان أخبرت بانقضاء عدتها فى مدة تنقضى فى مثلها العدة يقبل قولها، وان أخبرت فى مدة لا تنقضى فى مثلها العدة لا يقبل قولها الا اذا فسرت ذلك بأن قالت: أسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعضه فيقبل قولها وانما كان كذلك لأنها أمينة فى اخبارها عن انقضاء عدتها فان الله تعالى ائتمنها فى ذلك بقوله عز وجل {(وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ)} قيل فى التفسير انه الحيض والحبل فاذا أخبرت بالانقضاء فى مدة تنقضى فى مثلها يقبل قولها، ولا يقبل اذا كانت المدة مما لا تنقضى فى مثلها العدة ولا يقبل قولها الا بالتفسير على ما سبق واختلف فى أقل ما تصدق فيه المعتدة بالاقراء «انظر عدة» .
أما اذا كانت نفساء بأن ولدت امرأته وطلقها عقيب الولادة ثم قالت: انقضت عدتى فقال أبو حنيفة فى رواية محمد عنه: لا تصدق الحرة فى أقل من خمسة وثمانين يوما وأما على رواية الحسن عنه فلا تصدق فى أقل من مائة يوم، وقال أبو يوسف: لا تصدق فى
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 85.
(2)
متن كتاب النيل ح 1 ص 317، ص 318.
أقل من خمسة وستين يوما وقال محمد:
لا تصدق فى أقل من أربعة وخمسين وساعة، وفى الأمة تفصيل كذلك يرجع اليه فى عدة ونفاس
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ويرجع فى قدر الحيضة فى العدة والاستبراء: هل أقله يوم أو بعض يوم للنساء والعارفات وتكفى فى ذلك واحدة بشرط سلامتها من جرحة الكذب لأن طريقها الاخبار لا الشهادة
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ان اختلف الزوجان فى انقضاء العدة فادعت المرأة انقضاءها لزمان يمكن فيه انقضاء العدة وأنكر الزوج فالقول قولها وان اختلفا فى وضع ما تنقضى به العدة فادعت المرأة انقضاء عدتها بالشهور وأنكر الزوج فالقول قولها لقوله عز وجل «وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ» فخرج النساء على كتمان ما فى الأرحام كما خرج الشهود على كتمان الشهادة. فقال:
«وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» ثم يجب قبول شهادة قول الشهود فوجب قبول قول النساء ولأن ذلك لا يعلم الا من جهتها فوجب قبول قولها فيه، وان ادعت المرأة انقضاء عدتها بالشهور وأنكر الزوج فالقول قوله لأن ذلك فى اختلاف وقت الطلاق فكان القول فيه قوله
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة: اخبار المطلقة بانقضاء عدتها فى زمن يمكن انقضاؤها فيه يقبل منها لأنه أمر لا يعرف الا من جهتها
(4)
.
مذهب الظاهرية:
وقال ابن حزم الظاهرى لا تصدق المرأة فى ذلك اشارة الى انقضاء عدة المطلقة بالاقراء اذا أنكر الزوج قولها الا بأربعة عدول من النساء يشهدن أنها حاضت حيضا أسود ثم طهرت منه هكذا ثلاثة أقراء أو بشهادة امرأتين كذلك مع يمينها ولا تصدق اذا أنكر الزوج لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالبينة على من ادعى وهى مدعية بطلان حق ثابت لزوجها فى رجعتها أحبت أم كرهت فلا تصدق الا ببينة عدل
(5)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: يقبل قول المرأة فى انقضاء عدتها فى المدة المعتادة لانقضاء العدة ان سبقت بدعوى انقضائها وان سبق الزوج فالقول له فان التبس فالقول قولها لأنها مخبرة عن أمر ماض وان اختلفا فى مضى العدة وعدم المضى فالقول لمنكر مضيها سواء كانت العدة بالشهور أم بالولادة أم بالاقراء فى مدة غير معتادة وغير ممكنة غالبا مع تفصيل موضعه (عدة)
(6)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: يقبل قول المرأة فى انقضاء العدة فى الزمان المحتمل لانقضائها فيه وظاهر الروايات أنه لا يقبل قول المرأة فى غير المعتاد
(1)
البدائع ح 3 ص 198، ص 199.
(2)
بلغة السالك والدردير ح 2 ص 464.
(3)
المهذب ح 2 ص 152.
(4)
الروض المربع ح 2 ص 308 المطبعة السلفية الطبعة السادسة.
(5)
المحلى ح 10 ص 272.
(6)
التاج المذهب ح 2 ص 240، ص 241.
الا بشهادة أربع من النساء المطلعات على باطن أمرها
(1)
.
مذهب الإباضية:
أما الإباضية فاختلفوا فيما لا يباشره الرجل فقيل بشهادة أمينة لأن النساء ليس لهن عدد يغنى عن الرجال فى سائر الشهادة ففيما لا يباشره الرجل تكفى الواحدة وقيل أمينتين وقيل أربع
(2)
.
أخت
معنى كلمة (أخت)
الأخت: مؤنث الأخ.
والأخت المثيلة. يقال: «رماه الله بليلة لا أخت لها» .
والجمع: أخوات.
وأخت يوشع كنى بها عن الشمس
(3)
.
وبقية معانيها تؤخذ من معنى كلمة أخ - انظر أخ.
الجمع بين الأختين نكاحا
مذهب الحنفية:
لا خلاف فى أن الجمع بين الاختين فى النكاح حرام - لقوله تعالى «وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ» معطوفا على قوله عز وجل «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ» . ولأن الجمع بينهما يفضى الى قطيعة الرحم لأن العداوة بين الضرتين ظاهرة وأنها تفضى الى قطيعة الرحم وقطيعة الرحم حرام. فكذا المفضى.
حتى وان رضيت بذلك. فان الطبع يتغير.
وهذا الحكم متفق عليه من جميع المذاهب الاسلامية.
واتفقوا أيضا على أن الأختين من الرضاعة لا يجوز لرجل أن يجمع بينهما نكاحا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» .
كما اتفقوا على أنه لو تزوج الأختين معا بعقد واحد فسد نكاحهما لأن نكاحهما حصل جمعا بينهما فى النكاح. وليست احداهما بفساد النكاح بأولى من الأخرى فيفرق بينه وبينهما ثم ان كان قبل الدخول فلا مهر لهما ولا عدة عليهما، لأن النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول وان كان قد دخل بهما فلكل واحدة منهما العقر وعليهما العدة.
وان تزوج احداهما بعد الأخرى جاز نكاح الأولى وفسد نكاح الثانية. ولا يفسد نكاح الأولى لفساد نكاح الثانية. لأن الجمع حصل بنكاح الثانية فاقتصر الفساد عليه ويفرق بينه وبين الثانية.
وان تزوج احداهما بعد الأخرى جاز نكاح أولى. لا يجوز له التحرى بل يفرق بينه وبينهما لأن نكاح احداهما فاسد بيقين وهى مجهولة. ولا يتصور حصول مقاصد النكاح من المجهولة ثم ان ادعت كل واحدة منهما أنها هى الأولى ولا بينة لها يقضى بنصف المهر لأن النكاح الصحيح أحدهما وقد حصلت الفرقة قبل الدخول لا بصنع المرأة. فكان
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 155، ص 156.
(2)
شرح النيل ح 6 ص 590.
(3)
المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية الطبعة الاولى سنة 1380 هـ، سنة 1960 م مطبعة مصر ح 1 ص 9 ع 2 - 3.
الواجب نصف المهر ويكون بينهما لعدم الترجيح اذ ليست احداهما بأولى من الأخرى.
وروى عن أبى يوسف: أنه لا يلزم الزوج شئ لجهالة المقضى لها.
وروى عن محمد: أنه يجب عليه المهر كاملا بينهما نصفان. لأن الزوج أقر بجواز نكاح احداهما فيجب مهر كامل.
وان قالتا: لا ندرى أيتنا الأولى. لا يقضى لهما بشئ
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قبل الدخول عليه لاحداهما نصف المهر.
يقترعان عليه. فتأخذه من خرجت لها القرعة لأن نكاح احداهما صحيح. وقد فارقها قبل الدخول.
وله أن يعقد على احداهما فى الحال بعد فراق الأخرى قبل الدخول لأنه لا عدة فان كان دخل باحداهما دون الأخرى ثم طلقها أو فسخ الحاكم. أقرع بينهما فان وقعت القرعة لغير المدخول بها. فلها نصف المهر.
وللمدخول بها مهر المثل بما استحل منها وان وقعت القرعة بالمدخول بها. فلا شئ للاخرى غير المدخول بها. وللمدخول بها المسمى جميعه لتقريره بالدخول. وان كان دخل بهما وأصابهما. فلاحداهما المسمى.
وللأخرى مهر المثل يقرع بينهما لتتميز من تأخذ المسمى ممن تأخذ مهر المثل ان تفاوتا
(2)
.
وكما لا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة فى نكاح أختها. لا يجوز له أن يتزوجها فى عدة أختها.
سواء كانت العدة من طلاق رجعى. أو بائن بينونة صغرى أو كبرى. أو بالمحرمية الطارئة بعد الدخول أو بالدخول فى نكاح فاسد أو بالوط ء فى شبهة.
وهذا هو مذهب الحنفية. والحنابلة.
والإباضية.
ودليلهم. أن نكاح الأولى قائم لبقاء بعض أحكامه كالنفقة والمنع عن الخروج والفراش والطلاق تأخر عمله. فلو جاز النكاح لكان جمعا بين الأختين فى هذه الأحكام فيدخل تحت النص.
ولأن الجمع قبل الطلاق انما حرم لكونه مفضيا الى قطيعة الرحم. لأنه يورث الضغينة وأنها تفضى الى القطيعة. والضغينة هنا أشد. لأن معظم النعمة وهو ملك الحل الذى هو سبب اقتضاء الشهوة قد زال فى حق المعتدة. وبنكاح الثانية يصير جميع ذلك لها.
وتقوم مقامها وتبقى هى محرومة الحظ.
للحال. من الأزواج. فكانت الضغينة أشد فكانت أدعى الى القطيعة. بخلاف ما بعد انقضاء العدة. لان هناك لم يبق شئ من علائق الزوج الاول فكان لها سبيل الوصول الى زوج آخر. فتستوفى حظها من الثانى فتسلى به فلا تلحقها الضغينة
(3)
.
وعند باقى المذاهب. وهم الشافعية.
والمالكية. والظاهرية. والإمامية.
والزيدية:
(1)
البدائع ح 2 ص 262، 263.
(2)
كشاف القناع ح 3 ص 43، 44.
(3)
البدائع ح 2 ص 263، ص 264، وكشاف القناع ح 3 ص 43 وشرح النيل ح 3 ص 18.
يجوز له أن يتزوج الأخت فى عدة أختها الا فى عدة من طلاق رجعى.
لأن المحرم هو الجمع بين الأختين فى النكاح. والنكاح قد زال من كل وجه لوجود المزيل له وهو الطلاق الثلاث أو البائن. فلم يتحقق الجمع فى النكاح. فلا تثبت الحرمة لانقطاع العصبة وصيرورتها كالأجنبية.
لكن على كراهة شديدة عند الإمامية.
لتحرمها بحرمة الزوجية
(1)
. واتفقوا جميعا على أنه لو ولدت منه احدى الأختين أو كلتاهما فالنسب لا حق به. لأنه اما من نكاح أو شبهة نكاح
(2)
.
الا أن الإباضية قالوا: ان علمت حرمت ولا نسب ولا ارث وان لم تعلم ثبت النسب وان رتبهما عمدا ثبت نسب الأولى ولا توارث
(3)
.
وعند الإمامية:
لا يحل للرجل أن يتزوج بأخت امرأته متعة.
لعموم الآية. ولصحيحة أحمد بن أبى نصر عن أبى الحسن الرضا قال: «سألته عن الرجل تكون عنده المرأة أيحل له أن يتزوج أختها متعة. قال. لا. قلت. حكى زرارة عن أبى جعفر فى المتعة انما هى مثل الاماء.
يتزوج من شاء قال. لا»
(4)
.
الجمع بين الأختين ملكا
عند الحنفية: وبقية المذاهب:
اتفقت المذاهب الاسلامية على أنه يجوز الجمع بين الأختين نسبا أو رضاعا فى ملك اليمين فقط دون الوط ء. لأن الملك قد يقصد به غير الوط ء وهو الخدمة وغيرها.
أما الجمع بينهما فى الوط ء بملك اليمين فاتفقوا على حرمته وعدم جوازه.
واستدلوا بالكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: «وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ» والجمع بينهما فى الوط ء جمع بل أولى من العقد لأنه أقوى. ولأن التقاطع فيه أكثر فيكون حراما.
وأما السنة: فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه فى رحم أختين» .
ولم يخالف فى هذا الحكم من الصحابة سوى عثمان رضى الله عنه فانه قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية.
عنى بآية التحليل قوله تعالى: «إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» وبآية التحريم آية الجمع السابقة. وذلك منه اشارة الى تعارض دليلى الحل والحرمة فلا تثبت الحرمة
(1)
راجع تحفة المنهج ح 3 ص 160 وحاشية الدسوقى ح 2 ص 260 والمحلى ح 9 ص 521 والروضة البهية ح 2 ص 94 وشرح الأزهار ح 2 ص 341.
(2)
المراجع السابقة.
(3)
شرح النيل ح 3 ص 17.
(4)
الروضة البهية ح 2 ص 93.
مع التعارض. والرد عليه. أن الأخذ بالمحرم أولى عند التعارض احتياطا للحرمة. لأنه يلحقه المأثم بارتكاب المحرم ولا مأثم فى ترك المباح.
وكما لا يجوز الجمع بينهما فى الوط ء اتفاقا. كذلك لا يجوز الجمع بينهما اتفاقا فى الدواعى من اللمس بشهوة وكذا التقبيل والنظر الى الفرج لأن الدواعى الى الحرام حرام
(1)
.
غير أن الحنابلة قالوا: ان الجمع بين الأختين فى الاستمتاع بمقدمات الوط ء.
يكره ولا يحرم
(2)
واذا ملك أختين معا أو على التعاقب فله أن يطأ احداهما. لأن الأمة لا تصير فراشا بالملك وليس له أن يطأ الأخرى بعد ذلك. ما لم يحرم فرج الأولى على نفسه اما بالتزويج أو بالاخراج عن ملكه. لأنه لو وطئ الأخرى. لصار جامعا وهذا لا يجوز
(3)
.
وقد خالف الظاهرية فى هذه الصورة.
فقالوا: من اجتمع فى ملكه أختان فهما جميعا عليه حرام. حتى يخرج احداهما عن ملكه بموت أو بيع أو هبة أو غير ذلك من الوجوه
(4)
.
ولو كاتبها. يحل له وط ء الأخرى كما فى ظاهر الرواية عند الحنفية والمالكية والشافعية. لأنه حرم فرجها على المولى بالكتابة. ولو وطئها لزمه العقر ولو وطئت بشبهة أو نكاح. كان المهر لها لا للمولى فلا يصير بوط ء الأخرى جامعا بينهما فى الوط ء
(5)
وفى رواية عن أبى يوسف لا يحل لأنه بالكتابة لم يملك وطأها غيره.
وعند الحنابلة وأبى يوسف من الحنفية:
لا يحل له وط ء الأخرى. لأنه بالكتابة لم يملك وطأها غيره
(6)
ولو تزوج جارية. ولم يطأها حتى ملك أختها. فليس له أن يطأ المشتراة.
لأن الفراش يثبت بنفس النكاح. ولأن النكاح يقصد به الوط ء والولد. فصارت المنكوحة موطوءة حكما فلو وطئ المشتراة لصار جامعا بينهما فى الوط ء.
وهذا الحكم متفق عليه
(7)
.
أما لو كانت فى ملكه جارية قد وطئها ثم تزوج أختها أو تزوج أخت أم ولده. جاز عقد النكاح ولكن لا يطأ الزوجة ما لم يحرم فرج الأمة التى فى ملكه أو أم ولده.
وهذا عند الحنفية والشافعية والإمامية
(8)
وعند باقى المذاهب الأخرى: ان وطئ أمته ثم تزوج أختها لم يصح النكاح. لأن عقد النكاح تصير به المرأة فراشا فلم يجز أن يرد على فراش الأخت. كالوط ء بخلاف شراء أخت زوجته. فان الشراء يكون للوط ء وغيره بخلاف النكاح
(9)
.
(1 و 2)) البدائع ح 2 ص 264، 265، التحفة ح 3 ص 160 وحاشية الدسوقى ح 2 ص 258، 262 وكشاف القناع ح 3 ص 44، 45، 46 والمحلى ح 9 ص 521، والروضة البهية ح 2 ص 88، 89، 92، 93، 94 وشرح الازهار ح 2 ص 341، 342 وشرح النيل ح 3 ص 17، 18.
(3)
كشاف القناع ح 3 ص 44.
(4)
المحلى ح 9 ص 521.
(5)
البدائع ح 2 ص 265 وتحفة المنهج ح 3 ص 160 وحاشية الدسوقى ح 2 ص 260.
(6)
البدائع ح 2 ص 265 وكشاف القناع ح 3 ص 45
(7)
البدائع ح 2 ص 265.
(8)
البدائع ح 2 ص 265 وتحفة المنهج ح 3 ص 160 والروضة البهية ح 2 ص 88، 89.
(9)
كشاف القناع ح 3 ص 45 وحاشية الدسوقى ح 2 ص 262 والمحلى ص 521 وشرح الازهار ح 2 ص 341 وشرح النيل ح 3 ص 17.
فان حرمت عليه سريته باخراج عن ملكه ثم تزوجت الأخت بعد استبرائها صح النكاح لزوال كونها فراشا له.
فان رجعت اليه الأمة. فالزوجية بحالها لأنها أقوى وحلها باق لقوة الزوجية.
ولم يطأ واحدة منهما حتى يحرم عليه الأخرى. وهذا لا ينافى بقاء حل الزوجة.
لأن التحريم لعارض لا يرفع الزوجية.
وان أعتق سريته ثم تزوج أختها قبل فراغ مدة استبرائها لم يصح النكاح. كما لو تزوجها فى عدة أختها
(1)
.
ولا يجوز أن يتزوج أخت أم ولده التى تعتد منه. بأن أعتقها ووجبت عليها العدة، عند أبى حنيفة وزفر. لأنه انما جاز نكاح أخت أم الولد قبل الاعتاق لضعف فراشها فان أعتقها قوى فراشها فكان نكاح أختها جمعا بينهما فى الفراش.
وقال الصاحبان: يجوز لأن الحرمة فى الحرة لمكان الجمع بينهما فى النكاح من وجه ولم يوجد فى أم الولد. لانعدام النكاح أصلا. ولأن العدة فى أم الولد أثر فراش الملك وحقيقة الفراش فيها لا يمنع النكاح فاذا لم يكن فراش الملك حقيقة مانعا فأثره أولى أن لا يمنع
(2)
.
ولو خالف مشترى الأختين ووطئهما واحدة بعد واحدة. فوط ء الثانية محرم عند الحنابلة لأنه الذى حصل به جمع مائه فى رحمهما.
ولزمه أن يمسك عنهما حتى يحرم احداهما باخراجها من ملكه. لان الثانية صارت فراشا له يلحقه نسب ولدها فحرمت عليه أختها كما لو وطئها ابتداء. فان عادت الى ملكه ولو قبل وط ء الباقية لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الاخرى هذا ان لم يجب الاستبراء. فان وجب الاستبراء بأن باعها أو وهبها. ثم عادت اليه لم يلزم ترك أختها
(3)
انظر «استبراء» .
وخالفهم فى هذا الإمامية وقالوا: لو وطئ احدى الاختين المملوكتين حرمت الاخرى حتى تخرج الأولى عن ملكه.
فلو وطئ الثانية فعل حراما مع علمه بالتحريم. ولا تحرم الأولى. لأن الحرام لا يحرم الحلال والتحريم انما تعلق بوط ء الثانية. فيستصحب ولاصالة الاباحة
(4)
.
ولاية الأخت فى الحضانة
الحضانة تكون للنساء فى وقت وتكون للرجال فى وقت.
والأصل فيها النساء لأنهن أشفق وأرفق وأهدى الى تربية الصغار. ثم تصرف الى الرجال. لأنهم على الحماية والصيانة واقامة مصالح الصغار أقدر - انظر «حضانة» .
ومرتبة الاخوات عند كل مذهب كالآتى:
مذهب الحنفية والشافعية:
(1)
كشاف القناع ح 3 ص 45، 46.
(2)
البدائع ح 2 ص 265 وكشاف القناع ح 3 ص 46.
(3)
كشاف القناع ح 3 ص 45.
(4)
الروضة البهية ح 2 ص 88، 89.
تكون بعد الامهات
(1)
.
مذهب المالكية:
الحضانة ثابتة للام ثم أم الأم ثم جدة الأم ثم الخالة شقيقة أو لأم. ثم خالة الأم. ثم عمة الأم. ثم الجدة للأب. ثم الأب. ثم الأخت
(2)
.
مذهب الحنابلة:
أولى الكل بالحضانة.
الام. ثم أمهاتها وان علون. ثم الاب.
ثم أمهات الاب. ثم الجد أبو الاب. ثم أمهات الجد أبو الاب. ثم جد الاب. ثم أمهات جد الأب ثم الاخوات
(3)
.
مذهب الظاهرية:
ان استووا فى صلاح الحال. فالأولى بالحضانة. الام. والجدة. ثم الأب والجد ثم الأخ والأخت
(4)
.
مذهب الزيدية:
الام أولى بولدها. ثم أمهاتها وان علون ثم الاب الحر. ثم الخالات. ثم أمهات الاب وان علون ثم أمهات أبى الام. ثم الأخوات
(5)
.
مذهب الإمامية:
مرتبة الأخوات فى الحضانة بعد الأبوين.
والجد والجدة. ثم الاخوات
(6)
.
وأولى الاخوات فى حضانة الصغير أو الصغيرة. الاخت الشقيقة. لانها تدلى بقرابتين فترجح على الاخت لام. والاخت لاب.
وهذا الحكم متفق عليه من جميع المذاهب ما عدا الظاهرية. فان الأولوية عندهم للاخوط للصغير أو الصغيرة فى دينهما ثم دنياهما. انظر «أخ» .
واختلفت المذاهب بعد ذلك فى تقديم الاخت لاب على الاخت لام أو العكس.
فعند الحنفية. والمالكية. والحنابلة.
والإمامية. والزيدية.
ترجح الأخت لأم على الأخت لاب لانها تدلى بقرابة الأم، فكانت أولى. ولأن هذه الولاية مستفادة من قبل الأم.
فكل من يدلى بقرابة الام. كان أولى.
لأنها تكون أشفق
(7)
.
وعند الشافعية:
تقدم الأخت من الأب على الأخت من الأم لقوة الجهة.
ولأن الأخت من الأب أقوى من الأخت من الأم فى الميراث والتعصيب مع البنات.
وأيضا لأن الأخت من الأب تقوم مقام الأخت الشقيقة فى الميراث. فقامت مقامها فى الحضانة
(8)
.
واختلفت الرواية عن أبى حنيفة فى الأخت لاب مع الخالة. أيتهما أولى.
(1)
البدائع ح 4 ص 43، 41 وفتح القدير ح 3 ص 314، 315، 316 وأسنى المطالب ح 3 ص 451 وتحفة المنهج ح 3 ص 389.
(2)
حاشية الدسوقى ح 2 ص 536، 537 وشرح الخرشى ح 4 ص 241.
(3)
المغنى ح 9 ص 309 وكشاف القناع ح 3 ص 326.
(4)
المحلى ح 10 ص 323.
(5)
الروضة البهية ح 2 ص 140.
(6)
شرح الازهار ح 2 ص 522 - 524.
(7)
البدائع ح 4 ص 41 وأسنى المطالب ح 3 ص 453 وتحفة المنهج ح 3 ص 361 وشرح الخرشى ح 4 ص 242، 241 وكشاف القناع ح 3 ص 326 والروضة البهية ح 2 ص 140 والمحلى ح 10 ص 323
(8)
المهذب ح 2 ص 170 وأسنى المطالب ح 3 ص 452.
روى عنه فى كتاب النكاح أن الخالة أولى وهو قول محمد وزفر والشافعى فى المذهب القديم وذلك لما روى أن بنت حمزة لما رأت عليا رضى الله عنه تمسكت به وقالت ابن عمى فأخذها فاختصم فيها على وجعفر وزيد بن حارثة رضى الله عنهم. فقال على رضى الله عنه بنت عمى. وقال جعفر بنت عمى وخالتها عندى. وقال زيد بن حارثة بنت أخى.
آخيت بينى وبين حمزة يا رسول الله. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لخالتها.
وقال عليه السلام «الخالة والدة» فقد سمى الخالة والدة فكانت أولى.
وروى عنه فى كتاب الطلاق. أن الاخت لأب أولى لانها بنت الاب. والخالة بنت الجد فكانت الاخت اقرب. فكانت أولى.
وتقديم المدلى بالام على المدلى بالاب انما يكون عند اتحاد مرتبتهما قربا
(1)
.
واختلفت المذاهب أيضا فى أولوية الاخت مطلقا على الخالة.
فعند المالكية والزيدية:
الخالة أولى من الاخت عامة. لحديث الرسول المذكور «الخالة والدة» .
ولما قيل فى تفسير قوله تعالى «وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ» انها كانت خالته
(2)
.
وقال الحنفية والشافعية فى الجديد.
والحنابلة والإمامية:
تقدم الأخت من أى جهة قرابة كانت على الخالة لقربها. ولانها شاركت فى النسب وقدمت فى الميراث.
ولما ذكر قبلا من دليل الامام أبى حنيفة فى توجيه رواية كتاب الطلاق
(3)
.
واتفقت المذاهب ما عدا الظاهرية على أنه ان اجتمع أخ وأخت. قدمت الأخت على من فى درجتها من الاخوة. لان الانوثة مع التساوى توجب الرجحان.
ولأن الأنثى أرفق لتربية الولد وأقوم بمصالحه سيما الصغير والأنثى
(4)
.
أما لو كان لها ثلاث أخوات كلهن على درجة واحدة بأن كن لأب وأم أو لأب فقط أو لأم فقط فأفضلهن صلاحا وورعا أولى.
فان كن فى ذلك سواء فأكبرهن سنا أولى بالحضانة وهذا عند الحنفية
(5)
.
وعند الشافعية والحنابلة والإمامية:
يقرع بين الأخوات المستويات قربا قطعا للنزاع عند عدم المرجح لما فى اشتراكهن من الاضرار بالولد
(6)
.
وعند المالكية:
فى الأختين ان اتحدت مرتبتهما تقدم من هى أقوى شفقة وحنانا على المحضون.
وتقدم المسنة عى غيرها لأنها أقرب الى الصبر والرفق من غيرها فان تساويتا فالظاهر القرعة فان كان فى احداهما صيانه
(1)
البدائع ح 4 ص 41.
(2)
حاشية الدسوقى ح 2 ص 537 وشرح الازهار ح 2 ص 522 و 523.
(3)
البدائع ح 2 ص 41 وتحفة المنهج ح 3 ص 389 والمهذب ح 2 ص 169 والمغنى ح 9 ص 308 وكشاف القناع ح 3 ص 326 والروضة البهية ح 2 ص 140.
(4)
تراجع المراجع السابقة.
(5)
البدائع ح 4 ص 43.
(6)
تحفة المنهج ح 3 ص 391 وكشاف القناع ح 3 ص 331 والروضة البهية ح 2 ص 140.
وفى الأخرى شفقة فالظاهر تقديم ذات الشفقة
(1)
.
وعند الزيدية:
اذا كان للصبى أختان مستويتان فى الاستحقاق كانت حضانتهما بالمهايأة
(2)
.
وعند الظاهرية:
ان كانت اثنتان من الاخوات مأمونتين فى دينهما مستويتين فى ذلك فان كانت احداهما أحوط للصغير فى دنياه فهى أولى. وان كانت احداهما أحوط للصغير فى دينه والاخرى أحوط له فى دنياه فالحضانة لذات الدين.
فان استوتا فى كل ذلك وأبت كل منهما أن يكون الصغير أو الصغيرة عند كل منهما مدة. فالقرعة قطعا للنزاع
(3)
.
وعند الشافعية:
ان اجتمع الرجال والنساء والجميع من أهل الحضانة. يقدم الأب على الأخت من الأب فان اجتمع الاب مع الاخت من الام. فيه وجهان.
أحدهما: أن الاب أحق وهو ظاهر النص.
لأن الأب له ولادة وارث فقدم على الاخت.
والثانى وهو قول أبو سعيد الاصطخرى:
أنه تقدم الاخت على الاب. لانها من أهل الحضانة والتربية.
وتدلى بالأم فقدمت.
وان اجتمع الجد مع الأخت من الأم.
ففيه وجهان كما لو اجتمعت مع الأب.
وان اجتمع مع الأخت لأب ففيه وجهان أيضا:
أحدهما: أن الجد أحق لأنه كالأب فى الولادة والتعصيب فكذلك فى التقدم على الاخت.
والثانى: أن الاخت أحق لانها تساويه فى الدرجة. وتنفرد بمعرفة الحضانة
(4)
.
وعند الحنابلة:
ان كانت أخت من أبوين واخت من أب فأسقطت الأخت من الأبوين حقها لم يسقط حق الاخت من الاب. لان استحقاقها من غير جهتها وليست فرعا عليها
(5)
.
ميراث الأخت والأخوات الشقيقات
للاخوات الشقيقات أحوال خمس:
أولا: النصف للواحدة. لقوله تعالى «وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ» .
ثانيا: الثلثان للاثنين فصاعدا لقوله تعالى:
«فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ» .
واذا استحقت الاثنتان الثلثين: كان استحقاق ما فوقهما للثلثين أظهر.
(1)
حاشية الدسوقى ح 2 ص 538 وشرح الخرشى ح 4 ص 244.
(2)
شرح الازهار ح 2 ص 524.
(3)
المحلى ح 10 ص 324.
(4)
المهذب ح 2 ص 170، 171.
(5)
المغنى ح 9 ص 310.
وأيضا الله سبحانه. صرح فى الاخوات بالاثنتين. وفى البنات بما فوقهما فى قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ» ليعلم من حال الاختين حال البنتين. ومن حال البنات حال الاخوات بطريق الأولوية
(1)
.
ومع هذا فقد روى عن سيدنا جابر أنه قال: اشتكيت وعندى سبع اخوات. فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنفخ فى وجهى فأفقت. فقلت يا رسول الله. ألا أوصى لاخواتى بالثلث .. قال «أحسن» قال قلت: الشطر. قال «أحسن» ثم خرج وتركنى فقال «يا جابر. لا أراك ميتا من وجعك هذا، وان الله قد أنزل فبين الذى لاخواتك فجعل لهن الثلثين»
(2)
.
والمراد بالاخوات هنا الشقيقات أو لاب.
وذلك لانهن اللائى يرثن بالتعصيب فى بعض الحالات وقد جاء فى هذه الآية متى يرثن بالتعصيب كما سيأتى: على حين أن الاخوة والأخوات لأم يرثن بالفرض ولأن الاخوات لأم قد علم حالهن فى آية الكلالة الأخرى فى أول السورة.
ثالثا: مع الأخ الشقيق للذكر مثل حظ الانثيين يصرن عصبة به لاستوائهم فى القرابة الى الميت. قال الله تعالى «وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» فلم يقدر نصيب الاخوات فى حالة الاختلاط.
كما لم يقدر نصيب الاخوة. فدل ذلك على أنهن قد صرن عصبات معهم.
رابعا: لهن الباقى. وهو النصف أو الثلث. مع البنات أو بنات الابن.
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «اجعلوا الاخوات مع البنات عصبة» .
وحديث ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم. أنه قال فى ابنة وابنة ابن وأخت قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى للبنت بالنصف ولبنت الابن بالسدس تكملة للثلثين. وللاخت بالباقى» .
فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم جعل الأخت مع البنت عصبة.
والمراد بالولد فى قوله تعالى «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ» هو الذكر. بدليل ما عطف عليه فى الآية نفسها بقوله تعالى «وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ» أى ابن بالاتفاق. فان الأخ يرث أخته مع ابنتها بالاتفاق.
ولهم الباقى أيضا اذا كان معهن أخ أو أخوة. «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»
(3)
.
وهذا هو ما ذهب اليه جميع فقهاء المذاهب عدا الإمامية والظاهرية.
فعند الإمامية:
لا يرث أحد من الاخوة أو الاخوات مع البنت أو البنات. لانهم من جهة قرابة تلى
(1)
السراجية ص 41.
(2)
سنن ابى داود ح 3 ص 164، 165.
(3)
السراجية ح 41 - 43 والمبسوط ح 29 ص 157 وما بعدها وبداية المجتهد ح 2 ص 344 وما بعدها.
جهة البنوة والأبوة فيمنع الأقرب الأبعد من الميراث.
ولا ميراث للعصبة عندهم على تقدير زيادة الفريضة عن السهام الا مع عدم القريب أى الأقرب منهم لعموم الآية «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» واجماع أهل البيت.
فيرد فاضل الفريضة على البنت أو البنات.
وعلى الأخت والأخوات أشقاء أو لأب عند فقد الأشقاء. وعلى الأخوة لأم عند عدم وارث فى درجتهم
(1)
. انظر «رد» .
وعند الظاهرية:
لا ترث أخت شقيقة ولا غير شقيقة مع ابنة ولا مع ابنة ابن وان سفلت والباقى بعد نصيب البنت وبنت الابن للعصبة كالأخ.
وابن الاخ والعم الا أن لا يكون للميت عاصب فيكون حينئذ ما بقى للأخت الشقيقة أو لأب وللاخوات كذلك. ودليلهم: قوله تعالى «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ» واسم الولد يقع على الابنة وبنت الابن كما يقع على الابن وابن الابن فى اللغة والقرآن وأى فرق بين الولد فى الآية السابقة، والولد فى قوله تعالى:
وقوله تعالى «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» وقوله تعالى «وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ» .
فلم يختلفوا فى جميع هذه الآيات أن الولد سواء كان ذكرا أو أنثى أو ولد الولد. فالحكم واحد
(2)
فلا ميراث للأخت مع الولد ذكرا كان أو أنثى. بخلاف الأخ فانه يأخذ ما بقى من الانثى بالعصوبة ولا عصوبة للاخت بنفسها وانما تصير عصبة بغيرها
(3)
اذا كان ذلك الغير عصبة. وليست للبنت عصوبة فكيف تصير الأخت معها عصبة.
واستدلوا أيضا بما روى عن ابن عباس «الذى هو أصلا صاحب هذا الرأى الذى تابعه فيه الظاهرية» . قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر» .
فان لم يكن للميت رجل عاصب أصلا.
أخذنا بحديث ابن مسعود. السابق ذكره.
وجعلنا الاخت عصبة كما فى نصه. ولم نخالف شيئا من النصوص
(4)
.
خامسا: يحجبن عن الارث. فلا يرثن شيئا. وذلك مع وجود:
الابن: وابن الابن وان سفل عند جميع المذاهب وبالبنت عند الإمامية والظاهرية لما سبق بيانه.
الأب: بالاتفاق عند الجميع.
الجد لأب: عند أبى حنيفة والظاهرية والإباضية.
أما سقوط الاخوات بالابن فبقوله تعالى
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 317، 305، 306.
(2)
المحلى ح 9 ص 256.
(3)
السراجية ص 42، 41.
(4)
المحلى ح 9 ص 256 وما بعدها.
«إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ» .
والمراد الابن كما سبق.
وأما سقوطهن بالأب. فلأنهن كلالة.
وتوريث الكلالة مشروط بفقد الولد والوالد
(1)
.
وأما سقوطهن بالجد عند من قال به فلأنهم نزلوا الجد منزلة الأب ويسرى حكم الحجب هذا على الأخت والأخوات لأب.
ميراث الأخت والأخوات لأب
قبل الاستطراد فى ميراثهن نذكر أولا الأصول التى يعتمد عليها ميراثهن.
ينطبق على الاخوات لاب كما ينطبق على الأخوات الشقيقات
(2)
.
ثانيا: ان منزلة الاخوات لاب من الشقيقات هى منزلة بنات الابن من البنات الصلبيات
(3)
.
ثالثا: ان ميراث الأخوات لأب. اذا لم يكن معهن شقيقات كمنزلة الشقيقات الا أنهن لا يشتركن مع الأخوة لأم فى المسألة التى شاركهم فيها الأشقاء والشقيقات لأنهن خرجن من ولادة الأم التى جمعت أولئك
(4)
.
وبناء على هذه الأصول يكون للأخوات لأب حالات سبع:
أولا: النصف للواحدة.
ثانيا: الثلثان للاثنتين فصاعدا. لما ذكرناه من النصوص فى الشقيقات وهنا.
ثالثا: السدس - مع الاخت الشقيقة تكملة للثلثين.
لأن حق الأخوات الثلثان وقد أخذت الأخت الشقيقة النصف. فبقى منه سدس.
فيعطى للأخوات لأب حتى يكمل حق الأخوات.
رابعا: أن يصرن عصبة مع البنات أو مع بنات الابن لما ذكرنا فى الأخت الشقيقة والخلاف هنا نفس الخلاف هناك.
خامسا: أن يكون معهن أخ لأب فيعصبهن وحينئذ يكون الباقى بينهم للذكر مثل حظ الانثيين - للآية المذكورة
(5)
وخالف فى هذا الظاهرية. قالوا:
لو ترك أختا شقيقة وأخوة وأخوات لأب فللشقيقة النصف. وما بقى بين الاخوة
(1)
السراجية ص 44 والمبسوط ح 29 ص 157 وما بعدها والمهذب ح 2 ص 27 وحاشية الدسوقى ح 4 ص 459، 460، 465 والمغنى ح 6 ص 168، 169 والمحلى ح 9 ص 256 وما بعدها والروضة البهية ح 2 ص 305 - 317 وشرح النيل ح 8 ص 301، 295.
(2)
المبسوط ح 29 ص 151.
(3)
بداية المجتهد ح 2 ص 345 والسراجية ص 43
(4)
الموطأ ح 6 ص 333.
(5)
السراجية ص 43، 44.
والأخوات لأب ما لم يتجاوز ما يجب للاخوات السدس. فلا يزدن على السدس أصلا. ويكون الباقى للذكر وحده فان كانتا شقيقتين. وأختا أو أخوات لأب وأخا لأب فالثلثان للشقيقتين والباقى للاخ الذكر.
ولا شئ للأخت أو الاخوات لأب.
ودليله ما روى عن مسروق بن الاجدع قال: كان ابن مسعود يقول:
فى أخوات شقيقات واخوة. وأخوات لأب للاخوات الشقيقات الثلثان وسائر المال للذكور دون الاناث.
أما الآية فهى حجة على من احتج بها. لأن الله تعالى: انما قال ذلك فيما يرثه الاخوة والأخوات لا فيما ورثه الأخوات بالفرض المسمى. والنص قد صح بأن لا يرث الاخوات بالفرض المسمى أكثر من الثلثين.
وقد أجمع المخالفون لنا. على أن من ترك أختا شقيقة. وعشر أخوات لأب وعما فانه ليس للاخوات للاب الا السدس فقط والباقى للعم.
وأجمعوا على أنه لو ترك أختين شقيقتين وعشر أخوات لاب. وعما أو ابن عم.
أن اللواتى للأب لا يرثن شيئا أصلا.
فمن أين وجب أن يرثن مع الاخ ولا يرثن مع العم. ولا مع ابن العم. ولا مع ابن الاخ.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
«ألحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقته الفرائض فلأولى رجل ذكر» .
والفرائض فى هذه المسألة انما هو النصف للشقيقة أو الثلثان للشقيقتين أو النصف للشقيقة والسدس للتى للأب أو اللواتى للأب فقط.
فصح أن الباقى لأولى رجل ذكر
(1)
.
وعند الإمامية:
لا يرث الاخوة ولا الأخوات لأب مع الشقيقة.
وللأخت الشقيقة النصف تسمية والباقى ردا
وللأختين الشقيقتين الثلثان فرضا والباقى ردا.
حيث يشترطون فى ميراث بنى الأب عدم المتقرب بالأبوين ذكرا كان أو أنثى
(2)
.
سادسا: لا يرثن مع الاختين الشقيقتين، لأنه قد كمل لهما حق الأخوات وهو الثلثان فلم يبق للاخوات لاب شئ الا أن يكون معهن أخ فيعصبهن كما ذكرنا.
أما الإمامية فكما ذكرنا: الباقى وهو الثلث يرد عندهم على الشقيفتين.
(1)
المحلى ح 9 ص 269 - 271.
(2)
الروضة البهية ح 2 ص 305 - 315.
سابعا: لا يرثن مع الاخ الشقيق لحديث على رضى الله عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيان بنى الام يتوارثون دون بنى العلات
(1)
.
أختان
التعريف فى اللغة
ختن الرجل المتزوج بابنته أو بأخته قال الأصمعى ابن الاعرابى: الختن أبو امرأة الرجل وأخو امرأته وكل من كان من قبل امرأته والجمع أختان والأنثى ختنة، وفى التهذيب: الأحماء من قبل الزوج والأختان من قبل المرأة والصهر يجمعهما والختنة أم المرأة وعلى هذا الترتيب وغيره: الختن كل من كان من قبل المرأة مثل الأب والأخ وهم الأختان هكذا عند العرب، وأما العامة، فختن الرجل زوج ابنته وقال ابن المظفر: الختن الصهر يقال خاتنت فلانا مخانتة وهو الرجل المتزوج فى القوم وقال: والختن زوج فتاة القوم ومن كان من قبله من رجل أو امرأة فهم كلهم أختان لأهل المرأة، وأم المرأة وأبوها ختنان للزوج. والرجل ختن والمرأة ختنة قال أبو منصور: والختونة تجمع المصاهرة بين الرجل والمرأة فأهل بيتها أختان أهل بيت الزوج، وأهل بيت الزوج أختان المرأة وأهلها
(2)
.
تعريف الاختان فى الشرع
جاء فى الزيلعى فى تعريف الاختان: زوج كل ذى رحم محرم منه كأزواج البنات والعمات والخالات لأن الكص يسمى ختنا وكذا كل ذى رحم محرم من أزواجهن لأنهم يسمون أختانا ثم قال: وهذا فى عرفهم - أى عرف أهل اللغة - وفى عرفنا لا يتناول الا أزواج المحارم ويستوى فيه الحر والعبد وجاء فى حاشية الشلبى تعليقا على هذا قال محمد فى املائه: اذا قال قد أوصيت لأختانى بثلث ماله فأختانه زوج كل ذى رحم محرم منه وكل ذى رحم محرم من الزوج فهؤلاء أختانه فان كانت له أخت وبنت أخت وخالة ولكل واحدة منهن زوج ولزوج كل واحدة منهن أرحام فكلهم جميعا أختانه والثلث بينهم بالسوية الأنثى والذكر فيه سواء، أم الزوج وجدته وغير ذلك سواء
(3)
وجاء فى حاشية ابن عابدين: فى عرفنا الصهر أبو المرأة وأمها والختن زوج المحرم فقط وزاد القهستانى: وينبغى فى ديارنا أن يختص الصهر بأبى الزوجة، والختن بزوج البنت لأنه المشهور
(4)
على تفصيل فى المذاهب ينظر فى مصطلح «صهر» .
(1)
السراجية ص 44، 45.
والمهذب ح 2 ص 27 وحاشية الدسوقى ح 4 ص 459 والبحر الزخار ح 5 ص 345، 346 وشرح النيل ح 8 ص 295 - 316.
(2)
لسان العرب لابن منظور ح 54 ص 183 و 139 طبع دار صادر بيروت الطبعة الثانية سنة 1374 هـ
(3)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى وبهامشه حاشية الشلبى ح 6 ص 200، 201 الطبعة الأولى طبع المطبعة الاميرية ببولاق سنة 1313 هـ.
ونتائج الافكار وبهامشه شرح العناية على الهداية للبابرتى وحاشية سعد جلبى ح 8 ص 472، 473 الطبعة الاولى طبع المطبعة الاميرية ببولاق سنة 1318 هـ.
(4)
حاشية ابن عابدين ح 5 ص 600 والهداية ح 4 ص 184.
اختصاص
التعريف فى اللغة
اختص بالشئ انفرد به، واختصه بالشئ خصه به فاختص
(1)
.
التعريف فى الاصطلاح
وهو فى الاستعمال الفقهى لا يخرج عن هذا المعنى وقد عبروا فى مواضع كثيرة بالاختصاص فقالوا:
وقد اختص النبى صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء بأمور منها
(2)
عموم رسالته وكونه خاتم الأنبياء. كما أحلت له الغنائم ولم تحل لأحد من الأنبياء قبله {(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)} . وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا فيصلى المسلمون على الأرض متى كانت طاهرة. وشرع التيمم بترابها من الحدثين الأصغر والأكبر فى حالات فقد الماء والعجز عن استعماله. روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
كما اختص النبى صلى الله عليه وسلم بأحكام دون سائر الأمة.
منها اباحة التزوج بدون مهر. على خلاف الحكم المقرر بالنسبة للأمة من عدم جواز التزوج بدون مهر.
ومنها عدم اباحة التزوج بأكثر من زوجاته ولا استبدال أى منهن بغيرها على خلاف الحكم المقرر للأمة من اباحة الطلاق والزواج كما يشاء الشخص فى حدود الأربع نساء.
{(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)} ومنها وجوب قيام الليل وترتيل القرآن {(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)} ، {(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)} .
ومنها اباحة الوصال فى الصوم: وذلك بأن يستمر الصائم على صومه يومين فأكثر بدون تعاطى مفطر بينهما بالليل. فان ذلك مباح للنبى صلى الله عليه وسلم ومنهى عنه بالنسبة للأمة. عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اياكم والوصال» قالوا: فانك تواصل يا رسول الله قال: «وأيكم فى ذلك مثلى؟ أنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى. فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون» أخرجه الامام مالك والبخارى ومسلم.
(1)
ترتيب القاموس المحيط مادة خص.
(2)
زاد المعاد ح 1 ص 6 بتصرف.
الاختصاص فى الأمكنة
وفى اختصاص الأمكنة
(1)
اختص الله المساجد الثلاثة. المسجد الحرام ومسجد النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة والمسجد الأقصى. بمزايا منها: لا تشد الرحال ولا يطلب السفر الا اليها. عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد.
مسجدى هذا. والمسجد الحرام. والمسجد الأقصى».
ومنها: فضل الصلاة فيها على غيرها من سائر المساجد فى الأرض كلها. وقد اختص كل واحد من هذه المساجد بمزيد من الفضل فى الصلاة فيه بالنسبة للسجدين الآخرين وبالنسبة لباقى المساجد، عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الصلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة. والصلاة فى مسجدى بألف صلاة والصلاة فى بيت المقدس بخمسمائة صلاة.
ورواه ابن خزيمة فى صحيحه بلفظ: قال «صلاة فى المسجد الحرام أفضل عما سواه من المساجد بمائة ألف صلاة، وصلاة فى مسجد المدينة أفضل من ألف صلاة فيما سواه. وصلاة فى مسجد بيت المقدس أفضل عما سواه من المساجد بخمسائة صلاة» . ورواه البزار بلفظ «فضل الصلاة فى المسجد الحرام على غيره بمائة الف صلاة وفى مسجدى ألف صلاة وفى مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة» وفى فضل المسجد الأقصى يقول الله تعالى: {(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ. لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)} .
ما اختصت به مكة وحرمها والبيت العتيق
جاء فى فضل مكة وحرمها والبيت العتيق، وما اختص الله به هذه البقاع المقدسة من أحكام دون سائر البقاع من القرآن الكريم والسنة النبوية الكثير.
فمن القرآن الكريم: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى. وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ» ، «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»
(2)
.
ومن السنة النبوية:
عن أبى شريح العدوى أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث الى مكة: أئذن لى أيها الأمير أحدثك قولا قال به رسول الله صلى
(1)
زاد المعاد لابن قيم الجوزية ص 7، 8
(2)
زاد المعاد ح 1 ص 7، 8
الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح فسمعته أذناى ووعاه قلبى وأبصرته عيناى حين تكلم به: أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقولوا له: ان الله أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم. ولم يأذن لكم. وانما أذن لى ساعة من نهار. وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس. وليبلغ الشاهد منكم الغائب» وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ان الله حرم دخول مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدى. وإنما أحلت لى ساعة من نهار لا يختلى خلاها. ولا يعضد شجرها. ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها الا لمعرف» وقال العباس يا رسول الله الا الاذخر لصاغتنا وقبورنا قال:؟ الا الاذخر» اخرجه البخارى وصححه - وعنه رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم يوم افتتح مكة «لا هجرة ولكن جهاد ونية. واذا استنفرتم فانفروا وان هذا بلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة. وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلى. ولم يحل لى إلا ساعة من نهار. فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده. ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها. ولا يختلى خلاها» قال العباس: يا رسول الله الا الاذخر لقينهم ولبيوتهم قال: «الا الاذخر» .
ما اختصت به المدينة وحرمها
اختصت المدينة بانها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستقره ومثوى جسده الطاهر الشريف ومقر أشرف بقعة فى الأرض وبأنها تغلب غيرها من القرى وتظهر عليها وبأن المسلمين يتجهون اليها ويتعلقون بها دائما.
كما اختصت من بين سائر البلاد بعد مكة بأن حرمت وجعل لها حرم كمكة.
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهى المدينة تنفى الناس كما ينفى الكير خبث الحديد» أخرجه البخارى ومسلم. وعن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «المدينة حرم من كذا الى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث. من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» .
الاختصاص فى الأزمنة
وفى اختصاص الأزمنة اختص الله تعالى ليلة القدر بشرف عظيم اذ أنزل فيها القرآن الكريم وأنزل فى فضلها وشرفها قرآنا يتلى وذكرا يتردد {(إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)} . كما اختص 1 شهر رمضان بالصيام ونزول
القرآن فيه {(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)} كما جعل الله سبحانه وتعالى أربعة أشهر من السنة القمرية أشهر حرما ثلاثة متواليات وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد فرد وهو رجب. وقد عظم الاسلام هذه الأشهر فحرم فيها القتال وجعل ذلك من شعائر الله.
{(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)} . {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ)} .
الاختصاص فى العبادات
ان الله تعالى قد اختص كل نوع من العبادة بوضع معين وأداء خاص ومزايا وأفضال وغايات وأهداف خاصة. فالحج نوع من العبادة جعله الله على وضع خاص وهيئة معينة وحرم فيه الكثير من المباحات وكذا الصوم كله والصلاة كلها والعبادات جميعها تختص بأحكام وشروط تتميز بها.
الاختصاص فى المعاملات والجنايات
يمتد الاختصاص الى المعاملات المدنية والعقود والالتزامات فقد جعل الشارع لكل منها وضعا خاصا واختصه بشروط لا يتحقق ولا ينتج آثاره الا بتوافرها، وفى نطاق الجنايات والجرائم بصفة عامة وضع لكل فعل منها وضعا وأوصافا وشروطا لا يتحقق ولا يؤدى الى آثاره ونتائجه الا اذا تحققت جميعها. وفى الاثبات فى المعاملات والجنايات جعل له فى كل منها طريقا ونصابا فى الشهادة اختص به لا يفيد فيه غيره من الطرق ولا ينتج اثباته سواه، وفى روابط الأسرة وعلاقات القرابة وما يترتب على ذلك من آثار وحقوق وواجبات اختص الشارع بعض أفراد الأسرة وبعض الأقارب بأحكام فى مجال الحقوق والواجبات لا يشاركهم فيها غيرهم من بقية الأقارب. ولعل أظهر ما يذكر فى هذا الصدد
(1)
وضع الأب بالنسبة لنفقة أولاده والزوج بالنسبة لنفقة زوجته ووضع الأب والجد بالنسبة لولايتهما على الأولاد الصغار وجعل ولايتهما ذاتية لا يمكن التنازل عنها والتنصل من أعبائها ماداما صالحين لها وكذا وضعهما بالنسبة لتولى طرفى عقد البيع والشراء والاجارة ونحو ذلك بالنسبة لما تحت يدهما من أموال الصغار المشمولين بولايتهما ووضع الأم بالنسبة لحقها فى حضانة أولادها وارضاعهم
الاختصاص فى الشئون العامة
يشمل الكلام فى هذا المجال اختصاص ولى الأمر فى المسلمين واختصاص الولاة فى الولايات المختلفة ولاية القضاء، وولاية المظالم. وولاية الحسبة. وولاية الصدقة وولاية التنفيذ وغير ذلك من الولايات ويتصل بذلك تخصيص بعض الموارد المالية
(1)
الاشباه ص 182
بفئات معينة من المواطنين لتخصيص الزكاة وصدقة الفطر والعشر بالمسلمين وتخصيص الجزية بالذميين وكذلك تخصيص بعض الموارد المالية فى الدولة للصرف منها على فئات معينة كتخصيص أموال الزكاة وصدقة الفطر بالمصارف المحددة فى قول الله تعالى {(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ)} وتخصيص خمس الغنائم للصرف منها فى المصارف المحددة فى قوله تعالى {(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)} وتخصيص الباقى بعد الخمس للغانمين وهكذا.
الاختصاص القضائى
الاختصاص الوظيفى
القضاء يتخصص بالزمان والمكان والحادثة قال فى الفتح الولاية تقبل التقييد والتعليق بالشرط كقوله اذا وصلت الى بلدة كذا فأنت قاضيها واذا وصلت الى مكة فأنت أمير الموسم كما تقبل الاضافة، جعلتك قاضيا فى رأس الشهر والاستثناء منها كجعلتك قاضيا الا فى قضايا القتل والحدود ولا تنظر قضاياه
(1)
.
ولما كانت ولاية القضاء فى الأصل للخلفاء وللقضاة كانت ولاية القضاة عامة. والى القاضى المرجع فى الجليل والحقير بلا تحديد وأن على القاضى مدار الأحكام واليه النظر فى جميع وجوه القضاء من القليل والكثير وأنه يختص بالنظر فى الجراحات والتوقيعات وان القاضى يباشر كل الأمور الا أمورا خاصة وان له النظر فى كثير من السياسات الشرعية
(2)
ثم قال فى معين الحكام واعلم أن الذى يعول عليه فى ذلك العرف فقد قال الامام العلامة شمس الدين محمد بن القيم الفوزية الحنبلى: اعلم أن عموم الولايات وخصوصها وما يستفيد المتولى بالولاية يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف وليس لذلك حد فى الشرع وقد يدخل فى ولاية القضاء فى بعض الأمكنة. وفى بعض الأزمنة ما يدخل فى ولاية الحرب وقد يكون فى بعض الأمكنة والأزمنة قاصرا على الأحكام الشرعية فقط فيستفاد من ولاية القضاء فى كل قطر ما جرت به العادة واقتضاه العرف وهذا هو التحقيق فى هذه المسألة ومفاد ذلك أن ولاية القاضى قد تكون عامة شاملة ولا يكون هناك أى جهة أخرى للتقاضى. وقد تكون خاصة وتتعدد معها جهات التقاضى لاعتبارات شرعية يراها الحاكم العام.
الاختصاص النوعى
ولاية القضاء تقبل التخصيص بالزمان والمكان والمحادثة: ونص الفقهاء على أن الشئ المفوض الى ثنين لا يملكه أحدهما
(3)
كالوكيلين والوصيين والناظرين والقاضيين ومفاد ذلك أن للحاكم العام أن يجعل أكثر من قاض لنظر بعض أنواع القضايا الهامة والتى تحتاج الى رأى ومشورة.
الاختصاص المكانى
لو كان فى البلدة قاضيين كل منهما فى محلة على حدة فوقعت الخصومة بين رجلين
(1)
ابن عابدين ح 4 ص 356 كتاب القضاء.
(2)
معين الحكام ص 11، 12.
(3)
كتاب الوكالة فى الاشباه ص 136.
أحدهما من محلة والآخر من محلة أخرى والمدعى يريد أن يخاصمه الى قاضى محلته والآخر يأبى ذلك اختلف فيها أبو يوسف ومحمد والصحيح أن العبرة لمكان المدعى عليه وكذا لو كان أحدهما من أهل العسكر والآخر من أهل البلدة. وعلله فى المحيط كما فى البحر أن أبا يوسف يقول ان المدعى منشئ للخصومة ويعتبر قاضيه، ومحمد يقول ان المدعى عليه رافع لها.
اختلاس
التعريف فى اللغة
قال الجوهرى: خلست الشئ واختلسته وتخلسته اذا استلبته، والاختلاس كالخلس وقيل الاختلاس أخص من الخلس - وخلس الشئ خلسا - سلبه بمخاتلة وعاجلا
(1)
.
التعريف فى الاصطلاح
عرفه الزيلعى من الحنفية بأنه: أن يأخذ المختلس من البيت سرعة جهرا
(2)
وعرف المالكية المختلس بأنه الذى يخطف المال بحضرة صاحبه فى غفلته ويذهب بسرعة جهرة سواء كان مجيئه سرا أو جهرا
(3)
ولم تحدد بقية المذاهب فى تعريفها للاختلاس غير الأخذ سرعة جهرا ولم تحدد المكان المأخوذ منه.
الفرق بينه وبين السرقة
عرف الحنفية السرقة بأنها أخذ مكلف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة محرزة بمكان أو حافظ
(4)
والاختلاس هو الأخذ سرعة جهرا من البيت
(5)
عندهم.
وعند الإباضية هو السرقة من المرعى أو من الجبال أو البرارى أو الطرق
(6)
وفى السرقة الحد كما يأتى فى مصطلح (سرقة) ولا قطع فى الاختلاس على ما يأتى:
الحكم فى الاختلاس
اتفقت المذاهب على أنه لا قطع فى الاختلاس.
مذهب الحنفية:
عند الحنفية: لا قطع فى الاختلاس لما روى جابر رضى الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع» ، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه الترمذى، ولأن المحرز والاخفاء شرط القطع وقد عدما فى الأول ولم يوجد الثانى فى الأخيرين فانتفى ركن السرقة وشرطها فلم يقطع
(7)
وجاء فى الهداية: لا قطع على مختلس لأنه يجاهر بفعله
(8)
.
مذهب المالكية:
لا قطع ان اختلس أى أخذه بحضرة صاحبه جهرا هاربا سواء جاء جهارا أو سرا
(9)
.
(1)
لسان العرب لابن منظور مادة خلس الطبعة الأولى طبع دار صادر بيروت للطباعة والنشر سنة 1374 هـ والمنجد.
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ح 3 ص 217 طبع المطبعة الكبرى الاميرية طبعة أولى سنة 1313 هـ
(3)
بلغة السالك على الشرح الصغير للدردير ح 2 ص 399 طبع المطبعة التجارية بمصر
(4)
تبيين الحقائق ح 3 ص 211.
(5)
المرجع السابق ح 3 ص 217.
(6)
شرح كتاب النبل ح 7 ص 650 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه.
(7)
الزيلعى ح 3 ص 217.
(8)
المرجع السابق.
(9)
الدردير ح 2 ص 399.
مذهب الشافعية:
لا يجب القطع على المنتهب ولا المختلس لما ورد فى حديث جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على المنتهب قطع، ولا على المختلس قطع» ولان المختلس يأخذ المال على وجه يمكن انتزاعه منه بالاستعانة بالناس وبالسلطان فلم يحتج فى ردعه الى القطع
(1)
.
مذهب الحنابلة:
لا قطع على منتهب ولا مختلس
(2)
.
مذهب الظاهرية:
المختلس ان اختلس جهارا غير مستخف من الناس فهذا ليس سارقا ولا قطع عليه
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب: ليس فى الاختلاس قطع
(4)
وفى البحر: لا قطع لمختلس
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب من لا يحضره الفقيه: قال على عليه السلام: لا قطع فى الدعارة المعلنة وهى الخلسة ولكنى أعزره، ولكن يقطع من يأخذ ويخفى
(6)
وفى الروضة: لا يقطع الهاتك للحرز قهرا لأنه لا يعد سارقا بل غاصبا أو مستلبا
(7)
.
مذهب الإباضية:
لا قطع على مختلس
(8)
.
اختلاط
التعريف فى اللغة
يقال خلط الشئ بغيره فاختلط كما فى المختار، وجاء فى المعجم الوسيط خلط الشئ بالشئ خلطا ضمه اليه وقد يمكن التمييز بينهما كما فى الحيوانات وقد لا يمكن كما فى المائعات.
التعريف الشرعى
ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة اختلاط عن هذا المعنى ويتكلمون فى الاختلاط عن فروع كثيرة فى أبواب متفرقة فى الفقه كاختلاط الأوانى واختلاط النجس بالطاهر واختلاط الحرام بالحلال واختلاط لبن المرضع بغيره واختلاط الأموال وغير ذلك من صور الاختلاط.
وقد رأت اللجنة أن يكون بيان أحكام الاختلاط وما يشتبه فيه الحكم فى مصطلح (شبهة).
(1)
المهذب للشيرازى ح 2 ص 277 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى.
(2)
المحرر فى الفقه لمجد الدين ابى البركات ح 2 ص 156 طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ.
(3)
المحلى لابن حزم ح 11 ص 366 طبع مطبعة النهضة بمصر الطبعة الاولى سنة 1347 هـ.
(4)
التاج المذهب ح 4 ص 235 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1366 هـ.
(5)
البحر الزخار ح 5 ص 172 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1366 هـ.
(6)
كتاب من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 46 طبع مطبعة النجف سنة 1378 هـ.
(7)
الروضة البهية ح 2 ص 357 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.
(8)
شرح كتاب النيل ح 7 ص 650.
اختلاف
التعريف بالاختلاف:
الاختلاف فى اللغة عدم الاتفاق والتساوى يقال تخالف الأمران واختلفا لم يتفقا، وكل ما لم يتساو فقد تخالف واختلف
(1)
وموضوع الاختلاف عند الأصوليين هو ما تعددت فيه آراء المجتهدين وأهل الرأى فى المسائل التى لم يرد فيها دليل قطعى من الأمة اذ محل الاجتهاد المعتبر هى ما يتردد فيه بين طرفين ويظهر فى كل واحد منهما قصد الشارع فى الاثبات فى أحدهما والنفى فى الآخر فلم تنصرف البتة الى طرف النفى أو الى طرف الاثبات فلا يخلو فعل المكلف أو تركه من أن يأتى فيه خطاب من الشارع أولا فان لم يأت فيه خطاب كان على البراءة الأصلية على القول الراجح وان أتى فيها خطاب فاما أن يظهر فيه للشارع قصد فى النفى أو فى الاثبات أولا، فان لم يظهر له قصد البتة فهو قسم المتشابهات وان ظهر فتارة يكون قطعيا وتارة يكون غير قطعى، فأما القطعى فلا مجال للنظر فيه، بعد وضوح الحق فى النفى أو فى الاثبات، وليس محلا للاجتهاد، وهو قسم الواضحات لأنه واضح الحكم حقيقة والخارج عنه مخطئ قطعا، وأما غير القطعى فلا يكون كذلك الا مع دخول احتمال فيه أن يقصد الشارع معارضه أولا، فليس من الواضحات باطلاق بل بالاضافة الى ما هو أخفى منه كما أنه يعد غير واضح بالنسبة الى ما هو أوضح منه.
وكل المسائل التى وقع فيها الاختلاف انما وقع فيها لانها دائرة بين طرفين واضحين فحصل الاشكال والتردد وباحكام النظر فى هذا المعنى يترشح للناظر أن يبلغ درجة الاجتهاد لانه يصير بصيرا بمواضع الاختلاف جديرا بأن يتبين له الحق فى كل نازلة تعرض له ولاجل ذلك جاء فى حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يا عبد الله بن مسعود، قلت: لبيك يا رسول الله قال:
أتدرى أى الناس أعلم. قلت: الله ورسوله أعلم. قال: أعلم الناس أبصرهم بالحق اذا اختلف الناس وان كان مقصرا فى العمل»
(2)
اختلاف الصحابة
قال الشاطبى: ثبت أن الشريعة لا اختلاف فيها وانما جاءت حاكمة بين المختلفين فيها وفى غيرها من متعلقات الدين فكان ذلك عند الصحابة عاما فى الأصول والفروع حسبما اقتضته الظواهر المتضافرة والأدلة القاطعة، فلما جاءتهم مواضع الاشتباه، وكلوا ما لم يتعلق به عمل الى عالمه على مقتضى قوله تعالى «وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ» ولم يكن لهم بد من النظر فى متعلقات الأعمال، لأن الشريعة قد كملت، فلا يمكن خلو الوقائع عن أحكام الشريعة، فتحروا
(1)
لسان العرب لابن منظور مادة خلف وترتيب القاموس المحيط ح 2 ص 93 مادة خلف الطبعة الاولى سنة 1959 م فى مطبعة الرسالة.
(2)
الموافقات فى اصول الشريعة لابى اسحاق الشاطبى ح 4 ص 155، ص 156، ص 160، ص 161، ص 162 طبع المطبعة الرحمانية بمصر.
أقرب الوجوه عندهم الى أنه المقصود الشرعى والفطر والأنظار تختلف فوقع الاختلاف من هنا، فلو فرض أن الصحابة لم ينظروا فى المشتبهات الفرعية ولم يتكلموا فيها وهم القدوة فى فهم الشريعة والجرى على مقاصدها لم يكن لمن بعدهم أن يفتح ذلك الباب للأدلة الدالة على ذم الاختلاف، وأن الشريعة لا اختلاف فيها، ومواضع الاشتباه مظان الاختلاف فى اصابة الحق فيها، فكان المجال يضيق على من بعد الصحابة فلما اجتهدوا ونشأ من اجتهادهم فى تحرى الصواب الاختلاف سهل على من بعدهم سلوك الطريق، قال القاضى اسماعيل: انما التوسعة فى اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توسعة فى اجتهاد الرأى، واختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا
(1)
وقال القاسم بن محمد: لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم الا رأى أنه فى سعة، ورأى أن خيرا منه قد عمله، وعنه أيضا: أى ذلك أخذت به لم يكن فى نفسك منه شئ ومثل معناه مروى عن عمر بن عبد العزيز قال: ما يسرنى أن لى باختلافهم حمر النعم، قال القاسم:
لقد أعجبنى قول عمر بن عبد العزيز، ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنه لو كان قولا واحدا، كان الناس فى ضيق وانهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان فى سعة، وقال بمثل ذلك جماعة من العلماء
(2)
.
وقال ابن حزم الظاهرى بعد أن ذم الاختلاف الذى هو عنده ترك التعلق بحبل الله تعالى الذى هو القرآن وكلام النبى صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النص اليه وقيام الحجة به عليه، فان قال قائل ان الصحابة قد اختلفوا، وأفاضل الناس أفيلحقهم الذم.
قيل له كلا ما يلحق أولئك شئ من هذا، لأن كل امرئ منهم تحرى سبيل الله ووجهة الحق فالمخطئ منهم مأجور أجرا واحدا لنيته الجميلة فى ارادة الخير، وقد رفع عنهم الاثم فى خطئهم لأنهم لم يتعمدوه ولا قصدوه، ولا استهانوا بطلبهم، والمصيب منهم مأجور أجرين وهكذا كل مسلم فيما خفى عليه من الدين ولم يبلغه
(3)
.
أسباب الاختلاف
الكثير من الأحكام جاءت فى مصادر الشريعة مجملة تحتاج فى فهمها واستنباط الأحكام منها الى شئ من الفكر والتأمل، والعقل البشرى يختلف فى طاقته وقوته، ويتبع ذلك تفاوت الفقهاء فى فهم أسرار الشريعة وعللها وكان من أهم أسباب اختلاف الفقهاء ما لخصه الشاطبى فى كتاب ابن السيد فى أسباب الاختلاف. الواقع بين جملة الشريعة وحصرها فى ثمانية «أسباب» .
أحدها الاشتراك الواقع فى الالفاظ واحتمالها
(1)
الموافقات فى أصول الشريعة لابى اسحاق الشاطبى ح 4 ص 130 طبع المطبعة الرحمانية بمصر.
(2)
الموافقات فى أصول الشريعة لابى اسحاق الشاطبى ج 4 ص 125 الطبعة السابقة.
(3)
الإحكام فى أصول الإحكام لأبن حزم الاندلسى الظاهرى ح 5 من ص 64 الى ص 68 الطبعة الاولى سنة 1345 هـ مطبعة السعادة بمصر.
للتأويلات وجعله ثلاثة أقسام القسم الأول: اشتراك فى موضوع اللفظ المفرد كالقرء للحيض وللطهر. القسم الثانى:
اشتراك فى أحواله العارضة فى لتعريف نحو «وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ» لاحتمال لفظ يضار وقوع الضرر منهما أو عليهما. القسم الثالث:
«اشتراك من قبل التركيب نحو «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ» لما جاء من الاختلاف فى الفاعل هل هو الكلم أم العمل».
والثانى: دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز وجعله ثلاثة أقسام أيضا:
القسم الأول: ما يرجع الى اللفظ المفرد نحو «اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» .
القسم الثانى: ما يرجع الى أحواله نحو «بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ» .
القسم الثالث: ما يرجع الى جهة التركيب كايراد الممتنع بصورة الممكن وأشباهه مما يورد من أنواع الكلام بصورة غيره كالأمر بصورة الخبر.
والثالث: دوران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه كمسألة الجبر والقدر «فكل قائل بشئ منها استند الى دليل لم يلاحظ فيه دليل غيره» .
والرابع: دورانه بين العموم والخصوص نحو «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ» هل هو خبر بمعنى النهى، أو هو خبر حقيقى.
والخامس: اختلاف الرواية وله علل ثمانية.
والسادس: جهات الاجتهاد والقياس «الاختلاف فى أصل القياس وشروطه وما يجرى فيه الاجتهاد وما لا يجرى فيه» .
والسابع: دعوى النسخ وعدمه.
والثامن: ورود الأدلة على وجوه تحتمل الاباحة وغيرها كالاختلاف فى الأذان والتكبير على الجنائز ووجوه القراءات
(1)
.
ويمكن أن تضاف الى هذه الاسباب تفاوت الفقهاء فى حفظ السنة، ووجود الترجيح
(2)
واختلاف البيئة والعادة
(3)
اذ الوقائع بين الأشخاص والأناس غير متناهية.
الفرق بين الاختلاف والخلاف
تردد لفظ الخلاف والاختلاف على لسان الفقهاء والأصوليين بمعنى واحد غير أن بعضهم حاول أن يوجد فرقا بين الخلاف والاختلاف مريدا بالخلاف متابعة الهوى وبالاختلاف ما يقع من آراء للمجتهدين فى المسائل الدائرة بين طرفين واضحين يتعارضان فى أنظارهم أو الى خفاء بعض الأدلة أو عدم الاطلاع عليها. فالاختلاف فى الحقيقة انما هو نتيجة لتحرى المجتهد قصد الشارع وذلك باتباعه الأدلة على الجملة والتفصيل والبحث عنها. قال الشاطبى: فى بيان ما أراده من
(1)
الموافقات فى أصول الشريعة لابن اسحاق الشاطبى ح 4 من ص 211 الى ص 214 الطبعة السابقة.
(2)
كشف الاسرار للبخارى على أصول الامام البزدوى ح 4 ص 1196 طبع فى مكتب الصنايع سنة 1307 هـ.
(3)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد للامام ابن رشد الحفيد ح 1 ص 5 الطبعة الأولى سنة 1329 هـ مطبعة الجمالية بمصر.
الخلاف: الخلاف الذى هو فى الحقيقة خلاف ناشئ عن الهوى المضل لا عن تحرى قصد الشارع باتباع للأدلة على الجملة والتفصيل وهو الصادر عن أهل الاهواء واذا دخل الهوى أدى الى اتباع المتشابه حرصا على الغلبة والظهور باقامة العذر فى الخلاف وأدى الى الفرقة والتقاطع والعداوة والبغضاء لاختلاف الأهواء وعدم اتفاقها وانما جاء الشرع بحسم مادة الهوى باطلاق واذا صار الهوى بعض مقدمات الدليل لم ينتج الا ما فيه اتباع الهوى وذلك مخالفة الشرع ومخالفة الشرع ليست من الشرع فى شئ
(1)
والخلاف اجتهاد غير معتبر شرعا.
لأنه صادر عن ليس بعارف بما يفتقر اليه الاجتهاد لأن حقيقته أنه رأى لمجرد التشهى والأغراض وخبط فى عماية واتباع للهوى فكل رأى صدر على هذا الوجه فلا مرية فى عدم اعتباره لأنه ضد الحق الذى أنزل الله تعالى، ثم ذكر ما يفيد أن مما يعرض الخلاف مخالفة أصل قطعى من أصول الشريعة اذ قال المخالف فى أصل من أصول الشريعة العملية لا يقصر عن المخالف فى أصل من الأصول الاعتقادية فى هدم القواعد الشرعية
(2)
.
وقال عن بيان ما لا يعد خلافا فى نظره بالمعنى السابق ذكره ونعته بالاختلاف: ان ما يعتد به من الخلاف فى ظاهر الأمر يرجع فى الحقيقة الى الوفاق وبيان ذلك أن الشريعة راجعة الى قول واحد والاختلاف فى مسائلها راجع الى دورانها بين طرفين واضحين أيضا يتعارضان فى أنظار المجتهدين والى خفاء بعض الأدلة وعدم الاطلاع عليه. والأول هو التردد بين الطرفين. تحر لقصد الشارع المستبهم بينهما من كل واحد من المجتهدين واتباع للدليل المرشد الى تعرف قصده، وقال: فليس الاختلاف فى الحقيقة الا فى الطريق المؤدى الى مقصود الشارع الذى هو واحد
(3)
ومن ثم يتبين الفرق بين الخلاف بهذا الاستعمال والذى عرفه أهل اللغة بأنه المضادة وبين الاختلاف الذى سبق الكلام عنه ووضح أن الاختلاف ناشئ عن الاجتهاد المعتبر شرعا والخلاف ناشئ عن الهوى، وأن الآراء التى يتوصل اليها عن طريق النظر فى الأحكام الشرعية تدخل فى موضوع الاختلاف، إذا وقعت موقعها وصدرت عمن هو أهل لها، أما اذا كانت مخالفة للكتاب والسنة والاجماع أو قولا من غير دليل فلا تكون معتبرة، وتكون خلافا. (انظر.
اجتهاد. خلاف).
اختلاف المجتهدين وهل الحق عند كل
واحد أو هو كل ما وصل اليه
المجتهد باجتهاده
المسألة الظنية من الفقهيات اما أن يكون فيها نص أو لا فان لم يكن فيها نص فقد اختلفوا ولكل حجته فقال قوم كل مجتهد
(1)
الموافقات لابى اسحاق الشاطبى ح 4 ص 214 وص 220، ص 222 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ح 4 ص 167، ص 174، ص 175، ص 178 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ح 4 ص 220، ص 221 الطبعة السابقة.
فيها مصيب وأن حكم الله فيها لا يكون واحدا بل هو تابع لظن المجتهد فحكم الله فى حق كل مجتهد ما أدى اليه اجتهاده وغلب على ظنه وهو قول القاضى أبى بكر وأبى الهزيل والجبائى وابنه ورأى الغزالى والمزنى.
وذهب بشر المريسى وابن علية وأبو بكر الأصم ونفاة القياس كالظاهرية والإمامية الى أنه ما من مسألة الا والحق فيها متعين وعليه دليل قاطع فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ولا فاسق، ولأن الحكم فى كل واقعة لا يكون الا معينا، لأن الطالب يستدعى مطلوبا وذلك المطلوب هو الأشبه عند الله فى نفس الأمر بحيث لو نزل نص لكان نصا عليه والمختار أن الحق واحد من أصابه أصاب ومن أخطأه أخطأ. وهو رأى الأئمة الأربعة أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد ابن حنبل. وأكثر الفقهاء، وقد اتفق أهل الحق على أن الاثم محطوط عن المجتهدين فى الأحكام الشرعية، وحجتهم على ذلك ما تقل نقلا متواترا لا يدخله ريبة ولا شك وعلم علما ضروريا من اختلاف الصحابة فيما بينهم فى المسائل الفقهية - على ما سبق بيانه - ولم يصدر منهم نكير ولا تأثيم لأحد، فلو كانت المسائل الاجتهادية منزلة منزلة مسائل قطعية ومأثوما على المخالفة فيها لبالغوا فى الانكار والتأثيم ولتوفرت الدواعى على نقله، واستحالت العادة كتمانه، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم «اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وان أخطأ فله أجر واحد
(1)
».
اختلاف الامام والمأموم فى الصلاة
اختلاف الامام والمأموم يتحقق فى نية كل منهما بصلاة غير صلاة الآخر كما يتحقق فى اختلافهما من حيث البلوغ والعلم والذكورة والأنوثة والصلاة من قيام أو جلوس والطهارة من وضوء أو تيمم، ومن حيث الاتمام والقصر وغير ذلك وينص الأحناف على أنه: متى أمكن تضمين صلاة المقتدى فى صلاة الامام صح اقتداؤه به، وان لم تكن لا يصح اقتداؤه به، والشئ انما يتضمن ما هو مثله أو دونه ولا يتضمن ما هو فوقه
(2)
.
ويقولون: لا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل ويجوز اقتداء المتنفل بالمفترض لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة الخوف وجعل الناس طائفتين وصلى بكل طائفة شطر الصلاة لينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه ولو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل لأتم الصلاة بالطائفة الأولى ثم نوى النفل وصلى بالطائفة الثانية لينال كل طائفة فضيلة الصلاة خلفه من غير حاجة الى المشى وأفعال كثيرة ليست من الصلاة ولأن تحريمة الامام ما انعقدت لصلاة الفرض، والفرضية وان لم تكن صفة زائدة على ذات الفعل فليست راجعة الى الذات أيضا بل هى من الأوصاف الاضافية فلم يصح البناء من المقتدى بخلاف اقتداء المتنفل بالمفترض لأن النفلية ليست من باب الصفة بل هى عدم
(1)
الاحكام فى اصول الاحكام للامام العلامة سيف الدين الآمدى ح 4 ص 244، ص 247 مطبعة المعارف بمصر سنة 1332 هـ والموافقات للشاطبى ح 4 ص 124 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ح 1 ص 364 الطبعة الاولى.
اذ النفل عبارة عن أصل لا وصف له فكانت تحريمة الامام منعقدة لما يبنى عليه المقتدى وزيادة فصح البناء.
ولا يجوز اقتداء البالغين بالصبيان فى الفرائض لأن الفعل من الصبى لا يقع فرضا، فكان من اقتداء المفترض بالمتنفل
(1)
«انظر.
امام. مأموم».
اختلاف المطالع وأثره فى بدء
الصيام والفطر
يجمع علماء الأمة على ثبوت الشهور القمرية متى رؤى الهلال على تفصيل فى ذلك:
وهم يختلفون فيما اذا ثبتت رؤية الهلال ببلد هل تلزم هذه الرؤية سائر المسلمين أولا تلزمهم اعتبارا للاختلاف فى المطالع.
مذهب الحنفية:
أما الأحناف: فلهم رأيان فى المسألة قال الكمال واذا ثبت فى مصر لزم سائر الناس فيلزم أهل المشرق رؤية أهل المغرب فى ظاهر المذهب، وقيل يختلف باختلاف المطالع لأن السبب الشهر وانعقاده فى حق قوم لرؤيتهم القمر لا يستلزم انعقاده فى حق آخرين مع اختلاف المطالع وصار كما لو زالت أو غربت الشمس على قوم دون آخرين وجب على الأولين الظهر والمغرب دون أولئك. وجه الأول عموم الخطاب فى قوله تعالى «صوموا» معلقا لمطلق الرؤية فى قوله تعالى «لرؤيته» وبرؤية قوم يصدق عليه اسم الرؤية فيثبت ما تعلق به من عموم الحكم فيعم الجواب بخلاف الزوال وأخيه (أى العصر) فانه لم يثبت تعلق عموم الواجب بمطلق مسماه من الشارع، ومختار صاحب التحرير وغيره من المشايخ اعتبار اختلاف المطالع وأيد رأيهم بحديث كريب ان أم الفضل بعثته الى معاوية بالشام قال:
قدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة فى آخر الشهر فسألنى عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتموه؟. فقلت رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت:
أولا نكتفى برؤية معاوية وصومه فقال: لا.
هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «وشك أحد رواته فى نكتفى بالنون أو بالتاء» وذاك محتمل لكون المراد أن كل أهل مطلع مكلفون بالصوم لرؤيتهم، رواه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى، وقد قال ان الاشارة فى قوله هكذا الى نحو ما جرى بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحينئذ لا دليل فيه لأن مثل ما وقع من كلامه لو وقع لنا لم نحكم به لأنه لم يشهد على شهادة غيره ولا على حكم غير الحاكم، فان قيل: اخباره عن صوم معاوية يتضمنه لأنه الامام. يجاب بانه لم يأت بلفظ الشهادة ولو سلم فهو واحد، لا يثبت بشهادته وجوب
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 1 ص 143 الطبعة الاولى سنة 1327 هـ.
القضاء على القاضى، والأخذ بظاهر الرواية أحوط
(1)
.
مذهب المالكية:
أما المالكية: فعلى أن الصوم يعم سائر البلاد قريبا أو بعيدا، ولا يراعى فى ذلك مسافة قصر ولا اتفاق المطالع ولا عدمها، فيجب الصوم على كل منقول اليه ان نقل ثبوته بالعدلين أو بالمستفيضة
(2)
.
مذهب الشافعية:
والشافعية: يفصلون فاذا رؤى الهلال ببلد لزم حكمه البلد القريب منه قطعا كبغداد والكوفة. لانهما كبلدة واحدة كما فى حاضرى المسجد الحرام، دون البعيد فى الأصح كالحجاز والعراق والثانى فى البعيد أيضا، والبعيد مسافة القصر وصححه النووى فى شرحه مسلم لتعليق الشرع بها كثيرا من الأحكام، وقيل البعيد باختلاف المطالع. قلت: هذا أصح اذ أمر الهلال لا تعلق له بمسافة القصر.
ولما روى مسلم عن كريب «الحديث الوارد فى مذهب الأحناف» وقياسا على طلوع الفجر والشمس وغروبها ولأن المناظر تختلف باختلاف المطالع والعروض. أى خطوط الطول والعرض فكان اعتبارها أولى ولو شك فى اتفاقها فهو كاختلافها لأن الاصل عدم وجوبه، ولأنه انما يجب بالرؤية ولم يثبت فى حق هؤلاء لعدم ثبوت قربهم من بلد الرؤية، نعم لو بان الاتفاق لزمهم القضاء، والأوجه أن اختلاف المطالع تحديدية أى محددة بنقطة معينة. ونبه السبكى على أنها اذا اختلفت لزم من رؤيته بالبلد الشرقى رؤيته بالبلد الغربى من غير عكس. وتبعه الأسنوى وغيره أى حيث اتحدت الجهة والعرض واذا لم يوجب على أهل البلد الآخر وهو البعيد، فسار اليه من بلد الرؤية من صام به فالاصح أن يوافقهم حتما فى الصوم آخرا وان كان قد أتم ثلاثين لانه بالانتقال اليهم صار منهم، والثانى يفطر لأنه لزم حكم البلد الأول فيستمر عليه، ومن سافر من البلد الآخر الذى لم ير فيه الى بلد الرؤية عيد معهم حتما لما مر، سواء أصام ثمانية وعشرين بأن كان رمضان ناقصا عندهم فوقع عيده معهم فى التاسع والعشرين من صومه أم تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاما عندهم وقضى يوما ان صام ثمانية وعشرين اذ الشهر لا يكون كذلك
(3)
.
مذهب الحنابلة:
عدم اعتبار اختلاف المطالع عند رؤية بلد من البلاد للهلال وقالوا، يثبت هلال الصوم بقول عدل، وعنه (أى الامام أحمد ابن حنبل) يفتقر الى عدلين كبقية الشهور، ورؤية بعض البلاد رؤية لجميعها
(4)
.
وجاء فى المغنى لابن قدامة: ولنا قول الله تعالى {(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)} وقول النبى صلى الله عليه وسلم للأعرابى
(1)
تبيين الحقائق للزيلعى ح 1 ص 316، ص 317 الطبعة الاولى المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق سنة 1313 هـ.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للشيخ محمد عرفة ح 1 ص 510 طبع بدار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه.
(3)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى مع حاشية الشبراملسى ح 3 ص 153، ص 154 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى واولاده بمصر سنة 1357 هـ.
(4)
المحرر فى الفقه لمجد الدين ابى البرقات مع النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر ح 1 ص 228 مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ.
لما قال له: آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة قال: نعم. وقوله للآخر لما قال له ماذا فرض على من الصوم؟ قال: شهر رمضان، وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات فوجب صومه على جميع المسلمين ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين وقد ثبت أن هذا اليوم منه فى سائر الأحكام، فيجب صيامه بالنص والاجماع ولأن البينة العادلة شهدت برؤية الهلال فيجب الصوم، كما لو تقاربت البلدان، فأما حديث كريب (السابق وروده) فانما دل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده ونحن نقول به
(1)
.
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم: فان الذى يؤخذ من كلامه أنه لا يعتبر اختلاف المطالع اذ يقول
(2)
:
مذهب الزيدية:
ويذهب الزيدية الى أنه اذا تباعد قطران مسافة قصر واختلفا ارتفاعا وانحدارا، وكان كل واحد منهما اقليما ورؤى فى أحدهما لم يلزم الآخر حكمه لقول (ابن عباس) هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (حديث كريب).
قال صاحب البحر الزخار: وفيه نظر اذ لم يفصل دليل الرؤية ولعل قول (ابن عباس) لكون المخبر عن رؤيته كان واحدا
(3)
.
مذهب الإمامية:
اذا ثبت رؤية الهلال فى بلد آخر، لم يثبت فى بلده، فان كانا متقاربين كفى وكذلك اذا علم توافق أفقهما وان كانا متباعدين
(4)
.
مذهب الإباضية:
وينص الإباضية على أن البلاد. ان لم تختلف مطالعها كل الاختلاف وجب حمل بعضها على بعض وقيل كل بلد برؤيته ولو تقاربت
(5)
.
اختلاف الدين والميراث
اتفقت جميع المذاهب على أن غير المسلم لا يرث المسلم ولم ينعقد اجماعهم على العكس وان اتفقت أكثر المذاهب عليه.
مذهب الحنفية:
من موانع الارث اختلاف الدين فلا يرث الكافر من المسلم اجماعا، ولا المسلم من الكافر على قول على وزيد بن ثابت وجمهور الصحابة رضوان الله عليهم واليه ذهب علماؤنا وعلى رأى يرث من الكافر ولا يرث الكافر منه، واليه ذهب معاذ بن جبل:
(1)
المغنى لابن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم الخرفى ح 3 ص 827 مطبعة المنار بمصر الطبعة الثانية سنة 1347 هـ.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ح 6 ص 235 طبع ادارة الطباعة المنيرية.
(3)
البحر الزخار للامام المرتضى ح 2 ص 244، ص 245 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1366 هـ.
(4)
مستمسك العروة الوثقى للطباطبائى ح 8 ص 409 طبع مطبعة النجف الطبعة الثانية سنة 1377 هـ.
(5)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل لاطفيش ح 2 ص 182، ص 183 طبع محمد بن يوسف البارونى وشركاه.
ومعاوية بن أبى سفيان والحسن، ومحمد بن الحنفية، ومحمد بن على بن الحسن، ومسروق رضى الله عنهم ويرث المسلم من المرتد لأن ارث المسلم منه مستند الى حال اسلامه، ولذلك قال أبو حنيفة رضى الله عنه انه يرث منه ما اكتسبه فى زمان اسلامه، والكفار يتوارثون فيما بينهم
(1)
.
مذهب المالكية:
يقول المالكية لا يرث مخالف فى دين فلا يرث المسلم غيره ولا يرثه الغير، وكذلك يمنع الميراث اختلاف الدين بين الملل الأخرى كيهودى ونصرانى فلا يتوارثان
(2)
.
مذهب الشافعية:
ينص الشافعية على أنه لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم أصليا كان أو مرتدا لما روى أسامة بن زيد رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.
ويرث الذمى من الذمى وان اختلفت أديانهم لأن حقن دمهم بسبب واحد، فورث بعضهم من بعض
(3)
.
مذهب الحنابلة:
لا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما الا بالولاء وعن أحمد بن حنبل رضى الله عنه:
لا يتوارثان به أيضا فان أسلم الكافر قبل القسمة لميراث المسلم ورث عنه، وعنه (أى أحمد بن حنبل رضى الله عنه) أيضا لا يرث ولا يرث الكفار بعضهم بعضا وان اختلفت مللهم، وعنه أن اليهود ملة والنصرانية ملة وسائر الكفر ملة وأن كل ملة لا ترث الأخرى
(4)
.
والمرتد لا يرث أحدا الا أن يسلم قبل قسمة الميراث ففيه الروايتان فان مات أو قتل على ردته فماله فئ وعنه لورثته من المسلمين وعنه لورثته من أهل دينه الذى اختاره
(5)
.
مذهب الظاهرية:
وينص ابن حزم الظاهرى:
على أنه لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم والمرتد وغير المرتد سواء الا أن المرتد من وقت ردته يكون ما ظفر به من ماله لبيت مال المسلمين
(6)
.
مذهب الزيدية:
ويذهب الزيدية الى أنه لا توارث بين أهل ملتين اجماعا، لحديث أسامة بن زيد السابق ولقول النبى صلى الله عليه وسلم (لا توارث بين أهل ملتين) وفى ارث المسلم المرتد خلاف
(7)
.
مذهب الإمامية:
يقول الإمامية: يمنع الارث للمسلم الكفر بجميع أصنافه وان انتحل معه الاسلام فلا يرث الكافر وان لم يكن مؤمنا، والمسلم يرث الكافر ويمنع ورثته الكفار - وان قربوا وبعد - ولو لم يخلف المسلم قريبا
(1)
شرح السراجية للامام الجرجانى ص 121 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1363 هـ.
(2)
بلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ح 2 ص 475، ص 476.
(3)
المهذب لابى اسحاق الشيرازى ح 2 ص 24 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.
(4)
المحرر ح 1 ص 413 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ح 1 ص 413.
(6)
المحلى لابن حزم الظاهرى ح 9 ص 304 الطبعة السابقة.
(7)
البحر الزخار ح 5 ص 362 الطبعة السابقة.
مسلما كان ميراثه للمعتق ثم ضامن الجريرة أى مولى الموالاة ثم الامام ولا يرثه الكافر بحال، واذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته بين الورثة حيث يكونون متعددين شارك فى الارث بحسب حاله ان كان مساويا لهم فى المرتبة وانفرد بالارث ان كان أولى، ولو أسلم بعد القسمة أو كان الوارث واحدا فلا مشاركة، ولا يرث المرتد مسلما، ويرث المسلم الكافر أصليا أو مرتا
(1)
.
(انظر ارتداد)
مذهب الإباضية:
من موانع الارث اختلاف الملل، فلا يرث مشرك مسلما اجماعا ولا يرث مسلم مشركا عند الأكثر وهو المذهب، والكفر كله ملة واحدة والاسلام ملة فكل يهودى ونصرانى وصابئ ومجوسى وجاحد ووثنى يرث الآخر وهو المذهب فلا يرث المرتد ولا يورث لأنه لا موالاة بينه وبين غيره لتركه دين الاسلام وعدم تقريره على ما انتقل اليه
(2)
.
اختلاف الدين والوصية
اختلف العلماء حول الوصية مع اختلاف الدين فمنهم من أجازها ومنهم من أبطلها، ومنهم من فرق بين أن تكون من المسلم أو له على الوجه المبين بعد.
مذهب الحنفية:
فالحنفية يجيزون: الوصية للذمى من المسلم وللمسلم منه، قالوا: ويجوز أن يوصى المسلم للكافر والكافر للمسلم، فالأول لقول الله تعالى «لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» والثانى «لأنهم بعقد الذمة ساووا المسلمين فى المعاملات ولهذا جاز التبرع من الجانبين»
(3)
.
ولو أوصى لخلاف ملته جاز اعتبار الارث اذ الكفر كله ملة واحدة
(4)
.
مذهب المالكية:
والمالكية: يذهبون الى جواز الوصية للذمى روى ابن وهب من نذر صدقة على كافر لزمه، قال ابن رشد لاخلاف أن فى الوصية للذمى أجرا على كل حال، قال مالك:
تجوز وصية المسلم للكافر. وقاله ابن القاسم وقال اصبغ تجوز للذمى
(5)
وجاء فى الحطاب والدردير: تصح الوصية من كافر للمسلم بكل شئ يملكه الا ما يحرم على المسلم تملكه كالخمر والخنزير
(6)
.
مذهب الشافعية:
ويذهب الشافعية: الى جواز الوصية للذمى فقالوا: وان أوصى لذمى جاز لما روى أن صفية أوصت لأخيها بثلثها ثلاثين ألفا، وكان يهوديا ولأن الذمى موضع للقربة ولهذا يجوز التصدق عليه فجازت له الوصية
(7)
.
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ح 2 ص 296، 297 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1378 هـ.
(2)
شرح النيل ح 8 ص 261، ص 264 الطبعة السابقة.
(3)
الهداية شرح بداية المبتدى للمرغينانى ح 4 ص 172 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1355 هـ.
(4)
المرجع السابق ح 4 ص 190 الطبعة السابقة.
(5)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل ح 6 ص 368 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ مطبعة السعادة بمصر.
(6)
المرجع السابق ح 6 ص 365 وبلغة السالك ح 2 ص 431 الطبعات السابقة.
(7)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ح 6 ص 48 الطبعة السابقة والمهذب للشيرازى ح 1 ص 451 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
ويقول الحنابلة: تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وكافر معين
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: الوصية للذمى جائزة
(2)
مذهب الزيدية:
وينص الزيدية: على أنه تصح الوصية من المسلم للذمى وكذا وصية الذمى للمسلم
(3)
.
مذهب الإمامية:
والإمامية يقولون: تصح الوصية للذمى ولو كان أجنبيا وقيل لا يجوز مطلقا، ومنهم من خص الجواز لذوى الأرحام والأول أشبه
(4)
.
مذهب الإباضية:
والإباضية يترددون فى هذه المسألة بين الاجازة والمنع فيقولون: لا تصح الوصية مطلقا للمشرك وقيل تصح، ويقولون. وان أوصى لمن لا تجوز له كالمشركين فعلى الفقراء ولو جازت لمشرك بصلة للرحم وحقوق لهم وقيل بطلت لأنه ساقها معلقة لمن لا تجوز له وتكون ميراثا للورثة
(5)
.
اختلاف الدين والشهادة
مذهب الحنفية:
يذهب الأحناف الى أنه لا تجوز شهادة الذمى على المسلم لانه لا ولاية له بالاضافة اليه، ولأنه يتقول عليه لأنه يغيظ الذمى قهر المسلم له وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وان اختلفت مللهم
(6)
على تفصيل فى المذاهب. «انظر شهادة» .
اختلاف الدين والنسب
اختلف الفقهاء فيما اذا تنازع مسلم وذمى نسب صغير فادعاه كل منهما. انظر تفصيل المذاهب فى مصطلح «نسب» .
اختلاف الدارين
معنى الدارين. دار الاسلام ودار الكفر وانما تضاف الدار الى الاسلام أو الكفر لظهور الاسلام أو الكفر فيها بظهور أحكامهما أو بظهور الأمن والخوف
(7)
«انظر دار» .
مذهب الحنفية:
اختلاف الدار يكون حقيقة وحكما فمن موانع الارث عند الأحناف اختلاف الدارين حقيقة أو حكما، فالأول كالحربى والذمى.
اذا مات الحربى فى دار الحرب وله أب أو ابن ذمى فى دار الاسلام، أو مات الذمى فى دار الاسلام وله أب أو ابن فى دار الحرب لم يرث أحدهما الآخر فهما وان اتحدا ملة لكن لتباين الدارين حقيقة تنقطع الولاية بينهما فتنقطع الوراثة التى هى مبنية على الولاية، والثانى كالمستأمن والذمى أو المستأمنين من دارين مختلفين لأن الحربى اذا دخل فى دار الاسلام بأمان فهو والذمى فى دار واحدة حقيقة لكنهما فى دارين مختلفين حكما لأن المستأمن من أهل دار
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع ح 2 ص 507 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لابن حزم ح 9 ص 322 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار ح 4 ص 478، ص 479 الطبعة السابقة.
(4)
شرائع الاسلام للمحقق المحلى ح 1 ص 262،
(5)
شرح النيل ح 6 ص 222، ص 281، ص 282 الطبعة السابقة.
(6)
الهداية ح 3 ص 91 الطبعة السابقة.
(7)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 7 ص 130، ص 131 الطبعة السابقة.
الحرب حكما بخلاف الذمى فلا توارث بينهما
(1)
.
مذهب المالكية:
يقول المالكية: ان مات المؤمن عندنا فما له لوارثه ان كان معه وارثه والا يكن معه أرسل المال له بأرضهم، ان كان دخل عندنا لقضاء مصالحه من تجارة أو غيرها لا على الاقامة ولم تطل اقامته عندنا، والا بأن دخل على الاقامة أو على التجهيز لقضاء مصالحه وطالت اقامته عندنا فماله فئ لبيت مال المسلمين، وان مات فى بلده وكان له عندنا نحو وديعة فانها ترسل لوارثه
(2)
.
مذهب الشافعية:
ينص الشافعية: على أنه لا يرث الحربى من الذمى ولا الذمى من الحربى لأن الموالاه انقطعت بينهما فلم يرث أحدهما من الآخر
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يقول الحنابلة: يتوارث الذمى والمستأمن، والمستأمن والحربى، وكذلك الذمى والحربى، وقال أكثر أصحابنا لا يتوارثان
(4)
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى فيقول لا يملك أهل الكفر الحربيون مال مسلم بميراث ويملك الحربيون مال الذمى الكافر بالميراث
(5)
.
مذهب الزيدية:
وينص الزيدية: على أن دار الحرب دار اباحة يملك كل ما فيها
(6)
.
مذهب الإمامية:
يقول الإمامية: ولا يرث ذمى ولا حربى ولا مرتد مسلما، ويرث المسلم الكافر أصليا أو مرتدا
(7)
.
مذهب الإباضية:
يقول الإباضية: المسلم يغنم مال الحربى ولا يرثه
(8)
.
اختلاف الدار والوصية
مذهب الحنفية:
ينص الأحناف على أن الوصية الحربى لا تجوز، أجازت الورثة أم لم تجز كان الموصى مسلما أم ذميا لأن التبرع بتمليك المال اياه يكون اعانة له على محاربتنا
(9)
.
وتجوز الوصية للحربى المستأمن وروى عن أبى حنيفة أنه لا يجوز لأنه مستأمن من أهل الحرب اذ هو على قصد الرجوع ويمكن منه ولا يمكن من زيادة المقام على السنة الا بالجزية
(10)
.
وتصح الوصية من الحربى المستأمن اذا أوصى للمسلم أو الذمى غير أنه اذا دخل وارثه معه فى دار الاسلام وأوصى بأكثر من الثلث وقف مازاد على الثلث على اجازة وارثه، لأنه بالدخول مستأمنا التزم أحكام
(1)
السراجية ص 22، ص 23 الطبعة السابقة.
(2)
بلغة السالك ح 1 ص 335 الطبعة السابقة.
(3)
المهذب للشيرازى ح 2 ص 24 الطبعة السابقة.
(4)
المحرر ح 1 ص 413 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ح 7 ص 300 الطبعة السابقة.
(6)
البحر الزخار ح 5 ص 407 الطبعة السابقة
(7)
شرائع الاسلام ح 2 ص 181 الطبعة السابقة.
(8)
شرح النيل ح 8 ص 261.
(9)
بدائع الصنائع ح 7 ص 340، 341 الطبعة
(10)
الهداية ح 4 ص 190 الطبعة السابقة.
الاسلام أو ألزم به من غير التزامه لامكان اجراء الأحكام عليه مادام فى دار الاسلام وان لم يكن له وارث أصلا تصح من جميع المال وكذلك اذا كان له وارث لكنه فى دار الحرب، ولو أوصى الذمى لحربى فى دار الاسلام لا يجوز لأن الارث ممتنع لتباين الدارين والوصية أخته
(1)
.
مذهب المالكية:
والمالكية: يذهبون فى قول أصبغ الى عدم جواز الوصية للحربى وفى قول عبد الوهاب الى جوازها
(2)
.
مذهب الشافعية:
والشافعية: على وجهين فقول بعدم صحة الوصية للحربى وهو قول أبى العباس بن القاص لأن القصد بالوصية نفع الموصى له، وقد أمرنا بقتل الحربى وأخذ ماله فلا معنى للوصية له.
والثانى يصح وهو المذهب لأنه تمليك يصح للذمى فصح للحربى كالبيع
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: تصح الوصية للحربى
(4)
مذهب الزيدية:
وأما الزيدية: فينصون على أنه لا تصح الوصية للمحاربين
(5)
.
مذهب الإمامية:
وأما الإمامية: فيقولون فى الوصية للحربى تردد أظهره المنع
(6)
.
اختلاف الدارين والشهادة:
مذهب الحنفية:
يذهب الأحناف الى أنه لا تقبل شهادة الحربى للمستأمن على الذمى لأنه لا ولاية له عليه لأن الذمى من أهل دارنا وهو أعلى حالا منه وتقبل شهادة الذمى عليه كشهادة المسلم عليه وعلى لذمى
(7)
.
وتقبل شهادة المستأمنين بعضهم على بعض اذا كانوا من أهل دار واحدة فان كانوا من دارين لا تقبل لأن اختلاف الدارين يقطع الولاية ولهذا يمنع التوارث بخلاف الذمى فانه من أهل دارنا
(8)
«انظر شهادة» .
أحكام مختلفة
وهناك أحكام تختلف باختلاف الدارين منها:
مذهب الحنفية:
عند الأحناف أن المسلم اذا زنى فى دار الحرب أو سرق أو شرب الخمر أو قذف مسلما لا يؤخذ بشئ من ذلك لأن الامام لا يقدر على اقامة الحدود فى دار الحرب لعدم الولاية ولو فعل شيئا من ذلك ثم رجع الى دار الاسلام لا يقام عليه الحد أيضا لأن الفعل لم يقع موجبا أصلا، ولو فعل فى دار الاسلام ثم هرب الى دار الحرب يؤخذ به لأن الفعل وقع موجبا للاقامة فلم يسقط بالهرب الى دار الحرب، وكذلك اذا قتل مسلما لا يؤخذ بالقصاص وان كان عمدا لتعذر الاستيفاء الا بالمنعة اذ الواحد يقاوم الواحد والمنعة منعدمة، ولأن كونه فى دار الحرب أدرأت شبهة فى الوجوب، والقصاص لا يجب
(1)
بدائع الصنائع ح 7 ص 335 الطبعة السابقة والهداية ح 4 ص 190 الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل الشهير بالحطاب ح 6 ص 368 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج ص 48 الطبعة السابقة، والمهذب للشيرازى ح 1 ص 451 الطبعة السابقة.
(4)
المحرر ح 1 ص 383 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار ح 5 ص 309 الطبعة السابقة.
(6)
شرائع الاسلام ح 1 ص 262، ص 263 الطبعة السابقة.
(7)
الهداية للمرغينانى ح 3 ص 91 الطبعة السابقة
(8)
المرجع السابق ح 3 ص 91.
مع الشبهة ويضمن الدية خطأ كان أو عمدا وتكون فى ماله لا على العاقلة.
واذا دخل مسلم أو ذمى دار الحرب بأمان فعاقد حربيا عقد الربا أو غيره من العقود الفاسدة فى حكم الاسلام جاز عند أبى حنيفة ومحمد وكذلك لو كان أسيرا فى أيديهم أو أسلم فى دار الحرب ولم يهاجر الينا فعاقد حربيا وقال أبو يوسف لا يجوز للمسلم فى دار الحرب الا ما يجوز له فى دار الاسلام، ولو كانا أسيرين أو دخلا بأمان للتجارة فتعاقدا عقد الربا أو غيره من البياعات الفاسدة لا يجوز بالاتفاق، واذا دخل مسلم دار الحرب بأمان فأدانه حربى أو دان حربيا ثم خرج المسلم وخرج الحربى مستأمنا فان القاضى لا يقضى لواحد منهما على صاحبه بالدين وكذلك لو غصب أحدهما شيئا لا يقضى بالغصب لأن المداينة فى دار الحرب وقعت هدرا لانعدام ولايتنا عليهم وانعدام ولايتهم أيضا فى حقنا وكذا غصب كل واحد منهما مالا غير معصوم صادفه فلم ينعقد سببا لوجوب الضمان، ولو استولد أمته فى دار الحرب صح استيلاده اياها لو خرج الينا بها الى دار الاسلام لا يجوز بيعها لأن الاستيلاد اكتساب ثابت النسب للولد والحربى من أهل ذلك واذا ثبت النسب صارت أم ولد فخرجت عن محلية البيع لكونها حرة من وجه
(1)
.
(انظر. سرقة. قتل. شرب. حد)
اختيار
تعريف الاختيار فى اللغة:
الاختيار فى اللغة الاصطفاء والانتقاء أى طلب خير الأمرين أو الأمور، وبالمعنى الوصفى يقابل الاكراه
(2)
.
تعريف الاختيار شرعا
والاختيار عند الحنفية كما يعرفه صاحب كشف الأسرار
(3)
الاختيار هو القصد الى مقدور متردد بين الوجود والعدم داخل فى قدرة الفاعل بترجيح أحد الجانبين على الآخر، فهو مجرد ارادة العبارة أو ما يقوم مقامها باعتبار أنها سبب عادى لانشاء العقد وأداة شرعية بوجوده سواء وجدت الرغبة فى انشاء العقد أم لم توجد، ويتم الاختيار عندهم بترجيح فعل الشئ على عدم فعله أو العكس ويرون أن الاختيار قد يكون صحيحا عن ميل ورغبة وقد يكون دفعا لشر أعظم أو اختيار لأخف الضررين، وهم لهذا يفرقون بينه وبين الرضا فيستعملون الاختيار بمعنى القصد الى الشئ بصرف النظر عن الرغبة فى آثاره أو الرغبة عنه أما الرضا فيستعمل فى القصد الى الشئ مع الرغبة فى آثاره فقد عرفه صاحب كشف الأسرار
(4)
بأنه امتلاء الاختيار وبلوغه نهايته بحيث يفضى أثره الى الظاهر من ظهور البشاشة فى الوجه ونحوها فهو ارتياح النفس وانبساطها عن
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 7 ص 131، ص 132 الطبعة السابقة.
(2)
لسان العرب لأبن منظور مادة خير طبع بيروت وترتيب القاموس المحيط ح 2 ص 125 طبعة أولى سنة 1959.
(3)
كشف الاسرار لعبد العزيز البخارى على أصول الامام فخر الاسلام البزدوى ح 4 ص 1503 طبع مكتب الصنايع سنة 1307 هـ.
(4)
المرجع السابق ح 4 ص 1502 الطبعة السابقة.
عمل ترغب فيه، وهو الرغبة فى آثار العقد من ترتب الحكم الشرعى عليه عند وجوده وانشائه، ويتضح من هذا أن الرضا دائما يشمل الاختيار دون العكس فقد يوجد الاختيار دون الرضا كعقد الهازل والمكره فكلاهما تحقق معه الاختيار دون الرضا لأن وجود الهزل ينافى الرضا بالحكم كما يقول البزدوى
(1)
ويقول صاحب الهداية عن المكره: انه عرف الشرين واختار أهونهما
(2)
وقد ترتب على التفرقة بين الرضا والاختيار عند الحنفية وجود قسم من العقود لم يوجد عند غيرهم وهو العقد الفاسد فاذا تحقق الاختيار دون الرضا انعقد العقد فاسدا عندهم، وينقلب صحيحا اذا تحقق الرضا فى الوقت المناسب واذا لم يتحقق شئ من الرضا والاختيار كان العقد باطلا أما اذا تحقق الرضا وهذا يستتبع تحقق الاختيار حتما فان العقد يكون صحيحا
(3)
.
الاختيار بين الرخصة والعزيمة
جاء فى الموافقات أن لفظ التخيير مفهوم منه قصد الشارع الى تقرير الاذن فى طرفى الفعل والترك وأنهما على سواء فى قصد الشارع، ثم قال: وان قلنا الرخصة مخير فيها حقيقة لزم أن تكون مع مقتضى العزيمة من الواجب المخير، واذا فرعنا على أن الرخصة مباحة بمعنى التخيير بينها وبين العزيمة صارت العزيمة معها من الواجب المخير أيضا اذ صار هذا المترخص يقال له: ان شئت فافعل العزيمة وان شئت فاعمل بمقتضى الرخصة وما عمل منهما فهو الذى وقع واجبا فى حقه وحيث قيل بالتخيير بين الأخذ بالعزيمة والأخذ بالرخصة فللترجيح بينهما مجال رحب وهو محل نظر وعندئذ يكون للمكلف حق الاختيار بينهما يختار أيهما رآه خيرا
(4)
وقد طبق الفقهاء مبدأ الرخصة بمعنى التخيير بين الفعل والترك فجاء فى المهذب الشافعى
(5)
بالنسبة للفطر فى السفر: ان كان السفر أربعة فله أى للمسافر حق الاختيار فى أن يصوم وأن يفطر لما روت عائشة رضى الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمى قال يا رسول الله أصوم فى السفر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان شئت فصم وان شئت فافطر، فان كان ممن لا يجهده الصوم فى السفر فالأفضل أن يصوم لما روى عن أنس رضى الله تعالى عنه أنه قال للصائم فى السفر: ان أفطرت فرخصة وان صمت فهو أفضل، وبالنسبة للصلاة قال الشافعية اذا كان السفر مسيرة ثلاثة أيام فالقصر أفضل من الاتمام لما روى عمران بن الحصين قال حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يصلى ركعتين ركعتين وسافرت مع أبى بكر رضى الله تعالى عنه فكان يصلى ركعتين حتى ذهب وسافرت مع عمر رضى الله تعالى عنه فكان يصلى ركعتين حتى ذهب وسافرت مع عثمان رضى الله تعالى عنه فصلى ركعتين ست سنين ثم أتم بمنى فكان اقتداؤهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فان ترك
(1)
المرجع السابق ح 4 ص 1488 الطبعة السابقة
(2)
فتح القدير للكمال ابن الهمام على الهداية ح 3 ص 39 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر طبعة أولى سنة 1316 هـ.
(3)
كشف الاسرار ح 4 من ص 1506 الى ص 1510 الطبعة السابقة.
(4)
الموافقات فى اصول الشريعة لابى اسحاق الشاطبى ح 1 ص 146، 147 ومن ص 318 الى ص 351 طبع المكتبة التجارية.
(5)
المهذب لابى اسحاق الشيرازى ح 1 ص 172 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
القصر وأتم جاز لما روت عائشة رضى الله تعالى عنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت يا رسول الله أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال أحسنت يا عائشة، ولأنه تخفيف أبيح للسفر فجاز تركه كالمسح على الخفين ثلاثا
(1)
.
وهناك تفصيل للمذاهب فى هذا ينظر فى «رخصة، وعزيمة» .
الاختيار فى النكاح
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: لو تزوج كافر بخمس نسوة أو بأختين ثم أسلم فان كان تزوجهن فى عقدة واحدة فرق بينه وبينهن، وان كان تزوجهن فى عقود متفرقة صح نكاح الأربع وبطل نكاح الخامسة، وكذا فى الأختين يصح نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد يختار من الخمس أربعا ومن الأختين واحدة سواء تزوجهن فى عقدة واحدة أو فى عقد استحسانا، واحتج محمد بما روى أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعا منهن، وروى أن قيس بن الحارث أسلم وتحته ثمان نسوة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا، وروى أن فيروز الديلمى أسلم وتحته أختان فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستفسر أن نكاحهن كان دفعة واحدة أو على الترتيب ولو كان الحكم يختلف لاستفسر فدل أن حكم الشرع فيه هو التخيير مطلقا ولأبى حنيفة وأبى يوسف أن الجمع محرم على المسلم والكافر جميعا لأن حرمته ثبتت لمعنى معقول وهو خوف الجور فى ايفاء حقوقهن والافضاء الى قطع الرحم، وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين المسلم والكافر الا أنه لا يتعرض لأهل الذمة مع قيام الحرمة لأن ذلك ديانتهم وهو غير مستثنى من عهودهم وقد نهينا عن التعرض لهم عن مثله بعد اعطاء الذمة وليس لنا ولاية التعرض لأهل الحرب فاذا أسلم فقد زال المانع فلا يمكن من استيفاء الجمع بعد الاسلام فاذا كان تزوج الخمس فى عقدة واحدة فقد حصل نكاح كل واحدة منهن جميعا اذ ليست احداهن بأولى من الأخرى والجمع محرم وقد زال المانع من التعرض فلا بد من الاعتراض بالتفريق وكذلك اذا تزوج الأختين فى عقدة واحدة لأن نكاح واحدة منهما جعل جمعا اذ ليست احداهما بأولى من الأخرى، والاسلام يمنع من ذلك ولا مانع من التفريق فيفرق فأما اذا كان تزوجهن على الترتيب فى عقود متفرقة فنكاح الأربع منهن وقع صحيحا لأن الحر يملك التزوج بأربع نسوة مسلما كان أو كافرا ولم يصح نكاح الخامسة لتحقق الجمع بها مع أربع قبلها فيفرق بينهما بعد الاسلام وكذلك اذا كان تزوج الأختين فى عقدتين فنكاح الأولى وقع صحيحا اذ لا مانع من الصحة وبطل نكاح الثانية لتحقق الجمع بها بين الأختين فلا بد من التفريق بعد الاسلام، وأما الأحاديث ففيها اثبات الاختيار للزوج المسلم لكن ليس فيها أن له أن يختار ذلك بالنكاح الأول أو بنكاح جديد فاحتمل أنه أثبت له الاختيار لتجدد
(1)
المرجع السابق ح 1 ص 102 الطبعة السابقة.
العقد عليهن ويحتمل أنه أثبت له الاختيار ليمسكهن بالعقد الأول فلا يكون حجة مع الاحتمال مع أنه قد روى أن ذلك قبل تحريم الجمع فانه روى فى الخبر أن غيلان أسلم وقد كان تزوج فى الجاهلية وروى عن مكحول أنه قال: كان ذلك قبل نزول الفرائض، وتحريم الجمع ثبت بسورة النساء الكبرى وهى مدنية، وروى أن فيروز لما هاجر إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال له: ان تحتى أختين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فطلق احداهما ومعلوم أن الطلاق انما يكون فى النكاح الصحيح فدل أن ذلك العقد وقع صحيحا فى الأصل فدل أنه كان قبل تحريم الجمع ولا كلام فيه
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ومن أسلم على أكثر من أربع زوجات فانه يختار أربعا منهن ان كن مجوسيات وأسلمن معه أو كتابيات وبقين على دينهن وسواء تزوجهن فى عقد واحد أو عقود بنى بهن أو ببعضهن أو لم يبن أصلا وسواء كانت الأربع المختارات هن الأواخر أولا، وان شاء اختار أقل من أربع أو لم يختر شيئا منهن وكذلك يجب على الزوج أن يختار احدى اثنتين ممن يحرم الجمع بينهما كالأختين والمرأة وعمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو بنت أختها اذا أسلم عليهما مطلقا أى من نسب أو رضاع وسواء كانا فى عقد واحد أو عقدين وسواء دخل بهما أو باحداهما أولا، كذلك يجب على الزوج أن يختار بين أم وابنتها اذا كان لم يمسهما أى فى حال كفره وانما عقد عليهما فى الكفر عقدا واحدا أو عقدين وأسلمتا معه أو كانتا كتابيتين وأسلم عليهما فانه فى هذه الحالة يختار من شاء منهما لأن العقد الفاسد لا أثر له والا لحرمت الأم مطلقا، فان مسهما أى تلذذ بهما فلا اختيار له وحرمتا - الأم وابنتها - أبدا لأنه وط ء شبهة وهو ينشر الحرمة، وان مس احداهما تعينت ان اختار بقاء واحدة أى تعينت الممسوسة للبقاء ان اختارها وحرمت الأخرى أبدا فان كانت الممسوسة البنت تعين بقاؤها وحرمت عليه الأم اتفاقا، وان كانت الممسوسة الأم فعلى مذهب المدونة أن له أن يختار احداهما، ومن أسلم على أكثر من أربع زوجات فطلق واحدة منهن أو أكثر الى أربع عد بطلاقه مختارا لمن طلق واحدة أو أكثر فليس له أن يختار بعد ذلك الا ما يكمل له أربعا بحيث اذا كان طلق أربعا منهن لم يكن له اختيار بعد ذلك اذ الطلاق لا يكون الا للزوجات فطلاقه يكون اختيارا لهن وكما يعتبر الاختيار بالطلاق فانه يعتبر بالايلاء لأن الايلاء لا يكون الا فى الزوجة وكذلك يعتبر اللعان من الرجل فقط اختيارا، ويعتبر الاختيار أيضا بالوط ء فمتى وط ء بعد اسلامه واحدة أو تلذذ بها ممن أسلمن أو كن كتابيات وبقين على دينهن اعتبر مختارا لها بالوط ء وسواء نوى الاختيار أم لا، فان وطئ أكثر من أربع فالعبرة بمن وطئ أولا ويعتبر الاختيار أيضا بالفسخ فلو قال من أسلم:
فسخت نكاح فلانة فان فسخه يعد فراقا
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 2 ص 314، ص 315 مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر الطبعة الاولى سنة 1327 هـ والمبسوط لشمس الدين السرخسى ح 5 ص 53 وما بعدها طبعة الساسى بمطبعة السعادة الطبعة الاولى سنة 1324 هـ.
وعليه أن يختار غيرها، ومن اختار أربعا فظهر أن المختارات ممن يحرم الجمع بينهن فيجب عليه أن يختار غيرهن أو أن يختار من اللاتى فارقهن ثلاثة ويختار واحدة ممن ظهر أنهن ممن يحرم الجمع بينهن وهذا ما لم يتزوجن
(1)
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ان أسلم الحر وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه لزمه أن يختار أربعا منهن لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنه أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا، ولأن ما زاد على أربع لا يجوز اقرار المسلم عليه فان امتنع أجبر عليه بالحبس والتعزير لأنه حق توجه عليه لا تدخله النيابة فان أغمى عليه فى الحبس خلى الى أن يفيق لأنه خرج عن أن يكون من أهل الاختيار فخلى كما يخلى من عليه دين اذا أعسر فان أفاق أعيد الى الحبس والتعزير الى أن يختار ويؤخذ بنفقة جميعهن الى أن يختار لأنهن محبوسات عليه بحكم النكاح والاختيار أن يقول اخترت نكاح هؤلاء الأربع فينفسخ نكاح البواقى أو يقول اخترت فراق هؤلاء فيثبت نكاح البواقى وان طلق واحدة منهن كان ذلك اختيارا لنكاحها، وان ظاهر منها أو آلى لم يكن ذلك اختيارا لأنه قد يخاطب به غير الزوج وان وطئ واحدة ففيه وجهان أحدهما أنه اختيار لأن الوط ء لا يجوز الا فى ملك فدل على الاختيار والثانى وهو الصحيح أنه ليس باختيار لأنه اختيار للنكاح فلم يجز بالوط ء كالرجعة. وان أسلم ثم ارتد لم يصح اختياره وان أسلم وأحرم فالمنصوص أنه يصح اختياره ومن أصحابنا من جعلها على قولين. أحدهما لا يصح كما لا يصح نكاحه والثانى: يصح كما تصح رجعته ومنهم من قال ان أسلم ثم أحرم ثم أسلمن لم يجز أن يختار قولا واحدا لأنه لا يجوز أن يبتدئ النكاح وهو محرم فلا يجوز أن يختاره وحمل النص عليه، واذا أسلم ثم أسلمن ثم أحرم فان له الخيار لأن الاحرام طرأ بعد ثبوت الخيار وان مات قبل أن يختار لم يقم وارثه مقامه لأن الاختيار يتعلق بالشهوة فلا يقوم فيه غيره مقامه، وتجب على جميعهن العدة. وان أسلم وتحته أختان أو امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها، وأسلمتا معه لزمه أن يختار احداهما لما روى أن ابن الديلمى أسلم وتحته أختان فقال له النبى صلى الله عليه وسلم.
اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى.
وان أسلم وتحته أم وبنت وأسلمتا معه لم يخل اما أن لا يكون قد دخل بواحدة منهما أو دخل بهما أو دخل بالأم دون البنت أو بالبنت دون الأم، فان لم يكن دخل بواحدة منهما ففيه قولان أحدهما: يمسك البنت وتحرم الأم وهو اختيار المزنى لأن النكاح فى الشرك كالنكاح الصحيح بدليل أنه يقر عليه والأم تحرم بالعقد على البنت وقد وجد العقد والبنت لا تحرم الا بالدخول بالأم ولم يوجد دخول، والصحيح أنه يختار من شاء منهما لأن عقد الشرك انما تثبت له الصحة اذا انضم اليه الاختيار فاذا لم ينضم اليه الاختيار فهو كالمعدوم ولهذا لو أسلم
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ح 2 من ص 1271 الى ص 274 طبع دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه.
وعنده اختان واختار احداهما جعل كأنه عقد عليها ولم يعقد على الأخرى فاذا اختار الأم صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على البنت. واذا اختار البنت صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على الأم فعلى هذا اذا اختار البنت حرمت الأم على التأبيد لأنها أم امرأته وان اختار الأم حرمت البنت تحريم جمع لأنها بنت امرأة لم يدخل بها وان دخل بها حرمت البنت بدخوله بالأم، وأما الأم فان قلنا انها تحرم بالعقد على البنت حرمت لعلتين بالعقد على البنت وبالدخول بها، وان قلنا انها لا تحرم بالعقد حرمت بعلة واحدة وهى الدخول
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: الحر اذا أسلم ومعه أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه أو كن كتابيات أمسك أربعا منهن وليس له امساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه سواء تزوجن فى عقد أو فى عقود، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر لما روى قيس بن الحارث قال: أسلمت وتحتى ثمان نسوة فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت له ذلك فقال: اختر منهن أربعا، ويجب عليه أن يختار أربعة فما دون ويفارق باقيهن أو يفارق الجميع لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر غيلان وقيسا بالاختيار وأمره يقتضى الوجوب ولأن المسلم لا يجوز اقراره على نكاح أكثر من أربع فاذا أبى أجبر بالحبس والتعزير الى أن يختار لأن هذا حق عليه يمكن ايفاؤه، وهو ممتنع منه فأجبر عليه كايفاء الدين، وليس للحاكم أن يختار عنه كما يطلق على المولى اذا امتنع من الطلاق لأن الحق ها هنا لغير معين، وانما تتعين الزوجات باختياره وذلك لا يعرفه الحاكم بخلاف المولى فان الحق لمعين يمكن الحاكم ايفاؤه، فان جن خلى حتى يعود عقله ثم يجبر على الاختيار وعليه نفقة الجميع الى أن يختار لأنهن محبوسات عليه ولأنهن فى حكم الزوجات أيتهن اختار جاز ومن مات قبل أن يختار لم يقم وارثه مقامه.
ولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع ثم أسلموا جميعا لم يكن له الاختيار قبل بلوغه فانه لا حكم لقوله، وليس لأبيه الاختيار عنه لأن ذلك حق يتعلق بالشهوة فلا يقوم غيره مقامه فيه فاذا بلغ الصبى كان له أن يختار حينئذ وعليه النفقة الى أن يختار وصفة الاختيار أن يقول: اخترت نكاح هؤلاء أو اخترت هؤلاء أو أمسكتهن أو اخترت حبسهن أو امساكهن أو نكاحهن أو أمسكت نكاحهن أو ثبت نكاحهن أو أثبتهن، وان قال لما زاد على أربع فسخت نكاحهن كان اختيارا للأربع، وان طلق احداهن كان اختيارا لها لأن الطلاق لا يكون الا فى زوجة، وان قال قد فارقت هؤلاء أو اخترت فراق هؤلاء فان لم ينو الطلاق كان اختيارا لغيرهن لقول النبى صلى الله عليه وسلم لغيلان: اختر منهن أربعا وفارق سائرهن.
(1)
المهذب ح 2 من ص 52 الى ص 55.
وان وطئ احداهن كان اختيارا لها فى قياس المذهب لأنه لا يجوز الا فى ملك فيدل على الاختيار، وان آلى من واحدة منهن أو ظاهر منها لم يكن اختيارا لها لأنه يصح فى غير زوجة فى أحد الوجهين وفى الآخر يكون اختيارا لها لأن حكمه لا يثبت فى غير زوجة، وان قذفها لم يكن اختيارا لها لأنه يقع فى غير زوجة.
واذا أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم أربع منهن فله اختيارهن وله الوقوف الى أن يسلم البواقى، فان مات اللائى أسلمن ثم أسلم الباقيات فله اختيار الميتات وله اختيار الباقيات وله اختيار بعض هؤلاء، وبعض هؤلاء لأن الاختيار ليس بعقد، وانما هو تصحيح للعقد الأول فيهن، والاعتبار فى الاختيار بحال ثبوته وحال ثبوته كن أحياء، وان أسلمت واحدة منهن فقال اخترتها جاز، فاذا اختار أربعا على هذا الوجه انفسح نكاح البواقى.
واذا أسلم ثم أحرم بحج أو عمرة ثم أسلمن فله الاختيار لأن الاختيار استدامة النكاح وتعيين المنكوحة فليس ابتداء له، وقال القاضى: ليس له الاختيار، ولنا أنه استدامة نكاح لا يشترط له رضاء المرأة ولا ولى ولا شهود، ولا يتجدد به مهر فجاز فى الاحرام.
واذا أسلمن معه ثم متن قبل اختياره فله أن يختار منهن أربعا فيكون له ميراثهن لأنهن متن وهن نساؤه، ولا يرث الباقيات لأنهن ليس بزوجات له، وان لم يسلم من البواقى غير الأربعة لزم النكاح فى الميتات وله ميراثهن.
وان تزوج اختين ودخل بهما ثم أسلم وأسلمتا معه فاختار احداهما لم يطأها حتى تنقضى عدة أختها لئلا يكون واطئا لاحدى الأختين فى عدة الأخرى، وكذلك اذا أسلم وتحته أكثر من أربع قد دخل بهن فأسلمن معه وكن ثمانيا فاختار أربعا منهن وفارق أربعا لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضى عدة المفارقات، فكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وط ء واحدة من المختارات.
ولو أسلم وتحته أختان اختار منهما واحدة. لما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول الله انى أسلمت وتحتى أختان قال: طلق أيهما شئت، ولأن أنكحه الكفار صحيحة، وانما حرم الجمع فى الاسلام، وهكذا الحكم فى المرأة وعمتها أو خالتها لأن المعنى فى الجميع واحد
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: ولا يحل لأحد أن يتزوج أكثر من أربع نسوة اماء أو حرائر أو بعضهن حرائر أو بعضهن اماء برهان ذلك قول الله عز وجل «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» ثم أورد
(1)
المغنى لابن قدامة والشرح الكبير على متن المقنع ح 7 من ص 540 الى ص 557 طبع مطبعة المنار بمصر طبعة اولى سنة 1345 هـ وكشاف القناع مع شرح منتهى الارادات ح 3 ص 71 طبع المطبعة العامرية الشرفية طبعة أولى سنة 1319 هـ.
ما رواه الزهرى عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضى الله عنهم. أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «اختر منهن أربعا»
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: من أسلم عن عشر وأسلمن معه، اقتصر على أربع لما روى عن الحارث ابن قيس أو قيس بن الحارث قال: أسلمت وعندى ثمانى نسوة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «اختر منهن أربعا» ومن أسلم عن أختين فارق احداهما لما روى عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول الله انى أسلمت وتحتى أختان قال: اختر أيتهما شئت وطلق الأخرى، وكذلك المرأة وعمتها وخالتها، وكذلك لو عقد بامرأة وابنتها ولم يدخل، وامساك الأربع واحدى الأختين انما هو بعقد جديد لبطلان أصل العقد حيث جمعن فيه فخرق اجماع المسلمين، وانما يقر الكفار اذا دخلوا فى الذمة أو أسلموا على ما وافق الاسلام قطعا أو كان العقد فيه يوافق الاسلام اجتهادا، ونكاح أكثر من أربع أو الجمع بين من ذكر لا يوافق الاسلام ولا يوافق قول مجتهد من علماء الاسلام
(2)
.
مذهب الإمامية:
لو أسلم الوثنى ومن فى حكمه أو الكتابى على أكثر من أربع نسوة بالعقد الدائم فأسلمن أو كن كتابيات وان لم يسلمن تخير أربعا منهن وفارق سائرهن، وان كان حرا وهن حرائر، ولو جمع بين الأختين فى عقد واحد فقيل يتخير واحدة منهما ومثله ما لو جمع بين خمس فى عقد أو بين اثنتين وعنده ثلاث أو بالعكس ونحوه، ولا فرق فى التخيير بين من ترتب عقدهن واقترن ولا بين اختيار الأوائل والأواخر ولا بين من دخل بهن وغيرهن، ولو أسلم معه أربع وبقى أربع كتابيات فالأقوى بقاء التخيير
(3)
.
مذهب الإباضية:
ان أسلم مشرك وتحته ثمان وأسلمن معه فان رتب عقدهن أقام على الأربع الأوائل والا جدد لمن يشاء
(4)
.
وجوز المقام له عليه بلا تجديد فان نكح أربعا بعقدة ثم أربعا بأخرى أقام على الأوائل فان أسلم هو والأواخر أقام عليهن ولا يرجع للأوائل ان أسلمن بعد، وان أسلم على أختين وأسلمتا لم يصح مقامه ولا تجديده مطلقا، ورخص لواحدة ان لم يمسها ولم يتحد عقدهما
(5)
.
الاختيار فى الطلاق
مذهب الحنفية:
ان قال لها أمرك بيدك ينوى ثلاثا فقالت:
قد اخترت نفسى بواحدة فهى ثلاث لأن
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ح 9 ص 441 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر طبعة أولى سنة 1349 هـ.
(2)
البحر الزخار ح 3 من ص 147 الى ص 149 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1366 هـ والتاج المذهب ح 20 ص 115 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاء الطبعة الاولى سنة 1366 هـ.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للجيعى العاملى ح 2 ص 79، ص 88، ص 99 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر.
(4)
كتاب النيل وشفاء العليل ح 3 ص 185، ص 186 طبع على ذمة محمد بن يوسف البارونى وشركاه.
(5)
متن النيل ص 360.
الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد لكونها تمليكا كالتخيير والواحدة صفة للاختيارة فصار كأنها قالت: اخترت نفسى بمرة واحدة وبذلك يقع الثلاث، ولو قالت قد طلقت نفسى بواحدة أو اخترت نفسى بتطليقة فهى واحدة بائنة لأن الواحدة نعت لمصدر محذوف وهو فى الأولى الاختيارة.
ولو قال: أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل الليل فى ذلك فان ردت الأمر فى يومها لا يبقى الأمر فى يدها فى غد لأن هذا أمر واحد لأنه لم يتخلل بين الوقتين المذكورين وقت من جنسهما لم يتناوله الكلام وقد يهجم الليل ومجلس المشورة لا ينقطع، فصار كما اذا قال أمرك بيدك فى يومين، وعند أبى حنيفة رحمه الله أنها اذا أرادت الأمر فى اليوم لها أن تختار نفسها غدا لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الايقاع وجه الظاهر أنها اذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار فى الغد. فكذا اذا اختارت زوجها يرد الأمر لأن المخير بين الشيئين لا يملك الا اختيار أحدهما، وان قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان فقدم فلان فلم تعلم بقدومه حتى جن الليل فلا خيار لها، لأن الأمر باليد مما يمتد فيحتمل المقرون به، واذا جعل أمرها بيدها أو خيرها فمكثت يوما لم تقم فالأمر فى يدها ما لم تأخذ فى عمل آخر، ولو كانت قائمة فجلست فهى على خيارها، وكذا اذا كانت قاعدة أو متكئة فقعدت، ولو كانت قاعدة فاضطجعت ففيه روايتان عن أبى يوسف رحمه الله تعالى، ولو قالت أدع أبى أستشيره أو شهودا أشهدهم فهى على خيارها، وان كانت تسير على دابة أو فى محمل فوقفت فهى على خيارها وان سارت بطل خيارها وان قال لها: طلقى نفسك فقالت: أبنت نفسى طلقت، ولو قالت: قد اخترت نفسى لم تطلق لأن الابانة من ألفاظ الطلاق، وينبغى أن تقع تطليقة رجعية بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق ألا ترى أنه لو قال لامرأته: اخترتك أو اختارى ينوى الطلاق لم يقع، ولو قالت ابتداء اخترت نفسى فقال الزوج: قد أجزت لا يقع شئ الا أنه عرف طلاقا بالاجماع اذا حصل جوابا للتخيير.
واذا قال لامرأته: اختارى ينوى بذلك الطلاق، أو قال لها طلقى نفسك فلها أن تطلق نفسها مادامت فى مجلسها ذلك فان قامت منه أو أخذت فى عمل آخر خرج الأمر من يدها لأن المخيرة لها المجلس باجماع الصحابة، ولأنه تمليك الفعل منها، والتمليكات تقتضى جوابا فى المجلس كما فى البيع لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة الا أن المجلس تارة يتبدل بالذهاب عنه وتارة بالاشتغال بعمل آخر. ثم لا بد من النية فى قوله: اختارى لأنه يحتمل تخييرها فى نفسها ويحتمل تخييرها فى تصرف آخر
غيره فان اختارت نفسها فى قوله: اختارى كانت واحدة بائنة، ولا يكون ثلاثا، وان نوى الزوج ذلك لأن الاختيار لا يتنوع بخلاف الابانة لأن البينونة قد تتنوع، ولو قال لها: اختارى نفسك فقالت: اخترت تقع واحدة بائنة لأن كلامه مفسر، وكذا لو قال: اختارى اختيارة فقالت اخترت لأن الهاء فى الاختيارة تنبئ عن الاتحاد والانفراد، واختيارها نفسها هو الذى يتحد مرة ويتعدد أخرى فسار مفسرا من جانبه ولو قال لها اختارى فقالت: اخترت نفسى يقع الطلاق اذا نوى الزوج ولو قال:
اختارى فقالت أنا اختار نفسى فهى طالق والدليل هو حديث عائشة رضى الله تعالى عنها فانها قالت: لا بل أختار الله ورسوله، واعتبره النبى صلى الله عليه وسلم جوابا منها.
ولو قال لها: اختارى اختارى اختارى.
فقالت: قد اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة طلقت ثلاثا فى قول أبى حنيفة، ولا يحتاج الى نية الزوج وقال محمد وأبو يوسف تطلق واحدة وانما لا يحتاج الى نية الزوج هنا لدلالة التكرار عليه اذ الاختيار فى حق الطلاق هو الذى يتكرر لها، ولو قالت:
اخترت اختيارة فهى ثلاث فى قولهم جميعا لأنها للمرة فصار كما اذا صرح بها ولأن الاختيارة للتأكيد وبدون التأكيد تقع الثلاث فمع التأكيد أولى.
ولو قالت قد طلقت نفسى أو اخترت نفسى بتطليقة فهى واحدة يملك الزوج معها الرجعة لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق بعد انقضاء العدة فكأنها اختارت نفسها بعد العدة، وان قال لها: أمرك بيدك فى تطليقة أو اختارى تطليقة فاختارت نفسها فهى واحدة يملك الزوج الرجعة فيها لأنه جعل لها الاختيار لكن بتطليقة وهى معقبة للرجعة بالنص
(1)
.
مذهب المالكية:
ومن قال لزوجته: اختارى نفسك ففعلت فعلا محتملا كأن نقلت قماشها أو سترت وجهها منه أو بعدت عنه فهل يعتبر ذلك طلاقا أم لا؟ تردد محله اذا لم تنو به الطلاق والا كان طلاقا اتفاقا، ولو لم تقم قرينة على الطلاق، ويقبل منها تفسير قولها الذى يحتمل الطلاق والرد نحو قولها: اخترت البقاء فى عصمتك أو قولها أردت الطلاق وان قالت أردت بقاء التخيير فيحال بينهما حتى تجيب، ومن فوض الطلاق لزوجته على سبيل التخيير قبل الدخول بها فأوقعت أكثر من طلقة فله أن يناكرها فيما زاد عليها بأن يقول: ما أردت الا طلقة واحدة وأما بعد البناء فليس له مناكرتها
(2)
.
مذهب الشافعية:
اذا قال لامرأته: اختارى أو أمرك بيدك فقالت: اخترت لم يقع الطلاق حتى ينويا لأنه كناية تحتمل الطلاق وغيره فلم يقع به الطلاق حتى يتفقا على نية الطلاق، وان
(1)
فتح القدير ح 3 من ص 99 الى ص 107 الى ص 114 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير ح 2 من ص 406 إلى ص 407، ص 408 الطبعة السابقة.
قال: اختارى ونوى اختيار الطلاق فقالت اخترت الزوج لم يقع الطلاق لما روت عائشة رضى الله عنها. قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم تجعل ذلك طلاقا ولأن اختيار الزوج اختيار للنكاح لا يحتمل غيره فلم يقع به الطلاق، فان قالت: اخترت نفسى لم يقع الطلاق حتى تنوى الطلاق لأنه يحتمل أن يكون معناه:
اخترت نفسى للنكاح، ويحتمل أن يكون معناه: اخترت نفسى للطلاق، ولهذا لو صرحت به جاز فلم يقع به الطلاق من غير نية
(1)
.
مذهب الحنابلة:
من قال لزوجته: اختارى نفسك ملكت واحدة بالمجلس المتصل فلو تشاغلا بقاطع قبل اختيارها بطل، وصفة اختيارها أن تقول: اخترت نفسى أو أبوى أو الأزواج فلو قالت: اخترت زوجى أو اخترت فقط لم يقع شئ، وان ردت الزوجة أو وطئها الزوج أو طلقها أو فسخ خيارها قبله بطل خيارها.
وأكثر أهل العلم على أن التخيير على الفور ان اختارت فى وقتها والا فلا خيار لها بعده روى ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر رضى الله تعالى عنهم لما روى النجاد باسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال:
قضى عمر وعثمان فى الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما لم يتفرقا، وعن عبد الله بن عمر قال مادامت فى مجلسها، ونحوه عن ابن مسعود وجابر، ولم نعرف لهم مخالفا فى الصحابة فكان اجماعا ولأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: ومن خير امرأته فاختارت نفسها أو اختارت الطلاق أو اختارت زوجها أو لم تختر شيئا فكل ذلك لا شئ وكل ذلك سواء ولا تطلق بذلك ولا تحرم عليه ولا لشئ من ذلك حكم، ولو كرر التخيير وكررت هى اختيار نفسها أو اختيار الطلاق ألف مرة
(3)
.
مذهب الزيدية:
من قال لزوجته: اختارينى أو نفسك فهو كناية فى تمليكها لطلاق نفسها ولا بد فى التمليك بلفظ اختارى من أن يذكر فيه لفظ نفس المرأة فى كلام الزوج مثل أن يقول الزوج: اختارى نفسك فتقول المرأة اخترت أو أن يذكر لفظ نفس المرأة فى كلام المرأة مثل أن يقول الزوج: اختارى فتقول المرأة:
اخترت نفسى أو أن يذكر لفظ نفس المرأة فى كلام الزوج والمرأة مثل أن يقول الزوج:
اختارينى أو نفسك فتقول المرأة: اخترت نفسى، فاذا لم تذكر النفس فى كلام أيهما مثل أن يقول لها اختارى فتقول المرأة
(1)
المهذب ح 2 ص 82 الطبعة السابقة.
(2)
هداية الراغب لشرح عمدة الطالب عثمان أحمد النجدى الحنبلى ص 483 طبع مطبعة المدنى بالقاهرة والمغنى ح 8 من ص 289 إلى ص 303 الطبعة السابقة
(3)
المحلى لابن حزم ح 10 من ص 116 الى ص 117 الطبعة السابقة.
اخترت، لم يكن شيئا، وحين يقع الطلاق بالاختيار فانه يقع واحدة رجعية
(1)
.
مذهب الإمامية:
ولا يقع الطلاق بالتخيير للزوجة بين الطلاق والبقاء بقصد الطلاق، وان اختارت نفسها فى الحال على أصح القولين وقول الصادق ما للناس والخيار انما هذا شئ خص الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
الاختيار فى الكفارات
أ: فى الصوم:
مذهب الحنفية والزيدية والظاهرية
لا يرى الحنفية والزيدية وابن حزم الظاهرى التخيير فى كفارة الصوم
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية بالتخيير بين ثلاثة أنواع اما اطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين أو عتق رقبة ذكرا أو أنثى والتخيير للحر الرشيد وأما العبد فانما يكفر بالصوم الا أن يأذن له سيده بالاطعام وأما السفيه فيأمره وليه بالصوم فان لم يقدر كفر عنه وليه بأدنى النوعين
(4)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية بالتخيير أيضا
(5)
.
مذهب الحنابلة:
والمختار عند الحنابلة الترتيب بين الأنواع الثلاثة المذكورة وفى رواية عن أحمد التخيير
(6)
.
مذهب الإمامية:
وقال الإمامية: الكفارة فى شهر رمضان والنذر المعين والعهد، وصورة العهد أن يقول عاهدت الله أو على عهد الله أن أفعل كذا أو أن أتركه أو ان فعلت كذا أو تركته أو رزقت كذا فعلى كذا
(7)
فى أصح الأقوال عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا وقيل هى مرتبة بين الخصال الثلاث والأول أشهر
(8)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن من تعمد افساد صوم رمضان بجماع أو غيره من أكل وشرب لزمته الكفارة على التخيير وكذلك بالنسبة لافساد قضاء رمضان خلافا لكفارة الظهار والقتل فانها تجب على الترتيب
(9)
.
ب: فى اليمين:
اتفقت المذاهب الثمانية
(10)
على أن كفارة اليمين عتق رقبة أو اطعام عشرة مساكين أو
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ح 2 من ص 426 الى ص 428 طبع مطبعة حجازى بمصر الطبعة الثانية سنة 1317 هـ.
(2)
الروضة البهية ح 2 ص 148 الطبعة السابقة
(3)
فتح القدير ح 2 ص 71 الطبعة الساقة والمحلى لابن حزم ح 6 ص 197 والبحر الزخار ح 2 ص 249 الطبعة السابقة.
(4)
بلغة السالك لاقرب المسالك على الشرح الصغير ح 1 ص 234 المكتبة التجارية.
(5)
المهذب ح 1 ص 184 الطبعة السابقة.
(6)
المحرر فى الفقه المجد الدين أبى البركات ح 1 ص 203 طبع مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة سنة 1369 هـ.
(7)
اللمعة الدمشقية ح 3 ص 48 طبع مطبعة الآداب سنة 1967 م.
(8)
الروضة البهية ح 1 ص 148 الطبعة السابقة.
(9)
شرح النيل ح 2 ص 229 الطبعة السابقة.
(10)
فتح القدير ح 4 من ص 18 الى ص 27 والشرح الكبير ح 2 ص 132 الى ص 133 والمهذب ح 2 ص 141 وهداية الراغب من ص 547 الى ص 548 والمحلى لابن حزم ح 8 ص 69 والبحر الزخار ح 4 ص 260 والتاج المذهب ح 3 ص 428 والروضة البهية ح 1 ص 227 وشرح النيل ح 2 ص 482 الى ص 487.
كسوتهم على التخيير بين هذه الثلاثة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام لقوله تعالى «فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
(1)
.
ح: الاختيار فى كفارة جنايات الحج:
أ: الاختيار فى كفارة الفدية:
وهى تجب بفعل شئ من موانع الاحرام كالتطييب أو الحلق.
مذهب الحنفية:
وان تطيب أو لبس مخيطا أو حلق من عذر فهو مخير ان شاء ذبح شاة وان شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من الطعام وان شاء صام ثلاثة أيام لقوله تعالى:
(3)
.
وقالوا فى جزاء الصيد ان قتل محرم صيدا فعليه الجزاء ثم هو مخير فى الجزاء ان شاء اشترى هديا وذبحه ان بلغت قيمة الصيد هديا، وان شاء اشترى بها طعاما وتصدق على كل مسكين - مما يقوم به الصيد - نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير وان شاء صام يوما عن كل نصف صاع، فان فضل ما قل عن نصف صاع خير بين أن يصوم عنه يوما أو يتصدق به ثم الخيار الى القاتل فى أن يجعله هديا أو طعاما أو صوما، وقال محمد: الخيار الى الحكمين فان حكما بالهدى يجب النظير وان حكما بالطعام أو الصيام فعلى ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف
(4)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية فى الفدية: تجب الفدية بفعل شئ من موانع الاحرام كالتطييب والحلق وهى على التخيير بين صيام ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين أو نسك «أى ذبح هدى»
(5)
وقالوا فى جزاء الصيد: كفارة جزاء الصيد فى الحرم ثلاثة أنواع على التخيير اما المثل أى مثل الصيد فى القدر والصورة أو الاطعام بقيمة الصيد أو صيام أيام بعدد أمداد الطعام فان تعذر المثل خير بين الاطعام والصيام
(6)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية فى الفدية: اذا حلق المحرم رأسه فكفارته أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام وهو مخير بين ثلاثة لقوله تعالى: «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً}
(1)
الآية رقم 89 من سورة المائدة.
(2)
الآية رقم 196 من سورة البقرة.
(3)
فتح القدير ح 2 ص 236 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ح 2 من ص 259 الى ص 263، ص 264 والفتاوى الهندية ح 1 ص 247 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر طبعة ثانية سنة 1310 هـ.
(5)
الشرح الكبير ح 2 ص 64 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ح 2 من ص 80 الى ص 81 الطبعة السابقة.
من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك».
وقالوا فى جزاء الصيد: واذا وجب عليه المثل ان قتل الصيد فهو بالخيار بين أن يذبح المثل ويفرقه وبين أن يقومه بالدراهم ويقوم الدراهم طعاما ويتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد يوما
(1)
لقوله تعالى: «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً» .
مذهب الحنابلة:
قالت الحنابلة فى الفدية: يخير فى فدية حلق فوق شعرتين وتقليم فوق ظفرين وتغطية رأس وطيب ولبس مخيط بين صيام ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين يعطى لكل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة لقول النبى صلى الله عليه وسلم لمن سأله لعلك أداك هوام رأسك. قال: نعم يا رسول الله. فقال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين أو انسك شاة متفق عليه «وأو للتخيير» .
وقالوا فى جزاء الصيد ويخير فى جزاء الصيد فى الحج بين ذبح مثله ان كان له مثل من النعم واعطائه ودفعه لمساكين الحرم وهم المقيمون والمجتازون ممن لهم أخذ الزكاة أو تقويم المثل. بمحل التلف أو قربه بدراهم يشترى بها طعاما فيطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره كتمر وشعير أو يصوم عن طعام كل مسكين يوما لقوله تعالى «فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ»
(2)
.
وان بقى دون مدبر صام يوما ويخبر فيما لا مثل له بين اطعام وصيام
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى فى الفدية ومن احتاج الى حلق رأسه وهو محرم لمرض أو صداع أو لجرح به أو نحو ذلك مما يؤذيه فليحلقه وعليه أحد ثلاثة أشياء هو مخير فى أيها شاء لا بد له من أحدها اما أن يصوم ثلاثة أيام واما أن يطعم ستة مساكين متغايرين لكل مسكين منهم نصف صاع تمر ولا بد واما أن يهدى شاة يتصدق بها على المساكين أو يصوم أو يطعم أو ينسك الشاة فى المكان الذى حلق فيه أو فى غيره
(4)
.
وأما جزاء الصيد ففى القتل الخطأ لا شئ وأما المتعمد لقتل الصيد وهو محرم فهو مخير بين ثلاثة أشياء أيها شاء فعله وقد أدى ما عليه أما أن يهدى مثل الصيد الذى قتل من النعم وهى الابل والبقر والغنم ضأنها وما عزها وعليه من ذلك ما يشبه الصيد الذى قتل مما قد حكم به عدلان من الصحابة رضى الله عنهم أو من التابعين رحمهم الله،
(1)
المهذب ح 1 ص 214، ص 216 الطبعة السابقة.
(2)
الآية 95 من سورة المائدة.
(3)
هداية الراغب ص 274.
(4)
المحلى لابن حزم ح 7 من ص 208 الى ص 209
وليس عليه أن يستأنف تحكيم حكمين الآن وان شاء أطعم مساكين، وأقل ذلك ثلاثة وان شاء نظر الى ما يشبع ذلك الصيد من الناس فصام بدل كل إنسان يوما
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى جزاء الفدية: الفدية التى تجب فى بعض محظورات الاحرام كلبس المخيط احدى ثلاثة أشياء يخير بينها اما شاة ينحرها للمساكين أو اطعام ستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام متوالية فأى هذه فعل أجزأه، وقال فى الكافى: ان التخيير ثابت فى الفدية اذا لم يتمرد أى يتعمد فعل المحظور فلو تمرد لم يخير بل يجب الدم ثم الصوم ثم الاطعام
(2)
.
وقالوا فى جزاء الصيد. الجزاء الذى يجب فى قتل ما يمنع قتله هو أن ينحر مثله فى الخلقة من ابل أو بقر أو شاة وهو بالخيار فى ذلك ان شاء اشترى بها هدايا وان شاء أطعمهما المساكين كل مسكين نصف صاع وان شاء صام عن كل نصف صاع يوما، وكذلك يكون التخيير فى قيمة صيد الحرمين «مكة والمدينة» وشجرهما فعلى من قتل الصيد أو قطع الشجر فيهما أن يرجع الى تقويم عدلين لتقدير القيمة، وهو مخير بين أن يهدى أى ان شاء اشترى بقدرها هدايا فذبحها وان شاء أطعم المساكين قدر ما لزمه من قيمة ذلك فهو مخير بين هذين الأمرين
(3)
مذهب الإمامية:
قال الإمامية فى الفدية: يتخير بين شاة الحلق لأذى أو غيره وبين اطعام عشرة مساكين لكل واحد مد أو صيام ثلاثة أيام أما غيرها فلا ينتقل اليها الا مع العجز عنها الا فى شاة وجبت بوط ء الأمة فيتخير بينها وبين الصيام، وأما كفارة جزاء الصيد عندهم فقد اختلف فيها هل هى على التخيير أو على الترتيب، ومبنى الخلاف عندهم على دلالة ظاهر الآية العاطفة للخصال بأو الدالة على التخيير ودلالة الخبر على أن ما فى القرآن بأو فهو على التخيير والأقوى عندهم الترتيب
(4)
.
مذهب الإباضية:
وقال الإباضية فى الفدية: وان اضطر لممنوع فعله وافتدى كمن آذاه قمل برأسه وحلق فانه يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين وقيل ثلاثة وقيل عشرة أى يعطيهم ما يأكلونه أو يذبح شاة بمكة، أما الصوم والاطعام فحيث شاء وقيل بمكة، وقيل الاطعام بمكة والصوم حيث شاء، وما ذكر من صوم ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين أو ذبح شاة هو المعنى بقوله تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} الآية» قيل خرج كعب بن عجرة يريد الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآذاه القمل فى رأسه فأمره صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه، وقال له: صم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين مدين لكل مسكين أو انسك بشاة
(1)
المرجع السابق ح 7 ص 219 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار ح 2 ص 90 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ح 2 من ص 96 وما بعدها الى ص 105.
(4)
الروضة البهية ح 1 من ص 213 الى ص 227.
أيما فعلت أجزأك، وهناك روايات أخرى، تعطى كلها التخيير، وان اختلفت
(1)
.
وقالوا فى جزاء الصيد: من قتله وان خطأ أو أشار اليه فأصيب لزمه الجزاء ويخير بين الهدى وبين الاطعام وبين الصوم ولو غنيا أى ذلك فعل أجزأه
(2)
.
الاختيار فى الزكاة
يقع الاختيار فى الزكاة فى أمور منها اختيار من تدفع له الزكاة: من بين من حددتهم الآية «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»
(3)
ومنها الاختيار بين دفع المستحق أو قيمته، ومنها اختيار صنف من الأصناف فى زكاة الفطر، ومنها اختيار الساعى فى أخذه الواجب فى الزكاة على خلاف فى ذلك بين المذاهب.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: ويجوز دفع الصدقة الى واحد ممن حددتهم الآية، فللمالك أن يدفع الى كل واحد منهم وله أن يقتصر على صنف واحد
(4)
ويجوز دفع القيم فى الزكاة عندنا وكذا صدقة الفطر، وصدقة الفطر نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو صاع من تمر أو شعير على التخيير
(5)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: وخير الساعى ان وجبت واحدة من صنفين وتساويا كخمسة عشر من الجاموس ومثلها من البقر، وكعشرين من الضأن ومثلها من المعز فى أخذها من أيهما شاء، وان وجبت فى الصنفين ثلاثا وتساويا كمائة وواحدة ضأنا ومثلها معزا فاثنتان من كل واحدة ويخير الساعى فى أخذ الثالثة من أيهما شاء
(6)
«انظر زكاة» .
مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية:
من وجب عليه فى زكاة الابل فرض معين، ولم يكن عنده، ووجد فرضا فوقه أو فرضا أدنى منه كمن وجبت عليه جذعة أو حقة أو بنت لبون، وليس عنده الا ما هو أدنى منه أو الا أعلى منه والخيار فى أن يعطى الأدنى ويعطى معها شاتين أو عشرين درهما أو يعطى الأعلى ويأخذ شاتين أو عشرين درهما والخيار فى الصعود والنزول والشياه والدراهم لرب المال لأنه هو الذى يعطى فكان الخيار له وفى رأى عند الشافعية أن الخيار الى المصدق لأنه يلزمه أن يختار ما هو أنفع للمساكين
(7)
. وعند الشافعية أيضا:
أن من ملك من الابل دون الخمس والعشرين فالواجب فى صدقة الغنم وهو مخير بين أن يخرج الغنم وبين أن يخرج بعيرا
(1)
شرح النيل ح 2 ص 323، ص 324 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ح 2 ص 331، ص 332، ص 333.
(3)
الآية رقم 60 من سورة التوبة.
(4)
فتح القدير ح 2 ص 18.
(5)
المرجع السابق ح 2 ص 36، ج 10 ص 507
(6)
الشرح الكبير ح 1 ص 436 الطبعة السابقة.
(7)
المهذب ح 1 ص 146 وما بعدها والمغنى ح 2 ص 456 وما بعدها والمحلى لابن حزم ح 6 ص 18 الى ص 20.
فان أخرج الغنم جاز وان أخرج البعير جاز فان اختار اخراج الغنم لم يقبل دون الجذع والثنى فى السن
(1)
.
وفى المهذب أيضا: وان اتفق نصاب فرضين كالمائتين وهى نصاب خمس بنات لبون ونصاب أربع حقاق فقد قال فى الجديد:
تجب أربع حقاق أو خمس بنات لبون، فان وجد أحدهما تعين اخراجه لأن المخير بين الشيئين اذا تعذر عليه أحدهما تعين عليه الآخر وان وجدهما اختار المصدق انفعهما للمساكين، وقال أبو العباس: يختار صاحب المال ما شاء.
وفى المهذب
(2)
عند الكلام على صدقة الفطر قال: وفى الحب الذى يخرجه ثلاثة أوجه أحدها: أنه يجوز من كل قوت لما روى أبو سعيد الخدرى قال: كنا نخرج صاعا من طعام أو صاعا اقط لبن أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب ومعلوم أن ذلك كله لم يكن قوت أهل المدينة فدل على أنه مخير بين الجميع.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى شرح الأزهار
(3)
: واذا وجب على المالك سن ليس بموجود فى ملكه وانما يجد غيره جاز له اخراج الموجود فى ملكه عن ذلك السن الذى ليس بموجود على جهة القيمة سواء كان الموجود أعلى أم أدنى، ويترادان الفضل أى اذا كان الموجود أفضل رد المصدق أو الفقير قدر ذلك الفضل وان كان الموجود أدنى زاد المالك عليه حتى يفى فاذا وجب على المالك بنت مخاض، ولا يجد فى ابله الا بنت لبون فانه يخرجها ويرد له المصدق الفضل وهو ما بين قيمتها وقيمة بنت مخاض، وظاهر ما فى اللمع أن المالك مخير فى اخراج الأعلى أو الأدنى وقال فى الانتصار فى ذلك وجهان أحدهما: أن الخيار للمالك والثانى أن الخيار للساعى وجاء فى شرح الأزهار
(4)
عند الكلام على مصارف الزكاة قال: ويجوز للامام تفضيل لبعض الأصناف
وفى زكاة الفطر قال الناصر والمؤيد بالله يجزئ اخراج القيمة ولو أمكن الطعام
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى المستمسك
(6)
أنه اذا تجاوز عدد الابل المائة والعشرين تخير المالك بين الحساب بالأربعين ودفع بنت لبون عن كل أربعين وبين الحساب بالخمسين ودفع حقه عن كل خمسين والتخيير مع المطابقة لكل منهما أو مع عدم المطابقة لشئ منهما ففى المائتين يتخير بينهما لتحقق المطابقة لكل منهما، أما فى المائة والخمسين فالأحوط اختيار الخمسين وفى المائتين وأربعين الأحوط اختيار الأربعين وجاء فى المستمسك أيضا أنه يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية من النقدين أو غيرهما والخيار للمالك لا للساعى أو الفقير فليس لهما الاقتراح عليه.
(1)
المهذب ح 1 ص 146.
(2)
المرجع السابق ح 1 ص 165.
(3)
ح 1 ص 489 وما بعدها.
(4)
ح 1 ص 517، ص 518.
(5)
المرجع السابق ح 1 ص 557 الطبعة السابقة.
(6)
مستمسك العروة الوثقى ح 9 ص 60 الطبعة الثانية سنة 1377 هـ مطبعة النجف.
وجاء فى المستمسك عند الكلام على مصارف الزكاة قال: ولا يجب البسط - أى التوزيع - على الأصناف الثمانية بل يجوز التخصيص ببعضها.
وفى الكلام على صدقة الفطر قال: الأقوى الاجتزاء بقيمة ما تجب فيه الفطرة فيجزئ اخراج قيمة ذلك من الدراهم والدنانير أو غيرها من الأجناس الأخرى
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية
(2)
: المصدق اذا لم يجد فى الابل أو البقر سن فريضته أخذ ما فوقه ورد الفضل أو أخذ ما دونه وزاد له رب المال ما نقص بالقيمة ويجوز غير العين فى ذلك.
الاختيار فى الحضانة
اختلف الفقهاء فى تخيير الغلام فى الحضانة وفى سن الاختيار لها.
مذهب الحنفية:
لا خيار للغلام والجارية يعنى اذا بلغ السن الذى يكون الأب أحق كالسبع مثلا
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية بالتخير لما روى عبد الحميد ابن سلمة عن أبيه أنه قال: أسلم أبى وأبت أمى أن تسلم وأنا غلام فاختصما إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا غلام اذهب الى أيهما شئت ان شئت الى أبيك وان شئت الى أمك فتوجهت الى أمى فلما رآنى النبى صلى الله عليه وسلم سمعته يقول اللهم اهده فملت الى أبى فقعدت فى حجره
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: اذا بلغ الغلام سبع سنين كاملة وكان عاقلا خير بين أبويه فكان مع من اختار منهما قضى به عمر وعلى رضى الله عنهما فان اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع زيارة أمه وان اختارها كان عندها ليلا وعند أبيه نهارا ليعلمه ويؤدبه وان عاد فاختار الآخر نقل اليه فان لم يختر واحدا أقرع بينهما
(5)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى. نحن لا ننكر تخيير الولد اذا كان أحد الأبوين أرفق به ولا شك فى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخير بين خير وشر ولا شك فى أنه عليه الصلاة والسلام لا يخير الا بين خيرين وكذلك نحن على يقين من أنه عليه الصلاة والسلام لا يترك أحدا على اختياره ما هو فساد له فى دينه أو فى حالته فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه ويميل الى الراحة والاهمال فلا شك فى أنه عليه الصلاة والسلام ان كان خير الصبى فلم ينفذ اختياره الا وقد اختار الذى يجب أن يختار لا يجوز غير ذلك أصلا، ولا يجوز تخيير بين كافر ومسلم أصلا
(6)
.
(1)
مستمسك العروة الوثقى ح 1 ص 278.
(2)
شرح النيل ح 2 ص 123.
(3)
فتح القدير ح 3 ص 318.
(4)
المهذب ح 2 ص 169.
(5)
هداية الراغب ص 514.
(6)
المحلى ح 10 ص 327.
مذهب الزيدية:
متى استغنى الصبى بنفسه فالأب أولى بالذكر والأم أولى بالأنثى فان تزوجت الأم فمن يليها من الحواضن فان تزوج الحواضن خير الصبى بين الأم والعصبة فمن اختاره كان أولى بحضانته، واذا اختار أحدهما أولا ثم اختار الآخر فانه ينقل الى من اختار ثانيا وثالثا ورابعا وان كثر، والاختيار يتجدد فى كل وقت، وفى الانتصار: ان كثر تردده بحيث يدل على قلة التخيير فانه يرد الى أمه لأنها أشفق به
(1)
«انظر حضانة» .
اختيار الامام فيما يفعله بالأسرى
اختلف الفقهاء فيما يجوز للامام أن يفعله بالأسرى.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: وأما الرقاب فالامام فيها بين خيارات ثلاث ان شاء قتل الأسارى منهم وهم الرجال المقاتلة وسبى النساء والذرارى لقوله تبارك وتعالى «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ 2» وهذا بعد الأخذ والأسر لأن الضرب فوق الأعناق هو الابانة من المفصل ولا يقدر على ذلك حال القتل ويقدر عليه بعد الأخذ والأسر وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استشار الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم فى أسارى بدر فأشار بعضهم الى الفداء وأشار سيدنا عمر رضى الله عنه الى القتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو جاءت من السماء نار مانجا الا عمر، أشار عليه الصلاة والسلام الى أن الصواب كان هو القتل وكذا روى أنه عليه الصلاة والسلام أمر بقتل عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث يوم بدر وبقتل هلال بن خطل ومقيس بن صباية يوم فتح مكة ولأن المصلحة قد تكون فى القتل لما فيه من استئصالهم فكان للامام ذلك وان شاء استرق الكل فخمسهم وقسمهم لأن الكل غنيمة حقيقة لحصولها فى أيديهم عنوة وقهرا بايجاف الخيل والركاب فكان له أن يقسم الكل الا رجال مشركى العرب والمرتدين فانهم لا يسترقون عندنا بل يقتلون أو يسلمون، وأما النساء والذرارى منهم فيسترقون كما يسترق نساء مشركى العجم وذراريهم لأن النبى عليه الصلاة والسلام استرق نساء هوازن وذراريهم وهم من صميم العرب وكذا الصحابة استرقوا نساء المرتدين من العرب وذراريهم وان شاء منّ عليهم وتركهم أحرارا بالذمة كما فعل سيدنا عمر رضى الله عنه بسواد العراق الا مشركى العرب والمرتدين فانه لا يجوز تركهم بالذمة وعقد الجزية كما لا يجوز بالاسترقاق لما بينا، وهل للامام أن يفادى الأسارى؟ أما المفاداة بالمال فلا تجوز عند أصحابنا فى ظاهر الروايات وقال محمد مفاداة الشيخ الكبير الذى لا يرجى له ولد تجوز
(3)
.
مذهب المالكية:
وقال المالكية للامام أن يختار ما فيه المصلحة للمسلمين بالنسبة للأسرى اما بالقتل
(1)
شرح الازهار ح 2 ص 531، 532.
(2)
سورة الانفال: 12.
(3)
بدائع الصنائع ح 7 ص 119.
أو بالمنّ أو بالفداء أو يضرب على رقابهم الجزية وذلك لقوله تعالى «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً 1» .
وكذلك لفعله صلى الله عليه وسلم مع أسارى بدر وغيرهم وهذا بالنسبة للرجال فحسب أما بالنسبة للنساء فليس فيهن التخيير الا بين واحد من اثنين: الاسترقاق والفداء
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية ولا يختار الامام فى الأسير الا ما فيه الحظ للاسلام والمسلمين من القتل والاسترقاق والمن والفداء لأنه ينظر للاسلام والمسلمين فلا يفعل الا ما فيه الحظ لهم فان بذل الأسير الجزية وطلب أن تعقد له الذمة وهو ممن يجوز أن تعقد له ففيه وجهان:
أحدهما أنه يجب قبولها كما يجب اذا بذل وهو فى غير الأسر، وهو ممن يجوز أن تعقد لمثله الذمة والثانى: أنه لا يجب لأنه يسقط بذلك ما ثبت من اختيار القتل والاسترقاق والمن والفداء
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يخير الامام فى الأسرى الأحرار المقاتلة بين القتل والاسترقاق والمن والفداء بمال أو بأسرى المسلمين لكن فى استرقاق من لا تقبل منه الجزية روايتان، وفى استرقاق من عليه ولاء لمسلم وجهان ويلزمه أن يختار الأصلح للاسلام فان أسلم الأسرى تعين رقهم، نص عليه، وقيل يتخير بينه وبين المن والفداء، وان كان الأسير مملوكا خير بين قتله أو تركه غنيمة
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى فى الأسرى أنه يجوز قتلهم ويجوز استبقاؤهم اذا أسلموا قال الله تعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 5» فعم عز وجل كل مشرك بالقتل الا أن يسلم
(6)
.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية الاسترقاق يحدث بمجرد الأسر وذلك فيمن يحرم قتله والصحيح أنه يجوز فى الأسرى المن والفداء
(7)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية يتخير الامام فى الأسرى اذا أخذوا والحرب قائمة بين استرقاقهم والمن عليهم والفداء، وان أخذوا بعد أن وضعت الحرب أوزارها لم يقتلوا، ويتخير الامام فيهم تخير نظر ومصلحة بين المن عليهم والفداء لأنفسهم بمال حسب ما يراه من المصلحة والاسترقاق
(8)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية بالنسبة للمحاربين أنه يجوز هدم حصونهم والدخول عليهم حتى يقتلوا أو يذعنوا للحق ولا يستعبد أسير
(9)
.
(1)
سورة محمد: 4.
(2)
الشرح الكبير ح 2 ص 184.
(3)
المهذب ح 2 ص 236.
(4)
المحرر ح 2 ص 172.
(5)
سورة التوبة: 5.
(6)
المحلى ح 7 ص 296، 297.
(7)
شرح الأزهار ج 4 ص 565، 566.
(8)
الروضة البهية ح 1 ص 221، 222.
(9)
شرح النيل ح 7 ص 426.
إخراج
معنى الاخراج لغة واصطلاحا
الاخراج فى اللغة نقيض الادخال
(1)
واستعمله الفقهاء بمثل هذا المعنى وغيره كالتمليك والتسليم.
اخراج الزكاة
بم يتحقق؟ «الاخراج بالنفس وبالغير - اشتراط النية - دفع القيمة» .
مذهب الحنفية:
قال الأحناف ركن الزكاة هو اخراج جزء من النصاب الى الله تعالى، وتسليم ذلك اليه يقطع المالك يده عنه بتمليكه من الفقير وتسليمه اليه، أو الى يد من هو نائب عنه وهو المصدق والملك للفقير يثبت من الله تعالى وصاحب المال نائب عن الله عز وجل فى التمليك أو التسليم الى الفقير، والدليل على ذلك قول الله عز وجل «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ»
(2)
وقول النبى صلى الله عليه وسلم «الصدقة تقع فى يد الرحمن قبل أن تقع فى كف الفقير» وقد أمر الله عز وجل الملاك بايتاء الزكاة لقول الله عز وجل «وَآتَوُا الزَّكاةَ»
(3)
.
والايتاء هو التمليك ولذا سمى الله تعالى الزكاة صدقة بقول الله سبحانه وتعالى «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»
(4)
والتصدق تمليك فيصير المالك مخرجا قدر الزكاة الى الله عز وجل بمقتضى التمليك سابقا عليه، ولأن الزكاة عبادة على أصلنا والعبادة اخلاص العمل بكليته لله عز وجل ويكون معنى القربة فى الاخراج الى الله عز وجل بابطال ملكه عنه، لا فى التمليك من الفقير بل التمليك من الله عز وجل فى الحقيقة وصاحب المال نائب عن الله تعالى، غير أن الركن عند أبى حنيفة هو اخراج جزء من النصاب من حيث المعنى دون الصورة وعند أبى يوسف ومحمد صورة ومعنى لكن يجوز اقامة الغير مقامه من حيث المعنى، ويبطل اعتبار الصورة باذن صاحب الحق وهو الله عز وجل على قول أبى حنيفة
(5)
.
ولو دفع الزكاة الى الامام أو الى عامل الصدقة يجوز لأنه نائب عن الفقير فى القبض فكان قبضه كقبض الفقير وكذا لو دفعها الى صبى فقير أو مجنون فقير وقبض له وليه أبوه أو جده أو وصيهما جاز لأن وليه يملك قبض الصدقة عنه، وكذا لو قبض عنه بعض أقاربه وليس ثمة من هو أقرب منه وهو فى عياله يجوز، وكذا الأجنبى الذى هو فى
(1)
لسان العرب لابن منظور. مادة خرج طبع بيروت وترتيب القاموس المحيط مادة خرج الطبعة الأولى سنة 1959 مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
(2)
الآية رقم 104 من سورة التوبة.
(3)
الآية رقم 11 من سورة التوبة.
(4)
الآية رقم 60 من سورة التوبة.
(5)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 2 ص 39 الطبعة الاولى سنة 1328 هـ طبع مطبعة الجمالية بمصر والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ح 6 ص 216 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة العالمية.
عياله لأنه فى معنى الولى فى قبض الصدقة لكونه نفعا محضا، وذكر فى العيون عن أبى يوسف أن من عال يتيما فجعل يكسوه ويطعمه وينوى به عن زكاة ماله يجوز وقال محمد ما كان من كسوة يجوز وفى الطعام لا يجوز الا ما دفع اليه وقيل لا خلاف بينهما فى الحقيقة لأن مراد أبى يوسف ليس هو الاطعام عن طريق الاباحة بل على وجه التمليك ثم ان كان اليتيم عاقلا يدفع اليه وان كان غير عاقل فانه يقبض عنه بطريق النيابة ثم يكسوه ويطعمه لأن قبض الولى كقبضه ان كان عاقلا
(1)
.
والنية شرط جواز أداء الزكاة «انظر زكاة» .
ووقت النية مخالطة الاخراج اياها فقد ذكر الطحاوى أن الزكاة لا تجزئ عمن أخرجها الا بنية مخالطة لاخراجه اياها، وعن محمد بن سلمة أنه قال: ان كان وقت التصدق بحال لو سئل عن ماذا يتصدق أمكنه الجواب من غير فكرة فان ذلك يكون نية منه وتجزئه، والصحيح أن النية تعتبر فى أحد الوقتين اما عند الدفع واما عند التمييز
(2)
.
مذهب المالكية:
قالت المالكية. مجئ الساعى - إن كان ثم ساع - شرط وجوب فى الزكاة فلا تجب قبل مجيئه ولو بعد حلول الحول واذا كان شرط وجوب فلا تجزئ ان أخرجها قبل مجيئه لأنه فعل ما لم يجب عليه ولأن الاخراج قبل مجئ الساعى فيه إبطال لأمر الإمام الذى عينه لجبى الزكاة على نهج الشريعة، ولو كان الامام جائرا فى صرفها لا يكون مجئ ساعيه شرطا فى وجوبها ولذلك لا يجوز اعطاؤها له فان أكره الناس عليها أجزأت، ومحل اعتبار الشرط مع عدالة الامام ما لم يتخلف الساعى فان تخلف أجزأت قال الخرشى، اذا كان السعاة موجودين وشأنهم الخروج فتخلفوا فى بعض الأعوام لشغل فأخرج رجل زكاة ماشيته أجزأت، وان لم يكن ثم ساع أخرجها وقت الوجوب وليس للساعى المطالبة بها اذا ثبت الاخراج.
ووجب على المزكى نية الزكاة عند عزلها أو دفعها لمستحقها.
ووجب تفرقتها على الفور بموضع الوجوب أو قربه - أى دون مسافة القصر - ولو لمسافر لها، ولا تنقل الى موضع القصر الا لأعدم، فأكثرها ينقل له وجوبا، وتنقل بأجرة من الفئ والا بيعت واشترى مثلها هناك ان أمكن.
وقدم اخراج المال حينئذ ليصل لموضع التفريق عند الحول فى عين وماشية لا ساعى لها والا فحولها مجئ الساعى.
ولو عزلها لمستحقها بعد الحول فتلفت بلا تفريط والا امكان أداء سقطت، فان وجدها
(1)
المرجع السابق ح 2 ص 39 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 2 ص 40 الطبعة السابقة.
لزمه اخراجها وأما لو عزلها قبل الحول فضاعت ضمن لا ان ضاع أصلها بعد الحول فلا تسقط ويعطيها لمستحقها فرط أم لا.
وجاز اخراج ذهب عن ورق وعكسه من غير أولوية لأحدهما على الآخر، وقيل بأولوية الورق عن الذهب لتيسر انفاقه وأما اخراج الفلوس عن أحد النقدين فالمشهور الاجزاء مع الكراهة، ويعتبر فى الاخراج صرف وقت الاخراج ولو بعد زمن من الوجوب بمدة، واخراج العين عن الحرث والماشية يجزئ مع الكراهة، وأما اخراج العرض عنهما أو عن العين لم يجز كاخراج الحرث والماشية عن العين أو الحرث عن الماشية وعكسه
(1)
.
مذهب الشافعية:
قالوا: يجوز لرب المال أن يفرق زكاة الأموال الباطنة بنفسه وهى الذهب والفضة وعروض التجارة والركاز لما روى عن عثمان رضى الله عنه أنه قال فى شهر المحرم هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقض دينه ثم ليترك بقية ماله، ويجوز أن يوكل من يفرق لأنه حق مال، ويجوز أن يدفع الى الامام لأنه نائب عن الفقراء فجاز الدفع اليه كولى اليتيم وفى الأفضل ثلاثة أوجه أحدها أن الأفضل أن يفرقها بنفسه وهو ظاهر النص لأنه على ثقة من أدائه وليس على ثقة من أداء غيره والثانى أن الأفضل أن يدفعها الى الامام عادلا كان أو جائرا ومن أصحابنا من قال: ان كان الامام عادلا فالدفع اليه أفضل، وان كان جائرا فان تفرقته بنفسه أفضل لأنه على ثقة من أدائه الى العادل وليس على ثقة من أدائه الى الجائر، أما الأموال الظاهرة وهى المواشى والزروع والثمار والمعادن ففى زكاتها قولان قال فى القديم: يجب دفعها للامام فان فرقها بنفسه لزمه الضمان لقوله عز وجل «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها 2» ولأنه مال للامام فيه حق المطالبة فوجب الدفع اليه، وقال فى الحديد يجوز أن يفرقها بنفسه لأنها زكاة فجاز أن يفرقها بنفسه كزكاة المال الباطن
(3)
ويجب على الامام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة وان لم يبعث الامام الساعى وجب على رب المال أن يفرق الزكاة بنفسه على المنصوص لأنه حق الفقراء والامام نائب عنه واذا ترك النائب لم يترك من عليه الأداء، ومن أصحابنا من قال ان قلنا ان الأموال الظاهرة يجب دفع زكاتها الى الامام لم يجز أن يفرق بنفسه لأنه مال توجه حق القبض فيه الى الامام فاذا لم يطلب الامام لم يفرق ويتصل بهذا ما جاء فى المهذب هل تجب الزكاة فى العين أو فى الذمة؟ قولان، قال فى القديم تجب فى الذمة، والعين مرتهنة بها ووجهه أنها لو كانت واجبة فى العين لم يجز أن يعطى حق الفقراء من غيرها وقال فى الجديد تجب فى العين وهو الصحيح لأنه
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير والدردير ح 1 من ص 430 الى ص 504 طبع دار أحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه وبلغة السالك وحاشية الصاوى عليه للدردير ح 1 من ص 193 الى ص 224.
(2)
الآية رقم 103 من سورة التوبة.
(3)
المهذب للشيرازى ح 1 ص 168 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
حق يتعلق بالمال فيسقط بهلاكه ولا يصح اخراج الزكاة الا بنية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «انما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى» ولأنها عبادة محضة فلم تصح من غير نية.
وفى وقت النية وجهان أحدهما: يجب أن ينوى حال الدفع لأنه عبادة يدخل فيها بفعله فوجبت النية فى ابتدائها والثانى: يجوز تقديم النية عليها لأنه يجوز التوكيل فيها ونيته غير مقارنة لأداء الوكيل فجاز تقديم اليه عليها ويجب أن يعين فى النية الزكاة أو الصدقة الواجبة فان نوى صدقة مطلقة لم تجز لأن الصرف الى الفريضة لا يكون الا بالتعيين وان دفعها للامام ولم ينو ففيه وجهان، أحدهما يجزئه وهو ظاهر النص لأن الامام لا يدفع اليه الا الفرض فاكتفى بهذا الظاهر عن النية ومن أصحابنا من قال لا يجزئه وهو الأظهر لأن الامام وكيل الفقراء ولو دفع للفقراء من غير النية عند الدفع لم يجزئ فكذلك اذا دفع لوكيلهم، وقال الشافعى رحمه الله: من امتنع عن أداء الزكاة فأخذها الامام منه قهرا فانه يجزئه لأنه تعذرت النية من جهة فقامت نية الامام مقام نيته.
ويجب اخراج الزكاة الى الأصناف الثمانية فى البلد الذى فيه المال لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا الى اليمن فقال أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد فى فقرائهم. فان نقل الى الأصناف فى بلد آخر ففيه قولان أحدهما يجزئه لأنه من أهل الصدقة فأشبه أصناف البلد الذى فيه المال والثانى لا يجزئه لأنه حق واجب لأصناف بلد فاذا نقل عنهم الى غيرهم لم يجزه وهذا اذا نقلت الزكاة لمسافة قصر أما اذا نقلت الى مسافة لا تقصر فيها الصلاة فانه يجوز قولا واحدا لأن ذلك فى حكم البلد
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قالت الحنابلة. ويجب اخراج الزكاة على الفور لأن الأمر المطلق يقتضى الفورية وكما لو طالب بها الساعى وذلك مع القدرة على الاخراج ولذلك يستحق مؤخر الامتثال العقاب ولأن الزكاة وجبت لحاجة الفقراء وهى ناجزة فوجب أن يكون الوجوب ناجزا قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يحول الحول على ماله فيؤخر عن وقت الزكاة فقال لا، ولم يؤخر اخراجها، وشدد فى ذلك، قيل، فابتدأ فى اخراجها فجعل يخرج أولا فأولا فقال لابل يخرجها كلها اذا حال الحول، والتأخير مخل بالمقصود وربما أدى الى الفوت، وذلك الا لخوف ضرر فله تأخيرها لأشد حاجة وقريب وجارو لتعذر اخراجها من المال لغيبة ونحوها ويخرجها الولى من مال الصبى والمجنون.
ولا يجوز اخراج الزكاة الا بنية الا أن يأخذها منه الامام قسرا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «انما الأعمال بالنيات» وأداؤها عمل، ولأنها عبادة تتنوع الى فرض ونفل، فافتقرت الى النية وولى الصبى
(1)
المهذب ح 1 من ص 137 الى ص 176 الطبعة السابقة.
والسلطان ينويان عند الحاجة فاذا ثبت هذا فان النية أن يعتقد أنها زكاته أو زكاة من يخرج عنه ومحلها القلب. والأولى قرن النية بالدفع، ويجوز تقديم النية على الأداء بالزمن اليسير كسائر العبادات ولأن هذه تجوز النيابة فيها فاعتبار مقارنة النية للاخراج يؤدى الى التغرير بماله فان دفع الزكاة الى وكيله ونوى هو دون الوكيل جاز اذا لم تتقدم نيته الدفع بزمن طويل وان تقدمت بزمن طويل لم يجز الا أن يكون قد نوى حال الدفع الى الوكيل ونوى الوكيل عند الدفع الى المستحق، ولو نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجز لأن الفرض يتعلق به والاجزاء يقع عنه، وان دفعها الى الامام ناويا ولم ينو الامام حال دفعها الى الفقراء جاز وان طال لأنه وكيل الفقراء ولو تصدق الانسان بجميع ماله تطوعا ولم ينوبه الزكاة لم يجزئه، واذا أخذها الامام منه قهرا أجزأت من غير نية لأن تعذر النية فى حقه أسقط وجوبها عنه كالصغير والمجنون وقال القاضى: متى أخذها الامام أجزأت من غير نية سواء أخذها طوعا أو كرها.
ويستحب للانسان أن يلى تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها لمستحقها سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة قال الامام أحمد أعجب الى أن يخرجها وان دفعها الى السلطان فهو جائز، وله أن يدفعها الى الساعى، وروى عن أحمد أنه قال: أما صدقة الأرض فيعجبنى دفعها الى السلطان وأما زكاة الأموال كالمواشى فلا بأس أن يضعها فى الفقراء والمساكين ولنا على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق الى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه، والآية «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» تدل على أن للامام أخذها ولا خلاف فيه، ومطالبة أبى بكر وقتاله انما كان لمن لم يخرج الزكاة ويؤدها الى أهلها ولو أدوها الى أهلها لما قاتلهم عليها، وانما يطالب الامام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقيها فاذا دفعها اليهم - من وجبت عليه - جاز لأنهم أهل رشد فجاز الدفع اليهم والأفضل اخراج زكاة كل مال فى فقراء بلده، ويجوز نقلها الى ما دون مسافة القصر فى بلد المال لأنه فى حكم بلد واحد، ولا يجوز نقلها مطلقا الى بلد تقصر فيه الصلاة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه الى اليمن «أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» فان فعل أجزأت لأنه دفع الحق الى مستحقه وهو قول أكثر أهل العلم واختارها أبو الخطاب وقيل لا تجزئ لأنه دفع الزكاة الى غير من أمر بدفعها اليه وقيل تجزئه مع الاثم، وقال أحمد فى رواية محمد بن الحكم: اذا كان الرجل فى بلد وماله فى بلد فأحب الى أنه يؤدى حيث كان المال فان كان بعضه حيث هو وبعضه فى مصر يؤدى زكاة كل مال حيث هو، فان كان غائبا عن مصره وأهله والمال
معه فأسهل أن يعطى بعضه فى هذا البلد وبعضه فى البلد الآخر فأما ان كان المال فى البلد الذى هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما فلا يبعث بزكاته الى بلد آخر، واذا كان المال فى بلد أو مكان لا فقراء فيه فيفرقها فى أقرب البلاد اليه لأنهم أولى وعليه مؤنة نقل وكيل ووزن.
وان أخرج الزكاة فضاعت قبل دفعها الى الفقير لم تسقط عنه لأنها حق متعين على رب المال فلم يبرأ منه بالتلف وذلك كأن عزلها ينوى بها أنها زكاة سواء قدر على دفعها أو لم يقدر
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: الزكاة واجبة فى ذمة صاحب المال، فمن وجبت عليه زكاته فأعطى زكاته الواجبة عليه من غير ما وجبت عنه الزكاة فانه لا يمنع من ذلك ولا يكره ذلك له، بل سواء أعطى من تلك العين أو مما عنده، من غيرها أو مما يشترى أو مما يوهب له أو مما يستقرض ولو أخرج الزكاة وعزلها ليدفعها الى المصدق أو إلى أهل الصدقات فضاعت الزكاة كلها أو بعضها فعليه اعادتها كلها ولا بد، لأنها فى ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله تعالى بايصالها اليه. وليس على من وجبت عليه الزكاة ايصالها الى السلطان، لكن عليه أن يجمع ماله للمصدق ويدفع اليه الحق، ثم مؤنة نقل ذلك من نفس الزكاة، فان لم يكن مصدق فعلى من عليه الزكاة ايصالها الى من يحضره من أهل الصدقات ولا مزيد. ولا يجزئ أداء الزكاة اذا أخرجها المسلم عن نفسه أو وكيله بأمره الا بنية أنها الزكاة المفروضة عليه فان أخذها الامام وساعيه أو أميره أو ساعيه فبنية كذلك لقول الله تعالى «وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ 2» ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات» فلو أن امرءا أخرج زكاة مال له غائب فقال: هذه زكاة مالى ان كان سالما، والا فهى صدقة تطوع لم يجز ذلك عن زكاة ماله ان كان سالما لأنه لم يخلص النية للزكاة محضة كما أمر، وانما يجزئه ان أخرجها على أنه زكاة ماله فقط فان كان المال سالما أجزأه، لأنه أداها كما أمر مخلصا لها، وان كان المال قد تلف فان قامت له بينة فله أن يسترد ما أعطى، وان فاتت أدى اليه الامام ذلك من سهم الغارمين
(3)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: ولايتها - أى الزكاة - للامام ظاهرة وباطنة ولا ولاية لرب المال فيها مع وجود الامام العادل، وتثبت ولايته اليه حيث تنفذ أوامره ونواهيه، وأما الموضع الذى لا تنفذ فيه أوامره فلا ولاية له، وقال فى الياقوتة: والأفضل دفعها الى الامام وقال المؤيد بالله والصادق بالله: بل الولاية اليه
(1)
المغنى لابن قدامة ح 2 من ص 505 الى ص 509 من ص 668 الى ص 689 الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ والروض المربع بشرح زاد المستقنع مختصر المقنع ح 1 من ص 117 الى ص 119 الطبعة السادسة طبع المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1380 هـ.
(2)
الآية رقم 5 من سورة البينة.
(3)
المحلى ح 5 ص 262، ص 263 وح 6 من ص 91 الى ص 95.
عموما حيث تنفذ أوامره وحيث لا تنفذ فلا يجوز لرب المال تفريقها الا بأمر منه، فمن أخرج زكاته الى غير الامام بعد أن وقع الطلب من الامام يجزه التى أخرجها ولزمه اعادتها ولو كان حال الاخراج جاهلا لكون أمرها للامام أو جاهلا بمطالبته، ويجب ايصال الزكاة الى الامام ان طلب منه ذلك، ويضمن الزكاة بعد العزل الا أن يعزلها باذن الامام أو اذن من له الأذن، وتكفى المالك فى تسليم الزكاة وسقوط ضمانها بكل وجه أن تقع منه التخلية لزكاته الى المصدق، بخلاف التخلية الى الامام والفقير فانها لا تكفى فى التسليم وسقوط الضمان حتى يقبضها قبضا محققا
(1)
ومن أعطى زكاته غير مستحق لها اجماعا أو غير مستحق لها فى مذهبه عالما أن مذهبه أنه لا يستحق، لزمه اخراج زكاته مرة ثانية ولا يعتد بالأولى
(2)
وتجب الزكاة فى العين غالبا ولا ينتقل الى الذمة مهما بقيت عين المال
(3)
وتجزئ الزكاة مخرجها بالنية فان أخرج عشر ماله الى الفقير من دون أن ينوى كونه زكاة لم يجزه ذلك، وتكون النية من المالك المرشد وهو البالغ العاقل ومن ولى غيره، واذا أخذها الامام أو المصدق فان النية تجب على أيهما أخذها ولا تلزم نية أخرى عند الاخراج، وقيل: بل تلزمه ويصح أن تكون النية مقارنة لتسليم المالك الى الامام أو الفقير بأن يعطيه ناويا كونها زكاة كما يصح أن تكون مقدمة على الاخراج غير مقارنة لتسليم ولا تمليك ويصح أن تكون النية مشروطة
(4)
(انظر نية).
مذهب الإمامية:
قال الإمامية يجب دفعها الى الامام بنفسه أو بساعيه لوجوب طاعته مطلقا، قيل وكذا يجب دفعها الى الفقيه الشرعى لو طلبها بنفسه أو وكيله لأنه نائب للامام كالساعى بل أقوى، ولو خالف المالك وفرقها بنفسه لم يجز للنهى المفسد للعبادة، وللمالك استعادة العين مع بقائها عنده بعد عزلها أو علم مخرج الزكاة القابض لها، ودفعها اليهم ابتداء من غير طلب أفضل من تفريقها بنفسه لأنهم أبصر بمواقعها، وأخبر بمواضعها، وقيل يجب دفعها ابتداء الى الامام أو نائبه، ومع الغيبة الى الفقيه المأمون، والأشهر الاستحباب ويصدق المالك فى الاخراج لأن ذلك حق له كما هو عليه ولا يعلم الا من قبله، وجاز احتسابها من دين وغيره مما يتعذر الاشهاد عليه
(5)
وجاء فى المختصر النافع
(6)
ويجوز دفعها الى المستحق قرضا واحتساب ذلك عليه من الزكاة أن تحقق الوجوب وبقى القابض على صفة الاستحقاق، ولو تغير حال المستحق استأنف المالك الاخراج، والنية معتبرة فى اخراجها وعزلها، ولو عدم المستحق فى بلده نقلها، ولو بادر المالك باخراجها أجزأته ولو لم يجد مستحقا استحب عزلها والايصاء بها.
(1)
شرح الازهار ح 1 ص 527 - 532 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(2)
المرجع السابق ح 1 ص 536.
(3)
المرجع السابق ح 1 ص 463.
(4)
المرجع السابق ح 1 ص 457 الى ص 459.
(5)
الروضة البهية ح 1 ص 131.
(6)
المختصر النافع من ص 82 الى ص 86 الطبعة الثانية طبع وزارة الاوقاف.
وقت اخراج الزكاة
مذهب الحنفية:
قال الكرخى هى واجبة على الفور وذكر فى المنتقى ما يدل عليه وروى عن محمد أن التأخير لا يجوز وهذا نص على الفور، وذكر أبو عبد الله الثلجى عن أصحابنا أنها تجب وجوبا موسعا وقال عامة مشايخنا أنها واجبة على التراخى ومعنى التراخى عندهم أنها تجب مطلقا عن الوقت غير عين ففى أى وقت أدى يكون مؤديا للواجب ويتعين ذلك الوقت للوجوب، واذا لم يؤد الى آخر عمره يتضيق عليه الوجوب بأن بقى من الوقت قدر ما يمكنه الأداء فيه وغلب على ظنه أنه لو لم يؤد فيه يموت فعند ذلك يتضيق عليه الوجوب حتى أنه لو لم يؤد فيه يأثم وأصل المسألة ان الأمر المطلق عن الوقت هل يقتضى وجوب الفعل على الفور أم على التراخى قال الامام أبو منصور الماتريدى السمرقندى أنه يجب تحصيل الفعل على الفور وهو الفعل فى أول أوقات الامكان ولكن عملا لا اعتقادا على طريق التعيين بل مع الاعتقاد المبهم أن ما أراد الدين من الفور والتراخى فهو حق
(1)
على تفصيل فى المذاهب «انظر زكاة» .
اخراج زكاة الفطر ووقتها
مذهب الحنفية:
قال الأحناف: يتحقق الاخراج فى صدقة الفطر باعطاء جماعة زكاة واحد أو اعطاء واحد زكاة جماعة ووقتها مختلف فيه قال أصحابنا هو وقت طلوع الفجر الثانى من يوم الفطر، وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه يجوز التعجيل سنة وسنتين وعن خلف بن أيوب أنه يجوز تعجيلها اذا دخل رمضان ولا يجوز قبله، وذكر الكرخى فى مختصره أنه يجوز التعجيل بيوم أو يومين وقال الحسن بن زياد، لا يجوز تعجيلها أصلا، والصحيح أنه يجوز التعجيل مطلقا وان كثرت المدة
(2)
.
وللمذاهب تفصيل فى هذا الموضوع.
الاخراج من الوقف
المعروف أن الاخراج من الوقف يراد به غالبا الاخراج من الاستحقاق وقد يستعمل فى الاخراج من النظر بمعنى العزل فأما المعنى الأول فقد قال: الحنفية: شرائط الواقف معتبرة اذا لم تخالف الشرع
(3)
فلو قال الواقف ان لى أن أخرج من شئت ممن وقفت عليهم فأخرج واحدا أو الجميع جاز، وصارت الغلة للفقراء وان أخرج واحدا ثم أراد أن يدخله لم يكن له ذلك وصار الوقف على الباقين لأن له المشيئة فى الاخراج دون الادخال. اذا لم يكن قد اشترط لنفسه الادخال، ثم ان كان فى الوقف غلة وقت الاخراج ذكر هلال أنه يخرج منها خاصة وعلى قياس ما ذكر فى وصايا الأصل
(1)
بدائع الصنائع ح 2 ص 3.
(2)
المرجع السابق ح 2 ص 74، 75.
(3)
فتح القدير مع شرح العناية على الهداية ح 5 ص 38 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1315 هـ.
والجامع الصغير أنه يخرج عن الغلة أبدا لأنه لو أوصى بغلة بستانه وفى البستان غلة يوم موت الموصى فله الغلة الموجودة وما يحدث فى المستقبل أبدا، وعلى رواية هلال له الغلة الموجودة دون ما يحدث.
وان أخرج بأن قال أخرجت فلانا أو فلانا جاز، والبيان اليه فان لم يبين حتى مات، فالغلة تقسم على رءوس الباقين فيضرب لهذين بسهم فان اصطلحا أخذاه بينهما وان أبيا أو أبى أحدهما حتى يصطلحا
(1)
ولو قال أخرجت فلانا لا بل فلانا خرجا جميعا. أما الاخراج بالمعنى الثانى فقد قال فيه الحنفية، ولو أخرج حاكم قيما من النظر فمات أو عزل فتقدم المخرج الى القاضى الثانى بأن ذلك القاضى أخرجه بلا جنحة لا يدخله، لأن أمر الأول محمول على السداد ولكنه يكلفه أن يقيم عنده بينة أنه أهل وموضع للنظر فى هذا الوقف فان فعل أعاده، وكذا لو أخرجه بفسق وخيانة فبعد مدة أناب الى الله وأقام بينة أنه صار أهلا لذلك فانه يعيده مع تفصيل محله الولاية على الوقف فى مصطلح «وقف» .
اخراج المرأة المعتدة من بيت الزوجية:
نهى الله تعالى الأزواج عن الاخراج، - اخراج المعتدات - لقوله تعالى:
«لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»
(2)
- وقوله تعالى:
«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ»
(3)
.
والأمر بالاسكان نهى عن الاخراج والخروج:
والمعتدة لا يخلو اما أن تكون معتدة من نكاح صحيح واما أن تكون معتدة من نكاح فاسد ولا يخلو اما أن تكون حرة واما أن تكون أمة، بالغة أو صغيرة عاقلة أو مجنونة مسلمة أو كتابية مطلقة أو متوفى عنها زوجها والحال حال الاختيار أو حال الاضطرار، فان كانت معتدة من نكاح صحيح وهى حرة مطلقة بالغة عاقلة مسلمة والحال حال الاختيار فانها لا تخرج ليلا ولا نهارا سواء كان الطلاق ثلاثا أو بائنا أو رجعيا، أما فى الطلاق الرجعى فلقوله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» وأما فى الطلاق الثلاث أو البائن فلعموم النهى ولمساس الحاجة الى تحصين الماء، وعلى تفصيل فى ذلك موضعه مصطلح «عدة»
(4)
.
الاخراج من الحرز
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: بعد تعريف السرقة. وأن الأخذ على وجه الاستخفاء قد يكون بالمباشرة والمباشرة أن يتولى السارق أخذ المتاع واخراجه من الحرز بنفسه حتى لو دخل الحرز وأخذ متاعا فحمله أو لم يحمله حتى ظهر عليه وهو فى الحرز قبل أن يخرجه فلا قطع عليه لأن
(1)
الفتاوى الهندية ح 2 ص 405 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1310 هـ.
(2)
سورة الطلاق: 1.
(3)
سورة الطلاق: 6.
(4)
البدائع ح 3 ص 205.
الأخذ اثبات اليد ولا يتم ذلك الا بالاخراج من الحرز
(1)
.
مذهب المالكية:
قالت المالكية: النصاب متى كان مخرجا من حرز واحد قطع مخرجه، ولا يشترط دخول السارق فيه بل لو أدخل نحو عصا وجر النصاب به قطع، فالمدار على اخراج النصاب دخل هو فى الحرز أم لا خرج منه اذا دخل أم لا
(2)
.
مذهب الشافعية:
ان نقب اثنان حرزا وسرقا نصابين قطعا لأن كل واحد منهما سرق نصابا، وان أخرج أحدهما نصابين ولم يخرج الآخر شيئا قطع الذى أخرج دون الآخر لأنه هو الذى انفرد بالسرقة
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قالت الحنابلة: بعد أن اشترطوا فى السرقة أن تكون من حرز وأن يخرج السارق منه متى أخرجه من الحرز وجب عليه القطع سواء حمله الى منزله أو تركه خارجا من الحرز وسواء أخرجه بأن حمله أو رمى به الى خارج الحرز أو شد فيه حبلا ثم خرج فمده به أو شده على بهيمة ثم ساقها حتى أخرجها أو تركه فى نهر جار فخرج به ففى هذا كله يجب القطع لأنه هو المخرج له اما بنفسه واما بآلته فوجب عليه القطع كما لو حمله فأخرجه وسواء دخل الحرز فأخرجه أو نقبه ثم أدخل اليه يده أو عصا لها شجنة واجتذبه بها
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق جملة ولم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حرزا من غير حرز، والله عز وجل لو أراد ألا يقطع السارق حتى يسرق من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك ولا أهمله ونحن نشهد ونثبت ونقطع بيقين لا يمازجه شك أن الله عز وجل لم يرد قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. اشتراط الحرز فى السرقة واذ لا شك فى ذلك فاشتراط الحرز فيها باطل بيقين وعلى هذا فليس للاخراج من الحرز حكم خاص فى السرقة لأن السرقة عندهم لا يشترط أن تكون من حرز
(5)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: اذا اشترك جماعة فى نقب حرز فدخلوا وأخرج كل منهم مالا تفرد به قطع من أخرج نصابا لا دونه، ولو نقب أحد رجلين وأخرج المال غيره قطع المخرج للمال، وقيل لا قطع على أيهما، ولو تناول من كوة بخطاف قطع اذا أخرج من حرز فان لم يحمله بل تركه حتى تلف قطع أيضا للاخراج، ولو ألقى المال فى نهر جار أو مهب ريح فخرج
(1)
البدائع ح 7 ص 65.
(2)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير ح 4 ص 338
(3)
المهذب ح 2 ص 277.
(4)
المغنى ح 10 ص 249، 259.
(5)
المحلى ح 11 ص 327.
بجريه قطع اذ القاؤه كاخراجه وقيل لا، وما أخرجه القرد المعلم قطع به ان أخرج بأمره
(1)
مذهب الإمامية:
قالت الشيعة الإمامية: يشترط فى السارق أن يهتك الحرز ويخرج المتاع بنفسه
(2)
.
مذهب الإباضية:
وقال الإباضية: وتقطع يمنى سارق ان أخرج من حرز ما قيمته أربعة دراهم وقيل ان أخرج من حرز خمسة ولا تقطع أصابع خمس مع الكف الا فى دراهم خمسة، وقيل ان أخرج عشرة
(3)
.
أخرس
التعريف اللغوى
الأخرس فى اللغة هو الممنوع من الكلام خلقة أى خلق ولا نطق له، وصار الشخص أخرس بين الخرس أى منعقد اللسان عن الكلام
(4)
وقد وضع الفقهاء للأخرس بهذا المعنى أحكاما خاصة به سيأتى بيانها.
الفرق بينه وبين معتقل اللسان
معتقل اللسان من خلق ناطقا ثم طرأ عليه مرض ترتب عليه اعتقال لسانه - أى منعه من الكلام «انظر اعتقال اللسان» .
اسلام الأخرس
الأخرس العاجز عن النطق يكتفى فى اسلامه بالاشارة مع قيام القرائن على أنه أذعن بقلبه
(5)
.
حكم الأخرس بالنسبة للعبادات القولية
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: صلاة الأخرس جائزة بدون تكبيرة الافتتاح والقراءة وغيرهما من الأقوال لأن القراءة وان كانت ركنا من أركان الصلاة الا أن عجزه عن النطق اقتضى صحة صلاته بدون القراءة وغيرها
(6)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: المصلى اذا عجز عن النطق بالتكبيرة كاملة لخرس فانه يسقط عنه النطق ويكتفى منه بالنية
(7)
وفى الشرح الكبير:
فان عجز عن النطق بالتكبير لخرس أو عجمة سقط التكبير عنه لكل فرض عجز عنه ويكتفى منه بنية الدخول فى الصلاة وكما يسقط عنه التكبير يسقط عنه القيام له على ما استظهره ابن ناجى، والأخرس الذى يأتم بأخرس أو أمى مقيد بعدم وجود امام قارئ فان وجدا اماما قارئا وائتما بغيره ففيه خلاف فقد جاء
(1)
البحر الزخار ح 5 ص 180 - 186.
(2)
المختصر النافع ص 301.
(3)
شرح النيل ح 7 ص 646.
(4)
لسان العرب لابن منظور مادة خرس الطبعة الأولى طبع دار بيروت للطباعة والنشر سنة 1375 هـ
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 1 ص 131 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية ومغنى المحتاج ح 2 ص 394 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ وشرائع الاسلام للمحقق الحلى ح 2 ص 78 طبع مطبعة دار الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.
(6)
مزاقى الفلاح شرح نور الايضاح ص 33 المطبعة العامرة الشرفية ورد المختار على الدر المختار شرح تنوير الابصار لابن عابدين ح 1 ص 447 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1323 هـ الطبعة الثالثة.
(7)
شرح الخرشى على مختصر خليل وبهامشه حاشية العدوى ح 1 ص 265 طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر سنة 1317 هـ الطبعة الثانية.
فى التوضيح. أشار ابن عبد السلام الى أن الخلاف فى الأخرس والأمى مقيد بعدم وجود القارئ وأنهما اذا أمكنهما أن يصليا خلف القارئ فلا لأن القراءة لما كان الامام يحملها كان تركهما الصلاة خلفه تركا المقراءة اختيارا وفيه نظر .. ويعلم أن الخلاف انما هو فيما اذا وجد قارئ وأما اذا لم يوجد فالصحة اتفاقا
(1)
وبطلت صلاة الجماعة باقتداء بعاجز عن ركن قولى أو فعلى الا أن يساوى المأموم امامه فى العجز فجائز
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية فى نهاية المحتاج: أما العاجز لنحو خرس فيجب تحريك لسانه وشفتيه ولهاته بالتكبير قدر امكانه قال فى المجموع وهكذا حكم تشهده وسلامه وسائر أذكاره قال ابن الرفعة فان عجز عن ذلك نواه بقلبه كما فى المريض
(3)
وفى نهاية المحتاج: عدم صحة اقتداء أخرس بأخرس ولو عجز امامه فى أثناء صلاته عن القراءة لخرس لزمه مفارقته بخلاف ما لو عجز عن القيام لأن اقتداء القائم بالقاعد صحيح ولا كذلك القارئ بالأخرس قاله البغوى فى فتاويه فلو لم يعلم بخرسه حتى فرغ من صلاته أعاد لأن حدوث الخرس نادر بخلاف طرو الحدث
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن التسمية واجبة فى الوضوء يبطل الوضوء بتركها ثم قال:
والأخرس يشير بها قال فى المنتهى: وتكفى اشارة أخرس ونحوه بها، وظاهر ذلك وجوب الاشارة
(5)
وعند الكلام على التكبير فى الصلاة قال
(6)
يسقط التكبير فى الصلاة عن الأخرس لقول الله جل شأنه: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»
(7)
ثم قال والأخرس يحرم بقلبه لعجزه عنه بلسانه ولا يحرك لسانه وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيره كالتحميد والتسميع والتشهد والسلام يأتى به الأخرس بقلبه ولا يحرك لسانه، وقال فى موضع آخر
(8)
ويقف بقدر الفاتحة لأن القيام ركن مقصود فى نفسه لأنه لو تركه مع القدرة عليه لم يجزئه فمع القدرة تجب القراءة والقيام بقدرها اذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وقال فى موضع آخر
(9)
ولا تصح الصلاة خلف أخرس ولو بأخرس مثله نصا لأنه يترك ركنا وهو القراءة والتحريمة وغيرهما فلا يأتى به ولا ببدله بخلاف الأمى فانه يأتى بالبدل ثم قال فى موضع آخر
(10)
: ويستحب أن يلبى عن أخرس تكميلا لنسكه.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 1 ص 328 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق.
(3)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج وحاشية الشبراملسى عليه ح 1 ص 443 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ. ومغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 154 الطبعة السابقة.
(4)
نهاية المحتاج ح 2 ص 165.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس وبهامشه شرح منتهى الارادات ح 1 ص 67 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(6)
المرجع السابق ح 1 ص 308.
(7)
سورة البقرة: 286.
(8)
كشاف القناع ح 1 ص 227.
(9)
المرجع السابق ح 1 ص 308.
(10)
المرجع السابق ح 1 ص 572.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: بعد أن ذكر الفروض القولية فى الصلاة قال فان عجز عن شئ منه لجهل أو عذر مانع سقط عنه وتمت صلاته
(1)
.
مذهب الزيدية:
ويسقط فرض القرآن وغيره من التكبير والتسليم عن الأخرس وهو الذى لا يمكنه شئ من الكلام لتغير اللسان يعنى مع كونه أصم لكنه ينبغى أن ينظر فان كان الخرس عارضا وقد كان يحسن القراءة فالواجب عليه أن يثبت قائما قدر القراءة الواجبة ذكره فى الكافى وهل يلزم امرارها بقلبه؟ احتمالان أصحهما أنه لا يلزم، وأما ان كان الخرس أصليا قيل انه لا صلاة عليه لأنه غير مأمور بالشرعيات بل بالعقليات فحسب قال مولانا على عليه السلام وهذا صحيح
(2)
.
مذهب الإمامية:
تكبيرة الاحرام يأتى بها الأخرس على قدر الامكان وان عجز عن النطق أصلا أخطرها بقلبه وأشار اليها مع تحريك لسانه ان أمكنه ورد ذلك فى الروض والبيان وغيره
(3)
وقال فى موضع آخر: والحكم كذلك فى التكبيرات المندوبة بالنسبة للأخرس
(4)
وفى المبسوط وغيره الاقتصار على الاشارة بالأصبع وعن نهاية الأحكام يحرك لسانه ويشير بأصابعه أو شفته ولهاته مع العجز عن تحريك اللسان، وفى القواعد:
يعقد قلبه بمعناها مع الاشارة وتحريك اللسان والعمدة فى ذلك خبر السكوتى عن أبى عبد الله عليه السلام حيث ورد فيه تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن فى الصلاة تحريك لسانه واشارته بأصبعه ثم قال والمراد أن الأخرس يؤدى عباداته القولية بما يؤدى به مراداته ومقاصده من تحريك اللسان والاشارة بالأصبع وعن جماعة عدم ذكر الاشارة بالأصبع هنا، وحكى عن جامع المقاصد منع ذلك لعدم الدليل عليه فى الأخرس ولا فى غيره ولو وجب ذلك لعمت البلوى أكثر الخلائق
(5)
وقال فى موضع آخر: لا يجوز امامة الأخرس بالصحيح وان كان ممن لا يحسن
(6)
قال فى مفتاح الكرامة
(7)
لا أجد فى ذلك خلافا، وفى المعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الأحكام وكشف الالتباس وغيرها: أنه يجوز أن يؤم مثله بل فى المعتبر والمنتهى أنه يجوز أن يؤم بالأمى لأن التكبير لا يتحمله الامام وهما فى القراءة سواء.
مذهب الإباضية:
جاء فى متن النيل فى الصلاة: من عجز عن شئ فانه يعمل ما قدر عليه ويومى لغيره
(1)
المحلى لابن حزم ح 3 ص 255 طبع مطبعة النهضة بمصر الطبعة الاولى سنة 1347 هـ.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ح 1 ص 245 و 246 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
(3)
مستمسك العروة الوثقى ح 6 ص 61 طبع مطبعة النعمان بالنجف الطبعة الثانية سنة 1381 هـ مسألة: 7.
(4)
المرجع السابق ح 6 ص 62.
(5)
المرجع السابق ح 6 ص 193، 194.
(6)
المرجع السابق ح 7 ص 269 مسألة: 7.
(7)
مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة للسيد الحسينى العاملى ح 3 ص 317 طبع مطبعة الثورة بالقاهرة سنة 1327 هـ.
وهذا بالنسبة للأفعال، وهل يكيف ما يعمل بلسانه ويعمل بجوارحه ما أمكنه أو يكيف الأقوال والأعمال؟. قولان قال فى شرح النيل والأولى أن يعم، ويقول: واذا قدر على شئ فعله ويكيف ما لم يقدر عليه على الصحيح وقيل يكيف الكل
(1)
وفى الوضع قال: ولا تجوز الصلاة خلف الأخرس
(2)
.
ذبيحة الأخرس
مذهب الحنفية:
ذبيحة الأخرس عند الحنفية صحيحة اذا كان مسلما أو كتابيا ذميا أو حربيا وان لم يذكر اسم الله عليها لأن ترك التسمية عمدا فى الذكاة وان كان يمنع حل الذبيحة الا أن ذلك خاص بالقادر على التسمية، أما الأخرس فانه عاجز عن التسمية وعجزه عن التسمية لا يمنع صحة ذكاته
(3)
.
مذهب المالكية:
يجب فى الذكاة بأنواعها نيتها وتسمية عند التذكية وعند الارسال فى العقر ان ذكر وقدر فلا تجب التسمية على ناس ولا أخرس ولا مكره وحينئذ فيفيد قول الله سبحانه وتعالى: «وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}
(4)
» أى لا تأكلوا مما تركت التسمية عليه عمدا مع القدرة عليها
(5)
.
مذهب الشافعية:
قال فى المجموع: والأخرس ان كانت له اشارة مفهومة حلت ذبيحته بالاتفاق وان لم تكن له اشارة مفهومة فطريقان: المذهب الحل أيضا وبه قطع الأكثرون، والرأى الثانى أنه يعتبر كالمجنون وبهذا الرأى قطع البغوى والرافعى، قال الرافعى: ولتكن سائر تصرفاته على هذا القياس
(6)
وفى نهاية المحتاج: أن الأخرس تحل ذبيحته
(7)
.
مذهب الحنابلة:
قال فى كشاف القناع
(8)
التسمية شرط عند الذبح فان كان المذكى أخرس أومأ برأسه الى السماء ولو أشار اشارة تدل على التسمية وعلم أنه أراد التسمية كان فعله كافيا لقيام اشاراته مقام نطقه قال ابن المنذر:
أجمع كل من نحفظ عنه على اباحة ذبيحة الأخرس، وفى باب الصيد
(9)
أن التسمية شرط عند ارسال السهم والجارحة ثم قال:
ولا تعتبر التسمية من أخرس لتعذرها منه، والظاهر أنه لا بد من اشارته بها لقيام اشارته مقام نطقه.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: وتذكية الأخرس جائز أكلها اذا ذكى وسمى بالاشارة لقول الله
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ح 1 ص 368 طبع مطبعة ابن يوسف البارونى وشركاه.
(2)
كتاب الوضع لابى زكريا الجناوى ح 1 ص 114 الطبعة الاولى طبع مطبعة الفجالة الجديدة بمصر.
(3)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين ح 5 ص 258 وما بعدها.
(4)
سورة الانعام: 121.
(5)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ح 2 ص 106.
(6)
المجموع شرح المهذب لابى زكريا النووى وبهامشه فتح العزيز للرافعى ح 9 ص 77 مطبعة التضامن الاخوى بمصر سنة 1344 هـ.
(7)
نهاية المحتاج ح 8 ص 106.
(8)
كشاف القناع ح 4 ص 123.
(9)
المرجع السابق ح 4 ص 134.
تعالى: «إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ} .. الآية
(1)
» فخاطب كل مسلم ومسلمة، وقال جل شأنه «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» فلم يكلفوا من التسمية الا ما قدروا عليه
(2)
.
مذهب الزيدية:
من شروط الذبح التسمية عند الذبح من الذابح فان كان لذابح أخرس حلت ذبيحته من غير تسمية
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: وتصح ذكاة الأخرس ان كان ينطق بالتسمية أو علم أنه موحد
(4)
.
حكم اشارة الأخرس بالنسبة للعقود
والتصرفات والاقرارات
مذهب الحنفية:
اذا كان الأخرس له اشارة معروفة بدلالتها على الاقرار كأن يحرك رأسه طولا من فوق الى تحت وكان ذلك منه معهودا فى نعم، وله أيضا اشارة معروفة بدلالتها على الانكار كأن يحرك رأسه عرضا فان اشارته هذه تقوم مقام العبارة فتعتبر اشارته الأولى اقرارا منه بأى تصرف ينعقد بأى ارادة منفردة كالوقف والوصية والطلاق فاذا قرئ عليه كتاب وصية أو وقف وقيل له نشهد عليك بما فى هذا الكتاب فأومأ باشارة القبول كان ذلك منه اقرارا بالتصرف واشارته المعروفة بدلالتها بنعم تقوم مقام العبارة أيضا بالنسبة للعقود فتقوم اشارته مقام العبارة بالنسبة لأحد ركنى العقد فينعقد بها زواجه وبيعه وشراؤه واجارته وكذلك تدل هذه الاشارة على اقراره بالدين أو اقراره بالدعوى فى مجلس القضاء وكذلك اشارة الانكار تكون معتبرة على هذا النحو
(5)
.
مذهب المالكية:
ينعقد البيع بما يدل عرفا على الرضا من قول أو كتابة أو اشارة منهما أو من أحدهما وان بمعاطاة
(6)
ولزمت الشركة بما يدل عليها عرفا أى سواء كان قولا أو فعلا كخلط المالين والتجر فيهما والحاصل أنها تلزم بكل ما دل عليه عرفا
(7)
وتكفى الاشارة الدالة على الحوالة من الأخرس
(8)
ولزوم الطلاق بالاشارة المفهمة بأن احتف بها من القرائن ما يقطع من عاينها بدلالتها على الطلاق وسواء وقعت من أخرس أو متكلم وهى كالصريح فلا تفتقر الى نية وأما غير المفهمة فلا يقع بها طلاق ولو قصده لأنها من الأفعال لا من الكنايات الخفية خلافا لبعضهم
(9)
والتفصيل ينظر فى مصطلح طلاق.
(1)
سورة المائدة: 3.
(2)
المحلى ح 7 ص 453 مسألة: 1057.
(3)
شرح الازهار ح 4 ص 81 والتاج المذهب لاحكام المذهب ح 3 ص 461 الطبعة الاولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1361 هـ.
(4)
شرح النيل ح 2 ص 551.
(5)
نتائج الأفكار تكملة فتح القدير على الهداية لقاضى زاده وبهامشه شرح العناية للبابرتى ح 8 ص 511 وما بعدها الطبعة الاولى المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1318 هـ.
(6)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 3 ص 3.
(7)
المرجع السابق ح 3 ص 348.
(8)
المرجع السابق ح 3 ص 327.
(9)
المرجع السابق ح 2 ص 384.
والأخرس يلزمه اقراره بالاشارة لأن اشارة الأخرس تنزل منزلة العبارة فلو انطلق لسانه ورجع عن اقراره لم يعتبر رجوعه
(1)
.
مذهب الشافعية:
ويعتد باشارة أخرس فى العقود كهبة واجارة وبيع والحلول كعتق وطلاق وفسخ والأقارير والدعاوى وغيرها وان أمكنه الكتابة للضرورة فان فهم طلاقه وغيره بها كل واحد فصريحة وان اختص بفهمه أهل فطنة وذكاء فكناية كما فى لفظ الناطق، وتعرف نيته فيما اذا أتى باشارة أو كتابة باشارة أو كتابة أخرى وكأنهم اغتفروا تعريفه بها مع أنها كناية ولا اطلاع لنا بها على نية ذلك للضرورة فقول المتولى: ويعتبر فى الأخرس أن يكتب مع لفظ الطلاق أنى قصدت الطلاق ليس بقيد وسيأتى فى اللعان أنهم ألحقوا بالأخرس من اعتقل لسانه ولم يرج برؤه والقياس مجيئه هنا بل الأخرس يشمله، ولو كتب ناطق أو أخرس طلاقا ولم ينوه فلغو اذ لا لفظ ولا نية
(2)
.
مذهب الحنابلة:
يصح ايجاب الأخرس وقبوله النكاح باشارة مفهومة يفهمها صاحبه العاقد معه ويفهمها الشهود كذلك أما اشارته التى لا تفهم فلا يصح بها ايجاب النكاح ولا قبوله
(3)
كما أن الطلاق يقع منه باشارة مفهومة لأنه يفهم منها الطلاق فأشبهت الكتابة، وتعتبر اشارته المفهومة من صريح الطلاق أما اذا لم يفهم اشارته الا البعض فهى من كنايات الطلاق بالنسبة اليه وتأويل الأخرس مع الصريح من الاشارة كتأويله مع النطق فيما يقبل أو يرد واشارة الأخرس بأصابعه الثلاثة لا تقع الا واحدة لأن اشارته لا تكفى وفيه نظر اذا نواه ثم قال صاحب الكشاف
(4)
من شروط وقوع الطلاق النطق به الا فى موضعين أحدهما: اذا طلق الأخرس بالاشارة المفهومة فان طلق فى قلبه لم يقع كالعتق، ولو أشار بأصبعين أو أصابعه الثلاثة مع نيته نقل ابن هانئ عن أحمد أنه اذا طلق فى نفسه لم يلزمه الطلاق وكما يعتد باشارة الأخرس فى النكاح والطلاق كذلك يعتد بها فى الوصية ان فهمت فقد قال صاحب الكشاف
(5)
ولا تصح الوصية من أخرس لا تفهم اشارته فان فهمت اشارته صحت لأن تعبيره انما يحصل بذلك عرفا وكذلك اقراره يصح بالاشارة المعلومة لقيامها مقام نطقه
(6)
ويصح أيضا الضمان من الأخرس بالاشارة المفهومة كسائر تصرفاته لأنها كاللفظ فى الدلالة على المراد فان لم تفهم اشارته فلا يصح ضمانه أى لا يصح أن يضمن غيره
(7)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: ويطلق الأبكم والمريض بما يقدر عليه من الصوت أو
(1)
المرجع السابق ح 3 ص 399.
(2)
نهاية المحتاج ح 6 ص 426.
(3)
كشاف القناع ح 3 ص 21.
(4)
المرجع السابق ح 3 ص 156.
(5)
المرجع السابق ح 2 ص 497.
(6)
المرجع السابق ح 4 ص 291.
(7)
المرجع السابق ح 2 ص 173.
الاشارة التى يوقن بها من سمعها قطعا أنهما أرادا الطلاق برهان ذلك الآية والحديث المتقدمين
(1)
وفى باب البيع أنه ينعقد البيع ممن لا يقدر على القول بما يقوم مقامه ممن به آفة كالخرس
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال صاحب شرح الأزهار: والبيع والشراء يصحان من الأخرس وهو الذى يجمع بين الصمم والعجمة فتصح عقوده كلها وتكون بالاشارة التى يفهم بها مراده قال: ويصح منه كل عقد الا الشهادة والاقرار بالزنا والقذف والايلاء واللعان فانها لا تصح الا من متكلم
(3)
والايجاب والقبول يصحان من الأخرس الذى يفهم الشرعيات وقيل الذى يفهم عقد النكاح ويكون ذلك بالاشارة لا الكتابة لأنها فرع عن النطق وقيل يصح بالكتابة كما فى الطلاق وفرق بينه وبين الأيمان بأن اليمين لا تصح من الأخرس بالاشارة بخلاف هذا بل تكون الكتابة أبلغ ثم قال: والأخرس هو الذى لم يصح له الكلام فيه فلم يتكلم من مولده ويصح أن يتولى الايجاب والقبول فى النكاح وليه وشرط الرضا من الثيب يكون بالنطق بماض أو فى حكمه أى حكم النطق بالماضى وذلك نحو أن تكون خرساء فتشير برأسها أنها قد رضيت
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة
(5)
. والأخرس يعقد ايجابا وقبولا بالاشارة المفهمة للمراد. وقال صاحب الروضة فى موضع آخر طلاق الأخرس يكون بالاشارة المفهمة له ويلقى القناع على رأسها مع اشارته ليكون ذلك قرينة على وجوب تسترها منه ثم قال والموجود فى كلام الأصحاب أن الطلاق من الأخرس يكون بالاشارة خاصة والموجود فى الرواية القاء القناع فجمع بينهما هنا ليكون أقوى دلالة ثم قال والظاهر أن القاء القناع من جملة الاشارات ويكفى منها ما دل على قصده الطلاق كما يقع غيره من العقود والايقاعات والدعاوى والأقارير.
وفى شرائع الاسلام. أن الأخرس لو كتب ناويا بكتابه الطلاق صح
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى متن النيل وشرحه: والأصم والأبكم اذا نشآ مع قوم يعرفون بالاشارة ما يريدان جاز عليهما ما صنعا من طلاق أو نكاح أو غيرهما كايلاء وظهار وفداء وبيع وشراء وقيل: لا طلاق لهما ولو أفهماه باشارة أو كتابة والصحيح الأول وجوز منه بايماء اذا سمعت منه نغمة - بفتح النون والغين المعجمة وبفتحها واسكان الغين وهى الكلام الخفى وقيل لا يقع طلاقه على كل
(1)
المحلى ح 10 ص 197 مسألة: 1961.
(2)
المرجع السابق ح 9 ص 19 مسألة: 1522.
(3)
شرح الازهار ح 3 ص 9، 10.
(4)
المرجع السابق ح 2 ص 233، 234، 244.
(5)
الروضة البهية ح 2 ص 7.
(6)
المرجع السابق ح 2 ص 147 وشرائع الاسلام ح 2 ص 55.
حال فتعرف المرأة قبل أن ليس الى الخروج سبيل، ومن تزوج ثم خرس لسانه أو قطع فلا يطلق عنه وليه أو خليفته اتفاقا، واختلف فى طلاقه بالاشارة فقيل يقع وقيل لا وقيل ان فهمت فى طلاقه ونكاحه وتيقنت جازا - أى الطلاق والنكاح، وان شك فيها بطلت وكذا فى البيع والشراء وغيرهما واختلف فى طلاقه بالكتابة والصحيح الوقوع اذ لا كلام له
(1)
.
حكم اشارة الأخرس
بالنسبة للقصاص والحدود
مذهب الحنفية:
ذهب فقهاء الحنفية الى أن اشارة الأخرس المعروفة المعهودة منه تقوم مقام العبارة فى القصاص فيقتص منه اذا دلت اشارته فى الاقرار بقتل يوجب القصاص شرعا وكذلك يقتص له اذا دلت اشارته على طلبه القصاص من غيره فيما يجب فيه القصاص شرعا، أما بالنسبة للحدود فاشارته لا تقوم مقام العبارة فاذا دلت اشارته على اقراره بارتكابه أى حد من الحدود فلا يجب عليه الحد شرعا كما أن طلبه اقامة الحد على غيره لا يوجب اقامة الحد على الغير لأن الحدود تندرئ بالشبهات واشارته لا تخلو عن الشبهة
(2)
.
مذهب الشافعية:
يذهب الشافعية الى أن اشارة الأخرس فى الحدود تعتبر اقرارا منه لثبوت الحد عليه والاشارة من الأخرس تشعر بالالتزاء بالحق، وقد جاء فى نهاية المحتاج ومغنى المحتاج أنه يكفى فى ثبوت الحد فى الزنا الاشارة من الأخرس ان فهمها كل أحد وكذلك يعتد باشارته المفهمة أو كتابته فى القذف
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يؤخذ باشارة الأخرس فى القذف ولا يقبل انكاره لأنه قد تعلق به حق لغيره بحكم الظاهر فلا يقبل انكاره له قال القاضى وأبو الخطاب هو كالناطق فى قذفه
(4)
ثم قال فى موضع آخر
(5)
يثبت الزنا بالاقرار، واشارة الأخرس ان فهمت تعتبر اقرارا منه بالزنا وعليه الحد وهو رأى القاضى لأن من صح اقراره بغير الزنا صح اقراره به كالناطق ثم قال فى المغنى: ويحتمل كلام الخرقى أنه لا يجب عليه الحد باقراره لأنه غير صحيح ولأن الحد لا يجب مع الشبهة والاشارة لا تنتفى معها الشبهات فأما اذا كانت هناك بينة فانه يجب عليه بها الحد وان لم تفهم اشارة الأخرس فلا يتصور منه اقرار.
مذهب الظاهرية:
تعتبر الاشارة من الأخرس كالعبارة لأنه ليس فى وسعه الكلام للآية والحديث المتقدمين
(6)
.
(1)
متن النيل وشرحه ح 3 ص 623، 624.
(2)
تراجع الهداية وحواشيها فتح القدير والعناية ج 8 ص 511 وما بعدها.
(3)
نهاية المحتاج ح 7 ص 110، 47 وح 5 ص 76 ومغنى المحتاج ح 4 ص 138.
(4)
المغنى لابن قدامة المقدسى ح 9 ص 11 الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ.
(5)
المرجع السابق ح 10 ص 171.
(6)
المحلى ح 10 ص 144، 147 مسألة:1943.
مذهب الزيدية:
يعتد باشارة الأخرس المفهمة عند الزيدية وتعتبر اقرارا منه فى الجنايات فيقتص منه باشارته المفهمة فقد جاء فى شرح الأزهار
(1)
اذا جنى الأخرس فانه يقتص منه اما بالبينة واما بالاشارة وقيل لا يقتص منه، أما بالنسبة لحد الزنا والسرقة، والقذف والشرب فلا يعتد باقراره لأن هذه الأشياء لا يصح منه الاقرار بها فقد ورد فى شرح الأزهار
(2)
أن الأخرس الأصلى يسقط عنه الحد عندنا بلا اشكال وأما الذى طرأ عليه الخرس فان كان الخرس قد طرأ قبل أن يصدر منه اقرار وقبل أن يشهد الشهود فانه يسقط عنه الحد أيضا وان كان قد طرأ عليه الخرس بعد أن أقر على نفسه بالزنا أو بعد أن شهد الشهود فقد قال عليه السلام يحتمل أن يسقط عنه الحد لجواز أن يقر بعد الشهادة أو يرجع عن الاقرار. وفى حد السرقة قال: ويقطع الأخرس اذا سرق سواء كان الخرس أصليا أم طارئا قيل كان القياس سقوط القطع عن الأخرس لجواز دعوى الشبهة لكن خصه بالاجماع مع أن لقائل أن يقول دعوى الشبهة مع الأخرس ممكن
(3)
وقال فى حد القذف يثبت القذف باقرار القاذف بشرط أن يكون بالغا عاقلا غير أخرس
(4)
وقال فى حد الشرب يشترط فى حد الشرب أن لا يكون الشارب أخرس
(5)
.
مذهب الإمامية:
تعتبر اشارة الأخرس المفهمة اقرارا منه كاللفظ ويثبت بها الحد فقد جاء فى الروضة البهية
(6)
وشرائع الاسلام يثبت الزنا بالاقرار أربع مرات ويكفى فى الاقرار به اشارة الأخرس المفهمة يقينا كغيره ويعتبر تعددها أربعا كاللفظ بطريق أولى ولو لم يفهمها الحاكم اعتبر المترجم العارف باشارته.
مذهب الإباضية:
لا يعتد باشارة الأخرس فى الاقرار ولا يثبت منه فقد جاء فى جوهر النظام
(7)
: أن الاقرار لا يثبت من الأخرس.
حكم اشارة الأخرس بالنسبة للعان:
مذهب الحنفية:
اشارة الأخرس المعروفة المعهودة منه لا تقوم مقام العبارة بالنسبة للعان فلا يترتب على تلك الاشارة لعان بين الزوجين سواء كان الزوجان أخرسين أو أحدهما فقط. واذا طرأ الخرس بعد اللعان قبل التفريق فلا يفرق بينهما ولا يجب الحد لأن الحد يندرج بالشبهة والشبهة هنا احتمال تصديق أحدهما للآخر لو كان ناطقا
(8)
.
مذهب المالكية:
جاء فى لعان الأخرس: وأشار الأخرس ذكرا كان أو أنثى بما يدل على شهادته
(1)
شرح الازهار ح 4 ص 385.
(2)
المرجع السابق ح 4 ص 350.
(3)
التاج المذهب ح 4 ص 236 وشرح الازهار ح 4 ص 364.
(4)
شرح الازهار ح 4 ص 352.
(5)
التاج المذهب ح 4 ص 233.
(6)
الروضة البهية ح 2 ص 349 وشرائع الاسلام ح 2 ص 244.
(7)
جوهر النظام ص 449.
(8)
راجع باب اللعان فى الدر وحاشية ابن عابدين عليه ح 2 ص 812.
باللعان أو كتب ما يدل عليه ان كان يحسن الكتابة ويكرر الاشارة أو الكتابة كاللفظ على الظاهر، ولو لاعن الأخرس ثم انطلق لسانه ولو بالقرب لم يعد عليه، ولو انطلق لسانه بعد لعانه ولو بالقرب وقال لم أرده لم يقبل قوله
(1)
.
مذهب الشافعية:
ويلاعن أخرس منهما - أى من الزوج والزوجة - ويقذف باشارة مفهمة أو كتابة أو يجمع بينهما كسائر تصرفاته ولأن المغلب فيه شائبة اليمين لا الشهادة وبفرض تغليبها هو مضطر اليها هنا لأن الناطقين يقومون بها، وما تقرر من التسوية بينهما هو المعتمد، وان نقل أنها لا تلاعن بها لأنها غير مضطرة اليها، ويؤخذ من علته أن محل ذلك قبل لعان الزوج لا بعده لاضطرارها حينئذ الى درء الحد عنها وتكرر الاشارة أو الكتابة خمسا أو يشير البعض ويكتب البعض أما اذا لم تكن له اشارة مفهمة ولا كتابة فلا يصح منه لتعذر معرفة مراده
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع عند الكلام على اللعان: قال فى المبدع على المذهب: واذا فهمت اشارة الأخرس منهما أو كتابته صح لعانه بها كالطلاق، وان لم تفهم اشارة الأخرس منهما ولا كتابته فلا يصح لعانه، ثم قال: واذا قذف الأخرس ولا عن بالاشارة المفهومة أو الكتابة ثم أطلق لسانه فتكلم فأنكر القذف واللعان لم يقبل انكاره المقذف لأنه تعلق به حق لغيره بحكم الظاهر ويقبل انكاره باللعان فيما عليه فيطالب بالحد ان كانت محصنة والا فالتعزير ويلحقه النسب، ولا تعود الزوجية لأنها حرمت باللعان على التأبيد، فان لاعن حينئذ لسقوط الحد ونفى النسب فله ذلك كما لو لم يحصل له خرس قبل
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: يتلاعن الأخرسان كما يقدران بالاشارة للدليل السابق
(4)
.
مذهب الزيدية:
يشترط الزيدية فى اللعان أن يكون الزوج والزوجة غير أخرسين فلو كانا أخرسين أو كان أحدهما أخرس فلا يصح اللعان منهما
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: ويصح اللعان من الزوج الأخرس بالاشارة المعقولة ان أمكن معرفة اللعان كما يصح منه اقامة الشهادة والايمان والاقرار وغيرها من الأحكام ولعموم الآية، وقيل يمنع لعان الأخرس، والفرق أن اللعان مشروط بالألفاظ الخاصة دون الاقرار والشهادة فانهما يقعان بأى
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 2 ص 464.
(2)
نهاية المحتاج ح 7 ص 110.
(3)
كشاف القناع ح 3 ص 242.
(4)
المحلى ح 10 ص 144، 147.
(5)
شرح الازهار ح 2 ص 511 والتاج المذهب ح 2 ص 260.
عبارة اتفقت ولأصالة عدم ثبوته الا مع تيقنه وهو منتف هنا، وأجيب بأن الألفاظ الخاصة انما تعتبر مع الامكان، واشارة الأخرس تقوم مقام الألفاظ كما قامت فى الطلاق وغيره من الأحكام المعتبرة بالألفاظ خاصة، هذا فى الزوج، أما الزوجة فيشترط فيها سلامتها من الخرس فلو قذف الزوج زوجته الخرساء بالزنا حرمت عليه أبدا ولا لعان، وفى لعانها لنفى الولد وجهان من عدم النص فيرجع الى الأصل ومساواته للقذف فى الحكم والأوجه الأول لعموم النص ومنع المساواة مطلقا
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال فى شرح النيل: ان الأخرس اذا نشأ مع قوم يعرفون بالاشارة ما يريد جاز عليه ما صنع من طلاق ونكاح وايلاء وظهار وغيره وذلك هو الصحيح
(2)
وفى موضع آخر قال: ومن تزوج ثم خرس أو قطع فلا يطلق عنه وليه أو خليفته اتفاقا، واختلف فى طلاقه بالاشارة فقيل يقع وقيل لا، وقيل ان فهمت فى طلاقه ونكاحه وتيقنت جاز الطلاق والنكاح، وان شك فيها بطلت وكذا فى البيع والشراء وغيرهما
(3)
.
هل تقوم كتابة الأخرس مقام العبارة:
مذهب الحنفية:
الكتابة من الأخرس تقوم مقام العبارة فيترتب عليها طلاقه وعتقه وينعقد بها زواجه وبيعه وشراؤه لأن الكتابة من الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر ولذلك أدى النبى صلى الله عليه وسلم رسالة التبليغ بالنسبة للحاضرين بالعبارة وأداها بالنسبة للغائبين بالكتابة، وقد جعلت الكتابة من الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر لعجز الغائب عن الخطاب والعجز فى حق الأخرس أظهر منه فى حق الغائب لأن الغائب يحتمل حضوره فيزول بذلك عجزه أما زوال الخرس بالنسبة للأخرس فغير محتمل فكان قبول الكتابة فى حق ثبوت الأحكام بالنسبة له أولى فكتابة الأخرس كاشارته المفهومة بالنسبة للأحكام التى سبق بيانها فتكون معتبرة فى ترتب الأحكام عليها فيما عدا الحدود لأن الكتابة لا تخلو عن شبهة والحدود تندرئ بالشبهات والكتابة التى تترتب عليها الأحكام بالنسبة للأخرس وغيره هى الكتابة المستبينة المرسومة والمراد، المستبينة الظاهرة فان كانت غير مستبينة كالكتابة على الهواء والماء كانت بمنزلة الكلام غير المسموع فلا يبنى عليها حكم والمراد بالمرسومة أن تكتب على النحو الذى تعارفه الناس فى مثلها فان كانت على غير ذلك كالكتابة على الجدران وأوراق الشجر فلا يثبت بها حكم الا بالبينة لأنها كصريح الكناية
(4)
.
مذهب المالكية:
قال فقهاء المالكية: اشارة الأخرس وكتابته تقوم مقام العبارة فى اللعان ولذلك قالوا فى
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 181 - 183 والمختصر النافع ص 235.
(2)
شرح النيل ح 3 ص 623.
(3)
المرجع السابق ص 624.
(4)
راجع الهداية وحواشيها فتح القدير والعناية ح 8 ص 511 وما بعدها.
صفة اللعان وأنها شهادات - ذكرا كان أو أنثى يؤدى تلك الشهادات باشارته أو بكتابته ان كان يحسن الكتابة
(1)
وفى البيع قال:
ينعقد البيع بما يدل عرفا على الرضا من قبل أو كتابة أو اشارة
(2)
وفى الوصية ذكر أنها تكون بلفظ يدل أو اشارة مفهمة ثم قال:
ودخلت الكتابة بالطريق الأولى ولو من قادر على النطق خلافا لابن شعبان
(3)
.
مذهب الشافعية:
يذهب الشافعية الى أن كتابة الأخرس تعتبر كاشارته فينعقد بها بيعه وشراؤه ونكاحه وطلاقه وعتقه ورجعته فقد جاء فى نهاية المحتاج: اشارة الأخرس المفهمة والكتابة يحصل بهما الرجعة مع كونهما فعلا لأنهما ملحقان بالقول
(4)
وفى الاقرار قال: شرط الصيغة لفظ أو كتابة ولو من ناطق أو اشارة أخرس
(5)
وفى البيع قال: واشارة الأخرس وكتابته بالعقد ماليا أو غيره وبالحل وبالحلف والنذر وغيرها كالنطق الا فى بطلان الصلاة بها والشهادة والحنث فى اليمين الا أن الشافعية يعتبرون الكتابة من الأخرس فى الطلاق تعتبر كناية على الصحيح فيقع بها الطلاق اذا نواه قال فى مغنى المحتاج ولو كتب الأخرس أن زوجته طالق كان كناية على الصحيح فيقع ان نوى وان لم يشر معها والكتابة لا بد أن تكون مستبينة واضحة فقد قال فى مغنى المحتاج: اذا رسم صورة الكتابة على ماء أو فى هواء فليس بكتابة فى المذهب
(6)
.
مذهب الحنابلة:
تقوم الكتابة من الأخرس مقام العبارة بشرط أن يكون معها اشارة مفهومة فقد جاء فى باب الضمان أنه يصح الضمان من أخرس باشارة مفهومة كسائر تصرفاته لأنها كاللفظ فى الدلالة على المراد ولا يثبت الضمان بكتابة الأخرس حال كونها منفردة عن اشارة يفهم بها أنه قصد الضمان لأنه قد يكتب عبثا أو تجربة قلم فلا يكون ضامنا بالاحتمال ومن لا تفهم اشارته من الخرس لا يصح ضمانه لغيره ولو بكتابة لما تقدم من أنه قد يكتب عبثا أو تجربة قلم فليست صريحة، وكالضمان سائر تصرفاته فتصح باشارة مفهومة لا بكتابة مفردة عن اشارة يفهم بها المقصود ولا ممن ليست له اشارة مفهومة
(7)
ويقصد بالكتابة أن تكون واضحة وأن تصاحبها نية، فقد جاء فى المغنى فى باب الطلاق: أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق فاذا أتى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه وقع كاللفظ فأما ان كتب ذلك من غير نية فقال أبو الخطاب قد خرجها القاضى الشريف فى الارشاد على روايتين احداهما يقع وهو قول الشعبى والنخعى والزهرى، والثانية لا يقع الا بنية لأن الكتابة محتملة، وان كتبه بشئ لا يبين مثل ان كتبه بأصبعه على وسادة أو فى الهواء فظاهر كلام أحمد أنه لا يقع وقال
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ح 2 ص 264
(2)
المرجع السابق ح 3 ص 3.
(3)
المرجع السابق ح 4 ص 424.
(4)
نهاية المحتاج ح 7 ص 55.
(5)
المرجع السابق ح 5 ص 76.
(6)
مغنى المحتاج ح 3 ص 265.
(7)
كشاف القناع ح 2 ص 173.
أبو حفص العكبرى يقع ورواه الأثرم عن الشعبى لأنه كتب حروف الطلاق فأشبه ما لو كتبه بشئ يبين والأول أولى
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى طلاق الأخرس أنه يكون بالاشارة المفهمة للطلاق وظاهره أن المعتبر الاشارة من الأخرس فقط وان قدر على الكتابة، وقيل:
اذا قدر عليها فهى المعتبرة
(2)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: ان القبول فى الرهن غير منحصر فى اللفظ بل يكون بالفعل والاشارة ونحوهما، وتكفى الاشارة مع العجز عن الكتابة أى كما تكفى الكتابة مع العجز عن النطق اذا عرف ذلك من قصده والاكتفاء بالاشارة مع العجز مصرح به فى الشرائع، وفى التذكرة: ولا تكفى الكتابة المجردة عن الدلالة اذ قد تكون الكتابة مع أمر آخر غير الاشارة دالة على الرضا فيكتفى بذلك كما هو الشأن فى الاشارة المجردة عن الكتابة مع الفهم والدلالة
(3)
.
مذهب الإباضية:
سبق فى النقل عن الإباضية أن الأخرس اذا فهمت اشارته جاز طلاقه ونكاحه وايلاؤه وظهاره وبيعه وشراؤه بالاشارة المفهمة، وقيل لا طلاق له ولو أفهمه باشارة أو كتابة والصحيح الأول ثم قال ومن تزوج ثم خرس لسانه أو قطع فلا يطلق عنه وليه أو خليفته اتفاقا واختلف فى طلاقه بالكتابة والصحيح الوقوع اذ لا كلام له
(4)
.
هل تعتبر اشارة الأخرس
الذى يعرف الكتابة
مذهب الحنفية:
الأخرس الذى يعرف الكتابة اشارته المعهودة معتبرة فى ترتب الأحكام عليها لأن كلا من الكتابة والاشارة حجة ضرورية وفى كل منهما مزية لا توجد فى الأخرى فاستويا فى الحكم ففى الكتابة زيادة بيان لا توجد فى الاشارة وفى الاشارة زيادة أثر لا توجد فى الكتابة لأنها أقرب الى النطق من أثر القلم
(5)
وأما فى بقية المذاهب فيرجع فيه الى ما سبق.
هل تقبل شهادة الأخرس فيقضى بها:
مذهب الحنفية:
من الشرائط العامة للشهادة النطق فلا تقبل شهادة الأخرس ولا يصح القضاء بناءا عليها
(6)
وفى البحر الرائق يشترط فى القاضى النطق
(7)
.
مذهب المالكية:
قال فقهاء المالكية: شهادة الأخرس جائزة ويؤديها باشارته المفهمة أو بالكتابة. ولا يجوز
(1)
المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى ح 7 ص 239، 240 الطبعة الثالثة سنة 1367 هـ.
(2)
شرح الأزهار ح 2 ص 386.
(3)
مفتاح الكرامة ح 5 ص 71، 73.
(4)
متن النيل وشرحه ح 3 ص 623، 624.
(5)
فتح القدير شرح الهداية وبهامشه العناية ح 8 ص 513.
(6)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 6 ص 268 طبعة أولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.
(7)
البحر الرائق لابن نجيم ح 6 ص 280 الطبعة الاولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.
تعينه فى القضاء فاذا عين وحكم نفذ قضاؤه ووجب عزله
(1)
مذهب الشافعية:
شرط الشاهد أن يكون غير متهم لقول الله تعالى «وَأَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا»
(2)
والريبة حاصلة بالمتهم، ولا أخرس وان فهم اشارته كل أحد اذ لا يخلو عن احتمال
(3)
وجاء فى نهاية المحتاج فى موضع آخر:
واشترط فى القاضى أن يكون ناطقا فلا يصح من الأخرس وان فهمت اشارته لعجزه عن تنفيذ الأحكام
(4)
.
مذهب الحنفية:
من شروط من تقبل شهادته الكلام فلا تقبل شهادة أخرس ولو فهمت اشارته لأن الشهادة يعتبر فيها اليقين ولذلك لا يكتفى باشارة الناطق وانما اكتفى باشارة الأخرس فى أحكامه المختصة به للضرورة لكن اذا أدى الأخرس الشهادة بخطه فانها تقبل
(5)
، وفى موضع آخر: وان شهد عند الحاكم ثم خرس لم يمنع الحكم لأنه معنى لا يقتضى تهمة فى حال الشهادة فلم يمنع قبولها وفى موضع آخر: أنه لا يجوز تولية الأخرس القضاء
(6)
.
مذهب الزيدية:
لا تصح الشهادة من الأخرس ونحوه فلا تصح شهادته فى شئ من الأشياء لأن من حق الشهادة أن يأتى بلفظها
(7)
وفى موضع آخر: أنه لا يصح تولية الأخرس القضاء
(8)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: ويصح تحمل الأخرس للشهادة وأداؤه بعد القطع بمراده
(9)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى متن النيل وشرحه: وتقبل الشهادة من أخرس بايماء أو اشارة
(10)
.
حكم لسان الأخرس فى الدية:
مذهب الحنفية:
فى لسان الأخرس حكومة عدل ولا يجب القصاص فيه فى العمد ولا الدية فى الخطأ
(11)
.
مذهب المالكية:
ولسان الأبكم لا يقطع بناطق ولا عكسه وفى قطع الناطق الدية وفى عكسه الحكومة
(12)
.
مذهب الشافعية:
ولا يقتص من لسان ناطق بأخرس لأنه أعلى من حقه والنطق فى جرم اللسان، والأخرس هنا من بلغ أوان النطق ولم ينطق فان لم يبلغه قطع به لسان الناطق ان ظهر فيه أثر النطق بتحريكه عند نحو بكاء وكذا ان لم يظهر ولا ضده فيما يظهر اذ الأصل السلامة
(13)
وفى موضع آخر قال فى نهاية
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 4 ص 130، 168.
(2)
سورة البقرة: 282.
(3)
نهاية المحتاج ح 8 ص 277.
(4)
المرجع السابق ح 8 ص 266.
(5)
كشاف القناع ح 4 ص 173، 252.
(6)
المرجع السابق ح 4 ص 267.
(7)
التاج المذهب ح 4 ص 72.
(8)
المرجع السابق ح 4 ص 185.
(9)
الروضة البهية ح 1 ص 255.
(10)
شرح النيل ح 6 ص 592.
(11)
العناية وفتح القدير على الهداية ح 8 ص 357.
(12)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ح 4 ص 252.
(13)
نهاية المحتاج ح 7 ص 277.
المحتاج: وفى لسان ناطق ولو لألكن وأرت وألثغ وطفل وان لم يظهر أثر لنطقه وشمل ما لو كان ناطقا فاقد الذوق، وان قال الماوردى انه فيه الحكومة كالأخرس، وفى لسان الأخرس أصالة أو لعارض حكومة لذهاب أعظم منافعه.
نعم: ان ذهب بقطعه الذوق فدية لا حكومة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ولا يؤخذ لسان ناطق بلسان أخرس لنقصه لأن القصاص يعتمد المماثلة
(2)
وجاء فى المغنى لسان الأخرس لا تجب فيه دية كاملة فان كان متكلما فخرس بالجناية وجبت الدية
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى فى لسان الأخرس قال أبو محمد: حدثنا أحمد بن عمر عن ابن جريج عن قتادة قال: فى لسان الأخرس الثلث مما فى لسان الصحيح وما روى عن مكحول قال: قضى عمر بن الخطاب فى لسان الأخرس يستأصل بثلث الدية، قال على: لسان الأخرس كغيره والألم واحد والقود واجب لقول الله تعالى: «وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ»
(4)
.
أو المفاداة
(5)
.
مذهب الزيدية:
اذا قطع انسان لسان انسان آخر وكان المقطوع منه لسان أخرس ففيه حكومة
(6)
.
مذهب الإمامية:
وفى لسان الأخرس ثلث ديته وفى بعضه بحساب ديته، ولو ادعى ذهاب نطقه ففى رواية يضرب لسانه بالابرة فان خرج الدم أسود صدق
(7)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى متن النيل وشرحه: فى الأثر:
ولسان الأعجم - وهو من لا يفصح كالأخرس - فيه ثلث الدية
(8)
.
أداء
تعريف الأداء لغة
فى التاج المذهب معناه الاتيان، أديت الشئ أى أتيته وفى القاموس المحيط
(9)
أداه تأدية أوصله وقضاه.
تعريف الأداء اصطلاحا
الأداء عند الأصوليين فعل عين الواجب بالأمر فى وقته، والتعريف على قول من خصص الأمر بالوجوب وأما على قول من جعله حقيقة فى الندب فهو فعل ما طلب من
(1)
نهاية المحتاج ح 7 ص 310، 311.
(2)
كشاف القناع ح 3 ص 384.
(3)
المغنى ح 9 ص 604.
(4)
سورة البقرة: 194.
(5)
المحلى ح 10 ص 443، 444 مسألة: 2046
(6)
التاج المذهب ح 4 ص 326.
(7)
المختصر النافع ص 321.
(8)
متن النيل وشرحه ح 8 ص 81.
(9)
القاموس المحيط مادة أدى.
العمل بعينه فيدخل فيه النفل ويستعمل الأداء مكان القضاء كقوله نويت أن أؤدى ظهر الأمس والقضاء مكان الأداء كقوله تعالى: «فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ» أى أديت الصلاة لأن المراد منها الجمعة وهى لا تقضى حتى يجوز الأداء بنية القضاء وبالعكس فى الصحيح لوجود فعل الواجب فيهما لأن كل واحد منهما خاص بمعنى اصطلاحا فاذا استعمل فى غيره يكون مجازا.
والأداء أنواع: أداء محض وهو ما لم يكن فيه شبهة القضاء وهو منقسم الى نوعين كامل وهو الذى يؤديه الانسان مع توفير حقه من الواجبات والسنن. وقاصر وهو ما يؤديه ببعض أوصافه كالصلاة منفردا وانما كان أداء الصلاة منفردا قاصرا لعدم أدائها على الوجه الأكمل شرعا وهو الصلاة مع الجماعة ومن صور الأداء الكامل فى حقوق العباد رد عين المغصوب لأنه تسليم عين الواجب ومن صور الأداء القاصر رد عين العبد المغصوب مشغولا بجناية أو بدين يستغرق رقبته أو طرفه لأن رده على هذا الوجه أداء على غير الوصف المطلوب وهو السلامة من كل عهدة. والفرق بين الأداء والقضاء والاعادة أن الأداء هو فعل عين الواجب أو وقته، والقضاء هو فعل مثل الواجب بعد وقته والاعادة هى ما فعل فى وقت الأداء ثانيا لنقصان فى الأول وقال البزدوى
(1)
: فى بيان صفة حكم الأمر وذلك نوعان أداء وقضاء، والأداء ثلاثة أنواع أداء كامل محض، وأداء قاصر محض وما هو شبيه بالقضاء والقضاء أنواع ثلاثة.
أداء الصلاة
ينقسم
(2)
المأمور به من العبادات بالنسبة للوقت الى قسمين مطلق ومؤقت والمؤقت أنواع. مؤقت بوقت موسع كالصلاة المفروضة يتسع وقتها لها ولغيرها من جنسها ومن ثم سمى ظرفا وهو سبب لها. ومؤقت بوقت مضيق لا يتسع لعبادة أخرى من جنسها وهو سبب أيضا كصوم رمضان ومن ثم سمى معيارا، ومؤقتة بوقت مضيق أيضا غير أنه ليس سببا كقضاء رمضان عند من يقول انه على التراخى، وعبادة لها شبه بالمؤقت والموسع وشبه بالمضيق كالحج.
وقد اختلف الأصوليون فى سببية الوقت للصلاة.
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن السبب هو الجزء الأول اذا اتصل به الأداء أو الجزء الذى يسبق الأداء اذا وقع الأداء فى أثناء الوقت فان أخر الى آخر الوقت تعين الجزء الأخير سببا ان اتصل به الشروع فى الأداء وان لم يشرع فى الأداء انتقلت السببية الى كل الوقت وفرعوا على هذا أنه اذا أسلم الكافر فى آخر الوقت وجبت عليه الصلاة لوجود السبب فى حقه، واذا أفاق المجنون والمغمى عليه ومن فى حكمهما فى آخر الوقت بقدر ما يتسع لتكبيرة الاحرام وجبت عليهم أداء الصلاة
(1)
كشف الاسرار للبزدوى ح 1 ص 135 وما بعدها
(2)
كشف الاسرار للبزدوى ح 1 ص 213.
خلافا لزفر فانه أوجب عليهم القضاء، ومذهب الجمهور أن السبب هو الجزء الأول من الوقت بمعنى أنه متى ابتدأ الوقت كان المكلف مطالبا بالأداء طلبا موسعا بشرط أن يكون أهلا للتكليف منذ أول الوقت وان لم يتحقق هذا الشرط كان السبب هو الجزء الذى صار أهلا فيه، ويرى الحنفية أن الصلاة تكون أداء بادراك أى جزء منها فى الوقت ولو تكبيرة التحريم على ما هو الراجح فى المذهب
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية الوقت ينقسم الى قسمين وقت أداء ووقت قضاء باعتبار أن لكل صلاة وقتين وينقسم وقت الأداء الى اختيارى وضرورى، فالاختيارى هو الوقت الذى لم ينه عن تأخير الصلاة اليه والضرورى هو الذى نهى عن تأخير الصلاة اليه ويكون الشخص عاصيا بتأخير الصلاة الى الوقت المنهى عنه مع كونها أداء فلا تنافى بين العصيان والأداء وتعتبر صلاة الصبح أداء اذا أدرك فى الوقت الضرورى أو الاختيارى ركعة بسجدتيها مع الاطمئنان والاعتدال خلافا لأشهب فى الضرورى حيث قال تكون أداء فيه بالركوع وتكون صلاة الظهر والعصر أداء فى الوقت الضرورى بادراك صلاة الظهر كاملة فيه وركعة من صلاة العصر وكذا تكون صلاة المغرب والعشاء أداء بادراك صلاة المغرب كاملة فيه وركعة من صلاة العشاء
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية
(3)
: الأمر المطلق المجرد عن القرينة لا يفيد الفور أى لا يوجب أداء الفعل فى أول أوقات الامكان مع أن المسارعة مندوب اليها ولا يفيد التراخى أيضا بمعنى وجوب التأخير حتى لو أتى فى أول الوقت لا يعد ممتثلا وقيل مشترك بمعنى أن الأمر ورد تارة للفور كالواجب المضيق وتارة للتراخى كالحج فيكون كالقدر المشترك والعبادة ان كان لها وقت معين
(4)
أى مضبوط بنفسه محدود الطرفين ان وقعت فى وقتها ولم تسبق بأداء مختل أى باتيان مشتمل على نوع من الخلل فهو الأداء ولو ظن المكلف أنه لا يعيش الى آخر الوقت تضيق عليه فان عاش وفعل فى آخره فقضاء عند القاضى أبى بكر أداء عند الحجة اذ لا عبرة بالظن المبين خطؤه فان صلى ركعة فى الوقت ثم خرج الوقت ففيه وجهان أحدهما وهو ظاهر المذهب وهو قول أبى على بن خيران أنه يكون مؤديا للجميع ومن أصحابنا من قال يكون مؤديا لما صلى فى الوقت قاضيا لما صلى بعد خروج الوقت اعتبارا بما أدركه من الوقت وبما صلى بعد خروج الوقت
(5)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: وتدرك الصلاة المفروضة
(6)
أداء كلها بتكبيرة احرام فى وقتها سواء أخرها لعذر كحائض تطهر ومجنون يفيق أو لغيره وكادراك المسافر صلاة المقيم ومن أدرك الجماعة بتكبيرة الاحرام فى وقتها فقد أدركها
(1)
حاشية ابن عابدين ح 1 ص 677.
(2)
الحطاب ح 1 ص 382.
(3)
البدخشى ح 2 ص 44.
(4)
البدخشى ح 1 ص 60.
(5)
المهذب ح 1 ص 54.
(6)
كشاف القناء ح 1 ص 76.
أداء ولو طال الوقت الذى أدرك فيه تكبيرة الاحرام آخر وقت الصلاة الثانية فى حالة الجمع بين صلاتين وكبر فيه للاحرام فتكون التى أحرم بها أداء كما لو لم يجمع، وجاء فى المغنى
(1)
، وهل تدرك الصلاة بما دون ركعة؟ فيه روايتان احداهما لا يدركها بأقل من الركعة وهو ظاهر كلام الخرقى لقول النبى صلى الله عليه وسلم، من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، فتخصيص الادراك بركعة يدل على أن الادراك لا يحصل بأقل منها ولأنه ادراك للصلاة فلا يحصل بأقل من ركعة كادراك الجمعة. والرواية الثانية يدركها بادراك جزء منها أى جزء كان.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(2)
كل عمل مرتبط بوقت محدود الطرفين كأوقات الصلوات وما جرى هذا المجرى فلا يجوز أداء شئ من ذلك قبل دخول وقته ولا يعد خروج وقته، والعمل المأمور به فى وقت محدود الطرفين فقد ورد النص بالفسحة فى تأخيره فانه يجب بأول الوقت الا أنه قد أذن له فى تأخيره وكان مخيرا فى ذلك وفى تعجيله فأى ذلك أدى فقد أدى فرضه الا أنه يؤجر على التعجيل لتحصيله العمل ولا يأثم على التأخير لأنه فعل ما أبيح له ومن كبر لفريضة الصلاة فى وقتها فقد أدركها.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: ومن أدرك ركعة من صلاة فكلها أداء لقوله عليه السلام: فقد أدركها
(3)
مذهب الإمامية:
قال الإمامية
(4)
: لو ضاق الوقت الا عن الطهارة وركعة صلى واجبا وكان مؤديا للجميع على رأى والقول الثانى أن يكون قاضيا للجميع والثالث أن يكون مركبا من الأداء والقضاء.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية ورد فى الحديث
(5)
: من أدرك من الصلاة أو من العصر ركعة فقد أدركها وقالوا ان معنى أدركها أنها تكون كلها أداء لا قضاء وأن ما جاء من الركعات بعد الغروب يكون أداء أيضا كالذى وقع قبل الغروب. وقيل يكون بعضها أداء وبعضها قضاء .. وقيل ان معنى أدركها أنه لزمته ان كان قد أفاق من جنون أو اغماء أو صحا من نوم أو أسلم بعد كفر أو بلغ أو طهرت المرأة من حيض أو نفاس ويكون عليه قضاء الصلاة ان فات الوقت قبل أن يشرع فيها.
أداء الزكاة
مذهب الحنفية:
قال الحنفية
(6)
: أما كيفية فرضيتها فقد اختلف فيها ذكر الكرخى أنها على الفور وذكر فى المنتقى ما يدل عليه فانه قال: اذا لم يؤد الزكاة حتى مضى حولان فقد أساء وأثم ولم يحل له ما صنع وعليه زكاة حول واحد وعن محمد أن من لم يؤد الزكاة لم تقبل شهادته وروى عنه أن التأخير لا يجوز وهذا نص
(1)
المغنى ح 1 ص 390.
(2)
أصول الاحكام لابن حرم الظاهرى ح 3 ص 52.
(3)
البحر الزخار ح 1 ص 167.
(4)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 44.
(5)
شرح النيل ح 1 ص 320.
(6)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 2 ص 3، 4.
على الفور، وذكر الجصاص أنها على التراخى واستدل بمن عليه الزكاة اذا هلك نصابه بعد تمام الحول والتمكن من الأداء أنه لا يضمن، ولو كانت واجبة على الفور لضمن كمن أخر صوم شهر رمضان عن وقته أنه يجب عليه القضاء وذكر أبو عبد الله الثلجى عن أصحابنا أنها تجب وجوبا موسعا وقال عامة مشايخنا انها على سبيل التراخى، ومعنى التراخى عندهم أنها تجب مطلقا عن الوقت غير معين ففى أى وقت أدى يكون مؤديا للواجب ويتعين ذلك لوقت الوجوب واذا لم يؤد الى آخر عمره يتضيق عليه الوجوب بأن بقى من الوقت قدر ما يمكنه الأداء فيه وغلب على ظنه أنه لو لم يؤد فيه يموت فيفوت فعند ذلك يتضيق عليه الوجوب حتى أنه لو لم يؤد فيه حتى مات يأثم.
مذهب المالكية:
قال المالكية
(1)
: يجب تفرقة الزكاة بموضع الوجوب على الفور وهو الموضع الذى يجبى فيه المال وفيه المالك والمستحقون أو قربه.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية
(2)
: من وجبت عليه الزكاة وقدر على اخراجها لم يجز له تأخيرها لأنه حق يجب صرفه الى الآدمى توجهت المطالبة بالدفع اليه فلم يجز له التأخير.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة
(3)
: لا يجوز تأخير اخراج زكاة المال عن وقت وجوبها مع امكانه فيجب اخراجها على الفور. لأنها عبادة تتكرر فلم يجز تأخيرها الى دخول وقت مثلها كالصلاة.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(4)
: قال قائلون ان الأوامر على التراخى وقال آخرون فرض الأوامر البدار الا ما أباح التراخى منها نص آخر أو اجماع. فما كان مرتبطا بوقت له أول محدود ولم يحد آخره كوجوب الزكاة فان لوقتها أو لا وهو انقضاء الحول وليس قبل ذلك أصلا وليس لآخر وقتها آخر محدود بل هو باق أبدا الى وقت العرض على الله عز وجل. وكل
(5)
عمل محدود الطرف الأول غير محدود الطرف الآخر فان الأمر به ثابت متجدد وقتا بعد وقت وهو ملوم فى تأخيره لأنه لم يفسح له فى ذلك وكلما أخره حصل اثم التضييع واثم الترك لما أمر به فان أداه سقط عنه اثم الترك وقد استقر عليه اثم ترك البدار.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية
(6)
: متى حصل امكان الأداء وجبت الزكاة وجوبا مضيقا فلا يجوز تأخيرها وامكان الأداء هو حضور مصرفها بعد وجوبها والتمكن من تجزئة المأل بمكيال أو
(1)
شرح الخرشى ح 2 ص 223.
(2)
المهذب للشيرازى ح 1 ص 140، 141.
طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
كشاف القناع على منتهى الارادات ح 1 ص 477 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.
(4)
أصول الاحكام للظاهرية ح 3 ص 45.
(5)
المرجع السابق ح 3 ص 65.
(6)
شرح الازهار فى فقه الأئمة الاطهار ح 1 ص 456 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ
ميزان أو نحو ذلك. وقال المؤيد بالله ان التمكن من الأداء شرط فى الوجوب.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية
(1)
: لا يجوز تأخير الزكاة الا لمانع أو لانتظار من له قبضها واذا عزلها جاز تأخيرها الى شهر أو شهرين والأشبه أن التأخير ان كان لسبب مبيح دام بدوامه ولا يتحدد ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية
(2)
: الواجب هو الأداء عند تمام السنة فمن أدى الزكاة عند تمامها فقد برئ. مع نية أداء الواجب وليعلم بذلك وقت ينتهى اليه أداء ما وجب. فاذا استهل ما وقته وجب عليه أداؤها حينئذ ولا يضيع حتى ينسلخ.
أداء الصوم
وقت أداء فريضة الصوم هو شهر رمضان ويثبت ابتداؤه بثبوت رؤية هلال رمضان أو باتمام عدة شعبان ثلاثين يوما باتفاق اذا كانت السماء صافية ولم ير الهلال وعلى خلاف اذا كان بالسماء علة وموضعه مصطلح «رمضان، رؤية» وانتهاؤه بحلول شهر شوال، ووقت أداء صوم اليوم من حين طلوع الفجر الى غروب الشمس لقول الله تعالى «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» الآية
(3)
، غير أن الإمامية يرون أنه ينتهى بمغيب الشفق الأحمر لا بغروب الشمس
(4)
.
أداء الحج
اختلف الفقهاء فى وجوب الحج أهو على الفور أم على التراخى فذهب جمهور الفقهاء الى وجوبه على الفور وذهب الشافعية وبعض الحنفية والإباضية فى الأصح عندهم الى وجوبه على التراخى والكل متفقون على أن القيام به فى أشهره من أى سنة يكون أداء غير أن من يرى أن وجوبه على الفور يقول انه يأثم بالتأخير عن العام الأول
(5)
.
أداء الوديعة
يجب رد الوديعة الى مالكها لأنها أمانة والله سبحانه وتعالى أمر بأداء الأمانات الى أهلها ومتى طلبها المالك المطلق التصرف لزمه الرد فورا الا لعذر ويتحقق الأداء بتسليمها أو بتمكين صاحبها من أخذها بحيث اذا لم يؤد على هذا الوجه وتلفت الوديعة أو نفقت يضمن على تفصيل موضعه مصطلح «وديعة»
(1)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ح 1 ص 90 طبع مطبعة دار الحياة ببيروت.
(2)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ح 2 ص 68 وما بعدها طبع بمطبعة ابن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1304 هـ.
(3)
سورة البقرة: 187.
(4)
الهداية شرح بداية المبتدى لابى الحسن المرغينانى ح 1 ص 87 طبع بمطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1355 هـ والدسوقى على الشرح الكبير ح 1 ص 509، 510 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية والمهذب للشيرازى ح 1 ص 179 وكشاف القناع ح 1 ص 502 والمحلى لابن حزم ح 6 ص 229 وشرح الازهار ح 2 ص 10 ومستمسك العروة الوثقى ح 8 ص 351، 391 طبع مطبعة النعمان بالنجف الطبعة الثانية سنة 1381 هـ وشرح النيل ح 2 ص 176.
(5)
كشف الاسرار للبزدوى ح 1 ص 213 طبع مكتب الصنايع سنة 1307 هـ ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل المحطاب ح 2 ص 471 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1328 هـ والمهذب ح 1 ص 199 وكشاف القناع ح 1 ص 548 والمحلى ح 7 ص 65 وشرح الازهار ح 2 ص 60 والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ح 1 ص 159 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر وشرح النيل ح 2 ص 277
أداء الدين
مذهب الحنفية:
قال الحنفية لو رد المستفرض أجود مما قبضه فان كان ذلك عن شرط لم يحل لأنه منفعة القرض وان لم يكن ذلك عن شرط فلا بأس به لأنه أحسن فى قضاء الدين وهو مندوب اليه وبيانه فى حديث عطاء قال:
«استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل دراهم فقضاه وأرجح له فقالوا أرجحت فقال صلى الله عليه وسلم: انا كذلك نزن» وعن عطاء رحمه الله أن ابن الزبير رضى الله عنه كان يأخذ بمكة الورق من التجار فيكتب لهم الى البصرة والى الكوفة فيأخذون أجود من ورقهم قال عطاء فسألت ابن عباس رضى الله عنه عن أخذهم أجود من ورقهم فقال لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية أن المقترض إذا قبض القرض فإن كان له أجل مضروب أو معتاد لزمه رده اذا انقضى ذلك الأجل وإن لم ينتفع به عادة أمثاله. فإن لم يكن ضرب له أجل ولم يعتد فيه أجل فلا يلزم المقترض رده لمقرضه إلا إذا انتفع به عادة أمثاله. واعلم أنه يجوز للمقترض أن يرد مثل الذى اقترضه وأن يرد عينه سواء كان مثليا أو غير مثلى وهذا ما لم يتغير بزيادة أو نقص فان تغير وجب رد المثل
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية يجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل فيجب أن يرد المثل وفيما لا مثل له وجهان أحدهما يجب عليه القيمة لأن ما ضمن بالمثل اذا كان له مثل ضمن بالقيمة اذا لم يكن له مثل كالمتلفات والثانى يجب عليه مثله فى الخلقة والصورة لحديث أبى رافع أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يقضى البكر بالبكر ولأن ما ثبت فى الذمة بعقد السلم ثبت بالقرض قياسا على ماله مثل
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة
(4)
: للمقرض طلب بدل القرض فى الحال مطلقا لأن القرض يثبت فى الذمة حالا فكان له طلبه كسائر الديون الحالة ولا سبب يوجب رد المثل أو القيمة فكان حالا كالاتلاف ولا يلزم المقترض رد عين ما اقترضه لأنه ملكه ملكا تاما بالقبض فان رد عين ما اقترضه على المقرض لزم قبوله ان كان مثليا وان لم يكن القرض مثليا ورده بعينه فلا يلزم المقرض قبوله لأن الذى وجب له بالقرض قيمته فلا يلزمه الاعتياض عنها.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(5)
: ان طالب صاحب الدين بدينه والشئ المستقرض حاضر عند المستقرض لم يجز أن يجبر المستقرض على أن يرد الذى أخذ بعينه ولا بد لكن يجبر على رد مثله لأنه قد ملك الذى استقرض وصار كسائر ماله فان لم يوجد له غيره قضى عليه حينئذ برده لأنه مأمور بتعجيل انصاف غريمه فتأخيره بذلك وهو قادر على الانصاف ظلم وقد قال عليه السلام «مطل الغنى ظلم» .
(1)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ح 14 ص 35 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 3 ص 226
(3)
المهذب ح 1 ص 304، 305.
(4)
كشاف القناع ح 2 ص 137.
(5)
المحلى لابن حزم ح 8 ص 79، 80.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية
(1)
: ان القرض متى قبضه المستقرض ملكه ويجب عليه رد مثله للمقرض قدرا وجنسا ونوعا وصفة لا فوقه ولا دونه والقول للمقترض أنه مثله اذ الأصل براءة الذمة. فان كان القرض بعينه باقيا فلا يجب عليه الا رد مثله فلو رده بعينه جاز ووجب القبول وأنه يجب على المستقرض الرد الى موضع القرض وأنه لا يصح الانظار فيه فاذا قال المقرض للمستقرض قد أنظرتك مدة كذا لم يلزمه فاذا طلبه بعد ذلك فورا وجب رد مثله ولا حكم لانظاره وسواء أنظره حال القرض أم بعده.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية
(2)
: ما دام المقترض يملك القرض بالقبض فله رد مثله مع وجود عينه وان كره المقرض لأن العين حينئذ تصير كغيرها من أمواله والحق يتعلق بذمته فيتخير فى جهة القضاء.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية
(3)
: وجب قضاء دين مؤجل أو غير مؤجل على من أخذه لنفسه أو لمن قام عليه من يتيم أو مجنون أو غائب أو غيرهم الا ان أعلم صاحب المال أنه يأخذ لهؤلاء وأبرأه على أن يأخذ من الغائب اذا حضرو اليتيم اذا بلغ أو من المجنون اذا أفاق أو ما أشبه ذلك.
أداء النفقة
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن الزوج اذا كان قائما بالانفاق على زوجته فعلا بما يكفيها ويليق بها من الطعام اللازم لها والكسوة اللائقة بها فى الشتاء والصيف والمسكن المناسب المستوفى للأدوات والمرافق فان ذلك يعد أداء منه بحقها فى النفقة بطريق التمكين الذى هو الأصل فى الانفاق أما اذا قصر فى حقها منعا أو تقتيرا فان لها أن تطلب من ذلك ما هو حق لها فان تراضيا واتفقا على شئ لزم الزوج أداءه والا كان لها أن ترفع أمرها الى القاضى فاذا تم التقدير بواسطته وجب عليه أداء ما فرض عليه دون مضارة أو مماطلة والا حق لها أن تطلب من القاضى تمكينها من الحصول على النفقة بالطريق الجبرى.
وانظر فى تفصيل هذه الأحكام وما يتعلق منها بنفقات الأقارب فى المذاهب المختلفة.
«مصطلح نفقة» .
أداء الشهادة
مذهب الحنفية:
قال الحنفية
(4)
أداء الشهادة حق لله سبحانه وتعالى فيما سوى أسباب الحدود لقوله تعالى «وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ 5» وقوله عز شأنه «كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ 6» الا أن فى الشهادة القائمة على حقوق العباد وأسبابها لا بد من طلب المشهود له لوجوب الأداء فاذا طلب وجب عليه الأداء حتى لو امتنع بعد
(1)
التاج المذهب لاحمد بن قاسم العبسى ح 2 ص 485 طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية سنة 1366 هـ.
(2)
الروضة البهية ح 1 ص 342.
(3)
شرح النيل ح 4 ص 439.
(4)
بدائع الصنائع ح 6 ص 282.
(5)
سورة الطلاق: 2.
(6)
سورة النساء: 135.
الطلب يأثم لقوله تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا»
(1)
الآية أى دعوا لأداء الشهادة لأن الشهادة أمانة المشهود له فى ذمة الشاهد وقال سبحانه وتعالى «فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ 2» وقال جل شأنه «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها»
(3)
وأما فى حقوق الله تبارك وتعالى وفيما سوى أسباب الحدود نحو طلاق امرأة واعتاق عبد والظهار والايلاء ونحوها من أسباب الحرمات تلزمه الاقامة حسبة لله تبارك وتعالى عند الحاجة الى الاقامة من غير طلب من أحد من العباد، وأما فى أسباب الحدود من الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف فهو مخير بين أن يشهد حسبة لله تعالى وبين أن يستر لأن كل واحد منهما أمر مندوب اليه قال الله تعالى:
«وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» وقال عليه الصلاة والسلام «من ستر على مسلم ستر الله عليه فى الدنيا والآخرة» وقد ندبه الشرع الى كل واحد منهما ان شاء اختار جهة الحسبة فأقامها لله تعالى وان شاء اختار جهة الستر فيستر على أخيه المسلم.
مذهب المالكية:
قال المالكية: لا شهادة لشاهد ان حرص على أدائها كأن رفع شهادته للحاكم قبل الطلب فى محض حق الآدمى وهو ماله اسقاطه كالدين والقصاص أما فى حق الله وهو ما ليس للمكلف اسقاطه فتجب المبادرة بالرفع للحاكم بحسب امكانه، ووجوب المبادرة ان استديم التحريم عند عدم الرفع كطلاق لزوجة مع كون المطلق لم ينكف عنها فتجب المبادرة بالرفع. وان لم يستدم ارتكاب التحريم خير فى الرفع وعدمه كالزنا وشرب الخمر والترك أولى لما فيه من الستر المطلوب
(4)
، ويجب على الشاهد أن يعلم صاحب الحق بأنه شاهد له وجوبا عينيا ان توقف الحق على شهادته وكفائيا ان لم يتوقف.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية
(5)
: تحمل الشهادة وأداؤها فرض لقول الله عز وجل «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» وقوله تعالى «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» قال ابن عباس رضى الله عنه من الكبائر كتمان الشهادة لأن الله تعالى يقول «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» فهى فرض على الكفاية فان قام بها من فيه كفاية سقط الفرض عن الباقين لأن المقصود بها حفظ الحقوق وذلك يحصل ببعضهم وان كان فى موضع لا يوجد فيه غيره ممن يقع به الكفاية تعين عليه لأنه لا يحصل المقصود الا به فتعين عليه. ومن كانت عنده شهادة فى حد الله تعالى فالمستحب أن لا يشهد به لأنه مندوب الى ستره ومأمور بدرئه فان شهد به جاز لأنه شهد أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة بالزنا عند عمر رضى الله عنه فلم ينكر عمر ولا غيره من الصحابة عليهم
(1)
سورة البقرة: 282.
(2)
سورة البقرة: 283.
(3)
سورة النساء: 58.
(4)
الشرح الصغير للدردير ح 2 ص 325، 326
(5)
المهذب ح 2 ص 323، 334.
ذلك، ومن كانت عنده شهادة لآدمى فان كان صاحبها يعلم بذلك لم يشهد قبل أن يسأل لقوله عليه السلام «خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب يشهد الرجل قبل أن يستشهد» وان كان صاحبها لا يعلم شهد قبل أن يسأل لما روى زيد بن خالد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «خير الشهود الذى يأتى بالشهادة قبل أن يسألها» .
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة
(1)
: تطلق الشهادة على التحمل وعلى الأداء لقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» وقال «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ» الآية وانما خص القلب بالاثم لأنه موضع العلم بها، وأداء الشهادة فى غير حق الله تعالى فرض عين لقوله تعالى «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ» وان قام بالفرض فى التحمل والأداء اثنان سقط الوجوب عن الجميع لحصول الفرض. لكن الأداء فرض عين على المذهب كما ذكره أولا خلافا للموفق وتابعيه، وان امتنع الكل عن التحمل أو الأداء أثموا لقوله تعالى «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» ، ويختص الأداء بمجلس الحكم لأن السماع بغيره لا يحصل به مقصودها كما تقدم فان كان الحاكم غير عدل لا يشهد، نقل أبو الحكم عن أحمد كيف أشهد عند رجل ليس عدلا؟ ويباح لمن عنده شهادة بحد الله تعالى اقامتها. وقال القاضى والموفق تركها أولى، ولا يستحب الشهادة بحق الله تعالى لحديث: من ستر عورة مسلم ستره الله فى الدنيا والآخرة، وتجوز الشهادة بحد قديم كالشهادة بالقصاص ولأنه قد يعرض للشاهد ما يمنعه الشهادة حينها ثم يتمكن بعد ويقيم الشاهد الشهادة بطلب المشهود له ولو لم يطلبها حاكم لأنها حق للشهود له فاذا طلبه وجب ويحرم كتمان الشهادة بحق آدمى لقوله تعالى «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» .
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية
(2)
: وأداء الشهادة فرض على كل من علمها الا أن يكون عليه حرج فى ذلك لبعد مشقة أو لتضييع مال أو لضعف فى جسمه فليعلنها فقط قال تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» فهذا على عمومه اذا دعوا للشهادة أو دعوا لأدائها ولا يجوز تخصيص شئ من ذلك بغير نص فيكون من فعل ذلك قائلا على الله تعالى ما لا علم له به.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية
(3)
ويجب على متحملها الأداء اذا طلب ذلك من له طلبه لكل أحد سواء كان المشهود له مسلما أو كافرا ويجب على الشاهد تكرار الشهادة فى كل وقت حتى يصل صاحبها الى حقه فى القطعى مطلقا كنفقة زوجته الصالحة للوط ء ومصيرها الى بيت زوجها وأنه ممتنع من أداء الحق ظلما فانه يجب أداء الشهادة فى ذلك سواء أدعى الى حاكم محق أم الى غيره وأما اذا كانت
(1)
كشاف القناع ح 4 ص 242.
(2)
المحلى ح 9 ص 429.
(3)
شرح الازهار ح 4 ص 187 وما بعدها.
الشهادة فى الحق الظنى لم يجب على الشاهد أداء الشهادة الا الى حاكم محق فقط وقيل فى الزيادات لا يجوز أداء الشهادة عند الحاكم الجائر وان طالب المشهود له بذلك قال أبو مضر والوجه فيه أن الحاكم اذا كان ظالما أو منصوبا من الظلمة فانه لا يكون له ولاية بل يكون كآحاد الناس ولا يجب على الشاهد أداء الشهادة عند آحاد الناس سيما عند الظلمة ويأثم بذلك.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية
(1)
: ويجب الأداء مع القدرة على الكفاية اجماعا، وانما يجب الأداء مع ثبوت الحق بشهادته لانضمام من يتم به العدد أو حلف المدعى ان كان مما يثبت بشاهد ويمين فلو طلب من اثنين فيما يثبت بهما لزمهما وليس لأحدهما الامتناع بناء على الاكتفاء بحلف المدعى مع الآخر لأن من مقاصد الاشهاد التورع عن اليمين.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية
(2)
: اختلف فى قوله عز وجل «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ» هل معناه النهى عن الاباء من تحملها ولا نافية بمعنى النهى اذا دعوا لتحملها، أو معناه النهى عن الاباء من اقامتها اذا دعوا لاقامتها، تأويلان، واذا تحملها فأبى من أدائها حيث يجب عليه الأداء فضاع المال أو النفس بعدم أدائه ضمنه، فان أبى وأقام غيره كانت عليه التوبة.
أدب
التعريف اللغوى
(3)
الأدب ملكة تعصم من كانت فيه عما يشينه والجمع آداب، ومن معانيها أنها تطلق على ما يليق بالشئ أو الشخص فيقال آداب الشخص وآداب القاضى، والأدب الظرف وحسن التناول. وأدبه فتأدب علمه، واستعمله الزجاج فى التعليم من الله عز وجل فقال: وهذا ما أدب الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم، والأدب الذى يتأدب به الأديب من الناس سمى أدبا لأنه يأدب الناس الى المحامد وينهاهم عن المقابح، ويشرح العلامة المناوى
(4)
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أدبنى ربى فأحسن تأديبى» فيقول معنى الأدب هو ما يحصل للنفس من الأخلاق الحسنة والعلوم المكتسبة وفى شرح النوابغ هو ما يؤدى بالناس الى المحامد وكل الآداب متلقيات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه مجمعها ظاهرا وباطنا، ثم قال والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا، وأدب البلاد ايدابا ملأها عدلا وفلان قد استأدب بمعنى تأدب
(5)
.
تعريف الأدب فى الشرع
مذهب الحنفية:
يقول العلامة الشرنبلالى الحنفى فى شرحه
(1)
الروضة البهية ح 1 ص 255
(2)
شرح النيل ح 6 ص 566.
(3)
لسان العرب لابن منظور ح 2 ص 206، 207 طبع دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر الطبعة الثانية سنة 1374 هـ.
(4)
فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوى ح 1 ص 224، 225 طبع مطبعة مصطفى محمد الطبعة الاولى سنة 1356.
(5)
ترتيب القاموس المحيط للزاوى ح 1 ص 282 الطبعة الاولى طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1959 م
مراقى الفلاح نقلا عن شرح الهداية: الأدب هو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه وحكمه الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه، ويقول الطحطاوى فى حاشيته تعليقا على ذلك:
ويسمى بالنفل لأنه زائد عن الفرض وبالمستحب لأن الشارع يحبه وبالمندوب لأن الشارع بين ثوابه وبالتطوع لأن فاعله متبرع به قاله السيد، ثم عدد بعد ذلك آداب الوضوء كالجلوس فى مكان مرتفع وعدم التكلم بكلام الناس .. الى آخر ما ذكر
(1)
وفى فتح القدير ذكر صاحب العناية عند الكلام على الاستنجاء أن الغسل بالماء أفضل ثم قال وهو أدب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يستنجى بالماء مرة ويتركه أخرى وهذا هو حد الأدب
(2)
وفرق صاحب بدائع الصنائع بين السنة والأدب فقال ان السنة هى ما واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتركها صلى الله عليه وسلم الا مرة أو مرتين لمعنى من المعانى، أما الأدب فهو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه
(3)
كذلك يستعمل الحنفية الأدب بمعنى الالتزام لما ندب اليه الشرع يقول صاحب الفتاوى الهندية
(4)
تحت عنوان باب أدب القاضى:
أدب القاضى هو التزامه لما ندب اليه الشرع من بسط العدل ودفع الظلم وترك الميل والمحافظة على حدود الشرع والجرى على سنن السنة ويستعمل صاحب العناية وصاحب فتح القدير الأدب بالمعنى اللغوى فى باب أدب القاضى أيضا فيذكر أن الأدب هو الخصال الحميدة والقاضى محتاج اليها فذكر ما ينبغى للقاضى أن يفعله ويكون عليه
(5)
، ومن هذا يتضح أن الحنفية يستعملون الأدب بمعنى المستحب والمندوب والنفل كما فى آداب الوضوء والاستنجاء، ويستعملونه بالمعنى اللغوى كما جاء فى باب أدب القاضى
مذهب المالكية:
يذهب المالكية الى أن لفظ الأدب يطلق ويراد به عند بعضهم المستحب والمندوب والسنن فقط، ويراد به عند البعض الآخر ما يشمل المستحب والمندوب والسنة والواجب تسامحا، فقد جاء فى الشرح الصغير وحاشيته فى بيان شروط الجمعة وآدابها بعد أن ذكرت الشروط: وسن حال الخطبة استقبال القبلة وسن جلوس الخطيب أول كل خطبة الى آخر ما ذكر. ثم قال وندب لمريد صلاة الجمعة تحسين هيئته من قص شارب وأظفار وحلق عانة ونتف ابط، وقال الشيخ الصاوى فى حاشيته تعليقا على قول خليل «وآدابها» المراد من الآداب ما يشمل السنن
(6)
وفى باب بيان آداب
(1)
حاشية الطحطاوى على مراقى الفلاح شرح نور الايضاح ح 1 ص 44 الطبعة الثانية طبع المطبعة الازهرية المصرية سنة 1328 هـ.
(2)
فتح القدير وبهامشه شرح العناية على الهداية ح 1 ص 149 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1315 هـ.
(3)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 1 ص 24 الطبعة الاولى طبع مطبعة الجالية بمصر سنة 1328 هـ.
(4)
الفتاوى الهندية ح 3 ص 306 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق سنة 1310 هـ.
(5)
فتح القدير ح 5 ص 453.
(6)
بلغة السالك لاقرب المسالك ح 1 ص 165 وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 1 ص 381 طبع دار احياء الكتب العربية.
قضاء حاجة الانسان قال الدردير: المراد بالآداب الأمور المطلوبة ندبا لمريد قضاء حاجته، وقال: ندب لمريد فضاء الحاجة الجلوس وأن يكون بمحل طاهر وتسمية قبل الدخول الى أن قال ووجب استبراء الى آخر ما ذكره، وذكر تحت عنوان الآداب أمورا مندوبة وأمورا واجبة ولذلك قال الصاوى فى حاشيته: الأدب هو الأمر المطلوب شرعا عند قضاء الحاجة وهو أعم من أن يكون الطلب واجبا أو مندوبا لأن بعض ما يأتى واجب، وقال تعليقا على قول الدردير. المراد بالآداب الأمور المطلوبة ندبا أى بحسب غالبها فلا ينافى أن بعضها واجب
(1)
وفى متن العشماوية فى باب آداب الجمعة قال: آداب الجمعة ثمانية وعد منها تجنب ما يتولد منه الرائحة الكريهة وقال الشيخ الصفتى فى حاشيته ان المراد بالآداب هو ما يطلب من المكلف تحصيله سواء كان واجبا كتجنب الرائحة الكريهة أو سنة كالغسل أو مستحبا كالتطيب لها الا أنه نقل عن حاشية الأمير أن عد هذا - أى تجنب ما يتولد منه الرائحة الكريهة - من باب الآداب مسامحة لأنه واجب والمراد بالآداب ما يطلب لا على سبيل الوجوب
(2)
وقد جاء فى الشرح الصغير عند ذكر آداب الأكل والشرب قوله: وسن عينا لآكل وشارب ولو صبيا تسمية، ويندب الجهر بها وعدد بعد ذلك مندوبات يطلب فعلها ومكروهات يطلب اجتنابها، وفى هذا اطلاق للأدب على السنة العينية والمندوب والنهى عن ما يكره
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى منهج الطلاب: فصل فى آداب الخلاء وفى الاستنجاء: سن لقاضى الحاجة أن يقدم يساره لمكان قضائها ويمينه لانصرافها وأن ينحى ما عليه معظّم الى أن قال: ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، وقال فى حاشية البجرمى تعليقا على ذلك: الآداب جمع أدب وهو المطلوب سواء كان مندوبا أم واجبا ثم قال واعلم أن جميع ما ذكر فى هذا الفصل من الآداب محمول على الاستحباب الا ترك الاستقبال والاستدبار والاستنجاء
(4)
وفى نهاية المحتاج فى باب آداب الخلاء أيضا: ذكر الرملى آداب الخلاء وعد منها عدم استقبال القبلة واستدبارها بالصحراء، وعلق الشبراملسى فى حاشيته على ذلك فقال:
الآداب جمع أدب وهو المستحب، وعلى ذلك فليس من الآداب ما يأتى من وجوب عدم الاستقبال والاستدبار للقبلة بالصحراء فيكون التعبير بالآداب تغليبا، ثم قال ويحتمل أن يكون المراد بالأدب هنا المطلوب شرعا فيشمل المستحب والواجب وعلى ذلك فلا تغليب فى العبارة
(5)
وقد تصدق الآداب عند الشافعية أيضا على ما يسن فعله وعلى ترك ما يكره فعله فقد جاء فى حاشية البجرمى فى باب
(1)
الشرح الصغير ح 1 ص 32، 33.
(2)
حاشية الصفتى لابن تركى المالكى ح 1 ص 296 طبع مطبعة محمد على صبيح سنة 1383 هـ.
(3)
الشرح الصغير ح 2 ص 487 - 490.
(4)
حاشية البجرمى ح 1 ص 51 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1345 هـ.
(5)
نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى عليه ح 1 ص 115 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ
آداب الاقتداء: آداب الاقتداء الأمور المطلوبة حصولها كما فى قوله، وسن أن يقف امام الى آخر المسنونات أو تركا كما فى قوله وكره لمأموم انفراد عن الصف فتصدق الآداب على النهى عن اتيان المكروهات
(1)
وفى باب آداب القضاء جاء فى نهاية المحتاج: ليكتب الامام ندبا لمن يوليه كتابا بالتولية ثم عد أمورا مندوبة ثم قال: ويستحب كون مجلسه فسيحا ثم قال ويكره له أن يشترى ويبيع أو يعامل مع وجود من يوكله
(2)
ومما تقدم يتبين أن الشافعية يطلقون لفظ الأدب على ما يندب وعلى ما يستحب وعلى ما يجب وعلى ترك ما يكره.
مذهب الحنابلة:
قال صاحب متن الاقناع تحت عنوان آداب التخلى: يبن أن يقول عند دخوله الخلاء بسم الله اللهم انى أعوذ بك من الخبث والخبائث ويكره دخوله بما فيه ذكر الله بلا حاجة ويحرم دخول الخلاء بمصحف ويستحب أن ينتعل وأن يقدم رجله اليسرى، وقال صاحب كشاف القناع: المراد بآداب التخلى ما ينبغى فعله حال الدخول وقضاء الحاجة والخروج وما يتعلق بذلك
(3)
وفى باب آداب المشى الى الصلاة قال: يسن الخروج الى الصلاة متطهرا بخوف وخشوع ثم قال:
ويستحب أن يقول اذا خرج من بيته ولو لغير صلاة بسم الله آمنت بالله الى آخر ما ذكر ثم قال بعد ذلك: ويسن أن يقول: اللهم انى أسألك بحق السائلين عليك أن تنقذنى من النار
(4)
وفى باب آداب القاضى قال صاحب كشاف القناع: الأدب هو الأخلاق التى ينبغى التخلق بها والمقصود من هذا الباب بيان ما يجب على القاضى أو يسن له أن يأخذ به نفسه وأعوانه من الآداب والقوانين التى ينضبط بها أمور القضاء وتحفظهم من الميل والزيغ
(5)
وبذلك يشمل لفظ الأدب عند الحنابلة السنة والمستحب والواجب وترك ما يكره أو يحرم فعله على أساس المعنى اللغوى.
مذهب الظاهرية:
لم يستعمل ابن حزم الظاهرى لفظ الأدب فيما استعمله غيره من الفقهاء فى المطلوب فعله والمطلوب تركه
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار تحت عنوان مندوبات الوضوء: وندب سبعة أمور:
السواك قبل الوضوء، أوجبه داود ثم قال:
ومن آداب السواك أن يستاك عرضا ثم قال وللسواك آداب منها أنه يكره للجنب من جماع والقائم فى المسجد، ثم قال: ويندب وان زالت الأسنان
(6)
وفى البحر الزخار
(7)
قال فى باب قاضى الحاجة ندب له التوارى
(1)
حاشية البجرمى ح 1 ص 316.
(2)
نهاية المحتاج ح 8 ص 337.
(3)
كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ح 1 ص 40 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.
(4)
المرجع السابق ح 1 ص 217.
(5)
المرجع السابق ح 4 ص 182 والروض المربع ح 2 ص 367 الطبعة السادسة طبع المطبعة السلفية بمصر سنة 1380 هـ.
(6)
شرح الازهار فى فقه الائمة الاطهار ح 1 ص 92 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى سنة 1357 هـ.
(7)
البحر الزخار ح 1 ص 42 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1366.
بشجر أو نحوه، وفى شرح الأزهار فى نفس الباب قال: باب ما يندب لقاضى الحاجة وما يكره وما يجوز ثم قال ندب لقاضى الحاجة التوارى وعد بعض المندوبات الى أن قال:
وأما ما يكره فاتقاء الملاعن وفى أفنية الدار وفى مجالس الناس وقال فى شرح الأزهار وأما ما يكره فقد أوضحه عليه السلام بقوله بندب
(1)
، وتحت عنوان آداب المعاشرة الزوجية قال فى البحر الزخار ندب للزوجة التواضع وللزوج احتمال الأذى ثم قال:
ويكره افتخار المرأة بمال أو جمال أو حسب وعدد بعد ذلك بعض المندوبات والمكروهات ومما تقدم نرى أن الزيدية يستعملون الأدب بمعنى ما يندب فعله واجتناب ما يكره فعله وما يجوز فعله
(2)
.
مذهب الإمامية:
وأما الإمامية فقد ذكروا تحت آداب الخلوة: يستحب شد البدن وتغطية الرأس وتقديم اليسرى دخولا واليمنى خروجا
(3)
وفى شرائع الاسلام
(4)
أطلق على آداب الخلوة «التخلى» سنن الخلوة ثم قال:
وهى مندوبات ومكروهات فالمندوبات تغطية الرأس والتسمية .. الى آخر ما ذكر وتحت عنوان آدب البيع قال فى شرائع الاسلام
(5)
.
وأما آداب البيع فيستحب أن يتفقه فيما يتولاه وأن يسوى البائع بين المتبايعين ثم قال ويكره تلقى الركبان، ثم قال ويكره الاحتكار وقيل حرام والأول أشبه وتحت عنوان آداب النكاح عد صاحب المختصر النافع: آدابا للعقد وآدابا للخلوة، وذكر تحت العنوانين بعض المستحبات كاستحباب تخير البكر واستحباب صلاة ركعتين اذا أراد الدخول وذكر بعض المكروهات كتزوج العقيم والجماع عند الزوال وعند الغروب
(6)
ومن هذا يتضح أن الإمامية يستعملون لفظ الأدب بمعنى المستحب والمندوب واجتناب المكروه.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب الوضع تحت عنوان باب آداب قضاء الحاجة. وينبغى أن يقول عند القصد لحاجة الانسان أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ثم فسر قوله ينبغى فقال: ينبغى تارة تقال بمعنى يستحب وتارة بمعنى يجب
(7)
.
مواطنه
ذكر الفقهاء لفظ الأدب مضافا الى غيره فقالوا آداب الخلوة وآداب قضاء الحاجة وآداب عشرة النساء وآداب البيع وآداب المشى الى الصلاة وآداب القاضى، وهكذا وينظر تفصيل ذلك فى مواضعها المضافة اليها مثل مصطلح بيع ومصطلح نكاح ومصطلح صلاة ومصطلح خلوة ومصطلح قاضى وهكذا
(1)
شرح الازهار ح 1 ص 70 - 73.
(2)
البحر الزخار ح 3 ص 83، 84.
(3)
مفتاح الكرامة ح 1 ص 50 طبع المطبعة الرضوية بمصر سنة 1324 هـ.
(4)
شرائع الاسلام ح 1 ص 26 طبع مطبعة دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.
(5)
المرجع السابق ح 1 ص 168.
(6)
المختصر النافع ص 195 الطبعة الثانية طبع مطبعة وزارة الاوقاف سنة 1377 هـ.
(7)
كتاب الوضع لابى زكريا الجناوى ح 1 ص 47 الطبعة الاولى طبع مطبعة الفجالة الجديدة وشرح النيل ح 1 ص 29 وكتاب الايضاح ح 1 ص 7، 8.
ادّعاء
المعنى اللغوى
جاء فى المصباح
(1)
: الدعوة بالكسر ادعاء الولد الدعى غير أبيه، يقال هو دعى بين الدعوة بالكسر اذا كان يدعى الى غير أبيه فهو بمعنى فاعل من الأول وبمعنى مفعول من الثانى، والدعوة بالفتح فى الطعام، ودعوى فلان كذا أى قوله، وادعيت الشئ وتمنيته أو طلبته لنفسى والاسم منه الدعوى وألفها للتأنيث، وقد يتضمن الادعاء معنى الاخبار فتدخل التاء جوازا فيقال فلان يدعى كذا أى يخبر به وتجمع الدعوى على دعاوى بكسر الواو وفتحها، وقال بعضهم الفتح أولى، وذهب آخرون الى أن الكسر أولى وهو المفهوم من كلام سيبويه والمفهوم من كلام ابن السكيت أن الفتح والكسر سواء ومثله الفتاوى فى جمع الفتوى قال الميزيدى يقال فى هذا الأمر دعوى ودعاوى أى مطلب بكسر الواو وفتحها وفى الحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما: لو يعطى الناس بدعواهم، وفى رواية بدعاويهم - لا دعى قوم دماء بعض وأموالهم ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. رواه البخارى ومسلم وأحمد فى مسنده غير أن المختار هو الكسر عند الاضافة الى الضمير فيقال دعاويك ودعاويه دون دعاواك ولا يطلق اسم الدعى عرفا الا على من لا حجة له دون من له حجة وكذا يقال لمسيلمة الكذاب أنه يدعى النبوة ولا يطلق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما كان الادعاء انما يتحقق بالدعوى وهى الاسم منه كان بيانه والكلام عليه ببيان الدعوى. وفيما سبق بيانها لغة وهاك بيانها اصطلاحا.
المعنى الاصطلاحى
جاء فى الكنز وشرحه للزيلعى فى باب الدعوى أنها اضافة الشئ الى نفس المدعى حالة المنازعة. وجاء فى التنوير وشرحه الدر أنها قول مقبول عند القاضى يقصد به طلب حق من غير المدعى أو دفعه عن حق نفسه وبذلك التعريف تميزت عن الشهادة فليس يقصد بها طلب حق من غير المدعى وانما يقصد بها الاثبات وتميزت عن الاقرار اذ هو اخبار بايجاب حق لغير المقر لا طلب حق قبله وشملت دعوى منع التعرض لأن الغرض منها دفع الغير عن حق المدعى وهى دعوى صحيحة مقبولة عند الحنفية على ما عليه الفتوى وصورتها أن يدعى انسان على غيره بأنه يعارض فى حق له معين فى يده، ويتعرض له فيه بغير حق ويطلب الحكم عليه بمنع تعرضه بخلاف دعوى قطع النزاع فانها غير مسموعة لأنها تقوم على مطالبة الغير بالادعاء بحقه الذى يزعمه، وليس يجبر الانسان على المطالبة بحقه ولا يقضى عليه بذلك وصورتها أن يدعى انسان على غيره بأن يزعم أن له حقا هو كذا قبله ويطلب الحكم عليه بأن يدعى به ان كان له هذا الحق الذى يزعمه
(2)
(1)
المصباح مادة دعا.
(2)
الدر وابن عابدين ح 4 ص 466 مطبعة الحلبى والتكملة ح 1 ص 283 وما بعدها.
ومن هذا يتبين أن الفرق بينهما انما هو فى قيام الخصومة ووجودها فعلا فى دعوى منع التعرض وعدم وجودها فى دعوى قطع النزاع ومن هذا يرى أن سبب الدعوى اما وصول الانسان الى حقه أو صيانته، ويعرف الحنابلة الدعوى بأنها اضافة الانسان الى نفسه استحقاق شئ قبل غيره فى يده أو فى ذمته
(1)
وهى بهذا لا تشمل دعوى رفع التعرض الا اذا أريد بالشئ المستحق ما يعم الشئ الوجودى والعدمى، ولا يخرج تعريف سائر الفقهاء لها عن هذا الوضع.
ركنها
ركنها هو قول المدعى لى على فلان كذا أو الرافع للدعوى قضيت حق فلان الذى يدعيه أو أبرأنى منه ونحو ذلك من كل ما يفيد معناها الذى تضمنه تعريفها السابق
(2)
سواء أصدر ذلك من المدعى نفسه أو ممن له ولاية الادعاء عنه
(3)
.
أنواعها
وهى بالنظر الى حكمها صحيحة اذا توافرت فيها جميع شروطها الآتى بيانها وفاسدة اذا لم تتوافر فيها. وبالنظر الى ما يدعى: دعوى عين ودعوى حق ودعوى عقد ودعوى فعل فتتنوع بتنوع الشئ المدعى.
حكمها
واذا كانت الدعوى صحيحة فحكمها قبولا عند القاضى ووجوب الجواب عنها على المدعى عليه عقبها وسماع بينة المدعى عند انكارها من المدعى عليه ووجوب اليمين على المدعى عليه اذا عجز المدعى عن اثباتها وطلب تحليفه ووجوب الحكم بما يدعى عند اثباته حسب التفصيل الآتى بيانه فيما بعد، وأما اذا كانت فاسدة فحكمها عدم سماعها من القاضى وعدم وجوب الجواب عنها من المدعى عليه، ومن هذا يتبين أن المدعى عليه فى الدعوى الفاسدة لا يقبل منه دفعه اياها الا بعد قيام المدعى بتصحيح دعواه على الصحيح فى المذهب الحنفى كما فى الهندية نقلا عن محيط السرخسى، ويتبين أن تعريف الحنفية اياها انما هو تعريف للصحيحة بخلاف تعريف الحنابلة فانه يتناول الصحيحة والفاسدة
(4)
.
عناصرها
ومن البيان السابق يتضح أن الدعوى لا تتحقق الا بوجود مدع ومدعى عليه وحق مدعى وصيغة، فالمدعى هو المطالب بالحق والمدعى عليه هو المطلوب منه ذلك الحق، والمدعى هو الحق الذى يطلبه المدعى من المدعى عليه، والصيغة هى العبارة الصادرة من المدعى أمام القاضى متضمنة ذلك الطلب، غير أن التمييز بين المدعى والمدعى عليه ليس بالأمر الهين بل قد يدق فى بعض الصور ويحتاج الى فقه وحدة ذكاء اذ قد يرى فى بعضها أن كلا من طرفيها قد يكون مدعيا بالنظر الى وجهة معينة ومدعى عليه بالنظر
(1)
كشاف القناع ح 4 ص 227.
(2)
البدائع ح 2 ص 222.
(3)
الدر ح 4 ص 467 والتكملة ح 1 ص 287.
(4)
البدائع ح 6 ص 224 والدر ح 4 ص 470 والتكملة ح 1 ص 292 والزيلعى ح 4 ص 291 وما بعدها.
الى وجهة أخرى فى حين أن أحكام المدعى تختلف عن أحكام المدعى عليه فعلى المدعى البينة وعلى المدعى عليه اليمين وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم عن أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه وروى أحمد ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، وأخرج البيهقى هذا الحديث باسناد صحيح بلفظ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، لهذا كان من الواجب التمييز بينهما حتى يستطيع القاضى مطالبة كل منهما بما يجب عليه شرعا من بينة أو يمين وكان للفقهاء عناية بالغة فى تحقيق ذلك وفى تيسيره وهى عناية تنم على ما فى ذلك من صعوبة ألا ترى أن الوديع اذا ادعى رد الوديعة كان مدعيا فى الظاهر والصورة، ولكنه فى الحقيقة منكر لوجود الضمان الذى يدعيه عليه المودع فيحلف على أنه لا يلزمه رد ولا يكلف اقامة البينة على الرد كما لا يطلب من المودع اليمين على عدم الرد اذا عجز الوديع عن اقامة البينة عليه وذلك ما ذهب اليه الحنفية كما جاء فى الزيلعى على الكنز، وقد جاء فى معين الأحكام عن شريح أنه قال: وليت القضاء وعندى أنى لا أعجز عن معرفة ما يتخاصم الى فيه، فأول ما ارتفع الى خصمان أشكل على أمرهما من المدعى ومن المدعى عليه
(1)
.
الفرق بين المدعى والمدعى عليه
ذكر الفقهاء فى التفرقة بينهما الضوابط الآتية:
1 -
المدعى من اذا ترك الخصومة والادعاء لم يجبر على المضى فيهما، والمدعى عليه من اذا أبى الجواب عن الدعوى أو ترك الخصومة أجبر على ذلك كما ذكره القدورى
2 -
جاء فى تحفة المحتاج شرح المنهاج:
المدعى من يلتمس حقا قبل غيره أو من ينوب عنه، والمدعى عليه من يدفع ذلك عن نفسه وينفيه، وفى نهاية المحتاج: المدعى من يخالف قوله الظاهر، والمدعى عليه من يوافقه
(2)
.
3 -
جاء فى شرح الأزهار
(3)
: المدعى من يطلب خلاف الظاهر والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر، وقيل المدعى من يخلى وسكوته كمدع تأجيل دين أو فساد عقد والمدعى عليه عكسه.
4 -
وفى الأصل لمحمد بن الحسن:
المدعى عليه من يعمد الى الانكار والآخر هو المدعى وتطبيقه يستلزم فقها وحدة ذكاء ذلك أنه قد تكون عبارة من هو مدعى عليه فى الواقع تدل على ادعاء بينما تكون عبارة صاحبه تدل على الانكار وهو على الرغم من ذلك مدع فى الحقيقة وذلك كالوديع اذا ادعى رد الوديعة أو هلاكها عند طلبها منه فانه مدع صورة وصاحبه منكر لما ادعاه وهما فى الحقيقة على عكس ما يظهر من
(1)
الزيلعى ح 4 ص 291 والتكملة ح 1 ص 293
(2)
نهاية المحتاج ح 8 ص 320.
(3)
ح 4 ص 126 وما بعدها.
كلامهما فادعاء الرد أو الهلاك انما هو انكار لوجوب الضمان وهو المعتبر وانكار الرد أو الهلاك انما هو اصرار على وجوب الرد أو الضمان وذلك ادعاء وعليه الاعتبار وذلك ما يلاحظ فى كثير من صور المخاصمة
(1)
.
5 -
وجاء فى تحرير الأحكام للشيعة الإمامية
(2)
أن المدعى هو الذى يخلى وسكوته وغيره المدعى عليه وقيل هو الذى يدعى خلاف الظاهر أو خلاف الأصل وتظهر فائدة اختلاف هذين التعريفين فى الزوجين اذا أسلما قبل الدخول وادعى الزوج أنهما أسلما معا قصدا منه الى دوام الزواج بينهما وادعت الزوجة أنهما أسلما على التعاقب فعلى التعريف الأول تكون الزوجة هى المدعية لأن الزوج فى هذه الحال لا يخلى وسكوته فلا يكون هو المدعى ذلك لأنها اذا كانت هى البادئة بالاسلام انفسخ النكاح فى الحال فلا يخلى الزوج وسكوته بل لا بد من اعترافه بذلك أو اقامة البينة عليه وعلى ذلك يكون هو المدعى عليه، وعلى التعريف الثانى يكون الزوج هو المدعى لأنه الذى يدعى خلاف الظاهر وهو اسلامهما معا فى وقت واحد لأنه نادر وهو خلاف الظاهر، والظاهر الجلى هو التعاقب فكان مدعيه هو المدعى لأنه يدعى على خلاف الظاهر والآخر هو المدعى عليه، وليس لبقية المذاهب فى بيان الفرق بين المدعى والمدعى عليه ما يخرج عما سبق ذكره.
شروط صحة الدعوى
شروط صحة الدعوى كثيرة منها ما يرجع الى المدعى والمدعى عليه. ومنها ما يرجع الى المدعى به ومنها ما يرجع الى الدعوى نفسها.
فما يرجع الى كل من المدعى والمدعى عليه
1 -
أن يكون كل منهما عند مباشرتهما الخصومة عاقلا فلا تصح الدعوى من مجنون وصبى لا يعقل كما لا تصح عليهما فى مواجهتهما ولذا لا يجب عليهما الجواب عنها ولا تتوجه عليهما اليمين واذا كان أحدهما مميزا غير بالغ اشترط لصحتها أن يأذن له بها من له الولاية عليه
(3)
والى هذا ذهب الحنفية وأرباب المذاهب الأخرى، ويلاحظ أن الدعوى من الصبى المميز ليست من المواضع التى تصح فيها اجازتها ممن يملك الاجازة بعد وقوع الدعوى من الصبى ولهذا كان القضاء المترتب عليها قبل الاجازة وبعدها باطلا لأنه فاقد لشرطه وهو أن يصدر قاطعا للنزاع بين الطرفين وهو فى هذه الحال يصدر غير قاطع له - انظر مصطلح قضاء - والى هذا ذهب الحنفية.
2 -
أن تكون بينهما خصومة حقيقية فاذا لم نكن بينهما خصومة فى الواقع وانما تظاهرا بها للوصول الى حكم يتخذانه وسيلة الى تحقيق غرض خاص لم تسمع هذه الدعوى لما فيها من قصد الاحتيال الى الوصول الى الحكم والى هذا ذهب الحنفية كما صرح
(1)
التكملة ح 1 ص 285 والزيلعى ح 4 ص 291 وشرح الازهار ح 4 ص 127.
(2)
ح 2 ص 188.
(3)
تحرير الاحكام من كتب الشيعة ح 2 ص 188 والدر المختار ح 4 ص 467 والتكملة ح 1 ص 287 والتبصرة ح 1 ص 106 ونهاية المحتاج ح 8 ص 319، 325
أن الدعوى يجب أن تكون فى حالة خصومة
(1)
وهذا أيضا محل اتفاق بين المذاهب.
3 -
أن يكون كل من المدعى والمدعى عليه أصيلا فى الخصومة أو نائبا عن الأصيل بوكالة أو ولاية أو وصاية حتى تكون الدعوى من ذى شأن فى الخصومة على ذى شأن فيها فلا تصح الدعوى من فضولى ولا على فضولى لأنها سبيل الى القضاء بالمدعى به والقضاء يجب أن يصدر ملزما ولا الزام مع الفضالة
(2)
والى هذا ذهب الحنفية وبقية أرباب المذاهب الأخرى، ومما يتصل بهذا الشرط دعوى الحسبة وهى فرض كفاية على كل مسلم قادر وفرض عين على القادر اذا تعين والأصل فى ذلك هو وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهذه الدعوى انما تكون فى حقوق الله تعالى وهى فى رأى الجمهور الحقوق التى تعود منفعتها على العامة كلهم وهى حقوق يجب على كل مسلم المحافظة عليها والدفاع عنها فمن رأى رجلا يعيش مع مطلقته التى طلقها ثلاثا معيشة الأزواج وجب عليه رفع أمرهما الى القاضى وهو فى هذا مدع وشاهد كما سيجئ ذلك فى مصطلح شهادة ولوجوبها على الناس كان كل مسلم أصيلا فيها والأمور التى تقبل فيها الدعوى حسبة وهى فى الوقت نفسه شهادة حسبه كثيرة وذكر منها صاحب الأشباه أربع عشرة مسألة وزاد عليها صاحب الدر أربع مسائل فأبلغها ثمانى عشرة مسألة وفى بعضها خلاف الامام وصاحبيه مداره على أن الغالب فى هذا البعض أهو حق الله أم حق العبد فمن ترجح عنده أن الغالب فيه هو حق الله جاز سماع الدعوى والشهادة فيه حسبة ومن ترجح عنده أن الغالب فيه هو حق العبد لم يجز سماعها الا من صاحب الحق وفى بيان هذه المسائل يرجع الى مصطلح شهادة اذ قد غلب اطلاق اسم الشاهد حسبة على من يتقدم بها الى القاضى ولهذا مال كثير من الحنفية الى أنها من قبيل الشهادة وليست من قبيل الدعوى وأن القضاء فيها لا يتوقف على سبق الادعاء استثناء من الأصل القاضى بأنه لا قضاء الا بعد دعوى وجاء فى الدر المختار وحاشية التكملة عليه: ليس لنا مدع حسبة الا فى الوقف على القول المرجوح وذلك اذا ادعى الموقوف عليه أصل الوقف فانها تسمع عند بعضهم والمفتى به عدم سماعها الا من المتولى على الوقف ولكن جاء فى فتاوى الحانوتى: الحق أن الوقف اذا كان على معين تسمع منه ولكن صاحب التنقيح قيد هذا باذن القاضى على ما عليه الفتوى
(3)
وارجع الى مصطلح شهادة فى بيان بقية المذاهب.
ومما يتصل به أيضا أن أبا حنيفة رضى الله عنه يرى وجوب قيام المدعى بدعواه حتى لا يقبل منه توكيل فيها الا اذا كان به عذر يمنعه من ذلك كالمرض والسفر أو رضى المدعى عليه بتوكيله غيره وخالفه فى ذلك صاحباه ذكر ذلك الكاسانى فى البدائع نقلا
(1)
التبيين على الكنز ح 4 ص 292 والتبصرة ح 1 ص 98 ومنتهى الارادات ح 2 ص 588 ونهاية المحتاج ح 18 ص 32.
(2)
الدر المختار والتكملة ح 1 ص 287.
(3)
الدر وتكملة ابن عابدين ح 1 ص 45 وما بعدها والاشباه والنظائر لابن نجيم من كتاب القضاء والدعوى
عن الهندية، والفتوى على قولهما وسيأتى بيان ذلك بعد.
ويرى الزيدية أن من شروط الدعوى اضافة المدعى الحق الى نفسه فلو ادعى شيئا ملكا لأبيه لم تسمع الا أن يكون وكيلا عنه أو وارثا وعندئذ يجب أن ينص على وفاته ووراثته له وأن المدعى به كان ملكا له حتى توفى وأن تتضمن حينئذ مطالبة المدعى عليه بالحق المدعى به والحكم عليه به باعتباره من تركة مورثه
(1)
ورأى الزيدية أن تشترط لصحة الدعوى أيضا أن تكون شاملة لما تقوم عليه البينة فاذا لم تشمله الدعوى تبين من ذلك أنها دعوى غير صحيحة وذلك كأن نكون ببعض ما قامت عليه البينة وفى هذا خلاف الفقهاء
(2)
ارجع الى مصطلح شهادة وقضاء.
ما يرجع الى المدعى به
الأول: أن يكون معلوما فلا تصح الدعوى بالمجهول اذ أن المقصود من الدعوى أن يقضى به بعد اثباته وذلك غير متأت فى المجهول فان القضاء يجب فيه أن يكون فاصلا وقاطعا فى النزاع ولا يتحقق ذلك فى القضاء بالمجهول وذلك هو الأصل
(3)
وقد استثنى الحنفية من هذا الأصل خمس مسائل أجازوا فيها الادعاء بالمجهول وحكموا بصحة الدعوى فيها مع جهالة المدعى به وهى:
أولا: دعوى المغصوب الهالك أو الذى لا تعلم سلامته فتصح الدعوى به وان لم تتضمن بيان قيمته والقول فى بيانها حينئذ للغاصب اذا ما ثبت عليه الغصب.
ثانيا: دعوى المرهون فتصح بدون ذكر قيمته ويكون القول فى بيانها للمرتهن عند ثبوت الرهن كما جاء فى الخانية أن المدعى لا يلزمه بيان قيمة ما غصب منه أو قيمة ما رهنه اذ كثيرا ما يجهل الانسان قيمة أمواله فلو منع من دعواه فى هذه الحال تضرر.
ثالثا: دعوى الايصاء بحق مجهول فلو ادعى شخص أن فلانا أوصى له حال حياته بشئ من ماله ومات مصرا على ذلك صحت دعواه وان لم يبين مقداره وكان بيانه عند ثبوت ذلك للورثة وفى بيان حكم الايصاء بالمجهول من حيث ما يجب يرجع الى مصطلح وصية.
رابعا: دعوى الاقرار بحق مجهول فلو ادعى على آخر أنه أقر له بحق ولم يبينه صحت دعواه وكلف المقر بالبيان عند اثباتها وفى بيان ذلك تفصيل يرجع الى مصطلح اقرار.
خامسا: دعوى الابراء بالمجهول لأن الابراء يصح مع جهالة المبرأ منه فاذا قال قائل لا حق لى قبل فلان كان هذا ابراء عاما يتناول كل حق قائم عند الابراء فلا يصح ادعاء قبله وعليه اذا ادعى شخص على آخر حقا بسبب معين فى تاريخ ذكره فدفع المدعى
(1)
شرح الازهار ح 4 ص 124 وما بعدها.
(2)
شرح الازهار ح 4 ص 124 وما بعدها.
(3)
التكملة ح 1 ص 291 وما بعدها وشرح الازهار ح 4 ص 124 وما بعدها والشرح الصغير ح 2 ص 297 والتبصرة ح 1 ص 100 وكشاف القناع ح 4 ص 203
عليه الدعوى بأن المدعى أبرأه بعد ذلك من كل حق له قبله سمعت دعواه وان لم يبين ما أبرأه منه، ووجه هذا الاستثناء أن كلا من الاقرار بالمجهول والوصية بالمجهول والابراء من المجهول صحيح وصحته تستلزم صحة الادعاء به توصلا للوصول الى الحق فيها وأن الانسان كثيرا ما يجهل قيمة أمواله فلو كلف بيان قيمة ما برهن أو ما يغتصب منه للحقه من ذلك ضرر فأجيزت الدعوى بالمجهول فى هذه الحال دفعا للضرر وزاد بعضهم دعوى السرقة كما فى التكملة
(1)
أما ما استثناه الحنابلة من هذا الشرط فهو الايصاء والاقرار والخلع على مجهول
(2)
.
ويرى الحنفية أن العلم بالمدعى به يختلف باختلافه فهو اما عقار أو منقول أو دين أو نسب أو حق آخر.
فاذا كان المدعى به عقارا وجب لبيانه تحديده وذلك بذكر حدوده وأسماء أصحابه وأنسابهم الى الجد لأن به تمام التعريف عند أبى حنيفة ويكفى ذكر الأب عند صاحبيه، كما تكفى شهرة صاحبه اذا كان له شهرة ولا تكفى شهرة الجد عنده خلافا لصاحبيه والفتوى على قوله ويكفى ذكر ثلاثة حدود لأن للأكثر حكم الكل غير أنه اذا ذكر ثلاثة حدود صحيحة، وذكر الرابع وفيه خطأ لم تسمع دعواه وقال زفر لا بد من ذكر الحدود الأربعة لأن التعريف لا يتم الا بها وفى الحموى أن الفتوى على قول زفر وفى التكملة على الدر أن الفتوى على قول أبى حنيفة وصاحبيه واذا احتيج الى ذكر اللقب وجب ذكره أيضا واذا كان يكفى ذكر الأب مع ذكر اللقب اكتفى بذلك اذ الغرض هو التعريف ولا يلزم طول العقار ولا عرضه ولا يجب ذكر طول الحد، ومن صور الخطأ أن يكون الحد لصيق عقار شخصين فيذكر أحدهما، ولا يضر الخطأ فى المساحة مع الصحة فى الحدود ولا بد من ذكر البلد الذى فيه العقار والمحلة والسكة وهذا كله اذا كان العقار بعيدا من مجلس القضاء أما اذا كان قريبا تمكن الاشارة اليه اكتفى بالاشارة اليه ويوضح نوع الحد من كونه أرضا زراعية أو مسكنا وذكر ذلك محل خلاف بين الحنفية
(3)
وفوق ذلك يجب فى دعوى العقار أن تتضمن أن المدعى عليه يضع يده على العقار لأنها دعوى عين فلا يكون الخصم فيها الا ذو اليد ولا يكفى فى ذلك مصادقة المدعى عليه على اليد اذا كانت ملكية العقار المدعى به ملكا مطلقا أما اذا كانت ملكية مستندة الى سبب فيكفى فى اثبات اليد مصادقة المدعى عليه كما فى دعوى المنقول
(4)
.
وان كأن منقولا. فان كان قائما ولا يحتاج فى احضاره مجلس القضاء الى حمل ولا الى مئونة اشترط احضاره مجلس القضاء لكى يشار اليه فى الدعوى ولذا يجب أن يذكر فى الدعوى قيامه وطلب احضاره وذلك اذا كان المدعى عليه جاهدا لأنه اذا كان مقرا لم يكلف احضاره وانما يؤمر بتسليمه الى المدعى فاذا أحضره المدعى عليه يشير به عند
(1)
التكملة ح 1 ص 291، 292.
(2)
منتهى الارادات ح 2 ص 592.
(3)
التكملة ح 1 ص 298 وما بعدها.
(4)
التكملة ح 1 ص 303 وشرح الازهار ح 4 ص 123 وما بعدها.
الادعاء ولا يضار فى تعريفه الى غير ذلك وان امتنع عن احضاره بحجة أنه ليس فى يده كان تعريفه بوصفه المميز له وكان من حق المدعى أن يستحلفه على أنه ليس فى يده ان لم تكن له بينة على ذلك فاذا ثبت أنه صاحب يد بالبينة أو بالنكول أجبره القاضى على احضاره وحبسه اذا امتنع عن ذلك واذا كان قائما ويحتاج احضاره مجلس القضاء الى حمل ومئونة وكان من الممكن احضاره لم يجبر المدعى عليه على احضاره وكان للقاضى أن ينتقل اليه أو يبعث أمينه اليه ان كان مأذونا فى الاستخلاف ومعه المدعى وشهوده حتى اذا ما أشار اليه المدعى فى دعواه والشهود فى شهادتهم عادوا الى القاضى مع شهوده الذين أرسلهم معه ليشهدوا عنده بما حدث فاذا شهدوا بما حدث حكم القاضى بناء على ذلك، واذا كان مما لا يمكن نقله الى مجلس القضاء كقطيع من الغنم أو صبرة من طعام كان الحكم هو الحكم فى الحال السابقة وقد اختلف فى تفسير ما له حمل ومئونة فقيل ما اختلف سعره باختلاف البلاد وقيل ما لا يمكن رفعه بيد واحدة وقيل ما يحمل بأجر من مكانه الى مجلس القاضى.
واذا كان هالكا وجب فى الدعوى بيان قيمته وجنسها ونوعها وصفتها وهل يكتفى بذكر ذلك. اختلف فيه فقال الامام لا بد من بيان العين الهالكة أيضا وقال الصاحبان يكفى ذكر القيمة، واذا ادعى أعيانا هالكة كثيرة مختلفة النوع والجنس والصفة اكتفى بذكر قيمة الكل دفعة واحدة ولم يجب ذكر قيمة كل نوع على حدة وهذا هو الصحيح خلافا لمن ذهب الى وجوب التفصيل.
واذا كان المنقول غائبا لا يدرى قيامه ولا هلاكه ذكر فى الدعوى أنه لا يعلم أقائم هو أم هالك ولزم ذكر الجنس والصفة والقيمة وقيل لا يجب عندئذ القيمة كما أشير الى ذلك فى كثير من الكتب فيما اذا ادعى غصبا أو رهنا
(1)
.
وان كان المدعى به دينا وهو ما كان ثابتا فى الذمة اشترط بيان قدره وجنسه ونوعه وصفته بيانا يكفى لتعيينه ولا بد من بيان سبب وجوبه من بيع أو قرض أو غصب أو سلم الخ. وفى الأشباه لا يجب على المدعى بيان سبب وجوب الحق الذى يدعيه الا فى المثليات ودعوى المرأة الدين على ورثة زوجها وذلك لاختلاف أحكام الدين باختلاف أسباب وجوبه حتى أن من أسلم فى شئ احتاج الى بيان مكان التسليم مبرءا عن النزاع وكذلك لو ادعت المرأة على تركة زوجها دينا لم تسمع دعواها حتى تبين سببه لجواز أن يكون دين نفقة وهى تسقط بالموت عند كثير من الفقهاء ولما كانت الأسباب كثيرة ومنها ما تكثر شروطه فتخفى الا على الخاصة ومنها ما تقل شروطه بحيث يعرفها العامة والخاصة ذهب كثير من الحنفية كما جاء فى الهندية الى أن السبب اذا كان كثير الشروط كالسلم وجب لصحة الدعوى ذكر شروطه فيها ولا
(1)
التكملة ح 1 ص 293 وما بعدها الى ص 298 وشرح الازهار ح 4 ص 123 وما بعدها وكشاف القناع ح 4 ص 203 ونهاية المحتاج ح 8 ص 320 والتبصرة ح 1 ص 100.
يكفى أن يقال بسبب سلم صحيح والا اكتفى بوصف السبب بالصحة وخالف فى ذلك شمس الاسلام محمد الأوزنجى اذ يرى أنه يكتفى فى جميع الحالات أن يوصف السبب بالصحة، وبيان سبب الوجوب واجب فى جميع دعاوى المثليات ما عدا النقود فلا يشترط بيان سبب وجوبها الا فى مسائل منها الكفالة ودعوى المرأة دينا على تركة زوجها وذلك لجواز أن يكون الحق المدعى مما لا تجوز كفالته أو يكون دين نفقة
(1)
.
دعوى النسب
اذا كانت دعوى النسب بعد موت من يدعى نسبه أى الانتساب اليه اشترط لسماعها أن تكون ضمن حق مالى ولو كانت بالأبوة أو بالبنوة وان كانت حال حياة من يدعى نسبه أى الانتساب اليه وكانت بغير الأبوة والبنوة فالحكم هو ما سبق بيانه وان كانت بالأبوة أو البنوة سمعت الدعوى وان لم تكن ضمن حق آخر بأن كانت دعوى نسب صريح مجردة واذا فدعوى النسب تصح مجردة فى حال واحدة هى الحال الأخير ولا تصح فى الأحوال الأخرى الا ضمن حق آخر ومثل دعوى الأبوة والبنوة فى الحكم دعوى الزوجية يرفعها أحد الزوجين ومرد ذلك أن دعوى النسب بعد الموت وكذلك دعوى الزوجية ليس الغرض منها مجرد اثبات النسب أو الزوجية بل حق آخر يتوصل اليه بالبنوة كالميراث أو كمؤخر الصداق بالزوجية ولذا وجب أن يذكر فى الدعوى فى هذه الأحوال وفاة من يدعى الانتساب اليه وورثته وأنه أحدهم وأنه يطالب بحصته فى تركته التى تركها وهى كذا مما يتبين به نصيبه الذى يدعيه ويطلب الحكم له به وكذلك يجب أن يذكر فيها الشخص الذى ينتهى اليه نسب الخصمين ويلاحظ أن دعوى النسب اذا كانت بغير الأبوة والبنوة تتضمن تحميل النسب على غير المدعى عليه فان من يدعى أخوته للمدعى عليه يدعى فى الحقيقة بنوته لأبى المدعى عليه ولأنه غائب أو متوفى كان من الواجب أن تكون ضمن حق واجب على المدعى عليه كالنفقة مثلا حتى يكون خصما عن الغائب فيما يدعى عليه اذ لا يتوصل الى الحق المدعى الا بذلك فاذا أثبت المدعى دعواه حكم له بالنسب والنفقة وأما دعوى الأبوة أو البنوة أو الزوجية حال حياة من يدعى عليه الأبوة أو البنوة أو الزوجية فليس فيها تحميل نسب على غيره ولذلك سمعت مجردة فى هذه الحال
(2)
والتفصيل ينظر فى مصطلح «نسب» وذهب الزيدية الى اشتراط العلم بالمدعى به فى الدعوى ومن ذلك وجوب تعيين أعواض العقود نحو أن يدعى عوض بيع أو أجرة أو مهر أو وجوب التعريف بالمدعى به اذا كان عينا بأوصافه المميزة له أو دينا وذلك ببيان قدره وجنسه ووجوب بيان قيمة التالف عند المطالبة بقيمته
(3)
.
(1)
التكملة ح 1 ص 304 وشرح الازهار ح 4 ص 133 وما بعدها وكشاف القناع ح 4 ص 203 ونهاية المحتاج ح 8 ص 300 والتبصرة ح 1 ص 100.
(2)
التكملة ح 2 ص 50 وما بعدها وكشاف القناع ح 4 ص 203 وما بعدها.
(3)
شرح الازهار ح 4 ص 123 وما بعدها.
ويرى المالكية اشتراط العلم بالمدعى به على القول الأصح وذهب المازرى الى عدم اشتراطه فتسمع مع الجهالة بالمدعى به اذا تبين فيها السبب ليؤمر المدعى عليه بالجواب بما هو محقق معلوم كما اذا ذكر فى دعواه أن له حقا فى ذمته هو بقية حساب جرى بينهما ولا علم له بهذه البقية لنسيانها مثلا
(1)
ويذهب الشافعية الى اشتراط العلم بالمدعى به فاذا ادعى نقدا بين جنسه ونوعه وقدره واذا ادعى عينا تنضبط بوصفها بينها بصفتها واذا ادعى هلاكها ذكر قيمتها واذا أدعى نكاحا لم يكفه الا أن يقول نكحتها بولى مرشدى وشاهدى عدل ومع رضاها اذا كان يشترط لذلك رضاها واذا أدعى عقدا ماليا كفاه الاطلاق فى الأصح
(2)
.
ويذهب الحنابلة الى أن الدعوى لا تصح الا اذا كانت محررة تحريرا يعلم به المدعى لأن الحاكم يسأل المدعى عليه عما ادعاه المدعى فان اعترف به ألزمه ولا يمكن الالزام بمجهول الا فيما يصح مع الجهالة كموصى به. ومقر به وعوض خلع فتصح الدعوى بذلك مع جهالته لصحته وعليه فاذا ادعى نكاحا فلا بد من ذكر المرأة بعينها ان كانت حاضرة أو ذكر اسمها ونسبها ان كانت غائبة ولا بد عند ذكر شروط النكاح من النص على الولى المرشد وعلى شاهديه واذا ادعى استدامة الزوجية ولم يدع العقد لم يلزم ذكر شروطه واذا ادعى عقدا سوى النكاح وجب ذكر شروطه. وان كان المدعى به عينا أو دينا لم يحتج الى ذكر السبب وما يلزم ذكره فى الدعوى اذا تركه المدعى سأله القاضى عنه
(3)
.
وجاء فى تحرير الأحكام من كتب الشيعة الإمامية أن الدعوى لا تسمع الا محررة فلو ادعى شيئا مجهولا لا تسمع لأن القاضى يسأل المدعى عليه ويلزمه اذا أقر ولا يمكن الالزام بالمجهول وفيه نظر. واذا كانت الدعوى بنقد وجب ذكر الجنس والنوع والقدر وان كانت من العروض المثلية ضبطت بأوصافها دون حاجة الى ذكر القيمة وان لم تكن مثلية وجب ذكر القيمة واذا كان المدعى به تالفا فان كان مثليا ادعى مثله وضبطه بالوصف والا ادعى القيمة وبينها لأنها تجب بتلفه ولو ادعى جرحا له أرش مقدر شرعا صحت وان لم يذكر الأرش فان لم يكن مقدرا وجب ذكره، ولو ادعى شخص دينا على ميت فى وجه ولده لم تسمع حتى يدعى موت أبيه وانه ترك فى يد المدعى عليه ما يفى بالدين واذا لم يكن فيه وفاء الا لبعضه ذكر قدر ذلك واذا جهل المدعى تحرير دعواه فهل للقاضى أن يلقنه ما يحررها فيه نظر.
والأقرب الجواز.
واذا كان المدعى به غائبا عن المجلس فان كان دينا قدره بالعدد والجنس وان كان عقارا بينه بالحدود وان كان غير ذلك بينه بما
(1)
التبصرة ح 1 ص 100 والشرح الكبير ح 4 ص 144.
(2)
نهاية المحتاج ح 8 ص 320 وما بعدها.
(3)
كشاف القناع ح 4 ص 202 وما بعدها.
يتميز به عادة من الصفات المانعة
(1)
من الاشتراك.
الثانى: أن يكون مما يحتمل الثبوت: بأن يكون غير مستحيل عقلا أو عادة أو غير مكذب فيه وألا يكون مخالفا للظاهر، فدعوى شخص صغير السن على آخر كبير بأنه ابنه غير صحيحة وكذلك دعوى شخص على آخر معروف النسب بأنه ابنه غير صحيحة ومثل ذلك فى الحكم كل دعوى يكذبها الظاهر كدعوى رجل معروف بالفقر طيلة حياته أموالا عظيمة على آخر أقرضه اياها دفعة واحدة فمثل هذه الدعوى لا تسمع كما جزم به ابن الفرس فى الفواكه البدرية
(2)
وجاء فى البحر أن من شروط سماع الدعوى ألا يكذب المدعى ظاهر الحال وفى الدر على التنوير والتكملة فروع عديدة أسست على ذلك
(3)
منها رجل خرج من دار انسان وعلى عنقه متاع وهو معروف ببيع مثله من المتاع فادعى صاحب الدار ذلك المتاع وادعاه الحامل له فهو للحامل له لأنه يعرف به، وفى البحر عن ابن الفرس: رجل ترك الدعوى ثلاثا وثلاثين سنة ولم يكن له مانع من الدعوى ثم ادعى لا تسمع دعواه لأن ترك الدعوى مع التمكن من رفعها يدل على عدم الحق ظاهرا وليس هذا قضاء بسقوط الحق وانما هو قضاء بعدم سماعها كما نص على ذلك فى المبسوط فان مضى الزمن ليس سببا لسقوط الحقوق.
وعن الولواجية: رجل تصرف زمانا فى أرض وهناك آخر يرى هذا التصرف ولم يعارض فيه ولم يدع ومات على ذلك لم تسمع بعد ذلك دعوى ولده ملك الأرض ميراثا عنه فتترك فى يد المتصرف لأن الحال شاهد له والحاصل من النقول فى هذا الموضوع أن الدعوى بعد مضى ثلاثين سنة على قول أو ثلاث وثلاثين سنة على قول آخر لا تسمع اذا كان الترك بلا عذر من كون المدعى غائبا أو صبيا أو مجنونا وليس لهما ولى، أو المدعى عليه أميرا جائرا يخاف منه أو المدعى به أرض وقف ليس لها ناظر لأن تركها هذه المدة مع التمكن من الادعاء بها يدل على عدم الحق ظاهرا كما نقلنا عن المبسوط واذا كان هناك من يشاهد ذلك ويطلع عليه ومضت المدة ومات لم تسمع أيضا دعوى ورثته كما فى الخلاصة والولواجية والظاهر أن الموت ليس بقيد وأنه لا تقدير بمدة مع الاطلاع على التصرف كما يدل على ذلك ما ذكر صاحب الكنز والملتقى من أنه اذا باع رجل عقارا أو حيوانا أو ثوبا وابنه أو امرأته أو غيرهما من أقاربه حاضرون يعملون به ثم ادعى أحدهم أنه ملكه لا تسمع دعواه فقد جاء ذلك فى نقلهم مطلقا وجعل السكوت كالايضاح منعا للتزوير والحيل بخلاف الأجنبى فان سكوته ولو كان جارا لا يكون رضا الا اذا سكت الجار وقت البيع والتسليم وتصرف المشترى فيه زرعا أو بناء فعندئذ لا تسمع دعواه على ما عليه الفتوى قطعا للاطماع الفاسدة وقد جعلوا مجرد السكوت عند التصرف بالبيع مانعا من دعوى
(1)
تحرير الاحكام ح 2 ص 185 وما بعدها.
(2)
التكملة ح 1 ص 292، 346 وما بعدها فى عدم سماع الدعوى اذا كذبها ظاهرها.
(3)
الدر وتكملة ابن عابدين ح 1 ص 346 وما بعدها ومطالب أولى النهى ح 6 ص 502.
القريب كالزوجة ونحوها الملكية للجميع بلا تقييد بالاطلاع على تصرف المشترى بعد ذلك كما أطلقه صاحب الكنز والملتقى أما دعوى الأجنبى ولو جارا فلا يمنعها مجرد السكوت عند البيع كما هو الحال فى القريب بل لا بد من الاطلاع على التصرف من المشترى ولم عند اقرار المدعى عليه بها، هذا وقد منع المورث يمنع صحة دعوى الوارث لقيامه مقامه كما فى الحاوى للزاهد وما فى الخلاصة والولواجية يدل على أن حدوث البيع غير قيد بالنسبة للأجنبى ولو جارا فى منعه من سماع دعواه الملك بل يكفى فى ذلك مجرد اطلاعه على التصرف وفى فتاوى الغزى: رجل له بيت يسكنه مدة تزيد على ثلاث سنوات وله جار والرجل المذكور يتصرف فى البيت المذكور هدما وبناءا أو عمارة مع اطلاع جاره على تصرفه فى المدة المذكورة فهل مع هذا تسمع دعواه ملك البيت أو بعضه بعد اطلاعه على ما ذكر؟ أجاب بأنها لا تسمع على ما عليه الفتوى فقد أفتى بمنع سماعها من غير القريب بمجرد اطلاعه على التصرف مع عدم سبق بيع وبدون مضى خمس عشرة سنة والمنع من سماع الدعوى فى هذه الأحوال انما يراد به سد باب التزوير ولهذا تسمع الدعوى يقيدوا ذلك بمدة، وما يمنع صحة دعوى ولى الأمر سائر قضاته من سماع دعوى مضى عليها خمس عشرة سنة اذا كان تركها لغير عذر شرعى فى غير الوقف والوراثة مع الانكار ولم يكن هذا المنع لسقوط الحق بالتقادم بدليل أن المدعى عليه لو أقر به فى مجلس القاضى لزمه فلو قال لا أسلم المدعى به لمضى مدة خمس عشرة سنة عليه فى يدى مع عدم دعواه وذلك مانع منها لا يلتفت اليه وينزع المدعى به من يده ولو ادعى أن المدعى عليه أقر بالدعوى فى أثناء هذه المدة والمدعى عليه ينكر ذلك لم تسمع دعواه أيضا لأنه اذا منع من سماع أصل الدعوى لمضى المدة فأولى بالمنع فرعها وهو الاقرار لأن النهى فى جميع الأحوال الا اذا كان الاقرار بها عند القاضى وبهذا يظهر أن ترك الدعوى فى مدة الخمس عشرة سنة يراد بها تركها عند القاضى فان ادعى عند القاضى مرارا فى أثناء المدة الا أن القاضى لم يفصل فيها فان ذلك يقطع المدة وتسمع دعواه ولا يمنع مرور الزمان من سماعها، وخلاصة القول أن المنع من سماع الدعوى لمضى المدة اذا كان ذلك لغير عذر شرعى مع تمكن المدعى من رفعها وانكار الحق والا لم يكن مضى المدة مانعا من سماع الدعوى والمنع من سماع الدعوى فى هذه الحال انما هو للحيلولة دون التزوير، وجاء فى التبصرة لابن فرحون المالكى أنه يشترط فى الدعوى أن تكون مما لا تشهد العادة ولا العرف بكذبها، والدعاوى باعتبار هذا المعنى ثلاثة أنواع: نوع تكذبه العادة ونوع تصدقه ونوع متوسط لا تقضى العادة بصدقه ولا بكذبه فالنوع الأول غير مسموع كدعوى الحاضر الأجنبى ملك دار هى بيد رجل يتصرف فيها بالهدم والبناء والاجارة مع طول الزمن بمحضر منه من غير مانع يمنعه وهو مع ذلك
لا يعارض ولا يدعى أن له فيها حقا وليس بينهما شركة ثم ادعى أنها له فهذه الدعوى لا تسمع أصلا لأن العرف يكذبها ومن ذلك أن يدعى رجل على آخر أنه ابنه وليس يولد مثله لمثله اما مراعاة للسن واما مراعاة لعدم امكان حدوث التلاقى بين الرجل وأم الولد ومنها دعوى الغصب أو الافساد على رجل صالح لا ينسب اليه ذلك ولا يعرف بين الناس الا بالصلاح ومنها كل ادعاء لا يليق بأهل الدين والصلاح
(1)
وأما النوعان الآخران فالدعوى فيهما مقبولة.
وجاء فى نهاية المحتاج فى الفقه الشافعى ومن شروط الدعوى ألا تنافيها دعوى أخرى ومن ذلك ألا يكذب المدعى أصل له فلو ثبت باقرار رجل أنه من سلالة العباس ابن عبد المطلب فادعى فرعه أنه من سلالة الحسين بن على لم تسمع دعواه ولا بينته
(2)
.
وجاء فى كشاف القناع فى الفقه الحنبلى أنه يشترط فى الدعوى أن تنفك عما يكذبها فلو ادعى على شخص أنه قتل أو سرق منذ عشرين سنة وهو أقل من ذلك سنا لم تسمع ومن ذلك ما لو ادعى أن الأمير قد اشترى منه حزمة بقل وحملها بيده لم تسلع ولو ادعى أن المدعى عليه قتل أباه أو ابنه منفردا ثم ادعى على آخر المشاركة معه فى ذلك لم تسمع الدعوى الثانية الا أن يقول المدعى غلطت أو كذبت فى الدعوى الأولى فتقبل دعواه الثانية ومن أقر لزيد بشئ من دار أو كتاب ونحوه ثم ادعاه لنفسه لم تسمع الا أن يدعى أنه قد تلقى الملك منه
(3)
.
الثالث: أن يكون المدعى به ملزما للخصم بعد ثبوته فلا تسمع دعوى التوكيل على موكله الحاضر اذ يستطيع عزله وكذلك لا تسمع دعوى الهبة على الواهب مع مطالبته بتسليم الموهوب له عند الحنفية والشافعية والحنابلة لأن الهبة لا تلزم الواهب قبل الاقباض وله ألا يمضى فيها خلافا لمالك لذهابه الى الزام الواهب بها قبل القبض وانما لا تسمع دعوى الوكالة اذا كانت وكالة مجردة فى وجه موكل حاضر ولكن اذا جعلت سببا للمطالبة بحق وكان الموكل غائبا كأن جعلت أساسا للمطالبة باقتضاء دين وقبضه لموكل غائب على مدين حاضر فانها تسمع لالزامها المدين بالوفاء ومثل ذلك فى الحكم ما لو جعلت سببا لنفاذ عقد على موكل غائب ادعى أن العقد قد تم بناء على وكالة وهكذا
(4)
.
الرابع: ألا يكون شيئا تافها حقيرا ليس مما يتشاح فيه العقلاء كنواة تمر وحبة بر وما قيمته أقل من فلس لخروج ذلك عن أن يكون حقا متمولا والدعوى لا تكون الا بحق يستوجب مشاحة الناس وخصومتهم فيه كما يدل على ذلك تعريفها
(5)
.
وذهب الحنابلة الى أن الدعوى تسمع
(1)
التبصرة ح 1 ص 105.
(2)
نهاية المحتاج ح 8 ص 326.
(3)
كشاف القناع ح 4 ص 203.
(4)
التكملة ح 1 ص 292 والتبصرة ح 1 ص 101 والهندية ح 4 ص 20.
(5)
التبصرة ح 1 ص 102.
وتصح بالكثير وبالقليل ولو لم تتبعه الهمة
(1)
.
الشروط التى ترجع الى الدعوى
هى ما يأتى
1 -
أن تكون بعبارة تفيد الجزم واليقين بأن ما يدعى حق للمدعى فلو أفادت الظن أو الشك لم تسمع وذلك كأن يقول أظن أن الحق لى لا للمدعى عليه وليس لها عبارة خاصة تتحقق بها بل تصح بكل ما يفيد جزم المدعى بحقه فيما يدعيه
(2)
.
2 -
وأن تكون بلسان المدعى أو نائبه ويرى الامام أنها لا تقبل بلسان وكيل المدعى الا اذا كان للمدعى عذر يمنعه من الخصومة فاذا لم يكن له عذر لم تصح بلسان وكيل الا برضا المدعى عليه ولا يترتب عليها لذلك وجوب الجواب على المدعى عليه وذهب الصاحبان الى أنه لا يشترط لصحة الدعوى هذا الشرط بل للمدعى أن يوكل من يشاء فى الخصومة عنه رضى به المدعى عليه أم لا وهذا ما عليه العمل الآن
(3)
«هندية وخانية» وذهب الحنابلة الى أن الدعوى لا تسمع من ورقة الا اذا تلاها
(4)
.
3 -
أن تكون على خصم حاضر لأن الدعوى وسيلة الى القضاء بالمدعى به وقطع الخصومة والنزاع بين الخصمين ولا يقضى على غائب لقوله صلى الله عليه وسلم لعلى «لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر» واذا كان القضاء على الغائب غير جائز كان الادعاء عليه كذلك غير جائز لأنه حينئذ يكون عبثا والى ذلك فان سماع الدعوى فى غيبته لا يمكنه من الدفاع عن نفسه وقد يكون عنده من الأدلة ما يدفع به عن نفسه هذه الخصومة. راجع مصطلح قضاء فى القضاء على الغائب، واذا منع القضاء على الغائب منع الادعاء عليه والمراد اشتراط حضوره اما بنفسه واما بمن يمثله وينوب عنه شرعا وكذلك لا تصح الدعوى ولا تسمع على غير خصم وليس كل انسان صالحا لأن يكون خصما فيما قد يدعى عليه به وبخاصة اذا لو حظ أن من المسائل ما يبدو فيها اتجاه الخصومة الى شخص معين بناء على يده الظاهرة فى حين أن يده هذه لا تتحقق معها خصومته لأنها يد نائبة أريد بها الحفظ فلا ترتفع بها يد الملك التى تتحقق بها الخصومة ولهذا كان هذا الموضوع محل عناية الفقهاء فى وضع الأصول التى تتحقق بها الخصومة وقد جاء فى الأنقروية نقلا عن أدب القاضى للخصاف أن هذا الباب مبنى على أصلين:
الأول: أن من ادعى على انسان شيئا فان كان المدعى عليه بحيث لو أقر بما ادعى عليه به صح اقراره فانه يكون خصما بانكاره فتسمع الدعوى عليه فى مواجهته وان كان لا يترتب على اقراره حكم لم يكن خصما بانكاره وقد استثنى من هذا الأصل الولى والوصى والمتولى على الوقف فى الدعاوى المتعلقة بمال الصغير ومال الوقف اذا لم تكن الدعوى بعقد صادر منهم فاذا ادعى شخص فى مال صغير أو وقف أنه له وقال هو مالى
(1)
مطالب أولى النهى ح 6 ص 501.
(2)
التبصرة ح 1 ص 102 والتكملة ح 1 ص 302.
(3)
التكملة ح 1 ص 287.
(4)
كشاف القناع ح 4 ص 103 ومنتهى الارادات ح 2 ص 592.
فانه لا يترتب على اقرار الولى أو الوصى أو ناظر الوقف حكم لأن الاقرار قاصر على المقر أما اذا كانت الدعوى متعلقة بعقد صادر من أحدهم فى ذلك المال كما لو باع وصى الصغير ماله بمسوغ شرعى وأقام المشترى دعواه بذلك على الوصى يطالبه فيها بتسليم المبيع كان الوصى فى هذه الحال خصما وسمعت هذه الدعوى عليه لأن اقراره فيها اقرار بفعل نفسه فيكون معتبرا ويؤخذ به، ومما يتفرع على هذا الأصل أيضا أنه لو ادعى شخص على آخر ان رسوله فلانا أخذ منه كذا شراء لأجله فطالبه بثمنه كان المرسل خصما اذا أنكر لأنه لو أقر بذلك كان مجبرا على دفع ثمن المبيع.
الثانى: ان من ادعى مالا أو حقا على غائب فى مواجهة شخص حاضر فان الحاضر ينتصب خصما فى هذه الدعوى على الغائب اذا كان ما ادعى عليه به حقا لا يتوصل اليه الا باثبات ذلك على الغائب ويكون القضاء فى هذه الحال على الحاضر قضاء على الغائب
ومما يتفرع على هذا أنه لو ادعى شخص دارا فى يد آخر وبرهن أنه اشتراها من فلان الغائب فان الحاضر ينتصب خصما فى هذه الدعوى على الغائب ويكون القضاء عليه قضاء على الغائب حتى لو حضر الغائب وأنكر البيع لم يقبل منه ذلك لأن البينة قد أثبتت شراء المدعى من المالك الغائب وثبوت الملكية نتيجة لازمة لثبوت الشراء فاذا قضى القاضى بالملكية ثبت الشراء بالضرورة واذا ادعى زيد على بكر أن يرد اليه ما وهبه اياه فامتنع بكر بناء على أن المدعى أخ شقيق له وأن القرابة مع المحرمية تمنع الرد فى الهبة فأنكر المدعى الواهب ذلك كان خصما فى هذا الدفع واذا ثبت بالبينة امتنع الرد وثبتت بنوة المدعى من أبى المدعى عليه مع أنه غائب وذلك لأن دعوى المدعى عليه بالدفع لا يتوصل الى اثباتها الا باثبات نسبه من ذلك الغائب ومثل هذا ما لو كانت الدعوى بنفقة بناء على أن المدعى عليه أخوه أو نحو ذلك فان القضاء على المدعى عليه الحاضر بالنفقة لا يتوصل اليه الا باثبات النسب فاذا أثبت المدعى دعواه بالبينة ثبت النسب من الغائب وحكم على الحاضر بالنفقة بخلاف ما اذا ثبت النسب باقرار المدعى عليه أو بنكوله عن اليمين اذ أن الحق يثبت فى هذه الحال ويقضى به على الخصم الحاضر فيلزمه الانفاق ولكن النسب لا يثبت الا ذا كان الثبوت بالبينة لأنها حجة متعدية بخلاف الاقرار، ومما يتصل بهذا الموضوع دعوى الوراثة فاذا ادعى شخص وراثة متوف بسبب الأبوة أو البنوة أو الأخوة، فلن تسمع منه دعواه، ويكون له حق الخصومة فيها الا اذا كان سبب ذلك سبيلا الى المطالبة بحق تستتبعه الوراثة المدعاة كأن يطالب بنفقته أو بحصته فى التركة أو نحو ذلك فاذا كانت المطالبة بميراث وجب بيان التركة وجميع الورثة ومقدار النصيب المستحق المطلوب ويكون الخصم المدعى عليه فيها أحد خمسة: الوارث والوصى والموصى له ودائنى الميت ومدينه وكذا مودعه وغاصبه فاذا كانت على وارث أو على وصى التركة ذكر أن التركة فى يده وأنه ممتنع عن اعطائه حصته فيها وان كانت على موصى له ذكر أنه قد وضع يده على أكثر مما يجوز الايصاء به
له وان كانت على دائن الميت ذكر أن بيده رهنا بالدين يأبى أن يسلمه بعد وفاء الدين اليه وان كانت على مدينه ذكر أنه طولب بالوفاء فأبى أن يؤدى اليه الرهن وكذلك مما يتصل بهذا الموضوع أيضا قيام أحد الورثة فى الادعاء سواء أكان مدعيا أو مدعى عليه مقام سائر الورثة، فينتصب خصما عنهم اذا ادعى حقا للمتوفى أو اذا ادعى عليه حق فى التركة ويكون القضاء فى الحالين قضاء للمتوفى أو عليه ومن ثم يتعدى الى الورثة جميعا متى كان القضاء قد بنى على حجة متعدية وأساس ذلك خلافة الوارث عن مورثه فيما يدعى عليه فى تركته أو فيما يدعى له، والخلافة ضرب من النيابة عنه ومن ثم يتجاوزه القضاء له أو عليه الى جميع ورثته باعتبارهم خلفائه، وجملة القول فى ذلك أن الدعوى اذا كانت بحق للميت على أحد وحكم به يكون المحكوم له فى الحقيقة هو الميت وان كانت بحق على الميت للمدعى وحكم عليه به يكون المحكوم عليه فى الحقيقة هو المتوفى ويتعدى ذلك الى ورثته بحكم ثبوته فى ماله وعلى هذا الأساس انتصب أحد الورثة خصما عن سائرهم فيما يدعى للميت وعليه، غير أن هذا المبدأ ليس على عمومه واطلاقه بل هو مقيد بقيود ترجع الى طريقة الاثبات والى تحقق الخصومة بالنسبة لطرفى الدعوى، فبالنظر الى المدعى يجب أن يدعى بصفته وارثا تلقى الحق بالوراثة عن المتوفى وأن يطلب الحكم بالمدعى به للمتوفى أو لورثته الذين يجب عليه بيانهم وحصرهم وبالنسبة للمدعى عليه يجب أن يكون صاحب يد اذا كانت الدعوى دعوى عين وأن تكون ذمته مشغولة بحق للمتوفى اذا كانت الدعوى دعوى دين، ومن هذا يرى أن هذا النوع على ضربين:
الأول: أن تكون الدعوى للمتوفى على غيره والخصم فى القيام بها هو وصيه أو وارثه فكلاهما خصم لمن فى يده عين من التركة أو فى ذمته حق لها فاذا كان المدعى هو الوصى وقضى له بما يدعى فان له أن يتسلمه اذا كان الورثة صغارا أو كبارا غائبين وان كان أحد الورثة لم يعط الا حصته من المدعى به دينا كان أم عينا غير أنه اذا كانت العين عقارا ترك نصيب غير المدعى فى يد المدعى عليه وتكون يده عليه يد ضمان عند أبى حنيفة وذهب صاحباه الى أنه يؤخذ منه فيوضع تحت يد أمين حتى يحضر سائر الورثة أصحابه وان كانت منقولا أخذ نصيب غير المدعى من المدعى عليه اتفاقا على الأصح ووضع تحت يد عدل لأن المنقول يمكن اخفاؤه بخلاف العقار.
الثانى: أن تكون الدعوى على الميت ويندرج فى هذا دعوى الوراثة بكل أسبابها والخصم فيها هو الوصى أو أحد الورثة وان لم يكن فى يده شئ من التركة ولا يكون الحكم فيها حكما على الميت الا اذا كان القضاء فيها قد بنى على حجة متعدية أما اذا بنى على اقرار فان القضاء يقتصر على الوارث المدعى عليه فقط وفى هذه الحال اذا كان القضاء بدين ألزم به بقدر حصته وهذا هو اختيار الفقيه أبى الليث ويقابله ما عليه المتون وهو أن أحد الورثة اذا أقر بالدين وحده لزمه الدين كله اذا أوفت حصته به اذ لا ميراث له
الا بعد وفاء الدين أما اذا كانت الدعوى بعين لم يقتسمها الورثة فان الخصم فيها هو ذو اليد لا غيره وان كانت بعد قسمة العين واستيلاء كل وارث على حصته فان أى وارث لا يكون خصما الا بالنسبة لما تحت يده منها كثيرا كان أم قليلا.
ويلاحظ أن المدعى به اما أن يكون عينا أو دينا أو فعلا أو نسبا أو حقا آخر كملك عصمة بسبب الطلاق أو حرمة بسبب الرضاع.
والدعوى عندئذ اما أن تكون دعوى استحقاق أو منع تعرض. والضابط العام لبيان الخصم فى هذه المسائل هو أن الدعوى اذا كانت باستحقاق شئ فالخصومة تكون من شغلت ذمته بالحق أو من حال بينك وبين الوصول بدعواه أنه ليس لك وأنه فى يده وتصرفه وان كانت الدعوى بفعل فالخصومة فيها تكون مع الفاعل وان كانت دعوى نسب فالخصم فيها هو من يثبت منه هذا النسب مباشرة دون توسط غيره الا اذا جاء النسب ضمنا فى ادعاء حق بنى عليه فان الخصم حينئذ هو من يطلب منه هذا الحق وان كانت دعوى منع تعرض فالخصم فيها هو المعترض، وعلى ذلك فالخصم فى دعوى العين هو ذو اليد وهو الذى وضع يده عليها فعلا وتصرف فيها تصرف الملاك فذو اليد فى الدار ساكنها لا من بيده مفتاحها وذو اليد فى دعاوى الأمانات هو المالك المتصرف لا من كانت يده يد حفظ اذ لا شأن لصاحبها فيما يدعى به وانما الشأن لمن يزعم أن الملك له وذلك لأن المدعى يدعى استحقاق العين وذو اليد يعارضه ويحول بينه وبينها زاعما أنها له ومنكرا أنها للمدعى فاذا غصب زيد مال بكر ثم باعه فان كان بكر يريد استرداد ماله المغصوب منه بعينه فخصمه هو خالد لأن المال فى يده وان كان يطالب بالقيمة فخصمه هو زيد لأنه المعتدى على ماله. واذا ظهر مستحق لعين مشتراة فى يد مشتريها فخصمه هو المشترى ولا يشترط حضور بائعها ولو كان البيع فاسدا بخلاف ما اذا كان باطلا لبقاء ملكه وان كانت فى يد بائعها كان الخصم كليهما مجتمعين لأن المشترى مالك والبائع ذو يد ويريد المستحق استرداد المبيع وذلك يستلزم ابطال ملك المشترى ورفع يد البائع فوجب حضورهما للقضاء عليهما واذا كان المال المدعى استحقاقه مودعا أو مستعارا أو مستأجرا أو مرهونا اشترط فى الخصومة حضور المودع والوديع والمعير والمستعير والآجر والمستأجر والراهن والمرتهن لأن الملك للمودع والمعير والمستعير والآجر والراهن واليد للباقين فيلزم حضورهم جميعا لأن القضاء سيكون للمستحق بالملكية والتسليم وذلك ما يمس وصفهم جميعا وبناء على ذلك يكون الخصم فى دعوى العين اذا تضمنت الدعوى ادعاء فعل هو من ادعى عليه الفعل سواء أكان واضعا يده على العين أم ليس واضعا يده عليها متى كانت الدعوى لا تتضمن المطالبة بالتسليم وانما تضمنت ما استوجبه الفعل شرعا من حق للمدعى أما ان تضمنت طلب التسليم كان الخصم فيها واضع اليد وفى هذه الحال اذا كان الملك لغير واضع اليد فيما يظهر وجب حضور المالك لأن القضاء للمدعى بالتسليم يمس حق من يزعم أنه المالك ولذا كان من الواجب حضور مالك العين فى الادعاء بها على المستأجر والوديع والمرتهن كما تقدم وكذلك فى الادعاء بها على بائعها بيعا
صحيحا قبل تسليمها الى المشترى وذلك بخلاف ما اذا كان البيع فاسدا وهذا كله بالنظر الى المدعى عليه أما بالنظر الى المدعى فان الذى يكون له حق المخاصمة فى العين هو من له حق حيازتها ووضع اليد عليها سواء أكان له مع ذلك ملك عينها أم لا ولذا لو أجر انسان داره لآخر ثم غصبت من المستأجر لم يكن للمالك أن يخاصم الغاصب وحده بل لا بد من حضور المستأجر وكان للمستأجر أن يخاصم الغاصب وحده دون حضور المالك لأن حق الحيازة له
(1)
.
ويشترط الزيدية لتوجه الخصومة على المدعى عليه ثبوت يده على الحق حقيقة كثبوت يده على الأعيان كالدار والثوب أو حكما كما فى دعوى عين فى يد المدعى عليه بغصب مثلا ولا يكفى فى ثبوت اليد عندهم اقرار المدعى عليه بأن المدعى فى يده بل لا بد من قيام البينة على ذلك أو حكم الحاكم به الا أن يقر بأن يده عليها باعارة أو غصب أو رهن وحاصل الكلام فى هذه المسألة أن المدعى اذا ذكر السبب فى دعواه فقال ان المدعى عليه غصبه منى أو أعرته اياه أو أجرته اياه فانه يحكم على المدعى عليه عند الاثبات بوجوب الرد والاثبات يكون باقامة البينة من المدعى أو باقرار المدعى عليه وفى هذه الحال لا يحكم للمدعى بالملك وانما يحكم له برد العين اليه فقط وان لم يذكر السبب فان أثبت اليد بالبينة أو علم الحاكم بها حكم الحاكم حكما ناجزا وان ثبت ذلك باقرار المدعى عليه أو بنكوله أو برده اليمين الى المدعى حكم الحاكم برد العين حكما مشروطا بأن يكون المدعى به فى يد المدعى عليه
(2)
.
انتصاب الحاضر خصما عن الغائب
انتصاب الحاضر خصما عن الغائب ليس مقصورا على ما أشرنا اليه آنفا عند الحنفية بل يكون فى كل موضع يكون فيه بين الحاضر والغائب اتصال فى الحق المدعى به ومن ذلك المواضع الآتية:
أ) كل حق ثبت لكل من الحاضر والغائب على الكمال لعدم قبوله التجزئة وتحقق سببه فى كل منهما ومن أمثلة ذلك انتصاب أحد الغرماء خصما عن سائرهم فى ثبوت اعسار المدين فلا يحبس بعد ثبوت اعساره لواحد منهم ولا يكلف اعادة اقامة البينة.
ب) فى كل دين أو حق اشترك فيه الحاضر والغائب بسبب واحد كما اذا ادعى شخص أنه وفلان الغائب اشتريا هذه الدار من المدعى عليه صفقة واحدة ونقداه ثمنها وهى تحت يده وأنه ينكر ذلك فان المدعى الحاضر فى هذه الحال ينتصب خصما عن الغائب حتى كان الحكم فيها حكما لهما جميعا عند الصاحبين غير أن نصيب الغائب فيها لا يسلم الى الحاضر بل يودع عند ثقة الى أن يحضر وذلك خلافا للامام.
ح) فى كل موضع يكون ما يدعى على الغائب فيه سببا لما يدعى على الحاضر لا محالة كادعاء نفقة واجبة على المدعى عليه بسبب
(1)
التكملة ح 1 ص 288 والتبصرة ح 1 ص 101
(2)
شرح الازهار ح 4 ص 122.
القرابة مثلا فان الحاضر ينتصب خصما عمن تضمنت الدعوى الانتساب اليه وكادعاء عين بسبب الشراء من غائب باعها وهو يملكها فان الحكم للمدعى فى هذه الدعوى بعد اثباتها يعد حكما بالبيع له على الغائب والأمثلة من هذا النوع كثيرة.
أما اذا كان ما يدعى على الغائب ليس سببا لما يدعى على الحاضر وانما هو شرط له ففى جواز انتصاب الحاضر خصما عن الغائب ثلاثة آراء:
1 -
أنه لا ينتصب خصما عنه كما اذا ادعت على زوجها بينونتها منه لأنه علق طلاقها البائن على شراء أخيها دار فلان وقد اشتراها فعلا.
2 -
أن ينتصب الحاضر عن الغائب كما هو الحكم فى السبب اذ أن الحكم يتوقف ثبوته عليهما.
3 -
أن لا ينتصب الحاضر عن الغائب فى ذلك اذا كان الغائب يمسه ضرر من الحكم بالمدعى به، أما اذا لم يمسه ضرر فانه ينتصب خصما حرصا على ضيانة الحق لصاحبه مع عدم الاضرار بالغائب.
ء) فى الادعاء على المتوفى وفى الدعوى له اذا ما قام بذلك أحد الورثة أو ادعى عليه بذلك وقد تقدم بيان هذا
(1)
.
4 -
أن تتضمن مطالبة المدعى عليه بالحق المدعى به سواء أكان عينا أم دينا فاذا لم تتضمن ذلك لم تصح وقيل انه يستغنى عن ذلك بدلالة الحال وهذا هو الصحيح وقد التزم أصحاب المتون ذكر هذا الشرط دون أصحاب الفتاوى
(2)
.
5 -
أن تتضمن طلب سؤال المدعى عليه عنها: جاء فى التنوير والدر والتكملة: ويسأل القاضى المدعى عليه عن الدعوى بطلب المدعى وقيل اذا كان المدعى جاهلا سأل القاضى المدعى عليه عنها بلا طلب المدعى وجاء فى معين الحكام عن شرح التجريد: فان كانت الدعوى صحيحة لا يسأل المدعى عليه عن جوابها فى القياس حتى يطلب المدعى ذلك لكيلا يكون اثارة للخصومة، وفى الاستحسان يسأل بدون طلب لاحتمال أن هيبة المجلس تمنعه، والظاهر عدم اشتراط ذلك لقيام دلالة الحال على طلب السؤال
(3)
.
6 -
أن تتضمن الدعوى بيان أن المدعى عليه غير محق فى نزاعه ومعارضته وأن المدعى به اذا كان عينا فى يد المدعى عليه بغير حق ويلاحظ أن المدعى به اذا كان عقارا لم تكن مصادقة المدعى عليه على وضع اليد كافية فى اثبات أنه خصم بل يجب لذلك قيام البينة وهذا خاص بدعوى ملكية العقار ملكا مطلقا أما اذا ادعاه بسبب كالشراء ونحوه لم يحتج الى اثبات ذلك بالبينة بل تكفى المصادقة
(4)
.
7 -
عدم التناقض
(5)
والتناقض أن يسبق كلام من المدعى أو فعل معارض لدعواه كأن يقول هذه الدار وقف على مسجد
(1)
جامع الفصولين ح 1 الفصل الثالث ص 26 والفصل الخامس ص 39 ودعوى الارث ص 37.
(2)
التكملة ح 1 ص 304.
(3)
الدر والتكملة ح 1 ص 306.
(4)
الدر والتكملة ح 1 ص 302.
(5)
جامع الفصولين ح 1 ص 90، 91 والتبصرة ح 1 ص 106.
كذا ثم يدعى بعد ذلك ملكيتها لنفسه ورثها عن أبيه أو ملكيتها لغيره.
ويشترط لتحققه أن يكون الكلامان المتناقضان قد حصلا فى مجلس القضاء ولو فى زمانين مختلفين سواء أكانا بحضرة قاض واحد أم أكثر أو أن يكون ثانيهما قد حصل فى مجلس القاضى والأول فى غير مجلسه ولكن شهدت به الشهود أمام قاض كما لو أقر بأنه لا حق له قبل زيد ثم ادعى عليه حقا بتاريخ سابق على الابراء ففى هذه الحال يكون لزيد أن يدفع دعواه قبل المقر بابرائه السابق وأن يكون الكلام الأول مثبتا حقا لشخص معين فان لم يكن كذلك لم يكن هناك تناقض معتبر مانع من الادعاء وذلك كأن يقول المدعى لا حق لى على أحد من أهل القاهرة ثم يدعى بعد ذلك حقا على أحدهم أو أن يقول ذو اليد فيما هو تحت يده وليس هذا ملكا لى ولا منازع له فيه حين قال ذلك ثم ادعاه عليه مدع فقال هو ملكى فمثل هذا التناقض لا يمنع من سماع الدعوى لأن قوله ليس ملكى لم يثبت لأحد حقا لأن الاقرار لمجهول باطل. أما لو كان لذى اليد منازع يدعيه حين قال ذلك ثم قال بعد ذلك هو ملكى كان تناقضا مانعا من سماع الدعوى لأن اقراره هذا فى هذه الحال يعد اقرارا بالملك للمنازع على رواية الجامع الصغير أما على رواية الأصل فلا يعد اقرارا له بالملك وعلى ذلك فلا يكون فى المسألة تناقض مانع من سماع الدعوى.
واذا وجد التناقض بين الدعوى وبين ما سبقها من قول أو فعل منع من صحتها وسماعها الا اذا كان الموضع موضع خفاء أو وجد ما يرفعه وعلى ذلك اذا أراد أن يشترى عينا ثم ادعى بعد ذلك أنها ملكه من قبل المساومة لم تسمع دعواه الملك للتناقض لأن طلبه الشراء اقرار منه ضمنا بأن العين ليست ملكا له. ولكن اذا ادعى ملكيتها بسبب بعد المساومة لم يكن ذلك تناقضا لامكان التوفيق بين الأمرين وهذا الامكان يكفى لرفع التناقض فى أحد قولين. واذا ادعى شخص على آخر دينا فطلب منه امهاله فى الاداء حتى اذا حل الاجل زعم أنه لم يكن مدينا لم يقبل منه ذلك للتناقض. واذا طلب شخص آخر بالنفقة زاعما أنه أخوه مثلا فقال المدعى عليه لست بأخى ثم مات المدعى عن تركة فجاء المدعى عليه مدعيا يطلب ميراثه منها لم تسمع دعواه للتناقض. ولكن اذا كانت المسألة بحالها وأسس طالب النفقة دعواه على أنه أب أو ابن للمدعى عليه قبلت دعوى الارث مع سبق انكاره الأبوة أو البنوة ولعل الفرق بين المسألتين فى الحكم أن النسب مما يخفى فيغتفر فيه التناقض وأن ادعاء الأبوة والبنوة لا يشترط فى سماعه أن يكون ضمن حق بل يقبل مجردا.
والتناقض فى الدعوى كما يمنع سماعها بالنسبة الى المدعى يمنع صحتها كذلك.
وسماعها من المتناقض بالنسبة الى غيره اذا
ادعاها له بطريق الوكالة أو الوصاية فاذا صدر منه اقرار بأن هذه الدار لفلان وليست ملكا له ثم ادعى ملكيتها لنفسه أو لموكله وهو شخص آخر بتاريخ سابق على الاقرار لم تسمع دعواه فى الحالين للتناقض
(1)
وكما يتحقق التناقض فى كلام شخص واحد يتحقق أيضا فى كلام شخصين فى حكم شخص واحد كالوكيل والموكل والوارث والمورث فلا تسمع دعوى الوارث فى شئ لا تسمع فيه دعوى المورث لو كان حيا ولا تسمع دعوى الوكيل فى شئ لا تسمع فيه دعوى موكله.
ما يغتفر فيه التناقض
يغتفر التناقض اذا كان فيما يظهر فيه معذرة المدعى وكان فى محل خفاء ومن أمثلة ذلك ما اذا ادعت امرأة أنها زوجة زيد وأنها باقية على عصمته الى الآن وطالبته بالنفقة ثم ادعت عليه الطلاق البائن بتاريخ سابق على دعوى النفقة فمثل هذا التناقض مغتفر لأن الطلاق مما ينفرد به الزوج ولا يشترط لوقوعه علم الزوجة واذا بلغ القاصر فأبرأ وصية من كل حق ودعوى ثم ادعى عليه شيئا بعد ذلك قال انه لم يكن يعلمه قبلت دعواه لأن الوارث لا يحيط علما قبل ما يتركه مورثه فيعذر فى ابرائه السابق وكذلك إذا أقر الوصى أنه استوفى جميع ما كان للمتوفى على الناس ثم ادعى على رجل دينا للمتوفى سمعت دعواه اذ الوصى لا يحيط بكل دين للمتوفى ولأن هذا الاقرار لم يترتب عليه ثبوت حق لأحد. وكذلك الحكم اذا صدر مثل هذا الاقرار من الوارث ثم ادعى دينا لمورثه على أحد من الناس وكذلك اذا قال شخص لمجهول النسب ليس هذا ابنى ثم ادعى أنه ابنه قبلت دعواه لكون النسب مما يخفى والفروع فى هذا كثيرة. وجاء فى جامع الفصولين أن التناقض كما يمنع الدعوى لمن تناقض مع نفسه يمنعه من الدعوى لغيره فمن أقر بعين لغيره لم يملك أن يدعيها لنفسه ولا أن يدعيها لغير من أقر له بوكالة أو وصاية ولكن لو ادعاها لنفسه ثم ادعاها لغيره بوكالة تسمع اذ لا منافاة بين الدعويين اذأن وكيل الخصومة قد يضيف الملك الى نفسه على معنى أنه له حق المطالبة ولكن لو ادعاه لغيره بوكالة ثم ادعاه لنفسه لا تسمع لأنه لا يضيف ملكه الى غيره عند الخصومة ولو أن عينا بيد رجل وهو يقول ليست لى حين يدعيها آخر يكون ذلك اقرارا بالملك له حتى لو ادعاها لنفسه لا تقبل. والحاصل أن قول ذى اليد ليس هذا لى عند وجود المنازع اقرار بالملك له فى رواية وفى رواية لا وعند عدم المنازع لا يصح هذا الاقرار حتى لو ادعاه أحد فقال ذو اليد هو لى صحت دعوى ذى اليد
(2)
وجاء فيه أيضا: ادعى ارثا وقال لا وارث لمورثى غيرى ثم ادعى أن معه وارثا آخر تسمع دعواه اذ التناقض على نفسه لا وارث لمورثى غيرى ثم ادعى أن معه وارثا المال لنفسه ثم ادعى بعضه فقد ادعى أنقص من الأول فتسمع ولو قال أنا وارث فلان
(1)
جامع الفصولين ح 1 ص 90.
(2)
المرجع السابق والصفحة السابقة.
لا يصح ما لم يبين جهة ارثه ولو قال أنا لست بوارث له ثم ادعى ارثه وبين الجهة يصح اذ التناقض فى النسب لا يمنع صحة الدعوى فلو قال ليس هذا الولد منى ثم قال هو منى صح، لأن التناقض لا يمنع فى النسب لو قال هذا الولد منى لم يقبل منه بعد ذلك أنه ليس منه لأن النسب اذا ثبت لا ينتفى بنفيه وهذا اذا صدقه الابن وكان من أهل التصديق، أما اذا لم يصدقه فلا يثبت النسب وجاء فى الخانية أن اليتيم لو أشهد على نفسه بعد البلوغ أنه قبض من الوصى جميع تركة والده ولم يبق له من تركة والده عنده قليل ولا كثير وكذا الوارث اذا أقر أنه استوفى جميع ما ترك والده من الدين على الناس ثم ادعى لأبيه دينا على رجل تسمع دعواه لأن هذا مما يغتفر فيه التناقض اذ أنه محل خفاء فان الوارث لا يحيط علمه بما ترك والده ويلاحظ أن قولهم أن التناقض فى النسب مغتفر محله ما اذا كان النسب هو المقصود أما اذا كانت الدعوى دعوى مال جعل النسب وسيلة اليها بأن جعل طريقا الى وارثة من غير الأصل فان التناقض فيه لا يغتفر.
ما يرتفع به التناقض
يرتفع التناقض بواحد من أربعة.
1 -
قول المتناقض تركت كلامى الأول.
2 -
تصديق الخصم.
3 -
تكذيب الحاكم.
4 -
التوفيق.
1 - قول المتناقض:
فأما قول المتناقض تركت كلامى فقد جاء فى الدر المختار: والتناقض يرتفع بقول المتناقض تركت كلامى الأول وأدعى بكذا الخ .. وجاء فى التكملة تعليقا على هذا بأن ذلك يقتضى ألا يكون هناك تناقض أصلا لأن كل متناقض يمكنه أن يقول ذلك ثم قال والظاهر أن هذا قاصر على ما اذا ادعى الشئ ملكا مطلقا ثم ادعاه بسبب فاذا قال ذلك قبل قوله أما لو قال هذا ملك المدعى عليه ثم قال بل ملكى وتركت الأول وأدعى بالثانى فلا قائل بسماع دعواه حينئذ ويرشد الى ذلك قوله تركت الأول لأن الأول لو لم يكن حقا خالصا له لم يجز له أن يتركه لأن الانسان لا يملك الا ترك ما يملكه، ثم نقل عن البزازية عن الذخيرة: ادعاه ملكا مطلقا فدفعه المدعى عليه بأنك كنت ادعيته قبل هذا ملكا مقيدا وبرهنت عليه فقال المدعى أدعيه بذلك السبب الآن وتركت المطلق يقبل ويبطل الدفع وأساس هذا أن الملك المطلق أزيد من الملك المقيد بثبوت الملك المطلق من الأصل وثبوت المقيد من وقت وجود السبب ولذا كانت زوائد الشئ المملوك ملكا مطلقا لمدعيه من غير بداية ولا تكون لمدعى الملك بسبب الا من وقت السبب ومن هذا يتضح أن العدول عن دعوى الملك المطلق الى الملك بسبب تنازل عن بعض ما يدعيه ولذا يقبل منه ذلك كالذى يدعى على آخر مائة دينار ثم يترك ذلك الى ادعاء بتسعين دينار. ولذا جاء فى البحر نقلا عن البزازية: وصف المدعى مدعاه فلما حضر خالف فى البعض فاذا ترك الدعوى الأولى وادعى ما هو حاصل سمعت دعواه لأنها دعوى مبتدأة والا فلا. ومقتضى ما ذكر أنه اذا ترتب على تركه الكلام الأول
تفويت حق للغير أو لم يكن له حق تركه أو التنازل عنه لم يقبل منه ذلك والا قبل.
2 - تصديق الخصم:
اذا ادعى شخص على آخر ألف دينار بسبب القرض ثم ادعاه عليه بسبب الكفالة فصدقه المدعى عليه ارتفع التناقض وذلك لأن الدعوى الثانية انما امتنع سماعها بسبب تمسك المدعى بالدعوى الأولى التى تناقضها فهو يدفع الثانية بالأولى فاذا وافق المدعى عليه على الدعوى الثانية فقد ترك المدعى التمسك بالدعوى الأولى التى تناقضها ومتى زال المانع عاد الممنوع فتسمع الدعوى الثانية. ومن أمثلة ذلك اذا باع دارا بألف وكتب فى الصك أنه قبض كل الثمن ثم ادعى على المشترى أنه أقر ببقاء نصف الثمن عليه وأقام بينة على ذلك تسمع وذلك لأنه لما ادعى اقرار المشترى بذلك فقد ادعى تصديق الخصم فيما ادعاه وأثبت الاقرار بالبينة والثابت بالبينة خارج مجلس القضاء مثل الثابت عيانا بحضرة القاضى ولو عاين القاضى اقرار المشترى ببقاء شئ من الثمن فى ذمته تسمع دعوى البائع ولا يكون التناقض مانعا لارتفاعه بتصديق الخصم.
3 - تكذيب الحاكم:
اذا اشترى زيد من بكر دارا فادعى تلك الدار عمرو فقال لزيد أن هذه الدار كانت ملك بكر وانما اشتريتها منه فأثبت عمرو مدعاه بالبينة وحكم له القاضى بتلك الدار ونزعت من يد زيد فلزيد الحق فى أن يرجع على بكر بالثمن وليس لبكر أن يدفع عن نفسه هذا الطلب باقرار زيد له بالملك لأن هذا الاقرار قد كذب بحكم الحاكم فارتفع التناقض بين اقراره بالملك لبكر ومطالبته اياه بالثمن ومن ذلك ما لو استحق المبيع من يد المشترى فأراد الرجوع على بائعه فادعى البائع أنه نتج فى ملكه وعجز عن اثبات ذلك وأخذ منه الثمن فللبائع الرجوع على بائعه ولا يمنعه من ذلك دعواه النتاج لأنه لما حكم عليه التحقت دعواه النتاج بالعدم.
4 - التوفيق:
هو أن يوفق المدعى بين الكلامين ليصير كل منهما صحيحا وقد ذهب بعض الحنفية الى أنه يكفى لرفع التناقض امكان التوفيق بين الكلامين المتخالفين وان لم يوفق المدعى بينهما فعلا. وسيان أن يكون وجه التوفيق بينهما واحدا أم متعددا بينا أم غير بين.
وذهب آخرون الى أنه لا بد من أن يوفق بينهما فعلا توفيقا سائغا مقبولا. والقول الأول هو الأقيس اذ أن امكان التوفيق فى ذاته مانع من الحكم بوجود التناقض واذا لم يكن ثابتا متحققا فلا وجه لأن يمنع سماع الدعوى بناء عليه ولا محل للاحتياط بمنع سماعها مادام أن المدعى لا يستحق بدعواه شيئا.
ووراء هذين القولين قولان آخران:
أحدهما: أنه يكتفى بامكان التوفيق اذا وقع التعارض فى كلام المدعى عليه أما اذا وقع فى كلام المدعى فلا بد لسماع دعواه من التوفيق فعلا. ووجه هذا القول أن المدعى مستحق ودعواه تهدف الى طلب تغيير الواقع بخلاف المدعى عليه لأنه دافع يدفع
عن نفسه والظاهر معه وهو يصلح حجة للدفع لا للاثبات والاستحقاق فيكتفى فى جانبه بامكان التوفيق لأن الظاهر هو عدم التعارض عادة.
ثانيهما: أنه يكتفى بامكان التوفيق اذا كان وجهه واحدا ظاهرا أما اذا تعددت وجوهه فلا بد من التوفيق فعلا حتى يتبين واقع الأمر ويتضح وجه الخصومة. والفتوى على أنه يجب لرفع التناقض التوفيق فعلا حتى يتجدد سير الخصومة وأساسها. ويصدر الفصل فيها على بينة من أمرها ولذا كان واجب القاضى عند حدوث التناقض أن يستوضح المتناقض عن تناقضه وعن وجه التوفيق ولا يقضى عليه بمنعه من دعواه بمجرد حدوثه ومن الأمثلة المتفرعة عن ذلك:
1 -
ادعى شخص على آخر أن الدار التى فى يده ملك له ورثها عن أبيه منذ سنة ثم ادعاها ثانيا بعد عجزه عن اثبات دعواه الأولى بأنها ملكه اشتراها من فلان منذ سنتين فعلى القياس تسمع الدعوى الثانية لامكان أنه اشتراها من فلان منذ سنتين ثم باعها لأبيه ثم مات أبوه فورثها عنه منذ سنة وعلى الأقوال الثلاثة الأخرى لا بد من التوفيق بالفعل لاشتراطه مطلقا أو اذا كان فى كلام المدعى أو اذا تعدد وجه التوفيق لأن تملك أبيه اياها له أسباب كثيرة لا تقتصر على الشراء.
2 -
طلب شخص زوجته الى محل طاعته فدفعت دعواه بأن الذى زوجها منه أخوها وأنها اختارت نفسها عند بلوغها ثم عجزت عن اثبات دفعها هذا فعدلت عنه وقالت انه طلقنى فعلى الاستحسان لا بد من التوفيق فعلا بأن تقول بعد أن اخترت نفسى وقت البلوغ علمت أنه طلقنى وعلى القياس والقولين الآخرين يكفى امكان التوفيق فيسار فى دفعها الأخير وان لم توفق لأن التناقض حدث فى كلام المدعى عليه ولتعذر أوجه التوفيق اذ تكون قد اختارت نفسها فعلا ولم يكن مستوفيا لشروطه وأنه طلقها بعد ذلك أو أنها لما عجزت عن اثباته طلقها بعد ذلك. ويرى الزيدية الا يتقدم الدعوى من المدعى ما يكذبها أن يدعى وديعة فيقول الوديع ما أودعتنى شيئا فيقيم المدعى البينة على دعواه فاذا دفعها المدعى عليه بأنه قد ردها اليه لم تسمع اذ لا يتصور رد مع قوله ما أودعتنى شيئا وهذا بخلاف ما اذا أنكر الدعوى ابتداء ثم ادعى الرد اذ يحتمل أنه انما أنكر وديعة واجبة الرد
(1)
.
8 -
الثامن من شروط الدعوى:
الا يمضى على ترك المدعى لدعواه المدة الطويلة المانعة من سماع الدعوى وقد سبق بيان ذلك فى الكلام فى بيان ما شرط فى المدعى به من أنه يجب أن يكون مما يحتمل الثبوت.
واشترط الحنابلة: أن تكون الدعوى متضمنة لطلب حق يمكن الحكم به فلا تصح بدين مؤجل لاثباته لأنه لا يملك المطالبة بادائه قبل حلول الأجل وقالوا اذا خاف المدعى سفر الشهود أو خاف سفر المدين صحت حفظا للمال
(2)
.
(1)
شرح الازهار ح 4 ص 124.
(2)
مطالب أولى النهى ح 6 ص 502.
وذهب الشافعية: الى أن الدعوى لا تسمع بدين مؤجل فى الأصح اذ لا يتعلق بها الزامه بالمطالبة باداء حق .. وقيل تسمع لغرض اثباته لا للمطالبة به ومن ثم صحت دعوى عقد مؤجل قصد بها الحكم بصحة العقد ولو ادعى دينا على معسر قاصدا اثباته ليطالبه اذا أيسر فظاهر كلامهم أنها لا تسمع مطلقا
(1)
.
وخالف فى ذلك الحنفية فذهبوا الى سماع الدعوى بالدين المؤجل للمطالبة بصدور الحكم بثبوته.
دفع الدعوى
الدفع أن يأتى المدعى عليه أو من انتصب عنه خصما بدعوى اذا ثبتت سقطت دعوى المدعى اما بانعدام شرط تحقق الخصومة بين المدعيين واما لظهور أن المدعى مبطل فى دعواه فكما يصح الدفع يصح دفع الدفع وما زاد عليه. والدفع فى الأصل لا يكون الا من المدعى عليه غير أنه يسمع من غير المدعى عليه اذا كان الحكم المطلوب يمسه على فرض صدوره وذلك يتحقق فى مسائل منها: اذا ادعى شخص على أحد الورثة شيئا فى التركة فيرهن وارث آخر غير المدعى عليه أن المدعى أقر بكونه مبطلا فى الدعوى تقبل دعواه لأن كل واحد من الورثة يقوم خصما عن الباقين فيما لهم وعليهم كما تقدم، وفى جامع الفصولين: مسألة قبل دفعها من غير المدعى عليه وهى المبيع لو استحق من يد المشترى فيرهن البائع على المستحق أنه اشتراه منه يسمع هذا الدفع من البائع ولو لم تكن الدعوى عليه وانما قبل الدفع منه لأن دعوى المستحق تتعدى اليه بمطالبة المشترى اياه بثمن المبيع، والدفع يصح قبل القضاء وبعده اذا كان فيه برهان على ابطال القضاء، قال فى البزازية:
المقضى عليه لا تسمع دعواه الا اذا برهن على ابطال القضاء بأن ادعى دارا بالأرث وبرهن وقضى له ثم ادعى المقضى عليه أنه اشترى تلك الدار من مورث المدعى قبلت دعواه، والدفع انما يقصد به دفع الخصومة وقد يكون ذلك باثبات ألا خصومة بين المتداعيين، وذلك فيما يسميه الفقهاء بالدعوى المخمسة
(2)
ويريدون بها أنها دعوى يصح أن يدفع فيها بخمسة دفوع وهى ما اذا ادعى شخص ملكية عين من الأعيان فان للمدعى عليه أن يدفع هذه الدعوى بأن المدعى فيها قد أودعه اياه فلان الغائب أو آجره اياه أو أعاره أو رهنه عنده أو أنه غضبه منه وبرهن على ذلك فان خصومة المدعى تدفع اذا أثبت دفعه هذا بالبينة وأن العين المدعاة وصلت اليه من جهة الغائب على الوجه الذى ذكره وأن يده ليست بيد خصومة لأنه لا يدعى الملك لنفسه قبل المدعى وقيل انما سميت مخمسة لأن فيها خمسة أقوال:
الأول: قول أبى حنيفة وقد تقدم.
الثانى: قول أبى يوسف أن المدعى عليه ان كان صالحا فكما قال الامام وان كان معروفا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة ولو أقام البينة.
(1)
نهاية المحتاج ح 8 ص 325.
(2)
الدر والتكملة ح 1 ص 349 وما بعدها.
الثالث: قول محمد أن الخصومة لا تندفع الا اذا كان الشهود يعرفون وجه الغائب واسمه ونسبه وهذا أخص من قول أبى حنيفة وعليه المعول لما فيه من زيادة الاحتياط
الرابع: قول ابن شبرمة أن الخصومة لا تندفع مطلقا وهذا أعم من قول أبى يوسف
الخامس: قول ابن أبى ليلى أن الخصومة تندفع بدون بينة ويكتفى باقراره بالملك للغائب وهذا القول وما قبله على طرفى نقيض.
وكما يكون الدفع باثبات ألا خصومة بين المتداعيين يكون بابطال الدعوى مثل أن تكون الدعوى بدين فيدفعها المدعى عليه بالوفاء أو الابراء.
وجاء فى شرح الأزهار: أن من ثبت عليه دين أو عين فادعى فيه حقا كأجل أو اسقاط كابراء أو كونه لغير المدعى ذاكرا السبب فى وضع يده عليه لم يقبل ذلك منه الا ببينة فلو ادعى عليه دين فأقر به مؤجلا أو دارا فأقر أنها فى يده برهن منه أو باجارة أو دينه فادعى أنه أبرأه منه أو عينا فأقر ببيعه وادعى أنها لغير المدعى ذاكرا سبب وضع يده عليها من عارية أو رهن أو نحو ذلك لم يقبل ذلك منه الا ببينة وان لم يذكر السبب لم يسمع قوله لأنها دعوى لغير مدع بخلاف ما اذا ذكر السبب اذ تصير حينئذ البينة لمن يعد صاحب اليد الحقيقية على المدعى به اذ المدعى عليه فى هذه الحالة انما يدعى حق الحفظ فيما اذا ذكر أنه فى يده وديعة أو الانتفاع اذا ما ذكر أنه فى يده بالاجارة أو بالعارية أو الحبس اذا ما ذكر أنه فى يده رهنا ولكن لا يقبل قوله فى هذا كله الا ببينة. وحاصل الكلام فى ذلك أن المدعى عليه اذا أقر بما ادعى به عليه لغير المدعى وكان المقر له غائبا ففى هذه الحالة اما أن يبين المقر سببا أولا فان لم يبين سببا لم يدفع هذا الاقرار دعوى المدعى عنه سواء أقام بينة أم لا بل يحكم للمدعى بما ادعاه اذا ما أثبت دعواه أو نكل المدعى عليه عن اليمين وأما اذا ذكر سببا بيده فان أقام البينة أنه لفلان الغائب وأنه فى يده بحق بناء على ذلك السبب قبلت بينته وانصرفت عنه الدعوى اذا ما عين الغائب باسمه فان لم يسمه بأن قال لرجل غائب وشهد الشهود بأن رجلا غائبا أودعه أو أجره وهم لا يعرفونه فقد ذكر أبو جعفر أن الدعوى تنصرف عنه لظهور أنه لغير المدعى وقال غيره أن الدعوى لا تنصرف عنه حتى يعرف المقر له
(1)
.
أذان
الأذان فى اللغة
أذن بالشئ اذنا وأذانا وأذانة علم به لقول الله عز وجل «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ 2» الآية. أى كونوا على علم
(1)
شرح الازهار ح 4 ص 124 وما بعدها.
(2)
سورة البقرة: 279.
وآذانه الأمر وبه أعلمه، وأذن تأذينا أكثر الاعلام، والأذان والأذين، والتأذين النداء الى الصلاة والأذين المؤذن، وتأذن أقسم وأعلم
(1)
.
وفى اصطلاح الفقهاء:
الأعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة بألفاظ مخصوصة على الصفة المشروعة أو اقترابه بالنسبة للفجر عند البعض
(2)
.
سبب مشروعيته ودليلها
وسبب مشروعيته. الاعلام بدخول وقت الصلاة لما روى عن عبد الله بن زيد رضى الله عنهما قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليعمل حتى يضرب به ليجتمع الناس للصلاة. طاف بى وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: ما تصنع به؟ قلت ندعو به للصلاة فقال ألا أدلك على ما هو خير من ذلك قلت بلى، قال تقول: الله أكبر الله أكبر، فذكر الأذان والاقامة فلما أصبحت أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: انها لرؤيا حق ان شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن .. الخ.
وقيل شرع الأذان ليلة المعراج نادى به ملك خرج من سرادقات الحجب وقيل علمه جبريل ليلة الأسراء كمواقيت الصلاة
(3)
.
ودليلها: قول الله تبارك وتعالى «وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ»
(4)
(5)
.
وما صح من قول النبى صلى الله عليه وسلم: اذا أقيمت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم
(6)
.
حكمه
مذهب الحنفية:
يذهب الحنفية الى أن الأذان سنة مؤكدة للصلوات الخمس والجمعة وجاء فى فتح القدير قال بعض مشايخنا أنه واجب لما روى عن محمد رحمه الله اذا تواطأ أهل بلدة فى
(1)
لسان العرب لابن منظور مادة اذن طبع دار الحياة ببيروت وترتيب القاموس المحيط طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1959 طبعة أولى.
(2)
فتح القدير وبهامشه شرح العناية على الهداية ح 1 ص 167 طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر طبعة اولى سنة 1315 هـ وبلغة السالك لاقرب المسالك للدردير ح 1 ص 85 ونهاية المحتاج الى شرح المنهاج مع حاشية الشبراملسى ح 1 ص 381 مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ وكشاف القناع ح 1 ص 160 المطبعة العامرة الشرفية طبعة أولى سنة 1319 هـ والمحلى ح 3 ص 149 ادارة الطباعة المنيرية بمصر طبعة اولى سنة 1348 هـ وشرح الازهار ح 1 ص 217 مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ والروضة البهية ح 1 ص 170، 171 طبع مطبعة دار الكتاب العربى وكتاب الوضع ح 1 ص 79.
(3)
فتح القدير ح 1 ص 167، 168 ومواهب الجليل للحطاب ح 1 ص 421 مطبعة السعادة بمصر طبعة أولى سنة 1328 هـ وكشاف القناع ح 1 ص 160، 161 ونهاية المحتاج ح 1 ص 384 وشرح الازهار ح 1 ص 179 وكتاب الوضع ص 80.
(4)
سورة المائدة: 58.
(5)
سورة الجمعة: 9
(6)
انظر المراجع السابقة.
الاسلام على ترك الأذان والاقامة قوتلوا والقتال انما يكون على ترك الواجب دون السنة والقولان متقاربان لأن السنة المؤكدة فى حكم الواجب فى لحوق الاثم بالترك واستظهر فى البحر كونه سنة على الكفاية
(1)
مذهب المالكية:
ووافق المالكية الحنفية على أن الأذان سنة فقالوا سن الأذان لجماعة طلبت غيرها للصلاة بكل مسجد ولو تلاصقت
(2)
.
مذهب الشافعية:
والشافعية قالوا الأصح أنه سنة على الكفاية، وقيل انها فرض كفاية
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة. حكمه أنه فرض كفاية للصلوات الخمس والجمعة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» .
والأمر يقتضى الوجوب
(4)
وهو واجب على الرجال اثنين فأكثر لا الواحد ولا النساء.
مذهب الظاهرية:
يذهب ابن حزم الظاهرى: الى أنه واجب لا تجتزئ صلاة فريضة فى جماعة الا به فان صلى شيئا من ذلك بلا أذان فلا صلاة له
(5)
.
مذهب الزيدية:
والزيدية يقولون بوجوبه على الرجال دون النساء
(6)
.
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية اختلف العلماء فى حكمه هل هو الاستحباب أو الوجوب والأكثر أنه مستحب مطلقا «أى فى كل صلاة مفروضة» والبعض على أنه واجب وقالوا انه لا أذان على النساء
(7)
.
مذهب الإباضية:
والإباضية اختلفوا فى حكمه فقال بعضهم انه واجب واحتجوا بقوله تعالى «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ» وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجلين «اذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أفضلكما» وقال بعضهم هو سنة وحجة أهل هذا الرأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بعض الصلوات بغير أذان وقال بعض بوجوبه على الكفاية وهو المعتمد
(8)
.
السنة التى شرع فيها الأذان
شرع الأذان فى السنة الأولى من الهجرة بالمدينة وقيل فى السنة الثانية كما وردت أحاديث تدل على أنه شرع بمكة والصحيح الأول لأن فرضه بمكة معارض للخبر
(1)
فتح القدير ح 1 ص 167 والدر المختار مع حاشية ابن عابدين ح 1 ص 356، 357 طبع المطبعة العثمانية سنة 1324 هـ.
(2)
الحطاب ح 1 ص 421، 422.
(3)
نهاية المحتاج ح 1 ص 384.
(4)
كشاف القناع ح 1 ص 161.
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ح 3 ص 122، 123
(6)
شرح الازهار ح 1 ص 216.
(7)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 256.
(8)
كتاب الوضع ص 84.
الصحيح على أن بدء الأذان كان فى المدينة على ما فى مسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال:
كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادى بها أحد فتكلموا يوما فى ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم قرنا مثل قرن اليهود فقال عمر رضى الله عنه أولا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فناد بالصلاة. ثم جاءت رؤيا عبد الله بن زيد السابق ورودها
(1)
.
فضل الأذان
أجمعت المذاهب كلها على فضل الأذان، وأنه من خير الأعمال التى تقرب الى الله مستدلين على ذلك بقول الله تعالى «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
(2)
وفسروهم بالمؤذنين ولأحاديث كثيرة أوردوها منها ما روى ابن أبى صعصعة أن أبا سعيد الخدرى قال له: انى أراك تحب الغنم والبادية فاذا كنت فى غنمك أو باديتك، فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا انس ولا شئ الا شهد له يوم القيامة، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لو علم الناس ما فى النداء والصف الأول ثم لم يجدوا الا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه»
(3)
.
الفاظ الأذان
مذهب الحنفية:
قال الأحناف فى البدائع، والأذان على الكيفية المعروفة المتواترة من غير زيادة ولا نقصان عند عامة العلماء بدليل حديث عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بى وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا فى يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به، فقلت: ندعو به الى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت: بلى قال: فقال تقول:
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا اله الا الله، أشهد أن لا اله الا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حى على الصلاة، حى على الصلاة، حى على الفلاح، حى على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله. قال ثم استأخر عنى غير بعيد ثم قال وتقول اذا أقمت الصلاة، «وذكر ألفاظ الاقامة» فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيته فقال انها لرؤيا حق ان شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت
(1)
سبل السلام للعسقلانى ح 1 ص 181، 182 طبع المكتبة التجارية بمصر طبعة رابعة وحاشية ابن عابدين ح 1 ص 356 وكتاب البحر الزخار ح 1 ص 179 طبع مطبعة السعادة بمصر طبعة اولى سنة 1366 هـ ونهاية المحتاج ح 1 ص 381 وصحيح مسلم بشرح النووى ح 4 ص 75، 76 طبع المطبعة المصرية ومكتبتها.
(2)
سورة فصلت: 33.
(3)
البحر الرائق لابن نجيم ح 1 ص 269 طبع المطبعة العلمية بمصر طبعة أولى سنة 1310 هـ والحطاب ح 1 ص 422 ونهاية المحتاج ح 1 ص 386 وكشاف القناع ح 1 ص 161 والمحلى ح 3 ص 199:
142 والبحر الزخار ح 1 ص 179 ومستمسك العروة الوثقى ح 5 ص 433 مطبعة النجف الطبعة الثانية سنة 1377 هـ وكتاب الوضع ص 82.
فليؤذن به فانه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو فى بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذى بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد
(1)
ويزيد المؤذن فى أذان الفجر خاصة بعد حى على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين لأن بلالا رضى الله عنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم يؤذن لصلاة الفجر فقيل له انه نائم، فقال: الصلاة خير من النوم مرتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما أحسن هذا يا بلال، اجعله فى أذانك وخص به الفجر لأنه وقت نوم وغفله
(2)
.
مذهب المالكية:
وعند المالكية ألفاظ الأذان مثنى مثنى قال ابن عرفة الأذان مثنى الجمل الا الأخيرة، وقال فى الذخيرة الأذان .. سبع عشرة جملة
(3)
وذلك بترجيع الشهادتين
(4)
، ويزاد فى أذان الفجر الصلاة خير من النوم بعد الحيعلتين وقبل التكبير الأخير يقولها المؤذن سواء أذن لجماعة أو أذن وحده خلافا لمن قال بتركها رأسا للمنفرد بمحل منعزل عن الناس لعدم امكان من يسمعها ورده سند بأن الأذان أمر متبع ألا تراه يقول حى على الصلاة وان كان وحده وجعل الصلاة خير من النوم فى أذان الصبح بأمر منه عليه الصلاة والسلام كما ورد فى الحديث السابق
(5)
.
مذهب الشافعية:
أما الشافعية فيأخذون بحديث أبى محذورة فى الأذان الذى نص على الأذان على الوجه الآتى: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا اله الا الله أشهد أن لا اله الا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، ثم يرجع المؤذن فيمد صوته ويقول أشهد أن لا اله الا الله أشهد أن لا اله الا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله
(6)
.
وبقية الألفاظ كما جاء فى حديث عبد الله ابن زيد، فاذا أذن الصبح زاد فيه التثويب وهو أن يقول بعد الحيعلة الصلاة خير من النوم مرتين وكره ذلك فى الجديد. وقال أصحابنا يسن ذلك قولا واحدا فانه انما كره ذلك فى الجديد لأن أبا محذورة لم يحكه وقد صح ذلك فى حديث أبى محذورة أنه قال حى على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله
(7)
.
(1)
صحيح سنن المصطفى لابى داود ح 1 ص 81
(2)
فتح القدير ح 1 ص 169 والبدائع باب الأذان.
(3)
الحطاب ح 1 ص 424، 425.
(4)
المدونة الكبرى للامام مالك ح 1 ص 57 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ.
(5)
بلغة السالك ح 1 ص 86.
(6)
المجموع للنووى ح 3 ص 90.
(7)
المهذب ح 1 ص 56، 57.
مذهب الحنابلة:
والحنابلة يأخذون كما أخذ الحنفية بحديث عبد الله بن زيد، ويسن أن يقول فى أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين بعد الحيعلة أى قول حى على الصلاة حى على الفلاح لقوله عليه الصلاة والسلام لأبى محذورة فاذا كان أذان الفجر فقل الصلاة خير من النوم مرتين أدخلت هذه الكلمة فى التأذين الى صلاة الفجر سواء أذن مغلسا أو مسفرا. واختصت الفجر بذلك لأنه وقت ينام الناس فيه غالبا ويكره فى غيرها
(1)
.
مذهب الظاهرية:
والى هذا ذهب ابن حزم الظاهرى، ثم قال وان زاد فى أذان الصبح بعد حى على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم فحسن
(2)
.
مذهب الزيدية:
والزيدية يقولون فى ألفاظ الأذان والاقامة: وهما مثنى مثنى الا التهليل، فى آخرهما فانه مرة واحدة، ومن جملة ألفاظ الأذان والاقامة «حى على خير العمل»
(3)
وجاء فى البحر الزخار فى المجموع عن على عليه السلام. الأذان مثنى مثنى
(4)
.
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية ألفاظ الأذان، أربع تكبيرات ثم التشهدان بالتوحيد والرسالة ثم الحيعلات الثلاث «حى على الصلاة - حى على الفلاح - حى على خير العمل» ثم التكبير ثم التهليل مثنى مثنى فهذه ثمانية عشر فصلا
(5)
.
مذهب الإباضية:
والإباضية يذهبون الى أن ألفاظ الأذان مثنى مثنى آخذين دليلهم من حديث عبد الله بن زيد
(6)
.
الترجيع فى الأذان
الترجيع هو أن يخفض المؤذن صوته بالشهادتين ثم يرجع فيرفعه بهما وهو عند الحنفية مكروه لاتفاق الروايات على أن بلالا لم يكن يرجع وما قيل انه رجع لم يصح ولأنه ليس فى أذان الملك النازل بجميع طرقه
(7)
ووافقهم على ذلك الزيدية فقالوا:
الترجيع غير مشروع والرواية فيه شاذة
(8)
واتفق المالكية والشافعية على أن الترجيع سنة فقال المالكية ويسن للمؤذن أن يرجع الشهادتين بأعلى من صوته بهما أولا ويكون صوته فى الترجيع مساويا لصوته فى التكبير، ولا يبطل الأذان بترك الترجيع
(1)
كشاف القناع ح 1 ص 164، 165
(2)
المحلى ح 3 ص 149، 150.
(3)
شرح الازهار ح 1 ص 223.
(4)
البحر الزخار ح 1 ص 189.
(5)
الروضة البهية ح 1 ص 70 ومستمسك العروة الوثقى ح 5 ص 434.
(6)
كتاب الوضع ص 80، 81.
(7)
حاشية ابن عابدين ح 1 ص 359.
(8)
البحر الزخار ح 1 ص 191.
بل لم يكن آتيا بسنة الترجيع
(1)
، وقال الشافعية: يسن الترجيع فى الأذان للصلاة
(2)
أما الحنابلة، فلا يقولون بالكراهة جاء فى كشاف القناع «فان رجع فى الأذان بأن يقول الشهادتين سرا بحيث يسمع من بقربه أو أهل المسجد ان كان واقفا بعد التكبير ثم يجهر بهما فلا يكره لأن ترجيع الأذان فعل أبى محذورة وعليه عمل أهل مكة
(3)
وجوز ابن حزم الظاهرى الترجيع فى الأذان فقال يجوز الترجيع فى الأذان بدليل أذان أهل الكوفة ففيه ترجيع «الله أكبر» وفيه ترجيع «أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» وهذه زيادة خير لا تحقر أقل ما يجب لها ستون حسنة
(4)
واختلف الإمامية فى معنى الترجيع على أقوال منها أنه عبارة عن تكرير التكبير والشهادتين فى أول الأذان، ومنها أنه تكرير الشهادتين برفع الصوت بهما بعد فعلهما مرتين بخفض الصوت، وبالنسبة للحكم اختلفوا بين قول بالكراهة وآخر بالحرمة وآخر ببدعيته وآخر بعدم كونه مسنونا ولا مستحبا
(5)
.
التثويب فى الأذان
التثويب هو الرجوع الى الاعلام بعد الاعلام وهو عند أكثر المذاهب هو زيادة «الصلاة خير من النوم» فى أذان الفجر بعد الحيعلتين عند المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية أو بعد الأذان عند الحنفية والإباضية بما يتعارف عليه الناس وهو سنة عند المالكية والشافعية والحنابلة وحسنه الحنفية وجوزه ابن حزم الظاهرى وقال عنه الزيدية أنه بدعة أما الإمامية فذكروا اختلاف العلماء فى معناه ولم يجوزوه قال فى النهاية «ولا يجوز التثويب فى الأذان والاقامة وفى المختلف والمدارك والكفاية يحرم التثويب وعند الإباضية التثويب بعد أذان الصبح بتراخ وحكمه عندهم حكم الأذان
(6)
.
ما يقوله المؤذن فى أذانه عند المطر:
مذهب المالكية:
ذكر المالكية ما ورد فى الموطأ من أن ابن عمر أذن فى ليلة ذات برد وريح ثم قال ألا صلوا فى الرحال وأن ذلك كان بعد تمام الأذان فلا يجوز أن يتخلل ألفاظ الأذان كلام
(7)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية اذا كانت ليلة مطيرة أو ذات ريح وظلمة يستحب أن يقول المؤذن اذا فرغ من أذانه ألا صلوا فى رحالكم فان قاله فى أثناء الأذان بعد الحيعلة فلا بأس وهذا نصه نقله البندنيجى وهكذا صرح به الصيدلانى
(1)
الدردير ح 1 ص 86.
(2)
نهاية المحتاج ح 1 ص 391.
(3)
كشاف القناع ح 1 ص 164.
(4)
المحلى ح 3 ص 149، 150.
(5)
مستمسك العروة الوثقى ح 5 ص 441.
(6)
بدائع الصنائع ح 1 ص 148 والمبسوط للسرخسى ح 1 ص 130 والحطاب على خليل ح 1 ص 432 ونهاية المحتاج ح 1 ص 391 وكشاف القناع ح 1 ص 164، 165 وشرح الأزهار ح 1 ص 224 والمحلى ح 3 ص 150 ومفتاح الكرامة ح 2 ص 287، 289 ومتن النيل ح 1 ص 51.
(7)
الحطاب ح 1 ص 427.
وصاحب العدة والشاشى وآخرون واستبعد امام الحرمين قوله فى أثناء الأذان وقال تغيير الأذان من غير ثبت مستبعد وهذا الذى استبعده ليس ببعيد بل هو الحق والسنة فقد ثبت ذلك فى أحاديث كثيرة فى الصحيحين بعد الأذان وفى أثنائه فروى نافع أن ابن عمر أذن بالصلاة فى ليلة ذات برد وريح ثم قال ألا صلوا فى الرحال ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن اذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول:
ألا صلوا فى الرحال رواه البخارى ومسلم وفى رواية لمسلم أنه كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمر مؤذنه به فى السفر، وعن عبد الله ابن الحارث قال خطبنا ابن عباس فى يوم ذى روع فلما بلغ المؤذن «حى على الصلاة» أمره أن ينادى الصلاة فى الرحال، فنظر بعضهم الى بعض فقال: كأنكم أنكرتم هذا، فقد فعل هذا من هو خير منى وأنهى عزمة. رواه البخارى ومسلم وفى رواية للبخارى ومسلم، قال ابن عباس لمؤذن فى يوم مطير وهو يوم جمعة، اذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حى على الصلاة، قل صلوا فى بيوتكم فكأن الناس استنكروا فقال فعله من هو خير منى ان الجمعة عزمة وانى كرهت أن أخرجكم فتمشوا فى الطين والدحض وفى رواية لمسلم فعله من هو خير منى «يعنى النبى صلى الله عليه وسلم»
(1)
.
مذهب الظاهريه:
قال ابن حزم الظاهرى فان كان برد شديد أو مطر رش فصاعدا، فيجب أن يزيد المؤذن فى أذانه بعد «حى على الفلاح» أو بعد ذلك «ألا صلوا فى الرحال» وهذا الحكم واحد فى الحضر والسفر وأورد ما رواه نافع عن ابن عمر أنه أذن بضجنان - بفتح الضاد واسكان الجيم وهو جبل بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا - بين مكة والمدينة فقال: صلوا فى الرحال ثم قال ابن عمر كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمر مناديه فى الليلة الباردة أو المطيرة أو ذات الريح أن يقول: صلوا فى الرحال وأورد ما رواه عبد الله بن الحارث فى الحديث السابق فى مذهب الشافعية
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: قال الامام يحيى: ندب أن يقول المؤذن فى المطر، الصلاة فى الرحال اذ كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمر مناديا بعد الأذان بذلك
(3)
.
الصلوات التى شرع لها الأذان
اتفقت المذاهب على أن الأذان شرع للفرائض الخمس.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية شرع الأذان للفرائض الخمس وتدخل الجمعة وتشمل الصلوات حالة السفر والحضر والانفراد والجماعة أداء أو قضاء
(4)
(1)
المجموع للنووى ح 3 ص 129، 130.
(2)
المحلى لابن حزم ح 3 ص 161، 162.
(3)
البحر الزخار ح 1 ص 199.
(4)
حاشية ابن عابدين ح 1 ص 357.
مذهب المالكية:
قال المالكية: الأذان شرع للصلوات الخمس المفروضة
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يشرع الأذان للمكتوبة من الخمس خرج المنذورة وصلاة الجنازة وسائر النوافل فلا يؤذن لها بل يكره الأذان لغير المكتوبة
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: الصلوات التى يشرع لها الأذان هى الصلوات الخمس المؤداة والجمعة دون غيرها لأن المقصود من الأذان الاعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة على الأعيان وهذا لا يوجد فى غير الخمس المؤداة
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى عن الصلوات التى فرض لها الأذان هى الصلوات الخمس وقال ولا تجزئ صلاة فريضة فى جماعة اثنين فصاعدا الا بأذان واقامة، وقال الأذان أمر بالمجئ الى الصلاة وليس يجب ذلك الا فى الفرائض المتعينة
(4)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: يجب الأذان فى الخمس المكتوبة فقط، وهو فى الأداء واجب وفى القضاء مندوب
(5)
.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية: الصلوات التى يشرع لها الأذان: الخمس لا غير أداء وقضاء
(6)
وقالوا ولا يؤذن ولا يقام لشئ من النوافل وان وجبت بالعارض ولا لشئ من الفرائض عدا الخمس
(7)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: الصلوات التى يشرع لها الأذان هى الصلوات الخمس المفروضة
(8)
.
ما يعلن به عن الصلوات
التى لم يشرع لها الأذان
أجمعت المذاهب على أن الأذان والاقامة، انما شرعا للفرائض الخمس أما غير المفروضة فلا أذان لها ولا اقامة.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: لا يؤذن للعيد والكسوف وفى مسلم عن جابر بن سمرة صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا اقامة، وعن عائشة رضى الله عنها خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديا ينادى «الصلاة جامعة» والوتر وان كان واجبا لكن أذان العشاء اعلام بدخول وقته لأن وقته وقتها
(9)
.
(1)
الدردير ح 1 ص 85.
(2)
نهاية المحتاج ح 1 ص 384، 385.
(3)
كشاف القناع ح 1 ص 161.
(4)
المحلى ح 3 ص 123، 140.
(5)
البحر الزخار ح 1 ص 218.
(6)
المختصر النافع ح 1 ص 51.
(7)
جواهر الكلام شرح شرائع الاسلام ح 9 ص 24 طبع مطبعة النجف الطبعة السادسة سنة 1377 هـ.
(8)
كتاب الوضع ص 85.
(9)
فتح القدير ح 1 ص 167.
مذهب المالكية:
قال المالكية: يعلن عن الصلوات التى لم يشرع فيها الأذان بقوله: «الصلاة جامعة» فى العيدين وغيرها
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: لا يشرع الأذان ولا الاقامة لغير الخمس بلا خلاف سواء كانت منذورة أو جنازة أو سنة وسواء سن لها الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء أم لا كالضحى ولكن ينادى للعيد والكسوف والاستسقاء «الصلاة جامعة» وكذا ينادى للتراويح «الصلاة جامعة» اذا صليت جماعة ولا يستحب ذلك فى صلاة الجنازة على أصح الوجهين قال الشافعى فى أول كتاب الأذان من الأم: لا أذان ولا اقامة لغير المكتوبة فأما الأعياد والكسوف وقيام شهر رمضان فأحب أن يقال فيه «الصلاة جامعة» قال: والصلاة على الجنازة وكل نافلة غير العيد والخسوف فلا أذان فيها ولا قول «الصلاة جامعة» وقد اتفق الأصحاب على أنه لا يؤذن للنذر ولا يقام ولا يقال:
الصلاة جامعة، وهذا مشهور
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: ينادى بعيد وكسوف واستسقاء: «الصلاة جامعة» أو الصلاة ولا ينادى على الجنازة والتراويح على الأصح لأنه محدث وقيل لا ينادى فى العيد قال ابن عباس وجابر لم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الامام ولا بعد ما يخرج ولا نداء ولا اقامة ولا شئ متفق عليه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: لا يؤذن ولا يقام لشئ من النوافل كالعيدين والاستسقاء والكسوف وان صلى كل ذلك فى جماعة وفى المسجد ولا صلاة فرض على الكفاية كصلاة الجنازة ويستحب اعلام الناس بذلك مثل النداء: الصلاة جامعة، وهذا مما لا يعلم فيه خلاف الا شيئا كان بنو أمية قد أحدثوه من الأذان والاقامة لصلاة العيدين وهو بدعة وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لم يأمر بأذان ولا اقامة لشئ من ذلك
(4)
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: لم يشرعا - الأذان والاقامة - ولا الصلاة جامعة فى الجنازة ونوافل الأفراد اجماعا اذ لم يؤثر، وندب الصلاة جامعة فى العيدين وجماعة النوافل والكسوف والاستسقاء
(5)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: عن الحسن أنه يقال فى العيدين «الصلاة جامعة» وهل يصح قول الصلاة «ثلاثا» فى غير المفروضة
(1)
الحطاب ح 1 ص 423.
(2)
المجموع للنووى ح 3 ص 77.
(3)
كشاف القناع ح 1 ص 162.
(4)
المحلى ح 3 ص 140.
(5)
البحر الزخار ح 1 ص 188 وح 2 ص 70، 78
كالاستسقاء، وظاهر الكتاب.
التذكرة ونهاية الأحكام يجور
وقت الأذان:
ووقت الأذان هو وقت وجوب الصلاة فلا تصح قبله الا فى صلاة الصبح على تفصيل فى ذلك سيأتى:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها لأن الأذان اعلام
(2)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: الأذان غير مقدم على الوقت وجوبا فيحرم قبله ويبطل لفوات فائدته
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: الأذان لا يصح للصلوات قبل وقتها باجماع المسلمين غير صلاة الصبح
(4)
ولو أذن المؤذن قبل الوقت بنيته حرم عليه ذلك لأنه يؤدى عبادة فاسدة
(5)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يؤذن المؤذن اذا دخل الوقت ولا يصح قبل دخول الوقت لما روى مالك بن الحويرث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «اذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم» ولأنه شرع للاعلام بدخول الوقت وهو حث على الصلاة
(6)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: لا يجوز أن يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها
(7)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: يكون الأذان فى الوقت المضروب لتلك الصلاة سواء كان فى وقت اختيارها أم اضطرارها تأخيرا
(8)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية لا يؤذن الا بعد دخول الوقت
(9)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: وقت الأذان عند دخول الوقت ولا يجوز قبله
(10)
.
وقت أذان الصبح
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: يكون الأذان فى الصبح فى وقتها على رأى أبى حنيفة ومحمد بدليل ما روى شداد مولى عياض بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبلال: لا تؤذن حتى (1) مفتاح الكرامة ح 2 ص 259.
(2)
كتاب الهداية للمرغينانى ح 1 ص 27 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1355 هـ.
(3)
الحطاب على خليل ح 1 ص 428.
(4)
المجموع للنووى ح 3 ص 89.
(5)
نهاية المحتاج ح 1 ص 401.
(6)
كشاف القناع ح 1 ص 167.
(7)
المحلى ح 3 ص 117.
(8)
شرح الازهار ح 1 ص 218.
(9)
شرائع الاسلام ح 1 ص 50.
(10)
كتاب الوضع ص 85.
يستبين لك الفجر هكذا - ومد يده عرضا - ولأن الأذان شرع للاعلام بدخول الوقت والاعلام بالدخول قبل الدخول كذب وكذا هو من باب الخيانة فى الأمانة والمؤذن مؤتمن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الأذان قبل الفجر يؤدى الى الضرر بالناس لأن ذلك وقت نومهم وأذان بلال بليل كان لمعان أخرى لا لصلاة الفجر لما روى ابن مسعود رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يمنعكم من السحور أذان بلال فانه يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرد قائمكم ويتسحر صائمكم فعليكم بأذان ابن أم مكتوم وهذا دليل على أن أذان بلال كان لهذه المعانى لالصلاة الفجر، ويرى أبو يوسف أنه لا بأس بأن يؤذن للفجر فى النصف الأخير من الليل بدليل ما روى عن عبد الله بن عمر عن أبيه رضى الله عنه أن بلالا كان يؤذن بليل، ولأن وقت الفجر مشتبه وفى مراعاته بعض الحرج بخلاف سائر الصلوات
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ويستحب تقديم الأذان للصبح فى أول سدس الليل الأخير لأنها تأتى الناس وهم نيام فيحتاج لتقدم الأذان لأجل انتباه الناس من نومهم وتأهبهم لها، واذا كان التقديم مستحبا فظاهره أنه لا يعاد عند طلوع الفجر والراجح الاعادة قيل ندبا والراجح سنة وقيل الأول مندوب والثانى سنة
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: أذان الصبح من نصف الليل شتاء كان أو صيفا لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم
(3)
والسنة أن يؤذن للصبح مرتين احداهما قبل الفجر والأخرى عقب طلوعه للحديث السابق، فان اختصر على أذان واحد جاز أن يكون قبل الفجر وأن يكون بعده وجاز أن يكون بعض الكلمات قبل الفجر وبعضها بعده اذا لم يطل بينهما فصل واذا اقتصر على أذان واحد فالأفضل أن يكون بعد الفجر على ما هو المعهود فى سائر الصلوات
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يباح الأذان للفجر بعد نصف الليل لأن معظمه قد ذهب ولأن وقت الفجر يدخل على الناس وفيهم الجنب والنائم فاستحب تقديم أذانه حتى يتهيئوا لها فيدركوا فضيلة أول الوقت وقال الشيخ ولا يستحب تقديم أذان الفجر قبل الوقت كثيرا لما فى الصحيح من حديث عائشة: قال البيهقى فى مجموع ما روى فى تقدم الأذان قبل الفجر: انما هو بزمن يسير وأماما يفعل الناس فى زماننا من الأذان للفجر من الثلث الأخير فخلاف السنة اذا سلم جوازه وفيه نظر
(5)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: يجوز أن يؤذن لها - صلاة الصبح - قبل طلوع الفجر
(1)
بدائع الصنائع ح 1 ص 154.
(2)
الدردير ح 1 ص 87.
(3)
نهاية المحتاج ح 1 ص 401.
(4)
المجموع ح 3 ص 89.
(5)
كشاف القناع ح 1 ص 167، 168.
الثانى بمقدار ما يتم المؤذن أذانه وينزل عن المنار أو من العلو ويصعد مؤذن آخر ويطلع الفجر قبل ابتداء الثانى فى الأذان ولا بد لها من أذان ثان بعد الفجر ولا يجزئ لها الأذان الذى كان قبل الفجر لأنه أذان سحور لا أذان للصلاة، ولا يجوز أن يؤذن لها قبل المقدار الذى ذكرنا
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال صاحب البحر من الزيدية: لا يجزئ الأذان قبل الوقت اجماعا فى غير أذان الفجر، وقال القاسم والهادى والناصر والمؤيد بالله وزيد بن على أنه لا يجزئ قبل الوقت فى كل الأوقات حتى الفجر حيث أن النبى صلى الله عليه وسلم أنكر الأذان على بلال وقال له لا تؤذن حتى ترى الفجر هكذا ومد يده عرضا
(2)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية فى الصحيح أن عمر بن على سأل الصادق عليه السلام عن الأذان قبل الفجر فقال: اذا كان فى جماعة فلا واذا كان وحده فلا بأس
(3)
وجاء فى جواهر الكلام، وقد رخص فى تقديمه على وقت الصبح عند المعظم من أصحابنا بل فى المعتبر عندنا
(4)
وفى شرائع الاسلام لكن يستحب اعادته بعد طلوعه
(5)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت الا لصلاة الصبح لقول النبى عليه السلام ان بلالا يؤذن بليل والمراد آخر الليل
(6)
.
الأذان للفائتة الواحدة والمتعددة
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: يستوى فى وجوب مراعاة الأذان الأداء والقضاء، وجملة الكلام فيه أنه لا يخلو اما ان كانت الفائتة من الصلوات الخمس واما ان كانت صلاة الجمعة، فان كانت من الصلوات الخمس فان فاته صلاة واحدة قضاها بأذان، وكذا اذا فاتت الجماعة صلاة واحدة قضوها بالجماعة بأذان، لما روى أبو قتادة الأنصارى رضى الله عنه فى حديث التعريس فقال: كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة أو سرية فلما كان فى آخر السحر عرسنا فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس فجعل الرجل منا يثب دهشا وفزعا فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ارتحلوا عن هذا الوادى فانه وادى شيطان، فارتحلنا ونزلنا واد آخر فلما ارتفعت الشمس وقضى القوم حوائجهم أمر بلالا بأن يؤذن فأذن وصلينا ركعتين ثم أقام فصلينا صلاة الفجر، وهكذا روى عمران بن حصين هذه القصة، وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين شغلهم الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات قضاهن فأمر بلالا أن يؤذن لكل واحدة منهم حتى قالوا أذن وصلى الظهر ثم أذن وصلى العصر ثم أذن وصلى
(1)
المحلى لابن حزم ح 3 ص 117.
(2)
البحر الزخار ح 1 ص 184.
(3)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 270.
(4)
جواهر الكلام ح 9 ص 77.
(5)
شرائع الاسلام ح 1 ص 50.
(6)
كتاب الوضع ص 85.
المغرب ثم أذن وصلى العشاء، ولأن القضاء على حسب الأداء وقد فاتتهم الصلوات بأذان فتقضى كذلك، وأما اذا فاتته صلوات فان أذن لكل واحدة فحسن وان أذن للأولى واقتصر على الاقامة للبواقى فهو جائز وقد اختلفت الروايات فى قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات التى فاتته يوم الخندق، فى بعضها أنه أمر بلالا فأذن وأقام لكل صلاة بعدها، وفى بعضها أنه اقتصر على الاقامة لكل صلاة، ولا شك أن الأخذ برواية الزيادة أولى خصوصا فى باب العبادات، وان فاتته صلاة الجمعة صلى الظهر بغير أذان ولا اقامة لأن الأذان والاقامة للصلاة التى تؤدى بجماعة مستحبة وأداء الظهر بجماعة يوم الجمعة مكروه فى المصر كذا روى عن على رضى الله عنه
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: يكره الأذان للفائتة اذ ليس لها وقت معين محدود بل وقتها حال تذكرها
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: الأصح عندنا أنه مشروع لها - الفائتة الواحدة - وقال الأوزاعى واسحاق: لا يؤذن ودليلنا على أنه لا يشرع زيادة على أذان الأحاديث الصحيحة فى أنه لم يوال بين آذانين
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: لو قضى فوائت أذن للصلاة الأولى فقط ثم أقام لكل صلاة، لما روى أبو عبيدة عن أبيه عن ابن مسعود رضى الله عنهم:
أن المشركين يوم الخندق شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: لا تجوز صلاة فريضة فى جماعة، اثنين فصاعدا، الا بأذان واقامة سواء كانت فى وقتها أو كانت مقضية لنوم عنها أو لنسيان
(5)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: ان اجتمعت فوائت أذن للأولى وأقام لكل صلاة
(6)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: قاضى الصلوات الخمس يؤذن لكل واحدة ويقيم مضافا لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته، روى أن الصادق عليه السلام سئل عن الرجل اذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والاقامة قال: نعم، وقالوا يستحب الأذان والاقامة للفوائت من الخمس كما يستحب للحاضرة
(7)
.
(1)
بدائع الصنائع ح 1 ص 154.
(2)
الدردير ح 1 ص 85.
(3)
المجموع ح 3 ص 85.
(4)
كشاف القناع ح 1 ص 169.
(5)
المحلى ح 3 ص 122.
(6)
البحر الزخار ح 1 ص 218.
(7)
جواهر الكلام ح 9 ص 25.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية. لا يجوز الأذان لكل صلاة فائتة
(1)
.
سنن الأذان
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: سنن الأذان الجهر به، والفصل بين كلمتى الأذان بسكتة، والترسل فيه لقول النبى صلى الله عليه وسلم لبلال رضى الله عنه اذا أذنت فترسل، والترتيب بين كلمات الأذان والموالاة بين كلماته والاتيان بالأذان فى مواجهة القبلة، وأن يكون التكبير جزما، وترك التلحين فى الأذان
(2)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: والسنة فى الأذان أن يكون مرسلا معلنا
(3)
- يرفع به الصوت -
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يسن للأذان مؤذن «صيت» أى عالى الصوت لأن حكمة الأذان هى ابلاغ دخول الوقت وهو فى الصيت «حسن الصوت» أكثر لأن النبى صلى الله عليه وسلم اختار أبا محذورة لحسن صوته
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: سن أذان فى أول الوقت ليصلى المتعجل، وسن ترسل فيه أى تمهل، ويسن الوقف على كل جملة، ويسن كون المؤذن قائما ومتطهرا وأن يكون الأذان على علو أى موضع عال كمنارة ويسن رفع الوجه الى السماء جاعلا سبابتيه فى أذنيه ويسن استقبال القبلة فى الأذان وأن يدير وجهه اذا حيعل يمنة ويسرة وأن يقف على كل جملة
(5)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: من سنن الأذان الترتيل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا أذنت فرتل، واذا أقمت فاحدر» ومن سننه أيضا الوقف على أواخره
(6)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: السنة فيه - الأذان - الوقوف على فصوله متأنيا فى الأذان
(7)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: سنن الأذان أن لا يؤذن قبل دخول وقت الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما، واستقبال القبلة وتحريف الوجه الى اليمين عند قوله حى على الصلاة واليسار عند قوله حى على الفلاح، ورفع الصوت به لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
لا يسمع صوت المؤذن جن ولا انس ولا شئ الا شهد له يوم القيامة
(8)
.
(1)
كتاب الوضع ص 84، 85.
(2)
بدائع الصنائع ح 1 ص 149.
(3)
الحطاب ح 1 ص 437.
(4)
نهاية المحتاج ح 1 ص 367.
(5)
منتهى الارادات ح 1 ص 110 والمحرر ح 1 ص 37 وكشاف القناع ح 1 ص 163.
(6)
البحر الزخار ح 1 ص 196، 197.
(7)
المختصر النافع ص 52.
(8)
كتاب الوضع ص 84، 85.
الدعاء بعد الأذان
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: عن أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم: إذا نادى المنادى للصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء فمن نزل به شدة أو كرب فليتحين المنادى اذا كبر واذا تشهد واذا قال حى على الصلاة قال حى على الصلاة واذا قال حتى على الفلاح قال حى على الفلاح ثم يقول اللهم رب هذه الدعوة الحق المستجابة المستجاب لها، ودعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها محيانا ومماتنا ثم يسأل الله عز وجل حاجته ثم رووا أحاديث كثيرة حول الدعاء بهذا المعنى والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ثم قالوا: الحديث فى هذا الباب كثير والقصد الحث على الخير ورووا ما رواه جابر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته حلت له شفاعتى يوم القيامة
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية يستحب أن يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان وأن يقول:
اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته ثم يدعو بما شاء من أمور الدنيا والآخرة
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فان من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا» ثم يسأل الله تعالى الوسيلة فيقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته، لما روى جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«من قال حين يسمع النداء ذلك حلت له شفاعتى يوم القيامة» ويدعو الله تعالى بين الأذان والاقامة ولما روى أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الدعاء لا يرد بين الأذان والاقامة
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يدعو بعد الأذان لحديث أنس مرفوعا «الدعاء لا يرد بين الأذان والاقامة
(4)
».
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى بعد أن روى الحديث السابق فى اجابة المؤذن قول الرسول
(1)
فتح القدير ح 1 ص 174، 175 والبحر الرائق ح 1 ص 274.
(2)
الحطاب ح 1 ص 445.
(3)
المجموع للنووى ح 3 ص 116.
(4)
منتهى الارادات ح 1 ص 110.
صلى الله عليه وسلم: ثم سلوا لى الوسيلة فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: وندب الدعاء بين الأذان والاقامة لقول النبى صلى الله عليه وسلم:
«الدعاء بين الأذان والاقامة لا يرد
(2)
».
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا سمعتم الأذان فقولوا مثل ما يقول المؤذن وفى رواية مسلم فقولوا مثل ما يقول ثم «صلوا على فانه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد مؤمن من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لى الوسيلة حلت له الشفاعة
(3)
»
مكروهات الأذان ومن يكره أذانه
مذهب الحنفية:
قال الحنفية يكره أذان المرأة باتفاق الروايات ويكره أذان المجنون والسكران وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة أنه قال:
أكره أن يؤذن من لم يحتلم لأن الناس لا يعتدون بأذانه، ويكره الأذان قاعدا لأن النازل من السماء أذن قائما
(4)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية يكره الأذان للمنفرد والجماعة التى لم تطلب غيرها ان كانوا فى حضر ويكره للفائتة اذ ليس لها وقت معين محدود ويكره من حلوس الا لعذر
(5)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يكره تمطيط الأذان ويكره لغير المكتوبة، ويكره للمحدث حدثا أصغر لخبر. كرهت أن أذكر الله الا على طهر أو قال على طهارة - وللجنب أشد منها للمحدث ويكره من جلوس الا لعذر
(6)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يكره الأذان من قاعد وراكب وماش لغير عذر، ويكره فيه كلام مباح يسير بلا حاجة كما يكره منه سكوت يسير بلا حاجة ويكره ملحنا بأن يطرب فيه كما يكره أن يكون ملحونا لحنا لا يحيل المعنى كرفع تاء الصلاة أو نصبها
(7)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: يكره الكلام حال الأذان وأيضا بعده، ويكره رد السلام على المؤذن
(8)
.
(1)
المحلى ح 2 ص 148.
(2)
البحر الزخار ح 1 ص 196.
(3)
كتاب الوضع ص 83.
(4)
بدائع الصنائع ح 1 ص 150، 151.
(5)
الدردير ح 1 ص 85، 87.
(6)
نهاية المحتاج ح 1 ص 396، 397، 385، 400.
(7)
كشاف القناع ح 1 ص 167 ومنتهى الارادات ح 1 ص 108.
(8)
شرح الأزهار ح 1 ص 225.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: يكره الكلام خلال الأذان، ويكره الأذان فى الصومعة والظاهر أنه أراد بها المنارة ويكره التراسل ووجه الكراهة أنه لم يكمل لواحد أذان، ويكره الالتفات يمينا وشمالا ويكره الترجيع الا أن يريد الاشعار
(1)
.
اجابة المؤذن
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: الواجب على السامعين عند الأذان الاجابة لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال أربع من الجفاء ذكر منها قوله: ومن سمع الأذان ولم يجب ومن سمع ذكرى ولم يصل على، والاجابة أن يقول مثل ما قال المؤذن لقول النبى صلى الله عليه وسلم من قال مثل ما يقول المؤذن غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيقول مثل ما قاله الا فى قوله حى على الصلاة، حى على الفلاح فإنه يقول مكانه، لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم لأن اعادة ذلك تشبه المحاكاة والاستهزاء وكذا اذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم لا يعيده السامع لما قلنا، ولكنه يقول صدقت وبررت أو ما يؤجر عليه، ولا ينبغى أن يتكلم السامع فى حال الأذان ولا يشتغل بقراءة القرآن ولا بشئ من الأعمال سوى الاجابة، ولو كان فى القراءة ينبغى أن يقطع ويشتغل بالاستماع والاجابة
(2)
«انظر اجابة» .
الأذان يوم الجمعة بين يدى الامام
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية: الأذان المعتبر يوم الجمعة هو ما يؤتى به اذا صعد الامام المنبر وتجب الاجابة والاستماع له دون الذى يؤتى به على المنارة وهذا قول عامة العلماء، وكان الحسن بن زياد يقول: المعتبر هو الأذان على المنارة، لأن الاعلام يقع به، والصحيح قول العامة لما روى عن السائب بن يزيد أنه قال: كان الأذان يوم الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبى بكر وعمر رضى الله عنهما أذانا واحدا حين يجلس الامام على المنبر، فلما كانت خلافة عثمان رضى الله عنه وكثر الناس أمر عثمان رضى الله عنه بالأذان الثانى على الزوراء وهى المنارة وقيل اسم موضع بالمدينة
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: الأذان بين يدى الامام فى الجمعة مكروه نهى عنه مالك لأنه بدعة
(4)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: اختلف أصحابنا فى الأذان الجمعة فقال المحاملى فى المجموع قال الشافعى رضى الله عنه: أحب أن يكون
(1)
الروضة البهية ح 1 ص 33 ومفتاح الكرامة ح 2 ص 261، 274 والمختصر النافع ح 1 ص 52 ومستمسك العروة الوثقى ح 5 ص 441.
(2)
بدائع الصنائع ح 1 ص 155.
(3)
البدائع ح 1 ص 152.
(4)
الحطاب على خليل ح 2 ص 172.
للجمعة أذان واحد على المنبر ويستحب أن يكون المؤذن واحدا لأنه لم يكن يؤذن يوم الجمعة للنبى صلى الله عليه وسلم الا بلال هذا كلام المحاملى - وقال الشافعى رحمه الله فى البويطى: النداء يوم الجمعة هو الذى يكون والامام على المنبر يكون المؤذنون يستفتحون الأذان فوق المنارة جملة حين يجلس الامام على المنبر ليسمع الناس فيأتون الى المسجد فاذا فرغوا خطب الامام بهم وفى صحيح البخارى فى باب رجم الحبلى من الزنا عن ابن عباس رضى الله عنهما قال:
«جلس عمر رضى الله عنه على المنبر يوم الجمعة فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله تعالى»
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: الأفضل أن يكون الأذان - الثانى - بين يدى الخطيب ويجب السعى الى الجمعة بالنداء الثانى بين يدى الخطيب لقول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»
(2)
لأنه - الأذان - الذى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأذان الأول مستحب سنه عثمان رضى الله عنه وعملت به الأئمة والأذان الثانى فرض كفاية
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: يبتدئ الامام بعد الأذان وتمامه بالخطبة وعن عبد الرازق عن سعيد بن السائب بن يسار حدثنا صالح ابن سعد المكى أنه كان مع عمر بن عبد العزيز وهو مبتدى بالسويداء فى امارته على الحجاز فحضرت الجمعة فهيئوا له مجلسا فى البطحاء ثم أذن المؤذن بالصلاة فخرج اليهم عمر بن عبد العزيز فجلس على ذلك المجلس ثم أذنوا أذانا آخر ثم خطبهم، وعن هشيم بن بشير أخبرنى محمد بن قيس أنه سمع موسى بن طلحة بن عبيد الله يقول: رأيت عثمان بن عفان رضى الله عنه جالسا يوم الجمعة على المنبر والمؤذن يؤذن
(4)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: ومؤذن الجمعة واحد فقط عند المنبر الا لمصلحة لما روى السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله اذا جلس الامام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما
(5)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: والأذان الثانى - يوم الجمعة - أى الذى أحدثه عثمان رضى الله عنه - بدعة وقيل مكروه
(6)
.
(1)
المجموع ح 2 ص 124.
(2)
سورة الجمعة: 9.
(3)
كشاف القناع ح 1 ص 353.
(4)
المحلى ح 5 ص 50، 51، 72.
(5)
البحر الزخار ح 1 ص 198.
(6)
المختصر النافع ص 60.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: ولا تؤدى جمعة الا بعد خطبة وتكون متصلة بالأذان فاذا استوى الامام على المنبر انتظر المؤذن فاذا فرغ المؤذن الأخير قام واقفا على المنبر
(1)
.
أذان الجماعة معا أو بالتوالى
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إذا كان فى المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد
(2)
وقال الرملى فى حاشية البحر، لم أر نصا صريحا فى جماعة الأذان المسمى فى ديارنا بأذان الجوق هل هو بدعة حسنة أو سيئة
(3)
.
مذهب المالكية:
تعدد المؤذنين جائز قال فى المدونة لا بأس باتخاذ مؤذنين وثلاثة وأربعة بمسجد واحد من مساجد القبائل وترتبهم الا المغرب، وقال ابن حبيب يؤذنون جميعا كل غير مقتد بغيره أو مرتبون كعشر فى الظهر والصبح والعشاء وخمسة فى العصر وواحد فى المغرب قال التونسى يريد أو جماعة مرة ومنع ابن زرقون أذانهم جميعا للتخليط
(4)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ويسن مؤذنان للمسجد ونحوه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وتستحب الزيادة عليهما بحسب الحاجة والمصلحة ويترتبون فى أذانهم ان اتسع الوقت له لأنه أبلغ فى الاعلام فان ضاق الوقت والمسجد كبير تفرقوا فى أقطاره كل واحد فى قطر وان صغر اجتمعوا ان لم يؤد اجتماعهم الى اضطراب واختلاط ويقفون عليه كلمة كلمة فان أدى الى تشويش أذن بعضهم بالقرعة اذا تنازعوا وعند الترتيب لا يتأخر بعضهم عن بعض لئلا يذهب أول لوقت
(5)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: اذا لم يحصل الاعلام بأذان واحد زيد بقدر الحاجة ليحصل المقصود منه، يؤذن كل واحد من جانب من البلد أو يؤذنون دفعة واحدة بمكان واحد، ولا يستحب الزيادة على مؤذنين لأن الذى حفظ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان له مؤذنان - بلال وابن أم مكتوم - الا أن تدعو الحاجة الى الزيادة عليهما فيجوز فقد روى عن عثمان رضى الله عنه أنه كان له أربعة مؤذنين وان دعت الحاجة الى أكثر منه كان مشروعا، واذا كان أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد، لأن مؤذنى النبى صلى الله عليه وسلم كان أحدهما يؤذن بعد الآخر وان كان الاعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب ما يحتاج اليه، قال أحمد، ان أذن عدة فى منارة فلا بأس وان خافوا من تأذين واحد بعد الآخر فوات أول الوقت أذنوا جميعا دفعة واحدة
(6)
.
(1)
متن النيل ح 1 ص 82، 83.
(2)
فتح القدير ح 1 ص 143.
(3)
حاشية ابن عابدين ح 1 ص 362.
(4)
الحطاب ح 1 ص 452.
(5)
نهاية المحتاج ح 1 ص 401.
(6)
كشاف القناع ح 1 ص 167 والمغنى ح 1 ص 447، 448.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: لا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا فان كان ذلك فالمؤذن هو المبتدئ والداخل عليه مسئ لا أجر له وما يبعد عنه الاثم؟ والواجب منعه، فان بدآ معا فالأذان للصيت الأحسن تأدية، وجائز أن يؤذن جماعة واحدا بعد واحد للمغرب وغيرها سواء فى كل ذلك فان تشاحوا وهم سواء فى التأدية والصوت والفضل والمعرفة بالأوقات أقرع بينهم سواء عظمت أقطار المسجد أو لم تعظم
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: ويجوز أذان الجماعة، والسنة فى أذان الجماعة أن ينطقوا معا كما فعل بلال وابن أم مكتوم ولأنه أبلغ فى الاعلام
(2)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: لو تعددوا أذنوا جميعا وهو أفضل من الترتيب اجماعا، وفى المبسوط لا بأس أن يؤذن جماعة كل واحد منهم فى زاوية المسجد لأنه لا مانع منه، وفى البيان والموجز الحاوى أذنوا دفعة مع ضيق الوقت، وفى المبسوط، يجوز أن يكون المؤذنون اثنين اثنين اذا أذنوا فى موضع واحد فانه أذان واحد، ونقل الاجماع فى شرح النهاية على أن الزائد على الاثنين بدعة، ولو اتسع الوقت ترتبوا فيؤذن واحد بعد الآخر كما فى الخلاف والشرائع قال فى المبسوط فأما اذا أذن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون
(3)
وقد نزل هذا الرأى على كراهة التراسل وهو أن يبنى مؤذن على فصل آخر
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: لا يؤذن متعدد بمسجد معا ولا واحد بعد آخر
(4)
.
الأذان للمصلى منفردا وللجماعة:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: الضابط عندنا أن كل فرض أداء كان أو قضاء يؤذن له ويقام سواء أدى منفردا أو بجماعة، وقد ورد فى خصوص الأذان للمنفرد أحاديث منها يعجب ربك من راعى غنم فى رأس شظية يؤذن بالصلاة ويصلى فيقول الله عز وجل انظروا الى عبدى هذا يؤذن ويقيم للصلاة، يخاف منى قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة، وعن سلمان الفارسى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، اذا كان الرجل بأرض فلاة فحانت الصلاة فليتوضأ فان لم يجد ماء فليتيمم فان أقام صلى معه ملكان وان أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه، ويعرف من هذا ونحوه أن الأذان
(1)
المحلى ح 3 ص 142.
(2)
شرح الازهار ح 1 ص 223.
(3)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 277، 278.
(4)
متن النيل ح 1 ص 51 وشرح النيل ح 1 ص 326
لم ينحصر فى الاعلام بل كل منه ومن الاعلان بهذا الذكر نشر لذكر الله ودينه فى أرضه وتذكير العباد من الجن والانس الذين لا يرى شخصهم فى الفلوات من العباد
(1)
قالوا والمحل الذى يجب فيه الأذان ويؤذن له الصلوات المكتوبة التى تؤدى بجماعة مستحبة فى حال الاقامة، وروى ابن أبى مالك عن أبى يوسف رحمه الله وعن أبى حنيفة رحمه الله فى قوم صلوا فى المصر فى منزل أو فى مسجد منزل فأخبروا بأذان الناس واقامتهم أجزأهم وقد أساءوا بتركهما، فقد فرق بين الجماعة والواحد لأن أذان الحى يكون أذانا للأفراد ولا يكون أذانا للجماعة هذا فى المقيمين، أما المسافرون فالأفضل لهم أن يؤذنوا ويقيموا لأن الأذان والاقامة من لوازم الجماعة والسفر لم يسقط الجماعة فلا يسقط ما هو من لوازمها، أما المنفرد فان كان مقيما ويصلى فى بيته وترك الأذان فلا يكره وان كان مسافرا وحده وترك الأذان فلا بأس
(2)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ويكره - الأذان للمنفرد والجماعة التى لم تطلب غيرها - أى لا تنتظر أحدا - ان كانوا فى حضر، ويندب ان كانوا فى سفر وان كانت الجماعة تطلب غيرها فيمن الأذان بكل مسجد
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ويندب الأذان للمنفرد بالصلاة فى صحراء أو غيرها وان سمع أذان غيره، أما للجماعة فهو سنة على الكفاية وقيل انه فرض كفاية
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: الأذان فرض كفاية للجماعة لحديث: اذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ويسن للمنفرد
(5)
مقيما أو مسافرا وجاء فى المغنى لابن قدامة:
الأفضل لكل مصل أن يؤذن
(6)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى لا يلزم المنفرد أذانا ولا اقامة فان أذن وأقام فحسن، لأن النص لم يرد بايجاب الأذان الا على الاثنين فصاعدا
(7)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: يكون الأذان للجماعة وللمنفرد بنفسه
(8)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: أما ما يؤذن له فالصلوات الخمس لا غير، أداء وقضاء، استحبابا للرجال والنساء والمنفرد والجامع وقيل
(1)
البحر الرائق ح 1 ص 276 وفتح القدير ح 1 ص 178.
(2)
بدائع الصنائع ح 1 ص 152، 153.
(3)
بلغة السالك ح 1 ص 85 والحطاب ح 1 ص 421، 422.
(4)
نهاية المحتاج ح 1 ص 384، 386.
(5)
منتهى الارادات ح 1 ص 107.
(6)
المغنى ح 1 ص 396.
(7)
المحلى ح 3 ص 125.
(8)
البحر الزخار ح 1 ص 193.
يجبان فى الجماعة
(1)
والأقرب الاجتزاء للمنفرد بسماع الأذان ولكن الأفضل له فعله
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: الذى ذهب اليه أصحابنا هو القول بوجوب الأذان والاقامة على الكفاية فى اجتماع الناس للصلاة وبالندب للمنفرد
(3)
.
الأذان فى مسجد صليت فيه الجماعة:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية لو صلى فى مسجد بأذان واقامة هل يكره أن يؤذن فيه ويقام ثانيا هذا لا يخلو من أحد وجهين اما أن يكون له أهل معلومون أو لا يكون له فان كان له أهل معلومون وصلى فيه غير أهله بأذان واقامة لا يكره لأهله أن يعيدوا الأذان والاقامة اذا صلوا وان صلى فيه أهله بأذان واقامة أو بعض أهله يكره لغير أهله وللباقين من أهله أن يعيدوا الأذان والاقامة اذا صلوا وان كان مسجدا ليس له أهل معلومون بأن كان على الطريق لا يكره تكرار الأذان والاقامة فيه
(4)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: من أتى بعد صلاة الجماعة صلى بغير أذان
(5)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ان صلى فى مسجد قد صليت فيه الجماعة لم يرفع بالأذان لئلا يوهم دخول وقت صلاة أخرى نص عليه فى الأم واتفقوا عليه، ولو أقيمت جماعة فى مسجد فحضر قوم لم يصلوا فهل يسن لهم الأذان قولان الصحيح نعم وبه قطع البغوى وغيره، ولا يرفع الصوت لخوف اللبس سواء كان المسجد مطروقا أو غير مطروق، وقال امام الحرمين حيث قلنا فى الجماعة الثانية فى المسجد الذى أذن فيه مؤذن وصليت فيه جماعة لا يرفع الصوت لا نعنى أنه يحرم الرفع بل نعنى أن الأولى ألا يرفع
(6)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: من دخل مسجدا قد صلى فيه فان شاء أذن وأقام نص عليه أحمد لما روى الأثرم وسعيد بن منصور عن أنس رضى الله عنه أنه دخل مسجدا قد صلوا فيه فأمر رجلا فأذن وأقام فصلى بهم فى جماعة، وان شاء صلى من غير أذان ولا اقامة
(7)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: من أتى مسجدا صليت فيه صلاة فرض جماعة بامام راتب وهو لم يكن صلاها فليصلها فى جماعة، ويجزئه الأذان الذى أذن فيه قبل ولو أعادوا أذانا فحسن
(8)
.
(1)
المختصر النافع ص 51.
(2)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 295.
(3)
كتاب الوضع ص 84 وكتاب النيل ح 1 ص 321، 322.
(4)
بدائع الصنائع ح 1 ص 153.
(5)
الحطاب ح 1 ص 468.
(6)
المجموع ح 3 ص 85.
(7)
المغنى ح 1 ص 437.
(8)
المحلى ح 4 ص 236.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: الأذان يكفى السامع سواء كان فى البلد أم لا ويكفى من كان فى البلد سواء كان من أهلها أم لا وسواء سمع أم لا، ولا يكفى الأذان من كان فى البلد حال الأذان ولم يسمع وصلى فى غيرها
(1)
واذا كان الرجل فى مصر من أمصار المسلمين أو قرية من قرى المسلمين يسمع فيها الأذان والاقامة أجزأه ألا يؤذن ولا يقيم والأفضل أن يؤذن لنفسه
(2)
، ويفهم من ذلك أن من صلى فى مسجد صليت فيه جماعة أجزأه ألا يؤذن أذانا آخر لصلاته وان كان الأفضل أن يؤذن.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: اذا صلى فى مسجد جماعة لا يجوز أن يصلى فيه دفعة أخرى جماعة بأذان واقامة وفى المبسوط أن من يصلى تلك الصلاة فى ذلك المسجد يجوز له أن يؤذن فيما بينه وبين نفسه وان لم يفعل فلا شئ عليه، وروى أصحابنا أنهم اذا صلوا جماعة، وجاء قوم جاز لهم أن يصلوا دفعة أخرى غير أنهم لا يؤذنون ولا يقيمون
(3)
.
ما يقطع الأذان
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: اذا غشى عليه فى الأذان والاقامة ساعة أو مات أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فالأفضل الاستقبال، والأولى اذا أحدث فى أذانه أن يتم ثم يذهب ويتوضأ ويصلى لأن ابتداء الأذان مع الحدث جائز فالبناء أولى، والترتيب فى الأذان سنة فلو قدم البعض على البعض ترك المقدم ثم يرتب ويؤلف ويعيد المقدم لأنه لم يصادف محله فلغا
(4)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ويكره الفصل بين كلمات الأذان أو فعل غير واجب، كان الفصل قصيرا أو طويلا الا أنه يبنى مع الفصل القصير وأما مع الطويل فانه يبتدئ الأذان من أوله وان نكس شيئا منه ابتدأه وقال المازرى يعيد المنكس فقط
(5)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يشترط موالاته ولا يضر كلام وسكوت طويلان بين كلمات الأذان ومحل الخلاف حيث لم يفحش الطول فان فحش بحيث لا يسمى مع الأذان الأول أذانا استأنف جزءا
(6)
واذا مات فى خلال الأذان فالمذهب أنه لا يجوز البناء على ما سبق من أذان الميت وبه قطع صاحب الحاوى الدارمى ويشترط ترتيب الأذان للاتباع ولأن تركه يوهم اللعب ويخل بالاعلام فان عكس ولو ناسيا لم يصح ويبنى على المنتظم منه والاستئناف أولى
(7)
.
(1)
شرح الازهار ح 1 ص 218.
(2)
الروض النضير ح 1 ص 387.
(3)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 266.
(4)
بدائع الصنائع ح 1 ص 149.
(5)
الدردير ح 1 ص 86، 87 والحطاب ح 1 ص 422، 425.
(6)
نهاية المحتاج ح 1 ص 393، 394.
(7)
المجموع ح 3 ص 114، 115 ونهاية المحتاج ح 1 ص 393.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: ان فرق بين الأذان بسكوت طويل ولو بسبب نوم أو اغماء أو جنون أو فرق بينه بكلام كثير لم يعتد به لفوات الموالاة، أو فرق بينه بكلام محرم كسب وقذف ونحوهما وان كان يسيرا لم يعتد بالأذان، لأنه قد يظنه سامعه متلاعبا أشبه المستهزئ، وكذلك لا يعتد باذان ان نكسه بأن قدم بعض الجمل على بعض لأنه يشترط فيه الترتيب
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: ثم الكلام المباح كله جائز فى نفس الأذان ويفهم منه أن الكلام غير المباح يقطع الأذان، وقال: ولا يجوز تنكيس الأذان ولا تقديم مؤخر على ما قبله فمن فعل ذلك فلم يؤذن ولا صلى بأذان
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: ويفسد - الأذان - النقص والتعكيس لمخالفته للشرع وفى بطلانه بالفصل الكثير وجهان أحدهما يبطل كالفصل بالأكل والشرب والثانى لا يبطل
(3)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: فصل الأذان بالكلام بما لا يقطع الموالاة لا يوجب اعادته
(4)
بخلاف ما اذا خرج به عن الموالاة فانه يقطعه ويعاد الأذان، ولو نام أو أغمى عليه استحب الاستئناف ويجوز البناء، والترتيب شرط فى اجزاء الأذان ومعنى الشرطية أن من أخل به ناسيا كان كالعامد فى عدم الاعتداد به
(5)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: ويعيد المؤذن ان قطع أذانه بكلام معه أو أكل أو شرب وهو المختار
(6)
وان غلط فيه بحرف أو حرفين أعاد من هناك
(7)
.
الصلاة على النبى بعد الأذان
من المؤذن أو السامع
مذهب الحنفية:
يورد الحنفية أحاديث كثيرة حول الدعاء بعد الأذان فجاء فى ابن عابدين
(8)
ويدعو - أى بعد الأذان - بعد أن يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم لما رواه مسلم وغيره «اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لى الوسيلة فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله فأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لى الوسيلة حلت له شفاعتى» ، ويروى صاحب الفتح حديث ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم «إذا سمعتم المؤذن
(1)
كشاف القناع ح 1 ص 166، 167.
(2)
المحلى ح 3 ص 161.
(3)
البحر الزخار ح 1 ص 194.
(4)
الروضة البهية ح 1 ص 73.
(5)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 279، 280.
(6)
متن النيل ح 1 ص 51 وكتاب النيل ح 1 ص 324
(7)
متن النيل ح 1 ص 50 وكتاب النيل ح 1 ص 325
(8)
ابن عابدين ح 1 ص 370.
فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فانه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا»
(1)
وتسليم المؤذن بعد الأذان حدث فى ربيع الآخر سنة سبعمائة واحدى وثمانين فى عشاء ليلة الاثنين ثم يوم الجمعة بعد عشر سنين حدث فى الكل الا المغرب ثم فيها مرتين وهو بدعة حسنة
(2)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بدعة حسنة أول حدوثها من الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة احدى وثمانين وسبعمائة فى ربيع الأول وكانت أولا تزاد بعد أذان العشاء ليلة الاثنين وليلة الجمعة فقط ثم بعد عشر سنين زيدت عقب كل أذان الا المغرب
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يسن لكل من المؤذن والسامع أن يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الأذان
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: وسن لمؤذن وسامع أن يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم اذا فرغ ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته
(5)
.
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى فقد أورد ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على. الحديث السابق ذكره
(6)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية وندب عند سماعه - أى الأذان - الدعاء المأثور وذكروا الحديث السابق الذى رواه عبد الله بن عمرو بن العاص
(7)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: لا يجوز اعتقاد شرعية شئ غير ألفاظ الأذان كأن يقول المؤذن «ان محمدا وآله خير البرية أو خير البشر» ، وان كان الواقع كذلك، فما كل واقع حقا يجوز ادخاله فى العبادات المحدودة من الله عز وجل فيكون ادخال ذلك فيها بدعة وتشريعا فلو فعل المؤذن هذه الزيادة بنية أنها منه - أى من الأذان - أثم فى اعتقاده، ولا يبطل الأذان بفعله، وبدون اعتقاد ذلك لا حرج، وفى المبسوط أطلق عدم الاثم به
(8)
.
أذان المسافر
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: والمسافرون أفضل لهم أن يؤذنوا ويصلوا بجماعة لأن الأذان من لوازم
(1)
فتح القدير ح 1 ص 174.
(2)
الدر المختار ح 1 ص 362.
(3)
الدردير ح 1 ص 86.
(4)
نهاية المحتاج ح 1 ص 404.
(5)
منتهى الارادات ح 1 ص 113، 114.
(6)
المحلى ح 3 ص 148.
(7)
البحر الزخار ح 1 ص 197.
(8)
الروضة البهية ح 1 ص 70.
الجماعة المستحبة والسفر لم يسقط الجماعة فلا يسقط ما هو من لوازمها
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ندب أذان فذ ان سافر أى سفر ولو كان دون مسافة السفر الشرعى فيشمل من بفلاة من الأرض، ومثله جماعة سافرت لم تطلب غيرها
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: الأذان سنة لكل الصلوات فى الحضر والسفر للجماعة والمنفرد لا يجب بحال فان ترك صحت صلاة المنفرد والجماعة، وقال الشافعى فى مختصر المزنى ترك الأذان فى السفر أخف منه فى الحضر ووجه ذلك أن السفر مبنى على التخفيف وفعل الرخص ولأن أصل الأذان للاعلام بالوقت والمسافرون لا يتفرقون غالبا
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يسن الأذان لمصل وحده ومسافر ورع ونحوه لخبر عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يعجب ربك من راعى غنم فى رأس الشظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلى فيقول الله عز وجل انظروا الى عبدى هذا يؤذن.
ويقيم الصلاة، يخاف منى قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة، رواه النسائى، وتجوز الصلاة بدونه للمسافر والمنفرد ولا يكره
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: لا يجزئ صلاة فريضة فى جماعة - اثنين فصاعدا - الا بأذان واقامة، سواء كانت فى وقتها أو كانت مقضية لنوم عنها أو نسيان، متى قضيت السفر والحضر سواء فى كل ذلك، فان صلى شيئا من ذلك بلا أذان ولا اقامة فلا صلاة لهم، لما روى أنه أتى رجلان الى النبى صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال النبى صلى الله عليه وسلم «اذا خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبر كما»
(5)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: الأذان فى السفر يكون للفجر فقط ويقام لباقى الصلوات لما ورد عن جبير بن مطعم أن النبى صلى الله عليه وسلم «لم يكن يؤذن فى شئ من الصلاة فى السفر الا الاقامة الا فى صلاة الصبح فانه كان يؤذن ويقيم» ولما روى عن ابن عمر أنه كان فى السفر يصلى باقامة الا الغداة فانه كان يؤذن لها ويقيم وهى صلاة الصبح
(6)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: يجوز للمسافر والمستعجل الاتيان بواحد من كل فصل من الأذان كما عن جماعة من الأصحاب التصريح به ففى خبر بريد بن معاوية عن أبى جعفر «الأذان يقصر فى السفر كما تقصر الصلاة، الأذان واحدا
(1)
بدائع الصنائع ح 1 ص 153.
(2)
الدردير ح 1 ص 85.
(3)
المجموع ح 3 ص 82، 128، 129.
(4)
كشاف القناع ح 1 ص 162.
(5)
المحلى ح 3 ص 122، 124.
(6)
الروض النضير ح 1 ص 386.
واحدا» وفى صحيح أبى عبيدة رضى الله عنه رأيت أبا جعفر يكبر واحدة فى الأذان فقلت له لم تكبر واحدة واحدة، قال لا بأس اذا كنت مستعجلا، كما يجوز ترك الأذان والاكتفاء بالاقامة، ويستفاد أن الاقتصار على الاقامة أفضل من فعل الأذان فصلا فصلا
(1)
.
صفات المؤذن
مذهب الحنفية:
جاء فى كتاب مراقى الفلاح شرح نور الايضاح مع حاشية الطحطاوى
(2)
وسببه دخول الوقت وهو شرط له، ومن شروط صحته كونه باللفظ العربى على الصحيح من عاقل، وشرط كماله: كون المؤذن صالحا عالما بالوقت طاهرا متفقدا أحوال الناس زاجرا من تخلف عن الجماعة صيتا «أى مرتفع الصوت حسنه» بمكان مرتفع مستقبلا القبلة، وجاء فى البدائع أيضا: أن الصفات التى ترجع الى المؤذن منها أن يكون رجلا - على تفصيل يأتى بعد - وأن يكون عاقلا وأن يكون تقيا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الامام ضامن والمؤذن مؤتمن» والأمانة لا يؤديها الا التقى، ومنها أن يكون عالما بالسنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «يؤمكم أقرؤكم ويؤذن لكم خياركم» وخيار الناس العلماء ولأن مراعاة سنة الأذان لا يتأتى الا من العالم بها ومنها أن يكون عالما بأوقات الصلاة حتى كان البصير أفضل من الضرير، لأن الضرير لا علم له بدخول الوقت والاعلام بدخول الوقت ممن لا علم له بالدخول متعذر، لكن مع هذا لو أذن يجوز لحصول الاعلام بصوته وامكان الوقوف على المواقيت من قبل غيره فى الجملة وابن أم مكتوم رضى الله عنه كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أعمى، ومنها أن يكون مواظبا على الأذان لأن حصول الاعلام لأهل المسجد بصوت المواظب أبلغ من حصوله بصوت من لا عهد لهم بصوته فكان أفضل، ومنها أن يكون المؤذن على طهارة لأنه ذكر معظم فاتيانه مع الطهارة أقرب الى التعظيم، ومنها أن يؤذن قائما اذا أذن لجماعة لأن النازل من السماء أذن قائما وكذا الناس توارثوا ذلك فعلا فكان تاركه مسيئا لمخالفته النازل من السماء واجماع الخلق ولأن تمام الاعلام بالقيام ومنها أن يؤذن فى مسجد واحد ومنها أن يؤذن محتسبا لوجه الله عز وجل
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: وشرط صحة الأذان اسلام فلا يصح من كافر وعقل فلا يصح من مجنون، وصبى لا ميز له، وسكران طافح، وذكورة فلا يصح من امرأة أو خنثى لأنه من مناصب الرجال كالامامة والقضاء، وبلوغ على تفصيل سيأتى، وندب أن يكون المؤذن على طهارة من الحدثين والكراهة من الجنب أشد وأن
(1)
مستمسك العروة الوثقى ح 5 ص 439، 440
(2)
ص 111 الطبعة الثانية بالمطبعة الأزهرية سنة 1328 هـ.
(3)
بدائع الصنائع ح 1 ص 150، 151.
يكون حسن الصوت مرتفعه وأن يكون مرتفعا بمكان عال
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ولا يصح الأذان الا من مسلم عاقل، فأما الكافر والمجنون فلا يصح أذانهما لأنهما ليسا من أهل العبادات، والمستحب أن يكون على طهارة لما روى وائل ابن حجر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال «حق وسنة ألا يؤذن أحد الا وهو طاهر» ، ولأنه اذا لم يكن على طهارة انصرف لأجل الطهارة فيجئ من يريد الصلاة فلا يجد أحدا فينصرف فان أذن وهو محدث أو جنب أو أقام الصلاة صح أذانه واقامته لكنه مكروه
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يشترط فى المؤذن ذكوريته وعقله فلا يصح من مجنون كسائر العبادات واسلامه لاشتراط النية فيه وهى لا تصح من كافر، وتمييزه فيجزئ أذان المميز، وعدالته ولو مستورا فلا يعتد بأذان ظاهر الفسق
(3)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: ولا يجوز أن يؤذن ويقيم الا رجل بالغ عاقل مسلم مؤد لألفاظ الأذان والاقامة حسب طاقته ولا يجزئ أذان من لا يعقل حين أذانه لسكر أو نحو ذلك، ويجزئ أذان الفاسق والعدل أحب الينا والصيت أفضل، برهان ذلك أن النساء لم يخاطبن بالأذان كالرجال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم أو أكثركم قرآنا» والصبى والمجنون والذاهب العقل بسكر غير مخاطبين فى هذه الأحوال وأما الكافر فليس أحدنا ولا مؤمنا، وأما من لم يؤد ألفاظ الأذان متعمدا لم يؤذن كما أمر فان لم يقدر على أكثر من ذلك للثغة أو لكنة أجزأ أذانه وكان أفضل لو أذن المحسن، أما الفاسق فانه أحدنا بلا شك لأنه مسلم فهل داخل تحت قول النبى صلى الله عليه وسلم «ليؤذن لكم أحدكم» أما الصيت فلأن الأذان أمر بالمجئ الى الصلاة واسماع المأمورين أولى
(4)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: يشترط فى الأذان أن يكون من مكلف وأن يكون من ذكر وأن يكون من معرب أى واضح الأذان وأن يقع من عدل ومن طاهر من الجنابة
(5)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: شروط المؤذن: الاسلام والعقل مطلقا والذكورة أو للمحارم، ويكتفى بأذان المميز
(6)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: المؤذن يحتاج الى عشر خصال: أن يعرف أوقات الصلاة ويحافظ
(1)
الحطاب ح 1 ص 434، 439.
(2)
المجموع ح 3 ص 98، 103، 104.
(3)
كشاف القناع ح 1 ص 163، 164.
(4)
المحلى ح 3 ص 140، 141، 142.
(5)
شرح الازهار ح 1 ص 218، 219.
(6)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 270.
عليها وأن يحفظ حلقه من أكل الحرام وان أذن أحد فى مكانه فلا يغضب بذلك ولا يسخط عليه وأن يحسن أذانه بغير لحن وألا يمن على الناس بأذانه وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأن ينتظر الامام بقدر ما لا يشق على من حضر وألا يغضب على من وقف بمكانه فى المسجد وأن يتعاهد أمور المسجد فى النظافة وغيرها وأن يكون أذانه لوجه الله تعالى ويستحب أن يكون طاهر البدن واللباس
(1)
.
أذان المرأة والصبى
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: يكره أذان المرأة باتفاق الروايات لأنها ان رفعت صوتها فقد ارتكبت معصية وان خفضت فقد تركت سنة الجهر ولأن أذان النساء لم يكن فى السلف فكان من المحدثات وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: كل محدثة بدعة، ولو أذنت للقوم أجزأهم حتى لا تعاد لحصول المقصود وهو الاعلام، وروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه يستحب الاعادة ويكره أذان الصبى العاقل وان كان جائزا حتى لا يعاد ذكره فى ظاهر الرواية لحصول المقصود وهو الاعلام لكن أذان البالغ أفضل لأنه فى مراعاة الحرمة أبلغ وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة أنه قال: أكره أن يؤذن من لم يحتلم لأن الناس لا يعتدون بأذانه وأما أذان الصبى الذى لا يعقل فلا يجزئ ويعاد لأن ما يصدر لا عن عقل لا يعتد به، ولا أذان فى جماعة النسوان والصبيان لأن هذه الجماعة غير مستحبة وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ليس على النساء لا أذان ولا اقامة» ولأنه ليس عليهن الجماعة فلا يكون عليهن الأذان
(2)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: أذان المرأة قيل مكروه قال صاحب الطراز: ظاهر المذهب كراهة التأذين للمرأة ثم قال: ووجه المذهب، أن رفع الصوت فى حق النساء مكروه مع الاستغناء عنه لما فيه من الفتنة وترك الحياء، وقيل ممنوع وقد نقله القرافى وقبله ونقل فى القوانين أن أذان المرأة حرام وهو ما قاله ابن فرحون وهو قول اللخمى.
أما بالنسبة لأذان الصبى فقد حكى ابن بشير الخلاف فيه بين الجواز والكراهة وقال فى المذهب قولان: الكراهة والجواز. فأما الكراهة فان المؤذن داع الى الصلاة وهذا ليس ممن يستحق الدعاء اليها. والجواز لأنه ذكر وهذا من أهله
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية لو أذنت المرأة للرجال أو للخناثى لم يصح أذانها وأثمت لحرمة نظرهما اليها ولا فرق فى الرجال بين المحارم وغيرهم لأن الأذان من شعار الرجال فلا يصح لهم من غيرهم ولا سيما فى رفعهن
(1)
كتاب الوضع ص 86، 87.
(2)
بدائع الصنائع ح 1 ص 150.
(3)
الحطاب ح 1 ص 435.
الصوت به تشبه بالرجال ولأن الأذان عبادة ليست المرأة من أهلها ولأنه يستحب النظر الى المؤذن حالة أذانه فلو استحببناه للمرأة لأمر السامع بالنظر اليها وهذا مخالف لمقصود الشارع، أما اذا أذنت المرأة للنساء فذلك جائز، لكنه غير مستحب
(1)
وقالوا يصح الأذان من الصبى العاقل لأنه من أهل العبادات
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: لا يعتد بأذان المرأة لأنه لم يشرع لها الأذان. لأن الأذان فى الأصل للاعلام ولم يشرع لها ذلك. والأذان يشرع له رفع الصوت ولا يشرع لها رفع الصوت لأن رفع صوتها منهى عنه واذا كان كذلك خرج عن كونه قربة فلا يصح، أما أذان الصبى ففيه روايتان، أولاهما صحة أذانه وذكر القاضى أن المراهق يصح أذانه رواية واحدة، وقد روى ابن المنذر باسناده عن عبد الله بن أبى بكر بن أنس قال كان عمومتى يأمرننى أن أؤذن لهم وأنا غلام لم احتلم وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك، والرواية الثانية لا يصح أذانه لأن الأذان شرع للاعلام ولا يحصل الاعلام بقوله لأنه لا يقبل خبره ولا روايته
(3)
وعند اشتراط التمييز فى المؤذن قال صاحب كشاف القناع يجزئ أذان مميز وقال فى الاختيارات الأشبه أن الأذان الذى يسقط به الفرض عن أهل القرية ويعتمد فى وقت الصلاة والصيام لا يجوز أن يباشره صبى قولا واحدا ولا يسقط الفرض ولا يعتمد فى العبادة، أما الأذان الذى يكون سنة مؤكدة فى مثل المساجد التى فى المصر ونحو ذلك فهذا فيه الروايتان والصحيح جوازه
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى ولا أذان على النساء فان أذن فحسن قال طاووس «كانت عائشة أم المؤمنين تؤذن وتقيم»
(5)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: لا يجزئ أذان المرأة لقول الله عز وجل «وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
(6)
واذا أورد النهى عن سماع الخلخالين فالنهى عن سماع الصوت أولى وأحق اذ لا يؤمن الفتنة ولا يجزئ أذان الصغير
(7)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: أجمع الأصحاب على مشروعية الأذان للنساء كما فى المدارك وفى المعتبر والمنتهى والتذكرة يجوز أن تؤذن للنساء ويعتدون به عند علمائنا والمشهور عدم تأكد الاستحباب لها كما فى البحار وفى المنتهى ليس على النساء أذان ولا اقامة ولا نعلم فيه خلافا والمراد نفى الوجوب أو نفى
(1)
نهاية المحتاج ح 1 ص 388، 398.
(2)
المهذب ح 1 ص 57.
(3)
المغنى والشرح الكبير ح 1 ص 418، 438.
(4)
كشاف القناع ح 1 ص 164.
(5)
المحلى ح 3 ص 129.
(6)
سورة النور: 31.
(7)
البحر الزخار ح 1 ص 219.
تأكد الاستحباب بشرط أن تسر أذانها أى لا تسمع الرجال الأجانب عند علمائنا، وان أذنت المرأة للرجال جاز لهم أن يعتدوا به ويقيموا لأنه لا مانع منه وفى مرسل الفقيه قال الصادق عليه السلام ليس على المرأة أذان ولا اقامة اذا سمعت أذان القبيلة ويكفيها الشهادتين ولكن اذا أذنت وأقامت فهذا أفضل
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: ليس على النساء أذان ويجزئ جماعة أذان طفل مميز
(2)
.
الأجرة على الأذان
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: من سنن الأذان أن يكون المؤذن محتسبا ولا يأخذ على الأذان أجرا ولا يحل له أخذ الأجرة على ذلك لأنه استئجار على الطاعة، وذا لا يجوز لأن الانسان فى تحصيل الطاعة عامل لنفسه فلا يجوز أخذ الأجرة عليه وفى هذا حديث وهو ما روى عن عثمان بن أبى العاص رضى الله الله تعالى عنه أنه قال: آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصلى بالقوم صلاة أضعفهم وأن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا وان علم القوم حاجته فأعطوه شيئا من غير شرط فهو حسن لأنه من باب البر والصدقة والمجازاه على احسانه لمكانهم وكل ذلك حسن
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: وتجوز الاجارة على الأذان، فمن استأجر رجلا على أن يؤذن ويقيم ويصلى جاز، وكان الأجر انما وقع على الأذان والاقامة والقيام بالمسجد لا على الصلاة، وهذا أحد الأقوال الثلاثة وقال ابن حبيب لا تجوز الاجارة على الأذان، وأجاز ذلك بن عبد الحكم فيتحصل فى الاجارة على الأذان قولان بالمنع والجواز، وقال ابن عرفة قال ابن شاش: للامام أن يستأجر على الأذان وأجرته تكون من بيت المال واختلفوا فى الأحباس الموقوفة على من يؤذن أو يصلى فقيل انها اجارة وهذا هو الذى فهمه بعضهم من أقوال الموثقين، وقيل انها اعانة ولا يداخلها الخلاف على الأذان
(4)
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: فى أخذ الأجرة على الأذان وجهان أحدهما لا يجوز، وهو اختيار أبى حامد لأنه قربة فى حقه فلم يجز أن يستأجر عليه كالامامة فى الصلاة والثانى يجوز لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر الأعمال وقد فرع على هذين الوجهين صاحب المجموع فقال: فى جواز الاستئجار على الأذان ثلاثة أوجه أصحها يجوز للامام - الحاكم - من مال بيت المال ومن مال نفسه ولآحاد الناس وأهل المحلة ومن غيرهم من مال نفسه والثانى لا يجوز الاستئجار لأحد وبه قطع الشيخ
(1)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 258 ومستمسك العروة الوثقى ح 5 ص 439.
(2)
كتاب الوضع ص 85 ومتن النيل ح 1 ص 50
(3)
بدائع الصنائع ح 1 ص 152.
(4)
الحطاب ح 1 ص 455، 456.
أبو حامد وبه قال الأوزاعى، والثالث يجوز للامام دون آحاد الناس، قال أصحابنا واذا جوزنا للامام الاستئجار من بيت المال فانما حيث يجوز الرزق من بيت المال خلافا ووفاقا قال صاحب التهذيب وان استأجر من بيت المال لم يفتقر الى بيان المدة بل يكفى أن يقول استأجرتك لتؤذن فى هذا المسجد فى أوقات الصلاة كل شهر بكذا، ولو استأجر من مال نفسه، أو استأجر آحاد الناس ففى اشتراط بيان المدة وجهان أصحهما الاشتراط
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبى العاص «واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا» رواه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه وقال، العمل على هذا عند أهل العلم، وقال: وكرهوا أن يأخذ على أذانه أجرا ولأنه يقع قربة لفاعله أشبه الامامة، ويجوز أخذ الجعالة عليه فان لم يوجد متطوع به رزق الامام من بيت المال من يقوم به لأن بالمسلمين حاجة اليه. وقال فى المغنى، لا نعلم خلافا فى جواز أخذ الرزق عليه، ولكن لا يجوز بذل الرزق من بيت المال لمن يقوم به مع وجود المتطوع لعدم الحاجة اليه
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: لا تجوز الأجرة على الأذان، فان فعل ولم يؤذن الا للأجرة لم يجز أذانه ولا أجزأت الصلاة به وجائز أن يعطى على سبيل البر وأن يرزقه الامام كذلك وعن وكيع عن المسعودى هو أبو عميس عتبة بن عبد الله - عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال:
أربع لا يؤخذ عليهن أجر، الأذان وقراءة القرآن والقاسم والقضاء. وقال: ولا تجوز الاجارة على الصلاة ولا على الأذان لكن اما أن يعطيهما الامام من أموال المسلمين على وجه الصلة واما أن يستأجرهما أهل المسجد على الحضور معهم عند حلول أوقات الصلاة فقط
(3)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: تحرم الأجرة على الأذان وان تعذر الا بها لقول النبى صلى الله عليه وسلم «لا يأخذ على أذانه أجرا»
(4)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: تحرم الأجرة على الأذان، وقد نص جماعة على أنه لا فرق فى الأجرة بين كونها من معين أو من أهل البلد أو من محلة أو بيت المال، وعن القاضى أنه نص على أنه لا يجوز له أخذ الأجرة عليه الا من بيت المال، وفى الشرائع تعطى الأجرة من بيت المال اذا لم يوجد من يتطوع وفى المبسوط: يعطى شيئا من بيت المال، وفى المنتهى والتحرير: أخذ الرزق عليه من بيت المال سائغ وفى الأجرة نظر لكنه فى تجارة
(1)
المجموع ح 3 ص 125، 127.
(2)
كشاف القناع ح 1 ص 162، 163.
(3)
المحلى ح 3 ص 145، 146 وح 8 ص 191.
(4)
البحر الزخار ح 1 ص 186.
التحرير حكم بتحريم الأجرة من دون تأمل وفى نهاية الأحكام وكشف الالتباس: اذا استأجره افتقر الى بيان المدة ولا يكفى أن تقول استأجرتك لتؤذن فى هذا المسجد فى أوقات الصلاة كل شهر بكذا، وروى فى الدعائم عن على عليه السلام أنه قال:«من السحت أجر المؤذن» يعنى اذا استأجره القوم لهم وقال: لا بأس أن يجرى عليه من بيت المال
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: يستحب عدم أخذ الأجرة على الأذان ويشهد لذلك حديث ابن عمر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤذن المحتسب كالمتشحط بدمه فى سبيل الله مادام فى أذانه ويشهد له كل رطب ويابس يسمع صوته واذا مات لم يدود فى قبره»
(2)
.
الأذان لغير الصلاة
شرع الأذان أصلا للاعلام بدخول وقت الصلاة والتنبيه عليها الا أن هناك أحوال غير الصلاة يكون للأذان فيها حكم تختلف المذاهب فيه.
مذهب الحنفية:
ورد عند الحنفية على ما جاء فى ابن عابدين: أن الأذان يندب فى أذن المولود وفى وقت الحريق والحرب وخلف المسافر ولذى هم أو غضب أو مسافر ضل فى قفر وللمصروع
(3)
.
مذهب المالكية:
اعتبر المالكية أن من البدع ما يفعله الناس حين خروجهم لتوديع المسافر فيؤذنون مرتين أو ثلاثا ويزعمون أن ذلك يرده اليهم وهذا مخالف للسنة المطهرة - أما الأذان فى أذن المولود حين يولد فقد قال الشيخ أبو محمد ابن أبى زيد فى كتاب الجامع من مختصر المدونة وأنكر مالك أن يؤذن فى أذنه حين يولد، وقال النووى فى الأذكار، قال جماعة من أصحابنا يستحب أن يؤذن فى أذن الصبى اليمنى ويقيم الصلاة فى أذنه الأخرى وقال الجزولى فى شرح الرسالة وقد استحب أن يؤذن فى أذن الصبى ويقيم حين يولد.
وقد روى فى سنن أبى داود والترمذى عن أبى رافع قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن فى أذن الحسن بن على حين ولدته فاطمة بالصلاة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ولد له مولود فأذن فى أذنه اليمنى وأقام فى أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان - أى التابعة من الجن - قال صاحب مواهب الجليل - وقد جرى عمل الناس بذلك فلا بأس به
(4)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يسن الأذان للمهموم بأن يأمر من يؤذن فى أذنه فانه يزيل الهم كما رواه الديلمى عن على: وروى أيضا أن من
(1)
مفتاح الكرامة ح 2 ص 275، 276.
(2)
كتاب الوضع ص 82، 83.
(3)
حاشية ابن عابدين ح 1 ص 357.
(4)
الحطاب ح 1 ص 33، 334.
ساء خلقه من انسان أو بهيمة فانه يؤذن فى أذنه.
ويسن أيضا الأذان خلف المسافر ما لم يكن سفر معصية فان كان السفر للمعصية فلا يسن الأذان خلفه وهو سنة أيضا فى أذن المولود حين يولد
(1)
.
مذهب الحنابلة:
عند الحنابلة جاء فى كشاف القناع أنه يسن أذان فى أذن المولود اليمنى حين يولد وأن يقيم فى اليسرى لأن النبى عليه الصلاة والسلام أذن فى أذن الحسن حين ولدته فاطمة ولخبر ابن السنى: من ولد له مولود فأذن فى أذنه اليمنى وأقام فى أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان الحديث السابق - أى التابعة من الجن - وليكون التوحيد أول شئ يقرع سمعه حين خروجه الى الدنيا، كما يلقن عند خروجه منها ولما فيه من طرد الشيطان عنه فان الشيطان يفر عند سماع الأذان
(2)
.
مذهب الشيعة الجعفرية:
أنه يستحب الأذان فى الأذن اليمنى من المولود والاقامة فى أذنه اليسرى يوم مولده لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ولد له مولود فليؤذن فى أذنه اليمنى بأذان الصلاة وليقم فى أذنه اليسرى فانها عصمة من الشيطان الرجيم. ويستحب الأذان كذلك فى الفلوات وكذلك كل من ساء خلقه من انسان أو بهيمية
(3)
.
إذن
تعريفه لغة واصطلاحا:
جاء فى القاموس: اذن له فى الشئ كسمع اذنا أباحه له، وفعله باذنى أى بعلمى واستأذنه طلب منه الأذن واذن فهو اباحة ما كان ممنوعا من فعل أو قول وعرفه بعضهم بأنه فك الحجر الثابت بالرق أو بالصبا أو بالعته واسقاط الحق
(4)
وفى الزيلعى أنه فك الحجر واسقاط الحق
(5)
ولأنه اسقاط للحق لا يتوقت ولا يتخصص حتى لو أذن للصبى أو المعتوه يوما كان مأذونا أبدا حتى يحجر عليه ولو أذن له بنوع من التجارة لم يتخصص بذلك النوع فلا يتوقف بزمان ولا بمكان ولا بنوع من التجارة
(6)
اذ أن الحجر على العبد المأذون كان قبل اذنه لحق المولى كيلا يبطل حقه وهو ملكه اياه يتعلق الدين برقبته بسبب ضعف ذمته بالرقة فاذا أذن المولى فقد أسقط حقه وكان العبد متصرفا بأهليته الأصلية ولذا لا يرجع على المولى ما يلحقه من دين وفى الشلبى عن شيخ الاسلام جواهر زاده فى مبسوطه أنه فك الحجر أو الاطلاق فى حق التجارة وذلك ما يجعله خاصا بالعبد والصبى والمعتوه الذى فى حكمه
(7)
غير أن الاذن كما يكون فى التجارة يكون فى غيرها كالاذن بالتزويج
(1)
نهاية المحتاج ح 1 ص 383 الى ص 384 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 1 ص 163 الطبعة السابقة.
(3)
مستمسك العروة الوثقى ح 5 من ص 431 الى ص 432 الطبعة السابقة.
(4)
حاشية أبو السعود على منلا مسكين ح 3 ص 299.
(5)
تبيين الحقائق ح 5 ص 203.
(6)
تبيين الحقائق وحاشية الشلبى عليه ح 3 ص 204.
(7)
الشلبى على تبيين الحقائق ح 3 ص 204.
والاذن بالنكاح والاذن بالايصاء ونحوه ولذا كان تعريفه بأنه فك الحجر مما رتب عليه الشارع حكما شرعيا مما يعد من الأسباب الشرعية أشمل لانطباقه على كل ما يطلب فيه الاذن شرعا وعلى هذا يكون الاذن فيما هو ممنوع لحق الغير من التصرفات القولية التى جعلت أسبابا لأحكام شرعية وما تستلزمه من الاقرارات.
واذ تبين من هذا التعريف أن الاذن يكون فى التصرفات الممنوعة لتعلق حق من الحقوق التى تسقط بالاذن كالاذن للعبد بأن يخدم فلانا يوم كذا والاذن له بأن يذهب الى السوق لشراء حاجة المنزل من النفقة أو الكسوة لا يعد من قبيل الاذن المصطلح عليه الذى يكون به العبد مأذونا وكذلك الاذن للعمال المستأجرين أو المتبرعين بالعمل فيما هو مملوك للاذن للاصلاح ونحوه لا يكون اذنا بالمعنى السابق بيانه وانما يعد ذلك وأمثاله من قبيل الاستخدام أو التوكيل والانابة كما يلاحظ أن تعريف الاذن بمثل ما عرف به فيما سبق يجعله من قبيل الوكالة فى كثير من أحواله وذلك اذا كان المأذون أهلا لها وعلى هذا يرى أن الاذن أشمل من الوكالة فكل وكالة تعد اذنا بما وكل فيه ولكن لا يعد كل اذن وكالة فقد يؤذن بالفعل من لا يصلح وكيلا فيه كالصبى قبل بلوغه سن التمييز وقد يأذن من لا يجوز منه التوكيل فيما أذن به لأنه لا يملك أن يباشره كالمرتهن يأذن الراهن ببيع العين المرهونة.
واذا كان الاستئذان لغة كما ذكرنا هو طلب الاذن فهو بهذا المعنى فى اصطلاح الفقهاء لا يختلف عنه وعلى هذا يكون الاستئذان شرعا فى كل ما يحظر مباشرته على طالب الاذن فيه لأمر يتعلق بحقوق من يطلب منه الاذن بحيث تتوقف صحته ونفاذه على صدور الاذن فيه ممن تعلق حقه به تعلقا يمنع من نفاذه شرعا فاذا أذن به سواء أكان ذلك نتيجة طلب ممن أراد مباشرته أو ابتداء من تلقاء نفسه كان للمأذون أن يباشره واذا باشره نفذه ومواضع الاذن أو طلبه عديدة كثيرة ذكرنا فيما يلى كثيرا منها ونكتفى عن ذكر باقيها بما بيناه آنفا.
ركنه وشروطه وحكمه:
ركنه ما دل عليه من الاطلاق والاباحة أو ما يقوم مقام ذلك فى الدلالة وشرطه كون المأذون ممن يعقل التصرف ويقصده وكون الآذن ممن يملك التصرف الذى أذن به وحكمه ملك المأذون ما كان محجورا عليه فيه ونفاذه على الأذن
(1)
.
ما يكون به الاذن:
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية عدا أبا يوسف الى أن الاذن يتحقق دلالة كما يكون صراحة فلو رأى عبده يبيع ويشترى فسكت صار مأذونا وانما جعل السكوت فى مثل هذا اذنا لأن هذا موضع يجب البيان فيه، لأن الناس يعاملون هذا العبد حين علمهم بسكوت المولى ومعاملتهم له قد تفضى الى لحوق ديون عليه، فاذا لم يكن مأذونا تتأخر المطالبة الى ما بعد العتق، وقد يعتق وقد
(1)
حاشية أبو السعود على منلا مسكين ح 3 ص 299.
لا يعتق وفى ذلك اضرار بالمتعاملين فيكون السكوت هنا فى موضع الحاجة الى البيان والسكوت فى موضع الحاجة الى البيان بيان، أما يوسف فقد ذهب الى أنه ليس اذنا، لأن السكوت يحتمل الرضا وفرط الغيظ وقلة الالتفات الى تصرفه لعلمه بأنه محجور، والمحتمل لأمور لا يكون حجة على واحد
(1)
منها وجملة القول فى ذلك أن الأصل فى الاذن أن يكون صريحا بدلالة لفظ يدل عليه أو كتابة أو اشارة مفهمة واذا كان قبل مباشرة التصرف كان من قبيل التوكيل عند كثير من الفقهاء اذا كان فيما يجوز التوكيل فيه من الآذن كالاذن ببيع شئ معين يصدر من مالكه لمن يجوز له مباشرة البيع وهو البالغ العاقل أو الصبى المميز مع مراعاة أن يكون المأذون فيه مما يملك الآذن مباشرته أما اذا كان لا يملك مباشرته استقلالا فيتمحض اذنا لا توكيلا كما فى اذن المرتهن الراهن أن يبيع العين المرهونة فان ذلك لا يعد توكيلا اذ لا يوكل مالك فى بيع ما يملك وأما اذا كان بعد مباشرة التصرف فهو ما يعرف بالاجازة والقاعدة أن الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة واذا كان لها حكم الوكالة السابقة كان لها حكم الاذن من طريق أولى اذا كان فيما لا يجوز التوكيل فيه كما فى اجازة المرتهن بيع الراهن العين المرهونة والمستأجر بيع العين المستأجرة يباشره مالكها فى مدة الاجارة، والاجازة قد تكون صريحة كأجزت ورضيت وقد تكون دلالة كما فى أحوال السكوت المعتبر اجازة لها حكم الاذن السابق وقد ذكر الحنفية فى هذا الصدد مسائل يعتبر فيها السكوت اجازة واذنا وأخرى لا يعتبر كذلك، ومن النوع الأول: اذا رأى المالك أجنبيا يبيع ماله فسكت ولم ينهه لم يكن ذلك اجازة لبيعه ولو رأى القاضى الصبى أو المعتوه أو عبدهما يبيع ويشترى فسكت لا يكون اذنا بالتجارة ولو رأى المرتهن الراهن يبيع الرهن فسكت لا يكون اذنا ولا يبطل الرهن ولو رأى عبده يتزوج فسكت لا يكون ذلك اذنا ولا اجازة وذكروا مما خالف ذلك سكوت البكر عند استئمار وليها يعد اجازة وسكوتها عند قبض مهرها وسكوتها اذا بلغت وهى بكر واذا حلفت ألا تتزوج فزوجها أبوها وهى ساكتة حنثت، وسكوت الواهب عند قبض الموهوب اذن بالقبض وسكوت البائع عند قبض المشترى المبيع قبل دفع الثمن اذن وسكوت المولى عند رؤية عبده يبيع ويشترى اذن بالتجارة والسكوت قبل البيع عند اخباره بالعيب فى المبيع رضا بالعيب وسكوت الموكل عند اخباره من الوكيل أنه يشترى لنفسه اذن وسكوت ولى الصبى العاقل اذا رآه يبيع ويشترى اذن وسكوت الراهن عند قبض العين المرهونة اذن
(2)
مذهب المالكية:
ذهب المالكية الى أن الاذن يكون صراحة ويكون ضمنا كشرائه لمن أريد أذنه بضاعة ووضعها بحانوت مثلا وأمره بجلوسه للتجارة بها وكمكاتبة لأنها اذن حكما
(1)
الهداية والعناية ح 7 ص 335 الطبعة الاميرية.
(2)
ص 184 فى أول الاشباه والنظائر طبع استامبول.
لاحرازه بها نفسه وماله، وقال العدوى:
لا مانع من أن يجعل من الاذن الحكمى ترشيد السيد له بأن يقول رشدتك
(1)
.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية الى أن الاذن لا بد أن يكون صراحة فلا يصير الرقيق مأذونا له بسكوت سيده على تصرفه، لأن ما يكون الاذن شرطا فيه لا يكفى فيه السكوت كبيع مال غيره وهو ساكت
(2)
وخرج عن ذلك بمقتضى الحديث سكوت البكر فى النكاح يعد اذنا اذا زوجها الأب والجد اتفاقا أو أحد العصبة على الأصح
(3)
.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة الى ما ذهب اليه الشافعية من وجوب التصريح فان رأى العبد سيده والصبى وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا، لأنه تصرف يفتقر الى الاذن فلم يقم السكوت مقام الاذن كما لو باع الراهن الرهن والمرتهن ساكت أو باعه المرتهن والراهن ساكت وكتصرفات الأجانب
(4)
.
مذهب الظاهرية:
يرى الظاهرية أن العبد يملك ما يكسبه الا أن يأخذه منه سيده وتصرفه فيما يكسبه نافذ بدون اذن سيده والصبى لا ينفذ تصرفه فى ماله ولا يجوز الا أن يبلغ رشيدا ومعنى الرشد عندهم الدين وخلافه الغى لا المعرفة بكسب المال والصلاح فى تدبيره وصرفه ومن ذلك يظهر أنه ليس كل من العبد والصبى فى حاجة الى اذن اذا تصرفا لأن تصرف الأول فى ماله نافذ كتصرف الحر وتصرف الثانى فى ماله غير جائز ولا أثر للاذن فيه
(5)
.
مذهب الزيدية:
يقول الزيدية: انما يصير العبد والصبى مأذونين حيث صارا مميزين وأذن لهما وليهما اذنا عاما أو خاصا، واذا نطق بالاذن صح تصرفه فان رآه يتصرف وسكت عنه صار مأذونا فى كل شئ وفى بيع ما اشتراه، الا اذا كان يبيع مال السيد فان السكوت لا يكفى
(6)
.
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية الى أن الاذن لا يكون بالسكوت ولا يترتب عليه أثره من نفاذ ما أذن فيه الا اذا كان صريحا فلو تصرف العبد أمام سيده فلم يعترض ولم ينهه لم يكن ذلك اذنا
(7)
.
هل الاذن توكيل
؟
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية الى أن الاذن ليس بتوكيل خلافا لزفر فقد قالوا ان الاذن يسقط حق الآذن بخلاف التوكيل فانه لا يسقطه، وعلى
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ح 3 ص 304
(2)
مغنى المحتاج ح 2 ص 100 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1958.
(3)
الاشباه والنظائر للسيوطى ص 153.
(4)
الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ح 4 ص 606 طبعة المنار.
(5)
المحلى لابن حزم.
(6)
البحر الزخار ح 3 ص 302، 303.
(7)
تحرير الاحكام للحلى ح 1 ص 201.
هذا لا يتقيد الاذن بزمان ولا بنوع من أنواع التصرف الذى يعد من التجارة لسقوط حق الآذن الذى انبنى عليه الحجر به بخلاف التوكيل فانه يتقيد بالزمان والمكان والنوع والعبد أهل للتصرف حال الرق، اذ ركن التصرف كلام معتبر شرعا لصدوره عن تمييز ومحل التصرف ذمة صالحة لالتزام الحقوق، وهما لا يفوتان بالرق، لأنهما من كرامات البشر، وهو بالرق لا يخرج عن أن يكون بشرا، الا أنه حجر عليه من التصرف لحق المولى وهو ملكه لرقبته حتى لا يبطل حقه بتعلق الدين برقبته لضعف ذمته بالرق ولذا لا يجب المال فى ذمته الا وهو شاغل لرقبته فاذا أذن للولى فقد أسقط حقه فكان العبد متصرفا بأهليته الأصلية لنفسه ولهذا لا يرجع على المولى بما لحقه من العهدة ولا يتوقت بزمان ولا بمكان ولا بنوع من التجارة وانما يخلفه المولى فى الملك فقط لتعذر ثبوته له وهو فيما عدا ذلك كالحر
(1)
وكذلك الصبى والمعتوه اذا كانا يعقلان البيع والشراء فاذا أذن لهما وليهما فيما يعد من التجارة فانهما لا يتقيدان بنوع من التجارة دون نوع بخلاف ما اذا أذنه بما لا يعد تجارة كاذنه بأن يتزوج أو اذنه بشراء شئ بعينه كالطعام والكسوة أو أمره ببيع ثوب بعينه فانه لا يكون مأذونا بذلك لأن هذا يعد من قبيل الاستخدام أو التوكيل
(2)
، أما زفر من الحنفية فانه ذهب الى أن الاذن توكيل وانابة لأنه يتصرف للمولى باذنه والمانع من التصرف هو الرق وهو باق بعد الاذن وعلى ذلك يصح تقييد الآذن عنده حتى لا يجوز له أن يجاوز ذلك التقييد كما هو الحكم فى الوكيل لأنه يتصرف للموكل فلا يملك الا ما أطلق له
(3)
وكذلك الحكم عند الاذن للصبى والمعتوه اذا كانا مميزين يعقلان البيع والشراء فى كل ما ذكر من الصور والأحكام
(4)
.
مذهب المالكية:
يذهب المالكية الى أن للمأذون أحوالا يكون فى واحدة منها وكيلا وفى الباقى كالوكيل فقد جاء فى الشرح الصغير وحاشية الصاوى عليه: والمأذون من أذن له سيده أن يتجر فى مال نفسه والربح له أو لسيده أو فى مال السيد والربح للعبد وأما اذا جعل الربح للسيد فهو وكيل حقيقة، فصور المأذون أربع ثلاثة يكون فيها كالوكيل والرابعة يكون فيها وكيلا حقيقة
(5)
.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية الى أن الاذن للعبد فى التجارة ليس توكيلا فقد جاء فى مغنى المحتاج
(6)
لو باع السيد العبد المأذون له أو عتقه انتهى الاذن لأن اذنه له استخدام لا توكيل، ومرد ذلك أن استخدامه قد انتهى بصيرورته ملكا لغير سيده الآذن أو بصيرورته حرا بعتقه، والظاهر من هذا أنهم لم يجعلوا الاذن للرقيق توكيلا لأنه يستخدم فى التصرفات فلا يكون وكيلا عرفا وأما الصبى المميز فلا يصح أن يكون وكيلا
(1)
الزيلعى ح 5 ص 203، ص 204 الطبعة الاميرية.
(2)
الزيلعى ح 5 ص 219 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ح 5 ص 203، ص 204.
(4)
الزيلعى ح 5 ص 319.
(5)
الشرح الصغير وحاشية الصاوى ح 2 ص 126 طبع المطبعة الخيرية.
(6)
ح 2 ص 100 طبعة مصطفى الحلبى.
عندهم فقد جاء فى نهاية المحتاج عدم جواز توكيله فيما لا يصح له مباشرته لنفسه لأنه اذا كان ممنوعا من ذلك لنفسه فأولى أن يمنع لغيره ولكن يصح توكيله فى نحو تفرقة زكاة وذبح أضحية أى من كل عمل لا يستتبع التزاما وانما يكون لتنفيذ ارادة وذكروا أن الصحيح اعتماد اخبار صبى مأمون لم يجرب عليه كذب فى الاذن بدخول الدار وايصال الهداية الى صاحبها وفرقوا بين الاذن والتوكيل بأن التوكيل قد يستتبع الأجر على العمل بخلاف الاذن
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يذهب الحنابلة فيما يظهر من بيانهم للآثار المترتبة على الاذن أنه من قبيل التوكيل اذ لا يرى فيها أى حكم يخالف حكم التوكيل ومن هذا ما جاء عندهم من أن جميع دين العبد المأذون له وكذلك ما اقترضه ونحوه يتعلق بذمة سيده لأنه متصرف له ولهذا كان له الحجر عليه وامضاء بيع شرط فيه الخيار له وسواء فى ذلك ما استدانه للتجارة فيما أذن له فيه أو غيره اذا نص عليه فى الاذن
(2)
وما جاء فى كشاف القناع لا يختلف عن ذلك.
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية: والعبد فى جواز صدقته وهبته وبيعه وشرائه وكفالته كالحر والأمة كالحرة ما دام ذلك فى أموالهما التى لم ينزعها منهما السيد
(3)
أما الصبى فلا يحل بيعه وشراؤه الا فيما لا بد له منه ضرورة كطعام لأكله وثوب للبسه الضرورى وما جرى هذا المجرى اذا غفله أهل محلته وضيعوه وعلى ذلك فليس لدى الظاهرية اذن بمعنى فك الحجر.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية الى أن الاذن ليس توكيلا فقد جاء فى البحر الزخار ردا على من قال:
ان العبد المأذون كالوكيل فدين المعاملة يتعلق بذمة السيد، قلنا: الاذن اطلاق الحجر لا توكيل وقالوا أيضا: واذا أذن له ببيع شئ كان وكيلا فيه، ومأذونا فى غيره
(4)
ومن هذا يفهم أن الاذن يكون توكيلا اذا كان اذنا خاصا ببيع شئ بعينه، أما غيره فيكون مأذونا فيه فهما يتفقان فى حال دون غيرها.
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية الى أن بيع العبد مال سيده باذنه صحيح وبغير اذنه موقوف على اجازته وكذلك حكم الشراء والاذن لا يستفاد بالسكوت فلو رآه يتجر ولم ينهه لم يكن مأذونا
(5)
واذا اذن ولى الصبى موليه بالتصرف فيما يجوز للولى مباشرته جاز تصرفه، ومن هذا يظهر أن الاذن عندهم من قبيل التوكيل اذ لا يختلف معه فى الحكم.
هذا ومما يلاحظ فى التفرقة بين الاذن والوكالة أن الاذن قد يصدر ممن لا يملك
(1)
نهاية المحتاج ح 5 من ص 17 الى ص 19.
(2)
مطالب أولى النهى ح 3 ص 423.
(3)
المحلى ح 9 ص 160 مسألة رقم 1642، ح 8 ص 117 مسألة رقم 1230.
(4)
البحر الزخار ح 3 ص 303.
(5)
تحرير الاحكام ح 1 ص 164، ص 201، ص 218.
التوكيل فيأذن الانسان فيما لا يملك أن يباشره بنفسه ولا يملك أن يوكل فيه وعند ذلك يصح اذنه ويكون معتبرا فى نفاذ تصرف المأذون وذلك كما فى المرأة لا تملك أن تباشر عقد زواجها ولو كانت رشيدة عند جمهور الفقهاء وانما يباشره وليها على حسب ما فصل ذلك فى موضعه وعند اشتراط رضاها واذنها فى نفاذ العقد وجب لنفاذه اذنها لوليها فيه فى حين أنها لا تملك أن تباشره.
اذن الرقيق والصبى بالتجارة:
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية الى أن الاذن بالتجارة نوعان فقد جاء فى تحفة الفقهاء: الاذن نوعان خاص وعام، أما الاذن الخاص فكأن يقول لعبده: اشتر بدرهم لحما لنفسك أو اشتر كسوة لنفسك أو لفلان فاشتراه فانه يجوز ويكون مأذونا فى ذلك خاصة والقياس أن يكون مأذونا فى الأنواع كلها لأن الاذن بالتصرف لا يتجزأ، وفى الاستحسان يقتصر على ما أذن فيه لأن هذا من باب الاستخدام، ولو تعدى الاذن الى غيره ولم يكن من قصد المولى أن يكون مأذونا فى التجارة لا يقدر على الاستخدام، وأما الاذن العام فكأن يقول: أذنت لك فى التجارات أو فى التجارة ويصير مأذونا فى الأنواع كلها بلا خلاف أما اذا أذن بالتجارة فى نوع بأن قال: اتجر فى البز أو فى بيع الطعام أو نحو ذلك فانه يصير مأذونا فى أنواع التجارة عندنا وعند زفر يقتصر الاذن على ما سمى وكذلك اذا قال له: اقعد فى التجارة أو فى الصناعة يصير مأذونا فى جميع أنواع الحرف، واذا قال له أذنت لك أن تتجر شهرا أو سنة يصير مأذونا له فى جميع الأوقات ما لم يحجر عليه حجرا عاما وكذا اذا قال: اتجر فى البز ولا تتجر فى الخز لا يصح نهيه ويعم الاذن النوعين وغيرهما والمسألة معروفة: أن الاذن تمليك التصرف أو اسقاط الحق وفك الحجر
(1)
، وكذلك يكون الاذن استخداما لو أذنه بتأجير نفسه لفلان فقد جاء فى الزيلعى:
وأما اذا أمره بشراء شئ بعينه كالطعام والكسوة لا يكون مأذونا له بالتجارة لأنه استخدام ولو صار مأذونا له لأفسد على المولى باب الاستخدام خشية ثبوت الاذن له بالتجارة من غير رغبة فى ذلك ولا قصد وعلى هذا لو أمره ببيع ثوب بعينه لا يكون مأذونا له وكذا لو قال: آجر نفسك من فلان لأنه أمره بعقد واحد فيكون استخداما بخلاف ما اذا قال له: آجر نفسك من الناس أو اقعد صباغا أو خياطا أو قصارا لأنه أمره بعقود متعددة فيدل ذلك على الاذن
(2)
والحكم اذا صار مأذونا له فى التجارة قد بينه الزيلعى فقال: اذا صار مأذونا له فى جميع التجارات كان له أن يبيع ويشترى وان كان فيه غبن فاحش عند أبى حنيفة رحمه الله وقالا: لا يجوز بمحاباة لا يتغابن الناس فى مثله، لأن الغبن الفاحش جار مجرى التبرع حتى اعتبر من المريض من
(1)
حاشية الشلبى ح 3 ص 484.
(2)
الزيلعى ح 5 ص 205.
ثلث ماله .. وأبو حنيفة يرى أنه تجارة لا تبرع لأنه وقع فى ضمن عقد التجارة، والواقع فى ضمن الشئ يكون له حكم ذلك الشئ وهذا لأن التجارة مبادلة مال بمال ولهذا تجرى فيه أحكام البيع فى الكل كوجوب الشفعة وجواز المرابحة وقد فك الحجر عنه فى حق التجارة فيتناول الجميع
(1)
أما الصبى المأذون له بالتجارة فقد جاء فى الزيلعى
(2)
عنه واذا أذن للصبى أو المعتوه الذى يعقل البيع والشراء وليه فهو فى الشراء والبيع كالعبد المأذون له فى جميع ما ذكرنا من الأحكام من أنه لا يتقيد بنوع من التجارة دون نوع ويكون مأذونا له بسكوت الولى حينما يراه يبيع ويشترى، ويجوز بيعه بالغبن الفاحش عند أبى حنيفة خلافا لهما .. والمراد بكونه يعقل البيع والشراء أن يعلم أن البيع سالب للملك والشراء جالب له، وأن يقصد به الربح ويعرف الغبن اليسير من الفاحش.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه
(3)
بخصوص الاذن: ولو أذن له فى نوع خاص كالبز فكوكيل مفوض فيما أذن له فيه وفى غيره من بقية الأنواع، فاذا تصرف فى غير ذلك النوع الذى أذن فيه كان تصرفه ماضيا بل وجائزا ابتداء، خلافا لما ذكره عبد الباقى من مضيه بعد الوقوع وان كان غير جائز ابتداء، والحاصل أن فى جواز القدوم على التصرف فى غير ما أذن له فيه ولو اشتهر منعه منه خلافا.
والمعتمد الجواز كما قال العدوى، والحكم اذا صار مأذونا له قد بينه فى الشرح الكبير والدسوقى فقال: وله أن يضع عن بعض غرمائه من دين له عليه بالمعروف وأن يؤخر غريما بما حل عليه ما لم يبعد التأخير والا منع، والبعد أيضا معتبر بالعرف، ويضيف بطعام يدعو له الناس، وله الاعارة ان استألف أى تأليفا للتجار وفى المدونة:
لا يجوز للعبد أن يعير من ماله عارية مأذونا كان أو غير مأذون، وكذا العطية، وله أن يأخذ قراضا من غيره وربح القراض كأجرة خدمته لا يقضى منه دينه ولا يتبعه المقرض ان عتق، لأنه باع به منافع نفسه فأشبه ما لو استعمل نفسه فى الاجارة، وله أن يدفع القراض لمن يعمل فيه
(4)
أما الصغير المميز فقد جاء فى مواهب الجليل ما نصه:
المراد بالاذن فى قولنا اذا باع المحجور أو اشترى بغير اذن وليه أن يأذن له فى خصوصية العقد المفروض وليس المراد أن يأذن له فى البيع والشراء على العموم كما يأذن السيد لعبده فى التجارة فان ذلك لا يقصد، قال فى أواخر كتاب المديان من المدونة:
واذا عقل الصبى التجارة فاذن له أبوه أو وصيه أن يتجر لم يجز ذلك الاذن لأنه مولى عليه
(5)
.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية الى أن الاذن فى التجارة قد يكون خاصا وقد يكون عاما فان كان خاصا لا يصح أن يتجاوز المأذون ما أذن
(1)
الزيلعى ح 5 ص 206.
(2)
ح 5 ص 207.
(3)
ح 3 ص 304 طبع مصطفى الحلبى.
(4)
الشرح الكبير والدسوقى ح 3 ص 304.
(5)
مواهب الجليل ح 4 ص 247.
فيه، وقد بين ذلك فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج
(1)
وان أذن له سيده فى التجارة تصرف بالأجماع، لأن المنع لحق السيد وقد زال، وذلك بحسب اذن سيده، لأن تصرفه مستفاد من الاذن فاقتصر على المأذون فيه ولا يشترط قبول المأذون، فان أذن له فى نوع كالثياب أو فى وقت كشهر كذا أو فى بلد لم يتجاوزه كالوكيل وعامل القراض .. فاذا لم ينص على شئ تصرف بحسب المصلحة فى كل الأنواع والأزمنة والبلدان، والحكم اذا أذن له فى التجارة قد جاء بيانه فيهما بما يأتى: ويستعيد بالاذن فى التجارة كل ما يندرج تحت اسمها وما كان من لوازمها وتوابعها كالنشر والطى وحمل المتاع الى الحانوت والرد بعيب ومخاصمة فى عهدة والمراد المخاصمة الناشئة عن المعاملة، أما مخاصمة الغاصب والسارق ونحوهما فلا كما صرح به الرافعى فى عامل القراض، وهذا مثله .. وليس له نكاح لنفسه ولا لرقيق التجارة، ولا يأذن للعبد الذى اشتراه للتجارة فى تجارة بغير اذن سيده ولا ينفق على نفسه من مال التجارة، ولو غاب السيد فالوجه الجواز اذا لم يوجد حاكم يراجعه فى ذلك ولا يتبرع لأنه ليس من أهل التبرع ويقبل اقرازه بديون المعاملة أما الصبى المميز فانه لا يصح تصرفه ولو أذنه الولى فيه كما يدل عليه ما جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج
(2)
وشرط العاقد بائعا أو مشتريا الرشد، وهو أن يتصف بالبلوغ والصلاح لدينه وماله فلا يصح من صبى وان قصد اختباره .. وقد جاء فى اختبار الصبى أنه قبيل البلوغ أو عنده: وحجر الصبى يرتفع ببلوغه رشيدا ويختبر رشد الصبى ويختلف بالمراتب، فيختبر ولد التاجر بالبيع والشراء والمماكسة فيهما وولد الزارع بالزراعة والنفقة على القوام بها، والمحترف بما يتعلق بحرفته ..
ووقت الاختبار قبل البلوغ وقيل بعده، فعلى الأول: الأصح أنه لا يصح عقده، بل يسلم اليه المال ويمتحن فى المماكسة فاذا أراد العقد عقد الولى لما تقرر من بطلان تصرفه
(3)
.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة الى أنه يجوز أن يأذن السيد لعبده فى التجارة لأن الحجر عليه انما كان لحق سيده فجاز له التصرف باذنه، وينفك عنه الحجر فى قدر ما أذن له فيه، لأن تصرفه انما جاز باذن سيده فزال الحجر بقدر ما أذن فيه كالوكيل فان دفع اليه مالا يتجر فيه كان له أن يبيع ويشترى ويتجر فيه وان أذن له أن يشترى فى ذمته جاز، وان عين له نوعا من المال يتجر فيه. جاز ولم يكن له التجارة فى غيره لأنه متصرف بالاذن من جهة الآدمى فوجب أن يختص بما أذن له فيه كالوكيل والمضارب
(4)
ولكن لا يجوز أن يؤجر نفسه ولا أن يتوكل لانسان لأنه عقد على نفسه فلا يملكه بالاذن فى التجارة كبيع نفسه وتزوجه، كما لا يجوز له التبرع بهبة الدراهم ولا كسوة الثياب.
وتجوز هبته المأكول واعارة دابته واتخاذ
(1)
ح 2 ص 99، 100.
(2)
ح 2 ص 7.
(3)
مغنى المحتاج ح 2 ص 166، ص 169، ص 170.
(4)
المغنى لابن قدامة ح 5 ص 199.
الدعوة ما لم يكن اسرافا
(1)
أما الصبى المميز فقد ذكر صاحب المقنع والمقدسى أنه يجوز لولى الصبى المميز أن يأذن له فى التجارة فى احدى الروايتين ويصح تصرفه بالاذن والثانية لا يصح حتى يبلغ وهو قول الشافعى لأنه غير مكلف فأشبه غير المميز ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذى يصلح به للتصرف لخفائه وتزايده تزايدا خفى التدريج فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة، ولنا أى على الرواية الأخرى الراجحة قوله تعالى «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» ، ومعناه اختبروهم لتعلموا رشدهم وانما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف اليهم من البيع والشراء ليعلم هل يغبن أم لا ولأنه عاقل مميز محجور عليه فصح تصرفه باذن وليه كالعبد
(2)
، والحكم اذا حصل الاذن له أنه لا ينفك عنه الحجر الا فيما اذن له فيه وفى النوع الذى أمر به لأن التصرف انما جاز باذن الولى فزال الحجر فى قدر ما أذن فيه دون غيره كالتوكيل وان أذن له فى جميع أنواع التجارة لم يجز أن يؤجر نفسه ولا أن يتوكل لغيره لأنه عقد على نفسه فلا يملكه بالاذن فى التجارة وتوكيل هذا المأذون غيره فيما يتولى مثله بنفسه على روايتين احداهما لا يجوز لأنه تصرف بالاذن فاختص بما أذن له فيه ولم يؤذن له بالتوكيل. والثانية يجوز لأنه يملك التصرف بنفسه فملكه بنائبه كالمالك الرشيد ولأنه أقامه مقام نفسه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم فى كتابه المحلى أنه لا يجوز أن يدفع الى من لم يبلغ شئ من ماله ولا نفقة يوم فضلا عن ذلك الا ما يأكل فى وقته وما لبس لطرد الحر والبرد من لباس مثله ويوسع عليه فى كل ذلك
(4)
وقال فى موضع آخر: ولا يحل بيع من لم يبلغ الا فيما لا بد له منه ضرورة كطعام لأكله وثوب يطرد به عن نفسه البرد والحر وما جرى هذا المجرى اذا أغفله أهل محلته وضيعوه ثم قال: وأما بيع من لم يبلغ لغيره بأمر ذلك الآخر وابتياعه له بأمره فهو نافذ جائز لأن يده وعقده انما هما يد الآمر وعقده فهو جائز
(5)
ومن هذا يؤخذ أن الصغير مميزا أو غيره لا يؤذن له فى التجارة فى ماله أما فى مال غيره فانه يصح ذلك ويكون تصرفه جائزا نافذا فيما أخبر بمباشرته خاصة وظاهر أنه لا بد من التمييز فى هذه الحال لأنه مدار التصرف دائما.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية الى جواز الاذن بالتجارة للعبد والصبى المميزين فقد جاء فى البحر الزخار
(6)
وانما يصير الصبى والعبد مأذونين حيث صارا مميزين وأذن لهما وليهما اذنا عاما أو خاصا نطقا أو سكوتا، والحكم اذا صارا مأذونين قد ذكره صاحب البحر الزخار
(7)
بقوله: وللمأذون البيع والشراء
(1)
المغنى ح 5 ص 200.
(2)
متن المقنع وشرحه والشرح الكبير للمقدسى ح 4 ص 605 طبعة المنار.
(3)
المقنع وشرحه للمقدسى ح 4 ص 606.
(4)
المحلى ح 8 ص 318 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى ح 9 ص 20.
(6)
ح 3 ص 302، 303.
(7)
ح 3 ص 303، 304.
ولو غبن الغبن المعتاد لا الفاحش اذ لا يتناوله الاذن، واذا أذن له بالتجارة مطلقا صح للعموم وقبل لا للجهالة كالوكالة المجهولة قلنا الوكالة العامة تصح فان قال اتجر فى هذا المال صح قولا واحدا وللمأذون فى التصرف ما جرت العادة للتجار بمثله فيرهن ويرتهن ويوكل ويبيع بالعرض وغيره مما يتعامل به ولو بغير نقد البلد. والمذهب أن يبيع بالنسيئة المعتادة وليس له السفر بالمال اذ لا يتناوله الاذن بالتجارة اذ هى البيع والشراء لا السفر بخلاف المضارب ولا يضيف أو يهب أو يتصدق اذ ذلك تفريط ولا يؤاجر نفسه ولا يأذن لعبد اشتراه بالتجارة ولا يكفل ببدن ولا مال ولا يقرض ولا يبيع من سيده ان لم يكن هو وما فى يده مستغرقا بالدين بخلاف المضارب ووجه منع هذه الأمور أن الاذن المطلق لا يتناولها قيل فان جرى بمثلها عرف جازت.
مذهب الإمامية:
لا يجوز الإمامية الاذن للصبى الذى لم يبلغ الحلم بالتصرف فى ماله بيعا وشراء، فقد جاء فى كتاب تحرير الأحكام للحلى
(1)
ما نصه هل يجوز تصرف الصبى المميز فيما أذن له الولى فيه أولا؟ الأقرب عدم جواز ذلك وكذلك الحكم لو تصرف بغير اذن الولى فلا يتوقف على الاجازة ويقع باطلا، أما تصرف العبد بغير اذن مولاه فهو موقوف على الاجازة ان أجازه نفذ وان لم يجزه بطل وتصرفه المأذون له فيه نافذ وعلى ذلك يجوز عند الإمامية أن يؤذن بالتجارة لأن الاذن قد يكون خاصا وقد يكون عاما وذلك جائز فى التوكيل عندهم اذ يجوز فيه أن يكون عاما.
اذن الورثة فى الوصية:
مذهب الحنفية:
المراد من اذن الورثة فى الوصية اجازتهم لمورثهم بها حال حياته بعد حصولها أو السماح بها قبل حصولها فى حالة ما اذا كانت الوصية تتوقف على اجازتهم كالوصية للوارث أو بأكثر من الثلث للأجنبى والحنفية يذهبون الى أنه لا يصح اجازتهم اياها حال الحياة بعد صدورها ولا اذنهم بها قبل صدورها فقد جاء فى الزيلعى
(2)
ولا معتبر باجازتهم حال حياته لأنها قبل ثبوت الحق اذ الحق يثبت لهم بالموت فكان لهم أن يرجعوا عن الاجازة بعد موت الموصى ويردوا تلك الاجازة لأنها وقعت ساقطة لاغية لعدم مصادفتها المحل وكل ساقط فى نفسه مضمحل متلاش فكان لهم أن يردوه بعد موت المورث ومثل ذلك فى الحكم اذنهم بها قبل صدورها، فالمعروف أن الاجازة اللاحقة للتصرف كالاذن السابق فسواء أجازوها بعد حصولها أو سمحوا بها قبل حصولها لا يلزمهم بهذا الاذن شئ ولهم الرجوع فيه بعد موته سواء كانت الوصية لوارث مطلقا أو بأكثر من الثلث لأجنبى.
مذهب المالكية:
ذهب المالكية الى بطلان الوصية فى الأصح ولو أجازها الورثة فقد جاء فى
(1)
تحرير الاحكام ح 1 ص 220.
(2)
ح 6 ص 183.
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى
(1)
وبطل الايصاء لوارث كالايصاء لغير وارث بزائد عن الثلث ويعتبر الزائد يوم التنفيذ لا يوم الوصية وان أجيز ما أوصى به للوارث أو ما زاد على الثلث أى أجازه الورثة فعطية منهم أى ابتداء عطية لا تنفيذ الوصية الموصى فلا بد من قبول الموصى له وحيازته قبل حصول مانع للمجيز هذا هو الشهور. وهو مذهب المدونة. وذهب ابن القصار وابن العطار الى أنه ليس ابتداء عطية وانما هو تنفيذ لما فعله الميت، وعلى ذلك تصح بالاجازة من الورثة اذا كانت بعد الوفاة أما اذا كانت حال الحياة بعد صدورها أو أذن بها قبل صدورها فلا يعتد بها الا اذا توافرت أربعة شروط.
أن يصدر الاذن أو الاجازة فى مرض الموصى مرضا مخوفا يغلب فيه الموت.
أن يموت من ذلك المرض.
ألا يكون لمن أجاز أو أذن عذر فى ذلك كخوفه من أن يقطع الموصى انفاقه عليه اذا خالف رغبته فرفض الاذن أو خالفه بسبب من الأسباب.
أن يأذن الوارث أو يجيز وهو على علم بأن له حق رد هذه الوصية واجازتها فان كان يجهل ذلك وقد أجاز أو أذن على أساس أنها نافذة عليه ثم تبين أن له ردها كان له أن يرجع، وهو الذى نقله أبو محمد والباجى عن المذهب.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية الى أن فى الاجازة رأيين كما ذهب المالكية فقد جاء فى المهذب.
واختلف القول فى الوصية للوارث ففى أحد القولين لا تصح لما روى جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا وصية لوارث، ولأنها وصية لا تلزم لحق الوارث فلم تصح كما لو أوصى بمال لهم من غير الميراث وعلى هذا تكون الاجازة هبة مبتدأة يعتبر فيها ما يعتبر فى الهبة والثانى تصح موقوفة على اجازة الورثة لما روى ابن عباس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تجوز الوصية لوارث الا أن يشاء الورثة، وليس يصح ما وقع باطلا وليس للاجازة حال الحياة أى اعتبار فهى اجازة ملغاة ومثل ذلك فى الحكم الاذن بها حال الحياة قبل صدورها
(2)
.
مذهب الحنابلة:
أما الحنابلة فانهم ذهبوا الى رأيين كما ذهب المالكية فقد جاء فى المغنى لابن
(3)
قدامة ان أجازها الوارث جازت فى قول جمهور العلماء وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة وان أجازها سائر الورثة الا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذا من ظاهر قول أحمد فى رواية حنبل: لا وصية لوارث، واحتجوا بظاهر قول النبى صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث) وظاهر مذهب أحمد والشافعى أن الوصية صحيحة فى نفسها لأنه تصرف صدر من أهله فى محله فصح كما لو أوصى لأجنبى، والخبر قد روى فيه:
الا أن يجيز الورثة. والاستثناء من النفى اثبات فيكون ذلك دليلا على صحة الوصية
(1)
ح 4 ص 427، 437.
(2)
المهذب باب الوصية.
(3)
المغنى ح 6 ص 419
عند الاجازة اذا كانت بعد الوفاة، وقد بينوا أن الرد والاجازة لا يعتبر الا بعد الموت وأن الاجازة بمعنى الاذن فى حال الحياة فقد جاء فى المغنى،
(1)
ولا يعتبر الرد والاجازة الا بعد موت الموصى فلو أجازوا قبل ذلك ثم ردوا أو أذنوا لمورثهم فى حياته بالوصية بجميع المال أو بالوصية لبعض الورثة ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته فلهم الرد.
مذهب الظاهرية:
أما الظاهرية فان ابن حزم يقول فى المحلى: لا تحل الوصية لوارث أصلا سواء كان وارثها عند الوصية أو عند الموت فان أوصى لغير وارث فصار وارثا عند موت الموصى بطلت الوصية وان أوصى لوارث ثم صار غير وارث لم تجز له الوصية لأنها اذ عقدها كانت باطلة وسواء جوز الورثة ذلك أو لم يجوزوا الا أن يبتدئوا هبة لذلك من عند أنفسهم
(2)
وكما لم يعتبر اجازة الوصية للوارث من باقى الورثة لم يعتبرها فيما زاد على الثلث فقد جاء فى المحلى: ان فضلت فضلة من المال بعد أن يخرج من رأس المال دين الغرماء ثم كفن الميت. كانت الوصية فى الثلث فما دونه لا يتجاوز بها الثلث:
كان له وارث أو لم يكن أجاز الورثة أو لم يجيزوا
(3)
.
مذهب الزيدية:
أما الزيدية فانهم قد انقسموا فذهب الهادى والناصر وأبو طالب وأبو العباس منهم الى أنها تجوز للوارث لقوله تعالى:
«كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» وقد نسخ الوجوب الذى تقتضيه الآية. ونسخ الوجوب لا يقتضى نسخ الجواز. وقال زيد بن على والمؤيد بالله لا تجوز لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تجوز الوصية لوارث الا أن يشاء الورثة» واجازة الورثة فى المذهب تقرير لفعل الموصى. أما الوصية بما زاد على الثلث فقد قال القاضى يحيى انها صحيحة موقوفة على الاجازة وقيل لا تصح لنهيه صلى الله عليه وسلم سعدا عن الزيادة والنهى يقتضى الفساد
(4)
، وعلى القول بجوازها ونفاذها فى الحالين عند اجازة الورثة تكون هذه الاجازة صحيحة اذا صدرت حال حياة الموصى فى مرضه أو فى صحته أم صدرت بعد وفاته ومثلها فى الحكم اذنه بها قبل صدورها فلا يحتاج بعده الى اجازتها وهذا هو المعتمد عند الزيدية، «المنترع» .
مذهب الإمامية:
أما الإمامية فقد ذهبوا الى أن الوصية للوارث جائزة فلا تحتاج لاذن الورثة الآخرين أما الذى يحتاج فهو الوصية بأزيد من الثلث مطلقا سواء كانت لوارث أم لغير وارث. فقد جاء فى المختصر النافع وتصح الوصية للوارث كما تصح للأجنبى ولو أوصى بزيادة عن الثلث صحت فى الثلث وبطلت فى الزائد. فان أجاز الورثة بعد الوفاة صح وان أجاز بعض منهم صح فى
(1)
المغنى ح 6 ص 428.
(2)
المحلى ح 9 ص 316.
(3)
المرجع السابق ح 9 ص 252، 317.
(4)
البحر الزخار ح 5 ص 308، 309.
حصته وان أجازوا أو أذنوا بها قبل الوفاة ففى لزوم ذلك قولان والمروى اللزوم
(1)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن الوصية حال حياة الموصى لا يبطلها الا اذا ردها الموصى له وعلم به الموصى قبل وفاته أما اذا مات قبل أن يعلم فهى على حالها وهى لا تنفذ الا فى حدود الثلث كما لا تكون نافذة اذا صدرت لوارث وهى فى الحالين متوقفة على اجازة الورثة واجازتهم اياها صحيحة سواء صدرت حال حياة الموصى فى حال صحته أم فى حال مرضه أم صدرت بعد وفاته ومثلها فى الحكم اذنهم بها قبل صدورها من الموصى فاذا أذنوا الموصى بها قبل الاقدام عليها فأوصى صحت وصيته ونفذت
(2)
.
اذن الصبى المميز والعبد بالتزوج
مذهب الحنفية:
واذا تزوج الصبى المميز بدون اذن وليه أو تزوج العبد بدون اذن سيده كان العقد موقوفا على الاجازة من ولى الصبى أو من سيد العبد ولكن اذا أذن الولى الصبى بالتزوج أو اذن السيد عبده بالتزوج فباشرا العقد كان صحيحا نافذا وكذلك اذا تزوجا من غير اذن فبلغ الصبى أو عتق العبد فأجازاه لأن العقد اذا انتهى أمره الى صدوره من أهله مضافا الى محله بعد انعقاده صحيحا موقوفا لم يكن ضرر فى نفاذه اذا أجازه من له الحق فى اجازته اذ الضرر فى نفاذه بدون اختيار من له الاجازة اذا ما رأى المصلحة فى اجازته
(3)
وبناء على ذلك اذا تزوج العبد بغير اذن مولاه فقال له مولاه طلقها رجعية كان ذلك اجازة لهذا العقد الموقوف أما اذا قال له طلقها أو فارقها لم يكن اجازة، ذلك لأن الطلاق الرجعى لا يكون الا فى نكاح صحيح نافذ فتعين قوله طلقها رجعية اجازة له أما قوله طلقها أو فارقها فانه يحتمل الرد لأن رد هذا العقد يسمى طلاقا ومفارقة وهو أليق بحال العبد المتمرد وحمله على ذلك أولى من حمله على الطلاق بمعناه الشرعى لكى لا تثبت الاجازة بالشك والأصل فيها أن تكون بما يدل على الرضا دلالة قطعية مثل أجزت أو رضيت ونحوه مما يدل عليها صراحة كما تثبت أيضا بما يدل عليها دلالة كدفع المهر ونحوه
(4)
، ولو أذن له السيد بالتزوج بعد أن تزوج غير قاصد الاجازة لعدم علمه بالزواج لا يكون اجازة ولكن اذا أجاز العبد ما صنع بعد ذلك جاز استحسانا كالفضولى اذا وكل فأجاز ما صنع قبل أن يوكل
(5)
أما الصبى المميز فقد جاء فى زواجه ما ذكره صاحب جامع أحكام الصغار
(6)
: ذكر فى الأصل أن الصغير والصغيرة اذا زوجا أنفسهما بغير اذن الولى توقف ذلك على اجازة الولى فان أجاز جاز ولهما الخيار اذا بلغا اذا كان المجيز غير الأب والجد والصبى اذا تزوج ثم بلغ أو باع ثم بلغ لم ينفذ ذلك الا باجازته بعد البلوغ.
(1)
المختصر النافع ص 187، 190.
(2)
شرح النيل ح 6 ص 212 وما بعدها.
(3)
تبيين الحقائق وحاشية الشلبى عليه ح 2 ص 132.
(4)
المرجع السابق ح 2 ص 163 وفتح القدير ح 2 ص 488.
(5)
فتح القدير ح 2 ص 489 والزيلعى ح 2 ص 162، 163، 168.
(6)
ح 1 ص 29 الطبعة الاولى بالمطبعة الازهرية.
مذهب المالكية:
أما المالكية فقد ذهبوا إلى أن العبد لا يتزوج الا باذن سيده فقد جاء فى الشرح الكبير
(1)
وحاشية الدسوقى عليه: ولمالك بعض الرقيق الولاية عليه فله الرد والاجازة فى العبد ان تزوج بغير اذنه وأما فى الأمة المتزوجة بغير اذنه فيتحتم الرد ان كان بعضها ملكا لسيد والبعض الآخر ملكا لسيد آخر أما اذا كان بعضها رقاله وبعضها الآخر حرا فان للمالك الاجازة والرد كما فى العبد وذكر بعضهم أن المبعضة بالحرية كالمبعضة بالشركة فى تحتم الرد واختاره البنانى، وما دام مالك البعض له هذا يكون ذلك لمالك الكل من باب أولى.
أما الصغير فقد جاء حكم تزوجه فى الشرح الكبير
(2)
وحاشية الدسوقى وهو:
ولولى الصغير اذا زوج نفسه بغير اذنه فسخ عقده بطلاق، لأنه نكاح صحيح وغاية الأمر أنه غير لازم، وله اجازته أى أن الشارع جعله مختصا بذلك لينظر له فى الأصلح فان وجد المصلحة فى ابقائه تعينت اجازته وان وجد المصلحة فى رده تعين فسخه، وان استوت المصلحة فيهما خير قال ابن المواز:
واذا لم يرد الولى نكاح الصبى والحال أن المصلحة فى رده حتى كبر وخرج من الولاية جاز النكاح قال ابن راشد وينبغى أن ينتقل النظر اليه فيمضى أو يرد واذا فسخه من له الولاية فلا مهر لها ولو أزال بكارتها اذ وطؤه كالعدم.
مذهب الشافعية:
جاء فى المنهاج وشرحه
(3)
مغنى المحتاج:
ونكاح عبد بلا اذن سيده ولو كان السيد امرأة أو كافرا باطل، لا فرق فى ذلك بين المبعض والمكاتب ومعلق العتق بصفة وغيرهم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (أى مملوك تزوج بغير اذن سيده فهو عاهر) رواه الترمذى وحسنه، والحاكم وصححه، وباذنه يصح ان كان السيد معتبر الاذن، وللسيد اطلاق الاذن لعبده فى النكاح وله تقييده بامرأة معينة أو قبيلة أو بلد لأن ما يصح مطلقا يصح مقيدا ولا يعدل عما أذن له فيه مراعاة له فان عدل لا يصح النكاح وان قدر له السيد مهرا فزاد عليه أو زاد على مهر المثل عند الاطلاق عن تعيين المهر فالزائد فى ذمته يتبع به اذا عتق وان صرح له بأنه لا ينكح بأزيد مما عينه قال الامام فالرأى عدم صحة النكاح وان نقص عما عينه له سيده أو عن مهر المثل عند الاطلاق جاز، وكما يلزم الاذن فى زواج العبد يلزم كذلك عندهم فى السفيه فقد جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج
(4)
ومن حجر عليه حسا بسفه: بأن بذر فى ماله أو حكما كمن بلغ سفيها ولم يحجر عليه وهو السفيه المهمل لا يستقل بنكاح لئلا يفنى ماله فى مؤن النكاح بل ينكح باذن وليه لأنه مكلف صحيح العبارة وانما حجر عليه حفظا لماله وقد زال المانع بالاذن أو يقبل له الولى فان أذن له وعين امرأة لم ينكح غيرها لأن الاذن مقصور عليها وان ساوتها فى المهر أو نقصت
(1)
ح 2 ص 242.
(2)
ح 2 ص 241.
(3)
ح 3 ص 171، 172.
(4)
ح 3 ص 169، 171.
عنها قال ابن أبى الدم وينبغى حمله على ما اذا لحقه مغارم فيها أما لو كانت خيرا منها نسبا وجمالا ودينا ودونها مهرا ونفقة فينبغى الصحة قطعا كما لو عين مهرا فنكح بدونه وينكح المعينة له بمهر المثل لأنه المأذون فيه شرعا أو أقل لأنه حصل لنفسه خيرا فان زاد فالمشهور صحة النكاح لأن خلل الصداق لا يفسد النكاح والرأى الثانى أنه باطل للمخالفة وعلى الأول يكون بمهر المثل من القدر المسمى الذى عينه الولى، وقال ابن الصباغ القياس بطلان المسمى ووجوب مهر المثل أى فى الذمة والمشهور الأول ولو سمى له ألفا ولم يعين امرأة ولا قدرا فالأصح المنصوص فى الأم ولو أطلق الاذن بأن قال: أنكح ولم يعين امرأة ولا قدرا فالأصح المنصوص فى الأم صحته. والرأى الثانى: لا يصح، بل لا بد من تعيين المهر والمرأة والقبيلة، وعلى الرأى الأصح ينكح بمهر المثل من تليق به، فلو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله لم يصح أما تزوج السفيه المحجور عليه بلا اذن من وليه أو الحاكم عند امتناع الولى لغير مصلحة فباطل.
وأما الصبى فقد جاء فيه فى كتاب المهذب
(1)
للشيرازى: ولا يصح النكاح الا من جائز التصرف فأما الصبى والمجنون فلا يصح منهما عقد النكاح لأنه عقد معاوضة فلم يصح من الصبى والمجنون كالبيع.
مذهب الحنابلة:
أما الحنابلة: فقد ذكر ابن قدامة فى المغنى
(2)
روايتين عن أحمد فى ذلك فقال:
ان العلماء اختلفوا فى تزويج العبد نفسه بدون اذن سيده فعن أحمد روايتان فى ذلك أظهرهما أنه باطل وهو قول عثمان وابن عمر وبه قال شريح .. وعن أحمد أنه موقوف على اجازة السيد فان أجازه جاز وان رده بطل، لأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الاجازة كالوصية ووجه الأول ما روى جابر قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم «أيما عبد تزوج بغير اذن مواليه فهو عاهر» . ولأنه نكاح فقد شرطه فلم يصح كما لو تزوجها بغير شهود واذا أذن السيد لعبده فى تزويجه بمعينة أو من بلد معين أو من جنس معين فنكح غير ذلك فنكاحه فاسد وان اذن له فى تزويج صحيح فنكح نكاحا فاسدا فكذلك لأنه غير مأذون له فيه. وان اذن له فى النكاح وأطلق فنكح نكاحا فاسدا احتمل أن يكون كذلك لأن الاذن فى النكاح لا يتناول الفاسد، واحتمل أن يتناوله اذنه لأن اللفظ باطلاقه يتناوله وان أذن له فى نكاح فاسد وحصلت الاصابة فيه فعلى سيده جميع المهر لأنه باذنه
(3)
أما الصبى فقد جاء عنه فى المغنى لابن قدامة:
قال أحمد لا يزوج الغلام حتى يحتلم. ليس له أمر وهذا قول أكثر أهل العلم: من الثورى والشافعى واسحق وابن المنذر وأبو ثور. وعن أحمد رواية أخرى أنه اذا بلغ عشرا زوج وتزوج وطلق، وأجيزت وكالته
(1)
ح 2 ص 33.
(2)
ح 7 ص 409، 410.
(3)
المرجع السابق ح 7 ص 412.
فى الطلاق. ووجه ذلك أنه يصح بيعه ووصيته وطلاقه.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم الظاهرى حكم زواج العبد فقال: ولا يحل للعبد ولا للأمة أن ينكحا الا باذن سيدهما، فأيهما نكح بغير اذن سيده عالما بالنهى الوارد فى ذلك فعليه حد الزنا، وهو زان وهى زانية، ولا يلحق الولد فى ذلك. لقوله صلى الله عليه وسلم:(أيما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر). واسم العبد واقع على الجنس فالذكور والاناث من الرقيق داخلون تحت هذا الاسم
(1)
وأما الصبى فلم يصرح ابن حزم الظاهرى بأنه يتزوج باذن وليه أولا يتزوج، ولكن ذكر ما يؤخذ منه حكم ذلك ضمنا، فقد قال فى المحلى ولا يجوز للأب ولا لغيره إنكاح الصغير الذكر حتى يبلغ، فان فعل فهو منسوخ أبدا .. فقول الله عز وجل {(وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها)} مانع من جواز عقد أحد على أحد الا أن يوجب انفاذ ذلك نص: قرآن، أو سنة، ولا نص ولا سنة فى جواز انكاح الأب لابنه الصغير
(2)
وهذا يقتضى أنه لا يملك انكاح الصغير أب ولا غيره، وما دام ذلك فهو لا يملك الاذن له بالنكاح، لأن من لا يملك شيئا لا يملك الاذن فيه.
مذهب الزيدية:
جاء فى زواج العبد باذن سيده فى البحر الزخار
(3)
قوله: ولا يصح نكاح عبد الا باذن سيده، لقوله صلى الله عليه وسلم (أيما عبد تزوج بغير اذن سيده فهو عاهر) وقال الامام يحيى: أراد به أنه كالعاهر وليس بزان حقيقة، لاستناده الى عقد. قلت: بل زان ان علم التحريم، فيحد ولا مهر وقال العترة، وهم القاسمية والناصرية: فان عقد كان موقوفا ينفذ بالاجازة .. فان دخل بها قبل الاذن. وقد أوهمه. فمهرها يتعلق برقبته ولا ينفذ بالاجازة الا مع استمرار ملكه بعد العقد حتى أجاز اذ بطلان ملكه يبطل الاجازة.
وسكوت السيد حين بلغه اجازة، اذ سكوته عن عقد غيره فيما له فيه حق اجازة كسكوت الشفيع، وقال المؤيد بالله: لا كبيع الفضولى وكذا لو قال السيد لعبده: طلق كان اجازة وان جهل. أما سكوته وقد عقدت أمته لنفسها. فليس باجازة اتفاقا، اذ عقدت لغيرها فيما لغيرها فيه حق كالفضولى.
وأما الصبى فقد جاء حكم تزوجه باذن وليه فى البحر الزخار
(4)
وذلك حيث يقول «فان أذن الولى الصغير صح عقده كبيعه»
مذهب الإمامية:
ذهبوا الى أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج الا بأذن وليه، فقد جاء فى المختصر النافع
(5)
أما العقد - أى عقد النكاح - فليس للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا ما لم يأذن الولى، ولو بادر أحدهما ففى توقفه على الاجازة قولان. توقفه على الاجازة أشبه (أى دلت عليه أصول
(1)
المحلى ح 9 ص 467.
(2)
المرجع السابق ح 9 ص 462.
(3)
ح 3 ص 131، 132.
(4)
ح 3 ص 53.
(5)
ص 207.
المذهب) وان أذن المولى ثبت فى ذمة مولى العبد المهر والنفقة، ويثبت لمولى الأمة المهر.
وأما الصبى فلا يصح عقده، فقد جاء فى المختصر النافع
(1)
: لا حكم لعبادة الصبى ولا المجنون ولا السكران.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
ويصح نكاح عبد أو أمة دون الطلاق منهما وانما يصح ذلك باذن السيد كما لا يصح أن يراجع أو يظاهر أو يولى منها الا باذن السيد فان فعل شيئا من ذلك بلا اذن سيد ثم أجاز السيد جاز.
اذن البكر فى الزواج
مذهب الحنفية:
ذهبوا الى أنه لا اجبار للولى على البكر البالغة فى الزواج، ولذا لا بد من اذنها فقد جاء فى الهداية وفتح القدير «ولا يجوز للولى اجبار البكر البالغة على النكاح، لأنها حرة مخاطبة فلا يكون للغير عليها ولاية، والولاية على الصغير لقصور عقلها، وقد كمل بالبلوغ ومعنى الاجبار أن يباشر عقد الزواج فينفذ عليها شاءت أو أبت .. واذا استأذنها فسكتت أو ضحكت فهو اذن والمراد بالسكوت هو السكوت الاختيارى، فلو أخذها سعال أو عطاس، أو أخذ فمها فتخلصت من ذلك فردت ارتد، ولا فرق بين العلم والجهل بأن السكوت رضا، حتى لو زوجها أبوها فسكتت وهى لا تعلم أن السكوت رضا جاز. ولو تبسمت يكون اذنا فى الصحيح وقيل اذا ضحكت كالمستهزئة لا يكون رضا، وانما كان السكوت رضا لأن جانب الرضا فيه راجح، لأنها تستحى عن اظهار الرغبة لا عن الرد .. بخلاف ما اذا بكت، لأنه دليل السخط والكراهة. وعن أبى يوسف فى البكاء أنه رضا، لأنه لشدة الحياء، وعن محمد أنه رد لأن وضعه لاظهار الكراهة والمعول عليه اعتبار قرائن الأحوال فى البكاء والضحك، فان تعارضت أو أشكل احتيط للأمر. وانما كان السكوت اذنا ورضا لما تقدم ولقوله صلى الله عليه وسلم:(البكر تستأمر فى نفسها، فان سكتت فقد رضيت) واذا ستأذنها غير الولى أو ولى غيره أولى منه: كالأخ مع وجود الأب لم يكن سكوتها ولا ضحكها اذنا ورضا، بل لا بد أن تتكلم بالاذن، لأن هذا السكوت لقلة الالتفات، فلم يقع دلالة على الرضا بخلاف ما اذا كان المستأمر: أى المستأذن رسول الولى، فان سكوتها حينئذ يكون اذنا، لأنه قائم مقام الولى
(3)
.
مذهب المالكية:
فانهم قد ذهبوا الى أن الولاية فى تزويج البكر البالغة ولاية اجبار لأبيها فلا ضرورة لأذنها الا اذا كانت قد رشدت أو كان المزوج غير الأب ووصيه، فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية
(4)
الدسوقى عليه ما حاصله
(1)
ص 194.
(2)
ح 3 ص 205.
(3)
الهداية وفتح القدير ح 2 ص 395، 389، 399.
(4)
ح 2 ص 222، 228.
ثم جبر بعد المالك أب رشيد، والا يكن رشيدا بل كان سفيها فالذى يجبرها وليه، والمختار أن عدم الرشد هنا فقد التمييز، وجبر الأب المجنونة المطيقة ولو ثيبا أو ولدت الأولاد، لا من تفيق فتنتظر افاقتها ان كانت ثيبا بالغا، فاذا أفاقت فلا تزوج الا برضاها. وأما اذا كانت بكرا فانه يجبرها ولو كانت عانسا، ولا تنتظر افاقتها لو كانت مجنونة تفيق أحيانا، الا اذا زوجها لذى عاهة كخصى. وما ذكر من جبر البكر ولو عانسا هو المشهور، خلافا لابن وهب حيث قال: للأب جبر البكر ما لم تكن عانسا، لأنها لما عنست صارت كالثيب. ومنشأ الخلاف هو: هل العلة فى الجبر البكارة.
وهى موجودة. أو الجهل بمصالح النساء.
وهى مفقودة. ويجبر الثيب ولو بنكاح صحيح ان صغرت أو كبرت بأن كبرت وثيبت بعارض كوثبة أو ضربة أو بحرام:
زنا أو غصب ولا يجبر بكرا رشدت بعد البلوغ. بأن قال لها: رشدتك، أو أطلقت يدك، أو رفعت الحرج عنك، أو نحو ذلك ثم لا جبر لأحد من الأولياء لأنثى ولو بكرا يتيمة تحت حجره بعد السيد فى تزويج الأمة، وبعد الأب ووصيه فى تزويج الحرة وحيث لا يوجد من له ولاية الاجبار فتزوج بأذنها. فان كانت بكرا كفى صمتها، الا ما استثنى. وان كانت ثيبا أعربت عن نفسها والذى استثنى هو البكر التى رشدت فلا بد من نطقها بأنها راضية بذلك الزوج والصداق وبكر مجبرة عضلت: أى منعها أبوها من الزواج فرفعت أمرها للحاكم فزوجها هو.
أو بكر زوجت بعرض من عروض التجارة وهى من قوم لا يزوجون به، وذلك اذا كانت غير مجبرة بأن كانت يتيمة لا أب لها ولا وصى ينظر فى حالها. وبكر زوجت برقيق، أو زوجت بزوج ذى عيب، أو بكر غير مجبرة افتيت عليها، بأن تعدى عليها الولى غير المجبر فعقد عليها بغير اذنها ثم وصلها الخبر فرضيت بذلك، فلا بد من رضاها بالقول، ولا يكفى الصمت.
مذهب الشافعية:
فانهم ذهبوا الى أن البكر تزوج بدون اذنها ولو كانت بالغة اذا كان المزوج أبا أو جدا لأب، فقد جاء فى المنهاج وشرحه مغنى المحتاج
(1)
وللأب تزويج بنته البكر: صغيرة أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة بغير اذنها لخبر الدارقطنى:(الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يزوجها أبوها)، ورواية مسلمة:(البكر يستأمرها أبوها) حملت على الندب. ولكن يشترط لصحة تزويج الأب لها بغير اذنها شروط، هى: ألا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة، وأن يكون الزوج كفئا، وان يكون موسرا بمال الصداق، والتى تجبر يستحب استئذانها.
واذن البكر البالغة العاقلة اذا استؤذنت فى تزويجها من كفء أو غيره يكفى فيه صمتها فى الأصح لما روى مسلم: (والبكر تستأمر واذنها سكوتها). والرأى الثانى: لا بد من النطق كما فى الثيب. ومحل الخلاف فى تزويج غير المجبر. أما هو فالسكوت كاف قطعا. أما الثيب البالغة العاقلة فتزوج بصريح
(1)
ح 3 ص 149، 150.
الأذن: للأب أو غيره. ولا يكفى سكوتها لحديث: (ليس للولى مع الثيب أمر) رواه أبو داود وغيره، وقال البيهقى: رواته ثقات. ولو أذنت بلفظ التوكيل جاز، لأن المعنى فيهما واحد، وان قال الرافعى: الذين لقيناهم من الأئمة لا يعدونه اذنا، لأن توكيل المرأة فى النكاح باطل.
مذهب الحنابلة:
فقد ذهبوا الى أن البكر اذا كانت صغيرة فلا اذن لها معتبر، فهم فيها كأصحاب المذاهب الأخرى، أما اذا كانت كبيرة ففيها روايتان، فقد جاء فى الشرح الكبير للمقدسى
(1)
فأما الاناث فللأب تزويج ابنته البكر الصغيرة التى لم تبلغ تسع سنين بغير خلاف، اذا وضعها فى كفاءة .. يجوز له ذلك مع كراهيتها وامتناعها وقد دل على ذلك قوله تعالى {(وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ)} ، فجعل للائى لم يحضن عدة ثلاثة أشهر، ولا تكون العدة ثلاثة أشهر الا من طلاق فى نكاح أو فسخ، فدل ذلك على تزويج وتطليق، ولا اذن لها يعتبر.
وقالت عائشة: (تزوجنى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست وبنى بى وأنا ابنة تسع)، متفق عليه، ومعلوم أنها لم تكن فى تلك الحال ممن يعتبر اذنها. وفى البكر البالغة العاقلة روايتان: احداهما: له اجبارها على النكاح. والثانية: ليس له ذلك، واختارها أبو بكر. لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تنكح الأيم حتى تسأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن) فقالوا: يا رسول الله فكيف اذنها. قال: (أن تسكت) ولأنها جائزة التصرف فى مالها فلم يجز اجبارها كالثيب والرجل).
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى
(2)
وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ بغير إذنها، ولا خيار لها إذا بلغت.
فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ، ولا إذن لها قبل أن تبلغ. وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها، فإن وقع فهو مفسوخ ابدا: فاما الثيب فتنكح من شاءت وان كره الأب، واما البكر فلا يجوز لها نكاح الا باجتماع اذنها واذن ابيها. وقد بين ابن حزم الظاهرى أن اذن البكر لا يكون الا بالسكوت فقال:
وكل ثيب فاذنها فى نكاحها لا يكون الا بكلامها بما يعرف به رضاها. وكل بكر فلا يكون اذنها فى نكاحها الا بسكوتها، فان سكتت فقد أذنت ولزمها النكاح، فان تكلمت بالرضا أو بالمنع أو غير ذلك فلا ينعقد بهذا نكاح عليها. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البكر (اذنها صماتها).
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(3)
خاصا باذن البكر: ويعتبر رضا البكر البالغة، لقوله
(1)
ح 7 ص 386، 387.
(2)
ح 9 ص 458، 459، 471.
(3)
ح 3 ص 28.
صلى الله عليه وسلم (والبكر تستأذن فى نفسها، واذنها صماتها) وردوا على من قالوا باجبارها من الأب مستدلين بأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (الثيب أحق بنفسها من وليها) فدل بمفهومه على أن البكر ليس لها هذا الحق، فقالوا: الصريح (أى الذى جاء فى الحديث الخاص باستئذان البكر) يدفع المفهوم: وكما يكون الأذن بالسكوت يكون بالضحك والهرب وتغطية الوجه، لأجل العادة.
مذهب الإمامية:
لا يجوز للعبد ولا للأمة ان يزوجا أنفسهما الا باذن من المولى فان بادر أحدهما فزوج نفسه من غير اذنه قيل يبطل والأقرب أنه موقوف على اذن المولى فان أجازه صح والا بطل وعلى المولى مهر عبده ونفقة زوجته وله مهر أمته ولو كان المالك أكثر من واحد لم يمض النكاح الا باذنهم جميعا
(1)
وذهبوا الى أنه لا ولاية لأحد فى النكاح لغير الأب والجد للأب وإن علا والوصى والمولى والحاكم وولاية الأب والجد ثابتة على الصغيرة ولو ذهبت بكارتها بزنا أو غيره لا فرق بين الثيب والبكر فى ذلك ولهما الولاية على الصبى غير البالغ والثيب تزوج نفسها ولا ولاية عليها لأب ولا لغيره ولو زوجها من غير إذنها وقف على اجازتها واما البكر البالغة فأمرها بيدها وقيل العقد مشترك بينهما فلا ينفرد به أحدهما. وقيل أمرها الى الأب
(2)
.
مذهب الإباضية:
لا نكاح عندهم الا بولى. والا بأذنه أو باجازته بعده وأولى الأولياء فى النكاح الأب فالجد وان علا ولا تزوج البكر الا بعد استئمارها ولو كان المباشر للعقد هو الأب فان لم تستأمر بطل ما لم تجزه بعد ذلك وقيل اذا زوجها الأب جاز عليها. ومن الإباضية من اشترط استئمار البكر ولو لم تبلغ اذا كانت مميزة ويزوج الأب البكر أو الثيب عند طفولتهما
(3)
.
الاذن بالخصومة:
لا بد من وجود مدع ومدعى عليه حتى تتكون الخصومة فى القضايا، ولكن قد يغيب المدعى عليه فماذا يكون الحال فى مقاضاته. أيقضى عليه بلا نائب عنه. أم يقام نائب عنه فى الخصومة.
مذهب الحنفية:
ذهبوا الى أنه يقام عنه نائب فى الخصومة، فقد جاء فى الدر المختار وابن عابدين: والمعتمد أن القضاء على المسخر لا يجوز الا لضرورة، وهى فى خمس مسائل وعد منها. ما اذا توارى المدعى عليه فى منزله وكتب القاضى الى الوالى لاحضاره ولم يظفر به وأنذره باقامة وكيل عنه ان لم يحضر ينصب القاضى وكيلا وهو قول أبى يوسف وقد سار عليه المتأخرون. والمسخر الذى ذكر فيما تقدم هو الذى ينصبه القاضى وكيلا عن الغائب ليسمع الخصومة
(1)
تحرير الاحكام ح 2 ص 22.
(2)
المختصر النافع ص 196 وما بعدها.
(3)
شرح النيل ح 3 ص 61 - 75.
عليه. وشرطه عند القائلين به أن يكون الغائب فى ولاية القاضى. ونقل شراح الوهبانية عن شرح أدب القاضى أنه قول الكل، وان القاضى يختم بيته مدة يراها ثم ينصب الوكيل عن الغائب فيقوم بما كان يلزم أن يقوم به الغائب
(1)
وكذلك فى الدعوى للموقف أو عليه اذا لم يكن هناك من يمثل الوقف بان لم يكن هناك ناظر أصلا أو كانت الدعوى ضد الناظر نفسه ففى هذه الحالة يأذن القاضى شخصا لاقامة الدعوى للوقف أو لاقامة الدعوى عليه وكذلك فى دعوى الحسبة وكل من لا تتوجه عليه الدعوى شرعا وتقضى المصلحة العامة بتوجيه الدعوى على ذى صفة فان القاضى يأذن بالخصومة فى مثل هذه الأحوال مدعيا كان أو مدعى عليه.
مذهب المالكية:
ذهبوا الى أن القاضى يقضى على الغائب دون أن يقيم خصما فى أحوال بينها الدردير فى الشرح الكبير والدسوقى فى حاشيته
(2)
عليه، فقد حاء فيهما ما حاصله.
القاضى يحكم على الغائب اذا كانت الغيبة قصيرة كاليومين والثلاثة وما قاربهما مع الأمن وحكمه كالحاضر فى سماع الدعوى عليه والبينة وتزكيتها، ثم يكتب اليه بالأعذار فيها، وأنه اما أن يقدم لا بداء الطعن فى البينة أو يوكل وكيلا عنه فى ذلك، فان لم يقدم ولم يوكل حكم عليه فى كل شئ:
من دين وعرض وعقار وحيوان، ويباع عقاره ونحوه فى الدين، ويعجزه: أى يحكم بعجزه والمراد بذلك عدم قبول البينة التى يأتى بها، وهذا الحكم بالعجز حكم زائد على الحكم بالحق، وسواء فى ذلك أن يكون مدعيا، فيكون عاجزا عن البينة الشاهدة له بما يدعيه، أو كان مدعى عليه فيكون عاجزا عن البينة المجرحة للبينة الشاهدة عليه، ولكن ليس للقاضى التعجيز فى دم وعتق ونسب وطلاق ووقف ثم فى الغيبة البعيدة أيضا فيقضى عليه فى كل شئ: من دين وعرض وعقار وحيوان بعد سماع البينة وتزكيتها بيمين القضاء من المدعى، وتكون بأنه ما أبرأه ولا قبضه منه، ولا أحاله الغائب به ولا وكل من يقبضه عنه فى الكل ولا البعض، وهذه اليمين واجبة على المذهب لا يتم الحكم الا بها. وقيل انها مقوية للحكم فقط فلا ينقض الحكم بدونها على هذا الرأى. وهذه اليمين تتوجه على المدعى فى الحكم على الغائب والميت واليتيم والمساكين والأحباس ونحو ذلك كالحكم على بيت المال اذا ادعى انسان أنه معدم ليأخذ حقه من بيت المال، أو أنه ابن فلان الذى مات ووضع ماله فى بيت المال لظن أنه لا وارث له.
وذهب ابن رشد الى تحليف هذه اليمين فى الحيوان دون العقار. والغيبة المتوسطة فى حكم البعيدة. ومحل حكم القاضى فى هذه الغيبات الثلاثة اذا كان غائبا عن محل ولاية الحكم ولكنه له بها مال أو وكيل أو حميل واذا قدم أعذر له فى الشهود بعد
(1)
الدر المختار وابن عابدين ح 4 ص 377، 378
(2)
ح 4 ص 148، 162.
تسميتهم له: أى قطع عذره: بأن يقول له:
ألك مطعن فى هذه البينة. فان أبدى فيهم مطعنا وأثبته نقض الحكم.
مذهب الشافعية:
ذهبوا الى الحكم على الغائب دون اقامة خصم عنه، فقد جاء فى المهذب: واذا حضر رجل عند القاضى وادعى على غائب عن البلد أو على حاضر فهرب، أو على حاضر فى البلد فاستتر وتعذر احضاره، فان لم يكن معه بينة لم يسمع دعواه، لأن استماعها لا يفيد، وان كانت معه بينة سمع دعواه وسمعت بينته، لأنا لو لم نسمع جعلت الغيبة والاستتار طريقا الى اسقاط الحقوق التى نصب الحاكم لحفظها. ولا يحكم عليه الا أن يحلف المدعى أنه لم يبرئ من الحق، لأنه يجوز أن يكون قد حدث بعد ثبوته بالبينة ابراء أو قضاء أو حوالة. ولهذا لو حضر من عليه الحق وادعى البراءة بشئ من ذلك سمعت دعواه وحلف عليه المدعى ..
وان ادعى على حاضر فى البلد يمكن احضاره ففيه وجهان: أحدهما أن تسمع الدعوى والبينة ويقضى بها بعد ما يحلف المدعى، لأنه غائب عن مجلس الحكم فجاز القضاء عليه كالغائب عن البلد والمستتر فى البلد.
والثانى: أنه لا يجوز سماع البينة عليه ولا الحكم، وهو المذهب، لأنه يمكن سؤاله، فلا يجوز القضاء عليه قبل السؤال كالحاضر فى مجلس الحكم. وان ادعى على ميت سمعت البينة وقضى عليه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ومن ادعى على غائب مسافة قصر أو على مستتر فى البلد أو على ميت أو على صغير أو مجنون وللمدعى بينة حاضرة سمعت وحكم بها القاضى اذا كانت الدعوى فى غير حقوق الله تعالى كالزنا والسرقة غير أنه فى السرقة يقضى بالمال فقط ثم اذا ظهر المدعى عليه بعد ذلك بأن حضر الغائب أو ظهر المستتر أو رشد الصغير أو أفاق المجنون فهو على حجته أما الغائب دون مسافة القصر والحاضر بالبلد غير المستتر فلا تسمع عليه الدعوى ولا البينة حتى يحضرا أو يمتنعا عن الحضور فعندئذ تسمع الدعوى والبينة عليهما ويحكم بناء على ذلك
(2)
وعلى ذلك فليس عند الحنابلة اذن بخصومة عن غائب.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: يقضى القاضى على الغائب كما يقضى على الحاضر وهو قول الشافعى ولقد صح عن عمر وعثمان رضى الله عنهما القضاء على الغائب وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم على الغائب كما حكم على العرنيين الذين قتلوا الرعاة وسملوا أعينهم وفروا اذ قضى بالقصاص فيهم ولم يصح عن أحد من الصحابة خلاف ذلك. وعلى ذلك فليس عند ابن حزم حاجة الى اذن شخص بالخصومة عن غائب.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه يجوز القضاء على الغائب فى غير الحدود اذا كانت غيبته
(1)
المهذب ح 2 ص 303.
(2)
ص 515 من الروض الندى وكشاف القناع ح 4 ص 195، 193.
لمسافة قصر أو كان غائبا فى مكان مجهول لا يعرف فى أية جهة هو ففى هذه الحال يحكم عليه كالغائب وكذلك اذا كان فى موضع لا بنال كالحبس الممنوع من دخوله أو كان حاضرا فى البلد وهو ذو سلطان متغلب على مجلس الشرع فانه يحكم عليه بعد الاعذار. وفى جميع هذه الأحوال لا يحكم عليهم حتى ينصب القاضى مأذونا بالخصومة أى وكيلا عنهم يسمع الدعوى وينكره وتقوم الشهادة فى وجهه ومتى حضر الغائب بعد أن حكم عليه وطلب استئناف الدعوى فليس له الا تعريف الشهود
(1)
.
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية الى أنه يقضى على الغائب مع قيام البينة ويباع ماله ويقضى دينه فاذا حضر بعد ذلك كان على حجته ولذا لا يدفع المال الى المدعى الا بكفلاء يكفلونه وعلى ذلك فليس عندهم حاجة الى اذن بالخصومة عن الغائب
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: لا تجوز الحكومة لغائب ولا على غائب اذا لم تكن له الخليفة على ذلك «وكيل» فان كانت له الخليفة فانه يحكم له وعليه وقال اصحابنا يجوز الاستماع على الغائب عن مصره والممتنع عن الحكم والحضور الى مجلس الحاكم وانفاذ الحكم عليه.
وقال الحضرمى وهو الصحيح لأن امتناع الخصم كحضوره ولكن الذى عندى أنه يحبر على الحضور والاجابة وأما الحدود فلا يحكم بها على غائب باتفاق الأمة ولم يأت ذكر لنصب وكيل أو مأذون بالخصومة ليحكم فى وجهه
(3)
وعلى الجملة فكل تصرف منع منه محافظة على حق ثابت لغير من أراد هذا التصرف يستمر المنع منه شرعا حتى يأذن صاحب الحق فبعد اذنه ورضائه بما قد يلحقه من ضرر بسببه وعندئذ يرتفع الحجر عنه فى ذلك مثل قيام الراهن ببيع الرهن فيمنع منه حتى يأذن به المرتهن وكذلك قيام المرتهن ببيع الرهن يمنع منه حتى يأذن بذلك الراهن واعارة المستعير العين المستعار لا تجوز الا باذن المعير المالك ونحو ذلك.
بعض ما يتوقف نفاذه أو جوازه على
الاذن:
عنى الفقهاء بذكر ذلك وبيانه ولكن كان تعرضهم له متفرقا منتشرا فى مواضع عديدة من أبواب الفقه ومسائله دون حصر له وبيان تحت عنوان واحد ولذا كان من غير اليسير احصاؤه ويكفى أن نشير الى المبدأ العام فيه وهو أن التصرف أو العمل اذا كان يمس حقا لغير من يباشره وجب لنفاذه وجوازه دون ترتب تبعة الأذن فيه من صاحب هذا الحق اما بطلب ذلك منه أو باقدام صاحب الحق على اصداره دون طلب وفيما يلى بعض هذه المسائل.
1 -
لا يجوز للراهن فى رأى أبى حنيفة وأصحابه أن يبيع العين المرهونة أو يرهنها
(1)
شرح الازهار ح 4 ص 320، 321.
(2)
المختصر النافع من كتاب القضاء.
وتحرير الاحكام من كتاب القضاء ح 2.
(3)
شرح النيل ح 6 ص 580، 581.
لدى دائن آخر أو يؤجرها أو يرتب عليها حقا الا باذن من المرتهن وذلك لتعلق حقه بها وفى التصرف فيها مساس بهذا الحق وضرر بصاحبه فوجب لذلك اذنه حتى لا يضار بغير رضاه ويلاحظ أن أذن المرتهن فى هذه الحال ليس من قبيل التوكيل لأنه غير مالك للعين المرتهنة ومن ثم لا يصح منه توكيل لمالكها فى التصرف فيها لأن التصرف من خصائص الملك وكذلك لا يجوز للمرتهن أن يبيع العين المرهونة لايفاء دينه من ثمنها الا باذن من الراهن لأنه مالكها وكذلك الحكم فى كل تصرف يصدر من شخص فيما لا يملك والأذن فى هذه الحال من قبيل التوكيل.
راجع مصطلح بيع فى بيع العين المرهونة.
2 -
لا يجوز للمالك المؤجر للعين فى رأى أبى حنيفة وأصحابه أن يبيع العين المستأجرة فى أثناء مدة الاجارة الا بأذن من المستأجر لأن حقه فى وضع يده عليها استيفاء لمنفعتها متعلق بها والتصرف فيها يمس ذلك الحق فلا ينفذ الا باذنه حتى لا يضار بغير رضاه والأذن فى هذه الحال ليس من قبيل التوكيل لما ذكرنا (راجع مصطلح اجارة فى بيع العين المستأجرة).
3 -
اذا كانت منفعة العين المستأجرة مما يختلف باختلاف المستعمل فلا يجوز للمستأجر فى رأى أبى حنيفة وأصحابه أن يؤجرها الا بأذن من مالكها المؤجر اذ قد يضر انتفاع المستأجر الجديد بها لأن انتفاعه بها أشد ضررا وأقسى استعمالا (راجع مصطلح اجارة فى تصرف المستأجر فى المنفعة).
4 -
يرى الحنفية أنه لا يجوز للمطلقة بائنا بعد انتهاء عدتها أن تخرج بالولد المحضون من بلدة الى أخرى بينهما تفاوت بحيث لا يمكن والده أن يرى ولده ثم يرجع فى نهاره الا باذنه. ولكن لها الخروج من قرية الى مصر قريبة ومن بلدة الى أخرى هى وطنها وقد عقد عليها فيها أما غيرها من الحاضنات فليس لها نقله الا باذن الأب فى جميع الأحوال كما لا يجوز للأب أن يخرجه من بلد حاضنته الا باذنها ما بقيت حضانتها
(1)
(راجع مصطلح حضانة).
5 -
يرى أبو حنيفة أن المدعى لا يجوز أن يوكل غيره فى الخصومة الا لعذر أو باذن المدعى عليه فاذا وكل من غير اذن ولا عذر لا تنفذ الوكالة (راجع مصطلح وكالة ودعوى).
(1)
الدر المختار ح 2 ص 698.
6 -
لا يجوز للمستعير أن يعير غيره مطلقا عند الشافعية وقيد الحنفية ذلك بما يختلف الانتفاع به باختلاف المستعمل الا باذن من المعير (راجع مصطلح اعارة).
7 -
لا تملك الأرض الموات عند الامام بالاحياء الا باذن الامام فلو أحياها بلا اذنه لم يملكها خلافا لصاحبيه (راجع مصطلح احياء).
8 -
اذا أدى الكفيل بالدين ما التزم به الى الدائن وكانت الكفالة بغير طلب المدين لم يرجع على المدين الا اذا أذنه بالأداء.
(راجع مصطلح كفالة).
9 -
ليس للوكيل أن يوكل غيره فيما وكل فيه عند الشافعية الا اذا كان عاجزا عن القيام به أو غير لائق به أو أذنه الموكل فى ذلك. (راجع مصطلح وكالة).
10 -
ليس للموهوب له أن يقبض العين الموهوبة الا باذن من الواهب عند الحنفية فان قبضها من غير اذنه لم يعتبر هذا القبض ويعتبر الايجاب بالهبة اذنا بالقبض اذا كان فى مجلس العقد والا وجب اذن مستقل بقبضها (راجع مصطلح هبة) وكذلك الحكم فى المبيع عند تأجيل الثمن ليس للمشترى قبضه الا باذن من البائع (راجع مصطلح بيع).
11 -
ليس للشريك فى المال المشترك بسبب الخلط أن يبيع حصته منه الا باذن من شريكه عند الحنفية (راجع مصطلح شركة).
12 -
ليس لانسان أن يدخل بيتا مسكونا غير بيته الا باذن من ساكنه بعد السلام عليه فان أذن له دخل والا رجع لقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا} - «تستأذنوا -» {وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها» وروى أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أأستئذن على أمى قال نعم قال لا خادم لها غيرى أأستئذن عليها كلما دخلت قال أتحب أن تراها عريانة قال لا. قال: اذن فاستئذن، فان لم يكن به أحد فلا يدخل حتى يحضر من له حق الاذن بالدخول فيأذن له فان المانع ليس هو الاطلاع على العورات فقط بل وعلى ما يخفيه الناس عادة فى بيوتهم وهو ضرب من التصرف فلا يجوز فى ملك الغير الا باذنه وذلك ما يدل عليه قوله تعالى:«فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ» .
والمسائل من هذا النوع كثيرة يرجع اليها فى مواضعها من كتب الفقه.
إراقة
تعريف الاراقة فى اللغة:
جاء فى المصباح راق الماء والدم وغيره ريقا من باب باع، انصب ويتعدى بالهمزة فيقال أراقه صاحبه والفاعل مريق والمفعول مراق وتبدل الهمزة هاء فيقال هراقه والأصل هريقه
(1)
.
وفى الاصطلاح: يؤخذ من نصوص الفقهاء وتعبيراتهم أنهم يستعملون كلمة اراقة فى اراقة دم الأضاحى والهدى. والعقيقة وغيرهما وفى اراقة الخمر بقصد اتلافه وهى فى ذلك لا تخرج عن معناها اللغوى المشار اليه.
اراقة الدم فى الأضحية والهدى والعقيقة:
جاء فى البدائع للكاسانى
(2)
: أن الاراقة فى حد ذاتها لا تعقل قربة لأنها اتلاف وانما جعلت قربة فى وقت مخصوص فاقتصر كونها قربة على الوقت المخصوص وهو أيام الأضاحى فلا تقضى بعد خروج الوقت ولهذا اذا فات وقت الأضحية المحدد لا تقضى الأضحية بالاراقة وانما تقضى بالتصدق بعين الشاة حية أو بقيمتها لأن الأصل فى الأموال التقرب بالتصدق بها لا بالاتلاف وهو الاراقة الا أنه نقل الى الاراقة مقيدا فى وقت مخصوص
(3)
كذلك جاء فى الهدى من النعم - الابل والبقر والغنم - ما يعتبر أن القربة فيه انما تكون بالاراقة فى زمان مخصوص ومكان مخصوص فقد جاء فى البدائع: معنى القربة فى الهدى من النعم سواء أكان دم تمتع أو قران أو هدى تطوع أو دم جبر بسبب جناية على الاحرام تكون بالاراقة شرعا، والاراقة لم تعرف قربة فى الشرع الا فى مكان مخصوص أو زمان مخصوص والشرع أوجب الاراقة ههنا فى الحرام بقوله تعالى «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» حتى اذا ذبح الهدى جاز له أن يتصدق بلحمه على فقراء غير أهل مكة لأنه لما صار لحما صار معنى القربة فيه فى الصدقة كسائر الأموال ولا يجوز ذبح هدى التطوع والتمتع والقران الا فى يوم النحر وفى الأصل لمحمد بن الحسن يجوز ذبح دم التطوع قبل يوم النحر. وذبحه يوم النحر أفضل وهذا هو الصحيح لأن معنى القربة فى اراقة الدم فى أيام النحر أظهر
(4)
ولا يقوم مقام الأضحية غيرها فقد جاء فى البدائع
(5)
: لا يقوم غيرها مقامها حتى لو تصدق بعين الشاة أو قيمتها فى الوقت لا يجزيه عن الأضحية لأن
(1)
المصباح مادة ريق.
(2)
البدائع ح 5 ص 68 الطبعة الاولى سنة 1328 مطبعة الجمالية.
(3)
العناية على الهداية بهامش الفتح ح 2 ص 43
(4)
الهداية مع الفتح ح 2 ص 232 والبدائع ح 2 ص 224.
(5)
البدائع للكاسانى ح 5 ص 66.
الوجوب تعلق بالاراقة والأصل أن الوجوب اذا تعلق بفعل معين أنه لا يقوم غيره مقامه وههنا الواجب فى الوقت اراقة الدم شرعا غير معقول المعنى فيقتصر الوجوب على مورد الشرع ولما كانت القربة فى الأضحية قد تمحضت فى اراقة الدم فقط كان للمضحى أن يأكل من أضحيته بل جاز له أن يحبس الكل لنفسه ولعياله لأن التصدق باللحم تطوع هنا انظر أضحية.
دم العقيقة
والعقيقة: هى الذبيحة التى تذبح للمولود وهى مما يتقرب به الى الله كالأضحية والهدى قال ابن القيم فى زاد المعاد: الذبائح التى هى قربة الى الله وعبادة ثلاثة: الهدى.
والأضحية. والعقيقة وفى بيان وقتها.
وحكمها تفصيل موطنه مصطلح عقيقة.
اراقة الخمر
مذهب الحنفية:
قال صاحب الدر المختار
(1)
خمر المسلم وخنزيره بأن أسلم وهما فى يده اذا أتلفها مسلم أو ذمى فلا ضمان وضمن المتلف المسلم قيمتها لذمى لأن الخمر فى حقنا مقومة حكما.
مذهب الشافعية:
قال صاحب نهاية المحتاج
(2)
لا تراق الخمر على ذمى ألا أن يظهر شربها أو بيعها أو هبتها أو نحو ذلك ولو من مثله بأن يطلع عليه من غير تجسس وتراق عليه ثم قال إذا غصبت من مسلم يجب ردها ما دامت العين باقية إذ له إمساكها لتصير خلا أما غير المحترمة وهى ما عصرت بقصد الخمرية فتراق ولا ترد عليه.
مذهب الظاهرية:
من أهرق خمرا لمسلم أو لذمى لا شئ عليه اذ لا قيمة للخمر وقدم حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعها وأمر باراقتها فما لا يحل بيعه ولا ملكه فلا ضمان عليه
(3)
كما قال صاحب المحلى لا يحل كسر أوانى الخمر ومن كسرها من حاكم أو غيره فعليه ضمانها لكى تهرق وتغسل الفخار
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار ويجب أن يريق خمرا رآها له أو لمسلم غيره وقال فى الحاشية أو لذمى إذا كان فى بلد ليس لهم سكناها ولو كان ابتداء عصرها وقع بنية الخل لكنه كشف الغطاء فوجده لم تكتمل خليته بل هو خمر فإنه يلزمه إراقته ولو كان عصره بنية الخمر ثم لم يشاهده خمرا فانه يلزمه اراقته.
(1)
حاشية ابن عابدين ح 5 ص 182.
(2)
ح 4 ص 122.
(3)
المحلى لابن حزم ص 5 ص 376.
(4)
المرجع السابق ح 7 ص 511.
ارتثاث
التعريف فى اللغة
ارتث مادتها رثت، والرثة والرثة والرثيث الخلق الخسيس البالى من كل شئ، تقول ثوب رث وحبل رث ورجل رث الهيئة فى لبسه وارتث على وزن افتعل على مالم يسم فاعله، أى حمل من المعركة رثيثا أى جريحا وبه رمق، والمرتث الصريع الذى يثخن فى الحرب ويحمل حيا ثم يموت، وقال ثعلب هو الذى يحمل من المعركة وبه رمق فان كان قتيلا فليس بمرتث، وعن التهذيب يقال للرجل إذا ضرب فى الحرب فأثخن وحمل وبه رمق ثم مات، وفى حديث كعب بن مالك رضى الله عنه أنه ارتث يوم أحد فجاء به الزبير يقود بزمام راحلته، والارتثاث أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح
(1)
.
تعريف الأرتثاث عند الفقهاء:
مذهب الحنفية:
تحدث صاحب البدائع عن الشهيد وشرائط الشهادة وعد من الشروط ألا يكون الشهيد مرتثا لأن الارتثاث يمنع الشهادة. ثم قال:
والمرتث من خرج عن صفة القتلى وصار الى حال الدنيا بأن جرى عليه شئ من أحكامها أو وصل اليه شئ من منافعها واذا عرف هذا فنقول: من حمل من المعركة حيا ثم مات فى بيته أو على أيدى الرجال فهو مرتث وكذلك اذا أكل أو شرب أو باع أو ابتاع أو تكلم بكلام طويل أو قام من مكانه ذلك أو تحول من مكان الى مكان آخر وبقى على مكانه ذلك حيا يوما كاملا أو ليلة كاملة وهو يعقل فهو مرتث، وروى عن أبى يوسف أنه اذا بقى وقت صلاة كامل حتى صارت الصلاة دينا فى ذمته وهو يعقل فهو مرتث، وان بقى مكانه وهو لا يعقل فليس بمرتث وقال محمد ان بقى يوما فهو مرتث ولو أوصى كان ارتثاثا عند أبى يوسف خلافا لمحمد وقيل لا خلاف بينهما فى الحقيقة فجواب أبى يوسف خرج فيما اذا أوصى بشئ من أمور الدنيا فان ذلك يوجب الارتثاث بالاجماع لأن الوصية بأمور الدنيا من أحكام الدنيا ومصالحها فينقض ذلك معنى الشهادة وجواب محمد محمول على ما اذا أوصى بشئ من أمور الآخرة وذلك لا يوجب الارتثاث بالاجماع كوصية سعد بن الربيع على ما روى أنه لما أصيب المسلمون يوم أحد ووضعت الحرب أوزارها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع فنظر عبد الله بن عبد الرحمن من بنى النجار رضى الله تعالى عنهم فوجده جريحا فى القتلى وبه رمق فقال له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنى أن أنظر فى الأحياء أنت أم فى الأموات فقال: أنا فى الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنى السلام وقل له: ان سعد بن الربيع يقول جزاك الله عنا خير ما يجزى نبى عن أمته
(1)
لسان العرب للامام العلامة ابن منظور ح 8 ص 151، ص 152 مادة «رثث» طبع صادر دار بيروت للطباعة والنشر ببيروت الطبعة الثانية سنة 1354 هـ وترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة للزاوى ح 2 ص 282 مادة «رث» الطبعة الاولى طبع مطبعة الرسالة بالقاهرة سنة 1959 م.
وأبلغ قومك عنى السلام وقل لهم ان سعدا يقول: لا عذر لكم عند الله تعالى أن يخلص الى نبيكم وفيكم عين تطرف قال عبد الله ثم لم أبرح حتى مات فلم يغسل وصلى عليه، ثم قال صاحب البدائع وذكر فى الزيادات أنه ان أوصى بمثل وصية سعد بن الربيع فليس بارتثاث ثم قال: والصلاة ارتثاث لأنها من أحكام الدنيا، ولو جر برجله من بين الصفين حتى لا تطؤه الخيل فمات لم يكن مرتثا لأنه ما نال شيئا من راحة الدنيا بخلاف ما اذا مرض فى خيمته أو فى بيته لأنه قد نال الراحة بسبب ما مرض فصار مرتثا ثم تحدث بعد ذلك صاحب البدائع عن المرتث فى أنه ان لم يكن شهيدا فى حكم الدنيا فهو شهيد فى حق الثواب حتى أنه ينال ثواب الشهداء
(1)
ومحل ذلك يرجع اليه فى مصطلح «شهيد» ومصطلح «غسل» ، ومصطلح «ثواب» .
مذهب المالكية:
قال خليل فى الشرح الكبير: لا يغسل شهيد معترك الا ان رفع حيا من المعركة ثم مات وان نفذت مقاتله الا المغمور، وقال الدردير ان من رفع من المعركة حيا منفوذ المقاتل ثم مات فانه لا يغسل ولا يصلى عليه وعلق الدسوقى فى حاشيته على رأى خليل بقوله حاصل كلام المصنف أنه اذا رفع حيا فانه يغسل ولو منفوذ المقاتل ما لم يكن مغمورا وهو من لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم الى أن مات ولم تنفذ مقاتله فانه لا يغسل ثم قال الدسوقى وهذا هو المشهور من قول ابن القاسم كما نقله فى التوضيح عن ابن بشير ونقل المواق عن ابن عرفة وابن يونس والمازرى ما يوافقه ثم قال الدسوقى:
وطريقة سحنون أنه متى رفع منفوذ المقاتل أو معمورا فلا يغسل وهو الذى اقتصر عليه ابن عبد البر فى الكافى وصاحب المعونة، واحتج المواق كما نقله الدسوقى وخليل كما نقله الصاوى بتغسيل عمر بن الخطاب رضى الله عنه بمحضر الصحابة مع أنه رفع منفوذ المقاتل
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: الشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام أو بقوا مدة ينقطع فيها الحرب وان لم يطعموا كغيرهم من الموتى وقال: وعمر شهيد غير أنه لما لم يقتل فى المعترك غسل وصلى عليه
(3)
وجاء فى المجموع: من جرح فى الحرب ومات بعد انقضاء الحرب غسل وصلى عليه لأنه مات بعد انقضاء الحرب
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة ان حمل من كلم
(5)
فى أرض المعركة - فأكل أو طال بقاؤه غسل وصلى
(1)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين الكاسانى ح 1 ص 321، ص 322 الطبعة الاولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لشمس الدين محمد عرفة الدسوقى وبهامشه الدردير ح 1 ص 425، ص 426 طبع مطبعة دار احياء المكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاء بمصر، وبلغة السالك لاقرب المسالك للصاوى على الشرح الصغير للدردير ح 1 ص 191 طبع المطبعة التجارية الكبرى بمصر.
(3)
مختصر الامام أبى ابراهيم بن يحيى المزنى على هامش كتاب الام للامام أبى عبد الله محمد بن ادريس الشافعى ح 1 ص 177، ص 178 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1321 هـ
(4)
المجموع شرح المهذب لأبى زكريا النووى مع فتح العزيز شرح الوجيز للرافعى ح 5 ص 260، ص 261 طبع مطبعة التضامن الاخوى والمهذب لابى اسحاق الشيرازى ح 1 ص 135 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(5)
الكلم: الجرح.
عليه - لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ وصلى عليه وكان شهيدا رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله
(1)
فحمل الى المسجد فلبث فيه أياما ثم مات وظاهر كلام الخرقى أنه متى طالت حياته بعد حمله غسل وصلى عليه وان مات فى المعركة أو عقب حمله لم يغسل ولم يصل عليه وقال أحمد فى موضع ان تكلم أو أكل أو شرب صلى عليه، وعن أحمد أنه سئل عن المجروح اذا بقى فى المعركة يوما الى الليل ثم مات فرأى أن يصلى عليه، والصحيح التحديد بما ذكرنا من طول الفصل والأكل لأن الأكل لا يكون الا من ذى حياة مستقرة وطول الفصل يدل على ذلك، وقد ثبت اعتبارهما فى كثير من المواضع، وأما الكلام والشرب وحالة الحرب فلا يصح التحديد بشئ منها لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يوم أحد «من ينظر ما فعل سعد بن الربيع» فقال رجل أنا أنظر يا رسول الله فنظر فوجده جريحا به رمق، فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمرنى أن أنظر فى الأحياء أنت أم فى الأموات قال: فأنا فى الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنى السلام وذكر الحديث، قال: ثم لم أبرح أن مات وروى أن أصيرم بنى عبد الأشهل وجد صريعا يوم أحد فقيل له ما جاء بك، قال أسلمت ثم جئت وهما من شهداء أحد دخلا فى عموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: المقتول بأيدى المشركين خاصة فى سبيل الله عز وجل فى المعركة خاصة ان حمل عن المعركة وهو حى فمات غسل وكفن وصلى عليه
(3)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى شرح الأزهار: الشهيد الذى لم يمت فى موضع القتال لكنه ذهب منه وقد جرح فى موضع المعركة بما يعرف من طريق العادة أنه يقتله يقينا نحو رميه أو ضربه بسيف أو عصا أو رضخه أو طعنه فى معمد ولم يمت منها فى الحال فان هذا لا يغسل ولو مات فى بيته على فراشه ذكره الصادق بالله وعلى خليل وظاهر قول الهادى عليه السلام أنه اذا نقل وبه رمق غسل وحكى فى الزوائد للقاسمية أنه اذا أكل أو شرب أو دوى غسل والا فلا ومثله عن أبى طالب يحيى ابن الحسين
(4)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية عن الشهيد ظاهر الأخبار أنه اذا أدركه المسلمون وبه رمق يغسل سواء
(1)
الاكحل - عرق فى اليد أو هو عرق الحياة،
(2)
المغنى لابن قدامة على مختصر أبى القاسم الخرقى يليه الشرح الكبير على متن المقنع لأبى عمر ابن قدامة المقدسى ح 2 ص 335 طبع مطبعة المنار بمصر فى سنة 1341 هـ.
(3)
المحلى ح 5 ص 115 مسألة 562 طبع ادارة الطباعة المنيرية الطبعة الاولى سنة 1349 هـ.
(4)
شرح الازهار للحسن بن مفتاح ح 1 ص 409 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.
مات فى المعركة وغيرها وتخصيصه لمن مات فيها محل تأمل وظاهر الأخبار أنه يكفى فى وجوب التغسيل ادراكه حيا وان لم ينقض الحرب ولا نقل عن المعركة، ثم قال الشيخ فى كتاب الخلاف اذا جرح فى المعركة ثم مات بعده بساعة أو ساعتين قبل أن تنقضى الحرب فحكمه حكم الشهيد ومعنى قولهم مات فى المعركة أنه لم ينقل عنها وبه رمق ولم ينقض الحرب وبه رمق فان نقل عنها وبه رمق أو انقضى الحرب وبه رمق غسل لأنه لم يمت بين الصفين
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: يغسل الشهيد ان تعدى المعركة حيا وقيل لا وقيل ان مات فى يومه فلا يغسل والا غسل وقيل يغسل الشهيد مطلقا والمشهور الأول
(2)
وجاء فى الايضاح فى أثر أصحابنا من أهل المشرق أن الشهيد الذى لا يغسل هو المقتول فى المعركة وان حمل من المعركة وفيه رمق حياة حتى مات من بعد فانه يغسل وفى أثر أصحابنا النفوسيين رحمهم الله أن المجروح اذا مات فى يومه ذلك فانه لا يغسل ولا يتيم له.
ارتداد
التعريف اللغوى:
الارتداد فى اللغة الرجوع
(3)
.
تعريف الردة عند الفقهاء:
مذهب الحنفية:
يعرف الحنفية المرتد بأنه الراجع عن دين الاسلام ولا يخالف ذلك ما عرفه به كل من الحنابلة والظاهرية والإمامية
(4)
.
مذهب المالكية:
يعرف المالكية الردة: هى كفر بعد اسلام تقرر بالنطق بالشهادتين والتزام أحكامهما
(5)
مذهب الشافعية:
وعرف الشافعية الردة بأنها قطع الاسلام بنية أو قول كفر أو فعل سواء قاله استهزاءا أو عنادا أو اعتقادا
(6)
.
ما يصير به المسلم مرتدا:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: تتحقق الردة باجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الاسلام كما تتحقق بانكار ما علم من الدين بالضرورة كانكار فرضية الصلاة أو الصيام أو الزكاة، ولا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان فى كفره خلاف ولو
(1)
كتاب مفتاح الكرامة للعاملى ح 1 ص 422 وكتاب الخلاف للطوسى ح 1 ص 289 مسألة رقم 54
(2)
شرح كتاب النيل ح 1 ص 645 وكتاب الايضاح ح 1 ص 580.
(3)
المصباح والقاموس مادة «رد» .
(4)
ابن عابدين ح 3 ص 391 والمغنى ح 10 ص 74 والمحلى ح 11 ص 188 والروضة البهية ح 2 ص 931
(5)
الخرشى ح 7 ص 62 المطبعة الاميرية الطبعة الثانية.
(6)
مغنى المحتاج ح 4 ص 123.
كان ذلك رواية ضعيفة فاذا كان فى المسألة وجوه توجب الكفر وواحد يمنعه فعلى المفتى الميل لما يمنعه
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية تكون الردة بأحد أمور ثلاث
(2)
.
1 -
اما بصريح القول كقوله أشرك أو أكفر بالله.
2 -
أو بلفظ يقتضيه أو كجحده حكما معلوما من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة وحرمة الزنا أو قال بقدم العالم أو ببقائه أو شك فى ذلك.
3 -
واما بفعل يتضمن الارتداد أى يقتضى الكفر ويستلزمه استلزاما كالقاء مصحف بقذر.
وقال خليل: يرتد ان سب نبيا أو أحد الملائكة مجمعا على نبوته أو ملكيته أو عرض بواحد منهما أو لعنه أو عابه أو قذفه أو استخف بحقه
(3)
ويرتد كذلك بشد الزنار «وهو حزام ذو خيوط ملونة يشد به الذمى وسطه ليتميز به عن المسلم» وكذلك بلبس ثياب الكافر الخاص به اذا فعله حبا فيه وميلا لأهل الكفر
(4)
وكذلك يكفر اذا استحل حراما كشرب الخمر أو جحد حلالا مجمعا على اباحته
(5)
.
مذهب الشافعية:
أما الشافعية فقد ضربوا أمثلة لما يكون به المسلم مرتدا. فقالوا ان الارتداد قد يقع بالتلفظ بألفاظ الكفر، وبجحود فرض أو استباحة محرم
(6)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: من أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو صفة من صفاته أو بعض كتبه أو رسله أو سب الله أو رسوله فقد كفر، وكذلك من جحد وجوب عبادة من الخمس أو جحد تحريم الزنا أو الخمر أو أنكر حل الحلال كاللحم والخبز ونحوه من الأحكام الظاهرة المجمع عليها ممن لا يجهلها
(7)
.
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية ان من موجبات الكفر أن يكفر بما بلغه النبى صلى الله عليه وسلم وصح عنه وأجمع عليه المؤمنون
(8)
وقال ابن حزم ان من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين يكون بهذا الفعل مرتدا له أحكام المرتد كلها وأما من فر الى أرض الحرب لظلم خافه ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم عليه ولم يجد فى المسلمين من يجيره فهذا لا شئ عليه لأنه مضطر مكره وكذلك من كان معذورا فى اقامته عندهم لمرض أو انقطاع طريق
(9)
.
مذهب الزيدية:
قال الشيعة الزيدية: ان الردة عن الاسلام تكون بأحد أوجه أربعة
(10)
.
(1)
شرح الدر المختار للحصفكى ح 1 ص 479 مطبعة محمد على صبيح.
(2)
الدسوقى ح 4 ص 301.
(3)
الدسوقى ح 4 ص 309 وما بعدها.
(4)
الحطاب ح 6 ص 279، ص 280.
(5)
المرجع السابق ح 6 ص 286.
(6)
المهذب ح 2 ص 223.
(7)
المحرر ح 2 ص 197 مطبعة السنة المحمدية.
(8)
المحلى ح 1 ص 12 مسألة 20.
(9)
المحلى ح 11 ص 198 وما بعدها.
(10)
شرح الازهار ح 4 ص 576 وما بعدها مطبعة حجازى سنة 1358 هـ.
1 -
اما باعتقاد كفر نحو أن يعتقد أن الله تعالى ثالث ثلاثة أو أن المسيح أو عزير هو ابن الله، أو يعتقد كذب النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض ما جاء به، أو أن الميعاد المذكور فى القرآن والكتب المنزلة المراد به الروحانى دون الجسمانى دون أن يكون هناك محشر أو جنة أو نار أو أن الميعاد بالقيامة قيام الامام أو أن هذا العالم باق أو نحو ذلك مما يتضمن رد ما علم من دين النبى صلى الله عليه وسلم بالضرورة لأنه يستلزم اعتقاد كذبه وان لم يلتزم القائل بذلك، فأى من هذه الاعتقادات اذا وقعت ممن كان قد أسلم وصدق الأنبياء كما جاءوا به، كان موجبا للكفر.
2 -
اذا أتى بفعل يدل على كفر فاعله من استخفاف بشريعة النبى صلى الله عليه وسلم أو بما أمر الله بتعظيمه.
3 -
اظهار لفظ كفر نحو أن يقول هو يهودى أو نصرانى أو كافر بالله وبنبيه مستحل للحرام أو يسب نبيا أو القرآن أو الاسلام.
4 -
ومن الردة عن الاسلام السجود لغير الله تعالى لقصد تعظيم المسجود له لا على وجه الاكراه أو السخرية أو الاستهزاء.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية: ان الكفر يكون بنية، وبقول كفر، وفعل مكفر
(1)
.
الأول: العزم على الكفر ولو فى وقت مترقب وفى حكمه التردد فيه. والثانى:
كنفى الصانع سبحانه وانكار الرسالة لفظا وتكذيب رسول وتحليل محرم بالاجماع كالزنا «والضابط انكار ما علم من الدين ضرورة ولا فرق فى القول بين وقوعه عنادا أو اعتقادا أو استهزاءا حملا على الظاهر» .
والثالث ما تعمده: استهزاءا صريحا بالدين أو جحودا له كالقاء مصحف أو بعضه فى قاذورة قصدا أو سجودا لصنم.
مذهب الإباضية:
وعند الإباضية: يكون المسلم مرتدا اذا أنكر وحدانية الله والبعث والرسل أو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة كالصلاة، وصوم رمضان والزكاة والحج وكذلك يكون مرتدا اذا سب ملكا أو نبيا متفقا على نبوته وان أظهر الاسلام وأسر دينا من أديان الشرك كان مرتدا
(2)
.
شروط الارتداد
ليس من يصدر عنه فعل مما تقدم يكون مرتدا، بل ان جماع الشروط فى ذلك على تفصيل وخلاف فى المذاهب. أن يكون عاقلا عامدا مختارا عارفا، وأن يكون قد أسلم من قبل ذلك اسلاما صحيحا عن اختيار.
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 391.
(2)
النبل وشرحه ح 10 ص 15، 17.
وتفصيل ذلك كما جاء فى المذاهب:
مذهب الحنفية:
يشترط الحنفية لصحة الردة شروطا منها، العقل فلا تصح ردة المجنون والمعتوه والصبى الذى لا يعقل لأن العقل من شرائط الأهلية خصوصا فى الاعتقادات ولو كان الرجل ممن يجن ويفيق فان ارتد فى حال جنونه فلا تصح ردته وتصح فى حال الافاقة وكذلك السكران الذاهب العقل لا تصح ردته استحسانا وأما البلوغ فهو ليس بشرط عند أبى حنيفة ومحمد رضى الله عنهما ومن ثم تصح عندهما ردة الصبى المميز وقال أبو يوسف البلوغ شرط حتى لا تصح ردة الصبى المميز عنده، ومنها الطوع فلا تصح ردة المكره على الردة استحسانا، اذا كان قلبه مطمئنا بالايمان
(1)
.
مذهب المالكية:
يشترط المالكية لصحة الردة العقل والاختيار ونص الخرشى على أن هناك خلافا فى اعتبار ردة غير البالغ وجاء فى حاشية العدوى عليه أن الراجح اعتبار ردته وعلى هذا لا يكون البلوغ شرطا فى اعتبار الردة كما يشترطون اسلامه عن طواعية
(2)
.
والأسير ومن دخل الى بلاد الحرب لتجارة أو غيرها اذا تنصر فانه يحمل على أنه فعل ذلك طوعا فيصير مرتدا لأن أفعال المكلفين تحمل على الطوع حتى يثبت خلافه
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: لا تصح ردة المجنون والصبى لقوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاث: الصبى حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق
(4)
.
وقالوا كذلك: لا تصح ردة المكره لقوله تعالى «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» فمن تلفظ بكلمة الكفر وهو أسير لم يحكم بردته لأنه كالمكره. واذا تلفظ بها فى دار الحرب من غير أسر حكم بردته لأن كونه فى دار الحرب لا يدل على الاكراه
(5)
.
قال الشيرازى وفى السكران طريقان فمن أصحابنا من قال تصح ردته قولا واحدا ومنهم من قال لا تصح
(6)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: لا تصح الردة الا من عاقل فأما من لا عقل له كالطفل والمجنون ومن زال عقله باغماء أو نوم أو مرض أو شرب دواء مباح شربه فلا تصح ردته ولا حكم لكلامه بغير خلاف
(7)
.
وقالوا ان الصبى المميز تصح ردته اذا كان له عشر سنين قيل عن الامام أحمد:
اذا كان له سبع سنين. وقيل عنه أيضا لا تصح منه حتى يبلغ
(8)
.
(1)
البدائع ح 7 ص 134.
(2)
الخرشى ح 2 ص 62 الطبعة الاميرية الطبعة الثانية.
(3)
الخرشى ح 8 ص 70.
(4)
المهذب ح 2 ص 221.
(5)
المرجع السابق ح 2 ص 222.
(6)
المرجع السابق ح 2 ص 221.
(7)
المغنى ح 10 ص 76.
(8)
المحرر ح 2 ص 167.
وقالوا من أكره على الكفر فأتى بكلمة الكفر لم يصر كافرا، وقالوا انه روى أن عمار بن ياسر أخذه المشركون فضربوه حتى تكلم بما طلبوا منه ثم أتى إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يبكى فأخبره فقال:
واشترطوا ألا يكون قد أكره على الاسلام وهو ممن لا يجوز اكراهه كالذمى والمستأمن فاذا كان من هؤلاء وأكره فأسلم فلا يثبت له حكم الاسلام حتى يوجد منه ما يدل على اسلامه طوعا بأن يثبت على الاسلام بعد زوال الاكراه عنه. فاذا رجع الى دين الكفر لم يجز قتله ولا اكراهه على الاسلام لقوله تعالى: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ»
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية: انه يشترط فى المرتد أن يصح عنه أنه كان مسلما متبرءا من كل دين حاشا دين الاسلام
(2)
وأن يكون عاقلا غير مكره
(3)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: لا تصح ردة الصبى ولا اسلامه لقوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة: الخبر
(4)
وقيل تصح لكن لا يقتل حتى يبلغ وقالوا يستتاب السكران حال افاقته وان أسلم فى سكره لم يقتل اذ هو شبهة فان ارتد فأصابه برسام أو جنون لم يقتل حتى يفيق وتصح استتابته
(5)
. واذا قال لفظا كفريا مكرها نحو أن يتوعده قادر على قتله أو اتلاف عضو منه أو هتك عرض ان لم يلتزم دين اليهود أو النصارى أو نحو ذلك فينطق به مكرها لا معتقدا فانه لا يكفر بالاجماع
(6)
.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية: يعتبر فى الارتداد البلوغ والعقل وكمال الاختيار
(7)
.
والسكران فى حكم المجنون فلا يرتد بتلفظه حال سكره بكلمة الكفر أو فعله ما يوجبه، وقيل ان السكران يحكم بردته، قال فى شرائع الاسلام
(8)
وهذا مشكل مع اليقين لزوال تميزه وقال كذلك لا حكم لردة الغالط والغافل والساهى والنائم ومن دفع الغضب قصده
(9)
.
مذهب الإباضية:
اشترط الإباضية البلوغ والعقل والاختيار فى الردة وإذا طعن فى الدين حال سكره بعذر، فلا يعتبر مرتدا، وإذا طعن فى الدين حيث تجوز له التقية، أو حيث لا تجوز ولكن لا يحل قتله، فلا يعتبر مرتدا
(10)
وقيل يعتبر طاعنا إذا تكلم بالطعن تقية على نفسه أو ماله أو حفظا على عضو من أعضائه من التلف. وقيل: يتقى أيضا ولو من ضربة موجهة
(11)
.
(1)
المغنى ح 10 ص 105.
(2)
المحلى ح 11 ص 188.
(3)
المرجع السابق ح 6 ص 226.
(4)
البحر الزخار ح 5 ص 423 الطبعة الاولى سنة 1368 هـ.
(5)
البحر الزخار ح 5 ص 426.
(6)
شرح الازهار ح 4 ص 577.
(7)
الروضة البهية ح 2 ص 392.
(8)
شرائع الاسلام ح 2 ص 260.
(9)
الروضة البهية ح 2 ص 292.
(10)
شرح النيل ح 10 ص 458.
(11)
المرجع السابق ح 10 ص 453.
وقالوا لا يعد طاعنا فى الدين من أخطأ فى قوله أو فعله، ومن يحكى قول الطاعن أو فعله، الا ان أراد بحكايته ذم الدين ومن كافأ ولده أو عبده على الطعن يعتبر طاعنا.
وقيل لا يعتبر
(1)
.
أحكام الارتداد
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: من ارتد عرض عليه الحاكم الاسلام استحبابا وتكشف شبهته ويحبس وجوبا وقيل ندبا ثلاثة أيام يعرض عليه الاسلام فى كل يوم منها، وذلك ان استمهل أى طلب المهلة. فاذا لم يطلب المهلة قتل لساعته، الا اذا رجى اسلامه.
وقيل عن البلخى: يقتل فورا بلا توبة، ولا فرق فى ذلك بين الحر والعبد
(2)
ويكون اسلام المرتد بأن يأتى بكلمة الشهادة والتبرؤ من الأديان كلها سوى الاسلام وأن يتبرأ مما انتقل اليه، ولو أتى بالشهادتين على وجه العادة لم ينفعه ما لم يتبرأ واذا أجحد المرتد ردته وأقر بالتوحيد وبمعرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدين الاسلام فهذا منه توبة
(3)
واذا ارتد صبى عاقل أجبر على الاسلام بالضرب
(4)
.
وتحبس المرتدة حتى تسلم وتضرب كل ثلاثة أيام مبالغة فى الحمل على الاسلام والخنثى المشكل كالمرأة ولا تجالس ولا تؤاكل ولو كانت صغيرة
(5)
.
وقالوا اذا عاد المرتد الى الكفر بعد اسلامه وفعل ذلك ثلاث مرات وفى كل مرة طلب من الامام التأجيل، فان الامام يؤجله ثلاثة أيام فان عاد الى الكفر بعد ذلك رابعا فلا يؤجل فان أسلم كان بها والا قتل، فان رجع أيضا عن الاسلام فأتى به الى الامام بعد الثالثة استتابه أيضا وان لم يتب قتله ولا يؤجله وان هو تاب ضرب ضربا وجيعا لا يبلغ به الحد ثم يحبسه ولا يخرجه من السجن حتى يرى عليه خشوع التوبة والاخلاص. فان عاد بعد ما خلى سبيله فعل به مثل ذلك أبدا مادام لا يرجع الى الاسلام ولا يقتل الا اذا أبى أن يسلم
(6)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: يستتاب المرتد وجوبا وان كان عبدا أو امرأة ثلاثة أيام بلياليها من يوم الثبوت لا من يوم الكفر بلا جوع ولا عطش بل يطعم ويسقى من ماله وبلا معاقبة بالضرب أو نحوه فان تاب ترك والا قتل بالسيف
(7)
وكذلك بالنسبة الى المرتدة فانها تقتل اذا أصرت على ردتها بعد الاستتابة غير أنها تستبرأ بحيضة خشية أن تكون حاملا
(8)
.
واذا ارتد بعد توبته لم يعزر فى المرة الأولى، ويجوز أن يعزر فى المرة الثانية
(1)
المرجع السابق ح 10 ص 453.
(2)
شرح الدر المختار ح 1 ص 479 والفتاوى الهندية ح 2 ص 253.
(3)
الفتاوى الهندية ح 2 ص 254.
(4)
شرح الدر المختار ح 1 ص 487.
(5)
الفتاوى الهندية ح 2 ص 254 وشرح الدر المختار ح 2 ص 485.
(6)
الفتاوى الهندية ح 1 ص 253 وبدائع الصنائع ح 7 ص 135.
(7)
الدسوقى ح 4 ص 304 والحطاب ح 6 ص 281، ص 282.
(8)
الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ح 4 ص 304
والثالثة والرابعة اذا كان يرجع للاسلام فى كل مرة.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: اذا تاب المرتد قبلت توبته، وفى وجوب الاستتابة واستحبابها قولان:
أحدهما لا تجب الاستتابة لأنه لو قتل قبل الاستتابة لم يضمنه القاتل، ولو وجبت الاستتابة لضمنه، والثانى أنها تجب لما روى من أن رجلا ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين فأخذه المسلمون فقتلوه، فقال عمر بن الخطاب «هلا أدخلتموه بيتا وأغلقتم عليه بابا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه ثلاثا، فان تاب والا قتلتموه؟» «اللهم انى لم أشهد ولم آمر ولم أرض اذ بلغنى» ولو لم تجب الاستتابة لما تبرأ من فعلهم وفى مدتها عند من قالوا بوجوبها أو استحبابها قولان أحدهما أنها ثلاثة أيام لحديث عمر بن الخطاب، ولأن الردة تكون عن شبهة وقد لا تزال فى الحال فقدر لها ثلاثة أيام، والثانى أنه يستتاب فى الحال والا قتل لحديث أم رومان. وقالوا فى السكران قولان أحدهما تصح استتابته وهو سكران والتأخير مستحب وقالوا لا تصح استتابته وهو سكران ويجب التأخير لأن ردته لا تكون الا من شبهة فلا يمكن ازالتها مع السكر.
وقالوا: واذا ارتد ثم أسلم وتكرر ذلك منه قبل اسلامه اذا تكررت ردته وقيل لا يقبل اسلامه اذا تكررت ردته. قال الشيرازى الفيروزبادى. وهذا خطأ لقوله عز وجل «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» ولأنه أتى بالشهادتين بعد الردة فحكم باسلامه كما لو ارتد أول مرة
(1)
.
واذا بقى على ردته بعد الاستتابة وجب قتله لما روى عن عثمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث منها رجل كفر بعد اسلامه. وقالوا اذا ارتدت المرأة وجب قتلها لما روى عن جابر أن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت عن الاسلام فبلغ أمرها الى النبى صلى الله عليه وسلم فأمر أن تستتاب فان تابت والا قتلت.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: من ارتد عن الاسلام من الرجال أو النساء وكان بالغا عاقلا دعى اليه ثلاثة أيام، وضيق عليه، فان رجع قبل منه والا قتل. وقالوا لا يقتل المرتد حتى يستتاب ثلاثا. وروى عن الامام أحمد بن حنبل رواية أخرى أنه لا تجب استتابته ولكن تستحب. قال ابن قدامة فى المغنى ولنا أنها تستحب لما روى من حديث أم رومان وأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أن تستتاب، وأن عمر بن الخطاب قال: عن مرتد قتل «هلا حبستموه ثلاثا فأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه» ولأنه أمكن استصلاحه فلم يجز اتلافه قبل الاستصلاح ولأن الردة تكون عن شبهة ولا تزول فى الحال فوجب أن ينتظر مدة يرتئى فيها،
(1)
المهذب ح 2 ص 222، ص 223.
وأولى ذلك ثلاثة أيام للأثر ولأنها مدة قريبة
(1)
.
قال ابن قدامة وينبغى أن يضيق عليه فى مدة الاستتابة ويحبس لقول عمر: «هلا حبستموه وأطعمتموه كل يوم رغيفا» ، وتكرر دعايته للاسلام لعله يتعطف قلبه فيراجع دينه
(2)
.
وقالوا: ان التوبة تجب أن تكون عن طواعية ولكن اذا ارتد مسلم وأكره على الرجوع الى الاسلام فان أسلم حكم باسلامه ظاهرا لأنه اكراه بحق فيحكم بصحة ما يأتى به كما لو أكره المسلم على الصلاة فصلى وأما الباطن فأمره الى الله
(3)
.
وقالوا: اذا شهد المرتد بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لم يكشف عن صحة ما شهد به وخلى سبيله ولا يكلف الاقرار بما نسب اليه لقوله صلى الله عليه وسلم:
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم» ، فهذا يثبت به اسلام الكافر الأصلى فكذا المرتد ولا حاجة الى ثبوت الاسلام بالكشف عن صحة ردته
(4)
.
وفى رواية عن الامام أحمد: لا تقبل توبة من تكررت ردته لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً» ، ولا فرق عند الحنابلة بين الرجال والنساء فى وجوب القتل عند الاصرار على الردة
(5)
.
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية: أنه لا يجب دعاء المرتد الى الاسلام واستتابته، ولكن لا يحال بينه وبين ذلك. فالواجب اقامة الحد على المرتد وذلك اذا لم يرجع الى الاسلام
(6)
وقال انه لا برهان لمن قال بالاستتابة أكثر من مرة، فان هذا يفتح بابا لا ينتهى من التكرار.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: ان المرتد يطالب بعد الردة بالرجوع الى الاسلام ثم يقتل اذا لم يسلم
(7)
ويستتاب المرتد ثلاثة أيام اذ روى ذلك عن على عليه السلام. وتقتل المرأة كالرجل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه» .
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: يستتاب المرتد ان كان ارتداده عن كفر أصلى ومدة الاستتابة ثلاثة أيام فى المروى عن الصادق بطريق ضعيف، والأقوى تحديدها بما يؤمل معه عودته ويقتل بعد اليأس منه وان كان لساعته، قال فى الروضة البهية: ولعل الصبر عليه ثلاثة أيام أولى رجاءا لعودته وحملا للخبر على الاستحباب
(8)
.
وقال فى شرائع الاسلام: ان الاستتابة واجبة
(9)
.
(1)
المغنى ح 10 ص 74، 76.
(2)
المرجع السابق ح 10 ص 76 والمحرر ح 2 ص 167.
(3)
المغنى ح 10 ص 105.
(4)
المرجع السابق ح 10 ص 99، 100.
(5)
المرجع السابق ح 10 ص 74.
(6)
المحلى ح 11 ص 192، 189.
(7)
شرح الازهار ح 4 ص 578 والبحر الزخار ح 5 ص 424.
(8)
الروضة البهية ح 2 ص 392.
(9)
ح 2 ص 259.
وقالوا: اذا ارتد ولم يقدر على قتله أو تأخر قتله بوجه وتاب قبلت توبته على تفصيل فى آثار توبته وقالوا ان المرأة المرتدة لا تقتل وان كانت ردتها عن فطرة بل تحبس دائما
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: اذا جحد الطاعن فى الدين الطعن قبل منه ذلك وتاب منه كأن يقول لم أطعن ولكنى تبت الى الله فلا يحبس ولا يضرب ولا يحلف ولا يصار به الى الحاكم ولا يحكم عليه بالطعن
(2)
وقالوا ان الاستتابة فرض كفاية، فيجب أن يبرأ منه من يستتبه، وقيل يبرأ منه ثم يستتبه.
ويجوز عندهم ضرب الطاعن ضرب أدب ونكالة بحبسه وهجرانه والتغليظ عليه فى الكلام
(3)
.
وعندهم تقتل المرأة اذا ارتدت ولم تتب وهى فى ذلك كالرجل
(4)
.
من يملك قتل المرتد
مذهب الحنفية:
ان الامام هو الذى يتولى استتابة المرتد وقتله ان أصر على ردته وان قتله أحد بغير اذن الامام لا شئ عليه لزوال عصمته بالردة
(5)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ان ارتد وأقام على الردة فان كان حرا كان قتله الى الامام لأنه قتل يجب لحق الله تعالى فكان الى الامام كرجم الزانى فان قتله غيره بغير اذنه عزر لأنه افتات على الامام فان كان عبدا ففيه وجهان أحدهما أنه يجوز للمولى قتله لأنه عقوبة تجب لحق المولى فجاز للمولى اقامتها كحد الزانى والثانى لا يجوز للمولى قتله لأنه حق الله تعالى، ولا يتصل بحق للمولى بخلاف حد الزنا فانه يتصل بحقه فى اصلاح ملكه
(6)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: ان قتل المرتد أمره الى الامام حرا كان أو عبدا لأنه قتل لحق الله تعالى فكان الى الامام كرجم الزانى كما أن القتل للردة هو قتل لكفره وليس حدا فى حقه فهو ليس تأديبا من السيد لعبده.
أما اذا لحق المرتد بدار الحرب فانه يعتبر حربيا يباح لكل واحد قتله من غير استتابة وأخذ ماله لمن قدر عليه
(7)
.
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية: اذا ارتد المسلم فقد حل دمه وكان حق قتله الى الامام كما دل على ذلك أثر ابن مسعود وعلى
(8)
.
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 393.
(2)
شرح النيل ح 10 ص 460.
(3)
المرجع السابق ح 10 ص 390، 460.
(4)
المرجع السابق ح 7 ص 643.
(5)
بدائع الصنائع ح 7 ص 134.
(6)
المهذب ح 2 ص 223.
(7)
المغنى ح 10 ص 80، 81، 82.
(8)
المحلى ح 11 ص 190، 135.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: قتل المرتد الى الامام فقط اذ هو حد ولكن لا قصاص على من فعل وفى العبد وجهان أصحهما يقتله سيده وقيل للامام كغيره
(1)
.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية: عن الامام جعفر الصادق كل مسلم من المسلمين ارتد عن الاسلام وجحد محمدا صلى الله عليه وسلم فان دمه مباح لكل من سمع ذلك
(2)
، وكذا من سب النبى صلى الله عليه وسلم جاز لسامعه أن يقتله
(3)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: يجوز لامرأة أو عبد أو مشرك أن يقتل طاعنا فى ديانة المسلمين وفى المسلمين مطلقا ويجوز أن يقتل طاعن طاعنا آخر وجاز الاستمساك به وجره الى الحاكم ليذكر أن هذا طعن ويسمع الحاكم وينظر فى ذلك ويقرر ويبين وجاز اجبار الطاعن على السير معه الى الحاكم وجاز حبسه بالاتهام حتى تخرج تهمة متهمه وتبين أمارة عدم طعنه
(4)
.
ما يطلب من المرتد بعد اسلامه
من عبادات
مذهب الحنفية:
ما فات المرتد من عبادات قبل ردته وحال اسلامه يجب عليه قضاؤه بعد توبته من الردة وليس عليه شئ من العبادات حال الردة لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة ومن ثم فلا يجب عليه قضاؤها كما نصوا على حرمة ذبيحته
(5)
.
مذهب المالكية:
وقال المالكية: ينقضن الوضوء بالردة
(6)
وقالوا وأسقطت الردة صلاة وصياما وزكاة كانت عليه قبل ردته فلا يطالب بها ان عاد الى الاسلام وان كان فعلها سقط ثوابها ولا اعادة ان أسلم بعد وقتها وأسقطت أى أبطلت الردة حجا تقدم منه فيجب عليه اعادته اذا أسلم لبقاء وقته وهو العمر كما لو صلى صلاة فارتد ثم رجع الى الاسلام قبل خروج وقتها وأسقطت الردة كذلك نذرا وكفارة ويمينا بالله أو بعتق أو ظهار أى أنه لا يطالب بها بعد اسلامه وكذا يسقط الظهار كما لو قال لها أنت على كظهر أمى ثم ارتد وكذا اليمين بالطلاق
(7)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ان المرتد من أهل العزائم ولا يستحق التخفيف فعليه قضاء ما فاته من الصلاة فى حال ردته ولو جن أثناءها ولكن المرأة اذا حاضت وهى مرتدة لا تقضى صلاة حيضتها
(8)
وقالوا لا يسقط عن المرتد ما وجب عليه من الزكاة فى حال الاسلام وأما فى وقت ردته فان ذلك مبنى على ملكه وفى ملكه ثلاثة أقوال: فاذا قيل بزواله فلا تجب الزكاة وان قيل بعدم زواله فانها تجب وان قيل بوقفه فان رجع الى الاسلام وجبت
(1)
البحر الزخار ح 5 ص 426.
(2)
الروضة البهية ح 2 ص 391.
(3)
شرائع الاسلام ح 2 ص 251.
(4)
شرح النيل ح 10 ص 458.
(5)
ابن عابدين ح 1 ص 516، ص 517 والبدائع ح 7 ص 136.
(6)
الدسوقى ح 1 ص 114.
(7)
المرجع السابق ح 4 ص 307 والحطاب ح 6 ص 283.
(8)
المهذب ح 1 ص 51.
وان لم يرجع لم تجب
(1)
وقالوا لا تؤكل ذبيحة المرتد الى أى دين ارتد لأنه انما رخص فى ذبائح أهل الكتاب الذين يقرون على أديانهم
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: ان الردة تنقض الوضوء وظاهر قول أبى الخطاب أنها لا تنقضه
(3)
، وقالوا ان اسلام الكافر من موجبات الغسل، وقالوا اذا أسلم المرتد وجب عليه قضاء ما تركه قبل الردة من صلاة وزكاة وصوم ويتخرج الا يلزمه وفى قضاء ما فات فى الردة روايتان
(4)
وقالوا من صلى صلاة ثم ارتد ووقتها باق لم يجب اعادتها ومن حج ثم ارتد ثم أسلم فان فى اعادة جحه روايتين أحدهما رواية أبى اسحاق بوجوبها والأخرى رواية أبى الخطاب بعدم وجوبها، وقال القاضى أبو يعلى قياس المذهب أيضا ألا يعيد الصلاة ويعيد الحج، قال الخطابى لا أعرف لذلك وجها الا أن يكون بسبب تسميتها حجة الاسلام فلا بد من هذا فى الاسلام الثانى، وهذا لا يكون الا اذا بطلت حجته الأولى واذن فتبطل صلاته الأولى، وقالوا ذبيحة المرتد حرام وان كانت ردته الى دين أهل الكتاب
(5)
.
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية: لا ينقض الوضوء بالردة
(6)
ولا يوجب الغسل، وقالوا من حج أو اعتمر ثم هداه الله الى الاسلام بعد ارتداده فليس عليه اعادة العمرة ولا الحج لأن المرتد اذا رجع الى الاسلام لا يحبط ما عمله قبل اسلامه أصلا بل هو مكتوب له ويجازى عليه بالجنة والذى يحبط عمله هو الميت على كفره
(7)
وقالوا تذكية المرتد لا تحل سواء ارتد الى دين كتابى أو دين غير كتابى
(8)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: لا تسقط الحقوق التى وجبت على المرتد قبل ردته من زكاة وفطر وكفارة وخمس فاذا مات أو لحق بدار الحرب كانت واجبة فى ماله يخرج قبل وقوع القسمة من الورثة وأما اذا أسلم سقطت بالاسلام، قيل الا الخمس ودين المسجد وكفارة الظهار فلا تسقط
(9)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: الغسل يجب على الكافر عند حصول سببه «من جنابة وغيرها» ولكن لا يصح منه ولو اغتسل ثم ارتد ثم عاد لم يبطل غسله وقالوا اذا أذن ثم ارتد جاز أن يعتد به ويقيم غيره ولو ارتد أثناء الأذان ثم رجع استأنف على قول. وقالوا ان الكافر تجب عليه الزكاة ولكن لا يصح منه أداؤها فان تلفت لا يضمن وان اهمل.
وقالوا ان الصيام يجب على الكافر ولكن لا يمكن القضاء الا على ما أدرك فجره مسلما
(1)
المهذب ح 1 ص 140.
(2)
الأم ح 6 ص 164.
(3)
المحرر ح 1 ص 15، 17.
(4)
المرجع السابق ح 1 ص 29، 30.
(5)
المغنى ح 10 ص 87.
(6)
المحلى ح 1 ص 27، 221، 225 مسألة 157، 169.
(7)
المحلى ح 7 ص 277 مسألة 917.
(8)
المحلى ح 7 ص 456 مسألة 1559.
(9)
شرح الأزهار ح 4 ص 590.
ويصوم اذا أسلم قبل الزوال وان تحرك قضى
(1)
.
وقالوا لا تؤكل ذبيحة المرتد وتعزل عنه امرأته
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: التكلم بموجب الكفر ينقض الوضوء وكذا الطعن فى الدين، ولا تؤكل ذبيحة المرتد ولا المرتدة
(3)
واختلفوا أيضا هل الاسلام من الارتداد يجب ما فى الارتداد من فرائض على قولين لا مرجح بينهما
(4)
.
أموال المرتدين وعقودهم وميراثهم
ووصاياهم
مذهب الحنفية:
لا خلاف فى أنه اذا أسلم تكون أمواله على حكم ملكه، واختلف فى وقت زوالها هل تزول فى المال بالردة على توقف أو تزول بالقتل أو اللحاق.
فقال الامام أبو حنيفة: الملك فى أموال المرتد موقوف على ما يظهر من حاله لأنه وجد سبب زوال الملك وهو الردة لأنها سبب لوجوب القتل فكان زوال الملك مضافا الى السبب السابق وهو الردة وحتى لا يمكن من اللحاق بدار الحرب بماله فكان ينبغى أن يحكم بزوال ملكه للحال الا أننا نتوقف فيه لاحتمال عودته الى الاسلام. والحكم لا يختلف عن سببه
(5)
.
وعند أبى يوسف ومحمد لا يزول ملك المرتد بالردة وانما يزول بالموت أو القتل أو باللحاق بدار الحرب، وذلك لأن الملك كان ثابتا له فى حال الاسلام موجود لوجود سببه وأهليته وهى الحرية، والردة لا تؤثر فى شئ من ذلك. ثم اختلفا فيما بينهما فى كيفية صحة تصرفاته فقال أبو يوسف حكمها حكم تصرفات الصحيح لأن اختيار الاسلام بيده وقال محمد حكمها حكم تصرفات المريض مرض الموت لأنه على شرف التلف.
وعلى هذا الحكم فان تصرفات المرتد تكون نافذة عندهما على الوجه السابق أى فى كل المال عند أبى يوسف وفى ثلثه اذا لم تكن اجازة عند محمد وعقدة تصرفاته موقوفة عند الامام لوقوف أملاكه فان أسلم نفذت كلها وان مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت كلها وقالوا ان تصرف المرتد على أربعة أوجه منها نافذ اتفاقا وهو مالا يعتمد تمام الولاية ولا يفتقر الى حقيقة الملك نحو الطلاق وقبول الهبة وتسليم الشفعة، ومنها باطل اتفاقا وهو ما يعتمد الملة كالنكاح والذبيحة والصيد والشهادة والارث ومنها ما هو موقوف اتفاقا كشركة المفاوضة لأنها تعتمد المساواة ولا مساواة بين مسلم ومرتد ومنها ما هو مختلف فى توقفه كالبيع والشراء والاجارة والوصية وقبض الديون فهى موقوفة عند الامام ان أسلم نفذت والا بطلت ونافذة عند الصاحبين نفاذ تصرفات الصحيح أو المريض مرض الموت على ما سبق
(6)
.
(1)
شرائع الاسلام ص 29، 51، 78، 104.
(2)
الكافى ح 7 ص 258.
(3)
متن النيل ح 1 ص 13، 288.
(4)
شرح النيل ح 3 ص 196.
(5)
البدائع ح 7 ص 136، 137.
(6)
البداية مع الفتح ح 4 ص 396 والفتاوى الهندية ح 2 ص 255.
أما المرتدة فلا يزول ملكها عن أموالها بلا خلاف فتجوز تصرفاتها فى مالها بالاجماع لأنها لا تقتل فلم تكن ردتها سببا فى زوال ملكها عن أموالها بلا خلاف فتجوز تصرفاتها وتورث
(1)
.
وان مات المرتد أو حكم بلحاقه أو قتل على ردته ورث فى كسب اسلامه وارثه المسلم بعد قضاء دين اسلامه اتفاقا. أما ما اكتسبه فى ردته فيعد فيئا وذلك بعد قضاء دين ردته عند الامام وعند محمد وأبى يوسف يكون ماله كله ميراثا سواء كسب اسلامه أو كسب ردته.
والراجح أن الوارث يعتبر حاله وأهليته عند موت المرتد أو القضاء بلحاقه. (انظر أهلية).
وكذا اذا لحق المرتد بدار الحرب أو حكم القاضى بلحاقه حل دينه وقسم ماله
(2)
فان جاء مسلما قبل الحكم فكأنه لم يرتد وان جاء مسلما بعده وماله مع ورثته أخذه بقضاء أو رضاء ولو فى بيت المال. وان هلك ماله أو أزاله الوارث عن ملكه لا يأخذه ولو كان قائما ولا ضمان على الوارث فى ذلك كله، وان لحق بدار الحرب ومعه ماله، وظهرنا عليه فان ماله يكون فيئا ولا يكون المرتد نفسه فيئا لأنه لا يسترق
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ان مال المرتد بعد موته يكون لورثته فى ثلاثة أحوال وهى: ما اذا جاءنا تائبا بعد الردة، أو تاب بعد الاطلاع على ردته، أو لم تثبت ردته الا بعد موته.
ويكون لبيت المال فى حاليه وهما ما اذا اطلعنا عليه قبل الموت وقبلناه بغير توبة، أو مات مرتدا
(4)
.
وان مات للمرتد مورث فى حال ردته فان مات المرتد على ردته لم يرثه. فان رجع الى الاسلام قيل لا يرثه وقيل يرثه وهو الأظهر
(5)
.
وقالوا تسقط الردة وصيته أى أنها تبطل ولو رجع الى الاسلام وعن المدونة ان محل ابطال الوصية اذا مات على ردته لا ان عاد الى الاسلام
(6)
ولا يبطل وقفه قياسا على العتق
(7)
.
واذا وجبت للمرتد شفعة كان للسلطان أن يأخذها ان شاء لبيت المال
(8)
.
وقالوا: اذا تاب المرتد فماله يرجع له لأن المرتد يكون كالمحجور عليه بالارتداد فيوقف ماله لينظر حاله فان أسلم رد له
(9)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: اذا ارتد وله مال ففيه ثلاثة أقوال: أحدهما أنه لا يزول ملكه عن ماله وهو اختيار المزنى رحمه الله لأنه لم
(1)
البدائع ح 7 ص 137.
(2)
الفتاوى الهندية ح 2 ص 254 والبدائع ح 7 ص 138.
(3)
البدائع ح 7 ص 137.
(4)
الشرح الصغير ح 2 ص 388.
(5)
التاج والاكليل ح 6 ص 281.
(6)
الدسوقى ح 4 ص 307 وتقرير عليش.
(7)
الحطاب ح 6 ص 284.
(8)
الدسوقى ح 3 ص 474.
(9)
الدسوقى ح 4 ص 305، 306.
يوجد أكثر من سبب يبيح الدم وهذا لا يوجب زوال الملك عن ماله، كما لو قتل أو زنى. والثانى أنه يزول ملكه عن ماله، قال فى المهذب، وهو الصحيح لما ورد عن أبى بكر فى ذلك ولأن الاسلام عصم ماله ودمه ثم ملك المسلمون دمه بالردة فوجب أن يملكوا ماله بها. والثالث أنه مراعى - أى موقوفا - فان أسلم حكمنا بأنه لم يزل ملكه وان قتل أو مات على الردة حكمنا بأنه زال ملكه.
فعلى هذا ففى ابتداء ملكه بالاصطياد والابتياع (أى فى فترة الردة) وغيرهما الأقوال الثلاثة: أحدهما يملك والثانى لا يملك والثالث أنه مراعى.
فان قلنا ان ملكه قد زال بالردة صار ماله فيئا للمسلمين وأخذ لبيت المال. وان قلنا انه لا يزول أو مراعى حجر عليه. ومنع من التصرف فيه لأنه تعلق به حق المسلمين وهو متهم فى اضاعته فحفظ كما حفظ مال السفيه واما تصرفه فى المال فان كان بعد الحجر لم يصح وان كان قبل الحجر ففيه ثلاثة أقوال بناء على الأقوال فى بقاء ملكه أحدهما أنه يصح والثانى أنه لا يصح والثالث أنه موقوف
(1)
.
فاذا ارتد الرجل عن الاسلام فلم يوقف ماله فما صنع فهو جائز كما يجوز له فى ماله ما صنع قبل الردة. فاذا وقف فلا سبيل له على اتلاف شئ من ماله بعوض أو غيره مادام موقوفا، واذا كان للمرتد دين قبل الردة قضى دينه ان كان حالا وان كان الى أجل فهو الى أجله الى أن يموت فيحل بموته، وكذلك كل ما أقر به لأحد قبل الردة على تفصيل فى البيع والسلف.
واذا كان للمرتد دين أخذ ممن هو عليه ويوقف فى ماله وان كان الى أجل فهو الى أجله. ولو مات المرتد قبلها أو قتل فاذا قبض كان فيئا
(2)
.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة: قولان أحدهما: أن مال المرتد فئ من حين ردته. وفى قول آخر من حين موته مرتدا، بعد قضاء دينه، ويبدأ بقضاء دينه وأرش جنايته ونفقة زوجته وقريبه لأن هذه حقوق لا يجوز تعطيلها.
ويؤخذ مال المرتد فيجعل عند ثقة من المسلمين
(3)
أو فى بيت المال أو يحفظه الحاكم
(4)
ولا يحكم بزوال ملك المرتد بمجرد ردته فى قول أكثر أهل العلم، فان مات أو قتل زال ملكه بموته وان رجع الى الاسلام فملكه باق له، وذلك لأنه سبب يبيح دمه ولكن لا يزول به ملكه كزنا المحصن والقاتل فى المحاربة وأهل الحرب فان ملكهم ثابت فى عصمتهم، وفى هذا القول لا تصح تصرفات المرتد فى ماله ولكن اذا أسلم رد اليه ملكه جديدا، وقيل أيضا توقف تصرفاته كلها فان أسلم أمضيت والا تبينا فسادها وينفق منه على من تلزمه نفقته وتقضى ديونه، وقيل لا نفقة لأحد فى الردة
(1)
المهذب ح 2 ص 223 والام ح 4 ص 291 وح 6 ص 161، 162.
(2)
الام ح 6 ص 162 - 164.
(3)
المغنى ح 10 ص 81، 83.
(4)
المحرر ح 2 ص 168.
ولا يقضى دين تجدد فيه وقال ابن قدامة اذا تصرف المرتد بعد الحجر عليه لا يصح كتصرف السفيه
(1)
وان لحق بدار الحرب أو تعذر قتله مدة طويلة فعلى الحاكم ما يرى الحظ فيه من بيع الحيوان الذى يحتاج الى النفقة وغيره واجارة ما يرى ابقاءه، قال ابن قدامة واذا لحق المرتد بدار الحرب لم يورث كالحربى الأصلى. وحل دمه لا يوجب توريثه بدليل الحربى الأصلى وقد حل ماله الذى معه لزوال العاصم له فأشبه حال الحربى الذى فى دار الحرب وأما الذى فى دار الاسلام فهو باق على عصمته كمال الحربى الذى مع مضاربه فى دار الاسلام أو عند مودعه.
وفى القول الآخر: المرتد فى ملكه وتصرفه كالمسلم يرثه ورثته المسلمون أو من أهل دينه الذى اختاره ويقر بيده وتنفذ فيه معاوضاته وتوقف تبرعاته فان مات مرتدا ردت تبرعاته المنجزة والمعلقة بالموت وان لم تبلغ الثلث ولو باع شقصا مشفوعا أخذ بالشفعة
(2)
.
ولو لحق المرتد بدار الحرب لم يزل ملكه ولكن يباح قتله لكل واحد من غير استتابة وأخذ ماله ان قدر عليه لأنه صار حربيا حكمه حكم أهل الحرب، أما أملاكه وماله الذى فى دار الاسلام فالحكم فيها كالحكم فيمن هو فى دار الاسلام فيكون ملكه فيه ثابت له ويتصرف فيه الحاكم فيما يرى مصلحته فيه.
وقال ابن قدامة: تصرفات المرتد بالوصية موقوفة. فان أسلم كان تصرفه صحيحا وان قتل أو مات على ردته كانت وصيته باطلة
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية: من يرتد فما يظفر به من ماله يكون لبيت مال المسلمين رجع الى الاسلام أو مات مرتدا أو قتل مرتدا أو لحق بدار الحرب وكل ما لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدا فلورثته من الكفار، فان رجع الى الاسلام فهو له أو لورثته من المسلمين ان مات مسلما، وكل وصية أوصى بها المرتد قبل ردته أو فى حين ردته بما يوافق البر ودين الاسلام فكل ذلك نافذ فى ماله الذى لم يقدر عليه حتى قتل وأما اذا قدرنا عليه قبل موته من مال أو عبد فهو للمسلمين كله لا تنفذ فيه وصية
(4)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: ان المرتد لا يزول ملكه بالردة ولا فرق بين ما كسبه فى ردته أو فى اسلامه، ويرثه ورثته المسلمون عند لحوقه بدار الحرب اذ اللحوق بها كالموت ولا فرق بين ماله الحاصل قبل الردة والمكتسب بعدها فى أنه لورثته المسلمين ان مات أو لحق بدار الحرب. فان ما اكتسبه بعد اللحوق فحكمه حكم ما لأهل الحرب ولا اختصاص لورثته به فان عاد الى الاسلام بعد أن لحق بدار الحرب واقتسم الورثة ماله رد له ما كان باقيا فى أيديهم أو فى أيدى بعضهم.
(1)
المغنى ح 10 ص 83، 84.
(2)
المحرر ح 2 ص 168.
(3)
المغنى ح 10 ص 82، 84.
(4)
المحلى ح 9 ص 304 ح 11 ص 197، 198
وعقودهم الواقعة بعد الردة وقبل اللحوق بدار الحرب هى لغو فى القرب كالوقف والنذر والصدقة ونحو ذلك كالهدية للفقراء الا العتق فانه وان كان قربة فهو يقع من الكافر. واذا لم تتناول عقودهم القرب فى حال الردة فهى صحيحة فى غيرها أى فى غير القرب كالبياعات والهبات والاجارات ونحوها لكنها موقوفة غير نافذة فى الحال كعقد الفضولى فان أسلم ذلك العاقد نفذ عقده وان هلك أو لحق بدار الحرب بطل عقده وقيل غير ذلك.
وتلغو هذه العقود التى قيل بصحتها بعد اللحوق بدار الحرب فلا يصير لها حكم وكأنها لم تكن الا بعد الاستيلاء الواقع بعد ردته فانه ينفذ سواء مات أو لحق بدار الحرب لأنه عتق والعتق ينفذ من الكافر ولا تسقط الحقوق التى وجبت على المرتد قبل ردته كدين لآدمى وزكاة فاذا مات أو لحق بدار الحرب كانت واجبة فى ماله يخرج قبل وقوع القسمة من الورثة
(1)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: ان المرتد لا يزول ملكه عن أمواله الا بموته ولو بقتله ولكن يحجر عليه بنفس الردة عن التصرف فيها فيدخل فى ملكه ما يتجدد وما يتعلق به الحجر وينفق عليه منه ما دام حيا. وتقضى من أموال المرتد ديونه وما عليه من الحقوق الواجبة، ويؤدى منه نفقة الأقارب ما دام حيا وبعد قتله تقضى ديونه وما عليه من الحقوق الواجبة دون نفقة الأقارب. ولو قتل أو مات كانت تركته لورثته من المسلمين فان لم يكن له وارث مسلم فهو للامام عليه السلام.
وقال فى الروضة البهية: لا تكون تركته لبيت المال ولو لم يكن لهما وارث مسلم فالامام يرثهما. وقالوا ان فى انفاذ وصيته السابقة على الردة نظر لعدم مساواته للميت فى الأحكام
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: اذا مات المرتد كان ماله فيئا لبيت المال اذ لا وارث له وقالوا لا يرث المرتد أحد من المسلمين ولا من الكفار ولا من أهل الدين الذى اتنقل اليه ولو امرأة، ولا فرق بين ما اكتسبه فى حال اسلامه أو ردته لأنه لا موالاة بينه وبين غيره لتركه دين الاسلام وعدم تقريره على ما انتقل اليه كما لو ارتد أخوان الى النصرانية مثلا فمع بقاء الموالاة بينهما، لا يقران على ما انتقلا اليه.
وقالوا ان المرتد لا يبطل الايصاء له
(3)
.
نكاح المرتد وولده
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: اذا ارتد المسلم بانت منه امرأته المسلمة أو الكتابية دخل بها أو لم يدخل.
ثم ان كان الزوج هو المرتد ولم يدخل بها فلها نصف المهر ونفقة العدة ان كان قد دخل بها وان كانت هى التى ارتدت فلا
(1)
البحر الزخار ح 5 ص 427.
شرح الازهار ح 4 ص 578، 579.
(2)
الروضة البهية ح 2 ص 392، 393 وشرائع الاسلام ص 259.
(3)
شرح النيل ح 8 ص 263، 264 وح 6 ص 21
مهر لها ان كان قبل الدخول وليس لها نفقة العدة بعد الدخول.
واذا ارتد الزوجان معا فهما على نكاحهما استحسانا، فان بنى حنيفة ارتدوا واستتيبوا فلم يأمرهم أبو بكر بتجديد نكاحهم وفى القياس تقع الفرقة بينهما وهو قول زفر، ولا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصلية لأن النكاح يعتمد الملة ولا ملة للمرتد
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: اذا ارتد أحد الزوجين انفسخ النكاح بطلاق وقيل بغير طلاق
(2)
.
وقال عليش عن خليل أنه اذا ارتد أحد الزوجين فليس فسخا مجردا بل هو طلاق.
قال الدسوقى. ويكون الارتداد نفسه طلاقا وتكون الطلقة بائنة لا رجعية فلا بد من عقد جديد فان وقع الارتداد قبل البناء فلها نصف الصداق، قال: ما لم تقصد المرأة بردتها فسخ النكاح والا لم يفسخ، ولو ارتد الزوج لدين زوجته الكتابية فيفسخ بطلقة بائنة ويحال بينهما
(3)
وقال الامام مالك فى المدونة: ولا أرى للزوجة المرتدة نفقة فى مدة الاستتابة لأنها قد بانت منه وان رجعت الى الاسلام كانت تطليقة بائنة
(4)
.
وقال الحطاب لا تسقط الردة ما تقدم من الطلاق وما طلق فى ارتداده فلا يلزمه، وفى ذلك تفصيل (انظر طلاق).
وقال: ان ظاهر المذهب هو أن الردة تسقط يمين الطلاق فاذا ارتد وعليه أيمان بالطلاق أو ظهار فالردة تسقط ذلى، وقيل لا تطرح الردة احصانه ولا ايمانه بالطلاق.
مذهب الشافعية:
قال الامام الشافعى: لا يجوز للمرتد أن ينكح قبل الحجر ولا بعده مسلمة لأنه مشرك ولا وثنية لأنه لا يحل له الا ما يحل للمسلمين ولا كتابية لأنه لا يقر على دينه فان نكح فأصاب واحدة منهن فلها مهر مثلها والنكاح مفسوخ ولا يكون للمرتد أن يزوج ابنته ولا أخته ولا امرأة هو وليها مسلمة أو مشركة ولا مسلما ولا مشركا واذا أنكح فانكاحه باطل
(5)
.
وقال فى المهذب: واذا ارتد الزوجان أو أحدهما فان كان قبل الدخول وقعت الفرقة وان كان بعد الدخول وقعت الفرقة على انقضاء العدة فان اجتمعا على الاسلام قبل انقضاء العدة فهما على النكاح وان لم يجتمعا وقعت الفرقة لأنه انتقال من دين الى دين يمنع ابتداء النكاح
(6)
.
وعن الامام الشافعى: اذا لم يسلم المرتد قبل انقضاء عدة المرأة بانت منه
(7)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: اذا تزوج المرتد لم يصح تزوجه لأنه لا يقر على النكاح وان تزوج لم يصح تزوجه لأن ولايته على موليته قد زالت بردته
(8)
.
(1)
المبسوط ح 5 ص 49، 48 ومتن الرسالة للقيروانى ص 78 طبع مطبعة صبيح سنة 1375.
(2)
الدسوقى ح 2 ص 270.
(3)
المدونة ح 5 ص 160.
(4)
الحطاب ح 6 ص 282، 284.
(5)
الام ح 6 ص 164.
(6)
المهذب ح 2 ص 54.
(7)
الام ح 4 ص 291.
(8)
المغنى ح 10 ص 83.
واذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح وتنصف مهرها بردته، وسقط بردتها فاذا ارتدا معا قبل الدخول فوجهان ولو كانت الردة بعد الدخول فقد قيل تتنجز الفرقة بالردة ولا نفقة لها، وقيل لا تتنجز بل تقف الى انقضاء العدة وهو الأظهر ويكون لها نفقة العدة الا اذا ارتدت وحدها فلا نفقة لها
(1)
.
وقال ابن قدامة: يبدأ بقضاء نفقة زوجة المرتد وقريبه لأن هذه حقوق لا يجوز تعطيلها
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية: ان الردة تفسخ الزواج سواء ارتد الزوجان معا أو أحدهما وسواء راجع الاسلام أو راجعت أو راجعا الاسلام معا، لا ترجع اليه الا برضاها وبصداق وبولى وباشهاد
(3)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: انه بالردة الواقعة بأى وجه من الوجوه تبين زوجة المرتد فى الحال سواء كان هو المرتد أو هى وقيل الا المدخول بها فلا تبين بالردة فورا، وحجة الرأى الأول القياس على سائر الفسوخات من الرضاع والملك، وحجة الرأى الثانى هو القياس على اسلام أحد الذميين.
فاذا ارتد الزوج بانت منه امرأته وان تاب فلا تعود اليه الا بعقد جديد لكن الزوجة اذا ارتد زوجها ترثه ان مات أو لحق وهما فى العدة.
ولا تصح رجعة المرتد لزوجته ولو أنها ترثه اذا ارتد أو لحق بدار الحرب وهى فى العدة وهى مدخول بها
(4)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: اذا تزوج المرتد لم يصح زواجه، سواء تزوج مسلمة أو كافرة
(5)
.
واذا ارتد بانت منه زوجته من يوم ان يرتد فلا تقربه وتعتد عدة الوفاة وان لم يدخل بها. واذا ارتد ولم يقدر عليه أو تأخر قتله بوجه ثم تاب فلا تعود اليه زوجته وذلك عملا بالاستصحاب ولكن يصح له تجديد العقد عليها بعد العدة وفى جواز ذلك وجه لأنها معتدة بائنة والمرتد لا تزول عصمة نكاحه الا ببقائه على الكفر بعد خروج العدة التى تعتدها زوجته من حين ردته وهى عدة الطلاق فان خرجت من العدة ولما يرجع بانت منه ويؤدى النفقة الواجبة عليه من والد وولد وزوجة ومملوك من ماله الى أن يموت
(6)
.
مذهب الإباضية:
من ارتد الى الشرك وترك زوجته بالاسلام ثم رجع اليه، أو ارتدت كذلك أى تركت زوجا بالاسلام ثم رجعت الى الاسلام قيل يقيمان على العقد الأول ان لم تنقض العدة وقيل يجددان مطلقا ولو لم تنقض العدة بل
(1)
المحرر ح 2 ص 30.
(2)
المغنى ح 10 ص 81.
(3)
المحلى ح 10 ص 143.
(4)
شرح الازهار ح 4 ص 577.
(5)
شرائع الاسلام ح 2 ص 260.
(6)
الروضة البهية ح 2 ص 392، 393.
ولو أسلم من ساعته وهذا هو الراجح وقيل أنهما يقيمان «على العقد» ولو انقضت العدة، ولا تتزوج زوجة مرتد حتى تعتد ثلاثة قروء ان كانت ممن تحيض والا فثلاثة أشهر وتعتد الحامل بعد الوضع ثلاثة قروء ورخص أن تعتد بالوضع فقط
(1)
.
أولاد المرتدين
مذهب الحنفية:
وأما حكم ولد المرتد فولد المرتد لا يخلو من أن يكون موجودا فى الاسلام أو فى الردة فان كان موجودا فى الاسلام بأن ولد للزوجين ولد وهما مسلمان ثم ارتدا لا يحكم بردته ما دام فى دار الاسلام، لأنه لما ولد وأبواه مسلمان فقد حكم باسلامه تبعا لأبويه فلا يزول بردتهما لتحول التبعية الى الدار اذ الدار وان كانت لا تصلح لاثبات التبعية ابتداء عند استتباع الأبوين تصلح للابقاء لأنه أسهل من الابتداء فما دام فى دار الاسلام يبقى على حكم الاسلام تابعا للدار ولو لحق المرتدان بهذا الولد بدار الحرب فكبر الولد وولد له ولد وكبر ثم ظهر عليهم، أما حكم المرتد والمرتدة فمعلوم فأما حكم الأولاد فولد الأب يجبر على الاسلام ولا يقتل لأنه كان مسلما باسلام أبويه تبعا لهما، فلما بلغ كافرا فقد ارتد عنه والمرتد يجبر على الاسلام الا أنه لا يقتل لأن هذه ردة حكمية لا حقيقية لوجود الايمان حكما بطريق التبعية لا حقيقة فيجبر على الاسلام لكن بالحبس لا بالسيف اثباتا للحكم على قدر العلة، ولا يجبر، وولد ولده على الاسلام لأن ولد الولد لا يتبع الجد فى الاسلام وان كان مولودا فى الردة بأن ارتد الزوجان ولا ولد لهما ثم حملت المرأة من زوجها بعد ردتها وهما مرتدان على حالهما فهذا الولد بمنزلة أبويه له حكم الردة
(2)
.
مذهب المالكية:
أما ولد المرتد فلا يلحق به فى الردة اذا كان صغيرا اذ تبعية الولد لأبيه انما تكون فى دين يقر عليه فان قتل الأب على الكفر بقى الولد مسلما وعن ابن عرفة قال: ابن القاسم: صغير ولد المرتد ان كان ولده قبل الردة جبر على الاسلام وضيق عليه ولا يبلغ به الموت، وان ولده بعد ردته جبروا على الاسلام لأن ولد الولد لا يتبع الجد فى تركوا لأنهم ولدوا على ذلك، وقال ابن القاسم: من ترك ولده الصغير مع مطلقته النصرانية لأنه ابنها فغفل عنه حتى احتلم على النصرانية ان لم يرجع للاسلام لم يقتل
(3)
.
مذهب الشافعية:
ان ارتد وله ولد أو حمل كان محكوما باسلامه فاذا بلغ ووصف الكفر قتل، وقال
(1)
شرح النيل ح 3 ص 195، 196، 197.
(2)
البدائع ح 7 ص 139.
(3)
الحطاب ح 6 ص 281.
أبو العباس فيه قول آخر أنه لا يقتل لأن الشافعى رحمه الله قال: ولو بلغ فقتله قاتل قبل أن يصف الاسلام لم يجب عليه القود والمذهب الأول لأنه محكوم باسلامه وانما أسقط الشافعى رحمه الله القود بعد البلوغ للشبهة وهو أنه بلغ ولم يصف الاسلام ولهذا لو قتل قبل البلوغ وجب القود، وان ولد له ولد بعد الردة من ذمية فهو كافر لأنه ولد بين كافرين وهل يجوز استرقاقه؟ فيه قولان أحدهما لا يجوز لأنه لا يسترق أبواه فلم يسترق والثانى لأنه كافر ولد بين كافرين فجاز استرقاقه كولد الحربيين فان قلنا لا يجوز استرقاقه استتيب بعد البلوغ فان تاب والا قتل وان قلنا يجوز استرقاقه فوقع فى الأسر فللامام أن يمن عليه وله أن يفادى به وله أن يسترقه كولد الحربيين غير أنه اذا استرقه. لم يجز اقراره على الكفر لأنه دخل فى الكفر بعد نزول القرآن
(1)
.
مذهب الحنابلة:
فأما أولاد المرتدين فان كانوا ولدوا قبل الردة فانهم محكوم باسلامهم تبعا لآبائهم، ولا يتبعونهم فى الردة لأن الاسلام يعلو وقد تبعوهم فيه فلا يتبعونهم فى الكفر فلا يجوز استرقاقهم صغارا لأنهم مسلمون ولا كبارا لأنهم ان تبقوا على اسلامهم بعد كفرهم فهم مسلمون وان كفروا فهم مرتدون حكمهم حكم آبائهم فى الاستتابة وتحريم الاسترقاق وأما من حدث بعد الردة فهو محكوم بكفره لأنه ولد بين أبوين كافرين ويجوز استرقاقه لأنه ليس بمرتد، نص عليه أحمد وهو ظاهر كلام الخرقى وأبى بكر
(2)
.
مذهب الزيدية:
اذا ارتد المسلم وامرأته حامل منه من قبل الردة فانه يحكم بأن ذلك الحمل مسلم وان ارتد أبواه جميعا لأنه قد ثبت اسلامه باسلامهما عند العلوق فلا يبطل حكم اسلامه بكفرهما فان حكى الكفر بعد بلوغه كان ردة ويحكم لمن حمل به فى الكفر من أبويه به أى بالكفر لأن أمه علقت به وهى كافرة وأبوه كافر والولد يلحق بأبويه فى الكفر والاسلام فلو أتت به لستة أشهر من وقت الردة حكمنا بكفر الولد حينئذ الا أن يكون الحمل قد ظهر قبل الردة فلو وطئها قبل الردة وبعدها وجاءت به لستة أشهر من الوط ء الآخر فله حكم أبيه ولا يرجع الاسلام لأن الحاقه بأبيه أولى قيل فأما لو التبس عدد الشهور فانه يحكم باسلامه لأن كل مولود يولد على الفطرة، ومنها أنه يسترق ولد الولد من المرتدين بلا خلاف وفى الولد
(1)
المهذب ح 2 ص 223، 224.
(2)
المغنى ح 10 ص 93.
تردد. أى فى أول بطن حدث بعد الردة، تردد هل يجوز استرقاقه أولا؟ والتردد لأبى طالب
(1)
.
مذهب الإمامية:
ولد المرتد بحكم المسلم فان بلغ مسلما فلا بحث فان اختار الكفر بعد بلوغه استتيب فان تاب والا قتل، ولو ولد بعد الردة وكانت أمه مسلمة كان حكمه كالأول وان كانت مرتدة والحمل بعد ارتدادها كان بحكمهما واختلف فى جواز ارتداده
(2)
.
جناية المرتد
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: اذا أصاب المرتد مالا أو شيئا مما يوجب القصاص أو حد السرقة أو الدية أو أصابه وهو مرتد فى دار الاسلام، ثم لحق وحاربنا، ثم جاء مسلما فانه يؤاخذ بذلك كله. ولو أصابه بعد ما لحق مرتدا فأسلم فلا يؤاخذ بشئ من ذلك لأن الحربى لا يؤاخذ بعد الاسلام بما كان أصابه حال كونه محاربا لنا
(3)
.
وقالوا: ان ما يغتصبه المرتد من شئ أو يفسده وثبت الغصب أو الاتلاف بالمعاينة أو بالبينة فضمان ذلك فى ماله عندهم جميعا. أما اذا ثبت باقرار المرتد فان ذلك يستوفى من كسب الردة عند أبى حنيفة، وعند محمد وأبى يوسف يستوفى ذلك من الكسبين، واذا قتل المرتد رجلا خطأ ثم لحق أو قتل، فديته تكون واجبة عليه فى كسب اسلامه ان كان ثمة والا فانها تجب فى كسب ردته
(4)
قال فى الهداية والفتاوى الهندية:
ان رأى أبى حنيفة ان الدية تكون فى كسب اسلامه خاصة وعند محمد وأبى يوسف تكون الدية فى الكسبين جميعا لنفوذ تصرفاته فى الحالين ولأن العواقل لا تعقل المرتد فى ردته لانعدام النصرة
(5)
.
مذهب المالكية:
اذا جنى المرتد على عبد ومات أو قتل على ردته أخذت منه قيمته مطلقا أى سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ، واذا جنى على ذمى عمدا أخذت دية الذمى من ماله بسبب ما جنى، واذا جنى عليه خطأ لم يؤخذ من ماله شئ، وتؤخذ الدية من بيت المال، واذا جنى على الحر المسلم عمدا فلا يؤخذ منه شئ، لأن حده القود وهو يسقط بقتله بردته، وأما لو جنى خطأ على مسلم كانت دية ذلك على بيت المال
(6)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: اذا فعل المرتد الممتنع ما يوجب العقاب ثم تاب، فقد قال الشافعى فى قول لم نقم عليهم شيئا لأنهم فعلوه وهم مشركون ممتنعون فقد ارتد طليحة وقتل ثابت بن الأضرم وعكاشة بن محصن بيده ثم أسلم فلم يقد منه ولم يعقل لأنه فعل ذلك فى حالة الشرك ولاتباعة عليه فى الحكم
(1)
شرح الازهار ح 4 ص 580، 581.
(2)
شرائع الاسلام ح 2 ص 259، 260.
(3)
شرح الدر المختار ح 3 ص 312، 313.
(4)
الفتاوى الهندية ح 2 ص 256.
(5)
الهداية ح 2 ص 168 والفتاوى الهندية ح 2 ص 255، 256.
(6)
حاشية الدسوقى ح 4 ص 305.
الا أن يوجد مال رجل بعينه فيؤخذ منه، وفى قول آخر أنه يقتل به لأنه فعل معصية ولم تزده الردة الا شرا
(1)
.
واذا أتلف أحد المرتدين نفسا أو مالا على مسلم فان كان ذلك فى غير القتال وجب عليه الضمان لأنه التزم ذلك بالاقرار بالاسلام فلم يسقط عنه بالجحود فان أتلف ذلك فى حال القتال ففيه طريقان. أحدهما وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفرايينى وغيره من البغداديين أنه على قولين كأهل البغى.
(انظر بغى) والثانى وهو قول القاضى أبى حامد المروزى وغيره من البصريين أنه يجب عليه الضمان قولا واحدا لأن حكمهم فى الضمان حكم قاطع الطريق قال الشيرازى والأول أصح لما روى طارق بن شهاب أن وفد بذاخة وغطفان جاءوا الى أبى بكر يسألونه الصلح فقال - تدون، قتلانا وقتلاكم فى النار - فقال عمر - ان قتلانا قتلوا على أمر الله ليس لهم ديات. فتفرق الناس على قول عمر بن الخطاب
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: ان قتل المرتد من يكافؤه عمدا فعليه القصاص. نص عليه أحمد، والولى مخير بين قتله والعفو عنه. فان اختار القصاص قدم على قتل الردة سواء تقدمت الردة أو تأخرت لأنه حق آدمى وان عفا ولى القصاص على مال وجبت الدية فى ماله وان كان القتل خطأ وجبت الدية فى ماله لأنه لا عاقلة
(3)
.
واذا أتلف المرتد شيئا أو أتى حدا أخذ به، وان أسلم. نص عليه. وقال أبو بكر اذا فعله بدار الحرب أو فى جماعة مرتدة ممتنعة لم يؤخذ به. وقيل اذا أسلم لم يؤخذ بحق الله خاصة
(4)
.
وقال ابن قدامة: يبدأ بقضاء أرش جناية المرتد من ماله لأنه من الحقوق التى لا يجوز تعطيلها
(5)
.
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية: لا يسقط الحد عن المرتد لأن الله أوجب الحدود فى القرآن ولم يسقطها عن المرتد، فمن أصاب حدا ثم ارتد وقدر عليه أقيم عليه الحد ولا يسقط عن اللاحق بالمشركين
(6)
لحاقه بهم شيئا من الحدود التى أصابها قبل لحاقه ولا التى أصابها بعد لحاقه لأن الله أوجب الحدود فى القرآن.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: اذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولى قتله فورا ويسقط قتل الردة. ولو عفا الولى قتل بالردة. ولو قتله خطأ كانت الدية فى ماله مخففة مؤجلة لأنه لا عاقلة له على تردد
(7)
واذا سرق المرتد لم يقطع ولكن يدعى الى الاسلام فان أبى تقطع يده ثم يقتل
(8)
.
(1)
الام ح 4 ص 291.
(2)
المهذب ح 2 ص 224.
(3)
المغنى ح 10 ص 95.
(4)
المحرر ح 2 ص 168، 169.
(5)
المغنى ح 10 ص 81.
(6)
المحلى ح 11 ص 136.
(7)
شرائع الاسلام ح 2 ص 261.
(8)
الكافى ح 7 ص 259.
ارتفاق
المعنى اللغوى
يقال فى اللغة ارتفقت بالشئ انتفعت به، ومرافق الدار مصاب الماء ونحوه ورفقه نفعه كأرفقه
(1)
.
استعمال الفقهاء
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر الرائق
(2)
نقلا عن الذخيرة أن المرافق للدار ونحوها ما يرتفق به ويختص بما هو من التوابع كالشرب والطريق ومسيل الماء.
وفى جامع الفصولين
(3)
مرافق الدار حقوقها كالطريق والمسيل ونحوهما، وهى حقوق مقررة على عقار بعينه لمنفعة عقار آخر مملوك لغير مالك العقار الأول فتثبت لأحدهما على الآخر دون نظر الى مالكها وتسمى بحقوق الارتفاق وهى تسمية مستحدثة وهى حق الشرب وحق المجرى وحق المسيل وحق المرور ويلحق بها حقوق الجوار. فان حق المرور فى طريق مملوك لشخص الى أرض لشخص آخر وحق سقى أرض معينة من مجرى ماء معين مملوك لغير مالك الأرض وحق صرف فاضل ماء أرض أو دار فى أرض لشخص آخر وحق جريان الماء فى أرض شخص لسقى أرض لآخر كلها حقوق مقررة على محالها من أرض أو مجرى ماء أو مصرف سواء أكانت مملوكة أم غير مملوكة وسواء أكان مالكها فلانا أم انتقلت الى ملك فلان آخر وهى تابعة لمحالها تنتقل معها بانتقالها من يد الى يد ومن مالك الى مالك وهى كذلك مقررة للأرض المنتفعة بها أيا كان مالكها لا تتغير باختلاف المالكين وهى حقوق دائمة غير مؤقتة بوقت تنتهى بانتهائه ولازمة بالنظر الى مالك العقار المرتفق به فلا يملك انتهاءها ولكنها غير لازمة بالنظر الى مالك العقار المنتفع فيملك اسقاطها بتنازله عنها
(4)
.
مذهب المالكية:
وفى العقد المنظم للأحكام - الارفاق هو أن يرفق بجاره بجداره الفاصل بينهما ليبنى عليه أو يضع خشبة أو بمسقى ليروى منها أرضه أو بطريق يجتازه أو قاعة يبنى فيها مدة معينة أو الى الأبد بدون أجر على ذلك فيلزمه ذلك طيلة المدة أو الى الأبد ان ذكر الأبدوان سكت عن المدة عد ذلك كالسلف يتسلفه الانسان لا يتعرض فيه لأجل فلا بد أن يترك مدة ينتفع به فيها عادة أمثاله فيترك للمرتفق أن ينتفع المدة المعتادة واذا عرضت له حاجة أكيدة فى الرجوع عنه فله ذلك والا فلا بد من مضيه ويجوز أن يبيع الرجل موضع جذع من حائط بثمن يقبضه الى أمد معلوم - وجاء مثل ذلك فى البهجة - وان الارفاق بالغرز وفتح الباب والسقى له حكم ما تقدم والمعتمد فى الغرز أنه لا رجوع فيه طال الزمن أو قصر عاش المنتفع أم مات الا أن ينهدم الجدار الذى فيه الغرز فلا يعيد الغرز الا بارفاق ثان حيث علم أن
(1)
المصباح والقاموس المحيط مادة رفق.
(2)
البحر الرائق ح 6 ص 148 الطبعة الاولى بالمطبعة العلمية.
(3)
الفصل السابع ح 1 ص 65.
(4)
ابن عابدين ح 4 ص 132 والزيلعى ح 6 ص 41
الخشب وضع أولا بالارفاق والا فله رده كما كان من غير اذن ومن هذه النصوص بين أن الارتفاق ضرب من الارفاق اذ أنه أثر له
(1)
.
وقد جاء ذكر الحقوق السابقة وهى المسماة بحقوق الارتفاق فى كتب المذاهب الأخرى بصدد بيان طريقة الانتفاع بها باعتبارها مرافق للعقار من أرض ودار وذكر أحكام كل حق دون تعرض لها تحت اسم يجمعها فى باب من أبواب الفقه سواء فى ذلك كتب المالكية والشافعية والحنابلة والمحلى وكتب الزيدية والشيعة الجعفرية.
أنواعها
حصرها الحنفية فى حق الشرب وحق المرور وحق المسير وحق المجرى وليس فى كلامهم ما يدل على جواز الزيادة عليها باحداث حقوق ارتفاق أخرى وفى العقد المنظم للأحكام ما يدل على جواز الزيادة عليها وعدم انحصارها فى ذلك
(2)
وعلى ذلك يجوز عندهم أن يقرر لعقار على آخر حق ارتفاق غير ما سبق بيانه كعدم البناء على أحد العقارين الا على بعد معين من العقار الآخر أو عدم رفع البناء المجاور الى ما يزيد على ارتفاع معين، وتفصيل الكلام فى أحكامها ونظام الانتفاع بها يرجع اليه فى مصطلح «حق الشرب» وحق المرور، وحق المسيل، وحق المجرى، وقد اتفقت المذاهب الأربعة على أنها حقوق لازمة فليس لمالك الأرض المقررة عليها اسقاطها اذ أنها حقوق لغيره ولا يجوز التعدى على حق غيره باسقاطه أو المعارضة فيه
(3)
بينما يجوز لمالك الأرض المنتفعة اسقاطها وهى حقوق لها صفة الدوام الا أن يسقطها مالك الأرض المنتفعة بها فيجوز اسقاطه لها لأنه صاحب الحق فى ذلك والى هذا ذهب الحنفية والحنابلة
(4)
ويرى المالكية أنها قد تكون مؤقتة اذا نشأت بمعاوضة مالية فى مدة حددت بالعقد أو بشرط فى معاوضة مع التوقيت وهو رأى الشيعة الجعفرية
(5)
وتكون فى هذه المدة لازمة كما تكون لازمة على الأبد اذا نشأت كذلك وتعد من قبيل الأموال عند غير الحنفية أما الحنفية فلا يعدونها من الأموال ولذا بنوا على ذلك عدم جواز بيعها وعدم جواز هبتها.
أسباب ثبوت حقوق الارتفاق:
مذهب الحنفية:
تثبت الملكية فى حقوق الارتفاق بسبب من الأسباب الآتية:
الشركة العامة - ولهذا كانت مرافق البلد العامة كطرقها وأنهارها ومصارفها محملة بحقوق ارتفاق لكل عقار متصل بها فلكل منزل أشرع بابه الى الطريق العام حق ارتفاق عليه هو حق المرور فيه اليه ولكل أرض زراعية تتصل بمروى على حق ارتفاق عليه هو حق شربها منه وهكذا
(6)
.
(1)
البهجة ح 2 ص 227 والعقد المنظم للاحكام ح 2 ص 127.
(2)
العقد المنظم للاحكام ح 2 ص 127.
(3)
حاشية ابن عابدين ح 4 ص 132 والبهجة ح 2 ص 16 ونهاية المحتاج ح 4 ص 190 وما بعدها، ص 401 وما بعدها وكشاف القناع ح 2 ص 200 وما بعدها.
(4)
راجع كشاف القناع ح 2 ص 197 والدر المختار وابن عابدين ح 5 ص 316.
(5)
التبصرة ح 2 ص 274 وشرح النيل ح 2 ص 137، ص 136 والعقد المنظم للاحكام ح 2 ص 131 والبدائع ح 6 ص 189 وما بعدها.
(6)
الزيلعى ح 6 ص 41 وما بعدها.
اشتراطها فى عقد معاوضة اذا جرى العرف بذلك الاشتراط فاذا باع شخص أرضا لآخر على أن يكون عليها حق مرور الى أرض أخرى مملوكة له أو لغير المتعاقدين وتم العقد على ذلك ثبت لتلك الأرض حق المرور على الأرض المبيعة اذا كان العرف قد جرى بمثل هذا الشرط
(1)
وأجاز المالكية ثبوتها بعقد معاوضة نظير عوض يدفعه المرتفق وثبوتها تبرعا بالعارية وهذا لأن التبرع عندهم ملزم فيكون الحق المترتب عليه لازما وعلى هذا اذا تبرع انسان فالتزم لغيره بأن يروى أرضه من ماء يجريه فى أرضه كان ذلك كافيا لتقرير حق امرار الماء لأرض المتبرع له على أرض التبرع وكان ذلك حقا لازما على الوجه الذى تم به الالتزام من ناحية التوقيت والدوام أما عند من يرى أن العارية غير لازمة فانه يرى أن ذلك مجرد اذن أو اباحة موقوتة ببقاء ذلك الاذن وللآذن أو المعير أن يرجع متى شاء. ويرى المالكية ومن رأى رأيهم كالشافعية والحنابلة أن هذه الحقوق تنشأ بعقد معاوضة استقلالا
(2)
.
الانتفاع بالأرض الموات فى حق من هذه الحقوق عندما تتعين لذلك فاذا أحيا انسان أرضا فى وسط أرض موات وكان يمر الى أرضه التى أحياها من الأرض المحيطة بها ثم جاء آخر فأحيا ما يجاورها من الموات فان أحيا جميع ما يحيط بالأرض الأولى دفعة واحدة كان للأرض الأولى حق مرور على الأرض المحيطة جميعها فيمر مالكها اليها من أى جهة أراد ويجوز للمحيى الثانى أن يخصص له طريقا وان أحياها على دفعات كان حق المرور الى الأرض الأولى على آخر قطعة أحييت لتعينها حينئذ للمرور قبل احيائها
(3)
.
القدم عند الجهل بسبب الحق.
والقدم فى الواقع ليس منشئا للحق وانما يعتبر أن الحق قد نشأ عن سبب صحيح مجهول ولطول العهد تنوسى فيحافظ عليه لتقرره بالقدم والقديم يبقى على حاله ما لم يظهر انه لسبب باطل
(4)
والى هذا ذهب المالكية
(5)
والقدم يتحقق بمضى عشر سنوات عند ابن القاسم وبمضى عشرين سنة عند أصبغ وعن سحنون فى مصب ماء أو مسيل يكفى مضى أربع سنوات عليه وكذلك يرى الشافعية بثبوت هذه الحقوق بهذه الأسباب وكذلك الحنابلة
(6)
هذا والاذن من المالك بالانتفاع لا يثبت به حق ارتفاق وذلك كأن يأذن مالك أرض معينة آخر بالمرور فيها الى أرضه فانه لا يترتب على ذلك ثبوت حق مرور لمن أبيح له ذلك لأن الاباحة موقوتة وليس لها حكم اللزوم فللمبيح أن يرجع كما تنتهى بوفاة كل من المبيح والمباح له وهذا عند من يرى أن العارية غير لازمة أما من يراها لازمة وهم المالكية تعينت هذه الحقوق أيضا بالعارية كما فى العقد المنظم للأحكام والقاعدة العامة لبقاء هذه الحقوق ألا يترتب عليها ضرر بين والا وجب ازالة
(1)
قاضيخان ح 3 ص 213.
(2)
أسنى المطالب ح 2 ص 222.
(3)
الفتاوى الهندية ح 6 ص 191.
(4)
قاضيخان ح 3 ص 213 والعقد المنظم للاحكام ح 2 ص 127.
(5)
التبصرة ح 2 ص 55 وما بعدها والعقد المنظم للاحكام ح 2 ص 128.
(6)
راجع نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى عليه ح 4 ص 190 وما بعدها، ص 401 وما بعدها وكشاف القناع ح 2 ص 200 وما بعدها.
منشأ هذا الضرر كمسيل ماء قذر على طريق فانه يجب ازالته كما ذكر ذلك فى الزيلعى والبدائع
(1)
.
التصرف فى حقوق الارتفاق:
مذهب الحنفية:
يجوز التصرف فى رقبة كل من المجرى أو المسيل أو الطريق اذا كانت مملوكة لصاحب حق المجرى أو حق المرور أو حق الصرف لأنها فى هذه الحال من الأعيان المالية فيجوز التصرف فيها كما يجوز التصرف فى الأموال فتباع وتوهب وتؤجر ويوصى بها الى غير ذلك من التصرفات، واذا لم تكن الرقبة مملوكة لصاحب الحق بان كان له حق اسالة الماء وامراره فقط أو كان له حق المرور فقط أو حق الصرف فقط فان حصل التصرف فيها تبعا للتصرف فى الأرض المرتفقة بها بأن يباع حق الشرب أو حق المرور أو حق المجرى وحق المسيل مع الأرض المنتفعة به جاز ذلك التصرف. غير أنه اذا كان التصرف من العقود التى يكون الغرض منها تمليك المنفعة كالاجارة والوقف والوصية بالمنافع فانها لا تحتاج فى تضمن العقد لها وشموله اياها الى نص عليها فيشملها العقد من غير نص لأن الغرض منه الانتفاع بالعين فى الحال ولا يتم ذلك على الوجه المقصود الا مع دخول هذه الحقوق فيشملها العقد حينئذ لاقتضائه دخولها عرفا واذا كان التصرف من العقود التى يكون المقصود منها تمليك العين مثل البيع والهبة فانه لا يتضمنها الا بالنص عليها كأن يقول البائع بعتك هذه الأرض بحقوقها أو بمرافقها أو ما أشبه ذلك فان لم ينص عليها لم يشملها العقد وبقيت فى ملك البائع مجردة عن عين تنتفع بها وانما لم تدخل فى العقد من غير نص لأن العقد لا يقتضيها اذ قد يكون الغرض منه التمليك والاحتفاظ بالعين للتجارة وذلك يتحقق من غير هذه الحقوق ومن هذا يتبين انها قد تملك مجردة عن عين ترتفق بها وان حصل التصرف فيها استقلالا أى منفردة عن العقار المرتفق بها فان كان هذا التصرف باسقاطها صح لأنها تقبل الاسقاط شأن كل الحقوق المالية وان كان بتمليكها بطريق البيع أو الهبة أو الصدقة لم يجز عند الحنفية لأنها ليست عندهم مالا وذهب بعضهم الى جواز بيع كل من حق المرور وحق الشرب دون حق المسيل وهم فقهاء ما وراء النهر لتعارف الناس ذلك فى بلدهم والرأى الأول ظاهر الرواية ومع انهم لم يجيزوا التصرف فيها بالبيع والهبة وذهبوا الى ثبوت الوراثة فيها من ناحية أن الوارث يعتبر خليفة مورثه فيخلفه فى كل حقوقه التى لها شبه بالمال كما أجازوا الايصاء بمنافعها
(2)
لأن الوصية نوع من الخلافة فاعطيت حكمها.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة والشيعة الجعفرية: الى جواز التصرف فيها منفردة عن العقار المرتفق بها لأنها من الأموال عندهم فكان حكمها حكم المال كما أجازوا انشاءها نظير مال، وكذلك أجازوا التصرف فى أجزاء منها معلومة كثلث ونصف اذا
(1)
ح 6 ص 43 وما بعدها من الزيلعى، ص 189 وما بعدها من البدائع والنهاية فى الصلح وكشاف القناع فى الصلح أيضا.
(2)
البدائع ح 6 ص 189 ص 190 والزيلعى ح 6 ص 43 وابن عابدين ح 4 ص 113، 130 وما بعدها.
ما قبل الحق التجزئة كحق الشرب
(1)
وفى تحرير الأحكام أنه لا يجوز التصرف فيها بالبيع وان جاز جعلها بدل صلح أو مصالحا عليها واذا كان التصرف فيها منفردة بطريق الاجارة لم يجز عند الحنفية كذلك للجهالة الفاحشة وعدم قبول الحقوق
(2)
أن تؤجر على الانفراد لهذه الجهالة ولعدم ولاية صاحبها على محالها لأنها فى ولاية غيره وكذلك لا يصح جعلها أجرة فى عقد الاجارة عندهم لأن الأجرة فى عقد الاجارة كالثمن فى عقد البيع وهى لا تصلح لذلك لأنها ليست مالا وكذلك لا تصلح بدل صلح خلافا لمالك والشافعى وأحمد.
وقد اتفق الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن هذه الحقوق تقبل التوارث سواء أكانت تابعة للعقار المنتفع بها أم منفردة عنه لأن الوراثة خلافة قهرية بحكم الشارع وليست من قبيل التملك الاختيارى فلم تشترط فيها المالية واتفقوا على صحة الوصية بها لأنها تشبه الميراث من ناحية أن التملك فيها انما يكون بعد الموت ولذا قالوا ان الوصية أخت الميراث فما يجوز التوارث فيه يجوز الايصاء به فاذا أوصى صاحب شرب لآخر بان يسقى أرضه من شربه جاز ذلك وكان للموصى له سقى أرضه وينتهى حقه فى ذلك بوفاته لأنها وصية بمنافع وهى تنتهى بموت المنتفع كما نص على ذلك الكاسانى فى البدائع فى الموضع المشار اليه آنفا.
إرث
التعريف بالارث:
جاء فى القاموس ورث أباه بكسر الراء وورث منه يرثه ارثا ووراثة، والارث بالكسر الميراث، ويستعمل الارث فى اللغة بمعنى البقاء ومنه تسمية الله سبحانه بالوارث فى قوله «(وهو» {خَيْرُ الْوارِثِينَ)} وهو يفيد معنى الانتقال أيضا حسيا كان المنقول أو معنويا فيقال ورث فلان مال أبيه أو خلقه والمقصود بكلمة ارث هنا: العلم الذى يعرف به قسمة التركة بين الورثة وما يتعلق بها ويسمى فى عرف الفقهاء الفرائض، يقول صاحب الدر (الفرائض الميراث) وقد ذكر العينى فى شرحه على الكنز
(3)
أن الفرائض جمع فريضة من الفرض وهو التقدير، وسمى هذا العلم فرائض لأن الله تعالى فرضه بنفسه ولم يفوض تقديره الى أحد، وقد فصل الأنصبة بخلاف سائر الأحكام فى الصلاة والزكاة وغيرها فان النصوص فيها مجملة.
وقد عرفوه بأنه علم بأصول من فقه وحساب تعرف حق كل فى التركة
(4)
وجاء فى الروضة البهية فى فقه الشيعة الإمامية
(5)
الميراث من الارث أو الموروث وعلى الأول فهو استحقاق انسان بموت آخر بنسب أو سبب شيئا بالأصالة، وعلى الثانى ما يستحقه انسان بموت آخر بنسب أو سبب
(1)
نهاية المحتاج والشبراملسى عليه ح 4 ص 390، ص 401 وما بعدها وكشاف القناع ح 2 ص 200 وما بعدها والقواعد لابن رجب ص 198 والبهجة ح 2 والتاودى ص 16 والمختصر النافع ص 26.
(2)
المراجع السابقة.
(3)
الكنز للعينى ح 2 ص 364.
(4)
الدر المختار على حاشية ابن عابدين ح 5 ص 526 الطبعة الثالثة سنة 1326 هـ طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للجبعى العاملى ح 2 ص 295 طبع مطابع دار الكتاب العربى.
بمصر.
الخ وهو أعم من الفرائض مطلقا ان أريد بها المفروض، وان أريد بها ما يعم الاجمال كأرث أولى الأرحام فهو بمعناه.
ومن ثم كان التعبير بالميراث أولى، وعرفه الإباضية
(1)
بأنه حق قابل للتجزؤ ثبت لمستحقه بعد موت من كان له ذلك لقرابة بينهما أو نحوهما.
وجاء فى الروض النضير
(2)
الميراث كل مال أو حق خرج من مستحق الى مستحق آخر من غير اختيار كل منهما حيث يموت الميت وله من يرثه بأى من الأسباب التى قصر الشارع التوارث عليها.
وقد عنى الفقهاء به حتى جعلوه علما مستقلا بذاته كما يفيده ذلك التعريف وذلك مستمد من عناية الرسول صلى الله عليه وسلم به، اذ يقول فيما رواه ابن ماجه والحاكم عن أبى هريرة (تعلموا الفرائض وعلموها فانها نصف العلم) الحديث.
دليل مشروعيته
الارث مشروع بالكتاب والسنة والاجماع: أما القرآن فقول الله تعالى
(3)
(4)
وأيضا قوله تعالى {(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 5)} ويدل عليه من السنة ما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا الى تعلم الفرائض كما وردت عدة أحاديث فى بيان الأنصبة وكيفية التوريث مثل قوله (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقته فلأولى رجل ذكر) ويدل من الاجماع ما روى ان فقهاء المسلمين أجمعوا على بعض مسائل فى الارث كنصيب الجد لأب وابن الابن كما أجمع الصحابة على مشروعية التوريث طبقا لما ورد بالكتاب والسنة فى مشروعيته.
الحكمة فى تشريع الارث:
راعى الشارع فى تشريع الارث مصلحة
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ح 8 ص 254 طبع محمد بن يوسف البارونى وشركاه.
(2)
الروض النضير ح 2 ص 26، ص 120 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1349 هـ.
(3)
الآية رقم 11 من سورة النساء.
(4)
الآية رقم 12 من سورة النساء.
(5)
الآية رقم 176 من سورة النساء.
الجماعة والأسرة كما راعى حق الميت الذى يعنيه أن يصل ماله الى ورثته كما قال الفقهاء لأن الموت مانع من التسلط على المال والانتفاع به فلزم أن يخلف الميت من ينتسب اليه على تركته وقد توخى الشارع العدالة وحرص عليها فلم يترك توزيع التركة لارادة المورث بل استأثر بها قال العينى فى شرح الكنز
(1)
ان الله قدر المواريث بنفسه ولم يفوضها لملك مقرب ولا نبى مرسل، وبين نصيب كل واحد: وهذا يؤيد ما قلناه من شدة حرص الشارع على المحافظة على ما حده الله للارث ولذلك سماه حدودا وبين أنه أدرى بالأحق فى قوله تعالى {(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ)} .
التدرج فى تشريع الارث:
لم يقض الاسلام دفعة واحدة بأحكام الارث المعمول بها تمشيا مع مسلكه من التدرج فى تشريع بعض الأحكام فقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه وورث بعضهم من بعض بمقتضى المؤاخاة حتى نزل قول الله تعالى {(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ} الآية)
(2)
فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب
(3)
كما كانوا يتوارثون بالتبنى على ما كان عليه العرب فى الجاهلية فألغى الاسلام ذلك بقوله تعالى ({وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ})
(4)
.
قال الألوسى
(5)
: فى تفسير هذه الآية:
انها ابطال لما كان فى الجاهلية وصدر الاسلام من أنه اذا تبنى الرجل ولد غيره أجريت عليه أحكام البنوة، كما كانوا يتوارثون بالمعاقدة على الميراث. روى عن ابن عباس فى قول الله تعالى:({وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً})
(6)
قال كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر فأنزل الله عز وجل ({النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً})
(7)
قال ابن عباس - أى الا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا لهم وصية فهو لهم جائز من ثلث مال الميت، ويقول الجصاص
(8)
قد ثبت من قول السلف ان الحكم الثابت فى الاسلام أولا الميراث بالتعاقد والولاء ثم قال قائلون: انه منسوخ بقول الله سبحانه وتعالى {(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)} وقال آخرون ليس بمنسوخ من الأصل ولكنه جعل ذوى الأرحام أولى من موالى المعاقدة فنسخ ميراثهم فى حال وجود القرابات وهو باق لهم اذا فقد الأقرباء على الأصل الذى كان عليه.
وكان الاسلام يقضى قبل نزول آية المواريث بفرض الوصية للوالدين والأقربين
(1)
شرح الكنز للعينى ح 2 ص 364.
(2)
الآية رقم 6 من سورة الاحزاب.
(3)
راجع روح المعانى للألوسى ح 10 ص 39 طبع ادارة الطباعة المنيرية.
(4)
الآية رقم 4 من سورة الاحزاب.
(5)
راجع روح المعانى للألوسى ح 24 ص 146 الطبعة السابقة.
(6)
الآية رقم 33 من سورة النساء.
(7)
الآية رقم 6 من سورة الاحزاب.
(8)
أحكام القرآن للجصاص ح 2 ص 185 طبع دار الخلافة سنة 1335 هـ.
ثم نسخ ذلك كما يقول جمهور الفقهاء.
يقول الألوسى
(1)
ان الحكم بوجوب الوصية للوالدين والأقربين كان فى بدء الاسلام ثم نسخ بآية المواريث كما قاله ابن عباس وابن عمر وقتادة وشريح ومجاهد وغيرهم، وقد أخرج أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه بأسانيدهم أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب على راحلته فقال: ان الله قد قسم لكل انسان نصيبه من الميراث فلا تجوز لوارث وصية. ونقل الألوسى من طرق أخرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى حجة الوداع مثل ذلك ثم قال ان هذه الأحاديث تنظم فى مسلك المتواتر وان بعض الفقهاء جعلها من المتواتر بالفعل. ثم قال الألوسى
(2)
فى قول الله سبحانه (بالمعروف) لما كان الموصى قد لا يحسن التدبير فى مقدار الوصية لكل منهم وربما كان يقصد المضارة تولى الله بنفسه بيان ذلك الحق على وجه يتيقن به أنه الصواب وان فيه الحكمة وقصره على الحدود المبينة فى آيات الميراث {(يُوصِيكُمُ اللهُ .. )} الآيات السابقة.
وقال الألوسى
(3)
عند تفسير قول الله تعالى ({لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً})
(4)
ان الآية تشير الى المبالغة فى ابطال حكم الجاهلية فانهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال، ويقولون انما يرث من يحارب ويذب عن الحوذة فللرد عليهم نزلت هذه الآية كما قال ابن جبير وغيره. ثم نزل بعد ذلك قوله تعالى ({وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً})
(5)
. ثم نزل قول الله تعالى {(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)} .
الآية السابقة.
وقد أشار صاحب البحر الزخار الى بعض صور التدرج فى تشريع الميراث فذكر
(6)
أنهم كانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء والأطفال فنزل قول الله تعالى {(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً)} الآية السابقة.
أسباب الارث
أسباب الارث عند الحنفية:
كما يقول صاحب التنوير وشارحه
(7)
:
ان الارث يستحق بأحد أسباب ثلاثة: برحم ونكاح صحيح وولاء فلا توارث بنكاح فاسد ولا باطل اجماعا، وولاء: وقد علق ابن عابدين على ذلك فقال ان النكاح الصحيح يقتضى الارث ولو بلا دخول ولا خلوة اجماعا وقال ان الولاء ينقسم الى ولاء عتاقه وولاء موالاه.
(1)
روح المعانى ح 2 ص 53 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ح 2 ص 54 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ح 4 ص 210 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 7 من سورة النساء.
(5)
الآية رقم 127 من سورة النساء.
(6)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى ح 5 ص 237 الطبعة الاولى سنة 1366 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر.
(7)
التنوير والدر وحاشية ابن عابدين ح 5 ص 529 المطبعة اليمنية سنة 1307 هـ.
مذهب المالكية:
أما المالكية فقد أضافوا الى هذه الأسباب بيت المال. فقالوا
(1)
انه يلى الولاء فى سببية الارث وفيه تفصيل سيأتى والولاء عندهم قاصر على ولاء العتاقة.
مذهب الشافعية:
والشافعية أيضا يضيفون هذا السبب ويطلقون عليه اسم الاسلام جاء فى المنهاج وشرحه
(2)
الرابع من أسباب الارث الاسلام - أى جهته - وسواء كان المصروف له موجودا عند الموت أم حدث بعد أن أسلم أم أعتق بعد .. ثم قال فتصرف التركة أو بعضها عن الميت المسلم لبيت المال ارثا للمسلمين بسبب العصوبة لأنهم يعقلون عنه كأقاربه اذا لم يكن له وارث بالأسباب الثلاثة القرابة والنكاح والولاء الذى هو ولاء العتاقة فقط.
مذهب الحنابلة:
والحنابلة ينصون
(3)
على أن أسباب الارث ثلاثة رحم ونكاح وولاء عتق فهم لا يعتبرون ولاء الموالاة من أسباب الارث اذ قصروا الأسباب على هذه الثلاثة كما قصروا الولاء على ولاء العتاقة، قال الخرقى وابن قدامة فى المغنى
(4)
انه يرد على أهل الفرائض الا الزوج والزوجة، ثم قال ابن قدامة وذهب زيد بن ثابت الى أن الفاضل من ذوى الفروض لبيت المال ولا يرد على أحد فوق فرضه، ثم قال ولنا قوله تعالى {(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)}
(5)
.
مذهب الزيدية:
كما يستفاد من كلام صاحب البحر الزخار
(6)
ان أسباب الارث أربعة وأدخل ضمن الولاء ولاء الموالاة كالحنفية اذ يقول لا يرث مولى الموالاة الا بعد عدم العصبات وذوى السهام وذوى الأرحام، اذ كان على عليه السلام لا يورث المولى مع ذوى السهم الا مع الزوج والزوجة ولا يرث مولى العتاقة الا بعد عدم العصبات وايتاء ذوى السهام سهامهم اجماعا، وهو أقدم من ذى الرحم اذ كان على عليه السلام يورث مولى العتاقة دون العمة والخالة وغيرهما من أولى الأرحام ويقول
(7)
فيما يستفاد منه السبب الرابع ومن لا وارث له فميراثه لبيت المال.
مذهب الشيعة الجعفرية
(8)
:
يقولون ان أسباب الارث شيئان نسب وسبب لكنهم يجعلون الولاء الذى يدخل هو والزوجين ضمن السبب ثلاثة أقسام
(9)
ولاء عتق وضامن الجريرة والامامة ويقولون فى ولاء العتق يرث المعتق عتيقه اذا تبرع بعتقه ولم يتبرأ من ضمان جريرة ولم يخلف العتيق وارثا مناسبا وفى ضامن الجريرة يقولون
(10)
ان عدم الورثة فضامن الجريرة
(1)
الدردير وحاشية الدسوقى ح 4 ص 468 طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
(2)
المنهاج ح 6 ص 9 طبعة الحلبى سنة 1338 هـ
(3)
منتهى الارادات على كشاف القناع ح 2 ص 69 طبع دار الجيل للطباعة بالفجالة.
(4)
المغنى لابن قدامة المقدسى ح 6 ص 201 طبع مطبعة المنار بمصر الطبعة الاولى سنة 1341 هـ.
(5)
الآية رقم 75 من سورة الانفال.
(6)
البحر الزخار ح 5 ص 358 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ح 5 ص 259 الطبعة السابقة.
(8)
الروضة البهية ح 2 ص 295 الطبعة السابقة.
(9)
المرجع السابق ح 2 ص 328 الطبعة السابقة.
(10)
المرجع السابق ح 2 ص 330 الطبعة السابقة.
وهى الجناية وصورة عقد ضامن الجريرة أن يقول المضمون عاقدتك على أن تنصرنى وتدفع عنى وتعقل عنى وترثنى فيقول قبلت، ويقولون فى الارث بولاء الامامة انه اذا فقد الضامن فالوارث الامام مع حضوره لا بيت المال على الأصح فيدفع اليه ليصنع به ما شاء، ومع غيبته يصرف الفقراء والمساكين من بلد الميت، وجاء فى التعليق على كلام صاحب الروضة ولا شاهد لهذا التخصيص الا ما روى من فعل أمير المؤمنين عليه السلام بسند ضعيف، ثم قال والمروى صحيحا عن الباقر والصادق أن مال من لا وارث له من الأنفال وهى لا تختص ببلد المال فالقول بجواز صرفها للفقراء والمساكين من المؤمنين مطلقا كما اختاره جماعة منهم صاحب الروضة أقوى، ان لم يجز صرفه فى غيرهم من مصارف الأنفال، وقيل يجب حفظه للامام كمستحقه فى الخمس وهو أحوط ثم قال صاحب اللمعة الدمشقية ولا يجوز أن يدفع لسلطان الجور مع القدرة على منعه ولو أخذه الظالم قهرا فلا ضمان على من كان بيده.
مذهب الإباضية:
يقول صاحب النيل
(1)
وللارث سببان وهما النكاح والنسب وقال شارح النيل والولاء ثم قال وزاد بعضهم سببا رابعا وهو بيت المال، وهو عند أكثر قومنا وارث لا حائز وذلك أنه يرث من لا وارث له فى قول ويرث الباقى عن ذوى الفروض حيث لا عاصب، والمذهب ان الرحم أولى وان من له سهم أولى فان لم يكن وارث ولا عاصب فللفقراء أو لبيت المال حيازة لا ارثا.
شروط الارث
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: فى حاشية ابن عابدين على الدر
(2)
شروط الارث ثلاثة موت مورث حقيقة أو حكما كمفقود أو تقديرا كجنين فيه غرة ووجود وارثه عند موته حقيقة أو تقديرا كالحمل والعلم بجهة ارثه.
مذهب المالكية:
يقول القرافى
(3)
: شروط التوارث ثلاثة تقدم موت الموروث على الوارث واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين، والعلم بالقرب والدرجة التى اجتمعا فيها، وذكر صاحب الشرح الكبير
(4)
خمسة موانع للارث ثم قال: واذا علم ان ضد المانع شرط. فشروط الارث خمسة وعلى ذلك فتكون شروط الارث الخمسة هى. حرية الوارث وأن لا يكون قاتلا لمورثه على تفصيل يأتى فى موضعه والاتفاق فى الدين وأن يعلم تأخر موت الوارث عن موت المورث وان لا تكون هناك ملاعنة بين الزوجين على خلاف فى أن اللعان مانع من الارث فيعتبر عدمه شرطا اذ أنه مانع من سبب الارث الذى هو الزوجية وبذلك لا يعتبر عدم الملاعنة شرطا.
مذهب الشافعية:
أثبت الشافعية شروطا أربعة للارث أولها تحقق موت المورث جاء فى نهاية المحتاج
(5)
،
(1)
النيل وشرحه ح 8 ص 280 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
ح 5 ص 499 الطبعة السابقة.
(3)
الفروق للقرافى ح 4 ص 199 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1344 هـ الطبعة الاولى.
(4)
ح 4 ص 487 من الشرح الكبير طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه.
(5)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ح 6 ص 3 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ.
ينتقل الملك للورثة بالاجماع عند تحقق الموت وزاد الخطيب أو الحاق المورث بالموتى تقديرا كجنين انفصل ميتا فى حياة أمه أو بعد موتها بجناية على أمه موجبة للغرة، أو بالحاق المورث بالموتى حكما كما فى حكم القاضى بموت المفقود وثانيهما. تحقق حياة الوارث بعد موت مورثه ولو بلحظة جاء فى المهذب
(1)
ان سعيد بن المسيب روى عن أبى هريرة أنه قال ان من السنة الا يرث المنفوس - أى المولود - ولا يورث حتى يستهل صارخا. وثالثها: معرفة ادلاء الوارث للميت بقرابة أو نكاح أو ولاء، ورابعها: الجهة المقتضية للارث تفصيلا. وهذا يختص بالقاضى.
مذهب الحنابلة:
يقول صاحب كشاف القناع
(2)
شروط الارث ثلاثة: تحقق حياة الوارث أو الحاقه بالاحياء وتحقق موت المورث أو الحاقه بالأموات، والعلم بالجهة المقتضية للارث.
مذهب الظاهرية:
لم نقف على نص صريح بشروط الارث عندهم الا أنه يمكن أخذها من قول ابن حزم الظاهرى
(3)
من ولد بعد موت مورثه فخرج حيا كله أو بعضه أقله أو أكثره ثم مات بعد تمام خروجه أو قبل تمام خروجه .. وصحت حياته بيقين .. فانه يرث ويورث .. فهذه العبارة تفيد أنهم يشترطون لتحقق الارث:
موت المورث واستقرار حياة الوارث وقت وفاة المورث، ووجود الجهة التى يرث بها.
مذهب الزيدية:
شروط الارث كما فى البحر الزخار
(4)
:
تحقق سبب الارث من نسب ونكاح وولاء، وتحقق موت المورث حيث قال صاحب البحر فى الكلام عن الوصية
(5)
أنها تشبه الميراث لوقوفها على الموت، وتحقق حياة الوارث فقد جاء فى البحر عند الكلام عن ميراث الغرقى والهدمى
(6)
قال الهادى يجب أن يمات الواحد منهم أيهم كان ويحيى الباقون حتى يرثوه وهى واضحة فى قول صاحب الروض النضير
(7)
الميراث كل مال أو حق خرج من مستحق الى مستحق آخر من غير اختيار كل منهما حيث يموت الميت وله من يرثه بأى الأسباب التى قصر الشارع التوارث عليها.
مذهب الإمامية:
يشترط لتحقيق الارث عندهم موت المورث جاء فى شرائع الاسلام
(8)
الغائب لا يورث حتى يتحقق موته وتحقق سبب الارث كما يفيده قول صاحب الروضة البهية
(9)
الارث هو استحقاق انسان بموت آخر بنسب أو سبب وتحقق حياة الوارث وقت وفاة المورث كما يفيد قول صاحب شرائع الاسلام. الحمل يرث بشرط انفصاله حيا وقول صاحب
(1)
المهذب للشيرازى ح 2 ص 31 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(2)
كشاف القناع ومنتهى الارادات ح 2 ص 542 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لابن حزم ح 9 ص 108 طبع الطباعة المنيرية الطبعة الاولى سنة 1351 هـ.
(4)
البحر الزخار ح 5 ص 235 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ح 5 ص 305 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ح 5 ص 362 الطبعة السابقة.
(7)
كتاب الروض النضير ح 2 ص 26، ص 121 الطبعة السابقة.
(8)
شرائع الاسلام ح 2 ص 83 الطبعة السابقة.
(9)
الروضة البهية ح 2 ص 295 الطبعة السابقة
الروضة
(1)
ولو كان الحمل نطفة ورث اذا انفصل حيا ولا يشترط استقرار حياته بعد انفصاله: بل المعتبر مطلق الحياة المعتبرة.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(2)
أما شروط الارث فثلاثة: أحدهما تحقق موت الموروث أو الحاقه بالأموات حكما فى المفقود الذى حكم القاضى بموته اجتهادا أو الحاقه بالأموات تقديرا فى الجنين الذى انفصل ميتا بجناية على أمه توجب الغرة: الثانى تحقق حياة الوارث حياة مستقرة أو الحاقه بالأحياء تقديرا فى الجنين الذى انفصل حيا حياة مستقرة لوقت يظهر وجوده عند الموت ولو نطفة. الثالث: العلم بالجهة المقتضية للارث وبالدرجة التى اجتمعا فيها تفصيلا.
موانع الارث
مذهب الحنفية:
المانع
(3)
من الارث أربعة الأول الرق كاملا كان كالقن أو ناقصا كالمدبر والمكاتب وأم الولد وذلك لأن الرقيق مطلقا لا يملك المال أسائر أسباب الملك فلا يملكه أيضا بالارث، ولأن جميع ما فى يده من المال فهو لمولاه فلو ورثناه من أقربائه لوقع الملك لسيده فيكون توريثا لأجنبى بلا سبب، وانه باطل اجماعا ومعتق البعض عند أبى حنيفة بمنزلة المملوك ما بقى عليه درهم فى فكاك رقبته، فلا يرث ولا يحجب أحدا عن ميراثه، وعندهما هو حر فيرث ويحجب والمسألة مبنية على أن العتق يتجزأ عنده خلافا لهما.
الثانى القتل الذى يتعلق به وجوب القصاص أو الكفارة. والأول هو العمد والثانى وهو الذى يتعلق به وجوب الكفارة اما شبه عمد واما خطأ وذلك اذا لم يكن القتل بحق كما اذا قتل مورثه قصاصا أو حدا أو دفعا عن نفسه فلا يحرم أصلا، وكذا قتل العادل مورثه الباغى وفى عكسه خلاف أبى يوسف، واذا كان القتل بالسبب دون المباشرة كحافر البئر أو واضع الحجر فى غير ملكه ففيه الدية على العاقلة ولا قصاص فيه ولا كفارة وكذا الحال اذا كان القاتل صبيا أو مجنونا فلا حرمان بالقتل فى هذه الصورة فان قيل ان الأب اذا قتل ابنه عمدا لم يثبت به قصاص ولا كفارة أجيب بأن هذا الفعل فى الأصل موجب للقصاص الا أنه سقط بقوله صلى الله عليه وسلم «لا يقتل الوالد بولده ولا سيد بعبده» ولا يقال ان مقتضى قوله عليه السلام «القاتل لا يرث» أن يحرم مطلقا لأن الحرمان شرع عقوبة على القتل المحظور فيخرج ما عدا هذا من الصور التى لم يحرم فيها القاتل بحق والمتسبب والصبى والمجنون لوجود الحق فى الأول ولأن الثانى ليس بقاتل حقيقة، ولأن الصبى والمجنون فعلهما مما لا يصلح أن يوصف بالحظر شرعا.
الثالث: اختلاف الدين فلا يرث الكافر من المسلم اجماعا ولا المسلم من الكافر على
(1)
المرجع السابق ح 2 ص 299 الطبعة السابقة
(2)
شرح النيل ح 8 ص 259، ص 260 الطبعة السابقة.
(3)
شرح السراجية للجرجانى ص 18، 24 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1363 هـ
قول على وزيد بن ثابت وعامة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم واليه ذهب علماء الحنفية لقوله عليه السلام «لا يتوارث أهل ملتين شئ» والمسلم يرث من المرتد لأن ارث المسلم منه مستند الى حال اسلامه ولذلك قال أبو حنيفة رضى الله عنه: انه يورث منه ما اكتسبه فى زمان اسلامه، ولا يورث ما اكتسبه فى زمان ردته. والوجه على قولهما أن الجميع لورثته لأن المرتد لا يقر على ما اعتقده بل يجبر على عوده الى الاسلام فيعتبر حكم الاسلام فى حقه لا فيما ينتفع هو به. بل فيما ينتفع به وارثه. ثم ان الكفار يتوارثون فيما بينهم وان اختلفت مللهم لأن الكفر ملة واحدة، الرابع: اختلاف الدارين. اما حقيقة أو حكما كالحربى والذمى فاذا مات الحربى فى دار الحرب وله أب أو ابن ذمى فى دار الاسلام أو مات الذمى فى دار الاسلام وله أب أو ابن فى دار الحرب لم يرث أحدهما من الآخر فهما وان اتحدا ملة لكن لتباين الدارين حقيقة تنقطع الولاية بينهما فتنقطع الوراثة المبنية على الولاية، والثانى وهو اختلاف الدارين حكما كالمستأمن والذمى أو الحربيين من دارين مختلفين، أما الأول فظاهر لأن الحربى اذا دخل فى دار الاسلام بأمان فهو والذمى فى دار واحدة لكنهما فى دارين مختلفتين حكما لأن المستأمن من أهل دار الحرب حكما لأنه يتمكن من الرجوع اليها ولا يتمكن من استدامة الاقامة فى دار الاسلام بخلاف الذمى فلا توارث بينهما وأما الثانى فيحمل على أنهما من دارين مختلفتين حقيقة لكنهما فى دار الاسلام بالاستئمان فهما فى دار واحدة حقيقة وفى دارين مختلفتين حكما وكان الأولى أن يقال المستأمنين بدل الحربيين فلا يتوارثان فى هذه الحالة فى دار الاسلام الا اذا صارا أهل ذمة والدار تختلف باختلاف المنعة واختلاف الملك لانقطاع العصمة فيما بينهم حتى يستحل كل منهما مال الآخر، أما اذا كان بينهما تناصر وتعاون على أعدائهما كانت الدار واحدة والوراثة ثابتة، وموضع بيان اختلاف الدار مصطلح اختلاف الدار.
مذهب المالكية:
وموانع الارث عند المالكية كما فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى
(1)
تتلخص فى الآتى:
الأول: الرق فلا يرث قن أو بشائبة حرية من قريب ولسيد العبد القن أو المبعض جميع ماله بالملك فان كان العبد مملوكا لجماعة فلكل من ماله بقدر استحقاقه ولا يورث الرقيق أى لا يرثه قريبه الحر لأن مال العبد لسيده الا المكاتب الذى يموت ويترك ما فيه وفاء بكتابته مع زيادة عليه فان تلك الزيادة تورث عنه على تفصيل ينظر فى مصطلح (مكاتب).
المانع الثانى: القتل وهو عندهم القتل العمد العدوان فلا يرث قاتل لمورثه ولو معتقا أو صبيا أو مجنونا تسببا أو مباشرة عمدا عدوانا ولو كانت هناك شبهة تمنع
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ح 4 ص 485، ص 487 الطبعة السابقة.
القصاص كرمى الوالد ولده بحجر فيموت منه مادام هناك تعمد، وعدم ارث الصبى والمجنون هو رأى بعض المالكية كالدردير والاستاذ أبى بكر (والبعض الآخر يرى أن الصبى والمجنون عمده كالقتل الخطأ وهذا ما قاله الفارسى فى شرح التلمسانية ونحوه فى الذخيرة)؟.
أما القتل الخطأ فالقاتل لا يرث من الدية ويرث من المال كما لو قصد وارث قتل مورثه وكان لا يندفع الا بالقتل فقتله المورث فانه يرث من المال لا من الدية، وكما لو قتل شخص مورثه اذا كان من البغاة فانه يرثه.
المانع الثالث: اختلاف الدين: فلا يرث مخالف فى دينه كمسلم مع مرتد أو مسلم مع يهودى أو نصرانى أو مجوسى كذلك لا يرث اليهودى من النصرانى ولا العكس لأن كل ملة تعتبر مستقلة، هذا فى اليهودية والنصرانية أما ما عداهما من الملل الأخرى فقيل أنها كلها ملة واحدة فيقع التوارث بين مجوسى وعابد وثن أو دهرى وقيل ان ما سواهما ملل أيضا والقولان مرجحان والأول رواية المدنيين وصوبه ابن يونس والثانى هو ظاهر المدونة والأمهات واعتمده ابن مرزوق وروى أن القول الثانى هو المشهور
(1)
.
المانع الرابع: جهل تأخر موت الوارث عن موت المورث بأن ماتا معا ولم يعلم المتأخر منهما كالغرقى والحرقى والهدمى.
المانع الخامس: اللعان بين الزوجين: يقول الدردير ولا يرث ملاعن زوجته التى لا عنها اذا التعنت بعده بمجرد تمام التعانها فان ماتت قبل التعانها ورثها كذلك لا ترث الملاعنة زوجها الملتعن قبلها فان ابتدأت هى ومات الزوج قبل التعانه ورثته، وان مات بعد التعانه الواقع بعد التعانها فعلى القول باعادتها ترثه وعلى القول بعدم اعادتها لا ترثه - أى انه اذا لم يقع اللعان من الجانبين توارثا - وان حصل اللعان من كل منهما على الوجه الشرعى لم يرث أحدهما الآخر، وعلق على ذلك الدسوقى فقال ان ذلك خلاف التحقيق والحق أن اللعان بين الزوجين مانع من سبب الميراث الذى هو الزوجية لا مانع من الحكم الذى هو الميراث وتفصيل الكلام فيه ينبغى أن يكون فى مصطلح (لعان).
مذهب الشافعية:
تتلخص موانع الارث عند الشافعية على ما فى نهاية المحتاج والمهذب ومغنى المحتاج
(2)
فى الآتى اختلاف الدين، جاء فى المهذب لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم أصليا كان أو مرتدا لما روى أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) ويرث الذمى من الذمى وان اختلفت أديانهم لأنه حقن دمهم بسبب واحد فورث بعضهم من بعض كالمسلمين ولا يرث المسلم من الكافر ولكن صاحب مغنى المحتاج حكى خلافا فى توريث المسلم من الكافر فقال: الجمهور على المنع لأن التوريث مبنى على الموالاة
(1)
حاشية الدسوقى ح 4 ص 486 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج ح 6 ص 26، 27 الطبعة السابقة، والمهذب ح 2 ص 24 الطبعة السابقة ومغنى المحتاج ح 3 ص 23، 24 الطبعة السابقة.
والمناصرة ولا موالاة بين المسلم والكافر وقيل نرثهم كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا، وكذلك الردة فقد جاء فى نهاية المحتاج ولا يرث مرتد حال الموت بحال وان أسلم خلافا لابن الرفعة وكذلك لا يورث فقال فى مغنى المحتاج والزنديق كالمرتد: وفى المهذب ومن أسلم على ميراث لم يقسم لم يرث لأنه لم يكن وارثا عند الموت كما لو أسلم بعد القسمة.
المانع الثانى: اختلاف الدار جاء فى المهذب ولا يرث الحربى من الذمى ولا الذمى من الحربى لأن الموالاة انقطعت بينهما فلم يرث أحدهم من الآخر كالمسلم والكافر.
المانع الثالث الرق: جاء فى نهاية المحتاج الرق يمنع من الارث بجميع أنواعه مدبرا كان أو مكاتبا أو مبعضا أو أم ولد لأنه لو ورث لملك السيد الارث وهو أجنبى عن الميت، وكما أن العبد لا يرث من الحر، فكذلك لا يرث الحر من العبد، لكن صاحب المهذب أورد خلافا فى المبعض حيث قال: ومن نصفه حر ونصفه عبد لا يرث ونقل عن المزنى أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية ويحجب بقدر ما فيه من الرق. أما الارث فى الرقيق فيحكى صاحب المهذب قولين فيما جمعه بالحرية قال فى الجديد يرثه ورثته لأنه مال ملكه بالحرية فورث عنه كما فى الحر وقال فى القديم لا يورث لأنه اذا لم يرث بحريته لم يورث بها. ويكون المال لسيده كما قال الشافعى، وقال أبو سعيد الاصطخرى يكون لبيت المال لأنه لا يجوز أن يكون لسيده لأنه جمعه بالحرية فلا يجوز أن يورث للرق فجعل لبيت المال ليصرف فى المصالح كمال لا مالك له ثم قال: ومن أعتق على ميراث لم يقسم لم يرث لأنه لم يكن وارثا عند الموت فلم يرث كما لو اعتق بعد القسمة، المانع الرابع القتل فالقاتل لا يرث عندهم بحال سواء كان القتل عمدا أم خطأ أم شبه عمد وسواء كان بحق أم بغير حق جاء فى المهذب أنه الصحيح لما روى أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«لا يرث القاتل شيئا» ومنع القاتل من الارث حتى لا يجعل ذريعة الى استعجال الميراث فوجب أن يحرم بكل حال لحسم الباب. لكن من الشافعية من فصل فقد جاء فى المهذب: واختلف أصحابنا فيمن قتل مورثه فمنهم من قال ان كان القتل مضمونا لم يرثه لأنه قتل بغير حق وان لم يكن مضمونا ورثه لأنه قتل بحق فلا يحرم به الارث ومنهم من قال: ان كان متهما كالمخطئ أو حاكما فقتله فى الزنا بالبينة لم يرثه لأنه متهم فى قتله لاستعجاله الميراث وان كان غير متهم بأن قتله باقراره بالزنا ورثه لأنه غير متهم، هذا وقد اعتبر صاحب متن المنهاج أن ابهام وقت الموت مانع من الارث الا أن الشربينى اعتبر ذلك مانعا من الحكم بالارث لا من نفس الارث وأورد الشربينى مانعا آخر هو الدور الحكمى. وهو أن يلزم من توريثه عدم توريثه كما لو أقر الأخ بابن أخيه الميت فانه يثبت نسبه ولا يرث، وفى مغنى المحتاج. وعد بعضهم من الموانع النبوة
لخبر الصحيحين (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) وقال ابن الهانم فى شرح الكافية: الموانع الحقيقية أربعة:
القتل والرق واختلاف الدين واختلاف الدار وما زاد عليها فتسميته مانعا مجاز، وقال فى غيره أنها ستة الاربعة المذكورة والردة واختلاف العهد وأن ما زاد عليها مجاز لا لأنه مانع بل لانتفاء الشرط.
مذهب الحنابلة:
موانع الارث ثلاثة: اختلاف الدين والقتل بغير حق والرق الكامل جاء فى كشاف القناع
(1)
اختلاف الدين من موانع الارث فلا يرث المسلم الكافر للحديث المتفق عليه.
ولا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر الا بالولاء فان المسلم يرث عتيقه الكافر لأن ولاءه له بالاجماع وهو شعبة من الرق فورثه به كما يرثه قبل العتق ولا يرث الكافر المسلم الا بالولاء قياسا على عكسه، أو يسلم الكافر قبل قسم ميراث قريب مسلم لما روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قسم قسم فى الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الاسلام فانه على قسم الاسلام ولو كان الذى أسلم مرتدا عند موت مورثه أو كان الوارث زوجة وأسلمت فى عدة قياسا على ما سبق ولا يرث ان كان زوجا لانقطاع علاقات النكاح عنه بموتها .. وان أسلم قبل قسم بعض المال ورث من أسلم مما بقى دون ما قسم، ويرث الكفار بعضهم بعضا ان اتحدت ملتهم ولا يرثون مع اختلافها ويرث ذمى حربيا ويرث الحربى الذمى ويرث الحربى مستأمنا وكذلك عكسه ويرث الذمى مستأمنا وكذلك العكس بشرطه وهو اتحاد الملة، فاختلاف الدارين ليس بمانع لأن العمومات من النصوص تقتضى توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص ولا اجماع ولا يصح فيهم قياس فيجب العمل بعمومها، ومفهوم قوله عليه السلام: لا يتوارث أهل ملتين شئ.
أن أهل الملة الواحدة يتوارثون، وضبط التوريث بالملة والكفر والاسلام دليل على أن الاعتبار به دون غيره والمرتد لا يرث أحدا من المسلمين ولا من الكفار لأنه لا يقر على ما هو عليه الا أن يسلم قبل قسم الميراث ولا يرثه أحد من المسلمين ولا من غير المسلمين فان مات فى ردته فماله فئ والزنديق كالمرتد ومثله مرتكب بدعة مكفرة فلا يرث ولا يورث والقاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئا لحديث عمر «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ليس للقاتل شئ» .
وحديث ابن عباس أن الرسول عليه السلام قال: من قتل قتيلا فانه لا يرثه وان لم يكن له وارث غيره وان كان والده أو ولده فليس للقاتل ميراث. عمدا كان القتل أو شبه عمد أو خطأ بمباشرة أو سبب مثل أن يحفر بئرا أو يضع حجرا بطريق لا لنفع المارة أو ينصب سكينا ونحوه أو بسبب جناية مضمونة من بهيمة لكونها ضارية أو لكون يده عليها فيهلك بها موروثه فلا يرثه لأنه قاتل له ولو كان القاتل غير مكلف كصبى ومجنون وكذلك لو انقلب نائم ونحوه على موروثه فقتله فلا يرثه لأنه قاتل سدا للباب. انفرد
(1)
كشاف القناع ح 2 ص 600 الطبعة السابقة
الوارث بالقتل أو شارك فيه غيره لأن شريك القاتل قاتل، وكذا لو سقى ولده ونحوه ممن فى حجره دواءا ولو يسيرا أو أدبه أو فصده أو حجمه لحاجة فمات لم يرثه لأنه قاتل ولو شربت حامل دواءا فأسقطت جنينها لم ترث من الغرة شيئا بجنايتها المضمونة وكل قتل لا يضمن بشئ من هذا لا يمنع الارث كقتل قصاصا أو حدا أو حرابا أو بشهادة حق من وارثه وكقتل العادل الباغى فى الحرب وقتل الباغى العادل، والرقيق الكامل الرق والمدبر والمكاتب وأم الولد ومن علق عتقه بصفة ولم توجد لا يرثون ولا يورثون لأن فيهم نقصا منع كونهم وارثين فمنع كونهم موروثين، وأجمعوا على أن المملوك لا يورث لأنه لا مال له فيورث لأنه لا يملك ومن قال انه يملك بالتمليك فملكه ناقص غير مستقر يزول الى سيده بزوال ملكه عن رقبته ويرث معتق بعضه بقدر حرية بعضه ويورث معتق بعضه ويحجب بقدر حريته بعضه وما كسبه ببعضه الحر أو ورث به أو كان قاسم سيده فى حياته فما حصل له خاصة لا حق لمالك باقيه فى شئ منه وما ملكه يجزئه الحر أو ورثه أو خصه من مقاسمة سيده فهو لورثته بعد موته وقال صاحب الكشاف فى موضع آخر قبل ذلك ولا يرث ان كان قنا وعتق قبل القسمة بعد موت قريبه أو عتق مع موته ولو دبر ابن عمه ومات خرج المدبر من الثلث وعتق ولم يرث وان قال أنت حر فى آخر حياتى عتق وورث.
مذهب الظاهرية:
كلام ابن حزم يفيد أن الموانع عندهم.
الرق واختلاف الدين. وعلى هذا فالقتل بكل صوره لا يمنع من الارث جاء فى المحلى
(1)
العبد لا يرث ولا يورث وماله كله لسيده، هذا ما لا خلاف فيه والمكاتب اذا أدى شيئا من مكاتبته فمات أو مات له موروث ورث منه ورثته بقدر ما أدى فقط وورث هو أيضا بقدر ما أدى فقط ويكون ما فضل عما ورث لسائر الورثة ويكون ما فضل عن ورثته لسيده ومن مات وبعضه حر وبعضه عبد فللذى له الولاء ما ترك بمقدار ما له فيه من الولاء والباقى للذى له الرق سواء كان يأخذ حصته من كسبه فى حياته أو لم يكن يأخذ لأن الباقى بعد ما كان يأخذ ملك لجميع المكاتب يأكله ويتزوج فيه ويتسرى ويقضى منه ديونه ويتصدق به فهو ماله وهو ما لم يأخذه الذى له فيه بقية فهو مال يخلفه ليس للذى تمسك بالرق أن يأخذه الآن اذ قد وجب فيه حق للذى له فيه بعض الولاء.
وقال ابن حزم ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم. المرتد وغير المرتد سواء وساق حديث «لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر» وقال هذا عموم لا يجوز أن يخص منه شئ.
مذهب الزيدية:
موانع الارث عندهم اختلاف الدين والقتل العمد والرق جاء فى البحر الزخار
(2)
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ح 9 ص 301 الطبعة السابقة.
(2)
ح 5 ص 367 الطبعة السابقة.
لا توارث بين أهل ملتين اجماعا لحديث «لا يرث المسلم الكافر» وحديث «لا توارث بين أهل ملتين» وميراث المرتد للمسلمين اذ الردة كالموت لأن عليا قتل المرتد وجعل ميراثه لورثته المسلمين ولم يفصل، ولا توارث بين يهودى ونصرانى والعكس، ولا بين وثنى وكتابى ولا مجوسى ولا يرث المسلم من الذمى، وقاتل العمد لا يرث من المال ولا من الدية لقوله صلى الله عليه وسلم «لا ميراث لقاتل» وقاتل الخطأ لا يرث من الدية اجماعا ويرث من المال لقوله صلى الله عليه وسلم:
والمرأة ترث من دية زوجها وماله وهو يرث من ديتها ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا فاقتضى المفهوم ان قاتل الخطأ يرث لكن خرجت الدية بالاجماع ولا توارث بين حر ومملوك اجماعا اذ لا يملك فلا يرث ولا يورث، ومن عتق بعضه ورث وورث بقدر ما عتق منه اذ قضى على بذلك فى أب حر وابن نصفه حر فجعل نصف التركة بينهما.
مذهب الشيعة الجعفرية:
توسع الشيعة الجعفرية فيما يعتبر مانعا من الارث فقد ذكر صاحب الروضة البهية
(1)
أن الموانع كثيرة وأن صاحب اللمعة جمعها فى الدروس الى عشرين ذكر منها ستة. الكفر والقتل والرق واللعان والحمل والغيبة المنقطعة. وجاء فى هامش الروضة سردباقيها وهى الزنا، والتبرؤ عند السلطان من جريرة الابن وميراثه، والشك فى النسب، والدين المستغرق، وعلم اقتران موت المتوارثين واشتباه المتقدم بالموت وبعد الدرجة مع وجود الأقرب ومنع يتعلق بالزوجية، ومنع المستهل من الارث واشتباه الوارث بالعبد، والكفن، والوصية، وكون العين موقوفة، والعبد جانيا، وقدر الحبوة. وأما صاحب شرائع الاسلام
(2)
وصاحب المختصر النافع
(3)
فانهما لم يذكرا سوى ثلاثة موانع: الكفر والقتل والرق، وخلاصة ما قاله كل هؤلاء:
المانع الأول: الكفر المانع من الارث ما يخرج به معتقده عن سمة الاسلام فلا يرث الكافر مسلما سواء كان الكافر حربيا أو ذميا أو مرتدا، أما المسلم فانه يرث الكافر أصليا كان أو مرتدا، وميراث المسلم لوارثه المسلم سواء انفرد بالنسب أو شاركه الكافر أو كان أقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن، ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للامام، ولو مات كافر وله ورثة كفار ووارث مسلم كان ميراثه للمسلم وان قرب الكفار وبعد المسلم واذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته بين الورثة حيث يكونون متعددين شارك فى الارث بحسب حاله ان كان مساويا فى النسب كما لو كان الكافر ابنا والورثة اخوته وينفرد بالارث ان كان أولى منهم سواء كان المورث مسلما أو كافرا ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وان أسلم لأنه لا يتحقق هنا قسمته ولو أسلم بعد القسمة فلا مشاركة ولو كان الاسلام بعد قسمة البعض ففى مشاركته فى الجميع أو فى الباقى أو المنع منهما أوجه أعدلها الوسط وهو
(1)
ح 2 ص 296، 300 الطبعة السابقة.
(2)
شرائع الاسلام ح 2 ص 181، 183 الطبعة السابقة.
(3)
المختصر النافع ص 265 الطبعة السابقة.
المشاركة فى الباقى بعد قسمة البعض، والزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوى قرابتها الكفار كافرة كانت أو مسلمة له النصف، بالزوجية والباقى بالرد وللزوجة المسلمة الربع مع الورثة الكفار والباقى للامام والمرتد عن فطرة. وهو من كان أبواه مسلمين أو أحدهما عند بدء الحمل به تقسم أمواله ويرثه المسلمون لا غير وان لم يقتل أما المرتد عن غير فطرة. وهو الذى لم يكن أحد أبويه مسلما عند بدء الحمل به فلا يقسم ماله حتى يقتل أو يموت وميراث المرتد لوارثه المسلم فان لم يكن وارث الا كافرا كان ميراثه للامام على الاظهر.
المانع الثانى: القتل وهو مانع من الارث اذا كان عمدا ظلما اجماعا
(1)
مقابلة له بنقيض مقصوده ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا ميراث للقاتل» أما لو كان القتل بحق كحد أو قصاص فانه لا يمنع من الارث ولو كان القتل خطأ ورث على الأشهر من المال لا من الدية ويستوى فى ذلك الأب والولد وغيرهما من ذوى الانساب والأسباب، ولو لم يكن وارث سوى القاتل كان الميراث لبيت المال ولو قتل اباه وللقاتل ولد ورث جده اذا لم يكن هناك ولد للصلب، وفى الحاق شبه العمد بالعمد أو بالخطأ قولان:
أجودهما الأول: لأنه عامد فى الجملة ولا فرق بين الصبى والمجنون وغيرهما لكن فى الحاقهما بالخاطئ أو العامد نظر، ولعل الأول أوجه ولا فرق أيضا بين المباشر والمتسبب فى ظاهر المذهب للعموم.
المانع الثالث: الرق وهو يمنع فى الوارث والموروث فمن مات وله وارث حر وآخر مملوك فالميراث للحر وان بعد دون الرق وان قرب، ولو كان الوارث ابنا رقا وله ولد حر لم يمنع الولد من الارث برق أبيه ويرث جده، والمبعض يرث بقدر ما فيه من الحرية ويمنع من الارث بقدر ما فيه من الرق، ويورث المبعض كذلك اذا كان المال مكتسبا بكل السعاية أما لو كان مكتسبا يجزئه الرق بأن يكون نصيب الرق من كسبه فالجميع للمولى ولو كان يجزئه الحر خاصة فالجميع للوارث وان أعتق الرق على ميراث قبل قسمته شارك ان كان مساويا ولو كان العتق بعد القسمة لم يكن له نصيب ولا فرق بين أم الولد والمدبر والمكاتب المشروط والمطلق الذى لم يؤد شيئا من مال الكتابة وبين القن لاشتراك الجميع فى أصل الرق وان تشبث بعضهم بالحرية، أما الموانع التى ذكرها صاحب الروضة غير ذلك فبيانها الآتى:
اللعان وهو مانع من الارث بين الزوجين وبين الزوج والولد المنفى به من جانب الأب والولد الا أن يكذب الأب نفسه فى نفيه فيرثه الولد من غير عكس، والحمل مانع من الارث فلا يرث من غيره الا أن ينفصل حيا فلو سقط ميتا لم يرث لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «السقط لا يرث ولا يورث» وكذلك لا يرثه الغير ممن هو دونه الى أن ينفصل حيا ويستبين أمره، والغيبة المنقطعة: وهى مانعة من نفوذ الارث ظاهرا حتى يثبت موته شرعا.
(1)
دعوى الاجماع غير مسلم لمخالفة الظاهرية.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه للارث موانع ثلاثة الأول: اختلاف الملل فلا يرث مشرك مسلما ولا يرث الكافر المسلم) ولحديث قال صلى الله عليه وسلم (لا يرث الكافر مسلما ولا يرث الكافر المسلم) «ولحديث (لا يتوارث أهل ملتين) وفى الأثر من حضره الموت فقال لورثته: أنا يهودى أو مجوسى أو من ملة من ملل الشرك مضرة أن لا يرثوه فانهم يرثونه ولا يشتغلون به لأنه لا أضرار، والكفر كله ملة واحدة والاسلام ملة، فكل يهودى ونصرانى وصابئ ومجوسى وجاحد ووثنى يرث الآخر وهو مذهبنا.
وفى شرح الترتيب: لا يرث المرتد أحدا من المسلمين ولا من الكفار ولا من أهل الدين الذى انتقل اليه ولو امرأة ولا فرق بين ما اكتسبه فى حال الاسلام أوردته ولا يورث والزنديق كالمرتد.
المانع الثانى: الرقية فلا توارث بين حر ورقيق ولو مدبرا أو معلقا عتقه بصفة أو موصى بعتقه أو أم ولد، ولو عتق قبل القسمة لأنه لو ورث شيئا تملكه السيد وهو أجنبى عن الميت ولا مال له يورث عنه والمكاتب عندنا حر، ولو لم يقض ما عليه والمبعض حر بجميعه كغيره من الأحرار.
المانع الثالث: القتل ولو أوقع القاتل الضرب أو موجب الموت قبل أن يكون وارثا أو مات بعد كونه وارثا مثل أن تجرح رجلا فتتزوجه فيموت بجرحها. وان كان القتل بخطأ فلا يرث القاتل قتيله ولو خطأ الا ان قتله بحق أو شهد عليه به فانه يرثه وكذا المعلم اذا أمره رجل أن يضرب ولده أدبا فمات من ضربه فانه يرثه. وان وضع فى الطريق جذعا أو حفر فيها بئرا فمات بذلك ورثه وانما يزيل ارثه فعل يده
(1)
.
التركة
مذهب الحنفية:
التركة ما تركه الميت خاليا من تعلق حق الغير بعينه
(2)
فيدخل فى تركة المتوفى كل مال على ملكه ولو كان مغصوبا أو مسروقا أو دينا فى ذمة الغير أو وديعة أو مع الغير على سبيل الاعارة. أما المنافع فانها لا تدخل ضمن التركة ولا تورث اذ يرون أنها ليست من الأموال لأنها تتجدد ساعة بساعة وتفوت بفوات وقتها فلا تدخر ولذا فانهم قالوا
(3)
من مات وقد أوصى لغيره بعبد يخدمه أو دار يسكنها عادت العين والدار الى ورثة الموصى بحكم الملك لأن الموصى أوجب الحق للموصى له ليستوفى المنافع على حكم ملكه فلا يعود على ورثة الموصى له كما أن الحقوق المجردة ليست بمال فلا تدخل ضمن التركه عندهم ولذا فانهم قالوا ان حق الشفعة لا يورث يقول الزيلعى
(4)
ان حق الشفعة مجرد رأى فلا يورث وقالوا فى
(5)
خيار الشرط والتعيين والرؤية أنها لا تورث لأن الخيار بموته يبطل ولا ينتقل الى الورثة عندنا لأنها صفة للميت فلا ينتقل عنه كسائر
(1)
شرح النيل ح 8 ص 257، 270 الطبعة السابقة.
(2)
تبيين الحقائق للزيلعى ح 6 ص 229 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ح 6 ص 202، 203 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ح 5 ص 257 الطبعة السابقة
(5)
المرجع السابق ح 4 ص 18، 19، 30 بالنسبة لخيار الرؤية.
أوصافه: واذا ثبت الخيار للورثة فى خيار التعيين فانه يثبت لهم ابتداء الاختلاط ملك مورثهم بملك الغير ويثبت لهم فى خيار العيب لأن المورث استحق المبيع سليما فكذا الوارث اذ بالعيب فات الجزء السليم فللمورث ان يطالب بذلك الجزء فيقوم الوارث مقامه.
وفى حاشية الشلبى بهامش تبيين الحقائق انما يكون الارث فى شئ متصور انتقاله لا فيما لا يتصور انتقاله والخيار لا يتصور انتقاله، ويقول الزيلعى
(1)
بخلاف حق القصاص لأن من عليه القصاص صار كالمملوك لمن له القصاص ولهذا جاز أخذ العوض عنه.
وفى الدر المختار وحاشية ابن عابدين
(2)
خيار الشرط لا يخلف الوارث فيه المورث كخيار رؤية وتعزير وفقد لأن الأوصاف لا تورث وأما خيار العيب والتعيين وفوات الوصف المرغوب فيه فيخلفه الوارث فيها لا أنه يرث خياره. وذلك أن الحقوق المجردة لا تورث.
مذهب المالكية:
التركة
(3)
حق يقبل التجزى يثبت لمستحق بعد موت من كان ذلك له. والحق يتناول المال وغيره كالخيار والشفعة والقصاص فان هذه الحقوق تدخل ضمن التركة وتورث.
واختلف فى الولاء وولاية النكاح فقال بعضهم لا يعتبر ذلك من التركة لعدم قبوله التجزى واعترض آخرون بأن ما يقال فى الخيار والشفعة يقال فى الولاء وولاية النكاح، وأنه لا وجه لاخراجهما من جملة التركة وعلى ذلك فالتركة تشمل كل ما يخلفه الميت سواء تعلق بأعيانها حق الغير كالمرهون والعبد الجانى أو تعلق حق الغير بماليتها وهو الديون الشخصية المتعلقة بالذمة سواء كانت لله أو لآدمى وما يصرف من ماله فى كفنه ومؤن تجهيزه وحق الموصى له وما يعطى للورثة حسب أنصبائهم كل ذلك يسمى تركة.
مذهب الشافعية:
التركة
(5)
هى كل ما يتركه الميت من أموال أو حقوق كجناية وحد قذف أو قصاص ودية أخذت من قاتله بدخولها فى ملكه وما وقع بشبكة نصبها فى حياته .. وكما تورث الأموال تورث الحقوق وهى كل حق لازم تعلق بالمال كحق الخيار والشفعة.
مذهب الزيدية:
التركة
(5)
هى كل ما يتركه الميت من أموال وتشمل الأموال عندهم الأعيان والمنافع اذ يقول صاحب البحر «وتورث المنافع كالأعيان ويشمل الخيار وتشمل أيضا الدية والغرة»
مذهب الإمامية:
التركة
(6)
هى كل ما يتركه الميت من أموال أو ثياب أو سلاح أو أعيان، والدية كأموال الميت وكذا أرش الجراحات. أما الشفعة
(1)
تبيين الحقائق ح 5 ص 257 الطبعة السابقة.
(2)
ح 4 ص 76 الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ح 4 ص 457 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار ح 5 ص 313، 317 الطبعة السابقة.
(6)
الروضة البهية ح 2 ص 311، 312 الطبعة السابقة.
فقيل تعتبر من التركة وتورث وقيل لا تورث ولا تدخل ضمن التركة هذا ما نكتفى بعرضه هنا عن التركة، أما وقت تملك الورثة للتركة اذا كانت مستغرقة بالدين أو غير مستغرقة ولمن يكون نماؤها قبل سداد الدين وبعد الوفاة وغير ذلك فموضعه (مصطلح تركة)
الحقوق المتعلقة بالتركة
مذهب الحنفية:
يبدأ من التركة بالحق المتعلق بعين من أعيانها كالرهن والعبد الجانى والمبيع المحبوس بالثمن كما لو اشترى عينا ولم يقبضها ومات قبل دفع الثمن فحق البائع فى استيفاء الثمن مقدم على التجهيز ثم بتجهيز الميت ثم قضاء ديونه التى لها مطالب من جهة العباد ويقدم دين الصحة على دين المرض ان جهل سببه والا فيستويان، أما دين الله تعالى كالزكاة والكفارات ونحوها فان أوصى به وجب تنفيذه من ثلث الباقى عن الحقوق المتقدمة وان لم يوص به يسقط بالموت ولا يلزم أداؤه الا أن يتبرع به الورثة من عندهم ثم تنفذ وصيته ولو مطلقة أى غير متعلقة بعين معينة من التركة كالوصية بثلث المال أو ربعه من ثلث الباقى بعد الذى تقدم ثم يقسم الباقى بعد ذلك بين الورثة على الترتيب الذى سيأتى
(1)
.
مذهب المالكية:
الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة
(2)
على الترتيب بحيث لا ينتقل من أولها الى ما بعده الا أن يبقى شئ من المال وأول هذه الحقوق:
هو كل حق تعلق بعين من أعيان التركة كالعين المرهونة فى دين لتعلق حق المرتهن بذاته فيقدم على كفن الميت وكالعبد الجانى لأنه صار بجنايته كالمرهون، ومثل ذلك الزكاة اذا مات الميت بعد الطلب أو بعد حولان الحول، والحق الثانى هو مؤن تجهيز الميت من كفن وغسل وغيره، والثالث: قضاء ديونه التى لآدمى سواء كانت بضامن أم لا حالة أم مؤجلة لأنها تحل بموته. الرابع:
تنفيذ وصاياه التى استوفت شرائطها الشرعية وتخرج من ثلث الباقى بعد الحقوق السابقة.
الحق الخامس: تقسيم ما تبقى من التركة بين ورثته.
مذهب الشافعية:
أول حق يبدأ به من التركة هو الحق الذى يتعلق بعين التركة كالمرهون والجانى والزكاة الواجبة ثم مؤنة تجهيز الميت ويلحق بذلك مؤنة تجهيز من على الميت مؤنته كعبده وزوجته غير الناشزة اذا كان موسرا وان كان لها تركة ثم قضاء ديونه المتعلقة بذمته سواء كان الدين لله تعالى أم لآدمى، ثم تنفيذ وصاياه وما ألحق بها من عتق علق بالموت أو تبرع نجز فى مرض الموت وتنفذ وصاياه فى حدود ثلث الباقى بعد الدين، ثم يقسم الباقى بين الورثة.
مذهب الحنابلة:
اذا مات ميت بدئ من تركته بمؤنة تجهيزه ودفنه سواء كان تعلق بماله حق رهن أو
(1)
الزيلعى ح 6 ص 229، 230 الطبعة السابقة
(2)
الشرح الكبير ح 4 ص 457 الطبعة السابقة
أرش جناية أو لم يكن تعلق به شئ وما بقى بعد ذلك يقضى منه ديونه ويبدأ منها بالمتعلق بعين المال كدين برهن ثم الديون المرسلة فى الذمة سواء كانت الديون لله كزكاة المال وصدقة الفطر أو كانت لآدمى وما بعد ذلك تنفذ وصاياه لأجنبى من ثلثه الا أن يجيزها الورثة فتنفذ وان زادت على الثلث أو كانت لوارث وأجاز الورثة فتنفذ من جميع الباقى، ثم يقسم ما بقى بعد ذلك على ورثته.
مذهب الظاهرية:
أول ما يخرج من تركة الميت ان ترك شيئا من المال قل أو كثر ديون الله تعالى كالزكاة والكفارات ثم ان بقى شئ أخرج منه ديون الغرماء فان فضل شئ كفن منه الميت فان فضل بعد الكفن شئ نفذت وصية الميت فى ثلث ما بقى. ويكون للورثة ما بقى بعد الوصية.
مذهب الزيدية:
أول حق يتعلق بالتركة هو مؤن تجهيز وتكفين الميت فقد قال صاحب البحر الزخار «يقدم كفن الميت وتجهيزه على دينه وعلى الارث» ثم بعد ذلك تقضى ديونه يقول صاحب البحر الزخار «لا وصية ولا ميراث الا بعد قضاء الدين ويحل الدين المؤجل بموت المديون ويلحق بذلك حقوق الله المالية كالزكاة والكفارة أما ما يتعلق منها بالبدن ثم ينتقل الى المال كالحج وكفارة الطعام فلا يخرج الا حيث أوصى الميت لتعلق الأول بالذمة والثانى بالبدن فلا ينتقل الى المال الا بأمره. ثم تنفذ وصاياه، ثم يقسم باقى التركة على الورثة.
مذهب الشيعة الجعفرية:
يتعلق بتركة الميت حقوق هى على الترتيب الآتى: كفن الميت ومؤن تجهيزه ثم قضاء ديونه ثم تنفيذ وصاياه ثم تعطى الحبوة وهى جزء من المال يعطى لأكبر الذكور من ولد الميت ان تعددوا وللذكر ان لم يكن غيره من تركة أبيه زيادة على غيره من الوراث فيختص بثياب البيت وخاتمه وسيفه ومصحفه، وقال صاحب الروضة: والأشهر اختصاصه بها مجانا وقيل بالقيمة. وفى اشتراط خلو الميت عن دين وجهان من انتفاء الارث على تقدير الاستغراق وتوزيع الدين على جميع التركة لعدم الترجيح، والقول بانتقال التركة الى الوارث والزام المحبو ما قابلها من الدين ان أراد فكها، ويقال مثل ذلك فى الكفن والوصية نعم لو كانت الوصية بعين من أعيان التركة خارجة عن الحبوة فلا منع.
ويشترط أن يخلف الميت ما لا غيرها لكيلا يضر بالورثة. يقول صاحب الروضة: وهذا الحباء من منفردات علمائنا ثم يقسم باقى (1) المحلى ح 8 ص 253 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار ح 5 ص 82، 315، 339 الطبعة السابقة.
(3)
المختصر النافع ص 38، 192، 260 والروضة البهية ح 2 ص 312 الطبعة السابقة.
التركة بعد تجهيزه وقضاء ديونه وتنفيذ وصاياه على ورثته حسب أنصبائهم.
مذهب الإباضية:
يتعلق بتركة الميت خمسة حقوق: أحدهما الحق المتعلق بعين التركة ثم مؤن التجهيز، ثم الديون المرسلة فى الذمة فتقدم على الوصية وتقدم حقوق الله على الديون الآدمية على الراجح ثم الوصية ان كانت لغير وارث الثلث وما دونه وتتوقف على الاجازة اذا كانت بأكثر أو كانت لوارث ثم حق الورثة فيما يبقى بعد ذلك ويقسم عليهم حسب أنصبائهم.
مراتب الورثة
مذهب الحنفية:
يبدأ بأصحاب الفروض، وهم الذين لهم سهام مقدرة فى كتاب الله أو سنة رسوله أو بالاجماع وتقدم على العصبة لقوله عليه السلام «الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقته الفرائض فلأولى رجل ذكر» ولأنه لو قدمت العصبة لما أخذ أصحاب الفرائض.
ثم العصبات من جهة النسب على ترتيب بينهم يأتى فيما بعد.
ثم العصبات من جهة السبب وهو مولى العتاقة أى العتق بكسر التاء ذكرا كان أو أنثى بنفسه والا فان كان ميتا كان لعصبته النسبية الذكور.
ثم يرد على أصحاب الفروض عدا الزوجين عند انعدام العصبات بنسبة فروضهم.
ثم عند انعدام أصحاب الفروض الذين يرد عليهم وهم من عدا الزوجين من أصحاب الفروض وانعدام العصبات يستحق الارث ذوو الأرحام وانما أخروا عن الرد لأن أصحاب الفرائض النسبية أقرب الى الميت وأعلى درجة منه.
ثم يرد على أحد الزوجين عند انعدام من عداه ممن ذكر.
ثم عند انعدام كل هؤلاء المذكورين يورث مولى الموالاة وصورته أن يكون شخص مجهول النسب فيقول لآخر أنت مولاى ترثنى اذا مت وتعقل عنى اذا جنيت فاذا قبل الآخر كان مولى موالاة له واذا كان الآخر أيضا مجهول النسب وتعاقد كل منهما مع الآخر على ذلك ورث كل منهما الآخر ثم المقر له بالنسب ثم اذا لم يكن أحد هؤلاء يستحق التركة الموصى له بجميع المال وانما أخر الموصى له بجميع المال عن المقر له بناء على أن للمقر له نوع قرابة بخلافه.
ثم اذا لم يكن شئ من ذلك وضعت التركة فى بيت المال على أنه مال ضائع فصارت لجميع المسلمين لا على أنه ميراث وانما على أنه مال ضائع لا صاحب له.
مذهب المالكية
(3)
والشافعية:
يبدأ بأصحاب الفروض ثم العصبات (1) شرح النيل ح 8 ص 257، ص 258 الطبعة السابقة.
(2)
شرح السراجية من ص 7 الى ص 11 الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الكبير ح 4 ص 467، ص 468 والمهذب ح 2 ص 31 الطبعة السابقة.
النسبية ثم المعتق بكسر التاء ذكرا أو أنثى أو عصبته النسبية عند عدمه ثم بيت المال اذا كان منتظما على تفصيل سيأتى: ثم الرد على ذوى السهام على رأى متأخرى المذهب ثم ارث ذوى الأرحام.
مذهب الحنابلة:
الوارث عندهم ثلاثة، ذو فرض أى نصيب مقدر شرعا لا يزيد الا بالرد ولا ينقص الا بالعول. وعصبات يرثون بلا تقدير وذو رحم يرثون عند عدم أصحاب الفروض غير الزوجين والعصبات
(1)
.
مذهب الزيدية:
يبدأ فى الميراث بذوى السهام المقدرة فالعصبة فمولى العتاق فذوى الأرحام فالرد فمولى الموالاة فبيت المال
(2)
.
مذهب الإمامية:
يبدأ فى الارث بذوى السهام حسب الفروض المقدرة لهم، ثم بالقرابة «النسب» ويشمل العصبه، وذو الأرحام على ما سيأتى:
ثم الرد ثم المعتق بكسر التاء، ثم ضامن الجريرة، ثم الامام
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(4)
اختلف فى الارث بالفرض والتعصيب أيهما أقوى قيل انه بالفرض أقوى لتقدمه وعدم سقوطه لضيق التركة وقيل انه بالتعصيب أقوى لأنه يستحق به كل المال.
ومراتبهم عند الإباضية ثلاثة: ذوو السهام فالعصبات فذوو الأرحام كما يستفاد من النظم الوارد فى جوهر النظام
(5)
.
والعصبات وذوو الأرحام
…
قد ألحقوا بعد ذوى السهام
فالعصبات بين الرسول
…
بأن يصير لهم الفضول
يعطون ما عن السهام فضلا
…
ان كان شى فاضلا أو لا فلا
وان يكن منقطعا فى النسب
…
من السهام وذوى التعصب
فانما أرحامه أولى بما
…
خلفه فى قول جل العلما
فهذه أصناف الوارثينا
…
ثلاثة فلتحفظن يقينا
وما بقى بعد ذوى السهام
…
فهو لعاصبيه فى الأحكام
ان عدمت مواضع السهام
…
والعصبات فأولوا الأرحام
أصحاب الفروض
مذهب الحنفية:
الفروض المقدرة فى الميراث والمذكورة فى كتاب الله وسنة رسوله ستة.
الأول: النصف وقد ذكره الله فى ثلاثة مواضع فقال سبحانه وتعالى فى ميراث
(1)
كشاف القناع ح 2 ص 543.
(2)
البحر الزخار ح 5 ص 358، 359.
(3)
الروضة البهية ح 2 ص 293، ص 320.
(4)
شرح النيل ح 8 ص 19.
(5)
جوهر النظام ص 545، 549، 553.
البنات: «وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ» وقال: «وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ» وقال فى ميراث الأخت «وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ» وبنت الابن تأخذ حكم البنت والمراد الأخت فى الآية الأخت الشقيقة والأخت لأب فيكون النصف لخمسة.
الثانى: الربع: وذكر فى موضعين: فى ميراث الزوجين ««فله» {الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ»، «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ» .
الثالث: الثمن: وذكر فى بيان نصيب الزوجات عند وجود أولاد «فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ» .
الرابع: الثلثان: وجاء فى حق البنات فى قوله تعالى: «فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ» ، وفى حق الأخوات فى قوله «فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ» .
الخامس: الثلث: وذكر عند بيان ميراث الأم يقول الله تعالى «فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» وبالنسبة للاخوة لأم يقول «فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» .
السادس: السدس: وذكر بالنسبة لميراث الأبوين والأم مع الاخوة والأخ أو الأخت لأم: يقول الله تعالى «وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ» ، وقوله:«فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ» ، وقوله «وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ». وأصحاب هذه السهام اثنا عشر نفرا: أربعة من الرجال وهم الأب والجد الصحيح وهو أب الأب وان علا والأخ لأم والزوج وثمان من النساء وهن الزوجة والبنت وبنت الابن وان سفلت والأخت الشقيقة والأخت لأب ولأخت لأم، وللأم والجدة الصحيحة وهى التى لا يدخل فى نسبتها الى الميت جد فاسد
أما الأب ففرضه السدس وذلك مع الابن وان سفل وكذلك مع الابنة أو ابنة الابن وان سفلت وبيان ذلك أن الله تعالى يقول:
«وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ» وهذا تنصيص على أن فرض الأب مع الولد هو السدس لكن اسم الولد يتناول الابن والبنت وهو فى الحالة الثانية التى ليس فيها أولاد يقول الله تعالى «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» يرث بعد الفرض بالتعصيب والجد أب الأب كالأب فى هذا والأخ لأم والأخت لأم لهم حالتان السدس للواحد لقوله تعالى «وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ» والمراد بالأخ والأخت هنا الاخوة للأم اجماعا.
والثلث للاثنين فصاعدا لقوله تعالى «فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» ذكورهم واناثهم فى القسمة سواء.
الزوج وله حالتان: النصف عند عدم الولد وولد الابن وان سفل لقوله تعالى «وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ» والربع مع الولد أو ولد الابن وان سفل.
وللزوجة والزوجات حالتان: الربع للواحدة فصاعدا عند عدم الولد وولد الابن وان
سفل، والثمن مع الولد وولد الابن وان سفل، وقد روى بين نصيب الزوجين أن للذكر منهما ضعف حظ الأنثى على التقديرين.
ولبنات الصلب فى الارث بالفرض حالتان:
النصف للواحدة والثلثان للاثنتين فصاعدا لقوله تعالى: «فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ» والمنصوص عليه ما فوق اثنتين أما الاثنتين فلهم عند سائر الصحابة حكم الجماعة، ويعلل ذلك بوجوه ثلاثة:
الأول: أنه للذكر مثل حظ الأنثيين وأدنى مراتب الاختلاط ابن وبنت فللابن حينئذ الثلثان بالاتفاق نعرف بهذه الاشارة أن البنتين لهما الثلثان فى الجملة وليس ذلك الا فى حالة انفرادهما عن الابن. الثانى:
أن البنتين أقرب رحما من الأختين اللتين تحرزان الثلثين فهما أولى بذلك. الثالث:
أن الأخت اذا كانت مع الأخ وجب لها الثلث فبالأولى أن يجب لها ذلك اذا كانت مع أخت أخرى.
وبنات الابن كبنات الصلب فى هذا ولهن مع البنت الصلبية السدس تكملة الثلثين ولا يرثن مع الصلبيتين خلافا لابن عباس.
وفرض الأخت الشقيقة وان تعددت:
النصف للواحدة والثلثان للاثنتين فصاعدا والأخت لأب أو الأخوات لأب مثل الشقيقة والشقيقات فى هذا ولهن أو الواحدة منهن السدس فرضا مع الشقيقة تكملة الثلثين.
وفرض الأم السدس مع الولد لقول الله تعالى: «وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ» ولفظ الولد يتناول الذكر والأنثى ولا قرينة تخصصه بأحدهما وكذلك مع ولد الابن وان سفل أو الاثنين من الاخوة والأخوات فصاعدا من أى جهة كانا لقوله تعالى «فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ» خلافا لابن عباس فى تفصيل الميراث مع الأخوين والاخوة.
وفرضها الثلث عند عدم الولد وولده وان سفل وعند عدم الاثنين من الأخوة والأخوات فصاعدا وهذا اذا لم يكن مع الأبوين أحد الزوجين.
وفرضها عند وجود أحد الزوجين وانعدام الولد وان سفل وأكثر من أخ أو أخت ثلث ما بقى بعد فرض أحد الزوجين وذلك فى صورتين: زوج وأبوين، وزوجة وأبوين، وهذا مذهب جمهور الصحابة والفقهاء وكان ابن عباس يقول ان لها ثلث أصل التركة فى هاتين الصورتين، وكان أبو بكر الأصم يقول ان لها مع الزوج ثلث ما يبقى بعد فرضه ومع الزوجة ثلث الأصل. ويقول الحنفية بأن قوله تعالى «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» يفيد أن لها ثلث ما ورثاه سواء كان جميع المال أو بعضه وذلك لأنه لو أريد ثلث الأصل للزم أن يكون قوله «وَوَرِثَهُ أَبَواهُ» فى الآية خاليا من الفائدة.
ولو كان مكان الأب جد صحيح فللأم ثلث جميع المال الا عند أبى يوسف فان لها مع الجد أيضا ثلث الباقى كما فى الأب.
وفرض الجدة والجدات من أى جهة اذا كن ثابتات متحاذيات فى الدرجة السدس.
أما اعطاء الجدة الواحدة السدس فلما رواه أبو سعيد الخدرى والمغيرة ابن شعبة
وقبيصة بن ذؤيب من أنه عليه الصلاة والسلام أعطاها السدس، وأما التشريك بينهن فى ذلك اذا كن متحاذيات فلما روى أن أم الأم جاءت الى الصديق رضى الله تعالى عنه وقالت اعطنى ميراث ولد ابنتى فقال: اصبرى حتى أشاور أصحابى فانى لم أجد لك فى كتاب الله تعالى نصيبا ولم أسمع فيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم سألهم فشهد المغيرة باعطاء السدس فقال للمغيرة هل معك أحد فشهد به أيضا محمد بن مسلمة فأعطاها ذلك ثم جاءت أم الأب اليه وطلبت الميراث فقال أرى أن ذلك السدس بينكما وهو لمن انفردت منكما فشركهما فيه وروى مثل هذا عن عمر رضى الله عنه وذهب ابن عباس الى أن الجدة أم الأم تقوم مقام الأم مع عدمها فتأخذ الثلث اذا لم يكن للميت ولد ولا اخوة والسدس اذا كان له أحدهما. وكما أن الأم لا يزاحمها فى فرضها أحد من الجدات فكذلك أم الأم لا يزاحمها أحد منهن.
مذهب المالكية:
يقول المالكية
(1)
: الفرض هو النصيب الذى قدرته الشريعة الاسلامية للوارث لا يزيد الا بالرد ولا ينقص الا بالعول. والفروض ستة. النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس. فالنصف فرض خمسة: الزوج اذا لم يكن للزوجة الميتة فرع وارث ذكر أو أنثى والبنت اذا انفردت وبنت الابن اذا لم يكن للميت بنت، والأخت الشقيقة الواحدة، وكذلك الأخت لأب الواحدة ان لم توجد معها أخت شقيقة.
والربع فرض اثنين: الزوج مع وجود فرع وارث للميتة سواء كان منه أو من غيره ولو من زنا للحوقه بالأم، والزوجة أو الزوجات مع عدم الفرع اللاحق للزوج.
والثمن فرض الزوجة أو الزوجات مع وجود الفرع اللاحق بالزوج من ولد أو ولد ابن ذكر أو أنثى منها أو من غيرها ولا يدخل فى ذلك ولد الزنا لأنه لا يلحق بالزوج ويخرج من نفى بلعان لأنه لا يرث.
والثلثان للنسوة ذوات النصف ان تعددن أى أنه فرض أربع: البنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب.
والثلث فرض اثنين الأم عند فقد الولد وولد الابن وعدم الاثنين من الاخوة والأخوات وثلث الباقى فى كل من الغراوين: من ماتت عن زوج وأبوين.
ومن مات عن زوجة وأبوين فللأم ثلث الباقى عند الجمهور اذ القاعدة أنه متى اجتمع ذكر وأنثى يدليان بجهة واحدة فللذكر مثل حظ الأنثيين. خلافا لابن عباس. وكذلك فان الثلث يستحقه الأخوة لأم عند تعددهم ذكورا كانوا أو اناثا.
وأما السدس: ففرض سبعة: بنت الابن مع وجود البنت والأخت لأب مع وجود الأخت الشقيقة والأم مع وجود الولد ولو أنثى وان سفل أو مع وجود أخوين أو أختين مطلقا أشقاء أو لأب أو لأم، وللواحد من ولد الأم ذكرا أو أنثى مع عدم الفرع الوارث أو الأصل، والجدة فأكثر مع عدم الأم والأب التى من جهته الجدة، وللجد لأب غير المدلى بأنثى، وللأب مع وجود الولد وان سفل.
(1)
الرحبية ص 29.
مذهب الشافعية:
ينص الشافعية
(1)
على أن الفرض هو السهم المقدر شرعا فى كتاب الله وهى ستة، وأن أصحاب الفروض هم كل من له سهم مقدر شرعا لا ينقص عنه ولا يزيد الا لعول أورد وأنهم عشرة. الزوج والزوجة والأم والجدة والبنت وبنت الابن والأخت وولد الأم والأب والجد الصحيح وان علا.
وذكروا أن النصف فرض خمسة: الزوج.
والبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب وبينوا ذلك بما لا يختلف عن ما قدمناه فى المذهبين السابقين. كما ذكروا أن الربع فرض اثنين هما الزوج عند وجود الولد والزوجة أو الزوجات عند عدم وجوده على ما بينا، وأيضا أن الثمن فرض الزوجة أو الزوجات عند وجود ولد أو ولد ابن، وأن الثلثين فرض البنتين فصاعدا لقوله تعالى فيما زاد عن اثنتين «فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ» أما الاثنتين فلما روى جابر بن عبد الله، قال جاءت امرأة سعد بن الربيع الى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك يوم أحد ولم يدع عمهما لهما مالا الا أخذه فما ترى يا رسول الله؟. والله لا تنكحان الا ولهما مال. فقال الرسول صلوات الله عليه يقضى الله فى ذلك فنزلت الآية «فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ» الآية. فأعطاها الرسول الثلثين فدلت السنة على أن نصيب الاثنتين ذلك. وقالوا ان الثلثين أيضا فرض الأختين لأبوين فصاعدا أو الأختين لأب كذلك عند انعدام الشقيقتين، وكذلك فهو فرض بنتى ابن فأكثر حيث لا بنت لاجماع الأمة على ذلك وأن الثلث. فرض الأم التى ليس لميتها ولد ولا ولد ابن وارث ولا اثنان من الأخوة والأخوات، وكذلك فهو فرض اثنين فأكثر من ولد الأم بالتساوى لآية «إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} «مما ترك»
…
الآية». والمراد به ولد الأم بدليل أن عبد الله وسعيدا كانا يقرءان. وله أخ أو أخت من أم. وسوى بين الذكر والأنثى لأنه ارث بالرحم المحض فاستوى فيه الذكر والأنثى، وأم الأم ترث ثلث الباقى بعد فرض أحد الزوجين لأن الأب والأم اذا اجتمعا كان للأب الثلثان وللأم الثلث فاذا زاحمهما ذو فرض قسم الباقى بينهما على الثلث والثلثين كما لو اجتمعا مع بنت
(2)
.
وقالوا: ان السدس فرض سبعة وهم الأب مع وجود الابن أو ابن الابن والجد عند انعدام الأب ووجود الولد وذلك باجماع الأمة، وكذا الأم اذا كان للميت ولد أو ولد ابن أو اثنان فصاعدا من الأخوة أو الأخوات وكذا الجدة عند انعدام الأم ويشتركن فيه الجدات المتحاذيات لما ذكرنا.
وقالوا ان الجدة التى ترث على الصحيح هى كل جدة ليس فى سلسلة اتصالها بالميت رجل بين امرأتين وذلك يشمل الجدة التى تدلى الى الميت بنساء لا غير مثل أم الأم وأم أم الأم ويشمل الجدة التى تدلى الى الميت بنساء فرجال كأم أبى الميت وأم أبى أبيه وأم أم أبيه وأم أم أبى أبيه، وكذا فان بنت ابن الابن فأكثر مع البنت الصلبية أو بنت ابن أعلى منها فان نصيبها أو نصيبهن السدس
(1)
نهاية المحتاج ح 6 ص 12 والمهذب ح 2 ص 25
(2)
المهذب ح ص 26.
اجماعا وذلك لما روى الهذيل بن شرحبيل قال: جاء رجل الى أبى موسى وسلمان بن ربيعة رضى الله عنهما فسألهما عن بنت وبنت ابن وأخت فقالا: للبنت النصف وللأخت النصف وأت عبد الله بن مسعود فانه سيتابعنا فأتاه فقال انى قد ضللت اذا وما أنا من المهتدين لأقضين بينهما بما قضى به رسول الله: للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقى فللأخت.
وكذا فان السدس فرض الأخت أو الأخوات من الأب مع الأخت الواحدة من الأبوين، وكذا فانه فرض ولد الأم ذكرا كان أو أنثى.
مذهب الحنابلة:
الفروض ستة وأصحابها عشرة.
فللزوج الربع ان كان للزوجة المتوفاة ولد ذكرا كان أو أنثى منه أو من غيره ولم يقم به مانع أو ولد ابن وان سفل أبوه بمحض الذكور، وله النصف مع عدم الولد وولد الابن.
والزوجة فأكثر لها الثمن ان كان له ولد ذكرا أو أنثى واحدا أو متعددا منها أو من غيرها أو ولد ابن وان سفل والربع مع عدمهما اجماعا، ويرث الأب مع ابنه أو ابنته وكذا الجد ان عدم الأب مع ذكورية ولد الميت أو مع ذكورية ولد ابن وان نزل السدس فرضا. قال ابن المنذر فى الجد أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن الجد أبا الأب ينزل منزلة الأب فى الحجب والميراث الا فى ثلاثة أشياء أحدها: زوج وأبوان. والثانية: زوجة وأبوان. للأم فيهما ثلث الباقى مع الأب وثلث جميع المال لو كان مكان الأب جد.
والثالثة الجد مع الأخوة والأخوات لأبوين أو لأب وللأم أربعة أحوال اذ كانت مع الولد ذكرا أو أنثى واحدا أو متعددا أو مع ولد الأب كذلك أو مع اثنين ولو محجوبين من الاخوة والأخوات فلها السدس واذا انعدم هؤلاء فلها الثلث، واذا كان الأبوان مع أحد الزوجين فلها ثلث الباقى قضى بذلك عمر فتبعه عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وبه قال الجمهور خلافا لابن عباس. قال صاحب كشاف القناع: والحجة معه لولا انعقاد الاجماع من الصحابة على خلافه. ووجهة الجمهور أنهما استويا فى السبب المدلى به وهو الولادة وامتاز الأب بالتعصيب بخلاف الجد فلو أعطينا الزوج فرضه وأخذت الأم الثلث لزم تفضيل أنثى على ذكر من حيز واحد فى مرتبة واحدة أو اعطينا الزوجة فرضها والأم الثلث كاملا لزم ألا يفضل عليها التفضيل المعهود مع اتحاد الجهة والمرتبة لهذا أعطى الأم ثلث الباقى والأب ثلثيه مراعاة لهذه المصلحة. وكذا فان الحنابلة يرون أن الأم تستحق الثلث اذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنا أو ادعته وألحق بها أو لكونه منفيا بلعان.
وللجدة فأكثر الى ثلاث اذا تحاذين أى تساوين فى الدرجة السدس اجماعا.
وللبنت الواحدة النصف بلا خلاف، وللاثنتين فصاعدا الثلثان، وعن ابن عباس أن البنتين فرضهما النصف لظاهر الآية. لكن قال الشريف الأرعوى صح عن ابن عباس رجوعه عن ذلك اجماعا.
(1)
كشاف القناع ح 2 ص 543، 557.
وبنات الابن اذا لم تكن بنات لا واحدة ولا أكثر بمنزلة البنتين فلبنت الابن النصف ولبنتى الابن فأكثر الثلثان. فان كانت بنت واحدة وبنت ابن فأكثر فللبنت النصف ولبنت الابن فصاعدا السدس تكملة الثلثين اجماعا وذلك اذا لم يكن مع بنات الابن ابن ابن فى درجتهن.
والأخوات من الأبوين فرضهن كفرض البنات عند عدمهن وعدم بنات الابن فللواحدة النصف وللاثنتين فأكثر الثلثان، وكذا بالنسبة للأخوات من الأب، كما أنهن مع الأخوات الشقيقات كبنات الابن مع البنات فى الارث بالفرض فتأخذ الواحدة منهن أو أكثر مع الأخت الواحدة لأبوين السدس تكملة الثلثين.
وللأخ الواحد لأم السدس ذكرا كان أو أنثى فان كانا اثنين ذكرين أو انثيين أو خنثيين أو مختلفين فصاعدا فلهم الثلث بالسوية بينهم.
مذهب الظاهرية:
يبين ابن حزم الظاهرى
(1)
أن الثلثين فرضا نصيب الأختين الشقيقتين أو لأب أو أكثر من أختين ما لم يترك ولدا ولا أخا شقيقا ولا لأب ولا من يحطهن. وكذلك فهو نصيب البنتين فصاعدا ولم يترك ولدا ذكرا أو من يحطهن وذكر دليل ذلك ثم قال وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى الابنة النصف وابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وقال: ان ترك أختا شقيقة وأختا واحدة للأب أو اثنتين للأب أو أكثر من ذلك فللشقيقة النصف والتى للأب أو اللواتى للأب السدس.
وأن نصيب الزوج اذا لم يكن للزوجة ولد ولا ولد ولد ذكر أو أنثى من ولد ذكر وان سفل، سواء كان الولد من ذلك الزوج أو من غيره النصف وان نصيب الزوج اذا وجد أحد هؤلاء الربع.
وأن نصيب الزوجة الربع ان لم يكن الزوج ابن ذكر ولا أنثى ولا ابن ابن ولا بنت ابن ذكر وان سفل منها أو من غيرها والا فان كان أحد هؤلاء فليس للزوجة الا الثمن وان تعددن فهن شركاء فى الربع أو الثمن وللأم مع الولد الذكر أو الأنثى أو ابن الابن أو بنت الابن وان سفل السدس فقط، وان كان للميت ثلاثة من الأخوة ذكورا أو اناثا أو بعضهم ذكر وبعضهم أنثى فللأم السدس فان كان له أخ أو أخوان أو أختان أو أخت أو أخ وأخت ولا ولد له ولا ولد ولد ذكر.
فلأمه الثلث، وان كان الميت ترك زوجة وأبوين أو ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين فللأم الثلث من رأس المال كاملا.
وللأخ لأم أو الأخت لأم السدس اذا لم يكن ولد أو ولد ولد ولا أب أوجد فان كانوا جماعة فلهما الثلث للنص ويكون بينهما بالسوية.
الجد الصحيح وان علا ينزل منزلة الأب وقد صح أن الجد أب كما صح عن عمر أن
(1)
المحلى ح 9 ص 254 وما بعدها.
الجد أب فى الميراث وميراث الأب بالفرض السدس مع وجود الولد.
والجدة ترث الثلث اذا لم يكن للميت أم وترث السدس حيث ترث الأم السدس اذا لم يكن للميت أم وترث الجدة وابنها أب الميت حى كما ترث لو لم يكن حيا. وكل جدة ترث اذا لم يكن هنالك أم أو جدة أقرب منها فان استوين فى الدرجة اشتركن فى الميراث المذكور، وسواء فيمن ذكرنا أم الأم وأم الأب وأم أم الأم، وأم أم الأب، وأم أب الأب، وأم أبى الأم، وهكذا أبدا.
ويستدل على ذلك ابن حزم بقول الله تعالى «كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ» ، فجعل آدم وامرأته عليهما السلام أبوينا فهذا نص القرآن، وعن ابن عباس قال «الجدة بمنزلة الأم اذا لم تكن أم» وقال طاووس «الجدة بمنزلة الأم ترث ما ترث الأم» .
مذهب الزيدية:
قال صاحب البحر الزخار
(1)
وذوى السهام كل من له سهم مفروض فى الكتاب أو فى السنة أو فى الاجماع أو الاجتهاد فالذى فرضه فى الكتاب هم البنت لقوله تعالى «فَلَهَا النِّصْفُ» والبنتان فصاعدا لقوله «فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ» أراد بنتين فما فوق والأم لقوله تعالى «فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» وقوله «فلها السدس» والأب لقوله تعالى «وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ» والاخوة والأخوات لأم لقوله تعالى «فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» والأخت لأب وأم لقوله تعالى «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»
(2)
والزوجان لقوله تعالى «وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ» الآية السابقة.
والذى ثبت بالسنة سهم ابنة الابن مع الابنة الواحدة، والجد اذ قد روى الهادى أنه صلى الله عليه وسلم فرض له السدس.
والمجمع عليهم أسهم بنت الابن اذا انفردت النصف وبنتى الابن فما فوقهما الثلثان حيث لا ولد للميت ولا ولد ابن، وسهم الأخت من الأب والأختين فصاعدا من الأب حيث لا اخوة ولا أخوات من الأب والأم، وسهم الجد مع الولد الا قول شاذ للناصر جعله بمنزلة الأخ فأسقطه مع الولد.
والمجتهد فيه سهم الجد مع الأخوة، وسهم الأم مع الأب وأحد الزوجين ونحو ذلك.
ثم قال: النصف يفرض للبنت اذا انفردت أو مع الأبوين أو مع الأخت
(3)
ولبنت الابن النصف بالاجماع اذا انفردت، وللأخت الشقيقة عند عدم الولد، وللزوج عند عدم الفرع الوارث، وللأخت لأب عند انعدام الأخت الشقيقة
(4)
وقال
(5)
والربع للزوج مع الأولاد وأولاد البنين اجماعا، وللزوجة
(1)
البحر الزخار ح 5 ص 340 الى ص 355.
(2)
سورة النساء: 176.
(3)
البحر الزخار ح 5 ص 343.
(4)
المرجع السابق ص 349.
(5)
المرجع السابق ص 343.
عند عدم الفرع الوارث. والثلثان للبنتين فصاعدا وللأختين الشقيقتين فأكثر عند عدم البنات، وللأختين لأب، عند عدم الشقيقات، وبنات الابن اثنتين فأكثر، والثلث للأم منفردة أو مع الأب وعدم وجود الفرع الوارث ومع عدم وجود اثنين من الاخوة وثلث الباقى مع وجود صاحب فرض، وثلث التركة مع وجود الأخ الواحد وكذلك يكون الثلث للاخوة لأم ويكون بينهم بالسوية مع عدم الابن وابنه والأب وان علا، والسدس لبنت الابن أو بنات الابن مع بنت الصلب تكملة الثلثين والأب مع وجود فرع وارث والأم كذلك أو مع وجود اثنين من الاخوة والجد والجدة مع الأولاد وأولاد البنين، والأخت من الأب مع الأخت الشقيقة، والأخ لأم أو الأخت لأم.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(1)
أن السهام المقدرة ستة وذكر موضع كل منها فى القرآن ثم قال: فالنصف لأربعة الزوج مع عدم الولد للزوجة وان نزل سواء كان منه أو من غيره، وللبنت الواحدة والأخت لأبوين والأخت للأب مع فقد أخت الأبوين وهذا اذا لم يوجد ذكر فى الموضعين ثم قال
(2)
وأولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم سواء كان الأبوان - أى أبوى الميت موجودين أم أحدهما أم لا ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به فلا بن البنت ثلث لأنه قام مقام بنت الميت ولبنت الابن ثلثان لأنها قائمة مقام ابن الميت.
والربع لا ثنين: الزوج مع الولد للزوجة وان نزل، والزوجة وان تعددت مع عدم الولد للزوج.
والثمن لواحد وهو الزوجة وان تعددت مع الولد وان نزل.
والثلثان لثلاثة: البنتين فصاعدا والأختين لأبوين فصاعدا، والأختين للأب مع فقد المتقرب بالأبوين فصاعدا وهذا اذا لم يكن ذكر فى الموضعين.
والثلث لا ثنين: للأم مع عدم من يحجبها من الولد والأخوة وللأخوين أو الأختين أو للأخ والأخت فصاعدا من جهة الأم.
والسدس لثلاثة: للأب مع الولد ذكرا كان أم أنثى وللأم مع الولد وكذا مع الحاجب من الأخوة وللواحد من كلالة الأم. وعلى هذا فلا ترث الأم ثلث الباقى عندهم وانما ميراثها يتردد بين الثلث والسدس.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(3)
السهام اما مقدرة بالنس من القرآن وو ارثوها من القرآن الا ميراث الحدودة فمن السنة، واما خارجة عن الأصل. وجاء فيها: أن النصف لخامسة:
البنت وبنت ابن وان سفل مع فقد البنت، والأخت الشقيقة وأخت الأب مع فقد الشقيقة، والزوج مع فقد حاجب وهو ولد زوجته منه أو من غيره ذكرا أو أنثى أو ولد الابن كذلك وان سفل.
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 305:303.
(2)
المرجع السابق ص 309.
(3)
شرح النيل ح 8 ص 305، 319.
والربع لا ثنين الزوج مع وجود ولد الزوجة أو ولد ابنها، وللزوجة فأكثر مع فقد ولد الزوج أو ولد ابنه فيقسمن الربع سواء وهو لواحدة كله اذا لم يكن غيرها والثمن الزوجة فأكثر مع وجود الولد يقسم سواء ولو كانت واحدة أخذته كله، والثلثان لأرباع للبنتين فأكثر وبنت ابن وان سفل كذلك مع فقد البنات اثنتين فصاعدا. قال السهيل للبنتين الثلثان لقوله تعالى «فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» لأنه ذكر الأنثيين بلام التعريف فدل على أن الثنتين استحقتا الثلثين اذ الأنثى الواحدة لها مع الذكر الثلث فان لم يكن ثم ذكر فلهما الثلثان، وللثلاث فصاعدا لقوله تعالى «فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ» وللأختين الشقيقتين فأكثر والأختين لأب فأكثر مع فقد الشقائق وذلك اذا انفردن عمن يعصبهن.
والثلث لا ثنين: لأم مع فقد الحاجت لها.
ولا نسانين كلالين فأكثر أخوين أو أخوة أو أختين أو أخوات أو باختلاط، والخنثى كالذكر أو الأنثى باستواء فى الثلث لأن الادلاء بمحض الاناث.
والسدس لسبعة: لأب مع وجود ابن أو ابن ابن أو بنت أو بنت ابن، وأبيه مع عدمه وان علا من جهة الأب وان استغرقت السهام فرض له السدس، ولأم مع وجود حاجب وهو الولد أو ولد الابن أو اثنان من جنس الاخوة، وكذلك الجدة فأكثر باستواء فيه مع فقد الحاجب والأصل فى ميراث الجدات والتسوية بينهن ما روى عن بريدة أنه صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس اذا لم تكن دونها أم. كما روى عن عبد الله بن عباس ومعقل بن يسار وبريدة أن النبى صلى الله عليه وسلم ورث الجدة السدس ولم يذكروا أى الجدتين كانت وقضى صلوات الله عليه للجدتين بالسدس، وكذلك فالسدس نصيب بنت الابن وان سفل فأكثر مع بنت أو بنت ابن وان سفل تكون أقرب منها أو منهن وذلك تكملة الثلثين بالاجماع وللحديث وكذلك السدس لأخت لأب فأكثر مع وجود شقيقة قياسا على بنت الابن مع البنت، والسدس كذلك لكلالى ذكرا أو أنثى مع فقد حاجب وهو الأب وان علا والولد أو ولد الابن.
أما الفروض الخارجة عن أصل لعارض موجب لخروجها فثلث الباقى فى تارك زوجة وأبوين وتاركة زوجا وأبويها. وموجب الخروج عن الأصل أن كل ذكر وأنثى يأخذان المال أثلاثا يجب أن تأخذ الباقى بعد فرض الزوجية وأن الأصل أنه اذا اجتمع ذكر وأنثى من درجة واحدة أن يكون المذكر ضعف الأنثى فلو جعل لها الثلث مع الزوج لفضلت على الأب أو مع الزوجة لم يفضل عليها بالضعف بل دونه وفى نوازل نفوسه فى جد وأم وزوج أو زوجة للأم فى ذلك ثلث كامل وقيل ثلث الباقى.
العصبات
العصبات جمع عصبة وعصبة الرجل فى اللغة أبوه وبنوه وقرابته لأبيه وسموا عصبة لأنهم عصبوا بنسبه أى أحاطوا به حما ية له (1) شرح النيل ح 2 ص 322.
ودفعا عنه وتطلق العصبة فى الاصطلاح الفقهى على الذكور الأقارب من جهة الأب والابن ومن فى حكمهم من الاناث اللاتى يعصبن بالغير أو مع الغير وتسمى هذه الطائفة عصبة نسبية كما تطلق أيضا على صاحب القرابة الحكمية التى جاءت بسبب الاعتاق وتسمى عصبة سببية فقد جعل الشارع صلة المعتق بعتيقه فى حكم صلة القريب بقريبه ولما كان التفضل بنعمة الحرية من جانب المعتق - بكسر التاء - فقط كان هو صاحب الحق فى ميراث العتيق اذا لم يكن له من الأقارب من هو أولى بارثه منه والمعتق سواء كان رجلا أو امرأة يصير عصبة لعتيقه فان لم يكن المعتق موجودا انتقل الارث الى عصبته النسبية على الترتيب الذى فى المذاهب غير أنه لا ميراث للنساء فى العصبة الا المعتقاة - بكسر التاء - فقط لقوله عليه السلام «ليس للنساء من الو لاء الا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن» واليك ما جاء عن الارث بالتعصيب فى المذاهب الثمانية:
مذهب الحنفية:
العصبة اما نسبية واما سببية.
والعصبات النسبية ثلاثة: عصبة بنفسه، وعصبة بغيره، وعصبة مع غيره، أما العصبة بالنفس فكل ذكر لا تدخل فى نسبته إلى الميت أنثى، وللعصبة بالنفس أربعة أصناف
1 -
جزء الميت.
2 -
أصله.
3 -
جزأ أبيه.
4 -
جزء جده وان علا.
ويقدم فى هذه الأصناف والمندرجين فيها الأقرب فالأقرب فعند اختلاف الجهة تقدم جهة البنوة على جهة الأبوة وجهة الأبوة على جهة الأخوة، وجهة الأخوة على جهة العمومة وعند اتحاد الجهة يرجح بقرب الدرجة فيرجحون بقرب الدرجة فأولاهم فى الميراث جزء الميت. البنون ثم بنوهم وان سفلوا، ثم أصله الأب ثم الجد أب الأب وان علا، وقدم البنون على الأب لأنهم فروع الميت، والأب أصله واتصال الفرع بأصله أظهر من اتصال الأصل بفرعه وقدم بنو البنين وان سفلوا على الأب لأن سبب استحقاقهم أيضا البنوة المتقدمة لأنهم فروع وكون الأب أقرب درجة من الجد ظاهر كظهوره فيما بين الابن وابن الابن ومن علا من الأجداد أو عند التعدد يقدم منهم من كان أقرب درجة ثم جزأ أبيه أى الأخوة ثم بنوهم وان سفلوا، وتأخير الأخوة عن الجد وان علا قول أبى حنيفة خلافا للصاحبين ورأى أبى حنيفة هو المختار للفتوى
(2)
ثم جزء الجد أى الأعمام وان سفلوا وتأخير الأعمام عن الأخوة وتأخير بنيهم عنهم لبعد الدرجة وبعد الترجيح بقرب الدرجة يرجحون بقوة القرابة أى أن ذا القرابتين أولى من ذى قرابة واحدة مع تساويهما فى الدرجة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان أعيان بنى الأم يتوارثون دون بنى العلات» أى بنو الأعيان، أولى بالميراث من بنى العلات والمقصود من ذكر الأم هنا اظهار ما يترجح به بنو الأعيان على بنى العلات كالأخ لأب وأم فانه مقدم على الأخ لأب اجماعا أو الأخت لأب وأم اذا (1) السراجية ص 70، 79.
(2)
غير أن العمل الآن يجرى على أحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 القاضى بتوريث الاخوة مع الجد على الوجه المبين به.
صارت عصبة مع البنت الصلبية أو غيرها فانها أولى من الأخ لأب خلافا لا بن عباس وابن الأخ لأب وأم أولى من ابن الأخ لا ب وكذلك الحكم فى أعمام الميت ثم فى أعمام أبيه ثم فى أعمام جده أى يعتبر بين هؤلاء الأصناف من الأعمام قرب الدرجة أولا وقوة القرابة ثانيا فعم الميت مقدم على عم أبيه لقرب الدرجة وفى كل واحد من هذه الأصناف يقدم ذو القرابتين على ذى قرابة واحدة مع التساوى فى الدرجة فعم الميت لأب وأم أولى من عمه لأب، وهكذا الحكم فى فروع هذه الأصناف فيعتبر أولاقرب الدرجة وثانيا قوة القرابة، ويقول ابن عابدين
(1)
يحوز العصبة بنفسه ما أبقت الفروض وعند الانفراد يجوز جميع المال لحديث «الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الورثة فلأولى رجل ذكر» .
وأما العصبة بالغير فأرباع من النسوة وهن اللاتى فرضهن النصف والثلثان، الأولى منهن البنت اذ للواحدة النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان، والثانية بنت الابن وان نزل فان حالها كحال البنت عند عدمها، الثالث الأخت لأب وأم فانها كذلك اذا لم توجد بنات الصلب وبنات الابن، الرابعة الأخت لأب فان حكمها كذلك اذا لم يوجد الثلاثة المتقدمة فان هؤلاء الأرباع يصرن عصبة بمن فى درجتهن من الذكور العصبة. ويدل على صيرورة الأوليين عصبة قول الله تعالى:
«يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» وعلى صيرورة الآخرين عصبة قوله تعالى «وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» ، ومن لا فرض لها من الاناث وأخوها عصبة بنفسه لا تصير عصبة به وذلك لأن النص الوارد فى صيرورة الاناث بالذكور عصبة انما هو فى موضعين.
البنات بالبنين والأخوات بالأخوة وأيضا فان الأخ يعصب أخته بنقلها من فرضها حالة الانفراد الى العصوبة كى لا يلزم تفضيل الأنثى على الذكر أو المساواة بينهما مع اتحاد وضعهما كما فى بنت وابنين أو بنت وابن فاذا لم تكن الأنثى صاحبة فرض فلا يتأتى هذا المعنى من عدم تعصيبها بأخيها كالعم والعمة اذا كانا لأب وأم أو لأب كان المال كله للعم دون العمة.
وأما العصبة مع الغير: فكل أنثى تصير عصبة مع أنثى أخرى كالأخت لأب مع البنت سواء كانت صلبية أو بنت ابن وسواء كانت واحدة أو أكثر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة» والمراد من الجمعين هاهنا الجنس واحدا كان أو متعددا والفرق بين العصبة بالغير والعصبة مع الغير أن الغير فى العصبة بالغير يكون عصبة بنفسه فتتعدى بسببه العصوبة الى الأنثى وفى العصبة مع الغير لا يكون عصبة بنفسه أصلا فلا تكون العصبة مجامعة لذلك الغير.
وأما العصبة السببية فهى آخر العصبات والمعتق - بكسر التاء - يرث من معتقه مطلقا أيا كان الباعث على الاعتاق لأن السبب
(1)
حاشية ابن عابدين ح 5 ص 510، 513.
هو الاعتاق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الو لاء لمن أعتق» ثم عصبة مولى العتاقة على الترتيب السابق ذكره فى بيان العصبات وترتيبهم فى الارث فتكون العصبات النسبية مقدمة على عصباته السببية والمراد بعصباته النسبية ما هو عصبة بالنفس فقط لأنه لا شئ للاناث من ورثة المعتق لحديث «ليس للنساء من الو لاء الا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن. الحديث» وقد تأكد هذا الحديث بما روى أن كبار الصحابة كعمر وعلى وابن مسعود رضوان الله عليهم قالوا بمثل ذلك فصار بمنزلة المشهور.
ولو ترك المعتق - بفتح التاء - أب المعتق وابنه كان عند أبى يوسف سدس الو لاء للأب والباقى للابن وعند أبى حنيفة ومحمد الو لاء كله للابن لأنه سبب يورث به بطريق العصوبة فيعتبر الأقرب فالأقرب والابن أقرب العصبات ولو ترك المعتق ابن المعتق وجده فالو لاء كله للابن بالاتفاق.
وفى السراجية
(1)
: ومولى العتاقة عندنا مقدم على ذوى الأرحام والرد على ذوى الفروض وهو قول على وزيد بن ثابت وهو آخر العصبات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو مولاك فان شكرك فهو خير له وان كفرك فهو شر له وخير لك وان مات ولم يترك وارثه كنت أنت عصبته» فهو مقدم على ذوى الأرحام والرد لتقدم العصبات عليهما وقال ابن مسعود هو مؤخر عن ذوى الأرحام واستدل بقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» أى بعضهم أقرب الى بعض والميراث يبتنى على القرب، ويقول ابن عابدين
(2)
وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى الأم والمراد بالمولى ما يعم المعتق والعصبة ليعم ما لو كانت الأم حرة لأنه لا أبا لهما.
مذهب المالكية:
العصوبة عند المالكية اما بالنسب وهى القرابة أو بالسبب وهى العتق ويعتبر بيت المال عصبة على ما سيأتى، واذا أطلق العاصب فانه يراد به العاصب بالنفس وقد عرف خليل والدردير
(3)
العاصب بالنفس بأنه من ورث المال كله إذا انفرد أو الباقى بعد الفرض وقد يسقط اذا استغرقت الفروض التركة وهذا التعريف يشمل المعتق وبيت المال.
وأما العصبة بالغير فهو النسوة الأربعة ذوات النصف وهم البنت وبنت الابن والأخت الشقيقة أو لأب اذا اجتمع كل مع أخيه أو اجتمع الجد مع الأخت ففى الشرح الكبير ومتن خليل: وعصب كلا من النسوة الأربع أخ لها يساويها فى الدرجة احترازا عن أخ لأب مع أخت شقيقة فانه لا يعصب بل يأخذ ما فضل عن فرضهما وابن الابن مع بنت ابن آخر هو أخ حكما لتساويهما فى الدرجة فالمراد بالأخ ولو حكما، ومعنى تعصيبها أنها تكون به عصبة أى ترث بالتعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين، وعصب الجد الأخت
(1)
السراجية ص 74.
(2)
ابن عابدين ح 5 ص 513.
(3)
الشرح الكبير ح 4 ص 459، 468 وبداية المجتهد ونهاية المقتصد ح 2 ص 334 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ طبع مطبعة الجمالية بمصر والرحبية ص 60.
الشقيقة والتى للأب فالأخت ترث مع الجد تعصيبا لا فرضا.
أما العصبة مع الغير فهو الأخت الشقيقة أو لأب اذا اجتمعت مع بنت أو بنت ابن وعلى ذلك فاذا قيل عاصب بغيره فالغير عاصت واذا قيل عاصب مع الغير فالغير ليس بعاصب والعاصب بالنفس لا يكون الا ذكرا والعصبة بغيره لا يكون الا أنثى مشاركة لذكر وأن العصبة مع غيره لا يكون الا أنثى مصاحبة لأنثى أخرى، وكذلك فان العاصب بالنفس يستبد وحده بأخذ المال كله أو الباقى، وأن العاصب بالغير لا بد أن يشترك العاصب والمعصوب جميعا فى أخذ المال كله أو الباقى على أن للعاصب ضعف المعصوب وأنه يجب أن يأخذا ذلك معا فيؤجلا الى ما بعد توزيع الفروض كلها ان كانت، أما العصبة مع الغير فلا يؤجل فيها استحقاق طرفى العصوبة بل يأخذ أحد الطرفين فرضه ويؤجل الطرف الثانى وحده.
ومراتب العصبة هى: جهة البنوة وهو الابن ثم ابنه وان سفل، فجهة الأبوة، فجهة الجدوان علا فى حال عدم الأب، ويشترك مع الجد فى هذه المرتبة الأخوة اذ جهة الجدودة والأخوة واحدة ويقدم الأخ الشقيق ثم الذى للأب عند عدم الشقيق الا فى المسألة المشتركة أو الحجرية وهى التى يشارك الأخ الشقيق فيها الأخوة لأم فليس الأخ لأب فى هذه المسألة كالشقيق عند عدمه بل يسقط لأنه عاصب والشقيق يرث فيها بالفرض تبعا للأخوة لأم، ثم بنو الأخوة وينزلون منزلة آبائهم، ثم العمومة. العم الشقيق ثم العم لأب ثم عم الجد الأقرب فالأقرب ثم بنو العمومة، ويقدم فى هذه المراتب الأقرب فالأقرب فيقدم الابن على ابن الابن والأخ على ابن الأخ وعصوبة الابن على عصوبة الأب وعصوبة الأب على عصوبة الجد، وان كان الأقرب غير شقيق فيقدم الأخ لأب على ابن الأخ الشقيق وابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب وابن الأخ لأب على العم، ثم يلى عصبة النسب: المعتق ذكرا أو أنثى ويسمى ولاء العتاقة، ولو نفاه عن نفسه فنفيه عنه لغو كأن قال أنت حر ولا ولاء عليك خلافا لقول ابن القصار أن الولاء حينئذ للمسلمين، وفى الولاء مسائل كثيرة كمسألة السائبة وولاء العبد المسلم اذا أعتقه النصرانى ولمن يكون الولاء وغير ذلك مما موضعه مصطلح ولاء.
ويقول الدسوقى
(1)
: واعلم أن عصبة الولاء كما يقدم عليهم عصبة العتيق من النسب كذلك يقدم عليهم من يرث العتيق بالفرض بطريق الأولى ثم قال: ان عصبة المعتق هم المتعصبون بأنفسهم، وأما العاصب بغيره أو مع غيره فلا شئ له، وترتيب العصبة هنا كما يقول الدردير: ابن فابنه فأب فأخ فابنه فجد فعم، وأما عصبة عصبة المعتق فلا حق لهم فى الولاء كما لو أعتقت امرأة عبدا ولها ابن من زوج أجنبى منها فاذا
(1)
الشرح الكبير ح 4 ص 420.
ماتت المرأة فالولاء لولدها فاذا مات لم ينتقل الولاء لأبيه عند الأئمة الأربعة وميراثه للمسلمين. ثم اذا لم يكن للمعتق عصبة ورثه بالولاء معتق معتقه ثم عصبته، والولاء لا ترثه أنثى مطلقا ولو كانت عاصبة بغيرها أو مع الغير فاذا مات من أعتق ولم يخلف عاصبا ذكرا فارثه للمسلمين ولا حق فيه لبناته ولا لأخواته انفردن أو اجتمعن، ولو مات عن ابن وبنت فالولاء للابن وحده، واذا أعتقت الأنثى فالولاء لها، وكذلك لو جر الارث اليها ولاء بولادة لمن أعتقته فانها ترثه.
ثم بعد مرتبة الارث بالولاء تأتى مرتبة بيت المال على رأى الامام مالك ومتقدمى مذهب المالكية لأن بيت المال عاصب.
جاء فى الشرح الكبير
(1)
ولا يرد على ذوى السهام ولا يدفع لذوى الأرحام ما فضل إذا لم يوجد عاصب من النسب أو الولاء بل ما فضل لبيت المال، وهذا يفيد أن عصبة الولاء تقدم فى الارث على ذوى الأرحام وعلى الرد على ذوى الفروض وأن ما بقى اذا لم يوجد أى عاصب يكون لبيت المال على ما سيأتى بيانه فى بيت المال.
مذهب الشافعية
(2)
:
العاصب من ليس له سهم مقدر حال تعصيبه من المجمع على توريثهم، والعاصب لا يستحق فى الميراث الا بعد أن يأخذ أصحاب الفروض أنصباءهم المقدرة ان كان هناك أصحاب فروض وذلك للخبر «ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبفت الفروض فلأولى رجل ذكر» وما روى من حديث جابر رضى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم ورث أخا سعد بن الربيع ما بقى من فرض البنات والزوجة فدل على أن هذا حكم العصبة.
والعصبة اما عصبة سببية وهم الذين يرثون بسبب العتق رجلا كان أو امرأة لخبر «انما الولاء لمن أعتق» واما عصبة نسبية بسبب القرابة والنسب وحين تطلق العصبة فالمراد بها العصبة النسبية وهى ثلاثة أقسام:
عصبة بنفسه وعصبة بغيره وعصبة مع غيره.
وقد جعل الشافعية جهات العصوبة بالنفس على خمس مراتب جهة البنوة وهم الذكور من فروع الميت الابن وابن الابن وان نزل، ثم جهة الأبوة وهو الأب ثم جهة الجدودة والاخوة، ثم جهة بنى الاخوة، ثم جهة العمومة قال صاحب المهذب: وأولى العصبات. الابن والأب لأنهما يدليان بأنفسهما وغيرهما يدلى بهما فان اجتمعا قدم الابن لأن الله عز وجل بدأ به فقال «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» ولأن الأب اذا اجتمع مع الابن فرض له السدس وجعل الباقى للابن، ولأن الابن يعصب أخته والأب لا يعصب أخته ثم ابن الابن وان سفل لأنه يقوم مقام الابن فى الارث والتعصيب ثم الأب لأن سائر العصبات يدلون به ثم الجد ان لم يكن أخ لأنه أب الأب ثم أبو الجد وان علا فان لم يكن جد فالأخ لأنه ابن الأب
(1)
الشرح الكبير ح 4 ص 467، 468.
(2)
نهاية المحتاج ح 6 ص 22 والمهذب ح 2 ص 29
ثم ابن الأخ وان سفل ثم العم لأنه ابن الجد ثم ابن العم وان سفل ثم عم الأب لأنه ابن أبى الجد ثم ابنه وان سفل.
واذا انفرد الواحد ممن سبق أخذ جميع المال بدليل قوله تعالى «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ» فورث الأخ جميع مال الأخت اذا لم يكن لها ولد. وان اجتمع مع ذى فرض أخذ ما بقى لحديث جابر السابق، وان اجتمع اثنان قدم أقربهما فى الدرجة، وان اجتمع اثنان فى الدرجة قدم من يدلى بالأب والأم لأنه أقرب عمن يدلى بالأب وحده وان استويا فى الدرجة والادلاء استويا فى الميراث لتساويهما، أما العصبة بالغير فضابطه كل أنثى ترث النصف عصبها ذكر من جهتها وهن أربعة البنت وبنت الابن والأخت لأبوين والأخت لأب اذا اجتمعن مع اخوتهم، قال صاحب المهذب
(1)
ولا يعصب واحد من العصبة بالنفس الأنثى الا الابن وابن الابن والأخ فانهم يعصبون أخواتهم فأما الابن فانه يعصب أخواته «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» وأما ابن الابن فانه يعصب من يحاذيه من أخواته وبنات عمه سواء كان لهن شئ من فرائض البنات أو لم يكن، وأما من فوقه من العمات فينظر فيه فان كان لهن من فرض البنات من الثلثين أو السدس شئ أخذ الباقى ولم يعصبهن لأنهن يرثن بالفرض ومن ورث بالفرض بقرابة لم يرث بالتعصيب بتلك القرابة، وان لم يكن لهن من فرض البنات شئ عصبهن لما روى عن زيد بن ثابت رضى الله عنه أنه قال: اذا استكمل البنات الثلثين فليس لبنات الابن شئ الا أن يلحق بهن ذكر فيرد عليهن بقية المال اذا كان أسفل منهن رد على من فوقه للذكر مثل حظ الانثيين.
وأما الأخ فانه يعصب أخواته لقوله تعالى «وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» .
وأما العصبة مع غيره: فضابطه كل أنثى تصير عصبة باجتماعها مع أنثى غيرها وهى الأخت فأكثر شقيقة كانت أو لأب مع البنت أو بنت الابن فأكثر ومعناه أن للبنت أو بنت الابن النصف فرضا وللبنات أو بنات الابن الثلثين، وما فضل للأخت أو للأخوات المتساويات بالعصوبة وهذا معنى «الأخوات مع البنات عصبة» قال صاحب المهذب
(2)
وكذا الأخوات مع بنات الابن بدليل ما روى ابراهيم عن الأسود، قال: قضى فينا معاذ بن جبل رضى الله عنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى امرأة تركت بنتها وأختها:
للبنت النصف وللأخت النصف.
ويقول
(3)
ولا يشارك أحد من العصبات أهل الفروض فى فروضهن الا ولد الأب والأم فانهم يشاركون ولد الأم فى ثلثهم فى المسألة المشتركة السابق ذكرها عند المالكيه وسميت بذلك لما فيها من التشريك بين ولد الأب وولد الأم فى الفرض.
(1)
المهذب ح 2 ص 29.
(2)
المهذب ح 2 ص 27.
(3)
المرجع السابق ح 2 ص 30.
وأما العصبة السببية فيقول فيها صاحب مغنى المحتاج
(1)
ومن مات ولا عصبة له بنسب وله معتق فماله وما الحق به كله لمعتقه أو الفاضل منه عن الفروض رجلا كان المعتق أو امرأة لا طلاقه قوله صلى الله عليه وسلم «انما الولاء لمن أعتق» ولأن الانعام بالاعتاق موجود من الرجل والمرأة فاستويا فى الارث وحكى ابن المنذر فيه الاجماع وهذا يفيد بوضوح أنهم مقدمون على الرد على ذوى السهام ومقدمون على ذوى الأرحام أيضا فان لم يوجد معتق - بكسر التاء - فلعصبة المعتق النسبية المتعصبين بأنفسهم والمعتبر أقرب عصباته يوم موت العتيق وترتيب عصبة المعتق كترتيبهم فى النسب فان لم يكن للمعتق عصبة من النسب فلمعتق المعتق ثم عصبة معتق المعتق كذلك، ولا ترث امرأة بولاء الا معتقها - بفتح التاء - أو منتميا الى معتقها بنسب كابنه وان سفل أو ولاء كمعتقه. قال صاحب المغنى واستثنى فى التنبيه صورة ثالثة ترث بها الأنثى وهى جر الولاء اليها وصورتها أن يتزوج جدها بمعتقة لرجل فيأتى بولد فولاء الولد لموالى الأم فاذا أعتقت المرأة عبدها وهو أب الولد جر الأب ولاء الولد الى المرأة.
ثم يلى المعتق بيت المال على رأى متقدمى الشافعية.
مذهب الحنابلة
(2)
:
العصبة من يرث بغير تقدير ومتى أطلق العاصب فالمراد العاصب بنفسه وهو ان انفرد أخذ المال كله وان كان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه، وان استوعبت الفرائض المال سقط العاصب.
والعصبة هى الابن وابنه وان نزل والأب وأبوه ان علا والأخ شقيقا كان أو لأب وابنه كذلك والعم وابنه من العصبة وكذلك مولى النعمة وهو المعتق - بكسر التاء - ذكرا كان أو أنثى وعصبته المتعصبون بأنفسهم، وأحقهم بالميراث أقربهم الى الميت ويسقط به من بعد من العصبات.
وجهات العصوبة ستة: بنوة ثم أبوة ثم جدودة وأخوة، ثم بنوة الاخوة ثم العمومة، ثم الولاء. واذا اجتمع عاصبان فأكثر قدم الأقرب جهة فان استووا فيها قدم الأقرب درجة فان استووا فيها قدم من لأبوين على من لأب، وأقربهم الابن ثم ابنه وان نزل ثم الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا فهو أولى من الاخوة لأبوين أو لأب فى الجملة لأنه أب وله ايلاد، ثم الأخ من الأبوين ثم الأخ من الأب ثم ابن أخ من الأبوين ثم ابن أخ من الأب ثم أبناؤهم وان نزلوا، ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم كذلك ثم أعمام الجد وأبناؤهم كذلك أبدا.
والعصبة بالغير عندهم أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم، ويمنعونهن الفرض ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين وهم: الابن وابن الابن وان نزل وهذا يعصب بنت الابن فأكثر أخته كانت أو بنت
(1)
مغنى المحتاج ح 3 ص 19.
(2)
كشاف القناع ح 2 ص 558، 561.
عمه، والأخ من الأبوين فأكثر يعصب الأخت لأبوين فأكثر والأخ من الأب يعصب أخته.
وابن الابن يعصب من بازائه من أخواته وبنات عمه ويعصب من هى أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه اذا لم يكن لهن فرض ولا يعصب من هى أنزل منه
وأما العصبة مع الغير. فيقول صاحب نيل المآرب
(1)
الأخوات الشقيقات أو لأب مع البنات عصبات يرثن ما فضل عن ذوى الفروض كالاخوة فبنت وبنت ابن وأخت لأبوين أو لأب يكون للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين والباقى للأخت
وجاء فى كشاف القناع
(2)
عن الارث بالعصبة السببية ومرتبتهم قوله: فان عدم العصبة من النسب ورث المولى المعتق ولو كان أنثى لقوله عليه السلام «الولاء لمن أعتق» ثم عصبات المعتق اذا لم يكن موجودا الأقرب فالأقرب ثم مولى المعتق ثم عصبته ثم مولى المولى وهكذا. ولا يرث العتيق مولاه لحديث «انما الولاء لمن أعتق» .
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى
(3)
والباقى بعد نصيب البنت وبنت الابن وكذا سائر أصحاب الفروض - للعصبة كالأخ وابن الأخ والعم وابن العم، والمعتق ثم عصبة المعتق ثم قال
(4)
ولا يرث بنو الأب مع الابن الذكر شيئا أباهم كان أو عمهم ولا يرث بنو الأخ الشقيق أو للأب مع أخ شقيق أو لأب وهذا نص كلام النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله «فلأولى رجل ذكر» واجماع متيقن ثم قال من ترك بنته وبنى ابن ذكورا فلابنته النصف ولبنى الابن الذكور ما بقى فان ترك ابنتين فصاعدا وبنى ابن ذكورا فللبنتين الثلثان وما بقى فلابن الابن، فان ترك بنات ابن وبنى ابن فالمال بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.
وقال قبل ذلك
(5)
والأخ والأخت الأشقاء أو للأب فقط فصاعدا كذلك أيضا للذكر مثل حظ الانثيين وهذا نص القرآن واجماع متيقن.
وقال
(6)
بالنسبة للعصبة مع الغير لا ترث أخت شقيقة ولا غير شقيقة مع ابن ذكر ولا مع ابنة أنثى ولا مع ابن ابن وان سفل ولا مع بنت ابن وان سفلت والباقى بعد نصيب البنت وبنت الابن للعصبة كالأخ وابن الأخ والعم وابن العم والمعتق وعصبته الا أن لا يكون للميت عاصب فيكون ما بقى حينئذ للأخت الشقيقة أو للتى للأب ان لم يكن هنالك شقيقة وللأخوات كذلك وهو قول اسحاق بن راهويه وبه نأخذ واحتج من لم يورث أختا مع ابنة ولا مع ابنة ابن بقول الله عز وجل {(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ)} ، فاسم الولد يقع على الابنة وبنت الابن كما يقع على الابن وابن الابن فى اللغة وفى القرآن وكذلك يحتجون بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر» وليس فى شئ من
(1)
نيل المآرب ح 2 ص 28.
(2)
كشاف القناع ح 2 ص 559، 561 وهداية الراغب ص 433.
(3)
المحلى ح 9 ص 256.
(4)
المرجع السابق ح 9 ص 671.
(5)
المحلى ح 9 ص 268، 269.
(6)
المرجع السابق ح 9 ص 300، 302.
الروايات عن الصحابة أنهم ورثوا الأخت مع البنت مع وجود عاصب ذكر واحتج من رأى الأخوات عصبة مع البنات بما روينا من أن أبا موسى سئل عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال للابنة النصف وللأخت النصف فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبى موسى فقال:
لقد ضللت اذا وما أنا من المهتدين أقضى فيها بما قضى النبى صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقى فللأخت فوجب بذلك اذا كان للميت عاصب أن يكون ما فضل عن فريضة الابنة أو البنتين أو بنت الابن أو بنتى الابن للعصبة لأنه أولى رجل ذكر وليست الأخت هاهنا من أصحاب الفرائض الذين أمرنا بالحاق فرائضهم بهم وهذا واضح لا اشكال فيه فان لم يكن للميت رجل عاصب وجعلنا الأخت عصبة كما فى نصه ولم نخالف شيئا من النصوص والمعتق ومن تناسل منه من الذكور أو عصبته من الذكور هم بلا شك من الرجال الذكور فهم أولى من الأخوات اذا كان للميت ابنة أو ابنة ابن.
ويقول ابن حزم
(1)
فى ولاء العتاقة:
الرجل والمرأة اذا أعتق أحدهما عبدا أو أمة ورث مال المعتق ان مات ولم يكن له من يحيط بميراثه أو ما فضل عن ذوى السهام، وكذلك يرث من تناسل منه من نسل الذكور من ولده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «انما الولاء لمن أعتق» .
وما أعتقت المرأة ثم ماتت ولها بنون وعصبة من اخوة أو بنى اخوة وان سفلوا أو أعمام أو بنى أعمام وان بعدوا وسفلوا فميراث من أعتقت لعصبتها لا لولدها الا أن يكون ولدها عصبتها كأولاد أم الولد من سيدها أو يكونوا من بنى عمها لأحد من بنى جدها ولا من بنى أبيها أقرب اليها منهم.
مذهب الزيدية:
قال صاحب البحر
(2)
العصبة من الرجال هم الابن وان نزل ثم الأب وان علا ثم الاخوة لأب وأم ثم لأب ثم بنوهم كذلك ثم الأعمام كذلك ثم بنوهم كذلك وان بعدوا ولا خلاف فى ذلك. والعصبة من النساء هم البنت وبنت الابن والأخت لأب وأم والأخت لاب مع اخوتهن اجماعا وهؤلاء هم العصبة بالغير.
ثم قال: وقال العترة والأئمة الأربعة الأخوات مع البنات عصبة.
وقال صاحب البحر
(3)
والابن أولى العصبات ويأخذ كل المال لو انفرد وهذا حكم العصبة بالنفس، أما العصبة بالغير فلا بد أن يشترك العاصب والمعصوب فى أخذ المال كله أو الباقى بعد أصحاب السهام فيكون للعاصب ضعف المعصوب.
ورتب صاحب البحر العصبات بالنفس فقال
(4)
الابن أولى العصبات ثم ابن الابن وان نزل ثم الأب ثم الجد أب الأب وإن علا ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ لأب وأم ثم ابن الأخ لأب ثم العم لأب وأم ثم العم لأب ثم ابن العم لأب وأم ثم ابن العم لأب وذلك اثنا عشر رجلا. والأصل
(1)
المحلى ح 9 ص 300، 302.
(2)
البحر الزخار ح 5 ص 339.
(3)
المرجع السابق ح 5 ص 341.
(4)
المرجع السابق ح 5 ص 351.
فيه قوله صلى الله عليه وسلم «فما بقى فهو لأولى عصبة ذكر» .
ويقول
(1)
ولا يرث من العصبات الأبعد مع الأقرب ولا من ينتسب بنسب مع وجود من ينتسب بنسبين. وطريقة الارث أن يأخذ ذوو السهام أولا سهامهم المفروضة والباقى للعصبات أورد عليهم. ولا يرث المدلى مع وجود المدلى به الا الاخوة لأم فانهم يدلون بالأم ويرثون معها.
وقال فى موضع آخر
(2)
ولا يرث مولى العتاقة الا بعد عدم العصبات وايفاء ذوى السهام سهامهم اجماعا وهو أقدم من ذوى الرحم اذ كان على عليه السلام يورث مولى العتاق دون العمة والخالة وغيرهما من ذوى الأرحام، فان عدم المعتق وعصبته فلذوى أرحام المعتق فان ترك ذوى أرحام مولاه ولا وارث له فالمال لهم.
ثم قال ولا يعصب فيه ذكر أنثى لضعف الولاء فلو ترك ابن مولاه وبنته سقطت البنت وكذلك أخاه وأخته.
مذهب الإمامية:
جاء فى المختصر النافع
(3)
التعصيب باطل وفاضل التركة يرد على ذوى السهام عدا الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها قال صاحب الروضة البهية
(4)
ولا ميراث عندنا للعصبة على تقدير زيادة الفريضة عن السهام الا مع عدم القريب - أى الأقرب منهم لعموم آية «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» واجماع أهل البيت عليهم السلام وتواتر أخبارهم بذلك.
وجاء فى هامش الروضة: تعليقا على عبارة «ولا ميراث للعصبة» التعصيب هو اعطاء الفاضل من التركة عن أصحاب الفروض الى عصبة الميت المنتسبون اليه من جهة الأب فاذا خلف الميت بنتا واحدة وله أخ أو أخت أو عم فعندنا يرد نصف التركة الزائدة عن فرض البنت الى ذات الفرض أو الفروض.
ثم قال
(5)
واعلم أن الوارث مطلقا اما أن يرث بالفرض خاصة وهو من سمى الله فى كتابه له سهما بخصوصه وهو الأم والاخوة من قبلها والزوج والزوجة حيث لا رد، أو بالقرابة خاصة وهو من دخل فى الارث بعموم الكتاب فى آية أولى الأرحام كالأخوال والأعمام، أو يرث بالفرض تارة وبالقرابة أخرى وهو الأب والبنت وان تعددت والأخت للأب كذلك فالأب مع الولد يرث بالفرض ومع غيره أو منفردا بالقرابة، والبنات يرثن مع الولد بالقرابة ومع الأبوين بالفرض. والأخوات يرثن مع الاخوة بالقرابة ومع كلالة الأم بالفرض، أو يرث بالفرض والقرابة معا وهو ذو الفرض على تقدير الرد عليه.
وبين الذين يرثون بالقرابة وهم الذين يرثون بالنسب وذكر مراتبهم فقال
(6)
وهم
(1)
البحر الزخار ح 5 ص 370.
(2)
المرجع السابق ح 5 ص 358.
(3)
المختصر النافع ص 268.
(4)
الروضة البهية ح 2 ص 305، 306.
(5)
المرجع السابق ح 2 ص 308.
(6)
المرجع السابق ح 2 ص 295 والمختصر النافع ص 268.
ثلاث مراتب لا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود واحد من المرتبة السابقة.
فالأولى: الآباء دون آبائهم والأولاد وان نزلوا فالأولاد والآباء مرتبة واحدة ولو كانوا ذكرانا واناثا فللذكر سهمان وللأنثى سهم.
والمرتبة الثانية: الأخوة والأجداد إذا لم يكن أحد الأبوين ولا ولد وان نزل، والاخوة تشمل الأخوات للأبوين أو أحدهما وأولاد الاخوة والأخوات فنازلا ذكورا واناثا، والأجداد تشمل الجدات.
والمرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال للأبوين أو أحدهما وان علوا كأعمام الأب والأم وأعمام الأجداد ويشمل ذلك أولاد الأعمام والأخوال وان نزلوا ذكورا واناثا.
والارث بالولاء عندهم على ثلاثة أقسام
(1)
الأول ولاء العتق ويرث المعتق عتيقه اذا تبرع لعتيقه ولم يتبرأ من ضمان جريرته عند العتق ولم يخلف العتيق وارثا له، فالمعتق فى واجب كالكفارة والنذر لا ميراث بينه وبين معتقه، ولا يرث المعتق مع وجود ذى نسب وان بعد ويرث مع الزوج والزوجة. واذا اجتمعت الشروط التى هى التبرع وعدم التبرؤ من ضمان الجريرة وعدم وجود ذى نسب ورثه المنعم ان كان واحدا واشتركوا فى المال ان كانوا أكثر.
ولو عدم المنعم فللأصحاب فيه أقوال أظهرها انتقال الولاء الى الأولاد الذكور دون الاناث فان لم يكن الذكور فالولاء لعصبة المنعم، ولو كان المعتق امرأة فالى عصبتها مطلقا.
والثانى من أنواع الولاء: ولاء تضمين الجريرة جاء فى المختصر النافع
(2)
من توالى انسانا يضمن حدثه ويكون ولاؤه له ثبت له الميراث ولا يتعدى الضامن ولا يرث الضامن الا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى وما بقى له وهو أولى من بيت مال الامام.
الثالث ولاء الامامة ولا يرث الا مع فقد كل وارث عدا الزوجة فانها تشاركه على الأصح.
مذهب الإباضية:
الارث بالتعصيب حاصله أن من يرث به يحوز جميع المال ان انفرد أو الفضل عن ذوى السهام ان كانوا معه والعصبة ثلاثة أقسام عصبة بنفسه وهو المراد عند الاطلاق وسمى بذلك لاتصافه بالعصوبة بنفسه بلا واسطة، وعصبة بغيره وعصبة مع غيره، والعصبة بأنفسهم الأب ثم ابنه وإن سفل ثم الأب ثم الجد وان علا ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم من الأب ثم العم الشقيق ثم من الأب ثم ابن العم الشقيق ثم من الأب قيل ثم المعتق ولو أنثى ثم عصبته، قيل ثم بيت المال.
وجهات العصوبة سبع: البنوة فالأبوة فالجدودة فالأخوة فبنوة الأخوة فالعمومة
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 329.
(2)
المختصر النافع ص 273.
فالولاء فبيت المال. فابن الابن مقدم فى التعصيب على الأب، وان كانا من جهة واحدة فالقريب وان كان ضعيفا مقدم على البعيد وان كان قويا فابن الأخ للأب مقدم على ابن ابن الأخ الشقيق، وان تساووا قربا فالقوى مقدم على الضعيف فالشقيق مقدم على الأبوى. والقوى هو ذو القرابتين والضعيف ذو القرابة الواحدة.
وحكم العصبة أن يأخذ ما أبقت الفروض ان كان ثم وارث فان استغرقت الفروض التركة سقط، ويختص العصبة بنفسه بأخذ جميع المال اذا انفرد والعصبة مع غيره يأخذ ما أبقت الفروض وان لم تبق الفروض شيئا سقط، وأما المعصب بغيره فالمراد مع معصب كعاصبين اجتمعا والأصل فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى رجل ذكر» وحديث «ان الأخوات مع البنات عصبات» وبنت الابن كالبنت وذلك مجمع عليه. قال ابن مسعود رضى الله عنه فى بنت وبنت ابن وأخت لأقضين فيها بقضاء النبى صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقى للأخت.
وجاء فى النيل وشرحه
(1)
الأكثر منا على أن المولى اذا لم يخلف زوجا أو زوجة ولا عاصبا نسبيا ولا صاحب فرض ولا ذوى رحم يقسم ماله فى جنسه من المسلمين فى بلد مات فيه أو سافر منه على أن يرجع اليه. وقال أبو المؤثر: لا يورث الولاء على حال لأنه صلى الله عليه وسلم لم يورثه ولا علمنا أنه ورثه بالولاء وقد مات مولى لابن عمر وجاءته امرأة بمال فقال: لو كان لى لأخذته. فلم يقبضه، ومات مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا من حضر من أهل أرضه وسلم اليهم ماله ولم يرثه بالولاء ولا يرثه معتقه الا ان كان منهم وخالف الأكثر فى ذلك أبو نوح صالح الدهان فأورث المعتق بكسر التاء معتقه بالفتح وانما يرث المعتق من أعتقه عند أبى نوح اذا لم يكن للمولى عصبة وان لم يكن المعتق حيا فلعصبته الى حيث انتهت. والنساء لا يرثن من الولاء شيئا الا من أعتقنه أو أعتقه من أعتقنه أو ولاء من أعتقن.
والولاء لأقرب عصبات المعتق بالنفس لا بالغير ولا مع الغير ولا ذى فرض فان لم يكن للمعتق عصبة بالنسب فلمعتق المعتق وان لم.
فلعصبة معتق المعتق وهكذا.
الارث بالرد
اذا ما وجد أصحاب فروض ولم يوجد عصبات وكانت الفروض لا تستوعب كل سهام التركة فانه يرد على ذوى الفروض النسبية أى غير الزوجين. بقدر سهامهم.
والقول بالرد عليهم وتقديم ذلك على ارث ذوى الأرحام هو قول عامة الصحابة يقول صاحب السراجية الحنفى
(2)
وبه أخذ أصحابنا لقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» أى بعضهم أولى بميراث بعض بسبب الرحم. فهذه الآية دلت على استحقاقهم جميع الميراث بصلة الرحم وآية المواريث أوجبت استحقاق جزء
(1)
شرح النيل ح 8 ص 392، 400.
(2)
السراجية ص 129.
معلوم من المال لكل واحد منهم فوجب العمل بالآيتين بأن يجعل لكل واحد فرضه بتلك الآية ثم يجعل ما بقى مستحقا لهم للرحم بهذه الآية. ولهذا لا يرد على الزوجين لانعدام الرحم فى حقهما وقد كان زيد بن ثابت لا يرى الرد ويجعل الفاضل فى بيت المال وبه قال مالك ومتقدموا المالكية
(1)
وهو قول الشافعية اذا كان بيت المال منتظما
(2)
ومذهب الحنابلة
(3)
والزيدية
(4)
والجعفرية
(5)
الذين قالوا ان الارث بالتعصيب باطل ويرون أن الارث بالرد نوع من الارث بالقرابة وهو مذهب الإباضية
(6)
أيضا على تفصيل موضعه مصطلح رد».
توريث ذوى الأرحام:
مذهب الحنفية:
ذو الرحم
(7)
هو كل قريب ليس بدى سهم ولا عصبة. وكان أكثر الصحابة كعمر وعلى وابن مسعود وأبى عبيدة بن الجراح ومعاذ ابن جبل وأبى الدرداء وغيرهم ممن تابعهم فى ذلك من التابعين كعلقمة وشريح وابراهيم والحسن وابن سيرين كل هؤلاء وغيرهم كانوا يرون توريث ذوى الأرحام، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومن تابعهم لقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» اذ معناه أولى بميراث بعض فيما كتب الله تعالى وحكم به الاية نسخت التوريث بالموالاة فما كان لمولى الموالاة والمؤاخاة صار مصروفا الى ذوى الأرحام، وما بقى عند الحنفية من ارث مولى الموالاة صار متأخرا عن ارث ذوى الأرحام.
وذوو الأرحام فى الارث أصناف أربعة:
الصنف الأول: ينتسب الى الميت وهم أولاد البنات وان سفلوا ذكورا كانوا أو اناثا وأولاد بنات الابن كذلك.
والصنف الثانى: ينتمى إليهم الميت وهم الأجداد الساقطون أى الفاسدون وان علوا كأب أم الميت وأب أب أمه والجدات الساقطات وان علون كأم أب أم الميت وأم أم أب الميت.
الصنف الثالث: ينتمى الى أبوى الميت وهم أولاد الأخوات وان سفلوا سواء كانت تلك الأولاد ذكورا أو اناثا وسواء كانت الأخوات لأب وأم أو لأب أو أم، وبنات الاخوة وان سفلن سواء كانت الاخوة من الأبوين أو من أحدهما وبنو الاخوة لأم وان سفلوا.
الصنف الرابع: ينتمى الى جدى الميت وهما أب الأب وأم الأم أو جدتيه وهما أم الأب وأم الأم وهم العمات على الاطلاق فانهن أخوات لأب الميت والأعمام لأم فانهم اخوة لأبيه من أمه، والأخوال والخالات فانهم اخوة وأخوات لأم الميت فالمذكورون فى أمثلة الأصناف الأربعة وكل من يدلى الى
(1)
بداية المجتهد ح 2 ص 346.
والشرح الكبير ح 4 ص 468.
(2)
المهذب ح 2 ص 31 ونهاية المحتاج ح 6 ص 11 ومغنى المحتاج ح 3 ص 6، 7.
(3)
كشاف القناع ح 2 ص 364.
(4)
البحر الزخار ح 5 ص 357.
(5)
الروضة البهية ح 2 ص 316 والمختصر النافع ص 268.
(6)
شرح النيل ح 8 ص 403.
(7)
السراجية ص 163، 204.
الميت بهم من ذوى الأرحام، والمراد بمن يدلى بهم ما يتناول من علوا ومن سفلوا فى الأصناف الثلاثة السابقة ويتناول أولاد الصنف الرابع دون من يعلو من الأعمام المذكورة والعمات والخالات والأخوال كعمومة أبوى الميت وخئولتهما وعمومة أبوى الميت وخئولتهما مع أنهم من ذوى الأرحام واختلفت الرواية عن أبى حنيفة فى تقديم بعض هذه الأصناف على بعض.
روى أبو سليمان عن محمد بن الحسن عن أبى حنيفة أن أقرب الأصناف الى الميت وأقدمهم فى الوراثة عنه هو الصنف الثانى وان علوا ثم الصنف الأول وان سفلوا ثم الثالث وان نزلوا ثم الرابع وان بعدوا وتابعه فى ذلك عيسى بن ابان عن محمد عن أبى حنيفة وروى أبو يوسف والحسن بن زياد عن أبى حنيفة وابن سماعة عن محمد بن الحسن عن أبى حنيفة أن أقرب الأصناف وأقدمهم إلى الميت فى الميراث الصنف الأول ثم الثانى ثم الثالث ثم الرابع كترتيب العصبات اذ يقدم منهم الابن ثم الأب ثم الجد ثم الاخوة ثم الأعمام وهو المفتى به.
ويحكى عن أبى عبد الله أنه كان يوفق بين الروايتين ويقول ما رواه محمد عن أبى حنيفة قوله الأول، وما رواه أبو يوسف قوله الأخير. وعند أبى يوسف ومحمد: الصنف الثالث مقدم على الجد أبى الأم وان كان قياس مذهبهما فى الجد أب الأب وهو مقاسمة الاخوة والأخوات ما دامت القسمة خيرا له من ثلث جميع المال. يقتضى ألا يقدم الصنف الثالث على الجد أب الأم. وأما أبو حنيفة فقد جرى فى ذوى الأرحام على قياس مذهبه فى العصبات.
كيفية توريث الصنف الأول:
وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن وأولادهم بالميراث أقربهم الى الميت كبنت البنت فانها أولى من بنت بنت الابن لأن الأولى تدلى الى الميت بواسطة واحدة والثانية بواسطتين وهذا قول أهل القرابة وهم أبو حنيفة وصاحباه وزفر وعيسى بن ابان قالوا استحقاق ذوى الرحم باعتبار معنى العصوبة ولهذا قدم فى الأربعة من هو أقرب ويستحق الواحد منهم جميع المال وفى العصوبة الحقيقية تكون زيادة القرب تارة بقرب الدرجة وأخرى بقوة السبب كما فى تقديم البنوة على الأبوة فكذلك فيما فيه معنى العصوبة يثبت التقديم بقرب الدرجة كما يثبت بقوة السبب ففى الصورة المذكورة يكون المال كله لبنت البنت.
أما أهل التنزيل وهم الذين ينزلون المدلى منزلة المدلى به فى الاستحقاق كعلقمة والشعبى ومسروق وأبى عبيدة القاسم بن سلام والحسن بن زياد فيجعلون المال بينهما اما أرباعا على قياس قول على رضى الله عنه ثلاثة أرباعه لبنت البنت وربعه لبنت بنت الابن لأنه يرى الرد على بنت الابن مع البنت الصلبية واما أسداسا على قول ابن مسعود رضى الله عنه. خمسة أسداسه لبنت البنت وسدسه لبنت بنت الابن لأنه لا يرى الرد على بنت الابن مع البنت الصلبية.
ويستدلون على التنزيل بأن الاستحقاق لا يمكن اثباته بالرأى ولا نص هاهنا من
الكتاب ولا من السنة أو الاجماع ولا طريق سوى اقامة المدلى مقام المدلى به ليثبت له الاستحقاق الذى كان ثابتا للمدلى به فنصيب كل أصل ينتقل الى فرعه، ويؤيده أن من كان منهم ولدا لصاحب فرض أو لعصبة كان أولى ممن ليس كذلك وليس ذلك الا باعتبار المدلى به.
وذهب نوح بن دراج وحبيش بن بشر ومن تابعهما الى أن المال بينهما أنصافا لأن استحقاقهما انما هو باعتبار الوصف العام الذى هو الرحم والأقرب والأبعد متساويان فيه وهؤلاء يسمون أهل الرحم. فاذا استوى أفراد هذا الصنف فى الدرجة بأن يدلوا الى الميت بدرجتين أو بثلاث درجات مثلا فولد الوارث أولى من ولد ذوى الرحم كبنت بنت الابن فانها أولى من ابن بنت البنت لأن الأولى ذات فرض والثانية ذات رحم والسبب فى هذه الأولوية أن ولد الوارث أقرب حكما والترجيح يكون بالقرب الحقيقى ان وجد والا فبالقرب الحكمى.
وان استوت درجاتهم فى القرب ولم يكن فيهم مع الاستواء ولد وارث أو كلهم يدلون بوارث فعند أبى يوسف فى قوله الأخير والحسن بن زياد يعتبران أن الفروع المتساوية فى الدرجات المذكورة ويقسم المال عليهم باعتبار حال ذكورتهم وأنوثتهم سواء اتفقت الأصول فى الذكورة والأنوثة أو اختلفت ولا يعتبر فى القسمة صفات أصولهم أصلا. وهى رواية شاذة عن أبى حنيفة.
ويوافق محمد اعتبار أبدان الفروع ان اتفقت صفة الأصول فى الذكورة والأنوثة موافقا بذلك ما ذهب اليه أبو يوسف فى قوله الأخير والحسن بن زياد كما سبق، ويخالفهما فيعتبر الأصول ان اختلفت صفاتهم ويعطى الفروع ميراث الأصول وهو القول الأول لأبى يوسف وأشهر الروايتين عن أبى حنيفة والظاهر من مذهبه. وقد ذكر فى المبسوط أن ابن زياد من أهل التنزيل والدليل على القول الأخير لأبى يوسف استحقاق الفروع: انما يكون لمعنى فيهم لا لمعنى فى غيرهم والمعنى هو القرابة التى هى فى أبدان الفروع وقد اتحدت الجهة أيضا وهى الولادة فيتساوى الاستحقاق فيما بينهم وان اختلفت الصفة فى الأصول، ألا يرى أن صفة الكفر أو الرق غير معتبرة فى المدلى به وانما تعتبر فى المدلى فكذا صفة الذكورة والأنوثة تعتبر فيه فقط، واستدل محمد باتفاق الصحابة على أن للعمة الثلثين وللخالة الثلث ولو كان الاعتبار بأبدان الفروع لكان المال بينهما نصفين فظهر أن المعتبر فى القسمة هو المدلى به فانه الأب فى العمة والأم فى الخالة، وأيضا اذا كان أحدهما ولد وارث كان أولى من الآخر فقد ترجح باعتبار معنى فى المدلى به كما اذا ترك الميت ابن بنت وبنت بنت فعند أبى يوسف والحسن يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين باعتبار أبدان الفروع وصفاتهم. وعند محمد يكون المال بينهما كذلك لأن صفة الأصول متفقة فى الأنوثة فيعتبر أيضا أبدان الفروع، ولو ترك بنت ابن بنت، وابن بنت بنت فالمال عند أبى يوسف والحسن يكون بين الفروع أثلاثا فثلثاه للذكر وثلثه للأنثى، وعند محمد يكون المال بين الأصول فى البطن الثانى
الذى هو أول ما وقع فيه الاختلاف بالذكورة والأنوثة فيكون ثلثاه لبنت ابن البنت لأن ذلك نصيب أبيها قد انتقل اليها وثلثه لابن بنت البنت فانه نصيب امه وانتقل اليه.
وكما اعتبر عند محمد حال الأصول فى البطن الثانى على ما مر كذلك يعتبر عنده حال الأصول المتعددة اذا كان فى أولاد البنات المتساوية فى الدرجة بطون مختلفة فيقسم المال على أول بطن اختلف فى الأصول بالذكورة والأنوثة للذكر مثل حظ الأنثيين ثم يجعل الذكور من ذلك البطن طائفة والأناث طائفة أخرى على حدة بعد القسمة على الذكور والاناث فما أصاب الذكور من أول بطن وقع فيه الاختلاف يجمع ويعطى فروعهم بحسب صفاتهم ان لم يكن فيما بينهم وبين فروعهم من الأصول اختلاف فى الذكورة والأنوثة بأن يكون جميع ما توسط بينهما ذكورا فقط أو اناثا فقط وان كان فيما بينهما من الأصول اختلاف يجمع ما أصاب الذكور ويقسم على أعلى الخلاف الذى وقع فى أولادهم ويجعلون الذكور هاهنا أيضا طائفة والاناث طائفة أخرى على قياس ما سبق، وكذلك ما أصاب الاناث يعطى فروعهن على ما مر فى فروع الذكور ان لم تختلف الأصول وكذلك ان اختلفت وهكذا.
وقول محمد أشهر الروايتين عن أبى حنيفة فى جميع أحكام ذوى الأرحام وقول أبى يوسف مروى عن أبى حنيفة أيضا لكن روايته شاذة ليست فى قوة الشهرة مثل الرواية الأخرى. وذكر بعضهم أن مشايخ بخارى أخذوا بقول أبى يوسف فى مسائل ذوى الأرحام لأنه أيسر على المفتى، وقال صاحب السراجية وشارحها، علماؤنا يعتبرون الجهات فى توريث ذوى الأرحام غير أن أبا يوسف يعتبر الجهات فى أبدان الفروع لأنه يقسم المال على الفروع ابتداء فيعتبر الجهات فيهم وقد اختلف فى قول أبى يوسف فأهل العراق وخراسان على أنه لا يعتبر الجهات بل يرث عنده ذو جهتين بجهة واحدة وأهل ما وراء النهر على أنه يعتبر الجهات وهو الصحيح لكنه يعتبر تعدد الجهات فى أبدان الفروع. ومحمد يعتبر الجهات فى الأصول لأنه يقسم المال على أول بطن اختلف من الأصول كما اذا ترك الميت بنتى بنت بنت وهما أيضا بنتا ابن بنت، وترك أيضا ابن بنت بنت فعند أبى يوسف يكون المال بينهم أثلاثا لأن البنتين ذواتا جهتين فكأنهما بنتان من جهة الأم وبنتان أخريان من جهة الأب وصار الميت كأنه ترك أربع بنات وابنا واحدا فيكون ثلثا المال للبنتين ذواتى الجهتين وثلثه للابن ذى الجهة الواحدة وعند محمد يقسم المال بينهم على ثمانية وعشرين سهما للبنتين اثنان وعشرون سهما ستة عشر سهما من قبل أبيهما وستة أسهم من قبل أمهما وستة أسهم للابن من قبل أمه وذلك على الأساس الذى سبق ايضاحه.
ميراث الصنف الثانى:
وهم الساقطون من الأجداد والجدات وأولاهم بالميراث أقربهم الى الميت من أى جهة كان سواء كان القرب من جهة الأب أو من جهة الأم وعند الاستواء فى درجات
القرب فمن كان يدلى الى الميت بوارث فهو أولى ممن لا يدلى اليه بوارث عند أبى سهل الفرضى وأبى فضل الخفاف وعلى بن عيسى البصرى فعندهم يكون أب أم الأم أولى من أب أب الأم لأنهما متساويان فى الدرجة لكن الأول يدلى بوارث وهو الجدة الصحيحة وهى أم الأم. والثانى يدلى بغير وارث وهو الجد الفاسد الذى لا يرث مع أم الأم فكانت أم الأم أقوى فأبوها أولى، ولا تفضيل لمن يدلى بوارث على من يدلى بغير وارث عند أبى سليمان الجرجانى وأبى على البستى وان استوت منازلهم فى القرب والبعد وليس فيهم مع الاستواء من يدلى بوارث كأب أب أم الأب وأم أب أم الأب أو كان كلهم يدلون بوارث كأب أم أب أب الأب وأب أم أم أم الأب واتفقت صفة من يدلون بهم من الذكورة والأنوثة واتحدت أيضا قرابتهم بأن يكونوا كلهم من جانب أب الميت أو من جانب أمه فالقسمة حينئذ على أبدانهم عند اجتماع الشروط باعتبار صفات أبدان الفروع وان اختلفت صفة من يدلون بهم فى الذكورة والأنوثة فيقسم المال على أول بطن اختلف كما فى الصنف الأول وان اختلفت قرابتهم مع استواء درجاتهم فالثلثان لقرابة الأب وهو نصيب الأب والثلث لقرابة الأم وهو نصيب الأم وذلك لأن الذين يدلون بالأب يقومون مقامه والذين يدلون بالأم يقومون مقامها، ثم ما أصاب كل فريق يقسم بينهم كما لو اتحدت قرابتهم فيقسم الثلثان على ذوى قرابة الأب والثلث على ذوى قرابة الأم على قياس اتحاد القرابة، والضابط أنه اما أن يكون هناك استواء الدرجة أولا فعلى الثانى الأقرب أولى وعلى الأول اما أن تتحد القرابة أو تختلف فان اختلفت يقسم المال أثلاثا كما سبق وان اتحدت فان اتفقت الأصول فالقسمة على أبدان الفروع، وان لم تتفق يقسم المال على أعلى الخلاف كما ذكر فى الصنف الأول.
ميراث الصنف الثالث:
وهم أولاد الأخوات وبنات الاخوة مطلقا وبنو الاخوة لأم والحكم فيهم كالحكم فى الصنف الأول فأولاهم بالميراث أقربهم الى الميت، فبنت الأخت أولى من ابن بنت الأخ لأنها أقرب وان استووا فى درجة القرب.
فولد العصبة أولى من ولد ذوى الرحم كبنت ابن أخ وابن بنت أخت كلاهما لأب وأم أو لأب أو أحدهما لأب وأم والآخر لأب والمال كله لبنت ابن الأخ لأنها ولد العصبة الذى هو ابن الأخ ولو كانا لأم كان المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين عند أبى يوسف أثلاثا باعتبار الأبدان فان الأصل فى المواريث تفضيل الذكر على الأنثى وانما ترك هذا الأصل فى الاخوة والأخوات لأم بالنص على خلاف القياس والنص هو قوله تعالى «فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» ، وليس أولادهم فى معناهم من كل وجه اذ لا يرثون بالفرضية شيئا وكذلك فتوريث ذوى الأرحام بمعنى العصوبة فيفضل فيه الذكر على الأنثى كما فى حقيقة العصوبة وعند محمد المال بينهما أنصافا باعتبار الأصول وهو ظاهر الرواية والوجه فيها أن استحقاقهما للميراث بقرابة الأم وباعتبار هذه القرابة لا تفضيل للذكر على الأنثى أصلا بل ربما تفضل الأنثى عليه ألا يرى أن أم الأم صاحبة فرض بخلاف أب
الأم فان لم تفضل الأنثى هنا فلا أقل من التساوى باعتبار المدلى به وان استووا فى القرب وليس فيهم ولد عصبة كبنت بنت الأخ وابن بنت الأخ أو كان كلهم أولاد العصبات كبنتى ابن الأخ لأب وأم أو لأب أو كان بعضهم أولاد العصبات وبعضهم أولاد أصحاب الفرائض كبنت الأخ لأب وأم وبنت الأخ لأم فأبو يوسف يعتبر الأقوى فى القرابة فعنده من كان أصله أخا لأب وأم أولى ممن كان أصله أخا لأب فقط أو لأم فقط، ومحمد يقسم المال على الاخوة والأخوات مع اعتبار عدد الفروع والجهات فى الأصول وهو الظاهر من قول أبى حنيفة فما أصاب كل فريق من تلك الأصول يقسم بين فروعهم كما فى الصنف الأول كما اذا ترك الميت ثلاث بنات اخوة متفرقين بعضهم لأب وأم وهم بنو الأعيان وبعضهم لأب فقط وهم بنو العلات وبعضهم لأم فقط وهم بنو الأخياف، وكذا اذا ترك ثلاثة بنين وثلاث بنات أخوات متفرقات فأبى يوسف يقسم كل المال بين فروع بنى الأعيان ثم بين فروع بنى العلات ثم بين فروع بنى الأخياف للذكر مثل حظ الأنثيين أرباعا باعتبار الأبدان بمعنى أنه يقدم عنده فروع بنى الأعيان على غيرهم لأنهم أقوى فى القرابة فان لم يوجد فروع بنى الأعيان يقسم المال أرباعا على فروع بنى العلات باعتبار أبدانهم لأن قرابة الأب أقوى من قرابة الأم فان لم يوجد فرع بنى العلات يقسم المال على فروع بنى الأخياف أرباعا أيضا باعتبار الأبدان وعند محمد يقسم ثلث المال بين فروع بنى الأخياف على السوية أثلاثا لاستواء أصولهم فى القسمة والباقى بين فروع بنى الأعيان أنصافا باعتبار عدد الفروع فى الأصول وحينئذ يكون نصف الباقى لبنت الأخ نصيب أبيها والنصف الآخر من ذلك الباقى يكون بين ولدى الأخت لأب وأم للذكر مثل حظ الأنثيين باعتبار أبدان الفروع لعدم الاختلاف فى أصول هذين الفرعين ولا شئ لفروع بنى العلات لأنهم يحجبون ببنى الأعيان، ولو ترك الميت ثلاث بنات بنى اخوة متفرقين فالمال كله لبنت ابن الأخ لأب وأم بالاتفاق لأنها ولد العصبة ولها أيضا قوة القرابة فتكون مقدمة. ولو ترك الميت ابن بنت أخ لأب وبنتى ابن أخت لأب وهما أيضا بنتا بنت أخت لأب وأم وترك أيضا بنت ابن أخت لأم فالمال كله عند أبى يوسف لبنتى بنت الأخت، لأب وأم لقوة القرابة، وعند محمد يقسم المال على الأصول التى هى الأخوة والأخوات ويعتبر فيهم الجهات وعدد الفروع فما أصاب كل فريق منهم يقسم على فروعهم.
ميراث الصنف الرابع:
وهو الذى ينتمى إلى جدى الميت أو جدتيه وهم العمات على الاطلاق والأعمام لأم والأخوال والخالات مطلقا. والحكم فيهم أنه اذا انفرد واحد منهم استحق المال كله لعدم المزاحم فاذا ترك عمة واحدة أو عما واحدا لأم أو خالا واحدا أو خالة واحدة كان المال كله له وهذا الحكم مشترك بين الأصناف الأربعة. وهذا الصنف، واذا اجتمعوا وكان حيز قرابتهم متحدا بأن يكون الكل من جانب واحد كالعمات
والأعمام لأم فانهم من جانب الأب أو الأخوال أو الخالات فانهم من جانب الأم فالأقوى منهم فى القرابة أولى بالاجماع أى من كان منهم لأب وأم أولى بالميراث ممن كان لأب ومن كان لأب أولى من كان لأم وذلك لأن القرابة من الجانبين أولى وكذا قرابة الأب أقوى من قرابة الأم ذكورا كانوا أو اناثا فلا فرق بين أن يكون الأقوى ذكرا أو أنثى فعمة لأب وأم أولى من عمة لأب ومن عمة لأم وعم لأم فانها أقوى قرابة فتحرز المال كله وان كانوا ذكورا واناثا على تقدير اتحاد حيز القرابة واستوت أيضا قرابتهم فى القوة فللذكر مثل حظ الأنثيين كعم وعمة كلاهما لأم أو خال وخالة كلاهما لأب وأم أو كلاهما لأب أو كلاهما لأم وذلك لأن العم والعمة يتحدان فى الأصل وهو الأب والخال والخالة أصلهما واحد وهو الأم ومتى اتفق الأصل فالعبرة فى القسمة بالأبدان عندهما جميعا، وان كان حيز قرابتهم مختلفا بأن تكون قرابة بعضهم من جانب الأب وقرابة بعضهم الآخر من جانب الأم فلا اعتبار لقوة القرابة فيما بين المختلفين فى حيزها فلا يكون من قرابته من جانب الأب أولى ممن قرابته من جانب الأم كعمة لأب وأم وخالة لأم أو خال لأب وأم وعمة لأم فالثلثان لقرابة الأب وهو نصيب الأب والثلث لقرابة الأم وهو نصيب الأم ثم ما أصاب كل فريق من قرابتى الأب والأم يقسم بينهم كما لو اتحد حيز قرابتهم، والحكم بالثلثين لقرابة الأب وبالثلث لقرابة الأم لا ينافى عدم اعتبار قوة القرابة لأن المراد باعتبار قوة القرابة هو أن يأخذ الأقوى جميع المال.
ميراث أولاد الصنف الرابع:
وهؤلاء الحكم فيهم كالحكم فى الصنف الأول فأولاهم بالميراث أقربهم الى الميت من أى جهة كان وان استووا فى القرب الى الميت وكان حيز قرابتهم متحدا فمن كان له قوة القرابة كان أولى بالاجماع ممن ليس له قوة القرابة كما اذا ترك الميت ثلاثة أولاد عمات متفرقات فان المال يكون لولد عمته لأب وأم فان فقد كان المال لولد عمته لأب فان فقد كان المال كله لولد عمته لأم وكذا الحكم فى أولاد أخوال متفرقين أو خالات متفرقات وذلك لأن التساوى فى درجة الاتصال بالميت حاصل. ولا شك أن ذا القرابتين أقوى سببا وعند اتحاد السبب يجعل الأقوى سببا فى معنى الأقرب درجة فيكون أولى وان استووا فى القرب بحسب الدرجة وفى القرابة بحسب القوة وكان حيز قرابتهم متحدا فولد العصبة أولى ممن لا يكون ولد العصبة كبنت العم وابن العمة كلاهما لأب وأم أو لأب. المال كله لبنت العم دون ابن العمة وذلك لأن بنت العم ولد العصبة بخلاف ابن العم لأم وابن العمة فان أصلهما من ذوى الأرحام. وفى جانب ولد العصبة قوة ورجحان باعتبار المدلى به. وان كانت العمة لأب وأم والعم لأب كان المال كله لابن العمة فى ظاهر الرواية لقوة القرابة قياسا على خالة الأب فانها مع كونها ولد ذى الرحم وهو أب الأم تكون أولى بالميراث من الخالة لأم مع كونها ولد الوارثة وذلك لقوة القرابة وانما كانت أولى لأن قوة القرابة
الحاصل فيها أقوى من الترجيح الحاصل لمعنى فى الغير وهو الادلاء بالوارث. وقوة القرابة فى الصورة الأولى وهى ابن العمة لأب وأم ترجح حيث أن قوة القرابة من الأصل الى الفرع. ولولا السراية لكان المال بينه وبين بنت العم لأب مناصفة لأن كل واحد منهما ولد العصبة وهذا خلاف العصوبة فانها لا تسرى من العم الى فرعى الأنثى.
وقال بعضهم لبنت العم لأب فى الصورة السابقة كل المال لأنها ولد العصبة بخلاف ابن العمة فانه ولد ذى الرحم وان استووا فى القرب ولكن اختلف حيز قرابتهم بأن كان بعضهم من جانب الأب وبعضهم الآخر من جانب الأم فلا اعتبار لقوة القرابة ولا لولد العصبة فى ظاهر الرواية فلا يكون ولد العمة لأب وأم أولى من ولد الخال أو الخالة لأب وأم أو لأم لعدم اعتبار قوة قرابة ولد العمة قياسا على عمة لأب وأم فانها مع كونها ذات القرابتين وكونها ولد الوارث من الجهتين ليست هى بأولى من الخالة لأب وأم أو لأم وانما يكون الثلثان لمن يدلى بقرابة الأب لقيامهم مقامه فيعتبر فيهم قوة القرابة ثم ولد العصبة والثلث لمن يدلى بقرابة الأم لقيامهم مقامها فيعتبر فيهم قوة القرابة.
قال الامام السرخسى: ليس استحقاق الثلثين والثلث مما يتغير بكثرة العدد فى أحد الجانبين وقلته فى الآخر لأن هذا الاستحقاق انما هو بالمدلى به ولا اختلاف فيهما بالكثرة والقلة. وعند أبى يوسف يقسم ما أصاب كل فريق من فريقى الأب والأم على أبدان الفروع مع اعتبار عدد الجهات فى الفروع وعند محمد يقسم المال على أول بطن اختلف مع اعتبار عدد الفروع والجهات فى الأصول كما هو مذهبهما فى الصنف الأول.
وينتقل الحكم الذى ذكر فى عمومة الميت وخئولته وفى أولادهم الى جهة عمومة أبويه وخئولتهما ثم الى أولادهم ثم ينقل الى جهة عمومة أبويه وخئولتهما ثم الى أولادهم وهكذا الى ما لا يتناهى كما فى العصبات لأن توريث ذوى الأرحام باعتبار معنى العصوبة فيعتبر بحقها.
وعند المالكية:
ذوو الأرحام هم أقارب الميت الذين ليسوا من العصبة وليس لهم سهم مقدر يقول الدردير
(1)
المراد بذوى الأرحام من لا يرث من الأقارب كالعمة وبنات الأخ وكل جدة أدلت بأنثى والخالات وأولاد الجميع ويرى الامام مالك وبعض علماء المذهب أنه لا ارث لذوى الأرحام وأن بيت المال يرث المال عصوبة إذا لم يوجد ذو فرض ولا عاصب أو ما فضل عن ذوى السهام إذا لم يوجد عاصب من النسب أو الولاء. يقول خليل: ان من يلى العاصب من النسب والولاء هو بيت المال ولا يدفع لذوى الأرحام بل ما فضل لبيت المال كما إذا لم يوجد ذو فرض ولا عاصب ويقول الدردير: وان لم يكن بيت المال منتظما. ويقول ابن رشد
(1)
الشرح الكبير ح 4 ص 468 وبداية المجتهد ح 2 ص 333.
فى بداية المجتهد: وعمدة مالك فى عدم ارث ذوى الأرحام أن الفرائض لما كانت لا مجال للقياس فيها كان الأصل ألا يثبت فيها شئ الا بكتاب أو سنة ثابتة أو اجماع وجميع ذلك معدوم فى هذه المسألة.
ويرى متأخر ومذهب المالكية بعد المائتين توريث ذوى الأرحام لعدم انتظام بيت المال على ما أشرنا عند الكلام عن الرد ومرتبتهم فى الارث تلى الرد ويقول ابن رشد: ان هؤلاء زعموا أن دليلهم على ذلك من الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» وقوله تعالى «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ» واسم القرابة ينطلق على ذوى الأرحام.
أما السنة فاحتجوا بما أخرجه الترمذى عن عمر بن الخطاب أنه كتب الى عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له، وقد بين الدسوقى كيفية توريثهم فقال: اعلم أن فى كيفية توريث ذوى الأرحام مذاهب أصحها مذهب أهل التنزيل وحاصله أن تنزلهم منزلة من أدلوا به للميت درجة فيقدم السابق للميت فان استووا فاجعل المسألة لمن أدلوا به ثم لكل نصيب من أدلى به كأنه مات عنه الا أولاد ولد الأم يستوون والأخوال اخوة لأم من أمها فللذكر مثل حظ الأنثيين ويرث ذوو الأرحام اذا لم يكن للميت وارث من العصبات بأنواعها ولا من ذوى الفروض الذين يرد عليهم.
مذهب الشافعية
(1)
:
ذوو الأرحام يراد بهم هنا من ليسوا من أصحاب الفروض ولا العصبات. وهم أبو الأم وكل جد وجدة ساقطين كأبى أبى الأم وأم أبى الأم وهؤلاء صنف وأولاد البنات ذكورا واناثا ومنهم أولاد بنات الابن وبنات الاخوة مطلقا وأولاد الأخوات مطلقا وبنو الاخوة للأم وبناتهم والعم للأم وبنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات والمدلون بهم عدا أبو الأم وكل جد وجدة ساقطين لأن الأم تدلى بهم وهى ذات فرض.
وجاء فى المهذب أنه اذا لم يكن للميت وارث انتقل المال ميراثا للمسلمين ان كان لهم امام عادل فان لم يكن امام عادل ففيه وجهان أحدهما أنه يرد على أهل الفرض فان لم يكن أهل الفرض ولا عاصب قسم على ذوى الأرحام على مذهب أهل التنزيل.
والثانى وهو المذهب أنه لا يرد على أهل السهام ولا يقسم على ذوى الأرحام وقد وضح صاحب نهاية المحتاج ذلك فقال أصل المذهب أنه لا يرث ذوو الأرحام لما صح من أنه صلى الله عليه وسلم استفتى فيمن ترك عمته وخالته لا غير. فرفع رأسه الى السماء فقال اللهم رجل ترك عمته وخالته لا وارث غيرهما ثم قال: أين السائل. فقال ها أنذا قال: لا ميراث لهما وقد اعتضد به الخبر المرسل أنه صلى الله عليه وسلم ركب الى قباء
(1)
نهاية المحتاج ح 6 ص 10، 12 والمهذب ح 2 ص 31 ومغنى المحتاج ح 3 ص 6، 7.
يستخير الله فى العمة والخالة فأنزل الله لا ميراث لهما. قال صاحب المنهاج. وأفتى المتأخرون من الأصحاب، وهو الأصح كما فى الروضة والصحيح عند المحققين كابن سراقة من كبار أصحابنا ومتقدميهم وكذا صاحب الحاوى والقاضى حسين والمتولى وغيرهم بأنه اذا لم ينتظم أمر بيت المال ولم يوجد ذو فرض يرد عليه صرف المال الى ذوى الأرحام ارثا لخبر «الخال وارث من لا وارث له» ثم قال واذا صرف اليهم فالأصح تعميمهم.
وقالوا فى كيفية توريثهم: الأصح فى ارثهم مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل فرع منزلة أصله الذى يدلى به إلى الميت فيجعل ولد البنت والأخت كأمهما وبنتا الأخ والعم كأبيهما. والخال والخالة كالأم والعم للأم والعمة كالأب ففى بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما أرباعا ويقدم الأسبق للوارث لا للميت فان استووا قدر كأن الميت خلف من يدلون به ثم يجعل نصيب كل لمن أدلى به على حسب ارثه منه لو كان هو الميت الا أولاد الأم والأخوال والخالات من الأم فبالسوية فارث ذوى الأرحام كارث من يدلون به فى أنه اما بالفرض أو بالتعصيب وهو ظاهر. ويقول الخطيب: وقال القاضى توريث ذوى الأرحام توريث بالعصوبة لأنه يراعى فيه القرب ويفضل الذكر ويحوز المنفرد جميع المال ويقول صاحب المنهاج:
ويراعى الحجب فيهم كالمشبهين بهم ففى ثلاث بنات أخوة متفرقين: لبنت الأخ للأم السدس ولبنت الشقيق الباقى وتحجب بها الأخرى كما يحجب أبوها أباها. فالتنزيل انما هو بالنسبة للارث لا للحجب أى بالنسبة لأهل الفرض فلو مات عن زوجة وبنت بنت لا تحجبها الى الثمن أو مات عن ثلاث بنى أخوات متفرقات فالمال بينهم على خمسة كما هو بين أمهاتهم بالفرض والرد.
مذهب الحنابلة
(1)
:
ذوو الأرحام هم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب وهم أحد عشر حيزا: ولد البنات وولد الأخوات وبنات الأخوة وولد الأخوة من الأم والعمات من جميع الجهات والعم من الأم والأخوال والخالات وبنات الأعمام والجد أبو الأم. وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو أب أعلى من الجد. فهؤلاء ومن أدلى بهم يسمون ذوى الأرحام. وكان أبو عبد الله يورثهم اذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة ولا أحد من الوارث الا الزوج والزوجة. وروى هذا القول عن عمر وعلى وعبد الله وأبى عبيدة بن الجراح. ومعاذ بن جبل وأبى الدرداء رضى الله عنهم وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز. وغيرهم.
ولنا قول الله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» أى أحق بالتوارث فى حكم الله تعالى وروى الامام أحمد باسناده عن سهل بن حنيف أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله ولم يترك الا خالا فكتب فيه أبو عبيدة الى عمر فكتب اليه عمر: انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(1)
المغنى ح 7 ص 82.
الخال وارث من لا وارث له. قال الترمذى هذا حديث حسن.
ومذهب أبى عبد الله فى توريث ذوى الأرحام مذهب أهل التنزيل، وهو أن ينزل كل واحد منهم منزلة من يمت به من الورثة فيجعل له نصيبه فان بعدوا نزلوا درجة درجة الى أن يصلوا الى من ينتمون به فيأخذون ميراثه فان كان واحدا أخذ المال كله وان كانوا جماعة قسم المال بين من يمتون به فما جعل لكل وارث جعل لمن يمت به فان بقى من سهام المسألة شئ رد عليهم على قدر سهامهم. وقد روى عن على وعبد الله رضى الله عنهما أنهما نزلا بنت البنت منزلة البنت وبنت الأخ منزلة الأخ وبنت الأخت منزلة الأخت والعمة منزلة الأب والخالة منزلة الأم وروى ذلك عن عمر رضى الله عنه فى العمة والخالة وعن على أيضا أنه نزل العمة بمنزلة العم وروى ذلك عن علقمة ومسروق وهى الرواية الثانية عن أحمد رضى الله عنه وعن الثورى وأبى عبيد أنهما نزلاها منزلة الجد مع ولد الأخوة والأخوات ونزلها آخرون منزلة الجدة وانما صار هذا الخلاف فى العمة لأنها أدلت بأربع جهات وارثات: فالأب والعم أخواها والجد والجدة أبواها. ونزل قوم الخالة منزلة الجدة لأن الجدة أمها. والصحيح من ذلك تنزيل العمة أبا والخالة أما لوجوه ثلاثة أحدها ما روى الزهرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمة بمنزلة الأب اذا لم يكن بينهما أب والخالة بمنزلة الأم اذا لم يكن بينهما أم رواه الامام أحمد. الثانى: أنه قول عمر وعلى وعبد الله فى الصحيح عنهم ولا مخالف لهم من الصحابة. الثالث أن الأب أقوى جهات العمة. والأم أقوى جهات الخالة فتعين تنزيلهما بهما دون غيرهما كبنت الأخ وبنت العم فانهما ينزلان منزلة أبويهما دون أخويهما ولأنهما اذا اجتمع لهما قرابات ولم يمكن توريثهما بجميعهما ورثتا بأقواهما واذا انفرد أحذ من ذوى الأرحام أخذ المال كله وان كانوا جماعة لم يخل اما أن يدلوا بشخص واحد أو بجماعة فان أدلوا بشخص واحد وكانوا فى درجة واحدة فالمال بينهم على حسب مواريثهم منه فان أسقط بعضهم بعضا فان كان بعضهم أقرب من بعض فالميراث لأقربهم. فأما ان أدلى جماعة بجماعة جعلت المال للمدلى بهم كأنهم أحياء فقسمت المال بينهم على ما توجبه الفريضة فما صار لكل واحد منهم فهو لمن أدلى به اذا لم يسبق بعضهم بعضا فان سبق بعضهم بعضا وكانوا من جهة واحدة فالسابق الى الوارث أولى وان كانوا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بمن أدلى به فيأخذ نصيبه سواء سقط به القريب أو لم يسقط. هذا ظاهر كلام أحمد ولا ميراث لهم مع وجود عاصب ولو كان سببيا ولا ذى فرض نسبى. قال صاحب المغنى ويرثون مع أحد الزوجين ما فضل عن ميراثه من غير حجب له ولا معاولة. أى لا يكون هناك عول عند التقسيم. واختلف فى كيفية توريثهم معه فروى عن أحمد أنهم يورثون ما فضل كما يرثون المال اذا انفردوا وقال يحيى بن ضرار يقسم المال الباقى بينهم على قدر سهام من يدلون به مع أحد الزوجين على الحجب والعول ثم تفرض للزوج فرضه كاملا من غير حجب ولا عول ثم يقسم الباقى بينهم على قدر سهامهم فانما يقع الخلاف فى مسألة
فيها من يدلى بذى فرض ومن يدلى بعصبة فأما ان أدلى جميعهم بذى فرض أو عصبة فلا خلاف فيه. واختلفت الرواية عن أحمد فى توريث الذكور والاناث من ذوى الأرحام اذا كانوا من أب واحد وأم واحدة فنقل الأثرم وحنبل وابراهيم بن الحارث فى الخال والخالة يعطون بالسوية فظاهر التسوية فى جميع ذوى الأرحام وهو اختيار أبى بكر ونقل يعقوب بن بختان اذا ترك ولد خاله وخالته اجعله بمنزلة الأخ والأخت فللذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك ولد العم والعمة ونقل عن المروزى فيمن ترك خاله وخالته للخال الثلثان وللخالة الثلث فظاهر هذا التفضيل.
واذا كان لذى رحم قرابتان قال ابن قدامة ورث بهما باجماع المورثين لهم الا شيئا بقرابة واحدة وليس بصحيح عنه ولا صحيح عن نفسه.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى
(1)
اذا قسم الميراث فحضر قرابة للميت أو للورثة أو يتامى أو مساكين ففرض على الورثة البالغين وعلى وصى الصغار وعلى وكيل الغائب أن يعطوا كل من ذكرنا ما طابت به أنفسهم مما لا يجحف بالورثة ويجبرهم الحاكم على ذلك ان أبوا وذووا الأرحام من جملة هؤلاء الأقارب.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(2)
وذوو الأرحام هم أولاد البنت وأولاد بنت الابن وأولاد الأخت وبنات الأخ وبنات ابن الأخ وأولاد الأخ لأم والعم لأم والعمة وبنت ابن العم والأخوال والخالات وأبو الأم. وأخوال الأب وأب أم الأب. وقال وكل جدة أدرجت أبا بين أمين أو أما بين أبوين فهى من ذوى الأرحام.
وقال صاحب البحر قبل ذلك
(3)
الأصل فى ميراث ذوى الأرحام قوله صلى الله عليه وسلم «الخال وارث من لا وارث له» ثم نقل عن العترة الا القاسم أن لهم حظا فى الميراث مع عدم العصبة وذوى السهام لقوله عليه السلام الخال وارث وهم يرثون ما كان يرثه من يدلون به على مذهب أهل التنزيل وعن على عليه السلام أن ابنة الأخ بمنزلة الأخ وبنت الأخت بمنزلة الأخت وعنه الخالة بمنزلة الأم والعمة بمنزلة العم وعنه رد ما أبقت السهام على كل وارث بقدر سهمه الا الزوج والزوجة فيرد على ذوى الأرحام كأسبابهم فمن ترك عمته وخالته أعطيت العمة سهم من أدلت به وهو الأب. والخالة سهم من أدلت به وهى الأم فكأنه ترك أباه وأمه فللعمة الثلثان وللخالة الثلث، ثم قال ومن ترك ابنة عمه وابنة عمته سقطت ابنة العمة اذ تدلى بالعمة وهى ذات رحم. وابنة العم تدلى بالعم وهو عصبة. وقال: ومتى كان ذكورهم واناثهم فى درجة واحدة لم يفضل الذكور اذ ساوى الله عز وجل بين الأخوة لأم فقسنا عليهم ذوى الأرحام. وللاجماع على أن ابن البنت اذا انفرد حاز جميع المال بسبب واحد وهو الرحم وكذلك بنت البنت وكذلك الخال.
والخالة فوجب اذا اجتمعا وكانا فى درجة واحدة أن يستويا وهذا على عكس مذهب
(1)
المحلى ح 9 ص 310، 312.
(2)
ح 5 ص 370.
(3)
ح 5 ص 352، 355.
أهل التنزيل الذى يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين. وجاء فى البحر أيضا
(1)
أنهم يرفعون الى أسبابهم التى يدلون بها فيرث من يرث بسببه ويحجب من يحجب سببه ويعصب من يعصب ويرثون بالسبق فمن سبق الى ذى سهم أو عصبة استحق الميراث.
مذهب الإمامية
(2)
:
يعتبر الإمامية أن المرتبة الثالثة من مراتب الوارثين بالنسب القرابة. الأعمام والأخوال يقول صاحب الروضة: ميراث الأعمام والأخوال وأولادهم وهم أولو الأرحام اذ لم يرد على ارثهم فى القرآن نص بخصوصهم وانما دخلوا فى آية أولى الأرحام وانما يرثون مع فقد الأخوة وبنيهم والأجداد فصاعدا على الأشهر من الوارثين بالقرابة ونقل عن الفضل أنه لو خلف خالا وجدة لأم اقتسما المال نصفين ثم قال
(3)
والعم المنفرد يرث المال وكذا العمة ولو اجتمع الأعمام والعمات اقتسموا المال بالسوية ان كانوا لأم والا فللذكر مثل حظ الأنثيين وللأخوال مع الانفراد المال بالسوية. ولو اجتمع الأخوال والأعمام فللأخوال الثلث وللأعمام الثلثان.
وكل أولاد بطن أقرب من البطن الأبعد وأولاد كل يقومون مقام أبيهم ويأخذ كل نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر. وحكم أولاد العمومة والخئولة مع الزوج والزوجة حكم آبائهم يأخذ من يتقرب بالأم ثلث الأصل والزوج نصيبه الأعلى وما يبقى لمن يتقرب بالأب ولا يرث الأبعد مع الأقرب فى الأعمام والأخوال وان لم يكن من صفته فلا يرث ابن الخال ولو للأبوين مع الخال ولو للأم.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(4)
وذوو الأرحام هم القرابة الذين لا فرض لهم أصلا ولا عصوبة قال زيد بن ثابت وأهل المدينة ومن تابعهم من الفقهاء لا ميراث لهم وأن بيت المال أولى منهم وان لم يكن بيت المال فللفقراء الموحدين المسلمين ذوى الأرحام وغيرهم سواء بينهم. وذهب سائر الفقهاء من الصحابة والتابعين وفقهاء العراق الى توريثهم دون بيت المال لقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» ولما روى أنه صلى الله عليه وسلم ورث ذا رحم غير فرضى ولا عاصب. وقال الله ورسوله مولى من لا مولى له. والخال وارث من لا وارث له، ولأن ذوى الأرحام اجتمع فيهم سببان: القرابة والإسلام فهم أولى بالمال من أهل الإسلام الذين ليس لهم الا سبب واحد وهو الاسلام ويرثون حيث لا عاصب ولا ذى سهم عند من قال بتوريثهم وينزلون منزلة آبائهم وأمهاتهم روى عن مسروق أنه قال: أنزلوا ذوى الأرحام منزلة آبائهم فمن أدلى بذى سهم أو عصبة فهو بمنزلته الا الخال والخالة فبمنزلة الأم، والعمة فبمنزلة الأب على الأرجح فان سبق أحد الى وارث قدم مطلقا وان استووا فى السبق الى وارث قدر كأن الميت خلف من يدلون به وقسم المال أو الباقى بعد فرض أحد الزوجين بينهم كأنهم موجودون فمن
(1)
ح 5 ص 371.
(2)
الروضة البهية ح 2 ص 320 والمختصر النافع ص 365.
(3)
الروضة البهية ح 2 ص 320 والمختصر النافع ص 271.
(4)
شرح النيل ح 8 ص 411، 417.
يعجب لا شئ لمن يدلى به وما أصاب كل واحد منهم قسم على من نزل منزلته كأنه مات وخلفهم الا ولد الأم فيقسم بين ذكورهم واناثهم بالسوية كأصولهم. وذوو الأرحام وان كثروا يرجعون الى أربعة أصناف: الأول:
من ينتمى الى الميت وهم أولاد البنات وان نزلوا. الثانى: من ينتمى اليهم الميت وهم الأجداد والجدات الساقطون وان علوا كأب الأم، الثالث: من ينتمى الى أبوى الميت وهم أولاد الأخوات وبنو الأخوة للأم ومن يدلى بهم وان نزلوا، الرابع: من ينتمى إلى أجداد الميت وجداته وهم العمومة للأم والعمات مطلقا وبنات الأعمام مطلقا والخئولة مطلقا وإن تباعدوا وأولادهم وإن نزلوا.
ولا خلاف عند من يورث ذوى الأرحام أن من انفرد من هؤلاء حاز جميع المال وانما يظهر الخلاف عند الاجتماع فمذهب أهل التنزيل وهو رأى أكثر الصحابة ومن بعدهم ينزلون كل فرع منزلة أصله على ما بينا ومذهب القرابة يورثون الأقرب فالأقرب كالعصبات. قال صاحب الترتيب: الأصح الأقيس مذهب أهل التنزيل وقيل يرث الأقربان من أب وأم فان اجتمعا ورث رحم الأم منابها ورحم الأب منابه فالخالة كالأم والعمة كالأب وبنت أخ كالأخ فالعمة على هذا أحق من بنت الأخ لأنها بمنزلة الأب والأب أولى من الأخ. ومذهبنا كما فى التاج ليس توريث ذوى الأرحام بالقرب فقط ولا بالقرابة فقط بل تارة وتارة بحسب الصواب ونقل عن التاج أن أصناف ذوى الأرحام على الترتيب الآتى: الأول: أولاد البنات وان سفلوا الثانى: أولاد الأخوة والأخوات لأم. الثالث:
الأجداد من قبل الأم. الرابع: الأعمام من قبل الأم والعمات وبنات الأعمام والأخوال والخالات فجعل كل صنف أولى عما بعده بالميراث. قال: ومثله لأبى اسحاق الحضرمى
اجتماع جهتى ارث
قد يجتمع لشخص واحد جهتان منفكتان كل جهة منهما تخول له منفردة حق الارث وفى الارث بكل منهما معا تفصيل فى المذاهب.
مذهب الحنفية:
جاء فى السراجية
(1)
يعتبر علماؤنا الجهات فى توريث ذوى الأرحام غير أن أبا يوسف يعتبر الجهات فى أبدان الفروع لأنه يقسم المال على الفروع ابتداء فيعتبر الجهات فيهم وقد اختلف فى قول أبى يوسف فأهل العراق وخراسان على أنه لا يعتبر الجهات بل يرث عنده ذو جهتين بجهة واحدة كما هو مذهبه فى الجدات. وأهل ما وراء النهرين على أنه يعتبر الجهات وهو الصحيح. والفرق بين ما هنا وبين الجدات أن الاستحقاق هناك بالفرضية. وبتعدد الجهات لا يزداد فرضهن أما الاستحقاق هنا فبمعنى العصوبة فيقاس على الاستحقاق بحقيقة العصوبة. وقد اعتبر فيها تعدد الجهات تارة للترجيح وأخرى للاستحقاق كالأخ لأم ان كان ابن عم وكذلك ابن العم اذا كان زوجا فانه يعتبر فى استحقاقه السببان معا لكن أبا يوسف يعتبر تعدد الجهات فى أبدان الفروع ومحمد يعتبر تعدد الجهات فى الأصول.
(1)
السراجية ص 181، 182.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(1)
ويرث بفرض وعصوبة معا ابن العم الذى هو أخ لأم فانه يرث السدس فرضا بوصفه أخا لأم. والباقى بعد أصحاب الفروض تعصيبا بوصفه ابن عم ان كان أقرب عاصب وكذا ابن عم هو زوج.
ثم قال: وورث ذو فرضين بالأقوى منهما فمن اجتمع فيه جهتان يرث بكل منهما فرضا واحداهما أقوى فانه يرث بالأقوى منهما فقط كأن يطأ مجوسى ابنته عمدا فولدت منه بنتا ثم أسلم المجوسى معهما. ومات فالبنت الصغيرة بنت الكبرى وأختها لأبيها فاذا ماتت الكبرى بعد موت أبيها ورثتها الصغرى بأقوى السبين. وهو البنوة ومن ورثها بالجهتين جعل لها النصف بالبنوة والباقى بالتعصيب وكأن يطأ مجوسى أمه فتلد منه ولدا فهى أمه وجدته أم أبيه فترثه بالأمومة اتفاقا، والعاصب بجهتين يرث بأقواهما أيضا كأخ أو عم هو معتق فيرث بعصوبة النسب لأنها أقوى من عصوبة الولاء.
مذهب الشافعية:
قال الرملى
(2)
ومن اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب كزوج هو معتق أو ابن عم ورث بهما لاختلافهما فيأخذ بالزوجية النصف والباقى بالولاء أو بنوة العم وجاء فى نهاية المحتاج
(3)
ترث زوجة تدلى بعمومة أو خئولة بالرحم قال الشبراملسى: زيادة على حصتها بالزوجية وذلك كمن مات عن زوجته التى هى ابنة خالته أو عمه وجاء فى المهذب
(4)
وان اجتمع فى شخص جهتا فرض كالمجوسى اذا تزوج ابنته فأتت منه ببنت فان الزوجة صارت أم البنت وأختها من الأب، والبنت بنت الزوجة وأختها فان ماتت البنت ورثتها الزوجة بأقوى القرابتين وهى بكونها أما ولا ترث بكونها أختا لأنها شخص واحد اجتمع فيه شيئان يرث بكل واحد منهما الفرض فترث بأقواهما ولم ترث بهما. وان ماتت الزوجة ورثتها البنت: النصف بكونها بنتا وفى ارثها الباقى بكونها أختا وجهان أحدهما:
لا ترث. والثانى: ترث لأن أرثها بكونها بنتا بالفرض وارثها بكونها أختا بالتعصيب اذ الأخت مع البنت عصبة فجاز أن ترث بهما كأخ من أم هو ابن عم وفسر صاحب نهاية المحتاج قوة القرابة
(5)
بقوله: بأن تحجب احداهما الأخرى حجب حرمان أو تحجبها حجب نقصان كالمجوسى الذى نكح ابنته فتلد بنتا ويموت عنهما فلهما الثلثان ولا عبرة بالزوجية لأن البنت تحجب الزوجة من الربع الى الثمن أو لا تحجب أصلا كأم هى أخت لأب بأن يطأ بنته فتلد بنتا فترث بالأمومة لانتفاء تصور حجبها حرمانا أو تكون أقل حجبا من الأخرى كأم أم هى أخت لأب بأن يطأ هذه البنت الثانية فتلد ولدا فالأولى أم أمه وأخته لأبيه فترث بالجدودة لأنها أقل حجبا اذ لا يحجبها الا الأم ومحله ما لم تحجب القوية فان حجبت ورثت بالضعيفة كما لو مات هنا عن الأم وأمها فالجدة محجوبة بالأم فترث بالأخوة للأم فللأم الثلث بالأمومة ولا تنقصها أخوة نفسها مع
(1)
الشرح الكبير ح 4 ص 468.
(2)
نهاية المحتاج ح 6 ص 31.
(3)
المرجع السابق ح 6 ص 11.
(4)
المهذب ح 2 ص 29.
(5)
ح 6 ص 32.
الأخرى وللعليا النصف بالأخوة وفى نهاية المحتاج أيضا
(1)
أن الجدة من جهتين كأم أم الأم التى هى فى نفس الوقت أم ابى الأب أو أم أم الأب ترث بجهة واحدة. واذا حجبت من احدى الجهتين ورثت بالجهة الأخرى.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة
(2)
القرابات ترث بكل جهة نص عليه أحمد وهو قول عمر وعلى وابن مسعود وابن عباس وزيد فى الصحيح عنه فاذا كانت الأم أختا وجب اعطاؤها ما فرض الله لهما فى الآيتين كالشخصين ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب احداهما الأخرى ولا ترجح بها فترث بها مجتمعتين كزوج هو ابن عم أو ابن عم هو أخ لأم وكذا ذوى الأرحام المدلين بقرابتين وقد جمع ابن قدامة
(3)
المسائل التى تجتمع فيها قرابتان يصح الارث بهما فى ست احداهن فى الذكور وهى ابن عم هو أخ لأم وخمس فى الاناث وهى بنت هى أخت أو بنت ابن وأم هى أخت وأم أم هى أخت لأب وأم أب هى أخت لأم فمن ورثهم بأقوى القرابتين ورثهم بالبنوة والأمومة دون الأخوة وبنوة الابن.
واختلفوا فى الجدة اذا كانت أختا فمنهم من قال الجدودة أقوى لأنها جهة ولادة لا تسقط بالولد ومنهم من قال الأخوة أقوى لأنها أكثر ميراثا قال ابن شريح وغيره وهو الصحيح ومن ورث بأقوى القرابتين لم يحجب الأم بأخوة نفسها ومن ورث بالقرابتين حجبها بذلك. وقال ابن قدامة
(4)
اذا اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى فقياس قول أبى عبد الله أن السدس بينهما أثلاثا لذات القرابتين ثلثاه وللأخرى ثلثه، كذلك قال أبو الحسن التميمى وأبو عبد الله المزنى ولعلهما أخذا ذلك من قوله فى توريث المجوس بجميع قراباتهم وهذا قول يحيى بن آدم والحسن بن صالح وغيرهم. قال ولنا أنها شخص ذو قرابتين ترث بكل واحدة منهما منفردة ولا يرجح بها على غيره فوجب أن يرث بكل واحد منهما كابن العم اذا كان أخا أو زوجا. وقال
(5)
اذا كان لذى الرحم قرابتان ورث بهما باجماع من المورثين الا شيئا يحكى عن أبى يوسف أنهم لا يرثون الا بقرابة واحدة وليس بصحيح عنه ولا صحيح فى نفسه لأنه شخص له جهتان لا يرجح بهما فورث بهما.
وعرض ابن قدامة مسألة أخرى تتعلق بالارث بالجهتين فقال
(6)
اذا كان ابنا عم أحدهما أخ لأم فللأخ للأم السدس وما بقى بينهما نصفان هذا قول جمهور الفقهاء.
ويروى عن عمر رضى الله تعالى عنه ما يدل على ذلك كما روى عن على وزيد وابن عباس رضى الله عنهم. وقال ابن مسعود رضى الله عنه المال للذى هو أخ لأم وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وعطاء والنخعى، وأبو ثور لأنهما استويا فى قرابة الأب وفضله هذا بأم. ولنا أن الأخوة من الأم يفرض له بها اذا لم يرث بالتعصيب وما يفرض له به لا يرجح
(1)
ح 6 ص 16.
(2)
المغنى ح 7 ص 180، 181.
(3)
المرجع السابق ح 7 ص 182.
(4)
المرجع السابق ح 7 ص 57.
(5)
المرجع السابق ح 7 ص 112.
(6)
المرجع السابق ح 7 ص 27، 30.
به كما لو كان أحدهما زوجا ولا يجتمع فى احدى القرابتين ترجيح وفرض ثم بين أن فى ابنى عم أحدهما زوج أن للزوج النصف والباقى بينهما بالتساوى عند الجميع.
مذهب الزيدية:
يروى صاحب البحر الزخار
(1)
عن على عليه السلام أنه قال فى ابنى عم أحدهما أخ لأم للأخ للأم السدس والباقى بينهما نصفان وفى ابنى عم أحدهما زوج للزوج النصف والباقى بينهما نصفان. وقال انه لا يرد على أحد الزوجين الا اذا كان أحدهما رحما فانه يرد عليه لأجل الرحامة لا لأجل الزوجية.
وهذا يفيد الارث بهاتين الجهتين.
مذهب الشيعة الجعفرية:
قال صاحب الروضة البهية
(2)
من له سببان موجبان للارث يرث بهما اذا تساويا فى المرتبة ثم قال ولو كان أحد السببين يحجب الآخر ورث من جهة السبب الحاجب كابن عم هو أخ لأم فيرث بالأخوة ويقول صاحب المختصر النافع فى ميراث المجوسى
(3)
لو خلف أما هى زوجة فلها نصيب الأم دون الزوجة ولو خلف جدة هى أخت ورثت بهما، ولا كذلك لو خلف بنتا هى أخت لأنه لا ميراث للأخت مع البنت.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(4)
من ترك ابنى عم أحدهما أخوه لأمه فقيل للذى هو أخ لأمه السدس ويقسم الباقى بينهما سواء بالعصبة وهو قول على وزيد بن ثابت وهو الصحيح وقيل له الكل لأنه فرض عاصب ولا شئ للآخر وهو قول ابن عمر وابن مسعود وهو الأقوى لأن من له سهم فى الارث أى فرض أحق ممن لا سهم له، ومن تركت ابنى عمها أحدهما زوجها والآخر أخوها لأمها فان للزوج النصف بفرض الزوجية وللأخ السدس ثم يقسم الباقى أنصافا بعصوبة وما ذكر مروى عن على ولا نعلم له مخالف.
العول
هو زيادة فى السهام ونقص فى الأنصباء وهو عكس الرد الذى سبقت الاشارة اليه وأول ما حكم به فى عهد عمر رضى الله عنه حيث أشار العباس رضى الله عنهما به، وقال لما عرضت صورة ضاق مخرجها عن فروضها: اعيلوا الفرائض وعلى هذا جمهور الصحابة وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإباضية
(5)
.
وصورة العول أن تموت زوجة عن زوجها وأختها الشقيقة وأخت لأم، فزادت السهام عن الواحد الصحيح فيدخل النقص على كل واحد من أرباب الفروض ليكون النقص من كل بنسبة نصيبه. ولما كان نصيب الزوج عبارة عن ثلاثة أسداس وكذا الأخت الشقيقة ثلاثة أسداس والأخت لأم سدس فان أصل المسألة يجعل من سبعة بدلا من ستة فيعطى
(1)
ح 5 ص 351، 355.
(2)
ح 2 ص 325.
(3)
المختصر النافع ص 276.
(4)
ح 8 ص 370، 372.
(5)
السراجية ص 97 والشرح الكبير ح 4 ص 471 ونهاية المحتاج ح 6 ص 34 والمغنى ح 7 ص 31 والبحر الزخار ح 5 ص 356 وشرح النيل ح 8 ص 549
للزوج ثلاثة أسباع وللأخت الشقيقة ثلاثة أسباع وللأخت لأم السبع. ويدل على العول أن أصحاب الفروض المجتمعة فى التركة قد تساووا فى سبب الاستحقاق وهو النص فيتساوون فى الاستحقاق وحينئذ يأخذ كل واحد منهم جميع حقه ان اتسع المحل، ويضرب بجميع حقه ان ضاق المحل كالغرماء فى التركة. ومجموع المخارج سبعة لأن الفرائض المذكورة فى كتاب الله ستة هى الثمن ومضاعفاته والسدس ومضاعفاته ومخارجها خمسة أعداد هى:
الاثنان والثلاثة والأربعة والستة والثمانية، وذلك لاتحاد مخرج الثلث والثلثين، والاختلاط بين النوعين يقتضى مخارج ثلاثة هى ستة واثنا عشر وأربعة وعشرون وهذه المخارج الثلاثة هى فقط التى تعول فستة تعول الى سبعة والى ثمانية والى تسعة والى عشرة واثنا عشر تعول الى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر، وأربعة وعشرون تعول الى سبعة وعشرين فقط، ولا يزاد عول أربعة وعشرين على هذا العدد الا عند ابن مسعود فان عنده تعول الى واحد وثلاثين. هذا وقد خالف ابن عباس فى العول بعد عهد عمر وأبطله وقد تبعه فى ذلك ابن حزم فقال:
(1)
لا عول فى شئ من مواريث الفرائض اذ لم تأت به سنة من رسول الله وانما هو احتياط ممن رآه من السلف قال ولا يشك ذو مسكة عقل من أن الله تعالى لم يرد قط اعطاء فرائض لا يسعها المال، وهو يقدم عند زيادة أصحاب الفروض من لم يحطه الله تعالى قط عن فرض مسمى على من حطه عن الفرض المسمى، وكذلك لا عول فى الفرائض عند الشيعة الجعفرية
(2)
: لاستحالة أن يفرض الله سبحانه فى مال لا يفى به بل يدخل النقص على البنت أو البنتين أو على الأب أو من يتقرب به والأخوات للأب والأم أو للأب، وتفصيل الكلام فى كل هذا موضعه مصطلح (عول).
الحجب والحرمان
(3)
يراد بالحجب هنا منع شخص معين من ميراثه، اما كله أو بعضه بوجود شخص آخر، وهو نوعان: حجب نقصان وهو حجب عن أسهم أكثر الى سهم أقل وهو يكون للزوجين والأم وبنت الابن والأخت لأب، وحجب حرمان وهو أن يحجب الشخص عن الميراث بالمرة فيصير محروما بالكلية والورثة فى حجب الحرمان فريقان فريق لا يحجبون هذا الحجب بحال البتة وان كان بعضهم يحجب حجب نقصان وهم ستة الابن والأب والزوج والبنت والأم والزوجة ذلك فى حال استحقاقهم الميراث وعدم حرمانهم، ومن عدا هؤلاء فحجبهم حجب حرمان مبنى على أصلين: أحدهما ان كل من يدلى الى الميت بشخص لا يرث مع وجود ذلك الشخص سوى أولاد الأم فانهم يرثون معها. والثانى أن الأقرب يحجب من هو أبعد منه كما فى العصبات فالابن يحجب ابن الابن حجب حرمان وكما فى أصحاب الفروض فالبنتان تحجبان بنات الابن عن الارث بالفرض.
(1)
المحلى ح 9 ص 262 الطبعة السابقة.
(2)
المختصر النافع ح 268.
(3)
السراجية ص 84 والرحبية ص 369 ومغنى المحتاج ح 3 ص 11 ونهاية المحتاج ح 6، ح 14 والمغنى ح 7 ص 194 والبحر الزخار ح 5 ص 367 والروضة البهية ح 2 ص 298، شرح النيل ح 8 ص 322 الطبعات السابقة.
والمحجوب يحجب غيره حرمانا ونقصانا فالأخوة لا يرثون مع الاب ومع هذا يحجبون الأم حجب نقصان والفرع الوارث يحجب الأخوة لأم ومع هذا يحجبون الأم أيضا حجب نقصان وموضع تفصيل القول فيه وبيان حكم المذاهب مصطلح (حجب).
أما المحروم فهو من قام به مانع من موانع الارث وقد سبق بيانها. والمحروم لا يحجب غيره أصلا اذ لا اعتبار لوجوده وهو قول عامة الصحابة خلافا لابن مسعود وموضع تفصيل القول فيه وبيان حكم المذاهب مصطلح (حرمان).
ميراث الحمل
(1)
ان كان الحمل من الميت وجاءت بالولد فى مدة الحمل ووجد منه وقت الولادة ما يعلم به حياته فانه يرث من أبيه ومن أقاربه ويورث عنه ان خرج أكثره حيا لأن الأكثر له حكم الكل. وان كان الحمل من غيره بأن يترك امرأة حاملا من أبيه أو جده أو غيرهما من ورثته وجاءت به لستة أشهر أو أقل من زمان الموت يرث ذلك الولد من الميت وان جاءت به لأكثر من أقل مدة الحمل لا يرث اذ لم يتيقن الحمل به حينئذ ويوقف للحمل أوفر النصيبين على أساس أن الحمل واحد على ما هو الاصح وعليه الفتوى ويؤخذ من الورثة كفيل. وقيل ان الولادة ان كانت قريبة توقف القسمة وموضع تفصيل القول فى مدة الحمل وطريق توريثه وبيان أقوال المذاهب موضعه مصطلح (حمل).
ميراث المفقود والأسير
(2)
المفقود هو الغائب الذى انقطع خبره ولا يدرى حياته من موته. وحكمه أنه حى فى ماله حتى لا يرث منه أحد لثبوت حياته باستصحاب الحال ولهذا لا يثبت استحقاق ورثته لماله ويوقف ماله حتى يثبت موته أو يمضى عليه مدة على اختلاف بين المذاهب، والمفقود موقوف الحكم فى حق غيره حتى يوقف نصيبه من مال مورثه فان كان ممن يحجب الحاضرين لم يصرف اليهم شئ بل يوقف المال كله، وان كان لا يحجبهم يعطى كل واحد منهم ما هو الأقل من نصيبه على تقديرى حال حياة المفقود ومماته فاذا مضت المدة وحكم بموته فماله لورثته الموجودين عند الحكم بموته ولا شئ لمن مات منهم قبل الحكم بذلك لأن شرط التوريث بقاء الوارث حيا بعد موت المورث وما كان موقوفا لأجله من مال مورثه يرد الى وارث مورثه وموضع تفصيل القول فى المدة التى يعتبر بعدها مفقودا وبيان أحكامه وأقوال المذاهب مصطلح (مفقود).
وحكم الأسير كحكم سائر المسلمين فى الميراث ما لم يفارق دينه فيرث ويورث منه لأن المسلم من أهل دار الاسلام أينما كان فان فارق دينه فحكمه حكم المرتد، فاذا لم تعلم ردته ولا حياته ولا موته فحكمه حكم المفقود، ويروى ابن قدامة عن سعيد بن المسيب أن الأسير فى يد الكفار لا يرث لأنه عبد - أى يسترق بالأسر - وعلق على ذلك بأنه غير صحيح لأنه باق على حريته
(1)
السراجية ح 215 الطبعة السابقة.
(2)
السراجية ح 221، 222 والمغنى ح 7 ص 131 الطبعات السابقة.
فيرث. وموضع تفصيل القول فى ذلك مصطلح أسير.
ميراث الخنثى
الخنثى هو من لم تنضح ذكورته من أنوثته بعلامة تميزه وله علامات الذكورة والأنوثة معا فان بال من جهة واحدة أخذ حكم صاحب هذه الجهة والا فان بال من الجهتين فهو خنثى مشكل واختلف العلماء فى حكم ارثه فقال صاحب السراجية
(1)
للخنثى المشكل أقل النصيبين عند أبى حنيفة وأصحابه وهو قول عامة الصحابة وعليه الفتوى، وروى عامر الشعبى أن للخنثى نصف النصيبين بالمنازعة وهو قول ابن عباس وقد اختلف محمد وأبو يوسف فى تخريج قول الشعبى، قال أبو يوسف للابن سهم وللبنت نصف سهم وللخنثى نصف النصيبين وهو ثلاثة أرباع سهم لأن الخنثى يستحق سهما كالابن ان كان ذكرا ويستحق نصف سهم كالبنت ان كان أنثى وهذا متيقن ولا ترجيح لأحد التقديرين فيأخذ نصف مجموع النصيبين أى يأخذ النصف المتيقن الذى هو ثابت على تقديرى الذكورة والأنوثة مع نصف النصف المتنازع فيه بينه وبين الورثة، وقال محمد فى تخريج قول الشعبى يأخذ الخنثى خمس المال والتقدير أن المسألة من خمسة ابنان أحدهما الخنثى وبنت. فللابن خمسان وللخنثى خمسان على تقدير الذكورة وللبنت واحد ويأخذ الخنثى ربع المال ان كان أنثى فيأخذ الخنثى نصف النصيبين وذلك النصف عبارة عن خمس وثمن باعتبار الحالتين فالاختلاف بين التخريجين فى الطريق لا فى المقصود الذى هو نصف النصيبين.
ويقول ابن قدامة الحنبلى
(2)
واختيار أصحابنا أن يجعل عند التوريث للخنثى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى، وقال الدردير: ان هذا هو مذهب المالكية
(3)
:
اذا كان الخنثى يرث بجهتى الذكورة والأنوثة وكان ارثه بهما مختلفا كابن أو ابن ابن وأما لو ورث بالذكورة فقط كالعم فله نصفها فقط اذ لو قدر عمة لم ترث، وان ورث بالأنوثة فقط كالأخت فى زوج وأم وجد وأخ خنثى أعطى نصف نصيبها اذ لو قدر ذكرا لما بقى له من أصحاب الفروض شئ، ولو اتحد نصيبه على تقدير ذكورته وأنوثته كأن يكون أخا لأم فانه يعطى السدس ان انفرد ويشترك مع غيره فى الثلث عند التعدد قال: وقد يرث بالأنوثة أكثر كزوج وأخ لأم وأخ لأب خنثى. ويقول الشافعية كما يروى صاحب نهاية المحتاج
(4)
الخنثى المشكل اذا لم يختلف ارثه بالذكورة والأنوثة أخذ ارثه. اما ان اختلف ارثه بهما فيعمل باليقين فى حقه وحق غيره ويوقف المشكوك فيه وبين ذلك صاحب المهذب
(5)
بقوله فان كان أنثى وحده ورث النصف فان كان معه ابن ورث الثلث وورث الابن النصف لأنه يقين ووقف السدس لأنه مشكوك فيه. ويحكى صاحب البحر الزخار
(6)
مذهب الزيدية: من أن له نصف
(1)
السراجية ص 207 الطبعة السابقة.
(2)
المغنى ح 6 ص 253 الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الكبير ح 4 ص 488، 490 الطبعة السابقة.
(4)
ح 6 ص 31 الطبعة السابقة.
(5)
ح 2 ص 30 الطبعة السابقة.
(6)
ح 5 ص 360، 361 الطبعة السابقة.
نصيب الذكر ونصف نصيب الأنثى حيث اختلف ميراثهما فمن ترك ابنا وخنثى فللابن النصف لا محالة وللخنثى الثلث لا محالالة اذ أقل أحوالهما أنثى والسدس لهما على سواء فيقسم بينهما، فان كان فى مسألة يسقط فيها الذكر أعطى نصف نصيب الأنثى وان كان فى مسألة تسقط فيها الأنثى أعطى نصف الذكر، ويحكى صاحب الروضة
(1)
مذهب الإمامية فيقول المشهور بين الأصحاب أنه يورث نصف النصيبين فله مع الذكر خمسة من اثنى عشر لأن الفريضة على تقدير ذكورته من اثنين وعلى تقدير الأنوثة ثلاثة فيضرب احداهما فى الأخرى ثم يضرب المرتفع فى اثنين فيصير الناتج اثنى عشر فله على تقدير الذكورة ستة وعلى تقدير الأنوثة أربعة فله نصفها خمسة والباقى للذكر ثم قال والضابط فى ميراث الخنثى انك تعمل المسألة تارة تفرضه أنثى وتارة ذكرا وتعطى كل وارث من الخنثى وممن اجتمع معه نصف ما اجتمع له فى المسألتين مضافا الى ضرب المرتفع فى اثنين. هذا والإباضية كما يحكى صاحب متن النيل
(2)
أن الخنثى ان اشكل فيمراثه نصف ذكر ونصف أنثى، وفى كيفية تمييز الخنثى تفصيل موضعه مع بيان ما يتعلق به من أحكام بعد ذلك (مصطلح خنثى).
ميراث ولد الزنا والملاعنة
يرث ولد الزنا والملاعنة بجهة الأم فقط كما يروى الزيلعى الحنفى
(3)
: لأن نسبه من جهة الأب منقطع فلا يرث به ومن جهة الأم ثابت فيرث به أمه وأخوته من الأم بالفرض لا غير وكذا ترثه أمه واخوته من أمه فرضا لا غير ولا يتصور أنه يرث هو أو يورث بالعصوبة الا بالولاء فيرثه من أعتقه أو أعتق أمه أو ولده بالعصوبة وكذا هو يرث معتقه أو معتق معتقه أو ولده بذلك.
ويقول خليل والدردير
(4)
توأما الزانية أخوان لأم على المشهور، وتوأما الملاعنة من الحمل الذى لاعنت فيه يتوارثان على أنهما شقيقان على المشهور، وقال المغيرة أنهما يتوارثان لأم - أى بقرابة الأم - وقال الدسوقى
(5)
فهم من ذلك ان ولدى الملاعنة غير التوأمين ليسا شقيقين وهو كذلك وانما أخوان لأم فقط فاذا ولدت ولدين كل واحد فى بطن وادعى الرجل أنهما ليسا منه ولا عن منهما فانهما يتوارثان من بعضهما على أنهما أخوان لأم ولو كان اللعان من أبيهما فقط لأن لعانه يقطع نسبه.
وجاء فى المهذب فى فقه الشافعية
(6)
ان اللعان يقطع التوارث بين الملاعن والمولود لانتفاء النسب بينهما ويبقى التوارث بين الأم والولد لبقاء النسب بينهما، وان أتت بولدين توأمين فنفاها الزوج باللعان ثم مات أحدهما وخلف أخاه ففيه وجهان أحدهما أنه يرث ميراث الأخ من الأم لأنه لا نسب بينهما من جهة الأب فلم يرث بقرابته كالتوأمين من الزنا اذا مات أحدهما
(1)
ح 2 ص 331، 232 الطبعة السابقة.
(2)
ح 2 ص 386 الطبعة السابقة.
(3)
تبيين الحقائق ح 6 ص 241 الطبعة الثانية.
(4)
الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ح 4 ص 485 الطبعة السابقة.
(5)
الحطاب ح 6 ص 425 الطبعة السابقة.
(6)
ح 2 ص 30 الطبعة السابقة.
وخلف أخاه والثانى أنه يرثه ميراث الأخ من الأب والأم لأن اللعان ثبت فى حق الزوجين دون غيرهما
(1)
والصحيح هو الأول لأن النسب قد انتفى بينهما فى حق كل واحد وفيه أن ولد الزنا يرث أمه وترثه والتوأمين من الزنا أخوان لأم.
ويحكى ابن قدامة مذهب الحنابلة
فيقول
(2)
:
الحكم فى ميراث ولد الزنا كالحكم فى ولد الملاعنة الا أن الحسن بن صالح قال:
عصبة ولد الزنا سائر المسلمين بخلاف ولد الملاعنة، والجمهور على التسوية بينهما لانقطاع نسب كل واحد منهما عن أبيه الا أن ولد الملاعنة يلحق الملاعن اذا استلحقه وولد الزنا لا يلحق فى قول الجمهور، وبين ابن قدامة حكم ولد الملاعنة فقال
(3)
اذا لا عن الرجل امرأته ونفى ولدها وفرق الحاكم بينهما انتفى ولدها عنه وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن فلم يرثه هو ولا أحد من عصابته وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم على تفصيل عندهم.
ويقول ابن حزم
(4)
ولد الزنا يرث أمه وترثه أمه ولا يرثه الذى تخلق من نطفته ولا يرثه هو.
وكذلك الزيدية
(5)
:
فانه لا توارث عندهم بين ولد اللعان وبين من خلق من مائه لانتفاء النسب اجماعا ويتوارث هو وأمه اجماعا وولد الزنا يرث أمه وترثه ويرثه أخوته لأمه فقط. وفى تتمة الروض النضير
(6)
ميراث ابن الزنا يكون فى بيت المال لحديث أيما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث.
وفى شرائع الاسلام فى فقه الشيعة الإمامية
(7)
:
أن ولد الزنا لا نسب له ولا يرثه الزانى ولا التى ولدته ولا أحد من أنسابهما ولا يرثهم هو وميراثه لولده ومع عدمهم للامام، وفى رواية ترثه أمه ومن يتقرب بها.
وقال صاحب الروضة
(8)
:
انه شاذ، وقال فى ولد الملاعنة
(9)
ترثه أمه دون أبيه لانتفائه عنه باللعان الا أن يكذب نفسه وكذا يرثه ولده وزوجته فان عدم هؤلاء فلقرابة أمه الذكر والأنثى بالسوية ويرث هو أيضا قرابة أمه.
وقال صاحب شرائع الاسلام
(10)
وهل يرث أقارب أبيه مع الاعتراف.
قيل نعم والوجه أنه لا يرثهم ولا يرثونه لانقطاع النسب باللعان.
وعند الإباضية: يقول شارح النيل فى الفقه الاباضى
(11)
(1)
كان الاولى فى التعليل أن يقال لانهما من ماء واحد.
(2)
المغنى لابن قدامة ح 7 ص 129 الطبعة السابقة
(3)
المرجع السابق ح 7 ص 121 الطبعة السابقة
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ح 9 ص 302 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار ص 365 الطبعة السابقة.
(6)
ص 101، 102 الطبعة السابقة.
(7)
ح 2 ص 195 الطبعة السابقة.
(8)
الروضة البهية ح 2 ص 336 الطبعة السابقة
(9)
ح 2 ص 326 الطبعة السابقة.
(10)
ح 2 ص 195 الطبعة السابقة.
(11)
شرح النيل ح 8 ص 274 الطبعة السابقة.
وينقطع التوارث بين الزوج الملاعن وبين الولد الذى لاعن أمه عليه ويبقى التوارث بين ذلك الولد وأمه فترث منه الثلث أو السدس ان كان ما يحجبه ولأخيه لأمه السدس أو الثلث ان كانوا أخوين فصاعدا وما بقى فلعصبة أمه. وقال: ان ولد الزنا لا يلحق بأبيه فى الاسلام فلا توارث بينهما
(1)
ميراث الحرقى والغرقى والهدمى
مذهب الحنفية:
اذا مات جماعة وبينهم قرابة ولا يدرى أيهم مات أولا كما اذا غرقوا فى السفينة معا أو وقعوا فى النار دفعة أو سقط عليهم جدار أو سقف بيت أو قتلوا فى المعركة ولم يعلم المتقدم والمتأخر فى الموت جعلوا كأنهم ماتوا معا فمال كل واحد منهم لورثته الاحياء ولا يرث بعض هؤلاء الأموات من بعض فيقول صاحب السراجية
(2)
هذا هو المختار عندنا وقال على وابن مسعود رضى الله عنهما فى احدى الروايتين عنهما يرث بعضهم من بعض الا مما ورث كل واحد منهم من مال صاحبه فانه لا يرث منه والا لزم أن يرث كل واحد من مال نفسه ولا شك فى بطلانه واليه ذهب ابن أبى ليلى. والوجه فى ذلك أن سبب استحقاق كل واحد منهما ميراث صاحبه هو حياته بعد موت صاحبه وقد عرفت حياته بيقين فيجب أن يتمسك به وسبب الحرمان موته قبل موته وهو مشكوك فيه فلا يثبت الحرمان بالشك الا فيما ورثه كل منهما من صاحبه لأجل الضرورة وهى أن توريث أحدهما من صاحبه يتوقف على الحكم بموت صاحبه قبله فلا يتصور أن يرث صاحبه منه لكن ما ثبت بالضرورة لا يتعدى عن محلها، وفيما عدا ذلك من المال يتمسك فيه بالاصل فان اليقين لا يزول بالشك.
ولنا أن سبب استحقاق كل منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينا وما لم يتيقن بالسبب لم يثبت الاستحقاق اذ لا يتصور ثبوته بالشك. فالسبب هنا بقاؤه حيا بعد موت مورثه وانما يعلم ذلك بطريق الظاهر واستصحاب الحال دون اليقين اذ الظاهر بقاء ما كان على ما كان عليه وهذا البقاء لانعدام الدليل المزيل ولا يوجد الدليل المبقى فيعتد باستصحاب الحياة فى بقاء ما كان لا فى اثبات ما لم يكن كحياة المفقود، وتجعل ثابتة فى نفى التوريث عنه لا فى استحقاق الميراث من مورثه، وأيضا قد ظهر الموتان ولم يعلم السبق فيجعل كأنهما وقعا معا كما اذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها ولم يدر السابقة منهما فانه يجعل كأنهما وقعا معا فيفسد النكاحان فكذا ها هنا يجعل الأخوان مثلا كأنهما ماتا معا حقيقة فلا يرث أحدهما من الآخر كما فى صورة اجتماع الموتين حقيقة، وقد روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه قال: أمرنى أبو بكر الصديق بتوريث أهل اليمامة فورثت الأحياء من الأموات ولم أورث الأموات بعضهم من بعض وأمرنى عمر رضى الله عنه بتوريث أهل طاعون «عمواس» وكانت القبيلة تموت
(1)
المرجع السابق ح 8 ص 376 الطبعة السابقة
(2)
السراجية ص 229 الطبعة السابقة.
بأسرها فورثت الأحياء من الأموات ولم أورث الأموات بعضهم من بعض وهكذا نقل عن على كرم الله وجهه فى قتلى الجمل وصفين فاذا غرق أخوان أصغر وأكبر وخلف كل منهما أما وبنتا ومولى وترك كل منهما تسعين درهما فعندنا يقسم تركة كل واحد منهما فيعطى لأم كل منهما سدس تركته وهو خمسة عشر ولبنت كل منهما النصف وهو خمسة وأربعون ولمولاه ما بقى وهو ثلاثون وعن على وابن مسعود فى احدى الروايتين عنهما يحكم بموت الأكبر أولا فتقسم تركته كذلك فقد بقى من تركة كل منهما ثلاثون وهو ما ورث كل منهما من صاحبه فللأم من ذلك السدس وهو خمسة ولابنة كل منهما نصفه وهو خمسة عشر والباقى للمولى لأن كل واحد منهما لا يرث من صاحبه ما ورث منه فقد اجتمع لأم كل واحد منهما عشرون ولبنته ستون ولمولاه عشرة كاملة.
مذهب المالكية:
قال خليل والدردير
(1)
لا يرث من جهل تأخر موته عن مورثه بأن ماتا تحت هدم مثلا أو بطاعون ونحوه أو بغرق أو حرق بمكان ولم نعلم المتأخر منهما. قال الدسوقى وهذا يشمل ما اذا ماتا معا أو مترتبين وجهل السابق.
وطريقة توريثهم أن يقدر كل واحد لم يخلف صاحبه وانما خلف الأحياء من ورثته فلو مات رجل وزوجته وبنين له منها تحت هدم وجهل موت السابق منهم وترك الأب زوجة أخرى وتركت الزوجة ابنا لها من غيره فللزوجة الربع وما بقى للعاصب ومال الزوجة لابنها الحى وسدس مال البنين لأخيهم لأمهم وباقيه للعاصب وسقط بمن يسقط به الأخ لأم.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(2)
وان مات متوارثان بالغرق أو بالهدم فان عرف موت أحدهما قبل الآخر ونسى وقف الميراث الى أن يتذكر لأنه يرجى أن يتذكر. وجاء فى نهاية المحتاج
(3)
«وقف للبيان أو الصلح» وفى المهذب أيضا وان علم أنهما ماتا معا أو لم يعلم موت أحدهما قبل الآخر أو علم موت أحدهما قبل الآخر ولم يعرف بعينه جعل ميراث كل واحد منهما لمن بقى من ورثته ولم يورث أحدهما من الآخر لأنه لا تعلم حياته عند موت صاحبه فلم يرثه. قال:
صاحب نهاية المحتاج لاجماع الصحابة على ذلك اذ لم يجعلوا التوارث بين من قتل فى يوم الجمل وصفين الا فيمن علموا تأخر موته.
مذهب الحنابلة
(4)
:
اذا غرق المتوارثان أو ماتا تحت هدم فجهل أولهما موتا ورث بعضهم من بعض وجملة ذلك أن المتوارثين اذا ماتا فجهل أولهما موتا فان أحمد قال أذهب الى قول عمر وعلى وشريح وابراهيم والشعبى يرث
(1)
الشرح الكبير ح 4 ص 487 الطبعة السابقة.
(2)
ح 2 ص 25 الطبعة السابقة.
(3)
ح 6 ص 28 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى ح 6 ص 308 الطبعة السابقة
بعضهم من بعض يعنى من تلاد ماله دون طارفه وهو ما ورثه من ميت معه وهذا قول من ذكره الامام أحمد وهو قول اياس بن عبد الله المزنى وعطاء والحسن وغيرهم، وحكى ذلك عن ابن مسعود. قال الشعبى: وقع طاعون بالشام فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم فكتب فى ذلك الى عمر رضى الله عنه فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض، وروى عن أبى بكر الصديق وزيد وابن عباس ومعاذ والحسن بن على رضى الله عنهم أنهم لم يورثوا بعضهم من بعض وجعلوا ما لكل واحد للأحياء من ورثته وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد والزهرى والأوزاعى وغيرهم ويرث كل واحد منهما من الآخر اذا اتفق وراثهم على الجهل بكيفية موتهم لأن مع التداعى تتوجه اليمين على المدعى عليه فيحلف على ابطال دعوى صاحبه ويتوفر الميراث له كما فى سائر الحقوق. بخلاف ما اذا اتفقوا على الجهل فلا تتوجه يمين لأن اليمين لا يشرع فى موضع اتفقوا على الجهل به. واحتج من قال بعدم توريث بعضهم من بعض بما روى سعيد حدثنا اسماعيل بن عباس عن يحيى بن سعيد أن قتلى اليمامة وقتلى صفين والحيرة لم يورثوا بعضهم من بعض وورثوا عصبيتهم الأحياء. وقال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن أم كلثوم بنت على توفيت هى وابنها زيد بن عمر فالتقت الصيحتان فى الطريق فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه فلم ترثه ولم يرثها وأن أهل صفين وأهل الحيرة لم يتوارثوا ولأن شرط التوريث حياة الوارث بعد موت الموروث وهو غير معلوم ولا يثبت التوريث مع الشك فى شرطه ولأن الأصل عدم التوريث فلا نثبته بالشك ولأن توريث كل واحد منهما خطأ يقينا لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معا أو سبق أحدهما به وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينا مخالف للاجماع فكيف يعمل به.
قال: وقد احتج بعض أصحابنا بما رواه اياس بن عبد الله المزنى أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال: يرث بعضهم بعضا والصحيح أن هذا عن اياس نفسه وأنه هو المسئول وليس برواية عن النبى صلى الله عليه وسلم. هكذا رواه سعيد فى سننه وحكاه الامام أحمد عنه وقال أبو ثور وشريح وطائفة من البصريين يعطى كل وارث المتيقن ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا. وقال الخيرى هذا هو الحكم فيما اذا علم موت أحدهما قبل صاحبه، ولم يذكر فيه خلافا وان علم خروج روحهما معا فى حال واحدة لم يرث أحدهما صاحبه وورث كل واحد الاحياء من ورثته، وان علم أن أحدهما مات قبل صاحبه بعينه ثم أشكل أعطى كل وارث اليقين ووقف الباقى حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا.
مذهب الزيدية:
ينقل صاحب البحر الزخار
(1)
عن العترة أنه إذا غرق قوم أو انهدم عليهم بنيان ولم يعلم ترتيب موتهم ورث الأموات بعضهم من
(1)
البحر الزخار ح 5 ص 362، 363 الطبعة السابقة.
بعض ما كان لهم فى الأصل فقط ثم يورث الأحياء من الأموات ما كان لهم فى الأصل وما ورثوه منهم، وينقل عن الهادى أنه يجب أن يمات الواحد منهم أيهم كان ويحيى الباقون حتى يرثوه ثم تحيى الذى أمته وتميت من الباقين آخر حتى يرثوه، نعمل ذلك فى كل واحد منهم واحدا بعد واحد ولا يمات اثنان منهم فى حالة فاذا فرغ أميتوا جميعا فيرثهم الأحياء ولم يرث بعضهم من بعض فى الاماتة الثانية ولا يموت واحد منهم ثلاث دفعات بل مرتين مرة لتوريث بعضهم من بعض من الأحياء ومرة ليرثهم الأحياء منفردين فلو مات أحد الأخوين فى أول الشهر والثانى فى آخره وعرفنا ذلك قطعا ثم التبس المتقدم منهما فيجب توريث كل منهما من صاحبه والا أبطلنا حقا ثابتا لأيهما وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: من أبطل ميراثا فرضه الله تعالى أبطل الله ميراثه من الجنة، ونقل عن الناصر أن رجلا وابنه وأخوين قتلوا يوم صفين ولم يعلم المتقدم فورث على بعضهم من بعض. قال:
ولو غرق أخوان ولم يعرف السابق وخلف كل واحد منهما ابنتين فمن أمته أولا قدرته ترك ابنتين وأخا فللبنتين الثلثان والباقى للأخ ثم أمت الثانى وورثت تركته كذلك ثم أمتهما جميعا وورثت ورثة كل واحد منهما ما فى يده من ماله فى نفسه وميراثه من أخيه وأوضح ذلك بالمثال الآتى: غرق أخوان أحدهما يملك ثلاثة دنانير وله ابنتان والآخر ثلاثة دراهم وله ابنتان فيقدر موت الأول أولا فلا بنتيه ديناران ولأخيه منها دينار ثم يقدر أن الآخر مات أولا فلا بنتيه درهمان ولأخيه درهم ثم يقدر أنهما ماتا جميعا فلابنتى صاحب الدنانير ديناران ودرهم ولابنتى صاحب الدراهم درهمان ودينار حيث لا عصبة لأيهما والا كان لابنتى صاحب الدنانير ثلثا الدرهم الذى ورثه أبوها من أخيه الغريق وثلث للعصبة، ولابنتى صاحب الدراهم ثلثا الدينار الذى ورثه أبوها من أخيه الغريق والثلث للعصبة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(1)
لو مات من بينهما توارث دفعة واحدة أو اشتبه المتقدم منهما بالمتأخر واشتبه السبق فلا ارث سواء كان الموت حتف الانف أم بسبب الا أن يكون السبب الغرق أو الهدم على الأشهر، ثم قال:
ويتوارث الغرقى والمهدوم عليهم اذا كان بينهم نسب أو سبب يوجبان الارث وكان بينهم مال ليتحقق به الارث ولو من أحد الطرفين واشتبه المتقدم منهم والمتأخر فلو علم اقتران الموت فلا ارث أو علم المتقدم من المتأخر ورث المتأخر المتقدم دون العكس ثم قال:
لو غرق أخوان ولكل واحد منهما ولد أو لأحدهما فلا توارث بينهما ثم ان كان لأحدهما مال دون الآخر صار المال لمن لا مال له ومنه الى وارثه الحى ولا شئ لورثة ذى المال ولا يرث الثانى المفروض موته ثانيا مما ورث منه الأول لما روى عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق فى أخوين ماتا ولأحدهما مائة الف
(1)
الروضة البهية ح 2 ص 336، ص 337 الطبعة السابقة.
درهم والآخر ليس له شئ ركبا فى السفينة فغرقا فلم يدر أيهما مات أولا قال: المال لورثة الذى ليس له شئ. ثم قال: ولو غرق الأب وولده قدم موت الابن فيرث الأب نصيبه منه ثم يفرض موت الأب فيرث الابن نصيبه منه ويصير مال كل الى ورثة الآخر الأحياء وان شاركهما مساو انتقل الى وارثه الحى ما ورثه فان لم يكن لهما وارث صار مالهما الى الامام. وجاء فى المختصر النافع
(1)
وان لم يكن بينهما تفاوت فى الاستحقاق سقط اعتبار التقديم كأخوين فان كان لهما مال ولا مشارك لهما انتقل مال كل منهما الى صاحبه ثم منهما الى ورثتهما وان كان لأحدهما مال صار ماله لأخيه ومنه الى ورثته ولم يكن للآخر شئ ولو لم يكن لهما وارث انتقل المال الى الامام، وقال صاحب الروضة
(2)
وذهب بعض الأصحاب الى تعدى هذا الحكم الى كل سبب يقع معه الاشتباه كالقتيل والحريق لوجود العلة وهو ضعيف لمنع التعليل الموجب للتعدى مع كونه على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع النص والوفاق ثم قال ولو كان الموت حتف الأنف فلا توارث مع الاشتباه اجماعا.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(3)
الغرقى والهدمى ومثلهم ممن ماتوا بحرق أو فى قتال أو لا يدرى من مات أولا وكل وارثين لا يدرى من مات منهم أولا أو علم اتحاد وقت موتهم كل هؤلاء صح توريثهم بعضهم من بعض من صلب أموالهم دون ما توارثوه بمعنى أنه لا يضم مال لميت ورث ما ورثه من غيره فيتوارثون فى الكل على أنه مال واحد كارث الأحياء. وان اجتمع بأحد سببان للارث من جهة واحدة ورث بالأقوى وسقط الأضعف.
التخارج
المراد منه أن يتصالح الورثة على اخراج بعضهم عن الميراث بشئ معلوم من التركة وهو جائز عند الحنفية عند التراضى، قال صاحب السراجية
(4)
نقله محمد فى كتاب الصلح عن ابن عباس رضى الله عنهما. ومن صالح من الورثة على شئ معلوم من التركة فتصحح المسألة مع وجود المصالح بين الورثة ثم يطرح سهمه من التصحيح ثم يقسم باقى التركة بعد ما أخذه المصالح على سهام الباقين.
مذهب المالكية:
ويسمى خليل والدردير
(5)
من فقهاء المالكية ذلك صلحا ويعتبرونه فى بعض الصور بيعا وفى بعضها هبة.
مذهب الشافعية:
كذا الشافعية. فأنهم يعبرون عنه بالصلح جاء فى نهاية المحتاج
(6)
ويجوز الصلح من كل واحد من الورثة فى حق نفسه على تساو وتفاوت واسقاط بعضهم ولا بد من لفظ صلح وتواهب.
(1)
المختصر النافع ح 275، 276 الطبعة السابقة
(2)
ح 2 ص 338 الطبعة السابقة.
(3)
ح 8 ص 389 من شرح النيل الطبعة السابقة
(4)
السراجية ص 127 الطبعة السابقة.
(5)
الشرح الكبير ح 3 ص 315 الطبعة السابقة.
(6)
ح 6 ص 31 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
ويقول ابن قدامة الحنبلى
(1)
وان ورث قوم مالا ودورا وغير ذلك فقالوا لبعضهم نخرجك من الميراث بالف درهم أكره ذلك.
مذهب الإباضية:
وجاء فى شرح النيل فى فقه الإباضية
(2)
ومن مات عن زوجة وولد وترك دنانير ودراهم حاضرة وعروضا حاضرة وغائبة فصالحها الولد على دراهم من التركة فان كانت مقدار ارثها أو أقل جاز والا فلا وللفقهاء تفصيل فى ذلك ذكر فى الارث والصلح ومواضع أخرى وموضع بيانه مصطلح (تخارج).
المقر له بالنسب
مذهب الحنفية:
المقر له بالنسب
(3)
على الغير بحيث لم يثبت نسبه باقراره من ذلك الغير. يؤخر فى الارث اذا مات المقر على اقراره عن مولى الموالاة ويقدم على الموصى له بجميع المال مع اعتبار قيود ثلاثة: الأول أن يكون الاقرار بنسبه من المقر متضمنا الاقرار بنسبه على الغير كما اذا أقر لمجهول النسب بأنه أخوه فانه يتضمن اقراره على أبيه بانه ابنه الثانى: أن يكون ذلك الاقرار بحيث لا يثبت به نسب من ذلك الغير كما اذا لم يصدقه أبوه فى هذا النسب. الثالث أن يموت المقر على اقراره.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(4)
لو أقر شخص بانسان وارث غير ولد كأخ ولم يرث المقر به من المقر ان كان للمقر وارث حائز لجميع المال من الأقارب أو الموالى يوم الموت لأن المقر يتهم على خروج الارث لغير من كان يرث، فان لم يكن للمقر وارث أصلا أو وارث غير حائز كما اذا أقر بعم مع وجود بنت أو أخ لأم فخلاف والراجح ارث المقر به من المقر جميع المال ان لم يكن وارث أصلا، والباقى ان وجد وارث غير حائز وخص اللخمى الخلاف بما اذا لم يبطل الاقرار بالأخوة ونحوها وأما ان طال زمن الاقرار بالسنين كالثلاثة فلا خلاف فى أنه يرثه ما لم تقم قرينة على عدم القرابة الموجبة للارث لأن الطول قرينة الصدق غالبا. ثم نقل الدسوقى خلافا فيما اذا مات المقر به وله ولد هل يتنزل منزلة أبيه جزم المتيطى بأنه لا يتنزل منزلة أبيه فلا يرث شيئا من المقر ولو لم يكن له وارث. وذكر ابن عرفة عن ابن سهل خلافا فقال ان البعض على أن الولد يرث المقر وابن مالك وابن عتاب أفتوا بأنه لا يرث وان أقر عدلان ابنان أو أخوان أو عمان بثالث ثبت النسب للمقر به فيأخذ من التركة كواحد منهما فان كانا غير عدلين فللمقر به ما نقصاه باقرارهما. فاذا كان الميت خلف ثلاثة أولاد أقر اثنان منهم بثالث وأنكره الثالث يقسم المال على الانكار ثم يقسم على الاقرار ومسألة الانكار من ثلاثة ومسألة الاقرار من أربعة فتكون
(1)
المغنى ح 5 ص 24 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل باب الميراث.
(3)
السراجية ص 10
(4)
الشرح الكبير ح 3 ص 415، 416.
المسألة من اثنى عشر على الانكار يخص كل واحد أربعة وعلى الاقرار يخص كل واحد ثلاثة فالذى نقصه اقرار كل واحد من المقرين واحد فيعطى الاثنان للمقر به واذا أقر وارث عدل كأخ بأخ ثالث وأنكره الأخ الثانى حلف المقر به وورث فيأخذ ثلثا من غير أن يثبت نسبه وان لم يكن المقر عدلا فحصة المقر غير العدل كأنها هى المال المتروك فاذا كانا ولدين أقر أحدهما بثالث فحصة المقر هى النصف بين ثلاثة للمقر به ثلثها وهو سدس جميع المال والسدس الآخر ظلمه به المنكر. قال الدردير والمذهب ان للمقر به ما نقصه الاقرار من حصة المقر سواء كان عدلا أو غير عدل ولا يمين، واذا أقر بمن يحجبه كاقرار أخ بابن كما اذا كان للميت أخ واحد وأقر بابن أخذ الابن جميع المال ولو كان للميت اخوان أقر أحدهما بابن وأنكره الآخر أخذ الابن المقر به نصف المال وأخذ الأخ المنكر نصفه وان ترك ميت أخا وأما فأقرت الأم بأخ آخر منها أو من غيرها وأنكره الأخ الثابت فللمقر به من حصة الأم السدس لحجبها بهما من الثلث الى السدس وليس للأخ الثابت من السدس الذى أخذه المقر به شئ والمسألة من ستة للأخ الثابت ثلثاها أربعة وللأم السدس واحد وللأخ المقر به السدس الباقى واحد.
مذهب الشافعية
(1)
:
اذا ألحق شخص النسب بغيره بأن يقر بأن هذا أخى أو عمى ثبت نسبه ممن ألحق به بشرط ألا يكذبه الحس ولا الشرع وأن يصدقه المستلحق ان كان أهلا للتصديق وان يكون الملحق به ميتا وأن يكون المقر وارثا حائزا لتركة الملحق به واحدا كان أو أكثر.
فلو مات وخلف ابنا واحدا فأقر بأخ آخر ثبت نسبه وورث وان مات عن ابنين وبنات فلا بد من اتفاقهم جميعا وكذا يعتبر موافقة الزوج والزوجة والمعتق لأنهم من الورثة والأصح أن البالغ العاقل من الورثة لا ينفرد بالاقرار لأنه غير حائز للميراث والرأى الثانى ينفرد به ويحكم بثبوت النسب فى الحال احتياطا للنسب.
وفى المهذب: لو مات رجل وخلف ابنا فأقر على أبيه بنسب فان كان لا يرثه بأن كان عبدا أو قاتلا أو كافرا والأب مسلم لم يقبل فراره وان كان يرثه فأقر عليه بنسب لو أقر به الأب لحقه فان كان قد نفاه الأب لم يثبت لأنه يحمل عليه نسبا حكم ببطلانه وان لم ينفه الأب ثبت النسب باقراره وان مات رجل وله ابنان فأقر أحدهما بنسب ابن وأنكر الآخر لم يثبت لأن النسب لا يتبعض فاذا لم يثبت فى حق أحدهما لم يثبت فى حق الآخر ولا يشاركهما فى الميراث لأن الميراث فرع على النسب. وان أقر أحد الابنين بزوجة لأبيه وأنكر الآخر ففيه وجهان أحدهما أنه لا تشارك بحصتها من حق المقر والثانى أنها تشارك بحصتها من حق المقر لأن المقر به حقها من الارث لأن الزوجية زالت بالموت. وان مات وخلف بنتا فأقرت بنسب أخ لم يثبت النسب لأنها لا ترث جميع المال
(1)
مغنى المحتاج ح 2 ص 240، 243 والمهذب ح 2 ص 352.
فان أقر معها الامام ففيه وجهان أحدهما أنه يثبت لأن الامام نافذ الاقرار فى مال بيت المال والثانى أنه لا يثبت لأنه لا يملك المال بالارث وانما يملكه المسلمون وهم لا يتعينون فلم يثبت النسب. وان مات رجل وخلف ابنين عاقلا ومجنونا فأقر العاقل بنسب ابن آخر لم يثبت النسب لأنه لم يوجد الاقرار من جميع الورثة فان مات المجنون قبل الافاقة فان كان له وارث غير الأخ المقر قام وارثه مقامه فى الاقرار وان لم يكن له وارث غير الأخ المقر ثبت النسب لأنه صار جميع الورثة وان مات رجل وخلف ابنا وارثا فأقر بابن آخر بالغ عاقل وصدقه المقر له ثم أقرا معا بابن ثالث ثبت نسب الثالث فان قال الثالث ان الثانى ليس بأخ فوجهان:
أحدهما أنه لا يسقط نسب الثانى لأن الثالث ثبت نسبه باقرار الأول والثانى فلا يجوز أن يسقط نسب الأصل بالفرع والوجه الثانى أنه يسقط نسبه وهو الأظهر لأن الثالث صار ابنا فاعتبر اقراره فى ثبوت نسب الثانى.
وميراثهما وان كذب كل واحد منهما صاحبه وان أقر الابن الوارث بأخوين فى وقت واحد فصدق كل منهما صاحبه ثبت نسبهما وميراثهما وان كذب كل واحد منهما صاحبه لم يثبت نسب واحد منهما وان صدق أحدهما صاحبه وكذبه الآخر ثبت نسب المصدق دون المكذب. وان أقر الابن الوارث بنسب أحد التوأمين ثبت نسبهما وان أقر بهما وكذب أحدهما الآخر لم يؤثر التكذيب فى نسبهما لأنهما لا يفترقان فى النسب. وان كان المقر به لا يحجب المقر عن الميراث ورث معه ما يرثه كما اذا أقر به الموروث، وان كان يحجب المقر مثل أن يموت الرجل ويخلف أخا فيقر الأخ بابن للميت أو يخلف الميت أخا من أب فيقر بأخ من الأب والأم يثبت له النسب ولم يرث لأنا لو أثبتنا له الارث أدى ذلك الى اسقاط ارثه لأن توريثه يخرج المقر عن أن يكون وارثا واذا خرج عن أن يكون وارثا بطل اقراره وسقط نسبه وميراثه فأثبتنا النسب وأسقطنا الارث. وقال أبو العباس يرث المقر به ويحجب المقر لأنه لو كان حجبه يسقط اقراره لأنه اقرار من غير وارث لوجب ألا يقبل اقرار ابن ابن آخر لأنه اقرار من بعض الورثة والنسب لا يثبت باقرار البعض وهذا خطأ لأنه انما يقبل اذا صدقه المقر به فيصير الاقرار من جميع الورثة.
مذهب الحنابلة
(1)
:
ان أقر جميع الورثة بنسب من يشاركهم فى الميراث ثبت نسبه سواء كان الورثة واحدا أو جماعة ذكرا أو أنثى ولأنه حق يثبت بالاقرار لم يعتبر فيه العدد كالدين ولأنه قول لا تعتبر فيه العدالة فلم يعتبر فيه كاقرار الموروث واعتباره بالشهادة لا يصح ويشترط لصحة الاقرار وبتحميل النسب للغير أن يكون المقر به مجهول النسب ولا ينازعه فيه منازع وأمكن صدقه وكان المقر به مصدقا ان كان ذا قول وهو المكلف وأن يقر جميع الورثة فان كان المقر زوجا أو زوجة لا وارث معهما لم يثبت النسب باقرارهما لأن المقر لا يرث المال كله وان اعترف به الامام معه ثبت النسب لأنه قائم مقام المسلمين فى
(1)
المغنى ح 5 ص 183.
مشاركة الوارث وأخذ الباقى وان كان الوارث ذا فرض أو ممن يرث جميع المال بالفرض والرد ثبت النسب بقوله. واذا أقر الوارث بمن يحجبه كأخ أقر بابن للميت وأخ من أب للميت أقر بأخ من أبوين، وابن ابن أقر بابن ثبت نسب المقر به وورث وسقط المقر وهذا اختيار ابن حامد والقاضى وقول أبى العباس بن شريح. فان خلف ابنا فأقر بأخ ثبت نسبه ثم ان أقر بثالث ثبت نسبه أيضا لأنه اقرار من جميع الورثة فان قال الثالث: الثانى ليس بأخ لنا سقط نسب الثانى كما يرى القاضى لأن الثالث وارث منكر لنسب الثانى فأشبه ما لو كان نسبه ثابتا قبل الثانى.
وفيه وجه آخر أن نسبه لا يسقط وكذا ميراثه لأن نسبه ثبت بقول الأول وثبت ميراثه فلا يسقط بعد ثبوته ولأن الثانى لو أنكر الثالث لم يثبت نسبه بقوله كالأول ولأن ذلك يؤدى الى اسقاط الأصل بالفرع الذى يثبت به. وان أقر الابن بأخوين دفعة واحدة فصدق كل واحد منهما صاحبه ثبت نسبهما وان تكاذبا ففيهما وجهان الأول لا يثبت نسبهما والثانى يثبت لأن كل واحد منهما وجد الاقرار به من ثابت النسب هو كل الورثة حين الاقرار فلم يعتبر موافقة غيره.
واذا شهد من الورثة رجلان عدلان بنسب مشارك لهم فى الميراث ثبت نسبه اذا لم يكونا متهمين وكذلك ان شهد على اقرار الميت له وان كانا متهمين كأخوين من أم يشهدان بأخ من أبوين فى مسألة فيها زوج وأختان من أبوين لم تقبل شهادتهما. وان أقر رجلان عدلان بنسب مشارك لهما فى الميراث وثم وارث غيرهما لم يثبت النسب لأنه اقرار من بعض الورثة فلم يثبت به النسب. واذا أقر بنسب ميت صغير أو مجنون ثبت نسبه وورثه لأن علة ثبوت نسبه فى حياته الاقرار به وهو موجود بعد الموت فيثبت به كحال الحياة. واذا خلف رجل امرأة وابنان من غيرها فأقر الابن بأخ له لم يثبت نسبه لأنه لم يقر به كل الورثة وفى توارثهما وجهان أحدهما يتوارثان لأن كل واحد منهما يقر أنه لا وارث له سوى صاحبه ولا منازع لهما. الثانى لا يتوارثان لأن النسب بينهما لم يثبت لما كان لكل واحد منهما وارث غير صاحبه لم يرثه لأنه منازع فى الميراث ولم يثبت نسبه واذا ثبت النسب بالاقرار ثم أنكر المقر لم يقبل انكاره.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(1)
إذا أقر أحد الورثة بوارث غيرهم لم يثبت نسبه اجماعا اذ هو اقرار على الغير ويشارك المقر فى ارثه لاقراره باستحقاقه لا النسب اذ هو اقرار على الغير ولقضاء على عليه السلام بذلك فمن مات عن ابنين أقر أحدهما بزوجة لأبيه فانه يعطيها ما تستحقه مما فى يده وان لم تثبت الزوجية فان كان المقر به يسقط المقر أعطى كل ما فى يده لاقراره أنه له كما اذا أقر أحد الأخوين بابن للميت فان كان يشاركه أخذ
(1)
البحر الزخار ح 5 ص 364.
حصته مما فى يده كأخوين من أب وأم أقر أحدهما بثالث فللمنكر النصف وللمقر ثلث المال وللمقر به السدس لأنه أقر له بثلث شائع فى المال فلم يلزمه الا ثلث ما فى يده وهو سدس جميع المال. وفى موضع آخر
(1)
اذا أقر أحد أخوين بأخ وأنكره الآخر لم يثبت نسبه اجماعا ويشارك المقر فى الارث عند العترة وعند المؤيد بالله وهو المذهب أن من أقر بوارث له أو ابن عم ورثه وان لم يثبت نسبه لكن يعطى المقر له الثلث فما دونه ان استحقه لو صح نسبه وصية لا ميراثا.
مذهب الإمامية الجعفرية
(2)
اذا أقر ولد الميت بولد آخر فأقرا بثالث ثبت نسب الثالث ان كانا عدلين ولو أنكر الثالث الثانى لم يثبت نسب الثانى لكن يأخذ نصف التركة ويأخذ الأول ثلث التركة والثانى السدس وهو تكملة نصيب الأول، ولو كان الاثنان معلومى النسب فأقرا بثالث ثبت نسبه ان كانا عدلين ولو أنكر الثالث أحدهما لم يلتفت اليه وكانت التركة بينهم أثلاثا، ولو كان للميت اخوة وزوجة فأقرت له بولد كان لها الثمن فان صدقها الاخوة كان الباقى للولد دون الاخوة وكذا كل وارث فى الظاهر أقر بمن هو أقرب منه دفع اليه جميع ما فى يده ولو كان مثله دفع اليه من نصيبه بنسبة نصيبه وان أنكر الأخوة كان لهم ثلاثة الأرباع وللزوجة الثمن وباقى حصتها للولد. ويقول صاحب الروضة:
ولو تصادق اثنان فصاعدا على نسب غير المتولد كالاخوة صح تصادقهما وتوارثا لأن الحق لهما ولا يتعداهما التوارث الى ورثتهما لأن حكم النسب انما يثبت بالاقرار والتصديق فيقتصر فيه على المتصادقين الا مع تصادق ورثتهما أيضا.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(3)
إن أقر بعض الورثة بوارث لم يصح نسبه إذا لم يصدقه الوارث الآخر لكن لزم المقر أن يعطى من أقر به ما ينوبه فى حصته ويمسك الباقى وسقط ما ينوب سائر الورثة وإن كان المقر يحجب بالمقر به أعطاه سهمه ولم يرث وكذا كل من صدقه فان التصديق اقرار قال صلى الله عليه وسلم «أحق ما يؤخذ عليه المرء اقراره على نفسه» والصحيح فى المذهب أن المقر بوارث معه يلزمه أن يعطيه من حظه ولا يثبت نسبه بالاقرار ان انكره غيره كابنين ادعى أحدهما ثالثا وعليه الأكثر. وقال غيرهم لا يعطيه من حظه شيئا ولا يثبته النسب فما
(1)
المرجع السابق ح 5 ص 12، 13.
(2)
الروضة البهية ح 2 ص 226 والمختصر النافع ص 244.
(3)
ح 8 ص 497، 503.
لم يثبته النسب لا يثبته الارث لأنه فرعه، ويعطيه عندنا ثلث ما بيده. وفى رجلين أقر أحدهما بولد من جارية أبيه وأنه أخوهما والآخر أنه ولده هو فيلزم الأول ما قلنا والثانى ما أقر به أى يلزم الأول الثلث ويلزم الثانى اقراره به فيرثه الولد كما يرث الانسان أباه. واذا كان الاقرار بالوارث يوجب نقصا فى سهم المقر فان ذلك النقصان يأخذه المقر به.
وقد أورد شارح النيل مسألة عنون لها بالدور الحكمى وهى أن يقر وارث حائز فى ظاهر الحال بمن يحجبه حرمانا فيثبت نسبه ولا يرث كما اذا أقر أخ حائز مثلا بابن للميت فيثبت نسب الابن المقر به ولا يرث لأنه لو ورث لحجب الأخ فلا يقبل اقراره واذا لم يقبل اقراره لم يثبت النسب واذا لم يثبت النسب لم يثبت الارث فاثبات الارث يؤدى الى نفيه وما أدى اثباته الى نفيه انتفى من أصله. وقيل يرث أيضا كما يثبت النسب لأن الارث فرع ثبوت النسب. وقد تقدم بيان ذلك فى المذاهب.
بيت المال
مذهب الحنفية:
اذا لم يوجد
(2)
وارث مطلقا ولا مقر له بالنسب على الغير ولا موصى له بكل التركة وضعت التركة فى بيت المال على أنها مال ضائع فصارت لجميع المسلمين فتوضع هناك وليس ذلك بطريق الارث بناء على أنهم اخوته ألا يرى أن الذمى اذا لم يكن له وارث يوضع ماله فى بيت المال ولا ميراث للمسلمين من الكفار ويشهد له أيضا أنه يسوى بين الذكر والأنثى من المسلمين فى العطية من ذلك المال ولا تسوية بينهما فى المواريث.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(3)
ان بيت المال وارث بالعصوبة على المشهور ومرتبته بعد عصبة النسب والمعتق ذكرا أو أنثى ثم يليه بيت المال وان لم يكن منتظما وحسبه ربه فيأخذ جميع المال ان انفرد أو الباقى بعد ذوى الفرض ولا يرد على ذوى السهام ولا يدفع لذوى الأرحام إذا لم يوجد عاصب من النسب أو الولاء بل ما فضل لبيت المال كما إذا لم يوجد ذو فرض ولا عاصب لكن بعض (1) المرجع السابق ح 8 ص 272، 273.
(2)
السراجية ص 11.
(3)
ح 4 ص 467، 468.
أئمة المذهب قيد الدفع لبيت المال وعدم الرد والدفع لذوى الأرحام بما اذا كان الامام عدلا فاذا لم يكن الامام عدلا قدم الرد والدفع لذوى الأرحام. وقال الدسوقى ان بيت المال هو الذى فى وطن الميت مات به أو بغيره من البلاد كان ماله به أو بغيره. ثم قال اذا لم يكن للميت وطن ففى كون المعتبر محل المال أو الميت نظر. ويقول الدسوقى أيضا ان كون بيت المال وارث هو المشهور منتظما كان أو غير منتظم وقيل انه حائز للأموال الضائعة لا وارث وهو شاذ. ونقل عن الشيخ سليمان البحيرى فى شرح الارشاد عن عيون المسائل أنه حكى اتفاق شيوخ المذهب بعد المائتين على توريث ذوى الأرحام والرد على ذوى السهام لعدم انتظام بيت المال، وقيل أن بيت المال إذا كان غير منتظم يتصدق بالمال عن المسلمين لا عن الميت وهو لابن القاسم والقياس صرفه فى مصارف بيت المال إن أمكن وان كان ذو رحم الميت من جملة مصاريف بيت المال فهو أولى.
مذهب الشافعية:
بيت المال وارث بالعصوبة عندهم ومقدم على مرتبة الرد ومرتبة ذوى الأرحام فى أصل المذهب ولو غير منتظم الا ان المتأخرين أفتوا بأنه اذا لم ينتظم فانه يرد على ذوى الفروض يقول صاحب مغنى المحتاج
(1)
اذا انتفت أسباب الارث فلم يكن للميت المسلم وارث بالأسباب التى ذكرت فان التركة تصرف لبيت المال ارثا تكون للمسلمين بسبب العصوبة لأنهم يعقلون عنه كأقاربه أما الذمى الذى يموت عن غير وارث أو كان له وارث ولم يستغرق التركة فتصرف تركته أو باقيها لبيت المال فيئا وأصل المذهب ألا يرث ذوو الأرحام ولا يرد على أهل الفرض بل المال أو الباقى منه لبيت المال ولو غير منتظم لجور الامام أو عدم أهليته لأن الارث لجهة الاسلام ولا ظلم من أهله فلم يبطل حقهم بجوره. وجاء فى مغنى المحتاج
(2)
الرابع من أسباب الارث الاسلام أى جهته فانها الوارثة كالنسب لا المسلمون بدليل ما لو أوصى بثلث ماله للمسلمين ولا وارث له فان الوصية تصح ولو كان الورثة هم المسلمون لم تصح اذ الوصية لا تصح للوارث الا باجازة الورثة فلما صحت دلت على أن الوارث الجهة فتصرف التركة لبيت المال ارثا بطريق العصوبة لقوله صلى الله عليه وسلم
(1)
مغنى المحتاج ح 3 ص 5.
(2)
المرجع السابق.
«أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه» وهو صلى الله عليه وسلم لا يرث لنفسه شيئا وانما يصرف ذلك فى مصالح المسلمين لأنهم يعقلون عن الميت كالعصبة من القرابة فيضع الامام تركة الميت أو باقيها فى بيت المال أو يخص منها من يشاء ويستوى فى ذلك جميع المسلمين فى استحقاق هذا الارث أهل البلد وغيرهم ومن كان موجودا عند الموت ومن حدث بعده أو أسلم بعده أو عتق بعده وخصه ابن الرفعة ببلد الميت لكن لا يعطى مكاتبا ولا قاتلا ولا من فيه رق ولا كافرا لأنهم ليسوا وارثين. ولو أوصى لرجل بشئ من التركة أعطيه وجاز أن يعطى منها أيضا بالارث فيجمع بين الارث والوصية بخلاف الوارث المعين فانه لا يعطى من الوصية شيئا بلا اجازة. ويقول صاحب نهاية المحتاج:
ليس المراد صرف التركة لبيت المال اذا لم يكن منتظما بل على من كان المال بيده أن يصرفه لحاكم البلد الأهل ليصرفه فى المصالح ان شملتها ولايته فان لم تشملها تخير من كان المال بيده بين أن يصرفه للحاكم وبين أن يتولى صرفه بنفسه ان كان أمينا عارفا كما لو فقد الأهل، فان لم يكن أمينا فوضه لأمين عارف ونقل عن ابن عبد السلام أنه اذا جار الملوك فى مال المصالح وظفر به أحد ممن يعرفها صرفه فيها وهو مأجور على ذلك بل الظاهر وجوبه.
وقد أفتى المتأخرون بأنه اذا لم ينتظم أمر بيت المال بأن فقد الامام أو انتفت أهليته كأن جار فانه يرد على أهل الفرض لأن المال مصروف اليهم أو لبيت المال بالاتفاق فان تعذرت احدى الجهتين تعينت الأخرى.
والشارع نص على ولاية الامام فى الزكاة دون الارث.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة
(1)
ومتى مات الذمى ولا وارث له كان ماله فيئا وكذلك ما فضل من ماله عن وارث كمن ليس له وارث الا أحد الزوجين فان الفاضل عن ميراثه يكون فيئا لأنه مال ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميت المسلم الذى لا وارث له. وقال قبل ذلك
(2)
اختلفت الرواية عن أحمد فى مال المرتد اذا مات أو قتل على ردته فروى عنه أنه يكون فيئا فى بيت مال المسلمين قال القاضى وهو صحيح المذهب وهو قول ابن عباس وربيعة وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته من المسلمين كما روى ابن قدامة
(3)
أن مال الزنديق يكون فى بيت المال.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(4)
بيت المال وارث من لا وارث له لقول النبى صلى الله عليه وسلم: ومن لا وارث له فميراثه لبيت المال.
وترتيبه يأتى بعد أصحاب السهام والعصبات والرد وذوى الأرحام.
مذهب الشيعة الجعفرية:
بيت المال لا يرث عندهم بل الوارث الامام ومرتبته آخر مراتب الارث قال صاحب
(1)
المغنى ح 6 ص 303.
(2)
المرجع السابق ح 6 ص 300.
(3)
المرجع السابق ح 6 ص 298.
(4)
البحر الزخار ح 5 ص 359.
الروضة
(1)
الزوجية تشارك جميع الوارث على اختلافهم والاعتاق لا يجامع مع النسب ولكنه يقدم على ضمان الجريرة. وضمان الجريرة يقدم على ولاء الامامة فمع فقد ضامن الجريرة فالوارث الامام مع حضوره لا بيت المال على الأصح فيدفع اليه يصنع به ما يشاء وما كان يفعله أمير المؤمنين على من قسمته فى فقراء بلد الميت وضعفاء جيرانه فهو تبرع منه ومع غيبة الامام يصرف فى الفقراء والمساكين من بلد الميت وهو ضعيف. والمروى صحيحا عن الباقر.
والصادق أن مال من لا وارث له من الأنفال وهى لا تختص ببلد المال وقيل يجب حفظه للامام كمستحقه فى الخمس وهو أحوط ولا يجوز أن يدفع الى سلطان الجور مع القدرة على منعه لأنه غير مستحق له عندنا. وفى شرائع الاسلام
(2)
ومن مات من أهل الحرب. وخلف ما لا فماله للامام اذا لم يكن له وارث.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(3)
بيت المال عند أكثر قومنا وارث لا حائز وذلك أنه يرث من لا وارث له فى قول ويرث الباقى عن ذوى الفروض حيث لا عاصب. والمذهب أن ذا الرحم أولى وأن من له سهم أولى فان لم يكن وارث ولا عاصب فللفقراء أو لبيت المال حيازة لا ارثا.
(1)
ح 2 ص 231.
(2)
ح 2 ص 194.
(3)
ح 8 ص 280.
روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأم وأب وأل التعريف وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.
وما ورد من أعلام لغير الفقهاء والأصوليين غالبا اكتفى بمجرد ذكره فى سياق النص.
محمد سلام مدكور
(حرف الالف)
ابن آدم (سنة 203 هـ):
يحيى بن آدم ابن سليمان الأموى مولى آل أبى معيط، أبو زكريا: من ثقات أهل الحديث، فقيه، واسع العلم، من أهل الكوفة:
ينعت بالأحول. مات بفم الصلح له تصانيف، منها كتاب «الخراج - ح» والفرائض، والزوال.
ابراهيم بن الحارث:
ابراهيم بن الحارث بن مصعب بن الوليد بن عبادة بن الصامت من أهل طرسوس، كان من كبار أصحاب أحمد بن حنبل. روى عنه الأثرم، وحرب وجماعة من الشيوخ المتقدمين. وكان أحمد يعظمه ويرفع قدره.
ابراهيم (سنة 211) هـ:
ابراهيم بن رستم أبو بكر المروزى أحد الاعلام تفقه على محمد بن الحسن وروى عنه النوادر وعرض عليه المأمون القضاء فامتنع، مات بنيسابور.
ابراهيم (سنة 732):
ابراهيم بن سليمان الحموى المنطقى رضى الدين الرومى درس بدمشق ومات بها شرح الجامع الكبير فى ست مجلدات.
ابراهيم (سنة 695 هـ):
ابراهيم بن عبد الرازق أبو اسحق الرسعنى عرف بابن المحدث تفقه على أبيه كان نبيها نبيلا فاضلا عالما. وله منظوم ومنثور وشرح القدورى ولم يتمه
ابراهيم (سنة 628 هـ):
ابراهيم بن عبد الكريم بن أبى السعادات أبو اسحق الموصلى شرح قطعة كبيرة من القدورى وكتب الانشاء لصاحب الموصل.
ابراهيم (سنة 758 هـ):
ابراهيم بن على ابن احمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم ابن عبد الصمد نجم الدين أبو اسحق الدمشقى ولى منصب قاضى القضاة بدمشق.
ابراهيم (سنة 744 هـ):
ابراهيم بن على ابن أحمد بن يوسف بن ابراهيم أبو اسحق المعروف بابن عبد الحق الواسطى، كان عالما فقيها محدثا سمع من أبى الحسن على بن عبد الواحد المقدسى الحنبلى النجارى وولى القضاء بالديار المصرية، وافاد وناظر فأجاد ووضع شرحا على الهداية ضمنه الآثار ومذاهب السلف واختصر السنن للبيهقى فى خمس مجلدات. وتوفى بدمشق.
ابراهيم (سنة 321 هـ):
ابراهيم بن محمد ابن ابراهيم أبو اسحق الجذامى النيسابورى كان من أجلة الفقهاء لأبى حنيفة وأزهدهم وحدث بالعراق وخراسان والشام الكثير قال ورأيت له مصنفات كثيرة.
أبيض بن جمال (صحابى):
أبو سعيد أبيض ابن جمال بن مرثد بن ذى لحيان بضم اللام الشيبانى المأربى من أهل مأرب بلدة معروفة باليمن وفد على النبى صلى الله عليه وسلم الى المدينة ويقال بل لقيه بمكة فى حجة الوداع
الأثرم:
(انظر ح 1 ص 247)
أحمد:
(أنظر ح 1 ص 255)
أحمد بن عيسى:
أحمد بن عيسى بن جعفر العلوى العمرى ثقة من أصحاب العياشى وصف بالزهد، وثقه ابن داود صاحب الحاوى
أحمد بن عيسى: ابن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص ابن السائب بن مالك بن عامر يكنى أبا جعفر القمى وأول من سكن قم من آبائه سعد بن مالك الاحوص وكان السائب بن مالك وفد على النبى صلى الله عليه وسلم وهاجر الى الكوفة وأقام بها وأبو جعفر شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع ولقى أبا الحسن الرضا عليه السلام وصنف كتبا منها كتاب التوحيد كتاب فضل النبى صلى الله عليه وآله. كتاب المتعة، كتاب النوادر.
أحمد بن أبى نصر (سنة 221 هـ):
ابن محمد ابن أبى نصر زيد مولى السكونى أبو جعفر وقيل أبو على المعروف بالبزنطى كوفى ثقة لقى الرضا، وكان عظيم المنزلة عنده وروى عنه كتابا وله من الكتب كتاب الجامع وله كتاب النوادر.
الأرموى (سنة 682 هـ):
سراج الدين محمود بن أبى بكر بن أحمد الأرموى صاحب التحصيل مختصر فى أصول الفقه والأرموى نسبة الى أرمية من بلاد أذربيجان.
الأزهرى:
(انظر ح 2 ص 343)
أسامة بن زيد:
(انظر ح 1 ص 248)
الأسبيجابى:
(انظر ح 2 ص 343)
أبو اسحاق:
(انظر الشيرازى ح 1 ص 363).
اسحاق بن راهوية:
(انظر ح 2 ص 251)
أسماء بنت عميس:
(انظر ح 3 ص 336)
الأسود:
أبو عمرو ويقال أبو عبد الرحمن الأسود بن يزيد بن قيس بن عبد الله ابن مالك بن علقمة ابن سلامان بن كهيل رأى أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما وروى عن على وابن مسعود ومعاذ وأبى موسى وعائشة قال أحمد بن حنبل هو ثقة من أهل الخير واتفقوا على توثيقه وجلالته
أشهب:
(انظر ح 1 ص 249)
أصبغ:
(انظر ح 1 ص 249)
الأصمعى:
(انظر ح 3 ص 336)
أصيرم بن عبد الاشهل:
أصيرم بن ثابت الأنصارى الاوسى الأشهلى عده جمع من الصحابة وقالوا انه قتل يوم أحد وشهد له النبى صلى الله عليه وسلم بالجنة ونعتبره حسنا. والانصارى نسبة الى الأنصار وهم أهل المدينة المشرفة الذين نصروا النبى صلى الله وسلم وينقسمون الى الأوس والخزرج نسبة الى بنى عبد الاشهل فخذ من الأوس الأكبر.
ابن الأعرابى (سنة 231 هـ):
محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابى أبو عبد الله:
راوية ناسب علامة باللغة من أهل الكوفة قال ثعلب: شاهدت مجلس ابن الأعرابى وكان يحضره زهاء مائة انسان كان يسأل ويقرأ عليه فيجيب من غير كتاب، ولقد أملى على الناس ما يحمل على اجمال مات بسامراء له تصانيف كثيرة.
الألوسى:
(انظر ح 3 ص 337)
امام الحرمين:
(انظر ح 1 ص 249)
أبو أمامة الباهلى (سنة 81 هـ):
أبو أمامة الباهلى الصحابى رضى الله عنه، أبو أمامة صدى بضم الصاد وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء ويقال الصدى بن عجلان بن دالبة بن رياح وهو منسوب الى باهلة وهو من مشهورى الصحابة روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا حديث وخمسون حديثا روى له البخارى منها خمسة ومسلم ثلاثة سكن مصر ثم حمص وبها توفى وقيل سنة ستة وثمانين.
أبو أمامة التيمى:
التابعى ويقال أبو أميمة روى عن عمر بن الخطاب روى عنه شعبة والعلاء بن المسيب والحسن بن عمرو الفقيمى قال يحيى بن معين هو ثقة لا يعرف اسمه وقال أبو زرعه هو كوفى لا بأس به
أنس:
انظر ح 1 ص 249)
الأوزاعى:
(انظر ح 1 ص 249)
الأوزجندى:
محمود بن عبد العزيز شمس الأئمة الاوزجندى جد قاضيخان تفقه على السرخسى.
اياس بن عبد:
اياس بن عبد المزنى الكوفى وقيل الحجازى روى حديث النهى عن بيع الماء ووقع فى المهذب بأياس بن عمرو وفى رواية الترمذى أياس بن عبد الله وكلاهما خطأ
حرف (الباء):
الباجى:
(انظر ح 1 ص 250)
الباقر:
(انظر ح 2 ص 348) أبو جعفر
البخارى:
(انظر ح 1 ص 250)
بريد بن معاوية العجلى (سنة 250 هـ):
بريد بن معاوية العجلى أبو القاسم وقد عد من أصحاب الباقر وأخر من أصحاب الصادق، ومات فى حياة أبى عبد الله وجه من وجوه الامامية وفقيه له محل عند الأئمة.
بريده:
(انظر ح 3 ص 338)
البزدوى:
(انظر ح 1 ص 250)
بشر المريسى (سنة 218 هـ):
بشر بن غياث ابن أبى كريمة عبد الرحمن المريسى، العدوى بالولاء أبو عبد الرحمن فقيه معتزلى عارف بالفلسفة أخذ الفقه عن القاضى أبى يوسف وقال برأى الجهمية عاش نحو 70 عاما
ابن بشير (سنة 198 هـ):
محمد بن سعيد ابن بشير بن شراحيل المعافرى الأندلسى قاض من أهل باجة ولى القضاء بفرطبة فى أيام الحكم بن هشام وكان صلبا فى القضاء له أخبار فى ذلك وضرب المثل بعدله توفى بقرطبة
البغوى:
(انظر ح 2 ص 345)
أبو بكر:
(انظر ح 1 ص 250)
أبو بكر الفارسى:
من ائمة أصحابنا الشافعية وكبارهم ومتقدميهم وأعلامهم وهو الامام أبو بكر أحمد بن الحسين بن سهل الفارسى تفقه على ابن العباس بن سريج
أبو بكرة (صحابى):
نفيع بن الحرث بن كلده أسلم وحسن اسلامه ومات فى خلافة عمر وأم أبى بكرة سمية من أهل زندرود فلما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف قال أيما عبد نزل الى فهو حر فتدلى أبو بكرة وكان يقول أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بلال:
(انظر ح 3 ص 338)
بلال (سنة 60 هـ):
ابن الحارث بن عصم بن سعيد بن قرة بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور أبو عبد الرحمن المزنى من أهل المدينة أقطعه النبى صلى الله عليه وسلم العقيق وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح وكان يسكن وراء المدينة ثم تحول الى البصرة، أحاديثه فى السنن وصحيحى ابن خزيمة وابن حبان
البلخى (سنة 522 هـ):
الحسين بن حسن البلخى جامع مسند أبى حنيفة أرخ الذهبى وفاته فى سنة ست وقال عنه الذهبى كان مفيد أهل بغداد ومحدث وقته سمع من أبى الحسين الانبارى وأبى عبد الله الحميدى وطبقتهم روى عنه ابن عساكر وابن الجوزى وغيرهم
البندنيجى (سنة 425 هـ):
هو القاضى أبو على البندنيجى. صاحب الذخيرة وأحد العظماء من أصحاب الشيخ أبى حامد كان فقيها عظيما صالحا ورعا وكان حافظا للمذهب
البيهقى:
(انظر ح 1 ص 251)
حرف (التاء):
الترمذى:
(انظر ح 1 ص 251)
التونسى:
(انظر ح 1 ص 251)
حرف (الثاء):
ثابت بن الأقرم (صحابى):
ابن اقرم بن ثعلبة بن عدى بن العجلان البلوى حليف الانصار وروى الواقدى عن أبى هريرة قال شهدت مؤتة فقال لى ثابت بن أقرم انك لم تشهدنا ببدر اننا لم ننصر بالكثرة اتفق أهل المغازى على أن ثابت بن أقرم قتل فى عهد أبى بكر قتله طليحة ابن خويلد الاسدى.
ثعلب (سنة 291 هـ):
احمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيبانى بالولاء أبو العباس المعروف بثعلب أمام الكوفيين فى النحو واللغة كان راوية الشعر محدثا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة ثقة حجة ولد ومات فى بغداد من كتبه الفصيح وقواعد الشعر رسالة وشرح ديوان زهير وشرح ديوان الأعشى ومجالس ثعلب مجلدان وغيرها.
ابن الثلجى (سنة 266 هـ):
محمد بن شجاع ابن الثلجى البغدادى أبو عبد الله.
فقيه العراق فى وقته من أصحاب أبى حنيفة وهو الذى شرح فقهه واحتج له وقواه بالحديث وكان فيه ميل الى المعتزلة
أبو ثور:
(انظر ح 1 ص 252)
الثورى:
(انظر ح 1 ص 252)
(حرف الجيم)
جابر:
(انظر ح 1 ص 339)
جابر بن سمرة (سنة 74 هـ):
جابر بن سمرة بن جنادة السوائى صحابى، كان حليف بنى زهرة له ولأبيه صحبة نزل الكوفة وأبتنى بها دارا وتوفى فى ولاية بشر على العراق روى له البخارى ومسلم 146 حديثا.
الجبائى:
(انظر أبو هاشم الجبائى ح 1 ص 280، وأنظر أبو على الجبائى ح 1 ص 269).
ابن الجبائى:
(انظر أبو هاشم ح 1 ص 280
ابن جبير:
(أنظر سعيد بن جبير ح 1 ص 261)
جبير بن مطعم:
(انظر ح 1 ص 252)
الجرجانى (سنة 816 هـ):
على بن محمد ابن على المعروف بالشريف الجرجانى فيلسوف من كبار العلماء ولد فى تاكو قرب استراباد ودرس فى شيراز ولما دخلها تيمور سنة 789 هـ فر الجرجانى الى سمرقند ثم عاد الى شيراز بعد موت تيمور فأقام الى أن توفى، له نحو خمسين مصنفا منها التعريفات، وشرح مواقف الأيجى وشرح السراجية فى الفرائض ورسالة فى فن أصول الحديث.
الجصاص:
(انظر ح 1 ص 252)
جعفر:
(انظر ح 1 ص 263، ح 2 ص 347)
جعفر بن محمد:
(انظر ح 2 ص 347)
أبو جعفر:
(انظر ح 2 ص 347)
الجوهرى (سنة 393 هـ):
اسماعيل بن حماد الجوهرى أبو نصر أول من حاول الطيران ومات فى سبيله لغوى من الأئمة وخطه يذكر مع خط ابن مقلة أشهر. كتبه الصحاح وله كتاب فى العروض ومقدمه فى النحو أصله من فاراب ودخل العراق صغيرا وسافر الى الحجاز فطاف البادية وعاد الى خراسان ثم أقام فى نيسابور.
حرف (الحاء):
الحاكم:
(انظر ح 1 ص 253)
ابن حامد:
(أنظر ح 2 ص 348)
أبو حامد:
(أنظر الغزالى ح 1 ص 270)
أبو حامد الاسفرايينى:
(انظر الاسفرايينى ح 1 ص 248)
أبو حامد المروزى:
(أنظر المروزى ح 1 ص 275)
ابن حبيب:
(أنظر ح 1 ص 253)
ابن حزم:
(أنظر ح 1 ص 254)
الحسن:
(أنظر ح 2 ص 349)
أبو الحسن الرضا:
(أنظر ح 2 ص 349)
الحسن بن زياد:
(أنظر ح 1 ص 254)
الحسن بن صالح (سنة 168 هـ):
كان من كبار الشيعة الزيدية وعظمائهم وعلمائهم وكان فقيها متكلما وقد أرخ بعضهم موت الحسن بسنة 154 وآخر بسنة 163 وثالث 167 ورابع 149.
الحسين بن على:
(أنظر ح 3 ص 341)
الحطاب:
(أنظر ح 1 ص 254)
حمزة بن عمرو الأسلمى:
(أنظر ح 2 ص 350)
حمزة بن عمرو الأسلمى (أنظر ح 1 ص 350)
حنبل بن اسحق بن حنبل (سنة 273 هـ) أبو على الشيبانى. ابن عم الامام أحمد. سمع أبا نعيم الفضل بن دكن، وأبا لمسان مالك بن اسماعيل. وعفان ابن مسلم. حدث عنه ابنه، وعبد الله ابن محمد البغوى، ويحيى بن صاعد، وأبو بكر الخلال وغيرهم. كان ثقة ثبتا. صدوقا. ومات حنبل بواسط
أبو حنيفة:
(أنظر ح 1 ص 255)
حرف (الخاء):
خارجة بن زيد بن ثابت (سنة 100 هـ):
هو أبو زيد خارجة بن زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الانصارى النجارى المدنى التابعى. أدرك عثمان وسمع أباه زيدا وعمه يزيد، روى عنه سالم بن عبد الله والزهرى ويزيد بن عبد الله ابن قسيط وأبو الزناد وآخرون وكان أماما بارعا فى العلم واتفقوا على توثيقه
وجلالته وهو احد فقهاء المدينة السبعة.
الخيرى:
(سنة 476 هـ): عبد الله بن ابراهيم بن عبد الله الخيرى أبو حكيم:
عالم بالادب والفرائض والحساب. من فقهاء الشافعية. نسبته الى الخير (بفتح فسكون) من قرى شيراز، بفارس. أشتهر وتوفى ببغداد. من كتبه «شرح ديوان الحماسة.
والتلخيص فى الفرائض والحساب».
وكان حسن الخط، وبينما هو قاعد يكتب فى مصحف مات.
الخرشى:
(أنظر ح 2 ص 350)
الخرقى:
(أنظر ح 1 ص 256)
الخصاف:
(أنظر ح 1 ص 256)
أبو الدرداء:
(أنظر ح 1 ص 257)
الخفاف (سنة 286 هـ):
زكريا بن داود بن بكر النيسابورى، أبو يحيى الخفاف.
حافظ للحديث مفسر له «التفسير الكبير» .
خلف بن أيوب (سنة 205 هـ):
خلف بن أيوب من أصحاب محمد بن الحسن وزفر وله مسائل منها الصدقة على السائل فى المسجد قال لا أقبل شهادة من تصدق عليه قيل مات سنة خمس عشرة وقيل عشرين ومائتين وخرج له الترمذى.
خليل:
(أنظر ح 1 ص 256)
خواهرزاده:
(أنظر ح 1 ص 257)
(حرف الدال)
داود:
(أنظر ح 1 ص 257)
أبو داود:
(أنظر ح 1 ص 257)
الدارقطنى:
(أنظر ح 1 ص 257)
أبو الدرداء: (أنظر ح 1 ص 257)
الدردير:
(أنظر ح 1 ص 257)
الدسوقى:
(أنظر ح 1 ص 257)
الديلمى (سنة 53 هـ):
فيروز الديلمى أبو الضحاك صحابى يمانى فارسى الاصل وفد على النبى صلى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث وعاد الى اليمن فأعان على قتل الاسود العنسى ووفد على عمر فى خلافته ثم سكن مصر وولاه معاوية على صنعاء فأقام بها الى أن توفى.
(حرف الراء)
أبو رافع:
(أنظر ح 1 ص 258)
الرافعى:
(أنظر ح 1 ص 258)
الربيع:
(أنظر ح 3 ص 344)
ربيعة بن أبى عبد الرحمن:
(أنظر ربيعة الرأى ح 1 ص 258)
ابن رشد:
(أنظر ح 1 ص 258)
ابن الرفعة:
(أنظر ح 1 ص 259)
الرملى:
(أنظر ح 1 ص 259)
أم رومان (سنة 6 هـ):
بنت عامر بن عويمر ابن عبد شمس بن عتاب بن أذينه بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة امرأة أبى بكر الصديق ووالدة عبد الرحمن وعائشة قال أبو عمر هكذا نسبها مصعب وخالفه غيره والخلاف فى نسبها من عامر الى كنانة لكن اتفقوا على أنها من بنى غنم بن مالك ابن كنانة وقال ابن اسحاق أم رومان اسمها زينب بنت عبد بن دهمان أحد بنى فراس ابن غنم أسلمت وبايعت وهاجرت قال أبو عمر كانت وفاتها فيما زعموا فى ذى الحجة سنة أربع أو خمس عام الخندق وقال ابن الأثير سنة ست وكذلك قال الواقدى.
(حرف الزاى)
الزاهدى:
(أنظر ح 1 ص 259)
ابن الزبير:
(أنظر ح 1 ص 259)
الزبير:
(أنظر ح 1 ص 259)
الزجاج (سنة 311 هـ):
أبو اسحاق ابراهيم ابن السرى بن سهل النحوى الاديب صاحب معانى القرآن والأمالى ومصنفات فى الادب أخذ عن المبرد وثعلب وأخذ عنه الزجاجى وأبو على الفارسى كان يخرط الزجاج ثم تركه واشتغل بالادب فنسب اليه.
زرارة (سنة 150 هـ):
زرارة بن أيمن بن سنسن الشيبانى مولاهم كوفى يكنى أبا الحسن وهو امامى ثقة روى عن أبى جعفر وأبى عبد الله قال عنه النجاشى زرارة بن أيمن أبو الحسن شيخ أصحابنا فى زمانه ومتقدمهم وكان قارئا فقيها متكلما شاعرا أديبا قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين قيل مات سنة مائة وثمان وأربعين.
ابن زرقون (سنة 586 هـ):
محمد بن سعيد بن أحمد الانصارى أبو عبد الله ابن زرقون فقيه مالكى عارف بالحديث أندلسى ولد فى شريش واستقر بأشبيلية ومات بها قال الذهبى كان مسند الاندلس فى وقته ولى قضاء شلب وقضاء سبته وحمدت سيرته ونزاهته له الانوار جمع فيه بين المنتقى والاستذكار وكتاب آخر جمع فيه بين مصنف الترمذى وسنن أبى داود السجستانى
زفر:
(أنظر ح 1 ص 259)
أبو الزناد:
(أنظر ح 1 ص 259)
الزهرى:
(أنظر ح 1 ص 260)
ابن زياد:
(أنظر ح 2 ص 352)
زيد:
(أنظر ح 1 ص 260)
زيد بن ثابت:
(أنظر ح 1 ص 260)
زيد بن حارثة:
(أنظر ح 2 ص 353)
زيد بن خالد (سنة 68 هـ):
الجهنى الصحابى رضى الله عنه أبو عبد الرحمن وقيل أبو طلحه وقيل أبو زرعة سكن المدينة وشهد الحديبية وكان معه لواء جهينة يوم الفتح روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد وثمانون حديثا اتفقا على خمسة وانفرد مسلم بثلاثة توفى بالمدينة وقيل بالكوفة وقيل بمصر.
زيد بن على:
(أنظر ح 1 ص 260)
زيد بن عمر بن الخطاب:
هو ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه من زوجته أم كلثوم بنت على بن أبى طالب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنهم، توفى زيد وأمه فى ساعة واحدة وهو صغير.
الزيلعى:
(أنظر ح 1 ص 260)
(حرف السين)
السائب بن يزيد (سنة 94 هـ):
أبو يزيد السائب بن يزيد بن سعيد بن تمامة ابن الأسود بن عبد الله بن الحارث صحابى وله حلف فى قريش فى عبد شمس وتوفى بالمدينة وقيل سنة احدى وتسعين وقيل ست وثمانين روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث اتفق البخارى ومسلم على حديث وللبخارى أربعة وفى رواية الصحيحين عن الجعيد بن عبد الرحمن قال رأيت السائب بن يزيد سنة أربع وتسعين جلدا معتدلا.
سالم بن عبد الله بن عمر:
(أنظر ح 3 ص 345)
السبكى:
(أنظر ح 1 ص 260).
ابن سراقة (سنة 410 هـ):
محمد بن يحيى بن سراقة العامرى، أبو الحسن.
فقيه فرضى. من أهل البصرة. صنف كتبا فى فقه الشافعية والفرائض ورجال الحديث. ووقف ابن الصلاح على «كتاب الاعداد» له، ونقل عنه فوائد. كان حيا سنة 400 هـ، قال السبكى وأراه توفى فى حدود سنة 410 قلت: ورأيت له رسالة فى ورقة واحدة، فى مجموع بالفاتيكان سماها «التفاحة فى مقدمات المساحة» .
السرخسى:
(أنظر ح 1 ص 261)
سحنون:
(أنظر ح 1 ص 261)
سعد بن ربيع (سنة 3 هـ):
سعد بن الربيع ابن عمرو، من بنى الحارث بن الخزرج صحابى، من كبارهم، كان أحد النقباء يوم العقبة وشهد موقعة بدر واستشهد يوم أحد.
سعد بن معاذ:
(أنظر ح 3 ص 345)
أبو سعيد الخدرى:
(أنظر ح 1 ص 261)
أبو سعيد الاصطخرى:
(أنظر الاصطخرى ح 1 ص 249)
سعيد بن المسيب:
(أنظر ح 1 ص 261)
سعيد بن منصور:
(أنظر ح 3 ص 346)
ابن السكيت سنة 244 هـ):
يعقوب بن اسحاق أبو يوسف بن السكيت امام فى اللغة والادب أصله من خوزستان بين البصرة وفارس تعلم ببغداد واتصل بالمتوكل العباسى فعهد اليه بتأديب أولاده من كتبه اصلاح المنطق والالفاظ والاضداد والقلب والابدال وغيرها.
ابن سلام (سنة 244 هـ):
القاسم بن سلام الهروى الازدى الخزاعى بالولاء الخراسانى البغدادى أبو عبيد من كبار العلماء بالحديث والادب والفقه من أهل هراة ولد وتعلم بها وكان مؤدبا ورحل الى بغداد فولى القضاء بطرسوس ثمانى عشرة سنة ورحل الى مصر سنة 213 والى بغداد فسمع الناس من كتبه وحج فتوفى بمكة من كتبه الغريب المصنف مجلدان فى غريب الحديث ألفه فى نحو أربعين سنة وهو أول من صنف فى هذا الفن.
سلمان بن ربيعة:
ابن ربيعة بن يزيد بن عمرو بن سهم بن ثعلبة الباهلى مختلف فى صحبته قال أبو حاتم له صحبة يكنى أبا عبد الله وقال ابن منده ذكره البخارى فى الصحابة ولا يصح ويقال له سلمان الخيل روى عنه كبار التابعين كأبى وائل وأبى ميسرة وأبى عثمان النهدى وسويد بن غفلة وشهد فتوح الشام ثم سكن العراق وولى غزو أرمينية فى زمن عثمان فاستشهد قبل الثلاثين أو بعدها وقال ابن حبان فى ثقات التابعين وهو أول من استقضى على الكوفة وكان رجلا صالحا يحج كل سنة.
سلمان الفارسى:
(أنظر ح 3 ص 346)
أبو سليمان (بعد المائتين):
موسى بن سليمان أبو سليمان الجوزجانى أخذ الفقه عن محمد وكتب مسائل الاصول والامالى وكان مشاركا لعلى بن منصور عرض عليه المأمون القضاء وله السير الصغير والنوادر وغير ذلك.
ابن سماعة (سنة 233 هـ):
محمد بن سماعة بن عبد الله بن هلال بن وكيع أبو عبد الله التميمى حدث عن الليث بن سعد وأبى يوسف ومحمد وأخذ الفقه عنهما وعن الحسن بن زياد وكتب النوادر عن أبى يوسف ومحمد ولد سنة 130 وقال الجامع ذكر القارى أنه من الحفاظ الثقات.
ابن السنى (سنة 364 هـ):
الحافظ بن أحمد بن محمد بن اسحاق بن ابراهيم الديثورى صاحب كتاب عمل يوم وليلة رحل وكتب الكثير وروى عن النسائى وأبى خليفة وطبقتهما.
سهل بن حنيف (سنة 38 هـ):
سهل بن حنيف بن وهب الانصارى الاوسى، أبو سعد: صحابى من السابقين شهد بدرا وثبت يوم أحد. وشهد المشاهد كلها. وآخى النبى صلى الله عليه وسلم بينه وبين على بن أبى طالب. وأستخلفه على على البصرة بعد وقعة الجمل. ثم شهد معه صفين. وتوفى بالكوفة.
فصلى عليه على. له فى الصحيحين 40 حديثا.
أبو سهل الفرضى:
صاحب كتاب الرياض درس على أبى الحسن الكرخى وأخذ العلم عنه عن أبى سعيد البردعى عن اسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة عن أبيه عن جده ثم رجع الى نيسابور فأقام بها الى أن مات ودرس عليه أبو بكر أحمد بن على الرازى وفقهاء نيسابور. ذكر شمس الأئمة السرخسى فى مبسوطه أبو سهل الغزالى وأبو سهل الفرضى وهو أبو سهل الزجاجى تارة يذكر بالغزالى وتارة بالفرضى وتارة بالزجاجى.
سيبويه (سنة 180 هـ):
عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثى بالولاء أبو بشر الملقب سيبويه امام النحاة وأول من بسط علم النحو ولد فى احدى قرى شيراز وقدم البصرة فلزم الخليل بن أحمد ففاقه وصنف كتابه المسمى كتاب سيبويه فى النحو لم يصنع قبله ولا بعده مثله ورحل الى بغداد فناظر الكسائى وأجازه الرشيد بعشرة آلاف درهم وعاد الى الاهواز فتوفى بها وقيل وفاته وقبره بشيراز.
ابن السيد (سنة 521 هـ):
عبد الله بن محمد ابن السيد أبو محمد من العلماء باللغة والادب ولد ونشأ فى بطليوس فى الاندلس وانتقل الى بلنسية فسكنها وتوفى بها من كتبه الاقتضاب فى شرح
أدب الكتاب لابن قتيبة والمسائل والاجوبة والحدائق فى أصول الدين وغيرها.
ابن سيرين:
(أنظر ح 1 ص 262)
(حرف الشين)
ابن شاش:
(أنظر ح 2 ص 254)
الشاشى:
(أنظر القفال ح 1 ص 272)
الشاطبى:
(أنظر ح 1 ص 262)
الشافعى:
(أنظر ح 1 ص 262)
الشبراملسى:
(أنظر ح 1 ص 262)
شبل بن معبد:
جاء فى الاستيعاب شبل بن خالد ويقال ابن حامد ويقال شبل ابن خليد ويقال شبل بن معبد. قال يحيى بن معين شبل بن معبد هو أشبه بالصواب أو قال هو الصواب ذكره ابن عيينة فى حديث يرويه عن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يتابع ابن عيينة على ذكر شبل فى هذا الحديث ولاله ذكر فى الصحابة الا فى رواية ابن عيينه.
وليست لشبل بن حامد صحبة.
الشربينى:
(أنظر الخطيب الشربينى ح 1 ص 256)
الشرنبلالى:
(أنظر ح 1 ص 263)
ابن شريح (سنة 236 هـ):
أبو عمر النقال، خوارزمى الاصل، حدث عن حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة. روى عنه أحمد بن منصور الرمادى، وأحمد بن أبى طيثمة، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفى، وأبو بكر بن أبى الدنيا:
سئل يحيى بن معين عن حارث النقال، وأحمد بن ابراهيم الموصل فقال:
ثقتان صدوقان.
شريح:
(أنظر ح 1 ص 263)
الشعبى:
(أنظر ح 1 ص 263)
الشلبى:
(أنظر ح 1 ص 263)
شمس الأئمة:
(أنظر السرخسى ح 1 ص 261)
شيخ الاسلام (سنة 482 هـ):
أحمد بن محمد بن صاعد الاستوائى أبو منصور الحنفى أخد العلم عن جده صاعد عن أبيه محمد وقد ذكره الذهبى فقال فى الطبعة الخامسة والعشرين قاضى القضاة رئيس نيسابور أحمد بن محمد الصاعدى وكان يقال له شيخ الاسلام.
(حرف الصاد)
الصاوى:
(أنظر ح 1 ص 264)
ابن أبى صعصعة:
جابر بن أبى صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبدول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار شهد أحد وما بعدها واستشهد بمؤتة.
الصفتى:
(أنظر ح 1 ص 264)
صفية بنت عبد المطلب صحابية:
رضى الله عنها عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى أم الزبير بن العوام أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة وهى أخت حمزة بن عبد المطلب لامه أسلمت صفية وهاجرت الى المدينة وبها توفيت فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقد أجمعوا على اسلامها.
صلاح الدين الايوبى (سنة 532 - 589 هـ):
يوسف بن أيوب بن شاذى، أبو المظفر، صلاح الدين الأيوبى، الملقب بالملك الناصر من أشهر ملوك الاسلام. ولد بتكريت وهاجم الفرنج فى دمياط فصدهم صلاح الدين ثم استقل بملك مصر، وانصرف الى عملين جديين أحدهما الاصلاح الداخلى فى مصر والشام والثانى دفع غارات الصليبيين ومهاجمة حصونهم وقلاعهم فى بلاد الشام. فبدأ بعمارة قلعة مصر، وانشأ مدارس وأثارا فيها. وكان أعظم انتصار له على الفرنج فى فلسطين والساحل الشامى «يوم حطين» الذى تلاه استرداد طبرية وعكا ويافا الى ما بعد بيروت، ثم افتتاح القدس، وأخيرا عقد الصلح بينه وبين كبير الفرنج ريتشارد قلب الاسد. وكان رقيق النفس، على شدة بطولته رجل سياسة وحرب، بعيد النظر. اطلع على جانب حسن من الحديث والفقه والادب ولا سيما انساب العرب ووقائعهم. ولم يدخر لنفسه مالا ولا عقارا وكانت مدة حكمه بمصر 24 سنة وبسورية 19 سنة.
الصيدلانى (سنة 568 هـ):
أبو جعفر الصيدلانى محمد بن الحسن الاصبهانى له أجازة من بيبى الهرثمية تفرد بها وسمع من شيخ الاسلام وطبقته بهراة ومن سليمان الحافظ وطبقته بأصبهان توفى فى ذى القعدة.
(حرف الضاد)
ضباعة بنت الزبير:
(أنظر ح 3 ص 348)
(حرف الطاء)
طارق بن شهاب (سنة 82 - 84 هـ):
ابن شهاب بن عبد شمس بن سلمة بن هلال ابن عوف بن جشم بن عمرو رأى النبى صلى الله عليه وسلم وهو رجل ويقال أنه لم يسمع منه شيئا قال البغوى ونزل الكوفة قال ابن أبى حاتم سمعت أبى يقول ليست له صحبة والحديث الذى رواه مرسل واذا ثبت أنه لقى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فهو صحابى على الراجح واذا ثبت أنه لم يسمع منه فروايته عنه مرسل صحابى وهو مقبول على الراجح وجزم ابن حبان بأنه مات سنة ثلاث وثمانين.
طارق بن شهاب (سنة 83 هـ):
أبو عبد الله طارق بن شهاب بن عبد شمس بن سلمة الكوفى البجلى الأحمس، أدرك الجاهلية وصحب النبى صلى الله عليه وسلم وغزا فى زمن أبى بكر وعمر ثلاثا وثلاثين أو ثلاثا وأربعين غزوة وروى عن الخلفاء الأربعة وابن مسعود وسلمان وخالد وأبى موسى وحذيفة روى عنه جماعات من التابعين منهم قيس بن مسلم ومخارق بن عبد الله وغيرهم.
أبو طالب يحيى بن الحسين:
(أنظر ح 1 ص 264)
الطحاوى:
(أنظر ح 1 ص 265)
الطحطاوى:
(أنظر ح 1 ص 265)
طاووس:
(أنظر ح 2 ص 356)
طليحة:
طليحة بالتصغير بن خويلد بن نوفل ابن نفيلة بن الاسير بن جحوان بن فقعس وقدم على النبى صلى الله عليه وسلم فى وفد أسند خزيمة سنة تسع وأسلموا فلما رجعوا ارتد طليحة وأدعى النبوة فأرسل اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار بن الازور ثم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقويت شوكة طليحة فأرسل اليه أبو بكر الصديق رضى الله عنه خالد بن الوليد فقاتله بنواحى سميراء وبزاحة فأرسل اليه خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت ابن أرقم فقتل طليحة أحدهما ثم أخوه الاخر ثم هزم الله طليحة وفرق شمل أتباعه وظهر عليهم المسلمون فلحق طليحة بالشام حتى توفى أبو بكر ثم أسلم طليحة وحسن اسلامه وحج فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
(حرف العين)
عائشة:
(أنظر ح 1 ص 265)
ابن عابدين:
(أنظر ح 1 ص 265)
عامر بن عبد الله (سنة 55 هـ):
عامر بن عبد الله، تابعى من بنى العنبر قال أبو نعيم هو أول من عرف بالنسك من عباد التابعين بالبصرة هاجر اليها وتلقن القرآن من أبى موسى الأشعرى حين قدم البصرة وعلم أهلها القرآن. مات ببيت المقدس فى خلافة معاوية.
أبو العباس:
(أنظر ح 1 ص 266)
ابن عباس:
(أنظر عبد الله بن عباس ح 1 ص 267).
أبو العباس بن القاص (سنة 335 هـ):
أحمد بن أبى أحمد الطبرى الشيخ الامام أبو العباس بن القاص، أمام عصره وصاحب التصانيف المشهورة. التلخيص والمفتاح وأدب القاضى والمواقيت وغيرها فى الفقه وله مصنف فى أصول الفقه كان اماما جليلا أخذ الفقه عن أبى العباس بن شريح مات ابن القاص بطرسوس.
ابن عبد البر:
(أنظر ح 1 ص 266)
ابن عبد الحكم (سنة 214 هـ):
أبو عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع الفقيه المالكى المصرى كان أعلم أصحاب مالك بمختلف قوله وأفضت اليه رياسة الطائفة المالكية بعد أشهب وروى عن مالك الموطأ سماعا وهو والد أبى عبد الله محمد صاحب الامام الشافعى
عبد الرزاق (سنة 211 هـ):
عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميرى مولاهم أبو بكر
الصنعانى من حفاظ الحديث الثقات من أهل صنعاء كان يحفظ نحوا من سبعة عشر الف حديث له الجامع الكبير فى الحديث قال الذهبى وهو خزانة علم.
عبد الرحمن بن الحجاج البجلى:
من أصحاب الصادق، وقال النجاشى عبد الرحمن ابن الحجاج البجلى مولاهم كوفى بياع السابرى سكن بغداد ورمى بالكيسانية روى عن أبى عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام وبقى بعد أبى الحسن ورجع الى الحق ولقى الرضا وكان ثقة ثبتا.
ابن عبد السلام:
(أنظر ح 1 ص 266، وأنظر عز الدين ح 1 ص 268)
عبد العزيز بن محمد (سنة 186 هـ):
عبد العزيز بن محمد الاندراوردى جاء فى رجال الطوسى أنه أسند عنه
أبو عبد الله:
(أنظر أحمد بن حنبل ح 1 ص 255.
عبد الله بن جعفر:
(أنظر ح 3 ص 350)
عبد الله بن الحارث (سنة 86 هـ):
عبد الله ابن الحارث بن جزء الزبيدى صحابى سكن مصر وعمى قبل وفاته وهو آخر من مات بمصر من الصحابة روى عنه المصريون أحاديث.
عبد الله الحسين (سنة 412 هـ):
ابن محمد ابن أحمد بن عبد الله بن الحارث التميمى المعلم، أمام مسجد ابن زغبان أحد فقهاء الحنابلة. حدث عن ابن سماك والنقاش.
عبد الله بن عباس:
(أنظر ح 1 ص 267)
عبد الله بن عبد الرحمن:
الانصارى ذكره الطبرى والبارودى وأبو يعلى فى الصحابة وأوردوا له من طريق الخطاب ابن سعيد عن سليمان بن محمد بن ابراهيم الانصارى عنه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عبد الله بن عمرو بن العاص:
(أنظر ح 1 ص 267).
عبد الوهاب:
(أنظر ح 1 ص 267)
عبيدة صحابى:
عبيدة بن الحارث هو أبو معاوية وقيل أبو الحارث عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصى القريشى المطلبى كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين.
أبو عبيدة:
(أنظر ح 2 ص 357)
أبو عبيدة: زياد بن عيسى الكوفى أبو عبيدة الحذاء روى عن أبى جعفر وأبى عبد الله وعن العقيقى أنه كان حسن المنزلة عند آل محمد صلى الله عليه وسلم وكان زامل أبا جعفر الى مكة ومات فى حياة الصادق بالمدينة.
أبو عبيدة القرن الثالث الهجرى:
أبو عبيدة عبد الحميد الجناوى. فقيه أباضى، اختير ليخلف أبو الحسن أيوب بن العباس وقد تردد كثيرا حتى قبل الاستخلاف، فنشر العدل، قال أبو زكريا أنه من علماء النصف الاول من القرن الثالث.
ابن عتاب صحابى:
عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس القريشى الاموى ذكره أبو موسى الاصبهانى فى الصحابة وكان عبد الرحمن مع عائشة فى وقعة الجمل فقتل هنالك.
عتيبة بن عبد الله:
ابن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدى بن غنم بن كعب ابن سلمة الانصارى الخزرجى السلمى ذكره ابن اسحاق فيمن شهد بدرا.
عثمان ابن أبى العاص:
(أنظر ح 1 ص 268)
عثمان بن عفان:
(أنظر ح 1 ص 268)
العدوى:
(أنظر الدردير ح 2 ص 257).
ابن عرفة:
(أنظر ح 1 ص 268).
عطاء:
(أنظر ح 2 ص 357، 358).
ابن العطار:
(أنظر ح 3 ص 351)
عكاشة بن محصن صحابى:
هو أبو محصن عكاشة بن محصن بن حرثان بضم الحاء المهملة واسكان الراء وبعدها ثاء مثلثة ابن قيس بن مرة بن بكير بن غنم بن دودان بدالين مهملتين الاولى مضمومة شهد بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا استشهد فى قتال المرتدين فى زمن أبى بكر الصديق رضى الله عنه وشهد أحد والخندق وسائر المشاهد مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم روى عنه أبو هريرة وابن عباس وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بانه يدخل الجنة
عقبة بن الحارث صحابى:
الصحابى رضى الله عنه هو أبو سروعة بكسر السين المهملة ابن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصى القريشى النوفلى المكى الصحابى أسلم يوم فتح مكة. روى له البخارى ثلاثة أحاديث.
عقبة بن عامر:
(أنظر ح 3 ص 351)
علقمة:
(أنظر ح 1 ص 269)
على خليد:
على بن خليد البكرى كان يعرف بأبى الحسن المكفوف وهو بغدادى عد من الحسان وعده الجزائرى فى الضعفاء.
أبو على بن خيران (سنة 310 هـ):
الحسين بن صالح بن خيران الشيخ أبو على كان أحد أركان مذهب الشافعى كان اماما زاهدا ورعا تقيا نقيا متقشفا من كبار الأئمة ببغداد عرض عليه القضاء فى خلافة المقتدر فلم يفعل قال الذهبى لم يبلغنا على من اشتغل ابن خيران ولا عمن أحد العلم وأظنه مات كهلا قال الواسطى نقلا عن ابن العسكرى توفى سنة عشرين وثلثمائة والاصح ما ذكر فى صدر الترجمة.
على بن أبى طالب:
(أنظر ح 1 ص 269)
عليش:
(أنظر ح 1 ص 269)
ابن علية:
(أنظر ح 2 ص 358)
عمار بن ياسر:
(أنظر ح 1 ص 269)
ابن عمر:
(أنظر عبد الله بن عمر ح 1 ص 267)
عمر بن الخطاب:
(أنظر ح 1 ص 269)
عمر بن عبد العزيز:
(أنظر ح 1 ص 269)
عمران بن الحصين:
(أنظر ح 2 ص 359)
عمران بن على:
عمران بن على بن أبى شعبة الحلبى الكوفى من أصحاب الصادق وثقه النجاشى وفى الخلاصة انه ثقة لا يطعن عليه وكنيته أبو الفضل.
عمرو بن حزم:
(أنظر ح 1 ص 269)
عمرو بن شعيب:
(أنظر ح 1 ص 270)
عيسى بن أبان (سنة 221) هـ:
عيسى بن أبان بن صدقة القاضى أبو موسى تفقه على محمد بن الحسن قيل عنه ما فى الاسلام قاض أفقه من عيسى وله كتاب الحج تولى القضاء بالبصرة حتى مات بها وقال أبو خازم القاضى ما رأيت لاهل بغداد أكثر حديثا من عيسى وبشر بن الوليد.
العينى:
(أنظر ح 1 ص 270)
(حرف الغين)
ابن الغرس:
(أنظر ح 2 ص 360)
الغزالى:
(أنظر ح 1 ص 270)
غيلان بن سلمة (سنة 23 هـ):
غيلان بن سلمة الثقفى حكيم شاعر، أدرك الاسلام وأسلم يوم الطائف وعنده عشر نسوة فأمره النبى صلى الله عليه وسلم فاختار أربعا فصارت سنة وهو ممن وفد على كسرى وأعجب كسرى بكلامه.
(حرف الفاء)
فاطمة رضى الله عنها:
(أنظر ح 1 ص 271)
ابن فرحون:
(أنظر ح 1 ص 271)
الفضل بن العباس (سنه 18 هـ):
بن عبد المطلب الهاشمى الصحابى ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كنيته أبو عبد الله وقيل أبو محمد وقيل أبو العباس شهد مع النبى صلى الله عليه وسلم الفتح وحنينا وثبت معه يوم حنين حين انهزم الناس وشهد معه حجة الوداع روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرون حديثا توفى بالشام فى طاعون عمواس وقيل استشهد يوم أجنادين ولم يترك ولدا
الا أم كلثوم تزوجها الحسن بن على ثم فارقها فتزوجها أبو موسى الاشعرى.
أم الفضل (سنة 30 هـ):
لبابة بنت الحارث الهلالية الشهيرة بأم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب من نبيلات النساء ومنجباتهن ولدت من العباس سبعة أحدهم عبد الله بن عباس وهى التى ضربت أبا لهب بعمود فشجته حين رأته يضرب أبا رافع مولى رسول
الله فى حجرة زمزم بمكة على أثر وقعة بدر وكان موت أبى لهب بعد ضربة أم الفضل له بسبع ليال أسلمت بمكة بعد اسلام خديجة وروت 30 حديثا منها 3 فى الصحيحين وتسمى لبابة الكبرى تمييزا لها عن أخت لابيها أسمها لبابة أيضا وتعرف بالصغرى.
الفنرى:
(أنظر ح 2 ص 360)
(حرف القاف)
ابن القاسم:
(أنظر ح 1 ص 271)
القاسم:
(أنظر ح 1 ص 271)
القاسم بن عبد الرحمن:
ابن عبد الله بن مسعود الهزلى أبو عبد الرحمن الكوفى قاضيها روى عن أبيه وأبى ذر وعبد الله ابن عمر وجابر بن سمرة روى عنه الاعمش والمسعودى ومسعر وآخرون قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال يحيى بن معين هو ثقة وقال أحمد ابن عبد الله هو ثقة رجل صالح وكان لا يأخذ على القضاء والفتيا أجرأ واتفقوا على توثيقه قال على بن المدينى لم يلق القاسم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير جابر بن سمرة قيل له فلقى ابن عمر فقال كان يحدث عنه حديثين ولم يسمع منه شيئا.
القاسم بن محمد:
(أنظر ح 3 ص 352)
القاضى:
(أنظر ح 1 ص 267، 268، ح 2 ص 261، 262، ح 3 ص 353)
القاضى أبو بكر (سنة 361 هـ) محمد بن أحمد بن شاهويه أبو بكر القاضى الفارسى سمع أبا خليفة القاضى وزكرياء ابن يحيى الساجى وأقرانهما قد كان امام نيسابور زمانا ثم خرج الى بخارى وكان يدرس فى مدرسة أبى حفص الفقيه ثم انصرف الى نيسابور وحدث بها ومات بنيسابور.
القاضى اسماعيل (سنة 282 هـ):
اسماعيل ابن اسحاق بن اسماعيل بن حماد بن زيد الازى وكنيته أبو اسحاق الفقيه المالكى القارئ المقرئ الاصولى المحدث الأديب أصله من البصرة وبها نشأ واستوطن بغداد كان من بيت علم ومجد وسؤدد فى الدين والدنيا ولبيته فضل كبير فى نشر مذهب مالك بالعراق تتلمذ له كثيرون منهم موسى بن هارون وعبد الله بن الامام أحمد بن حنبل وأبو القاسم البغوى ويحيى بن صاعد وغيرهم ألف كتبا كثيرة منها كتاب فى أحكام القرآن وكتاب الفرائض وكتاب الاصول.
القاضى أبو يعلى الخطابى:
(أنظر ح 1 ص 281)
قبيصه بن ذؤيب:
(أنظر ح 3 ص 353)
قتاده:
(أنظر ح 3 ص 353)
أبو قتادة:
(أنظر ح 2 ص 362)
ابن قدامة:
(أنظر ح 1 ص 272)
القدورى:
(أنظر ح 1 ص 272)
القرافى:
(أنظر ح 1 ص 272)
ابن القصار:
(أنظر ح 3 ص 354)
القهستانى:
(أنظر ح 2 ص 362)
قيس بن الحارث:
ابن حذاف الاسدى وقيل الحارث بن قيس والثانى أشبه لانه قول الجمهور وجزم بالاول أحمد ابن ابراهيم الدورقى وجماعة وبالثانى البخارى وابن السكن وقال ابن حبان قيس بن الحارث الاسدى له صحبة وقال ابن أبى حاتم مثله قال أسلمت وعندى ثمان نسوة الحديث روى عنه حميضة بن الشمرول.
(حرف الكاف)
الكاسانى:
(أنظر ح 1 ص 273)
الكرخى:
(أنظر ح 1 ص 273)
كريب بن أبرهة (سنة 75 هـ):
كريب بن أبرهة بن الصباح بن مرتد الاصبحى أمير يمانى من التابعين وقيل له صحبة شهد فتح مصر وسكن الجيزة وشهد صفين مع معاوية.
كعب بن مالك (سنة 53 هـ):
هو أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن ويقال أبو محمد وقيل أبو بشير كعب ابن مالك بن عمرو بن القين بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة. شهد العقبة واحدا وسائر المشاهد الا بدرا وتبوك وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم وأنزل فيهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا «حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم
أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله الا اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا» روى لكعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانون حديثا. روى عنه بنوه عبد الله وعبد الرحمن وعبيد الله بنو كعب وابن عباس وجابر. جرح كعب يوم أحد أحد عشر جرحا فى سبيل الله. توفى بالمدينة.
أم كلثوم بنت على بن أبى طالب:
هى بنت فاطمة رضى الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها عمر بن الخطاب رضى الله عنه فولدت له زيدا ورقية.
الكمال بن الهمام:
(أنظر ح 1 ص 273)
(حرف اللام)
اللخمى:
(أنظر ح 1 ص 274)
أبو الليث:
(أنظر ح 1 ص 363)
ابن أبى ليلى:
(أنظر ح 1 ص 274)
(حرف الميم)
المؤيد بالله:
(أنظر ح 1 ص 275)
الماتريدى:
(أنظر ح 1 ص 274)
ابن ماجه:
(أنظر ح 1 ص 274)
المازرى:
(أنظر ح 1 ص 274)
ابن مالك (سنة 672 هـ):
جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الجيانى الاندلسى الشافعى ناظم كتاب الالفية فى تدوين المقاصد النحوية ولد بجيان من بلاد الاندلس وقدم دمشق وتصدر بها ثم جاء حلب وتصدر بها أيضا واشتغل بفقه الشافعى قيل كان آية فى الاطلاع على الحديث وكان أكثر ما يستشهد بالقرآن فان لم يكن فيه شاهد عدل الى الحديث فان لم يكن فيه فأشعار العرب له مصنفات منها الالفية وشرح التسهيل وشرح الجزولية الى غير ذلك.
مالك:
(أنظر ح 1 ص 275)
مالك بن الحويرث (سنة 94 هـ) صحابى:
أبو سليمان مالك بن الحويرث ويقال مالك بن الحارث واتفقوا على أنه من بنى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ابن خزيمة وهو معدود فى البصريين توفى بالبصرة روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر حديثا اتفقا على حديثين وانفرد البخارى بحديث.
الماوردى:
(أنظر ح 1 ص 275)
المتولى:
(أنظر ح 3 ص 355)
مجاهد:
(أنظر ح 3 ص 355)
المحاملى (سنة 330 هـ):
القاضى أبو عبد الله الحسين بن اسماعيل بن محمد الصبى البغدادى كان عالما فاضلا، ولى قضاء الكوفه ستين سنة سمع البخارى ومحمد بن المثنى العنزى والزبير بن بكار وطبقتهم ومن بعدهم، وروى عنه الطبرانى والدارقطنى وأبو بكر بن الحبابى وأبو حفص بن شاهين وغيرهم يحكى أنه كان يحضر مجلس أملائه عشرة آلاف رجل.
أبو محذورة (سنة 59 هـ):
سليمان بن سمرة ويقال سمرة بن معير بن لوذان ابن عريج بن سعد بن جمح، وأسلم أبو محذورة بعد حنين وأمره النبى صلى الله عليه وسلم بالاذان بمكة وقال ابن قتيبة فى المعارف أن الاذان بقى فى عقبه حتى أليوم «أيام ابن قتيبة» .
محمد:
(أنظر محمد بن الحسن ح 1 ص 275)
محمد بن حكم (سنة 538 هـ):
محمد بن حكم بن محمد بن أحمد بن باق الجذامى محمد بن أحمد بن باق الجذامى السرقسطى أبو جعفر عالم بالعربية والأدب وأصول الفقه من أهل سرقسطة واستقر بمدينة فاس وولى أحكامها ومات بتلمسان.
محمد بن الحنفية (سنة 81 هـ):
محمد بن الحنفية بن أبى طالب الهاشمى القرشى أبو القاسم المعروف بابن الحنفية أحد الابطال الاشداء فى صدر الاسلام وهو أخو الحسن والحسين غير أن أمهما فاطمة الزهراء وأمه خولة بنت جعفر الحنفية
ينسب اليها تمييزا له عنهما كان يقول الحسن والحسين أفضل منى وأنا أعلم منهما كان واسع العلم ورعا وأخبار قوته وشجاعته كثيرة مولده ووفاته فى المدينة.
أبو محمد بن أبى زيد (أنظر القيروانى ح 1 ص 273)
محمد بن على (سنة 287 هـ):
محمد بن على بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن على بن أبى طالب أبو عبد الله العلوى الهاشمى وكان من العلماء بالحديث قال ابن أبى حاتم صدوق ثقة ونعته ابن حزم بالمحدث.
محمد بن مسلمة (سنة 43 هـ):
محمد بن مسلمة الاوسى الانصارى الحارثى أبو عبد الرحمن صحابى من أهل المدينة شهد بدرا وما بعدها الا غزوة تبوك واستخلفه النبى صلى الله عليه وسلم على المدينة فى بعض غزواته وولاه عمر على صدقات جهينة واعتزل الفتنة فى أيام على فلم يشهد الجمل ولا صفين مات بالمدينة.
محمد بن قيس (سنة 151 هـ):
محمد بن قيس البجلى عده الطوسى فى رجاله من أصحاب الصادق وقال أنه كوفى أسند عنه.
محمد بن اليمان السمرقندى (سنة 268 هـ):
محمد بن اليمان أبو بكر السمرقندى الامام من طبقة الماتريدى له كتاب معالم الدين وكتاب الرد على الكرامية وكتاب الاعتصام توفى سنة ثمان وستين ومائتين.
ابن مرزوق:
(أنظر ح 3 ص 356)
المرغينانى:
(أنظر ح 1 ص 257)
المروزى:
(أنظر ح 1 ص 275)
المزنى:
(أنظر ح 1 ص 276)
مسروق بن الاجدع:
(أنظر ح 1 ص 276)
ابن مسعود:
(أنظر عبد الله ح 1 ص 267)
المسعودى (نيف وعشرين وأربعمائة):
شيخ المؤرخين وعمادهم أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعودى الهزلى العالم الجليل الالمعى له كتاب فى الامامة وغيرها وهو صاحب مروج الذهب نشأ فى بغداد وساح فى البلاد فطاف فارس وكرمان وقصد الهند الى ملتان وعطف الى كنبابة فسر نديب ثم ركب البحر الى بلاد الصين وطاف البحر الهندى وعاد الى عمان ورحل رحلة أخرى سنة 314 الى ما وراء أذربيجان وجرجان ثم الى الشام وفلسطين وكان يسكن مصر تارة والشام تارة أخرى ومن سنة 336 الى سنة 344 أقام بالفسطاط وقد يطلق المسعودى على أبى عبد الله محمد بن عبد الله بن مسعود أحمد الفقيه الشافعى تلميذ القفال شارح مختصر المزنى.
مسلم:
(أنظر ح 1 ص 276)
مسيلمة الكذاب:
هو مسيلمة بن حبيب وهو من بنى حنيفة كنيته أبو تمامة وجمع جموعا كثيرة من بنى حنيفة وغيرهم من سفهاء العرب وغوغائهم وقصد قتال الصحابة فى أثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهز عليه أبو بكر الصديق رضى الله عنه الجيوش وأميرهم خالد بن الوليد رضى الله عنه سنة أحدى عشرة من الهجرة فقاتلوه فظهروا على مسيلمة فقتلوه كافر أو قتل خلائق من أتباعه وانهزم من أفلت منهم وطغيت آثارهم.
أبو مضر (سنة 508 هـ):
محمود بن جرير الضبى الاصبهانى، أبو مضر: أول من أدخل مذهب المعتزلة الى خوارزم ونشره فيها. كان عالم عصره باللغة والنحو، يضرب به المثل فى أنواع الفضائل، أقام مدة فى خوارزم وتخرج عليه جماعة منهم الامام الزمخشرى.
ومات بمرو.
ابن المظفر (سنة 379 هـ):
محمد بن المظفر ابن موسى بن عيسى أبو الحسين البزاز محدث العراق فى عصره يقال انه من ولد سلمة بن الاكوع. أصله من سامرا ومولده ووفاته ببغداد صنف كتبا.
معاذ بن جبل:
(أنظر ح 1 ص 276)
معاوية:
(أنظر ح 1 ص 276)
معقل بن يسار صحابى:
أبو عبد الله ويقال أبو يسار وأبو على معقل بن يسار بن معبر بن حراق بن لؤى بن كعب بن عبيد المزنى البصرى وكان معقل من مشهورى الصحابة شهد بيعة الرضوان ونزل البصرة وبها توفى فى آخر خلافة معاوية له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وثلاثون حديثا.
المغيرة بن شعبة:
(أنظر ح 3 ص 357)
ابن أم مكتوم:
(أنظر ح 3 ص 357)
المقدسى:
(أنظر ابن قدامة ح 1 ص 271)
مكحول:
أنظر ح 3 ص 357)
ابن المنذر:
(أنظر ح 1 ص 277)
أبو منصور (سنة 429 هـ):
عبد القادر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادى التميمى الاسفرايينى عالم متفنن من أئمة الاصول كان صدر الاسلام فى عصره ولد ونشأ فى بغداد ورحل الى خراسان فاستقر فى نيسابور ومات فى اسفرايين.
المناوى (سنة 803 هـ):
محمد بن ابراهيم ابن اسحاق السلمى المناوى ثم القاهرى الشافعى صدر الدين أبو المعالى قاض عالم بالحديث من أهل القاهرة ناب فى الحكم وولى افتاء دار العدل ثم قضاء الديار المصرية استقلالا سنة 791 وحمدت سيرته وصنف كشف المناهج والتناقيح فى تخريج أحاديث المصابيح مات غريقا فى الفرات.
المواق:
(أنظر ح 2 ص 365)
أبو موسى:
(أنظر ح 1 ص 278)
موسى بن طلحة (سنة 106 هـ):
موسى بن طلحة بن عبيد الله التميمى، أبو عيسى:
تابعى، من أفصح أهل عصره كان يقال له «المهدى» لفضله سكن الكوفة.
قال الواقدى: كان ثقة، كثير الحديث
الموفق:
(أنظر ح 1 ص 365)
(حرف النون)
الناصر:
(أنظر ح 1 ص 278)
نافع:
(أنظر ح 1 ص 278)
النجاد (سنة 348 هـ):
أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن بن اسرائيل الفقيه الحنبلى كان له فى جامع المنصور يوم الجمعة حلقتان قبل الصلاة وبعدها أحداهما للفتوى فى الفقه والاخرى لاملاء الحديث ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد وأثنى عليه.
النخعى:
(أنظر ح 1 ص 279)
النسائى:
(أنظر ح 1 ص 279)
أبو نوح:
القرن الرابع: سعيد بن زنفيل واحد من كبار علماء الإباضية تتلمذ على الامامين الكبيرين أبى القاسم وأبى خزر واستلم منهما الرسالة وقام بأمر الامة وعنهما أخذ العلم حتى بلغ مبلغ الفحول وأشتهر بشجاعته وكان كثير الارتحال فى مواطن الإباضية بالشمال الا فريقى.
نوح بن دراج (سنة 182 هـ):
نوح بن دراج النخعى، مولاهم، أبو محمد: قاض، من أصحاب أبى حنيفة. كوفى. كان أبوه حائكا من النبط، له أربعة أبناء تولوا القضاء. وولى نوح بالكوفة، وأصيبت عيناه، فكان يقضى وهو أعمى، واستمر ثلاث سنين لا يعلم أحد بعماه.
وتوفى وهو قاضى الجانب الشرقى من بغداد.
النووى:
(أنظر ح 1 ص 279).
(حرف الهاء)
ابن الهائم (سنة 798 هـ):
محمد بن أحمد ابن محمد بن عماد أبو الفتح محب الدين ابن الهائم فاضل مصرى الاصل مقدسى الاقامة والوفاة اشتغل بالفقه والحديث وخرج لنفسه ولغيره.
الهادى:
(أنظر ح 1 ص 280)
أبو هريرة:
(أنظر ح 1 ص 280)
هزيل بن شرجبيل:
وهزيل هذا أودى تابعى كوفى جليل ثقة قيل أدرك الجاهلية روى له البخارى فى صحيحه وهو أخو الارقم روى عن ابن مسعود وروى عنه عبد الرحمن بن مروان.
أبو الهزيل العلاف (سنة 235 هـ):
محمد بن الهزيل بن عبد الله بن مكحول العبدى مولى عبد القيس أبو الهزيل العلاف من أئمة المعتزلة، ولد فى البصرة واشتهر بعلم الكلام، له مقالات فى الاعتزال ومجالس ومناظرات، وكان حسن الجدل قوى الحجة سريع الخاطر وتوفى بسامرا.
هشيم بن بشير (سنة 183):
الامام أبو معاوية هشيم بن بشير السلمى الواسطى محدث بغداد روى عن الزهرى وطبقته، قال يحيى بن القطان هو احفظ من رأيت بعد سفيان وشعبة، وقال عبد الرحمن ابن مهدى: هشيم احفظ للحديث من الثورى.
هلال:
(أنظر ح 2 ص 366)
وائل بن حجر:
صحابى: أبو هنيدة ويقال أبو هنيد وائل بن حجر بن ربيعة بن يعمر الحضرمى كان من ملوك الحمير وكان أبوه من ملوكهم وفد وائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله عليه السلام بشر أصحابه بقدومه قيل وصوله بأيام وقال يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة من حضرموت طائعا راغبا فى الله عز وجل وفى رسول الله وهو بقيه الاقيال فلما دخل رحب به وأدناه من نفسه وبسط له رداءه واجلسه عليه مع نفسه وقال اللهم بارك فى وائل وولده واستعمله على بلاده وأقطعه أرضا وأرسل معاوية ابن أبى سفيان وقال أعطه اياها روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وسبعون حديثا نزل الكوفة وعاش الى أيام معاوية وشهد معه صفين.
وكيع (سنة 197 هـ):
هو من بنى رواث بن طلاب ويكنى أبا سفيان وكان الجراح أبوه على بيت مال المهدى وتوفى فى طريق مكه.
ابن وهب:
(أنظر ح 2 ص 366)
(حرف الياء)
الامام يحيى:
(أنظر ح 1 ص 280)
أم يحيى:
صحابية: بنت أبى اهاب بن عزيز بفتح العين المهملة وبزاى مكررة وحديتها فى صحيح البخارى وغيره.
يحيى بن سعيد (سنة 198 هـ):
أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمى مولاهم البصرى القطان الامام من تابعى التابعين سمع يحيى بن سعيد الانصارى والثورى وابن عيينه ومالكا وخلائق غيرهم روى عنه الثورى وابن عيينة وابن مهدى وعنان واحمد بن حنبل وخلائق من الائمة وغيرهم واتفقوا على امامته وجلالته وموفور حفظه وعلمه وصلاحه ولم يفته الزوال فى المسجد أربعين سنة وما رؤى يطلب جماعة قط يعنى ما فاتته وهو من الثقاة الحفاظ وقال ابن منجويه قال يحيى من سادات أهل زمانه حفظا وورعا وفقها وفضلا ودينا وعلما وهو الذى مهد لأهل العراق رسم الحديث وأمعن فى البحث عن الثقاة وترك الضعفاء.
اليزيدى (سنة 202 هـ):
أبو محمد يحيى ابن المبارك بن المغيرة العدوى المقرى النحوى اللغوى، صاحب أبى عمرو بن العلاء المقرى البصرى. وله التصانيف الحسنة والشعر الجيد. وكان اليزيدى أحد القراء الفصحاء عالما بلغات العرب وله كتاب نوادر فى اللغة وأخذ علم العربية وأخبار الناس عن أبى عمرو الحضرمى والخليل ابن أحمد. وكان الكسائى يؤدب الامين وهو يؤدب المأمون.
يعقوب:
(أنظر ح 1 ص 281)
يعقوب بن بختان:
(أنظر ح 2 ص 366)
أبو يوسف:
(أنظر ح 1 ص 281)
ابن يونس:
(أنظر ح 1 ص 281)