المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أرحام ‌ ‌التعريف اللغوى: قال ابن الأثير (1) : ذوو الرحم هم الاقارب ويقع على - موسوعة الفقه الإسلامي - الأوقاف المصرية - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

‌أرحام

‌التعريف اللغوى:

قال ابن الأثير

(1)

: ذوو الرحم هم الاقارب ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب وقال الأزهرى: الرحم القرابة تجمع بنى أب، وبينهما رحم - أى قرابة قريبة - ومنه قول الله عز وجل «وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ»

(2)

.

‌التعريف الشرعى:

ويطلق في الشرع على ذى القرابة مطلقا كما فى اللغة لكنه فى مصطلح «الفرائض» كل قريب ليس بذى سهم.

أى ذى فرض مقدر فى كتاب الله تعالى أو سنة رسوله أو اجماع الأمة ولا عصبة تحرز المال عند الانفراد

(3)

.

‌مذهب الحنفية:

ذوو الأرحام أصناف أربعة:

الصنف الأول ينتمى: أى ينتسب الى الميت وهم أولاد البنات وان سفلوا ذكورا كانوا أو اناثا وأولاد بنات الابن كذلك.

والصنف الثانى: ينتمى إليهم الميت وهم الأجداد الساقطون أى الفاسدون وان علوا كأب أم الميت وأب أب أمه والجدات الساقطات أى الفاسدات وان علوم كأم أب أم الميت وأم أم أب أمه.

والصنف الثالث: ينتمى الى أبوى الميت وهم أولاد الأخوات وان سفلوا، سواء كانت تلك الاولاد ذكورا أو اناثا وسواء كانت الأخوات لاب وأم أو لأب أو لام وبنات الأخوة وان سفلن، سواء كانت الأخوة من الأبوين أو من أحدهما أو بنو الأخوة لأم وان سفلوا وانما أطلق الأخوات والأخوة في المثالين السابقين ليتناولا جميع أقسامهما كما ذكرنا.

والصنف الرابع: ينتمى الى جدى الميت وهما أب الاب وأب الأم أو جدتيه وهما أم الأب وأم الام، وهم العمات على الاطلاق فاتهن أخوات لاب الميت فان كن أخوات له من الأبوين أو من الأب فهن منتميات الى جد الميت من قبل أبيه، وان كن أخوات له من أمه فهن منتميات الى جدته من قبل

(1)

لسان العرب للامام العلامة ابن منظور الطبعة الاولى مادة «رحم» طبع دار صادر بيروت للطباعة والنشر سنة 1374 هـ.

(2)

الآية رقم 1 من سورة النساء.

(3)

شرح السراجية لعلى بن محمد الجرجانى ص 163 طبع مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1363 هـ.

ص: 5

أبيه والاعمام لام فانهم أخوة لابيه من أمه فهم أيضا منتمون الى جدة الميت من قبل أبيه واعتبر فى الاعمام كونهم لام لان العم من الابوين أو من الاب عصبة والأخوال والخالات فانهم أخوة وأخوات لأم الميت فان كانوا من أبيها وأمها أو من أبيها فهم منتمون الى جد الميت من قبل أمه وان كانوا من أمها كانوا منتمين الى جدته من قبل أمه، فهؤلاء المذكورون فى أمثلة الاصناف الاربعة وكل من يدلى الى الميت بهم من ذوى الارحام، والمراد بمن يدلى بهم ما يتناول من أشرنا اليهم بقولنا وان علوا وان سفلوا فى الاصناف الثلاثة ويتناول أولاد الصنف الرابع

(1)

، ولا يشمل هذا البيان كل ذوى الأرحام اذ الطبقات العليا ممن ينتمون الى الأجداد والجدات من جهة الأم يدخلون أيضا فى ذوى الأرحام.

‌مذهب المالكية:

ذوو الارحام هم أقارب الميت الذين ليسوا من العصبة وليس لهم سهم مقدر، يقول الدردير

(2)

: المراد بذوى الارحام من لا يرث من الاقارب كالعمة وبنات الاخ وكل جدة أدلت بأنثى والخالات وأولاد الجميع.

‌مذهب الشافعية:

ذوو الارحام يراد بهم هنا من ليسوا من أصحاب الفروض ولا العصبات وهم أبو الأم وكل جد وجدة ساقطين كأب أب الأم وأم أب الام وهؤلاء صنف وأولاد البنات ذكورا واناثا ومنهم أولاد بنات الابن وبنات الاخوة مطلقا وأولاد الاخوات مطلقا وبنو الاخوة لام وبناتهم والعم للأم وبنات الاعمام والعمات والاخوال والخالات والمدلون بهم عدا أب الأم وكل جد وجدة ساقطين لأن الام تدلى بهم وهى ذات فرض

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

ذوو الارحام هم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب وهم أحد عشر حيزا:

ولد البنات وولد الاخوات وبنات الاخوة وولد الاخوة من الأم والعمات من جميع الجهات والعم من الأم والاخوال والخالات

(1)

السراجية ص 166، ص 167 الطبعة السابقة.

(2)

بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ج 2 ص 333 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ طبع مطبعة الجمالية بمصر.

(3)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملس عليه ج 6 ص 10، ص 12 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ، والمهذب لابى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 31 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر، ومغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للخطيب الشربينى وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 3 ص 6، ص 7 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.

ص: 6

وبنات الاعمام والجد أبو الام وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو أب أعلى من الجد فهؤلاء ومن أدلى بهم يسمون ذوى الأرحام

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

ما فضل عن سهم ذوى السهام وذوى الفرائض ولم يكن هناك عاصب ولا معتق ولا عاصب معتق ففى مصالح المسلمين لا يرد شئ من ذلك على ذى سهم ولا على غير ذى سهم من ذوى الأرحام إذ لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا اجماع

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

وذوو الارحام هم أولاد البنت وأولاد بنت الابن وأولاد الأخت وبنات الأخ وبنات ابن الأخ وأولاد الأخ لأم والعمة وبنت ابن العم والأخوال والخالات وأبو الأم وأخوال الأب وأب أم الأب. وقال وكل جدة أدرجت أبا بين أمين أو أما بين أبوين فهى من ذوى الأرحام

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

يعتبر الإمامية أن المرتبة الثالثة من مراتب الوارثين بالنسب القرابة، الاعمام والأخوال. يقول صاحب الروضة ميراث الأعمام والأخوال وأولادهم وهم أولوا الأرحام اذ لم يرد على ارثهم فى القرآن نص بخصوصهم وانما دخلوا فى آية أولى الأرحام

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء في النيل وشرحه وذوو الارحام هم القرابة الذين لا فرض لهم أصلا ولا عصوبة

(5)

.

‌ارث ذوى الارحام

أما ارثهم فقد بين فى الكلام على مصطلح ارث «راجع ارث» .

‌الارحام وتفسيل الميت والصلاة عليه

‌مذهب الحنفية:

أرحام الميت لا يختصون بحكم خاص بالنسبة لتغسيله لان الحكم مبنى على وجود النوع فالذكر يغسل الذكر والانثى تغسل الانثى أما اذا لم يوجد النوع فقد قل فى البدائع

(6)

: ان وجد رجل

(1)

المغنى لابن قدامة على مختصر ابى القاسم الخرقى يليه الشرح الكبير على متن المقنع لابى عمر بن قدامة المقدسى ح 7 ص 82 وما بعدها طبع مطبعة المنار بمصر فى سنة 1341 هـ الطبعة الاولى.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ح 9 ص 312 مسألة رقم 1748 طبع مطبعة النهضة بمصر الطبعة الاولى سنة 1347 هـ.

(3)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للمرتضى ح 5 ص 370 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1366 هـ.

(4)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى ح 2 ص 320 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر، والمختصر النافع فى فقه الإمامية لابى القاسم نجم الدين جعفر ابن الحسن الحلى ص 365 الطبعة الثانية طبع مطبعة وزارة الاوقاف سنة 1377 هـ.

(5)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ح 8 من 411 الى ص 417 طبع بمطبعة ابن يوسف البارونى وشركاه.

(6)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 1 ص 305، ص 306 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.

ص: 7

ميت بين نساء وليس معهن رجل مسلم ولا كافر فانهن لا يغسلنه سواء كن ذوات رحم محرم منه أو لا، لأن المحرم فى حكم النظر الى العورة والأجنبية سواء، فكما لا تغسله الأجنبية فكذا ذوات محارمه لكن ييممنه وهنا يكون للرحم المحرم ما ليس لغيره فقد قال صاحب البدائع: غير أن الميممة اذا كانت ذات رحم محرم منه فانها تيممه بغير خرقة وان لم تكن ذات رحم محرم منه تيممه بخرقة وكذلك الحكم فى حق المرأة التى تموت وليس معها امرأة. وقال ابن عابدين

(1)

:

المحرم لا يحتاج إلى خرقة لانه يجوز له مس أعضاء التيمم بخلاف الاجنبى. وفى الفتاوى الهندية

(2)

: لو مات رجل فى السفر ومعه نساء تيممه ذات رحم محرم منه بغير ثوب وغيرها بثوب.

أما من ناحية الدفن فان الارحام أولى من غيرهم فقد جاء فى الفتاوى الهندية:

وذوو الرحم المحرم أولى بادخال المرأة القبر من غيرهم وكذا ذو الرحم غير المحرم أولى من الأجنبى كذا فى البحر الرائق.

وأما الصلاة على الميت فقد قال فى حاشية الطحطاوى

(3)

: السلطان أحق بالصلاة على الميت ثم نائبه ثم القاضى ثم صاحب الشرطة ثم خليفة الوالى ثم خليفة القاضى ثم إمام الحى ثم الولى الذكر ويقدم الأقرب فالاقرب كترتيبهم فى النكاح. وعبارة الدر المختار

(4)

:

بعد السلطان يقدم الولى بترتيب عصوبة النكاح قال ابن عابدين فى حاشيته تعليقا على ذلك فلا ولاية للنساء ثم قال:

والظاهر أن ذوى الأرحام داخلون فى الولاية أما التعبير بالعصوبة فذلك لاخراج النساء فقط فذوو الارحام أولى من الأجنبى وهو ظاهر ويؤيده تعبير الهداية بولاية النكاح. وفى الهداية

(5)

قال: ولغير العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبى حنيفة. وقال صاحب فتح القدير

(6)

:

معناه عند عدم العصبات. وفى شرح العناية قال: يعنى كالأخوال والخالات والعمات ثم عند أبى حنيفة بعد العصبات الأم ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب. البنت ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت البنت ثم الأخت لاب وأم ثم الاخت لاب ثم الاخ والاخت لام ثم أولادهم ثم العمات والاخوال والخالات وأولادهم على هذا الترتيب ثم مولى الموالاة .. الخ وفى حاشية

(1)

رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار لابن عابدين ح 1 ص 806 طبع المطبعة العثمانية بمصر دار سعادات سنة 1324 هـ.

(2)

الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للاوزجندى ح 1 ص 160 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1310 هـ.

(3)

حاشية الطحطاوى على مراقى الفلاح شرح نور الايضاح ص 343 طبع المطبعة الازهرية المصرية سنة 1328 هـ الطبعة الثانية.

(4)

الدر المختار على حاشية ابن عابدين ح 1 ص 824 الطبعة السابقة.

(5)

فتح القدير للامام كمال الدين المعروف بابن الهمام وبهامشه شرح العناية على الهداية ح 2 ص 413 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر 1315 هـ.

(6)

المرجع السابق ح 2 ص 413 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 8

سعد جلبى

(1)

قال: ذوو الأرحام هنا ليس على مصطلح الفرائض بل على معناه اللغوى فإن البنت وبنت الابن من أصحاب الفروض وكذا الاخوات ومما تقدم يؤخذ أن ذوى الارحام لهم حق الصلاة على الميت.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(2)

: أن الاولى بتغسيل الميت بعد الزوجين أقرب أوليائه على ترتيب ولاية النكاح وكذلك حكم التقدم للصلاة عليه. وفى التاج والاكليل قال اللخمى: الأولياء أولى بغسل الميت ثم أولاهم بغسله أولاهم بالصلاة عليه. وقال ابن بشير: المشروع أن يغسل الرجال أمثالهم والنساء أمثالهن وعند عدم الرجال مع الرجل وعدم النساء مع المرأة ينتقل الى المحرم. وقال مالك فى المدونة

(3)

: اذا مات الرجل فى سفر لا رجال معه ومعه نساء منهن ذات محرم منه أم أو أخت أو عمة أو خالة أو ذات رحم محرم منه فانهن يغسلنه ويسترنه قال وكذلك المرأة تموت مع الرجال فى السفر ومعها ذو محرم منها يغسلها من فوق الثوب وهذا اذا لم يكن نساء. وقال مالك: أسمعت من يقول من أهل العلم اذا مات الرجل مع النساء وليس معهن رجل ولا منهن ذات محرم منه تغسله يممنه بالصعيد فيمسحن بوجهه ويديه الى المرفقين، وكذا المرأة مع الرجال الا أن الرجال لا ييممون المرأة الا الى الكفين فقط ولا يبلغ بها الى المرفقين. وفى بداية المجتهد

(4)

: أما مالك فاختلف قوله فى هذه المسألة فمرة قال ييمم كل واحد منهما صاحبه قولا مطلقا، ومرة فرق فى ذلك بين ذوى المحارم وغيرهم ومرة فرق فى ذوى المحارم بين الرجال والنساء فيتحصل عنه أنه له فى ذوى المحارم ثلاثة أقوال: أشهرها أنه يغسل كل واحد منهما صاحبه على الثياب، والثانى أنه لا يغسل أحدهما صاحبه لكن ييممه، والثالث الفرق بين الرجال والنساء أعنى تغسل المرأة الرجل ولا يغسل الرجل المرأة فسبب المنع أن كل واحد منهما لا يحل له أن ينظر الى موضع الغسل من صاحبه كالاجانب سواء وسبب الاباحة أنه موضع ضرورة وهم أعذر فى ذلك من الاجنبى وسبب الفرق أن نظر الرجال الى النساء أغلظ من نظر النساء الى الرجال.

(1)

حاشية سعد جلبى على شرح العناية ح 2 ص 413 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر. أبى الضياء خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ح 2 ص 212 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1328 هـ.

(3)

المدونة الكبرى للامام مالك ح 1 ص 186 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ طبعة الساسى الطبعة الاولى.

(4)

بداية المجتهد ونهاية المقتصد ح 1 ص 181 الطبعة السابقة.

ص: 9

‌مذهب الشافعية:

الاصل في تغسيل الميت أن تغسل المرأة المرأة وأن يغسل الرجل الرجل والنوع يقدم على الزوج فى الاصح، وذوات الارحام بالنسبة للمرأة لهن حق التقدم على غيرهن وكذلك ذوو الارحام بالنسبة للرجل لهم حق التقدم على غيرهم فقد جاء فى مغنى المحتاج:

والأولى فى تغسيل المرأة ذات محرمية وهى كل امرأة لو كانت رجلا لم يحل له نكاحها بسبب القرابة لانهن أشد فى الشفقة فان استوت اثنتان فى المحرمية فالتى فى محل العصوبة أولى كالعمة تقدم على الخالة ثم يلى هؤلاء ذوات الارحام غير المحارم كبنت العم يقدم منهن القربى فالقربى ولا بد أن يكون تحريمها من جهة الرحم فلا تقدم بنت العم البعيدة اذا كانت أما أو أختا من الرضاع مثلا على بنت العم القريبة ولهذا لم يعتبروا الرضاع هنا بالكلية ثم قال: فاذا لم توجد امرأة ولو أجنبية فرجال القرابة من الابوين أو من أحدهما كترتيب صلاتهم لانهم أشفق عليها ويطلعون غالبا على ما لا يطلع عليه الغير الا ابن العم ونحوه وهو كل قريب ليس لمحرم فكالأجنبى

(1)

. وفى نهاية المحتاج:

تقدم ذوات الارحام على ذوات الولاء فى غسل الاناث لانهن أشفق منهن ولضعف الولاء فى الاناث

(2)

، وكذلك الحكم فى الرجل مع الرجال لذوى الارحام حق فى تغسيله فقد جاء فى نفس المرجع:

وأولى الرجال بالرجل فى غسله اذا اجتمع من أقاربه من يصلح لغسله أولاهم بالصلاة عليه.

وفى الصلاة على الميت قال فى مغنى المحتاج

(3)

:

الجديد أن الولى أولى بالامامة فى الصلاة على الميت من الوالى فيقدم الأب ثم الجد .. الخ وبعد أن ذكر العصبات النسبية قال:

ثم ذوو الارحام يقدم الأقرب فالأقرب فيقدم أبو الأم ثم الأخ للام ثم الخال ثم العم للأم ثم قال: والاخ للام هنا من ذوى الارحام بخلافه فى الارث وجاء مثل ذلك فى المجموع: ومما تقدم يتبين أن ذوى الأرحام لهم حق التقدم فى غسل الميت والصلاة عليه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء في كشاف القناع

(4)

: وأولى الناس بغسل الميت وصيه ان كان عدلا ثم أبوه وان علا ثم ابنه وان نزل ثم الاقرب فالاقرب من عصباته نسبا

الى أن قال ثم ذوو أرحامه كالاخ لام والجد لها والعم لها وابن الأخت ونحوهم كالميراث. أما غسل المرأة فقد قال فى المرجع نفسه

(5)

: وغسل المرأة أحق الناس به وصيتها ثم أمها وان علت

(1)

مغنى المحتاج ح 1 ص 329 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج ح 2 ص 443 الطبعة السابقة.

(3)

مغنى المحتاج ح 2 ص 340 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع على شرح منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ح 1 ص 379 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ

(5)

المرجع السابق ح 1 ص 380 الطبعة السابقة.

ص: 10

ثم بنتها وان نزلت ثم القربى فالقربى كالميراث ويقدم منهن من يقدم من الرجال فتقدم الأخت الشقيقة على الأخت لأب.

وعمتها وخالتها سواء كبنت أخيها وبنت أختها ثم قال وبعد ذوات الرحم الاجنبيات كما فى الرجال، وفى الشرح الكبير على المغنى

(1)

: بعد عصبة الرجل يقدم الرجال من ذوى أرحامه والحكم كذلك فى المرأة ثم قال

(2)

: وكل من لها رحم ومحرم بحيث لو كانت رجلا لم يحل له نكاحها أولى بها ممن لا رحم لها وبعدها التى لها رحم وليست بمحرم كبنات العم والعمات وبنات الخال والخالة فهن أولى من الاجانب ومن هذا يتضح أن ذوى الارحام لهم حق غسل الميت بعد العصبات الاقرب فالاقرب حسب ترتيبهم فى الميراث.

وكل ما مر انما هو فى الجنس مع الجنس أما اذا مات الرجل وليس معه رجال أو ماتت المرأة وليست معها نساء فانه لا يجوز للرجل أن يغسل المرأة ولا للمرأة أن تغسل الرجل وان كن ذات رحم محرم وهذا قول أكثر أهل العلم

(3)

، أما الصلاة على الميت قال فى كشاف القناع

(4)

: الأولى بالصلاة على الميت بعد الوصى السلطان ثم نائبه الأمير ثم الحاكم ثم أقرب العصبة ثم ذوو أرحامه الأقرب فالأقرب كالغسل.

‌مذهب الظاهرية:

وأحق الناس بالصلاة على الميت والميتة الأولياء، وهم الأب وآباؤه والابن وأبناؤه ثم الأخوة الأشقاء ثم الذين للأب ثم بنوهم ثم الأعمام للأب والأم، ثم للأب ثم بنوهم، ثم كل ذى رحم محرم إلا أن يوصى الميت أن يصلى عليه إنسان فهو أولى ثم الزوج ثم الأمير أو القاضى فإن صلى غير من ذكرنا أجزأ. برهان ذلك قول الله عز وجل «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ»

(5)

وهذا عموم لا يجوز تخصيصه

(6)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار فى باب غسل الميت:

وأقاربه أولى كالصلاة

(7)

، وفى باب صلاة الجنازة قال: والأولى بالإمامة الإمام وواليه فإن كان لا إمام فالأقرب الأقرب الصالح من العصبة

(8)

، وفى شرح الازهار بعد أن ذكر أن الاولى فى الصلاة هم عصبة الميت بعد الامام قال عليه

(1)

المغنى على الشرح الكبير ح 2 ص 311 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ح 2 ص 312 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ح 2 ص 313 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع ح 1 ص 393 الطبعة السابقة.

(5)

الآية رقم 75 من سورة الانفال، والآية رقم 6 من سورة الاحزاب.

(6)

المحلى لابن حزم الظاهرى ح 5 ص 143، ص 144 مسألة رقم 584 الطبعة السابقة.

(7)

البحر الزخار ح 2 ص 98، الطبعة السابقة.

(8)

المرجع السابق ح 2 ص 114 الطبعة السابقة.

ص: 11

السلام فإن عدمت العصبة فالأقرب من ذوى رحمه اذ العلة القرب الا أنه جاء فى الارحام. ومن هذا يتبين أن ذوى الارحام لا يختصون بحكم خاص فى غسل الميت والصلاة عليه بل هم فى ذلك كالاجانب الا على الرأى الذى ورد فى شرح الازهار

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام: وأولى الناس بتغسيل الميت أولاهم بميراثه واذا كان الأولياء رجالا ونساء فالرجال أولى والزوج أولى بالمرأة من كل أحد فى أحكامها كلها ثم قال: ويجوز أن يغسل الكافر المسلم اذا لم يحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم وكذا تغسل الكافرة المسلمة اذا لم تكن مسلمة ولا ذو رحم ثم قال: ويغسل الرجل محارمه من وراء الثياب اذا لم تكن مسلمة وكذا المرأة ولا يغسل الرجل من ليست له بمحرم الا ولها دون ثلاث سنين

(2)

وفى متن مفتاح الكرامة:

ولذى الرحم تغسيل ذات الرحم من وراء الثياب مع فقد المسلمة وبالعكس مع فقد المسلم. قال فى الشرح هذا ما ذكره المصنف مما لم أجد فيه مخالفا وهو مذهب علمائنا كما فى التذكرة وفى كشف اللثام: الظاهر انتفاء الخلاف فيه وأما أن ذلك عند فقد المسلم والمسلمة فهو المشهور كما فى الكفاية ثم قال:

وأما وجوب كونه من وراء الثياب فلم أجد فيه مخالفا الا ما يظهر من الغنية حيث قال غسلته زوجته أو ذات أرحامه من النساء ولم يقيده بكونه من وراء الثياب وتبعه على ذلك صاحب المدارك والكفاية فصرحا بعدم اشتراط ذلك

(3)

وفى كتاب من لا يحضره الفقيه سأل عمار بن موسى الساباطى عن الصبية لا تصاب امرأة تغسلها قال يغسلها أولى الناس من الرجال بها وسأل عن الرجل يموت فى السفر وليس معه رجل مسلم ومعه رجال نصارى وعمته وخالته مسلمتان كيف يصنع فى غسله قال تغسله عمته وخالته فى قميصه ولا يقربه النصارى، وعن المرأة تموت فى السفر وليس معها امرأة مسلمة ومعها نساء نصارى ومعها عمها وخالها مسلمان فقال يغسلانها ولا تقربها النصرانية غير أنه يكون عليها درع فيصب الماء من فوق الدرع

(4)

، وبهذا يتبين أن ذوى الارحام لهم حق تغسيل الميت بعد من

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار للحسن ابن مفتاح ح 1 ص 427، ص 428 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ح 1 ص 34 طبع بمطبعة دار الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.

(3)

كتاب مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة لمحمد الجواد الحسيني العاملى ح 1 ص 420 طبع بالمطبعة الرضوية بمصر سنة 1324 هـ.

(4)

من لا يحضره الفقيه لابى جعفر الصدوق محمد بن على بن الحسين القمى ح 1 ص 95 الطبعة الرابعة طبع دار الكتب الاسلامية مطبعة النجف سنة 1378 هـ.

ص: 12

هم أولى منهم: فقد قال فى مستمسك العروة الوثقى. فى مراتب الاولياء الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها ثم بعد الزوج المالك أولى بعبده ثم بعد المالك طبقات الارحام بترتيب الارث فالطبقة الاولى وهم الأبوان والأولاد مقدمون على الثانية وهم الاخوة والاجداد والثانية مقدمون على الثالثة وهم الاعمام والأخوال ثم بعد الأرحام المولى المعتق

(1)

الخ.

وكذلك الحكم فى الصلاة فقد جاء فى جواهر الكلام

(2)

: وأحق الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه، وقد اختلف فى المراد بالاولى هل هو على مراد الارث أو على مراد اللغة والعرف وبعد كلام كثير قال

(3)

:

يحتمل قويا أن المراد بالولى هنا مطلق الارحام والقرابة لا خصوص طبقات الارث لكنا لم نجد أحدا صرح به ثم قال وفى المدارك أنه لا يبعد أن يراد بالاولى بالميت هنا أشد الناس به علاقة لأنه المتبادر وتبعه عليه بعض من تأخر عنه.

‌مذهب الإباضية:

والاصل عند الإباضية

(4)

أن يغسل الرجل الرجل والمرأة المرأة قال فى متن النيل وشرحه يغسل الرجل برجال والمرأة بنساء اتفاقا ثم قال وهل تغسل المرأة منفردة مع رجال ليس فيهم زوجها من فوق ثوب بأن يصب الماء على موضع النجس من فوق الثوب كعكسه وهو أن ينفرد رجل مع نساء ليست فيهن زوجته مطلقا سواء كان محرما لها أو غير محرم أو يصب عليها الماء صبا ثم قال: والظاهر أن الأمر كذلك فى العكس فى هذا القوم أو يتيمم لها وتتيمم له فى العكس كذلك محرما لها أو غير محرم ثم قال: وهل يكون التيمم من فوق الثوب أو يباشرون الوجه واليدين أو لا يباشرون الا ان كن محارم؟ أقوال مثارها هل يجوز مس كل ما يجوز نظره أم لا يجوز ثم قال: أو تغسل المرأة محرمها غير فرجيه لا عكسه؟ خلاف وقال أيضا: وان غسلت المرأة غير محرمها ولو بحضرة الرجال فلا يعيدون غسله وقد أجزأهم قاله أبو العباس والظاهر أن العكس كذلك وقال

(5)

: وأولى بالأنثى غسلا عن محارمها

(1)

مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائي الحكيم ح 4 من ص 35 الى ص 45 طبع مطبعة النعمان بالنجف الطبعة الثانية سنة 1381 هـ. مسألة رقم 1.

(2)

جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام للشيخ محمد حسن النجفى ح 4 ص 31 طبع دار الكتب الاسلامية مطبعة النجف الطبعة السادسة سنة 1377 هـ.

(3)

المرجع السابق ح 4 ص 43 الطبعة السابقة.

(4)

كتاب شرح النيل ح 1 ص 648 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ح 1 ص 659 الطبعة السابقة.

ص: 13

زوجها أى أولى من الاناث المحارم لها فان لم يوجد الزوج فليغسل المرأة النساء على الترتيب فى الحرمة وذوات الحرمة من كل امرأة لو كانت رجلا لم يحل له نكاحها بسبب القرابة ثم الاجنبية بعد القريبة.

وبالنسبة للصلاة على الميت فقال فى متن النيل وشرحه

(1)

: أولى الناس بالصلاة على الميت أبوه ثم الزوج ثم الابن ثم الأخ ثم العم ثم الأقرب فالاقرب ثم قال ولا يصلى عليه حتى يستأذن وليه ولو امرأة وكذا دفنه.

ومما تقدم يتبين أن الارحام لهم حق تغسيل الميت النوع مع النوع والخلاف الجارى انما هو مع عدم وجود النوع وكذلك لهم حق الصلاة اذا لم يوجد من هم أولى منهم.

‌عتق ذوى الارحام

‌مذهب الحنفية:

قال صاحب السراجية

(2)

: من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه ويكون ولاؤه له ثم قال القرابة ثلاثة أنواع.

وهى ذى الرحم المحرم من الولاء اما بطريق الاصلية كالأبوين. والأجداد وان علوا واما بطريق الفرعية كالأولاد وأولاد الأولاد وان سفلوا فمن ملك واحدا من هؤلاء عتق عليه اتفاقا.

الثانى المتوسطة: وهى قرابة المحارم غير العمودين أعنى قرابة الأخوة والأخوات وأولادهما وان سفلوا وقرابة الاعمام والعمات والاخوال والخالات دون أولادهم، ومن ملك واحدا من هذه المحارم عتق عليه أيضا.

الثالث البعيدة: وهى قرابة ذى الرحم غير المحرم كأولاد الأعمام والأخوال فاذا ملك واحدا منهم لم يعتق عليه باتفاق. وفى الفتاوى الهندية

(3)

أن من ملك واحدا من الارحام المحارم عتق عليه صغيرا كان المالك أو كبيرا صحيح العقل أو مجنونا. كذا فى غاية البيان. وأما من ملك من المحارم الذين ليسوا بأرحام فلا يعتقون عليه نحو أن يملك زوجة ابنه، والارحام المحارم من الرضاع كذلك لا يعتقون عليه فالذى يعتق فقط هم الارحام المحارم من النسب ولا فرق بين ما اذا كان المالك مسلما أو كافرا فى دار الاسلام وكذا لا فرق بين ما اذا كان المملوك مسلما أو كافرا كذا فى غاية البيان فاذا ملك الحربى ذا رحم محرم منه فى دار الحرب لم يعتق كذا فى الجوهرة النيرة أما لو ملك الحربى قريبه الرحم المحرم ودخل الينا بأمان عتق عليه كذا فى فتاوى قاضيخان.

ولو اشترى المملوك ولده لا يعتق عليه كذا فى الجوهرة النيرة. ولو اشترى

(1)

المرجع السابق ح 1 ص 679، ص 680 الطبعة السابقة.

(2)

السراجية ص 79 ص 80 الطبعة السابقة.

(3)

الفتاوى الهندية ح 2 ص 7، 8 الطبعة السابقة.

ص: 14

العبد المأذون ذا رحم محرم من سيده وليس عليه دين محيط عتق فان كان دين محيط يعتق عند أبى حنيفة.

‌مذهب المالكية:

قال مالك يعتق عليك أبواك وأجدادك لأبيك وأمك وجداتك لأبيك. وأمك وولدك وولد ولدك واخواتك فأما من سوى هؤلاء فلا يعتقون عليك. ولا يعتق عليك ابن أخ ولا ابن أخت ولا خالة. ولا عمة. ولا عم ولا خال. ولا أمة تزوجتها فولدت لك أولادا فاشتراها بعد ما ولدت فانها لا تعتق عليه فى قول مالك. ولا يعتق عليك عند مالك الا من ذكرت لك ثم قال من ورث شقصا من ذوى رحم من المحارم الذين يعتقون عليه اذا ملكهم لم يعتق عليه الا ما ورث من ذلك

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

اذا ملك أهل تبرع أصله أو فرعه الثابت النسب عتق عليه أما الأصول فلقول الله تعالى:

«وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ»

(2)

ولا يتأتى خفض الجناح مع الاسترقاق ولما فى صحيح مسلم: «لن يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه أى فيعتقه الشراء لا أن الولد هو المعتق بانشائه العتق بدليل رواية: فيعتق عليه، وأما الفروع فلقول الله تعالى: «وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً}

(3)

». وقال تعالى:

{وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ}

(4)

دل على نفى اجتماع الولدية والعبدية ويشمل الأصل والفرع فيما ذكر الذكور منهما والاناث علوا أو سفلوا ملكوا اختيارا أولا اتحد دينهما أولا لأنه حكم متعلق بالقرابة فاستوى فيه من ذكرناه وخرج من عداهما من الأقارب كالأخوة والاعمام فانهم لا يعتقون بالملك لانه لم يرد فيه نص ولا هو فى معنى ما ورد فيه النص لانتفاء البعضية عنه وأما خبر من ملك ذا رحم محرم فقد عتق عليه فلم يصح عندهم

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

يحصل العتق

(6)

اذا ملك الشخص ذا رحم محرم منه وهو الذى لو قدر أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرم نكاحه عليه للنسب بخلاف ولد عمه وخاله ولو كان أخاه من رضاع فانه لا يعتق عليه بالملك وان كان ذا رحم محرم لأن تحريمه بالرضاع لا بالنسب ويعتق ذو الرحم المحرم وان كان مخالفا له فى الدين وسواء

(1)

المدونة الكبرى للامام مالك ح 7 ص 50، وص 51، ص 124.

(2)

الآية رقم 24 من سورة الاسراء.

(3)

الآية رقم 92 ورقم 93 من سورة مريم.

(4)

الآية رقم 26 من سورة الانبياء.

(5)

مغنى المحتاج ح 4 ص 459 الطبعة السابقة.

(6)

كشاف القناع ح 2 ص 628 الطبعة السابقة.

ص: 15

كان الملك بميراث أو بيع أو هبة أو وصية أو جعالة ونحوها، ولو كان ذو الرحم المحرم المملوك حملا فانه يعتق عليه أيضا كما لو اشترى زوجة ابنه الامة التى هى حامل من ابنه لحديت الحسن عن سمرة مرفوعا: من ملك ذا رحم محرم فهو حر، رواه الخمسة وحسنه الترمذى وقال العمل على هذا عند أهل العلم، أما ذو الرحم غير المحرم فلا يعتق بالملك كابن عمه وعمته وولد خاله وخالته ومن ملك سهما ممن يعتق عليه كأبيه وابنه وأخيه وعمه بغير الميراث وهو موسر بقيمة باقية عتق عليه كل الذى ملك جزأه وان لم يكن موسرا بقيمة باقيه كله عتق منه بقدر ما هو موسر به، وان كان الذى ملك

(1)

جزأ من رحمه المحرم معسرا فلم يملك من قيمة باقيه شيئا فاضلا عن حاجته وحاجة من يمونه لم يعتق منه سوى ما ملكه، وان كان الذى ملك جزأ من رحمه المحرم قد ملكه بالميراث ولو كان موسرا بقيمة باقيه لم يعتق عليه الا ما ملك منه لأنه لم يتسبب الى اعتاقه لحصول ملكه بدون فعله.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى: من ملك

(2)

ذا رحم محرم فهو حر ساعة يملكه فإن ملك بعضه لم يعتق عليه الا الوالدين خاصة والأجداد والجدات فقط فإنهم يعتقون عليه كلهم أن كان له مال يحمل قيمتهم فإن لم يكن له مال يحمل قيمتهم استسعوا وهم كل من ولده من جهة أم أو جدة أو جد أو أب وكل من ولده هو من جهة ولد أو ابنة والأعمام والعمات وان علوا كيف كانوا لأم أو لأب والاخوات والاخوة كذلك، ومن نالته ولادة أخ أو أخت بأى جهة كانت، ومن كان له مال وله أب أو أم أو جد أو جدة أجبر على ابتياعهم بأغلى قيمتهم وعتقهم إذا أراد سيدهم بيعهم فإن أبى لم يجبر السيد على البيع وان ملك ذا رحم غير محرم أو ملك ذا محرم بغير رحم لكن بصهر أو وط ء أب أو ابن لم يلزمه عتقهم وله بيعهم ان شاء

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: من أسباب العتق ملك ذى الرحم المحرم نسبا ولو من زنا ولو اختلفت الملة كالآباء وان علوا والأولاد وان سفلوا والاخوة وأولادهم والأعمام والاخوال لا أولادهم فمتى ملكهم عتق عليه سواء كان الملك متناولا لجميعه أو بعضه وسواء دخل فى ملكه باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالارث

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى المختصر النافع: ولا يملك الرجل

(1)

المرجع السابق ح 2 ص 630.

(2)

المحلى لابن حزم ح 9 ص 200 مسألة رقم 1667.

(3)

المحلى ح 9 ص 202 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الازهار ح 3 ص 566 الطبعة السابقة.

ص: 16

ولا المرأة أحد الأبوين وإن علوا ولا الأولاد وان سلفوا ولا يملك الرجل خاصة ذوات الرحم من النساء المحرمات كالخالة والعمة والأخت وبنتها وبنت الاخ وينعتق هؤلاء بالملك ويملك غيرهم من الرجال والنساء على كراهية ويتأكد فى من يرثه

(1)

وقال فى كتاب الخلاف: ولا ينعتق الأخ وابن الأخ ولا العم ولا الخال ولا أولاد العم والعمة والخال والخالة ولا واحد من ذوى الارحام سوى من ذكرناهم

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى جوهر النظام

(3)

: أن من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه كالآباء والأولاد والأخوة والاخوال والاعمام.

‌حكم الارحام بالنسبة

للخلوة والنظر واللمس

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البدائع

(4)

فى ذات الرحم المحرم أنه يحل للرجل النظر من ذوات محارمه الى رأسها وشعرها وأذنيها وصدرها وعضدها وثديها وساقها وقدمها لقول الله تبارك وتعالى: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(5)

» نهاهن الله سبحانه وتعالى عن ابداء الزينة مطلقا واستثنى الله سبحانه وتعالى ابداءها للمذكورين فى الآية الكريمة منهم ذو الرحم المحرم والاستثناء من الحظر اباحة فى الظاهر وكل ما جاز النظر اليه منهن من غير حائل جاز مسه لأن المحرم يحتاج إلى اركابها وانزالها فى المسافرة معها وتتعذر صيانة هذه المواضع عن الانكشاف فيتعذر على المحرم الصيانة عن مس المكشوف ولأن حرمة النظر الى هذه المواضع ومسها من الأجنبيات انما ثبت خوفا من حصول الشهوة الداعية الى الجماع والنظر إلى هذه الاعضاء ومسها فى ذوات المحارم لا يورث الشهوة لأنهما لا يكونان للشهوة عادة بل للشفقة وهذا اذا لم يكن النظر والمس عن شهوة ولا غلب على ظنه أنه لا يشتهى فأما اذا كان

(1)

المختصر النافع ص 237 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر الطوسى ح 2 ص 650 وما بعدها الطبعة الثانية طبع مطبعة نابان بطهران سنة 1382 هـ مسألة رقم 4.

(3)

جوهر النظام فى علمى الاديان والاحكام لابن حميد السللى ص 293 طبع المطبعة العربية بمصر سنة 1344 هـ.

(4)

بدائع الصنائع للكاسانى ح 5 من ص 120 الى ص 125 الطبعة السابقة.

(5)

الآية رقم 31 من سورة النور.

ص: 17

يشتهى أو كان غالب ظنه وأكبر رأيه أنه لو نظر أو مس اشتهى لم يجز له النظر والمس لأنه يكون سببا للوقوع فى الحرام فيكون حراما ولا بأس أن يسافر بها اذا أمن الشهوة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثا فما فوقها الا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها ولأن الذى يحتاج المحرم اليه فى السفر معها فى الحمل والانزال، ويحل له مسها فتحل المسافرة معها وكذا لا بأس أن يخلو بها اذا أمن على نفسه لأنه لما حل المس فالخلوة أولى فان خاف على نفسه لم يفعل، ولا يحل النظر الى بطنها وظهرها والى ما بين السرة والركبة منها وكذا مسها لعموم قوله تعالى:

«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ}

(1)

» الا أنه سبحانه وتعالى رخص النظر للمحارم الى مواضع الزينة الظاهرة والباطنة بقوله عز شأنه:

«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ .. » الآية فبقى غض البصر عما وراءها مأمورا به واذا لم يحل النظر فالمس أولى لأنه أقوى ولأن رخصة النظر الى مواضع الزينة للحاجة التى ذكرناها ولا حاجة الى النظر الى ما وراءها فكان النظر اليها بحق الشهوة وأنه حرام، هذا اذا كانت هذه الأعضاء مكشوفة فأما اذا كانت مستورة بالثياب واحتاج ذو الرحم المحرم الى اركابها وانزالها فلا بأس أن يأخذ بطنها أو ظهرها أو فخذها من وراء الثوب اذا كان يأمن على نفسه لما ذكرنا أن مس ذوات الرحم المحرم لا يورث الشهوة عادة خصوصا من وراء الثوب حتى لو خاف الشهوة فى المس لا يمسه وليجتنب ما استطاع وكل ما يحل للرجل من ذوات الرحم المحرم منه من النظر والمس يحل للمرأة ذلك من ذى رحم محرم منها وكل ما يحرم عليه يحرم عليها، أما ذوات الرحم بلا محرم فحكمهن حكم الأجنبيات الحرائر لعموم الأمر بغض النظر والنهى عن ابداء زينتهن الا للمذكورين فى محل الاستثناء وذو الرحم بلا محرم غير مذكور فى المستثنى فبقيت منهية عن ابداء الزينة له وأما حكم الخلوة فى البيت ان كانت المرأة ذات رحم محرم منه فلا بأس بالخلوة والأفضل ألا يفعل لما روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما أنه قال: ما خلوت بامرأة قط مخافة أن أدخل فى نهى النبى صلى الله عليه وسلم.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(2)

: قال ابن عرفة: يرى

(1)

الآية رقم 30 من سورة النور.

(2)

الحطاب على خليل ح 1 ص 580 الطبعة السابقة.

ص: 18

الرجل من ذوات محارمه الذراعين والشعر وما فوق النحر ويجوز للمرأة أن تبدى للأب ما لا تبديه لغيره وكذلك لابنها وقيد الباجى جواز النظر الى المحارم من غير شهوة، وجاء فى الشرح الصغير

(1)

يجوز للمرأة الحرة نظر ما عدا ما بين السرة والركبة من محرمها ويجوز لها أيضا مس ذلك فالمحارم كل ما جاز لهم فيه النظر جاز المس من الجانبين أيضا ففى صحيح البخارى قبيل مقدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة أن الصديق رضى الله عنه قبل ابنته عائشة رضى الله عنها فى فمها.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(2)

: ويحرم على الرجل أن ينظر من ذات الرحم المحرم ما بين سرة وركبة لأنه عورة فيحرم نظر ذلك اجماعا ويحل نظر ما سواه حيث لا شهوة ولو كان كافرا لأن المحرمية تحرم المناكحة فكانا كالرجلين وامرأتين وقيل يحل نظر ما يبدو فى الخدمة وهو الرأس والعنق واليدان الى العضدين والرجلان الى الركبتين فقط اذ لا ضرورة لنظر ما سواه والأصح حل النظر بلا سهوة ولا خوف فتنة الا ما بين السرة والركبة: وفى كفاية الاخيار

(3)

:

كما يجوز للمحرم النظر الى ذوات محارمه فانه يجوز له الخلوة بهن والمسافرة معهن، وفى موضع آخر:

ان لمس محرما فهل ينتقض الوضوء؟ قولان، احداهما ينتقض لعموم الآية والراجح أنه لا ينتفض لأن المحرم ليست فى مظنة الشهوة، ويجوز أن يستنبط من النص معنى يخصص عمومه والمعنى فى نقض الوضوء كون غير المحرم فى مظنة الشهوة وهذا مفقود فى المحرم ولمس الرجل المرأة احترز به عما اذا لمس صغيرة لا تشتهى

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع والمنتهى

(4)

: يباح للرجل نظر الوجه والرقبة واليد والقدم والرأس والساق من ذات رحم محرم لقول الله تعالى: «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا}

(1)

بلغة السالك لاقرب المسالك للصاوى على الشرح الصغير للدردير ح 1 ص 100.

(2)

نهاية المحتاج ح 6 ص 185 الطبعة السابقة.

(3)

كفاية الاخيار فى حل غاية الاختصار للامام تقى الدين أبى بكر الشافعى ح 1 ص 35 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(4)

كشاف القناع على منتهى الارادات ح 3 ص 6 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 19

{إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» قال القاضى: على هذه الرواية يباح ما يظهر غالبا كالرأس واليدين الى المرفقين وذات المحرم هى من تحرم عليه أبدا، ثم قال:

ولا تسافر المسلمة مع أبيها الكافر لأنه ليس محرما لها فى السفر نصا وان كان محرما فى النظر، والصبى المميز اذا كان غير ذى شهوة فله نظر ما فوق السرة وتحت الركبة لأنه لا شهوة له أشبه الطفل، والمميز ذو الشهوة كذى رحم محرم لأن الله تعالى فرق بين البالغ وغيره بقوله تعالى: «وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}

(1)

» ثم قال فى موضع آخر

(2)

: وبنت تسع مع رجل كذى رحم محرم لأن عورتها مخالفة لعورة البالغة وقد كره الامام أحمد مصافحة النساء حتى المحرم وجوز لوالد ثم قال: ولا بأس للقادم من سفر بتقبيل ذوات المحارم اذا لم يخف على نفسه لما ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم من غزو فقبل فاطمة رضى الله عنها لكن لا يفعله على الفم بل على الجبهة والرأس ونقل حرب فى من تضع يدها على بطن رجل لا تحل له قال: لا ينبغى الا لضرورة ونقل المروزى: تضع يدها على صدره قال: ضرورة ثم قال فى المغنى

(3)

: ليس للانسان النظر الى ما يستتر غالبا من ذوات محارمه كالصدر والظهر ونحوهما قال أبو عبد الله أنا أكره أن ينظر الرجل من أمه وأخته الى مثل هذا والى كل شئ لشهوة وذكر القاضى: أن حكم الرجل مع ذوات محارمه حكم الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة وقال أبو بكر كراهية أحمد للنظر الى ساق أمه وصدرها على التوقى لأن ذلك يدعو الى الشهوة يعنى أنه يكره ولا يحرم ومنع الحسن والشعبى والضحاك النظر الى شعر ذوات المحارم فقد روى عن هند ابنة المهلب قالت قلت للحسن: ينظر الرجل الى قرط أخته والى عنقها قال: لا ولا كراهة وقال الضحاك: لو دخلت علىّ أمى لقلت أيتها العجوز غطى شعرك ثم قال: والصحيح أنه يباح النظر الى ما يظهر غالبا، وقال فى موضع آخر من المغنى

(4)

: ان لمس الرجل المرأة ينقض الوضوء اذا كان بشهوة وأنه لا فرق بين الأجنبية وذات المحرم والكبيرة والصغيرة لعموم النص.

(1)

الآية رقم 59 من سورة النور.

(2)

المرجع السابق ح 3 ص 7، ص 8، ص 9.

(3)

المغنى على الشرح الكبير ح 7 ص 455 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ح 1 ص 195.

ص: 20

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى

(1)

: وجائز لذى المحرم أن يرى جميع جسم محرمته كالأم والجدة والبنت وابنة الابن والخالة والعمة وبنت الأخ وبنت الاخت وامرأة الاب وامرأة الابن حاش الدبر والفرج فقط، وكذلك النساء بعضهم من بعض وكذلك الرجال بعضهم من بعض، وقال فى موضع آخر من المحلى

(2)

: وأما المرأة التى لا زوج لها ولا ذا محرم يحج معها فانها تحج ولا شئ عليها.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار

(3)

وحاشيته: أعلم أنه يجوز للرجل النظر الى موضع الزينة من كل ذى رحم محرم وهو اليدان الى المنكبين والرجلان الى الركبتين والصدر والثديين اذا أمن على نفسه الشهوة وكذا يجوز النظر الى الرأس والشعر منهن، ويحرم نظر العورة المغلظة وكذا البطن والظهر، وفى التاج المذهب

(4)

: أنه يحرم نظر البطن والظهر وهو ما حاذى البطن والصدر ويحرم النظر الى ما تحت الابط تغليبا لجانب الحظر ويجوز له النظر الى مواضع الزينة منها مما عدا ذلك وهى اليدان الى المنكبين والرجلان الى الركبتين والصدر والثديان والرأس وشعره، وما جاز النظر اليه من المحارم جاز غمزه ولمسه ودهنه وكل ذلك مع عدم الشهوة فهذه عورة المرأة مع محرمها، أما عورته معها فكعورة الرجال مع الرجال لعادة المسلمين أنهم لا يسترون ظهورهم ولا بطونهم عن محارمهم وكما يحرم النظر الى هذه الاعضاء من المحرم يحرم لمسها ولو بحائل اذا كان رقيقا يدرك معه حجم الجسم، فأما اذا كان غليظا لا يدرك معه حجم الجسم جاز أن يلمس ما يحرم لمسه، وفى موضع آخر من التاج

(5)

قال: وتجوز القبلة والعناق بين المحارم ويحظر التقبيل فى الفم الا الوالد لطفله، وقال فى موضع آخر

(6)

أنه لا يجوز الدخول على المحرم الا باذن ثم قال:

واذا بلغ الصبى أو الصبية عشر سنين وجب التفريق بينه وبين أمه وأبيه وأخيه وأخته وغيرهم فى المضاجع.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى المستمسك

(7)

: ويجوز النظر الى

(1)

المحلى ح 10 ص 32 مسألة رقم 1878 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ح 7 ص 47 مسألة رقم 813.

(3)

شرح الازهار ح 4 ص 114 الطبعة السابقة.

(4)

التاج المذهب لاحكام المذهب شرح متن الازهار فى فقه الائمة الاطهار للعلامة أحمد بن قاسم الصنعانى ح 3 ص 487 الطبعة الاولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى حلبى وشركاه بمصر سنة 1366 هـ

(5)

المرجع السابق ح 3 ص 389 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ح 3 ص 492.

(7)

مستمسك العروة الوثقى ح 12 ص 26 وص 27 مسألة رقم 32 الطبعة السابقة.

ص: 21

المحارم التى يحرم عليه نكاحهن نسبا أو رضاعا أو مصاهرة ما عدا العورة مع عدم تلذذ وريبة وكذا نظرهن اليه وفى الجواهر عده من الضروريات وقال فى موضع آخر

(1)

: لا بأس بلمس المحارم من غير خلاف يعتد به بل يمكن تحصيل الاجماع عليه ولو بملاحظة السيرة القطعية، لكن فى مرسل محمد بن سالم عن بعض أصحابنا عن الحكم بن مسكين قال: حدثنى سعيدة ومنّة أختا محمد بن أبى عمير قالتا: دخلنا على أبى عبد الله فقلنا: تعود المرأة أخاها؟ قال نعم، قلنا تصافحه؟ قال: من وراء الثوب

الحديث، ولا بد أن يكون محمولا على الاستحباب.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى النيل وشرحه

(2)

: النظر الى ذوات المحارم ثلاث حرم متفاوتة منها حرمة أبيحت لمن هو دون الزوج وهو الأب والابن والأخ والعم والخال والاخيران وان لم يذكرا فى سورة النور فقد جاء فى آية التحريم فى سورة النساء «وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ» وهذا يدل على الحرمة أيضا بالنسبة لابن الأخ وابن الأخت ووجه الاستدلال أنه حل لهؤلاء جميعا النظر للوجه واليدين وفيهن زينة والعضد والعنق كله والكتف وما لم يكن فيه الشعر من الرأس وحرم عليهم النظر للشعر والصدر والساق والذراعين وحل النظر للعنق مع الوجه والكف وظاهر القدم وقيل يحل لهم محل القرطين ومحل القلادة من العنق فيحل بالأولى لهم النظر الى باقى الأذن وباقى العنق وقيل يجوز لهم النظر الى أعلا الصدر وموضع السوارين من الذراع وموضع الحجالين من الرجلين وذلك دون باقى الذراعين والرجلين وقيل يجوز الى الأذن كلها وقيل لهم النظر لما فوق سرة وتحت ركبة والأوسط الأرفق أن يجوز النظر للرأس والعنق والذراع وأعلا الصدر والعضد كله لا الثديين والابط وما يلى ذلك وهذا التفصيل استحسان وأما ذو المحارم منها فلا بأس عليها لا تحاذر منهم الا ما تحاذر من النساء مما ردت السرة الى الركبتين الا من خافت منه من ذوى المحارم أو التى خافت منها من النساء أن يصفنها للرجال أو لمن أراد تزوجها.

(1)

المرجع السابق مع الهامش ح 12 ص 41 مسألة رقم 40.

(2)

كتاب شرح النيل ح 1 ص 91 وص 92 الطبعة السابقة.

ص: 22

‌حكم الارحام بالنسبة

للولاية فى عقد النكاح والحضانة والضم

‌مذهب الحنفية:

جاء فى فتح القدير

(1)

بالنسبة لولاية النكاح: ذوو الارحام فى ولاية التزويج على ترتيب القرابة هم البنت ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت البنت ثم الاخت لاب وأم ثم الاخت لاب ثم الأخ والاخت لام ثم أولادهم ثم العمات والاخوال والخالات وأولادهم وجاء بحاشية سعد جلبى على الهداية

(2)

قال: ان تعريف ذوى الأرحام هنا ليس على مصطلح الفرائض بل على معناه اللغوى فإن البنت وبنت الابن من أصحاب الفروض وكذا الأخوات، وفى الفتاوى الهندية

(3)

قال عند الكلام على الولاية فى النكاح وعند عدم العصبة كل قريب يرث الصغير والصغيرة من ذوى الارحام يملك التزويج فى ظاهر الرواية عند أبى حنيفه رحمه الله تعالى وقال محمد رحمه الله: لا ولاية لذوى الأرحام ثم قال:

والاقرب عند أبى حنيفة الأم وأخذ فى تعداد ما سبق بيانه، أما بالنسبة للحضانة فقد جاء فى الدر وحاشية ابن عابدين عليه

(4)

أن العصبات مقدمون على ذوى الأرحام الذكور والمراد بذوى الأرحام هنا من كان منهم محرما ولا حق لولد عم وعمة وخال وخالة لعدم المحرمية، وفى الزيلعى

(5)

قال: إذا لم يكن للصغير عصبة يدفع إلى ذوى الأرحام عند أبى حنيفة كأخ من أم وعم من أم وخال ونحوهم لأن لهم ولاية الانكاح عنده فكذا الحضانة، والحاصل أن ولاية الانكاح منوطة بالرحمية فقط وحق الحضانة منوط بالرحمية مع المحرمية، أما بالنسبة للضم فقد جاء فى ابن عابدين

(6)

: والغلام اذا عقل واستغنى برأيه ليس للأب ضمه الى نفسه الا اذا لم يكن مأمونا على نفسه فله ضمه والجد بمنزلة الأب فيما ذكر وان لم يكن لها أب ولا جد ولكن لها أخ أو عم فله ضمها ان لم يكن مفسدا وان كان مفسدا لا يمكن من ذلك وكذا الحكم فى كل عصبة ذى رحم محرم منها فان لم يكن لها أب ولا جد ولا غيرهما من العصبات أو كان لها عصبة مفسد فالنظر فيها الى الحاكم، ونقل ابن عابدين:

وان لم يكن للصبى أب وانقضت الحضانة فمن سواه من العصبة أولى الأقرب فالأقرب غير أن الانثى لا تدفع إلا الى محرم

(1)

فتح القدير مع العناية على الهداية ح 2 ص 413 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية سعد جلبى على الهداية وشروحها ح 2 ص 413.

(3)

الفتاوى الهندية ح 1 ص 284 الطبعة السابقة.

(4)

حاشية ابن عابدين على الدر ح 2 ص 879 الطبعة السابقة.

(5)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان بن على الزيلعى وبهامشه حاشية الشلبى عليه ح 3 ص 48 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1313 هـ.

(6)

حاشية ابن عابدين ح 2 ص 883 الطبعة السابقة.

ص: 23

ونبه الى أن هذا خاص بالصبى قبل البلوغ.

‌مذهب المالكية:

ذهب المالكية الى أن ذوى الارحام لا يلون عقد الأنكحة وهم أخو الأم وعم الام وجد الام وبنو الاخوات والبنات والعمات ونحوهم ممن يدلى بأنثى لأن الولاء شرع لحفظ النسب فلا يدخل فيه من لم يكن له نسب كذوى الارحام

(1)

وبالنسبة للحضانة تكون للأم ولو كانت الأم كافرة أو أمة والولد حر وهذا فى الأم المطلقة أو من مات زوجها وأما من فى عصمة زوجها فهى حق لهما فاذا لم توجد الأم بأن ماتت فأمها أى أم الأم وهى جدة الولد فاذا لم توجد فجدتها أى جدة الأم أحق بالحضانة من غيرها وان علت فان لم توجد فخالته أخت أمه أحق من غيرها فعمة الأم فان لم توجد فجدته من جهة الأب وان علت فان لم توجد فأبو المحضون ثم أخيه فعمته فعمة أبيه فخالته فبنت أخيه شقيقة أو لأم أو لاب وبنت أخته كذلك فان لم تكن واحدة فالوصى فالاخ شقيقا أو لأم أو لاب فالجد للأب أى من جهة الاب الاقرب فالاقرب فابن الاخ للمحضون فالعم فابنه وليس للجد لأم ولا للخال حضانة وقال اللخمى: الجد للأم له الحضانة لان له شفقة وحنانا

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

ليس لذوى الارحام ولاية فى النكاح عند الشافعية لان ولاية التزويج عندهم للعصبة على الترتيب الذى ذكروه فقد جاء فى المهذب:

وان كانت المنكوحة حرة فوليها عصباتها وأولاهم الأب ثم بعد أن ذكر العصبات بترتيبهم قال: فان لم يكن لها عصبة زوجها المولى المعتق الى أن قال: ثم السلطان

(3)

أما بالنسبة للحضانة فان ذوى الأرحام لهم حق الحضانة بشروطهم لكن يقدم فيها الاناث على الرجال فقد جاء فى مغنى المحتاج:

والحضانة نوع ولاية وسلطنة لكن الاناث أليق بها

(4)

على ترتيب بيانه فى «مصطلح حضانة» .

‌مذهب الحنابلة:

لا ولاية لغير العصبات النسبية والسببية من الأقارب فى النكاح كالاخ من الام والخال وعم الام وأبيها ونحوهم ومن ذلك يتبين أن ذوى الارحام لا ولاية لهم فى النكاح

(5)

أما بالنسبة للحضانة فان ذوى الارحام

(1)

الفروق لشهاب الدين القرافى مع حاشية أدرار الشروق على أنواء الفروق لابن الشاط ح 3 ص 126 الطبعة الاولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1346 هـ.

(2)

الشرح الصغير وحاشية الصاوى عليه ح 1 ص 490 الطبعة السابقة.

(3)

المهذب للشيرازي ح 2 ص 26 الطبعة السابقة.

(4)

مغنى المحتاج ح 3 ص 416، ص 417 الطبعة السابقة.

(5)

كشاف القناع ح 3 ص 28 وص 29 الطبعة السابقة.

ص: 24

لهم حق الحضانة فقد جاء فى كشاف القناع

(1)

ومستحق الحضانة رجل عصبة كالأب والجد والأخ لغير أم والعم ثم قال: وامرأة وارثة كالأم والجدة والاخت أو مدلية بوارث كالخالة وبنات الأخوات أو مدلية بعصبة كبنات الاخوة وبنات الأعمام وذى رحم غير من تقدم كالعم لأم والجد لأم والأخ لأم ثم بين ترتيب الحق فى الحضانة بينهم.

‌مذهب الظاهرية:

يؤخذ من كلام الظاهرية أنه ليس لذوى الأرحام ولاية الانكاح فقد جاء فى المحلى:

وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ إلى أن قال: فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها وأما الصغيرة التى لا أب لها فليس لأحد أن ينكحها حتى تبلغ

إلخ وجاء فى المحلى ما يأتى: ولا يجوز للأب ولا لغيره إنكاح الصغير الذكر حتى يبلغ فإن فعل فهو مفسوخ أبدا

(2)

.. الخ أما بالنسبة للحضانة فان ذوى الأرحام لهم حق فيها وهم أولى من غيرهم فقد جاء فى المحلى

(3)

ما يفيد أن الأم أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة ثم الجدة ثم الأب والأخ أو الأخت أو العمة أو الخالة أو العم أو الخال وذو الرحم أولى من غيرهم بكل حال.

‌مذهب الزيدية:

ذوو الارحام لا يلون عقد النكاح فقد قال فى التاج المذهب: ولى عقد النكاح فى الحرة الأقرب فالاقرب من عصبة النسب فلا ولاية للقريب الذى ليس بعصبة كالخال والاخ لأم لانهما من ذوى الارحام ولا ولاية لذوى الارحام فى النكاح اذا لم يكونوا عصبات

(4)

، أما بالنسبة للحضانة فان ذوى الارحام لهم حق فيها فقد جاء فى شرح الأزهار.

الأولى بالحضانة الام ثم أم الام ثم الاب ثم قال ثم الخالات

(5)

وقال فى الكافى عن زيد بن على والناصر أن الأخت لابوين أو لام أقدم من الخالة ثم بعد الخالات أمهات الاب وان علون ثم أمهات أب الام ثم الاخوات ثم بنات الخالات ثم بنات الاخوات ثم العمات ثم بناتهم ثم بنات العم ثم عمات الاب ثم بناتهن ثم بنات أعمام الأب وهن آخر الدرج فى باب الحضانة من النساء

(6)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام: لا ولاية فى عقد النكاح لغير الأب والجد للأب وإن علا والمولى

(1)

المرجع السابق ح 3 ص 326.

(2)

المحلى ح 9 فى كتاب النكاح مسألة رقم 1822.

(3)

المرجع السابق ح 10 ص 323 مسألة 2014.

(4)

التاج المذهب ح 2 ص 17 الطبعة السابقة.

(5)

شرح الازهار ح 2 من ص 523 الى ص 524 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ح 2 ص 526 الطبعة السابقة.

ص: 25

والوصى والحاكم

(1)

. وجاء فى المستمسك

(2)

أولياء العقد وهم الأب والجد من جهه الاب فلا يندرج أب أم الاب والوصى لأحدهما مع فقد الآخر والسيد بالنسبة الى مملوكه والحاكم ولا ولاية للأم ولا الجد من قبلها ولو من قبل أم الأب ولا الاخ والعم والخال. ومن هذا يستفاد أنه لا ولاية لذوى الأرحام فى الانكاح، أما بالنسبة للحضانة فقد جاء فى كتاب الخلاف: اذا اجتمع مع العصبة ذكر من ذوى الأرحام كالاخ للأم والخال والجد أبى الام كان الاقرب أولى، ثم قال فاذا لم يكن عصبة وهناك خال وأخ لأم وأبو أم الام كان لهم الحضانة

(3)

.

وقال: الأخت من الاب أولى بالحضانة من الأخت للأم

(4)

، وقال فى موضع آخر

(5)

: والجدات أولى بالولد من الأخوات وأم الاب أولى من الخالة بالولد، ولأبى الام وأم أبى الام حضانة.

‌مذهب الإباضية:

الولاية فى النكاح عند الإباضية تكون للعصبة فان لم تكن عصبة فللرحم عند بعضهم وللسلطان عند البعض الآخر فقد جاء فى شرح النيل

(6)

: أن أولى الأولياء بالنكاح الاب فالجد للأب الاقرب فالاقرب فالاخ فابنه الاقرب فالأقرب فالعم الشقيق فالابوى فابنه الاقرب فالاقرب فابن العم للأب فالاقرب للأقرب، واختار بعضهم أن الرحم أولى من السلطان وبعض بالعكس ولو جائرا والأحسن أن يوكل السلطان الرحم والرحم أولى من الولى المشرك، وبالنسبة للحضانة فقد جاء فى شرح النيل

(7)

: ويستحب أن تكون الحاضنة من ذوات الرحم والمحارم وأما الذكر فحضانته بمجرد الولاية كابن العم وابن الأخ والمعتق والوصى ومن يقدمه السلطان وقال البعض: وكونهن من ذوات الرحم شرط لهن وذوات محرم.

‌الارحام وحرمة النكاح

‌مذهب الحنفية:

صفة ذى الرحم المحرم أن يكون قريبا حرم نكاحه أبدا فالرحم عبارة عن القرابة والمحرم عبارة عن حرمة التناكح ومحرمات النكاح الأقارب الفروع وهن بناته وبنات أولاده وان نزلن وأصوله وهن أمهاته وأمهات أمهاته وآبائه وان علون وفروع أبوية وان نزلن فتحرم بنات الاخوة والأخوات وبنات أولاد الاخوة والاخوات وان نزلن وفروع أجداده وجداته لبطن واحد فلهذا تحرم العمات والخالات ولا تحرم

(1)

شرائع الاسلام ح 2 ص 9 الطبعة السابقة.

(2)

مستمسك العروة الوثقى ح 12 ص 366، ص 367 الطبعة السابقة.

(3)

الخلاف ح 2 ص 339 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ح 2 ص 338.

(5)

المرجع السابق ح 2 ص 337.

(6)

شرح النيل ح 3 من ص 63 الى ص 70.

الطبعة السابقة.

(7)

المرجع السابق ح 3 ص 567، ص 568.

ص: 26

بناتهم

(1)

لقول الله عز وجل: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً»

(2)

وفى البدائع

(3)

: فيحرم نكاح هؤلاء لأن النكاح لا يخلو من مباسطات تجرى بين الزوجين عامة وبسببها تجرى الخشونة بينهما وذلك يفضى الى قطع الرحم فكان النكاح سببا لقطع الرحم مفضيا اليه وقطع الرحم حرام والمفضى الى الحرام حرام وهذا المعنى يعم من سبق لأن قرابتهن محرمة القطع واجبة الوصل وأما الرحم بلا محرم فهن من يحل نكاحهن من الأقارب كبنات الاعمام والاخوال

(4)

والخالات، قال فى البدائع: ان الله تعالى ذكر المحرمات فى آية التحريم ثم أخبر سبحانه وتعالى أنه أحل ما وراء ذلك بقوله: «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ»

(5)

وبنات الاعمام والعمات والأخوال والخالات لم يذكر فى المحرمات فكن ممن وراء ذلك فكن محللات وقال فى الفتاوى الهندية تحت عنوان الجمع بين ذوات الارحام قال: لا يجمع بين أختين بنكاح ولا بوط ء بملك يمين ثم قال والأصل أنه لا يجوز الجمع بين كل امرأتين لو صورنا احداهما من أى جانب ذكرا لم يجز النكاح بينهما

(6)

. وذهبت بقية المذاهب الى ما ذهب اليه الحنفية مستدلين بالآية التى سبقت

(7)

.

(1)

الفتاوى الهندية ح 2 ص 8 الطبعة السابقة، وفتح القدير ح 2 ص 357 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 23 من سورة النساء.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ح 2 ص 256 الطبعة السابقة.

(4)

الفتاوى الهندية ح 2 ص 8 الطبعة السابقة، وفتح القدير ح 2 ص 357 الطبعة السابقة.

(5)

الاية رقم 24 من سورة النساء.

(6)

الفتاوى الهندية ح 1 ص 277 الطبعة السابقة.

(7)

للمالكية شرح الخرشى على مختصر خليل وبهامشه حاشية العدوى ح 3 ص 207، ص 208 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هـ وللشافعية: حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب وبهامشه تقريرات الشيخ المرصفى ح 3 من ص 359 الى ص 365 طبع مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1345 هـ وللحنابلة الروض المربع بشرح زاد المستقنع مختصر المقنع للحجاوى والبهونى ح 1 من ص 272 الى ص 275 طبع المطبعة السلفية ومكتبتها بمصر سنة 1380 هـ الطبعة السادسة. وللظاهرية المحلى لابن حزم الظاهرى ح 9 ص 520، ص 521 مسألة رقم 1855، 1857 الطبعة السابقة وللزيدية كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير لشرف الدين اليمنى الصنعانى ح 4 من ص 37 الى ص 43 الطبعة الاولى سنة 1349 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر وللامامية تهذيب الاحكام فى شرح المقنعة لابى جعفر الطوسى ح 7 من ص 272 الى ص 275 طبع مطبعة النعمان بالنجف الطبعة الثانية سنة 1380 هـ للإباضية شرح كتاب النيل ح 3 ص 12، ص 13، ص 14 الطبعة السابقة.

ص: 27

‌نفقة الارحام

‌مذهب الحنفية:

تجب النفقة لكل ذى رحم محرم توافرت فيه شروط استحقاق النفقة على قريبه الموسر ولا تجب على غير ذى الرحم المحرم ولاله والعبرة فى المحرمية أن تكون بالنسب لا بغيره وذلك كله على تفصيل فى بيان من تجب له ومن تجب عليه وترتيب ذلك وأساس الاستحقاق ومقداره موضعه مصطلح «نفقة» ، ولا تجب النفقة على ذى الرحم غير المحرم ولاله

(1)

.

‌مذهب المالكية:

يذهب المالكية الى أن المستحقين للنفقة بسبب القرابة صنفان وهم أولاد الصلب والأبوان ولا يتعدى الاستحقاق إلى أولاد الأولاد ولا إلى الجد والجدات بل يقتصر على أول طبقة من الفصول والأصول

(2)

، ومن هذا يستفاد أن ذوى الارحام لا يستحقون النفقة ولا تلزمهم فقد قال فى المدونة. ولا يلزم الانسان بنفقة أخ ولا ذى قرابة ولا ذى رحم محرم منه

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

ليس لذوى الارحام ولا عليهم نفقة عند الشافعية فقد جاء فى المهذب، ولا تجب نفقة من عدا الوالدين والمولودين من الأقارب كالأخوة والأعمام وغيرهما لأن الشرع ورد بايجاب نفقة الوالدين والمولودين ومن سواهم لا يلحق بهم فى الولادة وأحكام الولادة فلم يلحق بهم فى وجوب النفقة

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع تحت عنوان باب نفقة الاقارب، المراد بالاقارب من يرثه بفرض أو تعصيب ثم قال:

تجب على الابن نفقة الوالدين وان علوا والولد وان سفل ثم قال: حتى ذوى الارحام - ولو كان غير محرم - قال ويلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سوى عمودى النسب ثم قال فأما ذوى الارحام وهم من ليس بذى فرض ولا عصبة من غير عمودى النسب فلا نفقة لهم ولا عليهم لعدم النص فيهم ولان قرابتهم ضعيفة وانما يأخذون ماله فهم كسائر المسلمين فى أن المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث بدليل تقدم الرد عليه واختار الشيخ تقى الدين الوجوب لانه من صلة الرحم وهو عام ثم ذكر صاحب الكشاف شروط وجوب النفقة وعد من بينها أن يكون المنفق وارثا للمنفق عليه بفرض أو تعصيب ان كان من غير عمودى النسب ثم قال أما عمود النسب فتجب ولو من ذوى الارحام

(5)

، وفى المعنى قال أبو الخطاب من فقهاء الحنابلة: يخرج فى ذوى الارحام رواية أخرى وهو أن النفقة

(1)

حاشية ابن عابدين ح 2 ص 937، ص 938، ص 939 الطبعة السابقة.

(2)

الحطاب ح 2 ص 208 الطبعة السابقة.

(3)

المدونة للامام مالك ح 2 ص 58 الطبعة السابقة.

(4)

المهذب للشيرازي ح 2 ص 166 الطبعة السابقة.

(5)

كشاف القناع ح 3 ص 315، ص 316 الطبعة السابقة.

ص: 28

تلزمهم عند عدم العصبات وذوى الفروض لأنهم وارثون فى تلك الحالة

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم: يجبر كل واحد - بعد كفاية نفسه من كل ما يلزمه - على النفقة على من لا مال له ولا عمل بيده مما يقوم منه على نفسه من أبويه وأجداده وجداته وان علوا وعلى البنين والبنات وبنيهم والاخوة والاخوات والزوجات ثم قال فإن فضل عن هؤلاء بعد كسوتهم ونفقتهم شئ أجبر على النفقة على ذوى رحمه المحرمة وموروثيه ان كان من ذكرنا لا شئ له ولا عمل بأيديهم

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى باب النفقات، وندبت صلة الرحم ثم نقل بعض أئمة الزيدية وغيرهم قولهم:

وعلى كل موسر نفقة معسر على ملته يرثه بالنسب

(3)

، وجاء فى شرح الأزهار - باب النفقات قوله: وتجب على كل موسر نفقة كل معسر بشرطين أحدهما أن يكون على ملته وهذا فى غير الأبوين. الثانى أن يكون وارثا بالنسب فيجب عليه من النفقة بقدر إرثه وعلى ذلك تجب النفقة لذوى الأرحام كما نص على ذلك صاحب الحاشية على شرح الأزهار فقد ذكر أن ذوى الأرحام إذا ورثوا أنفقوا

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية: أن من أسباب النفقة القرابة وأنها تجب على الابوين فصاعدا والأولاد فنازلا ثم قال بعد ذلك وتستحب النفقة على باقى الاقارب من الاخوة والاخوات وأولادهم والاعمام والاخوال ذكورا واناثا وأولادهم ويتأكد الاستحباب فى الوارث منهم فى أصح القولين وقيل تجب النفقة على الوارث لقول الله عز وجل «وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ»

(5)

ومن ذلك يتبين أن النفقة لذوى الارحام وعليهم مستحبة فى الاصح وأن الاستحباب مؤكد فى الوارث منهم

(6)

، وقال بعضهم بالوجوب.

‌مذهب الإباضية:

الوارد فى فقه الإباضية قولهم: والمذهب أنه يجب عليك نفقة كل من ترثه ولا تجب للرحم إلا أن لم يكن له وارث سواك ولا يدركها الجد من جهة الأم إلا إن لم يكن لها وارث سواه فإنه يرثها وينفقها وهكذا سائر ذوى الأرحام

(7)

ومن هذا النص يستفاد أن ذوى الارحام تجب عليهم النفقة ان كانوا وارثين كما تجب لهم النفقة على من كان وارثا لهم من ذوى الارحام.

‌ما يراد بالأرحام فى الوصية لهم

والوقف عليهم

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق: فان أوصى

(1)

المغنى لابن قدامه ح 9 ص 260 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ح 10 ص 100 مسألة رقم 1933 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب البحر الزخار ح 3 ص 280 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الازهار ح 2 ص 544 الطبعة السابقة.

(5)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(6)

الروضة البهية ح 2 ص 144 الطبعة السابقة.

(7)

كتاب شرح النيل ح 7 ص 207، ص 209 الطبعة السابقة.

ص: 29

لذوى

(1)

قرابته أو لذوى أرحامه فعند أبى حنيفة هو لكل ذى رحم محرم منه اثنان فصاعدا الاقرب فالاقرب وعندهما يستحقه الواحد ويستوى فيه المحرم وغير المحرم والبعيد والقريب فأبو حنيفة يرى هنا أن الوصية تكون لذى الرحم المحرم فلا يدخل فيها غير المحرم وأن يعطى لاثنين فأكثر فلا يستحقها الواحد، وأن يكون الاعطاء بترتيب الاقرب فالاقرب عند تفاوت درجة القرابة، والصاحبان يقولان أنها تكون لذوى الارحام ولو لم يكونوا من المحارم وأنها تعطى للواحد فأكثر وعند التعدد فلا عبرة بالقرب والبعد وفى فتح القدير: ولو وقف على قرابته فهو لمن يناسبه الى أقصى أب فى الاسلام من قبل أبيه أو الى أقصى أب له فى الاسلام من قبل أمه لكن لا يدخل أبو الواقف ولا أولاده لصلبه وفى دخول الجد روايتان وظاهر الرواية لا يدخل ويدخل أولاد البنات وأولاد العمات والخالات والأجداد الاعلون والجدات ورحمى وأرحامى وكل ذى نسب منى كالقرابة وعلى عيالى يدخل كل من كان فى عياله من الزوج والولد والجدات ومن كان يعوله من ذوى الرحم وغير ذوى الرحم

(2)

‌مذهب المالكية:

قال فى الشرح الصغير: ان قال أوصيت لأرحامى أو أرحام فلان فيدخل أقاربه لأمه كأبيها وعمها لأبيها أو لامها وأخيها وابن عمتها ومحل دخول أقارب أمه ان لم يكن له أى للموصى أقارب لأب غير ورثة فان كان فلا يدخل أقارب أمه ويختص بها أقارب أبيه لشبه الوصية بالارث من حيث تقدم العصبة على ذوى الأرحام، ولو قال أوصيت لأقاربى أو أهلى أو لذى رحمى فلا يشمل وارثه لأنه وصية لوارث

(3)

.

وجاء فى الدردير: اذا قال الواقف وقفت على أقاربى أو أقارب فلان دخل أقارب جهتيه أى جهة أبيه وجهة أمه مطلقا ذكورا واناثا كان من يقرب لأمه فى جهة أبيها وأمها أى ذكورا واناثا هذا هو المشهور وقال ابن حبيب وهو قول جميع أصحاب مالك وقال ابن القاسم لا يدخل الخال ولا الخالة ولا قرابته من قبل أمه الا اذا لم يكن له قرابة من جهة الأب أى حين الايقاف والمعتمد

(4)

دخول الجهتين وان كانوا ذميين.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج: وان أوصى لأقارب

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق للشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم ح 8 ص 507 الطبعة الاولى طبع المطبعة العلمية بمصر 1310 هـ.

(2)

فتح القدير ح 5 ص 72 الطبعة السابقة.

(3)

الدردير على الشرح الصغير ح 2 ص 435 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ح 2 ص 286 الطبعة السابقة.

ص: 30

زيد أو رحمة دخل كل قرابة وان بعد الا أصلا والا فرعا فى الأصح والثانى يدخلان ثم قال ولا تدخل قرابة الأم فى الوصية للأقارب فى وصية العرب فى الأصح والثانى تدخل قرابة الام فى وصية العرب وهو المعتمد

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المحرر، وان أوصى لذوى رحمه فهو لكل منتسب اليه من جهة أمه أو أبيه أو ولده

(2)

، وفى كشاف القناع:

وذو رحمه قرابته من جهة أبويه وأولاده وأولادهم وان نزلوا لأن الرحم يشملهم ولو جاوزوا أربعة آباء فيصرف الوقف الى كل من يرث بفرض أو عصبة أو بالرحم لشموله لهم

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى: وفرض على كل مسلم أن يوصى لقرابته الذين لا يرثون اما لرق واما لكفر واما لأن هناك من يحجبهم عن الميراث أو لأنهم لا يرثون فيوصى لهم بما طابت به نفسه لا حد فى ذلك فان لم يفعل أعطوا ولا بد ما رآه الورثة أو الوصى، فان أوصى لثلاثة من أقاربه المذكورين أجزأه، والاقربون هم من يجتمعون مع الميت فى الأب الذى به يعرف اذا نسب من جهة أمه كذلك أيضا هو من يجتمع مع أمه فى الأب الذى يعرف بالنسبة اليه لأن هؤلاء فى اللغة أقارب ولا يجوز أن يوقع على غير هؤلاء اسم أقارب بلا برهان

(4)

.

وقال: وجائز للمرء أن يحبس على من أحب أو على نفسه ثم على من يشاء

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: ومن قال وقفت هذا على قرابتى أو على أقاربى أو ذوى قرابتى صح ذلك، ويستوى الاقرب منهم والابعد قال فى الحاشية ويدخل فى ذلك أولاد البنات والأخوات وذوى الارحام خلاف اللمع والمنتخب ثم قال:

واذا وقف رجل على الاقرب فالأقرب كان لأقربهم اليه نسبا، قيل والابن والأب على السواء والعم والخال كذلك

(6)

وفى الوصية قال: أما لفظ القرابة والأقارب بأن قال أوصيت لقرابتي أو أقاربى فحكمه ما تقدم فى الوقف

(7)

.

(1)

مغنى المحتاج ح 3 ص 59 الطبعة السابقة.

(2)

المحرر فى الفقه للشيخ الامام مجد الدين أبى البركات ومعه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين ابن تيمية تأليف شمس الدين بن مفلح الحنبلى المقدس ح 1 ص 382 طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ.

(3)

كشاف القناع ح 2 ص 468 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ح 9 ص 314 مسألة رقم 1751 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ح 9 ص 175 مسألة رقم 1650 الطبعة السابقة.

(6)

شرح الازهار ح 3 ص 472، ص 473 الطبعة السابقة.

(7)

المرجع السابق ح 4 ص 488 الطبعة السابقة.

ص: 31

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية: تستحب الوصية لذوى القرابة وارثا كان أم غيره لأن فيه صلة الرحم، ولا تصح الوصية للرحم ان كان حربيا وتصح للرحم الذمى

(1)

.

وفى كتاب من لا يحضره الفقيه روى الحسن ابن محجوب عن أبى جعفر عليه السلام فى رجل أوصى بثلث ماله فى أعمامه وأخواله فقال لأعمامه الثلثان ولأخواله الثلث

(2)

.

وفى شرائع الاسلام: اذا وقف على أولاده أو اخواته أو ذوى قرابته اقتضى الاطلاق اشتراك الذكور والاناث والادنى والأبعد والتساوى فى القسمة الا أن يشترط ترتيبا أو اختصاصا أو تفضيلا ولو وقف على أخواله وأعمامه تساووا جميعا، واذا وقف على أقرب الناس اليه فهم الأبوان والولد وان سفلوا فلا يكون لأحد من ذوى القرابة شئ مالم يعدم المذكورون ثم الاجداد والاخوة وان نزلوا ثم الأعمام والاخوال على ترتيب الارث لكن يتساوون فى الاستحقاق الا أن يعين التفضيل

(3)

.

‌الهبة لذوى الارحام:

‌مذهب الحنفية:

قال فى البدائع: من الهبة ما هو فى معنى العوض وهو ثلاثة أنواع. الاول صلة الرحم المحرم فلا رجوع فى الهبة لذى رحم محرم من الواهب وهذا عندنا بدليل ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها. أى لم يعوض. وصلة الرحم عوض معنى لأن التواصل سبب التناصر والتعاون فى الدنيا وسبب الثواب فى الآخرة فكان أقوى من المال، وروى عن سيدنا عمر رضى الله عنه أنه قال: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فانه لا يرجع فيها ولو وهب لذى رحم غير محرم فله أن يرجع لقصور معنى الصلة فى هذه القرابة فلا يكون فى معنى العوض وكذلك اذا وهب لذى محرم لا رحم له لانعدام معنى الصلة أصلا

(4)

وفى البحر الرائق

(5)

: أن الهبة لذى الرحم المحرم تشمل المسلم والذمى والمستأمن كذا فى المبسوط.

‌حكم الأرحام فى الحدود

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البدائع: ولا قطع على من سرق من ذى رحم محرم عندنا سواء كان بينهما ولاد أولا لأن كل واحد منهما يدخل فى منزل صاحبه بغير اذن عادة وذلك دلالة

(1)

الروضة البهية ح 2 ص 55 الطبعة السابقة.

(2)

من لا يحضره الفقيه ح 4 ص 154 الطبعة السابقة.

(3)

شرائع الاسلام ح 1 ص 248 الطبعة السابقة.

(4)

بدائع الصنائع للكاسانى ح 6 ص 123 الطبعة السابقة.

(5)

البحر الرائق ج 7 ص 320 الطبعة السابقة.

ص: 32

الاذن من صاحبه فاختل معنى الحرز لأن القطع بسبب السرقة فعل يفضى الى قطع الرحم وذلك حرام والمفضى الى الحرام حرام، ولو سرق جماعة فيهم ذو رحم محرم من المسروق لا يقطع واحد منهم عند أبى حنيفة وعند أبى يوسف لا يقطع ذو الرحم المحرم ويقطع سواه، ولو سرق من ذى رحم غير محرم يقطع بالاجماع لأن المباسطة بالدخول من غير استئذان غير ثابتة فى هذه القرابة عادة وكذا هذه القرابة لا تجب صيانتها عن القطيعة

(1)

.

وجاء فى اقامة حد الرجم قال صاحب البدائع: ولا بأس بكل من رمى أن يتعمد مقتله لأن الرجم حد مهلك فما كان أسرع الى الهلاك كان أولى الا اذا كان الرامى ذا رحم محرم من المرجوم فلا يستحب له أن يتعمد مقتله لأنه قطع الرحم من غير ضرورة لان غيره يكفيه ويغنيه

(2)

.

وفى حد الزنا: ومن وطئ جارية غير الأب والأم من سائر ذوى الرحم المحرم كالاخ والاخت ونحوهما فانه يجب عليه الحد وان قال طننت أنها تحل لى لأن هذا دعوى الاشتباه فى غير موضع الاشتباه لأن الانسان لا ينبسط بالانتفاع بمال أخيه وأخته عادة فلم يكن هذا ظنا مستندا الى دليل فلا يعتبر وكذلك اذا وطئ جارية ذات رحم محرم من امرأته أما اذا وطئ جارية أبيه أو أمه فلا حد لأن الرجل ينبسط فى مال أبويه وينتفع به من غير استئذان وحشمة والحد لا يجب اذا ادعى الاشتباه بأن قال ظننت أنها تحل لى وان لم يدع

(3)

يجب، وفى تفصيل ذلك وبيانه فى بقية المذاهب ينظر فى مصطلحات، حد، وسرقة وزنا، وقذف.

‌إرسال

‌التعريف فى اللغة

جاء فى لسان العرب الارسال التوجيه ويقال: أرسل الشئ أطلقه وأهمله، وقوله عز وجل فى التنزيل العزيز {(أَلَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)}

(4)

قالوا معنى الارسال هنا التسليط

(5)

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ح 7 ص 75 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ح 7 ص 60 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ح 3 ص 36 الطبعة السابقة.

(4)

الآية رقم (83) من سورة مريم.

(5)

لسان العرب لابن منظور انظر مادة رسل ج 13 ص 298 وما بعدها طبعة الدار المصرية للتأليف والترجمة.

ص: 33

وجاء فى القاموس المحيط: والارسال التسليط، والاطلاق، والاهمال، والتوجيه

(1)

.

‌التعريف فى اصطلاح الفقهاء

يكاد الفقهاء فى مختلف المذاهب لا يخرجون على التعريف اللغوى فى استعمالاتهم لكلمة ارسال فهم تارة يستعملون الارسال ويريدون به التسليط كما هو الحال فى ارسال الحيوان على الصيد مثلا، وتارة يستعملون الارسال ويعنون به الاطلاق وذلك فى بحثهم عن حكم ارسال اليدين فى الصلاة. ومرة يستعملون كلمة ارسال ويقصدون به الاهمال وذلك مثل ارسال الحيوان والماء والنار. وأخرى يستعملون الارسال ويريدون به التوجيه كما هو الشأن فى بحثهم عن أحكام ارسال شخص الى آخر برسالة أو مال أو نحو ذلك. على التفصيل الآتى فيما يلى:

‌حكم الارسال فى العبادات

‌1 - ارسال اليدين فى الصلاة

‌مذهب الحنفية:

يرى عامة علماء الحنفية أن ارسال اليدين فى الصلاة ليس من السنة وأن السنة عندهم أن يضع المصلى يمينه على شماله تحت السرة محلقا بابهام وسبابتها على رسغ اليد اليسرى فقد روى صاحب بدائع الصنائع أن عامة العلماء قالوا:

ان السنة هى وضع اليمين على الشمال لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من سنن المرسلين، تعجيل الافطار، وتأخير السحور، وأخذ الشمال باليمين فى الصلاة) وروى عن محمد فى النوادر أن المصلى يرسل يديه حالة الثناء فاذا فرغ منه يضع يده اليمنى على اليسرى بالكيفية السابقة بناء على أن الموضع سنة القيام الذى له قرار فى ظاهر المذهب، وعن محمد سنة القراءة، وأجمعوا على أنه لا يسن الوضع فى القيام المتخلل بين الركوع والسجود لأنه لا قرار له ولا قراءة فيه. والصحيح جواب ظاهر الرواية لقوله صلى الله عليه وسلم (انا معشر الأنبياء أمرنا أن نضع ايماننا على شمائلنا فى الصلاة) من غير فصل بين حال وحال فهو على العموم الا ما خص بدليل - ولأن القيام من أركان الصلاة، والصلاة عبادة لله تعالى وتعظيم له، والوضع فى التعظيم أبلغ من الارسال كما فى الشاهد (أى المشاهد) فكان

(1)

القاموس المحيط للفيروزابادى أنظر مادة رسل ج 3 ص 384 طبعة المكتبة التجارية الكبرى الطبعة الخامسة.

ص: 34

أولى. وأما القيام المتخلل بين الركوع والسجود فى صلاة الجمعة والعيدين فقال بعض مشايخنا: الوضع أولى لأن له ضرب قرار، وقال بعضهم: الارسال أولى لأنه كما يضع يحتاج الى الرفع فلا يكون مفيدا. وأما فى حال القنوت فذكر فى الاصل: اذا أراد أن يقنت كبر ورفع يديه حذاء أذنيه ناشرا أصابعه ثم يكفيهما. قال أبو بكر الاسكاف: معناه أن يضع يمينه على شماله وكذلك روى عن أبى حنيفة ومحمد أنه يضعهما كما يضع يمينه على يساره فى الصلاة. وذكر الكرخى والطحاوى أنه يرسلهما فى حالة القنوت وقد روى عن أبى يوسف أنه يبسط يديه بسطا فى حالة القنوت. ثم ذكر الكاسانى أن الصحيح فى صلاة الجنازة أن يضع أيضا لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى على جنازة ووضع يمينه على شماله تحت السرة، ولأن الوضع أقرب الى التعظيم فى قيام له قرار فكان الوضع أولى

(1)

.

‌مذهب المالكية:

روى الحطاب أن ابن فرحون قال فى حكم ارسال اليدين فى الصلاة: وأما ارسالهما بعد رفعهما فقال سند:

لم أر فيه نصا. والأظهر عندى أن يرسلهما حال التكبير ليكون مقارنا للحركة، وينبغى أن يرسلهما

(2)

برفق.

وفى حكم ارسال العذبة من العمامة قال الحطاب: وأما حكم ارسال العذبة والتحنيك بها فمحصل كلامه فى المدخل أن العمامة بغير عذبة ولا تحنيك

(3)

بدعه مكروهة فان فعلهما معا فهو الاكمل وان فعل أحدهما فقد خرج به من المكروه. ونقل عن النووى أنه لا كراهة فى ارسال العذبة ولا عدم ارسالها، لكن تعقبه الشيخ الكمال بن أبى شريف بأن ظاهر كلامه أنه من المباح المستوى الطرفين قال: وليس كذلك، بل الارسال مستحب وتركه خلاف الأولى وذكر السخاوى عن معجم الطبرانى الكبير بسند حسن أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث عليا الى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه وقال على كتفه الأيسر وتردد رواية فيه وربما جزم

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 1 ص 201 الطبعة الاولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية المصرية.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى خليل لابى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب فى كتاب مع التاج والاكليل ج 1 ص 537 الطبعة الاولى سنة 1328 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر.

(3)

التحنيك ادارة العمامة من تحت الحنك انظر القاموس المحيط ج 3 ص 300 الطبعة السابقة مادة حنك.

ص: 35

بالثانى

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

ذكر صاحب مغنى المحتاج - فى حكم ارسال اليدين فى الصلاة - أن المصلى يرفع يديه قبل التكبير ويكبر مع ابتداء الارسال وينهيه مع انتهائه، وقيل: يرفع غير مكبر ثم يكبر ويداه مرتفعتان فاذا فرغ أرسلهما من غير تكبير فان ترك الرفع حتى شرع فى التكبير أتى به فى أثنائه لا بعده لزوال سببه، ورد اليدين من الرفع الى ما تحت الصدر أولى من ارسالهما بالكلية ثم استئناف رفعهما الى ما تحت الصدر

(2)

. وذكر الخطيب فى الاقناع أن المصلى اذا أرسلهما - يعنى يديه - ولم يعبث فلا بأس

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

قال صاحب كشاف القناع: يرفع المصلى يديه عند تكبيرة الاحرام ندبا، ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه - أى الرفع - مع انتهائه، وتكون اليدان حال الرفع ممدودتى الأصابع برؤسهما ويستقبل ببطونهما القبلة الى حذو منكبيه، ويسقط ندب رفع اليدين بفراغ التكبير كله لأنه سنة فات محلها ثم بعد فراغ التكبير يحطهما من غير ذكر، لعدم وروده، ثم يقبض بكفه الايمن كوعه الأيسر، لأن النبى صلى الله عليه وسلم وضع اليمنى على اليسرى على ما رواه مسلم، وفى رواية لأحمد وأبى داود: ثم وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد، ويجعلهما تحت السرة

(4)

.

‌مذهب الشيعة الإمامية:

روى صاحب وسائل الشيعة أن أبا عبد الله عليه السلام قام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه، ثم ذكر أن زرارة روى أن أبا جعفر عليه السلام قال اذا قمت فى الصلاة فأرسل يديك ولا تشبك أصابعك وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك

(5)

. أما صاحب الخلاف فقد قال أنه لا يجوز للمصلى أن يضع اليمين على الشمال ولا الشمال على اليمين فى الصلاة لا فوق السرة

(1)

مواهب الجليل على الحطاب ج 1 ص 541 الطبعة السابقة.

(2)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 1 ص 154.

(3)

الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع للشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه تقرير الشيخ عوض ج 1 ص 123 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية.

(4)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 222 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(5)

وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة لمحمد بن الحسن الحر العاملى ج 4 ص 674، 675 طبع فى المطبعة الاسلامية بطهران.

ص: 36

ولا تحتها والدليل على ذلك اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون فى أن ذلك يقطع الصلاة

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

قال فى شرح النيل: وهل يرسل يديه بحالهما ورجح أو يمدهما مع جنبيه أو يمسك بهما فخذيه بلا وضع على خاصرة موضع الحزام تحت القصيرى؟ للإباضية فى ذلك أقوال والمشهور الفساد بالوضع على الخاصرة

(2)

.

‌2 - حكم الارسال فى النكاح

والطلاق ونحو ذلك

‌مذهب الحنفية:

والحنفية على أن النكاح كما ينعقد بطريق الاصالة ينعقد بطريق الرسالة، فقد جاء فى البدائع ثم النكاح كما ينعقد بهذه الألفاظ بطريق الاصالة ينعقد بها بطريق النيابة والوكالة والرسالة لأن تصرف الوكيل كتصرف الموكل، وكلام الرسول كلام المرسل)

(3)

فلو أرسل رجل الى المرأة رسولا وكتب اليها بذلك كتابا فقبلت بحضرة شاهدين سمعا كلام الرسول وقراءة الكتاب جاز ذلك لاتحاد المجلس من حيث المعنى لأن كلام الرسول كلام المرسل لأنه ينقل عبارة المرسل وكذا الكتاب بمنزلة الخطاب من الكاتب فكان سماع قول الرسول وقراءة الكتاب سماع قول المرسل وكلام الكاتب معنى وان لم يسمعا كلام الرسول وقراءة الكتاب فانه لا يجوز عندهما، وعند أبى يوسف اذا قالت زوجت نفسى يجوز وان لم يسمعا كلام الرسول وقراءة الكتاب بناء على أن قولها زوجت نفسى شطر العقد عندهما والشهادة فى شطرى العقد شرط لأنه يصير عقدا بالشطرين فاذا لم يسمعا كلام الرسول وقراءة الكتاب فلم توجد الشهادة على العقد، وقول الزوجة بانفرادها عقد عنده وقد حضر الشاهدان

(4)

، هذا وقد ذكر ابن نجيم فى البحر الرائق أن الرسول فى النكاح اذا ضمن المهر ثم أنكر المرسل الرسالة ولا بينة فان الضمان لا يسقط عن الرسول

(5)

ولو ضمن الرسول المهر ثم جحد الزوج الرسالة فقد اختلف المشايخ فيما يلزم الرسول، وصحح فى المحيط أن المرأة اذا طلبت التفريق من القاضى وفرق بينها وبين الزوج كان لها على الرسول نصف المهر، وان لم تطلب التفريق كان لها جميع المهر

(6)

، وكما يصح الارسال فى النكاح يصح فى الطلاق فقد ذكر صاحب بدائع الصنائع - فى حكم الارسال

(1)

الخلاف فى الفقه تصنيف أبى جعفر محمد ابن الحسن الطوسى ج 1 ص 109، 110 طبع مطبعة رنكين فى طهران.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 1 ص 364 طبع المطبعة السلفية فى القاهرة سنة 1343 هـ.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 231.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 233.

(5)

البحر الرائق لابن نجيم ج 3 ص 151.

(6)

المرجع السابق ج 3 ص 189.

ص: 37

بالطلاق - أن الزوج اذا أرسل طلاق امرأته الغائبة على يد انسان فذهب الرسول اليها وأبلغها الرسالة على وجهها وقع عليها الطلاق لأن الرسول ينقل كلام المرسل فكان كلامه مثل كلام من أرسله

(1)

، ثم قال الكاسانى أنه روى عن محمد أن العدة تجب من وقت ارسال الطلاق وتنقضى اذا حاضت ثلاث حيض من ذلك الوقت ولا تصح الرجعة بعد ذلك

(2)

هذا وروى صاحب البحر الرائق عن البزازية أن الخلع اذا جرى بين الزوج والمرأة فاليها القبول سواء كان البدل مرسلا أو مطلقا أو مضافا الى المرأة أو الأجنبى اضافة ملك أو ضمان، ومتى جرى الخلع بين الأجنبى والزوج فان كان البدل مرسلا فالقبول اليها وان كان مضافا الى الأجنبى اضافة ملك أو ضمان فالى الاجنبى لا الى المرأة

(3)

وتعقبه الرملى بقوله: المرسل كقولها اخلعنى على هذا العبد أو على هذا الألف أو على هذه الدار فان قدرت على تسليمه سلمته والا فالمثل فيما له مثل والقيمة فى القيمى، والمطلق كقولها خالعنى على عبد أو ألف أو ثوب، والمضاف كقولها خالعنى على عبدى هذا أو عبدك أو عبد فلان وما أشبهه

(4)

، ثم ذكر ابن نجيم أن الوكيل بالخلع أن أرسل البدل ارسالا بأن قال للزوج:

اخلع امرأتك بألف درهم أو على هذه الالف وأشار الى ألف للمرأة كان البدل على المرأة ولا يطالب به الوكيل

(5)

.

‌مذهب المالكية:

فى الخطبة ذكر الحطاب أن ابن القطان قال: وللرجل أن يبعث امرأة تنظر له، وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم تنظر الى امرأة وقال لها: شمى عوارضها وانظرى الى عرقوبها فلو بعث الرجل خاطبا قال البرزلى: الظاهر أنه يجوز له أن يفوض اليه فى النظر اليها على حسب ما كان له وينزل منزلته ما لم يخف عليه مفسدة من النظر اليها، وقيل: لا يصح ذلك الا للنكاح فقط

(6)

.

هذا والمالكية على أنه يصح أن يرسل الرجل رسولا يخطب له امرأة لكنهم فى حكم خطبة الرسول تلك المرأة لنفسه مختلفون، فمالك يكره ذلك وابن ناجى يبيحه فقد روى الحطاب أن صاحب التوضيح قال: قال مالك فى سماع ابن أبى أويس: أكره اذا بعث رجل رجلا يخطب امرأة أن يخطبها الرسول لنفسه وأراها خيانة ولم أر أحدا رخص فى ذلك. ثم ذكر أن ابن ناجى قال فى شرح

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 126 نفس الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 226.

(3)

ابن نجيم فى البحر الرائق ج 4 ص 101.

(4)

حاشية ابن عابدين على البحر الرائق ج 4 ص 101.

(5)

المرجع السابق.

(6)

مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى خليل للحطاب فى كتاب مع التاج والاكليل ج 3 ص 405 الطبعة الاولى سنة 1328 طبع مطبعة السعادة بمصر.

ص: 38

الرسالة: واذا أمر رجل رجلا أن يخطب له فأراد أن يخطب لنفسه فله ذلك ويعلمه بالباعث له أولا لما رواه ابن عبد البر عن ابن وهب أن جريرا البجلى طلب الى عمر أن يخطب له امرأة من دوس، ثم طلب مروان ابن الحكم اليه ذلك لنفسه، ثم ابنه عبد الله كذلك فدخل عليها عمر رضى الله عنه فأخبرها بهم الاول فالاول ثم خطبها لنفسه قالت: أهازئ أم جاد؟ فقال: بل جاد، فنكحته وولدت له ولدين، غير أن الحطاب قيد ما روى عن الامام مالك رضى الله عنه فقال:

هذا اذا خص الرسول نفسه بالخطبة

(1)

، وروى الحطاب أن البساطى قال: حكم الرسول الخاطب حكم الاثنين اذا تقدما لخطبة واحدة، فاذا ركنت لمرسله لم يجز له أن يخطب لنفسه، وان لم تركن لمرسله جاز أن يخطب لنفسه

(2)

.

فى النكاح: والارسال فى النكاح جائز عند المالكية على تفصيل فيما يتعلق به، فلو أن رجلا أتى الى امرأة فقال لها ان فلانا أرسلنى اليك يخطبك وأمرنى أن أعقد نكاحك ان رضيت فقالت قد رضيت ورضى وليها فأنكحه وضمن هذا الرسول الصداق ثم قدم فلان فقال ما أمرته، أما النكاح فلا يثبت على ما ذكرته المدونة من قول الامام مالك، وأما ضمان الصداق ففيه خلاف، روى أن مالكا رضى الله عنه قال: لا يكون على الرسول شئ من الصداق الذى ضمن، وروى أن عليا ابن زياد قال يضمن الرسول

(3)

، ولو أمر رجل رجلا أن يزوجه فلانة بألف درهم فذهب المأمور فزوجها اياه بألفى درهم فعلم بذلك قبل أن يبتنى بها فان مالكا رضى الله عنه قال: يقال للزوج أن رضيت بالألفين والا فلا نكاح بينكما الا أن ترضى هى بالالف فيثبت النكاح، وقال أشهب وسحنون:

وتكون فرقتهما طلاقا، أما ان لم يعلم الزوج بما زاد المأمور من المهر ولم تعلم المرأة أن الزوج لم يأمره الا بألف درهم وقد دخل بها. كان لها الالف على الزوج ولا يلزم المأمور شئ لأنها صدقته والنكاح ثابت بينهما وانما جحدها الزوج تلك الالف الزائدة.

فلو قال الرسول: لا والله ما أمرنى الزوج الا بألف وأنا زدت الالف الاخرى كانت الالف الزائدة على المأمور لأنه أتلف بضع الزوجة بما لم يأمره به الزوج فما زاد على ما أمره به الزوج فهو ضامن لما زاد، ولو علم الزوج بأن المأمور قد زوجه على ألفين فدخل على ذلك وقد علمت المرأة أن الزوج انما أمر المأمور على الألف فدخلت عليه وهى

(1)

نفس المرجع السابق ج 3 ص 411، 412.

(2)

مواهب الجليل للحطاب ج 3 ص 412 الطبعة المتقدمة.

(3)

المدونة ج 4 ص 24.

ص: 39

تعلم لزم الزوج الالفان جميعا اذا علم فدخل بها أما علم المرأة وعدم علمها فسواء، فلو قال الرسول:

أنا أعطى الالف التى زدت عليك أيها الزوج وقال الزوج: لا أرضى، انما أمرتك أن تزوجنى بألف درهم لم يلزم الزوج النكاح لأنه يقول انما أمرتك أن تزوجنى بألف درهم فلا أرضى أن يكون نكاحى بألفين

(1)

.

فى الطلاق: وروى المواق عن اللخمى أنه قال: الزوج مع الأجنبى فى الطلاق على ثلاثة أوجه، تمليك ووكالة ورسالة.

فان وكله كان له عزله ما لم يقض بالطلاق، واختلف اذا قال: طلق امرأتى، هل هو تمليك أو وكالة؟ وكان ابن القاسم يقول:

هو على الرسالة ولا يقع به الطلاق الا أن يطلق يريد بالرسالة هنا الوكالة وهذا أحسن

(2)

، وروى عن المدونة أن الزوج أن ملك أمر امرأته رجلين لم يجز طلاق أحدهما الا أن يكونا رسولين كالوكيلين فى البيع والشراء

(3)

، وذكر الحطاب أن ابن عرفه قال: النيابة فى الطلاق توكيل أو رسالة وتمليك أو تخيير، ثم قال: والرسالة هى أن يجعل الزوج اعلام الزوجة بثبوت الطلاق الى غيره، ولكن الحطاب تعقب ابن عرفة فى ذلك بقوله: وفى جعله الرسالة داخلة فى النيابة فى الطلاق نظر لأنه ليس فى الرسالة الا النيابة فى التبليغ لا فى ايقاع الطلاق الا أن يريد بقوله: النيابة فيه ما هو أعم من النيابة فى ايقاعه أو تبليغه

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

فى الخطبة: ذكر الشبراملسى فى حاشيته على نهاية المحتاج أن من أراد النكاح لو أمكنه أن يرسل امرأة تنظرها له وتصفها له لا يجوز له أن ينظر اليها، وقد يتوقف فان الخبر ليس كالمعاينة فقد يدرك الناظر من نفسه عند المعاينة ما تقصر العبارة عنه

(5)

، بينما قال الخطيب فى الاقناع أنه ان لم يتيسر نظره اليها أو لم يرده بعث امرأة أو نحوها تتأملها وتصفها له، ويجوز للمبعوث أن يصف للباعث زائدا على ما ينظره فيستفيد بالبعث فى النكاح مالا يستفيده بنظره

(6)

هذا وذكر الامام الشافعى رضى الله عنه فى الأم أنه اذا قال الرجل: قد أرسلنى فلان فزوجه الولى، أو كتب الخاطب كتابا فزوجه الولى وجاءه

(1)

المدونة ج 4 ص 24، 25 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة سنة 1323 هـ.

(2)

التاج والاكليل للمواق فى كتاب مع شرح الحطاب ج 4 ص 98.

(3)

المرجع السابق.

(4)

شرح الحطاب لمختصر سيدى خليل ج 4 ص 91، 92.

(5)

حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج وبهامشه حاشية المغربى ج 6 ص 189 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ وسنة 1938 م.

(6)

الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 2 ص 120 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية.

ص: 40

بعلم التزويج فان مات الزوج قبل أن يقر بالرسالة أو الكتاب لم ترثه المرأة، وان لم يمت فقال لم أرسل ولم أكتب فالقول قوله مع يمينه، فان قامت عليه بينة برسالة بخطبتها أو كتاب بخطبتها ثبت عليه النكاح، وهكذا لو مات ولم يقر بالنكاح أو جحده فقامت عليه بينة ثبت عليه النكاح وكان لها عليه المهر الذى سمى لها ولها منه الميراث، فاذا زوج الولى رجلا غائبا بخطبة غيره وقال الخاطب لم يرسلنى ولم يوكلنى فلنكاح باطل

(1)

.

فى الطلاق: وفى حكم الارسل بالطلاق جاء فى حاشية البجرمى على المنهج: لو كتب الزوج اذا بلغك كتابى فأنت طالق فانها تطلق ببلوغه لها غير ممحو، فلو انمحى كله لم تطلق فى الأصح، ولو بقى أثره بعد المحو وأمكن قراءته طلقت، وان وصل بعضه فان انمحى أو ضاع موضع الطلاق فقط لم تطلق، وان ادعت وصول كتابه بالطلاق فأنكر صدق بيمينه

(2)

، وذكر صاحب مغنى المحتاج أنه لو أمر الزوج أجنبيا أن يقول لزوجته أنت بائن ونوى الزوج لم تطلق

(3)

، لأن لفظ بائن كناية يحتاج الى نية والشرط أن تكون الكناية والنية من واحد وهنا الكناية من الأجنبى والنية من الزوج فلا يقع الطلاق عندهما أى النووى والرافعى.

‌مذهب الحنابلة:

فى الخطبة: والحنابلة على اباحة الارسال فى رؤية من يريد نكاحها فقد جاء فى كشف القناع أنه ان لم يتيسر له النظر أو كرهه بعث اليها امرأة ثقة تتأملها ثم تصفها له ليكون على بصيرة

(4)

.

فى الطلاق، وفى حكم الارسال فى الطلاق ذكر ابن قدامة أن الرجل اذا كتب الى امرأته:

أما بعد فأنت طالق طلقت فى الحال سواء وصل اليها الكتاب أو لم يصل، وعدتها من حين كتبه، وان كتب اليها: اذا وصلك كتابى فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت عند وصوله اليها وان ضاع ولم يصلها لم تطلق لأن الشرط وصوله، وان ذهبت كتابته بمحو أو غيره ووصل الكاغد لم تطلق لأنه ليس بكتاب، وكذلك ان انطمس ما فيه لعرق أو غيره لأن الكتاب عبارة عما فيه الكتابة، وان ذهبت حواشيه أو تخرق منه شئ لا يخرجه عن كونه كتابا ووصل باقيه طلقت لأن الباقى كتاب، وان تخرق بعض ما فيه الكتابة أى ما فيه ذكر الطلاق فذهب ووصل باقيه لم تطلق

(1)

الام للامام الشافعى ج 5 ص 73 فى كتاب على هامشه مختصر المزنى طبعة كتاب الشعب بالقاهرة.

(2)

حاشية الشيخ سليمان البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 4 ص 9 طبع مطبعة دار الكتب العربية الكبرى سنة 1330 هـ.

(3)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج سووى ج 3 ص 265.

(4)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 3 ص 50 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

ص: 41

لأن المقصود ذاهب، ولا يثبت الكتاب بالطلاق الا بشاهدين عدلين ان هذا كتابه، ولا تقبل شهادة حامل الكتاب وحده حتى يشهد معه غيره

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

ذكر ابن حزم فى المحلى أنه لا يجوز أن ينوب عن الزوج غير الزوج فى الطلاق لا بوكالة ولا بغيرها لقوله تعالى: «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها»

(2)

فلا يجوز عمل أحد عن أحد الا حيث أجازه القرآن أو السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز كلام أحد عن كلام غيره الا حيث أجازه القرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت فى ذلك قرآن ولا سنة. وكل مكان ذكر الله تعالى فيه الطلاق فانه خاطب به الأزواج لا غيرهم

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

فى الخطبة والنكاح: والزيدية على أن للخاطب أن يبعث من تنظرها له اذا عجز عن ذلك فقد ذكر. صاحب التاج المذهب أنه اذا عجز الخاطب عن النظر بعث امرأة تنظر اليها وتصفها له ولو وصفت له كل بدنها فانه جائز

(4)

، كما أنهم يصححون أن يكون الرسول فى مقام الموجب أو القابل فقد جاء فى شرح الأزهار أن الايجاب والقبول يصحان بالرسالة والكتابة وصورة الرسالة أن يقول المرسل - بالكسر - قل لفلان يزوجنى ابنته أو يتزوج بابنتى فيحكى الرسول لفظ المرسل فكأن الناطق هو المرسل ثم يقول المرسل اليه زوجت أو تزوجت، ولا يحتاج رسول المتزوج الى قبول بل ينعقد النكاح بقول الولى زوجت

(5)

فى الطلاق: وفى حكم الارسال فى الطلاق جاء فى التاج المذهب: ومن قال لغيره أخبر امرأتى بطلاقها - أو بشرها - كان اقرارا بالطلاق فى الظاهر فقط وسواء أخبرها الرسول أم لا لا فى الباطن فله نيته الا أن تصادقه أقرا على النكاح فى الظاهر حيث لم يرد بذلك الانشاء ولم يسبق منه طلاق ولو قال: قل لها هى طالق طلقت ولو لم يقل لها الرسول، فلو أراد وقوع الطلاق حين يقول لها الرسول فانها تصح نيته فى الباطن، وان قال أردت توكيله بطلاقها فكذا أيضا. وان قال له: قل لها أنت طالق فهو توكيل له بطلاقها، واذا وصل الزوجة كتاب على لسان الزوج أو رسوله لم يلزمها قبوله أى لا تكون طالقا الا بشهادة عدلين هذا فى الظاهر وأما فى الباطن فتعمل به اذا ظنت صدقه فيما هو لها لترك النفقة من ماله ونحوها

(1)

المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 8 ص 414، 415.

(2)

الآية رقم (164) من سورة الانعام.

(3)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 196 الطبعة الاولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.

(4)

التاج المذهب لاحكام المذهب شرح متن الازهار فى فقه الائمة الاطهار لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 2 ص 7 طبع احياء الكتب العربية سنة 1947 م.

(5)

شرح الازهار ج 2 ص 232، 233.

ص: 42

وفيما هو عليها نحو التزويج بغيره اذا أقرت بصدقه كامرأة المفقود اذا أخبرها عدل بموته أو طلاقه

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

والاماميا يفضلون الارسال لرؤية المرأة بقصد الزواج على الرؤية بنفسه اذا أمكن أن يعرف حالها بذلك فقد جاء فى العروة الوثقى: لا فرق بين أن يمكنه المعرفة بحالها - يعنى المرأة - بنفسه وبين أن يعرفه بوجه آخر من توكيل امرأة تنظر اليها وتخبره وان كان الأحوط الاقتصار على الثانى

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

ذكر صاحب شرح النيل أن الزوج ان كتب بطلاق امرأته اليها أو الى غيرها أو كتبه ولم يرسله طلقت وان لم يصلها الكتاب أو المكتوب فيه لأنه قبل الكتاب أى الكتابة كلام وقيل لا تطلق الا أن نطق به حين الكتابة أو قبل أو بعد أو قرى، وان كتب اليها اذا بلغك كتابى فأنت طالق لم تطلق حتى يبلغها عند من قال لا تطلق به أى بالكتاب ومن قال تطلق به قال طلقت بالكتاب أولا، واذا بلغها طلقت ثانيا لأنه علق طلاقها ببلوغه اياها

(3)

.

‌3 - حكم الارسال فى الصيد

‌مذهب الحنفية:

(أ) شروط الحيوان المرسل:

ذكر صاحب بدائع الصنائع أنه يشترط فى الحيوان الذى يوسل للصيد أن يكون من الجوارح من الحيوانات من ذى الناب من السباع وذى المخلب من الطير ومعلما لقول الله تعالى {(وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ)}

(4)

معطوفا على قوله سبحانه وتعالى {(يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ)} أى أحل لكم الطيبات وأحل لكم ما علمتم من الجوارح أى الاصطياد بما علمتم من الجوارح كأنهم سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عما يحل لهم الاصطياد به من الجوارح أيضا مع ما ذكر فى بعض القصة أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلاب أتاه ناس فقالوا ماذا يحل لنا من هذه الأمة التى أمرت بقتلها فنزل قوله تعالى {(يَسْئَلُونَكَ.} . الآية) ففى الآية الكريمة اعتبار الشرطين وهما الجرح والتعليم حيث قال عز شأنه {(وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ)}

(5)

أى كسبتم، وقوله تعالى {(مُكَلِّبِينَ)} قرئ بالكسر والنصب، وقيل بالكسر صاحب الكلب وبالنصب الكلب المعلم، وقوله جلت عظمته {(تُعَلِّمُونَهُنَّ)} أى تعلمونهن ليمسكن الصيد لكم ولا يأكلن منه وهذا

(1)

التاج المذهب الطبعة المتقدمة ج 2 ص 173.

(2)

مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائي الحكيم ج 12 ص 10، 14 الطبعة الثانية مطبعة النجف سنة 1379 هـ.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد أطفيش ج 3 ص 632.

(4)

الآية رقم (4) من سورة المائدة.

(5)

الآية رقم (60) من سورة الانعام.

ص: 43

حد التعليم فى الكلب عندنا فدلت الآية على أن كون الكلب معلما شرط لاباحة أكل صيده، فلا يباح أكل صيد غير المعلم، واذا ثبت هذا الشرط فى الكلب بالنص ثبت فى كل ما هو فى معناه من كل ذى ناب من السباع كالفهد وغيره مما يحتمل التعلم بدلالة النص، لان فعل الكلب انما يضاف الى المرسل بالتعليم اذ المعلم هو الذى يعمل لصاحبه فيأخذ لصاحبه ويمسك على صاحبه فكان فعله مضافا الى صاحبه، فأما غير المعلم فانما يعمل لنفسه لا لصاحبه فكان فعله مضافا اليه لا الى من أرسله لذلك شرط لصحة ارساله أن يكون معلما، وانما يكون الكلب معلما اذا كان بحيث اذا أرسل اتبع الصيد واذا أخذه أمسكه على صاحبه ولا يأكل منه شيئا لقوله عز وجل {(تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)}

(1)

ففى الآية اشارة الى أن حد تعليم الكلب وما هو فى معناه ما قلنا وهو الامساك على صاحبه وترك الأكل منه لأنه شرط التعليم ثم أباح أكل ما أمسك علينا فكان هذا اشارة الى أن التعليم أن يمسك علينا الصيد ولا يأكل منه، ولما روى عن عدى بن حاتم الطائى أنه قال: قلت يا رسول الله انا قوم نتصيد بهذه الكلاب والبزاة فما يجل لنا منها؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن ما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم مما علمتموهن من كلب أو باز وذكرتم اسم الله عليه، قلت: فان قتل قال عليه الصلاة والسلام: اذا قتله ولم يأكل منه فكل فانما أمسك عليك وان أكل فلا تأكل فانما أمسك على نفسه فقلت: يا رسول الله: أرأيت أن خالط كلابنا كلاب أخرى قال عليه الصلاة والسلام: ان خالطت كلابكم كلاب أخرى فلا تأكل فانك انما ذكرت اسم الله تعالى على كلبك ولم تذكره على كلب غيرك، ثم ان هذا ما يتفق مع العقل لأن أخذ الصيد وقتله مضاف الى المرسل وانما الكلب آلة الأخذ والقتل وانما يكون مضافا اليه اذا أمسك لصاحبه لا لنفسه لأن العامل لنفسه يكون عمله مضافا اليه لا الى غيره والامساك على صاحبه أن يترك الاكل منه، ولأن تعليم الكلب ونحوه هو تبديل طبعه وفطامه عن العادة المألوفة ولا يتحقق ذلك الا بامساك الصيد لصاحبه وترك الاكل منه لأن الكلب ونحوه من السباع من طباعها أنها اذا أخذت الصيد فانما تأخذه لأنفسها ولا تصبر على أن لا تتناول منه فاذا أخذ واحد منها الصيد ولم يتناول منه دل أنه ترك عادته حيث أمسك لصاحبه ولم يأكل

(2)

منه، فلو أرسل رجل كلبه على صيد وهو

(1)

الآية رقم (4) من سورة المائدة.

(2)

بدائع الصنائع فى تريب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 52، 53 الطبعة الاولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية المصرية

ص: 44

معلم فأخذ صيدا فقتله وأكل منه ثم اتبع صيدا آخر فقتله ولم يأكل منه فانه لا يؤكل واحد منهما، لأنه لما أكل دل على عدم التعليم أو على النسيان فلا يحل صيده بعد

(1)

ذلك، ومثله ما لو أرسل الكلب المعلم على صيد فتبعه فنهشه فقطع منه قطعة فأكلها ثم أخذ الصيد بعد ذلك فقتله ولم يأكل منه شيئا فانه لا يؤكل لأن الأكل منه فى حال الاصطياد دليل على عدم التعليم، فان نهشه فألقى منه بضعة والصيد حى ثم اتبع الصيد بعد ذلك فأخذه فقتله ولم يأكل منه شيئا جاز أكله لأنه لم يوجد منه ما يدل على عدم التعلم لأنه انما قطع قطعة منه ليثخنه فيتوصل به الى أخذه فكان بمنزلة الجرح

(2)

، هذا وقد ذكر صاحب البدائع أن الارسال من شروط الحيوان المرسل للصيد وكذلك الزجر عند عدمه على وجه ينزجر فيما يحتمل ذلك وهو الكلب وما فى معناه، حتى لو ترسل بنفسه ولم يزجره صاحبه فيما ينزجر بالزجر لا يحل صيده الذى قتله لأن الارسال فى صيد الجوارح أصل ليكون القتل والجرح مضافا الى المرسل الا أن عند عدمه يقام الزجر مقام الانزجار فيما يحتمل قيام ذلك مقامه، فان لم يوجد فلا تثبت الاضافة فلا يحل، فلو أرسل مسلم كلبه وسمى فزجره مجوسى فانزجر فانه يؤكل صيده، ولو انعكس الأمر فأرسل مجوسى كلبه فزجره مسلم فانزجر لا يؤكل صيده، وكذا لو أرسل مسلم كلبه وترك التسمية عمدا فاتبع الصيد ثم زجر فانزجر لا يؤكل صيده، ولو لم يرسله أحد وانبعث بنفسه فاتبع الصيد فزجره مسلم وسمى فانزجر يؤكل صيده، وان لم ينزجر لا يؤكل، وانما كان كذلك لأن الارسال هو الأصل والزجر كالخلف عنه والخلف يعتبر حال عدم الاصل لا حال وجوده ففى المسائل الثلاثة وجد الاصل فلا يعتبر الخلف الا أن فى المسألة الأولى المرسل من أهل الارسال فيؤكل صيده وفى المسألة الثانية ليس من أهل الارسال فلا يؤكل وفى المسألة الرابعة لم يوجد الأصل فيعتبر الخلف فيؤكل صيده ان انزجر، ولا يؤكل ان لم ينزجر لأن الزجر بدون الانزجار لا يصلح خلفا عن ارسال فكان ملحقا بالعدم فيصير كأنه يرسل بنفسه من غير ارسال ولا زجر، ولان العبرة بالارسال فلو أرسله مسلم وسمى وزجره رجل ولم يسم على زجره فأخذ الصيد وقتله يؤكل لما ذكرنا أن العبرة للارسال فيعتبر وجود التسمية عنده

(3)

.

هذا ومن شروط الحيوان المرسل بقاء الارسال - على ما جاء فى بدائع الصنائع - وهو أن يكون أخذ الكلب

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 53.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 54.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 55.

ص: 45

أو البازى الصيد فى حال فور الارسال لا فى حال انقطاعه حتى لو أرسل الكلب أو البازى على صيد وسمى فأخذ صيدا وقتله، ثم أخذ آخر على فوره ذلك وقتله، ثم، وثم، يؤكل ذلك كله لأن الارسال لم ينقطع فكان الثانى كالأول مع ما بينا أن التعيين ليس بشرط فى الصيد لأنه لا يمكن فكان أخذ الكلب أو البازى الصيد فى فور الارسال كوقوع السهم بصيدين، فان أخذ صيدا وجثم عليه طويلا ثم مر به آخر فأخذه وقتله لم يؤكل الا بارسال مستقبل أو بزجره وتسميته على وجه ينزجر فيما يحتمل الزجر لبطلان الفور وكذلك ان أرسل كلبه أو بازه على صيد فعدل عن الصيد يمنة أو يسرة وتشاغل بغير طلب الصيد وفتر عن سنة ذلك ثم تبع صيدا آخر فأخذه وقتله لا يؤكل الا بارسال مستأنف أو أن يزجره صاحبه ويسمى فينزجر فيما يحتمل الزجر لأنه لما تشاغل بغير طلب الصيد فقد انقطع حكم الارسال فاذا صاد صيدا بعد ذلك فقد ترسل بنفسه فلا يحل صيده الا أن يزجره صاحبه فيما يحتمل الزجر لما بينا، وان كان الذى أرسل فهدا والفهد اذا أرسل كمن ولا يتبع حتى يستمكن فيمكث ساعة ثم يأخذ الصيد فيقتله فانه يؤكل وكذلك الكلب اذا أرسل فصنع كما يصنع الفهد فلا بأس بأكل ما صاد لان حكم الارسال لم ينقطع بالكمون لانه انما يكمن ليتمكن من الصيد فكان ذلك من أسباب الاصطياد ووسيلة اليه فلا ينقطع به حكم الارسال كالوثوب والعدو وكذلك البازى اذا أرسل فسقط على شئ ثم طار فأخذ الصيد فأنه يؤكل لانه انما يسقط على شئ ليتمكن من الصيد فكان سقوطه بمنزلة كمون الفهد وكذلك الرامى اذا رمى صيدا بسهم فما أصابه فى سننه ذلك ووجهه أكل لانه اذا مضى فى سننه فلم ينقطع حكم الرمى فكان ذهابه بقوة الرامى فكان قتله مضافا اليه

(1)

فيحل، هذا وذكر صاحب بدائع الصنائع أنه روى عن أبى يوسف رحمه الله أن حكم الارسال لا ينقطع بالتغير عن سننه يمينا وشمالا الا اذا رجع من ورائه

(2)

.

ومن شروط الحيوان المرسل - على ما ذكره صاحب البدائع - أن يكون الارسال على الصيد حتى لو أرسل على غير صيد فأصاب صيدا لا يحل لان الارسال الى غير الصيد لا يكون اصطيادا فلا يكون قتل الصيد وجرحه مضافا الى المرسل فلا تتعلق به الاباحة، وعلى هذا يخرج ماذا سمع حسا فظنه صيدا فأرسل عليه كلبه أو بازه فأصاب صيدا، أو بان له أن الحس الذى سمعه لم يكن حس صيد وانما كان شاة أو بقرة أو آدميا فانه لا يؤكل الصيد الذى أصابه فى قولهم جميعا، لانه تبين أنه أرسل على ما ليس بصيد فلا يتعلق

(1)

بدائع الصنائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 55 الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع الساتق ج 5 ص 56.

ص: 46

به الحل، هذا وان كان الحس حس صيد فأصاب صيدا ذكر الكاسانى أنه يؤكل مطلقا - فى قول أصحابنا الثلاثة - سواء كان ذلك الحس حس صيد مأكول أو غير مأكول بعد أن كان المصاب صيدا مأكولا، لان الارسال الى الصيد اصطياد مباح مأكولا كان الصيد أو غير مأكول فتتعلق به اباحة الصيد المأكول لان حل الصيد المأكول يتعلق بالارسال فاذا كان الارسال حلالا يثبت حل صيده الا أنه لا يثبت بحل الارسال حل حكم المرسل اليه لان حرمته ثبتت لمعنى يرجع الى المحل فلا تتبدل بالفعل، ولان المعتبر فى الارسال هو قصد الصيد فأما التعيين فليس بشرط وقد قصد الصيد حلالا كان أو حراما بخلاف ما اذا كان الحس حس آدمى لان الارسال على الادمى ليس باصطياد، فضلا عن أن يكون حلالا اذ لا يتعلق حل الصيد بما ليس باصطياد، وفرق زفر بين حس ما يؤكل وحس مالا يؤكل فقال: ان كان ذلك الحس حس صيد لا يؤكل لحمه كالسباع ونحوها لا يؤكل لان السبع غير مأكول فالرمى والارسال اليه لا يثبت به حل الصيد المأكول، وروى عن أبى يوسف رحمه الله أنه ان كان حس ضبع جاز أن يؤكل الصيد، وان كان حس خنزير لم يؤكل الصيد لان الخنزير محرم العين حتى لا يجوز الانتفاع به بوجه فسقط اعتبار الارسال عليه والتحق بالعدم، أما سائر السباع فجائز الانتفاع بها فى غير جهة الاكل فكان الارسال اليها معتبرا، واذا سمع حسا ولكنه لا يعلم أنه حس صيد أو غير صيد فأرسل فأصاب صيدا لم يؤكل لانه اذا لم يعلم استوى الحظر والاباحة فكان الحكم للحظر احتياطا

(1)

، ولو أرسل كلبه على ظبى موثق فأصاب صيدا لم يؤكل لان الموثق ليس بصيد لعدم معنى الصيد فيه وهو الامتناع فأشبه شاة، وكذا لو أرسل بازه على ظبى وهو لا يصيد الظبى فأصاب صيدا لم يؤكل لان هذا ارسال لم يقصد به الاصطياد فصار كمن أرسل كلبا على قتل رجل فأصاب صيدا

(2)

.

هذا والحنفية على أن وقت الارسال هو وقت التسمية فى الذكاة الاضطرارية لا وقت الاصابة لقول النبى صلى الله عليه وسلم لعدى بن حاتم رضى الله عنه حين سأله عن صيد المعراض والكلب:

اذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله عليه فكل وان أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل. فالسهم والكلب آلة الجرح، والفعل يضاف الى مستعمل الآلة لا الى الى الآلة، لذلك أعتبر وجود التسمية وقت الذبح والجرح وهو وقت الرمى والارسال، فاذا أرسل كلبا على صيد وسمى فأخطأ الكلب الصيد فأخذ غير الذى أرسله عليه فقتله فلا بأس بأن يأكله لوجود التسمية على السهم

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 57.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 58.

ص: 47

عند الارسال بخلاف ما لو أضجع شاة ليذبحها وسمى ثم بدا له فأرسلها وأضجع أخرى فذبحها بتلك التسمية فانه لا يجزه ذلك ولا تؤكل لعدم التسمية على الذبيحة عند الذبح، وعليه فلو أرسل كلبا وترك التسمية متعمدا فلما مضى الكلب فى تبع الصيد سمى، فانه لا يؤكل، لان التسمية لم توجد وقت الارسال

(1)

، ولو رمى أو أرسل وهو مسلم ثم ارتد، أو كان حلالا ثم أحرم قبل الاصابة وأخذ الصيد فانه يحل، ولو كان مرتدا ثم أسلم وسمى لا يحل لأن المعتبر وقت الرمى والارسال كما تبين فتراعى الأهلية عند ذلك

(2)

.

والتعدد تارة يكون فى ضرب الحيوان المرسل وتارة يكون فى الحيوان المرسل ذاته وتارة يكون فى من يرسل الحيوان على الصيد

فان كان التعدد فى ضرب الحيوان المرسل فانه لا يؤثر فى الارسال فقد ذكر الكاسانى فى البدائع أنه لو أرسل الرجل كلبا معلما على صيد وسمى فأدرك الكلب الصيد فضربه فوقذه ثم ضربه ثانيا فقتله أكل

(3)

، وان كان التعدد فى الحيوان المرسل على الصيد لم يؤثر كذلك، فلو أرسل الرجل كلبين على صيد فضربه أحدهما فوقذه ثم ضربه الكلب الاخر فقتله فانه يؤكل، لان هذا لا يدخل فى تعليم الكلب اذ لا يمكن أن يعلم بترك الجرح بعد الجرح الاول فلا يعتبر فكأنه قتله بجرح واحد

(4)

، ولو أرسل مسلم كلبه فاتبع الكلب كلب آخر غير معلم لكنه لم يرسله أحد ولم يزجره بعد انبعاثه أو سبع من السباع أو ذو مخلب من الطير مما يجوز أن يعلم فيصاد به فرد الصيد عليه ونهشه أو فعل ما يكون معونة للكلب المرسل فأخذه الكلب المرسل وقتله فانه لا يؤكل لان رد الكلب ونهشه مشاركة فى الصيد فأشبه مشاركة المعلم غير المعلم والمسمى عليه غير المسمى عليه بخلاف ما اذا رد عليه آدمى أو بقرة أو حمار أو فرس أو ضب لان فعل هؤلاء ليس من باب الاصطياد فلا يزاحم الاصطياد فى الاباحة فكان ملحقا بالعدم، فان تبع الكلب الاول كلب غير معلم ولم يرد عليه ولم يهيب الصيد ولكنه اشتد عليه وكان الذى أخذ وقتل هو الكلب المعلم فلا بأس بأكله لانهما ما اشتركا فى الاصطياد لعدم المعاونة فيحل أكله

(5)

وكذلك الشأن فيما اذا تعدد من يرسل الكلب، فلو أرسل رجلان كل واحد منهما أرسل كلبه على صيد فضربه كلب أحدهما فوقذه ثم ضربه كلب الاخر فقتله فانه يؤكل لما تقدم من أن جرح الكلب بعد الجرح

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 49 نفس الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 49.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 57.

(4)

المرجع السابق ح 5 ص 57.

(5)

المرجع السابق ج 5 ص 59.

ص: 48

مما لا يمكن التحفظ عنه فلا يوجب الحظر فيؤكل ويكون الصيد لصاحب الاول لأن جراحة كلبه أخرجته عن حد الامتناع فصار ملكا له فجراحة كلب الثانى لا تزيل ملكه عنه

(1)

.

(ج) حكم الارسال على صيد الحرم:

جاء فى بدائع الصنائع أن الارسال على صيد الحرم لا يغير حكمه سواء كان المرسل محرما أو حلالا، فلا يكون ذلك له ذكاة، وانما هو ميتة لا تؤكل، لأن التعرض لصيد الحرم بالقتل والدلالة والاشارة محرم حقا لله تعالى فقد قال الله عز وجل {(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)}

(2)

وقال النبى صلى الله عليه وسلم فى صفة الحرم (ولا ينفر صيده) والفعل فى الحرم شرعا لا يكون ذكاة سواء كان مولده الحرم أو دخل من الحل اليه، لانه يضاف الى الحرم فى الحالين فيكون صيد الحرم

(3)

.

‌مذهب المالكية:

(أ) شروط الحيوان المرسل: - روى صاحب التاج والاكليل أن ابن يونس قال: ان الارسال شرط فى جواز الأكل من الحيوان المصيد لأن من شرط الذكاة النية فارسال الكلب مثل نية الذابح وعلى ذلك ما روى عن مالك رضى الله عنه أنه قال: لو ابتدأ الكلب طلب الصيد أو أفلته من يده مرسلا ثم أشلاه (أى دعاه للصيد وأغراه به) ربه بعد ذلك فأخذ الصيد فقتله لم يؤكل الا أن يدرك ذكاته قبل انفاذ مقاتله لأن الكلب خرج من غير ارسال

(4)

وذكر الخرشى أنه يشترط لصحة ارسال الجارح على الصيد أن لا يكون مطلقا، وذلك بأن يكون ارسال الجارح من يد من أرسله حقيقة أو حكما كأن يرسله من يده أو من يد غلامه أو من حزامه أو من تحت قدمه أو من نحو ذلك، فان كان الجارح مطلقا لم يؤكل ما صاده الا بذكاة

(5)

، غير أن صاحب التاج والاكليل ذكر أن مالكا قال: اذا أثار الرجل صيدا فأشلى عليه كلبه وهو مطلق فانشلى عليه وصاده من غير أن يرسله من يده فليأكل ما صاده، ثم رجع مالك فقال: لا يؤكل حتى يطلقه من يده مرسلا له مشليا، ولكن ابن القاسم أخذ بالأول

(6)

، ولا بد من استمرار الجارح المرسل على ارساله ليجوز أكل الصيد اذا قتل، فقد ذكر العدوى فى حاشيته أنه يشترط فى جواز أكل الصيد اذا قتله الجارح أن يكون منبعثا من حين الارسال الى حين أخذ

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 57.

(2)

الآية رقم 67 من سورة العنكبوت.

(3)

بدائع الصنائع ج 5 ص 52.

(4)

التاج والاكليل للمواق فى كتاب مع مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى خليل ج 3 ص 215 الطبعة الاولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر.

(5)

شرح الخرشى ج 3 ص 10 وعلى هامشه حاشية العدوى.

(6)

التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 215.

ص: 49

الصيد، فلو ظهر منه ترك ما أرسل عليه بأن تشاغل بغير الصيد ثم انبعث ثانيا فلا يؤكل، سواء كان التشاغل قليلا أو كثيرا كما هو ظاهر المدونة.

ولكن اللخمى على أن يسير التشاغل لا يقطع الارسال فهو لا يضر

(1)

، أما المواق فقد فصل الحكم فى قوله:

ومن أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساعة ثم رجع عن الطلب ثم عاد فقتله، فأن كان كالطالب له يمينا وشمالا أو عطف وهو على طلبه فهو على أول ارساله، وان وقف لأكل الجيفة أو سقط البازى عجزا عنه ثم رآه فاصطاده، فلا يؤكل الا بارسال

(2)

، ويشترط أيضا أن يكون المرسل من أهل الذكاة فقد ذكر صاحب التاج والاكليل أن صيد المجوسى لا يجوز أن يؤكل حتى ولو كان بارسال كلب المسلم فان عكس بان أرسل المسلم كلب المجوسى جاز أن يؤكل ما صاده، فاذا أرسل مسلم ومجوسى كلبيهما على صيد فتعاونا أو لم يتعاونا فلم يدر أيهما الأسبق اليه فقتله فانه لا يؤكل، وان علم أن كلب المسلم قتله ولم يمسكه كلب المجوسى أكل، وان كان بعد امساكه لم يؤكل

(3)

، وجاء فى حاشية العدوى على شرح الخرشى أن الباجى قال: لو أرسل مسلم كلبا على صيد فاغراه مجوسى ما منعه ذلك من أكله، ولو أرسله مجوسى ثم أغراه مسلم ما أكل المسلم من صيده، فالعبرة بمن يصدر عنه الارسال لا الاغراء

(4)

، وكذلك يشترطون اقتران الارسال بالتسمية فقد روى المواق أن مالكا رضى الله عنه قال: لا بد من التسمية عند ارسال الجوارح لقوله تعالى: {(وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ)}

(5)

وان نسى التسمية أكل وسمى الله، قال ابن القاسم: وان ترك التسمية عمدا لم تؤكل

(6)

.

(ب) حكم الارسال على صيد غير معين أو غير مرئى

يرى المالكية أنه لا يشترط فى ارسال الجارح على الصيد تعين الصيد، فقد ذكر العدوى أن من أرسل كلبه على جماعة صيد ولم يرد واحدا منها دون الآخر فأخذها كلها أو بعضها أكل ما أخذ منها سواء نوى الجميع أو نوى كل ما يصيده ويأخذه هذا الجارح واحدا كان أو أكثر

(7)

، وذكر الخرشى أن المشهور عدم اشتراط رؤية الصيد فى صحة الارسال فلو أرسل الكلب أو الجارح على صيد فى غار أو غيضة أو كان وراء أكمة ونوى ان وجد صيدا داخل ذلك فانه اذا وجده

(1)

حاشية العدوى على شرح الخرشى ج 3 ص 10.

(2)

التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 216.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 218.

(4)

حاشية الشيخ على العدوى على شرح الخرشى ج 3 ص 13.

(5)

الآية رقم 4 من سورة المائدة.

(6)

التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 219.

(7)

حاشية العدوى على شرح الخرشى ج 3 ص 11.

ص: 50

وأخذه وقتله فانه يؤكل على المشهور لان ما فى ذلك كالمعين لأنه محصور

(1)

، واذا أرسل كلبه أو جارحه أو سهمه على صيد وهو يعلم أنه غير محرم الاكل الا أنه لم يظن جنسه من أى الاجناس المباحة الأكل ولا تحققه بل تردد فيه هل هو بقر أو حمار وحش أو نحو ذلك، فاذا أخذ صيدا وقتله فانه يجوز أكله اذ لا يشترط فى جواز أكله أن يعلم جنسه من المباح حين الارسال عليه، وكذا اذا أرسل على حيوان فظهر خلافه كما لو أرسل كلبه أو بازه أو سهمه على حيوان ظنه نوعا من المباح كأرنب مثلا فاذا هو ظبى فانه يؤكل على المشهور لأن الذكاة فى ذلك واحدة، أما اذا أرسل الصائد كلبه أو نحوه على صيد تحقق أنه حرام أو ظنه حراما أو شك فيه فقتله الجارح فانه لا يؤكل ولو وجده مباحا لأنه حين رماه لم يرد صيده فلا يأكله

(2)

، وروى صاحب التاج والاكليل عن الباجى أنه يقول: الارسال على غير تعيين مثل أن يرسل كلبه على كل صيد يقوم بين يديه لا خلاف فى أن ذلك لا يجوز

(3)

، وقال الخرشى: نعم ان أرسله على صيد بعينه ونوى أن يأخذه وان كان وراءه شئ آخر أخذه فأخذ الجارح غير الذى رآه فانه يأكله

(4)

، فان كان الارسال على صيد غير معلوم توقف الحكم على حصر المكان وعدم حصره فقد ذكر الخرشى أن الصائد اذا أرسل على صيد غير مرئى كلبه أو بازه أو سهمه وليس المكان محصورا وقصد ما وجد فى طريقه بين يديه فانه لا يؤكل أما لو كان المكان محصورا

(5)

فانه يؤكل وروى صاحب التاج والاكليل عن ابن رشد أنه قال:

لو أضطرب البازى على يد صاحبه على شئ يراه ولا يراه صاحبه فأرسله صاحبه ينوى ما صاده سواء كان الذى اضطرب عليه أو غيره لجاز له أن يأكل ما صاده

(6)

.

(ج) حكم التعدد فى الارسال: - أما التعدد فى الحيوان المرسل فقد روى فيه المواق أن ابن المواز قال:

من أرسل كلبا على صيد ثم أمده بآخر بعد أن فارقه الأول فقتلاه أو قتله أحدهما فأكله جائز، وان اللخمى قال:

وان قتله الثانى وكان ارساله بعد أن أمسكه الأول لم يجز أكله

(7)

، فان أرسل كلبه ثم أعانه كلب آخر لم يؤكل صيده سواء كان معلما أو غير معلم الا أن يكون الكلب الذى أعانه عليه معلما قد أرسله صاحبه على الصيد بعينه اذا نوياه فقتله

(1)

شرح الخرشى فى كتاب مع حاشية العدوى ج 3 ص 11.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 11.

(3)

التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 218.

(4)

شرح الخرشى ج 3 ص 11.

(5)

المرجع السابق ج 3 ص 13، 14.

(6)

التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 216، 217.

(7)

المرجع السابق ج 3 ص 218.

ص: 51

كلباهما فهو حلال لا بأس به

(1)

، فان كان ارسال الثانى بعد أن أمسك الأول الصيد لم يحل أكله كما لو أرسل الصائد كلبه على صيد فأمسكه ثم أرسل بازا أو كلبا بعد ذلك فقتل الثانى الصيد وذلك لأنه بعد أن أمسكه الاول صار أسيرا، أما ان كان القاتل للصيد هو الأول فلا اشكال فى جواز أكله

(2)

، فان كان التعدد فى المرسل عليه فقد سبق ذكر أحكامه فى حكم الارسال على معين أو غير معين.

(د) حكم الارسال من الحرم أو الى الحرم:

يختلف حكم الارسال من الحرم أو الى الحرم تبعا لموطن الصيد أو لمحل امساكه فان كان الصيد فى الحل قرب الحرم وأرسل الحلال كلبه أو بازه عليه فأدخله الحرم فقتل الصيد فيه كان ميتة لا يؤكل وعلى من أرسله جزاؤه، وكذلك الحكم اذا أخرجه من الحرم وقتله خارجه، أما لو أرسله من مكان بعيد من الحرم بحيث يغلب على الظن أن الكلب يأخذ الصيد قبل وصوله الى الحرم أو يرجع عنه فدخل به الحرم وقتله فيه أو خرج به منه فقتل الصيد خارجه فى الحل فانه لا جزاء عليه، قال الباجى:

ولا يؤكل فى الوجهين - يعنى فى القرب والبعد - لأنه محرم بحرمة الحرم، ولو قتله خارجه قبل أن يدخله الحرم فلا جزاء ويؤكل على المشهور

(3)

، فان أرسل المحرم أو من بالحرم كلبه أو بازه على سبع ونحوه مما يجوز للمحرم قتله فأصاب صيدا غيره مما يحرم عليه فانه يلزمه جزاؤه

(4)

فان كان ارسال الكلب من الحل على صيد فى الحل الا أن الكلب ليس له طريق الا الحرم فدخل الكلب الحرم ثم خرج منه فقتل الصيد فى الحل فهو ميتة وعليه جزاؤه وجوبا لأنه حينئذ منتهك لحرمة الحرم

(5)

.

(هـ) حكم ارسال المحرم ما تحت يده من الصيد:

جاء فى شرح الخرشى أنه يجب على المحرم أن يرسل الصيد الذى هو ملك له اذا كان بيده أو مع رفقته والمشهور - وهو مذهب المدونة والمبسوط - أن ملكه يزول عنه بنفس الاحرام، وأنه يجب ارساله، فلو أرسله صاحبه فأخذه غيره قبل لحوقه بالوحش ولم يزل بيده حتى حل صاحبه فليس له أن يأخذه ممن أخذه، وهو لآخذه، فلو لم يرسله صاحبه بل أبقاه بيده حتى حل لوجب عليه أن يرسله، فلو لم يرفع صاحبه يده عنه حتى مات فانه يلزمه جزاؤه، وكذلك يلزمه جزاؤه اذا أبقاه بيده حتى حل ثم ذبحه، ومن أحرم وفى بيته صيد فلا شئ عليه ولا يرسله سواء أحرم من منزله أو من ميقاته، والفرق بين بيته وبين القفص أن القفص

(1)

شرح الخرشى ج 3 ص 11، 12.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 14.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 368.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 369.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 367.

ص: 52

حامل له وينتقل بانتقاله فهو كالذى بيده، وما ببيته مرتحل عنه وغير مصاحب له

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

(أ) شروط الارسال: أولا: يجب أن يكون الارسال مقصودا به الصيد فقد فرق الشافعية بين ارسال السهم لقصد الصيد وبين ارساله لا لقصد الصيد، فقال صاحب الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع: لو أرسل سهما لا لصيد فقتل صيدا حرم، أما لو أرسله لصيد فأصاب غيره فانه يحل، واذا أرسل جارحة - فغابت عنه مع الصيد أو جرحته ولم ينته بالجرح الى حركة مذبوح وغابت معه ثم وجده ميتا فيهما فانه يحرم لاحتمال أن موته بسبب آخر وهذا ما عليه الجمهور، بينما اختار النووى فى تصحيحه الحل

(2)

، ولو أرسل الأعمى سهمه أو كلبه أو غير ذلك من جوارح السباع حرم صيده لعدم صحة قصده لانه لا يرى الصيد، وأما الصغير غير المميز والمجنون والسكران فمقتضى عبارة المنهاج أنه حلال وهو ما قاله فى المجموع أنه المذهب، وقيل لا يصح لعدم القصد وليس بشئ

(3)

، ثانيا: أن يكون الجارح المرسل معلما بحيث اذا أرسله صاحبه استرسل أى هاج كما فى الروضة والمجموع لقوله تعالى {(مُكَلِّبِينَ)}

(4)

فلو أرسلها وهى معلمة ثم أكلت من لحم صيد أو نحوه مما مر لم يحل ذلك الصيد فى الاظهر

(5)

، ثالثا: أن يكون المرسل عليه صيد فقد ذكر الخطيب فى الاقناع أن صاحب الروضة قال: انه اذا أرسل الكلب على ما ذكاته عقره حيث قدر عليه مما لم يقدر على ذكاته لكونه متوحشا كالضبع فانه يحل أما اذا أرسل الكلب على بعير تردى فى بئر ولم يقدر على ذكاته فانه لا يحل كما صححه فى المنهاج

(6)

رابعا: أن يكون المرسل من أهل الذكاة فلو أرسل المسلم والمجوسى كلبين أو سهمين على صيد فان سبق آلة المسلم آلة المجوسى فى صورة السهمين أو كلب المسلم كلب المجوسى فى صورة الكلبين فقتل الصيد أو لم يقتله بل أنهاه الى حركة مذبوح حل، ولو انعكس ما ذكر أو جرحاه معا وحصل الهلاك بهما أو جهل ذلك أو جرحاه مرتبا ولكن لم يذففه الاول فهلك بهما حرم الصيد

(7)

.

(1)

شرح الخرشى على مختصر خليل ج 2 ص 365/ 364.

(2)

الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع للشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه تقرير الشيخ عوض ج 2 ص 268 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية.

(3)

الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع ج 2 ص 271.

(4)

الآية رقم 4 من سورة المائدة.

(5)

الاقناع للشربينى الخطيب ج 2 ص 270

(6)

المرجع السابق ج 2 ص 268.

(7)

المرجع السابق ج 2 ص 271.

ص: 53

(ب) حكم الارسال على غير معين أو غير مرئى: أما الارسال على غير معين فان الشافعية يرون أنه لا يؤثر فى اباحة الصيد فقد جاء فى الام: واذا أرسل الرجل كلبه أو سهمه وسمى الله تبارك وتعالى وهو يرى صيدا فأصاب غيره فلا بأس بأكله لأنه قد رأى صيدا ونواه وأن أصاب غيره

(1)

، غير أنهم يمنعون أكل ما أرسل عليه دون أن يراه فالرؤية شرط لصحة الارسال قال الامام الشافعى فى الأم: وان أرسل الرجل كلبه أو سهمه ولا يرى صيدا ونوى فلا يأكل ولا تعمل النية الا مع عين تراه

(2)

.

(ج) حكم التعدد فى الارسال: جاء فى الاقناع: لو أرسل كلبا وسهما فأزمنه الكلب ثم ذبحه السهم حل لانه لما أزمنه الكلب صار مقدورا عليه فلا يحل الا بذبحه فى مذبحة وقد وجد، وان أزمنه السهم ثم قتله الكلب حرم لانه لما أزمنه السهم صار مقدورا عليه فلا يحل بارسال الكلب سواء ذبحه الكلب فى مذبحه أولا

(3)

.

(د) حكم ارسال المحرم أو الحلال فى الحرم أو فى الحل: - جاء فى مغنى المحتاج: أنه لو أرسل المحرم كلبا أو حل رباطه والصيد حاضر أو غائب ثم ظهر فقتله ضمن كحلال فعل ذلك فى الحرم وكذا لو انحل بتقصيره، ولو أرسل كلبا من الحرم على صيد فى الحل، أو أرسله من الحل على صيد فى الحرم ضمن كذلك، ولو أرسل الكلب فى الحل الى الصيد فى الحل كذلك فدخل الحرم فقتله فيه أو قتل فيه صيدا غيره لم يضمن بخلاف ما لو أرسل سهما

(4)

.

(هـ) حكم ارسال المحرم ما تحت يده من الصيد: - ذكر الشيخ الشربينى فى مغنى المحتاج أن المحرم لا يملك الصيد بالبيع والهبة وقبول الوصية ونحو ذلك بناء على أن ملكه يزول عنه بالاحرام لأن من يمنع من ادامة الملك فأولى أن يمنع من ابتدائه، ولأنه صلى الله عليه وسلم أهدى اليه حمار وحش فرده فلما رأى ما فى وجه المهدى قال انا لم نرده عليك الا أنا حرم، فليس له قبضه فان قبضه بشراء أو عارية أو وديعة لا هبة وأرسله ضمن قيمته للمالك وسقط الجزاء بخلافه فى الهبة فلا ضمان، وان رده لمالكه سقطت القيمة لا الجزاء مالم يرسل، ويملكه بالارث ولا يزول ملكه عنه الا بارساله كما صرح بتصحيحه فى المجموع لدخوله فى ملكه قهرا، ويجب ارساله كما لو أحرم وهو فى ملكه فلو

(1)

الأم للامام الشافعى فى كتاب بهامشه مختصر الامام المزنى ج 2 ص 193 طبعة كتاب الشعب بالقاهرة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 193.

(3)

الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع ج 2 ص 272.

(4)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 1 ص 507.

ص: 54

باعه صح وضمن الجزاء مالم يرسل حتى لو مات فى يد المشترى لزم البائع الجزاء، وان كان فى ملكه صيد فأحرم زال ملكه عنه ولزمه ارساله لأنه لا يراد للدوام فتحرم استدامته كاللباس بخلاف النكاح، فلو لم يرسله حتى تحلل لزمه ارساله اذ لا يرتفع اللزوم بالتعدى ومن أخذه ولو قبل ارساله وليس محرما ملكه لأنه بعد لزوم الارسال صار مباحا، ولو مات فى يده ضمنه ولو لم يتمكن من ارساله اذ كان يمكنه ارساله قبل الاحرام، ولا يجب ارساله قبل الاحرام بلا خلاف، ولو أحرم أحد مالكيه تعذر ارساله فيلزمه رفع يده عنه على ما ذكره فى المجموع، قال الزركشى:

ولو كان فى ملك الصبى صيد فهل يلزم الولى ارساله ويغرم قيمته كما يغرم قيمة النفقة الزائدة بالسفر؟ فيه احتمال

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

(أ) شروط الارسال: أولها: أن يقصد المرسل بارساله الصيد، فقد ذكر صاحب كشاف القناع أنه يشترط لحل الصيد ارسال الالة قاصدا الصيد فلو سقط السيف من يده فعقر لم يحل، وان استرسل الكلب أو غيره بنفسه فقتل صيدا لم يحل لقوله صلى الله عليه وسلم:(اذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل) ولان ارسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح ولذلك اعتبرت التسمية

(2)

معه ثانيها: أن يكون المرسل جارحا مما يصيد بنابه أو بمخلبه وأن يكون معلما، قال صاحب شرح منتهى الارادات

(3)

:

يباح ما قتل جارح معلم مما يصيد بنابه كالفهود والكلاب أو بمخلبه من الطير لقوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ»

(4)

. وقال صاحب كشاف القناع: فان أرسل الجارح وزجره فلم يزد عدوه لم يحل صيده لأن الزجر لم يزد شيئا عن استرسال الصائد بنفسه، وان زجره فوقف ثم أرسله وسمى عند ارساله، أو سمى وزجره ولم يقف لكنه زاد فى عدوه باشلائه حل صيده لأنه بمنزلة ارساله لأن زجره له أثر فى عدوه

(5)

.

ثالثها: التسمية ولو بغير عربية ممن يحسنها عند ارسال السهم والجارحة لقوله تعالى: «وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ»

(6)

ولأن الارسال هو الفعل الموجود من المرسل

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 507، 508.

(2)

كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 4 ص 132 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(3)

شرح منتهى الارادات ج 4 ص 200، 201

(4)

الآية رقم 4 من سورة المائدة.

(5)

كشاف القناع ج 4 ص 132 الطبعة السابقة.

(6)

الآية رقم 121 من سورة الانعام.

ص: 55

فاعتبرت التسمية عنده كما تعتبر عند الذبح، ولا تعتبر التسمية من أخرس لتعذرها منه، والظاهر أنه لا بد من اشارته بها، هذا ولا يضر تقدم التسمية بزمن يسير كالعبادات أو تأخر يسير كالتقدم وكذا لا يضر تأخر كثير فى جارح اذا زجره فانزجر عند التسمية اقامة لذلك مقام الارسال، وان ترك التسمية عمدا أو سهوا أو جهلا لم يبح الصيد للآية السابقة، وان سمى على صيد فأصاب الصائد غيره حل المصاب، ولو سمى على سهم ثم ألقاه ورمى بغيره بتلك التسمية لم يبح

(1)

رابعها: أن يكون المرسل من أهل الذكاة مسلما كان أو كتابيا فان رمى مسلم أو كتابى وغير كتابى كمجوسى ووثنى ودرزى أو متولد بين كتابى وغير كتابى - صيدا أو أرسله عليه جارحا أو شارك كلب مجوسى كلب مسلم فى قتل الصيد لم يحل الصيد سواء وقع سهماهما فيه دفعة واحدة أو وقع فيه سهم أحدهما قبل الآخر لقوله صلى الله عليه وسلم: «اذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وان وجدت معه غيره فلا تأكل انما سميت على كلبك ولم تسم على غيره» ولأنه اجتمع فى قتله مبيح ومحرم فغلبنا التحريم كالمتولد بين ما يؤكل وما لا يؤكل، وان أرسل المسلم أو الكتابى كلبا فزجره المجوسى أو نحوه فزاد فى عدوه حل صيده لأن الصائد له هو المسلم أو الكتابى وهو من أهل الذكاة، ولو كان العكس بأن أرسل المجوسى ونحوه كلبا فزجره المسلم لم يحل صيده لأن الصائد ليس من أهل الذكاة اذ العبرة بالارسال

(2)

.

(ب) حكم الارسال على غير معين أو غير مرئى: لا يعتبر الحنابلة الارسال على غير مرئى، فقد ذكر صاحب كشاف القناع أنه لو أرسل كلبه أو سهمه الى هدف فقتل صيدا لم يحل، أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا لم يحل، أو قصد انسانا أو حجرا أو رمى عبثا غير قاصد صيدا فأصاب صيدا لم يحل

(3)

، فان كان الارسال على غير معين حل صيده فلو أرسل سهمه على صيد فأصاب غيره، أو قتل جماعة حل الجميع لعموم الآية والخبر، ولأنه أرسله على صيد فحل ما صاده، فان أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتله ولولاها ما وصل السهم حل لأن قتله بسهمه ورميه أشبه ما لو وقع سهمه على حجر فرده على الصيد فقتله، ولأن الارسال له حكم الحل والريح لا يمكن الاحتراز عنها فسقط اعتبارها، والجارح بمنزلة السهم، فلو أرسله على صيد فأصاب غيره أو على صيد فصاد عددا حل الجميع.

(ج) حكم التعدد فى الارسال: قال صاحب كشاف القناع: لو وجد المسلم

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 134، 135.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 132.

(3)

المرجع السابق ح 4 ص 132.

ص: 56

أو الكتابى مع كلبه كلبا آخر وجهل المسلم أو الكتابى حال الكلب الآخر هل سمى عليه أم لا؟ وهل استرسل بنفسه أم لا؟ أو جهل حال مرسله هل هو من أهل الصيد أم لا ولا يعلم أى الكلبين قتله أو علم أنهما قتلاه معا أو علم أن الكلب المجهول هو القاتل للصيد وحده لم يبح الصيد لقوله عليه الصلاة والسلام: وان وجدت معه غيره فلا تأكل الخ، وان علم حال الكلب الذى وجده المسلم أو الكتابى مع كلبه وعلم أن الشرائط المعتبرة قد وجدت فيه بأن كان معلما وأرسله مسلم أو كتابى مسميا حل الصيد كما لو ذكاه معا

(1)

.

(د) حكم ارسال المحرم أو الحلال فى الحرم أو فى الحل: قال ابن قدامة فى المغنى: واذا أرسل الحلال كلبه من الحل على صيد فى الحرم فقتله أو قتل صيدا على فرع فى الحرم أصله فى الحل ضمنه، وحكى أبو الخطاب عن أحمد فى رواية أخرى أنه لا جزاء عليه فى جميع ذلك لأن القاتل حلال فى الحل، وهذا لا يصح فان النبى صلى الله عليه وسلم قال:«لا ينفر صيدها» ولم يفرق بين من هو فى الحل والحرم، وقد أجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم وهذا من صيده، ولأن صيد الحرم معصوم بمحله بحرمة الحرم فلا يختص تحريمه بمن فى الحرم، وان انعكست الحال فأرسل من الحرم كلبه على صيد فى الحل فلا ضمان عليه كما فى الحل، وفى رواية أخرى عن أحمد أنه يضمن فى مثل ذلك

(2)

، فان أرسل كلبه من الحل على صيد فى الحل فدخل الحرم ثم خرج الى الحل فقتل الصيد فيه فلا جزاء عليه، لأن سهمه أو كلبه لا يزيد واحد منهما عن نفسه، ولو عدا بنفسه فسلك الحرم فى طريقه ثم قتل صيدا فى الحل لم يكن عليه شئ فما أرسله أولى

(3)

، أما ان أرسل كلبه من الحل على صيد فى الحل فدخل الكلب الحرم فقتل صيدا آخر فلا ضمان على مرسله لأنه لم يرسل الكلب على ذلك الصيد وانما دخل باختيار نفسه فهو كما لو استرسل بنفسه من غير ارسال، وان أرسله على صيد فدخل الصيد الحرم ودخل الكلب خلفه فقتله فى الحرم فلا ضمان كذلك على من أرسله لأنه أرسل الكلب على صيد مباح فلم يضمن كما لو قتل صيدا سواه اذ الكلب يسترسل بنفسه ويرسله الى جهة فيمضى الى غيرها، وحكى صالح عن أحمد أنه قال:

ان كان الصيد قريبا من الحرم ضمنه لأنه فرط بارساله فى موضع يظهر أنه يدخل الحرم وان كان بعيدا لم يضمن

(1)

المرجع السابق 4 ص 129.

(2)

المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 3 ص 360، 361 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر فى سنه 1341 هـ.

(3)

المرجع السابق 3 ص 362 المطبعة السابقة.

ص: 57

لعدم التفريط، وسواء ضمن المرسل الصيد فى كل ما ذكر أم يضمنه فانه لا يأكله لأنه صيد حرمى قتل فى الحرم فحرم

(1)

.

(هـ) حكم ارسال المحرم ما تحت يده من الصيد: جاء فى كشاف القناع: وان أمسك المحرم صيدا حتى تحلل من احرامه لزمه ارساله لعدوان يده عليه فان تلف الصيد قبل ارساله أو ذبحه بعد تحلله أو أمسك محرم أو حلال صيد حرم وخرج به الى الحل لزمه ارساله اعتبارا بحال السبب فان تلف فى يده ضمنه لأنه تلف بسبب سواء كان فى الاحرام أو الحرم، وان أحرم وفى يده صيد أو دخل الحرم المكى أو المدنى بصيد لم يزل ملكه عنه فيرده من أخذه لاستدامة ملكه عليه ويضمنه من قتله كسائر الاموال المحترمة ويلزمه ارساله فى موضع يمتنع فيه لأن فى عدم ذلك امساكا للصيد فلم يجز كحالة الابتداء بدليل اليمين ويلزمه ازالة يده المشاهدة عنه مثل ما اذا كان فى قبضته أو رحله أو خيمته أو قفصه أو كان مربوطا بحبل معه ونحوه لما سبق دون يده الحكمية فلا يلزمه ازالتها مثل أن يكون الصيد فى بيته أو فى بلده أو يد نائبه الحلال فى غير مكانه لأنه لم يفعل فى الصيد فعلا فلم يلزمه شئ كما لو كان فى ملك غيره وعكس هذا اذا كان فى يده المشاهدة لأنه فعل الامساك ولا يضمنه اذا تلف بيده الحكمية لأنه لا تلزمه ازالتها ولم يوجد منه سبب فى تلفه، وللمحرم نقل الملك فى الصيد الذى بيده الحكمية ببيع وغيره كسائر أملاكه، ومن غصب الصيد لزمه رده الى مالكه لاستمرار ملكه عليه فلو تلف الصيد فى يد المحرم المشاهدة قبل التمكن من ارساله بأن نفره ليذهب فلم يذهب لم يضمنه لعدم ما يقتضيه من بعد، وان لم يتمكن من ارساله فلم يرسله ضمنه لأنه تلف تحت يده العادية فلزمه الضمان كمل الآدمى، وان ارسل الصيد انسان من يد المحرم المشاهدة قهرا لم يضمنه لأنه فعل ما تعين على المحرم فعله فى هذه العين خاصة كالمغصوب، ولأن اليد قد زال حكمها وحرمتها فلو أمسكه حتى تحلل فملكه باق عليه واعتبره فى المغنى كعصير تخمر ثم تخلل قبل اراقته، وفى الكافى وجزم به فى الرعاية: يرسله بعد حله كما لو صاده

(2)

، وقال ابن قدامة فى المغنى:

ومن ملك صيدا فى الحل فأدخله الحرم لزمه رفع يده عنه وارساله فان تلف فى يده أو أتلفه فعليه ضمانه كصيد الحل فى حق الحرم لأن الحرم سبب محرم للصيد ويوجب ضمانه فحرم استدامة امساكه كالاحرام، ولأنه صيد ذبحه فى الحرم فلزمه جزاؤه كما لو صاده منه

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

(أ) شروط الارسال: أولها: أن يكون

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 362، 363.

(2)

كشاف القناع لابن ادريس ج 1 ص 582 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 359، 360.

ص: 58

المرسل من سباع ذوات الاربع كالكلب وغيره أو من سباع الطير كالبازى وغيره وأن يكون هذا المرسل معلما بأن لا ينطلق حتى يطلقه صاحبه، فاذا أطلقه انطلق، واذا أخذ وقتل لم يأكل من ذلك الصيد شيئا، سواء قتله بجرح أو برض أو بصدم أو بخنق فان كل ذلك حلال، فان قتله وأكل من لحمه شيئا فذلك الصيد حرام لا يحل أكل شئ منه

(1)

، فان أرسل جارحا من كلب أو غيره فشرب من دم الصيد لم يضر ذلك شيئا وحل أكل ما قتل لأن النبى صلى الله عليه وسلم إنما حرم علينا أكل ما قتل اذا أكل ولم ينهنا عن أكل ما قتل اذا ولغ فى الدم

(2)

، فان أدركه مرسله حتى قتله وهو يريد الاكل منه فأخذه والجارح ينازعه الى الاكل منه لم يحل أكله أصلا وهو ميتة لاننا على يقين حينئذ من أنه انما أمسك على نفسه لا على من أرسله وهذه الصفة التى حرم الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم الاكل مما قتله الجارح علينا

(3)

فان ارسل حيوانا غير معلم لم يؤكل ما قتله أصلا سواء كان هذا الجارح متملكا أو بريا من سباع الطير أو ذوات الاربع غير متملك

(4)

.

وثانيها أن يكون ارساله عن قصد فاذا انطلق الجارح المعلم أو غير المعلم من غير أن يطلقه صاحبه لم يحل أكل ما قتل الا أن تدرك فيه بقية من الروح فيذكى ويؤكل

(5)

.

ثالثها اقتران الارسال بالتسمية، فقد قال ابن حزم فى المحلى: ووقت تسمية الله تعالى فى الصيد مع أول ارسال الرمية أو مع أول الضربة أو مع ارسال الجارح لا تجزى قبل ذلك ولا بعده لان هذه مبادئ الذكاة فاذا شرع فى الذكاة قبل التسمية فقد مضى منها شئ قبل التسمية فلم يذك كما أمر، واذا كان بين التسمية وبين الشروع فى الذكاة مهلة فلم تكن الذكاة مع التسمية كما أمر فلم يذك كما أمر ولا فرق بين قليل المهلة وبين كثيرها

(6)

.

(ب) حكم الارسال على غير معين أو غير مرئى: والظاهرية لا يفرقون بين الارسال على معين أو غير معين ومرئى وغير مرئى فقد ذكر صاحب المحلى أن من خرج بجارحه فأرسله وسمى ونوى ما أصاب من الصيد فما أصاب فى ذلك الارسال من الصيد فقتله فأكله حلال سواء كان فعل كل ذلك من منزله أو فى الصحراء

(7)

.

(1)

المحلى لابن حزم ج 7 ص 467 مسئلة رقم 1082 طبع إدارة الطباعة المنيرية مطبعة النهضة بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الاولى.

(2)

المرجع السابق ج 7 ص 474 مسئلة رقم 1083 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 7 ص 474 مسئلة رقم 1086.

(4)

المحلى لابن حزم ج 1 ص 475 مسئلة رقم 1089 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق مسئلة رقم 1090.

(6)

المرجع السابق ج 7 ص 462 مسئلة رقم 1069.

(7)

المرجع السابق ج 7 ص 478 مسئلة رقم 1096.

ص: 59

(ج) حكم الارسال على ما شرد من الحيوان غير الصيد: جاء فى المحلى أن ما شرد فلم يقدر عليه من حيوان البرّ كله - وحشيه وانسيه لا تحاش شيئا لا طائرا ولا ذا أربع - مما يحل أكله فان ذكاته أن يرمى بما يعمل عمل الرمح أو عمل السيف أو عمل السهم أو عمل السكين حاشا ما ذكرنا أنه لا تحل الذكاة به فان أصيب بذلك فمات قبل أن تدرك ذكاته فأكله حلال فان أدرك حيا الا أنه فى سبيل الموت السريع فأن ذبح أو نحر فحسن والا فلا بأس بأكله وان كان لا يموت سريعا لم يحل أكله الا بذبح أو نحر أو بأن يرسل عليه سبع من سباع الطير أو ذوات الأربع لا ذكاة له الا بأحد هذين الوجهين

(1)

(د) حكم ارسال المحرم ما تحت يده من الصيد: ويرى الظاهرية عدم الزام المحرم بأن يرسل ما فى يده من صيد الحلال فقد ذكر ابن حزم أن كل ما صاده المحل فى الحل فأدخله الحرم أو وهبه لمحرم أو اشتراه محرم فحلال للمحرم ولمن فى الحرم ملكه وذبحه وأكله وكذلك من أحرم وفى يده صيد قد ملكه قبل ذلك أو فى منزله قريبا أو بعيداً أو فى قفص معه فهو حلال له أكله وذبحه وملكه وبيعه، وإنما يحرم عليه ابتداء التصيد للصيد وتملكه وذبحه حينئذ فقط فلو ذبحه لكان ميتة ولو أنتزعه حلال من يده لكان للذى انتزعه ولا يملكه المحرم وان أحل الا بأن يحدث له تملكا بعد احلاله

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

(أ) شروط صحة الارسال: أولها وثانيها وثالثها: أن يكون المرسل حيوانا معلما وأن يكون من أرسله مسلما مسميا عند الارسال فقد جاء فى شرح الازهار أنه يشترط أن يكون الحيوان المعلم قد أرسله مسلم مسم عند الارسال لان حالة الارسال كحالة الذبح فلو كان كافرا أو لم يسم لم يحل ما قتله المرسل

(3)

، وانما يحل صيد المسلم بارسال الكلب والرمى بالسهم حيث لم يشاركه كافر فيهما، فان شاركه فى ذلك حرم، ولعل الخلاف فى مشاركة كلب الذمى كالخلاف فى ذبيحته، ولا تجزئ ذبيحة الكافر ذميا كان أم حربيا أما الحربى فلا خلاف فيه وأما الذمى فمذهب الهادى والقاسم أنه كالحربى فى ذلك، وقال زيد بن على تجوز ذبيحة أهل الكتاب

(4)

.

رابعا: أن يكون الارسال مقصورا فلو عدا الكلب على صيد من دون ارسال لم يحل ما قتله، وكذا لو اشترك حيوان مرسل وغير مرسل على قتل صيد لم يحل أكله، أو لم يرسله الصائد بل زجره وقد استرسله فانزجر فانه يحل أكل ما قتله

(5)

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 459 مسئلة رقم 1067.

(2)

المحلى لابن حزم ج 7 ص 248، 249.

(3)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ج 4 ص 74، 75 الطبعة الثانية.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 76، 79.

(5)

المرجع السابق ج 4 ص 74، 75 الطبعة الثانية بمطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 60

(ب) حكم الارسال على متعدد:

ولو قتل صيدا كثيرا فى ذلك الارسال حل، سواء قصد المرسل ارساله عليه كله أو لم يقصد ارساله الا على واحد ما لم يتخلل اضراب ذى الناب، فأما لو تخلل من الكلب اضراب نحو أن يصطاد واحدا ثم يكف بأن يجثم على الاول أو يمر يمنة أو يسرة ثم يعرض له صيد آخر فيقتله فانه لا يحل أكل الثانى ولو أرسل كلبا على صيد معين فأخذ غيره فانه يحل

(1)

.

(ج) حكم ارسال المحرم أو الحلال فى الحرم أو فى الحل: والزيدية يلزمون من أرسل الكلب فقتل أو طرد فى الحرم فمتى وقع فى الحرم من الكلب قتل للصيد أو طرد لزمت من أرسله القيمة سواء كان حلالا أو محرما الا أنه اذا كان محرما ألزموه مع القيمة الجزاء، واذا طرد الكلب الصيد فى الحرم فقد لزمت القيمة، ولو خرج الكلب والصيد من الحرم وقتله فى الحل، فان لحق الكلب الصيد فى ابتداء ارساله عليه فى الحل فطرده حتى أدخله الحرم فقد لزمت القيمة سواء ظفر به فى الحرم أو فى الحل بعد أن دخلا الحرم

(2)

.

(د) حكم ارسال المحرم ما تحت يده من الصيد: واذا استخلص المحرم صيدا من فم هرة أو سبع فتلف فى يده فوجهان أصحهما لا ضمان اذ ما على المحسنين من سبيل الا أن يكون قد تمكن من ارساله على وجه يسلم ولم يفعل ثم مات لزمه الجزاء

(3)

، واذا أمسك المحرم صيدا ثم أرسله لزمه أن يتصدق بطعام قلته وكثرته بقدر ما رأى من افزاعه

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

(أ) شروط صحة الارسال: أولها: أن يكون الحيوان المرسل معلما بأن يسترسل اذا أرسله وينزجر اذا زجره وألا يأكل ما يمسكه فان أكل نادرا لم يقدح فى اباحة ما يقتله وكذا لو شرب دم الصيد واقتصر ولا بد فى صحة ارساله من تكرار الاصطياد به متصفا بهذه الشرائط ليتحقق حصولها فيه ولا يكفى اتفاقها مرة

(5)

.

ثانيها: أن يكون من أرسله مسلما أو فى حكم المسلم فلو أرسله المجوسى أو الوثنى لم يحل أكل ما يقتله، وان أرسله اليهودى أو النصرانى ففيه خلاف أظهره أنه لا يحل

(6)

، والاعتبار فى حل الصيد بالمرسل لا بالمعلم، فان كان المرسل مسلما فقتل حل، ولو كان المعلم مجوسيا أو وثنيا ولو كان المرسل غير مسلم لم يحل ولو كان المعلم مسلما

(7)

.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 75، 76، 77 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 103.

(3)

شرح الأزهار ج 2 ص 99 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق.

(5)

شرائع الاسلام للحلى ج 2 ص 135 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت.

(6)

المرجع السابق ج 2 ص 135، 136.

(7)

المرجع السابق ج 2 ص 136.

ص: 61

ثالثها: قصد الاصطياد فلو استرسل من نفسه لم يحل ما قتله، نعم لو زجره عقيب الاسترسال فوقف ثم أغراه صح لان الاسترسال انقطع بوقوفه وصار الاغراء ارسالا مستأنفا

(1)

.

رابعا: أن يسمى عند الارسال، فلو ترك التسمية عمدا لم يحل ما قتله ولا يضر لو كان نسيانا، ولو أرسل واحدا وسمى به آخر لم يحل الصيد مع قتله له، ولو سمى فأرسل آخر كلبه ولم يسم فاشتركا فى قتل الصيد لم يحل

(2)

.

(ب) حكم الارسال على غير معين أو غير مرئى: جاء فى شرائع الاسلام أنه لو أرسل كلبه على صيد وسمى فقتل صيدا آخر حل، وكذلك لو أرسله على صيود كبار فتفرقت عن صغار فقتلها حلت اذا كانت ممتنعة وكذلك الحكم فى الآلة أما لو أرسله ولم يشاهد صيدا فاتفق اصابة الصيد لم يحل ولو سمى سواء كانت الآلة كلبا أو سلاحا لانه لم يقصد الصيد

(3)

، ولو رأى صيدا فظنه خنزيرا أو كلبا أو غيره مما لا يؤكل فقتله لم يحل وكذا لو أرسل كلبا ليلا فقتل لانه لم يقصد الارسال فجرى مجرى الاسترسال

(4)

.

(ج) حكم التعدد فى الارسال: ذكر صاحب شرائع الاسلام أنه لو كان مع المسلم كلبان أرسل أحدهما واسترسل الآخر فقتلا لم يحل، ولو رمى سمها فأوصلته الريح الى الصيد فقتله حل، ولو أرسل المسلم والوثنى آلتهما فقتلاه لم يحل سواء اتفقت آلتهما - مثل أن يرسلا كبين أو سهمين - أو اختلفا كأن يرسل أحدهما كلبا والآخر سهما سواء اتفقت الاصابة فى وقت واحد أو وقتين اذا كان أثر كل واحدة من الآلتين قاتلا، ولو أثخنه المسلم فلم تعد حياته مستقرة ثم ذفف عليه الآخر حل لان القاتل المسلم، ولو انعكس الفرض لم يحل ولو اشتبه الحالان وحرم تغليبا للحرمة

(5)

.

(د) حكم ارسال المحرم ما تحت يده من الصيد: ذكر الحلى فى شرائع الاسلام أنه من كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه ووجب ارساله، فلو مات قبل ارساله لزمه ضمانه، ولو كان الصيد نائبا عنه لم يزل ملكه عنه

(6)

، فان أغلق على حمام من حمام الحرم وله فراخ وبيض ضمن بالاغلاق فان زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان

(7)

، وأما من دخل بصيد الى الحرم فقد وجب عليه أن يرسله، ولو أخرجه فتلف كان عليه ضمانه، سواء كان التلف بسببه أو بغيره، ولو كان طائرا مقصوصا وجب عليه أن يحفظه حتى يكمل ريشه ثم يرسله

(8)

.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 135، 136.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 136.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 136.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 142.

(5)

شرائع الاسلام للحلى ج 2 ص 136 الطبعة المتقدمة.

(6)

المرجع السابق ج 1 ص 140.

(7)

المرجع السابق ج 1 ص 141.

(8)

المرجع السابق ج 1 ص 141.

ص: 62

‌مذهب الإباضية:

(أ) شروط صحة الارسال: - أولا أن يكون الجارح المرسل معلما بأن يسترسل اذا أرسله ربه وأن يستشلى اذا أشلاه، واذا عض أمسك ولم يأكل واذا دعاه صاحبه أجابه واذا أراد لم يفر منه ولا يأكل العذرة ولا يأكل مما أمسك، فاذا فعل ذلك ثلاث مرات فهو معلم، واذا أكل منه فخلاف فيه والاكثر أنه لا يحل وقيل:

لا يشترط ثلاث مرات بل هو معلم من أول مرة اذا علمه بعض ذلك فتعلم

(1)

.

ثانيا: أن يكون المرسل مسلما فان أرسل الكلب مسلم فسمى مجوسى فانزجر لتسميته فأخذه فلا يحل، أما اذا انعكس الحال فأرسل الكلب مجوسى فسمى مسلم فانزجر لتسميته فأخذه فانه يحل، وان رمى المسلم سهما أو أرسل كلبا وذكر اسم الله ثم ارتد قبل الوصول ففى أكله قولان وان تاب من ارتداده قبل الوصول أكل، وكذا ان كان فى حال الارسال مشركا أو مرتدا فأسلم وسمى قبل الوصول أكل وقيل لا

(2)

.

ثالثا: يجب أن يسمى عند ارسال الكلب أو السهم لا قبله أو بعده بلا تراخ، وان سمى قبله أو بعده بلا تراخ جاز وتجوز التسمية بعد الارسال ما لم يصل ما أرسله الى الصيد ويسمى على السهم اذا وضعه فى كبد القوس والاولى أن يسمى عند ارساله ولا يسمى وهو فى كنانته، وان سمى على الجارحة بعد ارسالها جاز والاولى أن تسمى وهى واقفة عنده، وان سمى بعد الارسال ولم تقف أن استوقفها لم يجز أكله لانه سمى حين لم يملك من أمرها شيئا وكذا أن استوقفها ولم تقف وسمى لانه اذا كانت لا تقف لاستيقافه فانه ذاهب الى الصيد بلا ارسال وارساله الاول كلا ارسال لانه انتهى حين استوقفه ولم يقف وقيل يأكله اذا لم يسم نسيانا ولو لم يقف لاستيقافه سواء سمى قبل الوصول وبعد الارسال أو قبله بعد الاستيقاف تنزيلا لذلك اذ لم يقدر عليها منزلة الشروع فى الذكاة بلا تسمية

(3)

، والاصل فى التسمية أن تكون على الدابة التى أريد صيدها أو الطائر الذى أريد صيده كما يسمى على ما أريد ذبحه أو نحره فان فعل ذلك فهو الاصل والا سمّى على الجارحة المرسلة لانها بمنزلة صاحبها الذى أمرها بالصيد لانها طالبة للصيد مثله وذاهبة فيه فليسم عليها لتكون التسمية عليها كتسميتها هى لو قدرت بخلاف نحو السهم فان التسمية عليه كتسمية الذابح أو الناحر، ومن أرسل كلبا ولم يسم فليزجره فان انزجر وذكر فأرسله أكل فان لم ينزجر لم يأكل

(4)

، رابعا: استمرار الارسال فلو أرسل طيرا أو كلبا أو غيرهما وسمى على المرسل

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد أطفيش ج 2 ص 329 طبع مطبعة البارونى وشركاه.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 563، 564.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 563.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 563، 564.

ص: 63

أو المرسل اليه أو عليهما فمضى لا فى جهة الصيد بعد أن رأى الجارح الصيد أو لم يره ثم رجع فيها اليه وقتله جاز أكله أما ان رجع الى ربه مطلقا - رآه أو لم يره - ثم عاد بلا ارسال اليه فقتله فلا يصح أن يؤكل الا أن أدركت ذكاته لانقضاء الارسال الاول، وقيل ان سمى قبل الاخذ أكل وان أرسل سهما فوقع على شئ ثم على صيد حل

(1)

، فان انبعثت الجارحة من غير ارسال أو أرسلها ولم تكن فى يده أكل ان سمى عليها قبل الاخذ، وقيل: لا يأكل

(2)

.

(ب) حكم الارسال على غير معين أو غير مرئى: - قال صاحب شرح النيل:

والمرسل اما أن يقصد بالتسمية المرسل - بفتح السين - كنبل وكلب أو أن يقصد المرسل اليه فقط كالغزال ونحوه أو أن يقصد الاثنين معا - المرسل والمرسل اليه - فان أراد عند التسمية المرسل فقط أو المرسل والمرسل اليه معا فصادف اثنين أو ثلاثة فصاعدا جاز أكلها الا اذا عين الوحش بالذكر، واذا أراد عند التسمية المرسل اليه فقط فانه لا يؤكل الا ما سمى عليه فقط فان اشتبه عليه ما سمى عليه وما لم يسم عليه تركهما وكذا ان سمى على صيد فصادف آخر لم يؤكل الا ان كان قد سمى أيضا على المرسل

(3)

.

(ج) حكم ارسال المحرم أو الحلال فى الحرم أو فى الحل: جاء فى شرح النيل أن المحرم اذا أرسل كلبه على أسد فتعرض له صيد فقتله لم يلزمه الجزاء فى ذلك لانه فعل ما يجوز وقيل: يلزمه الجزاء

(4)

.

(د) حكم ارسال المحرم ما تحت يده من الصيد: ذكر فى شرح النيل أن الربيع قال: ومن دخل الحرم أو أحرم ومعه باز أو صقر فليرسله، وان اصطاد بعد ما أرسله ورآه فعليه الجزاء وقيل:

لا جزاء عليه لانه لم يأمره ولم يقدر على أن يمنعه

(5)

، فان أمر غلامه بأن يرسل الصيد فظن الغلام أنه أمره بأن يقتله فقتله لم يلزمه الجزاء فى ذلك لانه فعل ما يجوز، وقيل: بل يلزمه الجزاء

(6)

‌حكم ارسال ما تحت اليد

‌مذهب الحنفية:

يفرق الحنفية فى ذلك بين ارسال الكلب وارسال غيره فقد ذكر ابن عابدين فى حاشيته أن بين ارسال الكلب وغيره فرقا وهو أنه اذا أرسل الكلب ولم يكن سائقا له لا يضمن، وان أصاب فى فوره لانه ليس بمتعد اذ لا يمكنه اتباعه والمتسبب لا يضمن الا اذا تعدى، ولو أرسل دابة يضمن ما أصابت فى فورها سواء ساقها أو لا لأنه متعد بارسالها فى الطريق مع امكان اتباعها أفاده فى النهاية ولم يفرق أبو يوسف بين ارسال الدابة والكلب فقد

(1)

المرجع السابق 2 ص 564.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 564.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 563.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 331.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 329.

(6)

شرح النيل ج 2 ص 332.

ص: 64

ذكر ابن عابدين أنه جاء فى القهستانى: وعن أبى يوسف أنه يضمن بكل حال وبه أخذ عامة المشايخ وعليه الفتوى

(1)

، فعلى قول أبى يوسف لا فرق بين الدابة والكلب وعلى الأول لا يضمن ما أصابه الكلب فى فوره الا اذا ساقه وما أصابته الدابة فى فورها يضمنه مطلقا، وذكر الحصكفى أنه ان أرسل طيرا ساقه أو لم يكن سائقا له أو أرسل دابة أو كلبا ولم يكن سائقا له أو انفلتت دابة بنفسها فأصابت مالا أو آدميا نهارا أو ليلا فلا ضمان فى الكل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (العجماء جبار) أى المنفلتة هدر

(2)

، فان كان المرسل ماء فان الحكم يختلف تبعا لحالة الماء المرسل وطبيعة الارض فلو أرسل ماء فى أرضه فخرج الماء الى أرض غيره، فان كان ما أرسله تحتمله أرضه فلا ضمان عليه، وان أرسل ما لا تحتمله الأرض كان ضامنا

(3)

، فان سقى أرضه ثم أرسل الماء فى النهر حتى جاوز عن أرضه وقد كان رجل أسفل منه طرح فى النهر ترابا فمال الماء عن النهر حتى غرق قصر انسان فلا ضمان على المرسل لأنه أرسل الماء فى النهر وهو غير متعد فى ذلك، ويجب الضمان على من طرح التراب فى النهر ومنع الماء عن السيلان لأنه متعد، ولو فتح فوهة النهر وأرسل ماء قدر ما يحتمله النهر فدخل الماء من فوره فى أرض غيره قبل أن يدخل فى أرضه فلا يكون عليه الضمان

(4)

.

‌مذهب المالكية:

وفرق المالكية فى حكم ارسال الدابة بين ما اذا كان الموضع ليس للسرح أو كان اعتياد الناس أن يسرحوا مواشيهم فيه فقد روى المواق أن الباجى قال: من المواضع ضرب تنفرد فيه المزارع والحوائط ليس بمكان سرح وهذا لا يجوز إرسال المواشى فيه وما أفسدت فيه ليلا أو نهارا - فعلى أربابها، وضرب جرت عادة الناس بإرسال مواشيهم فيه ليلا أو نهارا فاحدث رجل فيه زرعا لا ضمان فيه على أهل المواشى ليلا أو نهارا

(5)

- وروى الحطاب قول أبى عمر: إنما يسقط الضمان نهارا عن أرباب الماشية إذا أطلقت دون راع، وإن كان معها راع فلم يمنعها فهو كالقائد والسائق والراكب وقد ضمن مالك القائد والسائق والراكب

(6)

، وجاء فى التاج والاكليل:

من أرسل فى أرضه نارا أو ماء فوصل إلى أرض جاره فأفسد زرعه فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يصل ذلك إليها فتحاملت النار بريح أو غيره فأحرقت فلا شئ عليه وان

(1)

رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين ج 5 ص 533، 534 طبع مطبعة بولاق بمصر سنة 1299 هـ.

(2)

الدر المختار لمحمد علاء الدين الحصكفى فى كتاب على هامش حاشية ابن عابدين ج 5 ص 534 الطبعة السابقة.

(3)

الفتاوى الخانية على هامش الفتاوى الهندية لقاضيخان محمد الأوزجندى ج 3 ص 221.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 222.

(5)

التاج والاكليل للمواق على هامش كتاب مواهب الجليل للحطاب ج 6 ص 323.

(6)

مواهب الجليل للحطاب ج 6 ص 323.

ص: 65

لم يؤمن من ذلك لقربها فهو ضامن

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى الاقناع ان الشافعية يفرقون فى ذلك بين الدواب التى العادة فيها أن ترسل وبين غيرها من الدواب، فاذا كانت الدواب مما يرسل فى العادة مثل الحمام وغيره من الطيور فلا ضمان بما أتلفته مطلقا كما حكاه فى أصل الروضة عن ابن الصباغ وذلك لأن العادة ارسالها

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

فرق الحنابلة فى ذلك بين ارسالها نهارا أو ليلا فقد ذكر ابن ادريس الحنبلى أن الدابة المرسلة لا يضمن ربها أو مستعيرها ونحوه ما أفسدت من زرع أو شجر أو غيرهما نهارا اذا لم تكن يد أحد عليها سواء أرسلها بقرب ما تفسده أولا لما روى مالك عن الزهرى عن حزام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الاموال حفظها بالنهار وما أفسدت فهو مضمون عليهم، قال ابن عبد البر هذا وان كان مرسلا فهو مشهور، وحدث به الأئمة الثقات وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول لأن العادة من أهل المواشى ارسالها نهارا للرعى وحفظها ليلا، وعادة أهل الحوائط حفظها نهارا فاذا أفسدت شيئا ليلا كان من ضمان من هى بيده ان فرط فى حفظها، قال القاضى هذه المسألة محمولة على المواضع التى فيها مزارع ومراعى فأما القرى العامرة التى لا مرعى فيها الا بين مراحين كساقية وطرق زرع فليس له ارسالها بغير حفظ فان فعل لزمه الضمان لتفريطه

(3)

، هذا واذا أرسل صيدا وقال أعتقتك لم يزل ملكه عنه كما لو أرسل البعير والبقرة ونحوهما من البهائم المملوكة فان ملكه لا يزول عنها بذلك

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

وفرق الزيدية بين ارسال الكلب وغير الكلب فقد جاء فى شرح الازهار ان جناية غير الكلب ليلا مضمونة على صاحب الدابة لأن الحفظ فى الليل واجب عليه فقد حكم النبى صلى الله عليه وسلم على أهل البهائم بأن يحفظوها ليلا وعلى أهل الزرائع بأن يحفظوها نهارا، قال فى الانتصار وهذا بناء على أن الأغلب أن الدواب تحفظ بالليل وترسل بالنهار فلو جرت العادة بخلاف ذلك فى بعض البلاد انعكس الحكم، أما جناية الكلب فى الليل فلا ضمان فيها لأنه يرسل فى الليل ليحفظ ويربط فى النهار فان جنى فى النهار ضمنت ولو كان غير عقور، حيث لا يعتاد ارساله فى النهار، قيل: ولو عقر بالنهار دون الليل فى

(1)

التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 321.

(2)

الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 2 ص 243.

(3)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 2 ص 371، 372 الطبعة الاولى طبع مطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 134.

ص: 66

الطريق ونحوها فلا ضمان

(1)

، ومن أرسل بقرته فنطحت بقرة غيره أو حماره فان كان من فورها ضمن مطلقا، وان كان بعد تراخيها لم يضمن الا أن تكون معروفة بالنطح أو كان خروجها بالليل مع تفريطه فى حفظها، وكذا ان سيّبها فى المرعى وهى عقور ضمن ما جنت الا أن يعقلها فلو نقضت عقالها ثم جنت لم يضمن الا أن يعلم بنقضها، وسواء كان المرسل لها مالكها أو غيره

(2)

وان كان ما فى يده انسانا غريقا حاول انقاذه فأرسله لما ثقل عليه وخشى ان أتم الامساك أن يتلفا جميعا ضمنه من أرسله اذ صار مباشرا للجناية بالارسال وقد قال على رضى الله عنه: هو موافق للقياس، الا أنا نقول ان كان قد أخرج رأسه من الماء فلما أرسله انغمس فهلك فذلك صحيح، وان أرسله قبل أن يخرج رأسه من الماء ففى تضمينه نظر لأنه لم يهلك بارساله حينئذ بل برسوبه فى الماء وتسديده منافسه وهو حاصل من قبل امساكه وارساله فالأقرب عندى أنه لا يضمن بارساله، أما حكم الارسال فى هذه الحال فقد قيل انه يجوز ارساله ويضمن لأنه صار هالكا بكل حال فجاز الارسال لئلا يهلكا جميعا، وقيل لا يجوز الارسال كالمكره على قتل الغير اذ الاكراه على قتل الغير لا يعنى اباحته له

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

والإمامية فى حكم ارسال البهائم ليلا واتلافها الزرع يضمنون صاحبها قال الطوسى فى كتاب الخلاف: اذا كان للرجل بهائم فأرسلها ليلا فأتلفت زرعا فعليه ضمانه، ودليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم وروى أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدته فرفع ذلك الى النبى صلى الله عليه وسلم فقضى أن على أهل الأموال حفظها نهارا وعلى أهل المواشى حفظها ليلا وأن على أهلها بالليل الضمان، ولا يوجب الإمامية ارسال الماء

(4)

لسقى الزرع اذا لم يف النهر المباح أو سيل الوادى بسقى ما عليه دفعة على من يلى فوهة النهر الا بعد أن يصل الماء فى زرعه الى الشراك وفى شجره الى القوم وفى نخله الى الساق. ثم يرسل الى ما دونه ولا يجب ارساله قبل ذلك ولو أدى الى تلف الأخير

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن من أطلق مواشيه فأكلت شجرا أو زرعا أو نحو ذلك أفسدت ذلك أو غيره لأحد ضمن، وقيل لا يضمن ما فعلت من ذلك نهارا إلا أن تعمد فوجهها إلى ذلك لما روى عن رسول الله صلى الله

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الاطهار ج 4 ص 440، 441 الطبعة الثانية بمطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 440.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 419.

(4)

كتاب الخلاف فى الفقه ج 2 ص 499.

(5)

شرائع الاسلام للحلى ج 2 ص 172 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت.

ص: 67

عليه وسلم (جرح العجماء جبار) أى جرح الدابة مهدور فقيل ذلك إذا خرجت عن طاقة من هى بيده وإلا ضمن ما أكلت ليلا أو نهاراً وقيل لا يضمن ما فعلت نهارا لقوله صلى الله عليه وسلم: على صاحب الطعام حفظ طعامه نهارا وعلى صاحب الدابة حفظها ليلا

(1)

.

‌حكم الارسال فى العقود والمعاملات

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن من شرائط انعقاد البيع اتحاد المجلس بأن يكون الايجاب والقبول فى مجلس واحد، واستثنوا من ذلك البيع بواسطة الارسال فقد ذكر صاحب بدائع الصنائع: أن أحد الشطرين (أى الايجاب والقبول) من أحد العاقدين فى باب البيع يتوقف على الآخر فى المجلس ولا يتوقف على الشطر الآخر من العاقد الآخر فيما وراء المجلس بالاجماع الا اذا كان عنه قابل أو كان بالرسالة أو بالكتابة، أما الرسالة فهى أن يرسل رسولا الى رجل ويقول للرسول: انى بعت عبدى هذا من فلان الغائب بكذا فاذهب اليه وقل له: ان فلانا أرسلنى اليك وقال لى: قل له: انى قد بعت عبدى هذا من فلان بكذا فذهب الرسول وبلغ الرسالة فقال: المشترى فى مجلسه ذلك قبلت انعقد البيع لأن الرسول سفيز ومعبر عن كلام المرسل، ناقل كلامه الى المرسل اليه فكأنه حضر بنفسه فأوجب البيع وقبل الآخر فى المجلس، وكذلك هذا الحكم فى الاجارة والكتابة (أى كتابة العبد) حيث أن اتحاد المجلس شرط للانعقاد ولا يتوقف أحد الشطرين من أحد العاقدين على وجود الشطر الآخر اذا كان غائبا لان كل واحد منهما عقد معاوضة الا اذا كان عن الغائب قابل أو بالرسالة أو بالكتابة، ولو أرسل رسولا ثم رجع صح رجوعه لان الخطاب بالرسالة لا يكون فوق المشافهة وذا محتمل للرجوع فها هنا أولى: وسواء علم الرسول رجوع المرسل أو لم يعلم به، بخلاف ما اذا وكل انسانا ثم عزله بغير علمه فانه لا يصح عزله لأن الرسول يحكى كلام المرسل وينقله الى المرسل اليه فكان سفيرا ومعبرا محضا فلم يشترط علم الرسول بذلك، فأما الوكيل فانما يتصرف عن تفويض الموكل اليه فشرط علمه بالعزل صيانة عن التغرير

(2)

، ولا يرتب الحنفية على قبض الرسول ما اشتراه مرسله سقوط حقه فى الخيار اذا رآه فقد ذكر صاحب المبسوط أنه اذا اشترى الشخص شيئا ثم أرسل رسولا يقبضه فهو - يعنى المرسل - بالخيار اذا رآه، ورؤية الرسول وقبضه

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد أطفيش ج 7 ص 79 طبع مطبعة البارونى وشركاه

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 137، 138 الطبعة الاولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910.

ص: 68

لا يلزمه المتاع لأن المقصود علم العاقد بأوصاف المعقود عليه ليتم رضاه وذلك لا يحصل برؤية الرسول فأكثر ما فيه أن قبض رسوله كقبضه بنفسه، ولو قبض بنفسه قبل الرؤية كان بالخيار اذا رآه فكذلك اذا أرسل رسولا فقبضه له

(1)

. والحنفية يرون أن الارسال يصح أن يكون وسيلة للاستقراض ويكون ما استقرضه الرسول للآمر، وأنه لا يجوز للوكيل أن يستقرض لموكله الا أن يخرج كلامه مخرج الرسالة والا كان ما استقرضه من الدراهم له لا لموكله، ومن حقه أن يمنعها من الموكل

(2)

، كما يرون أن الارسال يصح أن يكون وسيلة من وسائل اعلام الوكيل بالتوكيل. فقد ذكر الكاسانى أنه لو أرسل الموكل رسولا الى من يريد أن يوكله فبلغ الرسالة صار وكيلا بالاجماع

(3)

، وكذلك يصح أن يكون وسيلة لاعلام الوكيل بالعزل فقد جاء فى البدائع أن الوكيل لو كان غائبا فكتب اليه الموكل كتاب العزل فبلغه الكتاب وعلم بما فيه انعزل لأن الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر، وكذلك لو أرسل اليه رسولا فبلغ الرسالة وقال ان فلانا أرسلنى اليك ويقول: انى عزلتك عن الوكالة فانه ينعزل كائنا ما كان الرسول عدلا كان أو غير عدل، حرا كان أو عبدا، صغيرا كان أو كبيرا بعد أن بلغ الرسالة على الوجه الذى ذكرناه لان الرسول قائم مقام المرسل معبر وسفير عنه فتصح سفارته بعد أن صحت عبارته على أى صفة كان

(4)

.

‌مذهب المالكية:

ويفرق المالكية فى حكم الارسال بالشراء تبعا للفظ الرسول فاذا أسند الشراء لنفسه طولب بالثمن واذا أسنده لمن أرسله لم يطالب بالثمن فقد ذكر الدردير فى الشرح الكبير والدسوقى فى حاشيته عليه أن الرسول اذا قال بعثنى فلان لتبيعه كذا بمائة أو ليشترى منك كذا بمائة مثلا فرضى صاحب السلعة فلا يطالب الرسول بالثمن فان أنكر فلان هذا أنه أرسله فالثمن على الرسول، أما ان قال: بعثنى لأشترى أو لأشترى له منك فيطالب الرسول بالثمن لانه فى الحالة الاولى أسند الشراء لغيره وفى الحالة الاخيرة أسند الشراء الى نفسه

(5)

، وذكر الدسوقى فى حاشيته أنه اذا أقر المرسل بأنه أرسله كان للبائع غريمان فيتبع أيهما شاء الا أن يحلف المرسل أنه دفع الثمن للرسول فانه يبرأ ويتبع

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 13 ص 73 الطبعة الاولى.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 23 والفتاوى الهندية ج 3 ص 206.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 21 الطبعة المتقدمة.

(4)

المرجع السابق ج 6 ص 37 نفس الطبعة

(5)

الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى فى كتاب واحد ج 3 ص 382 طبع دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه.

ص: 69

الرسول

(1)

وروى المواق أن مالكا قال:

اذا أرسل البائع شخصا بالبضاعة المبتاعة فقال الرسول: دفعت البضاعة وأنكر المبعوث اليه ضمن الرسول الا أن تقوم له بينه أنه دفعها

(2)

اليه، وفى الارسال بالوديعة يرى المالكية أنه لا يصح للمودع - بالفتح - أن يرسل الوديعة الى ربها الا باذنه، فلو أرسلها اليه بغير اذنه، فضاعت أو تلفت من الرسول

(3)

ضمن الا أن تعرض له اقامة طويلة فى الطريق كالسنة مثلا فله فى هذه الحالة أن يبعثها مع غيره ولا ضمان عليه اذا تلفت أو أخذها اللص، بل بعثها فى هذه الحالة واجب ويضمن ان حبسها، وأما ان كانت الاقامة التى عرضت له قصيرة كالايام فالواجب ابقاؤها معه فان بعثها ضمنها ان تلفت فان كانت الاقامة متوسطة كالشهرين خير فى ارسالها وفى ابقائها فلا ضمان ان أرسلها وتلفت أو حبسها

(4)

وما قيل فى ارسال المودع يقال فى وصى رب المال اذا بعث المال للورثة

(5)

واذا أرسلت الوديعة أو الدين أو رأس مال القراض مع رسول فمات الرسول الذى أرسلت معه قبل أن يصل الى بلد ربها وقد ضاعت ولم توجد معه ضمن الرسول حينئذ فتؤخذ من تركته سواء كان مرسلا من طرف ربها أو من طرف المودع أو المدين أو عامل القراض

(6)

، لأن الرسول فى الطريق يعتبر مودعا، والمودع اذا مات ولم توجد الوديعة تكون فى ماله

(7)

، أما ان مات ذلك الرسول بعد وصوله الى بلد ربها ولم توجد الوديعة معه فلا ضمان على الرسول والمصيبة على ربها ان كان ذلك الرسول رسوله، وعلى المودع - بالفتح - ان كان ذلك الرسول رسوله لان المودع لا يبرأ الا بوصول المال الى ربه أو الى رسول ربه ببينة أو اقرار

(8)

وروى المواق عن المدونة أن مالكا رضى الله عنه قال: ان مات الرسول بعد وصوله الى بلد رب المرسل به فلا شئ فى تركة الرسول ويجب اليمين على من يجوز أمره من ورثته أنه ما يعلم للمرسل شيئا لأن الرسول بعد الوصول الى بلد المرسل اليه يعتبر وكيلا على الدفع وهو هنا قد امتثل ما وكل عليه، وقد يخفى على ورثته من كان أشهد على دفعها

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 3 ص 382 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه.

(2)

التاج والاكليل لمختصر خليل لابى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق على هامش كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد المعروف بالحطاب ج 5 ص 205 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ.

(3)

الشرح الكبير للدردير ح 3 ص 424 الطبعة المتقدمة.

(4)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 424 الطبعة المتقدمة.

(5)

المرجع السابق ج 3 ص 425.

(6)

المرجع السابق ج 3 ص 426.

(7)

التاج والاكليل لمختصر خليل للمواق ج 5 ص 259 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ.

(8)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 426.

ص: 70

فلا يضمن بالشك

(1)

، واختلفت أقوال المالكية فى حكم ما اذا ادعى شخص أن فلانا أرسله بشئ الى آخر ففعل ثم أنكر صاحب الشئ وقال أودعته، فقد ذكر الحطاب أن ملكا قال فى المدونة ومن أودعته وديعة فادعى أنك أمرته بدفعها الى فلان ففعل وأنكرت أنت أن تكون أمرته فهو ضامن الا أن تقوم له بينة أنك أمرته بذلك وفى المبسوط عن الامام مالك: ان لم يشهد ربها عليها بها صدق الرسول انه أمره بذلك ويحلف، وفى كتاب ابن حبيب لعبد الملك: ان الرسول مصدق بكل حال سواء كان دينا أو صلة، وسواء أنكره القابض أو أقر به الا أن يقول له: اقض عنى فلانا دينه على فيضمن ان لم يشهد

(2)

، ولو مات المودع - بفتح الدال - وادعى المودع - بكسر الدال - أنه انما أرسله وأمره بأن يدفعها الى فلان فانه يضمن ويحلف الورثة على العلم

(3)

، وروى المواق

(4)

أن مالكا قال لا يصدق واحد بدعواه الدفع الى من أرسل اليه الا ببينة ويصدق فى الرد الى الباعث بلا بينة لان الله أمر الاوصياء بالاشهاد بالدفع الى غير اليد التى أعطتهم وهم الايتام ولم يأمر بالاشهاد فى الرد الى اليد التى أعطتك لقوله تعالى: {(فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ)}

(5)

فاذا ادعى الرسول انه أوصل ما أرسل به الى المرسل اليه ولكن المرسل اليه أنكر ذلك لم يصدق الرسول الا ببينة ولا يعمل بتصديق المودع لذلك الرسول على أنه أوصلها للمرسل اليه ويضمن ذلك المودع أيضا ان كان قد دفعها للرسول بغير اشهاد لأنه لما دفع لغير اليد التى ائتمنته كان عليه الاشهاد فلما تركه صار مفرطا وأما أن دفع له باشهاد فقد برئ ويرجع المرسل اليه على الرسول عند عدم البينة

(6)

، وأما ان شرط الرسول على من أرسله أن يكون الدفع للمرسل اليه بلا بينة فلا ضمان عليه اذا أنكر المرسل اليه، وانما يضمن المرسل للمرسل اليه حيث لم يشهد الرسول على الدفع

(7)

، وجاء فى مواهب الجليل أن القاضى عبد الوهاب قال: ان الوكيل والمودع والرسول مؤتمنون فيما بينهم وبين الموكل والمودع والمرسل فاذا ذكروا أنهم ردوا ما دفع اليهم الى أربابه قبل ذلك منهم لأن أرباب الأموال قد أئتمنوهم على ذلك فكان قولهم مقبولا فيما بينهم

(8)

، وفى

(1)

التاج والاكليل للمواق ج 5 ص 259 الطبعة المتقدمة.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل لابى عبد الله محمد بن محمد المعروف بالحطاب ج 5 ص 259، 260 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 260.

(4)

التاج والاكليل للمواق ج 5 ص 210 الطبعة المتقدمة.

(5)

الآية رقم 283 من سورة البقرة.

(6)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 426 الطبعة المتقدمة.

(7)

الشرح الكبير للدردير على هامش حاشية الدسوقى ج 3 ص 430، 431.

(8)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل للحطاب ج 5 ص 210 الطبعة المتقدمة.

ص: 71

الارسال بالأموال قال الدردير والدسوقى: وان بعث شخص الى آخر بمال فاعتبره المبعوث اليه صدقة عليه وأنكر الباعث أنه أرسله اليه صدقة وقال بل هو وديعة أو قرض فالرسول شاهد على قول الباعث فان شهد للمرسل أخذه بلا يمين لتمسكه بالاصل - وهو عدم الصدقة - مع شهادة الرسول، لان الاصل عدم خروج الشئ عن ملك ربه على وجه خاص، والأصل كالشاهد فلما انضم الأصل للشاهد صار الباعث كأن معه شاهدين فلذلك أخذ المال من غير يمين، وان شهد الرسول للمرسل اليه أخذه على أنه صدقة عليه بيمين، فان لم يشهد الرسول - بأن قال لا أدرى - فالقول لرب المال لكن بيمين لان الاصل كالشاهد الواحد فلذا حلف معه

(1)

، وفى الارسال بالعارية: قال الدسوقى والدردير:

وان زعم شخص أنه مرسل من زيد لاستعارة حلى مثلا له من بكر فدفع له بكر ما طلبه وزعم أنه تلف منه ضمنه مرسله ان صدقه على الارسال، وان لم يصدقه على الارسال فللمالكية فى حكمه رأيان أولهما ما رواه الدسوقى عن سماع عيسى عن ابن القاسم - وضعفه - وهو أن الرسول يحلف لقد أرسلنى وأنه تلف بلا تفريط منى ثم يبرأ أيضا وتضيع الحلى هدرا، وثانيهما ما نسبه الدسوقى الى المدونة واعتمده وهو أن الرسول يضمن اذا أنكر مرسله الارسال وحلف، واذا كان ذلك المرسل عبدا فجناية فى رقبته

(2)

، واستدرك الدردير على الرأى الاول بقوله لكن الراجح ان الرسول يضمن ولا يحلف الا لبينة بالارسال فيكون الضمان على المرسل

(3)

. هذا اذا زعم الرسول أن ما حمله تلف أما لو ثبت أنه تلف بلا تفريط قبل وصوله الى المرسل وقد صدقه المرسل فلا ضمان على أحد لانتفاء الضمان فى العارية اذا ثبت تلفها بلا تفريط

(4)

، وان اعترف الرسول بتعديه فى أخذ العارية بغير ارسال بأن قال: لم يرسلنى أحد وتلفت منه ضمن الحر الرشيد عاجلا دون السفيه والصبى لتفريط المعير بالدفع لهما مع عدم اختيار حالهما، وان كان عبدا ضمن فى ذمته لا رقبته فلا يباع لها بل يتبع ان عتق وللسيد اسقاطه عنه

(5)

، وان قال الرسول أوصلت المعار من حلى ونحوه لمن أرسلنى فكذبوه وأنكروا الارسال فعليه اليمين أنهم أرسلوه وأنه أوصله اليهم، وعليهم اليمين أنهم لم يرسلوه ولم يوصله لهم وتكون هدرا، ومن نكل منهما ضمن،

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى فى كتاب ج 3 ص 429.

(2)

حاشية الدسوقى ج 3 ص 441.

(3)

الشرح الكبير للدردير ج 3 ص 441.

(4)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير للدردير ج 3 ص 441.

(5)

المرجع السابق ج 3 ص 441.

ص: 72

وتعقبه الدردير بقوله: والراجح ضمان الرسول

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

يرى الشافعية أن الارسال بالبيع جائز ولا يتأثر عقد البيع بتراخى القبول فيه فقد ذكر البجيرمى فى حاشيته على المنهج أنه لو كتب شخص الى آخر غائب عن مجلس العقد ببيع أو غيره صح، ويشترط قبول المكتوب اليه فورا عند وقوفه على الكتاب فلو تكلم بكلام أجنبى ضر، ويمتد خيار مجلس المكتوب اليه ما دام فى مجلس القبول أى ما لم يختر لزومه والا انقطع خياره اذ خيار المجلس ينقطع بالمفارقة أو اختيار اللزوم - وهذا هو ارسال الكتاب بالبيع

(2)

، ويرون أن الارسال اذا كان متعلقا بالرهن واختلف المرسل مع المرتهن حول قيمة الرهن فالقول قول المرسل مع تفصيل فان بعث الرجل عبده مع رجل ليرهنه عند رجل آخر بمال ففعل ثم اختلف الراهن والمرتهن، فقال الراهن أذنت له فى أن يرهن بعشرة وقال المرتهن: بل بعشرين نظرنا فان صدق الرسول الراهن حلف الرسول أنه ما رهن الا بعشرة ولا يمين على الراهن لانه لم يعقد العقد، وان صدق الرسول المرتهن فالقول قول الراهن مع يمينه فاذا حلف بقى الرهن على عشرة وعلى الرسول عشرة لانه أقر بقبضها

(3)

، وفى ارسال الوديعة ذكر الرملى أنه اذا أرسل الوديع الوديعة مع من يسقيها وهو غير ثقة ضمنها

(4)

. ولو ادعى الوكيل الرد على رسول الموكل وأنكر الرسول صدق الرسول ببينة لأنه لم يأتمنه فلا يقبل قوله عليه، ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل فى ذلك على الصحيح لانه يدعى الرد على من لم يأتمنه فليقم البينة عليه والثانى يلزمه لانه معترف بارساله ويد رسوله كيده فكأنه ادعى الرد عليه ولو صدقه الموكل على الدفع الى الرسول لم يغرم الوكيل كما قاله الاذرعى أنه الاصح، ولو اعترف الرسول بالقبض وادعى التلف فى يده لم يلزم المالك الرجوع اليه لان الاصل عدم القبض

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

ويرى الحنابلة أن البيع اذا كان بطريق الارسال لم يتأثر العقد بتراخى القبول عن الايجاب فقد ذكر صاحب كشاف القناع أنه اذا

(1)

الشرح الكبير ج 3 ص 441.

(2)

حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 2 ص 169 طبع مصطفى البابى الحلبى سنة 1345 هـ.

(3)

المهذب للشيرازى ج 1 ص 317 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(4)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى وبهامشه حاشية المغربى ج 6 ص 115 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ.

(5)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 2 ص 218.

ص: 73

كان المشترى غائبا عن مجلس البيع فكاتبه البائع أو أرسل اليه انى بعتك دارى بكذا أو انى بعت فلانا ونسبه بما يميزه - دارى بكذا فلما بلغ المشترى الخبر قبل البيع صح عقد البيع لأن التراخى مع غيبة المشترى لا يدل على أعراضه عن الايجاب

(1)

، وفى الارسال بالرهن ذكر صاحب كشاف القناع أنه لو قال المرتهن أرسلت وكيلك فرهن عندى هذا على ألفين قبضهما منى فقال الراهن ما أذنت له الا فى رهنه بألف، فان صدق الرسول الراهن حلف الرسول ما رهنه الا بألف ولا قبض الا ألفا ولا يمين على الراهن لان الدعوى على غيره.

فاذا حلف الوكيل برئا جميعا أى الرسول والراهن - وان نكل الرسول عن اليمين وقضى عليه بالنكول فعليه الألف المختلف فيه ولا يرجع به على أحد لانه يدعى أن المرتهن ظلمه ولا يرجع الانسان بظلامته الا على من ظلمه أو تسبب فى ظلمه، وان صدق الرسول المرتهن فقول الراهن مع يمينه أنه وصله ألف فقط ولم يأذنه فى غيره فان نكل الراهن عن اليمين قضى عليه بالالف ويدفع الالف الى المرتهن ولا يرجع به على الرسول وان حلف الراهن برئ من الألف وعلى الرسول الألف لانه أقر بقبضها

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

ويجيز الظاهرية أن يتعلق الارسال بعزل الوكيل فقد ذكر ابن حزم أن الموكل اذا قال لوكيله أو كتب له: اذا بلغك رسولى فقد عزلتك فاذا بلغه الرسول صح عزله لأن له أن يتصرف فى حقوق نفسه كما يشاء

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاز فى شرح الازهار لو أن رجلا أرسل آخر يستعير له فاستعار غير أن المعير اشترط عليه الضمان فأداها الى المرسل ولم يذكر له الضمان فانه يضمنها

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

للامامية فى الاكتفاء بالارسال فى الوكالة رأيان فمن اشترط القبول فى العقد لم يكتف بالكتابة والرسالة كما لو كتب بالبيع، ومن لم يشترط القبول فى العقد كفت الكتابة والرسالة وكان مأذونا فى التصرف وهو الأقرب

(5)

.

وذكر صاحب مفتاح الكرامة لو أن شخصا أمر (أى أرسل) آخر لقبض دراهم من دين له عليه - أى على مدين - فقبض الرسول دنانير عوضها، فان أخبره الرسول بالاذن فى التصرف ضمن الرسول وان لم

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 2 ص 4 وبهامشه شرح المنتهى الطبعة المتقدمة.

(2)

كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 2 ص 167 الطبعة الاولى سنة 1319 هـ.

(3)

- المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 246

(4)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ج 3 ص 428 الطبعة الثانية وانظر كذلك التاج المذهب ج 3 ص 255.

(5)

مفتاح الكرامة للسيد محمد الجواد بن محمد الحسينى العاملى ج 7 ص 524 طبع مطبعة الشورى بالفجالة بمصر سنة 1326 هـ

ص: 74

يخبره الرسول بالاذن فى التصرف وتلف المقبوض كان من ضمان الباعث لانه انما أمره بقبض دينه وهو دراهم فاذا دفع اليه دنانير كان قد صارفه من غير امره والشرط فى الصرف رضا الطرفين وقد دفع المدين الى الرسول غير ما أمره به المرسل فكان الرسول وكيلا للباعث فى تأديته الى صاحب الدين ومصارفته اياه، فاذا تلف فى يد وكيله كان من ضمانه

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى كتاب النيل وشرحه أنه يجوز عرفا لا فى الحكم - وقيل يجوز فيه أيضا - بيع صبى أو رقيق ما يقل ثمنه كفاكهة بارسال من الاب أو الوصى أو الخليفة أو القائم أو السيد ارسالا مقطوعا به أو مظنونا اطمأنت النفس اليه ولم تتهمهما عند بعض مع كراهة فيما يكثر ثمنه مع العلم بالارسال أو اطمئنان النفس أنه أرسل به - والشراء كالبيع - والاصل القول بالمنع فى الصبى، أما اذا كان الارسال من السيد لرقيقه بالبيع والشراء فقد ذكر صاحب شرح النيل أن التحقيق عنده أنه يجوز بيع العبد قطعا بدون خلاف فى المذهب ما دام مولاه قد أجاز أن يفعل، واذا باع أو اشترى من صبى أرسله وليه أو من رقيق أرسله سيده فغلط فله أن يطلب ما غلط به من مرسلهما، وأما ارسال المراهق فلهما فيه قولان قول يلحقه بالصبى وقول يلحقه بالبالغ هذا وان أنكر الأب أو السيد الارسال حلفا أنهما لم يرسلاه

(2)

، واختلف الإباضية

(3)

فى جواز الارسال فى انشاء عقد السلم فقال جماعة: لا يجوز لان رسول أحدهما لم يكن مأمورا بعقد السلم وانما أمره المسلم أن يوصل ذلك الى يد المستسلم أو أمره المستسلم بالقبض له، وقال جماعة: يجوز لان الرسول ينزل منزلة أحدهما والرسالة تنزل منزلة كلام من أرسلها لقوله تعالى {(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً)}

(4)

وعلى هذا القول الأخير فانه يجوز أن يطلب شخص السلم من آخر بكتاب عينا ذهبا أو فضة، وأنه يجوز أن يرسل المسلم العين بالكتاب الى طالب السلم قائلا انى قد أسلمت اليك كذا دراهم أو دنانير - فتصله فيقبضها اذا أرسلها اليه مع أحد أو فى داخل الكتاب ومثل الدراهم والدنانير فى كذا كيلا أو وزنا من كيل بلدة كذا أو وزنها أو زرعها أو عددا من ثمار كذا مؤجلا لوقت كذا، فان وافق ما ذكره المتسلف له فقد انعقد السلم على قول وهذا ظاهر كلامه، وقيل لا ينعقد حتى يرسل اليه كتابا

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 605.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد أطفيش ج 4 ص 134.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 403، 404.

(4)

الآية رقم 51 من سورة الشورى.

ص: 75

آخر أو رسولا أو يشافهه انى قد قبلت ما ذكرت لى، وان خالف ما ذكره المتسلف له أو لم يذكر له المتسلف تفصيلا غير أنه كتب اليه انى أريد السلم فلا ينعقد البيع حتى يقول له بلسانه أو رسوله أو كتابه انى قد قبلت ما كتبت الى أو ما أرسلت الى الى آخره

(1)

، (يراجع مصطلح سلم وسلف).

أما فى ارسال الدين الى صاحبه فان الإباضية يفرقون بين ارساله بأذنه وبين ارساله من غير اذنه، فقد ذكر صاحب شرح النيل أنه لا يبرأ غريم ولا يبرأ كل من عليه حق بارسال دين أو حق لربه بلا أمره أو أمر من صحت نيابته عنه، وان كان ارساله مع أمين أو أكثر ان لم يصل أو لم يعلم بوصوله أو بعدم وصوله ولزمه أن يبحث هل وصل فيبرأ أو لم يصل فيؤدى

(2)

ثم انهم يفرقون فى ذلك بين البراءة فيما بينه وبين الله وبين البراءة فى الحكم، فاذا سأل الغريم رسوله الأمين فقال وصلت برئ فيما بينه وبين الله وأما فى الحكم فلا يبرأ الا بشهادة عادلة أو اقرار صاحب الحق، واذا لم يقل أوصلت فلا يبرأ فى الحكم ولا فيما بينه وبين الله حتى يعلم بالوصول، فلو كان الحق على يتيم أو مجنون أو غائب فأرسله من صحت نيابته عنه مع أمين ولم يقل أوصلت فلينتظر بيانا أو اقرارا فان جحد صاحب الحق الوصول ضمن النائب من ماله وحلفه ان اتهمه، وقيل يبرأ ان أرسله مع الأمين ولو كان امرأة أو عبدا أو أمة فيما بينه وبين الله وان لم يسأله لأن الأمين حجة فيما بينك وبين الله تعالى ولو كان واحدا

(3)

.

وان ادعى رسول الغريم أو رسول كل من عليه الحق أنه أوصل الدين الى ربه ولكن رب الدين أنكر وصوله ولا يوجد بيان غرمه - بتخفيف الراء - الغريم لصاحب الدين أى لم تبرأ ذمته اذ لم يصل الدين الى صاحبه ولو كان الرسول أمينا أو متعددا لانه لا يحكم بشاهد واحد ولا بمتعدد فيما يدفع فيه ضرا عن نفسه أو يجلب نفعا وهنا يدعون ايصال ما ألزموا أنفسهم ايصاله والبراءة منه، ولا يرجع الغريم على رسوله بيمين ولا بغرم ولو كان غير أمين لانه قد أمنه اذا ادعى الايصال وأنكر صاحب الحق سواء غرم أو لم يغرم الا أن اتهمه أنه لم يوصله أو أنه ضيعه فعند ذلك يحلف على ما اتهمه، وكذلك ان قال له: أشهد على رب الدين بالوصول اذا أوصلته سواء قال له أشهد عدلين أو قال له أشهد من يجوز ونحو ذلك أو قال له أشهد ولم يذكر ذلك - اذ المعلوم من طلب الاشهاد اشهاد عدلين فضيع الاشهاد على

(1)

شرح النيل ج 4 ص 401.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 495.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 495، 496.

ص: 76

الايصال أو أشهد من لا يجوز كأهل الكبائر فان ذلك تضييع أيضا وعليه فانه يلزم الرسول الغرم للغريم اتفاقا كما اذا أقر بأنه لم يوصله أو بأنه ضيعه

(1)

، وان دفع رسول الغريم الدين لمن يوصله لربه فأوصله بدون أمر الغريم ففيه قولان أحدهما: أنه يضمن الرسول مثله للغريم سواء وصل أو لم يصل، وعد الرسول متبرعا على من عليه الحق بأن أعطى عنه فيرد له ما قبض منه ليوصله الى من له الحق حين خالف أمر من أرسله لانه أمره أن يعطى المال لصاحبه ولم يأمره أن يرسله فكان ارساله تضييعا له فضمنه وبرئ الغريم أو من عليه الحق أن وصل، وثانيهما: أنه لا يضمن الرسول للغريم أو لمن عليه الحق ان وصل صاحب المال وقال صاحب شرح النيل: وهذا عندى أظهر لان انتفاع من عليه المال ببراءة ذمته لذلك الدفع يزيح ضمان الرسول له لانه صرف ماله فى نفعه كما أراد لانه أراد ايصال هذا المال الى صاحب الحق أو الدين فوصل والمقصود بالذات الوصول مع أن المعنى معقول فليس فى وصوله بيد غير الرسول ما يقوى على تضمين الرسول ويناسب هذا قول من أقام الرسول مقام المرسل

(2)

، وان تلف من يد رسول الغريم قبل الوصول ضمن ان ضيع أما اذا لم يضيع فلا يضمن والدين على الغريم.

‌العلاقة بين التوكيل والارسال

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الفتاوى الهندية نقلا عن الجامع الصغير أن أبا حنفية رحمه الله تعالى قال:

اذا اشترى شخص طعاما ولم يره ووكل وكيلا يقبضه فقبضه الوكيل بعد ما رآه ونظر اليه فليس للمشترى أن يرده (أى بخيار الرؤية) ولو أرسل رسولا يقبضه فقبضه الرسول بعد ما رآه ونظر اليه فللمشترى أن يرده

(3)

(أى بخيار الرؤية) وفى المبسوط ان الوكيل هو العاقد وترجع اليه حقوق العقد فى البيع بخلاف الرسول، فانه سفير ومعبر ومضيف العقد الى المرسل فثبت أن الوكيل، مباشر للعقد، بخلاف الرسول فانه عبارة عن مبلغ، ولذلك كان قبض الوكيل بعد الرؤية مسقطا لحق الموكل

(4)

فى خيار الرؤية بخلاف

(5)

قبض الرسول فأنه لا يسقطه ولو من الرؤية شئ، والدليل على الفرق بين الوكالة والرسالة أن الله تعالى أثبت صفة الرسالة لنبيه صلى الله عليه وسلم ونفى الوكالة فى قوله تعالى:{(وَما مُحَمَّدٌ 6 إِلاّ رَسُولٌ}

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد أطفيش ج 4 ص 497، 498.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 499، 500.

(3)

الفتاوى الهندية ج 3 ص 206.

(4)

المبسوط للسرخسى ج 12 ص 203 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر.

(5)

المرجع السابق ج 13 ص 73.

(6)

الآية رقم 144 من سورة آل عمران.

ص: 77

{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)} وقوله تعالى {(قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)}

(1)

وخالف فى ذلك أبو يوسف ومحمد فى الوكيل فقد روى صاحب الفتاوى الهندية نقلا عن الذخيرة أنهما رحمهما الله تعالى قالا: الوكيل والرسول سواء، وللمشترى أن يرده ان شاء وان شاء أخذه، لأن الوكيل بالقبض لا يملك ابطال خيار الرؤية أما الرسول فقد أجمعوا على أنه لا يملك ذلك

(2)

.

‌حكم ضمان ما ضاع من الرسول

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن ضمان ما ضاع من الرسول يكون على من أرسله فلو بعث رجل رسولا الى بزاز (بائع الثياب) مثلا أن ابعث بثوب كذا وكذا بثمن كذا وكذا فبعث اليه البزاز مع رسوله أو مع غيره فضاع الثوب قبل أن يصل الى الآمر وتصادقوا على ذلك وأقروا به فلا ضمان على الرسول فى شئ، وان بعث البزاز مع رسول الآمر فالضمان على الآمر لان رسوله قبض الثوب على المساومة وان كان رسول رب الثوب معه، فاذا وصل الثوب الى الآمر يكون ضامنا كما لو أرسل رسولا الى رجل وقال ابعث الى بعشرة دراهم قرضا فقال نعم وبعث بها مع رسول الآمر فالآمر ضامن لها اذا أقر بأن رسوله قد قبضها وان بعث بها مع غيره فلا ضمان على الآمر حتى يصل

(3)

اليه، فاذا لم يعين المرسل رسولا يحمل المطلوب فبعث المرسل اليه بالمطلوب مع الرسول كان كما لو بعثه مع غيره لا يضمن المرسل الا اذا وصل اليه، فقد جاء فى الفتاوى الخانية أنه اذا بعث رجل الى رجل بكتاب مع رسول أن ابعث الى ثوب كذا بثمن كذا ففعل وبعث به مع الذى أتاه بالكتاب لم يكن من مال الآمر حتى يصل اليه، وكذلك القرض والاقتضاء لان الرسول هنا رسول بالكتاب

(4)

، أما لو قال الرسول اقرضنى لفلان المرسل فأقرضه وضاع فى يده فعلى الرسول

(5)

.

‌مذهب المالكية:

يرى المالكية أنه لا ضمان على العبد أو الأجير اذا عطب أو ضل ما أرسل به فقد ذكر الدسوقى فى حاشيته أنه اذا أرسل المستعير العارية من الدواب مع عبده أو أجيره فعطبت أو ضلت فلا ضمان عليه لان الناس هكذا يفعلون وان لم يعلم ضياعها أو تلفها الا بقول الرسول، وسواء كان مأمونا أو غير مأمون

(6)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى لابن قدامة ان الامام أحمد

(1)

الآية رقم 66 من سورة الانعام.

(2)

الفتاوى الهندية ج 3 ص 65.

(3)

الفتاوى الخانية على هامش الفتاوى الهندية ج 3 ص 6.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 6.

(5)

الفتاوى الهندية ج 3 ص 206.

(6)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 436 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه

ص: 78

قال فى رجل له على آخر دراهم فبعث اليه رسولا يقبضها فبعث اليه مع الرسول دينارا فضاع مع الرسول فهو من مال الباعث لانه لم يأمره بمصارفته انما كان من ضمان الباعث لانه دفع الى الرسول غير ما أمره به المرسل فان المرسل انما أمره بقبض ماله فى ذمته وهى الدراهم ولم يدفعها وانما دفع دينارا عوضا عن عشرة دراهم وهذا صرف يفتقر الى رضى صاحب الدين واذنه ولم يأذن فصار الرسول وكيلا للباعث فى تأديته الى صاحب الدين ومصارفته به، فاذا تلف فى يد وكيله كان من ضمانه اللهم الا أن يخبر الرسول الغريم أن رب الدين اذن له فى قبض الدينار عن الدراهم فيكون حينئذ من ضمان الرسول لانه غره وأخذ الدينار على أنه وكيل المرسل، وان قبض منه الدراهم التى أمر بقبضها فضاعت من الرسول فهى من ضمان صاحب الدين لانها تلفت من يد وكيله، وقال أحمد فى رواية مهنا فى رجل له عند آخر دنانير وثياب فبعث اليه رسولا وقال خذ دينارا وثوبا فأخذ دينارين وثوبين فضاعت فالضمان على الباعث يعنى الذى أعطاه الدينارين والثوبين ويرجع به على الرسول يعنى عليه ضمان الدينار والثوب الزائدين انما جعل عليه الضمان لانه دفعهما الى من لم يؤمر بدفعهما اليه ورجع بهما على الرسول لانه غره وحصل التلف فى يده فاستقر عليه الضمان

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

يفرق الإباضية فى حكم ضمان ما ضاع من الرسول بين ما ضاع بتضييع منه وبين ما ليس فيه تضييع، فان كان الاول ضمنه الرسول، وان ضاع بلا تضييع فهو من مال الذى أرسله كما يدل له بطلان الوكالة

(2)

.

‌ارسال الحديث عند الاصوليين

ذكر صاحب كشف الاسرار أن ارسال الحديث عند الفقهاء والاصوليين هو ترك واسطة أو أكثر بين الراوى والمروى عنه فهو يشمل المرسل فى اصطلاح المحدثين - وهو أن يترك التابعى الواسطة التى بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم والمنقطع - وهو أن يترك الرواى واسطة بين الراويين - ويشمل المعضل - وهو أن يترك أكثر من واسطة بين الراويين - فالكل يسمى ارسالا عند الفقهاء والاصوليين

(3)

.

وجاء فى حاشية عزمى زاده على شرح المنار أن صاحب التوضيح قال: الارسال

(1)

المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 5 ص 230، 231 الطبعة الاولى طبع بمطبعة المنار بمصر فى سنة 1341 هـ.

(2)

شرح النيل للشيخ محمد اطفيش ج 4 ص 503 طبع المطبعة السلفية فى القاهرة سنة 1343 هـ.

(3)

كشف الاسرار على أصول الامام البزدوى لعبد العزيز البخارى ج 3 ص 2 طبع فى المكتب الصنايع سنة 1307 هـ.

ص: 79

عدم الاسناد وهو أن يقول الراوى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يقول حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعنى أن معنى الارسال: الرواية على ذلك المنوال سواء كان بينهما واسطة فى الحقيقة أولا

(1)

.

وقال ابن حزم الظاهرى: المرسل من الحديث هو الذى سقط بين أحد رواته وبين النبى صلى الله عليه وسلم ناقل واحد فصاعدا، وهو المنقطع أيضا

(2)

.

‌آراء العلماء فى الاحتجاج

بالحديث المرسل

وللعلماء فى قبول الاحتجاج بالحديث المرسل وعدم قبوله آراء ترجع الى تقسيمه وذلك أن البزدوى قال: المرسل من الأخبار أربعة أنواع ما أرسله الصحابى، والثانى ما أرسله القرن الثانى، والثالث ما أرسله العدل فى كل عصر، والرابع ما أرسل من وجه واتصل من وجه آخر.

أما القسم الاول فمقبول بالاجماع وذلك أن من الصحابة رضوان الله عليهم من كان من الفتيان قلت صحبته فكان يروى عن غيره من الصحابة فاذا أطلق الرواية فقال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك منه مقبولا وان احتمل الارسال لأن من ثبتت صحته لم يحمل حديثه الا على سماعه بنفسه الا أن يصرح بالرواية عن غيره

(3)

، وذكر الرهاوى فى حاشيته على المنار أن صاحب المعتمد نقل عن الشافعى أنه قال: اذا قال الصحابى قال النبى صلى الله عليه وسلم كذا قبلته الا أن أعلم أنه أرسله

(4)

.

وروى ابن الحلبى أن الاستاذ أبا اسحق الاسفرائينى قال: مرسل الصحابة لا يحتج به

(5)

.

وأما القسم الثانى وهو ارسال القرن الثانى والثالث فقد ذكر صاحب كشف الاسرار أنه حجة عند الحنفية وهو مذهب مالك

(6)

وقال صاحب شرح روضة الناظر: هو أشهر الروايتين عن أحمد بن حنبل واختاره الآمدى

(7)

، وقال الشافعى رحمه الله: لا يقبل الا اذا اقترن به ما يتقوى به فحينئذ يقبل وذلك بأن يتأيد بآية أو سنة مشهورة أو موافقة قياس أو قول صحابى أو تلقته الامة بالقبول أو عرف من حال

(1)

حاشية عزمى زاده على شرح المنار لابن ملك ص 643 طبع مطبعة عثمانية سنة 1315 هـ

(2)

الاحكام فى أصول الاحكام لابى محمد على ابن حزم ج 2 ص 2 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1346 هـ

(3)

أصول البزدوى على هامش كشف الاسرار ج 3 ص 2 الطبعة المذكورة.

(4)

حاشية الرهاوى على شرح المنار ص 644 طبع مطبعة عثمانية سنة 1315 هـ.

(5)

فى أنوار الحلك على شرح المنار لابن ملك ص 644 الطبعة المتقدمة.

(6)

كشف الاسرار على أصول البزدوى ج 3 ص 2 الطبعة المتقدمة.

(7)

نزهة الخاطر العاطر فى شرح روضة الناظر وجنة المناظر لعبد القادر بن بدران الدومى الحنبلى ج 1 ص 323 طبع المطبعة السلفية بمصر سنة 1342 هـ.

ص: 80

المرسل أنه لا يروى عن من فيه علة من جهالة أو غيرها أو اشترك فى ارساله عدلان ثقتان بشرط أن يكون شيوخهما مختلفة أو ثبت اتصاله بوجه آخر بأن أسنده غير مرسله أو أسنده مرسله مرة أخرى، ولثبوت الاتصال بوجه آخر قبلت مراسيل سعيد بن المسيب لأنى اتبعتها فوجدتها مسانيد وأكثر ما رواه مرسلا انما سمعه عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه

(1)

.

وأما القسم الثالث: وهو ارسال من دون القرون الثلاثة فقد اختلف فيه: قال الشيخ أبو الحسن الكرخى: يقبل ارسال كل عدل فى كل عصر لان العلة التى توجب قبول مراسيل القرون الثلاثة - وهى العدالة والضبط تشمل سائر القرون، وقال عيسى بن أبان لا يقبل الا مراسيل من كان من أئمة النقل مشهورا بأخذ الناس العلم منه فان لم يكن كذلك وكان عدلا لا يقبل مسنده ويوقف مرسله الى أن يعرض على أهل العلم

(2)

غير أن صاحب شرح المنار ذكر أن ابن أبان لا يقبل ذلك مطلقا لان الزمان زمان الفسق وفشو الكذب ولا بد من البيان

(3)

، وقال أبو بكر الرازى لا يقبل ارسال من بعد القرون الثلاثة الا اذا اشتهر بأنه لا يروى الا عن من هو عدل ثقة لشهادة النبى صلى الله عليه وسلم على من بعد القرون الثلاثة بالكذب بقوله: ثم يفشو الكذب فلا يثبت عدالة من كان فى زمن شهد النبى صلى الله عليه وسلم على أهله بالكذب الا برواية من كان معلوم العدالة بعلم أنه لا يروى الا عن عدل، وذكر فى المعتمد: اذا قال الانسان فى عصرنا: قال النبى صلى الله عليه وسلم كذا، يقبل ان كان ذلك الخبر معروفا فى جملة الأحاديث وان لم يكن معروفا لا يقبل لا لانه مرسل بل لأن الأحاديث قد ضبطت وجمعت فما لا يعرفه أصحاب الحديث منها فى وقتنا هذا فهو كذب، وان كان العصر الذى أرسل فيه المرسل عصرا لم يضبط فيه السنن قبل مرسله

(4)

.

وأما القسم الرابع: وهو ما أرسل من وجه واتصل من وجه آخر فهو على وجهين أما أن يسنده هذا المرسل أو غيره ففى الوجه الاول بعض من لم يقبل المراسيل لا يقبل هذا الخبر وان أسنده هذا الراوى لأن ارساله يدل على أنه انما لم يذكر الراوى لضعف فيه فستره له والحال هذه خيانة منه فلم يقبل ولهذا لم يقبل بعض أهل الحديث سائر مسانيد

(1)

كشف الاسرار ج 3 ص 2، 3 الطبعة المتقدمة وشرح المنار ص 645 الطبعة المتقدمة والمستصفى من علم الأصول للامام الغزالى فى كتاب مع مسلم الثبوت ج 1 ص 169 وما بعدها طبع المطبعة الاميرية ببولاق مصر الطبعة الاولى سنة 1322 هـ.

(2)

كشف الاسرار ج 3 ص 7.

(3)

شرح المنار لابن ملك ص 646 الطبعة المتقدمة.

(4)

كشف الاسرار على أصول البزدوى ج 3 ص 7 الطبعة المتقدمة.

ص: 81

هذا المرسل وجعلوه بالارسال ساقط الحديث، وعامتهم على أنه يقبل منه هذا المسند وغيره من المسانيد لانه يجوز أن يكون سمع الحديث مسندا ونسى من يروى عنه وقد علم أنه سمعه مسندا متصلا فأرسله اعتمادا عليه ثم تذكره فأسنده ثانيا أو كان ذاكرا للاسناد فأسنده ثم نسى من يروى عنه فأرسله ثانيا فلا يقدح ارساله فى اسناده ولكن انما يقبل اسناده عندهم اذا أتى بلفظ صريح مثل أن يقول حدثنى فلان أو سمعت فلانا ولا يقبل اذا أتى بلفظ موهم مثل أن يقول عن فلان ونحوه هكذا نقل عن الشافعى رحمه الله. وأما فى الوجه الثانى فقد ذكر أبو عمرو المعروف بابن الصلاح فى كتاب معرفة أنواع علم الحديث: ان الحديث الذى رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا (مثل حديث لا نكاح الا بولى رواه اسرائيل بن يونس فى أخرى عن جده أبى اسحق السبيعى عن أبى بردة عن أبيه عن أبى موسى الاشعرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا متصلا ورواه سفيان الثورى وشعبة عن أبى اسحق عن أبى بردة عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلا) هذا النوع من الحديث قد اختلف فيه فحكى الخطيب الحافظ أن أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم فى هذا وأشباهه للمرسل وعن بعضهم ان الحكم للأحفظ فاذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله لا يقدح ذلك فى عدالة من وصله وأهليته، ومنهم من قال: من أسند حديثا قد أرسله الحافظ فارسالهم له يقدح فى مسنده وفى عدالته وأهليته، ومنهم من قال الحكم من أسنده اذا كان ضابطا عدلا فيقبل خبره وان خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة قال: وهذا القول هو الصحيح وهو المأخوذ فى الفقه وأصوله وبلتحق بهذا ما اذا كان الذى وصله هو الذى أرسله وهكذا اذا رفع بعضهم الحديث الى النبى صلى الله عليه وسلم ووقفه بعضهم على للصحابى أو رفعه واحد فى وقت ووقفه هو أيضا فى وقت آخر فالحكم على الاصح لما زاده الثقة من الوصل والرفع، فوجه عدم القبول أن الراوى لما سكت عن تسمية المروى عنه كان ذلك بمنزلة الجرح فيه واسناد الآخر بمنزلة التعديل واذا استوى الجرح والتعديل يغلب الجرح لما عرف، ووجه القبول أن عدالة المسند يقتضى قبول الخبر وليس فى ارسال من أرسله ما يقتضى أن لا يقبل اسناد من يسنده لانه يجوز أن يكون من أرسله سمعه مرسلا أو نسى المروى عنه كما ذكرنا ومن أسنده سمعه مسندا فلا يقدح ارساله فى اسناد الآخر، ولان المسند مثبت والمرسل ساكت ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لانه علم ما خفى عليه

(1)

أما الظاهرية

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 7، 8.

ص: 82

فلا يقبلون المرسل على اطلاقه فقد ذكر أبو محمد بن حزم المرسل غير مقبول ولا تقوم به حجة لانه عن مجهول ومن جهلنا حاله ففرض علينا التوقف عن قبول خبره وعن قبول شهادته حتى نعلم حاله، وسواء قال الراوى العدل حدثنا الثقة أو لم يقل لا يجب أن يلتفت الى ذلك اذ قد يكون عنده ثقة من لا يعلم من جرحه ما يعلم غيره والجرح أولى من التعديل، وقد توجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل الى قوم ممن يجاور المدينة فأخبرهم أن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعرس بامرأة منهم فأرسلوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم من أخبره بذلك، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه رسولا وأمر بقتله ان وجده حيا فوجده قد مات، فهذا كما ترى قد كذب على النبى صلى الله عليه وسلم وهو حى، وقد كان فى عصر الصحابة رضى الله تعالى عنهم منافقون ومرتدون فلا يقبل حديث قال راوية فيه: عن رجل من الصحابة أو حدثنى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسميه ويكون معلوما بالصحبة الفاضلة ممن شهد الله تعالى لهم بالفضل والحسنى، قال الله عز وجل:{(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ)}

(1)

ثم ان لقاء التابعى لرجل من أصاغر الصحابة شرف وفخر عظيم فلأى معنى يسكت عن تسميته لو كان ممن حمدت صحبته، ولا يخلو سكوته عنه من أحد وجهين اما أنه لم يعرف من هو ولا عرف صحة دعواه الصحبة أو لانه كان من بعض من ذكرنا

(2)

.

‌أرش

‌التعريف اللغوى

من معانى الارش لغة الدية والخدش وطلب الأرش وما نقص العيب من الثوب - لأنه سبب الأرش - وما يدفع من المال للمعادلة بين السلامة والعيب فى السلعة ومنه ما يأخذه المشترى من البائع اذا اطلع على عيب فى المبيع وعن هذا قيل أروش الجنايات وأروش الجراحات. وارش الجراحة ديتها والجمع أروش مثل فلس وفلوس.

وأصله الفساد يقال أرشت بين القوم

(1)

الآية رقم 101 من سورة التوبة.

(2)

الاحكام فى أصول الأحكام لأبى محمد على بن حزم الظاهرى ج 2 ص 2، 3 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1345 هـ.

ص: 83

اذا أفسدت بينهم واستعمل الأرش فى نقصان الأعيان لجبرها به عما حدث فيها من نقصان اذ النقصان فساد فيها

(1)

.

‌التعريف الشرعى

هو المال الواجب فيما دون النفس بالجناية عليه وقد يطلق على بدل النفس وهو الدية وعلى حكومة العدل كما فى القهستانى

(2)

وهذا هو استعمال الإباضية

(3)

ويطلقه المالكية أيضا على ما يجب فى جراح الرقيق من مال

(4)

.

أما الشافعية والحنابلة فانهم يستعملون الأرش فيما يجب من مال فيما دون النفس بينما يستعملون الدية فى المال يجب فى النفس وما دونها فالدية أعم عندهم

(5)

وكذلك الوضع فى استعمال الزيدية والشيعة الجعفرية

(6)

ونتيجة ذلك ان استعماله فى لسان الفقهاء هو استعمال لغوى اذ يدل لغة على ما يؤخذ من مال لجبر نقص حدث فى سلعة أو عين أو غيرهما وان كثر استعمالهم اياه فيما يجب من مال فيما دون النفس.

والأرش نوعان: نوع مقدر وهو ما عين الشارع مقداره كأرش اليد والرجل واستعمال اسم الأرش فيه هو الاكثر فى لسانهم - وارش غير مقدر وهو ما ترك الشارع تقديره لحكومة عدل يطلب اليه تقديرها ويقضى القاضى على وفقها.

مشروعيته: دليل وجوبه السنة فقد ورد فى ايجابه على الجانى أحاديث عديدة منها ما روى عن أبى شريح الخزاعى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اصيب بدم أو خبل - والخبل الجراح - فهو الخيار بين أحدى ثلاث: أما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو فان اراد رابعة فخذوا على يديه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه - والعقل الدية سواء أكانت دية نفس أو دية جراحة وهو الأرش - ومنها ما رواه عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى أهل اليمن كتابا وكان فى كتابه ان من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فأنه قود الا أن يرضى اولياء المقتول وان فى النفس الدية مائة من الابل وان فى الأنف اذا اوعب جدعه الدية وان فى اللسان الدية وفى الشفتين الدية وفى البيضتين الدية وفى الذكر الدية وفى الصلب الدية وفى العينين الدية وفى الرجل الواحدة نصف الدية وفى المأمومة ثلث الدية وفى الجائفة ثلث الدية وفى المنقلة خمسة عشر من الأبل وفى كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من

(1)

القاموس - المصباح - والنهاية لابن الاثير.

(2)

الدر المختار ابن عابدين ح 5 ص 406.

(3)

النيل ح 8 ص 208.

(4)

الشرح الكبير والدسوقى ح 4 ص 250.

(5)

النهاية ح 7 ص 293، 299. وكشاف القناع ح 4 ص 2.

(6)

تحرير الاحكام ح 2 ص 249.

ص: 84

الابل وفى السن خمس من الابل وفى الموضحة خمس من الأبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل المذهب الف دينار رواه النسائى - ومنها أحاديث أخرى وردت فى أعضاء معينة وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى فى العين العوراء السادة بمكانها اذا طمست بثلث ديتها وفى اليد الشلاء اذا قطعت بثلث ديتها وفى السن السوداء اذا نزعت بثلث ديتها رواه النسائى وسيأتى شرح ذلك فى الكلام على أروش الجراحات

(1)

.

واذ قد دلت السنة على وجوب المال فيما نص عليه فيها من الجراحات فقد كان ذلك أصلا قيس عليه وجوب الأرش فيما لم ينص عليه فيها من الجراحات لتحقق الوصف المشترك الجامع وهو الاعتداء على جسم الانسان بما يفقده منفعة لها وزنها فى حياته والأصل فى الاعتداء على الاطراف أنه اذا فوت منفعة على الكمال أو أزال جمالا مقصودا فى الآدمى على الكمال وجبت الدية جميعها لاتلاف النفس من وجه وهو ملحق باتلافها من كل وجه اعتبارا بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية كلها فى اللسان والأنف وبقضائه ببعضها فيما دون ذلك كالأصبع واليد والرجل والجائفة والآمة ونحوها وعلى وجوب الأرش فى الجراح انعقد الاجماع

(2)

.

‌أحوال وجوب الأرش

يجب الأرش سواء كان فى النفس وهو الدية أو فيما دونها فى الأحوال الآتية:

أولا: فيما نص الشارع على وجوب مال فيه من الجنايات والجراح على العموم وهذا ما لا خلاف فيه بين المذاهب الثمانية بل ولا بين غيرها ومن ذلك ما اعتبره الفقهاء من القتل شبه عمد أو خطأ أو جاريا مجرى الخطأ وما ألحق بذلك من حالات القتل على حسب اختلاف المذاهب راجع مصطلح «جنايات أو جروح أو دماء» ومن ذلك أيضا الاعتداء على أطراف الانسان بالقطع أو باحداث جروح فيه كالآمة والموضحة ونحوها مما سيأتى بيانه ويجب فى هذا النوع ما قدره الشارع من مال «انظر مصطلح دية ومصطلح جراح» .

ثانيا: فيما ألحق بما نص الشارع على ثبوت الأرش فيه ما لم ينص عليه الشارع وليس يجب فيه القصاص وسيأتى بيان ذلك وانظر فى تفصيل أحكامه مصطلح «جراح» .

ثالثا: عند سقوط القصاص بسبب

(1)

نيل الاوطار والمنتقى ح 7 ص 6، ص 28 وما بعدها.

(2)

الهداية ح 8 ص 307 وكشاف القناع ح 4 ص 2.

ص: 85

من الأسباب فيما يجب فيه وفيما يلى بيان ذلك.

1 -

اذا سقط القصاص بسبب عدم المماثلة بين الجانى والمجنى عليه وبين عضو المجنى عليه وما يقابله من أعضاء الجانى فيما اذا كانت الجناية على عضو من الأعضاء وذلك محل اتفاق المذاهب لأن المماثلة شرط فى وجوب القصاص فى جميع المذاهب لم يخالف فى ذلك أحد وانما اختلفوا فيما تفوت به المماثلة وذلك ما ينظر فى مصطلح قصاص

(1)

، واذا ما سقط القصاص وجب الأرش أو الدية تجنبا لأهدار الجناية.

أما المماثلة بين الجانى والمجنى عليه أو بيان تحققها وعدمه فى مختلف المذاهب فينظر فى مصطلح قصاص فاذا كانت غير متحققة فى مذهب من المذاهب امتنع القصاص ووجب ما أوجبه الشارع من مال وفى بيان ذلك المال فى المذاهب المختلفة ينظر فى مصطلح دية.

وأما عدم المماثلة فى الأعضاء كأن يكون أحد العضوين صحيحا والأخر معيبا وفى حكم ذلك اختلفت المذاهب.

‌مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية الى أن عضو الجانى اذا كان صحيحا والعضو المجنى عليه معيبا لم يجب القصاص وسقط لعدم المماثلة بين العضوين والقصاص لا يكون الا عند المماثلة كما ينبى معناه عن ذلك واذا امتنع القصاص بينهما وجبت دية العضو المجنى عليه ولكن اذا كان عضو الجانى معيبا والعضو المجنى عليه صحيحا بان قطعت يد صحيحة بجناية ذى يد شلاء أو ناقصة الأصابع فالمجنى عليه بالخيار ان شاء رضى بقطع يد الجانى المعيبة ولا شئ له بعد ذلك لرضاه بذلك وان شاء أخذ أرش اليد كاملا وهو نصف دية النفس وذلك لأن استيفاء الحق كاملا متعذر فكان له أن يتجوز ويرضى بما هو دون حقه وله ان يعدل الى العوض كالمثلى اذا انعدم عن أيدى الناس بعد اتلافه كان الواجب فيه قيمته كاملة ثم اذا استوفى حقه بالقطع لم يكن له طلب سواه لرضاه بذلك وسقوط ما عداه كافى الرضا بالردى بدلا عن الجيد

(2)

والى هذا ذهب الحنابلة ومما يندرج تحت هذا الضابط عند الحنفية سقوط القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس وبين الحر والعبد وبين العبدين ذلك لأن الأطراف يسلك بها مسلك الاموال فيقدم التماثل بينها بتفاوتها فى القيمة وذلك أمر ثابت بصنع الشارع فانه قد قوم يد الحر

(1)

الهداية ح 8 ص 267 وما بعدها والشرح الكبير للدردير ح 4 ص 25 ونهاية المحتاج ح 4 ص 255 وكشاف القناع ح 3 ص 347 وتحرير الاحكام ح 2 ص 244 وما بعدها والنيل ح 8 ص 207 وما بعدها.

(2)

الهداية، ح 8 ص 273.

ص: 86

بخمسمائة دينار على سبيل القطع واليقين ولا تبلغ قيمة يد العبد ذلك المقدار فان بلغته كان ذلك بناء على الحرز والظن وليس الظن كاليقين واذا انعدم التماثل سقط القصاص واذا سقط القصاص وجبت الدية أو الأرش وذلك بخلاف التفاوت فى البطش والقوة اذ لا ضابط له وبخلاف التفاوت فى الأنفس لأن التلف ازهاق الروح ولا تفاوت فيه

(1)

.

‌مذهب المالكية:

يرى المالكية أن التفاوت بين العضوين مانع من القصاص واذا امتنع القصاص وجبت الدية أو الأرش فاذا جنى ذو يد شلاء على ذى يد صحيحة فقطعها فلا قصاص من ذى اليد الشلاء وان رضى ذو اليد المقطوعة وليس للمجنى عليه الا الدية

(2)

كما يرون وجوب القصاص فى الأطراف بين الرجل والمرأة عند توافر شروطه خلافا للحنفية

(3)

اذ التماثل فى نظرهم ثابت من حيث أنها أجزاء من الانسان دون أن يكون للذكورة أو الأنوثة تأثير فى ذلك.

‌مذهب الشافعية:

ذهب الشافعية الى عدم جواز قطع اليد الصحيحة بالشلاء أو قطع أى عضو صحيح بمعيب ذهبت فائدته بخلاف مالم تذهب فائدته بعيبه فيعد كالسليم واذا قطع المجنى عليه الصحيحة بالشلاء بلا اذن من الجانى لم يقع قصاصا لأن ذلك غير مستحق له فيجب عليه ديتها وله حكومة يده الشلاء المقطوعة وجوزا قطع الشلاء بالصحيحة اذا طلب ذلك المجنى عليه وليس له سوى ذلك لرضاه به وتقطع عندهم ذاهبة الأظفار بسليمتها وللمجنى عليه حكومة الأظفار دون العكس ولا تؤخذ عين صحيحة بعمياء ولا لسان ناطق بأخرس

(4)

ويرون وجوب القصاص بين أطراف الرجل والمرأة لثبوت التكافؤ بينهما كما ذهب الى ذلك المالكية وهو مذهب الحنابلة

(5)

أيضا خلافا للحنفية

(6)

.

‌مذهب الزيدية:

وذهب الزيدية الى أنه لا يؤخذ العضو السليم بالعضو المعيب الذى ذهبت منفعته بعيبه ولا تؤخذ ذات أظفار بما لا ظفر فيها وان رضى الجانى اذ لا يستباح ذلك ويجوز العكس ولا تؤخذ العين الصحيحة بالمعيبة واذا كانت عين الجانى معيبة لا يبصر خير المجنى عليه من أخذها بعينه السلمية وأن يترك ويرضى بالدية

(7)

، واذا كانت الجناية على الأطراف فان كانت على أطراف المرأة من الرجل خيرت المجنى

(1)

المرجع السابق ص 271.

(2)

الشرح الكبير للدردير ح 4 ص 252.

(3)

الشرح الكبير الدردير ح 4 ص 250.

(4)

نهاية المحتاج ح 7 ص 275 وما بعدها.

(5)

كشاف القناع ح 3 ص 370، ح 383 وما بعدها.

(6)

كشاف القناع ح 3 ص 374.

(7)

الازهار ح 4 ص 395.

ص: 87

عليها بين القصاص من أطراف الرجل على أن تلتزم بالفرق بين دية طرف الرجل المقطوع وبين دية طرفها أو تترك وترضى بالدية وان كان من المرأة على أطراف الرجل كان له أن يقتص من أطراف المرأة وليس له سوى ذلك وفى شرح الابانة عن زيد أن أطراف الرجل والمرأة سواء وعند زيد بن على وأحمد بن عيسى لا تؤخذ أطراف الرجل بأطراف المرأة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

ويرى الشيعة الجعفرية الا يؤخذ العضو الصحيح بالعضو المعيب الذى ذهبت فائدته ويؤخذ المعيب بالصحيح وللمجنى عليه حيث الفرق بين الديتين وفى المبسوط عندهم ليس له أخذ الفرق لرضاه بالقطع

(2)

.

أما القصاص من أطراف الرجل وأطراف المرأة فأنهم يرون فى ذلك أن للمرأة أن تقتص من الرجل اذا اعتدى عليها بقطع طرف من أطرافها فيما كانت ديته دون ثلث دية الرجل فاذا بلغت ديته الثلث أو زادت رجعت دية المرأة الى النصف وعندئذ يقتص لها مع رد التفاوت بين الديتين وكذلك الحكم فى الجراح

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

ذهب الإباضية الى أن القصاص اذا ما سقط فى محل من شأنه يجب فيه وذلك بسبب من أسباب سقوطه وجب الأرش

(4)

ولاشتراط المماثلة فيه لم يجب بين عضوين غير متماثلين وعلى ذلك اختلف الرأى فى جريان القصاص بين أطراف الرجل والمرأة فقيل لا يجرى وقيل يجرى فاذا اقتصت المرأة من الرجل ردت له ما زاد عضو على عضوها فى الأرش واذا اقتص منها زادت له مثل ذلك وقيل اذا اقتصت منه لا تزيده شيئا وقيل لا تقتص امرأة من رجل بخلاف العكس

(5)

.

(ب) عند تعذر القصاص بسبب عدم امكان المماثلة وعدم الأمر فى التنفيذ وذلك كما فى الجراح مما هو دون الموضحة ونحوها مما لا يتأتى فيه المماثلة عند القصاص وذلك محل اتفاق بين المذاهب حتى لا يكون اعتداء بغير جزاء ولا يهدر جرح يجب فى مثلها القصاص لولا تعذر المماثلة عند التنفيذ - وذلك ما ينطبق عليه ما جاء فى الهداية اذا امتنع القصاص وجبت الدية وما جاء فى شرح النيل اذا ما سقط القصاص فى محل من شأنه ان يجب فيه لسبب من الأسباب وجب الأرش

(6)

.

(ج) اذا تعدد الجناة على الطرف

(1)

الازهار ح 4 ص 389، ص 395 وما بعدها.

(2)

تحرير الاحكام ح 2 ص 250.

(3)

تحرير الاحكام ح 2 ص 245.

(4)

شرح النيل ح 8 ص 208.

(5)

المرجع السابق.

(6)

الهداية ح 8 ص 268 والشرح الكبير للدردير ح 4 ص 246، 247، 252 ونهاية المحتاج ح 7 ص 269، 273 وكشاف القناع ح 3 ص 370 والازهار ح 4 ص 385 وتحرير الاحكام ح 2 ص 240 والنيل ح 8 ص 88.

ص: 88

عند الحنفية اذ لا قصاص عندهم فى الأطراف عند تعدد الجناة بخلاف تعددهم فى الجناية على النفس اذ لا يسقط به القصاص فيها فاذا جنى أكثر من واحد على عضو فقطعوه وجب الأرش على الجانين بالسوية

(1)

خلافا للماكية حيث أوجبوا القصاص على الجميع فى الأطراف وهو مذهب الشافعية والحنابلة والزيدية والشيعة الجعفرية غير ان الزيدية منهم من ذهب الى أن الواجب على كل واحد من الجناة دية كاملة فى الطرف بخلاف النفس ويرى المؤيد بالله منهم أن الواجب دية واحدة عليهم وهو رأى الجمهور.

‌مذهب الحنفية:

(د) عند فوات عضو الجانى يجوز على ما ذهب اليه الحنفية بأن قطع الجانى يد غيره فتقطع بها أو سرق مال انسان فقطعت يده ففى هذه الحال يسقط القصاص لفوات محله ولكن يجب أرش العضو المجنى عليه - ولكن اذا فات العضو بآفة سماوية أو قطع بغير حق سقط القصاص ولم يجب أرش العضو المجنى عليه اذا كان ذلك قبل اختيار المجنى عليه ذلك لأن حقه متعين فى القصاص وانما انتقل الى المال وهو الأرش باختياره اياه بدلا عن أصل حقه وهو القصاص المتعلق باليد فاذا لم يختر حتى فات العضو فقد بطل حقه لفوات محله واذا بطل بطل أصلا ورأسا فلم يكن له الانتقال الى بدله بعد سقوطه اما اذا فات بحق فان الأرش حينئذ يجب لانه قد قضى بالطرف حقا مستحقا عليه فصار كأنه قائم وانما تعذر استيفاء القصاص لعذر فيجب بدله وهو الأرش وكذلك الحكم اذا فات العضو بعد اختيار الأرش لتعين حقه فيه باختياره فلا يسقط بفوات العضو وكفوات العضو بغير حق حدوث عيب به بعد الجناية كما اذا كانت يد الجانى صحيحة عند جنايته على يد غيره ثم شلت بعدها ففى هذه الحال أيضا لا يكون للمجنى عليه حق فى الأرش لأن حقه قد يثبت عينا فى القطع فلا ينتقل الى البدل بالنقصان كما اذا ذهب الكل بآفة سماوية

(2)

ذهب الى ذلك الحنفية.

‌مذهب المالكية:

وذهب المالكية الى أن فوات العضو بأى سبب يسقط حق المجنى عليه فى الأرش لأن الواجب الاصلى عندهم هو القصاص وأنه يسقط بفوات محله وسقوطه يستوجب سقوط بدله فلا شئ للمجنى عيه.

‌مذهب الشافعية:

وذهب الشافعية الى أن حق المجنى عليه فى

(1)

البدائع ح 7 ص 249 وهداية ح 8 ص 280، الشرح الكبير ح 4 ص 250 ونهاية المحتاج ح 7 ص 268 وكشاف القناع ح 3 ص 387 والازهار ح 4 ص 390، 391 ص 387 وتحرير الاحكام ح 2 ص 244.

(2)

البدائع ح 7 ص 298 والهداية ح 8 ص 273 كشاف القناع ح 3 ص 370 ونهاية المحتاج ح 7 ص 293، 294 والشرح الكبير للدردير ح 4 ص 254.

ص: 89

الأرش لا يسقط بفوات العضو بأى سبب لأن حقه فى القصاص والمال بدل عنه فاذا فات أحدهما بفوات محله تعين الآخر وهو البدل وفى قول له الواجب أحدهما لا على التعيين.

‌مذهب الحنابلة:

وذهب الحنابلة الى ما ذهب اليه الشافعية من عدم سقوط الأرش بسبب تعذر استيفاء القصاص من عضو الجانى بقطع أو شلل.

‌مذهب الشيعة الجعفرية:

وذهب الشيعة الجعفرية الى أن الدية تجب بفوات محل القصاص

(1)

.

(هـ) فى كل عمد سقط فيه القصاص بشبهة وهذا محل اتفاق بين المذاهب الثمانية كما فى جناية الأصل على فرعه وكما فى عمد عديم الاهلية وناقصها فأما جناية الاصل على فرعه فلا قود فيها عند أبى حنيفة والشافعى وأحمد والشيعة الجعفرية والزيدية والإباضية والى هذا ذهب مالك الا أن يضجعه فيذبحه أو يقتله قتلا لا يشك فيه أنه قد عمد الى قتله وقد قال ابن عرفة فى القاتل عمدا اذا شاركه فى القتل صبى أو أب مجنون أو من لا يقتص منه ستة أقوال

(2)

.

واما عمد عدم الاهلية أو ناقصها فحكمه حكم الخطأ فى جميع المذاهب

(3)

.

(و) اذا ما اختار المجنى عليه الأرش بدلا عن القصاص باتفاق المذاهب لأن الجناية على الاطراف يجرى مجرى الجناية على الاموال وقد أمر الشارع بالعفو وندب اليه وجعل المال عوضا عن القود اذا ما رغب فيه المجنى عليه فكان له حق اختياره.

والأرش كما ذكرنا قد يطلق على دية النفس عند ازهاقها فى استعمال بعض الفقهاء كما بينا وتفصيل القول فيه على هذا المعنى يرجع فيه الى مصطلح دية - اما الارش بمعنى ما يجب من المال فيما دون النفس ففيما يلى بيان أحواله وأنواعه وأحكامه. وقد يكون مقدرا بدية كاملة وقد يكون مقدرا بما هو دونها.

‌أرش الجروح

‌أنواعه:

أرش الجروح نوعان: نوع مقدر وهو ما جاء عن الشارع بيان مقداره كأرش قطع اليد وقطع الرجل ونحو ذلك مما يأتى بيانه فى ذكر أروش بعض الاعضاء عند الاعتداء عليها - ونوع

(1)

تحرير الاحكام ح 2 ص 346.

(2)

الحطاب ح 6 ص 243.

(3)

الهداية ح 8 ص 26 وبداية المجتهد ح 2 ص 232 والحطاب ح 6 ص 232، 242، ونهاية المحتاج ح 7 ص 254، 258، 262 وكشاف القناع ح 3 ص 37 والمغنى ح 9 ص 159 وشرح الازهار ح 4 ص 388 والمحلى ح 10 ص 344 وتحرير الاحكام ح 2 ص 244 وشرح النيل ح 8 ص 207، 208.

ص: 90

غير مقدر من الشارع وهو ما ترك الشارع تقديره الى حكومة عدل يقضى بها ولم يرد فيه عن الشارع تقدير محدد - راجع مصطلح حكومة عدل -.

والقاعدة العامة فى أروش الاعضاء والجراح أن ما جاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فيه الدية فالواجب فيه دية النفس كاملة وما جاء فيه عنه صلى الله عليه وسلم ان الواجب فيه سهم معين من الدية كنصف وربع كان الواجب فيه ذلك منسوبا الى دية النفس كاملة - وما لم يجئ فيه عنه صلى الله عليه وسلم نص فى تقدير ما يجب بالاعتداء عليه فالأصل المستنبط من الآثار المروية عنه صلى الله عليه وسلم أن الفائت اذا فات به جنس منفعة على الكمال أو زال به جمال مقصود كان الواجب فيه الدية كاملة غير أنه اذا كان متعددا فى الجسم كان الواجب فى فوات الواحد نصف الدية ان كان منه فى الجسم اثنان فقط كاليدين والرجلين، وثلث الدية ان كان ثلاثة كالمنخرين وحاجزهما فى الأنف، وربع الدية اذا كان أربعة كأشفار العينين وهكذا يجب فى تلف الواحد أو الاثنين أو الأكثر بحسابه بمراعاة عدده فى الجسم، ففى الأصبع من اليد أو من الرجل عشر الدية وهكذا.

فاذا كان الفائت الجميع كان الواجب الدية وما عدا ذلك مما لم ينص عليه ففيه حكومة عدل وهذا الأصل محل اتفاق بين المذاهب الثمانية - وجملة القول أن الدية الكاملة قد تجب بتفويت العضو وقد تجب بتفويت معنى فى النفس تفوت به النفس حكما فى حق جنس المنفعة كالعقل والسمع وقد يجب أرش مقدر وقد تجب حكومة العدل وذلك ما سيأتى بيانه.

‌أروش الجراح

الجراح قد تكون فى الحر وقد تكون فى الحرة وقد تكون فى العبد وقد تكون فى الأمة وقد تكون فى الذمى وقد تكون فى المستأمن أو الحربى، ومن الجراح ما يسمى شجاجا وذلك ما كان منها فى الرأس والوجه ومنها مالا يطلق عليه ذلك الاسم وهو ما كان فى غيرهما.

‌أروش شجاج الحر وجراحه

‌مذهب الحنفية:

يرى فقهاء الحنفية أن الشجاج احدى عشرة شجه - الخادشة وهى التى تخدش الجلد وتسمى أيضا الخارصة وهى التى تخرص الجلد أى تخدشه وتفضى الى اللحم ولا تخرج الدم وبعدها الدامعة وهى التى يخرج منها ما يشبه الدمع وبعدها الدامية

ص: 91

وهى التى يخرج منها الدم وبعدها الباضعة وهى التى تبضع اللحم وبعدها المتلاحمة وهى التى تذهب فى اللحم أكثر مما تذهب الباضعة - هكذا روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى، وقال محمد: المتلاحمة قبل الباضعة وهى التى يتلاحم فيها الدم ويسود وبعدها السمحاق وهى التى تصل الى جلدة رقيقة فوق العظم تسمى السمحاق وتسمى ملطأة كما فى القاموس ثم الموضحة وهى التى توضح العظم - ويجب فيها خمس من الابل ثم الهاشمة وهى التى تهشم العظم - ويجب فيها عشر من الابل ثم المنقلة وهى التى تنقل العظم بعد الكسر من موضحة ويجب فيها خمس عشر من الابل ثم الآمة وهى التى تصل الى أم الدماغ وهى جلدة تحت العظم ويجب فيها ثلث الدية، ثم الدامغة وهى التى تخرق الجلدة وتصل الى الدماغ وفيها الدية اذا أدت الى الموت فهذه احدى عشرة شجه ولم يذكر محمد الخادشة ولا الدامغة لأنه لا يتصل بها الحكم غالبا اذ أن الخادشة لا يبقى لها أثر ولا حكم للشجة التى لا يبقى لها أثر والدامغة لا يعيش معها الانسان فيكون الحكم فيها حكم القتل اذ أدت اليه أما بقية الشجاج فيجب حكومة عدل وذلك فيما قبل الموضحة وهى ست وانظر مصطلحات هذه الاسماء وما يجب فيها فى شجاج.

اما ما عدا الشجاج من الجراح ففى العضو الذى لا نظير له فى البدن يفوت به جمال كامل أو منفعة بها قوام النفس الدية كاملة وذلك كاللسان كله والأنف كله وكذلك تجب بقطع الحشفة والمارن وبعض اللسان اذا منعه ذلك من الكلام وكذلك بما يزول به شعر رأس الرجل والمرأة ولحية الرجل بحيث لا ينبت وانظر مصطلح دية. وجراح - وتجب الدية باذهاب العقل أو البصر أو السمع أو الشم أو الذوق أو الكلام أو الجماع ولو مع بقاء الآلة التى تقوم بها هذه المعانى والمنافع صورة.

والجراح فى سائر البدن غير ما تقدم ليس فى شئ منها أرش مقدر معلوم سوى الجائفة وهى الجراحة النافذة الى الجوف وتكون فى كل موضع يتحقق فيه ذلك كالصدر والظهر والبطن والجنبان دون الرقبة والحلق واليدين والرجلين وفيها ثلث الدية. وانظر مصطلح جائفة - وتجب حكومة العدل فيما لم يرد فيه نص بوجوب مقدار

ص: 92

معين من المال فيه ككسر الضلع وقصبة الأنف وانظر جراح.

ذلك ما يتعلق بجراح الحر وما يجب فيها من الأرش.

‌أرش جراح الحرة

‌مذهب الحنفية:

أما جراح الحرة ومقدار الأرش الواجب فيها فان ما يجب فيه دية كاملة فى الحر يجب فيه نصف الدية اذا كان فى الحرة فدية الحرة على النصف من دية الحر باجماع الصحابة وجاء فى الدر المختار اذا اعتدى على الحرة كانت الدية الواجبة فيما دون النفس منها على النصف من ديته بالنظر الى الرجل روى ذلك عن على موقوفا ومرفوعا ففى قتل الحرة خطأ خمسة آلاف درهم وفى قطع يدها ألفان وخمسمائة وهذا مطرد فيما له دية مقدرة شرعا أما ما فيه حكومة فقيل حكمه كالحكم فى المقدرة فيكون أرشه على النصف مما يقدر له اذا كان فى الحر وقيل يسوى بينهما كما فى الظهرية وجاء فى التتارخانية أن ما ليس له بدل مقدر شرعا يستوى فيه الرجل والمرأة عند أصحابنا - ووجه القول الاول ان بدل النفس يقتص بالاجماع وهو الدية فكذلك الحكم فى بدل ما دون النفس لأن المنصف هو الأنوثة وهى متحققة فى الحالين ولا فرق فى هذا الحكم بين ما كان دون ثلث الدية وما زاد على ذلك فالتنصيف ثابت فى جميع الاحوال عند الحنفية

(1)

والى هذا ذهب الشافعية والزيدية والشيعة الجعفرية

(2)

.

‌مذهب المالكية:

وذهب المالكية الى أن أرش الحرة يتساوى مع أرش الحر فيما دون ثلث ديته اذا كان ذلك هو الواجب فى الجناية شرعا بالنظر الى الحر فاذا كان الواجب فيها بالنظر الى ثلث ديته فأكثر كان الواجب فى الحرة نصف ذلك فاذا قطع للحرة ثلاثة أصابع كان الواجب فى ذلك ثلاثون من الأبل اذ ان ذلك دون ثلث الدية فيستوى الواجب بالنظر اليها مع الواجب بالنظر الى الحر - ولكن اذا قطع لها أربع أصابع كان الواجب عشرون فقط وهو نصف ما يجب فى قطع أربع أصابع للحر اذ كان الواجب أكثر من ثلث دية الرجل فينصف فى المرأة وذلك لما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عقل المرأة (أى ديتها) مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديته رواه النسائى والدارقطنى.

ذلك هو الحكم فى جراحها وشجاجها ولذا تستوى مع الرجل فى منقلتها وهاشمتها وموضحتها وآمتها اذ الواجب

(1)

هداية ح 8 ص 306 تحفة الفقهاء للسمرقندى ح 3 ص 155 - ص 170 والدر المختار وابن عابدين ح 5 ص 407 والبدائع ح 7 ص 322.

(2)

نهاية المحتاج ح 7 ص 307 والمختصر النافع ص 316 والبحر الزخار ح 5 ص 286.

ص: 93

فى كل منها دون ثلث الدية وتكون ديتها فى الجائفة على النصف من دية الحر اذ الواجب فى كل منها أكثر من الثلث وهذا هو رأى أهل المدينة وقد روى أن ربيعة بن عبد الرحمن سأل سعيد ابن المسيب عن رجل قطع أصبع امرأة فقال سعيد فيها عشر من الابل قال فان قطع قطع ثلاثا؟ قال فيها ثلاثون من الأبل فان قطع أربعا قال فيها عشرون قال ربيعة أئذا كثرت جروحها وعظمت مصيبتها يقل أرشها فقال سعيد أعراقى أنت قال ربيعة بل جاهل متعلم أو عالم متبين قال سعيد هكذا السنة يا ابن أخى يعنى سنة زيد بن ثابت ومن هذا يتبين ان الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصح فى ذلك اذ لو صحت ما اشتبهت على سعيد ولأحال الحكم على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على سنة زيد

(1)

.

والى هذا الرأى الذى ذهب اليه المالكية ذهب الحنابلة وأهل الظاهر

(2)

.

ويرى المالكية ان ما ينشأ عن الفعل الواحد كضربة واحدة أو ما هو فى معناه كضربات فى وقت واحد متتابعة دون فصل بينها يعد جناية واحدة يجب ارشها ولا يفرق ما ينشأ عنها من الأثر فاذا ضرب شخص امرأة ضربة واحدة أو ضربات فى فور واحد فقطع لها أربع أصابع من يد أو يدين أو يد ورجل وجبت دية أربع أصابع عشرون من الأبل دون تفريق بسبب اختلاف الموضع مثلا فلا يجب لكل أصبع دية مستقلة وكذلك الحكم عند اتحاد المحل وان تراخت الضربات لا فرق بين شجاج وجراح فاذا قطع رجل لامرأة ثلاث أصابع من يد كان عليه ثلاثون من الأبل ثم اذا قطع لها ثلاثا من يد أخرى كان عليه ثلاثون أخرى لاختلاف المحل مع التراخى فى الفعلين ثم اذا ضربها بعد ذلك فقطع لها أصبعا أو أصبعين من أية يد كان لها فى كل أصبع خمس من الأبل فقط لا عشر لاتحاد المحل مع مراعاة ما سبق قطعه من تلك اليد وذلك دون رد لبعض ما اخذت فيما قطع لها من قبل ولو قطع لها اصبعين من يد ثم بعد تراخ قطع لها اصبعين من تلك اليد كان لها فى الجناية الاولى عشرون من الأبل لكل اصبع عشر وفى الأخرى عشر من الابل لاتحاد المحل مع مراعاة ما سبق قطعه ولو كانت الجناية الثانية على اليد الأخرى كان لها فيها عشرون لعدم اتحاد المحل وللتراخى بين الفعلين ولا ضم فى الشجاج عند التراخى فى الفعل فاذا أوضحها موضحتين فأخذت عقلها ثم أوضحها موضحات أخرى فلها عقلها

(1)

الشرح الكبير للدردير والدسوقى ح 4 ص 280.

(2)

كشاف القناع ح 4 ص 22 وما بعدها وتكملة المحلى ح 10 ص 440.

ص: 94

كالرجل ما لم يبلغ ذلك فى المرة الواحدة ثلث الدية. فان بلغ رد الى النصف - وجملة القول عندهم ان الفعل المتحد أو ما فى حكمه يضم أثره سواء اتحد المحل أو تعدد، أما المتراخى فلا يضم أثره ان تعدد المحل أما ان اتحد فانه يضم أثره فى الأصابع دون غيرها من الأسنان والموضحات وبقية الجراحات

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

وذهب الإباضية الى أن دية المرأة على النصف من دية الرجل الا حلمة الثديين فان الواجب فيهما ضعف الرجل وقيل ديتها كالرجل فى الثلث وما دونها ونصف دية الرجل فيما زاد

(2)

.

‌أروش جراح الرقيق والأمة:

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن الحر يقتل بالعبد والعبد بالحر كما هو الحكم بين الأحرار نظرا الى أن القصاص يعتمد المساواة فى العصمة وهى بالدين والدار والحر والعبد فى ذلك سواء وبناء على ذلك اذا ما قتل حر عبدا فسقط القصاص لشبهة أو سبب وجبت الدية فى مال القاتل كما تجب فى ماله اذا سقط القصاص بعفو عنه لأن الاعتداء فى هذه الحال اعتداء فماثل الاعتداء على الحر ولكن اذا كان اعتداء على الاطراف اعتبر اعتداء على مال لأن الاطراف يسلك بها مسلك الاموال فلم يكن فيما يستوجبه كالاعتداء على اطراف الحر من كل وجه كما سيأتى بيانه ولذا لم يجب فيه قصاص وان كان عن عمد يجب فى مثله القصاص اذا كان على طرف الحر وانما يجب فيه ما يقوم به ذلك الطرف كما سيأتى.

ويجب فى الاعتداء على نفس العبد بازهاقها بما لا يوجب قصاصا قيمته لا الدية اذا لم تصل الى دية الحر فاذا بلغت دية الحر أو زادت عليها قضى بما لا يصل الى الدية فيقضى بعشرة آلاف درهم وهى دية الحر الا عشرة دراهم اذا كان المجنى عليه عبدا فان كان أمة قضى نصف ذلك فى مثل هذه الحال الا خمسة دراهم وهذا عند ابى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال ابو يوسف تجب القيمة بالغة ما بلغت كما لو غصب عبدا قيمته عشرون ألف درهم فهلك فى يده فان قيمته تجب بالغة ما بلغت اجماعا - وذلك ان الضمان بدل المالية وبدل المالية بالقيمة فوجب أن يكون بالقيمة اما أنه بدل عن المالية فلأنه يجب للولى وهو لا يملك العبد الا من حيث ماليته فكان الضمان له بدلا عن ماليته ووجب فيه رعايتها ومماثلة لها كثرة وقلة اذ لا تماثل فى الواقع بين النفس والمال فيجب قيمته لذلك بالغة ما بلغت.

(1)

. الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ح 4 ص 281 طبعة الحلبى.

(2)

. شرح النيل ح 8 ص 6.

ص: 95

واذا كان الاعتداء على الاطراف مثل ما قدر فى الاعتداء على أطراف الحر بالنسبة الى ديته فينسب ما يجب فى الرقيق الى قيمته ففى يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف درهم الا خمسة ذلك لأن القيمة فى العبد كالدية فى الحر

(1)

.

قال صاحب النهاية فى نهايته هذا الذى ذكر خلاف ظاهر الرواية لأنه ذكر فى المبسوط. فأما طرف المملوك فقد بينا أن المعتبر فيه المالية لأنه لا يضمن بالقصاص ولا بالكفارة فلهذا كان الواجب فيه القيمة بالغة ما بلغت الا أن محمدا رحمه الله قال فى بعض للروايات القول بهذا يؤدى الى أنه يجب بقطع طرف العبد فوق ما يجب بقتله الى أن قال فلهذا لا يزاد على نصف بدل النفس فيكون الواجب خمسة آلاف درهم الا خمسة.

‌مذهب المالكية:

وذهب المالكية الى أن الحر لا يقتل بالرقيق وانما تجب فى الجناية على العبد قيمته فاذا قتله حر وجبت عليه قيمته بالغة ما بلغت وإن زادت على دية الحر ذلك لأنه مال اتلف فوجب فيه ضمانه كسائر الأموال سواء أكان القتل عمدا أم خطأ الا اذا كان القاتل مكافئا له أو حرا كتابيا قتل عبدا مسلما عمدا فيقتل به والقيمة عندهم فى العبد كالدية للحر فيما فيه تقدير من الشارع من الجروح والشجاج فيؤخذ من قيمته بقدر ما يؤخذ من دية الحر ففى موضحته نصف عشر قيمته وفى جائفته أو أمته ثلث قيمته وهكذا واذا لم يكن من الشارع تقدير كان الواجب الحكومة باجتهاد الحاكم بأن يقوم العبد سليما ومعيبا ويؤخذ الفرق بين القيمتين

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

وذهب الشافعية أيضا الى أنه لا يقتل حر برقيق وانما يجب بالجناية عليه القيمة فيجب فى الجناية على نفسه بازهاقها قيمته بالغة ما بلغت مثل غيره من الأموال المتلفة وفيما دون النفس من الأطراف والمعانى ما نقص من قيمته سليما ان لم يقدر الشارع لمثل الجناية عليه فيما دون النفس جزاء ماليا فان كان له تقدير فيه كالموضحة كان الواجب من قيمته بنسبة ما يجب فى الحر من مال منسوب الى ديته ففى يده نصف قيمته وفى موضحته نصف عشرها وفى قول يجب النقص بين حال السلامة وحال العيب فى جميع الأحوال بأسوة بالحكم فى الأموال

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

وذهب الحنابلة الى ما ذهب اليه الشافعية من الأحكام السابقة

(4)

.

(1)

الهداية والعناية ح 8 ص 254 وما بعدها وص 368 وما بعدها.

(2)

الشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج 4 ص 41، 268، 271.

(3)

نهاية المحتاج ج 7 ص 258، 329.

(4)

كشاف القناع ج 3 ص 373، ج 4 ص 5، 12.

ص: 96

‌مذهب الظاهرية:

وذهب أهل الظاهر كما جاء فى المحلى

(1)

لابن حزم الظاهرى: من قتل مؤمنا عمدا فى دار الاسلام وهو يدرى أنه مسلم فولى المقتول مخير ان شاء قتل وان شاء عفا وله الدية ان لم يسقطها صراحة لا يزاد عليها صلحا الا برضا القاتل والآية باطلاقها تعم العبد المقتول.

‌مذهب الزيدية:

وذهب الزيدية الى أنه اذا قتل الحر عبدا عمدا أو خطأ لم يجب فى ذلك قصاص ولا دية وانما تجب قيمته ما لم تتجاوز دية الحر فان زادت كان الواجب فيها مقدار الدية وهذا اذا لم تكن زيادتها لحرفة فيه أو صناعة يعرفها فان كانت لذلك وجبت تلك الزيادة بلا خلاف وعدم وجوب هذه الزيادة هو ما نص عليه الهادى فى المنتخب وجاء فى الأحكام أن القيمة تجب بالغة ما بلغت وهو قول الناصر واتفقوا على ان الجنايات فى العبد اذا تكررت حتى زاد مجموعها على دية الحر وجبت جميعها وكذلك تجب القيمة أرشا فى اطرافه مع مراعاة النسبة الواجبة فى أرش عضو الحر بالنظر الى ديته فى موضحته نصف عشر قيمته وفى يده نصف قيمته هكذا ويستوى فى ذلك الذكر والأنثى ويلاحظ فى ذلك عدم تجاوزها دية الحر التى تماثلها ففى يد العبد أو عينه نصف قيمته اذا كانت قيمته مساوية دية الحر فأقل والالم تزد على دية الحر

(2)

.

‌مذهب الشيعة الإمامية:

وذهب الشيعة الإمامية الى أن الحر لا يقتل بالعبد ولا بالأمة ويجب على القاتل القيمة ولا يتجاوز بقيمة العبد دية الحر ولا بقيمة الأمة دية الحرة فان تجاوزت ردت الى الدية فى العبد والأمة - وقيمة العبد مقسومة على أعضائه كما أن دية الحر مقسومة على أعضائه والحر أصل للعبد فيما فيه جزاء مالى مقدر واذا كان ما اعتدى عليه بالاتلاف فى اليد واحدا ففيه كمال قيمته كما ان عضو الحر الواحد فيه دية كاملة وما فيه اثنان ففى أحدهما نصف قيمته كالعينين واليدين وهكذا وكل مالا تقدير فيه للشارع فالعبد فيه أصل للحر فان الارش انما يتقدر بأن يفرض الحر عبدا سليما من الجناية وتعرف قيمته حينئذ ثم يفرض معيبا بها وتتعرف قيمته حينئذ ثم يؤخذ من الدية بنسبة تفاوت القيمتين كما يؤخذ العبد بالفرق بين القيمتين

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

وذهب الإباضية الى أن الحر لا يقتل بالعبد لأنه مال وانما يجب بالجناية عليه قيمته ولا تجب على العاقلة وكذلك تجب القيمة فى الجناية على الاطراف مراعا فيها قيمة صاحبها

(4)

.

(1)

تكملة المحلى ج 10 ص 310.

(2)

شرح الأزهار ج 4 ص 430 وما بعدها.

(3)

تحرير الاحكام ج 2 ص 246.

(4)

شرح النيل ج 8 ص 107، 177، 193 وما بعدها.

ص: 97

‌أرش جراح الذمى

‌مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية الى أن المسلم يقتل بالذمى كما يقتل الذمى بالمسلم ويجب القصاص بينهما كذلك فى الأطراف ويتساويان فى الأروش والديات لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم قال: «دية كل ذى عهد فى عهده ألف دينار» وكان على ذلك قضاء أبى بكر وعمر فالمسلم والذمى سواء فى دية النفس وفى أروش الشجاج والجروح

(1)

والمستأمن كالذمى فى الدية والارش دون القصاص.

‌مذهب المالكية:

وذهب المالكية الى أن دية الكتابى الذمى والكتابى المعاهد نصف دية المسلم والمجوسى المعاهد والمرتد ثلث خمس دية المسلم وأنثى كل من هؤلاء على النصف من ديته وقيل لا دية للمرتد وانما على قاتله الادب وهذا قول سحنون والاول قول ابن القاسم

(2)

وكذلك الحكم فى الأطراف.

‌مذهب الشافعية:

وذهب الشافعية الى أن دية النصرانى واليهودى اذا كان لهما أمان ثلث دية المسلم نفسا وأطرافا لقضاء عمر وعثمان بذلك ولم ينكر عليهما ذلك مع انتشاره فكان اجماعا اما من لا أمان له فمهدر

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

وذهب الحنابلة الى أن دية الكتابى الحر على النصف من دية المسلم لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: دية الكتابى الحر نصف دية المسلم رواه أبو داود وحسنه وهذا اذا كان ذميا أو معاهدا أو مستأمنا لاشتراكهم فى حقن الدنم وأروش جراحاتهم من دياتهم كجراحات المسلمين من دياتهم وأما الحربى فدمه هدر

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم فى تكملة المحلى وان قتل مسلم عاقل بالغ ذميا أو مستأمنا عمدا أو خطأ فلا قود عليه ولا دية ولا كفارة ولكن يؤدب فى العمد خاصة ويسجن حتى يتوب كفا لضرره وبرهان ذلك قوله تعالى: «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا» فكان ذلك فى المؤمن بيقين - والضمير فى قوله تعالى: {وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ} . راجع الى المؤمن ضرورة لا يمكن غير هذا ولا ذكر للذمى أصلا ولا لمستأمن فصح أن ايجاب الدية على مسلم فى ذلك لا يجوز البتة وكذلك ايجاب القود عليه ولا فرق

(5)

وقال بعد ذلك ولو أن مسلما جرح ذميا عمدا ظالما فأسلم الذمى ثم مات من ذلك الجرح فالقود فى ذلك بالسيف خاصة ولا قود فى الجرح لأن

(1)

الهداية ج 8 ص 272، 307، 372 والدر وابن عابدين ج 5 ص 407.

(2)

الشرح الكبير والدسوقى ج 4 ص 268.

(3)

نهاية المحتاج ج 7 ص 303.

(4)

كشاف القناع ج 4 ص 12.

(5)

ج 10 ص 347 مسألة 2021.

ص: 98

الجرح حدث ولا قود فيه لأنه كافر: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

وذهب الزيدية الى أن دية الذمى والمجوسى والمعاهد تتساوى مع دية المسلم فى النفس والاطراف خلافا للناصر اذ رأى أنها ثلث دية المسلم وهو رأى الشافعى

(1)

‌مذهب الشيعة الإمامية:

الشيعة الإمامية لهم فى دية الذميين روايات أشهرها ثمانمائة درهم وديات نسائهم على النصف من ذلك ولا دية لغيرهم من أهل الكفر ومن الروايات أنها كدية المسلم ومنها أنها أربعة آلاف درهم وأروش جراحاتهم من دياتهم كجراحات المسلمين من دياتهم

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

يرى الإباضية أن دية الكتابى المعاهد ثلث دية المسلم كاليهودى والنصرانى والمجوسى اذا كانوا على عهد جزية أو عهد صلح أو كانت الجناية عليه قبل أن يدعوهم الامام ونحوه الى الهدى وقيل دية الذمى نصف دية المسلم ودية المجوسى المعاهد ثمانمائة درهم والمجوسى الذى لم يدع الى الاسلام ثلثا عشر دية المسلم والوثنى ستمائة درهم اذا جنى عليه فى صلح أو قبل دعوته الى الاسلام وأروش الجروح كديات النفس فجرح المعاهد ثلث جرح المسلم وعقله ثلث عقل المسلم وهكذا سمعه وبصره

(4)

.

‌تعدد الأروش وتداخلها

‌مذهب الحنفية:

الاصل عند الحنفية انه اذا تعددت الجنايات بتعدد محلها وجب لكل جناية أرشها ولم يدخل أرش احداها فى أرش أخرى وان كان أقل منه لانها تكون حينئذ جنايات مستقلة تستتبع كل جناية منها أثرها الشرعى وهو وجوب أرشها واما اذا حدثت الجناية على عضو فتترتب عليها أثران كأن شج رجل آخر موضحة فذهب بسبب ذلك عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة فى الدية وهى قد وجبت بذهاب العقل أو بذهاب شعر الرأس وأساس ذلك بالنسبة الى فوات العقل أنه بفواته تبطل جميع منافع الأعضاء اذ لا ينتفع بها بدونه فصار فواته فى حكم الموت بالنسبة لها فيدخل أرشها فى ديته كما فى فوات النفس وعليه لا يجب أرش أية جناية ترتب عليها زوال العقل - أما بالنسبة الى زوال الشعر فلأن ضرر الموضحة يتمثل فى زوال شعر الرأس بسببها ولذا انما يجب أرشها بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت ما زال بها سقط أرشها والدية تجب بفوات شئ من الشعر فكانت الموضحة كالجزء بالنظر اليه حينئذ اذ أنهما قد تعلقا بسبب واحد وهو فوات الشعر فيدخل الجزء فى الكل كما اذا قطع أصبع رجل رجل فشلت يده اذ لا يجب الا دية اليد - وجملة القول انه اذا وقعت الجناية

(1)

تكملة المحلى ج 11 ص 39 مسألة 2130

(3)

المختصر النافع ص 316 وتحرير الاحكام ج 2 ص 369.

(4)

شرح النيل ج 8 ص 56، 57.

ص: 99

على عضو واحد فاتلفت شيئين وأرش أحدهما أكثر من أرش الآخر دخل الأقل فى الأكثر اما ان وقعت على عضوين فانه يجب أرش كل منهما استقلالا ولم يدخل أحدهما فى الآخر وهذا عند أبى حنيفة واذا كان فى الجناية على الاول قصاص سقط القصاص عنده للشبهة وعندهما يجب القصاص فيه أن أمكن الاستيفاء والا دخل الثانى فى الأول وقال زفر لا تتداخل أروش الجنايات فلا يدخل بعضها فى بعض اذا كانت فيما دون النفس فيجب فى كل جناية أرشها.

واذا ذهب بالموضحة السمع أو البصر أو الكلام لم يدخل أرشها فى أرش أحد هذه الاشياء عند أبى حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يدخل فى دية السمع والكلام لا فى دية البصر لأن البصر ظاهر فلا يلحق بالعقل فى حكمه وهو دخول أرش الموضحة فى ديته أما السمع والكلام فأمران مصدرهما باطنى فيلحقان بالعقل فى دخول أرش الموضحة وللامام ومحمد ان كل واحد من هذه المنافع أصل بنفسه فيتعدد حكم الجناية عليه بتعدد فلا تداخل وهذا بخلاف العقل لأن منفعته تعود على الاعضاء جميعها فصار كالنفس بالنسبة لها وزواله فى معنى زوال النفس والحاق صاحبها بالموت وذهب الحسن بن زياد الى أن أرش الموضحة لا يدخل فى أرش شئ الا أرش زوال الشعر لاتحادهما محلا واذا اجتمع قتل وقطع فان تخلل بينهما برء اعتبر كل فعل مستقلا وترتب عليه أثره الشرعى حتى لو كانا عمدين استتبع كل منهما موجبه لأن موجب الاول تقرر بالبرء فلا يدخل أحدهما فى الآخر وعلى هذا يكون للولى القطع ثم القتل وان كانا خطأين فقطع الجانى يده ثم قتله خطأ وجبت دية ونصف دية للنفس ونصف دية لليد ولو كان القطع عمدا والقتل خطأ ففى اليد القود وفى النفس والدية ولو كان بالعكس ففى اليد نصف الدية وفى النفس القود واذا لم يتخلل برء فلو كان أحدهما عمدا والآخر خطأ اعتبر كل على حدة ففى الخطأ الدية وفى العمد القود ولو كانا خطأين فالكل جناية واحدة باتفاق فتجب دية واحدة ولو عمدين فعند الصاحبين يقتل ولا يقطع وعند الامام ان شاء الولى قطع ثم قتل وان شاء قتل ولا عبرة باتحاد المجلس وهو الظاهر وروى عن نصر بن سلام انه كان يقول الخلاف بين الامام وصاحبيه فيما اذا قطع يده فى مجلس وقتله فى مجلس آخر فلو كانا فى مجلس واحد يقتل ولا يقطع اتفاقا

(1)

نقلا عن الكفاية.

‌مذهب المالكية:

وذهب المالكية الى أن الدية تتعدد بتعدد الجناية فلو قطع يديه فزال عقله فديتان ولو فقد بصره مع ذلك فثلاث ديات وهكذا - واذا كان محل الجناية له منفعة كالأذنين لهما منفعة السمع والعين لها منفعة البصر فزالت منفعة المحل بالجناية عليه فلا تتعدد الدية بذهاب منفعة المحل مع ذهابه فاذا قطع أذنيه فزال سمعه وجب

(1)

الزيلعى ج 6 ص 135 وما بعدها والدر المختار وابن عابدين ج 5 ص 398.

ص: 100

دية واحدة واذا قلع عينيه فزال بصره وجب دية واحدة ولا تجب الحكومة فى المحل مع وجوب الدية ولا عبرة بتعدد منفعته فاذا جنى على لسانه فزال ذوقه فقط أو ذوقه ونطقه جميعا فدية واحدة فى الحالين وهذا اذا لم توجد المنفعة بغيره أيضا فان وجدت بغيره وجب لزوالها دية لاجلها فاذا كسر صلبه فاقعده ذلك وذهبت قوة جماعه أيضا فعليه دية لمنع قيامه ودية أخرى لعدم قوته على الجماع

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

وذهب الشافعية الى أنه اذا اعتدى انسان على آخر فى عضو من أعضائه وكان لمنفعة زالت بهذا الاعتداء فالواجب دية واحدة هى دية المنفعة ودخلت دية العضو فيها وان لم يكن محلا لها فزالت بالاعتداء عليه فالواجب ديتان دية العضو ودية المنفعة وعلى ذلك اذا اعتدى على أذنيه فزال سمعه وجب ديتان دية أذنيه ودية سمعه اذ ليس السمع فى جرم الاذنين بل فى مقرهما من الرأس ولو جرحه بموضحة فزال بصره أو سمعه وجب أرش الموضحة ودية السمع أو البصر وكذلك اذا زال عقله بها لأنها جناية أبطلت منفعة ليست فى محل الجناية ولو قطع يديه ورجليه فزال عقله وجب ثلاث ديات وهكذا وفى قول يدخل الأقل فى الاكثر أو فى المساوى كأرش اليدين أما عند اتحاد المحل فالواجب أكبر الديتين كما لو اعتدى انسان على حدقة آخر فذهب بصره لم تجب الا دية البصر

(2)

وكما اذا قطع لسانه فذهب منه القدرة على الكلام والذوق لم يجب الا دية واحدة كاملة للتداخل بين الديات بسبب اتحاد المحل والفعل.

‌مذهب الحنابلة:

وذهب الحنابلة الى أنه اذا لم يتحد المحل فى الجناية والمنفعة بل تعددت الجناية ففى قطع الاذنين قطعا أدى الى ذهاب السمع ديتان: دية للاذنين وأخرى للسمع لأن مقر السمع ليس فى الاذنين فلا تداخل وكذلك اذا قطع الاجفان فذهب البصر وجبت دية للبصر ودية للاجفان لنفس السبب وكذلك الحكم فيما اذا قطع الشفتين فانقطع الكلام وجبت دية للشفتين ودية للكلام وان اتحد المحل فان بقى بعد الجناية وجبت دية المنفعة فاذا جنى على لسان فأذهب الكلام والذوق وجبت ديتان: دية للكلام ودية للذوق لبقاء المحل وهو اللسان اما اذا أدت الجناية الى قطع اللسان فذهب الكلام والذوق فان الواجب دية واحدة لذهاب الكلام والسمع تبعا لقطع اللسان فتجب دية دونها كما لو قتل انسانا لم تجب الا ديته فقط ولم يكن لمنافعه من سمع وبصر وغيرها ديات وعلى ذلك اذا قطع ربع اللسان فترتب عليه انقطاع ربع الكلام وجب ربع الدية لتساوى الواجبين وتداخلها واذا ترتب عليه انقطاع نصف الكلام وجب نصف الدية لدخول ربعها الخاص باللسان

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 279، 280.

(2)

نهاية المحتاج ج 7 ص 316 وما بعدها.

ص: 101

فى النصف الواجب بانقطاع نصف الكلام اذ الأقل يندرج فى الأكثر - واذا ذهب عقله بجناية لها ارش كالموضحة ونحوها أو قطع عضوا من يديه أو رجليه أو ضربه على رأسه فذهب عقله وجبت دية كل منفعة مع ارش الجرح فاذا ذهب بالجرح عقله وبصره وسمعه وكلامه كان الواجب أربع ديات مع ارش الجرح وان مات من الجرح بالسراية فدية واحدة

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

ويرى الزيدية أنه اذا جنى شخص على آخر فقطع أنفه وشفتيه وذهبت عينا موجب على الحاكم أن ينتظر فى الحكم الى تبين الحال فى مآل الجناية فاذا مات المجنى عليه منها وجبت دية واحدة فقط. واذا لم يمت تعددت الديات، فوجب ثلاث ديات دية لانفه ودية لشفتيه ودية لعينيه، وهذا حكم عام فى الجنايات وعلى ذلك اذا جنى شخص على غيره جنايات متعددة ثم قتله فان كان القتل متصلا بجناياته لم تجب الا دية واحدة وأن كان فى وقت آخر وجبت أروش الجنايات السابقة ودية نفسه وجاء فى الازهار أن الدية تتعدد فى الميت بتعدد الجنايات اذا كانت الجنايات منفصلات بأن تزيل أنفه ثم عينيه ثم شفتيه ونحو ذلك فيموت فان الدية تتعدد كما تتعدد لو لم يمت غير أنه لو لم يمت الا بمجموعها فدية واحدة - وان كان كل واحدة قاتلة مباشرة. اذ الجنايات الاخيرة قد وقعت فصار فى حكم الميت. اما اذا كان ما قبل الاخيرة لا يقتل وقد مات بالاخيرة بالمباشرة أو بالسراية ففى الموت الدية مع الاخيرة وفيما قبلها الارش. وعن الناصر ان الأعضاء اذا بانت بضربة واحدة لزمت دية واحدة والا تعددت.

وفى البحر الزخار اذا تعددت الموضحة بضربة واختلف المحل تعددت الدية وقيل الواجب واحدة وهو الاقرب ان لم يكن بينها فاصل. وفيه أيضا اذا ذهب الصوت ومعه اللسان فديتان

(2)

.

‌مذهب الشيعة الجعفرية:

وذهب الشيعة الجعفرية الى عدم التداخل فى الأرش فاذا شجه فذهب عقله وجبت دية لعقله مع دية الشجة واذا جنى على لسانه فذهب صوته فان أبطل معه حركة اللسان فدية لذهاب صوته وثلثا دية للسان ان لحقه حكم الشلل

(3)

، وعلى ذلك فلا تداخل فى الأروش عند الشيعة.

‌مذهب الإباضية:

وذهب الإباضية الى أن العبرة بالفعل فاذا اتحد الفعل بأن كان واحدا ترتب على أثره جزاء واحد وان تعدد الفعل وتعدد أثره تعدد أرشه بعدده فاذا جنى على انسان فأتلف عينه مع اجفانها ومع حاجبها بضربة واحدة فالواجب فى ذلك دية واحدة هى دية العين وهى نصف الدية الكاملة وقيل لكل عضو ديته وان تعدد الضرب فلكل دية وقالوا فى توجيه ذلك أن

(1)

كشاف القناع ج 4 ص 23، 24، 25

(2)

شرح الازهار طبعة سنة 1358 هـ ج 4 ص 448، 449 والبحر الزخار ج 5 ص 287 وما بعدها.

(3)

ج 2 ص 375 تحرير الاحكام.

28، 29.

ص: 102

تعدد الأثر بضربة تشبه الموت تلزم فيه الدية الواحدة مع اشتماله على عدة منافع فى كل دية وفى توجيه القول الآخر ان لكل أثر دية فاذا تحقق استتبع ديته ولا عبرة بتعدد الضرب أو عدم تعدده ولا وجه للقياس على الموت اذ لم يحدث موت فعلا

(1)

.

‌من يجب عليه الأرش

وما تتحمله العاقلة منه

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن الأرش مال يسلك به مسلك الاموال ولذا يجب بجناية الصبى والمجنون والمعتوة خطأ وكذلك السكران ان سكر بمباح لأنه مؤاخذ فى الاموال فاذا جنى أحد من هؤلاء على غيره جناية تستوجب الارش فانه يجب بجنايته كما هو الحكم فى البالغ العاقل وعندئذ ان بلغ الارش نصف عشر الدية الكاملة وهو 500 درهم فى الرجل و 250 فى المرأة كان على العاقلة والرد كان فى مال الجانى وحكومة العدل فى الجروح تجب فى مال الجانى ولا تتحملها العاقلة مطلقا على الصحيح كما فى الدر المختار ونقل ابن عابدين عن تنوير الأبصار ان حكومة العدل كانت دون ارش الموضحة أو مثلها لا تتحملها العاقلة وان كانت أكثر من ذلك بيقين فلا رواية فى ذلك عن أصحابنا وقد اختلف فى ذلك المتأخرون فقال شيخ الاسلام الصحيح أن العاقلة لا تتحمله كذا فى التتار خانية

(2)

وأرش الموضحة نصف عشر الدية - وما يجب من المال فى العمد المحض يجب فى مال الجانى مطلقا فى النفس وفيما دونها وما يجب منه فى الخطأ على العاقلة فى الحالين وما يجب منه فى شبه العمد على العاقلة اذا كان فى النفس واما اذا كان فيمنا دونها فهو فى مال الجانى ان بلغ الدية والا فعلى العاقلة

(3)

- واما الغرة فان العاقلة تتحملها.

‌مذهب المالكية:

يرى المالكية أن دية الرقيق وأرشه على الجانى فى ماله وكذلك دية جناية العمد على الحر وعلى الرقيق وانما تتحمل العاقلة دية جناية الحر فى الخطأ أو العمد الذى لا قصاص فيه وفى حكمها الأرش وحكومة العدل اذا بلغ ذلك ثلث الدية الكلية أو كان أقل من الثلث ولكن وجب تابعا لدية كاملة كموضحة وناقلة مع دية وجبت بالجناية - ويشترط فى وجوبها على العاقلة أن يكون ثبوتها بالبينة أو باللوث مع القسامة لا بالاقرار والجانى واحد منها ان كان بالغا مليئا - ويشترط فى الزام العاقلة بالأرش ان يبلغ ثلث دية المجنى عليه أو ثلث دية الجانى عند تكرر الارش فان لم يبلغ أحدهما كانت على الجانى فى ماله كما هو حكم العمد على النفس وعلى الاطراف ويجب الارش بجناية الحر المسلم وان كان صبيا أو مجنونا لان وجوبه من خطاب الوضع

(1)

شرح النيل ح 8 ص 26.

(2)

الدر المختار وابن عابدين ح 5 ص 416.

(3)

الدر المختار وابن عابدين ح 5 ص 377، 399.

ص: 103

ولوجوبه فى الاطراف ويجرى بها مجرى الأموال

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

يرى الشافعية أن العاقلة تحمل دية الخطأ وشبه العمد فى النفس وفى الاطراف ونحوها وكذلك تحمل الحكومات والغرة لا العمد ويلزم ذلك الجانى أولا على الأصح ثم نؤديه العاقلة معونة وتحملا اجماعا ولا عبرة لمن شذ فجعل ما يجب فى شبه العمد على الجانى كالعمد وانما تتحمل العاقلة ذلك اذا ثبتت الجناية ببينة أو باقرار مع تصديق العاقلة له لا مع عدم تصديقها اياه - ويجب الارش فى خطأ العاقل والصبى والمميز والمعتوه والمجنون والنائم وكذلك الدية

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

يرى الحنابلة أن ما يجب من مال فى العمد المحض فعلى الجانى فى ماله لقوله صلى الله عليه وسلم:

«لا يجنى جان الا على نفسه» أما ما يجب فى شبه العمد والخطأ أو ما يجرى مجراه كانقلاب نائم على انسان فعلى العاقلة لا يلزم القاتل شئ منه ان كان المجنى عليه حرا مسلما لا عبدا ولا تحمل العاقلة الا ما بلغ ثلث الدية أو زاد عليه حين تثبت الجناية ببينة أو باقرار الجانى مع تصديقها اياه وتحمل غرة الجنين تبعا لجناية امه ان مات معها أو بعد موتها لا ان مات قبلها لنقصها عند التلف وتحمل دية المرأة وما يجب فى جراحها ان بلغ ما يجب ثلث ديتها وما عدا ذلك ففى مال الجانى

(3)

ويجب الارش بخطأ الصبى والمجنون والمعتوة والنائم.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(4)

أن دية الخطأ فى القتل على عاقلة القاتل وما يجب فى العمد من مال ففى مال القاتل أما الجنايات على الاعضاء خطأ حيث لا تؤدى الى ازهاق النفس فذلك مما عفا الله عنه لا جناح على الانسان فيه لقوله تعالى «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ» ولما روى عن ابن عباس رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وبناء على ذلك لا يجب على أحد غرامة مالية فى عمد ولا فى خطأ ألا أن يوجب ذلك نص صحيح أو اجماع متيقن ولا شئ من ذلك ثابت والقياس فيه باطل وعلى ذلك فلا يجب على عاقلة مال لجناية جناها أحد منها.

‌مذهب الزيدية:

يرى الزيدية ان ما تعقله العاقلة من الأروش هو ما كان نتيجة جناية خطأ فلا تعقل عمدا الا عمد الصبى والمجنون اذ حكمه حكم الخطأ ويشترط ان تثبت بالبينة أو باقرار مع تصديق العاقلة فلا تعقل

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ح 4 ص 281، 282، 286.

(2)

نهاية المحتاج ج 7 ص 301 وحواشى التحفة ح 9 ص 25 طبعة مصطفى.

(3)

كشاف القناع ص 4 ص 38.

(4)

المحلى لابن حزم ح 10 ص 388، 404 وما بعدها.

ص: 104

ما كان صلحا وان يكون الارش أرش موضحة فأكثر فلا تعقل ما دون ذلك وهذا قول الهادى والمؤيد - تعقل القليل والكثير - وان يكون الجانى حرا فلا تعقل عن العبد ولا يشترط فى وجوب الارش عقل الجانى بل يجب بجناية الصغير والمجنون والمعتوه

(1)

.

‌مذهب الشيعة الجعفرية:

الدية فى العمد على الجانى فى ماله وكذلك شبه العمد أما دية الخطأ فهى على العاقلة سواء أكان للجانى مال أم لا ولا تتحمل ما دون الموضحة وهو الا شهر وقال فى الخلاف تحمل العاقلة القليل والكثير ولا تحمل اقرارا ولا صلحا ولا عمدا فى النفس ولا فى الجروح والاعضاء وانما تحمل جناية الحر لا العبد أما العبد فيلزمه المال فى رقبته وعمد الصبى والمجنون خطأ تحمله العاقلة

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

يرى الإباضية أن دية الخطأ على العاقلة وكذلك دية العمد اذا كان الجانى لا يقصد القتل وكانت الآلة التى استعملها مما يمكن به القتل ولا يبعد وما تلزم به العاقلة قد يكون الدية كلها كما فى القتل خطأ وقد تكون دونها كما فى أروش بعض الاعضاء - واذا قتل مسلم كتابيا خطأ كانت الدية على العاقلة وقيل أن دية الكتابى مطلقا فى مال الجانى وتجب دية الابن اذا قتله أبوه على العاقلة ولو عمدا اذ ان الأب لا يقتل فى ابنه وكذلك الحكم فى كل من لا يقتل بقتله آخر وتجب على العاقلة دية من يموت فى اللعب ومن يموت بسبب ضربه تأديبا ودية الموت سراية من جرح ودية السمع أو البصر اذا فقد بشجة - والمذهب أن العاقلة لا تعقل العمد مطلقا الا عمد الصبى والمجنون ولا يدخل الجانى فى العاقلة وقيل هو واحد منها - ولا تعقل العاقلة الا ثلث الدية فما زاد لا ما هو دون ذلك وقيل لا يعقل الا ما كانت ديته كدية الموضحة أو أكثر لا ما كانت ديته أقل وقيل أنها تعقل ما كان أكثر من الثلث أما الثلث ففيه خلاف وقيل تعقل القليل والكثير من الأروش فى الخطأ

(3)

.

‌ما يسقط به وجوب الارش

يسقط وجوب الأرش بسبب من الاسباب الآتية:

1 -

الاداء فاذا أدى الارش فقد وفى الواجب

2 -

الابراء من المجنى عليه أو ممن يستحقه من الارش بعد وجوبه لانه يثبت دينا فيسقط بالابراء واذا حدث الابراء فى مرض الموت كان من الثلث لانه يكون وصية واما عفو المجنى عليه عن الجناية فان كانت جناية يترتب عليها وفاة المجنى عليه بالسراية فيرجع فيه الى مصطلح العفو عن الدية وعما يوجبها من الجنايات وان لم يترتب عليها وفاة المجنى عليه فان العفو عنها يعد عفوا وابراء عما استوجبته من الجزاء المالى اتفاقا لانه فى معنى الابراء من الدين أما ما يترتب عليه بسبب السراية

(1)

شرح الازهار ح 4 ص 455 وما بعدها.

(2)

تحرير الاحكام ح 2 ص 280.

(3)

النيل ح 8 ص 104، 105.

ص: 105

بعد ذلك فلا يتناوله العفو لانه اسقاط لما لم يجب بعد واسقاط الشئ قبل وجوبه غير صحيح اتفاقا وفى ذلك اختلاف المذاهب يرجع فى مصطلح عفو فى موضوع الجناية لها

(1)

.

3 -

حصول البرء من الجناية وأثرها بعد وقوعها وللمذاهب فى ذلك التفصيل والبيان الآتى.

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية ان الجراحات اذا برئت عن غير أثر لا شئ فيها فى قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف فيها حكومة الألم وقال محمد على الجانى أجر الطبيب

(2)

وكذلك الحكم فى الشجاج وسواء فى ذلك ما للشارع فيه تقدير محدد وما ليس له فيه تقدير.

‌مذهب المالكية:

يرون أن ما لا تقدير فيه من الجراح اذا برئ على شين وجب فيه حكومة عدل اما اذا برئ دون أن يترك أثرا فلا شئ فيه على الجانى - وأما ما كان فيه عقل مقدر من الشارع ففيه ما قدره الشارع مطلقا دون زيادة الا فى الموضحة اذا كانت فى الوجه أو الرأس اذا برئت على شين ففيها الدية مع حكومة عدل فى الشين على المشهور

(3)

. ويرد الارش للجانى اذا أخذه المجنى عليه عند عود البصر بعد ذهابه بالجناية وفى عود السمع والكلام والعقل والذوق والشم واللمس بعد الجناية عليها تأويلان عندهم.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(4)

: اذا أخذت دية العقل وغيره من بقية المعانى كالسمع والبصر ثم عاد بعد زواله استردت من المجنى عليه وذلك فيما للشرع تقدير فيه اما ما ليس للشارع فيه تقدير من الجروح فقد جاء فى النهاية أن لا تقويم فيه الا بعد اندماله فاذا اندمل عن أثر كان فيه حكومة عدل وان اندمل عن غير أثر أعتبر فى حكومة العدل أقرب نقص لحق المجنى عليه الى وقت اندماله حتى لا تحبط الجناية وقيل يقدر القاضى باجتهاده ويوجب شيئا حذرا من اهدار الجناية وقيل لا غرم كما لو تألم بضربة ثم زال الألم.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(5)

. اذا عاد البصر وكذلك ما فى معناه من السمع والكلام والذوق والمشى والنكاح بعد ذهابه بالجناية اذا عاد لم تجب الدية لعود ما ذهب من المنافع فاذا كان المجنى عليه قد أخذها ردها لتبين أنه قد أخذها بغير حق وينتظر فى أداء الدية اذا قرر عدلان من أهل الخبرة رجاء عودة الى مدة عيناها فان مضت المدة ولم يعد أو مات المجنى عليه قبل مضيها وجبت الدية.

وان قال أهل الخبرة يرجى عوده ولكن لا نعرف لذلك مدة وجبت الدية لئلا يلزم تأخير حق المجنى عليه لا الى أمد.

(1)

راجع الزيلعى ح 6 ص 171.

(2)

البدائع ح 7 ص 316، 320.

(3)

الشرح الكبير والدسوقى عليه ح 4 ص 270، ص 271، 279.

(4)

ح 7 ص 316، 327.

(5)

ح 4 ص 20، 25، 29.

ص: 106

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن ابن حزم يرى ان لا مال فى الخطأ ولا يجب منه شئ فى شبه العمد والعمد الا ما قدره الشارع ولم يصح عنده فى عمد الاطراف الا القصاص ولم يفرض فيه الشارع دية ولم يصح عندهم ما جاء فى ذلك من الآثار

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار وفيما كثر من الاعضاء فانجبر ونحوه بعد انكساره ثلث ما وجب فيه لو لم ينجبر فلو ذهب عقله ثم عاد أو ذهب بصره أو سمعه أو شمه بسبب الجناية ثم عاد فالحكومة فيه ثلث ما كان يجب لو لم يعد. وعلق صاحب الحاشية على ذلك بأن هذا فى غير المنقلة والهاشمة والموضحة والمتلاحمة والباضعة أما فيها فلا ينقص من أرشها شئ ولو انجبرت وانما هذا فى اليد والرجل والأصبع ونحوها

(2)

.

‌مذهب الشيعة الجعفرية:

جاء فى تحرير الاحكام اذا ذهب كلام المجنى عليه بالجناية على لسان ثم عاد كلامه بعد دفع الدية استردت الدية من المجنى عليه قاله فى المبسوط وجاء فى الخلاف لا تسترد الدية وجاء فى ذهاب السمع والبصر اذا عادا بعد زوالهما حكومة عدل وفى العقل والشم اذا عادا بعد ذهابهما لم تسترد الدية لان عودهما منحة من الله تعالى وفى كسر عضو من الاعضاء اذا انجبر وصلح عن غير عيب أربعة أخماس ديته

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى النيل ولكل جارحة بانت ولو رجعت وبرئت ديتها كما لو لم ترجع فى الحواس كالسمع اذا رجعت بعد ذهابها بالجناية ديتها كذلك

(4)

.

‌أرض

‌تعريف لفظ أرض

الأرض مؤنث وهى اسم جنس وهى الكرة السيارة التى عليها الناس

(5)

.

‌ما يصح التيمم به من أجزاء الأرض

‌مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية الى جواز التيمم بكل ما كان من جنس الارض على الراجح فى المذهب وكل ما كان بحيث اذا حرق لا ينطبع أو يلين ولا يترمد أى لا يصير رمادا فهو من أجزاء الارض بشرط الطهارة

(6)

.

(1)

يراجع المحلى ح 10 ص 378 الى 471.

(2)

شرح الازهار ح 4 ص 454.

(3)

ح 2 ص 370، 375.

(4)

النيل وشرحه ح 8 ص 49، 50.

(5)

مختار الصحاح ص 24، 25 الطبعة الرابعة الاميرية سنة 1334 هـ.

(6)

فتح القدير وبهامشه العناية ح 1 ص 88 الطبعة الاولى الاميرية سنة 1345 هـ.

ص: 107

‌مذهب المالكية:

ذهب المالكية الى لزوم استعمال صعيد طاهر وهو ما صعد وظهر على وجه الأرض من أجزائها

(1)

.

‌مذهب الشافعية والحنابلة:

لا يجوز التيمم الا بتراب ذى غبار يعلق باليد وقيده الحنابلة بكونه مباحا غير محترق

(2)

.

‌مذهب الظاهرية والإمامية:

لا يجوز التيمم الا بالأرض وبكل ما يطلق عليه اسمها وتنقسم الى تراب وغير تراب

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يجوز التيمم الا بتراب طاهر مباح منبت على الراجح فى المذهب يعلق باليد

(4)

‌مذهب الإباضية:

يجوز التيمم بتراب نقى نظيف طاهر منبت اجماعا على الأصح عندهم

(5)

وذلك كله على تفصيل وشروط موضع بيانها مصطلح «تيمم» .

‌تطهير الأرض النجسة

اتفقت المذاهب الثمانية على أن الأرض اذا أصابتها نجاسة كبول أو خمر فانها تطهر بالمكاثرة وهو أن يصب عليها ماء يغمرها حتى يزول أثرها من لون أو ريح ما لم يصعب وكذلك اذا أصابها ماء المطر أو السيول فغمرها وجرى عليها فانه بمنزلة الصب يطهرها لعدم اشتراط النية فاستوى ما كان بفعل الآدمى أو غيره وفى كيفية تطهيرها تفصيل فى المذاهب.

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن الأرض اذا أصابتها نجاسة رطبة فان كانت رخوة يصب عليها الماء حتى تتشربه فاذا لم يبق على وجهها شئ من النجاسة وتشربتها الارض مع المياه يحكم بطهارتها اذا غلب على ظنه واجتهاده أنها طهرت ويتحقق ذلك بصب الماء عليها ثلاث مرات فى ظاهر الرواية مع التشرب فى كل مرة ويقوم هذا التشرب مقام العصر فيما يمكن عصره وان كانت الارض صلبة فان كانت صعودا يحفر فى أسفلها حفيرة يصب عليها الماء ثلاث مرات ويزال عنها الى الحفيرة ثم تكبس الحفيرة بتراب يلقيه عليها، وان كانت مستوية بحيث لا يزول الماء عنها لا تغسل لعدم الفائدة فى الغسل لكن ينبغى أن يقلب فيجعل أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها ليصير التراب الطاهر وجه الارض هكذا روى أن اعرابيا بال فى المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحفر موضع بوله ويلقى عليه ذنوب من الماء ولو كبسها بتراب

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 1 ص 155، ص 156 الطبعة الاولى سنة 1323 المطبعة الخيرية.

(2)

قليوبى وعميره ج 1 ص 86، 87 طبع دار احياء الكتب، المغنى ح 1 ص 252 الى ص 255 طبع المنار سنة 1342.

(3)

المحلى ح 2 ص 158 الى ص 160، جواهر الكلام ح 1 ص 118 الى ص 153.

(4)

البحر الزخار ح 1 ص 118، ص 119 الطبعة الاولى سنة 1366 هـ.

(5)

شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 234 إلى ص 138.

ص: 108

ألقاه عليها ان لم توجد رائحة النجاسة جازت الصلاة على ذلك التراب والا فلا

(1)

‌مذهب المالكية:

أما المالكية فيقولون يطهر محل النجس بلا نية بغسله فالنية ليست بشرط فى طهارة الخبث وذلك ان عرف محله والمراد بالمعرفة ما يشمل الظن وان لم يعرف بأن شك فى محلين - أى استوى لديه الاحتمالان - فلا يطهر الا بغسل جميع ما شك فيه ويتحقق ذلك بأن يصب عليها ما يغمرها ويستهلك البول فيها بذهاب رائحته ولونه وليس الذنوب تقديرا وانما هو بحسب غلبة الماء على النجاسة واستهلاكها فيه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

أما الشافعية فيقولون يكفى فى أرض تنجست أن يصب عليها ماء يعمها ولو مرة ولو كانت الارض صلبة أو لم يقلع ترابها وظاهر أن الارض اذا لم تتشرب ما تنجست به لا بد من ازالة عينه قبل صب الماء عليها كما لو كانت فى اناء فان تنجست بجامد بأن كان رطبا فلا بد من رفعه وغسل المحل بالماء أما اذا كان بلا رطوبة فيكفى رفع عينه

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

أما الحنابلة فيقولون الارض المتنجسة بمائع أو ذات جرم أذيل عنها ذلك الجرم تطهر بمكاثرة الماء عليها ولو بغير عدد ولو ماء مطر لعدم اشتراط النيه فاذا ما زال وصفها من لون أو ريح ولو لم ينفصل الماء طهرت الا اذا شق زوال اللون أو الرائحة فيسقط عنه قياسا على الثوب فان كانت النجاسة متفرقة كالدم اذا جف والروث لم تطهر بالغسل بل بازالة أجزاء المكان ولو وقع بول على الارض فبادر شخص الى ازالة التراب الذى عليه أثر هذا البول طهرت الارض التى تحته لان النجس كان رطبا وقد زال وان جف البول وأزال التراب الذى عليه أثره لا تطهر الارض لان الاثر انما يبقى على ظاهر الارض الا أن يتيقن بأن ما أزاله هو الذى كانت فيه النجاسة

(4)

.

‌مذهب الظاهرية والإمامية:

(5)

ذهب الظاهرية والإمامية الى أن العبرة فى طهارة الارض المتنجسة أن يصب عليها الماء صبا يزيل أثره فقط ويقول الإمامية اذا كانت الأرض صلبة أو مفروشة بالآجر فانها تطهر بالماء القليل اذا جرى عليها، لكن مجمع الغسالة يبقى نجسا ولو أريد تطهير بيت أو سكة فان أمكن اخراج ماء الغسالة بأن كان هناك طريق لخروجه فيتبع ذلك والا تحفر حفرة ليجتمع فيها ثم يجعل فيها الطين الطاهر وان كانت رخوة بحيث لا يمكن اجراء الماء عليها فلا يطهر الا بالقاء قدر كبير من الماء

(1)

فتح القدير ح 1 ص 138

(2)

حاشية الدسوقى ح 1 ص 82.

(3)

اسنى المطالب ح 1 ص 20.

(4)

المغنى ح 1 ص 741 الى 744.

(5)

المحلى ح 1 ص 104، 105. الروضة البهية ح 1 ص 21، 22.

ص: 109

عليها يكفى لازالة أثر النجاسة أو نزول المطر أو جفافها بالشمس نعم اذا كانت رملا يمكن تطهير ظاهرها بصب الماء عليها ورسوبه فى الرمل فيبقى الباطن نجسا بماء الغسالة ويكفى فى طهارة أعماقه ان وصلت النجاسة اليها نفوذ الماء الظاهر فيه. ولا يعتبر انفصال الغسالة فى الماء الكثير.

‌مذهب الزيدية:

(1)

ذهب الزيدية الى أن الارض الرخوة اذا أصابتها عين النجاسة كالبول فيها تطهر بالمكاثرة وهو غمر المتنجس فيها بالماء المزيل لاوصافها وان لم ينضب الماء فى الاصح أى يغور وكذا الصلبة اذا لم يتغير بها ويترتب على ذلك أنه لو صب ماء على أرض صلبة متنجسة وحولها أرض رخوة فتشرب الماء طهرت

‌مذهب الإباضية:

(2)

استدل الإباضية على طهارة بعض الاوانى بالماء بأمر النبى صلى الله عليه وسلم بصب ذنوب ماء على بول الاعرابى فى المسجد، والاستدلال به يدل على أنهم يرون أن الأرض تطهر بصب الماء عليها بناء على هذا الحديث.

‌طهارة الارض بغير الماء

‌مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية الى أنه اذا أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس أو بالريح وذهب أثرها جازت الصلاة على مكانها دون التيمم منها على الراجح فى المذهب

(3)

.

ووافقهم الإباضية فى ذلك، وقالوا وتطهر الارض بمضى الزمان وبالريح والشمس ويكفى واحد لكن اجتماعها أسرع تطهيرا ولا يتصور بالريح بلا زمان.

وقالوا ان النار تزيل النجس وهو أقوى من الشمس والريح فى إزالة عين النجاسة مما يتحملها كالارض وكيفية ذلك أن تحمى عليها النار حتى لا تطيقه اليد سواء جعلت النار على الموضع النجس أو تحته أو جنبه لا يكون للنجاسة أثر وكل ما يذهب النجس بأن يتلاشى فيه ويزول يطهر بالزمان عندهم

(4)

. ووافقهم الإمامية أيضا فى التطهير بالشمس اذا جففتها باشراقها عليه بولا كان النجس أو غيره فيجوز التيمم والصلاة عليه، ولا يكفى عندهم تجفيف الحرارة لانها لا تسمى شمسا ولا الهواء المنفرد بطريق أولى نعم لا يضر انضمامه اليها ويكفى فى طهارة الباطن اشراق الشمس على الظاهر مع جفاف الجميع

(5)

.

‌أما المالكية والشافعية والحنابلة:

فيقولون بعدم جواز التطهير بغير الماء

(6)

‌مذهب الزيدية:

وذهب الزيدية الى أن الأرض الرخوة تطهر بالنضوب أى نضوب الماء الذى يصب عليها

(1)

شرح الازهار ح 1 ص 48، 49.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ح 1 ص 285 والايضاح ح 1 ص 300.

(3)

فتح القدير ح 1 ص 138.

(4)

شرح النيل ج 1 ص 271، ج 279 الى ص 285.

(5)

لروضة البهية ج 1 ص 21، 22.

(6)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 1 ص 82 وأسنى المطالب ح 1 ص 20 والمغنى ج 1 ص 741 الى 744.

ص: 110

ان زالت به عين النجاسة، أما الأرض الصلبة فلا تطهر بالجفاف عندهم وانما لا بد أن يسيح الماء عليها وقال بعضهم لا بد من الدلك مع هذا

(1)

.

‌حكم ما يوجد فى باطن الأرض

من معادن وكنوز

مما يوجد فى باطن الارض المعادن والكنوز، والمعدن ما وجد فى باطن الارض بحسب الطبيعة كالذهب والحديد والنحاس ونحوها، أما الكنوز مما يدفن فى الارض بفعل الانسان، وحكم تملكها وما يجب فيها لبيت المال يرجع فيه الى مصطلح، «معدن وكنز» .

‌أرض العشر وأرض الخراج

‌مذهب الحنفية:

قال أبو يوسف فى كتاب الخراج:

كل أرض أسلم أهلها عليها وهى من أرض العرب أو أرض العجم فهى لهم وهى أرض عشر بمنزلة المدينة حين أسلم عليها أهلها وبمنزلة اليمن وكذلك كل ما لا يقبل منه الجزية ولا يقبل منه الا الاسلام أو القتل من عبدة الأوثان من العرب فأرضهم أرض عشر وان ظهر عليها الامام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظهر على أرض من أرض العرب وتركها فهى أرض محشر حتى الساعة، وأيما دار - أى اقليم - من دور الاعاجم ظهر عليها الامام وتركها فى أيدى أهلها فهى أرض خراج وان قسمها بين الذين غنموها فهى أرض عشر ألا ترى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ظهر على أرض الأعاجم وتركها فى أيديهم فهى أرض خراج وكل أرض من أراضى الأعاجم صالح عليها أهلها وصاروا ذمة فهى أرض خراج

(2)

، وفى الجامع الصغير:

كل أرض فتحت عنوة فوصل اليها ماء الأنهار فهى أرض خراج ومالم يصل اليها ماء الأنهار واستخرج منها عين فهى أرض عشر لأن العشر يتعلق بالارض النامية ونماؤها بمائها فيعتبر السقى بماء العشر أو بماء الخراج، ومن أحيا أرضا مواتا فهى عند أبى يوسف معتبرة بحيزها فان كانت من حيز أرض الخراج فهى خراجية وان كانت من حيز أرض العشر فهى عشرية، وقال محمد: ان أحياها ببئر حفرها أو بعين استخرجها أو ماء دجلة أو الفرات أو الأنهار العظام التى لا يملكها أحد فهى عشرية وكذا اذا أحياها بماء السماء وان أحياها بماء الأنهار التى احتفرها الأعاجم فهى خراجية كما ذكرنا من اعتبار الماء اذ هو السبب للنماء

(3)

.

(1)

شرح الازهار ج 1 ص 48، 49.

(2)

كتاب الخراج لأبى يوسف ص 39 فصل حد أرض العشر من أرض الخراج الطبعة الأولى بالمطبعة الميرية بمصر سنة 1302 هـ.

(3)

الهداية ج 4 ص 358 الى ص 360 على هامش فتح القدير بالمطبعة الأميرية سنة 1360 هـ

ص: 111

‌مذهب المالكية:

قال فى الشرح الصغير للدردير

(1)

:

ووقفت الارض غير الموات من أرض الزراعة والدور بمجرد الاستيلاء عليها ولا يحتاج وقفها لصيغة من الامام ولا لتطييب أنفس المجاهدين بشئ من المال ولا يؤخذ للدور كراء بخلاف أرض الزراعة وفائدة وقف الدور أنها لا تباع ولا يتصرف فيها تصرف الملاك وهذا ما دامت باقية بأبنيتها التى فتحت عليها فان تهدمت وجدد فيها بناء جاز بيعها وهبتها والأخذ بالشفعة كما هو الآن بمصر ومكة وغيرها وأما الموات فلا كلام لأحد عليها، ومن أحيا منها شيئا فهو له ملكا كأرض مصر والشام والعراق من كل ما فتحت عنوة والواجب فى هذه الأرض الخراج لأنها خراجية وغير الخراجية - أى العشرية - هى أرض الصلح التى أسلم أهلها بغير قتال وأرض الموات كأرض الجبال والبرارى مثلا وهى: كل أرض لا اختصاص لأحد عليها

(2)

، قال القرافى: الخراج نوعان، ما وضعه عمر رضى الله عنه على أرض العراق لما فتحها عنوة وقسمها بين المسلمين ثم رأى أن ينزلوا عنها لئلا يشتغلوا بالجهاد فتخرب أو تلهى عن الجهاد، فنزل عنها بعضهم بعوض وبعضهم بغير عوض وضرب الخراج عليها ووقفها على المسلمين، والنوع الثانى ما يصالح به الكفار على أراضيهم فتكون كالجزية يسقط باسلامهم بخلاف الأول وكذلك الحكم فى أرض العنوة كلها أنها توقف على المسلمين وتترك بيد أهلها ليعملوا فيها فاذا أسلموا لم يسقط الخراج لأنه أجرة والارض للمسلمين

(3)

انظر عشر وخراج.

‌مذهب الشافعية:

قال فى كتاب الأنوار لعمل الأبرار:

يجب العشر مع الخراج فى الخراجية وهى أن يفتح الامام بلدة عنوة ويقسمها بين الغانمين ثم يعوضهم عنها ويقفها على المسلمين ويضرب عليها خراجا كما فعله عمر رضى الله عنه بسواد العراق أو يفتح بلدة صلحا على أن تكون الأرض لنا ويسكنها الكفار بخراج معلوم فالأرض فيئ والخراج أجرة

(4)

انظر عشر وخراج.

‌مذهب الحنابلة:

قال فى كشاف القناع: الأرض على ثلاثة أضرب للاستقراء أحدها ما فتح

(1)

ج 1 ص 161 وما بعدها شرح بلغة السالك مطبعة مصطفى البابى الحلبى.

(2)

بلغة السالك على الشرح الصغير ج 1 ص 213.

(3)

مواهب الجليل على الحطاب ج 2 ص 278 الطبعة الأولى مطبعة السعادة سنة 1328 هـ.

(4)

الأنوار لعمل الأبرار ج 1 ص 128، 129 المطبعة الميمنية ص 1310.

ص: 112

عنوة أى قهرا أو غلبة وهو شرعا ما أجلى عنها أهلها بالسيف فيخير الامام تخيير مصلحة فيلزمه أن يفعل ما يراه الامام أصلح لأنه نائب للمسلمين فلا يفعل الا ما فيه صلاحهم بين قسمتها على الغانمين كمنقول لأنه صلى الله عليه وسلم قسم نصف خيبر بين الغانمين ووقف نصفها لنوائبه وحوائجه - رواه أبو داود من حديث سهل بن أبى خثعمة فتملك الأرض التى فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين بقسمها ولا خراج عليها لأنها ملك الغانمين، ولا خراج أيضا على ما أسلم أهله عليه كالمدينة أو صولح أهله على أن الأرض لهم كأرض اليمن والحيرة وبانقيا أو أحياه المسلمون كأرض البصرة فكل ذلك لا خراج عليه لأنها أرض عشرية.

وبين وقفها للمسلمين بلفظ يحصل به الوقف كما وقف عمر الشام ومصر والعراق وسائر ما فتحه وأقره الصحابة على ذلك، ويضرب عليها الامام بعد وقفها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هى فى يده من مسلم ومعاهد يكون أجرة لها لأنها تكون أرضا خراجية.

الضرب الثانى: ما جلا عنها أهلها خوفا وفزعا وظهرنا عليها فتصير وقفا بنفس الظهور عليها قال فى الانصاف: هذا المذهب وعليه الأصحاب لأنها ليست غنيمة فتقسم فيكون حكمها حكم الفئ أى للمسلمين كلهم فلا تكون خراجية.

الضرب الثالث: مما صولحوا عليه من الارض وهو ضربان: أحدهما، أن يصالحهم الامام أو نائبه على أن الارض لنا ونقرها معهم بالخراج فهذه الارض تصير وقفا بنفس ملكنا لها كالتى قبلها ويكون خراجها أجرة لها لا تسقط باسلامهم ويؤخذ الخراج منهم وممن انتقلت اليه من مسلم ومعاهد كسائر الاجر، وما كان فى أرض الخراج من شجر وقت الوقف فثمره المستقبل لمن تقر بيده الأرض، فيه عشر الزكاة، قال فى الانصاف: هذا الصحيح من المذهب، والضرب الثانى مما صولحوا عليه: أن يصالحهم الامام أو نائبه على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها فهو صلح صحيح لا مفسدة فيه فهذه ملك لأربابها وتصير دار عهد خراجها كالجزية التى تؤخذ على رءوسهم ما دامت بأيديهم، ان أسلموا سقط عنهم لأن الخراج الذى ضرب عليها انما كان لأجل كفرهم فيسقط باسلامهم كالجزية وتبقى الارض ملكا لهم بغير خراج يتصرفون فيها كيف شاءوا كما لو انتقلت هذه الارض الى مسلم فانه لا خراج عليه، ولا يسقط خراجها ان انتقلت الى ذمى من غير أهل الصلح لأنه بالشراء رضى بدخوله فيما دخل عليه البائع فكأنه التزمه

(1)

.

(1)

كشاف القناع ج 1 من ص 686 الى ص 691 طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1366 هـ.

ص: 113

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار

(1)

: الخراج ما ضرب على أرض من أراضى الكفار التى فتحها المسلمون وتركت فى يد أهلها على أن يؤدوا ما ضرب عليهم فيها من الخراج وذلك كأراضى سواد الكوفة ومصر والشام وخراسان، فان المسلمين افتتحوها ولم يقسموها بل تركوها فى أيدى أهلها على خراج، وكل أرض أسلم أهلها طوعا أو أحياها مسلم فعشرية أى الواجب فيها الزكاة، عشر أو نصف عشر، ولا خراج عليها

(2)

.

‌قسمة الأرض وما يشترط لتحققها

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أنه اذا أراد شركاء قسمة أرض بينهم فأن أقروا بالملك مطلقا عن سبب الانتقال قسم باقرارهم ويذكر القاضى فى محضره أنه قسمه باقرارهم ولم يقض على أحد منهم.

وان اقروا بالملك بسبب الميراث فلا يقسم عند أبى حنيفة حتى يقيموا البينة على موت المورث وعلى عدد الورثة وعند الصاحبين يقسم بينهم باقرارهم

(3)

.

ويرى الحنفية أيضا انه اذا كانت أقرحة

(4)

متعددة متفرقة مشتركة قسم كل قراح على حدته على الرأى الراجح فى المذهب لأن العبرة للمعنى وهو المقصود ويختلف ذلك باختلاف البلدان والمحال والجيران والقرب الى الماء اختلافا فاحشا فاذا لم تختلف اختلافا فاحشا جاز قسمتها على الوجه الذى يراه القسام عادلا. واذا كانت الارض بناء قسمت بطريق الرد على الرأى الراجح وهو أن يرد على شريكه بمقابلة البناء ما يساويه من العرصة واذا بقى فضل ولم يمكن تحقيق التسوية بأن كان لا تفى العرصة بقيمة البناء فحينئذ يرد للفضل دراهم لان الضرورة فى هذا القدر فلا يترك الاصل الا بها فان قسم ولاحدهم مسيل فى نصيب الآخر أو طريق لم يشترطه فى القسمة فان أمكن صرف الطريق والمسيل عنه ليس له حق المرور فى طريق الآخر لأنه أمكن تحقيق معنى القسمة من غير ضرر بأن لا يبقى لكل واحد منهما تعلق بنصيب الآخر بصرف الطريق والمسيل الى غيره فلا تدخل فيه الحقوق وان شرطت وان لم يمكن فسخت القسمة

(5)

.

وهناك تفصيل موضعه فى مصطلح (قسمة).

‌مذهب المالكية:

يرى المالكية أن قسمة العقار بالقيمة لا بالمساحة ان اختلفت أجزاء المقسوم فان اتفقت

(1)

ج 1 ص 571.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 580 وص 581.

(3)

البدائع ج 7 ص 23 وما بعدها.

(4)

القراح المزرعة التى ليس فيها بناء ولا شجر والجمع أقرحة المصباح المنير ج 2 ص 67.

(5)

فتح القدير وبهامشه العناية ج 8 ص 13، 17.

ص: 114

لم يحتج لتقويم بل يقسم مساحة وأفرد فى قسمة القرعة كل نوع على حدته بمعنى انه لا يضم لغيره فى القسم فلا يجمع بين نوعين ولا بين صنفين متباعدين بل كل نوع على حده

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

ذهب الشافعية الى أن الأرض ان كانت مشتبهة الاجزاء أى متساوية فى القوة والضعف وليس فيها نحو زرع فتقسم وحدها ولو اجبارا فان كان فيها زرع لم تصح قسمته وحده ولا قسمتهما معا الا أن يكون فسيلا لم يبد صلاحه فتجوز قسمته معها بالتراضى وتقسم بالاجزاء فيجبر الممتنع عليها اذ لا ضرر عليه فيها واذا كانت الأرض تختلف قيمة اجزائها بحسب قوة الانبات وقرب الماء تعدل السهام بالقيمة.

واذا كانت بينهما أرض مختلفة الاجزاء بعضها عامر وبعضها خراب أو بعضها قوى والآخر ضعيف أو بعضها شجر وبناء وبعضها يباب أو بعضها يسقى بالسيح وبعضها بالناضح (البعير يستقى عليه) روعيت التسوية بين الأنصباء بقدر الأمكان اما بقسمة كل جزء على حدة وأما بمراعاة القيمة

(2)

على تفصيل فى ذلك.

‌مذهب الحنابلة:

وقد وافق الحنابلة الشافعية فيما اذا كان فى أحد جوانب الأرض بئر وفى الآخر شجرة حيث تعدل بالقيمة ويرد لمن كان نصيبه لا يعادل الآخر ما يقع به التعادل

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

يرى الظاهرية قسمة كل شئ سواء كان أرضا أو دارا صغيرة أو كبيرة أو حماما

(4)

على تفصيل عندهم.

‌مذهب الزيدية:

جعل الزيدية من شروط القسمة تقويم المختلف كالقيميات من الأراضى فلا يصح قسمتها بزارعة بل لا بد من التقويم الا مع التراضى وتقدير المستوى بالزرع فان فعلوا من دون ذلك لم يصح على تفصل فى ذلك

(5)

كما جعلوا استيفاء المرافق على وجه لا يضر أى الشريكين حسب الامكان.

‌مذهب الإباضية:

اذا كانت الأصول فى محل واحد جازت قسمتها اتفاقا ان انقسمت على أقل الأجزاء انقساما معتبرا بأن يكون صاحب الجزء الأقل ينتفع بجزئه فيما اعتبر من الانتفاع فى ذلك المشترك وان لم يكن فى محل واحد أو لم يتساووا فى الانتفاع أو كان صاحب

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 من ص 440 الى ص 442.

(2)

قليوبى وعميرة ج 4 ص 315 الى ص 317 والمهذب للشيرازى ج 2 من ص 325 الى ص 331 طبع دار الكتب العربية.

(3)

المغنى ج 11 ص 501 وص 502 طبعة المنار سنة 1348 هـ.

(4)

المحلى ج 8 ص 130، 133 المطبعة المنيرية طبعة أولى سنة 1350 هـ.

(5)

شرح الازهار ج 3 من ص 381 الى ص 384 طبعة حجازى سنة 1357 هـ.

ص: 115

الأصل لا ينتفع فقد اختلفت فيها الآراء

(1)

.

‌تملك الارض

تملك الارض بالتصرفات الناقلة للملكية وبالبوراثة وبالشفعة والاحياء والاقطاع على تفصيل وشروط فى المذاهب.

‌الارض الموات

الارض الموات هى الأرض التى لا مالك لها من الآدميين ولا ينتفع بها وفى طريقة احيائها وتملكها والانتفاع بها تفصيل موضعه مصطلح احياء.

‌التصرف فى الأرض وما يتبعها فيه

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الهداية: ومن باع أرضا دخل ما فيها من النخل والشجر وان لم يسمه لأنه متصل بها للقرار فأشبه البناء ولا يدخل الزرع فى بيع الارض الا بالتسمية لانه متصل بها للانفصال والجذاذ فشابه المتاع الذى فيها

(2)

، وجاء فى فتح القدير:

ولا يدخل الشرب والطريق فى بيع الأرض والدار الا بذكر الحقوق وكذا فى الاقرار والصلح والوصية وغيرها ويدخلان فى الاجارة والرهن والوقف والقسمة لأنها تعقد للانتفاع ولا انتفاع بدونهما بخلاف البيع فانه يعقد لملك الرقبة فقد يراد به الانتفاع بالتجارة

(3)

وقال فى شرح العناية على الهداية

(4)

مسائل هذا الباب مبنية على قاعدتين: احداهما أن كل ما هو متناول اسم المبيع عرفا دخل فى البيع وان لم يذكر صريحا، والثانية أن ما كان متصلا بالمبيع اتصال قرار كان تابعا له فى الدخول - انظر بيع.

‌ما يتبع الارض اذا وقفت

جاء فى فتح القدير

(5)

: ويجوز وقف العقار وهو الارض مبنية كانت أو غير مبنية ويدخل البناء فى وقف الارض تبعا فيكون وقفا معها وفى دخول الشجر روايتان، وقال أبو يوسف: اذا وقف ضيعة ببقرها وأكرتها وهم عبيده جاز (والأكرة الحراثون) وكذا آلات الحراثة اذا كانت تبعا للارض تجوز لانها تبع للارض فى تحصيل ما هو المقصود منها وقد ثبت من الحكم تبعا مالا يثبت مقصودا كبيع الشرب والطريق لا يجوز مقصودا ويجوز تبعا ومحمد مع أبى يوسف فيه لأنه لما جاز أفراد بعض المنقول بالوقف عنده فتجويزه تبعا للعقار أولى.

وذكر فى أحكام الوقف لهلال: اذا وقف أرضا وفيها ثمرة قائمة أو

(1)

شرح النيل ج 5 ص 357 وما بعدها.

(2)

الهداية مع فتح القدير ج 5 ص 98 وص 99 طبعة اولى المطبعة الأميرية سنة 1316 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 98 الطبعة السابقة.

(4)

ج 5 ص 97 من فتح القدير.

(5)

المرجع السابق ج 5 ص 48 وص 49 الطبعة السابقة.

ص: 116

غلة فهى للواقف دون الفقراء لأن الغلة القائمة لا تدخل تبعا للاصل ويدخل فيه النخل القائم والشجر وكل ما يدخل فى البيع يدخل فى الوقف ولو كان فيها نقض منقوض أو نخل فهو للورثة ان كان الوقف بعد وفاة الواقف ولو وقف أرضا ولها حصة فى نهر أو شرب أو طريق أو مغيض فالقياس عندنا أن يكون الوقف على ما أطاقت الحدود خاصة دون ما سوى ذلك واستحسن هلال جعل ما كان لها من حق موقوفا مثلها، ولا يدخل الشئ المنقوض والنخل المضروب والثمرة القائمة وقت العقد

(1)

على تفصيل موضعه مصطلح وقف.

‌ما يتبع الأرض اذا أجرت

جاء فى بدائع الصنائع: ولو استأجر الأرض مع الشرب جاز تبعا كما فى البيع ولو استأجر أرضا ولم يذكر الشرب والمسيل أصلا فالقياس أن لا يكون الشرب والمسيل كما فى البيع وفى الاستحسان كان له ويدخلان تحت اجارة الأرض من غير تسمية نصا لوجودها دلالة لأن الاجارة تمليك المنفعة بعوض ولا يمكن الانتفاع بالأرض بدون الشرب فيصير الشرب مذكورا بذكر الأرض دلالة بخلاف البيع لأن البيع تمليك العين والعين تحتمل الملك بدونه

(2)

، انظر مصطلح «اجارة» .

‌مذهب المالكية:

قال فى الشرح الصغير للدردير:

ويتناول العقد على الأرض البناء والشجر من بيع أو رهن وكذا الهبة والصدقة والوقف فمن اشترى أرضا وفيها بناء أو شجر لم يذكر حين شراء أرضها دخلا فى بيع الأرض الا لشرط أو عرف يقضى بخلاف ذلك فيعمل به وتناولت الأرض اذا بيعت أو رهنت البذر الذى لم ينبت فيدخل فى بيعها ولا يتناول بيع الأرض الزرع الظاهر عليها بل هو لبائعهم الا لشرط أو عرف ولا تتناول الأرض مدفونا بها من رخام وعمد وحلى ونقد وغير ذلك بل هو لمالكه بلا خلاف

(3)

وقال فى حاشية الدسوقى: من اكترى أرضا أو دارا فيها شجر مثمر لم يبد صلاحه يجوز لذلك المكترى اشتراط دخول الشجر فى عقد الكراء ان كان الكراء وجيبة وكان طيب الثمر فى مدة الاجارة وكانت قيمة الثمر الثلث فأقل بالتقويم وأن يكون اشتراط دخولها لاجل دفع الضرر فان تخلف شرط من هذه الأربعة فلا يجوز اشتراط دخوله فى عقد الكراء فان اشترط دخوله فسد العقد أما لو كان قد بدا صلاحه وقت العقد جاز

(1)

أحكام الوقف لهلال من ص 286 الى ص 289 الطبعة الأولى مطبعة دار المعارف العثمانية بحيدر أباد سنة 1355 هـ.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 190 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ باب الشرب.

(3)

الشرح الصغير للدردير ج 3 ص 76، ص 77.

ص: 117

اشتراط دخوله مطلقا ولو كانت قيمته أكثر من الثلث لأنه بيع واجارة لكونه مستقلا - وأما الزرع فلا يجوز ادخاله الا اذا نقص عن الثلث مع بقية الشروط لا ان قيمته ثلثا فقد شددوا فى اشتراط دخوله فى عقد الاجارة كما شددوا فى مساقاته حيث اعتبروا فيها شروطا لم تعتبر فى مساقاة الاصل فان أكريت مشاهرة لم يجز ادخال شئ لا من الثمر ولا من الزرع

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى أسنى المطالب: اللفظ المتناول غيره فى عقد البيع ستة:

الأول الأرض ومثلها البقعة والساحة والعرصة فان باعها أو رهنها بما فيها من أشجار وأبنية دخلت فى العقد ولو بقوله بعتك أو رهنتك الأرض بما فيها أو عليها أو بها أو بحقوقها وان استثناها كبعتك أو رهنتك الأرض دون ما فيها لم تدخل فى العقد وان أطلق كبعتك أو رهنتك الأرض دخلت فى البيع لأنها للثبات والدوام فى الارض فأشبهت جزأها فتبعتها كما فى الشفعة ويؤخذ منه تقييد الأشجار بالرطبة فتخرج اليابسة وقد صرح به ابن الرفعة والسبكى كسقفها يقسم ان عرش عليها عريش لعنب ونحوه أو جعل دعامة لجدار أو غيره صارت كالوتد فتدخل فى البيع لا فى الرهن لأن البيع قوى ينقل الملك فيستتبع بخلاف الرهن ومن ثم كان الوقف والهبة كالبيع كما اقتضاه كلام الرافعى وفى معنى ذلك الصدقة والوصية ونحوهما - ولا يدخل فى بيع الأرض مسيل الماء وشربها بكسر الشين أى نصيبها من القناة والنهر المملوكين حتى يشترطه كأن يقول بحقوقها والمراد الخارج من ذلك عن الأرض أما الداخل فيها فلا ريب فى دخوله نبه عليه السبكى بخلاف ما لو اكتراها لزرع أو غراس فان ذلك يدخل

(2)

، وما يتكرر ثمره فى سنتين فأكثر كالقطن الحجازى والنرجس أو يجذمرارا كالكرات والنعناع والقصب الفارسى والقت فالأصول فيه كالشجر فتدخل فى بيع الأرض والثمرة الظاهرة للبائع فلا تدخل بخلاف الكامنة لكونها كجزء من الشجر فدخلت معها فى بيع الأرض وكذا الجذة الموجودة عند بيع الأرض المشتملة على ما يجز مرارا للبائع بخلاف غير الموجودة

(3)

، والبذر الكامن فى الأرض يدخل فى بيعها ما يدوم وتدخل الحجارة المخلوقة والمثبتة فى الأرض فى بيعها

(4)

.

قال فى تيسير الوقوف على غوامض أحكام الوقوف

(5)

: من وقف بستانا

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 21 طبع دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى.

(2)

أسنى المطالب ج 2 ص 95 باب بيع الأصول والثمار الطبعة الميمنية سنة 1313 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 96 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 97، 98 الطبعة السابقة.

(5)

ورقة رقم 25 نسخة بقلم معتاد رقم خصوصى 709 مكتبة الأزهر.

ص: 118

بحقوقه دخل شجره وكل متصل به كالبيع الا الثمار فان وقفها غير جائز وهذا اذا كان مؤبرا ويؤخذ منه قوله كالبيع أن المراد بالشجر الرطب المغروس كما تقدم فى البيع، أما اليابس أو المقلوع فلا يدخل لأنه لا يراد الدوام كما صرحوا به، ولو وقفه ولم يقل بحقوقه دخل فيه ما ذكر أيضا، أو وقفه بدون حقوقه لم يدخل شئ من ذلك فالحاصل أن ما يدخل فى البيع يدخل فى الوقف ومالا فلا كما اقتضاه كلام الرافعى وصرح به غيره، وفى البحر لا يدخل فى وقف البستان الرقيق والثيران وقال فى مغنى المحتاج: سئل السبكى عن رجل وقف أرضا بها أشجار موز والعادة أن شجر الموز لا يبقى أكثر من سنة فزالت الأشجار بعد أن نبتت من أصولها أشجار ثم أشجار على مر الزمان فأجاب بأن الأرض وما فيها من أصول الموز وفراخه وقف وما نبت بعد ذلك من الفراخ ينسحب عليه حكم الوقف ولا يحتاج الى انشاء وقف

(1)

.

وجاء فى أسنى المطالب

(2)

: لو استأجر أرضا للزراعة ولها شرب معلوم لم يدخل شربها فى العقد الا لشرط أو عرف مضطرد فان اضطرب العرف بأن كانت تكرى وحدها تارة ومع الشرب أخرى أو استثنى الشرب لم يصح لاضطراب العرف فى الأول وكما لو استثنى ممر الدار فى بيعها فى الثانى الا ان وجد شرب غيره فيصح مع الاضطراب، والاستثناء لزوال المانع بالاغتناء عن شربها.

‌مذهب الحنابلة:

واذا باع أرضا أو بستانا أو رهن أرضا أو بستانا أو أقر بأرض أو بستان أو أوصى بأرض أو بستان أو أوقفه أو أصدقه فى نكاح دخل أرض وغراس وبناء ولو لم يقل بحقوقها لأنها من حقوق الأرض ويتبعان الارض من كل وجه لانهما يتخذان للبقاء وليس لانتهائها مدة معلومة بخلاف الزرع والثمرة وفى مسألة البستان لأنه اسم للارض والشجر والحائط بدليل أن الأرض المكشوفة لا تسمى به فان قال: بعتك هذه الأرض وثلث بنائها أو بعتك هذه الأرض وثلث غراسها ونحوه كالربع لم يدخل فى البيع من البناء والغراس الا الجزء المسمى، وكذلك لو قال: بعتك نصف الأرض وربع الغراس لم يتناول البيع من غراس النصف سوى الجزء المسمى معه ويدخل ماء الأرض المتبقية تبعا لها بمعنى أن المشترى يصير أحق به كالبائع لا أنه يملكه اذ لا يملك الا بالحيازة، وان كان فى الأرض المبيعة زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة (بفتح الراء) القضّة والبقول كالنعناع والشمر والكراث وسواء

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 367 المكتبة الحجازية باسكندرية.

(2)

ج 2 ص 419 الطبعة السابقة.

ص: 119

كان الزرع المذكور مما يبقى فى الأرض سنة كالهنديا أو أكثر من سنة كالرطبة أو كان بالأرض زرع تتكرر ثمرته كالقثاء والباذنجان أو كان بالأرض ما يتكرر زهره كبنفسج ونرجس وورد وياسمين ونحوها، فالأصول من جميع ذلك للمشترى لأنه يراد للبقاء أشبه الشجر أوراقه وغصونه فهو كورق الشجر وأغصانه للمشترى لأنه من أجزائها، والجزة واللقطة الظاهرتان والزهر الظاهر للبائع الا أن يشترطه المبتاع، وان كان فيها زرع لا يحصد الا مرة نبت أولا كبر وشعير لم يدخل ان لم يشترطه مشتر ولو كان فى الأرض المبيعة بذر فان كان أصله يبقى فى الأرض كالنوى وبذر الرطبة فحكمه حكم الشجر علقت عروقه أولا اذا أريد به الدوام فى الأرض. وان لم يرد به الدوام بل النقل ويسمى الشتل اذ كان أصله لا يبقى فى الأرض فكزرع. ولو باع الأرض بما فيها من البذر صح البيع فيدخل البذر تبعا. ويتناول البيع ما كان فى الأرض من الحجارة المخلوقة أو كان مبنيا كأساسات الحيطان المنهدمة والآجر المتصل بالأرض وحكم الهبة والرهن والوقف والاقرار والوصية بدار حكم بيعها

(1)

، وفى كشاف القناع يلزم المؤجر مع الاطلاق - أى اطلاق عقد الاجارة كل ما يتمكن به المستأجر من النفع مما جرت به عادة وعرف ويلزمه ازالة ثلج عن أرض مؤجرة ولو كان الثلج حادثا بعد الاجارة ليتمكن المستأجر من الانتفاع

(2)

وقال فى المحرر. على رب الأصل ما فيه حفظه كسد الحيطان وانشاء البحار والدولاب وما يديره من آلة ودابة

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى: من اشترى أرضا فهى له بكل ما فيها من بناء قائم أو شجر نابت وكذلك كل من اشترى دارا فبناؤها كله له وكل ما كان مركبا فيها من باب أو درج أو غير ذلك وهذا اجماع متيقن. وما زال الناس يتبايعون الدور والأرضين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا لا يخل يوم من أن يقع فيه بيع دار أو أرض هكذا ولا يكون له ما كان موضوعا فيها غير مبنى كأبواب وسلم ودرج وآجر ورخام وخشب وغير ذلك. ولا يكون له الزرع الذى يقلع ولا ينبت بل هو لبائعه، ومن ابتاع انقاضا أو شجرا دون الأرض فكل ذلك يقلع ولا بد

(4)

، ثم قال: الوقف جائز فى الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء ان كان فيها لما روى نافع عن ابن عمر قال: أصاب عمر أرضا بخيبر

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 225 الى ص 228 الطبعة السابقة باب بيع الاصول والثمار طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1366 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 14، 15 الطبعة السابقة.

(3)

المحرر ج 1 ص 355 طبع مطبعة انصار السنة المحمدية سنة 1369 هـ.

(4)

المحلى ج 9 ص 82.

ص: 120

فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:

أصبت أرضا لم أصب قط مالا أنفس منه فكيف تأمرنى فقال: ان شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق بها عمر انه لا يباع أصلها ولا تورث فى الفقراء والقربى والرقاب وفى سبيل الله والضيف وابن السبيل لاجناح على من وليه أن يأكل منها بالمعروف أو يطعمه صديقا غير متمول فيه

(1)

، ولا يجوز اجارة الأرض أصلا لا للحرث فيها ولا للغرس فيها ولا للبناء فيها ولا شئ من الأشياء أصلا لا لمدة مسماة قصيرة ولا طويلة ولا لغير مدة مسماة لا بدنانير ولا بدراهم ولا بشئ أصلا فمتى وقع فسخ أبدا ولا يجوز فى الأرض الا المزارعة بجزء مسمى مما يخرج منها أو المغارسة كذلك فقط فان كان فيها بناء قل أو كثر جاز استئجار ذلك البناء وتكون تبعا لذلك البناء غير داخلة فى الاجارة أصلا، برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض

(2)

.

ولا يجوز أن يشترط على صاحب الأرض فى المزارعة والمغارسة والمعاملة فى ثمار الشجر لا أجير ولا عبد ولا سانية ولا قادوس ولا حبل ولا دلو ولا عمل ولا زبل ولا شئ أصلا كل ذلك على العامل بشرط رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أن يعملوها من أموالهم فوجب العمل كله على العامل فلو تطوع صاحب الأصل بكل ذلك أو ببعضه فهو حسن لقوله تعالى «وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ»

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى الروض النضير: يدخل فى بيع الأرض الشجر النابت اذا كان مما يبقى فى العادة سنة فصاعدا كالنخيل والأعناب وأصول القصب والكرات لأن ما كان كذلك فهو كالأبنية التى فيها لثبوته واستقراره، ولا يدخل فى البيع ما يعتاد قطعه من ذلك النابت اذا كان حاصلا حال البيع وذلك كالثمار وورق التوت وأغصان الحناء ونحوها ولا يدخل فى المبيع تبعا لأنها فى حكم المباينة للأصول وكالخارجة عنها فأشبهت الشئ الملقى على ظهر الأرض المبيعة أو على أغصان الشجرة المبيعة فكما أن مثل ذلك لا يدخل فى بيع الأرض والشجرة فكذلك الثمر والورق والأغصان التى يعتاد قطعها فى كل سنة أو نحوها فاذا أدخلت فى العقد دخلت ومن اشترى حقلا فيه زرع ولا يسمى زرعا الا وهو غصن طرى فلا خلاف فى أن الزع للبائع ان لم يشترطه المشترى

(4)

وقال فى شرح الأزهار يدخل

(1)

المرجع السابق ص 75.

(2)

المحلى ج 8 ص 191.

(3)

المرجع السابق ص 232.

(4)

الروض النضير ج 3 ص 280، 281 الطبعة الأولى سنة 1347 هـ.

ص: 121

فى بيع الأرض الماء وان لم يذكر الا لعرف بأن تباع الأرض دون مائها والعكس ويدخل أيضا فى بيع الأرض السواقى التى يجرى الماء فيها الى الأرض والمساقى وهى الاصبات التى ينحدر منها ماء المطر الى الأرض وكذلك الحيطان وهى الجدران تدخل فى بيع الأرض تبعا واذا بيعت الأرض دخلت الطرق المعتادة ان كانت لها طرق معتادة مع البائع، والمتبع فى ذلك هو العرف فما قضى به من دخول القرار أو غيره فهذا المعول عليه ويدخل فى بيع الأرض شجر نابت مما يبقى سنة فصاعدا كالنخيل والأعناب وأصول القصب والكرات ولا يقطع ما يقتطع منه وان لم يشترط دخوله فى المبيع ولا يدخل فى بيع الأرض معدن بها ولا دفين من طعام أو غيره الا أن يدخل

(1)

وفى شرح الأزهار يدخل فى المبيع ونحوه كالنذر والهبة والوقف والوصية فانه يدخل فيها تبعا ما يدخل تبعا فى المبيع وقد سبق بيانه

(2)

وقال أيضا: رقبة الوقف النافذ وفروعه التى لا تقطع فى العادة وقف وأما التى تقطع فى العادة فليس بوقف كأغصان التوت ولا خلاف فى الثمر الذى يؤكل أنه لا يصير وقفا ملكا لله تعالى

(3)

.

مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية: الضابط يراعى فيه اللغة والعرف العام والخاص وكذا يراعى الشرع بطريق أولى بل هو مقدم عليها ولعله أدرج فى العرف لأنه عرف خاص ثم ان اتفقت فبها والا قدم الشرعى ثم العرفى ثم اللغوى وفى بيع بستان بلفظه تدخل الأرض والشجر قطعا والبناء كالجدار وما أشبهه من الركائز المثبتة فى داخله لحفظ التراب عن الانتقال أما البناء المعد للسكنى ونحوه ففى دخوله وجهان أجودهما اتباع العادة ويدخل الطريق والشرب للعادة ولو باعه بلفظ الكرم تناول شجر العنب لأنه مدلوله لغة أما الأرض والعريش والبناء والطريق والشرب فيرجع فيها الى العرف وكذا كل ما اشتمل عليه من الأشجار وغيره وما شك فى تناول اللفظ له لا يدخل، ويدخل فى بيع القرية البناء المشتمل على الدور وغيرها والمرافق كالطريق والساحات لا الأشجار والمزارع الا مع الشرط أو العرف كما هو الغالب الآن أو القرينة وفى حكمها الضيعة فى عرف الشام

(4)

.

وذكر فى كتاب الخلاف اذا قال بعتك هذه الأرض ولم يقل بحقوقها وفيها

(1)

شرح الأزهار ج 3 ص 126 الى ص 131.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 125.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 501، 502.

(4)

الروضة البهية ج 1 ص 337، 338 طبع مطبعة الكتاب العربى.

ص: 122

بناء وشجر لم يدخل فى البيع البناء والشجر وقال أيضا فى الخلاف اذا باع أرضا مع بذر فيها فالبيع صحيح دليلنا الآية ولا مانع فى الشرع يمنع منه

(1)

. وقال فى الروضة البهية: الثمرة لا تدخل وان كانت طلعا لم يؤبر لانها ليست كالجزء من الموقوف بدلالة العرف ويفهم منه أن ما كان كالجزء منها يدخل تبعا

(2)

وفى مفتاح الكرامة لو استأجر أرضا للزرع ولها شرب معلوم والعادة تقتضى التبعية دخل لان الظاهر أن استئجارها للزرع انما هو للتعويل على دخول شربها ولان الاطلاق يحمل على العادة والمتعارف والمفروض أن كل من يستأجرها يذكر الشرب معها ومعناه أنه جرت عادتهم بذلك ولو اضطربت العادة بأن تستأجر الارض مرة منفردة وتارة معه احتمل التبعية وعدمها واحتمال التبعية أقرب لأن الاجارة للزراعة كشرط الشرب

(3)

.

وفى الروضة البهية كل ما يتوقف عليه توفية المنفعة فعلى المالك والأقوى الرجوع فيه الى العرف فان اضطرب أو انتفى فعلى المستأجر

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: ومن باع أرضا أو أوصى بها أو وهبها أو أخرجها من ملكه بوجه ما وفيها نخل وشجر ولم يقل: كل ما فيها ولا وما فيها فهل يدخل ذلك بقوله بعتها كلها أو أوصيت بها كلها أو نحو ذلك أى يدخل بزيادة كلها أو لا حتى يقول بعتها كلها مثلا وكل ما فيها أو بعتها وما فيها أو بكلها وكل ما فيها وهو الصحيح. قولان، وظاهر كلامه أنه ان لم يقل كلها ولم يقل وما فيها لم يدخل ذلك اجماعا وليس كذلك بل فى دخوله خلاف والحق عدم الدخول ويدخل ذلك فى البيع بلفظ فدان وقطعة وبستان وجنه وحديقة ونحو ذلك وان بلا ذكر (وما فيها) لا كالبيع بلفظ أرض لا يدخل فيه ذلك بلا ذكر (وما فيها) ونحو ذلك على أحد القولين لان لفظ الفدان والقطعة والجنان والبستان ونحوهن اسم للأرض بما فيها

(5)

وقال أيضا فيما يتبع المبيع: تبع بلا قيمة مبيعا فى بيع ما يشمله اسمه ويفسد ان نزع منه اتفاقا كأرض وما نبت فيها من حب شجر ونوى تمر فلمشتريها ماله سعفة مما نبت من نوى النخلة وهى ورقة النخل والنوى، وما لا سعفة له بان خرجت له عروق ولم ينبت على الارض فهو له بالاولى، وماله سعفتان فصاعدا للبائع وقيل لمشترى الأرض ما لم يدر عليه ليف وما دار عليه ليف فللبائع وقيل

(1)

المجلد الأول ص 540، 542 مسألة 132 الطبعة الثانية مطبعة ركنين فى طهران.

(2)

الروضة البهية ج 1 ص 261.

(3)

مفتاح الكرامة ج 7 ص 248 طبع مطبعة الشورى بالفجالة سنة 1326 هـ.

(4)

الروضة ج 2 ص 12 الطبعة السابقة.

(5)

شرح النيل ح 4 ص 177 المطبعة السلفية ومكتبتها بالقاهرة سنة 1243 هـ.

ص: 123

للمشترى ما لم يتمر من النوى ولو دار عليه ليف وللبائع ما أتمر، ولمشترى الارض من الشجر شجر التين والزيتون والخوخ ما له ورقة وقيل ما له ورقتان وقيل ما لم يتمر وللبائع ما فوق ذلك وقيل ليس للمشترى فى النخل والشجر شئ ولو لم تكن الا سعفة أو ورقة، وان قال بعت الارض وما فيها دخلت الشجرة والنخلة ولو أتمرتا، وما نبت من ودى - صغار الفسيل - من أصل نخل فلمشترى نخلة ما خرج من أصلها ولم يحط به ليف، وللبائع ما أحاط به ليف، ولمشتريها ما خرج من أصلها ولم يتمر وللبائع ما أتمر، وما ثبت للبائع من ذلك كله فله تركه فى موضعه وحوضه

(1)

.

وكراء الماء الذى يتبع الأرض وتزرع منه فهو تابع لكرائها فكراؤها هو كراؤه ولذا لم يذكروه وذكروا الأرض وحدها

(2)

.

‌موات الأرض

‌تعريفه

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع:

(3)

هى أرض خارج البلد لم تكن ملكا لأحد ولا حقا له خاصا فلا يكون داخل البلد موات أصلا وكذا ما كان خارج البلدة من مرافقها مجتطبا لأهلها أو مرعى لهم لا يكون مواتا لان ما كان من مرافق أهل البلدة فهو حق أهل البلدة كفناء دارهم، وفى ظاهر الرواية ليس بشرط أن يكون بعيدا عن العمران حتى ان بحرا لو جزر - أى انحسر - ماؤه أو أجمة عظيمة لم تكن ملكا لاحد تكون أرض موات فى ظاهر الرواية.

‌مذهب المالكية:

قال فى حاشية الدسوقى: موات الأرض من اضافة الصفة للموصوف أى الأرض الميتة.

وموات الأرض ما سلم عن الاختصاص بوجه من الوجوه كأن يكون بعمارة ولو اندرست وبحريمها كمحتطب ونحو ذلك مما تقتضيه المصلحة

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

الأرض التى لم تعمر قط أى لم يتيقن عمارتها فى الاسلام من مسلم أو ذمى وليست من حقوق عامر ولا من حقوق المسلمين

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: قال الأزهرى:

هى الأرض التى ليس لها مالك ولا بها ماء ولا عمارة ولا ينتفع بها ويسمى ميتة ومواتا بفتح الميم والواو وقال فى المغنى: وفى القاموس: الموات كغراب وسحاب: مالا روح فيه وأرض لا مالك لها وهى الأرض المستقلة عن الاختصاصات

(1)

المرجع السابق ح 4 ص 205 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ح 5 ص 39 الطبعة السابقة.

(3)

ح 6 ص 194 الطبعة السابقة.

(4)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 4 ص 60 الطبعة السابقة.

(5)

نهاية المحتاج ح 5 ص 327 طبع بمطبعة مصطفى البابى الحلبى أولاده بمصر سنة 1357.

ص: 124

أو ملك معصوم مسلم أو كافر

(1)

وبهذا لم يخرج الحنابلة عن التعريف اللغوى

‌مذهب الظاهرية:

كل أرض لا مالك لها ولا يعرف أنها عمرت فى الاسلام

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

قال فى شرح الأزهار

(3)

: الموات من الأرض، التى لم تزرع ولم تعمر ولا جرت عليها يد ملك أحد، وموتان بفتح الميم والواو وهى الأرض الميتة.

‌مذهب الإمامية:

قال فى مفتاح الكرامة: الأرض التى لا مالك لها ولا ينتفع بها أحدكما فى الصحاح والمصباح، وفى النهاية: أنها الأرض التى لم تزرع ولم تعمر ولا جرى عليها ملك أحد، وفى التذكرة: هى الارض الخربة الدارسة التى باد أهلها واندرس رسمها وعليه لو بقيت

(4)

آثار الانهار والسواقى أو المروز لم تكن مواتا، ولهم تعريفات أخرى تنظر فى مصطلح أحياء الموات.

‌مذهب الإباضية:

قال فى شرح النيل: ذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحيا أرضا ميتة فهى له. وهو أن يعمر أرضا لا تنبت شيئا مثل السبخة أو جدران الماء ان لم تعرف فيها لاحد دعوى وقال آخرون: اذا لم يكن فيها أثر العمران ولم تعرف لاحد قبله، ومنهم من يقول: من عمر أرض البرارى والقفار ولم تعرف لاحد

(5)

.

‌اقطاع الامام الأرض

‌مذهب الحنفية:

ذكر فى رد المحتار لابن عابدين

(6)

قال أبو يوسف رحمه الله تعالى فى كتاب الخراج: وللامام أن يقطع كل موات وكل ما ليس فيه ملك لاحد ويعمل بما يرى أنه خير للمسلمين وأعم نفعا، وقال أيضا:

وكل أرض ليست لاحد ولا عليها أثر عمارة فاقطعها رجلا فعمرها فان كانت فى أرض الخراج أدى عنها الخراج وان كانت عشرية ففيها العشر، وقال فى ذكر القطائع: ان عمر اصطفى أموال كسرى وأهل كسرى وكل من فر عن أرضه أو قتل فى المعركة وكل مغيض ماء أو أجمة فكان عمر يقطع من هذا لمن أقطع قال أبو يوسف: ذلك بمنزلة بيت المال الذى لم يكن لاحد ولا فى يد وارث فللامام العادل ان يجيز منه ويعطى من كان له غناء فى الاسلام ويضع ذلك موضعه ولا يحابى به فكذلك هذه الأرض فهذا سبيل القطائع عنده فى أرض العراق، وانما صارت القطائع يؤخذ منها العشر لانها بمنزلة الصدقة، قلت: وهذا صريح

(1)

كشاف القناع ح 2 ص 406 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى ح 8 ص 233 الطبعة السابقة.

(3)

ح 3 ص 319 الطبعة السابقة.

(4)

مفتاح الكرامة ح 7 ص 2.

(5)

شرح النيل ح 6 ص 682.

(6)

ابن عابدين ح 3 ص 265 طبع دار الطباعة المصرية سنة 1272 ثم أنظر الخراج لابى يوسف ص 33، 34، 37 الطبعة الاولى الميرية سنة 1302 هـ.

ص: 125

فى أن القطائع قد تكون من الموات وقد تكون من بيت المال لمن هو من مصارفه وانه يملك رقبة الارض، ولذا قال يؤخذ منها العشر لانها بمنزلة الصدقة ويدل له قوله أيضا: وكل من أقطعه الولاة المهديون أرضا من أرض السواد وأرض العرب والجبال من الاصناف التى ذكرنا أن للامام أن يقطع منها فلا يحل لمن يأتى بعده من الخلفاء أن يرد ذلك، ولا يخرجه من يد من هو فى يده وارث أو مشتر، قال والأرض عندى بمنزلة المال فللامام أن يجيز من له غناء فى الاسلام ومن يقوى به على على العدو، ويعمل فى ذلك بالذى يرى أنه خير للمسلمين وأصلح لامرهم وكذلك الارضون يقطع الامام منها من أحب من الأصناف فهذا يدل على أن للامام أن يعطى الأرض من بيت المال - على وجه التمليك لرقبتها كما يعطى المال حيث رأى المصلحة اذ لا فرق بين الارض - والمال فى الدفع للمستحق أنظر اقطاع.

‌مذهب المالكية:

قال فى حاشية الدسوقى

(1)

. ويكون الاختصاص بسبب اقطاع الامام أرضا من موات أو من أرض تركها أهلها لأنها فضلت عن حاجتهم ولا بناء فيها ولا غرس - ومن الموات ما عمرت ثم درست وطال الزمن فان أقطعها الامام لانسان بعد طول اندراسها فقد ملكها واختص بها ومثل الامام نائبه ان أذن له فى الاقطاع وان لم يعين له من يقطع له. ثم اقطاع الامام ليس من الاحياء وانما الاحياء بلا تعمير بعده نعم الاقطاع تمليك مجرد فله بيعه وهبته ووقفه ويورث عنه ان حازه فان مات الامام قبل أن يحوزه من أقطعه له كان الاقطاع باطلا ومعنى كونه تمليكا مجردا أنه لا يحتاج معه الى عمارة والمراد أنه مجرد عن شائبة العوضية باحياء أو غيره، ولا يقطع الامام معمور أرض العنوة الصالحة لزراعة الحب ملكا بل امتاعا وانتفاعا ولا يقطع أيضا عقارها ملكا ومفهومه أن الصالحة لزراعة النخل فقط له اقطاعها ملكا وهو كذلك لانها موات وأما ما لا يصلح لزراعة الحب وليس عقارا للكفار فانه من الموات يقطعه ملكا أو امتاعا أى انتفاعا مدة حياته مثلا أو أربعين سنة وان صلح لغرس الشجر وانما لم يقطع المعمور ملكا لانه يصير وقفا بمجرد الاستيلاء عليه وأما أرض الصلح فليس للامام اقطاعها مطلقا لأنها على ملك أهلها لا علاقة للامام بها سواء كانت معمورة أو مواتا ثم ما أقطعه الامام من العنوة ان كان لشخص بعينه انحل عنه بموته واحتاج لا قطاع بعده، وان كان لشخص وذريته وعقبه استحقته الذرية بعده، للانثى كالذكر الا لبيان تفضيل كالوقف - أنظر اقطاع.

‌مذهب الشافعية:

قال فى أسنى المطالب اقطاع الامام

(1)

. ح 4 ص 61 الطبعة السابقة

ص: 126

الموات لا لتمليك الرقبة كالتحجر فلا يقطع شخصا أرضا يعجز عنه ويصير المقطع أحق بما أقطعه لتظهر فائدة الاقطاع ويستثنى ما أقطعه النبى صلى الله عليه وسلم فلا يملكه الغير بالاحياء قياسا على أنه لا ينقض ما حماه أما اذا أقطعه لتمليك رقبته فيملكه وهل يلتحق المندرس الضائع بالموات فى جواز الاقطاع؟ وجهان: أصحها فى البحر نعم

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

قال فى كشاف القناع الاقطاع قسمه الأصحاب الى ثلاثة أقسام اقطاع تمليك، واقطاع استغلال.

واقطاع ارفاق. وقسم القاضى اقطاع التمليك الى موات وعامر ومعادن وجعل اقطاع الاستغلال على ضربين عشر وخراج - وللامام اقطاع موات لمن يحييه لانه عليه الصلاة والسلام أقطع بلال بن الحارث العقيق وأقطع وائل بن حجر أرضا وأقطع أبا بكر وعمر وعثمان وجمعا من الصحابة ولا يملك الموات بالاقطاع لانه لو ملكه ما جاز استرجاعه بل يصير المقطع كالمتحجر الشارع فى الاحياء لانه ترجح بالاقطاع على غيره ويسمى تمليكا لمآله اليه ولا ينبغى للامام أن يقطع الا ما قدر على احيائه لان فى اقطاعه أكثر من ذلك تضيقا على الناس فى حق مشترك بينهم مما لا فائدة فيه فان أقطع الامام أحدا أكثر مما يقدر على احيائه ثم تبين عجزه عن احيائه استرجعه الامام منه كما استرجع عمر من بلال بن الحارث ما عجز عن عمارته من العقيق الذى أقطعه اياه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌اقطاع الاستغلال:

ويجوز للامام اقطاع غير موات تمليكا وانتفاعا للمصلحة والظاهر أن مراد الاصحاب بالمصلحة التى يجوز الاقطاع لاجلها ابتداء ودواما.

‌مذهب الظاهرية:

قال فى المحلى: كل أرض لا مالك لها ولا يعرف أنها عمرت فى الاسلام فهى لمن سبق اليها وأحياها سواء باذن الامام فعل ذلك أو بغير اذنه لا اذن فى ذلك للامام ولا للامير ولو أنه بين الدور فى الامصار ولا لأحد أن يحمى شيئا من الارض عمن سبق اليها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو أن الامام اقطع انسانا شيئا لم يضره ذلك ولم يكن له أن يحميه ممن سبق اليه فان كان احياؤه ذلك مضرا بأهل القرية ضررا ظاهرا لم يكن لاحد أن ينفرد به لا باقطاع الامام ولا بغيره كالملح الظاهر والماء الظاهر والمراح ورحبة السوق والطريق والمصلى ونحو ذلك وأما ما ملك يوما باحياء أو بغيره ثم دثر واشغر حتى عاد كأول حاله فهو ملك لمن كان له لا يجوز لأحد تملكه بالاحياء أبدا فان جهل أصحابه فالنظر فيه الى الامام ولا يملك الا باذنه

(2)

.

(1)

أسنى المطالب ح 2 ص 448، ص 450.

(2)

المحلى ح 8 ص 233 الطبعة السابقة.

ص: 127

‌مذهب الزيدية:

قال فى البحر الزخار: للامام اقطاع الموات لا قطاعه صلى الله عليه وسلم الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام أى وقف ثم رمى بسوطه فقال صلى الله عليه وسلم أعطوه من حيث بلغ السوط - اخرجه أبو داود، ولفعل أبى بكر وعمر، روى أن أبا بكر اقطع اقطاعا لمن أحياه وملكه اياه لمصلحة هناك واقطع عمر العقيق وهو على ميل من المدينة ولم ينكر ذلك ولا يقطع أحدا أكثر مما يستطيع احياءه لاضراره ومن أقطع له يكون كالمتحجر فى الحكم الا أن الاقطاع لا يفتقر فى ثبوت الحق الى ضرب الاعلام بل يثبت الحق بمجرده، وله أيضا اقطاع بقاع فى الاسواق والطرق الواسعة بغير اضرار بأن يقطع حق من سبق اليها بعد رفع قماشه ويجعل غيره أولى فلا يستحق العود اليه، وفوائد الارض الظاهرة كالملح المأربى والبحرى وحجارة الارضية والقدور لا يصح تحجرها ولا تملك بالاحياء والاقطاع لرجوعه صلى الله عليه وسلم عن اقطاع الابيض بن حمال ملح مأرب، وأما الباطنة كمعادن الذهب والفضة والفيروزج ونحوها مما يستتر فى طبقات الارض ففى اقطاعه وجهان أصحها يصح

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

قال فى مفتاح الكرامة: الموات ملك للامام عليه السلام فيجوز له أن يفعل به ما يشاء من اقطاع ونحوه فاذا أقطعه وجب اتباع اقطاعه بمعنى أن المقطع يصير أولى من غيره فى الاحياء كما يصير المحجر أولى من غيره فيما يحجره ولا يزاحمه الغير ولا يصح رفع هذا الاختصاص بالاحياء، والاقطاع وحده كاف فى حصول الاولية، والاختصاص وان لم يحصل تحجر، وقد أقطع النبى صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث العقيق فلما ولى عمر قال:

ما أقطعته لتحجبه فاقطعه الناس، وأقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام فرمى بسوطه طلبا للزيادة على الحضر فأعطاه من حيث وقع السوط - والعقيق واد بظاهر المدينة - والحضر بالحاء المهملة والضاد المعجمة وهو عدوه ومعنى قام أى عجز عن التقدم والاقطاع يفيد الاختصاص أى صار أحق به بلا خلاف بين المسلمين وقال أيضا فى مفتاح الكرامة نقلا عن المبسوط: اذا حجر أرضا وباعها لم يصح بيعها وهو شاذ فأما عندنا فلا يصح بيعه لانه لا يملك رقبة الارض بالاحياء وانما يملك التصرف بشرط أن يؤدى للامام ما يلزمه عليها والظاهر من عبارة المبسوط أن التحجير احياء والاحياء عنده مطلقا لا يملك رقبة الارض وقد سبق أن الاقطاع كالتحجير

(2)

.

(أنظر اقطاع).

‌مذهب الإباضية:

قال فى شرح النيل

(3)

: ان أقطع الملك

(1)

البحر الزخار ح 4 ص 76 وص 78 وص 79 الطبعة السابقة.

(2)

مفتاح الكرامة ح 7 ص 25.

(3)

شرح النيل ح 10 ص 394 الطبعة السابقة.

ص: 128

الاعظم لأمير أو قاض أو وال أرضا أو مالا فله أخذه اذا كان على وجه الشرع ولو حاباهم دون نظائرهم ويترك ما بنى الولاة أو الامراء أو القضاة من المساجد أو المدارس أو الحصون أو الصوامع للأذان أو نحو ذلك فى مال الله وقال أيضا:

ولسابق فى مباح دفاع منازع فيه وقتاله اذ هو أولى به وكذا ما أقعده فيه حاكم أو نحوه كامام

(1)

.

«أنظر اقطاع» .

‌إساءة

‌تعريف الاساءة فى اللغة

جاء فى لسان العرب:

(2)

أساء الرجل اساءة خلاف أحسن، وأساء اليه نقيض أحسن اليه، وأساء الشئ أفسده، ويقال: أسأت به واليه وعليه وله، وساءه فعل به ما يكره قال الله عز وجل:

(3)

ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها فاذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم

» وجاء فى القرآن أيضا قوله تعالى:

(4)

«مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ» والسيئة الخطيئة، والسئ والسيئة عملان قبيحان، وفى القرآن الكريم قول الله تعالى:

(5)

{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ»،} والسوء: الفجور والمنكر، وقال الزجاج فى معنى السوء الوارد فى قول الله عز وجل

(6)

«وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ» السوء: خيانة صاحبه والفحشاء ركوب الفاحشة، وقال اللحيانى: السوء: اسم جامع للآفات والداء،

(7)

والمفسرون يذهبون الى أن معنى الاساءة الوارد فى قول الله عز وجل «وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها» هو المعصية.

ومما تقدم يتبين أن الاساءة لفظ شامل يطلق على الفعل القبيح ويطلق على الخطيئة ويطلق على فعل المكروه بالغير ويطلق على المعصية والمنكر أو هو كما قال اللحيانى: اسم جامع للآفات والداء.

‌تعريف الاساءة فى اصطلاح الفقهاء:

والفقهاء يسايرون أهل اللغة فى المعنى المقصود من لفظ اساءة لكن التعبير بنفس اللفظ غير شائع فى استعمالاتهم وانما نراهم يعبرون عنها بالمعنى المقصود منها فالاساءة اذا كانت ناتجة عن تجاوز الحد فى حق قرره الشرع فان الفقهاء يعبرون عن ذلك بلفظ المضارة والضرر والاضرار،

(1)

المرجع السابق ح 2 ص 331 الطبعة السابقة.

(2)

لسان العرب للامام العلامة ابن منظور ح 1 ص 95 وما بعدها طبع دار صادر دار بيروت ببيروت سنة 1374 هـ الطبعة الثانية.

(3)

الآية رقم 7 من سورة الاسراء.

(4)

الآية رقم 46 من سورة فصلت.

(5)

الآية رقم 25 من سورة الشورى.

(6)

الآية رقم 24 من سورة يوسف.

(7)

كتاب جامع البيان فى تفسير القرآن للامام أبى جعفر محمد بن جرير الطبرى ح 15 ص 24 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1328 هـ.

ص: 129

وهو تعبير القرآن الكريم فيمن اتخذ الحق الذى اعطاه الله للمالك فى الوصية ببعض ماله سبيلا الى ايذاء الورثة بالوصية مضارة لهم، قال الله عز وجل

(1)

«وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ» والثابت كذلك شرعا أن السيد له ولاية تأديب عبده وان الزوج له ولاية تأديب زوجته وذلك فى حدود قررها الشرع فاذا خرج كل من السيد والزوج عن الحدود المقررة شرعا فى التأديب فقد أساء استعمال حقه وألحق بغيره ضررا يستحق عليه العقوبة، وفى الحديث ما رواه ابن عمر مرفوعا عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:

من لطم عبده فكفارته عتقه

(2)

، على أن بعض الفقهاء ذكر لفظ الاساءة ثم فسرها بمعنى الضرر، يقول خليل والدردير من المالكية فى الشرح الصغير

(3)

ان حصل نزاع بين الزوجين بعث الحاكم حكمين للاصلاح بينهما فان تعذر الاصلاح حكما بالطلاق بلا مال يأخذانه للزوج من الزوجة ان كانت الاساءة من الزوج، أو حكما بالخلع - أى بمال - يأخذانه من الزوجة للزوج ان كانت الاساءة منها، وان أساءا معا أى بأن كان كل من الزوج والزوجة يضر بصاحبه تعين الطلاق بلا خلع، وهكذا نرى الفقهاء يعبرون فى المواضع التى يساء فيها استعمال الحق بلفظ المضارة أو بلفظ الضرر والاضرار، وتفصيل الكلام فى ذلك ينظر فى هذه المصطلحات.

ومن ناحية أخرى فان اساءة استعمال الحق قد تتعدد أنواعها بتعدد موضوعاتها وذلك مثل الشركة فى الارتفاق واساءة استعمال الحق فيها مثل حق الشرب وحق الطريق وحق المسيل، ومثل ذلك أيضا حقوق الجوار واساءة استعمال الحق فيها، وقد اتفق الفقهاء على أثم من يتصرف فى ملكه تصرفا يسئ الى جاره، ومثل ذلك أيضا العقود واساءة استعمال الحق فيها وذلك أن العقود الشرعية ترتب حقوقا لكلا العاقدين، وقد قرر الشارع أحكاما فى العقود لمنع اساءة استعمالها ومن ذلك ان عقد

(4)

الاجارة ينتهى بانتهاء مدته، فاذا انتهى وفى الارض زرع فان الارض تستمر فى يد المستأجر بأجرة المثل ولا يسوغ للمالك أن يسترد الارض من المستأجر قبل أن يحصد زرعه والا كان هذا مضارة به ..

(1)

الآية رقم 12 من سورة النساء.

(2)

انظر فى ذلك كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات ح 3 ص 322 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.

(3)

بلغة المسالك لاقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للدردير ح 1 ص 408

(4)

نتائج الافكار لقاضى زاده تكملة فتح القدير شرح الهداية وبهامشه العناية ح 7 ص 167 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هـ.

ص: 130

وتفصيل الكلام فى ذلك ينظر فى مصطلحاته الخاصة به مثل ارتفاق وشركة وعقد وجوار وغير ذلك ..

أما اذا كانت الاساءة ناتجة عن سوء طبع وكان الحاق الضرر بالغير غير مستند الى حق أسئ استعماله فان الفقهاء يعبرون عن ذلك باسم الفعل نفسه فاذا كان الحاق الضرر بالغير من ناحية المال مثلا فان ذلك يعرف عند الفقهاء باسم السرقة أو باسم الغصب أو باسم النهب أو باسم الاختلاس، واذا كان الضرر لاحقا بالنفس أو أطرافها سمى ذلك عند الفقهاء جناية وجرحا وهكذا، واذا كان الضرر لاحقا بالعرض سمى ذلك قذفا أو زنا وهكذا ويرجع فى بيان أحكام ذلك كله الى مصطلحاته الخاصة به.

‌استئذان

‌الاستئذان فى اللغة وفى الشرع

هو طلب الاذن، واستأذنه طلب منه الاذن

(1)

.

والفقهاء أيضا يستعملونه بهذا المعنى فقد قال صاحب البدائع

(2)

: الاستئذان هو طلب الاذن.

مجاله: مجال الاستئذان ومسائله كثيرة منتشرة فى كتب الفقه الا أن الأحكام التى وردت فى كثير منها تتعلق بلفظ الاذن أكثر من تعلقها بلفظ الاستئذان كاذن السيد لعبده فى التجارة واذن الصبى والعبد بالتزوج واذن الورثة فى الوصية وقد ذكرت هذه الأحكام مفصلة فى مصطلح «اذن» فيرجع اليها.

لكن أخفى أماكن الاستئذان المشهورة فى كتب الفقه موضعان وهما:

الموضع الأول: استئذان البكر فى الزواج وأصل الكلام فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، والبكر تستأمر واذنها سكوتها» وهل الاستئذان واجب أو سنة وهل هذا الحكم بالنسبة للأب أو يشمل غيره من الأولياء وما كيفية الاستئذان وما السنة فى ذلك ثم ما حكم ما لو زوجها وليها بدون استئذان؟ وتفصيل القول فى ذلك يرجع فيه الى مصطلح «اذن» ومصطلح «استئمار» .

الموضع الثانى: الاستئذان فى دخول البيوت وأصل الكلام فيه قول الله سبحانه وتعالى:

(3)

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ}

(1)

ترتيب القاموس المحيط ح 1 ص 91 الطبعة الاولى سنة 1959 م طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ح 5 ص 124 الطبعة الاولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.

(3)

الآية رقم 27، 28، 29 من سورة النور.

ص: 131

{تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ» وقد بسط الفقهاء القول فى ذلك كثيرا من حيث حكم الاستئذان وكيفيته ومن يباح له الدخول بغير استئذان ومن لا يباح له ذلك الا بالاستئذان ومن حيث الأماكن نفسها اذا كانت مسكونة أو غير مسكونة ويشمل ذلك أيضا الدخول على الزوجة وعلى المحرم وعلى الأجنبى ويشمل كذلك الأوقات التى يباح فيها بدون استئذان والتى لا يباح فيها الا بالاستئذان وكذلك الحكم بالنسبة للأشخاص كالطفل والأعمى وغير ذلك من الأحكام.

وتفصيل الكلام فى ذلك يرجع فيه الى مصطلح «دخول» .

‌استئمار

‌تعريف الاستئمار

أولا فى اللغة:

الائتمار والاستئمار المشاورة. وكذا التآمر على وزن التفاعل وفى الحديث آمروا النساء فى أنفسهن أى شاوروهن فى تزويجهن

(1)

.

ثانيا: فى اصطلاح الفقهاء: طلب الأمر أى الاذن

(2)

.

‌الفرق بين الاستئمار والاستئذان

هو أن الاستئمار لا يكون جوابه الا بالنطق لأنه طلب الأمر. والامر لا يكون الا بالنطق أما الاستئذان فهو طلب الاذن. وهو يصح بالسكوت

(3)

.

‌من تستأمر من النساء

‌مذهب الحنفية:

تستأمر

(4)

من النساء البالغة بكرا كانت أو ثيبا. لما روى عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة فخيرها النبى صلى الله عليه وسلم ولقوله عليه السلام

(5)

: «البكر تستأمر فى نفسها واذنها صماتها والثيب تشاور» . وما

(6)

روى أن رجلا زوج بنته وهى كارهة وهى تريد عم صبيانها ففرق رسول الله صلى

(1)

لسان العرب ج 4 مادة أمر. ص 30.

(2)

الفتح على الهداية ج 2 ص 396.

المغنى لابن قدامة ج 7 ص 384.

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 6 ص 224 طبعة الحلبى سنة 1357 هـ والشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 228، 246 والتاج والاكليل للمواق على الحطاب ج 3 ص 434 المحلى لابن حزم ج 9 ص 461.

الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 4 ص 31، الخلاف للطوسى ج 2 ص 144 شرح النيل ج 3 ص 74.

(3)

النهاية لابن الاثير مادة أمر.

(4)

فتح القدير ج 2 ص 395.

(5)

المبسوط للسرخسى ج 4 ص 196.

(6)

المبسوط للسرخسى ج 5 ص 9.

ص: 132

الله عليه وسلم بينها وبين الذى زوجها منه أبوها ثم زوجها عم أولادها. وهذه المرأة كانت ثيبا لأن الراوى قال وهى تريد عم صبيانها.

ويندب

(1)

استئمار أمهات البنات لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك فى قوله:

«تؤامر النساء فى أبضاع بناتهن» .

‌مذهب المالكية

(2)

:

تستأمر من النساء:

1 -

المجنونة جنونا غير مطبق. ينتظر افاقتها اذا كانت ثيبا بالغة ولا يزوجها أبوها الا برضاها.

2 -

البكر العانس عند ابن وهب، لأنها لما عنست صارت كالثيب.

3 -

البكر اذا أراد أبوها زواجها لذى عاهة كخصى مقطوع الانثيين، ومجنون ومبرص ومجذوم وعنين ومجبوب وعبد ولو كان عبد الأب. وفى هذا لا بد من رضاها بالقول.

4 -

الثيب البالغة بنكاح صحيح أو فاسد مختلف فى فساده أو مجمع عليه ودرأ الحد.

أما من ثيبت بعارض الزنا وتكرر منها ذلك حتى زال حياؤها صغيرة كانت أو كبيرة فالارجح أنها لا تستأمر وفى قول تستأمر.

5 -

البكر التى رشدها أبوها وأذنها بالقول. ومثل البكر التى رشدها أبوها البكر اذا رشدها الوصى لا يزوجها الا برضاها وأذنها بالقول أيضا.

6 -

المرأة التى أقامت ببيتها الذى دخلت فيه مع زوجها سنة من يوم الدخول وأنكرت بعد فراقها الوط ء تنزيلا لاقامتها السنة منزلة الثيوبة.

7 -

الثيب الموصى بنكاحها يزوجها الوصى برضاها.

8 -

البالغ

(3)

عند عدم الأب ووصيه تزوج باذنها فان كانت ثيبا أعربت عن نفسها وان كانت بكرا كفى صمتها.

9 -

اليتيمة غير البالغ اذا خيف فسادها بفقر أو زنا أو عدم حاضن شرعى أو ضياع مال أو دين وبلغت من السنين عشرا يزوجها وليها باذنها بالقول ولكن الراجح أنه يكفى صمتها.

10 -

بكر

(4)

عضلت لم يذكر المتيطى هذه فى جملة الابكار اللاتى يتكلمن لكنه قال فى الوثيقة ما نصه بعد ثبوت أنها بكر عضلها أبوها فأنكحها فلان بعد أن استأمرها ولا يكون رضاها الا بالنطق.

11 -

للحاكم

(5)

تزويج ابنة الغائب المجبرة دون غيره من الاولياء فى غيبته البعيدة

(1)

المبسوط للسرخسى ج 4 ص 218.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 222، 223، 224.

(3)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 224، 225.

(4)

التاج والاكليل لمختصر خليل للمواق ص 433 ج 2 على مواهب الجليل للحطاب ص 434

(5)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 229.

ص: 133

كأفريقية اذا لم يرج قدومه بسرعة ولو لم يستوطن ولو دامت نفقتها ولم يخف عليها ضيعة وأذنها صمتها وقيل لا بد من اذنها بالقول.

‌مذهب الشافعية

(1)

:

تستأمر من النساء:

1 -

البكر. اذا زوجها أبوها ومثله الجد لأب عند فقده. اذا كان الزوج غير كفؤ أو معسرا بمال صداقها أو بينها وبينه عداوة. أو بينها وبين الولى عداوة ظاهرة. أو كان زواجها بغير مهر المثل أو بغير نقد البلد. اذا لم يعتدن الاجل أو غير نقد البلد.

2 -

الثيب البالغة العاقلة. ليس للولى أو غيره تزويجها وان عادت بكارتها الا باذنها لخبر مسلم. الثيب أحق بنفسها من وليها. ووجهه أنه لما مارست الرجال زالت غباوتها وعرفت ما يضرها وما ينفعها منهم بخلاف البكر.

هذا

(2)

ويستحب استئذان البكر البالغة العاقلة ولو سكرانة تطييبا لقلبها وعليه حملوا خبر مسلم والبكر يستأمرها أبوها جمعا بينه وبين خبر الدار قطنى «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها» كما بحث بعضهم ندب استئذان المميزة لاطلاق الخبر ولان بعض الائمة أوجبه.

‌مذهب الحنابلة

(3)

:

تستأمر المرأة فلا تزوج الا برضاها فى الاحوال الاتية:

1 -

تزويج الرجل ابنته البكر البالغة العاقلة فى احدى الروايتين عن أحمد واختارها أبو بكر لما روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن» فقالوا يا رسول الله فكيف أذنها؟ قال «أن تسكت» وروى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة فخيرها النبى صلى الله عليه وسلم ولانها جائزة التصرف فى مالها فلم يجز اجبارها كالثيب والرجل.

2 -

الكبيرة

(4)

والصغيرة اذا زوجهما غير الاب. اذ ليس لغير الأب إجبار كبيرة ولا تزويج صغيرة جدا كان أو غيره لقول النبى صلى الله عليه وسلم «تستأمر اليتيمة فى نفسها وان سكتت فهو أذنها وان أبت فلا جواز عليها» رواه أبو داود والنسائى.

وروى عن ابن عمر أن قدامة بن مظعون زوج

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 5 ص 175 وما بعدها ص 176.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ص 175 ج 5.

(3)

المغنى ج 7 ص 380.

(4)

المغنى ج 7 ص 383.

ص: 134

ابن عمر ابنة أخيه عثمان فرفع ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال «إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها» ولأن غير الاب قاصر الشفقة فلا يلى نكاح الصغيرة كالأجنبى.

والجارية اذا بلغت تسع سنوات فحكمها حكم البالغة فى احدى الروايتين وقد نص عليها ابن منصور لمفهوم قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» }.

وهو أنه اذا لم يخف فله تزويج اليتيمة.

ودلالة الخبر بعمومها على أن اليتيمة تنكح باذنها وان أبت فلا جواز عليها.

وقد انتفى به الاذن فيمن دونها فيجب حمله على من بلغت تسعا. وقد روى الامام أحمد باسناده عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت «اذا بلغت الجارية أى الصبية تسع سنين فهى امرأة ورواه القاضى باسناده عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم بمعناه فى حكم المرأة: ولانها بلغت سنا يمكن فيه حيضها ويحدث لهما حاجة الى النكاح فيباح تزويجها كالبالغة فعلى هذا اذا زوجت ثم بلغت لم يكن لها خيار كالبالغة اذا زوجت.

3 -

الثيب الكبيرة

(1)

:

لا يجوز للاب ولا لغيره تزويجها الا باذنها فان الخنساء ابنة حذام الانصارية روت أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه. رواه البخارى والائمة كلهم. وكانت الخنساء من أهل قباء تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلا من بنى عمرو ابن عوف فكرهته فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر.

وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تنكح الايم حتى تستأمر متفق عليه» .

وقال: الايم أحق بنفسها من وليها.

وروى أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «ليس للولى مع الثيب أمر» رواهما النسائى وأبو داود ولأنها رشيدة عالمة بالمقصود من النكاح مختبرة فلم يجز اجبارها كالرجل.

4 -

البكر

(2)

البالغة يستحب لوالدها استئذانها فان النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر به ونهى عن النكاح بدونه وأقل أحوال ذلك الاستحباب. ولأن فيه تطيب قلبها وخروجا عن الخلاف وقالت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها.

أتستأمر أم لا: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم تستأمر»

(1)

المغنى ج 7 ص 385.

(2)

المغنى ج 7 ص 384.

ص: 135

وقال «استأمروا النساء فى ابضاعهن فان البكر تستحى فتسكت فهو اذنها» متفق عليهما.

5 -

وكذلك يستحب استئذان المرأة فى تزويج ابنتها لقول النبى صلى الله عليه وسلم «آمروا النساء فى بناتهن» ولانها تشاركه فى النظر لابنتها وتحصيل المصلحة لها بشفقتها عليها وفى استئذانها تطيب قلبها وارضاء لها فتكون أولى.

‌مذهب الظاهرية

(1)

:

تستأمر من النساء البالغة العاقلة بكرا كانت أو ثيبا.

قال ابن حزم. وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها فإن وقع فهو مفسوخ أبدا.

فأما الثيب تنكح من شاءت وان كره الاب. وأما البكر فلا يجوز لها نكاح الا باجتماع اذنها واذن أبيها.

برهان ذلك: قول النبى صلى الله عليه وسلم «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها فى نفسها واذنها صماتها» فخرجت الثيب الصغيرة أو الكبيرة بعموم هذا الخبر وخرجت البكر البالغ به أيضا. لان الاستئذان لا يكون الا للبالغ العاقل للأثر الثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم. «رفع القلم عن ثلاث فذكر منهم الصغير حتى يبلغ» فخرجت البكر التى لا أب لها بالنص المذكور فلم تبق الا الصغيرة البكر ذات الاب فقط.

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها» ففرق عليه الصلاة والسلام بين الثيب والبكر فجعل للثيب أنها أحق بنفسها من وليها فوجب بذلك أنه لا أمر للاب فى انكاحها وأنها أحق بنفسها منه ومن غيره. وجعل البكر بخلاف ذلك وأوجب على الاب أن يستأمرها فصح أنه لا بد من اجتماع الامرين. أذنها واستئذان أبيها ولا يصح لها نكاح ولا عليها الا بهما جميعا. قال تعالى: «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها» }.

فوجب أنه لا يجوز على البالغة البكر انكاح أبيها بغير اذنها. وقد جاءت بهذا آثار صحاح.

‌مذهب الزيدية

(2)

:

تستأمر من النساء. البالغة بكرا أو ثيبا ولو كانت يتيمة. الا أن عبارة الرضا تختلف فى كل منهما. اذ الاستئمار طلب الامر. والمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الامر منها. وظاهر قوله صلى الله

(1)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 459، 460، 461، 469، 470.

(2)

الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 4 ص 31 وما بعدها.

ص: 136

عليه وسلم فى حديث أبى هريرة «لا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن» فى الثيب والبكر. ومثله حديث ابن عباس المروى عن مالك «والبكر تستأمر فى نفسها» .

والحديث يدل على اعتبار رضا المزوجة اذا كانت مكلفة سواء كانت بكرا أو ثيبا اذ الاذن لا يكون الا للبالغة.

وروى الحاكم عن نافع عن ابن عمر حديث «لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن» .

وزاد: «فان سكتن فهو اذنهن» .

‌مذهب الإمامية:

تستأمر من النساء:

1 -

الثيب سواء زوجها الاب أو غيره.

2 -

البكر اذا زوجها غير الاب. أما اذا زوجها الاب فلا تستأذن على الراجح وقيل تستأذن:

جاء فى كتاب الخلاف للطوسى

(1)

اذا بلغت الحرة الرشيدة ملكت العقد على نفسها وزالت عنها ولاية الاب والجد الا اذا كانت بكرا فان الظاهر من رواية أصحابنا أنه لا يجوز لها ذلك وفى أصحابنا من قال: البكر أيضا تزول ولايتهما عنها فأما غير الأب والجد فلا ولاية لأحد عليها سواء كانت بكرا أو ثيبا والأمر اليها فتتزوج كيف شاءت بنفسها أو توكل فى ذلك بلا خلاف بين أصحابنا لاجماع الفرقة واخبارهم.

ولقوله تعالى «فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ» فأضاف النكاح اليهن وروى عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن فى نفسها واذنها صماتها» والايم التى لا زوج لها وهو عام. وروى عن ابن عباس عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال «ليس للولى مع الثيب أمر» وهذا نص واجماع الفرقة منعقد فى خبر الثيب وفى البكر فيمن عدا الاب والجد لا يختلفون فيه.

وفيه أيضا

(2)

البكر ان كانت كبيرة فالظاهر فى الروايات أن للاب والجد أن يجبراها على النكاح ويستحب لهما أن يستأذناها واذنها صماتها. وقال قوم من أصحابنا ليس لوليها اجبارها على النكاح كالثيب الكبيرة.

لقوله تعالى «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ» والايم التى لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا. فالظاهر أن له اجبار الكل لانه لم يفرق بين الصغيرة فوجب حمل الآية على عمومها الى أن يقوم دليل على تخصيصها. وروى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الثيب أحق بنفسها

(1)

مسألة 6 ج 2 ص 140.

(2)

ج 2 ص 144 مسألة 10.

ص: 137

من وليها والبكر تستأذن فى نفسها وأذنها صماتها».

وروى عن ابن ميمون عن أبى عبد الله عليه السلام قال اذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر واذا كانت قد تزوجت لم يزوجها الا برضا منها.

هذا

(1)

- والثيب اذا كانت صغيرة قد ذهبت بكارتها أما بالزواج أو بغيره جائز لابيها العقد عليها ولجدها مثل ذلك قبل البلوغ وحكمها حكم الصغيرة البكر.

‌مذهب الإباضية

(2)

:

تستأمر من النساء:

1 -

البكر البالغة العاقلة لقوله صلى الله عليه وسلم «البكر تستأمر فى نفسها» أى يطلب منها الامر والاذن واذنها صماتها.

وقيل لا بد من استئمار البكر ولو غير بالغة وأن لها اذنا وهو ظاهر الحديث وظاهر الحديث أن البكر لا يزوجها الاب ولا غيره الا باستئمار وصرحت بذلك رواية «لا تنكح البكر حتى تستأذن» وعنه صلى الله عليه وسلم «أمر النساء الى أبائهن ورضاهن السكوت» رواه أبو موسى الاشعرى. وهذا يدل على أنه لا بد من رضاهن ولو كان المزوج أبا.

2 -

الثيب

(3)

البالغة العاقلة. فان قوله صلى الله عليه وسلم «والثيب تعرب عن نفسها» فى الثيب البالغة العاقلة وأما الثيب الطفلة فيزوجها الاب كالبكر عندنا.

وقد روى جابر بن زيد عن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم كانت خنساء بنت حذام الانصارية زوجها أبوها وهى ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فرد نكاحها.

وقوله صلى الله عليه وسلم «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن فى نفسها واذنها صماتها» وقوله صلى الله عليه وسلم «لا تنكح الايم أى الثيب» كما رواه الحسن بلفظ الثيب حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن» وقوله صلى الله عليه وسلم «استأمروا النساء فى أمرهن فان الثيب لا تنكح حتى تستأمر والبكر تستأذن واذنها صماتها» وقوله صلى الله عليه وسلم «استأمروا النساء فى ابضاعهن والحقوهن بأهوائهن والمعنى أطلبوا منهن الاذن فى فروجهن» .

‌بم يكون أذن المستأمرة ورضاها

‌مذهب الحنفية

(4)

:

المستأمرة اما أن تكون ثيبا واما أن

(1)

مسألة 15 ص 146 ج 2 كتاب الخلاف للطوسى.

(2)

شرح النيل ح 3 ص 74، 75، 76.

(3)

شرح النيل ج 3 ص 74، 75، 76.

(4)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 2 ص 241 وما بعدها.

ص: 138

تكون بكرا. فان كانت ثيبا فرضاها يعرف بالقول تارة وبالفعل أخرى. أما القول فهو التنصيص على الرضا وما يجرى مجراه نحو أن تقول رضيب أو أجزت أو نحو ذلك والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم «الثيب يعرب عنها لسانها» .

وأما الفعل فنحو التمكين من نفسها والمطالبة بالمهر والنفقة ونحو ذلك لان ذلك دليل الرضا والرضا يثبت بالنص مرة - أى القول منها وبالدليل أخرى وهو الامارات الدالة على الرضا والاصل فيه ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لبريرة ان وطئك زوجك فلا خيار لك. ولو زوجها

(1)

أبوها فسكتت لم يكن سكوتها رضا بالنكاح لان الاصل فى السكوت أن لا يكون رضا لكونه محتملا فى نفسه وانما أقيم الرضا فى البكر لضرورة الحياء والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة ولا ضرورة فى حق الثيب فلهذا لا يكتفى بسكوتها عند الاستئمار ولا اذا بلغها العقد.

ولا فرق

(2)

بين كون المستأمر وليا أو أجنبيا أو وليا غيره أقرب منه فى اشتراط الرضا بالقول ونحوه بالنسبة للثيب.

وان كانت بكرا

(3)

فان رضاها يعرف بهذين الطريقين وبثالث وهو السكوت اذا لم يكن الذى باشر العقد أجنبيا أو وليا بعيدا مع وجود الاقرب وهذا استحسان.

لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «تستأمر النساء فى ابضاعهن فقالت عائشة رضى الله عنها ان البكر تستحى يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم اذنها صماتها وروى سكوتها رضاها وروى سكوتها اقرارها وكل ذلك نص فى الباب وروى البكر تستأمر فى نفسها فان سكتت فقد رضيت وهذا أيضا نص ولان البكر تستحى عن النطق بالاذن فى النكاح لما فيه من اظهار رغبتها فى الرجال فتنسب الى الوقاحة فلو لم يجعل سكوتها

(4)

اذنا ورضا بالنكاح دلالة وشرط نطقها وهى لا تنطق عادة لفاتت عليها مصالح النكاح مع حاجتها الى ذلك وهذا لا يجوز ..

والقياس ألا يعتبر السكوت رضا ولكن ترك القياس للنص.

وكذلك

(5)

يكون سكوتها رضا اذا كان المستأمر رسول الولى لانه قائم مقامه فيكون سكوتها عند استئذانه رضا. وعن الكرخى يكفى سكوتها وان كان المستأمر أجنبيا لان استحياءها منه أكثر منه مع الولى.

والمراد

(6)

بالسكوت السكوت الاختيارى

(1)

المبسوط ج 5 ص 10.

(2)

حاشية الطحطاوى على الدر المختار ج 2 ص 31.

(3)

بدائع الصنائع 2 ص 241 وما بعدها.

(4)

بدائع الصنائع ج 2 ص 241 وما بعدها.

(5)

الفتح على الهداية ج 2 ص 399.

(6)

الفتح على الهداية ج 2 ص 398.

ص: 139

فلو أخذها سعال أو عطاس أو أخذ فمها فخلصت فردت الاذن ارتد ولا فرق بين العلم والجهل كما فى كتاب التجنيس حتى لو زوجها أبوها فسكتت وهى لا تعلم أن السكوت رضا جاز. ولو تبسمت يكون اذنا فى الصحيح وقيل اذا ضحكت كالمستهزئة لا يكون رضا وضحك الاستهزاء لا يخفى على من يحضره. واذا بكت بلا صوت لا يكون ردا وقد اختير هذا للفتوى. وعن أبى يوسف فى البكاء أنه رضا لانه لشدة الحياء. وعن محمد رد لأن وضعه لاظهار الكراهة والمعول عليه اعتبار قرائن الاحوال فى البكاء والضحك فان تعارضت أو أشكل احتيط.

ويعتبر

(1)

فى كون السكوت رضا فى الاستئمار تسمية الزوج على وجه تقع به المعرفة لها - أما باسمه كازوجك من فلان أو فلان أو فى ضمن العام لا كل عام نحو من جيرانى أو بنى عمى وهم محصورون معروفون لها لان عند ذلك لا يعارض كون سكوتها رضا معارض.

بخلاف من بنى تميم أو من رجل لانه لعدم تسميته يضعف الظن.

ولو زوجها

(2)

بحضرتها بغير كفء فسكتت لم يكن رضا فى قول محمد بن سلمة وهو قول أبى يوسف ومحمد ولا يشترط

(3)

فى كون السكوت رضا تسمية المهر وقيل يشترط لاختلاف الرغبة باختلاف الصداق قلة وكثرة والصحيح الاول لأن للنكاح صحة بدونه. وصحح فى شرح الوافى أن المزوج ان كان الاب أو الجد لا تشترط والا اشترط.

لأن الاب لو نزل عن مهر المثل لا يكون الا لمصلحة تربو عليه فان سمى مهرا أقل من مهر المثل لا يكون سكوتها رضا. والاوجه الاطلاق وما ذكر من التفصيل ليس بشئ لأن ذلك فى تزويجه الصغيرة بحكم الجبر والكلام فى الكبيرة التى وجبت مشاورته لها والاب فى ذلك كالاجنبى لا يصدر عن شئ من أمرها الا برضاها. غير أن رضاها يثبت بالسكوت عند عدم ما يضعف ظن كونه رضا واختلف

(4)

فيما اذا زوجها غير كفء فبلغها فسكتت فقال الصاحبان لا يكون رضا وقيل فى قول أبى حنيفة يكون رضا ان كان المزوج أبا أو جدا وان كان غيرهما فلا كما فى الخانية.

ولو زوجها

(5)

فبلغها الخبر فسكتت فهو على ما ذكرنا من أنها ان سكتت أو ضحكت بلا استهزاء أو بكت بغير صوت فهو رضا والا فلا. وقال ابن مقاتل لا يكون السكوت بعد العقد رضا لان اعتبار السكوت السابق رضا على خلاف القياس بالنص وأما اللاحق فالحاجة الى الاجازة.

والسكوت لا يكون اجازة لانه ليس فى معنى المنصوص فان السكوت عند الاستئمار دليل على الرضا وبعده اذا بلغها الخبر ليس كذلك فلا يثبت الرضا هنا بمجرد السكوت.

(1)

الفتح على الهداية ج 2 ص 399.

(2)

فتح القدير ج 2 ص 398.

(3)

فتح القدير ج 2 ص 399.

(4)

البحر الرائق لابن نجيم ج 3 ص 113.

(5)

الفتح على الهداية ج 2 ص 400، 401.

ص: 140

وعن أبى يوسف السكوت بعد العقد ردّ ذكره فى البدائع قال وهو قول محمد والاصح الاول لان وجه كون السكوت رضا لا يختلف قبل العقد وبعده.

فلما كان أذنا قبله لدلالته على الرضا كان أجازة بعده لدلالته عليه. ولا أثر للفرق بكونه ملزما وعدمه على أن الحق أنه ملزم فى كل منهما غير أنه فى تقدم العقد يثبت به اللزوم فى الحال وقبله يتوقف على التزويج من المستأذن.

وعلى هذا فرعوا أنه لو استأذنها فى معين فردت ثم زوجها منه فسكتت جاز على الاصح بخلاف ما لو بلغها فردت ثم قالت رضيت حيث لا يجوز لان العقد بطل بالرد فالرضا بعد ذلك بعقد مفسوخ وكذا استحسنوا التجديد عند الزفاف فيما اذا زوج قبل الاستئذان اذ غالب حالهن اظهار النفرة عند فجأة السماع. والاوجه عدم الصحة لان ذلك الرد الصريح لا ينزل عن تضعيف كون ذلك السكوت دلالة الرضا ولو كانت قالت قد كنت قلت لا أريده ولم تزد على هذا لا يجوز النكاح للاخبار بأنها على امتناعها.

وابلاغها بالنكاح

(1)

أن يرسل اليها وليها رسولا يخبرها بذلك عدلا كان أو غير عدل فان أخبرها فضولى فلا بد من العدد أو العدالة لأنه خبر يشبه الشهادة من وجه فيشترط أحد وصفى الشهادة وعند الصاحبين لا يشترط ذلك لانه خبر كسائر الاخبار.

ومن زالت بكارتها

(2)

بوثبة أو حيضة أو حمل ثقيل تزوج كالابكار اتفاقا وكذا اذا فارقها الزوج لجب أو عنة أو طلقها قبل الدخول ولو بعد الخلوة وكذا اذا مات بعد الخلوة قبل الدخول لانها فى هذه الصور كلها بكر حقيقة لانها لم يصبها أحد.

وان زالت بكارتها بزنا مشهور أو وط ء بشبهة أو نكاح فاسد زوجت كالثيبات اتفاقا وان زالت بزنا غير مشهور فهو محل الخلاف فعند الصاحبين تزوج كالثيب وعند الامام كالبكر وجه قولهما أنها ثيب حقيقة فان مصيبها عائد اليها.

وله أنها عرفت بكرا فتمتنع عن النطق مخافة أن يعلم زناها حياء من ظهوره وذلك أشد من حيائها بكرا من اظهار الرغبة فيثبت الجواز بدلالة نص سكوت البكر.

‌مذهب المالكية

(3)

:

يعتبر صمت البكر رضا بالزوج والصداق ولا يشترط نطقها وندب اعلامها بأن صمتها رضا منها ولا يقبل منها بعد العقد

(1)

الاختيار شرح المختار ح 2 ص 154.

(2)

فتح القدير ح 2 ص 402، 403.

(3)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 227، 228.

ص: 141

دعوى جهلها أن صمتها رضا فى تأويل أكثر العلماء لشهرته عند الناس ولو كان شأنها الجهل والبلاده وتأويل الاقل أنه يقبل دعواها أنها تجهل أن الصمت رضا وهو مبنى على وجوب اعلامها به وقال حمديس ان عرفت بالبله وقلة المعرفة قبل دعواها الجهل والا فلا تقبل دعواها فالمسألة ذات أقوال ثلاثة.

وان منعت الزواج بالقول حين عرض عليها الصداق أو الزوج بأن قالت لا أتزوج أو نفرت بالفعل بأن قامت أو غطت وجهها حتى ظهرت كراهتها لم تزوج لعدم رضاها فان زوجت فسخ نكاحها أبدا ولو بعد بناء وطول ولو أجازته.

وان ضحكت أو بكت فتزوج لاحتمال أن بكاها على فقد أبيها: فان علم أنه منع لم تزوج.

ومن زوجها

(1)

وليها بغير اذنها ثم أعلمها بالقرب فرضيت جاز ولا يعد صماتها هنا رضا وان كانت بغير البلد أو فيه وتأخر اعلامها لم يجز وان رضيت.

والثيب غير المجبرة

(2)

تعرب عما فى نفسها من الرضا بالزوج والصداق وعدم الرضا بهما أو بأحدهما ويشاركها فى ذلك سبعة أبكار بكر رشدت من أب أو وصى فلا بد من نطقها له. وبكر عضلت أى منعها أبوها من النكاح فرفعت أمرها للحاكم فزوجها فلا بد من نطقها. وبكر زوجت بعرض وهى من قوم لا يزوجون به وليست مجبرة فلا بد من نطقها بالرضا بذلك العرض. وبكر زوجت بعبد فلا بد من نطقها ولو مجبرة. وبكر زوجت بزوج ذى عيب لها فيه خيار كجنون وجذام ولو مجبرة فلا بد من نطقها.

وبكر يتيمة لا بد من أذنها بالقول ولكن المعتمد أنه يكفى صمتها.

وبكر غير مجبرة أفتيت عليها أى تعدى عليها وليها غير المجبر فزوجها بغير اذنها ثم وصل لها الخبر فرضيت بذلك فلا بد من رضاها بالقول ولا يكفى الصمت.

ويشترط لصحة نكاح المفتات عليها سواء كانت بكرا أو ثيبا رضاها بذلك العقد بالنطق وأن يكون رضاها قريبا زمنه من العقد وأن تكون المرأة فى البلد التى وقع فيها العقد افتياتا وأن لا يقر الولى الذى وقع منه الافتيات بالافتيات حالة العقد والا يقع منها رد قبل الرضا.

‌مذهب الشافعية

(3)

:

1 -

تزوج الثيب العاقلة البالغة الخرساء باشارتها المفهمة أو بكتابتها كما بحثه الأذرعى وهو ظاهر أن نوت به الاذن.

(1)

التاج والاكليل للمواق على الحطاب ج 3 ص 434.

(2)

الشرح الكبير ح 2 ص 227، 228.

(3)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 5 ص 176، 177.

ص: 142

فلو لم تكن اشارة مفهمة ولا كتابة فالأوجه أنها كالمجنونة فيزوجها الاب ثم الجد ثم الحاكم دون غيرهم.

أما الناطقة العاقلة فتزوج بصريح الاذن ولو بلفظ الوكالة للاب أو غيره أو بقولها أذنت له فى أن يعقد لى وأن لم تذكر نكاحا كما بحثه بعضهم.

لقوله صلى الله عليه وسلم «ليس للولى مع الثيب أمر» وقولها رضيت أن أزوج أو رضيت فلانا زوجا متضمن للاذن للولى فله أن يزوجها به بلا تجديد استئذان ويشترط عدم رجوعها عنه قبل كمال العقد لكن لا يقبل قولها فى الرجوع الا ببينة قال الاسنوى وغيره ولو أذنت له ثم عزل نفسه لم ينعزل كما اقتضاه كلامهم لأن ولايته بالنص فلم يؤثر فيها عزله لنفسه، وتقييد بعضهم له بما اذا كان قبل الاذن والا كان رده أو عضله ابطالا له فلا يزوجها الا باذن جديد فيه نظر.

2 -

والرضا الكافى فى العقد

(1)

يحصل باذنها أو ببينة أو باخبار وليها مع تصديق الزوج وعكسه وشمل ذلك الحاكم وبه أفتى القاضى والبغوى.

وما قاله ابن عبد السلام والبلقينى من أن الحاكم لا يزوجها حتى يثبت عنده اذنها لأنه يلى ذلك بجهة الحكم فيجب ظهور مستند مبنى على أن تصرف الحاكم حكم والصحيح خلافه. وأفتى البغوى بأن الشرط أن يقع فى قلبه صدق المخبر له بأنها أذنت له وكلام القفال والقاضى يؤيده.

ويستحب الاشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها احتياطا ليؤمن انكارها وبحث الاذرعى ندبه على المجبرة البالغة لئلا ترفعه لمن يعتبر اذنها وتجحده فيبطله.

وسواء

(2)

فى وجود الثيوبة المقتضية لاعتبار اذنها زوال البكارة بوط ء حلال أو حرام أو شبهة وان عادت. وان كان الوط ء حالة النوم أو نحوه لانها فى ذلك تسمى ثيبا. فيشملها الخبر.

ولا أثر لزوالها بلا وط ء كسقطة وحدة حيض وأصبع فى الاصح ولا لو طئها فى الدبر لعدم ممارستها للرجال بالوط ء فى محل البكارة وهى على غباوتها وحيائها.

وتصدق المكلفة فى دعوى البكارة ولو فاسقة بلا يمين كما قاله ابن المقرى وبيمينها فيما يظهر فى دعوى الثيوبة قبل العقد وان لم تزوج ولا تسأل عن الوط ء. فان ادعت الثيوبة بعد العقد وقد زوجها وليها من غير اذنها نطقا فهو المصدق بيمينه. لما فى تصديقها من ابطال النكاح بل لو شهدت أربع نسوة بثيوبتها عند العقد لم يبطل لجواز

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 5 ص 171، 172.

(2)

نهاية المحتاج ج 5 ص 176.

ص: 143

ازالتها بنحو أصبع أو أنها خلقت بدونها كما ذكره الماوردى والرويانى وان أفتى القاضى بخلافه.

ويكفى

(1)

فى البكر البالغة اذا استؤذنت وان لم يعلم الزوج سكوتها الذى لم يقترن بنحو بكاء مع صياح أو ضرب خد للمجبر قطعا ولغيره بالنسبة للنكاح ولو بغير كفء وان ظنته كفؤا لا لدون مهر المثل أو كونه من غير نقد البلد فى الاصح لخبر مسلم وأذنها سكوتها ولقوة حيائها ومقابل الاصح قال لا بد من النطق كما فى الثيب. وكسكوتها قولها لم لا يجوز أن آذن جوابا لقوله أيجوز أن أزوجك أو تأذنين.

أما اذا لم تستأذن وانما زوج بحضرتها فلا يكفى سكوتها وأفتى البغوى بأنها لو أذنت مخبرة ببلوغها فزوجت ثم قالت لم أكن بالغة حين أقررت صدقت بيمينها وفيه نظر اذ كيف يبطل النكاح بمجرد قولها السابق منها نقيضه لا سيما مع عدم ابدائها عذرا فى ذلك.

والمعتق وعصبته والسلطان كالاخ فيزوجون الثيب البالغة بصريح الاذن والبكر البالغة بسكوتها.

‌مذهب الحنابلة:

اذن الثيب الكلام واذن

(2)

البكر الصمات أما الثيب فلا خلاف بين أهل العلم فى أن اذنها الكلام للخبر وأن اللسان هو المعبر عما فى القلب. وهو المعتبر فى كل موضع يعتبر فيه الاذن غير أشياء يسيرة أقيم الصمت فيها مقامه لعارض ولا فرق بين الثيوبة بوط ء مباح أو محرم.

وجملته أن الثيب المعتبر نطقها هى الموطوءة فى القبل سواء كان الوط ء مباحا أو محرما لقوله عليه السلام الثيب تعرب عن نفسها. ولان قوله عليه السلام لا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن واذنها أن تسكت. يدل على أنه لا بد من نطق الثيب لانه قسم النساء قسمين فجعل السكوت اذنا لاحدهما فوجب أن يكون الاخر بخلافه وهذه ثيب فان الثيب الموطوءة فى القبل وضده كذلك ولانه لو وصى لثيب النساء دخلت فى الوصية ولو وصى للابكار لم تدخل ولو شرطها فى التزويج أو الشراء بكرا فوجدها مصابة بالزنا ملك الفسخ ولانها موطوءة فى القبل أشبهت الموطوءة بشبهة. والتعليل بالحياء لا يصح فانه أمر خفى لا يمكن اعتباره بنفسه وانما يعتبر بمظنة وهى البكارة ثم هذا التعليل يفضى الى ابطال منطوق الحديث فيكون باطلا فى نفسه. ولا فرق بين المكرهة والمطاوعة وعلى هذا ليس لابيها اجبارها اذا كانت بالغة.

وأما البكر فاذنها صماتها ولا فرق بين كون الولى أبا أو غيره. لقوله عليه الصلاة والسلام ولا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن. فقالوا

(1)

نهاية المحتاج ج 5 ص 177.

(2)

المغنى لابن قدامة ج 7 ص 387، 388 الشرح الكبير ج 7 ص 401 - 405.

ص: 144

يا رسول الله فكيف اذنها؟ قال أن تسكت وفى رواية عن عائشة أنها قالت يا رسول الله ان البكر تستحى قال رضاها صمتها متفق عليه وفى رواية تستأمر اليتيمة فى نفسها فان سكتت فهو اذنها. وهذا صريح فى غير ذات الاب والاخبار فى هذا كثيرة ولان الحياء عقلة على لسانها يمنعها النطق بالاذن ولا تستحى من ابائها وامتناعها فاذا سكتت فهو اذنها. واذا سكتت غلب على الظن أنه كرضاها فاكتفى به.

فاذا أذنت بالنطق فهو أبلغ وأتم. وان ضحكت أو بكت فهو بمنزلة سكوتها لما روى أبو بكر باسناده عن أبى هريرة قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأمر اليتيمة

فان بكت

(1)

أو سكتت فهو رضاها وان أبت فلا جواز عليها. ولانها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان فكان أذنا منها كالصمات والضحك والبكاء يدل على فرط الحياء لا على الكراهة ولو كرهت لامتنعت فانها لا تستحى من الامتناع والحديث يدل بصريحه على أن الصمت اذن وبمعناه على ما فى معناه من الضحك والبكاء ولذلك أقمنا الضحك مقامه.

ومن

(2)

ذهبت بكارتها بغير الوط ء كالوثبة أو شدة حيضة أو اصبع أو عود فحكمها حكم الابكار ذكره ابن حامد لانها لم تتخير المقصود ولا وجد وطئوها فى القبل فاشبهت من لم تزل عذرتها واذا زوجت التى يعتبر أذنها بغير اذنها فالنكاح باطل فى أصح الروايتين عن أحمد وفى رواية يكون موقوفا على أجازتها واجازتها بالنطق أو ما يدل على الرضا من التمكين من الوط ء أو المطالبة بالمهر والنفقة ولا فرق فى ذلك بين البكر والثيب، لان أدلة الرضا تقوم مقام النطق به ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم لبريرة «ان وطئك زوجك فلا خيار لك» جعل تمكينها دليلا على اسقاط حقها والمطالبة بالمهر والنفقة والتمكين من الوط ء دليل على الرضا لان ذلك من خصائص العقد الصحيح فوجوده من المرأة دليل رضاها.

‌مذهب الظاهرية:

(3)

كل ثيب اذنها فى نكاحها لا يكون الا بكلامها بما يعرف به رضاها لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تنكح الايم حتى تستأمر» .

وكل بكر لا يكون اذنها فى نكاحها الا بسكوتها فان سكتت فقد أذنت ولزمها النكاح. فان تكلمت بالرضا أو بالمنع أو غير ذلك فلا ينعقد بهذا النكاح عليها.

لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أبطل النكاح عن البكر ما لم تستأذن فتسكت وأجازه اذا استؤذنت فسكتت بقوله:

(1)

المرجع السابق.

(2)

المغنى ج 7 ص 367، 368.

(3)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 471.

ص: 145

«لا تنكح البكر حتى تستأذن، وأذنها صمتها» والصحابة لم يعرفوا ما اذن البكر حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه والا كان سؤالهم فضولا وحاش لهم من ذلك وما علمنا أحدا من السلف روى عنه أن كلام البكر يكون رضا. وروى عن عمر بن الخطاب وعلى وغيرهما أن اذنها هو السكوت.

‌مذهب الزيدية

(1)

:

يعتبر فى البكر الاستئذان بمعنى طلب الاذن وهو يكتفى فيه بما يدل على رضاها من سكوت أو غيره لما روى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» ولهذا سألوا عن كيفية اذنها لما أشكل عليهم فأجاب صماتها، أى سكوتها وفيه ابقاء لصيانة وجهها لأن كلامها فى ذلك لا يليق بالابكار وفى جعل سكوتها قائما مقام صريح النطق محافظة على تحصيل مصلحة النكاح للنساء وعلى التيسير ورفع الحرج فى دينه صلى الله عليه وسلم فدل على أنه اذا تعذر الاكمل فى طريق المصالح أو تعسر اعتبر الممكن. وقيل ينبغى أن تعرف أن سكوتها اذن فان كرهت تكلمت.

وأما الثيب فيعتبر فى حقها الاستئمار وفيه اشعار بأنه لا بد من التلفظ بالامر لامكانه من الثيب حيث أنه لا يلحقها من الخجل ما يلحق البكر.

وقد استنبط العلماء من دلالة السكوت على الرضا تعديته الى ما يقوم مقامه مما فيه اشعار به كالضحك والهرب وتغطية الوجه. قال المؤيد بالله وكذلك بكاؤها وفرق بعضهم بين الدمع، فان كان حارا دل على المنع وان كان باردا دل على الرضا ما لم يقترن باللطم والصياح فدليل الكراهية.

قال الامام يحيى: العبرة بما تقتضيه القرينة فى تلك الحال.

وهو

(2)

كلام جيد ينبغى أن يكون معيارا فى الجميع.

ولو

(3)

ذهبت بكارتها بغير وط ء فكالبكر كما لو لم يخلق لها بكارة.

والموطوءة بالزنا بكر لقوله صلى الله عليه وسلم البكر بالبكر جلد مائة فسماها بكرا. ولو طال لبثها مع الزوج فلا ثيوبة حتى يفتضها كما اذا لم يطل المكث.

واذا

(4)

تزوجت المرأة البالغة قبل مراضاتها فان العقد يكون موقوفا فان أجازته بقول أو فعل يفيد التقرير نفذ العقد وان لم تجز بقى موقوفا مع بقاء المتعاقدين والعقد حتى يرد وسواء أكان العاقد هو الولى أم أجنبى.

(1)

الروض النضير فى شرح مجموع الفقه الكبير ج 4 ص 31، 32.

(2)

المرجع السابق.

(3)

البحر الزخار ج 3 ص 28، 29.

(4)

التاج المذهب ج 2 ص 36.

ص: 146

‌مذهب الإمامية:

(1)

البكر اذنها صماتها والثيب ومن ذهبت عذرتها بالزنا اذنها نطقها لما روى عن النبى عليه السلام أنه قال: «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن واذنها صماتها» دل على أن الثيب بخلافها.

‌مذهب الإباضية

(2)

:

من كانت بكرا وهى من لم تتزوج ولو زالت بكارتها بغاصب أو وثبة أو ماء أو ركوب أو زنا أو خلقت بلا عذرة. اذنها سكوتها وهذا على اطلاقه. وقيل يكون سكوتها رضا ان قيل لها: ان سكت فسكوتك رضا وعليه الديوان. قال وينبغى له اذا أراد تزويجها أى تقريره واثباته أن يرسل لها أمينين يخبرانها بأنه قد زوجها من فلان ابن فلان الفلانى على كذا من الصداق.

ويقولان لها ان سكت فهو رضاك فعلى هذا يلزمها ان سكتت. واستحب بعضهم اعلام البكر أن سكوتها اذن. وقيل ان ظهرت علامة السخط منها لم تنكح ولو سكتت والصحيح ان اذنها صمتها ولو لم بقل لها ذلك. لقوله صلى الله عليه وسلم: «البكر تستأمر فى نفسها واذنها صمتها» والحديث فى البكر البالغة العاقلة.

وانما جعل سكوتها رضا لأنها قد تستحى أن تفصح ومثل السكوت الضحك والبكاء والصيحة.

ومن كانت ثيبا

(3)

وهى من تزوجت ولو لم تزل بكارتها تفصح عن نفسها بأن تقول لا أو نعم.

لقوله عليه الصلاة والسلام والثيب تعرب عن نفسها وهى من زالت بكارتها فقط وألحق بها من دخل عليها الزوج ومن طلقت فى مجلس العقد أو نكحت فاسدا أو مسها فى طفولية ثم فارقته وبلغت .. وقيل لا تلحق بالثيب بل هى بكر ما لم تزل بكارتها مطلقا وثيب اذا أزيلت على الاطلاق أو ولدت بدونها.

واذا منعت الثيب لم يمض عليها فعل الولى مطلقا عندنا. الا ابن عباد كأهل المدينة فانهم أمضوا عليها فعل الأب ولو ردته وفى الديوان: وقيل جاز على البكر والثيب فعل وليهما ولو أنكرتا والحديث فى الثيب البالغة.

والحديث المذكور فى جملة أحاديث ومعناها - اطلبوا منهن الاذن فى فروجهن بأن تقولوا هل تريدين التزوج أو هل تريدين التزوج بفلان فان أنصت (قبلت) فذاك واذا ذكر لها الولى أحدا فهوت غيره ممن هو كفء ويصلح لها فلا يمنعها.

وان أعلم الولى البكر بالزواج فقامت أو قعدت أو أخذت فى عمل ما لزمها ولو أنكرت بعد. وان أكلت الثيب طعام الزوج أو لبست ثيابه أو سكنت داره على التزويج فرضا. وقيل لا وان أمكنته من نفسها

(1)

المسئلتين 16، 10 ج 2 ص 144، 146، من كتاب الخلاف

(2)

شرح النيل ج 3 ص 74 - 76.

(3)

شرح النيل ج 3 ص 74 - 76.

ص: 147

فجامعها أو تعرت قدامه فرأى ما بطن بعد علمها بالنكاح فرضا لا ان مسته هى؟

وان أخبرها أمينان أن وليها زوجها من فلان ورضيت فظهر غيره لم يلزمها ولزمها اذا رضيت فظهر الصداق أقل مما قيل لها أو التزويج فى غير الوقت المذكور لها.

وان قالت زوجنى بمن شئت فلا بد من أن تخبر بعد العقد فتقبل أو ترد. وان قالت زوجنى بفلان فزوجها به فكذلك وقيل لا نجد فى هذا رجوعا وفى ذلك قول أنها لا تجد الانكار اذا أباحت له أن يزوجها ولو لم تعين رجلا.

هذا

(1)

والثيب لا يحكم عليها بالرضا ما لم تصرح به أو يصدر منها ما يدل عليه كتمكينها زوجها منها.

‌حكم الاستئمار

يتضح مما تقدم أن الفقهاء مختلفون فى حكم تزويج من تستأذن اذا وقع بغير اذنها على الوجه الآتى:

‌مذهب الحنفية

(2)

:

الرضا فى نكاح البالغة شرط الجواز فاذا زوجت بغير اذنها توقف التزويج على رضاها فان رضيت جاز وان ردت بطل.

‌مذهب المالكية:

(3)

.

ان زوج البكر وليها بغير اذنها ثم أعلمها بالقرب فرضيت جاز. وان كانت بغير البلد أو فيه وتأخر اعلامها لم يجز وان رضيت قال ابن سلمون أن زوجها بغير اذنها فالمشهور أنه جائز اذا أعلمها بالقرب.

وعبارة ابن يونس: من زوج أخته البكر أو الثيب بغير أمرها قال سحنون وان كانت عن البلد غائبة كالقلزم من مصر وبينهما يومان فهو قريب اذا أرسل اليها فى فور ذلك فأجازت وأما مثل الاسكندرية فلا. وفى الشرح الكبير

(4)

وحاشيته أن البكر اذا منعت بالقول حين عرض عليها الصداق أو الزوج بأن قالت لا أتزوج أو نفرت بالفعل بأن قامت أو غطت وجهها حتى ظهر كراهتها لم تزوج لعدم رضاها.

فان زوجت فسخ نكاحها أبدا ولو بعد بناء وطول ولو أجازته.

‌مذهب الشافعية:

الاذن

(5)

ليس ركنا فى العقد بل هو شرط فيه واذا فقد شرط

(6)

من شروط الصحة بطل النكاح ومحل اعتبارها ان لم يكن من المرأة اذن فى التزويج.

‌مذهب الحنابلة

(7)

:

اذا زوجت المرأة المعتبر اذنها بغير اذنها

(1)

شرح النيل ج 3 ص 78.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرئع ج 2 ص 211.

(3)

التاج والاكليل للمواق على الحطاب ج 3 ص 434.

(4)

الشرح الكبير ج 2 ص 227.

(5)

نهاية المحتاج ج 5 ص 171.

(6)

حاشية العلامة القليوبى ج 3 ص 222.

(7)

المغنى ج 7 ص 365، 366.

ص: 148

فالنكاح باطل فى أصح الروايتين نص أحمد عليه فى مواضع. وعن أحمد رواية أخرى أنه يقف على الاجازة فان أجازته جاز وان لم تجزه فسد لأنه عقد لا يثبت فيه أحكامه من الطلاق والخلع واللعان والتوارث وغيرها فلم ينعقد كنكاح المعتدة. وان مات أحدهما قبل الاجازة لم يرثه الآخر لأنه مات قبل تمام العقد وصحته

وفيه وجه آخر ان كان مما لو رفع الى الحاكم اجازه ورثه الآخر لأنه عقد يلزمه اجازته فهو كالصحيح وان كان مما يفسخه لم يرثه.

‌مذهب الظاهرية

(1)

:

بطلان النكاح عن البكر ما لم تستأذن فتسكت وجوازه اذا استؤذنت فسكتت.

لقوله عليه الصلاة والسلام «لا تنكح البكر حتى تستأذن واذنها صماتها» وقد جاء فى رد انكاح الأب ابنته الثيب بغير اذنها حديث خنساء بنت حذام.

‌مذهب الزيدية

(2)

:

اذا زوجت المرأة البالغة قبل مراضاتها كان العقد موقوفا فان أجازته بقول أو فعل يفيد التقرير نفذ العقد وان لم تجز بقى موقوفا مع بقاء المتعاقدين والعقد حتى يرد. وسواء كان العاقد هو الولى أم أجنبى ثم أجازت هى والولى وقبل أن ترضى لا نفقة لها ولا مهر ولا توارث بينهما.

‌مذهب الإمامية

(3)

:

لو زوج الرجل بنته الثيب الكبيرة الرشيدة أو أخته الكبيرة الرشيدة بغير اذنها فهو باطل ولا يقف على أجازة أحد. لأن العقود الشرعية تحتاج الى أدلة شرعية ولا دليل على أن هذه العقود واقفة على الاجازة فوجب القضاء بفسادها.

‌مذهب الإباضية

(4)

:

كل نكاح وقع بلا رضا المرأة فهو باطل مردود الا أن يصحح ويجاز قبل المس واما بعد المس فأجازته لا تفيد شيئا لأن ذلك الوط ء زنا اذا كان ذلك العقد مردودا باطلا ولعلهم لم يبطلوه لأن ذلك ليس زنا محضا بل على رسم التزوج لكن لا تجد هذا مطردا فى كلامهم على سائر الصور.

‌وقت الاستئمار

‌مذهب الحنفية

(5)

:

يسن للولى أن يستأمر البكر قبل النكاح ويذكر لها الزوج فيقول ان فلانا يخطبك أو يذكرك فاذا سكتت فقد رضيت.

ولما

(6)

روى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا خطب اليه بنت من بناته دنا من خدرها وقال ان فلانا يخطب فلانة

(1)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 461.

(2)

التاج المذهب ج 2 ص 36.

(3)

كتاب الخلاف للطوسى 11 ص 143.

(4)

شرح النيل ج 3 ص 77.

(5)

الاختيار شرح المختار ج 2 ص 154.

(6)

المبسوط ح 5 ص 4.

ص: 149

ثم ذهب فزوجها ان سكتت وان نكتت خدرها باصبعها لم يزوجها.

‌مذهب الزيدية

(1)

:

يندب تقديم المؤاذنة لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تنكح البكر حتى تستأمر فان عقد قبلها كان موقوفا» .

‌مذهب الإباضية

(2)

:

اذا أراد الولى أن يعقد النكاح على موليته استأذنها قبله ولو بكرا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فانه كان اذا خطب اليه بنت أمرهن أن يجعلن سترا دونه فيقول ان فلانا ابن فلان خطب الينا فلانة فان رضيتن به فاتركن الستر على حاله والا فحركته.

‌الخلاف فى صدور الأمر وأثره

‌مذهب الحنفية

(3)

:

اذا زوج الثيب البالغة ولى فقالت لم أرض ولم آذن وقال الزوج قد أذنت فالقول قول المرأة لأن الزوج يدعى عليها حدوث أمر لم يكن وهو الاذن والرضا وهى تنكر فكان القول قولها.

وأما البكر. اذا تزوجت فقال الزوج بلغك العقد فسكت فقالت رددت فالقول قولها عند أصحابنا الثلاثة لأن المرأة وان كانت مدعية ظاهرا فهى تنكره فى الحقيقة لأن الزوج يدعى عليها جواز العقد بالسكوت وهى تنكر فكان القول قولها.

وقال زفر. القول قول الزوج لأن المرأة تدعى أمرا حادثا وهو الرد والزوج ينكر القول فكان القول قول المنكر.

ثم فى هذين الفرعين لا يمين عليها فى قول أبى حنيفة وفى قولهما عليها اليمين - انظر «استحلاف» .

وان كان

(4)

الزوج قد دخل بها ثم قالت لم أرض لم تصدق على ذلك لأن تمكينها الزوج من نفسها أدل على الرضا من سكوتها الا أن يكون دخل بها وهى مكرهة فحينئذ القول قولها لظهور دليل الكراهة منها دون دليل الرضا ولا يقبل عليها قول وليها بالرضا لأنه يقر عليها بثبوت الملك للزوج واقراره عليها بالنكاح بعد بلوغها غير صحيح بالاتفاق وهذا لأنه يملك الزام العقد عليها فلا يعتبر اقراره فى لزوم العقد عليها أيضا واذا

(5)

زوج البكر أبوها من رجل وأخوها من رجل آخر بعده فأجازت نكاح الأخ جاز ذلك عليها. ولم يجز نكاح الأب وهو بناء على أصلنا أن العقد لا يجوز - أى لا ينفذ - الا برضاها سواء كان المباشر أبا أو أخا فانما وجد شرط نفوذ

(1)

البحر الزخار ح 3 ص 57.

(2)

شرح النيل ح 3 ص 76.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح 2 ص 243.

(4)

المبسوط ح 5 ص 6.

(5)

المبسوط ح 5 ص 8.

ص: 150

نكاح الأخ وهو رضاها بذلك ومن ضرورة رضاها بنكاح الأخ رد نكاح الاب فلهذا يبطل نكاح الاب.

واذا زوجها وليها بغير أمرها فلم يبلغها حتى ماتت هى أو مات الزوج لم يتوارثا لأن النكاح لا ينفذ عليها الا برضاها والارث حكم يختص بالنكاح الصحيح المنتهى بالموت ولم يوجد فهو بمنزلة النكاح الفاسد اذا مات فيه أحدهما لم يتوارثا.

وان

(1)

زوجها أبوها وهو عبد أو كافر ورضيت به جاز لأن العقد كان موقوفا على اجازتها ألا ترى أنها لو أذنت فى الابتداء نفذ عقده باذنها فكذلك اذا أجازت فى الانتهاء.

واذا زوج البكر وليها بأمرها

(2)

وزوجت هى نفسها فان قالت هو الاول - أى أن عقدها هو الأول - فالقول قولها وهو الزوج لأنها أقرت بملك النكاح له على نفسها واقرارها حجة تامة عليها.

وان قالت لا أدرى أيهما أول ولا يعلم ذلك فرق بينهما لأنه لا يمكن تصحيح نكاحهما فان المرأة لا تحل لرجلين بالنكاح وليس أحدهما بأولى من الآخر فيفرق بينها وبينهما لهذا وكذاك لو زوجها وليان بأمرها والثيب والبكر فى هذا سواء.

واذا زوج البكر وليها فأخبرها بذلك فقالت لا أرضى ثم قالت رضيت فلا نكاح بينهما لأن العقد قد بطل بينهما بردها فانما رضيت بعد ذلك بالعقد المفسوخ وذلك باطل. ولهذا جرى الرسم بتجديد العقد عند الزفاف لأنها فى المرة الاولى تظهر الرد وغير ذلك لا يحمد منها ثم لا يزال بها أولياؤها يرغبونها حتى رضيت فلو لم يتجدد العقد كانت تزف الى أجنبى فلهذا استحسنا تجديد العقد عند الزفاف.

‌مذهب المالكية

(3)

:

ومن زوج أخته ثم مات الزوج قبل البناء بها فقال ورثته لم تكن رضيت قال مالك تسأل هى الآن فان قالت كنت رضيت فذلك لها، واذا

(4)

زوج المرأة ولى غير مجبر وادعى عليها الرضا أو الاذن وأنكرت فان بادرت بالانكار أى عقب علمها بالزوج قبل قولها بلايمين وان سكتت بعد العلم زمنا غير طويل ثم أنكرت فالقول قولها مع اليمين وان سكتت بعد العلم زمنا طويلا ثم أنكرت لا يقبل انكارها ويلزمها النكاح ولكن لا يمكن الزوج منها الا بعقد جديد احتياطا.

وقال فى التوضيح

(5)

فى المسائل التى لا يعذر فيها بالجهل - ومنها المرأة تزوج

(1)

المرجع السابق.

(2)

المبسوط ح 5 ص 9.

(3)

مواهب الجليل ح 3 ص 434.

(4)

حاشية الدسوقى ح 2 ص 246.

(5)

مواهب الجليل ح 3 ص 434.

ص: 151

وهى حاضرة فتسكت ولا تنكر حتى يدخل بها الزوج ثم تنكر النكاح وتقول لم أرض به وتدعى الجهل.

‌مذهب الشافعية

(1)

:

يقبل اقرار الولى بالنكاح على موليته ان استقل حالة الاقرار بالانشاء وان لم تصدقه البالغة لأن من ملك الانشاء ملك الاقرار به غالبا وان لم يكن مستقلا بالانشاء لانتفاء اجباره حالة الاقرار كأن أدعى وهى ثيب أنه زوجها حين كانت بكرا أو لانتفاء كفاءة الزوج فلا يقبل لعجزه عن الانشاء دون اذنها.

ويقبل اقرار الحرة البالغة العاقلة ولو سفيهة فاسقة سكرانة بكرا أو ثيبا بالنكاح من زوج صدقها على ذلك ولو غير كفء على الجديد وان كذبها الولى وشهود عينتهم أو أنكر الولى الرضا بدون الكفء لاحتمال نسيانهم ولأنه حقها فلم يؤثر انكار الغير له ولا بد من تفصيلها الاقرار فتقول زوجنى منه ولى بحضرة عدلين ورضاى ان كانت ممن يعتبر رضاها.

‌مذهب الحنابلة:

اذا اختلف الزوج والمرأة

(2)

فى اذنها قبل الدخول فالقول قولها. لأنها منكرة للاذن والقول قول المنكر ولأنه يدعى أنها استؤذنت وسمعت فصمتت والأصل عدم ذلك وقال القاضى القول قول الزوج لأن التمكين من الوط ء دليل على الاذن وصحة البكارة فكان الظاهر معه.

وهل تستحلف المرأة اذا قلنا القول قولها؟ قال القاضى قياس المذهب أنه لا يمين عليها كما لو ادعى زوجيتها فانكرته لانه اختلاف فى زوجية فلا يثبت بالنكول كما لو ادعى الزوج أصل التزويج فأنكرته.

فان قالت المرأة أنها أذنت وأنكرته ورثة الزوج فالقول قولها لأنه اختلاف فى أمر مختص بها صادر من جهتها فكان القول قولها فيه. كما لو اختلفوا فى نيتها فيما تعتبر فيه نيتها ولأنها تدعى صحة العقد وهم يدعون فساده فالظاهر معها.

‌مذهب الزيدية

(3)

:

من تزوج امرأة ثم مات فادعى ورثته انها لم تأذن فالقول قولها اذ الظاهر الصحة ثم هى أعرف بنفسها.

‌مذهب الإباضية:

أن استأذن البكر وليها فسكتت فزوجها فأنكرت لم يلزمها وقيل يلزمها ولا يقبل عليها قوله أمرتنى أن أزوجها أو زوجتها فرضيت وان تزوجت امرأة باذن وليها سواء زوجها الولى بغير اذنها أو باذنها فأنكرت

(1)

نهاية المحتاج ح 6 ص 221 طبعة الحلبى 1357 هـ.

(2)

الشرح الكبير ح 7 ص 405، 406.

(3)

انظر باب النكاح فى التاج المذهب.

ص: 152

بعد العقد وقبل الوط ء ثم وطئت غلبة ثم أجازت جاز النكاح عند جمهورنا وعند قليل أن ذلك الجماع زنا: أما وجه القليل فلانا نرى تحريم المزنية على زانيها وجه قول الجمهور: انه لم يجامعها على نية الزنا بل على رسم النكاح بولى وشاهدين وقيل أن زوجها الولى باذنها فأنكرت بعد التزويج ومست لم تحرم أو بلا اذنها حرمت.

وان نكحت بأجنبى باذنها أو بغير اذنها لا بولى بل برجل غير ولى أو بلا رجل فأنكرت ثم وطئت فأجازت هى والولى جاز عند الأكثر والصحيح التحريم لان وطئها قبل اجازتها واجازة الولى زنا بها.

وان تزوجت برضاها بالغة بنكاح ظاهر فأنكرت عند سماعها بلا توان قبل انكارها ظاهره

(1)

انها ان توانت ثم أنكرت لم يقبل منها.

وان أنكرت ثم قالت أنى قد رضيت قبل الانكار صح النكاح سواء ادعت أن الانكار للقهر أو لقلة الصداق أو نحو ذلك أم لا.

والأحسن تجديده وأوجب بعضهم تجديده ويأمر - أى الحاكم - بتفريقهما ان لم يرد التجديد. بل أراد تركها وذلك لتزول الشبهة لمن أراد تزويجها.

وان شهد شاهدان على رضا المرأة بالتزويج وآخران بالانكار يعمل بشاهدى الرضا وان ادعى زوجها اقرارها بالرضا بالنكاح بعد سماعها ولا بيان لها حلفت على الاقرار لا على الرضا بالقلب وقيل لا يمين عليها. والصحيح أن عليها اليمين لأن صحة النكاح تؤول الى وجوب النفقة على الزوج والصداق أو نصفه والميراث بينهما وثبوت نسب الولد ان وجد وارثه منهما وارثهما منه. ونفقته عليهما ونفقة أبيه عليه وأخذ الأب ما بيده مما كسبه فى الحكم ووجوب العدالة بينه وبين غيره من أولاده وله عليها يمين أيضا على الاجازة باللسان واذا حلفها على الاقرار بالرضا لم يحلفها على الاقرار باجازة فعل الولى وبالعكس.

‌استئناف

‌تعريفه

الاستئناف والائتناف فى اللغة: الابتداء يقال استأنف الشئ: أخذ أوله وابتدأه:

استقبله.

ويستعمله الفقهاء فى معناه اللغوى

(2)

ويعبرون عنه تارة بالائتناف وتارة بالابتداء وتارة بالاستقبال وغيره من الألفاظ التى تفيد معناه ويغلب استعمالهم له فى استئناف

(1)

ح 3 شرح النيل ص 76 فما بعدها.

(2)

لسان العرب ج 10 ص 357، 358 والقاموس المحيط ج 3 ص 116.

ص: 153

ما نقض من الأفعال قبل تمامها على الوجه الشرعى كاستئناف الصوم الذى يجب فيه التتابع اذا نقض التتابع وكذا يغلب استعمالهم له فيما ينقض من الأفعال بعد تمامها حيث يجب استئنافها بغير ما أديت به كاستئناف العدة بالحيض بعد تمامها بالأشهر للآيس اذا رأت الدم المعتاد حيضا بعد الحكم باياسها أما ما يجب استئنافه بعد تمامه على الوجه الذى أدى به أولا فيغلب تعبيرهم عنه بالاعادة

(1)

.

ولم يستعمل الفقهاء كلمة استئناف بالمعنى الذى استعملته فيه القوانين الوضعية «الطعن فى الأحكام» ولكن الفقهاء تعرضوا للطعن فى الاحكام باصطلاح آخر «انظر دفع» .

‌استئناف الأذان والاقامة

‌مذهب الحنفية:

لو غشى على المؤذن فى الأذان والاقامة ساعة أو ارتد عن الاسلام ثم أسلم أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء. فالأفضل هو الاستئناف

(2)

وكذا لو تكلم فيهما ولو برد سلام أو تشميت عاطس أو تنحنح الا لتحسين صوته. استأنفهما الا اذا كان الكلام

(3)

يسيرا.

‌مذهب المالكية:

ان طال الفصل بين كلمات الأذان والاقامة بفعل أو قول. استأنفهما لاخلاله بنظام الأذان وتخليطه على السامع بحيث يظن أنه غير أذان ويبنى ان لم يطل الفصل

(4)

‌مذهب الشافعية:

يستحب أن يستأنفهما فى يسير نوم أو اغماء لأنه يخل بالاعلام بخلاف يسير سكوت أو كلام ولو عمدا أو ارتداد ثم أسلم قريبا حيث لا يستحب له استئناف الاذان على المعتمد ويسن أن يستأنف الاقامة فى ذلك لقربها من الصلاة فاذا كثر شئ من ذلك كله استأنفهما.

وفى قول: لا يستأنفهما فى سكوت طويل وكذا فى كلام طويل لم يفحش كسائر الاذكار

(5)

‌مذهب الحنابلة:

ومذهب الحنابلة كمذهب الشافعية الا أنه لو تكلم فيهما بكلام محرم كسب ونحوه وان كان يسيرا. استأنفهما لأنه قد يظنه سامعه مثلا متلاعبا أشبه المستهزئ.

وكذا لو ارتد فى أثنائهما يستأنفهما لخروجه عن أهلية الأذان

(6)

.

(1)

المراجع الاتية والمذكورة فى خلال البحث.

(2)

البدائع ج 1 ص 149.

(3)

من ابن عابدين ج 1 ص 272.

(4)

من الخرشى ج 1 ص 271 والدسوقى على الكبير ج 1 ص 176.

(5)

من أسنى المطالب ج 1 ص 128، والبجرمى على المنهج ج 1 ص 154، وحاشية الكمترى على الانوار ج 1 ص 54، وتحفة المحتاج ج 1 ص 125.

(6)

من كشاف القناع ج 1 ص 166.

ص: 154

‌مذهب الظاهرية:

لا يستأنفهما ان تكلم بمباح أو شمت عاطسا أو رد سلاما أو عطس هو فحمد الله لأنه فرض عليه فعل كل ذلك

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

فى استئنافهما بالفعل الكثير وجهان أحدهما: يستأنفهما كالأكل والشرب

(2)

وثانيهما: لا يستأنفهما لقوله تعالى:

«وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» }.

‌مذهب الإمامية:

من نام فى خلال الأذان ثم استيقظ يستحب له الاستئناف ويجوز له البناء وكذا ان أغمى عليه.

ولو ارتد فى أثنائه ثم رجع استأنف على قول.

ولو أحدث فى أثنائهما تطهر وبنى والأفضل أن يستأنف الاقامة وان تكلم فى خلال الاذان لا يستأنفه ما لم يخرج به عن الموالاة.

أما الاقامة فيستأنفها بالكلام فى خلالها مطلقا

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

لا يستأنف الأذان بحدوث قئ أو رعاف أو خدش أو بول أو غائط أو غيرهن من النجس ويتمه كذلك بلا وضوء وقيل يستأنفه وكذلك لا يستأنفه ان فصل لضرورة كعطسة أو سعال أو بكاء لأخروى أو لأمر آخر اذا بكى لضرورة.

ويستأنف الاذان على القول المختار ان تكلم فى خلاله أو أكل أو شرب وقيل: لا يستأنفه.

وقيل: ان تكلم بغير حاجة استأنفه.

وبحاجة لا يستأنفه وان ارتد فى أذانه ثم تاب فقيل: يبنى. وقيل: يستأنف وان جن فيه ثم أفاق فى الوقت. بنى ولا يستأنف وحكم الاقامة كذلك الا أنه ان جن فيها أو أحدث ببول أو غائط أو اتصل به نجس من غيره استأنف.

بخلاف ما اذا أحدث بقئ أو رعاف أو خدش حيث لا يستأنف بل يبنى معهن.

وقيل: يستأنف

(4)

.

‌استئناف الاذان والاقامة من آخر

واذا عرض للمؤذن ما يمنعه عن الاتمام نحو موته وغشيه وخرسه وحصره ولا ملقن.

وذهابه للوضوء لسبق حدث وأراد آخر أن يؤذن فانه يلزمه استئناف الاذان من أوله عند الحنفية ان أراد اقامة سنة الاذان فلو بنى على ما مضى من أذان الاول. لم يصح.

(1)

المحلى م 326 ج 3 ص 143.

(2)

من شرح الأزهار ج 1 ص 225.

(3)

شرائع الاسلام 1 ص 50، 52، الروضة البهية ج 1 ص 70، 73.

(4)

شرح النيل ج 1 ص 323 وما بعدها.

ص: 155

وكذلك المقيم. لأن المؤذن هو المقيم شرعا

(1)

.

وهذا الحكم. متفق عليه عند جميع المذاهب ما عدا الزيدية

(2)

.

فعندهم: اذا عرض للمؤذن أو المقيم شئ من هذا فانها تصح من غيره النيابة عنه فيما قد بقى. فيتم غيره الاذان والاقامة ويبنى على ما قد فعله الاول ولا يجب الاستئناف.

ولا يصح ذلك الا للعذر اذا عرض للاول نحو أن يؤذن ثم يحدث

(3)

.

‌الاستئناف بسبب عدم ترتيب ألفاظ

الاذان والاقامة

‌مذهب الحنفية:

لو قدم فى الاذان والاقامة مؤخرا كما لو قدم الفلاح على الصلاة أعاد ما قدم فقط ولا يستأنفهما من أولهما

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

ان عكسهما ولو ناسيا. يبنى على المنتظم منهما والاستئناف

(5)

أولى.

‌مذهب الحنابلة:

يجب الاستئناف

(6)

.

وهذا هو مذهب الزيدية والظاهرية والإباضية

(7)

.

‌استئناف الصلاة لمن لم يتحر

القبلة أو أخطأ فيها

‌مذهب الحنفية:

اذا شرع المصلى فى الصلاة بدون أن يخطر بباله شئ عن القبلة ولم يشك فان ظهر خطؤه بيقين وهو فى الصلاة بأن انجلى الظلام وتبين أنه يصلى الى غير جهة الكعبة أو تحرى ووقع تحريه على غير الجهة التى يصلى اليها استأنف الصلاة من أولها لأن ما جعل حجة بشرط عدم الاقوى يبطل عند وجوده وكذا يستأنف اذا شك ولم يتحر.

وان علم فى الصلاة أنه أصاب القبلة فانه يستأنف التحريمة فى ظاهر الرواية لأن حاله بعد العلم أقوى لتيقنه بجهة القبلة ولو ظهرت القبلة فى الابتداء لا تجوز صلاته الا الى هذه الجهة فكذا اذا ظهرت فى وسط الصلاة. وقال أبو يوسف: يبنى على صلاته ولا يستأنف لأنه لو قطعها يستأنف الى نفس الجهة فلا فائدة فيه وان تحرى ووقع تحريه الى جهة فصلى الى جهة أخرى

(1)

من ابن عابدين ج 1 ص 275.

(2)

من حاشية العدوى على الخرش ج 1 ص 271 ومن حاشية البجرمى على الخطيب ج 2 ص 41 والمغنى ج 1 ص 438 وشرح النيل ج 1 ص 323، 326.

(3)

من شرح الأزهار ج 1 ص 222.

(4)

ابن عابدين ج 1 ص 272.

(5)

من اسنى المطالب ج 1 ص 128.

(6)

كشاف القناع ج 1 ص 166.

(7)

من شرح الأزهار ج 1 ص 224 والمحلى م 332 ج 3 ص 161 وشرح النيل ج 1 ص 323 - 326.

ص: 156

لم يقع عليها التحرى فانه يستأنف مطلقا فى ظاهر الرواية سواء علم أنه أصاب أو أخطأ فى الصلاة أو بعدها أو لم يظهر شئ لأن مخالفة جهة تحريه اقتضت فساد صلاته لان عنده أن ما فعله غير جائز.

وروى عن أبى يوسف: أنه ان أصاب لا يستأنف.

لأن المقصود من التحرى هو الاصابة وقد حصل هذا المقصود فيحكم بالجواز والاستئناف مطلقا هو المفتى به عند الحنفية وان صلى الى جهة من الجهات بالتحرى ثم ظهر خطؤه قبل الفراغ من الصلاة استدار الى القبلة وبنى على صلاته ولا يستأنف

(1)

.

‌مذهب المالكية:

من نسى أن استقبال القبلة مطلوب أو نسى أن يستقبل جهة القبلة فتبين له ذلك فى صلاة الفرض فانه يستأنف الصلاة اذا ظهر أنه صلى الى غير جهة القبلة.

وان خالف الجهة التى أداه اجتهاده اليها وصلى الى غيرها متعمدا فانه يلزمه استئناف صلاته وان أصاب القبلة فى الجهة التى خالف اليها وأما لو صلى لغيرها ناسيا وأصاب فقيل يستأنف وقيل لا يستأنف وهو الظاهر واذا تبين للمقلد أو للمجتهد الخطأ يقينا أو ظنا فى استقباله القبلة وهو فى الصلاة فان كان أعمى ولو كثر انحرافه أو بصيرا منحرفا يسيرا فانهما يستقبلان القبلة ويبنيان على صلاتهما ولا يستأنفانها، أما البصير المنحرف كثيرا فانه يقطع صلاته على المشهور ويستأنفها باقامة وكذا يقطعها ويستأنف من كان بمكة أو المدينة أو جامع عمرو بن العاص بمصر لأنها من المساجد التى حررت فيها القبلة بواسطة الصحابة سواء كان الانحراف فيها يسيرا أو كثيرا أعمى أو غيره

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

ان صلى من يجب عليه التقليد من غير تقليد وأصاب القبلة استأنف صلاته.

واذا انحرف المصلى على الارض فرضا كانت صلاته أو نفلا عن القبلة.

فان استدبرها أو تحول الى جهة أخرى ناسيا وعاد الى الاستقبال على قرب لم يستأنف وان عاد بعد طول الفصل استأنف على أصح الوجهين.

وان استدبرها أو تحول الى جهة أخرى عمدا استأنف

(3)

أما الصلاة على غير الارض كالسفينة والدابة فيرجع اليه فى مصطلج استقبال.

(1)

من البدائع ج 1 ص 119 والاختيار ج 1 ص 45، من ابن عابدين ج 1 ص 435، 436.

(2)

من الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 1 ص 302، 305، 306، من الدسوقى ج 1 ص 206، من الصاوى على الصغير ج 1 ص 124.

(3)

من المجموع والمهذب ج 3 ص 236، 220.

ص: 157

ومن صلى باجتهاد فتيقن خطأ معينا وهو فى صلاته وجب استئنافها وان لم يتبين الصواب وكذا يستأنفها المقلد اذا تيقن خطأ من قلده

(1)

.

ولو تغير اجتهاده فى أثناء الصلاة ففيه وجهان مشهوران.

أحدهما: يجب استئناف الصلاة الى الجهة الثانية لأنه لا يجوز أن يصلى صلاة واحدة باجتهادين.

وثانيهما: لا يستأنف بل ينحرف الى الجهة الثانية ويبنى على صلاته وهو الأصح لأنا لو ألزمناه الاستئناف نقضنا ما أداه من الصلاة بالاجتهاد باجتهاد بعده وذلك لا يجوز وان طرأ على المجتهد فى أثناء الصلاة شك فى جهة القبلة ولم يترجح له جهة من الجهات أتمها الى جهة ولا يستأنف ولو قيل للاعمى وهو فى صلاته: صلاتك الى الشمس وهو يعلم أن قبلته غيرها استأنف الصلاة لبطلان تقليد الاول بذلك.

وكذا يستأنفها الأعمى ان أبصر وهو فى أثناء الصلاة وعلم أنه على الخطأ أو تردد اما أن علم أنه على الاصابة للقبلة بمحراب أو نجم أو خبر ثقة أو غيرها فانه يتمها ولا يستأنف وان ظن الصواب غير جهته اتجه الى ما ظنه ولا يستأنف

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

كل من صلى قبل فعل ما يجب عليه من استخبار عن القبلة أو اجتهاد ان قدر عليه أو تقليد أو تحر فعليه استئناف صلاته وان أصاب القبلة لتفريطه بترك ما وجب عليه واذا اجتهد وغلب على ظنه جهة أنها القبلة فان تركها وصلى الى غيرها استأنف ما صلاه الى غيرها وان أصاب لأنه ترك فرضه كما لو ترك القبلة المتيقنة ولو دخل فى الصلاة باجتهاد ثم شك لم يلتفت اليه ويبنى على صلاته ولا يستأنفها.

ولو غلب على ظنه خطأ الجهة التى يصلى اليها ولم يظن جهة غيرها بطلت صلاته ويستأنفها وان تغير اجتهاده فى الصلاة عمل بالاجتهاد الثانى فيستدير الى الجهة التى أداه اجتهاده اليها ثانيا ويبنى على ما مضى من صلاته ولم يستأنف ما صلى بالاجتهاد الاول

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى من صلى الى غير القبلة ممن يقدر على معرفة جهتها عامدا أو ناسيا بطلت صلاته ويعيدها ما كان فى الوقت ان كان عامدا اذ لا قضاء له ويعيدها أبدا ان كان ناسيا

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

من صلى بغير تحر استأنف صلاته فى الوقت وبعده ان لم يتيقن الاصابة ولو ظنها اجماعا.

أما ان أصاب القبلة يقينا فعند القاسمية

(1)

من أسنى المطالب ج 1 ص 139، 140، الاقناع ج 1 ص 110.

(2)

من المجموع والمهذب ج 3 ص 236، 220.

(3)

من كشاف القناع ج 1 ص 206، 209، من شرح منتهى الارادات بهامشه ص 159، 160.

(4)

من المحلى ج 1 ص 228 مسألة 353، المحلى ج 2 ص 235 مسألة 279.

ص: 158

لا يستأنفها لحصول المقصود كما تحرى.

وقال المؤيد: يستأنفها لوجوب تقدم الشرط وهو قصد الاستقبال وكذا الخلاف لو صلى الى غير متحراه فأصاب القبلة.

وقال صاحب البحر الزخار الأقوى هنا الاستئناف مطلقا لعصيانه واذا تغير اجتهاد الامام فانحرف عزل المأموم وبنى على صلاته ولا يستأنفها وكذا العكس.

ولا ينحرف للشك بعد الظن

(1)

ولتمام البحث عندهم انظر استقبال، واعادة.

‌مذهب الإمامية:

اذا صلى بدون فحص عن القبلة الى جهة غفلة أو مسامحة يجب استئنافها الا اذا تبين كونها القبلة مع حصول قصد القربة منه ولو أخل بالاستقبال عالما عامدا استأنف صلاته مطلقا.

وان أخل بها جاهلا أو ناسيا أو غافلا أو مخطئا فى اعتقاده أو فى ضيق الوقت فان كان فى أثنائها وكان منحرفا عنها الى ما بين اليمين واليسار مضى ما تقدم واستقام فى الباقى ولا يستأنف، لكن الأحوط الاستئناف فى غير المخطئ فى اجتهاده وان كان منحرفا الى اليمين واليسار أو الى الاستدبار استأنفها من أولها.

واذا تغير اجتهاده فى أثناء الصلاة انحرف الى ما ظنه الا اذا كان الاول الى الاستدبار أو اليمين واليسار بمقتضى ظنه الثانى فيستأنف

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

ان خالف اجتهاده وصلى ولا مرشد له استأنف صلاته ولو أصاب القبلة، وقيل لا يستأنف أن أصابها وان أخطأها استأنف اتفاقا وان تبين لمن اجتهد وصلى خطأ القبلة وهو فى الصلاة بأن استدبر أو غرب أو شرق فانه يلزمه استئناف الصلاة فى الظاهر لأنه تحقق ايقاع جزء من صلاته الى غير قبلة محسوبة وقيل: ينحرف الى ما تبين له ويبنى ولا يستأنفها

(3)

.

‌استئناف الصلاة لمن سبقه

الحدث فيها

‌مذهب الحنفية:

ان سبق الحدث المصلى فى الصلاة توضأ وبنى على صلاته لقوله عليه الصلاة والسلام: «من قاء أو رعف فى صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» .

والاستئناف أفضل لئلا يفصل بين أفعال الصلاة بأفعال ليست منها وقيل أن الاستئناف للمنفرد أفضل أما الامام والمقتدى فالأفضل لهما البناء صيانة لفضيلة الجماعة وان قهقه فى الصلاة ووجد ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد

(1)

من البحر الزخار ج 1 ص 209، 210

(2)

مستمسك العروة الوثقى ج 5 ص 168، 179، 182، 157، 183.

(3)

من النيل ج 1 ص 56، من الايضاح ج 1 ص 365، 366.

ص: 159

الأخير فانه يلزمه الاستئناف لانه يندر وجودها فلم يكن فى معنى ما ورد به النص

(1)

وهو سبق الحدث.

‌مذهب المالكية:

من طرأ حدثه فى الصلاة ولو سهوا أو غلبة بطلت صلاته وعليه استئنافها

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

ان سبقه الحدث غير الدائم استأنف صلاته فى الجديد لبطلان طهارته

(3)

وفى القول القديم يبنى على صلاته ولا يستأنفها ما لم يتكلم.

‌مذهب الحنابلة:

من أحدث حدثا أكبر أو أصغر حرم عليه الصلاة ولم يصح ما تقدم منها فيستأنفها

(4)

‌مذهب الظاهرية:

كل حدث ينقض الطهارة بعمد أو نسيان فانه متى وجد بغلبة أو باكراه أو بنسيان فى الصلاة ما بين التكبيرة للاحرام لها الى أن يتم سلامه فهو ينقض الطهارة والصلاة معا ويلزمه استئنافها

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

ان سبقه الحدث فى الصلاة فعند أكثر العترة: يستأنفها

(6)

.

‌مذهب الإمامية:

لو فجأه أى سبقه الحدث فى الصلاة توضأ وبنى على صلاته ولا يستأنف وقيل:

الأحوط أنه تبطل صلاته ويستأنفها

(7)

.

‌مذهب الإباضية:

ان سبقه الحدث فى الصلاة استأنفها الا فى القئ والرعاف والخدش فانه يتوضأ ويبنى على صلاته

(8)

ولتمام الموضوع أنظر حدث واستخلاف.

‌استئناف الصلاة للمتيمم

ان وجد الماء فى خلالها

‌مذهب الحنفية:

ان وجد المتيمم الماء فى خلال الصلاة قبل أن يعقد قدر التشهد الأخير انتقض تيممه وتوضأ واستأنف صلاته لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل وذلك يبطل حكم البدل وان وجده بعد ما قعد قدر التشهد الأخير، أو بعد ما سلم وعليه سجدتا سهو عاد الى السجود يلزمه استئناف الصلاة عند أبى حنيفة لأن وجوده بعد التشهد كوجوده قبله لأنه فى حرمة الصلاة وعند أبى يوسف ومحمد لا يلزمه الاستئناف لأن صلاته قد انتهت بالصعود قدر التشهد لانتهاء أركانها

(9)

.

(1)

من الهداية وفتح القدير ج 1 ص 267، 272، من الاختيار ج 1 ص 61.

(2)

من الخرشى ج 1 ص 279.

(3)

من حاشية البجرمى على الخطيب ج 1 ص 388.

(4)

من كشاف القناع ج 1 ص 99.

(5)

من المحلى ج 4 ص 153 مسألة 462.

(6)

من البحر الزخار ج 1 ص 286.

(7)

من المختصر النافع ج 1 ص 6، من الخلاف فى الفقه ج 1 ص 146 م 157.

(8)

من الايضاح ج 1 ص 469.

(9)

من البدائع ج 1 ص 58، العناية على الهداية بفتح القدير ج 1 ص 274.

ص: 160

‌مذهب المالكية:

لو وجد الماء بعد دخوله فى الصلاة فان ذلك لا يبطل تيممه ولو اتسع الوقت ويحرم عليه قطع صلاته واستئنافها تغليبا للماضى منها ولو قل. الا أن يكون الماء فى رحله فيتيمم ويدخل فى الصلاة ثم يذكره فيها فانه يقطع صلاته ويستأنفها ان اتسع الوقت وكذلك يقطع ويستأنف لو طلبه من رفقته فنسوه فيتيمم وصلى ثم تذكروه

(1)

وظن أنهم لو علموه لم يمنعوه، وكذا الجاهل بأن الماء فى ملكه كما لو جعلته زوجته فى رحله.

‌مذهب الشافعية:

اذا أحرم المتيمم بصلاة تسقط عنه بالتيمم ثم رأى الماء فى صلاته فله اتمامها ولا يلزمه استئنافها لتلبسه بالمقصود بلا مانع من استمراره فيه لأن وجود الماء ليس حدثا.

ولكن قطعها ليتوضأ ويستأنفها أفضل من اتمامها للخروج من خلاف من حرم اتمامها

(2)

ويحرم قطعها واستئنافها ان كانت فرضا وضاق وقتها لئلا يخرجها عن وقتها مع قدرته على أدائها فيه.

‌مذهب الحنابلة:

اذا وجد المتيمم الماء وهو فى الصلاة خرج فتوضأ أو اغتسل ان كان جنبا واستأنف الصلاة ويجب الاستئناف ان كانت الصلاة فرضا

(3)

‌مذهب الظاهرية:

ان وجد المتيمم فى صلاته الماء انتقض التيمم وكذلك صلاته التى هو فيها تنقض لانتقاض طهارته ويتوضأ أو يغتسل ثم يستأنف الصلاة

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

يستأنف المتيمم صلاة الفرض برؤية الماء الذى يستطيع التطهر به بعد احرامه بها قبل فراغها ولا يستأنف النافلة بهذا للتخفيف فيها

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

وللامامية فى هذا روايتان: احداهما وهى الاظهر أنه اذا كبر تكبيرة الاحرام مضى فى صلاته بتيممه ولم يستأنف. والثانية: أنه يخرج ويتوضأ ويستأنف صلاته اذا لم يركع

(6)

.

‌مذهب الإباضية:

وذهب بعض الإباضية الى أن وجود الماء فى أثناء صلاة المتيمم ينقض الصلاة فيعدل الى الماء ويستأنفها وخالف فيه البعض

(7)

.

‌استئناف الصلاة لمن شرع فيها

صحيحا ثم مرض أو مريضا ثم صح فى خلالها

‌مذهب الحنفية:

لو شرع المصلى فى الصلاة قاعدا وهو مريض ثم صح وقدر على القيام فان كان شروعه بركوع وسجود بنى على صلاته ولم يستأنف استحسانا عند أبى

(1)

من الخرشى ج 1 ص 233/ 230.

(2)

من أسنى المطالب ج 1 ص 88.

(3)

من المغنى ج 1 ص 270، من كشاف القناع ج 1 ص 129.

(4)

من المحلى ج 2 ص 122 م 234.

(5)

من البحر الزخار ج 1 ص 129.

(6)

من الخلاف ج 1 ص 33 م 89 والمختصر النافع ج 1 ص 17.

(7)

من الايضاح ج 1 ص 258، 259 والنيل ج 1 ص 41.

ص: 161

حنيفة وأبى يوسف وعند محمد يستأنف قياسا.

وان كان شروعه بالايماء يستأنف بالاتفاق بينهم، وعند زفر: يبنى ولا يستأنف ولتمام الموضوع وبيان وجه كل منهم أنظر:

(اقتداء).

وأما الصحيح اذا شرع فى الصلاة ثم عرض له مرض بنى على صلاته على حسب امكانه قاعدا أو مستلقيا ولم يستأنف فى ظاهر الرواية لأنه لو بنى لصار مؤديا بعض الصلاة كاملا وبعضها ناقصا ولو استأنف لأدى الكل ناقصا ولا شك أن الأول أولى وروى عن أبى حنيفة: أنه اذا صار الى الايماء يستأنف

(1)

.

‌مذهب المالكية:

ان صح فى خلال صلاته معذور بأن زال عذره عن حالة أبيحت له من اضطجاع أو جلوس أو ايماء استأنف صلاته بالأعلى من هذه الحالة وجوبا فيما الترتيب فيه واجب كمضطجع قدر على الجلوس ولا يجزيه اتمامها على الحالة الأولى، واستأنفها به ندبا فيما الترتيب فيه مندوب كمضطجع على أيسر قدر على أيمن أما اذا عرض له مرض بنى على صلاته ولا يستأنف

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

من قدر فى أثناء الصلاة على القيام أو القعود أو عجز عنه أتى بالمقدور له ولا يستأنفها ويبنى على قراءته ويستحب استئناف القراءة ان قدر على القيام أو القعود لتقع حال الكمال

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

ان قدر المريض على القيام فى أثناء الصلاة انتقل اليه وأتمها ولا يستأنفها وكذا ان قدر على القعود ونحوه مما عجز عنه من كل ركن أو واجب فى أثنائها انتقل اليه وأتم صلاته، ويبنى المريض على ما صلاه بالايماء اذا قدر على الركوع أو السجود ولا يستأنف ولو ابتدأ الصلاة قائما أو قاعدا ثم عجز أتمها على ما يستطيعه ويبنى على ما تقدم ولا يستأنفها ويلزم استئناف قراءة الفاتحة لمن قدر على القيام أو القعود قبل اتمامها

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

ان قدر العاجز فى خلال صلاته على أدائها بالأعلى استأنف صلاته أما القادر ان عجز فى خلالها عن أدائها بالأعلى بنى على صلاته بالأدنى ولا يستأنفها

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

من عجز عن حالة أثناء الصلاة انتقل الى ما دونها مستمرا فى صلاته ولا يستأنفها كالقائم يعجز فيقعد أو القاعد يعجز فيضطجع

(1)

من البدائع ج 1 ص 108.

(2)

من الخرشى والعدوى عليه ج 1 ص 350، 353، من الدسوقى والشرح الكبير ج 1 ص 239

(3)

من أسنى المطالب ج 1 ص 148 والام ج 1 ص 70.

(4)

من كشاف القناع ج 1 ص 322، 323.

(5)

من البحر الزخار ج 1 ص 177.

ص: 162

أو المضطجع يعجز فيستلقى وكذا العكس

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

ان حدث للمصلى المرض فى صلاته حتى لا يستطيع القيام فانه يرجع الى القعود ومن القعود الى الاضطجاع ان لم يستطع القعود ويبنى عليه ولا يستأنف وكذا ان كان يصلى مضطجعا ثم وجد راحة فانه يرجع الى القعود ومن القعود الى القيام ولا يستأنف.

وقال بعضهم: ان وجد راحة وهو يصلى مضطجعا استأنف الصلاة وكذلك ان رجع الى الاضطجاع من القيام أو من القعود وأما فى الانتقال من قيام الى قعود لعذر أو من قعود الى قيام لراحة وجدها فلا استئناف معه وان عمل شيئا بين القيام والقعود مثل القراءة والتعظيم والتكبير استأنف صلاته ان تعمد وان لم يتعمد فليعده فى الموضع الذى استقبله

(2)

.

‌استئناف الصلاة لمن شرع فيها

عاريا ثم وجد كسوة فى خلالها

‌مذهب الحنفية:

لو وجد العارى فى خلال صلاته كسوة استأنف الصلاة لأن عورته ما صارت عورة للحال بل كانت عند الشروع فى الصلاة الا أن الستر كان قد سقط لعذر العدم فاذا زال تبين أن الوجوب كان ثابتا من ذلك الوقت

(3)

.

‌مذهب المالكية:

ان وجدها قريبا منه أخذها واستتر وكمل صلاته ولا يستأنف وان وجدها بعيدا عنه بحيث يكون فى تناولها فعل كثير فقيل:

يقطع صلاته ويستأنف الصلاة من أولها وقيل: يتمادى فى صلاته ثم يعيدها ورجحه الأجهورى

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

ان وجدها قريبا منه فتناولها واستتر بها ولم يستدبر قبلته بنى على صلاته وان وجدها بعيدا فتناولها بأفعال كثيرة كثلاث خطوات أو انتظر من يلقيها عليه ومضت مدة فى التكشف بطلت صلاته واستأنفها

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

ان وجد العارى فى أثناء صلاته سترة مباحة قريبة منه عرفا ستر ما يجب ستره وجوبا وبنى على ما صلاه عريانا، وان كانت بعيدة عرفا بحيث يحتاج الى زمن طويل أو عمل كثير ستر الواجب ستره واستأنف الصلاة

(6)

.

‌مذهب الزيدية:

ان وجد المصلى عريانا سترا بعد احرامه بالصلاة قبل فراغها بطلت صلاته واستأنفها ان كانت فرضا اما النافلة فلا تبطل بهذا للتخفيف فيها

(7)

.

‌مذهب الإمامية:

من عجز عن الكسوة ثم قدر عليها فى أثناء

(1)

من شرائع الاسلام ج 1 ص 52، من الخلاف ج 1 ص 151.

(2)

من الايضاح ج 1 ص 379، 380، من النيل ج 1 ص 59.

(3)

من ابن عابدين ج 1 ص 411، من البدائع ج 1 ص 239.

(4)

من الخرشى ج 1 ص 299.

(5)

من أسنى المطالب ج 1 ص 178.

(6)

من كشاف القناع ج 1 ص 186.

(7)

من البحر الزخار ج 1 ص 232، 129.

ص: 163

الصلاة بنى على صلاته ولا يلزمه الاستئناف

(1)

.

‌استئناف الصلاة لمن أخطأ

فى القراءة وهو فى الصلاة

‌مذهب الحنفية:

يستأنف المصلى صلاته ان قرأ آية أو بعض آية مكان آية ولم يقف وقفا تاما ووصل بينهما وصلا يغير المعنى وكذلك يستأنفها ان ذكر كلمة مكان كلمة على وجه البدل ولم تكن تلك الكلمة فى القرآن ولا تتقارب الكلمتان فى المعنى وهذا بلا خلاف اذا لم تكن تلك الكلمة تسبيحا ولا تحميدا ولا ذكرا على تفصيل موضعه مصطلح قراءة

(2)

.

‌مذهب المالكية:

يستأنف الصلاة اذا لم يحكم المصلى قراءة الفاتحة بجميع حروفها وحركاتها وشداتها مع القدرة الا أن يكون مأموما.

وكذا يستأنف المصلى صلاته ان ترك قراءة الفاتحة أو بعضها عمدا ولو فى ركعة واحدة أما ان تركها أو بعضها سهوا ولم يمكن التدارك بأن انحنى للركوع فانه يسجد سجود السهو لذلك قبل سلامه ثم يعيد تلك الصلاة احتياطا فى ظاهر المذهب وقيل: لا اعادة عليه فان أمكنه التدارك وجب عليه فان تركه مع امكانه أو ترك سجود السهو فيما سبق استأنف صلاته

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

ان ترك ترتيب الفاتحة فى الصلاة عامدا ولم يغير المعنى استأنف القراءة وكذا يستأنفها ان تركه ساهيا وطال غير المرتب فان لم يطل بنى ولم يستأنف فان غير المعنى استأنف الصلاة. وان سكت فى أثناء قراءة الفاتحة سكوتا يسيرا مع نية قطع القراءة أو سكت طويلا عمدا وان لم ينو القطع استأنف قراءتها

(4)

وان ترك المصلى ترتيب التشهد متعمدا عالما بتحريمه فان أخل بمعناه استأنف الصلاة.

‌مذهب الحنابلة:

ان ترك المصلى ترتيب الفاتحة عمدا أو سهوا لزمه استئنافها وان قطع قراءتها غير المأموم بأن كان اماما أو منفردا بذكر كثير أو قرآن كثير أو دعاء كثير غير مشروع أو سكوت طويل عرفا لزمه استئنافها ان تعمد القطع فان كان الذكر أو القرآن أو أو الدعاء يسيرا فلا يلزمه استئنافها

(5)

.

وكذا لا يلزمه استئنافها ان كان ذلك كثيرا سهوا أو انتقل الى قراءة غيرها غلطا فطال ذلك ولا يستأنفها ان سكت يسيرا بنية قطعها فيبنى على ما قرأه لان القراءة

(1)

من الخلاف ج 1 ص 143.

(2)

من الفتاوى الهندية ج 1 ص 79، 81 من فتح القدير ج 1 ص 227، 228.

(3)

من الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 1 ص 269، من الشرح الصغير وحاشية الصاوى ج 1 ص 129، 130.

(4)

من أسنى المطالب ج 1 ص 151، 152

(5)

من كشاف القناع ج 1 ص 225، 311 وشرح منتهى الإرادات عليه ص 179.

ص: 164

باللسان فلم تنقطع ويلزم المأموم استئناف قراءة الفاتحة ان قطعها بغير مشروع فان كان مشروعا كسكوته لاستماع قراءة امامه بعد شروعه هو فى قراءتها وكسجود لتلاوة وسؤاله لرحمة عند آية رحمة ونحوه فلا يلزمه الاستئناف ولو كثيرا وان ترك غير المأموم واحدة من تشديدات الفاتحة أو ترك حرفا منها لزمه استئنافها وان لحن فيها فغير المعنى أو أبدل حرفا منها بحرف لا يبدل استأف الصلاة فان كان اللحن المحيل للمعنى لجهل أو نسيان أو آفة كسبق لسانه أو غفلته لم يستأنف.

أنظر قراءة.

‌مذهب الظاهرية:

من نسى التعوذ أو شيئا من الفاتحة حتى ركع استأنف متى ذكر فيها وسجد للسهو ان كان اماما أو منفردا فان كان مأموما ألغى ما قد نسى الى أن ذكر ويستأنف المصلى صلاته ان قدم كلمة أو أخرها عامدا واذا أتم الامام قام فقضى ما كان ألغى ثم سجد للسهو

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

لو ترك المصلى احدى تشديدات الفاتحة الاربع عشرة فى قراءته لها استأنف الصلاة وكذا يستأنف الصلاة ان عكس ترتيبها أو فصل بين كلماتها بسكوت طويل أو فعل ولا يستأنف ان كرر بعض كلماتها أو ترك الترتيب بين الفاتحة والسورة

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

وعند الإمامية لو أخل المصلى بقراءة الفاتحة جميعها ولو بحرف واحد منها عمدا حتى التشديد وكذا اعرابها استأنف الصلاة. وكذا يستأنف الصلاة ان خالف عمدا ترتيب كلماتها وآياتها على الوجه المنقول وان كان ناسيا استأنف القراءة ما لم يركع فان ركع مضى فى صلاته ولو تذكر، ولو قرأ فى خلالها من غيرها استأنف القراءة، وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت وفى قول يستأنف الصلاة. أما لو سكت فى خلال القراءة من غير نية القطع ولم يقطع فانه يمضى فى صلاته ولم يستأنف

(3)

.

وقول المصلى (آمين) يقطع صلاته فيلزمه استئنافها سواء كان ذلك سرا أو جهرا فى آخر الحمد لله أو قبلها للامام والمأموم على كل حال

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

وعند الإباضية يستأنف المصلى صلاته ان نكس قراءة الفاتحة وأخذ فى قراءتها من آخرها وكذلك ان قرأ نصفها الاخير قبل أن يقرأ الاول. وان رجع فى هذا كله الى الصواب فاستأنفها من أولها ثم عاد لما قرأ منها فلا بأس بصلاته ما لم يتعمد فيستأنف صلاته. وكذلك ان قدم قراءة السورة على قراءة الفاتحة فى صلاة الجهر فانه يستأنف قراءتها ما لم يتعمد

(5)

.

(1)

من المحلى، ج 3 ص 254 م 367، المحلى ج 3 ص 250 مسألة 364.

(2)

من البحر الزخار ج 1 ص 247.

(3)

من شرائع الاسلام ج 1 ص 52، 54.

(4)

من الخلاف فى الفقه ج 1 ص 113 م 83.

(5)

الايضاح ج 1 ص 398، 399، 427.

ص: 165

‌استئناف الصوم المنذور

‌مذهب الحنفية:

لو نذر شخص صوم شهر غير معين فقال:

لله على أن أصوم شهرا متتابعا، أو نوى فيه التتابع ولم يذكره فصامه وأفطر يوما ولو من الايام المنهى عن صومها فانه يلزمه استئناف الصوم من أوله لانه أوجب على نفسه صوما موصوفا بصفة التتابع وهى صفة معتبرة شرعا ورد الشرع بها فى كفارة الظهار والقتل فاذا ترك التتابع فلم يأت بما التزمه يستأنف. وان لم يذكر التتابع ولم ينوه فلا يلزمه الاستئناف وان شاء تابع وان شاء فرق ولو نذر صوم شهر معين كرجب مثلا أو صوم أيام بعينها فانه لا يلزمه الاستئناف لو أفطر منه يوما سواء شرط التتابع أو لا لأنا لو ألزمناه الاستئناف لوقع أكثر الصوم فى غير الوقت الذى أضيف اليه النذر ولو أتم وقضى كان مؤديا أكثر الصوم فى الوقت فكان هذا أولى ولو نذر صوم سنة غير معينة وذكر التتابع أو نواه فان أفطر يوما منها سوى العيدين وأيام التشريق استأنف الصوم من أوله لأن السنة المتتابعة لا تخلو عن هذه الأيام بخلاف الشهر أما ان كانت السنة معينة فلا يستأنف كما مر فى الشهر المعين

(1)

.

‌مذهب المالكية:

ان نذر صوم شهر مبهم أو سنة مبهمة أو أيام غير معينة وشرط فيها التتابع أو نواه لزمه الاستئناف على التحقيق ان أفطر منها يوما، وقال الزرقانى والامير لا يجب الاستئناف ان نواه. أما ان لم يشترط التتابع ولم ينوه. فلا يجب عليه الاستئناف بل يندب فقط، وان كان ذلك كله معينا فانه يلزمه الاستئناف

(2)

. على تفصيل سنبينه بعد فى استئناف صوم الكفارة.

‌مذهب الشافعية:

ان نذر صوم شهر معين أو شهر من الآن فلا يلزمه استئناف الصوم ان أفطر فيه وكذا اذا كان الشهر غير معين. أو نذر صوم سنة معينة أو مطلقة أو نذر صوم عشرة أيام فانه لا يلزمه الاستئناف ما دام لم يشترط التتابع فان شرط التتابع فانه يستأنف الصوم وجوبا ان أفطر فى خلال الايام أو الشهر أما ان أفطر فى خلال السنة فان كان لمرض أو سفر أو لغير عذر استأنف صوم السنة، وهناك قول فى المرض ووجه فى السفر بعدم الاستئناف

(3)

، وان كان لحيض أو نفاس فلا يجب الاستئناف

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

ان نذر صوم شهر مطلق فأفطر منه يوما بلا عذر استأنفه لان اطلاق الشهر

(1)

من البدائع ج 5 ص 94، 95، أبن عابدين ج 2 ص 434، 436 الجوهرة ج 1 ص 143.

(2)

من الخرشى ح 2 ص 286، ص 306 ص 307، ومن الدسوقى والشرح الكبير ح 1 ص 511، ص 512.

(3)

المهذب ج 1 ص 244، ص 245.

(4)

من اسنى المطالب ج 1 ص 581، ص 582.

ص: 166

يقتضى التتابع وان أفطر بعذر يخير بين الاستئناف بلا كفارة لانه فعل المنذور على صفته، وبين البناء ويتم ثلاثين يوما ويكفر - كفارة يمين - لانه لم يأت بالمنذور على وجهه

(1)

، وكذلك السنة المطلقة، وان نذر صوم شهر معين فأفطر منه يوما لغير عذر استأنف لانه صوم يجب متتابعا بالنذر كما لو اشترط التتابع فيستأنف شهرا من يوم فطره ويكفر لتأخير النذر، وان أفطر لعذر يبنى على ما صامه ويكفر وكذلك السنة المعينة، وان نذر صيام أيام معدودة ولو ثلاثين لم يلزمه الاستئناف ان أفطر الا بشرط أن يقول متتابعة أو ينويه فيلزمه، وان نذر صياما متتابعا غير معين كعشرة أيام متتابعة فأفطر فى أثنائها لمرض يجب معه الفطر أو أفطرت لحيض. خير القادر بين استئنافه ولا شئ عليه وبين البناء على صومه ويكفر، وان أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف ضرورة للوفاء بالتتابع ولا كفارة

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

لو نذر صوم جمعة أو قال: شهر. لم يجز أن يصوم ذلك الا متتابعا فان تعمد فى خلال ذلك فطرا لعذر أو لغير عذر استأنف الصوم من أوله لان اسم الجمعة والشهر لا يقع الا على أيام متتابعة لا متفرقة، ومن نذر صوم جمعتين أو قال:

شهرين ولم ينذر التتابع فى ذلك لزمه ان يصوم كل جمعة متتابعة ولا بد وكل شهر متتابعا ولا بد وله أن يفرق بين الجمعة والجمعة والشهر والشهر الا أن ينذرهما متتابعين فيلزم ذلك ويستأنفهما ان فرق بينهما، ومن نذر صوم يومين فصاعدا لا يلزمه الاستئناف ان أفطر فى خلالهما

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

لا يجب استئناف الصوم المنذور ان أفطر فى خلاله الا اذا كان معينا أو نوى فيه التتابع ويستأنف ان أفطر لغير عذر اجماعا أما ان أفطر لعذر مأيوس كالحيض ونحوه فيبنى اجماعا لان حكمه مرفوع. وان أفطرت لنفاس استأنفت لانه يمكنها تحرى وقت لا نفاس فيه ولا يجب الاستئناف ان نذر شهرا مطلقا أو أسبوعا الا أن يقول كاملا فيجب لئلا يخلو وصفها بالكمال من فائدة.

وقال المؤيد: يجب فى الكل اذ الشهر اسم لثلاثين متتابعة وقواه صاحب البحر الزخار

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

اذا نذر صوم شهر أو أقل أو أزيد فأفطر فيه لا يلزمه الاستئناف الا مع الانصراف «النية» أو اشتراط التتابع فيه فاذا اشترط أو نواه وأفطر فى أثنائه لا لعذر اختيارا وجب استئنافه ويبنى على ما مضى ان أفطر لمرض أو حيض أو نفاس أو سفر اضطرارى لا اختيارى، وان نذر شهرين متتابعين فأفطر فى الشهر الاول أو أفطر اليوم الأول من الشهر الثانى لزمه

(1)

كشاف القناع ح 4 ص 164، ص 165

(2)

المرجع السابق ح 4 ص 164، ص 165

(3)

من المحلى ح 7 ص 11، م 784، م 785، 786.

(4)

من البحر الزخار ح 2 ص 262، 263

ص: 167

الاستئناف أما ان أفطر بعد ذلك فلا يلزمه ولو أفطر اختيارا

(1)

.

‌استئناف العدة

‌مذهب الحنفية:

لو اعتدت الآيسة بالاشهر ثم عاد دمها على جارى عادتها فى أثناء الاشهر الثلاثة أو بعدها أو حبلت من زوج آخر استأنفت العدة بالقروء - الحيض - فى ظاهر الرواية لانها لما رأت الدم دل أنها لم تكن آيسة وانها أخطأت فى الظن فلا يعتد بالاشهر فى حقها لأن شرط خلفية الاشهر عن الحيض تحقق اليأس عن الأصل بالنص وذلك باستدامة العجز الى الممات كالفدية فى حق الشيخ الفانى.

واختار البهنسى ما اختاره الصدر الشهيد وهو أنها ان رأت الدم قبل تمام الأشهر استأنفت أما بعد انقضائها فلا تستأنف وهو الصحيح المختار وعليه الفتوى «ولتمامه أنظر عدة» .

ولو اعتدت الصغيرة أو التى بلغت بالسن ولم تحض ثم حاضت بعد تمام الأشهر الثلاثة فلا تستأنف به لأنه لم يتبين بالحيض أنها كانت قبل من ذوات الأقراء بخلاف الآيسة أما اذا حاضت قبل تمامها ولو بساعة استأنفت العدة بالحيض لأن الأشهر خلف عن الحيض وقد قدرت على الأصل قبل حصول المقصود بالخلف فيجب عليها الاصل

(2)

.

أما ممتدة الطهر وهى من كانت تحيض ثم ارتفع حيضها لعارض غير الحمل والاياس فلا تنقضى عدتها حتى تحيض ثلاث حيض أو حتى تدخل فى حد الاياس فتستأنف عدة الآيسة ثلاثة أشهر

(3)

.

ولو تزوج الرجل زواجا صحيحا بمعتدته من طلاق بائن بينونة صغرى أو فرقة من زواج فاسد ثم طلقها قبل الدخول بها أو الخلوة فعليها عدة مستأنفه عند أبى حنيفة وأبى يوسف وعند محمد: عليها اتمام العدة الاولى ولا تستأنف وان تزوجها فى العدة فاسدا فليس عليها استئناف عدة بالاتفاق. أما المطلقة رجعيا اذا راجعها الزوج ثم طلقها قبل الدخول بها فعليها عدة مستأنفة بالاتفاق

(4)

واذا طلق الرجل امرأته ثم مات فى أثناء العدة فان كان الطلاق رجعيا انهدمت عدة الطلاق وعليها أن تستأنف عدة الوفاة سواء طلقها فى حالة المرض أو الصحة. وان كان الطلاق بائنا أو ثلاثا وهى غير وارثه فلا تستأنف عدة الوفاة ويقتصر على اتمام عدة الطلاق أما ان كانت وارثه فكذلك الحكم عند أبى يوسف أى لا تستأنف

(1)

العروة الوثقى ح 1 ص 529، ص 531

(2)

من ابن عابدين ج 3 ص 514، 515 والاختيار ح 2 ص 233 وفتح القدير ج 3 ص 273، 278.

(3)

البدائع ج 3 ص 195، أبن عابدين ج 3 ص 508.

(4)

ابن عابدين ج 3 ص 524، 525، فتح القدير ج 3 ص 288، البدائع ج 3 ص 201

ص: 168

عدة الوفاة وقال أبو حنيفة ومحمد تستأنف الاعتداد بأبعد الاجلين أى الابعد من أربعة أشهر وعشرة أيام وثلاث حيض

(1)

.

‌مذهب المالكية:

ان رأت اليائسة المشكوك فى يأسها وهى بنت الخمسين إلى السبعين - الدم بعد ما أخذت فى عدة الاشهر فيرجع لرأى النساء فى حكم هذا الدم. فان قلن:

هو حيض أو شككن ترجع الى الحيض وتستأنف العدة بالقروء - الاطهار - وتلغى الشهور وان قلن: انه ليس بحيض أو كانت فى سن من لا تحيض من بنات السبعين أو الثمانين لم يكن ذلك حيض واستمرت على العدة بالأشهر. واذا رأت الصغيرة - ممكنة الحيض - الدم فى أثناء عدتها بالاشهر ولو فى آخر يوم من أشهرها فانها تنتقل الى الاقراء وتستأنف العدة بها وتلغى ما تقدم لها من الأشهر ولا يرجع فى دمها للنساء، وكالصغيرة فى كل هذا التى لم تحض قط قبل الطلاق وان بلغت الثلاثين. وممتدة الطهر ان ارتفع حيضها بلا سبب أصلا أو بسبب أنها مرضت وليس هناك ريبة حمل فانها تنتظر تسعة أشهر فان لم تحض فيهن استأنفت عدة الآيسة ثلاثة أشهر. وان تزوج بائنته فى عدتها ثم طلقها قبل الدخول فانها تبنى على ما بقى من عدة الطلاق الاول أما ان طلقها رجعيا ثم قبل انقضاء العدة راجعها فانها تستأنف العدة من يوم الطلاق الثانى وسواء دخل بها بعد أن راجعها أو لا الا اذا أراد بارتجاعها الضرر بها لتطويل العدة عليها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فانه يعامل بنقيض مقصوده وتبنى على عدته الأولى، وعند ابن عرفة تستأنف ولو قصد ضررا واثمه على نفسه.

أما اذا راجعها ثم طلقها بعد أن دخل بها فانها تستأنف ولا ينظر لقصد الضرر. واذا طلق امرأته طلاقا رجعيا ثم قبل انقضاء العدة مات عنها فانها تستأنف عدة الوفاة من يوم الموت. وان كان الطلاق بائنا استمرت فى عدة الطلاق ولا تستأنف عدة الوفاة

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

لو حاضت الآيسة التى تقدم لها حيض فى أثناء عدتها بالاشهر استأنفت العدة بالاقراء - الأطهار - ويحسب ما مضى من الاشهر قرءا لأنه طهر بين دمين فتضم اليه قرأين وان حاضت بعد تمام الاشهر فأقوال أظهرها أنه ان تزوجت بآخر فلا شئ عليها لانقضاء عدتها ظاهرا مع تعلق حق الزوج بها وان لم تكن تزوجت انتقلت للأقراء واستأنفت العدة بها لعدم تعلق حق بها وان حاضت الصغيرة أو غيرها ممن لم تحض فى أثناء العدة بالأشهر استأنفت العدة

(1)

البدائع ج 3 ص 200، فتح القدير ج 3 ص 275، 276.

(2)

من الحطاب ج 4 ص 144، 148، والدسوقى والشرح الكبير ج 2 ص 479، 481، 482، والخرشى ج 4 ص 165، 166، 200، 203، بداية المجتهد ج 2 ص 91.

ص: 169

بالاقراء ولا يحسب ما مضى قرءا لأنه طهر لم يأت بين دمين. ولو حاضت بعد الفراغ من العدة فلا يؤثر فلا تستأنف. وان انقطع دم المرأة لعارض كرضاع ومرض أو لغير عارض فلا تعتد قبل اليأس الا بالاقراء فاذا صارت فى سن اليأس استأنفت العدة بالأشهر

(1)

ولو جدد نكاح مطلقته البائن فى العدة ثم طلقها قبل الدخول بنت على العدة الأولى ولو راجع مطلقته غير الحامل ثم طلقها فى العدة قبل أن يدخل بها استأنفت العدة وكذا تستأنف عدة بالاقراء ان كانت حاملا ولم تطلق ثانيا الا بعد الوضع وان لم يدخل بها.

وان مات عن رجعية استأنفت عدة وسقطت بقية عدة الطلاق. وان مات عن بائن أو مفسوخ نكاحها فلا تستأنف عدة الوفاة بل تكمل عدة الطلاق أو الفسخ

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

لو رأت الآيس الدم بعد الخمسين على العادة التى كانت تراه فيها فهو حيض فى الصحيح وتعتد به، وان رأته بعد الستين فهو ليس بحيض فعند ذلك لا تعتد به وتعتد بالأشهر. واذا حاضت الصغيرة أو البالغ التى لم تحض قبل انقضاء عدتها بالشهور ولو بساعة لزمها استئناف العدة بالقروء - الحيض وان كان حيضها بعد انقضاء العدة ولو بلحظة لم يلزمها استئنافها بالقروء.

ومن ارتفع حيضها ولو بعد حيضة أو حيضين. فان كانت لا تدرى ما رفعه اعتدت سنة تسعة أشهر لتعلم براءتها من الحمل وثلاثة للعدة. وان عرفت ما رفعه من مرض أو رضاع فلا تزال فى العدة حتى يعود الحيض فتعتد به أو حتى تبلغ سن الآيسة فتستأنف عدتها ثلاثة أشهر. وان طلق الرجل امرأته بائنا ثم نكحها فى عدتها ثم طلقها قبل الدخول بنت على العدة الأولى وان طلقها رجعيا ثم راجعها ثم طلقها قبل دخوله بها استأنفت العدة وان مات زوج الرجعية فى عدتها استأنفت عدة وفاة من حين موته وسقطت عدة الطلاق وكذا اذا قتل المرتد فى عدة امرأته استأنفت عدة وفاته وكذا لو أسلمت امرأة كافر ثم مات فى عدتها على قياس التى قبلها. وان طلقها فى الصحة بائنا ثم مات فى عدتها لم تنتقل عنها بل تبنى على عدة الطلاق مطلقا ولا تستأنف عدة وفاة فان كان الطلاق البائن فى مرض موته المخوف ومات فى العدة استأنفت الاعتداد بأطول الأجلين من عدة طلاق وعدة وفاة لأنها وارثه ومطلقة فان كانت لا ترثه فتعتد للطلاق لا غير

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم: ان طلقت التى لم تحض قط ثم حاضت قبل تمام العدة سواء اثر طلاقها أو فى آخر الأشهر أو بين ذلك فانها

(1)

اسنى المطالب ج 3 ص 391، 392 وتحفة المحتاج، ج 3 ص 343، 344.

(2)

من أسنى المطالب ج 3 ص 399، 390، من تحفة المحتاج ج 3 ص 349.

(3)

من كشاف القناع ج 3 ص 261 - 265، 271. والمغنى ح 9 ص 93، 102، 108.

ص: 170

تنتقل الى الأقراء - الأطهار - فتستأنف العدة بها لأن المعتدة اذا حاضت فى أثناء عدتها بالأشهر فليست من اللائى يئسن من المحيض ولا من اللائى لم تحضن بلا شك بل هى من اللائى حضن فوجب ضرورة أن عدتها ثلاثة قروء ومن الباطل أن تكون من اللائى يحضن وتكون عدتها بالشهور وكذلك لو حملت منه أو من غيره أثر طلاقها أو قبل انقضاء الثلاثة أشهر

(1)

. وان حاضت حيضة أو حيضتين ثم لم تحض أو انتظرت الحيضة الأولى فلم تأتها بعد أن كانت قد حاضت وهى فى عصمة زوجها أو قبلها فلا بد لهؤلاء جميعا من التربص أبدا بالغا ما بلغ حتى يحضن تمام ثلاث حيض أو حتى يصرن فى حد اليأس من المحيض فاذا صرن فيه استأنفن ثلاثة أشهر ولا بد.

وان اتبع الرجل مطلقته وهى فى عدتها قبل انقضائها طلاقا بائنا ولم تكن عدتها تلك من طلاق ثلاث فعليها أن تستأنف العدة من أولها وكذا لو راجعها فى عدتها فدخل بها أو لم يدخل ثم طلقها فانها تستأنف العدة ولا بد وان مات زوج المطلقة وهى فى العدة فانها تنتقل الى عدة الوفاة ان كان الطلاق رجعيا فقط والا فلا

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

ان رأت الآيسة وهى من بلغ عمرها ستين سنة تحديدا - الدم فى خلال الأشهر فلا يعتد به فى الأصح لانه ليس بحيض بل هو دم علة. وقيل تستأنف العدة بالحيض لو رأته بعد الستين قبل أن تتزوج فى الأصح واذا اعتدت الصغيرة بالأشهر ثم بلغت فى أثناء العدة بالحيض استأنفت العدة به اجماعا ولا تعتد بما مضى من الشهور ولا غيره ببلوغها فى العدة بغير الحيض وان بلغت بالحيض بعد العدة لم تستأنف اجماعا للآية.

وكذلك تستأنف العدة بالحيض ان حاضت التى بلغت بغير الحيض فى مدة الاعتداد بالأشهر وان انقطع حيض المطلقة المعتدة بعد ثبوته ولو مرة بدون سبب معروف تربصت حتى يعود فتبنى على ما قد حاضته بعد الطلاق فان لم يعد تنتظر حتى تيأس فتستأنف العدة ثلاثة أشهر ولا تبنى الأشهر التى تعتد بها بعد الاياس على ما قد مضى من الحيض اذا كانت قد حاضت مرة أو مرتين بعد الطلاق.

والمعتدة من طلاق بائن اذا عقد عليها زوجها قبل اتمامها للعدة الأولى ثم طلقها أو حصل فسخ قبل الدخول بها لم يلزمها استئناف العدة بل تبنى على ما قد مضى من العدة فى الطلاق الأول ولو كان الباقى شيئا يسيرا كيوم ونحوه أما المعتدة من طلاق رجعى فيجب الاستئناف لعدة أخرى لو راجع ولو باللفظ قبل انقضاء العدة ثم طلق أو فسخ قبل الدخول بها ولا تبنى على ما قد مضى من العدة فى الطلاق الأول. والمطلقة رجعيا اذا مات زوجها وهى فى العدة يلزمها استئناف عدة أخرى للوفاة من

(1)

من المحلى ج 10 ص 267، 268 مسألة 1996.

(2)

من المحلى ج 10 ص 269 م 1997، ص 262 م 1966 ص 268 م 1996.

ص: 171

يوم العلم فى العاقلة غير الحامل أو من يوم الموت فى الصغيرة أو الحامل ولا تبنى على ما قد مضى من عدة الطلاق. بخلاف البائن فانها لا تستأنف عدة الوفاة سواء كان فارا من ميراثها أم لا

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

الآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض وكذا التى لم تحض ومثلها لا تحيض لا عدة عليها من طلاق وان كانت مدخولا بها فى أظهر الروايات عن الأصحاب لقوله تعالى: «إِنِ ارْتَبْتُمْ» فشرط فى ايجاب العدة ثلاثة أشهر ان ارتابت والريبة لا تكون الا فيمن تحيض مثلها وأما من لا تحيض مثلها فلا ريبة عليها.

ولو كان مثلها يحيض اعتدت بثلاثة أشهر اجماعا، وهذه تراعى الشهور والحيض. فان سبقت القروء - الأطهار - فقد خرجت من العدة وكذا ان سبقت الشهور أما لو رأت الدم قبل تمام ثلاثة أشهر من تاريخ الطلاق ثم انقطع دمها صبرت تسعة أشهر ثم تستأنف العدة ثلاثة أشهر وان رأت الدم الثانى قبل ذلك صبرت تمام السنة ثم تستأنف العدة بثلاثة أشهر. ولو طلق الرجل امرأته بعد الدخول بها ثم راجعها فى العدة ثم طلقها ثانيا قبل الدخول لزمها استئناف العدة ولو طلق الرجل امرأته غير الحامل طلاقا رجعيا ثم مات فى العدة استأنفت عدة الوفاة ولو كان بائنا اقتصرت على اتمام عدة الطلاق

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

ان بلغت طفلة فى أثناء عدتها بالأشهر استأنفت العدة بثلاثة قروء ولا تبنى وجاء فى متن النيل: وعن ياسين: اختلفت مع أهل الجبل فى مطلقة حائض حاضت حيضتين ثم حبست عنها الثالثة وقاربت اياسا قالوا:

لا تتزوج حتى ترى الثالثة أو تأيس فتعتد ثلاثة أشهر وقلت: تتربص تسعة ثم ثلاثة وتتزوج ان شاءت. ومن طلقت رجعيا فحاضت أقل من ثلاثة أو مكثت أقل من ثلاثة أشهر ثم مات عنها مطلقها استأنفت عدة المتوفى عنها بلا بناء

(3)

.

‌استئناف صوم الكفارات

‌مذهب الحنفية:

اذا أفطر الصائم خلال الصوم فى كفارة الظهار والافطار فى رمضان والقتل واليمين فانه يستأنف الصوم سواء أفطر لغير عذر أو لعذر مرض أو سفر. لفوت شرط التتابع المنصوص عليه. وكذلك يستأنف الصيام اذا تخلل صيامه لهذه الكفارات يوم الفطر أو يوم النحر أو أيام التشريق سواء أفطر هذه الأيام أو لم يفطر لأن الصوم فى هذه الايام ناقص بسبب النهى عنه فيها فلا يتأدى به الكامل

(4)

. وكذلك يستأنف

(1)

من التاج المذهب ج 2 ص 213، 215، 216، 217، 218، 219 والبحر الزخار ج 3 ص 212، 213.

(2)

من الخلاف فى الفقه ج 2 ص 301، 303، 305، 307 وشرائع الاسلام ج 2 ص 62، 63.

(3)

من النيل ج 1 ص 358، 463، 460.

(4)

من البدائع ج 5 ص 110، 111، وابن عابدين ج 3 ص 477. والعناية.

ص: 172

الصيام اذا تخلله شهر رمضان لأن رمضان فى حق الصحيح المقيم لا يسع غير فرض الوقت

(1)

. ولو كانت امرأة فصامت عن كفارة الافطار فى رمضان أو عن كفارة القتل فحاضت فى خلال ذلك فلا يلزمها الاستئناف لأنها لا تجد شهرين لا تحيض فيهما فكانت معذورة فان أفطرت يوما بعد الحيض ولم تصل أيام القضاء بعد الحيض بما قبلها استأنفت لأنها تركت التتابع من غير ضرورة

(2)

. وعن محمد:

لو صامت شهرا مثلا فحاضت ثم أيست استأنفت لأنها قدرت على مراعاة التتابع قبل اكمال الصوم فلزمها

(3)

. ولو نفست فى خلال ذلك تستأنف لعدم الضرورة لأنها تجد شهرين لانفاس فيهما ولو كانت فى صوم كفارة اليمين فحاضت فى خلال ذلك تستأنف لأنها تجد ثلاثة أيام لا حيض فيها ولو جامع المظاهر امرأته التى لم يظاهر منها فان كان يفسد الصوم كالجماع بالنهار عامدا فيلزمه الاستئناف بالاتفاق وان لم يفسده بأن جامعها بالنهار ناسيا أو بالليل كيفما كان فلا يلزمه الاستئناف وكذا لو أكل بالنهار ناسيا لا يستأنف لأن الصوم لم يفسد فلم يفت شرط التتابع أما لو جامع امرأته التى ظاهر منها بالليل عامدا أو ناسيا أو بالنهار ناسيا استأنف عند أبى حنيفة ومحمد. لأن المأمور به صوم شهرين متتابعين لا مسيس فيهما لقوله تعالى: «شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» فاذا جامع خلالهما فلم يأت بالمأمور به وعند أبى يوسف: لا يستأنف ويمضى على صومه لأن هذا الجماع لا ينقطع به التتابع لأنه يفسد الصوم فلا يجب الاستئناف. ولو جامعها بالنهار عامدا استأنف بالاتفاق لوجود المسيس عندهما، ولفساد الصوم الذى ينقطع به التتابع عنده

‌مذهب المالكية:

واذا أفطر الصائم فى أثناء صوم يجب تتابعه - كصوم كفارة الظهار أو القتل أو الصوم أو النذر الذى يجب تتابعه - لسفر فانه يستأنف الصوم من أوله لأنه فعل ذلك باختياره أما اذا أفطر لمرض فان كان هو الذى أدخله على نفسه بسبب اختيارى بسفر أو غيره كأكل شئ يعلم من عادته أنه يضر به فانه يلزمه استئناف الصوم من أوله على المشهور وقال سحنون: يبنى أن أفطر لمرض حركه السفر لأن السفر مباح. وأما ان حصل له المرض بغير سبب السفر وغيره فانه يبنى على صومه اذا صح ولا يلزمه الاستئناف ويلزمه استئناف الصوم ان تعمد صوم شهرين يعلم أن فيهما العيد وأيام التشريق سواء صام يوم العيد أو لم يصمه أصلا ناسيا أو متعمدا.

أما لو صادف العيد فى شهرى ظهاره جاهلا للعدد أو غافلا عن أن فى زمن

(1)

فتح القدير والعناية والهداية ج 3 ص 239، ابن عابدين ج 3 ص 476.

(2)

البدائع ح 5 ص 110، 111 وابن عابدين ح 3 ص 477.

(3)

الاختيار ج 2 ص 225 وابن عابدين ج 3 ص 477.

ص: 173

صوم كفارة ظهاره يوم عيد فان ذلك لا يقطع التتابع ويجزئه فلا يستأنف. وان جهل أن رمضان يأتى فى زمن صومه هذا فلا يلزمه الاستئناف ويبنى بعد العيد متصلا وقيل: يستأنف هنا لأنه تفريق كثير. واذا لزم المرأة صوم يجب تتابعه ككفارة القتل ثم حصل لها حيض أو نفاس فان ذلك لا يبطل تتابع الصوم بل تفطر وتبنى. وكذا لا يستأنف الصوم ان أكره على الفطر أو ظن غروب الشمس أو ظن بقاء الليل فأفطر أما لو أفطر شاكا فى الغروب فانه يستأنف كمن أفطر عامدا وان صام تسعة وخمسين يوما ثم أصبح مفطرا لظنه الكمال لا يستأنف.

وان أفطر ناسيا بأكل أو شرب أو جماع لغير امرأته التى ظاهر منها فانه لا يلزمه الاستئناف وكذا لو جامعها ليلا ولو عالما. أما لو جامع المظاهر امرأته التى ظاهر منها ليلا أو نهارا عالما أو ناسيا جاهلا أو غالطا فانه يقطع تتابع صومه ويستأنفه من أوله ومثل الجماع مقدماته على المشهور وان أفطر فى خلال صوم كفارة اليمين ولو عمدا فانه يستحب استئنافها ولا يلزم لأنه لا يشترط تتابعها.

وكل من أفطر لعذر لا يوجب عليه الاستئناف اذا لم يصل ما وجب عليه قضاؤه بصيامه عامدا أو ناسيا انقطع التتابع واستأنف الصوم من أوله اتفاقا ولا يعذر بالنسيان الثانى

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

ان صام لكفار الظهار أو القتل أو الجماع فى نهار رمضان ففسد صوم يوم ولو اليوم الأخير: بما سوى الحيض والنفاس والجنون ومستغرق الاغماء استأنف صوم الشهرين وان كان الافساد بعذر يمكن معه الصوم كسفر مبيح للفطر وخوف حامل أو مرضع وكذا مرض فى المذهب الجديد للاخلال بما اعتبره الشرع من الموالاة.

أما افساد الصوم بشئ من المستثنيات فلا يوجب الاستئناف لأن كل واحد منها ينافى الصوم مع عدم الاختيار فيه من الصائم - وقيل: النفاس يقطع التتابع لندرته فتستأنف ولو كان للمرأة عادة فى الطهر تمتد شهرين فشرعت فى الصوم فى وقت يتخلله الحيض انقطع التتابع واستأنفت وما ذكر من أن الحيض لا يقطع التتابع فهو محمول على غير ذلك ونسيان النية ليلا كتركها عمدا فيوجب الاستئناف بخلاف تركها ممن جن أو أغمى عليه جميع الليل. ولو ابتدأ الشهرين عالما أو جاهلا بطروء ما يقطع تتبابعهما كرمضان أو يوم النحر استأنف ولا يعتد بما أتى به وان وطئ المظاهر امرأته التى ظاهر منها ليلا قبل تمام الشهرين عصى ولم يستأنف لأنا لو أوجبنا الاستئناف لوقع صوم الشهرين بعد التماس ولو لم نوجبه كان بعضهما قبله وهذا أقرب الى المأمور به من الأول.

وان أفطر فى خلال صوم كفارة اليمين

(1)

من الخرشى ج 4 ص 137، 138، ج 3 ص 69 من الدسوقى والشرح الكبير ج 2 ص 459 - 461، 135.

ص: 174

لم يلزمه الاستئناف

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

ان أفطر الصائم فى خلال الصوم فى كفارة الظهار والقتل والجماع فى نهار رمضان واليمين لغير عذر لزمه الاستئناف.

وان أفطر لمرض مخوف لم يستأنف أما ان كان غير مخوف لكنه يبيح الفطر ففيه وجهان وان أفطر لسفر مبيح للفطر فكلام أحمد يحتمل الأمرين وأظهرهما أنه لا يستأنف. وان أفطر لجنون أو اغماء لم يستأنف والحامل والمرضع ان أفطرتا خوفا على نفسيهما فكالمريض وان أفطرتا خوفا على ولديهما ففيه وجهان. وان أفطر ناسيا لوجوب التتابع أو جاهلا به أو ظنا منه أنه قد أتم الصوم لزمه الاستئناف وان تخلل صوم الشهرين صوم شهر رمضان أو فطر واجب كفطر العيدين وأيام التشريق لم يلزمه الاستئناف وروى فى أيام التشريق أنه يصومها عن الكفارة ولا يفطر الا يوم النحر وحده فعلى هذا ان أفطرها استأنف وان تخللهما فطر لحيض تبنى ولا تستأنف والنفاس كالحيض فى أحد الوجهين والوجه الثانى أنها تستأنف لأنه أندر من الحيض ويمكن التحرز منه وان جامع امرأته التى ظاهر منها فى أثناء صومه ليلا أو نهارا ناسيا أو مع عذر يبيح له الفطر كمرض وسفر استأنف صوم الشهرين من أولهما وروى عن أحمد أنه لا يستأنف بالوط ء ليلا وان لمس المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به استأنف

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

ان تخلل صيام الشهرين عن كفارته شهر رمضان أو يوم الفطر أو يوم الأضحى أو مرض أو أيام الحيض ان كانت امرأة لزم استئناف صوم الشهرين من أولهما لأن الله أمر بهما متتابعين، وتؤخر المرأة صيامها حتى يرتفع حيضها لأنها لا تقدر على المتابعة ففرضها أن تؤخر حتى تقدر كالمريض وغيره.

ولو بدأهما فى أول شعبان ثم سافر رمضان كله أتم الشهرين فيه ثم يقضى رمضان

(3)

ومن شرع فى كفارة الظهار بالصوم فجامع التى ظاهر منها ليلا قبل أن يتم الشهرين فانه يتمهما بانيا على ما صام منهما ولا يستأنف

(4)

.

وان أفطر فى خلال صوم كفارة اليمين فلا يلزمه استئنافها

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

ان أفطر يوما أو أكثر فى خلال صوم الشهرين عن كفارته - ظهارا أو قتلا - استأنف صيام شهرين متتابعين حتما. الا أن يفطر لعذر فانه لا يلزمه الاستئناف والعذر نحو أن يمرض فيفطر أو يوجب على نفسه صوم كل اثنين أو كل جمعة فانه اذا زال عذره بنى على ما صامه. ولو تخللهما وقت

(1)

من أسنى المطالب ج 3 ص 369، ج 4 ص 248 وتحفة المحتاج ج 2 ص 330 وقليوبى وعميرة على المنهاج ح 4 ص 26.

(2)

من المغنى والشرح الكبير ج 8 ص 595 - 599، 604، 610، من كشاف القناع وشرح المنتهى عليه ج 3 ص 236، 237، 308، 143

(3)

المحلى ج 10 ص 50، 58 مسألة 1894، ج 6 ص 497، 498 مسألة 742.

(4)

المحلى ح 10 ص 436 مسألة 2022.

(5)

المحلى ح 8 ص 88 مسألة 1186.

ص: 175

يجب صومه لغير الكفارة كشهر رمضان ولو فى السفر أو أيام يجب افطارها كالعيدين وأيام التشريق استأنف صومهما. ولو جامع امرأته التى ظاهر منها فى خلال الشهرين بطل الصوم ولزمه الاستئناف سواء كان الجماع ليلا أم نهارا عامدا كان أم ناسيا أو كان فى أيام العذر وان أفطر فى خلال كفارة اليمين استأنف

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

ان أفطر فى خلال صوم الشهرين المتتابعين عن كفارته لغير عذر فان كان فى خلال الشهر الاول أو قبل أن يصوم من الثانى شيئا وجب استئنافه بلا خلاف وان كان بعد أن صام من الثانى شيئا ولو يوما واحدا جاز له البناء عليه ولا يلزمه الاستئناف وان أفطر لعذر ولو فى خلال الشهر الاول بنى عليه ولم يستأنف والعذر الذى يصح معه البناء ولا يلزمه الاستئناف الحيض والنفاس والاغماء والجنون أما السفر فان اضطر اليه كان عذرا والا كان قاطعا للتتابع فيجب عليه الاستئناف. واذا أفطر فى خلال الشهرين لمرض يوجب ذلك فلا يلزمه الاستئناف ولو أفطرت الحامل والمرضع خوفا على نفسيهما فى الشهر الأول لم يلزمهما الاستئناف ولو أفطرتا فيه خوفا على المولود قيل: يستأنفان وقيل: لا يستأنفان وهو الأشبه ولو أكره على الافطار فى الشهر لم يلزمه الاستئناف.

ولو عرض فى أثناء الشهر الاول زمان لا يصح صومه عن الكفارة كشهر رمضان والأضحى بطل التتابع فيستأنف اما اذا قتل متعمدا فى الاشهر الحرم وجب عليه الكفارة بصوم شهرين متتابعين من الأشهر الحرم وعلى هذا فانه لا يستأنفهما ان دخل فيهما الاضحى وأيام التشريق واذا جامع زوجته التى ظاهر منها فى حال الصوم عامدا نهارا أو ليلا لزمه استئناف كفارتين لظهاره وعمده. فان كان ناسيا مضى فى صومه ولم يلزمه الاستئناف. واذا وطئ غير زوجته فى حال الصوم نهارا عامدا قبل أن يصوم من الشهر الثانى شيئا استأنف. وان كان بعد أن صام من الثانى شيئا كان مخطئا ولم يقطع التتابع بل يبنى عليه

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

ان أكل نهارا فى خلال صوم الشهرين بمرض أو نسيان أو اضطرار بجوع أو اكراه بقتل فهل يستأنف أو يبنى قولان

(3)

‌استئناف الاطعام فى الكفارات

‌مذهب الحنفية:

لو جامع المظاهر امرأته التى ظاهر منها فى خلال الاطعام لم يلزمه الاستئناف لأن الله سبحانه لم يشترط فى الاطعام أن يكون قبل المسيس. ولو أوصى أن يطعم عنه عشرة مساكين عن كفارة يمين ثم مات فغدّى الوصى عشرة ثم ماتوا أو لم يجدهم بأعيانهم يستأنف الوصى الاطعام فيغذى ويعشى غيرهم لانه لا سبيل الى تفريق الغذاء

(1)

من التاج المذهب ج 2 ص 249، 251، ج 3 ص 432، ج 4 ص 310.

(2)

الخلاف فى الفقه ج 2 ص 264، 265، 270، 272، شرائع الاسلام ج 2 ص 80، 82.

(3)

النيل ح 1 ص 420، 422.

ص: 176

والعشاء على شخصين. وكذلك اذا أعطاهم المكفر - فى كفارة اليمين وغيرها أقل من القدر المقدر شرعا ثم لم يجدهم بأعيانهم ليتم لهم استأنف فى غيرهم

(1)

‌مذهب المالكية:

اذا جامع المظاهر امرأته التى ظاهر منها فى أثناء الاطعام ولم يبق منه الا طعام مسكين واحد بطل اطعامه واستأنف من أوله على المشهور وقال ابن الماجشون: الاستئناف مستحب

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

لا يحل للمظاهر أن يجامع زوجته التى ظاهر منها قبل تمام الاطعام ويقدر من قبل أن يتماسا فى الاطعام أيضا

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

لو جامع المظاهر امرأته التى ظاهر منها فى أثناء الاطعام لم يلزمه استئناف ما مضى منه

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم: لا يحرم على المظاهر أن يجامع امرأته التى ظاهر منها قبل الاطعام

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

ان جامع المظاهر زوجته المظاهر منها فى حال الاطعام قبل الفراغ يأثم ولا يجزى فيستأنف الاطعام كما هو المختار وقال بعض فقهائهم: لا يجب عليه الاستئناف وان تعذر على المكفر البناء على الصوم قيل أطعم للباقى من الصوم وهو ضعيف ضعفه الامام لانه يخالف عموم الآية ويؤدى الى الجمع بين الاصل والبدل فالقياس وهو المختار للمذهب أن يستأنف الاطعام من أوله

(6)

.

‌مذهب الإمامية:

ان وجبت الكفارة فى الظهار ولو بالاطعام وجب تقديمها على المسيس

(7)

.

‌مذهب الإباضية:

من أطعم عن كفارته ستين مسكينا غذاء فماتوا أو تفرقوا وعجز عن جمعهم استأنف

(8)

.

‌استبدال

‌التعريف اللغوى

جاء فى القاموس: البديل كأمير الخلف واستبدله واستبدل به اتخذ منه بدلا وجاء فى المعجم الوسيط أبدله غيره وأبدل الشئ بغيره اتخذه عوضا عنه وخلفا والبدل من الشئ الخلف والعوض ومثله البديل.

‌التعريف الشرعى

وقد استعمل الفقهاء وبخاصة الحنفية كلمتى استبدال وابدال فى الوقف بمعنى اخراج العين الموقوفة عن جهة وقفها بأخذ العوض عنها بطريق المعاوضة.

(1)

من البدائع ج 5 ص 111، 97 فتح القدير ج 3 ص 241.

(2)

الدسوقى والشرح الكبير ج 2 ص 459، الخرشى ج 4 ص 137.

(3)

الاقتاع ج 2 ص 167.

(4)

المغنى ج 8 ص 606.

(5)

المحلى ج 10 ص 50 مسألة 1894.

(6)

التاج المذهب ج 2 ص 250، 251.

(7)

شرائع الاسلام ج 2 ص 82.

(8)

النيل ج 1 ص 335.

ص: 177

‌أحكام الاستبدال

‌مذهب الحنفية:

الاستبدال فى عرف الحنفية أخذ البدل عن العين الموقوفة ليكون وقفا مكانها، واذا جمعوا بين الكلمتين أريد بالابدال اخراج العين الموقوفة من جهة وقفها، وبالاستبدال أخذ البدل ليكون وقفا مكانها وان اقتصر على احدهما أريد به المعنى السابق وهو اخراج العين الموقوفة من الوقف نظير عوض يكون وقفا بدلها وقد اختلف فى اشتراط هذين الشرطين فى الوقف فذهب أبو يوسف الى صحة الاشتراط واختاره الخصاف. وهلال وقال محمد يصح الوقف ويبطل الشرط هكذا نقل بعضهم هذا الخلاف ونقل آخرون الاتفاق على صحة الوقف والشرط ووفق صاحب البحر بين النقلين فقال أن محل الاتفاق ما اذا ذكر الشرط بلفظ الاستبدال، ومحل الخلاف ما اذا ذكر بلفظ البيع، والفتوى على صحة اشتراط الاستبدال بلفظ الاستبدال أو البيع لأنه لا ينافى حكم الوقف من جهة لزومه كأن يقول وقفت أرضى هذه على أن لى أن أستبدلها بأرض أخرى أو على أن لى أن أبيعها وأشترى بثمنها أرضا أخرى وهذا بخلاف ما اذا اشترط الواقف فقال: على أن لى أن أبيعها ولم يزد فان الوقف والشرط يبطلان كلاهما واشتراط الاستبدال للواقف أو للناظر على الوقف يجعل له الحق فى أن يستبدل بعين من أعيان الوقف ما شاء من العقار سواء أكان الموقوف عامرا يمكن الانتفاع به أو خرج عن الانتفاع بالكلية، ولا يشترط اتحاد البدل والمبدل فى الجنس الا اذا اشترط الواقف ذلك كما يجب مراعاة شرط الواقف اذا شرط أن يكون البدل فى جهة معينة، وذكر الكمال بن الهمام أنه ينبغى جواز أن يكون البدل حينئذ فى قرية أخرى اذا كانت أحسن صقعا وأكثر ريعا وأنفع للوقف لان المخالفة الى خير لا تعد مخالفة واذا لم يقيد الواقف الاستبدال بقيد صح لمن شرط له أن يستبدل به ما شاء من جنس العقار سواء أكان الموقوف يقصد به الاستغلال أم السكنى ويلاحظ أنهم نصوا على أن المستبدل اذا كان هو القاضى وجب عليه مراعاة اتحاد المنفعة واذا لم يشترط الواقف الاستبدال بأن سكت أو نهى عنه فلا يصح له أن يستبدل وانما الذى يملك الاستبدال حينئذ هو القاضى وليس له ذلك الا فى حالين:

الأولى: أن يخرج الموقوف عن الانتفاع بالكلية أرضا كان أو دارا أو تزيد نفقاته على غلاته أو يتخرب فلا يصلح للاستغلال ولا للسكنى ولم يرغب أحد فى استئجاره مع تعجيل الأجرة ليعمر بها.

الثانية: أن يكون الموقوف عامرا وذا ريع ينتفع به ولكن يوجد من يستبدل به عينا أخرى أكثر ريعا وأحسن صقعا أو يبذل فيه ثمنا زائدا عن قيمته يمكن أن يشترى به ما هو أكثر نفعا لجهة الوقف والاستبدال فى الحالة الاولى محل اتفاق وفى الثانية رأى أبو يوسف، واختار الكمال

ص: 178

بن الهمام عدم جوازه فى هذه الحالة لانتفاء الضرورة اذ لا تجب الزيادة فى الوقف بل الواجب بقاؤه على ما هو عليه ولكن الفتوى على قول أبى يوسف وفى حاشية ابن عابدين أن عدم جواز استبداله فى هذه الحال هو الاصح وهو المختار، وذكر صاحب البحر فى رسالته فى الاستبدال أن الخلاف فى هذه الحالة انما هو فى الارض اذا ضعفت عن الاستغلال بخلاف الدار اذا ضعفت بخراب بعضها فانه لا يجوز استبدالها على كل الاقوال لامكان وجود من يرغب فى استئجارها مدة طويلة لأجل تعميرها بخلاف الارض، واذا جاز الاستبدال للقاضى وجب فيه مراعاة الجنس فى الموقوف اذا كان للسكن تحقيقا لغرض الواقف فاذا وقفت دار للسكنى وتخربت وليس هناك غلة تعمر بها ولم يوجد من يستأجرها بأجرة معجلة لتعمر بها جاز للقاضى استبدالها بدار أخرى ولا يصح استبدالها بأرض زراعية أو دكان اذ يفوت بذلك غرض الواقف أما اذا كان الموقوف يقصد منه الاستغلال فلا يشترط لصحة الاستبدال فيه اتحاد الجنس لأن العبرة فيه بكثرة الريع وقلة المرمة والمئونة فيراعى فيه ذلك نظرا لمصلحة الوقف، وقد نص فقهاء الحنفية على أن الوقف العامر لا يصح استبداله الا فى أربعة أحوال.

الأولى: أن يشترط الواقف الاستبدال لنفسه أو لغيره فيجوز لمن شرط له حينئذ، ولو كان الواقف ذا ريع ومنتفعا به انتفاعا كاملا.

الثانية: ألا يشترط الواقف ذلك ولكن يمكن أن يستبدل الوقف بما هو أنفع منه فيجوز استبداله حينئذ للقاضى على رأى أبى يوسف المفتى به.

الثالثة: أن يغصب الوقف غاصب ويعجز المتولى عن استرداده ويريد الغاصب أن يدفع قيمته أو يصالح عنه بشئ فيجوز حينئذ أخذ ما يعطى بدلا عنه ولو كان الموقوف ذا ريع، واذا كان العوض نقدا اشترى به عقار يحل محل المغصوب، وجواز الاستبدال فى هذه الحالة بقيمته أو بما هو دونها للضرورة ومن هذا نزع الأوقاف للمنافع العامة.

الرابعة: أن تغصب أرض الوقف فيجرى الغاصب الماء عليها حتى تصير مغطاة به بحيث لا يمكن زرعها ولا انحسار الماء عنها فعندئذ يضمن الغاصب قيمة الأرض ويشترى بالقيمة عقار يحل مكانها، ويشترط فى صحة الاستبدال شروط:

الأول: ألا يكون بغبن فاحش وهو مالا يدخل تحت تقويم الخبراء.

الثانى: ألا يكون لمن لا تقبل شهادة المستبدل له فلا يصح أن يكون لولده مثلا.

الثالث: ألا يكون للمشترى دين على المستبدل ويريد أن يشترى بما له عليه من دين لأن ذلك ليس فى مصلحة الوقف.

والرابع: ألا تستبدل به العروض وهذا عند أبى يوسف اذ لا يجيز للوكيل البيع بالعروض، وعلى قياس قول أبى حنيفة يصح الاستبدال بالعروض على أن يشترى بها عقار يحل محل العين المستبدلة وبمجرد شراء

ص: 179

البدل يكون وقفا بدل الاول ولا حاجة الى انشاء اشهاد بذلك، ومن شرط له الاستبدال ليس له أن يكرره الا اذا شرط له ذلك ما عدا القاضى فانه يكرره عند وجود المسوغ لذلك، واذا باع المستبدل ما شرط له استبداله ثم رد عليه قبل أن يشترى بثمنه ما يكون وقفا مكانه، فان رد عليه بما هو فسخ من كل وجه كالرد بعيب قبل القبض أو به بقضاء القاضى أو رد بخيار شرط أو بخيار رؤية أو لفساد العقد جاز له أن يبيعه ثانيا لان البيع الاول قد انفسخ وكأن لم يكن فيبقى له شرط الاستبدال وان رد عليه بما يعد عقدا جديدا ولو من وجه كالاقالة لم يجز له أن يبيعه ثانية الا اذا شرط له التكرار، وان رد عليه بعد أن اشترى بنية ما صار وقفا مكانه فان كان ذلك بما هو فسخ من كل وجه عاد الاول وقفا كما كان وان رد عليه بما يعد عقدا جديدا بقى الثانى وقفا وكان المردود ملكا لمن رد عليه لانه يعتبر كأنه اشتراه شراء جديدا ولو استحق العقار الموقوف بعد شراء البدل لم يبق البدل وقفا استحسانا لانه انما كان وقفا بدلا عن موقوف، وبالاستحقاق انتقضت المبادلة فلا يبقى الثانى وقفا واذا تم الاستبدال بالنقد كان الثمن وقفا كأصله حكمه حكم الوقف لا يجوز قسمته بين الموقوف عليهم ولا تمنع سماع الدعوى فيه الا بمضى ثلاث وثلاثين سنة بخلاف ريع الوقف وهو أمانة فى يد المستبدل فلا يضمنه الا بالتعدى أو الاهمال فى حفظه واذا مات قبل أن يبين حاله كان دينا فى تركته واذا ضاع الثمن من يد البائع بدون اهمال بطل الوقف لانه لا ضمان حينئذ على المستبدل لان يده يد أمانة، واذا شرط الواقف الاستبدال للناظر كان ذلك اشتراطا لنفسه ويجوز لمن شرط له الاستبدال أن يتنازل عنه باسقاط حقه فى ذلك واذا ما أسقطه الواقف عن نفسه سقط كذلك عمن اشترط له لان من شرط له انما يعمل بوكالته عنه وباسمه فاذا زالت ولاية الأصل زالت ولاية الفرع ولكن اذا مات الواقف لم يبطل بموته شرطه

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير الدردير

(2)

أن بيع المحبس لا يجوز الا اذا كان لا ينتفع به فيما حبس فيه وان كان ينتفع به فى غيره وذلك اذا لم يكن عقارا كالحيوان والكتب وعندئذ يجعل ثمنه فى مثله أو فى جزء من مثله ان لم يف الثمن أما اذا كان المحبس عقارا من دور وحوانيت فلا يجوز بيعه ليستبدل به غيره وان خرب ونقض وينقل النقض الى مثله ان لم يتيسر عوده الى أصله، وجاء فيه أيضا ولا يجوز بيع العقار الخرب بعقار غير خرب خلافا لمن ذهب الى جواز ذلك وجاز بيع العقار المحبس لتوسعة مسجد أو طريق عليه جبرا عن المستحق والمتولى عليه وعندئذ يشترى بثمنه عين تجعل وقفا مكانه وجاء فى حاشية الدسوقى تعليقا

(1)

الدر وابن عابدين عليه ج 3 ص 424 وما بعدها والبحر ج 5 ص 239 وما بعدها

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 94.

ص: 180

على ما تقدم أن أبا الفرج روى عن مالك أن بيع العقار الموقوف لمصلحته جائز اذا رأى الحاكم ذلك وعندئذ يجعل ثمنه فى مثله

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن من أتلف عين الوقف ضمنها واشترى بالقيمة ما يكون وقفا مكانها مع مراعاة الجنس وليس يجوز استبدال الوقف فى غير هذا ولذا يرى الشافعية أن المسجد اذا انهدم وتعذرت اقامته لم يبع بحال لامكان الانتفاع بأرضه وذلك بالصلاة فيها

(1)

، ويستعمل الشافعية اسم الابدال والاستبدال فى ابدال المشترى عينا بالثمن قبل دفعه للبائع ففى نهاية المحتاج ولو أبدل المشترى الثمن بمثله أو بغير جنسه وكان ذلك برضى البائع فهو فى الحكم كبيع المبيع قبل قبضه للبائع فلا يصح الا ان كان الاعتياض عنه بالمبيع نفسه أو بمثل المبيع ان كان قد تلف أو كان دينا فى الذمة،

(2)

وفيه أيضا أنه يجوز أن يستبدل الثمن بغيره اذا كان دينا فى الذمة قبل قبض المبيع أو بعده حيث لزم عقد البيع لحديث ابن عمر رضى الله عنهما (كنت أبيع الابل بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال لا بأس اذا تفرقتما وليس بينكما شئ) وكالثمن كل دين مضمون بعقد كأجرة وصداق، وعوض خلع ودين ضمان ولو ضمان المسلم فيه وهذا فى الجديد أما القديم فعلى منع ذلك فان كان بين البدلين موافقة فى جنس الربا كذهب عن ذهب أو فى علة الربا كدراهم عن دنانير اشترط ما يشترط فى مبادلة الربوى بالربوى حذرا من الربا ومن ذلك وجوب التقابض فى المجلس والا لم يشترط كثوب عن دراهم فى الأصح

(3)

وراجع فى ذلك مصطلح بيع عند الكلام على أحكام التصرف فى الثمن قبل قبضه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع اذا شرط الواقف بيع الموقوف عند خرابه وصرف الثمن فى مثله فسد الشرط. وصح الوقف حكاه الحارثى عن القاضى وقيل يبطل الوقف أيضا ثم رجح عدم الغاء الشرط بقوله بعد: وجواز بيع الموقوف عند خرابه ثابت. والثابت لا يكون اشتراطه مفسدا وانما يكون تأكيدا للحكم الثابت، وجاء فى موضع آخر لا يصح ابدال الوقف ولو بخير منه الا أن تتعطل منافعه المقصودة منه بخراب ونحوه بحيث لا يرد على أهله شيئا أو يرد عليهم ما لا يعد نفعا وتتعذر عمارته وعود منافعه وذلك عند ما لا يكون له ريع يعمر به فعند ذلك يصح بيعه وصرف ثمنه فى مثله ولو مسجدا للنهى عن أضاعة المال وفى تركه على حالة اضاعة لماليته وعن أحمد يجوز بيع المسجد وصرف ثمنه فى عمارة مسجد آخر وعند ما يباع الوقف يصرف ثمنه فى مثله اذ فى اقامة بدله مقامه تأييد له أو

(1)

نهاية المحتاج للرملى ج 5 ص 389 ص 392.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 85.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 88.

ص: 181

يشترى به بعض مثله ان لم يف الثمن بشراء مثله ويصرف مصرفه ويجوز بيع بعضه لعمارة باقية اذا لم تكن غلة له وبمجرد شراء البدل عن الوقف يصير وقفا مكانه دون حاجة الى عقد جديد وولاية البيع للحاكم ان كان مصرفه فى سبيل الخير والا فلناظره والأحوط حينئذ أن يستأذن الحاكم فى بيعه فان لم يكن له ناظر كانت الولاية للحاكم

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

لم يستعمل الزيدية لفظ الاستبدال أو الابدال فى بيع الموقوف وانما استعملوا لفظ البيع وجاء ذلك فى التاج المذهب والبحر الزخار ففى التاج لا يجوز بيع الوقف الا فى أربع حالات.

أولا: اذا خيف فساده أو تلفه أن بقى ثانيا: اذا خيف فساد الموقوف عليهم بسبب نزاعهم عليه واختلافهم فيه.

ثالثا: اذا لم يمكن اصلاحه الا ببيع بعضه فيباع بعضه لاصلاح الباقى، وليس فى هذه الاحوال استبدال أو ابدال بجعل عين وقفا مكان ما بيع بل ينتهى بذلك الوقف.

رابعا: ما بطل نفعه فى الغرض الذى وقف عليه فيباع ليشترى بثمنه عينا تصير بمجرد الشراء وقفا مكانه على ما كان موقوفا عليه، وعليه فلا يحتاج الى تجديد الوقف، وفى البحر: وما بطل نفعه فى المقصود منه بيع لاعاضته ليحل محله ما يصير وقفا مكانه على ما كان موقوفا عليه محافظة على غرض الواقف

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

لا يجوز الشيعة الإمامية بيع الوقف على أية حال واذا انهدمت جدره لم تخرج الوصية عن أن تكون وقفا لا يجوز بيعه ولكن لو وقع خلف بين مستحقى ريعه بحيث يخشى عليه بسبب ذلك الخراب جز بيعه خلافا لابن ادريس ولو قيل بجواز بيعه عند تخربه وعدم ما يعمر به على أن يشترى بثمنه عينا تصير وقفا مكانه لكان ذلك وجها

(3)

.

‌استبراء

‌المعنى اللغوى والاصطلاحى

جاء فى المصباح «استبرأت المرأة طلبت براءتها من الحبل .. واستبرأت من البول تنزهت عنه وما قرره الفقهاء فى معنى الاستبراء لا يكاد يخرج عن هذا المعنى وقد تكلم الفقهاء عن استبراء الرحم والاستبراء من البول على الوجه الآتى:

‌استبراء الرحم

جاء فى العناية فى الفقه الحنفى «استبرأت الجارية أى طلبت براءة رحمها من الحمل

(4)

وقال الشافعى انه تربص الامة مدة بسبب ملك اليمين حدوثا أو زوالا لمعرفة براءة الرحم أو للتعبد

(5)

ومثله عند الحنابلة

(6)

والإباضية

(7)

وكذا المالكية

(8)

.

(1)

كشاف القناع ج 4 ص 212، 208، 246

(2)

التاج المذهب ح 3 ص 230 والبحر الزخار ج 4 ص 158.

(3)

تحرير الاحكام ح 1 ص 290.

(4)

العناية بهامش الفتح ج 8 ص 110 طبعة مصطفى محمد.

(5)

مغنى المحتاج ج 3 ص 376.

(6)

كشاف القناع ج 3 ص 277.

(7)

شرح النيل ج 3 ص 322.

(8)

الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 460.

ص: 182

‌متى يجب الاستبراء

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الهداية من اشترى جارية فانه لا يقربها ولا يلمسها ولا يقبلها .. حتى يستبرئها والاصل فيه قوله عليه السلام فى سبايا أو طاس ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضه، أفاد وجوب الاستبراء على المولى

(1)

وفى شرح العناية أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستمتاع أبلغ نهى مع وجود الملك المطلق له واليد الممكنة منه وذلك لا يكون الا للوجوب

(2)

وهذا الحكم يتعدى الى سائر أسباب الملك ففى المبسوط «لو ملكها بهبة أو صدقة أو وصية أو ميراث أو جناية وجبت عليه أو جعل كتابة أو خلع فعليه الاستبراء فيها لحدوث ملك الحل له بسبب ملك الرقبة .. واذا أراد الرجل أن يبيع أمته وقد كان يطؤها فلا ينبغى له أن يبيعها حتى يستبرئها بحيضة هكذا روى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما وهذا الاستبراء فى حق البائع مستحب عند الحنفية .. لأن وجوب الاستبراء انما هو على المشترى .. فيستحب للبائع أن يستبرئها احتياطا وليس للمشترى أن يجتزئ بذلك لانه قد حدث ملك الحل فيها للمشترى بالشراء فعليه أن يستبرئها واذا أراد البائع أن يزوجها لم يكن له ذلك حتى يستبرئها وفى الجامع الصغير للزوج أن يطأها قبل أن يستبرئها عند أبى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد أحب الى أن لا يطأها حتى يستبرئها كى لا يؤدى الى اجتماع رجلين على امرأة واحدة فى طهر واحد .. قال صلى الله عليه وسلم لا يحل لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة واحدة فى طهر واحد. وجه قولهما أن الاستبراء وظيفة ملك اليمين كما أن العدة وظيفة ملك النكاح فكما لا تنتقل وظيفة النكاح الى ملك اليمين فكذلك لا تنتقل وظيفة ملك اليمين الى النكاح

(3)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير «يجب الاستبراء لجارية بحصول الملك بشراء أو غيره ولو بانتزاعها من عبده - لا بتزوج

(4)

فاذا اشترى جارية أو وهبت له أو تصدق بها عليه وأراد وطأها فيجب عليه استبراؤها وفى المقدمات أن استبراء الاماء واجب لحفظ النسب

(5)

ولوجوب الاستبراء عند المالكية ثلاثة شروط:

أولها: ألا يتيقن براءة رحمها فان تيقنت براءة رحمها أى غلب على الظن ذلك فلا استبراء.

ثانيها: أن لا يكون وطؤها مباحا لمن ملكها قبل حصول الملك فان كان كذلك فلا استبراء كمن اشترى زوجته أو وهبت له ..

(1)

الهداية ج 8 ص 110، 113 مطبوع مع نتائج الافكار.

(2)

العناية مع نتائج الافكار ج 8 ص 110 - 113.

(3)

المبسوط ج 13 ص 147 - 153.

(4)

الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 490.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 2 ص 490.

ص: 183

وثالثها: أن لا تحرم عليه فى المستقبل فلا استبراء على من اشترى محرمة أو متزوجة بغيره. واذا كانت من لا تحرم عليه فى المستقبل صغيرة ولكنها تطيق الوط ء أو كانت كبيرة وكانتا - الصغيرة المطيقة والكبيرة - لا تحملان عادة كبنت تسع سنين وبنت سبعين سنة فان الاستبراء واجب.

وكذلك يجب استبراء الأمة ولو كانت وخشا - أى حقيرة - سواء كانت ثيبا أو بكرا لاحتمال الحمل

(1)

.

ولو اشترى الأمة رجل غير الزوج ثم طلقت قبل البناء فان المشترى لا يطؤها حتى يستبرئها ولا ينزل المشترى منزلة الزوج فى عدم الاستبراء خلافا لسحنون.

وكما يجب الاستبراء بحصول الملك يجب باخراجه أى عند بيعها أو تزويجها ولكن اذا لم يكن السيد وطئها جاز له بيعها أو تزويجها بلا استبراء للامن من حملها منه

(2)

.

ويجب الاستبراء على الوارث بموت السيد ولو استبرأها قبل موته اذ لا بد من استبراء الوارث .. قال الدسوقى لو كان السيد غائبا ولا يمكنه الوصول اليها وكانت لا تخرج فى حوائجها فانه لا يجب على الوارث استبراؤها وله وطؤها بلا استبراء

(3)

. والأمة التى مات عنها زوجها أو طلقها فاعتدت وانقضت عدتها ثم مات سيدها بعد ذلك يجب على الوارث أن يستبرئها لانها حلت للسيد زمنا. وكذلك يجب الاستبراء على المشترى فيما اذا أنقضت عدتها ثم باعها سيدها. أما اذا مات سيدها قبل انقضاء عدتها فلا يجب الاستبراء لانها لم تحل لسيدها زمنا ما. ويجب الاستبراء بالعتق تنجيزا أو تعليقا فليس لاجنبى تزوجها قبل استبرائها بحيضه .. ان لم يستبرئها معتقها قبل العتق ولم تخرج من عدة زوجها قبل العتق أيضا فان استبرأها سيدها قبل العتق أو انقضت عدتها قبله فلا يجب الاستبراء. أما المعتق فله تزوجها بغير استبراء اذا كانت خالية من عدة

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج: يجب الاستبراء لحل تمتع أو تزوج بسببين:

أحدهما وهو مختص بحل التمتع - ملك حر جميع أمة لم تكن زوجة له بشراء أو ارث أو هبة أو بسبب سبى بعد القسمة لان الغنيمة لا تملك قبل القسمة. وكذلك يجب استبراء الأمة بسبب رد بعيب أو تحالف أو اقالة أو قبول وصية أو غير ذلك كفسخ بفلس ورجوع فى هبة فلا فرق بين الملك القهرى والاختيارى.

والاستبراء واجب سواء كانت الأمة بكرا أو كان البائع قد استبرأها قبل البيع أو كانت قد انتقلت من صبى أو من امرأة أو كانت الأمة صغيرة أو آيسة.

ولو ملك أمة مزوجة أو معتدة من زوج أو

(1)

المرجعين السابقين نفس الموضع.

(2)

المرجعين السابقين ج 2 ص 491.

(3)

المرجعين السابقين ج 2 ص 492.

(4)

المرجعين السابقين ج 2 ص 493.

ص: 184

وط ء شبهة لم يجب عليه استبراؤها حالا لأنها مشغولة بحق غيره فان زالت الزوجية والعدة .. وجب حينئذ الاستبراء فى الاظهر

(1)

.

ثانيها: زوال فراش عن أمة موطؤة بملك اليمين مستولدة أو غير مستولدة وسواء كان زوال الفراش بعتق منجز أو موت السيد عنها فانه يجب عليها الاستبراء لزوال فراشها كما تجب العدة على المفارقة من نكاح فان كانت الأمة لم توطأ فلا استبراء بعتقها جزما ..

ولو مات السيد عن أمة موطوءة لم يعتقها فانها تنتقل للوارث وعليه استبراؤها لحدوث ملكه. ولو عتقت الأمة وهى مزوجة أو معتدة عن زوج فلا استبراء عليها لانها ليست فراشا للسيد ولأن الاستبراء لحل التمتع وهى مشغولة بحق الزوج

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع «يجب الاستبراء بملك اليمين من قن ومكاتبة وأم ولد ومدبرة عند حدوث الملك بشراء أو هبة أو أرث أو وصية. أو غنيمة أو غير ذلك بأن أخذها عوضا فى اجارة أو حوالة أو خلع أو صلح فلا يحل له وطؤها ولا الاستمتاع بها حتى يستبرئها سواء كانت بكرا أو ثيبا وسواء كانت صغيرة يوطأ مثلها أو كانت كبيرة وسواء كانت ممن تحمل أو ممن لا تحمل فان الاستبراء واجب

» سواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو أمرأة أو مجبوب أو كان ملكها من رجل قد استبرأها قبل البيع ثم لم يطأها فليس للمشترى وطؤها حتى يستبرئها

وان اشترى غير مزوجة فاعتقها قبل استبرائها لم يصح تزوجه بها قبل الاستبراء لان النكاح يراد للوط ء وهو حرام .. وان باع أمته أو وهبها أو صالح بها أو أصدقها أو خالع عليها ثم عادت اليه بفسخ لخيار أو عيب أو اقالة أو غيره حيث انتقل الملك وجب استبراؤها ولو قبل القبض لأنه تجديد ملك سواء كان المشترى لها رجلا أو امرأة. ان افترقا البائع والمشترى أو نحوهما. وان لم يفترقا فلا يجب الاستبراء .. وأن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول وجب استبراؤها

(3)

.

وان وطئ أمته ثم أراد تزويجها أو بيعها لم يجز له ذلك حتى يستبرئها فان خالف وفعل بأن زوجها أو باعها قبل استبرائها صح البيع لان الاصل عدم الحمل ولا يصح النكاح لانه لا يصح قبل الاستبراء

ويستحب استبراء الآيسة على القول بعدم وجوبه خروجا من الخلاف

(4)

.

واذا أعتق أم ولده أو أعتق أمته التى

(1)

مغنى المحتاج ج 3 ص 376 - 377.

(2)

المرجع السابق ص 377.

(3 و 4)) كشاف القناع ج 3 ص 277 - 280.

ص: 185

كان يصيبها قبل استبرائها أو مات عنها لزمها استبراء نفسها لأنها موطوءة وطأ له حرمة فلزمها استعلام براءة رحمها

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى «من كانت له جارية يطؤها وهى ممن تحيض فأراد بيعها فالواجب عليه أن لا يبيعها حتى تحيض حيضا يتيقنه كذلك ان أراد انكاحها أو هبتها .. فان كانت ممن لا تحيض فلا يبيعها حتى يوقن أنه لا حمل بها ثم على الذى انتقل ملكها اليه أن لا يطأها حتى يستبرئها بحيضة ويوقن أنها حيضة أو حتى يوقن أنه لا حمل بها الا أن يصح عنده أنها قد حاضت عند الذى انتقل ملكها عنه حيضا متيقنا وأنه لم يخرجها عن ملكه حتى أيقن أنه لا حمل بها فليس عليه أن يستبرئها حينئذ ولا يجوز أن يجبر على مواضعتها على يدى ثقة ولا أن يمنع منها لان كلا الامرين شرط ليس فى كتاب الله تعالى ..

ولا يجب فى البكر استبراء أصلا فان ظهر بها عند المشترى أو الذى انتقل ملكها اليه أو الذى تزوجها حمل بقيت حتى تضع أو حتى يوقن بأن الحمل كان قبل انتقال ملكها اليه فان تيقن بذلك فسخ البيع أو الهبة أو الاصداق أو النكاح وردت الى الذى كانت له

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار «وعلى واهب الأمة وبائعها الاستبراء قبل عقد الهبة والبيع مطلقا سواء كان الواهب والبائع رجلا أو امرأة وسواء كانت المبيعة بكرا أو ثيبا وسواء كانت موطوءة أم لا تصلح للجماع أم لا فان كان المالك صغيرا لزم الولى .. ويجب على منكحها أن يستبرئها للعقد متى أراد تزويجها ومن تجدد له على الأمة ملك بأن يرثها أو يشتريها أو يسبيها أو توهب له فانه اذا أراد وطأها استبرأها لا اذا تجدد له عليها يد فقط بأن تكون فى يد غيره ثم رجعت اليه .. وكذا اذا كانت مزوجة فطلقت قبل الدخول وكذا اذا كانت كافرة فأسلمت فأراد وطأها فانه لا يجب عليه استبراؤها .. واذا أقال البائع المشترى أو تفاسخا كان ذلك كالبيع الجديد .. وكذلك الفسخ اذا وقع بالتراضى فقط لأنه يكون مع التراضى كالعقد الجديد. فأما ما كان ينفسخ ولو لم يقع تراض كالرد بالرؤية وبخيار الشرط مطلقا وبالعيب والفساد اذا فسخا بحكم حاكم فقط فانه فى هذه الصور ليس بعقد جديد بل فسخ للعقد من أصله فلا يجب استبراء على واحد منهما

(3)

.

ومن ناحية أخرى نص الزيدية على أن الحرة يلزمها الاستبراء فى بعض الاحوال ففى شرح الازهار (ان المرأة قد تستبرأ مدة وذلك نحو الحامل من زنا فانها تستبرئ للوط ء بالوضع

(1)

المرجع السابق.

(2)

المحلى ج 10 باب الاستبراء.

(3)

شرح الازهار ج 2 ص 254 - 257.

ص: 186

ولا تستبرئ للعقد بل يجوز عقد النكاح عليها حال حملها ولا توطأ حتى تضع وتطهر من نفاسها وعن أبى العباس الحسنى لا يجوز العقد عليها .. فان كانت الزانية حائلا لم يجب استبراؤها عندنا وقال أبو جعفر تستبرئ بحيضة

والمنكوحة باطلا وهى التى نكحت فى العدة ودخل بها الزوج مع الجهل

ومثل هذه المغلوط بها قيل ألا أن يكون زوجها الذى أراد نكاحها فلا يجب عليه استبراء

ومن اللائى يستبرئن المرأة التى فسخ نكاحها من أصله وهى التى تزوجت من غير ولى وشهود ثم يفسخه الحاكم، وحربية أسلمت عن كافر هاجرت أو لم تهاجر

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية «ويجب الاستبراء للأمة بحدوث الملك على التملك وزواله على الناقل بأى وجه كان من وجوه الملك أن كان قد وطئ

(2)

فعلى البائع استبراء الأمة قبل بيعها ان كان وطئها وان عزل ويجب على المشترى أيضا استبراؤها الا أن يخبره الثقة بالاستبراء. الا أن تكون لامرأة فلا يجب استبراؤها ولا يلحق بالمرأة العنين والمجبوب والصغير الذى لا يمكن فى حقه الوط ء وكذلك لا يجب الاستبراء اذا كانت آيسة أو صغيرة أو حائضا انما يجب استبراؤها بقية حيضها ولو لحظة.

ويجب الاستبراء بالسبى والارث

ولو باعها من غير استبراء أثم وصح البيع وغيره

(3)

وفى كتاب الخلاف اذا أراد المشترى تزويج الأمة فلا يجوز له ذلك الا بعد الاستبراء وكذلك اذا أراد أن يعتقها ثم يتزوجها قبل الاستبراء لم يكن له ذلك .. واذا باع جارية من غيره ثم استقال المشترى فأقاله فان كان قد أقبضها اياه وجب عليه الاستبراء

وان طلقها - زوجها - بعد الدخول فانه يجب الاستبراء ولا تحل - لسيدها - الا بعده

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل يجب استبراء الأمة ولو لم يعرف أن من كانت عنده قد تسراها أو فعل بها ما يوجب عدة لأن من شأنها أن يتمتع بها مالكها. والاستبراء واجب قبل التسرى ان كانت الأمة ملكا له ببيع أو كانت ملكا له بموت سيد بواسطة ارث أو شراء عن ورثته أو نحو ذلك .. وقيل لا يجب الاستبراء فى صغيرة لا يمكن أن تحمل كبنت ست وما دونها. ويجب استبراء الأمة ولو كانت من امام عادل أو من صبى لا يمكن منه المسيس .. أو من محرمها بحيث لا تخرج عليه حرة كعمها أو خالها من الرضاع

(5)

«ولمالك الأمة عتقها ومكاتبتها بلا استبراء

(6)

.

(1)

شرح الأزهار ج 2 ص 478.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 159 - 160.

(3)

الروضة ح 1 ص 296.

(4)

الخلاف ح 2 ص 314، ص 315.

(5)

شرح النيل ح 3 ص 323، ص 324.

(6)

المرجع السابق ح 3 ص 327.

ص: 187

‌ما يكون به الاستبراء

‌مذهب الحنفية:

جاء فى المبسوط «الأصل فى استبراء الأمة أنه يكون بحيضة

فان كانت الأمة لا تحيض من صغر أو كبر فاستبراؤها شهر لأن الشهر قائم مقام الحيض والطهر شرعا .. وان كانت حاملا فاستبراؤها بوضع الحمل لعموم قول النبى صلى الله عليه وسلم فى سبايا أو طاس «ألا لا توطأ الحبالى من الغير حتى يضعن حملهن ولا والحيالى حتى يستبرأن بحيضة» واذا أرتفع حيضها وهى ممن تحيض تركها سيدها حتى اذا استبان له أنها ليست بحامل جاز له وطؤها لأن المقصود تعرف براءة الرحم من ماء البائع ليتيقن بصحة البيع وحصول الملك للمشترى فيها وقد حصل ذلك بمضى الزمن وليس فى هذه المدة تقدير بشئ فيما يروى عن أبى حنفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى الا أن مشايخنا رحمهم الله قالوا يتبين ذلك بشهرين أو بثلاثة أشهر .. وكان محمد رحمه الله يقول أولا يستبرئها بأربعة أشهر وعشر اعتبارا بأكثر العدة وهى عدة الوفاة فى حق الحرة ثم قال يستبرئها بشهرين وخمسة أيام لأن أطول مدة العدة فى حق الأمة هذا وقال زفر يستبرئها بحولين أكثر مدة الحمل وكان أبو مطيع البلخى يقول يستبرئها بتسعة أشهر لأنها مدة الحبل فى النساء عادة .. واذا اشتراها وهى حائض لم يحتسب بتلك الحيضة وعليه أن يستبرئها بحيضة أخرى وعن أبى يوسف أنها اذا طهرت من هذه الحيضة فله أن يطأها لتبين فراغ رحمها

وقد ورد عليه أن الشرع ألزمه الاستبراء بحيضة وهى لا تتجزأ ..

واذا اشترى جارية لا تحيض فاستبرأها بعشرين يوما ثم حاضت بطل الاستبراء بالأيام لان الشهر بدل عن الحيض واكمال البدل بالاصل غير ممكن ولكن القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل يسقط اعتبار البدل

(1)

.

‌مذهب المالكية:

وعند المالكية أن الاستبراء يكون بحيضة فان تأخر الحيض فى الأمة سواء كانت قنا أو أم ولد عن عادتها لا لسبب أو بسبب رضاع أو مرض أو استحيضت ولم تميز دم الحيض من دم الاستحاضة فان استبراءها فى هذه الأحوال يكون بثلاثة أشهر وكذلك اذا كانت صغيرة مطيقة للوط ء أو آيسة وكذا اذا كانت عادتها أن يأتيها الحيض بعد ثلاثة أشهر الى تسعة يكون استبراؤها بثلاثة أشهر. غير أنه اذا كان تأخر الحيض عن العادة لغير سبب أو كانت قد استحيضت ولم تميز دم الحيض من دم الاستحاضة فلا بد بعد تمام الثلاثة أشهر أن ينظرها النساء لمعرفة ما اذا كانت حاملا أو لا.

فأن تأكد أنها حامل تنظر حتى تضع حملها وان ارتبن انتظرت الى تمام تسعة أشهر فان زالت الريبة بعد ذلك حلت وان استمرت الريبة بعد التسعة

(1)

المبسوط ج 13 ص 145، ص 148.

ص: 188

الاشهر فان لم تزد الريبة حلت وان زادت مكثت أقصى مدة الحمل.

أما من تأخر حيضها عن عادتها بسبب مرض أو رضاع أو كانت عادتها أن يأتيها الحيض بعد ثلاثة أشهر الى تسعة أو كانت صغيرة مطيقة للوط ء أو آيسة فانها تحل بمجرد مدة الاستبراء وهى ثلاثة من غير حاجة الى نظر النساء

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج «والاستبراء يحصل لذات الاقراء بقرء وهو حيضة كاملة بعد انتقال الملك كما فى الجديد ولا يكفى بقية الحيضة التى وجد السبب فى أثنائها

وذات الاشهر من صغيرة وغيرها يحصل استبراؤها بشهر فقط لأنه كقرء فى الحرة فكذا فى الأمة .. والمتحيرة تستبرئ بشهر أيضا. والأمة الحامل يحصل استبراؤها بوضع الحمل سواء كانت مسبية أو غير مسبية بل ولو كانت حاملا من زنا فى الأصح

والأمة الموصى بها اذا مضى زمن استبرائها بعد موت الموصى وبعد قبول الموصى له يحسب كما فى الأرث وكذا بعد موت الموصى وقبل قبول الموصى له كما قاله الرافعى

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع يحصل استبراء الحامل بوضع الحمل كله لقوله تعالى «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» ولقوله صلى الله عليه وسلم «لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض» ولأنه لو ترك الاستبراء لأفضى الى اختلاط المياه واشتباه الانساب ويحصل بحيضة ان لم تكن حاملا لا ببقيتها اذا ملكها حائضا فيحصل بحيضة واحدة لمن تحيض ولو كانت تبطئ حيضها أكثر من شهر ويحصل الاستبراء بمضى شهر للآيسة والصغيرة والبالغ التى لم تحض لأن الشهر أقيم مقام الحيض .. وان أرتفع حيضها لا تدرى ما رفعه فبعشرة أشهر: تسعة للحمل وشهر للاستبراء بدل الحيضة.

وان عرفت ما رفعه أنتظرته حتى يجئ فتستبرئ به. أو تصير من الآيسات فستبرئ استبراءهن بشهر

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى «مدة الاستبراء لمن تحيض حيضة واحدة متيقنة وان كانت لا تحيض فلا بد من تيقن عدم حملها»

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار «وأما مدة الاستبراء فيجب استبراء الحائض بحيضة

وتغتسل أو يمضى عليها وقت صلاة فان كانت حين عزم على بيعها حائضا استبرأها بحيضة أخرى

(1)

الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 493، 494

(2)

مغنى المحتاج ح 3 ص 378 - ص 379.

(3)

كشاف القناع ح 3 ص 282.

(4)

المحلى ح 10 ص 315.

ص: 189

غير التى هى فيها وقال الناصر بل يكتفى بها

واذا كانت الأمة من ذوات الحيض وهى الآن منقطعة بعارض لا لأجل اليأس فان سيدها اذا أراد هبتها أو بيعها يستبرئها بأربعة أشهر وعشر - وقيل - يتربص أكثر مدة الحمل وقال الناصر ثلاثة أشهر والصحيح الأول ويستبرأ غيرهما أى غير الحائض والتى انقطع حيضها لعارض بشهر وهى الصغيرة والكبيرة والآيسة من الحيض

(1)

وأم الولد اذا عتقت باعتاق سيدها لم يجز نكاحها حتى تستبرئ بحيضتين وان عتقت بموت سيدها ندب ثالثة للموت

والمعتقة تستبرئ للوط ء بالنكاح بحيضة وأما مدة استبراء الحرة فى الحالات الثلاث التى ذكرها الزيدية فهى مدة عدة الطلاق - يعنى الحامل بوضع جميعه متخلقا والحائض بثلاث حيض والصغيرة والآيسة بثلاثة أشهر فلا يخالف هذا الاستبراء مدة العدة الا فى صورة واحدة وهى أن لمنقطعة الحيض من هؤلاء الثلاث بعارض حكما آخر وهو استبراؤها بأربعة أشهر وعشر بخلاف المطلقة فانها تتربص الى مدة اليأس

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

الاستبراء عند الإمامية يكون بحيضة ان كانت تحيض أو مضى خمسة وأربعين يوما اذا كانت لا تحيض وهى فى سن من تحيض

(3)

.

واستبراء الحامل يكون بوضع الحمل مطلقا لاطلاق النهى عن وطئها فى بعض الاخبار حتى تضع ولدها

(4)

. والأمة المشتراة والمسبية بقرأين وهما طهران وروى حيضة بين الطهرين والمعنى متقارب.

‌مذهب الإباضية:

عند الإباضية يكون الاستبراء بحيضتين وقيل يكون بحيضة واحدة وقيل بحيضتين عند البائع وبحيضتين عند المشترى واستبراء غير الحائض لصغر أو كبر يكون بخمسة وأربعين يوما وهو الصحيح وهذه المدة هى للأمة التى ملكت بالبيع فان ملكت الامة بموت سيد بواسطة أرث أو شراء عن ورثته أو نحو ذلك فاستبراؤها يكون بشهرين وخمسة أيام أى نصف أربعة اشهر وعشر .. واستبراء الحامل يكون بوضع حملها أو سقطه فذلك استبراؤها وقيل لا بد من استبراء جديد

(5)

.

‌طروء العدة على الاستبراء

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن العدة أقوى من الاستبراء فعند ما يجب على الأمة أن تعتد - بأن كانت متزوجة ثم مات عنها زوجها واعتدت عدة

(1)

شرح الازهار ح 2 ص 355.

(2)

المرجع السابق ح 2 ص 479.

(3)

الروضة البهية ج 2 ص 159، 160.

(4)

المرجع السابق ح 1 ص 296.

(5)

شرح النيل ج 3 ص 323، 324.

ص: 190

الوفاة - فانه يكتفى بحكم العدة ولا حاجة للالتجاء الى الاستبراء يقول السرخسى «العدة أقوى من الاستبراء فعند ظهور العدة لا يظهر حكم الاستبراء

(1)

.

‌مذهب المالكية:

وعند المالكية ان طرأ موجب العدة على الاستبراء أو العكس قبل تمام المدة انهدم الأول أى بطل حكمه مطلقا واستأنفت حكم الطارئ فى الجملة

فمثال طروء العدة على الاستبراء: المستبرأة من وط ء فاسد من شبهة أو غيرها وهى ذات زوج ثم يطلقها زوجها فانها تستأنف عدة الطلاق من يومه وينهدم الأول أى الاستبراء. أما طروء الاستبراء على العدة فكالمعتدة من طلاق بائن أو رجعى وطئها المطلق أو غيره وطئا فاسدا .. فانها تستأنف الاستبراء وتنهدم العدة، الا أن تكون معتدة من وفاة وطئت وطئا فاسدا فأقصى الأجلين عدة الوفاة أو أمد الاستبراء، وكذلك اذا طرأت عدة وفاة على استبراء كمستبرئة من فاسد مات زوجها أيام الاستبراء فأقصى الأجلين ..

ومن اشترى أمة معتدة من وفاة أو من طلاق وارتفعت حيضتها فعليها أقصى الأجلين فان لم ترتفع فلا استبراء واكتفت بالعدة عنه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج «ولو مات سيد مستولدة مزوجة ثم مات زوجها أو ماتا معا اعتدت كالحرة ولا استبراء عليها وان تقدم موت الزوج موت سيدها اعتدت عدة أمة ولا استبراء عليها ان مات السيد وهى فى العدة فان مات بعد فراغ العدة لزمها الاستبراء وان تقدم أحدهما الآخر موتا وأشكل المتقدم منهما أو لم يعلم هل ماتا معا أو مرتبا اعتدت بأربعة أشهر وعشر من آخرهما موتا ثم ان لم يتخلل بين الموتين شهران وخمسة أيام فلا استبراء عليها، وان تخلل بينهما ذلك أو أكثر أو جهل قدره فان كانت تحيض لزمها حيضة وان لم تحض فى العدة لاحتمال موت السيد آخرا ولهذا لا ترث من الزوج ولها تحليف الورثة أنهم ما علموا حريتها عند الموت

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

وعند الحنابلة كما فى كشاف القناع، من اشترى أمة وهى معتدة من وفاة أو طلاق أو غيرهما أو زوج السيد أمته ثم طلقت بعد الدخول وعتقت فى العدة لم يجب الاستبراء اكتفاء بالعدة

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

ويرى الزيدية أن الأمة اذا وجبت عليها العدة واعتدت بالفعل فانه لا يجب على سيدها أن يستبرأها بعد ذلك ففى

(1)

المبسوط ج 13 ص 158.

(2)

الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ح 2 ص 499، 500.

(3)

نهاية المحتاج ح 7 ص 158 طبعة سنة 1357 هـ.

(4)

كشاف القناع ح 3 ص 279.

ص: 191

شرح الأزهار «واذا كانت مطلقة أو توفى عنها زوجها استبرأها بمضى العدة ولا يجب عليه أن يستأنف الاستبراء بعد انقضاء العدة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

ينص الإمامية كما جاء فى كتاب الخلاف - على أن الأمة المتزوجة اذا طلقت بعد الدخول بها لزمها عدة الزوجية وأغنى ذلك عن استبراء ثان لأن الاصل براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دليل .. واذا اشترى أمة مجوسية ثم استبرأها ثم أسلمت اعتدت بذلك الاستبراء

(2)

.

‌ما يترتب على الاستبراء من أحكام

‌مذهب الحنفية:

يترتب على تمام الاستبراء عند الحنفية - أنه يجوز لمالك الأمة أن يستمتع بها سواء فى ذلك الوط ء أو مقدماته

(3)

.

‌مذهب المالكية:

ومثل ذلك عند المالكية غير أنهم قالوا يحرم على المالك فى زمن الاستبراء الاستمتاع بجميع أنواعه من وط ء ومقدماته حاملا أم لا الا أن يكون الاستبراء من زنا أو غصب أو اشتباه وهى بينة الحمل من سيدها فلا يحرم وطؤها ولا الاستمتاع بها

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

وعند الشافعية كما فى مغنى المحتاج - يحرم الاستمتاع بالمستبرأة قبل انقضاء الاستبراء بوط ء وغيره ونظر بشهوة لأنه يؤدى الى الوط ء المحرم فاذا طهرت من الحيض حل ما عدا الوط ء على الصحيح وبقى تحريم الوط ء الى أن تغتسل، الا مستبرأة مسبية وقعت فى سهمه من الغنيمة فيحل له منها غير الوط ء من أنواع الاستمتاعات وفارقت المسبية غيرها بأن غايتها أن تكون مستولدة حربى وذلك لا يمنع الملك وانما حرم وطؤها صيانة لمائه لئلا يختلط بماء حربى، لا لحرمة ماء الحربى، وقيل لا يحل الاستمتاع بالمسبية أيضا كغيرها وهو ما نص عليه فى الأم كما حكاه فى المهمات والمشتراة من حربى كالمسبية.

الا أن يعلم أنها انتقلت اليه من مسلم أو ذمى ونحوه والعهد قريب. أما الاستخدام فلا يحرم وكذلك لا تحرم الخلوة بها، يدل لذلك قولهم ولا تزال يد السيد عن أمته المستبرأة مدة الاستبراء وان كانت حسناء بل هو مؤتمن فيه شرعا لأن سبايا أوطاس لم ينتزعن من أيدى أصحابهن. فان وطئها السيد قبل الاستبراء أو فى أثنائه لم ينقطع الاستبراء وان أثم به فان حبلت منه قبل الحيض بقى التحريم حتى تضع أو فى أثنائه حلت بانقطاعه لتمامه قال امام الحرمين هذا ان مضى قبل وطئه أقل الحيض والا فلا تحل له حتى تضع كما لو أحبلها قبل الحيض

(5)

.

(1)

شرح الازهار ح 2 ص 256.

(2)

الخلاف ح 2 ص 216.

(3)

نتائج الافكار ح 8 ص 110، ص 113.

(4)

الشرح الكبير ح 2 ص 494.

(5)

مغنى المحتاج ح 3 ص 380.

ص: 192

‌مذهب الحنابلة:

ومذهب الحنابلة كما جاء فى كشاف القناع أن من ملك أمة بشراء أو غيره فلا يحل له وطؤها ولا الاستمتاع بها بقبلة ولا بنظر بشهوة .. بكرا كانت أو ثيبا صغيرة يوطأ مثلها أو كبيرة فاذا استبرأها فقد حل له ذلك .. ويحرم وط ء مستبرأة من غير زمن استبرائها فان فعل أى وطئ زمن الاستبراء لم ينقطع الاستبراء بالوط ء لأن الاستبراء - حق عليه فلا يسقط بعد وانه وتبنى على ما مضى من الاستبراء

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

ومذهب الظاهرية كما جاء فى المحلى أن على الذى انتقل اليه ملك الأمة أن لا يطأها حتى يستبرئها .. ولكن يجوز الاستمتاع والتلذذ بالأمة قبل الاستبراء بما دون الوط ء لما روى عن طريق حماد ابن سلمة عن ابن عمر قال: وقعت فى سهمى جارية يوم جلولاء

(2)

كأن عنقها ابريق فضة قال ابن عمر فما ملكت نفسى أن جعلت أقبلها والناس ينظرون فقد أجاز التلذذ قبل الاستبراء

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

وجاء فى شرح الأزهار بيانا لمذهب الزيدية «وهؤلاء الذين أوجبنا عليهم الاستبراء من بائع أو واهب أو نحوهما يجوز لهم الاستمتاع من الأمة فى مدة الاستبراء لكن يستمتعون فى غير الفرج قال فى اللمع ما لم تكن حاملا فلا يجوز الاستمتاع الا مشتريا ونحوه كالمتهب والغانم والوارث فانه لا يجوز له الاستمتاع منها فى مدة الاستبراء اذا كان يجوز الحمل فيها فأما اذا كان لا يجوز الحمل فيها بأن تكون صغيرة أو آيسة جاز له الاستمتاع .. وقال زيد بن على والناصر وأحمد بن الحسين وهو قول الاحكام أنه لا يجوز للمشترى الاستمتاع مطلقا سواء أكانت صغيرة أم آيسة أم لا

(4)

، ويجوز للمشترى أن يطأ أمته بعد تمام استبرائها وحيث أنهم قرروا وجوب استبراء الأمة على البائع والواهب ونحوهما

(5)

قبل التصرف فيها فانه يترتب على استبرائها اباحة بيعها وهبتها وكذلك اباحة العقد عليها اذا أراد سيدها أن يتزوجها

(6)

.

‌مذهب الإمامية:

وعند الإمامية على ما جاء فى الروضة البهية أنه لا يحرم فى مدة الاستبراء غير الوط ء .. على الأقوى للخبر الصحيح. وقيل يحرم الجميع ولو وط ء فى زمن الاستبراء أثم وعزر مع العلم بالتحريم ولحق به الولد لأنه فراش كوطئها حائضا، وفى سقوط الاستبراء حينئذ وجه لانتفاء فائدته حيث اختلط الماءان والأقوى وجوب الاجتناب بقية المدة لاطلاق النهى فيها

(7)

.

(1)

كشاف القناع ح 3 ص 277، 278.

(2)

بفتح الجيم قرية من نواحى فارس فتحت يوم اليرموك.

(3)

المحلى ح 10 ص 320.

(4)

شرح الازهار ح 2 ص 257، 258.

(5 و 6)) المرجع السابق ص 254، ص 256

(7)

الروضة البهية ح 1 ص 296.

ص: 193

‌مذهب الإباضية:

ومذهب الإباضية كما جاء فى شرح النيل أنه: «لا يجوز التسرى بالامة قبل الاستبراء ومن فعل ذلك هلك لان ذلك زنا لانه كتزوج فى العدة

(1)

وهل يثبت نسب متسر بغير استبراء وهو الصحيح لأنه ابن له حر لانه ولده من أمته فيكون الارث بينهما والحقوق، أولا يثبت النسب وهو عبد يبيعه ان شاء ويهبه ويتصرف فيه بما شاء من المعاملات.

أو يعتقه ويعطيه شيئا يعيش به .. قال شارح النيل وظاهر الديوان اختيار هذا الرأى الأخير .. وانما تحرم عليه لان المس بغير استبراء زنا لكن لا يرجم به ولا يجلد وكذا هى ولا تحل له أبدا الا على قول من زعم أن المرأة لا تحرم على من زنى بها فعلى هذا القول تحل له بعد الاستبراء من هذا المس الأخير

(2)

وبناء على هذا فانه يجوز لمن انتقل اليه ملك الأمة أن يتسرى بها بعد تمام استبرائها.

«الاستبراء من البول»

يقول ابن عابدين فى المراد بهذا النوع من الاستبراء: «أنه طلب البراءة من الخارج حتى يستيقن بزوال الأثر

(3)

.

‌حكمه:

‌مذهب الحنفية:

قال الحصكفى يجب الاستبراء، فعلق ابن عابدين على ذلك بقوله: «عبر بالوجوب تبعا للدرر وغيرها وبعضهم عبر بأنه فرض وبعضهم بلفظ ينبغى، وعليه فهو مندوب .. ومحله اذا أمن خروج شئ بعده فيندب ذلك مبالغة فى الاستبراء، أو المراد الاستبراء بأشياء مخصوصة - من نحو المشى أو التنحنح كما سيأتى - أما نفس الاستبراء حتى يطمئن قلبه بزوال الرشح فهو فرض وهو المراد بالوجوب، ولهذا قال الشرنبلالى: يلزم الرجل الاستبراء حتى يزول أثر البول ويطمئن قلبه وقال عبرت باللزوم لكونه أقوى من الواجب لأن هذا يفوت الجواز بفوته فلا يصح له الشروع فى الوضوء حتى يطمئن بزوال الرشح، وفى الغزنوية أن المرأة كالرجل الا فى الاستبراء، فانه لا استبراء عليها بل كلما فرغت تصبر ساعة لطيفة ثم تستنجى ومثله فى الامداد

(4)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير للدردير «ووجب بعد قضاء الحاجة، استبراء باستفراغ أخبثيه من البول والغائط مع سلت ذكر ونتر خفيفين وعلق الدسوقى على ذلك فقال فلو توضأ والبول فى قصبة الذكر أو الغائط فى داخل فم الدبر كان الوضوء باطلا لأن شرط صحة الوضوء عدم حصول المنافى فالاستبراء مطلوب لاجل ازالة الحدث

(5)

.

(1)

شرح النيل ح 3 ص 324.

(2)

شرح النيل ح 3 ص 325 ص، ص 326

(3)

حاشية ابن عابدين ح 1 ص 319.

(4)

المرجع السابق نفسه.

(5)

ح 1 ص 109، 110.

ص: 194

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج «ويستبرئ من البول ندبا عند انقطاعه. وانما لم يجب الاستبراء من البول كما قال به القاضى والبغوى مستدلين بما ورد فى شرح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: «تنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه - لأن الظاهر من انقطاع البول عدم عوده، ويحمل الحديث على ما اذا تحقق أو غلب على ظنه بمقتضى عادته أنه ان لم يستبرئ خرج منه شئ

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع. اذا انقطع البول استحب له امرار عضوه بين أصبعيه

(2)

، ومعنى ذلك أن الاستبراء بعد انقطاع البول مستحب عند الحنابلة.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم: «وتطهير القبل والدبر من البول والغائط والدم من الرجل والمرأة لا يكون الا بالماء حتى يزول الاثر أو بثلاثة أحجار فان لم ينق فعلى الوتر أبدا يزيد كذلك حتى ينقى، لا أقل من ذلك»

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن الذى يريد الوضوء يبدأ بازالة النجاسة بالاحجار ثم بالماء حتى يظن ظنا مقاربا للعلم أن النجاسة قد زالت

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة «ونص فى الوسيلة والغنية على أنه واجب صريحا، وقد عقد له بابا فى الاستبصار فقال باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول، وفى الروضة والذخيرة أن الاستبراء ثابت للذكر اجماعا، وأثبته جماعة للأنثى .. وأبو على أثبت لها التنحنح

(5)

، وجاء فى الروضة حكم للاستبراء فى حالة الغسل من الجنابة ونصه: «وكذلك يستحب الاستبراء بالبول للجنب بانزال المنى ليزيل أثر المنى الخارج

(6)

.

‌مذهب الإباضية:

ونص الإباضية على أنه ينبغى عند قضاء الحاجة أن يستبرئ الانسان من البول

(7)

.

(1)

ح 1 ص 44.

(2)

ح 1 ص 46.

(3)

المحلى ح 1 ص 95.

(4)

ح 1 ص 80، 81.

(5)

ح 1 ص 57.

(6)

ح 1 ص 26.

(7)

قناطر الخيرات ح 1 ص 326.

ص: 195

‌كيفية الاستبراء من البول

‌مذهب الحنفية:

يقرر الحنفية أن الاستبراء من البول يكون بمشى أو تنحنح أو نوم على شقه الايسر ويختلف بطباع الناس على الصحيح، فمن وقع فى قلبه أنه صار طاهرا جاز أن يستنجى لان كل أحد أعلم بحاله

(1)

.

‌مذهب المالكية:

وكيفيته عند المالكية أن يمسك ذكره من أصله بأصبعيه السبابة والابهام .. يمرهما ويجذبه جذبا خفيفا ليخرج ما بقى فيه يفعل ذلك ثلاثا أو أقل أو أكثر الى أن يغلب على الظن انقطاع المادة وينبغى أن يخفف ولا يتبع الاوهام فانه يؤدى الى تمكن الوسوسة من القلب

(2)

والمرأة تضع يدها على عانتها ويقوم ذلك مقام السلت والنتر ..

وكيفية الاستبراء من نجاسة الدبر أنه يكفى الاحساس بأنه لم يبق شئ مما هو بصدد الخروج

(3)

وما شك فى خروجه بعد الاستبراء كنقطة فمعفو عنه

(4)

أى لا يجب التفتيش عنها فان فتش وراءها أخذت حكم الحدث والخبث فتنقض الوضوء اذا لم تلازم جل الزمان ولا نصفه ويجب غسلها اذا لم تعتره كل يوم.

‌مذهب الشافعية:

ومذهب الشافعية أن الاستبراء من البول يكون بالتنحنح والمشى وأكثر ما قيل فيه سبعون خطوة ويكون بنتر ذكر وهو أن يمسح بيده اليسرى من دبره الى رأس ذكره بنتره بلطف ليخرج ما بقى من بول ان كان ويكون ذلك بالابهام والسبابة لانه يتمكن بهما من الاحاطة بالذكر، وتضع المرأة أطراف أصابع يدها اليسرى على عانتها. قال فى المجموع والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الناس، والقصد أن يظن أنه لم يبق بمجرى البول شئ يخاف خروجه سواء حصل هذا بأدنى عصر أو احتاج الى تكرر العصر أو احتاج الى تنحنح أو لم يحتج الى شئ لكن ينبغى أن لا ينتهى الى حد الوسوسة ويكره حشو مخرج البول من الذكر بنحو قطن

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

وكيفية الاستبراء عند الحنابلة هى كما جاء فى كشاف القناع «مسح الذكر باليد اليسرى من حلقة الدبر الى رأس الذكر ثلاثا لئلا يبقى شئ من البلل فى ذلك المحل فيضع أصبعه الوسطى تحت الذكر والابهام فوقه ثم يمرهما الى رأس الذكر ويستحب نتر الذكر ثلاثا ويتنحنح ويمشى خطوات ان احتاج الى ذلك للاستبراء لما فيه من التنزه من البول فان عامة عذاب القبر منه

(6)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار: «وندب أن يتفحج

(7)

، كفعله صلى الله عليه وآله وسلم ويتنحنح ثلاثا

(1)

ابن عابدين ح 1 ص 319.

(2)

الشرح الكبير للدردير ح 1 ص 109، 110

(3)

السابق نفس الموضع.

(4)

السابق نفس الموضع.

(5)

مغنى المحتاج ح 1 ص 44.

(6)

كشاف القناع ج 1 ص 46، 48.

(7)

الفحيج بتقديم الحاء على الجيم هو تباعد ما بين الرجلين.

ص: 196

وبعد الفراغ يستنتر بالجذب لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات ويجعله بين أصبعيه السبابة وابهامه ويمرهما من أصله الى سربه

(1)

ثم يبالغ فى التنقية حتى يذهب الاجزاء والرائحة

(2)

أى حتى يذهب كل أثر للنجاسة.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة أن الاستبراء من البول يكون بنتر القضيب والمسح من المخرج الى رأسه ثلاث مرات ليخرج، ما قد يكون باقيا وان وجد بللا بعد الاستبراء مشتبها لم يلتفت اليه. أما اذا كان لم يستبرئ من البول ووجد البلل أعاد الطهارة وذلك بلا خلاف

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

وكيفية الاستبراء عند الإباضية أنه يكون بالتنحنح والنتر ثلاثا وامرار اليد على أسفل القضيب، ولا يكثر التفكير فى الاستبراء فيتوسوس ويشق عليه الامر فقد كان أخفهم استبراء أفقههم فتدل الوسوسة فى الاستبراء على قلة الفقه

(4)

.

‌استثمار

‌تعريف الاستثمار فى اللغة

استثمار على وزن استفعال وهو مصدر فعله استثمر، والمعنى فيه طلب الثمر فقد جاء فى المعجم الوسيط: استثمر المال ثمره

(5)

، وجاء فى القاموس المحيط

(6)

ثمر - بالتضعيف - الرجل ماله نماه وكثره، وثمر الرجل - بالتخفيف - تمول، وأثمر الرجل كثر ماله، وفى اللسان

(7)

كذلك ثمر المال: نماه. وفى المادة معان أخرى كثيرة غير ذلك.

‌استعمال الفقهاء

واستعمال الفقهاء لهذا اللفظ استعمال نادر فقد جاء فى تعبير الهداية

(8)

: اذا خلط المضارب مال المضاربة بماله أو مال غيره لاستثمارها فلا يدخل ذلك تحت مطلق عقد المضاربة ولكن بالنظر الى أنه جهة فى التثمير فانه يملكه اذا قيل له اعمل برأيك، ولكن الفقهاء قد عبروا عن معناه بلفظ آخر

(1)

سربه مجرى البول، والنتر بالتاء المثناة.

(2)

البحر الزخار ح 1 ص 47، 53.

(3)

مفتاح الكرامة ح 1 ص 51.

(4)

قناطر الخيرات ح 1 ص 326.

(5)

المعجم الوسيط مادة ثمر.

(6)

القاموس المحيط للفيروزبادى مادة ثمر طبعة المكتبة التجارية الكبرى الطبعة الخامسة.

(7)

لسان العرب لابن منظور ح 16 ص 106 وما بعدها طبع دار صادر دار بيروت ببيروت سنة 1375 هـ.

(8)

الهداية للمرغينانى وشروحها نتائج الافكار تكملة فتح القدير للكمال بن الهمام مع شرح العناية للبابرتى وحاشية سعد جلبى عليه ح 7 ص 89 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هـ.

ص: 197

وهو تنمية المال وزيادته فقد جاء فى المهذب

(1)

: ان كان للمرأة حلى معد للاجارة فقيه طريقان: أحدهما: أنه تجب فيه الزكاة قولا واحدا لأنه معد لطلب النماء فأشبه ما اذا اشترى للتجارة، والثانى: أنه على قولين لأن النماء المقصود قد فقد لان ما يحصل من الأجرة قليل فلم يؤثر فى ايجاب الزكاة كأجرة العوامل من الابل والبقر ..

الخ، وقد عقد الفقهاء بابا للمعنى المقصود من الاستثمار - وهو التنمية - وهو باب القراض أو باب المضاربة فقد جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: المقصود من عقد المضاربة هو استنماء المال، وفى حاشية الصاوى

(3)

على الشرح الصغير للمالكية، قال: ان القراض جائز لأن الضرورة دعت اليه لحاجة الناس الى التصرف فى أموالهم وليس كل أحد يقدر على التنمية بنفسه، ثم قال فى موضع آخر

(4)

: كل من أخذ مالا للتنمية لربه بغير قراض كوكيل على بيع شئ فربح فيه فلا ربح له بل هو لرب المال، وجاء فى المهذب

(5)

للشافعية: الأثمان فى المقارضة لا يتوصل الى نمائها - أى زيادتها - المقصودة الا بالعمل فجازت المعاملة عليها ببعض النماء الخارج منها وهناك أبواب فقهية أخرى تأتى فيها زيادة المال وتنميته وذلك مثل بيع المرابحة والشركة والمساقاة وغير ذلك وينظر تفصيل الكلام فى كل ذلك فى مصطلح نماء وكذلك فى مصطلحاته الخاصة به فى الفقه كمضاربة وقراض ومرابحة وشركة ومساقاة وما أشبه ذلك.

‌استثناء

‌التعريف به فى اللغة

فى المختار: ثنى الشئ عطفه من باب رمى. وثناه أيضا كفه، وثناه صرفه، والثنيا بالضم اسم من الاستثناء وفى القاموس المحيط: ثنى الشئ كرمى «رد بعضه على بعض» والثنية بمعنى الاستثناء، يقال حلف يمينا ليس فيها ثنية ولا مثنوية أى لا استثناء فيها. والثنيا بالضم كل ما استثنيته كالثنوى والثنية

(6)

.

‌التعريف به فى الاصطلاح

‌اصطلاح الاصوليين:

اختلف الاصوليون فى تعريف الاستثناء بناء على اختلافهم فى أنه حقيقة فى المتصل والمنقطع

(1)

المهذب للامام أبى اسحاق الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لابن بطال الركبى ح 1 ص 159 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(2)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ح 6 ص 88 الطبعة الاولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.

(3)

بلغة السالك لاقرب السالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للدردير ح 2 ص 227

(4)

المرجع السابق ح 2 ص 232.

(5)

المهذب لابى اسحاق الشيرازى ح 1 ص 384 الطبعة السابقة.

(6)

مختار الصحاح وترتيب القاموس المحيط ح 1 ص 355 وما بعدها طبع مطبعة الاستقامة بمصر الطبعة الاولى سنة 1959 هـ.

ص: 198

على سبيل الاشتراك المعنوى أو اللفظى بينهما أو هو حقيقة فى المتصل مجاز فى المنقطع - وعلى اختلافهم فى أن الاستثناء اخراج للمستثنى من حكم المستثنى منه، أو هو منع من دخوله فيه - وليس فيه اخراج، جاء فى كشف الأسرار شرح أصول البزدوى الحنفى: أن الكلام فى تعريف الاستثناء يتوقف على أنه فى المنقطع حقيقة كالمتصل أم مجاز؟ فذهب بعض الاصوليين الى أنه حقيقة فيه أيضا كما فى المتصل فيكون مشتركا بينهما أما بالاشتراك المعنوى كاشتراك الحيوان بين الانسان وغيره أو بالاشتراك اللفظى كاشتراك العين بين مفهوماته لأن المتصل اخراج والمنقطع مخالفة من غير اخراج فلا يشتركان فى معنى يصلح جعل اللفظ له، وقد أطلق اللفظ عليهما والأصل فى الاطلاق الحقيقة فكان مشتركا.

وذهب أكثرهم الى أنه مجاز فى المنقطع لسبق الفهم الى المتصل من غير قرينة وتوقفه فى المنقطع على القرينة، ولا يمكن حمل اللفظ على الاشتراك المعنوى لانه يؤدى الى جواز استثناء كل شئ من كل شئ لوجود الاشتراك فى الاشياء معنى بوجه من الوجوه وذلك خلاف كلام العرب .. ولا على الاشتراك اللفظى مع امكان الحمل على المجاز لأنه أولى اذ لا يؤدى الى ابهام المراد لوجود القرينة اذ لا يخلو المجاز عن قرينة دالة على المراد بخلاف الاشتراك

ثم قال:

وحده عند من قال بالاشتراك المعنوى هو: ما دل على مخالفة بالا غير الصفة أو احدى اخواتها

وقوله غير الصفة احتراز عن الا التى تكون صفة وهى التى تقع بعد جمع مذكر غير محصور. فانها لا تدل على الاستثناء لأن ما بعدها لا يدخل فيما قبلها ولا يشمله حكمه، كما فى قوله تعالى «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا 1» فان الا فيه بمعنى غير صفة لآلهة، ولم يقصد بها الاستثناء لأن الله تعالى غير داخل فى لفظ - آلهة - وقوله - بالا أو احدى اخواتها - لاخراج نحو - جاء القوم ولم يجئ زيد، فانه ليس استثناء وان حقق معناه، أما عند من قال بالاشتراك اللفظى ومن قال بالمجاز فى المنقطع فلا يمكن جمعهما فى حد واحد لأن أحدهما مخرج من حيث المعنى والآخر ليس بمخرج، وكل أمرين فصل أحدهما مفقود فى الآخر يستحيل جمعهما فى حد واحد، وعلى هذا قيل فى تعريف المتصل: هو اخراج بألا أو احدى اخواتها، وفى تعريف المنقطع:

هو ما دل على مخالفة بألا غير الصفة أو احدى اخواتها من غير اخراج.

وعرف ابن احاجب الاستثناء المتصل بأنه: لفظ أخرج به شئ من شئ بألا وأخواتها .. والمنقطع بأنه: لفظ من ألفاظ الاستثناء لم يرد به اخراج سواء كان من جنس الأول أو من غير جنسه، فلو قلت: جاء القوم ألا زيد أو زيد ليس من القوم كان منقطعا

(2)

ويتفق صدر

(1)

الاية رقم 22 من سورة الانبياء.

(2)

كشف الاسرار شرح أصول البزدوى ح 3 ص 841، 842 طبع حسن حلمى الريزوى سنة 1307 هـ.

ص: 199

الشريعة فى التوضيح والغزالى فى المستصفى والبيضاوى فى المنهاج على أن الاستثناء حقيقة فى المتصل مجاز فى المنقطع، ولكنهم يختلفون فى التعريف فقال صدر الشريعة أن المنقطع يسمى استثناء مجازا ولم يجعله قسما من الاستثناء وعرف الاستثناء المتصل بأنه:

المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلام فى حكمه بألا أو احدى اخواتها - وقال أنه اختار التعبير بالمنع لأن الاستثناء لا اخراج فيه، لان الاخراج اما من حكم المستثنى منه وهو لم يدخل فيه، وأما من تناول لفظ المستثنى منه وهو داخل فيه قطعا ولا يمكن اخراجه منه

(1)

.

وعرفه البيضاوى بأنه: الاخراج بألا غير الصفة ونحوها - وهو يتفق مع ما ذكره صاحب كشف الأسرار فى تعريف الاستثناء المتصل عند القائلين بأنه مشترك لفظى بين المتصل والمنقطع، أو مجاز فى المنقطع، وما ذكره ابن الحاجب فى تعريفه

(2)

. وعرف الغزالى الاستثناء بأنه: قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دال على أن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول - وهو يتفق مع صدر الشريعة فى أن الاستثناء ليس اخراجا وانما هو بيان للمراد بصدر الكلام

(3)

.

ونقد الآمدى تعريف الغزالى وقال أنه باطل من وجهين بينهما، وذكر تعريفا مطولا قال أنه يميز الاستثناء عن سائر أدلة التخصيص وعن الشرط والصفة والغاية

(4)

.

‌اصطلاح الفقهاء

‌مذهب الحنفية:

فى تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار فى فقه الحنفية - أن الاستثناء هو تكلم بالباقى بعد الثنيا أى بعد الاستثناء، ففى قول الشخص: له على عشرة الا ثلاثة، صدر الكلام اقرار بالعشرة، وعجزه استثناء الثلاثة من العشرة والباقى بعد الثنيا سبعة، فكأنه تكلم بالباقى وهو السبعة، وقال: له على سبعة

(5)

.

وفى فتح القدير للكمال ابن الهمام الحنفى: الاستثناء هو: بيان بألا أو احدى اخواتها أن ما بعدها لم يرد بحكم الصدر، وقال: أن هذا يشمل المتصل والمنقطع على أنه متواطئ أى مشترك معنوى بينهما، أما على أنه مجاز فى

(1)

شرح التوضيح على التنقيح ج 2 ص 284 الطبعة الاولى طبع المطبعة الخيرية بمصر سنة 1306 هـ.

(2)

شرح البدخشى للاسنوى ج 2 ص 93، 94 طبع محمد على صبيح وأولاده بمصر.

(3)

المستصفى للغزالى مع مسلم الثبوت ج 2 ص 63 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة الاميرية ببولاق سنة 1322 هـ.

(4)

كتاب الاحكام فى أصول الاحكام ج 2 ص 416 وما بعدها طبع مطبعة المعارف بالفجالة سنة 1332 هـ.

(5)

حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 4 ص 703 طبع دار سعادات بالمطبعة العثمانية.

ص: 200

المنقطع - فيعرف المتصل بأنه: اخراج بعض أفراد الجنس من الحكم.

والكمال يجرى فيما ذكره فى تعريف الاستثناء - على منهج الأصوليين، والتعريف الذى نقلناه عن ابن عابدين هو المذكور فى أكثر كتب الفقه فى مذهب الحنفية -.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح منح

(1)

الجليل على المختصر فى فقه المالكية: أن الاستثناء هو اخراج لما دخل فى الكلام أو بألا أو احدى اخواتها.

‌مذهب الشافعية:

فى حاشية البجيرمى

(2)

على المنهج فى فقه الشافعية أن الاستثناء هو: الاخراج بألا أو احدى اخواتها تحقيقا أو تقريرا كما فى المنقطع وهو مأخوذ من الثنى وهو الصرف لصرف المستثنى عن حكم المستثنى منه، وفى شرح المنهاج

(3)

هو: اخراج ما لولاه لدخل فى الكلام السابق بنحو ألا.

‌مذهب الحنابلة:

وفى المغنى لابن قدامة

(4)

الحنبلى من باب الاقرار أن الاستثناء هو:

اخراج بعض ما تناوله المستثنى منه، من ثنيت فلانا عن رأيه اذا صرفه عن رأى كان عازما عليه، وفيه من باب الطلاق

(5)

أن الاستثناء هو بيان أن المستثنى غير مراد بالكلام الاول والمنع من أن يدخل فيه ما لولاه لدخل.

‌مذهب الظاهرية:

فى المحلى لابن حزم الظاهرى

(6)

أن الاستثناء ابطال لما أثبته بأول كلامه قبل أن يستثنى ما استثنى.

‌مذهب الإمامية:

فى الروضة

(7)

البهية أن الاستثناء هو:

اخراج ما لولاه لدخل فى اللفظ.

‌مذهب الإباضية:

فى كتاب النيل

(8)

وشرحه أن الاستثناء هو: اخراج بعض من كل بأداة من أدواته.

‌أحكام الاستثناء فى الأصول

‌الفرق بين الاستثناء والتخصيص

والنسخ:

فرق الغزالى فى المستصفى

(9)

بين الاستثناء والتخصيص من وجوه:

الأول: أنه يشترط فى الاستثناء أن

(1)

شرح منح الجليل على مختصر خليل ج 1 ص 633.

(2)

حاشية البجرمى على المنهج ج 4 ص 17 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1345 هـ.

(3)

حواشى تحفة المحتاج ج 2 ص 296.

(4)

المغنى لابن قدامة الحنبلى ج 5 ص 277 الطبعة الاولى طبع المنار بمصر سنة 1348 هـ.

(5)

المرجع السابق ج 8 ص 311، 312 الطبعة السابقة.

(6)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 256 - 257 طبع المطبعة المنيرية سنة 1350 هـ.

(7)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 221 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

(8)

شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 2 ص 437 طبع مطبعة البارونى وشركاه.

(9)

المستصفى للغزالى ج 2 ص 164 الطبعة السابقة والاحكام للامدى ج 2 ص 424 الطبعة السابقة.

ص: 201

يكون متصلا أى غير متراخ عن المستثنى منه، بخلاف التخصيص فانه يجوز أن يكون متراخيا ومتأخرا عن العام فى الورود وان كان لا يتأخر عن العمل بالعام، وهذا على رأى الشافعية الذين يرون أن التخصيص قد يكون غير مقارن وأما على رأى الحنفية الذين يرون أن التخصيص لا يكون الا بمقارن مستقل فلا يتأتى هذا الفرق.

الثانى: أن الاستثناء يتطرق الى الظاهر والنص جميعا اذ يجوز أن يقول:

له على عشرة الا ثلاثة ويقول: اقتلوا المشركين الا زيدا .. والتخصيص لا يتطرق الى النص أصلا.

الثالث: أن الاستثناء يدخل على الكلام فيمنع أن يدخل تحت اللفظ ما كان يدخل لولاه، والتخصيص يبين أن اللفظ قاصر عن البعض ومن ثم قالوا أن التخصيص هو قصر العلم على بعض أفراده ومسماه.

وفرق بين الاستثناء والنسخ من هذا الوجه فقال: أن النسخ رفع للحكم بعد ثبوته بالفعل فيما كان داخلا تحت اللفظ السابق والاستثناء منع من ثبوت الحكم فيما أخرجه من تناول اللفظ له، فالنسخ رفع والاستثناء منع والتخصيص بيان.

وفرق الآمدى بين الاستثناء والتخصيص فقال: أن الفرق بينهما واقع من جهة الجملة واللفظ، فان التخصيص لا يلزم فيه اللفظ اذ قد يكون بدليل العقل وبالحس.

أما الاستثناء فلا بد أن يكون باللفظ والعبارة.

وفرق بين الاستثناء والنسخ فقال:

أن النسخ يمتنع اتصاله بالمنسوخ بل لا بد أن يكون متراخيا ومتأخرا عنه بخلاف الاستثناء فانه يكون متصلا.

‌شروط الاستثناء

يشترط لصحة الاستثناء عند الأكثرين ما يأتى:

الشرط الأول: أن يكون متصلا بالمستثنى حقيقة بأن لا يفصل بينهما فاصل أصلا أو حكما بأن يفصل بينهما ما لا يعد فاصلا عرفا ويعتبر الكلام معه متصلا كانقطاع النفس والسعال والعطاس، واعتبروا الفصل بالنداء نحو لك على عشرة يازيد الا ثلاثة غير قاطع للاتصال لأنه بمثابة التنبيه والتأكيد، والعرف لا يعتبره فاصلا - وذهب البعض الى عدم اشتراط هذا الشرط وأجازوا الاستثناء المنفصل.

ونقل عن ابن عباس رضى الله عنهما القول بصحة الاستثناء المنفصل وأن طال الزمان شهرا وفى بعض الروايات سنة سواء كان الفصل عمدا أو نسيانا وعن أبى العالية أربعة أشهر اعتبارا بالايلاء «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ 1 مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ» وعن الحسن وطاووس وعطاء جواز الفصل الى آخر المجلس اعتبارا بالايجاب والقبول فى العقود وبه قال الامام أحمد، ويعد بمثابة القيام من المجلس الأعراض بالاخذ فى كلام أو عمل آخر مع استمرار المجلس لانه يعد تركا واعراضا يقطع الاتصال

(1)

الآية رقم 226 من سورة البقرة.

ص: 202

عرفا وبنى الفقهاء كثيرا من أحكام العقود على ذلك.

وقد أشار

(1)

الغزالى ما نقل عن ابن عباس من القول بصحة الاستثناء المنفصل ثم قال: ولعله لا يصح عنه النقل اذ لا يليق ذلك بمنصبه، وان صح فلعله أراد به اذا نوى الاستثناء ولم يتلفظ به ثم أظهر نيته بعده وتلفظ به فيدين بينه وبين الله تعالى.

وفى الأحكام للآمدى أن بعض أصحاب مالك ذهبوا الى جواز تأخير الاستثناء لفظا لكن مع أضمار الاستثناء متصلا ويكون المتكلم به مدينا فيما بينه وبين الله تعالى ولعله مذهب

(2)

ابن عباس.

وذهب بعض الفقهاء الى صحة الاستثناء المنفصل فى كتاب الله تعالى دون غيره استنادا الى قول الله تعالى:

{(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً 3)} فان قوله سبحانه: «غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} استثناء من - {الْقاعِدُونَ} -» ولم ينزل هذا الاستثناء مع الآية متصلا، وانما بعد مدة لما اشتكى عبد الله ابن أم مكتوم وغيره من أصحاب الأعذار من الصحابة رضوان الله عليهم من أنهم انما قعدوا عن الجهاد لعذر منعهم فلم يفضل الله عليهم المجاهدين ويحرمهم مما فضلهم به عليهم من الدرجة والأجر؟ فنزل هذا الاستثناء واستثنى أصحاب الاعذار من التفضيل والحرمان.

وقد أجيب بأن المراد بالقاعدين من المؤمنين فى الآية - القاعدون عن واجب الجهاد بعد وجوبه عليهم وذلك معلوم بالضرورة اذ المتبادر من القعود - القعود عن أداء الواجب فلا يشمل أصحاب الأعذار اذ لم يجب عليهم الجهاد ولم يتقاعسوا عنه فلا محل لاستثنائهم - وقوله غير أولى الضرر ليس استثناء بل هو بيان تقرير للتأكد لقطع احتمال المجاز أو الخصوص - وبيان التقرير يجوز فيه الانفصال والتأخير بالاتفاق

(4)

، وقد استدل الجمهور على أن الاتصال شرط فى صحة الاستثناء بما يأتى:

أولا: ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على شئ فرأى غيره خيرا منه فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه، وفى رواية «فليكفر

(1)

المستصفى ج 2 ص 165، 166 الطبعة السابقة.

(2)

الاحكام للامدى ج 2 ص 421 الطبعة السابقة.

(3)

الاية رقم 95 من سورة النساء.

(4)

كشف الاسرار للبزدوى ج 3 ص 837، 838 ومسلم الثبوت ح 1 ص 321 الطبعة السابقة.

ص: 203

عن يمينه وليأت الذى هو خير» فلو كان الاستثناء المنفصل صحيحا لأرشد النبى صلى الله عليه وسلم اليه بدلا من الحنث والتكفير لانه طريق مخلص للحالف عند تأمل الخبر فى البر وعدم الحنث وهو أسهل وأيسر من التكفير والنبى صلى الله عليه وسلم انما يقصد التيسير والتسهيل على المسلمين فحيث لم يقصد الى الاستثناء مع ذلك دل على عدم صحته منفصلا.

ثانيا: أن أهل اللغة لا يعدون الكلام المشتمل على الاستثناء المنفصل المتراخى كلاما منتظما ولا يعدونه من كلام العرب، فلو قال: لفلان على عشرة دراهم، ثم قال بعد شهر أو سنة، ألا درهما، أو قال:

رأيت بنى تميم، ثم قال بعد شهر أو سنة - ألا زيدا، فانه لا يعد استثناء ولا كلاما صحيحا. كالخبر والشرط حين يقول الشخص - رأيت زيدا - ثم يقول بعد شهر - قائم - فان أهل اللغة لا يعدونه بذلك مخبرا عن زيد بشئ، وحين يقول السيد لعبده - أكرم زيدا ثم يقول بعد شهر - ان دخل دارى - فانهم لا يعدون ذلك شرطا.

ثالثا: أنه لو قيل بصحة الاستثناء المنفصل لما علم صدق صادق ولا كذب كاذب ولا حصل وثوق بيمين ولا بوعد ولا بوعيد ولا حصل حزم بصحة عقد ولا لزوم معاملة أصلا .. لامكان الاستثناء المنفصل ولو بعد حين وابطال الكلام الأول والتحلل مما تضمنه ..

ولا يخفى ما فى ذلك من التلاعب وابطال التصرفات الشرعية وضياع الحقوق وترتيب الاضرار - الامر الذى لا تقره الشريعة ولا يجيزه الدين.

واستدل القائلون بصحة الاستثناء المنفصل المتراخى بما يأتى:

أولا: بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والله لأغزون قريشا) ثم سكت وقال بعده - ان شاء الله - ولولا صحة الاستثناء بعد السكوت لما فعله النبى صلى الله عليه وسلم لكونه مقتدى به.

وبما روى عنه صلى الله عليه وسلم أن اليهود سألته عن عدة أصحاب الكهف وعن مدة لبثهم فيه فقال:

«غدا أجيبكم» ولم يقل ان شاء الله، فتأخر عنه الوحى بضعة عشر يوما ثم نزل قوله تعالى:«قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ 1، ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيلٌ، فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً، وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ» فقال عليه السلام ان شاء الله بطريق الالحاق بخبره الأول ولو لم يكن ذلك صحيحا لما فعله.

(1)

الاية رقم 22 من سورة الكهف.

ص: 204

ثانيا: أن ابن عباس ترجمان القرآن ومن أفصح فصحاء العرب، وقد نقل عنه القول بصحة الاستثناء المنفصل ولو لم يكن صحيحا لما قال به.

ثالثا: أن الاستثناء بيان وتخصيص للكلام الأول فجاز تأخيره كالنسخ وأدلة التخصيص المنفصلة.

وأجاب الجمهور عن أدلة المخالفين بأن الحديث الأول محمول على السكوت الذى لا يخل بالاتصال الحكمى الذى أشير اليه فيما سبق فلا حجة فيه، أما الحديث الثانى فان قوله عليه السلام بعد نزول الوحى عقب الانقطاع:«ان شاء الله» ليس عائدا الى الخبر الأول «أجيبكم غدا» بل هو عائد الى ذكر ربه اذا نسى الذى نزل به الوحى بعد الخبر. والتقدير أذكر ربى اذا نسيت ان شاء الله كما يقول القائل لغيره - افعل كذا - فيقول المأمور - ان شاء الله - أى افعل ان شاء الله.

وأما النقل عن ابن عباس فانه كان يرى صحة اضمار الاستثناء ويدين المكلف بذلك فيما بينه وبين الله تعالى وأن تأخر الاستثناء لفظا كما أشار اليه الغزالى والآمدى فيما نقل عنهما سابقا، وهذا ليس من موضوع البحث وان صح النقل فى الموضوع فهو محجوج باتفاق أهل اللغة على عدم صحته ممن سواه وبالأدلة الاخرى التى سبقت.

أما القياس على النسخ وأدلة التخصيص المنفصلة فهو قياس فى اللغة والاتفاق على أنه لا قياس فى اللغة، ثم هو منقوض بالخبر والشرط المتفق عليهما كما أشير

(1)

اليه.

الشرط الثانى: أن يكون المستثنى ثابتا بصدر الكلام ويتناوله لفظ المستثنى منه قصدا وحقيقة ليمكن جعل الكلام تكلما بالباقى، فاذا ثبت المستثنى بالكلام ضرورة وحكما فلا يصح الاستثناء - لأنه تصرف لفظى فيقتصر عمله على ما يتناوله اللفظ ولا يعمل فيما ثبت بطريق الضرورة والحكم فلو وكل شخص شخصا بالخصومة واستثنى الاقرار بأن قال: وكلتك بمخاصمة زيد غير جائز الاقرار علىّ أو على أن لا تقر على - كان هذا الاستثناء باطلا عند أبى يوسف رحمه الله تعالى لأن الاقرار لا يثبت بصدر الكلام قصدا وحقيقة أو لا يتناوله لفظ الخصومة لانها عبارة عن المنازعة والاقرار مسالمة وتسليم بالحق المدعى وانما يدخل الاقرار فى مضمون عقد الوكالة حكما ضرورة أن الوكيل قد قام مقام الموكل فيملك ما كان يملكه فيصير الاقرار ثابتا للوكيل حكما للوكالة لا مقصودا بصدر الكلام فلا يصح استثناؤه بقوله، غير جائز الاقرار، ولا ابطاله بطريق المعارضة

(1)

الاحكام للامدى ج 2 ص 420، 424 الطبعة السابقة والمستصفى ج 2 ص 165، ص 166 الطبعة السابقة.

ص: 205

بقوله على أن لا تقر عليه، واذا كان الوكيل يملك الاقرار على الموكل بمقتضى الوكالة على النحو المذكور، فانه يملك الاقرار عليه فى مجلس القضاء وفى غير مجلس القضاء وهو ما كان يملكه الموكل، واذا أريد اسقاط حق الوكيل فى الاقرار فالسبيل الى ذلك عند أبى يوسف ابطال الوكالة بعزل الوكيل عنها - كالتوكيل بالبيع على أن لا يقبض الوكيل الثمن أو لا يسلم المبيع يكون استثناء باطلا لأن ذلك غير داخل فى البيع الموكل فيه - وكذلك استثناء أطراف الحيوان فى البيع لا يصح لأنها تدخل فى العقد تبعا لا مقصودا، وقد نص فى الهداية على أن ما يجوز ايراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه. ولا يجوز استثناء الانكار فى هذه الوكالة أيضا عند أبى يوسف وان كان داخلا فى الخصومة ويتناوله لفظها قصدا وحقيقة اذ الانكار خصومة ومنازعة - وذلك لأنه يكون حينئذ استثناء مستغرقا واستثناء الشئ من نفسه وهو باطل كما سيأتى:

أما عند الامام محمد رحمه الله فيصح استثناء الاقرار أو الانكار فى الوكالة بالخصومة أيهما شاء لأن المراد بالخصومة فى هذه الوكالة الجواب مجازا - اذ الحقيقة وهى المنازعة مهجورة شرعا للنهى عنها فى قوله تعالى: «وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ 1» فهى مستعملة فى مطلق الجواب مجازا، والجواب كما يكون بالاقرار يكون بالانكار، فيكون كل منهما ثابتا باللفظ قصدا فيجوز استثناؤه موصولا لا مفصولا لأنه يكون بيان تغيير - وأما اذا أريد بالخصومة معناها اللغوى وهو المنازعة فيكون الاستثناء فى هذه الحالة بيان تقرير لأنه فى معنى التأكيد لمنع احتمال المجاز وهو مطلق الجواب كأنه قال وكلتك فى الانكار ولم أوكلك فى الاقرار ويجوز حينئذ أن يكون منفصلا ومتراخيا. وتدل بعض العبارات على أن هذا الشرط شرط فى كون الاستثناء متصلا وحقيقة، وجاء فيها أن الشرط أن يكون المستثنى بعضا من المستثنى منه أو من جنس المستثنى

(2)

منه، وقد صرح صاحب مسلم الثبوت بأن هذا الشرط متفق عليه وانما نسب الى الحنفية لأنه ذكر فى كتبهم.

ويتصل بهذا اختلاف العلماء فى صحة الاستثناء من غير الجنس .. قال الغزالى فى المستصفى: الشرط الثانى أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه كقوله رأيت الناس الا زيدا، ولا تقول رأيت الناس الا حمارا، أو تستثنى جزءا مما دخل تحت اللفظ كقولك رأيت الدار الا بابها - ورأيت زيدا ألا وجهه، وهذا

(1)

الاية رقم 46 من سورة الانعام.

(2)

التوضيح وحاشية التلويح عليه ج 2 ص 299، 310 الطبعة السابقة وأصول البزدوى وكشف الاسرار عليها ج 3 ص 865 وما بعدها الطبعة السابقة ومسلم الثبوت ج 1 ص 326 الطبعة السابقة.

ص: 206

الاستثناء من غير الجنس، لأن اسم الدار لا ينطلق على الباب - ولا اسم زيد على وجهه بخلاف قوله مائة ثوب الا ثوبا .. وعن هذا قال قوم: ليس من شرط الاستثناء أن يكون من الجنس قال الشافعى: لو قال:

على مائة درهم الا ثوبا صح ويكون معناه الا قيمة ثوب. ولكن اذا رد الى القيمة فكأنه تكلف رده الى الجنس

(1)

، وقد ورد الاستثناء من غير الجنس كقوله تعالى {(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ 2 أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ)} ولم يكن من الملائكة فانه قال فى آية أخرى {(إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ 3 فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) .. }. وهذا الاستثناء ليس فيه معنى التخصيص والاخراج اذ المستثنى ما كان ليدخل تحت اللفظ أصلا .. وقد تكلف قوم جوابا عن هذا فقالوا: ليس هذا استثناء حقيقة بل هو مجاز ..

وهذا خلاف اللغة، فان الا فى اللغة للاستثناء والعرب تسمى هذا استثناء ولكن تقول هو استثناء من غير الجنس .. وأبو حنيفة رحمه الله تعالى جوز استثناء المكيل من الموزون وعكسه ولم يجوز استثناء غير المكيل والموزون منهما فى الأقارير، وجوزه الشافعى رحمه الله والاولى التجويز فى الاقارير لأنه اذا صار معتادا فى كلام العرب وجب قبوله لانتظام اسم الاستثناء اياه. نعم اسم الاستثناء عليه مجاز أو حقيقة

واختار

(4)

القاضى رحمه الله أنه حقيقة والأظهر عندى أنه مجاز، وفى الاحكام للآمدى «اختلف العلماء فى صحة الاستثناء من غير الجنس فجوزه أصحاب أبى حنيفة ومالك والقاضى أبو بكر وجماعة من المتكلمين والنحاة، ومنع منه الأكثرون، وأما أصحابنا فمنهم من قال بالنفى ومنهم من قال بالاثبات، ثم ساق الاستدلال والمناقشة من الطرفين

(5)

».

والحنفية يجعلون الاستثناء من غير الجنس استثناء منقطعا أى لم يتناوله صدر الكلام ولم يدخل تحت لفظ المستثنى منه فهو عندهم بمثابة كلام مبدأ حكما، والا فيه بمعنى لكن، كقوله تعالى:«أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ 6 أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ» .}. فان معناه أن كل ما عبدتموه أنتم وعبده آباؤكم الأقدمون، فانى أعاديهم وأجتنب عبادتهم وتعظيمهم، لكن رب العالمين ليس منهم ولذا أعبده وأعظمه وقوله تعالى «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً 7» .}. أى لكن يسمعون فيها - أى فى الجنة قولا سلاما سلاما. اذ

(1)

المراجع السابقة نفس الموضع والمستصفى ج 2 ص 165، 166 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 73 من سورة ص.

(3)

الآية رقم 50 من سورة الكهف.

(4)

المستصفى ج 2 ص 166، 170 الطبعة السابقة.

(5)

الاحكام للامدى ج 2 ص 424، 433 الطبعة السابقة.

(6)

الآية رقم 75 من سورة الشعراء.

(7)

الآية رقم 25، 26 من سورة الواقعة.

ص: 207

السلام ليس من جنس اللغو وقوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ 1 ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» فان التائبين غير داخلين فى المستثنى منه وهم قوله - فأولئك - هم الفاسقون - فيجعل منقطعا بمعنى لكن أن تابوا فالله يغفر لهم. ومن الحنفية من جعل الاستثناء فى هذه الآيات متصلا بتأويلات أخرى كجعله استثناء من عموم الأحوال أما الاستثناء المقدر أى الذى له تقدير فى الشرع مثل المكيل والموزون والعددى المتقارب كالبيض والجوز من مقدر آخر من غير جنسه كاستثناء المكيل من الموزون أو عكسه واستثناء أحدهما من الدراهم والدنانير واستثناء الدراهم من الدنانير وبالعكس. هذا الاستثناء صحيح عند أبى حنيفه وأبى يوسف رحمهما الله - أى يجعل المستثنى مخرجا من المستثنى منه ويجعل المتكلم كأنه تكلم بالباقى بعد المستثنى كما فى الاستثناء المتصل الحقيقى وذلك على أساس أن المقدرات جنس واحد فى المعنى باعتبار أنها كلها تصلح ثمنا فى البيع - حتى لو اشترى عبدا باردب من القمح موصوف أو بكذا رطلا من الدهن أو بكذا عددا من الجوز - جاز البيع. ويتعين الاردب والارطال والجوز ثمنا وباعتبار أنها كلها تثبت فى الذمة بمقابلة ما هو مال وما ليس بمال حالة ومؤجلة، ويجوز استقراضها، فصار الجنس واحدا فى المعنى من حيث الثبوت فى الذمة ثبوتا صحيحا، وان كانت الصورة مختلفة، فان الدينار غير الدرهم والاردب غيرهما، فلا يكون اخراجا باعتبار الصورة، ويكون تكلما بالباقى باعتبار المعنى فيمتنع بالوجوب فى الذمة بمقدار ما يساويه اردب القمح من الدراهم من الالف فى قوله:«له على ألف درهم ألا اردب قمح» - فاذا كان الاردب يساوى مائة درهم، يجعل كأنه قال: له على تسعمائة درهم، وهو الباقى بعد استثناء قيمة الاردب كما فى قوله: له على ألف درهم الا مائة.

أما محمد وزفر فيريان أن الجنس مختلف حقيقة والمستثنى غير داخل فى المستثنى منه ولا يتناوله لفظه، فلا يمكن اخراجه منه، ويكون استثناءا منقطعا بمعنى لكن، وتثبت الألف كلها فى ذمة القائل له على ألف درهم الا أردب قمح - اذ المعنى: لكن ليس له على أردب قمح

(2)

والتأويل على رأى الشيخين أبى حنيفة وأبى يوسف يجعل الاستثناء فى المقدرات من الجنس وليس كما ذكر الغزالى وبعض العلماء استثناء من غير الجنس .. ومن ثم يقول الآمدى فى

(1)

الآية رقم 4 من سورة النور.

(2)

أصول البزدوى وكشف الاسرار عليها ج 3 ص 751، 857 الطبعة السابقة.

ص: 208

الأحكام: «وأما استثناء الدراهم من الدنانير وبالعكس فهو محل النزاع عند القائلين بعدم صحة الاستثناء من غير الجنس، وأن تكلف بيان صحة الاستثناء من جهة اشتراكهما فى النقدية وجوهر الثمنية آيل الى الاستثناء من الجنس

(1)

».

الشرط الثالث من شروط صحة الاستثناء ألا يكون مستغرقا للمستثنى منه فلو قال:

له على عشرة ألا عشرة كان الاستثناء باطلا ولزمته العشرة كلها لأنه يكون رفعا للاقرار بعد حصوله ورجوعا عنه بعد تحققه وهو غير جائز فى حقوق العباد، ولأن الاستثناء تكلم بالباقى بعد الثنيا، وليس فى هذا باق يتكلم به .. وهذا باتفاق الاصوليين والفقهاء.

غير أن الحنفية قيدوا بطلان الاستثناء المستغرق بما اذا كان الاستثناء بلفظ الصدر نحو عبيدى أحرار الا عبيدى وزوجاتى طوالق الا زوجاتى أو بلفظ يساوى لفظ الصدر فى المفهوم نحو عبيدى أحرار الا مما ليكى أو زوجاتى طوالق الا نسائى أما اذا كان الاستثناء بلفظ غير مماثل للفظ الصدر ولا مساو له فى المفهوم فان الاستثناء يجوز ويكون صحيحا ولو كان مساويا له فى الما صدق والتناول بحسب الواقع. نحو نسائى طوالق الا زينب وعائشة وليلى، وليس له زوجات سوى هؤلاء المستثنيات وأوصيت لفلان بثلث مالى الا ألف درهم وثلث ماله فى الواقع ألف درهم .. ولأنه يكفى لصحة الاستثناء عندهم ابهام بقاء افراد تحت لفظ المستثنى منه بحسب الصورة لأن الاستثناء تصرف لفظى لا يؤثر فى صحته اهمال المعنى.

أما غير الحنفية فقد منعوا الاستثناء المستغرق ولو كان بلفظ غير مماثل ولا مساو فى المفهوم.

وفى مسلم الثبوت: الاستثناء المستغرق باطل. قيل اتفاقا. والحق ان الاتفاق فيما اذا كان الاستثناء بلفظ الصدر نحو عبيدى أحرار الا عبيدى أو بلفظ يساويه فى المفهوم نحو عبيدى أحرار الا مماليكى، أما بغيره كعبيدى أحرار الا هؤلاء أو الا سالما وغانما وراشدا وهم الكل من العبيد فعند الحنفية لا يمتنع لاكتفائهم بالأفراد

(2)

الممكنة، واختلف العلماء فى استثناء الاكثر نحوله على عشرة الا تسعة واستثناء المساوى أى النصف نحوله على عشرة الا خمسة فذهب الأكثرون من الأصوليين والفقهاء والمتكلمين الى الجواز فيهما. وذهب الحنابلة والقاضى أبو بكر الباقلانى من الشافعية الى المنع فيهما .. وذهب الفراء وابن درستويه الى المنع فى الاكثر خاصة .. ونقل عن بعض أهل اللغة استقباح استثناء عقد صحيح

(1)

الامدى ج 2 ص 432 من الاحكام الطبعة السابقة.

(2)

مسلم الثبوت ج 1 ص 323، 324 الطبعة السابقة.

ص: 209

فلا يقول: له على مائة الا عشرة أو ألف الا مائة.

احتج القائلون بصحة استثناء الأكثر والمساوى - بقوله تعالى: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ 1» وقوله تعالى: «لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ 2» فقد استثنى فى الآية الأولى الغاوين من العباد المؤمنين واستثنى فى الآية الثانية العباد المخلصين من الغاوين فان كان الفريقان متساويين فى الواقع فقد استثنى المساوى وان كان الغاوون أكثر فقد استثناهم فى الآية الأولى وان كان المؤمنون المخلصون أكثر، فقد استثناهم فى الآية الثانية فكان استثناء الاكثر على الاحتمالين وواقع الامر أن الغاوين أكثر بدليل قوله تعالى:

«وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ»

(3)

وقوله تعالى: «وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ»

(4)

وقوله تعالى: «وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ»

(5)

.

واحتجوا أيضا بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً .. »

(6)

فقد استثنى النصف وهو استثناء المساوى وأيضا فانه لو قال له على عشرة دراهم الا خمسة. أو الا تسعة لزمه فى الأول خمسة دراهم وفى الثانى درهم واحد وهو الباقى بعد الاستثناء فيهما، وهذا باتفاق الفقهاء ولولا صحة الاستثناء لما كان كذلك.

واحتج القائلون بامتناع استثناء الأكثر والمساوى بأن الاستثناء خلاف الأصل لانه انكار بعد اقرار وجحد بعد اعتراف وانما جوز فى استثناء الأقل لمعنى فيه وهو أن المقر قد يكون وفىّ بعض ما عليه ونسيه لقلته وعند اقراره تذكره فاستثناه فلو لم يصح استثناؤه لتضرر. ولا كذلك فى الاكثر والنصف لأنه قلما ينساه.

وأيضا فان استثناء غير الأقل مستقبح والمستقبح فى لغة العرب لا يكون منها.

وأجيب عن الاول بأن الاستثناء ليس على خلاف الأصل والا لامتنع فى الاقل أيضا، والصدق ورفع الضرر حاصل فى الكل وعن الثانى بأن الاستقباح لا يمنع من الصحة

(7)

.

الشرط الرابع: أن يلى الكلام بلا عاطف، فان وليه بحرف عطف كقوله: له على عشرة والا خمسة كان لغوا ولا تأثير له وحكى الاسفرايينى الاتفاق على ذلك.

‌الاستثناء المتصل والمنقطع

يطلق لفظ الاستثناء على فعل المتكلم وهو المعنى المصدرى، وعلى المستثنى،

(1)

الآية رقم 42 من سورة الحجر.

(2)

الآية رقم 82، 83 من سورة ص.

(3)

الآية رقم 13 من سورة سبأ.

(4)

الآية رقم 17 من سورة الاعراف.

(5)

الآية رقم 103 من سورة يوسف.

(6)

الآية رقم 1، 2 من سورة المزمل.

(7)

مسلم الثبوت فى الموضع نفسه والاحكام للامدى ج 2 ص 433، 438 والمستصفى ج 2 ص 170، 173 الطبعات السابقة.

ص: 210

وعلى الصيغة، ولفظ الاستثناء والمستثنى حقيقة عرفية عند النحاة فى قسمى الاستثناء المتصل والمنقطع على سبيل الاشتراك اللفظى والمعنوى، أما صيغة الاستثناء (أدوات الاستثناء) فانها حقيقة فى المتصل مجاز فى المنقطع لانها موضوعة للاخراج ولا اخراج فى المنقطع وذلك على ما هو المختار وأن خالف البعض فى ذلك

(1)

وهذا يشير الى ما اختلف الاصوليون فى أنه حقيقة فى المتصل مجاز فى المنقطع أو حقيقة فيهما على سبيل الاشتراك - هو صيغة الاستثناء وأداته - وقد جاء فى مسلم الثبوت فى بيان الخلاف فى ذلك:

(أداة الاستثناء حقيقة فى المتصل اتفاقا ومجازا فى المنقطع فى المختار، وقيل حقيقة فيهما، ثم اختلفوا، فقيل مشترك لفظى فيهما وقيل متواطئ أى وصفت لمعنى واحد مشترك بينهما وصفا واحدا

(2)

.

وفى أصول الامام البزدوى وشرحها كشف الاسرار، وفى المستصفى للامام الغزالى أن الخلاف هو فى لفظ الاستثناء لا فى الصيغة، اذ قال البزدوى والاستثناء نوعان، وقال شارحه، أى ما يطلق عليه لفظ الاستثناء نوعان، متصل ومنقطع

(3)

وقال الغزالى بعد أن تكلم على الاستثناء المنقطع أى من غير الجنس، والعرب تسمى هذا، استثناء ولكن نقول، أنه استثناء اسم من غير الجنس، ثم قال: نعم اسم الاستثناء عليه مجاز أو حقيقة وهذا ظاهر فى أن موضوع الخلاف فى كونه حقيقة فى المنقطع أو مجازا هو اطلاق اسم الاستثناء أى فى اللفظ لا فى الصيغة وأشار البدخشى فى شرحه لمنهاج الوصول للامام البيضاوى الى أنه قد ذكر أن الخلاف فى الصيغة أو اللفظ، فقد جاء فيه تعليقا على قول المنهاج (والمنقطع مجاز) وظاهر كلام المحقق وكثير من المحققين أن الخلاف فى صيغ الاستثناء لا فى لفظه لظهور أنه (أى لفظ الاستثناء) فيهما مجاز لغوى حقيقة فى عرف النحو ..

وأما ما ذكره العلامة وغيره من أنه من ثنى عنان الفرس أى صرفه وانما يتحقق ذلك فى المتصل فهو صريح فى أن الخلاف فى لفظ الاستثناء .. وكذلك ما ذكره بعضهم من أن لفظ الاستثناء اذا أطلق فهم منه المتصل يدل على أن الخلاف أنما هو فى لفظ الاستثناء لا فى الصيغ

(4)

، ويظهر أن هذا الخلاف لا ثمرة له اذ لم يرتب أحد عليه شيئا والاصوليون جميعا متفقون على أن الاستثناء (الصيغة أو اللفظ) حقيقة فى المتصل، واختلفوا فى المنقطع - هل الاستثناء حقيقة فيه كما فى المتصل أو مجاز فذهب البعض الى أنه حقيقة فيه كما فى المتصل على سبيل الاشتراك اللفظى أو المعنوى على ما أشير اليه سابقا لان كلا منهما يسمى استثناء والاصل فى الاطلاق الحقيقة، وذهب الاكثرون الى أنه

(1)

التوضيح وحاشية التنقيح عليه ج 2 ص 300، 301 الطبعة السابقة.

(2)

مسلم الثبوت ج 1 ص 316 الطبعة السابقة.

(3)

المستصفى ج 3 ص 821 الطبعة السابقة.

(4)

شرح البدخشى على منهاج الوصول ج 2 ص 94 الطبعة السابقة.

ص: 211

مجاز فيه وليس بحقيقة لان الاستثناء مأخوذ من ثنيت عنان الفرس اذا عطفته وصرفته عن وجهته ولا عطف ولا صرف الا فى المتصل اذ الجملة الاولى كانت شاملة ومتناوله للمستثنى بالحكم الذى يثبته الكلام فجاء الاستثناء وصرف أول الكلام عن اثبات الحكم فى المستثنى وأخرجه منه أما فى المنقطع فالجملة الاولى باقية على حالها لم تتغير لان المستثنى لم يكن داخلا فى المستثنى منه على تقدير عدم الاستثناء .. ولان الفهم يسبق عند سماع اللفظ الى المتصل من غير توقف على قرينة، ويتوقف فى المنقطع على قرينة .. وهذا آية الحقيقة والمجاز.

والمتصل هو ما كان المستثنى فيه بعضا من المستثنى منه وداخلا تحت متناول لفظه وأريد بالاستثناء أخراجه ومنع اثبات حكم المستثنى منه فيه .. والمنقطع هو ما كان المستثنى فيه غير داخل فى المستثنى منه ولم يرد بالاستثناء أخراجه من الحكم وأنما أريد اثبات حكم آخر له - سواء كان من جنس المستثنى منه كقوله جاء القوم ألا زيدا وزيدا ليس من القوم أو كان من غير جنسه كقوله تعالى «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ» فأن ابليس استثنى من الملائكة، وهو ليس من جنسهم أذ هو من الجن كما قال تعالى فى آية أخرى {(إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)} وقد ذهب بعض الحنفية ومنهم القاضى الامام أبو زيد والامام فخر الاسلام الى أن الاستثناء فى قوله تعالى:{(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)} استثناء منقطع اذ هو استثناء من الجملة الاخيرة وهى قوله تعالى:

{(وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)} بناء على رأيهم فى الاستثناء الواقع بعد جمل متعاطفة بالواو من أنه يرجع الى الجملة الاخيرة والمستثنى فيه غير داخل فى المستثنى منه لأن التائب من قامت به التوبة وليس فيه وصف الفسق والفاسق من قام به وصف الفسق وليس فيه وصف التوبة، لئلا يكون التائب فاسقا، فلا يكون المستثنى هنا داخلا تحت صدر الكلام المستثنى منه ولا يكون متناولا له لولا الاستثناء، فيكون منقطعا - وبوجه آخر أن التائبين وأن كانوا داخلين فى قوله وأولئك هم الفاسقون على أساس أنه أشارة الى القاذفين الذين يرمون المحصنات والتائبون قد قذفوا ورموا المحصنات فهم داخلون فى المستثنى منه ولكن لم يقصد بالاستثناء اخراجهم كما هو الاصل فى الاستثناء الحقيقى المتصل، وانما قصد اثبات حكم آخر لهم وهو أن التائب لا يبقى فاسقا. وذهب أكثر الحنفية الى أن الاستثناء فى الآية متصل، اذ المعنى، وأولئك أى الذين يرمون المحصنات هم الفاسقون أى محكوم عليهم بالفسق ألا الذين تابوا من هؤلاء القاذفين الرامين للمحصنات فانهم غير محكوم عليهم بالفسق لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والفسق

ص: 212

هو المعصية والخروج عن طاعة الله تعالى.

‌الاستثناء معيار العموم

العام هو اللفظ الموضوع وضعا واحدا لكثير غير محصور المستغرق لجميع ما يصلح له، كلفظ من فى قول النبى صلى الله عليه وسلم (من ألقى سلاحه فهو آمن) فانه موضوع لافراد كثيرة غير محصورة، ويدل فى الحديث على استغراق كل فرد ألقى سلاحه من غير حصر فى فرد معين أو أفراد معينين وللعموم ألفاظ وصيغ تدل عليه وهى:

الفاظ الجموع:

الجمع المعرف بالالف واللام مثل قوله تعالى {(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ 1 ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)} وقوله تعالى {(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ 2 الْمُحْسِنِينَ)} وقوله تعالى {(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ 3 هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ)} والجمع المضاف مثل قوله تعالى {(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً 4 تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)} وقوله تعالى {(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ 5 لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)} والجمع المذكر فى رأى كثير من العلماء مثل قوله تعالى {(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا)} وفى رأى الاكثر منهم أنه لا يدل على العموم، وما فى الآية ليس استثناء، وأن ألا بمعنى غير ومن وأى، اذا كانتا شرطيتين أو استفهاميتين حيث تكونان نصا فى العموم وما، وأين للمكان ومتى للزمان، ومثل قوله تعالى {(مَنْ يَعْمَلْ 6 سُوءاً يُجْزَ بِهِ)} وقوله تعالى {(مَنْ ذَا الَّذِي 7 يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ)} وكل وجميع من ألفاظ التأكيد وهما نصان فى العموم مثل قوله تعالى {(وَخَلَقَ 8 كُلَّ شَيْءٍ)} وقوله تعالى {(خَلَقَ 9 لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)} والمفرد المعرف بالالف واللام مثل قوله تعالى {(الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا 10 كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)} وقوله تعالى {(وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ 11 فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)} والنكرة فى سياق النفى مثل (لا وصية لوارث الا أن يجيزها الورثة) ومثل (لا اله الا الله) والنكرة فى سياق الشرط مثل (اذا دخلت دارا فأنت طالق) فأن التعليق يمنعها من دخول أى دار كانت وهذا هو العموم فى جانب النفى، والنكرة الموصوفة بصفة عامة مثل قوله تعالى {(وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ 12)} فأنه بمثابة التعليل للنهى عن أنكاح المشركين وهو عام بمقتضى الجمع المحلى بأل، فتكون العلة عامة لتناسب عموم الخبر، وقد اختلف العلماء فى هذه الالفاظ والصيغ فقال الكثير ومنهم الامام الشافعى، أنها حقيقة فى العموم مجاز فى الخصوص، واختاره ابن الحاجب والامام

(1)

الاية رقم 228 من سورة البقرة.

(2)

الاية رقم 13 من سورة المائدة.

(3)

الاية رقم 1، 2 من سورة المؤمنين.

(4)

الاية رقم 103 من سورة التوبة.

(5)

الاية رقم 11 من سورة النساء.

(6)

الاية رقم 123 من سوره النساء.

(7)

الاية رقم 255 من سورة البقرة.

(8)

الاية رقم 2 من سورة الفرقان.

(9)

الاية رقم 29 من سورة البقرة.

(10)

الاية رقم 2 من سورة النور.

(11)

الاية رقم 38 من سورة المائدة.

(12)

الاية رقم 221 من سورة البقرة.

ص: 213

البيضاوى وذهب جماعة الى العكس وقال قوم أنها مشتركة بين الامرين، وتوقف بعض عن الحكم فى الامر بشئ واختاره الآمدى.

واستدل القائلون بالعموم بأدلة منها جواز الاستثناء من هذه الصيغ مثل قوله تعالى {(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ 1 عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ)} فقد استثنى من الجمع المضاف (عبادى) ومثل قوله تعالى {(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي 2 خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا)} لقد استثنى من اسم الجنس المفرد المحلى بالالف واللام ومثل قوله صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث ألا أن يجيزها الورثة كما جاء فى بعض الروايات فى الحديث، فقد استثنى من النكرة فى سياق النفى، ومثل كلمة التوحيد (لا اله الا الله) وهكذا بقية الصيغ التى ذكرت يجوز الاستثناء فيها، وقد ذكروا فى وجه الاستدلال بجواز الاستثناء على عموم هذه الصيغ أن الاستثناء معيار العموم وذلك لان حقيقة الاستثناء أخراج ما يجب اندراجه من الافراد تحت لفظ المستثنى منه لولاه أذ لو كان لفظ المستثنى منه غير صالح لاستغراق جميع الافراد من غير حصر، لما كان هناك داع الى اخراج بعض الافراد من الحكم بطريق الاستثناء لانه لم يكن حينئذ يقتضى ثبوت الحكم للجميع فاخراج بعض الأفراد بطريق الاستثناء دليل على أنه كان يشمل جميع الافراد ويقتضى ثبوت الحكم فى الكل لولاه، ومن ثم كان الاستثناء معيار العموم ودليلا عليه

(3)

.

‌الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات:

أورد بعض الاصوليين هذا الموضوع فى مسألة مستقلة بالعنوان المذكور وحكى الخلاف فيه بين الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة وبعض الحنفية من جانب وأكثر الحنفية من جانب آخر، أو بين الشافعية والحنفية بصفة عامة وأورد الأدلة والحجج والمناقشة والرد من الجانبين، كما فعل الآمدى فى الاحكام

(4)

.

وأورده البعض الآخر على أن الخلاف بين الشافعية والحنفية فى كيفية عمل الاستثناء وأن الشافعية يقولون أن الاستثناء يعمل بطريق المعارضة لانه يقتضى ثبوت حكم فى المستثنى يخالف حكم المستثنى منه، ويتعارض فى ذلك صدر الكلام وآخره بالنسبة لما تناوله المستثنى ويبقى الحكم فيما وراء ذلك .. وأن الحنفية يقولون أن الاستثناء يعمل بطريق التغيير وبيان عدم دخول المستثنى فى حكم

(1)

الآية رقم 42 من سورة الحجر.

(2)

الآية رقم 2 من سورة العصر.

(3)

البدخشى ج 2 ص 61، 71 الطبعة السابقة والمستصفى للغزالى ج 2 ص 35 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

الاحكام للامدى ج 2 ص 451، 452 الطبعة السابقة والبيضاوى فى المنهاج - البدخشى ج 1 ص 99، 100 الطبعة السابقة وصاحب مسلم الثبوت ج 1 ص 336 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 214

المستثنى منه، ولا يقتضى ثبوت حكم فى المستثنى لا ينفى ولا باثبات.

ثم أورد هؤلاء موضوع الاستثناء من الاثبات نفى وبالعكس كدليل من جانب الشافعية على أن الاستثناء يقتضى ثبوت حكم فى المستثنى مخالف لحكم المستثنى منه

(1)

.

واختلاف طريقة العرض لا يغير من حقيقة الامر شيئا، وبيان ذلك:

ذهب الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة وطائفة من الحنفية الى أن الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات فاذا قلت حضر القوم ألا زيدا، فان صدر الكلام يدل على ثبوت الحضور للقوم، والاستثناء يدل على نفى الحضور عن زيد، واذا قلت ما حضر من القوم الا زيد، فان صدر الكلام يدل على نفى الحضور عن القوم والاستثناء يدل على ثبوت الحضور لزيد وذهب أكثر الحنفية الى أن الاستثناء لا يقتضى ثبوت حكم فى المستثنى أصلا لا نفيا ولا اثباتا بل هو مسكوت عنه لانعدام الدليل الذى يدل على ثبوت حكم فيه كالغاية لا تقتضى نفى الحكم فيما وراءها، واذا انعدم الحكم السابق عليها فيما وراءها فيكون لانعدام الدليل المقتضى لثبوته فيه.

وقد ذكر البعض أن الحنفية لا يخالفون فى أن الاستثناء من الاثبات نفى، وأنما يخالفون فى أن الاستثناء من النفى اثبات فقط وهذا غير صحيح لانهم يخالفون فى الوجهين كليهما

(2)

.

احتج الجمهور بما يأتى: -

أولا: اجماع أهل اللغة على أن الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات وهذا اجماع منهم على أن موجب الاستثناء اثبات حكم فى المستثنى يخالف حكم المستثنى منه، وقد جرى علماء المعانى على هذا الاساس حين قرروا أن قول القائل ما زيد ألا قائما يصلح ردا على من زعم أنه ليس بقائم اذ لو لم يكن الكلام مثبتا لحكم فى المستثنى لما صلح ردا، والاتفاق على أنه لو قال: لفلان على عشرة دراهم ألا ثلاثة ألا درهمين، يلزمه تسعة دراهم لان الاستثناء الاول من الاثبات فيكون نفيا فيثبت بمقتضاه سبعة دراهم، والاستثناء الثانى من النفى فيكون اثباتا فيثبت بمقتضاه درهمان، فيكون مجموع الثابت تسعة دراهم، وقد ورد التصريح بالحكم المخالف فى الاستثناء فى قوله تعالى {(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ)} وقوله تعالى {(فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ)} وقوله

(1)

أصول البزدوى وكشف الاسرار عليها ج 3 ص 841 - 850 الطبعة السابقة والتوضيح على التنقيح لصدر الشريعة وحواشيه ج 2 ص 285 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

البدخشى على المنهاج ج 2 ص 99 وما بعدها الطبعة السابقة ومسلم الثبوت ج 1 ص 326 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 215

تعالى {(لَنُنَجِّيَنَّهُ 1 وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ)} .

ثانيا: اجماع المسلمين وأهل اللسان على أن كلمة (لا اله الا الله) كلمة توحيد وأن الناطق بها موحد مثبت للالوهية لله سبحانه وتعالى وناف لها عما سواه ولا تكون كلمة توحيد الا اذا كان فى المستثنى حكم مخالف، وذلك أنما يتم بنفى الالوهية عن غير الله وأثباتها لله، ولو كان نافيا للالوهية عن غير الله فقط وليس مثبتا لها بالنسبة لله لما كان ذلك توحيدا لعدم اشعار اللفظ باثبات الالوهية لله سبحانه وذلك خلاف الاجماع.

وناقش الحنفية هذه الادلة بأن النقل عن أهل اللغة محمول على العرف أذ جرى العرف بأن الاستثناء من الاثبات نفى وبالعكس والكلام فى الدلالة اللغوية لا العرفية، وما نسب الى علماء المعانى انما يصح لو كان مرادهم أنه يصلح جوابا بحسب اللغة والوضع وأما لو أرادوا انه يصلح جوابا لاجل دلالة اللفظ عليه مثل الدلالة على الكيفيات والمزايا كما هو رأيهم ووظيفتهم فلا يصلح دليلا - أما الاستثناء المكرر .. فان نتيجته لم تأت من دلالة الاستثناء على حكم مخالف كما تقولون، وانما جاءت من أن المستثنى من العشرة فى هذا الاقرار مقيد وكذا المستثنى من الثلاثة والحكم بعد الاخراج لوحظ فيه هذا التقييد فالمثال المذكور اقرار بعشرة منقوص منها ما عبر عنه بثلاثة منقوص منها اثنان، وهو الواحد فيبقى من العشرة بعد نقصان هذا الواحد تسعة فهو مقربه لانه به التكلم، وليس فى المستثنى حكم. والتصريح بالحكم المخالف دليل على عدم دلالة الاستثناء على حكم مخالف والا لما كانت هناك حاجة الى التصريح به أما كلمة التوحيد فان دلالتها على التوحيد انما جاءت من عرف الشارع لا من الوضع اللغوى، وهذا أمر خاص لا يلزم منه أن يكون كل استثناء من النفى اثبات.

واستدل الحنفية بما يأتى:

أولا: نقل عن أهل اللغة أن الاستثناء هو تكلم بالباقى بعد الثنيا فليس فيه تكلم بحكم آخر فى المستثنى لا نفيا ولا اثباتا، واذا كان الناس يفهمون من الاستثناء حكما مخالفا فى المستثنى فذلك بطريق الاشارة والضرورة لا بطريق القصد والتناول، فكانت حقيقة الاستثناء ووضعه لغة أخراجا وتكلما بالباقى بعد الثنيا، والاثبات والنفى جاء بالاشارة ضرورة مخالفة حكم المستثنى لحكم المستثنى منه.

وثانيا: لو كان الاستثناء من النفى اثباتا لكان قول النبى صلى الله عليه وسلم:

(لا صلاة الا بطهور) وقوله (لا نكاح الا بولى) مقتضيا صحة الصلاة والنكاح وتحققهما بمجرد وجود الطهارة ووجود الولى، وذلك باطل باتفاق لان للصلاة وللنكاح شروطا أخرى لا تصح بدون توفرها

(1)

الاية رقم 32 من سورة العنكبوت.

ص: 216

وتحققها جميعا ولما كان الامر كذلك علم أن المراد بالاستثناء اخراج المستثنى عن دخوله فى حكم المستثنى منه وأنه غير متعرض لنفيه ولا اثباته ونوقش هذا الدليل بأن الاستثناء هنا استثناء من غير الجنس وهو باطل عند المخالفين كما تقدم، والمقصود من النص فيما ذكر بيان اشتراط الطهارة فى الصلاة والولى فى النكاح. والشرط وان لزم من فواته فوات المشروط، الا أنه لا يلزم من وجوده وجود المشروط، لجواز انتفاء المقتضى أو فوات شرط آخر أو وجود مانع .. ونوقش غيره من باقى الادلة.

ونوقش الدليل السابق بأن هذا تسليم بدلالة الاستثناء على حكم مخالف وكونه بطريق الاشارة لا بطريق القصد تنفيه الادلة السابقة.

‌الاستثناء بعد جمل متعاطفة

اذا ورد الاستثناء بعد جمل معطوف بعضها على بعض بالواو ونحوها من الفاء وثم كما ورد فى مسلم الثبوت نقلا عن التحرير فلا خلاف بين العلماء فى جواز رجوعه الى جميع الجمل المتعاطفة، والى الاخيرة منها فقط، والى ما عدا الاخيرة والى ما عدا الاولى حسبما يدل عليه الدليل وليعنيه معنى الكلام.

كما فى قوله تعالى {(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .. )} اتفق العلماء على أن الاستثناء فى قوله (الا الذين تابوا لا يرجع الى الجملة الاولى - فاجلدوهم ثمانين جلدة - اذ التوبة لا تمنع من الجلد واقامة الحد، واتفقوا على رجوعه الى الجملة الاخيرة - وأولئك هم الفاسقون - لانه بالتوبة يزول العتق وينتهى حكمه - واختلفوا فى رجوعه الى الجملة الثانية - ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا - وترتب على ذلك اختلافهم فى قبول شهادة المحدود فى قذف اذا تاب - على ما سيأتى بيانه.

وكما فى قوله تعالى {(وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً 1 فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا)} اتفقوا على رجوع الاستثناء فى قوله - الا أن يصدقوا - الى الجملة الاخيرة فقط وهى - ودية مسلمة الى أهله - لان الدية حق الاولياء فتسقط باسقاطهم بالتصدق أما تحرير الرقبة فليس حقهم بل هو حق الله تعالى فلا يعمل فيه التصدق ولا يسقط باسقاطهم وانما اختلف العلماء فى الظاهر عند الاطلاق وعدم وجود دليل أو قرينة تعين رجوعه الى بعض الجمل أو كلها - فذهب الشافعية الى أن الظاهر حينئذ رجوعه الى جميع الجمل وذهب الحنفية الى أن الظاهر رجوعه الى الجملة الاخيرة فقط، وذهب القاضى أبو بكر الباقلانى والامام حجة الاسلام الغزالى وبعض الشافعية الى الوقف لعدم العلم بأنه حقيقة فى الاخيرة فقط أو فى الكل، وذهب المرتضى من الشيعة الى القول

(1)

الاية رقم 92 من سورة النساء.

ص: 217

بالاشتراك أى أنه مشترك بينهما فيتوقف الى ظهور القرنية المعينة لهذا أو ذاك، ويقول الحنفية أن القائلين بالوقف والاشتراك يوافقونهم فى أن الاستثناء راجع الى الجملة الاخيرة والتوقف انما هو فى شموله لما عداها من الجمل ولكن لعدم الدليل على الشمول عندهم وللدليل على عدم الشمول عند الحنفية.

ولكن جاء فى المستصفى للغزالى - وهو من القائلين بالوقف .. وأن لم يكن بد من رفع التوقف فمذهب المعممين أولى لان الواو ظاهرة فى العطف، وذلك يوجب نوعا من الاتحاد بين المعطوف والمعطوف عليه، ولكن الواو محتملة أيضا للابتداء كقوله تعالى {(لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ 1 ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى)} وقوله {(فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ 2 عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ)} وذهب القاضى عبد الجبار وأبو الحسين المعتزلى وبعض المعتزلة الى التفصيل فقالوا: ان ظهر استقلال الجملة الثانية عن الاولى بأن كان الشروع فى الجملة الثانية اضرابا عن الاولى ولا يضمر فيها شئ مما فى الاولى فالاستثناء مختص بالجملة الاخيرة لان الظاهر أنه لم ينتقل عن الجملة الاولى مع استقلالها بنفسها الى غيرها الا وقد تم مقصوده منها. وذلك على أربعة أقسام:

القسم الأول: أن تختلف الجملتان نوعا كما لو قال: أكرم بنى تميم، والنحاة البصريون ألا البغاددة، اذ الجملة الاولى أمر والثانية خبر.

القسم الثانى: أن تتحد الجملتان نوعا وتختلفا اسما وحكما كما لو قال (أكرم بنى تميم وأضرب ربيعة ألا الطوال) اذ هما أمران ولكن الاسم مختلف بنى تميم وربيعة وكذا الحكم الاكرام والضرب.

القسم الثالث: ان تتحدا نوعا وتشتركا حكما لا اسما كما لو قال - سلم على بنى تميم، وسلم على بنى ربيعة الا الطوال.

القسم الرابع: أن تتحدا نوعا وتشتركا اسما لا حكما كما لو قال (سلم على بنى تميم واستأجر بنى تميم الا الطوال) ففى كل هذه الاقسام يختص الاستثناء بالجملة الاخيرة، وهى فى قوة اقتضائها هذا الاختصاص على الترتيب المذكور، عدا الرابع فانه مع الثالث فى مرتبة واحدة أما اذا لم يظهر استقلال الجملة الثانية عن الاولى بأن لم تكن اضرابا عنها بل لها بها نوع تعلق فان الاستثناء يرجع الى الكل، وذلك أيضا على أربعة أقسام:

القسم الاول: أن تتحد الجملتان نوعا واسما لا حكما ولكن الحكمين قد اشتركا فى غرض واحد، كما لو قال:(أكرم بنى تميم وسلم على بنى تميم ألا الطوال) فان الحكمين الاكرام والتسليم وان اختلفا الا انهما يشتركان فى غرض واحد وهو الاعظام.

(1)

الاية رقم 5 من سورة الحج.

(2)

الاية رقم 24 من سورة الشورى.

ص: 218

القسم الثانى: أن تتحد الجملتان نوعا وتختلفا حكما، واسم الاول مضمر فى الثانية كما لو قال:(أكرم بنى تميم واستأجرهم وربيعة ألا الطوال).

القسم الثالث: أن تتحد الجملتان نوعا وتختلفا اسما - وحكم الاولى مقدر فى الثانية والغرض مشترك كما لو قال: (أكرم بنى تميم وربيعة ألا الطوال).

القسم الرابع: أن يختلف نوع الجمل المتعاقبة الا أنه قد أضمر فى الاخيرة ما تقدم أو كان غرض الاحكام المختلفة فيها واحدا كما فى قوله تعالى: {(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا .. )} فان الجملة الاولى - فاجلدوهم ثمانين جلدة - أمر، والثانية - ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا - نهى - والثالثة - وأولئك هم الفاسقون - خبر غير أن هذه الآية داخلة تحت القسم الاول من هذه الاقسام التى لم يظهر فيها استقلال الجملة الثانية عن الاولى، لاشتراك الاحكام فى الجمل الثلاثة، فى غرض الانتقام والاهانة - وداخله أيضا تحت القسم الثانى منها لاضمار الاسم المتقدم فيها كلها.

وهذا الرأى يوافق رأى الشافعية اذ مآله رجوع الاستثناء الى الجميع ألا لمانع وهذا ما يقوله الشافعية والفرق بينهما أن هؤلاء يقصرون المانع على ما ذكروه والشافعية يطلقون المانع ليشمل غير ما ذكر - فالخلاف بين القولين فى تعيين الموانع واختار الامدى فى الاحكام أنه متى ظهر أن الواو للابتداء فالاستثناء يكون مختصا بالجملة الاخيرة كما فى القسم الاول من الاقسام الاولى لعدم تعلق أحدى الجملتين بالاخرى وهو ظاهر وحيث أمكن أن تكون الواو للعطف كما فى باقى الاقسام السبعة فالواجب الوقف حتى تظهر القرينة أو الدليل المعين ..

احتج الشافعية والقائلون برجوع الاستثناء الى الجميع بما يأتى:

أولا: أن الكل متفقون على أنه لو قال:

(والله لا أكلت الطعام ولا دخلت الدار، ولا كلمت زيدا أن شاء الله). فأن الاستثناء فى قوله (أن شاء الله) يعود الى الجميع. فكذا فى قوله: أكرم بنى تميم وأهن بنى ربيعة ألا الطوال.

يجب أن يعود الى الجميع.

ثانيا: أن الاستثناء صالح أن يعود الى كل واحدة من الجمل وليس البعض أولى من البعض فوجب العود الى الجميع كالعام.

وثالثا: أنه لو قال: على خمسة وخمسة ألا ستة فأنه يصح ولو كان مختصا بالاخيرة لما صح لكونه مستغرقا لها.

ص: 219

واحتج - الحنفية بما يأتى:

أولا: أن الاستثناء اذا تكرر كان الاستثناء الثانى عائدا الى الجملة الاستثنائية لا الى الجملة الاولى فدل على اختصاص الاستثناء بالجملة الاخيرة دون المتقدمة، وذلك كما لو قال: له على عشرة ألا أربعة ألا اثنين) فأن الاستثناء الثانى يختص بالاربعة دون العشرة.

ثانيا: أن الاستثناء دعت اليه الحاجة وهو لا يستقل بنفسه فاقتضت الضرورة والحاجة أن يعود الى غيره - وهذه الضرورة تندفع بعوده الى ما يليه فلا حاجة لعوده الى غير الذى يليه، وانما رجح الذى يليه على غيره لانه أقرب اليه من غيره كالضمير بعد متعدد يعود الى أقرب مذكور.

ثالثا: أن شرط صحة الاستثناء أن يكون متصلا بالمستثنى منه، والجملة الاخيرة فاصلة بينه وبين ما سبقها من الجمل فلا يصح رجوعه اليها.

رابعا: أن حكم الجملة الاولى ظاهر فى الثبوت عموما، ورفعه عن البعض بالاستثناء مشكوك فيه، اذ يحتمل الاختصاص بالجملة الاخيرة فلا يرفع من حكم الاولى شيئا ويحتمل عوده للكل فيرفع من حكمها بمقداره، فكان الرفع مشكوكا فيه، فلا يعارض الظاهر وهو ثبوت حكم الاولى عموما ولا يرجع اليها.

واحتج القائلون بالاشتراك بما يأتى:

أولا: أنه يحسن الاستفهام من المتكلم بالاستثناء عقب الجمل المتعاطفة عن أرادته عوده للكل أو للاخيرة، ولو كان حقيقة فى أحد هذه المحامل دون غيره لما حسن الاستفهام.

ثانيا: أنه يصح اطلاق الاستثناء موضوع الكلام وأرادة عوده الى الجملة الاخيرة والى الجمل كلها والى بعضها دون البعض باجماع أهل اللغة والاصل فى الاطلاق الحقيقة والمعانى مختلفة فكان مشتركا لفظيا.

واحتج القائلون بالوقف بأنه اذا بطل التعميم والتخصيص لان كلا منهما تحكم ورأينا العرب تستعمل كلا منهما - ولا يمكن الحكم بأن أحدهما حقيقة والاخر مجاز - وجب التوقف حتما ألا أن يثبت نقل متواتر من أهل اللغة أنه حقيقة فى أحدهما مجاز فى الاخر.

وقد ورد فى القرآن رجوع الاستثناء الى الكل والى الجملة الاخيرة والى بعض الجمل السابقة دون بعض - كقوله تعالى: {(فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ 1 مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ .. )} فأن قوله - فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام - راجع الى

(1)

الاية رقم 89 من سورة المائدة.

ص: 220

الخصال الثلاثة، وكقوله تعالى «وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ 1 مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً)} فأن الاستثناء يبعد رجوعه الى ما يليه اذ يؤدى الى أن لا يتبع الشيطان بعض من لم يشمله فضل الله ورحمته، ومن ثم قيل أنه راجع الى قوله - لعلمه الذين يستنبطونه منهم - ألا قليلا منهم لا يعلمونه لتقصير وأهمال وغلط أو الى قوله - اذاعوا به - وكقوله تعالى {(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا)} فأن الاستثناء فيه راجع الى الجملة الاخيرة على ما أشير اليه سابقا وكما فى آية القذف - فأن الاستثناء فيها راجع الى الجملة الاخيرة باتفاق وغير راجع الى الجملة الاولى باتفاق، ومختلف فى رجوعه الى الجملة الثانية على ما سبق أيضا وقد انبنى على اختلاف الائمة فى مرجع الاستثناء فى آية القذف اختلافهم فى قبول شهادة المحدود فى القذف اذا تاب وعمل عملا صالحا - فلما قال الحنفية أن الاستثناء مختص بالجملة الاخيرة وهى قوله تعالى - {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ -} ولا يرجع الى قوله تعالى - {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً} - قالوا لا تقبل شهادة المحدود فى قذف ولو تاب وعمل صالحا، لعموم هذا النص وعدم خروج من تاب وعمل صالحا من حكمه وهو النهى عن قبول شهادته بالاستثناء .. ولما قال الشافعية وكذا المالكية والحنابلة: أن الاصل فى الاستثناء المتعقب جملا متعاطفة أن يرجع الى جميع الجمل - قالوا أنه يرجع فى هذه الآية الى الجملة الثانية - ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا - ويخرج من حكمها وهو عدم قبول شهادة التائب المصلح - فتقبل شهادته كما يرجع الى الاخيرة وأخرج من حكمها وهو الفسق هذا التائب، ولولا أن الدليل منع من رجوعه الى الجملة الاولى لرجع اليها وأخرج التائب المصلح من حكمها وهو وجوب الجلد، وهذا الدليل هو أن الجلد حق الادمى وهو المقذوف فلا يسقط بالتوبة. ومن ثم قالوا أن شهادة المحدود فى قذف تقبل اذا تاب وأصلح.

ويقول الحنفية أن الدليل الذى منع من رجوع الاستثناء الى الجملة الاولى هو الذى يمنع من رجوعه الى الجملة الثانية، اذ أهدار شهادة المحدود فى القذف تعتبر من تتمة الحد الواجب ايقاعه عليه وهو مناسب لاعتباره من الحد لان الحد شرع للزجر، وهذا أشد فى الزجر من الجلد عند أصحاب المروءة، وجريمة القذف تحصل باللسان فكان من المناسب أن يهدر كلام هذا اللسان فى الشهادة كالسرقة لما كانت

(1)

الآية رقم 83 من سورة النساء.

ص: 221

باليد جعل حدها قطع تلك اليد

(1)

.

‌تعدد الاستثناء

اذا ورد الاستثناء على الاستثناء وتعددت الاستثناءات فأن تعاطفت أى عطف بعضها على بعض عادت كلها الى المستثنى منه الاصلى وأخرجت من حكمه أى جمعت كلها مع بعضها وأخرج المجموع من المستثنى منه، نحو له على عشرة دراهم الا ثلاثة وألا اثنين، يلزمه خمسة وهى الباقى المقربه بعد استثناء الثلاثة والاثنين من العشرة وذلك لوجوب تساوى المعطوف والمعطوف عليه فى الحكم.

وكذلك اذا كان الاستثناء الثانى مستغرقا للاول بدون عطف سواء كان الثانى مساويا للاول نحو (له على عشرة دراهم ألا اثنين ألا اثنين). أو أزيد منه نحو (له على عشرة دراهم ألا اثنين ألا ثلاثة) فأن الاستثناءات كلها ترجع الى المستثنى منه الاصلى وتخرج من حكمه كما فى حالة تعاطفها - فيلزمه فى المثال الاول ستة دراهم، وفى المثال الثانى خمسة، الباقى فى كل منهما بعد طرح مجموع الاستثناءات من المستثنى منه، وان لم تكن الاستثناءات متعاطفة ولم يكن الثانى مستغرقا لما قبله فان الاستثناءات ترتبط ببعضها ويعود الاخير الى سابقه وهكذا وحينئذ يجب أن يراعى ما جرى عليه الشافعية وجمهور العلماء من أن الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات فيطرح النافى ويحتفظ بالمثبت كله أو بعضه على حسب نتيجة الاستثناء والباقى أخيرا هو المقربه فلو قال:

(له على عشرة دراهم ألا ثمانية ألا سبعة ألا ستة - فالثمانية استثناء من الاثبات وهو على عشرة - فتكون نفيا فلا يلزمه من العشرة ألا اثنان الباقى بعد الثمانية المنفية - وقوله ألا سبعة - استثناء من النفى وهو ألا ثمانية - فتكون اثباتا فتلزمه السبعة مع الاثنين الباقية من العشرة فتكون تسعة - وقوله ألا ستة استثناء من الاثبات فتكون نفيا لالتزامه بها ويطرح هذا النفى من مجموع ما لزمه فيما سبق وهو تسعة يكون الباقى ثلاثة وهو ما يلزمه بمقتضى هذا الاقرار.

وهذه هى طريقة الشافعية فى تعدد الاستثناءات وبيان ما يلزم فيه.

أما الحنفية فأنهم يتفقون مع الشافعية فى حالة تعاطف الاستثناءات المتعددة اذ يقولون برجوعها كلها الى المستثنى منه

(1)

مسلم الثبوت ج 1 ص 332، 339 الطبعة السابقة والتوضيح وحواشيه ج 2 ص 303، 304 الطبعة السابقة والمستصفى ج 2 ص 174، 180 الطبعة السابقة والاحكام للامدى ج 2 ص 438، 451 الطبعة السابقة.

ص: 222

الاصلى بشرط ألا يستغرق مجموعها المستثنى منه الاصلى، وألا بطل الاستثناء للاستغراق، ولو قيل يبطل منه ما أدى الى الاستغراق فقط ويبقى ما قبله لكان له وجه كما قال البعض لان كلام العاقل يصان عن اللغو والعبث بقدر الامكان، والذى جعله لغوا وعبثا هو ما أدى الى الاستغراق فيقتصر عليه، فلو قال: له على عشرة ألا خمسة وألا ثلاثة وألا اثنين، بطل الاخير والاول أصح لانه كلام واحد لا يتجزأ.

وفى الاستثناء المستغرق: اذا كان الثانى هو المستغرق نحو - له على عشرة ألا خمسة الا عشرة يبطل الثانى للاستغراق ويصح الاول فيلزم فى هذا المثال خمسة .. واذا كان الاول هو المستغرق نحو له على عشرة ألا عشرة ألا خمسة ففيه ثلاثة أراء:

الاول: أنه يبطل الاستثناءان جميعا، الاول لانه مستغرق والثانى لانه استثناء من باطل ويلزمه عشرة والثانى - أنه يصح الاستثناءان ويلزمه خمسة باستثناء الثانى من الاول والباقى من المستثنى منه الاصلى لان الكلام انما يتم بآخره، وبهذا الاخر ظهر أن الاستثناء الاول غير مستغرق - وقد قالوا أن هذا أقيس، والثالث - أنه يبطل الاستثناء الاول للاستغراق، ويصح الثانى ويجع الى المستثنى منه الاصلى وقد قالوا أن هذا ضعيف ولم يذكروا وجهه.

وظاهر من كلام الحنفية فى هذا الاستثناء المستغرق أنهم ينظرون فى اعتبار الاستثناء مستغرقا الى المستثنى منه الاصلى بينما ينظر الشافعية الى استغراق الاستثناء الاخير لما قبله.

أما فى حالة تعدد الاستثناءات بدون عطف ولا استغراق نحو - له على عشرة دراهم ألا خمسة ألا أربعة ألا ثلاثة ألا اثنين ألا واحد - فالاصل فيه عندهم أن يصرف كل استثناء الى ما سبقه ويرجع اليه لانه أقرب مذكور اليه ويبدأ بالمستثنى الاخير فيخرج مما قبله مباشرة والباقى يخرج مما قبله وهكذا الى أن تصل الى الاستثناء الاول فيخرج ما بقى منه عن المستثنى منه الاصلى وما بقى يكون هو القدر المقر به والذى يلزم المقر .. ففى المثال المذكور نطرح المستثنى الاخير وهو واحد مما قبله وهو الاثنان يبقى واحد نطرحه من الثلاثة يبقى اثنان نطرحهما من الاربعة يبقى اثنان نطرحهما من الخمسة تبقى ثلاثة نطرحهما من العشرة المستثنى منه الاصلى تبقى سبعة وهو المقدار المقر به والذى يلزم المقر .. وهكذا فى كل الامثلة التى يتعدد فيها الاستثناء بدون عطف ولا استغراق وهناك طريقة أخرى وهى أن تجمع الاعداد التى مراتبها فردية أى الاول والثالث والخامس وهكذا على حدة، ونجمع الاعداد التى مراتبها زوجية

ص: 223

أى الثانى والرابع والسادس وهكذا، ثم نطرح مجموع الثانية من مجموع الاولى والفرق بينهما هو المقدار المقر به، والنتيجة واحدة فى الطريقتين، ففى المثال المذكور يقال (10 + 4 + 2) - (5 + 3 + 1) -16 - 9 - 7 وهو المقدار المقر به. وهو نفس ما أنتجته الطريقة الاولى

(1)

.

‌أحكام الاستثناء فى الفقه

‌الاستثناء فى الاقرار

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية - كما سبق أن ذكرنا - أن الاستثناء تكلم بالباقى بعد الثنيا وأن قول الشخص:

لفلان على عشرة دراهم الا ثلاثة يعتبر أقرارا بالباقى بعد المستثنى فكأنه قال - لفلان على سبعة دراهم - فالاستثناء قرينة على أن صدر الكلام المستثنى منه لم يتناول المستثنى فى حق الحكم - فيكون المتكلم مقرا من أول الامر بالباقى وهو سبعة فى المثال المذكور، وليس مقرا أولا بعشرة دراهم ثم أخرج منها ثلاثة بالاستثناء وألا لكان رجوعا عن الاقرار فى القدر المستثنى والرجوع عن الاقرار فى حق العباد غير مقبول ولا جائز شرعا.

‌شروط صحة الاستثناء:

يشترط لصحة الاستثناء شروط هى:

1 -

أن يكون متصلا بالمستثنى منه بحسب العرف أى لا يفصل بينهما فاصل أجنبى أو انقطاع ألا لضرورة، وألا بطل الاستثناء ولزم المقر ما اقتضاه الكلام قبله، فلو قال: لفلان على مائة جنيه وسكت مدة من غير ضرورة ثم قال ألا خمسين، فان هذا الاستثناء يكون باطلا وتلزمه المائة كلها لان تمام الكلام بآخره فاذا انقطع فقد تم ولا يعتبر الاستثناء بعد ذلك .. ولا يضر انقطاع الكلام لضرورة كالتنفس والسعال وأخذ الفم - كما لا يضر بالنداء نحو أن يقول: لك عندى ألف درهم يا فلان، الا مائة لان النداء تنبيه المنادى لما يلقى من الكلام فلا يعتبر أجنبيا عن الكلام ويستوى أن يكون المنادى مفردا أو مضافا وأن يكون المنادى هو المقر له أو غيره

ومن قبيل الفصل بكلام أجنبى الفصل بتهليل أو تكبير أو تسبيح أو اشهاد، نحو: لفلان على مائة.

درهم فاشهدوا - ألا عشرين، فاذا فصل بشئ من ذلك لم يصح الاستثناء.

2 -

أن لا يكون المستثنى مستغرقا للمستثنى منه بلفظه نحو أن يقول:

لفلان على عشرة دراهم ألا عشرة أو بما يساويه نحو أن يقول: لفلان على عشرة دراهم ألا خمسة وخمسة، أو يقول:

عبيدى أحرار ألا مماليكى فأن خمسة وخمسة تساوى عشرة - ومماليكى تساوى عبيدى - ففى جميع ذلك لا يصح الاستثناء وتجب العشرة كلها ويعتق العبيد

(1)

المنهاج للقاضى البيضاوى وشرح البدخشى والاسنوى عليه ج 2 ص 101، ص 104 الطبعة السابقة.

ص: 224

جميعهم .. فلو كان الاستغراق آتيا من الخارج لا من اللفظ بأن كان لفظ المستثنى منه صالحا الدلالة لغة على أكثر من المستثنى ولكن لا يوجد من مدلوله فى الخارج والواقع ألا بقدر المستثنى صح الاستثناء وبطل الاقرار، وذلك نحو أن يقول: زوجاتى طوالق الا هؤلاء وأشار الى جميع زوجاته، أو الا هندا وسلمى وأم كلثوم، وهن فى الواقع كل زوجاته، أو يقول: لفلان ثلث مالى الا ألفا وهو فى الواقع لا يملك الا ثلاثة آلاف وثلث ماله هو ألف - فان الاستثناء يصح فى جميع هذه الصور ويبطل الكلام ولا تطلق زوجاته ولا يجب عليه شئ للمقر له بثلث المال، لان الشرط فى صحة الاستثناء عدم الاستغراق بحسب الظاهر لا بحسب الحقيقة، وهذا يتحقق اذا كان الاستغراق آتيا من الخارج لا من اللفظ.

3 -

أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه نحو أن يقول: لفلان على عشرة جنيهات ألا أربعة فأن هذا الاستثناء يصح وتجب ستة جنيهات فاذا لم يكن من جنسه كما فى استثناء الثياب والغنم والدواب من الدراهم والدنانير أو من المكيل والموزون والعددى نحو أن يقول: له على مائة دينار ألا ثوبا أو ألا شاة، فأنه لا يصح ويبطل الاستثناء ويجب المقر به كله لانه لا مناسبة بين الثياب والدواب وبين الدراهم والدنانير أو المكيل والموزون مثلا فى وصف أو فى معنى جامع بينهما، وهذا بالاتفاق بين فقهاء الحنفية واختلفوا فى استثناء الدراهم والدنانير والمقدرات التى لها تقدير فى العرف أو الشرع كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة - بعضها من بعض ولكن من خلاف الجنس نحو أن يقول:

لفلان على ألف درهم الا دينارا، أو الا أردب قمح أو ألا رطل زيت أو الا مائة جوزة .. فقال الشيخان أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى، أن هذا الاستثناء صحيح وهو الاستحسان لان المقدرات كلها تعتبر من جنس واحد فى المعنى اذ يحميها أولا الصلاحية للثمنية حتى لو اشترى شخص دارا بكذا أردبا من القمح موصوفة أو بكذا قنطارا من السمن أو بكذا عددا من الجوز - جاز البيع ويتعين ما ذكر فى مقابلة المبيع ثمنا له كالدراهم والدنانير على السواء ..

ويحميها ثانيا الثبوت دينا فى الذمة بمقابلة ما هو مال فى المعادلات المالية، وما ليس بمال بأن تكون مهرا فى النكاح وبدلا فى الخلع حالة ومؤجلة.

ويجوز استقراضها. فصار الجنس واحدا من حيث الثبوت فى الذمة دينا صحيحا .. ولكن الصورة مختلفة فلا يمكن أن يجعل الاستثناء تكلما بالباقى ألا باعتبار قيمة المستثنى فنطرح قيمة المستثنى من المستثنى منه وما بقى يكون هو الواجب الذى يلزم المقر، فان استغرق قيمة المستثنى كل المستثنى منه بطل الاستثناء للاستغراق ووجب المقر به كله وقال محمد

ص: 225

وزفر رحمهما الله تعالى أن هذا الاستثناء لا يصح وتجب الالف كلها فى المثال المذكور، وهذا هو القياس لان الاستثناء عندنا تكلم بالباقى ولا يتأتى ذلك الا فيما يكون المستثنى فيه داخلا تحت المستثنى منه ومن متناولاته والمستثنى هنا غير داخل لاختلاف الجنس، ومن ثم يجعل الاستثناء فيه منقطعا وتكون الا بمعنى لكن، وكأنه قال فى المثال المذكور: لفلان على ألف درهم، لكن الدينار أو أردب القمح ليس على، ونفى وجوبه لا يؤثر فى وجوب الالف درهم كلها كما فى استثناء الثوب.

والشاة من الالف درهم، ومن ثم تجب الالف درهم كلها.

ويتصل بما ذكر ما اذا أقر الشخص بمالين واستثنى بعدهما شيئا ولم يبين أن المستثنى من أيهما - وقد ذكروا فى حكم هذه المسألة أنه ان كان المقر له بالمالين واحدا نحو أن يقول: لفلان على ألف درهم ومائة دينار وألا درهما صرف الاستثناء الى الثانى وان لم يكن من جنسه فى القياس لانه متصل به وقد فصل بينه وبين الاول ذكر الثانى.

وفى الاستحسان أنه يصرف الى جنسه الاول أو الثانى، ففى المثال المذكور يصرف الاستثناء الى الدراهم فى الاستحسان لانه من جنسها والفاصل من تتمة الكلام فلا يؤثر وعلى ذلك فيجب على المقر مائة دينار كاملة وتسعمائة وتسعة وتسعون درهما، وفى القياس يصرف الاستثناء الى الثانى أى الدنانير لاتصاله به، والجنس غير مختلف فى الدراهم والدنانير بل والمقدرات الخاصة على ما سبقت الاشارة اليه فتطرح قيمة الدرهم المستثنى من الدنانير ويجب عليه حينئذ ألف درهم ومائة دينار الا قيمة درهم وان كان المقر له بالمالين متعددا نحو أن يقول:

لفلان على ألف درهم ولفلان آخر على مائة دينار الا درهما صرف الاستثناء الى الثانى مطلقا سواء كان المستثنى من جنس المال الاول أو الثانى .. وهذا كله عند الشيخين أبى حنيفة وأبى يوسف، وقال محمد ان كان المالان لرجل واحد صرف الاستثناء الى جنسه الاول أو الثانى لان الاستثناء من غير الجنس غير صحيح عنده، وأن كان المالان لرجلين لم يصح الاستثناء أصلا لوقوع الشك فى أصل الاستثناء بالنسبة لكل منهما على التعيين.

4 -

أن يكون المستثنى منه دالا على المستثنى قصدا بحسب لفظه لا تبعا وتضمنا، فلو كان دالا عليه تبعا لم يصح استثناؤه حينئذ، ويترتب على ذلك ما يأتى:

(أ) اذا أقر لشخص ببيت أو دار واستثنى منهما البناء لم يصح الاستثناء ويجب للمقر له الارض والبناء معا لان كلا من البيت والدار لا يشمل البناء بحسب اللفظ ولكن البناء تابع

ص: 226

لما ذكر فأشبه الوصف بل هو يقع موقع الوصف فعلا اذ يقال: بيت مبنى ودار مبنية .. واستثناء الوصف لا يجوز لانه يدخل تبعا لا قصدا.

(ب) اذا أقر لآخر بدار واستثنى منها بيتا صح الاستثناء لان الدار تشمل البيت بحسب اللفظ ويدخل فيها قصدا لانه جزء منها.

(ج) اذا أقر له بأرض ألا بناءها لم يصح الاستثناء ويجب للمقر له الارض والبناء معا لأن البناء تابع للعرصة أى الارض والوجه فى ذلك كله أن الدار والبيت والارض اسم لما وضع عليه البناء وليس اسما للارض والبناء معا، ولكن البناء يدخل تبعا فى بيع الدار والبيت والاقرار بهما، حتى أنه لو استحق البناء قبل القبض فى بيع الدار والبيت لا يسقط شئ من الثمن بمقابلته بل يتخير المشترى فى أخذ الارض بكل الثمن أو ترك البيع، والفص فى الخاتم والنخلة فى البستان نظير البناء فى الدار تدخل تبعا ومن ثم لا يصح استثناؤهما ألا أن يستثنى النخلة بأصولها لأن أصولها تدخل فى الاقرار قصدا لا تبعا فيصح الاستثناء حينئذ.

وهذا بخلاف ما اذا قال: هذه الدار لفلان ألا ثلثها أو ألا البيت الفلانى منها فأنه لى، فأن الاستثناء فيه صحيح ويكون للمقر له من الدار ما عدا الثلث وما عدا البيت المستثنى، لان المستثنى فى ذلك داخل فى المستثنى منه قصدا لا تبعا اذ هو بعضه وجزء منه حتى لو استحق ثلث الدار أو بيت منها فى بيع الدار سقطت حصته من الثمن وكان المشترى مخيرا بين اخذ الباقى بمقابله من الثمن وبين الرد سواء كان الاستحقاق قبل القبض أو بعده كما هو مبسوط فى أحكام البيع من كتاب البيع فى ابن عابدين.

وأما العرصة فهى اسم للارض خالية من البناء فلا يدخل فيها البناء لا أصلا ولا تبعا ومن ثم لا يصح استثناؤه منها كما أنه غير تابع لها فى الاقرار بها أو فى بيعها حتى لو قال: بناء هذه الدار لى وعرصتها لك كان كما قال لان العرصة هى البقعة لا البناء فقصر الحكم عليها يمنع دخول الوصف وهو البناء تبعا ولكن لو قال: بناؤها لى وأرضها لك كان البناء للمقر له أيضا لدخوله تبعا للارض فى الاقرار، وقد قيل ان هذه التفرقة بين الارض والعرصة لا تتمشى مع العرف اذ العرف لا يفرق بينهما، وكذلك العرف يقضى بأن البيت يطلق على مجموع الارض والبناء صغيرا كان أو كبيرا وهو عرف عام ولو أخذ به لتغير الحكم.

جاء فى الهداية وتكملة الفتح من باب الاقرار: من أقر بدار واستثنى بناءها لنفسه بأن قال: هذه الدار لفلان ألا بناءها فأنه لى لم يصح الاستثناء وكان للمقر له الارض والبناء لأن البناء داخل تبعا لانه وصف فى الدار أذ يقال: دار

ص: 227

مبنية والوصف يدخل تبعا لا قصدا، ولهذا لو استحق البناء قبل القبض فى بيع الدار لا يسقط شئ من الثمن بمقابلته بل يتخير المشترى، والفص فى الخاتم والنخلة فى البستان نظير البناء فى الدار .. وهذا بخلاف ما اذا قال: هذه الدار لفلان الا البيت الفلانى منها فأن الاستثناء صحيح لان المستثنى داخل فى المستثنى منه قصدا لا تبعا اذ هو بعضه، حتى لو استحق فى البيع سقطت حصته من الثمن وكان المشترى مخيرا سواء قبل القبض أو بعده - كما فى أحكام البيع ولو قال: بناء هذه الدار لى وعرصتها لفلان يكون كما قال لأن العرصة عبارة عن البقعة دون البناء بخلاف ما اذا قال بناؤها لى وأرضها لفلان حيث يكون البناء للمقر له أيضا لان الاقرار بالارض اقرار بالبناء على أن الارض أصل والبناء تبع والاقرار بالاصل اقرار بالتبع فصار الاقرار بالارض كالاقرار بالدار.

وقد قال صاحب التكملة - كون البيت داخلا فى الدار لفظا ومقصودا مشكل على القول بأن الدار اسم للعرصة كما ذكروه فى باب الأيمان واستدلوا به على أن من حلف لا يدخل الدار فدخلها بعد ما تهدمت وصارت صحراء حنث اذ على تقدير أن يكون البيت داخلا فى الدار لفظا ومقصودا يكون جزءا من مدلول لفظ الدار فلا تكون الدار حينئذ اسما للعرصة فقط بل لمجموع العرصة والبيوت فاذا تهدمت وصارت صحراء لزم أن تنعدم بانعدام بعض أجزائها فلم يظهر وجه الحنث فى المسألة المذكورة.

وأيضا فأن ما ذكروه مخالف لما جرى به العرف من أن البيت اسم لبناء مسقف له حوائط أربعة أو ثلاثة، والمقرر أن الايمان مبنية على العرف وكذلك الامر فى الاقرار وغيره من التصرفات ينبغى أن يرجع فيها الى العرف فى كل زمن ومكان ولا يتقيد بعرف خاص ونقل صاحب التكملة كما نقل ابن عابدين فى حاشيته فى فصل الاستثناء من الاقرار عن الذخيرة فى مسألة الاقرار بالعرصة دون البناء وبالارض دون البناء، وتبعيته لهذه دون تلك، ضابطا جاء فيه أن تخريج هذه المسائل مبنى على أصلين.

الاول: أن الدعوى قبل الاقرار لا تمنع صحة الاقرار بعدها والدعوى بعد الاقرار فى بعض ما دخل تحت الاقرار لا تصح، أى أن الاقرار بعد الدعوى صحيح دون العكس.

والثانى: أن اقرار الانسان حجة على نفسه وليس بحجة على غيره: وبناء على ذلك:

1 -

اذا قال: بناء هذه الدار لى وأرضها لفلان كانت الارض والبناء لفلان لانه قد أدعى أولا أن البناء له، ثم أقر بأن الارض لفلان والبناء يتبع الارض فى الاقرار فيكون قد أقر بالبناء لفلان هذا بعد ادعائه أنه له فيصح الاقرار ..

واذا قال أرضها لى وبناؤها لفلان فكما

ص: 228

قال، لانه قد ادعى البناء لنفسه أولا ضمن أدعاء الارض ثم أقر بأن البناء لفلان بعد الدعوى فيصح الاقرار ويؤمر المقر له بنقل البناء من أرض المقر .. واذا قال: أرض هذه الدار لفلان وبناؤها لى فالارض والبناء للمقر له، لانه أقر أولا بأن البناء لفلان تبعا للاقرار له بالارض، ثم ادعى بعد ذلك البناء لنفسه والدعوى بعد الاقرار ببعض ما دخل تحت الاقرار لا تصح واذا قال: أرض هذه الدار لفلان وبناؤها لفلان آخر فالارض والبناء للمقر له الاول، لانه أقر أولا بالبناء للاول ضمن اقراره له بالارض، ثم أقر بالبناء للثانى، وهذا اقرار على الاول والاقرار على الغير لا يصح. واذا قال: بناء هذه الدار لفلان وأرضها لفلان آخر فهو كما قال، لانه أقر أولا بالبناء للاول ثم أقر ثانيا على هذا الاول بالبناء للثانى تبعا لاقراره له بالارض فكان اقرارا على الغير فلم يصح.

‌جهالة المستثنى

والاصل فى الاستثناء أن يكون المستثنى معلوما غير أن ذلك ليس بشرط فى صحته فيجوز أن يكون المستثنى مجهولا نحو أن يقول:

لفلان على مائة درهم ألا شيئا أو الا قليلا أو ألا بعضا فأن الاستثناء يكون صحيحا فى الجميع، ويجب على المقر فى الامثلة المشار اليها أكثر من نصف المائة المستثنى منها لان استثناء الشئ أو البعض أو القليل استثناء الاقل عرفا مما يثبت فى الذمة ويطالب به المقر فيكون الباقى بعد الاستثناء أكثر من المستثنى عرفا. والاكثرية تتحقق بالزيادة على النصف غير أنه لا يمكن تحديد هذه الزيادة الا بالرجوع الى المقر ومن ثم يكون القول قوله فى ذلك اذ هو المجمل فيكون البيان اليه، ويجب عليه أن يبين .. فاذا لم يبين يحكم بزيادة أو فى ما تتحقق به الزيادة على النصف. فيزاد فى المثال المذكور درهم على نصف المائة وبذلك يلزمه واحد وخمسون درهما.

وقد أقر بشئيين واستثنى أحدهما كقوله: لفلان على أردب قمح وأردب شعير الا أردب قمح كان الاستثناء باطلا لأنه مستغرق والاستثناء المستغرق باطل كما تقدم .. واذا استثنى أحدهما وبعض الاخر بأن قال: لفلان على أردب قمح وأردب شعير ألا اردب قمح وكيلة شعير ينظر فان أخر استثناء كيلة الشعير كما فى المثال، كان الاستثناء باطلا كله لانه لما بطل استثناء أردب القمح للاستغراق صار لغوا وقد صار قاطعا للكلام بين المستثنى منه واستثناء كيلة الشعير فصار الاستثناء منفصلا وشرط صحته الاتصال كما تقدم فكان باطلا لذلك .. أما أن قدم استثناء كيلة الشعير على استثناء أدرب القمح بأن قال: ألا كيلة شعير وأردب قمح فأنه يصح استثناء كيلة الشعير من الثانى بالاتفاق لعدم الفاصل حينئذ.

ص: 229

واذا استثنى عددين بينهما حرف الشك من عدد آخر نحو أن يقول: لفلان على ألف درهم ألا مائة درهم أو خمسين يطرح العدد الاكبر من العددين المردد بينهما من المستثنى منه والباقى يكون هو الواجب فيلزمه تسعمائة درهم فى المثال المذكور، لان الاستثناء تكلم بالباقى بعد المستثنى والمستثنى مشكوك فيه والاصل براءة الذمة فلا يلزم الزائد بالشك ويجب الاقل، وهذا تفريع على أصل الحنفية فى الاستثناء من أن الحكم انما يثبت للباقى بعد المستثنى .. ومن ثم حكموا بشغل الذمة بما يتيقن ثبوته فقط.

وفى رواية أخرى يطرح أقل العددين المردد بينهما بحرف الشك والباقى هو الواجب فيلزمه فى هذا المثال تسعمائة وخصون درهما لان الالف قد ثبتت جميعها فى الذمة بمقتضى صدر الكلام، والتردد وقع فى القدر المخرج فيحكم باخراج المتيقن به وهو الاقل وهذا يوافق أصل الشافعية فى الاستثناء من أنه اخراج للمستثنى من حكم المستثنى منه بطريق المعارضة. وقد ورد التصريح بتصحيح كل من الروايتين.

‌الاستثناء بالمشيئة:

جاء فى الهداية وشرح العناية فى باب الاستثناء من كتاب الاقرار .. ومن أقر بحق وقال أن شاء الله متصلا بأقراره بأن قال: لفلان على مائة درهم أن شاء الله لم يلزمه الاقرار لان الاستثناء بمشيئة الله أما ابطال كما هو مذهب أبى يوسف أو هو تعليق كما هو مذهب محمد. وثمرة الخلاف تظهر فيما اذا قدم المشيئة أى قدم الشرط على الجزاء ولم يأت بالفاء التى تربط بينهما بأن قال:

ان شاء الله أنت طالق، فعند أبى يوسف لا يقع الطلاق لأنه أبطال وعند محمد يقع لانه تعليق وفى التعليق اذا قدم الشرط ولم يذكر حرف الجزاء الرابط بينهما لم يتعلق وبقى الطلاق من غير شرط فيكون تنجيز ويقع الطلاق ..

وكيفما كان لم يلزمه الاقرار لانه أن كان الاول وهو الابطال فقد بطل الاقرار، وأن كان الثانى وهو التعليق فكذلك أما لان الاقرار لا يحتمل التعليق بالشرط لانه أخبار عما سبق والتعليق أنما يكون بالنسبة للمستقبل وبينهما منافاة وأما لانه فى صورة الاستثناء بالمشيئة التعليق فيها على شرط لا يوقف عليه والتعليق به غير صحيح.

وفى تكملة فتح القدير للعلامة قاضى زادة تعليقا على قول صاحب الهداية - لان الاستثناء بمشيئة الله أما ابطال كما هو مذهب أبى يوسف أو تعليق كما هو مذهب محمد - كذا ذكره الامام قاضيخان فى طلاق الجامع الكبير واختاره البعض، وقيل الاختلاف على العكس أى أن الاستثناء بالمشيئة تعليق عند أبى يوسف وأبطال عند محمد كما ذكر فى الفتاوى الصغرى والتتمة واختاره بعض آخر ..

ثم أشار الى المسألة التى تظهر فيها ثمرة الخلاف وهى ما اذا قدم الشرط

ص: 230

على الجزاء ولم تذكر الفاء. وقال: وكيفما كان لم يلزمه الاقرار معللا بما سبق ذكره عن الهداية وزاد قوله. ولانه اخبار متردد بين الصدق والكذب فأن كان صدقا لا يصير كذبا بفوات الشرط وأن كان كذبا لا يصير صدقا بوجود الشرط، فلغا تعليقه بالشرط، وأما لانه شرط لا يوقف عليه فان وقوع مشيئة الله تعالى مما لا يكاد يطلع عليه أحد والتعليق بما لا يوقف عليه غير صحيح لانه يكون أعداما من الاصل ولو قال:

لفلان على ألف ان شاء فلان فقال فلان:

هذا قد شئت فهذا اقرار باطل لانه علقه بشرط فى وجوده خطر والاقرار لا يحتمل التعليق بالخطر لان التعليق بما فيه خطر يمين والاقرار لا يحلف به.

وقد نقل صاحب التكملة عن المبسوط من كتاب الاقرار أنه قال: لو قال: غصبتك هذا العبد أمس أن شاء الله لم يلزمه شئ استحسانا وفى القياس استثناؤه باطل لان ذكر الاستثناء بمنزلة ذكر الشرط وذلك انما يصح فى الانشاء دون الاخبار. ولكن استحسن لان الاستثناء مخرج للكلام عن أن يكون عزيمة لا أن يكون فى معنى الشرط فان الله تعالى أخبر عن موسى عليه السلام حيث قال:

{(سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً)} ولم يصبر ولم يعاقب على ذلك، والوعد من الانبياء كالعهد من غيرهم فدل على أن الاستثناء مخرج للكلام عن أن يكون عزيمة، والاقرار لا يكون ملزما ألا بكلام هو عزيمة .. وقال النبى صلى الله عليه وسلم (من استثنى فله ثنياه).

وفى مجمع الانهر فى باب الاستثناء من كتاب الاقرار .. (ومن وصل باقراره أن شاء الله بطل اقراره لان التعليق بمشيئة الله تعالى أبطال عند محمد فبطل قبل انعقاده للحكم وتعليق لا يوقف عليه عند أبى يوسف فكان أعداما من الاصل كما فى الدرر وغيره، ولكن فى العناية خلافه لانه قال: ومن قال لفلان على مائة درهم أن شاء الله لم يلزمه الاقرار لان الاستثناء بمشيئة الله تعالى أما ابطال كما هو مذهب أبى يوسف أو تعليق كما هو مذهب محمد كما قررناه فى الطلاق فتلزم المنافاة الا أن يحمل على اختلاف الروايتين، وكذا أن علقه بمشيئة من لا تعرف مشيئتهم كالملائكة والجن لأنه لا تعرف مشيئتهم فلا يقع عليه شئ لأن الاصل براءة الذمم فلا يثبت بالشك، وفى البحر وكذا بمشيئة فلان وأن شاء وكذا كل اقرار علق بشرط على خطر ولم يتضمن دعوى أجل.

وفى تنوير الابصار وشرحه الدر المختار فى باب الاستثناء من كتاب الاقرار ولو وصل بأقراره أن شاء الله تعالى أو فلان أو علقه بشرط على خطر بطل اقراره.

وعلق ابن عابدين فى حاشيته على قول التنوير بطل أقراره بقوله: على قول أبى يوسف أن التعليق بالمشيئة ابطال،

ص: 231

وقال محمد: تعليق بشرط لا يوقف عليه، والثمرة تظهر فيما اذا قدم المشيئة فقال:

أن شاء الله أنت طالق، عند أبى يوسف لا يقع لانه ابطال، وعند محمد يقع لانه تعليق فاذا قدم الشرط ولم يذكر الجزاء لم يتعلق وبقى الطلاق من غير شرط .. ولو جرى على لسانه أن شاء الله من غير قصد وكان قصده أيقاع الطلاق لا يقع لان الاستثناء موجود حقيقة والكلام معه لا يكون ايقاعا.

ثانيا: بالنسبة للاقرار:

أما بالنسبة للاقرار فان ربط الاقرار بالمشيئة يبطل الاقرار بالاتفاق سواء قيل أنه ابطال أو تعليق ولم يفرقوا هنا بين ما اذا تقدم الشرط على الجزاء أو تأخر عنه، وبين ذكر الفاء فى الجواب وعدم ذكرها فيه فى حالة تقدم الشرط وذلك لمعنى فى الاقرار ليس موجودا فى الطلاق ولا فى غيره من التصرفات المنشئة وهو ان الاقرار أخبار عما هو واقع بالفعل فى الزمن السابق والتعليق أنما يكون بالنسبة للمستقبل .. وأيضا الاقرار التزام من المقر بما أقر به للمقر له. والالتزام لا يكون الا بكلام هو عزيمة أى يدل على العزم والتصميم والاستثناء مخرج للكلام عن أن يكون عزيمة على ما ذكره صاحب المبسوط فى الاقرار ونقله عنه صاحب تكملة الفتح كما أشرنا اليه

(1)

.

‌تعدد الاستثناء:

ويصح تكرار الاستثناء كأن يقول:

لفلان على عشرة دراهم ألا سبعة ألا خمسة ألا ثلاثة ألا درهما، وطريقة معرفة الباقى الاخير الحاصل من مجموع التركيب فى عبارة الاقرار والذى يلزم به المقر - أن نطرح الاخير وهو الدرهم مما قبله وهو الثلاثة فيبقى درهمان نطرحهما مما قبل وهو الخمسة فيبقى ثلاثة نطرحهما مما قبل وهو السبعة فيبقى أربعة نطرحهما من العشرة فيبقى ستة وهو الباقى الاخير الذى يلزم به المقر.

وهناك طريقة أخرى وهى أن نطرح مجموع الاعداد التى مراتبها زوجية وهى الثانى والرابع والسادس وهكذا من مجموع الاعداد التى مراتبها فردية وهى الاول والثالث والخامس وهكذا وباقى الطرح هو الباقى الاخير المقر به ..

ففى المثال المذكور يقال (10 + 5 + 1) - (7 + 3) -16 - 10 - 6 وهو الباقى المقر به.

(1)

يراجع فيما ذكر فى أحكام الاستثناء فى فى الاقرار باب الاستثناء وما فى معناه من كتاب الاقرار فى ابن عابدين ج 4 ص 703، 707 طبع المطبعة الأميرية وفى الهداية وتكملة الفتح ج 6 ص 309 وما بعدها الطبعة السابقة وفى مجمع الانهر ج 2 ص 296 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 232

وهذا اذا تكرر الاستثناء بدون واو أى بدون حرف عطف بينهما كما فى الامثلة التى ذكرت. فان كانت بالواو أى بحرف عطف بينها كان الكل اسقاطا من الصدر أى المستثنى منه الاول فلو قال: لفلان على عشرة دراهم الا خمسة وألا ثلاثة وألا درهما اسقطنا مجموع الاستثناءات وهو تسعة من الصدر المستثنى منه الاول وهو عشرة ويكون الباقى واحدا هو المقر به

(1)

.

‌مذهب المالكية:

يعرف المالكية الاستثناء بأنه اخراج لما دخل فى الكلام أولا بألا أو احدى أخواتها، وهو عندهم من مخصصات العام كالشافعية ومثله الشرط والصفة والغاية وبدل البعض

(2)

.

ويجرى الاستثناء عندهم فى الاقرار والطلاق والعتق واليمين بالله والنذر.

‌شروط صحة الاستثناء:

ويشترط فى صحة الاستثناء أن يكون متصلا بالمستثنى منه ولا يضر الفصل بأمر عارض كسعال وعطاس، وأن يكون غير مستغرق للمستثنى منه ولا مساويا له، فاستثناء الزائد نحو لك على عشرة ألا اثنى عشر والمساوى نحو لك على عشرة ألا عشرة، باطل .. ويجوز استثناء أكثر المستثنى منه وأبقاء أقله نحو له على عشرة ألا تسعة خلافا لعبد الملك .. وأن ينطق المقر بالاستثناء بحيث يسمع نفسه على الاقل، وهذا فى الاستثناء فى الاقرار لان الحق فيه للمخلوق. أما الاستثناء فى غير الاقرار فيكفى النطق به ولو سرا بحركة لسانه دون أن يسمع أحدا ولو نفسه وأن يقصد الاستثناء أى اخراج المستثنى من المستثنى منه فلو جرى الاستثناء على لسانه من غير أن يقصد الاخراج فلا يعول عليه.

ولا يشترط فى صحة الاستثناء اتحاد الجنس بين المستثنى والمستثنى منه بل يجوز الاستثناء مع اتحاد الجنس كاستثناء الدراهم والدنانير والمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة والمتفاوتة والاعيان من جنسها الدراهم من الدراهم والدنانير من الدنانير وهكذا، ومع اختلاف الجنس كاستثناء الثوب والعبد من الدراهم والدنانير وبالعكس واستثناء الثياب من العبيد وبالعكس .. فلو قال له على ألف درهم ألا عبدا أو ألا ثوبا صح وسقطت من الالف قيمة العبد أو الثوب ولزمه ما بقى وتعتبر القيمة يوم الاستثناء ويقال للمقر اذكر صفة العبد أو الثوب فاذا ذكرها قوم على الصفة التى ذكرها وطرحت قيمته من الالف وما بقى يكون هو المقر به الذى يلزم المقر. وأن استغرقت قيمة العبد أو الثوب بعد تقديرها الالف المستثنى منها بطل الاستثناء وصح الاقرار، ولزمت المقر الالف بتمامها .. وان لم

(1)

راجع الدر المختار وشرح تنوير الابصار وحاشية ابن عابدين عليه ح 2 ص 528 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

شرح منح الجليل ج 1 ص 631 الطبعة السابقة.

ص: 233

يبين المقر صفة العبد أو الثوب وادعى جهلها تسقط قيمة عبد من أعلى العبيد أو ثوب من أعلى الثياب من الالف ويلزم المقر الباقى لان المقر أنما يؤخذ بالمحقق وهو الاقل. وهذا فى المثال المذكور، أما لو قال: له عندى عبد ألا عشرة دنانير طرحت العشرة من قيمة العبد، والباقى هو المقر به وتقدر قيمة العبد على أساس الصفة التى يبينها المقر، فأن ادعى جلهها تقدر قيمة عبد من أدنى العبيد وتسقط منها العشرة الدنانير المستثناه والباقى هو المقر به، أخذا بالقاعدة المذكورة من أنه لا يلزم المقر الا بما هو محقق وهو الاقل.

ولو قال له عندى عبد ألا ثوبا أو عكسه صح وطرحت قيمة المستثنى من قيمة المستثنى منه بعد تقدير القيمتين على أساس المذكور ولو قال: له عندى ألف درهم ألا عشرة دنانير صح وطرح صرف الدنانير من الدراهم ولزمه ما بقى.

ويصح الاستثناء المعنوى وهو ما أخرج بعض ما تناوله صدر الكلام دون ذكر أداة الاستثناء وصيغته كقوله: له الدار والبيت لى فأنه فى قوة قوله، له جميع الدار ألا البيت، وهذا على ما جرى به العرف اذ ذاك من أن الدار أوسع من البيت وأنه قد يشتمل على عدة بيوت فان تعددت بيوتها ولم يعين البيت الذى له بأن قال: هذه الدار لفلان ولى بيت من بيوتها فأنه يؤمر بتعيينه فأن امتنع عن التعيين مع معرفته حبس حتى يعين أو يموت. وان لم يعرفه وقال لا أدرى قيل للمقر له عين أنت فأن عين المقر أدنى البيوت أخذه بلا يمين، وأن عين أجودها حلف للتهمة وأخذه وأن قال للمقر له لا أدرى حلفا معا على نفى العلم ويبدأ المقر بالحلف، واشتركا فى البيوت بنسبة استحقاقهما

(1)

.

‌الاستثناء بالمشيئة:

وأن وصل عبارة الاقرار وصيغته بقوله: أن شاء الله أو أن قضى الله لزمه المقر به، خلافا لابن المواز وابن عبد الحكم فأنهما قالا لا يلزمه شئ فى ذلك، لانه لما ربط الاقرار بمشيئة الله تعالى أو قضائه فقد أدخل الشك فى الالتزام اذ لا يمكن معرفة المشيئة ولا القضاء ولا الوقوف عليهما، ولا الزام مع الشك. والوجه فيما أخذ به المذهب أنه لما أقر علمنا أن الله تعالى قد شاء أو قضى بالالزام فلم يبق شك، ولان الاستثناء بالمشيئة لا يعتبر فى غير اليمين بالله .. أما لو ربط الاقرار بمشيئة انسان بأن قال: له عندى مائة ان شاء فلان فلا يلزمه شئ ولو قال فلان هذا قد شئت ذلك لانه علقه على خطر أى على أمر دائر بين التحقق وعدمه لانه حين قال ذلك كان مجوزا أن يشاء فلان وأن لا يشاء .. وقد يقول ظننت أنه لا يشاء

(2)

.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 3 ص 474 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 3 ص 464 الطبعة السابقة وما بعدها وتبصرة الحكام لابن فرحون ج 2 ص 57 الطبعة السابقة.

ص: 234

‌تعدد الاستثناء:

ويصح تعدد الاستثناء نحو أن يقول: له على عشرة دراهم الا أربعة الا اثنين الا واحدا.

وطريقة معرفة الباقى الاخير الذى يلزم به المقر أن يستثنى كل واحد مما قبله ابتداء من الاستثناء الاخير، ليستثنى الواحد مما قبله وهو الاثنان فيبقى واحد يستثنى مما قبله وهو الاربعة فيبقى ثلاثة تستثنى مما قبلها وهو العشرة فيبقى سبعة وهى المقر بها

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

فى فصل الاستثناء من كتاب الطلاق فى حاشية البجرمى على المنهج من كتب الشافعية أن الاستثناء هو الاخراج بألا أو احدى أخواتها أو أخرج أو أحط تحقيقا أو تقديرا كالاستثناء المنقطع .. وهو مأخوذ من الثنى وهو الصرف لصرف المستثنى عن حكم المستثنى منه.

وفى التحفة شرح المنهاج لابن حجر أن الاستثناء هو اخراج ما لولاه لدخل فى الكلام السابق بنحو ألا - كأستثنى أو أحط من الثنى أى الرجوع لانه رجوع عما اقتضاه لفظه

(2)

.

والاستثناء عند الشافعية من الاثبات نفى ومن النفى اثبات كما هو مبين ومبسوط فى كتب الاصول فلو قال: لفلان على ثلاثة دراهم الا اثنين الا واحدا لزمه درهمان لانه أخبر بثبوت ثلاثة دراهم فى ذمته للمقر له واستثنى من هذا الاثبات درهمين فنفى لزومهما ثم استثنى من هذا النفى درهما. فأثبته فيكون قد استثنى درهما واحدا من الثلاثة التى أقر بها فيلزمه درهمان والاستثناء المبهم باطل فى العقود فلو قال: بعتك الصبرة ألا صاعا ولا يعلم صيعانها، أو بعتك الجارية ألا حملها يكون البيع باطلا، أما فى الاقارير والطلاق فأنه صحيح ويلزمه البيان، فلو قال: له على مائة درهم ألا شيئا، أو نسائى طوالق ألا واحدة منهن صح الاستثناء فيهما ويلزمه بيان المستثنى كما سيأتى ايضاحه

(3)

.

‌شروط صحة الاستثناء:

يشترط لصحة الاستثناء ما يأتى:

(1)

أن يكون المستثنى متصلا بالمستثنى منه عرفا بحيث يعد كلاما واحدا بحسب العرف. فلا يضر الفاصل اليسير كسكتة تنفس وعى أى تعب وعجز عن الكلام وعروض سعال وانقطاع صوت وسكوت للتذكر وكذا لا يضر الفصل بماله به علاقة كقوله فى الطلاق: أنت طالق يا زانية، أن شاء الله فانهم لم يعتبروا

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 475 الطبعة السابقة.

(2)

حواشى تحفة المحتاج ج 5 ص 296 الطبعة السابقة.

والبجرمى على المنهج ح 4 ص 17 الطبعة السابقة.

(3)

الاشباه والنظائر للسيوطى ص 452 وما بعدها.

ص: 235

قوله يا زانية فاصلا لانه متعلق بالكلام وكأنه لبيان عذره فى الطلاق ويضر الفصل بكلام أجنبى ولو يسيرا كالحمد لله، واستغفر الله، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وكذا السكوت الطويل من غير عذر .. واختلف فى الفصل بالنداء نحو: لك على مائة درهم يا فلان الا عشرين والصحيح أنه لا يضر كما قال الكافى لانه لاستدراك ما سبق وبه أفتى الرملى والمغنى والزيادى.

2 -

أن ينوى الاستثناء ويقصد اخراج المستثنى من المستثنى منه قبل فراغ الاقرار بحيث تقترن النية بكل عبارة الاقرار أو بأولها أو بآخرها أو اثنائها - أما اذا كانت بعد الفراغ منها فلا يصح الاستثناء اجماعا. وذلك لان الاستثناء رفع لبعض ما شمله اللفظ كما فى قوله:

له على عشرة ألا ثلاثة أو لكل ما شمله اللفظ نحو له على عشرة أن شاء الله فيحتاج الى قصد هذا الرفع ونيته.

وهذا اذا أخر الاستثناء بعد عبارة الاقرار وعقبها به كما فى الامثلة المذكورة كما هو المعتاد، فأن قدم الاستثناء نحوله على ألا ثلاثة عشرة دراهم أو أنت ألا واحدة طالق ثلاثا فأن النية ينبغى أن تكون قبل التلفظ به .. أو يقصد حال الاتيان بالاستثناء أخراجه مما بعده ليرتبط به.

3 -

أن يتلفظ به حيث يسمع نفسه مع اعتدال سمعه وعدم وجود عارض يحول دون السماع وألا لم يقبل فى الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهكذا يجرى التعبير عن هذا الشرط فى أكثر الكتب دون فرق بين الاستثناء والتعليق بالمشيئة أو بغيرها من الشروط .. ولكن فى الانوار أن اسماع المقر نفسه بالوضع المشار اليه شرط فى التعليق على غير المشيئة من الشروط - أما التعليق على المشيئة والاستثناء فأن الشرط فيهما أن يسمع غيره ورتب على ذلك قبول قول هذا المقر وعدم قبوله فى تحقق الاستثناء عند الانكار كما اذا اختلف الزوجان فى الاستثناء فى الطلاق.

فقد نقل الشروانى فى حاشيته على شرح المنهاج ما يأتى

(1)

:

قال فى الانوار: الخامس من شروط الاستثناء أن يسمع غيره والا فالقول قولها فى نفيه وحكم بالوقوع اذا حلفت ولو قال: أنت طالق ان شاء الله أو أن لم يشأ الله لم يقع الطلاق ولكن بشروط منها أن يسمعه غيره وألا فلا يصدق وحكم بوقوعه اذا حلفت، ثم قال:

وللتعليق شروط ثالثها أن يذكر الشرط بلسانه فأن نوى بقلبه لم يقبل فى الظاهر وحكم بالطلاق ولا يشترط أن يسمعه غيره .. فلو قال: أنت طالق أن كلمت زيدا وأنكرت الشرط صدق بيمينه .. ففرق بين التعليق بغير المشيئة كدخول الدار وكلام فلان وبين الاستثناء والتعليق بالمشيئة. والفرق أن التعليق بغير المشيئة

(1)

ج 8 ص 63 الطبعة السابقة.

ص: 236

ليس رافعا للحكم بل مخصص له بخلاف التعليق بالمشيئة والاستثناء فأن ما ادعاه فيهما رافع للحكم من أصله.

ونقل الشروانى أيضا عن (الشبراملسى) أن معنى قولهم لم يقبل أى ظاهرا ويدين .. ومثل الاستثناء فى هذا الشرط وهو اسماع غيره التعليق بالمشيئة بخلاف التعليق بصفة أخرى، حتى لو قال:

قلت أن دخلت فأنكرت صدق بيمينه.

انتهى ثم قال وهذه كلها مخالفة لما فى المغنى، فأن عبارته ويشترط أيضا فى التلفظ بالاستثناء اسماع نفسه عند اعتدال سمعه فلا يكفى أن ينويه بقلبه ولا أن يتلفظ به من غير أن يسمع نفسه فأن ذلك لا يؤثر ظاهرا قطعا ولا يدين على المشهور. انتهى ما نقله الشروانى.

وظاهر مما ذكر أن الامر موضع خلاف - ومما يذكر أن شروط صحة الاستثناء واحدة بالنسبة للطلاق والاقرار كما صرح بذلك

(1)

.

4 -

أن يعرف المقر معنى الاستثناء و «لو بوجه» وعلق الشروانى على عبارة هذا الشرط بكلام جاء فيه: ويحتمل أن يكون المراد أن يعرف أن الاستثناء و «ما ألحق به» القصد منه التعليق أو التخصيص المطلق لا خصوص معانيه التفصيلية المبينة فى الفنون الادبية وأكثر العوام يفهمون هذا المجمل. فلو فرض أن شخصا لقن هذا اللفظ ثم استفسر عن معناه فلم يفصح عنه بوجه لم نرتب عليه حكمه.

5 -

أن لا يستغرق المستثنى المستثنى منه ولو بحسب المعنى كما فى الاستثناء من غير الجنس اذا فسر المقر المستثنى بمستغرق للمستثنى منه حيث يلغو الاستثناء ويبطل فان استغرق المستثنى المستثنى منه نحوله عشرة دراهم ألا عشرة أو أنت طالق ثلاثا ألا ثلاثا بطل الاستثناء اجماعا، ووجبت العشرة كلها ووقع الطلاق الثلاث، وهذا فى غير الوصية أما فى الوصية كقوله أوصيت لفلان بمائة درهم ألا مائة فأن الاستثناء يصح ولو مستغرقا ويكون رجوعا عن الوصية لان الرجوع عن الوصية جائز، أما الاقارير والطلاق فأن الرجوع فيها غير جائز ومن ثم يفسد الاستثناء اذا استغرق وانما يفسد الاستثناء المستغرق اذا اقتصر المقر على الاستثناء المستغرق كما فى الامثلة المذكورة، أما اذا كرر الاستثناء على وجه لو طبقت عليه قاعدة الاثبات والنفى يزول الاستغراق فلا يبطل الاستثناء حينئذ فلو قال: له على عشرة ألا عشرة ألا أربعة يصح الاستثناء ويلزمه أربعة لانه استثنى من العشرة الاولى عشرة ألا أربعة أى ستة فيكون الباقى أربعة هى التى تلزم، لان الاستثناء من الاثبات نفى وبالعكس فباستثناء العشرة من العشرة نفى الالتزام بشئ وباستثناء أربعة من

(1)

شرح منهج الطلاب وحاشية البجرمى عليه ج 1 ص 17 الطبعة السابقة.

ص: 237

هذا النفى أثبت الاربعة فلزمته، وفى قوله: له على عشرة ألا تسعة ألا ثمانية يلزمه تسعة لانه باستثناء التسعة من العشرة المثبتة نفى الالتزام بتسعة منها وبقى ملتزما بواحد وباستثناء الثمانية من النفى أثبت ثمانية تضاف الى الواحد الباقى يكون المثبت تسعة

ولو كرر الاستثناء فى هذا المثال فقال: له على عشرة ألا تسعة ألا ثمانية ألا سبعة وهكذا الى نهاية الاعداد نزولا كان الواجب خمسة على الاساس المذكور - وكذا على طريقة رجوع كل استثناء الى ما قبله وطرحه منه على مثال ما سبق بيانه اذا تعدد الاستثناء فى المذاهب الاخرى التى سبق الكلام عليها.

وهذا كله اذا تكرر الاستثناء بدون عطف. أما اذا تكرر مع العطف كقوله:

له على عشرة ألا خمسة وثلاثة، أو ألا خمسة وألا ثلاثة أسقط مجموع الاستثناءات كلها من المستثنى منه الاول فيلزم فى المثال المذكور اثنان .. فان كانت الاستثناءات بحيث لو جمعت استغرقت المستثنى منه يبطل منها ما حصل به الاستغراق ويصح ما قبله .. فلو قال:

له على عشرة ألا سبعة وألا ثلاثة لغا الاستثناء الثانى وهو الثلاثة وصح ما قبله ولزمه ثلاثة ولا يجمع مفرق بالعطف فى المستثنى منه ولا فى المستثنى ولا فيهما معا لدفع الاستغراق اذا وجد ولا لتحصيله اذا لم يوجد .. فلو قال: له على درهم ودرهم ودرهم الا درهما يكون الدرهم المستثنى مستثنى مما قبله وهو الدرهم الاخير فى المستثنى منه فيكون استثناء درهم من درهم وهو مستغرق فلا تجمع الدراهم المتعاطفة فى المستثنى منه ليصير المستثنى منه ثلاثة وبذلك يندفع الاستغراق بل يبقى الامر كما هو، ويكون استثناء درهم من درهم ويلغو للاستغراق ويبقى الاقرار بدرهم ودرهم ودرهم صحيحا ويلزمه ثلاثة دراهم ويعتبر هذا استثناء من القاعدة المقررة وهى أن الاستثناء بعد معطوفات يرجع الى جميعها لا الى الاخير منها فقط.

وفى قوله: له على ثلاثة دراهم ألا درهمين ودرهما - لو جمع المعطوف والمعطوف عليه فى المستثنى كان المجموع ثلاثة ويكون الاستثناء مستغرقا ويبطل بالتالى ومن ثم لا يجمع ويعتبر استثناء درهمين من ثلاثة ويلزمه درهم واحد.

‌الاستثناء من خلاف الجنس:

ولا يشترط فى صحة الاستثناء عند الشافعية اتحاد الجنس بين المستثنى والمستثنى منه بل يصح مع اتحاد الجنس كما هو ظاهر وكما فى الامثلة العديدة المتقدمة ويصح مع اختلاف الجنس نحوله على ألف درهم ألا ثوبا أو ألا عبدا أو ألا - دينارا أو ألا أردبا من القمح أو ألا رطلا من السمن مثلا وذلك لورود هذا الاستثناء لغة وشرعا قال الله تعالى:

«لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً» استثنى السلام من اللغو وهما جنسان مختلفان وعلى المقر فى نحوله على ألف

ص: 238

درهم الا ثوبا أن يبين الثوب المستثنى بثوب قيمته دون ألف درهم حتى يصح الاستثناء ويلزمه الباقى بعد أسقاط قيمة الثوب من الالف فأن بين بثوب قيمته ألف درهم بطل الاستثناء لانه لما بين الثوب بالالف صار كأنه تلفظ به وهو مستغرق والاستثناء المستغرق باطل اجماعا.

‌الجهالة فى الاستثناء:

اذا وقعت جهالة أو اجمال فى الاستثناء سواء فى المستثنى نحوله على ألف درهم ألا شيئا أو فى المستثنى منه نحوله على ألف ألا درهما أو له على مال ألا ثوبا أو ألا عبدا أو فيهما معا نحوله على مال ألا مالا أو شئ الا شيئا - فلا يعتبر الاستثناء باطلا بل يصح وعلى المقر البيان بما يرفع الجهالة ويفسر الاجمال ويلزم بهذا البيان الزاما لتعلق حق الغير به - فأن فسر المستثنى بأقل من المستثنى منه ان كان المستثنى منه واضحا أو بأقل مما فسره به أن كانا مجملين صح الاستثناء ويطرح المستثنى أو قيمته من المستثنى منه أو قيمته والباقى يكون هو المقر به الذى يلزمه شرعا، وأن فسر الثانى بأكثر من الاول أو بما يساويه أو كان فى الواقع أكثر منه أو مساويا له - لغا الاستثناء وبطل لانه يكون مستغرقا حينئذ والمستغرق باطل كما تقدم. ولو قال هؤلاء العبيد لفلان الا واحدا صح الاستثناء وعليه البيان لتعلق حق الغير به - فان مات مجهلا خلفه وارثه فى البيان، فأن مات العبيد الا واحدا وقال المقر أنه الذى عناه بالاستثناء صدق بيمينه اذا كذبه المقر له وحلف اليمين على الصحيح .. ولو قتل العبيد قتلا موجبا للضمان ألا واحدا، وقال أنه الذى عناه بالاستثناء قبل تفسيره لبقاء أثر الاقرار وهو القيمة ..

ورتبوا على ذلك أنه لو قال: غصبت هؤلاء العبيد ألا واحدا وماتوا جميعا ألا واحدا قال أنه الذى عناه بالاستثناء يصدق لبقاء أثر اقرار هنا بالضمان كما فى صورة القتل.

ويصح الاستثناء من العين نحو هذه الدار لفلان الا هذا البيت وهذه الدراهم له الا هذا الدرهم وهذا الثوب له الا كمه وقيل لا يصح هذا الاستثناء لان الاقرار بالعين يتضمن ملك جميعها للمقر له فاذا استثنى بعضا منها يكون رجوعا بخلاف الدين فأن الاستثناء فيه لا يعتبر رجوعا بالنسبة للمستثنى اذ هو فيه عبارة عن الباقى ونوقش بأن هذا تحكم والمعنى فيهما واحد ومن ثم وصف هذا القول بالشذوذ.

‌الاستثناء بالمشيئة:

اذا عقب الشخص اقراره بالمشيئة كأن يقول: له على ألف ان شاء الله أو الا ان يشاء الله، او بعدم المشيئة كأن يقول ان لم يشأ الله - يكون قد ربط اقراره بالمشيئة أو بعدمها ويمنع هذا

ص: 239

الربط انعقاد الاقرار ويرفع أثره ولا يلزمه به شئ، لان المعلق عليه وهو المشيئة أو عدمها غير معلوم ولا يمكن لاحد أن يقف عليه. ولان الثبوت على خلاف المشيئة فى حالة التعليق بعدمها محال.

ويستوى فى رفع الاقرار المعلق على المشيئة وعدم انعقاده أن يتأخر الشرط كما فى الامثلة المذكورة أو يتقدم الشرط على جملة الاقرار نحو أن يقول: أن شاء الله لك عندى ألف درهم.

وسمى الربط بالمشيئة استثناء لصرفه الكلام عن الجزم والثبوت حالا من حيث التعليق بما لا يعرف، ومثل أن من أدوات الشرط غيرها كمتى ومثل التعليق بمشيئة الله تعالى التعليق بمشيئة الملائكة، فلو قال: له عندى ألف أن شاء جبريل أو ميكائيل لم يلزمه شئ.

ويشترط فى الاستثناء بالمشيئة ما يشترط فى الاستثناء العام الا عدم الاستغراق فلا بد أن ينوى المشيئة قبل التلفظ بها ويقصد التعليق والربط عند التلفظ بها.

وأن ينوى الاتيان بها قبل الفراغ من الاقرار مقارنا للعبارة كلها أو بعضها، وأن لا يفصل بأكثر من سكتة التنفس، وأن يقصد بذكر المشيئة التعليق بها، فلو سبق ذكرها الى لسانه لتعوده ذكرها أو قصد بذكرها التبرك أو بيان ان كل شئ بمشيئة الله تعالى أو لم يعلم هل قصد التعليق أو لا أو أطلق، ولم يقصد التعليق فى كل هذه الصور فأن ذكر المشيئة لا يرفع الثبوت ولا يبطل أثر الاقرار.

‌تعدد الاستثناء:

اذا تعددت الاستثناءات ينظر فأن كانت متعاطفة نحو، لزيد على عشرة الا أربعة والا ثلاثة، أو الا أربعة وثلاثة جمعت هذه الاستثناءات وطرح مجموعها من المستثنى منه الاول والباقى يكون هو المقر به، فيلزمه فى المثال المذكور ثلاثة دراهم ألا اذا استغرق المجموع المستثنى منه فيلغو من الاستثناءات ما حصل به الاستغراق نحوله على عشرة الا سبعة والا ثلاثة فأن المجموع عشرة وهو مستغرق فتلغو الثلاثة ويكون الباقى بعد الاستثناء الاول ثلاثة.

وكذلك الحكم اذا تعددت الاستثناءات بدون عطف واستغرق الاخير منها السابق عليه بأن ساواه نحوله على عشرة الا اثنين ألا اثنين، أو زاد عليه نحوله على عشرة الا أربعة الا خمسة حيث تعود كلها الى المستثنى منه الاول ويطرح مجموعها منه والباقى يكون هو المقر به فيلزم ستة فى المثال الاول وواحد فى المثال الثانى.

أما اذا تعددت الاستثناءات بدون عطف ولم يستغرق الاخير منها السابق بأن كان أقل منه نحوله على عشرة الا خمسة الا ثلاثة رجع كل استثناء الى ما قبله وطرح منه لأنه أقرب اليه ولا تعود

ص: 240

كلها الى المستثنى منه الاصلى لان الاستثناء الاول يخالف المستثنى منه فى الكيف بناء على أن الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات، فيلزمه فى المثال المذكور ثمانية لانه أثبت بالاقرار عشرة ثم نفى بالاستثناء الاول خمسة فتبقى خمسة ثم أثبت باستثناء الثانى ثلاثة تضاف الى الخمسة فيكون قد أثبت ثمانية وتلزمه الثمانية وعلى طريقة عودة كل واحد الى ما قبله يقال نطرح الثلاثة الاخيرة من الخمسة يبقى اثنان نطرح من العشرة يبقى ثمانية هى المقر بها والتى تلزمه.

‌مذهب الحنابلة:

يعرف الحنابلة الاستثناء بأنه صرف اللفظ بحرف الاستثناء عما كان يقتضيه لولاه، أو هو: اخراج بعض ما تناوله المستثنى منه .. من ثنيت فلانا عن رأيه اذا صرفته عن رأى كان عازما عليه .. وثنيت عنان دابتى اذا صرفتها عن وجهتها التى كانت تذهب اليها. ويقولون ان الاستثناء فى الاقرار لا يصح من غير الجنس لان غير الجنس ليس داخلا فى الكلام ولا يتناوله المستثنى منه فلا يكون استثناؤه صرفا للكلام عن صوبه ولا ثنيا له عن وجه استرساله، وانما سمى الاستثناء من غير الجنس استثناء تجوزا وهو فى حقيقته استدراك والا فيه بمعنى لكن .. والاستدراك لا يأتى ألا بعد الجحد والانكار ولا يأتى بعد الاثبات ألا أن تذكر بعده جملة تتصل به وتقطعه عن الاثبات ومن ثم لا يأتى بعد الاقرار لانه اثبات للمقر به فاذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلا وان ذكرت بعده جملة كأن يقول: له عندى مائة درهم الا ثوبا لى عليه. فأنه مع الجملة التى ذكرت يفيد معنى آخر لا يتصل بالاقرار، فيكون فى المثال المذكور مقرا بمائة درهم مدعيا للثوب، فيقبل اقراره وتبطل دعواه كما لو صرح بذلك بغير أسلوب الاستثناء فتلزمه المائة ويسقط الاستثناء.

واختلف فى استثناء الدراهم من الدنانير وبالعكس نحوله على دينار الا ثلاثة دراهم أو له على ألف درهم الا دينارا - هل يصح أو لا.

فذهب أبو بكر الى أنه لا يصح لانه استثناء من خلاف الجنس وقد بينا وجه عدم الصحة فيه. واختار الخرقى صحته لان قدر أحدهما معلوم من الاخر ويعبر بأحدهما عن الآخر - فان قوما يجعلون تسعة دراهم دينارا.

وآخرون يجعلون ثمانية دراهم دينارا.

فاذا استثنى أحدهما من الآخر علم أنه أراد التعبير بأحدهما عن الآخر، فاذا قال: له على دينار الا ثلاثة دراهم فى موضع يعبرون فيه عن الدينار عن تسعة دراهم كان معناه له على تسعة دراهم الا ثلاثة، ومهما أمكن حمل الكلام على وجه صحيح لم يجز ألغاؤه - وقال أبو الخطاب لا فرق بين العين والورق وغيرهما لاختلاف الجنس

ص: 241

فاذا صح الاستثناء فيهما صح فى الثياب وغيرها .. وقد ذكرنا الفرق ..

ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما اذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أى يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما اذا انتفى ذلك.

ولو ذكر نوعا من جنس واستثنى منه نوعا آخر من ذلك الجنس نحو أن يقول:

لفلان عندى عشرة أرادب قمحا هنديا الا ثلاثة أرادب قمحا أمريكيا لم يجز للاختلاف الكبير، وهو يخالف العين والورق لان قيمة أحد النوعين لا تعلم من الآخر ولا يعبر بأحدهما عن الآخر، ويحتمل على قول الخرقى جوازه لتقارب المقاصد من النوعين فهما كالعين والورق .. والاول أصح لان العلة الصحيحة فى العين والورق غير ذلك.

أما الاستثناء من الجنس فأنه صحيح وجائز بلا خلاف، ويكون اخراجا لبعض ما كان يدخل فى المستثنى منه ويتناوله لفظه واقرارا بالباقى بعد الاستثناء لان الاستثناء يمنع أن يدخل فى اللفظ ما لولاه لدخل اذ لو دخل بالفعل لما أمكن اخراجه فاذا قال: له على مائة درهم الا عشرة كان اقرارا بتسعين درهما وان قال: هذه الدار لفلان الا هذا البيت صح وكان اقرارا بما سوى البيت منها سواء كان البيت أكثر من نصف الدار أو أقل.

وحكم الاستثناء بسائر أدواته حكم الاستثناء بالا، فاذا قال: له على عشرة دراهم سوى درهم أو ليس درهما أو خلا درهما أو ما خلا أو ما عدا درهما أو لا يكون درهما أو غير درهم بنصب غير - صح فى ذلك كله وكان مقرا بتسعة دراهم، وان رفع (غير) فان كان من أهل العربية لا يكون استثناء اذ تكون حينئذ صفة لعشرة ويكون مقرا بعشرة وأن لم يكن من أهل العربية لزمته تسعة لان الظاهر أنه انما يريد الاستثناء لكنه رفعها جهلا منه بالعربية لا قصدا للصفة.

‌شروط الاستثناء:

ويشترط لصحة الاستثناء عند الحنابلة أن يكون متصلا بالكلام قبله، فأن سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو فصل بين المستثنى والمستثنى منه بكلام أجنبى لم يصح الاستثناء لانه اذا سكت أو عدل عن اقراره الى شئ آخر استقر حكم ما أقر به فلا يمكن رفعه بعد ذلك بالاستثناء بخلاف ما اذا كان مستمرا فى كلامه لم ينقطع ولم يعدل عنه فأنه لا يثبت حكمه وينتظر ما يتم به كلامه فاذا ذكر الاستثناء فى هذه الحالة تعلق حكمه بالكلام.

وأن لا يكون مستغرقا للمستثنى منه وهذا متفق عليه لان الاستثناء رفع بعض ما تناوله اللفظ واستثناء الكل رفع للكل فلو صح صار الكلام لغوا غير مفيد فأن قال: له على مائة درهم ألا مائة بطل الاستثناء ولزمته المائة المقر بها

وأن قال: له على درهم

ص: 242

ودرهم ألا درهما أو ثلاثة دراهم ودرهمان ألا درهمين، أو ثلاثة ونصف ألا نصفا لم يصح الاستثناء ولزمه جميع ما أقر به قبل الاستثناء، لان الاستثناء راجع الى ما قبله وهو مساو فيكون مستغرقا فيبطل. وفيه وجه آخر أنه يصح لان الواو العاطفة تجمع بين العددين وتجعل الجملتين كالجملة الواحدة، ومن أصل الحنابلة أن الاستثناء اذا تعقب جملا معطوفا بعضها على بعض بالواو عاد الى جميعها كما قالوا فى قول الله تعالى «وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا» أن الاستثناء عائد الى الجملتين فاذا تاب القاذف قبلت شهادته واذا رجع الاستثناء الى الكل فى الأمثلة المذكورة كان استثناء الاقل وليس استثناء الاكثر ولا المستغرق فيصح .. والوجه الاول أولى لان الواو لم تخرج الكلام عن أن يكون جملتين والاستثناء يرفع أحداهما ولا نظير لهذا فى كلامهم، ولان صحة الاستثناء تجعل احدى الجملتين مع الاستثناء لغوا لانه أثبت شيئا بلفظ مفرد ثم رفعه كله فلا يصح كما لو استثنى منها وهى غير معطوفة على بعضها .. أما الآية فليست من هذا القبيل لأن الاستثناء فيها لم يرفع احدى الجملتين وأنما أخرج من الجملتين معا من اتصف بصفة فنظيره ما لو قيل للبواب: من جاء يستأذن فأذن له واعطه درهما الا فلانا، ونظير مسألتنا ما لو قال: أكرم زيدا وعمر الا عمرا وأن قال:

له على درهمان وثلاثة ألا درهمين قيل يصح لان الاستثناء يعود الى الكل فيكون استثناء الاقل وهو صحيح وقيل لا يصح لانه يعود الى الجملة الثانية اذ هى أقرب فيكون استثناء الاكثر لانه أكثر من النصف وهو باطل عند الحنابلة وذكر وجه آخر فى تعليل عدم الصحة وهو أن الاستثناء يرجع الى الجملة الاولى للمساواة كما فى قوله: أكرم زيدا وعمرا ألا زيدا وهو مستغرق فيكون باطلا.

وكذلك يشترط لصحة الاستثناء عند الحنابلة أن لا يستثنى الاكثر مما يتناوله المستثنى منه وهو ما زاد على النصف، فأن استثنى الاكثر بطل الاستثناء عندهم خلافا لابى حنيفة ومالك والشافعى وأصحابهم حيث يصح استثناء الاكثر عندهم، فلو قال: له على مائة درهم ألا تسعين صح الاستثناء عند الائمة الثلاثة ولزمه عشرة وبطل عند الحنابلة ولزمته المائة كلها لانه لم يرد الاستثناء فى لسان العرب الا فى الاقل، وقد أنكروا استثناء الاكثر فلو قال مائة الا تسعة وتسعين لم يكن متكلما بالعربية وكان عيا فى الكلام ولكنة، ويقال: صمت الشهر الا يوما ولا يقال صمت الشهر الا تسعة وعشرين يوما، ويقال: لقيت القوم جميعهم ألا واحدا أو اثنين، ولا يقال لقيت القوم جميعهم الا أكثرهم ..

واذ لم يكن صحيحا فى الكلام لم يرتفع به الاقرار كما فى استثناء الكل وفى استثناء النصف وجهان أحدهما يجوز

ص: 243

وهو ظاهر كلام الخرقى لتخصيصه الابطال بما زاد على النصف لانه ليس بأكثر فجاز كالاقل، والثانى لا يجوز وذكره أبو بكر لانه لم يرد فى كلامهم ألا القليل من الكثير والنصف ليس بقليل .. فلو قال: له على عشرة الا خمسة ألا ثلاثة الا درهمين ألا درهما بطل الاستثناء على رأى أبى بكر لانه استثنى النصف وصح على الرأى الآخر لانه اذا استثنى الكل أو الاكثر يبطل الاستثناء ويسقط أن وقف عليه ولم يصله بغيره فان وصله باستثناء آخر لم يبطل ويستعمل لتصفية الكلام وتحديد نتيجته لان الاستثناء مع المستثنى منه عبارة عن الباقى .. واذا صح الاستثناء فيلزمه فى المثال المذكور سبعة لانه على قاعدة الاثبات والنفى كما هو الاصل عند الحنابلة، باستثناء الخمسة يكون قد نفى ثبوت خمسة من العشرة وباستثناء الثلاثة يكون قد أثبتها تضاف الى الخمسة فيصير المثبت ثمانية وباستثناء الاثنين يكون قد نفى ثبوتهما فيبقى الثابت منه وباستثناء الدرهم يكون قد أثبته يضاف الى الستة فيصير الثابت سبعة فتلزم، وعلى طريقة رجوع كل استثناء الى ما قبله كما هو الشأن عند تعدد الاستثناءات باستثناء الدرهم من الاثنين يبقى واحد يستثنى من الثلاثة يبقى اثنان يطرحان من الخمسة تبقى الثلاثة تستثنى من العشرة يبقى سبعة وهو المقر بها.

أما ان قال: له على ثلاثة ألا ثلاثة ألا درهمين، فأن الاستثناء يكون باطلا كله وجها واحدا لانه فى الثانى استثنى درهمين من ثلاثة وهو استثناء الاكثر وقد وقف عليه فيبطل، واذا بطل الثانى بطل الاول لانه يكون استثناء الكل من الكل .. وأن قال: له على خمسة دراهم ألا درهمين ودرهما لزمته الخمسة فى أحد الوجهين لانه بجمع المستثنى يكون قد استثنى ثلاثة من خمسة وهو استثناء الاكثر فيبطل الاستثناء ويلزمه المقر به.

وفى الوجه الآخر يلزمه ثلاثة دراهم ويبطل الاستثناء الثانى.

‌استثناء المفسر من المبهم وبالعكس:

اذا قال شخص: لفلان على ألف درهم الا خمسين فالمستثنى دراهم ولا يحتاج الى بيان وتفسير لأن العرب لا تستثنى فى الاثبات الا من الجنس .. وان قال:

له على ألف الا خمسين درهما فالجميع دراهم كذلك لما ذكر .. وهذا اختيار ابن حامد والقاضى وهو قول أبى ثور.

وقال أبو الحسن التميمى وأبو الخطاب يكون الألف مبهما يرجع فى تفسيره اليه.

ويقبل تفسيره فيه أيا كان موافقا للجنس أو مخالفا له، غير أنه اذا كان مخالفا للجنس يبطل الاسثناء ويلزمه كل المقر به المستثنى منه خلافا للمالكية والشافعية الذين يرون قبول التفسير والعمل به مطلقا واذا فسر بما يخالف الجنس عليه بيان القيمة وتطرح القيمة من المستثنى منه ويلزم بالباقى ان كانت أقل من المستثنى منه أو قيمته.

أما اذا كانت أكثر أو مساوية فيبطل

ص: 244

الاستثناء للاستغراق، وذلك لأن الاستثناء من غير الجنس صحيح عندهم. ولان لفظه فى الألف مبهم والدارهم لم تذكر تفسيرا له فيبقى على ابهامه ويحتاج للتفسير.

وقال الحنابلة فى تأييد رأيهم أنه لم يرد عن العرب الاستثناء فى الاثبات الا من الجنس فمتى علم أحد الطرفين علم أن الآخر من جنسه كما لو علم المستثنى منه فان الاتفاق على أن المستثنى يكون من جنسه لتلازم المستثنى والمستثنى منه فى الجنس فما ثبت فى أحدهما يثبت فى الآخر.

‌جهالة المستثنى:

اذا قال شخص لفلان عندى هؤلاء العبيد الا واحدا صح ولزمه تسليم تسعة فان عينه فقال الا هذا وأشار الى واحد معين صح وكان مقرا بمن سواه وان قال:: الا واحدا ولم يعينه صح لأن الاقرار يصح مجهولا فكذلك الاستثناء منه ويرجع فى تعيين المستثنى اليه لأن الحكم يتعلق بقوله وهو أعلم بمراده به وان عين من عدا المستثنى صح وكان الباقى له. فان مات العبيد الا واحدا فقال هو المستثنى فهل يقبل قوله؟. ذكروا فيه وجهين، أحدهما يقبل ذكره القاضى والثانى لا يقبل ذكره أبو الخطاب لأنه يرفع به الاقرار كله اذ مقتضاه الا يأخذ المقر له شيئا فكان كاستثناء الكل والصحيح الأول وهو قبول قوله فى التعيين لانه يقبل تعيينه فى حياتهم لمعنى هو موجود بعد موتهم.

وهو تعلق الحكم بقوله وهو أعلم بمراده به فيقبل التفسير كحالة حياتهم، وليس هذا رفعا للاقرار كما يقال وانما تعذر تسليم المقر به لتلفه لا لمعنى يرجع الى التفسير فاشبه ما لو عينه فى حياته فتلف بعد التعيين.

فان قتل العبيد كلهم الا واحدا قبل تفسيره بهذا الواحد قولا واحدا لأن المقر له يحصل له قيمة المقتولين فبقى أثر الاقرار بالقيمة بخلاف الموت فانه لا يحصل للمقر له شئ فوقع الخلاف هناك لذلك، وان قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم ويرجع فى التعيين اليه. وان قال:

غصبتك هؤلاء العبيد الا واحدا وماتوا الا واحدا قبل تفسيره به وجها واحدا لأن المقر له يستحق قيمة الهالكين فلا يقضى التفسير بالباقى الى سقوط الاقرار فكان كحالة القتل حيث بقى أثر الاقرار بالقيمة، بخلاف حالة الموت بدون غصب.

ولو قال: له على ألف الا شيئا صح الاستثناء وعليه التفسير ولا يقبل تفسيره بأكثر من خمسمائة لأن الشئ يحتمل القليل والكثير لكن لا يجوز استثناء الأكثر فتعين حمله على مادون النصف، وكذلك ان قال: الا قليلا لأنه مبهم فأشبه قوله: الا شيئا.

ص: 245

‌تعدد الاستثناء:

اذا تعددت الاستثناءات، فان كانت متعاطفة أى معطوفا بعضها على بعض جمعت كلها وطرح المجموع من المستثنى منه الأصلى، فاذا قال: لفلان على عشرة دراهم الا أربعة وثلاثة واثنين، أو الا أربعة والا ثلاثة والا اثنين بقى درهم واحد لان مجموع الاستثناءات تسعة تطرح من العشرة فيبقى واحد وان لم تكن متعاطفة فيجرى الأمر فيها على قاعدة الاثبات والنفى عبارة الاقرار اثبات والاستثناء الأول نفى والثانى اثبات وهكذا، ويجوز ارجاع كل استثناء الى ما قبله والباقى مما قبله وهكذا والنتيجة فى الأمرين واحدة، ففى المثال المذكور اذا ذكر بدون عطف بأن قال: له على عشرة دراهم الا أربعة الا ثلاثة الا اثنين يبقى سبعة.

عبارة الاقرار أثبتت عشرة، والاستثناء الأول نفى أربعة فتبقى الستة الباقية مثبتة والاستثناء الثانى أثبت ثلاثة تضاف الى الستة فيصير المثبت تسعة والاستثناء الثالث نفى اثنين، فيبقى المثبت سبعة. وبالطريقة الثانية يستثنى اثنان من ثلاثة فيبقى واحدا يستثنى من الاربعة فيبقى ثلاثة تستثنى من العشرة فتبقى سبعة واذا وصلت الاستثناءات الى حد الاستغراق أو استثناء الاكثر أو النصف فيمكن معرفة الحكم فيها من الامثلة التى ذكرت فى الموضوعات السابقة وهى بطلان المستغرق والاكثر، وجريان الخلاف فى النصف

‌الاستثناء بالمشيئة:

فى المغنى لابن قدامة، وان قال: لك على ألف ان شاء الله تعالى كان مقرا، نص عليه أحمد، وقال أصحاب الشافعى ليس باقرار لانه علق اقراره على شرط فلم يصح كما لو علقه على مشيئة زيد، ولأن ما علق على مشيئة الله تعالى لا سبيل الى معرفته ولنا أنه وصل اقراره بما يرفعه كله، ولا يصرفه الى غير الاقرار فلزمه ما أقر به وبطل ما وصله به كما لو قال: له على ألف الا ألفا ولأنه عقب الاقرار بما لا يفيد حكما آخر ولا يقتضى رفع الحكم فأشبه ما لو قال:

له على ألف فى مشيئة الله تعالى .. وان قال: لك على ألف ألا أن يشاء الله صح الاقرار لأنه أقر ثم علق على أمر لا يعلم لرفع الاقرار فلم يرتفع .. وان قال لك على ان شئت أو ان شاء زيد لم يصح الاقرار وقال القاضى يصح لأنه عقبه بما يرفعه فصح الاقرار دون ما يرفعه كاستثناء الكل وكما لو قال: ان شاء الله ..

ولنا أنه علقه على شرط يمكن علمه فلم يصح لأن الاقرار اخبار بحق سابق فلا يتعلق على شرط مستقبل ويفارق التعليق على مشيئة الله تعالى من وجهين الأول: ان مشيئة الله تعالى تذكر فى الكلام تبركا وصلة وتفويضا الى الله تعالى لا للاشتراط كقول الله تعالى: «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ» وقد علم الله أنهم سيدخلون بغير شك ويقول الناس صلينا ان شاء الله

ص: 246

تعالى مع تيقنهم بصلاتهم بخلاف مشيئة الآدمى والثانى ان مشيئة الله تعالى لا تعلم الا بوقوع الأمر فلا يمكن وقف الامر على وجودها، ومشيئة الآدمى يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا يتوقف الأمر على وجودها والماضى لا يمكن وقفه فيتعين حمل الأمر هنا على المستقبل فيكون وعدا لا اقرارا

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

ومن

(2)

قال لفلان عندى مائة دينار دينا ولى عنده مائة قفيز قمح أو قال: الا مائة قفيز تمر أو نحو ذلك أو الا جارية، ولا بينة عليه بشئ ولا له، قوم القمح الذى ادعاه فان ساوى المائة الدينار التى أقر بها أو ساوى أكثر فلا شئ عليه وان ساوى أقل قضى بالفضل للذى أقر له .. برهان ذلك أنه لم يقر له قط اقرارا تاما بل وصله بما أبطل به أول كلامه فلم يثبت له قط على نفسه شيئا، ولو جاز أن يؤخذ ببعض كلامه دون بعض لوجب أن يقتل من قال لا اله الا الله لأن نصف كلامه كفر صحيح وهو قوله: لا اله فيقال له: كفرت ثم ندمت، وهذا فاسد جدا، ولوجب أيضا أن يبطل الاستثناء كله بمثل هذا لأنه ابطال لما اثبته بأول كلامه قبل أن يستثنى ما استثنى .. وقد قال قوم:

انما يجوز الاستثناء من نوع ما قبله لا من نوع غيره، قال أبو محمد وهذا باطل لأن الله تعالى يقول:«إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ، إِلاّ مَنْ ظَلَمَ» ويقول سبحانه:

«فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ» فاستثنى ابليس من الملائكة وليس منهم بل من الجن الذين ينسلون، والملائكة لا تنسل واستثنى تعالى «مَنْ ظَلَمَ» من المرسلين وليسوا من أهل صفتهم. وقال الشاعر:

وبلدة ليس بها أنيس

الا اليعافير والا العيس

وليس اليعافير والعيس من الانيس، وقد استثناهم الشاعر العربى الفصيح.

فالاستثناء جائز وصحيح عند ابن حزم دون شرط ولا قيد الا الاتصال، ويعمل به سواء كان من الجنس أو من غير الجنس وسواء استثنى الكل أو الأكثر أو المساوى أو الاقل، ولم يذكر ابن حزم حكم الاستثناء بالمشيئة فى الاقرار.

‌مذهب الزيدية:

اذا وصل الشخص الاستثناء باقراره صح ويعمل به فيلزمه الباقى بعد اسقاط المستثنى فاذا قال: لفلان على مائة درهم الا عشرين صح ولزمه ثمانون وهم يفرقون فى عبارة الاقرار والالتزام بين قول (على) وقوله: (عندى) فالأولى تستعمل فى الاقرار مما يثبت فى الذمة كالدين فاذا قال لفلان على كذا ونحوه كقبلى أو فى ذمتى كان هذا اللفظ موضوعا لما يثبت فى الذمة كالدين ويشمل

(1)

يراجع فيما ذكر كله المغنى لابن قدامة والشرح الكبير للمقدسى ح 5 ص من 277 - 284، 295، 301 - 311، 317، 349، 350 الطبعة السابقة.

(2)

فى المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 256 وما بعدها المسألة رقم 1382 الطبعة السابقة.

ص: 247

القصاص أيضا فاذا فسر بالدين كالدراهم والدنانير أو بالقصاص قبل كلامه وان فسر بالعين كالثياب والعبيد لا يقبل كلامه وان قال عندى له كذا ونحوه كمعى له أو فى بيتى له كان هذا اللفظ موضوعا للعين فيقبل قوله اذا فسر بذلك.

وهذا مبنى على أصل اللغة أما فى عرفنا الآن فلا فرق بين عندى وعلى فى الاستعمال للدين، فلو قال عندى لفلان كذا احتمل الدين والعين، فان كان ثم قرينة عمل بها والا فهو للعين لأن الاصل براءة الذمة من الدين، وعلى المقر بيان هل هى أمانة أو ضمانة .. وهذا يتعلق بأصل الاقرار، وانما ذكر هنا للحاجة اليه فى الكلام على استثناء المفسر من المبهم وبالعكس واعتبار بعض الكلام بيانا وتفسيرا وكذلك فى اعتبار الجنس فى قبول البيان.

‌شروط صحة الاستثناء:

ويشترط لصحة الاستثناء عند الزيدية أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه فان كان من غير جنسه نحو أن يقول:

له على مائة الا ثوبا لا يصح الاستثناء ويلزمه مائة مما فسر به من غير الثياب من جنس ما يثبت فى الذمة من الديون لأنه عبر بكلمة (على) وهى كما ذكرنا تستعمل فى الديون والقصاص فلا يقبل التفسير الا بما يثبت فى الذمة أما ما لا يثبت فى الذمة فلا يصلح تفسيرا هنا، اذ المراد بالجنس فى الشرط هو جنس ما يثبت فى الذمة حيث عبر بكلمة (على) أو كلمة (عندى) اذا قطعنا النظر عن أصل اللغة وأخذنا بما جرى عليه العرف الآن وكانت هناك قرينة تعين ما يثبت فى الذمة مع كلمة عندى، وجنس ما لا يثبت فى الذمة حيث عبر بكلمة عندى.

فاذا استثنى دراهم من دنانير أو بالعكس كان استثناء من الجنس لأن الكل يثبت فى الذمة واذا استثنى ثيابا من عبيد أو بالعكس كان استثناء من الجنس لأن الكل أعيان لا تثبت فى الذمة.

وقيل يصح الاستثناء من غير الجنس لقوله تعالى: «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً» فان السلام ليس من جنس اللغو وقوله تعالى: «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ» وابليس من الجن وليس من الملائكة. فاذا قال: له على مائة الا دينارا صح أن يفسر المائة بغير الدنانير، ولكن على شرط أن يكون ذلك الغير بحيث لو أخرج منه قدر الدينار بقى منه شئ لأن من شروط صحة الاستثناء أن يكون غير مستغرق. ويشترط لصحة الاستثناء أيضا أن يكون المستثنى متصلا بالمستثنى منه عرفا بمعنى أن لا يفصل بينهما فاصل من سكوت طويل أو كلام أجنبى ونحو ذلك - ولا يضر الفصل بسكوت عارض لانقطاع نفس أو بلع ريق أو نحو ذلك - فان فصل بينهما فاصل يقطع الاتصال عرفا كان الاستثناء باطلا. فلو

ص: 248

قال: له على مائة درهم ثم سكت سكوتا طويلا بدون عذر ولا سبب مبرر، أو اشتغل بكلام أو عمل آخر، ثم قال: الا عشرين بطل الاستثناء ولزمته المائة كلها.

وكذلك يشترط لصحة الاستثناء أن يكون المستثنى غير مستغرق للمستثنى منه، فان كان مستغرقا بطل الاستثناء ولزمه المقر به المستثنى منه، فلو قال: له على عشرة دراهم الا عشرة بطل الاستثناء ولزمته العشرة كلها.

واذا توفرت هذه الشروط وكان المستثنى منه مبهما، وفسر المقر المستثنى فان هذا التفسير يكفى لبيان المستثنى منه ويعتبر تفسيرا له، فان قال: له على مائة الا دينارا كان بيان المستثنى بالدنانير تفسيرا للمستثنى منه وكانت المائة المقر بها دنانير ويلزمه الباقى بعد طرح المستثنى، فان لم يتصل المستثنى بالمستثنى منه أو كان مستغرقا له كان الاستثناء باطلا ولا يعتبر تفسير المستثنى تفسيرا للمستثنى منه فى هذه الحالة بل يكون للمقر الحق فى تفسيره بما أحب، فلو قال: له على مائة ثم سكت سكوتا طويلا بدون عذر ولا مبرر - ثم قال: الا دينارا أو قال: له على مائة الا مائة دينار. لا يعتبر تفسير المستثنى فى المثالين تفسيرا للمستثنى منه لأن الاستثناء باطل فيهما ويلزم المقر بالمائة، وعليه أن يفسرها بما يريد.

واعتبر الزيدية الشرط فى صحة الاستثناء عدم الاستغراق، أما استثناء الاكثر نحو له عشرة الا سبعة واستثناء النصف نحو له على عشرة الا خمسة فيبدو أنه صحيح كما هو رأى الجمهور.

‌تعدد الاستثناءات:

الوجه فى صحة الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى: «إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ» واذا تعددت الاستثناءات اعتبرت فيها قاعدة الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات. مع ملاحظة أن الاستثناء المستغرق لما قبله باطل سواء كان مساويا له أو أكثر منه. فلو قال:

له على عشرة الا تسعة الا ثمانية الا سبعة الا ستة لزمه ثمانية، لأن عبارة الاقرار أثبتت الالتزام بعشرة والاستثناء الاول نفى تسعة، فيبقى واحد مثبت، وقد اثبت الاستثناء الثانى ثمانية تضاف الى الواحد فيصير المثبت تسعة، نفى منها الاستثناء الثالث سبعة فيبقى من المثبت اثنان يضاف اليهما ستة أثبتها الاستثناء الأخير فيكون المثبت ثمانية.

ولو قال: له على عشرة الا ثلاثة الا خمسة لزمه سبعة لأن استثناء الخمسة من الثلاثة مستغرق فيبطل، فيبقى استثناء الثلاثة من العشرة ويكون الباقى سبعة وهو اللازم .. وان قال: له على عشرة الا سبعة الا سبعة الا خمسة لزمه ثمانية، لأن استثناء السبعة من السبعة مستغرق فيبطل .. ويبقى ما عداه وقد نفى من العشرة سبعة وبقى ثلاثة يضاف اليها

ص: 249

خمسة، وله وجه آخر هو ربط استثناء الخمسة بما قبلها واعتبارهما كلاما واحدا وكأنه قال: عشرة الا سبعة الا سبعة ليس فيها خمسة، أى عشرة الا سبعة الا اثنين فيكون اللازم على هذا الوجه خمسة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

عرف الإمامية الاستثناء بأنه:

اخراج ما لولاه لدخل فى اللفظ السابق. وقالوا: ان تعقيب الاقرار بالاستثناء مقبول وصحيح بشروط هى:

أن يكون المستثنى غير مستوعب ولا مستغرق للمستثنى منه، ويستوى أن يكون المستثنى هو الأكثر أو الاقل أو المساوى .. فلو قال: له على مائة الا عشرين أو الا خمسين أو الا تسعين صح ولزمه الباقى من المائة بعد المستثنى لأن المستثنى والمستثنى منه كالشئ الواحد فلا يتفاوت الحال بكثرته وقلته ولوقوعه فى القرآن وغيره من اللفظ الفصيح العربى فان كان المستثنى مستوعبا للمستثنى منه بطل الاستثناء ولزمه المقر به، فلو قال:

له على مائة الا مائة، بطل ولزمته المائة كلها، لأنه يكون ابطالا للكلام السابق فيبطل هو صيانة لكلام العاقل عن اللغو، ولا يحمل على الغلط ولو ادعاه لم يسمع منه، هذا اذا لم يتعقبه استثناء آخر يزيل استغراقه كما لو عقب المثال المذكور بقوله: الا تسعين بأن قال: له على مائة الا مائة الا تسعين فيصح الاستثناءان ويلزمه تسعون لان الكلام جملة واحدة لا يتم الا بآخره وآخره يصير الأول غير مستوعب، فان المائة المستثناة تنفيه لانها استثناء من مثبت والتسعين مثبتة لأنها استثناء من منفى فيصير جملة الكلام فى قوة: له تسعون وكأنه استثنى من أول الأمر عشرة. وأن يكون متصلا بالمستثنى منه بما جرت به العادة والعرف، فيعتفر التنفس بينهما والسعال وغيرهما مما لا يعد فاصلا عرفا، فان فصل بسكوت طويل بدون عذر أو بفاصل يعتبر قاطعا عرفا وعادة فان الاستثناء يبطل ويلزمه المقر به، فلو قال: له على عشرة ثم سكت طويلا بلا عذر أو قطع بكلام أجنبى، ثم قال: الا ثلاثة بطل الاستثناء ولزمه العشرة.

ولو كان الاستثناء اخراج ما لولاه لدخل فى اللفظ كان المستثنى والمستثنى منه متناقضين ومن ثم قالوا ان الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات، اما الأول فجمع عليه، وأما الثانى فلأنه لولاه لم تكن كلمة التوحيد - لا اله الا الله - كافية فيه لأنه لا يتم الا باثبات الالوهية لله تعالى ونفيها عما عداه سبحانه، والنفى هنا حاصل ولو لم يحصل لم يتم التوحيد - وعلى ذلك فلو قال: له على مائة الا تسعين فهو اقرار بعشرة لأن المستثنى منه اثبات للمائة، والمستثنى نفى للتسعين منها فبقى عشرة فتلزمه، ولو قال: الا تسعون بالرفع فهو اقرار بمائة لأنه لم يستثن منها شيئا لان

(1)

شرح الازهار والتعليق الذى عليه ص 174، 182 - 183.

ص: 250

الاستثناء من الموجب التام لا يكون الا منصوبا فلما رفعه لم يكن استثناء وانما - الا - فيه بمعنى غير يوصف بها وبتاليها ما قبلها، ولما كانت المائة مرفوعة بالابتداء كانت التسعون مرفوعة صفة للمرفوع، والمعنى له على مائة موصوفة بأنها غير تسعين، وهذه الصفة مؤكدة صالحة للاسقاط والا الوصفية معروفة عند النحاة بكونها صفة لجمع منكر كما فى قوله تعالى:«لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا» }.

ولو قال: ليس له على مائة الا تسعون فهو اقرار بتسعين لأن المستثنى من المنفى التام يكون مرفوعا - فلما رفع التسعين علم انه استثناء من النفى فيكون اثباتا للتسعين بعد نفى المائة. ولو قال: الا تسعين فلا يكون اقرارا لأن نصب المستثنى دليلا على كون المستثنى منه موجبا، ولما كان ظاهره النفى حمل على أن حرف النفى داخل على الجملة المثبتة المشتملة على الاستثناء أعنى مجموع المستثنى والمستثنى منه وهى:

له - على مائة الا تسعين - فكأنه قال:

المقدار الذى هو مائة الا تسعين ليس له على، أعنى العشرة الباقية، الباقية بعد الاستثناء.

والأولى أن يقال فى توجيه عدم لزوم شئ فى هذه الصورة أنه فى حالة النصب يحتمل أن يكون استثناء من النفى فيكون اثباتا للتسعين واقرارا بها ويحتمل أن يكون استثناء من المثبت والنفى موجه الى مجموع الجملة فلا يكون اقرارا بشئ ومع الاحتمال لا يلزمه شئ.

‌الاستثناء من غير الجنس:

ولو استثنى من غير الجنس صح وان كان مجازا - للتصريح بارادته، ولأمكان تأويله بالمتصل بأن يضمر قيمة المستثنى ونحوها مما يطابق المستثنى منه.

وفى الاستثناء من غير الجنس، يطرح المستثنى باعتبار قيمته من المستثنى منه فاذا بقى منه بقية وان قلت لزمت وان لم يبق منه شئ مطلقا بطل الاستثناء للاستغراق كما لو قال: له على مائة الا ثوبا، فانه يصح ويطالب بتفسير الثوب فان بقى من قيمته بقية من المائة بعد اخراج القيمة قبل التفسير، وان استغرقها بطل الاستثناء على الأقوى والزم المائة، وقيل بطل التفسير خاصة ويطالب بغيره فى حدود أوضاع الاستثناء وقواعده.

‌تعدد الاستثناءات:

ولو تعدد الاستثناء، فان كان بعاطف رجعت كلها الى المستثنى منه الأصلى وطرح مجموعها منه ولا فرق فى هذه الحالة بين ما اذا تكرر حرف الاستثناء كقوله له على عشرة الا أربعة والا ثلاثة، أو لم يتكرر كقوله: له على عشرة الا أربعة وثلاثة ولا بين ما اذا زاد الاستثناء الثانى على الأول كقوله: له على عشرة الا أربعة والا خمسة أو ساواه كقوله: له على عشرة الا أربعة والا أربعة أو نقص عنه كما فى المثال الأصلى السابق.

ص: 251

وكذلك الحكم اذا لم تكن بعاطف، وزاد الاستثناء الثانى على الأول كقوله:

له على عشرة الا أربعة الا خمسة أو ساواه كقوله: له على عشرة الا أربعة الا أربعة فانها تعود الى المستثنى منه الأصلى ويطرح مجموعها منه - وانما رجعت الاستثناءات فى الأحوال المذكورة الى المستثنى منه لانه فى حالة العطف يجب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فى الحكم فهما كالجملة الواحدة، أما فى حالة زيادة الثانى على الأول ومساواته له بدون عطف فلأنه لو عاد الاستثناء الأخير الى الاقرب قبله للزم الاستغراق لأنه زائد عليه أو مساو له وفى كليهما هو مستغرق له، والاستغراق باطل فيصان الكلام عن الهذر اللازم من عودهما معا الى المستثنى منه.

ولكن يشترط فى عود الاستثناءات فى الأحوال المذكورة الى المستثنى منه الا يترتب عليه استغراق مجموعها للمستثنى منه كما فى الأمثلة السابقة. فان لزم الاستغراق وكان من الثانى خاصة كما لو قال: له على عشرة الا خمسة الا خمسة لغا الثانى لانه هو الذى أوجب الفساد، وكذا فى حالة العطف سواء كان الثانى مساويا للأول كما ذكر أم كان أزيد منه كما لو قال: له على عشرة الا ثلاثة والا سبعة أو نقص كما لو قدم السبعة على الثلاثة فى المثال المذكور.

وان تعددت الاستثناءات وكانت بدون عاطف، ولم يكن الثانى أزيد من الأول ولا مساويا له بأن كان التعدد بدون عاطف وكان الاستثناء الثانى أنقص من الأول كأن يقول: له على عشرة الا تسعة الا ثمانية أو يزيد على ما ذكر استثناءات أخرى كل واحد أقل مما قبله - رجع التالى الى متلوه أى رجع كل واحد منها الى ما قبله، لقربه، اذ لو عاد الى البعيد لزم ترجيحه على الاقرب بدون مرجح، وعوده الى الأقرب والبعيد معا يوجب التناقض اذ المستثنى والمستثنى منه متخالفان نفيا واثباتا كما مر ..

ففى المثال المذكور يلزمه تسعة، لأن قوله الأول اقرار بعشرة حيث أنه اثبات والاستثناء الأول نفى التسعة منها لانه من الاثبات، فيبقى واحد مثبت والاستثناء الثانى اثبات لثمانية لانه من النفى، ويضمها الى الواحد الثابت يكون المثبت تسعة وهو ما يلزمه .. ولو أنه أضاف فى المثال المذكور استثناءات أخرى بأعداد متعاقبة نزولا فقال: الا سبعة الا ستة حتى وصل الى الواحد لزمه خمسة لأنه بالاستثناء الثالث نفى سبعة من التسعة المثبتة مما قبله فبقى اثنان وبالرابع أثبت ستة فيصير المثبت ثمانية وبالخامس نفى خمسة منها فبقى ثلاثة مثبتة وبالسادس أثبت أربعة فصار المثبت سبعة وبالسابع نفى ثلاثة منها فبقى المثبت أربعة وبالثامن أثبت اثنين فصار المثبت ستة وبالتاسع نفى واحدا، فبقى المثبت خمسة وهو ما يلزمه .. والضابط أن تجمع الاعداد المثبتة وهى التى مقامها

ص: 252

زوجى على حدة، والأعداد المنفية وهى التى مقامها فردى على حدة - وتطرح مجموع المنفية من مجموع المثبتة والباقى هو المقر به الذى يلزم المقر ومجموع الأعداد المثبتة فى المثال 30 ومجموع المنفية 25 فيكون الباقى 5 ويوضع هكذا (10 + 8 + 6 + 4 + 2) - (9 + 7 + 5 + 3 + 1) -30 - 25 - 5

‌احكام الاستثناء فى الطلاق

‌مذهب الحنفية:

يقول الحنفية أنه يرد على الطلاق نوعان من الاستثناء، الاول:

ربط الطلاق بالمشيئة وتعليقه عليها كقول الزوج لزوجته - أنت طالق ان شاء الله تعالى - ويسمى الاستثناء العرفى أو استثناء التبطيل لأن هذا التعليق يبطل حكم اللفظ ويمنع ثبوته، والثانى:

بيان بألا أو احدى أخواتها ان ما بعدها لم يرد بحكم الصدر كقول الزوج لزوجته: أنت طالق ثلاثا الا اثنتين أو الا واحدة - فان هذا الاستثناء بين أن ما بعد الا وهو الثنيات أو الواحدة غير مراد بحكم الصدر وهو الوقوع على الزوجة ويسمى الاستثناء الوضعى أو استثناء التحصيل .. ويبطل هذا النوع من الاستثناء بخمسة أمور بالسكتة اختيارا وبالزيادة على المستثنى منه وبالمساواة وهذه محترزات شروط فى صحة الاستثناء سيأتى بيانها، وباستثناء بعض الطلقة وبابطال البعض كأنت طالق ثنتين وثنتين الا ثلاثا على ما سيأتى تفصيله.

وتسمية الربط بالمشيئة والتعليق عليها استثناء واطلاق هذا الاسم عليه توقيفى أى وارد فى اللغة لا اصطلاحى فقط قال الله تعالى: «إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ»

(1)

أى لا يقولون أن شاء الله وفى الحديث من حلف على شئ فقال ان شاء الله فقد استثنى وانما يثبت حكم الاستثناء فى صيغ الاخبار وان كان انشاء ايجاب لأن الايجاب يقع ملزما فيحتاج الى ابطاله بالاستثناء وذكره ليس الا لذلك، بخلاف الامر والنهى لأن الأمر لا يقع ملزما لقدرته على عزله فلا حاجة الى الاستثناء ليجب اعتبار صحته، فلو قال: اعتقوا عبدى بعد موتى ان شاء الله لا يعمل الاستثناء فلهم عتقه وكذا لو قال بع عبدى هذا ان شاء الله كان للمأمور بيعه، بخلاف ما لو قال بعت عبدى ان شاء الله فان التعليق بالمشيئة يبطل الايجاب.

وفى حاشية البيضاوى للخفاجى فى التفسير من سورة الكهف قال الراغب:

الاستثناء رفع ما يوجبه عموم سابق كما فى قوله تعالى:

(2)

«قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ}

(1)

الآية رقم 17 من سورة القلم.

(2)

الاية رقم (145) من سورة الانعام.

ص: 253

{فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ» أو رفع ما يوجبه اللفظ كقوله: امرأتى طاق ان شاء الله».

‌الاستثناء بالمشيئة:

جاء فى الهداية وشرح العناية

(1)

:

واذا قال لامرأته أنت طالق ان شاء الله متصلا لم يقع الطلاق لقوله عليه الصلاة والسلام: «ومن حلف بطلاق أو عتاق وقال: ان شاء الله تعالى متصلا لا حنث عليه» ولأنه أتى بصورة الشرط دون حقيقته لان حقيقة الشرط عبارة عما يكون على خطر وتردد ومشيئة الله تعالى ليست كذلك لثبوتها قطعا أو انتفائها قطعا فلا تردد فيكون تعليقا من حيث الصورة.

والتعليق اعدام العلية قبل وجود الشرط - ومعنى ذلك أن صيغة الطلاق عند الحنفية قد جعلها الشارع سببا فى وقوع الطلاق متى صدرت من الأهل لايقاع الطلاق وأضيفت الى المحل لوقوعه، والتعليق عندهم يمنع انعقاد هذه السببية، ويتوقف انعقاد الصيغة سببا لوقوع الطلاق فى حالة التعليق على تحقق الأمر المعلق عليه فاذا تحقق انعقدت السببية وترتب أثر عليها ويكون المعلق عندئذ بمثابة المنجز وهذا هو معنى قولهم ان التعليق اعدام العلية قبل وجود الشرط، والشرط فى التعليق على المشيئة غير معلوم لنا أصلا أى لا يمكن لأحد أن يقف عليه، فيكون التعليق بالمشيئة اعداما من الاصل وليس اعداما للعلية قبل وجود الشرط كما هو الشأن فى التعليق، ومن ثم كان هذا التعليق ابطالا للكلام.

وقد علق صاحب الفتح الكمال بن الهمام رحمه الله تعالى على الحديث المتقدم بقوله - غريب بهذا اللفظ ومعناه مروى، أخرج أصحاب السنن الاربعة من حديث أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على يمين فقال: ان شاء الله فقد استثنى ولفظ النسائى ..

ولفظ الترمذى، فلا حنث عليه وأخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه، وقال الترمذى:

حديث حسن غريب.

وعلق على قول الهداية - والشرط لا يعلم هنا فيكون اعداما من الاصل - بقوله:

يشير الى أن التعليق بالمشيئة ابطال وهو قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى كقوله تعالى {(وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ)}

(2)

وقول الشاعر (اذا شاب الغراب أتيت أهلى. وعاد الثأر كاللبن الحليب) وعند أبى يوسف تعليق ملاحظة للصيغة وهما لاحظا المعنى وهو أولى.

وقد نقل الخلاف بين أبى يوسف

(1)

الهداية وشرح العناية عليها ج 3 ص 143 وما بعدها من فتح القدير للكمال بن الهمام الطبعة الاولى الاميرية سنة 1316 هـ.

(2)

الاية رقم 40 من سورة الاعراف.

ص: 254

ومحمد على عكسه .. وثمرته تظهر فيما اذا قدم الشرط فقال: ان شاء الله أنت طالق تطلق على التعليق لعدم الفاء فى موضع وجوبها فلا يتعلق. ولا تطلق على الابطال، بخلاف - ان شاء الله فأنت طالق - أى فانه يبطل ولا تطلق على التعليق أيضا لان الربط بالفاء موجود فوجد التعليق التام. وفيما اذا جمع بين يمينين فقال: أنت طالق ان دخلت الدار وعبدى حر ان كلمت زيدا ان شاء الله فعلى التعليق يعود الى الجملة الثانية فلو كلمت زيدا لا يقع، ولو دخلت الدار يقع.

وعلى الابطال، يعود الى الكل لعدم الاولوية بالابطال فلو كلمت زيدا أو دخلت الدار لا يقع

ولو أدخله فى الايقاعين فقال أنت طالق وعبدى حر ان شاء الله ينصرف الى الكل فلا تطلق ولا يعتق بالاجماع أما عندهما فلما قلنا من عدم الاولوية بالابطال .. وأما عند أبى يوسف فلانه كالشرط، والشرط اذا دخل على ايقاعين يتعلقان به.

وفيما اذا حلف لا يحلف بالطلاق وقاله حنث على التعليق لا الابطال .. وفى فتاوى قاضيخان ان الفتوى على قول أبى يوسف ألا أنه عزى اليه الابطال، فتحصل أن الفتوى على أنه ابطال.

وفى فصل الاستثناء من باب الطلاق

(1)

قال لها أنت طالق ان شاء الله متصلا مسموعا لا يقع الطلاق للشك فى مشيئة الله تعالى الطلاق لعدم الاطلاع عليها.

وان ادعى الاستثناء وانكرته قبل قوله فى ظاهر المروى. وقيل لا يقبل الا ببينة وعليه الاعتماد والفتوى احتياطا لغلبة الفساد .. وحكم من لم يوقف على مشيئته كالانس والجن والملائكة والجوار كذلك وكذا ان شرك كأن شاء الله وشاء زيد لم يقع أصلا .. ومثل أن لا وان لم واذا. وما.

وما لم يشأ.

ومن الاستثناء: أنت طالق لولا أبوك أو لولا حسنك أو لولا انى أحبك

ولو قال أنت طالق ثلاثا وثلاثا ان شاء الله أو أنت حر وحر ان شاء الله - طلقت ثلاثا وعتق العبد، لان اللفظ الثانى لغو

وكذلك يقع الطلاق بقوله: ان شاء الله أنت طالق فانه تطليق عندهما تعليق عند أبى يوسف لاتصال المبطل بالايجاب فلا يقع كما لو أخر.

وقيل: الخلاف بالعكس، وعلى كل فالمفتى به عدم الوقوع اذا قدم المشيئة ولم يأت بالفاء. فان أتى بها لم يقع اتفاقا.

وثمرته فيمن حلف لا يحلف بالطلاق وقاله حنث على التعليق لا الابطال .. وبأنت طالق بمشيئة الله لا تطلق لان الباء للالصاق فكانت كالصاق الجزاء بالشرط .. وعلق ابن عابدين فى حاشيته على قول الدر المختار - فأنه تطليق عندهما تعليق عند أبى يوسف - بقوله: اعلم أن التعليق بمشيئة الله تعالى ابطال عندهما أى رفع لحكم الايجاب السابق .. وعند أبى يوسف تعليق. ولهذا شرط كونه متصلا

(1)

. تنوير الابصار وشرحه الدر المختار الجزء الثانى من ابن عابدين الطبعة الثالثة بالمطبعة الاميرية سنة 1323 هـ ص 522 وما بعدها.

ص: 255

كسائر الشروط الاخرى ولهما أنه لا طريق للوصول الى معرفة مشيئة تعالى فكان ابطالا بخلاف بقية الشروط. وعلى كل لا يقع الطلاق فى مثل، أنت طالق ان شاء الله تعالى .. نعم تظهر ثمرة الخلاف فى مواضع: منها ما اذا قدم الشرط ولم يأت بالفاء فى الجواب كأن شاء الله أنت طالق فعندهما لا يقع لانه ابطال فلا يختلف، وعنده يقع لان التعليق لا يصح بدون الفاء فى موضع وجوبها، ومنها ما اذا حلف لا يحلف بالطلاق بأن قال لامرأته: أن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال: لها: أنت طالق ان شاء الله طلقت امرأته فى قول أبى يوسف لأنه يمين لوجود الشرط والجزاء. ولا تطلق على قول محمد لانه ليس يمين اذ هو عنده للابطال .. ثم نقل ابن عابدين عدة نقول بآراء بعض العلماء فى أن الخلاف بالعكس أى أن المشيئة ابطال عند أبى يوسف تعليق عند محمد .. ثم قال: والحاصل أن أبا يوسف قائل بأن المشيئة تعليق ولكن اختلف فى التخريج على قوله. فقيل: تلزمه الفاء فى الجواب كما فى بقية الشروط فيقع بدونها وقيل لا فلا يقع وان محمدا قائل بأنها ابطال واختلف فى التخريج على قوله، فقيل: انما تكون ابطالا أن صح الربط بوجود الفاء فى الجواب فلو حذفت فى موضع وجوبها وقع منجزا وهو معنى كونها حينئذ للتطليق وقيل انها عنده للابطال مطلقا فلا يقع وان سقطت الفاء أما أبو حنيفة فقيل مع أبى يوسف وقيل مع محمد.

وعلق على قوله - وقيل الخلاف بالعكس - بقوله: يعنى الخلاف فى أن التعليق بالمشيئة هل هو ابطال أو تعليق فقيل انه ابطال عند أبى يوسف تعليق عند محمد، ولم يذكر هذا القائل أبا حنيفة. وسواء قيل ان التعليق أو الابطال قول أبى يوسف أو قول غيره فالمفتى به عدم الوقوع.

وظاهر مما ذكرنا أن أئمة المذهب متفقون على أنه اذا ربط الطلاق بمشيئة الله تعالى وكان الربط تاما بين الشرط والجزاء بأن قال لزوجته أنت طالق ان شاء الله تعالى فلا يقع الطلاق. وقال محمد: أن ربط على الشرط يتحقق تمام الربط بينهما.

واختلفوا فى توجيه الحكم فقال أبو يوسف أنه تعليق على أمر لا يمكن الوقوف عليه فأن مشيئة الله لا يطلع عليها أحد فلا يقع الطلاق. وقال محمد: أن ربط الطلاق بمشيئة الله ابطال لحكم الصيغة من الاصل لأن التعليق يقتضى اعدام علية الصيغة للحكم الى وجود الشرط، والشرط هنا لا يعرف فكان اعداما من الاصل ولا يعتبر يمينا معلقة على المشيئة ..

أما أبو حنيفة فقد اختلف النقل عنه والراجح انه موافق للامام محمد

وكذلك يكون الحكم اذا قدم الشرط على الجزاء وأتى بالفاء فى الجواب بأن قال: ان شاء الله فأنت طالق حيث لا يقع الطلاق بالاتفاق لتمام الربط بالفاء بين الشرط والجزاء، فكان تعليقا أو ابطالا على الخلاف.

ص: 256

أما اذا قدم الشرط على الجزاء ولم يأت بالفاء فى الجواب بأن قال: ان شاء الله أنت طالق. حيث يكون هناك ربط بين الشرط المتقدم والجزاء المتأخر. فهل يبطل هذا التعليق على المشيئة فى رأى أبى يوسف كما يبطل التعليق على غير المشيئة اذا جاء على هذا النحو خاليا من الربط بالفاء فى موضع وجوبها ويكون ذلك تنجيزا للطلاق فيقع .. أو أن للربط بالمشيئة وضعا آخر لا يبطل معه التعليق فى حالة انعدام الربط بالفاء فى موضع وجوبها على خلاف التعليق بغيرها من الشروط الاخرى ومن ثم يكون التعليق صحيحا وبالتالى لا يقع الطلاق فى هذه الحالة أيضا عند أبى يوسف .. وهل عدم وجود الفاء فى موضع وجوبها يفك الارتباط بين عبارتى الشرط والجزاء فلا يكون ابطالا للطلاق بالمشيئة فى هذه الحالة بل يكون تنجيزا للطلاق فيقع كما هو رأى أبى حنيفة ومحمد، أو ان عدم وجود الفاء لا يفك الارتباط بين العبارتين الحاصل من اقترانهما فيبقى الارتباط بينهما قائما ويكون ابطالا للطلاق واعداما لحكمه فلا يقع.

قد اختلف التخريج على كلا الرأيين ولذلك اختلفت نسبة الاقوال الى الائمة فى الحكم بوقوع الطلاق وعدمه فى هذه الحالة وأيا ما كان توجيه الاراء ونسبة الاقوال، فالمعول عليه للفتوى هو أنه لا يقع الطلاق وان عدم التصريح بالرابط فى التعليق على المشيئة لا يؤثر فى صحة الارتباط وقيامه بين الشرط والجزاء فيها.

ومثل أن الشرطية فى التعليق على المشيئة، ألا. فاذا قال: أنت طالق ألا ان يشاء الله تعالى، فهو كقوله ان شاء الله تعالى - وان لم أى ان لم يشأ الله - فهو تعليق على عدم المشيئة، وكما لا يعلم ان الله قد شاء أمرا فأنه لا يعلم انه لم يشأ ذلك الامر - واذا - أى اذا شاء الله - وما - أى ما شاء الله فلا يقع اما على كونها مصدرية ظرفية ظاهر للشك، وأما على كونها موصولا اسميا فكذلك اذ المعنى حينئذ أنت طالق الطلاق الذى شاء الله ومشيئته لا تعلم - وما لم يشأ - اذ معناه مدة عدم مشيئة الله طلاقك فهو تعليق على عدم المشيئة كما فى أن لم -

ولو قال: أنت طالق كيف شاء الله تطلق واحدة رجعية لأن المضاف الى المشيئة حال الطلاق وكيفيته من المفرد والمتعدد والرجعى والبائن لا أصله فيقع أقله وهو الواحدة الرجعية لانه المتيقن ومن الاستثناء قوله: أنت طالق لولا أبوك أو لولا جمالك أو لولا انى أحبك، فلا يقع به طلاق لان لولا تدل على امتناع الجزاء الذى هو الطلاق لوجود الشرط الذى هو وجود الاب أو جمالها أو محبته لها.

ومثل التعليق على مشيئة الله تعالى فيما ذكر التعليق على مشيئة من له مشيئة لا يوقف عليها كالجن والملائكة فلو قال أنت طالق ان شاء الجن، أو أن شاء ابليس أو

ص: 257

الشيطان، أو ان شاءت الملائكة، أو ان شاء جبريل أو عزرائيل، فلا يقع الطلاق فى كل ذلك لما ذكر فى مشيئة الله .. وكذلك التعليق على مشيئة من لا مشيئة له أصلا، كقوله: أنت طالق ان شاء الكتاب أو الجدار أو القلم.

وان علق على مشيئة الله تعالى ومشيئة من تعرف مشيئته بأن قال: أنت طالق ان شاء الله وشاء زيد، لم يقع طلاق أصلا حتى لو شاء زيد لأنه معلق على مشيئتين ومشيئة الله لا تعرف.

ويشترط فى ترتيب الاحكام على الربط بالمشيئة - الاتصال أى أن تذكر متصلة بالكلام على وجه يعتبر اتصالا عرفا فلا يضر الانقطاع للتنفس وان كان له منه بد فلو سكت قدر التنفس بلا تنفس فعلا يعتبر فاصلا يبطل معه الاستثناء، فالسكوت قدر النفس بلا تنفس مبطل والسكوت للتنفس ولو بلا ضرورة عفو وكذا لا يضر الانقطاع للسعال أو الجشاء أو امساك الفم اذا أتى بالاستثناء عقب رفع اليد عن فمه. أما اذا سكت بعد الرفع مدة فلا يصح الاستثناء وكذلك لا يضر الفصل بكلام يفيد التأكيد نحو أنت طالق طالق ان شاء الله - اذا نوى به التأكيد - أو يفيد التكميل نحو أنت طالق واحدة وثلاثا ان شاء الله، فان قوله - وثلاثا يفيد التكميل فى العدد لأن ذكر الثلاث بعد الواحدة يفيد ذلك بخلاف ما لو قال: أنت طالق ثلاثا وواحدة فانه يكون لغوا ويبطل الاستثناء لأن ذكر الواحدة بعد الثلاث لا يفيد شيئا .. أو يفيد شيئا جديدا كانشاء طلاق نحو أنت طالق يا طالق ان شاء الله أو ايجاب حد أو لعان نحو أنت طالق يا زانية ان شاء الله أو نداء نحو أنت طالق يا فلانة ان شاء الله حيث يصح الاستثناء وينصرف الى الكل ولا يقع طلاق بخلاف الفاصل اللغو نحو أنت طالق رجعيا ان شاء الله .. فان قوله رجعيا لا فائدة فيه لكونه مدلول الصيغة شرعا والفصل بالذكر كسبحان الله فانه يقطع الكلام ويبطل الاستثناء ولو قال: أنت طالق ثلاثا وثلاثا ان شاء الله بطل الاستثناء وطلقت ثلاثا، لأن قوله وثلاثا فاصل لغو يبطل الاستثناء ولا وجه لجعله تأكيدا للفصل بالواو بخلاف ما اذا قال: أنت طالق ثلاثا ثلاثا، فانه لا يعتبر فاصلا اذ يحمل على التأكيد، وهذا عند الامام خلافا لهما لأن التكرار للتأكيد شائع فيحمل عليه وعلى هذا الخلاف لو قال: أنت طالق وطالق وطالق ان شاء الله بطل الاستثناء وطلقت ثلاثا عند الامام وصح الاستثناء ولا يقع شئ عند الصاحبين لقوله طالق أربعا، ان شاء الله وان بدأ التلفظ بصيغة الطلاق والمشيئة فماتت الزوجة بعد قوله أنت طالق وقبل قوله: ان شاء الله صح الاستثناء ولا يقع الطلاق لأن ما جرى من الزوج تعليق لا تطليق وموتها لا ينافى التعليق لأنه مبطل لحكم الصيغة وهو الوقوع، والموت أيضا مبطل فلا يتنافيان فيكون الاستثناء

ص: 258

صحيحا ولا يقع الطلاق عليهما أما اذا مات هو قبل قوله ان شاء الله فان الاستثناء يبطل ويقع الطلاق لعدم اتصال الاستثناء بعبارة الطلاق.

ويشترط أيضا فى عمل الاستثناء بالمشيئة أن يكون مسموعا اذا تلفظ به بحيث لو قرب شخص اذنه الى فمه يسمعه أى أن المراد بكونه مسموعا ما شأنه أن يسمع وان لم يسمعه المنشئ فعلا لكثرة أصوات أو لصمم ومن ثم فاستثناء الاصم صحيح .. وهذا عند الهندوانى وهو الصحيح. وعند الكرخى ليس بشرط ولا يتنافى بين هذا وبين ما سيأتى من أنه لا يشترط التلفظ بالاستثناء لأن الشرط ليس هو التلفظ وانما الشرط هو السماع عند التلفظ.

واذا ادعى الزوج الاستثناء عقب الطلاق بأن قال: قلت بعده، ان شاء الله وأنكرت الزوجة أنه استثنى بأن قالت سمعت الطلاق ولم أسمع الاستثناء، هل يقبل قوله أو لا يقبل الا ببينة ودليل يؤيده واذا كان يقبل قوله فهل يقبل بيمينه أو بدون يمين. اختلفوا.

ففى ظاهر الرواية يقبل قوله ولم يذكر اليمين، واستظهر البعض أن الغرض ان الزوجة تنكر عليه الاستثناء وتنازعه، وقد قالوا: ان عليها فى هذه الحالة أن لا تمكنه من نفسها وتنازعه فتكون هناك خصومة ومنازعة فينبغى أن يكون قبول قوله بيمينه .. وهذا ما لم تكن هناك بينة على أنه لم يستثن، والا وجب العمل بالبينة ولا يقال كيف تقوم بينة على عدم الاستثناء وهو نفى لانه فى المعنى أمر وجودى اذ هو عبارة عن ضم الشفتين عقب التكلم بالصيغة قال فى البحر: ولو شهدوا بأنه طلق أو خالع بلا استثناء أو شهدوا بأنه لم يستثن تقبل. وهذا مما تقبل فيه البينة على النفى، لانه فى المعنى أمر وجودى لأنه عبارة عن ضم الشفتين عقيب التكلم بالموجب .. وان قالوا طلق ولم نسمع منه غير كلمة الخلع، والزوج يدعى الاستثناء فالقول له لجواز أنه قاله ولم يسمعوه والشرط سماعه لا سماعهم على ما عرف فى الجامع الصغير.

وكذا لا يقبل قوله اذا ظهر منه ما يدل على صحة الطلاق كقبض البدل أو ذكره لأن دعواه الاستثناء تتنافى مع ذلك.

وقيل لا يقبل قوله الا ببينة ودليل يؤيده، أخذا بالحيطة والحذر لغلبة الفساد على الناس ونزوعهم الى المغالبة ولو بالباطل ولأن قول الزوج انه استثنى بعد الطلاق على خلاف الظاهر اذ هو يدعى ابطال حكم صيغة الطلاق بعد التلفظ بها، فينبغى الا يؤخذ بقوله الا ببينة تؤيده وهذا هو الذى عليه الاعتماد والفتوى.

وقال الكمال بن الهمام: والذى عندى أن ينظر فان كان الرجل معروفا بالصلاح والشهود لا يشهدون على النفى ينبغى أن يؤخذ بما فى المحيط من عدم الوقوع تصديقا له، وان عرف بالفسق أو جهل حاله فلا لغلبة الفساد فى هذا الزمان -

ص: 259

وعقب ابن عابدين فى حاشيته على قول الكمال بن الهمام بقوله: ولا يخفى أن هذا تحقيق للقول الثانى المفتى به لأن المشايخ عللوه بفساد الزمان أى فيكون الزوج متهما، واذا كان صالحا تنتفى التهمة فيقبل قوله، فلا يكون هذا قولا ثالثا.

ولا يشترط فى الاستثناء بالمشيئة القصد كما هو ظاهر المذهب - فلو جرى ذكر المشيئة على لسان الزوج بعد التكلم بالطلاق دون قصد الى التعليق والابطال صح الاستثناء ولا يقع الطلاق كما لو قال لزوجته أنت طالق فجرى على لسانه أو غير طالق بدون قصد. فانه لا يقع طلاق، ولأن الطلاق مع الاستثناء ليس طلاقا.

وكذلك لا يشترط التلفظ بالاستثناء ولا بالطلاق، فلو تلفظ بالطلاق وكتب الاستثناء موصولا أو عكس أو كتبهما معا أو أزال الاستثناء بعد الكتابة فانه يصح فى ذلك كله ولا يقع طلاق فى جميع الصور.

وكذلك لا يشترط العلم بمعنى الاستثناء ومعرفة أثره شرعا فلو أتى بالمشيئة عقب الطلاق جاهلا ما تدل عليه وتؤدى اليه صح ولا يقع الطلاق كسكوت البكر اذا زوجها أبوها ولا تدرى أن السكوت رضا يمضى به العقد عليها.

ولو شهد اثنان لشخص أنه أتى بالمشيئة عقب التلفظ بصيغة الطلاق موصولا. وهو لا يذكر أنه أتى بالمشيئة ان كان بحال لا يدرى معها ما يجرى على لسانه لغضب أو نحوه جاز له أن يعتمد على شهادتهما ويأخذ بعدم وقوع الطلاق .. وليس المراد أنه وصل الى حالة من نقصان الوعى لا يدرى معها ما يقول ولا يقصده ولا يفهم معناه كالمدهوش والنائم مثلا فان هذا لا يقع طلاقه شرعا من غير استثناء وانما المراد أنه قد ينسى ما وقع منه وما قاله لاشتغال فكره باستيلاء الغضب عليه.

‌الاستثناء بالأداة:

هذا هو النوع الثانى من الاستثناء الذى يرد على الطلاق عند الحنفية وهو بيان بألا أو احدى أخواتها أن ما بعدها لم يرد بحكم الصدر.

ويشترط فى هذا الاستثناء أن يكون متصلا بالمستثنى منه نحو أن يقول:

أنت طالق ثلاثا الا واحدة متصلا، فان فصل بينهما بسكتة اختيارا أو بكلام لغو لا يفيد معنى يتصل بسياق الكلام نحو أن يقول: أنت طالق ثلاثا ثم يسكت بدون عذر مدة ثم يقول الا واحدة ..

أو يقول أنت طالق ثلاثا الحمد لله رب العالمين الا واحدة فان الاستثناء يكون باطلا وتطلق ثلاثا. أما الفصل بسكتة لعذر التنفس أو السعال أو نحو ذلك أو بكلام لا يعد لغوا فلا يضر ويصح الاستثناء.

ص: 260

ويشترط أيضا ألا يزيد المستثنى على المستثنى منه ولا يساويه أى ألا يكون مستغرقا. فلو قال: أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا أو الا أربعا بطل الاستثناء لأن استثناء الكل باطل اذ الاستثناء هو تكلم بالباقى بعد المستثنى، وليس فى هذه الحالة باق يتكلم به فلا يصح. ولو قال:

أنت طالق واحدة وثنتين الا ثنتين أو قال:

أنت طالق ثنتين وواحدة الا ثنتين يبطل الاستثناء ويقع الثلاث، لأنه فى الاول أخرج الثنتين من الثنتين وهو مساو مستغرق، وفى الثانى أخرج الثنتين من الواحدة وهو أكثر مستغرق فبطل وبقى قوله أنت طالق واحدة وثنتين وقوله أنت طالق ثنتين وواحدة وكذا لو قال: ثنتين وواحدة الا واحدة يبطل للاستغراق ويقع الثلاث، أما لو قال: واحدة وثنتين الا واحدة فانه يصح ويقع اثنتان لأن اخراج واحدة من ثنتين صحيح .. والأصل أن الاستثناء انما ينصرف الى ما يليه، واذا تعقب جملا فهو قيد للأخيرة منها .. وانما يبطل استثناء الكل أو الأزيد اذا لم يكن بعده استثناء يكون خبرا للصدر، فان كان بعده استثناء بخبر الصدر بحيث لا يكون مستغرقا صح الاستثناء. وعلى هذا تفرع ما لو قال:

أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا واحدة حيث يصح الاستثناء وتقع واحدة أو قال:

أنت طالق ثلاثا الا ثنتين الا واحدة يصح وتقع ثنتان. وهذا من تعدد الاستثناء ويأتى بيانه.

ومن أصل الحنفية ان استثناء الكل انما يبطل اذا كان بلفظ الصدر أو بلفظ يساويه كما سبقت الاشارة اليه فى شروط الاستثناء أما اذا كان بلفظ يغاير لفظ الصدر فانه يصح اذا كان لفظ الصدر عاما بحسب وصفه يشمل المستثنى وغيره باعتبار عمومه، وان ساواه فى الوجود الخارجى وفرعوا على ذلك ما اذا قال كل امرأة لى طالق الا هذه وأشار الى امرأته وليس له امرأة سواها فانها لا تطلق بناء على صحة الاستثناء لأن المساواة فى الوجود لا تمنع صحته متى عم لفظ المستثنى منه بحسب الوضع لأن الاستثناء تصرف لفظى فينظر فيه الى صيغة المستثنى منه فان عمت المستثنى وغيره وضعا صح ولفظ كل امرأة يعم فى الوضع هذه وغيرها، بخلاف أنتن طوالق مخاطبا زوجاته الا هؤلاء وأشار اليهن وليس له سواهن فانه لا يصح الاستثناء للاستغراق ويطلقن لأن قوله أنتن لا يعم غير المخاطبات، أما لو قال: أنتن طوالق الا هذه وأشار الى واحدة من المخاطبات فانه يصح ولا تطلق المشار اليها، لأن لفظ أنتن يعم المستثناة وغيرها. ولو قال:

أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة الا ثلاثا أو الا واحدة يبطل الاستثناء لعدم وجود تعدد يصح معه اخراج شئ اذ لا عموم للفظ العدد أصلا.

وينظر فى كون الاستثناء كلا أو بعضا الى جملة الكلام المتلفظ به لا الى جملة الكلام الذى يحكم بصحته شرعا فى الطلاق وهو الثلاث، فلو قال: أنت طالق خمسا الا ثلاثا صح الاستثناء ووقع ثنتان

ص: 261

ولو نظر الى ما يحكم بصحته من الخمسة وهو الثلاث لزم استثناء الثلاثة من الثلاث وهو مستغرق فيلغو الاستثناء وتقع الثلاث .. ولو قال: أنت طالق عشرا الا تسعا تقع واحدة والا ثمانية تقع ثنتان والا سبعا تقع ثلاث ولو نظر الى ما يحكم بصحته من الكلام لبطل الاستثناء كما ذكر.

‌تعدد الاستثناء:

قال فى الفتح: وأصل صحة الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى: «إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ» }.

واذا تعدد الاستثناء فان كان بالواو أى عطف بعضه على بعض بالواو - وقد تقدم النقل عن صاحب مسلم الثبوت أن غير الواو من حروف العطف كالفاء وثم مثل الواو فى ذلك - تجمع الاستثناءات كلها ويطرح المجموع من الصدر أى المستثنى منه نحو أنت طالق عشرا الا خمسا والا ثلاثا والا واحدة تقع واحدة لأن مجموع الاستثناءات تسعة ويطرحها من العشرة تبقى واحدة.

أما اذا تعددت بدون عطف كان كل استثناء اسقاطا مما يليه أى مما قبله، فلو قال:

أنت طالق عشرا الا تسعا الا ثمانية الا سبعة تقع ثنتان لأنه اسقاط السبعة من الثمانية يبقى واحد تسقطه من التسعة تبقى ثمانية تسقطها من العشرة تبقى ثنتان. وهناك طريقة أخرى وهى أن تجمع الاعداد التى مراتبها فردية أى الأول والثالث والخامس وهكذا، والاعداد التى مراتبها زوجية - أى الثانى والرابع والسادس وهكذا - ثم نطرح مجموع الأعداد الزوجية من الاعداد الفردية هكذا فى المثال المذكور (10 + 8 - 9 + 7) - 18 - 216. وهناك طرق أخرى لا محل للاستطراد فى ذكرها. واخراج بعض التطليقة لغو بخلاف ايقاعه، فلو قال: أنت طالق ثلاثا الا نصف تطليقة وقع الثلاث وهو قول محمد وهو المختار وقيل على قول أبى يوسف يقع ثنتان لأن التطليقة لا تتجزأ فى الايقاع فكذا لا تتجزأ فى الاستثناء فكأنه قال الا واحدة والجواب أن الايقاع انما لا يتجزأ لمعنى فى الموقع وهو لم يوجد فى الاستثناء فيتجزأ فيه فصار كلامه عبارة عن تطليقتين ونصف فتطلق ثلاثا، وكذا فى الفتح وقال ابن عابدين وحاصله أن ايقاع نصف التطليقة مثلا غير متصور شرعا فكان ايقاعا للكل بخلاف استثناء النصف فانه ممكن لكنه يلغو لأن النصف الباقى تقع به طلقة

(1)

.

‌مذهب المالكية:

الاستثناء فى الطلاق عند المالكية قاصر على اخراج عدد من الطلقات التى ينشئها المتكلم بصيغة الطلاق بألا أو احدى أخوانها وهى سوى وخلا وعدا وحاشا كأن يقول: أنت طالق ثلاثا

(1)

الدر المختار شرح تنوير الابصار وحاشية ابن عابدين عليه ج 2 ص 522 - 529 الطبعة الثالثة الأميرية سنة 1323 هـ.

ص: 262

الا واحدة ولا يعتبرون ربط الطلاق بمشيئة الله تعالى أو بمشيئة غيره ممن له مشيئة تعلم أو لا تعلم أو لا مشيئة له أصلا نوعا من الاستثناء ولو فى المعنى، وانما هو تعليق، والأمر فى ذلك من حيث الاحكام وما قد يترتب عليه من آثار يختلف من صورة الى صورة كما سيتضح مما يذكر بعد والاستثناء فى الطلاق باخراج عدد من الطلقات التى تصلح لها الصيغة المتكلم بها بألا أو احدى أخواتها صحيح عند المالكية فلو قال الزوج لزوجته أنت طالق ثلاثا الا واحدة أو الاثنتين صح وطلقت ثنتين فى الأول وواحدة فى الثانى ولكن يشترط لصحة الاستثناء عندهم ما يأتى:

الأول: أن يكون متصلا بالمستثنى منه حقيقة بأن لا يفصل بينهما فاصل مطلقا أو حكما بأن يفصل بينهما فاصل اضطرارى كالسعال والعطاس مما لا يعد فاصلا عرفا - وهل يضر الفصل بالمحلوف عليه - ان كان كدخول الدار مثلا بأن يقول: أنت طالق ثلاثا ان دخلت الدار الا ثنتين أولا يضر هذا الفصل على اعتبار أن الشرط فى صورة الحلف هو اتصال الاستثناء بالمحلوف به وهو المستثنى منه كقوله: أنت طالق ثلاثا الا اثنتين ان دخلت الدار. أو بالمحلوف عليه كقوله: أنت طالق ثلاثا ان دخلت الدار الا اثنتين: قولان.

الثانى: أن لا يكون المستثنى مستغرقا للمستثنى منه ويريدون بالمستغرق أن يزيد المستثنى على المستثنى منه بأن يقول:

أنت طالق ثنتين الا ثلاثا ولكنهم يلحقون المساوى كقوله: أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا بالزائد فى الحكم ويقولون ان الاستثناء يكون لغوا وباطلا فى الصورتين ويقع ما تضمنته عبارة الطلاق المستثنى منها وهو اثنتان فى الأول وثلاث فى الثانى ..

ويستوى فى ذلك أن يكون الاستغراق بذاته أو بالتكميل فلو قال: أنت طالق ثلاثا الا ثنتين وربعا. أو أنت طالق ثنتين وربعا الا ثلاثا كان الاستثناء مستغرقا لأن جزء الطلقة يكمل ويجب طلقة فكأنه قال: ثلاثا

ولو كان الاستثناء مستغرقا وأعقبه استثناء آخر غير مستغرق فهل ينظر الى الكلام كله على أنه مرتبط ببعضه وأن اعتباره بآخره أو ينظر الى الاستثناء المستغرق وحده فيلغى ثم يرد ما بعده الى الكلام؟ رايان الأول: الفاء الاستثناء الأول وهو الثلاث للاستغراق واستثناء الثانى وهو الواحدة من المستثنى منه الأصلى فيقع به ثنتان، والثانى:

استثناء الثانى من الأول فيبقى ثنتان نطرح من الاصل فتبقى واحدة وهى التى تقع، وهذا الذى أخذ به ابن الحاجب وقال ابن عرفة انه الحق. وعلى الأول جرى العلامة خليل تبعا لابن شاس.

الشرط الثالث: ان يقصد الاستثناء

ص: 263

والاخراج وينويه فلو جرى على لسانه من غير قصد لا يصح.

الرابع: أن يتلفظ به ولو سرا بأن يحرك به لسانه وينطق به وان لم يسمعه أحد، وهذا اذا لم يكن المراد من الحلف التوثق لحق من الحقوق والا لا ينفع الاستثناء اذا كان سرا بل لا بد من سماع التلفظ به لأن اليمين على نية المحلف عندهم كما هو مقرر فى باب اليمين وقد لا يتفق الاستثناء مع نية المحلف فيقع المحظور وينجم اشكال.

واذا تعدد الاستثناء من غير استغراق فنطبق القاعدة المقررة عند الجمهور وهى أن الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات فلو قال: أنت طالق ثلاثا الا ثنتين الا واحدة أو أنت طالق البتة الا ثنتين الا واحدة - والبتة ثلاث - فالثلاث المستثنى منها اثبات، والثنتان، الاستثناء الأول نفى فتبقى واحدة مثبتة والواحدة الاستثناء الثانى اثبات تضاف الى الواحدة السابقة المثبتة فتقع بذلك ثنتان.

واذا يكون المستثنى منه من أجزاء متعاطفة بحرف عطف الواو أو الفاء أو ثم، ثم استثنى بأن قال: أنت طالق واحدة وثنتين الا ثنتين ينظر فان نوى الاستثناء من الجميع المعطوف والمعطوف عليه وقعت واحدة لأن المجموع المستثنى منه ثلاث وقد استثنى ثنتين فيتبقى واحدة وتقبل نيته بدون يمين ولو فى القضاء.

وان نوى الاستثناء من المعطوف وحده أو المعطوف عليه وحده وقع الثلاث لأن الاستثناء يكون ملغى للاستغراق اذ هو أزيد ان كان الاستثناء من المعطوف عليه ومساو ان كان من المعطوف. وان لم ينو شيئا وقع الثلاث كذلك على الراجح لأن من المحتمل فى هذه الحالة أن يكون الاستثناء من الجميع فتقع واحدة كما تقدم وان يكون من المعطوف أو من المعطوف عليه فتقع الثلاث، فوقع الشك فى الواحدة أو الثلاث فيحكم بالثلاث احتياطا فى أمر الحل والحرمة.

وهل يلغى ما زاد على الثلاث من عدد الطلاق الذى اشتمل عليه الكلام المتلفظ به لأنه غير صحيح شرعا فصار معدوما شرعا وهو كالمعدوم حسا أو يعتبر العدد المتلفظ بالغا ما بلغ فيستثنى منه لوجوده لفظا وان كان معدوما شرعا؟ قولان لسحنون، فلو قال: أنت طالق خمسا الا ثنتين فعلى الأول يلغى ما زاد على الثلاث أقصى العدد الذى حدد الشارع للمطلقات وعصمة الزوجية وقد استثنى منها ثنتين فتقع واحدة، وعلى الثانى لا تلغى الزيادة، ويبقى العدد المتلفظ به نظرا لوجوده لفظا وهو خمسة وقد استثنى منه اثنتين فيقع ثلاث، وهذا هو الراجح الذى رجع اليه سحنون واستظهره ابن رشد، وقال فى التوضيح وهو الأقرب وقال ابن عبد السلام أنه أقوى فى النظر ..

ولو قال: أنت طالق خمسا الا ثلاثا يلزمه

ص: 264

على الأول ثلاث لبطلان الاستثناء بالاستغراق حيث ألغى الزائد فكان استثناء من الثلاث ويلزمه على الثانى اثنان كما هو ظاهر.

‌تعليق الطلاق بالمشيئة:

واذا علق الطلاق بمشيئة الله تعالى بأن قال: أنت طالق ان شاء الله تعالى أو الا أن يشاء الله تعالى فان الطلاق يتنجز ويقع فى الحال لأن مشيئة الله لا اطلاع لأحد عليها لانه لا يمكن الاطلاع على ذات الله فى الدنيا أصلا حتى تعلم مشيئته وحينئذ فيحتمل وقوع الطلاق وعدم وقوعه فالطلاق مشكوك فى وقوعه وعدم وقوعه، فالبقاء مع الزوجة على هذه الحالة بقاء على زوجة مشكوك فى حلها .. وكذلك ان قال: أنت طالق ان شاءت الملائكة أو الجن لأنه لا اطلاع لنا على مشيئتهما وان علق الطلاق على شئ كدخول الدار مثلا ثم ربط الأمر بعد ذلك بمشيئة الله تعالى أو بمشيئة الملائكة أو الجن بأن قال: أنت طالق ان دخلت الدار ان شاء الله تعالى، فينظر: ان صرف المشيئة الى الطلاق أو صرفها الى الطلاق والدخول أو لم تكن نية أصلا يصرفها الى شئ تنجز الطلاق ووقع اذا حصل المعلق عليه وهو دخول الدار بالاتفاق .. أما اذا صرف. المشيئة الى المعلق عليه فقط وهو دخول الدار فقد وقع خلاف: فقال ابن القاسم يلزم الطلاق ويقع اذا حصل المعلق عليه وهو دخول الدار ولا يلزم شئ اذا لم تدخل لأن الشرط معلق بمحقق فان كل شئ بمشيئة الله والاستثناء لاغ وتناقض وتعقيب بالواقع فانه معلوم انها لا تدخل الا اذا شاء الله الدخول فكان كالاستثناء المستغرق اذا لم يبق بعد المستثنى حالة أخرى .. وقال أشهب وابن الماجشون:

لا يقع طلاق ولو حصل المعلق عليه ودخلت الدار فعلا.

وان علق الطلاق على مشيئة آدمى حى بأن قال: أنت طالق ان شاء زيد أو الا أن يشاء زيد وزيد على قيد الحياة يرتبط الامر بمشيئته ان شاء طلقها ووقع الطلاق وان لم يشأ لم يقع. أما ان كان زيد حيا وقت التعليق ثم مات قبل أن تعلم مشيئته فلا شئ على الحالف أى لا يلزمه طلاق لعدم تحقق المشيئة، وكذلك اذا كان زيد ميتا وقت التعليق لا شئ على الحالف سواء كان يعلم أنه ميت حينئذ أو لا يعلم ولكن ظهر أنه كان ميتا

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

(2)

الاستثناء على ضربين ضرب يرفع العدد لا أصل الطلاق كالاستثناء بألا أو احدى اخواتها .. وضرب يرفع أصل الطلاق كالتعليق

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 439 - 444 الطبعة السابقة وشرح منح الجليل ج 2 ص 246 - 248، 252، 255 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الشروانى على تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج 1 ص 61 الطبعة السابقة نقلا عن المغنى.

ص: 265

بالمشيئة كأنت طالق ان شاء الله تعالى، وهذا يسمى استثناء شرعيا لاشتهاره فى العرف قال بعض المحققين: وسميت كلمة استثناء لصرفها الكلام عن الجزم والثبوت حالا من حيث التعليق بما لا يعلمه الا الله تعالى وقال صاحب التحفة: ان الاستثناء هو الاخراج بنحو الا كأستثنى وأحط، وكذا التعليق بالمشيئة وغيرها من سائر التعليقات كما اشتهر شرعا، وقد وقع الاستثناء فى القرآن والسنة وكلام العرب، ويصح الاستثناء فى الطلاق قياسا على غيره مما ورد فيه النص وجميع ما يأتى من الشروط عام فى النوعين ما عدا الاستغراق. وعلق الشروانى على قوله ما عدا الاستغراق بقوله: أما الاستغراق فيشترط عدمه فى النوع الأول أعنى الاخراج بنحو الا. وأما النوع الثانى أعنى التعليق بالمشيئة وغيرها فيكون مستغرقا غالبا.

‌شروط الاستثناء:

وقد أشرنا فى الكلام على الاستثناء فى الاقرار الى شروط صحة الاستثناء على التفصيل وهى على الاجمال:

الاتصال بالمستثنى منه عرفا بحيث يعد كلاما واحدا لاجماع أهل اللغة على ذلك خلافا لما حكى عن ابن عباس رضى الله عنهما من جواز انفصال الاستثناء الى شهر أو سنة أو أبدا على ما قيل.

وجوزوا الفصل بما له صلة وتعلق بالكلام كقوله: أنت طالق ثلاثا يا زانية، أو يا طالق الا واحدة، وقالوا انه لبيان العذر فى التطليق، ولتعلقه بالزوجين بخلاف الكلام الأجنبى وان قل فان الفصل به يمنع صحة الاستثناء ولم يجيزوا الفصل فى الطلاق بنحو استغفر الله وأجازه البعض فى الاقرار لأنه اخبار يحتمل الكذب أما الطلاق فانه انشاء.

والقصد: أى قصد الاستثناء والاخراج قبل الفراغ من عبارة المستثنى منه بحيث تقترن النية بأى جزء من أجزاء المستثنى منه ان أخر الاستثناء عن الصيغة بأن قال: أنت طالق ثلاثا الا واحدة، أما ان قدم الاستثناء بأن قال:

أنت الا واحدة طالق ثلاثا فيلزمه أن ينويه قبل التلفظ به أو يقصد حال الاتيان به انه استثناء مما يأتى بعده ليحصل الربط بين المستثنى والمستثنى منه، واستحسن بعضهم عدم اشتراط نيته قبل التلفظ به واكتفى باشتراط النية عند الاتيان به انه استثناء مما يأتى بعده.

ومعرفة معناه ولو من وجه: أى أن يعرف المتكلم بالاستثناء ان القصد منه هو التعليق أو التخصيص باجمال لاخصوص معانيه التفصيلية التى أفاض العلماء فى بيانها فى كتب الاصول والفقه واللغة، وأكثر الناس يفهمون هذا المعنى الاجمالى حتى لو أن شخصا لقن اللفظ مع الاستثناء ثم سئل عن معناه فلم يفصح عنه،

ص: 266

لا يترتب على هذا الاستثناء حكمه لفقدان الشرط وهو معرفة المعنى.

والتلفظ بحيث يسمع نفسه: اذا كان سمعه معتدلا ولم تحط به عوارض تحول دون السماع من ضجيج أو صخب، والا لا يقبل وظاهر ما ذكر ان اسماع نفسه شرط فى صحة الاستثناء بألا واخواتها وفى التعليق بالمشيئة، وقد نقل الشروانى عن الانوار وغيره ان هذا شرط فى التعليق على غير المشيئة كدخول الدار أو التكلم مع شخص معين أو الذهاب الى بيت أحد من الناس أو نحو ذلك من الشروط، أما الاستثناء بألا واخواتها والتعليق على المشيئة فالشرط فيهما أن يسمع غيره، وفرقوا بين الأمرين بأن التعليق بأى شرط غير المشيئة كالدخول ليس رافعا للطلاق لا أصلا ولا عددا وانما هو مخصص له فقط بخلاف التعليق بالمشيئة فأنه يرفع أصل الطلاق وبخلاف الاستثناء فانه يرفع العدد ويزيله، ورتبوا على هذا الفرق واختلاف الشرط أنه اذا قال: أنت طالق ان كلمت زيدا وأنكرت الزوجة حصول الشرط وتمسك الزوج بحصوله، كان القول قوله بيمينه لان الشرط فيه أن يسمع نفسه وقد يكون سمع هو ولم يسمع غيره فيصدق بيمينه، أما لو قال:

أنت طالق ان شاء الله، أو أنت طالق ثلاثا ألا واحدة، وأنكرت الزوجة التعليق على المشيئة أو الاستثناء وتمسك هو بحصوله كان القول قولها فى نفى الشرط والاستثناء ويحكم بوقوع الطلاق اذا حلفت اليمين لان الشرط فيهما أن يسمع غيره فالظاهر يشهد لها غير أن الشروانى بعد أن نقل عن الانوار وغيره ما هو صريح فى التفرقة بين الاستثناء والمشيئة وبين التعليق بغيرها من الشروط والصفات واختلاف الشرط والحكم فيهما عند الانكار قال فى آخر النقول: وهذه كلها مخالفة لما فى المغنى وعبارته ويشترط أيضا فى التلفظ بالاستثناء اسماع نفسه عند اعتدال سمعه فلا يكفى أن ينويه بقلبه ولا أن يتلفظ به من غير أن يسمع نفسه فان ذلك لا يؤثر ظاهرا قطعا ولا يدين على المشهور.

ويبدو أن الامر موضع خلاف بين فقهاء المذهب.

وعدم الاستغراق: أى أن لا يستغرق المستثنى المستثنى منه، فأن استغرقه بأن قال: أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا بطل الاستثناء ووقع الثلاث ولو قال: أنت طالق ثلاثا الا ثنتين وواحدة وقعت واحدة لان القاعدة المقررة أنه اذا تكون المستثنى أو المستثنى منه أو هما معا من اعداد متفرقة معطوف بعضها على بعض، لا تجمع هذه الاعداد المتعاطفة بعضها على بعض لتحصيل الاستغراق توصلا لابطال الاستثناء ولا لدفع الاستغراق توصلا لتصحيح الاستثناء وانما يفرد كل بحكمه، ففى المثال المذكور، المستثنى يكون من اثنتين وواحدة وبينهما حرف عطف ولو جمعا لكانا ثلاثا، والمستثنى منه ثلاث فيكون مستغرقا فيبطل وتقع الثلاث - فلا يجمع المتفرق بل يلغو قوله وواحدة لحصول الاستغراق

ص: 267

بها ويبقى ثلاثا الا اثنتين فتقع واحدة، ولو قال: أنت طالق ثنتين وواحدة الا واحدة - المتفرق فيه فى المستثنى منه، ولا يجمع طبقا للقاعدة المذكورة، فيكون قد استثنى واحدة وهو مستغرق فيبطل الاستثناء ويبقى قوله أنت طالق ثنتين وواحدة فيقع الثلاث واذا قال المتكلم قصدت الاستثناء من المجموع ينبغى أن يقبل.

وقد يقال: اذا كان الاستغراق يبطل الاستثناء لانه رفع لما أثبته بصدر الكلام فلا يقبل ومن ثم اشترط لصحة الاستثناء عدم الاستغراق فلم يصح التعليق بالمشيئة وهو ابطال للطلاق ورفع لاصله .. والجواب أن مقتضى النظر والقواعد أن لا يصح التعليق بالمشيئة لانه ابطال ورفع لما ثبت بالصدر. ولكنه خرج بالنص أى الخبر الصحيح - من حلف ثم قال ان شاء الله فقد استثنى وهو عام فى الطلاق وغيره، وفى خبر لابى موسى الاصفهانى - من أعتق أو طلق واستثنى فله ثنياه - أما الآخر وهو الاستثناء بألا فلم يرد فيه نص فبقى على الاصل - وأيضا فان الاستثناء المستغرق عبارة عن كلام متناقض غير منتظم ولا يفهم منه معنى صحيح بخلاف التعليق بالمشيئة فأنه كلام منتظم سليم بدليل أنه لا يقع به الطلاق كما اذا سبق لسانه الى ذكر المشيئة دون قصد أو قصد بذكره التبرك لا التعليق.

وقد لا يقع كما اذا ذكرها قصدا وتلفظ بها وأراد التعليق واذا أتى بعد الاستثناء المستغرق استثناء آخر وكانت نتيجة التصفية بمقتضى القواعد زوال الاستغراق فلا يعول عليه وفى هذه الحالة يصفى الاستثناء على أساس أن الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات كما هو رأى الشافعية وجمهور الاصوليين خلافا للحنفية. فلو قال: أنت طالق ثلاثا ألا ثنتين ألا واحدة وقع ثنتان، لان المعنى ثلاثا يقعن الا ثنتين لا يقعان فتبقى واحدة تقع تضاف اليها واحدة بقوله الا واحدة تقع، ولو قال: أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا ألا ثنتين وقعت ثنتان أيضا لانه لما عقب الاستثناء المستغرق بغيره خرج عن الاستغراق فلا يلغو ويكون المعنى ثلاثا تقع الا ثلاثا لا تقع الا ثنتين تقعان، ويمكن الاخذ بقاعدة رجوع كل استثناء الى ما قبله ففى المثال الاول تستثنى واحدة من اثنتين تبقى واحدة فتستثنى من الثلاث فتبقى اثنتان هما الواقعتان وفى الثانى تستثنى اثنتان من الثلاث تبقى واحدة تستثنى من الثلاث تبقى اثنتان .. وهكذا وقيل تقع ثلاث فى المثال الثانى لان الاستثناء الاول مستغرق فيلغو ويصبح فاصلا بين المستثنى منه والاستثناء الثانى فيلغو أيضا ويبقى قوله: أنت طالق ثلاثا وقيل تقع فيه واحدة، الغاء للمستغرق فقط وارجاعا للثانى الصحيح الى أصل الكلام. ثم هل العبرة فى الاستثناء باللفظ المذكور أيا كان العدد المستثنى منه، والعدد المستثنى دون نظر الى القدر الذى حدده الشارع لعدد الطلقات التى يملكها الزوج على زوجته وهو الثلاث، أو ينظر الى

ص: 268

هذا العدد الصحيح دون ما زاد عليه؟ رأيان والاصح النظر الى اللفظ المتكلم به لان الاستثناء تصرف لفظى يرتبط باللفظ دون تقيد بالعدد المعتبر شرعا، فلو قال:

أنت طالق خمسا الا ثلاثا وقع ثنتان اعتبارا للاستثناء من الملفوظ به لانه لفظ فاتبع فيه موجب اللفظ بناء على الاصح. وقيل تقع ثلاث لان الاستثناء يتصرف الى المملوك شرعا لان الزيادة عليه لغو فلا عبرة بها.

بناء على غير الاصح، وحينئذ يكون الاستثناء مستغرقا وكأنه قال: أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا فيلغو وتقع الثلاث .. ولو قال: أنت طالق ثلاثا الا نصف تطليقة او الا أقله ولا نية له وقع ثلاث على الصحيح اذ الاقل عند الاطلاق محمول على بعض الطلقة، وتكمل الباقى دون المستثنى لان التكميل فى الايقاع لا فى الرفع. ولو نوى ب (الا أقلة) طلقة كما هو السابق الى الفهم - وقع ثنتان.

‌الاستثناء بالمشيئة:

اذا قال: أنت طالق ان شاء الله أو اذا أو متى شاء الله أو أراد أو أحب أو رضى أو اختار. أو قال: أنت طالق ان أو اذا أو متى لم يشاء الله، وقصد تعليق الطلاق بالمشيئة فى الاول أو بعدمها فى الثانى قبل فراغ عبارة الطلاق ولم يفصل بينهما اسمع نفسه أو غيره على ما سبق فى بيان ما هو الشرط فى التعليق بالمشيئة - لم يقع طلاق بما ذكر أصلا أما فى التعليق بالمشيئة فللخبر الصحيح - من حلف ثم قال ان شاء الله فقد استثنى - وهو عام فى الطلاق وغيره، وفى خبر لابى موسى الاصفهانى، من أعتق أو طلق واستثنى فله ثنياه. وعلل المتكلمون اعتبار قوله ان شاء الله استثناء يمنع وقوع الطلاق بأنه يقتضى مشيئة جديدة ومشيئة الله تعالى قديمة.

أما الفقهاء فقد عللوا ذلك بأن مشيئة الله تعالى لا تعلم لنا .. وفرقوا بين الاستثناء المتفرق فى الاستثناء بنحو الا حيث أبطلوه وأوقعوا الطلاق حسبما تقتضيه الصيغة المستثنى منها. والتعليق بالمشيئة حيث اعتبروه ولم يوقعوا الطلاق أصلا، مع أن كلا منهما رافع للطلاق - بأن لفظ الاستثناء المستغرق متناقض وغير منتظم بخلاف التعليق بالمشيئة فأن عبارته منتظمة وقد يقع بها طلاق اذا لم يقصد التعليق.

وأما فى التعليق بعدم المشيئة فلاستحالة الوقوع بخلاف مشيئة الله تعالى - ولان عدم المشيئة غير معلوم لنا أيضا.

فاذا ذكر المتكلم المشيئة أو عدم المشيئة ولكنه لم يقصد التعليق بل سبق لسانه اليها أو ذكرها على سبيل التبرك أو قصد الاشارة الى أن كل شئ بمشيئة الله تعالى أو لم يعلم هل قصد التعليق أولا أو أطلق. فانه يقع الطلاق حسبما تقتضيه الصيغة فى ذلك كله لانعدام التعليق حينئذ.

وكما يمنع التعليق على المشيئة انعقاد الطلاق ووقوعه يمنع انعقاد الطلاق وتعليقه على شرط آخر، كقوله: أنت طالق

ص: 269

ان دخلت الدار ان شاء الله تعالى، حيث لا ينعقد هذا التعليق ولا تطلق ان دخلت الزوجة الدار من غير نظر الى صرف المشيئة الى الطلاق فقط أو الى الشرط المعلق عليه فقط أو اليهما معا .. ولو قال:

يا طالق ان شاء الله وقع الطلاق لان صورة النداء تشعر بحصول الطلاق عنده وحال وجوده والحاصل بالفعل لا يعلق بخلاف قوله: أنت طالق فأنه ليس نصا فى حصول الطلاق حال التكلم به أى ليس أخبارا عن طلاق حاصل، فقد يستعمل عند القرب منه وتوقع الحصول، كما يقال للقريب من الوصول:

أنت واصل وللمريض المتوقع شفاؤه، أنت صحيح فينتظم الاستثناء فى مثله

ولو قال: أنت طالق ثلاثا يا طالق ان شاء الله تعالى وقعت طلقة واحدة لان الاستثناء يرجع الى غير النداء فيرفع قوله أنت طالق ثلاثا، ويبقى قوله يا طالق فتقع به طلقة ولا يعتبر هذا النداء فاصلا يلغو معه الاستثناء لانه مما يتعلق بالزوجين كما تقدم .. وظاهر الاطلاق أنه لا فرق بين ما اذا كان اسمها طالق وغيره .. لكن جزم القاضى فيمن اسمها ذلك، بأنه لا يقع طلاق اذ يكون مجرد نداء لا يقصد به انشاء طلاق، اللهم الا أن يقول الزوج أنه قصد به الطلاق - فأنه يقع به طلاق اتفاقا ولو علق الطلاق بمشيئة الملائكة لم تطلق لان لهم مشيئة لا يعلم حصولها وكذا ان علق بمشيئة بهيمة لانه تعليق بمستحيل، ولو قال: أنت طالق ان شاء زيد فمات أو جن قبل المشيئة لم تطلق وان خرس فأشار طلقت، ولو قال: أنت طالق ان لم يشأ زيد ولم توجد مشيئته فى الحياة وقع قبيل موته أو جنونه المتصل بالموت وان مات وشك فى مشيئته لم تطلق للشك فى الصفة الموجبة للطلاق، ولو قال: أنت طالق ان لم يشأ زيد اليوم ولم يشأ فيه وقع قبيل الغروب اذ اليوم فى هذه الصورة كالعمر فيما مر

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

يصح

(2)

الاستثناء فى الطلاق عند الحنابلة، وحكى عن أبى بكر أنه لا يصح الاستثناء فى الطلاق، وحكى عنه أن الاستثناء لا يؤثر فى عدد الطلقات ويجوز فى المطلقات فلو قال: أنت طالق ثلاثا ألا واحدة وقع الثلاث عنده لعدم صحة الاستثناء فى العدد، ولو قال: نسائى طوالق ألا فلانة لم تطلق فلانة لان الطلاق لا يمكن رفعه بعد ايقاعه واستثناء العدد رفع له عن المستثنى فلا يصح ..

وأجيب بأن الاستثناء ليس رفعا لما وقع بالفعل اذ لو كان فى ذلك لما صح فى المطلقات ولا فى الاقرار والاخبار وقد

(1)

يراجع فيما ذكر كله تحفة المحتاج بشرح المنهاج وحواشيها ج 8 فصل الاستثناء من باب الطلاق ص 61 - 69 الطبعة السابقة وشرح منهج الطلاب ج 4 فصل الاستثناء من باب الطلاق ج 4 ص 17 - 19 الطبعة السابقة.

(2)

يراجع فيما كتب فى مذهب الحنابلة المغنى لابن قدامة من ج 8 من صفحة 307 - 316 ومن ص 377 - 384 والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 8 ص 435 - 441 الطبعة السابقة:

ص: 270

أجيز فى ذلك كله بالاتفاق وانما هو مبين أن المستثنى غير مراد فى الكلام فهو يمنع أن يدخل فيه ما لولاه لدخل، فقوله تعالى {(فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً)} عبارة عن تسعمائة وخمسين عاما، وقوله {(إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي)} مقتضاه انه لم يتبرأ من الله، فكذلك قوله: أنت طالق ثلاثا ألا واحدة عبارة عن اثنين لا غير.

وقد قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل اذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا ألا واحدة انها تطلق طلقتين ويصح استثناء ما دون النصف باتفاق ولا يصح استثناء الكل باتفاق أيضا ويصح استثناء الاكثر والنصف عند الجمهور، ولا يصح استثناء الاكثر عند الحنابلة وفى استثناء النصف وجهان عندهم فلو قال: أنت طالق ثلاثا الا واحدة صح ووقعت ثنتان عند الكل ولو قال: ألا ثلاثا بطل ووقع الثلاث عند الكل ولو قال: الا ثنتين بطل ووقع الثلاث عند الحنابلة وصح ووقعت واحدة عند الجمهور ولو قال: أنت طالق ثنتين ألا واحدة صح ووقعت واحدة عند الجمهور واحتمل وجهين عند الحنابلة أحدهما كالجمهور والثانى لا يصح وتقع ثنتان.

ولا يصح الاستثناء الا متلفظا به فاذا طلقها بلسانه واستثنى بقلبه شيئا وقع الطلاق ولم ينفعه الاستثناء

وجملة ذلك أن ما يتصل باللفظ من قرينة أو استثناء على ثلاثة أضرب:

أحدها: ما لا يصح نطقا ولا نية وهو ما يرفع حكم اللفظ كاستثناء الكل مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا فهذا لا يصح سواء نطق كما فى المثال المذكور أو نواه فقط بأن قال: أنت طالق ثلاثا ونوى بقلبه استثناء الثلاث، فيبطل الاستثناء فى الحالتين وتقع الثلاث.

ثانيها: ما يصح لفظا ولا يقبل نية لا فى الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو استثناء الاقل فهذا يصح لفظا لانه من لسان العرب ولا يصح بالنية مثل ان يقول: أنت طالق ثلاثا ويستثنى بقلبه الا واحدة، فهذا لا يصح لان العدد نص فيما تناوله لا يتحمل غيره فلا يرتفع بالنية ما ثبت بنص اللفظ اذ اللفظ أقوى من النية فيقع مقتضى اللفظ وهو ثلاث وتلغو النية.

وليس هذا مثل قوله: نسائى طوالق واستثناء فلانة منهن بقلبه حيث يصح الاستثناء ولا تطلق فلانة المستثناة - لان لفظ نسائى عام يجوز التعبير به عن بعض ما يشمله وضعا، فاذا أريد به البعض صح، بخلاف ثلاثا فى قوله: أنت طالق ثلاثا فانه اسم عدد للثلاث لا يجوز التعبير به عن عدد آخر غيرها ولا يحتمل سواها فاذا أراد به اثنين بقرينة الاستثناء فقد أراد باللفظ ما لا يحتمله، وانما تعمل

ص: 271

النية فى صرف اللفظ المحتمل الى أحد محتملاته فأما مالا يحتمله فلا. ولو عملنا به فيما لا يحتمله كان عملا بمجرد النية.

ومجرد النية لا يعمل فى النكاح والطلاق والبيع ولو قال: نسائى الأربع طوالق أو قال: أربعتكن طوالق واستثنى بعضهن بالنية لم يصح ولا يقبل ويطلق الجميع من استثنى ومن لم يستثن، على قياس أنت طالق ثلاثا واستثناء واحدة بقلبه ولا يدين فيه لانه عنى باللفظ مالا يحتمل.

ثالثها: ما يصح نطقا - واذا نواه يدين فيه فيما بينه وبين الله تعالى، وذلك مثل تخصيص العام أو استعمال اللفظ فى مجازه كأن يقول نسائى طوالق ويريد بعضهن بدون استثناء ملفوظ أو يقول: أنت طالق ويريد من الوثاق، فهذا يصح ويقبل اذا تلفظ به وجها واحدا لانه وصل كلامه بما بين مراده منه، واذا لم يتلفظ ونوى هذا المراد قبل فيما بينه وبين الله تعالى لانه أراد تخصيص اللفظ العام واستعماله فى الخصوص، وهذا سائغ لغة وشائع استعمالا فلا يمنع منه ويكون اللفظ منصرفا الى ما أراده وما يحتمله ..

وهل يقبل ذلك فى الحكم؟ وجهان:

أحدهما يقبل لانه فسر كلامه بما يحتمله فيصح كما لو قال: أنت طالق أنت طالق وأراد بالثانية افهلمها أنها طلقت والثانى لا يقبل لانه خلاف الظاهر - ومن شرط هذا الضرب أن تكون النية مقارنة للفظ - فان تأخرت عنه بأن قال: نسائى طوالق ثم بعد فراغه نوى بقلبه بعضهن أو طلق نساءه ونوى بعد طلاقهن أى من وثاق - لم تنفعه النية حينئذ وطلق جميع نسائه فى الاول ولزمه الطلاق فى الثانى لانه مقتضى اللفظ والنية المتأخرة مجردة فلا تعمل.

وهل العبرة فى تصفية الاستثناء واعتباره استثناء للكل أو للبعض الاكثر أو النصف أو الاقل بما تضمنه اللفظ دون نظر الى ما يملكه من عدد الطلقات أو العبرة بعدد الطلقات التى يملكها شرعا؟ يستوى الامران ويجوز الاخذ بهذا الاعتبار أو ذاك ويرتب الحكم فى وقوع الطلاق على هذا النظر أو ذاك، فلو قال: أنت طالق خمسا ألا ثلاثا وقع ثلاث لان الاستثناء أن عاد الى الخمس التى تلفظ بها فقد استثنى الاكثر وأن عاد الى الثلاث التى يملكها فقد استثنى الكل وكلاهما غير صحيح فيبطل الاستثناء وتقع الثلاث، ولو قال: خمسا ألا طلقة ففيه وجهان أحدهما: يقع ثلاث لان الكلام مع الاستثناء جملة واحدة فكأنه نطق بما عدا المستثنى وكأنه قال: أنت طالق أربعا وفيها يقع ثلاث والثانى: يقع ثنتان كما ذكره القاضى لان الاستثناء لا يرجع الى الخمس المتلفظ بها وانما يرجع الى ما يملكه من الطلقات وهو الثلاث وما زاد عليها يلغو.

وقد استثنى واحدة من الثلاث فيصح وتقع طلقتان .. ولو قال: ثلاثا الا ربع طلقة طلقت ثلاثا لان الطلقة الناقصة فى الايقاع تكمل فتصير ثلاثا. وان قال:

ص: 272

أنت طالق أربعا الا ثنتين، فاذا اعتبرنا الاستثناء من الاربع المتلفظ بها دون النظر الى ما يملكه، كان استثناء النصف وفيه رأيان يصح فيقع طلقتان أولا يصح فيلغو ويقع الثلاث. وعلى قول القاضى:

ينبغى ألا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لان الاستثناء يرجع الى الثلاث فيكون استثناء الاكثر وهو باطل.

واذا كان المستثنى منه مكونا من جمل متعاطفة وكان الاستثناء جملة واحدة.

فان تعاطفت جمل المستثنى منه بالواو بأن قال: أنت طالق ثنتين وواحدة الا واحدة ففيه وجهان أحدهما لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لانه يعود الى الجملة الاخيرة فيكون استثناء الكل فيبطل والثانى يصح الاستثناء ويقع ثنتان لان العطف بالواو يجعل الجملتين كالجملة الواحدة فيصير مستثنيا من ثلاث وقد استثنى منها واحدة.

وكذا ان قال: أنت طالق واحدة وثنتين ألا واحدة، أو أنت طالق وطالق وطالق الا طلقة أو أنت طالق طلقتين ونصفا الا طلقة فى كل واحدة منها الوجهان المذكوران بطلان الاستثناء ووقوع الثلاث، وصحته ووقوع الثنتين.

وان كان العطف بغير الواو كقوله أنت طالق فطالق فطالق الا طلقة أو طالق ثم طالق ثم طالق الا طلقة فلا يصح الاستثناء وجها واحدا لان هذا حرف يقتضى الترتيب وكون الطلقة الاخيرة مفردة عما قبلها فيعود الاستثناء اليها وحدها فلا يصح لانه يكون استثناء الكل ويقع ثلاث حينئذ.

أما ان كان التفرق والعطف فى المستثنى بأن قال: أنت طالق ثلاثا الا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان أحدهما يلغو الاستثناء ويقع ثلاث لان العطف يوجب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه فيصير مستثنيا ثلاثا من ثلاث وهو استثناء الكل فيبطل وتقع الثلاث والثانى يصح الاستثناء فى الطلقة الاولى لانه يكون استثناء الاقل ويبطل فى الثانية والثالثة لانه يكون استثناء الاكثر أو الكل وحينئذ تقع طلقتان.

ويصح الاستثناء من الاستثناء ولكن لا يصح منه فى الطلاق الا مسألة واحدة على اختلاف فيها، وهى قوله: أنت طالق ثلاثا ألا اثنتين ألا واحدة فانه يصح فى رأى من يجيز استثناء النصف فيقع به طلقتان ولا يقال أن فى هذه المسألة استثناء اثنين من ثلاث وهو استثناء الاكثر فكيف أجيز؟ لأنه لم يسكت على استثناء الاثنتين من الثلاث بل وصلهما باستثناء لاحق استثنى فيه طلقة فكأنه استثنى من الثلاث اثنتين ناقصتين واحدة أى واحدة فيبقى اثنان .. ولو قال: أنت طالق ثلاثا ألا ثلاثا ألا اثنتين لم يصح لان استثناء اثنتين من الثلاث لا يصح لانه استثناء الاكثر واستثناء الثلاث من الثلاث لا يصح أيضا لانه استثناء الكل ومن ثم يقع فى هذه المسألة ثلاث.

ص: 273

‌تعليق الطلاق بالمشيئة:

لو قال لزوجته أنت طالق ان شاء الله تعالى طلقت وان قال لأمته: أنت حرة ان شاء الله عتقت نص أحمد رحمه الله تعالى على وقوع الطلاق والعتق اذا علق كل منهما على مشيئة الله تعالى فى رواية جماعة وهو مذهب كثير من أهل العلم وفقهاء الامصار منهم مالك، وحكى عنه أنه يقع العتق، دون الطلاق، وفرق بينهما بأن العتق لله سبحانه وتعالى والطلاق ليس لله ولا فيه قربة اليه، ولان من نذر العتق صح ولزمه الوفاء به ومن نذر الطلاق لا يلزمه الوفاء به .. وقد ذهب أبو حنيفة والشافعى الى أنه اذا علق الطلاق أو العتق على مشيئة الله تعالى لا يقع، قد روى عن أحمد ما يدل على ذلك، لانه علقه على ما لا يعلم وجودها، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم من حلف فقال:

ان شاء الله لم يحنث، واحتج الحنابلة ومن رأى رأيهم بما روى عن ابن عباس أنه قال: اذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ان شاء الله فهى طالق .. وما روى ابن عمر وأبو سعيد قال: كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزا فى كل شئ ألا فى الطلاق والعتاق وهذا نقل للاجماع فيه حيث لم يعلم له مخالف ولانه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله: أنت طالق ثلاثا ألا ثلاثا أو هو ازالة ملك فلا يصح تعليقه، أو تعليق على ما لا سبيل الى علمه فكان كالتعليق على المستحيلات يلغو ويقع الطلاق فى الحال على أحد وجهين ولا حجة فى الحديث الذى استند اليه المخالفون لان الطلاق انشاء وليس يمينا حقيقة وان سمى بذلك فهو مجاز لا تترك الحقيقة من أجله، وانما يسمى يمينا اذا كان معلقا على شرط يمكن فعله وتركه، والقول بأن التعليق على المشيئة تعليق بما لا سبيل الى علمه مردود بأن مشيئة الله الطلاق قد علمت بمباشرة الآدمى سببه وهو اللفظ ولئن سلم فهو كالتعليق على المستحيلات يلغو ويقع الطلاق فى الحال ولو قال أنت طالق الا أن يشاء الله طلقت لانه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لا تعلم .. وان قال ان لم يشأ الله أو ما لم يشأ الله فعلى وجهين، أحدهما يقع الطلاق فى الحال لان وقوع طلاقها اذا لم يشأ الله محال فلغت هذه الصفة، أى لغا التعليق ووقع الطلاق فى الحال وثانيهما لا يقع الطلاق بناء على أنه تعليق على المحال مثل أنت طالق ان جمعت بين الضدين أو ان شربت الماء الذى فى هذا الكوز ولا ماء فيه، حيث لا يقع الطلاق فيه فى أحد الوجهين.

وان قال: أنت طالق ان دخلت الدار ان شاء الله فعن أحمد فيه روايتان أحداهما يقع الطلاق ان دخلت الدار ولا ينفعه الاستثناء لان الطلاق والعتاق ليسا من الايمان، فلا يعتبر التعليق على المشيئة فيهما استثناء كما يدل ظاهر الحديث والثانية يكون هذا التعليق استثناء ولا يقع الطلاق لانه علق الطلاق على دخول

ص: 274

الدار والطلاق اذا علق بشرط صار يمينا وحلفا فصح الاستثناء فيه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين فقال: ان شاء الله لم يحنث) وفارق مسألة ما اذا لم يعلق الطلاق فأنه لا يكون يمينا حينئذ فلا يدخل فى العموم.

وان قال: أنت طالق لتدخلن الدار ان شاء أو لا تدخلى الدار ان شاء الله لم تطلق دخلت الدار أو لم تدخلها لانها ان دخلتها فقد فعلت المحلوف عليه وان لم تدخلها فقد علمنا ان الله لم يشأ لانه لو شاءه لوجد فان ما شاء الله كان وهذا فى المثال الاول، وفى المثال الثانى أن لم تدخل الدار فقد فعلت المحلوف عليه، وان دخلت علمنا ان الله تعالى قد شاء الدخول هذا أن تعلقت المشيئة بالشرط وهو دخول الدار أو عدم دخولها وان علق المشيئة بالطلاق لم يقع الطلاق على المذهب وان لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه الى الدخول ويحتمل ان يرجع الى الطلاق والحكم هو ما ذكر فى كل منهما. وان علق الطلاق على مشيئة الزوجة فقال: أنت طالق ان شئت أو اذا شئت أو متى شئت أو كلما شئت أو كيف شئت أو حيث شئت وأنى شئت لم تطلق حتى تشاء وتنطق بالمشيئة بلسانها فتقول: قد شئت لان ما فى القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فيتعلق الحكم به دون ما فى القلب فلو شاءت بقلبها ولم تنطق بلسانها لم يقع طلاق ولو قالت قد شئت بلسانها وهى كارهة للطلاق وقع الطلاق اعتبارا بالنطق .. وكذلك ان علق الطلاق بمشيئة غيرها يصح ومتى وجدت المشيئة باللسان من هذا الغير وقع الطلاق سواء كان على الفور أو التراخى نص عليه أحمد فى تعليق الطلاق بمشيئة فلان.

وان قال: أنت طالق ان شئت وشاء أبوك، فقالت: قد شئت ان شاء أبى فقال أبوها: قد شئت لم تطلق لانها لم تشأ فان المشيئة أمر خفى لا يصح تعليقها على شرط، وقد قال ابن المنذر فى هذا الشأن: اجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل اذا قال لزوجته: أنت طالق ان شئت فقالت: قد شئت ان شاء فلان، انها قد ردت الامر ولا يلزمها الطلاق وان شاء فلان هذا وذلك لانه لم يوجد منها مشيئة وانما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط، وتعليق المشيئة بشرط ليس مشيئة ..

ولو قال: أنت طالق الا ان يشاء زيد فمات أو جن أو خرس طلقت فى الحال، لانه أوقع الطلاق وعلق رفعه بشرط ولم يوجد الشرط ولو قال: أنت طالق واحدة الا أن يشاء زيد ثلاثا فشاء زيد ثلاثا فقال أبو بكر تطلق ثلاثا فى أحد الوجهين لان السابق الى الفهم من هذا الكلام ايقاع الثلاث اذ شاءها زيد، وفى بعض المذاهب لا تطلق اذا شاء زيد ثلاثا لان المعنى أنت طالق واحدة ألا أن يشاء زيد ثلاثا فلا تطلقى .. ولا يصح الاستثناء فى الطلاق فى أية صورة من صوره ولا يترتب عليه حكمه

ص: 275

ألا أن يكون متصلا بالمستثنى منه وقد تقدم الكلام على شروط الاستثناء فى الاقرار.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى فى كتاب المحلى

(1)

: من قال: أنت طالق ان شاء الله، أو قال: ألا أن يشاء الله أو قال: ألا أن لا يشاء الله، فكل ذلك سواء ولا يقع بشئ من ذلك طلاق، برهان ذلك قول الله عز وجل {(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ)} وقوله سبحانه وتعالى {(وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ)} ونحن نعلم أن الله تعالى لو أراد امضاء هذا الطلاق ليسره لاخراجه بغير استثناء .. فصح أنه تعالى لم يرد وقوعه أذ يسره لتعليقه بمشيئته عز وجل .. وقد روى عن ابن طاووس عن أبيه فيمن قال لامرأته:

أنت طالق ان شاء الله قال: له ثنياه وعن ابراهيم النخعى فيمن قال لامرأته: أنت طالق ان شاء الله قال: لا يحنث، ومن طريق وكيع عن أبيه عن الليث قال: اجتمع عطاء ومجاهد وطاووس والزهرى على أن الاستثناء جائز فى كل شئ .. وبه يقول أبو حنيفة والشافعى وكثيرون غيرهما: وقال آخرون لا يسقط الطلاق بالاستثناء استنادا الى ما روى عن أبى حمزة قال: سمعت ابن عباس يقول: اذا قال لامرأته: أنت طالق ان شاء الله فهى طالق وبه يقول مالك، وروى عن ابن أبى ليلى ان طلق واستثنى فالطلاق واقع، وان أخرجه مخرج اليمين فله استثناؤه.

وقال مالك: فأن قال: أنت طالق ان شاء زيد أو قال: ألا ان لا يشاء زيد أو ألا أن يشاء زيد فانها لا تطلق ألا أن يشاء زيد، واحتجوا فى ذلك بأن مشيئة زيد تعرف ومشيئة الله تعالى لا تعرف.

وهذا باطل، بل مشيئة زيد لا يعرفها أبدا أحد غيره وغير الله تعالى لانه قد يكذب. وأما مشيئة الله تعالى فمعروفة بلا شك لان كل ما نفذ فقد شاء الله تعالى كونه، وما لم ينفذ فلا نشك أن الله تعالى لم يشأ كونه.

‌مذهب الزيدية:

لا يجرى الاستثناء فى الطلاق عند الزيدية ألا اذا خرج مخرج الحلف به واليمين نحو: أنت طالق لادخلن هذه الدار غدا، أو لا تكلمى فلانا، أو لتفعلن كذا ..

فانهم يعقدون فصلا للكلام على الحلف بالطلاق والتحليف به وحكم التحليف به شرعا والحنث فى ذلك ثم يتحدثون فيه عن الاستثناء فى الحلف بالطلاق بألا أو احدى أخواتها، وتعليقه بمشيئة الله تعالى ومشيئة غيره، ولم يتكلموا عن الاستثناء فى الطلاق فى غير حالة الحلف أو التحليف به.

وأيضا هم يستدلون على جواز الاستثناء بالمشيئة بحديث (من حلف على يمين فقال ان شاء الله فقد استثنى)

(1)

المحلى ج 10 ص 217 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 276

وهو ظاهر فى اليمين وبعض الائمة لا يرى جواز الاستثناء فى الطلاق ألا اذا أخرجه مخرج اليمين كابن أبى ليلى.

ويشترط الزيدية فى صحة الاستثناء أن يكون متصلا بالجملة الاولى أى بالمستثنى منه فلو سكت بعد الجملة الاولى زمانا ثم استثنى لم يصح استثناؤه واغتفروا السكوت قدر التنفس أو بلع الريق أو العطاس أو أى عذر مما يعرض للانسان ويحول دون مواصلة الكلام، وأجاز البعض السكوت للتذكر أى تذكر ما يتكلم به وما يستثنيه كما ذكر الشافعية.

ويشترطون فى صحة الاستثناء أيضا أن يكون غير مستغرق للمستثنى منه فلو قال: أنت طالق واحدة ألا واحدة لا يصح الاستثناء ويلغى وتقع واحدة بلفظ الانشاء .. ويصح استثناء الاكثر وهو قول الجمهور، فلو قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين صح ووقعت طلقة واحدة، وفائدة ذلك أن لا يكون الطلاق بدعيا ..

وزاد بعض العلماء شرطا ثالثا وهو أن يكون المتكلم عازما على الاستثناء قبل الكلام واختاره فى الانتصار. وقيل ان هذا هو ظاهر كلام أهل المذهب على عكس ما ذكره البعض لانهم نصوا على أن الرجوع عن الطلاق بعد انفاذه لا يصح والاتيان بالاستثناء بعد الكلام بدون قصد سابق ولا نية يعتبر رجوعا عن الطلاق بعد وقوعه وهو لا يجوز، أما اذا كانت هناك نية سابقة بالاستثناء فيكون المقصود بالطلاق هو ما وراء المستثنى فقط ولا يكون فيه رجوع بعد الايقاع بل يكون الاستثناء من تمام الكلام وأجزائه.

وكما يكون الاستثناء من التطليقات على ما ذكرنا يكون من الزوجات المطلقات بالشروط السابقة ويجوز فيه استثناء الاكثر أيضا فلو قال: نسائى طوالق ألا فلانة وفلانة وكان له ثلاث نسوة جاز وطلقت التى لم تستثن.

‌تعليق الطلاق على المشيئة:

يصح تعليق الطلاق بمشيئة الله تعالى عند الزيدية وهم يرون أن مشيئة الله الطلاق وعدم مشيئته اياه تعرف من حكم الطلاق المراد ايقاعه شرعا، فاذا كان الطلاق محظورا أو مكروها، كما اذا أراد طلاقها لتحل لمن طلقها ثلاثا قبل ذلك أو كان الزوج فى حالة يستحب له فيها النكاح ولم يجد سواها، فانه يقال فى هذه الحالة أن الله لا يشاء هذا الطلاق واذا كان الطلاق واجبا أو مندوبا أو مباحا كما اذا كان يتهمها بالزنا أو كانت العشرة معها سيئة تؤدى الى مساوئ ومكاره فانه يقال فى هذه الحالة أن الله يشاء الطلاق.

فاذا قال: أنت طالق ألا أن يشاء الله حبسك، أو الا أن يشاء الله عدم طلاقك فان كان الطلاق فى حالته محظورا أو مكروها شرعا فان الله تعالى يكون قد شاء حبسها وعدم طلاقها وبالتالى يكون المعلق عليه قد حصل فلا تطلق وان كان الطلاق

ص: 277

واجبا أو مندوبا شرعا، فانه يقع لان الله تعالى لا يشاء امساكها ولا عدم طلاقها واذا قال: أنت طالق ألا أن يشاء الله ولم يقل حبسك ولا عدم طلاقك فيحتمل ألا أن يشاء الله طلاقك ويحتمل ألا أن يشاء الله حبسك فله نيته - فان كان مراده ألا أن يشاء الله عدم طلاقك أو لم تكن نية فانه يرجع الى معرفة حكم الطلاق الى ما ذكر من حيث الوجوب والندب أو الحظر والكراهة وان كان مراده ألا أن يشاء الله طلاقك يقع الطلاق اذ لا معنى للاستثناء حينئذ.

وهم يعتبرون المجلس فى التعليق على مشيئة الله تعالى ولا يعتبرون الطلاق واقعا أو غير واقع على الفور وهم ينظرون فى ذلك الى أن التعليق على مشيئة الله تعالى وان كاد مجرد تعليق وليس فيه تمليك ألا أن الزوج هو الذى يستطيع أن يبين ما اذا كان الطلاق محظورا أو مطلوبا شرعا وبالتالى يستطيع أن يبين هل تحققت المشيئة أو لم تتحقق وذلك يستلزم تراخيا فكان لا بد من اعتبار المجلس.

واذا علق الطلاق على مشيئة نفسه، قيل لا يعتبر المجلس اذ لا تمليك ولا داعى للتراخى فهو يستطيع أبداء مشيئته ايجابا أو سلبا فيعتبر وقوع الشرط فقط، وقيل يعتبر المجلس لان الامر يتعلق بالنفس والقلب فأن وجد الرضى والاطمئنان طلقت وان وجد الكراهية أو لم يجد شيئا لا رضا ولا كراهية لم تطلق

وان علق الطلاق بمشيئتها فقالت شئت وهى كاذبة يقع الطلاق فى الظاهر لاخبارها بالمشيئة وهل يقع فى الباطن أو لا؟ وجهان الاول لا يقع لان الطلاق معلق بمشيئة القلب ولم يحصل، والثانى يقع لان الشرط قد وجد بقولها شئت ورجحه الامام والمختار الاول .. ويعتبر المجلس هنا لانه تعليق للطلاق بمشيئتها وتمليك ايقاعه لها، وهى فى حاجة الى التروى والتفكير للبحث عن حقيقة شعورها.

وان علق الطلاق بمشيئة غير الله تعالى بأن قال: أنت طالق ألا أن يشاء أبوك، فان الامر يتعلق بمشيئته فان شاء امساكها لا تطلق وان شاء طلاقها طلقت وكذا ان سكت ولم يبد المشيئة لانه جعل الاستثناء ظهور المشيئة فلا فرق بين أن يظهرها أو لا يظهرها لانتفاء الاستثناء فى الحالين ولان الظاهر فى حال السكوت انه لم يشأ امساكها. ولا حكم لمشيئة المجنون والصبى غير المميز أما الصبى المميز فتعتبر مشيئته وفى السكران خلاف ويعتبر المجلس ان كان الغير المعلق على مشيئته حاضرا، وان كان غائبا اعتبر مجلس بلوغه الخبر.

وان قال: أنت طالق لولا الله أو لولا أبوك لم يقع طلاق أصلا لان معنى لولا امتناع الشئ لوجود غيره فكأنه قال: لست طالقا لوجود أبيك وقد قيل لم صححتم هذا الاستثناء مع أنكم لم تصححوا الاستثناء المستغرق وهما متماثلان فى الاستغراق وأجيب بأن هذا

ص: 278

الاستثناء فيه معنى الشرط كأنه قال:

أنت طالق ان لم يشأ أبوك وبأن هذا الاستثناء فى التحقيق غير مستغرق.

وأدوات الاستثناء هى: ألا وغير وسوى وعدا وخلا وما عدا وما خلا، وكلها للنفى ما عدا ألا فانها للنفى والاثبات فاذا قال امرأتى طالق ما أملك غير عشرة دراهم أو سوى أو عدا أو خلا أو ما عدا أو ما خلا عشرة دراهم فمعنى ذلك نفى ملك غير العشرة ولا يقتضى اثبات ملك العشرة فلا يعد كاذبا ولا يحنث اذا كان لا يملك عشرة ولا تطلق امرأته اذن لان ملك العشرة ليس داخلا فى معنى اليمين ولا هو من مفهومه .. أما ألا فانها للنفى والاثبات فلو قال:

امرأتى طالق ما أملك ألا عشرة دراهم كان ذلك نفيا لملك غير العشرة واثباتا لملك العشرة فلو كان فى ملكه أقل أو أكثر من عشرة كان كاذبا ويحنث وتطلق امرأته ولو حلف امرأتى طالق لا يأكل هذه الرمانة غير زيد، فألقيت الرمانة فى البحر لا يحنث ولا تطلق امرأته لانه يحلف على نفى أكل الغير اما أكل زيد فليس محلوفا عليه فاذا ألقيت فى البحر تحقق نفى أكل الغير المحلوف عليه، واذا حلف امرأتى طالق لا يأكل الرمانة ألا زيد فألقيت فى البحر يحنث وتطلق امرأته، لان الحلف على أكل زيد الرمانة مقصود له فيحنث بفواته

(1)

.

وقال البعض أن أدوات الاستثناء كلها للنفى والاثبات لغة وشرعا بدليل أن العرب لا تفرق بين قول: لا اله الا الله، ولا اله غير الله أو سوى الله، يعلم ذلك بالضرورة ولا ينكره ألا مكابر، وقد قال الله تعالى فى أكثر من ست آيات حاكيا ما بين الانبياء وأقوامهم ومقررا: قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره، وقال على كرم الله وجهه فى نهج البلاغة:

الحمد لله الذى لا اله غيره ولو كانت لمجرد النفى ما ساغ ولا استقامت الحجة للرسل على أقوامهم، ولما ثبتت الالوهية لله بهذا التركيب وذهب بعض آخر الى أن - ألا للنفى فقط كغير وسوى، ورد بأنه لو كان كذلك ما صلحت كلمة لا اله الا الله - للتوحيد ونوقش فى هذه وفى الاحتجاج السابق للبعض فى غير وسوى، بأن هذه الامور لا تفيد الاثبات بظاهر اللفظ ووضعه اللغوى وانما تقيده من قوانين أخرى .. والعبرة فى ذلك كله بالعرف والعرف يفهم من التراكيب المذكورة فى ألا وفى غيرها، النفى والاثبات.

‌مذهب الإمامية:

ذكر الإمامية أن من فسر الطلقة بأكثر من الواحدة كأن يقول: أنت طالق ثلاثا أو ثنتين يلغو التفسير وتقع طلقة واحدة بقوله أنت طالق، ولان الطلاق الثلاث فى مجلس واحد كقوله أنت طالق ثلاثا يقع به طلاق واحد، وقيل يبطل الجميع ولا يقع به شئ لانه بدعة لقول الصادق، من طلق ثلاثا فى مجلس فليس بشئ.

(1)

شرح الأزهار والهامش عليه ج 2 ص 421 - 425 الطبعة السابقة.

ص: 279

وقالوا أن الطلاق لا يصح تعليقه على شرط وهو ما احتمل الوجود والعدم، أو صفة وهى ما يقطع بحصوله عادة كطلوع الشمس وزوالها، ألا أن يكون الشرط حاصلا بالفعل وقت التلفظ بالطلاق لانه حينئذ يكون تنجيزا - ومن الشرط تعليقه على مشيئة الله تعالى، فلا يصح تعليقه عليها، ويكون باطلا

(1)

.

وبهذا يكون مجال الاستثناء فى الطلاق بنوعيه عندهم منعدما ومن ثم لم يتحدثوا فى الاستثناء فيه.

‌مذهب الإباضية:

يقول الإباضية: اذا قال الزوج لزوجته:

أنت طالق تطليقة ألا سدسا أو ألا نصفا أو أقل أو أكثر وان قال لها أنت طالق تطليقتين ألا واحدة أو ألا نصف تطليقة أو أقل أو أكثر وان قال لها: أنت طالق ثلاثا ألا واحدة أو ألا نصفا أو أقل أو أكثر، أو نحو ذلك لم ينفع استثناؤه - أى فتقع واحدة فى الاول واثنتان فى الثانى وثلاث فى الثالث وان قال: أنت طالق ثلاثا الا واحدة أو الا اثنتين أو الا ثلاثا لا ينفع الاستثناء وتطلق ثلاثا فى الجميع، وقيل اذا قال ثلاثا ألا واحدة أو الا اثنتين ينفع الاستثناء ويقع الباقى بعده وهو اثنتان أو واحدة، ويظهر أن أصحاب هذا الرأى لا يبطلون الا الاستثناء المستغرق فقط.

‌التعليق على المشيئة:

اذا قال: طلقتك ان شاء الله أو ألا أن يشاء الله طلقت واحدة، وان قال عبدى حر ان شاء الله لم يعتق وقيل يعتق وان قال: طلقتك ان شاء الملائكة أو الجن أو هذا الميت أو الجماد أو الجمل أو البقرة أو الشاة أو المجنون ونحو ذلك مما له مشيئة لا يتوصل اليها وما لا مشيئة له طلقت، وان قال: ان شاء الطفل فقال:

شئت طلقت وان قال ان شاء جبريل طلقت وقيل لا حتى تعلم مشيئته وتوقف بعض، والصحيح الاول.

وان قال: ان شاء فلان فقال فلان شئت طلقت وان مات قبل أن تعلم مشيئته لم تطلق، وان علق على مشيئة الزوجة وقالت شئت طلقت، وان علق على مشيئة نفسه رجع الامر الى اختياره

(2)

.

‌احكام الاستثناء فى اليمين

‌مذهب الحنفية:

والاستثناء

(3)

نحو أن يقول أن شاء الله أو الا أن يشاء الله أو ما شاء الله أو الا أن يبدو لى غير هذا، أو الا أن أرى غير هذا أو ألا أن أحب غير هذا، أو قال: أن أعاننى الله أو يسر الله أو قال: بمعونة الله أو بتيسيره ونحو ذلك

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 148 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل ج 3 ص 304 - 307 طبع يوسف البارونى وشركاه.

(3)

البدائع للكاسانى من كتاب الايمان ج 3 ص 15 الطبعة السابقة.

ص: 280

فأن قال شيئا من ذلك موصولا لم تنفذ اليمين وان كان مفصولا انعقدت.

وفى موضع آخر: والاستثناء نوعان:

استثناء وضعى واستثناء عرفى، أما الوضعى فهو أن يكون بلفظ موضوع للاستثناء وهو كلمة الا وما يجرى مجراها وأما العرفى فهو تعليق بمشيئة الله تعالى وانه ليس باستثناء فى الوضع لانعدام كلمة الاستثناء بل الموجود كلمة الشرط الا انهم تعارفوا اطلاق اسم الاستثناء على هذا النوع.

وحقيقة النوع الثانى أنه تعليق بالشرط الا أن الشرط فيه لا يوقف عليه ولا يعلمه أحد ومن ثم لا يحصل المعلق عليه وبالتالى كان فيه تعطيل ورفع للحكم ومن الشروط التى تعم النوعين الاتصال العرفى بأن لا يفصل بينهما فاصل عرفا من غير ضرورة وهل من الشروط أن يكون مسموعا

ذكر الكرخى أنه ليس بشرط حتى لو حرك لسانه وأتى بحروف الاستثناء يصح وان لم يكن مسموعا لان الكلام هو الحروف المنظومة وقد وجدت، فأما السماع فليس بشرط لكونه كلاما فان الاصم يصح استثناؤه وان كان لا يسمع

وذكر أبو جعفر الهندوانى أنه شرط ولا يصح الاستثناء بدونه لان الحروف المنظومة وان كانت كلاما عند الكرخى فهى عندنا دلالة على الكلام وعبارة عنه لا نفس الكلام فى النائب والشاهد جميعا فلم توجد الحروف المنظومة هنا لان الحروف لا تتحقق بدون الصوت فالحروف المنظومة لا تتحقق بدون الاصوات المتقطعة بتقطيع خاص، فاذا لم يوجد الصوت لم توجد الحروف فلم يوجد الكلام عند الكرخى ولا دلالة الكلام عندنا فلم يكن استثناء.

والصحيح ما ذكره الفقيه أبو جعفر.

ويختص النوع الاول وهو الاستثناء الوضعى بشرط عدم الاستغراق لان الاستثناء يجرى مجرى التخصيص والتخصيص يجرى على بعض أفراد العموم لا على الكل اذ يكون نسخا حينئذ لا تخصيصا وهذا اذا كان بلفظ المستثنى منه أو بما يساويه فى الدلالة اللغوية بحسب الوضع كلفظ نسائى وزوجاتى ولفظ عبيدى ومماليكى، اما اذا كان بلفظ آخر غير لفظ الصدر وليس مساويا له فى الدلالة اللغوية بحسب الوضع وان كان مساويا له فى الدلالة الخارجية، فانه يصح الاستثناء ولو كان مستغرقا اذ يكفى توهم ان هناك باقيا بحسب اللفظ فى صحة الاستثناء.

وأما النوع الثانى من الاستثناء فهو التعليق على مشيئة الله تعالى، وهو يرفع الحكم ويمنع الانعقاد بالنسبة لما حصل فيه التعليق يمينا أو طلاقا أو عتقا أو غيرها، قال الله عز وجل خبرا عن موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام {(سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً)} وصح استثناؤه حتى لم يصر بترك الصبر مخلفا فى الوعد ولولا صحة الاستثناء لصار مخلفا فى الوعد

ص: 281

بالصبر، والخلف فى الوعد لا يجوز والنبى معصوم وقال سبحانه وتعالى {(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ)} أى ألا أن تقول ان شاء الله ولو لم يحصل به صيانة الخبر عن الخلف فى الوعد لم يكن للأمر به معنى. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

من حلف على يمين وقال ان شاء الله فلا حنث عليه، وهذا نص فى الثانية، وروى أنه قال من حلف بطلاق أو عتق وقال ان شاء الله فلا حنث عليه، والحلف بالطلاق أو العتاق نوع من اليمين وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: من استثنى فله ثنياه.

واذا قال: والله لا أفعل كذا الا ان أستطيع .. فأن عنى استطاعة الفعل وهو المعنى الذى يقصد فلا يحنث أبدا لانها مقارنة للفعل عندنا فلا توجد ما لم يوجد الفعل .. وأن عنى به استطاعة الاسباب وهى سلامة الالات والاسباب والجوارح والاعضاء فان كانت له هذه الاستطاعة فلم يفعل حنث وألا فلا .. وهذا لان لفظ الاستطاعة يحتمل كل واحد من المعنيين لأنه يستعمل فيهما قال الله تعالى {(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ)} وقال عز وجل {(إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)} والمراد منه استطاعة الفعل. وقال تعالى {(وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)} وقال سبحانه وتعالى {(فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً)} والمراد منه استطاعة سلامة الاسباب والآلات

فأى ذلك نوى صحت نيته وان لم يكن نية يحمل على استطاعة الاسباب وهو أن لا يمنعه مانع من العوارض والاشتغال لانه يراد بها ذلك فى العرف والعارة فعند الاطلاق ينصرف اليه وهذا ظاهر فى أن الاطلاقين متساويان وأنه اذا نوى أحدهما صحت نيته وصدق فيها على الاطلاق بلا فرق بين الديانة والقضاء.

لكن جاء فى تنوير الابصار وشرحه

(1)

:

حلف ليأتينه غدا ان استطاع فهى استطاعة الصحة أى سلامة آلات الفعل المحلوف عليه وصحة أسبابه، والمراد بالآلات الجوارح فالمريض ليس بمستطيع، والمراد بصحة الاسباب التهيؤ لارادة الفعل مختارا، فالممنوع غير مستطيع فتقع عند الاطلاق على رفع الموانع المعنوية والحسية كالمرض والسلطان والجنون والنسيان وأن نوى القدرة الحقيقية المقارنة للفعل صدق ديانة لا قضاء على الاوجه لانه خلاف الظاهر .. وفى الفتح: وقيل يصدق ديانة وقضاء لانه نوى حقيقة كلامه ..

لان اسم الاستطاعة يطلق بالاشتراك على كل من المعنيين والأول أوجه لأنه وان كان مشتركا بينهما لكن تعورف استعماله عند الاطلاق عن القرينة لاحد المعنيين بخصوصه فصار ظاهرا فيه بخصوصه فلا يصدقه القاضى بخلاف الظاهر.

فان ما جاء فى ابن عابدين صريح فى أن نية القدرة الحقيقية المقارنة للفعل من

(1)

تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 3 ص 125 الطبعة الاميرية.

ص: 282

لفظ الاستطاعة بنية خلاف الظاهر ومن ثم يصدق المتكلم فى أنه أراد ذلك ديانة لا قضاء.

وفى شروح الهداية أن من حلف يمينا على شئ من فعل أو ترك وقال أن شاء الله متصلا بيمينه بأن قال: والله لا أوخل دار فلان غدا أن شاء الله أو والله لاصومن غدا ان شاء الله - فلا حنث عليه فى ذلك ان فعل المحلوف عليه فى الاول أو لم يفعله فى الثانى لعدم انعقاد اليمين مع الاستثناء وكذلك اذا أتى بصيغة النذر مع الاستثناء بأن قال: لله على أن أصوم غدا ان شاء الله لم يلزمه شئ لعدم انعقاد النذر.

وهذا قول أكثر أهل العلم، لقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم (من حلف على يمين وقال: ان شاء الله فقد برّ فى يمينه). وقوله صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين وقال:

ان شاء الله فلا حنث عليه) رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وقال الترمذى: حديث حسن .. ولانه تعليق للمحلوف عليه بمشيئة الله تعالى، فان من قال: والله لا أخرج اليوم ان شاء الله فقد علق خروجه بمشيئة الله تعالى فاذا خرج لا يحنث اذ المعنى ان شاء الله عدم الخروج لا أخرج فاذا خرج تبين أن الله تعالى لم يشأ عدم الخروج

(1)

.

وكما أن الاستثناء بالمشيئة يمنع انعقاد اليمين والنذر ويبطل حكمهما فأنه يبطل كل ما يتعلق بالقول اذا استعمل فى انشاء العقود والتصرفات والالتزامات بصيغة الاخبار كان ذلك فى العبادات كالنذر فى الطاعات والقرب وكالاعتاق أو فى المعاملات كالطلاق والاقرار أما اذا كان بصيغة الامر كأن يقول اعتقوا عبدى بعد موتى ان شاء الله، أو بصيغة النهى كأن يقول لوكيله لاتبع لفلان ان شاء الله فان الاستثناء لا يصح ويبقى الامر والنهى قائمين ويكون للمأمور أن يعتق العبد، ويكون على الوكيل ألا يبيع لفلان

وقد أشير الى ذلك وذكر الفرق فى أول الكلام على أحكام الاستثناء فى الطلاق.

والاستثناء تصرف لفظى يتعلق بالاقوال والالفاظ على الوضع المذكور وبالصورة المشار اليها أما الاعمال التى محلها القلب كالنية فلا يتعلق بها استثناء ولا تجرى فيها أحكامه، فاذا نذر نذرا مطلقا أن يصوم أو تعلق بذمته صوم يشترط فيه تبييت النية من الليل، وعند حصول النية تلفظ بها مع استثناء متصل أى قال ان شاء الله متصلا بالنية - فأن هذا الاستثناء لا يؤثر فى النية ولا يبطلها فلو بقى على هذه النية التى اتصل بها الاستثناء وصام فعلا صح صومه لتحقق شرط النية الصحيحة فيه.

وقد قال البعض ان ذكر المشيئة عند نية العبادة ليس للاستثناء وانما هو للتبرك

(1)

الفتح ج 4 ص 28، 29.

ص: 283

واستمداد العون من الله تعالى على أداء العبادة وقال انه اذا أراد حقيقة الاستثناء يصح وتبطل النية ولا يصح الصوم لفقدان شرط النية الصحيحة لانه يكون استثناء حقيقة تعلق بعبارة النية وارتبط بلفظها فيترتب عليه حكمه

(1)

.

وقد رأينا فيما ذكره صاحب البدائع وفى صيغ الاستثناء التى ذكرها كاستثناء يلحق باليمين أنها تشمل الاستثناء بنوعيه الوضعى أى ما يكون بألا أو احدى أخواتها والعرفى أى ما يكون تعليقا على مشيئة الله تعالى وربطا بها.

وقد ذكر فقهاء الحنفية فروعا كثيرة فى أبواب اليمين المختلفة استثنى فيها الحالف بعضا مما حلف عليه، وتناوله بصيغة يمينه بالا أو احدى أخواتها واعتبروا هذا الاستثناء صحيحا ورتبوا عليه حكمه وقرروا فى المستثنى حكما يخالف حكم المستثنى منه.

من ذلك: اذا حلف لا يخرج ألا الى جنازة ثم خرج اليها قاصدا عند انفصاله من باب داره من الداخل الى الخارج الخروج الى الجنازة ثم أتى وهو فى الخارج أمرا آخر لا يحنث لانه حلف على الخروج وهو عام يشمل أى خروج لأى غرض فيحنث به واستثنى الخروج على قصد الجنازة فلا يحنث فيه - وأتيانه أمرا آخر بعد الخروج للجنازة ليس فيه خروج لهذا الامر فلا يحنث بذلك وكذلك قالوا: اذا حلف على زوجته بالطلاق قائلا ان خرجت ألا الى المسجد فأنت طالق فخرجت تريد المسجد ثم بدالها فذهبت الى غير المسجد لم تطلق اذ الوضع فيه كما فى سابقه ومن ثم اتحد الحكم فيهما واذا حلف على زوجته بالله بأن قال:

والله لا تخرجى ألا بأذنى أو بالطلاق بأن قال:

ان خرجت ألا بأذنى فأنت طالق صح وشرط لكل خروج اذن واذا خرجت بأذنه فلا حنث واذا خرجت بدون اذنه حنث ألا أن تكون مضطرة للخروج لحصول هدم أو غرق أو حريق أو وقوع فرقة بينهما، ولو نوى الاذن مرة واحدة صدق ديانة لانه محتمل كلامه ولا يصدق فى القضاء لانه خلاف الظاهر، ولو قال: حتى آذن لك يكفى الاذن مرة وتنحل اليمين بخلاف الاستثناء فانه استثنى فيه من كل خروج خروجا مصحوبا باذن، ولا يقال - ان الحالف فى هذه الفروع عبر بقوله لا تخرج أو لا تخرجى ثم استثنى والاستثناء معيار العموم، والمقرر أن الفعل لا يعم ولا يتنوع اذ العموم للاسماء لا للافعال فكيف يصح هذا الاستثناء لا يقال ذلك لان التنوع والعموم فى الفعل هنا انما هو بواسطة المصدر لا أصالة والمصدر وهو الخروج يتناول كل خروج فهو قد استثنى من كل خروج خروجا مصحوبا باذن.

واذا قال ان زرت زيدا ألا أن يقدم أخوه من السفر فأمرأتى طالق - قالوا اذا زاره قبل قدوم أخيه يقع الطلاق وأن زاره بعد القدوم لا يقع بناء على

(1)

ابن عابدين ج 3 ص 109، ص 110 الطبعة السابقة.

ص: 284

قوله (ألا أن) للغاية كأنه قال: حتى يقدم أخوه، وهو اذا قال ذلك ينتهى اليمين بالقدوم فلا يحنث فيما بعد ..

وقال صاحب الفتح ان فى ذلك التأويل والتقدير شيئا وهو أن (ألا) من أدوات الاستثناء والاستثناء فى مثل هذا يكون من عموم الاوقات أو الاحوال على معنى، امرأته طالق فى جميع الاوقات أو الاحوال ألا وقت قدوم أخيه أو ألا حال قدوم أخيه فيقتضى أنه لو كلمه بعد القدوم يحنث أيضا كما فيما قبله لانه لم يخرج من أوقات وقوع الطلاق ألا وقت قدوم أخيه.

وهكذا فى كثير من الفروع يصحح الفقهاء الاستثناء بألا أو احدى أخواتها فى اليمين ويرتبون عليه حكمه ..

‌الاستثناء بالنية:

قال فقهاء الحنفية أن نية تخصيص العام تصح ديانة لا قضاء خلافا للخصاف فانها تصح عنده قضاء أيضا .. فقد ذكروا أنه اذا حلف لا يأكل طعاما أو لا يشرب شرابا أو لا يلبس ثوبا بأن قال: ان أكلت طعاما أو شربت شرابا أو لبست ثوبا فامرأتى طالق أو فعبدى حر.

ثم قال انه نوى طعاما معينا كالخبز أو نوى شرابا معينا كاللبن أو نوى ثوبا من القطن مثلا فانه يصدق فى قوله هذا ديانة لأنه ذكر لفظا عاما قابلا للتخصيص، وهو قوله - طعاما أو شرابا - وكلها نكرة وقعت فى سياق الشرط فتعم كالنكرة فى سياق النفى فصح تخصيص هذا العام بالنية فاذا قال نويت معينا بما حلفت عليه قبل منه ذلك وصدق فيه ديانة أى فيما بينه وبين الله تعالى باجماع فقهاء الحنفية، ولا يصدق قضاء أى لا يصدقه القاضى اذا كان فى خصومة وتوجهت عليه اليمين وحلف بصيغة العام وقال نويت به معينا وقال الخصاف يصدق قضاء أيضا، وقد قيل انه اذا كان محلفه ظالما وحلف ونوى تخصيص العام وعلم القاضى بحالة لا يقضى عليه بل يصدقه أخذا بقول الخصاف وفى ابن عابدين قال فى الفتاوى الهندية عن الخلاصة ما حاصله: أراد السلطان استحلافه بأنك ما تعلم غرماء فلان وأقرباءه ليأخذ منهم شيئا بغير حق لا يسعه أن يحلف والحيلة أن يذكر اسم الرجل وينوى غيره وهذا صحيح عند الخصاف لا فى ظاهر الرواية فان كان الحالف مظلوما يفتى بقول الخصاف.

ونية تخصيص العام نوع من الاستثناء وصورة من صوره، اذ هى اخراج بعض ما تناوله اللفظ ولولا هذا الاخراج لدخل.

والحنفية متفقون على أن العرف اللفظى مخصص للعام، وقال بعضهم ان العرف العملى كذلك مخصص للعام كحرمت الطعام على نفسى وعرفهم وعادتهم أكل البر انصرف اليه كالعرف

ص: 285

اللفظى فى الدراهم على النقد الغالب.

وفى بحث التخصيص من التحرير فى قول الحنفية للكمال ابن الهمام «مسألة» العادة العرف العملى مخصص عند الحنفية خلافا للشافعية، وقد حكى اختلاف الحنفية فى ذلك.

غير أن التخصيص بالعرف اللفظى أو العملى ليس استثناء ولا يعد من بابه هنا اذ لا دخل للمتكلم فى هذا التخصيص وانما هو فى تطبيق الفقيه والمفتى.

‌مذهب المالكية:

الاستثناء فى اليمين عند المالكية يكون بالمشيئة ويكون بألا أو احدى أخواتها - وهو بالمشيئة يكون بان شاء الله أو لا أن يشاء الله كأن يقول: والله لأفعلن كذا ان شاء الله - أو والله لا أفعل كذا الا أن يشاء الله واطلاق الاستثناء على ان شاء الله حقيقة عرفية وان كان مجازا فى الاصل لانه فى الحقيقة شرط، ويكون فى الحلف بالله فقط يمينا منعقدة كأن يحلف على أمر مستقبل لقصد البر كما فى المثالين المذكورين أو يمينا غموسا وهى ما يحلف على أمر اثباتا أو نفيا مع تيقن الكذب أو مع الشك أو الظن فى حصول المحلوف عليه نحو والله ان زيدا قد جاء أو أن محمدا قد نجح مع أنه لم يجئ أو لم ينجح أو مع الشك أو الظن بذلك ومثل الا أن يشاء، الا أن يريد الله أو الا أن يقضى الله على الأظهر، اذ قد وقع خلاف فى هذين اللفظين والأظهر الجواز كما فى المشيئة ويكون الاستثناء بان شاء الله فى النذر المبهم وهو الذى لم يعين مخرجه نحو على نذر لا أفعل كذا أو لأفعلن كذا ان شاء الله والاستثناء على هذه الصورة يفيد الحالف وتكون نتيجته عدم لزوم الكفارة فى اليمين عند الحنث وهذا باتفاق واختلف فى حله اليمين وازالتها من أصلها على قولين، وتظهر فائدة الخلاف فيمن حلف واستثنى ثم حلف انه ما حلف، وفيمن حلف انه لا يحلف ثم حلف واستثنى فيحنث فيهما على رأى من يقول انه يرفع الكفارة ولا يحل اليمين، ولا يحنث على الرأى الثانى القائل انه يحل اليمين ويرفع الكفارة واذا حلف لا يكفر فحلف واستثنى فلا شئ عليه فيهما.

والاستثناء بألا أو احدى أخواتها وهى خلا وعدا وحاشا وليس ولا يكون مثل والله لا أدخل دار زيد الا أن يشاء الله أو ما خلا الله أو ما حاشا الله أو ما عدا الله. أو ليس الله، أو لا يكون الله ..

وكذلك ما فى معنى الاستثناء من شرط أو صفة أو غاية مثل والله لا أدخل دار زيد ان كان فيها أو لا أدخل دار زيد الجديدة أو الفلانية أو مدة غيبته أو مرضه أو الى آخر الشهر.

ويكون هذا النوع من الاستثناء فى الحلف بالله تعالى فقط أيضا ويعم جميع صوره ومتعلقاته مستقبله أو ماضيه منعقدة كانت اليمين أو غموسا فمن حلف

ص: 286

ليشربن ماء البحر الا أكثره أو ليحملن الجبل شيئا منه على اعتبار أن بدل البعض استثناء فى المعنى لا أثم عليه فى اليمين وهذه هى فائدة الاستثناء فى ذلك، وقيل ان هذا النوع من الاستثناء يجرى فى جميع الايمان سواء كانت بالله تعالى على نحو ما ذكر أو كانت بالطلاق نحو أنت طالق ثلاثا ان دخلت الدار الا واحدة أو بالعتق، نحو عبيدى أحرار ان صاموا رمضان الا واحدا فان هذا الاستثناء ينفع ويترتب عليه حكمه فتطلق ثنتين ويعتق العبيد الا واحدا وحينئذ يختص الاستثناء بالاستثناء بالا دون المشيئة لانها لا تعمل فى الطلاق والعتق عندهم ويشترط لاعتبار الاستثناء وترتب أثره عليه سواء كان بالمشيئة أو بألا أو اخواتها أن يكون متصلا والمعتبر اتصاله بالمقسم عليه حيث تعلق الاستثناء به نحو والله لأشربن البحر الا أكثره أو الا أن يشاء الله واما أن تعلق بالمقسم به كما فى الطلاق حيث يكون الاستثناء بألا أو احدى أخواتها فهل لا بد من اتصاله بالمقسم به نحو عليه الطلاق ثلاثا الا واحدة لا يفعل كذا أو ليفعلن كذا أو يكتفى باتصاله بالمقسم عليه نحو عليه الطلاق ثلاثا بألا يفعل كذا أو ليفعلن كذا الا واحدة، خلاف فان لم يتصل الاستثناء على النحو المذكور لم يفد ولا يترتب عليه حكم سواء فى المشيئة أو الاستثناء بالاداة، ويغتفر الفصل لعارض لا يمكن دفعه كسعال أو عطاس أو انقطاع نفس أو تثاؤب وان اجتمعت هذه الأمور أو تكررت أما الفصل بأجنبى كرد السلام أو حمد العاطس أو تشميته فانه يضر.

وان ينوى الاستثناء لا أن جرى على لسانه سهوا فلا يفيد حينئذ مشيئة كان أو غيرها.

وان يقصد بالاستثناء حل اليمين من أول النطق بالله أو فى أثناء اليمين أو بعد فراغ من اليمين بدون فصل ولو بتذكر آخر كأن يقول شخص للحالف وهو يحلف: قل الا أن يشاء الله فيقولها عقب فراغه من المحلوف عليه دون فصل، فان فعل ذلك نفعه الاستثناء وترتب عليه حكمه. وهذا احتراز عن ذكر الاستثناء بقصد التبرك بان شاء الله وعن عدم القصد لشئ. وان ينطق بالاستثناء ولو سرا بحركة اللسان. وهذا اذا لم يكن الحلف فى حق وجب عليه أو شرط فى نكاح أو عقد بيع، فان كان الحلف فى شئ من ذلك لم ينفعه الاستثناء سرا بحركة اللسان وتلزمه الكفارة شرعا وهذا عند سحنون وأصبغ وابن المواز لأن اليمين حينئذ على نية المحلف عندهم وهو لا يرضى بالاستثناء فلو قيل ينفع الاستثناء سرا يكون على غير رضاه ويكون مضرا به وهذا لا يجوز، وخالف ابن القاسم فى العتبية وقال ينفع الاستثناء فيما ذكر ولو سرا فلا تلزمه الكفارة وان كان يحرم عليه بمنعه حق الغير، وما قاله ابن القاسم خلاف المشهور.

ولا يشترط التلفظ بالاستثناء ولو سرا

ص: 287

فى حلف الشخص بقوله: الحلال على حرام أو كل حلال على حرام لا أفعل كذا أو لأفعلن كذا، اذا قصد الحالف اخراج زوجته من هذا اليمين بحيث لا تحرم عليه ولا يلزمه فيها شئ اذا حنث فى يمينه بفعل المحلوف عليه فى الأول أو بعزمه على عدم الفعل فى الثانى.

لا يشترط التلفظ بالاستثناء فى هذا بل تكفى فيه النية أولا أى قبل التلفظ باليمين أو فى أثناء النطق به على الخلاف فى ذلك ولو مع قيام البينة واختلف هل يحلف على ما ادعاه من الاخراج والعزل أو لا يحلف ويصدق بمجرد دعواه العزل والاخراج الا أن يكون الأمر متعلقا بوثيقة حق فلا ينفعه العزل على الأصح.

فاذا قال الحالف: الحلال على حرام أو كل حلال على حرام لا أفعل كذا أو لأفعلن كذا ونوى عزل زوجته واخراجها من هذا اليمين وقصد به ما عداها من الحلال، ثم حنث فى يمينه بأن فعل المحلوف عليه فى الأول أو عزم على عدم فعله فى الثانى لا تحرم الزوجة لأن اللفظ العام وهو الحلال أو كل أريد به الخصوص وهو ما عدا الزوجة بخلاف الاستثناء فانه لا خراج ما تناوله اللفظ أو لا فهو من العام المخصوص وهو الذى عمومه مراد تناولا لا حكما لقرينة التخصيص بالاستثناء وليست المسألة المذكورة من قبيل الاستثناء لانعدام القرينة اللفظية الدالة على عدم تعلق الحكم فيها بالزوجة اذ النية أمر خفى لا اطلاع لأحد عليه.

واشترط سبق النية على التلفظ باليمين أو مقارنتها للنطق به على الخلاف كما ذكرنا لأنها لو تأخرت عن اليمين وطرأت بعد النطق به لا تكفى ولا بد من الاستثناء نطقا متصلا مستوفيا جميع الشروط التى أشير اليها.

وهذه المسألة تسمى عند فقهاء المالكية - المحاشاة لأن الحالف فيها حاشا الزوجة أولا وأخرجها من يمينه.

وهل المحاشاة قاعدة مطردة وان مسألة الحلال على حرام أو كل حلال على حرام فرد من أفرادها وصورة من صورها أو انها خاصة بمسألة الحلال على حرام؟ خلاف

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

تجمع كتب الشافعية على أن التعليق بالمشيئة كما يرفع حكم الطلاق ويمنع ثبوته - يمنع تعليق الطلاق على شرط آخر كقوله أنت طالق ان دخلت الدار ان شاء الله، ويمنع العتق تنجيزا كقوله: أنت حر ان شاء الله أو تعليقا كقوله: أنت حر ان صمت رمضان ان شاء الله ويمنع اليمين كقوله: والله لأفعلن كذا ان شاء الله والنذر كقوله: لله على أن أصوم غدا ان شاء الله، وكل تصرف غير ما ذكر من كل عقد وحل واقرار ونية عبادة ..

وهذا صريح فى أن الشافعية يصححون الاستثناء بالمشيئة فى نية العبادة

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 129 وما بعدها طبعة الحلبى.

ص: 288

ويقولون ان المشيئة تمنع انعقاد هذه النية فلو انه تلفظ بنية الصوم وقال ان شاء الله متصلا بطلت المشيئة على خلاف ما ذكرناه عن الحنفية.

وقد جاء فى كتاب الأم للامام الشافعى رضى الله تعالى

(1)

عنه قيل للشافعى رحمه الله تعالى: فانا نقول فى الذى يقول: والله لا أفعل كذا وكذا ان شاء الله - انه ان كان أراد بذلك الثنيا فلا يمين عليه ولا كفارة ان فعل وان لم يرد بذلك الثنيا، وانما قال ذلك لقول الله عز وجل:«وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ» أو قال: ذلك سهوا أو استهتارا فانه لا ثنيا، وعليه الكفارة ان حنث وهو قول مالك رحمه الله تعالى، وانه ان حلف فلما فرغ من يمينه فسق الثنيا بها، أو تدارك اليمين بالاستثناء بعد انقضاء يمينه ولم يصل الاستثناء باليمين فانه ان كان فسقا بها تباعا فذلك له استثناء وان كان بين ذلك صمات فلا استثناء له.

قال الشافعى رحمه الله تعالى: من قال والله أو حلف بيمين ما كانت بطلاق أو عتاق أو غيره أو أوجب على نفسه شيئا ثم قال ان شاء الله موصولا بكلامه فقد استثنى ولم يقع عليه شئ من اليمين وان حنث، والوصل أن يكون كلامه فسقا وان كان بينه سكتة كسكتة الرجل بين الكلام للتذكر أو العى أو النفس أو انقطاع الصوت ثم وصل الاستثناء فهو موصول .. وانما القطع ان يحلف ثم يأخذ فى كلام ليس من اليمين من أمر أو نهى أو غيره أو يسكت السكات الذى يبين أنه يكون قطعا فاذا قطع ثم استثنى لم يكن له الاستثناء .. فان حلف فقال:

والله لأفعلن كذا وكذا الا أن يشاء فلان فله أن يفعل ذلك الشئ حتى يشاء فلان فان مات أو خرس أو غاب لم يفعل ..

وان قال: لا أفعل كذا وكذا الا أن يشاء فلان فليس له أن يفعل ذلك الشئ الا أن يشاء فلان فان مات فلان أو خرس لم يكن له أن يفعل ذلك الشئ حتى يعلم ان فلانا شاء قال الشافعى رحمه الله تعالى:

وان حلف فقال: والله لأفعلن كذا وكذا لوقت الا أن يشاء فلان لم يحنث ان شاء فلان، وان مات فلان أو خرس أو غاب حتى يمضى وقت يمينه حنث لأنه انما يخرجه من الحنث مشيئة فلان .. ولو كانت المسألة بحالها فقال: والله لا أفعل كذا وكذا الا أن يشاء فلان .. لم يفعل حتى يشاء فلان، وان غاب فلان فلم يعرف شاء أو لم يشأ لم يفعل، فان فعله لم أحنثه من قبل انه يمكن أن يكون فلان شاء.

فالشافعية يصححون الاستثناء فى اليمين بالله تعالى أو بالطلاق والعتاق أو غير ذلك وفى النذر ويقولون ان التعليق والربط بمشيئة الله تعالى تمنع انعقاد

(1)

كتاب الام للامام الشافعى رضى الله عنه ج 7 ص 56 فى باب الاستثناء فى اليمين.

ص: 289

اليمين والنذر ولا يحنث الحالف فى اليمين فعل أو ترك كما لا يلزم الناذر شئ مما أوجبه على نفسه .. وذلك بشرط أن يكون ذكر المشيئة متصلا بالكلام باليمين لا يفصل بينهما كلام ليس من اليمين أو سكوت طويل بدون عذر ولا مقتض من تنفس أو عطاس أو نحو ذلك ..

ويشترط أن يقصد به الاستثناء دون التبرك أو التأسى أو السهو أو الاستهتار فان قال: والله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا أو حلف بأى يمين أخرى بطلاق أو عتاق أو غير ذلك أو أوجب على نفسه شيئا بطريق النذر بأن قال: لله على أن أصوم كذا أو أتصدق بكذا، ثم قال: بعد ذلك كله ان شاء الله موصولا بكلامه وقصد بهذا القول الاستثناء ولم يقله على سبيل السهو أو الاستهتار ولم يقصد به التبرك أو الائتناس بالقرآن الكريم فى قول الله: «وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ» اذا فعل ذلك على هذا الوضع، كان مستثنيا ولم يقع عليه شئ من اليمين وان حنث ولم يلزمه شئ مما أوجبه على نفسه بالنذر ويستوى فى ذلك أن يتقدم الشرط أو يتأخر.

هذا فى التعليق على مشيئة الله تعالى والربط بها، أما التعليق على مشيئة الشخص كقوله: والله لأسافرن ان شاء زيد يرتبط الامر بمشيئة زيد فان شاء لزمه السفر والا حنث وان لم يشأ لم يلزمه السفر وان لم تعلم مشيئته لموت أو خرس أو غيبة لم يحنث لأنه لم يوجد الشرط، وهو العلم بمشيئة زيد.

وان قال: والله لأخرجن من المنزل الا أن يشاء زيد فقد ألزم نفسه الخروج الا أن يشاء زيد عدم خروجه، فيما لم يشأ زيد عدم خروجه له ان يخرج واذا خرج فقد بر فى يمينه، واذا شاء زيد فليس له أن يخرج وان خرج حنث وان جهلت المشيئة أو شك فى حصولها لموت أو خرس أو غيبة لا يخرج لأن خروجه تعلق على مشيئة زيد عدم الخروج أو على عدم مشيئة زيد خروجه، ولم توجد هذه ولا تلك.

وان قال: والله لا أخرج الا أن يشاء زيد، فليس له أن يخرج الا أن يشاء زيد خروجه، وان جهلت المشيئة أو شك فى حصولها لموت أو خرس أو غيبة فليس له أن يخرج حتى يعلم ان زيدا قد شاء الخروج.

وان قيد المحلوف عليه بوقت بأن قال:

والله لأخرجن اليوم الا أن يشاء زيد، ثم خرج فى اليوم بعد مشيئة زيد حنث، وان خرج مع جهالة المشيئة وشك فى حصولها بقية اليوم حنث لأنه انما يخرجه من الحنث مشيئة زيد بالفعل وهو ما لم يحصل .. وان قال: والله لا أخرج اليوم الا أن يشاء زيد لا يخرج الا أن يشاء زيد وان خرج بدون المشيئة حنث

ص: 290

وان غاب زيد فلم يعرف شاء او لم يشأ لا يخرج لعدم التأكد من تحقق الشرط، وان خرج لا يحنث لاحتمال تحقق الشرط وهو المشيئة ومن الممكن أن يقال ذلك فى صور الشك كلها .. ويستوى فى ذلك كله أن يتأخر الشرط عن اليمين أو يتقدم عليها

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

واذا حلف

(2)

فقال ان شاء الله تعالى فان شاء فعل وان شاء ترك ولا كفارة عليه اذ لم يكن بين الاستثناء واليمين كلام وجملة ذلك أن الحالف اذا قال ان شاء الله مع يمينه فهذا يسمى استثناء، فان ابن عمر رضى الله عنهما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من حلف فقال ان شاء الله فقد استثنى» رواه أبو داود. وأجمع العلماء على تسميته استثناء، وأنه متى استثنى فى يمنيه لم يحنث فيها ..

والأصل فى ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم: «من حلف فقال ان شاء الله لم يحنث» رواه الترمذى .. ولأنه متى قال لأفعلن ان شاء الله فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل ومتى لم يفعل لم يشأ الله ذلك فان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

ويشترط أن يكون الاستثناء متصلا باليمين بحيث لا يفصل بينهما كلام أجنبى ولا يسكت بينهما سكوتا يمكنه الكلام فيه، فأما السكوت لانقطاع نفسه أو صوته أو عى أو عارض من عطشه أو شئ غيرها فلا يمنع صحة الاستثناء وثبوت حكمه. وبهذا قال مالك والشافعى وأصحاب الرأى لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من حلف فاستثنى، وهذا يقتضى كونه عقيبه، ولأن الاستثناء من تمام الكلام فاعتبر اتصاله به كالشرط وجوابه وخبر المبتدأ والاستثناء بألا ..

وعن أحمد رواية أخرى أنه يجوز الاستثناء اذا لم يطل الفصل بينهما، قال فى رواية المروزى حديث أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«والله لأغزون قريشا ثم سكت ثم قال: ان شاء الله» انما هو استثناء بالقرب ولم يخلط كلامه بغيره .. وقال قتادة: له أن يستثنى قبل أن يقوم أو يتكلم واحتج بحديث - لأغزون قريشا.

ويشترط أن يستثنى بلسانه ولا ينفعه الاستثناء بالقلب فى قول عامة أهل العلم .. لان النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف فقال ان شاء الله) والقول هو النطق. ولان اليمين تنعقد بالنية فكذا الاستثناء. وقد روى عن أحمد أنه أن كان مظلوما فاستثنى فى نفسه رجوت أن يجوز اذا خاف على نفسه، فهذا فى حق الخائف على نفسه لان يمينه غير منعقدة أو لانه بمنزلة المتأول، وأما فى حق غيره فلا، وقد تقدم فى الكلام على أحكام الاستثناء

(1)

كتاب الام للشافعى ج 7 ص 56، ص 57 ومختصر المزنى على هامش الام ج 6 ص 225 وشرح التحفة وحواشيها ج 8 ص 61، ص 69

(2)

فى المغنى لابن قدامة الحنبلى ج 11 ص 226، ص 232.

ص: 291

فى الطلاق أن هناك ما يصح نطقا واذا نواه بالقلب يدين فيما بينه وبين الله تعالى وذلك مثل تخصيص العام أو استعمال اللفظ فى مجازه مثل أن يقول نسائى طوالق يريد بعضهن أو ينوى بقوله أنت طالق من الوثاق، فهذا يقبل اذا نواه فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل فى الحكم؟ روايتان أحداهما يقبل لانه فسر كلامه بما يحتمله، والثانية لا يقبل لانه خلاف الظاهر. اللهم ألا أن يفرق بين الطلاق واليمين.

واشترط القاضى أن يقصد الاستثناء فلو أراد الجزم فسبق لسانه الى الاستثناء من غير قصد أو كانت عادته جارية بالاستثناء فجرى لسانه على العادة من غير قصد لم يصح الاستثناء لان اليمين لما لم ينعقد من غير قصد فكذلك الاستثناء وهذا مذهب الشافعية. وذكر بعضهم أنه لا يصح الاستثناء حتى يقصده مع ابتداء يمينه، فلو حلف غير قاصد للاستثناء ثم عرض له بعد فراغه من اليمين فاستثنى لم ينفعه ولا يصح لان هذا يخالف عموم الخبر، فان النبى صلى الله عليه وسلم قال:(من حلف فقال ان شاء الله لم يحنث) ولان لفظ الاستثناء يكون عقيب يمينه فكذلك نيته.

ويصح الاستثناء فى كل يمين تكون فيها الكفارة عند الحنث كاليمين بالله تعالى والظهار والنذر .. قال ابن أبى موسى من استثنى فى يمين تدخلها كفارة فله ثنياه لانها أيمان مكفرة فدخلها الاستثناء كاليمين بالله تعالى .. فلو قال: أنت على كظهر أمى ان شاء الله تعالى، أو أنت على حرام ان شاء الله أو ان دخلت فأنت على كظهر أمى ان شاء الله. أو لله على أن أتصدق بمائة درهم ان شاء الله لم يلزمه شئ لانها ايمان فتدخل فى عموم قوله صلى الله عليه وسلم (من حلف فقال ان شاء الله لم يحنث).

ويتفرع على ذلك انه لو قال: والله لأشربن اليوم الا ان يشاء الله أو لا أشرب الا أن يشاء الله لم يحنث بالشرب ولا بتركه لما ذكرنا من الاثبات. ولا فرق بين تقديم الاستثناء وتأخيره فى هذا كله، فاذا قال: والله ان شاء الله لا أشرب اليوم أو لأشربن ففعل أو ترك لم يحنث لان تقديم الشرط وتأخيره سواء. وقال الله تعالى: «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ، وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ» }.

أما اذا علق على مشيئة شخص فان الامر يرتبط بمشيئته وجودا وعدما ويترتب الحنث أو البر على الفعل أو الترك تبعا للمشيئة وعدمها.

فلو قال: والله لأشربن اليوم ان شاء زيد فشاء زيد لزمه الشرب، فان تركه حتى مضى اليوم حنث، وان لم يشأ زيد لم يلزمه يمين، فان لم تعلم مشيئته لغيبته أو جنون أو موت انحلت اليمين لانه لم يوجد الشرط.

ص: 292

وان قال: والله لا أشرب الا أن يشاء زيد فقد منع نفسه الشرب ألا أن توجد مشيئة زيد فان شاء فله الشرب، وان لم يشأ لم يشرب وان خفيت مشيئته لغيبة أو موت أو جنون لم يشرب وان شرب حنث لانه منع نفسه الا أن توجد المشيئة فلم يكن له أن يشرب قبل وجودها.

وان قال: والله لأشربن الا أن يشاء زيد فقد ألزم نفسه الشرب الا أن يشاء زيد أن لا يشرب لان الاستثناء ضد المستثنى منه والمستثنى منه ايجاب لشربه بيمينه فان شرب قبل مشيئة زيد بر فى اليمين، وان قال زيد قد شئت أن لا يشرب انحلت اليمين لأنها معلقة لعدم مشيئته لترك الشرب ولم تنعدم فلم يوجد الشرط .. وان قال:

قد شئت ان يشرب أو ما شئت ان لا يشرب لم تنحل اليمين لان هذه المشيئة غير المستثناه، فان خفيت مشيئته لزمه الشرب لانه علق وجوب الشرب بعدم المشيئة وهى معدومة بحكم الاصل .. وان قال:

والله لا أشرب اليوم ان شاء زيد فقال زيد:

قد شئت ان لا تشرب فشرب حنث، وان شرب قبل مشيئته لم يحنث لان الامتناع من الشرب معلق بمشيئته ولم تثبت مشيئته فلم يثبت الامتناع بخلاف التى قبلها ..

وان خفيت مشيئته فهى فى حكم المعدومة ..

والمشيئة فى هذه المواضع أن يقول بلسانه.

واذا استثنى فى الطلاق والعتاق بأن قال لزوجته: أنت طالق ان شاء الله أو قال لعبده: أنت حر ان شاء الله، أو علق ذلك على شرط كقوله أنت طالق أو أنت حر ان دخلت الدار ان شاء الله - فقد اختلفت الروايات عن الامام أحمد رحمه الله تعالى فأكثر الروايات عنه أنه توقف فى الجواب لاختلاف الناس فيهما وتعارض الادلة. وفى موضع قطع بأن الاستثناء فيهما لا ينفع المستثنى ويقع الطلاق والعتاق لانهما ليسا من الايمان فلا يدخلان فى قول النبى صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين فقال ان شاء الله لم يحنث) والقول بأنهما علقا على مشيئة الله تعالى وهى لا تعلم فيقع الطلاق والعتاق غير مسلم لان مشيئة الله الطلاق تعلم متى باشر الآدمى سببه وهو اللفظ

وعنه ما يدل على أن الاستثناء ينفع فيهما ولا يقعان وهو قول كثير من أهل العلم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فقال ان شاء الله لم يحنث - وحكى عنه أن الاستثناء لا ينفع فى العتق فيقع وينفع فى الطلاق فلا يقع وعلله رحمه الله بأن العتق لله سبحانه وتعالى بخلاف الطلاق فانه يتقرب به اليه. ولان من نذر العتق لزمه الوفاء به ومن نذر الطلاق لا يلزمه الوفاء به فافترقا، وروى عن الامام أحمد أنه اذا علق الطلاق أو العتق على شرط بأن قال: أنت طالق ان دخلت الدار ان شاء الله ينفع الاستثناء ولا تطلق لانه يكون يمينا حينئذ ويدخل فى عموم الحديث السابق، أما بدون تعليق فلا يسمى يمينا.

ص: 293

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: من حلف على شئ ثم قال موصولا بكلامه ان شاء الله تعالى أو الا أن يشاء الله أو الا أن لا يشاء الله أو نحو هذا، أو قال: الا أن أشاء، أو الا أن لا أشاء، أو الا أن بدل الله ما فى قلبى، أو الا أن يبدو لى أو الا أن يشاء فلان، أو أن شاء فلان - فهو استثناء صحيح وقد سقطت اليمين عنه بذلك ولا كفارة عليه ان خالف ما حلف عليه. فلو لم يصل الاستثناء بيمينه لكن قطع قطع ترك للكلام ثم ابتدأ الاستثناء لم ينتفع بذلك وقد لزمته اليمين فان حنث فيها فعليه الكفارة .. ولا يكون الاستثناء الا باللفظ وأما بنية دون لفظ فلا .. لقول الله تعالى «وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ» فهذا لم يعقد اليمين ونحن على يقين من أن الله تعالى لو شاء تمام تلك اليمين لانفذها وأتمها فاذا لم ينفذها عز وجل ولا أتمها فنحن على يقين من أنه تعالى لم يشأ كونها، وهو انما التزمها ان شاء الله تعالى، والله تعالى لم يشأها فلم يلتزمها قط ..

وكذلك اشتراطه مشيئة نفسه أو مشيئة زيد لأن مشيئته لا تعلم الا من قبله فهو مصدق فيها ومشيئة زيد لا ندرى أصدق فى دعواه أنه شاء أو لم يصدق، ولا ندرى أيضا أصدق فى دعواه انه لم يشأ أو لم يصدق؟ فلسنا على يقين من لزوم هذه اليمين التى حلف بها فلم يجز أن تلزمه كفارة بالشك.

وفى الحديث عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف فقال ان شاء الله لم يحنث)، فهذا دليل فى مشيئة الله. وروى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف فاستثنى فان شاء رجع وان شاء ترك غير حنث فهذا عموم لكل استثناء كما ذكرنا.

وقوله صلى الله عليه وسلم فقال: ان شاء الله، أو فاستثنى - يقتضى القول والقول لا يكون الا باللسان ولا يكون بالنية أصلا وقال قوم ان استثنى فى نفسه أجزأه وعن ابراهيم النخعى قال:

لا حتى يجهر بالاستثناء كما جهر باليمين وعن حماد فى الاستثناء ليس بشئ حتى يسمع نفسه، وعن الحسن البصرى اذا حرك لسانه أجزأ عنه الاستثناء ..

قال أبو محمد وبهذا نقول لانه قول صحيح يعنى حركة اللسان وأما وصل الاستثناء باليمين فان أبا ثور قال: لا يكون مستثنيا حتى ينوى الاستثناء فى حين نطقه باليمين لا بعد تمامها لأنه اذا أتم اليمين ولم ينو فيها الاستثناء كان قد عقد يمينه فلزمته، ولا ينفع الاستثناء، قال أبو محمد ولا يعترض بالنظر (الرأى) على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال عليه السلام:(من حلف فقال ان شاء الله لم يحنث) فأثبت له اليمين أولا ثم أسقطها صلى الله عليه وسلم عنه بقوله فقال ان شاء الله -

(1)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 44، 52 مسألة 1137.

ص: 294

لأن الفاء تعطى أن يكون الثانى بعد الاول بلا مهلة فصح ما قلناه.

وقالت طائفة: الاستثناء جائز أبدا متى أراد أن يستثنى كما روى عن ابن عباس انه قال: له ثنياه بعد كذا وكذا - قيل بعد سنين وقيل بعد أربعة أشهر وقيل بعد شهر وقيل متى ذكر، وقيل مادام فى المجلس - وقال بعضهم لو كان ما قال ابن عباس ما لزمت أحدا كفارة أبدا.

واستدل ابن حزم على ما اختاره من لزوم الوصل باليمين بقوله تعالى {(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ

)} فقد أوجب الله تعالى الكفارة على من عقد اليمين. والحديث المار جعل الاستثناء مردودا على اليمين بالفاء فى لغة العرب فوجب تعقيبا بلا مهلة.

ويمين الابكم واستثناؤه لازمان على حسب طاقته من صوت بصوته أو اشارة تصدر عنه ان كان مصمتا لا يقدر على أكثر من ذلك اذ الابكم والمصمت مخاطبان بشرائع الاسلام كغيرهما. وقد قال الله تعالى {(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها)} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) توجب عليهما من التكاليف ما استطاعاه ولزم أن يسقط عنهما ما ليس فى وسعهما وأن يقبل منهما ما يخبران به عن أنفسهما حسب ما يطيقان والأيمان أخبار من الحالف عن نفسه فيلزمهما ما التزماه.

ومن حلف ايمانا على أشياء كثيرة على كل شئ منها يمين مثل، والله لا أكلت اليوم.

وو الله لا كلمت زيدا. والله لا دخلت داره ونحو ذلك فهى أيمان كثيرة، أن حنث فى شئ منها فعليه كفارة فيه فان عمل آخر فكفارة أخرى فان عمل ثالثا فكفارة ثالثة وهكذا ما زاد. لانها ايمان متغايرة وأفعال متغايرة وأحناث متغايرة ان حنث فى يمين لم يحنث بذلك فى أخرى بلا شك، فلكل يمين حكمها.

فلو حلف كذلك ايمانا كثيرة على أشياء كثيرة على كل منها يمين ثم قال فى آخرها ان شاء الله أو استثنى بشئ ما، فهل يرجع الاستثناء الى كل هذه الأيمان أو يرجع الى بعضها، أو ان الامر منوط بنيته؟ خلاف. قال قوم: ان كان كل ذلك موصولا يرجع الى نيته ويصدق فيما قال فان قال:

أردت بالاستثناء جميع الايمان فلا حنث عليه فى شئ منها، وأن قال: نويت آخرها فهو كما قال .. وقال أبو ثور: الاستثناء راجع الى جميع الايمان، وقال أبو حنيفة: لا يكون الاستثناء الا لليمين التى تلى الاستثناء جميعا على رأى الحنفية فى الاستثناء والصفة والشرط والغاية اذا وقعت بعد جمل معطوف بعضها على بعض بالواو حيث قالوا انها ترجع الى الجملة الاخيرة.

ص: 295

قال أبو محمد وبهذا نأخذ - لانه قد عقد الأيمان السالفة ولم يستثن فيها وقطع الكلام فيها وأخذ فى كلام آخر فبطل أن يتصل الاستثناء بها فوجب الحنث فيها ان حنث والكفارة. وكان الاستثناء فى اليمين التى اتصل بها.

‌مذهب الزيدية:

ويصح الاستثناء فى اليمين عند الزيدية لقوله صلى الله عليه وسلم (من استثنى فله ثنياه) والثنيا بالضم - كالرجعى والبشرى - الاستثناء. سواء كان من المحلوف منه كقوله. والله لا أكلم الناس الا زيدا أو لا ألبسن الثياب الا الحرير أو لا آكلن الطعام الا البر حيث يحلف من الجنس العام ويستثنى بعض أفراده فالاستثناء هنا من المحلوف منه. أو كان من المحلوف عليه. كأن يحلف على نسائه ليدخلن الدار الا فاطمة. فهذا استثناء من المحلوف عليه.

ويشترط فى الاستثناء أن يكون متصلا وقول ابن عباس يصح متراخيا. وما ورد من التحديد بسنة أو أقل أو أكثر ليس القصد منه التحديد بمدة وأنما الغرض منه أن الفصل بزمن لا يضر طال هذا الزمن أو قصر.

وأن لا يكون مستغرقا للمستثنى منه.

فان كان مستغرقا بطل الاستثناء وبقى المستثنى منه تابعا .. وفى حكم المستغرق كل عبد لى حر الا هذا وليس له عبد سواه. وكل زوجة لى طالق الا هذه ولا زوجة له سواها بخلاف ما لو قال: هاتان طالقتان وأشار الى زوجتين له الا هذه.

أو قال زينب وفاطمة طالقتان الا فاطمة حيث لا يصح الاستثناء لانه يكون رجوعا عن الطلاق بعد وقوعه بالفعل نتيجة للتعيين بالاشارة أو بالاسم فى المستثنى منه ولانه عموم فى المستثنى منه كما هو ظاهر.

ويشترط أن يكون الاستثناء ملفوظا فلا يجوز الاستثناء بالنية الا فيما بينه وبين الله فقط حيث يجوز ويصدق فيما نواه سواء كان لفظ العام المستثنى منه والذى أريد تخصيصه بالنية أو أريد به خاص.

ملفوظا ومنطوقا به فى الكلام أولا. فلو قال: والله لا آكل الطعام وقال: نويت به البر أو قال: نويت الا البر صح فيهما وصدق فيما قاله ويكون من قبيل العام الذى أريد به الخصوص فى الاول ومن قبيل العام المخصوص فى الثانى .. وكذلك لو قال:

والله لا أكلم الناس وقال قصدت به عمرا أو قصدت الا عمرا. فالعام المستثنى منه مذكور ومنطوق به فى المثالين .. ولو قال:

والله لا أكلم زيدا .. أو والله لا آكل ..

وقال: أردت عاما فى الاول وهو لا أكلم زيدا بشئ أولا أكلمه أبدا. وأردت عاما فى الثانى وهو لا آكل شيئا - صح ذلك منه ويصح أن يستثنى من هذا العام المقدر ما شاء بالنية كأن يقول: عنيت الكلام فى شأن معين أو الا أشارة. أو يقول: عنيت لا آكل مطبوخا أو ألا خبزا.

ص: 296

وقال البعض: لا يصح الاستثناء بالنية الا اذا كان المستثنى منه ملفوظا حيث يقتصر التقدير على المخرج. أما تقدير المخرج والمخرج منه فانه يفتح بابا واسعا للتأويل والخروج من التبعات والالتزامات وليس كل انسان يخاف الله ويقدر عاقبة الامور.

ولا يقبل الاستثناء بالنية فى القضاء والحكم عند الكل لان الاحكام لا تبنى على النوايا وانما تبنى على الظاهر وهذا فى الطلاق والعتاق اذا نازعت الزوجة فى الطلاق أو نازع العبد فى العتق ولم يصادقا وقيل ان ربط القبول فى العتق بمصادقة العبد فيه نظر لأن العتق حق الله تعالى وقيل ان مصادقة العبد انما هى فى عدم حصول شرط العتق لا فى العتق نفسه. أما فى الحلف بالله تعالى فيقبل الاستثناء بالنية فى القضاء والحكم.

ولا يصح الاستثناء بالنية اذا كان المستثنى منه عددا منصوصا معينا فى النفى نحو أن يحلف لا آكل هذه العشر رمانات ونحو ذلك وينوى بقلبه الا واحدة فان النية لا تكفى هنا بل لا بد من اللفظ والا لم يصح الاستثناء .. وأما فى الاثبات فلا فرق بين العدد المعين وغير المعين فلا يبرأ الا بالجميع حيث لم يستثن وبالبعض الباقى مع الاستثناء من غير فرق بين التعيين وغيره

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

يرى الإمامية أن اتباع مشيئة الله تعالى لليمين يمنع انعقادها وبالتالى لا يكون فيها حنث ولا تجب الكفارة سواء عرفت المشيئة وجودا أو عدما أو لم تعرف. وتعرف المشيئة من متعلق اليمين اذ ينبغى أن يكون متعلقها طاعة واجبا أو مندوبا أو ترك مكروه أو حرام أو مباحا راجحا دينا أو دنيا أو متساويا، وفيما عدا المباح هو مطلوب للشرع على سبيل الامر أو النهى فيعرف وجود المشيئة فى المطلوب على سبيل الامر وعدمها فى المطلوب على سبيل النهى. أما المباح فلا يتعلق به طلب للشارع وبالتالى لا تعرف فيه مشيئة الله تعالى وذهب البعض الى أن التعليق على المشيئة لا يمنع انعقاد اليمين الا فيما لا تعرف فيه المشيئة كالمباح دون الواجب والمندوب وترك الحرام والمكروه لانه متى عرفت مشيئة الله يجرى الامر على حسب تلك المشيئة ويرتبط بها وجودا وعدما كما فى مشيئة الانسان اذا علقت عليها اليمين. وأجيب بأن النص فى الحديث عن أثر المشيئة فى اليمين أناط الامر بقول ان شاء الله وأطلق دون نظر الى معرفة مشيئة الله تعالى وعدم معرفتها ومع وجاهة الرأى لا اجتهاد فى مقابلة النص. ويجب أن تكون المشيئة متصلة باليمين عادة فلا يضر الفصل الاضطرارى لنحو التنفس والسعال الذى لا يعتبر فاصلا عرفا. وان تكون ملفوظة منطوقا بها فلا تصح بالنية وأن يقصد الحالف اليها عند النطق بها وأن

(1)

شرح الازهار والهامش عليه ج 4 ص 30، ص 31.

ص: 297

انتفى القصد عند التلفظ باليمين أما اذا قصد المشيئة عند التلفظ باليمين ثم انتفى القصد عند النطق بها فلا يصح. ولا فرق بين ان يقصد بذكر المشيئة التعليق عليها أو يقصد التبرك لاطلاق حديث النبى صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين فقال ان شاء الله فلا حنث) حيث جعل المناط قول ان شاء الله دون نظر الى المقصود منه.

أما التعليق على مشيئة الغير فانه يحبس اليمين ويوقفها على تلك المشيئة ان علق عقدها عليها كقوله: لأفعلن كذا ان شاء زيد فان شاء زيد وجب الفعل ويحنث بالترك.

وان لم يشأ زيد لا يجب الفعل وان جهل الشرط لسبب من الاسباب كالموت أو الخرس أو الغيبة لم ينعقد اليمين ..

وان أوقف اليمين على مشيئة زيد كقوله:

لأفعلن الا أن يشاء زيد انعقدت اليمين ولزمه الفعل ما لم يشأ زيد حلها ويعلق مشيئته عدم الفعل. فلا تبطل الا أن يعلم الشرط وهو المشيئة.

وكذا فى جانب النفى كقوله: لا أفعل كذا ان شاء زيد أو الا أن يشاء زيد حيث يتوقف انتفاء الفعل على مشيئة زيد فى الاول وينتفى بدون المشيئة فى الثانى ..

فلا يحرم الفعل قبل مشيئته ولا يحل قبلها

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

يجرى الاستثناء فى اليمين عند الإباضية بأن يقول الحالف عقيب اليمين - ان شاء الله أو ان أراد أو قضى أو أذن - أو الا أن يشاء الله أو يريد أو يقضى أو يأذن - ونحو ذلك ..

وهل الاستثناء عندهم يحل اليمين بعد انعقادها أو يمنع انعقادها أصلا؟ خلاف.

وعلى هذا أو ذاك فلا حنث فى اليمين ولا كفارة مع الاستثناء

وجوز بعضهم الاستثناء بذكر الله عقب اليمين بأى اسم وبأى عبارة وبأى لغة بجملة أو مفرد وضع للاستثناء أو لم يوضع مثل أن يقول بعد اليمين الله أو رب اغفرلى أو استغفر الله أو ربى أو الرحمن أو الرحيم اذا نوى بذلك الاستثناء .. ويهدم هذا الاستثناء اليمين اذا أريد به الهدم عند من يجيزه ويشترط فى الاستثناء أن يكون متصلا على الصحيح. ولا يضر الفصل لعطس أو تثاؤب أو غلط لسان أو عى أو تنفس أو بلع ريق. ويضر ولا يبقى للاستثناء أثر اذا فصل بكلام أو فعل أو سكوت طويل أو أكل أو شرب .. وقيل يصح الاستثناء ما لم يقم من المجلس أو يأخذ فى عمل آخر يقطعه. وقيل يصح ولو بعد مدة طالت أو قصرت ويشترط أن يكون الاستثناء منطوقا ومتلفظا بحيث يسمع نفسه وقيل غيره. وان حرك لسانه ولم يسمع أذنيه فقولان فلا تكفى نية القلب ولا يصح الاستثناء فى النفى مطلقا وقيل يصح مطلقا. وقيل

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 235.

ص: 298

يصح بشرط أن يحلف الشخص بنفسه لا بتحليف غيره له. وقيل ان استحلفه جائر ظلما فله الاستثناء فى نفسه وان استحلفه غيره بحق فلا. وانما اشترط التلفظ بالاستثناء على الصحيح لانه حل أو منع لليمين الذى هو لفظ وما كان لفظ لا ينحل عقده الا بلفظ .. وهذا الخلاف جار فى الحلف هل ينعقد بالنية بلا لفظ أو لا ينعقد الا بلفظ مع القصد.

ويشترط أن يقصد الاستثناء قبل تمام اليمين

وعلى القول باشتراط الاتصال والقصد وهو الصحيح اذا انعدمت هذه الشروط أو بعض منها فهل يهدم الاستثناء اليمين أولا؟ خلاف مثاره هل الاستثناء يحل اليمين أو يمنع انعقادها. فان كان حالا لليمين جاز اتصاله وانفصاله وحدوثه بعد اليمين وقصده معه ..

ويكون هادما لليمين على أى وضع من هذه الاوضاع - وان كان مانعا من انعقاد اليمين لم يكن الا متصلا مقصودا قبل تمام اليمين - بحيث لو لم يكن كذلك لم يهدم اليمين والذى اختاره صاحب النيل أنه يشترط الاتصال والتلفظ وأنه يهدم اليمين، ويستوى أن يكون متأخرا عن اليمين كما هو الأصل أو متقدما عليه.

وهذا كله فى الحلف بالله تعالى أو باسم من اسمائه تعالى أو صفة من صفاته.

أما فى الطلاق والعتاق والظهار. فان خرج مخرج اليمين بأن علق على شرط كقوله:

زوجتى طالق ان دخلت دار فلان ان شاء الله فان الاستثناء يصح ويهدم الطلاق والعتق والظهار. ولا يقع شئ منها معه لأنه يكون يمينا حينئذ. ويشمله حديث من حلف فقال ان شاء الله لم يحنث.

واذا لم يعلق على شرط فلا يكون يمينا.

ولا ينفع فيه الاستثناء وبالتالى يقع الطلاق والعتق. فلو قال: زوجتى طالق ان شاء الله أو عبدى حر ان شاء الله.

أو زوجتى فلانه على كظهر أمى ان شاء الله. لا ينفعه الاستثناء ويقع الطلاق والعتق وينعقد الظهار .. وقيل ينفع الاستثناء فى ذلك كله سواء كان يمينا أم لم يكن.

ولا ينفع الاستثناء بالنسبة لشئ ماض كما فى اليمين الغموس وهى الحلف على أمر فى الماضى أنه فعله وهو لم يفعله أو أنه لم يفعله وقد فعله أو أنه كان وهو لم يكن أو انه لم يكن وهو قد كان. كو الله لقد فعلت كذا وهو لم يفعله وهكذا فان قال بعد هذا الحلف ان شاء الله لم ينفعه ويحنث من حينه وعليه الكفارة فى ذمته وانما ينفع الاستثناء فى اليمين على أمر مستقبل فعلا كان أو تركا كو الله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا

(1)

.

‌الاستثناء فى الوصية والهبة

والبيع والاجارة والعتق

يجرى الاستثناء فى كثير من أبواب الفقه وعقود المبادلات والتصرفات التى نظم الشارع شروطها وأحكامها ومقوماتها

(1)

شرح النيل ج 4 ص 437 - 440 الطبعة السابقة.

ص: 299

على أساس من رعاية مصالح الناس وتيسير حياتهم غير الابواب والعقود التى عرضنا لبيان أحكام الاستثناء فيها على شئ من البسط والتفصيل اقتضتهما طبيعة الموضوع .. غير أن الاستثناء فى هذه الابواب والعقود الأخرى لا يأخذ نفس الوضع والطابع الذى أخذه وتميز به فى الابواب التى عرضنا لها من حيث استقلال البحث وتفصيله وتقسيمه وترتيبه وأحكامه وآثاره ومن حيث اضطراده واحتلاله مكانا فى المذاهب المختلفة يختلف ضيقا وسعة وأجمالا وتفصيلا وتفريعا وتطبيقا فقد يجرى الحديث عن الاستثناء فى الابواب والعقود الاخرى فى مسألة أو مسائل محدودة وفى بعض المذاهب دون البعض.

ففى باب الوصية يتحدث الحنفية عن الاستثناء فى مسألة من مسائلها وهى ما اذا أوصى بجارية حامل لشخص واستثنى حملها بأن قال: أوصيت بهذه الجارية لفلان الا حملها، فقالوا: تصح الوصية ويصح الاستثناء. فتنصب الوصية على الجارية وحدها دون الحمل وتستحق بمقتضى الوصية وطبقا لشروطها وأحكامها للموصى له. ويمنع الاستثناء دخول الحمل فيها فلا تشمله ولا يستحق بالوصية ويبقى على ملك الموصى كما كان قبل الوصية.

وانما يصح الاستثناء فى ذلك مع أن اسم الجارية المستثنى منه لا يتناول الحمل المستثنى بحسب الوضع ولا يندرج تحته بطريق القصد وانما يدخل فى الوصية عند الاطلاق وعدم ذكر الاستثناء تبعا لأمه لانه قبل الوضع جزء منها - وقد علمنا أن الاستثناء تصرف لفظى لا يرد الا على ما يتناوله لفظ المستثنى منه وعلى سبيل القصد لا على سبيل الاقتضاء والتضمن وانما صح الاستثناء مع ذلك باعتبار أن القصد منه هو تقرير ملك الموصى فى الحمل كما كان قبل الوصية .. ولان المقرر أنه يصح الايصاء بالحمل منفردا رغم احتمال عدم وجوده وما قد يكون فيه من غرر. لان الوصية ليس عقد معاوضة يترتب على الغرر فيه ضرر - فصح استثناؤه من الوصية لأن القاعدة المقررة عند الحنفية أن ما يجوز أفراده بعقد يصح استثناؤه من ذلك العقد.

ومثل ما ذكر ما لو أوصى بالجارية الحامل لشخص وأوصى بحملها لشخص آخر حيث تصح الوصية فى كل منهما ويستحق الموصى له فيهما ما أوصى له به.

اذ الوصية أخت الميراث والميراث يجرى فى الحمل فكذلك تجرى فيه الوصية:

بخلاف ما لو أوصى بجارية ألا خدمتها حيث لا يصح الاستثناء لأن الميراث لا يجرى فى الخدمة.

ولو وهب جارية ألا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء لان الاستثناء فى العقد بمنزلة الشرط الفاسد. وعقد الهبة لا

ص: 300

يتأثر بالشروط الفاسدة ولكن يبطل الشرط. فصحت الهبة وبطل الاستثناء بخلاف الوصية حيث يصح فيها الاستثناء لانها أوسع العقود تقبلا للشروط.

والاصل فى تشريعها تحقيق الخير والنفع فينبغى تيسير الوصول الى ذلك.

وبناء على القاعدة المذكورة وهى أن ما جاز افراده بعقد صح استثناؤه من هذا العقد: منع الحنفية استثناء الحمل فى البيع لأنه لا يجوز ايراد عقد البيع على الحمل منفردا لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة والمضامين جمع مضمونة ما فى أصلاب الابل من الماء الذى يتخلق منه نتاجها. والملاقيح جمع ملقوحة ما سيكون فى بطن الانثى مستقبلا. أما الموجود بالفعل فى بطونها فهو حمل وبيعه فاسد لا باطل .. وحبل الحبلة بفتح الباء ما سوف يحبله الجنين الذى فى البطن.

أى نتاج النتاج لدابة أو رقيق. ولما فى بيع الحمل من الغرر لأنه مشكوك فى وجوده ولان فيه مصلحة للبائع واذا كان أفراد الحمل بالبيع غير جائز شرعا.

فاستثناؤه فيه غير صحيح كأطراف الحيوان لا يصح استثناؤها عند بيعه لأنه لا يجوز أفرادها بعقد البيع فاذا باع جارية ألا حملها. فسد البيع لان الاستثناء بمنزلة الشرط وهو فاسد كما ذكرنا والبيع يفسد بالشرط الفاسد.

واستثناء الحمل بالنسبة للعقود على مراتب: تارة يفسد العقد والاستثناء معا كما فى البيع والاجارة والرهن لان هذه العقود تبطل بالشروط الفاسدة وتارة يصح العقد ويبطل الاستثناء كما فى الهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد، لأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة ولكن يبطل الشرط. وتارة يصح العقد والشرط معا كما فى الوصية لأنها كما قلنا أوسع العقود تحملا للشروط

(1)

.

ويتحدث المالكية عن الاستثناء فى الوصية فى نفس المسألة التى تحدث عنه فيها الحنفية فقد ذكروا أنه لو أوصى لشخص بجارية وهى حامل من زوج أو من زنا دخل الحمل فى الوصية مع الجارية لانه كجزء منها واستحق الموصى له الجارية والحمل طبقا لشروط الوصية وأحكامها - ان لم يستثنه الموصى فان استثناه لم يدخل فى الوصية ولا يستحقه الموصى له ويبقى على ملك الموصى كما كان قبل الوصية، ولو وضعته أمه فى حياة السيد لم يدخل فى الوصية كذلك. بخلاف ما اذا أوصى بعتق الجارية وهى حامل حيث يدخل الحمل فى الوصية تبعا لامه ولو استثناه الموصى لا يصح الاستثناء لان الشارع يتشوف الى العتق ومن ثم يكمل عتق العبد فى حال عتق جزء منه أما الوصية فلا تكمل اذا أوصى السيد لشخص بجزء من عبده.

والهبة مثل الوصية عند المالكية يصح

(1)

تكملة فتح القدير ج 8 ص 437 وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 166 الطبعة السابقة.

ص: 301

استثناء الحمل فيها على النحو المذكور فى الوصية

(1)

.

ويتحدث الحنابلة عن الاستثناء فى الوصية عند الكلام على قسمة الوصية واستخراج النصيب الموصى به اذا وقع الاستثناء. فقد عقد ابن قدامة

(2)

فى المغنى فصولا تحدث فيها عن كيفية تقسيم الوصية واستخراج النصيب الموصى به اذا ذكر فيها استثناء وبدأ بقوله: اذا خلف ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم ألا ربع المال فخذ مخرج الكسر أربعة وزد عليه سهما تكن خمسة فهذا النصيب وزد على عدد البنين واحدا واضربه فى مخرج الكسر تكن ستة عشر. تدفع الى الوصى خمسة وتستثنى منه أربعة يبقى لهم سهم ولكل ابن خمسة .. وان شئت خصصت كل ابن بربع وقسمت الربع الباقى بينه وبينهم على أربعة .. ويمضى فى تقسيم الوصية واستخراج النصيب الموصى به على وجوه مختلفة على أساس افتراض أصل المسألة واستثناءات مختلفة ثم يفرض مسألة أخرى واستثناءات أخرى ويستعرض الحلول والتقسيمات على هذا النحو، ثم وثم وهكذا وهو كما ترى استثناء يتصل بتحديد النصيب الموصى به كالاستثناء من العدد فى الاقرار والطلاق.

وفى البيع يجيز الحنفية استثناء ما يجوز اقراره بعقد البيع كالبيت من الدار، يجوز أن يبيع له الدار ألا بيتا من بيوتها لانه يجوز بيع البيت منفردا فيصح استثناؤه فيه. ولا يجيزون استثناء ما لا يصح ايراد العقد عليه منفردا كاستثناء الحمل فى بيع الجارية الحامل، واستثناء الاطراف فى بيع الحيوان واستثناء المنفعة فى بيع العين ونحو ذلك.

ويرى المالكية أنه يجوز استثناء المنفعة فى بيع العين لمدة سنة فى الدور وسنتين فى الارض وثلاثة أيام فى الدابة ونحوها وكذلك فى الاجارة يعتبر المدة المشار اليها.

ويجيز الحنابلة فيما نقل عن الامام أحمد رضى الله عنه استثناء بعض منافع ما يخرجه العاقد من ملكه فى جميع العقود كخدمة العبد وسكنى الدار وركوب الدابة أو الحمل عليها، يجوز استثناء ما ذكر عند بيع هذه الاعيان اذا كان ما استثناه مما يجوز تمليكه للغير بعقد من العقود.

وما ذكر يجوز تمليكه للغير بعقد الاجارة مثلا اذ يؤجر العبد للخدمة والدار للسكنى والدابة للركوب. وكذا بعقد الاعارة.

وذلك أخذا من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه اذا استثنى ظهر بعيره الى المدينة حين باعه للنبى صلى الله عليه وسلم كما جوز الامام احمد للمعتق أن يستثنى خدمة العبد مدة حياته أو حياة سيده أخذا من حديث سفينة اذ أعتقته أم سلمة رضى الله عنها واشترطت عليه أن يقوم بخدمة النبى صلى الله عليه وسلم ما عاش.

راجع مصطلحات (وصية وهبة ..

واجارة .. وعتق) ..

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 59. الطبعة السابقة.

(2)

ج 6 ص 460 وما بعدها.

ص: 302

‌استجرار

‌التعريف فى اللغة

استجر مادتها «جرر» والجر الجذب جره يجره جرا. واستجر الفصيل عن الرضاع أخذته قرحة فى فيه أو سائر جسده فكف عنه لذلك وأجررته الدين اذا أخرته له، وفلان يجارى فلانا أى يطاوله، وجره ماطله أو حاباه واستجر الشئ جره - المال أخذه شيئا فشيئا، وفى المادة معان أخرى كثيرة

(1)

.

‌تعريف الاستجرار عند الفقهاء

‌مذهب الحنفية:

عرف صاحب الدر المختار

(2)

الحنفى الاستجرار بأنه ما يستجره الانسان من البياع اذا حاسبه على أثمانها بعد استهلاكها، ثم ذكر حكم الاستجرار فقال ان ذلك جائز استحسانا، وعلق ابن عابدين فى حاشيته على هذا التعريف فنقل عن البحر أن من شرائط المعقود عليه أن يكون موجودا فلم ينعقد بيع المعدوم، ومما تسامحوا فيه وأخرجوه عن هذه القاعدة: ما فى القنية: الاشياء التى تؤخذ من البياع على وجه الخرج كما هو العادة من غير بيع كالعدس والملح والزيت ونحوها ثم اشتراها بعدما انعدمت صح فيجوز بيع المعدوم هنا، وقال بعض الفضلاء ليس هذا بيع معدوم انما هو من باب ضمان المتلفات باذن مالكها عرفا تسهيلا للامر ودفعا للحرج كما هو العادة، ولم يرتض بعض فقهاء الحنفية كالحموى وغيره هذا المعنى، وقال ابن عابدين ان المسألة استحسان ويمكن تخريجها على قرض الاعيان ويكون ضمانها بالثمن استحسانا وكذلك حل الانتفاع فى الاشياء القيمية لان قرضها فاسد لا يحل الانتفاع به وان ملكت بالقبض ثم قال ابن عابدين وفى النهر خرجت المسألة على كون المأخوذ من العدس ونحوه بيعا بالتعاطى وأنه لا يحتاج فى مثله الى بيان الثمن لانه معلوم قال ابن عابدين ان ما فى النهر مبنى على أن الثمن معلوم لكنه على هذا لا يكون من بيع المعدوم بل كلما أخذ شيئا انعقد بيعا بثمنه المعلوم، قال فى الولواجية:

دفع دراهم الى خباز فقال اشتريت منك مائة من خبز وجعل يأخذ كل يوم خمسة أمناء فالبيع فاسد وما أكل فهو مكروه لانه اشترى خبزا غير مشار اليه فكان البيع مجهولا، ولو أعطاه الدراهم وجعل يأخذ منه كل يوم خمسة أمناء ولم يقل فى الابتداء اشتريت منك يجوز وهذا حلال وان كان نيته وقت الدفع الشراء لانه

(1)

لسان العرب للامام العلامة ابن منظور ح 16 ص 126 مادة «جرر» طبع دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر ببيروت الطبعة الثانية سنة 1375 هـ. وترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة للزاوى ح 1 ص 401، ص 402 مادة «جر» الطبعة الاولى طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1959 م.

(2)

رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار لابن عابدين ح 4 ص 16، 17 طبع المطبعة العثمانية بمصر دار سعادات سنة 1324 هـ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الشهير بابن نجيم ح 5 ص 279 طبع المطبعة العلمية بمصر الطبعة الاولى سنة 1310 هـ.

ص: 303

بمجرد النية لا ينعقد البيع وانما ينعقد البيع الآن بالتعاطى، والآن المبيع معلوم فينعقد البيع صحيحا، ورتب ابن عابدين على ذلك صحة البيع فيما اذا تأخر دفع الثمن فقال: ووجه ما مر أن ثمن الخبز معلوم فاذا انعقد بيعا بالتعاطى وقت الاخذ مع دفع الثمن قبله فكذا اذا تأخر دفع الثمن بالأولى وهذا ظاهر فيما اذا كان ثمنه معلوما وقت الأخذ مثل الخبز واللحم أما اذا كان ثمنه مجهولا فانه وقت الاخذ لا ينعقد بيعا بالتعاطى لجهالة الثمن فاذا تصرف فيه الآخذ وقد دفعه البياع برضاه بالدفع وبالتصرف فيه على وجه التعويض عنه لم ينعقد بيعا وان كان على نية البيع لان البيع لا ينعقد بالنية فيكون شبيه القرض المضمون بمثله أو بقيمته فاذا توافق على شئ بدل المثل أو القيمة برئت ذمة الآخذ لكى يبقى الاشكال فى جواز التصرف فيه اذا كان قيميا فان قرض القيمى لا يصح فيكون تصحيحه هنا استحسانا كقرض الخبز والخميرة ثم قال ابن عابدين ويمكن تخريجه على الهبة بشرط العوض أو على المقبوض على سوم الشراء، وفى الاشباه ورد: لو أخذ من الارز والعدس وما أشبهه وقد كان دفع اليه دينارا مثلا لينفق عليه ثم اختصما بعد ذلك فى قيمته هل تعتبر قيمته يوم الاخذ أو يوم الخصومة قال فى التتمة تعتبر يوم الاخذ، قيل له: لو لم يكن دفع اليه شيئا بل كان يأخذ منه على أن يدفع اليه ثمن ما يجتمع عنده، قال:

يعتبر وقت الأخذ لأنه سوم حين ذكر الثمن، وفى كل ما ورد عن استجرار تفصيل كثير فى المذاهب يرجع فيه الى مصطلح (بيع) ومصطلح (قرض) ومصطلح (قيمة).

‌مذهب المالكية:

قال مالك: ولا بأس أن يضع الرجل عند الرجل درهما ثم يأخذ منه بربع أو بثلث أو بكسر معلوم سلعة معلومة بذلك الكسر واذا لم يكن فى ذلك سعر معلوم وقال الرجل آخذ منك بسعر كل يوم فهذا لا يحل لانه غرر يقل مرة ويكثر مرة ولم يفترقا على بيع معلوم قال الشارح وهذا كما قال:

ان الرجل يجوز له أن يضع عند الرجل درهما ويأخذ منه ببعضه ما شاء ويترك عنده الباقى وذلك يكون على ثلاثة أوجه أحدها أن يضعه عنده مهملا وذلك جائز.

الثانى - أن يقول له آخذ به منك كذا وكذا من التمر أو كذا وكذا من اللبن أو غير ذلك يقدر معه فيه سلعة ما ويقدر ثمنها قدرا ما ويترك ذلك حالا يأخذه متى شاء أو يؤقت له وقتا ما فهذا جائز.

والثالث - أن يترك عنده فى سلعة معينة أو غير معينة على أن يأخذ منها فى كل يوم بسعره عقدا على ذلك ببيعها فان ذلك غير جائز لان ما عقد عليه من الثمن مجهول وذلك من الغرر الذى يمنع صحة البيع

(1)

، وجاء فى حاشية الدسوقى

(1)

كتاب المنتقى شرح موطأ مالك للقاضى أبى الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجى الاندلسى ح 5 ص 15 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1332 هـ.

ص: 304

والشرح الكبير، ان الاظهر مراعاة أحوال الناس والزمان والمكان كما يفيده قوله الا بعرف

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

قال الشافعية فى المجموع اذا كان يأخذ من البياع شيئا ولم يعطه شيئا ولم يتلفظا ببيع بل نويا أخذه بثمنه المعتاد ويحاسبه بعد مدة ويعطيه كما يفعل كثير من الناس فانه باطل بلا خلاف لانه ليس ببيع لفظى ولا معاطاة ولا يعد بيعا فهو باطل فليعلم وليحذر منه ولا يغتر بكثرة من يفعله فان كثيرا من الناس يأخذ الحوائج من البياع مرة بعد مرة من غير مبايعة ولا معاطاة ثم بعد مدة يحاسبه ويعطيه العوض وهذا باطل بلا خلاف، وفى نهاية المحتاج قال: أما الاستجرار من يباع فباطل اتفاقا أى حيث لم يقدر الثمن كل مرة وفى المغنى قال الاذرعى وهذا ما أفتى به البغوى وذكر ابن الصلاح فى فتاويه نحوه ثم قال صاحب مغنى المحتاج لكن الغزالى فى الاحياء سامح فى الاستجرار فقال:

وأخذ الحاجات من البياع يقع على ضربين أحدهما أن يقول أعطنى بكذا لحما أو خبزا مثلا وهذا هو الغالب فيدفع اليه مطلوبه فيقبضه ويرضى به ثم بعد مدة يحاسبه ويؤدى ما اجتمع عليه فهذا مجزوم بصحته عند من يجوز المعاطاة فيما أراه. والثانى أن يلتمس مطلوبه من غير تعرض لثمن كأعطنى رطل خبز أو لحم مثلا فهذا محتمل، وفى نهاية المحتاج أن الغزالى سامح فى الاستجرار بناء على جواز المعاطاة، قال صاحب مغنى المحتاج هذا ما رأى الغزالى اباحته ومنعها النووى، وما قيل من أن هذا لا يعد معاطاة ولا بيعا فيه نظر بل يعده الناس بيعا والغالب أن يكون قدر ثمن الحاجة معلوما لهما عند الاخذ والعطاء وان لم يتعرضا له لفظا

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

قال أبو داود فى مسائله، باب فى الشراء ولا يسمى الثمن سمعت أحمد سئل عن الرجل يبعث الى البقال فيأخذ منه الشئ بعد الشئ ثم يحاسبه بعد ذلك قال: أرجو أن لا يكون بذلك بأس، قال أبو داود: وقيل لاحمد:

يكون البيع ساعتئذ؟ قال: لا. قال الشيخ تقى الدين وظاهر هذا أنهما اتفقا على الثمن بعد قبض المبيع والتصرف فيه وأن البيع لم يكن وقت القبض وانما كان وقت التحاسب وأن معناه صحة البيع بالسعر ثم قال: وأصرح من ذلك ما ذكر فى مسألة المعاطاة عن مثنى بن جامع عن

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لشمس الدين محمد عرفة الدسوقى والشرح الكبير للدردير ج 3 ص 191 طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه.

(2)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى وبهامشه متن المحتاج للنووى ح 2 ص 3، ص 4 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ، ونهاية المحتاج الى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبر املس عليه ح 3 ص 364 طبع مطبعة البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ، والمجموع شرح المهذب لابى زكريا النووى مع فتح العزيز شرح الوجيز للرافعى ح 9 ص 162 طبع مطبعة التضامن الاخوى.

ص: 305

أحمد فى الرجل يبعث الى معامل له ليبعث اليه بثوب فيمر به فيسأله عن ثمن الثوب فيخبره فيقول له اكتبه - والرجل يأخذ التمر فلا يقطع ثمنه ثم يمر بصاحب التمر فيقول له اكتب ثمنه فأجازه اذا ثمنه بسعر يوم أخذه وهذا صريح فى جواز الشراء بثمن المثل وقت القبض لا وقت المحاسبة سواء ذكر ذلك فى العقد أو أطلق لفظ الاخذ زمن البيع. وعلى هذا لو اختلفا والعين قائمة ردت وان فاتت فالقيمة، وقال الخلال تحت عنوان ذكر البيع بغير ثمن مسمى ثم ذكر حرب سألت الامام أحمد قلت الرجل يقول لرجل ابعث لى جريبا من بر واحسبه على بسعر ما تبيع قال: لا يجوز هذا حتى يبين له السعر، وعن اسحاق بن منصور: قلت للامام أحمد الرجل يأخذ من الرجل سلعة فيقول: أخذتها منك على ما تبيع الباقى قال لا يجوز وعن حنبل قال عمى: أنا أكرهه لانه بيع مجهول والسعر يختلف يزيد وينقص وروى حنبل عن أبى عبيدة أنه كره ذلك

(1)

، وجاء فى أعلام الموقعين:

اختلف الفقهاء فى جواز البيع بما ينقطع به السعر من غير تقدير الثمن وقت العقد:

وصورتها البيع ممن يعامله من خباز أو لحام أو سمان أو غيرهم: يأخذ منه كل يوم شيئا معلوما ثم يحاسبه عند رأس الشهر أو السنة على الجميع ويعطيه ثمنه فمنعه الاكثرون وجعلوا القبض به غير ناقل للملك وهو قبض فاسد يجرى مجرى المقبوض بالغصب لانه مقبوض بعقد فاسد هذا وكلهم الا من شدد على نفسه يفعل ذلك ولا يجد منه بدا وهو يفتى ببطلانه وأنه باق على ملك البائع ولا يمكنه التخلص من ذلك الا بمساومته له عند كل حاجة يأخذها قل ثمنها أو كثر: وان كان ممن شرط الايجاب والقبول لفظا فلا بد مع المساومة أن يقرن بها الايجاب والقبول لفظا «القول الثانى» وهو الصواب المقطوع به وهو عمل الناس فى كل عصر ومصر جواز البيع بما ينقطع به السعر وهو منصوص الامام أحمد واختاره شيخنا وسمعته يقول هو أطيب لقلب المشترى من المساومة يقول لى أسوة بالناس آخذ بما يأخذ به غيرى، قال والذين يمنعون من ذلك لا يمكنهم تركه بل هم واقعون فيه وليس فى كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا اجماع الأمة ولا قول صاحب ولا قياس صحيح ما يحرمه

(2)

، وقد أجمعت الأمة على صحة النكاح بمهر المثل وأكثرهم يجوزون عقد الاجارة بأجرة المثل كالنكاح والغسال والخباز والملاح وقيم الحمام والمكارى، والبيع بثمن المثل كبيع ماء الحمام فغاية البيع بالسعر أن يكون

(1)

النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لشمس الدين بن مفلح المقدسى المطبوع بهامش المحرر فى الفقه للامام مجد الدين أبى البركات ح 1 ص 298، ص 299 طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1369 هـ.

(2)

اعلام الموقعين لشيخ الامام شمس الدين أبى عبد الله محمد بن أبى بكر المعروف بابن القيم الجوزى ح 4 ص 3، ص 4 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر.

ص: 306

بيعه بثمن المثل فيجوز كما تجوز المعاوضة بثمن المثل فى هذه الصورة وغيرها فهذا هو القياس الصحيح ولا تقوم مصالح الناس الا به. فان قالوا «فالحيلة» فى الجواز أن يأخذ ذلك قرضا فى ذمته فيجب عليه للدافع مثله ثم يعاوضه عليه بثمن معلوم. فانه بيع للدين من الغريم وهو جائز. ولكن قد يرتفع السعر فيطالبه بالمثل فيتضرر الآخذ. وقد ينخفض فيعطيه المثل فيتضرر الاول فالطريق الشرعية التى لم يحرمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أولى بهما.

‌استجمار

‌تعريفه فى اللغة

الاستجمار مأخوذ من الجمار وهى الحجارة الصغيرة

(1)

.

‌التعريف الشرعى عند الفقهاء

ازالة النجاسة الخارجة من السبيلين بحجر أو نحوه.

والفرق بينه وبين الاستنجاء أن الاستنجاء عام يطلق على استعمال الماء فى ازالة الخارج من السبيلين، ويطلق على استعمال الحجر أو نحوه فى ازالة هذا الخارج.

‌حكمه

اتفق الأئمة على وجوب ازالة النجاسة: اما باستعمال الحجر أو نحوه فى ذلك وهو الاستجمار فمشروع ولكنهم اختلفوا فى حكمه، وقد ذكر أصحاب كل مذهب حكمه مع بيان ما يستجمر به وما لا يستجمر به كما يلى:

مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية الى أن الاستجمار سنة مؤكدة للرجال والنساء، وقيل هو مستحب وقال شيخ الاسلام: الاستنجاء نوعان بالحجر والماء، فبالحجر سنة واتباع الماء أدب وفضيلة، وهو يكون لكل خارج من السبيلين الا الريح اذ لم يصحبه خبث.

‌ما يجزئ فيه:

ويجزئ فيه الحجر وما يقوم مقلمه من التراب وغيره من كل عين، طاهرة قالعة للنجاسة، غير محترمة، ولا متقومة كمدر

(2)

، وانما يجزئ الحجر أو نحوه اذا كان الخارج معتادا، أما اذا كان غير معتاد بأن كان قيحا أو دما لم يجز فيه الا الماء، ولو كان مذيا يجزئ فيه الحجر أيضا ومثله الودى، وقيل يجزئ الحجر اذا كان الغائط لم يجف ولم يقم الشخص من موضعه، أما اذا قام أوجف فلا يجزئ الا الماء لأنه بقيامه قبل أن يستنجى بالحجر يزول الغائط عن موضعه ويتجاوز مخرجه وبجفافه لا يزيله الحجر.

والمستحاضة لا يجب عليها الاستنجاء لوقت كل صلاة اذا لم يكن غائط ولا بول

(1)

ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير للزاوى ح 1 ص 450 مادة جمر طبع مطبعة الاستقامة بمصر الطبعة الاولى سنة 1959.

(2)

الطين اليابس.

ص: 307

لأنه قد سقط اعتبار نجاسة دمها كذا فى الواقعات، فان تجاوزت النجاسة مخرجها لم يجز فى الطهارة الا الماء عند محمد، ولا تطهر بالحجر لأنه من باب ازالة النجاسة الحقيقية عن البدن هذا وان كان ما جاوز المحل من النجاسة أكثر من قدر الدرهم وجبت ازالته بالماء اجماعا، وان كان أقل ففيه خلاف.

فعندهما لا يجب ازالته بالماء بل يجزئه الحجر، وعند محمد لا يجزئه الحجر، وجاء فى الفتاوى: اذا تجاوزت النجاسة مخرجها وهى أكثر من قدر الدرهم يجب ازالتها، وان كانت أقل ولكن اذا ضم مع موضع الاستنجاء يصير أكثر من قدر الدرهم لا يضم عندهما وقال محمد يضم.

‌ما يكره الاستنجاء به:

لا يستنجى بما هو نجس كالرجيع

(1)

ولا بما يتوقع منه الضرر كالزجاج ولا بما هو محترم كالطعام

(2)

.

‌مذهب المالكية:

يرى المالكية أن الاستجمار واجب ويجوز بكل يابس طاهر منق غير مؤذ ولا محترم والمراد من اليابس الحجر وهو الأصل أو غيره من خشب أو مدر أو قطن أو خرق أو صوف أو نحو ذلك، والمحترم اما لكونه مطعوما لآدمى كخبز ونحوه، أو لكون حرمته لحق الغير ككون الشى الذى يستجمر به مملوكا للغير ومنه جدار الغير ولو وقفا، وكره بروث وعظم طاهرين وبجدار مملوك له فاذا وجدت أوصاف اليابس المذكورة جاز الاستجمار فان فقد منها شئ لم يجز لكن يجزئ أن أنقى المحل كالمحترم والنجس اليابس الذى لا يتحلل منه شئ وهناك بعض الحالات لا يصح فيها الاستجمار بل يتعين استعمال الماء وهى: ازالة المنى، وازالة دم الحيض والنفاس أو الاستحاضة، وكذا فى حدث بول أو غائط انتشر عن المخرج انتشارا كثيرا، وكذا فى مذى خرج بلذة معتادة سواء كانت بنظر أو بملاعبة بشهوة

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

قال الشافعية: يجب الاستنجاء من كل خارج ملوث سواء كان الخارج من القبل أو من الدبر بماء أو حجر، ولو كان الخارج نادرا كالدم وانتشر فوق العادة ولم يجاوز الخارج من الدبر الصفحة، ولا الخارج من القبل الحشفة فيجوز الاستجمار فى ذلك على أظهر الأقوال فى المذهب، ومقابله يتعين الماء فى النادر والمنتشر، وفى معنى الحجر كل جامد طاهر قالع للنجاسة غير محترم

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

ويرى الحنابلة أن الاستنجاء يكون بالحجر

(1)

الرجيع هو العذرة اليابسة وقيل الحجر الذى استنجى به.

(2)

الجوهرة ح 1 ص 40 المطبعة الخيرية.

واللباب ح 1 ص 54 مطبعة النهر الجديد والاختيار ح 1 ص 45 مطبعة صبيح.

(3)

الشرح الصغير للدردير ح 1 ص 36، ص 36، ص 37 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى.

(4)

السراج الوهاج ح 1 ص 14 طبعة الحلبى.

ص: 308

والماء ونحوهما وتسمى الازالة بالحجر ونحوه استجمارا، والاستجمار مجزئ مع وجود الماء ان لم يتجاوز الخارج موضع العادة واذا استجمر ابتداء استنجى بالماء لفعله صلى الله عليه وسلم، ويشترط للاستجمار أن يكون ما يستجمر به طاهرا مباحا منقيا وغير عظم وروث وطعام وغير محترم ككتب علم ويشترط للاكتفاء بالاستجمار ثلاث مسحات منقية ولا يجزئ أقل منها على أن تعم كل مسحة المحل

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

ويرى الظاهرية أنه يكون بثلاثة أحجار لا أقل من ذلك وهذا ان أنقى المحل والا زيد وترا حتى ينقى ويكفى الحجر اذا لم يتعد الخارج موضعه فاذا تعداه فلا يجزئ فيه الا الماء كما أن اشتراط العدد المذكور انما هو فى الاستجمار بالاحجار أما اذا كان بغيرها كالتراب أو الرمل فلا يشترط الثلاث هذا وان بدأ بمخرج البول أجزأت تلك الأحجار بأعيانها عن مخرج الغائط بخلاف العكس الا ما كان لا رجيع فيه فقط

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

قال الزيدية الاستجمار بثلاثة أحجار مشروع اجماعا لما روت عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اذا ذهب أحدكم الى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب

(3)

بها فانها تجزيه» وليس واجبا اذ لا دليل عليه وحكى قول بالوجوب، ولا يجزئ بعظم ولا روث وقيل يجزئ مع الكراهة، وكذا لا يستجمر بنجس لقوله صلى الله عليه وسلم:«انها ركس»

(4)

وكذا بصقيل اذ لا ينقى الا يسيرا وكذا بما له حرمة كالمطعومات، وما كتب عليه علم فان استجمر بغير مجزئ أعاد بالاحجار على الأصح ان لم يستنج بالماء، والحجر ونحوه سواء فى الاستجمار لقوله صلى الله عليه وسلم:

«ثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب» وذلك لأن القصد هو الازالة، وذهب بعضهم الى أنه لم يرد الا الاستجمار بالحجر فقط فلا يكفى غيره، والحق أنه يجوز بغيره، لأن القصد الازالة لا التعبد، فلا يشبه الرمى، والحجر يكفى لكل نجاسة معتادة وغيرها الا فى الاستحاضة لعدم الفائدة، ويلزم المتيمم أن يستجمر ان لم يستنج بالماء لحديث «فليستطب»

(5)

ولوجوب تقليل النجاسة

(6)

.

‌مذهب الإمامية:

يرى الإمامية أنه يجب غسل الغائط بالماء مع التعدى للمخرج بأن تعدى حواشيه وان لم يصل الى الألية، والا فبثلاثة أحجار فان لم يحصل نقاء للمحل زادها بشرط أن تكون هذه

(1)

الروض المربع ح 1 ص 17 المطبعة السلفية.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ح 1 ص 95.

(3)

يستطيب: يستجمر.

(4)

الركس هو كل مستقذر.

(5)

فليستجمر.

(6)

كتاب البحر الزخار للمرتضى ح 1 ص 28 الطبعة الاولى سنة 1368 همكتبة الخانجى بالقاهرة

ص: 309

الأحجار طاهرة جافة قالعة للنجاسة، أبكارا

(1)

، ومثل الأحجار ما أشبهها من ثلاث خرق أو خزفات أو أعواد أو نحو ذلك من الأجسام القالعة للنجاسة ولا يستنجى بمحترم، ولا بروث ولا بعظم

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

ذهب الإباضية الى أنه يستجمر بما أعده من حجر أو عود، ومثل الحجر أو العود فى جواز الاستجمار كل طاهر جامد منق، والحق أن الفحم منق خلافا لبعضهم، وان استطاب بغير طاهر أجزأه ولا ينبغى ذلك، وقيل لا يستطيب الا بحجر، الا اذا لم يجده فليسطب بغيره

(3)

.

‌هل للاستجمار عدد معين؟

وهل يكفى وحده دون الماء

؟

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أنه ليس فيه عدد مسنون وانما يستحب الثلاث اذا حصل تنظيف بما دونها والا جعلها وترا

(4)

.

‌مذهب المالكية:

يقول المالكية: يندب للشخص عند ارادته قضاء الحاجة أن يجعل ما يزيلها به وترا اذا كان المزيل جامدا كالحجر أو نحوه ولو أنقى المحل بالشفع والا فلا انقاء متعين، وينتهى ندب الايتار الى سبع، ويجزئ الانقاء بدون الثلاثة خلافا لأبى الفرج فانه أوجب الثلاثة ولو حصل انقاء المحل بدونها

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

وذهب الشافعية الى أنه يجب ثلاث مسحات تعم كل مسحة المحل فان لم ينق المحل بها وجب الانقاء برابع فأكثر حتى يحصل الانقاء

(6)

.

‌مذهب الحنابلة:

قال الحنابلة يشترط ثلاث مسحات منقيات بحيث تعم كل مسحة المحل فان لم يحصل انقاء بها زاد عليها حتى يحصل الانقاء

(7)

.

‌مذهب الظاهرية:

ويرى الظاهرية ان الاستجمار يكون بثلاثة أحجار لا أقل من ذلك وهذا أن أنقى المحل والا زيد

(8)

.

‌مذهب الزيدية:

وذهب الزيدية الى أنه لا يعتبر العدد لأن القصد الازالة

(9)

.

(1)

أبكارا لم تستعمل قبل ذلك.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ح 1 ص 26 مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

(3)

شرح كتاب النيل وشفاء العليل لاطفيش ح 1 ص 35 طبع المطبعة السلفية بمصر.

(4)

اللباب ح 1 ص 54.

(5)

الشرح الصغير للدردير ح 1 ص 36 الطبعة السابقة.

(6)

السراج الوهاج ح 1 ص 14 وما بعدها الطبعة السابقة.

(7)

زاد المقنع ح 1 ص 27 الطبعة السابقة.

(8)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 1 ص 95 الطبعة السابقة.

(9)

كتاب البحر الزخارى للمرتضى ح 1 ص 28 الطبعة السابقة.

ص: 310

‌مذهب الإمامية:

ويرى الإمامية أن من السنة ازالة أثر الغائط بثلاثة أحجار فلا يجزئ ذو الجهات الثلاث وقطع المصنف فى غير هذا الكتاب بأجزائها، ويستحب الجمع بين المطهرين الماء والاحجار مقدما للأحجار فى المتعدى وغيره مبالغة فى التنزيه ولازالة العين والأثر

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

قال الإباضية وليبالغ فى التنقية مع الايتار ان أنقى أو لثلاثة أو خمس.

وهكذا وجوبا، وان جاوز وترا وانقى قبل بلوغ آخر وصله تعبدا والصحيح جواز الشفع واستحباب الوتر، وقيل لا يكفى أقل من ثلاثة

(2)

.

‌سنن الاستجمار

يندب للشخص عند ارادة قضاء الحاجة أن يعد ما يستجمر به من حجر أو نحوه، وأن يكون باليد اليسرى، وان يبل يده بالماء قبل ملاقاة النجاسة من بول أو غائط لئلا يكون تعلق الرائحة بها قويا اذا لاقى بها الأذى جافة، وأن يكون المزيل وترا اذا كان جامدا كحجر حيث أنقى المحل بالشفع والا فالانقاء متعين، وينتهى ندب الايتار الى سبع فان أنقى بثامن فلا يطلب تاسع، وان يسترخى قليلا حال الاستنجاء لانه أمكن فى النظافة، وان يقدم قبله على دبره، وان يجمع بين الماء والحجر، فتقدم ازالة النجاسة بالحجر، ثم يتبع المحل بالماء، فان أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أولى من الحجر ونحوه، وليدفن بالارض ما استطاب به من حجر أو نحوه، الا أن وضعه على الارض ولم يظهر نجسه ان قضاها فى غير المرحاض، والا طرح ذلك فى المرحاض

(3)

.

‌استحاضة

‌المعنى اللغوى والاصطلاحى

(أ) الاستحاضة عند أهل اللغة هى: دم غالب ليس بالحيض يقال استحيضت المرأة أى استمر بها الدم بعد أيام عادتها فهى مستحاضة بالبناء للمفعول

(4)

، ولا يقال استحاضت بالبناء للفاعل بل استحيضت

(5)

(ب) وما قرره الفقهاء فى بيان معنى الاستحاضة لا يكاد يخرج عن المعنى الذى قرره اللغويون لها، فقد عرف بعض الفقهاء الاستحاضة بقوله: هى جريان الدم من فرج المرأة فى غير أوانه، وقال البعض عن دم الاستحاضة انه الدم الخارج من الرحم على جهة المرض

(6)

.

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ح 1 ص 26 الطبعة السابقة.

(2)

شرح كتاب النيل وشفاء العليل لاطفيش ح 1 ص 35 الطبعة السابقة.

(3)

المراجع السابقة.

(4)

المصباح المنير ج 1 ص 74 «الحاء مع الياء» ومختار الصحاح باب الحاء ص 165.

(5)

شرح النيل ح 1 ص 112 طبع مطبعة ابن يوسف البارونى وشركاه.

(6)

المرجع السابق ج 1 ص 115 الطبعة السابقة.

ص: 311

‌الفرق بين الحيض والاستحاضة

اختلف الفقهاء فى تحديدهم لاقل الحيض وأكثره الامر الذى ترتب عليه اختلافهم فى دم الاستحاضة، وكذلك اختلفوا فى أقل سن يمكن أن تحيض المرأة فيه، وفى السن الذى تيأس فيه من الحيض مما ينبنى عليه الحكم باستحاضة المرأة فى حال الصغر والكبر، وأيضا فان بعض المذاهب تجعل من اختلاف لون الدم عاملا من عوامل التمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة.

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية غير أبى يوسف أن أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها ويترتب على ذلك أن الدم الذى تقل مدة نزوله عن ثلاثة أيام يعتبر دم استحاضة لقوله صلى الله عليه وسلم «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها

ولان المقادير لا تعرف قياسا. وروى ابن سماعة عن أبى يوسف أن أقل الحيض يومان وأكثر اليوم الثالث

(1)

، وبناء على هذا يكون الدم الذى ينقص عن هذه المدة دم استحاضة عند أبى يوسف.

وأكثر الحيض عند الحنفية عشرة أيام فاذازاد على ذلك فهو دم استحاضة لما روى الدار قطنى عن أبى أمامة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقل الحيض للجارية والثيب الثلاث وأكثر ما يكون عشرة أيام فاذا زاد فهى مستحاضة»

وقد ساق الكمال بن الهمام عدة أحاديث فى هذا المعنى وقال فى نهاية كلامه «فهذه عدة أحاديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، متعددة الطرق وذلك يرفع الضعيف الى الحسن والمقدرات الشرعية مما لا تدرك بالرأى فالموقوف فيها حكمه الرفع بل تسكن النفس بكثرة ما روى فيه عن الصحابة والتابعين

وبالجملة فله أصل فى الشرع

(2)

.

ومن ناحية أخرى فان الصغيرة اذا رأت دما قبل أن تبلغ تسع سنين فانه يعتبر دم استحاضة على ما عليه العامة

(3)

وفيما يتعلق بلون الدم. جاء فى الهداية «وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة فى أيام الحيض حيض حتى ترى البياض خالصا، وقال أبو يوسف رحمه الله لا تكون الكدرة حيضا الا بعد الدم

(4)

- وعليه فان الكدرة التى ليست بعد الدم هى دم استحاضة عند أبى يوسف

ويقول الكمال «وأما الصفرة فلا شك أنها من ألوانه - أى الحيض - فى سن الحيض، وأما فى سن الاياس ففى الفتاوى بنت سبع وخمسين ترى صفرة غير خالصة على الاستمرار. فان كان ما ترى مثل لون التبن فحيض

وان كان دون التبن فليس بحيض - وعليه فانه

(1)

شرح العناية على الهداية هامش فتح القدير ح 1 ص 111 طبعة المكتبة التجارية.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 112 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ح 1 ص 114 الطبعة السابقة.

(4)

الهداية ج 1 ص 112، 113 الطبعة السابقة.

ص: 312

يعتبر دم استحاضة الا اذا رأته على الاستمرار وليس بصفرة خالصة والظاهر أنه لفساد الرحم. وحكمه حرمة الصوم والقربان وما شرط فيه الطهارة

(1)

.

وجاء فى شرح العناية «واما الخضرة فقد أنكر بعض مشايخنا وجودها

وقال الميرغينانى اذا كانت المرأة من ذوات الاقراء كانت حيضا ويحمل على فساد الغذاء

وان كانت كبيرة أى آيسة وهى أن تكون فى خمس وخمسين سنة على ما هو المختار وقيل فى خمسين وقيل فى سبعين لا تكون حيضا وتحمل على فساد المنبت

(2)

.

أى أن الخضرة التى تراها الآيسة تعتبر دم استحاضة لانه دم علة وفساد.

‌مذهب المالكية:

يرى المالكية أن الحيض لاحد لا قلة باعتبار الزمن

وهذا بالنسبة للعبادة وأما بالنسبة للعدة والاستبراء فلا بد من يوم أى بعضه، وأكثر الحيض «لمبتدأة غير حامل تمادى بها الدم نصف شهر، وعلى ذلك فان الدم اذا تمادى بها أكثر من خمسة عشرة يوما يعتبر دم استحاضة» وأكثره لمعتادة غير حامل أيضا

ثلاثة من الايام استظهارا على أكثر عادتها أياما لا وقوعا فاذا اعتادت خمسة ثم تمادى بها مكثت ثمانية، وهكذا بحيث لا تزيد عن الخمسة عشر، فمن كانت عادتها ثلاثة عشر يوما فانها تستظهر بيومين، ومن اعتادت الخمسة عشر فلا استظهار عليها ويسمى الدم النازل بعد الاستظهار أو بعد بلوغ نصف الشهر دم استحاضة وتسمى هى مستحاضة

(3)

.

ونص المالكية على أن الدم الخارج بنفسه من الصغيرة التى هى دون تسع سنين لا يعتبر حيضا - أى بل يعتبر استحاضة - كما أن الآيسة التى هى بنت سبعين لا يعتبر الدم الخارج منها حيضا

(4)

- وانما يعتبر دم استحاضة.

ويسأل النساء فى بيان الدم النازل من بنت الخمسين الى السبعين ومن المراهقة فان جز من بأنه حيض أو شككن أو اختلفن فحيض والا فلا

(5)

- أى فهو استحاضة.

ويفرق الفاكهانى بين دم الحيض وبين دم الاستحاضة بأن الاول أسود كدر.

وأما الثانى أى دم الاستحاضة فهو دم رقيق أحمر

(6)

.

والمشهور عند المالكية أن الصفرة والكدرة حيض

وقيل ان كانا فى زمن الحيض فحيض والا فلا - أى فاستحاضة - «وهذا لابن الماجشون» وجعله المازرى والباجى هو المذهب. وقيل أنهما ليسا بحيض مطلقا حكاه فى التوضيح

(7)

.

وبناء على هذا القول الاخير فان الصفرة والكدرة دم استحاضة.

(1)

فتح القدير ج 1 ص 111 الطبعة السابقة

(2)

العناية ج 1 ص 113 الطبعة السابقة.

(3)

الشرح الكبير للدردير ح 1 ص 168، ص 169.

(4 و 5)) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى وتقرير الشيخ عليش ج 1 ص 168.

(6)

كفاية الطالب الربانى ج 1 ص 131 طبع المطبعة العامرة.

(7)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 167 طبعة المكتبة التجارية.

ص: 313

‌مذهب الشافعية:

الاصح باتفاق أصحاب الشافعى أن أقل زمن الحيض يوم وليلة. وعلى هذا ان رأت المرأة الدم ليس يجوز أن تحيض فيه أمسكت عما تمسك عنه الحائض فان انقطع لدون اليوم والليلة كان ذلك دم فساد

(1)

. وأكثر الحيض عند الشافعية خمسة عشر يوما

(2)

فاذا استمر نزول الدم بعد هذه المدة كان دم استحاضة. ولهم فى أقل سن يمكن الحيض فيه ثلاثة أوجه: الصحيح استكمال تسع سنين

فاذا رأت الدم لدون ذلك فهو دم فساد ولا تتعلق به أحكام الحيض

(3)

ولكن هل يسمى دم استحاضة؟ فيه خلاف حاصله أن الاستحاضة لا تطلق الا على دم متصل بالحيض وليس بحيض، وأما ما لا يتصل بحيض فدم فساد ولا يسمى استحاضة، هذا كلام صاحب الحاوى، وقد وافقه عليه جماعة. وقال الاكثرون: يسمى الجميع استحاضة، قالوا والاستحاضة نوعان نوع يتصل بدم الحيض .. ونوع لا يتصل به كصغيرة لم تبلغ تسع سنين رأت الدم وكبيرة رأته وانقطع لدون يوم وليلة

صرح بهذين النوعين أبو عبد الله الزبيرى والقاضى حسين والمتولى والبغوى والسرخسى فى الأمالى

وآخرون وهو الاصح الموافق لما جاء عن الازهرى وغيره من أهل اللغة من أن الاستحاضة دم يجرى فى غير أوانه

(4)

.

وجاء فى فتح العزيز بشأن لون دم الحيض والاستحاضة «يروى أنه قال

(5)

دم الحيض أسود وان له رائحة فاذا كان ذلك فدعى الصلاة واذا كان الآخر فاغتسلى وصلى»

ثم يقول الرافعى فى ذلك وورد فى صفته، أى: دم الحيض أنه أسود محتدم بحرانى

(6)

ذو دفعات وفى دم الاستحاضة أنه أحمر رقيق مشرق

أى أن دم الاستحاضة رقيق لا احتدام فيه يضرب الى الشقرة أو الصفرة ولذلك يسمى مشرقا

(7)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى الشرح الكبير على متن المقنع

المشهور فى المذهب أن أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوما .. فقد روى عن على رضى الله عنه أنه قال: ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليلة

(8)

، وفيه أيضا أن الصغيرة اذا رأت دما لدون تسع سنين فليس بحيض لا نعلم فى ذلك خلافا فى

(1)

المجموع ج 2 ص 388.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 375 - 376 المطبعة المنيرية.

(3)

المجموع ج 2 ص 373 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 346، 347 الطبعة السابقة.

(5)

أى أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك لفاطمة بنت أبى حبيش رواه أبو داود والنسائى من حديث عروة وكذا رواه ابن حبان والحاكم فى التلخيص الجيد فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير هامش المجموع ج 2 ص 45.

(6)

قيل المحتدم هو الضارب الى السواد والبحرانى هو الشديد الحمرة.

(7)

فتح العزيز هامش المجموع ج 2 ص 450، 451 الطبعة السابقة.

(8)

الشرح الكبير والمغنى ح 1 ص 320، 321، 322.

ص: 314

المذهب

(1)

، وقيل فى السن الذى تيأس فيه المرأة من الحيض أنه خمسون سنة

ويكون حكمها فيما تراه من الدم بعد الخمسين حكم الاستحاضة لان عائشة رضى الله عنها قالت اذا بلغت خمسين سنة خرجت من حد الحيض

وروى عنه أنها لا تيأس من الحيض يقينا الى ستين سنة وما تراه فيما بين الخمسين والستين حيض مشكوك فيه

فأما بعد الستين فلا خلاف فى المذهب

(2)

انه ليس بحيض لانه لم يوجد وقد علم أن للمرأة حالا تيأس فيه من الحيض لقول الله تعالى «وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ» وقال أحمد فى المرأة الكبيرة ترى الدم هو بمنزلة الجرح، وقال عطاء هى بمنزلة المستحاضة وذلك لان هذا الدم اذا لم يكن حيضا فهو دم فساد حكمه حكم دم الاستحاضة

(3)

، وعن لون الدم يقرر ابن قدامة أن المرأة اذا رأت صفرة أو كدرة فى أيام عادتها كان ذلك حيضا وان رأته بعد أيام حيضها لم يعتد به نص على ذلك أحمد، وبه قال:

يحيى الانصارى وربيعة والثورى والاوزاعى وعبد الرحمن بن مهدى

(4)

، ومعنى عدم الاعتداد بالصفرة والكدرة - بعد أيام العادة ان هذا الدم يأخذ حكم الاستحاضة.

‌مذهب الظاهرية:

يقول ابن حزم أن أقل الحيض دفعة فان تمادى بها الاسود فهو حيض الى تمام سبعة عشر يوما فان زاد فليس حيضا، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان دم الحيض أسود» وصح أنها ما دامت تراه فهى حائض لها حكم الحيض ما لم يأت نص أو اجماع فى دم أسود أنه ليس حيضا وقد صح النص بأنه قد يكون دما أسود وليس حيضا، ولم يوقت لنا فى أكثر عدة الحيض من شئ فوجب أن نراعى أكثر ما قيل فلم نجد الا سبعة عشر يوما فقلنا بذلك

وكان ما زاد على ذلك اجماعا متيقنا أنه ليس حيضا، ويقول فى موضع آخر ان رأت العجوز المسنة دما أسود فهو حيض لانه لم يأت نص ولا اجماع بأنه ليس حيضا. وكل ما عدا الدم الاسود فليس حيضا عند ابن حزم حيث يقول فاذا رأت أحمر أو كغسالة اللحم أو صفرة أو كدرة أو بياضا فقد طهرت فقد روى عن فاطمة بنت أبى حبيش أنها كانت استحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن دم الحيض أسود يعرف فاذا كان ذلك فامسكى عن الصلاة واذا كان الآخر فتوضئ وصلى فانما هو عرق

(5)

».

‌مذهب الزيدية:

يرى الزيدية أن أقل الحيض ثلاثة أيام كوامل بلياليها وأكثره عشرة أيام لقوله صلى الله عليه وسلم.

أقل ما يكون الحيض للجارية البكر ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام فاذا زاد الدم أكثر

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 318.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 318.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 319.

(4)

المغنى ج 1 ص 349 الطبعة السابقة.

(5)

المحلى لابن حزم ج 2 من ص 162 الى ص 192 الطبعة السابقة.

ص: 315

من عشرة أيام فهى مستحاضة

(1)

وجاء فى البحر الزخار ما يفيد أن دم الآيسة الكبيرة استحاضة وكذا دم الصغيرة قبل دخولها فى التاسعة اجماعا

(2)

، ويفرق الزيدية بين دم الحيض ودم الاستحاضة بأن دم الحيض أسود غليظ منتن ودم الاستحاضة أصفر رقيق أو أحمر مشرق

(3)

، وفى البحر الزخار ودمه أسود محتدم بحرانى ذو دفعات ورائحته تعرف

ويعتبر منها اللون فقط

وقال بعضهم بل الصفة لقوله صلى الله عليه وسلم «للحيض أمارات»

(4)

وجاء فى موضع آخر انه على القول باعتبار الصفة لو رأت ثلاثا أحمر وثلاثا أسود وثلاثا أصفر كان الجميع حيضا اذ لا لبس، ولو رأت أسود يوما ثم أحمر حتى تعدى العشر فاستحاضة

فان رأت شهرا أحمر ثم رأت السواد فى الشهر الثانى ثم احمر اغتسلت بعد الثلاثة ان احمر فيها أو عقيبها، والا فهو عند التغير استحاضة

وان رأت خمسا أسود ثم طهرت خمسا ثم دميت أحمر عشرا كان النقاء وما قبله حيضا والاحمر طهرا لانه دم الاستحاضة، وان رأت فى أربعة أيام أسود نصف اليوم ونصفه أحمر وكل الخامس أسود، ثم احمر، وتعدى العشر كانت الخمس الاول حيضا والاخرى استحاضة لاجل الصفة والتعدى

وان رأت ثلاثة عشر أسود ومثلها أحمر فالاحمر استحاضة، ومن الاسود أى الاستحاضة منه - ما زاد على عادتها أو عادة نسائها

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

يرى الإمامية كما فى مفتاح الكرامة، أن أقل الحيض ثلاثة أيام

الا أنه فى التذكرة والمنتهى ذكر الليالى فقال ثلاثة أيام بلياليها ولعل ذلك غير داخل تحت الاجماع

(6)

، وبناء على ذلك فان المرأة اذا رأت الدم لمدة تقل عن ثلاثة أيام فان ذلك لا يعتبر حيضا

(7)

، وهم يقولون ان كل ما ليس بحيض ولا جرح ولا قرح فهو استحاضة

(8)

. وأكثر الحيض عندهم عشرة أيام

ولم تذكر الليالى هنا فى التذكرة والمنتهى كما ذكرت فى أقله

(9)

، وبناء على هذا فان الزائد عن أقصى مدة الحيض هذه لا يعتبر حيضا

(10)

، بل هو استحاضة

(11)

وما تراه المرأة قبل بلوغ تسع سنين فليس حيضا وان كان مع المميزات

وروى عن بعضهم أنه قال بنت ست سنين ترى دم الحيض رواه شارح الطماوى .. وذهب بعض الى امكانه أول التاسعة وآخر اذا مضت منها ستة أشهر

(12)

، وبناء على ذلك

(1)

البحر الزخار ج 1 ص 132، 133 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 134، 135 الطبعة السابقة.

(3)

هامش المنتزع المختار ج 1 ص 151.

(4)

البحر الزخار ج 1 ص 131 هامش.

(5)

المرجع السابق ج 1 ص 142.

(6)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 341 طبعة سنة 1324 هـ.

(7)

المرجع السابق ج 1 ص 34.

(8)

المرجع السابق ج 1 ص 387.

(9)

المرجع السابق ج 1 ص 344.

(10)

المرجع السابق ج 1 ص 340.

(11)

المرجع السابق ج 1 ص 387.

(12)

المرجع السابق ص 339.

ص: 316

فان الدم الذى تراه الصغيرة قبل بلوغ تسع سنين - على المعتمد عندهم يعتبر دم استحاضة، وأيضا ما تراه المرأة من الدم بعد سن اليأس هو دم استحاضة - على خلاف عندهم فى تحديد هذا السن هل هو خمسون أو ستون

(1)

.

ومن ناحية أخرى يفرق الجعفرية بين دم الحيض ودم الاستحاضة بأن دم الاستحاضة فى الاغلب أصفر بارد رقيق كما فى الوسيلة والمراسيم والقنية

وغيرها وهو المنقول عن التبيان والكافى ..

الا أن فيه أنه يضرب الى الصفرة وقريب من ذلك فى النهاية ففيها يميز الحيض منها بالسواد والحرارة والدفع، واقتصر فى المبسوط والمصباح ومختصره، على الاصفر، وفى المقنعة أنها دم رقيق بارد صاف .. وهو دم ذو فتور كما صرح به فى أكثر الكتب المتقدمة، وفى جملة منها أن المراد به خروجه بضعف بخلاف دم الحيض فان خروجه بقوة ودفع كما تعطيه عبارة النهاية من نفى الدفع عنه - أى عن دم الاستحاضة ويتضمنه ما فى المبسوط من أنه أسود بارد لا يحس بخروجه

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

أقل الحيض عند الإباضية ثلاثة أيام فاذا رأت المرأة الدم لمدة تقل عن ثلاثة أيام اعتبر هذا الدم استحاضة لقول صاحب النيل وان انقطعت قبلها أى قبل الثلاثة فخروجها استحاضة فتغتسل عند انقطاعه غسلة .. عند موجب الغسل من الاستحاضة

(3)

. والفرق بين الحيض والاستحاضة عندهم «أن الاستحاضة بالدم تباين الحيض ببلوغ أقصى أوقاته أى الحيض وهو عشرة أيام

(4)

. وقيل خمسة عشر يوما وقيل سبعة عشر ..

أما الزمان الذى يحكم على الدم الذى وقع فيه بأنه دم علة وأنه استحاضة فهو زمان الدم الذى رؤى فى الطفولية قبل الدخول فى السبع وقيل قبل الدخول فى التاسعة وقيل قبل الدخول فى العاشرة لأن الحيض من أمارات البلوغ وزمان الدم الذى رؤى بعد الاياس

(5)

.

ومن ناحية أخرى يفرق الإباضية بين الحيض والاستحاضة فيقولون الاستحاضة هى التى تأتى فى غير أوقات الحيض مع دوام الدم وبحدوث علة توجبها .. وان شئت فقل الاستحاضة هى جريان الدم من فرج المرأة فى غير أوانه .. وعرف فى القواعد دم الاستحاضة بأنه الخارج من الرحم على جهة المرض قال: وهو دم أحمر رقيق لا رائحة له .. وهو صحيح لأنه يقال فى كل صور الاستحاضة انها دم من الرحم على جهة المرض ولو خرج بنحو خوف بأن يمرض رحمها لذلك الخوف مثلا

(6)

. وكما يفرق

(1)

المرجع السابق ص 339، 340.

(2)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 386 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل ج 1 ص 118 الطبعة السابقة

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 114.

(5)

المرجع السابق ج 1 ص 110، 115 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 1 ص 114، 115.

ص: 317

الإباضية بين الحيض والاستحاضة بالزمان يفرقون بينهما بما يسمونه زوال الحال ففى شرح النيل: «أما زوال الحال الذى يحكم معه بالاستحاضة فزوال الدم الذى رؤى بخوف أو حمل ثقيل أو ركوب أو قفز أو جماع غير دم البكارة .. فان زال الدم بزوال الحال كزوال الخوف وزوال شدة الحمل الثقيل بعد وضعه وزوال شدة الركوب والقفز بعد تركهما فليس بحيض

(1)

. أى هو دم استحاضة.

‌هل تستحاض الحامل

‌مذهب الحنفية:

قرر بعض الحنفية أن الدم الذى تراه المرأة حالة الحمل يعتبر دم استحاضة فقد ذكر البابرتى أن للاستحاضة أسبابا كثيرة اذ يقول:

«فانها تكون .. أى المرأة مستحاضة بما اذا رأت الدم حالة الحبل

(2)

، وفى الهداية أن الدم الذى تراه الحامل ابتداء أو حال ولادتها قبل خروج الولد استحاضة وان كان ممتدا

(3)

.

‌مذهب المالكية:

يقول الدسوقى: ان الحامل اذا حاضت فى الشهر الثالث من حملها أو فى الرابع أو فى الخامس منه واستمر الدم نازلا عليها كان أكثر الحيض فى حقها عشرين يوما .. وما زاد على ذلك فهو دم علة وفساد .. كما أن الحامل اذا حاضت فى الشهر السابع من حملها أو الثامن أو التاسع منه واستمر الدم نازلا عليها كان أكثر الحيض فى حقها ثلاثين يوما وأما اذا حاضت فى الشهر السادس فظاهر المدونة أن حكمها حكم ما اذا حاضت فى الشهر الثالث، وخالف فى ذلك جميع شيوخ أفريقية، ورأوا أن حكم الستة أشهر حكم ما بعدها لا حكم ما قبلها وهذا هو المعتمد

(4)

، ولكن ما حكم الدم الذى ينزل قبل الدخول فى ثالث الثلاثة بأن حاضت فى الشهر الأول أو الثانى من حملها؟ يتلخص ما قاله المالكية فى هذه المسألة الى الرأيين الآتيين:

الاول أن حكم هذه الفترة حكم ما بعدها - أى أكثر الحيض فى حقها عشرون يوما وما زاد على ذلك فهو دم استحاضة، وهذا القول هو قول مالك المرجوع عنه.

الثانى أنها هنا كالمعتادة غير الحامل بمعنى أنها تمكث عادتها ثم تستظهر على أكثرها بثلاثة أيام وما زاد على ذلك فهو استحاضة.

وهذا القول هو قول مالك المرجوع اليه .. وبعض الشيوخ رجح القول الأول وفى كلام ابن عرفة ما يشعر بترجيح الثانى .. وكل منهما قد رجح لكن الثانى أرجح.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المجموع اذا رأت الحامل دما يصلح أن يكون حيضا

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 117، ص 118.

(2)

شرح العناية ج 1 ص 124 الطبعة السابقة.

(3)

الهداية مع الفتح ج 1 ص 129 الطبعة السابقة.

(4)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 169، 170.

ص: 318

فقولان مشهوران قال صاحب الحاوى الجديد أنه حيض والقديم ليس بحيض.

واتفق الأصحاب على أن الصحيح أنه حيض فان قلنا ليس بحيض فهو دم فساد وهو حدث ينقض الوضوء .. فان لم يستمر فهو كالبول .. وان استمر فلها حكم الاستحاضة المستمرة

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى الشرح الكبير على متن المقنع من كتب الحنابلة: أن الحامل لا تحيض فان رأت دما فهو فساد

لأنه زمن لا ترى الدم فيه غالبا فلم يكن ما تراه حيضا كالآيسة قال أحمد: انما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم وقال الليث ما تراه من الدم حيض اذا أمكن لأنه دم صادف العادة فكان حيضا كغير الحامل

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

يقول ابن حزم وكل ما رأته الحامل ما لم تضع آخر ولد فى بطنها فليس حيضا ولا نفاسا ولا يمنع من شئ

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

وينص الزيدية على أن الدم الذى تراه المرأة حالة الحمل لا يكون حيضا بل انه يعتبر من قبيل دم الاستحاضة لاعتدادها بالوضع دونه واستبرائها لقول على عليه السلام: «رفع الحيض عن الحامل»

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة

(5)

أن الحيض يجامع الحمل على الاقوى وهذا أحد الاقوال فى المسألة وقد أطلق من دون فرق بين ما اذا استبان الحمل أم لا سواء تأخر عن عادتها عشرين يوما أم لا وهناك قول مؤداه أن المتأخر عن عادتها عشرين يوما يعتبر دم استحاضة .. ولو رأت الدم قبل الولادة بعدد أيام الحيض وتخلل النقاء عشرة فالأول حيض وما مع الولد نفاس .. والمانعون يقولون أنه استحاضة .. «فان تخلل أقل من عشرة فالأول استحاضة - أى أنه اذا نزل عليها الدم قبل الولادة ثم تخلل ذلك نقاء لمدة تقل عن عشرة أيام ثم ولدت فان الدم الذى نزل أولا هو دم استحاضة» وقال فى النهاية ولو ولدت قبل عشرة أيام فالأقرب أنه استحاضة لعدم تخلل طهر كامل بينه وبين النفاس مع احتمال كونه حيضا لتقدم طهر كامل عليه ونقصان الطهر انما يؤثر فيما بعده لا فيما قبله وهنا لم يؤثر فيما بعده لأن ما بعد الولد نفاس اجماعا فأولى أن لا يؤثر فيما قبله

(6)

.

‌مذهب الإباضية:

معرفة الاستحاضة يكون بالزمان وزوال الحال والمعاينة أما المعاينة التى يحكم معها بأن الدم لعلة واستحاضة فمعاينة الدم الذى

(1)

المجموع ج 2 ص 384.

(2)

الشرح الكبير والمغنى ج 1 ص 319، 320.

(3)

المحلى ج 2 ص 190.

(4)

البحر الزخار ج 1 ص 134 والمنتزع المختار ج 1 ص 152.

(5)

ج 1 ص 340، ص 341.

(6)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 400، 401 الطبعة السابقة.

ص: 319

رئى مع حمل .. لان الحيض علامة براءة الرحم فكيف يكون دمها حيضا؟ وقيل حيض مطلقا، وقيل ان رأته فى معتادها فى الوقت الذى تعتاد فيه الحيض قبل الحمل فهو حيض والا فلا

(1)

.

‌استحاضة النفساء

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن أكثر مدة النفاس أربعون، فاذا زاد الدم عن هذه المدة كان دم استحاضة لما روى أبو داود والترمذى وغيرهما عن أم سلمة رضى الله عنها قالت:«كانت النفساء تعتد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما» .

وأثنى البخارى على هذا الحديث وقال النووى حديث حسن

(2)

. وجاء فى شرح العناية أن مذهب الحنفية مروى عن ابن عمر وعائشة وأم سلمة وأم حبيبة وأبى هريرة رضى الله عنهم. ومثله لا يعرف الا سماعا وهو الموافق للمعقول لأنهم أجمعوا على أن أكثر مدة النفاس أربعة أمثال أكثر مدة الحيض وقد ثبت فى باب الحيض أن أكثر مدة الحيض عشرة أيام فكان أكبر مدة النفاس أربعين يوما

(3)

، وما زاد على ذلك فهو دم استحاضة. ويقول الحصكفى والزائد على أكثر النفاس استحاضة لو مبتدأة وأما المعتادة فترد لعادتها وقد علق ابن عابدين على ذلك بقوله: يعنى انما يعتبر الزائد على الأكثر استحاضة فى حق المبتدأة التى لم تثبت لها عادة. وأما المعتادة فترد لعادتها وهذا الحكم عند اطلاقه يشمل ما اذا كان ختم عادتها بالدم أو بالطهر وهذا عند أبى يوسف وأما عند محمد ان ختم بالدم فكذلك وان بالطهر فلا، وبيانه ما ذكر فى الأصل اذا كان عادتها فى النفاس ثلاثين يوما فانقطع دمها على رأس عشرين يوما وطهرت عشرة أيام تمام عادتها فصلت وصامت ثم عاودها الدم فاستمر بها حتى جاوز الأربعين ذكر أنها مستحاضة فيما زاد على الثلاثين ولا يجزيها صومها فى العشرة التى صامت فيلزمها القضاء أما على مذهب محمد فنفاسها عشرون فلا تقضى ما صامت بعدها

(4)

.

‌مذهب المالكية:

يقول المالكية ان الدم اذا تمادى بالنفساء جلست - أى مكثت - ستين ليلة على المشهور ثم ان استمر بعد الستين أو انقطع ثم عاودها قبل مقدار الطهر لا تستظهر واغتسلت وكانت مستحاضة .. أما ان انقطع الدم بعد الستين وعاودها بعد مقدار الطهر فهو دم حيض

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

وفى قول عند الشافعية على ما فى المجموع أن دم النفساء اذا عبر الستين يوما كان الزائد على الستين دم استحاضة، وبه قطع ابن

(1)

شرح النيل ج 1 ص 116، 117.

(2)

الهداية وفتح القدير ج 1 ص 131.

(3)

شرح العناية ج 1 ص 131 الطبعة السابقة.

(4)

الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 1 ص 277.

(5)

كفاية الطالب الربانى ج 1 ص 139.

ص: 320

القاص فى المفتاح واختاره المزنى ..

قال الرافعى وهذا القائل يجعل الزائد استحاضة الى تمام طهرها المعتاد ان كانت معتادة والمردود اليه ان كانت مبتدأة .. وقيل ان الستين نفاس والذى بعده حيض على الاتصال به لأنهما دمان مختلفان فجاز أن يتصل أحدهما بالآخر وبهذا الوجه قال أبو الحسن ابن المرزبانى. قال صاحب التتمة والعدة وغيرهما فعلى هذا ان زاد الدم بعد الستين حكمنا بأنها مستحاضة فى الحيض

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

يقول ابن قدامة الحنبلى:

«ان زاد دم النفساء على أربعين يوما فصادف عادة الحيض فهو حيض، وان لم يصادف عادة فهو استحاضة قال أحمد: اذا استمر بها الدم فان كان فى أيام حيضها الذى تقعده أمسكت عن الصلاة ولم يأتها زوجها وان لم يكن لها أيام كانت بمنزلة المستحاضة

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

وفى بيان مذهب الظاهرية يقول ابن حزم:

«ان دم النفاس هو حيض صحيح وأمده أمد الحيض وحكمه فى كل شئ حكم الحيض لقول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها: أنفست بمعنى حضت فهما شئ واحد لقوله عليه السلام فى الدم الأسود ما قال من اجتناب الصلاة وبناء على ذلك فان دم النفاس اذا جاوز سبعة عشر يوما يعتبر دم استحاضة

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

عند الزيدية .. أكثر النفاس أربعون يوما وقيل أكثره ستون يوما .. فان جاوز الاربعين فكالحيض اذا جاوز العشرة فى أن المبتدأة ترجع الى عادة نسائها والمعتادة ترجع الى عادتها - كما سيأتى - فان جاوز دمها الأربعين وكان ما بعد الأربعين وقت حيضها فهو استحاضة لئلا يؤدى الى توالى الحيض والنفاس من غير تخلل طهر

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

وللامامية اقوال فى أكثر النفاس منها أن أكثر النفاس مع الاستظهار التام ثمانية عشر يوما .. وفى المبسوط قال:

ولا خلاف بينهم ان ما زاد على ثمانية عشر حكمه حكم دم الاستحاضة .. وقيل ان النفساء تقعد عشرة أيام وتغتسل فى الحادى عشر وتعمل عمل الاستحاضة ..

ونص المحقق فى المعتبر على أن ذات العادة اذا رأت أكثر من عشرة أيام جعلت العشرة نفاسا .. وكان ما زاد على العشرة أيام استحاضة اجماعا يدل على ذلك أن هذه المدة أكثر الحيض فتكون أكثر النفاس

(1)

المجموع ج 2 ص 530.

(2)

المغنى ج 1 ص 359.

(3)

المحلى ج 2 ص 203.

(4)

المنتزع المختار ج 1 ص 166، 167.

ص: 321

لأن النفاس حيضة ويؤيد ذلك ما رواه يونس بن يعقوب وذكر الخبر قال:

وضابطه البقاء على حكم النفاس مادام الدم مستمرا حتى يمضى لها عشرة ثم تصير مستحاضة

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

وفى الفقه الاباضى جاء فى شرح النيل ما يفيد أن النفساء اذا استمر عليها نزول الدم فانها على الصحيح تترك الى أقصى وقت الحيض والنفاس ثم تغتسل وتكون مستحاضة

(2)

‌أثر الاستحاضة فى العبادة واستمتاع الزوج

(أ) أثرها فى العبادة:

‌مذهب الحنفية:

ذكرت بعض المذاهب أثر الاستحاضة بصفة عامة ثم أعقبت ذلك ببيان أنواع المستحاضات وحكم كل نوع. وبعض المذاهب الأخرى اكتفت بالبيان الاخير فقط. واننا سنعرض بعض أحكام الاستحاضة المتعلقة بالعبادة اجمالا.

أما الأحكام التفصيلية فسيكون الكلام عليها عند الكلام عن المستحاضات وحكم كل نوع.

‌مذهب الحنفية:

نص الحنفية على أن دم الاستحاضة كالرعاف الدائم لا يمنع الصلاة ولا الصوم لما روى ابن ماجه بسنده الى عائشة رضى الله عنها قالت جاءت فاطمة بنت أبى حبيش الى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: انى امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال: لا اجتنبى الصلاة أيام محيضك ثم اغتسلى وتوضئى لكل صلاة ثم صلى وان قطر الدم على الحصير، وأخرجه أبو داود .. وهو فى البخارى من حديث أبى معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه.

واذا عرف حكم الصلاة ثبت حكم الصوم بنتيجة الاجماع .. أى بدلالته وتقريره أجمع المسلمون على وجوب الصلاة وهو يوجب وجوب الصوم بطريق الأولى لانه لما جعل الدم عدما فى حق الصلاة مع المنافاة الثابتة بينهما لكونه منافيا لشرطها فلأن يجعل عدما فى حق الصوم من باب أولى

(3)

.

‌مذهب المالكية:

ذكر صاحب كفاية الطالب الربانى قاعدة عامة فى هذه المسألة فقال: «ومن تمادى بها الدم يحكم لها بأنها مستحاضة .. وثمرة ذلك أنها تطهر أى تغتسل .. وثمرته أيضا أنها تصوم وتصلى .. لأن حكمها حكم الطاهر فى جميع الأشياء

(4)

.

(1)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 401، 403.

(2)

شرح النيل ج 1 ص 130.

(3)

الهداية وشرح العناية وفتح القدير ج 1 ص 121، 122.

(4)

كفاية الطالب الربانى ج 1 ص 136، 137.

ص: 322

‌مذهب الشافعية:

يقرر الشافعية أن دم الاستحاضة حدث دائم كسلس البول فلا يمنع الصوم والصلاة للاخبار الواردة فى المستحاضات. ومنها ما روى فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت: «جاءت فاطمة بنت أبى حبيش فقالت يا رسول الله انى امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا انما ذلك عرق وليست بالحيضة، فاذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة، واذا أدبرت فاغسلى عنك الدم وصلى»

(1)

قال النووى وللمستحاضة قراءة القرآن واذا توضأت استباحت مس المصحف وحمله وسجود التلاوة والشكر، وعليها الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات التى على الطاهر ولا خلاف فى شئ من هذا عندنا. قال أصحابنا: وجامع القول فى المستحاضة أنه لا يثبت لها شئ من أحكام الحيض بلا خلاف. ونقل ابن جرير الاجماع على أنها تقرأ القرآن وأن عليها جميع الفرائض التى على الطاهر، وروى عن ابراهيم النخعى أنها لا تمس مصحفا، ودليلنا القياس على الصلاة والقراءة

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

وفى فقه الحنابلة ما يفيد أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة ولا الصوم لما روت عائشة قالت الحديث السابق

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

يستفاد مما جاء فى المحلى أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة ولا الصوم ولا الطواف بالبيت

(4)

لما روى عن الأوزاعى عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت استحيضت أم حبيبة بنت جحش فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام:

انها ليست بالحيضة ولكنه عرق فاذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة. واذا أدبرت فاغتسلى وصلى

وعن عروة ابن الزبير أن فاطمة بنت أبى حبيش أخبرته أنها أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت اليه الدم فقال:

انما ذلك عرق فانظرى اذا أتاك قرؤك فلا تصلى، فاذا مر القرء فتتطهرى ثم صلى من القرء الى القرء

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

وفى فقه الزيدية أورد صاحب البحر الزخار حكما عاما مؤداه أن المستحاضة كالحائض فيما علمته من عادتها حيضا، وكالطاهر فيما علمته من عادتها طهرا. ولا تصلى بل تصوم فيما جوزته حيضا وطهرا، أو جوزته ابتداء طهر وانتهاء حيض

(6)

.

(1)

فتح العزيز ص 433، 434، 449.

(2)

المجموع ج 2 ص 542، 543.

(3)

المغنى والشرح الكبير ج 1 ص 323، 325.

(4)

المحلى ج 2 ص 162.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 163.

(6)

البحر الزخار ج 1 ص 143.

ص: 323

‌مذهب الإمامية:

أوجب الجعفرية على المستحاضة أفعالا خاصة تختلف بأختلاف أحوالها من حيث كثرة الدم وقلته وسيأتى بيان هذه الأفعال عند الكلام عن أثر الاستحاضة فى الطهارة - فاذا قامت المستحاضة بهذه الأفعال كما نصوا عليها صار حكمها حكم الطاهر .. فان لم تفعل ما وصفوه وصامت وصلت وجب عليها اعادة صلاتها وصومها. وأما اللبث فى المساجد فقد أجازه جماعة بدون الأمور المذكورة ويبدو مما جاء فى مفتاح الكرامة منع المستحاضة من الطواف بالبيت مالم تفعل هذه الأمور التى نصوا عليها ويرى بعضهم منعها من قراءة العزائم

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

يستفاد مما جاء فى شرح النيل أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة ولا يمنع الصوم حيث نصوا على ذلك فى مواضع متفرقة ومناسبات مختلفة

(2)

.

(ب) أثر الاستحاضة فى استمتاع الزوج:

يرى الحنفية

(3)

والمالكية

(4)

، والشافعية

(5)

، والظاهرية

(6)

: أن دم الاستحاضة كما لا يمنع الصلاة ولا الصوم فانه لا يمنع الزوج من أن يطأ زوجته المستحاضة نتيجة الاجماع، فقد أجمع المسلمون على وجوب الصلاة وهو يوجب حل الوط ء بطريق الأولى لأنه لما جعل الدم عدما فى حق الصلاة مع المنافاة الثابتة بينهما لكونه منافيا لشرطها فلأن يجعل عدما فى حق الوط ء من باب أولى

(7)

، ويقول النووى يجوز وط ء المستحاضة فى الزمن المحكوم بأنه طهر ولا كراهة فى ذلك وان كان الدم نازلا - هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء

(8)

.

‌مذهب الحنابلة:

أما الحنابلة فيبدو أن عندهم روايتين فقد قال الخرقى فى مختصره: «ولا توط ء مستحاضة الا أن يخاف على نفسه، وقد علق ابن قدامة على ذلك بقوله اختلف عن أحمد فى وط ء المستحاضة فروى ليس له وطؤها الا أن يخاف على نفسه الوقوع فى محظور الزنا وهو مذهب ابن سيرين والشعبى والنخعى والحاكم لما روى الخلال باسناده عن عائشة أنها قالت المستحاضة لا يغشاها زوجها ولأن بها أذى فيحرم وطؤها كالحائض فان الله تعالى منع وط ء الحائض معللا

(1)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 394، 395.

(2)

شرح النيل ج 1 ص 117، 118، 119 الطبعة السابقة.

(3)

الهداية ج 1 ص 12.

(4)

كفاية الطالب الربانى ج 1 ص 336 - 338

(5)

فتح العزيز ج 2 ص 434.

(6)

المحلى ج 2 ص 218.

(7)

العناية ج 1 ص 122.

(8)

المجموع ج 2 ص 542.

ص: 324

بالأذى بقوله: «قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ» وروى عن أحمد اباحة وطئها مطلقا من غير شرط وهو قول أكثر الفقهاء لما روى أبو داود عن عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها.

وقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحكام المستحاضة فلو كان حراما لبينه لها، وان خاف على نفسه الوقوع فى محظور ان ترك الوط ء أبيح على الروايتين لأن حكمها أخف من حكم الحائض، ولو وطئها من غير خوف فلا كفارة عليه لأن الوجوب من الشرع ولم يرد بايجابها فى حقها ولا هى فى معنى الحائض لما بينهما من الاختلاف واذا انقطع دمها أبيح وطؤها من غير غسل لأن الغسل ليس بواجب عليها فأشبه سلس البول

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

يرى الزيدية أن المستحاضة لها أحوال مختلفة - سيأتى ذكرها ولكنهم قالوا انها كالحائض فيما علمته حيضا وكالطاهر فيما علمته طهرا أى فكأنه يجوز لزوجها أن يطأها فى هذه الحالة الأخيرة - التى علمت نفسها أنها طاهر فيها وليست حائضا، ولكنها لا توط ء فى الحالة الأولى أى فيما علمته حيضا، ونصوا كذلك على أنها لا توط ء فيما جوزته حيضا وطهرا كما لا توط ء فيما جوزته ابتداء طهر وانتهاء حيض

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

(3)

نص بعض الجعفرية على أنه لا خلاف بين العلماء على اباحة جماع المستحاضة فى الجملة .. واختلفوا فى توقفه على ما عليها من الأفعال على أقوال الاول: الاباحة مطلقا من دون توقف على شئ.

الثانى: الكراهة اذا أخلت بما عليها.

الثالث: أنه يتوقف على جميع ما عليها من الافعال كما فى المقنعة، قال واذا توضأت واغتسلت ما وصفناه حل لزوجها أن يطأها وليس يجوز له ذلك حتى تفعل ما ذكرناه من نزع الخرقة وغسل الفرج بالماء .. وقال والظاهر أنه لا يشترط فى زوال التحريم غير ذلك

وفى النهاية، ويحل لزوجها وطؤها على كل حال اذا غسلت فرجها وتوضأت وضوء الصلاة أو اغتسلت ..

لكنه لم يذكر فى أحكامها للصلاة غسل الفرج وذكره هنا فيظهر منه اختيار التوقف على غسله عند الوط ء .. وأما مع عدم الأفعال فالذى تعطيه عبارات أصحابنا التحريم.

ومثلها عبارة الذكرى حيث قال ظاهر الاصحاب توقف حل الوط ء على ما تتوقف عليه الصلاة والصوم من الوضوء والغسل لقولهم يجوز وطؤها اذا فعلت ما تفعله المستحاضة

(1)

المغنى ج 1 ص 353، 354.

(2)

البحر الزخار ج 1 ص 142، 143.

(3)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 394، 395.

ص: 325

الرابع: توقفه على ما عليها من الاغسال وتجديد الوضوء.

الخامس: توقفه على الغسل خاصة.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل، وأبيح الوط ء من مستحاضة بعد الخروج من أيام ترك الصلاة وبعد الغسل وهى فى حكم الطاهر على الاصح عند الاكثر وقيل فى حكم الحائض وقيل ذلك مكروه مطلقا وقيل فى الدم الكثير

(1)

.

‌طهارة الاستحاضة وانتقاضها

واذا ثبت أن الاستحاضة لا تمنع من الصلاة فان ذلك يوجب الكلام عن طهارة المستحاضة.

‌أولا - وضوء المستحاضة:

‌مذهب الحنفية:

يذهب الحنفية الى أن المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة، فتصلى بذلك الوضوء ما تشاء من الفرائض والنوافل والواجبات والنذور فى الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة ولان الوقت أقيم مقام الاداء ثم فى تقدير طهارتها بالصلاة بعض الجهالة والحرج لان الناس متفاوتون فى أداء الصلاة فمنهم مطول لها ومنهم غير مطول فلم يمكن ضبطه فقدرنا طهارتها بالوقت دفعا للحرج .. فانا اذا قدرنا طهارة كل شخص بأدائه وفرضنا الفراغ عنه وأوجبنا عليه وضوءا آخر لكل ما يصلى من قضاء أو واجب أو نذر فى وقته أو مكتوبة أخرى فى وقت آخر تحقق الحرج وفى موضع التخفيف فان اعتبار طهارتها ليس الا رخصة وتخفيفا وذلك خلف باطل، واذا قام الوقت مقام الأداء يدار الحكم عليه لان الشئ اذا قام مقام شئ آخر كان المنظور اليه ذلك الشئ

(2)

، وينتقض وضوؤها بخروج الوقت اذا كان وضوؤها مع سيلان الدم أو وجد السيلان بعد الوضوء. أما ان كان الوضوء مع انقطاعه ودام الانقطاع الى خروج الوقت فلا يبطل الوضوء بالخروج ما لم تحدث حدثا آخر أو يسيل دمها وذلك عند أبى حنيفة ومحمد وعند زفر لا ينتقض الوضوء بخروج الوقت وانما ينتقض بدخول الوقت التالى وقال أبو يوسف ينتقض بخروج الوقت القائم كما ينتقض بدخول الوقت التالى فمن تؤضأت قبل طلوع الشمس بطل وضوؤها بطلوعها عند أئمتنا الثلاثة وتستأنف الوضوء لوقت الظهر فى وقته وعند زفر لا ينتقض وضوؤها الا بدخول وقت الظهر فتصلى به فيما بين الوقتين ما شاءت من النوافل، - ومن توضأت بعد طلوع الشمس وقبل دخول وقت الظهر صح وضوؤها وتصلى به الظهر عند أبى حنيفة ومحمد وينتقض بدخول وقت الظهر عند أبى يوسف وزفر وتستأنف وضوءا جديدا،

(1)

شرح النيل ج 1 ص 203.

(2)

شرح العناية ج 1 ص 124، 125.

ص: 326

ويرى فخر الاسلام أن الكل متفقون على انتقاضه عند الخروج وانما لم ينتقض عند زفر بطلوع الشمس لان قيام الوقت جعل عذرا وقد بقيت شبهته فصلحت لبقاء حكم العذر تحقيقا وانما تحتاج - المستحاضة - للطهارة للظهر عند أبى يوسف فيما اذا توضأت قبل الزوال ودخل وقت الظهر لان طهارتها ضرورية ولا ضرورة فى تقديمها على الوقت لا لان طهارتها انتقضت عند الدخول وهذا يفيد أن طهارتها لم تصح حتى لا تجوز الصلاة بها قبل دخول الوقت لا أنها صحت وانتقضت

(1)

.

‌مذهب المالكية:

وأما المالكية فيقولون بالتفرقة بين حالات مختلفة فاذا كان انقطاع دم الاستحضة أكثر من اتيانه وجب منه الوضوء عندهم أما اذا كان اتيانه أكثر من انقطاعه أو تساوى الامران فانه لا يجب عليها الوضوء، ولكن يستحب لها - أى للمستحاضة - الوضوء وفى استحباب غسل فرجها قولان - فصاحب الطراز يقول بالاستحباب، وسحنون يقول بعدمه لان النجاسة أخف من الحدث - أما ان لازم دم الاستحاضة ولم يفارق فلا يجب منه الضوء لانه حرج ولا يستحب اذ لا فائدة فى الوضوء مع سيلان النجاسة - وكذا اذا شق عليها فى حالتى الاستحباب فلا ندب.

وهل تعتبر كثرة الملازمة وقلتها بأوقات الصلاة أو مطلقا؟ قولان عند المالكية والمراد بهذه الاوقات من زوال الشمس فى كبد السماء الى طلوع الشمس ثانى يوم أما من طلوع الشمس الى الزوال فليس وقت صلاة

(2)

ويقولون بأن دم الاستحاضة الذى لازم المرأة ولم يفارقها غير ناقض لوضوئها وانما ينتقض بما ينتقض به وضوء غيرها ممن ليس صاحب عذر ففى كفاية الطالب الربانى: أما ان لازم دم الاستحاضة ولم يفارق فلا يجب منه الضوء لانه حرج ولا يستحب اذ لا فائدة فى الضوء مع سيلان النجاسة ولكنهم يقولون باستحباب الوضوء من دم الاستحاضة اذا كان اتيانه أكثر من انقطاعه أو اذا تساوى الأمران. أى أنه غير ناقض أيضا فلا يبطل طهارتها واذا فلا يجب عليها الوضوء ولكن يستحب لها بقيت الصورة الثالثة وهى صورة ما اذا كان انقطاع دم الاستحاضة أكثر من اتيانه فانه فى هذه الصورة يبطل وضوؤها ويجب عليها أن تتوضأ منه

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

(4)

الوضوء وهو طهارة المستحاضة عند الشافعية، وقد نصوا على أنها لا تصلى بطهارة واحدة أكثر من فريضة مؤداة كانت أو مقضية

(1)

فتح القدير ج 1 ص 116، 127.

(2)

كفاية الطالب الربانى وحاشية العدوى ج 1 ص 122، 123 الطبعة العامرة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 122، 123.

(4)

المجموع ج 2 ص 535، ص 293، 535.

ص: 327

وأما المنذورة فقال القاضى أبو الطيب والمحاملى وابن الصباغ وآخرون لا يجوز قطعا لان المنذورة واجبة متعينة فأشبهت المكتوبة وقال الخراسانيون والماوردى والدارمى فى جوازه وجهان .. مبنيان على أن النذر يسلك به أقل واجب الشرع أم أقل ما يتقرب به فان قلنا بالثانى جاز كالنافلة والا فلا كالمكتوبة وتستبيح ما شاءت من النوافل بطهارة مفردة وتستبيح ما شاءت منها بطهارة الفريضة قبل الفريضة وبعدها .. وجاء فى المجموع «مذهبنا أنه لا يصح وضوء المستحاضة قبل وقتها ووقت المؤداة معروف ووقت المقضية معروف .. وفى النافلة المؤقتة وجهان أصحهما لا يصح التيمم لها الا بعد دخول وقتها والثانى يجوز وهما جاريان فى وضوء المستحاضة - وحكى أمام الحرمين وجها أنها لو شرعت فى الوضوء قبل الوقت بحيث أطبق آخره على أول الوقت صح وضوؤها وصلت به فريضة الوقت وهذا ليس بشئ - ودليل المذهب أنها طهارة ضرورة فلا يجوز شئ منها قبل الوقت لعدم الضرورة

قال أصحابنا وينبغى أن تبادر بالصلاة عقب طهارتها فان أخرت ففيها أربعة أوجه الصحيح منها أنها ان أخرت لاشتغالها بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والاذان والاقامة والاجتهاد فى القبلة والذهاب الى المسجد الاعظم والسعى فى تحصيل سترة تصلى اليها وانتظار الجماعة ونحو ذلك جاز، وان أخرت بلا عذر بطلت طهارتها لتفريطها والثانى تبطل طهارتها سواء أخرت بسبب الصلاة أو لغيره حكاه صاحب الحاوى وهو غريب ضعيف - الثالث يجوز التأخير وان خرج الوقت ولا تبطل طهارتها قال صاحب الابانة ما لم تصل الفريضة يعنى بعد الوقت قال وهذا قول القفال وشيخه الخضرى قياسا على التيمم ولأن الوقت موسع فلا نضيقه عليها وخروج الوقت لا يوجب نقض الطهارة، ولان المبادرة لو وجبت خوفا من كثرة الحدث والنجس لوجب الاقتصار على أركان الصلاة والرابع لها التأخير ما لم يخرج وقت الصلاة وليس لها الصلاة بعد الوقت بتلك الطهارة لان جميع الوقت فى حق الصلاة كالشئ الواحد فضبطت الطهارة به .. واذا توضأت المستحاضة لفريضة فانها تستبيح ما شاءت من النوافل وتبقى هذه الاستباحة مادام وقت الفريضة باقيا فاذا خرج الوقت فوجهان حكاهما الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوى وآخرون قال أبو حامد الصحيح أنها لا تستبيح النفل بعد الوقت بذلك الوضوء وقطع البغوى بالاستباحة. وجاء فى باب التيمم أن من تيمم لفريضة فله التنفل بعد الوقت على أصح الوجهين والاصح هنا أنه لا يجوز لها، والفرق أن حدثها متجدد ونجاستها متزايدة بخلاف التيمم

(1)

.

(1)

المجموع ج 2 ص 537، 538.

ص: 328

ومن ناحية أخرى يقرر الشافعية أن المستحاضة اذا أرادت الصلاة .. لزمها الاحتياط فى طهارتى الحدث والنجس فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم ان كانت تتيمم وتحشوه بقطنة وخرقة دفعا للنجاسة وتقليلا لها فان كان دمها قليلا يندفع بذلك وحده فلا شئ عليها غيره وان لم يندفع بذلك وحده اتخذت مع ذلك ما يمنع سيلان الدم. فان احتاطت وأخرت الوضوء وطال الزمن ثم توضأت ففى صحة وضوئها وجهان فان استوثقت بما اتخذته من حيطة ثم خرج دمها بلا تفريط لم تبطل طهارتها ولا صلاتها ولها أن تصلى ما شاءت من النوافل لعدم تفريطها ولتعذر الاحتراز عن ذلك. وقد ثبتت الاحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة «اذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة واذا أدبرت فاغسلى عنك الدم وصلى» فهذا مع حديث حمنة دليل لجميع ما ذكرناه وينضم اليه المعنى الذى قدمناه. وأما اذا خرج الدم لتقصيرها فى الاحتياط وزالت العصابة عن موضعها فزاد خروج الدم بسببه فانه يبطل طهرها وان كان ذلك فى اثناء الصلاة بطلت وان كان بعد فريضة لم تستبح نافلة لتقصيرها

وأما اتخاذ ما يمنع سيلان الدم منها لكل فريضة فينظر: ان زالت العصابة عن موضعها زوالا له تأثيره أو ظهر الدم على جوانب العصابة وجب التجديد بلا خلاف .. لان النجاسة كثرت وأمكن تقليلها والاحتراز عنها فوجب التجديد .. وان لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم فوجهان .. وجوب التجديد كما يجب تجديد الوضوء والثانى لا يجب اذ لا معنى للامر بازالة النجاسة مع استمرارها .. قال امام الحرمين وهذا الوجه غير سديد لانه لا خلاف فى الامر به. واذا زالت العصابة فلا أثر للزوال وانما الاثر لتجدد النجاسة

(1)

.

أما بالنسبة لنقض وضوئها فان بيان ذلك مرتبط بمسألة أخرى هى: هل الوضوء يرفع حدث المستحاضة؟ عندهم فى المسألة ثلاثة طرق: أصحها دليلا كما فى المجموع أنه لا يرتفع شئ من حدثها ولكن تستبيح الصلاة وغيرها مع الحدث للضرورة

(2)

. وحيث كان ذلك وحيث انهم نصوا على أن المستحاضة لا تصلى بطهارة واحدة أكثر من فريضة مؤداه أو مقضية، فان طهارة المستحاضة تعتبر غير قائمة حكما بل يعتبر وضوؤها - الذى هو عديم الاثر فى رفع الحدث - غير قائم بمجرد الفراغ من الفريضة وان جاز لها أداء النافلة طالما كان وقت هذه الفريضة باقيا .. فاذا خرج الوقت فوجهان .. قال أبو حامد الصحيح انها

(1)

المجموع ج 2 ص 533 - 535.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 536، 538.

ص: 329

لا تستبيح النفل بعد الوقت بذلك الوضوء وقطع البغوى بالاستباحة ..

والاصح أنه لا يجوز ثم يضيف صاحب المجموع قوله قال أصحابنا رحمهم الله اذا توضأت المستحاضة فانقطع دمها انقطاعا محققا حصل مسه برؤها وشفاؤها من علتها وزالت استحاضتها نظر: ان حصل هذا خارج الصلاة فان كان بعد صلاتها وقد مضت صلاتها صحيحة وبطلت طهارتها فلا تستبيح بها بعد ذلك نافلة وان كان قبل الصلاة بطلت طهارتها ولم تستبح تلك الصلاة ولا غيرها هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وقال صاحب المجموع: اعلم أن قول الاصحاب اذا شفيت يلزمها استئناف الوضوء المراد به اذا خرج منها الدم فى فى اثناء الوضوء أو بعده والا فلا يلزمها الوضوء بل تصلى بوضوئها الاول بلا خلاف .. أما اذا حصل الانقطاع فى نفس الصلاة ففيه وجهان .. الصحيح منهما باتفاق الاصحاب بطلان صلاتها وطهارتها والثانى: لا تبطل كالمتيمم والصواب الاول وفى باب التيمم أن الشافعى رحمه الله نص على بطلان صلاة المستحاضة دون التيمم .. هذا هو حكم انقطاع الشفاء أما اذا توضأت ثم انقطع دمها وهى تعتاد الانقطاع والعود أو لا تعتاد لكن أخبرها بذلك من يعتمد من أهل المعرفة فينظر ان كانت مدة الانقطاع يسيرة لا تسع الطهارة والصلاة التى تطهرت لها فلها الشروع فى الصلاة فى حال الانقطاع ولا تأثير لهذا الانقطاع لان الظاهر عود الدم على قرب فلا يمكنها اكمال الطهارة والصلاة بلا حدث فلو امتد الانقطاع على خلاف عادتها أو خلاف ما أخبرت به تبينا بطلان طهارتها ووجب قضاء الصلاة أما اذا كانت مدة الانقطاع تسع الطهارة والصلاة فيلزمها اعادة الوضوء بعد الانقطاع لتمكنها منه فى حال الكمال، فلو عاد الدم على خلاف العادة قبل التمكن ففى وجوب اعادة الوضوء وجهان أصحهما لا يجب فلو شرعت فى الصلاة بعد هذا الانقطاع من غير اعادة الوضوء ثم عاد الدم قبل الفراغ وجب قضاء الصلاة فى أصح الوجهين لانها حال الشروع كانت شاكة فى بقاء الطهارة وصحة الصلاة: هذا كله اذا عرفت عود الدم اما اذا انقطع وهى لا تدرى أيعود أم لا وأخبرها به من تثق بمعرفته فتؤمر باعادة الوضوء فى الحال ولا يجوز أن تصلى بالوضوء السابق لانه يحتمل أن هذا الانقطاع شفاء والاصل دوام هذا الانقطاع فان عاد الدم قبل امكان فعل الطهارة والصلاة فوجهان أصحهما أن الوضوء صحيح بحاله لانه لم يوجد انقطاع يغنى عن الصلاة مع الحدث. والثانى يجب الوضوء نظرا الى أول الانقطاع ولو خالفت وشرعت فى

ص: 330

الصلاة من غير اعادة الوضوء فان لم يعد الدم لم تصح صلاتها لظهور الشفاء وكذا ان عاد بعد امكان الوضوء والصلاة لتفريطها فان عاد قبل الامكان ففى وجوب اعادة الصلاة وجهان كما فى الوضوء لكن الاصح هنا وجوب الاعادة لأنها شرعت مترددة وعلى هذا لو توضأت بعد الانقطاع وشرعت فى الصلاة ثم عاد الدم فهو حدث جديد فيلزمها أن تتوضأ وتستأنف الصلاة

(1)

واذا توضأت ثم انقطع دمها انقطاعا يوجب بطلان الطهارة فتوضأت بعد ذلك ودخلت فى الصلاة فعاد الدم بطل وضوؤها ولزمها استئنافه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى أن المستحاضة ومن به سلس البول أو الجريح ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث وشده والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه فالمستحاضة تغسل المحل ثم تحشوه أو ما أشبهه ليرد الدم لقول النبى صلى الله عليه وسلم لحمنة حين شكت اليه كثرة الدم «أنعت لك الكرسف فانه يذهب الدم» فان لم يرتد الدم احتاطت بما يمنع سيلانه الى الخارج وهو المذكور فى حديث أم سلمة «لتستثفر بثوب» وقال لحمنة تلجمى لما قالت انه أكثر من ذلك فاذا فعلت ذلك ثم خرج الدم فان كان لرخاوة الشد فعليها اعادة الشد والطهارة. وان كان لغلبة الخارج وقوته وكونه لا يمكن شده أكثر من ذلك لا تبطل طهارتها لانه لا يمكن التحرز منه فتصلى ولو قطر الدم قالت عائشة «اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهى تصلى رواه البخارى وفى حديث صلى وان قطر الدم على الحصير

(2)

، ويلزم المستحاضة الوضوء لوقت كل صلاة الا أن لا يخرج منها شئ لما روى عدى ابن ثابت عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم فى المستحاضة تدع الصلاة أيام اقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلى وتتوضأ عند كل صلاة رواه أبو داود والترمذى وعن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبى حبيش الى النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت خبرها ثم قال «اغتسلى ثم توضئى لكل صلاة وصلى» رواه أبو داود والترمذى وقال حسن صحيح. ولانه خارج من السبيل فنقض الوضوء كالذى اذا ثبت هذا فان طهارة المستحاضة مقيدة بالوقت لقوله صلى الله عليه وسلم تتوضأ عند كل صلاة وقوله ثم توضئى لكل صلاة ولانها طهارة عذر وضرورة فتقيدت بالوقت

(1)

المجموع ج 2 ص 532، 539، 540.

(2)

المغنى ج 1 ص 354 الطبعة السابقة.

ص: 331

كالتيمم

(1)

، ويجوز للمستحاضة الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر حمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين بغسل واحد وأمر به سهلة بنت سهيل وغير المستحاضة من أهل الاعذار مقيس عليها وملحق بها

(2)

، ويقول ابن قدامة فى موضع آخر وحكم طهارة المستحاضة حكم التيمم فى أنها اذا توضأت فى وقت الصلاة صلت بها الفريضة ثم قضت الفوائت وتطوعت حتى يخرج الوقت نص على هذا أحمد .. لانه وضوء يبيح النفل فيبيح الفرض كوضوء غير المستحاضة .. وحديث حمنة ظاهر فى الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد لانه لم يأمرها بالوضوء بينهما هو مما يخفى ويحتاج الى بيانه ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة

(3)

. واذا توضأت المستحاضة قبل الوقت ثم دخل الوقت بطلت طهارتها لان دخوله ينتهى به الوقت الذى توضأت فيه وكذلك ان خرج منها شئ لان الحدث مبطل للطهارة وانما عفى عنه لعدم امكان التحرز عنه مع الحاجة الى الطهارة ولا حاجة قبل الوقت وان توضأت بعد الوقت صح وضوؤها ولم يؤثر فيه ما يتجدد من الحدث - دم الاستحاضة - الذى لا يمكن التحرز عنه فان صلت عقب الطهارة أو أخرتها لما يتعلق بمصلحة الصلاة كلبس الثياب وانتظار الجماعة أو لم تعلم أنه خرج منها شئ جاز وان أخرتها لغير عذر ففيه وجهان أحدهما الجواز قياسا على طهارة التيمم والثانى لا يجوز لانه انما أبيح لها الصلاة بهذه الطهارة مع وجود الحدث للضرورة ولا ضرورة ها هنا وان خرج الوقت بعد أن خرج منها شئ أو أحدثت حدثا سوى هذا الخارج بطلت الطهارة قال أحمد فى رواية أحمد بن القاسم انما أمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلى بذلك الوضوء النافلة والصلاة الفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الاخرى فتتوضأ أيضا وهذا يقتضى الحاقها بالتيمم فى أنها باقية ببقاء الوقت يجوز لها أن تتطوع وتقضى الفوائت ما لم تحدث حدثا آخر أو يخرج الوقت

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى، وظهور دم الاستحاضة أو العرق السائل من الفرج اذا كان بعد انقطاع الحيض فانه يوجب الضوء ولا بد لكل صلاة تلى ظهور ذلك الدم سواء تميز

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 355، 356.

(2)

المغنى ج 1 ص 356.

(3)

المغنى ج 1 ص 375.

(4)

الشرح الكبير على المغنى ج 1 ص 357، 358.

ص: 332

دمها أو لم يتميز عرفت أيامها أو لم تعرف برهان ذلك ما روى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «استحيضت فاطمة بنت أبى حبيش الحديث السابق ..

وعن ابى شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبى حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الحيض فانه دم أسود يعرف فأمسكى عن الصلاة واذا كان الاخر فتوضئى فانها عرق، قال على فعمم عليه السلام كل دم خرج من الفرج بعد الحيضة ولم يخص وأوجب الوضوء منه لانه عرق .. وممن قال بايجاب الوضوء لكل صلاة على التى يتمادى بها الدم من فرجها متصلا بدم الحيض كثير من السلف قالت عائشة رضى الله عنها تغتسل وتتوضأ لكل صلاة! ومن طريق عدى بن ثابت عن أبيه عن على بن أبى طالب المستحاضة تتوضأ لكل صلاة ثم ساق ابن حزم روايات وآراء متعددة وفى النهاية يستنتج من كلامه أنه يجوز للمستحاضة أن تصلى بهذا الوضوء ما شاءت من الفرائض والنوافل ما دامت طاهرا فان كانت محدثه فما يحل لها أن تصلى لا فرضا ولا نافلة

(1)

، ويقول ابن حزم فى رده على من يرون أن خروج الوقت ناقض لوضوء المستحاضة ما وجدنا قط طهارة تنتقض بخروج الوقت وتصح بكون الوقت قائما ثم ساق أراء وروايات متعددة وفى النهاية أمكن أن نستنتج من كلامه أن المستحاضة اذ تتوضأ لكل صلاة فان وضوءها لهذه الصلاة بعينها ينتقض اذا أحدثت فهو يقول عن المستحاضة فان كانت طاهرا فانها تصلى ما شاءت من الفرائض والنوافل وان كانت محدثة فما يحل لها أن تصلى لا فرضا ولا نافلة

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى المنتزع المختار وحيث المستحاضة تصلى فانه يلزمها أن تتوضأ لوقت كل صلاة اذا أتت بكل صلاة فى وقتها لان وضوءها ينتقض بدخول وقت الثانية كسلس البول ونحوه وهو الذى به جراح استمر اطراؤها فان كلا من هؤلاء يتوضأ لوقت كل صلاة .. ويجوز لها جمع التقديم والتأخير والمشاركة بوضوء واحد أما جمع التقديم والتأخير فواضح وأما جمع المشاركة فلا يستقيم الا على قول من جعله متسعا لعشر ركعات ليمكن أداء الوضوء والصلاتين فيه

(3)

. وقالوا ان وضوء المستحاضة ينتقض بما عدا الدم من النواقض نحو أن يحدث أو يخرج من سائر جسدها دم أو نحو

(1)

المحلى ج 1 من ص 351 الى ص 355.

(2)

المحلى ج 1 ص 254، 255.

(3)

المنتزع المختار ج 1 ص 162، 163.

ص: 333

ذلك فانه ينتقض ويختص وضوؤها بأنه ينتقض بدخول كل وقت اختيارى لاى صلاة لا وقت الاضطرار. ويقول صاحب المنتزع المختار «وانما أتينا بكل ليدخل فى ذلك كل وقت ضرب للصلاة اختيارا من الخمس وغيرها كصلاة العيدين قال والاقرب أنه لا ينتقض بوقت ضرب لنافلة كصلاة الكسوف لأنه ليس بوقت محدد أو وقت مشاركة فأن وضوءها ينتقض به وقال بعضهم لا ينتقض الا بالوقت المتمحض

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

ويفرق الجعفرية بين دم دم الاستحاضة اذا كان قليلا وبينه اذا كان متوسطا أو كثيرا، وقد جعلوا المدار فى هذه التفرقة على ما يبدو لها وتلاحظه فان ظهر دم الاستحاضة على ما وضعته لمنع سيلان الدم ولم يغمسه فانه يجب على المستحاضة تجديد الوضوء عند كل صلاة مع تغيير ما وضعته لمنع الدم لعدم العفو عن هذا الدم مطلقا ويجب غسل ما ظهر من الفرج عند الجلوس على القدمين

(2)

، وهذه الحالة هى حالة الدم القليل أما اذا كان الدم متوسطا أو كثيرا فله حكم آخر عندهم سيأتى فى الغسل. وقد جاء فى مفتاح الكرامة وفى الخلاف الاجماع على أنها لا تجمع بين صلاتى فرض بوضوء واحد وفى التذكرة لا تجمع بين صلاتين سواء كانا فرضين أو نفلين عند علمائنا، وفى الشرائع والذكرى لا تجمع بين صلاتين دون تقيد بفرض وكذا قال فى المنافع بعد أن ذكر أحكامها الثلاثة وقال تلميذه فى كشفه معناه لا تجمع فى المواضع التى تختصر فيها على الوضوء ولا يظن ظان أن هذا الحكم منسحب فى المواضع كلها وليكن على حذر من وهم المتأخر هنا تخيلا من كلام الشيخ فى المبسوط والخلاف أن المستحاضة لا تجمع بين فرضين بوضوء على سبيل الاطلاق وليس كذلك بل مراده ما ذكرناه فى حالة لا غسل عليها .. وفى المبسوط كما عن المهذب أنها اذا توضأت لفريضة صلت معها من النوافل ما شاءت

(3)

، وجاء فى مفتاح الكرامة أيضا اذا رأت المستحاضة الدم قبل الفجر عملت بمقتضاه لصلاة الفجر من الوضوء ان كانت الاستحاضة قليلة والغسل ان كانت كثيرة أو متوسطة ثم القطنة ان خرجت نقية فهى طاهرة لا غسل عليها ولا وضوء من هذا الحدث للصلاة الآتية لزواله وان خرجت ملوثة فان علمت بانقطاعه بعد التلويث ولم تعلم وقت التلويث أنه قبل الاشتغال بواجبات الصلاة أو الوضوء فتكون طاهرة مثل ما اذا خرجت نقية أو كان بعد الفراغ من الصلاة فيكون هذا تجدد بعد الطهارة جز ما كاحتمال أنه حدث فى أثناء الطهارة أو الصلاة أو ما بينهما فهل هو عفو أو حدث كغيره من الاحداث يكفى فى وجوب موجبه؟ المختار الثانى

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 163، 164، 165

(2)

الروضة البهية ج 1 ص 34، 35.

(3)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 390.

ص: 334

فمع احتمال حدوثه قبل الغسل فقط أو بعد الشروع يرجع الى مسألة ممن تيقن الطهارة والحدث جميعا وشك فى المتأخر.

وانقطاع دمها للبرء يوجب الوضوء قالوا ان الموجب فى الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع وهو قد يكون موجبا للوضوء وقد يكون موجبا للغسل ونص المصنف على عدم ايجابه الغسل وأطلق الشيخ القول بأن الانقطاع يوجب الوضوء من دون تقيد بكونه للبرء بل قد يظهر منه عدم كون الانقطاع للبرء حيث قال سواء عاد اليها الدم قبل الفراغ من الصلاة أو بعده اشارة الى خلاف من فرق بينهما من العامة قال فى الذكرى والاجود اعادة الطهارة اذا انقطع الدم بعدها وان لم تعلم الشفاء أو شكت فيه

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

الذى عليه كثير من فقهاء الإباضية هو ان طهارة المستحاضة غسلها - كما سيأتى - غير أن فريقا منهم يقول انه لا غسل عليها من الاستحاضة، وهذا الفريق وحده هو الذى يرى ان على المستحاضة أن تغسل النجس وتتوضأ.

ولها الا تغتسل بل تغسل النجس فقط وتتوضأ على القول بأنه لا اغتسال على المستحاضة

(2)

وجاء فى موضع آخر:

(3)

هل تغتسل مستحاضة لكل صلاة

وتتوضأ لكل صلاة أو تتوضأ مرة الا ان أحدثت؟ خلاف عند الإباضية. ويرى بعض الإباضية أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة وهذا الفريق يقول ان وضوءها ينتقض اذا أحدثت بحدث آخر غير الحدث الذى توضأت من أجله ففى شرح النيل .. وتتوضأ لكل صلاة أو تتوضأ مرة الا ان أحدثت لغير ما توضأت له كدم جرح أو غائط. والرأى السائد عندهم أن الطهارة تجوز قبل الوقت الا فى التيمم - والاستحاضة على قول

(4)

.

ومعنى ذلك أن على المستحاضة أن تتطهر فى الوقت حتى تؤدى بها الصلاة المفروضة فان خرج الوقت لزمتها طهارة جديدة

‌هل يجب على المستحاضة غسل

‌مذهب الحنفية:

يقرر بعض الحنفية أنه يستحب للمستحاضة أن تغتسل عند انقطاع دمها، فبعد ان ساق الحصكفى حالات كثيرة يندب فيها الغسل قال:

ولمستحاضة انقطع دمها»

(5)

.

‌مذهب المالكية:

اختلف المالكية فى حكم الغسل من دم الاستحاضة على الوجه الآتى:

جاء فى كفاية الطالب الربانى قال الباجى: اختلف فى انقطاع دم الاستحاضة على ثلاثة أقوال: فقيل لا أثر له - أى فقال مالك لا يستحب لها

(1)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 393، 394، 396، 397.

(2)

شرح النيل ج 1 ص 145.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 209.

(4)

شرح النيل ج 1 ص 211.

(5)

الدر المختار ج 1 ص 156.

ص: 335

الغسل لانها طاهر وليس ثم موجب ولانه دم علة وفساد فأشبه الخارج من الدبر - وقيل تطهر منه استحبابا - وهو المعتمد كما أشار له خليل بقوله لا باستحاضة وندب لانقطاعه - واليه رجع مالك - أى أنه كان يقول أولا لا تغتسل ثم رجع الى استحباب الغسل واختاره ابن القاسم صرح بذلك الحطاب وعلل الاستحباب بأنها لا تخلو من دم غالبا. والقولان فى المدونة، وقيل أنها تغتسل منه وجوبا على ظاهر نقل الباجى. وقال مالك مرة تغتسل ومرة ليس ذلك عليها. وقال ابن القاسم ذلك واسع

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

عند الشافعية جاء فى المجموع مذهبنا أن طهارة المستحاضة الوضوء ولا يجب عليها الغسل لشئ من الصلوات الا مرة واحدة فى وقت انقطاع حيضها. وبهذا قال جمهور السلف والخلف .. وروى عن ابن عمر وعطاء بن أبى رباح رضى الله عنهم أنهم قالوا يجب عليها الغسل لكل صلاة وروى عن عائشة أنها قالت تغتسل كل يوم غسلا واحدا. ودليلنا ان الاصل عدم الوجوب فلا يجب الا ما ورد الشرع به، ولم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل الا مرة واحدة عند انقطاع الحيض وهو قوله صلى الله عليه وسلم «إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة واذا أدبرت فاغتسلى» وليس فى هذا ما يقتضى تكرار الغسل.

وأما الاحاديث الواردة فى سنن ابى داود والبيهقى وغيرهما ان النبى صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل لكل صلاة فليس فيها شئ ثابت .. وانما صح فى هذا ما رواه البخارى ومسلم فى صحيحهما أن أم حبيبة بنت جحش رضى الله عنها استحيضت فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم .. انما ذلك عرق فاغتسلى ثم صلى» فكانت تغتسل عند كل صلاة قال الشافعى رضى الله عنه أنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلى وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، قال ولا أشك ان غسلها «اى المتكرر» كان تطوعا غير ما أمرت به وذلك واسع لها هذا لفظ الشافعى رضى الله عنه وكذا قاله شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

نقل ابن قدامة مذاهب بعض الصحابة والتابعين فى حكم غسل المستحاضة وساق أحاديث فى ذلك ثم قال: وهذا يدل على أن الغسل المأمور به فى سائر الاحاديث مستحب غير واجب، والغسل لكل صلاة أفضل لما فيه من الخروج من الخلاف والاخذ بالثقة والاحتياط، وهو أشد ما قيل ثم يليه فى الفضل والمشقة الجمع بين

(1)

كفاية الطالب الربانى وحاشية العدوى ج 1 ص 130.

(2)

المجموع ج 2 ص 535، 536.

ص: 336

صلاتين بغسل واحد والاغتسال للصبح ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم فيه «وهو أعجب الامرين الى» ثم يليه الغسل كل يوم مرة ثم بعده الغسل عند انقطاع الحيض، ثم تتوضأ لكل صلاة وهو أقل الامور ويجزئها

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى. والمتصلة الدم الاسود الذى لا يتميز ولا تعرف أيامها فان الغسل فرض عليها، ان شاءت لكل صلاة فرض أو تطوع، وان شاءت - اذا كان قرب آخر وقت الظهر، اغتسلت وتوضأت وصلت الظهر بقدر ما تسلم منها بعد دخول وقت العصر، ثم تتوضأ وتصلى العصر، ثم اذا كان قبل غروب الشفق اغتسلت وتوضأت وصلت المغرب بقدر ما تفرغ منها بعد غروب الشفق ثم تتوضأ وتصلى العتمة (العشاء) ثم تغتسل وتتوضأ لصلاة الصبح

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

نص الزيدية على أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة فى الحالة التى تجوّز فيها أن دمها آخر الحيض وأول الطهر لانه ما من صلاة تأتيها الا وهى تجوز أن وقتها ذلك آخر الحيض وأول الطهر فيجب الغسل كما فى الحائض الا أنها اذا جمعت بين صلاتين مشتركتين كفاها غسل واحد، وقد حددوا لهذه الفترة سبعة أيام من كل شهر تغتسل فيها لكل صلاة باستثناء الشهر الاول الذى بدأ نزول الدم عليها فيه فلا تغتسل فى تلك السبعة منه اذ هن وقت امكان والظاهر أن ما رأته فيها أنه حيض

(3)

، فلا صلاة عليها وبالتالى فلا غسل.

‌مذهب الإمامية:

والجعفرية يوجبون الغسل فى حالتين الاولى: اذا غمس دم الاستحاضة القطنة من غير أن يسيل فانه يجب عليها أن تغتسل لصلاة الغداة كما يجب عليها تغيير الخرقة، ومثل الغمس ما اذا ظهر عليها أو ثقبها ولم يسل .. وقد حكى الاجماع على وجوب هذا الغسل وأما الوضوء فالظاهر أنه لا يجتمع مع الغسل على ما جاء فى مفتاح الكرامة

(4)

، والحالة الثانية أن يسيل دم الاستحاضة فاذا سال وجب عليها غسل للظهر والعصر وغسل آخر للمغرب والعشاء

(5)

، وهذان الغسلان واجبان فوق ما تقدم من الواجبات الاخرى فى الحالتين السابقتين ففى الروضة البهية: وما يسيل يجب له جميع ما يجت فى الحالتين ويزيد عليهما أنها تغتسل أيضا للظهرين تجمع بينهما ثم العشاءين كذلك وتغير الخرقة فيهما أى فى الحالتين الوسطى والاخيرة

(6)

.

(1)

المغنى ج 1 ص 374، 375 والشرح الكبير ج 1 ص 365، 366.

(2)

المحلى ج 2 ص 27.

(3)

شرح الأزهار ج 1 ص 161، 162 والهامش

(4)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 390.

(5)

المرجع السابق ج 1 ص 391.

(6)

الروضة البهية ج 1 ص 35.

ص: 337

‌مذهب الإباضية:

اختلف الإباضية فى حكم اغتسال المستحاضة على أقوال يدل عليها ما جاء فى النيل وشرحه، وهل تغتسل مستحاضة لكل صلاة للفجر وغيره أو لكل صلاتين وتغتسل للفجر وحده أو تغتسل مرة فى الفجر ومرة فى المغرب أو تغتسل مرة عند خروجها من الحيض أو لصلاة النهار الفجر والظهر والعصر غسل وللمغرب والعشاء غسل أو غسل واحد لليل والنهار؟ خلاف، وان طهرت فى وقت الظهر اغتسلت وجمعت بينها وبين العصر وكذا ان طهرت عند المغرب اغتسلت وجمعت بينها وبين العشاء والذى يظهر أن الاصل أن تغتسل لكل صلاة وان شاءت اغتسلت لكل صلاتين وجمعتهما الا الفجر فله غسلة على حدة وذلك ترخيص منه صلى الله عليه وسلم اذ أمر المستحاضة بالغسل لكل صلاة، ولما تطاول عليها ذلك أمرها بالغسل لكل صلاتين والجمع بينهما والغسل للفجر فعلم أن أمرها بالغسل لكل صلاة هو الأصل، والغسل لصلاتين ترخيص ويحتمل أن يكون أمرها بالغسل لكل صلاة أمر ندب وتكفى غسلة لكل صلاتين فيعلم أيضا من أمرها بالغسل لكل صلاتين أن أمرها به لكل صلاة فى الحديث الاخر الذى هو قوله للانصارية السائلة «اغتسلى واستثفرى» ندب أو أنه الاصل والغسل لكل صلاتين ترخيص

(1)

.

‌المستحاضات وحكم كل نوع

يقسم بعض الفقهاء المستحاضة الى مبتدأة ومعتادة وكلا من هذين النوعين الى مميزة وغير مميزة، وتكتفى بعض المذاهب بذكر أحكام المبتدأة والمعتادة وبعض المذاهب الاخرى تقسم الاستحاضة الى صغرى وكبرى ومتوسطة كما أشار الى ذلك الجعفرية عند كلامهم عن طهارة المستحاضة.

‌المبتدأة:

يندرج تحتها المبتدأة المميزة والمبتدأة غير المميزة وان كانت بعض المذاهب لم تتقيد بهذه التسمية.

‌مذهب الحنفية:

المبتدأة وهى الصغيرة التى لم تر الدم قبل ذلك وبدأت فى رؤيته فى سن يحكم ببلوغها فيه أما أن تبلغ مستحاضة وما أن تبلغ برؤية عشرة دما مثلا وسنة طهرا ثم استمر بها الدم فالتى بلغت مستحاضة يقدر حيضها بعشرة أيام من كل شهر وباقيه طهر فشهر عشرون وشهر تسعة عشر

(2)

، ففى الهداية وان ابتدأت مع البلوغ مستحاضة فحيضها عشرة أيام من كل شهر والباقى استحاضة لانا عرفناه حيضا - أى عرفنا الدم المرئى فى العشرة حيضا فلا يخرج عن كونه حيضا بالشك

(3)

.

وعن أبى يوسف رحمه الله أن حيضها ثلاثة أيام فى حق الصلاة والصوم وعشرة فى حق الوط ء أخذا بالاحتياط

(4)

وأما التى

(1)

شرح النيل ج 1 ص 209 المطبعة السابقة.

(2)

فتح القدير ج 1 ص 121 المطبعة السابقة.

(3)

الهداية وشرح العناية ج 1 ص 124 الطبعة السابقة.

(4)

فتح القدير ح 1 ص 124 الطبعة السابقة.

ص: 338

بلغت فرأت عشرة دما وسنة أو سنتين طهرا ثم استمر بها الدم فعندهما طهرها ما رأت وحيضها عشرة أيام تدع الصلاة والصوم من أول زمان الاستمرار عشرة أيام وتصلى سنة أو سنتين فان طلقها زوجها تنقضى عدتها بثلاث سنين أو ست سنين وثلاثين يوما وأما العامة فقد اختلفوا فى التقدير فقال محمد بن شجاع طهرها تسعة عشر يوما لان أكثر الحيض فى كل شهر عشرة والباقى طهر وتسعة عشر بيقين، وقال محمد بن سلمة طهرها سبعة وعشرون يوما فما دونها حيض لان أقل الحيض ثلاثة أيام فيرفع عن كل شهر فيبقى سبعة وعشرون يوما وقال محمد بن ابراهيم الميدانى طهرها ستة أشهر الا ساعة وعليه الاكثر لان أقل المدة التى يرتفع الحيض فيها ستة أشهر وهو أقل مدة الحمل الا أن ما عليه الاصل أن مدة الطهر أقل من مدة الحبل فنقصنا منه شيئا يسيرا وهو ساعة فتنقضى عدتها بتسعة عشر شهرا الا ثلاث ساعات لجواز أن يكون وقوع الطلاق عليها فى حالة الحيض فتحتاج الى ثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر الا ساعة، وكل حيض عشرة أيام، وقال الحاكم الشهيد طهرها شهران وهو رواية ابن سماعة عن محمد لان العادة مأخوذة من المعاودة والحيض والطهر مما يتكرر فى الشهرين عادة اذ الغالب أن النساء يحضن فى كل شهر مرة فاذا طهرت شهرين فقد طهرت أيام عادتها والعادة تنتقل بمرتين فصار ذلك الطهر عادة لها فوجب التقدير به، قيل والفتوى على قول الحاكم لانه أيسر على المفتى والنساء، وهو قول أبى على الدقاق

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى كفاية الطالب الربانى:

ومن تمادى بها الدم بلغت أى مكثت خمسة عشر يوما وهذا اذا كانت مبتدأة لانه أكثر الحيض فى حقها، ثم بعد الخمسة عشر يوما يحكم لها بأنها مستحاضة مميزة كانت أو غير مميزة، وثمرة ذلك أنها تطهر أى تغتسل، ظاهره سواء كانت مميزة أو غير مميزة، والذى فى الجواهر أنها تغتسل ان كانت تميز ما بين الدمين وان لم تميز فغسلها عند الحكم عليها بالاستحاضة مجز

ومن ثمرته أيضا أنها تصوم وتصلى ويأتيها زوجها لان حكمها حينئذ حكم الطاهر فى جميع الاشياء

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

يقول الرافعى المستحاضة المبتدأة المميزة وهى التى ترى الدم على نوعين أحدهما أقوى أو على ثلاثة أنواع أحدهما أقوى فترد الى التمييز بمعنى أنها تكون حائضا فى أيام الدم القوى مستحاضة فى أيام الدم الضعيف ..

ثم انه يحكم بالتمييز بثلاثة شروط، شرطان منها فى القوى وهما ألا يزيد على خمسة عشر وألا ينقص عن يوم وليلة

والثالث فى الضعيف وهو ألا ينقص عن خمسة عشر

(1)

شرح العناية ح 1 ص 121.

(2)

كفاية الطالب الربانى ح 1 ص 136، 137.

ص: 339

يوما وذلك لانا نريد أن نجعل الضعيف طهرا والقوى بعده حيضة أخرى

واذا بلغت الانثى سن الحيض فبدأ بها الدم لزمها أن تترك الصلاة والصوم كما ظهر الدم ولا يأتيها زوجها ثم لو انقطع لما دون أقل الحيض بان أنه لم يكن حيضا فتقضى الصلاة والصوم

واذا كانت المبتدأة مميزة فلا تشتغل بالصوم والصلاة بانقلاب دمها من القوى الى الضعيف فانها لا تدرى أنه تجاوز الخمسة عشر أم لا فلا بد لها من التربص فاذا تربصت وجاوز الخمسة عشر عرفت أنها مستحاضة وأن حيضها منحصر فى أيام القوى فتتدارك ما فات من الصوم والصلاة فى أيام الضعيف هذا حكم الشهر الاول وأما فى الشهر الثانى وما بعده فاذا انقلب الدم الى الضعيف اغتسلت وصامت وصلت ولم تتربص

ثم لو اتفق الانقطاع قبل الخمسة عشر وشفيت فى بعض الادوار فالضعيف حيض مع القوى كما فى الشهر الاول واعلم أنه لا فرق فى كون الكل حيضا مهما انقطع الدم قبل مجاوزة الخمسة عشر بين أن يتقدم القوى على الضعيف أو يتقدم الضعيف هذا هو المشهور المقطوع به .. ثم المفهوم من اطلاقهم انقلاب الدم الى الضعيف أن يتمحض ضعيفا حتى لو بقيت خطوط من السواد وظهرت خطوط من الحمرة لا ينقطع حكم الحيض وانما ينقطع اذا لم يبق السواد أصلا وصرح امام الحرمين بهذا المفهوم

(1)

أما المبتدأة غير المميزة ففى المجموع أن فيها قولين مشهورين نص عليهما الشافعى رحمه الله فى الام فى باب المستحاضة أحدهما.

حيضها يوم وليلة والثانى ستة أيام أو سبعة

واختلفوا فى أصحهما فصحح الشيرازى .. قول الست أو السبع وصحح الجمهور فى الطريقين قول اليوم والليلة وعلى القولين ابتداء حيضها من أول رؤية الدم.

ثم ما حكم بأنه حيض من يوم وليلة أو ست أو سبع فلها فيه حكم الحائض فى كل شئ وما فوق الخمسة عشر لها فيه حكم الطاهرات فى كل شئ وأما ما بين التحديد بيوم وليلة أو سبعة أيام أو بين الخمسة عشر ففيه قولان مشهوران أصحهما باتفاق الاصحاب أن لها حكم الطاهرات فى كل شئ فيصح صومها وصلاتها وطوافها وتحل لها القراءة ومس المصحف والجماع ويصح قضاء ما تقضيه فيه من صلاة وصوم وطواف وغيرها والثانى أنها تؤمر فى هذه المدة بالاحتياط الذى تؤمر به المتحيرة كما سيأتى. فاذا استمر بها الدم فى الشهر الثانى وما بعده فالحكم كما سلف فى الشهر الاول ومتى انقطع الدم فى بعض الشهور لخمسة عشر فما دونها تبينا أن جميع الدم فى ذلك الشهر حيض فتتدارك ما ينبغى تداركه من صوم وغيره مما فعلته بعد المرد وتبينا أن غسلها بعد المرد لم يصح لوقوعه فى الحيض ولا اثم عليها فيما فعلته بعد المرد من صوم وصلاة وغيرهما لانها معذورة قال أصحابنا وتثبت الاستحاضة بمرة واحدة بلا خلاف واذا لم تعرف

(1)

فتح العزيز ح 2 من ص 448 الى ص 456

ص: 340

المبتدأة وقت ابتداء دمها فحكمها حكم المتحيرة ذكره الرافعى وهو ظاهر

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

قال الحنابلة ان المبتدأة أول ما ترى الحيض ولم تكن حاضت قبله اذا كان فى وقت يمكن حيضها وهى التى لها تسع سنين فصاعدا - اذا انقطع لأقل من يوم وليلة فهو دم فساد وان كان يوما وليلة فما زاد فانها تدع الصوم والصلاة لان دم الحيض جبلة وعادة ودم الاستحاضة لعارض والاصل عدمه. وظاهر المذهب أنها تنتظر يوما وليلة ثم تغتسل وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلى وتصوم فاذا انقطع دمها لاكثر الحيض فما دون اغتسلت غسلا ثانيا ثم تفعل ذلك فى الشهر الثانى والثالث فان كان فى الاشهر الثلاثة متساويا صار لها عادة فيجب عليها قضاء ما صامته من الفرض فيه وقد نقل عن أحمد فيها ثلاث روايات احداها أن تنتظر ستا أو سبعا والثانية تنتظر مقدار عادة نسائها والثالثة أنها تنتظر ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض - قال بعضهم وليس هاهنا موضع الروايات وانما موضع ذلك اذا اتصل الدم وصارت مستحاضة فى الشهر الرابع وقد نقل عن أحمد ما يدل على صحة قول الاصحاب

(2)

..

أما المميزة فهى التى لدمها اقبال وادبار بعضه أسود ثخين منتن وبعضه أحمر مشرق أو أصفر أو لا رائحة له ويكون الدم الاسود أو الثخين لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فحكم هذه أن حيضها زمان الدم الاسود أو الثخين أو المنتن فان انقطع فهى مستحاضة تغتسل للحيض وتتوضأ بعد ذلك لكل صلاة وتصلى

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى فان رأت الجارية الدم أول ما تراه أسود فهو دم حيض

تدع الصلاة والصوم ولا يطؤها بعلها أو سيدها، فان تلون أو انقطع الى سبعة عشر يوما فأقل فهو طهر صحيح

وان تمادى أسود تمادت على أنها حائض الى سبع عشرة ليلة، فان تمادى بعد ذلك أسود فانها تغتسل ثم تصلى وتصوم ويأتيها زوجها وهى طاهر أبدا لا ترجع الى حكم الحائضة الا أن ينقطع أو يتلون فيكون حكمها اذا كان أسود حكم الحيض واذا تلون أو انقطع أو زاد على السبع عشرة حكم الطهر

(4)

وفى المبتدأة غير المميزة يقول ابن حزم وأما المبتدأة التى لا يتلون دمها عن السواد ولا مقدار عندها لحيض متقدم فنحن على يقين من وجوب الصلاة والصيام عليها ونحن على يقين من أن الدم الأسود منه حيض، ومنه ما ليس بحيض واذا كان الامر كذلك فلا يجوز لأحد أن يجعل برأيه بعض ذلك الدم حيضا وبعضه غير حيض لانه يكون شارعا فى الدين ما لم يأذن به الله، أو قائلا على الله تعالى ما لا علم لديه، فان كان الامر ذلك فلا يحل لها ترك يقين

(1)

المجموع ح 2 من ص 397 الى ص 402.

(2)

المغنى ح 1 ص 343، 344.

(3)

المغنى ح 1 ص 324، 325.

(4)

المحلى ح 2 ص 208.

ص: 341

ما افترض الله عليها من الصوم والصلاة لظن فى بعض دمها أنه حيض ولعله ليس بحيض والظن أكذب الحديث

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار فان استمر نزول الدم عليها وبقى يتردد حتى جاوز عشرة أيام فالمرأة لا تخلو اما أن تكون مبتدأة أو معتادة. فان كانت مبتدأة عملت بعادة قرائبها من قبل أبيها فان لم يوجدن فمن قبل أمها

وهل يجب الترتيب فترجع الى الاقرب فالاقرب قال بعضهم لا ترتيب قال مولانا عليه السلام وفيه نظر فان اختلفن فكانت عادة أحداهن أكثر من غيرها فاختلف المتأخرون فى ذلك وان تغير الوقت فى الشهر الثانى وما بعده فان عد من - أى نساؤها - أو كنّ موجودات وهن مستحاضات أو لم تعرف عادتهن فبأقل الطهر وأكثر الحيض، وفى شرح الابانة عند القاسمية وأحد قولى الناصر عند اللبس يكون حيضها عشرا وطهرها عشرين واحد قولى الناصر ترجع الى التمييز

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة أن رجوع المبتدأة مع فقد التمييز الى عادة نسائها اجماعى كما فى الخلاف .. وظاهر السرائر حيث قال الذى تجاوز دمها العشرة ولا تمييز لها فلترجع الى عادة نسائها من أهلها فان لم يكن نساء من أهلها فلترجع الى أبناء سنها

وصرح فى المعتبر بأن رجوعها الى نسائها مشروط باتفاقهن كلهن، واحتمل فى نهاية الاحكام رد المبتدأة الى أقل الحيض لأنه اليقين والزائد مشكوك فيه ولا يترك اليقين الا بمثله أو أمارة ظاهرة، وردها الى الاكثر لانه دم يمكن كونه حيضا ولان الغالب كثرة الدم للمبتدأة. والرجوع الى الاقران بعد الاقارب هو المشهور بين الاصحاب ومذهب الاكثر. وأكثر هذه الكتب اشترط فيها اتحاد البلد بل هو داخل تحت المشهور ومذهب الاكثر

وقال فى الخلاف فان كان نساؤها مختلفات العادة أو لا يكون لها نساء تركت الصلاة فى الشهر الاول ثلاثة أيام وفى الثانى عشرة، وقد روى ترك الصلاة فى كل شهر ستة أيام أو سبعة، فاذا لم يوجد من نسائها أو أقرانها من ترجع اليهن أو وجدن واختلفن فعند الإمامية أقوال كثيرة

(3)

.

أما المبتدأة المميزة فانها ترجع الى التمييز اذا توافرت شروطه والحكم برجوع المبتدأة الى التمييز هو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام. ويقول العاملى بل لا أجد فى ذلك خلافا وحكى بعضهم الاجماع عليه. وشروط التمييز ثلاثة:

الشرط الاول اختلاف لون الدم. فما شابه دم الحيض فهو حيض وما شابه دم الاستحاضة فليس حيضا ونسب ذلك الى فقهاء أهل البيت عليهم السلام.

الشرط الثانى مجاوزة الدم عشرة أيام.

والشرط الثالث كون ما هو بصفة الحيض

(1)

المحلى ح 2 ص 210.

(2)

شرح الازهار ح 1 ص 154، 155.

(3)

مفتاح الكرامة ح 1 من ص 352 الى 356.

ص: 342

لا ينقص عن الثلاثة ولا يزيد على العشرة.

وهناك شرط رابع وهو عدم قصور الضعيف المحكوم بكونه طهرا عن أقله وهو العشرة

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل، ومسائل الدماء دم الحيض ودم الاستحاضة تدور على خمسة أشياء

الاوقات والأصول والانتساب والطلوع والنزول، والنساء فى هذه الخمسة قسمان مبتدأة وهى من لم يتقرر لها وقت فى الحيض ولا فى الطهر أو لم يتقرر لها فى الطهر وذلك يتصور بمن أتاها الدم فى المرة الاولى وبمن أتاها مرارا لكن على كيفية لا يثبت معها الوقت فاذا ثبت لها الوقت فى الحيض دون الطهر بأن يزيد طهرها مثلا على أكثر مما يؤخذ وقتا للطهر ونحو ذلك من الاوقات التى لا تؤخذ فهى مبتدأة بالنسبة الى الطهر متعادة بالنسبة الى الحيض والمبتدأة بقسميها يثبت لها الوقت فى الحيض والطهر بمرة

والمبتدأة تنتسب فى الطهر بغيرها وقال بعض أصحابنا انها تنتسب فى الحيض أيضا والنفاس اذا دام بها الدم الى قريبتها أو الى مسلمة ان لم تجد قريبة ثم تنتظر بعد وقت من انتسبت اليه ثم تكون مستحاضة وذلك اذا زاد لها على أقل الحيض والصحيح انها تترك الى أقصى وقت الحيض والنفاس ثم تغتسل وتكون مستحاضة

(2)

وهل تترك المستحاضة المبتدأة - عشرة وتصلى أخرى أو تدع خمسة عشر وتصلى مثلها أو تترك عشرة وتصلى عشرين أو تترك يوما وليلة وتصلى تسعة وعشرين لاعتياد الحيض فى كل شهر ان لم يمنع بآفة وأقله ذلك

أولا تترك الصلاة لشبهة عرضت بل تغتسل وتصلى حتى يفرج الله عنها

أقوال

فى المبتدأة المسحاضة

وبذلك الخلاف تنقضى عدتها ان طلقت الا على قول من قال: لا تترك الصلاة فانها لا تنقضى عليه عدتها حتى تحيض ثلاثة قروء وثلاثة أطهار بارتفاع الدم أو تأخذ بسنة أو بقول سنتين أو بقول ثلاثة أشهر تنزيلا لها منزلة الآيسة أو التى لم تحض أو تبلغ الاياس فتعتد بثلاثة أشهر

(3)

راجع مصطلح عدة».

‌المعتادة

‌مذهب الحنفية:

يقرر الحنفية أن الدم اذا زاد على عشرة أيام وللمرأة عادة معروفة دونها ردت الى أيام عادتها فيكون الزائد على العادة استحاضة وان كان داخل العشرة.

وهل تترك الصلاة بمجرد رؤيتها الزيادة؟ اختلف فيه فذهب أئمة بلخ الى أنها تؤمر بالاغتسال والصلاة لان حال الزيادة التى هى دون العشرة متردد بين الحيض والاستحاضة لانه ان انقطع الدم قبل العشرة كان حيضا وان جاوز العشرة كان استحاضة فلا تترك الصلاة مع التردد، وقال مشايخ بخارى لا تؤمر بالاغتسال

(1)

مفتاح الكرامة ح 1 من ص 348 الى ص 351.

(2)

شرح النيل ح 1 ص 129، 130، ص 180، 181.

(3)

شرح النيل ح 1 ص 182.

ص: 343

والصلاة لأنا عرفناها حائضا بيقين ودليل بقاء الحيض وهو رؤية الدم قائم ولا يكون استحاضة حتى تستمر فيجاوز العشرة ولا دليل على ذلك فلا تؤمر بالاغتسال والصلاة حتى يتبين أمرها فان جاوز العشرة أمرت بقضاء ما تركت من الصلاة بعد أيام عادتها - لانه ظهر أنه دم استحاضة لا يمنع الصلاة - قال فى المجتبى وهو الاصح .. واذا زاد الدم على العادة ولكنه لم يجاوز العشرة فالكل حيض بالاتفاق وانما الخلاف فى أنه يصير عادة لها أولا الا اذا رأت فى الثانى كذلك ..

فعندهما لا وعند أبى يوسف نعم .. وانما تظهر ثمرة الخلاف فيما لو استمر بها الدم فى الشهر الثانى فعند أبى يوسف يقدر حيضها من كل شهر ما رأته آخرا وعندهما على ما كان قبله

فاذا رأت أطهارا مختلفة ودماء مختلفة بأن رأت فى الابتداء خمسة دما وسبعة عشر طهرا ثم أربعة وستة عشر ثم ثلاثة وخمسة عشر ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن ابراهيم تبنى على أوسط الاعداد وعلى قول أبى عثمان سعيد بن مزاحم تبنى على أقل المرتين الأخيرتين فعلى الاول تدع من أول الاستمرار أربعة وتصلى ستة عشر وذلك دأبها وعلى الثانى تدع ثلاثة وتصلى خمسة عشر فهذه عادة جعلية لها فى زمان الاستمرار ولذلك سميت جعلية لانها جعلت عادة للضرورة هكذا فى المصفى وفى غيره معزوا الى المبسوط ان كان حيضها مرة تحيض خمسة ومرة سبعة فاستحيضت فانها تدع الصلاة خمسة أيام ثم تغتسل لتوهم خروجها من الحيض وتصلى يومين بالوضوء لوقت كل صلاة لانها مستحاضة ولا يقربها زوجها فى هذين اليومين ولو كان آخر عدتها ليس للزوج مراجعتها فيها وليس لها أن تتزوج بآخر فيهما ثم تغتسل بعدهما لتوهم خروجها الآن فتأخذ بالاحتياط فى كل جانب وهذا التفصيل خلاف ما فى المصفى

وحاصله أنها تأخذ بالاقل فى حق الصلاة والصوم وانقطاع الرجعة وبالاكثر فى التزوج وتعيد الاغتسال واذا رأت المعتادة قبل أيامها ما يكون حيضا وفى أيامها ما لا يكون حيضا أو رأت قبلها ما لا يكون وكذا فيها واذا جمعا كان حيضا أو رأت قبلها ما يكون ولم تر فيها شيئا لا يكون شئ من ذلك حيضا عند أبى حنيفة والامر موقوف الى الشهر الثانى عند الصاحبين فان رأت فيه كذلك يكون الكل حيضا

(1)

.

‌مذهب المالكية:

ويرى المالكية أن المعتادة اما أن تختلف عادتها واما أن لا تختلف فاذا لم تختلف استظهرت على مدة عادتها بثلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوما، فاذا كانت عادتها سبعة أيام فى كل الشهور ثم استمر بها الدم فانها تمكث هذه المدة المذكورة وفوقها ثلاثة أيام ثم تصير بعد ذلك مستحاضة تصوم وتصلى ويأتيها زوجها. واذا كانت عادتها أربعة عشر يوما مكثت هذه المدة ثم تستظهر بيوم

(1)

فتح القدير وشرح العناية ح 1 ص 122، 123.

ص: 344

واحد فان استمر بها الدم رغم ذلك تصير بعد الخمسة عشر مستحاضة، وأما اذا اختلفت عادتها استظهرت على أكثر مدتها مثل أن تحيض فى بعض الازمنة عشرة أيام وفى بعضها الآخر خمسة أيام فانها تستظهر على العشرة بثلاثة أيام تصبح بعدها مستحاضة

(1)

.

ويقول المالكية: - ان الدم المميز فى زمن الاستحاضة بتغير رائحة أو لون أو رقة أو ثخن أو بتألمها - لا بكثرة أو قلة - بعد طهر تمّ خمسة عشر يوما، حيض فان لم تميز فهى مستحاضة ولو مكثت طول عمرها أى باقية على أنها طاهر ولو مكثت طول عمرها وتعتد عدة المرتابة بسنة بيضاء وكذا لو ميزت قبل تمام الطهر فهى مستحاضة أى ولا عبرة بذلك التمييز ولا فائدة له كما نقله أبو الحسن عن التونسى. ولا تستظهر المميزة بل تقتصر على عادتها اذا ثبت أن الدم المميز بعد طهر تم حيض واستمر ذلك الدم المميز نازلا عليها فانها تمكث أكثر عادتها فقط وترجع مستحاضة كما كانت قبل التمييز ولا تحتاج لاستظهار لانه لا فائدة فيه لان الاستظهار فى غيرها رجاء أن ينقطع الدم وهذه قد غلب على الظن استمراره وهذا قول مالك وابن القاسم خلافا لان الماجشون حيث قال باستظهارها على أكثر عادتها. على أن عدم الاستظهار عند مالك وابن القاسم مقيد بما اذا تغير الدم الذى ميزته بعد عادتها ولم يستمر على حالته - بصفة الحيض المميز - واما لو استمر على حالته - بصفته المذكورة - فانها تستظهر على أكثر عادتها على المعتمد خلافا لمن قال ان عدم الاستظهار عند مالك وابن القاسم مطلق غير مقيد

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المجموع اذا كان لها عادة دون خمسة عشر يوما فرأت الدم وجاوز عادتها وجب عليها الامساك كما تمسك عنه الحائض لاحتمال الانقطاع قبل مجاوزة خمسة عشر فيكون الجميع حيضا

وان جاوز خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة فيجب عليها أن تغتسل. ثم ان كنت غير مميزة ردت الى عادتها فيكون حيضها أيام العادة فى القدر والوقت وما عدا ذلك فهو طهر تقضى صلاته قال أصحابنا وسواء كانت العادة أقل الحيض والطهر أو غالبا أو أقل الطهر وأكثر الحيض أو غير ذلك وسواء قصرت مدة الطهر أو طالت طولا متباعدا فترد فى ذلك الى ما اعتادته من الحيض والطهر ويكون ذلك دورها أى قدر كان. فان استمر بها الدم فى الشهر الثانى وجاوز العادة اغتسلت عند مجاوزة العادة لان الاستحاضة علة مزمنة فالظاهر دوامها واذ قد علمنا بالشهر الاول أنها مستحاضة فالظاهر بقاؤها مستحاضة فتغتسل فى كل شهر عند مجاوزة العادة وتصلى وتصوم - يعنى تصير طاهرا فى كل شئ من الصوم والصلاة والوط ء والقراءة وغيرها

وهكذا تفعل فى كل شهر فان انقطع دمها فى بعض

(1)

كفاية الطالب الربانى ح 1 ص 138، 139.

(2)

الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ح 1 ص 171.

ص: 345

الشهور على خمسة عشر فما دونها علمنا أنها ليست مستحاضة فى هذا الشهر وأن جميع ما رأته فيه حيض فتتدارك ما يجب تداركه من الصوم وغيره وكذا ان كانت قضت فى هذه الايام صلوات أو طافت أو اعتكفت تبينا بطلان جميع ذلك لمصادفته الحيض

واذا صامت بعد أيام العادة فى الشهر الثانى وما بعده وطافت وفعلت غير ذلك مما تفعله الطاهر المستحاضة صح ذلك ولاقضاء عليها بلا خلاف

(1)

.

واذا تقدم حيضها أو تأخر أو زاد أو نقص ثم استحيضت بعد هذا، فانها ترد الى آخر ما رأت من ذلك لان ذلك أقرب الى شهر الاستحاضة

(2)

.

أما اذا كان لها عادات منتظمات مثل أن تحيض من شهر ثلاثة أيام ثم من الذى بعده خمسة ثم من الذى بعده سبعة ثم تعود فى الشهر الرابع الى الثلاثة وفى الخامس الى الخمسة وفى السادس الى السبعة

وهكذا فتكررت لها هذه العادة ثم استحيضت وأطبق الدم ففى ردها الى العادة وجهان مشهوران

أصحهما ترد اليها

والثانى لا ترد

(3)

.

أما اذا كانت معتادة مميزة بان كان عادتها خمسة من أول الشهر مثلا .. ثم استحيضت وهى مميزة فان وافق التمييز العادة بأن رأت الخمسة الاولى سوادا وباقى الشهر حمرة فحيضها الخمسة بلا خلاف وان لم يوافقها فثلاثة أوجه

(4)

.

وان كانت المستحاضة ناسية مميزة وهى التى كانت لها عادة فنسيت عادتها ولكنها تميز الحيض من الاستحاضة باللون فانها ترد الى التمييز

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

من أقسام المستحاضة عند الحنابلة من لها عادة ولا تمييز لها لكون دمها على صفة واحدة فلا يتميز بعضه عن بعض

وكذلك ان كان مختلفا فى صفاته الا أن الدم الذى يصلح للحيض دون أقل الحيض أو فوق أكثره فهذه لا تمييز لها فاذا كانت لها عادة قبل أن تستحاض انتظرت أيام عادتها واغتسلت عند انقضائها ثم تتوضأ بعد ذلك لوقت كل صلاة وتصلى. لحديث أم سلمة

(6)

، وقد روى فى حديث فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها «دعى الصلاة قدر الايام التى كنت تحيضين فيها ثم اغتسلى وصلى» متفق عليه وفى لفظ قال: اذا أقبلت الحيضة فاتركى الصلاة فاذا ذهب قدرها فاغسلى عنك الدم وصلى متفق عليه وروت أم حبيبة أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن الدم فقال لها «أمكثى قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلى وصلى» رواه مسلم وروى عدى بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله

(1)

المجموع ح 2 ص 415، 416، 417.

(2)

متن المجموع ح 2 ص 422.

(3)

المجموع ح 2 ص 428، 430.

(4)

المرجع السابق ح 2 ص 431، 432.

(5)

المرجع السابق ح 1 ص 433.

(6)

عن المرأة التى كانت تهراق الدم سبق ذكره.

ص: 346

عليه وسلم قال فى المستحاضة «تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلى وتتوضأ عند كل صلاة» أخرجه أبو داود والترمذى

(1)

.

ويقول ابن قدامة: - من أقسام المستحاضة من لها عادة وتمييز وهى من كانت لها عدة فاستحيضت ودمها متميز بعضه أسود وبعضه أحمر، فان كان الاسود فى زمن العادة فقد اتفقت العادة والتمييز فى الدلالة فيعمل بهما وان كان أكثر من العادة أو أقل ويصلح أن يكون حيضا ففيه روايتان. أحدهما يقدم التمييز فيعمل به وتدع العدة وهو ظاهر كلام الخرقى. ولم يفرق بين معتادة وغيرها واشترط فى ردها الى العادة الا يكون دمها متصلا

وظاهر كلام أحمد اعتبار العادة وهو قول أكثر الاصحاب لأن النبى صلى الله عليه وسلم رد أم حبيبة والمرأة التى استفتت لها أم سلمة الى العادة ولم يفرق ولم يستفصل بين كونها مميزة أو غيرها. وحديث فاطمة قد روى فيه ردها الى العادة وفى لفظ آخر ردها الى التمييز فتعارضت روايتان وبقيت الأحاديث الباقية خالية عن معارضة فيجب العمل بها

(2)

فاذا كانت المستحاضة ذاكرة لوقت عادتها ولكنها نسيت عدد أيامها كالتى تعلم أن حيضها فى العشر الأول من الشهر ولا تعلم عدده فهى فى قدر ما تجلسه كالمتحيرة - التى سيأتى حكمها تفصيلا - تجلس ستا أو سبعا فى أصح الروايتين الا أنها تجلسها من العشر دون غيرها. وهل تجلسها من أول العشر أو بالتحرى؟ على وجهين. وقد تكون المستحاضة ناسية لوقتها ذاكرة لعدد أيامها وهذه تتنوع نوعين أحدهما الا تعلم لها وقتا أصلا، فانها تجلس خمسة من كل شهر. أما من أوله أو بالتحرى على اختلاف الوجهين والثانى أن تعلم لها وقتا مثل أن تعلم أنها كانت تحيض أياما معلومة من العشر الأول من كل شهر فانها تجلس عدد أيامها من ذلك الوقت دون غيره. ولا يعتبر التكرار فى الناسية لأنها عرفت استحاضتها فى الشهر الأول فلا معنى للتكرار .. واذا ذكرت الناسية عادتها بعد جلوسها فى غيره رجعت الى عادتها لأن تركها لعارض النسيان فاذا زال العارض عادت الى الأصل وان تبين أنها كانت تركت الصلاة فى غير عادتها لزمها اعادتها. ويلزمها قضاء ما صامته من الفرض فى عادتها

(3)

.

‌المذهب الظاهرى:

جاء فى المحلى «فأما التى قد حاضت وطهرت فتمادى بها الدم فحكمها كالحكم الذى تقرر للمبتدأة التى يتمادى بها الدم - الا فى تمادى الدم الأسود متصلا فانها اذا جاءت الأيام التى كانت تحيضها أو الوقت الذى كانت تحيضه أما مرارا فى الشهر أو مرة فى الشهر أو مرة فى أشهر أو فى عام -: فاذا جاء ذلك الأمد أمسكت عما تمسك به الحائض، فاذا انقضى ذاك الوقت اغتسلت وصارت

(1)

المغنى ح 1 ص 428، 429.

(2)

المرجع السابق ح 1 ص 332 الى 335.

(3)

المغنى ج 1 ص 340 - 341 - 342.

ص: 347

فى حكم الطاهر فى كل شئ وهكذا أبدا ما لم يتلون الدم أو ينقطع. فان كانت مختلفة الأيام بنت على آخر أيامها قبل أن يتمادى بها الدم

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: وأما ان كانت معتادة يعنى ثبتت لها عادة وقتا وعددا - فأما التى أتاها مرة واحدة مثلا ثم استحيضت فى الثانية أو تغيرت عادتها واستحيضت حال تغيرها فحكمها حكم المبتدأة - وأما التى قد ثبتت عادتها ثم استحيضت قبل تغيرها فتجعل قدر عادتها حيضا فيكون حكمها حكم الحائض فى ذلك القدر، وتجعل الزائد على ذلك القدر طهرا فيكون لها أحكام الطاهر فتقضى ما تركت من الصلاة فى الأيام الزائدة على العادة. وجاء فى موضع آخر أن للمستحاضة أحوال منها تلك الحالة التى أتاها الدم فى غير وقت عادتها عقيب طهر صحيح وزاد عددها على ما تعتاده واستمر بها الدم فلم تغير عادتها به فلزمها أن تجعل ما بعد العشر استحاضة الى وقت عادتها ثم تجعل الزائد على العدد المعتاد فى الشهور المستقبلة مما تجوز فيه بأنه طهر أو حيض فاستوى فى الوط ء جانب الحظر والاباحة الى آخر اليوم العاشر فرجح جانب الحظر.

قال عليه السلام فقلنا ولا تصلى. وكان القياس الا تصوم أيضا كالصلاة الا أنه قد ورد أن صوم يوم الشك أولى من افطاره فقلنا بل تصوم

(2)

.

ومن ناحية أخرى فان المستحاضة المعتادة اذا نسيت عادتها دون وقتها وذلك بأن تكون ذاكرة لوقتها ناسية لعددها فانه اذا جاء وقت حيضها المعتاد فانها تقطع فى ثلاثة أيام ابتداؤها من ذلك الوقت أنها تحيض. ثم تجوز فى كل يوم بل فى كل وقت مما زاد على الثلاث أنه حيض وأنه طهر وأنه انتهاء حيضها وابتداء طهرها وهكذا فى سبعة أيام بعد الثلاث.

وبعد الثلاث والسبع تعمل على أن ما بعدها طهر. وحكمها فى هذه السبع من الشهور المستقبلة حكم المتحيرة والتى سيأتى ذكرها. لكن تغتسل فى هذه الأيام السبعة. التى جوزتها انتهاء حيض وابتداء طهر بعد مضى الشهر الاول لا فى السبع منه.

‌مذهب الإمامية:

يذهب الإمامية الى أنه اذا تجاوز الدم بالمرأة عشرة أيام فان كانت ذات عادة مستقرة - وهى التى يتساوى دمها أخذا وانقطاعا مدة شهرين متواليين - فانها ترجع الى تلك العادة اجماعا.

هذا اذا لم تكن ذات تمييز يخالفها، وهى التى سيأتى حكمها، أما اذا كانت المعتادة غير مميزة فانها تترك الصلاة والصوم برؤية الدم فان جاوز دمها العشرة ترجع الى عادتها

(3)

ومعنى

(1)

المحلى ح 2 ص 202، 210.

(2)

شرح الازهار ح 1 ص 155، 157، ص 161، 162.

(3)

مفتاح الكرامة ح 1 ص 346، 348 والمختصر النافع ص 33.

ص: 348

ذلك أن الزائد على أيام عادتها يعتبر استحاضة.

أما اذا كانت المعتادة مميزة فلا يخلو اما أن يكون التمييز غير مخالف للعادة فى زمانه وفى هذه الحالة تعمل بالعادة والتمييز وذلك بدهى لأن كلا من الامرين يؤكد ما يدل عليه الآخر، واما أن يكون التمييز مختلفا عن العادة من حيث الزمان، وفى حكم هذه الحالة أقوال ثلاثة:

أحدهما: أنه يجب عليها أن تقدم العادة لأنها أقوى من التمييز، وهو مذهب الأكثر وسائر المتأخرين.

والقول الثانى: أن التمييز أرجح من العادة والقول الثالث: أن المستحاضة مخيرة فى العمل بأى منهما وهو مذهب الطوسى

(1)

واذا نسيت المعتادة عادتها فان كانت ذاكرة لوقت الحيض ناسية للعدد فان الحكم فيها ان كانت ذاكرة لأول الحيض أن تجعل حيضها أقل ما يمكن الحيض فيه وهو ثلاثة أيام ثم تغتسل بعد ذلك وتصلى فيما بعد اذا عملت ما تعمله المستحاضة عند كل صلاة احتياطا وان ذكرت آخر الحيض جعلت ما قبله حيضا ثلاثة أيام ووجب عليها الغسل فى آخرها وعملت فيما عدا ذلك ما تعمله المستحاضة وتصلى، وان كانت غير ذاكرة لأول الحيض ولآخره فينبغى لها أن تجعل ذلك اليوم مقطوعا على أنه حيض ولا تجعل ما قبله حيضا لجواز أن يكون ذلك أول الحيض ولا تجعل ما بعده لجواز أن يكون ذلك آخر الحيض وينبغى أن تترك الصلاة والصوم ذلك اليوم. وفيما عدا ذلك تعمل عمل المستحاضة عند كل صلاة ثم تقضى الصوم عشرة أيام لأنها تعلم أن أكثر الحيض لا يكون أقل من عشرة أيام احتياطا

(2)

.

أما اذا كانت ذاكرة للعدد ناسية للوقت فانها تتخير فى تخصيص وقت للحيض ان لم يتميز دمها. وان تميز دمها خصصت العدد بما هو بصفة الحيض أى أنها تتخير مع عدم الأمارة .. وقيل تعمل فى الجميع عمل المستحاضة وتغتسل لانقطاع الحيض فى كل وقت يحتمله ..

وفى الخلاف: الناسية لوقتها ولا تمييز لها تترك الصوم والصلاة فى كل شهر سبعة أيام وتغتسل وتصلى الباقى وتصوم فيما بعد ولا قضاء عليها فى صوم ولا صلاة اجماعا

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: ان كانت عادتها ثلاثة أيام ثم تمادى بها الدم بعدها فانتظرت فرأت طهرا على تمام اليومين اللذين انتظرت فيهما .. وتوالى لها ذلك ثلاث مرات فلتنتقل لخمسة فان زادت بعدها وتوالى فالى سبعة ثم هى كذلك الى عشرة

(4)

. واذا زاد الدم أكثر من أيام الانتظار تركت الصلاة فى أيام الانتظار وأغتسلت وصلت بعدها فاذا عاد لها ذلك فعلت كذلك وهى

(1)

مفتاح الكرامة ح 1 ص 356، 357.

(2)

المرجع السابق ح 1 ص 359.

(3)

المرجع السابق ح 1 ص 358.

(4)

شرح النيل ح 1 ص 184.

ص: 349

مستحاضة فيما زاد .. وما ميزته مستحاضة بعد طهر تام حيض فى العبادات قال ابن حارث اتفاقا وفى العدة قولان: قال ابن بشير ان كانت أيام الدم أكثر فمستحاضة بلا خلاف وان كانت أقل أو سواء فمستحاضة على المشهور

(1)

.

‌حكم المتحيرة:

يراد بالمتحيرة فى اصطلاح الفقهاء:

المستحاضة التى استمر بها الدم ونسيت عادتها وعدد أيامها وأولها وآخرها ودورها

(2)

وسميت بالمتحيرة لتحيرها فى شأنها. وقد تسمى محيرة أيضا لأنها تحير الفقيه فى أمرها

(3)

وبعض المذاهب يطلق على من استمر بها الدم الى مالا نهاية عبارة (المرتابة)

(4)

وبعضهم يسميها المبتلاة

(5)

.

‌مذهب الحنفية:

جاء فى فتح القدير أن المرأة اذا كانت صاحبة عادة فاستمر بها الدم ونسيت عدد أيامها وأولها وآخرها ودورها فانه يجب عليها أن تتحرى وتمضى على أكبر رأيها، فان لم يكن لها رأى - وهى المحيرة - لا يحكم لها بشئ من الحيض والطهر على التعيين بل تأخذ بالأحوط فى حق الاحكام فتجتنب ما تجتنبه الحائض من القراءة والمس ودخول المسجد وقربان الزوج، وتغتسل لكل صلاة فتصلى به الفرض والوتر وتقرأ ما تجوز به الصلاة فقط، وقيل الفاتحة والسورة لأنهما واجبتان، وان حجت تطوف طواف الزيارة لأنه ركن ثم تعيده بعد عشرة أيام، وتطوف للصدر لأنه واجب وتصوم شهر رمضان ثم تقضى خمسة وعشرين يوما لاحتمال كونها حاضت من أوله عشرة ومن آخره خمسة أو بالعكس ثم يحتمل أنها حاضت فى القضاء عشرة فتسلم خمسة بيقين. وهل يقدر لها طهر فى حق العدة؟ اختلفوا فيه والفتوى على قول محمد بن الحسن وهو تقدير طهرها بشهرين

(6)

.

‌مذهب المالكية:

يعبر المالكية عن المتحيرة بتعبير المرتابة، ويبدو أنهم لم يفردوا لها أحكاما خاصة تميزها عن باقى المستحاضات على خلاف ما قررته المذاهب الأخرى.

فقد جاء فى الشرح الكبير: والدم المميز فى زمن الاستحاضة بتغير رائحة أو لون أو رقة أو ثخن أو بتألمها

بعد طهر تم خمسة عشر يوما حيض، فان لم تميز فهى مستحاضة ولو مكثت طول عمرها

(7)

وقد علق العلامة الدسوقى على هذه العبارة الأخيرة بقوله: أى باقية على أنها طاهر ولو مكثت طول عمرها وتعتد عدة المرتابة بسنة بيضاء

(1)

شرح النيل ح 1 ص 187.

(2)

فتح القدير ح 1 ص 121.

(3)

فتح العزيز ح 2 ص 491.

(4)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ح 1 ص 171.

(5)

شرح النيل ح 1 ص 180.

(6)

فتح القدير ح 1 ص 121، 122.

(7)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ح 1 ص 171.

ص: 350

‌مذهب الشافعية:

وعند الشافعية فى حكم المتحيرة - وهى التى نسيت عادتها قدرا ووقتا قولان أحدهما أنها مردودة الى المبتدأة.

والثانى وهو أصحهما أنها مأمورة بالاحتياط غير مردودة الى المبتدأة.

ويمكن حصر أحكامها فى ستة أمور:

الاول: أنه لا يحل وطؤها. وعن الماوردى أنه لا بأس بوطئها.

الثانى: أن المتحيرة لا تقرأ القرآن لاحتمال الحيض. وعلى قول تقرأ اذ لا نهاية لعذرها. وهل تزيد على الفاتحة فى الصلاة؟ وجهان أظهرهما نعم، وحكمها فى دخول المسجد حكم الحائض أما مس المصحف وحمله فحرام عليها.

الثالث: أنها تصلى الخمس أبدا لان كل وقت أفرد بالنظر فمن الجائز كونها طاهرة فيه فتأخذ بالاحتياط وهل لها أن تتنفل؟ فيه وجهان أصحهما نعم. ثم يلزمها أن تغتسل لكل فريضة لاحتمال الانقطاع قبلها ويجب أن يقع غسلها فى الوقت كالتيمم. ولا يلزمها المبادرة الى الصلاة عقيب الغسل وقيل يلزمها كما فى وضوء المستحاضة

(1)

.

الرابع: أن المتحيرة تصوم جميع شهر رمضان لاحتمال أنها طاهر فى الكل والمنقول عن الشافعى رضى الله عنه أنه يجزيها خمسة عشر يوما. وأكثر الاصحاب على اختلاف الطبقات لا يجزيها الا أربعة عشر يوما لاحتمال أن يبتدئ حيضها فى أثناء نهار ويمتد خمسة عشر يوما فينقطع فى أثناء نهار أيضا فتنبسط الخمسة عشر على ستة عشر ويفسد صومها - ثم عليها أن تقضى ستة عشر يوما وهذا اذا كان الشهر كاملا .. اما اذا كان ناقصا فعلى المنقول عن الشافعى لا يختلف وتقضى أربعة عشر يوما. وعلى قول الاكثرين المقضى لا يختلف ويحسب لها ثلاثة عشر يوما

ثم انها اذا أدت الصلاة الخمس. لا يجب عليها القضاء ويجزيها ذلك الاداء لانها ان كانت طاهرا وقت الصلاة المؤداة أجزأها ما فعلت والا فلا صلاة عليها اذ لا يجب قضاء صلوات أيام الحيض وأيضا فان قضاء الصلاة يفضى الى حرج شديد

(2)

.

الخامس: اذا كان عليها قضاء يوم واحد فانما تخرج عن عهدته بصوم ثلاثة أيام بأن تصوم يوما متى شاءت وتفطر يوما وتصوم اليوم الثالث ثم اليوم السابع عشر وأما اذا قضت أكثر من يوم فتضعف ما عليها وتزيد يومين ثم تصوم نصف المجموع ولاء متى شاءت وتصوم مثل ذلك من أول السادس عشر فتخرج عن العهدة - ولو أنها صامت ما عليها على الولاء متى شاءت من غير زيادة وأعادته من أول السابع عشر وصامت بينهما يومين - لخرجت عن العهدة. وان كانت الصلوات التى تريدها أكثر من واحدة فلها طريقان أحدهما أن تنزلها منزلة الصلاة الواحدة فتصليها على الولاء ثلاث مرات، والثانى أن تنظر فيما عليها ان لم يكن فيه اختلاف فتضعفه وتزيد عليه صلاتين أبدا وتصلى نصف

(1)

فتح العزيز ح 2 ص 494، 496.

(2)

المرجع السابق ح 2 ص 496، 504،

ص: 351

الجملة ولاء ثم النصف الآخر فى أول السادس عشر من أول الشروع فى النصف الاول. والطواف بمثابة الصلاة واحدا كان أو عددا. ويكفى غسل واحد للطواف السادس: عدة المتحيرة اذا طلقها زوجها نقل عن الرافعى أن عدتها تنقضى بثلاثة أشهر لان الغالب أن يكون للمرأة فى كل شهر حيضة. ثم فى كيفية اعتدادها بالاشهر كلام ذكر فى باب العدة.

أنظر عدة

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى أن المستحاضة التى تكون ناسية لوقتها وعددها يسميها الفقهاء المتحيرة وحكمها أنها تنتظر فى كل شهر ستة أيام أو سبعة يكون ذلك حيضا ثم تغتسل وهى فيما بعد ذلك مستحاضة تصوم وتصلى وتطوف، وعن أحمد أنها تنتظر أقل الحيض ثم ان كانت تعرف شهرها وهو مخالف للشهر المعروف انتظرت ذلك من شهرها وان لم تعرف شهرها انتظرت من الشهر المعروف لانه الغالب ولا تخلو المتحيرة من أن تكون جاهلة بشهرها أو عالمة به فان كانت جاهلة بشهرها رددناها الى الشهر الهلالى فحيضناها فى كل شهر حيضة لحديث حمنة ولأنه الغالب فترد اليه كردها الى الست أو السبع وان كانت عالمة بشهرها حيضناها فى كل شهر من شهورها حيضة لان ذلك عادتها فترد اليها كما ترد المعتادة الى عادتها فى عدد الايام الا أنها متى كان شهرها أقل من عشرين يوما لم نحيضها منه أكثر من الفاضل عن ثلاثة عشر أو خمسة عشر يوما لانها لو حاضت أكثر من ذلك لنقص طهرها عن أقل الطهر ولا سبيل اليه. وهل تنتظر أيام حيضها من أول كل شهر أو بالتحرى والاجتهاد؟ فيه وجهان:

أحدهما: تجلسه من أول كل شهر اذا كان يحتمل ولأن المبتدأة تجلس من أول الشهر مع أنه لاعادة لها فكذلك الناسية ولان دم الحيض دم جبلة والاستحاضة عارضة فاذا رأت الدم وجب تغليب دم الحيض.

الوجه الثانى: أنها تجلس أيامها من الشهر بالتحرى والاجتهاد وهذا قول أبى بكر وابن أبى موسى

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

يقول ابن حزم: فان لم تعرف وقت حيضها لزمها فرضا أن تغتسل لكل صلاة وتتوضأ لكل صلاة أو تغتسل وتتوضأ وتصلى الظهر فى آخر وقتها ثم تتوضأ وتصلى العصر فى أول وقتها ثم تغتسل وتتوضأ وتصلى المغرب فى آخر وقتها ثم تتوضأ وتصلى العتمة فى أول وقتها ثم تغتسل وتتوضأ لصلاة الفجر وان شاءت أن تغتسل فى أول وقت الظهر للظهر والعصر فكذلك لها وفى أول وقت المغرب والعتمة فذلك لها، وتصلى كل صلاة لوقتها ولا بد وتتوضأ لكل فرض ونافلة فى يومها وليلتها فان عجزت عن ذلك وكان عليها فيه حرج تيممت

(2)

.

(1)

المغنى ح 1 ص 336 الى 340.

(2)

المحلى ح 2 ص 208، 209.

ص: 352

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار والمتحيرة الناسية لوقتها وعددها، كمجنونة سنين استحيضت فيها ان ذكرت ابتداء الدم قدرت منه والا فان ذكرت لها حالة طهر قدرت فان لم. صلت وصامت واحترمت المسجد والمصحف والوط ء والقراءة الا الصلاة، واغتسلت لكل صلاة وقيل تكون من وقتها كالمبتدأة وهو قوى ما لم تتيقن مخالفة لقرائبها

(1)

، وجاء فى موضع آخر فأما التى التبس وقتها وعددها وهل تخلط شهرا بشهر أم لا

فان عرفت أنها لا تخلط شهرا بشهر تحيضت من ابتداء الدم عشرا لمجيئه وقت امكانه، فان جهلت ابتداءه، وعرفت تقدمه بعشر فصاعدا فان كانت فى وسط الشهر صلت بالغسل الى آخر الشهر ثم بالوضوء فى أول كل شهر ثلاثة أيام بالغسل الى آخر الشهر تفعل كذلك مستمرا فى غير شهر الابتداء وتصوم هذه رمضان ثم تقضى منه واحدا وعشرين لتجويز العشر الاولى والاخرى منه حيضا، والحادى والعشرين لجواز الخلط، اذ يجوز ابتداؤه فى وسط اليوم فى أول الشهر فتوفى من الحادى عشرفيتم قضاؤها لمضى أربعة وأربعين من أول شوال لجواز كون أول شوال طهرا وأخره طهرا وبطلان صوم يوم العيد منه ويوم اخر لجواز الخلط فى العاشر وأول القعدة حيض فبطل منه أحد عشر يوما لجواز الخلط فى الحادى عشر والثلاث بعده يصح القضاء فيها فيكمل القضاء بمضى أربعة عشر يوما من ذى القعدة

(2)

‌مذهب الإمامية:

يرى الإمامية أن الاحوط رد المتحيرة الى أسوأ الاحتمالات، ويتلخص حكمها عندهم فى عدة أمور هى:

الاول: منع الزوج من الوط ء فان فعل فلا كفارة عليه.

الثانى والثالث منعها من قراءة العزائم ومنعها من المساجد ويشمل الدخول واللبث ومنعها من الطواف وأباحه لها بعضهم الرابع أمرها بالصلاة وقيدها بعضهم بالفرائض .. ويرى البعض الآخر أن لها التنفل كالمتيمم وكذا الصوم المندوب والطواف. وهل تقضى الصلاة المفروضة؟ عندهم وجوه! أحدها عدم وجوب قضاء الصلاة، وثانيها وجوب القضاء.

ثالثها: احتمال الوجهين.

الخامس: الغسل عند كل صلاة - أى مفروضة - لاحتمال الانقطاع

ويجب أن توقع الغسل فى الوقت لانها طهارة ضرورية فأشبهت التيمم ولو أوقعته قبل الوقت فان انطبق أول الصلاة على أول الوقت وآخر الغسل جاز.

السادس: صوم جميع رمضان وقضاء أحد عشر يوما اذا علمت أنها لا تحيض فى الشهر الا مرة وقيل تقضى واحدا وعشرين ويقول العاملى قال علماؤنا تقضى صوم عشرة احتياطا والوجه قضاء أحد عشر.

السابع: أن المتحيرة لا يمكن أن تطلق الا على ما روى أنها تترك الصوم والصلاة فى كل شهر سبعة أيام وتصوم وتصلى فيما بعد

(3)

،

(1)

البحر الزخار ح 1 ص 140.

(2)

البحر الزخار ح 1 ص 142.

(3)

لان الطلاق عندهم لا يقع فى الحيض.

ص: 353

وفى المنتهى أنه لا تنقضى عدتها الا بانقضاء ثلاثة أشهر لان الغالب أن المرأة ترى فى كل شهر حيضة

ولا يراجعها زوجها الا قبل تسعة وثلاثين يوما

الثامن: اذا أرادت قضاء صلاة قضتها ثلاثا فتغتسل لانقطاع الحيض وتصليها أول طلوع الشمس مثلا من يوم وتفعل مثل ذلك قبل اكمال عشرة أيام أى يوم شاءت فى أى ساعة شاءت وتفعل مثل ذلك ثالثة فى مثل ذلك الوقت من الحادى عشر

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

الإباضية يطلقون على المتحيرة اسم المبتلاة، فقد جاء فى شرح النيل «وان تمادى بها - أى بالمبتدأة - بعد الانتظار انتسبت سنة، تترك اثنى عشر وتصلى كما قالت من تنتسب اليها فاذا تمت السنة كانت مبتلاة لانها بانتسابها الى أمرأة كأنها تلك المرأة وكان وقت تلك المرأة وقتها بخلافها بعد فانها ابتليت بانعقاد علتها بحكم الشرع على مدة مخصوصة للحيض والطهر ويكون صلاتها أقل من حيضها تدع الصلاة اثنا عشر يوما وقيل أحد عشر وقيل ثلاثة عشر غاية الحيض ومدة الانتظار على الخلاف فيها وتصلى عشرة فهى مستحاضة تغتسل لكل صلاتين وتجمعهما وتغتسل للفجر وحده وان أفردت اغتسلت لكل صلاة حتى يفرج الله ما بها من علة وقيل ذلك الغسل مستحب والواجب غسل واحد بعد الاثنى عشر أو ما ذكر ولا انتساب لها فى الطهر سواء أكان لها وقت فى الحيض أم لا عند الربيع ولا انتظار لها وتصلى عشرة وتترك عشرة

وهل يحكم بابتلائها بعد سنة أو سنتين أو ثلاث أو بثلاث مرات أو من أول حيضها؟ خلاف والذى فى الديوان أنها اذا حاضت ثلاث مرات وانتسبت ثلاث مرات كانت مبتلاة تصلى عشرة وتترك اثنى عشر. وذكر فيه أن المبتلاة من أول وقتها أو من بعد ما كانت مستحاضة اذا رأت الطهر من بعد ما حاضت ثلاثة أيام أو أكثر الى عشرة فاغتسلت وصلت فانها تأخذ ذلك وقتا للحيض مثل التى لا وقت لها قبل ذلك، وان غلطت بالزيادة أو النقصان فى وقت قريبتها أو غلطت قريبتها رجعت الى الصواب وأعادت لما تركت وتعيد ما صلت من وقت حيضها ومن تشاكل عليها وقت طهرها بعد ما كانت مبتلاة صلت عشرة وتركت اثنى عشر

(2)

.

‌تداخل الاستحاضة مع الطهر والحيض

التلفيق وما يتعلق به

‌مذهب الحنفية:

والطهر المتخلل بين الدمين فى مدة الحيض فهو كالدم المتوالى. وهذه احدى الروايات عن أبى حنيفة رحمه الله ووجهه أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالاجماع فيعتبر أوله وآخره كالنصاب فى باب الزكاة وعن أبى يوسف رحمه الله وهو روايته عن أبى حنيفة وقيل هو آخر أقواله أن الطهر اذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يفصل وهو

(1)

مفتاح الكرامة ح 1 من ص 363 الى ح 367.

(2)

شرح النيل ح 1 ص 180، 181، 182

ص: 354

كله كالدم المتوالى لأنه طهر فاسد

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى كفاية الطالب الربانى: أن الملفقة هى التى تقطع طهرها أى تخلله دم فصارت تحيض قبل تمام الطهر الفاصل، وقد أشار اليها صاحب المختصر بقوله وان تقطع طهر لفقت أيام الطهر فقط على تفصيلها ثم هى مستحاضة وتغتسل كلما انقطع وتصوم وتصلى وتوطأ - قال بهرام ضمت أيام الدم بعضها الى بعض فان حصل معها ما يحكم بأنه أكثر الحيض صارت بعد ذلك مستحاضة، وتغتسل كلما انقطع لانها لا تدرى هل يعاودها دم أم لا وتصوم وتصلى ولا فرق بين أن تكون أيام الدم أكثر أو أقل أو مساوية، وقد علق العلامة العدوى على ذلك فقال ان كانت معتادة فتلفق عادتها واستظهارها وان كانت مبتدأة لفقت نصف شهر، فالمراد بالاكثر هو القدر المتحصل من أيام عادتها واستظهارها المختلف ذلك باختلاف أحوال النساء - قال أحمد زروق والمراد من قولهم ان الدم المتخلل كله كدم واحد أنها تلفق أيام الدم بعضها الى بعض حتى تنتهى لما هو حكمها من عادة أو غيرها - ثم تكون بعد ذلك مستحاضة فاذا اجتمع من أيام الدم قدر عادتها والاستظهار أو خمسة عشر يوما كانت مستحاضة فى بقية عمرها كما هو مصرح به وتعتد عدة المستحاضة

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

يقول صاحب المهذب: اذا تخلل دم الاستحاضة طهر بأن رأت يوما وليلة دما ويوما وليلة نقاء وعبر الخمسة عشر فهى مستحاضة. وقال ابن بنت الشافعى الطهر فى اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وبين ما بعده فيكون الدم فى الخمسة عشر حيضا وفى النقاء الذى بينهما قولان فى التلفيق لانا حكمنا فى اليوم السادس عشر لما رأت النقاء بطهارتها وأمرناها بالصوم والصلاة.

وما بعده ليس بحيض بل هو طهر فكان بمنزلة ما لو انقطع الدم بعد الخمسة عشر ولم يعد، والمنصوص أنها مستحاضة اختلط حيضها بالاستحاضة

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

(4)

يقول ابن قدامة التفليق ضم الدم الى الدم الذى بينهما طهر

فاذا رأت يوما طهرا ويوما دما ولم يجاوز أكثر الحيض فانها تضم الدم الى الدم فيكون حيضا وما بينهما من النقاء طهر

ولا فرق بين أن يكون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه مثل أن ترى يومين دما ويوما طهرا أو يومين طهرا ويوما دما أو أقل أو أكثر فان جميع الدم حيض اذا تكرر ولم يجاوز لمدة أكثر الحيض، فان كان الدم أقل من يوم مثل أن ترى نصف يوم دما ونصفه طهرا أو ساعة وساعة فقال الأصحاب يضم الدم الى الدم فيكون حيضا وما بينهما طهر اذا بلغ المتجمع منه أقل الحيض فان لم يبلغ ذلك فهو دم

(1)

الهداية مع الفتح ج 1 ص 119.

(2)

كفاية الطالب الربانى ج 1 ص 135، 136

(3)

من المجموع ح 2 ص 499.

(4)

المغنى ح 1 ص 366 فما بعدها.

ص: 355

فساد وفيه وجه آخر لا يكون الدم حيضا الا أن يتقدمه حيض صحيح متصل

فان جاوز الدم أكثر الحيض بأن يكون بين طرفيه أكثر من خمسة عشر يوما مثل أن ترى يوما دما ويوما طهرا الى ثمانية عشر يوما فهى مستحاضة.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم حكم التى كانت أيامها مختلفة متنقلة أن تبنى على آخر حيض حاضته

(1)

، وهى فى الايام التى ينقطع عنها دم الحيض تعتبر طاهرا وأن أى دم تراه غير الدم الاسود لا يؤثر فى طهرها لانه دم استحاضة فاذا انقطع عنها الدم الاسود ولو ساعة فلتغتسل وتصلى

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى المنتزع المختار أن النقاء من الدم المتوسط أثناء خروج الدم نحو أن تدمى يوما وتنقى يوما بعده وتدمى فى الثالث فان النقاء المتوسط حيض شرعى وكذا لو دمت يوما ونقت ثمانيا ودمت العاشر فان الثمانى حيض .. وقال البعض لا يكون النقاء حيضا الا اذا توسط بين دمى حيض - ووجه هذا القول ان اليوم الاول لم يبلغ أقصى الحيض واليوم الآخر رأته بعد العشرة فيكون اليومان الاول والآخر استحاضة - وقيل لا فرق، وثمرة الخلاف تظهر حيث ترى يوما دما وتسعة نقاء ويوما دما فعلى القول الثانى لا حيض وعلى القول الثالث القائل بعدم الفرق يكون اليوم الاول حيضا وكذلك التسع - والدم الذى يكون فى الحادى عشر استحاضة - وقد أضيف النقاء الى الحيض لانه لم يتم طهرا صحيحا

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة: لو استمر الدم ثلاثة أيام وانقطع ورأته قبل العاشر وانقطع على العاشر فالدمان وما بينهما حيض ولو لم ينقطع عليه فالحيض الاول خاصة

(4)

. وحيث أنهم يقولون أن كل ما ليس بدم حيض ولا جرح فهو دم استحاضة فان هذا الدم الثانى هو دم استحاضة، وفى شرائع الاسلام.

لو رأت الدم قبل العادة وفى العادة فان لم يتجاوز العشرة فالكل حيض وان تجاوز جعلت العادة حيضا وكان ما تقدمها استحاضة وكذا لو رأت فى وقت العادة وبعدها ولو رأت قبل العادة وفى العادة وبعدها: فان لم يتجاوز العشرة فالجميع حيض، وان زاد عن العشرة فالحيض وقت العادة والطرفان استحاضة

ولو كانت عادتها فى كل شهر مرة عددا معينا فرأت فى شهر مرتين بعدد أيام العادة كان ذلك حيضا ولو جاءت فى كل مرة أزيد من العادة لكان حيضا اذا لم يتجاوز العشرة فان تجاوز تحيضت بقدر عادتها وكان الباقى استحاضة

(5)

.

(1)

المحلى ح 1 ص 215.

(2)

المحلى ح 1 ص 166.

(3)

المنتزع المختار ح 1 ص 150 وهامش نفس الصفحة.

(4)

مفتاح الكرامة ح 1 ص 345، 346.

(5)

شرائع الاسلام ح 1 ص 32.

ص: 356

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن المرأة اذا رأت الدم ثم انقطع نظرت بين انقطاعه وعوده فان كان مقدار طهر تام فالدم الثانى حيض وان كان غير تام فحيضة ملتقطة فتضم الثانى للأول وتلغى ما بين ذلك من الايام فاذا تحصل من ذلك عادتها خاصة أو مع الاستظهار أو خمسة عشر يوما فهى حيضة ثم هى بعد ذلك مستحاضة، وتغتسل المستحاضة الملفقة كلما انقطع

وقيل وقتها عشرة بتلفيق الجميع، أيام الدم وأيام الطهر

ولا وقت لها عند مشترط الثلاثة فى البناء لأنه لم يتقدم لها من الدم الا يوم أو يومان فلو تقدم لها ثلاث وصلت ستة وفى العاشر رأت دما كان وقتها أربعة وقيل عشرة بتلفيق أيام الدم والطهر جميعا

(1)

.

‌عدة المستحاضة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى فتح القدير وممن ذكرنا من النساء اللاتى أنهن يعتددن بالاشهر ..

المستحاضة التى نسيت عادتها، فاذا قدرت بثلاثة أشهر علم أنها حاضت ثلاث حيض بيقين بخلاف التى لم تنس فانها ترد الى أيام عادتها فجاز كون عادتها أول الشهر فتخرج من العدة فى خمسة أو ستة من الثالث ويلاحظ أن اطلاقهم فى الانقضاء بثلاثة أشهر فى المستحاضة الناسية لا يصح الا اذا طلقها أول الشهر أما لو طلقها بعد ما مضى من الشهر قدر ما يصح حيضة ينبغى أن يعتبر ثلاثة أشهر غير باقى هذا الشهر، ويجب فى التى بلغت مستحاضة مثل المستحاضة التى عادتها ثلاثة أشهر

(2)

.

‌مذهب المالكية:

ذكر العلامة الدردير أن المرأة اذا استحيضت وقد ميزت بين الحيض والاستحاضة برائحة أو لون أو كثرة فتعتد بالاقراء

وان لم تميز المستحاضة المطلقة بين الدمين

تربصت تسعة من الاشهر استبراء لزوال الريبة لانها مدة الحمل غالبا - وتعتبر تلك التسعة من يوم الطلاق على ما فى المدونة - ثم اعتدت - بعد تلك التسعة - بثلاثة أشهر أخرى - وحلت بعد السنة - أى انقضت عدتها وحلت للازواج - حرة أو أمة

(3)

.

ويرى المالكية أن المرأة المدخول بها اذا توفى عنها زوجها واستحيضت ولم تميز وارتابت - أى حصل لها ريبة فى حملها فانها تنتظر الحيضة والحال أنه قد مضى عليها من تاريخ الوفاة أربعة أشهر وعشرا - فان رأت الحيض بأن حصل لها تمييز حلت والا فانها تنتظر تسعة أشهر من يوم الوفاة لانها مدة الحمل غالبا فان زالت الريبة حلت والا تزل فأقصى مدة الحمل.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج .. وعدة مستحاضة غير متحيرة بأقرائها المردودة هى اليها حيضا وطهرا فترد معتادة لعادتها فيهما ومميزة

(1)

شرح النيل ح 1 ص 158.

(2)

فتح القدير ح 4 ص 140.

(3)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ح 2 ص 470، 475 وأقرب المسالك ح 1 ص 465.

ص: 357

لتمييزها كذلك ومبتدأة ليوم وليلة فى الحيض وتسع وعشرين فى الطهر فعدتها تسعون يوما من ابتداء دمها ان كانت حرة لاشتمال كل شهر على حيض وطهر غالبا. قال الاذرعى ان المجنونة التى ترى الدم تعتد بالاشهر كالصغيرة وهذا هو الاصح لكن يتعين حمله على انبهام زمن حيضها وعدم معرفته اذ غايتها أن تكون حينئذ كالمتحيرة اما اذا عرف حيضها فتعتد به

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

(2)

يقول ابن قدامة فى عدة المستحاضة انها لا تخلو اما أن يكون لها حيض محكوم به بعادة أو تمييز ولا تكون كذلك فان كان لها حيض محكوم به بذلك فحكمها حكم غير المستحاضة اذا مرت بها ثلاثة قروء فقد انقضت عدتها، قال أحمد: المستحاضة تعتد أيام اقرائها التى كانت تعرف، وان علمت ان لها فى كل شهر حيضة ولم تعلم موضعها فعدتها ثلاثة أشهر، وان شكت فى شئ تربصت حتى تستيقن أن القروء الثلاث قد انقضت. وان كانت مبتدأة لا تمييز لها أو ناسية لا تعرف لها وقتا ولا تمييزا فعن أحمد فيها روايتان:

احداهما ان عدتها ثلاثة أشهر وهو قول عكرمة وقتادة وأبى عبيد والرواية الثانية:

تعتد بمنزلة من رفعت حيضتها لا تدرى ما رفعها. قال أحمد: اذا كانت قد اختلطت ولم تعلم اقبال الدم وادباره اعتدت سنة لحديث عمر لأن به يتبين الحمل، وهو قول اسحاق لأنها لم تتيقن لها حيضا مع انها من ذوات القروء فكانت عدتها سنة كالتى ارتفع حيضها. وعلى الرواية الاولى ينبغى أن يقال: اننا متى حكمنا بأن حيضها سبعة أيام من كل شهر فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيام من أول الثالث فقد انقضت عدتها وان قلنا القروء الاطهار فطلقها فى آخر شهر ثم مر لها شهران وهل الثالث فقد انقضت عدتها.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى: واما المستحاضة التى لا يتميز دمها ولا تعرف أيام حيضها فان كانت مبتدأة لم يكن لها أيام حيض قبل ذلك فعدتها ثلاثة أشهر لانها لم يصح عنها حيض قط فهى من اللائى لم يحضن فان كانت ممن كان لها حيض معروف فنسيته أو نسيت مقداره ووقته فعليها أن تتربص مقدارا توقن فيه أنها قد أتمت ثلاثة أطهار وحيضتين وصارت فى الثالثة ولا بد، فاذا مضى المقدار المذكور فقد حلت لانها من ذوات الأقراء بلا شك فعليها اتمام ثلاثة قروء واما اذا تميز دمها فأمرها بين اذا رأت الدم الاسود فهو حيض واذا رأت الاحمر أو الصفرة فهو طهر وكذلك التى لا يتميز دمها الا أنها تعرف أيامها فانها تعتد اذا جاءت أيامها التى كانت تحيض فيها حيضا، وبأيامها التى كانت تطهر فيها طهرا وأما المستريبة فان كانت عدتها بالاقراء أو الشهور فأتمتها الا أنها تقدر أنها حامل وليست موقنة بذلك ولا بأنها ليست حاملا، فهذه امرأة لم

(1)

نهاية المحتاج وحاشية الشبراملس ح 6 ص 200.

(2)

المغنى ح 9 ص 101، 102.

ص: 358

توقن أنها من ذوات الاقراء قطعا ولا توقن أنها من ذوات الشهور حتما ولا توقن أنها من ذوات الاحمال بتا. هذه صفتها ولا شك نعلم ذلك حسا ومشاهدة فاذ هى كذلك فلا بدلها من التربص حتى توقن أنها حامل فتكون عدتها وضع حملها أو توقن أنها ليست حاملا فتتزوج أن شاءت اذا ايقنت أنها لا حمل بها لانها قد تمت عدتها المتصلة بما أوجبها الله تعالى من الطلاق. أما الاقراء واما الشهور

وأقصى ما يكون التربص من آخر وط ء وطأها زوجها خمسة أشهر فلا سبيل الى أن يتجاوزها الا وهى موقنة بالحمل أو ببطلانه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه بعد أربعة أشهر ينفخ فيه الروح واذا نفخ فيه الروح فهو حى واذا كان حيا فلا بد له ضرورة من حركة. وأما المختلفة الاقراء فلا بد لها من تمام اقرائها بالغه ما بلغت لاحد لذلك لان الله تعالى أوجب عليها أن تتربص ثلاثة قروء ولم يجعل الله تعالى لذلك حدا محدودا «وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى المنتزع المختار أن المستحاضة عليها أن تتحرى للعدة والصلاة .. فان حصل لها ظن بتمييز الحيض من الطهر عملت به وان لم يحصل لها ذلك. فقيل تعتد بثلاثة أشهر، لان الغالب فى الحيض أنه يأتى فى الشهر مرة.

وهذا الرأى قوى اذا كانت عادتها أن الدم يأتيها فى الشهر مرة ثم التبس فى أى وقت منه .. وأما من علمت أن حيضتها تأتى فى كل شهر مرة وانما نسيت تعيين الوقت فانها تعتد بثلاثة أشهر على الاصح

وأما اذا جهلت العدد فانها تنتظر فى الحيضة الثالثة أكثر الحيض وهو عشرة أيام ولا تتحرى ولها فى جميع العشرة النفقة والكسوة، وله مراجعتها فيها لان الاصل عدم مضى العدة. هذا فى المعتادة ..

وأما اذا كانت مبتدأة واستحيضت، ثم طلقت فانها ترجع الى عادة قرائبها من قبل أبيها

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

روى صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه عن أبى عبيد الله عليه السلام أنه قال: عدة المستحاضة التى لا تطهر ثلاثة أشهر. وسأله محمد بن مسلم عن عدة المستحاضة فقال تنتظر قدر اقرائها فتزيد يوما أو تنقص يوما فان لم تحض فلتنظر الى بعض نسائها فلتعتد باقرائها

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

يقول شارح النيل فى باب العدة والمستحاضة تحسب أيام ترك الصلاة حيضا فاذا تمت ثلاث حيض تزوجت، ومن قال بالتمييز يأمرها أن تحسب أيام ترك الصلاة بتمييزها دم الحيض عن الاستحاضة، وان لم تميز مكثت تسعة أشهر للحمل وثلاثة كما تمكث الآيسة ثلاثة وتزوجت

(4)

.

(1)

المحلى ح 10 ص 268، 269.

(2)

المنتزع المختار ح 2 ص 466، 467 وهامش نفس الصفحتين.

(3)

من لا يحضره الفقيه ح 3 ص 445، 446 الاجزاء الاربعة فى مجلد واحد طبعة سنة 1376 هـ.

(4)

شرح النيل ح 3 ص 580.

ص: 359

روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وال التعريف.

وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.

ص: 362

بسم الله الرحمن الرحيم

‌حرف الالف:

‌الآمدى:

أنظر ج 1 ص 247

‌ابراهيم النخعى:

أنظر «النخعى» ج 1 ص 279

‌الابيض بن جمال:

أنظر ج 4 ص 359

‌ابن الأثير:

أنظر ج 1 ص 247

‌الأجهورى:

أنظر ج 3 ص 335

‌الامام أحمد:

أنظر «ابن حنبل» ج 1 ص 255

‌أحمد بن الحسن:

المؤيد بالله

‌أحمد بن حمدان الأذرعى المتوفى سنة 783 هـ:

أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد أبو العباس شهاب الدين الأذرعى.

فقيه شافعى ولد بأذرعات بالشام وتفقه بالقاهرة، وولى نيابة القضاء بحلب، وراسل السبكى بالمسائل «الحلبيات» وهى فى مجلد وجمعت «فتاويه» فى رسالة وله «جمع التوسط والفتح، بين الروضة والشرح» عشرون مجلدا.

وشرح المنهاج شرحين أحدهما «غنية المحتاج» ثمانى مجلدات، والثانى «قوت المحتاج» ثلاثة عشر جزءا وفى كل منهما ما ليس فى الاخر.

ثم استقر فى حلب الى أن توفى. وكان لطيف العشرة كثير الانشاد للشعر وله نظم قليل.

‌أحمد بن زروق:

أنظر «زروق» ج 3 ص 344

‌أحمد بن عيسى:

أنظر ج 4 ص 359

‌أحمد بن القاسم:

أبو العيش أحمد بن القاسم ابن كنون بن محمد من أدارسة المغرب توفى سنة 348 هـ تولى الريف بعد أبيه سنة 337 وكان متفقها ورعا عارفا بالسير وأخبار الملوك وله وقائع ومغازى

‌ابن ادريس:

أنظر ج 2 ص 343

‌ابن ادريس المتوفى سنة 192 هـ:

أبو محمد عبد الله بن ادريس الازدى الكوفى الحافظ العابد، روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته وقد روى عن مالك مع تقدمه وجلاله، قال أحمد بن حنبل:

كان عبد الله بن ادريس نسيج وحده، وقال أبو حاتم هو امام من أئمة المسلمين وقال غيره: لم يكن بالكوفة أعبد منه عاش اثنتين وسبعين سنة.

‌الأذرعى:

أحمد بن حمدان «شهاب الدين» .

ص: 363

‌الازهرى:

أنظر ج 2 ص 343

‌اسحاق المتوفى سنة 238 هـ:

أبو يعقوب التميمى الحنظلى المروزى نزيل نيسابور ولد سنة 166 هـ سمع عنه البخارى وغيره وهو الذى اقترح عليه تصنيف الجامع الصحيح مات ليلة نصف شعبان سنة 238 هـ.

‌أبو اسحاق السبيعى المتوفى سنة 188 هـ:

الامام أبو عمرو عيسى بن يونس بن أبى اسحاق السبيعى، روى عنه من الكبار حماد بن سلمه وهو أكبر منه ذكر لابن المدين فقال بخ بخ ثقة مأمون، وقال أحمد بن حنبل الذى نجد أن عيسى سنة فى الغزو وسنة فى الحج.

‌أبو اسحاق الاسفرايينى:

أنظر ج 1 ص 248

‌أسحاق بن منصور:

أنظر ج 2 ص 364

‌اسرائيل بن يونس:

اسرائيل بن يونس بن أبى اسحاق السبيعى وكنيته أبو اسرائيل كوفى صدوق روى عن جده أبى اسحاق السبيعى

‌الاسفرايينى:

أنظر ج 1 ص 248

‌الاسنوى:

أنظر ج 1 ص 249

‌أشهب:

أنظر ج 1 ص 249

‌أصبغ المتوفى سنة 225 هـ:

أصبغ بن الفرج أبو عبد الله المصرى مفتى أهل مصر أخذ عن ابن وهب وابن القاسم وتصدر للاشتغال بالحديث قال ابن معين كان من أعلم خلق الله كلهم برأى مالك يعرفه مسألة مسألة، متى قالها مالك ومن خالفه فيها. وقال بعضهم ما أخرجت مصر مثل اصبغ وقد كان ذكر للقضاء بمصر وله تصانيف حسان

‌أبو أمامه:

أنظر ج 4 ص 360

‌امام الحرمين:

عبد الملك بن عبد الله الجوينى «أبو المعالى»

‌الامير:

أنظر ج 1 ص 249

‌أنيس بن قتادة - صحابى:

ابن ربيعة بن خالد ابن الحارث - الصحابى الانصارى من بنى عمرو بن عوف وقد شهد بدرا وقتل يوم احد شهيدا وكانت تحته جدامة بنت جندل الاسدية، أسلمت قديما بمكة وروت عن النبى صلى الله عليه وسلم

‌الاوزاعى:

أنظر ج 1 ص 249

‌ابن أبى أويس - المتوفى سنة 202 هـ:

أبو بكر ابن أبى أويس المدنى أخو اسماعيل واسمه عبد الحميد روى عن ابن أبى ذئب وسليمان بن بلال وطائفة

‌ابن أبى أويس - المتوفى سنة 226 هـ:

اسماعيل ابن أويس الحافظ أبو عبد الله الاصبحى المدنى سمع من خاله مالك وطبقته وفيه ضعف.

‌أيوب السختيانى - المتوفى سنة 131 هـ:

بصرى تابعى هو ابن أبى تميمة كيسان.

مولى. سمع أنس بن مالك وأبى قلابة وغيرهما وروى عنه مالك وسعيد بن أبى عروبة وكثيرين وكان من الحفاظ الاثبات ولد سنة 66 هـ وقيل سنة 68 هـ

‌حرف الباء:

‌البابرنى:

أنظر ج 1 ص 249

‌الباجى:

أنظر ج 1 ص 250

‌البجرمى:

أنظر ج 1 ص 250

‌البخارى:

أنظر ج 1 ص 250

‌البدخشى:

أنظر ج 2 ص 345

ص: 364

‌البراء بن عازب:

أنظر ج 2 ص 345

‌أبو بردة:

أنظر ج 2 ص 345

‌البرزلى - المتوفى سنة 844 هـ:

أبو القاسم بن أحمد بن محمد البلوى القيروانى، المعروف بالبرزلى: أحد أئمة المالكية فى المغرب سكن تونس وانتهت اليه الفتوى فيها وكان ينعت بشيخ الاسلام وعمر طويلا، قال السخاوى: توفى بتونس عن مائة وثلاث سنين من كتبه «جامع مسائل الاحكام مما نزل من القضايا للمفتين والحكام» قد يكون مختصرا من كتابه الفتاوى فى مجلدين وله «الديوان الكبير» فى الفقه.

‌بريرة:

أنظر ج 1 ص 250

‌البزدوى:

أنظر ج 1 ص 250

‌البساطى - المتوفى سنة 842 هـ:

محمد بن أحمد بن عثمان الطائى البساطى أبو عبد الله شمس الدين: فقيه مالكى من القضاة ولد فى بساط «من الغربية بمصر» وانتقل الى القاهرة فتفقه واشتهر ودرس وناب فى الحكم من كتبه «شفاء الغليل فى مختصر الشيخ خليل» وحاشية على المطول، ومقدمة فى أصول الدين.

‌ابن بشير:

أنظر ج 4 ص 361

‌البغوى:

أنظر ج 2 ص 345

‌أبو بكر:

أنظر ج 2 ص 346

أبو بكر: أنظر ج 2 ص 345

أبو بكر: أنظر ج 2 ص 346

‌أبو بكر الرازى:

أنظر «الجصاص» ج 1 ص 252.

‌أبو بكر الاسكافى - المتوفى بعد سنة 260 هـ:

هو الاثرم صاحب الامام أحمد. واسمه أبو بكر أحمد بن محمد بن هانى الاسكافى حدث عنه النسائى وغيره كان جليل القدر حافظا ذو تيقظ عجيب. له كتاب نفيس فى السنن.

‌أبو بكر الصديق:

أنظر ج 1 ص 250

‌بلال بن الحارث:

أنظر ج 4 ص 361

‌البلقينى:

أنظر ج 2 ص 346

‌بهرام:

هو القاضى تاج الدين بهرام بن عبد الله الدميرى، فقيه مالكى، له شروح ثلاثة على المختصر والشامل وغيرها.

‌البيضاوى:

أنظر ج 1 ص 251

‌البيهقى:

أنظر ج 1 ص 251

‌حرف التاء:

‌الترمذى:

أنظر ج 1 ص 251

‌الشيخ تقى الدين:

عبد الله بن أحمد: هو عبد الله بن أحمد بن تمام الشيخ الامام الاديب تقى الدين الصالحى الحنبلى أخو الشيخ القدوة محمد بن تمام كان فاضلا زاهدا ورعا معرضا عما أغرى بالناس من الرياسة وكان حسن البزة مع الزهد والقناعة حبرا نزها محبوبا الى الفضلاء مليح المحاسن حسن العشرة سمع من ابن فهيرة والمرسى والبلدانى.

‌التميمى:

أنظر ج 3 ص 339

‌التونسى:

أنظر ج 1 ص 251

‌حرف الثاء:

‌ابن الثلجى:

محمد بن شجاع

‌أبو ثور:

أنظر ج 1 ص 252

‌الثورى:

أنظر ج 1 ص 252

ص: 365

‌حرف الجيم:

‌جابر بن زيد:

أنظر ج 3 ص 339

‌ابن جرير:

أنظر ج 1 ص 252

‌جرير البجلى - صحابى المتوفى سنة 51 هـ:

جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نضرة بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن خزيمة بن حرب بن على البجلى الصحابى الشهير، يكنى أبا عمرو وقيل يكنى أبا عبد الله، قدمه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى حروب العراق على جميع بجيلة وكان لهم أثر عظيم فى فتح القادسية روى عنه من الصحابة أنس بن مالك، سكن جرير الكوفة ثم قرقيسيا حتى مات سنة 51 هـ، وقيل سنة 54 هـ.

‌أبو جعفر عليه السلام:

أنظر ج 1 ص 263

‌أبو جعفر الهندوانى:

أنظر ج 1 ص 253

‌الجلال:

أنظر جلال الدين المحلى ج 1 ص 253

‌حرف الحاء:

‌ابن الحاجب:

أنظر ج 1 ص 253

‌ابن حارث - المتوفى سنة 371 هـ:

محمد بن حارث بن أسد الحافظ أبو عبد الله الحسنى القيروانى المغربى تحمل عن أحمد ابن نصر وأحمد بن زياد وقاسم بن أصبغ بالاندلس، من تأليفه: الانفاق والاختلاف فى مذهب مالك وكتاب الفتيا وكتاب تاريخ الاندلسيين وروى عنه أبو بكر ابن حومل وغيره.

‌الحارثى:

أنظر ج 1 ص 253

‌الحاكم - المتوفى سنة 405 هـ:

هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابورى ولد سنة 321 هـ ولقب بالحاكم لتوليه قضاء نيسابور سنة 359 هـ فى أيام الدولة السلمانية. تفقه فى المذهب الشافعى ثم طلب الحديث وغلب عليه وصنف فى علومه ما يبلغ ألفا وخمسمائة جزء ومن أشهرها كتاب «المستدرك على الصحيحين» ولكن أخذ عليه تساهله فيه رغم أنه كان من الحفاظ البارعين، وقيل انه كان قد سوده لينقحه فعاجلته المنية قبل تنقيحه وتبيضه.

‌الحاكم الشهيد:

أنظر ج 1 ص 253

‌ابن حامد:

أنظر ج 2 ص 348

‌الشيخ أبو حامد:

أنظر «الغزالى» ج 1 ص 270

‌ابن حبيب:

أنظر ج 1 ص 253

‌أمحبيبة بنت جحش:

أخت زينب زوج النبى صلى الله عليه وسلم كانت تحت عبد الرحمن بن عوف فاستحيضت فجاء فيها الحديث.

‌ابن حجر:

أنظر ج 1 ص 254

‌حرب:

أنظر ج 2 ص 348

‌حرامين سعد بن محيصة - المتوفى سنة 113 هـ:

هو أبو سعيد حرام بن سعد بن محيصة ابن مسعود بن كعب بن عامر بن عدى ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث المدنى التابعى ويقال حرام بن ساعدة ويقال حرام بن محيصة، روى عن البراء بن عازب وروى عنه الزهرى قال محمد بن سعد كان ثقة قليل الحديث توفى بالمدينة سنة ثلاث عشرة ومائة وهو ابن سبعين سنة.

ص: 366

‌أبو الحسن - المتوفى سنة 939 هـ:

هو على بن محمد بن خلف المتوفى بلدا المصرى مولدا ولد بالقاهرة فى 13 رمضان سنة 857 هـ وتوفى يوم السبت 14 صفر سنة 939 هـ وصلى عليه بالجامع الازهر ودفن بالقرب من باب الوزير كما ذكره الفيشى أخذ الفقه عن الشيخ على السنهورى، وأخذ النحو وغيره عن الكمال بن أبى شريف ولازم الجلال السيوطى وأخذ عنه وله تآليف شتى فى الفقه والعقيدة.

‌ابن حزم:

أنظر ج 1 ص 254

‌الحسن:

أنظر ج 2 ص 349

‌أبو الحسن المرزبان - المتوفى سنة 366 هـ:

على بن أحمد بن المرزبان من بغداد هو أحد أركان المذهب ورفعائه، تفقه على أبى الحسن بن القطان ودرس عليه أبو حامد الاسفرايينى قال الشيخ أبو اسحاق عنه كان فقيها ورعا وحكى عنه أنه قال:

ما أعلم لأحد على مظلمة.

‌الحسن البصرى:

أنظر ج 1 ص 254

‌أبو الحسن الكرخى:

أنظر «الكرخى» ج 1 ص 273

‌الحسن بن محبوب السراد:

ويقال له الزراد وبكنى أبا على مولى بجيلة، كوفى ثقة روى عن أبى الحسن الرضا وروى عن ستين رجلا من أصحاب أبى عبد الله، وكان جليل القدر، ويعد من الاركان الاربعة فى عصره وله كتب كثيرة منها كتاب المشيخة، وكتاب الحدود، وكتاب الديات وكتاب الفرائض، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب النوادر نحو ألف ورقة، وزاد ابن النديم، كتاب التفسير، وكتاب العتق، رواهما أحمد بن محمد بن عيسى وغير ذلك مات عن خمس وسبعين سنة.

‌الحسنى - المتوفى سنة 826 هـ:

محمد بن أحمد ابن على بن محمد بن ادريس بن الحسن بن على بن أبى طالب الحسنى الفاسى الامام الحافظ المؤرخ قاضى القضاة المالكى ولد فى ربيع أول سنة 775 هـ بمكة المشرفة ورحل الى الديار المصرية والشامية واليمنية وسمع من كثيرين منهم البلقينى وابن الملقن وأجيز بالافتاء والتدريس على مذهب مالك ومن مصنفاته: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام وتحفة الكرام بأخبار البلد الحرام وترويح الصدور بطيبات الزهور، والزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة، والعقد الثمين فى تاريخ البلد الامين، وعجالة القرى فى تاريخ أم القرى وبغية أهل البصارة فى ذيل الإشارة، وارشاد الناسك الى معرفة المناسك على مذهب الامامين الشافعى ومالك.

‌الحسين المعتزلى:

أنظر ج 3 ص 341

‌الحصكفى:

أنظر ج 1 ص 254

‌الحطاب:

أنظر ج 1 ص 254

‌الحكم بن مسكين:

أبو محمد الكوفى - مولى ثقيف مكفوف كثير الرواية ولم يرد فيه طعن.

‌ابن الحلبى - المتوفى سنة 841 هـ:

الحافظ أبو الوفاء ابراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسى الاصل الشافعى، ويعرف بالبرهان الحلبى أو بابن المقوف وقد ولد

ص: 367

سنة 753 هـ وسمع جماعة من أصحاب الفخر وغيرهم وله تصانيف منها شرح البخارى وشرح الشفاء لعياض، ومن مؤلفاته تعليق على صحيح البخارى، التنقيح لفهم قارئ الصحيح، نور النبراس على سيرة ابن سيد الناس، حواش على سنن ابن ماجه، ونقصان النقصان فى معيار الميزان والتبين لاسماء المدلسين وغيرها وقد توفى سنة 841 بحلب ودفن بها.

‌حماد:

أنظر ج 1 ص 255

‌حماد بن سلمة:

أنظر ج 1 ص 255

‌حمديس - المتوفى سنة 289 هـ:

أبو جعفر حمديس: هو أحمد بن محمد الاشعرى من ولد أبى موسى الاشعرى رضى الله عنه ويعرف بحمديس القطان الامام الفقيه الفاضل الثقة العالم العامل تفقه بسحنون وغيره له رحلة للمشرق أخذ فيها عن أصحاب ابن القاسم وابن وهب وغيرهما وعنه أخذ جماعة منهم ابن اللباد والابيانى كان يكره فعل الذين يجتمعون للميعاد ويضربون صدورهم ويقول لو كان لى من الامر شئ لنفيتهم من المنستير، روى أنه لما اعتل دعى اليه طبيب فلما رآه تبسم وقال ما أقبح المخالفة بعد الموافقة من أراد الله به حالا وأراد غيرها أليس قد خالف وأنشد: بيد الله دوائى. هو الذى يعلم دائى، انما أظلم نفسى باتباعى لهوائى: مولده سنة 230.

‌أبو حمزة:

أنظر ج 2 ص 350

‌حمنة بنت جحش:

حمنة بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن مرة ابن أسد بن خزيمة أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين وهى أم محمد بن طلحة بن أبى عبد الله ابن عثمان بن كعب وأم عمران بن طلحة، وأمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية.

‌الحموى:

أنظر ج 2 ص 350

‌حنبل:

أنظر ج 2 ص 350

‌أبو حنيفة:

أنظر ج 1 ص 255

‌حرف الخاء:

‌الخرش:

أنظر ج 2 ص 350

‌الخرقى:

أنظر ج 1 ص 256

‌الخصاف:

أنظر ج 1 ص 256

‌الخضرى:

المتوفى فى عشر سنة 380 هـ.

أبو عبد الله محمد بن أحمد الخضرى المروزى الفقيه، الشافعى، أمام مرو ومقدم الفقهاء الشافعية، صحب أبا بكر الفارسى وكان من أعيان تلامذة أبى بكر القفال الشاشى وأقام بمرو ناشرا فقه الشافعى وكان يضرب به المثل فى قوة الحفظ وقلة النسيان وله فى المواهب وجوه غريبة نقلها الخراسانيون عنه، أبو الخطاب: أنظر ج 1 ص 256

‌الخطيب الحافظ:

المتوفى سنة 772 هـ الحافظ ابن محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن على السلمى البعلبكى المعروف باسم تقى الدين أبو ذر بن الخطيب ولد فى سنة 709 هـ وكان أماما متفننا كاتبا وناب فى الحكم ببلده وخطب

ص: 368

بجامعها وسمع من المزى والذهبى وجمع من المحدثين ومات ببعلبك سنة 772 هـ

‌الخطيب الشربينى:

أنظر ج 1 ص 256

‌الخفاجى المتوفى سنة 1069 هـ:

الشهاب أحمد ابن محمد بن عمر شهاب الدين الخفاجى المصرى قاضى القضاة وصاحب التصانيف فى اللغة والادب وله حاشية على البيضاوى ولد سنة 977 هـ وتوفى بمصر سنة 1069 هـ تولى القضاء فى مصر وغيرها.

‌الخفاجى المتوفى سنة 1330 هـ:

نافع بن الجوهرى بن سليمان بن حسن الخفاجى من أهل تلبانة من قرى المنصورة بمصر ولد سنة 1250 هـ، تعلم بالازهر وله كتب ورسائل ما زالت مخطوطة منها تنوير الاذهان فى علم البيان ومطالع الافكار فى المنطق والسر المكتوم، ومروج الذهب وغير ذلك مات ببلده سنة 1330 هـ.

‌الخلال:

أنظر «غلام الخلال» ج 1 ص 270

‌خليل:

أنظر «خليل بن اسحاق» ج 1 ص 256

‌الخنساء بنت حزام الانصارية:

أنظر ج 1 ص 256

‌حرف الدال:

‌الدارقطنى:

أنظر ج 1 ص 257

‌الدارمى المتوفى سنة 255 هـ:

أبو محمد عبد الله ابن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمى الدارمى السمرقندى ولد سنة 181 هـ من حفاظ الحديث سمع بالحجاز ومصر والشام والعراق وخراسان من كثيرين. وتولى القضاء فى سمرقند فاستعفى بعد قضية واحدة وله المسند فى الحديث وكتاب التفسير والجامع الصحيح.

‌ممن اسمه الدارمى:

أبو الفرج محمد ابن عبد الواحد البغدادى ولد سنة 358 هـ ووفاته سنة 449 هـ من فقهاء الشافعية وله جامع الجوامع ومطول المبسوط والاستذكار.

‌أبو داود:

أنظر ج 1 ص 257

‌الدردير:

أنظر ج 1 ص 257

‌ابن درستويه المتوفى سنة 347 هـ:

أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن محمد بن درستويه ابن المرزبان ولد سنة 258 هـ وله تآليف ووفاته فى بغداد.

‌الدسوقى:

أنظر ج 1 ص 257

‌حرف الراء:

‌الراغب المتوفى سنة 502 هـ:

الراغب الاصفهانى الحسين بن محمد بن المفضل أبو القاسم الاصفهانى أو الاصبهانى سكن بغداد وله جامع التفاسير أخذ عنه البيضاوى، والمفردات فى غريب القرآن وحل متشابهات القرآن وتحقيق البيان وكتاب الاعتقاد والذريعة الى مكارم الشريعة وغيرها.

‌الرافعى:

أنظر ج 1 ص 228

‌الربيع:

أنظر ج 3 ص 344

‌ربيعة بن عبد الرحمن:

ابن حصن الغنوى - روى عن جدته سراء بنت نبهان ولها صحبة، حديثا واحدا فى حجة الوداع

ص: 369

وعنه أبو عاصم الفيل وهو من القضاة.

‌ربيعة المتوفى سنة 33 هـ أو سنة 42 هـ:

المعروف بربيعة الرأى من التابعين - هو ربيعة بن أبى عبد الرحمن التيمى مولاهم أبو عثمان المدنى روى عن أنس والسائب بن يزيد وغيرهم وعنه يحيى بن سعيد الانصارى وغيرم وكان صاحب مجلس بالمدينة وصاحب الفتوى بها وعنه أخذ مالك وفاته سنة 33 هـ أو سنة 42 هـ بالمدينة أو غيرها وكان من الثقات قالوا:

لم ير من هو أعلم منه. ولا الحسن ولا محمد بن سيرين.

‌ابن رشد:

أنظر ج 1 ص 258

‌الرملى:

أنظر ج 1 ص 259

‌الرهاوى المتوفى سنة 612 هـ:

أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الفهمى مولاهم الرهاوى ثم الحرانى ولد سنة 536 هـ من حفاظ الحديث كان زاهدا كثير المصنفات ومنها كتاب الاربعين المتباينة الاسناد والبلاد والمادح والممدوح والفرائض وغيرها توفى بحران.

‌الرويانى:

أنظر ج 2 ص 352

‌حرف الزاى:

‌الزجاج:

أنظر ج 4 ص 363

‌زرارة:

أنظر ج 4 ص 364

‌الزرقانى المتوفى سنة 1099 هـ:

عبد الباقى بن يوسف بن أحمد الزرقانى فقيه مالكى، ولد ومات بمصر. من كتبه «شرح مختصر سيدى خليل» فقه، أربعة أجزاء، و «شرح القربة» ، ورسالة فى «الكلام» على اذا.

‌الزركشى:

أنظر ج 1 ص 259

‌زفر:

أنظر ج 1 ص 259

‌الزهرى:

أنظر ج 1 ص 260

‌الزيادى المتوفى سنة 410 هـ:

محمد بن محمد ابن محمش بن على بن داود الفقيه الشيخ أبو طاهر الزيادى، امام المحدثين، والفقهاء بنيسابور فى زمانه وكان شيخا أديبا، عارفا بالعربية. سلمت اليه الفقهاء الفتيا بمدينة نيسابور، والمشيخة وله يد طولى فى معرفة الشروط وصنف فيه كتابا وبقى يملى ثلاث سنين، أخذ الفقه عن أبى الوليد وأبى سهل وعنه أخذ أبو عاصم العبادى، وغيره، اثنى عليه أبو عاصم وقال: الفقه مطيته يقود بزمامه، طريقه له معبدة، وخفيه ظاهر، وغامضه سهل وعسيره يسير زيد بن على: أنظر ج 1 ص 260

‌حرف السين:

‌سحنون:

أنظر ج 1 ص 261

‌السخاوى المتوفى سنة 902 هـ:

محمد بن عبد الرحمن بن محمد، شمس الدين السخاوى، مؤرخ حجة، وعالم بالحديث والتفسير والادب أصله من سخا ومولده فى القاهرة ووفاته بالمدينة ساح فى البلدان سياحة طويلة، وصنف زهاء مئتى كتاب منها «الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع» وطبقات المالكية، والتحفة اللطيفة فى أخبار المدينة الشريفة، وبقية العلماء والرواة وغير ذلك.

ص: 370

‌السرخس:

أنظر ج 1 ص 261

‌أبو سعيد:

أنظر ج 1 ص 261

‌سعيد بن المسيب:

أنظر ج 1 ص 261

‌سعيدة بنت عمير المتوفاة سنة 885 هـ:

سعيدة جارية أبى عبد الله الصادق ومنة أختا محمد بن أبى عمير.

‌سفيان الثورى:

أنظر «الثورى» ج 1 ص 252

‌سفيان بن عيينة:

أنظر ج 1 ص 261

‌أم سلمة:

أنظر ج 1 ص 261

‌ابن سلمون:

أنظر ج 2 ص 354

‌أم سليم:

أنظر ج 3 ص 346

‌ابن سماعة:

أنظر ج 4 ص 365

‌سمرة بن جندب المتوفى قبل سنة 60 هـ:

ابن هلال بن جريج الغزارى يكنى أبا سليمان كان من حلفاء الانصار وكان غلاما على عهد النبى صلى الله عليه وسلم نزل البصرة وكان زياد يستخلفه عليها اذا سار الى الكوفة وكان شديدا على الخوارج.

‌سمرة بن جناده بن جندب:

له صحبة وكان مع سعد بن أبى وقاص بالمدائن وتزوج أخت سعد ثم نزل الكوفة ومات فى ولاية عبد الملك.

‌سند:

أنظر ج 3 ص 347

‌سهل بن أبى حثمة صحابى:

سهل بن أبى حثمة ابن ساعدة بن عامر الاوسى الانصارى صحابى قيل كان له عند موت النبى صلى الله عليه وسلم سبع أو ثمان سنين، واشتبهت سيرته أحيانا بأبيه أو بسهل بن الحنظلية فقيل بايع عند الشجرة وشهد المشاهد كلها الا بدرا وقيل مات فى خلافة معاوية.

‌سهلة بنت سهيل:

ابن عمرو القرشية العامرية - أسلمت قديما وهاجرت مع زوجها أبى حذيفة ابن عتبة الى الحبشة فولدت محمد بن أبى حذيفة وقد استحيضت فورد فيها الحديث.

‌ابن سيرين:

أنظر ج 1 ص 262

‌حرف الشين:

‌ابن شاس:

أنظر ج 2 ص 354

‌الشافعى:

أنظر ج 1 ص 262

‌الشبراملسى:

أنظر ج 1 ص 262

‌الشربينى:

أنظر «الخطيب الشربينى» ج 1 ص 256

‌الشرنلالى:

أنظر ج 1 ص 263

‌الشروانى:

الشيخ عبد الحميد الشروانى - نزيل مكة له حاشية على تحفة المحتاج بشرح المنهاج كتب فى آخرها وكان الفراغ من مسودة هذه الحاشية فى النصف الثانى من ربيع الثانى سنة 1289 هـ

‌أبو شريح الخذاعى:

أنظر ج 4 ص 366

‌شعبة:

أنظر ج 1 ص 363

‌الشعبى:

أنظر ج 1 ص 263

‌ابن شهاب:

أنظر ج 3 ص 348

‌شهاب الدين:

أحمد بن حمدان الاذرعى.

‌شيخ الاسلام:

أنظر ج 4 ص 366

‌الشيرازى:

أنظر ج 1 ص 263

‌حرف الصاد:

‌الصادق:

جعفر الصادق.

ص: 371

‌صالح:

أنظر ج 1 ص 264

‌ابن الصباغ:

أنظر ج 2 ص 255

‌صدر الشريعة:

أنظر ج 1 ص 264

‌الصدر الشهيد:

أنظر ج 1 ص 264

‌حرف الضاد:

‌الضحاك:

ابن قيس الفهرى القرش من صغار الصحابة كان مع معاوية فولاه الكوفة وهو الذى صلى على معاوية وقام بخلافته حتى قدم يزيد وأظهر الضحاك بيعة ابن الزبير وهو بدمشق، فشد على مروان فانهزم الضحاك ومن معه.

وقتل الضحاك.

‌الضحاك المتوفى سنة 106 هـ:

ابن مزاحم الهلالى - روى عن ابن عمر. وأبى هريرة وأبى سعيد وأنس وغيرهم وقيل لم يثبت سماعه لاحد من الصحابة - ثقة مأمون لقى سعيد بن جبير فأخذ عنه التفسير.

‌حرف الطاء:

‌طاووس:

أنظر ج 2 ص 256

‌ابن طاووس المتوفى سنة 132 هـ:

عبد الله بن طاووس بن كيسان اليمانى مولى أبناء الفرس ونسبه الكلاباذى: ويقال الهمدانى الخولانى اليمانى. وكان فقيها جليلا وممن حمل عنه الحديث وولى القضاء بعد والده وكان لعبد الله ابن طاووس ابنان فقيهان: محمد وطاووس مات سنة 132 هـ سنة ولاية أبى العباس وبدء دولة العباسيين.

‌الطبرانى:

أنظر ج 1 ص 265

‌الطحاوى:

أنظر ج 1 ص 265

‌الطوس:

أنظر ج 1 ص 265

‌حرف العين:

‌عائشة:

أنظر ج 1 ص 265

‌ابن عابدين:

أنظر ج 1 ص 265

‌أبو العالية المتوفى سنة 93 هـ:

السياحى مات سنة 93 تابعى رفيع بن مهران البصرى الفقيه المقرى مولى - رأى أبا بكر وقرأ القرآن على أبى بن كعب وسمع عليا وعائشة وعنه كثيرون.

‌العاملى:

أنظر ج 1 ص 265

‌ابن عباد المتوفى سنة 181 هـ:

عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبى صفرة من الأزد ويكنى أبا معاوية وكان معروفا بالطب حسن الهيئة ولم يكن بالقوى فى الحديث.

‌أبو العباس:

أنظر ج 1 ص 266

‌أبو العباس الحسنى:

أنظر ج 1 ص 266

‌ابن عباس:

أنظر «عبد الله بن عباس» ج 1 ص 267

‌ابن عبد البر:

أنظر ج 1 ص 266

‌ابن عبد الحكم:

أنظر ج 4 ص 367

‌عبد الرحمن بن عوف:

أنظر ج 1 ص 266

‌عبد الرحمن المهدى المتوفى سنة 198 هـ:

هو عبد الرحمن بن مهدى. - أبو سعيد البصرى - مولى أزد. ولد سنة 135 هـ وسمع هشام الدستوائى وشعبة وغيرهما وعنه أحمد بن حنبل واسحاق وغيرهما وكان من العباد وكان ورده كل ليلة نصف القرآن مات فى جمادى الآخرة.

‌ابن عبد السلام:

أنظر عز الدين بن عبد السلام، ج 1 ص 268

ص: 372

‌ابن عبد السلام:

أنظر «محمد بن عبد السلام ابن يوسف المالكى» ج 1 ص 266

‌أبو عبد الله:

أحمد بن حنبل

أبو عبد الله: الصادق

‌أبو عبد الله الزبيرى:

أنظر ج 3 ص 350

‌عبد الله بن عمر بن الخطاب:

أنظر ج 1 ص 267

‌عبد الله بن مسعود:

أنظر ج 1 ص 267

‌عبد الله بن أم مكتوم:

أنظر ج 3 ص 357

‌عبد الملك:

ابن حبيب.

عبد الملك: أنظر ج 1 ص 253

‌عبد الوهاب:

القاضى عبد الوهاب

‌أبو عبيد المتوفى سنة 224 هـ:

أبو عبيد بن سلام هو أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادى ولد بهراة وكان أبوه عبدا لبعض أهل هراة. وهو ثقة مأمون ومن أعلم أهل زمانه. له أكثر من عشرين مصنفا أهمها وأشهرها: كتاب الأموال وكتاب غريب الحديث وقد مكث فى تصنيفه أربعين سنة.

‌أبو عبيدة المتوفى سنة 209 هـ:

معمر بن المثنى التيمى بالاولاء البصرى أبو عبيدة النحوى من أئمة العلم بالادب واللغة، مولده ووفاته بالبصرة استقدمه هارون الرشيد الى بغداد سنة 188 هـ وقرأ عليه أشياء من كتبه، وكان من حفاظ الحديث.

‌أبو عثمان سعيد بن مزاحم:

يوجد من اسمه أبو عثمان ولم يعلم لقبه ولا اسمه من كبار الفقهاء من أصحاب أبى حنيفة وكان فى زمن أبى يوسف ومحمد.

‌عثمان بن مظعون:

أنظر ج 1 ص 268

‌العدوى:

أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد العدوى «الدردير» أنظر الدردير ج 1 ص 257

‌عدى بن ثابت المتوفى سنة 116 هـ:

الانصارى الكومى تابعى كوفى روى عن البراء بن عازب وعنه أبو اسحاق السبيعى والأعمش وشعبة وغيرهم كان من الثقاة مات فى ولاية خالد على العراق سنة 116 هـ.

‌عدى بن حاتم الطائى:

أنظر ج 1 ص 268

‌ابن عرفة:

أنظر ج 1 ص 268.

‌عروة بن الزبير المتوفى سنة 94 هـ:

عروة ابن الزبير بن العوام بن خويلد بن أزد ابن عبد العزى القرش تابعى وأمه أسماء بنت أبى بكر الصديق روى عن عائشة وأمه وغيرهما وعنه الزهرى وصالح ابن كيسان وأبى الزناد وغيرهم من فقهاء المدينة السبعة وقعت فى رجله الاكلة فنشرت وكان يقرأ ربع القرآن نظرا فى الصمت ما تركه الا ليلة قطعت رجله ولد لست خلون من خلافة عثمان وكان بينه وبين أخيه عبد الله عشرون سنة «يعنى عبد الله أكبر: ومات فى سنة الفقهاء سنة 94 هـ

‌عزمى زادة:

أنظر ح 2 ص 357

‌عطاء:

أنظر ج 2 ص 357

‌عطاء بن أبى رباح:

أنظر ج 2 ص 358

‌عكرمة:

أنظر ج 1 ص 268

‌أبو على:

أنظر ج 2 ص 355.

‌أبو على الدقاق:

أنظر الدقاق.

ص: 373

‌أبو على السرود آبادى:

أحمد بن محمد البغدادى تلميذ جنيد كان من كبار مشايخ الصوفية وصاحب الكلمات الشطحية أقام بمصر ومات بها سنة 322 هـ حكى أنه سأل عمن يسمع الملاهى ويقول هى حلال حلال لأنى قد وصلت الى درجة لا يؤثر فى اختلاف الأحوال فقال نعم: قد وصل ولكن الى سقر.

‌عمار بن موسى الساباطى:

عمار بن موسى الساباطى كان فطحيا له كتاب كبير جيد معتمد رويناه بالاسناد الأول عن سعد وقد عده الشيخ المفيد رحمه الله فى رسالته فى الرد على أصحاب العدد من الفقهاء أصحاب أبى جعفر وأبى عبد الله والأعلام الرؤساء والمأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق الى ذم واحد منهم وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنفات المشهورة.

‌أبو عمر:

أنظر ابن الحاجب ج 1 ص 253

‌عمر بن الخطاب:

أنظر ج 1 ص 269

أبو عمرو المعروف بابن الصلاح

‌ابن الصلاح «ابن عمرو» المتوفى سنة 643 هـ:

الحافظ الامام تقى الدين أبو عمرو عثمان ابن الصلاح الشهرزورى الكردى نزيل دمشق صاحب الكتاب الشهير بمقدمة ابن الصلاح فى مصطلح الحديث ولد فى شرخان قرب شهرزور فى سنة 577 هـ وانتقل الى الموصل ثم خراسان وقد ولى تدريس الحديث فى المدرسة الأشرفية المعروفة بدار الحديث ومن مصنفاته:

معرفة أنواع علم الحديث «وهو المقدمة المشهورة، والامالى والفتاوى وشرح الوسيط فى فقه الشافعى. وصك الناسك فى صفة المناسك وفوائد الرحلة وأدب المفتى والمستفتى وطبقات فقهاء الشافعية.

‌عيسى بن أبان:

أنظر ج 4 ص 369

‌عيسى:

أنظر ج 2 ص 359

‌حرف الغين:

‌الغزالى:

أبو حامد أنظر ج 1 ص 270

‌حرف الفاء:

‌فاطمة:

أنظر ج 1 ص 271

‌فاطمة بنت أبى حبيش:

ابن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشية الاسدية ورد فيها حديث الاستحاضة أخرجه البخارى وأبو داود والنسائى وغيرهم.

‌الفاكهانى المتوفى سنة 734 هـ:

عمر بن على ابن سالم بن صدقه اللخمى الاسكندرى، تاج الدين الفاكهانى. عالم بالنحو من أهل الاسكندرية اجتمع به ابن كثير «صاحب البداية والنهاية» وقال سمعنا عليه ومعه وله كتب كثيرة منها «التحرير والتحبير» فى شرح رسالة أبى زيد القيروانى، فى فقه المالكية. و «المنهج المبين» فى شرح الأربعين النووية وغير ذلك.

‌الامام فخر الاسلام المتوفى سنة 482 هـ:

على ابن محمد البزدوى سمى «أبو العسر» لصعوبة فهم مؤلفاته - له مصنفات كثيرة منها المبسوط فى أحد عشر مجلدا

ص: 374

وشرح الجامع الكبير وشرح الجامع الصغير، وأصول الفقه المشهور وتفسير القرآن فى مائة وعشرين جزءا ولد فى حدود سنة 400 هـ ومات فى 5 رجب سنة 482 هـ وحمل موته الى سمرقند.

قال فى الجواهر المضيئة وفخر الاسلام يطلق على جماعة وعند الاطلاق يراد به الامام على البزدوى.

‌الفراء المتوفى سنة 458 هـ:

كثيرون أشهرهم:

‌القاضى

أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلى الشيخ الامام علامة زمانه ولد فى المحرم سنة 380 هـ حضر الى بغداد عاصمة الخلافة سنة 432 هـ وولى القضاء بهاواهم مصنفاته وأشهرها الأحكام السلطانية. ومنها أحكام القرآن. ونقل القرآن. وايضاح البيان. ورسائل الايمان. والمعتمد والمقتبس، ومختصرهما. وعيون المسائل. والرد على الاشعرية. والرد على الكرامية. والرد على السالمية.

والرد على المجسمة وابطال التأويلات لأخبار الصفات ومختصره. والكلام فى حروف المعجم والقطع على خلود الكفار فى النار. وأربع مصنفات فى أصول الديانات. واثبات امامة الخلفاء الاربعة. وتبرئة معاوية.

والخلاف الكبير والرسالة الى امام الوقت. والعدة فى أصول الفقه.

ومختصره. والكفاية فى أصول الفقه، ومختصره. وفضائل أحمد. ومختصره فى الصيام. وكتاب الطب. وكتاب اللباس. والأمر بالمعروف وشروط أهل الذمة. والتوكل. وذم الغناء. وابطال الحيل. والمجرد فى المذهب. وشرح الخرقى وشرح المذهب. والخصال والاقسام. وتكذيب الخيايرة فيما يدعونه من اسقاط الجزية. والاختلاف فى الذبيح. وتفضيل الفقر على الغنى وفضل ليلة الجمعة على ليلة القدر وكان كثير التعبد يختم الختمة فى المسجد كل ليلة جمعة وقد مات فى 19 من رمضان سنة 458 هـ ببغداد.

‌أبو الفرج - المتوفى سنة 390 هـ:

القاضى أبو الفرج بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد بن داود المعروف بابن طرار الجريرى النهروانى كان فقيها أديبا شاعرا عالما بكل فن ولى القضاء ببغداد بباب الطاق نيابة عن ابن صير القاضى وروى عن جماعة من الائمة منهم أبو القاسم البغوى وأبو بكر بن داود وكان ثقة مأمونا فى روايته وكانت ولادته يوم الخميس لسبع خلون من شهر رجب سنة 303، 305 هـ وله تصانيف مقدمة فى الادب وغيره ومات يوم اثنين الثامن عشر من ذى الحجة سنة 390 هـ بالنهروان.

‌ابن القاسم:

أنظر ج 1 ص 271.

‌حرف القاف:

ابن القاسم: أنظر ج 1 ص 27

‌القاسم:

أنظر ج 1 ص 271

القاضى: أنظر ج 2 ص 361

‌ابن القاضى:

أنظر «أبو العباس» ج 4 ص 367

ص: 375

‌القاضى أبو بكر الباقلانى:

انظر «الباقلانى» ج 1 ص 250

‌القاضى حسين:

هو الامام أبو على الحسين ابن محمد المروزى روى الحديث وتفقه عليه جماعات من الائمة وهو من أصحاب الوجوه كبير القدر مرتفع الشأن غواص على المعانى الدقيقة والفروع المستفادة الانيقة شافعى من أجل أصحاب المروزى له التعليق الكبير وللقاضى الفتاوى المفيدة وهى مشهورة.

‌قاضيخان:

انظر ج 1 ص 271

‌قاضى زاده:

انظر ج 1 ص 271

‌القاضى عبد الجبار:

انظر ج 2 ص 361

‌القاضى الامام أبو زيد المتوفى سنة 430 هـ:

هو عبيد الله بن عمر بن عيسى القاضى أبو زيد الدبوسى نسبة الى دبوسية قرية بسمرقند أول من وضع علم الخلاف وأجل تصانيفه الأسرار وكان يضرب به المثل فى النظر واستخراج الحجج مات ببخارى.

‌القاضى أبو الطيب:

انظر ج 3 ص 353

‌القاضى عبد الوهاب:

انظر ج 2 ص 361

‌قتادة:

انظر ج 3 ص 353

‌قدامة:

انظر ج 1 ص 271

‌قدامة بن مظعون:

أنظر ج 1 ص 272.

‌ابن القطان:

انظر ج 3 ص 354

‌القفال:

انظر ج 1 ص 272

‌حرف الكاف:

‌الكاسانى:

أنظر ج 1 ص 273

‌الكافى:

أبو عبد الله الزبير - مات قبل سنة 320 هـ: أبو عبد الله الزبير بن أحمد ابن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة رضى الله عنهم هكذا ذكره الشيخ أبو اسحاق فى طبقاته كان أمام أهل البصرة فى زمانه حافظا للمذهب عارفا بالادب، صنف كتبا كثيرة منها الكافى فى المذهب الشافعى قال الشيخ أبو اسحاق صنف كتاب النية وكتاب ستر العورة وكتاب الهداية وكتاب الاستشارة والاستخارة وكتاب رياضة المتعلم وكتاب الامارة، قال السمعانى كان ثقة وكان ضريرا مات قبل عشرين وثلاثمائة.

‌الكرخى:

أنظر ج 1 ص 273.

‌الكمال بن أبى شريف المتوفى سنة 906 هـ:

هو محمد بن محمد بن أبى بكر بن على ابن أبى شريف أبو المعالى كمال الدين بن الامير ناصر الدين عالم بالاصول. من فقهاء الشافعية - من أهل بيت المقدس مولدا ووفاة نعته ابن العماد بالامام شيخ الاسلام ملك العلماء الأعلام - درس وأفتى ببلده وبمصر. له تصانيف منها: الدرر اللوامع لتحرير جمع الجوامع فى أصول الفقه والفرائض فى حل شرح العقائد، والمسامرة فى المسايرة فى التوحيد.

‌الكمال بن الهمام:

انظر ح 1 ص 273

‌حرف اللام:

‌أبو لبابة بن عبد المنذر:

الاوسى الانصارى - مختلف فى اسمه ذكر فى البدريين وقال كان أحد النقباء ليلة العقبة وهو الذى

ص: 376

ارتبط بالسارية لما استشاره بنو قريظة يوم حصارتهم مات فى خلافة على أو بعد مقتل عثمان.

‌اللحيانى:

هو على بن المبارك، وقيل ابن حازم أبو الحسن اللحيانى من بنى لحيان ابن هزيل مدركة. وقيل سمى به لعظم لحيته: أخذ عن الكسائى وأبى زيد والشيبانى والاصمعى، دعمدته الكسائى وأخذ عنه القاسم بن سلام.

‌اللخمى:

انظر ج 1 ص 274

‌الليث:

انظر ج 1 ص 274

‌ابن أبى ليلى:

أنظر ج 1 ص 274

‌حرف الميم:

‌المؤيد بالله:

أنظر ج 1 ص 275

‌ابن الماجشون:

أنظر ج 2 ص 363

‌ابن ماجه:

أنظر ج 1 ص 274

‌المازرى:

أنظر ج 1 ص 274

‌مالك:

أنظر ج 1 ص 275

‌الماوردى:

انظر ج 1 ص 275

‌المتولى:

أنظر ج 3 ص 355

‌مثنى بن جامع:

أبو الحسن الأنبارى: حدث عن سعيد بن سليمان الواسطى ومحمد ابن الصباح الدولابى وعمار بن نصر الخرسانى وشريح بن يونس وامامنا أحمد فى آخرين روى عنه أحمد بن محمد بن الهيثم الدورى قرأت فى كتاب أبى بكر الخلال قال كان مثنى ورعا جليل القدر عند بشر بن الحارث وعند عبد الوهاب الوراق يقال انه كان مستجاب الدعوة.

‌مجاهد:

انظر ج 3 ص 355

‌المحاملى:

انظر ج 4 ص 371

‌محمد:

انظر «محمد بن الحسن» ج 1 ص 275

‌محمد بن ابراهيم الميدانى:

محمد بن ابراهيم الضرير الميدانى نسبة الى ميدان بفتح الميم وقد تكسر ووقع فى بعض المواضع أحمد بن ابراهيم والاول أصح. شيخ كبير عارف بالمذهب قل ما يوجد مثله فى الأعصار من أقران أبى أحمد العياض أخى أبى بكر العياض.

‌محمد بن الحسن:

انظر ج 1 ص 275

‌محمد بن سالم:

محمد بن سالم بن أبى سلمة له كتاب أخبرنا به ابن أبى جيد عن ابن الوليد عن على بن محمد.

‌محمد بن سلمة:

أنظر ج 2 ص 364

‌محمد بن شجاع:

ابن الثلجى أنظر ج 4 ص 361.

‌محمد بن أبى عمير - المتوفى سنة 217 هـ:

‌محمد بن عبد السلام:

ابن عبد السلام.

محمد بن أبى عمير يكن أبا أحمد من موالى الأزد واسم أبى عمير زياد وكان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة، وأنسكهم نسكا، وأورعهم وأعبدهم، وكان أوحد أهل زمانه فى الأشياء كلها وأدرك من الأئمة ثلاثة أبا ابراهيم موسى.

ولم يرو عنه، وأدرك الرضا وروى عنه والجواد وله مصنفات كثيرة وذكر ابن بطة أن له أربعة وتسعين كتابا، رعد من الرجال الذين أجمعت الائمة على تصحيح ما يصح عنهم والاقرار لهم بالفقه والعلم.

ص: 377

‌محمد بن مسلم:

محمد بن مسلم بن رباح الثقفى أبو جعفر الطحان الأعور وهو من فقهاء أصحاب الباقر والصادق والاعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق الى ذم واحد منهم وهم أصحاب الاصول المدونة والمصنفات المشهورة.

‌المرتضى:

أنظر ج 1 ص 275

‌المرغينانى:

أنظر ج 1 ص 275.

‌مروان بن الحكم:

انظر ج 1 ص 275

‌المروزى:

أنظر ج 1 ص 275

‌المزنى:

انظر ج 1 ص 276

‌ابن مسعود:

انظر «عبد الله» ج 1 ص ص 267

‌مسلم:

أنظر ج 1 ص 276

‌أبو مطيع البلخى - المتوفى سنة 197 هـ:

الحكم بن عبد الله بن سلمة بن عبد الرحمن القاضى الفقيه راوى كتاب الفقه الأكبر عن أبى حنيفة يروى عن أبى عون وهشام ابن حسان ومالك بن أنس وغيره تفقه عليه أهل بلاده وكان ابن المبارك يجله لدينه وعلمه وكان أبو مطيع قاضى بلخ.

‌أبو معاوية المتوفى سنة 195 هـ:

هو محمد ابن حازم الضرير التيمى ممن روى عنهم أحمد بن حنبل والبخارى ولد سنة 113 هـ وكان يرى الارجاء مات سنة 195 هـ

‌ابن مقاتل:

محمد بن مقاتل الرازى من أصحاب محمد بن الحسن حدث عن وكيع وطبقته فهو من فقهاء القرن الثانى.

‌ابن المقرى - المتوفى سنة 837 هـ:

اسماعيل ابن أبى بكر بن عبد الله بن على بن عطيه الشفورى الشاورى الشرجى اليمانى الحسينى ويعرف بابن المقرى «شرف الدين أبو محمد» فقيه أديب شاعر شارك فى كثير من العلوم ولد بأبيات حسين ونشأ بها ثم انتقل الى زبيد ومات بها - من مصنفاته. عيون الشرف الوافى فى الفقه والنحو والتاريخ والعروض والقوافى، ومختصر الحاوى الصغير للقزوينى وشرحه فى فروع الفقه الشافعى ومختصر الروضة للنووى وسماه الروض، القصيدة الثانية فى التذكير وديوان شعر ولد 754 هـ.

‌أبن أم مكتوم:

عبد الله بن أم مكتوم.

‌ابن المنذر:

أنظر ج 1 ص 277

‌ابن منصور:

انظر ج 2 ص 364

‌منة بنت أبى عمير:

أخت محمد بن أبى عمير وأخت سعيدة جارية أبى عبد الله الصادق.

‌مهنا:

أنظر ج 2 ص 365

‌ابن المواز:

أنظر ج 1 ص 278

‌المواق:

انظر ج 2 ص 365

‌ابن أبى موسى:

انظر ج 2 ص 365

‌أبو موسى الأشعرى:

أنظر ج 1 ص 278

‌أبو موسى الاصفهانى المتوفى سنة 581 هـ:

محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد

ص: 378

الأصبهانى المدينى أبو موسى من حفاظ الحديث المصنفين فيه مولده ووفاته فى أصبهان، من كتبه: الاخبار الطوال واللطائف فى الحديث وتتمة معرفة الصحابة.

‌ابن ميمون:

عبد الرحمن بن أبى عبد الله ميمون البصرى وأصله من الكوفة عربى من كنده أو مولاهم وقد روى أبوه ميمون عن عبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمرو البراء وغيرهم.

‌حرف النون:

‌ابن ناجى - المتوفى سنة 837 هـ:

قاسم بن عيسى بن ناجى التنوحى القيروانى. فقيه مالكى من أهل القيروان تعلم فيها وولى القضاء فى عدة أماكن له كتب منها «شرح المدونة» و «زيادات على معالم الايمان وشرح رسالة ابن أبى زيد القيروانى» و «مشارق أنوار القلوب» وشرح التهذيب للبرادعى مات سنة 837 هـ.

‌الناصر:

أنظر ج 1 ص 278

‌نافع:

أنظر ج 1 ص 278

‌ابن نجيم:

انظر ج 1 ص 279

‌النخعى:

أنظر ج 1 ص 279

‌النسائى:

انظر ج 1 ص 279

‌نصر بن سلام:

روى عن عمر بن الهيثم الهاشمى وعنه أبو جعفر حمدون بن عمارة البغدادى البزاز.

‌النووى:

انظر ج 1 ص 279

‌حرف الهاء:

‌الهادى:

انظر ج 1 ص 280

‌أبو هريرة:

انظر ج 1 ص 280

‌هشام بن عروة:

أنظر ج 1 ص 280

‌هلال:

انظر ج 2 ص 366

‌هند بنت المهلب:

هند بنت المهلب بن أبى صفرة الازدى كانت تحت الحجاج ولكنه طلقها لحزنها على أخيها يزيد الذى عذبه الحجاج، وكان يقال على هند انها أشرف أيم بالبصرة، تعلمت أمور دينها من جابر بن زيد الازدى.

‌الهندوانى:

«انظر أبو جعفر» ج 1 ص 280

‌حرف الواو:

‌وائل بن حجر:

أنظر ج 4 ص 374

‌وكيع:

انظر ج 4 ص 374

‌ابن وهب:

انظر ج 2 ص 366

‌حرف الياء:

‌ياسين:

ياسين هو الضرير البصرى، له كتاب، أخبرنا به جماعة عن أبى جعفر ابن بابويه ومحمد بن الحسن عن سعد والحميرى، عن محمد بن عيسى بن عبيد عنه.

‌الامام يحيى:

أنظر ج 1 ص 280

‌يحيى الأنصارى:

أنظر ج 4 ص 374.

‌أبو يوسف:

أنظر ج 1 ص 281

‌ابن يونس:

أنظر ج 1 ص 281

‌يونس بن يعقوب:

يونس بن يعقوب بن قيس أبو على الجلاب البجلى الدهنى أمه منية بنت عمار بن أبى معاوية الدهنى اختص بأبى عبد الله وأبى الحسن كان يسكن العراق له كتاب أخبرنا به جماعة عن أبى الفضل عن ابن بطنه عن غيره.

ص: 379