المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌استحالة ‌ ‌التعريف اللغوى جاء فى لسان العرب (1) : المحال من الكلام ما عدل - موسوعة الفقه الإسلامي - الأوقاف المصرية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

‌استحالة

‌التعريف اللغوى

جاء فى لسان العرب

(1)

: المحال من الكلام ما عدل به عن وجهه، وحوله جعله محالا، وكلام مستحيل أى محال، وجاء فى معنى حال: كل شئ تغير عن الاستواء الى العوج فقد حال فى معنى واستحال وهو مستحيل.

‌التعريف الشرعى

استعمل الفقهاء الاستحالة بمعنى التغير والتبدل من شئ الى شئ آخر فقد جاء فى دليل العروة

(2)

الوثقى:

الاستحالة هى تبدل حقيقة الشئ وصورته النوعية الى صورة أخرى، وجاء فى

(3)

ابن عابدين: أن التطهير يكون بانقلاب العين ثم قال: والدهن النجس يصير فى الصابون يفتى بطهارته لانه تغير، والتغير يطهر عند محمد فان العلة عنده هى التغيير وانقلاب الحقيقة ثم قال: خمر صارت خلا وعذرة صارت رمادا فان ذلك كله انقلاب حقيقة الى حقيقة أخرى، وفى الفتاوى الهندية

(4)

: من المطهرات الاستحالة ومثل لها بتخلل الخمر، وفى منتهى الارادات

(5)

قال: ولا تطهر النجاسة بالاستحالة ومثل لها بالدم يستحيل قيحا، هذا فى عرف الفقهاء.

أما فى اصطلاح الأصوليين فانهم يستعملون الاستحالة بمعنى الامتناع أى الذى يمتنع حدوثه ووقوعه كالجمع بين الضدين كما قال البزدوى

(6)

: من أحكام الحقيقة والمجاز: استحالة اجتماعهما مرادين بلفظ واحد وكما قال الآمدى

(7)

:

المختار امتناع التكليف بالمستحيل لذاته كالجمع بين الضدين ونحوه.

‌استحالة النجس الى طاهر بالاحراق أو غيره

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق

(8)

: من الامور التى يكون بها التطهير انقلاب العين ثم قال:

(1)

لسان العرب لابن منظور مادة حول طبع دار صادر دار بيروت.

(2)

دليل العروة الوثقى للشيخ حسين الحلى طبع مطبعة النجف ح 2 ص 451 وما بعدها.

(3)

الدر المختار شرح تنوير الابصار وبهامشه حاشية ابن عابدين ح 1 ص 291 طبع المطبعة العثمانية سنة 1324 هـ.

(4)

الفتاوى الهندية وبهامشها فتاوى قاضيخان ح 1 ص 44 طبع المطبعة الاميرية بمصر طبعة ثانية سنة 1310 هـ.

(5)

شرح منتهى الارادات بهامش كشاف القناع ح 1 ص 17 طبع المطبعة العامرة الشرفية الطبعة الأولى سنة 1319 هـ.

(6)

كشف الاسرار على أصول الامام فخر الاسلام البزدوى ح 2 ص 364 طبع فى مكتب الصنايع سنة 1307 هـ.

(7)

الاحكام فى أصول الاحكام للآمدى ح 1 ص 191 طبع مطبعة المعارف بمصر سنة 1332 هـ

(8)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ح 1 ص 239.

ص: 7

فان كان فى الخمر فلا خلاف فى الطهارة وان كان فى غيره كالخنزير والميتة تقع فى المملحة فتصير ملحا يؤكل والسرقين والعذرة تحترق فتصير رمادا تطهر عند محمد خلافا لابى يوسف حيث أنه يرى

(1)

أن الاشياء النجسة لا تطهر بانقلاب عينها، وفى التجنيس اختار قول أبى يوسف اذ قال: خشبة أصابها بول فاحترقت ووقع رمادها فى بئر يفسد الماء، وكذلك رماد العذرة وكذا الحمار اذا مات فى مملحة لا يؤكل الملح هذا قول أبى يوسف ودليله أن الرماد أجزاء تلك النجاسة فتبقى النجاسة من وجه فالتحقت بالنجس من كل وجه احتياطا.

وقال فى البحر الرائق

(2)

: وضم الى محمد أبا حنيفة فى المحيط وكثير من المشايخ اختاروا قول محمد، وفى الخلاصة وعليه الفتوى، وفى فتح القدير أنه المختار لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة وتنتفى الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل؟ فان الملح غير العظم واللحم فاذا صار ملحا ترتب حكم الملح ونظيره فى الشرع النطفة نجسة وتصير علقة وهى نجسة وتصير مضغة فتطهر، والعصير طاهر فيصير خمرا فينجس ويصير خلا فيطهر فعرفنا من ذلك أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المترتب عليها.

وفى فتح القدير

(3)

: وعلى قول محمد فرعوا الحكم بطهارة صابون صنع من زيت نجس، وفى الخلاصة:

فأرة وقعت فى دن خمر فصار خلا يطهر اذا رمى بالفأرة قبل التخلل، وان تفسخت الفأرة فيها لا يباح، ولو وقعت الفأرة بالعصير ثم تخمر العصير ثم تخلل لا يطهر، وفى الظهيرية كذلك اذا صب الماء فى الخمر ثم صارت الخمر خلا تطهر وهو الصحيح.

وفى حاشية ابن عابدين

(4)

بعد أن قال:

ان العلة عند محمد هى التغيير وانقلاب الحقيقة وأنه يفتى به للبلوى قال: ومقتضاه عدم اختصاص ذلك الحكم بالصابون الذى صنع من زيت نجس فيدخل فيه كل ما كان فيه تغيير وانقلاب حقيقة وكان فيه بلوى عامة فيقال كذلك فى الدبس المطبوخ اذا كان ذبيبه متنجسا ولا سيما أن الفأر يدخله فيبول ويبعر فيه وقد يموت فيه وقد بحث كذلك بعض شيوخ مشايخنا فقال: وعلى هذا اذا تنجس السمسم ثم صار طحينة يطهر خصوصا وقد عمت به البلوى وقاسه على ما اذا وقع عصفور فى بئر حتى صار طينا لا يلزم اخراجه لاستحالته.

(1)

فتح القدير شرح الهداية للكمال بن الهمام وبهامشه شرح العناية وحاشية سعد جلبى ح 1 ص 139 طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر سنة 1315 هـ الطبعة الاولى.

(2)

البحر الرائق ح 1 ص 239.

(3)

فتح القدير ح 1 ص 139 الطبعة السابقة والبحر ج 1 ص 239.

(4)

رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ح 1 ص 291 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 8

وفى الفتاوى الهندية

(1)

قال اذا حرق، رأس الشاة ملطخا بالدم وزال عنه الدم يحكم بطهارته. والطين النجس اذا جعل منه الكوز والقدر فطبخ يكون طاهرا هكذا فى المحيط وكذا اللبن اذا لبن بالماء النجس وأحرق قال والدباغ يطهر الجلود النجسة لان الدباغ تطهير للجلود كلها الا جلد الانسان والخنزير كذا ذكر الكرخى لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما اهاب دبغ فقد طهر كالخمر تخلل فتحل وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بفناء قوم فاستسقاهم فقال هل عندكم ماء فقالت امرأة: لا يا رسول الله الا فى قربة لى ميتة فقال صلى الله عليه وسلم ألست دبغتيها فقالت نعم فقال دباغها طهورها ولان نجاسة الميتات لما فيها من الرطوبات والدماء السائلة وأنها تزول بالدباغ فتطهر كالثوب النجس اذا غسل ثم الدباغ على ضربين حقيقى وحكمى فالحقيقى هو أن يدبغ بشئ له قيمة كالقرظ والعفص والسبخة ونحوها والحكمى أن يدبغ بالتشميس والتتريب والالقاء فى الريح والنوعان مستويان فى سائر الأحكام لا فى حكم واحد وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدباغ الحقيقى لا يعود نجسا وبعد الدباغ الحكمى فيه روايتان

(2)

.

‌مذهب المالكية:

يذهب المالكية الى أن ما استحال الى صلاح فهو طاهر وأن ما استحال الى فساد كان نجسا فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى

(3)

عليه: من الطاهر لبن الآدمى ولو كافرا لاستحالته الى صلاح ثم جاء فى موضع آخر

(4)

: اذا تغير القئ وهو الخارج من الطعام بعد استقراره فى المعدة كان نجسا وعلة نجاسته الاستحالة الى فساد فان لم يتغير كان طاهرا واعتبر المالكية كذلك أن المسك طاهر لان أصله دم انعقد وعلة طهارته استحالته الى صلاح أى استحالة أصله وانما كان طاهرا مع نجاسة أصله للاستحالة، وكذلك فأرته وهى الجلدة التى يكون فيها المسك تعتبر طاهرة للاستحالة أيضا ولو أخذت بعد الموت والفرق بينه وبين اللبن والبيض الخارجين بعد الموت مع أن كلا استحال الى صلاح وعدم استقذار هو شدة الاستحالة فى المسك الى صلاح

(5)

.

وفى الحطاب أنه حكم بطهارة المسك لأنها استحالت عن جميع صفات الدم وخرجت عن اسمه الى صفات والى اسم

(1)

الفتاوى الهندية وبهامشها فتاوى قاضيخان ح 1 ص 44 الطبعة السابعة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى الطبعة الاولى سنة 1327 هـ مطبعة المطبوعات العلمية بمصر ج 1 ص 85، 86.

(3)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير مع تقريرات الشيخ عليش ح 1 ص 50 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(4)

المرجع السابق ح 1 ص 57.

(5)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ح 1 ص 52 الطبعة السابقة.

ص: 9

يختص بها فطهرت لذلك كما يستحيل الدم وسائر ما يتغذى به الحيوان من النجاسات الى اللحم فيكون طاهرا وانما لم تنجس فأرة المسك بالموت لأنها ليست بحيوان ولا جزء منه

(1)

، وحكم المالكية كذلك بنجاسة المنى والمذى والودى لاستحالة أصلها وهو الدم الى فساد

(2)

، الا أنه قد اختلف

(3)

فى الرماد المتخلف من احراق النجس فقيل بنجاسته بناء على أن النجاسة اذا تغيرت أعراضها لا تتغير عن الحكم الذى كانت عليه عملا بالاستصحاب، وقال الدردير والمعتمد أنه طاهر قال الدسوقى فان النار تطهر سواء أكلت النجاسة أكلا قويا أو لا خلافا لمن قال بنجاسته كخليل ثم قال: وعلى القول المعتمد فالخبز المخبوز بالروث النجس طاهر ولو تعلق به شئ من الرماد وكذا ينبنى عليه طهارة ما حمى من الفخار بنجس وكذا عرق حمام به وكذلك قال خليل

(4)

بنجاسة دخان النجس وضعفه الدردير ثم قال: والمعتمد طهارته أيضا وفى الحطاب ذكر فى الطراز عن مالك فى المرتك (مرهم) المصنوع من عظام الميته لا يصلى به وعن ابن الماجشون أنه يصلى به وقال ابن عرفة روى الشيخ ان جعل مرتك صنع من عظم ميتة لقرحة وجب غسله، والنبات الذى نبت من بذر نجس أو متنجس أو سقى بماء نجس يكون طاهرا

(5)

، ثم قال فى التوضيح: اختلفت عبارة أهل المذهب فى جلد الميتة المدبوغ فقال أكثرهم: مطهر طهارة مقيدة أى يستعمل فى اليابسات والماء وحده وقال عبد الوهاب وابن رشد: انه نجس ولكن رخص فى استعماله فى ذلك ولذلك لا يصلى عليه وهو خلاف لفظى ولفظ ابن رشد فى سماع أشهب من كتاب الطهارة: المشهور من قول مالك المعلوم من مذهبه: أن جلد الميتة لا يطهره الدباغ وانما يجوز الانتفاع به فى المعانى التى ذكرت ثم قال: والدبغ هو ما أزال الريح والرطوبة وحفظ الجلد من الاستحالة كما تحفظه الحياة

(6)

.

‌مذهب الشافعية:

فرق الشافعية

(7)

بين ما هو نجس لعينه وبين ما هو نجس لمعنى فيه، فأما الأشياء النجسة لعينها كالعذرة والسرجين وعظام الميتة فقالوا لا تطهر بالاستحالة وأما ان كانت نجاستها لمعنى فيه كالخمر فانها باستحالتها يزول هذا المعنى فتكون

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ح 1 ص 97 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1328 هـ

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ح 1 ص 56.

(3)

المرجع السابق ح 1 ص 57.

(4)

المرجع السابق ح 1 ص 58.

(5)

الحطاب على خليل ح 1 ص 106 وما بعدها

(6)

المرجع السابق ح 1 ص 101.

(7)

المهذب لابى أسحق الشيرازى ج 1 ص 48 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 10

طاهرة، وقال فى المهذب

(1)

: ولا يطهر شئ من النجاسات بالاستحالة الا شيئان أحدهما جلد الميتة اذا دبغ والثانى الخمر ثم قال صاحب المهذب: وان أحرق العذرة أو السرجين حتى صار رمادا لم تطهر لان نجاستهما لعينهما وتخالف الخمر فان نجاستها لمعنى معقول وقد زال ذلك، وأما دخان النجاسة اذا أحرقت ففيه وجهان:

أحدهما أنه نجس لأنه أجزاء متحللة عن النجاسة فهو كالرماد، والثانى أنه ليس بنجس لانه بخار نجاسة فهو كالبخار الذى يخرج من الجوف ثم قال: وان طبخ اللبن

(2)

(الطوب النئ) الذى خلط بطينة السرجين لم يطهر لأن النار لا تطهر النجاسة وقال أبو الحسن بن المرزبان اذا غسل طهر ظاهره فتجوز الصلاة عليه، وفى نهاية المحتاج: والمستحيل فى باطن الحيوان نجس فمنه دم ولو تحلب من سمك وكبد وطحال لقول الله تعالى:

«أَوْ دَماً مَسْفُوحاً»

(3)

وخرج بالمسفوح الكبد والطحال، ومنه قيح لكونه دما يستحيل الى نتن وفساد وماء قرح ونفط وجدرى متغير وقئ اتفاقا وهو الراجع بعد الوصول الى المعدة ولو ماء وان لم يتغير كما قاله الشيخان النووى والرافعى ثم قال: والمسك طاهر لخبر مسلم: المسك أطيب الطيب وكذا فأرته بشعرها ان انفصلت فى حال حياة الظبية أى ولو كان الانفصال فى حال الحياة محتملا فيما يظهر أو بعد ذكاتها والا فنجسان كما أفاده الشيخ فى المسك قياسا على الانفحة ثم قال: ومذى وودى وكذا منى غير الآدمى كسائر المستحيلات، أما منى الآدمى فطاهر فى الاظهر، ومقابل الاصح أنه نجس مطلقا لاستحالته فى الباطن ثم قال: لو استحالت البيضة دما وصلح للتخلق فطاهرة والا فلا، ولبن مالا يؤكل غير لبن الآدمى كلبن الاتان لكونه من المستحيلات فى الباطن قال: وليست العلقة وهى دم غليظ يستحيل اليه المنى والمضغة بنجسة فى الاصح

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

قال ابن قدامة فى المغنى

(5)

ظاهر المذهب أنه لا يطهر شئ من النجاسات للاستحالة الا الخمر اذا انقلبت بنفسها خلا وما عداه لا يطهر كالنجاسات اذا احترقت فصارت رمادا والخنزير اذا وقع فى الملاحة وصار ملحا والدخان الصاعد من وقود النجاسة والبخار المتصاعد من الماء النجس اذا اجتمعت منه نداءة على جسم صقيل ثم قطر فهو نجس، وقال أيضا ويتخرج أن تطهر النجاسات كلها بالاستحالة قياسا على

(1)

المرجع السابق ح 1 ص 10.

(2)

المرجع السابق ح 1 ص 50، 49.

(3)

الآية رقم 145 من سورة الانعام.

(4)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ح 1 من ص 222 الى 230 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ.

(5)

المغنى لابى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة على مختصر ابى القاسم الخرقى. ويليه الشرح الكبير لابى عمر بن قدامة المقدسى ح 1 ص 59 الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ.

ص: 11

الخمرة اذا انقلبت وجلود الميتة اذا دبغت والجلالة اذا حبست والاول ظاهر المذهب وقد نهى الامام أحمد رحمه الله عن الخبز فى تنور شوى فيه خنزير، وفى موضع آخر قال ابن قدامة

(1)

ولا تطهر النجاسة بالاستحالة فلو أحرق السرجين النجس وصار رمادا أو وقع كلب فى ملاحة فصار ملحا لم تطهر لأنها نجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها كالدم إذا صار قيحاً أو صديدا وقال

(2)

اذا كانت النجاسة ذات أجزاء متفرقة كالرميم والروث والدم اذا جف فاختلطت بأجزاء الارض لم تطهر بالغسل لان عينها لا تنقلب ولا تطهر الا بازالة أجزاء المكان بحيث يتيقن زوال أجزاء النجاسة وقال فى موضع آخر الآجر المعجون بالنجاسة نجس لان النار لا تطهره فان غسل طهر ظاهره لان النار أكلت أجزاء النجاسة الظاهرة وبقى أثرها فتطهر بالغسل كالأرض النجسة وبقى باطنها نجسا لان الماء لم يصل اليه فان صلى عليه بعد الغسل فهو كما لو صلى على بساط طاهر مفروش على أرض نجسة ولذلك اذا انكسر من الآجر النجس قطعة فظهر بعض باطنه فهو نجس لا تصح الصلاة عليه

(3)

وفى كشاف القناع

(4)

قال ان الصابون الذى عمل من زيت نجس يعتبر نجسا

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى: اذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام فبطل عنه الاسم الذى به ورد ذلك الحكم فيه وانتقل الى اسم آخر وارد على حلال طاهر فليس هو ذلك النجس ولا الحرام بل قد صار شيئا آخر ذا حكم آخر

(5)

وكذلك اذا استحالت عين الحلال الطاهر فبطل عنه الاسم الذى به ورد ذلك الحكم فيه وانتقل الى اسم آخر وارد على حرام أو نجس فليس هو ذلك الحلال الطاهر بل قد صار شيئا آخر ذا حكم آخر كالعصير يصير خمرا أو الخمر يصير خلا أو لحم خنزير تأكله دجاجة يستحيل فيها لحم دجاج حلالا وكالماء يصير بولا والطعام يصير عذرة والعذرة والبول تدهن بهما الأرض فيعودان ثمرة حلالا ومثل هذا كثير وكنقطة ماء تقع فى خمر أو نقطة خمر تقع فى ماء فلا يظهر لشئ من ذلك أثر وهكذا كل شئ والاحكام للاسماء والاسماء تابعة للصفات التى هى حد ما هى فيه المفرق بين أنواعه

(6)

ثم قال ابن حزم الظاهرى فى موضع آخر اذا أحرقت العذرة أو الميتة

(1)

المرجع السابق ح 1 ص 744 وما بعدها.

(2)

المرجع السابق ح 1 ص 742 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ح 1 ص 721 الى ص 738 الطبعة السابقة.

(4)

شرح منتهى الارادات بهامش كشاف القناع ح 1 ص 135 الطبعة السابقة.

(5)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 1 ص 138 النهضة بمصر سنة 1347 هـ.

مسألة رقم 136 ادارة الطباعة المنيرية مطبعة

(6)

المرجع السابق ح 1 ص 137، ص 138

ص: 12

أو تغيرت فصارت رمادا أو ترابا فكل ذلك طاهر برهان ذلك أن الاحكام انما هى على ما حكم الله تعالى بها فيه مما يقع عليه ذلك الاسم الذى به خاطبنا الله عز وجل فاذا سقط ذلك الاسم فقد سقط ذلك الحكم وأنه غير الذى حكم الله تعالى فيه، والعذرة غير التراب وغير الرماد

(1)

، وكذلك الخمر غير الخل والانسان غير الدم الذى منه خلق والميتة غير التراب، ثم قال فى موضع آخر:

(2)

وتطهير جلد الميتة أى ميتة كانت ولو أنها جلد خنزير أو كلب أو سبع أو غير ذلك فانه بالدباغ بأى شئ دبغ طاهر فاذا دبغ حل بيعه والصلاة عليه وكان كجلد ما ذكى مما يحل أكله، وانتقل الى موضوع آخر فقال: واناء الخمر ان تخللت الخمر فيه فقد صار طاهرا يتوضأ فيه ويشرب منه وان لم يغسل فان اهرقت أزيل أثر الخمر ولا بد بأى شئ من المطهرات مزيل ويطهر الاناء حينئذ سواء كان فخارا أو عودا أو خشبا أو نحاسا أو حجرا أو غير ذلك

(3)

وكل شئ مائع من ماء أو زيت أو سمن أو لبن أو ماء ورد أو عسل أو مرق أو طيب أو غير ذلك أى شئ كان اذا وقعت فيه نجاسة أو شئ حرام يجب اجتنابه أو ميتة فان غير ذلك لون ما وقع فيه أو طعمه أو ريحه فقد فسد كله وحرم أكله ولم يجز استعماله ولا بيعه

(4)

واذا تغير لون الحلال الطاهر بما مازجه من نجس أو حرام أو تغير طعمه بذلك أو تغير ريحه بذلك فاننا حينئذ لا نقدر على استعمال الحلال الا باستعمال الحرام وهو محرم استعماله ولذلك وجب الامتناع

(5)

منه لا لأن الحلال الطاهر حرم ولا تنجست عينه وكذلك اذا كانت النجاسة أو الحرام على جرم طاهر فأزلناها فان النجس لم يطهر والحرام لم يحل لكنه زايل الحلال الطاهر فقدرنا على أن نستعمله حينئذ حلالا طاهرا كما كان، ثم قال فى موضع آخر

(6)

الماء والدم والخمر والبول وكل ما فى العالم لكل نوع منه صفات ما دامت فيه فهو ماء له حكم الماء ودم له حكم الدم وخمر له حكم الخمر وبول له حكم البول فاذا زالت عنه لم تكن تلك العين ماء ولا دما ولا خمرا ولا بولا واذا سقط خمر أو بول أو دم فى ماء أو فى خل أو فى لبن أو فى غير ذلك فان بطلت الصفات التى من أجلها سمى الدم دما والخمر خمرا والبول بولا وبقيت صفات الشئ الذى وقع فيه فليس ذلك الجرم الواقع يعد خمرا ولا دما ولا بولا بل هو ماء على الحقيقة أو لبن على الحقيقة وهكذا فى كل شئ فان غلب الواقع مما ذكرنا وبقيت صفاته بحسبها وبطلت صفات الماء أو اللبن أو الخل فليس هو ماء

(1)

المرجع السابق ح 1 ص 128 مسألة رقم 132.

(2)

المرجع السابق ح 1 ص 118 مسألة رقم 129.

(3)

المرجع السابق ح 1 ص 124 مسألة رقم 130.

(4)

المحلى ح 1 ص 135 مسألة رقم 136.

(5)

المرجع السابق ح 1 ص 137.

(6)

المرجع السابق ح 1 ص 162 مسألة رقم 136.

ص: 13

بعد ولا خلا ولا لبنا بل هو بول على الحقيقة أو خمر على الحقيقة أو دم على الحقيقة، فان بقيت صفات الواقع ولم تبطل صفات ما وقع فيه فهو ماء وخمر أو ماء وبول أو ماء ودم وهكذا ولم يحرم علينا استعمال الحلال من ذلك وهكذا كل شئ فى العالم فالدم يستحيل لحما فهو حينئذ لحم وليس دما والعين واحدة واللحم يستحيل شحما فليس لحما بعد بل هو شحم والعين واحدة والزبل والبراز والبول والماء والتراب يستحيل كل ذلك فى النخلة ورقا ورطبا فليس شئ من ذلك حينئذ زبلا ولا ترابا ولا ماء بل هو رطب حلال طيب والعين واحدة وهكذا فى سائر النبات كله والماء يستحيل هواء متصعدا وملحا جامدا فليس هو ماء، بل ولا يجوز الوضوء به والعين واحدة ثم يعود ذلك الهواء وذلك الملح ماء فليس حينئذ هواء ولا ملحا بل هو ماء حلال يجوز الوضوء به.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(1)

أن الاستحالة مطهرة للنجاسة وفى موضع آخر قال

(2)

والقئ نجس عند الاكثر ودون ملء الفم طاهر لخروجه من أعماق البدن فأشبه الدم فخفف ثم قال

(3)

: من النجس لبن غير المأكول عند الاكثر لاستحالته من فضلته كالمنى وهو من المأكول طاهر اجماعا وفى موضع آخر قال

(4)

: والمصل والقيح كالدم لاستحالتهما عنه الى نتن فلا يطهر بها ومنه

(5)

العذرة تصير رمادا تطهر لتغير صفاتها ولان النجس يطهر بالاستحالة التامة كالخمر يصير خلا أو تغير تركيبها كالنطفة تصير حيوانا وفى موضع آخر قال

(6)

الأرض المتنجسة لا تطهر بالشمس والريح أما اللبن المسرقن أى المختلط بالسرقين فقال الامام يحيى انه يطهر بالطبخ فى الاصح للاستحالة لها بالماء ثم قال

(7)

ان الأرض الرخوة تطهر بالمكاثرة وهو غمر المتنجس بالماء المذهب لأوصافها اذ به زوالها ..

‌مذهب الإمامية:

قال صاحب دليل العروة الوثقى:

الاستحالة

(8)

وهى تبدل حقيقة الشئ وصورته النوعية الى صورة أخرى فانها تطهر النجس بل المتنجس كالعذرة تصير ترابا والخشبة المتنجسة اذا صارت رمادا والبول أو الماء المتنجس بخارا والكلب ملحا وهكذا كالنطفة تصير حيوانا والطعام النجس جزءا من الحيوان وأما تبدل الاوصاف وتفرق الاجزاء فلا اعتبار بهما كالحنطة

(1)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار وبهامشه كتاب جواهر الاخبار والآثار ح 1 ص 11 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1366 هـ.

(2)

المرجع السابق ح 1 ص 15.

(3)

المرجع السابق ح 1 ص 16.

(4)

المرجع السابق ح 1 ص 17.

(5)

المرجع السابق ح 1 ص 23.

(6)

المرجع السابق ح 1 ص 25.

(7)

المرجع السابق ح 1 ص 26.

(8)

دليل العروة الوثقى ح 2 ص 449 وص 450 الى ص 461 الطبعة السابقة.

ص: 14

اذا صارت طحينا أو عجينا أو خبزا والحليب اذا صار جبنا، وفى صدق الاستحالة على صيرورة الخشب فحما تأمل، وكذا فى صيرورة الطين خزفا أو آجرا ومع الشك بالاستحالة لا يحكم بالطهارة ثم قال فى الحاشية: ان التبدل دائما يكون فى الصورة النوعية وأما المادة فهى لا تتبدل الى مادة أخرى من دون فرق بين هذه المادة وتلك المادة الا بالصورة أما المادة فهى واحدة فيهما والسر فى ذلك هو أن المادة لا توجد وحدها مجردة عن الصورة ثم ان التبدل فى الصورة وان شئت فعبر عنه بتبدل الحقيقة الذى هو الصورة النوعية يكون على أنحاء فتارة يتبدل بالتفريق كما تصنع النار بالأجسام فانها تتفرق الى رماد ودخان وبخار ونحو ذلك، وأخرى بالتبدل الى نوع آخر بلا تفريق كما فعل فى المملحة التى تبدل الحيوان مثلا ملحا وكما فى بعض العيون فى ايران على ما نقله البعض من تبديل ما يدخل فيها الى الحجرية وكما يدعيه أهل الآثار من وجدانهم بعض المتحجرات، وقال صاحب شرائع الاسلام: والشمس

(1)

اذا جففت البول وغيره من النجاسات على الأرض والبوارى والحصر طهر موضعه وكذا كل ما لم يمكن نقله كالنباتات والابنية وتطهر النار ما أحالته وفى موضع آخر يقول

(2)

وأدخنة الأعيان النجسة عندنا طاهرة وكذا كل ما أحالته النار فصيرته رمادا أو دخانا على تردد ..

‌مذهب الإباضية:

جاء فى كتاب الايضاح

(3)

: كل ما يكون به زوال العين من الشمس والريح والنار والدباغ وسائر المائعات فانه مطهر وفى متن النيل قال

(4)

ان الزمان والريح والشمس تطهر الارض وما اتصل بها كحائط ونبات، وفى ما صنع منه قولان وكذا فى الحيوان، وقالوا: ان النار أقوى من الشمس والريح فى ازالة عينه، والدباغ يطهر الجلود وان من ميتة على الاصح وجاء فى شرح النيل

(5)

: ان النجس اذا صار جمرا أو رمادا ففيه قولان أحدهما أنه يطهر بالإحراق والثانى أنه لا يصير طاهراً به فهو ذات واحدة تغير لونها أما ما تنجس أى أصابته نجاسة من غيره فإنه يطهر بالاحتراق فيكون جمره ورماده ولهبه طاهرا لأن ما تنجس بغيره تزول نجاسته بمزيل كالنار ونصوا على أن النجاسة تزال بالنار وقالوا: إنها أقوى من الشمس والريح فى إزالة عين النجاسة فيما يتحملها كالأرض والفخار بأن يحمى

(1)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ح 1 ص 42 طبع مطابع دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ببيروت.

(2)

المرجع السابق ح 2 ص 146 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب الايضاح لابن على الشماخى ح 1 ص 295 طبع مطبعة البارونى بمصر سنة 1304 هـ

(4)

متن النيل ح 1 ص 60 وص 61.

(5)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ح 1 ص 269 وص 276 وما بعدهما طبع مطبعة محمد ابن يوسف البارونى وشركاه بمصر.

ص: 15

عليه حتى لا تطيقُه اليد سواء جعلت النار على موضع النجاسة أو تحته أو وصلته الحرارة التى لا تطيقها اليد حتى ولو لم تترك أثرا، وللإباضية فى غبار النجس ورماده قولان: أحدهما أنه يطهر بالإحراق والراجح عندهم أنه لا يطهر بالاحراق لان غبرة الشئ جزء لطيف منه، أما دخانه فقد قالوا بطهارته لأنه لا توجد فيه ذات النجس ولا طعمه ولا لونه ولا رائحة يحكم عليه بالنجاسة بها، أما المتنجس بغيره فلا خلاف عندهم فى طهارة غباره ورماده وجمره ودخانه.

‌استحالة الخمر الى شئ آخر

‌مذهب الحنفية:

تطهر الخمر بالتخلل وذلك بالقاء شئ فيها وهو كالتخلل بنفسها وذلك لانقلاب عينها، قال فى الفتح: ولو صب ماء فى خمر أو بالعكس ثم صار خلا طهر فى الصحيح بخلاف ما لو وقعت فيها فأرة ثم أخرجت بعد ما تخللت فى الصحيح لأنها تنجست بعد التخلل بخلاف ما لو أخرجت قبله، وكذا لو وقعت فى العصير أو ولغ فيه كلب ثم تخمر ثم تخلل لا يطهر وهو المختار كما فى البحر عن الخلاصة، وفى الخانية: خمر صب فى قدر الطعام ثم صب فيه الخل وصار حامضا بحيث لا يمكن أكله لحموضته، وحموضته حموضة الخل لا بأس بأكله، وعلى هذا كل ما صب فيه الخل وصار خلا، وكذا لو وقعت فأرة فى خمر واستخرجت قبل التفسخ ثم صارت خلا حل فلو بعده لا يحل، والخل النجس لم يتغير، واذا ألقى فى الخمر رغيف أو بصل ثم صار الخمر خلا فالصحيح أنه طاهر

(1)

.

‌مذهب المالكية:

فى التاج

(2)

والاكليل قال ابن رشد:

لا خلاف أن الخمر نجسة واذا تخللت من ذاتها طهرت وفى الحطاب: والخمر اذا تحجر أى صار حجرا وهو المسمى بالطرطار ويستعمله الصباغون، فاذا ذهب منه الاسكار طهر أما لو كان الاسكار باقيا فيه بحيث لو بل فشرب أسكر فليس بطاهر ونقله البرزلى عن المازرى فى مسائل الأشربه، ولو تخللت الخمر بالقاء شئ فيه كالخل والملح والماء ونحوه يطهر الخل وما ألقى فيه قاله فى الجواهر والذخيرة وغيرهما، ونقل البرزلى أنه لو وقع فى قلة خمر ثوب ثم تخللت والثوب فيها طهر الثوب والخل، قال البرزلى فى أواخر الاشربة: اذا بقى فى اناء الخمر يسير فصب عليه عصير أو خل فقال أصبغ: فسد الجميع قال الباجى: أما فى العصير فصحيح لأن العصير لا يصير الخمر عصيرا فهو عصير حلت فيه نجاسة وأما الخل فلا لأن الخل يصير الخمر خلا فيطهر الجميع، ولا يستعمل ذلك الخل الا بعد مدة يقدر فيها أن الخمر تخللت فان ترك العصير حتى صار خلا طهر

(1)

الدار المختار وحاشية ابن عابدين ح 1 ص 290.

(2)

التاج والاكليل بهامش الحطاب ح 1 ص 97.

ص: 16

الجميع، واختلف فى حكم تخليلها فحكى فى البيان فى ذلك ثلاثة أقوال، وقال فى كتاب الاطعمة والمشهور عندنا أنه مكروه، فان فعل أكل وعليه اقتصر فى الجواهر

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أنه لا يطهر نجس العين بالاستحالة الا شيئان أحدهما خمر وان كانت غير محترمة حقيقة كانت الخمرة - وهى المتخذة من عصير العنب - أم غيرها وهى المعتصرة من غيره ثم قال: وما تقرر من طهارة النبيذ بالتخلل هو المعتمد كما صححاه فى بابى الربا والسلم لاطباقهم على صحة السلم فى خل التمر والزبيب المستلزمة لطهارتهما لأن النجس لا يصح بيعه ولا السلم فيه اتفاقا، ولو تخللت الخمر بنفسها تطهر بالتخلل لان علة النجاسة والتحريم الاسكار وقد زالت، ولأن العصير لا يتخلل الا بعد التخمر غالبا فلو لم نقل بالطهارة لربما تعذر الخل وهو حلال اجماعا، ولو بقى فى قعر الاناء دردى خمر فظاهر اطلاقهم كما قاله ابن العماد أنه يطهر تبعا للاناء سواء استحجر أم لا كما يطهر باطن الدن بل هذا أولى، وظاهر كلامهم أيضا أنه لا فرق فى العصير بين المتخذ من نوع واحد وغيره فلو جعل فيه عسلا أو سكرا أو اتخذه من نحو عنب ورمان أو بر وزبيب طهر بانقلابه خلا وبه جزم ابن العماد، وليس فيه تخليل بمصاحبة عين لأن نفس العسل أو البر ونحوهما يتخمر كما رواه أبو داود وكذلك السكر فلم يصحب الخمر عين أخرى، ولو جعل مع نحو الزبيب طيبا متنوعا ونقع ثم صفى وصارت رائحته كرائحة الخمر فيحتمل أن يقال: ان ذلك الطيب ان كان أقل من الزبيب تنجس والا فلا أخذا من قولهم: لو ألقى على عصير خل دونه تنجس والا فلا لان الاصل والظاهر عدم التخمر ولا عبرة بالرائحة حينئذ ويحتمل خلافه وهو أوجه، ويكفى فى الطهارة زوال النشوة وغلبة الحموضة ولا تشترط نهايتها بحيث لا تزيد، وكذا ان نقلت من شمس الى ظل وعكسه فى الاصح أو من دن الى آخر، أو فتح رأس ظرفه للهواء لزوال الشدة المطربة من غير نجاسة خلفتها سواء أقصد بكل منها التخلل أم لا ومقابل الاصح لا تطهر، فان خللت بوقوع شئ فيها ولو بنفسه أو بالقاء الريح ونحوه شيئا فيها فلا تطهر لان من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه غالبا سواء كان له دخل فى التخليل كبصل وخبز حار أم لا كحصاة، ولا فرق بين ما قبل التخمر وما بعده ولا بين أن تكون العين طاهرة أو نجسة، نعم ان كانت طاهرة ونزعت منها قبل التخلل طهرت أما النجسة فلا، وان نزعت قبله لأن النجس يقبل التنجيس ولو عصر نحو العنب ووقع فيه

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 1 ص 97 وص 98.

ص: 17

بعض حبات لا يمكن الاحتراز عنها لم تضر فيها يظهر

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: تطهر الخمرة بالاستحالة اذا انقلبت خلا بنفسها لأن نجاستها انما كانت لشدتها المسكرة الحادثة لها وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر كالماء الكثير الذى تنجس بالتغير اذا زال تغيره بنفسه ولا يلزم عليه سائر النجاسات لكونها لا تطهر بالاستحالة لأن نجاستها لعينها، والخمر نجاستها لأمر زال بالانقلاب، واذا انقلبت الخمر خلا بنقلها من موضع الى موضع آخر أو من دن الى دن آخر بغير قصد التخليل تطهر كما لو انقلبت بنفسها، ثم قال: فان خللت أى فعل بها شئ تصير به خلا ولو بنقلها لقصد التخليل لم تطهر لأنه يحرم تخليلها فلا يترتب عليه الطهارة والدليل على تحريم تخليل الخمر حديث مسلم عن أنس قال: سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا قال: لا، والنبيذ كالخمر، ودنها أى الخمرة مثلها فيطهر بطهارتها تبعا لها ولو مما لم يلاق الخل مما فوقه مما أصابه الخمر فى غليانه فيطهر كالذى لاقاه الخل

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(3)

: اذا تخللت الخمر أو خللت فالخل حلال بالنص طاهر لما روى عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الادام الخل، فعم عليه السلام ولم يخص والخل ليس خمرا، وجاء فى موضع آخر من المحلى ما يدل على أنه اذا ألقى فى الخمر سمك ثم وجده بعد أن استحالت الخمر خلا فانه يكون طاهرا ويحل تناوله لطهارة الخمر بالتخلل، واذا وجده قبل الاستحالة لا يكون طاهرا ولا يحل تناوله ولا يجوز الا أن يهراق الجميع

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

قالت الزيدية: الخمر نجس لعموم تحريمها فاذا تخللت بنفسها طهرت لعدم العلاج وقيل لا تطهر بذلك كعلاجها، والدن والمغرفة يطهران بالاستحالة

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى دليل العروة الوثقى أن الخمر اذا انقلبت خلا فانه يطهر سواء كان بنفسه أو بعلاج كالقاء شئ من الخل والملح فيه سواء استهلك أو بقى على حاله، وفيه أيضا: ويشترط فى طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية اليه

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ح 1 ص 230، ص 231 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ح 1 ص 135 الطبعة السابقة.

(3)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ح 1 ص 124 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ح 11 ص 372، ص 373

(5)

البحر الزخار ح 1 ص 11 الطبعة السابقة.

ص: 18

فلو وقع فيه حالة كونه خمرا شئ من البول أو غيره أو لاقى نجسا لم يطهر بالانقلاب

(1)

ثم قال صاحب شرائع الاسلام: تطهر الخمر اذا انقلبت خلا سواء كان انقلابها بعلاج أو من قبل نفسها وسواء كان ما يعالج به عينا باقية أو مستهلكة وان كان يكره العلاج ولا كراهية فيما ينقلب من قبل نفسه، ولو ألقى فى الخمر خلا حتى تستهلكه لم تحل ولم تطهر وكذا لو ألقى فى الخمر خل فاستهلكه الخل وقيل يحل اذا ترك حتى تصير الخمر خلا ولا وجه له

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

قال صاحب كتاب الايضاح: الخمرة نجسة ولا تطهر الا بالتحول

(3)

.

‌الحلف على شئ يستحيل تحققه

‌مذهب الحنفية:

اذا كان المحلوف عليه مستحيل الوجود والتحقق فقد اختلف الحنفية فى انعقاد اليمين وعدم انعقادها على الوجه الآتى:

أولا: اذا كان مستحيل الوجود حقيقة فذهب أبو حنيفة ومحمد وزفر الى أن اليمين لا تنعقد أصلا، كما اذا حلف ليشربن الماء الذى فى هذا الكوز ولا ماء فيه وهو لا يعلم ذلك لان شرط انعقاد اليمين وبقائها أن يكون المحلوف عليه متصور الوجود حقيقة ولان فائدة اليمين هى البر وهاهنا المحلوف عليه وهو شرب الماء الذى فى الكوز المشار اليه لا يتصور حقيقة لعدم وجود ماء فيه وبالتالى يكون البر غير ممكن فلا تنعقد اليمين، وذهب أبو يوسف الى أن اليمين تنعقد ويحنث الحالف فى الحال لان شرط انعقاد اليمين عنده أن يكون الحلف على أمر مستقبل وهنا حلف على أمر مستقبل وهو شرب الماء فتنعقد اليمين الا أن البر غير ممكن لعدم وجود ماء فى الكوز عند الحلف فيحنث.

ثانيا: اذا كان المحلوف عليه مستحيلا عادة وليس مستحيلا حقيقة كما اذا حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا فان المحلوف عليه ليس مستحيل الوجود والتحقق حقيقة بدليل أنه وقع فعلا بالنسبة للملائكة وبعض الأنبياء والجن ولكنه مستحيل عادة، وفى ذلك ذهب الائمة أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد الى ان اليمين تنعقد ويحنث الحالف فى الحال، وذهب زفر الى أن اليمين لا تنعقد أصلا كما فى المستحيل الحقيقى، وخلاصة ما ذكر أن اليمين تنعقد فى الامرين ويحنث الحالف بعدها عند أبى يوسف ولا تنعقد فى الامرين ولا حنث عند زفر ولا تنعقد فى المستحيل حقيقة عند أبى حنيفة ومحمد، وتنعقد ويحنث الحالف بعدها فى المستحيل عادة عندهما، والفرق لأبى حنيفة ومحمد أنه فى المستحيل حقيقة

(1)

دليل العروة الوثقى ح 2 من ص 462 الى ص 468 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع الاسلام ح 2 ص 147 الطبعة السابقة.

(3)

الايضاح ح 1 ص 92.

ص: 19

لا يمكن تحقق المحلوف عليه مطلقا ولا يتصور امكان التحقق ومن ثم لم تنعقد اليمين، أما فى المستحيل عادة فان المحلوف عليه متصور الوجود حقيقة بل قد وقع وجوده فى خارج الحياة ولكن لم تجر العادة به فكان البر متصورا ولذا انعقدت اليمين ولكن لعدم الامكان فيما جرت به العادة يحنث الحالف فى الحال

(1)

وما مر انما هو فى الحلف بالله أما الحلف بالطلاق والعتاق فركنه هو ذكر شرط وجزاء مربوط بالشرط معلق به، ومن شرائط هذا الركن أن يكون الشرط أمرا فى المستقبل متصور الوجود حقيقة لا عادة فان كان مما يستحيل وجوده حقيقة لا ينعقد كما اذا قال لامرأته: ان ولج الجمل فى سم الخياط فأنت طالق، أو قال لها: ان اجتمع الضدان فأنت طالق لان مثل هذا الكلام يذكر لتأبيد النفى أى طلاقك أمر لا يكون أصلا ورأسا كما لا يلج الجمل فى سم الخياط وكما لا يجتمع الضدان قال الله تعالى:

«وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ»

(2)

أى لا يدخلونها رأسا، وعلى هذا يخرج ما اذا قال: ان لم أشرب الماء الذى فى هذا الكوز فامرأته طالق أو عبده حر أو قال: ان لم أقتل فلانا ولا ماء فى الكوز وفلان ميت وهو يعلم بذلك أو لا يعلم به والكلام فيه على ما مر

(3)

، وكذلك يشترط الاحناف فى المنذور به أن يكون متصور الوجود فى نفسه شرعا فلا يصح النذر بما لا يتصور وجوده شرعا كالمرأة اذا قالت لله على أن أصوم أيام حيضى لأن الحيض مناف للنذر شرعا اذ الطهارة من الحيض والنفاس شرط وجود الصوم الشرعى

(4)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(5)

: قال الشيخ بهرام فى شرحه الصغير: اليمين تحقيق ما لم يجب أى اليمين الموجبة للكفارة، هى تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله تعالى أو صفته، والمراد بتحقيق ما لم يجب تحقيق ما لم يثبت أى يتحقق ثبوته وهو ما يحتمل الموافقة والمخالفة: أعنى البر والحنث فلو قال: والله لأحملن الجبل وو الله لأشربن البحر كان يمينا لأن حمل الجبل وشرب البحر لا يتحقق ثبوته، ولو قال: والله لا أحمل الجبل وو الله لا أشرب البحر لم يكن يمينا لان عدم حمله الجبل وشربه البحر متحقق الثبوت، ثم قال: ويدخل فى قوله تحقيق ما لم يجب: الممكن كقوله: والله لأدخلن الدار، والممتنع كقوله: والله لأقتلن زيدا

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ح 3 ص 11، ص 12 والهداية وشروحها فتح القدير والعناية ح 4 من ص 60 الى 62 وتبيين الحقائق للزيلعى وحاشية الشلبى عليه ح 3 ص 135 وما بعدها.

(2)

الآية رقم 40 من سورة الاعراف.

(3)

بدائع الصنائع الكاسانى ح 3 ص 27 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ح 5 ص 82.

(5)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ح 3 ص 260 وص 261.

ص: 20

الميت أو لأشربن البحر أو لأحملن الجبل، ويخرج به الواجب كقوله: والله لأموتن فليس بيمين لأن الواجب متحقق فى نفسه، وجاء فى الشرح الكبير

(1)

: ويدخل فى اليمين الممكن عقلا ولو امتنع عادة نحو لأشربن البحر ولأصعدن السماء ورتب الدردير على هذا الحنث فقال: ويحنث فى هذا بمجرد اليمين اذ لا يتصور هنا العزم على الضد لعدم قدرته على الفعل ثم قال: ودخل الممتنع عقلا نحو لأجمعن بين الضدين ويحنث فى هذا أيضا بمجرد اليمين، فالممتنع عقلا أو عادة انما يأتى فيه صيغة الحنث، وأما صيغة البر نحو لا أجمع بين الضدين فهو على بر دائما ضرورة أنه لا يمكن الفعل، وفى باب الطلاق قال خليل والدردير

(2)

: ونجز الطلاق أى حكم الشرع بوقوعه حالا من غير توقف على حكم ان علق بماض ممتنع عقلا نحو عليه طلاقه أو يلزمه الطلاق: لو جاء زيد أمس لجمعت بين وجوده وعدمه، أو عادة كلو جاء أمس لرفعته للسماء، أو شرعا كلو جاء أمس لزنى بامرأته، وعلق الدسوقى بقوله: لا شك أن الجمع المذكور ممتنع وقد علق الطلاق عليه من حيث انتفاؤه وبمقتضى لو لأنها دالة على انتفاء الجواب لانتفاء الشرط، وانتفاء الجمع المذكور واجب فهو فى الحقيقة قد علق الطلاق على أمر واجب عقلى محقق فلذا نجز الطلاق، والحاصل:

أن الطلاق بحسب الظاهر مرتبط بالمحال بأوجهه وفى الواقع انما هو بنقيضه فاذا كان مرتبطا ظاهرا بالمحال عقلا فهو فى المعنى معلق على ضده وهو الوجوب العقلى.

‌مذهب الشافعية:

قال صاحب نهاية المحتاج: اليمين فى الشرع بالنظر لوجوب تكفيرها تحقيق أمر محتمل بما يأتى: أى بصيغة معينة يأتى بيانها، فخرج بالتحقيق لغو اليمين وبالمحتمل نحو: لاموتن أولا أصعد السماء لعدم تصور الحنث فيه بذاته فلا اخلال فيه بتعظيم اسم الله تعالى بخلاف: لا أموت ولأصعدن السماء ولأقتلن الميت فانه يمين يجب تكفيرها حالا ما لم يقيد الاخيرة بوقت كغد فيدخل غدا وذلك لهتكه حرمة الاسم

(3)

، وقال فى المهذب

(4)

: ومن قال لامرأته: أنت طالق فى الشهر الماضى قاصدا الانشاء فالمنصوص أنها تطلق فى الحال، وقال الربيع فيه قول آخر: أنها لا تطلق، وقال فيمن قال لامرأته: ان طرت أو صعدت السماء فأنت طالق أنها لا تطلق، واختلف أصحابنا فيه فنقل أبو على

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ح 2 ص 126.

(2)

المرجع السابق ح 2 ص 389.

(3)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ح 8 ص 164 الطبعة السابقة.

(4)

المهذب لابى أسحق الشيرازى ح 2 ص 95 الطبعة السابقة.

ص: 21

ابن خيران جوابه فى كل واحدة من المسألتين الى الاخرى وجعلهما على قولين:

أحدهما: تطلق لانه علق الطلاق على صفة مستحيلة فألغيت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة ولا بدعة فى طلاقها:

أنت طالق للسنة أو للبدعة.

والثانى: لا تطلق لانه علق الطلاق على شرط ولم يوجد فلم يقع، وقال أكثر أصحابنا:

اذا قال: أنت طالق فى الشهر الماضى طلقت، وان قال ان طرت أو صعدت السماء فأنت طالق لم تطلق قولا واحدا، وما قاله الربيع من تخريجه، والفرق بينهما أن الطيران وصعود السماء لا يستحيل فى قدرة الله عز وجل وقد جعل لجعفر بن أبى طالب رضى الله عنه جناحان يطير بهما، وقد أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم، وايقاع الطلاق فى زمان ماض مستحيل، ثم قال صاحب المهذب

(1)

وان علق الايلاء على شرط يستحيل وجوده بأن يقول: والله لاوطئتك حتى تصعدى الى السماء أو تصافحى الثريا فهو مولى لأن معناه لاوطئتك أبدا.

‌مذهب الحنابلة:

قال صاحب كشاف القناع: وان حلف على فعل مستحيل لذاته أو مستحيل لغيره كأن قال والله لأصعدن السماء أو قال والله ان لم أصعد السماء أو قال والله لأشربن ماء الكوز ولا ماء فيه علم أن فيه ماء أو لا أو قال والله ان لم أشربه أو قال والله لأقتلن زيدا مثلا فاذا هو ميت علمه ميتا أو لم يعلمه ونحو ذلك انعقدت يمينه لأنها يمين على مستقبل وعليه الكفارة فى الحال لأنه مأيوس منه وكذا ان قال والله ان طرت أو قال والله لا طرت أو قال والله ان صعدت السماء أو قال والله لاصعدت السماء أو قال والله ان شاء الميت أو قال والله لا شاء الميت أو قال والله ان قلبت الحجر ذهبا أو قال والله لا قلبت الحجر ذهبا أو قال والله ان جمعت بين الضدين أو النقيضين أو قال والله لا جمعت بين الضدين أو النقيضين أو قال والله ان رددت أمس أو قال والله لا رددت أمس أو قال والله ان شربت ماء الكوز ولا ماء فيه أو قال والله لا شربت ماء الكوز ولا ماء فيه أو نحو ذلك من المستحيلات

(2)

.

وفصل صاحب المغنى

(3)

بين المستحيل عادة والمستحيل عقلا فمن حلف على فعل شئ مستحيل عادة كصعود السماء والطيران انعقدت يمينه وهو رأى القاضى وأبى الخطاب لأنه يتصور وجوده ولزمته الكفارة فى الحال، وأما المستحيل عقلا كرد أمس فقال أبو الخطاب لا تنعقد يمينه ولا تجب بها كفارة وقال القاضى انها تنعقد موجبة للكفارة فى الحال لأنه حلف على فعل نفسه فى المستقبل ولم يفعل كما لو حلف ليطلقن امرأته فماتت

(1)

المرجع السابق ح 2 ص 107.

(2)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الارادات ح 4 ص 139 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى على الشرح الكبير ح 11 ص 246 وص 247 الطبعة السابقة

ص: 22

قبل طلاقها، وفى باب الطلاق جاء فى المغنى والشرح الكبير: فان علق الطلاق على مستحيل فقال: أنت طالق ان قتلت الميت أو شربت الماء الذى فى الكوز ولا ماء فيه أو جمعت بين الضدين أو كان الواحد أكثر من اثنين أو على ما يستحيل عادة كقوله ان طرت أو صعدت الى السماء أو قلبت الحجر ذهبا أو شربت هذا النهر كله أو حملت الجبل أو شاء الميت ففيه وجهان أحدهما يقع الطلاق فى الحال لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ويمنع وقوعه فى الحال وفى الثانى فلم يصح كاستثناء الكل كما لو قال: أنت طالق طلقة لا تقع عليك أولا تنقص عدد طلاقك.

والثانى لا يقع لانه علق الطلاق بصفة لم توجد ولان ما يقصد تبعيده يعلق على المحال

(1)

، وقيل ان علقه على ما يستحيل عقلا وقع فى الحال لأنه لا وجود له فلم تعلق به الصفة وبقى مجرد الطلاق فوقع، وان علقه على مستحيل عادة كالطيران وصعود السماء لم يقع لأنه له وجود وقد وجد جنس ذلك فى معجزات الأنبياء عليهم السلام وكرامات الأولياء فجاز تعليق الطلاق به ولم يقع قبل وجوده، فأما ان علق طلاقها على نفى فعل المستحيل فقال أنت طالق ان لم تقتلى الميت أو تصعدى السماء طلقت فى الحال لأنه علقه على عدم ذلك وعدمه معلوم فى الحال، وفى الثانى فوقع الطلاق كما لو قال أنت طالق ان لم أبع عبدى فمات العبد وكذلك لو قال أنت طالق لأشربن الماء الذى فى الكوز ولا ماء فيه أو لاقتلن الميت وقع الطلاق فى الحال لما ذكرناه، وحكى أبو الخطاب عن القاضى أنه لا يقع طلاقه كما لو حلف ليصعدن السماء أو ليطيرن فانه لا يحنث والصحيح أنه يحنث فان الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث قال الله تعالى: «وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ}.

{بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ»

(2)

ولو حلف على فعل متصور فصار ممتنعا حنث بذلك فلأن يحنث بكونه ممتنعا حال يمينه أولى

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب: يشترط فى اليمين أن تكون على أمر مستقبل ممكن لا ماض أو ما لا يمكنه فلا يوجب كفارة بل تكون لغوا وهو ما ظن صدقها فخالف أو تكون غموسا وهى ما لم يظن صدقها فى ذلك فيأثم فيها ولا كفارة عليه

(4)

، وجاء فى البحر الزخار قال: ومن حلف ليزنن الفيل وهو لا يستطيع أو ليصعدن السماء

(1)

المغنى على الشرح الكبير ح 8 ص 384.

(2)

الآية رقم 38، 39 من سورة النحل.

(3)

المغنى على الشرح الكبير ح 8 ص 385.

(4)

التاج المذهب لاحكام المذهب شرح متن الازهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى ح 3 ص 408 الطبعة الاولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ

ص: 23

أو ليشربن ماء البحر لم تنعقد يمينه لتعذره فكانت غموسا عند القاسم والمؤيد بالله ثم قال: ولو قال: لأشربن ما فى هذا الكوز ولا ماء فيه فلا حنث للتعذر وقال: ومن حلف ليقتلن زيدا وهو ميت فلا كفارة اذ هى لغو أو غموس

(1)

وفى باب الطلاق جاء فى التاج المذهب

(2)

اذا قال لامرأته أنت طالق أمس أو العام الماضى أو الشهر أو الأسبوع الماضيين فان الطلاق لا يقع لانه علقه بمستحيل وهو المذهب كما ذكر ذلك فى البحر الزخار

(3)

كما جاء فى البحر

(4)

أيضا فى باب النذر ويصح النذر بالفعل المقدور لا غير فلا ينعقد بنذر صعود السماء وصوم أمس.

‌مذهب الإمامية:

قال صاحب شرائع الاسلام: ولا تنعقد اليمين على مستحيل كقوله: والله لأصعدن السماء بل تقع لاغية، وانما تقع على ما يمكن وقوعه ولو تجدد العجز انحلت اليمين كأن يحلف ليحجن فى هذه السنة فيعجز

(5)

.

‌هل يجوز التكليف

بالمستحيل لذاته أو لغيره

قال الغزالى فى المستصفى

(6)

: يشترط فى الأفعال الداخلة تحت التكليف صحة حدوثها لاستحالة تعلق الأمر بالقديم والباقى وقلب الأجناس والجمع بين الضدين وسائر المحالات التى لا يجوز التكليف بها عند من يحيل تكليف ما لا يطاق فلا أمر الا بمعدوم يمكن حدوثه، ويقول البيضاوى

(7)

: ان التكليف بالمحال جائز لان حكمه تعالى لا يستدعى غرضا أى انما يستحيل الأمر بما لا يقدر المكلف عليه اذا كان غرض الآمر حصول المأمور به وحكمه تعالى لا يستدعى غرضا ألبتة لاستغنائه وورود الأمر بهذا ليس للطلب كما نقله امام الحرمين فى الشامل عن أصحابنا، بل ان كان ممتنعا لذاته فالأمر به للاعلام بأنه معاقب لا محالة لأن له تعالى أن يعذب من يشاء وان كان ممتنعا لغيره فالأمر به لفائدة الأخذ فى المقدمات الا أن البدخشى

(8)

يقسم المستحيل الى أقسام خمسة: أحدها: أن يكون لذاته ويعبر عنه أيضا بالمستحيل عقلا وذلك كالجمع

(1)

البحر الزخار ح 4 ص 251 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب ح 2 ص 145.

(3)

البحر الزخار ح 3 ص 191.

(4)

المرجع السابق ح 4 ص 268.

(5)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ح 2 ص 121.

(6)

كتاب المستصفى من علم الاصول للامام أبى حامد الغزالى ومعه كتاب فواتح الرحموت للعلامة عبد العلى محمد بن نظام الدين الانصارى بشرح مسلم الثبوت ح 1 ص 86 الطبعة الاولى طبع المطبعة الاميرية بمصر سنة 1322 هـ.

(7)

شرح البدخشى مناهج العقول للامام محمد ابن الحسن البدخشى ومعه شرح الاسنوى نهاية السول على منهاج الوصول للبيضاوى ح 1 من ص 145 الى ص 148 طبع مطبعة محمد على صبيح وأولاده بمصر.

(8)

المرجع السابق ح 1 ص 147، ص 148

ص: 24

بين الضدين والحصول فى حيزين فى وقت واحد، والثانى: أن يكون للعادة كالطيران وخلق الأجسام وحمل الجبل العظيم، والثالث: أن يكون لطريان مانع كتكليف المقيد العدو والزمن المشى، والرابع: أن يكون لانتفاء القدرة عليه حالة التكليف مع أنه مقدور عليه حالة الامتثال كالتكاليف كلها لأنها غير مقدورة قبل الفعل على رأى الأشعرى اذ القدرة عنده لا تكون الا مع الفعل، والخامس: أن يكون لتعلق العلم به كالايمان من الكافر الذى علم الله تعالى أنه لا يؤمن فان الايمان منه مستحيل اذ لو آمن لانقلب علم الله تعالى جهلا .. واذا تعذر ذلك فالقسم الخامس: جائز واقع اتفاقا اذ لو لم يكونوا مأمورين بذلك لما عصوا باستمرارهم على الكفر، قال الآمدى فى الاحكام

(1)

: وأجمع الكل على جواز التكليف بما علم الله أنه لا يكون عقلا وعلى وقوعه شرعا كالتكليف بالايمان لمن علم الله أنه لا يؤمن كأبى جهل، ويسمى صاحب كشف الاسرار

(2)

شرح أصول البزدوى هذا القسم بالممتنع لغيره، ويحكى اتفاق الكل على جوازه عقلا وعلى وقوعه شرعا، وأما القسم الرابع: وهو المستحيل لانتفاء القدرة عليه حالة التكليف فيقول البدخشى

(3)

: انه واقع عند الأشعرى بمقتضى الأصل الذى أصله وهو أن القدرة لا تكون الا مع الفعل، أما الاقسام الثلاثة الاول وهى المستحيل لذاته والمستحيل للعادة كخلق الأجسام والمستحيل لطريان مانع كتكليف المقيد العدو فقد قال البدخشى

(4)

: انها محل النزاع، وممن صرح بذلك مع وضوحه القرافى فى شرح المحصول والتنقيح، وحاصل ما فيها من الخلاف ثلاثة مذاهب أصحها أنه يجوز مطلقا وهو اختيار الامام وأتباعه، والثانى المنع مطلقا ونقله فى المحصول عن المعتزلة واختاره ابن الحاجب ونص عليه الشافعى كما نقله الأصفهانى فى شرح المحصول والثالث:

ان كان ممتنعا لذاته فلا يجوز والا فيجوز واختاره الآمدى، واذا قلنا بالجواز ففى وقوعه مذاهب: أحدهما المنع مطلقا سواء كان ممتنعا لذاته أم لا، والثانى:

الوقوع فيهما واختاره فى المحصول، والثالث التفصيل، وقد تردد النقل عن الشيخ أبى الحسن الأشعرى قال فى البرهان: وهذا سوء معرفة بمذهبه فان التكاليف كلها عنده تكليف بما لا يطلق لامرين أحدهما: أن الفعل مخلوق لله تعالى فتكليفه به تكليف بفعل غيره والثانى أنه لا قدرة عنده الا حال الامتثال والتكليف سابق، وهذا التخريج لا يستلزم وقوع الممتنع لذاته وجاء فى كتاب الاحكام

(1)

الاحكام فى أصول الاحكام للامام سيف الدين أبى الحسن الآمدى ح 1 ص 191 طبع مطبعة المعارف بمصر سنة 1332 هـ.

(2)

كشف الاسرار لعبد العزيز البخارى على أصول الامام فخر الاسلام البزدوى ح 1 ص 191 طبع فى مكتبة الصنايع بمصر سنة 1307 هـ.

(3)

شرح البدخشى وشرح الاسنوى على منهاج الوصول ح 1 ص 147، ص 148.

(4)

المرجع السابق ح 1 ص 148.

ص: 25

للآمدى

(1)

: المختار انما هو امتناع التكليف بالمستحيل لذاته كالجمع بين الضدين ونحوه وجوازه فى المستحيل باعتبار غيره، قال الآمدى: واليه ميل الامام الغزالى رحمه الله تعالى، وجاء فى كتاب كشف الاسرار شرح أصول البزدوى الحنفى

(2)

:

اعلم أن الأئمة قد اختلفوا فى جواز التكليف بالممتنع وهى المسمى تكليفا بما لا يطاق فقال أصحابنا: لا يجوز ذلك عقلا ولهذا لم يقع شرعا وقالت الأشعرية: انه جائز عقلا واختلفوا فى وقوعه والأصح عدم الوقوع، والخلاف فى التكليف بما هو ممتنع لذاته كالجمع بين الضدين والعقد بين شعيرتين - أى حبتى شعير - فأما التكليف بما هو ممتنع لغيره كايمان من علم الله تعالى أنه لا يؤمن مثل فرعون وأبى جهل وسائر الكفار الذين ماتوا على كفرهم فقد اتفق الكل على جوازه عقلا وعلى وقوعه شرعا فالأشعرية تمسكوا بأن التكليف منه سبحانه وتعالى تصرف فى عباده ومماليكه فيجوز سواء أطاق العبد أو لم يطق وهذا لأن امتناع التكليف اما أن يكون لاستحالته فى ذاته أو لكونه قبيحا، لا وجه للأول لقصور صدور الأمر من الله تعالى بالممتنع للعبد، ولا للثانى لان القبح انما يكون باعتبار عدم حصول الغرض والقديم منزه عن الغرض، وتمسك أصحابنا بأن تكليف العاجز عن الفعل بالفعل يعد سفها فى الشاهد كتكليف الأعمى بالنظر فلا يجوز نسبته الى الحكيم جل جلاله، وما مر انما هو فى التكليف بالمحال، أما التكليف المحال فقد قال البيضاوى

(3)

: أما التكليف المحال باسقاط الباء - فانه لا يجوز تكليف الغافل من أحال تكليف المحال فان الاتيان بالفعل امتثالا يعتمد قصد الفعل ولا يكفى مجرد الفعل لقول النبى صلى الله عليه وسلم: إنما الاعمال بالنيات، وقال البدخشى: تكليف الغافل كالساهى والنائم والمجنون والسكران وغيرهم لا يجوزه من منع التكليف بالمحال ثم قال

(4)

: واعلم أن الشافعى رحمه الله تعالى قد نص فى الأم على أن السكران مخاطب مكلف كذا نقل عنه الرويانى فى البحر فى كتاب الصلاة، وحينئذ فيكون تكليف الغافل عنده جائزا لأنه فرد من أفراد المسألة كما نص عليه الآمدى وابن الحاجب، وفى المستصفى

(5)

أن تكليف الناسى والغافل عما يكلف محال اذ من لا يفهم كيف يقال له: افهم، أما ثبوت الأحكام بأفعاله فى النوم والغفلة فلا ينكر كلزوم الغرامات وغيرها وكذلك تكليف السكران الذى لا يعقل محال كتكليف الساهى

(1)

الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ج 1 ص 192 الطبعة السابقة.

(2)

كشف الاسرار ج 1 ص 191، 192 الطبعة السابقة.

(3)

شرح البدخشى ومعه شرح الاسنوى على منهاج الوصول ج 1 ص 136 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ح 1 ص 137.

(5)

المستصفى للغزالى مع فواتح الرحموت ج 1 ص 84 الطبعة السابقة.

ص: 26

والمجنون والذى يسمع ولا يفهم بل السكران أسوأ حالا من النائم الذى يمكن تنبيهه ومن المجنون الذى يفهم كثيرا من الكلام، وأما نفوذ طلاقه ولزوم الغرم فذلك من قبيل ربط الأحكام بالأسباب وذلك مما لا ينكر.

‌استحالة الجمع بين الحرمة والوجوب

فى فعل واحد من جهة واحدة

يقول الآمدى

(1)

فى كتابه الاحكام فى أصول الأحكام: اتفق العقلاء على استحالة الجمع بين الحظر والوجوب فى فعل واحد من جهة واحدة وذلك لتقابل حديهما اذ الواجب عبارة عن خطاب الشارع بما ينتهض تركه سببا للذم شرعا فى حالة ما، أما المحظور فهو ما ينتهض فعله سببا للذم شرعا بوجه ما من حيث هو فعل له وعلى ذلك فان الجمع بينهما مستحيل الا على رأى من يجوز التكليف بالمحال وانما الخلاف فى أنه هل يجوز انقسام النوع الواحد من الأفعال الى واجب وحرام وذلك كالسجود لله تعالى والسجود للصنم، وأن يكون الفعل الواحد بالشخص واجبا حراما من جهتين وذلك كوجوب الفعل المعين الواقع فى الدار المغصوبة كالصلاة من حيث هى صلاة وتحريمه من حيث أنه غاصب شاغل لملك الغير، يقول الآمدى: ان ذلك مما جوزه أصحابنا وأكثر الفقهاء مطلقا وخالف فى الصورة الاولى بعض المعتزلة وقالوا:

ان السجود نوع واحد وهو مأمور به لله تعالى فلا يكون حراما ولا منهيا عنه بالنسبة الى الصنم من حيث هو سجود والا كان الشئ الواحد مأمورا به منهيا عنه وذلك محال، وانما المحرم المنهى عنه هو قصد تعظيم الصنم وهو غير السجود فالساجد للصنم عاص بقصد تعظيم الصنم لا بنفس السجود، ويقول الغزالى

(2)

: اذا عرفت أن الحرام ضد الواجب لأنه المقتضى تركه والواجب هو المقتضى فعله فلا يخفى عليك أن الشئ الواحد يستحيل أن يكون واجبا حراما، طاعة معصية فى آن واحد، والواحد ينقسم الى واحد بالنوع والى واحد بالتعيين، أما الواحد بالنوع كالسجود مثلا فانه نوع واحد من الأفعال فيجوز أن ينقسم الى الواجب والحرام ويكون انقسامه بالأوصاف والاضافات كالسجود لله تعالى والسجود للصنم اذ أحدهما واجب والآخر حرام ولا تناقض، وذهب بعض المعتزلة الى أنه مناقض فان السجود نوع واحد مأمور به فيستحيل أن ينهى عنه بل الساجد للصنم عاص بقصد تعظيم الصنم لا بنفس السجود وهذا خطأ فاحش فانه اذا تغاير متعلق الأمر والنهى لم يتناقض والسجود للصنم غير السجود لله تعالى لان اختلاف الاضافات والصفات يوجب

(1)

الاحكام للآمدى ج 1 ص 162، 163.

(2)

المستصفى للامام الغزالى ج 1 ص 76 وص 77 الطبعة السابقة.

ص: 27

المغايرة اذ الشئ لا يغاير نفسه والمغايرة تارة تكون باختلاف النوع وتارة باختلاف الوصف وتارة باختلاف الاضافة وقد قال الله تعالى: «لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ»

(1)

، وليس المأمور به هو المنهى عنه والاجماع منعقد على أن الساجد للشمس عاص بنفس السجود والقصد جميعا فقولهم ان السجود نوع واحد لا يغنى مع انقسام هذا النوع الى أقسام مختلفة المقاصد اذ مقصود هذا السجود تعظيم الصنم دون تعظيم الله تعالى، واختلاف وجوه الفعل كاختلاف نفس الفعل فى حصول الغيرية الرافعة للتضاد فان التضاد انما يكون بالاضافة الى واحد ولا وحدة مع المغايرة، وأما الواحد بالتعيين كصلاة زيد فى دار مغصوبة من عمرو فحركته فى الصلاة فعل واحد بعينه هو مكتسبه ومتعلق قدرته فالذين سلموا فى النوع الواحد نازعوا ههنا فقالوا: لا تصح هذه الصلاة اذ يؤدى القول بصحتها الى أن تكون العين الواحدة من الافعال حراما واجبا وهو متناقض فقيل لهم: هذا خلاف اجماع السلف فانهم ما أمروا الظلمة عند التوبة بقضاء الصلوات المؤداة فى الدور المغصوبة مع كثرة وقوعها ولا نهوا الظالمين عن الصلاة فى الأراضى المغصوبة فأشكل الجواب على القاضى أبى بكر رحمه الله تعالى فقال:

يسقط الوجوب عندها لا بها بدليل الاجماع ولا يقع واجبا لأن الواجب ما يثاب عليه وكيف يثاب على ما يعاقب عليه وفعله واحد هو كونه فى الدار المغصوبة وسجوده وركوعه أكوان اختيارية هو معاقب عليها ومنهى عنها، ونقول: الفعل وان كان واحدا فى نفسه فاذا كان له وجهان متغايران يجوز أن يكون مطلوبا من أحد الوجهين مكروها من الوجه الآخر وانما المحال أن يطلب من الوجه الذى يكره بعينه وفعله من حيث أنه صلاة مطلوب ومن حيث أنه فى مكان مغصوب مكروه والغصب معقول دون الصلاة والصلاة معقولة دون الغصب وقد اجتمع الوجهان فى فعل واحد ومتعلق الأمر والنهى الوجهان المتغايران، وجاء فى مسلم

(2)

الثبوت يجوز فى الواحد بالجنس اجتماع الوجوب والحرمة كالسجود لله وللشمس فانهما نوعان لمطلق السجود الواحد الجنسى مع وجوب الاول وحرمة الثانى، ومنع بعض المعتزلة هذا الاجتماع مكابرة لا يلتفت اليه وصرفهم السجود الى قصد التعظيم بأن السجود ليس حراما ولا واجبا، انما الواجب تعظيم الله سبحانه وتعالى والمحرم تعظيم الشمس .. لا يجدى، وانما الكلام فى وجوب شئ وحرمته بأن يتصف بهما فى أشخاصه سواء سمى

(1)

الآية رقم 37 من سورة فصلت.

(2)

مسلم الثبوت وشارحه فواتح الرحموت ج 1 ص 104 وص 105 وص 106 الطبعة السابقة.

ص: 28

ذلك الشئ جنسا أو نوعا، فأما أن تتحد فيه الجهة حقيقة أو حكما كما اذا تساويا فذلك الاجتماع مستحيل فانه يلزم الاتيان به، وعدم الاتيان به، وهو جمع بين النقيضين فهذا التكليف تكليف بالنقيضين بل تكليفه محال لانه يلزم من هذا التكليف اجتماع الوجوب والحرمة فى شئ واحد ذاتا وجهة فيكون واجبا حراما وهو جمع بين الضدين فى نفس الامر، واما أن تتعدد الجهة حقيقة وحكما بحيث يمكن الافتراق من أحدهما كالصلاة فى الدار المغصوبة فعند الجمهور من الحنفية والشافعية والمالكية يصح هذا النحو من التكليف فالصلاة فى الارض المغصوبة واجب حرام معا فالآتى بها يستحق ثواب الصلاة وعقاب الغصب وقال القاضى أبو بكر الباقلانى لا يصح ويسقط به أى بالفعل الذى شأنه هذا الطلب.

واستبعده الامام الرازى فان سقوط الطلب اما بالامتثال أو الفسخ وكلاهما منتف وعند الامام أحمد بن حنبل وأكثر المتكلمين والجبائى والإمامية لا يصح هذا النحو من التكليف ولا يسقط به الواجب قال صاحب مسلم الثبوت: ودليلنا أنه لا مانع من هذا التكليف لان عدم اتحاد المتعلقين حقيقة ثابت ههنا فان الكون فى الحيز وان كان كونا واحدا بالشخص لكنه متعدد باعتبار أنه كون من حيث أنه صلاة وكون من حيث انه غصب فبالجهة الاولى يكون واجبا وبالجهة الثانية يكون حراما فلا اتحاد فى المتعلقين أصلا فلا استحالة.

‌استحالة ارادة المعنى الحقيقى والمجازى

من لفظ واحد فى وقت واحد

قال البزدوى

(1)

: من أحكام الحقيقة والمجاز استحالة اجتماعهما مرادين بلفظ واحد ويقول صاحب مسلم الثبوت

(2)

وشارحه لا يجوز الجمع بين المعنى الحقيقى والمعنى المجازى مقصودين بالحكم بالذات بخلاف الكناية فانه وان أريد فيها الموضوع له وملزومه

(3)

ولكن ليسا مقصودين بل جعل الاول توطئة للثانى وأجازه الشافعية الا أن لا يمكن الجمع عقلا كافعل أمرا وتهديدا للتنافى بينهما وقال الغزالى يصح الجمع عقلا لا لغة، وقال فى كشف الاسرار

(4)

:

اختلف الاصوليون فى جواز اطلاق اللفظ الواحد على مدلوله الحقيقى ومدلوله المجازى فى وقت واحد فذهب أصحابنا وعامة أهل الادب والمحققون من أصحاب الشافعى وعامة المتكلمين الى امتناعه، وذهب الشافعى وعامة أصحابه وعامة أهل الحديث وأبو على الجبائى وعبد الجبار ابن أحمد من المتكلمين الى جوازه مستروحين فى ذلك الى أنه لا مانع من ارادة المعنيين جميعا فان الواحد منا قد يجد نفسه

(1)

كشف الاسرار على أصول البزدوى ج 2 ص 364 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت ج 1 ص 216 الطبعة السابقة.

(3)

لعل الصواب لازمه.

(4)

كشف الاسرار على أصول البزدوى ج 2 ص 364 وما بعدها.

ص: 29

مريدة بالعبارة الواحدة معنيين مختلفين كما يجد نفسه مريدة للمعنيين المتفقين جميعا ونعلم ذلك من أنفسنا قطعا فمن ادعى استحالته فقد جحد الضرورة وعاند المعقول، ألا ترى أن الواحد منا قد يجد فى نفسه اذا قال لغيره: لا تنكح ما نكح أبوك أو قال لغيره: توضأ من لمس المرأة، ارادة العقد والوط ء فى الاول، واردة المس باليد والوط ء فى الثانى حتى لو صرح به وقال: لا تنكح ما نكح أبوك وطئا ولا عقدا وتوضأ من اللمس مسا ووطئا صح ذلك من غير استحالة، فكذا يجوز أن يحمل قوله تعالى:«وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ 1» على الوط ء والعقد، وأن يحمل قوله تعالى:«أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ»

(2)

على الوط ء والمس باليد من غير استحالة، قالوا: وهذا بخلاف ما اذا أريد باللفظ الواحد معنيان متضادان كما اذا أريد بالامر الوجوب والندب أو الاباحة أو التهديد أو أريد بالمشركين الكل والبعض حيث لا يجوز مع صلاحيته لكل واحد لان العمل بهما مستحيل لان كون الفعل واجبا يأثم بتركه يضاد كونه ندبا أو مباحا لا يأثم بتركه فيستحيل الجمع بينهما، ومثل ذلك: افعل أمرا وتهديدا فانه لا يمكن الجمع للتنافى بينهما أو بالنظر الى القرينة الصارفة، وظاهر هذا يشعر بأن الاصل عندهم الجمع الا للضرورة

(3)

، هذا رأى من ذهب الى جوازه، أما من

(4)

ذهب الى امتناع جوازه فلهم أن القول بجواز ارادتهما يؤدى الى المحال فيكون فاسدا وبيان الاستحالة من وجوه: أحدهما: أن الحقيقة ما يكون مستقرا فى موضوعه مستعملا فيه، والمجاز ما يكون متجاوزا عن موضوعه مستعملا فى غيره، والشئ الواحد فى حالة واحدة لا يتصور أن يكون مستقرا فى موضعه ومتجاوزا عنه ضرورة أن الشئ الواحد لا يحل فى مكانين، وثانيهما أنه لو صح الاطلاق عليهما يكون المستعمل مريدا لما وضعت له الكلمة أولا لاستعمالها فيه غير مريد له أيضا للعدول بها عما وضعت له فيكون موضوعها مرادا وغير مراد وهو جمع بين النقيضين، والاستحالة فى الوجه الاول باعتبار اللفظ وفى الوجه الثانى باعتبار المعنى، وثالثها أن استعمال الكلمة فيما هى مجاز فيه يوجب اضمار كاف التشبيه لما عرف، واستعمالها فيما هى حقيقة فيه لا يوجب ذلك، وبين الاضمار وعدمه تناف، ورابعها أن المجاز لا يفهم من الخطاب الا بقرينة وتقييد، والحقيقة تفهم بالاطلاق من غير قرينة وتقييد، ويستحيل أن يكون الخطاب الواحد جامعا بين الامرين فيكون مطلقا ومقيدا فى حالة واحدة، قال فى كشف الاسرار

(5)

: ولكن

(1)

الآية رقم 22 من سورة النساء.

(2)

الآية رقم 43 من سورة النساء.

(3)

فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ج 1 ص 216.

(4)

كشف الاسرار ج 2 ص 365.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 366.

ص: 30

الفريق الاول اعترض على هذه الاوجه ..

ثم ساق اعتراضاتهم ورد عليها بكلام كثير يرجع اليه فى مكانه ثم قال: واختيار أكثر المحققين أن ارادة المعنيين تجوز عقلا ولكن لا تجوز لغة لان أهل اللغة وضعوا قولهم «حمار» للبهيمة المخصوصة وحدها، وتجوزوا به فى البليد وحده ولم يستعملوه فيهما معا أصلا.

‌استحالة تنفيذ العقد

أو الشرط وأثر ذلك:

جاء فى منتهى الارادات

(1)

: من شرط لزوجته أن لا يخرجها من منزل أبويها فمات أحد الابوين بطل الشرط لان المنزل صار لاحد الابوين بعد أن كان لهما فاستحال اخراجها من منزل أبويها فبطل الشرط، وكذا ان تعذر سكنى المنزل لنحو خراب فله أن يسكن بها حيث أراد سواء رضيت أو لا لانه الاصل والشرط عارض وقد زال فرجعنا الى الاصل وهو محض حقه.

وفى عقد الاجارة ينفسخ العقد اذا طرأ ما يتعذر معه الانتفاع لانه يفوت به غرض المستأجر، جاء فى الاجارة من الاصل للامام محمد بن الحسن:

اذا سقطت الدار كلها كان لمستأجرها أن يخرج منها سواء أكان صاحب الدار شاهدا أم غائبا، وروى هشام عن محمد فيمن استأجر بيتا فقبضه ثم انهدم فبناه المؤجر فقال المستأجر بعد بنائه:

لا حاجة لى فيه، أنه قال: ليس للمستأجر ذلك، وقال القدورى: الصحيح أن العقد ينفسخ فى مثل هذه الحال لان المنفعة المطلوبة من الدار قد بطلت

(2)

.. وينظر تفصيل الكلام فى ذلك فى مصطلح عقد ومصطلح شرط.

‌استحالة الدعوى

قد تكون الدعوى مستحيلة وغير ممكنة التحقق وفى هذه الحالة لا تسمع الدعوى - انظر مصطلح دعوى.

‌استحباب

‌التعريف فى اللغة

استحباب مصدر فعله استحب، وقد جاء فى المعجم الوسيط

(3)

أنه يقال:

استحب فلان الشئ اذا آثره واختاره

(1)

منتهى الارادات بهامش كشاف القناع ج 3 ص 69 الطبعة السابقة.

(2)

الدر المختار ج 5 ص 52 وج 4 ص 79 الطبعة السابقة.

(3)

المعجم الوسيط اخراج مجمع اللغة العربية مادة حب ومادة أثر.

ص: 31

وفضله، ويقال استحبه عليه كما فى قوله تعالى {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ)}

(1)

وذكر صاحب القاموس المحيط ان استحب تأتى بمعنى أحب على أصل المادة قبل زيادة الالف والسين والتاء

(2)

.

‌التعريف فى اصطلاح الفقهاء

وعلماء الاصول

ذكر ابن أمير الحاج ان المستحب فى فقه الحنفية هو ما لم يواظب الرسول صلى الله عليه وسلم على فعله وان لم يفعله بعد ما رغب فيه

(3)

. وروى الاسنوى أن المستحب اسم من أسماء المندوب فقد جاء فى نهاية السول ان المندوب يسمى سنة ونافلة - قال فى المحصول: ويسمى - أى المندوب أيضا مستحبا وتطوعا ومرغبا فيه واحسانا.

ثم عرف الاسنوى المندوب بأنه ما يحمد فاعله ولا يذم تاركه

(4)

. وذكر صاحب كشف الاسرار على أصول البزدوى أن المستحب اسم من اسماء النفل ثم عرف النفل بقوله: وأما حد النفل - وهو المسمى بالمندوب والمستحب والتطوع - فقيل ما فعله خير من تركه فى الشرع

(5)

- ثم عاد فقال: واما الاستحباب فيدل بوضعه على ميلان الطبع الى الشئ والمحبة له

(6)

. وقال الرهاوى فى حاشيته على شرح المنار: المستحب ما وصل الينا بدليل دل على رجحانه ايقاعا منه صلى الله عليه وسلم على وجه لا يلام على تركه

(7)

. وعرفه القمى من الإمامية فى قوله: فى قوانين الاصول. والاستحباب هو رجحان الفعل مع عدم المنع من الترك

(8)

وهكذا عبر عنه الفقهاء والاصوليون تارة بالمندوب وتارة بالنافلة.

‌انواع الاستحباب

ذكر صاحب كتاب قوانين الاصول أن الاستحباب قسمان، استحباب نفسى واستحباب للغير، أما الاستحباب النفسى فمثل استحباب نفس الطهارة وقت حصول الحدث، وأما الاستحباب للغير فذلك مثل استحباب غسل الجنابة للصلاة المندوبة

(9)

.

(1)

الاية رقم 23 من سورة التوبة.

(2)

القاموس المحيط مادة حب.

(3)

التقرير والتحبير شرح ابن أمير الحاج على تحرير الامام الكمال بن الهمام ج 2 ص 223 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميريه ببولاق بمصر سنة 1317 هـ.

(4)

نهاية السول فى شرح منهاج الوصول الى علم الاصول للامام جمال الدين الاسنوى فى كتاب مع شرح البدخشى ج 1 ص 46، 47 طبع محمد على صبيح بمصر.

(5)

كشف الاسرار لعبد العزيز البخارى على أصول الامام البزدوى ج 2 ص 622، 623 طبع فى مكتب الصنائع سنة 1307 هـ.

(6)

المرجع السابق ج 4 ص 133، 134.

(7)

حاشية الرهاوى للشيخ يحيى الرهاوى على المنار لعز الدين عبد اللطيف بن ملك ج 727 طبع المطبعة العثمانية سنة 1315 هـ.

(8)

قوانين الاصول لميرزا أبو القاسم القمى ص 132 طبع المكتبة العلمية الاسلامية فى طهران سنة 1378 هـ.

(9)

قوانين الاصول للقمى وحاشيته ص 137

ص: 32

‌مراتب الاستحباب

وللاستحباب مراتب متفاوتة تبعا لما تتعلق به، فقد ذكر ابن عابدين فى حاشيته أن مراتب الاستحباب متفاوتة كمراتب السنة والواجب والفرض، فيكون بعض المستحبات تركه مكروه تنزيها، وبعضها تركه غير مكروه مثل ترك الاذان والاقامة للمسافر فانهما مستحبان يكره تركهما، ومثل الاكل يوم الاضحى فانه لو لم يؤخره الى ما بعد الصلاة لا يكره مع أن التأخير مستحب

(1)

.

‌حكم متابعة النبى صلى الله عليه وسلم

روى صاحب نهاية السول ان آراء الفقهاء فى حكم متابعة النبى صلى الله عليه وسلم فيما لم يظهر فيه قصد القربة ولم نعلم وجهه وقصده به من كونه واجبا أو مندوبا أو غير هذا أو ذاك - تدور حول أربعة مذاهب: أولها أن الفعل يدل على اباحة متابعته صلى الله عليه وسلم مطلقا لان فعل النبى صلى الله عليه وسلم لا يكره ولا يحرم والاصل عدم الوجوب والندب لان رفع الحرج عن الفعل والترك ثابت وزيادة الوجوب والندب لا تثبت الا بدليل ولم يتحقق فتبقى الاباحة. الثانى أنه: يدل على الندب لقول الله تعالى «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»

(2)

.

فان وصف الاسوة بالحسنة يدل على الرجحان، والوجوب منتف لكونه خلاف الاصل، ولقوله (لكم) ولم يقل (عليكم) فتعين الندب. والثالث أنه: يدل على الوجوب لقول الله تعالى «فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ»

(3)

.. والامر للوجوب، ولقول الله تعالى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي»

(4)

فانه يدل على أن محبة الله تعالى مستلزمة للمتابعة، ومحبة الله تعالى واجبة اجماعا، ولازم الواجب واجب، فتكون المتابعة واجبة. الرابع أنه: لا يدل على شئ من الاحكام بالتعيين لاحتمال هذه الامور الثلاثة واحتمال أن يكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم فيتوقف الى ظهور البيان

(5)

.

وذكر صاحب شرح مختصر المنتهى هذه المذاهب الاربعة، ثم أضاف مذهبا خامسا قال عنه انه هو الذى اختاره ابن الحاجب، وهو التفصيل بأنه ان ظهر قصد القربة فالندب والا فالاباحة لانه اذا ظهر قصد القربة ظهر الرجحان

(1)

البحر الرائق للامام ابن نجيم وحاشية ابن عابدين عليه ج 2 ص 34، 35 الطبعة الاولى بالمطبعة العلمية.

(2)

سورة الاحزاب الاية رقم 21.

(3)

سورة الاعراف الاية رقم 158.

(4)

سورة آل عمران الآية رقم 31.

(5)

نهاية السول فى شرح منهاج الوصول الى علم الاصول للامام جمال الدين الاسنوى على هامش التقرير والتحبير ج 2 ص 54، 55 وانظر كذلك المختصر لابن الحاجب ج 2 ص 22، 23 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميريه ببولاق سنة 1316 هـ.

ص: 33

فحكم به والمنع من الترك زيادة لم تثبت الا بدليل، والاصل عدمه فثبت الرجحان بدون المنع من الترك وهو الندب.

واذا لم يظهر قصد القربة ظهر الجواز لبعد المعصية ولا وجوب ولا ندب بالاصل. وأيضا لما نفى الحرج فى قول الله تعالى «زَوَّجْناكَها» مع احتمال الوجوب والندب ولم يثبتهما فهم منه أن مقتضى فعله الاباحة دونهما

(1)

.

أما صاحب شرح المنار فقد ذكر أن أحوال فعل النبى صلى الله عليه وسلم أربعة مباح ومستحب وواجب وفرض

(2)

. وروى صاحب قوانين الاصول أن آراء الفقهاء تدور بين وجوب المتابعة مطلقا أو استحبابها مطلقا أو اباحتها مطلقا أو وجوب التوقف فيها، غير أنه قرر أن استحباب متابعة النبى صلى الله عليه وسلم هو أقوى تلك الاقوال، لاصالة البراءة من الوجوب وعدم دليل قائم عليه، ولان احتمال الاباحة مقهور بأكثرية الراجح فى أفعالهم، ولان ذلك مقتضى الاحتياط لاحتمال الوجوب بل والندب أيضا فيستحب، ولان ذلك مقتضى عمومات ما دل على حسن التأسى بعد نفى دلالتها على الوجوب وذلك مثل قراءة السورة فى الصلاة وغسل الوجه من الاعلى

(3)

.

‌حكم ترك المستحب

يتبع حكم ترك المستحب ما يقصد بالمستحب وقد اختلف الحنفية فى حكم تركه فقال جماعة لا يترتب على تركه كراهة على ما جاء فى البحر الرائق من أنه ان كان ذلك الشئ الذى تركه المصلى مستحبا أو مندوبا وليس بسنة كما هو على اصطلاحنا فينبغى أن لا يكون تركه مكروها أصلا كما صرحوا به من أنه يستحب يوم الاضحى أن لا يأكل أولا الا من أضحيته ولو أكل أولا من غير أضحيته فليس بمكروه، فلم يلزم من ترك المستحب ثبوت كراهته

(4)

. غير أن ابن نجيم تعقب ذلك بقوله: الا أنه يشكل عليه ما قالوه من ان المكروه تنزيها مرجعه الى خلاف الاولى، ولا شك فى أن ترك المستحب خلاف الاولى

(5)

. ووفق ابن عابدين فى حاشيته بين الرأيين مستندا الى ما ذكره بعض الائمة من أن الكراهة المنفية هى الكراهة التحريمية فلا ينافى ثبوت الكراهة التنزيهية كما لا يخفى، وذلك قوله: وعلى هذا ففى ترك المستحب والمندوب كراهة الا أنه ينبغى أن تكون دون كراهة ترك السنة غير المؤكدة كما قدمه ابن نجيم من أن الاثم فى ترك السنة

(1)

شرح القاضى عضد الملة والدين لمختصر المنتهى الاصولى للامام ابن الحاجب وبهامشه حاشية سعد الدين التفتازانى ج 2 ص 22، 23 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميريه ببولاق مصر سنة 1317 هـ.

(2)

شرح المنار لعز الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز بن الملك ص 727.

(3)

قوانين الاصول لابى القاسم القمى ص 390 الى ص 393 طبع المكتبة العلمية الاسلامية فى طهران سنة 1378 هـ.

(4)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 2 ص 34.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 34، 35.

ص: 34

المؤكدة دون ترك الواجب وأنه مقول بالتشكيك ولا مانع من أن تكون الكراهة كذلك وفى شرح المنية ما نصه: فالحاصل أن المستحب فى حق الكل وصل السنة بالمكتوبة من غير تأخير الا أن المستحب فى حق الامام أشد حتى يؤدى تأخيره الى الكراهة لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها

(1)

.

بخلاف المقتدى والمنفرد. ونظير هذا قولهم: يستحب الاذان والاقامة للمسافر ولمن يصلى فى بيته فى المصر، ويكره تركهما للاول دون الثانى فعلم أن مراتب الاستحباب متفاوتة كمراتب السنة والواجب والفرض فيكون بعض المستحبات تركها مكروه تنزيها وبعضها غير مكروه، ومنه الاكل يوم الاضحى فانه لو لم يؤخره الى ما بعد الصلاة لا يكره مع أن التأخير مستحب والمراد نفى الكراهة أصلا ثم قال: وبذلك يندفع الاشكال لان المكروه تنزيها الذى ثبتت كراهته بالدليل يكون خلاف الاولى، ولا يلزم من كون الشئ خلاف الاولى أن يكون مكروها تنزيها ما لم يوجد دليل الكراهية.

والحاصل أن خلاف الاولى أعم من المكروه تنزيها، وترك المستحب خلاف الاولى دائما لا مكروه تنزيها دائما، بل قد يكون مكروها ان وجد دليل الكراهة والا فلا

(2)

.

‌العلاقة بين الاستحباب والوجوب

جاء فى حاشية قوانين الاصول أن الواجب ضد لكل واحد من الاستحباب والكراهة والاباحة

(3)

، ثم ذكر أنه قد يجتمع الوجوب النفسى مع الاستحباب للغير كاستحباب غسل الجنابة للصلاة المندوبة على القول بوجوبه لنفسه، وكذلك قد يجتمع الوجوب الغيرى مع الاستحباب النفسى على القول الآخر ويرى ابن رشد أن الاستحباب يغاير الجواز والوجوب فقد قال: وأما استقبال القبلة بالذبيحة فان قوما استحبوا ذلك وقوما أجازوا ذلك وقوما أوجبوه وقوما كرهوا أن لا يستقبل بها القبلة

(4)

.

هذا ويمكن أن يحمل الامر على الاستحباب فقد ذكر صاحب قوانين الاصول أنه اذا قال قائل: ان ظاهرت فاعتق رقبه، وان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة فانه يمكن الجمع

(1)

لعل صاحب منية المصلى يقصد بذلك ما رواه مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة رضى الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه فقالت كان يصلى فى بيتى قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلى بالناس ثم يدخل فيصلى ركعتين وكان يصلى بالناس المغرب ثم يدخل فيصلى ركعتين ويصلى بالناس العشاء ويدخل بيتى فيصلى ركعتين وكان يصلى من الليل تسع ركعات فيهن الوتر وكان يصلى ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا، وكان اذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم واذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد وكان اذا طلع الفجر صلى ركعتين، انظر صحيح مسلم بشرح النووى ج 6 ص 8 طبع المطبعة المصرية ومكتبتها.

(2)

حاشية ابن عابدين على البحر الرائق فى كتاب مع البحر الرائق ج 2 ص 34 الطبعة الاولى بالمطبعة العلمية.

(3)

قوانين الاصول للقمى ص 32 الطبعة السابقة.

(4)

بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج 1 ص 435.

ص: 35

بين القولين بحمل المقيد - وهو مؤمنة - على الاستحباب بمعنى حمل الامر وهو قوله اعتق رقبة مؤمنة مثلا على الاستحباب فتكون الرقبة المؤمنة أفضل أفراد الواجب التخييرى

(1)

.

بينما ذكر ابن قدامة المقدسى أنه شاع فى ألسنة الفقهاء أن الامر ينقسم الى أمر ايجاب وأمر استحباب

(2)

.

‌العلاقة بين الاستحباب والندب

والسنة والنفل والاباحة

ذكر صاحب التقرير والتحبير أن مطلق السنة ينقسم الى سنة الهدى والى سنن زائدة والى نفل، أما سنة الهدى فتاركها مضلل ملوم كالاذان والجماعة، وأما السنن الزائدة فكما فى أكله صلى الله عليه وسلم وقعوده ولبسه، وأما النفل - وهو المشروع زيادة على الفرائض والواجبات والسنن - فهو ما يثاب المرء على فعله ولا يعاقب ولا يعاتب على تركه لعدم الفرضية والوجوب والسنية، ومن النفل الركعتان الاخريان من الرباعية للمسافر لانه يثاب على فعلمها ولا يعاقب ولا يعاتب على تركهما فلم ينوبا عن سنة الظهر على الصحيح، ومن النفل كذلك ما تعلق به دليل ندب يخصه وهو المستحب والمندوب كالركعتين والاربع قبل العصر والسنة بعد المغرب

(3)

. ثم ذكر أن السنة فى فقه الحنفية هى ما واظب النبى صلى الله عليه وسلم على فعله مع ترك ما بلا عذر. وما لم يواظب النبى صلى الله عليه وسلم على فعله فهو مندوب ومستحب

(4)

. ثم ذكر أن المباح من أسمائه الجائزة وأنه كما يطلق على المباح يطلق على ما لا يمتنع شرعا مباحا كان أو واجبا أو مندوبا أو مكروها، وعلى ما لا يمتنع عقلا واجبا كان أو راجحا أو متساوى الطرفين أو مرجوحا، وعلى ما استوى الامران فيه سواء استويا شرعا كالمباح أو عقلا كفعل الصبى، وعلى المشكوك فيه فى الشرع أو العقل بالاعتبارين وهما استواء الطرفين وعدم الامتناع

(5)

. والخرشى على أن المستحب مندوب، فقد جاء فى شرحه قول الامام خليل (وندب اعلامها به) يعنى أنه يستحب اعلام البكر أن صمتها اذن منها

(6)

الخ. وذكر البخارى فى كشف الاسرار فى بيان حد النفل - أن النفل هو المسمى بالمندوب والمستحب والتطوع

(7)

‌العلاقة بين الاستحباب والادب

يذهب كثير من الائمة الى أن الادب أعم من الاستحباب على معنى أن الادب يشمل الاستحباب والندب والتطوع والنفل. فقد

(1)

قوانين الاصول لابى القاسمى القمى ص 322، 325.

(2)

روضة الناظر وجنة المناظر لابى محمد عبد الله بن قدامة المقدسى ص 114، 115 طبع المطبعة السلفية سنة 1342 هـ.

(3)

ابن أمير الحاج فى التقرير والتحبير على تحرير الكمال ج 2 ص 149، 150.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 223.

(5)

شرح القاضى عضد الملة والدين لمختصر المنتهى الاصولى فى كتاب مع حاشية سعد الدين التفتازانى ج 2 ص 6 الطبعة الاولى سنة 1317 هـ.

(6)

شرح الخرشى ج 3 ص 184.

(7)

كشف الاسرار لعبد العزيز البخارى على أصول الامام البزدوى ج 2 ص 622، 601.

ص: 36

ذكر الطحطاوى من الحنفية فى حاشيته أن الادب يسمى بالنفل لانه زائد عن الفرض وبالمستحب لان الشارع يحبه وبالمندوب لان الشارع بين ثوابه وبالتطوع لان فاعله متبرع به

(1)

. وفى حاشية الصفتى ان المراد بالآداب هو ما يطلب من المكلف تحصيله سواء كان واجبا كتجنب الرائحة الكريهة أو سنة كالغسل أو مستحبا كالتطيب

(2)

.

وقصره الشبراملسى فى حاشيته على نهاية المحتاج على المستحب فقال الآداب جمع أدب وهو المستحب

(3)

. وعبر صاحب كشاف القناع عن الادب بالاستحباب

(4)

اذ قال فى باب أداب المشى الى الصلاة (ويستحب أن يقول اذا خرج من بيته ولو لغير صلاة بسم الله

الخ).

وكذلك فعل صاحب مفتاح الكرامة اذ قال فى آداب الخلوة (ويستحب شد البدن وتغطية الرأس

(5)

الخ).

‌استحسان

‌تعريف الاستحسان

الاستحسان فى اللغة مصدر استحسن الشئ عده حسنا جاء فى الاحكام للامدى

(6)

: هو فى اللغة مشتق من الحسن ومثله فى كشف الاسرار

(7)

.

وهو فى عرف الاصوليين كما يقول الغزالى

(8)

: له ثلاثة معان:

الاول أنه الذى يسبق الى الفهم أى ما يستحسنه المجتهد بعقله.

الثانى

(9)

أنه دليل ينقدح فى نفس المجتهد لا تساعده العبارة عنه ولا يقدر على ابرازه واظهاره.

الثالث

(10)

وهو منقول عن الكرخى وبعض أصحاب أبى حنيفة أنه قول بدليل يندرج تحته أجناس منها العدول بحكم المسألة عن نظائرها بدليل خاص من القرآن ومنها أن يعدل بها عن نظائرها بدليل السنة.

ويقول الامدى

(11)

: انه قد اختلف أصحاب أبى حنيفة فى تعريفه فمنهم من قال:

انه عبارة عن دليل ينقدح فى نفس المجتهد لا يقدر على اظهاره لعدم مساعدة العبارة

(1)

حاشية الطحطاوى على مراقى الفلاح شرح نور الايضاح ج 1 ص 14 الطبعة الثانية المطبعة الازهرية المصرية سنة 1328 هـ.

(2)

حاشية الصفتى لابن تركى المالكى ج 1 ص 296 طبع مطبعة محمد على صبيح سنة 1383 هـ

(3)

حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج ج 1 ص 115 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ.

(4)

كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 217 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ

(5)

مفتاح الكرامة فى شرح العلامة السيد محمد جواد بن محمد الحسينى العاملى ج 1 ص 50 طبع المطبعة الرضوية بمصر سنة 1324 هـ.

(6)

الاحكام للآمدى ج 4 ص 211.

(7)

كشف الاسرار للبزدوى ج 4 ص 1124

(8)

الغزالى ج 1 ص 274.

(9)

المرجع السابق ج 1 ص 280.

(10)

المرجع السابق ج 1 ص 282.

(11)

الاحكام للآمدى ج 4 ص 211.

ص: 37

عنه .. ومنهم من قال: انه عبارة عن العدول عن موجب قياس الى قياس أقوى منه .. ثم قال

(1)

: ونقل عن أبى الحسن البصرى تعريفه بأنه ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الالفاظ لوجه هو أقوى منه وهو فى حكم الطارئ وعلق الآمدى على هذا التعريف بأنه قصد بقوله غير شامل شمول الالفاظ الاحتراز عن العدول عن العموم الى القياس لكونه لفظا شاملا وعلق على قوله وهو فى حكم الطارئ بأنه احتراز عن قولهم: تركنا الاستحسان بالقياس فانه ليس استحسانا من حيث أن القياس الذى ترك له الاستحسان ليس فى حكم الطارئ بل هو الاصل. ثم أورد مناقشات لجملة هذه التعريفات بما سنورده بعد.

وعرفه صدر الشريعة فى التنقيح بأنه دليل يقابل القياس الجلى الذى تسبق اليه الافهام وقال فى التوضيح

(2)

: أن بعض الناس تحيروا فى تعريفه.

والصحيح فى تعريفه ما أوردناه من أنه دليل يقع فى مقابلة القياس الجلى.

وفى التحرير للكمال والتيسير عليه لباد شاه

(3)

: ان الاستحسان القياس الخفى بالنسبة الى قياس ظاهر متبادر ويقال لما هو أعم من ذلك وهو كل دليل واقع فى مقابلة القياس الظاهر بنص كالسلم أو أجماع كالاستصناع أو ضرورة كطهارة الحياض والآبار لعموم البلوى وقد جاء مثل ذلك فى المرقاة وشرحها مرآة الاصول

(4)

وعرفه الامام السرخسى فى مبسوطه

(5)

، نقلا عن شيخه بأنه ترك القياس والاخذ بما هو أوفق للناس وقيل طلب السهولة فى الاحكام فيما يبتلى فيه الخاص والعام وأورد عدة تعريفات حول هذا المعنى ترجع كما قال الى أنه ترك العسر لليسر.

وقد انفرد ابن السبكى بايراد تعريف للاستحسان

(6)

: بأنه العدول عن الدليل الى العادة للمصلحة كدخول الحمام من غير تعيين زمن المكث وقدر الماء والاجرة:

وقال الشاطبى

(7)

: الاستحسان فى مذهب مالك. الاخذ بمصلحة جزئية فى مقابلة دليل كلى ثم نقل عن ابن العربى أنه ايثار ترك مقتضى الدليل على طريق الاستثناء والترخص لمعارضة ما يعارض به فى بعض مقتضياته. وأنه قال فى أحكام القرآن: ان الاستحسان عندنا وعند الحنفية هو العمل بأقوى الدليلين وقد نقل الشوكانى

(8)

: هذا التعريف عن الباجى ونسبه الى أصحاب مالك فقط والسالمى الاباضى فى طلعة الشمس

(9)

:

يدور مع صاحب جمع الجوامع فى فلكه حول ما أورده من تعريفات.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 212.

(2)

ج 3 ص 2.

(3)

ج 4 ص 78.

(4)

ص 250

(5)

المبسوط للسرخسى ج 10 ص 145

(6)

جمع الجوامع ج 2 ص 360.

(7)

الموافقات للشاطبى ج 4 ص 116.

(8)

الشوكانى ص 224

(9)

طلعة الشمس ج 1 ص 185

ص: 38

وجاء فى المسودة فى أصول الفقه لآل تيمية الحنابلة

(1)

: ان الاستحسان فسره الحلوانى بأوجه ثم قال: ويحتمل عندى أن يكون الاستحسان ترك القياس الجلى وغيره لدليل نص من خبر واحد أو غيره أو ترك القياس لقول الصحابى فيما لا يجرى فيه القياس. وهذا ظاهر كلام أبى الخطاب فى كتاب الهداية فى مسألة العينة حيث قال لا يجوز استحسانا وقال انه رأى مثل ذلك التعريف للفخر اسماعيل فى كتابه الجدل.

‌النسبة بين الاستحسان والقياس

مجال الكلام فى النسبة بين الاستحسان والقياس يتجلى فى مسلك الحنفية وأول ما يوجهنا فى مراجعنا عبارة البزودى القائل:

(2)

ان الاستحسان عندنا أحد القياسين، ويقول صدر الشريعة

(3)

: ان القياس ينقسم الى جلى وخفى فالخفى يسمى بالاستحسان لكنه أعم من القياس الخفى فان كل قياس خفى استحسان وليس كل استحسان قياسا خفيا لان الاستحسان قد يطلق على غير القياس الخفى لكن الغالب فى كتب أصحابنا يريد الحنفية أنه اذا ذكر الاستحسان أريد القياس الخفى - فى مقابل الجلى وقد أوضح الكمال فى التحرير كما أوضح أمير بادشاه فى شرحه هذا المقام

(4)

، اذ نصا على أن الحنفية قسموا القياس الى جلى وهو ما تبادر الى الافهام وجهه والى ما هو خفى من هذا التبادر وهو ما يسمى بالاستحسان والاول الذى هو الجلى يسمى بلفظ القياس فكأنه لكماله يختص باسم القياس فلفظ القياس يستعمل فى معنيين أحدهما الاعم المقسم للجلى والخفى.

والثانى ما يقابل الخفى وهو الجلى وقد يطلق الاستحسان على ما هو اعم من القياس الخفى وهو بهذا الاعتبار كل دليل فى مقابلة القياس الظاهر نصا كان كالسلم أو اجماعا كالاستصناع أو ضرورة كطهارة الحياض والآبار وقريب من هذا ما أورده منلاخسرو والازبدى فى المرقاة وشرحها المرآة

(5)

ولا يخرج ما فى كشف الاسرار على البزدوى

(6)

، والمنار للنسفى وشرحه لابن ملك

(7)

: عن هذا التصوير فى النسبة بين القياس والاستحسان الذى يفيد أن الاستحسان يطلق على قسم من القياس لا يخرج عنه كما يطلق على ما هو أعم من هذا القسم فيكون بين الاستحسان والقياس عموم وخصوص وجهى.

‌الصلة بين الاستحسان والمصلحة

يبدو مما أوردنا من التعريفات أن الاستحسان دليل مستقل ينفرد بمفهومه

(1)

ص 451 مطبعة المدنى.

(2)

البزدوى ج 4 ص 1123

(3)

التوضيح ج 3 ص 2

(4)

ج 4 ص 78.

(5)

ص 250، 251

(6)

ج 4 ص 1132

(7)

ص 811

ص: 39

وما صدقاته عن المصلحة وقد يتصل الاستحسان بالمصلحة فى تصوير بعض الاصوليين للاستحسان كالسرخسى الذى عرفه بأنه ترك القياس والاخذ بما هو أرفق للناس، فان الاخذ بما هو أرفق للناس يتصل اتصالا قريبا بالمصلحة وكذلك سائر التعريفات التى أوردها للاستحسان بأنها تدور كما بينا حول ما يتصل بالمصلحة. وهو أيضا يتصل بالمصلحة فى تعريف ابن السبكى للاستحسان الذى تقدم من أنه العدول عن الدليل الى العادة للمصلحة وهذا يقتضى أن المصلحة ملاحظة فى الاستحسان باعتبار ابتنائه عليها عند ابن السبكى.

‌آراء الفقهاء فى اعتبار الاستحسان

نرى البدء فى ايراد الاقوال بما ذكره الشوكانى مع تأخره الزمنى لانه سرد الاراء بما يبين موقف الاصوليين من الاستحسان ثم نعقب بما ننقله عن كتب الاصول القديمة برأى كل مذهب أصولى ووجهة نظر صاحبه يقول: الشوكانى

(1)

.

ونسب القول بالاستحسان الى أبى حنيفة وحكى عن أصحابه ونسبه امام الحرمين الى مالك وأنكره القرطبى فقال: ليس معروفا من مذهبه وكذلك أنكر أصحاب أبى حنيفة ما حكى عنه من القول به - وسيتجلى ما نقل عن أبى حنيفة وهو القول بالاستحسان بالرأى الذى أنكر أصحابه نسبته اليه - وقد حكى عن الحنابلة فقال ابن الحاجب فى المختصر: قالت به الحنفية والحنابلة وأنكره غيرهم ثم قال الشوكانى وقد أنكره الجمهور حتى قال الشافعى من استحسن فقد شرع. وروى عنه أنه قال القول بالاستحسان باطل. ونقل عن جماعة من المحققين أنه لا يتحقق استحسان مختلف فيه لانهم ذكروا فى تفسيره أمورا لا تصلح للخلاف ثم اشار الى تلك الامور.

ونقل عن الباجى أن الاستحسان الذى ذهب اليه أصحاب مالك هو القول بأقوى الدليلين كتخصيص بيع العرايا من بيع الرطب بالتمر قال وهذا هو الدليل فان سموه استحسانا فلا مشاحة فى التسمية.

وقال ابن الانبارى: الذى يظهر من مذهب مالك القول بالاستحسان الذى حاصله استعمال مسألة جزئية فى مقابلة قياس كلى. ونقل عن ابن السمعانى أن الخلاف لفظى فان تفسير الاستحسان بما يشنع به عليهم لا يقولون به وان الاستحسان بالعدول عن دليل الى دليل أقوى لا ينكره أحد. ويقول الشوكانى انه سبقه الى مثل هذا القفال فقال: ان كان المراد بالاستحسان ما دلت عليه الاصول بمعانيها فهو حسن لقيام الحجة به وهذا لا ننكره ونقول به وان كان ما يقع فى الوهم من استقباح الشئ واستحسانه من غير حجة فهو محظور والقول به غير سائغ وانتهى الشوكانى الى أن ذكر الاستحسان فى بحث مستقل لا فائدة فيه أصلا لانه ان كان راجعا للأدلة الاخرى فهو تكرار وان كان خارجا عنها فليس من الشرع فى شئ.

(1)

ارشاد الفحول للشوكانى ص 223

ص: 40

ويتصل بهذا اتصالا قريبا ما أورده عبد العزيز البخارى

(1)

: فى قوله. واعلم أن بعض النقاد حين طعن على أبى حنيفة وأصحابه رحمهم الله اذ يقولون استحسانا لا قياسا فى بعض الاحكام فى تركهم القياس بالاستحسان، فقالوا ان الاستحسان دليل لم يعرف عن أحد من حملة الشرع سوى أبى حنيفة وأصحابه بل هو قول بالتشهى فكان ترك القياس به تركا للحجة لاتباع هوى أو شهوة نفس فكان باطلا وقال عبد العزيز البخارى فى رده على النقاد ان القياس الذى تركه الحنفية بالاستحسان ان كان حجة شرعية فالحجة الشرعية حق وماذا بعد الحق الا الضلال وان كان باطلا فالباطل واجب الترك مع أن الحنفية قد ذكروا فى بعض المواضع أنهم يأخذون بالقياس ويتركون الاستحسان به فيقول فى بعض المواضع قياسا لا استحسانا - فكيف يجوزون الاخذ بالباطل والعمل به.

ثم قال ونقل عن الشافعى أيضا أنه بالغ فى انكار الاستحسان وقال من استحسن فقد شرع وانتهى البخارى بأن كل ذلك طعن من غير روية.

ثم نتطرق من هذا الى بيان وجهات نظر القائلين بالاستحسان ومخالفيهم من مصادرهم بادئين بوجهة نظر الحنفية فى قولهم به ومرادهم منه يقول عبد العزيز البخارى فى هذا المقام

(2)

. ان أبا حنيفة أجل قدرا وأشد ورعا من أن يقول فى الدين بالتشهى. وقال ان البزدوى عقد باب القياس والاستحسان ليبين أن كل واحد من القياس والاستحسان على نوعين وأن الاستحسان عند الحنفية أحد القياسين.

ثم قال ان أبا حنيفة اذا قال تركت الاستحسان أراد بذلك التنبيه على أن فيه علة سوى علة الاصل أو معنى آخر يوجب ذلك الحكم وأن الاحب أن يذهب اليه لكن لما لم يترجح عندى ما أخذته. ثم أورد أن المخالفين لا ينكرون على أبى حنيفة الاستحسان بالاثر أو بالاجماع أو بالضرورة لان ترك القياس بهذه الدلائل مستحسن بالاتفاق وانما انكروا عليه الاستحسان بالرأى فانه ترك للقياس بالتشهى على زعمهم. وأورد أن البزدوى دفع طعنهم بقوله

(3)

: انما الاستحسان الذى وقع التنازع فيه عند أصحابنا أحد القياسين وليس قسما آخر اخترعوه بالتشهى من غير دليل، ولا شك أن القياسين اذا تعارضا فى حادثة وجب ترجيح أحد القياسين ليعمل به اذا أمكن لكنه سمى بالاستحسان اشارة الى أنه الوجه الاول فى العمل به لترجحه على الاخر. ثم انتهى الى أن القياس متروك فى معارضة الاستحسان أصلا فان الاضعف يسقط فى مقابلة الاقوى. ثم قال

(4)

: ان هذا هو الحكم فى كل معارضة فان الدليلين اذا تعارضا فظهر لاحدهما رجحان على الاخر وجب

(1)

كشف الاسرار للبزدوى ج 4 ص 1123

(2)

كشف الاسرار ج 4 ص 1123

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 1124.

(4)

ج 4 ص 1125

ص: 41

العمل به وسقط الآخر أصلا فكذلك فى القياس والاستحسان. ويقول صدر الشريعة

(1)

، والاستحسان حجة عندنا لان ثبوته بالدلائل التى هى حجة اجماعا وقد أنكر بعض الناس العمل بالاستحسان جهلا منهم فان أنكروا هذه التسمية فلا مشاحة فى الاصطلاح وان أنكروه من حيث المعنى فباطل أيضا لانا نعنى به دليلا من الادلة المتفق عليها ليقع فى مقابلة القياس الجلى ويعمل به اذا كان أقوى من القياس الجلى فلا معنى لانكاره ثم أورد أقسامه التى سنذكرها بعد ليبرهن على عدم خروج الاستحسان عن الادلة المتفق عليها ومن تعليق السعد على ذلك أنه يقول بعد ما استقرت الآراء على أنه اسم لدليل متفق عليه نصا كان أو اجماعا أو قياسا خفيا اذا وقع فى مقابلة قياس تسبق اليه الافهام فهو حجة عند الجميع من غير تصور خلاف

(2)

.

ويقول الشاطبى المالكى فى الموافقات

(3)

:

ان مذهب مالك فى الاستحسان أنه الاخذ بمصلحة جزئية فى مقابلة دليل كلى كما نقلنا عنه ثم قال: ومقتضاه الرجوع الى تقديم الاستدلال المرسل على القياس فان من استحسن لم يرجع الى مجرد ذوقه وتشهيه وانما رجع الى ما علم من قصد الشارع فى الجملة فى أمثال تلك الاشياء المفروضة كالمسائل التى يقتضى القياس فيها امرا الا أن ذلك الامر يؤدى الى فوت مصلحة من جهة أخرى أو جلب مفسدة كذلك وكثيرا ما يتفق هذا فى الاصل الضرورى مع الحاجى، والحاجى مع التكميلى فيكون اجراء القياس مطلقا يؤدى الى حرج ومشقة فى بعض موارده فيستثنى موضع الحرج وكذلك فى الحاجى مع التكميلى أو الضرورى مع التكميلى وأورد عدة أمثلة للاستحسان ثم نقل عن ابن العربى عدة أمثلة لتأييد الاستحسان يقول بعض فقهاء الاستحسان فى العلم قد يكون أغلب من القياس ثم نقل ابن العربى عن ابن القاسم أنه يروى عن مالك القول بأن الاستحسان تسعة أعشار العلم ثم قال الشاطبى

(4)

: فهذا كله يوضح لك أن الاستحسان غير خارج عن مقتضى الادلة الا أنه نظر الى لوازم الادلة ومآلاتها سواء .. ونقل عن اصبغ أنه بالغ فى الاستحسان حتى قال: ان المعرفة فى القياس يكاد يفارق السنة وأن الاستحسان عماد العلم.

ومما قاله الامام الشافعى فى كتابه الام

(5)

فى ابطال الاستحسان: اذا قال الحاكم والمفتى فى النازلة ليس فيها خبر ولا قياس استحسن فلا بد أن يزعم أن جائزا لغيره أن يستحسن خلافه فيقول كل حاكم فى بلد ومفت بما يستحسن. فيقال فى الشئ الواحد بضروب من الحكم والفتيا

(1)

ج 3 ص 2.

(2)

يراجع المبسوط. الام.

(3)

الموافقات ج 4 ص 116.

(4)

الموافقات للشاطبى ج 4 ص 118

(5)

الأم ج 7 ص 373

ص: 42

فاذا كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا وان كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه وان قال الذى يرى منهم ترك القياس: بل على الناس اتباع ما قلت: قيل له من أمر بطاعتك حتى يكون على الناس اتباعك، أرأيت ان ادعى عليك غيرك هذا أتطيعه أم تقول: لا أطيع الا من أمرت بطاعته؟ فكذلك لا طاعة لك على أحد. وجاء فى الرسالة للشافعى

(1)

:

أن حراما على أحد أن يقول بالاستحسان اذا خالف الاستحسان الخبر، وفى مقام آخر يقول ان حلال الله وحرامه أولى ألا يقال فيه بالتعسف ولا الاستحسان ابدا انما الاستحسان تلذذ ولا يقول فيه الا عالم بالاخبار عاقل بالتشبيه عليها

(2)

.

ونقل صاحب المسودة

(3)

عن شيخه أنه قال: أطلق أحمد القول بالاستحسان فى مواضع وأورد طائفة منها. ثم ذكر عن اياس بن معاوية أن كتب مالك مشحونة بالاستحسان وذكر بعض الفروع المستحسنة عن الشافعى. ونقل عن أحمد فى رواية أبى طالب ما يشعر بابطال الاستحسان اذ يقول

(4)

: أصحاب أبى حنيفة اذا قالوا شيئا خلاف القياس قالوا فنحسن هذا وندع القياس فيدعون ما يزعمون أنه الحق بالاستحسان وأنا أذهب الى كل حديث جاء ولا أقيس عليه. قال القاضى هذا يدل على ابطال الاستحسان ولكن أبا الخطاب يقول انه يرى أن أحمد أنكر عليهم القول بالاستحسان من غير دليل ولهذا قال انهم يتركون القياس الذى يزعمون أنه الحق بالاستحسان فلو كان الاستحسان عن دليل ذهبوا اليه ولم ينكره لانه حق.

ويصور ابن حزم

(5)

، الاستحسان بأنه الحكم بما رآه الحاكم أصلح فى العاقبة وفى الحال. ونقل عن المالكية القول به فى كثير من مسائلهم وأن الحنفية أكثروا فيه جدا وقال: أنكره الشافعيون والطحاوى من أصحاب أبى حنيفة ثم ساق ما اعتبره دليلا للقائلين بالاستحسان ورد عليهم بكلام كثير من جملته قوله: ومن المحال أن يكون الحق فيما استحسنا دون برهان لانه لو كان كذلك لكان الله يكلفنا ما لا نطيق ولكان يأمرنا بالاختلاف الذى نهانا عنه لانه لا يجوز أصلا أن يتفق استحسان العلماء كلهم على قول واحد على اختلاف هممهم وطبائعهم. ثم قال ونحن نجد الحنفيين قد استحسنوا ما استقبحه المالكيون وبالعكس فبطل أن يكون الحق فى دين الله عز وجل مردودا الى استحسان بعض الناس الى أن يقول: فصح أن الاستحسان شهوة واتباع للهوى وضلال، ثم يرد على من يحتج على صحة الاخذ بالاستحسان بالاثر ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، بأن هذا لا يعلمه اسند الى رسول الله صلى الله

(1)

مقدمة الجزء الاول من الام ص 69.

(2)

المرجع السابق ص 70.

(3)

المسودة ص 451.

(4)

المرجع السابق ص 452.

(5)

الأحكام لابن حزم ج 6 ص 757

ص: 43

عليه وسلم من وجه أصلا وأما الذى لا شك فيه فهو أنه لا يوجد فى سند صحيح وانما عرف عن ابن مسعود. ثم قال: وهذا لو أتى من وجه صحيح لما كان فيه متعلق لانه يكون اثبات اجماع المسلمين فقط لانه لم يقل ما رآه بعض المسلمين حسنا: ثم رد على القائلين

(1)

: بأن الاستحسان هو أدق القياسين بقوله: ان كان هاهنا قياس يوجب ترك قياس آخر ويضاده فقد صح بطلان دلالة القياس وثبت بالبرهان الضرورى ابطال القياس كله لان الحق لا يتضاد ولا يبطل بعضه بعضا والا كان كله باطلا.

‌أقسام الاستحسان عند القائلين به وسنده

يقسم الحنفية الاستحسان الى أنواع متعددة يصورها قول النسفى وشارحه والرهاوى فى حاشيته

(2)

: الاستحسان أنواع يكون بالاثر والاجماع والضرورة والقياس الخفى كالسلم فان القياس يأبى جوازه لعدم المعقود عليه عند العقد وانما كان المعقود عليه معدوما لانه محل العقد والعقد لا ينعقد فى غير محله الا أنا تركناه بالنص وهو قوله عليه السلام من أسلم منكم فليسلم فى كيل معلوم الحديث، الا أنا تركنا القياس بالاثر الموجب للترخيص وهو ما روى أنه عليه السلام. نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص فى السلم، والاستصناع فيما فيه تعامل الناس مثل أن يأمر انسانا بأن يخرز له خفا بكذا ويبين صفته ومقداره ولم يذكر له أجلا والقياس يقتضى ألا يجوز لانه بيع معدوم لكنهم استحسنوا تركه بالاجماع لتعامل الناس فيه، وهنا أجاب عما يتوهم أن الاجماع معارض بالنص وهو قوله عليه السلام «لا تبع ما ليس عندك» فقال ان النص صار مخصوصا فى حق هذا الحكم بالاجماع. ومثلوا للضرورة بتطهير الاوانى والحياض والابار فان القياس يقتضى عدم تطهيرها اذا تنجست لانه لا يمكن صب الماء عليها حتى تطهر لانه كلما صب عليه الماء تنجس بملاقاة النجس والنجس لا يفيد الطهارة. لكنهم تركوا العمل بالقياس لضرورة عامة الناس، ومثلوا للقياس الخفى بطهارة سؤر سباع الطير فان القياس الظاهر يقتضى نجاسته لان لحمه حرام كسؤر سباع البهائم وفى الاستحسان طاهر لان سباع البهائم ليست بنجس العين ونجاسة سؤرها باعتبار أنها تأكل بلسانها فيختلط لعابها النجس بالماء وسباع الطير تأخذ بمنقارها وهو ليس بنجس من الميت فعظم الحى أولى وقد أوضح الرهاوى هذا المقام فقال أن لحم سباع الطير حرام والسؤر معتبر باللحم فيكون نجسا كسؤر سباع البهائم بجامع السؤر وهذا المعنى ظاهر الاثر لانهما استويا فى نجاسة اللحم لكنهم استحسنوا أن يكون طاهرا مكروها لانها تشرب بمنقارها على سبيل الاخذ والابتلاع من غير مخالطة لعابه وهو عظم جاف طاهر لا رطوبة فيه فلا يتنجس الماء بملاقاته فيكون سؤرها

(1)

الاحكام لابن حزم ج 6 ص 760

(2)

المنار ص 812

ص: 44

كسؤر الآدمى ومأكول اللحم لانعدام العلة الموجبة للنجاسة وهى الرطوبة النجسة الحاصلة فى آلة الشرب كما فى سباع البهائم فانها تشرب بلسانها وهو رطب بلعابها المتولد من لحمها النجس وما كان متولدا من النجس فهو نجس الا أنه يكره كراهة تنزيه لان سباع الطير لا تحترز عن تناول الميتات والنجاسات بمنقارها فيتوهم بقاء شئ من ذلك عليها كالدجاجة المخلاة حتى لو لم تأكلها لا يكره وقد علق الرهاوى المصرى فى حاشيته على شرح المنار فقال ان الاستحسان يطلق على معنى أعم من القياس وهو ترك القياس الجلى بدليل أقوى وهو بهذا الاعتبار يكون أربعة أقسام وهى التى ذكرها النسفى ويطلق على معنى أخص منه وهو قسم منه اذ هو القياس الخفى وبهذا يظهر ان بين القياس بالمعنى الاعم وبين الاستحسان بالوجه الاخص عموما وخصوصا من وجه لوجود القياس بدون الاستحسان فى صورة القياس الجلى فى مقابلة الخفى ووجود الاستحسان دون القياس فى صورة الاستحسان بالاثر والاجماع والضرورة ووجودهما معا فى القياس الخفى فى مقابلة الجلى وبين القياس الجلى والاستحسان الخفى مباينة. وبين الاستحسان بالمعنى الأعم وبينه بالمعنى الأخص عموم وخصوص مطلق وكذا بين القياس بالمعنى الاعم والاخص.

‌تقسيم الاستحسان من ناحية قوة الاثر وضعفه

‌يرى الحنفية

(1)

:

أن من الاستحسان قسما قوى تأثيره وظهر صحته وهذا عندهم مقدم على القياس الجلى الذى ضعف أثره - وهو الاستحسان المعمول به عندهم - ومثلوا له بسؤر سباع الطير فانه نجس بالقياس على سؤر سباع البهائم وهذا معنى ظاهر الأثر لكنه فى الاستحسان طاهر لأن نجاسة السبع ليست لعينه بدليل جواز الانتفاع بجلده وهذا الاستحسان قوى أثره الباطن فرجح على القياس لأن الاعتبار للأثر ألا يرى أن الدنيا ظاهرة والعقبى باطنة ولكن ترجح العقبى لقوة أثرها من حيث الدوام والصفاء على الدنيا لضعف أثرها من حيث الكدورة والفناء.

وأما اذا ضعف تأثيره وقوى تأثير مقابله الذى هو القياس فانه يقدم عندهم القياس على الاستحسان - وهذا ما يعبرون فيه بقولهم فى بعض الاحكام قياسا لا استحسانا مثال ذلك أن القارئ اذا تلا آية السجدة فى صلاته فانه يركع بها ان شاء ركوعا غير ركوع الصلاة ثم يعود الى محض القيام أو ركوع الصلاة على خلاف بينهم فى ذلك.

ثم يقولون ان له السجود اذا شاء الا أن الركوع يحتاج الى النية دون السجدة وان كان فى وسط السورة ينبغى أن يسجد

(1)

المنار ص 814، 820 والتحرير وشرح التيسير ج 4 ص 78، وكشف الاسرار ج 4 ص 1126.

ص: 45

لها ثم يقوم فيقرأ ما بقى فان ركع فى موضع السجدة أجزأه، فان ختم السورة ثم ركع لم يجزه نواها أو لم ينوها لانها صارت دينا فى الذمة فلا تتأدى بالركوع ولا بالسجدة الصلاتية.

فهم يقولون بأن الركوع يقوم مقام سجدة التلاوة ويجزى عنها قياسا لان الركوع والسجود متشابهان فى معنى الخضوع وفى الاستحسان لا يجوز لأنا أمرنا بالسجود، والركوع غيره وهذا أثر الاستحسان الظاهر لان المأمور به لا يتأدى بغيره لكن القياس أولى بالعمل لقوة أثره الباطن. والركوع فى الصلاة يعمل ما هو المقصود من السجود لأن الركوع فيها عبادة كالسجود فيسقط عنه السجود بخلاف سجود الصلاة حيث لا يجوز اقامة الركوع مقامه فصار الأثر الخفى للقياس فهو حصول المقصود بالركوع مع الفساد الظاهر وهو اعتبار نفس الشبه والعمل بالمجاز مع امكان الحقيقة أولى من الأثر الظاهر للاستحسان وهو العمل بالحقيقة مع الفساد الخفى وهو جعل غير المقصود مساويا للمقصود.

‌الاستحسان ليس من قبيل تخصيص العلة

جاء فى التوضيح لصدر الشريعة بعد الكلام على الاستحسان

(1)

أن الاستحسان ليس من باب تخصيص العلة وان كان بعض الناس زعم أنه كذلك، وبين صدر الشريعة كونه ليس من باب تخصيص العلة بما يوردونه فى موضوع تخصيص العلة من أن ترك القياس بدليل أقوى منه لا يعتبر تخصيصا لعلته، وقد علق السعد على ذلك بتعليل يقول فيه: ان انعدام الحكم فى صورة الاستحسان انما هو لانعدام العلة وأوضح ذلك بأن موجب نجاسة سؤر سباع الوحش هو الرطوبة النجسة فى الآلة الشاربة ولا يوجد ذلك فى سباع الطير فينتفى الحكم بالنجاسة لذلك وهذا معنى ترك القياس الجلى الضعيف الأثر بدليل قوى وهو قياس خفى قوى الأثر فلا يكون من تخصيص العلة فى شئ. وهو بهذا يرد على مثل أبى الخطاب الذى ينص على أن الاستحسان يرجع الى تخصيص العلة على ما نقله عنه آل تيمية فى المسودة

(2)

، وعبارتهم قال أبو الخطاب: معنى الاستحسان أن بعض الأمارات تكون أقوى من القياس فيعدل اليها من غير أن يفسد القياس وهذا راجع الى تخصيص العلة قال: وشيخنا يمنع من تخصيص العلة ويقصر القول بالاستحسان ولا أعرف لقوله وجها.

‌استحقاق

‌تعريف الاستحقاق

جاء فى لسان العرب

(3)

استحق الشئ استوجبه ومنه قوله تعالى «فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً» اى استوجباه ويقال

(1)

ج 3 ص 10

(2)

ص 453

(3)

لسان العرب لابن منظور مادة حقق.

ص: 46

استحق الدار على المشترى الذى اشتراها أى ملكها عليه وأخرجها الحاكم من يد المشترى الى يد من استحقها. ونقل ابن عابدين

(1)

: عن الفارابى استحق فلان الامر استوجبه، الامر مستحق بفتح الحاء ومنه قولهم خرج المبيع مستحقا. 2 هـ. قال ابن عابدين: ان هذا يشير الى توافق المعنيين اللغوى والشرعى وهو ظهور كون الشئ حقا واجبا للغير.

‌حكم استحقاق المبيع بعضه أو كله

‌مذهب الحنفية:

ان استحق بعض المعقود عليه قبل القبض. ولم يجز المستحق بطل العقد فى القدر المستحق لانه تبين أن ذلك القدر لم يكن ملك البائع ولم توجد الاجازة من المالك. فبطل وللمشترى الخيار فى الباقى.

ان شاء رضى به بحصته من الثمن. وان شاء رده، سواء كان استحقاق ما استحقه يوجب العيب فى الباقى أو لا يوجب لانه اذا لم يرض المستحق فقد تفرقت الصفقة على المشترى قبل التمام فصار كعيب ظهر فى السلعة قبل القبض وذلك يوجب الخيار فكذا هذا، وان كان الاستحقاق يعد قبض البعض دون البعض فكذلك الجواب سواء ورد الاستحقاق على المقبوض وعلى غير المقبوض، فان كان قبض الكل ثم استحق بعضه.

بطل البيع فى القدر المستحق لما قلنا ثم ينظر. ان كان استحقاق ما استحق يوجب العيب فى الباقى.

بأن كان المعقود عليه شيئا واحدا حقيقة وتقديرا. كالدار والكرم والارض والعبد ونحوها فالمشترى بالخيار فى الباقى ان شاء رضى بحصته من الثمن وان شاء رد - لان الشركة فى الاعيان عيب وكذلك ان كان المعقود عليه شيئين من حيث الصورة شيئا واحدا من حيث المعنى فاستحق احدهما فله الخيار فى الباقى، وذلك كنعلين أو خفين أو مصراعى باب لانهما فى المعنى والمنفعة كشئ واحد.

والمعتبر هو المعنى، وان كان استحقاق ما استحق لا يوجب العيب فى الباقى بأن كان المعقود عليه شيئين صورة ومعنى كالعبدين فاستحق أحدهما. أو كان صبرة حنطة أو جملة وزنى فاستحق بعضه. فانه يلزم المشترى الباقى بحصته من الثمن لانه لا ضرر فى تبعيضه فلم يكن له خيار الرد وروى عن أبى حنيفة فى استحقاق بعض المكيل والموزون أن له رد ما بقى دفعا لضرر مؤنة القسمة. وجه الظاهر. أنه لا يضره التبعيض لا فى القيمة ولا فى المنفعة والاستحقاق لا يمنع تمام الصفقة لان تمامها برضا العاقد وقد تحقق لا برضا المستحق

(2)

.

‌حكم استحقاق ما يدخل فى البيع تبعا

كل شئ يدخل فى البيع تبعا لا حصة له من الثمن. لكن يخير المشترى فيه.

(1)

حاشية أبن عابدين ج 4 ص 199

(2)

البدائع ج 5 ص 288، 289 وفتح القدير ج 5 ص 175، 176

ص: 47

وفى جامع الفصولين. لو شرى أرضا فيها أشجار حتى دخلت بلا ذكر.

فاستحقت الاشجار. قيل: لا حصة لها من الثمن كثوب قن وبردعة حمار. فان ما يدخل تبعا لا حصة له من الثمن.

وقيل: الرواية أنه يرجع بحصة الأشجار والفرق أنها مركبة فى الأرض فكأنه استحق بعض الارض. بخلاف الثياب فالتبعية هنا أقل ولذا كان للبائع أن يعطى غيرها لو كانت ثياب مثله. ثم قال: الشجر وكل ما يدخل تبعا اذا استحق بعد القبض ينبغى أن يكون له حصة من الثمن وفى الخانية

وضع محمد أصلا وهو كل شئ اذا بعته وحده لا يجوز بيعه. واذا بعته مع غيره جاز، فاذا استحق ذلك الشئ قبل القبض. كان المشترى بالخيار، ان شاء أخذ الباقى بجميع الثمن، وان شاء ترك.

وكل شئ اذا بعته وحده يجوز بيعه.

فاذا بعته مع غيره فاستحق كان له حصة من الثمن فصار الحاصل أن ما يدخل فى البيع تبعا اذا استحق بعد القبض كان له حصة من الثمن فيرجع على البائع بحصته وان استحق قبل القبض. فان كان لا يجوز بيعه وحده كالشرب فلا حصة له من الثمن فلا يرجع بشئ بل يخير بين الاخذ بكل الثمن. وبين الترك. وان جاز بيعه وحده كالشجر وثوب القن كان له حصة من الثمن.

فيرجع بها على البائع وهذا اذا لم يذكر فى البيع لما فى جامع الفصولين اذا ذكر البناء والشجر كانا مبيعين قصدا لا تبعا

(1)

.

‌حكم الاستحقاق فى زوائد المبيع

ومن اشترى شاة فولدت عنده فاستحقها رجل فان كان ببينة استحق ولدها معها، وان كان بمجرد اقرار المشترى له بها لا يستحق نتاجها بذلك

(2)

وكذا النكول لأنه فى حكم الاقرار

(3)

وكذا الحكم فى كل الزوائد

(4)

.

ووجه الفرق بين البينة والاقرار، ان البينة حجة مطلقة ثابتة فى حق جميع الناس غير مقتصرة على المقضى عليه فانها كاسمها مبينة فيظهر بها ملكه من الأصل والنتاج كان متصلا بها فيكون له، اما الاقرار فحجة على المقر يثبت الملك فى المخبر به ضرورة صحة الاخبار وقد اندفعت باثباته بعد الانفصال فلا يظهر ملك مستحق من الأصل، فلا يكون الولد له

(5)

.

وهذا اذا لم يدع المقر له النتاج فلو ادعاه كان له لان الظاهر أنه له وكذا سائر الزوائد

(6)

. واذا قلنا أن النتاج للمستحق بالبينة فقضى القاضى بالأم هل يدخل فى القضاء فيصير هو أيضا مقضيا

(1)

ابن عابدين ج 4 ص 211.

(2)

من فتح القدير ج 5 ص 304

(4،3)) من ابن عابدين ج 4 ص 204، 205

(5)

المرجع السابق.

(6)

المراجع السابقة.

ص: 48

به قيل: نعم تبعا كما ان ثبوت استحقاقه تبعا، وقيل لا بل يشترط القضاء بالولد أيضا لانه أصل يوم القضاء لانفصاله واستقلاله فلا بد من الحكم به وهو الأصح فى المذهب.

واذا ادعى المشترى استحقاق المبيع على بائعه ليرجع بثمنه فلا بد أن يفسر الاستحقاق ويبين سببه ثم اذا بين سبب الاستحقاق وصح ذلك وأنكر البائع البيع وأقام المشترى البينة على البيع. قبلت بينته وكان له الرجوع بالثمن.

والاستحقاق لا بد أن يرد على ما كان عليه ملك البائع. ليرجع المشترى عليه بالثمن ففى الجامع الكبير لو اشترى ثوبا فقطعه وخاطه ثم استحق بالبينة لا يرجع المشترى على البائع بالثمن لأن الاستحقاق ما ورد على ملكه لأنه لو كان ملكه فى الاصل انقطع بالقطع والخياطة كمن غصبه فقطعه وخاطه ملكه.

فالأصل أن الاستحقاق اذا ورد على ملك البائع الكائن من الأصل يرجع عليه وان ورد عليه بعد ما صار الى حال لو كان غصبا ملكه به لا يرجع

(1)

.

‌حكم الاستحقاق فى رجوع المشترى بالنفقة

لو استحقت البقرة لم يرجع المشترى على البائع بما أنفق. ولو حفر بئرا أو نقى البالوعة أو رم من الدار شيئا ثم استحقت. لم يرجع بشئ على البائع لأن حكم القاضى بالاستحقاق يوجب الرجوع بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه لا بما أنفقه وهو هنا أجرة الحفر والترميم بطين ونحوه مما لا يمكن نقضه وتسليمه. ولو حفر بئرا وطواها يرجع بقيمة الطى. لا بنفقة الحفر.

وكذا لو حفر ساقية. ان قنطر عليها.

رجع بقيمة بناء القنطرة لا بنفقة حفر الساقية. وبالجملة فانما يرجع اذا بنى فيها أو غرس بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه الى البائع وهذا ان لم يكن عالما بان البائع غاصب فلو علم لم يرجع. لأنه مغتر لا مغرور ولا يرجع بقيمة جص وطين.

‌هل يرجع المستحق على المشترى بالكسب والغلة

ولو اشترى طاحونة وكانت فى يده مدة ثم استحقها مستحق فليس له أن يطالب المشترى بغلة الطاحونة. لأنه ليس من أجزاء المبيع بل من كسبه وفعله ولا تجب الأجرة عن تلك المدة لانه استغلها بتأويل عقد أو ملك

(2)

.

‌استحقاق البيع بعد هلاكه أو نقصانه

واذا ورد الاستحقاق بعد هلاك المبيع كموت الدابة مثلا فالمستحق لا بد له من اقامة البينة على قيمتها يوم الشراء.

(1)

ابن عابدين ج 4 ص 202

(2)

ابن عابدين ج 4 ص 210

ص: 49

فيضمن المشترى القيمة ويرجع على بائعه بالثمن لا بما ضمن كغاضب الغاضب

(1)

.

ولو أضر الزرع بالارض. فللمستحق أن يضمن المشترى النقصان. ولا يرجع المشترى على بائعه الا بالثمن

(2)

- ولا ضمان بهلاك الزوائد ومنها موت الولد. أما استهلاكها فتضمن به

(3)

.

‌استحقاق المبيع: هل يوجب انفساخ العقد

أو توقفه؟ ومتى ينفسخ البيع بالاستحقاق

جاء فى النهاية: أن القضاء باستحقاق المبيع على المشترى لا يوجب انفساخ العقد الذى بينه وبين البائع ولكن يوجب توقفه على اجازة المستحق وتبعه الجماعة

(4)

.

وفى الفتاوى الصغرى. اشترى شيئا ثم استحق من يده. ثم وصل الى المشترى يوما. لا يؤمر بالتسليم الى البائع. لأنه وان جعل مقرا بالملك للبائع لكن بمقتضى الشراء وقد انفسخ الشراء بالاستحقاق فينفسخ الاقرار

(5)

.

واختلف فى البيع متى ينفسخ.

1 -

فقيل: اذا قبضه المستحق.

2 -

وقيل: بنفس القضاء.

3 -

والصحيح: أنه لا ينفسخ ما لم يرجع المشترى على بائعه بالثمن حتى لو أجاز المستحق بعد ما قضى له أو بعد ما قبضه قبل أن يرجع المشترى على بائعه يصح - وقال شمس الأئمة الحلوانى:

الصحيح من مذهب أصحابنا أن القضاء للمستحق - لا يكون فسخا للبياعات ما لم يرجع كل على بائعه بالقضاء.

4 -

وفى الزيادات روى عن أبى حنيفة أنه لا ينتقض ما لم يأخذ العين بحكم القضاء.

5 -

وفى ظاهر الرواية: لا ينفسخ ما لم يفسخ وهو الأصح. ومعنى هذا أن يتراضيا على الفسخ

(6)

.

ويمكن التوفيق بين هذه الاقوال بأن المقصود أنه لا ينتقض بمجرد القضاء بالاستحقاق. بل يبقى العقد موقوفا بعده على أجازة المستحق أو فسخه على الصحيح فاذا فسخه صريحا فلا شك فيه - وكذا لو رجع المشترى على بائعه بالثمن وسلمه اليه. لأنه رضى بالفسخ وكذا لو طلب المشترى من القاضى أن يحكم على البائع بدفع الثمن فحكم له بذلك أو تراضيا على الفسخ - ففى ذلك كله ينفسخ العقد. فليس المراد من هذه العبارات حصر الفسخ بواحد من هذه الصور بل أيها وجد بعد الحكم بالاستحقاق انفسخ العقد

(7)

.

(1)

أبن عابدين ج 4 ص 212

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 210

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 205

(4)

فتح القدير ج 5 ص 305

(5)

نفس المرجع.

(6)

ابن عابدين ح 4 ص 199، 200، وفتح القدير ج 5 ص 305

(7)

ابن عابدين ج 4 ص 200

ص: 50

‌أثر الاستحقاق فى بيع المقايضة

لو اشترى دارا بدابة وأخذت الدار بالشفعة ثم استحقت الدابة بطلت الشفعة ويأخذ البائع الدار من الشفيع لبطلان البيع - وذلك لأن الاستحقاق فى بيع المقايضة. يبطل البيع.

ففى جامع الفصولين: استحقاق بدل المبيع يوجب الرجوع بعين المبيع قائما وبقيمته هالكا.

‌مذهب المالكية:

اذا استحق بعض المبيع

فان كان شائعا فيما لا ينقسم كبعض الحيوان قليلا كان المستحق أم كثيرا خير المشترى بين التمسك بالباقى والرجوع بحصة المستحق من الثمن وبين رد البيع والرجوع بجميع الثمن. لضرر الشركة

(1)

- ولا يحرم عليه التمسك بالاقل.

بخلاف ما اذا كان المستحق معينا

(2)

.

وان كان ذلك البعض المستحق شائعا فيما ينقسم خير أيضا عند استحقاق الثلث فأكثر. بين أن يتمسك بالباقى ويرجع بحصة المستحق من الثمن.

وبين أن يرد البيع.

- وان كان المستحق الشائع دون الثلث.

وجب التمسك بالباقى. ورجع بحصة المستحق من الثمن.

وان كان المستحق جزءا معينا. وكان من مقوم كالعروض والحيوان - فان كان المستحق وجه الصفقة. تعين رد البيع.

(3)

- وكذا ان استحق كله

(4)

.

وان كان البعض المستحق مثليا.

فان استحق الاقل. رجع بحصته من الثمن - وان استحق الاكثر. خير فى التمسك والرجوع بحصته من الثمن ..

وفى الرد

(5)

ولا يحرم التمسك بأقله.

بل يجوز. لان منابه من الثمن معلوم

(6)

ومن زرع أرضا بوجه شبهة. بأن اشتراها أو ورثها أو اكتراها من غاصب ولم يعلم بغصبه ثم استحقها ربها قبل فوات ما تراد له تلك الارض. فليس للمستحق الاكراء تلك السنة وليس له قلع الزرع.

لأن الزارع غير متعد فان فات الابان ..

أى وقت ما تراد لزرعه تلك الارض .. فليس للمستحق على الزارع شئ من كراء تلك السنة. لأنه قد استوفى منفعتها والغلة لذى الشبهة والمجهول للحكم كما يأتى:

(1)

الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 475، 476.

(2)

الخرشى ج 5 ص 184.

(3)

الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 475، 476.

(4)

بداية المجتهد ح 2 ص 325.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 476

(6)

الخرشى ج 5 ص 184، 185.

ص: 51

‌حكم الاستحقاق فى زيادة

الشئ المستحق ونقصانه

ان كان الشئ المستحق تغير بزيادة فلا يخلو ان يتغير بزيادة من قبل الذى استحق من يده الشئ أو بزيادة من ذات الشئ - فأما الزيادة من ذات الشئ فيأخذها المستحق مثل أن تسمن الدابة أو يكبر نتاجها - أما الزيادة من قبل المستحق منه. فمثل ان يشترى الدار فبنى فيها فتستحق من يده فان المستحق مخير بين أن يدفع قيمة الزيادة ويأخذ ما استحقه - وبين أن يدفع اليه المستحق من يده قيمة ما استحق - أو يكونا شريكين. هذا بقدر قيمة ما استحق من يده. وهذا بقدر قيمة ما بنى أو غرس.

وهو قضاء عمر بن الخطاب

(1)

.

‌حكم الاستحقاق فى غلة الشئ المستحق

اذا كان ضامنا بشبهة ملك فلا خلاف أن الغلة للمستحق منه ونعنى بالضمان أنها تكون من خسارته اذا هلكت عنده.

وأما اذا كان غير ضامن. مثل أن يكون وارثا ويطرأ عليه وارث آخر فيستحق بعض ما فى يده فانه يرد الغلة. وأما من أى وقت تصح الغلة للمستحق - فقيل:

يوم الحكم. وقيل: من يوم ثبوت الحق ..

وقيل من يوم توقيفه واذا قلنا: ان الغلة تجب للمستحق فى أحد هذه الأوقات الثلاثة فاذا كانت أصولا فيها ثمرة. فأدرك هذا الوقت الثمر ولم يقطف بعد فقيل: انها للمستحق ما لم تقطف. وقيل:

ما لم تيبس وقيل ما لم يطب ويرجع عليه بما سقى وعالج المستحق من يديه. وهذا اذا كان اشترى الاصول قبل الابار وأما ان كان اشتراها بعد الابار. فالثمرة للمستحق عند ابن القاسم ان جزت ويرجع بالسقى والعلاج وقال أشهب هى للمستحق مالم تجز

(2)

.

ومن أحيا أرضا ظنها مواتا فتبين أنها مملوكة فلا غلة له بل لمستحقها وان كان ذا شبهة ذكره ابن يونس ولم يحك فيه خلافا. ولذا قال أبو الحسن: الغلة لا تكون لكل ذى شبهة

(3)

.

بل انما تكون لمن أدى ثمنا أو نزل منزلته

(4)

- أى ما كان خلفا له.

‌مذهب الشافعية:

اذا جمع فى البيع بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز بيعه كالخنزير والشاة ففيه قولان.

أحدهما: تفرق الصفقة فيبطل البيع فيما لا يجوز ويصح فيما يجوز لانه ليس ابطاله

(1)

من بداية المجتهد ج 2 ص 325

(2)

بداية المجتهد ج 2 ص 326

(3)

حاشية الدسوقى ج 3 ص 470 وحاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 2 ص 196.

(4)

الدسوقى ج 3 ص 470

ص: 52

فيهما لبطلانه فى أحدهما بأولى من تصحيحه فيهما لصحته فى أحدهما.

والقول الثانى أن الصفقة لا تفرق فيبطل العقد فيهما، واختلف فى علته، فمنهم من قال: يبطل. لأن العقد جمع حلالا وحراما فغلب التحريم ومنهم من قال: يبطل لجهالة الثمن.

وذلك لانه اذا باع خنزيرا وشاة بألف سقط ما يخص الخنزير من الثمن فتصير الشاة مبيعا بما بقى وذلك مجهول حال العقد فيبطل

(1)

، وتفصيل هذا فى تفريق الصفقة - (انظر صفقة) واذا استحق المبيع رجع بالثمن على البائع.

علم بالاستحقاق حال العقد أو لم يعلم لأنه أزيلت يده عن الرقبة بسبب كان فى يد البائع

(2)

ولو خرج المبيع مستحقا ولم يقبضه المشترى لم يكن للمستحق مطالبة المشترى به لعدم قبضه له حقيقة - وكذا لو باعه المشترى قبل نقله فنقله المشترى الثانى فليس للمستحق مطالبة المشترى الاول لعدم قبضه له حقيقة

(3)

وان وضع البائع المبيع بين يدى المشترى فخرج مستحقا لم يضمنه أى لم يطالب ببدله وان أمره بوضعه على الراجح لأنه لم يضع يده عليه وضمان اليد لا بد فيه من حقيقة وضعها

(4)

، ولو اعترف المشترى للبائع بالملك ثم استحق المبيع فانه يرجع عليه بالثمن لأنه انما اعترف له بالملك لظاهر اليد - لأن اليد دليل الملك شرعا فعذر بالاعتراف المستند اليها

(5)

، ولو استحق المبيع باعتراف المشترى أو بنكوله عن يمين نفى علمه باستحقاق المبيع مع يمين المدعى المردودة - لم يرجع بالثمن على البائع لتقصيره باعترافه مع شرائه أو بنكوله.

وحرج بالمشترى البائع فلا يقبل اعترافه على المشترى ويبقى البيع بحاله الا أن يكون اعترافه بالاستحقاق فى زمن الخيار فيجعل فسخا للبيع ثم لو عاد المبيع الى البائع بأرث أو بغيره لزمه تسليمه للمدعى

(6)

.

فان استحق ببينة أو بتصديق البائع والمشترى للمدعى رجع المشترى على البائع بالثمن إن كان باقيا - وببدله أن كان تالفا

(7)

.

‌مذهب الحنابلة:

وعند الحنابلة اذا اشترى انسان أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت الارض مستحقة وقلع غرسه وبناءه رجع المشترى على البائع بما غرمه بسبب ذلك من ثمن أقبضه وأجرة غارس وبان وثمن مؤن مستهلكة وأرش نقص بقلع ونحو ذلك وأجرة دار لأن البائع غر المشترى ببيعه اياها وأوهمه أنها ملكه وكان ذلك

(1)

المهذب ج 1 ص 269

(2)

المهذب ج 1 ص 288

(3)

نهاية المحتاج ج 4 ص 75، 76.

(4)

تحفة المحتاج ح 2 ص 60 وحاشية البجرمى ح 2 ص 250 وأسنى المطالب ح 2 ص 87.

(5)

نهاية المحتاج ح 5 ص 442.

(6)

أسنى المطالب ح 2 ص 349، 350.

(7)

المرجع السابق ح 2 ص 349، 350

ص: 53

سببا فى غراسه وبنائه وانتفاعه فرجع عليه بما غرمه. ولا يرجع المشترى بما أنفق على الحيوان المشترى ولا بخراج الارض اذا اشترى أرضا خراجية وغرم خراجها ثم ظهرت مستحقة فلا يرجع المشترى بذلك على البائع لأن المشترى دخل فى الشراء ملتزما ضمان ذلك لأن عقد البيع يقتضى النفقة على المبيع ودفع خراجه

(1)

. ولمستحق الارض قلع الغراس والبناء بلا ضمان نقص لموضعه فى ملكه بغير اذنه كالغاصب

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

وعند الظاهرية لو استحق بعض ما اشترى، أقله أو أكثره فالصفقة كلها مفسوخة مردودة لأن العقد لم يتم صحيحا وما لم يصح فهو فاسد، ولا شئ على المستحق فيما أنفق كثر أم قل

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

اذا استحق المبيع كله وجب على المشترى رده لمستحقه واذا علم استحقاقه فلا يجوز له تأخير الرد حتى يحكم به ولو تعذر عليه الرجوع بالثمن على البائع ولا شئ له على من استحقه وفسخ الحاكم للعقد باستحقاق رفع للعقد من أصله

(4)

، فيجب على المشترى أيضا رد ثمراته الأصلية والفرعية ان كان عالما

(5)

لان الحكم كاشف لتقدم الاستحقاق

(6)

.

وان كان جاهلا طابت له الفرعية يعنى الكراء فقط لأنه مع الجهل يملك غلتها وعليه الاجرة.

واذا استحق من المبيع قبل التسليم ما ينفرد بالعقد كثوب من ثوبين أو من ثياب أو نحو ذلك فانه يرده لمستحقه على التفصيل السابق ويصح البيع فى الباقى.

‌مذهب الإمامية:

وعند الإمامية: لو اشترى سلعتين فاستحقت احداهما فان المشترى يتخير بين التزام الأخرى بقسطها من الثمن وبين الفسخ فيها. ولا فرق فى الصفقة المتبعضة بين كونها متاعا واحدا أو أمتعة فظهر استحقاق بعضه لان أصل الصفقة البيع الواحد

(7)

. وتمامه مفصلا فى تبعيض الصفقة «انظر صفقة» وقال الشيخ فى النهاية اذا ابتاع أرضا وغرس فيها واستحقت فللمستحق قلع الغرس ويرجع المبتاع على البائع بقيمة ما ذهب منه فان كان ما غرسه قد أثمر كان ذلك لرب الأرض

(1)

كشاف القناع ح 2 ص 356

(2)

منتهى الارادات بكشاف القناع ح 2 ص 357

(3)

المحلى ح 8 ص 135.

(4)

البحر الزخار ح 3 ص 371، 372

(5)

التاج المذهب ح 2 ص 445، 446، 447

(6)

البحر الزخار ح 3 ص 371، 372

(7)

الروضة البهية ج 1 ص 332.

ص: 54

وعليه ما أنفقه وأجرة مثله فى عمله

(1)

.

‌مذهب الإباضية

وعند الإباضية: ان استحق مبيع أو موهوب أو مصدق به أو نحو ذلك فخرج لمستحقه ببينة عادلة فلمستحقه أخذه ولمشتريه الثمن على بائعه ان خرج من يد صاحبه بغير حق. وقيل: يأخذ المشترى رب الشئ بالثمن ويرجع رب الشئ بالثمن على البائع. وأما ان كان بيد البائع بحق كأمانة أو وديعة أو بكراء أو لقطه فان المستحق لا يدرك ماله حتى يعطى للمشترى ما اشتراه به.

ويرجع هو على البائع بما أعطى وهو المعتمد

(2)

.

‌ما يرجع به المشترى على

البائع عند الاستحقاق

يرجع المشترى على البائع ان اشترى منه شيئا فاستحق من يده. بالثمن الذى أعطاه له. وقيل بمثله ان كان مثليا وبقيمته ان كان قيميا ووجه من قال يرجع عليه بالثمن. ان البيع بعد الاستحقاق منفسخ. فاذا انفسخ البيع. رجع عليه بما اعطاه له. واستدل للقول الآخر. بأن اتفاقهم انما هو على أن يبيع له ما هو له وعلى ذلك وقع البيع.

فاذا غره بما ليس له فعليه مثله أو قيمته لأن المثل فى ذلك من كل الوجوه يتعذر

(3)

.

اما غلة الشئ المستحق فهى لصاحبه فيما بينه وبين الله

(4)

.

واما فى الحكم فهى للمشترى ونحوه من موهوب له ومأجور به وغير ذلك مما عدا الغاصب

(5)

.

واستحقاق بعض المبيع على وجهين معلوم ومجهول فان استحق بعض مبيع معلوم وذلك كفدان يستحق منه النصف خير المشترى بين امساك الباقى وأخذ ما يخص المستحق من الثمن وبين الرجوع بالثمن كله على البائع فيأخذ البائع أصله والمستحق ما استحق.

وانما جعلوا له الخيار لأن الشريك عيب

(6)

.

وان استحق مجهول. مثل ان اشترى أكثر من فدان فاستحق منه واحد مثلا لا بعينه فسخ البيع كله

(7)

.

(1)

مختلف الشيعة فى أحكام الشريعة ح 1 ص 111.

(2)

شرح النيل ح 4 ص 304، 305، 306، والايضاح ح 3 ص 188، 189.

(3)

شرح النيل ح 4 ص 308، 309، 310، والايضاح ح 3 ص 193.

(4)

الايضاح ح 3 ص 23

(5)

الايضاح بحاشية أبو ستة ح 3 ص 190

(6)

شرح النيل ح 4 ص 306، 307، 308

(7)

المرجع السابق ح 6 ص 617، 618

ص: 55

‌حكم استحقاق ما باعه المفلس

‌مذهب المالكية:

عند المالكية: اذا بيعت سلعة من مال المفلس أو لميت بعد الفلس والموت أو قبلهما ثم استحقت تلك السلعة.

فان المستحق من يده يرجع على كل واحد من الغرماء بالحصة التى كانت تنوبه فى الحصاص فقط. فلا يأخذ أحد عن أحد. فلو كان عليه عشرون دينارا مثلا لاثنين ولم يوجد عنده الا سلعتان فبيعت كل سلعة بعشرة. فأخذ كل واحد من غريميه عشرة على قدر دينه ثم استحقت احدى السلعتين. فان المستحق من يده يرجع على كل واحد منهما بثلث ما فى يده وهو ثلاثة وثلث. لأنه غريم طرأ على الغرماء

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

لو خرج ما باعه المفلس قبل الحجر مستحقا والثمن المقبوض غير باق فكدين قديم ظهر - لأن البيع المستوجب للدين كان قبل الحجر - وحكمه ان يشارك المشترى الغرماء من غير نقض القسمة وذلك لثبوته قبل الحجر بخلافه بعد الحجر. فانه لا أثر له لانه دين حادث - بالبيع بعد الحجر - لم يتقدم سببه.

وبخلاف ما اذا كان الثمن باقيا فانه يرده.

واذا استحق ما باعه الحاكم أو أمينه والثمن المقبوض غير باق. قدم المشترى ببدله على الغرماء ولا يضارب به معهم.

لئلا يرغب الناس عن شراء مال الناس فكان التقديم من مصالح الحجر. وفى قول يحاص الغرماء كسائر الديون

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

لو باع المفلس شيئا أو باعه وكيله وقبض المفلس أو وكيله الثمن فتلف وتعذر رده وخرجت السلعة مستحقة وحجر على المفلس ساوى المشترى بما كان دفعه الغرماء. فيضرب له به معهم كسائر الديون

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

لو خرج المبيع على المفلس مستحقا رجع المشترى على كل واحد من الغرماء بجزء من الثمن ان كان قد تلف ويحتمل الضرب مع الغرماء. لأنه دين على المفلس.

والاقرب التقديم. لانه من مصالح الحجر. لئلا يرغب الناس عن الشراء وظاهر الكتاب. ان التلف بعد قبض الغرماء له. وهو حينئذ مضمون عليهم لقبضهم اياه للاستيفاء. فيتخير المشترى فى الرجوع عليهم جميعا كل بقدر ما يتلف فى يده. والرجوع على المفلس. فيقدم به. أو يضرب مع الغرماء فان رجع على

(1)

الخرشى ح 6 ص 316

(2)

اسنى المطالب ح 2 ص 192، ونهاية المحتاج ح 2 ص 130، 131

(3)

كشاف القناع ح 2 ص 217

ص: 56

الغرماء. لم يرجعوا به على المفلس. سواء كانوا عالمين أو جاهلين لأن قبضهم كان مضمونا. نعم لهم الرجوع بدينهم.

لانه باق وان رجع على المفلس. رجع هو على الغرماء

(1)

.

‌حكم استحقاق المرهون

‌مذهب الحنفية:

عند الحنفية: لو استحق بعض المرهون بعد الرهن ينظر الى الباقى

1 -

ان كان الباقى بعد الاستحقاق مما يجوز رهنه ابتداء لا يفسد الرهن فيه.

2 -

وان كان مما لا يجوز رهنه ابتداء فسد الرهن فى الكل. كاستحقاق بعض الرهن شائعا لانه لما استحق بعضه تبين أن العقد لم يصح فى القدر المستحق وأنه لم يقع الا على الباقى فكأنه رهن هذا القدر ابتداء فينظر فيه ان كان محلا لابتداء الرهن يبقى الرهن فيه والا فيفسد فى الكل، كما لو رهن هذا القدر ابتداء

(2)

.

وان باع العدل الرهن وأوفى المرتهن الثمن ثم استحق الرهن فضمنه العدل كان بالخيار ان شاء ضمن الراهن قيمته وان شاء ضمن المرتهن الثمن الذى أعطاه وليس له أن يضمنه غيره. وكشف هذا أن المرهون لو باعه العدل ثم استحق فاما أن يكون هالكا أو قائما. ففى الوجه الاول المستحق بالخيار ان شاء ضمن الراهن قيمته لانه غاصب فى حقه وان شاء ضمن العدل لانه متعد فى حقه بالبيع والتسليم.

فان ضمن الراهن نفذ البيع وصح الاقتضاء وهو قبض المرتهن الثمن بمقابلة دينه - لانه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه أمره ببيع ملك نفسه

(3)

.

وان ضمن العدل ينفذ أيضا. لانه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه باع ملك نفسه والعدل بالخيار ان شاء رجع على الراهن بالقيمة لانه وكيل من جهته عامل له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة. ونفذ البيع وصح الاقتضاء. فلا يرجع المرتهن على الراهن بشئ من دينه وان شاء رجع على المرتهن بالثمن لانه تبين أنه أخذ الثمن بغير حق لانه ملك المرهون بأداء الضمان ونفذ بيعه فصار الثمن له. وانما أداه اليه على حسبان أنه ملك الراهن. فاذا تبين أنه ملكه لم يكن راضيا بأداء الثمن الى المرتهن. فله ان يرجع به عليه واذا رجع بطل الاقتضاء فيرجع المرتهن على الراهن بدينه

(4)

. هذا اذا سلم الثمن للمرتهن فان كان هلك فى يده قبل التسليم. ليس له ان يرجع الا على

(1)

مفتاح الكرامة ح 5 ص 335

(2)

البدائع ح 6 ص 141، 151

(3)

الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ح 8 ص 223، 224.

(4)

المرجع السابق ح 8 ص 223

ص: 57

الراهن لانه وكيل الراهن بالبيع عامل له فكان عهدة عمله عليه فى الاصل. لا على غيره الا أن له أن يرجع على المرتهن اذا قبض الثمن. لما ذكرنا. فاذا لم يقبض وجب العمل بالاصل. فيرجع على الراهن بما ضمن وبطل الرهن بالاستحقاق.

ويرجع المرتهن بدينه على الراهن

(1)

.

وفى الوجه الثانى وهو أن يكون قائما فى يد المشترى فللمستحق أن يأخذه من يده لانه وجد عين ماله.

ثم للمشترى أن يرجع على العدل بالثمن. لانه العاقد وحقوق العقد فى باب البيع ترجع الى العاقد وقد أدى الثمن اليه. ليسلم له المبيع ولم يسلم. ثم العدل بالخيار، ان شاء يسترد من المرتهن ما أوفاه من الثمن وعاد دينه على الراهن كما كان.

وان شاء رجع بما ضمن على الراهن وسلم للمرتهن ما قبض.

‌مذهب المالكية:

اذا استحق بعض الرهن المعين فان الباقى يكون رهنا عن جميع الدين ولا فرق بين أن يكون بعد قبض الرهن أو قبل قبضه. واما غير المعين فيأتيه ببدل البعض المستحق. وأما اذا استحق كله. فان كان قبل قبض الرهن. فان المرتهن يخير فى امضاء العقد ويبقى دينه بلا رهن.

وبين الفسخ. وان حصل الاستحقاق بعد القبض بقى دينه بلا رهن. الا أن يغره فيخير فى الفسخ وعدمه واذا استحق غير المعين بعد القبض. فعليه خلفه على الارجح وقبل القبض لا يتصور

(2)

ومن رهن عقارا أو حيوانا أو عرضا فاستحق شخص حصته منه وتركها تحت يد المرتهن فتلفت. فانه لا يضمن تلك الحصة المستحقة. لان بالاستحقاق خرجت من الرهنية. وصار المرتهن أمينا فلا يضمن الا ما بقى

(3)

. وظاهر اطلاقهم. عدم تقييد ذلك باحضار الرهن أو ثبوت بقائه عنده وقت الاستحقاق

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

لو تلف ثمن المرهون فى يد المأذون العدل أو غيره. ولو المرتهن. ثم استحق المرهون المبيع فان شاء المشترى رجع على المأذون العدل أو غيره لانه واضع اليد ومحله ان لم يكن نائب الحاكم. لاذنه له فى البيع لنحو غيبة الراهن. والا لم يكن طريقا .. لان يده كيد الحاكم - وان شاء رجع على الراهن. لانه الموكل ومن ثم كان القرار عليه. لان المبيع له فكانت العهدة عليه. فيرجع مأذونه عليه ما لم يقصر فى تلفه على الاوجه

(5)

.

(1)

البدائع ح 6 ص 149

(2)

الخرشى وحاشية العدوى ح 5 ص 288، 298، 299

(3)

المرجع السابق ص 277.

(4)

المرجع السابق.

(5)

تحفة المحتاج ح 2 ص 112 وأسنى المطالب ح 2 ص 167، 168

ص: 58

‌مذهب الحنابلة:

اذا قبض المرتهن الرهن فوجده مستحقا. لزمه رده على مالكه والرهن باطل من أصله فان أمسكه مع علمه بالغصب حتى تلف فى يده. استقر عليه الضمان وللمالك تضمين أيهما شاء فان ضمن المرتهن.

لم يرجع على أحد بذلك. وان ضمن الراهن رجع عليع

(1)

وان لم يعلم بالغصب حتى تلف بتفريطه. فالحكم كذلك. لان الضمان يستقر عليه. وان تلف بغير تفريطه. ففيه ثلاثة أوجه.

أحدهما. يضمن ويستقر الضمان عليه. لان مال غيره تلف تحت يده العادية فاستقر الضمان عليه كما لو علم.

الثانى: لا ضمان عليه. لانه قبضه على أنه أمانة من غير علمه فلم يضمنه كالوديعة فعلى هذا يرجع المالك على الغاصب لا غير.

الثالث: أن للمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الغاصب فان ضمن الغاصب. لم يرجع على أحد. وان ضمن المرتهن.

رجع على الغاصب. لانه غره

(2)

.

وان استحق الرهن المبيع. رجع المشترى على الراهن. لان المبيع له.

فالعهدة عليه كما لو باع بنفسه. وحينئذ لا رجوع له على العدل ان أعلمه العدل أنه وكيل. لانه لا يقال: يرجع المشترى على العدل لكونه قبض الثمن بغير حق لانه سلم اليه على أنه أمين فى قبضه يسلمه الى المرتهن فلم يجب عليه ضمانه فان لم يعلمه أنه وكيل. فان المشترى يرجع على العدل فان علم المشترى باستحقاق المبيع بعد تلف الثمن فى يد العدل رجع المشترى أيضا على الراهن بالثمن.

ولا شئ على العدل حيث أعلم المشترى بالحال. لما تقدم فاما المرتهن فقد بان له أن عقد الرهن كان فاسدا. لكون الراهن رهنه ما لا يملكه بغير اذن ربه وان كان الراهن مفلسا حيا أو ميتا وباع العدل وتلف ثمنه بيده. ثم ظهر مستحقا كان المرتهن والمشترى أسوة الغرماء. لانهم تساووا فى ثبوت حقوقهم فى الذمة وان خرج الرهن مستحقا بعد دفع الثمن الى المرتهن. رجع المشترى على المرتهن بما قبضه لانه قبضه بغير حق فكان رجوعه عليه كما لو قبضه منه

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

اذا استحق الرهن أو بعضه. بطلت الصفقة كلها

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

اذا استحق فى يد العدل رجع بما لزمه على الراهن اذا انكشف بطلان الرهن

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

لو خرج الرهن مستحقا فالعهدة على الراهن لا على العدل ان علم المشترى.

(1)

المغنى والشرح الكبير ح 4 ص 444

(2)

المرجع السابق ح 4 ص 444

(3)

كشاف القناع ح 2 ص 163، 164، وشرح منتهى الارادات عليه.

(4)

المحلى ح 8 ص 107 م 1222

(5)

البحر الزخار ح 4 ص 122

ص: 59

بوكالته فان علم بعد تلف الثمن فى يده رجع على الراهن، ولو علم بعد دفع الثمن الى المرتهن. رجع المشترى عليه لا على العدل

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

ان استحق الشئ المتفق على رهنه أو بعضه كلف أن يرهن له غيره

(2)

.

وان استحق المرتهن لنفسه أو لمن ولى أمره أو غير المرتهن بعض الرهن شيئا من جملة أشياء مرهونة. فالباقى رهن عند الربيع ..

وانفسخ عند ابن عبد العزيز.

واذا استحق الرهن مستحق بقى نماؤه وغلته فى الرهن

(3)

.

‌حكم الاستحقاق بعد الاخذ بالشفعة

‌مذهب الحنفية:

عند الحنفية لو ورث رجل دارا فبيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة ثم بيعت دار الى جنب الثانية فأخذها بالشفعة. ثم استحقت الدار الموروثة وطلب المستحق الشفعة. فان المستحق يأخذ الدار الثانية. والوارث أحق بالثالثة. لان بالاستحقاق تبين أن الدار التى يشفع بها الوارث كانت ملك المستحق. فتبين أنه أخذ الثانية بغير حق اذ تبين أنه لم يكن جارا فكانت الشفعة فى الثانية للمستحق والوارث يكون أحق بالثالثة لان الملك كان ثابتا للوارث عند بيع الثالثة فكان السبب وهو جوار الملك ثابتا له عنده ثم بطل بالاستحقاق وبطلان الملك لا يوجب بطلان الشفعة

(4)

.

‌مذهب المالكية:

وعند المالكية عهدة الشفيع على المشترى المأخوذ منه بالشفعة ان استحقها أحد من يد الشفيع فانه يأخذها من غير أن يدفع فيها شيئا ويرجع المشترى على البائع بالثمن

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

وعند الشافعية ان استحق الشقص فالشفيع فيما يرجع به على المشترى من ثمن ونقص قيمة بناء وغرس وغيرهما كالمشترى من الغاصب فيما يرجع به على المشترى من ثمن ونقص قيمة بناء وغرس وغيرهما كالمشترى من الغاصب فيما يرجع به عليه

(6)

أنظر غصب:

‌مذهب الحنابلة:

وعند الحنابلة اذا ظهر الشقص المشفوع مستحقا رجع الشفيع على المشترى بالثمن ثم المشترى على البائع وان خرج مستحقا وقد أخذ الاول ثم الثانى منه ثم الثالث منهما فالعهدة على المشترى لان الشفعة مستحقة بعد الشراء وحصول الملك للمشترى فكانت العهدة

(1)

مفتاح الكرامة ح 5 ص 171، 174 ومن قواعد الاحكام ح 1 ص 164

(2)

شرح النيل ح 5 ص 474

(3)

المرجع السابق ح 5 ص 513

(4)

البدائع ج 5 ص 22، 23.

(5)

حاشية العدوى على شرح أبى الحسن ج 2 ص 213.

(6)

أسنى المطالب ح 2 ص 380.

ص: 60

عليه فيرجع الثلاثة عليه. ولا يرجع أحدهم على الآخر بشئ

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

عند الزيدية اذا بطل البيع باستحقاق أحد البدلين بطلت الشفعة اذ هى فرع عليه واذا استحق المبيع رجع الشفيع على من أخذ منه اذ الدرك عليه

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

وعند الإمامية، درك الشقص لو ظهر مستحقا على المشترى فيرجع الشفيع عليه بالثمن وبما اغترمه لو أخذه المالك ولا فرق فى ذلك بين كونه فى يد المشترى أو يد البائع بأن لم يكن أقبضه. لكن هنا لا يكلف المشترى قبضه منه بل يكلف الشفيع الاخذ منه أو الترك لان الشقص هو حق الشفيع

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

وعند الإباضية. من اشترى أرضا فشفع فيها غيرها فاستحقت بطلت الشفعة واذا وقع الشراء بشئ فاستحق فلا شفعة

(4)

.

‌حكم الاستحقاق بعد القسمة

‌مذهب الحنفية:

عند الحنفية. اذا استحقت العين المقسومة تبطل القسمة أى أنها لم تصح ولو استحق شئ منها تبطل فى القدر المستحق

(5)

.

‌مذهب المالكية:

عند المالكية. اذا وقعت القسمة ثم استحق بعض نصيب أحدهما فان الحصة المستحقة اما أن تكون جل نصيبه أو ربعه فأقل وما بينهما وهو يشمل النصف والثلث فان استحق نصف أو ثلث من نصيب أحد المتقاسمين. خير المستحق منه بين بقاء القسمة على حالها ولا يرجع بشئ. وبين رجوعه شريكا فيما بيد شريكه بنصف قدر المستحق وعند ابن غازى: لا فسخ فى استحقاق النصف أو الثلث ويكون بذلك شريكا فيما بيد صاحبه لا غير وليس هناك طرف آخر فلو كان المستحق ربع ما بيد أحدهما فلا خيار له والقسمة باقية لا تنقض وليس له الا الرجوع بنصف قيمة ما استحق من يده ولا يرجع شريكا بنصف ما يقابله، فلو استحق جل ما بيد أحدهما فان القسمة تنفسخ وترجع الشركة كما كانت قبل القسمة فيرجع شريكا فى الجميع. أما اذا كان الاستحقاق فى النصيبين أو الانصباء فانه لا كلام لواحد منهما أو منهم لاستواء الكل فى ذلك

(6)

.

‌مذهب الشافعية:

وعند الشافعية. ان استحق بعد القسمة بعض مشاع من المقسوم كثلث.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 384.

(2)

التاج المذهب ج 3 ص 56.

(3)

الروضة البهية ج 2 ص 27.

(4)

شرح النيل ح 5 ص 726، 668.

(5)

البدائع ج 7 ص 24.

(6)

الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 6 ص 229 والدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 521

ص: 61

بطلت فى الجميع عند الاسنوى لعدم حصول مقصود القسمة وهو التمييز ولظهور انفراد بعض الشركاء بالقسمة ومقتضى ما فى الاصل. أنها تبطل فى المستحق وفى الباقى طريقان أصحهما قولان والاظهر منه أنه تصح القسمة فيه ويتخير كل منهم، وان استحق من النصيبين بعض معين فان كان بينهما سواء صحت القسمة فى الباقى لان كلا من الشريكين وصل الى حقه وان لم يستويا فيه بأن اختص بأحد النصيبين أو عمهما لكنه فى أحدهما أكثر بطلت فى الجميع لان ما يبقى لكل ليس قدر حقه بل يحتاج أحدهما الى الرجوع على الآخر ويعود الشيوع والمراد بطلان القسمة فى الظاهر والا فبالاستحقاق يتبين أن لا قسمة

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

وعند الحنابلة اذا تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهما شئ فان كان معينا بطلت القسمة لانها قسمة لم تعدل فيها السهام فكانت باطلة كما لو فعلا ذلك مع علمهما بالحال. وان كان المستحق من الحصتين على السواء بأن اقتسما أرضا فاستحق من حصتهما معا قطعة معينة على السواء فى الحصتين.

لم تبطل القسمة فيما بقى من الأرض، وان كان المستحق فى نصيب أحدهما أكثر من نصيب الآخر. أو كان ضرره فى نصيب أحدهما أكثر من ضرره فى نصيب الآخر كسد طريقه أو سد مجرى مائه أو سد محل طريقه ونحوه مما فيه ضرر بطلت القسمة لفوات التعديل وان كان المستحق مشاعا فى نصيبهما بطلت القسمة. لان الثالث شريكهما. وقد اقتسما من غير حضوره ولا اذنه فأشبه ما لو كان لهما شريك يعلمانه فاقتسما دونه وسواء كانت قسمة تراض أم اجبار. وفيه وجه آخر أنها لا تبطل لانه أخذ من كل واحد منهما مثل ما يأخذ من الآخر ويصير مع كل واحد قدر حقه فأشبه ما لو كان المستحق معينا فى نصيبهما على السواء وكذا ان كان المستحق شائعا فى أحدهما أى أحد نصيبى الشريكين. بطلت القسمة لفوات التعديل.

وان كانا يعلمان المستحق حال القسمة أو أحدهما فالحكم فيها كما لو لم يعلما على ما ذكرنا من التفصيل فيه

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

وعند الزيدية. لكل واحد من المقتسمين اذا استحق نصيبه للغير الرجوع على شركائه بالمستحق للغير ولو بالشفعة فتعاد القسمة الاولى ويصير شريكا لهم فيما تحت أيديهم بقدر حصته وهذا بناء على أنه سلم المستحق الى مالكه بحكم الحاكم بالشهادة أو علم الحاكم أو أمره شركاؤه بأن يسلمه للمدعى. ولا يرجع عليهم بذلك لو كان الحكم باقراره أو نكوله أو رده اليمين على المدعى ولا يرجع بما غرم على شركائه عند الاستحقاق اذا كانت القسمة بينه وبين

(1)

أسنى المطالب ج 4 ص 334، وتحفة المحتاج ج 4 ص 307.

(2)

كشاف القناع ج 4 ص 226، والمغنى والشرح الكبير ج 11 من ص 509 الى ص 514.

ص: 62

شركائه بالاجبار، وان كانت القسمة بينه وبين شركائه بالتراضى رجع عليهم بما غرم

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

وعند الإمامية: لو ظهر فى المقسوم استحقاق بعض معين بالسوية. لا يخل اخراجه بالتعديل فلا نقض لان فائدة القسمة باقية وهو افراد كل حق على حدة. وان لم يكن متساويا فى السهام بالنسبة نقضت القسمة، لان ما يبقى لكل واحد لا يكون بقدر حقه بل يحتاج أحدهما الى الرجوع على الآخر ويعود الشيوع.

وكذا لو كان المستحق مشاعا. لان القسمة حينئذ لم تقع برضاء جميع الشركاء

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

وعند الإباضية: لا تنقض قسمة ولا رجوع فيها الا أن يطرأ عليها استحقاق لبعض ما قسم كما اذا تبين وقف فى المقسوم كمسجد أو غيره

(3)

.

‌حكم استحقاق المصالح عنه أو المصالح عليه:

‌مذهب الحنفية:

عند الحنفية: اذا صالح على مال ثم استحق من يد المدعى. لم يصح الصلح أصلا. لانه تبين أنه ليس مملوكا للمصالح فتبين أن الصلح لم يصح، فاذا كان الصلح عن اقرار واستحق بعض المصالح عنه رجع المدعى عليه على المدعى بحصة ذلك المستحق من العوض، واذا صالح عن سكوت أو انكار فاستحق المتنازع فيه رجع المدعى بالخصومة على المستحق لقيامه مقام المدعى عليه ورد العوض، ولو استحق المصالح عليه فى الصلح عن اقرار رجع بكل المصالح عنه وان استحق بعضه رجع بحصته اعتبارا للبعض بالكل

(4)

.

‌مذهب المالكية:

وعند المالكية: ان استحق ما بيد المدعى عليه بعد أن صالح المدعى بشئ ودفعه له ففى حالة الصلح على الانكار. يرجع المدعى عليه بما دفعه له ان لم يفت بحوالة سوق فأعلى أما ان فات فانه يرجع عليه بقيمة ما دفعه ان كان مقوما أو بمثله ان كان مثليا، وفى الاقرار لا يرجع المقر على المدعى بشئ لاعترافه أنه ملكه وأنه أخذه المستحق منه ظلما وقال أشهب له الرجوع على المدعى بما دفعه له ان كان باقيا فان فات رجع عليه بقيمته ان كان مقوما وبمثله ان كان مثليا

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

وعند الشافعية: لو صالحه بنفسه أو وكيله عن الدار مثلا على نحو شئ معين

(1)

شرح الازهار ج 3 ص 385 والتاج المذهب ج 3 ص 213.

(2)

الروضة البهية ج 1 ص 251.

(3)

شرح النيل ج 5 ص 419، 420، 421.

(4)

البدائع ج 6 ص 48، 54 والهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 29.

(5)

الخرشى ج 6 ص 183، 184 وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 476.

ص: 63

فاستحق ذلك الشئ انفسخ العقد فان تعذر الرد بتلف فى يده ونحوه رجع فى جزء من الدار بقدر ما نقص من قيمة ذلك الشئ كما لو باعها

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

وعند الحنابلة: لو صالح المدعى عليه عن دار بعوض فبان العوض مستحقا رجع المدعى فى الدار المصالح عنها لان الصلح هنا بيع حقيقة اذا كان عن اقرار فاذا تبين أن العوض كان مستحقا كان البيع فاسدا فيرجع فيما كان له، وان كان الصلح عن انكار وظهر العوض مستحقا رجع المدعى الى دعواه قبل الصلح لتبين بطلانه

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

وعند الإمامية: لو ظهر استحقاق العوض المعين من أحد الجانبين بطل الصلح كالبيع ولو كان مطلقا رجع ببدله

(3)

.

‌حكم استحقاق الأجرة أو العين المؤجرة:

‌مذهب الحنفية:

عند الحنفية: لو آجر الرجل دارا له ثم استحقت وأجاز المستحق الاجارة. فان كانت الاجازة قبل استيفاء المنفعة جاز وكان الاجر للمالك، وان أجاز بعد استيفاء المنفعة لا تعتبر الاجازة والاجر للعاقد وان أجاز فى عقد بعض المدة فأجر ما مضى وما بقى للمالك فى قول أبى يوسف وقال محمد أجر ما مضى للغاصب وما بقى للمالك

(4)

.

‌مذهب المالكية:

وعند المالكية: اذا أجر الارض من هى فى يده وهو ذو شبهة مدة سنين أو شهور أو بطون وقد مضى بعضها ثم استحقها شخص فانه يخيره بين أن يفسخ ما بقى من مدة الاجارة وبين أن يجيز ما بقى منها لمن استأجرها ولا شئ له فيما مضى من السنين

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

وعند الحنابلة: اذا وقعت الاجارة على عين مثل أن يستأجر جملا للحمل أو الركوب فخرج مستحقا تبينا أن العقد باطل، ولا يجوز أن يبدله لان المعقود عليه منفعة العين فلم يجز أن يدفع اليه غير المعقود عليه وان وقعت الاجارة على عين موصوفة فى الذمة فخرجت مستحقة لم يبطل العقد ولزمه بدلها لان المعقود عليه غير هذه العين وهذه بدل عنها فلم يؤثر استحقاقها فى ابطال العقد

(6)

.

‌مذهب الإمامية:

وعند الإمامية: تبطل الاجارة بظهور

(1)

أسنى المطالب ج 2 ص 218.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 195، 196، والمغنى والشرح الكبير ج 5 ص 27، 28، 17.

(3)

الروضة البهية ج 1 ص 373، مفتاح الكرامة ج 5 ص 471، 519، 506.

(4)

الفتاوى الهندية ج 4 ص 436.

(5)

حاشية الدسوقى ج 3 ص 469، 470 وشرح الخرشى ج 6 ص 176، 177.

(6)

المغنى ج 6 ص 50، وكشاف القناع ج 2 ص 296.

ص: 64

العين المستأجرة مستحقة، وحينئذ يرجع المالك على من شاء منهما بأجرة المثل ان كان قبضها المستأجر ولا سيما اذا مضت مدة يمكن فيها استيفاء المنفعة أو بعضها ثم استحقت وان كان لم يقبضها المستأجر لم يلزمه شئ وان كان قد بذلها له ولم يأخذها حتى انقضت المدة

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

وعند الإباضية: ان استحقت دار أو دابة أو ثوب أو شئ من الاشياء التى تكرى من مستأجر قبل تمام أجل الكراء وقد نفذ الكراء وجب رد الباقى بالحساب لا الماضى فى الحكم وأما فيما بينه وبين الله فانه يلزمه أن يرده الى المكترى أيضا

(2)

.

‌حكم الاستحقاق فى المساقاة والمزارعة

‌مذهب الحنفية:

اذا استحق النخيل. يرجع العامل بأجر مثله. وهذا مقيد بما اذا كان فيه ثمر. والا فلا أجر له. قال فى الولوالجية.

واذا لم تخرج النخيل شيئا حتى استحقت فلا شئ للعامل لان فى المزارعة لو استحقت الارض بعد العمل قبل الزراعة فلا شئ للزارع فكذا هنا - ولو أخرجت.

رجع العامل بأجر مثله على الدافع. لان الاجرة صارت عينا انتهاء، وهو كالتعيين فى الابتداء. ومتى كان عينا واستحقت رجع بقيمة المنافع

(3)

.

‌مذهب المالكية:

لو استحق البستان بعد عقد المساقاة فيه. ينفسخ عقد المساقاة. ان شاء المستحق لانه ثبت له الخيار بمجرد الاستحقاق بين ابقاء العامل. وفسخ عقده لكشف العيب ان العاقد له غير مالك.

واذا كان كذلك فله أخذ البستان ودفع أجر عمل العامل

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

ان استحق الثمر أو الاشجار المساقى عليها. فللعامل أجرة المثل على الذى ساقاه.

لانه فوت عليه منافعه بعوض فاسد فيرجع عليه كما لو استأجر الغاصب من عمل فى المغصوب عملا. وهذا عند جهله بالاستحقاق أما عند علمه فلا أجرة له

(5)

لانه لم يعمل طامعا. وقال بعضهم. يستحق الاجرة مطلقا علم أو لم يعلم

(6)

. ويسترد المستحق مع الاشجار المثمرة بأرشها ان نقصت قيمتها بالتجفيف أو غيره.

(1)

مفتاح الكرامة ج 7 ص 93.

(2)

شرح النيل ج 5 ص 160، 161.

(3)

ابن عابدين ج 5 ص 189.

(4)

الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 6 ص 261 ومن حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 554.

(5)

أسنى المطالب ج 2 ص 400 وتحفة المحتاج ج 2 ص 277.

(6)

حاشية البجرمى على شرح المنهج ج 3 ص 148.

ص: 65

‌مذهب الحنابلة:

ان ساقاه على شجر. فظهر الشجر مستحقا بعد العمل. أخذه المستحق وأخذ ثمرته لانه عين ماله. ولا حق للعامل فى ثمرته ولا أجرة له على المستحق لانه لم يأذن له فى العمل وللعامل على الغاصب أجرة مثله. لانه غره واستعمله. فلزمه الاجر

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

اذا استحقت الارض. رجع العامل على مستأجره بالاجرة. لاجل الغرر

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

لو ظهر استحقاق الاصول. فعلى المساقى أجرة العامل. والثمرة للمالك ووجه ثبوت الاجرة للعامل على المساقى لا على المالك أنه استدعى عمله فى مقابلة عوض ولم يسلم له. ولم يدخل متبرعا والمالك لم يأمره ولم يأذن له ويحتمل أن يكون له أقل الامرين

(3)

.

‌حكم استحقاق الصداق

‌مذهب الحنفية:

اذا استحق الصداق المعين قبل التسليم لا تبطل التسمية بل يجب مثله ان كان مثليا والا فقيمته

(4)

. فلو تزوجها على دار فاستحقت يجب عليه قيمتها لان تسمية الدار قد صحت لكونها مالا. لكن تعذر تسليمها بالاستحقاق. فوجبت عليه قيمتها.

لا مهر المثل

(5)

. ولو استحق نصف الدار خيرت فى النصف الباقى فى يدها. ان شاءت ردته بالعيب الفاحش وهو التشقيص فى الاملاك المجتمعة ورجعت بقيمة الدار وان شاءت أمسكته ورجعت بقيمة نصفها. ولو طلقها قبل الدخول كان لها النصف الذى فى يدها خاصة

(6)

.

‌مذهب المالكية:

استحقاق الصداق من يد المرأة جميعه.

يوجب رجوعها عليه بقيمة المقوم المعين ومثل المثلى أو الموصوف ولو مقوما

(7)

ولا يرجع لصداق المثل. لان طريق النكاح المكارمة فقد تتزوج بأضعاف صداق المثل وبعشره

(8)

، وقال أبو الحسن اللخمى:

ولو قيل ترجع بالاقل من القيمة أو صداق المثل لكان ذلك وجها

(9)

ولا يفسخ النكاح

(10)

وشذ سحنون فقال: النكاح فاسد. ومبنى الخلاف. هل يشبه النكاح فى ذلك البيع أولا يشبهه. فمن شبهه به قال: يفسخ ومن لا يشبهه به قال: لا يفسخ

(11)

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 279 والمغنى ج 5 ص 581.

(2)

البحر الزخار ج 4 ص 67.

(3)

مفتاح الكرامة ج 7 ص 375، 376.

(4)

فتح القدير ج 2 ص 455.

(5)

البدائع ج 2 ص 278.

(6)

فتح القدير ج 2 ص 462.

(7)

شرح الخرشى ج 3 ص 296.

(8)

المرجع السابق ج 6 ص 1.

(9)

بداية المجتهد ج 2 ص 29.

(10)

شرح الخرشى ج 3 ص 296.

(11)

بداية المجتهد ج 2 ص 29.

ص: 66

واستحقاق بعض الصداق يوجب خيارها فى التماسك به أورده وترجع بقيمته أو مثله

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

ان تزوجها واشترى دارها بألف صح فان خرج الالف مستحقا استردت الدار ووجب لها مهر المثل

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

ان تزوجها على دار معينة فظهرت مستحقة فلها قيمتها لان العقد وقع على التسمية فكانت لها قيمتها كالمغصوب.

وهذا بخلاف ما اذا قال أصدقتك هذه الدار المغصوبة اذ يكون لها مهر المثل لانها رضيت بلا شئ لرضاها بما تعلم أنه ليس ملكا له فكان وجود التسمية كعدمها

(3)

.

وتخير الزوجة فى عين جعلت لها صداقا كدار بان جزء منها مستحقا بين أخذ قيمة العين كلها أو أخذ الجزء غير المستحق.

وقيمة الجزء المستحق لان الشركة عيب فكان لها الفسخ كغيرها من العيوب

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

اذا استحق المهر الذى قد سمى للغير بالبينة والحكم أو علم الحاكم فقيمته تلزم يوم العقد فى بلد العقد. أو مثله ان كان مثليا. منفعة كان المستحق أو عينا فمثال استحقاق المنفعة. أن يجعل مهرها عمل ثور أو سكنى دار أو استغلال أرض أو نحو ذلك سنة فيظهر أن هذا الثور الذى أصدقها منفعته مملوك لغيره فان الواجب حينئذ قيمة عمله وهى قدر أجرة المدة المقدرة فى يوم العقد ومثال استحقاق العين أن يصدقها حصانا معينا. ويظهر كونه مملوكا لغيره واذا استحق بعض المهر لزمه قيمة القدر المستحق فان تعيب به الباقى ثبت لها الخيار ما لم يتعيب بفعلها فلا خيار لها

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

لو أصدقها عينا فخرجت مستحقة. فان كانت مثلية فالمثل. والا فالقيمة ويحتمل مهر المثل

(6)

.

‌حكم استحقاق بدل الخلع

‌مذهب الحنفية:

لو اختلعت على بيت بعينه. فاستحق لزمها قيمته. لانه تعذر تسليمه مع بقاء السبب الموجب لتسليمه ذكره شمس الائمة

(7)

.

‌مذهب المالكية:

الزوجة اذا خالعت زوجها على شئ من كل مقوم معين ودفعته اليه فاستحق من يده ولا علم عند الزوجين فانها تغرم له قيمته اذا وقع على شئ معين. أما اذا كان موصوفا فيرجع بمثله

(8)

.

(1)

شرح الخرشى ج 3 ص 296، 297.

(2)

أسنى المطالب ح 3 ص 204، 205.

(3)

المغنى ج 8 ص 15.

(4)

منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 3 ص 117.

(5)

التاج المذهب ج 2 ص 43، 44.

(6)

قواعد الاحكام ج 2 ص 37، 38.

(7)

فتح القدير ج 3 ص 109.

(8)

شرح الخرشى ج 3 ص 16.

ص: 67

‌مذهب الشافعية:

لو قال: ان أعطيتنى هذا البيت فأنت طالق فأعطته وبان مستحقا بانت بمهر المثل

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

اذا خالع الرجل امرأته على عوض يظنه ملكا لها فبان غير مملوك لها فالخلع صحيح فى قول أكثر أهل العلم لان الخلع معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح

(2)

ولكن يرجع عليها بقيمته ان كانت هى الباذلة والا فعلى باذله لانها عين يجب تسليمها مع سلامتها وبقاء سبب الاستحقاق فوجب بدلها مقدرا بقيمتها وان كان العوض فى الخلع مثليا وبان مستحقا فله مثله. وصح الخلع لما تقدم

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

اذا خالع الزوج على عوض فاستحق أو بعضه للغير بالبينة أو اليمين لا بالاقرار، فانه يلزم للزوج قيمة ما استحق من العوض لذلك الغير أن كان قيميا ومثله ان كان مثليا وتعتبر القيمة يوم عقد الخلع. اذ هى التى وقعت المخالعة عليها كما لو خالعها على فرس أو حب أو نحوهما فانكشف للغير .. فانه يلزم عوضه للزوج وقد صح الخلع. فان استحق نصف المال المخالع عليه للغير.

فللزوج الخيار ان شاء رد النصف الباقى وطالبها بعوض الجميع وان شاء أخذه وردت اليه نصف القيمة

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

لو خالعها على عين مستحقة، فان علم الزوج فسد الخلع ان لم يتبعه طلاقا - لان الخلع عندهم لا يقع حتى يتبع بالطلاق - وان اتبعه كان رجعيا. وان لم يعلم استحقاقها. قيل: بطل الخلع ويحتمل الصحة ويكون المثل. أو القيمة ان لم يكن مثليا

(5)

.

‌حكم استحقاق الموصى به

‌مذهب الحنفية:

من أوصى بان يباع بيته ويتصدق بثمنه على المساكين فباعه الوصى وقبض الثمن فضاع فى يده فاستحق البيت.

ضمن الوصى. لانه هو العاقد فتكون العهدة عليه وهذه عهدة لان المشترى منه ما رضى ببدل الثمن الا ليسلم له المبيع ولم يسلم. فقد أخذ الوصى البائع مال غيره بغير رضاه فيجب عليه رده ويرجع فيما ترك الميت. لانه عامل له فيرجع عليه كالوكيل. ويرجع فى جميع التركة. وعند محمد: انه يرجع فى الثلث.

لان الرجوع بحكم الوصية فأخذ حكمها ومحل الوصية الثلث. وجه الظاهر. انه يرجع عليه بحكم الغرور وذلك دين

(1)

أسنى المطالب ج 3 ص 255.

(3،2)) المغنى ج 8 ص 195، 202، كشاف القناع ج 3 ص 131.

(4)

التاج المذهب ج 2 ص 190.

(5)

قواعد الاحكام ج 2 ص 80.

ص: 68

عليه. والدين يقضى من جميع التركة.

فان كانت التركة قد هلكت أو لم يكن بها وفاء لم يرجع بشئ. أى لا على الورثة ولا على المساكين ان كان قد تصدق عليهم.

لان البيع لم يقع الا للميت فصار كما اذ كان على الميت دين آخر

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

وان أوصى له بثلث بيت معين مثلا فاستحق ثلثاه. فللموصى له الثلث الباقى اذ المقصود ارفاق الموصى له. وقيل: له ثلث الباقى. وصححه الاسنوى ونقله البلقينى عن النص واعتمده. هذا ان احتمله الثلث. والا فله ما يحتمله الثلث

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

ان أوصى له بمعين فاستحق بعضه فله ما بقى منه. ان حمله الثلث وان أوصى له بثلث دار فاستحق الثلثان منها. فالثلث الباقى للموصى له ان خرج من الثلث. لان الباقى كله موصى به وقد خرج من الثلث فاستحقه الموصى له كما لو كان شيئا معينا. وان لم يخرج من الثلث بأن لم يكن له مال غيره فله تسع الدار. ان لم يجز الورثة

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

ان أوصى بجزء من دار له باع الوارث الدار وأنفذ من ثمنها ما سمى أن وسعه، فان والا خرج من ثمنها ما وسعه، فان استحقت الدار بأمناء ولو بلا حكم فلا شئ عليه من وصيته. وان استحق لا بأمناء قبل انفاذه أنفذ من ثمنه

(4)

.

‌حكم استحقاق الاضحية والهدى

‌مذهب الحنفية:

ان اشترى شاة ليضحى بها فضحى بها ثم استحقها رجل بالبينة ان أخذها المستحق مذبوحة لا تجزى عن واحد منهما. وعلى كل واحد منهما أن يضحى بشاة أخرى مادام فى أيام النحر. وان مضت أيام النحر فعلى الذابح أن يتصدق بقيمة شاة وسط. ولا يلزم التصدق بقيمة تلك الشاة المشتراة لانه بالاستحقاق تبين أن شراءه اياها للاضحية والعدم بمنزلة واحدة وان تركها المستحق على الذابح وضمنه قيمتها. جاز الذبح عندنا كما فى الغصب

(5)

.

‌مذهب المالكية:

لو اشتراها ثم ذبحها ثم استحقت فأجاز ربها البيع. أجزأت لفعله ذلك فى شئ ضمنه بالعوض الى وجب للمستحق

(6)

.

(1)

الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 8 ص 498.

(2)

أسنى المطالب ج 3 ص 62.

(3)

المغنى ج 6 ص 587، وكشاف القناع ج 2 ص 523.

(4)

شرح النيل ج 6 ص 325.

(5)

البدائع ج 5 ص 76، 77.

(6)

الخرشى ج 3 ص 50.

ص: 69

‌مذهب الحنابلة:

ان اشترى أضحية أو هديا. وعينها.

ثم بانت مستحقة بعد التعيين. لزمه بدلها.

وعلم مما ذكر انها لو بانت مستحقة قبل التعيين لم يلزمه بدلها. لعدم صحة التعيين اذن

(1)

.

‌حكم استحقاق الموقوف

‌مذهب الحنفية:

لو وقف الكل ثم استحق جزء منه شائعا - بطل الوقف عند محمد لان بالاستحقاق ظهر ان الشيوع كان مقارنا للوقف. كما فى الهبة اذا وهب الكل ثم استحق بعضه. بطلت لهذا. واذا بطل الوقف فى الباقى رجع الى الواقف لو كان حيا والى ورثته ان ظهر الاستحقاق بعد موته ولو كان المستحق جزءا بعينه.

لم يبطل فى الباقى لعدم الشيوع فلهذا.

جاز فى الابتداء أن يقف ذلك الباقى فقط

(2)

.

(انظر وقف)

‌استحلاف

‌تعريف الاستحلاف فى اللغة

جاء فى لسان العرب فى مادة حلف

(3)

:

الحلف والحلف: القسم، وحلف أى أقسم يحلف حلفا وحلفا وحلفا، وأحلفت الرجل وحلفته واستحلفته بمعنى واحد (وهو طلب الحلف) وقد استحلفه بالله ما فعل ذلك، والحلف: اليمين واصلها العقد بالعزم والنية، والحلف العهد يكون بين القوم وفى المادة معان أخرى كثيرة.

‌تعريف الاستحلاف فى الشرع

استعمل الفقهاء

(4)

الاستحلاف بمعنى طلب اليمين ممن تتوجه عليه بسبب انكار حق أو اثباته وسواء كان هو المدعى عليه أو المدعى، وأن الاتيان بالسين والتاء للاشعار بالطلب.

‌متى يثبت حق الاستحلاف

‌مذهب الحنفية

(5)

:

يثبت حق الاستحلاف عند الحنفية بالانكار من المدعى عليه والعجز عن اقامة

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 639.

(2)

فتح القدير ج 5 ص 46، 47.

(3)

لسان العرب لأبن منظور ج 36 ص 53 طبع دار صادر دار بيروت.

(4)

أنظر للمالكية حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 146 طبع بدار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر وللحنفية تكملة فتح القدير نتائج الافكار لقاضى زاده وبهامشه العناية على الهداية للبابرتى ج 6 ص 151، ص 152 طبعة أولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر وللشافعية المهذب لابى اسحق الشيرازى ج 2 ص 300 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر وللحنابلة هداية الراغب شرح عمدة الطالب ص 567 مطبعة المدنى المؤسسة السعودية بمصر وللزيدية التاج المذهب لاحكام المذهب شرح متن الازهار لابن قاسم الصنعانى ج 4 ص 29 وص 30 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر عيسى البابى الحلبى وشركاه.

(5)

نتائج الافكار تكملة فتح القدير ج 6 ص 154 وكتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 6 ص 225 طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ طبعة أولى.

ص: 70

البينة من المدعى لقول النبى صلى الله عليه وسلم للمدعى: ألك بينة؟ فقال: لا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لك يمينه، فان النبى عليه السلام ذكر اليمين بعد ما عجز المدعى عن البينة، ولان اليمين وجبت للحاجة الى دفع التهمة وهى تهمة الكذب فى الانكار، فاذا كان مقرا فلا حاجة الى اليمين لان الانسان لا يتهم فى الاقرار على نفسه.

ويثبت حق الاستحلاف بالطلب من المدعى لان اليمين وجبت على المدعى عليه حقا للمدعى وحق الانسان قبل غيره واجب الايفاء عند طلبه.

واذا قال

(1)

المدعى لى بينة حاضرة فى المصر وطلب يمين خصمه لم يستحلف عند أبى حنيفة وقال أبو يوسف: يستحلف لان اليمين حقه بالحديث المعروف وهو قوله عليه الصلاة والسلام: لك يمينه، فاذا طالبه به يجيبه، ولابى حنيفة أن ثبوت الحق فى اليمين مرتب على العجز عن اقامة البينة لما روينا من قوله عليه الصلاة والسلام للمدعى: ألك بينة؟ فقال: لا، فقال: لك يمينه، فانه عليه الصلاة والسلام ذكر اليمين بعد ما عجز المدعى عن البينة فلا يكون حقه دونه كما اذا كانت البينة حاضرة فى مجلس الحكم حيث لا يحلف اتفاقا.

‌مذهب المالكية:

يذهب المالكية

(2)

الى أن حق الاستحلاف يثبت على المدعى عليه عند انكاره وعدم اقامة البينة من المدعى.

لكنهم يختلفون فى هل يشترط اثبات الخلطة لتوجه اليمين على المدعى عليه أم لا تشترط؟ وتتوجه اليمين ولو لم تثبت خلطه.

أما الامام مالك وعامة أصحابه فانهم يرون أنه لا بد من اثبات الخلطة لتوجه اليمين وهو أن يثبت المدعى أنه خالط المدعى عليه بدين ولو مرة أو تكرر بينهما بيع بالنقد الحال، وان كان ثبوت الخلطة بشهادة امرأة لان القصد من الخلطة هو حصول الظن بثبوت المدعى به وهو يثبت بشهادة الواحد ولو أنثى وهذا هو الرأى المشهور فى المذهب كما قال الدسوقى.

وأما ابن نافع وصاحب المبسوط وابن عبد الحكم وابن لبابة وغير هؤلاء من المتأخرين فانهم يرون أن اليمين تتوجه على المدعى عليه عند الانكار والعجز عن البينة ولو لم تثبت خلطة وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى واليمين على من أنكر، وهذا الرأى هو مقابل المشهور لكنه الرأى المعتمد فى المذهب كما قال الدسوقى وذلك لجريان العمل به وما جرى عليه العمل مقدم على المشهور فى المذهب ان خالفه.

(1)

شرح العناية على الهذاية على هامش نتائج الافكار ج 6 ص 153، ص 154.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 145، ص 146 الطبعة السابقة.

ص: 71

وفى هامش الفروق

(1)

قسم الدعوى التى لا يحتاج فى اثباتها الى شهادة شاهدين الى نوعين:

النوع الاول ما يشهد به العرف وهذه يشرع التحليف فيها بمجردها بلا شرط خلطة ونحوها وعد من ذلك مسائل كثيرة كالقاتل يدعى أن ولى المقتول عفا عنه.

والنوع الثانى ما لم يتعرض العرف لتكذيبها ولا تصديقها فهذه لا يشرع فيها التحليف الا باثبات خلطة كما اذا ادعى على الرجل المبرز من ليس من شكله ولا نمطه فلا تجب له اليمين عليه الا بثبوت الخلطة.

وأما ابن سهل فقد قال فى التبصرة: قال غير واحد من المتأخرين: انما تراعى الخلطة فيما يتعلق بالذمم من الحقوق، أما الاشياء المعينة التى يقع التداعى فيها بينهما فاليمين لاحقة من غير خلطة.

وقد استثنى

(2)

من اشتراط الخلطة مسائل تتوجه فيها اليمين وان لم تثبت الخلطة اتفاقا والخلاف انما هو فى عداها وذلك كالصناع يدعى عليهم بمالهم فيه صنعة فانهم يحلفون ولو لم تثبت خلطة ومثلهم التجار لان نصب أنفسهم للناس بالصناعة والبيع والشراء فى معنى الخلطة وكذلك الضيف الغريب يدعى أو يدعى عليه فى شئ معين، ودعوى الوديعة على أهلها والمسافر يدعى على بعض رفقته بشئ ودعوى المريض فى مرض موته على غيره بدين، ودعوى البائع على حاضر المزايدة.

وما مر من اشتراط الخلطة عند توجه اليمين انما هو فى دعوى المال فقد قال ابن رشد

(3)

: ان كانت الدعوى فى مال وجبت اليمين على المدعى عليه بشرط الخلطة وقال بذلك السبعة من فقهاء المدينة وعمدتهم فى ذلك النظر الى المصلحة لكيلا يتطرق الناس بالدعاوى الى تعنيت بعضهم بعضا، ومن هنا لم ير الامام مالك رضى الله عنه احلاف المرأة زوجها اذا ادعت عليه الطلاق الا أن يكون معها شاهد وكذلك احلاف العبد سيده فى دعوى العتق عليه، أما ان كانت الدعوى فى غير مال بأن كانت فى طلاق أو نكاح أو قتل فلا تجب اليمين الا مع الشاهد.

والضابط فى ذلك أن كل دعوى لا تثبت

(4)

الا بعدلين كالعتق والطلاق والنكاح والتمليك والمبارأة والاسلام والردة والشرب والقذف فلا تثبت اليمين بمجرد الدعوى من المدعى بل لا بد من شاهد فاذا ادعى

(5)

انسان على شخص أنه قتل وليه ولم يقم بينه فلا يمين على

(1)

تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الاسرار الفقهية بهامش الفروق لشهاب الدين المشهور بالقرافى الفرق التاسع والثلاثون والمائتان ج 4 من ص 136 الى 139 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1346 هـ طبعة أولى.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 145، 146، 151، 152، 139.

(3)

بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ج 2 ص 354 وص 355، طبع مطبعة الجمالية بمصر طبعة أولى سنة 1329 هـ.

(4)

حاشيتى حجازى والامير ج 2 ص 220 وص 321.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 151 وص 152 الطبعة السابقة.

ص: 72

ذلك الشخص المدعى عليه وكذلك اذا ادعى انسان على ولى مجبرة أنه زوجه بنته أو أمته ولم يقم بينه فلا يمين على الولى ففى مثل هذه المسائل التى لا تثبت الا بعدلين لا تتوجه اليمين فيها على المدعى عليه حتى يقيم المدعى عليها شاهدا واحدا وحينئذ يحلف المدعى عليه لرد شهادة الشاهد ولا ترد اليمين على المدعى اذ لا ثمرة فى ردها عليه مع كون الدعوى لا تثبت الا بعدلين فان لم تتجرد الدعوى بأن أقام المدعى عدلا واحدا فقط توجهت اليمين لرد شهادة الشاهد لكن ذلك فى غير دعوى النكاح كما لو ادعى رجل أن فلانا زوجه ابنته وأنكر الاب فأقام الزوج شاهدا واحدا بذلك فلا تتوجه اليمين على الاب ولا يثبت النكاح لان النكاح مبنى على الشهرة فشهادة واحد فيه ريبة فتكون كالعدم.

أما الدعوى

(1)

التى تثبت بشاهدين أو شاهد وامرأتين أو أحدهما ويمين فان اليمين تتوجه فيها على المدعى عليه وترد على المدعى ان أراد المدعى عليه ردها اليه، وكما تتوجه اليمين على المدعى عليه عند الانكار وعدم البينة من المدعى فانها تتوجه على المدعى تكملة للنصاب

(2)

كما اذا أقام المدعى شاهدا واحدا أو كانت يمين استظهار كأن ادعى على غائب أو ميت وأقام شاهدين بالحق أو ردت عليه اليمين من المدعى عليه.

‌مذهب الشافعية:

يثبت

(3)

حق الاستحلاف على المدعى عليه عند انكاره مع عجز المدعى عن اقامة البينة وطلبه يمين المدعى عليه وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم: لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم لكن اليمين على المدعى عليه، ولخبر: شاهداك أو يمينه.

كذلك يثبت حق الاستحلاف على المدعى اذا ردت اليمين عليه وذلك اذا أنكر المدعى عليه وامتنع على الحلف فان القاضى يطالب المدعى باليمين المردودة ان كان مدعيا عن نفسه لتحول اليمين اليه وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق. كما تتوجه اليمين على المدعى اذا كانت للاستظهار أو كانت مع شاهد

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

يذهب الحنابلة

(5)

الى أن حق الاستحلاف انما يثبت عند عدم وجود البينة من المدعى وعند الانكار من المدعى عليه فمتى قال المدعى مالى بينة تثبت اليمين على المنكر للخبر أى

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 151.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 227 الطبعة السابقة.

(3)

المهذب للشيرازى ج 2 ص 310 وص 311 الطبعة السابقة.

(4)

المهذب للشيرازى ج 2 ص 310 وص الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 8 ص 335 وص 336 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ وكتاب الام للامام الشافعى وبهامشه مسند الامام ج 6 ص 279 طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر طبعة أولى سنة 1324 هـ.

(5)

كشاف القناع على متن الاقناع وبهامشه شرح منتهى الإرادات ج 4 ص 198 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر طبعة أولى سنة 1319 هـ وهداية الراغب ص 556 الطبعة السابقة.

ص: 73

عند الطلب، وكذلك

(1)

تثبت اليمين مع البينة الغائبة عن المجلس اذا أراد المدعى تحليف المدعى عليه سواء كانت البينة قريبة أو كانت بعيدة لان ذلك يصير طريقا الى استخلاص الحق.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى

(2)

. كل من ادعى على أحد وأنكر المدعى عليه فكلف المدعى البينة فقال لى بينة غائبة أو قال: لا أعرف لنفسى بينة أو قال: لا بينة لى قيل له: ان شئت فدع تحليفه حتى تحضر بينتك أو لعلك تجد بينة وان شئت حلفته فأى الامرين اختار قضى له به ..

ومن هذا يتبين أن حق الاستحلاف يثبت بالانكار من المدعى عليه وعدم وجود البينة مع المدعى وطلب اليمين من المدعى.

‌مذهب الزيدية:

يثبت

(3)

حق الاستحلاف عند الانكار من المدعى عليه الذى يلزم باقراره حق لآدمى ونحوه - يريد بذلك حق العامة - كالوقف العام والطريق العامة فان لكل أن يدعيها وأن يحلف عليها من أنكرها، أما

(4)

لو كان يلزمه باقراره حق لله محض كالزنا وشرب الخمر وكذا السرقة حيث تدعى عليه للقطع وقد رد المال أو سقط عنه بأى وجه، فانه لو ادعى عليه بهذه الاشياء فأنكرها لم تلزمه اليمين، غالبا احترازا من التحليف للزكاة فانه لو أقر لزمه حق لله مع أنه تلزمه اليمين، ولا تسقط اليمين الاصلية بوجود البينة فى غير المجلس.

أما اذا ردت اليمين

(5)

على المدعى فانها تلزمه واذا طلبها المدعى عليه من المدعى لتأكيد بينته فلا تثبت الا بشروط خمسة متى كملت هذه الشروط لزمت المدعى اليمين المؤكدة وهذه الشروط هى:

أولا: أن يطلبها المدعى عليه.

ثانيا: أن تكون بينته غير البينة المحققة، والمحققة هى أن يشهد الشهود أنه قتل أو باع أو وهب أو غصب، وغير المحققة هى أن لا يشهد الشهود على التحقيق بل شهدوا على الظاهر كأن الدار ملكه.

ثالثا: أن تكون الدعوى لآدمى فى حقه المحض.

رابعا: أن تكون ممكنة احترازا مما لو ادعى الولى لصبى أو لمسجد.

خامسا: مع التشاجر - التخاصم - أن يكون طلبها عند الحاكم فعند ذلك تلزم اليمين المؤكدة المدعى

‌مذهب الإمامية:

تتوجه اليمين على المدعى عليه اذا أنكر

(6)

(1)

كشاف القناع ج 4 ص 200 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 371 مسألة رقم 1782 مطبعة ادارة الطباعة المنيرية سنة 1352 هـ.

(3)

التاج المذهب ج 4 ص 26 الطبعة السابقة

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 27.

(5)

المرجع السابق ج 4 ص 29 وص 30.

(6)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 214 منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت.

ص: 74

ولم يكن للمدعى بينة تعويلا على الخبر، كذلك تجب على المدعى مع الرد ومع الشاهد الواحد، وقد تتوجه مع اللوث فى دعوى الدم.

وأما المدعى ولا شاهد له فلا يمين عليه الا مع الرد أو مع النكول على قول فان ردها المنكر توجهت فيحلف على الجزم.

وقال فى شرائع الاسلام: ولا يتوجه اليمين على الوارث ما لم يدع عليه العلم بموت المورث والعلم بالحق وأنه ترك فى يده مالا.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: اختلف العلماء فى اليمين تلزم مطلقا عند الانكار وعدم البينة قال الاندلسيون: نعم، وكذا أهل تونس فى زمان ابن عرفة وبه جرى العمل، ثم قال:

وشرط مالك وأصحابه الخلطة، والقولان فى المذهب

وبقيت بعد ذلك بعض الدعاوى التى يثبت فيها حق الاستحلاف وهى دعوى التداعى

(2)

كما اذا ادعى كل منهما عينا أنها له وهى بيد أحدهما أو بيديهما أو كانت بيد ثالث ولم ينازع وسواء كانت لاحدهما بينة أو لكليهما أو لا بينة لاحد فينظر تفصيل ذلك فى مصطلحى تعارض وتحالف.

‌ما يجرى فيه الاستحلاف

‌مذهب الحنفية:

يجرى

(3)

الاستحلاف فيما كان حقا خالصا للعبد ولا يجرى فيما هو حق لله عز وجل فلا يجوز الاستحلاف فى الحدود الخالصة حقا لله عز وجل كحد الزنا والسرقة والشرب لان الاستحلاف لاجل النكول ولا يقضى بالنكول فى الحدود الخالصة لانه بذل

(4)

عند أبى حنيفة رحمه الله، وعند محمد وأبى يوسف اقرار فيه شبهة العدم، والحدود لا تحتمل البذل ولا تثبت بدليل فيه شبهة ولهذا لا تثبت بشهادة النساء والشهادة على الشهادة الا أنه فى السرقة يحلف على أخذ المال فان نكل ضمن ولم يقطع، وكذا لا يمين فى اللعان لانه جار مجرى الحد أما حد القذف فيجرى فيه الاستحلاف فى ظاهر الرواية لانه ليس من الحدود المتمحضة حقا لله تعالى بل يشوبه حق العبد فأشبه التعزير، وفى التعزير يحلف.

كذا هذا.

ويجرى الاستحلاف فى القصاص فى النفس والطرف لان القصاص خالص حق العبد، كذلك يجرى الاستحلاف فيما اذا كان المدعى به محتملا للاقرار به شرعا بأن كان لو أقر به لصح اقراره به فان لم يكن لم يجر فيه الاستحلاف حتى أن من ادعى على رجل أنه

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 583 طبعة البارونى وشركاه.

(2)

أنظر فى ذلك المراجع السابقة فى باب الدعوى.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 226 وما بعدها والهداية مع شروحها تكملة فتح القدير والعناية ج 6 ص 163 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

البذل: هو ترك المنازعة والاعراض عنها.

ص: 75

أخوه ولم يدع فى يده ميراثا فأنكر لا يحلف لانه لو أقر له بالاخوة لم يجز اقراره لكونه اقرارا على غيره وهو أبوه.

ولو ادعى أنه أخوه وأن فى يده مالا من تركة أبيه وهو مستحق لنصفه بارثه من أبيه فأنكر يحلف لاجل الميراث لا للاخوة، وعلى هذا عبد فى يد رجل ادعاه رجلان فأقر به لاحدهما وسلم القاضى العبد اليه فقال الآخر: لا بينة لى وطلب من القاضى تحليف المقر فانه لا يحلفه فى عين العبد لانه لو أقر به لكان اقراره باطلا فاذا أنكر لا يحلف الا أن يقول الذى لم يقر له انك أتلفت على العبد باقرارك به لغيرى فاضمن قيمته لى يحلف المقر بالله تعالى ما عليه رد قيمة ذلك العبد على هذا المدعى ولا رد شئ منها لانه لو أقر باتلافه لصح وضمن القيمة فاذا أنكر يستحلفه

وقد اختلفوا فى سبعة أشياء هل يجرى فيها الاستحلاف

(1)

أولا وهى:

الاول: النكاح وهو أن يدعى رجل على امرأة أنها امرأته أو تدعى امرأة على رجل أنه زوجها ولا بينة للمدعى وطلب يمين المنكر.

الثانى: الرجعة وهى أن يقول الزوج للمطلقة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتك وأنكرت المرأة وعجز الزوج عن اقامة البينة فطلب يمينها.

الثالث: الفئ فى الايلاء وهو أن يكون الرجل قد آلى من امرأته ومضت أربعة أشهر فقال الزوج قد كنت فئت اليك بالجماع فلم تبينى فقالت لم تفئ الى ولا بينة للزوج فطلب يمينها.

الرابع: النسب نحو أن يدعى على رجل أنه أبوه أو ابنه فأنكر الرجل ولا بينة له وطلب يمينه.

الخامس: الرق وهو أن يدعى على رجل أنه عبده فأنكر وقال أنه حر الاصل لم يجر عليه رق أبدا ولا بينة للمدعى فطلب يمينه.

السادس: الولاء مثل أن يدعى رجل على امرأة أنه أعتق أباها وأن أباها مات وولاؤه بينهما نصفان فأنكرت المرأة أن يكون أعتقه وأن يكون ولاؤه ثابتا منه ولا بينة للمدعى فطلب يمينها على ما أنكرت من الولاء.

السابع: الاستيلاد وهو أن تدعى أمة على مولاها فتقول أنا أم ولد لمولاى وهذا ولدى فأنكر المولى.

فهذه المواضع السبعة قد اختلف فيها فعند أبى حنيفة لا يجرى فيها الاستحلاف وعند أبى يوسف ومحمد يجرى فيها الاستحلاف وسبب هذا الاختلاف أن النكول بذل عند أبى حنيفة وهذه الاشياء السبعة لا تحتمل البذل فلا تحتمل النكول فلا يجرى فيها الاستحلاف عنده لان شرط ما يجرى فيه الاستحلاف عند أبى حنيفة أن يكون مما يحتمل البذل مع كونه محتملا للاقرار، وعند أبى يوسف ومحمد أن هذه الاشياء يجرى فيها الاستحلاف لان النكول اقرار فيه شبهة وهذه الاشياء تثبت بدليل فيه شبهة لان نكول المدعى عليه دليل كونه كاذبا فى انكاره لانه لو كان

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 227 الطبعة السابقة.

ص: 76

صادقا لما امتنع من اليمين الصادقة فكان النكول اقرارا دلالة الا أنه دلالة قاصرة فيها شبهة العدم وهذه الاشياء تثبت بدليل قاصر فيه شبهة العدم فيجرى فيها الاستحلاف.

وقد ذكر ان عابدين فى حاشيته

(1)

أن الفتوى على أنه يحلف المنكر فى هذه الاشياء السبعة.

‌مذهب المالكية:

يجرى الاستحلاف

(2)

فى كل حق سواء كان حقا ماليا - جليلا كان المال أو حقيرا - ولو كان أقل من ربع دينار، أو كان حقا غير مالى كدعاوى الطلاق والعتق والسرقة والقذف والشرب والقتل وغير ذلك.

‌مذهب الشافعية:

يجرى الاستحلاف عند الشافعية فى كل دعوى من مال أو قصاص أو طلاق أو عتق أو غير ذلك فقد قال الامام الشافعى

(3)

: كل من ادعى على امرئ شيئا ما سواء كان من مال أو قصاص أو طلاق أو عتق أو غيره حلف المدعى عليه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(4)

ولا يستحلف المنكر فى حقوق الله تعالى كحد وعبادة وصدقة وكفارة ونذر لان الحدود مطلوب فيها الستر والتعريض للمقر ليرجع فلئلا يستحلف فيها أولى.

أما ما عدا الحدود مما ذكر من حقوق الله تعالى فأشبه الحد، فان تضمنت دعوى الحد حقا لآدمى مثل أن يدعى سرقة ماله ليضمن السارق أو ليأخذ منه ما سرقه أو يدعى عليه الزنا بجاريته ليأخذ مهرها منه سمعت دعواه وتوجه اليمين، واليمين

(5)

على حق الله المتعلق بها حق آدمى لها أصل فى الشريعة وهو اللعان.

فان دعوى الزنا دعوى ما يوجب الحد والقياس أن لا يمين فيها لكن شرعت اذا ادعاه الزوج لان له حقا فى ذلك وهو افساد فراشه وهكذا دعوى السرقة لا يحلفه على ما ينفى القطع ولكن يحلفه على ما ينفى استحقاق المال، ويستحلف

(6)

فى كل حق لآدمى دون حق الله عز وجل وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء

(1)

تكملة رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار لابن عابدين ج 6 ص 413 طبع المطبعة العثمانية.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 227 وص 151 وص 144 وص 200 الطبعة السابقة.

(3)

الام للامام الشافعى ج 7 ص 87، ص 31 والمهذب للشيرازى ج 2 ص 322 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 4 ص 285 الطبعة السابقة.

(5)

المحرر فى الفقه لمجد الدين أبى البركات ومعه النكت والفوائد السنية ج 2 ص 225 طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ والمغنى على مختصر الخرقى ويليه الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 12 ص 127 طبع مطبعة المنار بمصر طبعة أولى 1328 هـ.

(6)

كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 4 ص 285 الطبعة السابقة.

ص: 77

رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه، واستثنى من ذلك

(1)

عشرة أشياء لا يجرى فيها الاستحلاف وهى: النكاح والطلاق والرجعة والايلاء وأصل الرق والولاء والاستيلاد والنسب والقود والقذف فهذه العشرة

(2)

لا يمين فى واحد منها لان كل واحد منها لا يثبت الا بشاهدين فأشبه الحدود.

وعند الامام أحمد

(3)

يستحلف فى الطلاق والايلاء والقود والقذف دون الستة الباقية، وعنه يستحلف الا فيما لا يقضى فيه بالنكول، قال فى

(4)

رواية ابن القاسم لا أرى اليمين فى النكاح ولا فى الطلاق ولا فى الحدود لانه ان نكل لم أقتله ولم أحده ولم أدفع المرأة الى زوجها، وظاهر قول الخرقى أنه يستحلف فيما عدا القود والنكاح، وعنه ما يدل على أنه يستحلف فى الكل ..

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى

(5)

: الاصل المطرد فى كل دعوى فى الاسلام من دم أو مال أو غير ذلك من الحقوق ولا تتحاشى شيئا هو أن البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ يقول: لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دعاء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بينتك أو يمينه، وهذان نصان عامان ولا يصح لاحد أن يخرج عنهما شيئا الا ما أخرجه نص أو اجماع.

وفى موضع آخر

(6)

يقول ابن حزم:

اليمين فى الدعاوى كلها دماء كانت أو غيرها يمين واحدة فقط على من أدعى عليه الا فى الزنا والقسامة وما عدا ذلك فعلى عمومه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم ساق ابن حزم الظاهرى الاحاديث السابقة.

وفى موضع آخر يقول

(7)

ابن حزم:

من ادعى عليه أنه صرح بالقذف وهو منكر فلا تحليف فى ذلك لان الحد فى ذلك من حدود الله عز وجل وحقوقه لا من حقوق الآدميين وانما يحلف بالله ما أذيتك ولا شتمتك ويبرأ.

ثم يقول فى موضع آخر

(8)

: ان من ادعت على رجل أنه غلبها على نفسها فهى مشتكية مدعية وليست قاذفة وتكلف البنية على دعواها فان جاءت بها أقيم حد الزنا على الرجل وان لم تأت بينة فلا شئ على

(1)

المحرر لمجد الدين أبى البركات ج 2 ص 226 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع ج 4 ص 285.

(3)

المحرر ج 2 ص 226.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 227.

(5)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 11 ص 84 مسألة رقم 2149.

(6)

المرجع السابق ج 11 ص 78 الطبعة السابقة.

(7)

المرجع السابق ج 11 ص 281 مسالة رقم 2231.

(8)

المرجع السابق ج 11 ص 293 مسألة رقم 2241.

ص: 78

الرجل أصلا، فان قال قائل: فان لم تكن بينة فاقضوا عليه باليمين، قلنا ان دعواها انتظم حقا لها وحقا لله تعالى فحقها هو التعدى عليها وظلمها وحق الله تعالى هو الزنا فواجب أن يحلف لها فى حقها فيحلف بالله ما تعديت عليك فى شئ ولا ظلمتك وتبرأ ذمته، ولا يجوز أن يحلف بالله مازنى لانه لا خلاف فى أن أحدا لا يحلف فى حق ليس له فيه مدخل.

ويدل ما ذكره ابن حزم الظاهرى على أن الاستحلاف لا يجرى فى حق الله تعالى، وأنه يجرى فى كل حق لآدمى من مال أو غيره وأن دعوى حق الله تعالى لو تضمنت حقا لآدمى فان الاستحلاف يكون على حق الآدمى لا على حق الله تعالى.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(1)

: تلزم اليمين المنكر فى المعاوضات المالية اجماعا وكذا تلزم فى غير المالية كالطلاق والنكاح والايلاء والفئ والولاء والنسب والرق والاستيلاد.

أما حق الله عز وجل فقد قال عنه فى البحر الزخار

(2)

ولا يجرى الاستحلاف فى حق الله المحض كحد الزنا والشرب اذ هى لغير مدع، ويجرى الاستحلاف فى حد القذف اذ هو حق لآدمى.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(3)

: لا يجرى الاستحلاف فى الحدود المجردة فاذا أنكرها المدعى عليه فلا تتوجه عليه اليمين، نعم لو قذفه بالزنا ولا بينة فادعاه عليه قيل جاز أن يحلف ليثبت الحد على القاذف وفيه اشكال اذ لا يمين فى الحد، ومنكر السرقة يتوجه عليه اليمين لاسقاط الغرم. ولو نكل لزمه المال دون القطع بناء على القضاء بالنكول وهو الاظهر والاحلف المدعى ولا يثبت الحد على القولين، ثم قال صاحب شرائع الاسلام ويجرى الاستحلاف فيما عدا ذلك كالنكاح والطلاق.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(4)

: اختلف العلماء فى اليمين تلزم مطلقا عند الانكار وعدم البيان والبينة ثم قال بعد ذلك: وهذا عام فى الانفس والاموال والنكاح وما يترتب عليه من نحو طلاق.

‌من له حق الاستحلاف

‌مذهب الحنفية:

اليمين من حق المدعى ولا يجوز للقاضى استحلاف المدعى عليه الا بعد طلب اليمين من المدعى فقد جاء فى تكملة فتح

(1)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد يحيى المرتضى ويليه كتاب جواهر الاخبار والاثار ج 4 ص 404.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 405.

(3)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 215 الطبعة السابقة.

(4)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 583 الطبعة السابقة.

ص: 79

القدير

(1)

قال القدورى فى مختصره: ان أحضر المدعى البينة قضى القاضى بها وان عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه وهو المدعى عليه استحلف القاضى خصمه على دعواه لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل المدعى البينة فقال: لا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لك يمينه، أى يمين المدعى عليه فلا بد من طلب المدعى استحلاف خصمه على دعواه لان اليمين من المدعى ولان اضافة اليمين الى المدعى فى قول النبى صلى الله عليه وسلم: لك يمينه بحرف اللام المقتضية للاختصاص تنصيص على أن اليمين حق المدعى، وقد أورد صاحب بدائع الصنائع

(2)

مثل ذلك.

وجاء فى الفتاوى الهندية

(3)

نقلا عن القنية والبحر الرائق أن الاستحلاف حق للقاضى فلو حلف المدعى عليه بعد طلب المدعى يمينه بين يدى القاضى من غير استحلاف القاضى له فهذا ليس بتحليف لان التحليف حق القاضى. كذا فى القنية وكذا فى البحر الرائق ..

والمراد أن توجيه اليمين الى المدعى عليه بعد طلب المدعى هو حق القاضى لا حق المدعى فقد نقل ابن عابدين

(4)

ذلك عن القنية أيضا أن التحليف حق القاضى بطلب المدعى.

وقال ابن عابدين

(5)

فى موضع آخر ان اليمين حق القاضى مع طلب الخصم ولا عبرة ليمين ولا لنكول عند غير القاضى، واستثنى أبو يوسف

(6)

أربع مسائل يستحلف القاضى فيها الخصم من غير طلب.

أحدها: الشفيع اذا طلب من القاضى أن يقضى بالشفعة فان القاضى يحلفه بالله لقد طلبت الشفعة حين علمت بالشراء وان لم يطلب المشترى ذلك.

والثانى: البكر اذا بلغت فاختارت الفرقة وطلبت التفريق من القاضى فان القاضى يستحلفها بالله لقد اخترت الفرقة حين بلغت وان لم يطلب الزوج ذلك.

والثالث: المشترى اذ أراد الرد بالعيب فان القاضى يستحلفه أنك لم ترض بالعيب ولا عرضته على البيع منذ رأيته.

والرابع: المرأة اذا طلبت من القاضى أن يفرض لها النفقة فى مال الزوج الغائب فان القاضى يحلفها بالله ما أعطاك نفقتك حين خرج.

قال فى الفتاوى الهندية: ويجب أن تكون مسألة النفقة فى قولهم جميعا، كذا فى

(1)

تكملة فتح القدير شرح الهداية وبهامشه العناية ج 6 ص 151 وص 152 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 224 الطبعة السابقة.

(3)

الفتاوى الهندية وبهامشها الفتاوى البزازية ج 4 ص 13 طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر سنة 1310 هـ الطبعة الثانية.

(4)

رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 6 ص 401، ص 402 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 6 ص 404.

(6)

الفتاوى الهندية ج 4 ص 13 وص 14 الطبعة السابقة.

ص: 80

الفصول العمادية وكذلك فى دعوى الاستحقاق فان القاضى له أن يحلف المستحق بالله ما بعت ولا وهبت ولا تصدقت وهذا عند أبى يوسف، وعند أبى حنيفة ومحمد أنه لا يجوز للقاضى أن يحلف بدون طلب الخصم هكذا فى الخلاصة والوجيز للكردى.

ثم قال فى الفتاوى الهندية وأجمعوا على أن من ادعى حقا فى تركة ميت وأثبته يحلف من غير طلب الوصى والوارث بالله ما استوفيت دينك من المديون الميت ولا من أحد أداه اليك عنه ولا قبض لك قابض بأمرك ولا أبرأته منه ولا أحلت بذلك ولا بشئ منه على أحد ولا عندك ولا بشئ منه رهن كذا فى الخلاصة.

‌مذهب المالكية:

اليمين من حق المدعى عند المالكية

(1)

ولا يجوز للقاضى أن يحلف المدعى عليه حتى يطلب ذلك خصمه، قال ابن فرحون:

لا يستحلف القاضى المدعى عليه اذا أنكر الا اذا أذن المدعى الا أن يكون من شاهد ذلك ما يدل على ان المدعى أراد ذلك من القاضى، ولو أحلفه القاضى دون أن يطلب الخصم ذلك، لم تفده اليمين وللخصم أن يطلب اعادتها عليه ثانيا وله اقامة البنية اذا وجدها وذلك كما فى ابن غازى والشيخ أحمد الزرقانى، واذا بادر المدعى عليه باليمين دون طلب الخصم فان لم يرض بها لم تجزه وأما اذا طلب الطالب اليمين من المدعى عليه بغير محضر الحاكم وأمره فحلف له فان ذلك يكفى، وفى اليمين المردودة حق الاستحلاف للمدعى عليه وللقاضى.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

: ان لم تكن للمدعى بينة وكانت الدعوى فى غير دم فله أن يحلف المدعى عليه ولا يجوز للقاضى احلافه الا بمطالبة المدعى لانه حق له فلا يستوفيه من غير اذنه فان أحلفه القاضى قبل مطالبة المدعى لم يعتد بها لانه يمين قبل وقتها وللمدعى أن يطالب باعادتها لان اليمين الاولى لم تكن يمينه وان قال المدعى أبرأتك من اليمين سقط حقه منها فى هذه الدعوى وله أن يستأنف الدعوى لان حقه لم يسقط بالابراء من اليمين فان استأنف الدعوى فأنكر المدعى عليه فله أن يحلفه لان هذه الدعوى غير الدعوى التى أبرأه فيها من اليمين هذا ما جاء فى المهذب، وقال فى نهاية المحتاج

(3)

: يعتبر فى اليمين طلب الخصم لها من الحاكم وطلب الحاكم لها ممن توجهت عليه وفى اليمين المردودة حق الاستحلاف فيها للمدعى عليه وللقاضى.

(1)

كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لابى عبد الله محمد المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 130 طبع مطبعة السعادة بمصر طبعة أولى سنة 1328 هـ والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 146 الطبعة السابقة.

(2)

المهذب لابى اسحق الشيرازى ج 2 ص 300 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى.

ح 8 ص 332 الطبعة السابقة.

ص: 81

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

: الاستحلاف من حق المدعى فاذا قال: ليست لى بينة أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه فان طلب احلاف المدعى عليه أحلفه لان اليمين طريق الى تخليص حقه فلزم الحاكم اجابة المدعى اليها وليس للقاضى استحلاف المدعى عليه قبل سؤال المدعى لان اليمين حق له كنفس الحق فان أحلفه القاضى قبل أن يطلب المدعى ذلك لم يعتد بهذه اليمين وكذلك لو حلف المدعى عليه قبل سؤال المدعى تحليفه وسؤال الحاكم له لم يعتد بيمينه لانه أتى بها فى غير وقتها فان سأله المدعى أعادها له لان اليمين الاولى لم تكن يمينه لانه لا بد فى اليمين التى تقطع الخصومة من سؤال المدعى لها طوعا ومن اذن الحاكم فيها فلو حلف قبل القاء الحاكم الحلف عليه لم تنقطع الخصومة وللمدعى تحليفه بعد ذلك وجاء فى موضع آخر

(2)

ان حلف المدعى عليه قبل أن يستحلفه الحاكم أو استحلفه الحاكم قبل أن يسأله المدعى احلافه أعيدت عليه اليمين لانها حق للمدعى فلا تستوفى الا بطلبه ..

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى

(3)

: كل من ادعى على أحد وأنكر المدعى عليه فكلف المدعى البينة فقال لى بينة غائبة أو قال: لا أعرف لنفسى بينة أو قال لا بينة لى قيل له ان شئت فدع تحليفه حتى تحضر بينتك أو لعلك تجد بينة وان شئت حلفته ليس لك الا هذا فقط فأى الامرين اختار قضى له به ثم قال ابن حزم فى موضع آخر

(4)

: اليمين حق المدعى بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: بينتك أو يمينه ليس لك غير ذلك.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(5)

: اليمين حق المدعى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمى ألك بينة؟ قال: لا، قال النبى صلى الله عليه وسلم: فلك يمينه، غير أنها لا تصح بغير أمر الحاكم فقد قال فى البحر الزخار

(6)

:

ان اليمين لا تصح بغير أمر الحاكم اذ أعاد النبى صلى الله عليه وسلم على ركانة ولم يجتزئ بحلفه ابتداء.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(7)

: الاستحلاف حق المدعى على المدعى عليه فان لم تكن للمدعى بينة عرفه الحاكم أن له اليمين على خصمه ولا يجوز أن يحلف المدعى عليه الا بعد سؤال المدعى لانه حق له فيتوقف استيفاؤه على المطالبة به، ولو تبرع المدعى عليه بالحلف أو تبرع الحاكم باحلافه لم يعتد بتلك اليمين وأعادها الحاكم ان التمس المدعى ذلك.

(1)

كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 4 ص 198 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع ج 4 ص 290.

(3)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 371 مسألة رقم 1782.

(4)

المرجع السابق ج 9 ص 436 مسألة رقم 1811.

(5)

البحر الزخار ج 4 ص 386 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 4 ص 408.

(7)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 212 الطبعة السابقة.

ص: 82

‌مذهب الإباضية:

جاء فى متن النيل

(1)

: اليمين من حق المدعى على المدعى عليه اذا أنكر والذى يستحلفه هو القاضى فان أنكر المدعى عليه وقال المدعى للقاضى لا بينة لى وحلفه لى فان القاضى يستحلفه.

‌صفة الاستحلاف

‌مذهب الحنفية:

الاستحلاف

(2)

يكون بالله عز وجل دون غيره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر، وقوله عليه السلام: من حلف بغير الله فقد أشرك، ويصح تأكيد اليمين بذكر أوصاف الله سبحانه وتعالى وهو التغليظ وذلك مثل قوله: والله الذى لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذى يعلم من السر ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذى ادعاه وهو كذا وكذا، وللقاضى أن يزيد فى التغليظ على هذا وله أن ينقص منه الا أنه يحتاط فيه كى لا يتكرر عليه اليمين لان المستحق يمين واحدة والقاضى بالخيار ان شاء حلف من غير تغليظ

(3)

لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف يزيد بن ركانة أو ركانة بن عبد يزيد بالله عز وجل ما أردت بالبتة ثلاثا وان شاء غلظ لان الشرع ورد بتغليظ اليمين فى الجملة لان المقصود من الاستحلاف

(4)

النكول وأحوال الناس فيه مختلفة فمنهم من يمتنع اذا غلظ عليه اليمين ويتجاسر اذا حلف بالله فقط ومنهم من يمتنع بأدنى تغليظ ومنهم من لا يمتنع الا بزيادة التغليظ فللقاضى أن يراعى أحوال الناس، والاصل فى ذلك حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى الذى حلف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله الذى لا اله الا هو الرحمن الرحيم الذى أنزل عليك الكتاب، ولم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يستحلف بالطلاق ولا بالعتاق للحديث الذى سبق ذكره وقيل أنه فى زماننا اذا ألح الخصم جاز للقاضى أن يحلفه بذلك لقلة المبالاة باليمين بالله وكثرة الامتناع بسبب الحلف بالطلاق ونقل صاحب تكملة فتح القدير عن الذخيرة أن التحليف بالطلاق والعتاق والايمان المغلظة لم يجوزه أكثر مشايخنا ولكن البعض أجازه ولذلك فانه يفتى بأنه يجوز التحليف بذلك ان مست الضرورة وعلى ذلك قالوا: لو نكل عن اليمين بالطلاق والعتاق لا يقضى عليه بالنكول لانه نكل عما هو منهى عنه شرعا ولو قضى به لا ينفذ قضاؤه فان كان الحالف غير مسلم فان كان يهوديا فانه يستحلف بالله

(5)

الذى أنزل التوراة على سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وان كان

(1)

متن النيل ص 306 وص 310.

(2)

الهداية وشروحها نتائج الافكار تكملة فتح القدير والعناية ج 6 ص 174 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 227 الطبعة السابقة.

(4)

نتائج الأفكار تكملة فتح القدير على الهداية ج 6 ص 174 وما بعدها.

(5)

المرجع السابق ج 6 ص 176.

ص: 83

الحالف نصرانيا فانه يستحلف بالله الذى أنزل الانجيل على سيدنا عيسى عليه السلام لان النبى صلى الله عليه وسلم قال لابن صوريا الاعور أنشدك بالله الذى أنزل التوراة على موسى أن حكم الزنا فى كتابكم هذا وذلك لان اليهودى يعتقد بنبوة موسى والنصرانى بنبوة عيسى فيغلظ على كل واحد منهما بذكر المنزل على نبيه ليكون رادعا له عن الاقدام على اليمين الكاذبة، أما المجوسى فانه يستحلف بالله الذى خلق النار. هكذا ذكر محمد فى الاصل لان المجوسى يعتقد الحرمة فى النار، ويروى عن أبى حنيفة رحمه الله فى النوادر أنه لا يستحلف أحد الا بالله خالصا، وذكر الخصاف رحمه الله أنه لا يستحلف غير اليهودى والنصرانى الا بالله تعالى وهو اختيار بعض مشايخنا لان فى ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيما لها وما ينبغى أن تعظم وذلك بخلاف الكتابيين لان كتب الله معظمة والوثنى لا يحلف الا بالله لان الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى ولا ينكرون الصانع كما ورد فى قول الله جل شأنه «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ 1» ولا يحلف اليهودى ولا النصرانى

(2)

على الاشارة الى كتاب معين بأن يقول: بالله الذى أنزل هذا الانجيل أو هذه التوراة لانه قد ثبت تحريف بعضها فلا يؤمن أن تقع الاشارة الى المحرف فيكون التحليف به تعظيما لما ليس بكلام الله عز وجل ولا يبعث هؤلاء الى بيوت عبادتهم من البيعة والكنيسة وبيت النار لان فيه تعظيم هذه المواضع، وكذا لا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا مكان عندنا لما روينا من الحديث المشهور وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: البينة على من ادعى واليمين على المدعى عليه مطلقا عن الزمان والمكان قال القدورى

(3)

ولان المقصود تعظيم المقسم به وهو حاصل بدون ذلك وفى ايجاب ذلك حرج على القاضى حيث يكلف حضورها، ولقد اختصم

(4)

زيد بن ثابت وابن مطيع فى دار الى مروان بن الحكم فقضى على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر فقال له زيد أحلف له مكانى فقال له مروان بن الحكم لا والله الا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف أن حقه لحق وأبى أن يحلف عند المنبر فجعل مروان يعجب من ذلك ولو كان ذلك لازما لما احتمل أن يأباه زيد بن ثابت ولان التخصيص فى التحليف بمكان وزمان فيه تعظيم لغير اسم الله عز وجل وفيه معنى الاشراك فى التعظيم أما صفة الاستحلاف بالنسبة للمحلوف عليه فان كانت الدعوى مطلقة عن سبب بأن ادعى عبدا أو جارية أو أرضا وأنكر المدعى عليه فلا خلاف فى أنه يحلف على الحكم وهو ما دفع فيه الدعوى فيقال بالله ما هذا العبد أو الجارية أو الارض لفلان هذا ولا شئ منه وان كانت الدعوى مقيدة بسبب بأن ادعى أنه أقرضه ألفا أو غصبه ألفا أو أودعه ألفا وأنكر المدعى عليه فقد اختلف أبو يوسف ومحمد فى أنه يحلف على السبب

(1)

الآية رقم 25 من سورة لقمان.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 228.

(3)

نتائج الافكار تكملة فتح القدير شرح الهداية وبهامشه العناية ج 6 ص 176 وما بعدها.

(4)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 228.

ص: 84

أو على الحكم، فقال أبو يوسف: يحلف على السبب بالله ما استقرضت منه ألفا أو ما غصبته ألفا أو ما أودعنى ألفا الا أن يعرض المدعى عليه ولا يصرح فانه حينئذ يحلف على الحكم وقال محمد يحلف على الحكم ابتداء ولا يحلف على السبب لجواز أنه وجد منه السبب ثم ارتفع بالابراء أو بالرد فلا يمكنه الحلف على نفى السبب ويمكنه الحلف على نفى الحكم على كل حال فكان التحليف على الحكم أولى واستدل أبو يوسف بما روى من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف اليهود بالله فى باب القسامة على السبب فقال عليه الصلاة والسلام بالله ما قتلتموه ولا علمتم له قاتلا فيجب الاقتداء به فعند أبى يوسف يحلف على السبب ان أمكنه وان لم يمكنه وعرض فحينئذ يحلف على الحكم وعلى ذلك ففى دعوى الشراء اذا أنكر المدعى عليه فعند أبى يوسف يحلف على السبب بالله عز وجل ما بعته هذا الشئ الا أن يعرض الخصم والتعريض فى هذا أن يقول قد يبيع الرجل الشئ ثم يعود اليه بهبة أو فسخ أو اقالة أو رد بعيب أو خيار شرط أو خيار رؤية وأنا لا أبين ذلك كى لا يلزمنى شئ فانه حينئذ يحلف على الحكم بالله تعالى ما بينكما بيع قائم أو شراء قائم بهذا السبب الذى يدعى وهكذا يحلف على قول محمد وفى دعوى الطلاق اذا ادعت امرأة على زوجها أنه طلقها ثلاثا أو خالعها على كذا وأنكر الزوج ذلك فانه يحلف على السبب عند أبى يوسف بالله عز وجل ما طلقها ثلاثا أو ما خالعها الا أن يعرض الزوج فيقول: الانسان قد يخالع امرأته ثم تعود اليه وقد يطلقها ثلاثا ثم تعود اليه بعد زوج آخر فحينئذ يحلف بالله عز وجل ماهى حرام بثلاث تطليقات وكذا يحلف على قول محمد، وساق صاحب البدائع صورا كثيرة كدعوى العتاق ودعوى النكاح ودعوى اجارة الدار وهكذا وقيل: ينظر

(1)

الى انكار المدعى عليه فان أنكر السبب يحلف عليه وان أنكر الحكم يحلف على الحاصل، والتحليف على الحاصل هو الاصل عند أبى حنيفة ومحمد اذا كان سبب ذلك سببا يرتفع برافع الا اذا كان فى التحليف على الحاصل ترك النظر فى جانب المدعى فحينئذ يحلف على السبب بالاجماع وذلك أن تدعى مبتوتة نفقة العدة والزوج ممن لا يرى نفقة العدة للمبتوتة أو ادعى شفعة بالجوار والمشترى لا يراها لانه لو حلف على الحاصل يصدق فى يمينه فى معتقده فيفوت النظر فى حق المدعى ثم هل يحلف المدعى عليه على البتات أو على العلم؟

قال محمد

(2)

فى الجامع الصغير فى كتاب القضاء: ومن ورث عبدا وادعاه آخر ولا بينة له استحلف الوارث على علمه أى بالله ما يعلم أن هذا عبد المدعى لانه لا علم للوارث بما صنع المورث فلا يحلف على البتات، وان وهب له أو اشتراه فانه يحلف على البتات لوجود المجوز لليمين اذ الشراء سبب لثبوت الملك

(1)

تكملة فتح القدير ج 6 ص 176 وما بعدها

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 178.

ص: 85

وضعا وكذا الهبة.

والضابط فى ذلك أن التحليف ان كان على فعل نفسه فانه يكون على البتات وان كان على فعل غيره يكون على العلم.

وقال الامام الاستروشنى فى الفصل الثالث من فصوله: ان وقعت الدعوى على فعل المدعى عليه من كل وجه بأن ادعى على رجل أنك سرقت هذه العين منى أو غصبت هذه العين منى فانه يستحلف على البتات، وان وقعت الدعوى على فعل الغير من كل وجه فانه يحلف على العلم حتى لو ادعى دينا على ميت بحضرة وارثه بسبب الاستهلاك أو ادعى أن أباك سرق هذه العين منى أو غصب هذه العين منى فانه يحلف على العلم وهذا مذهبنا.

قال شمس الائمة الحلوانى: هذا الاصل مستقيم فى المسائل كلها أن التحليف على فعل الغير يكون على العلم الا فى الرد بالعيب، يريد به أن المشترى اذا ادعى أن العبد سارق أو آبق وأثبت اباقه أو سرقته فى يد نفسه وادعى أنه أبق أو سرق فى يد البائع وأراد تحليف البائع فانه يحلف على البتات بالله ما أبق، بالله ما سرق فى يدك وهذا تحليف على فعل الغير.

ونقل صاحب تكملة فتح القدير عن الزيلعى أخذا من النهاية أنه فى كل موضع تجب اليمين فيه على البتات فحلف على العلم لا يكون معتبرا حتى لا يقضى عليه بالنكول ولا يسقط اليمين عنه، وفى كل موضع وجب فيه اليمين على العلم فحلف على البتات يعتبر اليمين حتى يسقط عنه اليمين على العلم ويقضى عليه اذا نكل لان الحلف على البتات آكد فيعتبر مطلقا بخلاف العكس ..

أما اذا اختلف المتبايعان فى البيع ولم يتراضيا استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى الاخر، وفى ذلك كلام كثير ينظر تفصيله فى مصطلح تحالف

‌مذهب المالكية:

قال خليل والدردير فى الشرح الكبير

(1)

:

اليمين فى كل حق مالى أو غيره سواء كان المال جليلا أو حقيرا ولو كان أقل من ربع دينار وسواء توجه اليمين على المدعى عليه أو على المدعى يكون بالله الذى لا اله الا هو قال الدسوقى: أى بهذا اللفظ من غير زيادة عليه ولا نقص منه فلا يزاد عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم فى الربع دينار على المشهور خلافا لابن كنانة ولا يقتصر على اسم بدون وصفه المذكور وان كان يمينا يكفر لان الغرض هنا زيادة الارهاب والتخويف.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 227 الطبعة السابقة.

ص: 86

قال المازرى فى التوضيح: المعروف من المذهب المنصوص عليه عند جميع المالكية أنه لا يكتفى بقوله بالله فقط وكذلك لو قال: فقط والذى لا اله الا هو ما أجزأه حتى يجمع بينهما ويستثنى من ذلك اللعان والقسامة اذ يقول فى اللعان:

أشهد بالله فقط ويقول فى القسامة أقسم بالله لمن ضربه مات أى مات من ضرب المدعى عليه ويقتصر فيهما على لفظ الجلالة ولا يزاد: الذى لا اله الا هو ثم قال خليل والدردير

(1)

: ولو كان الحلف كتابيا فلا يزيد اليهودى الذى أنزل التوراة على موسى ولا يزيد النصرانى:

الذى أنزل الانجيل على عيسى ولا ينقص واحد منهما الذى لا اله الا هو، هذا هو المشهور ثم قال: وغلظت اليمين وجوبا فى ربع دينار فأكثر أو ثلاثة دراهم أو ما يساوى ذلك وذلك اذا طلب المحلف التغليظ بما ذكر لان التغليظ فى اليمين والتشديد فيها من حقه فان أبى من توجهت عليه اليمين مما طلبه المحلف من التغليظ عد ناكلا فان كان المدعى به أقل من ربع دينار أو ما يساويه فلا تغلظ فيه اليمين والتغليظ يكون بالجامع بالنسبة للمسلم بمعنى ان اليمين فى الربع دينار تغلظ بوقوعها فى الجامع والمراد بالجامع الجامع الاعظم الذى تقام فيه الجمعه فان كان القوم لا جامع لهم فقال أبو الحسن: يحلفون حيث هم ولا يجلبون الى الجامع وقيل يجلبون الى الجامع بقدر مسافة وجوب السعى للجمعة وهى ثلاثة أميال وثلث وقيل بنحو العشرة أميال والا حلفوا بموضعهم، وان زعم من وجبت عليه اليمين أنه عاجز عن الخروج من محله لمرضه فقال ابن بقى ان ثبت عجزه ببينة حلف ببينته والا أخرج للمسجد قهرا وقال ابن حارث يحلف أنه لا يقدر على الخروج لا راجلا ولا راكبا ويخير المدعى فى تحليفه فى بيته وتأخيره لصحته فان نكل لزمه الخروج أو رد اليمين وقال ابن لبابة ان ثبت مرضه حلف فى بيته على المصحف والا حلف على عجزه وخير المدعى فى الامرين أما الذمى فانه يغلظ عليه فى الكنيسة ويغلظ على المجوسى ببيت النار ويصح للمسلم أن يذهب الى تلك المواضع لتحليفهم فيها وان كانت حقيرة شرعا لان القصد من التغليظ عليهم بتحليفهم فى تلك الامكنة هو صرفهم عن الاقدام على الباطل ومن ثم قيل يجوز تحليف المسلم على المصحف وعلى سورة براءة وفى ضريح ولى حيث كان لا ينكف الا بذلك ويحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، وكذا يجوز تحليفه بالطلاق وكذلك يكون تغليظ اليمين بالقيام ان طلب المحلف ذلك ولا يجوز التغليظ فى اليمين بالاستقبال للقبلة ولو طلب المحلف ذلك الا أن يكون فيه ارهاب وهذا هو مذهب المدونة وقيل يصح التغليظ باستقبال القبلة ان طلب المحلف ذلك واختاره ابن

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 228.

ص: 87

سلمون قائلا انه الذى جرى به العمل وعليه مشى صاحب التحفة ويكون التغليظ كذلك بمنبر النبى صلى الله عليه وسلم أى عنده كما هو ظاهر المدونة وقال ابن المواز يكون على المنبر وانما اختص منبر النبى صلى الله عليه وسلم بهذا لقوله عليه الصلاة والسلام: من حلف عند منبرى كاذبا فليتبوأ مقعده من النار.

قال الدسوقى فى حاشيته

(1)

وظاهر ما قاله خليل أن التغليظ فى غير المدينة يكون بالحلف فى الجامع ولا يختص بمكان خلاف المدينة وبه قيل لكن الذى جرى عليه العمل أنه يحلف عند المنبر حتى فى غير المدينة وهو قول مطرف وابن الماجشون، وأما التغليظ بمكة فانه يكون بالحلف عند الركن الذى فيه الحجر الاسود لانه أعظم مكان فى المسجد وقال الدردير ولا تغلظ اليمين بالزمان كبعد العصر قال الدسوقى الا أن يكون فيه ارهاب وتخويف ويطلبه المحلف - والمرأة المخدرة وهى الملازمة للخدر أى الستر

(2)

وهى التى يزرى بها مجلس القضاء اذا توجهت عليها يمين سواء كانت مدعية أو مدعى عليها وكانت الدعوى مما تغلظ فيها اليمين فاما أن يكون من شأنها الخروج لقضاء حوائجها نهارا وهذه تخرج نهارا للحلف بالمسجد للتغليظ وان كان من شأنها الخروج لقضاء حوائجها ليلا فانها لا تخرج للمسجد للحلف الا ليلا وان كان من شأنها عدم الخروج أصلا كنساء الملوك فانها لا تخرج من بيتها بل يوجه لها القاضى من يحلفها فى بيتها بحضرة شاهدين وان ادعت المرأة التى أريد التغليظ عليها بالمسجد حيضا فانها تحلف على ما ادعت من الحيض ويستوى فى ما مر أن تكون المرأة حرة أو أم ولد ولا يقضى للخصم ان كان ذكرا غير محرم بحضوره مع الشاهدين فى بيتها، فان كانت اليمين التى توجهت على المرأة مما لا تغليظ فيها بأن كانت فى أقل من ربع دينار فانها تحلف فى بيتها ولا يقضى عليها بالخروج لعدم التغليظ ويرسل القاضى لها من يحلفها واذا كانت الدعوى فى معين فان يمين

(3)

المدعى عليه تكون بالمعين المدعى به فيقول فى يمينه ماله عندى كذا ولا شئ منه ولا بد من أن يقول ذلك لان المدعى بالمائة مثلا فهو مدع لكل آحادها وحق اليمين نفى كل مدعى به ولا يتأتى ذلك الا بزيادة قوله ولا شئ منه لا بمجرد قوله ماله عندى كذا لان اثبات الكل اثبات لكل أجزائه ونفيه ليس نفيا لكل أجزائه فان لم يقل ولا شئ منه وجب الاتيان بها مع القرب واعادة الصيغة بتمامها مع البعد فان عين المدعى السبب فان الحالف ينفى السبب كمائة من سلف أو من بيع ونفى غيره أيضا نحو ماله على مائة ولا شئ منها لا من سلف ولا من غيره ولا من

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 228.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 229.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 230.

ص: 88

بيع ولا من غيره ومن ادعى

(1)

أنه وفى ما عليه من دين لميت قبل موته وأنكر الورثة وأراد المدين تحليفهم فلا يحلف على نفى العلم منهم الا من يظن به العلم بالقضاء واحدا أو متعددا من ورثة الميت ولا يحلف من الورثة من لا يظن به العلم بالقضاء، ويحلف على البت فى نقص العدد فمن دفع دراهم أو دنانير لغيره فى صرف أو قضاء حق وغاب عليها ثم ادعى أنه وجدها ناقصة أو مغشوشة ففى مسألة النقص يحلف على البت أنه ما دفع الا كاملا لان النقص يسهل فيه حصول القطع أما فى حالة الغش أو نقص الوزن فانه يحلف على نفى العلم أى يحلف أنه لم يدفع الاجياد فى علمه وسواء كان صيرفيا أو غيره وهذا قول ابن القاسم وقيل يحلف الصيرفى على البت كنقص العدد واعتمد البات أى الحالف على البت فى جميع الايمان أى جاز له الاقدام على اليمين بتا مستندا على ظن قوى كخط أبيه أو أخيه أو قرينة دالة عرفا على الحق.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

: ومن توجهت عليه يمين فى دم غلظ عليه فى اليمين لما روى أن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه مر بقوم يحلفون بين الركن والمقام فقال: أعلى دم؟ قيل: لا، قال:

أفعلى عظيم من المال؟ قيل: لا، قال:

لقد خشيت أن يبهأ

(3)

الناس بهذا المقام، وان كانت اليمين فى نكاح أو طلاق أو حد قذف ولعان

(4)

وقود وعتق وولاء ووكالة ولو فى درهم - لان المقصود من الوكالة انما هو الولاية - أو غير ذلك مما ليس بمال ولا المقصود منه المال غلظ اليمين فيه كالدم، وذلك لأن اليمين موضوعة للزجر عن التعدى فغلظ مبالغة وتأكيدا للردع فيما هو متأكد فى نظر الشرع وان كانت اليمين فى مال أو ما يقصد به المال فان كان يبلغ عشرين مثقالا غلظ اليمين وان لم يبلغ ذلك لم يغلظ لان عبد الرحمن بن عوف فرق بين المال العظيم وبين ما دونه، فان كانت اليمين فى دعوى عتق فان كان السيد هو الذى يحلف فان كانت قيمة العبد تبلغ عشرين مثقالا غلظ اليمين وان لم تبلغ عشرين مثقالا لم يغلظ لان المولى يحلف لاثبات المال ففرق بين القليل والكثير كأروش الجنايات فان كان الذى يحلف هو العبد غلظ اليمين قلت قيمته أو كثرت لانه يحلف لاثبات العتق والعتق ليس بمال ولا المقصود منه المال فلم تعتبر قيمته كدعوى القصاص، وفى نهاية المحتاج: ان التغليظ فى ذلك على سبيل الندب وان لم يطلبه الخصم بل وان أسقطه وذلك

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 229، ص 230

(2)

المهذب لأبى اسحق الشيرازى ج 2 ص 322 وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب طبعة الحلبى وشركاه بمصر.

(3)

جاء فى هامش المهذب: يبهأ الناس أى يأنسوا به فتقل هيبته عندهم فيتهاونوا به.

(4)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 8 ص 330 الطبعة السابقة.

ص: 89

كما قاله القاضى وسواء كانت اليمين على المدعى سواء فى ذلك اليمين المردودة من المدعى عليه أو اليمين التى مع الشاهد أو كانت اليمين على المدعى عليه، ثم قال:

ومحل ذلك ما لم يسبق من أحدهما حلف بنحو طلاق أن لا يحلف يمينا مغلظة والا فلا تغليظ والا وجه تصديقه فى ذلك بلا يمين لانه يلزم من حلفه طلاقه ظاهرا فساوى الثابت بالبينة لكن الذى جاء فى المهذب

(1)

أنه ان كان الذى عليه اليمين قد حلف بالطلاق أنه لا يحلف بيمين مغلظة فان كان التغليظ مستحقا عليه لزمه التغليظ فى الحلف وان حنث فى يمينه بالطلاق كما لو حلف بالطلاق أنه لا يحلف عند القاضى فان امتنع جعل ناكلا وردت اليمين على خصمه وان كان التغليظ غير مستحق لم يلزمه أن يحلف يمينا مغلظة وان امتنع من التغليظ لم يجعل ناكلا، والتغليظ

(2)

يكون بحضور جمع أقلهم أربعة ويندب بزيادة الاسماء والصفات ويسن أن يقرأ عليه: «إِنَّ الَّذِينَ 3 يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» وأن يوضع المصحف فى حجره والتغليظ

(4)

قد يكون بالزمان وبالمكان وفى اللفظ فأما التغليظ بالمكان ففيه قولان أحدهما أنه يستحب والثانى أنه واجب، وأما التغليظ بالزمان فقد ذكر الشيخ أبو حامد الاسفرابينى رحمه الله أنه يستحب وقال أكثر اصحابنا: ان التغليظ بالزمان كالتغليظ بالمكان وفيه قولان، وأما التغليظ باللفظ وهو مستحب فهو أن يقول: والله الذى لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذى يعلم من السر ما يعلم من العلانية وذلك لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلف رجلا فقال له: قل:

والله الذى لا اله الا هو - ولان القصد باليمين الزجر عن الكذب وهذه الالفاظ أبلغ فى الزجر وأمنع من الاقدام على الكذب وان اقتصر على قوله: والله، أجزأه لان النبى صلى الله عليه وسلم اقتصر فى احلاف ركانة على قوله: والله، وان اقتصر على صفة من صفات الذات كقوله: وعزة الله أجزأه لانها بمنزلة قوله: والله فى الحنث فى اليمين وايجاب الكفارة وان حلف بالمصحف وما فيه من القرآن فقد حكى الشافعى رحمه الله عن مطرف أن ابن الزبير كان يحلف على المصحف قال: ورأيت مطرفا بصنعاء يحلف على المصحف.

قال الشافعى وهو حسن ولان القرآن من صفات الذات ولهذا يجب بالحنث

(1)

المهذب لأبى اسحق الشيرازى ج 2 ص 322.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 8 ص 331.

(3)

الآية رقم 77 من سورة آل عمران.

(4)

المهذب ج 2 ص 322 الطبعة السابقة.

ص: 90

فيه الكفارة وان كان الحالف يهوديا أحلفه بالله الذى أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق وان كان نصرانيا أحلفه بالله الذى أنزل الانجيل على عيسى، وان كان مجوسيا أو وثنيا أحلفه بالله الذى خلقه وصوره، ولا يجوز التحليف بنحو عتق أو طلاق، أما التغليظ بالزمان

(1)

فانه يكون بعد العصر لان اليمين فيه أغلظ والدليل عليه قول الله عز وجل «تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ 2» قيل هو بعد صلاة العصر، وروى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولهم عذاب أليم: رجل حلف يمينا على مال مسلم فاقتطعه ورجل حلف يمينا بعد صلاة العصر لقد أعطى بسلعته أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل منع فضل الماء

الخ وأما التغليظ بالمكان فيكون فى أشرف موضع من البلد فان كان بمكة كان بين الركن والمقام لان اليمين فيه أغلظ وذلك لما روى عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه أنه مر بقوم يحلفون بين الركن والمقام ..

الخ الحديث السابق ذكره وان كان فى المدينة كان فى المسجد لانه أشرف البقاع بها وهل يكون على المنبر أو عند المنبر؟ اختلفت الرواية فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى أبو هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

من حلف عند منبرى على يمين آثمة ولو على سواك من رطب وجبت له النار وروى جابر رضى عنه الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على منبرى هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار، وان كان ببيت المقدس كان عند الصخرة لانها اشرف البقاع به وان كان فى غير ذلك من البلاد كان فى الجامع وان كانت المرأة حائضا حلفت على باب المسجد لانه أقرب الى الموضع الشريف ويحلف اليهودى والنصرانى والمجوسى ببيوت عبادتهم لان هذه المواضع عندهم كالمساجد عندنا ..

ويحلف على البت

(3)

- وهو الجزم - اذا كان ما يحلف عليه ليس بفعله ولا فعل غيره كأن يقول لزوجته ان طلعت الشمس فأنت طالق ثم ادعت عليه الزوجة أن الشمس طلعت فأنكر الزوج فانه يحلف على البت أنها لم تطلع، نعم لو ادعى المودع التلف ورد اليمين على المدعى يحلف على نفى العلم مع أن

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 125 وص 126

(2)

الآية رقم 106 من سورة المائدة.

(3)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 8 ص 331 الطبعة السابقة والمهذب للشيرازى ج 2 ص 322 وص 323.

ص: 91

التلف ليس من فعل أحد، ويحلف على البت فى فعل نفسه سواء كان نفيا أو اثباتا لان علمه يحيط بحاله فيما فعل وفيما لم يفعل، وان حلف على فعل غيره فان كان فى اثبات حلف على البت أيضا كبيع واتلاف وغصب لان له طريقا الى العلم بما فعل غيره وان كان على نفى حلف على نفى العلم فيقول: والله لا أعلم أن أبى أخذ منك مالا ولا أعلم أن أبى أبرأك من دينه لانه لا طريق له الى القطع بالنفى فلم يكلف اليمين عليه الا أنه فى نهاية المحتاج فصل فى الحلف على فعل الغير فى النفى فقال: ان كان فعل الغير نفيا غير محصور فانه يحلف على نفى العلم مثل: لا أعلمه فعل كذا لعسر الوقوف على العلم به، وان كان محصورا فانه يحلف فيه على البت.

ثم قال فى نهاية المحتاج

(1)

: ولو ادعى دينا لمورثه فقال: أبرأنى منه حلف على البت ان شاء أو على نفى العلم بالبراءة لانه حلف على نفى فعل الغير، ولو قال:

جنى وعبدك على بما يوجب كذا فالاصح حلفه على البت ان أنكر، والرأى الثانى أنه يحلف على نفى العلم لتعلقه بفعل الغير ثم قال: ويعتبر فى اليمين موالاتها والمراد بالموالاة أن لا يفصل بين قوله والله وقوله ما فعلت كذا مثلا ثم قال

(2)

:

ويعتبر نية القاضى المستحلف أو نائبه أو المحكم وغيره من كل من له ولاية التحليف لا نية الحالف قال فى حاشية الشبراملسى وأما الظلمة فتنفع التورية عندهم فلا كفارة عليه وان أثم الحالف ومن ذلك شيوخ البلدان والاسواق فتنفعه التورية عندهم والدليل على اعتبار نية المستحلف خبر مسلم «اليمين على نية المستحلف» وحمل على القاضى لانه الذى له ولاية الاستحلاف.

‌مذهب الحنابلة:

اليمين المشروعة

(3)

هى اليمين بالله جل اسمه لقول الله عز وجل «وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ»

(4)

وللاخبار الواردة فى ذلك وتجزئ بالله وحده وقد استحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد فى الطلاق فقال:

والله ما أردت الا واحدة وقال عثمان رضى الله عنه لابن عمر: تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه، وان رأى الحاكم تغليظ اليمين بلفظ أو زمان أو مكان فاضلين جاز ولم يستحب لانه أردع للمنكر، والتغليظ فى اللفظ أن يقول:

(1)

نهاية المحتاج ج 8 ص 332.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 333.

(3)

هداية الطالب لشرح عمدة الطالب ص 567 مطبعة المدنى بمصر سنة 1380 هـ والمغنى لابن قدامة وبهامشه الشرح الكبير ج 12 ص 113 الطبعة السابقة وكشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 4 ص 287 الطبعة السابقة.

(4)

الاية رقم 109 من سورة الانعام.

ص: 92

والله الذى لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، أما التغليظ فى الزمان فهو أن يحلف بعد العصر لقول الله عز وجل «تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ} .. الآية» قيل المراد صلاة العصر لانه وقت تعظمه أهل الاديان أو يكون بين الاذان والاقامة لانه وقت يرجى فيه اجابة الدعاء فترجى فيه معالجة الكاذب وأما التغليظ بالمكان

(1)

فانه يكون بمكة بين الركن والمقام لانه مكان شريف زائد على غيره فى الفضيلة ويكون ببيت المقدس عند الصخرة ويكون فى سائر البلاد كمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عند منبر الجامع لقول النبى صلى الله عليه وسلم: من حلف على منبرى هذا يمينا آثمة فليتبوأ مقعده من النار رواه أبو داود، والمرأة الحائض تقف عند باب المسجد وهى تحلف لانه يحرم عليها اللبث فى المسجد ويحلف أهل الذمة فى المواضع التى يعظمونها لان اليمين تغلظ فى حقهم زمانا فكذا تغلظ مكانا، واللفظ الذى يغلظ به على أهل الذمة هو أن يقول اليهودى والله الذى أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملئه وذلك لحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود: ناشدتكم بالله الذى أنزل التوراة على موسى ما تجدون فى التوراة على من زنى؟ رواه أبو داود، أما النصرانى فانه يقول فى حلفه والله الذى أنزل الانجيل على عيسى وجعله يحيى الموتى ويبرئ الاكمه والابرص لانه لفظ تتأكد به يمين النصرانى فأشبه اليهودى وأما المجوسى فانه يقول والله الذى خلقنى وصورنى ورزقنى لان المجوسى يعظم خالقه، والوثنى والصابئ ومن يعبد غير الله يحلف بالله وحده.

وظاهر كلام الخرقى رحمه الله على ما جاء فى المغنى

(2)

أن اليمين لا تغلظ الا فى حق أهل الذمة فقط ولا تغلظ فى حق المسلمين ونحو هذا قال أبو بكر، ولا تغلظ اليمين

(3)

الا فيما له خطر كجناية لا توجب قودا أو عتق أو نصاب زكاة لان التغليظ للتأكيد وما لا خطر فيه لا يحتاج الى تأكيد ولو أبى من وجبت عليه اليمين التغليظ فى يمينه لم يصر بذلك ناكلا عن اليمين لانه قد بذل الواجب عليه فيجب الاكتفاء به ويحرم التعرض له قال فى النكت وفيه نظر لجواز أن يقال: يجب التغليظ اذا رآه الحاكم وطلبه والا لما كان فيه فائدة زجر قط ومال الى ذلك الشيخ تقى الدين، ولا يجوز أن يحلف بالطلاق قلت ولا بعتاق لحديث: من كان حالفا فليحلف بالله وقال ابن المنذر

(4)

:

(1)

كشاف القناع ج 4 ص 288.

(2)

المغنى والشرح الكبير عليه ج 12 ص 114 ص 115.

(3)

كشاف القناع ج 4 ص 288.

(4)

المغنى لابن قدامة ج 12 ص 118.

ص: 93

ولم نجد أحدا يوجب اليمين بالمصحف، واليمين

(1)

تشرع فى حق كل من وجبت عليه سواء كان مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا امرأة أو رجلا، ومن حلف

(2)

فقال: ان شاء الله أعيدت عليه اليمين ليأتى بها من غير استثناء وكذلك ان وصل كلامه بشرط أو وصله بكلام غير مفهوم ومن توجهت عليه يمينه فانه يحلف فيما عليه على البت ويحلف الوارث على دين الميت على العلم وجملة الامر أن الايمان كلها على البت والقطع الا على نفى فعل الغير فانها تكون على نفى العلم.

وقال الشعبى والنخعى كلها على العلم وذكره ابن أبى موسى رواية عن أحمد وذكر أحمد حديث الشيبانى عن القاسم بن عبد الرحمن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تضطروا الناس فى أيمانهم أن يحلفوا على ما لا يعلمون ولانه لا يكلف ما لا علم له به واستشهد ابن قدامة بحديث ابن عباس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم استحلف رجلا فقال له قل والله الذى لا اله الا هو ماله عليك حق وروى الاشعث بن قيس أن رجلا من كندة ورجلا من حضرموت اختصما الى النبى صلى الله عليه وسلم فى أرض من اليمن فقال الحضرمى يا رسول الله ان أرضى اغتصبنيها أبو هذا وهى فى يده فقال النبى صلى الله عليه وسلم هل لك بينة؟ قال: لا، ولكن أحلفه والله العظيم ما يعلم أنها أرضى اغتصبنيها أبوه فتهيأ الكندى لليمين ولم ينكر النبى صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود، قال ابن قدامة اذا ثبت هذا فانه يحلف فيما عليه على البت سواء كان نفيا أو كان اثباتا، وأما ما يتعلق بفعل غيره فان كان فى اثبات مثل أن يدعى أنه أقرض أو باع ويقيم شاهدا بذلك فانه يحلف مع شاهده على البت والقطع وان كان على نفى العلم مثل أن يدعى عليه دين أو غصب أو جناية فانه يحلف على نفى العلم لا غير وان حلف عليه على البت كفاه وكان التقدير فيه العلم، ولو أدعى عليه أن عبده جنى أو استدان فأنكر فيمينه على نفى العلم لانها يمين على نفى فعل الغير فأشبهت يمين الوارث على نفى الموروث ..

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى

(3)

: وليس من وجبت عليه يمين أن يحلف الا بالله تعالى أو باسم من أسماء الله تعالى فى مجلس الحاكم فقط كيفما شاء من قعود أو قيام أو غير ذلك من الاحوال ولا يبالى الى أى جهة كان وجهه ثم قال

(4)

: ولا تجب اليمين فى مكان دون مكان ولا فى حال دون حال ولو صح ذلك لبينه النبى صلى الله عليه وسلم،

(1)

المرجع السابق ج 12 ص 114.

(2)

كشاف القناع ج 4 ص 290.

(3)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 383 مسألة رقم 1784 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 9 ص 392.

ص: 94

ويحلف الكفار بالله

(1)

فقط وكذلك يحلف أهل الكتاب بدليل

(2)

قول الله عز وجل «تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ} ..

الآية» وقول الله عز وجل «فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنّا إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ 3» فلم يأمر الله تعالى قط أحدا بأن يزيد فى الحلف على «بالله» شيئا فلا يحل لاحد أن يزيد على ذلك شيئا موجبا لتلك الزيادة فقد روى عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان حالفا فلا يحلف الا بالله.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(4)

والتحليف انما هو بالله تعالى لقول النبى صلى الله عليه وسلم من حلف فليحلف بالله أو ليصمت فمن أراد تحليف المدعى عليه أو المدعى بصدقة ماله أو طلاق امرأته أو بالمشى الى بيت الله فانه لا يجوز أن يحلف بشئ من ذلك الا مع التراضى فيجوز مع الكراهة فلا يحلف الحاكم على هذا الوجه، وهذا مذهب القاسم والهادى والمؤيد بالله والمنصور بالله وهو قول عامة الفقهاء وهو المختار الا أن يكون مذهب الحاكم جواز التغليظ بذلك أو رأى ذلك صلاحا فان كان كذلك لزم الخصم امتثال ما لزمه الحاكم، ولا يجوز التغليظ بكلمة الكفر والبراء من الله أو من الاسلام ويجوز أن يؤكد التحليف بالله بوصف صحيح يتميز به عند الحالف أى بما يكون تعظيما عند الحالف نحو أن يقول: والله الذى لا اله الا هو فقط أجزأ عندنا، والقيد بالوصف الصحيح احتراز من الوصف الباطل حتى ولو اعتقده الحالف فانه لا يجوز التحليف به نحو أن يقول فى تحليف المجبرة: والله خالق الافعال، فان فعل انعقدت، قال المؤيد بالله: ويحلف النصرانى بالله الذى أنزل الانجيل على عيسى، ويحلف اليهودى بالله الذى أنزل التوراة على موسى وذلك لفعل النبى صلى الله عليه وسلم، ويحلف المجوسى بالله الذى خلقه أو الذى خلق النار لتعظيمهم اياها، أما الصابية وهم فرقة من النصارى، والملحد وهو النافى للصانع والزنديق وهو الذى يقول مع الله ثانيا والوثنى وهو عابد الاصنام والمنافق وغيره فيحلف بالله الذى خلقه، ولو حلف اليهودى أو النصرانى. بالله الذى أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فلا تصح ولا تنعقد ..

وجاء فى البحر الزخار

(5)

ان التغليظ فى اليمين غير مشروع اذ لا دليل وقيل:

بل مشروع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن جابر رضى الله عنه «لا يحلف أحد على منبرى هذا على

(1)

المرجع السابق ج 9 ص 385.

(2)

المرجع السابق ج 9 ص 389.

(3)

الاية رقم 107 من سورة المائدة.

(4)

التاج المذهب ج 4 ص 32، ص 33 الطبعة السابقة والبحر الزخار ج 4 ص 407 الطبعة السابقة.

(5)

البحر الزخار ج 4 ص 408.

ص: 95

يمين آثمة ولو على سواك أخضر الا تبوأ مقعده من النار» ولتحليف على عليه السلام حيث حلف رجلا على المنبر، ثم قال: وفى حكمه وجهان أصحهما أنه يستحب فقط اذ القصد التأكيد ثم قال: والتغليظ

(1)

اما بتكرار اليمين كالقسامة واللعان وتقدير التكرار يكون بحسب نظر الحاكم فى تلك الحال ويكون التغليظ كذلك بالزمان وهو بعد العصر لقول الله عز وجل «تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ» وفسر بالعصر، ويكون التغليظ بالمكان لقول النبى صلى الله عليه وسلم: من حلف على منبرى الحديث السابق ذكره، ويكون التغليظ فى المساجد لشرفها ويكون على المصاحف لحرمتها ويضع يده على المصحف اعظاما ويغلظ بالصفات كذلك، ولا يكون التغليظ بالعتق والطلاق ونحوهما ويأثم الحاكم ان فعل، وقال صاحب التاج المذهب عن التغليظ بالزمان والمكان: ولا تغليظ عندنا بالزمان ولا بالمكان الا لمصلحة له ثم قال

(2)

وتكون اليمين المردودة والمتممة والمؤكدة على القطع من المدعى مطلقا سواء ادعى حقا يخصه أم ادعى حقا يتعلق بغيره فانه فى كل ذلك يحلف على القطع وكذلك اليمين من المنكر وهو المدعى عليه تكون على القطع اذا تعلقت بحق يخصه ولا تعلق لها بغيره، فان كانت اليمين على فعل غيره فانه يحلف على العلم نحو أن يدعى عليه أنه كان على مورثه دين أو حق من الحقوق يلزمه الخروج منه وكالسيد اذا ادعى عليه جناية عبده وكالعاقلة اذا ادعى عليها جناية خطأ، واختلف فى المشترى ونحوه نحو أن يشترى رجل شيئا أو يتهبه فادعى عليه أنه كان فى يد البائع أو الواهب غصبا أو رهنا أو اجارة أو عارية فقد تردد أهل المذهب فى ذلك هل تكون يمين المشترى على العلم كالوارث أم تكون على القطع والصحيح فى المذهب الاول لمشاركة المشترى الوارث فى العلة وهى كونه حلف على أمر يتعلق بغيره، ثم قال:

(3)

ولا يلزم تعليق اليمين الا بمحل النزاع.

ومحل النزاع فى الحقيقة هو الاستحقاق لا نفس الدعوى فاذا ادعى رجل على آخر أنه قتل أباه لم يجز أن يحلفه الحاكم على أنه لم يقتله ولكن يحلفه على أنه لم يجن عليه جناية يلزمه بها قصاص أو دية، وفى البحر الزخار

(4)

انه لو قال عقيب الحلف ان شاء الله ألزمه الحاكم الاعادة، والنية للمحلف على حق بماله التحليف به فلا تنفع التورية والا بطل المقصود بالتحليف

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام:

(5)

لا يستحلف أحد الا بالله ولو كان كافرا وقيل لا يقتصر فى المجوسى على لفظ الجلالة لانه يسمى النور الها بل يضم الى هذه اللفظة الشريفة ما يزيل الاحتمال، ولا يجوز الاحلاف

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 309.

(2)

التاج المذهب ج 4 ص 34.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 35.

(4)

البحر الزخار ج 4 ص 406.

(5)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 213 الطبعة السابقة.

ص: 96

بغير أسماء الله سبحانه وتعالى كالكتب المنزلة والرسل المعظمة والاماكن المشرفة، ولو رأى الحاكم احلاف الذمى بما يقتضيه دينه أردع له جاز ثم قال: ويكفى أن يقول الحاكم لمن يستحلفه: قل: والله ما له قبلى حق، وقد يغلظ اليمين بالقول وقد يغلظ بالزمان وقد يغلظ بالمكان لكن ذلك غير لازم ولو التسمه المدعى بل هو مستحب فى الحكم استظهارا، فالتغليظ فى القول مثل أن يقول له: قل: والله الذى لا اله الا هو الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع المدرك المهلك الذى يعلم من السر ما يعلمه من العلانية ما لهذا المدعى على شئ مما ادعاه، ويجوز التغليظ بغير هذه الالفاظ مما يراه الحاكم، أما التغليظ بالمكان فذلك كالمسجد والحرم وما شاكله من الاماكن المعظمة، وأما التغليظ بالزمان فذلك يوم الجمعة والعيد وغيرها من الاوقات المكرمة، ويغلظ على الكافر بالاماكن التى يعتقد شرفها والازمان التى يرى حرمتها، ويستحب التغليظ فى الحقوق كلها وان قلت عدا المال فانه لا يغلظ فيه لما دون نصاب القطع، ولو امتنع الحالف عن الاجابة الى التغليظ لم يجبر، ولا يتحقق بامتناعه نكول، ثم قال فى موضع آخر

(1)

:

ويلزم المدعى عليه الحلف على القطع مطردا الا على نفى فعل الغير فانها تكون على نفى العلم فلو ادعى عليه ابتياع أو قرض أو جناية فأنكر فانه يحلف على الجزم ولو ادعى على أبيه الميت لم يتوجه اليمين ما لم يدع عليه العلم فيكفيه الحلف أنه لا يعلم، وكذا لو قيل له قبض وكيلك ..

‌مذهب الإباضية:

جاء فى متن النيل

(2)

: المدعى عليه المتوجه عليه اليمين يأتى بمصحف ويأخذه منه الحاكم ويتعوذ ويقرأ أول سورة الطور ثم يقول له: أتحلف بالله الذى لا اله الا هو الضار النافع المان على المسلمين المنتقم من الكافرين وأن يزيل عنك ما أحسن به اليك وينزع البركة من بين يديك ومن خلفك وأن يصيبك بما أنذرك به فى هذا المصحف ما لهذا ما يدعيه قبلك من كذا وكذا ثم يرفع المصحف لوجهه فيقبله، ويحلفه بالمصحف، وأدنى ما يحلف به ربع دينار وفى الاقل يحلفه بأسماء الله تعالى، وجاء فى شرح النيل

(3)

: ويحلف الوارث على علمه وكذا يحلف اليتيم على علمه اذا بلغ والمجنون اذا أفاق، ثم قال: ويحلف المدعى عليه على البتات الا ان ادعى أن ذلك من جانب غيره كمورثه فيحلف على علمه ..

‌اثر الاستحلاف

‌مذهب الحنفية:

أثر الاستحلاف عند الحنفية

(4)

هو انقطاع الخصومة للمال لا مطلقا بل

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 214.

(2)

متن النيل ج 2 ص 310.

(3)

شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 6 ص 584 الطبعة السابقة.

(4)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 229 الطبعة السابقة والفتاوى الهندية ج 4 ص 13 الطبعة السابقة.

ص: 97

مؤقتا الى غاية احضار البينة وذلك عند عامة العلماء وقال بعضهم حكم الاستحلاف انقطاع الخصومة على الاطلاق حتى لو أقام المدعى البينة بعد يمين المدعى عليه قبلت بينته عند العامة وعند بعضهم لا تقبل لانه لو أقام البينة لا تبقى له ولاية استحلاف فكذا اذا استحلف المدعى عليه لا تبقى له ولاية اقامة البينة، والجامع أن حق المدعى فى أحدهما: البينة أو اليمين فلا يملك الجمع بينهما، والصحيح قول العامة لان البينة هى الاصل فى الحجة لانها كلام الاجنبى، فأما اليمين فكالخلف عن البينة لانها كلام الخصم صير اليها للضرورة فاذا جاء الاصل انتهى حكم الخلف وكأنه لم يوجد أصلا، ولو قال المدعى للمدعى عليه احلف وأنت برئ من هذا الحق الذى ادعيته أو أنت برئ من هذا الحق ثم أقام البينة بعد ذلك قبلت بينته لان قوله: أنت برئ يحتمل البراءة للحال أى برئ عن دعواه وخصومته للحال ويحتمل البراءة عن الحق فلا يجعل ابراء عن الحق بالشك ..

‌مذهب المالكية:

اذا أنكر المدعى عليه

(1)

الحق ولم يأت المدعى بالبينة وطلب استحلاف المدعى عليه فان هذه اليمين هى المعتد بها فى مقام المخاصمة فتسقط بينة المدعى وسواء كان ما ادعى به المدعى شيئا واحدا أو كان أمورا متعددة فان المدعى عليه لا يحلف الا يمينا واحدة وتكون هذه اليمين كافية فى اسقاط الخصومة وفى منع اقامة البينة بعد ذلك الا اذا كان للمدعى عذر فى عدم الاتيان بالبينة وذلك كنسيان حين تحليفه خصمه وحلف أنه نسيها وكذا اذا ظن المدعى أنها لا تشهد له أو ظن أنها ماتت فان له القيام بها ان حلف على ذلك، فلو شرط المدعى عليه على المدعى عدم القيام ببينة يدعى نسيانها أو عدم علمه بها وفى له بشرطه، واذا وجد المدعى شاهدا ثانيا بعد ما استحلف المدعى عليه وحلف لرد شهادة الاول ثم وجد شاهدا آخر فله أن يقيمه ويضمه للاول ويعمل بشهادتهما.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج:

(2)

اليمين تفيد قطع الخصومة فى الحال لابراءة من الحق لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر حالفا بالخروج من حق صاحبه أى كأنه علم كذبه فلو حلفه ثم أقام بينه بمدعاه أو أقام شاهدا ليحلف معه حكم بها وكذلك لوردت اليمين على المدعى فنكل ثم أقام بينه، وان قال

(3)

المدعى للمدعى عليه أبرأتك من اليمين سقط حقه منها فى هذه الدعوى وله ان يستأنف الدعوى لان حقه لم يسقط بالابراء من اليمين فان استأنف الدعوى فأنكر

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 146 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 8 ص 335 الطبعة السابقة.

(3)

المهذب لابى اسحق الشيرازى ج 2 ص 300 وص 301 الطبعة السابقة.

ص: 98

المدعى عليه فله أن يحلفه لان هذه الدعوى غير الدعوى التى أبرأه فيها من اليمين فان حلف سقطت الدعوى لما روى وائل ابن حجر أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمى: هذا غلبنى على أرض ورثتها من أبى وقال الكندى: أرضى وفى يدى أزرعها لا حق له فيها فقال النبى صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه قال: انه لا يتورع عن شئ فقال النبى صلى الله عليه وسلم ليس لك الا ذلك، قال فى نهاية المحتاج وأما الحصر

(1)

فى خبر شاهداك أو يمينه ليس لك الا ذلك انما هو حصر لحقه فى النوعين أى لا ثالث لهما وأما منع جمعهما فلا دلالة للخبر عليه، وقد لا تفيده البينة كما لو أجاب مدعى عليه بوديعة بنفى الاستحقاق وحلف عليه فلا تفيد المدعى اقامة البينة بأنه أودعه لانها لا تخالف ما حلف عليه من نفى الاستحقاق، قاله البلقينى.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع:

(2)

اليمين تقطع الخصومة فى الحال ولا تسقط البينة فتسمع البينة بعد اليمين، ولو رجع الحالف الى الحق وأدى ما عليه قبل منه وحل لربه أخذه، وفى هداية الراغب: أن البينة

(3)

لا تسمع بعد الحلف اذا كان المدعى قد قال لا بينة لى ونحوه كما لو قال: كل بينة أقيمها فهى زور أو باطلة فانها لا تسمع بعد ذلك لانه مكذب لها وذلك بخلاف قوله: لا أعلم لى بينة فانها تسمع اذا أقامها بعد اليمين لانه ليس مكذبا لها.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى

(4)

: كل من أدعى على أحد وأنكر المدعى عليه فكلف المدعى البينة فقال لى بينة غائبة أو قال:

لا أعرف لنفسى بينة أو قال: لا بينة لى قيل له: ان شئت فدع تحليفه حتى تحضر بينتك أو لعلك تجد بينة وان شئت حلفته، وقد سقط حكم بينتك الغائبة جملة فلا يقضى لك بها أبدا وسقط حكم كل بينة تأتى بها بعد هذا عليه ليس لك الا هذا فقط فأى الامرين اختار قضى له به ولم يلتفت له الى بينه فى تلك الدعوى بعدها الا أن يكون تواتر يوجب صحة العلم ويقينه أنه حلف كاذبا فيقضى عليه بالحق أو يقر بعد أن يكون حلف فيلزمه ما أقربه ..

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(5)

اليمين شرعت لقطع الخصومة فى الحال اجماعا ولا تقطع الحق فتقبل البينة بعدها اذ الينة العادلة

(1)

نهاية المحتاج ج 8 ص 335.

(2)

كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 4 ص 285 الطبعة السابقة.

(3)

هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 556 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 371 مسألة رقم 178 الطبعة السابقة.

(5)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار ج 4 ص 404 الطبعة السابقة.

ص: 99

أحق من اليمين الفاجرة وقيل بل اليمين لقطع الحق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: البينة على من ادعى واليمين على المنكر، فقطعته كالبينة.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(1)

ان حلف المنكر سقطت الدعوى ولو ظفر المدعى بعد ذلك بمال الغريم لم يحل له مقاصته ولو عاود المطالبة أثم ولم تسمع دعواه، ولو أقام بينة بما حلف عليه المنكر لم تسمع، وقيل يعمل بها ما لم يشترط المنكر سقوط الحق باليمين وقيل ان نسى بينته سمعت وان أحلف، والاول هو المروى، وكذا لو أقام بعد الاحلاف شاهدا وبذل معه اليمين، أما لو أكذب الحالف نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته مما يجده له مع امتناعه عن التسليم، وان رد اليمين على المدعى لزمه الحلف.

‌مذهب الإباضية:

(2)

اليمين تسقط الدعوى ولا تسقط الحق ولذلك لو أقيمت البينة بعد اليمين سمعت البينة وبطل الحكم الاول الذى فيه تحليف المنكر وتبرئته.

‌النية فى اليمين تكون لمن

؟

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البدائع

(3)

: روى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة عن حماد عن ابراهيم أنه قال اليمين على نية الحالف اذا كان مظلوما، وان كان ظالما فعلى نية المستحلف، وذكر الكرخى ان هذا قول أصحابنا وذكر القدورى أنه ان أراد به اليمين على الماضى فهو صحيح لان المؤاخذة فى اليمين على الماضى بالاثم فمتى كان الحالف ظالما كان آثما فى يمينه، وان نوى به غير ما حلف عليه لانه يتوصل باليمين الى ظلم غيره وقد روى أبو امامة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من اقتطع حق أمرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب عليه النار قالوا: وان كان شيئا يسيرا قال صلى الله عليه وسلم: وان كان قضيبا من أراك، قالها ثلاثا

وأما اذا كان مظلوما فهو لا يقتطع بيمينه حقا فلا يأثم وان نوى غير الظاهر، وأما اليمين على المستقبل اذا قصد بها الحالف معنى دون معنى فهو على نيته دون نية المستحلف لانه عقد وهو العاقد فينعقد على ما عقده.

‌مذهب المالكية:

من استحلف لذى

(4)

حق سواء كان حقا ماليا من دين أو غيره أم لا كأن يدعى رجل على آخر أن له عليه عشرة دنانير من بيع

(1)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 212 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 564 الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 3 ص 20، ص 21 الطبعة السابقة والفتاوى الهندية ج 2 ص 59 الطبعة السابقة.

(4)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 139 الطبعة السابقة.

ص: 100

فيحلف بالله أو بالطلاق أو بعتق عبده مالك عندى عشرة أو يدعى عليه الوديعة فينكر ويحلف بالله أو بالطلاق ماله عندى وديعة أو كأن تحلف زوجة زوجها بالطلاق أن لا يتزوج عليها ففى كل ذلك لا تقبل نية الحالف أنه ينوى عشرة من قرض فى المسألة الاولى أو ينوى ماله عندى وديعة حاضرة فى الثانية أو ينوى أن لا يتزوج عليها مصرية فى الثالثة، والعبرة بنية المحلف لانه كأنه اعتاض من حقه هذه اليمين، ولا تنفع

(1)

الحالف تورية ولا استثناء باجماع ويكون آثما بيمينه داخلا تحت الوعيد فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار، فالعبرة بنية المحلف اذا كان له حق فى نفس الامر أما اذا لم يكن له حق فى نفس الامر كمن تسلف من رجل مالا وقضاه له بغير بينة ثم قام صاحب المال وطالب المقترض به فأنكره وقال لا شئ لك عندى فطلب أن يحلفه أنه ما تسلف منه فانه يحلف له أنه ما تسلف منه وينوى فى قلبه سلفا يجب عليه الآن رده ويبرأ من الاثم ومن الدين.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج: ويعتبر

(2)

فى الحلف نية القاضى المستحلف للخصم لحديث:

اليمين على نية المستحلف رواه مسلم وحمل على الحاكم لانه الذى له ولاية الاستحلاف ولا تعتبر نية الحالف لانه لو اعتبرت نيته لبطلت فائدة الايمان وضاعت الحقوق اذ كل أحد يحلف على ما يقصد، قال البلقينى ومحل ما ذكر اذا لم يكن الحالف محقا لما نواه والا فالعبرة بنيته لا بنية القاضى وعلى أصل المذهب فلو ورى الحالف فى يمينه بأن قصد خلاف ظاهر اللفظ عند تحليف من له ولاية التحليف كقوله لا يستحق على درهما ولا دينارا ولا أقل من ذلك ولا أكثر وهو يريد غير ظاهر الكلام أو تأول بأن اعتقد الحالف خلافها أى خلاف نية القاضى واستثنى الحالف كقوله عقب يمينه ان شاء الله أو وصل باللفظ شرطا كأن دخلت الدار بحيث لا يسمع القاضى ذلك لم يدفع ذلك اثم اليمين الفاجرة لان اليمين شرعت ليهاب الخصم الاقدام عليها خوفا من الله تعالى فلو صح تأويله لبطلت هذه الفائدة، ثم قال: ومحل كون ما ذكر لا يدفع اثم اليمين الفاجرة مقيد بأمرين أحدهما: أن يكون الحلف بالله تعالى فان حلفه القاضى بالطلاق أو العتاق فحلف وورى نفعته التورية وان كانت حراما حيث يبطل بها حق المستحق لانه ليس له التحليف بهما فالعبرة بنية الحالف اذا كان التحليف بالطلاق والعتاق، والامر الثانى أن لا يكون المحلف ظالما فى نفس الامر فقد ذكر فى الوديعة أن الظالم اذا طلب منه الوديعة فينكر فان اكتفى باليمين فليحلف ولا اثم عليه ولو قدر على التورية كما

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 231.

(2)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للشربينى الخطيب ج 4 ص 436 وص 437 وص 295 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.

ص: 101

هو مقتضى كلامهم، ولو حلفه غريمه ونحوه ممن لا ولاية له فى التحليف أو حلف هو ابتداء فالعبرة بنيته وان أثم بها حيث أبطلت يمينه حق غيره وعليه يحمل خبر «يمينك ما يصدقك عليه صاحبك»

(1)

والظلمة تنفع التورية عندهم ولا كفارة عليه وان أثم الحالف وكذلك شيوخ البلدان والاسواق فتنفعه التورية عندهم سواء كان الحلف بالله أو بالطلاق.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع:

(2)

تكون يمين الحالف على صفة جوابه لخصمه ولا يصل اليمين باستثناء لانه يزيل حكم اليمين ولا يصلها بما لا يفهم لاحتمال أن يكون استثناء، وتحرم التورية والتأويل لحديث يمينك على ما يصدقك به صاحبك، الا لمظلوم كمن يستحلفه ظالم: ما لفلان عندك وديعة فينوى ب «ما» الذى ونحوه.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى: اليمين

(3)

محمولة على لغة الحالف وعلى نيته وهو مصدق فيما ادعى من ذلك الا من لزمته يمين فى حق لخصمه عليه والحالف مبطل فان اليمين ههنا على نية المحلوف له، فمن لزمته يمين لخصمه وهو مبطل فلا ينتفع بتوريته وهو عاص لله تعالى فى جحوده الحق عاص له فى استدفاع مطلب خصمه بتلك اليمين فهو حالف يمين غموس.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار: المحلف

(4)

على حق أو تهمة بما له التحليف به تكون اليمين باعتبار نيته، ووجهه أن يمين المدعى عليه موضوعة فى الشرع لينزجر الظالم عن جحود الحق فوجب أن يكون الاعتبار بنية المحلف حتى يحصل هذا المعنى الا أنه لا تأثير لنية المحلف فى اليمين الا بشرطين:

أحدهما: أن يكون استحلافه على حق يستحقه على الحالف فلو لم يكن على حق يستحقه المحلف كانت النية نية الحالف.

والشرط الثانى: أن يستحلفه بما له أن يحلف به وهو الحلف بالله أو بصفة من صفاته، وأما لو استحلفه بالطلاق أو العتاق أو النذر كانت النية نية الحالف، وقيل:

ان كان رأى الحاكم جواز التحليف بذلك أى بالطلاق والعتاق فله الزام الخصم وتعتبر نية المحلف، وان كانت اليمين على أمر مستقبل نحو أن يحلفه الحاكم ليقضين زيدا حقه غدا فان النية نية المحلف ولا حكم لنية الحالف، ولو نوى الحالف نية تصرفه عن الحنث فلا حكم لها، وقيل انما تكون

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 8 ص 333 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 4 ص 199 الطبعة السابقة.

(3)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 43 وص 44 مسألة رقم 1135 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ج 4 ص 10، ص 11 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة طبعة ثانية سنة 1357 هـ.

ص: 102

النية نية المحلف اذا كان التحليف بأمر الحاكم والا فالنية للحالف.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى المختصر النافع: لو حلف على تخليص مؤمن أو دفع أذية لم يأثم ولو كان كاذبا وان أحسن التورية ورى، ومن هذا لو وهب له مالا وكتب له ابتياع وقبض ثمن فتنازعه الوارث على تسليم الثمن حلف ولا اثم، ويورى بما يخرجه عن الكذب، وكذا لو حلف أن مماليكه أحرار وقصد التخلص من ظالم لم يأثم ولم يتحرروا

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل:

(2)

من استحلفه جائر ظلما فله الاستثناء فى نفسه وان استحلفه غيره بحق فلا ينفعه، وقيل ينفع الاستثناء فى النفس مطلقا، وقيل: لا مطلقا ثم قال:

(3)

اليمين على المقاصد وهى المعتبر على الاصح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: انما الاعمال بالنيات، الا ان تعلق فيها حق أحد فالنظر الى اللفظ، وقيل النظر الى اللفظ مطلقا.

‌هل تتعدد اليمين بتعدد المدعى به

‌مذهب الحنفية:

اذا كان المدعى به شيئا واحدا كدار أو دابة أو ألف درهم وأريد تحليف المدعى لم بحلف الا يمينا واحدة وهو ظاهر فلو كان المدعى به أشياء متعددة كأن ادعى عليه دراهم ودنانير وعروض تجارة وضياعا زراعية أنه يستحق ذلك عنده وأنكرها جميعها المدعى عليه وأريد تحليفه عليها لا يحلف الا يمينا واحدة على الجميع لان المجلس واحد ولأن فى ذلك قصر المسافة مع حصول المقصود بالحلف عليها جميعها وهذا هو الرأى المقدم والمعمول به

(4)

.. ، وقيل ان عرف المدعى بالتعنت يؤمر بجمع الدعاوى وتحليفه مرة واحدة وان لم يعرف بذلك لا يكلف جمعها وتتعدد اليمين، وقيل الخيار للمدعى ان شاء حلفه يمينا على كل دعوى وان شاء حلفه يمينا واحدة على جميعها، وقيل ينظر القاضى الى السبب فان كان واحدا كبيع مثلا حلفه يمينا واحدة وان كانت الاسباب مختلفة كبيع وغصب وقرض حلفه على كل واحدة يمينا

(5)

كذلك تتعدد اليمين فى القسامة فاذا وجد قتيل فى محلة

(1)

المختصر النافع فى فقه الأمامية ص 246 طبع مطبعة وزارة الاوقاف الطبعة الثانية سنة 1377 هـ.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 440 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 446.

(4)

أنظر فى ذلك المادة رقم 202 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.

(5)

الدر المختار وتكملة حاشية ابن عابدين عليه.

ص: 103

لم يدر قاتله حلف خمسون رجلا منهم وان لم يتم العدد كرر الحلف

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير:

(2)

اذا لم تكن للمدعى بينة وطلب يمين خصمه حلف، وعلق الدسوقى على قوله:«حلف» فقال: أى يمينا واحدة سواء كان ما ادعى به المدعى شيئا واحدا أو كان أمورا متعددة فاليمين الواحدة كافية فى اسقاط الخصومات وفى منع اقامة البينة ولو كان المدعى به متعددا.

وفى القسامة

(3)

تتكرر اليمين فيحلف الاولياء خمسين يمينا وتوزع عليهم.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(4)

: اذا قذف الرجل امرأته بزناءين وأراد اللعان كفاه لهما لعان واحد لانه فى أحد القولين يجب حد واحد فكفاه فى اسقاطه لعان واحد وفى القول الثانى يجب حدان لانهما لواحد فاكتفى فيهما بلعان واحد كما يكتفى فى حقين لواحد بيمين واحد وهذا يدل على أن اليمين لا تتعدد بتعدد المدعى به، وفى

(5)

دعوى الدم تغلظ اليمين بالعدد فيحلف المدعى أو المدعى عليه خمسون يمينا.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(6)

: ومن توجه عليه الحلف بحق جماعة وبذل لهم يمينا واحدة ورضوا بها جاز لان الحق لهم وقد رضوا باسقاطه وان أبوا الاكتفاء بيمين واحدة حلف لكل واحد منهم يمينا لان حق كل واحد غير حق الآخر فاذا طلب كل واحد منهم يمينا كان له ذلك كسائر الحقوق اذا انفرد بها ولو ادعى واحد حقوقا على واحد فعليه فى كل حق يمين اذا تعددت الدعوى ولو اتحد المجلس فان اتحدت الدعاوى فيمين واحدة للكل كما فى المبدع، وجاء فى موضع آخر

(7)

: يحلف المدعون أيمان القسامة خمسين يمينا فان لم يحلفوا حلف المدعى عليه ولو امرأة خمسين يمينا وبرئ وان كان المدعى واحدا حلف الخمسين يمينا وان كانوا أقل قسمت عليهم.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار:

(8)

ولا ينبغى تكرار اليمين على الحالف الا لطلب تغليظ عليه، قال فى الانتصار يجوز التغليظ بالتكرار كما يجوز فى القسامة واللعان، وكذلك يكون

(1)

تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 6 ص 169.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 146.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 294 وص 295

(4)

المهذب لابى اسحق الشيرازى ج 2 ص 124.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 318.

(6)

كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 4 ص 287.

(7)

المرجع السابق ج 4 ص 45.

(8)

شرح الازهار ج 4 ص 151 الطبعة السابقة.

ص: 104

التكرار فى اليمين لتعدد حق فاذا كان الحق متعددا تكررت اليمين بحسب تعدده ذكره الهادى فى المنتخب وذلك مثل أن يدعى رجل على آخر أنه قتل أباه وعقر بهيمته وسرق ثوبه فانه يجب لكل واحدة من هذه الدعاوى يمين سواء ادعى هذه فى دعوى واحدة أم أكثر لان العبرة باختلاف الاسباب وهذا قول الامام يحيى فى الانتصار وقيل بل العبرة باللفظ فان لم يعدد لفظ الدعوى بل قال: أدعى كذا وكذا وكذا فهى دعوى واحدة وفيها يمين واحدة، وان قال أدعى عليه كذا وأدعى عليه كذا ففى ذلك يمينان، والتحقيق ما ذكره الامام يحيى، وعند الناصر والمؤيد بالله أنه يجمع الجميع ويقتصر على يمين واحدة .. ، وكذلك تتكرر اليمين بتعدد مستحق عليه فان اليمين تتعدد بحسب تعددهم مثل ان يدعى رجل على جماعة أنهم قتلوا أباه أو اغتصبوا ثوبه أو نحو ذلك فانه يستحق على كل واحد منهم يمينا وان كان المدعى فيه شيئا واحدا وتتكرر اليمين كذلك بتعدد مستحق فان اليمين تتعدد بحسب تعددهم نحو أن يكون المستحق للشئ المدعى جماعة فانه يجب لكل واحد منهم يمين لكن اذا ادعى كل واحد منهم مقدار حقه فقط فلكل واحد يمين مطلقا وكذلك اذا كان المدعى أحدهم لهم جميعا بالوكالة منهم استحق كل واحد يمينا على الصحيح من المذهب.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(1)

: ولو كان المدعون جماعة وأقاموا شاهدا واحدا فعلى كل واحد يمين لان كل واحد يثبت حقا لنفسه ولا يثبت مال لاحد بيمين غيره.

‌استحلال

‌التعريف عند اللغويين:

يرى اللغويون أن كلمة استحلال مصدر فعله استحل، فهو فعل ثلاثى مزيد بالهمزة والسين والتاء وأصله بعد تجريده من الزيادة «حل» .

جاء فى المصباح: «حل الشئ يحل - بكسر الحاء - حلا، خلاف حرم، فهو حلال وحل أيضا على الوصف بالمصدر ويتعدى هذا الفعل بالهمزة والتضعيف فيقال أحللته وحللته، ومنه قوله تعالى:

«وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا»

(2)

أى أباحه وخير فى الفعل والترك

(3)

.

أما زيادة الهمزة والسين والتاء فتزاد على الثلاثى لتفيد السؤال والطلب زيادة على الاصل - وهو سؤال صريح نحو استغفرت الله وسؤال فى التقدير نحو استخرجت الوتد،

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للجبعى العاملى ج 1 ص 247.

(2)

الاية 275 من سورة البقرة.

(3)

المصباح المنير مادة «حل» .

ص: 105

فليس هاهنا طلب فى الحقيقة وانما هو طلب على المجاز، اذ بمزاولة اخراجه والاجتهاد فى تحريكه كأنه طلب منه أن يخرج.

وهكذا

(1)

، وعلى هذا المعنى ما جاء فى المعجم الوسيط من تفسير لكلمة «استحل» فقد جاء فيه:«استحل فلان فلانا الشئ، سأله أن يحله له»

(2)

وتزاد الهمزة والسين والتاء لتفيد الاعتقاد فى الشئ وأنه على صفة أصله نحو استكرمته أى اعتقدت فيه الكرم

(3)

ومنه ذكره ابن منظور من أن استحل فلان الشئ عده حلالا

(4)

وتزاد هذه الاحرف الثلاثة لتفيد الاتخاذ حو استعبد فلان فلانا اذا اتخذه عبدا واستأجره اتخذه أجيرا

(5)

وعلى هذا ما ذكره الفيروزبادى فى معنى استحل، حيث قال: «واستحله أى اتخذه حلالا

(6)

.

من هذا يتبين أن كلمة استحل استحلالا تأتى فى اللغة بمعنى طلب جعل الشئ حلالا، وبمعنى اعتقاد أنه حلالا، وبمعنى اتخاذ الشئ حلالا.

‌التعريف عند الفقهاء:

لم أقف فيما قرأت على تعريف مباشر لكلمة «استحلال» أو مادتها عند الفقهاء.

غير أن ما يفهم مما بنوا من الاحكام على الاستحلال يفيد أن مفهومهم لها يدور فى مجال المفهوم اللغوى المتقدم، فهى بمعنى عد الشئ واعتباره حلالا، وبمعنى اتخاذ الشئ حلالا، وبمعنى طلب جعل الشئ حلالا. يدل لذلك من أقوالهم ما ذكره صاحب البحر الرائق من الاحناف نقلا عن الفتاوى البزازية أن من أكل نهارا فى رمضان عيانا عمدا شهرة يقتل، لانه دليل الاستحلال

(7)

. وما رواه المواق من المالكية عن عياض انه قال وكذا أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو شيئا مما حرم الله بعد علم هذا بتحريمه

(8)

ثم قال الخرشى «وكذلك - أى يكفر من اعتقد بقلبه أن شرب الخمر أو الزنا وما أشبه ذلك من كل محرم مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة حلال»

(9)

.

وما ذكره

(5)

الشافعى الصغير والشبراملسى من أنه لا يصح النكاح الا بلفظ التزويج أو الانكاح وما اشتق منهما لخبر مسلم «اتقوا الله فى النساء .. الى أن يقول:

واستحللتم فروجهن بكلمة الله»

(10)

، وما جاء

(1)

كتاب سيبوبة ج 2 ص 329، وشرح الرضى على الشافعية ج 1 ص 110.

(2)

المعجم الوسيط مادة حل.

(3)

كتاب سيبوبة ج 2 ص 329 وابن يعيش ج 7 ص 161 والرضى ج 1 ص 111.

(4)

لسان العرب مادة «حل» ج 13 ص 177

(5)

الهمع ج 2 ص 162 والرضى ج 1 ص 111.

(6)

القاموس المحيط مادة «حل» .

(7)

ابن نجيم ج 2 ص 299.

(8)

التاج والاكليل ج 6 ص 280.

(9)

المرجع السابق.

(10)

نهاية المحتاج ج 6 ص 207.

ص: 106

فى المغنى من قول ابن قدامة: «ومن اعتقد حل شئ أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر» ثم قال وان استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك

(1)

.

‌حكم استحلال المحرم وما يترتب عليه

‌مذهب الحنفية:

يختلف حكم من استحل المحرم عند الحنفية تبعا لطبيعة الشئ الذى يقع عليه الاستحلال فان كان حراما لعينه وثبتت حرمته بدليل مقطوع به - كانكار فرضية الصلاة أو الصيام أو الزكاة وكل ما علم من الدين بالضرورة، وكاعتقاد أن الحرام حلال، أو أن الحلال حرام - فانه يحكم بكفره أما اذا كان حراما لغيره بدليل مقطوع به، أو كان حراما لعينه باخبار الآحاد لم يحكم بكفره اذا اعتقد أنه حلال

(2)

وتبعا لذلك يختلف ما يرتبه الحنفية على استحلال المحرم.

‌استحلال ترك الصلاة:

فاذا كان الاستحلال واقعا على ترك الصلاة وجب قتله فقد قال ابن نجيم من الحنفية: «تارك الصلاة عمدا كسلا يضرب ويحبس حتى يصليها ولا يقتل، واذا جحد واستخف وجوبها يقتل»

(3)

‌استحلال ترك السنن:

واذا كان واقعا على ترك السنن كان كافرا فقد قال صاحب البحر الرائق: «وفى العمدة اجتمع قوم على ترك الاذان يؤدبهم الامام، وعلى ترك السنن يقاتلهم. زاد فى الخلاصة بأن هذا اذا تركها جفاء، لكن وآها حقا. فان لم يرها حقا يكفر

(4)

.

‌استحلال فطر رمضان:

أما اذا استحل فطر رمضان فان حكمه القتل. قال صاحب البحر الرائق: «وفى فتاوى البزازية من أكل نهارا فى رمضان عيانا عمدا شهرة يقتل، لانه دليل الاستحلال»

(5)

.

‌استحلال الخمر:

ويكفر السرخسى من استحل الخمر فى قوله: «من استحل الخمر فهو كافر لانها محرمة بالكتاب والسنة، ولان الامة قد أجمعت على تحريمها، وكفى بالاجماع حجة. فحرمة الخمر قوية باتة

(6)

.

(1)

المغنى ج 10 ص 85 وما بعدها.

(2)

ابن نجيم فى البحر الرائق ج 1 ص 207 وشرح الدر المختار للحصكفى ج 1 ص 479 مطبعة محمد على صبيح.

(3)

البحر الرائق ج 2 ص 97 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 41.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 299.

(6)

المبسوط ج 24 ص 2 وما بعدها.

ص: 107

‌استحلال التزوج بعد القضاء

بطلاقها بشهادة زور:

واختلف الحنفية فيما اذا قضى بالطلاق بشهادة الزور والزوجة تعلم ذلك هل لها أن تستحل التزوج بآخر بعد العدة أم لا؟ أما أبو حنيفة فيرى أن لها ذلك، لتصديق الشهود عنده وأما أبو يوسف فيرى أنها لا تحل للأول ولا للثانى ويرى محمد أنها تحل للأول ما لم يدخل بها الثانى، فاذا دخل بها حرمت عليه لوجوب العدة كالمنكوحة اذا وطئت بشبهة

(1)

.

‌استحلال وط ء من قضى عليه بزواجها

ولم يكن تزوجها:

وكذلك اختلفوا فى الحكم اذا ادعت امرأة أجنبية على رجل أنه تزوجها وقضى بنكاحها ببينة ولم يكن تزوجها. أما أبو حنيفة فيرى أن له الحق فى استحلال وطئها، لان الشهود صدقت عنده - وهو الحجة - لتعذر الوقوف على حقيقة الصدق. ويرى صاحباه أنه ليس له الحق فى استحلال وطئها بناء على هذا القضاء، لان القاضى أخطأ الحجة، اذ الشهود كذبة فصار كما اذا ظهر أنهم عبيد أو كفار

(2)

.

‌استحلال وط ء الزوجة الحائض:

وفى حكم استحلال وط ء الرجل زوجه الحائض جاء اختلاف الاحناف كذلك ذكر ابن نجيم أنه اذا وطئ الحائض فى الفرج مستحلا له فقد جزم صاحب المبسوط والاختيار وفتح القدير وغيرهم بكفره.

وذكره القاضى الاسبيجابى بصيغة «وقيل» وصحح أنه لا يكفره صاحب الخلاصة. ويوافقه ما نقله أيضا من الفصل الثانى فى ألفاظ الكفر من اعتقد الحرام حلالا أو على القلب يكفر اذا كان حراما لعينه وثبتت حرمته بدليل مقطوع به، أما اذا كان حراما لغيره بدليل مقطوع به أو حراما لغيره بأخبار الآحاد لا يكفر اذا اعتقده حلالا. ثم قال فعلى هذا لا يفتى بتكفير مستحله لما فى الخلاصة أن المسألة اذا كان فيها وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع فعلى المفتى أن يميل الى ذلك الوجه»

(3)

.

‌استحلال الفرج بالاستئجار:

وهل من استأجر امرأة ليزنى بها يستحل فرجها؟ قال صاحب المبسوط: «رجل استأجر امرأة ليزنى بها فزنا بها فلا حد عليهما فى قول أبى حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى: عليهما الحد لتحقق فعل الزنا منهما. فان الاستئجار ليس بطريق لاستباحة البضع شرعا

(4)

.

(1)

البحر الرائق ج 3 ص 116.

(2)

المرجع السابق.

(3)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 207 طبعة السيد عمر هاشم.

(4)

المبسوط ج 9 ص 58 الطبعة السابقة.

ص: 108

‌استحلال اللواط ووط ء الاجنبية فى دبرها:

وقال صاحب المبسوط: «ومن أتى امرأة أجنبية فى دبرها فعليه الحد فى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى والتعزير فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وكذلك اللواط عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يوجب التعزير عليهما وعندنا يحدان حد الزنا، يرجمان ان كانا محصنين ويجلدان ان كانا غير محصنين وفى قول آخر يقتلان على كل حال لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اقتلوا الفاعل والمفعول به وفى رواية ارجموا الاعلى والاسفل. وتأويل ذلك عندنا فى حق من استحل ذلك الفعل فانه يصير مرتدا فيقتل لذلك وهو تأويل الحديث الذى روى من أتى امرأته الحائض أو أتى امرأته فى غير مأتاها فقد كفر بما أنزل على محمد يعنى اذا استحل ذلك

(1)

، ويرى بعض الحنفية أن من استحل اللواط يكون كافرا فقد ذكر الحصكفى أن صاحب المجتبى قال: يكفر مستحلها عند الجمهور

(2)

.

‌استحلال الزنا عند الذمى:

وقال صاحب المبسوط: اذا زنى الذمى فقال عندى هذا حلال. لم يدرأ عنه الحد، لانا علمنا بكذبه فالزنا حرام فى الاديان كلها ولانا ما أعطيناه الذمة على استحلال الزنا بخلاف شرب الخمر فذلك معروف من أصل اعتقادهم، فأما استحلال الزنا ففسق منهم فيما يعتقدون كاستحلال الربا، وقد بينا أنهم يمنعون من الربا ولا يعتبر استحلالهم لذلك فكذلك الزنا

(3)

.

‌استحلال السحر:

ويرى الحنفية أن من استحل السحر اذا كان رجلا فهو كافر لا تقبل توبته أما اذا كانت امرأة فالاصح أنها كذلك ذكر ذلك الحصكفى ونسبه الى الزيلعى فى قوله:

«الكافر بسبب اعتقاد السحر لا توبة له ولو امرأة فى الاصح لسعيها فى الارض بالفساد

(4)

، ويروى ابن عابدين أنه جاء فى الفتح: «السحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم واعتقاد اباحته كفر، وعن أصحابنا يكفر الساحر بتعليمه وفعله سواء اعتقد الحرمة أو لا وقال أصحابنا: ان اعتقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر لا ان اعتقد أنه تخيل

(5)

.

‌استحلال الرقص:

وقال ابن عابدين انهم قالوا بكفر من يستحل الرقص. والمراد بالرقص التمايل والخفض والرفع بحركات موزونة كما يصنع بعض من ينتسب الى التصوف. وقد نقل فى البزازية عن القرطبى اجماع الائمة على حرمة هذا الغناء وضرب القضيب والرقص قال: ورأيت

(1)

المرجع السابق ج 9 ص 77 الطبعة السابقة.

(2)

الدر المختار ج 2 ص 55 الطبعة السابقة.

(3)

المبسوط ج 9 ص 85 الطبعة السابقة.

(4)

الدر المختار ج 2 ص 119.

(5)

ابن عابدين ج 3 ص 304.

ص: 109

فتوى شيخ الاسلام جلال الملة والدين الكرمانى أن مستحل هذا الرقص كافر.

وتمامه فى شرح الوهبانية ونقل فى نور العين عن التمهيد أنه فاسق لا كافر، ثم قال:

التحقيق القاطع للنزاع فى أمر الرقص والسماع يستدعى تفصيلا ذكره فى عوارف المعارف واحياء العلوم

(1)

.

‌استحلال أموال المسلمين ودمائهم:

والحنفية يرون أن استحلال أموال المسلمين ودمائهم وسبى نسائهم اعتمادا على تأويل يختلف فى حكمه عن استحلال ذلك بدون تأويل، فيرون أن من استحل ذلك بتأويل مثل الخوارج يجب أن يقاتل مثل البغاة، وأما من استحل ذلك من غير تأويل فانه يكون كافرا. ذكر ذلك الحصكفى فى حديثه عن الخوارج أنهم بتأويلهم يستحلون دماءنا وأموالنا ويسبون نساءنا ويكفرون أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، وحكمهم حكم البغاة باجماع الفقهاء كما حققه فى الفتح وانما لم نكفرهم لكونه عن تأويل وان كان باطلا بخلاف المستحل بلا تأويل

(2)

.

ويرتب الحنفية على ذلك عدم قبول قضاء قاضى الخوارج. ذكر صاحب المبسوط أنه لا يقبل قاضى أهل العدل كتاب قاضى أهل البغى، لان أهل البغى فسقة وما لم يخرجوا ففسقهم فسق اعتقاد، فأما بعد ما خرجوا ففسقهم فسق التعاطى، فكما لا تقبل شهادة الفاسق فكذلك كتاب الفاسق، ولانهم يستحلون دماءنا وأموالنا فربما حكم قاضى أهل البغى بناء على هذا الاستحلال من غير حجة

(3)

.

ولكنهم لا يرتبون على هؤلاء حدا اذا استحلوا دم المسلم أو فرجه أو ماله، فقد ذكر السرخسى أنهم اتفقوا على أنه لا قود فى دم استحل بتأويل القرآن، ولا حد فى فرج استحل بتأويل القرآن ولا ضمان فى مال استحل بتأويل القرآن الا أن يوجد شئ بعينه فيرد الى أهله

(4)

.

‌مذهب المالكية:

‌استحلال المحرم المجمع على تحريمه:

يرى المالكية أن من استحل محرما مجمعا على تحريمه فهو مرتد، فقد روى صاحب التاج والاكليل أن عياضا قال:

وكذا أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر، أو شيئا مما حرم الله بعد علم هذا بتحريمه

(5)

‌استحلال أخت أمته الآبقه ونحوها:

ويصح للرجل أن يستحل نكاح أخت أمته أو عمتها أو نحوهما اذا وقعت أمته فى

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 3 ص 317 الطبعة الثالثة.

(2)

الدر المختار ج 2 ص 125 الطبعة السابقة.

(3)

السرخى ج 10 ص 130.

(4)

المبسوط ج 24 ص 108 وما بعدها الطبعة السابقة.

(5)

المواق فى كتاب على هامش مختصر خليل ج 6 ص 280 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ.

ص: 110

أسر العدو أو أبقت اباقا لا أمل لديه فى أن تعود منه. ولا يصح أن يستحل ذلك اذا كانت ممن يوطأ بالنكاح الا اذا طلقها طلاقا بائنا فقد ذكر الخرشى أن الامة اذا أسرها العدو أو أبقت اباقا أيس سيدها من عودها منه فانه يحل له أن يطأ بالملك أو بالنكاح من يحرم جمعه معها من أخت ونحوها، وانما لم يقيد الاسر بالاياس لانه مظنته

(1)

.

‌استحلال دماء المسلمين وأموالهم:

ويرى المالكية على ما جاء فى المدونة - أن من استحل الدماء والاموال على التأويل - مثل الخوارج ثم تاب ورجع فقد وضعت عنهم الدماء، وأما الاموال فان وجدوا شيئا عندهم بعينه أخذوه وان لم يجدوا لم يتبعوا بشئ من ذلك وان كانت لهم الاموال، لانهم استهلكوها على التأويل

(2)

. واذا قتل من يستحل دماءنا بتأول فان الامام مالكا يرى أنه لا يصلى عليه، لانه لا يصلى على موتاهم ولا تتبع جنائزهم ولا تعاد مرضاهم، فاذا قتلوا فذلك أحرى أن لا يصلى عليهم، وأما من استحل دماء المسلمين أو أموالهم فسقا وخلوعا على غير تأويل ثم تابوا وضع الله عنهم حد الحرابة، ولم يوضع عنهم حقوق الناس

(3)

.

‌استحلال سب النبى:

وذكر الحطاب أن من سب نبيا وعلم أنه يستحل ذلك فلا شك فى كفره، وكذلك ان كان سبه فى نفسه كفرا كتكذيبه أو تكفيره، وكذلك من لم يظهر التوبة واعترف بما شهد به عليه وصمم فهذا كافر بقوله. وباستحلاله هتك حرمة الله وحرمة نبيه قتل كفرا بلا خلاف

وميراثه للمسلمين، ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن وتستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

‌استحلال المحرم بالاجماع:

يرى الشافعية أن من حلل محرما بالاجماع قد علم تحريمه من الدين بالضرورة ولم يجز خفاؤه عليه مثل الزنا واللواط وشرب الخمر والمكس وهو ما يؤخذ من أموال الناس ظلما فهو مرتد، اذ انكاره ما ثبت ضرورة أنه من دين محمد صلى الله عليه وسلم فيه تكذيب له صلى الله عليه وسلم

(5)

. وذكر الرملى والشبراملسى أنه لو زعم زاعم أن بينه وبين الله تعالى حالة أسقطت عنه الصلاة وأحلت له شرب الخمر وأكل المال الذى يستحق السلطان قبضه وصرفه لمصالح المسلمين فيزعم

(1)

شرح الخرشى ج 3 ص 213.

(2)

المدونة الكبرى ج 3 ص 48.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 48.

(4)

مواهب الجليل بشرح مختصر خليل ج 6 ص 285 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ مطبعة السعادة.

(5)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 8 ص 9، 395.

ص: 111

هذا أنه يستحقه ويمنعه عن صرفه فى مصارفه كما زعمه بعض المتصوفة فلا شك فى وجوب قتله وان كان فى خلوده فى النار نظر. وظاهر أن هذا الحكم لا يتقيد باستحلال الجميع، بل متى استحل شيئا من ذلك كفر

(1)

.

‌استحلال شرب النبيذ والخمر:

وذكر صاحب المهذب أن من شرب قليلا من النبيذ لم يفسق ولم ترد شهادته ومن أصحابنا من قال: ان كان يعتقد تحريمه فسق وردت شهادته. والمذهب الاول، لان استحلال الشئ أعظم من فعله، بدليل أن من استحل الزنا كفر ولو فعله لم يكفر، فاذا لم ترد شهادة من استحل القليل من النبيذ فلأن لا ترد شهادة من شربه أولى.

ويجب عليه الحد

(2)

.

هذا والشافعية يفرقون بين حكم من استحل الخمر المصنوع من عصير العنب وبين من استحل الخمر المصنوع من غير العنب. وقد ذكر صاحب نهاية المحتاج أن من استحل المسكر من عصير العنب الصرف الذى لم يطبخ فهو كافر حتى ولو كان قطرة لانه مجمع عليه بالضرورة. أما من استحل الخمر المصنوع من غير العنب فان كان قد استحل قدرا لا يسكر لم يحكم بكفره، للخلاف فيه أى من حيث الجنس، لحل قليله على قول جماعة. أما المسكر بالفعل فهو حرام اجماعا

(3)

، وتعقبه الشبراملسى فى حاشيته فذكر أن كفر من استحل المسكر بالفعل هو الاقرب

(4)

، أما الرشيدى فقد ذكر أن من أستحل قدرا كثيرا من الخمر المصنوع من غير العنب فانه يكفر خلافا لابن حجر الذى لا يرى كفر من استحل قليله أو كثيره

(5)

.

‌استحلال فرج المرأة بالاستئجار:

أما استئجار المرأة لوطئها فيرى الشافعية أنه عقد باطل فلا يعتبر وسيلة لاستحلال فرج المرأة فاذا وطئها بذلك كان زنا يحد من أجله، لانتفاء الشبهة اذ لا يعتد بالعقد الباطل بوجه

(6)

.

‌قضاء وشهادة من استحل دماءنا وأموالنا:

والشافعية يفرقون فى حكم قضاء وشهادة من استحل دماءنا وأموالنا بين من يستحل ذلك بالباطل عدوانا وبين من يستحله بتأويل، فقد ذكر فى نهاية المحتاج وحواشيه أنه لا يقبل قضاء ولا شهادة من يستحل دماءنا وأموالنا أو من بغى علينا ولم يدر أنه ممن يستحل ذلك أولا يستحل بل الامران منه محتملان وذلك لانتفاء العدالة

هذا

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 421.

(2)

المهذب للشيرازى ج 2 ص 326 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(3)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 8 ص 9 طبعة الحلبى بمصر سنة 1357 هـ.

(4)

حاشية الشبراملسى فى كتاب مع نهاية المحتاج ج 8 ص 9.

(5)

حاشية الرشيدى على هامش نهاية المحتاج ج 8 ص 9.

(6)

الشافعى الصغير فى كتابه نهاية المحتاج ج 7 ص 405.

ص: 112

اذا كانوا يستحلونها بالباطل عدوانا ليتوصلوا بها الى اراقة دمائنا واتلاف أموالنا أما اذا كانوا يستحلونها بتأويل فقد جاء فى الروضة أنه تقبل شهادة من استحل الدم والمال من أهل الاهواء، والقاضى كالشاهد

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌استحلال ما أجمع على تحريمه:

ذكر صاحب المغنى أن من اعتقد حل شئ أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه - للنصوص الواردة فيه مثل لحم الخنزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه - كفر.

‌استحلال قتل المعصومين وأخذ أموالهم:

وان استحل قتل المسلمين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك - وان كان بتأويل كالخوارج فان أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم وفعلهم لذلك متقربين به الى الله تعالى. وكذلك يخرج فى كل محرم استحل بتأويل مثل هذا.

‌استحلال شرب الخمر:

روى أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلا لها فأقام عمر رضى الله عنه عليه الحد ولم يكفره بذلك، وكذلك أبو جندل بن سهيل وجماعة معه شربوا الخمر بالشام مستحلين لها مستدلين بقول الله تعالى «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»

(2)

فلم يكفروا وعرفوا تحريمها فتابوا وأقيم عليهم الحد فيخرج فيمن كان مثلهم مثل حكمهم، وكذلك كل جاهل بشئ يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك وتزول عنه الشبهة ويستحله بعد ذلك. وقد قال أحمد من قال الخمر حلال فهو كافر يستتاب فان تاب والا ضربت عنقه، وهذا محمول على من لا يخفى على مثله تحريمه لما ذكرنا فأما ان أكل لحم خنزير أو ميتة أو شرب خمرا لم يحكم بردته بمجرد ذلك، سواء فعله فى دار الحرب أو فى دار الاسلام، لانه يجوز أن يكون فعله معتقدا تحريمه كما يفعل غير ذلك من المحرمات

(3)

ثم يقول ابن قدامة: فمن استحلها الآن - بعد أن انعقد الاجماع على تحريمها فقد كذب النبى صلى الله عليه وسلم لانه قد علم ضرورة من جهة النقل تحريمه فيكفر بذلك ويستتاب فان تاب والا قتل

(4)

.

‌استحلال فعل السحر أو تعلمه:

ذكر صاحب المغنى أن أصحابهم قالوا:

ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو اباحته وروى عن أحمد ما يدل

(1)

المرجع السابق وبهامشه حاشية الشبراملسى وحاشية الرشيدى ج 7 ص 384.

(2)

الاية رقم 93 من سورة المائدة.

(3)

ابن قدامة فى المغنى ج 10 ص 86.

(4)

المرجع السابق ج 10 ص 325.

ص: 113

على أنه لا يكفر فان حنبلا روى عنه قال عمى فى العراف والكاهن والساحر: أرى أن يستتاب من هذه الافاعيل كلها فانه عندى فى معنى المرتد، فان تاب ورجع يعنى يخلى سبيله. قلت له: يقتل؟ قال: لا. يحبس لعله يرجع. قلت له: لم لا تقتله؟ قال:

اذا كان يصلى لعله يتوب ويرجع. وهذا يدل على أنه لم يكفره لانه لو كفره لقتله

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم أنه لا يحل للمرأة عبدها فان وطئها وكانت عالمة أن هذا لا يحل فهى زانية وترجم ويجلدها ان كانت محصنة أو تجلد وتنفى ان كانت غير محصنة، والعبد كذلك. ولا يلحق الولد

(2)

. واذا استحلت المرأة الزواج فى أثناء العدة فيرى أبو محمد أنها لا تخلو من أن تكون عالمة بأن ذلك لا يحل، أو تكون جاهلة بأن ذلك محرم. أو غلطت فى العدة. فاذا كانت جاهلة أو غلطت فى العدة فلا شئ عليها لانها لم تعمد الى الحرام والقول قولها فى الغلط على كل حال. فان كانت عالمة بأن ذلك لم يحل ولم تغلط فى العدة فهى زانية وعليهما الرجم

(3)

. واذا استحل الرجل وط ء من طلقها ثلاثا وهو يعلم أن ذلك لا يحل فعليه حد الزنا كاملا وعليها كذلك لانها أجنبية

(4)

، وفى استحلال فعل قوم لوط قال أبو محمد رحمه الله تعالى:

«فعل قوم لوط من الكبائر الفواحش المحرمة - كلحم الخنزير والميتة والدم والخمر والزنا وسائر المعاصى - من أجله أو أجل شيئا مما ذكرنا فهو كافر مشرك حلال الدم والمال. وانما اختلف الناس فى عقوبتهما فقالت طائفة انهما يحرقان وقالت طائفة انهما يرميان من شاهق جبل ويتبعان بالحجارة وقالت طائفة يرجمان وقيل غير ذلك

(5)

راجع مصطلح لواط.

‌مذهب الزيدية:

يرى الزيدية أن من استحل محرما أو أظهر لفظا يعلن فيه أنه يستحل المحرم فانه يكفر بذلك

(6)

فمن اعتقد حل ترك الصلاة ونحوها كان مرتدا

(7)

، ومن استحل السجود لغير الله تعالى لقصد تعظيم المسجود له فقد كفر

(8)

.

(1)

المغنى والشرح الكبير ج 10 ص 114 وما بعدها.

(2)

المحلى لابن حزم ج 11 ص 249.

(3)

المرجع السابق ج 11 ص 247 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 11 ص 248 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 11 ص 280 الطبعة السابقة.

(6)

التاج المذهب للقاضى أحمد بن قاسم الصنعانى ج 4 ص 463 مطبعة عيسى البابى الحلبى سنة 1366 هـ.

(7)

البحر الزخار لاحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5 ص 426 الطبعة الاولى سنة 1368 هـ مكتبة الخانجى بمصر.

(8)

شرح الازهار ج 4 ص 567 وما بعدها مطبعة حجازى سنة 1358 هـ.

ص: 114

‌استحلال الخمر:

من استحل الخمر فهو كافر وقد بين صاحب البحر الزخار الخمر التى يكفر مستحلها فى قوله: «والخمر المجمع على تحريمها الكافر مستحلها هى خمر العنب والرطب لقوله صلى الله عليه وسلم:

«الخمر من هاتين»

(1)

، وفى البحر الزخار من استحل السحر فقد كفر، وان لم يستحله فسق وان قصد به لينقض السحر أو ليتحرز منه جاز

(2)

، كما يرون أن من اتخذ زيا يختص به الكفار دون المسلمين ولبسه وهو يعتقد وجوب لبسه فانه يكون مرتدا بالاجماع أما ان لبسه على جهة الاستهزاء والمزاح دون اعتقاد لا يكفر لكن يؤدب وهو قول أبى هاشم الجبانى وقاضى القضاة عبد الجبار

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

يرى الإمامية أن من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها كالميتة والدم والربا ولحم الخنزير ممن ولد على الفطرة يقتل ..

ولو ارتكب ذلك لا مستحلا يعزر

(4)

، وذكر أبو جعفر الطوسى أن من ترك الصلاة معتقدا أنها غير واجبة كان كافرا يجب قتله بلا خلاف فقد روى أن أصحاب الكبائر يقتلون فى المرة الثالثة ولا خلاف أن هذا صاحب كبيرة

(5)

وفى شرائع الاسلام «من ترك الصلاة مستحلا فحكمه القتل ان كان ولد مسلما، ويستتاب ان كان أسلم عن كفر، فان امتنع قتل، فان ادعى الشبهة المحتملة درئ عنه الحد. وان لم يكن مستحلا عزر، فان عاد ثانية عزر، فان عاد ثالثة قتل

(6)

.

وقالوا ان من شرب الخمر مستحلا استتيب فان تاب أقيم عليه الحد وان امتنع قتل، وقيل يكون حكمه حكم المرتد وهو قوى واما سائر المسكرات فلا يقتل مستحلها اذ الخلاف بين المسلمين متحقق فيها لكن يقام عليه الحد مع شربها سواء كان مستحلا أو محرما

(7)

. وقالوا من باع الخمر مستحلا يستتاب فان تاب والا قتل وان لم يكن مستحلا عزر وما سوى الخمر المجمع على تحريمه لا يقتل وان لم يتب بل يؤدب

(8)

. وذكر الطوسى فى الخلاف ان من استحل عمل السحر فهو كافر ووجب قتله بلا خلاف لما روى من أن عمر رضى الله عنه قال: اقتلوا كل ساحر وساحرة. وان حفصة زوجة النبى صلى الله عليه وسلم كانت لها جارية سحرتها

(1)

البحر الزخار ج 4 ص 348.

(2)

التاج المذهب للصنعانى ج 4 ص 256.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 463 وما بعدها.

(4)

شرائع الاسلام ج 2 ص 253.

(5)

الخلاف فى الفقه لابى جعفر الطوسى ج 1 ص 278 الطبعة الثانية مطبعة رانكين فى طهران سنة 1377 هـ، ج 2 ص 436 طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(6)

شرائع الاسلام ج 1 ص 69 وما بعدها.

(7)

شرائع الإسلام ج 2 ص 223 الطبعة السابقة.

(8)

المختصر النافع ص 301 الطبعة السابقة.

ص: 115

فبعثت بها الى عبد الرحمن بن زيد فقتلها

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

يرى الإباضية أن من استحل ترك ما هو معلوم من الدين بالضرورة كالصلاة وصوم رمضان والزكاة والحج، أو استحل فعل محرم أو قول كأن سب ملكا أو نبيا متفقا على نبوته حكم بارتداده

(2)

ومن استحل الشرك أو صوبه يكون مشركا

(3)

، ومن استحل المعصية ولو صغيرة كان ذلك معصية كبيرة اتفاقا. لان المستحل مشرك وهلك المصرون

(4)

، ومن استحل مخالفة المسلمين وقصد أن يكون على خلاف ما هم عليه فقد هلك ولو كان ذلك فى مباح كشراك نعل اذا قصد أنه لا يفعل كذا لان المسلمين يفعلونه، أو أنه يفعله لكونهم لا يفعلونه مثل أن يقول: لا أجعل لنعلى شراكا لانهم يجعلون له. ولا سيما اذا كانت المخالفة فى فرض أو مسنون. مثل أن يقول لا أقدم رجلى اليمنى فى دخول المسجد، لانهم يقدمونها، أو لا أتوضأ ثلاثا ثلاثا لانهم يفعلون ذلك .. ولا يدفعون عنه رمى من رماه بسوء أو اتهمة الا ما تبين أنه بهتان فيجب النهى وأما ان خالفهم ولم يقصد أنه فعل أو لم يفعل ليكون مخالفا لهم فلا بأس الا أن كان فعله لما يخالفهم يوهن الاسلام أو المسلمين أو يوهم أنه قصد خلافهم فلا بأس

(5)

.

وقالوا ان تارك الصلاة الواجبة والزكاة والحج مع القدرة ونحو ذلك من الفرائض اذا تركها بتشه أو ارتداد نهى عن ذلك وأمر بها ثم كان للامام أو من أذن له الامام أن يدعو هذا التارك للفرض الى فعله، ويقاتله ان لم يطاوعه اذ هو بائح بتركه ما دام هذا الترك بتشه أو بارتداد

(6)

.

‌استخارة

‌الاستخارة لغة

(7)

:

طلب الخيرة فى الشئ وفى الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة فى كل شئ.

ولم يتجاوز استعمال الفقهاء لهذه الكلمة هذا المعنى.

‌كيفيتها

واتفق الفقهاء

(8)

. على أن تكون

(1)

الخلاف فى الفقه لابى جعفر الطوسى ح 2 ص 424 الطبعة الثانية مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(2)

النيل وشرحه ح 10 ص 15، ح 17.

(3)

شرح النيل لاطفيش ح 9 ص 208 الطبعة السابقة.

(4)

الشيخ محمد بن يوسف أطفيش ح 9 ص 213 الطبعة السابقة.

(5)

شرح النيل وشفاء العليل ج 9 ص 305 الطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1343 هـ.

(6)

المرجع السابق ح 9 ص 243 الطبعة السابقة.

(7)

لسان العرب مادة خير.

(8)

راجع للحنفية حاشية ابن عابدين ح 1 ص 643 طبعة دار سعادات سنة 1324 هـ، وللشافعية المجموع ح 4 ص 54 وللحنابلة المغنى ج 1 ص 773 وللمالكية النوازل الجديدة الكبرى للوزانى ح 1 ص 250 وللزيدية البحر الزخار ح 2 ص 37 وللجعفرية الروضة البهية ح 1 ص 97.

ص: 116

الاستخارة بصلاة وكعتين، فقد روى عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة فى الامور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: اذا هم أحدكم بالامر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم انى استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم ان كنت تعلم أن هذا الامر خير لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى - أو عاجل أمرى وآجله - فاقره لى ويسره لى ثم بارك لى فيه وان كنت تعلم أن هذا الامر شر لى فى دينى ومعاشى. وعاقبة أمرى - أو قال عاجل أمرى وآجله - فاصرفه عنى واصرفنى عنه واقدر لى الخير حيث كان ثم رضنى به - قال: ويسمى حاجته رواه الجماعة الا مسلما، يقرأ فى الركعة الاولى «الكافرون» وفى الثانية «الاخلاص» عند الحنفية

(1)

والشافعية

(2)

وزاد الحنفية أن يقرأ فى الركعة الاولى قوله تعالى: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ}.

{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ»

(3)

.

وفى الثانية: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً»

(4)

- ثم يدعو بعد الصلاة بالدعاء السابق وأجاز المالكية. أن يكون هذا الدعاء فى أثناء الصلاة فى السجود وقيل: بعد التشهد

(5)

.

‌وقال الحنفية:

ينبغى أن يكررها سبعا لما روى ابن السنى: «يا أنس اذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبعا ثم انظر الى الذى سبق الى قلبك فان الخير فيه» وقيل: ينبغى أن ينام على طهارة مستقبل القبلة بعد قراءة الدعاء فاذا رأى فى منامه بياضا أو خضرة فذلك الامر خير وان رأى سوادا أو حمرة فهو شر ينبغى أن يتجنب

(6)

.

‌وقال المالكية:

يمضى لما انشرح له صدره

(7)

.

‌وقال الشافعية:

يكررها الى أن ينشرح صدره لشئ ثم يمضى فيما انشرح له صدره

(8)

.

(1)

حاشية ابن عابدين ح 1 ص 642.

(2)

المجموع شرح المهذب للنووى ح 4 ص 54، واعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين ح 1 ص 248.

(3)

سورة القصص الآية 68، 69.

(4)

سورة الاحزاب آية رقم 36.

(5)

النوازل الجديدة الكبرى للوزانى ح 1 ص 250.

(6)

حاشية ابن عابدين ح 1 ص 642.

(7)

النوازل الجديدة الكبرى للوزانى ح 1 المعين للبكرى ح 1 ص 248.

(8)

اعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح للبكرى ح 1 ص 258.

ص: 117

‌وقال الجعفرية:

يفعل ما يقع فى قلبه

(1)

.

‌حكمها:

وهى مندوبة عند الحنفية

(2)

والمالكية

(3)

والزيدية

(4)

وسنة عند الشافعية

(5)

والحنابلة

(6)

ومستحبة عند الجعفرية

(7)

.

وقد أورد بعض الفقهاء كالشيعة الجعفرية أنواعا أخرى للاستخارة ذكرت فى كتبهم

(8)

.

وجاء فى كتب المالكية والجعفرية أنه تجوز الانابة فى الاستخارة

(9)

.

‌استخلاف

‌التعريف اللغوى:

جاء فى لسان العرب: الخلف ضد قدام

(10)

، قال ابن سيده خلف نقيض قدام مؤنثة، قال تعالى {(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ)}

(11)

واستخلف فلانا من فلان جعله مكانه وخلف فلان فلانا اذا كان خليفته يقال خلفه فى قومه خلافة وفى التنزيل (وقال موسى لاخيه هارون اخلفنى فى قومى)

(12)

وخلفته أيضا اذا جئت بعده، ويقال خلفت فلانا أخلفه تخليفا واستخلفته أنا جعلته خليفتى واستخلفه جعله خليفة، والخليفة الذى يستخلف ممن قبله والخلافة الامارة، وخلف فلان مكان أبيه يخلف خلافة اذا كان فى مكانه ولم يصر فيه غيره.

‌التعريف الاصطلاحى:

لا يخرج معنى الاستخلاف فى اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللغوى، فهم يستعملونه فى جعل الشخص غيره مكانه فى عمل يجوز فيه

(13)

.

(1)

مفتاح الكرامة ح 3 ص 272.

(2)

حاشية ابن عابدين ح 1 ص 642.

(3)

النوازل الجديدة للوزانى ح 1 ص 250.

(4)

البحر الزخار لابن المرتضى ح 2 ص 37.

(5)

المجموع شرح المهذب للنووى ح 4 ص 54.

(6)

المغنى والشرح الكبير ح 1 ص 773.

(7)

مفتاح الكرامة ح 3 ص 272.

(8)

مفتاح الكرامة ح 3 ص 271 وما بعدها.

(9)

النوازل الجديدة الكبرى ح 1 ص 251 ومفتاح الكرامة ح 3 ص 277.

(10)

لسان العرب لابن منظور مادة خلف ج 36 ص 82، 83، 85 طبع دار صادر دار بيروت.

(11)

الاية رقم 255 من سورة البقرة.

(12)

الاية رقم 142 من سورة الاعراف.

(13)

انظر للحنفية كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 169 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ طبعة أولى، انظر للمالكية التاج والاكليل للمواق ح 2 ص 135 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الاولى، وأنظر للشافعية مغنى المحتاج ج 1 ص 293. وأنظر للحنابلة كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 215، وانظر للظاهرية المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 220 وما بعدها، وانظر للزيدية شرح الازهار ج 1 ص 307، وانظر للامامية كتاب الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر الطوسى ج 1 ص 238 مسألة رقم 11، 12 وانظر للإباضية شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 477، 478.

ص: 118

‌حكمه ودليله

‌مذهب الحنفية:

يذهب الحنفية الى جواز الاستخلاف فى الصلاة فقد ذكر صاحب البدائع أن علماء الحنفية يقولون: يجوز الاستخلاف لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذا صلى أحدكم فقاء أو رعف فى صلاته فليضع يده على فمه وليقدم من لم يسبق بشئ من صلاته ولينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر أبا بكر رضى الله عنه أن يصلى بالناس وجد فى نفسه خفة فخرج يتهادى بين اثنين وقد افتتح أبو بكر الصلاة فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخر وتقدم النبى صلى الله عليه وسلم وافتتح القراءة من الموضع الذى انتهى اليه أبو بكر، وانما تأخر أبو بكر لانه عجز عن المضى لكون المضى من باب التقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:{(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ)}

(1)

فصار هذا أصلا فى حق كل امام عجز عن الاتمام أن يتأخر ويستخلف غيره، وعن عمر رضى الله عنه أنه سبقه الحدث فتأخر وقدم

(2)

رجلا، وقد ذكر ابن نجيم فى البحر الرائق نقلا عن شرح المجمع أنه يجب على الامام الاستخلاف صيانة لصلاة القوم ثم علق صاحب البحر على ذلك بقوله وفيه نظر وفى حواشى ابن عابدين على البحر نقلا عن المستصفى أن الاستخلاف أفضل ثم قال ابن عابدين والمتبادر من كلام المستصفى عدم وجوبه ثم قال وهو الذى يظهر الا أن يضيق الوقت فينبغى الوجوب لئلا تفوت الجماعة

(3)

.

‌مذهب المالكية:

يفرق المالكية فى حكم الاستخلاف بين الجمعة وغيرها فقد ذكر صاحب الشرح الصغير أن حكم الاستخلاف هو الندب فى غير الجمعة أما بالنسبة للجمعة فحكمه الوجوب

(4)

، والدليل عليه تأخر أبو بكر رضى الله عنه

(5)

لقدومه صلى الله عليه وسلم وتقدمه

(1)

سورة الحجرات الاية رقم 1.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 1 ص 224 الطبعة الاولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية المصرية.

(3)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق للشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم ج 1 ص 352 الطبعة الاولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1311 هـ.

(4)

بلغة السالك لاقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للشيخ أحمد الدردير ج 1 ص 156.

(5)

منح الجليل على مختصر العلامة خليل للشيخ محمد عليش ج 1 ص 239.

ص: 119

صلى الله عليه وسلم فقد روى مالك عن هشام عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فى مرضه فأتى المسجد فوجد أبا بكر وهو قائم يصلى بالناس فأستأخر أبو بكر فأشار اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كما أنت فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنب أبى بكر فكان أبو بكر يصلى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وكان الناس يصلون بصلاة أبى بكر

(1)

‌مذهب الشافعية:

اختلف الشافعية فى حكم الاستخلاف فقد نقل صاحب المهذب

(2)

عن الام أنه يجوز لما روت عائشة رضى الله عنها قالت لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذى توفى فيه قال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقلت يا رسول الله انه رجل أسيف ومتى يقم مقامك يبك فلا يستطيع فمر عمر فليصل بالناس فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فقلت يا رسول الله ان أبا بكر رجل أسيف ومتى يقم مقامك يبك فلا يستطيع فمر عليا فليصل بالناس قال انكن لانتن صواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج فلما رآه أبو بكر ذهب ليستأخر فأومأ اليه يعيده فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس الى جنبه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير وفى المجموع

(3)

:

قال أصحابنا اذا خرج الامام عن الصلاة بحدث تعمده أو سبقه أو نسيه أو بسبب آخر أو بلا سبب ففى جواز الاستخلاف قولان مشهوران والصحيح منهما أنه يجوز للحديث الصحيح السابق ذكره والقول الثانى أنه لا يجوز وورد ذلك فى القديم والاملاء وذلك لان المستخلف كان لا يجهر ولا يقرأ السورة ولا يسجد للسهو فصار يجهر ويقرأ السورة ويسجد للسهو وذلك لا يجوز فى صلاة واحدة

(4)

، ثم قال فى المجموع ومن أصحابنا من قطع بالجواز وقال انما القولان فى الاستخلاف فى الجمعة خاصة وهذا أقوى فى الدليل ولكن المشهور فى المذهب طرد القولين فى جميع الصلوات فرضها ونقلها.

‌مذهب الحنابلة:

اختلف الرأى عند الحنابلة فى حكم الاستخلاف فالامام أحمد له روايتان فى ذلك أحداهما أن الاستخلاف جائز

(1)

كتاب المنتقى شرح موطأ الامام مالك بن أنس للقاضى أبى الوليد سليمان بن خلف الباجى الاندلسى ج 1 ص 239، 240 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1331 هـ.

(2)

المهذب للشيرازى ج 1 ص 96.

(3)

المجموع للنووى ج 4 ص 242.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 241، 242، 243.

ص: 120

والثانية أنه غير جائز وقد ذكر ابن قدامة الروايتين واختار الرواية الاولى، فقد جاء فى المغنى: اذا سبق الامام الحدث فله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة بدليل ما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم ولم ينكره منكر فكان اجماعا قال ابن قدامة وللامام أحمد رواية أخرى وهو أن الاستخلاف غير جائز قال أحمد كنت أذهب الى جواز الاستخلاف وجبنت عنه وفسر ابن قدامة ذلك بأنه توقف من الامام وهو لا يعارض ما اتفق عليه بالاجماع وبهذه الرواية الثانية أخذ صاحب كشاف القناع حيث قال ان الاستخلاف لا يجوز لان صلاة المأموم تبطل ببطلان صلاة الامام لعذر كأن سبقه الحدث أو لغير عذر كأن تعمد الحدث أو غيره من المبطلات للصلاة وذلك لحديث على بن طلق مرفوعا اذا فسا أحدكم فى صلاته فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة ومتى بطلت الصلاة فلا يجوز الاستخلاف ويستأنف الامام والمأمومون صلاتهم ثم ذكر صاحب الكشاف الرواية الثانية عن الامام أحمد وهى التى تفيد جواز الاستخلاف فقال: وعنه لا تبطل صلاة مأموم اذا كان بطلان صلاة الامام لعذر بأن يسبقه الحدث ويتم المأمومون صلاتهم جماعة بامام آخر يستخلفونه أو يتمونها فرادى.

وقال أبو بكر من الحنابلة: ان صلاة المأمومين تبطل ببطلان صلاة الامام رواية واحدة لانه فقد شرط صحة الصلاة فى حق الامام فبطلت صلاة المأموم كما لو تعمد الحدث

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى الاستخلاف فى الصلاة فرض لوجوب الصلاة فى جماعة على المأمومين وساق ابن حزم حديث أبى بكر رضى الله عنه السابق ذكره ثم قال بعد ذلك لان الفرض على الناس أن يصلوا فى جماعة فلا بد لهم من امام اما باستخلاف امامهم واما باستخلافهم أحدهم واما بتقدم أحدهم

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

ذهب الزيدية الى جواز الاستخلاف فقد جاء فى البحر الزخار قال العترة وللامام الاستخلاف. لاستخلاف النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه واتمامه بهم وسواء كان سبقه الحدث أو تعمد الحدث

(3)

.

(1)

المغنى لابن قدامة ج 1 ص 747 وكشاف القناع ج 1 ص 215.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 220، 222 مسألة رقم 492 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر طبعة أولى سنة 1348

(3)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 1 ص 331 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1366 هـ.

ص: 121

‌مذهب الإمامية:

ذهب الإمامية الى جواز الاستخلاف فقد جاء فى كتاب الخلاف

(1)

، من صلى بقوم بعض الصلاة ثم سبقه الحدث فاستخلف اماما فأتم الصلاة جاز ذلك لما روى سليمان بن خالد قال

(2)

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبقه بركعة كيف يصنع قال:

لا يقدم رجلا قد سبقه بركعة لكن يأخذ بيد غيره فيقدمه، واجماع الفرقة وأخيارهم تدل على الجواز ولانه لا مانع يمنع فمن ادعى المنع فعليه الدلالة.

‌مذهب الإباضية:

ذهب صاحب كتاب الايضاح الى جواز الاستخلاف فى سائر الصلوات كلها ما خلا صلاة الميت لمخالفتها سائر الصلوات اذ ليس فيها ركوع ولا سجود وقال بعضهم بجواز الاستخلاف فيها كما يجوز فى غيرها والدليل على جواز الاستخلاف فى الصلاة ما روى أن أبا بكر رضى الله عنه أم بالناس فلما بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكعكع وأشار له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم بالناس الصلاة فهذا يدل على جواز الصلاة بامامين

(3)

.

‌أسباب الاستخلاف وشروطه

‌مذهب الحنفية:

من أسباب الاستخلاف عند الحنفية سبق الحدث فى الصلاة فقد قال فى الهداية

(4)

وشرحها، ومن سبقه الحدث فى الصلاة انصرف فان كان اماما استخلف وتوضأ وبنى، فلا يجوز الاستخلاف مع الحدث

(5)

العمد والكلام والقهقهة وسائر نواقض الوضوء كما لا يجوز البناء مع هذه الاشياء لان الاستخلاف يكون للقائم ولا قيام للصلاة مع هذه الاشياء بل تفسد واختلفوا فيما لو حصر الامام عن القراءة

(6)

فاستخلف غيره فقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز الاستخلاف لان الحصر عن القراءة يندر وجوده فأشبه الجنابة فى الصلاة فيتم الصلاة بلا قراءة كالامى لان جواز الاستخلاف فى الحدث ثبت بالنص بخلاف القياس وليس الحصر فى معناه وقال

(1)

كتاب الخلاف فى الفقه للامام أبو جعفر الطوسى ج 1 ص 211، 212 مسألة رقم 15 الطبعة الثانية طبع مطبعة رنكين بطهران سنة 1377 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 238 مسألة رقم 11 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب الايضاح للامام العلامة الشيخ عامر بن على الشماخى وبهامشه حاشية العلامة الشيخ عبد الله بن سعيد السدوكشى ج 1 ص 468 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى 1304 هـ.

(4)

الهداية للمرغينانى وشروحها فتح القدير للامام كمال الدين المعروف بابن الهمام وبهامشه شرح العناية للبابرتى ج 1 ص 267، 268 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1315 هـ.

(5)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 226 الطبعة السابقة.

(6)

فتح القدير شرح الهداية مع العناية ج 1 ص 272، 273 الطبعة السابقة.

ص: 122

أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجوز الاستخلاف لان الاستخلاف لعلة العجز وهو ها هنا ألزم والعجز عن القراءة غير نادر فلا يلحق بالجنابة لكنهم أجمعوا على أنه لو قرأ ما تجوز به الصلاة ثم حصر فلا يجوز الاستخلاف لعدم الحاجة اليه، واختلفوا كذلك فيما لو اصابته بندقة

(1)

فشجته أو رماه انسان بحجر فشجه فقال أبو يوسف يبنى ويستخلف واحتج بما روى أن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه لما طعن فى المحراب استخلف عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ولو فسدت صلاته لفسدت صلاة القوم ولم يستخلف ولان هذا حدث حصل بغير صنعه فكان كالحدث السماوى وقال أبو حنيفة ومحمد لا يجوز لان هذا حدث حصل بصنع العباد بخلاف الحدث السماوى وأيضا فان هذا النوع من الحدث فى الصلاة مما يندر وقوعه وقد روى أن استخلاف عمر بن الخطاب كان قبل افتتاح الصلاة لما روى أنه لما طعن قال: آه قتلنى الكلب، من يصلى بالناس ثم قال:

تقدم يا عبد الرحمن ومعلوم أن هذا كلام يمنع البناء على الصلاة، أما شروط الاستخلاف فثلاثة:

الاول: استجماع شرائط

(2)

البناء فكل ما هو شرط جواز البناء هو شرط جواز الاستخلاف، وشرط جواز البناء

(3)

هى الاول كون الحدث سماويا وهو ما لا اختيار للعبد فيه ولا فى سببه بخلاف ما لو أحدث عمدا أو كان بسبب شجة أو عضة.

والثانى: أن يكون من بدنه احتراز عما اذا أصابته نجاسة من خارج.

والثالث: أن يكون الحدث غير موجب للغسل احترازا عما اذا أنزل بتفكر ونحوه والرابع أن لا يكون الحدث يندر وجوده فلا يبنى باغماء وقهقهة والخامس أن لا يؤدى ركنا مع الحدث احترازا عما اذا سبقه الحدث ساجدا فرفع رأسه قاصدا الاداء والسادس أن لا يفعل فعلا منافيا احترازا عما اذا أحدث عمدا بعد السماوى والسابع أن لا يفعل فعلا له منه بد فلو فعله استقبل والثامن أن ينصرف من ساعته ولم يتراخ بلا عذر فلو تراخى قدر أداء ركن بعذر كزحمة أو نزول دم فأنه يبنى والتاسع أن لا يظهر حدثه السابق بعد الحدث السماوى فلو سبقه حدث فذهب فانقضت مدة مسحه أو كان متيمما فرأى الماء استقبل على الاصح والعاشر أن لا يتذكر فائتة عليه بعد الحدث السماوى وهو ذو ترتيب بان لم تزد الفوائد عن ست فلو تذكر فلا

(1)

بدائع الصنائع ج 1 ص 221 الطبعة السابقة.

(2)

رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين ج 1 ص 564 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية ابن عابدين على الدر ج 1 ص 560، 561 طبع المطبعة العثمانية بمصر دار سعادات سنة 1324 هـ

ص: 123

يصح بناؤه حتما والحادى عشر أن لا يتم المؤتم فى غير مكانه والثانى عشر أن لا يستخلف الامام غير صالح لها كصبى وامرأة فاذا استخلف أحدهم فسدت صلاته وصلاة القوم لانه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة.

والشرط الثانى: أن يكون الاستخلاف قبل خروج الامام من المسجد حتى أنه لو خرج من المسجد قبل أن يقدم هو أو يقدم القوم انسانا أو يتقدم أحد بنفسه فصلاة القوم فاسدة لانه اختلف مكان الامام والقوم فبطل الاقتداء لفوات شرطه وهو اتحاد المكان وتفسد صلاته هو أيضا كما ذكر الطحاوى لان ترك استخلافه لما أثر فى فساد صلاة القوم فلأن يؤثر فى فساد صلاته أولى وذكر أبو عصمت أن صلاته لا تفسد وهو الصحيح لانه بمنزلة المنفرد، ولو كان خارج المسجد صفوف متصلة فخرج الامام من المسجد ولم يجاوز الصفوف فقال محمد اذا استخلف قبل أن يجاوز الصفوف جازت وصحت الصلاة لان مواضع الصفوف لها حكم المسجد ولذلك لو صلى فى الصحراء جاز استخلافه ما لم يجاوز الصفوف فجعل الكل كمكان واحد وقال أبو حنيفة وأبو يوسف تفسد صلاة القوم حتى لو استخلف الامام رجلا من الصفوف الخارجة فلا يصح عندهما لان البقعة مختلفة حقيقة وحكما واذا ظهر حكم اختلاف البقعة فى حق المستخلف لم يصح الاستخلاف وهذا اذا كان يصلى فى المسجد فان كان يصلى فى الصحراء فمجاوزة الصفوف بمنزلة الخروج من المسجد ان مشى على يمينه أو يساره أو خلفه فان مشى أمامه وليس بين يديه سترة فان جاوز مقدار الصفوف التى خلفه أعطى حكم الخروج عند بعضهم وهكذا روى عن أبى يوسف

الشرط الثالث: أن يكون المقدم صالحا للخلافة وسيأتى تفصيل ذلك.

‌مذهب المالكية:

ذكر المالكية أسباب الاستخلاف وعبروا عنها فى بعض الكتب بالشروط وهى ثلاثة لان السبب أما خارج عن الصلاة واما متعلق بالصلاة مانع من الامامة، واما مانع من الصلاة نفسها

(1)

. قال الخرشى

(2)

يندب لمن تحققت امامته وتثبت بالنية والاحرام والاقتداء به، الاستخلاف فى ثلاثة مواضع:

الموضع الاول: اذا خشى الامام بتماديه فى صلاته تلف مال له أو لغيره كانفلات دابة أو نفس كخوف على صبى أو أعمى أن يقع فى بئر أو نار وسواء كان المال قليلا أو كثيرا وسواء كان له أو لغيره وسواء خشى على نفسه أو نفس غيره ولو كافرا ثم قال الخرشى:

وينبغى أن يقيد بمال له بال أى بحسب

(1)

الشرح الصغير للدردير مع حاشية الصاوى ج 1 ص 156.

(2)

شرح الخرشى على مختصر خليل وبهامشه حاشية الشيخ على العدوى ج 2 ص 49 طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر - الطبعة الثانية سنة 1317 هـ.

ص: 124

الاشخاص فيكون كل شخص فى نفسه، وأضاف العدوى الى شرط كون المال ذا بال اتساع الوقت. أما اذا ضاق الوقت فلا يستخلف ثم قال العدوى فظهر أنه اذا كان المال قليلا لا يقطع ولا يستخلف ضاق الوقت أو اتسع، وأما اذا كان المال كثيرا فيفصل، وهذا كله مالم يخش هلاكا أو شديد أذى والا تعين القطع ضاق الوقت أولا، كثر المال أو قل.

الموضع الثانى: اذا طرأ على الامام ما يمنع الامامة لعجز عن ركن من أركان الصلاة كعجزه عن الركوع أو عجزه عن القراءة فى بقية صلاته، وأما عجزه عن السورة فليس من موجبات الاستخلاف.

الموضع الثالث: اذا طرأ على الامام ما يمنعه من تمام الصلاة كرعاف يبيح البناء له فيها أو طرأ ما يمنعه من جملتها لبطلانها كسبق حدث أصغر كريح أو حدث أكبر كمنى لنعاس خفيف حصل فيها أو ذكر حدث كذلك وأخرى لو شك فى وضوئه ثم قال الخرشى:

وحملنا كلام الشيخ خليل على رعاف يبيح البناء وهو يخالف كلام ابن عرفة اذ هو عنده ليس بمانع للصلاة لزواله بغسله أو فتله بل هو مانع للامامة فقط. وقال الدردير

(1)

: ان الرعاف اذا أوجب القطع فقد بطلت الصلاة عليه وعليهم وان اقتضى البناء مع الغسل استخلف لكنه ليس بمانع من الصلاة بل مانع من الامامة، ولذلك اعتبره الدردير من القسم الثانى وفى حاشية الدسوقى:

أن كلام الدردير ومن تابعه لا سنة له وأن التحقيق أن الرعاف مقتض للاستخلاف وان كان موجبا للقطع ان لا يزيد على غيره من النجاسات ثم قال: والاستخلاف فى رعاف القطع هو ظاهر المدونة وابن يونس وابن عرفة وعلى ذلك فكلام خليل يحمل على رعاف القطع كما هو ظاهره ويستفاد منه رعاف البناء بالاولى. وفى التاج والاكليل للمواق

(2)

: هل للامام أن يستخلف اذا رأى نجاسة بثوبه وهو فى الصلاة قال ابن رشد المشهور: أنه يستخلف ويقطع اذا رأى فى ثوبه نجاسة فان لم يكن له ثوب غيره تمادى وأعاد فى الوقت ان وجد غيره أو ما يغسله به وأيضا اذا تفرقت السفن أثناء الصلاة فانهم يستخلفون وقد نص ابن رشد أن الامام يستخلف وكذا قال ابن القاسم فى الامام المسافر ينوى الاقامة أثناء الصلاة فانه يستخلف وكذا أيضا اذا سقط ساتر عورته أو عجزه رده بقرب استخلاف وان بركوع أو سجود ولم تبطل أن رفعوا برفعه قبله واذا عجز الامام عن قراءة السورة فقال المازرى لا يستخلف لحصر قراءة بعض السورة قال ابن عرفة مفهومه بخلاف حصره عن كلها وفى هذا النظر لانه ترك سنة غلبة بخلاف ما اذا حصر عن قراءة الفاتحة وخاف دوام حصره

(1)

الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل مع حاشية الدسوقى ج 1 ص 350.

(2)

التاج والاكليل للمواق على الحطاب ج 2 ص 135 الطبعة السابقة.

ص: 125

فانه يستخلف - وقال الشيخ الدسوقى

(1)

فى حاشيته اذا عجز الامام عن أداء ركن من أركان الصلاة مثل عجزه عن الركوع جاز له الاستخلاف.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج

(2)

: واذا خرج الامام من الصلاة بحدث عمدا أو سهوا أو غير حدث كرعاف أو تعاطى فعل مبطل أو بلا سبب أيضا جاز للامام أو للمأمومين الاستخلاف فى الاظهر، وفى المجموع: ان سلم الامام وبقى على بعض المأمومين بعض الصلاة فقدموا من يتم بهم الصلاة فوجهان أحدهما يجوز كما يجوز فى الصلاة والثانى لا يجوز لان الجماعة الاولى قد تمت فلا حاجة الى الاستخلاف ويشترط للاستخلاف

(3)

أن يقع عن قرب بعد بطلان صلاة الامام بأن لم ينفردوا بعده بركن قولى أو فعلى أو يمضى زمن يمكن وقوع ذلك فيه، كذلك يشترط كون

(4)

الخليفة صالحا لامامة المصلين على ما سيأتى تفصيله.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(5)

اذا سبق الامام الحدث فله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة روى ذلك عن عمر وعلى وعلقمة وعطاء، واذا عجز الامام

(6)

عن اتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلى بهم لانه عذر فجاز أن يستخلف من أجله كما لو سبقه الحدث وكذلك لو عجز فى أثناء الصلاة عن ركن يمنع الائتمام كالركوع أو السجود فانه يستخلف من يتم بهم الصلاة كمن سبقه الحدث بل هذا أولى بالاستخلاف لان من سبقه الحدث قد بطلت صلاته وهذا صلاته صحيحة وفى كشاف القناع

(7)

: للامام أن يستخلف لحدوث مرض أو حدوث خوف أو لاجل حصره عن القراءة الواجبة ونحوه كالتكبير أو التسميع أو التشهد أو السلام لوجود

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 350. طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(2)

مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 293 وبهامشه متن المنهاج للنووى طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.

(3)

اعانة الطالبين للعلامة السيد أبو بكر المشهور بالسيد البكرى ج 2 ص 97 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(4)

المجموع شرح المهذب للعلامة أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى مع فتح العزيز شرح الوجيز للرافعى ج 4 ص 243 طبع مطبعة التضامن الاخوى.

(5)

المغنى لابن قدامة مع الشرح الكبير ج 1 ص 747 طبع مطبعة المنار بمصر طبعة أولى سنة 1341 هـ.

(6)

المرجع السابق ج 1 ص 712.

(7)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 216 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.

ص: 126

العذر الحاصل للامام، وفى المغنى

(1)

: لو تخلف أمام الحى من الصلاة لغيبة أو مرض أو عذر وصلى غيره وحضر امام الحى فى أثناء الصلاة فتأخر الامام وتقدم امام الحى ففى ذلك وجهان. أحدهما: يجوز لان النبى صلى الله عليه وسلم فعله فيجوز لغيره أن يفعل مثل فعله.

والثانى: لا يجوز لاحتمال أن يكون ذلك خاصا للنبى صلى الله عليه وسلم ولو أدرك انسان بعض الصلاة مع الامام فلما سلم الامام أتم أحدهما بصاحبه ونوى الاخر امامته فان ذلك يصح لانه فى معنى الاستخلاف

(2)

، ويشترط فى استخلاف الامام الذى سبقه الحدث أن تكون صلاته صحيحة ابتداء فان كان ابتدأ صلاته فاسدة كأن ذكر الحدث فى أثناء الصلاة فلا استخلاف لان صلاته لم تنعقد ابتداء.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى كتاب المحلى لابن حزم: أن الامام اذا أحدث فى صلاته أو ذكر أنه على غير طهارة فخرج فاستخلف فحسن فان لم يستخلف فليتقدم أحدهم يتم بهم الصلاة ولا بد فان أشار اليهم أن ينتظروه ففرض عليهم انتظاره حتى ينصرف فيتم بهم صلاتهم ثم يتم لنفسه لما روى عن أبى بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فى صلاة الفجر فكبر فأومأ اليهم أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم فلما قضى الصلاة قال انما أنا بشر مثلكم وانى كنت جنبا قال على فقد اعتدوا بتكبيرهم خلفه وهو عليه السلام جنب وأما استخلافهم فلما ذكر من أن النبى صلى الله عليه وسلم مضى الى قباء فقدم المسلمون أبا بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أحس به أبو بكر تأخر وتقدم عليه الصلاة والسلام فصلى بالناس ولان فرضا على الناس أن يصلوا فى جماعة فلا بد لهم من امام اما باستخلاف امامهم واما باستخلاف أحدهم واما بتقديمهم أحدهم

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

ذهب صاحب كتاب شرح الازهار الى أن من أسباب الاستخلاف ما اذا طرأ على الامام وهو فى صلاته جنون أو لحن أو فعل أو حدث سهوا كان أم عمدا لكن ذلك أن عزل المؤتم صلاته فورا أى عقيب فساد صلاة الإمام ولم يتابعه بعد ذلك فى شئ من الصلاة وقال القاضى زيد انها اذا فسدت صلاة الامام باللحن فسدت على المؤتم لان قراءته قراءة لهم قيل يعنى اذا لحن فى الجهرية لا فى السرية والتشهد لانه لا يحتمل الا فى الجهرية وقال

(1)

المغنى لابن قدامة ج 1 ص 749، 750 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع ج 1 ص 216.

(3)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 215 و 216 الى 220، 221.

ص: 127

الكنى: تبطل فيهما لان صلاتهم متعلقة بصلاته والصحيح ما ذكره على خليل أن اللحن كالحدث وفى الكافى عن الناصر والصادق أن صلاة المؤتم تفسد اذا أحدث الامام سهوا كان أو عمدا قال مولانا عليه السلام وعلى هذا سائر المفسدات قياسا اذ لا فرق بين الحدث وغيره من المفسدات قال وليستخلف غيره مؤتما به فى تلك الصلاة قال والاستخلاف يكون على الفور ولا يجب وحد الفور ما داموا فى الركن وقيل بل يكون عقيب الحدث من غير تراخ وقيل يعفى عن قدر خروج الامام من المسجد وفيه نظر اذ لا وجه للاختصاص بهذا القدر فلو أتموها فرادى مع امكان الاستخلاف بطلت عليهم لانهم خرجوا من الجماعة لغير عذر بخلاف ما اذا تركوها من الابتداء وكذلك من أسباب الاستخلاف ما اذا طرأ على الامام مرض من نحو اقعاد لعارض مأيوس أى لا يرجو زواله قبل خروج وقت الصلاة التى هو فيها فيبنى على ما قد مضى منها ويتمها والمؤتمون يعزلون صلاتهم لان صلاة القائم خلف القاعد لا تصح ومن نحو الاقعاد لو حصر عن القراءة قبل اتيانه بالقدر الواجب، وكذا لو أعرى فان حكمهما كالاقعاد واذا لم تفسد صلاة الامام فى هذه الصورة فليس له أن يستخلف الا بفعل يسير فان لم يتمكن الا بفعل كثير جاز لهم الاستخلاف أى للمؤتمين أن يقدموا أحدهم يتم بهم ان تمكنوا من ذلك بفعل يسير ومن أسباب الاستخلاف أيضا موت الامام وللمأمومين حينئذ أن يستخلفوا غيره أو لم يمت ولكنه لم يستخلف عليهم تفريطا منه فان لهم أن يستخلفوا

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى المستمسك

(2)

لو عرض للامام ما يمنعه من اتمام صلاته من موت أو جنون أو أغماء أو صدور حدث بل ولو لتذكر حدث سابق جاز للمأمومين تقديم امام آخر واتمام الصلاة معه بل الاقوى ذلك لو عرض له ما يمنعه مختارا كما لو صار فرضه الجلوس حيث لا يجوز البقاء على الاقتداء به وفى الحاشية كما فى صحيح الحلبى عن الصادق عليه السلام: عن رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات قال عليه السلام يقدمون رجلا آخر يقتدون بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ونحوه ما فى توقيع محمد بن عبد الله بن جعفر الحميرى، وفى رواية زرارة عن أحدهما: عن امام أم قوما فذكر أنه لم يكن على وضوء فانصرف وأخذ بيد رجل فأدخله فقدمه ولم يعلم الذى قدم ما صلى القوم فقال

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 306 الى 310 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بالقاهرة.

(2)

مستمسك العروة الوثقى للفقيه السيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 7 ص 152 الى 154 الطبعة الثانية طبع مطبعة النجف سنة 1382 هـ.

ص: 128

يصلى بهم ومن النصوص المذكورة ونحوها ومما ورد فى الرعاف وفى الاذى فى البطن وفى اقتداء الحاضر بالمسافر وفى الاعتلال يستفاد عموم الحكم لكل عذر مانع للامام عن اتمام صلاته كزيادة ركن أو نقيصته أو استدبار أو التفات أو نحوها أو عن الامامة اما لاتمام صلاته كامامة المسافر للحاضر أو السابق للمسبوق أو لفقد بعض شرائط الامامة وجاء فى الروضة البهية

(1)

: لو عرض للامام مخرج من الصلاة لا يخرج عن الاهلية كالحدث استناب هو وكذا لو تبين كونه خارجا ابتداء لعدم الطهارة وفى شرائع الاسلام

(2)

: اذا حضر امام الاصل وجب عليه الحضور والتقدم وان منعه مانع جاز ان يستنيب.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى كتاب الايضاح

(3)

: وجاز للامام أن يستخلف اذا عرض له حدث من قئ أو رعاف أو خدش لانه يبنى بها فى الصلاة لما روى من طريق ابن عباس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: القئ والرعاف والخدش لا ينقض الصلاة فاذا انفلت المصلى بها توضأ وبنى على صلاته وأما غير هذه الاشياء من الانجاس لا يبنى بها فى الصلاة ولا يستخلف لانه خرج من الصلاة، وجاء فى شرح النيل

(4)

: قال بعض أصحابنا ان الامام يستخلف اذا عرض للامام فى صلاته قئ أو حدث أو رعاف أو ذهب لاصلاح فساد فى المال أو الانفس أو اصلاح صلاة ثم قال:

وزعم بعض أصحابنا أن من أحدث بأحد الثلاثة - القئ أو الحدث أو الرعاف - انتقضت صلاته وقال بعض انه يجوز له البناء والاستئناف ثم قال: وذلك كله اذا انتقض وضوؤه والا مضى فى صلاته، واذا وصل الى ثوبه أو بدنه أو كليهما شئ من هذه الامور الثلاثة فقيل انه يستخلف ويغسل جسده وثوبه ان لم يجد ثوبا غيره ويبنى على صلاته وقيل لا يبنى ولا يستخلف ان وصل الى ثوبه أو بدنه شئ من ذلك وصلاته وصلاتهم منتقضة وقيل تنتقض صلاته وحده ويتمون صلاتهم، وانما يستخلف فى هذه الاحداث اذا تيقن بها اما اذا شك فى ذلك فانه يمضى فى صلاته حتى يتمها، فان شك واستخلف فقولان فى صلاة الكل ولو وجد الحدث بعد .. ، وان أخبره أمينان برعاف أو خدش أو قئ وصل فاه وغفل عنه الامام لخشوعه فى الصلاة أو لمخالطة فى عقله وهو قائم أو نحو ذلك فانه يستخلف ان لم يتيقن خلاف ما أخبراه به ..

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى 1 ص 119 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الجعفرى الامامى للمحقق المحلى ج 1 ص 59 منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.

(3)

كتاب الايضاح للشيخ عامر بن على الشماخى ج 1 ص 468 و 469 الطبعة السابقة.

(4)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 1 من ص 475 الى ص 477 الطبعة السابقة.

ص: 129

واذا أخبره أمين واحد فقولان قيل يستخلف وهو الصحيح وقيل لا يستخلف ويمضى فى صلاته، وقيل يستخلف بكل من صدقه ولو كان ممن لا تصح له صلاة ولو امرأة أو طفلا، وجاء فى موضع آخر:

واذا دخل غير الامام العدل فى الصلاة فجاء الامام العدل فله أن يتأخر للعدل فيصلى باقى الصلاة كما روى عن أبى بكر رضى الله عنه مع النبى صلى الله عليه وسلم، وله أن يمضى ولكن لا يجوز أن يتأخر لامام الصلاة الذى اعتيد أو غيره.

‌من يصح استخلافه وشروطه ومتى يصير

اماما والصور التى ترد تحت ذلك

؟ ..

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البدائع

(1)

: أنه يشترط فى المستخلف أن يكون صالحا للخلافة حتى لو استخلف محدثا أو جنبا فسدت صلاته وصلاة القوم لان الامام لما استخلفه فقد اقتدى به ومتى صار هو مقتديا صار القوم أيضا مقتدين به والاقتداء بالمحدث والجنب لا يصح فتفسد صلاة الامام والقوم جميعا، وكذلك لو قدم صبيا فسدت صلاته وصلاة القوم لان الصبى لا يصلح خليفة للامام فى الفرض كما لا يصلح أصيلا فى الامامة فى الفرائض، وكذلك ان قدم الامام المحدث امرأة فسدت صلاتهم جميعا من الرجال والنساء والامام والمقدم لانه باستخلافه المرأة التى لا تصلح لامامة الرجال صار معرضا عن الصلاة فتبطل صلاته واذا بطلت صلاته بطلت صلاة القوم جميعا، وقال زفر صلاة المقدم والنساء جائزة وانما تفسد صلاة الرجال وذلك أن المرأة تصلح لامامة النساء فى الجملة وانما لا تصلح لامامة الرجال كما فى الابتداء، وكذلك لو قدم أميا أو عاريا أو موميا فلا يصح وقال زفر ان الامام اذا قرأ فى الاوليين فاستخلف أميا فى الاخريين لا تفسد صلاتهم لاستواء حال القارئ والامى فى الاخريين لتأدى فرض القراءة فى الاوليين والصحيح أنه تفسد صلاتهم لان استخلاف من لا يصلح اماما له عمل كثير منه ليس من أعمال الصلاة فتفسد صلاته وصلاتهم بفساد صلاته.

ثم قال صاحب البدائع والاصل فى باب الاستخلاف أن كل من يصح اقتداء الامام به يصلح خليفة له والا فلا، فلو كان الامام متيمما فأحدث فقدم متوضأ جاز لان اقتداء المتيمم بالمتوضئ صحيح بلا خلاف ولو قدمه ثم وجد الامام الاول الماء فسدت صلاته وحده، لان الامامة تحولت منه الى الثانى وصار هو كواحد من القوم ففساد صلاته لا يتعدى الى صلاة غيره وان كان الامام الاول متوضئا والخليفة متيمما فوجد الخليفة الماء فسدت صلاته وصلاة

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 من ص 227 إلى ص 229 الطبعة السابقة.

ص: 130

الاول والقوم جميعا لان الامامة تحولت اليه فصار الاول كواحد من المقتدين به وفساد صلاة الامام يتعدى الى صلاة القوم، ولو قدم مسبوقا جاز والاولى للامام المحدث أن يستخلف مدركا لا مسبوقا لانه أقدر على اتمام الصلاة ومع هذا لو قدم المسبوق جاز واذا صح استخلاف المسبوق فانه يتم الصلاة من الموضع الذى وصل اليه الامام لانه قائم مقامه فاذا انتهى الى السلام يستخلف هذا الثانى رجلا أدرك أول الصلاة ليسلم بهم لانه عاجز عن السلام لبقاء ما سبق به عليه فصار بسبب العجز عن اتمام الصلاة كالذى سبقه الحدث فثبتت له ولاية استخلاف غيره فيقدم مدركا ليسلم ثم يقوم هو الى قضاء ما سبق به ولو كان الذين خلف الامام المحدث كلهم مسبوقين ينظر ان بقى على الامام شئ من الصلاة فانه يستخلف واحدا منهم لان المسبوق يصلح خليفة فيتم صلاة الامام ثم يقوم الى قضاء ما سبق من غير تسليم لبقاء بعض أركان الصلاة عليه وكذا القوم يقومون من غير تسليم ويصلون وحدانا، وان لم يبق على الامام شئ من صلاته قاموا من غير أن يسلموا وأتموا صلاتهم وحدانا لوجوب الانفراد عليهم فى هذه الحالة، ولو صلى الامام ركعة ثم أحدث فاستخلف رجلا قام عن هذه الركعة وقد أدرك أولها جاز لكن لا ينبغى للامام أن يقدمه لان غيره أقدر على صلاة الامام، واذا قدمه الامام أو تقدم هو ينبغى أن يشير اليهم بأن ينتظروه ليصلى ما فاته وقت نومه ثم يصلى بهم بقية الصلاة لانه مدرك فينبغى أن يصلى الاول فالاول فان لم يفعل ذلك ولكن أتم صلاة الامام ثم قدم مدركا وسلم بهم ثم قام فقضى ما فاته أجزأ عندنا وقال زفر لا يجزيه وذلك أنه مأمور بالبداية بالركعة الاولى فان لم يفعل فقد ترك الترتيب المأمور به فتفسد صلاته كالمسبوق اذا بدأ بقضاء ما فاته قبل أن يتابع الامام فيما أدرك معه ووجه الجواز أنه أتى بجميع أركان الصلاة الا أنه ترك الترتيب فى أفعالها والترتيب فى أفعال الصلاة واجب وليس بفرض فتركه لا يوجب فساد الصلاة، بخلاف المسبوق لان الفساد هناك ليس لترك الترتيب بل للانفراد عند وجوب الاقتداء ولم يوجد هاهنا، ولو كان الامام المحدث مسافرا وخلفه مقيمون ومسافرون فقدم مقيما جاز والافضل أنه لا يقدم مقيما لان غيره أقدر على اتمام صلاة الامام غير أنه ان قدمه جاز لانه قادر على اتمام أركان صلاة الامام بالكلية وانما يعجز عن الخروج وهو ليس بركن فاذا أتم صلاة الامام وقعد قدر التشهد تأخر هو وقدم مسافرا لانه غير عاجز عن الخروج حتى يسلم بهم فاذا سلم قام هو وبقية المقيمين وأتموا صلاتهم وحدانا كما لو لم يكن الاول أحدث ولو مضى الامام الثانى فى صلاته مع القوم حتى أتم صلاة الاقامة فان كان قعد فى الثانية قدر التشهد فصلاته وصلاة المسافرين تامة لان الامام

ص: 131

لما قعد قدر التشهد فقد تم ما التزم بالاقتداء لان تحريمته انعقدت على أن يؤدى ركعتين مع الامام وركعتين على سبيل الانفراد وقد فعل وأما المسافرون فلأنهم انتقلوا الى النفل بعد اكمال الفرض وهذا لا يمنع جواز الصلاة، وأما صلاة المقيمين ففاسدة لانهم لما قعدوا قدر التشهد فقد انقضت مدة اقتدائهم لانهم التزموا بالاقتداء به أن يصلوا الركعتين الاوليين مقتدين به والآخريين على سبيل الانفراد فاذا اقتدوا فيهما فقد اقتدوا فى حال وجوب الانفراد وخرجوا عما التزموا به ففسدت صلاتهم لذلك، وان لم يقعد الامام الثانى قدر التشهد فسدت صلاته وصلاة القوم كلهم لان القعدة صارت فرضا فى حق الامام الثانى لكونه خليفة الاول فاذا ترك القعدة فقد ترك ما هو فرض ففسدت صلاته وصلاة المسافرين لتركهم القعدة المفروضة أيضا ولفساد صلاة الامام وفسدت صلاة المقيمين بفساد صلاة امامهم أما متى يصير المستخلف اماما.

فقد جاء فى البدائع

(1)

ان الثانى يصير اماما ويخرج الاول عن الامامة بأحد أمرين اما بقيام الثانى مقام الاول ينوى صلاته أو بخروج الاول عن المسجد حتى لو استخلف رجلا وهو فى المسجد بعد ولم يقم الخليفة مقامه فهو على امامته حتى لو جاء رجل فاقتدى به صح اقتداؤه ولو أفسد الاول صلاته فسدت صلاتهم جميعا لان الاول كان اماما وانما يخرج عن الامامة بانتقالها الى غيره ضرورة أن الصلاة الواحدة لا يجتمع عليها امامان أو بخروجه عن المسجد لفوت شرط صحة الاقتداء وهو اتحاد البقعة فاذا لم يتقدم غيره ولم يخرج من المسجد لم ينتقل والبقعة متحدة فبقى اماما فى نفسه كما كان.

وذكر ابن عابدين

(2)

ان الثانى يصير خليفة اذا قدمه الامام أو أحد القوم أو تقدم بنفسه ثم قال وشرط جواز صلاة الخليفة والقوم أن يصل الخليفة قبل أن يخرج الامام من المسجد واذا نوى الخليفة الامامة من ساعته وخرج الامام من المسجد قبل أن يصل الخليفة الى المحراب لم تفسد صلاتهم لانه ما خلا المسجد عن الامام ثم قال ابن عابدين اذا تقدم أحد الى مقامه فقد خرج الاول عن الامامة وصار مقتديا بالخليفة سواء تجاوز المسجد أولا لانه خرج عن كونه اماما لهم وان لم يخرج من المسجد فلا يضرهم كلامه أو حدثه العمد واستشكل ذلك فى البحر بما ذكروا من أنه اذا استخلف لا يخرج الامام عن الامامة بمجرده ولهذا لو اقتدى به انسان من ساعته قبل الوضوء فانه صحيح على الصحيح كما فى المحيط ولهذا قال فى الظهيرية والخانية أن الامام لو توضأ فى المسجد وخليفته قائم فى المحراب ولم يؤد ركنا فانه يتأخر الخليفة ويتقدم الامام ولو خرج الامام الاول من المسجد وتوضأ ثم رجع الى المسجد وخليفته لم يؤد ركنا

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 232 و 233 الطبعة السابقة.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 1 ص 563 الطبعة السابقة.

ص: 132

فالامام هو الثانى، ثم قال ابن عابدين لا يخرج الامام الاول عن الامامة وهو فى المسجد ما لم يقم الثانى مقامه فان قام مقامه ناويا لها صار اماما لكنه ما لم يؤد ركنا لم تتأكد أمامته من كل وجه بخلاف ما اذا فعل منافيا أو أدى الثانى ركنا فان الامامة تثبت للثانى قطعا بلا انتقال.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى

(1)

على الشرح الكبير أنه يشترط فيمن يصح اسخلافه أن يكون صالحا للامامة وصحته أى الاستخلاف بادراك ما قبل تمام الركوع أى بأن يدرك المستخلف مع الاصلى قبل العذر من الركعة المستخلف فيها جزءا قبل عقد الركوع بأن أدرك الركوع فقط وان لم يطمئن الا بعد حصول العذر أو ما قبله ولو الاحرام فمن كبر للاحرام بعد تكبير الامام فحصل العذر بمجرد تكبيره أو فى أثناء القراءة أو بعد ذلك ولو فى السجود صح استخلافه أو أحرم حال رفع الامام ووضع يديه على ركبتيه قبل تمام رفعه صح استخلافه وان لم يطمئن الا بعد حصول العذر كما تقدم ويستمر راكعا ويركع بهم ثانيا ان رفع ليرفع بهم وحينئذ فما يأتى به من ركوع أو سجود معتد به وهو واضح وقولنا من الركعة المستخلف فيها ليشمل ما لو فاته ركوع ركعة وأدرك سجودها واستمر مع الامام حتى قام لما بعدها فحصل له العذر حينئذ فانه يصح استخلافه لانه أدرك ما قبل الركوع من الركعة المستخلف فيها والا يدرك ما قبل تمام الركوع بأن أدركه بعد رفعه منه الصادق بالسجود والجلوس وكذا لو أدركه قبل الركوع وغفل أو نعس حتى رفع الامام رأسه منه فلا يصح استخلافه وبطلت عليهم ان اقتدوا به لانه انما يفعله موافقة للامام لا أنه واجب أصالة فلو أجيز استخلافه فى هذه الحالة لزم ائتمام المفترض بشبه المتنقل لا ان لم يقتدوا به وأما صلاته هو فصحيحة ان بنى على هذا الاصل والا بطلت عليه أيضا هذا حكم من جاء قبل العذر.

وفى الخرشى

(2)

: ان جاء المستخلف بعد حصول العذر من الامام وخروجه من الامامة فكأجنبى لا يصح استخلافه على القوم وتبطل صلاة المؤتمين به لانهم محرمون قبله، واما صلاته هو فان صلى لنفسه صلاة منفردة ولم يبن على صلاة الامام ولم يقبل الاستخلاف فان صلاته صحيحة وكذا ان قبل الاستخلاف على حسب ظنه والحال أنه بنى على صلاة الامام بالركعة الاولى وابتدأ قراءة الفاتحة أو الثالثة فى الرباعية. واقتصر كالامام على الفاتحة وانما صحت صلاته لانه لا مخالفة بينه وبين المنفرد لجلوسه فى محل جلوسه وقيامه فى محل قيامه وان لم يبن بالاولى ولا بالثالثة بل بنى بالثانية فى الثنائية

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 353 الطبعة السابقة.

(2)

الخرشى على مختصر خليل ج 2 ص 54 الطبعة السابقة.

ص: 133

أو الثلاثية أو الرباعية أو بالثالثة فى الثلاثية فقط أو الرابعة فى الرباعية فلا تصح صلاته لجلوسه فى غير موضع جلوسه وهذا معنى قول سحنون ان استخلف على وتربطلت وعلى شفع صحت قال المازرى وشفع المغرب كوتر غيرها.

وفى التاج

(1)

والاكليل قال ابن بشير ان كان المستخلف والمقتدى مسبوقين فقيل ان المستخلف اذا أكمل صلاة الامام أشار الى المقتدين ان اجلسوا فاذا أكمل صلاته قاموا فقضوا لانفسهم وقيل انهم يقومون اذا أكمل صلاة الامام وسبب هذا الخلاف أنهم لا يقضون الا بعد تمام الصلاة صلاة امامهم وقد حصل لهذا الثانى رتبة الامامة فهل يكون حكمه فى كل الاحوال كحكم الامام الاول وكأنه هو فاذا أتم صلاته صار كالمقتدى فيقضون عند قضائه أو تراعى حالته فى نفسه لحصول الرتبة فلا يقضون الا بعد تمام صلاته هذا مثار الخلاف ونقل ابن عرفه الخلاف ولم يعز لمالك قولا والذى فى العتبية قال مالك يتم بقية صلاة الامام ثم يشير اليهم ان امكثوا ثم يقوم وهو فى مكانه ذلك لا يتحول فيقضى تلك الركعة ويتشهد ويسلم ويقومون فيقضون تلك الركعة قال ابن رشد هذه مسألة صحيحة ثم قال لان من فاته شئ من صلاة الامام لا يقضى الا بعد سلامه ولم يذكر ابن رشد قولا آخر ثم قال ابن بشير اذا كان المستخلف مسبوقا دون المقتدين فانه اذا أكمل صلاة الامام وقام للقضاء فالمشهور فى هذا انهم لا يسلمون الا بعد قضائه وهذا بناء على حكم نفسه. وقال ابن القاسم من استخلف وقد فاته بعض صلاة الامام وجهل ما مضى منها يشار اليه حتى يفهم ما ذهب من الصلاة فان لم يفهم بالاشارة ومضى حتى سبح به فلا بأس وان لم يجد بدا الا أن يتكلم فلا بأس قال ابن رشد هذا صحيح على المعلوم من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك فى المدونة وغيرها أن الكلام فيما تدعو اليه الضرورة من اصلاح الصلاة جائز لا يبطل الصلاة خلافا لابن كنانة وسحنون ثم قال سحنون اذا أحرم رجل خلف الامام وهو قائم فى الثالثة من الظهر فقدمه فصلى بهم ركعتين بقية صلاة الاول ثم رجع اليه الامام وهو فى التشهد فقال له بقيت على سجدة لا أدرى أمن الاولى أم من الثانية فليقم المستخلف بالقوم ان كانوا على شك فيصلى بهم ركعة بأم القرآن فقط لانه بناء ثم يجلسون ويأتى هو بركعة قضاء بأم القرآن وسورة ويسجد قبل السلام ويسجدون معه قال ابن يونس وقد قيل يسجد بهم قبل ركعة القضاء وقال ابن رشد سجوده بعد القضاء قاله ابن القاسم وقال اصبغ يسجد أثر تمام صلاة الاول قال ابن يونس وانما كان السجود قبل السلام لان ركعة من الاوليين قد بطلت للسجدة التى أسقط الامام وصار المستخلف انما استخلف على ثانية الامام وقد قرأ فيها بأم القرآن فقط

(1)

التاج والاكليل للمواق بهامش الحطاب ج 2 ص 138 الطبعة السابقة.

ص: 134

وقام فيها فدخله النقص ها هنا وقد صارت الرابعة ثالثة فعليه أن يأتى برابعة الامام وهى ركعة البناء فلذلك قرأ فيها بأم القرآن وحدها ثم يأتى بركعة القضاء لنفسه قال سحنون ولو كان القوم موقنين بالسلامة قعدوا ولم يتبعوه وقضى الامام لنفسه قال وان لم يرجع اليه الاول حتى قضى الركعتين اللتين فاتتاه فقال بقيت على سجدة فصلاة المستخلف تامة لانه صلى بالناس ركعتين وقضى ركعتين ولكن يسجد قبل السلام لانه قام فى موضع الجلوس وترك السورة التى مع أم القرآن فى ركعة ويسجد معه القوم وان كانوا على شك أتوا بركعة بعد سلامة بأم القرآن فقط وسلموا ثم سجدوا للسهو خوفا ألا يكون بقى عليهم شئ فتصير هذه ركعة زائدة

(1)

.

وجاء فى حاشية الدسوقى

(2)

ان الامام المسافر اذا استخلف مقيما على مسافرين ومقيمين لتعذر استخلاف مسافر اما لعدم صلاحيته للامامة واما لجهل أنه خلفه، وأكمل المستخلف صلاة الامام الاول فان من خلفه من المقيمين يقومون بعد انقضاء صلاة الاول لاتمام ما عليهم انفرادا ويسلمون لانفسهم لدخولهم على عدم السلام مع الاول ولا يلزمهم أن يسلموا مع الثانى أما المسافرون فانهم يسلمون لانفسهم عند قيام الخليفة المقيم لما عليه بعد أكماله صلاة الاول ولا ينتظرونه للسلام معه اذا لم يدخل الخليفة المقيم على أن يقتدى بالاول فى السلام حتى ينتظره المسافرون ليسلموا بسلامه والمعتمد أنه يجلس المسافر والمقيم لسلام الخليفة كالمسبوق، أما متى يصير المستخلف اماما فقد قال الدسوقى فى حاشيته

(3)

: المستخلف لا يحصل له رتبة الامامة بنفس الاستخلاف بل حتى يقبل ويفعل بهم بعض الفعل وهو مذهب سحنون واختاره اللقانى وقيل انه بمجرد الاستخلاف وقول المستخلف له يا فلان تقدم حصل له رتبة الامامة فاذا تقدم حينئذ غيره بطلت وهذا قول بعض شيوخ عبد الحق.

وفى الخرشى

(4)

قال والامام اذا استخلف رجلا فتقدم غيره ممن يصلح للامامة عمدا أو اشتباها كقوله يا فلان يريد واحدا وفى القوم أكثر منه يسمى باسمه فأتم بهم الصلاة صحت وهذا يدل على أن المستخلف لا يحصل له رتبة الامامة بنفس الاستخلاف بل حتى يقبل ويفعل بهم بعض الفعل وعلى ذلك اذا استخلف الامام على القوم مجنونا أو نحوه ممن لا تجوز امامته ولم يعمل بهم عملا فان صلاتهم صحيحة على قول من يقول ان المستخلف لا يكون اماما حتى يعمل بالمأمومين عملا فى الصلاة. ولو كان اماما

(1)

التاج والاكليل للمواق بهامش الحطاب ج 1 ص 139 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 356، 357 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 352 الطبعة السابقة.

(4)

الخرشى على مختصر خليل ج 2 ص 51 الطبعة السابقة.

ص: 135

بمجرد الاستخلاف كما عند بعض شيوخ عبد الحق لبطلت عليهم ولو لم يقتدوا به وفرق عبد الحق بأن هذا ليس ممن يؤتم به فلا يضرهم استخلافه حتى يعمل عملا يأتمون به فيه

(1)

، والمستخلف يكمل على صلاة الاول فيقرأ من حيث انتهى الاول فى الجهر وان لم يكن قرأ شيئا افتتح القراءة من أولها فان كانت سرية ابتدأ المستخلف القراءة من أولها ولو مكث فى قيامه قدر قراءة أم القرآن لا مكان أن يكون قد نسيها أو أبطأ فى قراءتها ولم يتمها وهذا ان لم يعلم فان علم بأن يكون قد أخبره الامام بأنه انتهى فى قراءته الى كذا أو كان قريبا منه فسمع قراءته فانه يقرأ من حيث انتهى الامام كما يفعل فى الصلاة الجهرية

(2)

وندب تقدم المستخلف بالفتح الى موضع الامام ان كان قريبا منه كالصفين ليحصل له رتبة الفضل فان بعد أتم بهم موضعه لان المشى الكثير يفسدها ويتقدم القريب على الحالة التى حصل استخلافه فيها وان بجلوسه بخلاف المحرم خلف الصف فلا يدب جالسا

(3)

.

وفى التاج والاكليل

(4)

للمواق قال ابن القاسم المستخلف راكعا أو جالسا أو ساجدا أو قائما يدب كذلك قال اللخمى يدب ان قرب وأن بعد صلى بهم فى موضعه ومن المدونة قال ابن القاسم وان استخلف وهو راكع فليركع بهم المستخلف وتجزئهم الركعة قال أبو محمد يرفع الامام رأسه بغير تكبير فليستخلف من يرفع بهم وقال ابن يونس وقيل يستخلف من يرفع بهم قبل أن يرفع هو لئلا يغتروا برفعة وقال عبد الحق لو رفعوا برفعه لصحت صلاتهم وهم كمن رفع قبل امامه لرفع مأموم ظنه امامه ويصح لاجنبى من غير مأمومى المستخلف بالكسر أن يقتدى بالمستخلف بالفتح فيما هو بأن فيه سواء كان المستخلف بالكسر يفعله أم لا ولا يصح الاقتداء فيما هو قاض فيه فاذا استخلف المسافر مقيما مسبوقا فى الركعة الثانية فيجوز الاقتداء بذلك المستخلف

(5)

بالفتح فيما هو بأن فيه مما كان يفعله الامام الاصلى وهى الركعة التى حصل الاستخلاف فيها التى هى ثانية للاول وأولى للثانى المستخلف ومما لم يفعله وهما الركعتان بعد ركعة الاستخلاف لان ذلك المستخلف بان فيهما وأما الركعة الرابعة التى يأتى بها ذلك المستخلف بدلا عن الاولى التى فاتته قبل الدخول مع الامام وهى ركعة القضاء فلا يصح الاقتداء به فيها فاذا كان اقتدى به أجنبى فى شئ من ركعات البناء فانه يجلس اذا قام ذلك الخليفة لركعة القضاء فاذا أتى بها وسلم قام ذلك المقتدى الاجنبى لاتمام صلاته كذا ذكر عبد الباقى والحق خلافه وأن

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 52 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 53 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 51 الطبعة السابقة.

(4)

التاج والاكليل للمواق ج 2 ص 135 الطبعة السابقة.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 356 الطبعة السابقة.

ص: 136

ذلك الخليفة لا يصح اقتداء الاجنبى به الا فيما يبنى فيه مما يفعله المستخلف بالكسر لا فيما لا يفعله ولا فيما هو فيه قاض فيصح للأجنبى أن يقتدى به

(1)

فى الركعة التى حصل الاستخلاف فيها التى هى ثانية المستخلف وأولى للخليفة وأما ما يفعله الخليفة دون المستخلف وهما الركعتان بعد ركعة الاستخلاف فلا يصح اقتداؤه به فيهما كما لا يصح اقتداؤه به فى الرابعة وهى ركعة القضاء كما ذكر ذلك شيخنا العلامة العدوى.

‌مذهب الشافعية:

قال فى المجموع

(2)

: يشترط كون الخليفة صالحا لامامة هؤلاء المصلين فلو استخلف لامامة الرجال امرأة فهو لغو ولا تبطل صلاتهم الا أن يقتدوا بها وكذا لو استخلف أميا أو أخرس أو أرت وقلنا بالصحيح انه لا تصح امامتهم وان استخلف مأموما يصلى تلك الصلاة أو مثلها فى عدد الركعات صح بالاتفاق وسواء كان مسبوقا أم غيره وسواء استخلفه فى الركعة الاولى أو غيرها لانه ملتزم لترتيب الامام باقتدائه فلا يؤدى الى المخالفة فان استخلف أجنبيا فثلاثة أوجه.

الصحيح الذى قطع به المصنف والجمهور أنه ان استخلف فى الركعة الاولى أو الثالثة من رباعية جاز لانه لا يخالفهم فى الترتيب وان استخلفه فى الثانية أو الاخيرة لم يجز لانه مأمور بالقيام غير ملتزم لترتيب الامام وهم مأمورون بالقعود على ترتيب الامام فيقع الاختلاف.

والوجه الثانى وهو قول الشيخ أبى حامد أن استخلفه فى الاولى جاز وان استخلفه فى غيرها لم يجز لانه اذا استخلفه فى الثالثة خالفه فى الهيئات فيجهر وكان ترتيب غير ملتزم لترتيب الامام.

والوجه الثالث وبه قطع جماعة منهم أمام الحرمين أنه لا يجوز استخلاف غير مأموم مطلقا قال امام الحرمين فلو قدم الامام أجنبيا لم يكن خليفة بل هو عاقد لنفسه صلاة فان اقتدى به المأمومون فهو اقتداء منفردين فى أثناء الصلاة لان قدوتهم انقطعت بخروج الامام والمذهب الاول.

قال أصحابنا واذا استخلف مأموما مسبوقا لزمه مراعاة ترتيب الامام فيقعد موضع قعوده ويقوم موضع قيامه كما كان يفعل لو لم يخرج الامام من الصلاة فلو اقتدى المسبوق فى ثانية الصبح ثم أحدث الامام فيها فاستخلفه فيها قنت وقعد عقبها وتشهد ثم يقنت فى الثانية لنفسه ولو كان الامام قدسها قبل اقتدائه أو بعده سجد فى آخر صلاة الامام واعاد فى آخر صلاة نفسه على أصح القولين واذا تمت صلاة الامام قام لتدارك ما عليه والمأمومون بالخيار ان شاءوا فارقوه وسلموا وتصح صلاتهم بلا خلاف للضرورة وان شاءوا صبروا جلوسا

(1)

الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى ج 1 ص 357 الطبعة السابقة.

(2)

المجموع للنووى شرح المهذب ج 4 ص 243 الطبعة السابقة.

ص: 137

ليسلموا معه هذا كله اذا عرف المسبوق نظم صلاة الامام وما بقى منها فان لم يعرف فقولان حكاهما صاحب التلخيص وآخرون وهما مشهوران لكن قال الشيخ أبو على السنجى وغيره ليس هما منصوصين للشافعى بل خرجهما ابن سريج وقيل هما وجهان أقيسهما لا يجوز وقال الشيخ أبو على أصحهما الجواز ونقل ابن المنذر عن الشافعى الجواز ولم يذكر غيره قال أصحابنا فعلى هذا يراقب الخليفة المأمومين اذا أتم الركعة فان هموا بالقيام قام والا قعد، قال أصحابنا وسهو الخليفة قبل حدث الامام يحمله الامام فلا يسجد له أحد وسهوه بعد الاستخلاف يقتضى سجوده وسجودهم وسهو القوم قبل حدث الامام وبعد الاستخلاف محمول وبينهما غير محمول بل يسجد الساهى بعد سلام الخليفة ولو أحرم بالظهر خلف مصلى الصبح فأحدث الامام واستخلفه قنت فى الثانية لانه محل قنوت الامام فلا يقنت فى آخر صلاته ولو أحرم بالصبح خلف الظهر فأحدث الامام وحده لم يقنت فى آخر صلاته هكذا نقلهما البغوى ثم قال ويحتمل أن يقال يقنت فى المسألة الاخيرة دون الاولى

(1)

.

وقال الشافعى

(2)

فى الام: الاختيار اذا أحدث الامام

(3)

حدثا لا يجوز له معه الصلاة من رعاف أو غيره فان كان مضى من صلاة الامام شئ ركعة أو أكثر أن يصلى القوم فرادى لا يقدمون أحدا وان قدموا أو قدم الامام رجلا فأتم لهم ما بقى من الصلاة أجزأتهم صلاتهم وكذلك لو أحدث الامام الثانى والثالث والرابع وكذا لو قدم الامام الثانى أو الثالث بعض من فى الصلاة أو تقدم بنفسه ولم يقدمه الامام فسواء وتجزئهم صلاتهم فى ذلك كله لان أبا بكر قد افتتح للناس الصلاة ثم استأخر فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار أبو بكر مأموما بعد أن كان اماما وصار الناس يصلون مع أبى بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افتتحوا بصلاة أبى بكر

(4)

وهكذا لو استأخر الامام من غير حدث وتقدم غيره أجزأت من خلفه صلاتهم واختار أنه لا يفعل هذا الامام وليس أحد فى هذا كرسول الله صلى الله عليه وسلم واذا فعله وصلى من خلفه بصلاته فصلاتهم جائزة مجزية عنهم وأحب اذا جاء الامام وقد افتتح الصلاة غيره أن يصلى خلف المتقدم ان تقدم بأمره أو لم يتقدم فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف فى سفره الى تبوك.

قال الشافعى واذا أم الرجل القوم فذكر أنه على غير طهر أو انتقضت طهارته فانصرف فقدم آخر أو لم يقدمه فقدمه بعض المصلين خلفه أو تقدم هو متطوعا بنى على صلاة الامام وان اختلف من خلف الامام

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 244، 245 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب الام للامام أبى عبد الله محمد بن ادريس الشافعى وبهامشه مختصر المزنى ج 1 ص 155 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1321 هـ.

(3)

المراد حصل له مالا تجوز معه الصلاة.

(4)

الأم للامام الشافعى ج 1 ص 155، 156 الطبعة السابقة.

ص: 138

فقدم بعضهم رجلا وقدم آخرون غيره فأيهما تقدم أجزأهم أن يصلوا خلفه وكذلك ان تقدم غيرهما،، ولو أن اماما صلى ركعة ثم أحدث فقدم رجلا قد فاتته تلك الركعة مع الامام أو أكثر فان كان المتقدم كبر مع الامام قبل أن يحدث الامام مؤتما بالامام فصلى الركعة التى بقيت على الامام وجلس فى مثنى الامام ثم صلى الركعتين الباقيتين على الامام وتشهد فاذا أراد السلام قدم رجلا لم يفته شئ من صلاة الامام فسلم بهم وان لم يفعل سلموا هم لانفسهم آخرا وقام هو فقضى الركعة التى بقيت عليه ولو سلم هو بهم ساهيا وسلموا لانفسهم أجزأتهم صلاتهم وبنى هو لنفسه وسجد للسهو وان سلم عامدا ذاكرا لانه لم يكمل الصلاة فسدت صلاته وقدموا هم رجلا فسلم بهم أو سلموا لانفسهم أى ذلك فعلوا أجزأتهم صلاتهم ولو قام بهم فقاموا وراءه ساهين ثم ذكروا قبل أن يركعوا كان عليهم ان يرجعوا فيتشهدوا ثم يسلموا لانفسهم أو يسلم بهم غيره ولو اتبعوه فذكروا رجعوا جلوسا ولم يسجدوا وكذلك لو سجدوا احدى السجدتين ولم يسجدوا الاخرى أو ذكروا وهم سجود قطعوا السجود على أى حال ذكروا أنهم زائدون على الصلاة وهم فيها فارقوا تلك الحال الى التشهد ثم سجدوا للسهو وسلموا ولو فعل هذا بعضهم وهو ذاكر لصلاته عالم بأنه لم يكمل عددها فسدت عليه صلاته لانه عمد الخروج من فريضة الى صلاة نافلة قبل التسليم من الفريضة ولا خروج من صلاة الا بسلام.

‌مذهب الحنابلة:

يشترط فى المستخلف

(1)

أن يكون صالحا لامامة من خلفه من المأمومين فان استخلف امرأة وفى المأمومين رجل أو استخلف أميا وفى المأمومين قارئ صحت صلاة المستخلف بالنساء والاميين فقط ذكره فى المبدع، وللامام اذا

(2)

سبقه الحدث بناء على رواية الجواز أن يستخلف من يتم الصلاة بمأموم ولو كان الذى يستخلفه مسبوقا لم يدخل معه من أول الصلاة أو كان الذى استخلفه لم يدخل معه فى الصلاة ويستخلف المسبوق الذى استخلفه الامام من يسلم بهم ثم يقوم فيأتى بما بقى عليه من صلاته وتكون هذه الصلاة بثلاثة أئمة فان لم يستخلف المسبوق من يسلم بهم وسلموا منفردين أو انتظروا المسبوق حتى يأتى بما عليه من صلاته ثم يسلم بهم جاز لهم ذلك نص عليه وقال القاضى يستحب انتظاره حتى يسلم بهم ويبنى الخليفة الذى كان معه أى الامام فى الصلاة على ترتيب الامام الاول المستخلف له من حيث بلغ الاول لانه نائبه حتى فى القراءة يأخذ من حيث بلغ لان قراءة الامام قراءة له والخليفة الذى لم يكن دخل معه أى الامام

(1)

كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 216 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 215، 216 الطبعة السابقة.

ص: 139

فى الصلاة يبتدئ الفاتحة ولا يبنى على قراءة الامام لانه لم يأت بفرض القراءة ولم يوجد ما يسقطه عنه لانه لم يصر مأموما بحال لكن يسر ما كان قرأه الامام منها أى الفاتحة ثم يجهر بما بقى من القراءة ليحصل البناء على فعل مستخلفه ولو صورة فان لم يعلم الخليفة المسبوق أو الذى لم يدخل معه فى الصلاة كم صلى الامام الاول بنى الخليفة على اليقين كالمصلى يشك فى عدد الركعات فان سبح به المأموم رجع اليه ليبنى على ترتيب الاول فان لم يستخلف الامام الذى سبقه الحدث وصلوا أى المأمومون وحدانا أى فرادى صح ما صلوه وكذا ان استخلفوا لانفسهم من يتم بهم الصلاة فيصح كما لو استخلفه الامام ومن استخلف فيما لا يعتد به بأن كان مسبوقا دخل الامام بعد رفعه من الركوع ثم استخلفه الامام أثناء تلك الركعة فانه لا يعتد بها لانه لم يدرك ركوعها مع الامام قبل أن يحدث ولغت الركعة واعتد به المأموم لانه أدرك ركوعها مع الامام الاول قبل أن يحدث قاله جماعة كثيرة وقدمه فى الرعاية وقال أبو عبد الله الحسن بن حامد ابن على البغدادى أن استخلف من لم يكن دخل معه فى الركوع أو استخلفه فيما بعد الركوع قرأ الخليفة لنفسه لانه لم يقرأ ولم يوجد ما يسقطها عنه وانتظره المأموم ثم ركع ولحق المأموم ليحصل الاعتداد بالركعة لكل منهما وما قاله ابن حامد مراد غيره من الاصحاب ولا بد منه يعنى اذا أراد الاعتداد بالركعة ومقتضى كلامه أن لا خلاف فى المسألة وأن كلام غيره محمول على كلامه وهما كما فى الانصاف والمبدع قولان متقابلان وليس اعتداده بتلك الركعة ضروريا اذ لا محذور فى بنائه على ترتيب الامام ثم يأتى بما سبق به كما لو لم يستخلفه وان استخلف كل طائفة من المأمومين رجلا منهم صح أو استخلف بعضهم وصلى الباقون فرادى صح ذلك كما لو استخلف كلهم أو لم يستخلفوا كلهم، ولو أحرم مسافر خلف مسافر ثم طرأ للامام عذر فاستخلف مقيما فان المأموم يلزمه الاتمام دون امامه الذى استخلف المقيم

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم

(2)

: كل من كان صالحا للامامة صح استخلافه وكل من استخلفه الامام المحدث فانه لا يصلى الا صلاة نفسه لا على صلاة امامه المستخلف له ويتبعه المأمومون فيما يلزمهم ولا يتبعونه فيما لا يلزمهم بل يقفون على حالهم ينتظرونه حتى يبلغ الى ما هم فيه فيتبعونه حينئذ وفى موضع آخر قال اذا أحدث الامام أو ذكر أنه غير طاهر وخرج فان استخلف من دخل حينئذ ولم يكبر بعد أوقد كبر أو من أدرك معه أول صلاته أو قدموا هم من هذه صفته أو تقدم هو فكل

(1)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 1 ص 328 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 222 الطبعة السابقة.

ص: 140

ذلك جائز اذ استخلاف امام يتم بهم فرض لوجوب الصلاة فى جماعة عليهم فليبدأ المستخلف صلاته فان كان الذى فاته ركعة واحدة واستخلف فى الثانية فيتم تلك الركعة بهم ثم اذا سجد سجدتيها أشار اليهم فجلسوا وقام هو الى ثانيته فاذا أتمها جلس وتشهد ثم قام وقاموا معه فأتم بهم فى الركعتين أو الركعة ان كانت المغرب فان كانت الصبح فكذلك سواء فاذا أتم تشهده سلم وسلموا فان فاتته ركعتان واستخلف فى الجلوس كبر وقاموا معه بعد أن يتموا تشهدهم بأسرع ما يمكن وأتى بالركعتين الباقيتين وهم معه فاذا جلسوا قام الى باقى صلاته فأتمها ثم يتشهد ويسلم ويسلمون فان كان ذلك فى جلوس الصبح فكذلك ثم جلس وتشهد وسلم وسلموا فان فاتته ثلاث ركعات واستخلف فى أول الرابعة صلاها فاذا رفع من آخر سجوده قام وجلسوا ثم أتى بركعة وجلس وتشهد ثم قام وأتى بباقى صلاته ثم جلس وتشهد وسلم وسلموا وبالجملة فلا يصلى الا صلاة نفسه لا كما كان يصلى لو كان مأموما لانه امام والامام لا يتبع أحد فى صلاته لكن يتبع فيها وأما هم فيتبعونه فيما لا يزيدون به فى صلاتهم وقوفا ولا سجدة ثالثة وكل أحد يصلى لنفسه قال تعالى: «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها»

(1)

فان كان المستخلف فى مؤخر الصفوف فما بين ذلك الى أحد جهات الصف الاول ففرض عليه المشى مستقبلا للقبلة كما هو على أحد جنبيه الى موقف الامام لان فرض الامام بغير ضرورة أن يقف امام المأمومين وهم وراءه ولا بد ففرض عليه المشى الى ما أمر به من ذلك ولا يجوز له أن يخالف عن كون وجهه الى شطر المسجد الحرام الا لضرورة لا يقدر على غير ذلك معها.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار

(2)

أنه لا بد أن يكون الخليفة ممن صلح للابتداء بالامامة بحيث لو تقدم من أول الامر صحت صلاة هؤلاء خلفه فلو قدم من لا يصلح مطلقا كالصبى والفاسق وتابعوه أى نووا متابعته بطلت صلاتهم ولو قدم من يصلح للبعض دون البعض كمتيمم بناء على أن الامام الاول متوضئ على متوضئين ومتيممين صحت للمتيممين دون المتوضئين وعلى هذا يقاس غيره نحو تقديم المقيم على مقيمين ومسافرين فتصح للمقيمين فقط، ولو قدم من لا يحسن القراءة وخلفه من يحسن ومن لا يحسن فالمذهب أنها تبطل على القراء أن نووا الائتمام به ولا تبطل على الاميين وقال المنصور بالله أنها تصح للجميع اذا كان الامام الاول قد أتى بالقدر الواجب من القراءة وكانت مجهورا بها ورد بأنه لا يصلح للابتداء لانه صلى ناقص بكامل ويجب على الخليفة والمؤتمين تجديد النيتين فالخليفة يجدد نية الامامة والمؤتمون نية

(1)

الاية رقم 164 من سورة الانعام.

(2)

شرح الازهار وهامشه ج 1 ص 307، 308 الطبعة السابقة.

ص: 141

الائتمام به ولينتظر الخليفة المسبوق وهو الذى قد سبقه المؤتمون ببعض الصلاة مع الامام الاول فاذا قعدوا للتشهد الاخير انتظر قاعدا تسليمهم فاذا سلموا قام لاتمام صلاته فان قام قبل تسليمهم بطلت صلاته الا أن ينتظروا تسليمه يعنى اذا تشهدوا ثم لم يسلموا انتظارا لاتمامه لصلاته ليكون تسليمهم جميعا فانه حينئذ يجوز له القيام قبل تسليمهم اذا عرف أنهم منتظرون فان لم ينتظروا تسليمه فقيل فى بطلان صلاتهم نظر وقال المهدى أحمد بن الحسين بل تبطل صلاتهم قال فى منهج ابن معرف فان لم يعلم المتقدم كم صلى الامام الاول قدم غيره ذكره القاسم عليه السلام وكذا اذا قدم متنفلا.

‌مذهب الإمامية:

نقل صاحب

(1)

مفتاح الكرامة عن جامع المقاصد أنه يشترط فى الامام المستخلف أن تكون فيه صفات الامام وفى موضع آخر

(2)

قال يشترط فى النائب البلوغ والعقل والايمان والعدالة وطهارة المولد والذكورة اذا كان المأموم ذكرا أو خنثى والحرية على رأى الى آخر شروط الامام فلو لم يتفق من هو بالصفات أو اختلفوا أتموها فرادى ثم قال فى موضع

(3)

آخر: ان كانت الاستنابة من المأمومين فلا بد لهم من نية الاقتداء بالثانى مقصورة على القلب وان كان المستخلف الامام ففى اعتبار نية المأموم وجهان من كون النائب خليفة الامام فيكون بحكمه ومن بطلان امامة السابق فلا بد من الاقتداء بالحادث وهو الاجود.

وجاء فى الروضة البهية

(4)

: أن العارض ان حصل قبل القراءة قرأ المستخلف والمنفرد لنفسه وان كان فى أثنائها ففى البناء على ما وقع من الاول أو الاستئناف أو الاكتفاء باعادة السورة التى فارق فيها أوجه أجودها الاخير ولو كان العارض بعد القراءة ففى اعادتها وجهان أجودهما العدم ثم قال صاحب مفتاح الكرامة يبتدئ بالقراءة من حيث قطع الاول ان كان قطعه على رأس آية أو جملة تامة والا فمن الاول.

وجاء فى كتاب الخلاف

(5)

اذا أحرم مسافر بمسافرين ومقيمين فأحدث الامام فاستخلف مقيما أتم ولا يلزم من خلفه من المسافرين الاتمام، دليلنا اجماع الفرقة وأيضا قول الله تعالى:«وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ»

(6)

فهذا عام فى السفر المباح والواجب والطاعة ولا يلزمنا على ذلك سفر المعصية واللهو

(1)

مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة ج 3 ص 98 للسيد محمد بن محمد الحسينى العاملى طبع مطبعة الشورى بمصر 1326 هـ

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 78 الطبعة السابقة.

(3)

مفتاح الكرامة 3 ص 99، 100 الطبعة السابقة.

(4)

الروضة البهية ج 1 ص 119 الطبعة السابقة.

(5)

الخلاف 1 ص 228 م رقم 25 الطبعة السابقة.

(6)

الآية رقم 101 من سورة النساء.

ص: 142

لانا أخرجنا ذلك بدليل اجماع الفرقة المحقة وأيضا الاخبار التى رويت فى وجوب التقصير عامة فى جميع الاسفار الا ما أخرجه الدليل وقال فى موضع آخر

(1)

: اذا سبقه الحدث فاستخلف غيره ممن سبقه بركعة أو أقل أو أكثر فى غير يوم الجمعة صح ذلك سواء وافق ترتيب صلاة المأمومين أو خالف مثل أن يحدث فى الركعة الاولى قبل الركوع صح الترتيب وأن أحدث فى الركعة الثانية واستخلف من دخل فيها وهى الاولى له فانه يختلف الترتيب لانها أولى لهذا الامام وهى ثانية للمأمومين ويحتاج أن يقوم فى التى بعدها والمأمومون يتشهدون فهذه مخالفة فى الترتيب، دليلنا اجماع الفرقة وأيضا خبر معاوية بن عمار وروى أيضا طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه قال سألته عن رجل أم قوما وأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن فاته ركعة أو ركعتان قال يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا يسلم بهم ويقوم هو فيتم صلاته.

‌مذهب الإباضية:

قال صاحب كتاب شرح النيل

(2)

:

وللامام أن يستخلف من يصح استخلافه بأن يكون صالحا للامامة فلو صادف من لا يصح استخلافه كامرأة بأن كان خلفه صف واحد نساء ورجال محارم أو رجل ومحرمته أو محرمتاه أو نحو ذلك من الصور أو صلت فى الصف غير محرمة لتاليها ولم يعلم بها الامام أو صلت يساره ورجل يمينه أو تلت محرمه فى الصف أو نحو ذلك من الصور وفى ذلك كله أخطأت يده اليها لانه لا ينظر الى المأمومين حال الاستخلاف الا أن لم يجد الا أن ينظر (أى اضطر الى النظر) فلينظر وكذا لو صادف من لا يصح استخلافه كطفل بأن صلى فى الصف الاول أو صادف من لا يصلى معه بل يصلى وحده أو مع امام غيره أو هو فى غير الصلاة أو كان يصلى خلف الامام قضاء أو نفلا والامام فرضا حاضرا انتقضت صلاته مطلقا وقيل لا مطلقا وتنتقض جزما ان تعمد من لا يصح وانتقضت على الكل الامام والخليفة وسائر المأمومين ان اقتدوا به والا انتقضت على الامام والخليفة

(3)

أما الامام فلأنه أخطأ فى استخلافه والاستخلاف خلاف الاصل ولو وجب فهو كالرخصة لا تتعدى مكانها ولا يتصرف فيها فأما أن يوافق الشرع فيه أو تبطل وأما الخليفة فلمطاوعته بالانتقال وأيضا بنية الخلاف وهو غير متأهل لها واذا انتقضت صلاة الامام ففى انتقاضها على المأمومين القولان ومن لم يقتد به لم تنتقض عليه وقيل لا تنتقض باستخلاف الطفل واقتدائهم به ولا باستخلاف من يصلى نفلا أو قضاء خلفه ويكون الخليفة على هيئة كان عليها الامام الاول

(1)

المرجع السابق 1 ص 239 م 14.

(2)

شرح النيل ج 1 ص 477 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل ج 1 ص 479.

ص: 143

كقراءة أو ركوع أو سجود ولا ضير ان ابتدأ القراءة مطلقا وقيل قراءة غير الفاتحة وهو واضح لانها لا تتكرر ولا بعضها الا لضرورة وان سبقه الامام فى الفاتحة قرأ ما فاته به أولا والاحسن الابتداء من حيث بلغ الامام فى القراءة ولا يقرأ الخليفة حتى يصل الموضع بلا فساد ان قرأ (أى لا تفسد الصلاة أن قرأ قبل بلوغه مكان الامام) وينوى الامامة من حيث استخلفه وان عمل شيئا قبل أن ينويها ففى صلاته وصلاتهم قولان وأما صلاة السر فيبدأ من حيث وصل فى الفاتحة وان أعاد مما قبله مخافة أن يكون سابقا للامام فلا بأس ولا يجب على المأموم أن يتأخر فى قراءة السر لانه لا يسمع الامام الا أنه لا يتعمد السرعة ليسبقه بل يجتهد أن يكون متأخرا وان استخلفه راكعا قال بمكانه بعد ما يتم التعظيم أو يعظم القدر الكافى سمع الله لمن حمده جاهرا قدر ما يسمعونه فيعلمون أنه امام يقتدون به ثم يتقدم لمقام الامام فيسجد بهم وان لم يتم تعظيمه وذهب لمقام الامام منحنيا على هيئة الركوع وأتم فيه ما بقى من تعظيم أو أتمه فى المشى على هيئة الركوع أو قد تم فى مكانه فذهب راكعا ولما بلغ الموضع قام قائلا سمع الله لمن حمده أو ذهب قائما ولما بلغ المقام انحنى للتعظيم بلا تكبير فلا فساد عليه والاحسن فيما اذا استخلفه وقد تم تسبيحه فى ركوعه أن يقوم فى مكانه جاهرا بقوله سمع الله لمن حمده وان استخلفه فى حال كونه يهوى للتعظيم أو للتسبيح أو حين الرفع جهر فى مكانه بقوله سمع الله لمن حمده أو قوله الله أكبر وان كان قد قال سمع أو قال الله من قولك الله أكبر أعاده وجهر وان مضى الى الموضع قائلا أو ساكتا حتى وصله فقال لم يعد لانه فى اصلاح الصلاة ومن فى اصلاح الصلاة لا يقطع عملها ولا قراءتها وانما جاز له السكوت لانه تجددت له الامامة

(1)

وهو ماض الى محلها، وان جذب واحدا ولم يطاوعه فانصرف ولم يستخلف غيره فهل له أن يقبل الاستخلاف بعد رده أولا قولان وان استخلف ولم يتبعوه فسدت عليهم، ولا يستخلف الثانى ثالثا ان حدث له ما يبنى معه ووجه ذلك ضعف الامام الذى هو خليفة لانه فرع مستخلف فلا يقوى على الاستخلاف كما أن خليفة المال أو النفس لا يستخلف آخر ومن أجاز له الاستخلاف أنه أمام

(2)

صحيح الامامة فان فعل واقتدوا به أعادوا عند الاكثر وقيل له أن يستخلف ثالثا فان لم يطاوعه مضى وقيل يجذب غيره فان لم يطاوعه جذب غيره وانصرف وقيل يجذب ما لم يطاوعه أحد على حد ما مر ولا يستخلف الثالث رابعا وقيل كل خليفة يستخلف وبالاستخلاف صار الذى استخلفه الامام أو الخليفة على قول اماما قبل الشروع فلا فرق بينه وبين الاول فلكل خليفة أن يستخلف كما للاول ووجه الاول أنه

(1)

المرجع السابق ص 480، 481، الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ص 481، 482، 484 الطبعة السابقة.

ص: 144

كالوكيل لا يوكل وقيل يوكل وأنه ضعيف لانه نائب لا يقوى قوة أصله وان لم يعلم الخليفة أين كان الامام فى الفاتحة أو التحيات أو غيرها بدأ من حيث وصل هو وقيل يبدأ من أول الفاتحة والتحيات مثلا وان لم يعلم أين كان فى السورة ابتدأ من أولها أو حيث شاء منها أو من غيرها ولو فوقها وان استخلفه قبل الشروع فى السورة قرأ سورة تحت التى قرأها الامام فى الركعة الاولى وان قرأ فوقها لم تفسد وان قرأ الامام فى الاولى سورة الناس أعادها الخليفة فى الثانية قيل أو يقرأ فوقها وان لم يعرف أى سورة قرأها فى الاولى أو عرفها ولم يعرف التى هى أسفل قرأ ما شاء وينبغى له اذا لم يعرف أى سورة قرأ أن يقرأ سورة الناس وان استخلفه الامام على شئ قد فعله ولم يفعله الامام أعاده وان استخلفه على ما فعله أعنى الامام ولم يفعله هو ابتدأ حيث استخلفه، واذا فرغ استدرك ما لم يفعله ثم يسلم

(1)

.

وجاز استخلاف مقيم لمسافر ولو جاوز

(2)

المقيم صلاة المسافر لان المسافر مخاطب بأربع اذا صلى خلف المقيم فليست الركعتان الاخيرتان نفلا ومن قال يجوز أن يؤم المتنفل بمفترض أجاز استخلافه ولو سلم أن الاخيرتين فى حق المسافر نفل، ويجوز أيضا استخلاف المسافر مقيما ويصلى خليفة بصلاة الامام حتى أنه لو استخلف مسافر مقيما أتم بهم صلاة سفر ثم قام هو ومن معه من المقيمين ان كانوا معه فيتمون ما بقى من صلاتهم فرادى، وقيل لا يستخلف المقيم مسافرا اذا جاوز المقيم حد صلاته أى صلاة المسافر وحدها الركعتان الاوليان من الظهر والعصر والعتمة

(3)

.

‌من له حق الاستخلاف وما الحكم

لو تقدم أكثر من واحد

؟

‌مذهب الحنفية:

قال فى الدر

(4)

المختار اذا سبق الامام حدث غير مانع للبناء ولو بعد التشهد استخلف وعلق ابن عابدين على قوله استخلف فقال أشار الى أن الاستخلاف حق الامام حتى لو استخلف القوم (أى) آخر غير الذى استخلفه الامام فالخليفة خليفته فمن اقتدى بخليفتهم فسدت صلاته، ولو قدم الخليفة غيره أن قبل أن يقوم مقام الاول وكان الامام الاول فى المسجد جاز، ولو تقدم رجلان فالاسبق أولى ولو قدمهما القوم فالعبرة للاكثر.

وقال صاحب

(5)

بدائع الصنائع الاستخلاف أصل فى حق كل امام عجز عن الاتمام

(1)

النيل وشرحه ج 1 ص 484 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق 1 ص 484، 485 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل ج 1 ص 485، 486 وما بعدها الطبعة السابقة.

(4)

حاشية ابن عابدين ج 1 ص 562 الطبعة السابقة.

(5)

البدائع للكاسانى ج 1 ص 224، 225 الطبعة السابقة.

ص: 145

لان بالمأمومين حاجة الى اتمام صلاتهم بالامام وقد التزم الامام ذلك فاذا عجز عن الوفاء بما التزم بنفسه فانه يستعين بمن يقدر عليه نظرا لهم كيلا تبطل عليهم الصلاة بالمنازعة وللامام ولاية المتبوعية فى هذه الصلاة ولا تصح صلاتهم الا بناء على صلاته وأن يقرأ فتصير قراءته قراءة لهم فاذا عجز بنفسه ملك النقل الى غيره فأشبه الامامه الكبرى على أن هذا من باب الخلافة لا من باب التفويض والتمليك فان الثانى يخلف الاول فى بقية صلاته والخلافة لا تفتقر الى الولاية والامر بل شرطها العجز وانما التقديم من الامام للتعيين كيلا تبطل بالمنازعة حتى أنه لو لم يبق خلفه الا رجل واحد يصير اماما وان لم يعينه ولا فوض اليه وكذا التقديم من المأمومين للتعيين دون التفويض فصار كالامامة الكبرى فان البيعة للتعيين لا للتمليك فان لم يستخلف الامام واستخلف القوم رجلا جاز ما دام الامام فى المسجد لان الامام لو استخلف كان سعيه للقوم نظرا لهم كيلا تبطل عليهم الصلاة فاذا فعلوا بأنفسهم جاز كما فى الامامة الكبرى، ولو تقدم واحد من القوم من غير استخلاف الامام وتقديم القوم والامام فى المسجد جاز أيضا لان به حاجة الى صيانة صلاته ولا طريق لها عند امتناع الامام عن الاستخلاف وامتناع القوم عن التقديم الا ذلك ولو قدم الامام أو قدم القوم رجلين فان وصل أحدهما الى موضع الامامة قبل الاخر تعين هو للامامة وجازت صلاته وصلاة من اقتدى به وفسدت صلاة الثانى وصلاة من اقتدى به لان الاول لما تقدم بتقديم من له ولاية التقديم قام مقام الاول وصار اماما للكل كالاول وصار الامام الثانى ومن اقتدى به منفردين عمن صار اماما لهم ففسدت صلاتهم، وان وصلا معا فان اقتدى القوم بأحدهما تعين هو للامامة وأن اقتدوا بهما جميعا بعضهم بهذا وبعضهم بذاك فان استوت الطائفتان فسدت صلاتهم جميعا ولو كانت الطائفتان على التفاوت فان اقتدى جماعة القوم بأحد الامامين الا رجلا أو رجلين اقتديا بالثانى فصلاة من اقتدى به الجماعة صحيحة وصلاة الآخر ومن اقتدى به فاسدة لقول النبى صلى الله عليه وسلم يد الله مع الجماعة وهذا كله فيما اذا كان خلف الامام الذى سبقه الحدث اثنان أو أكثر فأما ان كان خلفه رجل واحد صار اماما نوى الامامة أو لم ينو قام فى مكان الامام أو لم يقم قدمه الامام أو لم يقدمه.

‌مذهب المالكية:

قال الخرشى

(1)

: ندب للامام الذى حدث له عذر يمنعه من الاتمام أن يستخلف لانه أعلم بمن يستحق التقديم فهو من التعاون على البر ولئلا يؤدى تركه الى التنازع فيمن يتقدم فتبطل صلاتهم وانما يستخلف الامام ندبا اذا تعدد من خلفه

(1)

الخرشى ج 2 ص 49، 50 الطبعة السابقة.

ص: 146

فان كان من خلفه واحدا فلا اذ لا يكون خليفة على نفسه فيتم وحده قاله ابن القاسم وقيل يقطع ويبتدئ قاله أصبغ وقيل يعمل عمل المستخلف، قال والامام اذا استخلف

(1)

رجلا فتقدم غيره ممن يصلح للامامة عمدا أو اشتباها كقوله يا فلان يريد واحدا وفى القوم أكثر منه يسمى باسمه فأتم بهم الصلاة صحت وندب للمأمومين أيضا الاستخلاف أن خرج خرج الامام ولم يستخلف عليهم ولهم أن يصلوا أفذاذا.

وفى التاج والاكليل

(2)

: ولهم أى للمأمومين الاستخلاف ان لم يستخلف الامام ولو أشار لهم بالانتظار قال أبو عمر جملة قول مالك وأصحابه أن الامام أن ذكر أنه جنب أو على غير وضوء فخرج ولم يقدم أحدا قدموا من يتم بهم فان أتموا أفذاذا أجزأتهم صلاتهم فان انتظروه فسدت وقال ابن نافع ان انصرف ولم يقدم أحدا يصلى بهم وأشار اليهم ان امكثوا كان حقا عليهم أن لا يقوموا حتى يرجع فيتم بهم.

وفى حاشية الدسوقى

(3)

قال ومحل استخلاف المأمومين ان لم يفعلوا لانفسهم فعلا بعده فان فعلوا فلا يصح لهم الاستخلاف فان استخلفوا بطلت كما حكى تخريج بعضهم له على امتناع الاتباع بعد القطع.

وفى الخرشى

(4)

: قال ولا تبطل صلاة المأمومين، اذا أتموا وحدانا لانفسهم وتركوا خليفة الامام وأولى لو لم يستخلف عليهم أو أتم بعضهم وحدانا وترك الاقتداء بمن أم الباقين الذى استخلفه الامام أو غيره أو أتموا بامامين بأن قدمت كل طائفة اماما وقد أساءت الطائفة الثانية بمنزلة جماعة وجدوا جماعة يصلون فى المسجد بامام فقدموا رجلا منهم وصلوا وهذا كله فى غير الجمعة.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج

(5)

اذا خرج الامام من الصلاة بحدث أو غيره جاز له وللمأمومين الاستخلاف فى الاظهر، واستخلاف المأمومين أولى من استخلاف الامام لان الحق فى ذلك للمأمومين فمن عينوه للاستخلاف فهو أولى ممن عينه الامام ثم قال ولو تقدم واحد بنفسه جاز.

وجاء فى نهاية المحتاج

(6)

: ومن قدمه المأمومون أولى ممن تقدم بنفسه الا أن يكون اماما راتبا فظاهر أنه أولى ممن قدموه وممن قدمه الامام، ولو قدم الامام واحدا وتقدم آخر كان من قدمه الامام أولى.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 50، 51 الطبعة السابقة.

(2)

التاج والاكليل ج 2 ص 135 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 351 الطبعة السابقة.

(4)

الخرشى ج 2 ص 52 الطبعة السابقة.

(5)

مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 293 الطبعة السابقة.

(6)

نهاية المحتاج للرملى ج 2 ص 337 الطبعة السابقة.

ص: 147

وفى المجموع

(1)

: قال امام الحرمين لو قدم الامام واحدا والقوم آخر فأظهر الاحتمالين أن من قدمه القوم أولى وقال البغوى وغيره ويجوز استخلاف اثنين وثلاثة وأربعة وأكثر يصلى كل واحد منهم بطائفة فى غير الجمعة ولكن الاولى الاقتصار على واحد وحكى ابن المنذر جوازه عن الشافعى قال البغوى واذا تقدم خليفة فمن شاء تابعه ومن شاء أتم منفردا فلو تقدم الخليفة فسبقه الحدث جاز لثالث أن يتقدم فان سبقه الحدث ونحوه فلرابع وأكثر وعلى جميعهم ترتيب صلاة الامام الاصلى.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: وللامام الذى سبقه الحدث أن يستخلف من يتم الصلاة بالمأمومين فان لم يستخلف الامام فاستخلفوا لانفسهم من يتم بهم الصلاة صح ثم قال وان استخلف كل طائفة من المأمومين رجلا منهم صح ولو استخلف بعضهم وصلى الباقون فرادى صح.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى

(3)

:

اذا أحدث الامام أو ذكر أنه غير طاهر فخرج فاستخلف فحسن فان لم يستخلف فليقدموا أحدهم يتم بهم الصلاة ولا بد فان أشار اليهم أن ينتظروه ففرض عليهم انتظاره حتى ينصرف فيتم بهم صلاتهم ثم يتم لنفسه أما انتظاره فلما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تذكر أنه جنب فخرج وأومأ اليهم أن مكانكم ثم عاد وقد اغتسل فصلى بهم وأما استخلافهم فلما ذكر من أن النبى صلى الله عليه وسلم مضى الى قباء فقدم المسلمون أبا بكر رضى الله عنه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أحس أبو بكر به تأخر وتقدم صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ولان فرضا على الناس أن يصلوا فى جماعة فلا بد لهم من امام اما باستخلاف امامهم واما باستخلافهم أحدهم واما بتقدم أحدهم.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(4)

: إذا فسدت صلاة الامام بأى وجه فليستخلف غيره مؤتما به فى تلك الصلاة وقال فى موضع آخر

(5)

: أما المأمومون فلا يجوز لهم الاستخلاف الا فى موضعين أحدهما اذا مات الامام فان لهم أن يستخلفوا غيره والثانى اذا لم يستخلف الامام تفريطا منه فان لهم أن يستخلفوا وقال فى الحاشية ان الاولى لهم الاستخلاف مطلقا على المذهب لخشية

(1)

المجموع للنووى شرح المهذب ج 4 ص 244 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 215 - 216 الطبعة السابقة.

(3)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 220، 221 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الأزهار ج 1 ص 306، 307 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 1 ص 310 الطبعة السابقة.

ص: 148

الفوت وخليفة الامام أولى من خليفتهم لان الحق للامام ثم قال فى موضع آخر

(1)

:

واستخلاف الامام يوجب على المأمومين متابعة الخليفة فاذا لم يأتموا به بطلت صلاتهم بخلاف ما اذا استخلف غير الامام فلا يجب.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(2)

: متى بطلت صلاة الامام فان بقى مكلفا فالاستنابة له والا فتكون للمأمومين وفى الثانى يفتقرون الى نية الائتمام بالثانى ولا يعتبر فيها سوى القصد الى ذلك والاقوى فى الاول ذلك وقيل لا لانه خليفة الامام فيكون بحكمه.

وجاء فى مفتاح الكرامة

(3)

: اذا مات الامام أو كان فى الجماعة من يصلح للامامة يجب عليهم التقديم ويجب عليه التقدم وفى التذكرة أن تقدمه بنفسه أولى من تقديم المصلين وفى مفتاح الكرامة أيضا أنه يتقدم من يتم بهم الصلاة اما بتقديم الامام المحدث له أو بنفسه أو بتقديم الجماعة كما لو مات الامام أو خرج ولم يستخلف.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(4)

: الاستخلاف حق للمأمومين على الامام فان لم يستخلف عصى لانه تعرض للخلاف فى فساد صلاتهم وقال فى موضع آخر

(5)

: فان استخلف ولم يتبعوه بطلت صلاتهم فان خرج الامام ولم يستخلف مضوا على صلاتهم فان فعل ذلك عمدا فليس له أن يرجع للاستخلاف وأن قعد نسيانا فله أن يرجع، أما المأمومون فليس من حقهم الاستخلاف فان استخلفوا فسدت الصلاة على مستخلفه مطلقا وفسدت على غيره أن اتبعه وفسدت على الذين استخلفوه ان طاوعهم وكذلك لو تقدم واحد بنفسه فاقتدوا به فان الصلاة تفسد على من اقتدى به أما من لم يقتد به وأتم فردا فلا تفسد صلاته وان استخلف

(6)

الامام رجلا فتقدم غيره فسدت الصلاة على الكل ان اقتدوا به فان لم يقتدوا به فسدت عليه وحده.

‌كيفية الاستخلاف

‌مذهب الحنفية:

قال صاحب البحر الرائق

(7)

: السنة للامام الذى سبقه الحدث وأراد الاستخلاف أن يفعله محدودب الظهر واضعا يده على أنفه يوهم أنه قد رعف لينقطع عنه كلام الناس ولو كان الامام قد ترك ركوعا فانه يشير بوضع يده على ركبتيه ولو ترك سجودا يشير بوضع يده على جبهته ولو

(1)

شرح الأزهار ج 1 ص 308 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية ج 1 ص 119 الطبعة السابقة.

(3)

مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة ج 3 ص 98 الطبعة السابقة.

(4)

شرح النيل ج 1 ص 475 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 1 ص 480 الطبعة السابقة.

(6)

شرح النيل ج 1 ص 482 الطبعة السابقة.

(7)

البحر الرائق لابن نجيم ج 1 ص 391 الطبعة السابقة.

ص: 149

ترك قراءة يشير بوضع يده على فمه وان كان قد بقى عليه ركعة واحدة أشار بأصبع واحدة وان كان اثنين فيشير بأصبعين وهذا اذا لم يعلم الخليفة ذلك أما اذا علم فلا حاجة الى ذلك ويشير لسجدة التلاوة بوضع أصبعه على الجبهة واللسان ويشير للسهو بوضع يده على صدره وقيل يحول رأسه يمينا وشمالا كذا فى الظهيرية وقال فى كتاب الزيلعى:

(1)

أنه يستخلف بالاشارة لا بالكلام فلو تكلم بطلت صلاتهم.

‌مذهب المالكية:

قال الخرشى

(2)

: اذا خرج الامام من صلاته لعذر مبطل لها كحدث سبقه أو حدث ذكره وأراد الاستخلاف فانه يندب له أن لا يتكلم ليستتر فى خروجه بل يشير لمن يقدمه ويشمل ذلك أيضا رعاف غير البناء أما رعاف البناء فان ترك الكلام معه واجب ويندب له أن يخرج ماسكا أنفه بيده ليورى أنه قد حصل له رعاف قال الخطابى وهذا من باب الاخذ بالادب فى ستر العورة واخفاء القبيح والتوارى بما هو أحسن.

وجاء فى التاج والاكليل

(3)

: قال الباجى من سنة الصلاة أن لا يتكلم الامام اذا طرأ له ما يمنعه التمادى ويستخلف باشارة الا أن يخاف أن يفقهوا فليتكلم قال ابن بشير ويصح الاستخلاف لانه بالطارئ خرج عن أن يكون اماما وقال ابن القاسم ان تكلم فى استخلافه وقال يا فلان تقدم لم يضرهم ذلك.

وجاء فى الشرح الكبير

(4)

ان حصل سبب الاستخلاف للامام بركوع أو سجود فان الخليفة يدب راكعا أو ساجدا حتى يأتى محل الامام ثم يرفع بهم اما الامام الاول فانه يرفع رأسه بلا تسميع من الركوع وبلا تكبير من السجود لئلا يقتدوا به.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المجموع

(5)

: اذا أحدث الامام قدم هو أو قدم المأمومون من يتم بهم الصلاة بالاشارة.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار

(6)

: كنفية الاستخلاف عند الزيدية أن يقول الامام الاول تقدم يا فلان فأخلفنى أو يقدمه بيده وندب أن يكون مشيه الى الصف الذى يليه ويستخلف منه تقهقرا لئلا يظن

(1)

الزيلعى والشلبى عليه ج 1 ص 147 الطبعة السابقة.

(2)

الخرشى ج 2 ص 51 الطبعة السابقة.

(3)

التاج والاكليل بهامش الحطاب ج 2 ص 135 الطبعة السابقة.

(4)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 350 الطبعة السابقة.

(5)

المجموع للنووى شرح المهذب ج 4 ص 244 الطبعة السابقة.

(6)

شرح الأزهار ج 1 ص 307.

ص: 150

المؤتمون أن صلاتهم قد بطلت ولئلا يوقعهم فى مكروه باستقبالهم بوجهه.

ويقال صاحب البحر الزخار

(1)

ويمشى القهقرى لجذب الخليفة لكراهة استقبال المحدث الا أن يكون فى غير الصف الاول فانه يلتفت اليه للضرورة فان أمكن بالقول كفى.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مستمسك العروة الوثقى

(2)

: ما كان من امام تقدم فى الصلاة وهو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعف رعافا أو أذى فى بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه ثم ليتوضأ وليتم ما سبقه من الصلاة وان كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(3)

: اذا أراد الامام الاستخلاف فانه يمد يده اليمنى وتجوز يده اليسرى للصف الاول فان لم يجد فيه رجلا صالحا للاستخلاف مد يده حيث وجد وهل تفسد ان وجد خلفه أو يمينه أو شماله قريبا فذهب الى من هو أبعد فى الصف أو وجد فى الاول واستخلف من غيره الذى هو الثانى مثلا أو وجد فى الثانى دون الاول واستخلف من غير الثانى ونحو ذلك؟ فيه تردد، والاظهر الفساد والذى عندى القطع بفسادها لانه زاد عملا لم يحتج اليه فتفسد صلاته به ولا سيما ان وجد فى الصف الاول واستخلف من الثالث أو فى الثانى واستخلف من الرابع ونحو ذلك وقال فى موضع آخر

(4)

يجذبه بيده أو ثوبه حتى يوصله لموقفه ثم ينصرف وفى الديوان انما يجذبه من ثوبه وان لم يكن الامام يصلى فى المحراب جذبه وتركه يمضى لموضعه ويذهب وان لم يطاوعه جذب غيره الى ثلاث أى ثلاثة رجال أو أراد ثلاث مرات وان جذب الى أكثر من ثلاثة لم يعد وقيل يعيد وقيل يجذب بلا حد ما لم يطاوعه واحد أو يخف الفوت أو ييأس أو يمضى مقدار ثلاثة أعمال وقيل ولو مضى قدرها.

‌الاستخلاف فى الخطبة واستخلاف

الخطيب لمن يصلى بالناس الجمعة

‌مذهب الحنفية:

السلطان أو نائبه شرط صحة اقامة الجمعة عند الحنفية ومن فوض اليه أمر العامة من أصحاب السلطان فان له اقامة الجمعة كما أن له الاستنابة كتوليه خطيب فى جامع كما هو الواقع فى الامصار وهذا

(1)

البحر الزخارج 1 ص 331، 332 الطبعة السابقة.

(2)

مستمسك العروة الوثقى وحاشيته ج 7 ص 257 م 36 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل ج 1 ص 477 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 477، 478 الطبعة السابقة.

ص: 151

متفق عليه كذلك اتفقوا على أن الخطيب المقرر من جهة الحاكم اذا أذن له الحاكم بالاستخلاف فان له أن يستخلف غيره لكنهم اختلفوا اذا لم يكن هناك اذن من الحاكم بالاستخلاف هل له أن يستخلف وهل يكون الاستخلاف مطلقا أو عند الضرورة وذلك على الوجه الآتى:

أولا: أنه لا يجوز للخطيب أن يستخلف للخطبة أصلا سواء كان لضرورة أو لغير ضرورة ولا للصلاة ابتداء وانما يجوز ذلك بعد ما أحدث الامام الا اذا كان الخطيب مأذونا من السلطان أو نائبه بالاستخلاف فحينئذ يجوز ذلك قال بهذا الرأى مثلا خسروا فى شرح الدرر والغرر وقال به الزيلعى لكن هذا الرأى لا دليل عليه كما قال فى البحر.

ثانيا: يجوز الاستخلاف اذا كان هناك ضرورة ذهب الى هذا الرأى العلامة ابن كمال باشا حيث قال ان كان استخلاف الخطيب للخطبة لضرورة كشغله عن اقامة الجمعة فى وقتها جاز للخطيب أن يستخلف غيره فان لم يكن ذلك لضرورة أو كان هناك عذر لكن يمكنه ازالة عذره واقامة الجمعة قبل خروج الوقت فلا يجوز استخلاف خطيب آخر ثم قال ابن كمال باشا واقامة الجمعة عبارة عن أمرين الخطبة والصلاة والموقوف على اذن السلطان هو الخطبة لا الصلاة.

ثالثا: أنه يجوز الاستخلاف فى الخطبة مطلقا ولو بلا ضرورة وذهب الى هذا قاضى القضاة محب الدين بن جرباش وبه قال أيضا شارح المنية البرهان بن ابراهيم الحلبى وصاحب البحر والنهر والشرنبلالى وصاحب الدر وصاحب تنوير الابصار وذلك لان أداء الجمعة على شرف الفوات لتوقته بوقت يفوت الاداء بانقضائه فيكون الامر به اذنا بالاستخلاف دلالة لعلمه بما يعترى المأمور من العوارض المانعة من اقامتها كمرض وحدث ونقل صاحب الدر المختار عن البدائع أن كل من ملك اقامة الجمعة ملك اقامة غيره مقامه قال ابن عابدين وهو صريح فى جواز استنابة الخطيب مطلقا أو كالصريح والرأى بالجواز مطلقا هو الظاهر من عباراتهم كما قال صاحب الدر، وفى النجعة فى تعداد الجمعة لابن جرباش أن أذن السلطان أو نائبه انما هو شرط لاقامة الجمعة عند بناء المسجد ثم بعد ذلك لا يشترط الاذن لكل خطيب قال ابن عابدين أى لا يشترط الاذن من السلطان أو نائبه للخطيب الاخر بل يكتفى باذن السلطان مرة واحدة ثم من أذن له السلطان له أن يستنيب غيره ويأذن له فتصح استنابته وأذنه وان لم يأذن السلطان لهذا الثانى وكذلك الثانى يأذن الثالث وهلم جرا، ونقل ابن عابدين عن الكمال أنه يجوز للامام أن يستخلف بلا شرط الاذن من السلطان مستندا فى ذلك الى أشياء منها ما فى الخلاصة أن له أن يستخلف وان لم يكن فى منشور الامامة الاستخلاف، وفى السراجية، لو صلى أحد بغير اذن الخطيب لا يجوز الا اذا اقتدى به من له ولاية الجمعة قال ابن عابدين

ص: 152

ظاهره أنه اذا خطب الخطيب بنفسه والآخر صلى بلا اذنه ومثله ما لو خطب بلا أذنه فلا يجوز الا اذا اقتدى به الخطيب المأذون وذلك لان الاقتداء به اذن دلالة بخلاف ما لو حضر ولم يقتد ثم قال ابن عابدين فى حاشيته: قال فى الامداد: واذا علمت جواز الاستخلاف للخطبة والصلاة مطلقا بعذر وبغير عذر حال الحضرة والغيبة وجواز الاستخلاف للصلاة دون الخطبة وعكسه فاعلم أنه اذا استناب لمرض ونحوه فالنائب يخطب ويصلى بهم والامر فيه ظاهر، وأما اذا استخلف للصلاة فقط لسبق حدث فاما أن يكون ذلك بعد شروعه فيها أو قبل شروعه فيها فان كان الاستخلاف بعد الشروع فى الصلاة فكل من صلح للاقتداء به يصح استخلافه

(1)

.

وأما اذا كان الاستخلاف بعد الخطبة وقبل الشروع فى الصلاة فقد قال فى البدائع

(2)

: لو أحدث الامام بعد الخطبة قبل الشروع فى الصلاة فقدم رجلا يصلى بالناس فان كان ممن شهد الخطبة أو شيئا منها جاز لانه قام مقام الاول والاول يقيم الجمعة فكذا الثانى وكذا اذا شهد شيئا منها لان ذلك القدر لو وجد وحده وقع معتدا به فكذلك اذا وجد مع غيره وسواء كان الامام مأذونا فى الاستخلاف أو لم يكن مأذونا لان الجمعة مؤقتة بوقت تفوت بتأخيرها عند العذر اذا لم يستخلف فالامر باقامتها مع علم الوالى أنه قد يعرض له عارض يمنعه من الاقامة يكون اذنا بالاستخلاف دلالة، وأما اذا قدم رجلا لم يشهد الخطبة ولا شيئا منها لم يجز ويصلى بهم الظهر وذلك لانه منشئ للجمعة وليس ببان تحريمته على تحريمة الامام والخطبة شرط انشاء الجمعة ولم توجد، وأما اذا شرع الامام فى صلاة الجمعة ثم أحدث فقدم رجلا جاء ساعتئذ أى لم يشهد الخطبة جاز استخلافه وصلى بهم الجمعة لان تحريمة الاول انعقدت للجمعة لوجود شرطها وهو الخطبة والثانى بنى تحريمته على تحريمة الامام والخطبة شرط انعقاد الجمعة فى حق من ينشئ التحريمة فى الجمعة لا فى حق من يبنى تحريمته على تحريمة غيره بدليل أن المقتدى بالامام تصح جمعته وان لم يدرك الخطبة لهذا المعنى ولو تكلم الخليفة بعد ما شرع الامام فى الصلاة فانه يستقبل بهم الجمعة ان كان ممن شهد الخطبة، وان كان لم يشهد الخطبة فالقياس أن يصلى بهم الظهر لانه ينشئ التحريمة فى الجمعة والخطبة شرط انعقاد الجمعة فى حق المنشئ لتحريمة الجمعة، وفى الاستحسان يصلى بهم الجمعة لانه لما قام مقام الاول التحق به حكما ولو تكلم الاول استقبل بهم الجمعة فكذا الثانى.

‌مذهب المالكية:

قال مالك فى المدونة

(3)

فى الامام يخطب يوم الجمعة فيحدث بين ظهرانى خطبته

(1)

حاشية ابن عابدين ج 1 ص 750، 751، 752 والبحر الرائق ج 2 ص 155، 156 الطبعة السابقة.

(2)

البدائع ج 1 ص 265 الطبعة السابقة.

(3)

المدونة للامام مالك ج 1 ص 154، 155 الطبعة السابقة.

ص: 153

أنه يأمر رجلا يتم بهم الخطبة ويصلى بهم وان أحدث بعد ما فرغ من خطبته فكذلك أيضا يستخلف رجلا يصلى بهم الجمعة ركعتين قال سحنون فان قدم رجلا لم يشهد الخطبة قال ابن القاسم بلغنى عن مالك أو غيره من العلماء أنه كره أن يصلى بهم أحد ممن لم يشهد الخطبة فان فعل فأرجو أن تجزئهم صلاتهم. قال سحنون فلو أن اماما صلى بقوم فأحدث فمضى ولم يستخلف قال ابن القاسم لم أسأل مالكا عن هذا قال ابن القاسم وأرى أن يقدموا رجلا فيصلى بهم بقية صلاتهم قال سحنون فان صلوا وحدانا حين مضى امامهم لما أحدث ولم يستخلف هل يجزئهم أن يصلوا لانفسهم ولم يستخلفوا فى بقية صلاتهم قال أما الجمعة فلا تجزئهم وأما غير الجمعة فان ذلك يجزئ عنهم ان شاء الله لان الجمعة لا تكون الا بامام قال ابن القاسم قال مالك فى الامام يحدث يوم الجمعة وهو يخطب قال يستخلف رجلا يتم بهم بقية الخطبة ويصلى بهم ولا يتم هو بقية الخطبة بعد ما أحدث وقال ابن القاسم فى الامام يخطب يوم الجمعة فيحدث فى خطبته أو بعد ما فرغ منها قبل أن يحرم أو بعد ما أحرم أن ذلك كله سواء ويقدم من يتم بالقوم بقية ما كان عليهم من الخطبة أو الصلاة فان جهل ذلك أو تركه عمدا قدم القوم لانفسهم من يتم بهم وصلاتهم مجزئة قال ابن القاسم ويقدمون من شهد الخطبة أحب الى وان قدموا من لم يشهد الخطبة فصلى بهم أجزأت عنهم صلاتهم ولا يعجبنى أن يتعمدوا ذلك ولا يتقدم بهم وقال مالك فى الامام يحدث يوم الجمعة فيقدم رجلا جنبا ناسيا لجنابته أو ذكرا لها فيصلى بهم أن الجمعة فى هذا وغير الجمعة سواء فان كان ناسيا فصلى بهم فقد تمت صلاتهم ولم يعيدوا وان كان ذاكرا لها فصلى بهم فسدت عليهم صلاتهم وان هو خرج بعد ما دخل المحراب قبل أن يفعل من الصلاة شيئا فقدم رجلا أو قدموه لانفسهم فصلى بهم فقد تمت صلاتهم ولم يعيدوا.

وقال فى الامام الذى يحدث فيقدم مجنونا حال جنونه أو سكرانا فى صلاة الجمعة أو غيرها أنه بمنزلة من لم يقدم فان صلى بهم فسدت صلاتهم ولم تجز عنهم - وقال مالك فى الامام يحدث يوم الجمعة فيخرج ولم يستخلف فيتقدم رجل من عند نفسه بالقوم ولم يقدموه هم ولا امامهم ان ذلك مجزئ عنهم وهو بمنزلة من قدمه الامام أو من خلفه والجمعة فى هذا أو غير الجمعة سواء واذا أحدث الامام يوم الجمعة فاستخلف من لم يدرك الاحرام معه وقد أحرم الامام ومن خلفه فيحرم هذا الداخل بعد ما يدخل فصلاتهم منتقضة ولا تجوزوهم بمنزلة القوم يحرمون قبل امامهم فلا تجوز صلاتهم ولا تجوز صلاة هذا المستخلف على صلاة الجمعة أيضا لانه قد صار وحده ولا يجمع صلاة الجمعة واحد ويعيدون كلهم صلاة الجمعة قال ابن القاسم وقال مالك فى امام خطب

ص: 154

فأحدث فاستخلف رجلا قال يصلى بالناس ركعتين

(1)

.

وقال الخرشى

(2)

: والامام اذا حصل له عذر يوم الجمعة فان زال عن قرب فان الجماعة يجب عليهم انتظاره على الاصح وهو قول ابن كنانة وابن أبى حازم والقول الآخر أنه يستخلف من يتم بهم فان لم يستخلف استخلفوا من يتم بهم ولا ينتظروه وجاء فى المدونة لمالك قال سحنون سألت مالكا عن امام الفسطاط يصلى بناحية العسكر يوم الجمعة ويستخلف من يصلى بالناس فى المسجد الجامع الجمعة أين ترى أن نصلى؟ أمع الامام حيث يصلى بالعسكر أم فى المسجد الجامع؟ قال لا أرى أن يصلوا الا فى المسجد الجامع وأرى الجمعة للمسجد الجامع والامام قد تركها فى موضعها

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

قال فى المجموع

(4)

: لو أغمى على الخطيب فى أثناء الخطبة أو أحدث وشرطنا الطهارة فهل يبنى عليها غيره؟ فيه طريقان أصحهما وبه قطع البغوى وصححه المتولى أن فيه قولين بناء على الاستخلاف فى الصلاة والثانى القطع بالمنع حكاه المتولى وفرق بأن فى الاستخلاف يستخلف من كان شاركه فى الصلاة ولا تتصور مشاركة غيره فى الخطبة فان قيل هذا ضعيف لان المقصود فى الصلاة انما يشترط استخلاف من كان معه فى الصلاة حيث يؤدى الى اختلال ترتيب الصلاة وهذا المعنى مفقود هنا فالجواب بأن المقصود فى الخطبة أيضا الوعظ ولا يحصل ببناء كلام رجل على كلام غيره والاصح هنا منع البناء قال البغوى فان جوزنا البناء اشترط كون الثانى ممن سمع الماضى من الخطبة والا استأنفها والى هذا الرأى الاخير ذهب صاحب اعانة الطالبين.

أما صاحب نهاية المحتاج

(5)

فقد فرق بين من أحدث فى أثناء الخطبة وبين من أغمى عليه فيها فقال ويجوز للخطيب اذا أحدث فى أثناء الخطبة أن يستخلف غيره بشرط أن يكون الخليفة قد حضر البعض الفائت من الخطبة أما من أغمى عليه فى أثناء الخطبة امتنع الاستخلاف والفرق بينه وبين المحدث أن المغمى عليه خرج عن الاهلية بالكلية بخلاف المحدث بدليل صحة خطبة غير الجمعة منه، وان كان الاستخلاف بين الخطبة

(6)

وبين الصلاة جاز الاستخلاف لكن يشترط سماع الخليفة

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 156 الطبعة السابقة.

(2)

الخرشى على خليل ج 2 ص 87 الطبعة السابقة.

(3)

المدونة الكبرى للإمام مالك ج 1 ص 151 الطبعة السابقة.

(4)

المجموع ج 4 ص 522 الطبعة السابقة.

(5)

نهاية المحتاج ج 2 ص 339 الطبعة السابقة.

(6)

اعانة الطالبية ج 2 ص 97 الطبعة السابقة ونهاية المحتاج ج 2 ص 339 الطبعة السابقة.

ص: 155

جميع أركان الخطبة اذ من لم يسمع ليس من أهل الجمعة وانما يصير غير السامع من أهلها اذا دخل فى الصلاة وينزل السماع هنا منزلة الاقتداء وصرح الرافعى بأن سماع الخطبة غير مشترط بلا خلاف وانما المشترط هو حضور الخطبة بتمامها، وان كان الاستخلاف فى الصلاة فهو على ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يقع الاستخلاف قبل أن يقتدى الخليفة به وهذا لا يصح مطلقا لاحتياج المقتدين الى تجديد نية القدوة به المؤدى الى انشاء جمعة بعد أخرى وهذا لا خلاف فيه وممن نقل الاتفاق عليه الشيخ أبو حامد رحمه الله تعالى كما فى المجموع

(1)

.

ثانيها: أن يقع الاستخلاف

(2)

سعد القدوة به بأن أدركه قبل فوات الركوع سواء كان فى نفس الركوع أم فى القيام قبله لكونه حينئذ بمنزلة الامام الاصلى وقد أدرك الامام فى وقت كانت جمعة القوم متوقفة على جمعته وان لم يدرك نفس الركوع حقيقة مع الامام تمت جمعة القوم الشامل له.

ثالثها: أن يقع

(3)

بعد ركوع الركعة الاولى ولو فى اعتداده وهذا يحرم عليه لانه يفوت بذلك الجمعة على نفسه فيجب أن يتقدم غيره ممن أدركه فى الركوع أو قبله ومع ذلك لو تقدم هو صحت الجمعة لهم لا له ووقع خلاف بين المتأخرين فيما اذا أدرك الخليفة ركوع الثانية وسجدتيها واستخلف فى التشهد فقال ابن حجر لا يدرك الجمعة بل يتمها ظهرا وقال شيخ الاسلام والخطيب والرملى يدرك الجمعة فيأتى بركعة ثم يسلم

وان كان الحدث

(4)

فى الركعة الثانية فان كان قبل الركوع فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز وان استخلف من لم يكن معه قبل الحدث لم يجز لما ذكرناه وان كان بعد الركوع فاستخلف من لم يحضر معه قبل الحدث لم يجز لما ذكرناه وان كان معه قبل الحدث ولم يكن معه قبل الركوع فان فرضه الظهر وفى جواز الجمعة خلف من يصلى الظهر وجهان فان قلنا يجوز جاز أن يستخلفه وان قلنا لا يجوز لم يجز أن يستخلفه.

‌مذهب الحنابلة:

قال صاحب كتاب المغنى

(5)

: والسنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة لان النبى صلى الله عليه وسلم كان يتولاهما بنفسه وكذلك خلفاؤه من

(1)

المجموع ج 4 ص 579 الطبعة السابقة.

(2)

اعانة الطالبين ج 2 ص 97 الطبعة السابقة ونهاية المحتاج ج 2 ص 339 الطبعة السابقة.

(3)

اعانة الطالبين ج 2 ص 97 الطبعة السابقة.

(4)

المهذب ج 1 ص 117 الطبعة السابقة.

(5)

المغنى لابن قدامة ج 2 ص 154 ص 155 الطبعة السابقة.

ص: 156

بعده، لكن ذلك

(1)

ليس بشرط لان الخطبة منفصلة عن الصلاة أشبها الصلاتين كذلك لا يشترط أن يكون النائب فى صلاة الجمعة قد حضر الخطبة وعلى ذلك فاذا خطب الامام واستخلف غيره لعذر ليصلى بالناس الجمعة جاز نص عليه أحمد ولو كان الخطيب هو الامير ثم عزل واستخلف غيره وصلى بالناس فصلاتهم تامة نص عليه أحمد لانه اذا جاز الاستخلاف فى الصلاة الواحدة للعذر ففى الخطبة مع الصلاة أولى، وان استخلف الخطيب غيره ليصلى بالناس بغير عذر فقال أحمد رحمه الله لا يعجبنى من غير عذر فيحتمل المنع لان النبى صلى الله عليه وسلم كان يتولى الخطبتين وقد قال (صلوا كما رأيتمونى أصلى) ولان الخطبة أقيمت مقام ركعتين ويحتمل الجواز لان الخطبة منفصلة عن الصلاة فأشبهتا صلاتين وهل يشترط أن يكون المصلى ممن حضر الخطبة؟ فيه روايتان:

الاولى: يشترط ذلك وهو قول الثورى وأصحاب الرأى وأبى ثور لانه امام فى الجمعة فاشترط حضور الخطبة كما لو لم يستخلف.

الثانية: لا يشترط فى المصلى الذى استخلفه الامام حضور الخطبة وهو قول الاوزاعى لانه ممن تنعقد به الجمعة فجاز أن يؤم فيها كما لو حضر الخطبة وقد روى عن أحمد رحمه الله أنه لا يجوز الاستخلاف سواء كان لعذر أو لغير عذر قال فى رواية حنبل فى الامام اذا أحدث بعد أن خطب فاستخلف رجلا يصلى بالناس الجمعة لم يصل بهم الا أربعا الا أن يعيد المستخلف الخطبة ثم يصلى بهم ركعتين وذلك لان هذا لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه والاول هو المذهب

(2)

وفى الكشاف ولو رأى أى اعتقد الامام اشتراط عدد فى المأمومين فنقص عن ذلك العدد لم يجز أن يؤمهم لتعاطيه عبادة يعتقد بطلانها ولزم الامام استخلاف أحدهم ليصلى بهم ليؤدوا فرضهم

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم الظاهرى

(4)

أن الاستخلاف واجب لمن حصل له عذر فى صلاته لان استخلاف امام يتم الصلاة بالمأمومين فرض ولم يفصل ابن حزم فيما اذا كان ما يوجب الاستخلاف قد حدث فى الخطبة أو فى الصلاة هذا

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 348 الطبعة السابقة والمغنى ج 2 ص 154، ص 155 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق.

(3)

الكشاف ج 1 ص 345 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى ج 4 ص 222 الطبعة السابقة.

ص: 157

وخطبة الجمعة عند ابن حزم ليست بفرض

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(2)

: إذا مات الخطيب أو أحدث أثناء الخطبتين قبل الفراغ منهما فانه يجوز له أن يستخلف غيره لكن يستأنف الخليفة الخطبتين لان الاول لم يأت بالقدر الواجب أما لو كان قد أتى بالقدر الواجب فلا يستأنف واذا لم يأت الاول بالقدر الواجب فلا يجوز البناء على ما فعل الخطيب الاول وهذا بخلاف الصلاة لان المصلين يشتركون فى فعل الصلاة فاذا بطل فعل الامام بحدثه لم يبطل فعل المؤتمين أما الخطبة فليس الفاعل لها سوى الخطيب فبطلت بحدثه والسامعون ليس لهم فعل، وهذا حيث يكون الخطيب غير الامام الاعظم قال فى البحر

(3)

واذا مات الامام الاعظم حال الخطبة أتمت جمعة اجماعا اذ هو شرط فى انعقادها لا فى تمامها وهو كموته فى الصلاة اذ الخطبتان كالركعتين، وفى شرح الازهار

(4)

أيضا: واذا أحدث الخطيب بعد الفراغ من الخطبتين جاز له أن يستخلف للصلاة وقد صحت الخطبة وأما المؤتمون فلا يجوز لهم أن يستخلفوا مطلقا على المذهب لا حال - الصلاة ولا قبلها بخلاف سائر الصلوات، واذا استخلف الخطيب فانه لا يستخلف الا من شهد الخطبة قال مولانا عليه السلام يعنى القدر المجزئ منها ولو قدر آية، ويجوز للخطيب أن يستخلف غيره للصلاة ولو لغير عذر اذا كان الخطيب مأذونا له بالاستخلاف أو كان ممن له ولاية الاستخلاف بحيث يصح منه فعلها أو كان لم يتمكن من أخذ الولاية، وفى الكافى عن الهادى أنه يجوز للخطيب ذلك اذا كان لعذر وان أحدث الامام

(5)

فى الصلاة استخلف مؤتما قال فى البحر والاقرب أن الجماعة لا يستخلفون هنا لافتقار الجمعة الى الولاية بخلاف غيرها وانما يستخلف الامام فقط فان مات الامام استؤنفت من ذى ولاية ان أمكن.

‌مذهب الإمامية:

قال فى مفتاح الكرامة

(6)

: الاستخلاف أما أن يكون فى الخطبة أو بعد الفراغ منها وقبل الصلاة أو بعد الدخول فى الصلاة، فلو أحدث الخطيب فى أثناء الخطبة استخلف غيره فيها كما هو الشأن لو أحدث فى أثناء الصلاة وقال فى موضع آخر

(7)

وكذلك لو

(1)

المحلى ج 5 ص 57 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار ج 1 ص 354 الطبعة السابقة.

(3)

البحر الزخار ج 2 ص 27، ص 28 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الأزهار ج 1 ص 354 الطبعة السابقة.

(5)

البحر الزخار ج 2 ص 28 الطبعة السابقة

(6)

مفتاح الكرمة ج 3 ص 120 الطبعة

(7)

المرجع السابق ج 3 ص 117، ص 118 الطبعة السابقة.

ص: 158

عجز الخطيب عن القيام أثناء الخطبة فالاولى له أن يستنيب وهو الاحوط كما فى جامع المقاصد وكشف الالتباس لان القيام واجب فى الخطبتين، وان أحدث الامام بعد الفراغ من الخطبتين وقبل البدء فى الصلاة استخلف من يصلى بهم كما فى المبسوط والمنتهى أما الاستخلاف فى أثناء الصلاة فقد قال فى مفتاح الكرامة

(1)

: لو مات الامام بعد الدخول فى الصلاة لم تبطل صلاة المتلبس وتقدم من يتم بهم الجمعة وكذا لو أحدث أو أغمى عليه ذلك أن موت الامام أو حدثه لا يبطل الصلاة وقد نص على ذلك جمهور الاصحاب ونقل على ذلك الاجماع فى جامع المقاصد والمدارك والمفاتيح ويتقدم من يتم بهم الجمعة اما بتقديم الامام المحدث له أو بنفسه أو بتقديم الجماعة كما لو مات الامام أو خرج ولم يستخلف وعلى ذلك نص المعظم أيضا وعليه اجماع الخلاف وفى جامع المقاصد لا يخفى اشتراط صفات الامام المستخلف فلو لم يتفق من هو بالصفات أو اختلفوا أتموها فرادى وفى اتمامها جمعة أو ظهرا تردد وفى الميسية اذا مات الامام وكان فى الجماعة من يصلح للامامة يجب عليهم التقديم ويجب عليه التقدم ولو تعدد الصالح وجب كفاية وفى التذكرة أن تقدمه بنفسه أولى من تقديم المصلين المأمومين له وفى الروضة أن بقى الامام مكلفا فالاستنابة له وظاهر الكلام يفيد وجوب هذا التقديم أو التقدم ولا يشترط فى المستخلف أن يكون قد سمع الخطبة أو أحرم مع الامام سواء أحدث فى الركعة الاولى أو الثانية قبل الركوع كما نبه على ذلك جماعة كثيرون ومنهم الشيخ فى الخلاف حيث قال لو عرض للامام حدث أو غيره مما يخرج من الصلاة صح استخلافه عندنا ولا يشترط أن يكون الخليفة ممن سمع الخطبة وان كان ذلك أفضل وفى نهاية الاحكام

(2)

ينبغى أن يستخلف على قرب وليس شرطا فلو قضوا ركنا فالاقرب جواز الاستخلاف أن جوزنا تجديد نية الاقتداء وقال فى الخلاف اذا سبق الامام الحدث أو تعمده فى الجمعة جاز أن يستخلف من لم يحرم معه فى الجمعة وفى جامع المقاصد وكشف الالتباس لو لم يكن قد دخل معه لم يجز استخلافه لانه يكون مبتدئا بالجمعة ولا يجوز جمعة بعد جمعة بخلاف المسبوق لانه متبع لا مبتدئ.

‌مذهب الإباضية:

قال فى شرح النيل

(3)

: اذا مرض الخطيب الامام يجوز له أن يستخلف آخر ليصلى بالناس وكذا اذا منعه من الصلاة مانع بعد الخطبة يجوز له

(1)

مفتاح الكرامة ج 3 ص 98، ص 99 الطبعة السابقة.

(2)

مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة ج 3 ص 99 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل ج 1 ص 510، ص 515 الطبعة السابقة.

ص: 159

أن يستخلف غيره وان مات الخطيب فى خطبته صلوا أربعا فان عقدوا الامامة لاخر حين مات الاول استأنف الخطبة وجوز الاكتفاء بالاولى، فان أحدث الامام بعد فراغه من الخطبة بما يبنى معه على صلاته وقيل أو بما لا يبنى معه استخلف آخر ليصلى بهم ركعتين مطلقا سواء حضر الخطبة أو لم يحضرها وقيل لا يستخلف الا من حضر الخطبة أو بعضها وأعادوا ان استخلف من لا تلزمه واقتدوا به ويعيدوها أربعا وان لم يستخلف الامام صلوا أربعا وان انتظروه وجاء الامام وصلى بلا اعادة خطبة أعادوها أربعا وكذا هو يصلى أربعا وذلك للفصل بينها وبين الخطبة.

‌الاستخلاف فى صلاة العيدين

‌مذهب الحنفية:

قال فى بدائع الصنائع

(1)

: يستحب للامام اذا خرج الى الصحراء لصلاة العيد أن يستخلف رجلا ليصلى بأصحاب العلل صلاة العيد بالبلد لما روى عن على رضى الله عنه أنه لما قدم الكوفة استخلف أبا موسى الاشعرى ليصلى بالضعفة صلاة العيد فى المسجد، وخرج الى الصحراء مع خمسين شيخا ولانه فى هذا اعانة للضعفة على احراز الثواب فكان حسنا وان لم يستخلف الامام لا بأس بذلك لانه لم ينقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين سوى على رضى الله عنه ولانه لا صلاة على الضعفة ولكن لو استخلف الامام كان أفضل.

‌مذهب المالكية:

قال صاحب المدونة الكبرى

(2)

: اذا أحدث الامام بعد صلاة العيد قبل الخطبة أيستخلف بهم أم يخطب هو بالناس على غير وضوء قال مالك: أرى أن لا يستخلف الامام وأن يتم بهم الخطبة.

‌مذهب الشافعية:

قال فى نهاية المحتاج

(3)

: ويستخلف الامام ندبا عند خروجه الى الصحراء من يصلى فى المسجد بالضعفة كالشيوخ والمرضى ومن معهم من الاقوياء لما صح أن عليا أستخلف أبا مسعود الانصارى فى ذلك ولان فيه حثا واعانة على صلاتهم جماعة.

وجاء فى المجموع

(4)

: قال أبو اسحاق المروزى والاصحاب اذا كان هناك مطر أو غيره من الاعذار وضاق المسجد

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 280 الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى للامام مالك ج 1 ص 170، ص 171 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج ج 2 ص 384 الطبعة السابقة.

(4)

المجموع ج 5 ص 5.

ص: 160

الاعظم صلى الامام فيه واستخلف من يصلى بباقى الناس فى موضع آخر بحيث يكون أرفق بهم.

ثم قال فى نهاية المحتاج

(1)

:

ويكره للخليفة أن يخطب بغير أمر الوالى كما فى الام ومثل الوالى الامام الراتب اذا أراد الخروج للصحراء فاستخلف غيره لانه بتقريره فى الوظيفة ينزل منزله موليه والاولى أن يأذن له فى الخطبة وحينئذ فالمتجه استحباب الاستخلاف فى الخطبة والصلاة جميعا.

‌مذهب الحنابلة:

قال فى المغنى

(2)

: يستحب للامام اذا خرج أن يستخلف فى المسجد من يصلى بضعفة الناس فى الجامع كما فعل على رضى الله عنه وهل يصلى المستخلف ركعتين أم أربعا على روايتين احداهما يصلى أربعا لقول على ان أمرت رجلا يصلى أن يصلى بهم فى المسجد أربعا، والرواية الثانية يصلى بهم ركعتين وهذا على أساس أن صلاة العيد المعتبرة فى هذه الصورة هى التى وقعت مع الامام فى الصحراء، أما التى وقعت مع الخليفة فى المسجد فهى قضاء لصلاة العيد، وقضاء صلاة العيد يكون ركعتين فى رواية وأربعا فى رواية أخرى وعلى رواية الاربع يخير فى صلاتها بسلام واحد أو بسلامين.

‌مذهب الزيدية:

قال صاحب شرح الازهار

(3)

: يستحب للامام أن يستخلف من يصلى العيد فى المسجد بضعفة أصحابه لفعل على عليه السلام فانه أمر أبا مسعود الانصارى مستخلفا له ليصلى بهم العيد.

‌مذهب الإمامية:

قال صاحب كتاب الخلاف

(4)

: روت العامة عن على عليه الصلاة والسلام أنه خلف من صلى بضعفه الناس فى المصر ثم قال والذى أعرفه من روايات أصحابنا أنه لا يجوز ذلك وروى محمد ابن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام قال: قال الناس لامير المؤمنين عليه السلام:

ألا تخلف رجلا يصلى فى العيدين بالناس فقال لا أخالف السنة.

‌الاستخلاف فى الصلاة على الميت

‌مذهب الحنفية:

قال فى حاشية ابن عابدين

(5)

: يجوز أن يستخلف الامام فى الصلاة على

(1)

نهاية المحتاج ج 2 ص 384 الطبعة

(2)

المغنى ج 2 ص 235 الطبعة السابقة.

(3)

شرح الازهار 1 ص 384 الطبعة السابقة

(4)

الخلاف ج 1 ص 266 مسألة رقم 18 الطبعة السابقة.

(5)

حاشية ابن عابدين ج 1 ص 562 الطبعة السابقة.

ص: 161

الجنازة اذا أحدث وهذا هو الاصح عن السراج.

وقال صاحب البدائع

(1)

: اذا كان للميت وليان فى درجة واحدة فلهما أن يستخلفا غيرهما ليصلى على الميت ولو استخلف كل واحد منهما رجلا على حدة فالذى استخلفه الاكبر أولى وليس لاحدهما أن يستخلف انسانا الا باذن الآخر لان الولاية ثابتة لهما الا أنه يقدم الاسن لسنه فاذا أراد الاسن أن يستخلف غيره كان الاخر أولى أما اذا كان أحد الوليين أقرب من الآخر فالولاية اليه وله أن يستخلف من شاء لان الابعد محجوب بالاقرب فصار بمنزلة الاجنبى، ولو كان الولى الاقرب غائبا واستخلف غيره بكتاب كان للولى الابعد أن يمنعه وله أن يتقدم بنفسه أو يستخلف من شاء لان ولاية الاقرب قد سقطت لما فى التوقف على حضوره من ضرر بالميت فتنتقل الولاية الى الابعد والمريض فى المصر بمنزلة الولى الصحيح فله أن يستخلف من شاء وليس للولى الابعد منعه لان لايته قائمة فان له أن يتقدم بنفسه مع مرضه فكان له حق الاستخلاف، ولا حق للنساء والصغار والمجانين فى الاستخلاف لانعدام ولاية التقدم منهم.

‌مذهب المالكية:

قال فى المدونة الكبرى

(2)

: اذا أحدث الامام فى الصلاة على الجنازة يأخذ بيد رجل فيستخلفه ويتم المستخلف ما بقى فى صلاة من استخلفه وقال فى موضع آخر

(3)

: قال مالك والى المصر أو صاحب الشرطة اذا كانت الصلاة اليه أحق بالصلاة على الميت من وليها والقاضى اذا كان هو يلى الصلاة، وصاحب الشرطة اذا ولاه الوالى الشرطه يعتبر مستخلفا فى الصلاة على الميت حين ولاه الوالى.

‌مذهب الشافعية:

قال فى كتاب الام

(4)

: وان أحدث الامام فى صلاة الجنازة انصرف فتوضأ وكبر من خلفه ما بقى من التكبير فرادى لا يؤمهم أحد ولو كان فى موضع وضوئه قريبا فانتظروه فبنى على التكبير رجوت أن لا يكون بذلك بأس، وقال فى المجموع

(5)

:

اذا اجتمع وليان فى درجة وكان أحدهما أفضل كان هو الاولى فان أراد أن يستنيب أجنبيا ففى تمكينه وجهان حكاهما صاحب العدة الاقيس أنه لا يمكن الا برضاء

(1)

بدائع الصنائع ج 1 ص 307 الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى ج 1 ص 190 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 188 الطبعة السابقة.

(4)

الأم ج 1 ص 244 الطبعة السابقة.

(5)

المجموع ج 5 ص 220 الطبعة السابقة.

ص: 162

الآخر قال ولو غاب الولى الاقرب ووكل من يصلى فنائبه أحق من البعيد الحاضر.

‌مذهب الحنابلة:

قال فى المغنى

(1)

: ومن قدمه الولى فهو بمنزلته لانها ولاية تثبت له فكانت الاستنابة فيها ويقدم نائبه فيها على غيره.

‌مذهب الزيدية:

قال صاحب شرح الازهار

(2)

: لو فسدت صلاة الجنازة على الامام الذى هو الاولى هل يعزلونه أو يستخلفون؟ أم لا لعدم الولاية فان كان الفساد مما يمكن اصلاحه فى الصلاة لم يستخلفوا وان كان الفساد بسبب حدث أو نحوه فان ضاق الوقت حتى خشى دفن الميت جاز الاستخلاف بعد أن تعذر الاستخلاف ممن هو أولى وقال الامام المتوكل على الله يعزلون مطلقا ولا يستخلفونه لانه قد ثبت لهم حق بالدخول فى الصلاة.

‌مذهب الإباضية:

قال فى الايضاح

(3)

: الامام اذا أحدث وهو فى صلاة الجنازة جاز له أن يستخلف غيره كما يجوز فى غيرها - وقال بعضهم لا يجوز الاستخلاف فى صلاة الميت لمخالفتها سائر الصلاة اذ ليس فيها ركوع ولا سجود.

وقال فى شرح النيل

(4)

: أولى الناس بالصلاة على الميت أبوه ثم الزوج ثم الابن ثم الأخ ثم العم ثم الاقرب فالاقرب ولا يصلى عليه حتى يستأذن وليه ولو امرأة وكذا دفنه، وقيل يستخلف القوم من رضوا به للصلاة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام (يؤم القوم أفضلهم).

‌الاستخلاف فى صلاة الخوف

‌مذهب المالكية:

قال فى التاج والاكليل

(5)

: قال سحنون اذا صلى الامام ركعة من صلاة الخوف فى السفر ثم أحدث قبل قيامه الى الثانية فليقدم من يقوم بهم ثم يثبت المستخلف ويتم من خلفه ثم تأتى الطائفة الاخرى فيصلى بها ركعة ويسلم ولو أحدث بعد قيامه الى الثانية فلا يستخلف لان من خلفه خرجوا من امامته حتى لو تعمد حينئذ الحدث أو الكلام لم تفسد عليهم وكذلك ذكر عنه ابنه فاذا أتم هؤلاء، وذهبوا أتت الطائفة الاخرى بامام فقدموه واذا أحدث بعد ركعة من المغرب فليستخلف نقله ابن بشير والفاكهانى.

(1)

المغنى ج 2 ص 369 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار ج 1 ص 427 الطبعة السابقة.

(3)

الايضاح ج 1 ص 488 الطبعة السابقة.

(4)

شرح النيل ج 1 ص 679 الطبعة السابقة.

(5)

التاج والاكليل ج 2 ص 186 الطبعة السابقة.

ص: 163

‌مذهب الشافعية:

جاء فى كتاب الام

(1)

: واذا أحدث الامام فى صلاة الخوف فهو كحدثه فى غير صلاة الخوف وأحب الى أن لا يستخلف أحدا فان كان أحدث فى الركعة الاولى أو بعد ما صلاها وهو واقف فى الآخرة فقرأ ولم تدخل معه الطائفة الثانية قضت الطائفة الاولى ما عليهم من الصلاة وأمّ الطائفة الاخرى امام منهم أو صلوا فرادى ولو قدم رجلا فصلى بهم أجزأ عنهم ان شاء الله تعالى قال الشافعى واذا أحدث الامام وقد صلى ركعة وهو قائم يقرأ ينتظر فراغ التى خلفه وقدم آخر وقف الذى قدم كما يقف الامام وقرأ فى وقوفه فاذا فرغت الطائفة التى خلفه ودخلت الطائفة التى وراءه قرأ بأم القرآن وقدر سورة ثم ركع بهم وكان فى صلاته لهم كالامام الاول لا يخالف فى شئ اذا أدرك الركعة الاولى مع الامام الاول وانتظرهم حتى يتشهدوا ثم يسلم بهم. وقال الشافعى ولو أن اماما ابتدأ صلاة الخوف ثم أحدث فقدم رجلا ممن خلفه فلم يقض من الصلاة شيئا حتى حدث لهم أمن اما لجماعة كثرت وقل العدو واما بتلف العدو أو غير ذلك من وجوه الامن صلى الامام المقدم صلاة أمن بمن خلفه وجاءت الطائفة الثانية فصلت معهم لان الخوف قد ذهب فان لم تفعل حتى صلى بها امام غيره أو صلت فرادى كانوا كقوم لم يصلوا مع الجماعة الاولى لعذر.

‌الاستخلاف فى القضاء

‌مذهب الحنفية:

القاضى

(2)

أما أن يكون مفوضا اليه فى الاستخلاف أو لا يكون مفوضا اليه فان كان مفوضا اليه بالاستخلاف فانه يجوز أن يستخلف غيره حتى ولو كان ابنه ففى البحر عن السراجية أنه يصح تولية القاضى ابنه قاضيا حيث كان مأذونا فى الاستخلاف، وسواء كان التفويض صريحا كأن يقال له ول من شئت أو كان التفويض دلالة كأن يقول له السلطان جعلتك قاضى القضاة والدلالة هنا أقوى لانه فى التفويض الصريح يملك الاستخلاف فقط ولا يملك العزل أما فى الدلالة فانه يملك الاستخلاف والعزل معا الا اذا كان قد فوض اليه السلطان صراحة بالاستخلاف والعزل معا كأن يقول له ول من شئت واستبدل أو استخلف من شئت قال الرملى وفى التتار خانيه نقلا عن شرح الطحاوى: وليس للقاضى أن يولى القضاء غيره الا اذا كان مكتوبا فى منشوره ذلك أو قيل له ما صنعت من شئ فهو جائز وعلى هذا فاذا كان القاضى مأذونا فى الاستخلاف واستخلف غيره فهل يعتبر الثانى نائبا عن

(1)

الام للامام الشافعى ج 1 ص 202، ص 203 الطبعة السابقة.

(2)

ابن عابدين ج 4 ص 448، ص 449 الطبعة السابقة والبحر الرائق ج 7، ص 6، ص 7، ص 8 الطبعة السابقة.

ص: 164

القاضى الذى استخلفه أم يعتبر نائبا عن السلطان؟

قال الرملى فى المسألة قولان أما الاول فكما نقله عن السراجية والبزازية هو أن القاضى الثانى يصير قاضيا من جهة السلطان لا من جهة القاضى الاول حتى لو أراد القاضى الاول أن يعزل الثانى لم يكن له ذلك الا اذا قال الخليفة للأول تستبدل من شئت وفى السراجية رتب على ذلك أن القاضى اذا وقعت له حادثة أو لولده فأناب غيره وكان من أهل الانابة وتخاصما عنده وقضى له أو لولده جاز ووجهه أن الخليفة ليس نائبا عنه وانما هو نائب عن السلطان أو العامة فانقطعت النسبة، والقول الثانى أن القاضى الثانى يعتبر نائبا عن القاضى الاول قال فى الاشباه والنظائر

(1)

:

انهم نواب القاضى فى زماننا من كل وجه ولهذا لا يجوز أن يتحاكم اليه القاضى الاول قال فى الملتقط

(2)

: القاضى اذا استخلف خليفة فقضى للقاضى لا يجوز والطريق فيه أن يتحاكما أو ينصب الامام قاضيا قال ابن عابدين فى هامشه على البحر ولم أر من رجح أحد القولين.

وفى البحر

(3)

: واطلاق الاستخلاف يشمل ما اذا كان مذهب الخليفة موافقا لمذهب القاضى أو مخالفا وفى البزازية لو فوض القاضى الى غيره ليقضى على وفق مذهبه نفذ اجماعا واختلف فيما اذا كان القاضى يملك الاستخلاف قبل وصوله الى محل قضائه أم أنه لا يملك ذلك الا بعد وصوله.

قال فى البحر

(4)

ظاهر اطلاقهم أن المأذون له بالاستخلاف صريحا أو دلالة يملكه قبل الوصول الى محل قضائه كما يملكه بعده وقد جرت عادتهم اذا ولوا ببلد السلطان قضاء بلدة بعيدة أن يرسلوا خليفة يقوم مقامهم الى حضورهم قال فى البحر وقد سئلت عن ذلك فأجبت به ثم رأيت الصدر الشهيد فى شرح أدب القضاء للخصاف قال فى الباب السادس عشر القاضى انما يصير قاضيا اذا بلغ الموضع الذى قلد فيه القضاء الا ترى أن الاول لا ينعزل ما لم يبلغ هو البلد الذى قلد فيه القضاء فكان هو فى ذلك المكان بمنزلة واحد من الرعايا قال صاحب البحر وهو يفيد أن القاضى لا يملك الاستخلاف قبل وصوله الى محل عمله لكن الصدر الشهيد ذكر فى الباب السادس أنه ينبغى للقاضى أن يقدم نائبه قبل وصوله حتى يتعرف عن أحوال الناس ثم قال صاحب البحر الا أن يقال ان قاضى القضاة مأذون بالاستخلاف قبل الوصول من السلطان فلا كلام وهذا هو الواقع الآن ونقل ابن عابدين فى هامشه

(1)

هامش ابن عابدين على البحر ج 7 ص 7 الطبعة السابقة.

(2)

البحر ج 7 ص 7 الطبعة السابقة.

(3)

البحر ج 7 ص 8 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 7 ص 8 الطبعة السابقة.

ص: 165

عن النهر تعليقا على كلام الصدر الشهيد فقال ومقتضى الاول أنه لا يستخلف والثانى أنه يستخلف فيحمل على ارسال النائب باذن الخليفة أو أن ذلك معروف

(1)

بينهم وللقاضى المأذون

(2)

فى الاستخلاف أن يستخلف غيره ولهذا الغير أن يستخلف آخر وهكذا كما فى الخلاصة، هذا اذا كان القاضى مأذونا فى الاستخلاف أما اذا لم يكن مأذونا فى الاستخلاف فانه لا يجوز له أن يستخلف ولو بعذر فاذا وقعت له حادثة فلا يستخلف بلا تفويض لكنه لو استخلف ثم حكم الخليفة فأجازه الثانى جاز حيث كان الخليفة أهلا للقضاء فان كان رقيقا أو محدودا فى قذف أو كافرا لم يجز وكذا اذا قضى بحضرة القاضى لان المقصود حضور رأيه ودخل فى ذلك قضاء الفضولى فلو قضى الفضولى بلا استخلاف أصلا فأجازه القاضى جاز.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والاكليل

(3)

: قال المتيطى ليس للقاضى أن يستخلف قاضيا مكانه ينظر للناس ويريح نفسه اذا كان حاضرا ولا أن عاقه شغل الا بعد استئذان الامام أو يكون تقديمه أولا انعقد على ذلك وأما ان سافر أو مرض فله أن يجعل مكانه من يقوم مقامه وينفذ أموره ثم لا يكون متعديا على من استقضاه واذا كان ذلك باذن الخليفة فلا يبالى كان القاضى حاضرا أو غائبا وكأن الامام ولى قاضيين أحدهما فوق الآخر، وان عجز القاضى عن الانفراد بالنظر وكثر التشعيب عليه فلا يقدم من يستعين به فى ذلك الا باذن الامام فى جهة بعدت.

وفى الحطاب

(4)

قال فى التوضيح ان أذن له فى الاستخلاف أو نص له على عدمه عمل على ذلك، وقال ابن عبد السلام اذا نهى عن الاستخلاف فيتفق على منع الاستخلاف ويتفق أيضا على جواز الاستخلاف اذا أذن له فى ذلك من ولاه وقال ابن فرحون اذا اذن له فى الاستخلاف استخلف على مقتضى الاذن، وأن تجرد العقد عن الاذن وعدمه فقال سحنون ليس له الاستخلاف وان مرض أو سافر وقال مطرف وابن الماجشون له ذلك اذا مرض أو سافر قال فى التوضيح ومقتضى كلام ابن الحاجب أن الاول هو المذهب عنده وظاهره أنه يتفق مع عدم المرض والسفر على منع الاستخلاف وذكر فى التوضيح عن ابن رشد أن هذا اذا استخلف فى البلد الذى هو فيه أما اذا كان عمل القاضى واسعا فيريد أن يقدم فى الجهات

(1)

البحر ج 7 ص 6 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 7 ص 7 الطبعة السابقة.

(3)

التاج والاكليل بهامش الحطاب ج 6 ص 104، ص 105 الطبعة السابقة.

(4)

الحطاب ج 6 ص 104، ص 105 الطبعة السابقة.

ص: 166

البعيدة فالمشهور الجواز وقال ابن عبد الحكم لا يجوز الا باذن الخليفة قال المازرى وعلى قول سحنون بأنه لا يستخلف وان مرض أو سافر فان فعل فقضاء المستخلف لا ينفذ الا اذا نفذه القاضى الذى استخلفه كما فى التبصرة لابن فرحون وقال فى وثائق ابن العطار ولا يسجل نائب القاضى بما ثبت عنده فان فعل فلا يجوز تسجيله ويبطل ولا يقوم به القائم حجة الا أن يجيزه القاضى الذى استخلفه قبل أن يعزل أو يموت وان كانت استنابة القاضى لنائبه عن اذن الامام ورأيه وكان ذلك مستفيضا معروفا مشهورا كاشتهار ولاية القاضى فللنائب على هذا الوجه أن يسجل وينفذ تسجيله دون اجازة القاضى وليس لاحد رده ولا الاعتراض فيه بوجه من الوجوه، واذا قلنا النائب لا يسجل فله أن يسمع ويشهد عنده الشهود فيما فيه التنازع وله قبول من عرف منهم بعدالة ويعدل عنده المقالات ثم يرفع ذلك كله الى القاضى الذى استخلفه ويخبره بحضرة شاهدين ليثبت به ما عند القاضى اخباره له ويلزم القاضى أن يجيز جينئذ فعل نائبه وينفذ ما ثبت عنده ويسجل به للمحكوم له ثم هل المراد باذن الامام الاذن العام فى التولية أو اذن خاص فى عين المستخلف والظاهر أن مراده الاول فان رفع هذا المستخلف الى وظيفة القضاء فهل يستأنف ما كان بين يديه من الاحكام ثم يكملها بعد التسجيل فيها أم يصل نظره فيها بما تقدم منه فى ذلك الى تمام الحكم اختلف فى ذلك فقال ابن عات بل يبنى على ما قد مضى من الحكومة ولا يبتدئها من أولها قال وبذلك أفتيت أبا على حسن ابن ذكوان حين ارتفع من أحكام الشرطة والسوق الى أحكام القضاء ووافقنى أبو المطرف ابن فرج وغيره على جوابى وقال غيره بل يبتدئ النظر فيما كان جرى بعضه بين يديه ولم يكن كمل نظره فيه انتهى من المتيطية وفى موضع آخر من الحطاب

(1)

: وقال البرزلى فى مسائل الاقضية أن الاستخلاف يقتضى النظر فى جميع الاشياء الا ما نص العلماء عليه فى الوصايا والاحباس والطلاق والتحجير والقسم والمواريث، الا أن يقصره القاضى على نوع فلا يعدوه الى غيره واذا ولى السلطان شخصا على بلد وأعمالها وصرح له بالاذن فى الاستخلاف فعرض للقاضى المشاور اليه سفر الى بلد السلطان ففوض جميع ما فوض له السلطان لانسان وأسند اليه جميع ما هو داخل فى ولايته ومشمول بعمومها وصرح له بالتفويض ونصب النواب والعزل فأقام ذلك الانسان المفوض اليه قاضيا بمقتضى الاذن المشروع له فهل استنابة الانسان المذكور المفوض له لهذا القاضى صحيحة أم لا واذا كانت صحيحة فهل يجوز التعرض

(1)

الحطاب وبهامشه التاج والاكليل ج 6 ص 107 ص 108 الطبعة السابقة.

ص: 167

لنقض أحكام هذا القاضى المشار اليه أم لا فأجاب الشيخ العلامة ناصر الدين اللقانى بما نصه قد نص علماؤنا على أن القاضى اذا فوض اليه الامام الاعظم القضاء واذن له فى الاستخلاف جاز ذلك وعمل به وقد أشار الى ذلك ابن الحاجب بقوله ولو تجرد عقد التولية عن اذن الاستخلاف لم يكن له الاستخلاف فقال شارحه الشيخ خليل فى توضيحه ان أذن له فى الاستخلاف أو نص له على عدمه عمل على ذلك وقال ابن عرفه من المعلوم أن الاستخلاف فى هذه النصوص لفظ عام يتناول كل استخلاف سواء كان استخلافا على نفس القضاء والحكم أو استخلافا على تولية وظيفة القضاء والحكم وان كان الاول هو الغالب فى الفعل عرفا وكونه هو الغالب فى الفعل عرفا لا يخصص العام لان المخصص للعام هو القول لا الفعل، واذا تقرر عمومه فحيث فوض الامام الى القاضى القضاء وأذن له فى الاستخلاف كان الاذن المذكور اذنا له فى استخلاف من يباشر القضاء والحكم لمن يصلح شرعا فاذا فوض القاضى المذكور لانسان ما فوضه له السلطان من القضاء ومن الاستخلاف المذكور كان هذا التفويض من القاضى المذكور لذلك الانسان فى القضاء والاستخلاف صحيحا مأذونا له فيه من السلطان فاذا استخلف هذا الانسان فى وظيفة القضاء من هو أهل لذلك شرعا كان هذا الاستخلاف صحيحا معتبرا معمولا به لاستناده الى اذن السلطان فأقضية هذا المستخلف الآخر الذى استخلفه ذلك الانسان صحيحة وأحكامه نافذة لا يجوز التعرض لها بنقض ولا تعقب وفى موضع آخر من الحطاب

(1)

:

قال فى التوضيح كل من ملك حقا على وجه لا يملك معه عزله فله أن يوصى به ويستخلف عليه كالخليفة والوصى والمجبر يعنى فى النكاح على ما ذهب اليه ابن القاسم وكل من ملك حقا على وجه يملك معه عزله عنه فليس له أن يوصى به كالقاضى والوكيل ولو كان مفوضا اليه أو خليفة القاضى للايتام وشبه ذلك وقال ابن عرفه فى النوادر عن الواضحة وظاهره أنه لابن الماجشون ليس للقاضى أن يستخلف بعد موته، وفى موضع آخر من الحطاب

(2)

:

قال ابن الحاجب وللامام أن يستخلف من يرى غير رأيه فى الاجتهاد أو التقليد ولو شرط الحكم بما يراه كان الشرط باطلا والتولية صحيحة قال الباجى كان فى سجلات قرطبة ولا يخرج عن قول ابن القاسم ما وجده قال فى التوضيح للامام أن يستخلف من يرى غير رأيه كالمالكى يولى شافعيا أو حنفيا ولو شرط الامام على القاضى الحكم بما يراه الامام من مذهب معين أو اجتهاد له كان الشرط باطلا وصح العقد وهكذا نقله فى الجواهر عن الطرطوشى وقال غيره العقد غير جائز وينبغى فسخه

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 109 الطبعة السابقة.

(2)

الحطاب ج 6 ص 98 الطبعة السابقة.

ص: 168

ورده وهذا انما هو اذا كان القاضى مجتهدا.

وقال فى الشرح الكبير

(1)

: قال ولا يشترط فى الاستخلاف أن يكون المستخلف وقت الاستخلاف فى محل ولايته بل يجوز له أن يستخلف ولو كان فى غير محل ولايته، واذا استخلف القاضى فيجب عليه أن يستخلف رجلا يعلم ما استخلف فيه أى فلا يشترط فيه علمه بجميع أبواب الفقه فاذا استخلف القاضى رجلا على الانكحة فقط وجب أن يكون المستخلف عالما بمسائل النكاح وما يتعلق بها وان استخلفه فى القسم والمواريث وجب علمه بذلك، وينعزل المستخلف بموت القاضى الذى استخلفه لانه وكيله والوكيل ينعزل بموت موكله كذلك ينعزل النائب اذا عزله القاضى المستخلف ولا ينعزل النائب المستخلف اذا مات القاضى الذى استخلفه اذا جعل له الامام الاستخلاف أو جرى به العرف خلافا لظاهر اطلاق المصنف، وينعزل نائب القاضى اذا عزله الامير ولا ينفذ حكمه بعد بلوغه عزله وينفذ ما أصدره النائب قبل أن يبلغه العزل لضرورة الناس لذلك كما فى تبصرة ابن فرحون، واعتمد بعض العلماء أن خليفة القاضى لا ينعزل بعزل القاضى ولا بموته كما أن القاضى لا ينعزل بموت الامير خلافا لخليل.

‌مذهب الشافعية:

قال فى نهاية المحتاج

(2)

: ويندب للامام أو من يقوم مقامه اذا ولى قاضيا أن يأذن له فى الاستخلاف ليكون أسهل له وأقرب لفصل الخصومات ويتأكد ذلك عند اتساع الخطة فان نهاه عنه لم يستخلف استخلافا عاما لعدم رضاه بنظر غيره فان كان ما فوض له أكثر مما يمكنه القيام به اقتصر على الممكن وترك الاستخلاف ولو ولاه فى بلدتين متباعدتين كبغداد والبصرة اختار المباشرة فى احداهما كما قاله الماوردى فان أطلق الاستخلاف استخلف مطلقا أو التولية فيما لا يقدر الا على بعضه استخلف فيما لا يقدر عليه لحاجته اليه لا غيره فى الاصح لان قرينة الحال تقتضى ذلك والثانى يستخلف فى الكل كالامام نعم لو أمكنه القيام بما تولاه كقضاء بلدة صغيرة فليس له الاستخلاف ولو طرأ له عدم القدرة بعد التولية لنحو مرض أو سفر استخلف جزما وقول الاذرعى ما لم ينه عنه نظر فيه الغزى بأنه عجز عن المباشرة والانسان لا يخلو عن ذلك غالبا فليكن مستثنى من النهى عن النيابة ويمكن حمل الاول على نهيه عنها ولو مع العذر والثانى على خلافه بأن أطلق النهى عنه ولو فوض الولاية لانسان وهو فى غير محل ولايته ليذهب ويحكم بها صح التفويض ودعوى رده ساقطة.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج.

ص 132، ص 134 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج ج 8 ص 229، ص 230 الطبعة السابقة.

ص: 169

وفى مغنى المحتاج

(1)

: قال ظاهر اطلاق الكلام بجواز الاستخلاف أنه يجوز استخلاف أبيه وابنه وبه صرح الماوردى والبغوى وغيرهما لكن محله ان ثبتت عدالتهما عند غيره أما اذا فوض الامام لشخص اختيار قاض فلا يختار ولده ولا والده كما لا يختار نفسه.

وفى نهاية المحتاج

(2)

: ويشترط فى المستخلف «بفتح اللام» ما يشترط فى القاضى لانه قاض الا أن يستخلف فى أمر خاص كسماع بينة وتحليف فيكفى علمه بما يتعلق به من شرط البينة والتحليف ولا يشترط فيه رتبة الاجتهاد ومن ذلك نائب القاضى فى القرى اذا فوض له سماع البينة فقط يكفيه العلم بشروطها ولو عن تقليد المنصوب للجرح والتعديل مثله فى ذلك لانه حاكم وله استخلاف أصله وفرعه كما صرح به الماوردى والبغوى وغيرهما نعم لو فوض له الامام اختيار قاض أو توليته لرجل لم يجز له اختيارهما لان التهمة هنا أقوى للفرق الظاهر بين القاضى المستقل والنائب فى التولية وانما لم يجز لقاض الحكم بشهادتهما لانه يتضمن الحكم لهما بالتعديل ولهذا لو ثبتت عدالتهما عند غيره جاز له الحكم بشهادتهما ومحل جواز استخلافهما اذا ظهر فيه عند الناس اجتماع الشروط والاقرب أنه حيث صحت توليته وحمدت سيرته جاز له توليتهما ان كانا كذلك.

وفى مغنى المحتاج

(3)

: ولا يجوز أن يشرط القاضى على من استخلفه أن لا يحكم باجتهاده أو باجتهاد مقلده لانه لا يعتقده وقضية ذلك أن القاضى لو شرط على من استخلفه لم يصح الاستخلاف لان الحاكم انما يعمل باجتهاده أو اجتهاد مقلده وكذا لو شرطه الامام فى توليته القاضى لم يصح وقال فى موضع آخر

(4)

: وانعزال القاضى يترتب عليه انعزال نائبه المطلق فى الاصح ان لم يؤذن له فى الاستخلاف لان الاستخلاف للمعاونة وقد زالت ولايته فبطلت المعاونة وكذلك الحكم اذا كان الامام قد قال للقاضى استخلف عن نفسك أو كان أطلق له الاستخلاف وذلك لظهور غرض المعاونة وبطلانها ببطلان ولايته قال الخطيب الشربينى محل انعزاله عند الاطلاق اذا لم يعين من يستخلفه فان قال الامام استخلف فلانا فهو كقوله استخلف عنى فلا ينعزل لانه قطع نظره بالتعيين فلا ينعزل الخليفة لانه نائب عن الامام والاول سفير فى التولية وقيل ينعزل مطلقا وقيل لا ينعزل مطلقا رعاية لمصلحة الناس.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى لابن قدامة

(5)

: اذا ولى الامام قاضيا يستحب أن يجعل له أن

(1)

مغنى المحتاج ج 4 ص 347 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج ج 8 ص 229، ص 230 الطبعة السابقة.

(3)

مغنى المحتاج ج 4 ص 348 الطبعة السابقة

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 351، ص 352

(5)

المغنى لابن قدامة ج 11 ص 480، ص 481 الطبعة السابقة.

ص: 170

يستخلف لانه قد يحتاج الى ذلك فاذا أذن له فى الاستخلاف جاز للقاضى أن يستخلف بلا خلاف نعلمه وان نهاه عنه لم يكن له أن يستخلف لان ولايته باذن الامام فلم يكن له ما نهاه عنه كالوكيل وان أطلق الامام للقاضى فله الاستخلاف ويحتمل أن لا يكون له ذلك لانه يتصرف بالاذن فلم يكن له مالم يأذن فيه كالوكيل ووجه الاول أن الغرض من القضاء الفصل بين المتخاصمين فاذا فعله بنفسه أو بغيره جاز كما لو أذن له ويفارق التوكيل لان الامام يولى القضاء للمسلمين لا لنفسه بخلاف التوكيل فان استخلف القاضى فى موضع ليس له الاستخلاف فحكمه حكم من لم يوله.

وفى كشاف القناع

(1)

ويجوز للقاضى أن يستخلف والده وولده كحكمه لغيره بشهادتهما وقال أبو الوفاء اذا لم يتعلق عليهما من ذلك تهمة ولا يثبت بطريق التزكية.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى

(2)

:

ولا يجوز الحكم الا ممن ولاه الامام القرشى الواجبة طاعته فان لم يقدر على ذلك فكل من أنفذ حقا فهو نافذ ومن أنفذ باطلا فهو مردود وقال ابن حزم

(3)

وجائز للامام أن يعزل القاضى متى شاء عن غير خربة، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا الى اليمن قاضيا ثم صرفه حين حجة الوداع ولم يرجع الى اليمن بعدها وقد قال ابن حزم فى موضع آخر

(4)

: وكذلك للولى وللقاضى أن يعزل من جعل اليه توليته، وذكر ابن حزم

(5)

: أن من أمره القاضى بانفاذ حكم على أحد من الناس كالقتل والقطع فان كان المأمور من أهل العلم بالقرآن والسنة فلا يحل له انفاذ شئ من ذلك حتى يتيقن أنه قد وجب الحكم على المحكوم عليه ويلزمه انفاذه حينئذ.

‌مذهب الزيدية:

قال فى البحر الزخار

(6)

: على الامام نصب الحكام فى الاقاليم والامصار لرفع المظالم لبعثه صلى الله عليه وسلم عليا ومعاذا وأبا سعيد وعمرو بن حزم الى اليمين كما ان له ذلك فى بلده لامره صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فى حضرته، ولا يصح فى وقت الامام الا من جهته اذ هو مصلحة عامة كما أنه يندب للامام أن يأذن لقاضيه بالاستخلاف اذ قد يحتاج الى ذلك فى عمله فان نهاه الامام عن الاستخلاف حرم عليه أن

(1)

كشاف القناع ج 4 ص 188 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم ج 9 ص 345 مسألة رقم 1807 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابقة ج 9 ص 345 مسألة رقم 1809 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 246 مسألة رقم 1365 الطبعة السابقة.

(5)

المحلى ج 9 ص 346 مسألة رقم 1810 الطبعة السابقة.

(6)

البحر الزخار ج 5 ص 115 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 171

يستخلف اذ هو نائب عن الامام، والمستخلف كالحاكم فى نفوذ حكمه.

‌مذهب الإمامية:

قال فى شرائع الاسلام

(1)

: اذا أذن له الامام فى الاستخلاف جاز ولو منع لم يجز ومع اطلاق التوليه ان كان هناك أمارة تدل على الاذن مثل سعة الولاية التى لا تضبطها اليد الواحدة جاز الاستنابة والا فلا استنادا الى أن القضاء موقوف على الاذن، ولو مات القاضى الاصلى لم ينعزل النائب عنه لان الاستنابة مشروطة باذن الامام عليه السلام فالنائب عنه كالنائب عن الامام فلا ينعزل بموت الواسطة والقول بانعزاله أشبه.

‌الاستخلاف فى الامامة العامة

استخلاف الامام قد يكون من الامة وهو ما يعرف بالبيعة كما وقع بالنسبة لابى بكر رضى الله تعالى عنه، وقد يستخلف الامام آخر على التعيين كما وقع فى اختيار أبى بكر لعمر رضى الله تعالى عنهما أو على أن يترك الامر شورى بين جماعة معينين يختارون واحدا منهم كما وقع من عمر رضى الله عنه وقد تتم الامامة بالغلبة

(2)

. أنظر (امامة، ولاية، خلافة).

‌استدانة

‌تعريفها

عند اهل اللغة

جاء فى القاموس المحيط

(3)

: أدان وادان، واستدان، وتدين أخذ دينا، ورجل مديان يقرض كثيرا ويستقرض كثيرا ضد، وكذا امرأة جمعهما مدايين، وادان اشترى بالدين أو باع بالدين ضد، وفى مختار الصحاح

(4)

ادان فلان معرضا بكسر الراء أى استدان، ممن أمكنه ولم يبال ما يكون من التبعة. وفى الحديث (ادان معرضا) أى استدان. (انظر مادة دين).

(1)

شرائع الاسلام ج 2 ص 205، 206 الطبعة السابقة.

(2)

أنظر فى هذا الدر المختار شرح تنوير الابصار وحاشية ابن عابدين عليه ج 1 من ص 511 الى 513 وج 4 من ص 423 الى ص 427 الطبعة السابقة.

(3)

ج 3 من ص 226 - 227 الطبعة الثانية سنة 1371 هـ سنة 1952 م مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر.

(4)

ص 217.

ص: 172

‌تعريفها عند علماء الشريعة

الاستدانة عند الفقهاء جميعا - الاقتراض أو الشراء نسيئة

(1)

.

‌حكم الاستدانة

لليتيم وللصبى والاستدانة منهما

‌مذهب الحنفية:

‌حكم الاستدانة لهما

قال الحنفية: ان الوصى لو استدان لاجل اليتيم جاز، ولو أقر بالاستدانة لا يصح اقراره اجماعا وفى قنية الزاهدى للوصى أن يستقرض فلو استدان على الصبى باذن الحاكم يرجع عليه اذا تمول أما الدائن فانه يرجع على الوصى. وكذا الاستقراض للصبى، وان لم يكن باذن الحاكم

(2)

.

‌حكم الاستدانة منهما:

جاء فى آداب الاوصياء

(3)

(ليس للوصى أن يستقرض مال اليتيم عند أبى حنيفة. وأما محمد فيقول لا أرى به بأسا ان فعل ذلك وله وفاء بما استقرض).

وجاء فى الفتاوى الهندية

(4)

(الوصى اذا أراد أن يقرض مال اليتيم من غيره فليس له ذلك باتفاق الروايات كذا فى المحيط. فان أقرض كان ضامنا.

والقاضى يملك الاقراض. واختلف المشايخ - رحمهم الله تعالى - فى الاب لاختلاف الروايات عند ابى حنيفة رحمه الله والصحيح أن الاب بمنزلة الوصى لا بمنزلة القاضى).

ولو رهن الوصى أو الاب مال اليتيم بدين نفسه فى القياس لا يجوز. ويجوز فى الاستحسان ولو قضى الوصى دين نفسه بمال اليتيم لا يجوز. ولو فعل الاب ذلك جاز، وفى الفتاوى وصى احتال بمال اليتيم أن كان الثانى أملى من الاول جاز. وان كان مثله لا يجوز كذا فى فتاوى

(1)

ابن عابدين ج 3 ص 432 طبعة المطبعة الكبرى الاميرية سنة 1324 هـ، المبسوط للسرخسى ج 18 ص 19 طبعة مطبعة السعادة، تبيين الحقائق ج 3 ص 55 طبعة أولى سنة 1313 هـ المطبعة الكبرى الاميرية، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 3 ص 195 (باب القرض، الحطاب على خليل ج 5 ص 32 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ، هامش قليوبى وعميرة ج 3 ص 258، 259 مطبعة محمد على صبيح وأولاده، كشاف القناع ج 2 ص 137، الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ. المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 83 طبعة إدارة الطباعة المنيرية، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 4 ص 112 طبعة أولى سنة 1367 هـ سنة 1948 مكتبة الخانجى مصر، مطبعة أنصار السنة المحمدية.

وسائل الشيعة ج 6 ص 196 طبعة المكتبة الاسلامية بطهران. النيل وشفاء العليل ج 5 ص 214. مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامه ج 5 ص 32.

(2)

كتاب آداب الاوصياء هامش جامع الفصولين للشيخ ابن قاضى سماوه ج 2 ص 172 الطبعة الاولى بالمطبعة الازهرية سنة 1300 هـ.

(3)

المرجع السابق الطبعة السابقة.

(4)

ج 6 ص 147 الطبعة الثانية بالمطبعة الكبرى الاميرية سنة 1310 هجرية.

ص: 173

قاضيخان) وجاء فى كتاب آداب الاوصياء

(1)

(استقراض الاب لابنه الصغير يجوز وكذلك لو أقر باستقراض جاز).

‌حكم استقراض الصغير

‌مذهب الحنفية:

يقول صاحب كتاب جامع أحكام الصغار

(2)

(اقراض الصبى المأذون له واستقراضه جائز وهو كالبالغ فى هذا، وان كان محجورا فانه لا يصح اقتراضه ولا استقراضه. فان أقرضه انسان فما دام عينه باقيا كان لصاحب المال أن يسترده عندهم جميعا فأما اذا أنفقه أو أتلفه فلا ضمان عليه عند أبى حنيفة ومحمد خلافا لابى يوسف. فان عنده اذا أنفقه أو أتلفه كان له أن يرجع عليه بضمان ذلك وأن هلك المال القرض فى يده بنفسه لا ضمان عليه بلا خلاف بينهم).

‌مذهب المالكية:

قال المالكية: (وجاز رهن من ولى محجور كأب أو وصى أو غيرهما من مال المحجور فى دين على المحجور تداينه الولى له لمصلحة من طعامه وكسوته ونحو ذلك من الامور الضرورية)

(3)

.

ثم جاء فى الحطاب على خليل

(4)

(وللوصى أن يرهن مال اليتيم رهنا فيما يبتاع له من كسوة أو طعام وليس للوصى أن يأخذ عروض اليتيم بما أسلف رهنا ثم قال واذا رهن الاب من متاع ابنه الصغير فى دين عليه ولم يصدقه الولد لم يجز الرهن لانه لا يجوز له أخذ مال ولده لغير حاجة).

‌مذهب الشافعية:

قال الشافعية: (لا يرهن الولى أبا كان أو غيره مال الصبى والمجنون ولا يرتهن لهما الا لضرورة أو غبطة ظاهرة فيجوز له الرهن والارتهان فيهما دون غيرهما.

مثالهما للضرورة أن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفى مما ينتظر من غلة أو حلول دين أو نحو ذلك) ثم يقول (ومثالهما للغبطة أن يرهن ما يساوى مائة على ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة وهو يساوى مائتين. وأن يرتهن على ثمن ما يبيعه نسيئه لغبطة)

(5)

.

(1)

هامش جامع الفضولين للشيخ ابن قاضى سماوه ج 1 ص 198 الطبعة الاولى بالمطبعة الازهرية سنة 1300 هـ.

(2)

ج 1 ص 165 هامش جامع الفصولين الطبعة الاولى بالمطبعة الازهرية سنة 1300 هـ.

(3)

الدردير ج 2 ص 104.

(4)

ج 5 ص 3 الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

(5)

الاقناع فى حل الفاظ أبى شجاع للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 2 ص 25 طبع بمطبعة دار احياء الكتب العربية لاصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه.

ص: 174

وجاء فى الام

(1)

(ولا يجوز أن يرتهن الاب لابنه ولاولى اليتيم له الا بما فيه فضل لهما)(ولولى اليتيم أو وصيه أن يرهنا عنه كما يبيعان عليه فيما لا بد منه)

(2)

.

ومفاد هذه النصوص أن للأب وللوصى أن يستدين على اليتيم أو منه اذا اقتضت الضرورة ذلك أو كان فيه فائدة ظاهرة للصبى ومن فى حكمه.

‌مذهب الحنابلة:

قال الحنابلة: ولا يرهن مال من أوصى اليه بحفظ ماله الا من ثقة وجملته أن ولى اليتيم ليس له رهن ماله الا عند ثقة يودع ماله عنده لئلا يجحده أو يفرط فيه فيضيع. قال القاضى: ليس لوليه رهن ماله الا بشرطين: أحدهما:

أن يكون عند ثقة، الثانى: أن يكون له فيه حظ وهو أن يكون به حاجة الى نفقة أو كسوة أو انفاقه على عقاره المتهدم أو أرضه أو بهائمه ونحو ذلك وله مال غائب يتوقع وروده أو ثمرة ينتظرها أو له دين مؤجل يحل أو متاع كاسد يرجو نفاقه. فيجوز لوليه الاقتراض ورهن ماله وان لم يكن له شئ ينتظره فلاحظ له فى الاقتراض فيبيع شيئا من أصول ماله ويصرفه فى نفقته وان لم يجد من يقرضه ووجد من يبيعه نسيئة وكان أحظ من بيع أصوله جاز أن يشتريه نسيئة ويرهن به شيئا من ماله. والوصى والحاكم وأمينه فى هذا سواء وكذلك الاب. الا أن للاب أن يرهن من نفسه لولده ولنفسه من ولده ومن عداه بخلافه على احدى الروايتين

(3)

.

وان لم يكن فيه حظ. وانما قصد ارفاق المقترض وقضاء حاجته فهذا غير جائز لانه تبرع بمال اليتيم فلم يجز كهبته وان أراد الولى السفر لم يكن له المسافرة بمال الصغير واقراضه لثقة أمين أولى من ايداعه لان الوديعة لا تضمن اذا تلفت. فان لم يجد من يستقرضه على هذه الصفة فله ايداعه لانه موضع حاجة.

ولو أودعه مع امكان قرضه جاز ولا ضمان عليه وقرضه لمصلحة لحاجة سفر أو خوف عليه ولو بلا رهن ولا كفيل به جائز وان تلف بسبب ترك الرهن والكفيل لم يضمن الولى لان الظاهر السلامة وان أودع وتلف لا يضمن مع امكان قرضه

(4)

ولا يقترض وصى ولا حاكم ضم شيئا لنفسه

(5)

.

(1)

للامام أبى عبد الله محمد بن ادريس الشافعى رضى الله عنه ج 3 ص 132.

(2)

المرجع السابق ص 171 الطبعة السابقة ومختصر المزنى هامش الأم ج 2 ص 210 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة ج 4 ص 359 الطبعة الثالثة لدار المنار سنة 1367 هـ.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 244 الطبعة السابقة.

(5)

كشاف القناع ج 2 ص 225 الطبعة الاولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319.

ص: 175

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم: لا يحل لاحد أن يرهن مال غيره عن نفسه ولا مال ولده الصغير والكبير الا باذن صاحب السلعة التى يريد رهنها ولا بغير أذنه ولا مال يتيمه الصغير أو الكبير ولا مال زوجته

(1)

(ولا يحل للوصى أن يأكل من مال من الى نظره مطارفة لكن ان احتاج استأجره له الحاكم بأجرة مثل عمله لقول الله تعالى {(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

)}

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

قال الزيدية: وللولى الرهن عن الصبى والارتهان له بشرط الحظ

(3)

وقالوا (الذى يتصرف بالولاية اتفاقا هو الامام والحاكم والاب والجد)

(4)

(وللمتولى القراض فى مال الصبى لقوله عليه الصلاة والسلام: ابتغوا فى مال اليتامى)

(5)

وهذا يدل على جواز الاستدانة له وعليه بشرط المصلحة.

‌مذهب الإمامية:

ويصح رهن مال الطفل للمصلحة كما اذا افتقر الى الاستدانة لنفقته واصلاح عقاره. ولم يمكن بيع شئ من ماله أعود بالخير عليه من الرهن أو لم يمكنه، وتوقفت على الرهن. ويجب كونه على يد ثقة يجوز ايداعه منه. وكذا يصح أخذ الرهن له كما اذا أسلف ماله مع ظهور الغبطة أو خيف على ماله من غرق أو نهب والمراد بالصحة هنا الجواز بالمعنى الاعم. والمقصود منه الوجوب

(6)

وعلق على هذا فى شرائع الاسلام فقال

(7)

:

(ويجوز لولى الطفل رهن ماله اذا افتقر الى الاستدانة مع مراعاة المصلحة كأن يستهدم عقاره فيروم رمه أو يكون له أموال يحتاج الى الانفاق لحفظها من التلف والانتقاص فيرهن بذلك ما يراه من أمواله اذا كان استبقاؤه أعود) (ويجوز لولى اليتيم فى مصلحة اليتيم

(9)

وان رهن ماله الا مع ظهور الغبطة له)

(8)

.

‌مذهب الإباضية:

قال الإباضية: المراد بالولى الاب ومثله الوصى ونحوه يجوز الرهن من مال اليتيم فى مصلحة اليتيم

(9)

وان رهن له فى دين لابنه الطفل أو يتيم استخلف عليه وتفاوضا بعد ذلك تخالصا جاز

(10)

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 102 طبعة ادارة الطباعة المنيرية.

(2)

المرجع السابق ص 325 مسألة 1402 الطبعة السابقة.

(3)

البحر الزخار ج 4 ص 118.

(4)

شرح الأزهار ج 1 ص 536.

(5)

البحر الزخار ج 4 ص 82، 83 الطبعة السابقة.

(6)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 353 مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

(7)

ج 1 ص 195.

(8)

المرجع السابق.

(9)

النيل وشفاء العليل طبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه ج 5 ص 440.

(10)

المرجع السابق ج 5 ص 441 الطبعة السابقة.

ص: 176

وهذا يدل على جواز الاستدانة له ومنه للمصلحة.

‌أسباب الاستدانة وحكمها

للاستدانة أسباب منها الغرم والنفقة وبيان ذلك فى المذاهب على الوجه التالى:

‌أولا: الغرم

‌مذهب الحنفية:

الاولى للغارم أن يستقرض ان قدر عليه لا أن يأخذ من الصدقة ولا يلزمه ذلك لاحتمال عجزه عن الأداء.

والغارم من لزمه دين ولا يملك نصابا فاضلا عن دينه أو كان له مال على الناس لا يمكنه أخذه كذا فى التبيين ودفع الزكاة اليه أولى من الدفع الى الفقير.

قال الفقيه رحمة الله تعالى: لا بأس بأن يستدين الرجل اذا كانت له حاجة لا بد منها وهو يريد قضاءها ولو استدان دينا وقصد أن يقضيه فهو آكل السحت كذا فى القنية

(1)

.

‌مذهب المالكية:

قال المالكية (ان استدان لاخذ الزكاة كأن يكون عنده ما يكفيه وتوسع فى الانفاق بالدين لاجل أن يأخذ منها فلا يعطى منها لانه قصد مذموم بخلاف فقير تداين للضرورة ناويا الاخذ منها فانه يعطى منها لحسن قصده.

(2)

انظر مصطلح غرم.

والاستدانة جائزة لقوله تعالى: {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى .. )} وذلك اذا تداين فى غير سرف ولا فساد وهو يرى أن ذمته تفى بما يدان.

(وكل من أدان فى مباح وهو يعلم أن ذمته تفى بما ادان فغلبه الدين فلم يقدر على أدائه حتى توفى فعلى الامام أن يؤدى ذلك من بيت مال المسلمين أو من سهم الغارمين من الزكاة أو من الصدقات).

(وأما من ادان فى حق واجب لفاقته وعسره ولم يترك وفاء. فان الله لا يحبسه به عن الجنة لان فرضا على السلطان أن يؤدى عنه دينه من جملة الصدقات أو من سهم الغارمين أو الفئ)

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

قال الشافعية والغارمون أصناف:

صنف ادانوا فى مصلحتهم، أو معروف وغير معصية ثم عجزوا عن أداء ذلك فى العرض والنقد فيعطون فى غرمهم بعجزهم من مال الزكاة.

(1)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 188 الطبعة الثانية سنة 1310 هـ، تبيين الحقائق للزيلعى ج 1 ص 298 الطبعة السابقة سنة 1313 هـ، الفتاوى الهندية ج 5 ص 366 الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير ج 1 ص 555 الطبعة السابقة

(3)

الحطاب على خليل ج 5 ص 32 وما بعدها الطبعة الاولى سنة 1329 هـ.

ص: 177

وصنف ادانوا فى حمالات، واصلاح ذات بين معروف ولهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها أى أكثرها ان بيعت أضر ذلك بهم. وان لم يفتقروا فيعطى هؤلاء ما يوفر عروضهم

(1)

(من مال الزكاة).

وصنف ثالث وهو (من تداين لضمان بلا اذن وأعسر وحده أو باذن وأعسر مع الاصيل

(2)

يعطون أنصباء من مال الزكاة) انظر مصطلح غرم.

‌مذهب الحنابلة:

الغارم من غرم لاصلاح ذات بين أو من غرم لاصلاح نفسه فى مباح حتى فى شراء نفسه من الكفار كمن استدان فى نفقة نفسه وعياله أو كسوتهم وخرج بالمباح ما استدانه وصرفه فى معصية كشرب الخمر والزنا فيأخذ الغارم لنفسه ان كان عاجزا عن وفاء دينه

(3)

(انظر مصطلح غرم).

وهذا يدل على جواز الاستدانة فى كل مباح فضلا عن واجب أو مندوب.

‌مذهب الظاهرية:

والغارمون هم الذين عليهم ديون لا تفى أموالهم بها أو من تحمل بحمالة وان كان فى ماله وفاء بها فأما من له وفاء بدينه فلا يسمى فى اللغة غارما حدثنا عبد الله ابن ربيع

عن قبيصة بن المخارق قال تحملت حمالة فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم وسألته فيها فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها ثم قال:

يا قبيصة ان الصدقة لا تحل الا لثلاثة:

رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك. ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عين أو قواما من عيش. ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه. لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عين أو قواما من عيش وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتا يوم القيامة

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

الغارم كل مؤمن فقير لزمه الدين فى مصلحة لا تخصه كحقن الدماء ونحو ذلك من مصالح المسلمين وفى غير معصية فانه يعطى من الزكاة

(5)

(ومفاد هذا جواز الاستدانة لمثل هذه الامور).

والمضطر من بنى هاشم وهو الذى خشى التلف من الجوع أو نحوه اذا وجد الميتة والزكاة فانه يقدم أكل الميتة

(1)

الأم ج 2 ص 69 طبعة الشعب.

(2)

حاشية البرماوى ص 119 طبعة العامرة الشرفية.

(3)

كشاف القناع ج 1 ص 492 وما بعدها الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(4)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 150 الطبعة السابقة.

(5)

شرح الازهار ج 1 ص 514.

ص: 178

ولا يأكل الزكاة مهما وجد الميتة، فان كان تناول الميته يضره فانه يتناول من الزكاة على سبيل الاستقراض ويرد ذلك متى أمكنه

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى وسائل الشيعة الإمامية

(2)

:

(يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة دينهم كله بالغا ما بلغ اذا استدانوا فى غير سرف فلو استدانوا وأنفقوا فى معصية منعوا من سهم الغارمين وجاز من سهم الفقراء ان كانوا منهم بعد التوبة ان اشترطناها أو من سهم سبيل الله).

‌مذهب الإباضية:

الغارم هو المدين بلا سرف وفساد وان لم يحل أجل الدين أو كان بتباعة للمخلوق (حقوق العباد) أو احتياط أو كفارة مغلظة ولو كفارة ظهار أو مرسلة ودينار الفراش وغير ذلك من الكفارات أو نذر أو غير ذلك كزكاة لزمته ولم يجد من أين يؤديها وكحج كذلك يعطى قدر ما عليه

(3)

، ويعطى صدقة من أتى زوجته فى حيضها وهذا يدل على جواز الاستدانة فى مثل هذه الامور.

‌ثانيا: الاستدانة للنفقة

‌مذهب الحنفية:

نفقة الزوجة واجبة على زوجها فاذا عجز لا يفرق بعجزه عن النفقة وتؤمر بالاستدانة عليه

(4)

.

ولو استدانت على الزوج قبل الفرض والتراضى فأنفقت فلا ترجع بذلك على زوجها بل تكون متطوعة بالانفاق سواء كان الزوج غائبا أو حاضرا. ولو أنفقت من مالها بعد الفرض أو التراضى لها أن ترجع على الزوج وكذا اذا استدانت على الزوج سواء أكانت استدانتها باذن القاضى أو بغير اذنه غير أنها ان كانت بغير اذن القاضى كانت المطالبة عليها خاصة - ولم يكن للغريم أن يطالب الزوج بما استدانت وان كانت باذن القاضى لها أن تحيل الغريم على الزوج فيطالبه بالدين هكذا فى البدائع. واذا فرض القاضى لها على الزوج كل شهر كذا أو تراضيا على نفقة كل شهر فمضت أشهر ولم يعطها شيئا من النفقة. وقد كانت استدانت فأنفقت أو أنفقت من مال نفسها ثم مات أو ماتت المرأة سقط ذلك كله عندنا.

وكذا لو طلقها فى هذا الوجه يسقط ما اجتمع عليه من النفقات بعد فرض القاضى. هذا الذى ذكرنا اذا فرض لها القاضى النفقة ولم يأمرها بالاستدانة. وأما اذا أمرها بالاستدانة على الزوج فاستدانت ثم مات أحدهما فلا يبطل ذلك

(5)

ثم قال

(1)

شرح الازهار ج 1 ص 522 وما بعدها.

(2)

ج 4 ص 208 الطبعة السابقة.

(3)

النيل وشفاء العليل ج 2 ص 135 الطبعة السابقة.

(4)

تبيين الحقائق للزيلعى ج 3 ص 54 الطبعة السابقة 1313.

(5)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 551 الطبعة السابقة.

ص: 179

الزيلعى وفى شرح المختار المرأة المعسرة اذا كان زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسر أو أخ موسر فنفقتها على زوجها ويؤمر الابن أو الاخ بالانفاق عليها ويرجع به على الزوج اذا أيسر ويحبس الابن أو الاخ اذا امتنع لان هذا من المعروف فتبين بهذا أن الاستدانة لنفقتها اذا كان الزوج معسرا، وهى معسرة تجب على كل من كانت تجب عليه نفقتها لولا الزوج

(1)

.

فان قال رجل لغيره استدن على امرأتى وأنفق عليها كل شهر كذا فقال المأمور انفقت وصدقته المرأة لا يرجع المأمور بذلك على الزوج الا أن يكون القاضى فرض لها كل شهر عشرة دراهم فاذا أقرت المرأة أن المأمور أنفق عليها قبل قولها لانها أخذت بقضاء القاضى أما فى الوجه الاول انما أخذت لتوجب على زوجها دينا فلا يقبل قولها وكذا هذا فى الولد الصغير

(2)

.

ولو كان الرجل غائبا فاستدانت المعتدة ثم قدم الغائب بعد انقضاء العدة لم يكن ذلك على الرجل فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الآخر

(3)

.

واذا فرض القاضى نفقة المعتدة فى عدتها وقد استدانت على الزوج أو لم تستدن ثم انقضت عدتها قبل أن تقبض شيئا من الزوج، فان استدانت بأمر القاضى كان لها الرجوع بذلك على الزوج وان استدانت بغير أمر القاضى أو لم تستدن أصلا.

قيل تسقط وهو الصحيح هكذا فى جواهر الاخلاطى

(4)

.

وتفرض النفقة فى مال الغائب بشرط أن يقر من عنده المال بالمال والزوجية، وكذا يشترط اقرار من عنده المال بالنسب. وكذا اذا علم القاضى ولم يعترف به. وقال زفر: لا يدفع اليها من الوديعة.

وتؤمر بالاستدانة عليه. لان المودع مأمور بالحفظ دون الدفع. ولنا: أن صاحب اليد اذا كان مقرا بالمال والزوجية والنسب فقد أقر لهم بحق الاخذ لان لهم أن يأخذوا بأيديهم من ماله بغير رضاه واقرار صاحب اليد مقبول فى حق نفسه لا سيما هنا

(5)

.

(1)

فى تبيين الحقائق للزيلعى ج 3 ص 55 الطبعة السابقة.

(2)

الفتاوى الخانية هامش الفتاوى الهندية ج 1 ص 427 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 441، 442 الطبعة السابقة.

(4)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 559 الطبعة السابقة.

(5)

تبيين الحقائق ج 3 ص 59 الطبعة الاولى سنة 1313 المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر المعزية.

ص: 180

وتسقط بالنشوز النفقة المفروضة يعنى اذا كان لها عليه نفقة أشهر مفروضة ثم نشزت، سقطت تلك الاشهر الماضية بخلاف ما اذا أمرها بالاستدانة فاستدانت عليه فانها لا تسقط

(1)

وسقوط المفروضة منصوص عليه فى الجامع. أما المستدانة فذكر فى الذخيرة أنه يجب أن يكون على الروايتين فى سقوطها بالموت. والاصح منها عدم السقوط

(2)

.

‌الاستدانة فى نفقة الاولاد:

جاء فى الفتاوى الخانية

(3)

أن الرجل اذا كان معسرا وله ولد صغير فان كان الرجل يقدر على الكسب يجب عليه أن يكتسب وينفق على ولده. وان كان لا يقدر على الكسب يفرض القاضى عليه النفقة ويأمر الام حتى تستدين على زوجها ثم ترجع بذلك على الاب اذا أيسر. وكذا لو كان الاب يجد نفقة الولد ويمتنع من الانفاق يفرض القاضى عليه النفقة ثم ترجع الام عليه بذلك اذا أنفقت وكذا لو فرض القاضى على الاب نفقة الولد فتركه الاب بلا نفقة فاستدانت الام وأنفقت بأمر القاضى كان لها أن ترجع بذلك على الاب ويحبس الاب بنفقة الولد وان كان لا يحبس بسائر ديونه - ولو فرض القاضى النفقة على الاب فلم تستدن الام. وأكل الولد بمسألة الناس لا ترجع على الاب بشئ وان حصل له بمسألة الناس نصف الكفاية يسقط نصف النفقة عن الاب. وتصح الاستدانة بالنصف الباقى.

وان كان القاضى بعد ما فرض نفقة الاولاد أمرها بالاستدانة. فاستدانت حتى يثبت لها حق الرجوع على الاب فمات الاب قبل أن يؤدى لها هذه النفقة هل لها أن تأخذ من ماله ان ترك مالا؟ ذكر فى الاصل أن لها ذلك وهو الصحيح.

وأما اذا لم يأمرها بالاستدانة فاستدانت ثم مات الزوج قبل أن يؤدى اليها ذلك ليس لها أن تأخذ من ماله ان ترك مالا بالانفاق كذا فى الذخيرة

(4)

.

نفقة الاقارب: لو قضى بنفقة القريب ومضت مدة سقطت الا أن يأذن القاضى بالاستدانة ويستدين بالفعل فحينئذ يرجع المستدين على المفروض عليه ولا يكون مضى المدة مسقطا لما استدان

(5)

.

‌مذهب المالكية:

تستدين المرأة نفقتها على زوجها باذن القاضى اذا لم يكن له مال حاضر وليس للأبوين ذلك

(6)

.

(1)

ابن عابدين ج 2 ص 890 دار سعادات سنة 1324 هـ.

(2)

المرجع السابق ص 890 الطبعة السابقة.

(3)

هامش الفتاوى الهندية ج 1 ص 446، 447 الطبعة السابقة.

(4)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 562 الطبعة السابقة.

(5)

الزيلعى ج 3 ص 65.

(6)

من الحطاب على خليل 4 ص 202 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ.

ص: 181

‌مذهب الشافعية:

جاء فى الاقناع

(1)

(وان أعسر الزوج بنفقتها المستقبلة لتلف ماله مثلا، فان صبرت بها، وأنفقت على نفسها من مالها أو مما اقترضته صار دينا عليه، وان لم يفرضها القاضى كسائر الديون المستقرة فان لم تصبر فلها فسخ النكاح لقوله تعالى {(فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)} فان عجز عن الاول تعين الثانى.

‌الاستدانة على الغائب:

جاء فى مغنى المحتاج

(2)

(لو كان الزوج غائبا فللزوجة أن يقترض عليه لنفقتها.

لا لفطرتها لانها تتضرر بانقطاع النفقة بخلاف الفطرة. ولان الزوج هو المخاطب باخراجها وهكذا الحكم فى الاب الزمن والمراد العاجز).

‌الاستدانة لنفقة القريب:

نفقة القريب تجب على سبيل المواساة والمعتبر فيها الكفاية ولا تصير دينا فى ذمته الا باقتراض قاض بنفسه أو مأذونه لغيبة أو منع أو نحو ذلك كما لو نفى الاب الولد فأنفقت عليه أمه ثم استلحقه فان الام ترجع عليه بالنفقة. وكذا لو لم يكن هناك حاكم واستقرضت الام عن الاب وأشهدت فعليه قضاء ما استقرضته. أما اذا لم تشهد فلا رجوع لها وللقريب أخذ نفقته من مال قريبه عند امتناعه ان وجد جنسها وكذا ان لم يجده فى الاصح وله الاستقراض ان لم يجد له مالا وعجز عن القاضى. ويرجع ان أشهد كجد الطفل المحتاج وأبوه غائب مثلا

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌استدانة الحامل:

تسقط نفقة حمل بمضى الزمان كسائر الاقارب. قال فى المقنع مالم تستدن حامل على أبيه باذن حاكم أو تنفق بنية الرجوع انتهى. فترجع لتقويتها فى الاولى باذن الحاكم ولادائها عنه واجبا فى الثانية وفيه شئ

(4)

.

‌استدانة الزوجة على زوجها الغائب:

جاء فى منتهى الارادات على كشاف القناع

(5)

(غاب موسر عن زوجته وتعذرت نفقته عليها بأن لم يترك لها نفقة ولم يقدر له على مال، ولم يمكنها تحصيل نفقتها باستدانة أى اقتراض وغيرها فلها الفسخ لتعذر الانفاق عليها من ماله كحال الاعسار بل أولى. ولان

(1)

فى حل ألفاظ أبى شجاع للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 2 ص 189 مطبعة دار أحياء الكتب العربية لاصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر

(2)

للعلامة الخطيب الشربينى ج 1 ص 393 الطبعة السابقة.

(3)

الاقناع للشيخ الشربينى الخطيب ج 2 ص 187 الطبعة السابقة وقليوبى وعميرة ج 4 ص 85، 86 طبعة محمد على صبيح وأولاده بميدان الازهر بمصر.

(4)

منتهى الارادات على كشاف القناع ج 3 ص 352 الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(5)

ج 2 ص 356 الطبعة السابقة.

ص: 182

فى الصبر ضررا أمكن ازالته بالفسخ فوجبت ازالته دفعا للضرر ولا يصح الفسخ بلا حاكم فيفسخ الحاكم بطلبها أو تفسخ بأمر الحاكم للاختلاف فيه كالفسخ للعنة.

وتوقفه على طلبها. لانه لحقها فان فرق بينهما فهو فسخ لا رجعة فيه كتفريقه للعنة) (ولو غاب زوج فاستدانت زوجة لها ولاولادها الصغار ونحوهم رجعت نصا. ولعله لتبعية نفقة أولادها لنفقتها

(1)

‌استدانة القريب على قريبه للنفقة:

نفقة الاقارب غير واجبة الا بفرض الحاكم ومن ترك ما وجب عليه من نفقة قريب أو عتيق مدة لم يلزمه شئ لما مضى لأنها مواساة. أطلقه الاكثرون وجزم به فى الفصول. وذكر بعضهم منهم الموفق الا بفرض الحكم لتأكده بفرضه.

وزاد غير ذلك البعض وأذن الحاكم فى النفقة لمن وجبت له النفقة فى استدانة. قال فى المحرر: وأما نفقة أقاربه فلا يلزمه لما مضى.

وان فرضت الا أن يستدين عليه باذن حاكم

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم أن نفقة الزوجة تجب على الزوج القادر، فاذا منعها أصبحت دينا فى ذمته فان غاب ولم يترك لها نفقتها واستدانت فان زوجها يؤخذ بالسداد. واستدل ابن حزم بما روى من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد قال: سئل ابن شهاب عن المرأة تنفق على نفسها من الذى لها وتتسلف قال: نرى أن يؤخذ به زوجها بالسداد الا أن يكون له بينة أنه وضع لها ما يصلحها.

وعلق على ذلك ابن حزم فقال: هذا هو الحق

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(4)

وله - أى للحاكم - أن يستدين عنه أى الزوج المتمرد وعن الغائب وليس للحاكم أن يبيع عليه ما يستثنى للمفلس، أى ما لا يجوز بيعه فى دين المفلس كبيت السكنى وعبد الخدمة وأدوات المهنة ونحو ذلك ويلزم الزوج المقل نفقة زوجته بأى وجه أمكنه من تكسب باجارة فيما يليق به ليس متعبا فوق المعتاد أو مسألة أو استدانة والحيلة فى عدم سقوط نفقة المعسر عند تمرد القريب الموسر أن يأمر الحاكم المعسر ان يستقرض مقدار قوته كل يوم مضيفا القرض لفظا للغائب ثم ينفق على نفسه

(5)

.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 359 الطبعة السابقة.

(2)

منتهى الارادات على كشاف القناع ج 2 ص 359 الطبعة السابقة.

(3)

المحلى لأبن حزم ج 10 ص 92، 93.

(4)

ج 2 ص 285، 286 الطبعة الأولى سنة 1366 هـ، سنة 1947 م طبعة دار أحياء الكتب العربية لاصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 292 الطبعة السابقة.

ص: 183

‌استدانة الارقاء:

جاء فى التاج المذهب فان أنصف والا تكسب بقدر ما يستطيع من الخدمة فينفق على نفسه ويدفع الفضلة الى سيده.

فان نقص كسبه عن الانفاق استقرض الحاكم التوفية. ويرجع بها على السيد متى أمكن لان التوفية لا تسقط عنه والا يكن العبد قادرا على التكسب ولم ينفق عليه سيده كلف ازالة ملكه بعتق أو بيع أو نحوهما. فان تمرد السيد عن ذلك. فالحاكم يبيعه أو يكاتبه أو يستدين له على السيد أو ينفق عليه من الزكاة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

من كتاب مفتاح الكرامة لو استدانت الزوجة النفقة الواجبة. وجب على الزوج دفع عوضه كما فى النهاية وجامع الشرائع والتذكرة. لان المتبادر من دفع العوض دفعه الى المدين وهو قول الشيخ فى النهاية وجب عليه القضاء عنها. وفى الخبر يقضى عنها ما استدانت بالمعروف وقال فى السرائر:

الواجب على الزوج تسليم النفقة بالمعروف الى المرأة ثم تقضى هى ما استدانت وان قضاء الدين واجب عليها دون الزوج وقال ان كلام ابن ادريس هو المتجه وان كان العدول عن ظاهر الرواية لا يخلو عن شئ.

ومن الشائع الذائع عرفا أن من دفع الى شخص مالا ليقضى به دينه. يقال انه قضى دينه ودفع عوض دينه وعليه تحمل الرواية. وكلام النهاية وغيرها وفى الدروس أنه يقضى نفقة الزوجة استدانتها أم لا. أذن فى الاستدانة أم لا ولا تقضى نفقة الاقارب مطلقا الا مع اذنه أو اذن الحاكم ونحوه ما فى حواشى الكتاب .. قلت وجه الفرق: ان نفقة الزوج حق مالى كالعوض اللازم فى المعاوضة. ونفقة الاقارب انما وجبت على طريق المواساة وسد الخلة لا للتمليك فلا تستقر فى الذمة وانما يأثم بتركها

(2)

ولو قدرها الحاكم لان التقدير لا يفيد الاستمرار. نعم لو أذن الحاكم للقريب فى الاستدانة لغيبته أو مدافعته بها أو أمره الحاكم بالانفاق قضى لانها تصير دينا فى الذمة بذلك

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

يرى الإباضية أن نفقة الزوجة تلزم زوجها ويجبره الحاكم على نفقتها ان امتنع بضرب حتى ينفق أو يطلق

(4)

. وان غاب الزوج عنها وطلبت أولياءه أن يستخلفوا عنه من يمونها من مال زوجها فلها ذلك وله حجته اذا قدم وبين أنه ترك لها النفقة.

وان كان هو قد استخلف عنه خليفة فلا يستخلف أولياؤه عنه خليفة آخر لينفق عليها بل يقوم خليفته بالانفاق عليها ..

(1)

المرجع السابق ص 294 الطبعة السابقة.

(2)

ج 5 ص 19.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 144.

(4)

شرح النيل ج 3 ص 302.

ص: 184

ومن هرب عن زوجته وطلبت أولياءه أن يأتوا به فلها عليهم ذلك ان كان فى الحوزة (أى فى الامكان) والا فلها عليهم النفقة من ماله ولها أن تطلب من الحاكم أن يجعل لها عليه ولو كان فى الحوزة ما يمونها يقدره لها ان لم يترك زوجها ما يمونها فرارا من حقوقها وتنفق من مالها أو بدين أو من حيث تيسر ويجبره الحاكم على أداء ما أنفقت من ذلك بالحبس حتى يؤديه اذا قدم وهذا اذا لم يترك مالا

(1)

.

‌من له حق الاستدانة

؟

الاستدانة حق للحاكم بحكم ولايته العامة والناظر على الوقف. والاب أو الوصى وبيان هذا يتضح من الآتى:

‌مذهب الحنفية:

‌استدانة الحاكم

جاء فى الفتاوى الهندية على الامام أن يجعل بيت المال أربعة أقسام لكل نوع من المال بيت يوضع فيه لان لكل نوع حكما يختص به لا يشاركه مال آخر فيه فان لم يكن فى بعضها شئ فللامام أن يستقرض عليه مما فيه مال. فان اسقرض من بيت مال الصدقة على بيت مال الخراج. فاذا أخذ الخراج يقضى المستقرض من الخراج الا أن يكون المقاتلة فقراء، لان لهم حظا فيهما. فلا يصير قرضا وان استقرض على بيت مال الصدقات من بيت مال الخراج وصرفه الى الفقراء لا يصير قرضا عليهم لان الخراج له حكم الفئ والغنيمة وللفقراء حظ فيهما وانما لا يعطى لهم لاستغنائهم بالصدقات

(2)

.

‌استدانة ناظر الوقف:

لا تجوز الاستدانة على الوقف اذا لم يأمر الواقف بذلك الا اذا احتيج اليها لمصلحة الوقف كتعمير وشراء بذر أو طلب خراج أو جباية من القيم وليس فى يده شئ من مال الوقف فيجوز له أن يستدين بشرطين الاول اذن القاضى اذا كان قريبا منه فلو كان بعيدا يستدين بنفسه والثانى: أن لا تتيسر اجارة عين الوقف والصرف من الاجرة

(3)

وجاء فى الفتاوى الهندية

(4)

قيم وقف طلب منه الخراج والجبايات. وليس فى يديه شئ من مال الوقف فأراد أن يستدين. قال: ان أمر الواقف بالاستدانة.

له ذلك وان لم يأمره تكلموا فيه. والاصح أنه ان لم يكن له بد منه يرفع الامر الى القاضى حتى يأمر بالاستدانة كذا قال الفقيه - رحمه الله تعالى - ثم يرجع فى الغلة كذا فى المضمرات.

‌مذهب المالكية:

قال المالكية كل من ادان فى مباح وهو يعلم ان ذمته تفى بما ادان. فغلبه الدين فلم يقدر على أدائه حتى توفى. فعلى الامام أن يؤدى ذلك من بيت مال المسلمين أو من سهم الغارمين من الزكاة أو من

(1)

نفس المرجع ج 3 ص 306.

(2)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 191.

(3)

الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 3 ص 580 طبعة استانبول والفتاوى الهندية ج 2 ص 424 الطبعة الثانية الاميرية.

(4)

ج 2 ص 424 الطبعة الثانية.

ص: 185

الصدقات محلها: ان رأى ذلك على مذهب مالك الذى يرى أنه ان جعل الزكاة كلها فى صنف واحد أجزاه وقد قيل انه لا يجوز أن يؤدى دين الميت من الزكاة. فعلى هذا القول انما يؤدى الامام دين من مات من الفئ

(1)

وجاء فى بلغة السالك

(2)

(وللناظر أن يقترض لمصلحة الوقف من غير اذن الحاكم ويصدق فى ذلك).

‌مذهب الشافعية:

جاء فى قليوبى على الجلال وعميره (وله - والناظر - الاقتراض على الوقف، ولو من ماله عند الحاجة ان شرط الواقف.

أو اذن فيه الحاكم

(3)

.

وجاء فى شرح الجلال المحلى لو هرب المؤجر بها أى بالعين المؤجرة فان كانت الاجارة فى الذمة اكترى الحاكم عليه من ماله فان لم يجد له مالا اقترض عليه واكترى. فان تعذر الاكتراء عليه فللمستأجر الفسخ. وان كانت اجارة عين فله الفسخ كما اذا ندت الدابة

(4)

.

وفى الاقناع: ان لم يوجد مع لقيط

(5)

- مال ولا عرف له مال فنفقته حينئذ من بيت المال من سهم المصالح فان لم يكن فى بيت المال مال أو كان ثم ما هو أهم منه اقترض عليه الحاكم فان عسر الاقتراض وجب على موسرينا قرضا بالقاف عليه ان كان حرا والا فعلى سيده. وجاء فى المرجع السابق أيضا: وعليه - اللاقط - مؤنة التعريف ان قصد تملكا ولو بعد لقطة للحفظ أو مطلقا وان لم يتملك لوجوب التعريف عليه فان لم يقصد التملك كان لقط لحفظ أو أطلق ولم يقصد تمليكا أو اختصاصا فمؤنة التعريف على بيت المال أو على مالك بأن يرتبها الحاكم فى المال أن يقترضها على المالك من اللاقط أو غيره أو يأمره بصرفها ليرجع على المالك أو يبيع بعضها أن رآه وانما لم تلزم اللاقط لان الحظ للمالك فقط

‌مذهب الحنابلة:

قال الحنابلة: وللناظر استدانة على الوقف بلا اذن حاكم كسائر تصرفاته لمصلحة كشرائه للوقف نسيئة أو بنقد لم يعينه. لان الناظر مؤتمن مطلق التصرف فالاذن والائتمان ثابتان

(6)

وحكم المدين الغائب حكم الممتنع من الوفاء فيبيع الحاكم عليه ويوفى الدين لان له ولاية مال الغائب

(7)

.

‌هرب الجمال أو مات

فمن ينفق على الجمال

؟

واذا هرب وترك جماله فان المكترى يرفع الامر الى الحاكم فان وجد للجمال مالا استأجر به من يقوم مقامه فى الانفاق على الجمال والشد عليها. وفعل ما يلزم الجمال فان لم يجد له غير الجمال وكان فيها فضلة عن الكراء باع بقدر ذلك وان لم

(1)

الشرح الكبير ج 1 ص 555.

(2)

ج 2 ص 282.

(3)

ج 3 ص 109 الطبعة السابقة.

(4)

حاشية قليوبى وعميره ج 3 ص 85.

(5)

الاقناع ج 2 ص 92 الطبعة السابقة.

(7،6)) المغنى والشرح الكبير ج 6 ص 97 وما بعدها، ج 2 ص 161.

كشاف القناع ج 2 ص 455 الطبعة الاولى

ص: 186

يكن فيها فضل أو لم يمكن بيعه اقترض عليه الحاكم. وان ادان من المكترى وأنفق جاز وان أذن للمكترى فى الانفاق من ماله بالمعروف ليكون دينا على الجمال جاز لانه موضع حاجة فاذا رجع واختلفا فيما أنفق وكان الحاكم قدر النفقة قبل قول المكترى فى ذلك دون ما زاد

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

قال الزيدية وللحاكم ومتولى المسجد ونحوه الاقتراض مما لهم الولاية عليه وللامام الاقتراض من الزكاة لنفسه أو لمصرف آخر اذا احتاج الى ذلك ويقترض الزكاة لبيت المال ويقبض ذلك ويصرفه فى هاشمى يحل له بيت المال

(2)

ويجوز أن يستقرض - المتولى - من نفسه بذرا للوقف

(3)

وجاء فى التاج المذهب

(4)

وله - الحاكم - ان يستدين عن الزوج المتمرد وعن الغائب.

‌مذهب الإمامية:

يجوز للولى أن يستدين لمصلحة الصغير فقد جاء فى شرائع الاسلام ويجوز لولى الطفل رهن ماله اذا افتقر الى الاستدانة مع مراعاة المصلحة

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل جاز لقائم مسجد.

أن يتسلف من الناس ما يصلح للمسجد الى الى أن يرد مال المسجد ويرد مثله أو قيمته من مال المسجد. وجائز له أن يتسلف من مال المسجد لنفسه بمحضر المسلمين ومشورتهم ولا يسلف غيره من مال المسجد

(6)

.

‌الاقرار بالاستدانة

‌مذهب الحنفية:

‌اقرار المحجور عليه بالاستدانة

بعد اذنه فى التجارة:

اذا أذن لعبده فى التجارة ثم حجر عليه ثم اذن له فأقر بعد ذلك أنه كان استقرض من هذا ألف درهم فى حال اذنه الاول وقبضها منه أو أقر أن هذا الرجل كان استودعه فى حال اذنه الاول وديعة واستهلكها وصدقه بذلك رب المال فانه يؤاخذ به للحال

(7)

وفى جامع الفصولين أقر الوصى فى كتابه عبد اليتيم أو أقر بالاستدانة لاجل اليتيم لا يصح اقراره، أما لو كاتب العبد أو استدان يصح وهذا كله بالاتفاق

(8)

.

واذا أقر أحد شريكى العنان أنه استقرض من فلان ألف درهم لتجارتهما لزمه خاصة كذا فى المحيط وفى العيون الا أن يقيم البينة فان أقام البينة فالمقرض يأخذ من المستقرض ثم يرجع المستقرض على شريكه كذا فى التتار خانية. فان أذن كل واحد منهما صاحبه بالاستدانة عليه لزمه خاصة حتى كان للمقرض أن يأخذ منه وليس

(1)

المغنى والشرح الكبير ج 6 ص 103، 104 الطبعة السابقة.

(2)

حواشى شرح الازهار ج 1 ص 523.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 494.

(4)

ج 2 ص 285 الطبعة الأولى.

(5)

شرائع الإسلام ج 1 ص 195.

(6)

شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 740 الطبعة السابقة.

(7)

الفتاوى الهندية ج 5 ص 90.

(8)

آداب الاوصياء من جامع الفصوليين ج 2 ص 208 الطبعة السابقة.

ص: 187

له أن يرجع على شريكه وهو الصحيح كذا فى المضمرات

(1)

والظاهر ان هذا فى حالة ما اذا أنكر الآخر الاستقراض ولم يثبت بالبينة وليس لواحد منهما أن يخاصم فيما أدانه الآخر أو باعه والخصومة للذى باعه وعليه. وليس على الذى لم يل من ذلك شئ ولا تسمع عليه بينة فيه ولا يستخلف وهو والاجنبى فى هذا سواء كذا فى السراج الوهاج

(2)

.

والوصى على اليتيم له أن يستدين لمصلحة اليتيم ولكن لو أقر بالاستدانة لا يصح اقراره فقد نقل فى أدب الاوصياء بالمبسوط أقر الوصى بكتابة عبد اليتيم أو أقر بالاستدانة لاجل اليتيم لا يصح اقراره، أما لو كاتب العبد أو استدان فانه يصح وهذا كله بالاتفاق

(3)

انظر مصطلح (اقرار).

ولو أقر رجل فقال استقرضت من فلان ألفا زيوفا أو قال ألفا نبهرجه وأنفقها وادعى المقرض أنها كانت جيادا.

قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى: - القول قول المستقرض فى النبهرجة والزيوف اذا وصل ولا يصدق اذا فصل

(4)

.

‌مذهب المالكية:

قال لمن طالبه بدين وفيته فهو اقرار بأنه تداين منه، ودعوى التوفية تحتاج الى بينة أو اقرار من المدعى بها. أو قال أليس أقرضتنى ألفا فهو اقرار

(5)

انظر مصطلح اقرار.

فان أقر واحد من الشريكين بدين مثلا تدايناه حال شركتهما. وأنه باق فى ذمتهما وكان اقراره بعد تفرق بينهما عن الشركة أو أقر به بعد موت شريكه وأنكر شريكه أو وارثه فهو المقر الشاهد فى غير نصيب المقر.

فان كان عدلا فللمقر له اقامة آخر معه أو الحلف. ويستحق نصيب غير المقر. وأما المقر فيؤخذ باقراره فيستحق المقر له نصيب المقر بمجرد اقراره

(6)

.

‌مذهب الشافعية:

قال الشافعية وما أقر به الحران - الرجل والمرأة - البالغان غير المحجورين فى أموالهما بأى وجه أقرا به لزمهما كما أقرا به. وما أقر به الحران المحجوران فى أموالهما لم يلزم واحدا منهما فى حال الحجر ولا بعده

(1)

الفتاوى الهندية ج 2 ص 324 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ص 325.

(3)

آداب الاوصياء هامش جامع الفصوليين ج 2 ص 208 الطبعة السابقة.

(4)

الفتاوى البزازية هامش الفتاوى الهندية ج 2 ص 254 الطبعة الثانية.

(5)

جواهر الاكليل ج 2 ص 133.

(6)

المرجع السابق 2 ص 118.

ص: 188

فى الحكم فى الدنيا ويلزمهما فيما بينهما وبين الله عز وجل تأديته اذا خرجا من الحجر الى من أقر له به وسواء من أى وجه كان ذلك الاقرار اذا كان لا يلزم الا أموالهما بحال

(1)

وان

(2)

أقر فى صحته بدين لانسان.

وفى مرضه بدين لآخر لم يقدم الاول بل يتساويان. كما لو أقر بهما فى الصحة أو المرض. ولو أقر فى صحته أو مرضه بدين لرجل وأقر وارثه بعد موته بدين لآخر لم يقدم الاول فى الاصح لان اقرار الوارث كاقرار المورث فكأنه أقر بالدينين. والثانى من وجهين لاصحاب الشافعى يقدم الاول لانه بالموت تعلق بالتركة فليس للوارث صرفها عنه.

وقال الشافعى فى الشريكين يفلس أحدهما لا يلزم الشريك الآخر من الدين شئ الا أن يقر أنه ادانه له باذنه أولهما معا فيكون كدين أدانه له باذنه بلا شركة كانت

(3)

.

‌اقرار العبد:

ولو أقر بدين جناية لا توجب عقوبة كجناية الخطأ واتلاف المال فكذبه السيد فى ذلك تعلق بذمته دون رقبته يتبع به اذا عتق. وان صدقه السيد تعلق برقبته فيباع فيه الا أن يفديه السيد بأقل الامرين من قيمته وقدر الدين واذا بيع وبقى شئ من الدين لا يتبع به اذا اعتنق. وان أقر بدين معاملة لم يقبل على السيد ان لم يكن مأذونا له فى التجارة بل يتعلق المقر به بذمته يتبع به اذا عتق صدقه السيد أم لا. ويقبل على السيد ان كان مأذونا له فى التجارة ويؤدى من كسبه وما فى يده الا أن يكون المقر به مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض فلا يقبل على السيد. ولو أقر بعد حجر السيد عليه بدين معاملة اضافه الى حال الاذن لم تقبل اضافته فى الاصح وقبل الحجر. لو اطلق الاقرار بالدين لم ينزل على دين المعاملة فى الاصح

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

المورث ان أقر فى صحته صح لان الدين لا يتعلق بماله. وان أقر فى مرضه لم يحاص المقر له غرماء الصحة لذلك وان أقر فى مرضه لغريم يستغرق تركته دينه ثم أقر لآخر فى مجلس آخر فالفرق بينهما أن اقراره الاول لم يمنعه التصرف فى ماله ولا أن يعلق به دينا آخر بأن يستدين دينا آخر فلم يمنع ذلك تعليق الدين بتركته بالاقرار بخلاف الوارث فانه لا يملك أن يعلق بالتركة دينا آخر بفعله فلا يملكه بقوله. ولا يملك التصرف فى التركة ما لم يلتزم قضاء الدين

(5)

وما استدان شريك بدون اذن شريكه باقتراض أو شراء بضاعة ضما الى مال الشركة أو بثمن نسيئة ليس عنده

(1)

الام ج 3 ص 208 طبعة الشعب.

(2)

قليوبى وعميره ج 3 ص 3، 4 الطبعة السابعة.

(3)

الأم ج 3 ص 179 طبعة الشعب.

(4)

قليوبى وعميره ج 3 ص 3 الطبعة السابقة

(5)

المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 334.

ص: 189

من جنسه غير النقدين فعلى المستدين وحده المطالبة بما استدانه وربحه له

(1)

‌مذهب الظاهرية:

يرى الظاهرية أنه اذا أقر البالغ العاقل غير المكره اقرارا تاما ولم يصله بما يفسده لزمه وإقرار المريض فى مرض موته وفى مرض أفاق منه لوارث ولغير وارث نافذ من رأس المال كاقرار الصحيح ولا فرق فعن الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر أنه قال: اذا أقر المريض فى مرضه بدين لرجل فانه جائز. فعم ولم يخصص

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل أقر لوارث بدين فى مرضه أيجوز ذلك؟ قال: نعم اذا كان مليا انظر اقرار

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

يرى الإباضية أن اقرار البالغ العاقل بدين جائز ولو لوارث فى مرض أو صحة ويتحاص الوارث المقر له وغير الوارث

(4)

.

الا اقرار المكره والمحجور عليه فى ماله.

والمفلس فانه لا يجوز عليه اقرارهم فى أموالهم. واقرار العبد لا يجوز الا ان جوزه مولاه.

‌الاستدانة للزكاة

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن الشخص ان وجب عليه الزكاة ولم يؤدها ثم أراد أن يؤديها وليس مال يؤدى منه فأراد أن يستقرض فان كان فى أكبر رأيه اذا استقرض وأدى الزكاة واجتهد لقضاء دينه يقدر على ذلك كان الافضل له أن يستقرض فان استقرض وأدى ولم يقدر على قضاء الدين حتى مات يرجى أن يقضى الله تعالى دينه فى الآخرة وان كان أكبر رأيه أنه اذا استقرض لا يقدر على قضاء الدين كان الافضل له ألا يستقرض لان خصومة صاحب الدين أشد

(5)

.

‌حكم غير المستطيع اذا استدان وحج

‌مذهب الحنفية:

جاء فى سياق الاستطاعة للحج بالنسبة للمرأة «تجب عليها النفقة فى مالها للمحرم ليحج بها وعند وجود المحرم كان عليها أن تحج حجة الاسلام وأن يأذن لها زوجها وفى النافلة لا تخرج بغير اذن الزوج وان لم يكن لها محرم لا يجب عليها أن تتزوج للحج كذا فى فتاوى

(1)

منتهى الارادات على كشاف القناع ج 2 ص 204.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 254 مسألة 1380 الطبعة السابقة.

(3)

وسائل الشيعة ج 6 ص 378 الطبعة السابقة.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 141 وما بعدها الطبعة السابقة.

(5)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 256 الطبعة الثانية.

ص: 190

قاضيخان»

(1)

ولو وهب له مال ليحج به لا يجب عليه قبوله

(2)

واذا وجد ما يحج به وقد قصد التزوج يحج به ولا يتزوج لان الحج فريضة أوجبها الله تعالى على عبده كذا فى التبيين

(3)

وان كان الآفاقى فقيرا وتبرع ولده بالزاد والراحلة لا يثبت به الاستطاعة عندنا

(4)

ولا يجب على الفقير اكتساب المال لاجل الحج

(5)

أى بالاستدانة كما هو الظاهر فان استدان وحج فان كان أكبر ظنه القدرة على الوفاء كان خيرا والا فلا وجاء فى الفتاوى

(6)

الخانية عن محمد رحمه الله تعالى من عليه الحج اذا فرط ولم يحج حتى أتلف ماله ووسعه أن يستقرض الساعة فيحج وان كان لا يقدر على قضاء الدين وان مات قبل أن يقضى دينه قال أرجو أن لا يؤاخذ بذلك ولا يكون آثما اذا كان من نيته قضاء الدين اذا قدره.

‌مذهب الحنفية:

وقال الحنفية: «اذا أراد الرجل أن يحج بمال حلال فيه شبهة فانه يستدين للحج، ويقضى دينه من ماله. كذا فى فتاوى قاضيخان فى المقطعات

(7)

» - وجاء فى الفتاوى الهندية فى موضوع الحج عن الميت يقصد الوصية بالحج عنه (قال الوصى للحاج ان فنى المال فاستقرض وعلى قضاء الدين فهو جائز)

(8)

.

‌مذهب المالكية:

قال المالكية: من لا يمكنه الوصول الى مكة الا بأن يستدين مالا فى ذمته، ولا جهة وفاء له. فان الحج لا يجب عليه لعدم استطاعته. وهذا متفق عليه، وأما من له جهة وفاء فهو مستطيع. اذا كان فى تلك الجهة ما يمكنه به الوصول الى مكة وقدر على بيع ذلك. أما اذا كان ماله فى بلد بعيد لا يمكنه الوصول اليه فلا يلزمه أن يستدين الآن كما يفهم من كلام صاحب المدخل

(9)

، واذا عجز - الحاج - عن المال الحلال السالم من الشبهة والحرام.

فقال صاحب المدخل: فليقترض مالا حلالا يحج به. فان الله تعالى طيب لا يقبل الا طيبا. وفى منسك ابن جماعة الكبير وان اقترض للحج مالا حلالا فى ذمته.

وله وفاء به ورضى المقترض فلا بأس به

(1)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 219 الطبعة الثانية.

(2)

المرجع السابق ص 217.

(3)

المرجع السابق ص 217.

(4)

هامش الفتاوى الهندية ج 1 ص 283.

(5)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 283.

(6)

هامش الفتاوى الهندية ج 1 ص 284 الطبعة الثانية.

(7)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 220 الطبعة السابقة.

(8)

المرجع السابق ص 260 الطبعة السابقة.

(9)

الحطاب على خليل ج 2 ص 505، 506 الطبعة الاولى 1328.

ص: 191

فهذا ما لا بد منه. أعنى رضا المقرض. ومع ذلك فهو ورع فى حجة غير ورع فى قضاء دينه كمن يقترض مالا حلالا لينفقه ويقضيه من مال فيه شبهة

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

قال الشافعية: أخبرنا سعيد بن سالم .. عن عبد الله بن أبى أوفى صاحب النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:

سألته عن الرجل لم يحج. أيستقرض للحج؟ قال: لا. ومن لم يكن فى ماله سعة يحج بها من غير أن يستقرض فهو لا يجد السبيل. ولكن ان كان ذا عرض كثير فعليه أن يبيع بعض عرضه أو الاستدانة فيه حتى يحج. وظاهر أنه ان استقرض من لا يجد السبيل فان كان أكبر ظنه أنه يقدر على الوفاء كان خيرا وان مات حينئذ قبل أن يقضى فانه يرجى أن يقضى الله عنه وان كان أكبر ظنه أنه لا يقدر على الوفاء فقد عرض مال الغير للضياع

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

من ضمن الاستطاعة وجود محرم للمرأة معها ولا يلزمها تزوج من يحج بها وعلق على هذا فى هامش شرح الازهار

(3)

فقال:

كما لا يلزم لها الدين ثم قال: لا يجب قبول

(4)

الزاد من الامام ويجب قبول ثمن الماء من الامام للصلاة ولا يجب للحج والفرق أن الحج فرضه الله تعالى على من استطاع فلا يجب تحصيل الشرط.

‌مذهب الإمامية:

قال الإمامية: لا يجب الاقتراض للحج اذا لم يكن له مال. وان كان قادرا على وفائه بعد ذلك بسهولة لانه تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب - نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه فى الحج فعلا أو مال حاضر لا راغب فى شرائه أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلا قبل الاجل وأمكنه الاستقراض والصرف فى الحج ثم وفاؤه بعد ذلك.

فالظاهر وجوبه لصدق الاستطاعة حينئذ عرفا. الا اذا لم يكن واثقا بوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الاستقراض لعدم صدق الاستطاعة فى هذه الصورة وتجب الاستدانة عينا اذا تعذر بيع ماله وكان وافيا بالقضاء واذا قال: اقترض وحج وعلى دينك) ففى وجوب ذلك عليه نظر لعدم صدق الاستطاعة عرفا. نعم لو قال: اقترض لى وحج به وجب مع وجود المقرض كذلك

(5)

.

ويستحب لمن ليس له زاد وراحلة أن يستقرض ويحج اذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك

(6)

وفى

(1)

المرجع السابق 531.

(2)

الأم ج 2 ص 99 طبعة الشعب.

(3)

ج 2 ص 67 الطبعة الثانية.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 67 الطبعة السابقة.

(5)

مستمسك العروة الوثقى وهوامشها ج 10 من ص 77، 84، 131 وما بعدها الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 10 ص 327 الطبعة السابقة.

ص: 192

رواية موسى بن بكر الواسطى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يستقرض ويحج فقال ان كان خلف ظهره مال. فان حدث أدى عنه فلا بأس

(1)

.

‌استدانة المحجور

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن استدانة العبد باذن سيده جائزة حيث جاء فى الفتاوى الهندية

(2)

اذا اذن السيد - لعبد فى فى التجارة جاز. فان استدان العبد دينا يلزمه أما استدانته بغير اذن فموقوفة فقد جاء فى الفتاوى الخانية

(3)

العبد المحجور اذا اشترى شيئا بغير أمر مولاه فشراؤه موقوف وكذلك اذا باع شيئا من مال المولى أو مما وهب له أو أقر أنه رهن أو ارتهن أو أقرض أو استقرض فجميع ذلك موقوف ثم جاء فى الفتاوى الخانية

(4)

:

والعبد المحجور اذا استقرض مالا واستهلكه لا يؤاخذ به فى الحال ويؤاخذ به بعد العتق لان العبد من أهل الالتزام الا أنه لا يصح التزامه فى حق المولى فيصح فى حق نفسه. وتصرف المحجور عليه للسفه موقوف فيما لا تصح مع العزل كالتصرفات المالية لان فائدة الحجر عدم النفوذ لاحتمال أن يكون فيه مصلحة فان كان فيه مصلحة أجازه الحاكم والا رده كتصرف الصبى والمعتوه بل أولى لانه مكلف عاقل. وتصرف الصبى غير المميز والمجنون يقع باطلا اذ لا أهلية لهما. أما تصرفات الصبى المميز والمعتوه فانه ينفذ منها ما كان نفعا محضا له لقبول الهبة بدون عوض ويبطل ما كان ضررا محضا كالتبرع والهبة والعتق.

ويتوقف على اجازة الولى ما كان دائرا بين الضرر والنفع كالبيع والشراء

(5)

.

‌مذهب المالكية:

يرى المالكية أن: عبد الرجل اذا استدان دينا ولم يؤذن له فى التجارة لا يتبع بشئ من ذلك الا أن يعتق يوما ما فيتبع بما فى ذمته الا أن يكون سيده قد فسخ ذلك عنه وأعلن به

(6)

عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن أنه قال: يصير فى مال سيد العبد ما أدان لسيده من تجارة يستدين فيها بمال سيده فيها ويداين فيها بماله وكل ذلك يديره لسيده قد علم ذلك وأقر به

(7)

ومن استدان من المحجور عليه دينا بغير اذن وليه ثم فك حجره لم يلزمه ذلك فيمن حجر عليه لحق نفسه كالسفيه والصغير ولزمه فيمن حجر عليه لحق غيره كالعبد يعتق الا أن يفسخه عنه السيد قبل عتقه

(8)

. والمفلس

(1)

المرجع السابق ج 10 ص 437 الطبعة السابقة.

(2)

ج 5 ص 8 الطبعة الثانية.

(3)

ج 3 ص 630 الطبعة الثانية.

(4)

ج 3 ص 642 الطبعة الثانية.

(5)

تبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 190، 195.

(6)

المدونة الكبرى ج 13 ص 92.

(7)

المرجع السابق ص 97 الطبعة السابقة.

(8)

الحطاب على خليل ج 5 ص 63 الطبعة السابقة.

ص: 193

يمنع من التصرف المالى الا أن يتصرف بشئ فى ذمته لغير اذن أرباب الدين على أن يوفيه من له مما بيده من مال يطرأ له كأن يتسلف شيئا فى ذمته أو يشترى أو يكترى

(1)

فلا يمنع.

‌مذهب الشافعية:

يرى الشافعية أنه اذا ادان العبد بغير اذن سيده لم يلزمه ما كان عبدا، ومتى عتق اتبع به

(2)

وان أذن له فى التجارة تصرف بحسب الاذن

(3)

وان لم يؤذن له فى التجارة لا يصح شراؤه بغير اذن سيده فى الاصح، ويسترده البائع سواء كان فى يد العبد أو سيده، فان تلف فى يده تعلق الضمان بذمته أو فى يد السيد فللبائع تضمينه. وله مطالبة العبد بعد العتق.

واقتراضه كشرائه

(4)

.

‌استدانة المفلس والسفيه:

جاء فى نهاية المحتاج

(5)

لو تصرف المفلس فى ذمته كأن باع سلما طعاما أو غيره أو اشترى شيئا بثمن فى الذمة أو باع فيها لا بلفظ السلم أو اقترض أو استأجر فالصحيح صحته. ويثبت المبيع والثمن ونحوهما فى ذمته اذ لا ضرر على الغرماء فيه. والثانى من وجهين للأصحاب لا يصح كالسفيه ثم جاء فيه فلو اشترى السفيه أو اقترض من رشيد وقبض باذنه أو اقباضه وتلف المأخوذ فى يده قبل المطالبة له برده أو أتلفه كذلك فلا ضمان فى الحال ولا بعد فك الحجر سواء علم حاله من عامله أو جهل

(6)

.

‌مذهب الحنابلة:

العبد قسمان الاول محجور عليه فيما لزمه من الدين بغير رضا سيده مثل أن يقترض أو يشترى شيئا فى ذمته ففيه روايتان: أحداهما: يتعلق برقبته والثانية يتعلق بذمته يتبعه الغريم به اذا اعتق وأيسر. الثانى: المأذون له فى التصرف أو فى الاستدانة فيما يلزمه من الدين هل يتعلق بذمة السيد أو برقبته؟ على روايتين والمختار بذمة سيده فانه اذا أذن له فى التجارة فقد أغرى الناس بمعاملته وأذن فيها فصار ضامنا كما لو قال لهم داينوه أو أذن فى استدانة تزيد على قيمته أما ما لزمه من الدين من أروش جناياته أو قيم متلفاته فهذا يتعلق برقبة العبد على كل حال مأذونا أو غير مأذون

(7)

ومحل تعلق استدانة له غير مأذون برقبته أن تلف ما استدانه

(8)

.

(1)

بلغة السالك ج 2 ص 118 الطبعة السابقة.

(2)

الأم ج 2 ص 206 طبعة الشعب.

(3)

مغنى المحتاج ج 2 ص 94.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 94.

(5)

ج 4 ص 306 الطبعة السابقة.

(6)

مغنى المحتاج ج 2 ص 160.

(7)

المغنى لابن قدامة ج 4 ص 246، 248 الطبعة السابقة.

(8)

كشاف القناع ج 2 ص 61 الطبعة السابقة

ص: 194

‌استدانة المفلس:

ومن فلس ثم ادان لم يحبس نصا وان ادان من فك حجره وعليه بقية دين فحجر عليه ولم يطلب أرباب الديون التى لزمته بعد فك الحجر تشارك غرماء الحجر الاول وغرماء الحجر الثانى فى ماله الموجود اذن لتساويهم فى ثبوت حقوقهم فى ذمته

(1)

وفى المغنى والشرح الكبير

(2)

ما نصه: ان تصرف المفلس فى ذمته فاشترى أو اقترض أو تكفل صح تصرفه لانه أهل للتصرف. وانما وجد فى حقه الحجر. والحجر انما يتعلق بماله لا بذمته

(3)

فان أقرض رجلا مالا ثم أفلس المقترض وعين المال قائم فله الرجوع فيها لقوله عليه السلام: «من أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به» والحكم فى الصبى والمجنون كالحكم فى السفيه فى وجوب الضمان عليهما فيما أتلفاه من مال غيرهما بغير اذنه أو اغتصباه فتلف فى أيديهما وانتفاء الضمان عنهما فيما حصل فى أيديهما باختيار صاحبه وتسليطه كالثمن والمبيع والقرض والاستدانة

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(5)

: لا يجوز للعبد أن يستدين الا باذن السيد فلو استدان باذنه أو أجازته فعلى المولى وأن أعتقه. وقيل يتبع به مع العتق استنادا الى رواية لا نتهض حجة فيما خالف القواعد الشرعية فان العبد بمنزلة الوكيل وانفاقه على نفسه وتجارته باذن المولى انفاق لمال المولى فيلزمه كما لو لم يعتق.

ولو كانت الاستدانة للمولى فهو عليه قولا واحدا ويقتصر المملوك فى التجارة على محل الاذن فان عين له نوعا أو مكانا أو زمانا تعين فان أطلق تخير. وليس له الاستدانة بالاذن فى التجارة لعدم دلالتها عليها الا أن تكون لضرورتها كنقل المتاع وحفظه مع الاحتياج اليه فتلزم ذمته لو تعدى المأذون نطقا أو شرعا ولو تلف يتبع به بعد عتقه ويساره على الاقوى والا ضاع ولو كانت عينه باقية رجع الى مالكه لفساد العقد. وقيل يسعى فيه العبد معجلا استنادا الى اطلاق رواية أبى بصير. وحملت على الاستدانة للتجارة لا بغيرها. لان الكسب للمولى فاذا لم يلزمه فعله لا يدفع من ماله والاقوى أن استدانته لضرورة التجارة انما يلزم مما فى يده فان قصر استسعى فى الباقى. ولا يلزم المولى من غيره ما فى يده وعليه تحمل الرواية ولو أخذ المولى ما اقترضه المملوك بغير اذنه أو ما فى حكمه تخير المقرض

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 151 الطبعة السابقة.

(2)

ج 4 ص 489.

(3)

المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 526 الطبعة الثانية.

(4)

المغنى لابن قدامة ج 4 ص 413 الطبعة السابقة.

(5)

ج 1 ص 347 طبعة دار الكتاب العربى بمصر وص 348.

ص: 195

بين رجوعه على المولى لترتب يده على ماله مع فساد القرض وبين اتباع العبد بعد العتق واليسار لانه كالغاصب أيضا.

‌استدانة المفلس:

ويمنع المفلس من التصرف احتياط للغرماء. فلو تصرف كان باطلا سواء كان بعوض كالبيع والاجارة أو بغير عوض كالعتق والهبة

(1)

.

‌اذا أجر المستدين عينا للدائن

‌مذهب الحنفية:

قال الحنفية: لو أن رجلا استقرض من رجل مالا معلوما وقبض المال. ثم ان المستقرض أسكن المقرض فى حانوته وقال:

ما لم أرد عليك قرضك لا أطالبك بأجر الحانوت.

قال الفقيه أبو بكر البلخى رحمه الله تعالى ان ترك الاجرة عليه مع استقراضه منه كانت الاجرة واجبة على المقرض وان تركها قبل الاستقراض أو بعده فالحانوت عارية فى يده ولا أجرة على المقرض وان

(2)

استقرض دراهم من رجل وقال له أسكن حانوتى فقيل رد مالك لا أطالبك بأجرة.

والاجرة التى تجب عليك هبة لك فدفع المقرض ألفا وسكن الحانوت ان ذكر ذلك مع القرض فعليه الاجر وان كان قبل الاستقراض أو بعده فلا أجر عليه

(3)

ثم جاء فى الفتاوى البزازية

(4)

المستقرض اذا أو فى بعض رأس المال يسقط عن المقرض نصف أجرة العين المستأجرة للحفظ ويجعل اعطاء المستقرض بعض القرض كفسخ الاجارة وقبول الاجير المستأجر من المستقرض لقبول ذلك الفسخ.

أنظر مصطلح اجارة فى جميع المذاهب.

‌الوكالة فى الاستدانة

‌مذهب الحنفية:

ان وكل بالاستقراض بأن أضاف الوكيل الاستقراض الى الموكل فقال ان فلانا يستقرض منك كذا أو قال اقرض فلانا كذا كان القرض للموكل وان لم يضف الاستقراض الى الموكل يكون القرض للوكيل

(5)

.

‌التوكيل بالاستقراض

لا يصح التوكيل بالاستقراض فلا يثبت الملك فيما استقرض للموكل الا اذا بلغ على سبيل الرسالة فيقول أرسلنى اليك فلان يستقرض كذا فحينئذ يثبت الملك للمستقرض وما استقرض للوكيل وله

(1)

شرائع الاسلام ج 1 ص 300.

(2)

الفتاوى الهندية ج 2 ص 309 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 61 الطبعة السابقة.

(4)

الفتاوى الهندية ج 3 ص 403 الطبعة الثانية.

(5)

ج 5 ص 50 الطبعة السابقة.

ص: 196

أن يمنعها من الآمر ولو هلك من ماله

(1)

(أنظر مصطلح وكالة فى جميع المذاهب).

‌الاستدانة على اللقيط

‌مذهب الحنفية:

واذا أنفق الملتقط على اللقيط من مال نفسه أن أنفق بغير أمر القاضى فهو فى ذلك متطوع وان أنفق بأمر القاضى ان كان القاضى أمره بالانفاق على أن يكون دينا عليه فان ظهر له أب كان للملتقط حق الرجوع على أبيه. وان لم يظهر له أب فله حق الرجوع عليه اذا كبر وان كان القاضى أمر بالانفاق ولم يقل على أن يكون دينا عليه. ذكر شمس الائمة السرخى - رحمه الله تعالى - أنه لا يكون له حق الرجوع فى ظاهر الرواية والاصح ما ذكر فى ظاهر الرواية كذا فى المحيط

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

الاظهر من قول الشافعى: ان لم يعرف للقيط مال عام ولا خاص فالاظهر أنه ينفق عليه من بيت المال من سهم المصالح بلا رجوع والثانى من قولى الشافعى المنع بل يقترض عليه من بيت المال أو غيره لجواز أن يظهر له مال فان لم يكن فى بيت المال شئ أو كان وثم ما هو أهم من ذلك كسد ثغر يعظم ضرره لو ترك أو حالت الظلمة دونه اقترض له الامام من المسلمين فى ذمة اللقيط كالمضطر الى الطعام فان تعذر الاقتراض قام المسلمون بكفايته قرضا بالقاف حتى يثبت لهم الرجوع بما أنفقوا على اللقيط والحاكم اذا اقترض النفقة على من تلزمه ثبت الرجوع بها ولا تسقط بمضى الزمان

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

ان تعذر الانفاق على اللقيط من بيت المال لكونه لا مال فيه أو لكون البلد ليس بها بيت مال ونحوه اقترض حاكم على بيت المال فان تعذر على الحاكم الاقتراض على بيت المال أو كان لا يمكن الاخذ منه فعلى من علم حاله الانفاق عليه مجانا للأمر بالتعاون على البر والتقوى ولا يرجع المنفق عليه بما أنفقه عليه لانها فرض كفاية وان اقترض الحاكم ما أنفق على اللقيط ثم بان رقيقا أو له أب موسر رجع الحاكم على سيد الرقيق وأبى الحر الموسر لان النفقة حينئذ واجبة عليها

(4)

. ويجوز الاقتراض على بيت المال لنفقة اللقيط.

‌مذهب الزيدية:

نفقة اللقيط واجبة على جماعة المسلمين فلو أقرض اللاقط الملتقط - بغير

(1)

الفتاوى الهندية ج 3 ص 564 الطبعة السابقة.

(2)

الفتاوى الهندية ج 2 ص 289 الطبعة الثانية.

(3)

مغنى المحتاج ج 2 ص 390 وما بعدها.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 432 الطبعة السابقة.

ص: 197

اذن الحاكم أو استقرض له من الغير فلعله يصح لان له ولاية عليه فان انكشف له مال حال الانفاق رجع اذا نوى الرجوع

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

يرى الإمامية أن الانفاق على الملتقط واجب وان كان له مال يجب صرفه فى الدين باعه الحاكم ان شاء وأنفق منه. وفى كيفية بيعه وجهان: أحدهما: أن يبيع كل يوم جزءا بقدر الحاجة. والثانى: أن لا يفعل ذلك لانه يشق ولكن يقترض عليه الى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له. والاقوى جواز الامرين. ولو تعذر أو لم يوجد راغب فى شراء الجزء اليسير ولا مقرض ولا بيت مال يقترض منه جاز له بيع أقل ما يمكن بيعه. وان زاد عن قدر نفقة اليوم لتوقف الواجب عليه

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

نفقة اللقيط عليه أو على من التقطه ويجب حفظه

(3)

.

‌الاستدانة على المضاربة

‌مذهب الحنفية:

قال الحنفية اذا أذن رب المال - للمضارب أن يستدين على مال المضاربة جاز له الاستدانة، وما يستدينه يكون شركة بينهما شركة وجوه وليس له أن يقرض مال المضاربة لان القرض تبرع فى الحال ولا يأخذ سفتجة - حوالة مالية - لان أخذها استدانة. وهو لا يملك الاستدانة

(4)

وليس للمضارب أن يستدين على مال المضاربة ولو استدان لم يجز على رب المال. ويكون دينا على المضارب فى ماله لان الاستدانة اثبات ذيادة فى رأس المال من غير رضا رب المال بل فيه اثبات زيادة ضمان على رب المال من غير رضاه فلو جوزنا الاستدانة على المضاربة لالزمناه زيادة ضمان لم يرض به وهذا لا يجوز. ثم الاستدانة هى أن يشترى المضارب شيئا بثمن دين ليس فى يده من جنسه حتى أنه لو لم يكن فى يده شئ من رأس المال من الدراهم والدنانير بأن كان اشترى برأس المال سلعة. ثم اشترى شيئا بالدراهم أو الدنانير لم يجز على المضاربة وكان المشترى له عليه ثمنه من ماله لانه اشترى بثمن ليس فى يده من جنسه فكان مستدينا على المضاربة فلم تجز على رب المال وجاز عليه لان الشراء وجد نفاذا عليه كالوكيل بالشراء اذا خالف.

أنظر مضاربة

(1)

هامش شرح الأزهار ج 4 ص 69 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 145 الطبعة السابقة.

(3)

جواهر النظام لابن حميد السالى ص 459

(4)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 91 الطبعة السابقة.

ص: 198

‌الاستدانة للأضحية

‌مذهب الحنفية:

قال الحنفية: لو أن رجلا له دين حال أو مؤجل على مقر ملى، وليس فى يده ما يمكنه شراء الاضحية، فانه لا يلزمه أن يستقرض فيضحى. ولا يلزمه قيمتها اذا وصل اليه الدين لكن يلزمه أن يسأل منه ثمن الاضحية اذا غلب على ظنه أن يدفعه

(1)

(انظر مصطلح أضحية فى جميع المذاهب).

‌ضمان الاستدانة

‌مذهب الحنفية:

قال الحنفية الاب أو الوصى لو استدان دينا فى نفقة اليتيم أو الصغير وأمر اليتيم أن يضمن المال عنه جاز

(2)

لان ضمان الدين قد لزم الصغير أو اليتيم من غير شرط فالامر لا يزيده الا تأكيدا، فلم يكن متبرعا.

‌استدلال

‌التعريف به لغة واصطلاحا

انواعه. موقف الاصوليين منه الاستدلال فى اللغة استفعال ومعناه فى اللغة طلب الدليل والطريق المرشد الى المطلوب

(3)

، هذا وبتتبع كتب المؤلفين فى المواطن الخلافية نجدهم يقصدون بكلمة الاستدلال: اقامة الدليل على المطلوب فكأن السين والتاء زائدتان للمبالغة يقول العضد فى شرحه لمختصر المنتهى

(4)

انه فى العرف العام يطلق على اقامة الدليل مطلقا.

وفى الاصطلاح الاصولى بين الآمدى أنه يطلق تارة بمعنى ذكر الدليل سواء كان الدليل نصا أو اجماعا أو قياسا أو غيره وهذا يلتقى مع ما اشرنا اليه فى بيان استعمالات المؤلفين، ويطلق تارة على نوع خاص من أنواع الادلة وهذا هو المطلوب بيانه هنا وهو عبارة عن دليل لا يكون نصا ولا اجماعا ولا قياسا.

وبذلك عرفه الشوكانى

(5)

وقد أضاف كل من ابن الحاجب فى مختصر المنتهى والعضد فى شرحه أن من الاصوليين من استبدل بقولهم فى التعريف كلمة ولا قياسا. ولا قياس علة. فيكون التعريف على هذا: ما ليس بنص ولا اجماع ولا قياس علة. فيدخل فيه القياس بنفى الفارق وهو ما بينه السعد بأنه أن يجمع بين الاصل والفرع بنفى الفارق ويسمى تنقيح المناط ويدخل فيه قياس التلازم وهو اثبات أحد موجبى العلة بالآخر لتلازمهما ويسمى قياس الدلالة.

(1)

الفتاوى الهندية ج 5 ص 307 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع ج 6 ص 5 طبعة أولى.

(3)

الآمدى ج 4 ص 161.

(4)

ج 2 ص 380.

(5)

ارشاد الفحول للشوكانى ص 219.

ص: 199

‌أنواعه:

ذكر الآمدى

(1)

: أن الاستدلال على أنواع منها قولهم: وجد السبب فثبت الحكم ووجد المانع وفات الشرط فينتفى الحكم فانه دليل من حيث ان الدليل ما يلزم من ثبوته لزوم المطلوب قطعا أو ظاهرا ولا يخفى لزوم المطلوب من ثبوت ما ذكر فكان دليلا وهو ليس نصا ولا اجماعا ولا قياسا فكان استدلالا ومنها نفى الحكم بانتفاء مداركه كقولهم الحكم يستدعى دليلا ولا دليل فلا حكم أما أنه يستدعى دليلا فبالضرورة وأما أنه لا دليل فلا يدل عليه سوى البحث والسبر وأن الاصل فى الاشياء كلها العدم ومنها الدليل المؤلف من أقوال يلزم من تسليمها لذاتها تسليم قول آخر وذلك القول اللازم اما ألا يكون هو ولا نقيضه مذكورا فيما لزم عنه بالفعل أو يكون مذكورا والاول يسمى قياسا اقترانيا والثانى يسمى قياسا استثنائيا وقد أطال فى تصوير كل من هذين القياسين وتقسيمهما وذكر من أمثلة القياس

(2)

الاقترانى كل وضوء عبادة وكل عبادة تفتقر الى النية واللازم متغير فهو حادث وذكر من أمثلة القياس الاستثنائى:

ان كان هذا الشئ انسانا فهو حيوان لكنه انسان فيلزمه أنه حيوان أو لكنه ليس بحيوان فيلزمه أنه ليس انسانا.

ومنها الاستصحاب. واختار ابن الحاجب

(3)

أن الاستدلال ثلاثة أنواع:

الاول تلازم بين الحكمين من غير تعيين علة، الثانى الاستصحاب، الثالث شرع من قبلنا وقال العضد: وزاد الحنفية الاستحسان وزادت المالكية المصالح المرسلة: وقال قوم: نفى المدارك فى الاحكام العدمية ونفى قوم كون شرع من قبلنا داخلا فى الاستدلال. كما نفى قوم دخول الاستصحاب فى أنواع الاستدلال وجاء مثل ذلك فى ارشاد الفحول للشوكانى وأورد العضد

(4)

فى شرحه للنوع الاول الذى أورده ابن الحاجب أن التلازم أربعة أقسام: لان التلازم انما يكون بين حكمين والحكم اما اثبات أو نفى فالاقسام أربعة التلازم بين ثبوتين، والتلازم بين نفيين، والتلازم بين ثبوت ونفى، والتلازم بين نفى وثبوت والتلازم اما أن يكون طردا وعكسا أى من الطرفين أو طردا لا عكسا أى من طرف واحد، والتنافى لا بد أن يكون من الطرفين.

ثم أورد كل من ابن الحاجب والعضد أمثلة للتلازم من الاحكام الشرعية فمثلا لتلازم الثبوتين بما اذا قيل من صح طلاقه صح ظهاره، وقالا ان هذا يثبت بالطرد وهو أنا تتبعنا فوجدنا كل شخص يصح طلاقه يصح ظهاره ويقوى بالعكس وهو أنا تتبعنا فوجدنا كل شخص لا يصح

(1)

ج 4 ص 162.

(2)

ح 4 ص 170.

(3)

ج 2 ص 381.

(4)

ح 2 ص 382.

ص: 200

طلاقه لا يصح ظهاره، ومثلا لاستلزام النفى للنفى بأنه لو صح الوضوء بغير نية لصح التيمم لانه فى قوة قولك لما لم يصح التيمم بغير نية لم يصح الوضوء فان لو تفيد انتفاء الشئ لانتفاء غيره، أو فى قوة قولك لو لم تشترط النية فى الوضوء لم تشترط فى التيمم.

ثم قالا: ان تلازم الثبوت والنفى فيما يكون مباحا لا يكون حراما - فى مثل قولهم ما يكون مباحا لا يكون محرما. أى أن ثبوت الاباحة ينفى وجود الحرمة.

وقالا ان الرابع وهو تلازم النفى والثبوت مالا يكون جائزا يكون حراما وقد تناول الشوكانى التلازم بما لا يخرج فى جوهره عن مسلك ابن الحاجب والعضد وقال الشوكانى ان ما ذكره الآمدى من أن من أنواع الاستدلال قولهم وجد السبب الى آخره هو أحد الاقوال لاهل الاصول وقال بعضهم انه ليس بدليل وانما هو دعوى دليل فهو بمثابة قولهم وجد دليل الحكم فيوجد الحكم لا يكون دليلا ما لم يعين وانما الدليل ما يستلزم المدلول وقال بعضهم هو دليل اذ لا معنى للدليل الا ما يلزم من العلم به العلم بالمدلول والصواب القول الاول أنه استدلال لا دليل، ولا مجرد دعوى.

وخلاصة ما ورد فى هذا الموضوع أن الاستدلال يتناول فى مسلك الآمدى أربعة أشياء: قولهم وجد السبب فيوجد المسبب، وقولهم انتفى الحكم لانتفاء دليله، والقياس المنطقى بقسميه الاقترانى والاستثنائى، والاستصحاب وفى مسلك ابن الحاجب يقتصر على ثلاثة أنواع بعضها لا يدخل فيما أورده الآمدى وهذه الانواع هى التلازم بين الحكمين من غير تعيين علة، والاستصحاب وشرع من قبلنا وذكر العضد أن من الاصوليين من أدخل فى الاستدلال الاستحسان ومنهم من أدخل المصالح المرسلة ومنهم من استبعد منه الاستصحاب وشرع من قبلنا.

والنتيجة التى نخرج بها أن الاستدلال لا يعدو أن يكون مجموعة أدلة غير النص والاجماع والقياس الاصولى أى قياس العلة ويختلف الاصوليون فى تحديدها.

‌استرداد

‌التعريف فى اللغة

استرداد مصدر فعله استرد المزيد بالسين والتاء لافادة الطلب والمعالجة فأصل مادتها ردد، قال صاحب اللسان

(1)

: الرد صرف الشئ ورجعه، وفى التنزيل العزيز «فَلا مَرَدَّ لَهُ»

(2)

وفيه «يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ»

(3)

قال ثعلب يعنى يوم القيامة لانه شئ لا يرد. ومنه الردة عن الاسلام أى الرجوع عنه .. ويقال: رد

(1)

أنظر لسان العرب لابن منظور مادة ردد ج 13 ص 172 وما بعدها طبع دار صادر دار بيروت.

(2)

الآية رقم 11 من سورة الرعد.

(3)

الآية رقم 43 من سورة الروم.

ص: 201

عليه الشئ اذا لم يقبله، وتقول رده الى منزله ورد اليه جوابا أى رجع. واسترد الشئ وارتده أى طلب رده عليه قال كثير عزة: وما صحبتى عبد العزيز ومدحتى بعارية يرتدها من بعيرها، ويقال:

وهب فلان هبة ثم ارتدها أى استردها وفى حديث النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: أسألك ايمانا لا يرتد. أى لا يرجع. ويقال استرد فلانا الشئ يعنى سأله أن يرده عليه. واسترده الشئ استرجعه. وللمادة استعمالات كثيرة غير أنها تدور حول هذه المعانى.

‌تعريف الاسترداد فى اصلاح الفقهاء

ولا يخرج الاسترداد فيما استعمله الفقهاء عن المعنى اللغوى وهو طلب رد الشئ والرجوع فيه كاسترداد البائع المبيع ان ثبت له ذلك وكالرجوع فى الهبة لمن يثبت له حق الرجوع وسيتبين ذلك مما يأتى:

‌حكم الاسترداد فى البيع

‌مذهب الحنفية:

‌متى يثبت حق الاسترداد للبائع

ومتى يسقط:

يرتب الحنفية حق البائع فى استرداد المبيع على حقه فى حبس المبيع فيثبتون له حق استرداد المبيع اذا كان له حق حبسه ويسقطونه اذا لم يكن له حق حبسه ذلك أن حكم البيع الصحيح ثبوت الملك ويجب به تسليم البدلين فقد جاء فى حاشية ابن عابدين

(1)

: وللبائع حق حبس المبيع الى قبض الثمن اذا كان حالا ولو بقى منه درهم، ولو كان المبيع شيئين بصفقة واحدة وسمى لكل ثمنا فله حبسهما الى استيفاء الكل. وجاء فى الفتاوى الهندية

(2)

وبدائع الصنائع، اذا استوفى البائع الثمن وسلم المبيع أو أبرأه عن الثمن كله أو كان البائع لم يقبض الثمن ولكنه سلم المبيع أو كان المشترى قد قبض المبيع باجازة البائع لفظا أو قبضه وهو يراه ولا ينهاه فقد سقط حق البائع فى الاسترداد وليس له أن يسترده ليحبسه بالثمن لانه أبطل حقه بالاذن بالقبض. وجاء فى موضع آخر

(3)

: ان أعار البائع المبيع للمشترى أو أودعه اياه فالحنفية فى حكمه على رأيين أحدهما: وهو ما قال به أبو يوسف أن للبائع أن يسترد المبيع لان عقد الاعارة والايداع ليس بعقد لازم فكان له ولاية الاسترداد كالمرتهن اذا أعار الرهن من الراهن أو أودعه اياه فان له أن يسترده.

وثانى الرأيين: وهو ظاهر الرواية أنه يبطل حق الحبس حتى لا يملك استرداده

(1)

الدر المختار شرح تنوير الابصار على رد المحتار لابن عابدين ج 4 ص 44 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1325 هـ.

(2)

الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للاوز جندى ج 3 ص 15 الطبعة الثانية طبع الاميرية بمصر سنة 1310 هـ وبدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 هـ ص 250 الطبعة الاولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 251 الطبعة السابقة.

ص: 202

وذلك لان العارية والوديعة أمانة فى يد المشترى وهو لا يصلح نائبا عن البائع فى اليد لانه أصل فى الملك فكان أصلا فى اليد فاذا وقعت العارية أو الوديعة فى يده وقعت بحجة الاصالة وهى يد الملك ويد الملك يد لازمة فلا يملك ابطالها بالاسترداد بخلاف الرهن فان المرتهن فى اليد الثابتة بعقد الرهن بمنزلة الملك فيمكن تحقيق معنى الانابة ويد النيابة لا تكون لازمة فيملك الاسترداد.

وأما لو كان المشترى

(1)

قد قبض المبيع بغير اذن البائع قبل نقد الثمن فلا يبطل حق البائع فى الاسترداد وله أن يسترده لان حق الانسان لا يجوز ابطاله عليه من غير رضاه، ولو كان المشترى قد تصرف فى المبيع المقبوض بغير اذن البائع فثبوت حق الاسترداد وسقوطه يترتب على نوع التصرف فان كان تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع والهبة والرهن والاجارة والامهار فللبائع أن يفسخ هذا التصرف وأن يسترد المبيع لانه تعلق به حقه، وان كان تصرفا لا يحتمل الفسخ كالاعتاق والتدبير والاستيلاد سقط حق البائع فى الاسترداد.

‌حكم استرداد المبيع

اذا تبين أن الثمن معيب:

لو نقد المشترى الثمن وقبض المبيع فوجد البائع الثمن زيوفا أو ستوقا أو مستحقا أو وجد بعضه كذلك كان حق البائع فى الاسترداد متعلقا باذنه فان كان المشترى قد قبض المبيع بغير اذن البائع فللبائع أن يسترده حتى لو كان المشترى تصرف فى المبيع فللبائع أن يفسخ تصرفه ويسترد المبيع ان كان تصرفا يحتمل الفسخ فاذا كان تصرفه فى المبيع لا يحتمل الفسخ فلا يفسخ ولا يسترد ويطالب المشترى بالثمن فلو نقد المشترى الثمن قبل أن يفسخ التصرف الذى يحتمل الفسخ لم يفسخ وبطل حق الاسترداد، وان كان المشترى قد قبض المبيع باذن البائع فالحكم يختلف تبعا لاختلاف عيب الثمن فان كان البائع قد وجد الثمن زيوفا فردها فللحنفية فيه رأيان:

أحدهما: يقول بأن له أن يسترد وهو رأى زفر وقول أبى يوسف وذلك لان البائع ما رضى بزوال حق الحبس الا بوصول حقه اليه وحقه فى الثمن هو فى السليم لا فى المعيب فاذا وجده معيبا فلم يسلم له حقه فكان له أن يسترد المبيع حتى يستوفى حقه كالراهن اذا قضى دين المرتهن وقبض الرهن ثم ان المرتهن وجد المقبوض زيوفا كان له أن يرد ويسترد الرهن قال صاحب البدائع

(2)

: هذا اذا وجد البائع الثمن زيوفا فردها، أما اذا وجده ستوقا أو رصاصا أو مستحقا فان له ولاية الاسترداد بخلاف الزيوف لان البائع انما أذن للمشترى بالقبض على أنه استوفى حقه

(1)

الفتاوى الهندية ج 3 ص 21 ص 22 والبدائع ج 5 ص 250 وما بعدها الطبعة السابقة

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 252 الطبعة السابقة.

ص: 203

وتبين أنه لم يستوف أصلا ورأسا لان الستوق والرصاص ليس من جنس حقه فكان له ولاية الاسترداد، فلو كان المشترى تصرف فيه فلا سبيل للبائع عليه سواء كان تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع والرهن والاجارة ونحوها أو كان تصرفا لا يحتمل الفسخ كالاعتاق ونحوه.

وثانيهما: يقول بأن البائع لا يملك استرداد المبيع ذلك لان البائع يسلم المبيع بعد استيفاء جنس حقه ولا يملك الاسترداد بعد ما استوفى حقه، ودلالة ذلك أن الزيوف جنس حقه من حيث الاصل وانما الفائت صفة الجودة، واذا كان المقبوض جنس حقه فتسلم المبيع بعد استيفاء جنس الحق يمنع من الاسترداد بخلاف الرهن لان الارتهان استيفاء لحقه من الرهن، والافتكاك ايفاء من مال آخر فاذا وجده زيوفا تبين أنه ما استوفى حقه فكان له ولاية الاسترداد بدليل أنه لو أعار المبيع المشترى بطل حق الحبس حتى لا يملك استرداده ولو أعار المرهون الراهن لا يبطل حق الحبس وله أن يسترده ويقول بهذا أصحابنا الثلاثة.

‌حكم استرداد المبيع اذا أفلس

المشترى أو مات:

ولو قبض

(1)

المشترى المبيع باذن البائع ثم أفلس المشترى أو مات قبل نقد الثمن أو بعد ما نقد منه شيئا وكان عليه ديون لاناس شتى فهل يكون البائع أحق به من سائر الغرماء وله حق استرداده؟ قال أصحابنا: لا يكون البائع أحق به وليس له حق استرداده، بل الغرماء كلهم أسوة فيه فيباع ويقسم ثمنه بينهم بالحصص وكذلك الحكم ان لم يكن المشترى قد قبضه حتى أفلس أو مات وكان الثمن مؤجلا أما ان كان الثمن حالا فالبائع أحق به. وجاء فى موضع آخر

(2)

: والزوائد فى المبيع تأخذ حكم البيع الاصلى وعلى ذلك فللبائع حق حبس الزوائد لاستيفاء الثمن كما له حق حبس الاصلى.

‌استرداد المبيع مع الخيار:

استرداد المبيع حق للبائع كذلك اذا كان له خيار التعيين، اذ لا يزول أحد المبيعين عن ملك بائعه بنفس البيع لانه غير لازم، وانما للبائع الحق فى أن يفسخ البيع وكذلك يثبت له حق الاسترداد فيما لو هلك أحد الثوبين المبيعين قبل القبض فلم يبطل البيع وهلك أمانة وكان خيار البائع على حاله ان شاء ألزم المشترى الباقى منهما لانه تعين للبيع وان شاء فسخ البيع فى الباقى، ولو تعيب أحدهما أو تعيبا معا قبل القبض أو بعده فخيار البائع على حاله وله أن يفسخ البيع ويستردهما لان البيع غير لازم فله ولاية الفسخ، وكذلك يثبت للبائع

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 252 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 256 الطبعة السابقة.

ص: 204

حق استرداد المبيع فى خيار الشرط اذ هو بيع غير لازم

(1)

، وجاء فى الزيلعى

(2)

:

أن خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه لان تمام البيع لا يكون الا بالتراضى ولا يتم الرضا مع الخيار ولهذا ينفذ عتق البائع ويملك التصرف فيه ولو كان المشترى قد قبضه باذن البائع.

‌حكم استرداد المبيع فى البيع الفاسد:

يثبت

(3)

حق الاسترداد فى البيع الفاسد اذا قبض المشترى المبيع بغير اذن البائع أو قبضه باذنه صريحا أو دلالة بأن قبضه فى مجلس العقد بحضرته ولم ينهه البائع عنه ذلك أن البيع الفاسد وان كان يفيد الملك للمشترى بالقبض باذن البائع وسواء كان ملك العين على القول الصحيح أو ملك التصرف على قول العراقيين الا أنه ملك غير لازم بل هو مستحق الفسخ حقا لله عز وجل لما فى الفسخ من رفع الفساد ورفع الفساد حق الله تعالى على الخلوص فيظهر فى حق الكل فكان فسخا فى حق الناس كافة ولذا لا يشترط فيه قضاء القاضى لان الواجب شرعا لا يحتاج للقضاء كما قال صاحب التنوير والدر المختار ولان الاسترداد فى البيع الفاسد حق الشرع كما ذكر ابن عابدين لكن ثبوت الفسخ والاسترداد انما يتم اذا كان المبيع قائما فى يد المشترى بحاله ولم يتصرف فيه بتصرف قولى أو فعلى غير حسى، فان هلك فى يد المشترى أو تعذر رده بأن باعه المشترى بيعا صحيحا باتا لغير بائعه أو وهبه وسلم الهبة أو أعتقه بعد قبضه أو وقفه وقفا صحيحا لانه استهلكه حين وقفه وأخرجه عن ملكه أو رهنه وسلمه أو أوصى به وسلمه ثم مات لان حياة الموصى لا تقطع حق البائع فى الاسترداد وانما يقطعه الموت لان الثابت للموصى ملك جديد أو تصدق به وسلمه فان البيع الفاسد ينفذ فى كل هذه الامور ويمتنع الفسخ وتجب فيه القيمة للبائع لانه انقطع حق الاسترداد لتعلق حق العبد به والاسترداد حق الشرع وحق العبد مقدم لفقره وكان الواجب التوبة والاسترداد وبتأخيره الى وجود هذه التصرفات التى تعلق بها حق عبد يكون قد فوت مكنته من الاسترداد فتعين لزوم القيمة وهكذا كل تصرف للمشترى

(4)

فى البيع الفاسد ينفذ لانه ملكه بالقبض وينقطع به حق البائع فى الاسترداد سواء كان تصرفا يقبل الفسخ

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 263، ص 264 الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين على الدر المختار 4 ص 68، 72 طبع دار سعادات.

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للامام فخر الدين عثمان بن على الزيلعى وبهامشه حاشية الشيخ الامام شهاب الدين أحمد الشلبى ج 4 ص 16 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1314 هـ.

(3)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 171 وبدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 5 ص 263 والفتاوى الهندية ج 3 ص 147 الطبعات السابقة.

(4)

الزيلعى وبهامشه حاشية الشلبى ج 4 ص 64 الطبعة السابقة والفتاوى الهندية مع فتاوى قاضيخان ج 3 ص 147 الطبعة السابقة.

ص: 205

كالبيع وأشباهه أو كان لا يقبل الفسخ كالاعتاق وأشباهه الا الاجارة والنكاح فانهما لا يقطعان حق البائع فى الاسترداد لان الاجارة عقد ضعيف ويفسخ بالاعذار وفساد الشراء عذر فيفسخ والنكاح لا يمنع فسخ البيع فيفسخ ويرد على البائع والنكاح على حاله وما عدا ذلك من التصرفات يقطع حق البائع فى الاسترداد الا اذا كان فساد

(1)

عقد البيع بسبب اكراه البائع على البيع فانه يثبت فيه حق الاسترداد وينقض به كل تصرفات المشترى التى تحتمل النقض كالبيع بخلاف التصرفات التى لا يمكن نقضها كالاعتاق فانه يتعين فيه أخذ القيمة من المكره وينقطع به حق الاسترداد

(2)

، وجاء فى موضع آخر: واذا بطل حق الاسترداد لوجود المانع وهو تصرف المشترى فمتى زال المانع كما اذا فك الرهن أو عجز المكاتب فان حق الاسترداد يعود لزوال المانع وكذا لو رجع فى الهبة عاد حق الاسترداد سواء كان بقضاء أو بغير قضاء لانه يعود اليه قديم ملكه فى الوجهين أما اذا كان زوال المانع بالرد بالعيب نظر فان كان المانع قد زال قبل القضاء بالقيمة على المشترى فان حق الاسترداد يعود الى البائع وان كان المانع لم يزل الا بعد القضاء بالقيمة على المشترى لم يعد للبائع حق الاسترداد لان القاضى أبطل حق البائع فى العين ونقله الى القيمة باذن الشرع فلا يعود حقه الى العين وان ارتفع السبب كما لو قضى على الغاصب بقيمة المغصوب بسبب الاباق ثم عاد العبد، وجاء فى الفتاوى

(3)

الهندية ولا يبطل حق الاسترداد بموت البائع أو بموت المشترى فان مات المشترى شراء فاسدا فللبائع أن يسترد من ورثته وكذلك اذا مات البائع فلورثته ولاية الاسترداد أما ان كان تعذر رد المبيع بسبب تصرف حسى ففى ثبوت حق الاسترداد للبائع خلاف للحنفية فقد جاء فى تنوير الابصار والدر

(4)

: أن الامام يقول أن التصرفات الحسية فى المبيع تمنع حق الاسترداد فلو بنى المشترى أو غرس فيما اشتراه شراء فاسدا انقطع به حق البائع فى الاسترداد ولزم المشترى القيمة وامتنع الفسخ وعلله الكرخى فى مختصره بأن البناء استهلاك عند الامام ومثله الغرس لان البناء والغرس يقصد بهما الدوام وقد حصلا بتسليط من البائع فينقطع بهما حق الاسترداد كالبيع، وقال أبو يوسف ومحمد ينقض البناء والغرس ويرد المبيع ورجحه الكمال حيث قال: وقولهما أوجه وكون البناء يقصد للدوام يمنع للاتفاق فى الاجارة على ايجاب القلع ونقل ابن عابدين عن النهر ما يوافق رأى أبى

(1)

حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 4 ص 174 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 176، ص 177 الطبعة السابقة.

(3)

الفتاوى الهندية ج 3 ص 147 الطبعة السابقة.

(4)

تنوير الابصار وشارحه الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ج 4 ص 181 طبع المطبعة العثمانية.

ص: 206

حنيفة وان محط الاستدلال انما هو التسليط من البائع وكل ما هو كذلك ينقطع به حق الاسترداد ومثل البناء والغرس فى امتناع الفسخ كل زيادة متصلة غير متولدة كصبغ وخياطة وطحن حنطة ولت سويق وغزل قطن فان كانت الزيادة متولدة متصلة كالسمن فانها لا تمنع الفسخ وجاء فى بدائع الصنائع

(1)

: ولو ازداد المبيع فى يد المشترى شراء فاسدا فان كانت الزيادة متصلة متولدة من الاصل كالسمن فانها لا تمنع الفسخ لان هذه الزيادة تابعة للأصل حقيقة والاصل مضمون الرد فكذلك التبع كما فى الغصب وان كانت متصلة غير متولدة عن الاصل كما اذا كان المبيع سويقا فلته المشترى بعسل أو سمن فانها تمنع الفسخ وان كانت الزيادة منفصلة فان كانت متولدة من الاصل كالولد واللبن والثمرة فانها لا تمنع الفسخ وللبائع أن يسترد الاصل مع الزيادة لان هذه الزيادة تابعة للأصل لكونها متولدة منه والاصل مضمون الرد فكذا الزيادة كما فى باب الغصب وكذا لو كانت الزيادة أرشا أو عقرا لان الارش بدل جزء فائت من الاصل حقيقة كالمتولد من الاصل والعقر بدل حاله حكم الجزء والعين فكأنه متولد من العين ثم فى فصل الولد اذا كانت الجارية فى يد المشترى فان نقصتها الولادة وبالولد وفاء بالنقصان ينجبر النقصان بالولد عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر فان لم تنقصها الولادة استردها البائع ولو استهلك المشترى الزيادة ضمنها وجاء فى موضع آخر

(2)

: ولو هلك المبيع والزيادة قائمة فللبائع وقت القبض لانهما كانا مضمونى المبيع وقت القبض لانهما كانا مضمونى الرد الا أنه تعذر استرداد المبيع لفوات المحل وان كانت الزيادة غير متولدة من الاصل كالهبة والصدقة والكسب فانها لا تمنع الرد وللبائع أن يسترد الاصل مع الزيادة لان الاصل مضمون الرد وبالرد ينفسخ العقد مع الاصل واذا انتقص المبيع فى يد المشترى شراء فاسدا فان كان النقصان بآفة سماوية فانه لا يمنع الاسترداد وللبائع أن يأخذه مع أرش النقصان لان المبيع بيعا فاسدا يضمن بالقبض كالمغصوب وكذلك اذا كان النقصان بفعل المبيع لان هذا والنقصان بآفة سماوية سواء وان كان النقصان بفعل المشترى فكذلك لانه لو انتقص بغير فعله كان مضمونا عليه فبصنعه أولى وان كان بفعل أجنبى فالبائع بالخيار ان شاء أخذ الارش من المشترى والمشترى يرجع به على الجانى وان شاء اتبع الجانى وان كان النقصان بفعل البائع فلا شئ على المشترى لانه صار مستردا بفعله حتى أنه لو هلك فى يد المشترى ولم يوجد منه حبس على البائع فانه يهلك على البائع وان وجد منه حبس ثم هلك ينظر ان هلك من سراية جناية البائع فعلى المشترى

(1)

بدائع الصنائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 302 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 302، ص 303 الطبعة السابقة.

ص: 207

ضمانه لكن يطرح منه حصة النقصان بالجناية لانه استرد ذلك القدر بجنايته ولو قتله البائع لا ضمان على المشترى لانه استرد بالقتل وكذلك لو حفر البائع بئرا فوقع فيه ومات لان ذلك فى معنى القتل فيصير مستردا.

‌ما يكون به الاسترداد:

يرى الحنفية أن استرداد البائع للمبيع يتحقق بطرائق متعددة منها ما اذا كان المبيع قائما استرده بعينه ومنها ما اذا هلك المبيع كله بفعل البائع بعد القبض ان كان المشترى قبضه بغير اذن البائع فان البائع يصير مستردا للمبيع بالاستهلاك فحصل الاستهلاك فى ضمانه ووجب بطلان البيع وسقوط الثمن عن المشترى وكذلك يعتبر البائع مستردا للبيع اذا هلك بفعله قبل قبض المشترى له ويسقط

(1)

الثمن عن المشترى، وجاء فى بدائع الصنائع

(2)

: اذا هلك بعض المبيع بفعل البائع فان كان قبل القبض بطل البيع بقدر الهالك واعتبر مستردا هذا البعض وسقط عن المشترى حصة الهالك من الثمن وهو قدر النقصان اعتبارا للبعض بالكل سواء كان النقصان نقصان قيمة أو نقصان وصف لان الاوصاف لها حصة من الثمن عند ورود الجناية عليها لانها تصير أصلا بالفعل فتقابل بالثمن والمشترى بالخيار فى الباقى ولو جنى البائع على المبيع واختار المشترى الاخذ فلم يقبضه حتى مات المبيع من تلك الجناية أو غيرها اعتبر مستردا ومات على البائع ويسقط الثمن عن المشترى لان المبيع انما يدخل فى ضمان المشترى بالقبض ولم يوجد، فان قبضه المشترى فمات من جناية البائع سقطت عن المشترى حصة جناية البائع ولزمه ما بقى من الثمن، ولو مات فى يد البائع بعد جناية المشترى ينظر ان مات من تلك الجناية لم يعتبر استردادا من البائع ومات على المشترى وعليه الثمن وان مات من غير الجناية وكان البائع قد منع المشترى من القبض اعتبر استردادا من البائع ولزم المشترى حصة ما استهلك وسقط عنه ثمن ما بقى لان البائع لما منع فقد نقض قبض المشترى فى قدر القائم فصار مستردا اياه فاذا هلك فقد هلك فى ضمانه فيهلك عليه، ولو جنى عليه البائع أولا ثم جنى عليه المشترى اعتبر البائع مستردا بقدر جنايته فسقط عن المشترى حصة جناية البائع ولزمه ثمن ما بقى لانه صار قابضا للباقى بجنايته فتقرر عليه ثمنه وان ابتدأ المشترى بالجناية ثم جنى البائع قبل قبض الثمن اعتبر استردادا من البائع كذلك لان المشترى صار قابضا بالجناية لكن الجناية فيه قبض بغير اذن البائع والثمن

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 239 وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 172 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع ج 5 ص 240، ص 241 الطبعة السابقة.

ص: 208

غير منقود فلما جنى عليه البائع فقد استرد ذلك القدر وأما اذا جنى البائع أولا ثم جنى المشترى بعد ذلك فان برأ العبد فلا خيار للمشترى ويلزمه ثمن ما بقى لانه صار قابضا لما بقى واعتبر البائع مستردا ما عدا ذلك هذا اذا لم يكن الثمن مقبوضا فلو كان الثمن مقبوضا والعبد فى يد البائع فجنى عليه البائع فانه يسقط عن المشترى حصته من الثمن ويكون البائع مستردا قدر جنايته فان كان المشترى هو الذى جنى عليه أولا ثم جنى البائع بعد ذلك فان البائع يلزمه من القيمة ما يلزم الاجنبى لان المشترى صار قابضا بالجناية ولا يملك البائع نقض القبض والاسترداد ها هنا لان الثمن مقبوض فصارت جنايته وجناية الاجنبى سواء ولو كان البائع جنى أولا ثم جنى المشترى بعد ذلك فما هلك بجناية البائع اعتبر استردادا منه وسقط حصته من الثمن وما هلك بسراية جنايته فعليه قيمته وما مر انما هو فى هلاك بعض المبيع قبل القبض، أما اذا هلك بعض المبيع بعد القبض المأذون فيه واستيفاء الثمن وكان الهلاك بفعل البائع لم يعتبر ذلك منه استردادا وانما اهلاكه واهلاك الاجنبى سواء.

وان كان المشترى قبضه بغير اذن البائع والثمن حال غير منقود اعتبر ذلك الاهلاك من البائع استردادا فى القدر الذى أتلفه وسقط عن المشترى حصته من الثمن ولا يعتبر ذلك استردادا للجميع لانه لم يوجد منه اتلاف الباقى أما اذا هلك الباقى من سراية جناية البائع فيصير مستردا للكل ويسقط عن المشترى جميع الثمن لان تلف الباقى حصل مضافا الى فعله فصار مستردا للكل فتلف الكل فى ضمانه فيسقط كل الثمن وكذلك يتحقق الاسترداد بمنع المبيع وذلك فى حالة ما اذا كان البيع بخيار العيب ووجد من البائع منع للمبيع ثم وجد المشترى به عيبا فله أن يرده على البائع ويسقط عن المشترى جميع الثمن لانه بالمنع صار مستردا للمبيع ناقضا ذلك القبض فانتقض

(1)

، ويتحقق استرداد المبيع أيضا بعتق البائع للمبيع ونحو ذلك من التصرفات اذا كان له الخيار ولو كان المشترى قد قبضه باذن

(2)

البائع، وجاء فى الفتاوى الهندية

(3)

: وليس ضروريا أن يكون استرداد المبيع باسترداد عينه وانما يجوز أن يكون باسترداد قيمته كما لو اشترى عبدا بمصوغ وتقابضا ثم هلك العبد فى يد المشترى ثم تقايلا والفضة قائمة فى يد البائع صحت الاقالة وعلى البائع رد الفضة ويسترد من المشترى قيمة العبد ذهبا لا فضة.

(1)

كتاب البدائع للكاسانى ج 5 ص 283 الطبعة السابقة.

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج 4 ص 16 طبع المطبعة الاميرية.

(3)

الفتاوى الهندية ج 3 ص 157، ص 158 الطبعة السابقة.

ص: 209

‌متى يثبت حق استرداد الثمن

للمشترى ومتى يسقط:

يفرق الحنفية فى ثبوت حق استرداد الثمن للمشترى بين حق الاسترداد فى البيع الصحيح وحق الاسترداد فى البيع الفاسد فحق الاسترداد يثبت له اذا كان البيع صحيحا سواء كان الثمن منقودا أو غير منقود فقد جاء فى حاشية الشلبى

(1)

:

اذا كان الثمن منقودا فى البيع الصحيح ثم انفسخ العقد بينهما بأى وجه كان فللمشترى أن يحبس المبيع حتى يستوفى الثمن الذى قبضه البائع، وذكر ابن عابدين

(2)

أن الحكم كذلك اذا كان الثمن غير منقود بأن كان دينا فان المشترى له حق الحبس حتى يسترد دينه لانه لما وجد للمديون على المشترى مثل الدين صار الثمن قصاصا لاستوائهما قدرا ووصفا فاعتبر بما لو استوفيا حقيقة فكان له حق الحبس وكذلك يثبت للمشترى حق استرداد الثمن اذا وجد بالمبيع عيبا حدث عند البائع لان ذلك يعطيه الحق فى رد البيع فقد ذكر الزيلعى

(3)

أن من وجد بالمبيع عيبا أخذه بكل الثمن أو رده لان مطلق العقد يقتضى السلامة من العيب فكانت السلامة كالمشروطة فى العقد صريحا والمراد به عيب كان عند البائع وقبضه المشترى من غير أن يعلم به ولم يوجد من المشترى ما يدل على الرضا به بعد العلم بالعيب وجاء فى موضع آخر

(4)

: فلو حدث عيب آخر عند المشترى لم يكن له حق الرد وانما له حق الرجوع بنقصانه فيتعين الرجوع بالنقصان فى ذلك الا أن يرضى البائع بأخذه ثم اذا رضى البائع بأخذ المبيع بعيبه فقد التزم القدر وليس له أن يرجع على المشترى كما لا يرجع المشترى على البائع بشئ اذا رضى بأخذ المعيب ومثل ذلك ما اذا اشترى ثوبا فقطعه فوجد به عيبا فانه يتعين أن يرجع بالعيب فقط وليس له أن يرد المبيع ويسترد الثمن لان القطع عيب حادث وهو يمنع الرد ويوجب الرجوع بالنقصان وان قبله البائع كذلك له ذلك لان الامتناع لحقه وقد رضى به وان باعه المشترى لم يرجع بشئ لانه صار حابسا له بالبيع اذ الرد غير ممتنع بالقطع برضا البائع فكان مفوتا للرد بخلاف ما اذا خاطه ثم باعه حيث لا يبطل الرجوع بالنقصان لانه لم يصر حابسا له بالبيع لامتناع الرد قبله بالخياطة فلو قطعه أو خاطه أو صبغه أو لت السويق بسمن فاطلع على عيب رجع بنقصانه وانما يرجع بالنقصان لتعذر الرد بسبب الزيادة ونقل ابن عابدين

(5)

عن الفتح والدر المنتقى أنه لو هلك المبيع بفعل البائع أو

(1)

حاشية الشيخ الشلبى على تبيين الحقائق للزيلعى ج 4 ص 66 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 4 ص 77 الطبعة السابقة.

(3)

الزيلعى مع حاشية الشلبى ج 4 ص 31 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 34 الطبعة السابقة.

(5)

حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 4 ص 57.

ص: 210

بفعل المبيع أو بأمر سماوى بطل البيع ويرجع المشترى بالثمن لو مقبوضا، واختلف الحنفية فى ثبوت حق رد البيع واسترداد

(1)

الثمن للمشترى فيما لو اشترى عبدا قد سرق ولم يعلم المشترى بذلك فقطع عند المشترى فالامام أبو حنيفة رحمه الله يقول: أن له أن يرده على البائع ويسترد الثمن الذى دفعه بينما يقول صاحباه أنه ليس له أن يرده على البائع لحدوث العيب عنده وهو القطع فتعين الرجوع بنقصان العيب كما لو اشترى جارية حبلى فماتت فى يد المشترى بالولادة فانه يرجع بالنقصان ولو مات العبد بعد القطع حتف أنفه يجب أن يرجع بنصف الثمن ولا فرق عند الحنفية فى أن يرد على البائع أو على وكيله ومن رد عليه منهما استرد منه الثمن فقد ذكر صاحب البحر الرائق

(2)

أن الرد على الوكيل كالرد على الموكل مطلقا فاذا رده المشترى على الوكيل استرد الثمن منه ان كان نقده اليه والا فمن الموكل، وفى الولوالجية اذا رد على الوكيل باقراره بالعيب بلا قضاء لزمه دون الموكل وهو الصحيح أما فى البيع الفاسد فحكم استرداد الثمن يختلف تبعا لنقد الثمن وكونه دينا فان كان الثمن منقودا وحدث الفسخ فى البيع الفاسد فانه يثبت للمشترى حق استرداد الثمن وهو ما قبضه البائع سواء كان ثمنا أو قيمة وله أن يحبس المبيع فلا يأخذه البائع حتى يرد ثمنه فاذا كان الثمن دينا فيما اشترى شراء فاسدا كما اذا اشترى من مدينه عبدا بدين سابق شراء فاسدا وقبضه بالاذن فأراد البائع أخذه بحكم الفساد فليس للمشترى حبسه لاستيفاء ماله على البائع من الدين لان المشترى لم يملك الثمن بل تجب قيمة المبيع عند القبض وهى قبله غير مقررة لاحتمالها السقوط بالفسخ ودين المشترى مقرر والمقاصة انما تكون عند الاستواء وصفا فلم يكن له حق الحبس واذا مات البائع فالمشترى أحق بالمبيع من سائر الغرماء حتى يستوفى الثمن الذى نقده لانه مقدم عليه حال حياته فكذا يقدم على تجهيزه بعد وفاته بمعنى أنه لو مات البائع وكان المبيع ثوبا مثلا احتيج لتكفينه به فللمشترى حبسه حتى يأخذ ماله وعلى هذا يقدم المشترى على أرباب الديون والورثة وله حق حبسه حتى يأخذ ماله فيأخذ المشترى دراهم الثمن بعينها لو كانت قائمة ويأخذ مثلها لو هالكة بناء على تعين الدراهم فى البيع الفاسد وهو الاصح.

(1)

كنز الدقائق وشارحه تبيين الحقارق ج 4 ص 42. الطبعة السابقة.

(2)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين ج 6 ص 62 الطبعة الاولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.

ص: 211

‌ما يكون به استرداد المشترى:

اذا ثبت للمشترى حق رد البيع واسترداد الثمن

(1)

فان له الحق فى أن يحبس المبيع حتى يستوفى الثمن فلو باع رجل أرضا على أنه بالخيار ثلاثة أيام وتقابضا ثم ان البائع نقض البيع فى الايام الثلاثة تبقى الارض مضمونة بالقيمة على المشترى وكان للمشترى أن يحبسها لاستيفاء الثمن الذى دفعه الى البائع فاذا أذن البائع بعد ذلك للمشترى فى زراعة هذه الارض سنة فزرعها تصير الارض أمانة عند المشترى وكان للبائع أن يأخذها متى شاء قبل أن يؤدى ما عليه من الثمن ولا يكون للمشترى أن يحبسها لاستيفاء الثمن الذى كان على البائع كذا فى فتاوى قاضيخان وان كان المشترى زرع الارض كان للمشترى أن يمسكها بأجر المثل ويمنع البائع عنها الى أن يستحصد الزرع، وان أراد المشترى بعد ما زرعها أن يمنع الارض من البائع حتى يسترد الثمن لم يكن له ذلك، واذا كان حق استرداد الثمن مترتبا على الاقالة فليس من حق أحدهما أن يشترط أكثر من الثمن فقد جاء فى الهداية

(2)

أن الاقالة جائزة فى البيع بمثل الثمن الاول لان العقد حقهما فيملكان رفعه دفعا للحاجة فان شرطا أكثر منه أو أقل فالشرط باطل ويرد مثل الثمن الاول والاصل ان الاقالة فسخ فى حق المتعاقدين بيع جديد فى حق غيرهما.

‌مذهب المالكية:

‌حق البائع فى استرداد

المبيع اذا باعه مكرها:

وللبائع الحق فى استرداد

(3)

المبيع اذا باعه مكرها كما اذا أجبر على بيعة أو على سببه ولا يفيته (أى لا يمنع منه) تداول أملاك ولا عتق ولا هبة ولا ايلاد فان كان قد أجبر على السبب بأن أجبر على دفع مال لظالم فباع متاعه لذلك استرد المبيع بلا ثمن أما ان كان قد أكره على البيع فقط فله رد البيع واسترداد مبيعه ويجب رد الثمن الذى أخذه الا لبينة على تلفه بلا تفريط منه.

‌حق المشترى فى الاسترداد

فى البيع الفاسد:

وللمشترى الحق فى استرداد الثمن جميعه اذا رد المبيع لفساده مثل البيض لان فساد البيض قد يعلم قبل كسره ولا شئ عليه فى كسره سواء دلس البائع أم لا هذا ان كان لا يجوز أكله كالمنتن أما ان كان يجوز أكله كالمحروق فلا شئ على المشترى ان دلس بائعه كسره المشترى أم لا وكذا

(1)

الفتاوى الهندية مع فتاوى قاضيخان للاوزجندى ج 3 ص 64 الطبعة السابقة والبحر الرائق لابن تجيم ج 6 ص 10 الطبعة السابقة.

(2)

الهداية شرح بداية المبتدى للمرغينانى مع شروحها فتح القدير لكمال الدين المعروف بابن الهمام وشرح العناية للبابرتى وحاشية سعدى جلبى ج 5 ص 246 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1316 هـ.

(3)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 3 ص 6 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه.

ص: 212

ان لم يدلس البائع ولم يكسره المشترى فان كسره فله رده وما نقصه ما لم يفت بنحو قلى والا فلا رد ورجع المشترى بما بين قيمته سالما ومعيبا فيقوم على أنه صحيح غير معيب وصحيح معيب فاذا قيل قيمته صحيحا غير معيب عشرة وصحيحا معيبا ثمانية فيرجع بنسبة ذلك من الثمن وهى الخمس وهذا اذا كسره بحضرة (أى فى مجلس) البيع فان كان بعد أيام لم يرد لانه لا يدرى أفسد عند البائع أو المشترى

(1)

.

‌حق المشترى فى الاسترداد

اذا تعيب المبيع:

وللمشترى الحق فى استرداد الثمن اذا تعيب المبيع ودلس البائع فقد جاء فى الشرح الكبير

(2)

واذا هلك المبيع عند المشترى بعيب التدليس من البائع كتدليسه بحرابته فحارب فقتل أو يهلك بسماوى زمنه أى زمن عيب التدليس كموته ولو حكما كأن لم يعلم له خبر فى زمن اباقه الذى دلس فيه بأن اقتحم نهرا أو تردى أو دخل جحرا فنهشته حيه فمات فان المشترى يرجع على البائع بجميع الثمن، وان باعه المشترى قبل اطلاعه على العيب وهلك عند المشترى منه بعيبه أى عيب التدليس رجع المشترى الثانى على البائع الثانى بالارش لانه غير مدلس ثم البائع الثانى يرجع على البائع المدلس بالاقل من الارش أو بما يكمل الثمن الاول فان لم يمكن رجوع المشترى الثانى على بائعه هو لعدمه أو غيبته ولا مال له حاضر رجع على البائع الاول المدلس بجميع الثمن الذى أخذه المدلس لكشف العيب أنه لا يستحقه بتدليسه فان ساوى ما خرج من يده فواضح وان زاد الثمن الاول المأخوذ من المدلس على ما خرج من يده فللثانى أى فالزائد للبائع الثانى وهو المشترى الاول يحفظه له المشترى الثانى حتى يدفعه له أو لورثته وان نقص المأخوذ من المدلس عما خرج من يده فهل البائع الثانى يكمله للمشترى منه لانه قبض هذا الزائد منه فيرجع عليه به أولا يكمله له لانه لما رضى باتباع الاول فلا رجوع له على الثانى قولان، ولا حق له فى استرداد الثمن اذا مات المبيع بسماوى فى غير حال تلبسه بعيب التدليس بل يرجع على البائع بأرش القديم فقط.

‌مذهب الشافعية:

‌حق الاسترداد للبائع اذا قبضه

المشترى من غير اذن البائع:

وللبائع أن يسترد المبيع اذا قبضه المشترى من غير اذن البائع وكان الثمن حالا ولم يسلم جميعه لمستحقه ولم ينفذ تصرف المشترى فيه نعم يدخل فى ضمانه فيطالب به لو خرج مستحقا ويعصى بذلك ولو أتلفه

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 113، 114 الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 3 ص 131، 132 الطبعة السابقة.

ص: 213

البائع فى يد المشترى ففيه وجهان أوجههما الانفساخ

(1)

.

‌ثبوت حق استرداد المبيع للبائع اذا

خرج الثمن زيوفا أو كان المشترى عبدا:

وكذا لو خرج الثمن زيوفا كان للبائع حق استرداده كما قاله ابن الرفعة

(2)

وغيره، وللبائع أن يسترد المبيع اذا كان المشترى له عبدا وقد اشتراه من غير اذن سيده سواء كان المبيع فى يد العبد أو فى يد سيده

(3)

، ويثبت حق الفسخ والاسترداد للبائع اذا أفلس المشترى فقد جاء فى مغنى المحتاج

(4)

: أنه اذا باع ولم يقبض شيئا من الثمن حتى حجر على المشترى بسبب افلاسه والمبيع باق عنده فله أى البائع فسخ البيع واسترداد المبيع لحديث الصحيحين: من أدرك ماله بعينه عند رجل أو انسان قد أفلس فهو أحق به من الغرماء وكون الثمن غير مقبوض يحتاج الى اضماره فى الحديث، وفى حكم الحجر بسبب الفلس الموت مفلسا ففى خبر أبى هريرة:«أيما رجل أفلس أو مات فصاحب المتاع أحق بمتاعه» وكما أن له الحق فى استرداد المبيع فان له الحق كذلك فى أن يسترد بعضه لانه مصلحة للغرماء

(5)

، ولا يحتاج فى الفسخ الى حكم حاكم بل يفسخه بنفسه على الاصح ولو حكم حاكم بمنع الفسخ لم ينقض كما صححه المصنف وان قال الاصطخرى بنقضه، أما اذا أفلس المشترى ولم يحجر عليه أو حجر عليه للسفه فلا رجوع.

‌استرداد البائع فى البيع للعبد:

الشافعية فى حكم شراء العبد دون اذن سيده فريقان، فريق يردد الحكم بين صحة شرائه وعدم صحته، وفريق يقطع ببطلان شرائه.

أما الفريق الاول: فقد قال بالصحة منهم ابن أبى هريرة لانه يعتمد الذمة ولا حجر على ذمة العبد، وقال بعدم الصحة منهم أبو اسحاق والاصطخرى لانه لو صح فاما أن يثبت الملك له وليس هو أهلا لان يملك أو لسيده وذلك اما بعوض يلزمه أو بعوض يكون فى ذمة العبد، والاول ما رضى به السيد.

والثانى: ممتنع لما فيه من حصول أحد العوضين لغير من يلتزم الثانى وبنوا على تشبيه بالمفلس المحجور عليه اذا اشترى شيئا لان كل

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى وبهامشه المغربى ج 4 ص 96، ص 97 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ.

(2)

نهاية المحتاج شرح المنهاج ج 4 ص 103 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 169 الطبعة السابقة.

(4)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 2 ص 148 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.

(5)

نهاية المحتاج ج 4 ص 325 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 214

واحد منهما صحيح العبارة وانما حجر عليه لحق الغير.

والفريق الثانى يقطع ببطلان شرائه اذ يفارق المفلس لان المفلس أهل للتمليك بخلافه.

ثم ان ممن يصحح شراء العبد من يقول بأن ملك ما يشتريه يكون للسيد ومنهم من يقول بأن ملك ما يشتريه يكون للعبد.

فعلى القول بصحة شرائه والملك للسيد.

يحق للبائع أن يسترد المبيع اذا كان المشترى عبدا ولم يكن البائع على علم برقه، وقد اختار البائع أن يفسخ البيع فان كان البائع على علم برقه لم يطالبه بشئ حتى يعتق، وعلى القول بصحة شرائه والملك للعبد فان للسيد أن يختار انتزاع ما اشتراه من يده وله أن يقره عليه، وللبائع أن يرجع الى عين المبيع ما دام فى يد العبد لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشترى بالثمن، فان تلف المبيع فى يد العبد لم يكن للبائع الا أن يصبر الى أن يعتق. وان انتزعه السيد فهل للبائع الرجوع فيه وجهان الذى أورده الاكثرون أنه لا يرجع كما لو زال يد المشترى عما اشتراه ثم أفلس بالثمن وفى التتمة أن الصحيح أنه يرجع أيضا بناء على أن الملك للسيد ابتداء لا بالانتزاع.

هذا اذا صححنا شراءه أما أن أفسدنا شراءه فللمالك استرداد العين ما دامت باقية سواء كانت فى يد العبد أو فى يد السيد

(1)

وان تلفت فى يد العبد تعلق الضمان بذمته وان تلفت فى يد السيد فللبائع أن يطالبه بالضمان، فان لم يطالبه فليس له مطالبة العبد بعد العتق، ولا يجب على السيد الضمان بأن رآه فلم يأخذه من يد العبد، ولو أدى العبد الثمن من مال السيد فان للسيد أن يسترده.

‌استرداد البائع فى البيع للصبى:

ويحق له كذلك أن يسترد المبيع اذا كان المشترى صبيا ما دامت العين باقية فى يده ولو سلم الصبى الى البائع ثمن ما اشتراه لم يصح تسليمه ويلزم البائع رده الى الولى ويلزم الولى طلبه واسترداده

(2)

، وكما يثبت حق استرداد البيع للبائع يثبت كذلك للوكيل بالبيع فلو سلم الوكيل المبيع ضمن لتعديه ويسترده أن بقى والا غرم الموكل من شاء من المشترى والوكيل قيمته سواء أكان مثليا أم متقوما كما ذكره الرافعى وان بحث بعض المتأخرين التفصيل بين المثلى والمتقوم وقرار الضمان على المشترى واذا استرد

(1)

المجموع شرح المهذب للعلامة الفقيه أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى فى كتاب مع فتح العزيز شرح الوجيز للامام أبى القاسم الرافعى ج 9 ص 143، 144، 145 طبع المطبعة العربية بمصر ادارة الطباعة المنيرية لمحمد بن عبده اغا الدمشقى.

(2)

المرجع السابق ج 9 ص 156 الطبعة السابقة.

ص: 215

فله بيعه بالاذن السابق كما فى بيع العدل الرهن

(1)

.

‌حق المشترى فى استرداد الثمن

اذا سلمه فى زمن الخيار:

وللمشترى الحق فى أن يسترد الثمن اذا كان قد سلمه للبائع فى زمن الخيار ثم فسخا البيع لانه يصير كأنه أقرضه الثمن واسترجعه

(2)

منه قبل التصرف.

‌حق المشترى فى استرداد الثمن

اذا تلف المبيع:

وللمشترى الحق فى أن يسترد ثمنه اذا تلف البيع بآفة سماوية فى زمن الخيار اذا كان التلف قبل القبض وانفسخ البيع وكذا ان كان التلف بعد القبض وقلنا ان الملك للبائع فانه ينفسخ أيضا ويسترد المشترى الثمن ويغرم للبائع البدل وهو المثل أو القيمة ومثل ذلك ما لو قبض المبيع فى زمن الخيار ثم أودعه عند البائع فتلف فى يده فهو كما لو تلف فى يد المشترى حتى اذا فرعنا على أن الملك للبائع ينفسخ البيع ويسترد الثمن ويغرم القيمة هكذا جزم به الدارمى وآخرون ويثبت الحق فى استرداد المدفوع فى زمن الخيار قال صاحب المجموع وهذا هو المذهب وفيه وجه ضعيف أنه ليس له استرداده وله أخذ ما عند صاحبه بغير رضاه وممن حكى هذا الوجه الرافعى

(3)

.

‌حق المشترى فى استرداد الثمن

اذا تعيب المبيع:

وللمشترى الحق فى أن يسترد ثمنه اذا اشترى عبدا فوجد به عيبا وفسخ البيع وكان للبائع أن يبيع العبد قبل أن يسترده ويقبضه قال المتولى الا اذا لم يؤد الثمن فان للمشترى حبسه الى استرجاع الثمن فلا يصح بيعه قبله قال وقد نص الشافعى

(4)

على هذا، وكذا يثبت له حق استرداد الثمن اذا كان المبيع ربويا بيع بجنسه ثم ظهر فى المبيع عيب كما لو اشترى حلى الذهب بوزنه ذهبا فبان معيبا بعد تلفه فانه يفسخ العقد ويسترد المشترى الثمن ويغرم بدل التالف على الاصح، وانما كان ذلك كذلك لان مثله لا أرش له لنقص الثمن فيصير الباقى منه مقابلا بأكثر منه

(5)

وذلك ربا، ويسقط حق المشترى فى استرداد الثمن اذا سلمه فى زمن الخيار قبل قبض المبيع فقد ذكر صاحب مغنى المحتاج

(6)

: أنه لو أبق الرقيق أو ضل أو غصب قبل القبض ثبت للمشترى الخيار ولم ينفسخ البيع

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 208 الطبعة السابقة.

(2)

المجموع ج 9 ص 223، 224 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 9 ص 220، 221 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 9 ص 266 الطبعة السابقة.

(5)

نهاية المحتاج ج 4 ص 40 الطبعة السابقة

(6)

مغنى المحتاج ج 2 ص 64، 65 الطبعة السابقة.

ص: 216

لرجاء العود فان أجاز البيع لم يبطل خياره مالم يرجع ولم يلزمه تسليم الثمن قبل العود فان سلمه لم يسترده ما لم يفسخ.

‌ما يكون به الاسترداد:

وان كان البائع غائبا عن البلد ولا وكيل له سواء أكانت المسافة قريبة أم بعيدة رفع الامر الى الحاكم ولا يؤخر لقدومه وطريقه عند الرفع أن يدعى شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم قبضه ثم ظهر العيب وأنه فسخ البيع ويقيم بينة بذلك ويحلفه الحاكم أن الامر جرى كذلك لانه قضاء على غائب ويحكم بالرد على الغائب ويبقى الثمن دينا عليه ويأخذ المبيع ويضعه عند عدل ثم يعطيه القاضى الثمن من مال الغائب فان لم يجد له سوى المبيع باعه فيه فان قيل ذكر الشيخان فى باب المبيع قبل قبضه عن صاحب التتمة وأقراه أن للمشترى بعد فسخه بالعيب حبس المبيع

(1)

الى استرجاع ثمنه من البائع ويتحقق كذلك استرداد الثمن بأخذ بدله اذا كان البائع عاجزا عن رد الثمن فلو تلف الثمن حسا أو شرعا أو تعلق به حق لازم كرهن دون المبيع واطلع على عيب به رده اذ لا مانع وأخذ مثل الثمن ان كان مثليا أو قيمته ان كان متقوما لان ذلك بدله ومر اعتبار الاقل فيما بين وقت العقد الى وقت القبض أما لو بقى فله الرجوع فى عينه سواء أكان معينا فى العقد أم عما (أى عن موصوف فى الذمة) فى الذمة فى المجلس أو بعده وحيث رجع ببعضه أو كلا لا أرش

(2)

له على البائع، ويكون استرداد البائع باتلاف المبيع فى يد المشترى فقد جاء فى نهاية المحتاج

(3)

: أنه لو أخذ المشترى المبيع بغير اذن البائع:

حيث له حق الحبس فله استرداده منه فلو أتلفه البائع اتلافا مضمنا فى يد المشترى فى هذه الحالة جعل مستردا له بالاتلاف كما أن المشترى قابض بالاتلاف كما جزم به ابن المقرى، وجاء فى المجموع

(4)

: ولو اكترى دارا وسكنها بعض المدة ثم انهدمت انفسخ العقد فى المستقبل وفى الماضى الخلاف الآتى، المذهب أنه لا ينفسخ فان قلنا لا فسخ وهو الاصح فعليه من المسمى حصة الماضى من المدة وان قلنا بالانفساخ أو قلنا له الفسخ ففسخ فعليه أجرة المثل للماضى ويسترد المسمى ان كان دفعه.

‌حق البائع فى الاسترداد

اذا تعيب الثمن:

أما ان كان المبيع عبدا مسلما وكان البائع كافرا ملك العبد المسلم بالارث أو أسلم عنده فباعه بثوب ثم وجد بالثوب عيبا فأراد أن يرد الثوب بالعيب وأن يسترد العبد فللشافعية فى حكمه

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 56 الطبعة السابقة

(2)

نهاية المحتاج ج 4 ص 43 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 80 الطبعة السابقة.

(4)

المجموع ج 9 ص 387 الطبعة السابقة.

ص: 217

ثلاثة أوجه. أصحها: له وذلك ويؤمر بازالة الملك فى العبد.

والثانى: ليس له ذلك كيلا يدخل المسلم فى ملكه باختياره.

والثالث: يرد الثوب ولا يرجع فى العبد بل يسترد قيمته ويصير كالتالف وممن ذكر الخلاف فى رد الثوب امام الحرمين والغزالى فالصواب القطع بجواز رد الثوب وبه جزم البغوى والمتولى وآخرون ونقل المتولى اتفاق الاصحاب عليه

(1)

.

‌حق المشترى فى استرداد

الثمن اذا تعيب المبيع:

وروى صاحب المجموع أن للشافعية قولين حول استرداد المشترى الثمن اذا تعيب المبيع وكان عبدا مسلما وكان البائع كافرا.

أما الاول: وقد نسبه أمام الحرمين الى بعض المحققين. فهو القطع بأنه يجوز له أن يرد العبد وأن يسترد الثوب لان ملك الكافر له هنا يقع بغير اختياره.

وأما القول الثانى: فهو على الوجهين وبه قال الشيخ أبو محمد لانه كما يمنع الكافر من تملكه يمنع المسلم من تمليكه اياه ويرجع بأرش المعيب

(2)

.

‌حق المشترى فى استرداد

الثمن اذا بطل البيع:

ويحق للمشترى أن يرد المبيع ويسترد الثمن اذا جمع فى البيع بين ما يجوز بيعه وبين مالا يجوز بيعه كالحر والعبد وعبده وعبد غيره على أحد قولى الشافعية وهو أن الصفقة لا تفرق فيبطل العقد فيهما ويرد المبيع ويسترجع الثمن

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌استرداد البائع فى البيع الصحيح:

وللبائع حق استرداد المبيع اذا كان المبيع عبدا فأعتقه البائع والمشترى جميعا سواء تقدم عتق المشترى أو عتق البائع لانه فى الحالة الاولى عتق نافذ مع بقاء ملك البائع لحق الاسترداد، وفى الحالة الثانية لا ينفذ عتق واحد منهما لان البائع لا ينفذ عتقه لكونه أعتق غير مملوكه ولكن حصل باعتاقه فسخ البيع واسترجاع العبد فلم ينفذ عتق المشترى ومتى أعاد البائع الاعتاق مرة ثانية نفذ اعتاقه لانه عاد العبد اليه فأشبه ما لو استرجعه بصريح قوله

(4)

.

(1)

المجموع ج 9 ص 356، 357 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 9 ص 356، 357 الطبعة السابقة.

(3)

المجموع ج 9 ص 379 الطبعة السابقة.

(4)

المغنى للامام العلامة موفق الدين بن قدامة على مختصر الامام الخرقى فى كتاب مع الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين بن قدامة المقدسى ج 4 ص 58 وما بعدها طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الاولى.

ص: 218

‌حق البائع فى استرداد الزيادة:

وللبائع الحق فى استرداد الزيادة التى تبينت بعد امضاء البيع كما لو باع صبرة جزافا فظهر تحتها حفرة أو ظهر باطنها خيرا من ظاهرها فان البائع بالخيار ان لم يعلم بالحفرة أو بأن باطنها خير من ظاهرها كما لو باع بعشرين درهما فوزنها بصنجة ثم وجد الصنجة زائدة كان له الرجوع بالزيادة وكذا مكيال زائد أى لو باع صبرة بمكيال معهود ثم وجده زائدا كان له الرجوع بالزيادة

(1)

.

‌للبائع الاسترداد بالاعسار والافلاس:

وللبائع الحق فى استرداد عين ماله اذا كان المشترى معسرا ولو ببعض الثمن واختار البائع الفسخ فى الحال لان فى التأخير ضررا عليه وكذا اذا باع لمفلس محجور عليه وهو يجهل بالحجر ففسخ فان له حق الرجوع بعين ماله

(2)

ويثبت للبائع الحق فى استرداد مبيعه حتى ولو كان المبيع عبدا مسلما والبائع كافرا كما لو اشترى كافر عبدا كافرا من كافر ثم أسلم العبد وأفلس المشترى وحجر عليه فان للبائع أن يفسخ البيع ويسترد ما باعه

(3)

.

‌ثبوت حق الاسترداد للبائع

اذا ظهر فى الثمن عيب:

وللبائع الحق فى استرداد المبيع اذا ظهر فى الثمن عيب فلو باع أمة بعبد ثم وجد البائع بالعبد عيبا فله الفسخ واسترجاع الامة ان كانت باقية أو قيمتها لعتق مشترلها أو بيعها أو وقفها أو موتها أو نحو ذلك مما يتعذر معه ردها وكذلك سائر السلع المبيعة أو المجعولة ثمنا اذا علم بها من صارت اليه بعد العقد فان له الفسخ واسترجاع عوضها من قابضه ان كان باقيا أو بدله ان تعذر رده وليس لبائع الامة بالعبد الذى ظهر معيبا التصرف فيها قبل فسخ البيع بالقول لان ملك المشترى عليه تام مستقر لعقد البيع الصحيح

(4)

.

‌ثبوت حق المشترى

فى استرداد الثمن:

ويستحق المشترى استرداد جميع الثمن اذا كان قد اشترى معيبا لم يعلم حال العقد عيبه ثم علم بعيبه فله الخيار سواء علم البائع بعيبه فكتمه عن المشترى أو لم يعلم البائع بعيبه أو حدث به عيب بعد عقد

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 2 ص 21 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1399 هـ الطبعة الاولى.

(2)

كشاف القناع بهامشه منتهى الارادات ج 2 ص 78 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل للشيخ شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 2 ص 108 طبع المطبعة المصرية بمصر.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 31، 32 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 67 والاقناع ج 2 ص 101 الطبعة السابقة.

ص: 219

وقبل قبض فيما ضمانه على بائع كمكيل وموزون ومعدود ومزروع بيع ذلك وكثمر على شجر ونحوه كمبيع بصفة أو رؤية متقدمة، خير المشترى بين رد استدراكا لما فاته وازالة لما يلحقه من الضرر فى بقائه فى ملكه ناقصا عن حقه وعليه أى المشترى اذا اختار الرد مؤنة رده الى البائع لحديث:«على اليد ما أخذت حتى تؤديه» واذا رده أخذ الثمن كاملا حتى ولو كان البائع قد وهبه ثمن المبيع أو أبرأه منه أى من الثمن كله أو بعضه ثم فسخ المشترى رجع بكل الثمن كزوج طلق قبل دخول بعد أن أبرأته من الصداق أو وهبته له فانه يرجع بنصفه وبين امساك المبيع مع أرش العيب

(1)

.

‌ثبوت حق الاسترداد للمشترى

اذا تعيب المبيع:

وللمشترى الحق فى استرداد الثمن جميعه اذا تلفت الثمرة المبيعة جميعها بالجائحة لان العقد حينئذ يصبح باطلا

(2)

، وكذا اذا تعيب المبيع كله فى يد البائع أو تلف بعضه بأمر سماوى اذا اختار المشترى فسخ العقد والرجوع بالثمن فان تعيب أو تلف بعضه بفعل البائع فقياس قول أصحابنا ان المشترى له حق استرداد الثمن اذا اختار الفسخ

(3)

.

‌حق المشترى فى استرداد

الثمن أو بعضه:

ويثبت للمشترى حق استرداد بعض الثمن اذا كان المبيع مشتركا بين البائع وغيره ولم يكن المشترى عالما بذلك فلما علم أمضى البيع وأمسك المبيع وذلك اذا كان التفريق ينقص المبيع وذلك لان الشركة عيب كزوجى خف أحداهما للبائع والاخرى لآخر باعهما وكانت قيمتهما مجتمعين ثمانية دراهم وقيمة كل واحد منفردة درهمين فاذا اختار المشترى الامساك أخذها بنصف الثمن واسترجع من البائع ربعه فتستقر معه بربع الثمن المعقود به

(4)

، وللمشترى الحق فى أن يسترد الثمن ان اختار فسخ البيع فيما لو كان المبيع عبدا جنى قبل البيع جناية توجب المال أو توجب قودا عفى عنه الى مال ولم يكن للمشترى علم بذلك وكذا له الحق فى استرداد الثمن اذا كانت جناية العبد مستوعبة رقبته فأخذ بها فان لم تكن مستوعبة استرد بقدر ارشه أما ان كان المشترى عالما بعيبه هذا فان حقه فى الرجوع والاسترداد يسقط

(5)

.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 59، 60 والاقناع ج 2 ص 95 الطبعات السابقة.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 114 والاقناع ج 2 ص 131 الطبعات السابقة.

(3)

المغنى ج 4 ص 117 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 28 الطبعة السابقة.

(5)

الاقناع ج 2 ص 101 وكشاف القناع ج 2 ص 68 الطبعات السابقة.

ص: 220

‌ما يكون به الاسترداد:

ويتحقق استرداد البائع للمبيع بتصرفه فى المبيع سواء كان ذلك باذن المشترى أم بغير اذنه لان البائع لا يحتاج الى اذن المشترى فى استرجاع المبيع فيصير تصرفه باذن المشترى مثل تصرفه بغير اذنه

(1)

، ويتحقق الاسترداد من البائع باعتاق العبد الذى باعه حيث لا ينفذ اعتاقه لانه موجه الى غير مملوكه ولكن يعتبر ذلك منه فسخا للبيع واسترجاعا للعبد

(2)

، ولا يعتبر تصرف البائع فى الامة استردادا مالم يصرح فى قوله باستردادها لان ملك المشترى عليه تام مستقر فلو أقدم البائع وأعتق الامة أو وطئها لم يكن ذلك فسخا بغير قول ولم ينفذ عتقه

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌استرداد البائع فى البيع الفاسد:

وللبائع الحق فى أن يسترد المبيع فى البيع الفاسد متى وجده فقد ذكر صاحب المحلى

(4)

: ان من وجد ماباعه بيعا فاسدا فهو له ضرورة ولا خيار له فى غيره لانه ملكه والدليل على ذلك ما روى عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أدرك ماله بعينه عند رجل أو انسان قد أفلس فهو أحق به من غيره.

‌استرداد البائع مع افلاس المشترى:

وله كذلك ان يسترده اذا كان البيع صحيحا ووجد البائع المبيع كله لكنه وجد أن المشترى مفلس جاء فى المحلى

(5)

: من فلس من حى أو ميت فوجد انسان سلعته التى باعها بعينها فهو أولى بها من الغرماء وله أن يأخذها فان وجد بعضها فلا حق له فيها وهو أسوة بالغرماء ولصاحب المال بواسطة الفضولى أن يسترد ماله ان باعه الفضولى سواء كان صاحب المال حاضرا يرى ذلك أو غائبا ولا يكون سكوته رضا بالبيع طالت المدة أم قصرت ولو بعد مائة عام أو أكثر بل له أن يأخذ ما له أبدا هو وورثته بعده ولا يجوز لصاحب المال أن يمضى ذلك البيع أصلا الا أن يتراضى هو والمشترى على ابتداء عقد بيع فيه وهو مضمون على من قبضه ضمان الغصب

(6)

.

‌الاسترداد فى الاقالة:

ويحق للبائع والمشترى أن يسترد كل منمها ما سلمه الى صاحبه اذا اتفقا على

(1)

المغنى ج 4 ص 55، 56 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 58 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

الاقناع ج 2 ص 101 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى للامام أبى محمد على بن سعيد ابن حزم الظاهرى ج 8 ص 175 مسألة رقم 1283 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الاولى.

(5)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 475 مسألة رقم 1460.

(6)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 434 مسألة رقم 1460.

ص: 221

الاقالة من البيع

(1)

، وللمغبون أن يسترد ماله اذا اختار فسخ البيع وذلك أن وجد غبن فى البيع سواء كان على البائع أو على المشترى وكانا لم يشترطا السلامة ولم يشترطها أحدهما فان فات الشئ المبيع رجع المغبون منهما بقدر الغبن

(2)

.

‌استرداد المشترى الثمن فى الفسخ:

وللمشترى الحق فى استرداد الثمن اذا فسخ البيع فقد ذكر ابن حزم فى المحلى

(3)

: أنه اذا فسخ البيع ثبت للمشترى استرداد عين الثمن نفسه لا غيره ولا بد له كما قال ابن سيرين وكما حدثنا الربيع بن حبيب قال: كنا نختلف الى السواد فى الطعام وهو أكداس قد حصد فنشتريه منهم الكر بكذا وكذا وننقد أموالنا فاذا أذن لهم العمال فى الدراس فمنهم من يفى لنا بما سمى لنا ومنهم من يزعم أنه نقص طعامه فيطلب الينا أن نرتجع بقدر ما نقص رءوس أموالنا فسألت الحسن عن ذلك فكرهه الا أن يستوفى ما سمى لنا أو نرتجع أموالنا كلها وسألت ابن سيرين فقال ان كانت دراهمك بأعيانها فلا بأس.

‌استرداد الثمن فى البيع الباطل:

وللمشترى الحق فى استرداد الثمن اذا كان البيع باطلا كما لو تضمن بيع شئ محرم فقد قال ابن حزم

(4)

: لا يحل بيع الخمر ولا بيع الخنازير لا لمؤمن ولا لكافر، ولا يحل بيع كلب أصلا لا كلب صيد ولا كلب ماشية ولا غيرهما فمن باع شيئا محرما فسخ أبدا ومن اضطر الى كلب ولم يجد من يعطيه اياه فله أن يشتريه وهو حلال للمشترى حرام على البائع وللمشترى أن ينتزع منه الثمن متى قدر عليه كالرشوة فى دفع الظلم وفداء الاسير ومصانعة الظالم.

‌استرداد الثمن فى البيع المعيب:

وللمشترى الحق فى استرداد الثمن اذا وجد عيبا فيما اشتراه واختار أن يفسخ البيع ويرد المبيع

(5)

، أما ان أمسك المبيع فلا شئ له لانه قد رضى بعين ما اشترى فله أن يستصحب رضاه وله أن يرد جميع الصفقة لانه وجد خديعة وغشا وغبنا، وليس له أن يمسك ما اشترى ويرجع بقيمة العيب لانه ليس له الا ترك الرضا بما غبن فيه فقط ولانه لا حق له فى مال البائع

(6)

، وجاء فى موضع آخر

(7)

: فان فات المعيب بموت أو بيع أو عتق أو ايلاد أو تلف فللمشترى أو البائع الرجوع بقيمة العيب، وكذلك من غبن فى بيعه فانه يرجع

(1)

المرجع السابق ج 9 ص 5 مسألة رقم 1509 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 439 الطبعة السابقة.

(3)

المحلى ج 9 ص 5 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 8، ص 9 مسألة رقم 1512، 1513.

(5)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 44 مسألة 1556.

(6)

المرجع السابق ج 9 ص 65 مسألة رقم 1570 الطبعات السابقة.

(7)

المرجع السابق ج 9 ص 70 مسألة رقم 1572 الطبعة السابقة.

ص: 222

بقيمة الغبن ولا بد، وكذلك من اشترى زريعة فزرعها فلم تنبت فانه يرجع بما بين قيمتها رديئة وقيمتها نابتة فان كان اشتراها على أنها نابتة فالصفقة فاسدة ويرد مثلها أو قيمتها ان لم توجد ويرجع بالثمن كله ولا حق للمشترى فى أن يسترد الثمن اذا تم البيع الصحيح وهلك المبيع أثر تمام البيع اذ مصيبته فى تلك الحالة من المبتاع ولا رجوع له على البائع، وكذلك كل ما عرض فيه من بيع أو نقص سواء فى كل ذلك كان المبيع غائبا أو حاضرا أو كان عبدا أو أمة فجن أو برص أثر تمام البيع فما بعد ذلك أو كان ثمرا قد حل بيعه فأجيح كله أو أكثره أو أقله فكل ذلك من المبتاع ولا رجوع له على البائع بشئ وسواء كان ذلك قبل أن يقبض المشترى المبيع أو بعد أن قبضه وانما على البائع أن لا يحول بين المشترى وبين قبض ما باع منه فقط فان فعل صار عاصيا وضمن ضمان الغصب فقط

(1)

، ويسقط حق المشترى فى استرداد ماله عند البائع اذا كان المبيع معيبا وبين له. فقد قال ابن حزم

(2)

: من اشترى عبدا أو أمة فبين له بعيب الا باق أو الصرع فقد لزمه ولا رجوع له بشئ.

‌سقوط حق المشترى فى الاسترداد:

ويسقط حق المشترى فى استرداد شئ من أن الثمن ان كان البيع قد تم بطريق المرابحة ثم تبين له كذب البائع فيما قال الا أن يظهر فى المبيع عيب أو غبن ظاهر فيسترد ما يقابله

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

‌استرداد البائع

ويثبت للبائع الحق فى أن يسترد المبيع اذا كان تسليم المبيع غير نافذ كما لو قبض المشترى المبيع بغير اذن البائع وقبل تسلمه للثمن فقبضه هذا لا حكم له فهو غير نافذ ويجب أن يعود الى البائع كما كان، أو أن يكون البائع قد سلم المبيع الى المشترى بشرط تعجيل الثمن الذى فى ذمة المشترى فاذا لم يعجله فللبائع استرجاع المبيع ويكون تسليمه الاول

(4)

كلا تسليم أو أن يكون البائع قد قبض الثمن ثم وجد فيه عيبا

(5)

فرده على المشترى ليبدله واسترجع المبيع لان له ذلك فاذا رجع اليه كان التسليم الاول كلا تسليم وهذا اذا كان الثمن المعيب نقدا أو مثليا فى الذمة فان كان قيميا أو مثليا معينا فهو مبيع والمبيع لا يبدل اذا كان معيبا فليس للبائع الا أن يرضى به أو يفسخ العقد، وكذا ان كان الثمن معينا فى غير النقدين وسلم البائع

(1)

المحلى ج 9 ص 379 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 9 ص 73 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 9 ص 14 الطبعة السابقة.

(4)

التاج المذهب لاحكام المذهب شرح متن الازهار فى فقه الائمة الاطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى ج 2 ص 442 طبعة أولى مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 445.

ص: 223

المبيع تسليما مطلقا ثم طلب منه تسليم الثمن المعين فامتنع المشترى فله استرجاع المبيع ولو قهرا اذ تسليمه وان كان مطلقا فهو كالمشروط بتسليم عوضه فاذا استرجعه كان التسليم كلا تسليم أما لو كان الثمن نقدا فانه لا يتعين ولو شرط تسليمه بعينه لان النقود لا تتعين فلا يكون له استرجاعه الا اذا شرط تعجيل الثمن كما مر.

‌استرداد المشترى عند استحقاق

المبيع لآخر

(1)

:

اذا استحق المبيع وجب على المشترى رده لمستحقه ولو تعذر عليه الرجوع بالثمن على البائع ولا شئ له على مستحقه واذا سلم المشترى المبيع الى مستحقه فله الرجوع على البائع بالثمن اذا كان التسليم باذن من البائع للمشترى بالتسليم له الرجوع، وكذا لو سلمه بعد اقرار البائع بأنه لمستحقه فان له الرجوع بالثمن لان الاقرار اذن بالتسليم واذا أقر البائع فليس له الرجوع عن الاقرار ولو رجع قبل التسليم أو كان التسليم بعد الحكم بالبينة أو العلم الحاصل للحاكم أنه لغير البائع أو وقع التسليم بعد أن حلف الغير والمبيع فى يده أن المبيع له فى محضر الحاكم أو وقع التسليم بعد نكول البائع عن اليمين فمهما وقع التسليم بعد أحد هذه الامور فان المشترى يرجع بالثمن على البائع ولكن يرجع عليه بالثمن المدفوع له لا المعقود عليه فلو عقد بدراهم ثم دفع دنانير فانه يرجع بالدنانير على البائع، أما لو ثبت للمشترى الرجوع ثم أقر للبائع بأن المبيع ملكه أى ملك البائع فليس له الرجوع بالثمن على البائع، وأما اذا ضمن البائع للمشترى ضمان الدرك (أى ضمن له ما يترتب على استحقاق المبيع) كان للمشترى الرجوع على البائع بالثمن وبما غرم من بناء وغرس مطلقا سواء اشترى وهو عالم أن المبيع ملك الغير أم كان جاهلا لذلك، فان لم يضمن فان كان المشترى عالما أنه ملك الغير فلا يرجع عليه الا بالثمن فقط وان كان جاهلا فان اعتاض فيما قابله كالوط ء ونحوه فلا رجوع على البائع الا بالثمن وان لم يعتض رجع بكل ما غرم وحيث يثبت للمشترى أن يرجع بما غرم فكذلك يثبت الرجوع. لوارثه بما غرم بعد موت المشترى.

‌ثبوت استرداد المشترى

بالثمن لتعيب المبيع

(2)

:

وكل عيب انكشف فى المبيع لا قيمة للمعيب معه مطلقا أى فى جميع الاحوال سواء جنى عليه معه أم لم يجن عليه فانه يقتضى أن البيع باطل من أصله لانه اشترى مالا قيمة له وإذا كان باطلا أوجب رد جميع الثمن مثال ذلك أن يشترى رمكة - أى فرسا - قد عقرها كلب قبل شرائها

(1)

التاج المذهب ج 2 ص 445، ص 446 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاظهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 121 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 224

أى قبل القبض - فانها اذا لم يكن لها قيمة مع ذلك رجع بكل الثمن سواء اشتراها عالما بذلك أم جاهلا وأما اذا كان لها قيمة مع العيب فان اشتراها مع العلم لم يرجع بشئ وان اشتراها مع الجهل ردها مع البقاء ورجع بالارش مع التلف أو ما فى حكمه ويحق للمشترى أن يسترد ماله

(1)

فقط من غير زيادة ولا نقصان اذا تراضيا بالاقالة، ولو سكت عنه ولم يذكره عندها لان الاقالة فسخ فيرجع لكل ما يملك وهذا حيث يكون الثمن قيميا باقيا أو مثليا ولو قد تلف فيرد مثله، أما لو كان قيميا تالفا فلا تصح الاقالة لتعذر رد الثمن وجاء فى موضع آخر

(2)

: وللمشترى الحق فى استرداد الثمن اذا لم يمكن من المبيع اذ لا بد أن تكون التخلية بلا مانع من الانتفاع به، مثال المانع أن يكون المبيع فى يد الغير وسواء كان فى يد الغير بحق كالاجارة التى لا تنفسخ أو بغير حق كالغصب، ونحو أن يخشى عليه من ظالم فى الحال لو قبضه لا لو خشى فى المآل، ونحو أن يكون الفرس نفورا لو حاول أخذه، وكذا ما أشبههه من الحيوانات. وأن يكون المنزل معلقا فحينئذ لا تكون التخلية قبضا له الا مع تسليم مفاتيحه التى يمكن فتحه بها وكذا لو كان المبيع مشغولا بملك البائع أو بملك غيره فلا تكون التخلية قبضا حتى يفرغه البائع ألا أن يشترى صحت أن تكون قبضا.

‌حق المشترى فى استرداد

الثمن فى البيع المفسوخ

(3)

:

وللمشترى أن يرجع على البائع بالثمن الاول فقط من غير زيادة ولا نقصان اذا تقايلا البيع أو فسخاه بأى صورة من صور الفسخ حتى ولو سكت عن الثمن ولم يذكره عند الاقالة لانها فسخ فيرجع لكل ما يملك وهذا حيث يكون الثمن قيميا باقيا أو مثليا.

‌استرداد ما باعه المحجور عليه:

تصرف المحجور عليه للسفه باطل، فيرد ما اشترى، ويسترد ما باع ويضمن التالف الا من عامله عالما بالحجر

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

‌حق البائع فى استرداد

المبيع اذا لم يجز البيع:

وللبائع الحق فى أن يسترد المبيع من المشترى ان لم يجز البيع لانه عين ماله ولو تصرف المشترى فيه بما له أجرة كسكنى الدار وركوب الدابة رجع بها عليه بل له الرجوع بعوض المنافع وان لم يستوفها مع وضع يده عليها لانه حينئذ كالغاصب وان كان جاهلا ولو نما كان النماء لمالكه متصلا كان أم منفصلا باقيا كان أم هالكا فيرجع

(1)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 2 ص 479 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 356 الطبعة السابقة.

(3)

التاج المذهب ج 2 ص 479 الطبعة السابقة.

(4)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 5 ص 93 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ، سنة 1948 م الطبعة الاولى.

ص: 225

عليه بعوضه وان كان جاهلا وكذا يرجع بعوض المبيع نفسه لو هلك فى يده أو بعضه مع تلف بعضه بتفريط وغيره والمعتبر فى القيمى قيمته يوم التلف وان كان بسبب السوق وبالاعلى أن كان بسبب زيادة عينيه

(1)

.

‌حق استرداد المبيع اذا

انعقد البيع فاسدا:

وللبائع الحق فى أن يرجع بالمبيع على الا قوى اذا كان البيع فاسدا كما لو وقع عقد البيع بثمن مجهول القدر وان شوهد لبقاء الجهالة وثبوت الغرر المفضى معها ولا مجهول الصفة كمائة درهم وان كانت مشاهدة لا يعلم وصفها مع تعدد النقد الموجود ولا مجهول الجنس وان علم قدره لتحقق الجهالة فى الجميع فلو باع كذلك كان فاسدا فان قبض المشترى المبيع والحال هذه كان مضمونا عليه لان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وبالعكس فيرجع به وبزوائده متصلة ومنفصلة وبمنافعه المستوفاة وغيرها على الاقوى ويضمنه ان تلف بقيمته يوم التلف على الاقوى وقيل يوم القبض وقيل الاعلى منه اليه وهو حسن ان كان التفاوت بسبب نقص فى العين أو زيادة أما اذا كان التفاوت باختلاف السوق فالاول أحسن

(2)

.

‌حق المشترى فى استرداد الثمن

اذا لم يجز البيع:

ويرجع المشترى على البائع بالثمن ان كان باقيا سواء كان عالما أو جاهلا اذا لم يجز البيع لانه ماله ولم يحصل منه ما يوجب نقله عن ملكه فانه انما دفعه عوضا عن شئ لم يسلم له وان تلف قيل لا رجوع به مع العلم بكونه غير مالك ولا وكيل لانه سلطه على اتلافه مع علمه بعدم استحقاقه له فيكون بمنزلة الاباحة والقائل به الاكثر بل ادعى عليه فى التذكرة الاجماع بل ظاهر كلامهم عدم الرجوع به مطلقا لما ذكرناه من الوجه وهو مع بقاء العين فى غاية البعد ومع تلفه بعيد مع توقع الاجازة لانه حينئذ لم يبحه له مطلقا بل دفعه متوقعا لكونه عوضا عن المبيع فيكون مضمونا له ولتصرف البائع فيه تصرفا ممنوعا منه فيكون مضمونا عليه وأما مع بقائه فهو عين مال المشترى ومع تسليم الاباحة لم يحصل ما يوجب الملك فيكون القول بجواز الرجوع به مطلقا قويا وان كان نادرا ان لم يثبت الاجماع على خلافه ويرجع المشترى على البائع بما اغترم للمالك حتى بزيادة القيمة عن الثمن لو تلفت العين فرجع بها على الاقوى لدخوله على أن تكون له مجانا أما ما قابل الثمن من القيمة فلا يرجع به لرجوع عوضه اليه فلا يجمع بين العوض والمعوض وقيل لا يرجع بالقيمة مطلقا لدخوله على أن تكون العين مضمونة عليه كما هو شأن البيع الصحيح والفاسد كما لو تلفت العين وفيه أنه ضمان للمثل أو القيمة أمر زائد على فوات

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى ج 1 ص 278 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 285 الطبعة السابقة.

ص: 226

العين الذى قد قدم على ضمانه وهو مغرور من البائع بكون المجموع له بالثمن فالزائد بمنزلة ما رجع عليه به وقد حصل له فى مقابلة نفع بل أولى هذا اذا كانت الزيادة على الثمن موجودة حال البيع أما لو تجددت بعده فحكمها حكم الثمرة فيرجع بها أيضا كغيرها مما حصل له فى مقابلته نفع على الاقوى لغروره ودخوله على أن يكون ذلك له بغير عوض أما ما أنفقه عليه ونحوه مما لم يحصل له فى مقابلته نفع فيرجع به قطعا ان كان جاهلا بكونه مالكا ومأذونا بأن ادعى البائع ملكه أو الاذن فيه أو سكت ولم يكن المشترى عالما بالحال

(1)

.

‌حق المشترى فى استرداد

ما دفعه اذا كان المبيع مستحقا:

وللمشترى أن يسترد الثمن من البائع اذا كان المبيع مستحقا ولو كان المبيع أمة فظهرت مستحقة فأغرم المشترى للواطئ العشر ان كانت بكرا أو نصفه ان كانت ثيبا لجواز رجوع المالك على المشترى عالما كان أم جاهلا بالعين ومنافعها المستوفاة وغيرها، وأغرم الاجرة عما استوفاه من منافعها أو فاتت تحت يده وقيمة الولد يوم ولادته لو كان قد أحبلها وولدته حيا رجع المشترى بكل هذه المذكورات على البائع مع جهله بكونها مستحقة لما تقدم من رجوع المشترى الجاهل بفساد البيع على البائع بجميع ما يغرمه ولو كان المشترى عالما باستحقاقها حال الانتفاع لم يرجع بشئ على البائع ولو اختلف حاله بأن كان جاهلا عند البيع ثم تجدد له العلم رجع بما غرم حال الجهل وسقط الباقى

(2)

.

‌حق المشترى فى استرداد

الثمن أو القيمة اذا تلف المبيع:

اذا كان تلف المبيع بعد القبض فى زمن الخيار سواء كان خيار الحيوان أم خيار المجلس أم الشرط فلا يخلو اما أن يكون التلف من المشترى أو من البائع أو من الاجنبى وعلى التقادير الثلاثة فاما أن يكون الخيار للبائع خاصة أو للمشترى خاصة أو الاجنبى أو للثلاثة أو للمتبايعين أو للبائع أو للاجنبى فجملة أقسام المسألة احدى وعشرون وضابط حكمها أن المتلف ان كان المشترى فلا ضمان على البائع مطلقا لكن اذا كان له خيار أو لاجنبى واختيار الفسخ رجع على المشترى بالمثل أو القيمة وان كان التلف من البائع أو من أجنبى تخير المشترى بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة ان كان له خيار وان كان الخيار للبائع والمتلف تخير كما مر ورجع على المشترى أو الاجنبى وان كان بآفة من عند الله تعالى فان كان الخيار للمشترى أو له والاجنبى فالتلف من البائع والا فمن المشترى

(3)

.

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 278 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 298، ص 299 الطبعة السابقة.

(3)

هامش الروضة البهية ج 1 ص 297 الطبعة السابقة.

ص: 227

‌حق المشترى فى استرداد

شئ من الثمن:

يحق للمشترى أن يسترد من الثمن بنسبة حمل داخل فى بيع حامل مع شرط دخوله فسقط قبل القبض لفوات بعض المبيع بأن يقوم حاملا ومجهضا أى مسقطا لا حائلا للاختلاف أما بدون شرط دخوله فلا يرجع به فى أصح القولين للمغايرة كالثمرة

(1)

.

‌حق المشترى فى استرداد

ثمن المبيع المسروق:

لو اشترى شخص أمة مسروقة من السارق وهو يجهل بالسرقة أو يجهل بأنه لا يجوز شراء الامة المسروقة من أرض الصلح ثم علم ردها على بائعها واستعاد ثمنها منه، ولو لم يوجد الثمن بأن أعسر البائع أو امتنع عن رده ولم يكن اجباره أو بغير ذلك من الاسباب ضاع على دافعه، وقيل تسعى الامة فيه وهو قول يخالف الحكم فيه الاصول حيث أنها ملك للغير وسعيها كذلك ومالكها لم يظلمه فى الثمن فكيف يستوفيه من سعيها مع أن ظالمه لا يستحقها ولا يستحق كسبها

(2)

.

‌حق المشترى فى استرداد الثمن

اذا انفسخ البيع:

لو باع شخص لآخر عبدا موصوفا ودفع اليه عبدين ليختار منهما فأبق أحدهما من يده بنى ضمان الآبق على ضمان المقبوض بالسوم والمروى عن الباقر انحصار حقه فيهما على سبيل الاشاعة لا على كون حقه أحدهما فى الجملة، وعدم ضمان الآبق على المشترى فيفسخ نصف البيع تنزيلا للآبق منزلة التالف قبل القبض مع أن نصفه مبيع ويرجع المشترى بنصف الثمن على البائع وهو عوض التالف ويكون العبد الباقى بينهما بالنصف وينسحب هذا الحكم على كل عين بيعت هكذا كثوب وكتاب

الخ

(3)

‌حكم الاسترداد فى بيع المعاطاة:

ويجوز الرجوع فى بيع المعاطاة مع بقاء العين لان ذلك لا ينافى ما يترتب على المعاطاة من اباحة التصرف لكل من البائع والمشترى فيما صار اليه فان ذهبت العين لم يجز الرجوع، ويصدق بتلف العينين واحداهما وبعض كل واحدة منهما ونقلها عن ملكه وبتغييرها كطحن الحنطة فان عين المنتقل غير باقية مع احتمال العدم أما لبس الثوب مع عدم تغيره فلا أثر له وفى صبغه وقصره وتفصيله وخياطته ونحو ذلك من التصرفات المغيرة للصفة مع بقاء الحقيقة نظر وعلى تقدير الرجوع فى العين وقد استعملها من انتقلت اليه بأخذها بغير أجرة لاذنه فى التصرف مجانا ولو نمت وتلف النماء فلا رجوع به كالاصل والا فالوجهان

(4)

.

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 294، 295 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 301 الطبعة السابقة.

(3)

الروضة البهية ج 1 ص 302، ص 303 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 275 الطبعة السابقة.

ص: 228

‌مذهب الإباضية:

‌حق المشترى فى استرداد

الثمن اذا تعيب المبيع:

يقول الإباضية ان المشترى له الحق فى استرداد الثمن اذا كان البائع قد استوفاه ثم ظهر أن المبيع معيب ولم يظهره البائع للمشترى أو اظهره له ولكنه لم يخبره بأنه عيب أو ذكر له أن فيه عيبا هكذا، فان جحد البائع البيع والعيب بين المشترى ان كان له بيان أو حلف البائع أنه ما باعها أصلا وما باعها معيبة ان لم يبين

(1)

، وللمشترى الحق فى استرداد الثمن اذا اشترى عبدا أقر بالعبودية فى محل خاف من بائعه أو غيره فيه على نفسه لو أنكرها ان وجد البائع وقدر عليه حيث يحكم لمثل هذا بأنه حر سواء علم البائع بأنه حر أو لم يعلم فان لم يجد المشترى هذا البائع استرجع الثمن من ذلك المبيع المدعى للحرية لانه انسب باقراره بالعبودية وخوفه لا يكون عذرا فى انتفاء الضمان ورجع هو على بائعه ان كان حرا كما قال فيما بينه وبين الله لا فى الحكم هكذا قيد فى الديوان رجوع العبد على الذى باعه فيما بينه وبين الله وهو مشكل فان الظاهر أن للعبد الرجوع على بائعه فى الحكم أيضا اذا تبين خوفه حين اقراره بالعبودية

(2)

وجاء فى موضع آخر

(3)

:

وكذا له أى للمشترى أن يسترد الثمن ان هلك المبيع بما عيب به سواء دلس به أو لم يدلس بأن لم يطلع البائع على العيب أو نسيه أو غلط مثل أن يموت بمرض أو جرح أو نحو ذلك مما كان من البائع ومثل أن يكون آبقا أو محاربا فيأبق أو يحارب فيموت فى اباقه أو حرابته ولو بأمر سماوى لان بهما انتفاء المقام عند المشترى فكأنه مات بهما ولعله أراد بالتدليس صورة التدليس سواء وقعت عن عمد أم عن غيره ويضمن البائع ما جره العيب الذى لم يخبر به المشترى ولو لعدم اطلاعه أو لنسيانه أو غلطه .. الخ ولو اشترى شيئا من مثل الرمان أو الجوز فكسره أو كسر بعضه ولم يجد به حبا أو وجد به حبا فاسدا أو رديئا رد القشر الى البائع وأخذ ثمنه من البائع.

‌ثبوت حق المشترى فى استرداد العربون:

ويحق للمشترى أن يسترد ما دفعه للبائع اذا كان قد دفع بعض الثمن للبائع باعتباره عربونا يكون تحت يده لوقت محدد يأتى فيه لامضاء البيع سواء رجع المشترى لامضاء البيع أو لم يرجع فى ذلك الوقت لان بيع العربون عقد

(4)

لا يحل ولا استرداد فى بيع عين بعين غير نقد ولا فى بيع شئ بشئ من جنسه لان ذلك ربا ولا فى كل بيع لا يجوز ولا فى كل بيع لا ينعقد وأما

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 7 ص 51، ص 52 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 149 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل ج 4 ص 281 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 87 الطبعة السابقة.

ص: 229

فى البيع بالنقد أن ظهر زيف فيسترد فيحكم بأحد الاقوال بطلان البيع وهو الصحيح لان جبره ربا

(1)

.

‌حق استرداد البائع الفضولى:

ولصاحب المال الحق فى استرداد ما باعه الفضولى فقد جاء فى كتاب النيل ويستردد بائع مال غيره بتعديه فان أقر أخرج منه الحق وأخذ بالرد فيما يقبض والاصل يدركه ربه بلا منع

(2)

.

‌ما يكون به استرداد الثمن:

ويقول مريد رد السلعة بعيب ان اشتراها بثمن بمعلوم أو دخلت ملكه بعوض على وجه يدرك فيه الرد بالعيب مما التحق بالبيع والشراء غير عالم بالعيب قبل الشراء ويقول لحاكم مستمسكا ببائعها أعطنى حقى من هذا أو من الرجل أو من فلان ابن فلان أو من هذا أو نحو ذلك لانه اشتريت منه كذا أو دخل ملكى على وجه كذا بكذا وفيه عيب ولم يره لى أو أراه لى ولم يخبرنى أنه عيب أو ذكر لى أن فيه عيبا كذا ونحو ذلك ما يرجع فيه على البائع وقد استوفى ثمنه أى ثمن الشئ

(3)

الذى اشتريته وهذه سلعته وخذ لى منه الثمن أو وأمره أن يرد لى الثمن هذا على قول فسخ البيع بالعيب وقول تخيير المشترى فى الرد والقبول بلا أرش أو مره بنزع الارش هذا على قول صحة بيع المعيب ونزع الارش ويحضر المعيب فى ذلك كله مع غير المعيب ان شملتها العقدة وان كثر أحضر بعضه مما فيه عيب وذلك فى العروض كما قال انما يحضر الشئ عند الحاكم ويشير اليه ان كانت تلك السلعة مما يقبض كالثوب أو يحضره كالدابة هو أو بعضه كغرفة شعير بعد كيل أو بدونه على قول وكدواب كثيرة فانه يحضر ما قل أو بعض ما كثر عند الحاكم ليكون الحكم على حاضر معين يتناوله بحضرته من يحكم له برده لا أن كانت ثابتة كأصل فى مجرد عدم سهولة الحضور كعروض بعدت ثلاثة أيام وكعروض تلفت على القول برد المثل أو كانت ممنوعة من الحضور بوجه ما كعدو وعدم دليل طريق فانه يحكم عليها غائبة كما يحكم على الاصل الغائب فانه يحكم على الاصل ولو غاب مثل الاصل فيستردده أى يستردد الحاكم البائع للمشترى

(4)

.

«حكم الاسترداد فى السلم»

‌مذهب الحنفية:

‌حكم استرداد رأس مال المسلم

اذا انقطع المسلم فيه:

ولرب السلم الحق فى أن يسترد رأس ماله اذا انقطع المسلم فيه عن أيدى الناس

(1)

شرح النيل ج 7 ص 27 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 85 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 7 ص 51، ص 52 الطبعة السابقة.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 52 الطبعة السابقة.

ص: 230

بعد المحل قبل أن يوفى المسلم فيه وذلك اذا اختار فسخ العقد لانه يشترط فى المسلم فيه دوام وجوده لتدوم القدرة على تسليمه والا فرب السلم بالخيار بين الفسخ والاسترداد وبين الانتظار وقال زفر رحمه الله يبطل العقد ويسترد رب السلم رأس ماله للعجز عن تسليمه كما اذا هلك المبيع قبل القبض

(1)

.

‌حكم استرداد رأس مال السلم

اذا تقايلا السلم:

ولرب

(2)

السلم الحق فى أن يسترد رأس ماله ان تقابلا فى كل المسلم فيه سواء كانت الاقالة بعد حلول الاجل أو قبله وسواء كان رأس المال قائما فى يد المسلم اليه أو هالكا ثم اذا جازت الاقالة فان كان رأس المال مما يتعين بالتعيين وهو قائم فعلى المسلم اليه رد عينه الى رب السلم، وان كان هالكا فان كان مما له مثل فعليه رد مثله وان كان مما لا مثل له فعليه رد قيمته، وان كان رأس المال مما لا يتعين بالتعيين فعليه رد مثله هالكا أو قائما وكذلك اذا قبض رب السلم المسلم فيه ثم تقايلا والمقبوض قائم فى يده جازت الاقالة وعلى رب السلم رد عين ما قبض.

أما اذا حدث عيب فى المسلم فيه فقد اختلف الحنفية فى حكم الاسترداد بسببه فقد جاء فى الفتاوى الهندية

(3)

اذا قبض البر المسلم فيه وتعيب عنده ووجد به عيبا قديما فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن قبله المسلم اليه مع العيب الحادث عاد السلم وان أبى فله ذلك وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: ان أبى أن يقبله معيبا رد عليه مثل ما قبض ويرجع بما شرط فى السلم وقال محمد رحمه الله تعالى:

ان أبى أن يقبله رجع عليه بقدر النقصان من رأس ماله كذا فى الكافى، ومن قبض ما أسلم فيه ثم أصاب فيه عيبا رده، وان وجد به عيبا آخر فالمسلم اليه بالخيار ان شاء رضى بزيادة العيب وقبله وسلم اليه سلمه غير معيب وان أبى قبوله قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: بطل حق رب السلم وليس له حق الرد ولا الرجوع بحصة العيب هذا اذا كانت زيادة العيب عند رب السلم بآفة سماوية أو بفعل رب السلم فأما اذا كانت بفعل الاجنبى وأخذ رب السلم قيمة النقصان منه فليس له ولاية الرد بالعيب وليس للمسلم اليه قبوله بزيادة العيب لاجل الارش وبطل حقه فى العيب فى قول أبى حنيفة رحمه الله، ونقل صاحب الفتاوى الهندية عن هشام فى نوادره قال: قال هشام: سألت أبا يوسف رحمه الله تعالى عن رجل أسلم فى عشرة دراهم فى ثوب فأخذه وقطعه ثم وجد به عيبا قال أبو يوسف: ليس له أن يرجع بنقصان العيب.

(1)

الزيلعى ج 4 ص 113 الطبعة السابقة.

(2)

البدائع ج 5 ص 214 الطبعة السابقة.

(3)

الفتاوى الهندية ج 3 ص 195، ص 196 الطبعة السابقة.

ص: 231

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد رأس مال السلم:

ويجب استرداد رأس مال السلم ان نقد تطوعا فى زمن الخيار وكان مما لا يعرف بعينه كعين غير معينة حتى لا يفسد عقد السلم ويصح لصاحب رأس مال السلم أن يسترده ان نقد تطوعا فى زمن الخيار وكان رأس المال مما يعرف

(1)

بعينه كثوب وحيوان معينيين ولا يصح استرداد شئ من الثمن مقابل التنازل عن شئ من المسلم فيه فقد جاء فى المدونة أن مالكا رضى الله عنه قال: ولا يصلح له - يعنى للمسلم - أن يأخذ دون ثوبه على أن يسترجع شيئا من الثمن الذى دفع فيه ان كان دفع فيه ذهبا أو ورقا لم يأخذ ذهبا ولا ورقا ويأخذ دون ثوبه وان كان رأس المال عرضا لم يجز أن يأخذ ثوبا دون ثوبه ويسترجع من صنف العرض الذى هو رأس المال شيئا لان الرجل لو سلف حنطة فى ثياب موصوفة الى أجل فلما حل الاجل أخذ دون ثيابه على أن يرد عليه الذى عليه الثياب حنطة لم يصلح هذا وصارت حنطة بحنطة الى أجل وثوب فيدخله بيع وسلف وهذا لا يجوز فى قول مالك، وكذلك لا يصح الاسترجاع اذا كان رأس المال ثيابا وكان الذى سلف فيه عرضا سوى الثياب - حيوان وغير ذلك - وأراد أن يسترجع شيئا من صنف رأس ماله على أن يأخذ بعض سلمه لانه يدخله بيع وسلف كذلك أما ان أخذ عرضا من غير صنف العرض الذى هو رأس المال فلا بأس بذلك وذكر ابن القاسم أن مالكا رحمه الله تعالى لا يرى بأسا فيما اذا استرجع بعض رأس ماله بعينه على أن أخذ سلمه كله الذى كان أسلم فيه اذا كان رأس ماله بزا أو رقيقا أو حيوانا أو صوفا أو عرضا لان هذا انما رد اليه المسلم اليه بعض ما كان أخذ منه ويثبت حق رب السلم كما كان عليه أما ان كان رأس ماله الذى أسلم ذهبا أو ورقا أو طعاما وقد تفرقا فلا يصلح أن يسترجع بعض رأس ماله ويأخذ ما أسلم فيه وان كان الذى استرجع من ذلك انما هو من نوع رأس ماله بعينه فلا يجوز اذا افترقا لانه لا يعرف أنه هو بعينه فان لم يفترقا فلا بأس به أن يقيله من بعض رأس ماله ويرد اليه بعض رأس ماله ويترك الحق على الذى عليه الحق كما هو

(2)

.

‌حكم استرداد رب السلم لرأس ماله:

وليس لرب السلم أن يسترد رأس ماله اذا كان معه زيادة عليه فقد ذكر الحطاب

(3)

أن من أسلم فرسا فى عشرة أثواب ثم استرد مثله أى فرسا مثله مع خمسة من العشرة وأبرأ ذمته من الخمسة الباقية منع مطلقا أى سواء عجل الخمسة أو أخرها الى أجل دون الاجل أو الى الاجل نفسه أو الى

(1)

حاشية الدسوقى ج 3 ص 196 الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى ج 9 ص 66، ص 67 الطبعة السابقة.

(3)

الحطاب مع هامش التاج والاكليل ج 4 ص 401 الطبعة السابقة.

ص: 232

أبعد من الاجل لانه قد آل أمره الى أنه قد أسلف فرسا فرد عليه مثله وكل ما يعطيه معه فهو زيادة لاجل السلف وكذلك يمتنع أيضا اذا استرد الفرس نفسه مع خمسة أثواب من العشرة أو أبرأ ذمته من الخمسة الاولى لكن انما يمتنع اذا كانت الخمسة الاثواب معجلة

(1)

أو مؤخرة الى أجل دون الاجل أو الى أبعد من الاجل وأما اذا ابقاها الى الاجل فيجوز لان المعجل لما فى الذمة أو المؤخر سلف يعنى أنه اذا عجلها صار كأنه أسلفه اياها لان المعجل لما فى الذمة سلف لما عجله لتقضيه من نفسه اذا حل الاجل فقد أسلفه خمسة أثواب ودفع له الفرس عوضا عن الخمسة الباقية وهذا بيع وسلف وكذا اذا أجلها الى أجل دون الاجل وأما اذا أخرها الى أبعد من الاجل فقد صار البائع الاول آخذ الفرس فى خمسة أثواب وسلف المشترى الخمسة الاخرى لانه لما أخره بها عن الاجل الاول صار مسلفا له وهذا أقوى من الاول لان المعجل لما فى الذمة اختلف فيه هل يعد مسلفا أم لا وأما المؤخر لما فى الذمة فلا خلاف أنه مسلف وأما اذا أبقى الخمسة الى أجلها فذلك جائز لانتفاء السلف حينئذ.

‌مذهب الشافعية:

‌حكم استرداد رأس مال السلم

اذا انقطع المسلم فيه:

والشافعية على أن لرب السلم أن يسترد رأس مال السلم اذا عرض للمسلم اليه ما يقتضى فسخه فقد ذكر صاحب نهاية المحتاج أنه اذا فسخ

(2)

السلم بسبب يقتضيه كانقطاع المسلم فيه ورأس المال باق لم يتعلق به حق ثالث وان تعيب استرده بعينه ولو معينا فى المجلس فقط لان المعين فيه كالمعين فى العقد وقيل للمسلم اليه رد بدله ان عين فى المجلس دون العقد لانه لم يتناول عينه أما اذا كان تالفا فانه يسترد بدله من مثل فى المثلى وقيمة فى المتقوم وجاء فى المجموع لو فسخ السلم لانقطاع المسلم فيه كان للمسلم أى رب السلم بيع رأس المال قبل استرداده

(3)

، ولو أسلم فى ما يعم وجوده فانقطع جميعه أو بعضه لجائحة أفسدته فى وقت حلوله قيل ينفسخ السلم ويسترد رأس المال كما لو أتلف المبيع قبل القبض والا ظهر أنه لا ينفسخ لان المسلم فيه يتعلق بالذمة فأشبه افلاس المشترى بالثمن وعليه فيتخير رب السلم ولو مع قول المسلم اليه خذ رأس مالك بين فسخه فى جميعه دون بعضه المنقطع

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 402 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج ج 4 ص 182، ص 183 الطبعة السابقة.

(3)

المجموع ج 9 ص 266 الطبعة السابقة.

ص: 233

فقط وبين الصبر حتى يوجد فيطالبه به دفعا للضرر

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌حكم استرداد رأس مال السلم

اذا تعذر استيفاء المسلم فيه:

وللمسلم أن يسترد رأس ماله كذلك ان تعذر تسليم المسلم فيه له واختار الفسخ فى الكل المتعذر، وكذا يسترد بعض رأس ماله المقابل لبعض المسلم فيه المتعذر كأن أسلم الى وقت يوجد فيه عاما فانقطع وتعذر حصوله أو حصول بعضه أما لغيبة المسلم اليه وقت وجوده أو عجزه عن التسليم حتى عدم المسلم فيه أو لم تحمل الثمار تلك السنة وما أشبهه فان المسلم مخير بين الصبر الى أن يوجد المسلم فيه فيأخذه وبين الفسخ والاسترداد

(2)

على ما تقدم ومثله ما لو أسلم فى شئ

(3)

كخبز ولحم ودقيق ونحوه على أن يأخذ منه كل يوم جزءا معلوما ثم قبض البعض مما أسلم فيه ليأخذ منه كل يوم قدرا معلوما وتعذر قبض الباقى فانه يسترجع بقسطه من الثمن ولا يجعل للباقى فضلا على المقبوض لانه مبيع واحد متماثل الاجزاء فيقسط الثمن على أجزائه بالسوية.

‌حكم استرداد رأس مال السلم

اذا بطل العقد:

ولرب السلم أن يسترد رأس ماله اذا كان عقد السلم باطلا بأن عقد السلم فيما لا يمكن ضبطه بصفة كجوهر ونحوه وذلك لفوات شرط السلم فان لم يكن رأس المال باقيا استرد قيمته ان كان متقوما أو مثله ان كان مثليا

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌حكم استرداد رأس مال السلم

اذا كان العقد فاسدا:

ولرب السلم أن يسترد ما دفع اذا تبين أن العقد فاسد كأن يدفع المسلم بعض الثمن دون البعض سواء دفع أكثره أو أقله لانه لا يجوز أن يكون الثمن فى السلم الا مقبوضا كله، اذ العقد لا يتبعض

(5)

أو أن يجد المسلم اليه فى الثمن المقبوض عيبا وقد كان اشترط السلامة فان الصفقة كلها تبطل ليسترد رب السلم

(6)

ما دفع وكذا لرب السلم

(7)

أن يسترد ما دفعه اذا كان السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله لان مثله تكليف بما لا يطاق فهو باطل لقول الله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»

(8)

.

(1)

نهاية المحتاج ج 4 ص 189، ص 190.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 192.

والاقناع ج 2 ص 142 الطبعات السابقة.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 126 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 139، ص 130 والاقناع ج 2 ص 143 الطبعات السابقة.

(5)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 109، ص 110 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 9 ص 110 الطبعة السابقة.

(7)

المحلى ج 9 ص 114 الطبعة السابقة.

(8)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

ص: 234

‌مذهب الزيدية:

‌حكم استرداد رأس المال

والمسلم فيه اذا بطل العقد

يجوز للمسلم والمسلم اليه أن يسترجع ما سلم متى كان السلم باطلا لاختلال شرط فيرجع المسلم اليه بما دفع للمسلم ويرجع المسلم على المسلم اليه بقيمة رأس مال السلم أو مثله لان المفروض أن رأس المال قد تلف - ثم قال واعلم أنه لا يجدد السلم الباطل على وجه الصحة الا بعد التراجع فيسترد المسلم ما كان سلمه أو مثله أو قيمته

(1)

.

‌حكم استرداد رأس المال والمسلم

فيه اذا أريد تجديد السلم الباطل:

واسترداد ما سلم شرط لصحة تجديد السلم الباطل فلا يجدد على وجه الصحة الا مع التراجع حيث يسترد المسلم ما كان سلمه أو مثله أو قيمته ان كان قد تلف ثم يرجعه اليه ومتى حصل التراجع صح التجديد ولو وقع العقد فى المجلس قبل التراجع وهذا بخلاف الصرف فلا يجب التراجع لانه فى ذمتين وما فى الذمة قد تعين كالحاضر.

‌مذهب الإمامية:

‌حكم استرداد رأس مال السلم

اذا تعذر تسليم المسلم فيه:

يرى الإمامية أن رب السلم له أن يسترد رأس ماله اذا انقطع المسلم فيه عند الحلول حيث يكون مؤجلا ممكن الحصول بعد الاجل عادة فاتفق عدمه وذلك اذا اختار رب السلم أن يفسخ ومثله ما اذا مات المسلم اليه قبل الاجل وقبل وجود المسلم فيه اذ هو فى حكم انقطاع المسلم فيه ولو قبض بعض المسلم فيه ثم انقطع الباقى ثم اختار رب السلم أن يفسخ فى الباقى فله أن يسترد بحصة ذلك الباقى من الثمن

(2)

أو قيمة الثمن.

‌مذهب الإباضية:

‌حكم استرداد المسلم فيه:

جاء فى شرح النيل

(3)

: أنه لا يصح فى الحكم استرداد المسلم فيه ان أوفى المسلم اليه للمسلم حقه بكيل أو وزن ثم استرده المسلم اليه منه بشراء بكيل آخر مساويا للأول أو مخالفا له نسيئه عاجلا أو آجلا بلا شرط لذلك الاسترداد عند عقد السلم أو عند ارادة ايفاء الحق أو بين ذلك ولا اتفاق عليه وان كان جائزا فيما بينهما وبين الله أما فى الحكم

(1)

شرح الازهار ج 3 ص 119 والتاج ج 2 ص 511 الطبعات السابقة.

(2)

الروضة البهية ج 1 ص 317 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 4 ص 51 الطبعة السابقة.

ص: 235

فلا يجوز لان الحاكم يحكم بالظاهر فبطل السلم والبيع الثانى وقد اطلع على فعلهما ووجد الطعام رجع الى صاحبه فآل الامر الى بيع الدراهم بالدراهم نسيئة لا على طريق القرض وذلك ربا عند كثير ولا سيما ان كانت الزيادة فانك اذا أضفت عقدة السلم الى عقدة الاسترداد وجدته قد رد سلعته وتذرعا الى أنظرنى وأزيدك حيث أن المشترى يأخذ فى دراهمه الاولى دراهم أكثر منها وقيل يجوز الاسترداد فى الحكم أيضا ازاحة للتهمة واذا كان الشرط والاتفاق لم يجز قطعا وكذا ان استرد بلا تجديد كيله وبدون الزيد فيه أو النقص منه لم يجز للنهى عن بيعتين بكيلة أما أن استرده نقدا بلا شرط فظاهر الكلام أنه يجوز والامر كذلك فى نفس الامر وأما اذا نظرنا الى التعليل المذكور فانه يمتنع كذلك

(1)

.

‌حكم الاسترداد فى القراض

‌مذهب الحنفية:

‌حكم استرداد مال القراض:

اذا دفع عامل القراض المال الى المالك بضاعة كان ذلك استردادا عند زفر رحمه الله تفسد به المضاربة ولا يستحق المضارب من ربحه شيئا لان رب المال يتصرف فى مال نفسه فلا يصلح وكيلا فيه لان الوكيل هو الذى يعمل لغيره وهذا عمل لنفسه فكيف يصلح وكيلا لغيره فيه بل يكون مستردا لماله لانه يملك عزل عامله واسترداد ماله فى أى وقت شاء اذا لم يتعلق به حقه فصار كما اذا لم يسلمه اليه من الابتداء أو كما اذا أخذه بنفسه من غير دفع المضارب اليه وهو ناض وكما اذا دفعه اليه مضاربة والجامع أن كل واحد منهما يمنع التخلية ومن شرط المضاربة أن يكون المال مسلما الى المضارب ولان المضاربة اجارة والاجير اذا استعان بالمؤجر وفعله المؤجر لا يستحق الاجر كالخياط اذا استعان بصاحب الثوب فخاطه لا يستحق الاجر عليه فكذا هذا وقال غير زفر من الحنفية ان دفع المال الى المالك بضاعة لا يكون استردادا ولا تفسد به المضاربة لان تسليم المال للعامل قد وجد وصار التصرف بعد ذلك حقا للمضارب فيصلح أن يكون رب المال وكيلا فيه كالاجنبى ولان المضاربة فيها معنى الشركة أرجح حتى جاز من غير توقيت وببعض ما يخرج من العمل ولو عمل ولم يربح شيئا لم يستحق شيئا ولو كان اجارة لا ستحق الاجرة بالعمل وانما يستحقه فرعا على عمله كما يستحقه رب المال فرعا على المال بخلاف ما اذا أخذه بنفسه من غير أن يدفع اليه المضارب لانه لا يمكن أن يجعل معينا هنا لعدم الاستعانة به فيقع العمل لنفسه ضرورة أنه يملك ذلك، والاسترداد اذا كان المال ناضا (أى عملة نقدية من الذهب أو الفضة) حتى لو كان عروضا وأخذه من غير دفع المضارب

(1)

النيل وشرحه ج 4 ص 51 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 236

لا يكون استردادا لانه لا يملك عزله فى هذه الحالة وبخلاف ما اذا أخذه بعد التسليم على وجه المضاربة لان هذا يبطل المضاربة حيث تمنع التخلية

(1)

.

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد رب المال

رأس مال القراض وربحه:

اذا كان العامل فى مال القراض قد تاجر فى المال فخسر ثم دفعه لآخر يعمل فيه بلا اذن من ربه فربح فيه فان لرب المال أن يسترد من العامل الثانى رأس ماله وحصته من الربح ثم يرجع الثانى على الاول بما خصه من الربح الذى أخذه رب المال فاذا كان المال ثمانين فخسر الاول أربعين ثم دفع الاربعين الباقية لشخص يعمل فيه على النصف فى الربح فصار مائة فان رب المال يأخذ منه ثمانين رأس المال وعشرة ربحه والعامل عشرة ثم يرجع العامل الثانى على الاول بعشرين تمام الثلاثين ولا رجوع لرب المال عليه لان خسارته قد جبرت، هذا ان حصل الخسارة بعد عمله بل وان حصل قبل عمله أى عمل الاول كما لو ضاعت الاربعون فى المثال المتقدم بأمر من الله قبل عمل الاول وقبل دفع الاربعين الباقية للعامل الثانى والربح لرب المال والعامل الثانى بخلاف العامل الاول لانه قارض بلا اذن ولا شئ له لتعديه وعدم عمله

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

‌حكم استرداد مال القراض:

يفرق الشافعية فى حكم استرداد مال القراض بين استرداده قبل ظهور الربح والخسران وبين استرداده بعد ظهور شئ من ذلك فلو استرد المالك بعض مال القراض قبل ظهور ربح وخسران فيه رجع رأس المال الى ذلك الباقى بعد المسترد لانه لم يترك فى يده غيره فصار كما لو اقتصر فى الابتداء على اعطائه له أما ان كان الاسترداد بعد ظهور الربح والخسران فلا يخلو الامر من أن يكون ذلك الاسترداد بغير رضا العامل أو برضاه فان كان بغير رضا العامل بعد ظهور الربح فالمسترد منه شائع ربحا ورأس مال على النسبة الحاصلة من جملة الربح ورأس المال لا يلحقه حكم الباقى لاستقرار ملك العامل على ما يخصه من الربح فلا يسقط بما يحصل من النقص بعد، أما اذا كان الاسترداد برضا العامل بعد ظهور الربح فان قصد هو والمالك الاخذ من الاصل اختص به أو من الربح فكذلك لكن يملك العامل مما بيده مقدار ذلك على الاشاعة وان اطلقا حمل على الاشاعة وحينئذ الاشبه كما قال ابن الرفعة أن تكون حصة العامل قرضا نقله عنه الاسنوى وأقره ثم قال

(1)

الزيلعى ج 5 ص 69، ص 70 الطبعة السابقة.

(2)

الدسوقى ج 3 ص 527.

ص: 237

واذا كان الاسترداد بغير رضا ولا ينفذ تصرف المالك فى نصيب العامل وان لم يملكه بالظهور مثاله رأس المال مائة من الدراهم والربح عشرون منها واسترد المالك من ذلك عشرين فالربح فى هذا المثال سدس جميع المال وحينئذ فيكون المسترد وهو العشرون سدسه (بالرفع) وهو ثلاثة دراهم وثلث ويحسب من الربح فيستقر للعامل المشروط منه وهو درهم وثلثان ان شرط له نصف الربح وباقية أى المسترد وهو ستة عشر وثلثان من رأس المال فيعود رأس المال الى ثلاثة وثمانين وثلث فلو عاد ما فى يده الى ثمانين لم يسقط ما استقر له بل يأخذ منها درهما وثلثى درهم ويرد الباقى وهو ثمانية وسبعون درهما وثلث درهم

(1)

وكون العامل يأخذ مما فى يده خارجا عن القواعد كما قاله ابن الرفعة وتبعه الاسنوى لانه لما جعل المسترد شائعا لزم أن يكون نصيب العامل فى عين المال المسترد ان كان باقيا فى ذمة المالك ان كان تالفا ولا يتعلق بالمال الباقى الا برهن أو نحوه ولم يوجد حتى لو أفلس لم يتقوم به بل يضارب، وان استرد المالك بعضه بعد ظهور الخسران فالخسران موزع على المسترد والباقى بعده وحينئذ فلا يلزم جبر حصته المسترد وهو عشرون لو ربح المال بعد ذلك مثاله أن يكون رأس المال مائة مثلا وان يكون الخسران الحاصل فيه عشرين كذلك ثم استرد المالك عشرين فربع العشرين التى هى جميع الخسران حصة المسترد منها خمسة فكأنه استرد خمسة وعشرين ويعود بعد ذلك رأس المال الباقى بعد المسترد وبعد حصته من الخسران الى خمسة وسبعين لان الخسران اذا وزعناه على الثمانين خص كل عشرين خمسة والعشرون المستردة حصتها خمسة فيبقى ما ذكره فلو ربح بعد ذلك شيئا قسم بينهما ربحا على حسب ما شرطاه

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌حكم استرداد عامل القراض ما دفعه

يرجع بالثمن عامل القراض ان دفعه على رب المال بنية الرجوع للزومه له أصالة والعامل بمنزلة الضامن ورأس المال هو الثمن دون التالف لتلفه قبل التصرف فيه فأشبه ما لو تلف قبل القبض

(3)

واذا اشترط المضارب النفقة ثم ادعى انه انما أنفق من ماله وأراد الرجوع فله ذلك أى الرجوع سواء كان المال باقيا فى يده أو قد رجع الى مالكه لانه أمين فالقول قوله

(4)

.

‌حكم استرداد رب المال

ما أتلفه عامل القراض:

ان أتلف العامل مال المضاربة ثم نقد الثمن من مال نفسه بلا اذن رب المال

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 297 الطبعة السابقة.

(2)

مغنى المحتاج ج 2 ص 297 الطبعة السابقة

(3)

منتهى الارادات على هامش كشاف القناع للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 2 ص 220.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 270 الطبعة السابقة، المغنى لابن قدامة وبهامشه الشرح الكبير ج 5 ص 195 الطبعة السابقة ومنتهى الارادات ج 2 ص 225 الطبعة السابقة.

ص: 238

لم يرجع رب المال على العامل بشئ والعامل باق على المضاربة لانه لم يتعد فيه ذكره الازجى

(1)

.

‌الاسترداد فى المضاربة اذا فسدت:

وان قال خذ المال فاتجر به والربح كله لك فالمال المدفوع قرض لاقراض لان اللفظ يصلح له وقد قرن به حكمه فانصرف اليه كالتمليك والربح كله للعامل لاحق لرب المال فيه أى فى الربح وانما يرجع بمثل ما دفعه

(2)

قال صاحب كشاف القناع ليس للعامل شراء من يعتق على رب المال بغير اذنه فان فعل صح الشراء وعتق وضمن العامل ثمنه علم انه يعتق على رب المال أو لم يعلم وان اشتراه العامل باذنه صح الشراء أيضا، وتنفسخ المضاربة فى قدر ثمنه فيهما أى فيما اذا اشتراه بغير اذنه وفيما اذا اشتراه بأذنه لتلفه وان كان فى المال ربح رجع العامل بحصته من الربح لانه استحقه بالعقد والعمل ولم يوجد ما يسقطه

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌حق صاحب المال فى

أن يسترد رأس ماله:

ولرب المال ان يسترد رأس ماله اذا أراد أن يبطل القراض ويجبر العامل على بيع السلع معجلا خسر أو ربح كما أن من حق العامل ان يلغى عقدها ويرد رأس المال لصاحبه لانه لا مدة فى القراض فاذ ليس فيه مدة فلا يجوز أن يجبر الآبى منهما على التمادى فى عمل لا يريده أحدهما فى ماله ولا يريده الآخر فى عمله فان تعدى العامل فربح فان كان اشترى فى ذمته ووزن من مال القراض فحكمه حكم الغاصب وقد صار ضامنا للمال ان تلف أو لما تلف منه بالتعدى كما أن من حق صاحب رأس المال أن يسترده اذا مات عامل القراض لان العقد انما كان مع الميت لا مع وارثه

(4)

.

‌حق صاحب المال فى

استرداده ثمرة ماله:

ولصاحب المال أن يطلب من عامل القراض ما أثمره ماله مما لا يسمى ربحا كأن اشترى العامل من مال القراض جارية فوطئها فعليه حد الزنا لان أصل الملك لغيره فان ولده منها رقيق يجب أن يرده لصاحب المال ويكون العامل زانيا عليه حد الزنا لان أصل الملك لغيره ومثل ذلك ولد الاشية وثمر الشجر وكرى الدور لانه شئ حدث فى ماله وهذا لا يسمى ربحا فليس للعامل فيه شئ

(5)

.

(1)

منتهى الارادات ج 2 ص 225 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 260 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 263، ص 264 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 249 مسألة رقم 1375.

(5)

المرجع السابق ج 8 ص 249 مسألة رقم 1375، 1376، 1377.

ص: 239

‌مذهب الزيدية:

‌حكم استرداد مال القراض

اذا بطلت المضاربة:

اذا مات رب المال أو العامل واذا اختلفا تبطل المضاربة فيسلم العامل الى الوارث الحاصل معه من نقد أو عرض حيث تيقن أن لا ربح فيه فيجب عليه تسليمه فورا لانه قد انعزل ولم يبق له فيه حق وألا يسلمه فورا ضمن لانه يصير كالغاصب من حيث أنه ليس بمأذون بالامساك هذا اذا كان الورثة حاضرين فاذا كانوا غائبين فله امساكه باذن الحاكم ولا يلزمه البيع لو طلب الورثة منه أن يبيع السلع ويبيع بولاية من الورثة أو من الحاكم ما كان فيه ربح ولا يلزمه تسليمها الى الورثة لان له فيها شركة بل اليه بيعها بولاية ذكر ذلك ابن أبى الفوارس وقال البعض اذا كان فيها ربح لم يحتج الى اذن ولا حاكم قال البعض الصحيح قول ابن أبى الفوارس ويجب أن يمهل ولا يلزمه التعجيل للبيع وقال البعض يمهل أربعين يوما واذا بطلت المضاربة بموت العامل فان كان العامل قد عين مال المضاربة قبل موته لزم رد النقد والعرض الذى تيقن عدم الربح فيه فورا والا ضمن ذكر ذلك بعض العلماء والصحيح أنه لا يجب على الورثة حفظ ولا رد الا أن ينقلوا وجب الحفظ ولا يجب الرد الا أن يطالبوا ويجب عليهم أغلام المالك ولو امتنعوا من الرد قبل النقل فلا ضمان فان اجملها الميت بأن أقر بها على سبيل الجملة نحو أن يقول معى لفلان مال مضاربة ولا يذكر جنسها ولا عينها فدين أى فى حكم الدين الذى يقربه على هذه الصفة فيكون رب المال أسوة الغرماء فى ذلك وكذا اذا كان الاقرار من الورثة على هذه الصفة فهكذا حكمه فان كانت التركة مستغرقة بالدين توقف اقرارهم على مصادقة أهل الدين الآخرين بهذا الدين ويلزم الورثة تفسير ما أقر به مورثهم مجملا فان لم يعلموا لزم أقل ما تنعقد به المضاربة وهو ما يحصل معه الربح أما اذا عين مال المضاربة وجب تسليمه بعينه ولا يكون كسائر الديون وان أغفلها الميت فلم يذكرها بنفى ولا اثبات وكانت قد ثبتت عليه ببينة أو باقرار الورثة لكن لم يقروا ببقائها حكم فيها بالتلف ويحمل الميت على السلامة من أنه قد ردها أو تلفت عنده هذه العين على وجه لا يضمن وهكذا حكم العارية والوديعة وكل أمانة أما لو كان اقرار العامل بمال المضاربة وكذا كل أمانة قبيل الموت بوقت يسير لا يجوز فيه رد ولا تلف فالظاهر البقاء الى بعد الموت ويكون ما أقر به أسوة الغرماء وان انكرها الوارث أى أنكر المضاربة أو أقر بها لكن أدعى تلفها معه أى مع الوارث قبل أن يتمكن من الرد فالقول له فى هاتين الصورتين والبينة على المدعى لا اذا أدعى الوارث أنها تلفت مع الميت أو كونه ادعاه أى أن الميت ذكر أنها تلفت معه فعند المؤيد بالله يبين الوارث كون العين تلفت مع الميت أو أن الميت أدعى التلف معه على وجه لا يضمن لان الاصل عند المؤيد بالله البقاء فلا يقبل قوله فى التلف الا ببينة وقال الهادوية وهو المختار للمذهب أنه يقبل قول الوارث فى

ص: 240

أن التلف وقع مع الميت وان الميت أدعى التلف على وجه لا يضمن ولا يحتاج الى البينة على ذلك لان الميت ووارثه أمينان والامين يقبل قوله فيما ادعاه سواء ادعى تلفها معه أو مع الميت

(1)

.

‌حكم استرداد عامل القراض ما أنفقه:

جاء فى التاج المذهب أن مؤن المال كلها من كراء وعلف بهيمة من ربحه أو فوائده ثم انه لم يكن ثمة ربح ولا فوائد كانت من رأس المال ولو أدى الى استغراق المال أو زيادة عليه جاز ذلك ويرجع على المالك ان نوى الرجوع وكذا مؤن العامل وخادمه ويصح شرط عدم الانفاق للعامل ويلزمه الشرط وله أن يرجع فى وجه المضارب الا أن يكون هذا الشرط مقابله جزء من الربح لم يصح الرجوع

(2)

اليه وان أنفق العامل على مال المضاربة بنية الرجوع عليه أى على مال المضاربة ثم تلف مال المضاربة بين على ذلك وغرم له المالك من خالص ملكه وصدقه مع البقاء فى المؤنة التى على مال المضاربة من نفقة وغيرها لا فى مؤنة نفسه فلا يستحق الرجوع لعدم الربح وان كان المال قد تلف جميعه بين على الغرامة ويقبل قوله فى نية الرجوع على المالك بما غرم لانه لا يعرف الا من جهته وان كان قد تلف البعض وبقى البعض قبل قوله فى الغرامة على رأس المال فى قدر الباقى من مالها لا التالف فبين على غرامته عليه ويقبل قوله فى نية الرجوع على المالك بما غرم

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

‌حكم استرداد مال القراض:

اذا استرد المالك بعض المال من العامل بعد دورانه فى التجارة ولم يكن هناك ربح ولا خسران رجع رأس المال الى القدر الباقى وارتفع القراض فى القدر الذى أخذه المالك وان كان بعد ظهور ربح فى المال فالمسترد شائع ربحا وخسرانا على النسبة الحاصلة من جملة الربح ورأس المال ويستقر ملك العامل على ما يخصه بحسب الشرط مما هو ربح منه فلا يسقط بالنقصان الحادث بعده وذلك مثل ما لو كان رأس المال مائة وربح عشرين ثم استرد المالك عشرين فالربح سدس المال فالمأخوذ يكون سدسه ربحا ثلاثة وثلث ويستقر ملك العامل على نصفه اذا كان الشرط مناصفة وان كان الاسترداد بعد ظهور الخسران كان الخسران موزعا على المسترد والباقى فلا يلزم جبر حصة المسترد من الخسران كما لو استرد الكل بعد الخسران لم يلزم العامل شئ ويصير رأس المال الباقى بعد المسترد وحصته من الخسران مثل ما لو كان رأس المال مائة وخسر عشرين ثم استرد المالك عشرين فالخسران على المسترد والباقى يكون فى حصة المسترد خمسة لا يلزمه

(1)

شرح الازهار ج 3 ص 345، 346، 347، 348، 349 والتاج المذهب ج 3 ص 164، ص 165، 166 الطبعات السابقة.

(2)

التاج المذهب ج 3 ص 155 الطبعة السابقة.

(3)

التاج المذهب ج 3 ص 157 والازهار ج 3 ص 335، ص 336 الطبعات السابقة.

ص: 241

جبرها

(1)

، أما اذا استرد المالك جميع المال بعد ظهور الربح فانه يغرم حصة العامل وكذا اذا أتلفه لان اتلافه منزل منزلة ما لو استرده

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

‌حكم استرداد رأس مال القراض

والمختار عند الإباضية انه ليس لصاحب المال أن يسترد رأس ماله بعد عقد القراض وبيان كم له من الربح ودفع مال وشروع فى عمل بشراء أمتعة التجر قبل التمام فيجب الاتمام الا أن رضيا بالترك كالاجارات على المختار فيهن وهو أنه لا رجوع للاجير ولا للمستأجر بعد نقد الاجر والشروع فى العمل وقيل يجوز لصاحب المال أن يرجع فى المضاربة ويسترد رأس ماله ولو عقدت ودفع المال وكان الشروع كما هو قول فى الاجارات غير مختار فيه أى فى الرجوع تردد بل ذلك قولان أصحهما الاول

(3)

‌حكم الاسترداد فى الشفعة

‌مذهب الحنفية:

‌حق المشترى فى استرداد

الثمن من الشفيع:

نقل صاحب التكلمة عن فتاوى أبى الليث أن الشفيع اذا طلب الشفعة فللمشترى أن يطلب منه الثمن الذى دفعه واذا قضى القاضى بالشفعة قبل احضار الثمن فللمشترى أن يحبس العقار عنده حتى يسترد الثمن من الشفيع

(4)

، وكذا يحق هذا للورثة لان التملك بالشفعة بمنزلة الشراء من المشترى وللبائع حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن

(5)

واذا أخذ الشفيع الدار مثلا من يد البائع دفع الثمن الى البائع ويسترد المشترى الثمن من البائع ان كان قد نقده وان أخذها من يد المشترى دفع الثمن الى المشترى وكانت العهدة عليه لان العهدة هى حق الرجوع بالثمن عند الاستحقاق

(6)

أما اذا زاد المشترى البائع فى الثمن فلا حق له فى أن يستردها من الشفيع اذ هذه الزيادة لا تلزم الشفيع لان الشفيع انما يأخذ بما وجب بالعقد والزيادة ما وجبت بالعقد فى حق الشفيع لانعدامها وقت العقد حقيقة وتعتبر هبة مبتدأة فلا تتعلق بها حق الشفعة وعليه فان للمشترى أن يسترد من الشفيع ما دفعه للبائع حتى ولو حط البائع عن المشترى جميع الثمن ولا يسقط بذلك عن الشفيع شئ منه لان حط كل الثمن لا يلتحق بأصل العقد أما اذا حط البائع عن المشترى أو ابرأه عن البعض فالشفيع يأخذ بما بقى لان حط بعض الثمن يلتحق

(1)

تذكرة الفقهاء ج 2 ص 248 الطبعة السابقة

(2)

تذكرة الفقهاء للعلامة الكبير جمال الدين الحسن بن يوسف بن الملى بن مطهر الحلى ج 2 ص 243 من منشورات المكتبة المرنقوية لاحياء الآثار الجعفرية طبعة طباعة الكتاب بالافست سنة 1388 هـ بطهران.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل ج 5 ص 206، ص 207 الطبعة السابقة.

(4)

تكملة البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 8 ص 149 الطبعة السابقة والزيلعى ج 5 ص 245 الطبعة السابقة.

(5)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 24 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 5 ص 24 الطبعة السابقة.

ص: 242

بأصل العقد فلا يسترد المشترى من الشفيع الا بقدر ما بقى من الثمن

(1)

.

‌ثبوت حق الاسترداد للشفيع:

لو أخذ الشفيع الارض بالشفعة فبنى فيها أو غرس ثم استحقت فكلف المستحق الشفيع بالقلع فقلع البناء والغرس استرد الشفيع من المشترى الثمن لانه تبين أن المشترى أخذ الثمن من الشفيع بغير حق لان الارض لم تكن فى ملكه فيسترد منه الثمن ولا يرجع بقيمة البناء والغرس

(2)

:

وعن أبى يوسف رحمه الله أنه يرجع به عليه لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء من المشترى ولو كان اشتراه لرجع عليه فكذا اذا أخذه بالشفعة كان له الرجوع

(3)

بقيمة البناء ولو طلب الشفيع الشفعة فسلمها المشترى اليه ثم نقد المشترى الثمن للبائع فوهب له البائع خمسة دراهم من الثمن وقد قبض المشترى من الشفيع جميع الثمن فعلم الشفيع بالهبة فليس له أن يسترد شيئا لان الهبة ليست بحط لان الثمن صار عينا بالتسليم بخلاف ما اذا وهب البائع خمسة دراهم قبل قبض الثمن فان للشفيع أن يستردها منه لانها هبة الدين والثمن دين فى ذمته

(4)

.

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد المشترى الثمن من الشفيع

ويسترد المشترى ما دفعه ثمنا للمشفوع فيه من الشفيع ويحط عن الشفيع من الثمن ما حط عنه منه لعيب ظهر فى الشقص أو لهبة من البائع ان حط الموهوب للمشترى اذا جرت العادة بحطيطة ذلك القدر من الثمن بين الناس كأن تجرى العادة أن من باع شيئا بمائة يهب للمشترى من الثمن عشرة أى يحطها عنه أو أشبه الثمن بعد الحط أى لم تجر العادة بالحط لكن أشبه الباقى بعد الحط أن يكون ثمنا للشقص فانه يحط ذلك عن الشفيع فاذا اشترى الشقص بمائة ثم اطلع فيه على عيب فحط عنه البائع لاجله عشرة فانها تحط عن الشفيع ويدفع للمشترى تسعين فقط واذا باع أحد الشريكين الشقص لاجنبى بثمن معين ثم أخذه الشفيع من ذلك الأجنبى بالشفعة ثم استحق ذلك الثمن المعين مقوما أو مثليا من البائع الاول فانه يرجع على المشترى منه بقيمة الشقص كان الثمن المعين مقوما أو مثليا الا أن يكون نقدا مسكوكا والا رجع عليه بمثله هذا كله اذا كان الثمن معينا وأما لو كان غير معين واستحق بعد الشفعة رجع البائع الاول على من اشترى منه بمثله ولو كان مقوما ولم ينتقض البيع ما بين الشفيع والمشترى بل يكون للمشترى ما أخذه من الشفيع من الثمن وهو مثل المثلى وقيمة غيره

(5)

.

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 27 الطبعة السابقة.

(2)

الزيلعى ج 5 ص 251 الطبعة السابقة.

وتكملة البحر الرائق ج 8 ص 155 الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع ج 5 ص 24 الطبعة السابقة.

(4)

تكملة البحر الرائق ج 8 ص 153 الطبعة السابقة وفتاوى قاضيخان ج 3 ص 549 الطبعة السابقة والزيلعى ج 5 ص 248 الطبعة السابقة

(5)

الدسوقى وحاشيته ج 3 ص 495 الطبعة السابقة.

ص: 243

‌مذهب الشافعية:

‌حق المشترى فى استرداد ثمن المشفوع فيه

وللمشترى فى ظاهر قولى الشافعية الحق فى أن يرد الشقص المشفوع

(1)

فيه بالعيب ويسترد من البائع ما دفعه ثمنا ولا أثر لارادة الشفيع أن يأخذه ويرضى بالعيب لان المشترى هو صاحب الحق اذ قد يريد أن يسترد عين ماله وأن يدفع عهدة الشقص عن نفسه والقول الثانى وهو الا ظهر أن ارادة الشفيع تقدم على ارادة المشترى لان حق الشفيع سابق على حق المشترى لثبوته بالبيع بينما حق المشترى ثبت بالاطلاع وكذا للمشترى الحق فى أن يسترد ما دفعه للبائع من الشفيع اذا كان الشفيع قد ملك نفس الثمن قبل الاخذ لا سيما المتقوم اما اذا لم يكن الشفيع قد تملك نفس الثمن طلب منه مثله ان كان مثليا كبر ونقد ان تيسر لانه أقرب الى حقه فان لم تتيسر حال الاخذ فبقيمته ولو قدر المثل بغير معياره الشرعى كقنطار حنطة أخذه بوزنه ولو تراضيا عن دنانير حصل الاخذ بها بدراهم كان شراء مستجدا تبطل به الشفعة كما فى الحاوى وان كان الثمن متقوما طلب منه قيمته لا قيمة الشقص لان ما يبذله الشفيع فى مقابلة ما بذله المشترى لا فى مقابلة الشقص

(2)

.

‌حق الشفيع فى استرداد المشفوع فيه:

وللشفيع الحق فى أن يسترد الشقص المشفوع فيه اذا تصرف فيه المشترى ببيع أو هبة أو وقف أو اجارة أو رهن أو غير ذلك ثم ان كان تصرفه هذا مما لا يستحق به الشفعة لو وجد ابتداء كالوقف والهبة والاجارة نقض الشفيع تصرف المشترى وأخذ الشقص بالشفعة لان حقه سابق على هذا التصرف فلا يبطل به وان كان هذا التصرف مما يستحق به الشفعة كبيع واصداق خير الشفيع بين أن يأخذ الشقص بالبيع الثانى أو الاصداق وبين أن ينقضه ويأخذه بالاول

(3)

.

‌حق البائع فى استرداد الشقص المشفوع فيه:

وللبائع أن يسترد الشقص المشفوع فيه اذا كان الثمن الذى دفعه مشترى الشقص معينا سواء كان عرضا أم نقدا لان النقد عندنا يتعين بالعقد كالعرض كأن اشترى بهذه المائة ثم ظهر - بعد أن أخذ الشفيع الشقص - أن هذا الثمن مستحق لغيره ببينة أو بتصديق من البائع والمشترى والشفيع حيث بان بذلك أن البيع باطل لان أخذ عوضه لم يأذن فيه المالك والشفعة تبطل ببطلان البيع لانها مترتبة عليه ولو خرج بعض الثمن مستحقا لغيره بطل فيما يقابله من المبيع والشفعة لان اعطاءه عما فى الذمة لم يقع الموقع فكان وجوده كعدمه

(1)

نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 5 ص 202، ص 203 الطبعة السابقة

(2)

نهاية المحتاج للرملى ج 5 ص 202، ص 203 الطبعة السابقة.

(3)

مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 2 ص 281 الطبعة السابقة.

ص: 244

وللبائع استرداد الشقص ان لم يكن تبرع بتسليمه وحبسه الى أن يقبض الثمن

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌حق البائع فى استرداد المبيع المشفوع فيه:

وللبائع الحق فى أن يسترد المبيع من المشترى دون اعتبار لحق الشفيع وذلك اذا فسخ البائع البيع لعيب فى ثمنه أى ثمن الشقص المشفوع فيه قبل الاخذ بالشفعة كما لو اشترى الشقص بعبد ثم علم البائع عيبه وفسخ البيع قبل الاخذ بالشفعة فلا شفعة لما فيها من الاضرار بالبائع باسقاط حقه من الفسخ الذى استحقه بوجود العيب والشفعة تثبت لازالة الضرر والضرر لا يزال بالضرر ولان حق البائع فى الفسخ أسبق لانه استند الى وجود العيب وهو موجود حال البيع والشفعة تثبت بالبيع ويفارق هذا ما اذا كان الشقص معيبا فان حق المشترى انما هو استرجاع الثمن وقد حصل له من الشفيع فلا فائدة فى الرد وفى مسألتنا حق البائع فى استرجاع الشقص ولا يحصل ذلك مع الاخذ بالشفعة أما ان كان الفسخ بعد الاخذ بالشفعة استقرت للشفيع وسقط حق البائع فى استرجاع المبيع لان الشفيع ملك الشقص بالاخذ فلم يملك البائع ابطال ملكه كما لو باع المشترى لاجنبى وللبائع اذا فسخ بعد أخذ الشفيع الزام المشترى بقيمة شقصه لان الاخذ بالشفعة بمنزلة تلف الشقص ويتراجع المشترى والشفيع بما بين القيمة - أى قيمة الشقص والثمن فيرجع دافع الاكثر منهما بالفضل، وان عاد الشقص بعد فسخ العقد لعيب الثمن وأخذ الشفيع بالشفعة الى ملك المشترى من الشفيع أو غيره ببيع أو هبة أو ارث ونحوه لم يملك البائع استرجاعه بمقتضى الفسخ السابق لان ملك المشترى زال عنه وانقطع حقه منه الى القيمة فاذا أخذها لم يبق له حق بخلاف غاصب تعذر عليه رد مغصوب فأدى قيمته ثم قدر عليه فانه يرده ويسترجع القيمة

(2)

لان ملك المغصب عنه لم يزل عنه.

‌متى يثبت حق الشفيع فى استرداد

شئ من الثمن ومتى يسقط

يثبت حق الشفيع فى استرجاع ما دفعه بعد أن يرد المشفوع فيه أو الرجوع بالارش اذا أخذ الشفيع الشقص ثم ظهر على عيب لم يعلمه هو والمشترى ثم يرجع المشترى على البائع كذلك وأيهما علم به لم يرده ولكن اذا علم الشفيع وحده فلا رد للمشترى وله الارش وجاء فى كشاف القناع: أنه لا حق للشفيع فى أن يسترد

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 280، ص 281 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الارادات ج 2 ص 387، ص 388، ص 389 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل لابى النجا شرف الدين الحجاوى المقدسى ج 2 ص 373 طبع المطبعة المصرية بالازهر سنة 1351 هـ.

ص: 245

من المشترى ما يقابل أرش عيب فى الثمن اذا كان البائع قد عفا عنه كما لو أبرأ البائع من اشترى الشقص من العيب الذى وجده فى العبد مثلا فان الشفيع لا حق له فى أن يرجع على المشترى بشئ من ذلك لان البيع لازم من جهة المشترى لا يملك فسخه أما ان اختار البائع أخذ أرش العيب فله ذلك فليس للمشترى أن يسترد شيئا من الشفيع فى مقابل ذلك الارش ان دفع الشفيع اليه قيمة العبد سليما فان لم يدفع اليه قيمة العبد سليما رجع المشترى عليه ببدل ما أدى من أرشه

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌حق الشريك فى استرداد الثمن أو مثله

وللمشترى أن يسترد من الشفيع ثمن المشفوع فيه أو مثله ان كان قد ابتاع الشقص بعرض أو بعقار فان لم يقدر على ذلك أصلا فالمطلوب مخير بين أن يلزمه قيمة العرض أو العقار وبين أن يسلم اليه الشقص ويلزمه مثل ذلك العقار أو مثل ذلك العرض متى قدر عليه لان البيع لم يقع الا بذلك العرض أو ذلك العقار وليس للشريك أخذ الشقص الا بما رضى به البائع سواء عرضه عليه قبل البيع أو أخذه بعد البيع فان لم يقدر عليه فقد تعين له قبله عرض أو عقار عجز عنه وقال تعالى: «وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ» فله الاقتصاص بالقيمة التى هى مثل حرمة المال الذى له عنده

(2)

.

‌حق الشفيع فى استرداد ما استغل المشترى:

وللشفيع أن يسترد كل ما استغله المشترى من المشفوع فيه اذا أخذ بالشفعة وكان كل ما انفذ المشترى فيه من هبة أو صدقة أو عتق أو حبس أو بنيان أو مكاتبة أو مقاسمة فهو كله باطل مردود مفسوخ أبدا وتقلع انقاضه هذا اذا كان ايذانه الشريك ممكنا له أو للبائع حين اشترى فان لم يكن ايذانه الشريك ممكنا للبائع لعذر ما أو لتعذر طريق فان الشفعة للشريك متى طلبها وليس على المشترى رد الغلة حينئذ لكن كل ما أحدث فيه مما ذكرنا فمفسوخ ويقلع بنيانه ولا بد. لقول النبى صلى الله عليه وسلم «الشفعة فى كل شرك فى أرض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه فيأخذ أو يدع فشريكه أحق به حتى يؤذنه»

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

‌حق المشترى فى استرداد الثمن

وللمشترى أن يسترد الثمن من الشفيع

(1)

الاقناع ج 2 ص 373 وكشاف القناع ج 2 ص 387، ص 388، 389 الطبعات السابقة.

(2)

المحلى ج 9 ص 94، ص 95 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 9 ص 92 الطبعة السابقة.

ص: 246

بل يجوز لمن يكون المشفوع فيه تحت يده أن يحبسه عن الشفيع حتى يسترد المشترى ثمنه ولو كان الذى فى يده المبيع هو البائع ولو كان أيضا مستوفيا للثمن فان له حبسه من الشفيع حتى يسلم الثمن لانا اذا قلنا أن الشفعة فسخ فظاهر وان قلنا أنها نقل فان البائع يصبح مثل الوكيل للمشترى واذا قبض البائع الثمن من الشفيع ففيما يسترده المشترى من البائع رأيان.

أحدهما: يقول بأن للمشترى أن يسترد ما دفعه هو ويقول به من يرى أن الشفعة فسخ.

وثانيهما: يقول بأن للمشترى أن يسترد ما دفعه الشفيع ويقول به من يرى أن الشفعة نقل هذا ولو تلف ما سلم الشفيع مع البائع فان للمشترى الحق فى أن يسترد ما سلم هو، وما تلف فهو من مال البائع على رأى من يقول بأن الشفعة فسخ اما على القول بأنها نقل فلا حق للمشترى فى الاسترداد لان ما تلف يكون من ماله

(1)

.

‌مذهب الإمامية

‌حق المشترى فى استرداد المشفوع فيه

ويحق للمشترى أن يسترد الشقص المشفوع فيه اذا كان المشترى قد سلم الشقص اليه راضيا بذمته ثم أفلس الشفيع

(2)

.

‌حق البائع فى استرداد المشفوع فيه:

اذا باع شخص لآخر شقصا بعوض معين لا مثل له كالعبد فان أخذه الشفيع - على القول بأن الشفعة واجبة بالقيمة - وظهر فى الثمن عيب كان للبائع رده والمطالبة بقيمة الشقص اذا لم يحدث عنده ما يمنع الرد ولا يرتجع الشقص لان الفسخ المتعقب للبيع الصحيح لا يبطل الشفعة ولو عاد الشقص الى المشترى بملك مستأنف كالهبة أو الميراث لم يملك رده على البائع ولو طلبه البائع لم يجب على المشترى اجابته ولو كانت قيمة الشقص والحال هذه أقل من قيمة العبد هل يرجع الشفيع بالتفاوت؟ فيه تردد والاشبه لا لانه الثمن الذى اقتضاه العقد، وللبائع قيمة الشقص وان زادت عن قيمة الثمن ولو حدث عند البائع ما يمنع رد الثمن رجع بالارش على المشترى ولا يرجع على الشفيع بالارش ان كان أخذه بقيمة العوض الصحيح

(3)

.

(1)

شرح الازهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 3 ص 238، ص 239 الطبعة السابقة.

(2)

تذكرة الفقهاء للمطهر الحلى ج 1 ص 596 الطبعة السابقة.

(3)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 165 الطبعة السابقة.

ص: 247

‌مذهب الإباضية:

‌حكم استرداد المشترى الثمن من الشفيع

والإباضية على أن المشترى يسترد ما دفعه ثمنا من الشفيع فاذا كان البائع قد حط عن المشترى شيئا من الثمن أرشا لعيب فى المبيع حط المشترى مثله عن الشفيع ولو بمال لا يجوز رده بعيب مثل أن يظهر عيب قديم وقد حدث آخر عند المشترى فان له أرش القديم ولا يجب الرد وان طلع الشفيع على العيب ورجع بالارش على المشترى رجع المشترى به على البائع.

وكل ما لزم المشترى من أجرة عدول أو أجرة طواف ان التزمها أو نحو ذلك لزم الشفيع الا المكس فالحق أنه لا يلزم الشفيع أن يرده للمشترى خلافا لمن زعم من قومنا بلزومه

(1)

.

‌حكم الاسترداد فى الشركة:

‌مذهب الحنفية:

الحنفية يربطون بين حكم الاسترداد فى الشركة وبين نوع الشركة فان كانت شركة ضمان ثم اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر فالمشترى بينهما شركة والذى اشترى يسترد من شريكه حصته من الثمن لانه وكيل فى حصة شريكه وقد قضى الثمن من ماله فيرجع عليه بحسابه لعدم الرضا بدون ضمانه

(2)

، وان كانت شركة مفاوضة فان ما يشتريه كل شريك يقع مشتركا بينه وبين شريكه ومن ادى الثمن يسترد من الآخر حصته لان مقتضى عقد المفاوضة المساواة اذ كل واحد منهما قائم مقام صاحبه فى التصرف الا طعام أهله وكسوتهم وأرش الجناية والمهر والخلع والصلح عن دم العمد ونفقة الزوجات والاقارب لان هذه الديون بدل عما لا يصح الاشتراك فيه فلا يلزم الا المباشر لان كل واحد منهما لم يلتزم عن صاحبه بالعقد الا ديون التجارة وهذه الاشياء ليست من باب التجارة فلم تدخل تحت العقد فاذا أدى العاقد ثمن الطعام ونحوه من مال مشترك بينهما استرد منه الآخر حصته وان أدى غير العاقد من ماله خاصة استرد كل ما أداه منه وان أدى من مال مشترك بينهما رجع بحسابه لانه قضى دينه بمال صاحبه أو قضى عنه صاحبه بأمره

(3)

، وأما ان كانت شركة عنان فانه اذا اشترى أحدهما طولب المشترى منهما وحده بالثمن ولا يطالب الآخر لان شركة العنان تقتضى الوكالة دون الكفالة والمباشر هو الاصل فى الحقوق فيرجع به عليه بخلاف شركة المفاوضة ثم يرجع المشترى على شريكه بحصته منه أى من الثمن لانه وكيل له وأدى الثمن من ماله فيرجع عليه بحسابه وان نقد من مال مشترك لم يرجع عليه

(4)

.

(1)

كتاب النيل وشفاء العليل وشرحه ج 5 ص 685 الطبعة السابقة.

(2)

الزيلعى ج 3 ص 319.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 315 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 319 الطبعة السابقة.

ص: 248

‌حكم استرداد أحد الشريكين ماله

اذا هلك مال الشركة جميعه:

لا يحق لاحد الشريكين أن يسترد ماله اذا هلك مال شركة المفاوضة أو العنان فى يد الشريك الآخر لان يد كل واحد من شريكى المفاوضة والعنان فى المال يد أمانة حتى اذا هلك المال فى يده هلك بلا ضمان لانه قبضه باذن صاحبه لا على وجه المبادلة والوثيقة فصار كالوديعة والعارية

(1)

.

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد رأس مال الشركة

قال ابن القاسم: يسترد كل من الشريكين سلعته وتفسخ الشركة فى ما بينهما ان كانا اشتركا بسلعتيهما على أن الربح بينهما نصفين والوضيعة عليهما نصفين وعلى أن يكون رأس مال كل واحد منهما بالسوية واشتركا فى هاتين السلعتين فلما قوما السلعتين كانت احداهما الثلثين والاخرى الثلث ماداما لم يعملا وأدركت السلعتان أما ان فاتت السلعتان كانا على الشركة على ما بلغته كل سلعة ويعطى القليل الرأس المال أجرة فى الزيادة التى عمل فيها مع صاحبه وان كانت وضيعة فضت الوضيعة على جميع المال فما أصاب الكثير كان على صاحب الكثير وما أصاب القليل كان على القليل الرأس المال والربح ان كان فكذلك أيضا لان رأس مالهما كان على ما بلغته سلعتاهما ولم يكن على ما شرطا ولا يكون على صاحب السلعة القليلة ضمان فى فضل سلعة صاحبه على سلعته وليس فضل سلعة صاحبه مما وقع فيه بينهما بيع

(2)

.

‌حكم استرداد ربح الشركة:

قال صاحب الشرح الكبير ولكل من الشريكين أجر عمله للآخر فاذا كان لاحدهما الثلث وللآخر الثلثان ودخلا على المناصفة فى العمل والربح استرجع صاحب الثلثين من صاحب الثلث سدس الربح ويرجع صاحب الثلث بسدس أجرة العمل

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

‌حكم استرداد الشريك رأس ماله فى الشركة

ان اشترى الشريك بعين المال المشترك أو باعه بغبن فاحش فيهما صح تصرفه فى نصيبه فقط أى دون نصيب شريكه عملا بتفريق الصفقة وانفسخت الشركة فى نصيبه وصار المشترى فى الثانية والبائع فى الاولى شريك شريكه كما لو كان مال الشركة مثلا ستين وهو بينهما مناصفة فاشترى به عينا تساوى

(1)

الزيلعى ج 3 ص 320 الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى للامام مالك بن أنس الاصبحى ج 12 ص 55 طبع مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر سنة 1323 هـ.

(3)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعلامة شمس الدين محمد عرفه الدسوقى على الشرح الكبير لابى البركات سيدى أحمد الدردير ج 3 ص 354، 355 طبع دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 249

أربعين صح الشراء فى نصف العين بنصف الثمن والنصف الآخر باق على ملك البائع فيفرز للبائع نصف الستين يفضل ثلاثون يستردها الشريك الذى لم يصح الشراء بالنسبة اليه ولا شركة بينه وبين البائع لما تقدم من استرداد الفاضل بعد افراز الثمن لان نصيب الشريك لم يحدث فيه نقص بتصرف شريكه المذكور وان كانت العين المشتراة تساوى درهمين لان الشريك لا تعلق له بها والضرر فى المسألتين مختص بالمتصرف والحاصل أن المشترى فى الثانية صار مالكا لنصيب بائعه والبائع فى الاول صار مالكا لما بطل البيع فيه فقط

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌حكم استرداد مال الشركة عند التراجع فيها

يسترد كل من الشريكين ما أخرجه عند التراجع فى الشركة فلو أخرج أحد الشريكين دراهم والآخر دنانير أو أحدهما مائة والآخر مائتين أو أحدهما ناصرية والآخر ظاهرية ثم أرادا أن يتراجعا فى الشركة فان لكل منهما أن يسترجع ما أخرجه وما بقى فربح

(2)

، قال القاضى اذا أراد المفاصلة قوما المتاع بنقد البلد وقوما مال الآخر به ويكون التقويم حين صرفا الثمن فيه وأن هذه شركة صحيحة رأس المال فيها الاثمان فيكون الرجوع بجنس رأس المال كما لو كان الجنس واحدا

(3)

.

‌حكم استرداد أحد الشريكين:

ما أنفق على حصه شريه:

أن أنفق الشريك باذن شريكه أو اذن الحاكم أو أنفق بنية رجوع بغير اذنهما استرد من شريكه ما أنفق على حصة الشريك وكان البناء بينهما كما كان قبل انهدامه لا يختص به البانى لرجوعه على شريكه بما يقابل حصته منه

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

لا تجوز الشركة بالابدان أصلا فان وقعت فهى باطلة ولكل واحد منهم ما كسب فان اقتسماه فان من حق المكتسب أن يسترد ما أخذه شريكه من كسبه ووجب أن يقضى له بأخذه ولا بد لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» فلا يحل أن يقضى بمال مسلم لغيره

(1)

الفتاوى الكبرى الفقهية للعالم العلامة ابن حجر المكى الليثى وبهامشه باقى فتاوى العلامة شمس الدين محمد بن شهاب الدين بن أحمد بن حمزة الرملى ج 2 ص 208، 209 طبع مطبعة عبد الحميد أحمد حنفى بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 254

(3)

المغنى لابن قدامة ج 5 ص 127 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 2 ص 204 الطبعة السابقة.

ص: 250

الا بنص قرآن أو سنة والا فهو جور وهذه ليست تجارة فهى أكل مال بالباطل

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

وللشريك أن يسترد من شركائه على قدر حصته اذا أقتسما الشركة أو خرج نصيبه مستحقا للغير فيرجع عليهم بالمستحق للغير ولو بالشفعة فتعاد القسمة الاولى ويصير شريكا لهم فيما تحت أيديهم بقدر حصته وهذا بناء على أنه سلم المستحق الى مالكه بحكم الحاكم بالشهادة أو علم الحاكم أو أمره شركاؤه بأن يسلمه للمدعى أما لو كان الحكم باقراره أو نكوله أو رده اليمين على المدعى فلا حق له فى استرداد شئ ولا يرجع عليهم به وكذا له أن يسترد حصة شركائه منهم فيما كان قد غرمه فى ذلك المستحق للغير ان كانت القسمة بينه وبين شركائه بالتراضى أما ان كانت القسمة بالاجبار لم يكن له عليهم شئ مما غرم فيه

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

‌حكم استرداد أحد الشريكين نصيبه

لو أذن أحد الشريكين للآخر فى أن يقبض ثمن ما باعه ثم ادعى المشترى أن المأذون له - وهو البائع - قبض وأقر الآذن بذلك فان لم يكن للمشترى بينة كان القول قول البائع مع يمينه فاذا حلف رجع على المشترى بنصف الثمن وسلم له ذلك ولم يرجع عليه شريكه بشئ منه لانه مقر بأنه أخذه من المشترى ظلما.

ثم يطالب الآذن باقامة البينة على أن شريكه قد قبض من المشترى فان أقام شاهدين أو شاهدا أو امرأتين أو شاهدا ويمينا ثبت القبض ورجع بحقه عليه، فان لم يقم بينة حلف البائع فاذا حلف أسقط دعوى الآذن عن نفسه، والا حلف الآذن وثبت القبض بذلك ورجع عليه بحقه

(3)

ولو ادعى المشترى على شريك البائع بالقبض فان كان البائع لم بأذن فيه لم يبرأ المشترى من حصة البائع لانه لم يدفعها اليه ولا الى وكيله ولا من حصة الشريك لانكاره والقول قوله مع يمينه ولا يقبل قول المشترى على الشريك وللبائع المطالبة بقدر حقه خاصة لاعترافه بقبض الشريك حقه وعلى المشترى دفع نصيبه اليه من غير يمين فاذا قبض حقه فللشريك مشاركته فيما قبض وله أن لا يشاركه ويطالب المشترى بجميع حقه فان شارك فى المقبوض فعليه اليمين انه لم يستوف حقه من المشترى ويأخذ من القابض نصف نصيبه ويطالب المشترى بالباقى اذا حلف انه لم يقبض منه شيئا وليس للمقبوض منه الرجوع

(1)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 122 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 113 الطبعة السابقة.

(3)

مفتاح الكرامة ج 7 ص 408، 409 الطبعة السابقة.

ص: 251

على المشترى بعوض ما أخذ منه لاعترافه ببراءة ذمة المشترى

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

‌حكم استرداد أحد الشريكين رأس ماله

وجاز الاستخراج بين الشريكين أى الاسترداد بأن يستخرج كل من الشريكين من الآخر ما هو له أو بينهما وادعاه الآخر لنفسه كله أو ادعاه شركة وهذا هو الصحيح لان الشركة لا تمنع ذلك

(2)

. والإباضية مختلفون فيما يسترده الشريك اذا كان رأس مال كل منهما مختلفا عن الآخر بأن تخالفا عددا كدينار ودينارين أو جنسا كدراهم ودنانير على أساس اختلافهم فى جواز الشركة على هذه الصفة فقيل ان الشركة بهذه الصفة جائزة ويرجع كل واحد من الشريكين بأخذ رأس ماله نفسه أن رجع اليهما أو مثله أو قيمته أن لم يرجع ثم يقسم الفضل بينهما سواء لان أصل العقد هو ذلك فيعقد على السواء ويحضر كل منهما عند العقد مثل الآخر فالرجوع الى رأس المال مضى على عقدهما وقيل لا تجوز وما ذهب من رأس المال ذهب عليهما جميعا على السواء وما بقى فبينهما سواء أيضا، فلو خلطا عشرة أربعة من أحدهما وستة من الآخر وعملا أو لم يعملا فذهبت خمسة.

بقيت الخمسة الاخرى بينهما نصفين وان كان ربح فنصفين أيضا وذلك لان صاحب الاكثر لما تعمد مالا يجوز كان كمن أبطل حقه فى الزائد حتى أنه لو سلم كله كان بينهما نصفين أيضا. وقيل: يجوز لكن يقسمان رأس المال بتفاضل كما أعطياه والفائدة تكون بينهما على السواء وقيل: يأخذ كل واحد منهما كما أعطى ويقسمان الربح على ما أعطياه أيضا

(3)

.

‌الاسترداد فى الاجارة

‌مذهب الحنفية:

‌حكم استرداد المؤجر ما عجل من الاجرة:

نقل ابن عابدين فى حاشيته عن العتابية أن المؤجر لا يملك استرداد الاجرة اذا عجلها للأجير لان الاجر يلزم بتعجيله الا أن يكون ذلك أجرا على معصية كأن يؤجره على أن يغنى أو ينوح فلا أجر عليه فى ذلك فان أعطاه الاجر وقبضه لم يحل له ووجب عليه أن يرده الى صاحبه، كما

(4)

أنه ليس للمستأجر أن يسترد الاجر اذا كان قد استأجر عبدا محجورا عليه من نفسه فعمل وأعطاه الاجر من باب الاستحسان وان كان القياس أن له أن يأخذه

(1)

مفتاح الكرامة ج 7 ص 410 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 7 ص 196 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 260 الصفحة السابقة.

(4)

ابن عابدين ج 5 ص 6 والزيلعى وبهامشه حاشية الشلبى ج 5 ص 125 الطبعات السابقة.

ص: 252

لان عقد المحجور عليه لا يجوز فيبقى على ملك المستأجر لانه بالاستعمال صار غاصبا له ولهذا يجب عليه ضمان قيمته اذا هلك ومنافع المغصوب لا تضمن عندنا فيبقى المدفوع على ملكه فكان له أن يسترده ووجه الاستحسان وهو عدم الاسترداد أن التصرف نافع على اعتبار الفراغ سالما ضار على اعتبار هلاك العبد والنافع مأذون فيه فيجوز فتخرج الاجرة عن ملكه فليس له أن يسترده وهذا لان العبد محجور عن تصرف يضر بالمولى لا عن تصرف ينفع المولى وجواز الاجارة بعد ما سلم من العمل تمحض نفعا فى حق المولى لانها اذا جازت يحصل للمولى الاجر بغير ضرر ولو لم يجز ضاع منافع العبد عليه مجانا فتعين القول بالجواز فاذا جازت الاجارة صح قبض العبد الاجرة لانه العاقد ومتى صح قبضه لا يكون للمستأجر أن يسترده منه

(1)

.

‌حكم استرداد المؤجر العين التى أجرها:

وللمؤجر أن يسترد ما أجره اذا انقضت مدة الاجارة حتى ولو كانت أرضا مؤجرة للزراعة وقد بين ما يزرع فيها أو أرضا استأجرها للبناء وغرس الاشجار فان مضت مدة الاجارة قلع البناء والغرس وسلم الارض الى المؤجر فارغة لانه يجب عليه تسليمها الى صاحبها غير مشغولة ببنائه وغرسه لان البناء والغرس ليس لهما حالة منتظرة ينتهيان اليها وفى تركهما على الدوام بأجر أو بغير أجر يتضرر صاحب الارض فيتعين القلع فى الحال بخلاف ما اذا استأجر الارض للزراعة فانقضت مدة الاجارة والزرع لم يدرك فليس للمؤجر فى هذه الحالة أن يسترد أرضه وانما يترك الزرع على حاله الى أن يستحصد بأجر المثل لان له نهاية معلومة فأمكن رعاية الجانبين فيه وبخلاف ما اذا مات أحد المتعاقدين

(2)

فى المدة والزرع لم يدرك حيث يترك بالمسمى على حاله الى أن يستحصد الزرع وأن بطلت الاجارة بالموت لان للزرع نهاية على ما بينا فاذا وجب تركه لدفع الضرر كان تركه بالمسمى وابقاؤه على ما كان أولى اذ لا فائدة فى نقض العقد واعادته على ما كان فان انقضت مدة الاجارة ولم يسلم المستأجر ما استأجره كما لو أجر دارا من غيره لسنة مثلا ثم غاب المستأجر بعد السنة ولم يسلم المفتاح الى الآجر فللاجر أن يتخذ لها مفتاحا آخر حتى ولو كان المستأجر قد ترك متاعه فى الدار ويصح أن يؤجرها من غيره ولو بغير اذن الحاكم على ما نقله صاحب البحر عن القنية وأفتى به

(3)

.

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد شئ من الاجرة

جاء فى المدونة واذا استأجر صاحب فرس نزو ذكرا ينزو عليها جمعه مثلا

(1)

الزيلعى والشلبى عليه ج 5 ص 141 الطبعة السابقة.

(2)

الزيلعى وبهامشه حاشية الشلبى ج 5 ص 113، 114 الطبعة السابقة.

(3)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 7 ص 210 الطبعة السابقة.

ص: 253

أو عشر مرات بدينار فماتت بعد مرة أو حملت من مرة فتنفسخ الاجارة ولرب الذكر من الاجرة بحساب ما عمل فيسترد صاحب الفرس منه ما زاد على حصته ان كان المستأجر أعطاه الاجرة ومثل الفرس غيرها من الدواب وفرس روض أى اذا استأجر رب الفرس شخصا يعلمها حسن السير فماتت فان الاجارة تنفسخ وله بحساب ما عمل ويرد ما فضل على ذلك

(1)

وجاء فى موضع آخر اذا مرضت الظئر ثم صحت فى بقية من وقت الاجارة خيرت على أن ترضع ما بقى ويكون لها من الاجر بقدر ما أرضعت ويحط من اجارتها بقدر ما لم ترضع والاجير اذا استؤجر سنة ثم مرض بعض السنة ثم صح فى بقية من السنة كان عليه أن يخدم تلك البقية وليس عليه أن يخدم ما مرض ولكن يحط عنه من الاجارة بقدر ما

(2)

مرض وجاء فى حاشية الدسوقى ولا ينفسخ عقد اجارة ظئر استأجرها الوالد لابنه وقد مات والحال انها قد قبضت الاجرة من أبيه قبل موته أو ترك مالا للولد وعند ذلك يتبع الورثة الولد بما زاد على يوم موت الاب من الاجرة التى عجلها لان ذلك الزائد يكون ميراثا بينهم وبين الولد فيرجعون به على مال الرضيع لا على الظئر فليس اعطاء الاب أجرة رضاعة هبة منه له وانما ارضاعه عليه فرض انقطع بموت الاب ولو كان هبة للرضيع لرجع ميراثا بين الاب والام اذا مات الولد مع أنه يختص به الاب فيرجع ببقيته على الظئر كما فى المدونة ومحل رجوع الورثة على الولد بما زاد على يوم الموت ما لم يعجل الاب الاجرة خوفا من موته الآن والا كانت حينئذ هبة ليس للورثة منها شئ

(3)

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أنه اذا أجر الامام ذميا للجهاد وتعذر لصلح حصل قبل مسير الجيش فانه عذر للامام يسترجع به كل الاجرة كما قاله الماوردى ومثله ما لو أفلس المستأجر قبل تسليم الاجرة ومضى المدة فانه يوجب للمؤجر الفسخ واسترداد ما أجره كما أطلقه فى الروضة أما اذا كان المستأجر حماما ولم يدخل الناس اليه بسبب فتنة حادثة أو خراب الناحية فانه ليس بعيب يثبت الخيار كما قاله الزركشى خلافا للرويانى اذ لا خلل فى المعقود عليه ولو استأجر أرضا لزراعة فزرع فهلك الزرع بجائحة أصابته من سيل أو شدة برد أو حر أو أكل جراد أو غير ذلك فليس له الفسخ ولا حط شئ من الاجرة لان الجائحة لحقت زرع المستأجر لا منفعة

(1)

الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 30 الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى ج 11 ص 85 و 86 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 14 الطبعة السابقة.

ص: 254

الارض فلو تلفت الارض بجائحة أبطلت قوة الانبات انفسخت الاجارة فى المدة الباقية فلو تلف الزرع قبل تلف الارض وتعذر ابداله قبل الانفساخ بتلفها لم يسترد من المسمى لما قبل التلف شيئا كما رجحه ابن المقرى لان صلاحية الارض لو بقيت لم يكن للمستأجر فيها نفع بعد فوات الزرع وأما بعد التلف فيسترد ما يقابله من المسمى لبطلان العقد فيه وان تلفت الارض أولا استرد أجرة المستقبل وكذا الماضى كما فى جواهر القمولى وان اقتضى كلام ابن المقرى خلافه

(1)

.

‌مذهب الحنابلة

‌حكم استرداد الاجرة أو شئ منها

وللمستأجر أن يسترد قيمة القسط الباقى من الاجرة فى المستقبل اذا كان المؤجر قبض الاجرة من المستأجر ثم فسخ المؤجر الاجارة من مدة الاجارة ويرجع عليه أيضا بما زاد من أجرة المثل فى الماضى ان كان هو المغبون وان كان المغبون هو المؤجر فانه يرجع بما نقص عن أجرة المثل فى الماضى

(2)

.

‌حكم استرداد العتيق ما قبض سيده

ولا يحق للعتيق أن يسترد من سيده شيئا من الاجرة التى قبضها سيده حين أجره وهو رقيق لانه ملكه بالعقد

(3)

.

‌حكم استرداد ما أنفق على العين المستأجرة

وللمستأجر أن يسترد ما أنفقه على البهائم اذا هرب المؤجر أو مات وترك بهائمه وقد أذن الحاكم للمستأجر فى النفقة على البهائم - فاذا انقضت الاجارة باع البهائم الحاكم ووفى المنفق من مستأجر وغيره ما أنفقه، وحفظ باقى ثمنها لصاحبها فان لم يستأذن المنفق من مستأجر أو غيره الحاكم وأنفق بنية الرجوع رجع على ربها بما أنفقه والا ينو الرجوع فلا رجوع له لانه متبرع

(4)

، وكذا له أن يسترد ما أنفقه فى عمارة العين المؤجرة سواء كانت العمارة شرطا أو كانت باذن المؤجر، لان اشتراط الانفاق على العمارة لا يصح لانه يؤدى الى جهالة الاجرة فان اختلفا فى قدر ما أنفقه المكترى بأن قال أنفقت مائة وقال المكرى بل خمسين ولا بينه لاحدهما فالقول قول المكرى لانه منكر اما أن أنفق المستأجر من غير اذن المؤجر لم يكن له الحق فى أن يسترد

(1)

مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 2 ص 329 الطبعة السابقة

(2)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 2 ص 55 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 91 الطبعة السابقة.

(3)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 2 ص 296 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 309 ص 310 الطبعة السابقة والاقناع ج 2 ص 310 الطبعة السابقة.

ص: 255

شيئا لانه متبرع لكن له أخذ أعيان آلاته

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌حكم استرداد الشئ المستأجر

ويحق للورثة أو للغرماء أن يستردوا ما أجره مورثهم أو غريمهم فى حياته لان موت الاجير أو موت المستأجر أو هلاك الشئ المستأجر أو عتقه أو بيعه أو خروجه عن ملك مؤاجره بأى وجه خرج يبطل عقد الاجارة فيما بقى من المدة لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) واذا مات المؤاجر فقد صار ملك الشئ المستأجر لورثته أو للغرماء ولا يلزم الورثة فى أموالهم عقد ميت قد بطل ملكه، وقد روينا عن حماد بن سلمة عن الحكم بن عتيبة فيمن أجر داره عشر سنين فمات قبل ذلك قال تنتقض الاجارة

(2)

، وان اضطر المستأجر الى الرحيل عن البلد أو اضطر المؤاجر الى ذلك فان الاجارة تنفسخ اذا كان فى بقائها ضرر على احدهما. وللاجير أن يرجع بماله من الاجرة بالقدر الذى حصل وكل ما عمل الاجير شيئا مما استؤجر لعمله استحق من الاجرة بقدر ما عمل فله طلب ذلك وأخذه

(3)

.

ويحق لمن أجر آخر أن يسترد ما اعطاه من الاجر اذا كانت الاجارة على واجب تعين على المرء مثل صوم أو صلاة أو كانت على معصية أصلا لان الاجارة على ذلك غير جائزة وأخذ الاجرة على ذلك لا وجه له فهو، أكل مال بالباطل

(4)

،

‌مذهب الزيدية:

‌حكم استرداد المستأجر ما أنفقه

على العين المستأجرة

للمستأجر أن يعمر الارض المستأجرة اذا تعذر ذلك على المالك ثم يرجع على المالك بما أنفقه

(5)

.

‌حكم استرداد المستأجر حصة من الاجرة:

اذا تعذر على المالك اصلاح العين المستأجرة فى المدة اما لاعساره أو لانه لم يبق من مدة الاجارة ما يتسع للانتفاع بها بعد الاصلاح سقط من الاجرة بحصتها من مدة الانهدام ونحوه كما لو غصبت عين مستأجرة ولم يمكن المستأجر استرجاعها من غير بذل مال

(6)

وكان

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 306 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 184 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 8 ص 187 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 191 الطبعة السابقة.

(5)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 263 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 3 ص 263 الطبعة السابقة.

ص: 256

غصبها بعد القبض.

‌حكم الاسترداد اذا انفسخث:

المغارسة أو المزارعة

واذا فسخت المغارسة أو المزارعة الفاسدة ولو بموت المغارس الذى له الارض كان لمالك الغرس وهو الغارس ولذى البناء ونحوها مع بقاء مدة الاجارة الخياران وهما ان شاء فرغ الارض بقلع الغراس ولا أرش للأرض ورجع بنقصان الغراس وهو تقوم الارض بغراسها وبغير غراس فما بينهما فهو أرش الغراس وان شاء تركها لرب الارض وطلب قيمتها قائمة ليس لها حق البقاء الا بأجرة وفى الزرع والشجر المثمر يثبت له ثلاث خيارات هذان الخياران وخيار ثالث وهو تبقيته فى الارض بأجرة المثل الى الحصاد أو الصلاح اذا كان لها أجرة ولا يثبت الخيار فى الغرس والبناء والزرع والثمر الا بثلاثة شروط:

الاول: أن تكون مدة الاجارة باقية لا اذا انقضت فيزيله من الارض ولا أرش.

الثانى: ألا يشرط عليه المالك عند عقد الاجارة عدم الخيار.

الثالث: أن لا يكون مالك الاشجار أو البناء هو الطالب للفسخ فان كان هو الطالب أزال ملكه من الارض ولا أرش اذ قد رضى باسقاط حقه فلو باع مالك الارض الارض ثبت الخيار لدى الغرس ولو رجع على المشترى بالارش أو قيمة الغرس حيث يختار قيمتها ويثبت للمشترى الخيار فى الرد على البائع كخيار العيب

(1)

.

وليس لدافع الاجرة معجلة قبل ايفاء العمل أن يسترجعها ما دام لم يقع فسخ لان الاجرة تستحق بالتعجيل قبل الايفاء فمتى عجلت صارت حقا له

(2)

، وتسترد الاجرة المدفوعة على فعل أمر واجب أو أمر محظور لان الاجرة على كل منهما حرام سواء كان هذا الواجب فرض عين أم فرض كفاية على الاصح كالحاكم اذا أخذ من المحكوم له لا من الامام فجائز وأجرة الجهاد وغسل الميت المسلم والصلاة عليه والاذان وتعليم المكلف القرآن وسائر العلوم الدينية. وسواء تقدم فعل الواجب أو المحظور على دفع الجعالة أو تأخر اذا كان دفعها فى مقابلهما غالبا

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

‌حكم استرداد المستأجر بعض الاجرة

لو انقضى بعض المدة ثم تلفت العين المؤجرة أو طرأ ما يوجب فسخ الاجارة

(1)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 140 ص 141 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 111، 112 الطبعة السابقة.

(3)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 126، 127 الطبعة السابقة.

ص: 257

صح فيما مضى وبطل فى الباقى ويرجع من الاجرة بما قابل المتخلف من المدة

(1)

كما لو انهدم المسكن كان للمستأجر فسخ الاجارة الا أن يعيده صاحبه ويمكنه منه وفيه تردد ولو تمادى المؤجر فى اعادته ففسخ المستأجر رجع بنسبة ما تخلف من الاجرة ان كان سلم اليه الاجرة لان من شروط الاجارة أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها

(2)

ومثله ما لو استأجر لحفر بئر فحفر بعض ما قوطع عليه ثم تعذر عن حفر الباقى اما لصعوبة الارض أو مرض الاجير أو غير ذلك قوم حفرها وما حفر منها ورجع عليه بنسبته من الاجرة واذا كان

(3)

المؤجر (بالفتح) موقوفا على المؤجر فمات قبل انتهاء المدة فالاقرب البطلان فيرجع المستأجر على ورثة المؤجر بباقى الاجرة

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

‌حكم استرداد الاجرة

يحق لرب العمل أن يسترد مقابل ما لم يعمل الاجير اذا مات قبل أن يتم العمل واختار ورثته عدم اتمام العمل ويحق لوارثه أن يسترد الباقى من الاجرة اذا اختار الوارث أن يكف الاجير عن العمل وقيل لا يحق لوارث رب العمل ان يسترد بقية الاجرة منه بل يحبس الاجير الاجرة كلها ويتم العمل الا أن رضى الاجير أن يرد بالحساب، وكذا للولى أن يسترد باقى الحساب اذا جن الاجير أو رب العمل الجنون المانع عن العمل ونحو ذلك من الموانع التى هو فى حكم الموت اذا اختار الولى انهاء العمل

(5)

وجاء فى موضع آخر: أما أن استأجر شخصا لرعى كذا أو خدمة كذا بأجر معين فى هذه السنة أو فى السنة الثانية أو فى السنة الثالثة أو ما فوق ذلك أو فى سنة كذا أو فى هذا الشهر أو فى الشهر الثانى وهكذا ونحو ذلك من كل مدة معينة لا محدودة فقط فنقد له ثم مرض الاجير مدة من المدة التى جعلاها بينهما أكثر منها أو أقل أو منعه مانع من عمل كجبار أو خوف أو غير ذلك ولم يعمل فان لمن استأجره أن يسترد

(1)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 235 طبع على مطابع دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ببيروت سنة 1295 هـ.

(2)

شرائع الاسلام ج 1 ص 236 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 235، 236 الطبعة السابقة.

(4)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد للسعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 2 الطبعة السابقة، كتاب مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة للسيد محمد جواد بن محمد بن محمد الحسينى العاملى ج 7 ص 80، 76، 75 طبع مطبعة الشورى بالفجالة بمصر سنة 1327 هـ.

(5)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 5 ص 142، 143 الطبعة السابقة.

ص: 258

مناب المدة التى لم يعمل فيها سراء منعه المانع من العمل فى الاولى ثم عمل أو فى الوسط بعد عمل ثم عمل أو لم يعمل بعد العمل أو فى الآخر بعد العمل فى الاول والوسط تعدد الترك فى خلال العمل أم لا فيحاسب فى كل ترك لمرض أو مانع ويرد منابه وقيل لا يرد بل يحبس الاجرة كلها لنفسه لان المستأجر كمن اشترى قوة الاجير فى كل اجارة عقدت على مدة معلومة معينة فى نفسها لعمل لا ينحصر وصح الاول

(1)

. ولا يحق لمن اكترى دارا أو بيتا أو نحوهما بكراء معلوم منقود سواء كانت سنة أو أقل من سنة أو أكثر معينة متصلة أو منفصلة وكذا غيرها من المدد لا يحق له أن يسترد شيئا من الكراء

(2)

من ربها اذا أخذت ظلما من ساكنها بعد أن سكن فيها بعض المدة التى جعلت بينهما حتى انقضى الاجل لعذر المنع لان ذلك مصيبة نزلت على المكترى قصد بها وكذا ان حبس المكترى ظالم فى حبسه أو صاحب الشئ أو حابس محقق غير صاحبه حتى انقضى أجل الكراء فلا رد على رب الدار أما أن وقع ذلك المذكور من الحبس أو من أخذ الدار مثلا منه أو المنع من السكنى حتى انقضى الاجل قبل الدخول فى الدار وكذا مثلها كان للمكترى الحق فى أن يسترد منه ما قبض وله أن يسترد من الكراء ما يقابل أيام تعطيل الدار بالاصلاح ان انهدمت كلها أو بعضها وكذا نحوها بعد الدخول فيها وقبل تمام الاجل وقد نقد حيث يجبر ربها وكذا ما أشبهها على بنائها واصلاحها أو يعوض أياما أو يرد الباقى من الكراء أن امتنع من البناء

(3)

والاصلاح وكذا يحق للمستأجر أن يسترد حساب ما بقى من الكراء اذا استحقت الدار أو الدابة أو العبد أو الثوب أو الشئ الذى اكتراه قبل تمام أجل الكراء وكان المستأجر قد نقده الكراء يحسب كم بقى من الاجل فيرد له ما يقابله من الكراء ويحسب لنفسه ما يقابل ما مضى

(4)

.

‌حكم الاسترداد فى الرهن

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البدائع والبحر الرائق أنه يحق لمن استحق الرهن أن يسترده اذا كان العدل وهو من وضع عنده الرهن قد باعه وأعطى الثمن للمرتهن ما دام المرهون قائما بعينه فى يد المشترى لانه وجد عين ملكه وللمشترى فى تلك الحالة أن يسترد الثمن من العدل لانه العاقد فتتعلق به حقوق العقد والعدل بالخيار ان شاء يسترد من المرتهن ما أوفاه من الثمن وعاد دينه على الراهن كما كان لان البيع قد بطل بالاستحقاق وتبين أن قبض الثمن من المرتهن لم يصح فله أن يسترد

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 144، 145 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل ج 5 ص 153 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 154، 155 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 165 الطبعة السابقة.

ص: 259

منه واذا استرده عاد الدين على حاله وان شاء رجع بما ضمن على الراهن وسلم للمرتهن ما قبض لان له أن يرجع بالعهدة عليه واذا رجع عليه سلم للمرتهن ما قبضه لانه صح قبضه

(1)

، وذكر صاحب البحر أنه لا يجوز للراهن أن يسترد شيئا من المرهون مادام شئ من الدين باقيا فلو ارتهن رجلان من رجل رهنا والدينان مختلفان أو كان المالان مختلفين صح ولكل واحد منهما قدر دينه فيما بينهما فلو قضى الراهن دين أحدهما فليس له أن يسترد شيئا من الرهن وللاخر أن يمسكه كله حتى يستوفى دينه لان العين صارت محبوسة لكل واحد بكماله، وكذا لو رهن اثنان لم يكن لاحدهما أن يسترده بدون الاخر لان أحدهما متى انفرد بالرد أبطل حق الاخر من جهة أن حق الاخر بقى فى النصف شائعا والرهن فى نصف شائع باطل وانما جعل الرهن منهما رهنا من كل واحد منهما على الكمال ضرورة تصحيح العقد

(2)

وجاء فى البدائع كما أنه لا يحق للراهن أن يسترد المرهون لينتفع به استخداما وركوبا ولبسا وسكنى وغير ذلك لان حق الحبس ثابت للمرتهن على سبيل الدوام الى وقت الفكاك وهذا يمنع الاسترداد والانتفاع

(3)

، ولو رهن الاب متاع ولده الصغير ثم بلغ الابن ومات الاب فليس للابن أن يسترد المتاع المرهون حتى يقضى الدين لان تصرف الاب عليه نافذ لازم له بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ

(4)

، ولو أن العدل دفع الرهن الى الراهن أو المرتهن من غير رضا الاخر، فللآخر أن يسترده ويعيده الى العدل كما كان لانه حق على العدل أن يمسك الرهن بيده وليس له أن يدفعه الى المرتهن بغير اذن الراهن ولا الى الراهن بغير اذن المرتهن قبل سقوط الدين لان كل واحد منهما لم يرض بيد صاحبه فوضعاه فى يد العدل ولو هلك الرهن فى هذه الحالة قبل الاسترداد ضمن العدل قيمته لانه صار غاصبا بالدفع

(5)

وللراهن أن يسترد الرهن الفاسد من المرتهن لانه رهن لا حكم له ولا يثبت للمرتهن حق الحبس فان منعه المرتهن منه حتى هلك يضمن مثله ان كان له مثل ويضمن قيمته ان لم يكن له مثل لانه صار غاصبا بالمنع وان لم يوجد المنع من المرتهن حتى هلك الرهن فى يده ذكر الكرخى رحمه الله أنه يهلك أمانة لان الرهن اذا لم يصح كان القبض قبض أمانة لانه قبض باذن المالك

(6)

فأشبه الوديعة.

أما اذا أحال الراهن المرتهن بالدين على انسان فيرى أبو يوسف أن للراهن أن

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 149 الطبعة السابقة. والبحر الرائق ح 8 ص 296 ص 289.

(2)

البحر الرائق ح 8 ص 288، ص 289.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 146.

(4)

البحر الرائق لابن نجيم ج 8 ص 281 الطبعة السابقة.

(5)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 148 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 6 ص 163 الطبعة السابقة.

ص: 260

يسترد الرهن لانه يكون كما لو أبرأه من الدين أما محمد فيرى أنه ليس له ذلك كما لو أجل الدين كذا ذكره المرغينانى

(1)

.

‌حق استرداد ما أنفق على المرهون:

ما أنفق على المرهون فهو على الراهن لا على المرتهن والاصل ان ما كان من حقوق الملك فهو على الراهن لان الملك له وما كان من حقوق اليد فهو على المرتهن لان اليد له وعلى ذلك فاذا كان الرهن رقيقا فطعامه وشرابه وكسوته على الراهن وكفنه عليه وأجرة ظئر ولد الرهن عليه، وان كانت دابة فالعلف وأجرة الراعى عليه وان كان بستانا فسقيه وتلقيح نخله وجداده والقيام بمصالحه عليه سواء كان فى قيمة الرهن فضل أم لا لان هذه الاشياء من حقوق الملك ومؤنات الملك على المالك والملك للراهن فكانت المؤنة عليه، والخراج على الراهن لانه مؤنة الملك ولو كان فى الرهن نماء فأراد الراهن أن يجعل النفقة التى ذكرنا أنها عليه فى نماء الرهن فليس له ذلك لان زوائد المرهون مرهونة عندنا تبعا للأصل فلا يملك الانفاق منها كما لا يملك الانفاق من الاصل، أما الحفظ فهو على المرتهن حتى لو شرط الراهن للمرتهن أجرا على حفظه فحفظ لا يستحق شيئا من الاجر لان حفظ الرهن عليه فلا يستحق الاجر باتيان ما هو واجب عليه وروى عن أبى يوسف أن كراء المأوى على الراهن وجعله بمنزلة النفقة وكل ما وجب على الراهن فأداه المرتهن بغير اذنه فهو متطوع لانه قضى دين غيره بغير أمره فان فعل بأمر القاضى يرجع على صاحبه بما أنفق

(2)

.

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد المرهون

وللراهن أن يسترد ما رهنه اذا بطل الرهن كما لو شرط عليه رهنا فى بيع فاسد ومثل الفاسد الواقع وقت نداء الجمعة أو لاجل مجهول وكالقرض الفاسد كما لو دفع له عفنا فى جيد اذا شرط فيه رهن فدفعه المشترى أو المقترض ظانا أنه يلزمه الوفاء بذلك الشرط وأولى اذا لم يظن اللزوم بأن دفعه جازما بلزوم الوفاء بالشرط أو شاكا فى ذلك فان الرهن يكون فاسدا ويسترده الراهن من المرتهن ولو فات المبيع كما لو ظن أن عليه دينا فدفعه لصاحبه ثم تبين أنه لا دين عليه فانه يسترده ممن أخذه منه أما لو دفعه عالما بأنه لا يلزمه لفساد البيع أو القرض فانه يرد اذا كان المبيع قائما وأما ان فات المبيع فانه يكون رهنا فيما يلزم من قيمة

(3)

أو مثل.

(1)

الزيلعى وحاشية الشلبى عليه ج 4 ص 172 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 151 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 3 ص 240 الطبعة السابقة ومواهب الجليل للحطاب ج 5 ص 8 الطبعة السابقة.

ص: 261

‌حكم استرداد ما أنفق على المرهون:

ويسترد المرتهن من الراهن كل ما أنفقه على المرهون حيث احتاج لنفقة كالحيوان وكعقار احتاج الى مرمة ولو زادت النفقة على قيمة الرهن لان غلته للراهن ومن له الغلة عليه النفقة ويكون ذلك فى ذمة الراهن لا فى عين الرهن

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

يرى الشافعية أن للراهن أن يسترد المرهون ان لم يمكن الانتفاع به بغير استرداد كأن يكون المرهون دارا يسكنها أو دابة يركبها أو عبدا يخدمه فيسترد للحاجة الى ذلك ثم مالا يدوم استيفاء منافعه عند الراهن يرده عند عدم الحاجة اليه فيرد عبد الخدمة والدابة الى المرتهن ليلا ويرد الحارس نهارا ويشهد المرتهن على الراهن بالاسترداد للانتفاع فى كل استرداده ان اتهمه شاهدين كما قاله الشيخان قال فى المطلب أو رجلا وامرأتين لانه فى المال وقياسه الاكتفاء بواحد ليحلف معه فان وثق به لم يكلف الاشهاد أما ان أمكن الانتفاع بالمرهون بما أراده الراهن منه بغير استرداد له كأن يرهن رقيقا له صنعه يمكنه أن يعملها عند المرتهن لم يكن له أن يسترده من المرتهن لاجل عملها عنده

(2)

، وجاء فى موضع آخر ولا يصح قبض المرهون اذا كان عصيرا فى حال الخمرية لخروجه عن المالية فان فعل استرده الراهن ثم يعيده للمرتهن أو يأذن له فى قبضه عن جهة الرهن بعد أن يتخلل

(3)

.

‌حكم استرداد ما أنفق على المرهون:

مؤنة المرهون التى بها بقاؤه من نفقة رقيق وكسوته وعلف دابة وأجرة سقى أشجار وجذاذ ثمار وتجفيفها ورد آبق ونحو ذلك تكون على الراهن المالك اجماعا، واختلف هل يجبر الراهن على ذلك أولا.

الاول أنه يجبر عليها لحق المرتهن على الصحيح حفظا للوثيقة.

والثانى لا يجبر عند الامتناع ولكن يبيع القاضى جزءا منه فيها بحسب الحاجة الا أن تستغرق المؤنة الرهن قبل الاجل

(4)

فيباع ويجعل ثمنه رهنا.

‌مذهب الحنابلة:

ويسترد الراهن رهنه اذا اختلفا هو والمرتهن كأن قال الراهن رهنتك عبدى الذى

(1)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 3 ص 251 الطبعة السابقة.

(2)

مغنى المحتاج لمعرفة الفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 2 ص 124، 125 الطبعة السابقة ونهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 4 ص 260، 261 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 253 الطبعة السابقة.

(4)

نهاية المحتاج ج 4 ص 272.

ص: 262

بيدك بألف فقال ذو اليد بل بعتنيه بها أو قال المالك بعتكه - أى العبد به - أى بالالف - فقال ذو اليد بل رهنتنيه به ولا بينه لواحد منهما حلف كل منهما على نفى ما ادعى عليه به لانه ينكره والاصل عدمه وسقط ما ادعى به كل منهما على الآخر يحلف كل على نفيه ويأخذ الراهن رهنه ويبقى الالف

(1)

بلا رهن ولمن استحق الرهن المبيع من العدل أن يسترده من المشترى ثم ان كان العدل أعلم المشترى أنه وكيل فللمشترى أن يسترد ما دفعه من الرهن لان المبيع له فالعهدة عليه كما لو باع بنفسه وحينئذ لا رجوع له على العدل وان لم يعلمه العدل أنه وكيل فانه يرجع على العدل لانه غره فان علم المشترى استحقاق المبيع بعد تلف الثمن فى يد العدل رجع المشترى أيضا على الراهن بالثمن ولا شئ على العدل وان خرج الرهن مستحقا بعد دفع الثمن الى المرتهن رجع المشترى على المرتهن بما قبضه لانه صار اليه بغير حق فكان رجوعه عليه كما لو قبضه منه

(2)

.

‌ما يترتب على استرداد الرهن:

متى استرد الراهن الرهن باذن المرتهن زال لزوم الرهن فى حق الراهن فان أعادا قبضه عاد لزومه وان أجره أو أعاره من المرتهن أو من غيره باذنه فلزومه بحاله وعنه ما يدل على زواله

(3)

.

‌حكم استرداد ما أنفق على الرهن:

وللمرتهن أن يسترد ما أنفق على الرهن باذن الراهن أن نوى الرجوع عليه لانه قام عنه بواجب وان كان المرتهن متطوعا لم يرجع بشئ ولا يسترد المرتهن ما أنفقه على الرهن بغير اذن الراهن مع امكان استئذانه ولو نوى الرجوع أما ان عجز عن الاستئذان فانه يرجع بالاقل

(4)

ولو عمر فى دار ارتهنها لم يرجع

(5)

الا بأعيان آلته.

‌مذهب الظاهرية:

‌حكم استرداد منافع الرهن:

يرى الظاهرية أن من حق صاحب الرهن أن يسترد منافع الرهن لانها كلها لصاحبه الراهن له كما كانت قبل الرهن حاشا ركوب الدابة المرهونة وحاشا لبن الحيوان المرهون فانه لصاحب الرهن وذلك لقول الله تعالى {(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ}

(1)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 2 ص 167 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 163، 164 الطبعة السابقة.

(3)

المحرر فى الفقه للامام محمد مجد الدين أبى البركات ومعه النكت والفوائد السنية ج 1 ص 335 لابن مفلح الحنبلى المقدسى طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 168، 169 الطبعة السابقة.

(5)

المحرر ج 1 ص 336 الطبعة السابقة.

ص: 263

{النّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)}

(1)

وقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وقوله عليه السلام (أنه لا يحل مال أمرئ مسلم الا بطيب نفسه) وملك الشئ المرتهن باق لراهنه بيقين وباجماع لا خلاف فيه فاذ هو كذلك فحق الرهن الذى حدث فيه للمرتهن ولم ينقل ملك الراهن عن الشئ المرهون لا يوجب حدوث حكم فى منعه ما للمرء أن ينتفع به من ماله بغير نص بذلك فله الوط ء والاستخدام وأكل الثمرة الحادثة والولد الحادث والزرع والاصواف الحادثة وسائر ما للمرء فى ملكه الا كون الرهن فى يد المرتهن فقط بحق القبض

(2)

.

ويسترد الرهن اذا مات الراهن أو المرتهن لان الرهن يبطل بالموت ويجب رده الى الراهن أو الى ورثته لانه اذا مات المرتهن فانما كان حق الرهن له لا لورثته وانما تورث الاموال لا الحقوق التى ليست أموالا فاذا سقط حق المرتهن بموته وجب رد الرهن الى صاحبه واذا مات الراهن فانما كان عقد المرتهن معه لا مع ورثته وقد سقط ملك الراهن بموته عن الرهن وانتقل ملكه الى الورثة ولا عقد للمرتهن معهم، وللراهن أن يسترد ما ارتهن بعد تمام العقد لانه لا يكون حكم الرهن الا لما ارتهن فى نفس عقد التداين وأما ما ارتهن بعد تمام العقد فليس له حكم الرهن، ولا يحق للراهن أن يسترد بعض الرهن اذا أنصف من بعض دينه قاصدا أن يأخذ من الرهن بقدر ما أدى لان الرهن وقع فى جميعه بجميع الدين فلا يسقط عن بعض الرهن حكم الرهن من أجل سقوط بعض الدين

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

‌حكم استرداد الرهن حالة غلبة الغير عليه:

اذا قدر المرتهن على استرداد الرهن ممن غلبه عليه بمالا يجحف وجب عليه أن يسترده نحو أن يرهن رجل أرضا فيغلب عليها العدو فان لم يقدر المرتهن ولا الراهن على استردادها فانها تخرج عن الرهينة والضمان وان قدر المرتهن على استرجاعها وجب بمالا يجحف فان لم يسترجعها والحالة هذه ضمن

(4)

.

‌حكم استرداد الرهن اذا سلمه

العدل بغير الاذن:

يلزم العدل أن يسترجع الرهن ممن سلمه اليه ان كان سلمه الى الراهن أو المرتهن بغير اذن الآخر لانه اذا اتفق الراهن والمرتهن على أن يكون الرهن فى يد عدل وجب عليه

(1)

الآية رقم 188 من سورة البقرة.

(2)

المحلى ج 8 ص 89 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 8 ص 100، 101 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الأزهار ج 3 ص 416 وهامشه الطبعة السابقة.

ص: 264

أن لا يسلم الرهن الى أحدهما الا برضاء الآخر

(1)

.

‌حكم استرداد الرهن المشاع بين اثنين:

ولا يسترد الرهن المشاع بين اثنين اذا استوفى أحدهما دينه لان كلا من المرتهنين يضمن الرهن كله فكل واحد من الشخصين المرتهنين يضمن ما فى يده ويد صاحبه فاذا استوفى أحدهما دينه كان الرهن محبوسا بحق الآخر وقال البعض ان المرتهن الذى استوفى دينه له الحق فى أن يبرئ ذمته بأن ينتزعه من المرتهن الآخر ليسلمه الى صاحبه ثم يأخذه الآخر ثانية

(2)

.

يحق للمرتهن أن يسترجع الرهن اذا قبضه المشترى بغير اذنه فلو تلف قبل الاسترجاع فللمرتهن أن يرجع على المشترى وتكون القيمة رهنا ويبطل البيع لانه تلف قبل نفوذه ومتى استوفى كمال القيمة للبائع حيث لم يتساقطا أما لو أذن المرتهن بالقبض فلا يكون له الاسترجاع اذ قد بطل الحق بالاذن

(3)

.

‌حكم استرداد ما أنفقه المرتهن على الرهن:

يحق للمرتهن أن يسترد ما أنفقه على الرهن من نحو اصلاح جدار مائل اذا أنفق لغيبة المالك - وحد الغيبة فى حق الحيوان ما يتضرر به عادة وهو وقت الحاجة أو لغيبته فى غير الحيوان مسافة بريد أو لاعساره مع اذنه أو تمرده اذا نوى الرجوع ويدخل ما فعله مع الدين فيبقى الرهن محبوسا بهما لا يحق للراهن أن يسترده الا بعد أدائهما

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

‌حكم استرداد المرهون:

يصح للراهن أن يسترجع المرهون لتحصيل منفعته لقول النبى صلى الله عليه وسلم (الرهن محلوب ومركوب) وقد أجمعنا على أنه لا يحل ذلك للمرتهن فدل على أن ذلك للراهن هذا على رأى من لا يجعل القبض شرطا فى صحة الرهن وكذا من يجعل القبض شرطا فى ذلك فانه يمنع الراهن من استرداد الرهن ويجعل للمرتهن الحق فى ادامة اليد ولا تزال يده الا للانتفاع

(5)

، واذا استحق الرهن المبيع فان لمستحقه أن يسترده من المشترى ويستعيد المشترى ما دفعه من المرتهن لذا كان البائع هو المرتهن أو العدل ودفع الثمن الى المرتهن

(6)

.

(1)

المرجع السابق وهامشه ج 3 ص 411، 412 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 400 الطبعة السابقة.

(3)

التاج المذهب ج 2 ص 364 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 234 الطبعة السابقة.

(5)

مفتاح الكرامة ج 5 ص 144 الطبعة السابقة.

(6)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 81 الطبعة السابقة.

ص: 265

‌مذهب الإباضية:

‌حكم استرداد الرهن بعد بيعه:

للمرتهن أن يسترد الرهن ان استحقه بعد البيع لنفسه أو لمن ولى أمره ورد الثمن للمشترى ورجع على الراهن

(1)

بدينه.

‌حكم استرداد الرهن المفقود:

ولا يسترد الراهن شيئا من المرتهن ان ضاع الرهن وهو بيد المرتهن بلا تعد منه ولا تضييع سواء كان الرهن أقل من الدين أو أكثر منه لان المرتهن أمين

(2)

فيه، واذا غصب الرهن أو سرق أو خرج بوجه غير حق ثم رجع هو أو قيمته الى يد الراهن استرده المرتهن منه

(3)

.

‌حكم استرداد ما أنفقه المرتهن على الرهن:

وان ضيع الراهن نفقة الرهن وكسوته وعلفه وامتنع الراهن من دفعها بعد ما طلبه المرتهن أو المسلط بلا هروب أو طلبه وهرب أو كان غائبا أو طفلا أو مجنونا ولا خليفة له فأنفق المرتهن أو المسلط من ماله وكسا ما يكسى كعبد وأمة وكفرس وغير ذلك أخذ ذلك أى مثله أو قيمته من ثمن الرهن اذا باعه ان لم يعطه الراهن مثل ما أنفق أو قيمته وكل ما يهلك الرهن بتركه اذا فعله مرتهنه أو المسلط من ماله رجع به على راهنه أن امتنع من فعله أو غاب وكذا ما داواه المرتهن أو المسلط به من مرض أو جنون أو جرح أو فداه من عدو يدركه على راهنه

(4)

.

‌حكم الاسترداد فى الكفالة

‌مذهب الحنفية:

‌ثبوت حق الاسترداد للمكفول له:

تصح الكفالة بالمضمون بنفسه كالمغصوب والمقبوض بالبيع الفاسد والمقبوض على سوم الشراء، وللمكفول له الحق فى أن يسترد المكفول به فان كان قائما استرد عينه حال قيامه وان هلك استرد مثله أو قيمته حال هلاكه فيصير مضمونا على الكفيل على هذا الوجه

(5)

، والمكفول له بالخيار ان شاء طالب الاصيل وان شاء طالب الكفيل الا اذا كانت الكفالة بشرط براءة الاصيل

(6)

.

‌ثبوت حق الاسترداد للكفيل:

يثبت للكفيل ولاية الرجوع بشروط منها أن تكون الكفالة بأمر المكفول عنه لان معنى الاستقراض لا يتحقق بدونه ولو كفل بغير أمره لا يرجع عليه عند عامة العلماء لان الكفالة بغير

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 5 ص 513 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 544، 545 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 5 ص 518 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 536، 537 الطبعة السابقة.

(5)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 7 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 6 ص 10 الطبعة السابقة.

ص: 266

أمره تبرع بقضاء دين الغير فلا يحتمل الرجوع ومنها أن يكون باذن صحيح وهو اذن من يجوز اقراره على نفسه بالدين حتى أنه لو كفل عن الصبى المحجور باذنه فأدى لا يرجع لان اذنه بالكفالة لم يصح لانه من المكفول عنه استقراض واستقراض الصبى لا يتعلق به الضمان وأما العبد المحجور فاذنه بالكفالة صحيح فى حق نفسه حتى يرجع عليه بعد العتاق لكن لا يصح فى حق المولى فلا يؤاخذ به فى الحال ومنها اضافة الضمان اليه بأن يقول اضمن عنى، ولو قال اضمن كذا ولم يضف الى نفسه لا يرجع لانه اذا لم يضف اليه فالكفالة لم تقع اقراضا اياه فلا يرجع عليه ومنها أداء المال الى الطالب أو ما هو فى معنى الاداء اليه فلا يملك الرجوع قبل الاداء لان معنى الاقراض والتمليك لا يتحقق الا بأداء المال فلا يملك الرجوع قبله، ومنها أن لا يكون للأصيل على الكفيل دين مثله فأما اذا كان فلا يرجع لانه اذا أدى الدين التقى الدينان قصاصا اذ لو ثبت للكفيل حق الرجوع على الاصيل لثبت للاصيل أن يرجع عليه أيضا فلا يفيد فيسقطان جميعا، ولو وهب صاحب الدين المال للكفيل يرجع على الاصيل لان الهبة فى معنى الاداء لانه لما وهب منه فقد ملك ما فى ذمة الاصيل فيرجع عليه كما اذا ملكه بالاداء واذا وهب الدين من الاصيل برئ الكفيل لان هذا وأداء المال سواء لانه لما وهبه منه فقد ملك ما فى ذمته كما اذا أدى ومتى برئ الاصيل برئ الكفيل لان براءة الاصيل توجب براءة الكفيل ولو مات الطالب فورثه الكفيل ترجع على الاصيل، ولو ورثه الاصيل يبرأ الكفيل لان الارث من أسباب الملك فيملكه الاصيل ومتى ملكه برئ فيبرأ الكفيل كما اذا أدى، ولو أبرأ الطالب الكفيل لا يرجع على الاصيل لان الابراء اسقاط وهو فى حق الكفيل اسقاط المطالبة لا غير ولهذا لا توجب براءة الكفيل براءة الاصيل فلم يكن فيه معنى تمليك الدين أصلا فلا يرجع ولو أبرأ الكفيل المكفول عنه مما ضمنه بأمره قبل أدائه أو وهبه منه جاز حتى لو أداه الكفيل بعد ذلك لا يرجع عليه لان سبب وجوب الحق له على الاصيل وهو العقد باذنه موجود والابراء عن الحق بعد وجود سبب الوجوب قبل الوجوب جائز كالابراء عن الاجرة قبل مضى مدة الاجارة

(1)

.

واذا أبرأ الكفيل المكفول عنه مما ضمنه بأمره قبل أن يؤديه أو وهبه منه صح الابراء والهبة وسقط بذلك حق الكفيل فى استرداد ما يؤديه عنه بعد ذلك

(2)

.

‌ثبوت حق الاسترداد للمكفول عنه:

ولو لم يؤد الكفيل ما كفل به حتى عجل الاصيل لما كفل عنه ودفع الى الكفيل ينظر ان دفعه اليه على وجه القضاء

(1)

بدائع الصنائع ج 6 ص 13، 14 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 14 الطبعة السابقة.

ص: 267

يجوز لان ولاية الرجوع على الاصيل ان لم تكن ثابتة له فى الحال لكنها ثبتت بعد الاداء فأشبه الدين المؤجل اذا عجله المطلوب قبل حل الاجل فيقبل منه وبرئ الاصيل من دين الكفيل ولكن لا يبرأ عن دين المكفول له وله أن يطالب أيهما شاء فان أخذ من الاصيل كان له أن يرجع على الكفيل بما أدى لانه تبين أنه لم يكن قضاء

(1)

.

‌سقوط حق استرداد المكفول عنه:

لو قضى المكفول عنه الدين للكفيل قبل أن يعطى الكفيل المكفول له فليس للمكفول عنه أن يسترده منه لانه تعلق به حق القابض على احتمال قضائه الدين فلا يسترده منه مادام الاحتمال باقيا كمن عجل الزكاة ودفعها الى الساعى الا اذا كان الدفع على وجه الرسالة بأن قال الاصيل للكفيل خذ هذا المال وادفعه الى الطالب حيث لا يصير المؤدى ملكا للكفيل بل هو أمانة فى يده ولكن لا يكون للاصيل أن يسترد من يد الكفيل لانه تعلق بالمؤدى حق الطالب وهو بالاسترداد يريد ابطاله فلا يمكن منه ما لم يقض دينه

(2)

.

‌ما يسترده الكفيل من المكفول عنه:

يرجع الكفيل بما كفل لا بما أداه حتى لو كفل عن رجل بدراهم صحاح جياد فأعطاه مكسرة أو زيوفا وتجوز به المطالبة لم يرجع عليه الا بالصحاح الجياد لانه بالاداء ملك ما فى ذمة الاصيل فيرجع بما كفل وهو الصحاح الجياد

(3)

.

‌مذهب المالكية:

‌ثبوت حق الحميل فى استرجاع ما دفعه:

جاء فى المدونة أن للحميل أن يرتجع ماله ان كان قد أخذ بالغريم والغريم غائب فحكم على الحميل وأغرم المال ثم طلعت للحميل بينة أن الغريم كان ميتا قبل أن يحكم على الحميل وانما حق له ارتجاع ماله لانه لو علم أنه ميت حين أخذ به الحميل لم يكن عليه شئ لانه انما تحمل بنفسه وهذه نفسه قد ذهبت وانما تقع الحمالة بالنفس ما كان حيا

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

‌ثبوت حق الاسترداد للكفيل:

ان غاب المكفول وعلم الكفيل مكانه لزمه أن يحضره عند أمن الطريق ولو فى بحر غلبت فيه السلامة فيما يظهر ولم يكن ثم من يمنعه منه وسواء أكان فى دون مسافة القصر أم فيها وان طالت وما يغرمه الكفيل من مؤنة السفر فى هذه الحالة من ماله ويمهل مدة ذهاب واياب على العادة لانه

(1)

البدائع ج 6 ص 14 الطبعة السابقة.

(2)

الزيلعى ومعه حاشية الشلبى فى كتاب ج 4 ص 161، 162 الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 15 الطبعة السابقة.

(4)

المدونة الكبرى للإمام مالك ج 13 ص 104 الطبعة السابقة.

ص: 268

الممكن فان مضت المدة المذكورة ولم يحضره معه حبس مالم يؤد الدين كما قاله الاسنوى لانه مقصر فلو أداه ثم قدم الغائب فالاوجه أن له استرداده ان كان باقيا وبدله ان تلف خلافا للغزى لانه ليس بمتبرع بالاداء وانما غرمه للفرقة ويتجه كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى أن يلحق بقدومه تعذر حضوره بموت ونحوه حتى يرجع به

(1)

، وللضامن بعد أدائه من ماله ولم يقصد الاداء من غير جهة الضمان الرجوع على الاصيل ان وجد اذنه فى الضمان والاداء لصرفه ماله لغرض الغير باذنه أما لو أدى من سهم الغارمين فلا رجوع له كما ذكره فى قسم الصدقات خلافا للمتولى وكذا لو ضمن سيده ثم أدى بعد عتقه أو ضمن السيد دينا على عبده غير المكاتب باذنه وأداه قبل عتقه أو على مكاتبه باذنه وأداه بعد تعجيزه أو ضمن فرع عن أصله صداق زوجته باذنه ثم طرأ اعساره بحيث وجب اعفافه قبل الدخول وامتنعت الزوجة من تسليم نفسها حتى تقبض الصداق فأداه الضامن فلا رجوع وان أيسر المضمون وكذا لو ضمنه عند وجوب الاعفاف باذنه ثم أدى أو نذر ضامن بالاذن الاداء وعدم الرجوع ان انتفى اذنه فيهما أى الضمان والاداء فلا رجوع لانه متبرع وشمل ما لو أذن له المديون فى أداء دينه فضمنه وأدى عن جهة الضمان وما لو قال له أدعنى ما ضمنته لترجع به على وأدى لا عن جهة الاذن فان أذن له فى الضمان فقط أى دون الاداء ولم ينهه عنه رجع فى الاصح لان الضمان هو الاصل والاذن فيه اذن فيما يترتب عليه ومن أدى دين غيره وليس أبا ولا جدا بلا ضمان ولا اذن فلا رجوع له لتبرعه بخلاف ما لو أوجر مضطرا لانه يلزمه اطعامه مع ترغيب الناس فى ذلك أما الاب والجد اذا أدى دين محجوره أو ضمنه بنية الرجوع فانه يرجع كما قاله القفال وغيره وان أذن له فى الاداء بشرط الرجوع رجع عليه وفاء بالشرط وكذا ان أذن له اذنا مطلقا عن شرط الرجوع فأدى لا بقصد التبرع فيما يظهر فى الاصح كما لو قال أعلف دابتى وان لم يشترط الرجوع

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌حق الكفيل فى استرداد ما أداه:

لو تعذر على الكفيل أن يحضر المكفول به ثم قدر الكفيل على المكفول به فظاهر كلام الاصحاب أن الكفيل فى رجوعه على المكفول به كضامن ان نوى الرجوع رجع على المكفول به والا فلا وان الكفيل اذا سلم المكفول له الى المكفول به لم يكن من حقه أن يسترد منه ما أداه اليه لان الكفيل يملك ما على المكفول من الدين ملكا تاما ببدل عوضه وله أن يتصرف فيه بما شاء، أما ان أدى الكفيل لغيبة المكفول وتعذر

(1)

نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 4 ص 436، 437 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج للرملى ج 4 ص 446، 448 الطبعة السابقة.

ص: 269

احضاره ثم ثبت بالبينة موت المكفول به قبل أن يغرم الكفيل المال حق له أن يسترده لتبين براءته بموت المكفول به

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌حق استرداد المكفول:

والظاهرية على أن الكفالة هى الضمان وهم يرون أن الضمان يسقط عن المضمون عنه كل الحقوق فمن له على آخر حق مال من بيع أو من غير بيع من أى وجه كان حالا أو الى أجل سواء كان الذى عليه الحق حيا أو ميتا فضمن له ذلك الحق انسان لا شئ على المضمون عنه للمضمون له بطيب نفسه وطيب نفس الذى له الحق فقد سقط ذلك الحق عن الذى كان عليه وانتقل الى الضامن ولزمه بكل حال ولا يجوز للمضمون له أن يرجع على المضمون عنه ولا على ورثته أبدا بشئ من ذلك الحق انتصف أو لم ينتصف ولا بحال من الاحوال ولا يرجع الضامن على المضمون عنه ولا على ورثته أبدا بشئ مما ضمن عنه أصلا سواء رغب اليه فى أن يضمنه عنه أو لم يرغب اليه فى ذلك الا فى وجه واحد وهو أن يقول الذى عليه الحق اضمن عنى ما لهذا على فاذا أديت عنى فهو دين لك على فها هنا يرجع عليه بما أدى عنه لانه استقرضه ما أدى عنه فهو قرض صحيح

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

‌حق الكفيل فى استرداد ما غرمه:

اذا قال رجل لغيره سلم لفلان كذا سواء قال عنى أو لا فسلمه فانه يرجع المأمور بما سلمه على من أمره بالتسليم مطلقا سواء كان كفيلا أم لا وسواء كانت الكفالة صحيحة أم فاسدة أم باطلة فانه يرجع على من أمره وكذا لو قال أضف عنى السلطان ولا بد أن يقول الآمر أضف عنى وأن يعلم المأمور السلطان وأن يفعل المعتاد فى العرف لا دونه والا لم يرجع بشئ واذا فعل زائدا على المعتاد لم يرجع بما زاد أو أمر بالضمانة فى المال لا الوجه وسلم للمضمون له بأمر المضمون عنه فانه يرجع على المضمون عنه بما سلم لكونه مأمورا بالضمانة هذا اذا كان الآمر فى الضمانة الصحيحة بالمال لا المتبرع بالضمانة فانه لا يرجع على المضمون عنه بما سلم عنه لعدم الامر بها من المضمون عنه مطلقا أى سواء كانت الضمانة التى تبرع بها صحيحة أم فاسدة فانه لا يرجع بما سلم على القابض ولا على غيره وقد برئ المتبرع عنه لكونه سلم عنه وفى الكفالة الباطلة اذا سلم للمكفول له شيئا لا بأمر المضمون عنه لم يرجع بما سلمه على المضمون عنه الا أن له الرجوع على القابض له سواء كان باقيا أو تالفا وسواء نوى الرجوع أم لا لانه أخذه بغير حق وسواء ظن صحة رجوعه

(1)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 2 ص 184 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 111 الطبعة السابقة م رقم 1229.

ص: 270

عليه أم تيقن عدم الرجوع لانها اباحة فى مقابل الكفالة والاباحة تبطل ببطلان عوضها فيرجع على القابض وكذا يرجع على القابض فى الضمانة الفاسدة أن سلم ذلك عما لزمه بالضمانة أو أطلق لا اذا سلم المال بنية كونه عن الاصل المضمون عنه فمتبرع فلا يرجع على القابض ولا على المضمون عليه ويسقط الدين وهذا حيث سلم بلفظ القضاء أو أى ألفاظ التمليك والا كان معاطاة له الرجوع

(1)

على القابض ولا يرجع كفيل الوجه بما غرم وان نوى الرجوع على المكفول به اذ لم يطلب منه الا البدن ولا على المتسلم بما أتلف لا باحته وقال البعض اذا سلم البدن استرد الباقى قلت بل لا يرجع مطلقا كما لو تبرع بقضاء الدين

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

‌حق استرداد الحق فى الكفالة:

وللمكفول له الحق فى أن يطلب المكفول من الكفيل ويلزم الكفيل اخضاره له فان امتنع الكفيل من تسليمه الزمه الحاكم به فان أبى فللمستحق طلب حبسه من الحاكم حتى يحضره أو يؤدى ما عليه ان أمكن أداؤه عنه كالدين فلو لم يمكن كالقصاص والزوجية والدعوى بعقوبة توجب حدا أو تعزيرا ألزم باحضاره حتما مع الامكان وله عقوبته عليه كما فى كل ممتنع من أداء الحق مع قدرته عليه فان لم يمكن الاحضار وكان له بدل كالدية فى القتل وان كان عمدا ومهر مثل الزوجة وجب عليه البدل وقيل يتعين الزامه باحضاره اذا طلبه المستحق مطلقا لعدم انحصار الاغراض فى أداء الحق وهو قوى ثم على تقدير كون الحق مالا وأداه الكفيل فان كان قد أدى باذنه رجع عليه وكذا اذا أدى بغير اذنه مع كفالته باذنه وتعذر احضاره والا فلا رجوع والفرق بين الكفالة والضمان فى رجوع من أدى بالاذن هنا وان كفل بغير الاذن بخلاف الضمان ان الكفالة لم تتعلق بالمال بالذات وحكم الكفيل بالنسبة اليه حكم الاجنبى فاذا أداه باذن المديون فله الرجوع بخلاف الضامن لانتقال المال الى ذمته بالضمان

(3)

.

‌حق الكفيل فى استرداد ما غرمه:

وتحصل الكفالة أى حكم الكفالة باطلاق الغريم من المستحق قهرا فيلزمه احضاره أو أداء ما عليه ان أمكن وعلى ما اخترناه مع تعذر احضاره لكن هنا حيث يؤخذ من المال لا رجوع له على الغريم اذا لم

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للمرتضى ج 5 ص 77، 78 الطبعة السابقة والتاج المذهب لاحكام المذهب ج 4 ص 149، 150 الطبعة السابقة.

(2)

البحر الزخار ج 5 ص 75 الطبعة السابقة.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 369 الطبعة السابقة.

ص: 271

يأمره بدفعه اذ لم يحصل من الاطلاق ما يقتضى الرجوع فلو كان الغريم قاتلا عمدا كان أم شبهه لزمه احضاره أو الدية ولا يقتص منه فى العمد لانه لا يجب على غير المباشر ثم ان استمر القاتل هاربا ذهب المال على المخلص وان تمكن الولى منه فى العمد استرد الغارم منه ما غرمه ووجب عليه رد الدية الى الغارم وان لم يقتص من القاتل لانها وجبت لمكان الحيلولة وقد زالت وعدم القتل الآن مستند الى اختيار المستحق ولو كان تخليص الغريم من يد كفيله وتعذر استيفاء الحق من قصاص أو مال وأخذ الحق من الكفيل كان له الرجوع على الذى خلصه كتخليصه من يد المستحق

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

‌حق الكفيل فى استرداد ما غرمه:

ومن كاتب عبدين كتابة واحدة على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فليس لاحدهما أن يرجع على صاحبه بما أعطى حتى يؤدى أكثر من ثمنه فيرجع بالفضل عليه وفى الاثر ومن كفل عنه عبده بأمره بمال ثم عتق فأداه رجع بما أداه عليه بعد عتقه لا أن أداه قبله وان كان الحق عليه فكفل به مولاه ثم عتق فلا يرجع به على المعتق

(2)

وجاء فى موضع آخر: ويرجع الحميل على المحمول عنه بما أنفق على ما أخذ من المحمول عنه قبل أن يغرم مثل أن يأخذ حيوانا تحمل فى حقيقتها أو يأخذ حيوانا لبيعها أو يقضى فيها أو غير الحيوان كذلك فيصرف على ما أخذ ما يؤكل أو يشرب أو ما يداوى به أو كراء مسكن أو حارس أو راع أو شيئا مما يحتاج اليه ما أخذ ان علم المحمول عنه أن الحميل لم يغرم فأعطاه لأن اعطاءه مع علمه بذلك دخول على أنه يرجع عليه الحميل بما أنفق لانه كالامانة بيده حينئذ وملكه باق على المحمول عنه ويرجع عليه الحميل أيضا بما غرمه من قيمة ما أفسده ذلك الشئ الذى أخذه فى يده من حيوان أو غيره مما يفسد غيره فى الانفس أو فى الاموال ان علم المحمول عنه أن الحميل لم يغرم فأعطاه ولمن أفسد ماله أن يغرم من شاء من المحمول عنه أن تبين أن الشئ له والحميل فان غرم المحمول عنه رجع على الحميل بما غرم وذلك لان الشئ فى يد الحميل وفى ملك المحمول عنه فكان له التغريم لمن شاء منهما

(3)

.

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 369، 370 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل لاطفيش ج 4 ص 663 ص 664 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 673 ص 674 ص 675 الطبعة السابقة.

ص: 272

‌حكم الاسترداد فى الوكالة

‌مذهب الحنفية:

‌حق الغريم فى استرداد

ما دفعه الى الوكيل:

جاء فى البحر أن من حق الغريم أن يسترجع ما دفعه الى من ادعى أنه وكيل الغائب فى قبض دينه فصدقه الغريم ودفعه اليه ثم لما حضر الغائب لم يصدقه وذلك لان على الغريم أن يدفع الدين ثانيا الى صاحبه ثم يرجع بما دفعه على الوكيل هذا اذا كان ما دفعه الغريم باقيا فى يد الوكيل لانه ملكه وانقطع حق الطالب عنه فان كان الوكيل قد استهلكه ضمنه وهو باق ببقاء بدله ولذا قال فى الخلاصة وان استهلكه ضمن مثله فان ادعى الوكيل هلاكه أو ادعى أنه دفعه الى الموكل حلفه على ذلك وان مات الموكل وورثه غريمه أو وهبه له وهو قائم فى يد الوكيل أخذه منه فى الوجوه كلها وان كان هالكا ضمنه الا اذا صدقه على الوكالة

(1)

ثم قال صاحب البحر وفى الوجوه كلها ليس له الاسترداد حتى يحضر الغائب لان المؤدى صار حقا للغائب أما ظاهرا أو محتملا فصار كما اذا دفعه الى فضولى على رجاء الاجازة فانه لا يملك الاسترداد لاحتمال الاجازة كذا فى الهداية ثم قال: ولو دفع الى رجل ليدفعه الى رب الدين فله أن يسترد لانه وكيل المديون ولو أقام الغريم البينة على أن هذا الشخص ليس بوكيل أو على اقراره بذلك لم يقبل ولا يكون له حق الاسترداد لكن لو أقام الغريم البينة على أن الطالب جحد الوكالة وأخذ منى المال تقبل بينته وله أن يسترد

(2)

.

‌حق الوكيل فى استرداد

ما أداه عن الموكل:

الوكيل بقضاء الدين اذا لم يدفع الموكل اليه مالا ليقضى دينه منه فقضاه من مال نفسه فانه يرجع بما قضى على الموكل لان الآمر بقضاء الدين من مال غيره استقراض منه والمقرض يرجع على المستقرض بما أقرضه وكذلك الوكيل بالشراء من غير دفع الثمن الى الوكيل توكيل بقضاء الدين وهو الثمن والوكيل بقضاء الدين اذا قضى من مال نفسه يرجع على الموكل فكذا الوكيل بالشراء وله أن يحبس المبيع لاستيفاء الثمن من الموكل عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر ليس له

(3)

حبسه أما اذا قال لغيره أطعم عن كفارة يمينى أو أد زكاتى لم يرجع عليه الا أن يقول على أنى ضامن كذا فى الحاوى، واذا قال لغيره انقد فلانا عنى ألف درهم أو أقض أو ادفع أو اعط وذكر عنى وكذلك اذا لم يقل عنى ولكن قال الالف الذى له على ففعل

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 7 ص 200 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق 7 ص 201 الطبعة السابقة

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 36، ص 37 الطبعة السابقة.

ص: 273

المأمور ذلك كان له أن يرجع على الآمر بذلك وان لم يشترط الرجوع والضمان

(1)

.

‌مذهب المالكية:

‌حق استرداد ما نقضه الوكيل:

جاء فى المدونة

(2)

ان أصاب الوكيل عيبا بعد ما اشترى لم يكن له أن يرد لأن العهدة انما وقعت لغيره قال ابن القاسم اذا كان انما أمره أن يشترى له سلعة بعينها منسوبة فقال له اشتر لى عبد فلان لم يكن له أن يرد وان كانت سلعة موصوفة ليست بعينها فللوكيل أن يردها ان وجد فيها عيبا لأن الوكيل ها هنا ضامن لانه لو اشترى سلعة بها عيب تعمد ذلك ضمن فلذلك اذا وجد بها عيبا بعد مشتراها وهو يقدر على أن يردها فلم يفعل فهو ضامن، وانما يعطى الناس أن تشترى لهم السلع على وجه السلامة، قال أشهب اذا أمر شخص وكيله أن يبتاع له سلعة بعينها أو غير عينها فان العهدة هنا تكون على البائع للآمر والامر بالخيار فيما فعل المأمور من الرد ان شاء أجاز رده، وان شاء نقضه وارتجع السلعة الى نفسه ان كانت قائمة وان كانت قد فاتت فله أن يضمن المأمور لانه المتعدى فى الرد لسلعة وجبت للآمر.

‌حكم استرداد ما دفعه الوكيل:

واذا أمر رجل رجلا أن يبتاع له لؤلؤا من مكة وينقد الثمن من عنده الى أن يقدم عليه فيدفع اليه الآمر ثمنها فقدم المأمور فزعم أنه قد ابتاع الذى أمره وأنه قد ضاع منه بعد ما اشتراه حلف بالله الذى لا اله الا هو أنه قد ابتاع له ما أمره به ونقد عنه ويرجع عليه بالثمن فيأخذه منه لانه قد ائتمنه حين قال له ابتع لى

(3)

وانقد عنى، واذا دفعت الى موكلك دراهم ليسلمها لك فى ثوب هروى فأسلمها فى بساط شعر أو ليشترى لك بها ثوبا فأسلمها لك فى طعام أو فى غير ما أمرته به أو زاد فى الثمن مالا يزيد على مثله فليس لك أن تجيز فعله وتطالب بما أسلم فيه سواء كان فى عرض أو طعام أو تدفع اليه ما زاد لان الدراهم لما تعدى عليها المأمور وجبت عليه دينا ففسختها فيما لا تتعجله وذلك دين بدين ويدخل فى أخذك للطعام الذى أسلم فيه أيضا مع ما ذكرنا بيعه قبل قبضه لا شك فيه لان الطعام قد وجب للمأمور بالتعدى فليس له بيعه حتى يقبضه وسلم المأمور لازم له وليس له ولا لك

(1)

الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان ج 3 ص 626، ص 627 الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى للإمام مالك ج 10 ص 84 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 10 ص 85 الطبعة السابقة.

ص: 274

فسخه ولا شئ لك أنت على البائع وانما لك على المأمور استرجاع ما دفعت اليه من الثمن

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

‌حق الوكيل فى استرداد ما غرمه:

يجب على وكيل البائع أن لا يسلم حتى يقبض الثمن لما فى التسليم قبله من الخطر فان خالف ضمن قيمته لتعديه كما قاله الرافعى وقت التسليم، فاذا غرمها ثم قبض الثمن من المشترى دفعه الى الموكل واسترد المغروم هذا اذا سلمه مختارا فان ألزمه الحاكم بتسليم المبيع قبل القبض ففى البحر الاشبه أنه لا يضمن وهو حسن

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌حق الغريم فى استرداد ما دفعه للوكيل:

اذا دفع الغريم الى من ادعى أنه وكيل صاحب الحق فى قبضه فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف ورجع على الدافع وحده ان كان دينا ثم يسترد الدافع من الوكيل ما دفعه مع بقائه أو بدله مع تعديه بتلف أو تفريط وان لم يتعد فيه مع تلفه لم يرجع الدافع وان كان عينا كوديعة ونحوها فوجدها أخذها وله مطالبة من شاء بردها

(3)

.

‌حق الموكل فى استرداد حقه:

لو وكل شخص فى بيع نحو عبد فباعه الوكيل نسيئة فقال الموكل ما أذنت لك فى بيعه الا نقدا فصدقه الوكيل والمشترى فى ذلك فسد البيع للمخالفة وللموكل مطالبة من شاء منها أى الوكيل أو المشترى بالعبد ان كان باقيا وبقيمته ان تلف أما طلبه للوكيل فلكونه أحال بينه وبين ما له وأما المشترى فلوضعه يده على ماله بغير حق والقرار على المشترى فان أخذ الموكل القيمة من الوكيل رجع الوكيل على المشترى بالقيمة لحصول التلف فى يده وان أخذ الموكل القيمة من المشترى لم يرجع المشترى على أحد بها لاستقرارها عليه

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌حق الموكل فى استرداد حقه:

يحق للموكل أن يسترد حقه فى كل ما خالفه فيه الوكيل فقد ذكر صاحب المحلى أنه لا يحل للوكيل تعدى ما أمره به موكله فان فعل لم ينفذ فعله فان فات ضمن لقول الله تعالى: «وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}

(5)

» ولقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}

(1)

مواهب الجليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق المعروف بالحطاب ج 5 ص 203 الطبعة السابقة.

(2)

مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 2 ص 209، ص 210 الطبعة السابقة.

(3)

الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 248، 249.

(4)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 2 ص 247 الطبعة السابقة.

(5)

الآية رقم 190 من سورة البقرة

ص: 275

{وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}

(1)

» فوجب من هذا أن من أمره موكله بأن يبتاع له شيئا بثمن مسمى أو يبيعه له بثمن مسمى فباعه أو ابتاعه بأكثر أو بأقل ولو بفلس فما زاد لم يلزم الموكل ولم يكن البيع له أصلا ولم ينفذ البيع لانه لم يؤمر بذلك

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

‌حق الوكيل فى استرداد ما دفعه:

من وكل بشراء شئ الى الذمة ولم يدفع الثمن فعلى القول بأن الثمن يتعلق بذمة الموكل يلزمه الثمن كما لو تولى العقد بنفسه ويكون الوكيل ضامنا اذ المطالبة اليه فللبائع مطالبة أيهما فاذا دفع الوكيل شيئا رجع به على الاصل اذ لزمه

(3)

باذنه، واذا اشترى الوكيل شيئا ثم وهب له البائع ثمنه أو بعضه قبل قبضه كان له ويرجع به على من وكله أما ان أبرأه منه فانه يبرأ معه الموكل فلا يرجع عليه فى شئ

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

‌حق الموكل فى استرداد حقه

اذا أنكرت الوكالة:

لو ادعى الوكالة عن غائب فى قبض ماله من غريم فأنكر الغريم فلا يمين عليه وان صدقه فان كانت عينا لم يؤمر بالتسليم ولو دفع اليه كان للمالك استعادتها فان تلفت كان له الزام أيهما شاء مع انكاره الوكالة ولا يرجع أحدهما على الآخر، وكذا لو كان الحق دينا وفيه تردد لكن فى هذا لو دفع لم يكن للمالك مطالبة الوكيل لانه لم ينتزع عين ماله اذ لا يتعين الا بقبضه أو قبض وكيله وهو ينفى كل واحد من القسمين وللغريم أن يعود على الوكيل ان كانت العين باقية أو تلفت بتفريط منه ولا درك عليه لو تلفت بغير تفريط وكل موضع يلزم الغريم التسليم لو أقر به يلزمه اذا أنكر

(5)

.

‌حق الموكل فى استرداد حقه

اذا خالف الوكيل:

ولو باع الوكيل بثمن فأنكر المالك الاذن فى ذلك القدر كان القول قوله مع يمينه ثم تستعاد العين ان كانت باقية ويستعاد مثلها أو قيمتها ان كانت تالفة. واطلاق الوكالة يقتضى الابتياع بثمن المثل بنقد البلد حالا وان يبتاع الصحيح دون العيب ولو خالف لم يصح ووقف على اجازة المالك فان تصادق الوكيل والمشترى على الثمن

(1)

الآية رقم 194 من سورة البقرة.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 245 ص 246 مسألة رقم 1664.

(3)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 5 ص 61 الطبعة السابقة.

(4)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 4 ص 126 الطبعة السابقة.

(5)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 243 الطبعة السابقة.

ص: 276

ودفع الوكيل الى المشترى السلعة فتلفت فى يده كان للموكل الرجوع على أيهما شاء بقيمته لكن ان رجع على المشترى لا يرجع المشترى على الوكيل لتصديقه له فى الاذن. وان رجع على الوكيل رجع الوكيل على المشترى بأقل الامرين من ثمنه

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

‌حق الموكل فى استرداد حقه:

ومن وكل أو أمر رجلا ببيع شئ أو وكله عليه غيره أو أمره أو استخلفه على أموره هو أو غيره فباعه فأعطاه ثمنه فقبضه فقال له بعته على صفة كذا فوجد البيع بيع فسخ أو وجد المبيع مبيع فسخ أو ذا فسخ أو مفسوخا أو أخبره بأنه فسخ وسواء فى الفسخ فسخ ربا أو غير ربا فليصدقه فى البيع على صفة كذا ان كان أمينا ويرد له الثمن أو مثله أو قيمته ان تلف أو يرده فى يد من أخذ منه ان أخذه من يد غير البائع أو يرده فى يد المشترى مطلقا والاصل فى ذلك الرد بيد البائع ان أخذه من يده ويمسكه هذا الوكيل البائع اذا ضمن من عنده ويدرك عليه قيمة مبيعه ان لم يمكن فيه المثل وان أمكن فالمثل الا أن تراضيا على القيمة وقيل القيمة وأما مثل الثمن فلا يدركه الا أن وافق بتقويم لانه لا يعتد به لوقوعه بانفساخه ان لم يقدر ذلك البائع على استرجاعه لتلفه أو لخوفه من مشتريه أو نحو ذلك وان قدر على استرجاعه بعينه رده وانما أدرك عليه رده ان أطاق أو أدرك عليه القيمة أو المثل ان لم يطق على رده لانه الذى ضيعه بالبيع الذى هو باطل وانما له البيع الشرعى وأما الباطل فكسائر تضييع المال ولصاحب الشئ أن يسترده من مشتريه وله أن يطالب البائع بالاسترداد

(2)

.

‌حكم الاسترداد فى القرض

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أنه يتعين استرداد عين القرض الفاسد لان الاقراض الفاسد تمليك بمثل مجهول فيفسد وملكه بالقبض كالمقبوض فى البيع الفاسد والمقبوض حكم قرض فاسد يتعين

(3)

للرد، ولو أقرض شخص شخصا كرا من طعام وقبضه المستقرض فلو كان الكر المقترض قائما فى يد المستقرض وأراد المقرض أن يأخذ هذا الكر من المستقرض وأراد المستقرض أن يمنعه من ذلك ويعطيه كرا آخر مثله فللحنفية فى حكم ذلك رأيان أحدهما وهو ما روى عن

(1)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 239، ص 240 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 4 ص 621 الطبعة السابقة.

(3)

الفتاوى الهندية المسماة بالعالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان فى كتاب ج 3 ص 201 الطبعة السابقة.

ص: 277

أبى يوسف فى النوادر يقول أنه لا خيار للمستقرض ويجبر على دفع ذلك الكر اذا طالب به المقرض لان الاقراض اعارة فتبقى العين على حكم ملك المقرض وثانيهما وهو ظاهر الرواية أن للمستقرض أن يمنعه من كره ويعطيه آخر مثله لان المستقرض بنفس القرض صار بسبيل من التصرف فى القرض من غير اذن المقرض

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والاكليل قال ابن شاس لو أراد الرجوع فى قرضه منع الا بعد مضى مدة الانتفاع بالشرط أو العادة قال ابن عرفة ان لم يكن أحدهما جرى على العارية وفيها خلاف بقى عليه ان لم يذكر أن له أن يرد عين القرض والمنصوص أن له ذلك ان لم يتعين قالوا ولهذا قال ابن القاسم لا خير أن يسلفه ويشترط عليه أن يرد مثله قال وأحب أن يسلفه ولا يشترط

(2)

.

‌استرداد الدين:

لو ظن أن عليه دينا فأداه ثم تبين أن لا دين فانه يسترد

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

ويرد المثل فى المثلى حتما حيث لا استبدال لانه أقرب الى حقه ولو فى نقد بطلت المعاملة به ويرد فى المتقوم المثل صورة لخبر مسلم أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم استسلف بكرا ورد رباعيا وقال ان خياركم أحسنكم قضاء ومن لازم اعتبار المثلى الصورى اعتبار ما فيه من المعانى التى تزاد القيمة بها كحرفة الرقيق وفراهية الدابة كما قاله ابن النقيب فيرد ما يجمع تلك الصفات كلها حتى لا يفوت عليه شئ فان لم يتأت اعتبر مع الصورة مراعاة القيمة شيخنا الزيادى وعليه فلو لم يوجد عبد تبلغ قيمته قيمة العبد المقرض مع ملاحظة صفاته فقيل يرد قيمة العبد المقرض دراهم لتعذر رد مثله وقيل يرد مثله صورة ويرد معه من المال ما يبلغ به قيمة العبد المقرض والظاهر الاول، وقيل يرد فى المتقوم القيمة

(4)

يوم القبض، ولو ظفر المقرض بالمقترض فى غير محل الاقراض وللنقل من محل الاقراض الى محل الظفر مؤنة ولم يتحملها المقرض طالبه بقيمة بلد الاقراض يوم المطالبة اذ الاعتياض عنه جائز فعلم أنه لا يطالبه بمثله اذا لم

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 396 الطبعة السابقة.

(2)

مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 4 ص 584 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 8 الطبعة السابقة.

(4)

نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 4 ص 223 الطبعة السابقة.

ص: 278

يتحمل مؤنة حمله لما فيه من الكلفة وأنه يطالبه بمثل مالا مؤنة لحمله فالمانع من طلب المثل عند الشيخين وكثير مؤنة الحمل وعند جماعة منهم ابن الصباغ كون قيمة بلد المطالبة أكثر من قيمة بلد الاقراض فاذا أقرضه طعاما أو نحوه بمصر ثم لقيه بمكة لم يلزمه دفعه اليه لانه بمكة أغلى كذا نص عليه الشافعى بهذه العلة وبأن فى نقله الى مكة ضررا فالظاهر أن كل واحدة منهما علة مستقلة وحيث أخذ القيمة فهى للفيصولة لا للحيلولة فلو اجتمعا ببلد الاقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل ولا للمقترض استردادها أما اذا لم تكن له مؤنة أو تحملها المقرض

(1)

فيطالبه به وللمقرض الرجوع فى عينه ما دام باقيا فى ملك المقترض بحاله بأن لم يتعلق به حق لازم فى الاصح وان كان مؤجرا أو معلقا عتقه بصفة أو مدبرا لان له تغريم بدله عند الفوات فالمطالبة بعينه أولى والباقى لا يحق له بل للمقترض أن يؤدى حقه من موضع آخر كسائر الديون أما اذا تعلق به حق لازم كأن وجده مرهونا أو مكاتبا أو متعلقا برقبته أرش جناية فلا يصح رجوع ولو زال ملكه ثم عاد رجع المقرض فى أوجه الوجهين

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع لا يملك المقرض استرجاع القرض للزوجة من جهته بالقبض ما لم يفلس القابض ويحجر عليه بالفلس قبل أخذ شئ من بدله فله الرجوع

(3)

، فان أقرض رجلا مالا ثم أفلس المقترض وعين المال قائم فله الرجوع فيها لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم:

«من أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به ولانه غريم وجد عين ماله فكان له أن يأخذها كالبائع

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

يرى الظاهرية أن لصاحب القرض أن يرجع فى قرضه متى أحب

(5)

، ولا يجوز فى القرض الا رد مثل ما اقترض لا من سوى

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 224، ص 225 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج للرملى ج 4 ص ص 226، ص 227 الطبعة السابقة.

(3)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 2 ص 137 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 147 الطبعة السابقة.

(4)

المغنى لابن قدامة ج 4 ص 460 الطبعة السابقة.

(5)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 123.

ص: 279

نوعه أصلا ولا يحل أن يشترط رد أكثر مما أخذ ولا أدنى وهو ربا ولا يجوز اشتراط نوع غير النوع الذى أخذ، فان قضاه من غير نوع ما استقرض لم يحل أصلا وهو اذا رد غير ما كان عليه فقد أخذ غير حقه ومن أخذ غير حقه فقد أكل المال بالباطل قال ابن حزم ان كان الدين حالا كان للذى أقرض أن يأخذ به المستقرض متى أحب ان شاء أثر اقراضه اياه وان شاء أنظره به الى انقضاء حياته ثم قال فان طالبه صاحب الدين بدينه والشئ المستقرض حاضر عند المستقرض لم يجز أن يجبر المستقرض على أن يرد الذى أخذ بعينه ولا بد ولكن يجبر على رد مثل ذلك الشئ فان لم يوجد له غيره قضى عليه حينئذ برده لانه مأمور بتعجيل انصاف غريمه فتأخيره بذلك وهو قادر ظلم ومن لقى غريمه فى بلد بعيد أو قريب وكان الدين حالا أو قد بلغ أجله فله مطالبته وأخذه بحقه وان أراد الذى له الحق أن يتعجل قبض دينه قبل أجله بما قل أو كثر لم يجز أن يجبر الذى عليه الحق على أدائه فلو تراضيا جاز

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

اذا طلب المقرض رد قرضه وجب على المستقرض أن يرده اليه ولو كان الطلب فى غير موضع ابتداء القرض واشترط بعض العلماء أن يكون المطلوب حاضرا لا غائبا

(2)

وليس للمقرض استرجاع القرض لانه انما يملك بالقبض بعد قول المالك أقرضتك كذا وقبول المستقرض فيصير به غنيا وتلزمه زكاته ويتصرف فيه بما شاء قال فى الزهور ليس للمقرض الاسترجاع ولو تفاسخا ولعل وجهه أن ليس فيه عقد يقع الفسخ عليه ذكره فى التذكرة والكواكب الا أن يقع ايجاب وقبول فيصح الفسخ

(3)

واذا ادعى رجل على آخر عند الحاكم دراهم وعرف الحاكم صدق المدعى وعدالته جاز للحاكم أن يأمر المدعى أن يأخذ بقدر حقه بشرط ثبوت البينة

(4)

، وليس لمن تعذر عليه استيفاء حقه حبس حق خصمه ولا استيفاؤه الا بحكم فان لم يكن حاكم استأذن خمسة وعلى قول الهادوية يستأذن واحدا صالحا لذلك فمن كان له دين على الغير لم يجز له أن يحبس عليه شيئا يملكه من دين أو عين اذا تمكن من ذلك ولا له أن يأخذ من ماله بقدر حقه، هذا ما لم يكن الذى عند خصمه هو عين حقه فأما عين حقه فيجوز له أخذه من غير حكم

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 77، ص 79، ص 80 مسألة رقم 1199.

(2)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 179 وهامشه الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 174 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الازهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 3 ص 178 الطبعة السابقة.

ص: 280

ولا تراض ولو لم يمكنه الا بقتله جاز وهذا قول الهادى

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

والإمامية فى حكم استرداد القرض على رأيين:

أحدهما يقول: بأنه يجوز للمقرض أن يرتجعه ولو أكره المقترض.

وثانيهما يقول: بأنه ليس للمقرض ذلك وهو الاشبه لان فائدة الملك التسلط

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

يجوز للمقرض أن يسترد من المقترض ما أقرضه من غير أن يذكر فى دعواه الكيل أو الوزن أو العدد أو المقدار المحدود لانه لا يصح أن يسترد فى مجهول المقدار فى كل وجه الا أن يقول طالبه أعطيته مفتاح بيتى أو مفتاح دارى أو مفتاح صندوقى أو مفتاح بيت ميزانى أى البيت الذى أزن فيه وأضع فيه الدراهم والدنانير لكى يقرض منه حاجته لنفسه أو لغيره أو ليأتينى منه بشئ أو ليعطى فلانا منه شيئا أو ليقضى منه ما على أو على غيرنا أو ليفعل منه كذا وفعل ولم يردد الى أو أخذ ولم يأتنى به كما أمرته أو أخذ فلم يقض ما أمرته به فأمسكه لى منه أيها الحاكم فانه يسترده له منه سواء ادعى مجهولا كذا وعاء أو معلوما وعلى هذا فان أقر بما ادعاه الطالب أمره الحاكم بأداء ما أقر به التزاما لما الزم نفسه وحلفه لطالبه ما بقى عليه شئ وحلفه ان جحد ما ادعاه الطالب أصلا من كونه اعطاه مفتاح بيته ونحو ذلك مما مر على حد ما مر أو أنه لم يطلبه أو طلبه ولم يعطه المفتاح أو أنه أعطاه ولم يأخذ من ماله ولا يصح فيه بيان لانه دخل وحده فلو دخل مع غيره ورأوا ما أخذ أو أقر أنه أخذ لصح البيان

(3)

.

‌حكم استرداد الدين:

جاء فى كتاب النيل: وان مات أحد خليفتى يتيم أو غائب أو مجنون أو غيره أو كان لمن ذكر خلائف فمات منهم واحد أو اثنان فصاعدا وبقى من بقى أو غاب عن مجلس الحكم ولو فى البلد أحد الخليفتين أو أحد الخلائف أو متعدد منهم أو جن كذلك وكان الخليفتان فصاعدا خليفة واحد لا يستقل أحدهم بالامر

(4)

.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 177 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 68 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 7 ص 24، 25، ص 26 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 7 ص 37 الطبعة السابقة.

ص: 281

‌حكم الاسترداد فى الصلح

‌مذهب الحنفية:

يرتب الحنفية على الصلح سقوط حق الاسترداد للمدعى عليه فقد روى الزيلعى عن علاء الدين العالم فى طريقة الخلاف قوله: المراد بجواز الصلح اعتباره فى اثبات ملك المدعى فى بدل الصلح

(1)

وانقطاع حق الاسترداد للمدعى عليه.

‌حكم استرداد المصالح ما دفعه:

وان استحق بعض المصالح عنه أو كله رجع المدعى عليه بحصة ذلك من العوض أو بكله ولو استحق المصالح عليه أو بعضه رجع بكل المصالح عنه أو ببعضه لان كل واحد منهما عوض عن الآخر فأيهما استحق عليه ما أخذه رجع عليه بما دفع أن كلا فبالكل وان بعضا فبالبعض بحصته لانه حكم المعاوضة وللمصالح أن يسترد ما دفعه اذا صالح عن دعوى حد بأن رفع رجل على آخر دعوى بالزنا أو بشرب الخمر أو بالقذف فصالح المدعى عليه رافع الدعوى حتى يترك الدعوى فان هذا الصلح لا يجوز وله أن يرجع بما دفع لان الحدود حق الله تعالى لا حق الرافع والاعتياض عن حق الغير لا يجوز ولهذا لو ادعت المرأة أن ولدها من زوجها المطلق فأنكر وصالحها على شئ حتى تترك الدعوى كان الصلح باطلا لان النسب حق الولد ويسترد المطلق ما دفعه

(2)

وكذا لو أدعت المرأة نكاحا بغير ولد فصالح على مائة لم يجز ويسترد المال ان دفع لان العوض على ترك النكاح من جانب الزوج ليس بمشروع هكذا قال شمس الائمة البيهقى فى الكفاية ولو كان لرجل ظلة على طريق العامة فخاصمه رجل على نقضها فصالحه على شئ كان الصلح باطلا لان الحق فى الطريق النافذ لجماعة المسلمين وحق له أن يسترد ما دفعه

(3)

.

ولو ادعت المرأة أن زوجها طلقها ثلاثا وأنكر الزوج فصالحها على مائة درهم على أن يبرأ من الدعوى فلا يصح وللزوج أن يرجع عليها بما أعطاها من البدل وتكون المرأة على دعواها وكذلك لو ادعت تطليقة أو تطليقتين وصالحها على مائة درهم على أن يبرأ من الدعوى فلا يصح ويرجع عليها بما أعطاها ومثل ذلك أيضا فى الخلع كذا فى خزانة المفتى ولو صالحها على مائة درهم على أن أبرأته من دعوى النكاح وعلى أن بارأها الزوج من ذلك وليست هى مدعية قبله مهرا ولا نفقة لم يجز الصلح ويرجع

(1)

الزيلعى وحاشية الشلبى عليه ج 5 ص 30 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 32، ص 34 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الشلبى على الزيلعى ج 5 ص 37 الطبعة السابقة.

ص: 282

فى المائة التى أعطاها ولا سبيل للزوج على المرأة فى النكاح من قبل أنه قد بارأها وكان هذا بمنزلة خلع ولو ادعت عليه نفقة ونكاحا فصالحها على مائة درهم على أن يبارئها فالصلح جائز والمائة الدرهم بالنفقة ولا يرجع الزوج عليها بشئ ولا نكاح بينهما ومن صالح امرأته من نفقتها سنة على ثوب وقبضته منه فاستحق الثوب رجعت بالنفقة ان فرضت وان لم تفرض رجعت بقيمة الثوب كذا فى محيط السرخسى

(1)

.

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد ما صولح عنه:

وان ادعى شخص على آخر بشئ معين فأقر له به وصالح المدعى عليه المدعى بشئ واستحق الشئ المصالح عنه الذى بيد مدعيه أى الشئ المعين الذى أقر به المدعى عليه رجع المدعى على المدعى عليه فى شئ معين مقر به من المدعى عليه ان لم يفت المقر به بتغير سوق ولا ذات وهو عرض أو حيوان وان فات بتغير ذات أو سوق فيرجع المدعى فى عوضه أى المدعى به المعين وهو قيمته ان كان مقوما ومثله ان كان مثليا قال ابن القاسم من ادعى شيئا بيد رجل ثم اصطلح على الاقرار على عوض فاستحق ما أخذ المدعى فليرجع على صاحبه فليأخذ منه ما أقر له به ان لم يفت فان فات بتغير سوق أو بدن وهو عرض أو حيوان رجع بقيمته حكمه حكم البيع قال ابن يونس تحصيله أنه لا خلاف اذا استحق ما بيد المدعى والصلح على الاقرار أنه يرجع فى شيئه أو قيمته أو مثله ان فات كالبيع

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

وللمصالح أن يسترد ما أداه معجلا من دين مؤجل صالح على مثله جنسا وقدرا وصفة ظنا منه أن هذا الصلح صحيح لان مثل هذا الصلح يلغو لما فيه من وعد المدين باسقاط الاجل وهو لا يسقط

(3)

، واذا كان بين شخص وجماعة عقار وفيه علو فآل العلو الى السقوط وتضرر منه الجار والمار فأراد الشخص أن يهدمه فلم يمكنه الا بعمارة شئ فى العقار المذكور يصعد منه اليه فعمره بغير اذنهم وهدم العلو أيضا بغير اذنهم وبغير اذن حاكم وانما هو بمجرد تضرر من ذكر فهل وقع ذلك فى محله ويحسب له ما صرفه للعمارة والهدم واذا عمر فى المكان المذكور شيئا بغير اذنهم فلا يحسب له ما صرفه للعمارة والهدم وليس له الرجوع عليهم بما عمره من غير أذنهم ولا يبرأ بما صرفه مما تحت يده لهم لكن

(1)

الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان فى كتاب ج 4 ص 236 ص 237 الطبعة السابقة.

(2)

منح الجليل ج 3 ص 577 الطبعة السابقة

(3)

مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 2 ص 167 الطبعة السابقة.

ص: 283

الآلة التى عمر بها على ملكه فله هدمها والرجوع فى اعيانها

(1)

.

‌مذهب الحنابلة

‌حكم استرداد المصالح عليه

اذا كان الصلح عليه لا يصح:

ولو صالح الجانى عن القصاص بعبد أو غيره فخرج العبد مستحقا أو حرا رجع ولى القصاص بقيمته أى قيمة العبد ونحوه لتعذر تسليمه فيرجع الى بدله

(2)

وان كان الصلح بمنفعة كسكنى دار وخدمة عبد أو على أن يعمل له عملا معلوما فهو أجارة تبطل بتلف الدار وموت العبد لا عتقه كسائر الاجارات فان كان قبل استيفاء شئ من المنفعة انفسخت ورجع بما صالح عنه وان كان بعد استيفاء بعضها رجع بقسط ما بقى

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌حكم استرداد المصالح عنه:

ان كان الصلح فى مال جاز أن يعطيه بعض ماله عليه ويبرئه الذى له الحق من باقيه باختياره ولو شاء أن يأخذ منه ما أبرأه لفعل فقد روى عن الاعرج قال حدثنى عبد الله بن كعب ابن مالك عن أبيه أنه كان له على عبد الله بن ابى حدرد مال فمر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبا كعب فأشار بيده كأنه يقول النصف فأخذ نصف ما عليه

(4)

وترك نصفه، ومن صالح عن دم أو أو جراحة أو عن شئ معين بشئ معين فذلك جائز فان استحق بعضه أو كله بطلت المصالحة وعاد على حقه فى القود وغيره وكذلك لو صالح من سلعة بعينها بسكنى دار أو خدمة عبد فمات العبد وانهدمت الدار أو استحقا

(5)

بطل الصلح وعاد على حقه.

‌مذهب الزيدية:

لو صالح عن جميع الورثة بمعنى البيع فلا يخلو أما أن يصالح باذنهم أولا فان صالح باذنهم فأما أن يصالح بعين أو بدين فان صالح بعين فاما من ماله أو من التركة فان كان من ماله صح ذلك وكان له الرجوع بعوض الزائد على حصته على سائر الورثة وأن كانت العين من التركة صح أيضا وأما اذا صالح بغير اذنهم فأما أن يصالح بعين أو دين فان صالح بعين فاما من ماله أو

(1)

الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيثمى ج 3 ص 62، 63 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 2 ص 195 الطبعة السابقة.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 192.

(4)

المحلى ج 8 ص 165 مسألة رقم 1270، رقم 1274.

(5)

المرجع السابق ج 8 ص 168 مسألة 1271، 1273.

ص: 284

من التركة فان كان من ماله كان متبرعا ولا يرجع عليهم بشئ الا أن يجيزوا مع الاضافة منه اليهم أو امروه بالدفع وأن كان من التركة صح فى حصته ووقف فى حصة الباقين على الاجازة والضمان فى هذه الصورة اذا ضمن هو ضمان الدرك عليه فاذا استحقت العين رجع عليه بالدين ويرجع عليهم بحصصهم وان صالح بدين صح فى نصيبه أيضا ووقف فى نصيب الباقين فان لم يجيزوا لزمه حصته من الذى صالح به فقط ولو ضمن لم يصح ضمانه لانه ضمن بغير الواجب وان أجازوا صلحه صح فى الجميع

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

يصح الصلح على كل من العين والمنفعة، بمثله وجنسه ومخالفه لانه بافادته فائدة البيع صح على العين وبافادته فائدة الاجارة صح على المنفعة والحكم فى المماثل والمجانس والمخالف فرع ذلك ولو ظهر استحقاق العوض المعين من أحد الجانبين بطل الصلح كالبيع لو ظهر فى المعين عيب فله الفسخ وفى تخييره بينه وبين الارش وجه قوى

(2)

.

‌حكم الاسترداد فى العارية:

‌مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن العارية غير لازمة وللمعير أن يرجع فى أى وقت شاء لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم:

المنحة مردودة والعارية مؤداة وقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم على اليد ما أخذت يقتضى رد العين لان رد العين واجب فى الامانات ولو هلكت العارية بلا تعد لا يضمن لقول النبى صلى الله عليه وسلم ليس على المستعير غير المغل ضمان ولانه قبضه باذن صاحبه لا على وجه الاستيفاء ولا على سبيل المبادلة فلا يضمن لكن لا يؤجر ولا يرهن فان أجر فعطب ضمن لانه متعد بالتسليم فصار غاصبا وان شاء ضمن المستأجر لانه قبض ماله بغير اذنه فصار كالمستأجر من الغاصب فان ضمن المستعير لا يرجع على المستأجر لانه ملكه بالضمان وتبين أنه آجر ملك نفسه وان ضمن المستأجر رجع المستأجر على المؤجر وهو المستعير اذا لم يعلم أنه كان عارية فى يده دفعا لضرر الغرر عن نفسه وان علم أن العين عارية فى يده فليس له أن يرجع لانه لم يغره فصار كالمستأجر من الغاصب عالما بالغصب

(3)

،

(1)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 4 ص 173 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 373 الطبعة السابقة.

(3)

تبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 84، 85 الطبعة السابقة.

ص: 285

وان أعار أرضا للبناء أو للغرس صح لان منفعتها معلومة وله أن يرجع لان العارية غير لازمة فكان له أن يرجع فى أى وقت شاء ويكلفه قلع البناء والغرس لانه شاغل أرضه بملكه فيؤمر بالتفريغ الا اذا شاء أن يأخذهما بقيمتهما فيما اذا كانت الارض تستضر بالقلع فحينئذ يضمن له قيمتهما مقلوعين ويكونان له كيلا تتلف عليه أرضه، ويستبد هو بذلك لانه صاحب أصل بخلاف ما اذا كانت الارض لا تستضر بالقلع حيث لا يجوز الترك الا باتفاقهما بخلاف القلع حيث لا يشترط فيه اتفاقهما فى هذه الحالة بل أيهما طلب القلع أجيب ولا يضمن رب الارض للمستعير ما نقص من البناء والغرس بالقلع ان لم يوقت للعارية وقتا لان له الرجوع فى كل وقت فلم يكن غارا له بالاطلاق فان وقت بوقت فرجع قبله ضمن ما نقص بالقلع لانه يصير غارا له بذلك حيث نص على تركها فى يده الى الوقت المذكور وقال زفر رحمه الله لا يضمن لان التوقيت فى العارية غير ملزم كأصل عقدها ولهذا كان له أن يستردها فى أى وقت شاء والغرور انما يثبت فى ضمن عقد المعاوضة لا فى التبرعات ولهذا لو هلكت العارية عند المستعير فاستحقها مستحق وضمنه قيمتها لا يكون له الرجوع بما ضمن ولو استعار أرضا ليزرعها لا يجوز للمعير أن يستردها منه حتى يحصد الزرع استحسانا وقت أو لم يوقت لان الزرع له نهاية معلومة فيترك بأجر المثل لان فيه مراعاة الحقين كما فى الاجارة اذا انقضت المدة والزرع

(1)

لم يدرك، وكما يضمن المستعير بالاتلاف حقيقة يضمن بالاتلاف معنى وذلك بأن يمنعها بعد الطلب أو بعد أنقضاء المدة وبترك الحفظ وبالخلاف حتى لو حبس العارية بعد انقضاء المدة أو بعد الطلب قبل انقضاء المدة يضمن لانه واجب الرد فى هاتين الحالتين لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم (العارية مؤداه) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم «على اليد ما أخذت حتى ترده» ولان حكم العقد انتهى بانقضاء المدة أو الطلب فصارت العين فى يده كالمغصوب والمغصوب مضمون الرد بعينه حال قيامه ومضمون القيمة حال هلاكه

(2)

.

‌مذهب المالكية:

روى خليل عن التوضيح قال اللخمى ان كانت العارية مؤجلة جاز لصاحبها أن يرتجعها اذا انقضى الاجل أما اذا لم يكن ضرب أجلا فقيل ليس له أن يرتجعها لان العارية لا أمد لها وقد قيل فى هذا الاصل أنه يبقى الى مدة يرى أنه يعير

(1)

الزيلعى وبهامشه حاشية الشلبى ج 5 ص 88 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 218 الطبعة السابقة.

ص: 286

لمثلها قال خليل وقد يقال له أن يرتجعها ولا يلزمه هذا التأخير الى مدة يمكن الانتفاع به

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

ويجوز للمعير أن يرجع فى العارية بعد القبض ويجوز للمستعير أن يرد لانه اباحة فجاز لكل واحد منهما رده كاباحة الطعام واذا فسخ العقد وجب الرد على المستعير لما روى ابن عباس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم استعار من صفوان بن أمية أدرعا وسلاحا فقال أعاريه مؤداه قال: عارية مؤداة ويجب ردها الى المعير أو الى وكيله فان ردها الى المكان الذى أخذها منه لم يبرأ من الضمان لان ما وجب رده وجب رده الى المالك أو الى وكيله كالمغصوب والمسروق وان أعاره أرضا للغراس والبناء بالاذن وقد زال الاذن فأما ما غرس وبنى فينظر فان كان قد شرط عليه القلع أجبر على القلع لقوله صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنون عند شروطهم ولانه رضى بالتزام الضرر الذى يدخل عليه بالقلع فاذا قلع لم تلزمه تسوية الارض لانه لما شرط عليه القلع رضى بما يحصل بالقلع من الحفر ولانه مأذون فيه فلا يلزمه ضمان ما حصل من النقص كاستعمال الثوب لا يلزمه ضمان ما يبليه منه وان لم يشرط القلع نظرت فان لم تنقص قيمة الغراس والبناء بالقلع قلع لانه يمكن رد العارية فارغة من غير اضرار فوجب ردها فان نقصت قيمة الغراس والبناء بالقلع نظرت فان أختار المستعير القلع كان له ذلك لانه ملكه فملك نقله فاذا قلعه فهل تلزمه تسوية الارض فيه وجهان أحدهما لا تلزمه لانه لما أعاره مع العلم بأن له أن يقلع كان ذلك رضا بما يحصل بالقلع من التخريب فلم تلزمه التسوية كما لو شرط القلع والثانى تلزمه لان القلع باختياره فانه لو امتنع لم يجبر عليه فلزمه تسوية الارض كما لو خرب أرض غيره من غير غراس وان لم يختر القلع نظرت فان بذل المعير قيمة الغراس والبناء ليأخذه مع الارض أجبر المستعير عليه لانه رجوع فى العارية من غير اضرار وان ضمن أرش النقص بالقلع أجبر المستعير على القلع لانه رجوع فى العارية من غير اضرار وان بذل المعير القيمة ليأخذه مع الارض وبذل المستعير قيمة الارض ليأخذها مع الغراس قدم المعير لان الغراس يتبع الارض فى البيع فجاز أن يتبعها فى التملك والارض لا تتبع الغراس فى البيع فلم تتبعه فى التملك وأن امتنع المعير من بذل القيمة وأرش النقص وبذل المستعير أجرة الارض لم يجبر على القلع لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (ليس لعرق ظالم حق) وهذا ليس بظالم فوجب أن يكون له حق ولانه غراس مأذون فيه فلا يجوز الاضرار به فى قلعه وان لم يبذل المستعير

(1)

مواهب الجليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل ج 5 ص 14 الطبعة السابقة.

ص: 287

الاجرة ففيه وجهان أحدهما لا يقلع لان الاعارة تقتضى الانتفاع من غير ضمان والثانى يقلع لان بعد الرجوع لا يجوز الانتفاع بما له من غير أجرة وأن أراد المعير بيع الارض جاز لانه لا حق فيها لغيره فجاز له بيعها

(1)

وان أعاره أرضا للزراعة فزرعها ثم رجع فى العارية قبل أن يدرك الزرع وطالبه بالقلع ففيه وجهان أحدهما أنه كالغراس فى التبقية والقلع والارش والثانى أنه يجبر المعير على التبقية الى الحصاد بأجرة المثل لان للزرع وقتا ينتهى اليه وليس للغراس وقت ينتهى اليه فلو أجبرناه على التبقية عطلنا عليه أرضه

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

يجوز للمعير أن يرجع فى عاريته متى شاء مطلقة كانت العارية أو مؤقتة لان المنافع المستغلة لم تحصل فى يد المستعير فلم يملكها بالاعارة كما لو لم تحصل العين الموهوبة فى يده أو لان المنافع انما تستوفى شيئا فشيئا فكلما استوفى منفعة فقد قبضها والذى لم يستوفه لم يقبضه فجاز الرجوع فيه ما لم يأذن المعير فى شغل المعار بشئ يستضر به المستعير برجوعه مثل أن يعير سفينة لحمل متاعه أو لوحا يرفع به سفينة فرفعها به ولجج فى البحر فليس للمعير الرجوع وله الرجوع قبل دخولها البحر كما أنه ليس لمن أعار أرضا للدفن الرجوع حتى يبلى الميت ويصير رميما وله الرجوع قبل الدفن وليس لمن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبة الرجوع فى الحائط ولرب الحائط الرجوع قبل الوضع وبعده ما لم يبن عليه أو تكون العارية لازمة ابتداء

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن لصاحب العارية أن يرجع فيها متى أحب

(4)

، فالعارية هى اباحة منافع بعض الشئ كالدابة للركوب والثوب للباس والفأس للقطع والقدر للطبخ وسائر ما ينتفع به ولا يحل شئ من ذلك الى أجل مسمى لانه شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل وان كان من حق المعير أن يأخذ ما أعار متى شاء فلو أعار أرضا للبناء فيها أو حائطا للبناء عليه فله أخذه بهدم بنائه متى أحب بلا تكليف عوض لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام).

(1)

المهذب للامام أبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 363 طبع عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 365 الطبعة السابقة.

(3)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 2 ص 232، ص 333 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 123

ص: 288

‌مذهب الزيدية:

يصح لمن أعار عينا الرجوع فيها متى شاء وله أجرة المثل من يوم الرجوع وللمستعير اتمام عمله ولا يصير غاصبا كالزرع مطلقا ويجب على الراجع فى العارية المطلقة والمؤقتة قبل انقضاء الوقت للمستعير فى الغرس والبناء ونحوها الخياران وهما أن شاء طلب من المعير قيمة الغرس قائما ليس له حق البقاء وان شاء قلع بناءه وغرسه ولا يلزمه تسوية الارض اللهم الا أن يشترط المعير القلع قبل رجوعه فلا خيار للمستعير

(1)

.

واذا أعار أرضا ليدفن فيها ميتا لم يكن له أن يستردها بعد الدفن لان العارية تؤبد بعد الدفن وللمعير الرجوع قبل أن يهال عليه التراب ولو قد وضع فى قبره ولا يلزمه مؤنة الحفر وله أجرة المثل من يوم الرجوع حتى يندرس ولا يلزم المستعير تسوية الارض اذا رجع المعير قبل الدفن ولم يدفن فيه

(2)

، واذا رهن المستعير العارية التى استعارها للرهن فليس للمعير الرجوع عن العارية بعد قبض المرتهن اذ قد لزم فيه حق للغير فلا يصح، وأما قبل القبض فيصح الرجوع ولو قد عقد الرهن لعدم لزومه

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

لو استعار الراهن الرهن من المرتهن خرج من ضمان المرتهن لان الضمان باعتبار قبضه وقد زال وللمرتهن أن يسترده الى يده لان عقد الرهن باق الا فى حكم الضمان فى الحال فاذا استرده عاد مضمونا عليه عنده لانه عاد القبض بحكم الرهن فيعود بصفته وهو الضمان

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(5)

: وإن باع المستعير العارية فقال موسى بن على يأخذها صاحبها من المشترى ويرجع المشترى على البائع وقال أبو الحر ليس للمعير أن يستردها من المشترى والبيع تام لان المستعير آمنه فيأخذ المعير من المستعير المثل ولا سبيل له على المشترى وقال أبو عبيده والربيع على المعير أن

(1)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 257 ص 258 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 258 وهامشه الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 235 الطبعة السابقة.

(4)

تذكرة الفقهاء للمحقق الحلى ج 2 ص 47 الطبعة السابقة.

(5)

شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 6 ص 87 الطبعة السابقة.

ص: 289

يمكن منه المشترى فيحاكمه ثم له أن يأخذ متاعه ويرجع المشترى على المستعير وقال الشيخ عثمان ان قدر المعير على أخذ متاعه من مشتريه فلا يجد حتى يجمع بينه وبين البائع فيختصما فيأخذه حينئذ وقيل يفديه ان شاء والا فلا يأخذه الا أن جمع بينهما.

‌حكم الاسترداد فى الوديعة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البدائع اذا طلب صاحب الوديعة وديعته يجب ردها لقول الله تعالى {(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها 1)} حتى لو حبسها بعد الطلب فضاعت ضمن هذا اذا كانت الوديعة

(2)

لرجل واحد، ولو أودع رجلان شيئا عند رجل فحضر أحدهما يطلب نصيبه فان كانت الوديعة ليست من ذوات الامثال لم يدفع له بالاجماع وان كانت من ذوات الامثال فللحنفية فى ذلك قولان:

أحدهما: لم يدفع اليه حتى يحضر الاخر على ما يقول به الامام أبو حنيفة رحمه الله وهو مروى عن على رضى الله تعالى عنه ولان المودع لا يملك القسمة بينهما ولهذا لو دفع اليه نصفه لا يكون قسمة بالاجماع حتى اذا هلك الباقى رجع صاحبه على الآخذ بحصته بالاجماع.

وثانيهما: على ما قال أبو يوسف ومحمد له ذلك لان الحاضر طلب نصيبه خاصة فيؤمر بالدفع اليه كما فى الدين المشترك ولهذا كان له أن يأخذه اذا ظفر به

(3)

وان خلطها بماله ضمن كذلك لانه صار مستهلكا متعديا اذ لا يمكن صاحبها الوصول الى عين حقه بسبب فعله فيجب عليه الضمان ويملك المخلوط ولا سبيل للمودع فى المخلوط عند أبى حنيفة رحمه الله لان هذا الخلط استهلاك من كل وجه اذ هو فعل يتعذر معه الوصول الى عين حقه ولا يكون الاستهلاك من العباد أكثر من ذلك لان اعدام المحل لا يدخل تحت قدرتهم فيصير ضامنا ولا اعتبار بالقسمة لانها توجبها الشركة ليصل كل واحد الى حقه فلا تصلح أن تكون موجبة للشركة وقال أبو يوسف ومحمد اذا خلطها بجنسها شركة ان شاء لانه لا يمكنه الوصول الى عين حقه صورة وأمكنه معنى بالقسمة فكان استهلاكا من وجه فيميل الى ايهما شاء وهذا لان القسمة فيما لا تتفاوت أحاده افراز وتعيين حتى ملك كل واحد من الشريكين أن يأخذ حصته عينا من غير قضاء

(4)

ولا رضا فكان امكان الوصول الى عين حقه قائما معنى فيتخير ولو أبرأ المودع الخالط فلا سبيل للمودع على المخلوط عند أبى حنيفة لان حقه فى الدين لا غير وقد

(1)

الآية رقم 85 من سورة النساء.

(2)

البدائع للكاسانى ج 6 ص 210.

(3)

تبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 80.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 77، 78.

ص: 290

سقط بابرائه وعندهما يسقط الخيار وتتعين الشركة فى المخلوط، ولو خلط المائع بخلاف جنسه كالزيت بالشيرج يوجب انقطاع حق المالك بالضمان لانه استهلاك صورة ومعنى لتعذر القسمة ولو خلط المائع بجنسه ينقطع حق المالك عند أبى حنيفة رحمه الله وعند أبى يوسف يجعل الاقل تابعا للاكثر وعند محمد شركة بكل حال لان الجنس لا يغلب الجنس عنده وأن اختلطت بغير فعله اشتركا لان الضمان لا يجب الا بالتعدى ولم يوجد فيشتركا ضرورة، ولو أنفق بعضها فرد مثله فخلطه بالباقى ضمن الكل لانه متعد وان تعدى فيها ثم زال التعدى زال الضمان

(1)

ويضمن كذلك بجحود الوديعة فى وجه المالك عند طلبه ويضمن كذلك بالاتلاف حقيقة أو معنى وهو اعجاز المالك عن الانتفاع بالوديعة لان اتلاف مال الغير بغير اذنه سبب لوجوب الضمان حتى لو طلب الوديعة فمنعها المودع مع القدرة على الدفع والتسليم اليه حتى هلكت يضمن لانه لما حبسها عجز عن الانتفاع بها للحال صارت يده كيد الغاصب فدخلت

(2)

فى ضمانه واذا كانت الوديعة سيفا فأراد صاحبه أن يأخذه ليضرب به رجلا بغير حق وتحقق ذلك للمودع فله أن يمنعه من الرد اليه ولو أودع رجل آخر جارية فغصبها منه رجل فأبقت من يد الغاصب كان للمودع أن يضمن الغاصب قيمته بقضاء أو بغير قضاء وتكون القيمة أمانة فى يد المودع فان ظهرت الجارية فللمولى الخيار ان شاء أخذ الجارية وان شاء أخذ القيمة فان أخذ الجارية رجع الغاصب على المودع بما أخذ منه ان كانت قائمة وبمثلها ان كانت هالكة

(3)

.

‌حكم استرداد ما انفق على الوديعة:

وما أنفق المودع على الوديعة بأمر القاضى فهو دين على صاحبها يرجع به عليه اذا حضر ولو أنفق بغير أمر القاضى كان متبرعا ان كانت الوديعة أمة المودع

(4)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى والمودع «بالفتح» اذا أودع الوديعة عند أمين لعورة حدثت أو طرو سفر وجب عليه استرجاعها ممن هى عنده اذا رجع من سفره أو زالت العورة بان بنى جداره الذى سقط ومحل وجوب استرجاعها اذا رجع من سفره ان كان قد نوى عند سفره الاياب منه فان لم ينو الاياب عند سفره ندب له ترجيعها فقط اذا رجع والقول له أنه نواه فلا يضمن اذا لم يرجعها وهلكت الا أن يغلب الاياب من ذلك السفر والا لم يقبل قوله وان نوى الاياب أى ان رجع من سفره وقد كان نوى الاياب عند سفره ولم يسترجعها ضمن فلو

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 78، 79.

(2)

البدائع ج 6 ص 211، 213.

(3)

الفتاوى الهندية وبهامشه فتاوى قاضيخان ج 4 ص 359.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 360، 361.

ص: 291

طلبها المودع بالفتح ممن هى عنده وامتنع من دفعها له فينبغى القضاء عليه بدفعها له فان حصل تنازع فى نية الاياب وعدمها فالظاهر انه ينظر الى سفره فان كان الغالب فيه الاياب فالقول قول المودع الاول فيقضى بدفعها له وان كان الغالب فيه عدم الاياب أو استوى الامران كان القول قول المودع الثانى فلا يقضى بدفعها للاول وحينئذ فلا يضمن الاول تلفها فى هذه الحالة والذى تعلق ضمانها به الثانى

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

‌للمودع استرداد وديعته فى أى وقت شاء

ومتى طلب المالك المطلق التصرف وديعته لزم المودع الرد فورا ولا يجوز له التأخير فان أخر من غير عذر ضمن لانه مفرط وان أخرها لعذر لم يضمن لانه غير مفرط وان ادعى تلفها ولم يذكر سببا أو ذكر سببا خفيا كسرقة وغصب صدق بيمينه وان ذكر سببا ظاهرا كحريق فان عرف الحريق وعمومه ولم يحتمل سلامة الوديعة صدق بلا يمين

(2)

، ويضمن المودع الوديعة اذا أودع غيره ولو ولده وزوجته بلا اذن ولا عذر

(3)

وان أراد المودع السفر ووجد صاحبها أو وكيله سلمها اليه فان لم يجد سلمها الى الحاكم فان لم يكن سلمها الى أمين وان سلم الى أمين مع وجود الحاكم فقال أبو اسحق لا يضمن لانه أمين فاشبه الحاكم وقال أبو سعيد الاصطخرى يضمن لان أمانة الحاكم مقطوع بها، وان سافر بها مع وجود المالك أو الحاكم أو الامين ضمن لان الايداع يقتضى الحفظ وليس السفر من مواضع الحفظ

(4)

، واذا نقل الوديعة لغير ضرورة من دار الى أخرى دونها فى الحرز ضمن لتعريضها للتلف فان تساويا أو كان المنقول اليه أحرز فلا يضمن لعدم التفريط، ولو أودعه دابة فترك علفها ضمن أن تلفت ونقص أرشها ان نقصت فان نهاه المالك فلا ضمان عليه على الصحيح والثانى

(5)

يضمن ولو أكرهه ظالم حتى سلمها اليه أو لغيره فللمالك تضمين الوديع فى الاصح لمباشرته للتسليم ولو مضطرا والثانى ليس له تضمينه للاكراه ويطالب الظالم، وله أيضا مطالبة الظالم على الرأى الاول واذا ضمن المودع رجع على الظالم ولو انتفع المودع بالوديعة بعد أخذها لابنية الانتفاع بأن لبس أو ركب لغير عذر ضمن لتعديه، وان أخذ الثوب أو الدراهم لينفقها ضمن المثلى بمثله ان تلف والمتقوم بأقصى قيمه وأجره المثل

(6)

، ان مضت مدة لمثلها أجرة وان لم يلبس وينفق لان العقد أو القبض لما اقترن

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لأبى الضياء خليل ج 3 ص 424.

(2)

نهاية المحتاج ج 6 ص 129، ص 114 والمهذب ج 1 ص 362.

(3)

نهاية المحتاج ج 6 ص 115.

(4)

المهذب ج 1 ص 360.

(5)

نهاية المحتاج ج 6 ص 119.

(6)

نهاية المحتاج ج 6 ص 125.

ص: 292

بنية التعدى صار كقبض الغاصب، ولو خلط الوديعة بماله ولم تتميز ضمن ضمان المغصوب أما لو تميزت فلا يضمن الا ان نقصت بالخلط فيضمن النقص

(1)

، ويصير صاحب الوديعة مستردا لوديعته بالتمكين من الاخذ بأن يخلى المودع بينه وبينها ومؤنة الرد على المالك وهذا اذا كان صاحبها مطلق التصرف اما اذا كان محجورا عليه لنحو سفه أو فلس فيكون الرد لوليه والا ضمن كالرد لاحد شريكين أو دعاه فان أبى أحدهما الا أخذ حصته رفعه لقاض يقسمها له أن انقسم ويلزم رد الوديعة ولو كان المودع معروفا باللصوصية وغلب على الظن أنها لغيره لان الرد فيما يظهر لظاهر اليد واذا أراد الوديع سفرا مباحا وان قصر فليرد الى المالك أو وليه أو وكيله العام أو الخاص بها ان لم يعلم رضاه ببقائها عنده فيما يظهر لا سيما ان كان قصيرا فان فقده فأمين بالبلد يدفعها اليه لئلا يتضرر بتأخير السفر ولو عاد الوديع من سفره فله استردادها وان نازع فيه الامام

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

ان قدر المستودع على صاحب البهيمة أو قدر على وكيله طالبه بالانفاق عليها أو طالبه باسترداد البهيمة على مالكها أو وكيله أو طالبه بأن يأذن له فى الانفاق عليها ليرجع الوديع بما أنفقه لان النفقة على الحيوان واجبة على مالكها وهذه طريقة الوصول اليها منه فان عجز المستودع عن صاحبها وعجز عن وكيله أو لم يقدر على أن يتوصل الى أحدهما ليطالبه بالانفاق عليها أو استردادها أو ان يأذنه فى النفقة رفع المستودع الامر الى الحاكم فان وجد الحاكم لصاحبها مالا أنفق عليها منه لان للحاكم ولاية مال الغائب وان لم يجد الحاكم لصاحبها مالا فعل الحاكم ما يؤديه اليه اجتهاده انه احظ لصاحبها من بيعها وحفظ ثمنها لربها أو بيع بعضها وانفاق ثمن البعض على ما بقى منها أو اجارتها أو الاستدانة على صاحبها فيدفعه الى المودع أو غيره فينفق عليها ويجوز للحاكم أن يأذن للمودع أن ينفق عليها من ماله ليرجع على ربها اذا جاء ويكون المودع حينئذ قابضا من نفسه لما ينفقه عليها لنفسه ويفوض الحاكم ذلك الى اجتهاد المودع فى قدر ما ينفق ويرجع المستودع بما أنفقه باذن الحاكم على صاحبها لقيام اذن الحاكم مقام اذنه واذا انفق المستودع عليها باذن الحاكم رجع به وان كان المستودع انفق بغير اذنه مع تعذره واشهد على الانفاق أى على انه أنفق ليرجع رجع بما أنفقه على صاحبها لقيامه عنه بواجب وان كان أنفق على البهيمة مع امكان اذن الحاكم ولم يستأذنه مع العجز عن استئذان ربها

(1)

نهاية المحتاج ج 6 ص 129.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 115، ص 116.

ص: 293

بل نوى الرجوع لم يرجع وقيل يرجع المستودع بما أنفقه عليها على ربها اذا تعذر استئذانه (أى ربها) ولو لم يستأذن حاكما مع قدرته ولم يشهد اختاره جمع

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

يجوز لصاحب الوديعة أن يطلب وديعته وعلى من أودعت عنده أن يردها الى صاحبها متى طلبها فان تلفت من غير تعد من المودع عنده فلا ضمان عليه وان تلفت بتعديه أو أضاعها لزمه ضمانها ولو تعدى على بعضها دون بعض لزمه ضمان ذلك البعض الذى تعدى فيه فقط لان الله يقول {(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)} فيضمن ضمان الغاصب فى كل ما ذكرنا فى حكم الغصب وان لقى المودع من أودعه فى غير الموضع الذى أودعه فليس له مطالبته

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

ولمالك الوديعة الحق فى أن يسترد وديعته ويجب على الوديع أن يخلى بين المالك وبين وديعته والا كان متعديا يضمن ما تلف لانه قد صار غاصبا

(3)

واذا طلب أحد المودعين حصته فعلى الوديع أن يعطى الطالب من المودعين حصته مما قسمته افراز ولو فى غيبة الاخر ومن غير حاكم حيث يتفق مذهبهما ويكون مشروطا بأن يصير النصيب الى المالك ما لم يكن التسليم بأمر الحاكم فلا يشترط والا تكن قسمته افرازا فالحاكم يميز نصيبه اذا كان غيبة شريكه يجوز معها الحكم

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

لو طلب المالك الوديعة فقال المستودع أودعتها عند وكيلك فلان باذنك فان أنكر المالك الاذن والوكالة صدق باليمين اذا لم يكن بينه لانه منكر فاذا حلف نظر ان كان فلان مقرا بالقبض والوديعة باقية ردت على المالك فان غاب المدفوع اليه كان للمالك أن يغرم المستودع فاذا قدم الغائب أخذها المستودع وردها على المالك واسترد البدل الذى دفعه ولو عاد المستودع الاول من سفره فهل له استعادتها من الثانى؟ فيه اشكال ينشأ من أنه المستودع بالاصالة ومن أنه برئ من

(1)

كشاف القناع مع منتهى الارادات عليه ج 2 ص 397، ص 398.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 277، ص 278.

(3)

التاج المذهب الجامع لاحكام المذهب ج 3 ص 336.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 340.

ص: 294

الحفظ المأمور به ولا ريب فى أن للمستودع الاسترداد من الغاصب

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

وأن أخذ انسان مالا من انسان بتعديه فاستودعه عند أحد سواء كانت مالا للمأخوذ منه أو وديعة عنده أو أمانة أو رهنا وغير ذلك من أموال الناس ويجبر هذا الذى جعلت عنده وديعة على أدائها لربها المستمسك بها ان اقر أنه أودع عنده ذلك وقامت البينة انه مال أخذه المودع بكسر الدال - بتعديه من هذا المستمسك بها أو قامت بينة أنه أودع عنده ذلك وأنه أخذه من مال المستمسك بها بتعديه وأما بمجرد اقراره فلا يحكم للمتمسك به لانه اقراره على غيره وهو المودع بالكسر بل يحضر المودع بالكسر فان أقر أو قام عليه البيان أنه أخذه من مال فلان رده

(2)

.

‌حكم الاسترداد المهر

‌مذهب الحنفية:

اذا كان المهر مقبوضا وحصلت فرقة بغير طلاق قبل الدخول وقبل الخلوة وذلك كما فى خيار العتق وفى خيار البلوغ الذى حدثت به الفرقة أمام القاضى وكما اذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء واعترض الولى وفرق القاضى بينهما وكما اذا ارتدت الزوجة أو أبت الاسلام وكانت مشركة أو مجوسية حين أسلم الزوج وكذلك النكاح الفاسد كتزوج الاختين والنكاح بغير شهود ونكاح الاخت فى عدة أختها فانه فى كل هذه الاحوال تكون الفرقة بغير طلاق فاذا كانت قبل الدخول وكان المهر مقبوضا ردت جميع المهر للزوج لان الاصل فى ذلك أن الفرقة اذا كانت من قبل الزوجة وكان قبل الدخول فلا مهر لها وان كانت بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة فى النكاح الصحيح أو الوط ء فى النكاح الفاسد فقد وجب لها جميع المهر وسقط حق الزوج فى استرداده أما الفرقة التى تقع بطلاق قبل الدخول كارتداد الزوج أو ابائه الاسلام فانه يوجب للزوجة نصف المهر ويرجع عليها الزوج بالنصف ان كانت قبضت الجميع والاصل فى هذا أن كل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول يجب للزوجة نصف المهر وبعد الدخول يجب لها كل المهر.

واذا قال الاب للختن عند أخذ صداق بنته آخذ منك على انى أبرأتك من مهر بنتى فان أخذت البنت من الختن الصداق رجع الختن على الاب

(3)

.

(1)

تذكرة الفقهاء للحلى ج 2 ص 206، 207

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش.

ج 7 ص 82.

(3)

البحر الرائق لابن نجيم ج 7 ص 201 الطبعة السابقة.

ص: 295

‌حكم استرداد المهر من الزوجة

المطلقة قبل الدخول والخلوة الصحيحة:

يتنصف المهر بالطلاق قبل الدخول لقوله تعالى: «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»

(1)

قال فى الشلبى تعليقا على ذلك ثم ان كانت قبضت المهر فحكم هذا التنصيف يثبت عند زفر بنفس الطلاق ويعود النصف الى ملك الزوج وعندنا لا يبطل ملك المرأة فى النصف الا بقضاء أو رضا وعلى هذا فلو كان المهر جارية واعتقها الزوج بعد الطلاق قبل الدخول والجارية مقبوضة للزوجة نفذ عتقه فى نصفها عند زفر ولا ينفذ فى شئ منها عندنا

(2)

ولو تزوجها على ألف درهم المهر فقبضتها كلها ثم وهبت المقبوض كله للزوج وهو ألف درهم ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف المهر المقبوض وهو خمسمائة درهم لانه يجب عليها أن ترد نصف المهر بالطلاق قبل الدخول ولم يصل اليه بالهبة عين ما يستحقه لان الدراهم لا تتعين فى العقد فكذا فى الفسخ قال الشلبى نقلا عن الاتقانى والدليل على عدم التعيين أن المرأة لا يلزمها رد عين ما أخذت بالطلاق قبل الدخول قال الاتقانى وحينئذ فما وهبته للزوج غير ما قبضته فصارت هبة المقبوض كهبة مال آخر فلم يسلم للزوج نصف الصداق فيجب عليها أن ترد نصف ما قبضت قال الزيلعى وكذا اذا كان المهر مكيلا أو موزونا آخر فى الذمة فاذا لم تقبض من المهر شيئا فأبرأته من جميعه وهو ألف فالحكم فيه أنه لا يرجع عليها بشئ والقياس أن يرجع عليها بنصف المهر وهو الالف وهو قول زفر لانه برئت ذمته بالابراء أو بالهبة ولم تبرأ بالطلاق قبل الدخول وهو يستحق البراءة به عن نصف الصداق فيرجع عليها بما يستحق وهذا لما عرف أن اختلاف السبب بمنزلة اختلاف العين فكأنها وهبته عينا أخرى غير المهر ووجه الاستحسان أنه وصل اليه عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول وهو براءة ذمته من نصف المهر فلا يبالى باختلاف السبب عند حصول المقصود واذا قبضت نصف المهر ثم وهبت للزوج جميع المهر المقبوض وغيره ثم طلقها قبل الدخول بها فالحكم فيه أنه لا يرجع عليها بشئ عند أبى حنيفة لان مقصود الزوج بالطلاق قبل الدخول سلامة نصف المهر بغير عوض وقد حصل له فلا يستوجب الرجوع عليها وقالا يرجع عليها بنصف المقبوض لانها لو قبضت الكل كان يرجع عليها بنصفه فكذا اذا قبضت النصف يرجع عليها بنصف المقبوض اعتبارا للجزء بالكل ولو وهبت أقل من النصف وقبضت الباقى يرجع عليها الى تمام النصف عند أبى حنيفة وعندهما يرجع عليها بنصف المقبوض ولو كان المهر مكيلا أو

(1)

الآية رقم 237 من سورة البقرة.

(2)

الزيلعى وبهامشه الشلبى ج 2 ص 138 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 296

موزونا آخر غير الدراهم والدنانير فى الذمة فحكمه كالحكم فى كل ما مر ولو تزوجها على عرض بعينه فقبضته أو لم تقبضه ووهبته له ثم طلقها قبل الدخول بها لا يرجع عليها بشئ والقياس أن يرجع بنصف قيمته وهو قول زفر

(1)

.

‌حكم استرداد المهر من الزوجة

المطلقة بعد الدخول:

لا يحق للزوج أن يسترد شيئا من المهر اذا طلق بعد الدخول لان المهر يتأكد بالخلوة الصحيحة وموت أحد الزوجين ولا يسقط شئ منه بدليل قوله عز وجل وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا واثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم الى بعض - فقد نهى الله سبحانه وتعالى عن أخذ شئ مما ساق اليها من المهر عند الطلاق وأبان عن معنى النهى لوجود الخلوة قال الفراء:

ان الافضاء هو الخلوة دخل بها أو لم يدخل

(2)

.

‌حكم استرداد ما دفعه الاب أو الولى مهرا:

نقل الشلبى فى حاشيته عن الاتقانى:

اذا زوج الرجل ابنه الصغير فى حالة صحته وضمن عنه المهر لزوجته يصح اذا قبلت ذلك فاذا أدى الاب بعد ذلك لم يرجع على الابن بما أدى وهذا فى الاستحسان وفى القياس يرجع لان غير الاب لو ضمن باذن الاب وأدى يرجع فى مال الصغير فكذا الاب لان قيام ولايته عليه فى الصغر بمنزلة أمره بعد البلوغ ووجه الاستحسان أن الاباء يتحملون المهور عن أبنائهم عادة ولا يطمعون فى الرجوع الا اذا شرط الرجوع فى أصل الضمان فحينئذ يرجع بخلاف الوصى اذا أدى المهر عن الصغير بحكم الضمان فانه يرجع لان التبرع من الوصى لا يوجد عادة وفى الزيلعى قال: ان أدى المولى من مال نفسه فله أن يرجع فى مال الصغير ان أشهد أنه يؤديه ليرجع عليه وان لم يشهد فهو متطوع استحسانا فلا يكون له الرجوع فى ماله

(3)

: وجاء فى حاشية الشلبى على الزيلعى: لو خطب بنت رجل وبعث اليها شيئا ولم يزوج الاب البنت قالوا: ما بعث للمهر وهو قائم أو هالك يسترد وكذا ما بعث هدية وهو قائم فأما الهالك والمستهلك فلا شئ له فى ذلك

(4)

.

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد الصداق اذا حصل عيب:

يرجع الزوج بجميع الصداق الذى غرمه لزوجته فى عيب ترد به بغير شرط وأما ما ترد به بشرط فانه يرجع بما زاده المسمى على صداق مثلها ويكون رجوع الزوج

(1)

الزيلعى ج 2 ص 146، 147 ص 148.

(2)

البدائع للكاسانى ج 2 ص 291، ص 292

(3)

الزيلعى مع الشلبى ج 2 ص 154.

(4)

الزيلعى ج 2 ص 159.

ص: 297

على ولى لم يخف عليه أمر وليته وان كان غائبا فان غاب عنها بأن خفى عليه عيبها لعدم مخالطتها لم يرجع عليه فليس المراد بالغيبة السفر وهذا فى عيب يظهر قبل البناء كجذام وبرص وأما مالا يظهر الا بعده أو بالوط ء فحكم الولى القريب فيه كالبعيد كابن وأب وأخ وكذا عم وابن عم معها فى البيت بحيث لا يخفى عليهما عيبها ولا شئ عليها من الصداق الذى أخذته من الزوج اذا كانت غائبة عن مجلس العقد فلا رجوع للولى عليها لانه هو الذى دلس على الزوج ولا للزوج وأن أعدم الولى أو مات لانها لم تدلس ومن حجتها أن تقول لو حضرت محل العقد ما كتمت عيبى ويرجع على الولى القريب أو عليها أن زوجها بحضورها كاتمين للعيب اذ كل منهما غريم فالزوج مخير فى الرجوع على من شاء منهما ثم يرجع الولى عليها أن أخذه الزوج منه لا العكس فلا ترجع هى عليه أن أخذه الزوج منها لانها هى المباشرة للاتلاف ويرجع الزوج عليها فقط فى تزويج كابن العم والمولى والحاكم من كل ولى قريب أو بعيد شأنه أن يخفى عليه حالها الا ربع دينار لحق الله تعالى لئلا يعرى البضع عن صداق فان علم الولى البعيد بعيبها وكتمه عن الزوج فكالقريب الذى لم يغب فالرجوع عليه فقط ان كانت غائبة وعليه وعليها ان زوجها بحضورها كاتمين كما سبق ويحلف الزوج الولى البعيد ان ادعى الزوج دعوى تحقيق علمه بعيبها كاتهام الزوج الولى انه أطلع على العيب وكتمه فان نكل الولى عن اليمين فى دعوى التحقيق حلف الزوج أنه غره ورجع على الولى دون الزوجة وأما فى دعوى الاتهام فيغرم الولى بمجرد النكول فان نكل الزوج فى دعوى التحقيق كما نكل الولى رجع الزوج على الزوجة على المختار ويرجع الزوج على شخص غار له بالسلامة من العيب أو بحرية امة غير ولى خاص تولى الغار العقد بجميع الصداق ولا يترك له ربع دينار ولا يرجع عليه ان غره بحرية بقيمة الولد يعنى أن الزوج اذا غره أجنبى بحرية أمة تولى عقدها باذن سيدها ولم يخبر بأنه غير ولى بل أخبر بأنه ولى أو لم يخبر بشئ وغرم الزوج المسمى لسيدها وقيمة الولد لانه حر فانه يرجع على من غره بالمسمى لا بقيمة الولد التى غرمها للسيد لان الغرور سبب فى اتلاف الصداق وهو وان كان سببا للوط ء أيضا الا أنه قد لا ينشأ عنه ولد والمباشر مقدم على المتسبب فلو أخبر الاجنبى بأنه غير ولى فلا يرجع الزوج عليه بشئ كما اذا لم يتول العقد

(1)

.

‌حكم استرداد الزوجة مهرها اذا

استحق المهر من يدها أو تعيب:

اذا استحق المهر من يد المرأة فترجع على الزوج بمثل المثل والمقوم الموصوف وأما المقوم المعين اذا استحق جميعه منها

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 286 الطبعة السابقة.

ص: 298

فانه يوجب الرجوع لها عليه بقيمته ولا يفسخ النكاح واطلاعها على عيب قديم فى المهر يوجب خيارها فى التماسك به أورده وترجع بمثله أو قيمته كما فى الاستحقاق من غير فرق وكذا اذا استحق بعضه أو تعيب بعضه فاذا تزوجها بدار بعينها فاستحق بعضها فان كان الذى استحق من الدار فيه ضرر بأن كان أزيد من الثلث كان لها أن ترد بقيتها وتأخذ منه قيمتها أو تحسب ما بقى وترجع بقيمة ما استحق وان استحق منها الثلث أو الشئ التافه الذى لا ضرر فيه رجعت بقيمة ما استحق فقط واذا تزوجها بشئ واحد بعينه أو بعدد معين من رقيق أو حيوان أو مقاطع قماش مثلا واستحق من ذلك جزء قل أو كثر ولو اثنين من ثلاثة فلها أن ترد بقيته وترجع بقيمة جميعه أو تحسب بقيمة ما استحق واذا تزوجها بعرض متعدد معين كعدد من الرقيق ونحوه فوجدت عيبا قديما فى بعض ذلك سواء كان ذلك العيب قليلا أو كثيرا فلها أن ترد ما بقى وترجع بقيمة جميعه أو تحسب ما بقى وترجع بقيمة المعيب

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

‌من له حق استرداد المهر:

جاء فى مغنى المحتاج أن حق استرداد المهر يكون للزوج ان دفعه الزوج أو وليه من أب أو جد عنه وهو صغير أو مجنون أو سفيه وان لم يدفعه الزوج ولا وليه كان حق الاسترداد فيه الى المؤدى وان كان ظاهر ما قاله النووى أنه يعود للزوج مطلقا قال الاذرعى: انه الذى أورده أكثر العراقيين ويستثنى من ذلك ما اذا أسلم العبد الصداق من كسبه أو أداه السيد من ماله ثم طلق قبل الدخول فان النصف يعود الى السيد ولو باعه أو أعتقه ثم طلق فالعائد للمشترى فى الاولى وللعتيق فى الثانية

(2)

.

‌ثبوت استرداد المهر كله أو نصفه للزوج:

يثبت للزوج حق استرداد المهر كله - اذا كان قد دفعه - بالفرقة فى الحياة الحاصلة من جهة الزوجة قبل الدخول بها كاسلامها بنفسها أو بالتبعية كاسلام أحد أبويها وهى صغيرة أو اذا كانت الفرقة بسببها كفسخ بعيبها يسقط المهر لانها ان كانت هى الفاسخة فهى المختارة للفرقة فكأنها أتلفت المعوض قبل التسليم فسقط العوض وان كان هو الفاسخ بعيبها فكأنها هى الفاسخة وسواء كان عيبها مقارنا للعقد أو حادثا وانما كان فسخه بعيبها كفسخها لكونه سبب الفسخ وذلك ان الزوج بذل العوض فى مقابلة منافع الزوج، والعوض الذى ملكته سليم فكان مقتضاه أن لا فسخ لها الا أن الشارع أثبت لها الفسخ دفعا للضرر عنها

(3)

فاذا اختارته

(1)

حاشية الدسوقى ج 2 ص 286، 295 ص 299.

(2)

مغنى المحتاج ج 3 ص 221.

(3)

مغنى المحتاج ج 3 ص 218 ونهاية المحتاج ج 6 ص 349 وما بعدها والمهذب ج 2 ص 58.

ص: 299

لزمها رد البدل ويثبت للزوج حق استرداد المهر ان امتنعت الزوجة من تمكين نفسها من زوجها بلا عذر بعد استلامها المهر فانه يسترد المهر منها على القول بأنه يجير على تسليم المهر أولا لانه بالجبر لم يكن متبرعا وهذا الرأى مرجوح أما على القول بأنه لا يجبر على تسليم المهر أولا فلا يسترد لانه تبرع بالمبادرة وهذا هو الراجح

(1)

، وكذا اذا منع السيد زوج أمته من صحبتها والسفر معها فللزوج استرداد مهر من لم يدخل بها ان لم يسافر معها لكن محله كما قاله بعضهم: اذا سلم المهر ظانا وجوب التسليم عليه، فان تبرع به لم يسترده

(2)

.

أما ان كان الغرر فى النكاح من جهة المرأة كأن تزوجها على أنها حرة فكانت أمة - وهو ممن يحل له نكاح الامة ففى صحة النكاح قولان: فان قلنا أنه باطل فوطئها لزمها مهر المثل وهل يرجع به على الغار؟ فيه قولان:

أحدهما: لا يرجع لانه حصل له فى مقابلته الوط ء.

والثانى: يرجع لان الغار ألجأه اليه، فان كان الذى غره غير الزوجة رجع عليه وان كانت هى الزوجة رجع عليها اذا عتقت وان كان وكيل السيد رجع عليه فى الحال، وان غرته بصفة غير الرق أو بنسب ففى صحة النكاح القولان، فان قلنا انه باطل ودخل بها وجب مهر المثل وهل يرجع به على من غره؟ على القولين السابقين، فان رجع فان كان الغرور من غيرها رجع بالجميع وان كان الغرور منها ففيه وجهان أحدهما يرجع بالجميع كما يرجع على غيرها، والثانى يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوط ء عن بدل ويثبت له حق استرداد نصف المهر بالفرقة التى تقع بين الزوجين قبل الدخول اذا كانت الفرقة ليست منها ولا بسببها كطلاق وخلع ولو باختيارها واسلامه ولو تبعا وردته ولعانه وارضاع أمه لها، وارضاع أمها له فان ذلك يشطر المهر أما فى الطلاق فلآية:«وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»

(3)

وأما الباقى فبالقياس عليه ومعنى التشطير أن للزوج خيار الرجوع فى النصف ان شاء رجع فيه وتملكه وان شاء تركه كالشفيع لانه لا يدخل شئ فى ملك الانسان بغير اختياره سوى الارث وهذا الخيار على التراضى كما يقتضيه كلام الرافعى، والصحيح عود نصف الصداق المعين الى الزوج بنفس الطلاق وان لم يختره لقوله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الآية السابقة

(1)

نهاية المحتاج ج 6 ص 333 ومغنى المحتاج ج 3 ص 209.

(2)

نهاية المحتاج ج 6 ص 326 ومغنى المحتاج ج 3 ص 205.

(3)

الآية رقم 237 من سورة البقرة.

ص: 300

فعلق استحقاق النصف بالطلاق

(1)

واذا ثبت له الرجوع فى نصف المهر فان كان المهر باقيا بحاله رجع بنصفه وليس لها ابداله الا برضاه وان كان تالفا بعد قبضه فان كان مما له مثل رجع بنصف مثله وان لم يكن له مثل رجع بقيمة نصفه أقل ما كانت من يوم العقد الى يوم القبض لانه ان كانت قيمته يوم العقد أقل ثم زادت كانت الزيادة فى ملكها فلم يرجع بنصفها وان كانت قيمته يوم العقد أكثر ثم نقص كان النقصان مضمونا عليه فلم يرجع بما هو مضمون عليه

(2)

وعلى ذلك فاذا أصدق الرجل المرأة دنانير أو دراهم فدفعها اليها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، والدنانير والدراهم قائمة بأعيانها لم تغير وهما يتصادقان على أنها هى بأعيانها رجع عليها بنصها، وهكذا ان كانت تبرا من فضة أو ذهب فان تغير شئ من ذلك فى يدها اما بأن تدفن الورق فيبلى فينقص أو تدخل الذهب النار فينقص أو تصوغ الذهب والورق فتزيد قيمته أو تنقص فى النار فكل هذا سواء ويرجع عليها بمثل نصفه يوم دفعه اليها لانها ملكته بالعقدة وضمنته بالدفع فلها زيادته وعليها نقصانه فان قال الزوج فى النقصان أنا آخذه ناقصا فليس لها دفعه عنه الا فى وجه واحد: ان كان نقصانه فى الوزن وزاد فى العين فليس له أخذه فى الزيادة فى العين وانما زيادته فى مالها، أو تشاء هى فى الزيادة أن تدفعه اليه زائدا غير متغير عن حاله فليس له الا ذلك

(3)

.

‌سقوط حق الزوج فى استرداد

المهر كله أو بعضه

اذا حدثت الفرقة بين الزوجين بعد الدخول أو بالموت قبل الدخول سقط حق الزوج فى استرداد كل المهر لان الصداق يستقر بالوط ء فى الفرج لقول الله عز وجل:

«وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ»

(4)

ويستقر بموت أحدهما قبل الدخول فى نكاح صحيح قبل وه ء لاجماع الصحابة ولبقاء آثار النكاح بعده من التوارث وغيره أما اذا كانت الفرقة قبل الدخول وكانت بسبب من جهة الزوج كطلاقه واسلامه أو ردته أو كان بخلع سقط حقه فى استرداد نصف المهر

(5)

ولو أسلم الزوجان قبل الدخول وجهل السابق منهما فلا نكاح بينهما لاتفاقهما على تعاقب الاسلام قبل الدخول، ولا يسترد المهر منها ان كانت قبضته لاحتمال سبقه فيقر النصف فى يدها حتى يتبين الحال

(6)

وان طلق الزوج زوجته بعد الدخول وكانت قد استوفت حقها فلا رجوع فيه للزوج

(7)

.

(1)

نهاية المحتاج ج 6 ص 333 ومغنى المحتاج ج 3 ص 209. والمهذب ج 2 ص 50.

(2)

المهذب ج 2 ص 58 مغنى المحتاج ج 3 ص 220.

(3)

آلام ج 5 ص 54.

(4)

الآية رقم 21 من سورة النساء.

(5)

المهذب ج 2 ص 57، ص 58 ونهاية المحتاج ج 6 ص 335 وما بعدها.

(6)

مغنى المحتاج ج 3 ص 190.

(7)

مغنى المحتاج ج 3 ص 223.

ص: 301

‌مذهب الحنابلة:

ان فسخ النكاح بعد الدخول أو بعد خلوة فلها المسمى، ويرجع به على من غره من امرأة عاقلة وولى ووكيل أيهم انفرد بالغرر ضمن وشرط أبو عبد الله ابن تيمية بلوغها وقت العقد ليوجد تغرير محرم ولا سكنى لها ولا نفقة الا أن تكون حاملا، وان وجد الغرور من المرأة والولى فالضمان على الولى ومنها ومن الوكيل بينهما نصفان، وان انكر الولى ولو كان ممن له رؤيتها أو الوكيل عدم العلم بالعيب ولا بينه قبل قوله مع يمينه وان ادعت عدم العلم بعيب نفسها واحتملت ذلك فحكمها حكم الولى قاله الزركشى ومثلها فى الرجوع على الغار لو زوج امرأة فأدخلوا عليه غيرها، ويلحقه الولد ويجهز زوجته بالمهر الاول نصا وان طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب فعليه نصف الصداق لها يرجع به وان مات أو ماتت قبل العلم به أو بعده وقبل الفسخ فلها الصداق كاملا ولا يرجع به على أحد

(1)

.

وان تزوج الحر امرأة يظنها حرة الاصل أو شرطها حرة فبانت أمة وكان الحر ممن لا يجوز له نكاح الاماء أو كان ممن يجوز له ذلك واختار الفسخ وكان ذلك قبل الدخول فلا مهر، وان كان دخل بها فلها المسمى وولده منها حر ويفديه بقيمته يوم ولادته ان ولدته حيا لوقت يعيش لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك أو يرجع بذلك وبالمهر على من غره، سواء كان الغار واحدا أو أكثر. وان كان ممن يجوز له نكاح الاماء فله الخيار فان رضى المقام معها فما ولد بعد الرضى فرقيق

(2)

وان أصدق امرأة له عينا ثم انفسخ نكاحها بسبب من جهتها يسقط صداقها أو طلقها قبل دخوله بها فاستحق الرجوع فى نصفه وقد أفلست ووجد عين ماله فهو أحق بها

(3)

وان كانت المرأة تصرفت فى الصداق ببيع أو هبة مقبوضة أو عتق أو رهن أو كتابة منع ذلك الرجوع فى نصفه لانه تصرف بنقل الملك أو يمنع المالك من التصرف فمنع الرجوع ولان الكتابة تراد للعتق المزيل للملك وهى عقد لازم فأجريت مجرى الرهن ويثبت حق الزوج حيث امتنع رجوعه فى القيمة ان لم يكن الصداق مثليا فيأخذ نصف قيمة المقوم أو نصف قيمة المثل فى المثلى ولا تمنع الوصية والشركة والمضاربة

(1)

الاقناع ج 3 ص 201، 202 الطبعة السابقة.

(2)

الاقناع ج 3 ص 194، 195.

(3)

المغنى لابن قدامة ج 4 ص 460.

ص: 302

والتدبير من الرجوع فوجود هذا التصرف كعدمه لانه تصرف لم ينقل الملك ولم يمنع المالك من التصرف فلا يمنع من له الرجوع على المالك الرجوع على من بيده الصداق وهو العامل ونحوه وان تصرفت باجارة أو تزويج رقيق خير الزوج بين الرجوع فى نصفه ناقصا وبين الرجوع فى نصف قيمته، فان رجع فى نصف المستأجر صبر حتى تنقضى الاجارة

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

ان عدم الصداق بعد قبضها له بأى وجه كان تلف أو انفقته لم يرجع عليها بشئ والقول قولها فى ذلك مع يمينها فان وطئها قبل الدخول أو بعده فلها المهر كله، قال على: ان كان المهر شيئا بعينه فتلف فى يد الزوج فان كانت قد طلبته منه فمنعها فهو غاصب وعليه ضمانه كله لها أو ضمان نصفه أن طلقها قبل الدخول، فان كان لم يمنعها اياه فهو تالف من مال المرأة ولا ضمان على الزوج فيه ولا فى نصفه، وطئها أو طلقها قبل الوط ء وان كان المهر شيئا يصفه فهو ضامن له بكل حال أو لنصفه ان طلقها قبل الدخول فان كانت المرأة قد قبضته فسواء كان بعينه أو بصفته فان تلف عندها من مصيبة الزوج ان طلقها قبل الدخول لان الله تعالى يقول: فنصف ما فرضتم، فانما أوجب له الرجوع ان كان قد دفعه اليها - بنصف ما دفع لا بنصف شئ غيره والذى دفع اليها هو الذى فرض لها سواء كان شيئا بعينه أو شيئا بصفته فاذا دفع اليها ما فرض لها فقد قبضت حقها فان تلف فلم تتعد ولا ظلمت فلا ضمان عليها، فان أكلته أو باعته أو وهبته أو لبسته فافنته أو أعتقته ان كان فلم تتعد فى كل ذلك بل أحسنت والله يقول «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ»

(2)

فلا ضمان عليها قال أبو محمد:

فان بقى عندها النصف فهو له وكذلك لو بقى بيده النصف فهو لها فلو تعدت أو تعدى عليه ضمن أو ضمنت

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار أنه لا يرجع الزوج بالمهر الذى دفعه للمعيبة الا على ولى.

مدلس فقط وليس للزوج أن يرجع على المرأة بما دفع لها ولو دلست ولا على الاجنبى اذا دلس وانما يرجع على وليها اذا كان مدلسا وفى الانتصار أنه يرجع الزوج على من يجوز له النظر اليها سواء علم أم جهل لانه فرط لا على من لا يجوز له النظر اليها اذا علم، وقال البعض: للزوج أن يرجع على المرأة حرة أم أمة وقال البعض: يرجع على

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 83، 84 والاقناع ج 3 ص 215، 216.

(2)

الآية رقم 91 من سورة التوبة.

(3)

المحلى ج 9 ص 487.

ص: 303

الحرة دون الامة قال البعض الا اذا عتقت والمختار قول الفقيه على وهو أن الزوج لا يرجع على المرأة حرة كانت أم أمة وهو المذهب

(1)

قال فان خالعها على مهرها لكن لم يكن قد دخل بها رجع عليها بنصف المهر عينا كان أو دينا وهذا اذا لم تكن المرأة قد قبضته فأما لو كانت قد قبضته رجع عليها بمهر كامل ونصف مهر ونحو ذلك لو كان قد دخل بها ثم أبرأته من نصف المهر أو وهبته ثم خالعها على مهرها فانه يرجع عليها بنصفه أيضا

(2)

‌حكم استرداد الاب ما دفعه

مهرا لابنه

اذا زوج الرجل ابنه الصغير فالمهر على الصبى من ماله لا على الاب لان مجرد العقد لا يكون ضمانة الا أن يضمن فيكون مطالبا به فان سلمه من مال ابنه صح وان سلمه من مال نفسه ولم ينو الرجوع قط لم يرجع به على الصبى وان نوى الرجوع عند ما ضمن به أو عند تسليمه ولم ينو التبرع رجع على الصبى وان نوى الرجوع عند الضمان ونوى التبرع عند التسليم لم يرجع وفى العكس يرجع ولا حكم لنية التبرع عند الضمان لما نوى الرجوع عند التسليم

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

حيث يثبت العيب ويحصل الفسخ لا مهر للزوجة ان كان الفسخ قبل الدخول وان كان الفسخ بعد الدخول فالمسمى لاستقراره به ويرجع الزوج على المدلس بما دفعه ان كان والا فلا رجوع ولو كانت هى المدلسة رجع عليها الا بأقل ما يمكن أن يكون مهرا وهو أقل متمول على المشهور وفى الفرق بين تدليسها وتدليس غيرها فى ذلك نظر اذ البضع لا يخلو عن عوض فلا وجه لاستيفاء الزوج تمام المهر فى أحد الشقين مع استيفائه البضع أيضا ولو تولى التدليس جماعة رجع عليهم الزوج بالمسمى ووزع عليهم بالسوية ذكورا كانوا أو أناثا والمراد بالتدليس السكوت عن العيب الخارج عن الخلقة مع العلم به أو دعوى صفة كمال مع عدمها

(4)

اذا خالف ما اشترط عليه ولو شرط الزوج كون زوجته بنت مهيرة أى بنت حرة تنكح بمهر فظهرت بنت أمة فله الكسخ قضية للشرط فان كان قبل الدخول فلا مهر وان كان بعده وجب المهر ويرجع به على المدلس لغروره ولو لم يشترط ذلك بل ذكره قبل العقد فان كانت هى المدلسة رجع عليها بالمسمى الا بأقل مهر ما يتمول لان الوطأ المحترم لا يخلو عن مهر وحيث ورد النص برجوعه

(1)

شرح الازهار ج 2 ص 298، ص 299

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 444، 445.

(3)

التاج المذهب ج 2 ص 38.

(4)

الروضة البهية ج 2 ص 127.

ص: 304

على المدلس فيقتصر فيما يخالف الاصل على موضع اليقين وهو ما ذكر وهو قوله الا بأقل مهر.

‌حكم استرداد المهر بالخلع

يرجع الزوج على زوجته بنصف المهر لو خالعها به أجمع قبل الدخول لاستحقاقه له ببذلها عوضا مع الطلاق فكان انتقاله عنها سابقا على استحقاقه النصف بالطلاق فينزل منزلة المنتقل عنها حين استحقاقه النصف فيرجع عليها بنصفه دينا أو عينا ولو أصدق الزوج زوجته تعليم صنعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف أجرة التعليم لعدم امكان تعليمها نصف الصنعة وهو الواجب لها بالطلاق خاصة لو كان قد علمها الصنعة رجع بنصف الاجرة لعدم امكان ارتجاع نفس الواجب فيرجع الى عوضه ولو كان الصداق تعليم سورة ونحوها فكذلك لانه وان أمكن تعليم نصفها الا أنه ممتنع شرعا لانها صارت أجنبية وقيل يعلمها النصف من وراء حجاب كما يعلمها الواجب وهو قريب لان تحريم سماع صوتها مشروط بحالة الاختيار والسماع هنا من باب الضرورة

(1)

ولو اعتاضت الزوجة عن المهر بدونه أو أزيد منه أو بمغايره جنسا أو وصفا ثم طلقها رجع بنصف المسمى لانه الواجب بالطلاق لا بنصف العوض لانه معاوضة جديدة لا تعلق له بها.

ولو دفع رجل لابنه الصبى المهر فطلق قبل الدخول كان النصف المستعاد للولد لا للأب لأن دفع الأب له كالهبة للابن وملك الابن له بالطلاق ملك جديد لا إبطال لملك المرأة السابق ليرجع إلى مالكه وكذا لو طلق قبل أن يدفع الأب عنه لأن المرأة ملكته بالعقد وإن لم تقبضه وقطع فى القواعد هنا بسقوط النصف عن الأب وأن الابن لا يستحق مطالبته بشئ ولو دفع الاب عن الولد الكبير مهرا تورعا أو عن أجنبى ثم طلق قبل الدخول ففى عود النصف الى الدافع أو الى الزوج قولان

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

ان تزوجها على عشرة أبعرة معينة فقبضتها وتلفت وطلقها قبل المس فله نصف قيمتها وقيل لا لانها معينة وان تناسلت ردت نصف الجميع عند بعض وان لم تعين فنصف العشرة والنسل وقيل نصف ثمن العشرة ان تلف النسل قبل الطلاق لزمه نصف الاولى وان تزوجها على ألف درهم فقبضتها ثم وهبتها له وقبضها

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 117، ص 118، 119.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 120، 121، 122، 123.

ص: 305

وطلقها قبل المس وطلب اليها النصف لم يجده على المختار وقيل يجده وقيل الربع وهو نصف نصف ما أعطته ولم يستحقه

(1)

.

‌حكم استرداد الهدايا

والنفقة فى الخطبة

‌مذهب الحنفية:

لو بعث الزوج لزوجته هدايا وعوضته المرأة ثم زفت اليه ثم فارقها وقال بعثتها اليك عارية وأراد أن يستردها وأرادت هى أن تسترد العوض فالقول قوله فى الحكم لانه أنكر التمليك واذا استرده تسترد هى ما عوضته كذا فى الفتاوى السمرقندية ولو خطب امرأة فى بيت أخيها فأبى الاخ الا أن يدفع اليه دراهم فدفعها ثم تزوجها كان للزوج أن يسترد ما دفع له ولو خطب ابنة رجل فقال أبوها أن نقدت المهر أزوجها منك ثم بعد ذلك بعث بهدايا الى بيت الاب ولم يقدر على أن ينقد المهر ولم يزوجه فأراد أن يرجع قالوا ما بعث للمهر وهو قائم أو هالك يسترده وكذا كل ما بعث هدية وهو قائم فأما الهالك والمستهلك من الهدية فلا شئ فيه

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى أن الهدية المسلمة للزوجة المطلقة قبل البناء بها فى النكاح الصحيح تشطر ان اشترطت لها أو لوليها أو لغيرهما قبل العقد أو فيه وكذا اذا أهديت من غير شرط قبله أو حاله سواء كانت لها أو لوليها أو لاجنبى لانها مشترطة حكما وأما ما أهدى بعد العقد فلا يخلو من أن يكون لغيرها أو لها فان كان لغيرها فلا يتشطر ويكون لمن أهدى له وللمرأة التى طلقت قبل البناء أخذ نصف ذلك المشترط فى العقد أو قبله ممن اشترط له من ولى أو غيره ويأخذ الزوج منه النصف الاخر ولا يرجع به عليها لان أصل الاعطاء ليس منها وانما هو من الزوج لوليها وان كان لها فقيل تشطر الهدية ويرجع الزوج عليها بنصفها ان كانت قائمة وبنصف قيمتها ان فاتت وقيل لا شئ له منها وان كانت قائمة لم تفت وهو المذهب وعليه اقتصر ابن رشد لان الطلاق باختياره فان بنى بها ثم طلقها فلا شئ له منها ولو قائمة لان الذى أهدى لاجله قد حصل هذا فى النكاح الصحيح أما فى النكاح الفاسد بأن فسخ النكاح قبل البناء فيأخذ الزوج القائم من الهدية ولو كان متغيرا لانه مغلوب على الفراق وضاع عليه ما فات منها فان فسخ بعد البناء فلا شئ له منها ولو قائمة لان الذى أهدى لاجله قد حصل

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

روى صاحب الفتاوى الكبرى أن ابن العماد قال: فى حكم استرداد ما أهداه

(1)

شرح النيل ج 3 ص 95 وما بعدها.

(2)

البحر الرائق ج 3 ص 198، 199

(3)

الدسوقى ج 2 ص 319، ص 320، 321.

ص: 306

الخاطب والزوج لاهل المخطوبة أو الزوجة ثم حصل له رد مثل الطلاق قبل الوط ء الحاصل أن للمسألة ثلاث صور.

الاولى: أن يبعث به بعد العقد ويصرح بكونه هدية فلا رجوع له عليهم لانه قد سلطهم على اتلاف ماله بغير عوض فهو كتقديم طعام لضيف وقال كله وطلب منه عوضه لا يلزمه له عوض.

والثانية: أن يصرح بكونه من الصداق فيرجع قطعا.

والثالثة: أن يبعث به على صورة الهدية وهو ساكت وله حينئذ أربعة أحوال.

أحدها: أن ينوى الهدية فلا يحل له الرجوع.

والثانى: أن يطلق فلا يحل له الرجوع أيضا لتسلطه اياهم على الاكل بغير نية عوض.

وثالثها: أن ينوى جعله من الصداق فله الرجوع عملا بنيته وسواء كان المبعوث به من جنس الصداق أم كالطعام.

ورابعها: أن يكون قبل العقد وبعد اجابة الخطبة فيبعث لا على قصد الهدية المجردة بل على قصد أن يزوجوه أو على أن يكون المبعوث من الصداق الذى يعقد عليه النكاح فاذا ردت الخطبة أو رغب عنهم وكان البعث على النية التى ذكرنا من قصد التزويج أو كونه من الصداق فالوجه الرجوع وهو ما أفتى به قاضى القضاه تقى الدين بن رزين وأفتى البغوى ان الاب لو خطب لابنه امرأة وأهدى لها هدية ثم مات

(1)

الاب ولم يتفق تزويج بأن الهدية تكون تركة للاب وهذا ظاهر لكنه مقيد بما اذا لم يصرح بالهدية فان صرح بها لم يرجع وان نوى العوضية لتسليطهم على الاتلاف بغير عوض.

‌مذهب الحنابلة:

قال ان اتفق الخاطب مع المرأة ووليها على النكاح من غير عقد فأعطى الخاطب اياها لاجل ذلك شيئا من غير صداق فماتت قبل العقد فليس له استرجاع ما أعطاهم لان عدم التمام ليس من جهتهم وعلى قياس ذلك لو مات الخاطب لا رجوع لورثته

(2)

وما قبض بسبب النكاح كالذى يسمونه المأكلة فحكمه حكم المهر فيما يسقطه أو ينصفه أو يقرره ويكون ذلك لها ولو فسخ النكاح فى فرقة قهرية كالفسخ لفقد كفاءة قبل الدخول رد الى الزوج ما دفعه ولو هدية نصا حكاه الاثرم لدلالة الحال على أنه وهب بشرط بقاء العقد فاذا زال ملك الرجوع كالهبة بشرط الثواب وعلى ذلك فلو وهبته هى شيئا قبل الدخول ثم طلق ونحوه وكذا يرد اليه الهدية فى فرقة اختيارية

(1)

الفتاوى الكبرى لابن حجر ج 4 ص 111، ص 112.

(2)

كشاف القناع ج 3 ص 90، ص 91 والاقناع ج 3 ص 221.

ص: 307

مسقطة للمهر وتثبت الهدية للزوجة مع فسخ للنكاح مقرر للصداق

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

يفرق الزيدية فى حكم ما يسلمه الرجل للمرأة بين ما يسلم بعد العقد وما يسلم قبل العقد، أما ما يسلم بعد العقد فانه يكون هبة أو هدية على حسب الحال أو رشوة ان لم يسلموها الا به وفى الغيث يجوز له الرجوع فيها مع بقائها لا مع التلف ومثله فى الزهور حيث أتلفه فى الوقت الذى يعتاد الاتلاف فيه والا رجع بقيمته

(2)

وأما ما يسلمه الزوج قبل العقد فهو على وجوه ثلاثة:

الاول: أن يكون باقيا فهذا يرجع به مطلقا سواء كان مما يسلمه للبقاء أو للتلف.

الثانى: أن يكون الامتناع من أهل الزوجة فهذا مما يرجع به مطلقا سواء كان للبقاء أو للتلف وسواء كان باقيا أو تالفا.

الثالث: أن يكون الامتناع من قبل الزوج لم يرجع بما قد تلف اذا سلم للتلف لا للبقاء وأتلفه فى الوقت المعتاد على الوجه الذى سلم لاجله

(3)

أما ما يعتاده الناس من اعطاء الزوجة ليلة البناء عليها ويسمى الصباح وفى بعض الجهات الرضوى فانها تملكه لانه زيادة فى المهر فلو لم يسم لها شيئا لزمه قدر ما جرى به العرف من مثله لمثلها اذ قد صيره العرف لازما أما ما يسلم الزوج من الكسوة والحلية ليلة البناء عليها فعلى حسب العرف ففى صنعاء ونحوها من المدن والجهات الجبلية ليس للزوجة فيه ملك بل هو باق بملك الزوج وكذا كل ما أعطى من ذلك فاذا طلقها أرجعت ذلك له وفى تهامه يكون للمرأة كالمهر بل قد تكون الكسوة والحلية هى المهر فلا ترجع شيئا من ذلك اذا طلقها وهذا اذا لم يكن ثمة شرط فان كان فالعمل به اذ الشرط أملك

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

من خطب امرأة فأهدى اليها ثم تركها فليس له عليها رد ولزمها ان أبت أى امتنعت وكذا ان أهدت اليه على أن يتزوجها ثم تركت فلا رد عليه ولزمه أن أبى وكذا ان تركا جميعا فليستردد كل من الآخر واذا تلفت ردت القيمة وقيل المثل أن أمكن وقيل ما يوزن أو يكال يرد به وما سواه يرد بالقيمة وترد الغلة والنفع ولا يدرك العناء والنفقة وان نقص أو عيب رده ونقصه ان لم يكن فيه تلف عينه وأرش العيب لا الزائد

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 91.

(2)

شرح الازهار وهامشه ج 2 ص 273، 274

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 274 وهامشه وص 273.

(4)

التاج المذهب ج 2 ص 5 وهامش شرح الازهار ج 2 ص 271.

ص: 308

والناقص بالسعر وان غير خير فيه وقيمته وان كان بكيل أو وزن فيه وان زاد فيه كصبغ وخياطة خير فيه مع رد قيمة

(1)

الزائد وفى قيمته يوم الاهداء وان كان أرضا فغرسها خير فيها والغرس لصاحبه وفى أخذ العوض وان كان شجرا فغرسه فى أرضه فله قيمته يوم الاهداء وقيل يترادان القيمة ولو قام الشجر وان ارتدا ترادا وان ارتد أحدهما رد ولا يرد عليه وان وجد باحدهما عيب كان قبل الهدايا أو حدث بعدها فبدا للاخر الترك لذلك رد المعيوب ما أخذ ولا يرد عليه ما أعطى سواء علم المعيوب بعيبه أم لا وسواء علم انه عيب أم لا أما اذا علم فلأن أخذه غرور وأكل مال بباطل واذا لم يعلم فالرد لان فيه ما ينافى أخذ ذلك واستحقاقه وان علم الاخر بعيب صاحبه فأعطاه فلا يرد له المعيب ما أعطى وقيل يرد على المعيب ويرد المعيب ما أخذ كما يفيده قول الديوان انه ان عيب أحدهما فرجع فرجوع وان رجع الآخر للعيب ففى كونه رجوعا

(2)

قولان لكن ظاهر الديوان أن ذلك فى مطلق العيب ومحصل ذلك أن العيوب أقسام ثلاثة.

قسم يرد المعيوب فيه ما أخذ ان لم يعلم المعطى بعيبه وان علم لم يرد اليه المعيوب ولا يرد عليه ما أعطى لعظم عيوب هذا القسم سواء علم أن فى نفسه عيبا أم لا وسواء علم أن فيه عيبا أم لا وهى الاربعة التى ترد فى النكاح من جنون وجذام وبرص فاحش وعنة.

وقسم وجوده كعدمه فالراجع بوجوده فى الآخر يرد ما أخذ ولا يرد عليه ما أعطى وهو ما سوى الاربعة وسوى الرتق وهو انسداد الفرج باللحم حتى لا يمكن فيه الجماع التام والفتل وهو استرخاء الذكر فالامتناع آت من قبل الراجع.

وقسم يرد به ويرد عليه أن امتنع صاحبه هو السالم من الدخول على ذلك العيب لامكان استمتاع معه فى الجملة وهو الفتل والرتق

(3)

، واستحسن أن لا يلزم رد فى آت من قبل الله أن أحدث بعد الهدايا مثل العمى ومثل أن يزنى بها أبو الرجل قهرا وقيل يلزم الرد لان الاهداء كان على غير ما حدث.

‌حكم استرداد النفقة

‌مذهب الحنفية:

‌حكم استرداد الزوجة ما أنفقته

اذا استدانت الزوجة على الزوج قبل الفرض أو التراضى فأنفقت فانها لا ترجع بذلك على الزوج بل تكون متطوعة فى الانفاق سواء كان الزوج غائبا أو حاضرا وكذا اذا انفقت من مال نفسها لان النفقة تجب على الزوج لزوجته على وجه لا يصير دينا فى ذمة الزوج الا بقضاء

(1)

شرح النيل ج 3 ص 48

(2)

شرح النيل ج 3 ص 48، ص 49

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 49، ص 50

ص: 309

القاضى أو بتراضى الزوجين فان لم يوجد أحد هذين تسقط بمضى الزمان

(1)

.

‌حكم استرداد ما عجل من نفقة الزوجين

ولا ترد النفقة المعجلة بموت أحد الزوجين بأن عجل الزوج لها نفقة شهر بعد فرض القاضى أو التراضى ثم مات أحدهما ويشمل ذلك ما اذا كانت النفقة قائمة أو هالكة فان كانت هالكة فلا يسترد منها شئ اتفاقا وان كانت قائمة أو مستهلكة فكذلك الحكم عند أبى حنيفة وأبى يوسف لان النفقة صلة وقد اتصل بها القبض ولا رجوع فى الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها كما فى الهبة وقال محمد يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقى فهو للزوج وله أن يسترده وعلى هذا الخلاف الكسوة لانها استعجلت عوضا عما تستحقه عليه بالاحتباس وقد بطل الاستحقاق بالموت فبطل العوض بقدره وذكر الزيلعى أن الفتوى على قول أبى حنيفة وأبى يوسف ثم قال ويشمل ذلك ما اذا كان المعجل للنفقة الزوج أو اباه لما فى الولوالجية وغيرها أبو الزوج اذا دفع نفقة أمرأة ابنه مائة ثم طلقها الزوج ليس للاب أن يسترد ما دفع لانه لو أعطاها الزوج والمسئلة بحالها لم يكن له ذلك عند أبى يوسف وعليه الفتوى فكذا اذا أعطاها أبو الزوج ثم قال وشمل الموت والطلاق ثم نقل عن الخانية أنه لو عجل لها ثم طلقها لم يكن له أن يسترد ونقل عن فتح القدير أن الموت والطلاق قبل الدخول سواء وفى نفقة المطلقة اذا مات زوجها أختلفوا قيل تسترد وقيل لا تسترد لان العدة قائمة كذا فى الاقضية

(2)

ولهذا لو هلكت من غير استهلاك لا يسترد شئ منها بالاجماع وعن محمد رحمه الله أنها اذا قبضت نفقة الشهر أو ما دونه لا يسترجع منها شئ لانه يسير فصار فى حكم الحال قال صاحب العناية يعنى اذا أخذت النفقة الواجبة فى الحال لا تسترد بالموت فكذا لا تسترد ما اذا عجل لها نفقة الشهر وقال صاحب فتح القدير ولو قبضت نفقة أشهر فمات أحدهما والباقى شهر فأقل لا يرجع بشئ

(3)

.

‌حكم استرداد النفقة اذا تبين

أن الزوجة اخته من الرضاع

نقل صاحب البحر الرائق عن الظهيرية لو فرض القاضى النفقة للزوجة فأخذتها أشهرا ثم شهد الشهود أنها أخته من الرضاع وفرق القاضى بينهما استرد الزوج منها ما أخذته من النفقة

(4)

.

(1)

البدائع للكاسانى ج 4 ص 25، ص 26 الطبعة السابقة.

(2)

البحر الرائق لابن نجيم ج 4 ص 207، ص 208 الطبعة السابقة.

(3)

فتح القدير على الهداية للكمال بن الهمام ج 3 ص 333 الطبعة السابقة.

(4)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 4 ص 196 الطبعة السابقة.

ص: 310

‌حكم استرداد ما دفعه لزوجته المطلقة

ان أثبت الزوج ببينة عادلة أنه طلق امرأته من سنة أو أقرت هى أنها قد حاضت ثلاث حيض فى هذه السنة فلا نفقة لها على الزوج وان كان قد دفع لها شيئا أخذه منها لظهور ثبوت الفرقة منذ سنة وانقضاء العدة ولو طلق امرأته ثلاثا أو بائنا فامتدت عدتها الى سنتين ثم ولدت لاكثر من سنتين وقد كان الزوج أعطاها النفقة الى وقت الولادة فانه يحكم بانقضاء عدتها قبل الولادة لستة أشهر عند أبى حنيفة ومحمد ويسترد نفقة ستة أشهر قبل الولادة وعند أبى يوسف لا يسترد شيئا من النفقة واذا طلق امرأته فى حال مرض الموت فامتد مرضه الى سنتين وامتدت عدتها ثم ولدت المرأة بعد الموت بشهر وقد كان أعطاها النفقة الى وقت الوفاة فانها لا ترث ويسترد منها نفقة ستة أشهر عند أبى حنيفة ومحمد وعند أبى يوسف ترت ولا يسترد شيئا من النفقة

(1)

.

‌حكم استرداد ما أنفق على معتدة الغير

لو أنفق على معتدة الغير على طمع أن يتزوجها اذا انقضت عدتها فلما انقضت العدة أبت ذلك فله أن يسترد ما أنفق ان كان قد شرط فى الانفاق التزوج كأن يقول أنفق بشرط أن تتزوجينى زوجت نفسها أولا وكذا اذا لم يشترط على الصحيح وقيل لا يرجع اذا زوجت نفسها وقد كان شرطه وصحح أيضا وان أبت ولم يكن شرطه لا يرجع على الصحيح ثم قال والحاصل أن المعتمد ما ذكره العمادى فى فصوله أنها ان تزوجته لا رجوع مطلقا وان أبت فله الرجوع ان كان دفع لها وان أكلت معه فلا مطلقا

(2)

.

‌حكم استرداد الابن

الا بعد ما انفقه الاب

الحنفية على أن النفقة فى قرابة الولاد تجب بحق الولادة لا بحق الوراثة وان النفقة فى غير الولاد من الرحم المحرم تجب بحق الوراثة وعلى هذا فاذا كان للأب ابن وابن ابن فالنفقة على الابن فلو كان معسرا وابن الابن موسرا فان النفقة على الابن أيضا اذا لم يكن زمنا لانه هو الاقرب ولا سبيل الى ايجاب النفقة على الابعد مع قيام الاقرب الا أن القاضى يأمر ابن الابن بأن يؤدى عنه على أن يرجع عليه اذا أيسر فيصير الا بعد نائبا عن الاقرب فى الاداء ولو أدى بغير أمر القاضى لم يرجع ولو كان له أب وجد فالنفقة على الاب لا على الجد فلو كان الاب معسرا والجد موسرا يؤمر الجد بأن ينفق ثم يرجع على الاب اذا ايسر ولو كان له أب وابن ابن فالنفقة على الاب فلو أمر

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 4 ص 18.

الطبعة السابقة.

(2)

البحر الرائق لابن نجيم ج 3 ص 199، ص 200 الطبعة السابقة.

ص: 311

ابن الابن بالانفاق لاعسار الاب انفق ورجع عليه اذا أيسر

(1)

.

‌حكم استرداد الام ما أنفقته على الابن

ونفقة الابن على الاب لا على الام بالاجماع فلو كان الاب معسرا تؤمر الام بالنفقة ثم ترجع بها على الاب اذا أيسر لانها تصير دينا فى ذمته اذا انفقت بأمر القاضى

(2)

.

‌حكم استرداد الاب ونحوه ما انفق

على ابنته المزوجة:

ونفقة الزوجة على الزوج فلو كان لها زوج معسر وابن موسر من غير هذا الزوج أو أب موسر أو أخ موسر يؤمر الاب أو الابن أو الاخ بالانفاق ثم يرجع على الزوج

(3)

اذا أيسر.

‌حكم استرداد الاب ما انفقه

على ابنه الموسر

لو كان للولد الصغير مال فنفقته فى ماله لا على الاب وان كان الاب موسرا لان شرط النفقة فى قرابة الولاد وغيرها من الرحم المحرم اعسار المنفق عليه فان كان مال الولد غائبا أنفق الاب من ماله بأمر القاضى اياه بالانفاق ليرجع أو يشهد أنه ينفق من مال نفسه ليرجع به فى مال ولده ليمكنه الرجوع لان الظاهر أن الانسان يتبرع بالانفاق على ولده فاذا أمره القاضى بالانفاق من ماله ليرجع أو أشهد هو على أنه ينفق ليرجع فقد بطل الظاهر وتبين أنه أنفق من ماله على طريق القرض وهو يملك اقراض ماله من الصبى فيمكنه الرجوع وهذا فى القضاء فأما بينه وبين الله تعالى فيسعه أن يرجع من غير أمر القاضى والا شهاد بعد أن نوى بقلبه أنه ينفق ليرجع لانه اذا نوى ذلك صار دينا على الصغير

(4)

.

‌حكم استرداد ما عجل من نفقة الاقارب

اذا عجل نفقة مدة فى الاقارب فمات المنفق عليه قبل تمام المدة فلا يسترد شيئا منها بلا خلاف

(5)

.

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد الزوج ما عجل

لزوجه من النفقة

جاء فى التاج والاكليل للحطاب أن الزوج اذا دفع الى امرأته نفقة سنة ثم مات أحدهما بعد شهر أو شهرين فليرد بقية النفقة واستحسن فى الكسوة ولا ترد اذا مات أحدهما بعد أشهر كانفشاش الحمل فيمن أنفش حملها بعد النفقة عليه اذ يحق له أن يرجع عليها بما أخذته وقال مالك فى المبتوتة اذا أنفق عليها بغير قضية وقد أدعت الحمل ثم بطل الحمل لم يرجع عليها اذا أنفق بدعواها أو بقول القائل وان انفق بقضية

(1)

البدائع للكاسانى ج 4 ص 32، 33.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 32، 33.

(3)

المرجع السابق ح 4 ص 33.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 35.

(5)

المرجع السابق ح 4 ص 35.

ص: 312

رجع عليها لانه انكشف أن ما قضى به غير حق قال محمد وأحب الى أن يرجع عليها فى الوجهين اذا تبين ذلك باقرار منهما أو بغير اقرار لا الكسوة بعد أشهر قال ابن سلمون ان كانت عليها كسوة حين طلقها فأراد أخذها ولم يكن بها حمل فان كان مضى لابتياعه لها ثلاثة أشهر فما فوقها فليس له أخذها ولا شئ له فيها وان كان أقل من ذلك فهى للرجل بخلاف موت الولد فيرجع بكسوته وان كان خلقه قال ابن رشد ماكسا ابنه من ثوب فهو للابن الا أن يشهد الاب أنه على وجه الامتاع وقال ابن سلمون ان كانت قبضت نفقة أولادها لمدة فمات أحدهم فانما ترد ما يخصه لما بقى من المدة وكذلك ترد ما بقى

(1)

من الكسوة وورثت.

‌حكم استرداد ما أنفقه على المعتدة

جاء فى حاشية الدسوقى أنه اذا أنفق الرجل على امرأة معتدة ثم تزوجت غيره لم يرجع عليها بشئ ومثل المعتدة غيرها ولو كان الرجوع من جهتها والاوجه الرجوع عليها اذا كان الامتناع من جهتها الا لعرف أو شرط

(2)

.

‌حكم استرداد المنفق ما أنفقه

قال ابن الحاجب قال فى التوضيح يجب للمرأة أن ترجع بما أنفقته على زوجها أو على نفسها وولدها وكذا يجب للأجنبى الرجوع بما أنفقه على الاجنبى فانما رجع عليه بالمعتاد فى حق المنفق عليه فأما ما كان سرفا بالنسبة اليه فلا يرجع به المنفق لان المفهوم من قصد المنفق به العطية الا أن تكون التوسعة فى زمنها كالاعياد فيرجع بذلك قال خليل ويرجع على الصغير ان كان له مال علمه المنفق وحلف له أنه أنفق ليرجع وأن لا يكون لليتيم تحت يده مال ناض فان كان له وتركه وأنفق من عنده فلا رجوع له عليه قال فى كتاب الرهون من المدونة وللوصى أن يسلف الايتام ويرجع عليهم أن كان لهم يوم السلف عرض أو عقار ثم يبيع ويستوفى. قال فى وثائق ابن القاسم ولو كان بيده ناض لم يرجع عليه بما أسلفه لانه متطوع. قال فى المدونة فان تلف المال الذى علمه المنفق وكبر الصبى فأفاد مالا لم يرجع عليه بشئ. نقله فى التوضيح ثم قال ومن أنفق على ولد رجل غائب موسر وخاف ضيعته فانه يتبع الاب بما أنفقه بالمعروف وأن لم يأمره فى النفقة عليهم لان نفقتهم واجبة على الاب كمن قضى عن رجل دينا على أن يتبعه به كان له أن يتبعه بها وقال ابن عرفة من غاب أو فقد فأنفق رجل على ولده فقدم أو مات فى غيبته وعلم أنه كان عديما لم يتبعه بما أنفق عليه ولا ولده قال ابن رشد لان الولد اذا لم يكن لابيه ولا له مال فهو كاليتيم ومثله تكون النفقة عليه احتسابا ليس له أن يعمر ذمة بدين الا برضاه وان كان لابن الغائب أو لليتيم مال

(1)

التاج والاكليل للحطاب ج 4 ص 190

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 219 ص 220

ص: 313

فلمن أنفق عليه أن يرجع عليهما فى أموالهما ان كانت له بالنفقة بينة وان لم يشهد أنه انما أنفق ليرجع بعد يمينه أنه أنما انفق عليهما ليرجع فى أموالهما لا على وجه الحسبة ويسر أبى الولد كما له وهذا اذا انفق وهو يعلم مال اليتيم أو يسر الاب ولو أنفق عليهما ظانا أنه لا مال لليتيم ولا للابن ولا لابيه ثم علم ذلك فلا رجوع له وقيل له الرجوع وقال فى المدونة فى كتاب تضمين الصناع ومن التقط لقيطا فأنفق عليه فأتى رجل أقام البينة أنه ابنه فله أن يتبعه بما أنفق ان كان الاب موسرا حين النفقة لانه ممن تلزمه نفقته هذا ان تعمد الاب طرحه وان لم يكن هو طرحه فلا شئ عليه وقال مالك فى صبى صغير ضل عن والده فأنفق عليه رجل فلا يتبع أباه بشئ فكذلك اللقيط

(1)

‌مذهب الشافعية:

‌حكم استرداد ما عجل من النفقة

ان دفع الزوج الى زوجته نفقة يوم فبانت قبل انقضائه لم يرجع بما بقى لانه دفع ما يستحق دفعه وان سلفها نفقة أيام فبانت قبل انقضائها فله أن يرجع فى نفقة ما بعد اليوم الذى بانت فيه لانه غير مستحق وان دفع اليها كسوة الشتاء أو الصيف فبانت قبل انقضائه ففيه وجهان.

أحدهما له أن يرجع لانه دفع لزمان مستقبل فاذا طرأ ما يمنع الاستحقاق ثبت له الرجوع كما لو أسلفها نفقة أيام فبانت قبل انقضائها.

والثانى لا يرجع لانه دفع ما يستحق دفعه فلم يرجع به

(2)

اذا طلق الرجل الرجل زوجته ووجبت عليه نفقة للحمل أو للحامل بسبب الحمل ثم دفعه اليها فبان انه لم يكن بها حمل فان قلنا تجب يوما بيوم فله أن يرجع عليها لانه دفعها على أنها واجبة وقد بان أنها لم تجب فثبت له الرجوع وان قلنا انها لا تجب الا بالوضع فان دفعها بأمر الحاكم فله أن يرجع لانه اذا أمره الحاكم لزمه الدفع فثبت له الرجوع، وان دفع من غير أمره فان شرط ان ذلك عن نفقتها ان كانت حاملا فله أن يرجع لانه دفع عما يجب وقد بان أنه لم يجب وان لم يشرط لم يرجع

(3)

لان الظاهر أنه متبرع وفى مغنى المحتاج لو أنفق الزوج على زوجته المطلقة وكان الانفاق بسبب الحمل فلو انتفى عنه الولد الذى أتت به لعدم امكان لحوقه به استرد الزوج منها ما أنفقه عليها فى مدة الحمل.

ولو نكح نكاحا فاسدا واستمتع بها ثم فرق بينهما فليس له الرجوع بما أنفق عليها

(4)

واذا وجبت عليه نفقة يوم لقريبه ثم أيسر لم يجب رده بزوال الحاجة

(5)

.

(1)

التاج والاكليل للحطاب ج 4 ص 190 وما بعدها الى ص 194.

(2)

المهذب للشيرازى ج 2 ص 162 وما بعدها

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 164.

(4)

مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 3 ص 405، 406.

(5)

المهذب للشيرازى ج 2 ص 167.

ص: 314

‌مذهب الحنابلة:

‌حكم استرداد الزوج ما عجله من نفقة الزوجة

ان كسا الزوج زوجته ثم طلقها قبل أن تبلى فقيل له أن يسترجعها لانه دفعها للزمان المستقبل فاذا طلقها قبل مضيه كان له استرجاعها كما لو دفع اليها نفقة مدة ثم طلقها قبل انقضائها وقيل: ليس له الاسترجاع لانه دفع اليها الكسوة بعد وجوبها عليه فلم يكن له الرجوع فيها كما لو دفع اليها النفقة بعد وجوبها ثم طلقها

(1)

.

‌حكم استرداد الزوج ما أنفق على زوجه البائن

قال صاحب كشاف القناع: ان لم تكن البائن حاملا فلا شئ لها اذا لم ينفق الزوج على زوجه البائن يظنها حائلا ثم تبين أنها حامل فعليه نفقة ما مضى لانا تبينا استحقاقها له فرجعت به عليه كالدين سواء قلنا النفقة للحمل أو لها من أجله فى ظاهر كلامهم وعكسها بأن أنفق عليها يظنها حاملا فبانت حائلا يرجع عليها وان ادعت بائن أنها حامل أنفق ثلاثة أشهر فان مضت الثلاثة أشهر ولم يبن حملها رجع عليها الا أن ظهرت براءتها قبل ذلك بحيض أو غيره فيقطع النفقة عنها، وان ادعت الرجعية الحمل فأنفق عليها أكثر من مدة عدتها رجع عليها بالزيادة لتبين عدم استحقاقها لها ويرجع فى قدر مدة العدة اليها لان ذلك لا يعلم الا من جهتها ولا يرجع بالنفقة فى النكاح الفاسد اذا تبين فساده سواء كانت النفقة قبل مفارقتها أو بعدها لانه أن كان عالما بعدم الوجوب فهو متطوع بالانفاق وان لم يكن عالما فهو مفرط فلم يرجع بشئ وتجب النفقة على زوج لزوجة ناشز حامل ولملاعنة حامل ولو نفاه لعدم صحة نفيه فان نفاه بعد وضعه فلا نفقة فى المستقبل لانقطاع نسبه عنه فان استلحقه الملاعن بعد نفيه لحقه نسبه ورجعت عليه الام بما أنفقته وبأجرة المسكن والرضاع سواء قلنا النفقة للحمل أولها من أجله

(2)

.

‌حكم استرداد الزوجة ما أنفقت على نفسها

وأولادها:

اذا غاب الزوج فأستدانت الزوجة لها ولاولادها الصغار رجعت بما استدانت

(3)

‌حكم استرداد الغير ما أنفقه على

الزوج أو القريب حالة امتناعه

قال لو امتنع زوج أو قريب من نفقة واجبة بأن تطلب منه النفقة فيمتنع فقام بها غيره رجع عليه اذا كان قد أنفق بنية الرجوع

(4)

.

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 9 ص 241، 242.

(2)

كشاف القناع مع هامش منتهى الارادات فى كتاب ج 3 ص 301، 302

(3)

كشاف القناع ومنتهى الارادات عليه ج 3 ص 316

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 316، 317.

ص: 315

‌حكم استرجاع الولد ما أنفقه على أبيه

اذا زوج الولد أباه زوجة أو ملكه أمة فعليه نفقته ونفقتها فان أيسر الاب لم يكن للولد استرجاع ما دفعه اليه ولا عوض ما زوجه به لانه دفعه اليه فى حال وجوبه عليه فلم يملك استرجاعه كالزكاة

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌حكم استرداد الزوج ما أنفق على زوجه

اذا أعطى الزوج لزوجته أكثر من نفقة اليوم فان ماتت أو طلقها ثلاثا أو طلقها قبل أن يطأها أو أتمت عدتها وعندها فضل يوم أو غذاء أو عشاء قضى عليها برده اليه لان النفقة تجب على الزوج لزوجته مياومة.

وهو فى الميتة من رأس مالها لانه ليس من حقها قبله وانما جعله عندها عدة لوقت مجئ استحقاقها اياه فاذا لم يأت ذلك الوقت ولها عليه نفقة فهو عندها أمانة والله تعالى يقول {(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)} ولا ظلم أكثر من أن لا يقضى عليها برد ما لم تستحقه قبله.

وأما الكسوة فانها اذا وجبت لها فهى حقها واذ هو حقها فهو لها فسواء ماتت أثر ذلك أو طلقها ثلاثا أو أتمت عدتها أو طلقها قبل أن يطأها ليس عليها ردها لانه لو وجب عليها ردها لكانت غير مالكة لها حين تجب لها وهذا باطل

(2)

.

‌حكم استرداد الزوجة ما أنفقته على نفسها

وان منع الزوج النفقة أو الكسوة وهو قادر عليها فسواء كان حاضرا أو غائبا هو دين فى ذمته يؤخذ منه أبدا ان كان الزوج معسرا فلا ترجع الزوجة بما أنفقته على نفسها من نفقة أو كسوة مدة عسره لقوله تعالى {(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها)}

(3)

. وان عجز الزوج عن نفقة نفسه وامرأته غنية كلفت بالانفاق عليه ولا ترجع عليه بشئ من ذلك ان أيسر

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

‌متى تسترد النفقة من الزوج

لا تسقط النفقة عن الزوج بتبرع الغير بانفاقها الا أن يكون التبرع عنه أى ينوى ذلك الانفاق عن الزوج فانها حينئذ سقط عن الزوج سواء كانت الزوجة هى المنفقة نفسها بنية التبرع عنه أو ولى الصغيرة أو غيرهما، والمنفق بنية التبرع عن الزوج لا رجوع له على الزوج بما أنفق ولو هى المتبرعة عنه فأما اذا تبرع المنفق لا عن الزوج نظر فان كانت هى المتبرعة لا عنه

(1)

المغنى لابن قدامة ج 9 ص 263.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 90

(3)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 90، 91

(4)

المحلى ج 10 ص 92.

ص: 316

رجعت على الزوج سواء نوت الرجوع أم لا نية لها واذا كان المتبرع غيرها لا عنه فلها أن ترجع على الزوج وليس للمنفق أن يرجع عليها ولا عليه فان أنفقها من اليه ولاية الانفاق من ولى أو حاكم بنية الرجوع عليها فلهما أن يرجعا عليها وهى ترجع على الزوج فان نويا الرجوع على الزوج رجع الحاكم عليه حيث كان الزوج غائبا أو متمردا ولم يرجع الولى الا أن ينفق بأمر الحاكم قال الفقيه على، وليس لها أن ترجع على الزوج فى هذه الصورة لانهما بنية الرجوع على الزوج

(1)

.

‌حكم استرداد ما أنفقه على الشركة

قال: يجب على الشريك فى العبد والبهيمة حصته من الانفاق فان كان الشريك غائبا أو متمردا أوجب على الحاضر الانفاق لحصته وحصة شريكه الغائب والمتمرد فيرجع على الشريك بقدر حصته اذا نوى الرجوع وان لا يكن غائبا بل حاضرا غير متمرد فلا يرجع شريكه عليه بما أنفقه لانه متبرع الا أن ينفق بأمر الشريك فانه يرجع عليه

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

‌حكم استرداد الزوج ما أنفقه على الزوجة

اذا أسلف زوجته نفقة شهر ثم مات أو طلقها بائنا فلها نفقة يومها وعليها رد ما زاد على اليوم لانه لا نفقة للبائن بالطلاق وأما الموت فلا خلاف أنه تسقط نفقتها فاذا كان كذلك وكان ما أعطاها لم يستقر لها لم يثبت فيها بعد فوجب عليها رده

(3)

اذا كانا وثنيين أو مجوسيين فسلم اليهما نفقة شهر مثلا ثم أسلم الزوج وقف النكاح على انقضاء العدة فان أسلمت كانت زوجته وان لم تسلم حتى تخرج من العدة بانت منه وكان له مطالبتها بالنفقة التى دفعها اليها وكذلك اذا أسلمت فى آخر العدة كان له استرجاع النفقة ما بين زمان أسلامه واسلامها لان النفقة فى مقابلة الاستمتاع بها وهى اذا كانت وثنية وهو مسلم لم يمكنه الاستمتاع بها فجرت مجرى الناشز فلا نفقة لها واذا لم تكن لها نفقة كان لها مطالبتها بما أعطاها

(4)

.

اذا ادعت البائن أنها حامل صرفت اليها النفقة يوما فيوما فان تبين الحمل والا استعيدت ولا ينفق على بائن غير المطلقة الحامل

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

‌حكم استرداد الزوج ما أنفقه على زوجه

جاء فى شرح النيل وان قبضت امرأة نفقة شهر أو أقل أو أكثر ثم ماتت أو مات

(1)

شرح الازهار ج 2 ص 541.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 556.

(3)

الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 340 مسألة رقم 59.

(4)

الخلاف للطوسى ج 2 ص 328، ص 329 مسألة رقم 14

(5)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 48

ص: 317

أو طلقت بائنا لا تصح فيه الرجعة أو تصح برضاها أو حرمت بما تقدم أنه يحرم المرأة أو أبطلت حقوقها أو ثلاثا أو لا عنها أو فاداها أو خرجت بظهار أو ايلاء أو طلق أمة تطليقة أو الكتابية تطليقة واحدة على القول بأنها تبينان بذلك قبل تمام المدة أو بعده وقد بقى من النفقة رد الباقى للزوج أو وارثه ان مات وترث منه وكذا الكسوة والزيت وقيل لا رد الا أن أعطاها ذلك بحكومة الحاكم وأما الطلاق الذى يملك فى عدته رجعتها فانها لا ترد له الباقى بعده لان لها النفقة فى العدة الا أن زاد لها طلاقا بائنا فى العدة أو حرمت أو ماتت أو مات أو خرجت فيها بايلاء أو ظهار أو نحو ذلك فانها ترد

(1)

وكذا الولى والرقيق مطلقا وصح رجوعهم على المنفق بما هلك من أيديهم قبل الاجل بلا تضييع وان هلك بتضييع لم يرجعوا عليه الا أن كانوا يهلكون ان لم يعطهم فانه يعطيهم ويرجع عليها وعلى الولى بضمان ما زاد على النفقة بتضييعهما ومن التضييع أن تضع ثوبها أو نفقتها حيث يأخذها السارق أو تأكلها الدابة سواء كان معها فى البيت ذلك السارق أو الدابة أو يدخل من خارج وتركت الباب مفتوحا وكانت حيث لا تعلم بدخول ما يدخل.

وظاهر التعبير بالتضييع أن النسيان يكون لهما به الرجوع لانه غير تضييع وظاهر كون النسيان فى الجملة لا يزيل الضمان أنه لا رجوع به لهما وهو الظاهر ولا سيما أن النسيان قد يتسبب فيه التقصير والتقصير تضييع.

وان مرضت بعد قبضها لشهر أو أقل أو أكثر فلم تأكلها أو بعضها حتى انسلخ ردتها اليه ولا تأكلها بعد لانه انما أعطاها لشهر مخصوص وقد فات فتستحق لتجديد اعطاء فتردها اليه فيردها اليها أو يعطيها غيرها أو تذكر له ذلك فيقول لها احبسيها عندك مؤنة لك ولا يباح لها التصرف فيها بالاكل الا باباحته هو لها بذلك فلو شرعت فى أكلها بدون ذلك فضاعفت بلا تضييع لزمتها وان أكلت ولم تضع أجزاه وقد اكتفت بها ولكن لا تأكل الا بحساب والكسوة كالنفقة

‌حكم استرداد الوقف

‌مذهب الحنفية:

ذكر الزيلعى أن الوقف لا يجوز عند أبى حنيفة أصلا، وقيل يجوز عنده الا أنه لا يلزم بمنزله العارية حتى يرجع فيه أى وقت شاء

(2)

، ومن بنى مسجدا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه ويأذن فيه، واذا صلى فيه واحد زال ملكه وهذا عند أبى حنيفة ومحمد، أما الافراز فلانه لا يخلص لله الا به لانه

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل.

ج 3 ص 303، 304

(2)

الزيلعى وحاشية الشلبى عليه ج 3 ص 325 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 318

ما دام حق العبد متعلقا به لم يتحرر لله وأما الصلاة فيه فلانه يشترط التسليم عند أبى حنيفة ومحمد ولو سلم المسجد الى متول نصبه ليقوم بمصالحه فالاصح أنه يجوز، وقال أبو يوسف يزول ملكه بقوله جعلته مسجدا لان التسليم عنده ليس بشرط لانه اسقاط لملك العبد.

فيصير خالصا لله بسقوط حق العبد وعلى اختلافهم اذا صار مسجدا زال ملكه عنه وحرم بيعه فلا يورث وليس له الرجوع فيه لانه صار لله بقوله تعالى:

«وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً 1» ولا رجوع فيما صار لله تعالى كالصدقة أما من جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت

(2)

وجعل بابه الى الطريق وعزله أو اتخذ وسط داره مسجدا واذن للناس بالدخول فله بيعه ويورث عنه لانه لم يخلص لله لبقاء حق العبد فيه ولو اتخذ أرضه مسجدا فليس له الرجوع فيه ولا بيعه وكذا لا يورث عنه لتحرره لله تعالى بخلاف الوقف عند أبى حنيفة حيث يرجع فيه ما لم يحكم به الحاكم ومن بنى سقاية أو خانا أو رباطا أو مقبره لم يزل ملكه عنه حتى يحكم به حاكم عند أبى حنيفة وعند أبى يوسف يزول ملكه بالقول وعند محمد اذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط زال الملك ولو جعل أرضه طريقا فهو على هذا الخلاف

(3)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى اذا شرط الواقف فى وقفه أنه اذا تسور عليه قاض - أى تسلط عليه بما لا يحل شرعا - أو غيره من الظلمة رجع له ملكا أى استرجعه ان كان حيا أو لوارثه يوم التسور ملكا عمل بشرطه كعلى ولدى ولا ولد له حين التحبيس فيرجع له أو لوارثه ملكا له بيعه وان لم يحصل له يأس من الولد عند مالك وعليه فان غفل عنه حتى حصل له ولد تم الوقف ومثله على ولد فلان ولا ولد له ثم قال ويصلح من غلته فان أصلح من شرط عليه الاصلاح رجع بما انفق

(4)

لا بقيمته منقوضا وفى المدونة قال ابن القاسم قال رجال من أهل العلم منهم ربيعة اذا تصدق الرجل على جماعة من الناس لا يدرى كم عدتهم ولم يسمهم بأسمائهم فهى بمنزلة الحبس وقال ربيعه والصدقة الموقوفة التى تباع اذا شاء صاحبها اذا تصدق بها الرجل على الرجل أو الثلاثة أو أكثر من ذلك اذا سماهم بأعيانهم ومعناه

(1)

الآية رقم 18 من سورة الجن.

(2)

تبيين الحقائق للزيلعى ج 3 ص 329، ص 330 الطبعة السابقة.

(3)

الزيلعى مع حاشية الشلبى فى كتاب ج 3 ص 331 الطبعة السابقة.

(4)

الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 89 الطبعة السابقة.

ص: 319

ما عاشوا فهذه الموقوفة التى يبيعها صاحبها ان شاء اذا رجعت اليه أى استرجعها وروى سحنون أن ابن القاسم قال: اذا قال الرجل دارى هذه حبس على فلان وعلى عقبه من بعده ولم يقل صدقه فهى حبس اذا كانت على غير قوم بأعيانهم واذا كانت على قوم بأعيانهم ولم يقل صدقة أو قال حبسا ولم يقل لا تباع ولا توهب فهذه ترجع الى الذى حبسها اذا كان حيا أو الى ورثته الذين يرثونه فتكون مالا لهم وقد قال لا ترجع ولكنها تكون محبسة بمنزلة الذى يقول لاتباع وأما ان قال حبسا لاتباع أو قال حبسا صدقة وان كانوا قوما باعيانهم فهذه الموقوفة التى ترجع بعد موت المحبس عليه الى أقرب الناس بالمحبس ولا ترجع الى المحبس وان كان حيا وهذا الذى يقول به أكثر الرواه عن مالك وعليه يعتمدون ولم يختلف قوله فى هذا قط اذا قال حبسا صدقة أو قال حبسا لاتباع وان كانوا قوما بأعيانهم انما الموقوفة التى ترجع الى أقرب الناس بالمحبس ان كان ميتا أو كان حيا ولا ترجع الى المحبس على حال قال عبد الله بن وهب عن مخرمة ابن بكير عن أبيه قال يقال لو أن رجلا حبس حبسا على أحد لم يقل لك ولعقبك من بعدك فانها ترجع اليه فان مات قبل الذين حبس عليهم الحبس ثم مات أهل الحبس كلهم فانها ترجع ميراثا بين ورثة الرجل الذى حبسها على كتاب الله

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

اذا صح الوقف لزم وانقطع تصرف الواقف فيه لما روى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر رضى الله عنه ان شئت حبست أصلها وتصدقت بها لاتباع ولا توهب ولا تورث ويزول ملكه عن العين ومن أصحابنا من خرج فيه قولا آخر أنه لا يزول ملكه عن العين لان الوقف حبس العين وتسبيل المنفعة وذلك لا يوجب زوال الملك والصحيح هو الاول واختلف أصحابنا فيمن ينتقل الملك اليه فمنهم من قال: ينتقل الى الله تعالى وهو الصحيح ومنهم من قال انه ينتقل الى الموقوف عليه، وان أتلفه الواقف أو أجنبى فقد اختلف أصحابنا على طريقين فمنهم من قال يبنى على القولين فان قلنا انه للموقوف عليه وجبت القيمة له لانه بدل ملكه وان قلنا أنه لله تعالى اشترى به مثله ليكون وقفا مكانه وجاء فى المهذب أن وقف مسجدا فخرب المكان وانقطعت الصلاة فيه لم يعد الى الملك ولم يجز له التصرف فيه لان ما زال الملك فيه لحق الله تعالى لا يعود الى الملك بالاختلال

(2)

.

(1)

المدونة للامام مالك ج 15 ص 102، الطبعة السابقة.

(2)

المهذب للشيرازى ج 1 ص 445 الطبعة السابقة.

ص: 320

وان وقف نخلة فجفت أو بهيمة فزمنت أو جذوعا على مسجد فتكسرت ففيه وجهان أحدهما لا يجوز بيعه لما ذكرنا فى المسجد والثانى يجوز بيعه لانه لا يرجى منفعته فكان بيعه أولى من تركه بخلاف المسجد. قال فى مغنى المحتاج فان لم يمكن الانتفاع بها الا باستهلاكها باحراق أو نحوه ففيه خلاف قيل تصير ملكا للموقوف عليه لكنها لا تباع ولا توهب بل ينتفع بعينها وصحح هذا ابن الرفعة وغيره لكن ما ذكره الحاوى الصغير يقتضى أنها لا تصير ملكا بحال قال شيخنا وهو المعتمد

(1)

.

قال صاحب المغنى والاول أوجه فان قيل يلزم عليه التنافى اذ القول بأن الوقف لا يبطل وتعود ملكا متنافيان واجيب بأن معنى عوده ملكا انه ينتفع به ولو باستهلاك عينه كاحراق ومعنى عدم بطلان الوقف أنه ما دام باقيا لا يفعل به ما يفعل بسائر الاملاك من بيع ونحوه فلا تنافى بين بقاء الوقف وعوده ملكا بل قيل ان الموقوف ملك للموقوف عليه فى حال الانتفاع به.

‌مذهب الحنابلة:

من المغنى أن الامام أحمد قال فى رواية أبى داود أن من أدخل بيتا فى المسجد وأذن فيه ثم طلب الرجوع فلا يرجع فيه كذلك اذا اتخذ المقابر والسقاية واذن للناس فليس له الرجوع وفى رواية لا يصح الوقف الا بالقول ذكرها القاضى وأخذه القاضى من قول أحمد اذ سأله الاثرم عن رجل أحاط حائطا على أرض ليجعلها مقبرة ونوى بقلبه ثم بداله العود فقال ان كان جعلها لله فلا يرجع

(2)

. واذا وقف وقفا ولم يجعل آخره للمساكين ولم يبق ممن وقف عليه أحد رجع الى ورثه الواقف فى احدى الروايتين عن أبى عبد الله رحمه الله والرواية الاخرى يكون وقفا على أقرب عصبة

(3)

الواقف وان انقطعت الجهة الموقوف عليها فى حياة الواقف بأن وقف على أولاده وأولاد زيد فقط فانقرضوا فى حياته رجع الوقف الى الواقف قال ابن الزاغونى فى الواضح الخلاف فى الرجوع الى الاقارب أو الى بيت المال أو الى المساكين مختص بما اذا مات الواقف أما ان كان حيا فانقطعت الجهة فهل يعود الوقف الى ملكه أو الى عصبته فيه روايتان

(4)

.

(1)

مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج ج 2 ص 363 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 6 ص 186 الطبعة السابقة وهامشه الشرح الكبير.

(3)

المغنى لابن قدامة ج 6 ص 214 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع مع هامش منتهى الارادات ج 2 ص 448 الطبعة السابقة.

ص: 321

‌حكم اشتراط الاسترداد فى الوقف:

ان شرط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه لم يصح الشرط ولا الوقف لا نعلم فيه خلافا لانه ينافى مقتضى الوقف ويحتمل أن يفسد الشرط ويصح الوقف بناء على الشروط الفاسدة فى البيع وان شرط الخيار فى الوقف فسد، نص عليه أحمد

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

يفهم من مذهب الظاهرية أنه ليس للواقف أن يسترد الموقوف فقد ذكر صاحب المحلى أن الوقف جائز عند الظاهرية فى الاصول من الدور والارضين بما فيها من الغراس

(2)

والبناء ولا يبطل الحبس ترك الحيازة فان اشتغله المحبس ولم يكن سبله على نفسه فهو مضمون عليه كالغصب

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

‌حكم استرداد الوقف اذا زال مصرفه:

اذا زال مصرف الوقف يعود الوقف وقفا لا ملكا للواقف المالك ان كان حيا أو وارثه حيث كان قد مات وعرف وارثه ويكون بينهم على الفرائض والا فللفقراء

(4)

.

‌حكم استرجاع الوقف فى حالة

البيع أو التفويت بغير البيع

يجب على بائع الوقف أو مفوته بغير البيع استرجاعه ولو بغرامة كثيرة ما لم يجحف به وذلك كالغصب فانه لا يلزم استفداء الغصب بما يجحف

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف على وجه الامانة أو الضمان حتى الغصب لم يحتج الى استردادها منه ثم قبضها قبضا جديدا نعم بناء على اشتراط كون القبض باذن الواقف لا بد من اذنه فى البقاء بعنوان الوقفية

(6)

، واذا وقف

(1)

المرجع السابق.

(2)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 175، الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 9 ص 182 الطبعة السابقة.

(4)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 300 الطبعة السابقة.

(5)

التاج المذهب لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 3 ص 329، الازهار مع هامشه ج 3 ص 503

(6)

العروة الوثقى للطباطبائى ج 2 ص 19 مسألة رقم 6 الطبعة السابقة.

ص: 322

مسجدا ثم خرب وخربت المحلة أو القرية لم يعد الى ملك الواقف لان ملكه زال بلا خلاف وعوده الى ملكه يحتاج الى دليل وليس فى الشرع ما يدل عليه

(1)

.

‌حكم الاسترداد فى الهبة

‌مذهب الحنفية:

‌ثبوت حق الاسترداد فى الهبة:

يصح الرجوع فى الهبة فاذا وهب شخص لشخص هبة وقبضها الموهوب له جاز للواهب الرجوع فى الهبة لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها أى لم يعوض والمراد به بعد التسليم أى بعد قبضها لانها لا تكون هبة حقيقية قبل القبض واضافتها الى الواهب باعتبار ما كان ويتأيد الرجوع أيضا بقول النبى صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا) والتفاعل يقتضى الفعل من الجانبين فالمقصود من الهبة العوض فكان له الرجوع اذا لم يحصل مقصوده كالمشترى اذا وجد بالمبيع عيبا يسترد الثمن لفوات مقصوده وهو صفة السلامة فى المبيع

(2)

، وانما يصح الرجوع فى الهبة بتراضيهما أو بحكم الحاكم لان ملك الموهوب له ثابت فى العين فلا يخرج عن ملكه الا بالرضا أو بالقضاء ولانه مختلف فيه بين العلماء وفى عدم حصول مقصوده ووجوده خفاء لانه يحتمل أن يكون غرضه العوض الدنيوى فيثبت له حق الرجوع ويحتمل أن يكون غرضه الثواب فى الاخرة أو اظهار الجود والسماحة فلا يكون له الرجوع على هذا التقدير فلا بد من الفصل بالقضاء أو الرضا فما لم يقض القاضى أو يفسخاها بالتراضى فان ملك الموهوب له ثابت فى العين حتى ينفذ تصرفه فيه من عتق وبيع وغير ذلك ولو كان بعد المرافقة الى الحاكم، وكذا لو منعه وهلك فى يده لا يضمن لقيام ملكه فيه وكذا لو هلك بعد القضاء قبل المنع لانه أوان القبض كان غير مضمون عليه فلا ينقلب مضمونا بالاستمرار عليه وان منعه بعد القضاء ضمن لوجود التعدى منه

(3)

، فان تلفت الموهوبة واستحقها مستحق وضمن الموهوب له لم يرجع على الواهب بما ضمن لان الهبة عقد تبرع وهو غير عامل له فلا يستحق السلامة

(4)

.

‌سقوط حق استرداد الهبة:

ويسقط حق الواهب فى استرداد ما وهبه للاسباب الاتية أولا: الزيادة المتصلة

(1)

كتاب الخلاف للطوسى المجلد الثانى ص 12 وشرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 250 الطبعة السابقة.

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 5 ص 97، ص 98 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 101 الطبعة السابقة.

(4)

تبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 102 الطبعة السابقة.

ص: 323

بالشئ الموهوب والزيادة ليست بموهوبة فلا رجوع فيها والفصل متعذر ليرجع فى الاصل دون الزيادة فامتنع أصلا وبطل حق الواهب لان له حق التملك فى الاصل دون الزيادة وحق الموهوب له حقيقة الملك فيهما فكان مراعاته أولى عند تعذر الفصل وكذلك لا يمكن ايجاب الضمان عليه لان حق التملك لا يجوز أخذ العوض عنه فبطل أصلا وانما يمنع البناء والغرس الرجوع اذا كان يوجب زيادة فى الارض فان كان لا يوجب زيادة فى الارض فلا يمنع الرجوع وان كان البناء أو الغرس يوجب الزيادة فى قطعة منها بأن كانت الارض كبيرة بحيث لا يعد مثله زيادة فيها كلها امتنع الرجوع فى تلك القطعة دون غيرها، ولو كانت الزيادة منفصلة كالولد فانه يرجع فى الاصل دون الزيادة لامكان الفصل وذكر فى المنتقى: لا يرجع فى الجارية الموهوبة اذا ولدت حتى يستغنى ولدها فلو حبلت ولم تلد فللواهب الرجوع فيها لانه نقصان والمراد بالزيادة المتصلة هو الزيادة فى نفس الموهوب بشئ يوجب زيادة فى القيمة كالخياطة والصبغ ونحو ذلك قال فى الشلبى فان قطعه ولم يخطه كان له أن يرجع فيه لان القطع يوجب نقصانا فى الثوب والنقصان لا يمنع الرجوع وان زاد من حيث السعر فله الرجوع لانه لا زيادة فى العين فلا يتضمن الرجوع ابطال حق الموهوب له وهو المانع وكذا اذا زاد فى نفسه من غير أن يزيد فى القيمة كما اذا طال الغلام الموهوب لانه نقصان فى الحقيقة فلا يمنع الرجوع، ولو نقله من مكان الى مكان حتى ازدادت قيمته واحتاج فيه الى مؤنة النقل وذكر فى المنتقى أنه عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ينقطع الرجوع لان الرجوع يتضمن ابطال حق الموهوب له فى الكراء ومؤنة النقل فبطل، وعند أبى يوسف رحمه الله لا ينقطع حق الرجوع لان الزيادة لم تحصل فى العين فصار كزيادة السعر ولو وهب عبدا كافرا فأسلم فى يد الموهوب له أو عبدا حلال الدم فعفا ولى الجناية فى يد الموهوب له لا يرجع ولو كانت الجناية خطأ ففداه الموهوب له لا يمنع الرجوع ولا يسترد منه الفداء ولو علم الموهوب له العبد الموهوب القرآن أو الكتابة أو الصنعة لم يمتنع الرجوع لان هذه ليست بزيادة فى العين فأشبهت الزيادة فى السعر وفيه خلاف زفر

(1)

.

الثانى من الامور التى تمنع استرداد الهبة: موت أحد المتعاقدين لانه بموت الموهوب له ينتقل الملك الى ورثته وهم لم يستفيدوه من جهة الواهب فلا يرجع عليهم كما اذا انتقل اليهم فى حال حياته، ولان تبدل الملك كتبدل العين فصار كعين أخرى فلا يكون له فيها سبيل وبموت الواهب يبطل خياره لانه وصف له وهو لا يورث كخيار الرؤية والشرط أو هو مجرد حق وهو أيضا لا يورث.

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 98 الطبعة السابقة.

ص: 324

الثالث: حصول العوض فان قال خذه عوض هبتك أو بدلها أو بمقابلتها فقبضه الواهب سقط الرجوع للحديث السابق ولان ثبوت الرجوع فى الهبة لخلل فى مقصوده وقد زال الخلل ولا بد من أن يذكر الموهوب له أن المدفوع عوض عن الهبة بأن يقول خذ هذا بدلا عنها أو ثوابها أو نحو ذلك مما ينبئ أنه عوض عنها لان حق الرجوع ثابت له ولا يسقط الا بعوض يرضى به هو ولا يتم ذلك بدون رضاه ولو وهب للواهب شيئا ولم يذكر أنه عوض عنها كان هبة مبتدأة ولكل واحد منهما أن يرجع فى هبته وان استحق نصف الهبة رجع الموهوب له بنصف العوض لانه لم يدفع اليه الا ليسلم له الموهوب كله فاذا فات بعضه رجع عليه بقدره كغيره من المعاوضات بخلاف ما اذا استحق نصف العوض حيث لا يرجع الواهب بشئ حتى يرد ما بقى من العوض لان العوض ليس ببدل عنه حقيقة بدليل أنه يجوز أن يعوضه أقل من جنسه فى المقدرات ولو كان معاوضة لما جاز للربا ولهذا لو عوضه هذا القدر من الابتداء سقط به حقه فى الرجوع الا أنه لم يرض بسقوط حقه الا بسلامة كل العوض له فاذا لم يسلم له كله كان له الخيار ان شاء رضى بما بقى من العوض وان شاء رد الباقى عليه ورجع فى الهبة وقال زفر رحمه الله يرجع بنصف الهبة لان كل واحد منهما عوض عن الاخر فكما يرجع الموهوب له بنصف العوض عند استحقاق نصف الهبة فكذا يرجع الواهب أيضا بنصف الهبة عند استحقاق نصف العوض لانه حكم المعاوضة اذ هو يقتضى المساواة ولو عوض النصف رجع بما لم يعوض، يعنى اذا عوضه عن نصف الموهوب كان له أن يرجع فى النصف الاخر لان حقه فى الرجوع كان فى الكل فاذا عوضه عن بعضه امتنع الرجوع فى حقه وبقى حقه فى الباقى على ما كان.

الرابع من موانع الاسترداد: خروج الهبة عن ملك الموهوب له لان الاخراج عن ملكه وتمليكه لغيره حصل بتسليط الواهب فلا يمكن من نقض ما تم من جهته ولان تبدل الملك كتبدل العين فصار كعين أخرى فلا يرجع فيها واذا بيع نصف الهبة يرجع الواهب فى النصف الباقى كأن لم يبع منها شئ فانه اذا لم يبع منها شئ كان له أن يرجع فى النصف ويترك النصف لان له حق الرجوع فى الكل فله أن يستوفيه ان شاء وان شاء استوفى نصفه وكذا له أن يترك الكل

(1)

ان شاء.

الخامس من موانع الاسترداد: الزوجية وقت الهبة وبالعكس وهو ما اذا وهب لزوجته ثم أبانها ليس له أن يرجع فى الهبة لان الزوجية نظير القرابة فيكون المقصود من الهبة الصلة والتواد

(1)

الزيلعى وحاشية الشلبى عليه ج 5 ص 99، 100 الطبعة السابقة.

ص: 325

دون العوض وقد حصل فلا يرجع بخلاف الهبة للأجنبى لان المقصود فيها العوض فكان له الرجوع عند فواته.

السادس من موانع الرجوع فى الهبة القرابة المحرمة للنكاح فلو وهب لذى رحم محرم منه فلا يرجع فيها لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم اذا كانت الهبة لذى رحم محرم لم يرجع فيها ولان المقصود منها صلة الرحم وقد حصل وفى الرجوع قطيعة الرحم فلا يرجع فيها سواء كان مسلما أو كافرا كالعتق بالملك ولو وهب لعبد أخيه أو لاخيه وهو عبد لاجنبى رجع فيها عند أبى حنيفة وقالا لا يرجع فى الاولى وفى الثانية يرجع ولو وهب للمكاتب وهو ذو رحم محرم منه فان عتق لا يرجع لان الملك استقر له فيكون صلة فى حقه وان عجز فعند محمد لا يرجع لان الكسب كان للمكاتب ثم انتقل الى المولى عند العجز وانتقال الملك يمنع الرجوع وعند أبى يوسف رحمه الله يرجع لان العجز يظهر أن حقيقة الملك وقعت للمولى من وقت الهبة.

السابع من موانع الرجوع: هلاك العين الموهوبة فانه مانع من الرجوع لتعذره بعد الهلاك اذ هو غير مضمون

(1)

عليه.

ولا يحق للمتصدق أن يسترد صدقته لان المقصود فيها هو الثواب دون العوض قال فى النهاية لا رجوع فى الصدقة على الغنى كما لا رجوع فيها على الفقير ثم قال: ومن أصحابنا من قال الصدقة على الغنى كالهبة سواء لانه به يقصد به العوض دون الثواب ألا ترى أنه فى حق الفقير جعلت الصدقة والهبة سواء فيما هو المقصود ثم له أن يرجع فى الهبة فكذا فى الصدقة ثم قال والقياس أنه يملك الرجوع فى الصدقة على الغنى ولا يملك الرجوع فى الهبة على الفقير

(2)

. فلو وهب لاجنبيه ثم تزوجها يجوز له الرجوع فى الهبة.

‌حكم استرداد ما أنفق الاب

أو الام على جهاز البنت

نقل صاحب البحر عن المبتغى أن من زفت اليه امرأته بلا جهاز فله مطالبة الاب بما بعث اليه من الدنانير والدراهم واذا جهز الاب بما لا يليق بالمبعوث فله استرداد ما بعث فلو سكت الزوج بعد الزفاف طويلا فليس له أن يطالبه ولو جهز الاب ابنته وسلمه اليها ليس له فى الاستحسان استرداده منها وعليه الفتوى ولو أخذ أهل المرأة شيئا عند التسليم فللزوج أن يسترده لانه رشوة ولو دفعت الام فى تجهيزها لبنتها أشياء من أمتعة الاب بحضرته وعلمه وكان ساكتا وزفت الى الزوج فليس للاب أن يسترد ذلك من بنته

(3)

.

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 101 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 104، ص 105 الطبعة السابقة.

(3)

البحر الرائق لابن نجيم ج 3 ص 200 الطبعة السابقة.

ص: 326

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد الهبة اذا لم يثب:

قال ابن القاسم سمعت عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافرى يحدث أن عمر بن عبد العزيز كتب أيما رجل وهب هبة ثم لم يثب منها فأراد أن يرجع فى هبته فان أدركها بعينها عند من وهبها له لم يتلفها أو تتلف عنده فليرجع فيها علانية غير سر ثم ترد عليه الا أن يكون وهب شيئا مثيبا فحبس عند الموهوب له فليقض له شرواها يوم وهبها له الا من وهب لذى رحم فانه لا يرجع أو الزوجين أيهما أعطى لصاحبه شيئا طيبة به نفسه فلا رجعة له فى شئ منها وان لم يثب منها

(1)

.

‌حكم استرداد الهبة اذا عوضت:

جاء فى المدونة قال مالك وان وهب رجل لرجل هبة فعوضه منها فليس لواحد منهما أن يرجع فى شئ مما أعطاه وقال ابن القاسم ولو أن رجلا وهب لرجلين عبدا فعوضه أحدهما عوضا من حصته كان له أن يرجع فى حصة الآخر وما سمعت ذلك من مالك ولكنه مثل البيوع من قول مالك اذا باع العبد من رجلين صفقة واحدة فنقده أحدهما وأفلس الآخر كان له أن يأخذ نصيب الآخر ويكون أولى به من الغرماء ولو أن رجلا وهب لرجل هبة فعوضه رجل أجنبى عن الموهوب له عن تلك الهبة عوضا لم يكن للمعوض أن يرجع فى عوضه ولكن ينظر فان كان المعوض انما أراد بالعوض حين عوض الواهب عن الموهوب أراد بذلك العوض هبة للموهوب له يرى أنه انما أراد بها الثواب فأرى أن له أن يرجع على الموهوب له بقيمة العوض الا أن يكون العوض دنانير أو دراهم فليس له أن يرجع عليه بشئ وان كان انما أراد بعوضه السلف فله أن يتبع الموهوب له وان كان بغير أمر الموهوب له ولو أن الهبة تغيرت بزيادة بدن أو بنقصان بدن فليس له أن يرجع فيها وليس للموهوب له أن يردها وان زادت وقد لزمته القيمة فيها ولو أن الهبة حالت أسواقها بعد أن وهبت كان للواهب أن يرجع فيها الا أن يعوضه قال ابن وهب قال مالك ان شاء أن يمسكها وان شاء أن يردها قال ابن وهب قال أخبرنى من أثق به عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب أتى برجل وهب جارية فولدت أولادا صغارا فرجع فيها قال ابن القاسم يرجع فى قيمتها يوم وهبها ونماؤها للذى وهبت له قال اسماعيل بن أمية وقضى عمر ابن عبد العزيز فى رجل وهب غلاما فزاد عند صاحبه وشب كما قال ابن القاسم له قيمته يوم وهبه

(2)

قال ابن القاسم وان وهب له سلعة للثواب فقبضها الموهوب له قبل أن يثيبه أوقف الموهوب له فأما أن يثيبه واما أن يرد سلعته اليه ويتلوم فى ذلك لهما جميعا بما لا يكون عليهما فى ذلك ضرر قال عبد الجبار بن عمر عن ربيعة

(1)

المدونة الكبرى للإمام مالك ج 15 ص 142، 143 الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى للامام مالك ج 15 ص 141، ص 142 الطبعة السابقة.

ص: 327

ابن أبى عبد الرحمن قال الهبة للثواب عندنا مثل البيع يأخذها صاحبها اذا قام عليها فان نمت عند الذى وهبت له فليس للواهب الا قيمتها يوم وهبها

(1)

.

‌حكم استرداد الهبة اذا كانت

دراهم أو دنانير:

قال سحنون فان كان ما وهبه له دنانير أو دراهم فاشترط الثواب قال ابن القاسم أرى له فيه الثواب أى استرجاعها اذا اشترطه عرضا أو طعاما وقال مالك فى حكم استرداد هبة الحلى للثواب أرى للواهب قيمة الحلى من العروض فى الثواب ولا يأخذه دنانير ولا دراهم قال سحنون ونسبه الى مالك فان كان قد وهب حلى فضة فلا يأخذ فى الثواب دنانير

(2)

.

‌حكم استرداد هبة الزوج زوجه:

قال مالك ليس بين الرجل وامرأته ثواب فى الهبة الا أن يكون يعلم انها أرادت بذلك ثوابا مثل أن يكون الرجل الموسر والمرأة لها الجارية فيطلبها منها فتعطيه أياها تزيد بذلك استقرار صلته وعطيته والرجل مثل ذلك يهب الهبة لامرأته والابن لابيه يرى أنه انما أراد بذلك استقرار ما عند أبيه فاذا كان مثل ذلك مما يرى الناس أنه وجه ما طلب بهبته تلك رأيت بينهما الثواب فان أثابه والا رجع كل واحد منهما فى هبته وان لم يكن وجه ما ذكر ذلك فلا ثواب بينهم، وعن يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال ليس بين الرجل وامرأته فيما كان من أحدهما الى صاحبه من عطاء أو صدقة بت ليس بينهما فى ذلك ثواب وليس لاحدهما أن يرتجع ما أعطى صاحبه وذلك لانه من الرجل اذا أعطى امرأته حسن صحبه فيما ولاه الله من أمرها وأوجب عليه من نفقتها واقضائه من المعروف اليها ولانه من المرأة الى زوجها مواساة ومعونة على صنيعته وصنيعها فليس بينهما ثواب فيما أعطى أحدهما صاحبه ولا عوض الا أن يشترط أحدهما على صاحبه شرطا قال مالك وقال عمر بن الخطاب من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه الصدقة فانه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه انما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها ان لم يرض منها وقد قال على بن أبى طالب المواهب ثلاثة موهبة يراد بها وجه الله تعالى وموهبة يراد بها وجه الناس وموهبة يراد بها الثواب فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها اذا لم يثب

(3)

.

(1)

المرجع السابق ج 15 ص 138 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 15 ص 138 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 15 ص 139، ص 140، ص 141 الطبعة السابقة.

ص: 328

‌استرداد هبة الشخص ذوى قرباه:

قال سحنون ولو وهب الرجل لعمته أو لعمه أو لجدته أو لجده أو لاخته أو ابن عمه هبة أو وهب لقرابته ممن ليس بينه وبينهم محرم أو لقرابته ممن بينه وبينهم محرم فان كان يعلم أنه أراد بها وجه الثواب فان أثابوه والا استرجع هبته وما وهبت من هبة يعلم أنه لم يرد بها وجه الثواب فلا ثواب له مثل أن يكون غنيا فيصل بعض قرابته فيزعم أنه أراد به الثواب فهذا لا يصدق على ذلك ولا ثواب للواهب ولا رجعة له فى هبته وهذا قول مالك

(1)

.

‌حكم استرداد الاب ما وهبه لابنه:

وللأب فقط لا الجد أن يعتصر الهبة من ولده الحر ذكرا كان أو أنثى صغيراً أو كبيراً غنيا أو فقيرا أى له أن يأخذها منه جبرا بلا عوض حتى ولو جازها الابن بأن يقول رجعت فيما وهبته له أو أخذتها أو اعتصرتها فلا يشترط لفظ الاعتصار على الاظهر لعدم معرفة العامة له غالبا وكذا للأم فقط أن تعتصر ما وهبته لولدها فقط اذا كان صغيرا ذا أب ولو مجنونا جنونا مطبقا أما ان كان الولد يتيما فليس لها أن تعتصر منه ما وهبته ولو بلغ لانه كان يتيما حين الهبة فتعد تلك الهبة كالصدقة وسواء كان الابن والاب معسرين أو موسرين أو أحدهما معسرا والآخر ميسرا فان تيتم الولد بعد هبتها له فى حياة أبيه فلها الاعتصار بعد موت أبيه على المختار لان الهبة لم تكن بمعنى الصدقة حين الهبة لوجود أبيه وان وهبت لولدها الكبير فان لها الحق فى الاعتصار مطلقا سواء كان له أب أم لا أما اذا كان الاب أو الام قد أرادا بهبتهما لابنهما ثواب الآخرة لا مجرد ذات الولد فلا حق لهما فى الاعتصار وكذا ان أراد الصلة والحنان لكونه محتاجا أو بائنا عن أبيه أو خاملا بين الناس كصدقة وقعت بلفظها من غير أن يشترط الاعتصار فان شرط أن يرجع فيما تصدق به على ولده أو فيما أعطاه له على وجه الصلة كان له الرجوع فيه عملا بشرطه وكذا لا حق للأب فى اعتصار الهبة من ابنه ان فاتت الهبة عند الموهوب له ببيع أو هبة أو عتق أو تدبير أو بجعل الدنانير حليا أو نحو ذلك ولاحق له فى اعتصارها ان زادت زيادة فى الذات سواء كانت معنوية كتعليم صنعة أو حسية ككبر صغير وسمن هزيل ومثل ذلك ما اذا نقصت كذلك وكذا يسقط حق الاعتصار بخلط مثلى بغيره دارهم أو غيرها فليس للأب حينئذ اعتصارها وكذا يسقط حق الابوين فى اعتصار هبة ابنه اذا كان الاجنبى قد عقد النكاح لهذا الابن الموهوب له أو عقد

(1)

المدونة الكبرى للامام مالك ج 15 ص 139، ص 140 الطبعة السابقة.

ص: 329

النكاح على هذه البنت الموهوب لها من أجل هبة كل منهما أو كان الاجنبى أعطى الدين لهما من أجل يسرهما بالهبة فان لم يقصد الاجنبى ذلك وانما قصد ذاتهما فقط لم يسقط حق الابوين فى الاعتصار وكذا يسقط حق الابوين فى الاعتصار اذا كان الموهوب أمة ثيبا ووطئها الابن البالغ الموهوب له أو كانت بكرا وافتضها الموهوب له ولو كان غير بالغ أما ان وطئ غير البالغ ثيبا فلا يمنع من الاعتصار ولو كان مراهقا ومثله سقوط حق الابوين فى اعتصار ما وهب للابن أن يمرض الابن الموهوب له فيمنع الاعتصار لتعلق حق ورثته عندئذ بالهبة الا أن يهب الوالد حال كون ولده الموهوب له على هذه الاحوال أى وهو متزوج أو مدين أو مريض فله الاعتصار وكذا اذا زال المرض الحاصل للموهوب أو الواهب بعد الهبة فله الاعتصار على المختار

(1)

، واذا تصدق رجل على ولد ثم عقه الولد فليس للاب أن يرجع فى صدقته كما أنه ليس للولد أن يرجع فى عطيته مما أعطاه لوالده من أجل فضيلة حق والديه على فضيلة حقه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

ان وهب شخص لغير الولد وولد الولد شيئا وأقبضه لم يملك الرجوع فيه لما روى ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما رفعاه إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم «لا يحل للرجل أن يعطى العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده وإن وهب للولد أو ولد الولد وإن سفل جاز له أن يرجع للخبر ولأن الأب لا يتهم فى رجوعه لأنه لا يرجع إِلا لضرورة أو لإصلاح الولد وإن تصدق عليه فالمنصوص أن له أن يرجع كالهبة ومن أصحابنا من قال لا يرجع لأن القصد بالصدقة طلب الثواب وإصلاح حاله مع الله عز وجل فلا يجوز أن يتغير رأيه فى ذلك والقصد من الهبة إصلاح حال الولد وربما كان الصلاح فى استرجاعه فجاز له الرجوع

(3)

ولو وهب لولده عينا وأقبضه اياها فى الصحة فشهدت بينة لباقى الورثة أن أباه رجع فيما وهبته له ولم تذكر ما رجع فيه لم تسمع شهادتها ولم تنزع العين منه لاحتمال أنها ليست من المرجوع فيه ويحصل الرجوع برجعت فيما وهبت أو استرجعته أو رددته الى ملكى أو نقضت الهبة أو نحو ذلك كأبطلتها وفسختها وكل هذه صرائح ويحصل بالكتابة مع النية كأخذته وقبضته وكل

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 110، ص 111، ص 112 الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى للإمام مالك ج 15 ص 137 الطبعة السابقة.

(3)

المهذب للشيرازى ج 1 ص 447 الطبعة السابقة.

ص: 330

ما يحصل به رجوع البائع بعد فلس المشترى يحصل به الرجوع هنا والموهوب بعد الرجوع فيه من غير استرداد أمانة فى يد الولد بخلاف المبيع فى يد المشترى بعد فسخ البيع

(1)

ولو وهب الاب ابنه جارية جاز للأب أن يسترجعها حتى ولو كان بعد وط ء الابن لها

(2)

فان فضل الاب بعض أولاده على بعض أعطى بقيتهم ما يحصل به العدل والا رجع ندبا للأمر فى رواية، نعم يظهر أنه لو علم من المحروم الرضا وظن عقوق غيره لفقره ورقة دينه لم يستحب الرجوع ولم يكره التفضيل كما لو حرم فاسقا لئلا يصرفه فى معصية أو عاقا أو ناد أو آثر الاحوج أو المتميز بنحو فضل كما فعله الصديق مع عائشة رضى الله عنهما والاوجه أن حكم تخصيص بعضهم فى الرجوع فى هبته حكم ما لو خصصه بالهبة وللأب الرجوع فيما لو وهب ولده عينا بالمعنى الاعم الشامل للهدية والصدقة على الراجح بل يوجد التصريح بذلك فى بعض النسخ ولا يتعين الفور بل له ذلك متى شاء وان لم يحكم به حاكم أو كان الولد فقيرا صغيرا مخالفا دينا لخبر لا يحل لرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة فيرجع فيها الا الوالد فيما يعطى ولده واختص بذلك لانتفاء التهمة فيه اذ ما طبع عليه من ايثاره لولده على نفسه يقضى بأنه انما رجع لحاجة أو مصلحة ويكره الرجوع من غير عذر فان وجد ككون الولد عاقا أو يصرفه فى معصية أنذره به فان أصر لم يكره كما قالاه ويمتنع الرجوع كما بحثه البلقينى فى صدقه واجبة كنذر وزكاة وكفارة وكذا فى لحم أضحية تطوع ولا رجوع فى هبة بثوابها بخلافها من غير ثواب وان أثابه عليها كما قاله القاضى وله الرجوع فى بعض الموهوب ولا يسقط بالاسقاط وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه كما أفتى به المصنف وهو المعتمد

(3)

ومحله كما أفاده الجلال البلقينى عن أبيه فيما اذا فسره بالهبة ولو وهبة وأقبضه ومات فأدعى الوارث صدوره فى المرض والمتهب كونه فى الصحة صدق الثانى بيمينه ولو أبرأه من دين كان له عليه امتنع الرجوع جزما سواء أقلنا أنه تمليك أم اسقاط اذ لا بقاء للدين فأشبه ما لو وهبه شيئا فتاف وكذا لسائر الاصول من الجهتين وان علوا الرجوع كالأب على المشهور كما فى نفقتهم وعتقهم وسقوط القود عنهم وخرج بهم الفروع والحواشى كما يأتى وأفهم كلامه اختصاص الرجوع بالواهب فلا يجوز ذلك لابيه ولو مات ولم يرثه فرعه الموهوب له لمانع قام وورثه جده لان الحقوق لا تورث وحدها انما تورث بتبعية المال وهو لا يرثه ومقابل المشهور لا رجوع لغير الاب قصرا للوالد فى الخبر المار على الاب

(1)

مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 2 ص 374 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 112 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملى عليه ج 5 ص 412، ص 413، ص 414 الطبعة السابقة.

ص: 331

وشرط رجوعه أى الاب بقاء الموهوب فى سلطنه المتهب أى استيلائه فيمتنع الرجوع ببيعه كله أو بعضه بالنسبة لما باعه نعم لو كان فى زمن خيار لم ينقل الملك عنه اتجه الرجوع ولو وهبه مشاعا فاقتسمه ثم رجع فيما خص ولده بالقسمة جاز ان كانت افرازا والا لم يرجع الا فيما لم يخرج عن ملكه فلو كانت الشركة بالنصف رجع فى نصفه فقط ولا تنقض القسمة

(1)

.

ولو مرض الابن ورجع الاب ثم مات الابن اتجه صحة رجوعه كما صرح به الاذرعى ولو زال ملكه أى الفرع عن الموهوب وعاد اليه ولو بارث أو اقالة أو رد بعيب لم يرجع الاصل الواهب له فى الاصح ولو وهبه الفرع لفرعه وأقبضه ثم رجع فيه فالاوجه من وجهين عدم الرجوع لزوال ملكه سواء أجعلنا الرجوع ابطالا للهبة أم لا اذ القائل بالابطال لم يرد به حقيقة والا لرجع فى الزيادة المنفصلة ولو زاد رجع فيه بزيادته المتصلة لتبعيتها كتعلم صنعة وحرفة لا الزيادة المنفصلة كأجرة وكسب فلا يرجع فيها لحدوثها فى ملك المتهب وليس منها حمل عند القبض وان انفصل فى يده ويبقى غراس متهب وبناؤه أو يقلع بالارش ولا يصح الرجوع الا منجزا ولو وهبه وأقبضه فى الصحة فشهدت بينه أنه رجع فيما وهب ولم تذكر ما رجع فيه لغت شهادتها ولو تفاسخا المتواهبان الهبة أو تقايلا حيث لا رجوع لم تنفسخ كما جزم به فى الانوار ولا رجوع لغير الاصول فى هبة مطلقة

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

والحنابلة على أنه لا يجوز لواهب ولا يصح أن يرجع فى هبته ولو كانت صدقة وهدية ونحلة أو نقوطا أو حمولة فى عرس ونحوه أو تعلق بالموهوب رغبة الغير بأن ناكح الولد أو داينه لوجود ذلك بعد لزومها كالقيمة الا أن يكون الواهب هو الاب الاقرب ولو أسقط حقه من الرجوع ولو ادعى اثنان مولودا فوهباه أو وهبه أحدهما شيئا فلا رجوع وان ثبت اللحاق بأحدهما ثبت الرجوع ويشترط لرجوع الاب ثلاثة شروط.

أحدها: أن تكون عينا باقية فى ملك الابن فلا رجوع فى دينه على الولد بعد الابراء ولا فى منفعة أباحها له بعد الاستيفاء كسكنى دار ونحوها فان خرجت العين عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف ثم عادت اليه بسبب جديد كبيع أو هبة أو نحوه لم يملك الرجوع وان عادت بفسخ البيع بعيب أو اقاله أو فلس

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 414، ص 415 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 5 ص 417، ص 418، ص 419 الطبعة السابقة.

ص: 332

المشترى أو بفسخ خيار الشرط أو المجلس أو دبر العبد أو كاتبه ملك الاب الرجوع وهو مكاتب وما أخذه الابن من دين الكتابة لم يأخذه منه أبوه.

الثانى: أن تكون العين باقية فى تصرف الولد فان تلفت فلا رجوع فى قيمتها وان استولد الامة أو كان وهبها للاستعفاف لم يملك الرجوع وان رهن العين أو أفلس وحجر عليه فكذلك فان زال المانع ملك الرجوع وكل تصرف لا يمنع الابن التصرف فى الرقبة كالوصية والهبة قبل القبض والوط ء المجرد عن الاحبال والتزويج والاجارة والمزارعة عليها وجعلها مضاربة فى عقد شركة لا يمنع الرجوع وكذلك العتق المعلق واذا رجع وكان التصرف لازما كالاجارة والتزويج والكتابة فهو باق بحاله وان كان جائز التصرف كالوصية والهبة قبل القبض بطل، والتدبير والعتق المعلق بصفة لا يبقى حكمها فى حق الاب ومتى عاد الى الابن عاد حكمهما وان وهب الولد لوالده لم يملك الرجوع الا أن يرجع هو.

الثالث: ألا تزيد زيادة متصلة تزيد فى قيمتها كالسمن والكبر والحمل وتعلم صنعة أو كتابة أو قرآن وان زاد ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع وان اختلف الاب وولده فى حدوث الزيادة فقول الاب ولا تمنع الزيادة المنفصلة كولد البهيمة وثمرة الشجرة وكسب العبد والزيادة للولد فان كانت الزيادة ولد أمة امتنع الرجوع لتحريم التفريق وان وهبه حاملا فولدت فى يد الابن فالولد زيادة متصلة وان وهبه حائلا ثم رجع فيها حاملا فان زادت قيمتها فزيادة متصلة وان وهبه نخلا فحملت فقبل التأبير زيادة متصلة وبعده منفصلة وان تلف بعض العين أو نقصت قيمتها أو أبق العبد أو ارتد الولد لم يمنع الرجوع ولا ضمان على الابن فيما تلف منها ولو بفعله وان جنى العبد جناية يتعلق أرشها برقبته فللأب الرجوع فيه ويضمن أرش الجناية فان جنى على العبد فرجع الاب فيه فأرش الجناية عليه

(1)

للابن ولو وهب والد ولده شيئا تم باعه الولد أى باع ما وهبه له أبوه ثم رجع اليه أى الى الولد باقالة لم يمنع ذلك رجوع الاب فيه كما لو رجع الى الابن ببيع أو هبة فانه يمنع رجوع

(2)

الاول ولو وهب رجل ابنه عبدا فأعتقه نفذ عتقه مع ملك الاب لاسترجاعه ولا ينفذ عتق البائع فى ظاهر المذهب

(3)

، وان مات واهب قبل اقباض ورجوع قام وارثه مقامه فى اذن ورجوع فى الهبة

(4)

ولواهب الرجوع فى هبته قبل قبض لان عقد الهبة لم يتم فلا يدخل تحت المنع

(1)

الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 3 ص 35، ص 36 الطبعة السابقة، الكشاف ومنتهى الارادات فى كتاب ج 2 ص 483 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع حاشية منتهى الارادات ج 2 ص 85 الطبعة السابقة والاقناع ج 2 ص 113 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة ج 4 ص 57، ص 58 ص 59 الطبعة السابقة.

(4)

الاقناع ج 3 ص 32 الطبعة السابقة.

ص: 333

قال الحارث وعتق الموهوب وبيعه وهبته قبل القبض رجوع لحصول المنافاة

(1)

مع الكراهة.

‌حكم استرجاع القريب ما دفعه الى قريبه:

قال ولا يملك القريب استرجاع ما دفع اليه من جارية ولا عوض ما زوجه به اذا أيسر لانه واجب عليه كالنفقة لا يرجع بها بعد

(2)

.

‌ما يكون به استرداد الهبة:

أن يقول قد رجعت فيها أو ارتجعتها أو رددتها ونحوه من الالفاظ الدالة على الرجوع علم الولد أو لم يعلم ولا يحتاج الى حكم حاكم وان تصرف الاب فيه بعد قبض الابن ولو نوى الاب به أى بالتصرف الرجوع لم يكن رجوعا بغير قول

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

لا يجوز لمن وهب هبة صحيحة أن يرجع فيها أصلا مذ يلفظ بها إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما فلهما الرجوع فيه أبدا الصغير والكبير سواء فان فات عينها فلا رجوع لهما بشئ ولا رجوع لهما بالغلة ولا بالولد الحادث بعد الهبة فإن فات البعض وبقى البعض كان لهما الرجوع فيما بقى فقط

(4)

، فان تغيرت الهبة عند الولد حتى يسقط عنها الاسم أو خرجت عن ملكه أو مات أو صارت لا يحل تملكها فلا رجوع للأب فيه لانها اذا تغيرت فهى غير ما جعل له النبى صلى الله عليه وسلم الرجوع فيه واذا خرجت عن ملكه أو مات فلا رجوع له على من لم يجعل له النبى صلى الله عليه وسلم الرجوع عليه واذا بطل تملكها فلا تملك للأب فيها أصلا وعلى من وهب هبة أو صدقة لاحد أن يرجع فيها اذا كان لا يبقى لنفسه وعياله بعده غنى لما روى أن رجلا أعتق عبدا له لم يكن له مال غيره فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5)

والمنحة جائزة وهى المحتلبات فقط يمنح المرء ما يشاء من اناث حيوانه من شاء للحلب وكدار يبيح سكناها ودابة يمنح ركوبها وأرض يمنح ازدراعها فما حازه الممنوح من كل ذلك فهو له لا طلب للمانح فيها وللمانح أن يسترد عين ما منح متى شاء سواء عين مدة أو لم يعين أشهد أو لم يشهد لأنه لا يحل مال أحد بغير طيب نفسه إلا بنص ولا نص فى هذا.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 476 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 3 ص 317.

(3)

الاقناع ج 3 ص 37 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 127 مسألة رقم 1629 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 9 ص 136 مسألة رقم 1630 الطبعة السابقة.

ص: 334

‌مذهب الزيدية:

واذا وقعت الهبة بلا عوض معقود ولا مضمر فيصح مع الكراهة الرجوع فيها بشروط ستة.

الاول: أن يقع الرجوع مع بقائها أى بقاء الواهب والمتهب فلو ماتا لم يصح الرجوع فيها فلو وهب لاثنين ثم مات أحدهما صح الرجوع فى حق الحى.

الثانى: أن يقع الرجوع فى عين لا دين فلو كان الموهوب دينا لم يصح الرجوع.

الثالث: أن يقع الرجوع والعين الموهوبة باقية.

الرابع: أن لا تكون العين قد زادت زيادة متصلة أما الزيادة المنفصلة لا تمنع الرجوع.

الخامس: أن لا تكون الهبة وهبت لله تعالى.

السادس: أن لا تكون الهبة لذى رحم محرم نسبا ولو كافرا أو فاسقا كالآباء وان علوا والابناء وان سفلوا أو من يليه بدرجة فان كانت الهبة بغير عوض لذى رحم محرم أو من يليه بدرجة لم يصح الرجوع فيها سواء كانت لله أم لا الا أن يريد العوض ولم يحصل فله الرجوع فى هبة طفله أما لو لم يكن طفلا بل كان بالغا لم يصح للأب الرجوع فلو وهب له فى صغره وأراد الرجوع بعد البلوغ لم يصح ذلك وفى صحة رجوع الام فيما وهبته لولدها الصغير خلاف بين العلماء المختار أنه لا يثبت لها

(1)

الرجوع، ومن أبيح له الطعام المصنوع لم يملك ما لم يستهلك وقيل ما أخذ من لقمة ملكها بالقبض كالهدية فلا يصح للمبيح استرجاعها وقيل لا يملك حتى يضعها فى فمه له استرجاعها قبل

(2)

وقيل لا يملك.

‌مذهب الإمامية:

يكره تفضيل بعض الولد على بعض وان اختلفوا فى الذكورة والانوثة لما فيه من كسر قلب المفضل عليه وتعريضهم للعداوة وروى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن أعطى بعض أولاده شيئا أكل ولدك أعطيت مثله قال لا قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فرجع فى تلك العطية وفى رواية لا تشهدنى على جور وحيث يفعل يستحب الفسخ مع امكانه للخبر، ويصح الرجوع فى الهبة بعد الاقباض ما لم يتصرف الموهوب له تصرفا متلفا للعين أو ناقلا للملك أو مانعا من الرد كالاستيلاد أو مغيرا للعين كقصارة الثوب ونجارة

(1)

التاج المذهب الجامع لأحكام المذهب ج 3 ص 267، ص 268، ص 269 الطبعة السابقة

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 174 وهامشه الطبعة السابقة.

ص: 335

الخشب وطحن الحنطة على الاقوى فى الاخير وقيل مطلق التصرف مانع للرجوع ومن انتقال الملك عنه انتقاله لموت بفعله تعالى وهو أقوى من نقله بفعله ومن موانع الرجوع أخذ العوض عن الهبة أو يعوض عنها بما يتفقان عليه أو بمثلها أو قيمتها مع الاطلاق أو تكون الهبة لذى رحم قريب وان لم يحرم نكاحه أو يكون زوجا أو زوجة على الاقوى لصحيحه زراره ولو عابت لم يرجع بالارش على الموهوب وان كان بفعله لانها غير مضمونة عليه وقد سلطه على اتلافها مجانا فأبعاضها أولى ولو زادت زيادة متصلة كالسمن وان كان علف المتهب فللواهب أن جوزنا الرجوع حينئذ والمنفصلة كالولد واللبن للموهوب له لانه نماء حدث فى ملكه فيختص به سواء كان الرجوع قبل انفصالها بالولادة والحلب أم بعده لانه منفصل حكما هذا اذا تجددت الزيادة بعد ملك المتهب بالقبض فلو كان قبله فهى للواهب

(1)

.

‌حكم الاسترداد فى الهبة اذا

اشترط الخيار فى الفسخ:

اذا اشترط الواهب على المتهب أن يكون له الخيار فى فسخ العقد الى مدة معينة جاز وحينئذ فله الفسخ والرجوع حتى فى هبته ذا الرحم وحتى بعد التلف ففرق بين جواز الرجوع بمعنى استرداد العين وبين فسخ العقد والاول ليس فسخا فيتوقف على بقاء العين بخلاف الثانى فانه حل للعقد فيكون نظير اشتراط الخيار فى الصلح المحاباتى اذ له أن يفسخ ويرجع بالعين أو بقيمتها اذا كانت تالفة

(2)

.

‌ما يكون به الاسترداد فى الهبة:

الرجوع يحصل اما بالقول أو الفعل كأن يقول رجعت فيما وهبت وارتجعت واسترددت المال ورددته الى ملكى وأبطلت الهبة ونقضتها وما أشبه ذلك من الالفاظ الدالة على الرجوع واللفظ الذى به يحصل الرجوع ينقسم الى قسمين صريح وهو قوله رجعت وكناية يفتقر الى النية مثل قوله أبطلت الهبة وفسختها وأما الفعل فأن يفعل الواهب فعلا لا يسوغ به الا فى ملك بأن يطأ الجارية الموهوبة أو يبيعها أو يقفها أو يهبها من آخر فالاقوى عندى أن يكون رجوعا كما أن هذه التصرفات فى زمن الخيار فسخ للبيع

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

ومن وهب شيئا لغيره على الثواب فانه يدركه عليه فى حينه وله أن يرد الشئ

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 268، ص 269 الطبعة السابقة.

(2)

العروة الوثقى للسيد محمد كاظم - الطباطبائى اليزدى طبع مطبعة الحيدرى بطهران ج 2 ص 173

(3)

تذكرة الفقهاء للحلى ج 2 ص 421 الطبعة السابقة.

ص: 336

بعينه فيه وان قال له الواهب لا آخذه فى ثوابى ولا آخذ فيه الا ما وهبته لك فيه فأبى أو قال له لا أعطيك الا ثوابه قبل قول المستمسك به وقيل أن الواهب اذا تمسك بشيئه فانه يرجع اليه وذلك عند جاعل العقدة فيه كتمام الفعل وان وهب له معلوما على الثواب وشرط عليه أنه اذا أحدث مثل ما جعل له عليه الشئ فانه يجعل له مثله والا فلا شئ عليه فهما على شرطهما وقيل يرجعان الى العادة فى ذلك ولو لم يشترط ثوابا ولا رجوعا، وان وهب له معلوما بأقل من قيمته منه أو بأكثر فأراد أن يرد له الشئ فى ثوابه هل يرجع عليه الواهب بما زاد عليها أو الموهوب له بما بقى عليه من الثواب ان كان أقل من القيمة فانهما يترادان ذلك على قدر ما تشارطا من زيادة أو نقص وان وهب لرجل شيئا على أن ينفق عليه كذا أنفق عليه ما شرط ولو شحم عين النخل أو القمح أو اللحم والا فليرد له ماله ولا ترد الهبة بالعيب ولو كانت هبة ثواب عند بعض الا أمة مقعدة قال بعض أو مجذومة وقيل ترد هبة الثواب بالعيب لانها

(1)

بيع وان انفصلت هدية من مهديها ومات المهدى قبل أن تصل الهدية الى المهدى اليه ردت الهدية لوارث المهدى فالهدية ما لم تصل المهدى اليه هى فى ملك المهدى قيل وفى ضمان حاملها والصحيح أنه لا ضمان على حاملها الا أن ضيع أو أخذ الاجرة على حملها وكذا ترد الهدية الى المهدى ان مات المهدى اليه قبل قبضها كما رد ما أهداه صلى الله عليه وآله وسلم الى النجاشى اليه صلى الله عليه وآله وسلم لموت النجاشى قبل قبضه وان ماتا جميعا قبل قبض المهدى اليه ردت لوارث

(2)

المهدى ومن جعل أرضا لمقبرة فقبر فيها واحد فلا رجعة له وقيل حتى يقبر فيها اثنان وقيل ثلاثة ولا احراز على المقبرة والفقراء ونحوهم وقيل لا بد من الاحراز ممن يقوم بذلك وقيل لا رجوع فى المقبرة ولو لم يقبر واحد

(3)

.

‌حكم استرداد هدايا أحد الزوجين وما أخذ

كل من الآخر اذا حصل عيب من أحدهما:

من خطب امرأة فأهدى اليها ثم تركها فليس له عليها رد ولزمها ان أبت أى امتنعت وكذا ان أهدت اليه على أن يتزوجها ثم تركت فلا رد عليه ولزمه ان أبى وكذا ان تركا جميعا فليستردد كل من الآخر واذا تلفت ردت القيمة وقيل المثل ان أمكن وقيل ما يوزن أو يكال يرد به وما سواه يرد بالقيمة وترد الغلة والنفع ولا يدرك العناء والنفقة وان نقص أو عيب رده ونقصه ان لم يكن فيه تلف عينه وأرش العيب لا الزايد والناقص

(1)

كتاب شرح النيل ج 6 ص 25، ص 26 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 29، ص 30

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 35.

ص: 337

بالسعر وان غير خير فيه وقيمته وان كان بكيل أو وزن فيه وان زاد فيه كصبغ وخياطة خير فيه مع رد قيمة

(1)

الزائد وفى قيمته يوم الاهداء وان كان أرضا فغرسها خير فيها والغرس لصاحبه وفى أخذ العوض وان كان شجرا فغرسه فى أرضه فله قيمته يوم الاهداء وقيل يترادان القيمة ولو قام الشجر وان ارتدا ترادا وان ارتد أحدهما رد ولا يرد عليه وان وجد بأحدهما عيب كان قبل الهدايا أو حدث بعدها فبدا للآخر الترك لذلك رد المعيوب ما أخذ ولا يرد عليه ما أعطى سواء علم المعيوب بعيبه أم لا وسواء علم أنه عيب أم لا أما اذا علم فلأن أخذه غرور وأكل مال بباطل واذا لم يعلم فالرد لان فيه ما ينافى أخذ ذلك واستحقاقه وان علم الآخر بعيب صاحبه فأعطاه فلا يرد له المعيب ما أعطى وقيل يرد على المعيب ويرد المعيب ما أخذ كما يفيده قول الديوان أنه ان عيب أحدهما فرجع فرجوع وان رجع الآخر للعيب ففى كونه رجوعا قولان

(2)

لكن ظاهر الديوان أن ذلك فى مطلق العيب ومحصل ذلك أن العيوب أقسام ثلاثة قسم يرد المعيوب فيه ما أخذ ان لم يعلم المعطى بعيبه وان علم لم يرد اليه المعيوب ولا يرد عليه ما أعطى لعظم عيوب هذا القسم سواء علم أن فى نفسه عيبا أم لا وسواء علم أن فيه عيبا أم لا وهى الاربعة التى ترد فى النكاح من جنون وجذام وبرص فاحش وعنة وقسم وجوده كعدمه فالراجع بوجوده فى الآخر يرد ما أخذ ولا يرد عليه ما أعطى وهو ما سوى الاربعة وسوى الرتق وهو انسداد الفرج باللحم حتى لا يمكن فيه الجماع التام والفتل وهو استرخاء الذكر فالامتناع آت من قبل الراجع وقسم يرد به ويرد عليه ان امتنع صاحبه هو السالم من الدخول على ذلك العيب لامكان استمتاع معه فى الجملة وهو الفتل

(3)

والرتق، واستحسن أن لا يلزم رد فى آت من قبل الله ان حدث بعد الهدايا مثل العمى ومثل أن يزنى بها أبو الرجل قهرا وقيل يلزم الرد لان الاهداء كان على غير ما حدث.

‌حكم استرداد هبة الاب لابنه:

تجوز الهبة بين الاب والابن الا ما يفضل به ابنا على آخر ولا تثبت للطفل الا بالاحراز وقيل تثبت بدونه ان كان المعطى غير أب ولو أما وله الرجوع فيما أعطى ولو لبالغ ويحرم الرجوع فى عطية النكاح حتى ولو للأب

(4)

ولو وهب الاب لبعض أولاده دون بعض صح وكره.

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 48 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 48، ص 49 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 49، ص 50 الطبعة السابقة.

(4)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 6 ص 29.

ص: 338

‌حكم استرداد فى الزكاة

‌مذهب الحنفية:

‌حكم استرداد ما دفعه من الزكاة:

جاء فى البحر الرائق

(1)

: لو عجل الانسان زكاة ماله فأيسر الفقير قبل تمام الحول أو مات أو ارتد جاز عن الزكاة ولا يستردها لانه كان مصرفا وقت الصرف فصح الاداء اليه فلا ينتقض بهذه العوارض كذا فى الولوالجية ولو

(2)

دفع الزكاة الى من يظن أنه ليس بمصرف ثم تبين أنه مصرف يجزئه ولو دفعها ولم يخطر بباله أنه مصرف أم لا فهو على الجواز فاذا تبين أنه ليس بمصرف وقع تطوعا وليس له أن يسترد ما دفعه.

‌حكم استرداد المعجل اذا لم يقع زكاة:

قال الكاسانى فى البدائع

(3)

: وأما حكم المعجل اذا لم يقع زكاة أنه ان وصل الى يد الفقير فانه يكون تطوعا سواء وصل الى يده من يد رب المال أو من يد الامام أو نائبه ولا يجوز له استردادها، لان صدقة التطوع لا يحتمل الرجوع فيها بعد وصولها الى يد الفقير، وان كان المعجل فى يد الامام قائما فلرب المال أن يسترده لانه لما لم يصل الى يد الفقير لم يتم الصرف.

‌حكم استرداد ما عجل من الزكاة

اذا تغير النصاب:

من عجل عن أربعين

(4)

بقرة مسنة فهلك من بقية النصاب واحدة ولم يستفد شيئا حتى تم الحول فان الساعى يمسك من المعجل وهو المسنة قدر تبيع لانه يجوز دفع القيمة فى الزكاة ثم يرد الساعى قدر الباقى من المسنة ولا يجوز لرب المال استرداد المسنة ويعطيه مما عنده تبيعا لان قدر التبيع من المسنة صار زكاة حقا للفقراء فلا يسترد ومثله فى تعجيل بنت المخاض من خمسة وعشرين اذا انتقص الباقى واحدة فتم الحول أمسك الساعى قدر أربع شياه، ولا يجوز لرب المال استرداد بنت المخاض ليعطيه أربع شياه، وروى بشر عن أبى يوسف أنه يجوز لرب المال استردادها ودفع أربع شياه وكذلك يسترد المسنة ويعطى تبيعا ولو كان الحول قد تم وقد زادت الاربعون الى ستين فحق الساعى فى تبيعين وليس للمالك استرداد المسنة بل يكمل الفضل للساعى.

(1)

البحر الرائق لابن نجيم 2 ص 242 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق 2 ص 267 الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 52 الطبعة السابقة.

(4)

فتح القدير على الهداية ج 1 ص 507 الطبعة السابقة.

ص: 339

‌حكم استرداد ما دفعه من الزكاة

اذا نقص النصاب:

ان قدم

(1)

الزكاة على الحول وهو مالك النصاب جاز فلو ملك أقل فعجل خمسة عن مائتين ثم تم الحول على مائتين لا يجوز، ولو عجل شاة من أربعين وحال الحول على تسعة وثلاثين فلا زكاة عليه وفى ذلك لو كان المدفوع قد صرف الى الفقراء وقع نفلا ولا يسترده وان كان قائما فى يد الساعى أو الامام استرده، الا أن صاحب فتح القدير نقل عن الخلاصة أن الصحيح أن ما كان فى يد الساعى فانه يقع زكاة ولا يستردها، وجاء فى الفتح

(2)

والزيلعى أنه ان عجل خمسة من مائتين فان حال عليه الحول وعنده مائة وخمسة وتسعون ولم تزد ولم تنقص، فان كانت تلك الخمسة قائمة فى يد الساعى فالقياس أن لا تجب الزكاة ويسترد الخمسة من الساعى لانها خرجت عن ملكه بالدفع الى الساعى وان لم تخرج فهى فى معنى الضمار (المال الذى لا يرجى رجوعه)

(3)

لانه لا يملك الاسترداد قبل الحول وفى الاستحسان تجب الزكاة لان يد الساعى فى المقبوض يد المالك قبل الوجوب فقيامها فى يده كقيامها فى يد المالك، وانما لم يملك الاسترداد قبل الحول لانه عينها زكاة من هذه السنة فما دام احتمال الوجوب قائما لا يكون له أن يسترد كمن نقد الثمن فى بيع بشرط الخيار للبائع لا يمكنه الاسترداد وان ضاعت من الساعى قبل الحول ووجدها بعده لا تجب الزكاة وللمالك أن يستردها وانما يملك الاسترداد لانه زكاة عن هذه السنة ولم تصر لان بالضياع صار ضمارا فلو لم يستردها حتى دفعها الساعى للفقراء لم يضمن الا اذا كان المالك نهاه، أما اذا انتقص ما فى يده فلا تجب الزكاة فى الوجوه كلها فيسترد الخمسة التى دفعها للساعى ان كانت فى يد الساعى قائمة وان كان قد استهلكها ضمن، ولو عجل شاة عن أربعين

(4)

فأخذها الساعى من عمالته وأشهد على ذلك أو جعلها الامام له عمالة فتم الحول وعند المالك تسعة وثلاثون والمعجل قائم فى يد الساعى فلا زكاة عليه ويستردها لانه لما أخذها من العمالة زالت عن ملكه فانتقص النصاب فلا زكاة فيستردها.

(1)

المرجع السابق 1 ص 516 الطبعة السابقة.

(2)

فتح القدير مع الهداية ج 1 ص 517 الطبعة السابقة والشلبى على الزيلعى ج 1 ص 274 الطبعة السابقة.

(3)

انظر مادة ضمر فى ترتيب القاموس المحيط للزاوى طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1959 م الطبعة الاولى.

(4)

فتح القدير على الهداية ج 1 ص 518 الطبعة السابقة والشلبى على الزيلعى ج 1 ص 275 الطبعة السابقة.

ص: 340

‌مذهب المالكية:

‌حكم استرداد ما دفعه من الزكاة

اذا تغير حال الفقير:

جاء فى الحطاب

(1)

: لو تغير حال الفقير عند الحول فارتد أو مات أو استغنى بغير الزكاة فان الزكاة قد وقعت موقعها ولا يسترد منه ما أخذه كما هو مذهب ابن القاسم فى العتبية، وقال ابن العربى:

ان قدمها لشخص فقير ثم استغنى عند الحول فان كان غناه من الزكاة فلا كلام فى الاجزاء وان كان من غير الزكاة فيتخرج فيها القولان فيما اذا أعطى لشخص ظنه فقيرا فتبين غناه قال ابن القاسم يجزئه على ما جاء فى الاسدية وقال فى الموازية لا يجزئه والجارى على قول صاحب الطراز أنها زكاة وانه لا ينظر الى تغير الاحوال والجارى على قول ابن رشد أنه ينظر الى تغير الاحوال.

‌حكم استرداد ما دفعه من الزكاة

اذا تغير المال:

روى الحطاب عن الجواهر أنه لو عجل الزكاة قبل الحول بالمدة الجائزة ثم هلك النصاب قبل تمام الحول استردها ان كانت قائمة بعينها وعلم هلاك النصاب أو بين أنها زكاة معجلة وقت الدفع وان لم يبين ذلك لم يقبل قوله، أما لو دفع الزكاة معجلة ثم ذبح شاة من الاربعين فجاء الحول ولم ينجبر النصاب لم يكن له الرجوع لانه يتهم أن يكون ذبح ندما ليرجع فيما عجل نعم لو ضاعت بأمر من الله رجع، أما الصدقة فان المالكية يرون أنه لا يجوز لمن دفع صدقة أن يستردها فقد روى ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبى جعفر أن حميد ابن أبى الصعبة تصدق على ابنه بداره ثم أراد أن يرتجعها فخاصمه الى بعض قضاة مصر فأبى أن يجيز له ارتجاعه بعد أن تصدق

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

‌حكم استرداد ما دفعه من الزكاة

اذا تغير النصاب:

جاء فى مغنى المحتاج

(3)

: أنه لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين فتوالدت قبل الحول حتى بلغت ستا وثلاثين فلا تجزئه المعجلة على الاصح، وان صارت المعجلة بنت لبون فى يد القابض فلا تجزئه بل يستردها ويعيدها أو يعطى غيرها، واذا لم يقع

(4)

المعجل زكاة استرد ان كان شرط الاسترداد ان عرض مانع، والاصح أنه لو قال هذه زكاتى المعجلة فقط ولم يزد

(1)

الحطاب والتاج والاكليل عليه فى كتاب ج 2 ص 363 الطبعة السابقة.

(2)

المدونة الكبرى للإمام مالك ج 15 ص 119 الطبعة السابقة.

(3)

مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 404 الطبعة السابقة.

(4)

اعانة الطالبين للعلامة الفاضل السيد أبى بكر المشهور بالسيد البكرى على حل الفاظ فتح المعين للعلامة زين الادين المليبارى ج 2 ص 186 طبع بمطبعة دار احياء الكتب العربية لاصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 341

على ذلك استرد لانه عين الجهة فاذا بطلت رجع كالاجرة وعبارة الروض وشرحه متى عجل المالك أو الامام دفع الزكاة ولم يعلم الفقير أنه تعجيل لم يسترد فان علم ذلك ولو بقول المالك هذه زكاة معجلة وحال عليه الحول وقد خرج الفقير أو المالك عن أهلية الزكاة ولو باتلاف ماله استرد المعجل ولو لم يشترط الرجوع للعلم بالتعجيل وقد بطل، وان قال هذه زكاتى المعجلة فان لم تقع زكاة فهى نافلة فلا يسترد، ولو اختلفا فى علم التعجيل أى علم القابض به فالقول قول الفقير بيمينه لان الاصل عدمه، فهناك فارق بين أن يقول هذه زكاتى فقط، وبين أن يقول هذه زكاتى المعجلة اذ يسترد بالثانية ولا يسترد بالاولى لتفريطه بترك ما يدل على التعجيل فيها، والاصح انهما لو اختلفا

(1)

فى مثبت الاسترداد وهو التصريح بالرجوع عند عروض مانع أو فى ذكر التعجيل أو علم القابض به على الاصح صدق القابض أو وارثه بيمينه، ومتى ثبت الاسترداد والمعجل تالف وجب ضمانه بالمثل ان كان مثليا وبالقيمة ان كان متقوما لانه قبضه لغرض نفسه

(2)

، ولو عين فى نيته المال المخرج عنه كأن عين هذه الشاة عن الخمس الابل أو هذه الخمسة دراهم عن الغائب لم يقع ما أخرجه من زكاة المعين زكاة عن غير ما عينه فى النية وان بان المعين تالفا لم يسترد الا أن شرط الاسترداد كأن قال هذه زكاة مالى الغائب، فان بان تالفا استرددته.

‌حكم استرداد ما زاد فى الزكاة:

قال صاحب مغنى المحتاج

(3)

: الاصح أنه لا يسترد زيادة منفصلة كلبن وولد حدثت قبل وجوب سبب الاسترداد لانها حدثت فى ملكه، واللبن فى الضرع ونحوه الصوف على ظهر الدابة كالمنفصل حقيقة لانه منفصل حكما، وقيل يستردها مع الاصل لانه تبين أنه لم يقع الموقع، أما لو حصل النقص أو الزيادة المنفصلة بعد وجوب سبب الرجوع أو كان القابض حال القبض غير مستحق فيجب الارش ويسترد الزيادة كما قاله الامام.

‌مذهب الحنابلة:

‌حكم استرداد الزكاة المعجلة قبل الحول

عند تلف النصاب أو هلاك المالك:

جاء فى كشاف القناع

(4)

: أنه ان عجل الزكاة ثم هلك المالك أو ارتد المالك قبل الحول فقد بان المخرج غير زكاة لانقطاع

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 406 الطبعة السابقة.

(2)

اعانة الطالبين للسيد البكرى 2 ص 181 الطبعة السابقة.

(3)

مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 406 الطبعة السابقة

(4)

كشاف القناع ومنتهى الارادات عليه ج 1 ص 484، ص 485 الطبعة السابقة.

ص: 342

الوجوب بذلك، فاذا أراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز ولم يرجع المعجل على المسكين سواء كان الدافع له رب المال أو الساعى وسواء أعلمه أنها زكاة معجلة أو لا، لانها دفعت الى مستحقها فلم يملك استرجاعها لوقوعها نفلا بدليل ملك الفقير لها، فان كانت الزكاة المعجلة بيد الساعى وقت تلف النصاب رجع بها ربها لتبين أنها ليست بزكاة ومفهومه أنه لا يرجع ان كانت بيد الفقير ولا فيما اذا مات المعجل أو ارتد مطلقا، قال فى المنتهى ولا رجوع الا فيما بيد ساع عند التلف، وقيل

(1)

: ان دفعها الساعى أو ربها الى الفقير وأعلمه بالتعجيل استردت والا فلا تسترد، وقيل تسترد بكل حال.

‌حكم استرداد الزكاة من الغارم:

والمكاتب وابن السبيل:

ما أخذه

(2)

المكاتب والغارم والغازى وابن السبيل زكاة استرد من كل منهم اذا برئ المكاتب أو الغارم أو لم يغز الآخذ للغزو أو فضل معه أو مع ابن السبيل شئ، لان من أخذ الزكاة بسبب يستقر الاخذ به وهو الفقر والمسكنة والعمالة والتآلف صح له أن يصرفه فى ما شاء كسائر ماله لان الله تعالى أضاف اليهم الزكاة بلام الملك، ومن أخذ الزكاة بسبب لا يستقر به الاخذ لم يصرفه الا فيما أخذه له خاصة لعدم ثبوت ملكه عليه من كل وجه والا استرجع منه لان الله تعالى أضاف اليهم الزكاة بفى وهى للظرفيه، فان فضل مع المكاتب شئ عن حاجته من صدقة التطوع لم يسترجع منه لان صدقة التطوع لا يعتبر فيها الحاجة بخلاف الزكاة، وان تلف من أيديهم بغير تفريط فلا رجوع عليهم

(3)

.

‌حكم استرداد الزكاة اذا وقعت

الى غير مستحقيها:

جاء فى كشاف القناع

(4)

: ان دفع الزكاة الى من لا يستحقها لكفر أو شرف كأن كان هاشميا أو كونه عبدا غير مكاتب ولا عامل أو لكونه قريبا من عمودى نسب المزكى أو كان ممن تلزمه مؤنته لكونه يرثه بفرض أو تعصيب وهو لا يعلم عدم استحقاقه ثم علم ذلك لم يجزئه لانه ليس بمستحق ولا يخفى حاله غالبا فلم يعذر بجهالته ويستردها ربها هى وزيادتها مطلقا سواء كانت متصلة كسمن أو كانت منفصلة كالولد، أما ان كان ما دفعه صدقة تطوع دكان المدفوع اليه غير مستحق لم يكن له أن يرجع فيها لان المقصود الثواب وهو لم يفت بخلاف الزكاة اذ المقصود فيها ابراء الذمة وهو لم يحصل:

(1)

المحرر فى الفقة للامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 225 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع على منتهى الارادات ج 1 ص 492، 493 الطبعة السابقة.

(3)

كشاف القناع مع حاشية منتهى الارادات عليه فى كتاب ج 1 ص 495/ 494 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 500 الطبعة السابقة.

ص: 343

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أن من أخرج زكاة ماله الغائب ثم تبين أن المال قد تلف فان قامت له بينة على ذلك فله أن يسترد ما أعطى وان فاتت أدى الامام اليه ذلك من سهم الغارمين لانهم أخذوها وليس لهم أخذها، وقال ابن حزم

(2)

: لا يجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول ولا بطرفة عين فان فعل لم يجزه وعليه اعادتها ويرد اليه ما أخرجه قبل وقته ولا يجوز

(3)

أن يعطى المزكى زكاته لمن ليس من أهلها سواء كان عامدا أو جاهلا وعلى الآخذ أن يرد ما أخذ.

‌حكم استرداد ما زاد على واجب الزكاة:

قال ابن حزم

(4)

: النخل اذا أزهى خرص (أى حزر وقدر ما عليها من الرطب تمرا) والزم الزكاة، فاذا غلط الخارص أو ظلم فزاد أو نقص رد الواجب الى الحق فأعطى ما زيد عليه وأخذ منه ما نقص لقوله تعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ، شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً} {فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً 5» والزيادة من الخارص ظلم لصاحب الثمرة بلا شك وقال تعالى:

«وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ 6» ،} فلم يوجب الله تعالى على صاحب الثمرة الا العشر.

‌مذهب الزيدية:

‌حكم استرداد الزكاة اذا تغير حال الآخذ:

اذا دفعت

(7)

الزكاة الى فقير لاجل فقره فالعبرة بحال الفقير وقت الاخذ للزكاة فان كان وقت تعجيلها فقيرا أجزت ولو غنى بعد ذلك قبل وجوبها هذا على القول بأن العبرة بحال الاخذ حيث لم يشرط على الفقير لانه قد ملكها بالاخذ فأما مع الشرط فقد قالوا: هى باقية على ملك صاحبها فيكمل بها النصاب ونحو ذلك ولان المراد بحال الاخذ لم يكن حال القبض بل المراد حال وقوعه عن الزكاة اذ لا يسمى الآخذ للزكاة الا ذلك فيستردها فى هذه الصورة ولا كلام وفى البحر الزخار

(8)

أن العبرة بحال الاخذ فلا يستردها ممن ارتد أو غنى بعد الصرف اليه اذ قد ملكه.

(1)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 6 ص 91 مسألة رقم 688.

(2)

المحلى لابن حزم ج 6 ص 95، 96 مسالة رقم 693.

(3)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 6 ص 144 مسألة رقم 719.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 256 مسألة رقم 650 الطبعة السابقة.

(5)

الآية رقم 135 من سورة النساء.

(6)

الآية رقم 190 من سورة البقرة.

(7)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار وهامشه ج 1 ص 512 الطبعة السابقة.

(8)

كتاب البحر الزخار للمرتضى ج 2 ص 178 الطبعة السابقة.

ص: 344

‌حكم استرداد الزكاة المعجلة اذا

تلف المال المدفوعة عنه:

تصح الزكاة

(1)

مشروطة فتقف على الشرط فلو أعطى الامام عن مال غائب وانكشف تلفه قبل الحول رجع فيما بقى لا ما صرفه اذ سلطه عليه فلو قال عن مالى أو تطوعا لم يجز للتردد، ولو قال: عن زكاة مالى ان كان باقيا والا فعن الدين لم يسقط الدين مع اللبس فى بقاء المال وليس له استرجاعه أما عن استرداد الصدقة فقد جاء فى التاج المذهب

(2)

: أن للمتصدق أن يرجع عن الصدقة قبل أن يقبض المتصدق عليه وذلك كما أن له الرجوع فى الهبة قبل القبول وانما يمتنع الرجوع فى الصدقة سواء كانت لذى رحم أم لا اذا وقع الرجوع بعد القبول أو القبض لا قبله فله ذلك بخلاف الهبة فله الرجوع.

‌مذهب الإمامية:

‌حكم استرداد الزكاة اذا

دفعت الى غير مستحق:

يستحب

(3)

أن يخص المزكى بزكاته المستحق من القرابة والجار فلو بان أن الآخذ غير مستحق ارتجعت عينا أو بدلا مع الامكان ومع التعذر يجزى ان اجتهد الدافع بالبحث عن حاله على وجه لو كان بخلافه لظهر عادة، ولو خرج المستحق

(4)

عن الوصف استعيدت الزكاة وله أن يمنع من الاعادة ببذل القيمة عند القبض كالقرض، ولو تعذر استعادتها غرم المالك الزكاة من رأس المال، ولو كان المستحق على الصفات وحصلت شرائط الوجوب جاز أن يستعيدها ويعطى عوضا لانها لم تتعين

(5)

، واذا عجل المزكى زكاته لغيره ثم حال عليه الحول وقد أيسر المعطى فان كان قد أيسر بذلك المال فقد وقعت موقعها ولا يسترد، وان أيسر بغيره استرد، ولو خالف المالك

(6)

فلم يدفع الزكاة الى الامام مع الطلب بنفسه أو بساعيه وانما فرقها على المستحقين بنفسه لم يجز للنهى المفسد للعبادة لان طاعة الامام واجبة مطلقا، وللمالك استعادة العين مع بقائها اذ يجب دفع الزكاة الى الامام أو الفقيه الشرعى حال غيبة الامام.

‌حكم استرداد الزكاة من المكاتب

ومن الغارم والغازى:

انما يعطى المكاتب من الزكاة اذا لم يكن معه ما يصرفه فى كتابته ولو صرفه فى غيره والحال هذه جاز ارتجاعه وقيل: لا، ولو

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 143 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 272، ص 273 الطبعة السابقة.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 123، 134 الطبعة السابقة وشرائع الاسلام فى الفقه الجعفرى ج 1 ص 86 الطبعة السابقة.

(4)

شرائع الاسلام فى الفقه الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 90 الطبعة السابقة.

(5)

الخلاف ج 1 ص 319 مسألة رقم 48.

(6)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 131 الطبعة السابقة.

ص: 345

دفع اليه من سهم الفقراء لم يرتجع

(1)

، ولو صرف الغارم ما دفع اليه من سهم الغارمين فى غير القضاء ارتجع منه، والغازى يعطى من الزكاة وان كان غنيا قدر كفايته على حسب حاله، واذا غزى لم يرتجع منه، وان لم يغز استعيد ما أخذ من الزكاة، أما اذا مات المالك وكان قد عجل الزكاة فقد قال فى

(2)

الخلاف للورثة أن يسترجعوا ما عجله مورثهم من الزكاة اذا كان قد مات فى أثناء الحول وانتقل ماله الى الورثة لان حوله انقطع بموته واستأنف الورثة الحول.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(3)

لا رجوع الزكاة ان تلف المال قبل الوقت أو فيه بلا تضييع وكان قد أخرجها قبل الوقت ثم قال صاحب شرح النيل وفى القناطر فان عجل الزكاة ومات الذى أخذها مسكينا أو غيره قبل تمام الحول أو ارتد الذى أخذها

(1)

أو صار غنيا، أو تلف مال المالك أو مات فالمدفوع ليس بزكاة واسترجاعه غير ممكن الا اذا قيد الدفع بالاسترجاع فانه ينبغى أن يدركها عليه والذى عندى أنه يكفيه ذلك وهو زكاة لانه انما دفعه على نية الزكاة كما يجوز له ولا قائل بلزوم الغرم لها اذا تلف المال قبل الوقت أو فيه وفى القناطر لا يجوز التعجيل قبل الوقت فى الحول الاول.

‌حكم استرداد الارش فى الجروح

‌مذهب الحنفية:

للحنفية فى حكم استرداد الارش قولان على ما يفهم من آرائهم فى لزومه وسقوطه فقد ذكر الزيلعى أنه ان شج رجل رجلا فالتحم ولم يبق له أثر أو ضرب فجرح فبرأ وذهب أثره فلا أرش عند أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف عليه أرش الالم وهو حكومة عدل وقال محمد عليه أجرة الطبيب

(4)

، وان قلع سنه فنبتت مكانها أخرى سقط الارش عند أبى حنيفة وقالا عليه الارش كاملا وان أقيد فنبتت سن الاول يجب الارش ومعناه اذا قلع رجل سن رجل فأقيد أى اقتص القالع ثم نبتت سن الاول المقتص له يجب على المقتص له أرش سن المقتص منه لانه تبين أنه استوفى بغير حق لان الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبتت مكانها أخرى فانعدمت الجناية ولهذا يستأنى حولا فاذا مضى الحول ونبتت تبين أنا أخطأنا فيه وكان الاستيفاء بغير حق غير أنه سقط القصاص فيجب المال

(5)

.

(1)

شرائع الاسلام ج 1 ص 87 الطبعة السابقة.

(2)

الخلاف فى الفقه تصنيف أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى ج 1 ص 321 طبع مطبعة زنكين بطهران.

(3)

شرح النيل ج 2 ص 72.

(4)

الزيلعى وحاشية الشلبى ج 6 ص 138 الطبعة السابقة.

(5)

الزيلعى ج 6 ص 137 الطبعة السابقة.

ص: 346

‌مذهب المالكية:

روى الحطاب عن ابن شاس قوله:

الموضحة اذا برئت وعادت لهيئتها لم يسترد أرشها وكذلك سائر الجراحات الاربع واذا عاد البصر استردت ديته عند ابن القاسم وان رجعت اليه قوة الجماع رد ديته وقال اللخمى: ان أفسد شخص مخرج اللبن ولم يقطع من الثديين شيئا وجبت ديتهما عند مالك فلو عاد اللبن ردت اليه قال ابن عرفة ظاهر أقوالهم فساده من العجوز

(1)

كغيرها وان قطع ثديا الصغيرة فان استؤنى فتبين انه أبطلهما فلا تعودان أبدا ففيهما الدية وان شك فى ذلك وضعت الدية عند عدل واستؤنى بها فان نبتا ردت الدية الى مخرجها وان لم ينبتا أو سطرت فيبست أو مات قبل أن يعلم ذلك ففيهما الدية ومن طرح سن صبى لم يثغر خطأ وقف عقله بيد عدل فان عادت لهيئتها رجع العقل الى مخرجه وان لم تعد أعطى الصبى العقل كاملا وان هلك الصبى قبل أن تنبت سنه فالعقل لورثته وان نبتت أصغر من قدرها الذى قلعت منه كان له من العقل قدر ما نقصت ورد الباقى الى مخرجه ولو قلعت عمدا أوقف له العقل أيضا ولا يعجل بالقود حتى يستبرئ أمرها فان عادت لهيئتها فلا عقل فيها ولا قود وان عادت أصغر من قدرها أعطى ما نقصت فان لم تعد لهيئتها حتى مات الصبى اقتص منه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أنه اذا أخذت دية العقل وغيره من بقية المعانى كالسمع والبصر ثم عاد بعد زواله استردت من المجنى عليه لان ذهابها كان مظنونا فبعودهما بان خلاف الظن وقضيته أنه لو أخبر بذهابها معصوم لم تسترد لان عودها حينئذ نعمة جديدة

(3)

.

قال الشافعى رحمه الله

(4)

واذا كسر الانف وقال لا أشم شيئا أعطى الدية بعد أن يحلف ما يجد رائحة شئ بحال وان قضى له بالدية ثم أقر أنه يجد رائحة قضى عليه برد الدية وان مر بريح مكروهة فوضع يده على أنفه فقيل قد وجد الرائحة ولم يقر بأنه قد وجدها لم يرد الدية من قبل أنه قد يضع يده على أنفه ولم يجد شيئا من الريح، وفى ذهاب الكلام الدية فان أخذت له الدية ثم نطق بعدها رد ما أخذ له من الدية وان نطق ببعض الكلام الذى ذهب ولم ينطق ببعض رد من الدية بقدر ما نطق، وان جنى على العينين فذهب ضوؤهما وجبت الدية فان أخذت الدية ثم عاد الضوء وجب رد الدية لانه لما عاد علمنا أنه لم يذهب لان الضوء اذا ذهب لم يعد، ويجب فى السمع الدية، فان جنى عليه فزال السمع وأخذت منه الدية ثم عاد السمع وجب رد الدية لان السمع

(1)

التاج والاكليل للحطاب ج 6 ص 264 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ص 261 الطبعة السابقة

(3)

نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 7 ص 316 الطبعة السابقة.

(4)

الام ج 6 ص 104، 105 والمهذب ج 2 ص 200 وما بعدها.

ص: 347

لم يذهب لانه لو ذهب لما عاد وان قلع سن من ثغر ثم نبتت فهو على قولين أحدهما ترد الدية والثانى لا ترد.

‌مذهب الحنابلة:

ذكر صاحب المحرر أنه لا تؤخذ دية فى عمد ولا خطأ لما يرجى عوده ولو عاد الذاهب فى المدة أو بعدها كنبات السن واللسان والظفر ورجوع الشم والصوت لم يضمن الا أن يعود ناقصا فى قدر أو صفة فيجب لنقصه حكومة. وعنه فى الظفر خاصة يجب مع عوده على صفته خمسة دنانير ومع عوده، أسود عشرة دنانير والاول أصح وترد دية ذلك ان كانت أخذت أو غرامة طرف الجانى ان كان قد اقتص منه ثم ان عاد طرف الجانى ردت الغرامة فان ذهب البصر ثم عاد لم تجب الدية لتبين أن لا ذهاب وان كان المجنى عليه قد أخذ الدية ردها لتبين أنه أخذها بغير حق وان عاد الشعر قبل أخذ الدية سقطت ديته وان عاد بعده أى بعد أخذ الدية ترد

(1)

للجانى وان جنى على لسانه فذهب كلامه أو ذوقه ثم عاد لم تجب الدية لاننا تبينا أنه لم يذهب ولو ذهب لم يعد وان كان قد قبض الدية ردها وان قطع لسانه فعاد لم تجب وان كان قد أخذها ردها قاله أبو بكر لا ما وجبت فيه الدية قد عاد فوجب رد الدية كالاسنان وسائر ما يعود، وان قطع لسانه فذهب كلامه ثم عاد اللسان دون الكلام لم يرد الدية لانه قد ذهب ما تجب الدية فيه بانفراده وان عاد كلامه دون لسانه لم يردها أيضا لذلك

(2)

، وان جنى عليه فذهب شمه ثم عاد قبل أخذ الدية سقطت وان كان بعد أخذها ردها لاننا تبينا أنه لم يكن ذهب

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

ذكر صاحب المحلى أنه إذا جنى أحد على عبد أو أمة بمأمومة أو جائفة أو قطع عضو أو غير ذلك فما قل أو كثر من الجنايات فيقوم صحيحا ثم يقوم فى أصعب ما انتهت اليه حاله ويغرم ما بين القيمتين ولا ينتظر به صحة ولا تخفف أصلا لقوله تعالى: «وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ»

(4)

وقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ»

(5)

فان برئ العبد أو الامة وصحا وزادت تلك الجنايات فى أثمانهما فمن رزق الله تعالى للسيد ولا رجوع للجانى من أجل ذلك بشئ مما غرم

(6)

.

‌مذهب الزيدية:

الزيدية على أنه يحق استرداد الارش فقد جاء فى البحر الزخار أنه ان أبان شخص سنا لاخر فوداها ثم ردت فنبتت

(1)

المحرر ج 2 ص 129 وكشاف القناع مع منتهى الارادات ج 4 ص 20، ص 21 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 9 ص 604، 605 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 9 ص 609 الطبعة السابقة.

(4)

الآية رقم 126 من سورة النحل.

(5)

الآية رقم 194 من سورة البقرة.

(6)

المحلى ج 8 ص 154 الطبعة السابقة.

ص: 348

كما كانت استرجعت الدية لئلا يجمع للمجنى عليه بين البدل

(1)

والمبدل وجاء فى التاج المذهب أنه اذا ذهب الشعر فلم يرجع ففيه ابداء حكومة فيجب فى شعر الرأس أو اللحية سواء كان بعد نباتها أو قبله حكومة مقاربة للدية وهى ما تزيد على النصف الى قدر الثلثين فان عاد الشعر لزم

(2)

المجنى عليه رد ما أخذ.

‌مذهب الإمامية:

والإمامية فى حكم استرداد الارش على قولين فقد جاء فى تحرير الاحكام أنه اذا ذهب كلام المجنى عليه بالجناية على اللسان ثم عاد كلامه بعد دفع الدية استردت الدية من المجنى عليه، قاله فى المبسوط وجاء فى الخلاف: لا تسترد الدية وجاء فى ذهاب السمع والبصر اذا عادا بعد زوالهما حكومة عدل وفى العقل والشم اذا عادا بعد ذهابهما لم تسترد الدية لان عودهما منحة من الله تعالى

(3)

وذكر صاحب الخلاف أنه اذا أخذ المجنى عليه من الجانى دية الشم ثم عاد شمه لم يجب عليه رد الدية لان رد الشم هبة من الله

(4)

متجددة واذا قلع سن كبير مثغر وجبت الدية فى الحال بلا خلاف فان أخذها ثم عادت سنه لم يجب عليه رد الدية

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

أما الإباضية فيجيزون استرداد الارش فقد جاء فى النيل أن من اقتص بظفر فنبت ظفر المقتص منه رجع على المقتص منه بالسوم وهو ما بين النبات وعدمه وان نبت ظفر المقتص كانت عليه ديته للمقتص منه لانه أخذ حقه فحدث منه غيره فعليه فيه الدية

(6)

. وثديا الصغيرة اذا قطعتا فان كانت ترجى اعادتهما الى هيئتهما استؤنى بهما وان لم ترج أخذت الدية وان رجعا لهيئتهما استرجعت الدية وان ماتت فى حال الانتظار ففيهما الدية

(7)

.

‌حكم الاسترداد فى السرقة

‌مذهب الحنفية:

يجب رد عين المسروق على صاحبه اذا كان قائما بعينه لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم على اليد ما أخذت حتى ترده وقول النبى صلى الله عليه وسلم من وجد عين ماله فهو أحق به، وقد ورد النبى صلى الله عليه وسلم رداء صفوان رضى الله تعالى

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للمرتضى ج 5 ص 280 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب الجامع لاحكام المذهب للصنعانى ج 4 ص 332، 333 الطبعة السابقة

(3)

تحرير الاحكام ج 2 ص 370 الى 375 الطبعة السابقة.

(4)

الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 383 الطبعة السابقة.

(5)

الخلاف للطوسى ج 2 ص 385 الطبعة السابقة.

(6)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لأطفيش ج 8 ص 32، 33 الطبعة السابقة.

(7)

المرجع السابق ج 8 ص 54 الطبعة السابقة.

ص: 349

عنه وقطع السارق منه وكذلك ان كان السارق قد ملك المسروق رجلا ببيع، أو هبة أو وصية والمسروق قائم فلصاحبه أن يأخذه لانه عين ملكه اذ السرقة لا توجب زوال الملك عن العين المسروقة فكان تمليك السارق باطلا ويرجع المشترى على السارق بالثمن الذى اشتراه

(1)

به وان كان المسروق قد هلك فى يد القابض وكان البيع قبل القطع أو بعده فلا ضمان لا على السارق ولا على القابض بدليل قوله تعالى:

«وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا 2» فالله سبحانه وتعالى سمى القطع جزاء فلو ضم اليه الضمان لم يكن القطع كافيا فلم يكن جزاء فالله سبحانه وتعالى جعل القطع كل الجزاء فلم يذكر غيره وقد روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: اذا قطع السارق فلا غرم عليه

(3)

، ويخرج على هذا الاصل اذا استهلك السارق المسروق بعد القطع لا يضمن فى ظاهر الرواية لان عصمة المحل الثابتة حقا للمالك قد سقطت فى حق السارق لضرورة امكان ايجاب القطع فلا يعود الا بالرد الى المالك فلم يكن معصوما قبله فلا يكون مضمونا وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله أنه يضمن لان المسروق بعد القطع بقى على ملك المسروق منه ألا ترى أنه يجب رده على المالك وقبض السارق ليس بقبض مضمون فكان المسروق فى يده بمنزلة الامانة فاذا استهلكها ضمن ولو استهلك المسروق رجل آخر يضمنه لان العصمة انما سقطت فى حق السارق لا فى حق غيره فيضمن

(4)

.. وان أحدث السارق فى المسروق حدثا فان كان حدثا أوجب النقصان يقطع وتسترد العين على المالك وليس عليه ضمان النقصان واذا كان أحدث حدثا أوجب الزيادة فالاصل فى هذا أن السارق اذا أحدث فى المسروق حدثا لو أحدثه الغاصب فى المغصوب انقطع حق المالك ينقطع حق المسروق منه والا فلا وعلى هذا اذا قطع السارق الثوب المسروق وخاطه قميصا انقطع حق المالك لانه لو فعله الغاصب انقطع حق المغصوب منه كذا اذا فعله السارق ولا ضمان على السارق ولو صبغه أحمر أو أصفر فلا سبيل للمالك على العين المسروقة فى قول أبى حنيفة لان المغصوب منه له أصل الثوب وهو متقوم وللغاصب فيه كذلك حق متقوم الا أنه جعل الخيار للمالك لان المالك صاحب أصل والغاصب صاحب وصف وهنا فى السرقة حق السارق متقوم وحق المالك فى أصل الثوب ليس بمتقوم فى حق السارق لاجل القطع فاعتبر حق السارق وتعذر تضمينه لضرورة القطع فيكون له مجانا، وفى قولهما يأخذ المالك الثوب ويعطيه ما زاد الصبغ فيه لانه

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 89 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 38 من سورة المائدة.

(3)

المرجع السابق ج 7 ص 84 الطبعة السابقة.

(4)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 85 الطبعة السابقة.

ص: 350

لو وجد هذا الغاصب لخير المالك بين أن يضمن الغاصب قيمة الثوب وبين أن يأخذ الثوب ويعطيه ما زاد الصبغ فيه الا أن التضمين هنا متعذر لضرورة

(1)

القطع فتعين الوجه الاخرى، وفى الزيلعى

(2)

لو صنع المسروق دراهم أو دنانير قطع وردهما الى المسروق منه وهذا عند أبى حنيفة وقالا لا سبيل للمسروق منه عليها وهذا الخلاف أساسه أن هذا الصنع لا يقطع حق المالك فى باب الغصب عنده وعندهما يقطع حق المالك، ولو سرق حديدا أو صفرا أو نحاسا أو ما أشبه ذلك فضربها أوانى ينظر ان كان بعد الصناعة والضرب تباع وزنا فهو على الاختلاف الذى مر وان كانت تباع عددا انقطع حق المالك فيها بالاجماع كما فى الغصب ومن أمثلة ذلك مالو سرق حنطة فطحنها وما أشبه ذلك كل ذلك يقطع حق المالك فيها.

‌مذهب المالكية:

قال ابن شاس لو رد السارق اليمين فحلف الطالب ثبت الغرم دون القطع قال ابن عرفة هذا واضح وفى المدونة أنه ان شهد رجل وامرأتان على رجل بالسرقة لم يقطع وضمن قيمة ذلك ولا يمين على رب المتاع وان شهد بذلك رجل واحد حلف الطالب مع شهادته وأخذ المتاع ان كان قائما ولا يقطع السارق. ووجب رد المال ان لم يقطع قال ابن عرفة موجب السرقة قطع السارق وضمانه السرقة ان لم يقطع لازم له اتفاقا، أما أقطع اليدين والرجلين اذا سرق عزر وضمن السرقة وان كان معسرا مطلقا قال مالك وأصحابه لو سرق مالا يجب فيه القطع أما لقلته أو لانه من غير حرز أو لغير ذلك فانه يتبع بذلك فى عدم ويحاص به غرماؤه واذا كان يجب فيه القطع لم يتبع فى عدمه ولا يتبع الا فى يسر متصل من يوم سرق الى يوم يقطع والا لم يتبع وان كان مليا بعد عدم تقدم قال مالك وهو الامر المجمع عندنا. وفى المدونة انما يضمن السارق السرقة اذا سرق وهو موسر فتمادى يسره الى أن قطع قال ابن عرفة وان قطع والسرقة قائمة بعينها استردها ربها وان استهلكها ففى قول المدونة أنه ان اتصل يسره بها من السرقة الى يوم القطع وجب القطع فى يده عقوبة ووجب الغرم فى ماله عقوبة أخرى فاذا كان معسرا أو أعدم فى بعض المدة فلا غرم اذ لو أوجبنا الغرم فى ذمته لاجتمع عليه عقوبتان اتباع ذمته وقطع يده وذلك لا يجوز

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج والمهذب

(4)

:

وعلى السارق رد ما سرق وأجرته مدة وضع يده عليه وان وقع القطع لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم على اليد

(1)

البدائع للكاسانى ج 7 ص 89، ص 90 الطبعة السابقة.

(2)

تبيين الحقائق للزيلعى ج 3 ص 234 الطبعة السابقة.

(3)

التاج والاكليل مع مواهب الجليل ج 6 ص 313 الطبعة السابقة.

(4)

نهاية المحتاج ج 7 ص 443 الطبعة السابقة، المهذب ج 2 ص 284 الطبعة السابقة.

ص: 351

ما أخذت حتى تؤديه ولان القطع حق لله تعالى والغرم حق الادمى فلم يسقط أحدهما الآخر ومن ثم لم يسقط الضمان والقطع عنه برده المال للحرز فان تلف ضمنه كمنافعه من مثل فى المثلى وأقصى قيمة فى المتقوم.

‌مذهب الحنابلة:

اذا قطع السارق فان كانت السرقة باقية ردت الى مالكها وان كانت تالفة فعليه قيمتها سواء كان موسرا أو معسرا لا يختلف أهل العلم فى وجوب رد العين المسروقة على مالكها اذا كانت باقية فأما ان كانت تالفة فعلى السارق رد قيمتها أو مثلها ان كانت مثلية قطع أو لم يقطع موسرا كان أو معسرا

(1)

وان أقر مكلف بسرقة مال غائب أو شهدت بها بينة حبس، ولم يقطع حتى يحضر فان كانت العين فى يده أى يد المقر بالسرقة أو يد من شهدت البينة عليه بالسرقة أخذها الحاكم وحفظها للغائب لان الحاكم له النظر فى مال الغائب وعليه حفظه

(2)

اذا سرق المسروق منه مال السارق من الحرز الذى فيه العين المسروقة ولو متميزة أو أخذ عين ماله فقط أو ومعه نصاب من مال المعتدى لم يقطع وان سرق منه نصابا من غير الحرز الذى فيه ماله أو سرق من مال من له عليه دين وهما باذلان غير ممتنعين من آدائه، أو قدر المالك على أخذ ماله فتركه وسرق من مال المعتدى أو الغريم فعليه القطع وان عجز عن استيفائه أو أرش جنايته فسرق قدر دينه أو حقه فلا قطع وان سرق أكثر من دينه فكالمغصوب منه اذا سرق أكثر من دينه على ما مضى

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الواجب على السارق القطع ولا بد ثم يلزمه احضار ما سرقه ليرد الى صاحبه ان عرف أو ليكون فى جميع مصالح المسلمين ان لم يعرف صاحبه فان عدم الشئ المسروق ضمنه

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

من وجد المال المسروق فى يد انسان والتبس حاله هل هو السارق أم لا لم يقطع بل يرد المال ان بقى والضمان ان تلف

(5)

ويسترد من السارق الباقى فى يده ولو قد استهلكه حكما بطحن أو نحوه أو كان الباقى فى يد غير يد السارق بغير عوض كالهبة والصدقة والنذر ونحو ذلك فما خرج من يده بهذه الوجوه وجب رده ولو مع القطع ويجب أن يرد ما أخذ بغير عوض ولو كان قد غرم فيه من صارت العين فى يده نحو أن تكون خشبة وقد بنى عليها أو نحو ذلك قال فى المعيار فان لم يتأت نقض البناء

(1)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 4 ص 89 الطبعة السابقة والمغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 279 الطبعة السابقة.

(2)

الاقناع ج 4 ص 285 الطبعة السابقة، وكشاف القناع مع منتهى الارادات فى كتاب ج 4 ص 87 الطبعة السابقة.

(3)

الاقناع فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 283 الطبعة السابقة وكشاف القناع مع منتهى الارادات ج 4 ص 85 الطبعة السابقة

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 11 ص 339 مسألة رقم 2275.

(5)

التاج المذهب الجامع لاحكام المذهب ج 4 ص 240 الطبعة السابقة.

ص: 352

الا بغرامة وجبت التخلية فقط كما اذا كان لاحضار العين المغصوبة مؤنة لم يكن عليه الا التخلية وان كانت العين قد تلفت فى يد من صارت فى يده بغير عوض وجب عليه الضمان المثلى بمثله والقيمى بقيمته ولو بعد القطع وكذلك لو أخرجت من يد السارق بعوض كاجارة فانها ترد العين للمالك لكن اذا كان السارق قد استهلك الاجرة استحق المستأجر المنفعة الى انقضاء الاجارة وان كان قد استهلك بعض الاجرة استحق المستأجر من المنفعة بقدر ما قد استهلك من الاجرة ويرد له باقيها وان كانت الاجرة باقية أخذت من يد السارق وردت لمالكها وهو المستأجر وترد العين لمالكها، واذا قطع السارق بما سرق فانه لا يغرم بعده أى لا يغرم بعد القطع المسروق التالف حسا لئلا يجتمع غرمان فلا يضمن ما قد أتلفه قيميا أو مثليا وسواء أتلفه قبل القطع أم بعده اذا كان قبل الحكم عليه برد السرقة فأما بعده فيضمن

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

يجب على السارق اعادة العين مع وجودها وامكان اعادتها فاذا لم تكن العين قائمة أو لم يمكن اعادتها وجب رد مثلها اذا كان المسروق مما له مثل فاذا لم يكن له مثل وجبت قيمته ان كان المسروق مما - يتقوم أما اذا كانت قائمة ولكنها تعيبت فان السارق يضمن أرشها، والقطع فى السرقة لا يغنى عن اعادة المسروق لان القطع والاعادة حكمان متغايران لان الاعادة لاخذ مال الغير عدوان وأما القطع فلأنه حد عقوبة على الذنب

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن العاصمى قال كل ما سرق وهو باق فانه يرد على من أخذ منه باتفاق وحيث أن السارق قد قطع فالذى سرقه فى حال يسره يتبع به والقطع فى السرقة لا يسقط به الغرم بالاولى لان الغرم حق المخلوق والحق ان القطع حق الله شرع ردعا عن السرقة وقيل ان كان موسرا حين سرق أخذ بالغرم ولو قطع والا فلا ان قطع وقيل يغرم ان أيسر ودام يسره حتى قطع وأما من لم يقطع أو سرق مالا قطع به فالغرم باجماع الامة واجب ومأخوذ وقيل ان وجد ما سرق ولم يتلف غرم باتفاق ولو قطع مطلقا

(3)

.

‌حكم الاسترداد فى الغصب

‌مذهب الحنفية:

‌ثبوت الحق للمغصوب منه

فى استرداد المغصوب:

الغصب هو ازالة اليد المحقة باثبات اليد المبطلة ويجب رد عينه فى مكان غصبه لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: على اليد ما أخذت حتى ترد

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 375 وهامشه الطبعة السابقة والتاج المذهب الجامع لاحكام المذهب ج 4 ص 250، 251 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للجبعى العاملى ج 2 ص 382 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب شرح النيل ج 7 ص 649، 650 الطبعة السابقة.

ص: 353

ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لاحدكم أن يأخذ مال أخيه لاعبا ولا جادا وأن أخذه فليرده عليه. ولانه بالاخذ فوت عليه اليد وهى مقصودة لان المالك يتوصل بها الى تحصيل ثمرات الملك من الانتفاع وأتم وجوهه رد عينه فى مكان غصبه لانه أعدل وأكمل فى رد الصورة والمعنى ورد القيمة أو المثل مخلص يصار اليه عند تعذر رد العين ولهذا يطالب برد العين قبل الهلاك، ولو أتى بالقيمة أو المثل لا يعتد به لكونه قاصرا وقيل: الموجب الاصلى هو المثل أو القيمة ورد العين مخلص ولهذا لو أبرأه عن الضمان حال قيام العين يصح حتى لا يجب عليه الضمان بالهلاك والابراء عن العين

(1)

لا يصح فلو هلك المغصوب عند الغاصب وجب المثل أى مثل المغصوب ان كان المغصوب مثليا وهو المكيل والموزون والعددى المتقارب كالجوز والبيض خلافا لزفر فى العددى - لقول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ،} ولان حق المالك ثابت فى الصورة والمعنى وقد أمكن اعتبارهما بايجاب المثل فكان أعدل وأتم فى جبر الفائت فكان أولى من القيمة واسمه ينبئ عن ذلك فان المثل عبارة عما يقوم مقامه من كل وجه فكان ايجابه أعدل فان انقطع المثلى عن ايدى الناس وجبت القيمة وتعتبر قيمته يوم الخصومة

(2)

عند أبى حنيفة رحمه الله لان المثل هو الواجب بالغصب، وهو باق فى ذمته ما لم يقض القاضى بالقيمة ولهذا لو صبر الى أن يعود المثل كان له ذلك وانما ينتقل الى القيمة بالقضاء حتى لا يعود الى المثل لوجوده بعد ذلك فتعتبر قيمته يوم الانتقال وقال ابو يوسف تعتبر قيمته يوم الغصب لان المثل لما انقطع التحق بذوات القيم وفيها تعتبر القيمة يوم الغصب فكذا فيما التحق بها. وقال محمد تعتبر قيمته يوم الانقطاع لان المثل هو الواجب بغصب ذات المثل فلا ينتقل الى القيمة الا بالعجز عنه والعجز عنه يحصل بالانقطاع فتعتبر قيمته يومئذ فلا تجب القيمة قبل انقطاع المثل للقدرة عليه

(3)

. أما اذا كان المغصوب لا مثل له والمراد به غير المكيل والموزون والعددى المتقارب كالثياب والحيوان والمثلى المخلوط بخلاف جنسه كالحنطة المخلوطة بالغير، والموزون الذى فى تبعيضه ضرر كالاوانى المصوغة أى لا يضمن بالمثل فقيمته يوم غصبه وهذا بالاجماع لانه تعذر اعتبار المثل صورة ومعنى وهو الكامل فيجب اعتبار المثل معنى وهو القيمة لانها تقوم مقامه ويحصل بها مثله لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى

(1)

الزيلعى ج 5 ص 222 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 222، ص 223، ص 224 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 223 الطبعة السابقة.

ص: 354

عبد بين رجلين يعتقه أحدهما فان كان موسرا ضمن قيمة نصيب شريكه وان كان معسرا سعى العبد فى قيمة نصيب شريكه غير مشقوق عليه، وهذا نص صريح على اعتبار القيمة فيما لا مثل له حيث أوجبها على المعتق ان كان موسرا وعلى العبد ان كان معسرا

(1)

.

‌سقوط حق الاسترداد:

وانما يحق استرداد المغصوب اذا كانت عينه

(2)

قائمة فى يد الغاصب وأما اذا تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب بحيث لا يمكن تمييزها أصلا أو الا بحرج زال ملك المغصوب منه عنها وملكها الغاصب وضمنها ولا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدى بدلها

(3)

فلو هلك فى يده أو استهلك صورة ومعنى أو معنى لا صورة سقط حق الاسترداد وثبت الضمان لان الهالك لا يحتمل الرد وعلى هذا يخرج ما اذا كان المغصوب حنطة فزرعها الغاصب أو نواة فغرسها حتى نبتت أو باقلة فغرسها حتى صارت شجرة أو بيضة فحضنها حتى صارت دجاجة أو قطنا فغزله أو غزلا فنسجه أو ثوبا فقطعه أو خاطه قميصا أو لحما فشواه أو طبخه أو شاه فذبحها وشواها أو حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه أو حديدا فضربه سيفا أو نحاسا فعمله آنية أو نحو ذلك فليس للمالك أن يسترد شيئا من ذلك عندنا ويزول ملكه بضمان المثل أو القيمة لان فعل الغاصب فى هذه المواضع وقع استهلاكا للمغصوب أما صورة ومعنى أو معنى لا صورة فيزول ملك المالك عنه وتبطل ولاية الاسترداد كما اذا استهلكه حقيقة، ودلالة تحقق الاستهلاك أن المغصوب قد تبدل وصار شيئا آخر بتخليق الله تعالى وايجاده لانه لم تبق صورته ولا معناه الموضوع له فى بعض المواضع ولا اسمه وقيام الاعيان انما يكون بقيام صورها ومعانيها المطلوبة منها وفى بعضها ان بقيت الصورة فقد فات معناه الموضوع له المطلوب منه عادة فكان فعله استهلاكا للمغصوب صورة ومعنى أو معنى فيبطل حق الاسترداد اذ الهالك لا يحتمل الرد كالهالك الحقيقى، واذا حصل الاستهلاك فانه يزول ملك المالك لان الملك لا يبقى فى الهالك فتنقطع ولاية الاسترداد ضرورة

(4)

الا الذهب والفضة فان الغاصب لا يملكهما باتخاذه أوانى أو بضربه دنانير أو دراهم فلا ينقطع حق المالك عنها وله أن يسترده ولا يعطيه شيئا لاجل الصياغة وهذا عند أبى حنيفة رحمه الله لان العين باقية من كل وجه ولم تهلك من وجه ما، وقال ابو يوسف ومحمد رحمهما الله أنه لا سبيل للمالك على ذلك

(1)

المرجع السابق.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 148،

(3)

الزيلعى ج 5 ص 226 الطبعة السابقة.

(4)

البدائع ج 7 ص 148، 149 الطبعة السابقة.

ص: 355

ويملكهما الغاصب بضربهما دنانير أو دراهم أو أوانى وعلى الغاصب مثل ما غصب لان صنع الغاصب وقع استهلاكا لان المغصوب بالصياغة صار شئيا آخر وفوت بذلك على المالك بعض مقاصده وأجمعوا على أنه اذا سبكه ولم يصغه أو جعله مربعا أو مطولا أو مدورا أن له أن يسترده

(1)

ولا شئ عليه أما لو غصب صفرا أو نحاسا أو حديدا فضربه آنية فان كان يباع وزنا فهو على الخلاف الذى ذكر فى مسألة الذهب والفضة لانه لم يخرج بالضرب والصناعة عن حد الوزن وان كان يباع عددا فليس له أن يسترده بلا خلاف لانه خرج عن كونه موزونا بخلاف الذهب والفضة لان الوزن فيهما أصل ولا يتصور سقوطه أبدا

(2)

ولو غصب لبنا أو آجرا أو ساجه فأدخلها فى بنائه فلا يملك المغصوب منه الاسترداد عندنا لان المغصوب بالادخال فى البناء والتركيب صار شيئا آخر غير الاول لاختلاف المنفعة اذ المطلوب من المركب غير المطلوب من المفرد فصار بها تبعا له فكان الادخال اهلاكا معنى فيوجب زوال ملك المغصوب منه ويصير ملكا للغاصب وذكر الكرخى رحمه الله أن موضوع مسألة الساجة ما اذا بنى الغاصب فى حوالى الساجة لا على الساجة، فأما اذا بنى على نفس الساجة لا يبطل ملك المالك بل ينقض البناء وهو اختيار الفقيه أبى جعفر الهندوانى لان البناء اذا لم يكن على نفس الساجة لم يكن الغاصب متعديا بالبناء لينقض ازالة للتعدى واذا كان البناء عليها كان متعديا على الساجة فيزال تعديه بالنقض والصحيح أن المسألة فيها خلاف ولو غصب ثوبا فقطعه ولم يخطه أو شاة فذبحها ولم يشوها ولا طبخها فلا ينقطع حق المالك اذ الذبح ليس باستهلاك بل هو تنقيص وتعييب فلا يوجب زوال الملك بل يوجب الخيار للمالك فيخير بين تضمين جميع قيمته ويترك له وبين تضمين نقصانه

(3)

وأخذه وقيد خرق الثوب الذى يوجب التخيير بكونه فاحشا أما اذا كان الخرق يسيرا فان عليه ضمان نقصانه يعنى مع استرداد عينه وليس له - أى للمالك - غير ذلك لان العين قائمة من كل وجه وانما دخله عيب فنقص لذلك فكان له أن يضمنه النقصان ثم قال:

والحكم فى تخيير المالك فى الثوب الذى قطع انما هو اذا لم يجدد فيه الغاصب صنعة أما اذا جدد فيه صنعة بأن خاطه قميصا مثلا فانه ينقطع به حق المالك عنه عندنا - ذكره فى النهاية معزيا الى الذخيرة قال شمس الائمة السرخسى والحكم الذى ذكرنا فى الخرق فى الثوب من تخيير المالك اذا كان الخرق فاحشا هو الحكم فى كل عين من الاعيان الا فى

(1)

البدائع ج 7 ص 149 الطبعة السابقة والزيلعى ج 5 ص 228 الطبعة السابقة.

(2)

البدائع ج 7 ص 149، 150 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق والزيلعى ج 5 ص 228، 229 الطبعة السابقة.

ص: 356

الاموال الربوية فان التعييب فيها فاحشا كان أو يسيرا يجعل لصاحبها الخيار بين أن يمسك العين ولا يرجع على الغاصب بشئ وبين أن يسلم العين ويضمنه مثله أو قيمته لان تضمين النقصان متعذر لانه يؤدى الى الربا ولو غصب أرضا فبنى عليها أو غرس فيها لا ينقطع ملك المالك عنها ويقال للغاصب اقلع البناء والغرس وردها فارغة لان الارض بحالها لم تتغير ولم تصر شيئا آخر فان كانت الارض تنقص بقلع ذلك فللمالك أن يضمن له قيمة البناء والغرس مقلوعا ويكون له البناء والغرس لان الغاصب يتضرر بالمنع من التصرف فى ملك نفسه بالقلع والمالك أيضا يتضرر بنقصان ملكه فلزم رعاية الجانبين

(1)

، هذا اذا تغير المغصوب، بفعل الغاصب فان تغير المغصوب بغير فعل الغاصب بأن صار العنب زبيبا والخمر خلا بنفسه والحليب جبنا والرطب تمرا فالمالك بالخيار ان شاء أخذه وان شاء تركه

(2)

وضمنه، وقد اختلف فى غصب ما لا ينقل كالعقار، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله أن غصب عقارا وهلك فى يده لم يضمنه وقال محمد وزفر رحمهما الله يضمن وهو قول أبى يوسف أولا

(3)

وما نقص بسكناه وزراعته ضمن النقصان كما فى النقلى وهذا بالاجماع وعلى هذا لو ركب دابة الغير بغير اذنه ولم يسيرها حتى نزل ثم هلكت لم يضمن لعدم النقل وان تلفت بركوبه يضمن لوجود الاتلاف بفعله واختلفوا فى تفسير النقصان قال نصير بن يحيى: انه ينظر بكم تستأجر هذه الارض قبل الاستعمال وبعده فيضمن ما تفاوت بينهما من النقصان وقال محمد بن سلمه يعتبر ذلك بالشراء يعنى أنه ينظر بكم تباع قبل الاستعمال وبكم تباع بعده فنقصانها ما تفاوت من ذلك فيضمنه وهو الاقيس لان العبرة لقيمة العين دون المنفعة وذكر فى النهاية ان محمد بن سلمه رجع الى قول نصير ثم انما يضمن الغاصب النقصان اذا كان النقصان فى العين وكان غير ربوى لانه دخل جميع أجزائه فى ضمانه فيجب عليه ضمان قيمة ما تعذر رده من أجزائه كلا أو بعضا وان كان النقصان لتراجع السعر فلا يضمن اذا كان استرداد العين فى مكان الغصب لان ذلك لقلة الرغبات فيه لا لنقصان فى العين بفوت الجزء وان كان المغصوب ربويا لا يمكنه أن يضمنه النقصان مع استرداد العين لانه يؤدى الى الربا اذ الجودة لا قيمة لها فى الاموال الربوية ولكنه يخير بين أن يسترد العين ولا شئ له وبين أن يتركه على الغاصب ويضمنه مثله من جنسه أو قيمته من خلاف جنسه واذا غصب ثوبا فصبغه أو سويقا

(4)

فلته بسمن فالمالك بالخيار أن شاء ضمنه قيمة

(1)

البدائع ج 7 ص 149 الطبعة السابقة.

(2)

الشلبى على الزيلعى ج 5 ص 226 الطبعة السابقة.

(3)

الزيلعى ج 5 ص 224 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 225.

ص: 357

ثوبه أبيض ومثل السويق وان شاء أخذ المصبوغ والملتوت وغرم ما زاد الصبغ والسمن وكان صاحب الثوب أولى بالتخيير لانه صاحب أصل ولو كان الثوب ينقصه الصبغ بأن كانت قيمته ثلاثين درهما مثلا فتراجعت بالصبغ الى عشرين فعن محمد رحمه الله ينظر الى ثوب يزيد فيه ذلك الصبغ فان كانت الزيادة خمسة يأخذ رب الثوب ثوبه وخمسة دراهم رواه هشام عن محمد وهو مشكل

(1)

ولو غيب الغاصب المغصوب وضمن قيمته ملكه وسقط حق المالك فيه لان المالك ملك بدل المغصوب رقبه ويدا فوجب أن يزول ملكه عن المبدل والقول فى القيمة للغاصب مع يمينه والبينة للمالك فان ظهر وقيمته أكثر وقد ضمنه بقول المالك أو ببينته أو بنكول الغاصب فهو للغاصب ولا خيار للمالك فيه وان ضمنه بيمين الغاصب فالمالك بالخيار اما أن يمضى الضمان. وأما يأخذ المغصوب ويرد العوض ولو ظهر وقيمته مثل ما ضمنه أو أقل فى هذه الصورة وهى ما اذا ضمنه بقول الغاصب مع يمينه ففى ظاهر الرواية يثبت له الخيار وهو الاصح ثم اذا اختار المالك أخذ العين فللغاصب أن يحبس العين حتى يأخذ القيمة التى دفعها

(2)

اليه، وزوائد المغصوب أمانة لا تضمن الا بالمنع أو التعدى فاذا طلبها المالك ومنعها أو تعدى عليها الغاصب ضمنها وما نقصت الجارية بالولادة مضمون ويجبر بولدها أى أن كان فى قيمة الولد وفاء به جبر النقصان بالولد ويسقط ضمانه عن الغاصب ولو زنى بمغصوبته فردت فماتت بالولادة ضمن قيمتها.

‌ما يكون به الاسترداد:

يصير المالك

(3)

مستردا للمغصوب باثبات يده عليه لانه صار مغصوبا بتفويت يده عنه، فاذا أثبت يده عليه فقد أعاده الى يده فزالت يد الغاصب ضرورة الا أن يغصبه ثانيا، وذلك كما اذا كان المغصوب عبدا فاستخدمه أو ثوبا فلبسه أو دابة فركبها أو حمل عليها فانه يصير مستردا للمغصوب منه بذلك العمل ويبرأ الغاصب من الضمان وكذلك لو كان طعاما فأكله لانه اثبت يده عليه فبطلت يد الغاصب ولو كان المغصوب عبدا فأجره من الغاصب للخدمة أو كان المغصوب ثوبا فأجره منه للبس أو دابة للركوب وقبل الغاصب الاجارة برئ عن الضمان لان الاجارة اذا صحت صارت يد الغاصب على المحل يد اجارة وانها يد محقة فتبطل يد الغصب ضرورة فيبرأ عن الضمان بالاجارة حين وجبت عليه الاجارة ولو زوج الامة المغصوبة من

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 229، ص 230

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 230، ص 231، ص 232، ص 233 الطبعة السابقة.

(3)

البدائع ج 7 ص 150 الطبعة السابقة.

ص: 358

الغاصب لا يبرأ عن الضمان فى قياس قول أبى حنيفة وعند أبى يوسف يبرأ من الضمان بناء على الاختلاف فى كون المشترى يصير قابضا بالتزويج أم لا، ولو استأجر المغصوب منه الغاصب لتعليم العبد المغصوب عملا من الاعمال فهو جائز لكنه لا يصير مستردا للعبد ولا يبرأ الغاصب عن الضمان بل هو فى يد الغاصب على ضمانه حتى لو هلك قبل أن يأخذ فى ذلك العمل أو بعده ضمن وكذلك لو استأجره لغسل الثوب المغصوب لان الاجارة ههنا ما وقعت على المغصوب فلم تثبت يد الاجارة عليه لتبطل عنه يد الغاصب فتبقى فى يد الغاصب كما كان فبقى مضمونا كما كان.

‌مذهب المالكية:

‌ثبوت حق استرداد المغصوب:

جاء فى التاج والاكليل للحطاب قال مالك من غصب لرجل طعاما أو أداما فاستهلكه فعليه مثله بموضع غصبه منه فان لم يجد هناك مثلا لزمه أن يأتى بمثله الا أن يصطلحا على أمر جاز وان لقيه ربه بغير البلد الذى غصب فيه لم يقض عليه فيه هناك بمثله ولا قيمته وانما له عليه مثله بموضع غصبه فيه قال اللخمى ويختلف لمن غصبه طعاما فى شدة ثم صار الى رخاء فالمازرى على أنه يغرم أغلى القيم والمشهور أن الحكم لا يتغير بذلك ويقضى بمثله وصبر لوجوده وذكر ابن عرفة أن ابن القاسم قال: لو فقد المثل حين طلبه ليس عليه الا مثله بأن يصبر حتى يوجد وقال أشهب يخير الطالب فى الصبر أو القيمة وفى المدونة ان لقيه ربه بغير البلد لم يقض عليه هناك بمثله

(1)

ولا قيمته وقال ابن يونس لو غصبه سويقا فلته فانما عليه مثله ولا يجوز أن يتراضيا على أن يأخذه ويعطيه مالته به لانه التفاضل بين الطعامين وكذلك لو ضرب الفضة دراهم أو صاغها لم يجز له أخذها ويعطيه أجرته للتفاضل بينهما - ومن المدونة قال مالك أن عمل الغاصب من الخشبة بابا أو غصب ترابا يعمل منه بلاطا أو غصب حنطة فزرعها وحصد منها حبا كثيرا أو غصب سويقا نملته بسمن أو غصب فضة فصاغها حليا أو ضربها دراهم فعليه فى هذا كله مثل ما غصب فى صفته ووزنه وكيله أو القيمة فيما لا يكال ولا يوزن وذكر المازرى أن ابن القاسم قال من غصب قمحا فطحنه رد مثله - ولا يمكن رب القمح من أخذ الدقيق خلافا لاشهب واتفقا ان طحن القمح سويقا ولته أن ليس لرب القمح أخذه قال أشهب من غصب بيضة فحضنها تحت دجاجة له فخرج منها دجاجة فعليه بيضة مثلها خلافا لسحنون

(1)

الحطاب ج 5 ص 278 الطبعة السابقة.

ص: 359

لا ما باض أو حضن قال: اشهب لو غصب دجاجة فباضت عنده فحضنت بيضها فما خرج من الفراريج فلربها أخذها معها كالولادة وأما لو حضن تحتها بيضا له من غيرها فالفراريج للغاصب والدجاجة لربها وله فيما حضنت كراء مثلها قال ابن المواز مع ما نقصها الا أن يكون نقصا بينا فيكون لربها قيمتها يوم غصبها ولا يكون له من بيضها ولا من فراريجها شئ. قال ولو غصب حمامة فزوجها حماما له فباضت وأفرخت فالحمامة والفراخ للمستحق ولا شئ للغاصب فيما أعانها ذكره من حضانته ولمستحق الحمامة فيما حضنت من بيض غيرها قيمة حضانتها ولا شئ فيما حضنه غيرها من بيضها وانما له بيض مثل بيض حمامته الا أن يكون عليه فى أخذ البيض ضرر فى تكلف حمام يحضنهم فله أن يغرم الغاصب قيمة البيض

(1)

واما اذا كان المغصوب عروضا أو رقيقا أو حيوانا وقد استهلكه فله قيمة ذلك ببلد الغصب يوم الغصب يأخذه بتلك القيمة أينما لقيه من البلدان ان نقصت القيمة فى غير البلد أو زادت وفى الموازية من غصب غزلا فنسجه فعليه قيمة الغزل وفى المدونة من غصب من رجل سوارين من ذهب فاستهلكهما فعليه قيمتهما مصوغين من الدراهم وله أن يأخذهما بتلك القيمة والذى رجع اليه ابن القاسم انه كذلك اذا كسرهما لزمته قيمتهما وكانا له وفى الموازية من غصب حليا فكسره ثم أعاده لهيئته أن عليه قيمته وهذا هو الصواب لان هذه الصياغة غير تلك فكأنه أفات السوار فعليه قيمته يوم أفاته وعلى مذهب أشهب يأخذهما ومن المدونة قال ابن القاسم من غصب جلد ميتة غير مدبوغ فعليه ان اتلفه قيمته ما بلغت ثم قال ابن القاسم كل ربع اغتصبه غاصب فسكنه أو اغتله أو أرضا فزرعها فعليه كراء ما سكن أو زرع بنفسه وغرم ما أكراها به من غيره ما لم يجاب وان لم يسكنها ولا انتفع بها ولا اغتلها فلا شئ عليه قال ابن القاسم وما اغتصبه من دواب أو رقيق فاستعملها شهرا وطال مكثها بيده أو اكراها وقبض كراءها فلا شئ عليه وله ما قبضه من كرائها وانما لربها عين شيئه وليس له أن يلزمه قيمتها اذا كانت على حالها لم تتغير فى يده ولا ينظر الى تغير سوق قال ابن بشير ان كان المغصوب عبدا وأمره بالصيد فلا خلاف أن الصيد لرب العبد وان كان آلة كالسيف والرمح فلا خلاف أن الصيد للغاصب وعليه أجرة ما انتفع به وان كان فرسا فقد الحقوه بالآلات وان كان جارحا كالباز والكلب فهل يلحق بالعبد؟ قولان وعن ابن يونس قال ابن القاسم فيما أثمر عند الغاصب من نخل أو شجر أو تناسل من الحيوان

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 280 الطبعة السابقة.

ص: 360

أو جز من الصوف أو حلب من اللبن فانه يرد ذلك كله مع ما اغتصبه لمستحقه وما أكل يرد المثل فى ماله مثل والقيمة فى مالا يقضى بمثله وليس له اتباع المستحق بما أنفق فى ذلك أو سقى أو عالج أو رعى ولكن له المقاصة بذلك فيما بيده من غلة لان عن عمله تكونت وان عجزت الغلة عنه لم يرجع على المستحق بشئ وهو قول اشهب وقال ابن القاسم لا شئ له أيضا فيما سقى أو عالج أو انفق وان كان ذلك سببا للغلة وقاله مالك وبه أخذ ابن المواز اذ ليس بعين قائمة ولا يقدر على أخذه ولا هو مما له قيمة بعد القلع فيرد وهو كما لو غصب مركبا خربا فأنفق فى قلفطته ومرمته وأطرافه وجوانحه ثم اغتل فيه غلة كثيرة فلربه أخذه مقلفطا مصلوحا بجميع غلته ولا غرم عليه فيما أنفق عليه الا مثل الصارى والارجل والحبال وما يؤخذ له ثمن اذا أخذ فللغاصب أخذه وان كان بموضع لا غنى عنه اذ لا يجد صاريا ولا أرجلا ولا أحبلا الا هذه أو لا يجد ذلك بموضع لا ينال حملها اليه الا بالمشقة والمؤنة العظيمة وهو ما لا بد منه مما يجرى به المركب حتى يرده الى موضعه فربه مخير بين أن يعطيه قيمة ذلك بموضعه كيفما كان أو يسلم ذلك اليه وقال فى المدونة كل ما لا منفعة فيه للغاصب بعد القلع كالجص والنقش فلا شئ له فيه وكذلك ما حفر من بئر وقال ابن رشد ان ما أحدثه الغاصب فى الشئ المغصوب على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ان كان خرج مما له عين قائمة كالصبغ والنقض فى البنيان فان كان ذلك الشئ يمكن اعادته على حاله كالبقعة بينهما وما أشبه ذلك فالمغصوب منه مخير بين أن يأمر الغاصب باعادة البقعة على حالها وازالة ما فيها من نقض ان كان فيها نقض وبين أن يعطى الغاصب قيمة ماله فيها من النقض مقلوعا مطروحا بالارض بعد أجر القلع قاله ابن شعبان وابن المواز وهذا اذا كان الغاصب ممن لا يتولى ذلك بنفسه ولا بعبيده وانما يستأجر عليه وقيل انه لا يحط من ذلك أجر القلع على مذهب ابن القاسم فى المدونة والى هذا ذهب ابن فرحون واعتل فى ذلك أن الغاصب لو هدمه لم يكن للمغصوب منه أن يأخذه بالقيمة بعد الهدم وان لم يكن فى البنيان الذى بنى الغاصب ماله قيمة اذا قلعة لم يكن للغاصب على المغصوب منه شئ ويؤيده قول النبى صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم

(1)

حق ومن غصب منفعة فتلفت الذات قال ابن المواز قال ابن القاسم من سكن دارا غاصبا للسكنى فانهدمت من غير فعله فلا يضمن الا قيمة السكنى الا أن تنهدم من فعله وأما أن غصب رقبة الدار ضمن ما انهدم وكراء ما سكن قال ابن شاس لو قدم الغاصب الطعام الى مالكه فأكله مع الجهل بحاله فان الغاصب يبرأ من

(1)

الحطاب ج 5 ص 282 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 361

الضمان بل لو أكرهه على أكله فأكله برئ الغاصب وفى المدونة ما اغتصبه الغاصب فأدركه ربه بعينه لم يتغير فى بدنه فليس له غيره ولا نظر الى نقص قيمته باختلاف سوقه طال زمان ذلك سنين أو كان ساعة واحدة انما ينظر الى تغير بدنه

(1)

وقال ابن رشد يفيت المغصوب النقصان والعيوب وان لم تكن مفسدة سواء كانت بأمر سماوى أو بجناية الغاصب أو جناية غيره غير أنها ان كانت بأمر من السماء ولم يكن للمغصوب منه الا أن يضمنه قيمته يوم الغصب أو يأخذه ناقصا عند ابن القاسم وان كانت بجناية الغاصب فالمغصوب منه مخير بين أن يضمنه القيمة يوم الغصب أو يسقط عنه حكم الغصب فيأخذه وما نقصته جنايته يوم الجناية عند ابن القاسم أيضا وان كانت بجناية غير الغاصب فالمغصوب منه مخير بين أن يضمن الغاصب يوم الغصب ويتبع الغاصب الجانى وبين أن يسقط عن الغاصب طلبه ويتبع الجانى بحكم الجناية وقال أشهب من غصب شاة فصارت الى تغيير يسير كانكسار النهدين ونحوه له تضمينه قيمتها ان شاء فقد تحصل من هذا أنه مخير فى العيب السماوى بين أخذه بنقصه وبين أخذه قيمتها بخلاف العيب من الغاصب فانه مخير بين أخذه مع ما نقصه وبين أخذ قيمته وكذا ان كان العيب بجناية من غير الغاصب لكن ان أخذه اتبع الجانى بما نقصه.

‌مذهب الشافعية:

‌ثبوت حق المغصوب منه

فى استرداد المغصوب:

على الغاصب الرد فورا عند التمكن وإن عظمت المؤنة فى رده ولو لم يكن متمولا كحبة بر أو كلب يقتنى وسواء أكان مثليا أم متقوما ببلد الغاصب أم منتقلا عنه ولو بنفسه أو فعل أجنبى لخبر (على اليد ما اخذت حتى تؤديه) ولو وضع العين لا بد لها بين يدى المالك مع علمه وتمكنه من أخذها أو فى داره وعلم ولو باخبار ثقة كفى ويبرأ بالرد لمن غصب منه ولو نحو مودع ومستأجر ومرتهن لا ملتقط فان تلف عنده المغصوب أو بعضه - وهو متمول - باتلاف أو تلف ضمنه اجماعا نعم لو غصب حربى مال محترم ثم عصم فان كان باقيا رده أو تالفا لم يضمنه كقن غير مكاتب غصب مال سيده وأتلفه ولو أتلف مالا محترما فى يد مالكه ضمنه بالاجماع

(2)

ولو حمل الغاصب المغصوب منه على المغصوب بأن قدم له طعاما مغصوبا ضيافة فأكله فكذا القرار عليه فى الاظهر لانه المتلف واليه عادت المنفعة والثانى من قولى الشافعى أن القرار على الغاصب لانه غر الآكل وعلى الاول لو قدمه لاخر وقال له هو ملكى فالقرار على الآكل أيضا فلا يرجع بما غرمه على الغاصب لكن بهذه

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 285 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج ج 5 ص 149، ص 150 الطبعة السابقة.

ص: 362

المقالة ان غرم الغاصب لم يرجع على الآكل لاعترافه بأن المالك ظلمه والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه فلو غرم الغاصب رجع على قيمة الاكل بخلاف ما لو قدمه لبهيمة فأكلته وغرم الغاصب فانه لا يرجع على المالك ان لم يأذن والا رجع عليه وعلى هذا أى الاظهر فى أكل الضيف لو قدمه الغاصب لمالكه أو لم يقدمه له فأكله جاهلا بانه له برئ الغاصب لمباشرته اتلاف ماله مختارا أما اذا أكله عالما فيبرأ قطعا هذا كله ان قدمه له على هيئته

(1)

ويضمن المثلى بمثله سواء تلف أو اتلف فان تعذر المثل حسا كأن لم يوجد بمحل الغصب ولا حواليه كأن لم يوجد له مثل فيما ذكر الا بأكثر من ثمن المثل فالقيمة هى الواجب اذ هو الان كما لا مثل له والاصح فيما لو كان المثل موجودا عند التلف فلم يسلمه حتى فقده كما صرح به أصله ان المعتبر أقصى قيمة أى المثل من وقت الغصب الى تعذر المثل ولو نقل المغصوب المثلى أو أنتقل بنفسه أو بفعل أجنبى الى بلد أو محل آخر فللمالك أن يكلفه رده ان علم مكانه للخبر المار (على اليد ما اخذت) وان يطالبه بقيمته ولو مع قرب محل المغصوب فى الحال أى قبل الرد لوجود الحيلولة بينه وبين ملكه فاذا رده أى المغصوب أو خرج عن ملكه بعتق منه أو موت فى الايلاد ردها ان كانت باقية والا رد بدلها لزوال الحيلولة وليس له مع وجودها رد بدلها قهرا ولو توافقا على ترك التراد فى مقابلتها لم يكف بل لا بد من بيع بشرطه وقضية كلام المصنف أنه ليس للغاصب حبسه لاستردادها وهو مارجحه الرافعى كما لا يجوز للمشترى فاسدا حبس المبيع لاسترداد ثمنه وان تلف المغصوب المثلى فى البلد أو المحل المنقول أو المنتقل اليه أو عاد وتلف فى بلد الغصب طالبه بالمثل فى أى البلدين أو المحلين شاء لتوجه رد العين عليه فيهما فان فقد المثل غرمه أكثر البلدين قيمة لذلك ولو ظفر بالغاصب فى غير بلد التلف والمغصوب مثلى والمثل موجود فالصحيح أنه ان كان لا مؤنة لنقله كالنقد اليسير وكان الطريق آمنا فله مطالبته بالمثل لعدم الضرر على واحد منهما حينئذ والا بان كان لنقله مؤنة فلا مطالبة له بالمثل وليس للغاصب تكليفه قبوله لما فيه من المؤنة والضرر بل يغرمه قيمة بلد التلف وان لم تكن بلد الغصب فاذا غرمها ثم اجتمعا فى بلد الغصب لم يكن للمالك ردها وطلب المثل ولا للغاصب استردادها وبذل المثل وأما المتقوم كحيوان وأبعاضه قنا أو غيره فيضمنه بأقصى قيمة من الغصب إلى التلف

(2)

واذا غصبت الخمر من مسلم فان كانت محترمة وهى التى عصرت لا بقصد الخمرية وجب ردها ما دامت العين باقية اذ

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 155، 156 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج ج 5 ص 162، ص 163، 164 الطبعة السابقة.

ص: 363

له إمساكها لتصير خلا أما غير المحترمة وهى ما عصر بقصد الخمرية فتراق ولا ترد عليه

(1)

ولو رد الغاصب المغصوب ناقص القيمة بسبب الرخص لم يلزمه شئ لبقائه بحاله والفائت رغبات الناس ولو غصب ثوبا مثلا قيمته عشرة مثلا فصارت بالرخص درهما ثم لبسه مثلا فابلاه فصارت نصف درهم فرده لزمه خمسة وهى قسط التالف من أقصى القيم لان الناقص باللبس نصف الثوب فيلزمه قيمته أكثر ما كانت من الغصب الى التلف وهو خمسة والنقصان وهو أربعة ونصف سببه الرخص وهو غير مضمون ويجب مع الخمسة أجرة اللبس ولو اختلف المالك والغاصب فى حدوث الغلاء قبل التلف باللبس فقال المالك حدث قبله وقال الغاصب بل بعده صدق الغاصب بيمينه

(2)

لانه الغارم، وان تلف المغصوب الجانى فى يد الغاصب غرمه المالك أقصى القيم من الغصب الى التلف كسائر الاعيان المغصوبة وللمجنى عليه تغريم الغاصب لان جناية المغصوب مضمونة عليه وللمجنى عليه أن يتعلق بما أخذه المالك من الغاصب بقدر حقه اذ حقه كان متعلقا بالرقبة فيتعلق ببدلها ومن ثم لو أخذ المجنى عليه الارش لم يتعلق المالك به ثم اذا أخذ المجنى عليه من تلك القيمة حقه يرجع المالك على الغاصب بما أخذه منه المجنى عليه لانه أخذه منه بجناية مضمونة على الغاصب وعليه فليس له أن يرجع عليه قبل أخذ المجنى عليه منه لاحتمال أن يبرئ الغاصب ولو رد العبد أى ألقن الجانى الى المالك فبيع فى الجناية رجع المالك بما أخذه المجنى عليه على الغاصب ولو غصب أرضا فنقل ترابها بكشط عن وجهها أو حفرها أجبره المالك على رده ان كان باقيا ولو غرم عليه اضعاف قيمته وان فرض أن لا قيمة له أو رد مثله أن تلف

(3)

واعادة الارض كما كانت ولو غصب خمرا فتخللت عنده أو جلد ميته يطهر بالدباغ فدبغه فالاصح أن الخل والجلد للمغصوب منه لانهما فرعا ملكه فان تلف فى يده ضمنها والثانى من وجهين للاصحاب هما للغاصب لحصول المالية عنده فان أعرض المالك عنهما وهو ممن يعتد باعراضه فيملكه آخذه وقضية تعليل الاول اخراج الخمرة غير المحترمة وبه جزم الامام وسوى المتولى بينهما قال الشيخ وهو الا وجه ما لم يعرض المالك عنها فان أعرض لم يجب ردها عليه وليس للمالك استردادها وأعراض المالك كاعراضه عن الخمر

(4)

.

‌حكم استرداد زيادة المغصوب:

زيادة المغصوب ان كانت أثرا محضا كقصاره لثوب وخياطة بخيط من الثوب وطحن لبر وضرب سبيكة دراهم فلا شئ للغاصب بسببها لتعديه بعمله فى ملك غيره وللمالك أن يكلفه رده أى المغصوب

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 166 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج ج 5 ص 172 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 174، ص 175 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 179 الطبعة السابقة.

ص: 364

كما كان أن أمكن ولو مع غسر كرد الحلى سبائك واللبن طينا الحاقا لرد الصفة برد العين وأرش النقص لقيمته قبل الزيادة سواء حصل النقص بها من وجه آخر أم بازالتها وعليه مع ذلك أجرة مثله لدخوله فى ضمانه وان كانت الزيادة التى فعلها الغاصب عينا كبناء وغراس كلف القلع وأرش النقص لخبر ليس لعرق ظالم حق وأعادتها كما كانت وأجرة المثل ان مضت مدة لمثلها

(1)

أجرة ولو خلط الغاصب المغصوب أو اختلط عنده بغيره كبر أبيض بأسمر أو بشعير وكغزل سدى نسجه بلحمته لنفسه وشمل كلامهم خلطه أو اختلاطه باختصاص كتراب بزبل وأمكن التمييز لكله أو بعضه لزمه وان شق عليه ليرده كما أخذه فان تعذر التمييز كخلط زيت بمثله أو شيرج وبر أبيض بمثله ودراهم بمثلها كما اقتضاه اطلاقهم.

وان قال ابن الصباغ وغيره باشتراكهما وما فرق به من أن كل درهم متميز فى نفسه بخلاف الزيت ونحوه منتقض بالحبوب فالمذهب أنه كالتالف فله تغريمه بدله سواء أخلطه بمثله أم بأجود أم بأردأ لانه لما تعذر رده أبدا أشبه التالف فيملكه الغاصب ان كان مما يقبل التملك

(2)

ولو وطئ المغصوب الغاصب عالما بالتحريم ولم يكن أصلا لمالكها حد وأن جهلت لانه زان وان جهل تحريم الزنا مطلقا أو نشأ بعيدا عن العلماء فلا حد للشبهة وفى الحالين أى حالى علمه وجهله يجب المهر لانه استوفى المنفعة وهى غير زانية الا أن تطاوعه عالمة بالتحريم فلا يجب مهر على الصحيح لانها زانية وقد نهى عن مهر البغى وعليها الحد أن علمت بالتحريم كزناها ووط ء المشترى من الغاصب كوطئها الغاصب فى الحد والمهر وأرش البكارة ايضا ان كانت بكرا فان غرم المالك المشترى المهر لم يرجع به المشترى على الغاصب فى الاظهر لانه الذى انتفع وباشر الاتلاف وكذا ارش البكارة لانه بدل جزء منها اتلفه والثانى يرجع أن جهل الغصب لانه لم يدخل فى العقد على ضمانه فيرجع به على البائع لانه غره بالبيع وأن احبل الغاصب أو المشترى منه المغصوبة عالما بالتحريم فالولد رقيق غير نسيب، فلو انفصل حيا فمضمون على الغاصب أو ميتا بجناية فبدله للسيد وعليه اذا انفصل حيا حياة مستقرة قيمته يوم الانفصال والمتهب من الغاصب لا يرجع بالقيمة وهو أصح الوجهين ويرجع بالقيمة المشترى على الغاصب لانه غره بالبيع وغرمها ليس من قضية الشراء بل قضيته أن يسلم له الولد حرا من غير غرامة ولو تلف المغصوب عند المشترى من الغاصب وغرمه لمالكه لم يرجع بما غرمه على الغاصب عالما أو جاهلا وانما يرجع عليه بالثمن وكذا لا يرجع بالارش الذى غرمه لو تعيب عنده بآفة فى الاظهر ولا يرجع عليه بغرم منفعة استوفاها كلبس وركوب

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 180، 181 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 183، 184 الطبعة السابقة.

ص: 365

وسكنى فى الاظهر ويرجع عليه بغرم ما تلف عنده من المنافع ونحوها كثمر وتفاح وكسب من غير استيفاء اذا غرمه المالك مقابلها وبأرش نقض بنائه وغراسه اذا نقض من جهة مالك الارض فى الاصح وكل شئ لو غرمه المشترى رجع به على الغاصب كأجرة المنافع الفائتة تحت يده وقيمة الولد لو غرمه الغاصب ابتداء لم يرجع به على المشترى لان القرار على الغاصب فقط وكل شئ لو غرمه المشترى لم يرجع به على الغاصب كقيمة العين والاجزاء ومنافع استوفاها فيرجع به الغاصب اذا غرمه ابتداء على المشترى لان القرار عليه فقط لتلفه تحت يده

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

‌ثبوت حق المغصوب منه

فى استرداد المغصوب:

ويلزم الغاصب رد المغصوب ان قدر على رده وان غرم عليه أضعاف قيمته اذا كان باقيا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليد ما اخذت حتى ترده ولانه جنى فكان ضرر ذلك عليه فان قال الغاصب خذ منى أجر رده وتسلمه منى هاهنا أو بذل له، أكثر من قيمته ولا يسترده لم يلزم المالك قبول ذلك لانها معاوضة فلا يجبر عليها كالبيع وان قال المالك دعه لى فى مكانه الذى نقلته اليه لم يملك الغاصب رده لانه اسقط عنه حقا فسقط وان لم يقبله كما لو ابرأه من دينه وان قال رده لى الى بعض الطريق لزمه لانه يلزمه جميع المسافة فلزمه بعضها المطلوب وسقط عنه ما اسقطه كما لو اسقط عنه بعض دينه وان طلب منه حمله الى مكان آخر فى غير طريق الرد لم يلزم الغاصب ذلك سواء كان أقرب الى المكان الذى يلزمه رده اليه أولا لانه معاوضة وان قال دعه فى مكانه وأعظنى اجر رده لم يلزمه ذلك ومهما اتفقا عليه من ذلك جاز لان الحق لهما لا يخرج عنهما وان خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه ورده وان بنى عليه لزمه رده الا أن يكون قد بلى واذا غصب الغاصب

(2)

دارا فباعها فبناها المشترى أو نقضها ثم بناها فالحكم لا يختلف لكن للمالك مطالبة من شاء منهما والرجوع عليه فان رجع على الغاصب رجع الغاصب على المشترى بقيمة ما تلف من الاعيان لان المشترى دخل على أنه مضمون عليه بالعوض فاستقر ضمانه عليه وان رجع المالك على المشترى رجع المشترى على الغاصب بنقص التالف ولم يرجع بقيمة ما تلف وهل يرجع كل واحد منهما على صاحبه بالاجر على روايتين وليس له مطالبة المشترى بشئ من الاجر الا بأجر مدة مقامها فى يديه لان يده انما ثبتت عليها حينئذ

(3)

وان غصب عصيرا فصار خمرا فعليه

(1)

نهاية المحتاج ج 5 ص 188، ص 189، ص 190، ص 191 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى ج 5 ص 379 وهامشه ص 380 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى ج 5 ص 384 الطبعة السابقة.

ص: 366

مثل العصير لانه تلف فى يديه فان صار خلا وجب رده وما نقص من قيمة العصير ويسترجع ما أداه من بدله لان الخل عين العصير تغيرت صفته وقد رده فكان له استرجاع ما أداه بدلا عنه كما لو غصبه فغصبه منه غاصب ثم رده عليه

(1)

وان ضمن المالك المودع أو المتهب رجعا بهما على الغاصب وان ضمن المالك الغاصب رجع الغاصب على الاخر بما لم يرجع به القابض عليه لو ضمنه ويسترد المشترى والمستأجر من الغاصب ما دفعا اليه من المسمى فى البيع والاجارة بكل حال وان ولدت المغصوبة من مشتر أو متهب فالولد حر ويفديه بقيمته يوم وضعه ويرجع بالغداء على الغاصب وان تلفت عند مشتر فعليه قيمتها ولا يرجع بها ولا بأرش بكارة على غاصب بل يرجع المشترى الجاهل بالحال على الغاصب بثمن ومهر وأجرة نفع وثمرة وكسب قن وقيمة ولد

(2)

.

وان كان المغصوب دابه ضمن ما نقص من قيمتها ولو بتلف احدى عينيها.

وان نقصت قيمة العين المغصوبة بتغير السعر لم يضمن سواء ردت العين أو تلفت.

وان نقصت لمرض ثم عادت القيمة ببرئه أو ابيضت عينه ثم زال بياضها ونحوه رده الغاصب ولم يلزمه شئ لان القيمة لم تنقص فلم يلزمه شئ.

وان استرده المالك معيبا مع الارش ثم زال العيب فى يد مالك المغصوب لم يجب على مالكه رد الارش لاستقرار الارش بأخذ العين ناقصة عن حال غصبها نقصا أثر فى قيمته

(3)

وان كان الغاصب زرع الارض المغصوبة فاسترجعها ربها والزرع قائم كان الزرع لصاحب الارض وعليه النفقة وان استحقت بعد أخذ الغاصب الزرع فعليه أجرة الارض

(4)

، وان غصب ارضا فغرسها فاثمرت فاسترجعها ربها بعد أخذ الغاصب ثمرتها فهى له وان استرجعها والثمرة فيها فكذلك لانها ثمرة شجرة فكانت له كما لو كانت فى أرضه ولانها نماء أصل محكوم به للغاصب فكان له كاغصانها وورقها ولبن الشاه وولدها وقال القاضى هى لمالك الارض ان استرجعها فى الغراس لان احمد قال فى رواية على بن سعيد اذا غصب ارضا فغرسها فالنماء لمالك الارض قال القاضى وعليه من النفقة ما انفقه الغارس من مؤن الثمرة لان الثمرة فى معنى الزرع فكان لصاحب الارض

(5)

اذا استرجعه قائما فيها كالزرع وان غصب لوحا فرقع به سفينة

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 418 الطبعة السابقة.

(2)

الاقناع ج 2 ص 348 وكشاف القناع ج 2 ص 354، 355 الطبعة السابقة.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 349 الطبعة السابقة.

(4)

المغنى ج 5 ص 392 الطبعة السابقة.

(5)

المغنى ج 5 ص 394، 395 الطبعة السابقة.

ص: 367

لم يقلع حتى ترسى اذا كانت السفينة يخلف غرقها بقلع اللوح لم يقلع حتى تخرج الى الساحل. وان كان فى اعلاها لا تغرق بقلع لزمه قلعه ولصاحب اللوح طلب قيمته فاذا أمكن رد اللوح استرجعه ورد القيمة كما لو غصب عبدا فأبق وقال أبو الخطاب ان كان فيها حيوان له حرمة أو مال لغير الغاصب لم يقلع كالخيط وان كان فيها مال للغاصب أو لا مال فيها فكذلك فى أحد الوجهين والوجه الثانى يقلع فى الحال لانه أمكن رد المغصوب فلزمه وان أفضى الى تلف مال الغاصب كرد الساجة المبنى عليها

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

‌حق المغصوب منه فى استرداد المغصوب:

من أخذ شيئا من مال غيره فسواء كان عمدا أو غير عمد فصاحبه أحق به بعينه ان كان قائما أو ضمان مثله ان كان قد تلف عينه أو لم يقدر عليه فلا يحل لأحد مال مسلم ولا مال ذمى إلا بما أباح الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فى القرآن أو السنة

(2)

ويضمن الغاصب كل ما مات من الولد والنتاج وما تلف من الغلة ويضمن الزيادة فى الجسم والقيمة لان كل ذلك مال المغصوب منه لان الغاصب معتد بامساكه مال غيره وللمغصوب منه أن يعتدى عليه بمثل ما اعتدى لقول الله تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}

(3)

. وحق المجنى عليه فى عين ماله فما دامت العين موجودة فلا حق له فى غير ذلك فان عدم قضى له بالمثل فان عدم المثل فكل ما قاومه وساواه فهو أيضا مثل له

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

للمالك الرجوع بالعين المغصوبة والاجرة ان كان لها أجرة على كل ممن قبض تلك العين فيجب رد العين

(5)

المغصوبة ولو نقد ما لم تستهلك ولا يجزى الغاصب دفع القيمة عوضا عنه ولا العوض الا مع الرضى وتكون معاطاة ما لم يعقدا فان استهلكت حسا وجب العوض ويجب على الغاصب أن يستفدى المغصوب متى خرج عن يده بوجه من الوجوه بشرطين أحدهما أن يكون المغصوب غير النقدين وهما الدراهم والدنانير فان كان نقدا لم يلزم استفداؤه بل يرد مثله ولو وقفا، وأما الفلوس فكسائر القيميات يجب على الغاصب استفداؤها وكذا المثلى.

الشرط الثانى، أن يمكنه استفداؤه بما لا يجحف بماله فان استفداه المالك رجع

(1)

المغنى ج 5 ص 392 وهامشه الطبعة السابقة.

(2)

المحلى ج 8 ص 134 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 8 ص 139 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 8 ص 142 الطبعة السابقة.

(5)

التاج المذهب ج 3 ص 361.

ص: 368

بما دفع على الغاصب لانه غرم لحقه بسببه وأما الاوراق من السجلات ونحوها اذا غصبها غاصب فيرجع بما يستفدى مثلها بمثله لا بما زاد على ذلك واذا صارت

(1)

العين المغصوبة الى يد رجل لم يعلم أنها غصب فغرم فيها غرامة وطلبها مالكها فقبضها بعد التثبيت بأنه يستحقها كان لهذا المغرور الذى صارت الى يده أن يغرم الغار له غراماته وهو الذى أعطاه اياها من دون أن يعلمه أنها غصب ولو كان الذى أعطاه اياها جاهلا بأن يكون مغرورا أيضا فانه يسقط الرجوع عليه بالغرامات بل يسلمها وحكى عن بعضهم أنه لا رجوع على الجاهل نعم فيغرم الغار للمشترى كلما غرم فيها أى فى تلك العين أو بنى عليها ويرجع هو على الذى غره بها ثم كذلك حتى ينتهى الرجوع الى الذى سلمها وهو عالم بغصبها وظاهر كلام الهادى ان كل مغرور يرجع وأنه لا فرق بين أن يصير الشئ المغصوب الى المغرور بعوض أولا لان احسانه بطل بالتغرير وقال البعض اذا صارت اليه بغير عوض لم يرجع لان الواهب محسن وما على المحسنين من سبيل الا أن المغرور لا يغرم الغار ما كان قد اعتاض منه نحو أن يشترى جارية مغصوبة وهو جاهل لغصبها فيطأها فيطلبها المالك ويطلب مهرها فانه يلزمه تسليمها ويسلم مهرها ولا يرجع بالمهر على البائع لانه قد استوفى بدله وهو الوط ء وكذلك لو كانت دارا فسكنها أو دابة فركبها أو ثوبا فلبسه فأن الحكم واحد فى ذلك وأما اذا لم يلبس ولم يسكن ولم يركب فان الاجرة تلزمه لمالكها ويرجع بها على من غره والقرار فى ضمان العين المغصوبة اذ تنوسخت على الآخر منهم قبضا وان كان كل واحد من القابضين مطالبا ومعنى كون قرار الضمان عليه انه اذا طالبه المالك غرم ولم يرجع على أحد بما غرم واذا طالب المالك غيره رجع عليه ذلك الغير بما دفع وانما يكون قرار الضمان عليه ان علم أن تلك العين مغصوبة فحينئذ يستقر عليه الضمان مطلقا أى سواء أتلفها أو تلفت عنده من غير جناية أو جنى عليها ولم يكن عالما بأنها غصب فانه يكون قرار الضمان عليه سواء كان عالما أم جاهلا غالبا احتراز من صورة فانه يجنى ولا يكون القرار عليه وذلك نحو الخياط اذا استؤجر على تقطيع ثوب مغصوب وهو لا يعلم فقطعه قميصا أو نحوه فنقص بهذا التقطيع فان الخياط يغرم أرش ذلك النقص ويرجع به على الذى أمره وان كان هو الجانى واذا أبرأ المالك آخر الغاصبين فانهم جميعا يبرؤن ببرائه الا اذا ابرأ غيره من الاولين فانه لا يبرأ الباقون ببرائة بل يبرأ هو وحده وللمالك مطالبة الباقين هذا الذى يقتضيه مذهب يحيى وقال المؤيد بالله فى أحد قوليه بل الصورتان سواء فى أنهم يبرؤن جميعا، واذا صالح غير من قرار الضمان عليه

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 348 الطبعة السابقة.

ص: 369

المالك وهو غير الغاصب الاخير فالصلح اما بمعنى الابراء أو بمعنى البيع فمعنى الابراء وهو أن تكون العين المغصوبة قد تلفت وصار الواجب للمالك القيمة فصالحه بعض غير من قر الضمان عليه ليدفع بعض القيمة عن جميعها فان المصالح يرجع عليهم بقدر ما دفع للمالك وللمؤيد بالله قولان أحدهما أنه ينزل بمنزلة المالك فله أن يطالب من قبله ومن بعده.

والثانى لا يطالب الامن قرار الضمان عليه وفى أحد قولى المؤيد بالله يبرؤن جميعا واذا كانت المصالحة التى وقعت من أحد الغاصبين بمعنى البيع نحو أن تكون العين باقية فيصالحه عنها بشئ يدفعه له أو تكون قد تلفت فيصالحه عن قيمتها بغير النقدين فانه هنا يملك تلك العين أن كانت باقية أو عوضها ان كانت تالفة فيرجع بالعين على آخر الغاصبين ان بقيت والا فالواجب له البدل فيرجع بمثلها ان كانت من المثليات وقيمتها ان كانت من القيميات وفيه قولان هل يرجع على من شاء أو على من قرار الضمان عليه وهكذا لو اتهب تلك العين أو ملكها بأى وجوه

(1)

التمليك ولو غير الغاصب العين المغصوبة مع أكثر منافعها الى غرض يتعلق بها فى الغالب فاذا كان التغيير الى غرض مقصود خير المالك بينها أى بين أخذ العين وبين القيمة فان شاء أخذها ولا أرش يستحقه وان شاء أخذ قيمتها سليمة يوم الغصب ما لم تكن العين وقفا فليس له أن يختار القيمة بل يختارها بعينها مع أرشها الا أن يكون ذلك التغيير فى شئ يمكنه تقويمه على انفراد، وان غير العين المغصوبة الى غير غرض كتمزيق الثوب ضمن الغاصب أرش النقصان اليسير وهو النصف فما دون ولا خيار للمالك بل يأخذ العين وأرشها وخير المالك فى النقصان الكثير وهو ما زاد على النصف بين أخذ قيمتها صحيحة وبين أخذ عينها مع الارش

(2)

وان تصرف الغاصب فى الغصب سواء كان باجارة أو نحوها من العقود التى تلحقها الاجازة فموقوف على اجازة المالك اذ الغاصب فضولى فان أجاز لفظا أو أجرى منه ما هو بمعنى الاجازة كالمطالبة بالاجرة مع علمه بالتأجير صحت الاجازة واستحق المسمى وأما اذا لم يجز المالك بقى العقد موقوفا حتى يرد أو يفسخ واستحق المالك أجرة المثل يطالب بها من شاء من الغاصب أو المستأجر فان طالب الغاصب بأجرة المثل وقد أجره بأقل لزم الغاصب أن يوفى الى قدر أجرة المثل وان أجر بأكثر لزمه دفع أجرة المثل والزائد عليها لا يستحقها الغاصب لعدم ملكه للاصل وان طالب المالك المستأجر فان كانت الاجرة المسماه مثل أجرة المثل سلمها للمالك وان كانت أكثر لم يلزم ان يسلم الا أجرة المثل وان كان المسمى أقل من أجرة المثل لزم المستأجر توفية المسمى الى قدر أجرة المثل ولا

(1)

شرح الازهار ج 3 من ص 542 إلى ص 546 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب ج 3 ص 352 وص 353 الطبعة السابقة.

ص: 370

يرجع على الغاصب بما وفى من ذلك ان كان قد علم أن العين غصب انتفع بها فان لم يعلم بالغصب ولا انتفع رجع على الغاصب لانه غرم لزمه

(1)

بسببه ويجوز للمالك ونحوه كالولى والوكيل قلع الزرع من أرضه ونحوه من غرس ولو كره الغاصب وله عليه أجرته أى أجرة ما عمل لذلك القلع ان كان لمثله أجرة ونوى الرجوع عليه ولكن لا يجوز له أن يفسد زرع الغاصب فى وقت لا يكون لبقائه أجرة فى ذلك الوقت ان تمكن من قلعه بدونه أى من غير افساد فان لم يمكن القلع أو كان لبقاء مثله مدة القلع أجرة جاز افساده ولو ليلا فان أفسد وهو متمكن من الازالة من دون افساد أولا يكون لبقائه أجرة ضمن ما بين قيمة الغرس مقلوعا صالحا للغرس فى محل آخر وقيمته فاسدا فان لم يكن له قيمة بعد القلع ضمن قيمته مقلوعا صالحا للغرس وللمالك الرجوع بالعين المغصوبة وأرش نقصانها والاجرة لمدة بقائها عند الغاصب ان كان لها أجرة وان لم يؤجر على كل حال فمن كان قد قبض تلك العين المغصوبة لا باذن الشارع فان كان باذن الشارع كالضالة واللقيطة فلا يضمن الاجرة ويبرأ بالرد الى الموضع المعتاد واذا صارت العين المغصوبة الى يد رجل جهل كونها غصبا فغرم فيها غرامة بأن علفها أو صبغها أو بنى عليها جدارا ثم قبضها مالكها بعد الحكم له بها كان لهذا المغرور الذى صارت الى يده أن يغرم الغار له غراماته فى الصبغ والعلف وأما الاحجار فهى باقية على ملكه فلا يرجع بذلك لانها لم تستهلك ويرجع أيضا على غار الغار حيث تعذر تغريم الغار لتمرده أو غيبته ولو كان الذى أعطاه اياها جاهلا انها غصب كان يكون مغرورا أيضا فانه لا يسقط الرجوع عليه بالغرامات بل يسلم للمشترى كل ما غرم فيها أى فى تلك العين أو بنى عليها ويرجع هو على الذى غره بها سواء كان بعوض أم لا لان احسانه بطل بالتغرير ثم كذلك حتى ينتهى الرجوع الى الذى غصبها عالما أم جاهلا الا أن يكون الاول مشفوعا منه وسلم بالحكم لم يرجع عليه اذ لم يغر الشفيع الا أن المغرور لا يغرم الغار ما كان قد اعتاض منه كما لو سكن الدار أو زرع الارض وركب على الدابة ثم سلم الاجرة فلا يرجع بها على البائع لاستيفائه عوضها وما لم يقتص به رجع على الغار أو ضمن له ضمان الدرك رجع به على البائع ولو مع العلم والغرار فى ضمان العين المغصوبة اذا تنوسخت على الآخر منهم قبضا وان كان كل واحد من القابضين مطالبا ومعنى كون قرار الضمان عليه أنه اذا طالبه المالك غرم ولم يرجع على أحد بما غرم واذا طالب المالك غيره رجع عليه ذلك الغير بما دفع

(2)

وانما يجب مثل المثل اذ وجد مثله فى البريد وصح للغاصب تملكه يوم الغصب وان لم يصح للغاصب تملكه نحو

(1)

التاج المذهب ج 3 ص 356، 357 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب ج 3 من ص 361 الى ص 363.

ص: 371

أن يغصب المسلم خمرا أو خنزيرا على ذمى فان كان باقيا وجب رده بعينه ولو مباشرة لا تخلية لانهم مقرون عليه وان كان تالفا فقيمته تجب عليه يوم الغصب ويشترط فى ضمان المثل بمثله اذا استمر مثليا الى وقت الاستهلاك وكان مثليا عند الغاصب والمغصوب منه ولم يصر بعد الغصب أو مع أحدهما قيميا وان لا يكن كذلك بل غصبه وهو مثلى ثم صار قيميا قبل الاستهلاك أو كان فى يد الغاصب قيميا ومع المغصوب منه مثليا أو والعكس احتار المالك فى هاتين الصورتين ان شاء طلب المثل أو القيمة حيث هو قيمى عند الاخذ أو عند مصيره قيميا حيث هو عند الاخذ مثلى وصورة ذلك فى العنب لانه يوزن فى جهة ولا يوزن فى أخرى ونحو أن يغصبه عنبا ويتلفه زبيبا أو السنابل ويتلفها حبا أو الحب ويتلفه مبلولا أو مدفونا فحصل من هذا أنه لا يتعين رد المثل الا بشروط ثلاثة.

أحدهما أو يوجد فى البريد.

الثانى أن يصح للغاصب تملكه.

الثالث أن لا يصير فى موضع أحدهما قيميا أما اذا كان التالف قيميا بالواجب فى التالف القيمى قيمته يوم الغصب وان تلف مع زيادة غير مضمونة فلا يلزم الغاصب الا قيمة العين يوم الغصب لا لتلك الزيادة أما فى الزيادة المضمونة فيخير المالك بين تضمين الغاصب قيمته يوم تجدد الغصب فى الزيادة مكانه وبين أن يضمنه قيمة التالف يوم التلف ومكانه واذا اختار أحدهما برئ الغاصب من الثالنى ويتعين الاخير وهو التقويم يوم التلف ومكانه لغير الغاصب وهو حيث كان المستهلك جانيا غير غاصب نحو أن يتلفها قبل أن ينقلها فانه لا يلزمه الا قيمتها فى موضع اتلافها

(1)

ولو طلب المالك العين المغصوبة فى مجلس غير موضع الغصب وجب على الغاصب تسليمها فى المجلس الذى وقع فيه الطلب ان كانت العين موجودة فيه أى فى مجلس الطلب فان لم تكن فيه لم يجب والقول للغاصب فى مجلس الطلب واذا كانت العين المغصوبة فى جدار للغاصب لزمه هدمه وكذلك اذا كان فى زجاجة له ولم يمكن استخراجها الا بكسرها أو ابتلعتها بهيمة له أو بغيره يجوز ذبحها وجب شراؤها بما لا يحجف ان أمكن ووجب أيضا أن يهدم وان يكسر ويذبح للرد ما هى فيه حيث له ذلك يعنى حيث له أن يهدم ويكسر ويذبح فأما لو لم يجز الهدم نحو أن يركب لوحا مغصوبا على سفينة أو خشبة مغصوبة فى بيت وفى السفينة أو البيت نفوس محترمة ولم يمكنهم الخروج أو مال لغير الغاصب يخشى تلفه بنزع اللوح أو الخشبة ولو لم يجحف أو مال له بجحف به اذا تلف فانه لا يهدم حينئذ، وكذا فى الكسر والذبح فأما غير المأكول اذا ابتلع الجوهرة المغصوبة فانه لا يجوز له ذبحه وكذا اذا كان خيط جرحه بخيط مغصوب ونزعه يضره وهو محترم الدم فانه لا يجوز نزعه بل يلزم العوض فاذا تعذر الرد لزم القيمة.

(1)

المرجع السابق ج 3 من ص 366 إلى ص 368.

ص: 372

‌حكم استرداد الغاصب

ما أنفقه على المغصوب

جاء فى شرح الازهار أن من غصب عينا وغرم فيها غرامات نحو أن تكون دابة فعلفها لا يرجع بما غرم فيها

(1)

، واذا كان الغاصب قد زاد فى العين المغصوبة زيادة كان له فصل ما ينفصل بغير ضرر وان لا تنفصل تلك الزيادة الا بمضره تلحق العين خير المالك بين أن تقلع الحلية ويأخذ أرش الضرر أو يدفع قيمة الحلية للغاصب

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

‌حكم استرداد المغصوب

اذا تعدد الغاصب

الايدى المتعاقبة على المغصوب أيدى ضمان فيتخير المالك فى تضمين من شاء منهم العين والمنفعة أو تضمين الجميع بدلا واحدا بالتقسيط وان لم يكن متساويا لان جواز الرجوع على كل واحد بالجميع يستلزم جواز الرجوع بالبعض وله تقسيط ما يرجع به على أزيد من واحد وترك الباقية ويرجع الجاهل منهم بالغصب اذا رجع عليه على من غره فسلطه على العين أو المنفعة ولم يعلمه بالحال وهكذا الآخر الى أن يستقر الضمان على الغاصب العالم وان لم تتلف العين فى يده أو يستقر الضمان على من تلفت العين فى يده فيرجع عليه لو رجع عليه دونه كذا يستقر ضمان المنفعة على من استوفاها عالما

(3)

.

‌حكم استرداد المغصوب:

يحق للمغصوب منه أن يطالب الغاصب برد المغصوب فان امتنع الغاصب من أدائه كان له أن يحبس غريمه والزامه بحقه

(4)

لانه يجب رد المغصوب على مالكه وجوبا فوريا اجماعا ولقول النبى صلى الله علية وسلم على اليد ما أخذت حتى تؤدى ما دامت العين باقية يمكنها ردها سواء كانت علي هيئتها يوم غصبها أم زائدة أم ناقصة ولو أدى رده الى عسر وذهاب مال الغاصب كالخشبة فى بنائه واللوح فى سفينته لان البناء على المغصوب لا حرمة له وكذا مال الغاصب فى السفينة حيث يخشى تلفه أو غرق السفينة على الاقوى نعم لو خيف غرقه أو غرق حيوان محترم أو مال لغيره لم ينتزع الى أن يصل الساحل فان تعذر رد العين لتلف ونحوه ضمنه الغاصب بالمثل ان كان المغصوب مثليا وهو المتساوى الاجزاء والمنفعة المتقاربة الصفات كالحنطة والشعير وغيرهما من الحبوب والادهان وإلا يكن مثليا فالقيمة العليا من حين الغصب الى حين التلف لان كل حالة زائدة من حالاته فى ذلك الوقت مضمونه كما يرشد اليه أنه لو تلف حينئذ ضمنها فكذا اذا تلف

(1)

شرح الأزهار ج 3 ص 534.

(2)

التاج المذهب ج 3 ص 355.

(3)

الروضة البهية ج 1 ص 231.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 231، ص 232

ص: 373

بعدها وقيل أنه يضمن الا على من حين الغصب إلى حين الرد أى رد الواجب وهو القيمة وهذا القول مبنى على أن القيمى يضمن بمثله كالمثلى وإنما ينتقل إلى القيمة عند دفعها لتعذر المثل فيجب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة لأن الزائد فى كل آن سابق من حين الغصب مضمون تحت يده ولهذا لو دفع العين حالة الزيادة كانت للمالك فاذا تلفت فى يده ضمنها وعلى القول المشهور من ضمان القيمى بقيمته ابتداء ولا وجه لهذا القول وقيل إنما يضمن بالقيمة يوم التلف لا غير لأن الواجب زمن بقائها أنما هو رد العين والغاصب يخاطب بردها حينئذ زائدة كانت أم ناقصة من غير ضمان شئ من النقص إجماعا فإذا تلفت وجبت قيمة العين وقت التلف لانتقال الحق إليها حينئذ لتعذر البدل ونقل المحقق فى الشرائع عن الأكثر أن المعتبر القيمة يوم الغصب بناء على أنه أول وقت ضمان العين ويضعف بأن ضمانها حينئذ انما يراد به كونها لو تلفت لوجب بدلها لا وجوب قيمتها اذ الواجب مع وجود العين منحصر فى ردها.

‌حكم استرداد المغصوب اذا عيب:

اذا تعيب المغصوب ولم تذهب عينه ضمن أرشه اجماعا لانه عوض عن أجزاء ناقصة أو أوصاف وكلاهما مضمون سواء كان النقص من الغاصب أم من غيره ولو من قبل الله تعالى ولو كان العيب غير مستقر بل يزيد على التدريج فان لم يمكن قطعه أو التصرف فيه فعلى الغاصب ضمان ما يتجدد أيضا وان أمكن ففى زوال الضمان وجهان من استناده الى الغاصب وتفريط المالك واستقرب صاحب اللمعة عدم الضمان ويضمن أيضا أجرته ان كان له أجرة لطول المدة التى غصبه فيها سواء استعمله أولا لان منافعه أموال تحت اليد فتضمن بالفوات والتفويت ولو تعددت المنافع فان أمكن فعلها جملة أو فعل أكثر من واحدة وجب رد أجرة ما أمكن والا كالخياطة والكتابة فأعلاها أجرة ولو كانت الواحدة أعلى منفردة عن منافع متعددة يمكن جمعها ضمن الاعلى وغيره ولو جنى على العبد المغصوب جان غير الغاصب فعلى الجانى أرش الجناية وعلى الغاصب ما زاد عن أرشها من النقص ان اتفق زيادة فان كانت الزيادة مما له مقدر كقطع يده الموجب لنصف قيمته شرعا فنقص بسببه ثلثا قيمته فعلى الجانى النصف وعلى الغاصب السدس الزائد من النقص ولو لم يحصل زيادة فلا شئ على الغاصب بل يستقر الضمان على الجانى ولو مثل الغاصب بالعبد انعتق لقول الصادق عليه السلام كل عبد مثل به فهو حر وغرم قيمته للمالك ولو غصب ما ينقصه التفريق مثل الخفين أو المصراعين أو الكتاب سفرين فتلف أحدهما قبل الرد ضمن قيمته أى قيمة التالف مجتمعا مع الآخر ونقص الآخر فلو كان قيمة الجميع عشرة وقيمة كل واحد مجتمعا خمسة ومنفردا ثلاثة ضمن سبعة لان النقصان الحاصل فى يده مستند الى تلف عين مضمونة عليه

ص: 374

وما نقص من قيمة الباقى فى مقابلة الاجتماع فهو بفوات صفة الاجتماع فى يده أما لو لم تثبت يده على الباقى بل غصب أحدهما ثم تلف فى يده أو أتلفه ابتداء ففى ضمان قيمة التالف مجتمعا أو منفردا أو منضما الى نقص الباقى كالاول أوجه، أجودها الاخير لاستناد الزائد الى فقد صفة وهى كونه مجتمعا حصل الفقد منه ولو زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب فلا شئ عليه لعدم النقصان ولا له لان الزيادة حصلت فى مال غيره الا أن تكون الزيادة عينا من مال الغاصب كالصبغ فله قلعه لانه مال ان قبل الفصل ولو بنقص قيمة الثوب جمعا بين الحقين ونقص الثوب ينجبر بأن الغاصب يضمن أرش الثوب ولا يرد ان قلعه يستلزم التصرف فى مال الغير بغير اذن وهو ممتنع بخلاف تصرف مالك الثوب فى الصبغ لانه وقع عدوانا لان وقوعه عدوانا لا يقتضى اسقاط ماليته فان ذلك عدوان آخر بل غايته ان ينزع ولا يلتفت الى نقص قيمته أو اضمحلاله للعدوان بوضعه ولو غصب شاة فأطعمها المالك جاهلا بكونها شاته ضمنها الغاصب له لضعف المباشرة بالغرور فيرجع على السبب وتسليطه المالك على ماله وصيرورته بيده على هذا الوجه لا يوجب البراءة لان التسليم غير تام فان التسليم التام تسليمه على أنه ملكه يتصرف كتصرف الملاك وهنا ليس كذلك بل اعتقد أنه للغاصب وانه أباحه اتلافه بالضيافة وقد يتصرف بعض الناس فيها بما لا يتصرفون فى أموالهم كما لا يخفى وكذا الحكم فى غير الشاة من الاطعمة والاعيان المنتفع بها كاللباس ولو أطعمها غير صاحبها فى حالة كون الآكل جاهلا ضمن المالك قيمتها من شاء من الآكل والغاصب لترتب الايدى كما سلف والقرار أى قرار الضمان على الغاصب لغروره للآكل باباحته الطعام مجانا مع أن يده ظاهرة فى الملك وقد ظهر

(1)

خلافه ولو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج فى يده بغير اختياره كلف قسمته بتمييزه ان أمكن التمييز وان شق كما لو خلط الحنطة بالشعير أو الحمراء بالصفراء لوجوب رد العين حيث يمكن ولو لم يمكن التمييز كما لو خلط الزيت بمثله أو الحنطة بمثلها وصفا ضمن المثل أن مزجه بالاردأ لتعزر رد العين كاملة لان المزج فى حكم الاستهلاك من حيث اختلاط كل جزء من مال المالك بجزء من مال الغاصب وهو أدون من الحق فلا يجب قبوله بل ينتقل الى المثل وهذا مبنى على الغالب من عدم رضاه بالشركة أو قول فى المسألة والاقوى تخييره بين المثل أو الشركة مع الارش لان حقه فى العين لم يسقط لبقائها كما لو مزجها بالاجود والنقص بالخلط يمكن جبره بالارش والا يمزجه بالاردأ بل بالمساوى أو الاجود كان شريكا بمقدار عين ماله لا قيمته لان الزيادة الحاصلة صفة حصلت بفعل الغاصب عدوانا فلا يسقط حق المالك مع بقاء عين ماله كما لو صاغ الذهب والفضة وعلف الدابة فسمنت وقيل يسقط حقه من العين للاستهلاك فيتخير الغاصب بين الدفع من العين لانه متطوع بالزيادة ودفع

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 232، ص 233

ص: 375

المثل والاقوى الاول ومؤنة القسمة على الغاصب لوقوع الشركة بفعله تعديا هذا كله اذا مزجه بجنسه فلو مزجه بغيره كالزيت بالشيرج فهو اتلاف لبطلان فائدته وخاصيته وقيل تثبت الشركة هنا أيضا كما لو مزجاه بالتراضى أو مزجا بأنفسهما لوجود العين ويشكل بأن جبر المالك على أخذه بالارش أو بدونه الزام بغير الجنس فى المثلى وهو خلاف القاعدة وجبر الغاصب اثبات لغير المثل عليه بغير رضاه فالعدول الى المثل أجود ووجود العين غير متميزة من غير جنسها كالتالفة ولو زرع الغاصب الحب فنبت أو أحضن البيض فأفرخ فالزرع والفرخ للمالك على أصح القولين لانه عين مال المالك وان كان بفعل الغاصب وللشيخ قول بأنه للغاصب تنزيلا لذلك منزلة الاتلاف ولان النماء بفعل الغاصب وضعفها ظاهر ولو نقله الغاصب الى غير بلد المالك وجب عليه نقله الى بلد المالك ومؤنة نقله وان استوعبت أضعاف قيمته لانه متعد بنقله فيجب عليه الرد مطلقا ولا يجب اجابة المالك الى أجرة الرد مع ابقائه فيما انتقل اليه لان حقه الرد دون الاجرة ولو رضى المالك بذلك المكان الذى نقله اليه لم يجب الرد على الغاصب لاسقاط المالك حقه منه فلو رده حينئذ كان له الزامه برده اليه

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

‌حكم استرداد المغصوب اذا بنى مسجدا:

اذا اغتصب شخص من آخر أرضا وبنى فيها مسجدا قيل أن لرب الارض أن يهدم المسجد وينتفع بها وقيل يرجع على المعتدى بقيمتها ولا يهدمه

(2)

.

‌حكم استرداد المغصوب:

ان أدخل غاصب ما غصب بيته هجم عليه ربه أو من قام مقامه ودخل البيت ولو كان فيه غير الغاصب من عيال الغاصب أو غيرهم أن خاف أن يهرب أو يفوته أو يخفيه ان استأذن فيدخل لاخذ حقه

(3)

ويحق لمن غصب منه ثوب أن ينزعه من غاصبه ان قدر عليه ولو ترتب على النزع أن يتركه عريانا وكذا اذا غصب زقا أو خابية يأخذه منه ربه وان كان باهراق ما فيه ولا يلزمه أن ينتظر ليأتى بما يفرغ فيه ولو من قريب وكذا اذا غصب دابة أو سفينة كذلك فحمل عليها فلصاحبها القاء ما فيها فى موضعه وهو البر أو البحر وكذا كل غصب فان باع الغاصب الثوب أو الزق أو الخابية لاحد على وجه أبيح له بأن لم يعلم المشترى أن هذا الشئ مغصوب لم ينزعه منه صاحبه قبل أن يجد لباسا أو وعاء وكذا اذا وهبه

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 234، ص 235

(2)

شرح النيل ج 2 ص 721.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 813.

ص: 376

الغاصب أو أصدقه أو أعاره أو أكراه بحيث لا يعلم من أخذه أنه مغصوب أو لم يؤذن له فيه

(1)

.

‌حكم استرداد الغاصب

ما أنفق على المغصوب

ومن غصب حيوانا أو غيره من العروض وصرف فيه مالا أو عناء وأنفق عليه حتى زادت قيمته فليس له عناؤه ولا نماؤه من زيادة وغله عند الاكثر وهو الصحيح لعموم قول النبى صلى الله عليه وسلم (لا عناء لعرق ظالم) فى الاصول والعروض فليس له الا ما جعل فيه من ماله وكان قائما غير مستهلك فيه فان لم يمكن نزعه الا بفساد فقيل ذلك استهلاك ولا شئ له وقيل له مثله أو قيمته خلافا للربيع فانه أشركه مع المغصوب منه بقدر ما أنفق فى قيمته فيقوم على حاله قبل الغصب وعلى حاله بعده فيعطى ما زاد بعده بانفاقه ويغرم الغاصب ما استغل من المغصوب أو مثل ما استغل

(2)

اذا أمكن المثل وفى كتاب جوهر النظام ومثله ما نقله صاحب شرح النيل عن الديوان من غصب أرضا وحرثها ولم يستردها صاحبها حتى أدرك الزرع فقيل يحصده صاحبها ويترك للمعتدى قدر بذره وقيل يحصده كله وقيل يحصده المعتدى ولصاحبها نقصانها وقيل هو للفقراء كله وعلى المعتدى نقصانها لصاحبها وان تغير المغصوب بأمر سماوى فربه يخير بين أخذه بنقصه وبين أخذ القيمة وان تغير بتعدية أخذه، أخذه وقيمة النقص أو أخذ القيمة

(3)

.

والغلة المتولدة ثلاث.

غلة متولدة عن المغصوب على خلقته كالولد وهذه ترد بلا خلاف.

والغلة الثانية غلة متولدة على غير خلقته كاللبن والصوف والتمر فقيل ذلك للغاصب ولا حق فيه للمغصوب لحديث:

الخراج بالضمان والخراج الغلة والاصح أنه يردها ان قامت وقيمتها ان ادعى تلفها وهو الصحيح لان حديث الخراج بالضمان فى غير الغصب وان تلف المغصوب فله القيمة ولا شئ له فى الغلة أو الغلة ولا شئ له فى القيمة والصحيح أنهما له.

والغلة الثالثة غلة متولدة عن الشئ كالكراء فقيل يردها وقيل لا يردها وقيل يرد ان أن أكرى أو انتفع لا أن عطل وهو الصحيح وما اغتل بتصرف وتفويت وتحويل عين كالتجر بالدنانير وزرع الطعام فلرب الشئ أو للفقراء أو له أقوال واذا زاد المغصوب بأمر الله تعالى كسمن وكبر وصحة فيأخذه ربه كما وجده وكذا النقص وان زاد بسبب الغاصب فان أنفق وأمكن ازالة ما أنفق أزاله كبناء وزرع وغرس وان لم يمكن خير صاحبه بين القيمة وأخذه مع اعطاء الغاصب ما أنفق كصبغ وان لم ينفق كنجر خشبة فان تغير الاسم بذلك كجعلها ألواحا

(1)

شرح النيل ج 6 ص 83، ص 84.

(2)

المرجع السابق ج 7 ص 61، ص 62.

(3)

جوهر النظام ص 401 وشرح النيل ج 7 ص 62.

ص: 377

وجعل الجلد أخفافا فالقيمة وان لم يتغير كخياطة ثوب أخذه ولا شئ للغاصب وما أفسده الغاصب فى مال وحضر عينه فتبين ما أنقصه الفساد وعرفت قيمته يوم الغصب بتقويم العدول أو غاب المال المغصوب واتفق الغاصب مع المغصوب منه على الصفة فليس له عليه غير القيمة أو الصفة فاذا اتفقا على الصفة فله المثل أو قيمته وكذا ان تراضيا على قيمة فله القيمة وان لم يتفقا على الصفة ولا على القيمة أو خفيت قيمته فى زمان الغصب أخذ المغصوب منه من الغاصب ما وجده وحلف الغاصب ما بقى عليه حق وما يكال أو يوزن أو يمسح أو يعد ولا تفاوت فيه يدرك عليه كيله أو وزنه ولا يراعى قيمته رفعا وخفضا ولا تبعة على من غصب منه الشئ ان غلا يوم الرد وفى بعض الآثار كل ما يكال أو يوزن فعليه مثله فى الموضع الذى استهلكه فيه هذا اذا كان يوجد له مثل فان لم يوجد ولكن عرف مثله قيل يصبر الى أوانه ويأخذ مثله وقيل يخير بين الصبر وبين القيمة

(1)

وان استهلك مالا يغنى عن زوجه كأحد الخفين فقيمة الجميع واذا تعذر على المغصوب منه أخذ حقه فله أن يطلب ذلك من الحاكم وعلى الحاكم أن ظهر الغصب بالبينة أو بالاقرار أن يسترد الحق من الغاصب للمغصوب منه.

(1)

شرح النيل ج 7 من ص 62 الى ص 65.

ص: 378

روعى فى ترتيب الأعلام ان تكون مجردة عن ابن وأب وأم وال التعريف.

وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.

ص: 380

بسم الله الرحمن الرحيم الاعلام

‌حرف الألف:

‌الآمدى:

أنظر ج 1 ص 247

‌ابراهيم:

أنظر ج 4 ص 359

‌الاتقانى:

أنظر ج 1 ص 247

‌الأثرم:

أنظر ج 1 ص 247

‌امام الحرمين:

أنظر ج 1 ص 249

‌الامام أحمد:

أنظر ابن حنبل ج 1 ص 255

‌الشيخ أحمد الزرقانى:

أنظر الزرقانى ج 5 ص 370

‌ابن ادريس:

أنظر ج 2 ص 343

‌الأذرعى:

أنظر ج 1 ص 248

‌الامام الاستروشيتى - المتوفى سنة 632 هـ:

محمد بن محمود بن حسين، مجد الدين الأسروشنى فقيه حنفى، نسبته الى «أسروشنة» .

له كتب منها الفصول فى المعاملات، والأحكام الصغائر فى الفروع، والفتاوى.

‌أبو اسحق المروزى:

أنظر ج 3 ص 335

‌اسماعيل بن أمية:

أورد الذهبى فى ميزان الاعتدال ثلاثة بهذا الاسم.

1 -

اسماعيل بن أمية القرشى، عن عثمان بن مطر، كوفى، ضعفه الدار قطنى.

2 -

اسماعيل بن أمية، ويقال ابن أبى أمية حدث عن أبى الأشهب العطاردى تركه الدار قطنى.

3 -

اسماعيل بن أمية الأموى يروى عن ابن المسيب وطبقته مجمع على ثقته.

‌الأسنوى:

أنظر ج 1 ص 249

‌الأشعث بن قيس - المتوفى سنة 42 هـ:

الأشعث بن قيس بن معد يكرب بن معاوية بن جبلة ابن عدى بن ربيعة بن معاوية الاكرمين بن ثور الكندى يكنى أبا محمد، وفد الأشعث الى النبى صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة فى وفد كنده وكانوا ستين راكبا فأسلموا ورجع الى اليمن، وكان الأشعث ممن ارتد بعد النبى صلى الله عليه وسلم فبعث أبو بكر رضى الله عنه الجنود الى اليمن فأسروه فأحضروه بين يديه فأسلم وقال استبقنى لحربك وزوجنى أختك، فأطلقه أبو بكر وزوجه أخته، وقد شهد الأشعث اليرموك بالشام ثم القادسية بالعراق، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أحاديث، سكن الكوفة وتوفى بها.

‌الأشعرى:

أنظر «أبو موسى الأشعرى» ج 1 ص 278

ص: 381

‌أشهب:

أنظر ج 1 ص 249

‌أصبغ:

أنظر ج 1 ص 249

‌الاصطخرى:

أنظر ج 1 ص 249

‌الأصفهانى:

أنظر ج 3 ص 336

‌الأعرج:

أنظر ج 3 ص 336

‌أبو أمامة:

أنظر ج 4 ص 360

‌ابن أمير الحاج:

أنظر ج 3 ص 337

‌أمير باد شاه:

محمد امين المعروف بأمير باد شاه الحسينى، له كتاب تيسير التحرير فى الأصول.

‌ابن الأنبارى - المتوفى 328 هـ:

‌أبو بكر

محمد بن أبى محمد القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة الأنبارى، كان علامة وقته، وكان صدوقا، ثقة، دينا، خيرا، من أهل السنة، صنف كتبا كثيرة فى علوم القرآن وغريب الحديث والمشكل والوقف والابتداء، قيل انه كان يحفظمائة وعشرين تفسيرا للقرآن بأسانيدها، كان يتردد الى أولاد الخليفة الراضى بالله يعلمهم توفى ببغداد.

‌أنس:

أنظر ج 1 ص 249

‌الأوزاعى:

أنظر ج 1 ص 249

أياس بن معاوية أنظر ج 2 ص 344

‌حرف الباء:

‌الباجى:

أنظر ج 1 ص 250

‌البدخشى:

انظر ج 2 ص 345

‌البرزلى:

انظر ج 5 ص 365

‌البرهان ابراهيم الحلبى - المتوفى سنة 956 هـ:

‌ابراهيم بن محمد بن ابراهيم الحلبى:

فقيه حنفى من أهل حلب، تفقه بها وبمصر ثم استقر فى القسطنطينية وتوفى بها.

أشهر كتبه «ملتقى الأبحر» و «بغية المتحلى فى شرح منية المصلى» وغير ذلك.

‌البزدوى:

أنظر ج 1 ص 250

‌بشر:

أنظر بشر المريسى ج 4 ص 361

‌ابن بشير:

أنظر ج 4 ص 361

‌أبو بصير:

أنظر ج 3 ص 338

‌البغوى:

أنظر ج 2 ص 345

‌ابن بقى - المتوفى سنة 324 هـ:

أحمد بن بقى بن مخلد بن يزيد القرطبى الأندلسى قاض، كان فى شبابه من مستشارى الأمير عبد الله بن محمد الأموى (صاحب الأندلس) وولى قضاء قرطبة، وكان خطيبا بليغا كثير الرفق فى أحكامه روى الكتب عن أبيه

أبو بكر: انظر ج 2 ص 345

أبو بكر: أنظر ج 1 ص 250

‌أبو بكر البلخى - المتوفى سنة 553 هـ:

أبو بكر بن أحمد بن على بن عبد العزيز عرف بالظهير البلخى الأصل السمرقندى، تفقه وقدم حلب ودمشق وأفتى ودرس وصنف شرح الجامع الصغير، مات بدمشق.

‌أبو بكرة:

أنظر ج 4 ص 361

‌البلقينى:

أنظر ج 2 ص 346

‌الشيخ بهرام:

أنظر ج 5 ص 365

‌البيضاوى:

انظر ج 1 ص 250

‌حرف التاء:

‌الشيخ تقى الدين:

انظر ج 5 ص 365

‌تقى الدين بن رزين المتوفى سنة 710 هـ:

عبد اللطيف بن محمد بن الحسين - بدر الدين أبو البركات القاضى الحموى ولد بدمشق وسمع من عثمان بن خطيب وعبد الله الجوعى وغيرهما ودرس بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة وبالسبعية وخطب بالجامع الازهر وولى قضاء العسكر ومات بالقاهرة.

ص: 382

‌حرف الثاء:

‌الثورى:

أنظر ج 1 ص 252

‌أبو ثور:

أنظر ج 1 ص 252

‌حرف الجيم:

‌جابر بن عبد الله:

أنظر ج 1 ص 252

‌جعفر بن أبى طالب:

أنظر ج 2 ص 347

‌أبو جعفر الطوسى:

أنظر ج 1 ص 265

‌جعفر - المتوفى سنة 148 هـ:

الامام أبو عبد الله جعفر الصادق ولد أبى جعفر محمد الباقر ابن زين العابدين على بن الحسين الهاشمى العلوى روى عن أبيه وجده القاسم وطبقتهما.

‌الجلال البلقينى - المتوفى سنة 824 هـ:

عبد الرحمن بن عمر بن رسلان الكنانى العسقلانى الاصل ثم البلقينى المصرى أبو الفضل جلال الدين من علماء الحديث بمصر، انتهت اليه رئاسة الفتوى بعد وفاة أبيه، وولى القضاء بالديار المصرية مرارا، له كتب فى التفسير والفقه ومجالس الوعظ وتعليق على البخارى سماه: الافهام لما فى صحيح البخارى من الايهام، مات فى القاهرة.

‌أبو جندل بن سهيل - المتوفى سنة 18 هـ:

أبو جندل بن سهيل بن عمرو القرشى العامرى الصحابى كان من السابقين الى الاسلام وممن عذب بسبب اسلامه ثبت ذكره فى البخارى فى قصة الحديبية.

‌أبو جهل - المتوفى سنة 2 هـ:

عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومى، كان من أشد الناس عداوة للنبى صلى الله عليه وسلم قتل يوم «بدر» كافرا، روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فيه: ان هذا أعتى على الله عز وجل من فرعون، ان فرعون لما أيقن بالهلاك وحد الله، وان هذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى.

‌حرف الحاء:

‌ابن الحاجب:

أنظر ج 1 ص 253

‌الحارث:

أنظر ج 1 ص 253

‌ابن حارث:

أنظر ج 5 ص 366

‌ابن أبى الحازم:

أنظر ج 2 ص 348

‌ابن حامد:

أنظر ج 2 ص 348

‌أبو حامد الاسفرايينى:

أنظر الاسفرايينى ج 1 ص 248

‌ابن حبيب:

انظر ج 1 ص 253 ص

‌ابن حجر:

أنظر ج 1 ص 254

‌ابن حزم الظاهرى:

أنظر ج 1 ص 254

‌أبو الحسن:

أنظر ج 5 ص 367

‌أبو الحسن البصرى:

انظر ج 1 ص 254

‌أبو الحسن الأشعرى:

أنظر ج 3 ص 340

‌أبو الحسن بن المرزبان:

أنظر ج 5 ص 367

‌أبو الحسن اللخمى:

أنظر اللخمى ج 1 ص 274

‌الحصكفى:

أنظر ج 1 ص 254

‌الحطاب:

انظر ج 1 ص 254

‌حفصة - المتوفاة سنة 41 هـ وقيل سنة 45 هـ:

حفصة بنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وهى أم المؤمنين، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد عائشة وكانت قبل ذلك عند حصن بن حذافة وكان ممن شهد بدرا ومات بالمدينة، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد ذكرها أمام أبى بكر رضى الله عنه ولذلك امتنع من زواجها حين عرضها عليها عمر فتزوجها النبى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، وكانت صوامة قوامة.

‌الحكم بن عتيبه - المتوفى سنة 115 هـ:

الفقيه أبو محمد الحكم بن عتيبة الكوفى مولى كندة، أخذ عن أبى جحيفة السوآئى وغيره، وتفقه على ابراهيم النخعى،

ص: 383

‌قال مغيرة:

كان الحكم اذا قدم المدينة أخلوا له سارية النبى صلى الله عليه وسلم يصلى اليها وقال الأوزاعى: ما بين لابتيها أفقه منه.

‌الحلبى:

تقى بن نجم الحلبى أبو الصلاح ثقة له تصانيف حسنة قرأ على الشيخ الطوسى وعلى المرتضى، عظيم القدر من عظماء مشايخ الشيعة، من تصانيفه: الكافى، تقريب المعارف.

‌شمس الائمة الحلوانى:

أنظر ج 1 ص 255

‌حماد:

أنظر ج 3 ص 342

‌حماد بن سلمة:

أنظر ج 1 ص 255

‌حنبل:

أنظر ج 2 ص 350

‌أبو حنيفة:

أنظر ج 1 ص 255

‌حرف الخاء:

‌الخرشى:

أنظر ج 2 ص 350

‌الخرقى:

أنظر ج 1 ص 256

‌الخصاف:

أنظر ج 1 ص 256

‌أبو الخطاب:

أنظر ج 1 ص 256

‌الخطابى:

أنظر ج 1 ص 256

‌الخطيب:

أنظر ج 1 ص 256

‌خليل:

أنظر ج 1 ص 256

‌حرف الدال:

‌أبو داود:

أنظر ج 1 ص 257

‌الدردير:

أنظر ج 1 ص 257

‌الدسوقى:

أنظر ج 1 ص 257

‌حرف الراء:

‌الامام الرازى:

أنظر ج 1 ص 258

‌الرافعى:

أنظر ج 1 ص 258

‌الربيع:

أنظر ج 1 ص 258

الربيع: أنظر ج 3 ص 344

‌ربيعة بن أبى عبد الرحمن:

أنظر ج 5 ص 369

‌ابن رشد:

أنظر ج 1 ص 258

‌الرشيدى:

أنظر ج 2 ص 352

‌ابن الرفعة:

أنظر ج 1 ص 259

‌الرملى:

أنظر ج 1 ص 259

‌الرهاوى:

أنظر ج 5 ص 370

‌الرويانى:

أنظر ج 2 ص 352

‌حرف الزاى:

‌ابن الزاغونى:

المتوفى سنة 527 هـ:

أبو الحسن على بن عبيد الله بن نصر البغدادى شيخ الحنابلة، روى عن ابن المسلمة والصريفينى وقرأ القراءات، وبرع فى المذهب والاصول والوعظ، وصنف التصانيف واشتهر اسمه.

‌الزاهدى:

أنظر ج 1 ص 259

‌ابن الزبير:

أنظر ج 1 ص 259

‌زراره:

أنظر ص 4 ج 364

‌الزركشى:

أنظر ج 1 ص 259

‌زفر:

أنظر ج 1 ص 259

‌الزيادى:

أنظر ج 5 ص 370

‌زيد بن ثابت:

أنظر ج 1 ص 260

‌الزيلعى:

أنظر ج 1 ص 260

‌حرف السين:

‌السالمى:

أنظر ج 3 ص 345.

‌ابن السبكى:

أنظر ج 1 ص 261

‌سحنون:

أنظر ج 1 ص 261

‌السراج:

المتوفى سنة 500 هـ

أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين المعروف بالقارئ البغدادى سمع أبا القاسم التنوخى وجماعة وروى عنه السلفى، له نظم التنبيه فى الفقه، مصارع العشاق وغير ذلك.

‌السرخى:

أنظر ج 1 ص 261

‌ابن سريج:

أنظر ج 1 ص 261

ص: 384

‌السعد:

المتوفى سنة 793 هـ:

مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانى سعد الدين: من ائمة العربية والبيان والمنطق ولد بتفتازان وأقام بسرخس وأبعده تيمور لنك الى سمرقند فتوفى فيها ودفن فى سرخس، كانت فى لسانه لكنه، من كتبه تهذيب المنطق والمطول فى البلاغة وشرح العقائد النفسية وحاشيه على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب فى الاصول، وأول ما صنف من الكتب: شرح التصريف العزى، صنفه وعمره ست عشرة سنه، وله أيضا شرح الاربعين النووية.

‌أبو سعيد:

أنظر ج 1 ص 261

‌سعيد بن سالم:

المتوفى سنة 373 هـ.

أبو عثمان المغربى سعيد بن سالم الصوفى العارف، نزيل نيسابور، قال السلمى: لم ير مثله فى علو الحال وصون الوقت.

‌أبو سعيد الاصطخرى:

أنظر الاصطخرى ج 1 ص 249

‌ابن سلمون:

أنظر ج 2 ص 354

سليمان بن خالد

سليمان بن خالد، أبو الربيع الهلالى كوفى مات فى حياة أبى عبد الله، خرج مع زيد فقطعت اصبعه معه، ولم يخرج من أصحاب أبى جعفر غيره، صاحب قرآن.

‌ابن السمعان:

أنظر ج 3 ص 347

‌ابن السنى:

أنظر ج 4 ص 365

‌ابن سهل المتوفى سنة 541 هـ:

أبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الانصارى الاندلس البلنسى المحدث، رحل الى المشرق وسافر فى التجارة الى الصين وكان فقيها عالما متقنا، سمع أبا عبد الله النعالى وطراد بن محمد وطائفة.

‌ابن سيدة:

المتوفى سنة 458 هـ:

أبو الحسن على بن اسماعيل المعروف بأن سيدة المرسى، كان اماما فى اللغة والعربية حافظا لهما وقد جمع فى ذلك جموعا من ذلك كتاب المحكم فى اللغة وكان ضريرا وأبوه ضريرا وكان أبوه قيما بعلم اللغة وعليه اشتغل ولده فى أول أمره ثم على أبى العلاء صاعد البغدادى.

‌ابن سيرين:

أنظر ج 1 ص 262

‌حرف الشين:

‌ابن شاس:

أنظر ج 2 ص 354

‌الشاطبى:

أنظر ج 1 ص 262

‌الشافعى الصغير:

المتوفى سنة 1004 هـ:

محمد بن أحمد بن حمزة، شمس الدين الرملى: فقيه الديار المصرية فى عصره ومرجعها فى الفتوى يقال له: الشافعى الصغير، نسبته الى الرملة (من قرى المنوفية بمصر) مولده ووفاته بالقاهرة ولى افتاء الشافعية وجمع فتاوى أبيه وصنف شروحا وحواشى كثيرة منها عمدة الرابح شرح على هدية الناصح فى فقه الشافعية، ونهاية المحتاج الى شرح المنهاج وله فتاوى شمس الدين الرملى.

‌الشافعى:

أنظر ج 1 ص 262

‌الشبراملسى:

أنظر ج 1 ص 262

‌الشرنبلالى:

أنظر ج 1 ص 263

‌الشعبى:

أنظر ج 1 ص 263

‌الشلبى:

أنظر ج 1 ص 263

‌شمس الائمة السرخى:

أنظر السرخسى ج 1 ج 261

‌شمس الائمة البيهقى:

المتوفى سنة 402 هـ:

اسماعيل بن الحسين بن عبد الله البيهقى أبو القاسم، أو أبو محمد، فقيه حنفى زاهد، كان أمام وقته فى

ص: 385

الفروع وفى الاصول، له الشامل فى فروع الحنفية، والكفاية مختصر شرح القدورى وغيرها.

‌ابن شهاب:

أنظر ج 3 ص 348

‌الشوكانى:

أنظر ج 1 ص 263

‌الشيبانى:

أنظر محمد بن الحسن ج 1 ص 275

‌شيخ الاسلام:

أنظر ابن حجر ج 1 ص 254

‌حرف الصاد:

‌الصادق:

أنظر ج 1 ص 263

‌ابن الصباغ:

أنظر ج 2 ص 355

‌صدر الشريعة:

أنظر ج 1 ص 264

‌الصدر الشهيد:

أنظر ج 1 ص 264

‌صفوان بن أمية:

المتوفى سنة 41 هـ:

صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح أبو وهب الجمحى أسلم بعد حنين، ثم شهد اليرموك أميرا، وكان شريفا جليلا ملك قنطارا من الذهب، له رواية فى صحيح مسلم.

ابن صوريا الاعور عبد الله بن صوريا ويقال ابن صور الاسرائليى، كان من أحبار اليهود، يقال انه أسلم وذكر الثعلبى عن الضحاك أن قوله تعالى {(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ)} نزلت فى عبد الله بن سلام وعبد الله بن صوريا وغيرهما.

‌حرف الطاء:

‌أبو طالب:

أنظر ج 2 ص 355

‌الطرطوشى:

المتوفى سنة 520 هـ:

محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشى الفهرى الاندلسى، أبو بكر الطرطوشى ويقال له: ابن أبى زندقة، من فقهاء المالكية الحفاظ من أهل طرطوشة بشرق الاندلس، تفقه ببلاده ورحل الى المشرق فحج .. ثم سكن الاسكندرية فتولى التدريس واستمر فيها الى أن توفى، من كتبه: سراج الملوك والتعليقة فى الخلافيات وبر الوالدين والحوادث والبدع ومختصر تفسير الثعلبى.

‌الطحاوى:

أنظر ج 1 ص 265

‌الطحطاوى:

أنظر ج 1 ص 265

‌طلحة بن زيد:

طلحة بن زيد الانصارى، ذكره أبو عمر فقال: آخى النبى صلى الله عليه وسلم بينه وبين الارقم، قال وأظنه أخا خارجة بن زيد.

‌حرف العين:

‌عائشة رضى الله عنها:

أنظر ج 2 ص 361

‌ابن عابدين:

أنظر ج 1 ص 265

‌ابن عات:

المتوفى سنة 609 هـ:

أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النقرى الشاطبى، أبو عمر:

عالم الحديث عارف بالتاريخ، أندلسى من أهل شاطبة له تصانيف، قال ابن الابار: دالة على سعة حفظه، منها:

النزهة فى التعريف بشيوخ الوجهة، وريحانة النفس وراحة الانفس فى ذكر شيوخ الاندلس.

‌العاصمى:

المتوفى سنة 482 هـ:

عاصم بن الحسن بن محمد بن على بن عاصم بن مهران، أبو الحسين العاصمى الشاعر المشهور، روى عن ابن المتيم وأبى عمرو بن مهدى، صاحب ملح ونوادر مع الصلاح والعفة والصدق.

‌ابن عباس:

أنظر عبد الله بن عباس ج 1 ص 267

‌عبد الجبار بن أحمد:

أنظر القاضى عبد الجبار ج 2 ص 361

ص: 386

عبد الجبار بن عمر

عبد الجبار بن عمر الايلى أبو عمر، عن نافع والزهرى، قال البخارى: ليس بالقوى وقال النسائى: ليس هو بثقة.

‌عبد الحق:

المتوفى سنة 542 هـ.

عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربى الغرناطى أبو محمد. مفسر، فقيه اندلسى، من أهل غرناطة، عارف بالاحكام والحديث من كتبه المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز.

‌ابن عبد الحكم:

أنظر ج 4 ص 367

‌عبد الرحمن بن زيد:

المتوفى سنة 65 هـ.

عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوى القرشى، وال، كان من أتم الرجال خلقة روى الحديث عن أبيه وغيره، وروى عنه ابنه عبد الحميد وآخرون، وزوجه عمر بن الخطاب ابنته فاطمة وولاه يزيد بن معاوية مكة سنة 63 هـ.

‌عبد الرحمن بن زيادة المعافرى:

المتوفى سنة 161 هـ.

عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافرى الافريقى أبو خالد: قاضى، من العلماء، اشتهر بالجرأة على الملوك وزجرهم عن الجور والعسف ولد ببرقة وهو أول مولود فى الاسلام بافريقية ونشأ بها وولى قضاء القيروان مرتين ثم رحل الى بغداد فاتصل بالمنصور العباسى قبل أن يلى الخلافة وجمعت بينهما جامعة الاشتغال بالعلم، له مسند فى الحديث، جزآن.

‌عبد الرحمن بن عوف:

أنظر ج 1 ص 266

‌ابن عبد السلام:

أنظر ج 1 ص 266

‌عبد العزيز البخارى:

أنظر البخارى ج 1 ص 250

‌ابن عبد العزيز:

المتوفى سنة 292 هـ.

عبد الحميد بن عبد العزيز، أبو خازم قاض، فرضى، من أهل البصرة ولى القضاء بالشام والكوفة وكرخ بغداد له شعر وكتب، منها أدب القاضى والفرائض والمحاضر والسجلات.

‌عبد الله بن أبى أوفى:

المتوفى سنة 86 هـ وقيل سنة 87 هـ.

الصحابى ابن الصحابى رضى الله عنهما أبو ابراهيم وقيل أبو معاوية وقيل أبو محمد: عبد الله بن أبى أوفى واسم أبى أو فى علقمة بن خالد بن الحارث بن أسيد بن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن الاسلمى، شهد بيعة الرضوان وخيبر وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل بالمدينة حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تحول الى الكوفة وهو آخر من بقى من الصحابة بالكوفة، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وتسعون حديثا.

‌أبو عبد الله بن تيمية:

أنظر ابن تيمية ج 1 ص 251

‌أبو عبد الله عليه السلام:

المتوفى سنة 413 هـ

أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادى الكرخى ويعرف بالشيخ المفيد وبابن المعلم، عالم الشيعة وامام الرافضة وصاحب التصانيف الكثيرة وهو لسان الامامية ورئيس الكلام والفقه والجدل وكان كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم.

‌أبو عبد الله الحسن ابن حامد بن على البغدادى:

أنظر ابن حامد ج 2 ص 348

‌عبد الله بن أبى حدود:

المتوفى سنة 71 هـ.

عبد الله بن أبى حدرد الاسلمى، يكنى أبا محمد أحد من بايع تحت الشجرة، أول مشاهد عبد الله ابن أبى حدرد:

الحديبية ثم خيبر وما بعدها له أحاديث ولكن فى غير الكتب الستة.

ص: 387

‌عبد الله بن كعب:

المتوفى سنة 30 هـ.

عبد الله بن كعب بن عمرو البخارى الانصارى صحابى شهد بدرا، وكان على غنائم النبى صلى الله عليه وسلم فيها وفى غزوات أخرى.

‌عبد الله بن وهب:

أنظر ابن وهب ج 2 ص 362

‌أبو عبيدة:

أنظر ج 4 ص 368

‌عبيد الله بن أبى جعفر:

المتوفى سنة 132 هـ

عبيد الله بن أبى جعفر المصرى الفقيه أحد العلماء والزهاد قال محمد بن سعد:

كان ثقة بقية فى زمانه.

‌عبد الوهاب:

أنظر القاضى عبد الوهاب

‌سيدنا عثمان:

أنظر ج 1 ص 268

‌الشيخ عثمان:

المتوفى سنة 631 هـ.

عثمان بن أبى عبد الله بن أحمد أبو عبد الله، قاض، من فقهاء الإباضية بعمان، له تصانيف منها: التاج والبصيرة والنور.

‌العدوى:

أنظر الدردير ج 1 ص 257

‌ابن العربى:

أنظر ج 1 ص 268

‌ابن عرفة:

أنظر ج 1 ص 268

‌أبو عصمت:

المتوفى سنة 173 هـ.

أبو عصمت: نوح بن أبى مريم يزيد بن جعونة المروزى، لقب بالجامع لانه أول من جمع فقه أبى حنيفة وقيل لانه كان جامعا بين العلوم، له أربعة مجالس، مجلس للأثر ومجلس لاقاويل أبى حنيفة ومجلس للنحو ومجلس للشعر، روى عن الزهرى ومقاتل بن حيان، مات وهو على قضاء مرو لابى جعفر المنصور.

‌العضد:

أنظر ج 3 ص 351

‌عطاء:

أنظر ج 2 ص 357

‌ابن العطار:

أنظر ج 3 ص 351

‌علاء الدين العالم:

أنظر الكاسانى ج 1 ص 283

‌علقمة:

أنظر ج 1 ص 269

‌سيدنا على:

أنظر ج 1 ص 269

‌أبو على بن خيران:

أنظر ج 4 ص 369

‌على بن سعيد:

المتوفى سنة 300 هـ.

على بن سعيد بن جرير النسوى أبو الحسن الحافظ أحد أركان الحديث روى عن محمد بن بشار وطبقته ذكره أبو بكر الخلال فقال: كبير القدر صاحب حديث، كان يناظر أبا عبد الله مناظرة شافية، روى عن أبى عبد الله جزأين مسائل وكنت قد تعبت فيها.

أبو على (حسن بن ذكوان)

‌الحسن بن ذكوان:

محدث روى عن أبن سيرين وطاووس وطائفة وروى عنه يحيى القطان وعبد الوهاب ابن عطاء وجماعة ويكنى أبا سلمة، وهو صالح الحديث وضعفه ابن معين وأبو حاتم وقال النسائى: ليس بالقوى، وقال ابن المدين: حدث يحيى عن الحسن بن ذكوان ولم يكن عنده بالقوى.

أبو على السنجى

فقيه شافعى له تصانيف منسوب الى سنج قرية من قرى مرو واسمه الحسين بن شعيب كبير القدر عظيم صاحب تحقيق واتقان واطلاع كثير تفقه على الامامين شيخى الطريقتين أبى حامد الاسفرايينى وأبى بكر القفال وجمع بين طريقيهما بالنظر الدقيق والتحقيق الانيق جمع شرح فروع ابن الحداد والتلخيص لابى العباس بن القاص، سمع أبو على الحديث فسمع مسند الشافعى رحمه الله من أبى بكر الحيرى.

ص: 388

على بن طلق

على بن طلق بن المنذر بن قيس بن عمرو ابن عبد الله بن عمر بن عبد العزى بن سحيم الحنفى السحيمى اليمامى، قال ابن حبان: له صحبة وقال ابن عبد البر أظنه والد طلق بن على وبذلك جزم العسكرى وروى حديثه أبو داود والترمذى والنسائى.

‌ابن العماد:

أنظر ج 3 ص 352

‌العمادى:

المتوفى سنة 1051

عبد الرحمن بن محمد الحنفى شيخ الاسلام مفتى الشام، كان أحد أفراد الدهر وأعيان أعلام الفضل، أخذ من البورينى والقاضى محب الدين، ولى تدريس المدرسة السليمية والسليمانية والافتاء بالشام واشتهر، وسلم له علماء عصره، له: الصلاة الفاخرة بالاحاديث المتواترة، والمستطاع من الزاد.

‌عمر بن الخطاب:

أنظر ج 1 ص 269

‌ابن عمر:

أنظر عبد الله ج 1 ص 267

‌أبو عمر:

أنظر ج 2 ص 359

‌عمرو بن حزم:

أنظر ج 1 ص 269

‌عمرو بن العاص:

أنظر ج 3 ص 352

‌عمر بن العزيز:

أنظر ج 1 ص 269

‌عياض:

أنظر القاضى عياض ج 2 ص 362

‌حرف الغين:

‌ابن غازى:

المتوفى سنة 919 هـ.

محمد بن أحمد بن محمد بن على بن غازى العثمانى المكناسى، أبو عبد الله، مؤرخ، حاسب، فقيه من فقهاء المالكية من بنى عثمان ولد فى مكناسة بالمغرب الاقصى وأقام زمنا فى كتامة ومات بفاس له: الروض الهتون فى أخبار مكناسة، الفهرسة المباركة فى أسماء محدثى فاس وكتابها، وكليات فقهية على مذهب المالكية، ونظم نظائر رسالة القيروانى

‌الغزالى:

أنظر ج 1 ص 270

‌الغزى:

المتوفى سنة 524 هـ.

أبو اسحق ابراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد الكلبى الاشهبى الشاعر المشهور، رحل الى بغداد وأقام بالمدرسة النظامية سنين كثيرة ثم رحل الى خراسان، توفى بناحية بلخ.

‌حرف الفاء:

‌الفارابى:

المتوفى سنة 339 هـ.

محمد بن محمد بن طرخان، أبو نصر الفارابى ويعرف بالمعلم الثانى، أكبر فلاسفة المسلمين تركى الاصل، مستعرب، ولد فى فاراب وانتقل الى بغداد وألف بها أكثر كتبه ورحل الى مصر والشام وتوفى بدمشق، كان يحسن اليونانية وأكثر اللغات الشرقية المعروفة فى عصره، ويقال: ان الآلة المعروفة بالقانون من وضعه، شرح مؤلفات أرسطو له نحو مائة كتاب، منها:

النصوص واحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، وآراء أهل المدينة الفاضلة، والمدخل الى صناعة الموسيقى وغير ذلك.

‌الفاكهانى:

أنظر ج 5 ص 384

‌الفراء:

أنظر ج 5 ص 375

‌ابن فرحون:

أنظر ج 1 ص 271

فرعون

هو فرعون موسى (عدو الله) عمر اربعمائة سنة وقد اختلف فى اسمه وليس فى الفراعنة أعتى منه وليس هو فرعون يوسف عليه السلام لان فرعون يوسف عليه السلام أسلم على يديه.

‌الفنرى:

أنظر ج 2 ص 360

‌ابن أبى الفوارس:

أنظر ج 2 ص 360

ص: 389

‌حرف القاف:

‌القاسم:

أنظر ج 1 ص 271

‌القاسم بن عبد الرحمن:

أنظر ج 4 ص 370

‌ابن القاسم:

أنظر ج 1 ص 271

‌القاسمى:

المتوفى سنة 656 هـ.

أحمد بن الحسين بن القاسم بن عبد الله القاسمى: الامام الثائر من أمثل أئمة الزيدية علما وعملا وجودا، كان شجاعا داهية حازما، بايعه الزيدية فى اليمن سنة 646 هـ ولقب بالامام (المهدى لدين الله) وأظهر الدعوة فى تلا، فحاربه السلطان نور الدين الرسولى حروبا شديدة مات الرسولى فى آخرها واستولى القاسمى على معظم البلاد العليا فى اليمن وانتظمت له أمورها الى أن قتله جيش الملك المظفر.

‌القاضى (الشافعى):

أنظر ج 2 ص 361

‌القاضى أبو بكر:

أنظر ابن العربى ج 1 ص 263

‌القاضى أبو بكر الباقلانى:

أنظر الباقلانى ج 1 ص 250

‌القاضى (الحنبلى):

أنظر ج 2 ص 361

‌القاضى الاسبيجابى:

أنظر الاسبيجابى ج 2 ص 343

‌قاضى القضاة عبد الجبار:

أنظر ج 2 ص 361

‌القاضى زيد:

أنظر زيد ج 1 ص 260

‌قاضيخان:

أنظر ج 1 ص 271

‌قبيصة بن مخارق:

قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد بن معاوية بن أبى ربيعة الهلالى:

أبو بشر صحابى، روى عن النبى صلى الله عليه وسلم روى عنه ولده قطن وكنانة بن نعيم وأبو عثمان النهدى وغيرهم، قال البخارى: له صحبة ويقال له: البجلى.

‌ابن قدامة المقدسى:

أنظر ج 1 ص 271.

‌قدامة بن مظعون:

أنظر ج 1 ص 272

‌القدورى:

أنظر ج 1 ص 272

‌القرافى:

أنظر ج 1 ص 272

‌القرطبى:

أنظر ج 1 ص 272

‌القفال:

أنظر ج 1 ص 272

‌القمى:

المتوفى سنة 1231 هـ.

أبو القاسم بن محمد حسين القمى، فقيه من علماء الامامية، يلقب بالميرزا القمى، له مؤلفات كثيرة بالعربية والفارسية منها: القوانين فى الاصول والغنائم فى الفقه ومعين الخواص مختصر فى الفقه وكتاب القضاء، وله رسائل كثيرة جدا قيل: انها تناهز الالف فى مباحث شتى.

‌حرف الكاف:

‌كثير عزة:

المتوفى سنة 105 هـ

كثير بن عبد الرحمن بن الاسود بن عامر الخزاعى، أبو صخر: شاعر، متيم مشهور من أهل المدينة، أكثر اقامته بمصر، وفد على عبد الملك بن مروان، فازدرى منظره ولما عرف أدبه رفع مجلسه فاختص به وببنى مروان يعظمونه ويكرمونه، وكان مفرط القصر، دميما، فى نفسه شمم وترفع قال المرزبانى: كان شاعر أهل الحجاز فى الاسلام لا يقدمون عليه أحدا.

‌الكردرى:

المتوفى سنة 642 هـ

محمد بن محمد بن عبد الستار، أبو الوجد شمس الائمة العمادى الكردرى، من علماء الحنفية، من أهل بخارى ووفاته بها من كتبه: الرد والانتصار فى الذب عن الامام أبى حنيفة وذكر مناقبه، ومختصر فى فقه الحنفية.

‌الكرخى:

أنظر ج 1 ص 273

‌الكرمانى:

أنظر ج 3 ص 354

‌الكمال:

أنظر ج 1 ص 273

‌ابن كمال باشا:

المتوفى سنة 940 هـ.

ص: 390

أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين: قاض، من العلماء بالحديث ورجاله، تركى الاصل مستعرب، قال التاجى: قلما يوجد فن من الفنون وليس لابن كمال باشا مصنف فيه، له تصانيف كثيرة منها: طبقات الفقهاء وطبقات المجتهدين ورسالة فى الكلمات العربية وايضاح الاصلاح فى فقه الحنفية وتغيير التنقيح فى أصول الفقه.

‌الكنى:

المتوفى سنة 566 هـ

أحمد بن أبى الحسن بن أبى الفتح الكنى الزيدى القاضى قطب الشيعة وأستاذ الشريعة قال فى طبقات الزيدية: كان من أساطين الملة وسلاطين الادلة وهو الغاية فى حفظ المذهب يكنى: أبو العباس ويقال: أبو الحسن، حدث عن ابن أبى الفوارس والبيهقى وعبد المجيد الزيدى وله مؤلفات فى فقه الزيدية.

‌حرف اللام:

‌ابن لبابة:

المتوفى سنة 330 هـ.

محمد بن يحيى بن عمر بن لبابة، أبو عبد الله فقيه مالكى أندلس، ولى قضاء البيرة والشورى بقرطبة، وعزل عنهما، ثم أعيد الى الشورى مع خطة الوثائق ومات بالاسكندرية، له:

المنتخب فى فقه المالكية، قال ابن حزم:

ما رأيت لمالكى كتابا أنبل منه.

‌اللخمى:

أنظر ج 1 ص 274

‌اللقانى:

المتوفى سنة 1041 هـ

ابراهيم بن ابراهيم بن حسن اللقانى أبو الامداد، برهان الدين: فاضل متصوف مصرى مالكى. نسبته الى لقانه من البحيرة بمصر، له كتب منها:

جوهرة التوحيد وبهجة المحافل وحاشية على مختصر خليل فقه وغير ذلك.

اللقانى: المتوفى سنة 1078 هـ.

عبد السلام بن ابراهيم اللقانى المصرى شيخ المالكية فى وقته بالقاهرة، له كتب منها: شرح المنظومة الجزائرية فى العقائد، واتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد والسراج الوهاج فى الكلام على الاسراء والمعراج.

‌الليث بن سعد:

أنظر ج 1 ص 274

‌أبو الليث:

أنظر ج 1 ص 274

‌ابن لهيعة:

المتوفى سنة 174 هـ.

عبد الله بن لهيعة بن فرعان الحضرمى المصرى أبو عبد الرحمن: قاضى الديار المصرية وعالمها ومحدثها فى عصره، قال الامام أحمد بن حنبل: ما كان محدث مصر الا ابن لهيعة وقال سفيان الثورى:

عند ابن لهيعة الاصول وعندنا الفروع، وقال الذهبى كان ابن لهيعة من الكتاب للحديث والجماعين للعلم والرحالين فيه، توفى بالقاهرة.

‌حرف الميم:

‌المؤيد بالله:

أنظر ج 1 ص 275

‌ابن الماجشون:

أنظر ج 2 ص 363

‌المازرى:

أنظر ج 1 ص 274

‌مالك:

أنظر ج 1 ص 275

‌ابن مالك:

أنظر ج 1 ص 371

‌الماوردى:

أنظر ج 1 ص 275

‌المتولى:

أنظر ج 3 ص 355

‌محمد بن الحسن:

أنظر ج 1 ص 275

‌محمد بن سلمة:

أنظر ج 2 ص 364

‌محمد بن مسلم:

أنظر ج 5 ص 378

‌أبو محمد:

أنظر ابن حزم ج 1 ص 254

‌الشيخ أبو محمد:

المتوفى سنة 410

حكيم بن محمد بن على بن الحسين بن أحمد بن حكيم الذيمونى الشيخ أبو محمد، تفقه أبو محمد هذا على أبى عبد الله الخضرى ودرس الكلام على

ص: 391

الاستاذ أبى اسحق وكان بصيرا بمذهب الاشعرى قيما بمذهب الشافعى، توفى ببخارى.

‌مروان بن الحكم:

أنظر ج 1 ص 275

‌مسلم:

أنظر ج 1 ص 276

‌ابن مسعود:

أنظر عبد الله ج 1 ص 276

‌أبو مسعود الانصارى - المتوفى سنة 40 هـ:

عقبة بن عمرو بن ثعلبة الانصارى البدرى أبو مسعود، من الخزرج:

صحابى، شهد العقبة وأحد وما بعدهما ونزل الكوفة وكان من أصحاب على فاستخلفه عليها وتوفى فيها، له مائة حديث وحديثان.

‌مطرف:

أنظر ج 2 ص 364

‌معاذ:

أنظر ج 1 ص 276

‌معاوية بن عمار:

أنظر ج 1 ص 276

‌ابن معرف:

محمد بن معرف من علماء الزيدية الأعلام، عاصر الامام المهدى أحمد بن الحسين وشهد بامامته ودرس على الأمير على ابن الحسين، وفى المستطاب: أنه شيخ الأمير، أخذ عن ابن معرف الامير الحسين ابن محمد، فقد تردد بين أمامين وامتد زمانه الى أيام الحسن بن بدر الدين وبايعه، له مؤلفات، منها: المذاكرة والمنهاج والمستصفى، وهو أحد المذاكرين، وفضله مشهور.

‌ابن المقرى:

أنظر ج 5 ص 378

‌ابن ملك:

أنظر ج 1 ص 277

‌ابن المنذر:

أنظر ج 1 ص 277

‌المنصور بالله:

أنظر ج 1 ص 277

‌ابن منظور - المتوفى سنة 711 هـ:

محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين بن منظور الأنصارى الافريقى صاحب لسان العرب، الامام اللغوى الحجة، من نسل رويفع بن ثابت الأنصارى ترك بخطه نحو خمسمائة مجلد وعمى فى آخر عمره، من كتبه:

لسان العرب، ومختار الأغانى، ومختصر مفردات ابن البيطار وغير ذلك.

‌منلا خسرو - المتوفى سنة 885 هـ:

محمد بن فراموز بن على، المعروف بملا، أو منلا، أو المولى - خسرو عالم بفقه الحنفية والأصول، رومى الأصل، أسلم أبوه، ونشأ هو مسلما فتبحر فى علوم المعقول والمنقول، وتولى التدريس فى زمان السلطان محمد بن مراد، من كتبه: درر الحكام فى شرح غرر الأحكام، فقه، ومرقاة الوصول فى علم الاصول وحاشية على التلويح فى الأصول وغير ذلك.

‌المهدى أحمد بن الحسين - المتوفى سنة 656 هـ:

أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم الحسنى الامام المهدى الشهيد، بايعه الناس رغبة ورهبة ثم نكثوا بيعته وحاربوه وقتلوه، له كرامات عظيمة، سيرته مشهورة، كان مجتهدا.

‌ابن المواز:

نظر ج 1 ص 278

‌المواق:

نظر ج 2 ص 365

‌موسى بن بكر الواسطى:

فقيه امامى من أصحاب الصادق والكاظم أصله كوفى، له كتاب روى عن أبى عبد الله.

‌أبو موسى الأشعرى:

أنظر ج 1 ص 278

‌موسى بن على - المتوفى سنة 163 هـ:

موسى بن على بن رباح اللخمى المصرى، روى عن أبيه وطائفة، وولى امرة ديار مصر للمنصور ستة أعوام.

‌ابن أبى موسى:

أنظر ج 2 ص 365

‌الميرغينانى:

أنظر ج 1 ص 275

ص: 392

‌حرف النون:

‌الناصر:

أنظر ج 1 ص 278

‌ناصر الدين اللقانى:

انظر اللقانى

‌نافع مولى ابن عمر:

أنظر ج 3 ص 358

‌ابن نافع:

أنظر ج 1 ص 278

‌ابن نجيم:

أنظر ج 1 ص 279

‌النخعى:

أنظر ج 1 ص 279

‌النسفى:

أنظر ج 1 ص 279

‌ابن النقيب - المتوفى فى سنة 745 هـ:

محمد بن أبى بكر بن ابراهيم بن عبد الرحمن، شمس الدين ابن النقيب: مفسر، من قضاة الشافعية دمشقى، ولى الحكم بحمص وطرابلس ثم بحلب ودرس وتوفى بدمشق من كتبه: عمدة السالك وعدة الناسك ومقدمة فى التفسير.

‌النووى:

أنظر ج 1 ص 279

‌حرف الهاء:

‌الهادى:

أنظر ج 1 ص 280

‌أبو هاشم الجبائى:

أنظر ج 1 ص 280

‌أبو هريره:

أنظر ج 1 ص 280

‌ابن أبى هريرة:

أنظر ج 3 ص 358

‌هشام:

أنظر ج 1 ص 280

هشام: أنظر ج 2 ص 366

‌حرف الواو:

‌وائل بن حجر:

أنظر ج 4 ص 374

‌أبو الوفاء - المتوفى سنة 476 هـ:

أبو الوفاء طاهر بن الحسين بن أحمد يعرف بابن القواس، كانت له حلقة بجامع المنصور يفتى ويعظ، وكان يقرأ القرآن ويدرس الفقه فى مسجده بباب البصرة، سمع الحديث من هلال الحفار وأبى الحسين بن بشران وغيرهم.

‌ابن وهب:

أنظر ج 2 ص 366

‌حرف الياء:

‌الامام يحيى:

أنظر ج 1 ص 280

‌يزيد بن ركانة - المتوفى سنة 43 هـ:

جاء فى تهذيب الاسماء للنووى أن وروده باسم يزيد غلط والصحيح أن اسمه ركانة بن عبد يزيد بن هاشم ابن المطلب بن عبد مناف بن قصى القرشى، وهو صحابى أسلم يوم فتح مكة وكان من أشد الناس وهو الذى صارعه النبى صلى الله عليه وسلم فصرعه النبى صلى الله عليه وسلم.

‌أبو يوسف:

أنظر ج 1 ص 281

‌ابن يونس:

أنظر ج 1 ص 281

‌يونس بن يزيد - المتوفى سنة 152 هـ:

يونس بن يزيد الأيلى صاحب الزهرى وأوثق أصحابه وقد روى عن القاسم وسالم وجماعه.

ص: 393