الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استرقاق
تعريف الاسترقاق:
قال فى لسان العرب:
(1)
استرق المملوك أدخله فى الرق.
والرقيق المملوك أو العبد. والجمع رقيق وأرقاء وأمة رقيقة ورقيق واماء رقائق فقط.
وقيل الرقيق اسم الجمع.
والمقصود بالاسترقاق ادخاله فى حالة الرق وهى حالة تملكه وصيرورته عبدا.
والاسترقاق ليس هو الاسر أو السبى، لان الاسر أو السبى هو نفس الاخذ والاستيلاء على الاسير.
وقد لا يصير الاسير رقيقا بذات الاسر أو السبى. وقد لا يصلح الاسير لان يكون محلا للرق كمشركى العرب من عبدة الاوثان.
والذى يصلح للاسترقاق لا يصير رقيقا الا بنظر الامام فيه، الا من يرقون بذات الاسر ممن سنبين، وهم النساء والصبيان ونحوهم.
فالاسر أو السبى مختلف عن الاسترقاق وهو من أسبابه ويفترق عنه فى معناه.
وفى بحث هذا الموضوع ننظر أولا فى أسباب الاسترقاق ثم فى أحكامه ثم فى انتهائه.
أولا - اسباب الاسترقاق
يتأتى الاسترقاق عن السببين الآتيين:
وهما الاسر، والشراء عن الحربيين
السبب الاول: الاسر:
ويحدث الاسر اما بالتغلب فى القتال أو بوقوع الاسير فيئا «انظر أسر» .
وقد يكون الاسر. سببا للاسترقاق اذا كان الاسير ممن يرقون بذات الأسر كالنساء والصبيان ونحوهم ممن سنبين.
وقد يكون الاسر طريقا للاسترقاق وذلك اذا كان الاسير ممن لا يرقون بذات الاسر بل يتقرر استرقاقهم بنظر الامام فيهم، اذا لم ير قتلهم أو المن عليهم أو مفاداتهم عند من يجيزون ذلك وكان الاسير ممن يصلح لان يكون محلا للأسر.
فالاسارى من حيث استرقاقهم على أنواع ثلاثة:
نوع يسترق بذات الاسر.
ونوع لا يسترق بذات الاسر ولكن بنظر الامام فيهم.
ونوع لا يجوز استرقاقهم.
(1)
لسان العرب مادة: رق
وكذلك فان الاسر قد يتم باحدى طريقتين.
اما بالتغلب فى القتال، أو بوقوع الاسير فيئا لاحد المسلمين أو بعضهم مما يكون له أثره فى الاسترقاق، وبجعله أحيانا واقعا بذات الاسر، وأحيانا واقعا بنظر الامام على ما سنرى.
أنواع الاسارى من حيث استرقاقهم
النوع الاول: من يرقون بالاسر أصلا:
وهؤلاء على صنفين:
الاول: من حيث حالة الاسير نفسه
، ككونه امرأة أو صبيا أو من جرى مجراهما فى مختلف المذاهب على ما سنبينه.
والثانى من حيث سبب الوقوع فى الاسر، اذا كان يختص به الجيش أو من فى حكمه. أو كان يختص به آسره كما لو كان نفلا أو فيئا أو كان الآسر فردا لا يستند لجيش.
الصنف الاول: ممن يرقون بذات الاسر «بسبب حالهم» .
وذلك بسبب حالهم، وكونهم من النساء أو الصبيان أو أجرتهم المذاهب فى حكمهم مجرى النساء والصبيان.
فانه اذا كان المذهب لا يجيز قتلهم بعد الاسر ولا يجيز فيهم المن والفداء فانه لا يبقى فيهم الا الاسترقاق الواقع بذات الاسر، فيصيرون اماء وعبيدا بالاسر ذاته، وذلك سواء أكانوا يسترقون بذات الاسر لجماعة المسلمين أى بيت المال، أو للجيش أى للغانمين أو للآخذ نفسه فى الاحوال التى يكون فيها ذلك.
مذهب الحنفية
(1)
لا يحل أن يقتل بعد الفراغ من القتال أى بعد الاسر والاخذ - كل من لا يحل قتله حال القتال - الا اذا كان قد قاتل حقيقة بسلاح أو نحوه، وقاتل معنى بالرأى أو التحريض وأشباه ذلك.
فانه اذا قاتل حقيقة أو معنى حال القتال يباح قتله بعد الأسر، الا الصبى والمعتوه الذى لا يعقل كما سنبين.
ومن لا يحل قتلهم حال القتال، فلا يقتلون بعده اذا أسروا فلا يبقى الا استرقاقهم، فهم المرأة الا اذا قاتلت حقيقة أى بالسلاح ونحوه، أو معنى بالتحريض وما يشبه ذلك، أو كانت ذات رأى ولو لم تقاتل، والصبى والمعتوه ولو قاتلا، أو قتلا جماعة من المسلمين، لانهما ليسا أهلا للعقوبة، والشيخ الفانى والمقعد ويابس الشق - من به فالج - والاعمى ومقطوع اليد والرجل من خلاف، ومقطوع اليد اليمنى، وذلك اذا قاتلوا حقيقة، أو
(1)
متن القدورى ص 124 مكتبة محمد على صبيح وبدائع الصنائع ح 7 ص 101 مطبعة الجمالية سنة 1910 وشرح الدر المختار الجزء الاول ص 458 مكتبة محمد على صبيح والفتاوى الهندية الجزء الثانى ص 194 المطبعة الاميرية ببولاق سنة 1310 الطبعة الثانية.
معنى وبعض من لا يسترقون وهم الرهبان على ما سنرى.
ولما كان الحنفية لا يجيزون المن والفداء، فان من لا يقتلون ممن سلف يرقون بذات الاسر حتما، وهم قد يرقون لجماعة المسلمين أو للآسر على ما سنرى من أحكام الاسترقاق، الا اذا كانوا ممن لا يجوز استرقاقهم.
وقد تأتى القول عندهم بعدم المن والفداء من وجوه.
منها قولهم
(1)
بنسخ آية المن والفداء بقوله تعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}
(2)
» وقوله تعالى «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ»
(3)
فالقتل مأمور به ولا يجوز تركه الى الاسترقاق.
وقالوا: ان منّ النبى صلى الله عليه وسلم على أسارى بدر كان باجتهاده وعوتب فيه بقوله سبحانه وتعالى «لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» (انظر فداء).
مذهب المالكية:
ولما كان المالكية يجيزون المن والفداء لقوله تعالى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً»
(4)
ولفعله صلى الله عليه وسلم مع أسارى بدر وغيرهم، وذلك اذا رآه الامام باجتهاده قبل القسمة، فان الاسارى لا يرقون عندهم بذات الاسر ولو كانوا ممن لا يجوز قتلهم اذا أسروا، وهم المرأة والصبى الا اذا قاتلا فعلا وباشرا السلاح - لا غيره كالرمى بالحجارة - وقتلا أحد المسلمين.
فى رأى، أو لم يقتلا فى رأى آخر، والمجنون جنونا مطبقا - على أية حال، وكذلك المعتوه والشيخ الفانى الذى لا قدرة له على القتال، والاعمى والزمن، وهو العاجز أو المريض باقعاد أو شلل أو نحو ذلك
(5)
.
مذهب الشافعية:
الشافعية ولو أنهم يجيزون المن والفداء لما تقدم من أسباب عند المالكية، الا أنهم يفرقون بين صنفين من الاسارى
(6)
(1)
كتاب السير الكبير للامام محمد تحقيق الدكتور صلاح المنجد - معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية - 1958 - وبدائع الصنائع المرجع السابق ح 7 ص 119، 120.
(2)
الاية رقم 5 سورة التوبة.
(3)
الاية رقم 29 سورة التوبة.
(4)
الآية رقم 4 من سورة محمد.
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير طبعة عيسى البابى الحلبى ج 2 ص 176 ومواهب الجليل بشرح مختصر خليل للحطاب ج 3 ص 351 مطبعة السعادة بالقاهرة الطبعة الأولى سنة 1328. وشرح الخرشى على مختصر خليل ج 3 ص 121 الطبعة الثانية المطبعة الأميرية.
ومواهب الجليل للحطاب ح 3 ص 359 المرجع السابق.
(6)
الأم للامام الشافعى ح 4 من ص 144 الى 262، 287، مكتبة كليات الازهر اشراف محمد زهدى النجار سنة 1961. والمهذب للفيروزابادى الشيرازى ج 2 ص 233 مطبعة عيسى البابى الحلبى ونهاية المحتاج للرملى ح 8 ص 61، ص 65 مطبعة مصطفى البابى الحلبى.
الصنف الاول: هم النساء غير المسلمات غير المرتدات ولو كن حاملات بمسلم والخناثى غير المرتدين والمجانين ولو كان جنونهم متقطعا.
فهؤلاء يرقون بذات الاسر، لانهم كالمتاع المغنوم تعلق بهم حق الغانمين فلا يجوز للامام ترك أحدهم بعد أسره بمن أو فداء، أو قتله.
وان فعل ذلك أو فعله أحد الجند كان ضامنا لقيمته.
وقالوا: ان العبيد الاسارى يرقون كذلك بذات الاسر.
والصنف الثانى: هم الشيخ الفانى وهو لا يقتل فى أحد الرأيين فى المذهب لوصاية أبى بكر ليزيد بن أبى سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة بذلك، ولكنه لا يرق بذات الاسر، لانه يجوز المن عليه ومعاداته.
وقال رأى آخر: يجوز قتله بعد الاسر، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر قتل دريد بن الصمة يوم حنين وكان شيخا كبيرا كالقفة لا ينتفع الا برأيه.
وفى هذا الرأى لا يرق الشيخ الفانى بذات الاسر لانه عرضة لان يقتل.
وقالوا أنه يجوز للامام أن يمن على الرجال البالغين أو يفادى بهم فله الخيار فيهم أن يمن عليهم أو يفادى بهم أو يقتلهم أو يسترقهم الا اذا كانوا من عبدة الاوثان فلا يجوز استرقاقهم.
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة أن المرأة التى لم تقاتل والصبى يصيران رقيقين بذات الاسر، فقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتلهما ونهيه متفق عليه، ولانهما يصيران رقيقين بنفس السبى ففى قتلهما اتلاف المال.
واذا سبى الصبى منفردا صار مسلما فلا يجوز قتله.
ويعتبر فى الصبى احدى ثلاث علامات.
احداها: الاحتلام.
الثانية: انبات الشعر الخشن بدليل ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم فى سبى بنى قريظة.
الثالثة: ببلوغ خمس عشرة سنة.
وقالوا: يكون رقيقا بذات السبى أيضا من لا نفع فيه ممن لا يقتل كالاعمى ونحوه.
وكذلك الشيخ الفانى لا يقتل، لنهى النبى صلى الله عليه وسلم وقوله «لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا امرأة» . رواه أبو داود فى سننه.
وقالوا: لا يقتل كذلك الفلاح الذى لا يقاتل والزمن والاعمى واذا كان المريض ممن لو كان صحيحا قاتل، فانه يقتل لان ذلك بمنزلة الاجهاز عليه وان كان ميئوسا من برئه فيكون بمنزلة الزمن لا يقتل.
ويجيز الحنابلة
(1)
المن والفداء عموما للأسباب السابقة عند المالكية والشافعية
…
وذلك حسب ما يتبينه الامام من الاصلح للمسلمين.
فمنهم القوى فقتله أصلح ومنهم الضعيف ذو المال الكثير ففداؤه أصلح.
ومنهم من ينتفع بخدمته ويؤمن شره وينشأ على الاسلام كالنساء والصبيان فاسترقاقه أصلح، وذلك مع رأيهم فيمن لا يجوز استرقاقه من عبدة الاوثان الرجال.
فعندهم يكون النساء والصبيان ومن فى حكمهم أرقاء بذات الاسر ولكن يجوز ألمن عليهم وفداؤهم.
مذهب الظاهرية:
وقال الظاهرية
(2)
يقتل حال القتال من عدا النساء والصبيان لما ورد عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة وجدت مقتولة فى بعض المغازى فأنكر ذلك.
أما من عداهم فجائز قتله سواء كان مقاتلا أو غير مقاتل تاجرا أو أجيرا أو شيخا كبيرا كان ذا رأى أو لم يكن أو فلاحا أو أسقفا أو قسيسا أو راهبا أو أعمى أو مقعدا، وجائز استبقاؤهم أيضا.
أما بعد القتال فتقتل النساء كالرجال، ولا يقبل منّ ولا فداء الا فى أحوال.
والصبيان لا يسترقون لانهم يصيرون مسلمين بأخذهم.
فالاصل أنه لا يقبل من كافر الا الاسلام أو السيف، الرجال والنساء فى ذلك على السواء، حاشا أهل الكتاب خاصة وهم اليهود والنصارى والمجوس فقط فانهم ان أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصّغار.
وأنه لا يحل الافداء الاسير المسلم بمال أو بأسير كافر ولا يحل أن يرد صغير سبى من أرض الحرب اليهم لا بفداء 2 - الموسوعة
(1)
المغنى لابن قدامة ح 10 ص 543، 539 الطبعة الاولى مطبعة المنار سنة 1348 والمحرر فى الفقه على مذهب الامام أحمد بن حنبل ح 2 ص 172. مطبعة السنة المحمدية المغنى ح 10 ص 400 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لابن حزم ح 7 ص 296، 309، 345 ادارة الطباعة المنيرية الطبعة الأولى سنة 1349.
ولا بغير فداء لانه قد لزمه حكم الاسلام بأخذ المسلمين لهم فهو وأولاد المسلمين سواء ولا فرق.
مذهب الزيدية:
الاصل عند الشيعة الزيدية
(1)
:
هو استرقاق الاسارى غير ذكور العرب منهم من نسل اسماعيل، وغير المرتدين، فهم لا يسترقون.
وعندهم أن المرأة لا تقتل فى القتال الا اذا كانت ذات رأى ولا الصبى ولا الشيخ الفانى ولا الاعمى ولا المقعد ولا العسيف «الاجير الزراعى» ولا العبد المملوك الا أن يكون مقاتلا.
وقال بعضهم: لا يجوز فداء الاسرى ولا المن عليهم بغير عوض، الا أن ينفك الاسير المسلم بالاسير المشرك،.
فصار الاصل والمتعين طبقا لهذا الرأى أن الاسترقاق يجرى بمجرد الاسر بالنسبة لمن يحرم قتلهم.
وقال على عليه السلام: الصحيح غير ذلك أى يجوز فى الاسارى المن والفداء.
فصار الاسير حسب هذا الرأى لا يسترق بأسره، انتظارا لما يراه الامام فيه من المن أو الفداء.
مذهب الإمامية
(2)
:
قال الإمامية: ان الاناث يملكن بذات السبى ولو كانت الحرب قائمة وكذا الذرارى يملكون بالاسر.
ولو اشتبه فى بلوغ الصبى اعتبر بالانبات.
والذكور البالغون يتعين قتلهم وان كانت الحرب قائمة ما لم يسلموا.
والامام مخير ان شاء ضرب أعناقهم، وان شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.
وان أسروا بعد أن تقضى الحرب لم يقتلوا، وكان الامام مخيرا فيهم بين المن والفداء والاسترقاق، ولو أسلموا بعد الاسر لم يسقط عنهم هذا الحكم.
مذهب الإباضية
(3)
:
لا تقتل المرأة الا اذا قاتلت أو أعانت بغير سلاح، ولا الصبى ولا الشيخ الفانى الا اذا كان يعود اليه الامر فيقتل.
(1)
شرح الأزهار الجزء الرابع ص 542، 540، 565، 566 مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1358 هـ - والبحر الزخار ح 5 ص 398 الطبعة الأولى سنة 1368 - 1949 مكتبة الخانجى بمصر.
(2)
الروضة البهية الجزء الاول مطابع دار الكتاب العربى بمصر ص 220، 222 وشرائع الاسلام الجزء الاول مكتبة الحياة ببيروت ص 150 وما بعدها.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل ح 7 ص 426 وما بعدها.
الثانى: ممن يرقون بسبب الاسر ذاته:
وهم من يكونون للغانمين وليس للمسلمين أو للجيش وانما يختص به الآخذ.
فهؤلاء لا يكون للامام فيهم نظر، ولكن يتملكهم الآسر فور أسرهم. ويسترقون بمجرد الأسر.
وهناك أحوال يتملك فيها الآسر الاسير ويختص به وحده دون عامة المسلمين أو الجيش فلا ينتظر حتى يتقرر فيه المن أو الفداء أو القتل، ولا أن يقع فى قسم رجل أو يباع.
مذهب الحنفية
(1)
:
يكون الاسير ملكا لجماعة المسلمين أولا، وذلك متى حازوه فى دار الاسلام بدخولهم به اليها، حتى يقع فى ملك أحد الغزاة بالقسمة أو يباع بعد أن يرى الامام استحياءه، ان كان ممن يجوز استرقاقهم الا أن عندهم أحوالا يكون فيها الاسير ملكا للآسر بالاخذ.
وهى اذا أخذ الاسير فيئا أو نفلا أو أسره من لا منعة له تلصصا.
فاذا كان الاسير قد أخذ فيئا، وذلك بأن يقع غنيمة للمسلمين بغير ايجاف خيل ولا ركاب أى بدون أن يحملوا عليه بالقوة. فعند الحنفية خلاف فى الفئ
(2)
.
فقال الامام أبو حنيفة: اذا دخل الحربى دار الاسلام بغير أمان فأخذه أحد المسلمين كان لجماعة المسلمين ولا يختص به الآسر.
وقال محمد وأبو يوسف: يكون للآسر وليس لجماعة المسلمين لان سبب الملك عندهما هى يد حقيقية هى يد الآخذ بالاستيلاء، وهى مقدمة على يد أهل الاسلام لان يدهم حكمية.
وكذلك يختص المنفل بما نفله الامام له.
والنفل هو اعطاء الامام لاحد المقاتلين فوق سهمه وقت القتال حثا وتحريضا، كأن يقول من قتل قتيلا فله سلبه. أو يقول من أخذ شيئا فهو له أو من افتتح قلعة فله جارية منها أو من أسر أسيرا فهو له.
وذلك لاثارة حميتهم على القتال ودفعهم له وهو جائز وقت القتال وأما بعد الاصابة فقد قيل فى الرأى الارجح. لا يجوز النفل.
وقيل فى رأى آخر يجوز.
وعلى أية حال فانه لا نفل بعد الدخول بالغنيمة الى دار الاسلام واحرازها بها.
وقالوا
(3)
- ان حكم النفل هو اختصاص صاحبه به وقطع حق الباقين فى تملك الاسير المغنوم.
لا خلاف فى ذلك.
وانما اختلفوا فى وقت تملك المنفل لها.
فقال الامام أبو حنيفة: لا يملكها الا فى دار الاسلام، أى بدخولهم بها واحرازهم لها
(1)
المبسوط للسرخسى ح 10 ص 53 مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1324، وبدائع الصنائع ح 7 ص 122. المرجع السابق وشرح الدر المختار ج 1 ص 461، المرجع السابق.
(2)
بدائع الصنائع ح 7 ص 116 «المرجع السابق» وحاشية ابن عابدين ح 3 ص 328.
(3)
السير الكبير للامام محمد ح 2 ص 529، ح 3 ص 1032، المرجع السابق، والمبسوط للسرخسى ح 10 ص 47، 49، المرجع السابق، وبدائع الصنائع ح 7 ص 129، المرجع السابق، وشرح الدر المختار ح 1 ص 463، 464، المرجع السابق.
فيها. فمن أصاب جارية نفلا فاستبرأها لم يحل له وطؤها عند الامام ولا بيعها قبل الاحراز بدار الاسلام.
وقال محمد: يثبت ملك النفل بنفس الاصابة دون اشتراط الاحراز بدار الاسلام فله أن يطأها بعد الاستبراء فى دار الحرب وأن يبيعها فيها.
واذا أسره اثنان، وكان الامام قد نفل الاسير لآسره، كان لهما، وان كان أحدهما قد أعجزه عن الفرار كان الاسير له دون الآخر.
أما من يأخذ الاسير منفردا عن الجيش ولا منعة له وهو ما اصطلح البعض على أن يسميه بالتلصص.
فقد قال الحنفية
(1)
فى ذلك أنه اذا دخل جماعة ذات منعة دار الحرب بغير اذن الامام فان ما أسروه يقسم قسمة الغنائم.
لا خلاف فى ذلك بين ما اذا كانوا قد دخلوها باذن الامام أو بدون اذنه.
وأقل المنعة فى ظاهر الرواية أربعة. لقوله صلى الله عليه وسلم. خير الاصحاب أربعة.
وعند أبى يوسف: أقل المنعة تسعة، ففى هذه الحالة لا يسترق الاسارى لاخذهم بذات الاسر وانما ينتظر فى الاسارى خيار الامام على ما هو مقرر فى المذهب حتى يرى فيهم استرقاقا ان كان ذلك جائز فيهم.
وأما اذا دخل الى دار الحرب جماعة لا منعة لها باذن الامام وأسرت الاسارى، فان المأخوذ يكون عندهم غنيمة أيضا فى ظاهر الرواية لوجود المنعة دلالة. فان اذن الامام يقويهم ويرعاهم اذا غابوا.
أما إذا دخل من لا منعة له بغير اذن الامام أى تسللا واختلاسا وتلصصا، فانهم ان أسروا الاسارى يختصون به ويكون خاصة لهم وحدهم وليس لعموم المسلمين. فيسترق الاسير بذات الاخذ لانه لا يجرى فيه نظر الامام.
والسبب فى ذلك هو انعدام المتعة أصلا فان الغنيمة اسم لما أصيب من أموال أهل الحرب بالقوة والقهر وأوجف عليهم المسلمون بالخيل والركاب.
ومن لا منعة له ولم يأذنه الامام فليس أخذه بطريق الغلبة بل بالتلصص وليس المأخوذ غنيمة بل هو مال مباح يختص به آخذه كالصيد.
وقالوا فى الصفى، وهو ما يصطفيه الامام لنفسه من الغنيمة قبل قسمتها انه سقط بموت النبى صلى الله عليه وسلم.
فلا يجوز للائمة من بعده أن يصطفوا لانفسهم من الغنيمة وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه صفية بنت حيى بن أخطب من غنيمة بنى قريظة
(1)
بدائع الصنائع ح 7 ص 117 وما بعدها المرجع السابق.
واصطفى غير ذلك فى مواقع أخرى.
مذهب المالكية
(1)
:
قالوا فى الاسير الذى يؤخذ فيئا، كحربى نزل دار الاسلام بأمان ثم نقض عهده فأسرناه، أن رقبته تكون لآخذه.
وكره الامام مالك النفل كراهية شديدة وقال أراه قتالا لدنيا وليس لله وقال لا بأس أن ينفل الامام من الغنيمة بعد أن صارت اليه.
واذا كان الاسير قد أخذه من لا يستند الى جيش أو سرية أو نحوهما فانه يكون لآخذه خاصة وبذلك يرق بالاسر ولا يكون للامام نظر فيه.
مذهب الشافعية:
(2)
روى الامام الشافعى قولين فى الرجل يأسره الرجل.
أحدهما: أنه يكون كالذرية يخمس، ويقسم أربعة أخماس بين من حضر فلا يكون لآسره خاصة.
قال الشافعى وهذا هو القول الصحيح.
وروى أنه قيل أن الرجل البالغ اذا أسر يكون لمن أسره لانه مخالف للذرية فعليه القتل.
والفئ عند الشافعى: يقسم ولم ينص للآسر على شئ يختص به
(3)
.
وقالوا فى النفل أقوال
(4)
.
منها أنه يجوز للامير أن ينفل لمن فعل فعلا يفضى الى الظفر، كأن يقول من دلنى على قلعة معينة فله جارية منها، فان كانت فيها جارية سلمت اليه ولا حق للغانمين فيها.
وقيل انه لا نفل ولكن الراجح هو الاول.
وليس للمتلصص عندهم أن يختص بما اختلسه لان ما أخذه المسلم منفردا يخمس عندهم
(5)
. ويدل على ذلك أيضا أن الفئ لا يختص به الآسر.
(1)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 3 ص 125 المطبعة الاميرية الطبعة الثانية، وشرح الدسوقى ج 2 ص 187 مطبعة عيسى البابى الحلبى، والمدونة الكبرى ج 3 ص 30 وما بعدها مطبعة السعادة سنة 1323 هـ.
(2)
الام ج 4 ص 144 المرجع السابق.
(3)
الام ج 4 ص 138، 153، 154 المرجع السابق.
(4)
المهذب ج 2 ص 243، 244 والأم ج 4 ص 142 وما بعدها.
(5)
نهاية المحتاج للرملى ج 8 ص 69 «مصطفى البابى الحلبى» .
مذهب الحنابلة:
قالوا فى النفل
(1)
: اذا بعث الامام السرية ونفلها الربع أو الثلث ثم دفع الى بعضهم دون بعض، فان النفل يرد على من مع فاعل موجب النفل، ولا يختص به وحده لانه بقوتهم صار اليه.
أما اذا نفل بعض الجيش لعنائه وبأسه أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش، كقوله من هدم صورا فله أسير، فانه يختص به وحده دون غيره.
وقالوا
(2)
- اذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير اذن الامام ففتحوا فعن أحمد ثلاث روايات فى ذلك:
أحدها: أن غنيمته كغنيمة غيره يخمسها الامام ويقسم باقيها بين الغانمين لقوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ» }.
(3)
قال ابن قدامة وعليه أكثر أهل العلم.
والرأى الثانى: أنه لهم من غير أن يخمس لانه اكتساب مباح بغير جهاد فكان أشبه بالاحتطاب.
وعلى هذين الرأيين يكون ما اختصوا به من الاسرى مسترقا حال الاسر أيا كان نوعه، وما آل للامام من الخمس يجرى نظره فيه فلا يسترق بفور الاسر.
والثالث: أنه لا حق لهم فيه، وعلى هذا الرأى لا يسترق الاسارى حال الاسر الا بالنظر لنوعهم على ما قدمنا.
وان كانوا ذوى منعة وغزوا باذن الامام ففيه روايتان:
احداهما: لا شئ لهم وهى فئ للمسلمين.
والثانية: يخمس ويقسم الباقى لهم.
قال ابن قدامة وهو الاصح لكونه اكتساب مباح بغير جهاد فيجرى عليه ما تقدم من رأى.
مذهب الظاهرية:
(4)
تقسم الغنيمة أربعة أخماس بين من حضروا الموقعة وتعجل القسمة فى دار الحرب.
ولا بأس أن ينفل الامام بعد الخمس وقبل القسمة لمن معه من النساء ومن قاتل من الصبية «أى يرضخ لهم فى تعبير سائر المذاهب» بعد الخمس.
(1)
المغنى ج 10 ص 418.
(2)
المغنى ج 10 ص 530 وما بعدها.
(3)
الاية 41 من سورة الانفال.
(4)
المحلى ج 7 ص 330، 341، 340، 335، 351.
وقالوا كل من دخل من المسلمين أرض الحرب فغنم منها سواء كان وحده أو فى أكثر من واحد باذن الامام أو بغير اذنه، فكل ذلك سواء يكون غنيمة لعموم قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ» (الاية).
مذهب الزيدية
(1)
:
تكون الغنيمة للغانمين كلهم.
وللامام الاصطفاء من الغنيمة، وله أن ينفل كأن يقول من أصاب أسيرا فهو له ويختص الامام بالصفى، والمنفل بالنفل فيسترق اذن بالاخذ.
وقالوا اذا دخل مسلم دار الحرب أخذ ما ظفر به من أموالهم سواء أخذ ذلك بالقهر أو بالتلصص.
مذهب الإمامية
(2)
:
تقسم الغنيمة بين الغانمين بعد الخمس والجعائل، وهى ما يجعله الامام للدليل المرشد للطريق أو العورة ونحوه، وكذا الرضخ وما يصطفيه الامام لنفسه.
وقالوا بجواز النفل قبل توزيع الغنيمة فالصفى والنفل عندهما يسترقان أيضا بمجرد اختصاص صاحبه به ولا ينتظر فيه رأى الامام، وقد رأينا أن له المن والفداء على التفصيل السابق.
النوع الثانى
من يرقون بنظر الامام فيهم
يتبين مما تقدم أنه لهم فيما عدا الاسارى الذين يرقون بمجرد الاخذ بسبب نوعهم أى بسبب كونهم نساء أو صبية أو نحو ذلك على ما فصلنا.
أو بسبب طريقة أخذهم كأن يكونوا نفلا أو فيئا.
أو أخذهم متلصص أو من لا يستند الى جيش حسبما بينا.
فان بقية الاسارى انما يرقون بنظر الامام فيهم اذا لم يكونوا ممن لا يجوز استرقاقهم من العرب الوثنيين وغيرهم على ما سنرى فى سائر المذاهب.
والذين يرقون بنظر الامام فى مختلف المذاهب هم من يجرى الامام الخيار فيهم وهو خيار يتضمن الاسترقاق وغيره.
مذهب الحنفية:
يجرى خيار الامام بالاسترقاق أو غيره فى كل من يجوز قتله، ممن يجوز استرقاقهم. ولم يختص به آخذه.
مذهب المالكية:
يجرى خيار الامام بالرق أو غيره فى كل الاسارى لان المذهب أجاز المن والفداء الا من لا يجوز استرقاقه أو كان لآخذ فور الاخذ.
(1)
شرح الازهار ج 4 ص 543، وما بعدها، 553 وما بعدها.
(2)
الروضة البهية ح 1 ص 221 وما بعدها.
مذهب الشافعية:
يجرى الخيار بين الاسترقاق وغيره فى الرجال المقاتلين وحدهم ممن يجوز استرقاقهم ولم يملكهم الآخذ بأخذه.
مذهب الحنابلة:
يجرى الخيار فيمن لا يرقون بذات الاسر وليسوا لآخذيهم ويجوز أسرهم.
مذهب الظاهرية:
لا خيار فلا يقبل من الاسير الا الاسلام أو السيف رجالا ونساء ..
فالحال أن الاسير أما يسترق لآخذه بالنفل ونحوه، وأما يقتل.
فليس ثمة من يسترق بخيار الامام.
مذهب الزيدية:
لا يسترق الاسير بذات الاسر فى الارجح الا اذا كان لآخذه لاجازة المن والفداء فى عموم الأسرى.
مذهب الإمامية:
يجرى الخيار فى غير النساء والذرارى الذين يملكون بذات الاسر، وذلك لجواز المن والفداء فى سائر الاسرى، الا اذا كان الاسير لآخذه أو لا يجوز استرقاقه.
فلا محل للخيار فيه.
النوع الثالث
من لا يجوز استرقاقهم:
وهؤلاء ثلاثة أصناف:
صنف من الحربيين والمرتدين.
وصنف من المسلمين.
وصنف من الذميين وأهل الصلح والموادعة والمستأمنين.
الحربيون
.
جرى البحث فى جواز استرقاق العربى الوثنى الحر الذكر البالغ المقاتل، وجواز استرقاق العجمى الوثنى الحر الذكر البالغ المقاتل، وذلك على التفصيل الآتى:
مذهب الحنفية
(1)
:
لا يقبل من مشركى العرب الا الاسلام أو القتل فلا يسترقون ولا توضع عليهم الجزية.
فان الجزية لا تقبل عندهم الامن الكتابى والمجوسى ولو عربيا والوثنى العجمى يجوز عندهم استرقاقه أو وضع الجزية عليه.
مذهب المالكية
(2)
:
ينظر الامام فى الاسرى - على خلاف انواعهم - بالمن أو الفداء أو الجزية أو الاسترقاق فاى ذلك رآه أحسن. فعله.
(1)
شرح الدر المختار ج 1 ص 473 وبدائع الصنائع ج 7 ص 100، 101.
(2)
مواهب الجليل للحطاب ج 3 ص 358 وما بعدها و 380 وهامشه التاج والاكليل.
وأما النساء والذرارى فليس له الا الاسترقاق أو المفاداة بالنفوس دون المال.
وقالوا تعقد الجزية لكل كافر صح سباؤه فيجوز عندهم أخذها من العجم باتفاق ومن مشركى العرب من دان بغير الاسلام منهم، الا قريشا فقد قيل لا تؤخذ منهم الجزية لمكانتهم من النبى صلى الله عليه وسلم.
مذهب الشافعية
(1)
:
لا تقبل الجزية من مشركى العرب.
وعبدة الاوثان بل تؤخذ من أهل الكتاب ومن لحق بهم ممن له شبه كتاب.
فلا يقبل من مشركى العرب وعبدة الاوثان عموما الا الاسلام أو السيف أو المن أو الفداء ولا يسترقون.
وقال فى المهذب. فان كان الاسير من عبدة الاوثان ففيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يجوز استرقاقه لانه لا يجوز اقراره على الكفر بالجزية كالمرتد.
والثانى: أنه يجوز لما روى عن ابن عباس، ولان من جاز عليه المن جاز استرقاقه.
وان كان من أهل العرب ففيه قولان:
قال فى الجديد - يجوز استرقاقه، وهو الصحيح، لان من جاز المن عليه والمفاداة به جاز استرقاقه.
وقال فى القديم لا يجوز لما روى عن معاذ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: لو كان الاسترقاق ثابتا على العرب لوجد اليوم.
قال فان تزوج العربى بأمة.
فعلى القول الجديد الولد مملوك.
وعلى القول القديم يكون حرا ولا ولاء عليه لانه حر الاصل.
أما نساء العرب الوثنيات والنساء المشركات الوثنيات عموما فانهن يسترقون بلا خلاف فان صحابة النبى عليه السلام فعلوا ذلك.
وكذلك بالنسبة للرجال المقاتلين من أهل الكتاب ممن يرفضون الاسلام أو الجزية.
قال الامام: ان الاصل فيهم حديث النبى صلى الله عليه وسلم «اذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم الى ثلاث خصال» الاسلام أو التحول الى دار الهجرة أى أعطاء الجزية، وأن هذا الحديث فى أهل الكتاب خاصة دون أهل الاوثان.
(1)
المهذب ج 2 ص 236، 250 والأم ج 4 ص 172 وما بعدها، 260.
فالذين أمر الله أن تقبل الجزية منهم هم أهل الكتاب ولا يخالف أمره عز وجل أن يقاتل المشركون حتى يكون الدين كله لله.
ثم قال الشافعية
(1)
- ان للامام أن يفعل دائما ووجوبا - لا بالتشهى - ما فيه الاحظ للمسلمين من قتل أو فداء بأسرى أو بمال أو باسترقاق فان خفى الاحظ جمعهم حتى يظهر.
مذهب الحنابلة
(2)
:
قال الحنابلة ان الرجال المقاتلين البالغين من أهل الكتاب - اليهود. والنصارى - وكذلك المجوس يخير الامام فيهم بين اربعة أشياء.
القتل أو المن بغير عوض أو مفاداتهم أو استرقاقهم.
وان الجزية لا تقبل الا من هؤلاء اذا كانوا مقيمين على ما هودوا عليه.
وان من سواهم من الرجال من عبدة الاوثان وغيرهم ممن لا يقر بالجزية يخير الامام فيهم بين ثلاثة أشياء.
القتل أو المن أو الفداء.
ولا يجوز استرقاقهم فى قول.
وفى قول آخر يجوز استرقاقهم.
قال ابن قدامة فى المغنى وذلك ظاهر رواية الامام أحمد.
وروى عنه ان الجزية تقبل من جميع الكفار الا عبدة الاوثان من العرب لتغليظ كفرهم من جهة دينهم ومن جهة أنهم رهط النبى صلى الله عليه وسلم.
مذهب الظاهرية
(3)
:
لا يقبل من كافر الا الاسلام أو السيف الرجال منهم والنساء فى ذلك سواء، عدا أهل الكتاب منهم خاصة وهم اليهود والنصارى والمجوس فقط.
مذهب الزيدية
(4)
:
العرب من الكفار لا تغنم نفوسهم وهم العرب من نسل اسماعيل عليه السلام ذكر لا أنثى غير كتابى أى ليس بذى ملة مستندة الى كتاب مشهور كالتوراة والانجيل.
وعلى الامام والمسلمين أن يطلبوا منهم اما الاسلام أو السيف ان لم يقبلوا الاسلام.
ولا يجوز أن يسبى ويملك بخلاف العجمى فانه يجوز سبيه سواء كان وثنيا أو كتابيا.
(1)
المهذب ج 2 ص 360 ونهاية المحتاج ج 8 ص 65.
(2)
المغنى ج 10 ص 402، 568 وما بعدها. والمحرر ج 2 ص 172، 182.
(3)
المحلى ج 7 ص 345، 347.
(4)
شرح الازهار ج 4 ص 540.
مذهب الإمامية
(1)
:
يقتل جميع الذكور البالغين من غير اليهود والنصارى والمجوس حتما ان أخذوا والحرب قائمة ولم يسلموا.
ويسترق نساؤهم وأطفالهم فلا يقتلون.
المرتدون
اتفقت جميع المذاهب على عدم جواز أسر المرتد واسترقاقه.
وفى المرتدة وأولادهما تفصيل.
مذهب الحنفية
(2)
:
لا يؤسر المرتد ولا يسترق بالذات بل يستتاب أو يقتل.
فليس ثمة سوى الاسلام أو السيف.
وذلك حتى لا يكون الاسر والاسترقاق من بعده اقرارا له على ردته.
وقال الكاسانى لا يسترق المرتد ولو لحق بدار الحرب.
اما المرأة فقالوا أنها تسترق اذا ارتدت سواء بقيت فى دار الاسلام أو حرجت الى دار الحرب، لانه لم يشرع قتلها ولا يجوز ابقاء الكافر على كفره الا على جزية أو رق.
أما أولاد المرتدين فيسترق أولاد المرتدة تبعا لامهم وهى تحتمل الاسترقاق.
وأما كبارهم فيجبرون على الاسلام.
وقد استرق الصحابة رضوان الله عليهم أولاد المرتدين ونساءهم.
ولو ارتدت المرأة وهى حامل ولحقت بدار الحرب ثم سبيت وهى حامل فان ولدها يكون فيئا لان السبى لحقه وهو فى حكم الجزء من الام فلا يبطل بالانفصال عنها.
مذهب المالكية:
(3)
لا يجوز اسر المرتد ولا استرقاقه.
فاما أن يسلم أو يقتل.
ويظل أولاد المرتدين الصغار على الاسلام، ويحكم باسلامه تبعا لسابيه ان لم يكن معه أبوه.
أما النساء المرتدات فلا يسبين على المشهور فى المذهب.
وقالوا اذا أسلم جماعة من الكفار ثم ارتدوا الى الكفر جميعا وحاربوا المسلمين فقدر المسلمون عليهم حكم فيهم بحكم المرتدين لا الناقضين للعهد.
(1)
المختصر النافع ص 134، 137.
(2)
السير الكبير للامام محمد ح 3 ص 1030 وبدائع الصنائع ج 7 ص 119، 136، 140.
(3)
أقرب المالك ج 1 ص 186 والمدونة الكبرى ج 3 ص 47، 50 وشرح الخرشى ج 3 ص 150.
مذهب الشافعية
(1)
:
أهل الردة لا يرقون ولا يغنمون كأهل الحرب. ولا يسبى ذرية المرتدين ولو لحقوا بدار الحرب لان حرمة الاسلام ثبتت لهم ولا ذنب لهم فى تبديل آبائهم دينهم.
ومن بلغ منهم ولم يتب قتل.
ومن ولد للمرتدين فى الردة لم يسب لان آباءهم لم يسبوا.
وقالوا ان ارتد معاهدون ولحقوا بدار الحرب وعندنا لهم ذرارى لم نسبهم.
مذهب الحنابلة
(2)
:
لا يسترق المرتد رجلا كان أو امرأة سواء بقيافى دار الاسلام أو لحقا بدار الحرب ولا يسترق أحد من أولادهم.
ومن لم يسالم منهم قتل الا من علقت به أمه فى الردة فيجوز أن يسترق.
وقيل لا يسترق أيضا.
وقال ابن قدامة: لا يجرى على أحد من اولاد المرتد أو المرتدة قبل الردة حكم الرق.
وأما من حدث منهم بعد الردة فهو محكوم بكفره لانه ولد من أبوين كافرين ويجوز استرقاقه لانه ليس مرتدا.
وقال اذا وقع ولد المرتد فى الاسر بعد لحوقه بدار الحرب فحكمه كسائر أهل الحرب الا أنه لو بذل الجزية بعد لحوقه بدار الحرب لم تقبل منه لانه انتقل الى الكفر بعد نزول القرآن.
وأما ما كان حملا حين الردة فيكون كالحادث بعد الكفر.
واذا ارتد أهل البلدة كلهم فانهم عند الحنابلة يصيرون حربيين وتغنم أموالهم وتسبى ذراريهم الحادثين بعد الردة وعلى الامام قتلهم.
وقال الظاهرية
(3)
:
لا يسترق.
وقيل اذا فتحت المدينة فأسلم أهلها كلهم يصيرون احرارا.
(أنظر أسر)
وثانيهما - ان يدخل الحربى دار الاسلام مسلما وامرأته غير المسلمة حامل.
فقال الحنفية
(4)
والمالكية يكون الولد مسلما تبعا لابيه ورقيقا تبعا لامه.
(1)
مختصر المزنى ص 260، 267.
(2)
المغنى ح 10 ص 93، 95 والمحرر ح 2 ص 169.
(3)
المحلى لابن حزم ح 7 ص 309.
(4)
للحنفية المبسوط للسرخى ص 66 وما بعدها وللمالكية شرح الخرشى ح 3 ص 121.
وذلك على تفصيل ما نراه فى السبب الثانى من اسباب الاسترقاق وهو الولادة.
وقال الحنفية أيضا
(1)
اذا أسلم الحربى وجاء الينا وترك ولده الصغير فى دار الحرب وظهر عليهم المسلمون كان فيئا.
مذهب الزيدية
(2)
:
تسبى الحرة المرتدة ان لحقت بدار الحرب ولا يسترق ولد الولد من المرتدين بلا خلاف عندهم.
أما الولد فان كان أحد أبويه مسلما ثبتت أحكام الاسلام للصغير وان كان الولد الاخر كافرا.
ويحكم باسلام الصبى اذا لم يكن مع أبويه فى دار الاسلام.
مذهب الشيعة الجعفرية
(3)
:
المرتد يستتاب فيسلم أو يقتل ولا يسترق.
وقالوا فى ولد المرتد أنه بحكم المسلم فان بلغ مسلما فلا بحث.
وان اختار الكفر بعد بلوغه استتيب فان لم يتب قتل.
واذا ولد بعد الردة وكانت أمة مسلمة فهو بحكم المسلم أيضا.
وان كانت أمه مرتدة والحمل بعد ارتدادها فهو بحكمهما.
وترددوا فى استرقاقه فتارة يجيزونه لانه كافر بين كافرين.
وتارة يمنعونه لان أباه لا يسترق.
مذهب الإباضية
(4)
:
قال الإباضية فى أهل البلد يرتدون جملة: تصير دارهم دار حرب وتجرى عليهم أحكامها.
ويتأتى استرقاق المسلم فى فرضين:
أحدهما: اذا أسلم الحربى الاسره بعد أسره وقبل استرقاقه، قيل لان الاسلام لا ينافى الرق وذلك عند الحنفية
(5)
والشافعية
(6)
والمالكية والحنابلة
(7)
.
(1)
شرح الدر المختار ح 1 ص 468.
(2)
البحر الزخار ح 5 ص 425.
(3)
شرائع الاسلام ح 2 ص 259.
(4)
شرح النيل ح 10 ص 399.
(5)
الزيلمى ح 3 ص 253 والسير الكبير للامام محمد ح 2 ص 708 وح 3 ص 1027 وفتح القدير ح 4 ص 306.
(6)
الام ح 4 ص 253 والمهذب ح 2 ص 536 ونهاية المحتاج ح 8 ص 66، 95.
(7)
المغنى ح 10 ص 402، 408.
البغاة
لا يجوز سبى أهل البغى ولا استرقاقهم ولا استرقاق نسائهم وأولادهم
(1)
. (انظر أهل البغى).
الذميون
قد يسترق الذمى اذا نقض العهد، على اختلاف فى المذاهب:
مذهب الحنفية
(2)
:
قالوا ان عهد الذمى ينتقض بأحد أمرين:
أما أن يلحق بدار الحرب.
أو يغلبون على موضع فيحاربوننا فيه.
وأما غير ذلك من أسباب الاسلام أو الفسق أو الامتناع عن الجزية فليس عندهم نقضا للعهد.
وجاء فى البدائع. اذا لحق بدار الحرب كان كالمرتد.
واذا غلبوا على موضع صاروا حربيين.
وجاء فى الفتاوى الهندية هو كالمرتد ولم يفرق بين الحالين. وانه اذا نقض عهده اعتبر ميتا بلحاقه بدار الحرب.
واذا تاب قبلت توبته ولا يبطل أمان زوجته بنقضه. وتبين منه زوجته التى خلفها فى دار الاسلام.
مذهب المالكية
(3)
:
ينتقض عهد الذمى بقتال ومنع جزية وتمرد على الاحكام وغصب حرة مسلمة والتغرير بها والتطلع الى عورات المسلمين ومراسلة أهل الحرب بشأنها.
وقالوا يصير الذمى حربيا بها، فيكون كالحربى الاصلى ويكون الامام مخيرا فيه بأحد الامور التى يتخير فيها فى الاسير الحربى ومنها اباحة استرقاقه.
وقالوا اذا سب نبيا بما يكفر به فانه يقتل ان لم يرجع وفى غير هذه الحالة يخير الامام فيه كما قدمنا.
وأما فى السب فيتعين القتل.
واذا خرج لدار الحرب دون أن يظلم وذلك اذا لحق لدار الحرب لغير مظلمة لحقته. فقد قيل فى ذلك رأيان الرأى الراجح أنه تجرى فيه أحكام الاسير الحربى كما بيناه.
(1)
للحنفية. بدائع الصنائع ح 7 ص 140 وللمالكية متن أقرب المسالك ص 186. وللشافعية الام للامام الشافعى ح 4 ص 218 والمهذب ح 2 ص 219. وللحنابلة المغنى ح 10 ص 63 والظاهرية المحلى ج 11 ص 10 والزيدية شرح الازهار ح 4 ص 523 وما بعدها والإمامية شرائع الاسلام ح 1 ص 157.
(2)
الفتاوى الهندية ح 2 ص 152 وما بعدها. وبدائع الصنائع ح 7 ص 114 وما بعدها المرجع السابق.
(3)
شرح الخرشى ح 3 ص 149 وما بعدها والدسوقى وهامشه للشيخ عليش ج 2 ص 204 وما بعدها. وشرح الحطاب وهامشه التاج والاكليل ح 3 ص 385 وما بعدها.
ومنها الاسترقاق ونص عليه فى المذهب خاصة.
والرأى الثانى وهو قول أشهب انه لا يسترق لان الحر لا يعود الى الرق أبدا وأن الحرية لم تثبت .. له بعتاقه من رق متقدم فلا يجوز بعد ذلك استرقاقه.
واذا ارتد جماعة منهم وحاربوا، عوملوا كالمرتدين ولم يعاملوا كناقضى العهد فيستتاب كبارهم ثلاثة أيام ويجبر صغارهم على الاسلام ولا تسبى نساؤهم على المشهور فى المذهب.
مذهب الشافعية
(1)
:
اذا فعل الذمى ما ينتقض به العهد ففيه قولان:
أحدهما أنه يرد الى مأمنه لانه حصل فى دار الاسلام على أمان فلم يجز قتله قبل الرد الى مأمنه.
والثانى وهو الاصح فى المذهب أنه لا يجب رده الى مأمنه ويكون الامام أن يختار فيه ما يراه من القتل والاسترقاق والمن والفداء كما قلنا فى الاسير.
وينتقض العهد عندهم اذا امتنع الذمى عن التزام الجزية أو عن التزام أحكام المسلمين.
وكذلك اذا قاتل المسلمين.
كما قالوا انه ينقضه بالزنا بالمسلمة أو أن يصيبها باسم النكاح أو يفتن مسلما عن دينه أو يقطع الطريق أو يأوى عينا للاعداء أو يدل على عورات المسلمين (يتجسس) وقيل كذلك أن يقتل مسلما.
مذهب الحنابلة
(2)
:
قالوا: اذا نقض أهل الذمة العهد أو أخذ رجل الامان لنفسه وذريته ثم نقض العهد، فانه يقتل رجالهم ولا تسبى ذراريهم الموجودون قبل النقض لان العهد شملهم جميعا ودخلت فيه ذريتهم.
وانما كان النقض من الرجال وحدهم فتختص اباحة الدم بهم.
وأما من ولد بعد النقض جاز استرقاقه لانه لم يثبت له أمان بحال وسواء فى ذلك من لحقوا بدار الحرب أو أقاموا بدار الاسلام.
وأما نساؤهم، فمن لحقت منهم بدار الحرب طائفة أو وافقت زوجها فى نقض العهد جاز سبيها لانها بالغة عاقلة نقضت العهد فاشبهت الرجال فى فعلها وفى حكمها.
ومن لم تنقض العهد منهن لم ينتقض عهدها بنقض زوجها عهده، فنحفظ لها ذمتها
(1)
المهذب ح 2 ص 257.
(2)
المغنى ج 10 ص 516. والمحرر ج 2 ص 188.
ولا تسترق وينتقض عهد الذمى عندهم بمثل ما نقل عن الشافعية.
وقال فى المحرر اذا نقض عهده لمجرد لحوقه بدار الحرب، خير الامام فيه كالاسير.
وان نقضه لغير ذلك فالمنصوص عليه قتله.
وقال القاضى بالتخيير فيه أيضا كالاسير.
مذهب الظاهرية
(1)
:
اذا خالف الذميون شيئا مما شرطه عليهم المسلمون فلا ذمة لهم.
ويحل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق.
ويقاتل أهل الكتاب اذا امتنعوا عن أداء الجزية.
فقد روى عن مجاهد: يقاتل أهل الاوثان على الاسلام ويقاتل أهل الكتاب على الجزية، قال وهدا عموم للرجال والنساء فاذا غلبوا جاز فيهم الاسترقاق.
مذهب الزيدية
(2)
:
اذا نقض الذمى العهد فانه يجوز استرقاقه وقتله.
وقيل يقتص منه أو يحد أو يعزر بحسب ما ارتكب.
مذهب الإمامية
(3)
:
اذا خرقوا الذمة فى دار الاسلام كان للامام ردهم الى مأمنهم.
وفى قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم رأيان:
فقيل بجوازه وهو الاغلب وان كان فيه تردد.
واذا أسلم بعد خرق الذمة لم يرتفع عنه الاسترقاق.
أهل الامان
مذهب الحنفية
(4)
:
قالوا: انه بالامان يحرم قتل الرجال وسبى النساء والذرارى الا أن يكون الامان مؤقتا وانتهت مدته، أو نقضه الامام لمصلحة وأخطرهم بالنقض، فانه يردهم الى مأمنهم. فان أبوا قاتلهم فاذا غلبهم جرى فيهم ما يجرى فى المحاربين من استرقاق وغيره.
مذهب المالكية
(5)
:
الحكم فى الامان هو ما تقدم بالنسبة للذمة.
(1)
المحلى ج 7 ص 346 وما بعدها.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 569 وما بعدها.
(3)
شرائع الإسلام ج 1 ص 154 وما بعدها
(4)
بدائع الصنائع ج 7 ص 106 وما بعدها والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 5 ص 87 الطبعة الاولى بالمطبعة العلمية.
(5)
شرح الخرشى ج 3 ص 150.
مذهب الشافعية
(1)
:
اذا دخل الحربى دار الاسلام بامان ثبت له الامان فى نفسه وماله، فلا يسترق.
فاذا فعل ما يعتبر نقضا لعهده رد الى مأمنه بعد أن يستوفى ما يكون عليه من حق فلا يجوز استرقاقه.
وان عقد الامان ثم عاد الى دار الحرب فى تجارة أو رسالة فهو على الامان فى النفس والمال اذا رجع الى دار الاسلام.
وأن رجع الى دار الحرب بنية المقام انتقض الامان فى نفسه فيسترق اذا وقع بعد فى أيدى المسلمين ولا ينتقض فى ماله.
مذهب الحنابلة
(2)
:
اذا دخل الحربى دار الاسلام بأمان ثم عاد الى دار الحرب لحاجة يقضيها ثم يعود الى دار الاسلام فهو على أمانه فى نفسه فلا يجوز استرقاقه.
وان عاد الى دار الحرب مستوطنا بطل الامان فى نفسه بدخوله دار الحرب فيسترق اذا أسره المسلمون.
واذا بان أنه جاسوس خير الامام فيه كالاسير فيكون له فيه الاسترقاق وغيره كما تقدم.
مذهب الزيدية
(3)
:
اذا اختل قيد من قيود انعقاد الامان رد المستأمن الى مأمنه ولم يجز قتله ولا استرقاقه فى هذه الحالة.
واذا كان الامان قد عقد بعد نهى الامام عن تأمين الحربيين - أو ظهر أن المستأمن ممالئ لاهل الحرب، فانه يجوز قتله فى هذه الحالة.
مذهب الإمامية
(4)
:
اذا اختل شرط لصحة الامان أو أنكره من ادعى الحربى عليه انه عطاه الامان، وجب رد الحربى الى مأمنه ولا يسترق.
واذا عاد الحربى المستأمن الى دار الحرب للاستيطان انتقض الامان فى نفسه دون ماله فلو أسره المسلمون فاسترق ملك ماله تبعا لرقبته.
واذا أمن جاسوسا فان الامان لا ينفذ كذلك.
وكل أمان فيه مضرة للمسلمين لا ينفذ.
أهل الموادعة أو المهادنة
الموادعة أو المهادنة هى المعاهدة على ترك القتال لمدة (الهدنة).
(1)
المهذب ج 2 ص 263.
(2)
المغنى ج 10 ص 437 وما بعدها والمحرر ج 2 ص 180 وما بعدها.
(3)
شرح الأزهار ج 4 ص 559 والهامش وما بعدها.
(4)
شرائع الإسلام ج 1 ص 149 وما بعدها والروضة البهية ج 1 ص 220 وما بعدها.
مذهب الحنفية
(1)
:
اذا انتقضت الموادعة فى الاحوال التى يجيزها المذهب (انظر موادعة) فيحارب الموادعون ويباح قتلهم واسترقاقهم.
واذا أخذ المسلمون الموادعين أثناء المدة لم يجز الاسر والاسترقاق ويرد المأخوذ ولا يباع.
واذا انتقل الموادعون الى بلدة أخرى لا موادعة فيها وغزاهم المسلمون فهم آمنون.
وانما اذا أسر حربيون موادعين ثم أغار المسلمون على أولئك الحربيين واستولوا منهم على هؤلاء الاسارى جاز استرقاقهم، لان حكم الموادعة بطل فى حق الاسير
(2)
.
مذهب المالكية
(3)
:
اذا استشعر الامام خيانة من وادعهم، ونبذ اليهم بعد انذارهم، صعاروا حربيين وجاز فيهم الاسر والاسترقاق وغيره حسب المذهب.
واذا اشترط الموادعون فى الهدنة أن يرد المسلمون اليهم من جاءهم مسلما وجب ذلك فلا يؤخذ ولا يسترق.
أما النساء فلا ينفذ هذا الشرط عليهن ولا يرجعن الى الموادعين.
واذا أخذ المسلمون منهم الرهائن.
فانهم يردون اليهم ولو أسلموا ولا يسترقون.
مذهب الشافعية
(4)
:
اذا انتقضت الهدنة فى حق المهادن لامر، حسبما يجيزه المذهب (انظر موادعه). ولم يكن على الموادعين حق، ردهم الامام الى مأمنهم لانهم دخلوا على الامان فوجب ردهم الى المأمن.
وان كان عليهم حق استوفاه منهم وردهم الى مأمنهم فلا يجوز استرقاقهم فى الحالين.
مذهب الحنابلة
(5)
:
اذا نقض أهل الهدنة العهد حلت دماؤهم وأموالهم وجاز سبى ذراريهم ونسائهم لان النبى صلى الله عليه وسلم قتل رجال بنى قريظة وسبى نساءهم ودراريهم وأخذ أموالهم حين نقضوا العهد.
وكذلك فان الهدنة عقد مؤقت ينته بانتهاء مدته بنقضه وفسخه بخلاف عقد الذمة.
مذهب الزيدية
(6)
:
(1)
بدائع الصنائع ج 7 ص 108 وما بعدها.
(2)
البحر الرائق ج 5 ص 85 لابن نجيم.
(3)
شرح الخرشى ج 3 ص 151.
(4)
المهذ ج 2 ص 263.
(5)
المغنى ج 10 ص 516.
(6)
شرح الازهار ج 4 ص 562 وهامشها
اذا لم ينكث أهل الصلح من غير المسلمين أو البغاة عهدهم فانه يجب على الامام أن يرد اليهم ما يكون قد وقع فى أيدى المسلمين. فلا يسترق ما يقع فى أيدى المسلمين فى هذه الحالة.
وكذا يرد ما أخذه مسلم يجهل الصلح. فان أسر منهم أو غنم وجب على الامام أن يرده اليهم.
وأجازوا أن يتضمن الصلح بذل الرهائن من المشركين الينا، وأن نضعهم وثيقة لاتمام الصلح الى مدته.
ولا يجوز أن يرتهنوا مسلما لانه لا يجوز طروء الملك على مسلم أبدا ولو ارتد. فاذا نكثوا بالعهد تملك المسلمون الرهائن اذ يرجعون بالنكث الى أصل الاباحة.
السبب الثانى للاسترقاق
الشراء من الحربيين
قد يدخل المسلم الى دار الحرب متاجرا فيشترى من أهلها الرقيق ويجلبهم الى دار الاسلام أو يقدم الحربى الى دار الاسلام بأمان ومعه ما يبيعه من الحربيين. فان المبيع من هؤلاء ان لم يكن رقيقا أو كان رقيقا فى شريعتهم، فانما يرد عليه رق جديد حسب أحكام الاسلام فيكون ذلك سببا من اسباب الاسترقاق فى الاسلام.
ويكن شراؤنا من الحربيين فى هاتين الحالتين جائزا فى مختلف المذاهب
(1)
.
وقد فصلت بعض المذاهب فى جزئيات تتعلق بهذه المسألة.
مذهب الحنفية
(2)
:
قال الحنفية: انه اذا كان لملك من ملوك أهل الحرب أرض واسعة وفيها قوم من أهل مملكته هم عبيد له وصار ذمة للمسلمين، فان أهل مملكته يكونون على حالهم كما كانوا، يبيعهم ان شاء وللمسلمين الشراء منهم. ولو أسلم كانوا عبيدا له لقوله صلى الله عليه وسلم: من أسلم على مال فهو له.
كما قالوا: انه وادع المسلمون قوما من أهل الحرب، ثم أغار عليهم قوم آخرون من أهل الحرب وسبوا منهم،
(1)
للحنفية المبسوط لسرخسى ج 10 ص 96 وما بعدها و 85 والفتاوى الهندية ج 2 ص 234 وما بعدها. وللمالكية المدونة الكبرى ج 10 ص 106 ومواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب وهامشه التاج والاكليل ج 3 ص 379، 363 وما بعدها. وللشافعية الام ج 4 ص 247، 274 ونهاية المحتاج ج 8 ص 69. وللحنابلة المغنى ج 10 ص 605 وما بعدها وص 483، 515.
وللظاهرية المحلى ج 7 ص 306، 349، وللزيدية شرح الأزهار ج 4 ص 551 وما بعدها مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1358 وللامامية شرائع الإسلام ج 1 ص 164، 185 وما بعدها.
والروضة البهية ج 1 ص 293 وما بعدها.
(2)
المبسوط ج 10 ص 96.
كان للمسلمين أن يشتروا من ذلك السبى لان الموادعة لم تخرجهم عن أنهم أهل حرب.
مذهب المالكية
(1)
:
كره الامام مالك أن يشترى من الحربيين من يدخلون بهم دار الاسلام ليبيعوهم وكان الاعداء قد أحرزوه من مسلم أو ذمى.
واستحب غيره ذلك.
وقال الامام مالك اذا كان بيننا وبين قوم هدنة فأغار عليهم قوم من أهل الحرب فسبوهم فلا يجوز للمسلمين شراؤهم.
وقال فى أهل أقليم النوبة يغير عليهم غيرهم فيسبونهم ويبيعونهم للمسلمين: لا أرى أن يشتروهم.
مذهب الشافعية
(2)
:
يحل شراء الارقاء المجلوبين، اذا لم يعلم أنه غنيمة لم تخمس، وان الورع لمريد الشراء ان يشترى من بيت المال لان الغالب هو عدم التخميس فى هؤلاء السبايا.
وقالوا: اذا دخل الحربى دار الاسلام ومعه مملوك أو مملوكة فأسلم المملوك أو أسلمت أجبر على بيعه أو بيعها اذ ليس للحربى أن يملك مسلما.
مذهب الظاهرية
(3)
:
اذا دخل أهل الحرب الى دار الاسلام ومعهم أسرى مسلمون وذميون أو عبيد أو اماء للمسلمين أو للذميين فان ذلك كله ينتزع منهم بلا عوض أحبوا أو كرهوا.
مذهب الشيعة الإمامية
(4)
:
الكفر الاصلى سبب لجواز استرقاق المحارب وذراريه. ومن ثم يسرى الرق فى أعقابه ولو زال الكفر ما لم تعرض الاسباب المؤدية للحرية.
أحكام الاسترقاق وانتهاؤه
اذا ثبت الاسترقاق صار المسترق رقيقا وثبتت فيه جميع أحكام الرقيق. وينته رقه بالأسباب التى تنته بها الرق.
(انظر رقيق. غنيمة. عتق. استيلاد.
تدبير. مكاتبة).
(1)
المواضع السابق الاشارة اليها فى بدء هذا البحث.
(2)
المواضع السابق الاشارة اليها فى بدء هذا البحث.
(3)
المحلى ج 7 ص 306 م 932.
(4)
المواضع السابقة فى المراجع المشار اليها.
استسعاء
معناه فى اللغة:
سعى يسعى، سعيا، أى عدا وكذا: اذا عمل وكسب.
وقال الزجاج
(1)
: أصل السعى فى كلام العرب: التصرف فى كل عمل. ومنه قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى}
(2)
.
وأسعى غيره: جعله يسعى
(3)
.
(فالاستسعاء) طلب السعى من الغير.
معناه الاصطلاحى:
الاستسعاء عند الفقهاء، هو تكليف العبد من العمل ما يؤدى به عن نفسه اذا أعتق بعضه، ليعتق به ما بقى.
وجاء فى ابن عابدين
(4)
: الاستسعاء:
أن يؤاجره (أى العبد المبعض) ويأخذ قيمة ما بقى من أجره.
حكم الاستسعاء
اتفق الفقهاء على أنه متى استحق على العبد الاستسعاء، أصبح واجبا عليه.
قال صاحب الهداية
(5)
تجب السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد.
لانه صار دينا عليه، فأصبح كالمدين.
ولان السيد له حق الوصول الى البدل، ليصل العبد الى الحرية.
وجاء فى كتاب الاختيار: المستسعى كالمكاتب عند أبى حنيفة حتى يؤدى السعاية، لانه تعلق عتقه بأداء المال: فلا تقبل شهادته، ولا يرث، ولا يتزوج. وقالا:
هو حر مديون.
الاحوال التى يكون
فيها الاستسعاء:
يكون فى العبد اذا عتق بعضه ورق بعضه
اذا كان بين شريكين فأعتقه أحدهما، أو أعتق نصيبه.
فيما لو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق.
فى العبد اذا أعتقه مالكه عند موته وليس له مال غيره.
فى الجارية اذا كانت بين رجلين وزعم أحدهما أنها أم ولد لصاحبه وأنكر ذلك الآخر.
(1)
لسان العرب لابن منظور مادة سعى.
الطبعة الاولى طبع صادر، دار بيروت سنة 1374 هـ.
(2)
الآية 39 سورة النجم.
(3)
المحكم والمحيط الاعظم لابن سيده ج 2 مادة سعى الطبعة الأولى طبع مصطفى البابى الحلبى سنة 1377 هـ.
(4)
ابن عابدين ج 3 ص 19.
(5)
فتح القدير ج 3 ص 388.
العبد اذا كان بين الورثة وأقر أحدهما بعتقه. أو بعتق نصيبه.
المدبر اذا مات مولاه قبل أن يحصل على حريته.
عبد الرهن اذا أعتقه الراهن.
المكاتب فى جميع أحواله:
فى المضارب - والمأذون - والمحجور عليه اذا أعتق بعد الحجر عليه.
آراء الفقهاء فى الاستسعاء
1 -
اذا أعتق المولى بعض عبده:
مذهب الحنفية:
يرى أبو حنيفة أن من أعتق بعض عبده عتق هذا البعض وسعى فى بقية قيمته لمولاه
(1)
.
ولمولاه حينئذ أن يستسعيه فى قيمة الباقى، أو يحرره.
وليس له أن يتصرف فى الباقى بتصرف آخر، وهذا بناء على أن العتق عنده يتجزأ.
لما روى نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شقصا (جزءا) من عبد، فعليه عتق كله وفى رواية:
كلف عتق ما بقى ويرى أبو يوسف ومحمد: أنه يعتق كله، لان الاعتاق لا يتجزى عندهما فاضافة العتق الى بعضه كاضافته الى كله.
لقوله عليه السلام: (من أعتق شركا له فى عبد فقد عتق كله).
مذهب المالكية:
اذا أعتق المولى بعض عبده
، عتق عليه كله، واذا أعتق شقصا فى عبد مشترك: عتق كله، وعليه قيمة باقية لشريكه، ولا سعاية فى الحالتين
(2)
.
مذهب الحنابلة:
من أعتق جزءا من عبده غير شعر وسن وظفر، وهو معين: كرأسه أو أصبعه، أو مشاع: كنصفه عتق كله، وعليه قيمة باقيه لشريكه موسرا كان أو معسرا لقول النبى صلى الله عليه وسلم:(من أعتق شركا له فى عبد، فكان معه ما يبلغ قيمة العبد - قوم عليه قيمته العدل، وعتق عليه جميع العبد). وعليه: فلا سعاية عندهم
(3)
.
(1)
الاختيار شرح المختار المسمى بالاختيار لتعليل المختار تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلى الحنفى الجزء الثانى ص 359 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده سنة 1355 هـ.
(2)
المدونة ج 7 ص 42.
(3)
المغنى والشرح الكبير 12 ص 253 وما بعدها وكشاف القناع ج 2 ص 631.
مذهب الظاهرية:
من أعتق بعض عبده، فقد عتق كله بلا استسعاء
(1)
.
مذهب الإمامية
(2)
:
من أعتق شقصا من عبده أو أمته، وان قل الجزء - عتق كله وان لم يملك سواه. الا أن يكون المعتق مريضا ولم يبرأ من مرضه الذى أعتق فيه، ولم يخرج المملوك من الثلث - أى ثلث مال المعتق:
فلا يعتق حينئذ أجمع، بل ما يسعه الثلث. الا مع الاجازة من الوارث: فيعتق أجمع ان أجازه، والا فبحسب ما أجازه، ولو كان له فيه شريك قوم عليه مع يساره، وسعى العبد فى باقى قيمته.
اذا كان العبد بين شريكين
مذهب الحنفية:
يرى أبو حنيفة أنه: اذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه، فان كان المعتق موسرا فشريكه بالخيار ان شاء أعتق نصيبه: منجزا أو مضافا
(3)
.
وينبغى اذا أضافه أن لا تقبل اضافته الى زمان طويل لانه كالتدبير معنى.
ولو دبره وجب السعاية عليه فى الحال فيعتق كما صرحوا به.
فينبغى أن يضاف الى مدة تشاكل مدة الاستسعاء.
وان شاء ضمن المعتق قيمته اذا لم يكن باذنه.
فان كان باذن الشريك فلا ضمان عليه له.
وان شاء استسعى العبد، وهذا كله عند أبى حنيفة، هكذا ذكر فى الاصل.
وذكر فى التحفة خمس خيارات. هذه الثلاثة وأن يدبره - وعلمت حكمه أن يستسعى - وأن يكاتبه وهو يرجع الى معنى الاستسعاء - ولو عجز استسعى. ولو امتنع يؤاجره جبرا.
ولو كان شريك المعتق صبيا، والمعتق موسرا فلوليه التضمين أو السعاية والتضمين أولى. وليس له اختيار العتق لانه تبرع بمال الصبى.
وقال أبو يوسف ومحمد: ليس للشريك الا التضمين مع يسار المعتق أو الاستسعاء مع الاعسار.
فعندهما يسعى العبد وهو حر مديون.
فيسار المعتق لا يمنع السعاية عند أبى حنيفة وعندهما يمنع.
مذهب المالكية:
أنه اذا أعتق أحد الشريكين فى عبد نصيبه عتق عليه.
فان كان موسرا بالباقى: سرى العتق اليه، وقوّم عليه وأدى قيمته الى شريكه.
(1)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 200.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 194.
(3)
فتح القدير ج 3 ص 380 وما بعدها الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميرية سنة 1316 هـ.
وان كان معسرا اقتصر العتق على نصيبه، وظل الباقى على رقه. ولا يلزم العبد بالسعاية كما لا يجب على سيده اجابته اليها
(1)
.
مذهب الشافعية:
اذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما
(2)
نصيبه عتق هذا النصيب.
فان كان موسرا سرى العتق الى الباقى وعليه قيمة ذلك لشريكه يوم الاعتاق.
وان كان معسرا عند الاعتاق، بقى الباقى من العبد على رقه لشريكه ولا استسعاء واجب حينئذ.
والاصل فى ذلك خبر الصحيحين: من أعتق شركا له فى عبد، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل، وأعطى شركاه حصصهم. وأعتق عليه العبد والا فقد عتق عليه منه ما عتق.
مذهب الحنابلة:
ان أعتق شركا (نصيبا) له فى عبد، وهو موسر بقيمة باقية - عتق كله، وعليه قيمة باقية يوم العتق لشريكه.
وان كان معسرا لم يعتق الا نصيبه، وبقى حق شريكه فيه.
وروى عن أحمد: أنه يعتق كله. ويستسعى العبد فى قيمة باقية غير مشفوق عليه (أى بدون مشقة)، حتى يؤديها
(3)
.
مذهب الظاهرية:
من ملك عبدا بينه وبين غيره
(4)
، فأعتق نصيبه كله أو بعضه، أو أعتق كل العبد عتق جميعه حين لفظ بذلك.
فان كان له مال يفى بقيمة حصة من يشركه حين يلفظ بعتق ما أعتق منه، أداها الى من يشركه.
فان لم يكن له مال يفى بذلك، كلف العبد أن يسعى فى قيمة حصة من لم يعتق، على حسب طاقته.
لا شئ للشريك غير ذلك، ولا له أن يعتق.
والولاء للذى أعتق أولا. ويقوم كله ثم يقدر مقدار حصة من لم يعتق.
ولا يرجع العبد المعتق على من أعتقه بشئ مما سعى فيه: حدث له مال، أو لم يحدث.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية أنه اذا أعتق أحد الشريكين نصيبه
(5)
، وجب على العبد أن يسعى
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ح 4 ص 372 وما بعدها.
(2)
مغنى المحتاج ج 4 ص 455.
(3)
الشرح الكبير مع المغنى ج 12 ص 249، 254.
(4)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 190 وما بعدها.
(5)
التاج المذهب شرح متن الازهار ج 3 ص 391
لشريك المعتق فى قيمة نصيبه الا أن يعتقه موسر حال العتق ضامن للشريك. فان العبد لا يسعى عنه والموسر يكون ضامنا لاعتاقه نصيبه بغير اذن شريكه. ومتى اختل هذان القيدان أو أحدهما لزمت السعاية - وذلك منحصر فى أربع صور.
الاولى: أن يكون السيد موسرا ضامنا وذلك حيث أعتق نصيبه بغير اذن شريكه فلا سعاية على العبد ولو أعسر السيد من بعد بل يضمن السيد حيث كان موسرا حال الاعتاق.
الثانية: عكس هذه. وهو أن يكون معسرا غير ضامن بأن يعتق نصيبه باذن شريكه.
الثالثة: أن يكون معسرا ضامنا.
الرابعة: أن يكون موسرا غير ضامن ففى هذه الصور الثلاث تجب السعاية على العبد ولا يرجع بما سعى.
مذهب الإمامية:
أنه اذا أعتق أحد الشريكين فى العبد نصيبه، عتق هذا النصيب وسار العتق الى الباقى.
فان كان المعتق موسرا قوم الباقى عليه، وأدى قيمته الى شريكه.
وان كان معسرا: استسعى العبد فى قيمة نصيب شريكه
(1)
.
ولو أيسر بالبعض سرى عليه بقدره، وسعى العبد فى الباقى. ولو عجز العبد عن السعى، أو امتنع منه ولم يمكن اجباره فالمهايأة فى كسبه.
اذا شهد أحد الشريكين على صاحبه بالعتق:
مذهب الحنفية:
يرى أبو حنيفة أنه لو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق، سعى العبد لكل واحد منهما فى نصيبه
(2)
، موسرين كانا أو معسرين، وعتق، وكذا اذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا، لان كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه، فصار العبد بذلك فى حكم المكاتب. ويزعم أنه حرم عليه استرقاقه، فيصدق فى حق نفسه، فيمنع من استرقاقه، ويستسعيه ان شاء أو يعتقه.
وقال أبو يوسف ومحمد: ان كانا موسرين فلا سعاية عليه لواحد منهما. لان كلا منهما يتبرأ عن سعايته. وانما يدعى الضمان على صاحبه: لان يسار المعتق يمنع السعاية عندهما. الا أن الدعوى لم تثبت عليه لانكاره. والبراءة من السعاية قد ثبتت لاقراره على نفسه، بثبوت سببها، حيث أقر بعتق الشريك مع يساره.
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 194.
(2)
فتح القدير ج 3 ص 386 وما بعدها.
وان كانا معسرين سعى لهما: لان كل واحد منهما يدعى السعاية عليه صادقا كان أو كاذبا، اذ المعتق معسر، وهو حر مديون عندهما.
وان كان أحدهما موسرا والآخر معسرا سعى للموسر منهما، لانه لا يدعى الضمان على صاحبه لاعساره، وانما يدعى السعاية عليه، فلا يتبرأ عنه، ولا يسعى للمعسر لانه يدعى الضمان على صاحبه ليساره، فيكون مبرئا للعبد من السعاية.
مذهب الحنابلة:
انه اذا كان العبد بين شريكين
(1)
، فادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه.
فان كانا معسرين لم يقبل قول كل واحد منهما على شريكه.
فان كانا عدلين كان للعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير حرا أو يحلف مع أحدهما ويصير نصفه حرا.
وان لم يكونا عدلين: فلا أثر لكلامهما فى الحال ولا عبرة بقولهما.
وان كان أحدهما عدلا دون الآخر:
فللعبد أن يحلف مع شهادة العدل، ويصير نصفه حرا، ويبقى نصفه الآخر رقيقا.
وان كان الشريكان موسرين، فقد صار العبد حرا باعتراف كل واحد منهما بحريته، وصار مدعيا على شريكه نصف قيمته. فان لم تكن بينة فيمين كل واحد منهما لشريكه.
وتفصيل ذلك: أن الشريكين الموسرين اذا ادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق نصيبه، فكل واحد منهما يعترف بحرية نصيبه، شاهد على شريكه بحرية نصفه الآخر، لانه يقول لشريكه: أعتقت نصيبك فسرى العتق الى نصيبى فعتق كله عليك ولزمك لى قيمة نصيبى، فصار العبد حرا لاعترافهما بحريته، وبقى كل واحد منهما يدعى قيمة حصته على شريكه.
فان كان لاحدهما بينة حكم له بها، وان لم تكن بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وبرئا.
فان نكل أحدهما قضى عليه، وان نكلا جميعا تساقط حقهما لتماثلهما.
وان كان أحد الشريكين موسرا والآخر معسرا عتق نصيب المعسر وحده: لاعترافه بأن نصيبه قد صار حرا بسبب اقراره لعتق الموسر الذى يسرى اليها. ولم يعتق نصيب الموسر: لانه يدعى أن المعسر الذى لا يسرى عتقه، أعتق نصيبه خاصة.
وان ادعى أحد الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وأنكر الآخر وكان المدعى عليه موسرا - عتق نصيب المدعى وحده لاعترافه
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 12 ص 255 وما بعدها.
بحريته بسراية عتق شريكه وصار مدعيا نصف القيمة على شريكه ولا يسرى لانه لا يعترف أنه المعتق له وانما عتق باعترافه. بحريته لا باعتاقه.
وان كان المدعى عليه معسرا، فالقول قوله مع يمينه، ولا يعتق منه شئ.
وان كان المدعى عدلا حلف العبد مع شهادته وصار نصفه حرا.
مذهب الزيدية:
حاصل الكلام عندهم فى الشريكين
(1)
يشهد أحدهما على الآخر بعتق نصيبه:
انه لا يخلوا ما أن يكونا موسرين أو معسرين.
فان كانا معسرين: فان صدق العبد الشاهد لزمه السعاية لهما، وان لم يصدق العبد الشاهد سعى للمشهود عليه فقط.
وان كانا موسرين لم يسع لايهما سواء صدق أم كذب.
وان كان أحدهما معسرا وهو الشاهد:
سعى العبد عنه فقط، سواء صدق أم كذب.
وان كان المشهود عليه معسرا: فان لم يصدق العبد لم يسع لايهما، وأن صدق الشاهد سعى للشاهد عن المشهود عليه.
مذهب الإباضية:
أنه ان كان عبد بين اثنين، فشهد كل على الآخر
(2)
أنه اعتق نصيبه: عتق من حصة كل نصفها ويسعى لهما بالنصف.
وقيل عتق كله، ولا سعى عليه.
العتق فى مرض الموت
مذهب الحنفية:
اذا أعتق مريض مرض الموت جزءا من عبد يملكه جميعه، أو مشترك بينه وبين غيره - عتق هذا الجزء عند أبى حنيفة، دون غيره، ان وسعه الثلث، وعتق كله عند صاحبيه. واستسعى العبد فى قيمة ما زاد على ما أعتق من سيده.
وهذا كله اذا لم يجز الورثة، فان أجازوا فلا سعاية عندهما. كما يعتق كل ما أعتقه المولى عند أبى حنيفة
(3)
.
مذهب المالكية:
المريض مرضا مخوفا محجور عليه فيما زاد على الثلث
(4)
فيصح اعتاقه فى الثلث، لا فيما زاد عليه اذا لم يحط دين بماله.
فان أحاط به لم يلزم عتقه ولغريمه رد العتق أن استغرق الدين جميع ماله أو رد بعضه ان لم يستغرق الجميع. كأن يكون
(1)
التاج المذهب شرح متن الأزهار ج 3 ص 389 وما بعدها.
(2)
شرح النيل ج 6 ص 399.
(3)
تبيين الحقائق (الزيلعى) ج 6 ص 196
(4)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 259 وما بعدها.
عليه عشرة. وعنده عبد يساوى عشرين، فأعتقه. فلرب الدين أن يرد ما قابل دينه وهو عشرة.
مذهب الشافعية:
اذا اعتق فى مرض موته عبدا لا يملك غيره عند موته
(1)
ولا دين عليه - عتق ثلثه ورق ثلثاه، لان العتق تبرع معتبر.
هذا ان بقى بعد موت السيد. فان مات فى حياته، فهل يموت كله رقيقا أو كله حرا أو ثلثه حرا وباقيه رقيق؟ فيه أوجه.
مذهب الظاهرية:
لو أوصى بعتق عبده فلم يحمله ثلثه عتق منه ما حمل الثلث، وعتق باقية بالسراية واستسعى لورثته فيما زاد على الثلث ولا يعتق فى ثلثه، لان ما لم يوص به الميت فهو للورثة.
فالورثة شركاؤه فيما أعتق، ولا مال للميت فوجب أن يسعى لهم.
روى من طريق ابن عمر والحكم والشعبى وابراهيم النخعى: من أعتق عبده فى مرضه فمن ثلثه، فان زاد على الثلث: استسعى للورثة وعتق كله
(2)
.
مذهب الإمامية الجعفرية:
العتق فى مرض الموت يمضى من الثلث
(3)
.
وقيل: من الاصل، والاول مروى.
وقال صاحب الروضة البهية
(4)
: لا يقع وقال صاحب الروضة البهية: لا يقع العتق من المريض اذا استغرق دينه تركته أو زاد المعتق عن ثلث ماله بعد الدين ان كان، الا مع اجازة الغرماء والورثة.
وفى الاكتفاء باجازة الغرماء فى الصورة الاولى وجهان، من أن المنع من العتق لحقهم، ومن اختصاص الوارث بعين التركة.
والاقوى التوقف على اجازة الجميع.
اذا كان العبد بين الورثة
مذهب الحنفية:
من ترك عبدا فقط فقال العبد للوارث:
أعتقنى أبوك فى الصحة
(5)
، وقال رجل له: لى على أبيك ألف درهم، فقال:
صدقتما، فان العبد يسعى فى قيمته عند أبى حنيفة ويؤدى الدين من سعايته.
وقال أبو يوسف ومحمد: يعتق ولا يسعى بشئ، لان الدين والعتق فى الصحة ظهرا معا بتصديق الوارث فى كلام واحد، فصارا كأنهما كانا معا والعتق فى الصحة لا يوجب السعاية وان كان على المعتق دين.
وله: أن الاقرار بالدين أقوى، لانه يعتبر من جميع المال والاقرار بالعتق فى المرض
(1)
منفى المحتاج ج 4 ص 461.
(2)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 200 مسألة 1666.
(3)
شرائع الاسلام ج 2 ص 94.
(4)
الروضة البهية ج 2 ص 190.
(5)
فتح القدير ج 8 ص 466، تبيين الحقائق ج 6 ص 198.
يعتبر من الثلث، والاقوى يدفع الادنى، فقضيته أن يبطل العتق اصلا، الا أنه بعد وقوعه لا يحتمل البطلان، فيندفع من حيث المعنى بايجاب السعاية، ولان الدين أسبق، لانه لا مانع من الاستثناء، فيستند الى حالة الصحة، ولا يمكن اسناد العتق الى تلك الحالة، لان الدين يمنع العتق فى حالة المرض مجانا، فتجب السعاية.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: ومن ترك عبدين ووارثين ولا مال له سوى العبدين فأقر أحد الوارثين أن مورثه أعتقهما
(1)
سعى كل للمقر بثلث نصيبه، وللآخر بنصف قيمته.
وقيل: يضمن له حصته ان شاء ويلحق هو العبدين بما استحق عليهما الآخر فيسعيان للمقر بثلثى قيمتهما ويضمن للوارث حصته كأنه نصف قيمتها وذلك فى المرض.
المدبر اذا مات مولاه قبل أن يحصل على حريته
مذهب الحنفية:
اذا مات المولى عتق المدبر، لان التدبير وصية ونفاذها من الثلث
(2)
، لما رواه نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:(المدبر لا يباع، ولا يوهب ولا يورث، وهو حر من الثلث).
فلو لم يكن له مال غيره عتق ثلثه، ويسعى فى ثلثيه للورثة، ولو كان على المولى دين فى هذه الصورة يستغرق رقبة المدبر، يسعى فى كل قيمته لان الدين مقدم على الوراثة، فكيف بالوصية، ولا يمكن نقض العتق، فيرد قيمته.
ولو دبر الراهن العبد المرهون عند المرتهن: صح تدبيره بالاتفاق
(3)
، فان كان معسرا: استسعى للمرتهن المدبر.
مذهب الزيدية:
يصح التدبير مع وجود الوارث من الثلث، ولو كان مستغرقا بالدين
(4)
، فيسعى لاهل الدين بقدر قيمته، وينفذ مع عدم الوارث من رأس المال.
واذا دبره اثنان ضمن أولهما عبارة نصيب شريكه ان كان موسرا.
وان صدر التدبير منهما معا فى وقت واحدا، أو التبس بعد أن علم، عتق بموت الاول. وسعى العبد لمن تأخر موته منهما وسواء أكان الميت موسرا أم معسرا.
مذهب الإباضية:
ومن له عبدان وقد دبر أحدهما وحضره الموت فقال
(5)
: أحدهما حر، ولم يسمه، فهما حران يسعيان.
(1)
شرح النيل ج 6 ص 339 وما بعدها.
(2)
فتح القدير ج 3 ص 437.
(3)
تكملة فتح القدير ج 8 ص 227.
(4)
التاج المذهب ج 3 ص 392، 395.
(5)
شرح النيل ج 6 ص 329.
فان عرف المدبر منهما وقيمتهما ستون:
ثلاثون لكل - سعى المدبر بخمسة عشر نتيجة انفاذ تدبيره وذلك فى عشرة وهى نصف الثلث، وخمسة نتيجة لانقسام العشرة الخاصة بالحرية بينه وبين العبد الآخر وسعى الآخر بخمسة وعشرين نتيجة لنفاذ عتقه فى خمسة.
وان لم يعرف المدبر سعى كل بعشرين.
عبد الرهن:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: لو أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه لانه مخاطب
(1)
أعتق ملك نفسه فلا يلغو تصرفه لعدم اذن المرتهن كما اذا أعتق العبد المشترى قبل القبض.
واذا نفذ الاعتاق بطل الرهن لفوات محله.
ثم بعد ذلك ان كان الراهن موسرا والدين حالا طولب بأداء الدين.
وان كان معسرا سعى العبد فى قيمته وقضى به الدين الا اذا كان بخلاف جنس حقه لانه لما تعذر الوصول الى عين حقه من جهة المعتق يرجع الى من ينتفع بعتقه وهو العبد لان الخراج بالضمان، ثم يرجع العبد بما سعى
على مولاه اذا أيسر لأنه قضى دينه وهو مضطر فيه بحكم الشرع فيرجع بما تحمل عنه بخلاف المستسعى فى الاعتاق لانه يؤدى ضمانا عليه لانه انما يسعى لتحصيل العتق عند أبى حنيفة، ولتكميله عند صاحبيه وهذا يسعى فى ضمان على غيره بعد تمام اعتاقه فصار كمعير الرهن.
المكاتب والاستسعاء:
اتفق الفقهاء جميعا على أن الكتابة فيها معنى الاستسعاء، لما فيها من السعى فى حصول الحرية ومصالحها
(2)
(أنظر كتابه).
استسعاء العبد المأذون المدين
اذا بيع وغيبه المشترى
(أنظر: مصطلح عبد).
استسعاء العبد اذا أعتقه
المحجور عليه بالسفه
(انظر مصطلح حجر).
استسقاء
المعنى اللغوى:
فى اللسان «سقى» استقى الرجل واستسقاه: طلب منه السقى.
والاستسقاء: استفعال من طلب السقيا
(1)
تكملة فتح القدير ج 8 ص 226 وما بعدها.
(2)
فتح القدير ج 3 ص 381.
«بضم السين» أى انزال الغيث على البلاد والعباد
(1)
.
المعنى الاصطلاحى:
هو طلب انزال المطر بكيفية مخصوصة عند شدة الحاجة، بأن يحبس المطر ولم يكن لهم أودية وآبار وأنهار يشربون منها ويسقون مواشيهم وزرعهم أو كان ذلك لهم الا أنه لا يكفى فاذا كان كافيا لا يستسقى
(2)
.
الصلاة للاستسقاء
اتفقت كلمة أصحاب المذاهب الا الإباضية - أنه ان قحط الناس استسقوا بالدعاء.
أما الاستسقاء بالصلاة فقد قالت به المذاهب السبعة وهذه نصوص أقوالهم.
مذهب الحنفية:
جاء فى البدائع «ظاهر الرواية عن أبى حنيفة أنه قال «لا صلاة فى الاستسقاء، وانما فيه الدعاء» .
وانما أراد بقوله «لا صلاة فى الاستسقاء» الصلاة بجماعة «أى لا صلاة فيه بجماعة» .
ولهذا قال ابن عابدين
(3)
: صلاة الاستسقاء مشروعة على سبيل الندب والاستحباب.
ويرى أبو حنيفة أن الجماعة فيها غير مسنونة، وان كانت جائزة عنده وعند محمد.
وفى الصحيح عن أبى يوسف أنها سنة.
هذا والقائلون بأن له صلاة لا ينفون الصور الاخرى للاستسقاء.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب
(4)
«والاستسقاء بالدعاء مشروع مأمور به فى كل حال» .
مذهب الشافعية والحنابلة:
فى نهاية المحتاج
(5)
: والاستسقاء ثلاثة أنواع، ثابتة بالاخبار الصحيحة:
أدناها يكون بالدعاء مطلقا، فرادى ومجتمعين.
(1)
لسان العرب لابن منظور مادة سقى طبع بيروت.
(2)
حاشية ابن عابدين ج 1 ص 790.
والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 405 ونهاية المحتاج ج 2 ص 402 وشرح المنتهى هامش الكشاف ج 1 ص 374.
(3)
حاشية ابن عابدين ج 1 ص 790 وما بعدها.
(4)
مواهب الجليل وبهامشه التاج والاكليل المعروف بالحطاب ج 2 ص 205 طتع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1328 هـ.
(5)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 2 ص 402 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ.
وأوسطها يكون بالدعاء عقب الصلوات ولو نافلة، كما فى البيان عن الاصحاب، وفى خطبة الجمعة، ونحو ذلك.
وأفضلها ان يكون بالصلاة والخطبة.
والحنابلة فى ذلك كالشافعية
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(2)
- ان قحط الناس - فليدع المسلمون فى أدبار صلواتهم وسجودهم وعلى كل حال، ويدعو الامام فى خطبة الجمعة. قال الله عز وجل «اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»
(3)
، وقال تعالى «فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ»
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(5)
. يرى أكثر العترة أن الاستسقاء يستحب بالصلاة.
ويصح بالدعاء فقط سواء تعقبه صلاة أم لا، كفعل عمر حين خرج
يستسقى فصعد المنبر فقال «استغفروا ربكم انه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا.
استغفروا ربكم انه كان غفارا ثم نزل فقيل له يا أمير المؤمنين لو استسقيت! فقال: لقد طلبت بمجاديح السماء التى يستنزل بها القطر وتلا قوله تعالى «اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً}.
(6)
مذهب الإمامية:
فى الحدائق الناضرة
(7)
قال فى الذكرى يجوز الاستسقاء بغير صلاة، اما فى خطبة الجمعة والعيدين أو أعقاب المكتوبات أو يخرج الامام الى الصحراء فيدعو، والناس يتابعونه.
حكمها
مذهب الحنفية:
تقدم أنها مشروعة على سبيل الندب والاستحباب على الخلاف السابق ذكره فى كونها فرادى أو جماعة.
مذهب المالكية:
وعند المالكية نوع تفصيل لحكمها.
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 370، ص 371 الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 93 طبع ادارة الطباعة المنيرية الطبعة الاولى سنة 1349 هـ مسألة 544.
(3)
الاية رقم 60 من سورة غافر.
(4)
الاية رقم 43 من سورة الانعام.
(5)
كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 2 ص 81 وانظر كذلك ص 76 الطبعة الاولى مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ.
(6)
الاية رقم 10، 11 من سورة نوح.
(7)
الحدائق الناضرة فى أحكام العترة الطاهرة للشيخ البحرانى ج 10 ص 494 طبع مطبعة النجف سنة 1381 هـ.
فقد جاء فى الحطاب
(1)
. الاستسقاء يكون لاربع.
الاول للمحل والجدب.
والثانى: عند الحاجة الى شرب بأشفاههم أو دوابهم ومواشيهم، فى سفر، فى صحراء أو فى سفينة أو فى الحضر.
والثالث: استسقاء من لم يكن فى محل ولا حاجة الى الشرب وقد أتاهم من الغيث ما ان اقتصروا عليه كانوا فى دون السعة فلهم أن يستسقوا ويسألوا الله المزيد من فضله.
قال مالك: كل قوم احتاجوا زيادة الى ما عندهم فلا بأس أن يستسقوا.
والرابع: استسقاء من كان فى خصب لمن كان فى جدب.
ومحل هذه الاربعة على ثلاثة أوجه.
فالوجهان الاولان سنة لا ينبغى تركها.
والثالث مباح.
والرابع مندوب اليه.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(2)
، وصلاة الاستسقاء سنة لما روى عباد بن تميم عن عمه
قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقى فصلى ركعتين جهر فيهما.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(3)
. وصلاة الاستسقاء سنة مؤكدة حضرا وسفرا لقول عبد الله بن زيد خرج النبى صلى الله عليه وسلم يستسقى فتوجه الى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه.
مذهب الزيدية:
وهى مستحبة عند الزيدية لما روى عن ابن عباس - وسئل عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر .. ثم صلى ركعتين كما يصلى فى العيد
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الحدائق الناضرة: وهى - أى صلاة الاستسقاء مستحبة واستحبابها ثابت بالاجماع والنصوص
(5)
.
(1)
الحطاب ج 2 ص 205 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 123 طبع عيسى البابى الحلبى بمصر.
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 366، 367 الطبعة السابقة.
(4)
كتاب البحر الزخار وشرحه ج 2 ص 76 الطبعة السابقة.
(5)
الحدائق الناضرة ج 10 ص 478، 479 الطبعة السابقة.
مكان أدائها
من قال بصلاة الاستسقاء فعنده أن يخرج لها الناس الى الصحراء أو ساحة البلد.
وعبر عن هذا المعنى فى قول أكثرهم بالخروج الى المصلى أو البروز كما قاله ابن حزم الظاهرى واليك نصوص أقوالهم.
مذهب الحنفية:
جاء فى فتح القدير
(1)
: يخرج الامام والناس للاستسقاء الا فى مكة وبيت المقدس فأهلهما يصلونها فى مسجديها.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب
(2)
«أطلق أصحابنا الخروج الى الصحراء لصلاة الاستسقاء ولم يقيدوا ذلك بغير مكة.
والظاهر أنه لا فرق فان أهل مكة يصلون بالمسجد الحرام كما فى صلاة العيد.
مذهب الشافعية:
«والسنة أن يكون فى المصلى لما روت عائشة رضى الله عنها قالت شكا
الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له فى المصلى، ولان الجمع يكثر فكان المصلى أرفق بهم
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(4)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى
(5)
فان أراد الامام البروز فى الاستسقاء خاصة لا فيما سواه.
وقال فى موضع آخر
(6)
صلاة الاستسقاء يخرج فيها المنبر الى المصلى.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار
(7)
: يخرج المسلمون الى ساحة البلد الذى أصابهم الجدب فيه ندبا.
(1)
فتح القدير للكمال بن الهمام ج 1 ص 437 طبع المطبعة الاميرية ببولاق سنة 1315 هـ الطبعة الاولى.
(2)
الحطاب ج 2 ص 206 الطبعة السابقة.
(3)
المهذب ج 1 ص 103 الطبعة السابقة، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الرملى ج 2 ص 407 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ.
(4)
كشاف القناع ج 1 ص 367 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 93 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 5 ص 94 الطبعة السابقة.
(7)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 391 طبع مطبعة حجازى بمصر الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.
مذهب الإمامية:
جاء فى الحدائق الناضرة
(1)
. من مستحبات هذه الصلاة أن يصحر بها «أى يخرجون الى الصحراء» كما فى العيدين، وادعى على ذلك الاجماع جمع منا، وتستثنى مكة، فأهلها يستسقون فى مسجدها.
وأضاف صاحب جواهر الكلام
(2)
.
نعم فى الذكرى: لو حصل مانع فى الصحراء لخوف وشبهة جازت فى المساجد ولا بأس به.
وقتها
مذهب المالكية:
عند المالكية أن وقت الخروج الى صلاة العيد
(3)
وهو وقت حل النافلة الى الزوال
(4)
.
مذهب الشافعية:
عند الشافعية أنها لا تختص بوقت العيد فى الاصح، ولا بوقت من الاوقات بل يجوز فعلها متى شاء
ولو فى وقت الكراهة لانها ذات سبب فدارت معه كصلاة الكسوف
(5)
.
مذهب الحنابلة:
عند الحنابلة قال صاحب كشاف القناع
(6)
. ويسن فعلها أول النهار وقت صلاة العيد، لحديث عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشمس، ولا تتقيد بزوال الشمس فيجوز فعلها بعده كسائر النوافل.
قال فى الشرح: وليس لها وقت معين الا أنها لا تفعل فى وقت النهى بلا خلاف.
مذهب الظاهرية:
لم أجد عند الظاهرية تحديد وقت معين لها الا ما يستفاد من قول ابن حزم «يصلى الامام بهم ركعتين كما قلنا فى صلاة العيد سواء
(7)
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(8)
(1)
الحدائق الناضرة ج 10 ص 486، ص 481 الطبعة السابقة.
(2)
جواهر الكلام لمحمد حسن النجفى ج 12 ص 141 طبع مطبعة النجف الطبعة السادسة سنة 1381 هـ.
(3)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد ج 1 ص 171 طبع مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الاولى سنة 1329 هـ.
(4)
بلغة السالك لاقرب المسالك للدردير ج 1 ص 179 وحاشية الصاوى عليه طبع المكتبة التجارية بمصر.
(5)
نهاية المحتاج ج 2 ص 412 الطبعة السابقة.
(6)
كشاف القناع ج 1 ص 367 الطبعة السابقة، والمغنى لابن قدامة المقدسى على الشرح الكبير ج 2 ص 432 طبع مطبعة المنار بمصر الطبعة الاولى سنة 1348 هـ.
(7)
المحلى لابن حزم ج 5 ص 93 الطبعة السابقة.
(8)
البحر الزخار ج 2 ص 87 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
فى الحدائق الناضرة
(1)
. هل يدخل الوقت فى اطلاق المماثلة لصلاة العيد، أو يخص بمجرد الكيفية دون الامور الخارجة؟ قولان.
رجح المصنف القول الثانى بقوله:
«أقول: لا ريب فى أن الاخبار مطلقة، لا اشارة فيها - فضلا عن التصريح - الى وقت معين واستفادة التوقيت من المماثلة للعيدين لا يخلو من بعد لوقوع المخالفة بينهما فى مواضع عديدة
ثم قال: ويستحب الخروج يوم الاثنين وبه صرح الصدوق والشيخ وابن البراج وابن حمزة وابن ادريس وغيرهم.
والظاهر أن المشهور فى كلام المتأخرين التخيير بين يوم الاثنين ويوم الجمعة».
الخروج للاستسقاء
اتفقت كلمة المذاهب السبعة الا الظاهرية - على أن الامام اذا أراد الخروج للاستسقاء - خطب الناس وأمرهم برد الظلامات، والتوبة من المعاصى قبل أن يخرج، لان المظالم والمعاصى تمنع القطر كما قال ابن مسعود - «اذا بخس المكيال حبس القطر» ويأمرهم بصوم ثلاثة أيام قبل الخروج لقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم» «دعوة الصائم لا ترد» واختلفوا بعد فى حكم هذه الافعال وفى اليوم الذى يخرجون فيه، على ما يأتى:
مذهب الحنفية:
قال صاحب العناية
(2)
: ويستحب للامام أن يأمر الناس بصيام ثلاثة أيام، وما أطاقوا من الصدقة والخروج من المظالم، والتوبة من المعاصى ثم يخرج بهم فى اليوم الرابع. متنظفين فى ثياب بذلة - متواضعين لله.
مذهب المالكية:
قال فى الدردير
(3)
: يسن خروج الامام والناس لها مشاة الى المصلى لا راكبين لاظهار العجز والانقياد ببذلة أى بثياب المهنة، وذلة - أى خشوع وخضوع لانه الى الاجابة أقرب.
وندب لهم صيام ثلاثة أيام قبل الصلاة.
وندب لهم صدقة على الفقراء بما تيسر وأمر الامام الناس بهما - أى بالصوم والصدقة - ندبا. كما يأمرهم بالتوبة ورد التبعات والمظالم لاهلها.
(1)
الحدائق الناضرة ج 10 ص 484، 485 الطبعة السابقة.
(2)
العناية على الهداية بهامش فتح القدير للكمال بن الهمام ج 1 ص 441 الطبعة السابقة.
(3)
الدردير ج 1 ص 179، ص 180 الطبعة السابقة.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(1)
: اذا أراد الامام الخروج الى الاستسقاء وعظ الناس، ويأمرهم بصوم ثلاثة أيام قبل الخروج، ويخرجون فى اليوم الرابع وهم صيام.
وأضاف صاحب نهاية المحتاج
(2)
.
أن التقدير بالثلاثة مأخوذ من كفارة اليمين لانه أقل ما ورد فى الكفارة.
وفى المهذب: والمستحب أن يتنظف للاستسقاء بغسل وسواك لانها صلاة يسن لها الاجتماع والخطبة فيشرع لها الغسل كصلاة الجمعة ولا يستحب أن يتطيب لها، لان الطيب للزينة، وليس هذا وقت زينة، ويخرج متواضعا متبذلا، لما روى عن ابن عباس قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقى متواضعا متبذلا متخشعا.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الروض المربع
(3)
: واذا أراد الامام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصى والخروج من المظالم وأمرهم بترك التشاحن لقوله عليه الصلاة والسلام «خرجت أخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت» وأمرهم بالصيام وبالصدقة. ويعدهم يوما يخرجون فيه، ليتهيئوا للخروج على الصفة المسنونة ويتنظف ولا يتطيب لانه يوم استكانة وخضوع.
ويخرج الامام كغيره متواضعا متخشعا متذللا متضرعا.
وزاد فى المغنى، فى اذن الامام روايتان عن أحمد.
أحداهما: لا يستحب الا بخروج الامام أو رجل من قبله.
والثانية: أنهم يصلون لانفسهم ويخطب بهم أحدهم
(4)
.
واقتصر صاحب كشاف القناع على الثانية، واحتج لها بقوله: لانها نافلة أشبهت سائر النوافل فيفعلها المسافر وأهل القرى ويخطب بهم أحدهم
(5)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: فان أراد الامام البروز فى الاستسقاء فليخرج متبذلا متواضعا الى موضع المصلى والناس معه
(6)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(7)
: وندب تقديم الامر برد الظلامات والصلح والصدقة والعتق والصوم ثلاثة أيام.
وقال فى شرح الازهار
(8)
أو يخرج فى اليوم الرابع.
وفى البحر: ويندب الخروج بلا زينة ولا طيب الا الغسل والسواك.
مذهب الإمامية:
جاء فى الحدائق الناضرة
(9)
: يستحب
(1)
المهذب ج 1 ص 123، 124 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج ج 2 ص 404 الطبعة السابقة.
(3)
ص 93.
(4)
المغنى ج 2 ص 438 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع ج 1 ص 370 الطبعة السابقة.
(6)
المجلى ج 5 ص 93.
(7)
البحر الزخار ج 2 ص 76، 77.
(8)
شرح الأزهار ج 1 ص 391.
(9)
الحدائق الناضرة ج 10 ص 486، 487
للامام أن يخطب الناس ويأمرهم فى جملة خطبته بالصيام ثلاثة أيام ويكون الثالث هو يوم الخروج.
وان جاز الاستسقاء بغير صيام الا أن الظاهر من كلام الاصحاب هو الاول، ويستحب أن يكونوا حال الخروج حفاة بالسكينة والوقار، كما ذكره الاصحاب الا أن الحفاء غير مذكور، وانما عللوه بأنه أقرب الى الخشوع والتذلل المطلوب فى هذا المقام.
من يخرج للاستسقاء
اتفقت كلمة من يقول بالخروج للاستسقاء أنه يخرج اليه الرجال، والمميزون من الصبيان والعجائز. كما أتفقوا أنه لا يخرج اليه الشابة الناعمة لما فى خروجها من الفتنة.
ثم اختلفت كلمتهم حول الصبى الذى لا يعقل، والشابة التى لا تخشى فتنتها، وأهل الذمة والبهائم، وهذه نصوص أقوالهم.
مذهب الحنفية:
من المستحب الخروج بالعجائز والصبيان واخراج الدواب. كما فى العناية
(1)
.
وقال الكاسانى. ولا يمكن أهل الذمة من الخروج الى الاستسقاء. لان المسلمين بخروجهم للاستسقاء ينتظرون نزول
الرحمة عليهم، والكفار منازل اللعنة والسخطة فلا يمكنون من الخروج
(2)
.
وزاد فى فتح القدير: ولا يمكنون من أن يستسقوا وحدهم لاحتمال أن يسقوا فيفتن به ضعفاء العوام
(3)
.
مذهب المالكية:
قال الدردير: يمنع من الخروج الشابة ولو غير مخشية الفتنة، الا أن مخشية الفتنة يحرم عليها الخروج وتمنع، وغيرها يكره لها ولا تمنع، وأما المتجالة «العجوز ولو بقى فيها أرب للرجال» فتخرج مع الناس.
وغير المميز من الصبيان لا يخرج لانه لا يعقل القربة.
ويكره خروج البهائم والمجانين.
ولا يمنع ذمى من الخروج مع الناس كما لا يؤمر به، وسواء خرج من غير شئ يصحبه، أو أخرج معه صليبه - فلا يمنع من اخراجه معه ولا من اظهاره حيث تنحى به عن الجماعة.
ولا يخرج الذمى قبل المسلمين بيوم مخافة أن يسبق القدر بالسقى فى يومه فتفتن بذلك ضعفاء القلوب
(4)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعى فى الام «وأحب أن يخرج الصبيان وينظفوا للاستسقاء
(1)
العناية على الهداية ج 1 ص 441 الطبعة السابقة.
(2)
البدائع ج 1 ص 284 الطبعة السابقة.
(3)
فتح القدير ج 1 ص 441 الطبعة السابقة.
(4)
الدردير ج 1 ص 179 الطبعة السابقة
وكبار النساء ومن لا هيئة له منهن، ولا أحب خروج ذوات الهيئة» ولا آمر بخروج البهائم
(1)
.
وفى المهذب قال أبو اسحاق استحب اخراج البهائم لعل الله يرحمها، لما روى أن سليمان عليه السلام خرج يستسقى فرأى نملة تستسقى فقال:
ارجعوا فان الله تعالى سقاكم بغيركم
(2)
.
وزاد فى نهاية المحتاج: وتوقف البهائم معزولة عن الناس، ويفرق بينها وبين أولادها ليكثر الصياح والضجة فيكون أقرب الى الاجابة، نقله الاذرعى عن جمع من المراوزة وأقره
(3)
.
أما الكفار فقد جاء فى المهذب: يكره اخراج الكفار للاستسقاء، لانهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم اليه فان حضروا تميزوا ولم يمنعوا لانهم جاءوا فى طلب الرزق
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قال ابن قدامة: ويستحب الخروج لكافة الناس. وخروج من كان ذا دين وستر وصلاح والشيوخ أشد استحبابا، لانه أسرع للاجابة
(5)
.
وزاد صاحب كشاف القناع: وكذا مميز الصبيان يستحب اخراجه لانه يكتب له ولا يكتب عليه، فترجى اجابة دعائه
(6)
.
أما النساء فقد جاء فى المغنى: فلا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لها، فالشواب وذوات الهيئات لا يستحب لهن الخروج، لان الضرر فى خروجهن أكثر من النفع.
وأما البهائم، فقد جاء فى المغنى:
ولا يستحب اخراج البهائم لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفعله
(7)
.
ولكن قال فى كشاف القناع: ويباح خروج أطفال وعجائز وبهائم، لان الرزق مشترك بين الكل.
وأما غير المسلمين فقال فى الكشاف:
ويكره لنا أن نخرج أهل الذمة ومن يخالف دين الاسلام، لانهم أعداء الله فهم بعيدون من الاجابة، وان أغيث المسلمون فربما ظنوه بدعائهم.
وان خرجوا من تلقاء أنفسهم لم يكره ولم يمنعوا، لانه خروج لطلب الرزق والله ضمن أرزاقهم كما ضمن أرزاق المسلمين وأمروا بالانفراد عن المسلمين فلا يختلطون
(1)
الام للشافعى ج 1 ص 220 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر الطبعة الاولى سنة 1321.
(2)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 124 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج للرملى ج 2 ص 409 الطبعة السابقة.
(4)
المهذب ج 1 ص 124 الطبعة السابقة.
(5)
المغنى ح 2 ص 430 الطبعة السابقه
(6)
كشاف القناع ح 1 ص 367 الطبعة السابقة.
(7)
المغنى ج 7 ص 430 الطبعة السابقة.
بهم ولا ينفردون بيوم لئلا يتفق نزول غيث يوم خروجهم وحدهم، فيكون أعظم لفتنتهم، وربما افتتن بهم غيرهم
(1)
.
مذهب الظاهرية:
لم يتعرض ابن حزم الظاهرى فى المحلى لذكر من يخرج للاستسقاء ومن لا يخرج الا فى قوله: قال أبو محمد ولا يمنع اليهود ولا المجوس ولا النصارى من الخروج الى الاستسقاء للدعاء فقط، ولا يباح لهم اخراج ناقوس ولا شئ يخالف دين الاسلام
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار: ويستحب خروج البهائم والصبيان ومن لا هيئة لها من النساء وهى التى لا تفتن بجمال ولا لباس.
ويكره خروج الكفار. وفى اخراج البهائم تردد، والمختار اخراجها
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الحدائق الناضرة «ومن المستحبات التى ذكرها الاصحاب رضوان الله عليهم، مع خلو النص منها أنهم يخرجون معهم الشيوخ والاطفال والعجائز»
(4)
.
وزاد فى جواهر الكلام «الظاهر أرادة الذكور من الشباب خاصة لا النساء. لما فى خروجهن من الفتنة، ولذا صرح غير واحد بعدم خروجهن» .
ثم قال: ويخرجون معهم البهائم أيضا، ولا بأس به.
وعن الصادق عليه السلام أن سليمان ابن داود خرج ليستقى فرأى نملة قد استلقت على ظهرها وهى تقول اللهم انى خلق من خلقك، ولا غنى لنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بنى آدم - وهى رافعة قائمة من قوائمها الى السماء، فقال عليه السلام «ارجعوا، فقد سقيتم بغيركم»
(5)
.
أما خروج الكافرين لها فقد جاء فى الحدائق الناضرة قال فى المنتهى: ويمنع أهل الذمة والكفار من الخروج معهم، لقوله تعالى «وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ»
(6)
ورجح عدم المنع
(7)
.
كيفية صلاة الاستسقاء
القائلون بصلاة الاستسقاء متفقون - الا فريقا من الزيدية - أنها ركعتان، وأن القراءة فيها جهرا أولى من الاسرار ثم اختلفوا بعد فى التكبير فيها، وفيما
(1)
كشاف القناع ح 1 ص 368 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى ح 5 ص 94 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار ح 1 ص 391 الطبعة السابقة.
(4)
الحدائق الناضرة ح 10 ص 487 الطبعة السابقة.
(5)
جواهر الكلام ح 12 ص 142، ص 143 الطبعة السابقة.
(6)
الآية رقم 14 من سورة الرعد.
(7)
الحدائق الناضرة ح 10 ص 487، ص 488 الطبعة السابقة.
يقرأ مع الفاتحة، وهل تجوز فرادى ..
وهذه نصوص أقوالهم.
مذهب الحنفية:
جاء فى البدائع: «قال محمد وأبو يوسف يصلى الامام أو نائبه فى الاستسقاء ركعتين بجماعة كما فى الجمعة .. ثم عندهما يقرأ فى الصلاة ما شاء جهرا كما فى صلاة العيدين، ولكن الأفضل أن يقرأ ب «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» و «هل أتاك حديث الغاشية» ، لان النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرؤهما فى صلاة العيد. ولا يكبر فيها كتكبيرات العيدين فى المشهور عنهما. وروى عن محمد أنه يكبر
(1)
.
مذهب المالكية:
هى عندهم ركعتان يقرأ فيهما بمثل «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» والشمس، والقراءة المذكورة والجهر مندوب.
والجماعة شرط فى سنيتها، فمن فاتته الجماعة ندبت له الصلاة فقط
(2)
.
وقال ابن رشد: ذهب مالك الى أنه يكبر فيها كما يكبر فى سائر الصلوات
(3)
.
ويستبدل بالتكبيرات الزائدة فى صلاة العيد وخطبتها بالاستغفار.
مذهب الشافعية:
قال النووى فى المجموع: صفة هذه الصلاة أن ينوى صلاة الاستسقاء، ويكبر ويصليها ركعتين فيأتى بعد تكبيرة الاحرام بدعاء الاستفتاح ثم يكبر سبع تكبيرات وفى الثانية خمس تكبيرات زائدة ثم يتعوذ، ثم يقرأ الفاتحة ويذكر الله تعالى بين كل تكبيرتين من السبع والخمس الزوائد ويرفع يديه حذو منكبيه مع كل تكبيرة، ويقرأ فى الاولى بعد الفاتحة سورة «ق» وفى الثانية «اقتربت الساعة» هكذا نص عليه الشافعى، وقاله جمهور الاصحاب»
(4)
.
وقال فى المهذب «ومن أصحابنا من قال:
يقرأ فى الاولى بقاف وفى الثانية سورة نوح لانها فيها ذكر الاستسقاء.
والمذهب أنه يقرأ فيها كما يقرأ فى صلاة العيد
(5)
مذهب الحنابلة:
قال ابن قدامة: ويصلى الامام بهم ركعتين .. ويسن أن يجهر بالقراءة، لما روى عبد الله بن زيد قال: خرج النبى صلى الله عليه وسلم يستسقى، فتوجه للقبلة يدعو وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة، متفق عليه وان قرأ فيهما ب «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}
(1)
البدائع ح 1 ص 283 الطبعة السابقة.
(2)
الدردير ج 1 ص 179.
(3)
بداية المجتهد ح 1 ص 170 الطبعة السابقة.
(4)
المجموع ح 5 ص 74 الطبعة السابقة.
(5)
المهذب ح 1 ص 124 الطبعة السابقة.
{الْأَعْلَى» و «هل أتاك حديث الغاشية» فحسن، لقول ابن عباس: صلى ركعتين كما كان يصلى فى العيد
(1)
.
وقال فى كشاف القناع: وان شاء قرأ فى الركعة الاولى «انا أرسلنا نوحا» لمناسبتها الحال، وفى الركعة الثانية سورة أخرى
(2)
.
أما التكبير فيها فقال ابن قدامة:
روى أنه يكبر فيهما كتكبير العيد.
سبعا فى الاولى وخمسا فى الثانية.
والرواية الثانية: أنه يصلى ركعتين كصلاة التطوع.
ثم قال: وهذا ظاهر كلام الخرقى، وكيفما فعل كان حسنا
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: يصلى الامام بهم ركعتين كما قلنا فى صلاة العيد سواء
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: يرى الهادى أنها أربع ركعات بتسليمتين، اذ استسقى صلى الله عليه وسلم بالجمعة وهى بالخطبة أربع.
وقال الناصر والمؤيد بالله والامام يحيى:
بل هى ركعتان قلت وهى قوى
(5)
.
وفى شرح الازهار .. تصح فرادى.
والاولى الاجتماع.
وتصح لو صليت سرا.
لكن الاولى فيها الجهر
…
ويقرأ فى كل ركعة الفاتحة وما أحب معها.
واختار الهادى عليه السلام أن يقرأ مع الحمد سورة النصر، وهذه الآيات التى أولها «وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ.}. الى كفورا
(6)
.
مذهب الإمامية:
قال فى الحدائق الناضرة
(7)
: اتفقت كلمة الاصحاب على أن كيفية صلاة الاستسقاء مثل كيفية صلاة العيدين فى القراءة والتكبيرات والقنوتات.
وقال: قد صرح جملة الاصحاب رضوان الله عليهم أن هذه الصلاة تصلى فرادى وان كان الجماعة أفضل.
ولم أقف على خبر ظاهر فى جواز صلاتها فرادى كما ذكروه.
(1)
المغنى ح 2 ص 430، 431 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ح 1 ص 367 الطبعة السابقة.
(3)
المغنى ح 2 ص 430 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى ح 5 ص 93، ص 94 وانظر فى أحكام العيدين المحلى ح 5 ص 81، ص 82 المطبعة للسابقة.
(5)
البحر الزخار ح 2 ص 78، ص 79 الطبعة السابقة.
(6)
شرح الازهار ح 1 ص 391 الطبعة السابقة، والآية رقم 48، 49، 50 من سورة الفرقان.
(7)
الحدائق الناضرة ج 10 ص 484 الطبعة السابقة.
ثم قال: من وظائف هذه الصلاة استحباب الجهر بالقراءة وبه صرح الاصحاب
(1)
.
النداء لها
كل من قال بأن للاستسقاء صلاة قال لا أذان فيها ولا اقامة لانهما من خواص المكتوبات «انظر مصطلحى «أذان - اقامة» أما كيفية النداء لها فقد نص الشافعية والزيدية على أنه يقال لها «الصلاة جامعة» الا أن صاحب شرح الازهار قال «ينادى لها ب «الصلاة جامعة» بالفتح فيها، ندبا مرة واحدة، وقيل ثلاث مرات.
أما الإمامية فصرحوا بأن يقول المؤذن «الصلاة» ثلاثا بالرفع والنصب
(2)
.
الخطبة
اختلفت المذاهب فى خطبة صلاة الاستسقاء.
فمنهم من قال بعدم الخطبة فيها.
ومنهم من قال يخطب فيها.
ومنهم قائلون بخطبة واحدة.
وقائلون باثنتين.
ثم هل هى قبل الصلاة أم بعدها؟
واختلفوا كذلك فى كيفيتها وما يتبعها من الاعمال كالتكبير والدعاء وتحويل الرداء واليك بيان ذلك.
مذهب الحنفية:
قال الكاسانى فى البدائع: عند أبى حنيفة لا يخطب لها، ولكن لو صلوا وحدانا يشتغلون بالدعاء بعد الصلاة، لان الخطبة من توابع الصلاة بجماعة، والجماعة غير مسنونة فى هذه الصلاة عنده كما تقدم.
أما عند محمد وأبى يوسف فيسن الخطبة لها بعد الفراغ من الصلاة.
ثم عند أبى يوسف أنه يخطب خطبة واحدة لان المقصود منها الدعاء فلا يقطعها بالجلسة.
أما عند محمد فخطبتين يفصل بينهما بالجلسة كما فى صلاة العيد.
ولا يخرج المنبر فى الاستسقاء الى مكان الصلاة ولا يصعد عليه لو كان فى موضع الدعاء منبر، لانه خلاف السنة، ولكن يخطب على الارض معتمدا على قوس أو سيف، وان توكأ على عصا فحسن، ويخطب مقبلا بوجهه الى الناس وهم مقبلون عليه لان الاسماع والاستماع انما يتم عند المقابلة، وينصتون، لان الامام يعظهم فيها فلا بد من الانصات والاستماع.
(1)
المرجع السابق ح 10 ص 494، ص 495 الطبعة السابقة.
(2)
أنظر للحنفية بدائع الصنائع ح 1 ص 283 وللشافعية، المهذب ح 1 ص 124، وللحنابلة كشاف القناع ح 1 ص 367، وللظاهرية المحلى ح 5 ص 93 وللزيدية شرح الازهار ح 1 ص 390 وللامامية الحدائق الناضرة ح 10 ص 494 وجواهر الكلام ح 12 ص 152 الطبعات السابقة.
أما الدعاء فيها: فعند ابى يوسف ومحمد أن الامام اذا فرغ من الخطبة جعل ظهره الى الناس ووجهه الى القبلة ويشتغل بدعاء الاستسقاء، والناس قعود مستقبلون بوجوههم القبلة، لان الدعاء مستقبل القبلة، أقرب الى الاجابة فيدعو الله، ويستغفر للمؤمنين. ويجددون التوبة ويستسقون.
وفى فتح القدير: ويستحسن الدعاء بما يؤثر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو به فى الاستسقاء، وهو «اللهم أسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا
(1)
غدقا
(2)
مجللا
(3)
سحا عاما
(4)
طبقا دائما. اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم ان بالبلاد والعباد والخلق من اللأواء والضنك ما لا نشكو الا اليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الارض اللهم انا نستغفرك انك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا.
وفى البدائع خاصا برفع اليدين فى الدعاء، ثم ان شاء رفع يديه نحو السماء عند الدعاء، وان شاء أشار بأصبعه.
كذا روى عن أبى يوسف، لان رفع اليدين عند الدعاء سنة، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم، كان يدعو بعرفات باسطا يديه كالمستطعم المسكين وقال فى تحويل الرداء: وهل يقلب الامام رداءه؟
لا يقلب فى قول أبى حنيفة.
وعندهما، يقلب اذا مضى صدر من خطبته، واحتجا بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قلب رداءه.
ولابى حنيفة ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة ولم يقلب الرداء، ولان هذا دعاء فلا معنى لتغيير الثوب فيه، كما فى سائر الادعية.
وما روى أنه قلب الرداء محتمل أنه تغير عليه فأصلحه، فظن الراوى أنه قلب أو يحتمل أنه عرف من طريق الوحى أن الحال ينقلب من الجدب الى الخصب متى قلب الرداء بطريق التفاؤل. ففعل وهذا لا يوجد فى حق غيره.
وكيفية تقليب الرداء عندهما أنه ان كان مربعا جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه.
وان كان مدورا جعل الجانب الايمن على الايسر والايسر على الايمن.
وهل يقلب القوم أرديتهم أم يختص ذلك بالامام وحده؟
قال الكاسانى: وأما القوم فلا يقلبون أرديتهم عند عامة العلماء.
(1)
مريعا من المراعة وهى الخصب.
(2)
غدقا كثير الماء والخير.
(3)
مجللا: الذى يعم نفعه وخيره.
(4)
طبقا عاما شاملا.
وهما يقولان ان تحويل الرداء فى حق الامام أمر ثبت بخلاف القياس، بالنص - على ما ذكرنا، فنقتصر على مورد النص - وما روى من الحديث شاذ.
على أنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم عرف ذلك فلم ينكر عليهم فيكون تقريرا ويحتمل أنه لم يعرف لانه كان مستقبل القبلة مستدبرا لهم فلا يكون حجة مع الاحتمال
(1)
.
مذهب المالكية:
قال الدردير: يندب لها خطبتان بعد الصلاة، يجلس فى أول كل منهما، ويتوكأ على عصا، لكن بالارض لا بالمنبر. فلو قدم الخطبة على الصلاة استحب اعادتها بعد الصلاة.
أما التكبير فيها فجاء فى التاج «لا تكبير فى خطبة الاستسقاء» وبدل التكبير الاستغفار، بأن يستغفر بلا حد، «ويبالغ فى الدعاء فى آخر الخطبة الثانية» .
وهل يرفع يديه فى الدعاء؟
جاء فى مواهب الجليل «وسمع ابن القاسم قول مالك: أنكر أبو مسلمة على رجل رآه قائما عند المنبر رفع صوته بالدعاء ورفع يديه.
قال ابن رشد: أما على وجه الاستكانة فمحمود «وأجازه فيها فى مواضع الدعاء وفعله واستحبه وكفاه بطونهما للأرض» وعن قلب الرداء قال الدردير: وبعد الفراغ من الخطبتين يستقبل القبلة بوجهه قائما فيحول رداءه الذى على كتفيه ندبا، يجعل ما على عاتقه الايمن على عاتقه الايسر بلا تنكيس للرداء، فلا يجعل الحاشية السفلى التى على رجليه على أكتافه.
وهل يحول الناس؟
قال ابن رشد: واذا حول الامام رداءه قائما - حول الناس أرديتهم جلوسا، لقوله عليه السلام: انما جعل الامام ليؤتم به.
فالتحويل المذكور خاص بالرجال دون النساء الحاضرات، فلا يحولن لانه مظنة الكشف
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال فى المهذب: والسنة أن يخطب لها بعد الصلاة، لحديث أبى هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقى، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا اقامة، ثم خطبنا.
وفى نهاية المحتاج: ويخطب كالعيد فى الاركان والشروط والسنن.
(1)
أنظر البدائع ح 1 ص 283، ص 284 الطبعة السابقة، وفتح القدير ح 1 ص 440 الطبعة السابقة.
(2)
أنظر الدردير ح 1 ص 179، ص 180 والشرح الكبير ح 1 ص 406، والتاج والاكليل ح 2 ص 207، وبداية المجتهد ح 1 ص 171 الطبعات السابقة.
ويندب أن يجلس أول ما يصعد المنبر ثم يقوم فيخطب، لكن يستغفر بدل التكبير، قبل الخطبة الاولى تسعا، وقبل الثانية سبعا.
والاولى أن يقول «استغفر الله الذى لا اله الا هو الحى القيوم وأتوب اليه لانه أليق بالحال ولخبر الترمذى وغيره من قاله غفر له وان كان فر من الزحف.
أما الدعاء فقال فى المهذب: والمستحب أن يدعو فى الخطبة الاولى فيقول:
وتقدم الدعاء المأثور فى مذهب الحنفية.
ويستحب أن يدعو فى الخطبة الثانية سرا، ليجمع فى الدعاء بين الجهر والاسرار ليكون أبلغ، ولهذا قال تعالى «إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً» }.
(1)
ويستحب أن يرفع يديه فى الدعاء، لما روى عن أنس «أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه فى شئ من الدعاء الا عند الاستسقاء، فانه كان يرفع حتى يرى بياض ابطيه» .
ويستحب أن يكثر من الاستغفار ومن قوله تعالى «اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً} - الى قوله {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً»
(2)
ويقول عن تحويل الرداء «المستحب أن يستقبل القبلة فى أثناء الخطبة ويحول ما على الايمن الى الايسر والعكس
فان كان الرداء مربعا نكسه فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه.
وان كان مدورا اقتصر على التحويل، ويستحب للناس أن يفعلوا مثل ذلك.
وفى نهاية المحتاج: واستحباب التحويل خاص بالرجل دون المرأة جزم به ابن كبن وهو متجه وان لم أقف عليه.
قال الشافعى رحمه الله: واذا حولوا أرديتهم تركوها محولة لينزعوها مع الثياب، لانه لم ينقل أن النبى صلى الله عليه وسلم غيرها بعد التحويل
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال ابن قدامة: الاولى أن يخطب بعد الصلاة خطبة واحدة، لتكون كالعيد وليكونوا قد فرغوا من الصلاة، ان أجيب دعاؤهم فأغيثوا فلا يحتاجون الى الصلاة فى المطر.
ويستحب أن يستفتح الخطبة بالتكبير، ويكثر من الاستغفار والصلاة على النبى ويستحب للخطيب استقبال القبلة فى أثناء الخطبة.
ويستحب أن يدعو سرا حال استقباله.
وفى كشاف القناع: «ويسن رفع يديه وقت الدعاء «لحديث أنس المتقدم» وتكون ظهورهما نحو السماء لحديث
(1)
الآية رقم 9 من سورة نوح.
(2)
الآية رقم 9، 10، 11، 12 من سورة نوح.
(3)
أنظر للشافعية المهذب ح 1 ص 124، ص 125 الطبعة السابقة ونهاية المحتاج ح 2 ص 412، ص 414 الطبعة السابقة.
رواه مسلم، فيدعو قائما كسائر الخطبة، ويكثر من الدعاء ويؤمن مأموم ويرفع يديه كالامام جالسا، وأى شئ دعا به جاز.
والافضل الدعاء بالوارد من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم «وقد تقدم
وفى الكشاف: ويتركون الرداء محولا حتى ينزعوه مع ثيابهم لعدم نقل اعادته
(1)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: فيبدأ فيخطب بهم خطبة يكثر فيها من الاستغفار، ويدعو الله عز وجل، ثم يحول وجهه الى القبلة وظهره الى الناس، فيدعو الله تعالى رافعا يديه ظهورهما الى السماء ثم يقلب رداءه أو ثوبه الذى يتغطاه، فيجعل باطنه ظاهره، وأعلاه أسفله، وما على منكب من منكبيه على المنكب الآخر. ويفعل الناس كذلك.
ثم يصلى بهم ركعتين كما قلنا فى صلاة العيد سواء.
الا أن صلاة الاستسقاء يخرج فيها المنبر الى المصلى ولا يخرج فى العيدين
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال فى البحر: قال الهادى والمؤيد بالله: لا خطبة فيها لقول ابن عباس ولم يخطب.
وقال الناصر: بل يخطب قبلها كالجمعة
قلت: وهو قوى، وقول ابن عباس «ولم يخطب» ان صح فللدلالة على عدم التأكيد.
وقال عن الاذكار فى افتتاحها «من قال بالخطبة فذكرها عند الناصر بعد حمد الله والصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يكبر مائة تكبيرة مستقبلا رافعا به صوته ثم يسبح مثلها ملتفتا يمينا، ثم يهلل مثلها ملتفتا يسارا رافعا صوته فيهما، ثم يحمد الله مثلها مستقبلا
(3)
.
أما الدعاء وتحويل الرداء فذلك عندهم بعد الصلاة.
قال فى شرح الازهار: واذا سلموا من الصلاة جعل الامام والمؤتمون يجأرون بالدعاء الى الله سبحانه وتعالى
(1)
للحنابلة أنظر المغنى ح 2 ص 433، ص 434 الطبعة السابقة، وكشاف القناع ح 1 ص 369، ص 370 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى ح 5 ص 93؛ ص 94 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الزخار ح 2 ص 79، ص 80 الطبعة السابقة.
والاستغفار من الخطايا، أى يعجون بذلك رافعى أصواتهم.
واذا فرغوا من الصلاة والدعاء استحب أن يحول الامام رداءه فيجعل الشق الذى على يمينه على يساره، والذى كان أيسره على يمينه، وان جعل أعلاه أسفله جاز، يفعل ذلك تفاؤلا وانما يفعله اذا قد صار الى البلد أى حين يريد الانصراف اليه.
قال فى الاختصار .. رأى العترة أن ذلك مختص بالامام، لان الرسول صلى الله عليه وسلم حول ولم يحول أصحابه.
والمختار أنهم يحولون جميعا
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الحدائق الناضرة: المشهور فى كلام الاصحاب رضوان الله عليهم هو استحباب الخطبة بعد الصلاة، بل قال فى التذكرة: انه قول علمائنا أجمع.
وقال فى الذكرى: والظاهر أن الخطبة الواحدة غير كافية، بل تخطب اثنتين، تسوية بينها وبين صلاة العيد.
وقال عن الاذكار فى افتتاحها: المشهور بين الاصحاب - وبه قال الشيخ وأتباعه -
أن يكبر الامام الى القبلة مائة مرة، ثم يسبح عن يمينه مائة تسبيحة، وعن يساره يهلل مائة تهليلة، ثم يستقبل الناس فيحمد مائة تحميدة.
ثم قال: ثم ان الاصحاب قد ذكروا متابعة المأمومين للامام فى هذه الاذكار، ومنهم الشيخ المفيد فى المقنعة وغيره ممن تأخر عنه.
وأما أنهم يلتفتون الى هذه الجهات كما يلتفت فلم أقف عليه فى كلامهم، وظاهرهم انما هو المتابعة فى هذه الاذكار، وكذا رفع الصوت بها.
وعن ابن الجنيد أنهم يتابعونه فى التكبير بدون رفع الصوت.
ثم قال: وتقديم الذكر على الخطبة هو مذهب ابن أبى عقيل والشيخ وابن حمزة وهو المشهور بين المتأخرين.
ونسب فى الذكرى بأن الذكر بعد الخطبة الى المشهور.
ثم قال: وفى البيان أن كلا الامرين جائز.
ثم قال عن الدعاء بعد الاذكار المذكورة:
يرفع يديه فيدعو ثم يدعون.
وهل يتابعه الناس بالدعاء أم يكتفون بالتأمين؟
(1)
شرح الازهار ح 1 ص 391، ص 392 الطبعة السابقة.
تدل الاخبار على الوجهين.
ولعل الوجه التخيير جمعا بين الاخبار.
وقد صرح جملة من الاصحاب - رضوان الله عليهم بأن الافضل فى الخطبة والدعاء هو المأثور عن أصحاب العصمة صلوات الله عليهم.
وقال بشأن تحويل الرداء: ومن المستحبات أن يقلب الامام رداءه اذا صعد المنبر بعد الصلاة فيجعل الذى عن يمينه عن يساره، والعكس.
وأما بالنسبة الى اختصاص الامام بذلك أو شمول الحكم للمأموم، فان ذلك مختص بالامام، واثباته للمأموم يحتاج الى دليل، ولا يوجد دليل
(1)
.
اذا سقوا قبل الخروج
تعرض لهذه المسألة الشافعية والحنابلة والزيدية.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع للنووى «واذا تأهبوا للصلاة والاستسقاء فسقوا قبل ذلك - استحب لهم الخروج الى موضع الاستسقاء للوعظ والدعاء والشكر بلا خلاف.
أما الصلاة فقد نص الشافعى والاصحاب أنهم يصلون شكرا لله تعالى.
وتكون هذه الصلاة بصفة صلاة الاستسقاء
(2)
.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة قال صاحب كشاف القناع: واذا سقوا قبل خروجهم، وكانوا قد تأهبوا للخروج - خرجوا وصلوا شكرا.
وان لم يكونوا تأهبوا للخروج لم يخرجوا، لحصول المقصود وشكروا الله وسألوه المزيد من فضله
(3)
.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية قال فى البحر الزخار:
واذا تهيئوا وسقوا قبل الخروج - خرجوا شكرا واستزادة
(4)
.
اذا صلوا ولم يسقوا
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن المستحب أن يخرج الامام والناس الى الاستسقاء ثلاثة أيام متتابعة،
(1)
الحدائق الناضرة ح 10 ص 488، ص 490، ص 491، ص 492، ص 493 الطبعة السابقة.
(2)
المجموع للنووى ح 5 ص 89، ص 90 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع ح 1 ص 370 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الزخار ح 2 ص 81، ص 82 الطبعة السابقة.
لان المقصود من الدعاء الاجابة والثلاثة مدة ضربت لا بلاء الاعذار
(1)
.
مذهب المالكية:
ويقول المالكية «وكررت الصلاة فى أيام لا يوم ان تأخر السقى، أو حصل دون الكفاية»
(2)
.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية «تعاد الصلاة مع الخطبتين ثانيا وثالثا وأكثر، كما صرح فى المجموع، فان الله تعالى يحب الملحين فى الدعاء، والمرة الاولى آكد استحبابا.
ثم اذا عادوا من الغد أو بعده يندب أن يكونوا صائمين فيه.
وقد نص الشافعى مرة على توقف كل خروج على ثلاثة أيام، ومرة أخرى على عدم ذلك
(3)
.
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية قال فى الحدائق الناضرة: ذكر الاصحاب - رضوان الله عليهم انه يستحب أن يكرر الخروج لو تأخرت الاجابة، وربما ادعى عليه الاجماع، ولم أقف عليه فى النصوص
(4)
اذا دام المطر فأضر
عند المالكية والشافعية والحنابلة
والظاهرية والزيدية والإمامية:
أنه اذا زادت المياه لكثرة المطر، فخيف منها الضرر - دعوا الله وتضرعوا اليه بأن يقولوا ندبا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب
(5)
والاودية ومنابت الشجر.
ونص المالكية والشافعية أنه لا يصلى لذلك
(6)
.
استشهاد
التعريف لغة:
الاستشهاد هو طلب الشهادة والفعل منه استشهد بمعنى طلب من غيره أن يشهد كما يقال استشهد على صيغة المبنى للمجهول بمعنى طلب منه أداء الشهادة.
وقد استعمل لفظ الاستشهاد كذلك فى القتل فى سبيل الله ونحوه ومنه قيل
(1)
البدائع ح 1 ص 284 الطبعة السابقة.
(2)
الدردير ح 1 ص 179 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج ح 2 ص 403 الطبعة السابقة.
(4)
الحدائق الناضرة ح 10 ص 495 الطبعة السابقة.
(5)
الظراب جمع «ظرب» - بفتح وكسر - وهو الجبل المنبسط.
(6)
للمالكية. الحطاب ح 2 ص 205، وللحنابلة كشاف القناع ح 1 ص 371، وللظاهرية المحلى ح 5 ص 93، وللزيدية البحر الزخار ح 2 ص 82 وللامامية الحدائق الناضرة ح 10 ص 496 الطبعات السابقة.
استشهد بصيغة المبنى للمجهول أى قتل شهيدا
(1)
.
ولم يتجاوز استعمال الفقهاء هذه المادة عما تدل عليه لغة فاستعملوا شهيدا بمعنى شاهد وبمعنى قتيل فى سبيل الله ونحوه (أنظر مصطلح شهادة وشهيد).
تعريف الشهيد
مذهب الحنفية:
الشهيد: هو مسلم طاهر بالغ قتل ظلما ولم يجب بنفس القتل مال ولم يرتث (بالبناء للمجهول) سواء قتله باغ، أو حربى، أو قطاع طريق، ولو بغير آلة جارحة، أو وجد جريحا، ميتا فى معركة هؤلاء، أو قتله غير هؤلاء بجارحة.
والارتثاث فى الشرع: أن يرتفق بشئ من مرافق الحياة، أو يثبت له حكم من أحكام الاحياء
(2)
.
راجع فى شرح هذا التعريف وفى معرفة أحكام الشهيد مصطلح «شهيد»
مذهب المالكية:
الشهيد: هو المقتول فى سبيل الله الذى قتله أهل الحرب فى المعركة بأى لون من ألوان القتل.
أما من قتل مظلوما، أو قتله اللصوص فى المعركة فليس شهيدا
(3)
.
مذهب الشافعية:
الشهيد: هو من قاتل الكفار لتكون كلمة الله هى العليا فقتل فى المعركة.
وهذا هو شهيد الدنيا والآخرة.
أما شهيد الدنيا فقط: فهو من قتل فى المعركة وقد قاتل رياء، أو قتل مدبرا، أو غل من الغنيمة.
وأما شهيد الآخرة فقط: فهو مثل المقتول ظلما والغريق
(4)
.
ويرجع فى تفصيل ما تقدم وفى أحكام كل مصطلح «شهيد» .
الحنابلة:
الشهيد: هو من قتل فى المعركة بأيدى الكفار ولو كان غير مكلف، أو غالا رجلا كان، أو امرأة فلا يغسل ولا يصلى عليه.
فان مات لا بفعل العدو أو وجد ميتا فى المعركة ولا أثر به أو حمل بعد جرحه فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو طال بقاؤه عرفا غسل وصلى عليه.
وقد بين فقهاء الحنابلة أنواع الشهداء وأن بعضهم يلحق بشهيد
(1)
لسان العرب فى مادة شهيد.
(2)
الدر ح 1 باب الشهيد.
(3)
المدونة ح 1 ص 183، 184.
(4)
نهاية المحتاج ح 2 ص 488، 491.
المعركة فيأخذ حكمه وبعضهم لا يكون ملحقا بشهيد المعركة وان كان يسمى شهيدا
(1)
.
راجع فى ذلك وفى أحكام الشهيد مصطلح «شهيد» .
مذهب الظاهرية:
الشهيد: هو المقتول بأيدى المشركين خاصة فى سبيل الله عز وجل فى المعركة لا فى غيرها.
وحكمه أنه لا يغسل ولا يكفن بل يدفن بدمه وثيابه، فان حمل من المعركة وهو حى فليس بشهيد
(2)
.
مذهب الزيدية:
الشهيد: مكلف ذكر عدل قتل فى سبيل الله.
فالصبى والمجنون والانثى والفاسق المسلمون لا يعتبر أحدهم شهيدا، ولو قتل مع أهل الحق فى الجهاد، وكذلك من لم يمت فى موضع القتال، وان جرح فى المعركة بما يقتله يقينا.
ومن قتله البغاة ظلما أو قتل دون نفسه أو ماله أو مات غريقا ولو بسبب هربه من جيش الكفار أو من رميهم أو مات بطاعون أو هدم، هؤلاء - يسمون
شهداء ولكن لا تجرى عليهم أحكام الشهيد
(3)
.
راجع فى تفصيل ذلك مصطلح شهيد.
مذهب الإمامية:
الشهيد: هو المسلم ومن بحكمه اذا مات فى قتال أمر به النبى صلى الله عليه وسلم أو الامام أو نائبهما.
أما اذا قتل فى جهاد مأمور به حال غيبة الامام أو نائبه كما لو دهم المسلمون من يخاف منه على بيعة الاسلام فاضطر المسلمون الى جهادهم بدون الامام أو نائبه ففى اعتبار هذا القتيل شهيدا خلاف.
أما الغريق والمبطون والمقتول دون ماله وأهله الذى قتله قطاع الطريق وغيرهم فهؤلاء ومن فى حكمهم يطلق عليهم اسم الشهيد.
ولكن يختلف حكمهم عن حكم الشهيد
(4)
.
راجع فى تفصيل ذلك ومعرفة أحكام الشهيد مصطلح شهيد.
مذهب الإباضية:
الشهيد: من قتل فى المعركة مع المشركين، أما اذا تعدى المعركة حيا ثم
(1)
كشاف القناع ح 1 ص 218، 386، 387، 388.
(2)
المحلى ج 5 ص 115 مسألة رقم 562
(3)
شرح الأزهار ح 1 ص 403، 407.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ح 1 ص 39.
مات فى يومه جريحا أو غير جريح ففى اعتباره شهيدا خلاف.
وهذا هو شهيد الدنيا والآخرة.
أما شهيد الآخرة فقط: فهو مثل من قتل ظلما أو مات مسجونا ظلما أو وقع من عال أو وقعت عليه صخرة أو قتل دون ماله أو نفسه أو جاره.
أما القتيل فى حرب المنافقين ففى اعتباره شهيد الدنيا والآخرة أو شهيد الآخرة فقط خلاف
(1)
.
راجع فى تفصيل ذلك مصطلح شهيد.
شاهد
الشاهد:
فى اللغة: المشاهدة المعاينة، وشهده، (بكسر الهاء) شهودا أى حضره فهو شاهد وشهدت الشئ اطلعت عليه وعاينته فأنا شاهد.
ويقال شهدت على الرجل بكذا وشهدت له به.
وقد يعدى بالهمزة فيقال أشهدته الشئ
(2)
.
والفقهاء يطلقون لفظ الشاهد على من تحمل الشهادة أو أدى الشهادة فى مجلس القضاء.
والشهادة هى اخبار صدق فى مجلس القضاء لاثبات حق الغير على الغير.
ويشترط فى الشاهد شروط بالنسبة لتحمل الشهادة وشروط بالنسبة لادائها.
راجع فى ذلك مصطلح (اشهاد وشهادة).
استصحاب
معناه اللغوى:
معنى الاستصحاب فى اللغة الدعوى الى الصحبة والملازمة.
جاء فى القاموس: استصحبه، دعاه الى الصحبة ولازمه
(3)
.
معناه الاصطلاحى:
الاستصحاب فى اصطلاح الاصوليين هو استبقاء حكم ثبت فى الزمن الماضى للزمن الحاضر والمستقبل ما لم يطرأ ما يغيره وذلك كبقاء حكم الطهارة والوضوء لمن علم أنه متوضئ ولو شك فى طروء الحدث على وضوئه ما لم يطرأ الحدث عليه.
وقال الاسنوى فى شرحه على منهاج البيضاوى وهما من علماء الشافعية الاستصحاب هو الحكم بثبوت أمر فى الزمن الثانى بناء على ثبوته فى الزمن الاول كاستدلال الشافعية على أن الخارج
(1)
شرح النيل ح 2 وكتاب النيل وشفاء العليل ح 1 ص 647.
(2)
مختار الصحاح والمصباح المنير.
(3)
القاموس مادة صحب.
من غير السبيلين لا ينقض الوضوء بأن الشخص كان على الوضوء قبل خروجه اجماعا فبقى على ما كان عليه
(1)
.
وتعريفات الاصوليين للاستصحاب فى كتبهم لا تخرج عن هذه الدائرة.
الصلة بين المعنيين
المعنى الاصطلاحى نوع من المعنى اللغوى كما هو الشأن المألوف فى الارتباط بين كل من المعنيين.
وانما كان المعنى الاصطلاحى هنا راجعا الى اللغوى لان مرجع الاستصحاب فى الاصطلاح الى ملازمة الحكم الشرعى للمحكوم فيه الذى هو فعل المكلف كملازمة الطهارة للمتوضئ الذى شك فى الحدث وملازمة الحل للزوجة التى شك الزوج فى طلاقها حتى يعلم خلافه.
والملازمة معنى لغوى فى كلمة الاستصحاب.
ويقول الاسنوى أن السين والتاء فى (الاستصحاب) للطلب على القاعدة اللغوية، ومعناه أن الناظر يطلب الآن صحبة ما مضى
(2)
.
ما يطلق عليه الاستصحاب
على أن ما ذكرناه هو المعنى العام لكلمة الاستصحاب فى اصطلاح الاصوليين.
وهناك اطلاقات تطلق عليها كلمة الاستصحاب فتختلف معانيها باختلاف ما تضاف اليه كاستصحاب البراءة الاصلية وغير ذلك مما يتبين لك فيما نورده.
وأول من تناول تلك الاطلاقات بالتفصيل فيما وقفنا عليه الامام الغزالى فى كتابه المستصفى
(3)
.
ولم يكد يختلف عليه أحد ممن جاء بعده ولا سيما المعترفين بالاستصحاب فى الجملة الا قليلا ممن نقص بعض الانواع أو زاد عليها
(4)
.
ذكر الغزالى أن الاستصحاب يطلق بأربعة اطلاقات:
الاول: استصحاب البراءة الاصلية:
وقال فى بيانه ان الاحكام الشرعية لا تدرك بالعقل ولكن الدليل العقلى يفيد أن ذمة العبد بريئة عن التكليف بالواجب أو الانتهاء عن المحرمات قبل بعثة الرسل ببيان تلك التكاليف فنحن
(1)
الاسنوى بحاشية بخيت ح 4 ص 558 الطبعة الاولى.
(2)
المرجع السابق.
(3)
المستصفى ح 1 ص 217 فما بعدها، المطبعة الاميرية سنة 1322 هـ.
(4)
راجع أعلام الموقعين لابن القيم ح 1 ص 336 وجمع الجوامع بحاشية العطار ح 2 ص 352 سنة 1355 هـ.
نستصحب تلك البراءة حتى يرد التكليف عن طريق الرسول فاذا جاء التكليف وجب الوقوف عند مقتضاه واعتقاده كما ورد.
فاذا أوجب النص خمس صلوات فالسادسة غير واجبة وذلك بمقتضى البراءة الاصلية الاولى وان لم يرد نص بنفيها وكذلك الصوم.
كما أنه اذا أوجب الشارع عبادة فى وقت بقيت ذمة المكلف بعد انقضاء ذلك الوقت على البراءة الاصلية التى تقتضى منع التكليف فى غير ذلك الوقت بتلك العبادة وأن لم ينص الشرع على ذلك.
واذا أوجب الشارع على القادر عبادة بقى العاجز على ما كان عليه، وهكذا
(1)
.
وقد أطال الغزالى فى تفصيل ذلك.
والمقصود بيان أن استصحاب البراءة الاصلية يرجع الى عدم التكليف بالحكم الذى لم يرد به نص شرعى فاذا ورد النص عليه كان التكليف به على الوجه الذى حدده الشرع.
الثانى: استصحاب العموم الى أن يرد دليل يدل على التخصيص، واستصحاب النص الى أن يرد دليل
يدل على نسخه (انظر عموم وخصوص ونص ونسخ).
الثالث: استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه وذلك كالملك اذا وجد العقد الذى يقتضيه وكوجوب الضمان فى الذمة عند وجود اتلاف.
الرابع: استصحاب الاجماع فى محل الخلاف ومثل له بالمتيمم لفقد الماء اذا رأى الماء فى الصلاة فأتمها على سبيل الاستصحاب لما انعقد عليه الاجماع من صحة صلاة المتيمم ودوامها قبل ذلك حتى يدل الدليل على كون رؤية الماء فى الصلاة مما ينقض الصلاة.
الاستدلال بالاستصحاب
ويختلف الاصوليون فى الاستدلال بالاستصحاب.
فمنهم من يقول به مطلقا وهو مروى عن الحنابلة والمالكية وأكثر الشافعية والظاهرية والزيدية، وسواء أكان فى النفى أم فى الاثبات.
ومنهم من يرى أنه ليس بحجة مطلقا وهو مذهب أكثر الحنفية والمتكلمين.
ومنهم من يرى أنه حجة على المجتهد اذا لم يجد غيره فيما بينه وبين الله تعالى
(1)
يتجلى ذلك فى مثل التكليف بالحج لمن استطاع اليه سبيلا فغير المستطيع برئ الذمة أى غير مكلف بالحج ما لم يستطع.
ولا يكون حجة على الخصم عند المناظرة
(1)
.
ومنهم من يذهب الى أنه حجة للدفع لا للاثبات وينسب الى بعض الحنفية.
وقد صرح به بعضهم فى كتب الاصول.
ومنهم من يقول أنه يصلح للترجيح به دون اثبات حكم جديد وهو منقول عن الشافعى وان كان الثابت عنه الاحتجاج به.
ومنهم من يفرق بين اطلاقاته كما فعل الغزالى اذ اعترف به فى الاطلاقات الثلاثة الاولى وهى استصحاب البراءة الاصلية واستصحاب العموم حتى يرد ما يدل على الخصوص
…
واستصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه ولم يعترف به فى استصحاب الاجماع فى محل الخلاف
(2)
.
أما الشيعة الإمامية فأكثرهم على القول به ويسميه بعضهم بالاصل الاحرازى ويرونه دليلا وافر الانتاج ولا يعملون به الا بعد الفحص عن الامارات الكاشفة التى قد تدل على وجود حكم معين فى المحل.
ولهم فيه تفصيلات كثيرة ولهم فيه أدلة كثيرة منها ما يروونه عن أهل البيت مما هو مستوعب لشرائط الصحة عندهم
(3)
.
ولنبدأ بالكلام على ما أورده الغزالى من رأيه فى كل قسم من هذه الاقسام.
يقول الغزالى فى القسم الاول الذى هو استصحاب البراءة الاصلية أنه يصلح دليلا على النفى الاصلى للحكم أى على عدم التكليف بحكم حتى يرد به نص شرعى.
قال: ولهذا نفينا الاحكام قبل بعثة الرسول وذلك بدلالة العقل.
وأما الاثبات فالعقل قاصر عن الدلالة عليه وأطال فى هذا المقام
(4)
.
ويقول فى القسم الثانى الذى هو استصحاب العموم حتى يرد التخصيص والنص حتى يرد ما ينسخه أن العموم دليل عند القائلين به (فيبقى العام على عمومه حتى يطرأ عليه ما يفيد الخصوص).
وأما النص فهو دليل على دوام الحكم بشرط أن لا يرد نسخ كما دل
(1)
راجع ارشاد الفحول ص 208 طبعة منير والمرجع المذكور ص 222 مطبعة دار السعادة سنة 1327 هـ والمستصفى للغزالى، والاحكام ح 4 ص 285 فما بعدها، والتحرير وشرحه ح 4 ص 176.
(2)
المستصفى ح 1 ص 218.
(3)
الاصول العامة لمحمد تقى الحكيم من ص 443 - ص 464 طبعة دار الأندلس ببيروت سنة 1963.
(4)
المستصفى للغزالى.
العقل فى القسم الاول على البراءة من التكليف حتى يرد سمع.
ويقول فى القسم الثالث الذى هو استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه: أنه لولا دلالة الشرع على دوامه الى حصول براءة الذمة لما جاز استصحابه.
فالاستصحاب خاص بما دل الدليل على ذلك فيه بشرط ألا يطرأ ما يغيره فاذا طرأ المغير زال الدوام وارتفع الاستصحاب.
وأما القسم الرابع الذى هو الاجماع فى محل الخلاف: أنه غير صحيح خلافا لبعض الفقهاء وذلك لان الخلاف فى مسألة المتيمم الذى رأى الماء فى صلاته قد رفع الاجماع على طهارته وصحة صلاته لان ذلك الاجماع كان قبل ذلك فلا معنى لاستصحاب شئ قد زال وارتفع.
والآمدى ينص فى كتاب الاحكام
(1)
على اختيار مذهب القائلين بصحة الاحتجاج به مطلقا فى الاثبات أو النفى وفى الامر العقلى والشرعى.
ويستدل لذلك بأن الشخص اذا تحقق وجود شئ أو عرفه فى حال من الاحوال فانه يستلزم ظن بقائه والظن حجة متبعة واستدل لذلك بما يأتى:
1 -
أن الاجماع منعقد على أن الانسان لو شك فى وجود الطهارة ابتداء لا تجوز
له الصلاة حتى يتوضأ ولو شك فى بقاء الطهارة جازت له الصلاة من غير اعادة الطهارة.
2 -
أن العقلاء وأهل العرف اذا تحققوا وجود شئ أو عدمه وله أحكام خاصة به فانهم يطبقون عليه تلك الاحكام فى المستقبل الى مدد متطاولة ولولا أن الاصل بقاء ما كان لما ساغ لهم ذلك وأطال فى بحث ذلك.
واستدل البيضاوى وشارحه الاسنوى على صحة هذا المذهب بوجهين
(2)
.
الدليل الاول: ان ما ثبت فى الزمان الاول من وجود أمر أو عدمه ولم يظهر زواله لا قطعا ولا ظنا فانه يلزم بالضرورة أن يحصل الظن ببقائه كما كان والعمل بالظن واجب ولولا ذلك لكان يلزم منه ثلاثة أمور باطلة:
أحدها: عدم تقرير معجزة من معجزات الانبياء أصلا لانها خوارق للعادة فيتوقف القول بأنها خوارق على استمرار العادة لانه يجوز أن تتغيير العادة فلا تكون المعجزة خارقة لها، واستمرار العادة لا يثبت الا بناء على قاعدة أن الاصل بقاء ما كان.
الثانى: أن لا تثبت الاحكام الثابتة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم
(1)
ح 4 ص 185 فما بعدها طبعة دار الكتب سنة 1914.
(2)
ح 3 ص 631 الاسنوى وبهامشه شرح البدخشى طبع صبيح.
بالنسبة الينا لانه يجوز أن يطرأ عليها عليها ما ينسخها ولولا الاستصحاب وافادته ظن البقاء لكان ذلك الاحتمال مانعا من الاخذ بتلك الاحكام.
الثالث: أن يكون الشك فى حدوث الطلاق وانشائه كالشك فى حدوث النكاح وانشائه لتساويهما فى عدم حصول الاعتماد على ما مضى من حال فيلزم أن يباح الوط ء فى كل منهما أو يحرم فى كل منهما وهو باطل بالاجماع للاتفاق على أنه مباح عند الشك فى الطلاق أكان أم لا دون الشك فى النكاح أكان أم لا.
الدليل الثانى: أن بقاء الباقى راجح على عدمه لان الباقى لا يحتاج الى سبب ولا شرط جديدين، لان المفروض أنه موجود فلا حاجة الى سبب وجوده ولا شرطه والا لزم تحصيل الحاصل وأما الامر الذى يحدث فانه يحتاج الى سبب وشرط والعدم المفروض أمر حادث فيحتاج الى سبب وشرط وما لا يفتقر أرجح مما يفتقر فيكون البقاء أرجح من العدم وهو مفاد الاستصحاب فهو المطلوب وأطال فى هذا المعنى.
ويستدل الحنفية على عدم حجية الاستصحاب فى اثبات الحكم بأن الدليل الذى يثبت الحكم لا يدل على البقاء فربما يكون الشئ مقتضيا لوجود غيره ولكنه لا يقتضى بقاء هذا الوجود، لان البقاء غير الوجود، وهو حادث بعد الوجود، فلا بد له من سبب آخر غير سبب الوجود الاول، فان علم المجتهد أو ظن وجود السبب الذى به يبقى الحكم فالحكم يبقى به لا بالاستصحاب والا فلا حكم.
وردوا على استدلال مخالفهم ببقاء الشرائع وامتدادها بسبب الاستصحاب قائلين: ان بقاءها ليس بالاستصحاب بل لسبب آخر وهو فى شريعة عيسى مثلا:
تواتر نقلها والعمل بها الى زمن نبينا صلى الله عليه وسلم، وفى شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم الاحاديث الدالة على أنه لا نسخ لشريعته، وعدم بيان النبى صلى الله عليه وسلم للناسخ يدل على عدم وجوده، لانه لو كان لبينه صلى الله عليه وسلم، والا كان كاتما للوحى.
ويجيبون عما استدل به القائلون بالاستصحاب من انعقاد الاجماع على أن من شك فى الحدث فهو متوضئ، وما أشبه هذه الجزئية من بقاء حدث من شك فى الوضوء وبقاء زوجية من شك فى طلاق امرأته
…
بأن البقاء فيها ليس للاستصحاب بل لان مشروعية هذه الاشياء توجب امتداد أحكامها الى أن يظهر ما يناقضها وهذا بحسب الوضع وعرف التخاطب، وذلك غير الاستصحاب.
وينقل صاحب المنار عن العلماء الاحناف أن التمسك بالاستصحاب على أربعة أوجه:
1 -
عند القطع بعدم طرو ما يغير الحكم، وهذا صحيح اجماعا كما نطقت به الآية الكريمة فى قوله سبحانه:
(1)
الآية.
2 -
عند العلم بعدم طروء ما يغير الحكم بطريق الاجتهاد، وهذا لا يصلح حجة من المجتهد على غيره عند جمهور الاحناف.
3 -
قبل التأمل لمعرفة ما يغير الحكم، وهذا باطل بالاجماع، لانه جهل محض، ومن قبيله صلاة من اشتبهت عليه القبلة بلا سؤال ولا تحر.
4 -
لاثبات حكم مبتدأ وهو خطأ محض لا يتفق مع معنى الاستصحاب
(2)
.
بعض ما يتصل بالاستصحاب من
قواعد وما يتفرع عليه من أحكام
هناك بعض قواعد بناها عليه القائلون بالاستصحاب.
منها أن الاصل بقاء ما كان حتى يثبت ما يغيره ومثلوا له بالمفقود الذى تثبت
له أحكام الاحياء حتى يقوم الدليل على انتفائها. راجع كلمة (مفقود).
ومنها أن الاصل فى الاشياء الاباحة ما لم يرد ما يدل على المنع.
ومنها أن الاصل براءة الذمة حتى يثبت ما يدل على شغلها.
ومنها أن اليقين لا يزول بالشك وهذه القاعدة تتناول القواعد السابقة.
وهذه القواعد منفصلة عن الاستصحاب عند من لا يقولون به وغير مبنية عليه (راجع قاعدة).
وهناك فروع يفرعها القائلون بالاستصحاب عليه وبعض هذه الفروع لا يعترف به الحنفية والبعض الآخر يعترفون به ويستدلون عليه بغير الاستصحاب.
أما الفروع التى لا يعترفون بها فمنها الآتى:
1 -
الصلح مع الانكار فانه لا صحة للصلح مع انكار المدعى عند الشافعى استصحابا لبراءة الذمة فان فائدة الصلح عنده الحصول على براءة الذمة وهى حاصلة بدون الصلح.
ويصح عند الحنفية لعدم الاعتراف بذلك الاستصحاب فللصلح فائدته.
2 -
البينة على الشفيع لاثبات ملك المشفوع به اذا أنكر المشترى ذلك.
(1)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام.
(2)
يراجع لاستيفاء هذه المذاهب المنار وشرحه لابن ملك والمرآة والتحرير ومسلم الثبوت مع المستصفى الطبعة السابقة فى الموضوع.
(الاستصحاب).
يقول الشافعى أنها لا تجب لانه مستمسك بالاصل فان وضع اليد دليل الملك الظاهر.
ويقول الحنفية بوجوبها لان التمسك بالاصل لا يصلح للالزام.
3 -
ميراث المفقود، فمن مات فى غيبته فعند الشافعى أنه يرث استصحابا لحياته.
ولا يرث عند الحنفية لان حياته بالاستصحاب لا توجب استحقاقه
(1)
(انظر مفقود).
وأما الذى يعترف به الحنفية فهو مثل بقاء الطهارة عن تيقن بالوضوء وشك فى الحدث وبقاء الحدث عن تيقن بالحدث وشك فى الطهارة وبقاء الزوجية عن تيقن بالنكاح وشك فى الطلاق وبقاء الملك لمن ملك شيئا بالعقد وغير ذلك.
فهذه الفروع متفق على القول بها.
الا أن الشافعية ومن على طريقتهم يقولون ان دليلها استصحاب الاصل.
والحنفية يقولون ان دليلها هو أن النص المقتضى للحكم أو ما يقوم مقام النص يقيد استمرار الحكم بوصفه ودلالته عن غير استصحاب جديد.
استصلاح
التعريف اللغوى للاستصلاح المعبر
عنه بالمصلحة فى عرف بعض
الاصوليين:
للمصلحة فى اللغة معان تدور حول الخير والمنفعة وما ينافى الفساد.
جاء فى المصباح
(2)
«صلح الشئ صلاحا وصلوحا، وهو خلاف فسد، وأصلح أتى بالصلاح وهو الخير والصواب، وفى الامر مصلحة أى خير.
ويبدو لنا أن الاستصلاح فى اللغة طلب المصلحة لان السين والتاء للطلب.
فالمصلحة لغة من أثار الاستصلاح.
وقد فسرها الامام الطوفى لغة فقال:
ان لفظها مفعلة من الصلاح، وهو كون الشئ على هيئة كاملة بحسب ما يراد ذلك الشئ له، كالقلم يكون على هيئة المصلحة للكتابة.
ولما كان كل من المصلحة والاستصلاح فى عرف الاصوليين كالمترادفين حتى أن الامام الغزالى ذكر الموضوع بعنوان الاستصلاح.
(1)
راجع كتب الأحناف الأصولية المذكورة.
(2)
المصباح مادة صلح.
وفى أثناء البحث عبر عنه بالمصلحة اذ قال
(1)
: «وقد أختلف العلماء فى جواز اتباع المصالح المرسلة.
على أنه وعد بكشف معنى المصلحة.
كما أن الجلال المحلى فى شرحه على جمع الجوامع تأثر بهذا الاتجاه اذ قال
(2)
: ان الوصف الذى لم يدل الدليل على اعتباره ولا الغائه يعبر عنه بالمصالح المرسلة وبالاستصلاح.
هذا وقد اكتفى الغزالى أولا فى تصوير المصلحة بايراد أقسامها اذ قال:
المصلحة بالاضافة الى شهادة الشرع ثلاثة أقسام:
ثم انه عرفها بعد ذلك
(3)
بأنها المحافظة على مقصود الشرع وهو خمسة أشياء:
أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم وعقلهم، ونسلهم، ومالهم.
فكل ما يتضمن حفظ هذه الاصول الخمسة فهو مصلحة.
وكل ما يفوت هذه الاصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة.
ثم سماها وصفا مخيلا ومناسبا فقال: اذا أطلقنا المعنى المخيل والمناسب فى كتاب القياس أردنا به هذا الجنس.
وقال: ان هذه الاصول الخمسة حفظها واقع فى مرتبة الضرورات فهى أقوى المراتب فى المصالح.
وبهذا يتبين أن الغزالى عرف المصلحة فى أقوى مراتبها.
وقد وضح هذه الاشياء الخمسة بايراد أمثلة لها فقال: ومثاله قضاء الشرع بقتل الكافر المضل، وعقوبة المبتدع الداعى الى بدعته فان هذا يفوت على الخلق دينهم، وأيضا قضاؤه لا يجاب القصاص اذ به حفظ النفوس، وقضاؤه بايجاب حد الشرب اذ به حفظ العقول التى هى ملاك التكليف، وايجاب حد الزنى اذ به حفظ النسل والانساب، وايجاب زجر الغصاب والسراق اذ به يحصل حفظ الاموال التى هى معاش الخلق وهم مضطرون اليها، وتحريم تفويت هذه الاصول الخمسة والزجر عنها يستحيل ألا تشتمل عليه ملة من الملل، وشريعة من الشرائع التى أريد بها اصلاح الخلق، ولذلك لم تختلف الشرائع فى تحريم «الاعتداء» واحدة من الخمس المشار اليها.
(1)
المستصفى ح 1 ص 284 المطبعة الاميرية الطبعة الاولى سنة 1322 هـ.
(2)
ح 1 ص 298 الطبعة الاولى المطبعة العلمية بمصر سنة 1316 هـ.
(3)
المستصفى ح 1 ص 286.
ثم بين أن ما يجرى مجرى التكملة والتتمة لهذه الخمسة فهو أقل منها، وذلك اذ يقول: أما ما يجرى مجرى التكملة والتتمة لهذه المرتبة فكقولنا: المماثلة مرعتة فى استيفاء القصاص، لانه مشروع للزجر والتشفى، ولا يحصل ذلك الا بالمثل، وكقولنا القليل من الخمر انما حرم لانه يدعو الى الكثير منه فيقاس عليه النبيذ، فهذا دون الاول، ولذا اختلفت فيه الشرائع، أما تحريم السكر فلا تنفك عنه شريعة، لان السكر يسد باب التكليف والتعبد.
ثم تطرق الى بقية بيان رتب المصلحة على ما سنبينه فى موضعه.
ونقل الشوكانى
(1)
عن الخوارزمى:
أن المراد بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع بدفع الفاسد عن الخلق.
ونقل عن الغزالى أنها هى أن يوجد معنى يشعر بالحكم مناسب عقلا، ولا يوجد أصل متفق عليه.
ونقل عن ابن برهان أنها هى مالا يستند الى أصل كلى ولا جزئى.
وقد عرفها نجم الدين الطوفى فقال
(2)
انها بحسب العرف هى السبب المؤدى الى الصلاح والنفع، كالتجارة المؤدية الى الربح.
وبحسب الشرع هى السبب المؤدى الى مقصود الشارع عبادة أو عادة.
علاقة المصلحة بالتشريع
فى مختلف مصادره:
نبين هذه العلاقة أولا بالنسبة للمصادر الاصلية ثم بالنسبة للمصادر التبعية.
أولا - بالنسبة للمصادر الاصلية:
يتجه جمهور الاصوليين الى أن هناك ارتباطا بين المصلحة وما نص عليه من الاحكام فى المصادر الاصلية.
يقول الشاطبى
(3)
: فى الرد على الرازى الذى يقول: ان أحكام الله ليست معللة بعلة البتة، كما أن أفعاله كذلك والمعتمد هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازى ولا غيره فان الله تعالى يقول فى بعثة الرسل: «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ}
(4)
ويقول «وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ»
(5)
.
ثم قال الشاطبى: وأما التعاليل لتفاصيل الاحكام فى الكتاب والسنة فأكثر من أن تحصى.
(1)
ارشاد الفحول ص 225 الطبعة الاولى مطبعة السعادة.
(2)
رسالة الامام الطوفى مطبعة جامعة الازهر سنة 1966 م.
(3)
الموافقات ج 2 ص 2 المطبعة السلفية بمصر.
(4)
الآية: 165 النساء.
(5)
سورة الأنبياء: 107.
كقوله تعالى بعد آية الوضوء «ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ»
(1)
.
وقال فى الصيام «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» }.
(2)
وفى الصلاة «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ» }.
(3)
وقال فى القبلة «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ» }.
(4)
وفى الجهاد «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا» }.
(5)
وفى القصاص «وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ» }.
(6)
ثم قال: واذا دل الاستقراء على هذا كله وكان فى مثل هذه القضية مفيدا للعلم فنحن نقطع بأن الامر مستمر فى جميع تفاصيل الشريعة، ومن هذه الجملة ثبت القياس والاجتهاد فلنجر على مقتضاه.
وقال ابن القيم
(7)
: يذكر الشارع العلل والاوصاف المؤثرة والمعانى المعتبرة فى الاحكام ليدل بذلك على تعلق الحكم بها أين وجدت واقتضائها لاحكامها وعدم تخلفها عنها الا لمانع يعارض اقتضاءها ويوجب تخلف أثرها كقوله تعالى «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ»
(8)
وقوله «ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ»
(9)
وقد ذكر ابن القيم من الامثلة.
(10)
وقوله «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً» }.
(11)
وقوله «إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ» }.
(12)
(1)
المائدة: 6.
(2)
البقرة: 183.
(3)
العنكبوت: 45.
(4)
البقرة: 150.
(5)
الحج: 39.
(6)
البقرة: 179.
(7)
أعلام الموقعين ج 1 ص 196 مطبعة السعادة الطبعة الأولى سنة 1374 هـ.
(8)
الأنفال: 13.
(9)
محمد: 28.
(10)
الحشر: 7.
(11)
الكهف: 30.
(12)
الأنبياء: 77.
وقوله فى اعتزال الحائض «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ» }.
(1)
(2)
ثم قال ابن القيم
(3)
: وقد ذكر النبى صلى الله عليه وسلم علل الاحكام والاوصاف المؤثرة فيها ليدل على ارتباطها بها وتعديلها بتعدى أوصافها وعللها.
كقوله فى نبيذ التمر «ثمرة طيبة وماء طهور» .
وقوله «انما جعل الاستئذان من أجل البصر» .
وقوله «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الاضاحى من أجل الدافة
(4)
فكلوا وادخروا».
وقوله فى الهرة «انها ليست بنجس انها من الطوافين عليكم والطوافات» .
وقوله فى تعليل النهى عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها: «انكم اذا فعلتم ذلك قطعتم ارحامكم» .
وقوله وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر «أينقص الرطب اذا جف؟ قالوا نعم. فنهى عنه» .
وقوله «لا يتناجى اثنان دون الثالث فان ذلك يحزنه» .
وعرض الشاطبى عدة أحاديث فى ذلك ثم قال: وقد قرب النبى صلى الله عليه وسلم الاحكام الى أمته بذكر نظائرها وأسبابها وضرب لها الامثال فقد قال له عمر رضى الله عنه: صنعت اليوم أمرا عظيما يا رسول الله. قبلت وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم. فقلت لا بأس بذلك فقال صلوات الله عليه: فصم.
فلولا أن المعانى والعلل مؤثرة فى الاحكام بنفى واثبات لم يكن لذكر هذا التشبيه معنى.
وبعد ايراد أمثلة كثيرة من هذا النوع قال الشاطبى: والمقصود أن النبى صلى
(1)
البقرة: 222.
(2)
المائدة: 90، 91.
(3)
اعلام الموقعين ص 198 مطبعة السعادة الطبعة الأولى سنة 1374 هـ.
(4)
الدافة: الجماعة من الناس تقبل من بلد الى بلد.
الله عليه وسلم يذكر فى الاحكام العلل والاوصاف المؤثرة فيها طردا وعكسا.
ثانيا - بالنسبة للمصادر التبعية:
المصادر التبعية فى جملتها مردها الى النظر والبحث وقد تناولها الاصوليون فى عدة مناسبات. كالآمدى حيث يقول:
المختار أنه لا بد أن تكون العلة فى الاصل بمعنى الباعث للمكلف على الامتثال أى مشتملة على حكمة صالحة أن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم، والا فلو كانت وصفا طرديا لا حكمة فيه بل أمارة مجردة فالتعليل بها فى الاصل ممتنع. وأطال فى ذلك.
وذكر فى موضع آخر
(1)
: أن الاصوليين اختلفوا فى اشتراط مناسبة الوصف المومى اليه: فأثبته قوم ونفاه آخرون.
ومم احتج به من يشترطون المناسبة اتفاق الفقهاء على امتناع خلو الاحكام الشرعية عن الحكم اما بطريق الوجوب على رأى المعتزلة، وأما بحكم الاتفاق على رأى أصحابنا، سواء ظهرت الحكمة أو لم تظهر، وما يسلم قطعا أنه لا مناسبة فيه ولا وهم المناسبة يعلم امتناع التعليل به.
فهذا وأمثاله يوضح نظرة الفقهاء الى ارتباط الاحكام الاجتهادية بالحكم والمصالح.
الفرق بين المصلحة
وكل من الحكمة والعلة:
أما المصلحة فقد أوردنا فيها عدة تعريفات متقاربة.
منها ما قاله الخوارزمى من أنها المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق.
وأما العلة فقد عرفها الاصوليون بعدة تعريفات نقلها الاسنوى فى شرحه على المنهاج
(2)
.
قال الغزالى: هى الوصف المؤثر فى الاحكام بجعل الشارع لا بذاته.
وقالت المعتزلة هى المؤثر لذاته فى الحكم وهو مبنى على مذهبهم فى التحسين والتقبيح.
وقال الآمدى وابن الحاجب هى الباعث على الحكم أى الوصف المشتمل على حكمة صالحة بأن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم.
وقال الامام الرازى أنها المعرف للحكم واختاره البيضاوى.
ويمثل الاصوليون للعلة بأمثلة عديدة.
(1)
الاحكام ج 3 ص 376 طبع دار الكتب.
(2)
ج 3 ص 4 المطبعة الاميرية سنة 1317 هـ
منها الاسكار فى تحريم الخمر.
ومنها السفر فى القصر والفطر.
وذكر الشوكانى
(1)
أن لها أسماء تختلف باختلاف الاصطلاحات.
فيقال لها السبب والامارة والداعى والمستدعى والباعث والحامل والمناط والدليل والمقتضى والموجب والمؤثر.
وأما الحكمة فقد عرفها الشوكانى:
بأنها الحاجة الى جلب مصلحة أو دفع مفسدة، ونقل عن بعض الاصوليين أنها ان كانت ظاهرة منضبطة بنفسها جاز التعليل بها وهو اختيار الآمدى والصفى الهندى.
وفى دراسة الاصول ما يبين أن بين العلة والحكمة ارتباطا خصوصا على مذهب القائلين بأنها بمعنى الباعث.
ويتجلى الفرق بين هذه الامور الثلاثة فى جزئيات عديدة، منها أنهم يعللون مشروعية القصر فى الصلاة والفطر فى رمضان بالسفر الذى هو وصف ضابط مشتمل على الحكمة المقصودة للشارع من شرع الحكم وهى دفع المشقة، وهذا الدفع نفسه يعتبر مصلحة للعباد ففى هذا المثال يتجلى أن العلة هى ذلك الوصف (السفر) وأن الحكمة هى دفع المشقة، ويترتب على ذلك التيسير الذى هو مصلحة:؟
ومنها أنهم يعللون تحريم الشارع للخمر باسكارها، ويقولون: ان الحكمة هى دفع ما يترتب على الاسكار من الشرور التى تنتج عن زوال العقل بسبب الاسكار وبذا تتحقق المصلحة وهى الامن من تلك المفاسد.
غير أن الذى يتناوله الاصوليون فى بحث المصلحة هو المصلحة باعتبارها دليلا مستقلا غير مرتبط بغيره وهو ما يعبرون عنه بالمصالح المرسلة.
مراتب المصلحة
يبين الاصوليون أن مراتب المصلحة ثلاثة ولكل منها ما يكمله:
المرتبة الاولى: الضروريات وما يكملها.
وقد تقدم بيانها فى تصوير الغزالى لمفهوم المصلحة.
المرتبة الثانية: كما يعبر الغزالى:
(2)
ما يقع فى رتبة الحاجات من المصالح والمناسبات كتسليط الولى على تزويج الصغيرة والصغير فذلك لا ضرورة اليه لكنه محتاج اليه فى اقتناء المصالح وتقييد الاكفاء خيفة من الفوات وطلبا للصلاح المنتظر فى المآل، وليس هذا كتسليط الولى على تربيته وارضاعه، وشراء الملبوس والمطعوم لاجله فان ذلك من الضرورات. أما النكاح فى حال الصغر
(1)
ارشاد الفحول ص 193 مطبعة السعادة
(2)
المستصغى ج 1 ص 289.
فلا يرهق اليه توقان الشهوة ولا حاجة الى تناسل بل يحتاج اليه لصلاح المعيشة بارتباط العشائر والتظاهر بالاصهار وأمور من هذا الجنس لا ضرورة اليها أما ما يجرى مجرى التتمة لهذه الرتبة فهو كقولنا لا تزوج الصغيرة الا من كفء، وبمهر مثل فانه أيضا مناسب ولكنه دون أصل الحاجة الى النكاح ولهذا اختلف العلماء فيه.
المرتبة الثالثة: ما لا يرجع الى ضرورة ولا حاجة، ولكن يقع لرفع التحسين والتزيين والتيسير للمزايا ورعاية أحسن المناهج فى العادات والمعاملات.
مثاله: سلب العبد أهلية الشهادة مع قبول فتواه وروايته من حيث أن العبد نازل القدر والرتبة بتسخير المالك اياه فلا يليق بمنصبه التصدى للشهادة.
أما سلب ولايته فهو من مرتبة الحاجات لان ذلك مناسب للمصلحة اذ ولاية الاطفال تستدعى استغراقا وفراغا، والعبد مستغرق بالخدمة فتفويض أمر الطفل اليه اضرار به.
أما الشهادة فتتفق أحيانا كالرواية والفتوى ولكن سلب منصب الشهادة لخسة قدرة ليس كسلب ذلك لسقوط الجمعة عنه.
ثم قال الغزالى
(1)
: ان الواقع فى الرتبتين الاخيرتين «الحاجية والتحسينية» لا يجوز الحكم بمجرده ان لم يعتضد بشهادة أصل، الا أنه لا بعد فى أن يؤدى اليه اجتهاد مجتهد، وان لم يشهد الشرع بالرأى فهو كالاستحسان، فان اعتضد بأصل فذاك قياس.
أما الواقع فى رتبة الضرورات فلا بعد فى أن يؤدى اليه اجتهاد مجتهد وان لم يشهد له أصل معين، ومثل له بالكفار اذا تترسوا بجماعة من أسارى المسلمين، فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الاسلام وقتلوا الاسارى أيضا، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلما معصوما وهذا لا عهد به فى الشرع.
ثم قال: يجوز أن يقال ان هذا الاسير مقتول بكل حال فحفظ جميع المسلمين أقرب الى مقصود الشرع.
فهاهنا التفات الى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصودا للشرع لا بدليل واحد بل بأدلة خارجة عن الحصر، لكن تحصيل هذا المقصود بقتل من لم يذنب لم يشهد له أصل معين.
فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق القياس على أصل معين وانقدح اعتبارها باعتبار ثلاثة أوصاف.
(1)
المستصغى ج 1 ص 293.
كونها ضرورية وقطعية وكلية، وليس فى معناها ما لو تترس الكفار فى قلعة بمسلم اذ لا يحل رمى الترس اذ لا ضرورة، اذ يمكن العدول عن القلعة اذ لم نقطع بظفرنا بها اذ ليست قطعية بل ظنية،.
وليس فى معناها أيضا جماعة فى سفينة لو طرحوا واحدا لنجوا، لانها ليست كلية اذ يحصل بها هلاك عدو محصور، ولانه ليس يتعين واحد للاغراق الا أن يتعين بالقرعة ولا أصل لها - هنا.
وليس منها أيضا قطع اليد للاكلة - نحو الجذام - حفظا للروح لان المصلحة فيه ليست قطعية لاحتمال أن يكون القطع سببا ظاهرا فى الهلاك وأطال فى ذكر ومناقشة جزئيات من هذا الموضوع.
ومن هذه الدراسة يتبين أن الغزالى لا يعتبر المصلحة دليلا الا اذا كانت مرسلة وكانت ضرورية قطعية كلية.
أما كونها مرسلة فقد صدر كلامه بالنص عليها اذ يقول كما نقلنا عنه وقد اختلف العلماء فى اعتبار المصالح المرسلة.
وأما كونها ضرورية قطعية كلية فهو واضح من مسلكه فى شرح هذه المراتب.
يقول الاسنوى
(1)
: ان رأى الغزالى أنه يؤخذ بالمصالح المرسلة ان كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية.
وفسر الاسنوى الضرورية بما تكون احدى الضروريات الخمس.
وفسر القطعية بأنها هى التى يجزم بحصول المصلحة فيها.
وفسر الكلية بأنها التى تكون موجبة لفائدة عامة للمسلمين.
وسنتعرض لتفصيل مذاهب الاصوليين عند بيان أقسام المصلحة.
أما الشاطبى فمسلكه فى بيان مراتب المصلحة
(2)
هو: أن المقاصد التى ينظر فيها قسمان.
أحدهما يرجع الى قصد الشارع والاخر يرجع الى قصد المكلف.
ثم قال: ان تكاليف الشريعة ترجع الى حفظ مقاصدها فى الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام:
أحدها أن تكون ضرورية.
والثانى أن تكون حاجية.
والثالث أن تكون تحسينية.
(1)
شرح الأسنوى على المنهاج ج 3 ص 136.
(2)
الموافقات ج 2 ص 82.
فأما الضرورية فمعناها أنها لا بد فيها فى قيام مصالح الدين والدنيا بحيث اذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج، وفى الاخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، والحفظ لها يكون بأمرين:
أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.
والثانى: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها.
فأصول العبادات راجعة الى حفظ الدين من جانب الوجود كالايمان والصلاة.
والعادات راجعة الى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضا كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات.
والمعاملات راجعة الى حفظ النسل والمال من جانب الوجود والى حفظ النفس والعقل أيضا لكن بواسطة العادات والجنايات ويجمعها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - ترجع الى حفظ الجميع من جانب العدم.
وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتقرة اليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدى فى الغالب الى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادى المتوقع فى المصالح العامة.
وهى جارية فى العبادات والمعاملات والجنايات.
ففى العبادات كالرخص المخففة بالنسبة الى لحوق المشقة بالمرض والسفر.
وفى العادات كاباحة الصيد والتمتع بالطيبات مما هو حلال.
وفى المعاملات كالقراض والمساقاة والسلم.
وفى الجنايات كالحكم باللوث والقسامة وضرب الدية على العاقلة وتضمين الصناع.
وأما التحسينات: فمعناها الاخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الاحوال المدنسات التى تأنفها العقول الراجحات.
ويجمع ذلك قسم مكارم الاخلاق.
وهى جارية فى العبادات كازالة النجاسة وستر العورة وأخذ الزينة.
وفى العبادات كآداب الاكل والشرب والاسراف والاقتار فى المتناولات.
وفى المعاملات كالمنع من بيع النجاسات وفضل الماء والكلأ.
وفى الجنايات كمنع قتل النساء والصبيان والرهبان فى الجهاد.
فهذه الامور راجعة الى محاسن زائدة على أصل المصالح الضرورية والحاجية اذ ليس فقدانها بمخل بأمر ضرورى ولا حاجى، وانما جرت مجرى التحسين والتزيين.
ثم قال الشاطبى
(1)
: لكل تكملة لها من حيث تكملة شرط وهو أن لا يعود اعتبارها على الاصل بالابطال اذ فى ابطال الاصل. ابطال التكملة، ولو قدرنا أن المصلحة التكميلية تحصل مع فوت المصلحة الاصلية لكان حصول الاصلية أولى لما بينها من التفاوت.
ومثل بعدة أمثلة، منها الجهاد مع ولاة الجور اذ قال العلماء بجوازه اذ لو ترك ذلك لكان ضررا على المسلمين، فالجهاد ضرورى والوالى فيه ضرورى والعدالة فيه مكملة للضرورة، والمكمل اذا عاد للأصل بالابطال لم يعتبر، ولذلك جاء الامر بالجهاد مع ولاة الجور عن النبى صلى الله عليه وسلم، ومنها ما جاء بالامر بالصلاة خلف الولاة السوء فان ترك ذلك ترك سنة الجماعة، والجماعة من شعائر الدين المطلوبة، والعدالة مكملة لذلك المطلوب ولا يبطل الاصل بالتكملة «أى بسببها» .
ثم قال الشاطبى
(2)
: المقاصد الضرورية فى الشريعة أصل للحاجية والتحسينية فلو فرض اختلال الضرورى باطلاق لا ختل كل من الحاجى والتحسينى باختلاله، ولا يلزم من اختلالهما اختلال الضرورى باطلاق.
نعم قد يلزم من اختلال التحسينى باطلاق اختلال الحاجى بوجه ما.
وقد يلزم من اختلال الحاجى باطلاق اختلال الضرورى بوجه ما.
فلذلك اذا حوفظ على الضرورى فينبغى المحافظة على الحاجى.
واذا حوفظ على الحاجى فينبغى أن يحافظ على التحسينى.
واذا ثبت أن التحسينى يخدم الحاجى وأن الحاجى يخدم الضرورى فان الضرورى هو المطلوب.
وأطال الشاطبى
(3)
فى بيان أن الضرورى أصل لما سواه من الحاجى والتكميلى وأن اختلال الضرورى يلزم منه اختلال الباقين باطلاق وأنه لا يلزم من الاختلال الحاجى والتحسينى اختلال الضرورى، وأنه قد يلزم من اختلال التحسينى باطلاق أو الحاجى باطلاق اختلال الضرورى بوجه ما، وأنه ينبغى المحافظة على الحاجى وعلى التحسينى للضرورى.
(1)
الموافقات ج 2 ص 6.
(2)
المرجع السابق ص 8.
(3)
الموافقات ح 2 ص 8، 15.
والامدى فى كتابه الاحكام فى أصول الاحكام
(1)
: لم يخرج فى ذكر هذه المراتب وتصويرها بأمثلتها عما أوردناه عن كل من الغزالى والشاطبى.
وقد تناول العز بن عبد السّلام فى كتابه قواعد الاحكام مراتب المصلحة والمفسدة باصطلاح آخر اذ قال: ان مصالح الدارين ومفاسدهما فى رتب متفاوتة فمنها ما هو أعلاها ومنها ما هو أدناها ومنها ما يتوسط بينهما.
ثم قال: فكل مأمور به ففيه مصلحة الدارين أو احداهما، وكل منهى عنه ففيه مفسدة فيهما أو فى احداهما فما كان من الاكتساب محصلا لاحسن المصالح فهو أفضل الاعمال، وما كان محصلا لاقبح المفاسد فهو أرذل الاعمال فلا سعادة أصلح من العرفان والايمان وطاعة الله سبحانه، ولا شقاوة أقبح من الجهل بالله والكفر والفسوق، ويتفاوت ثواب الآخرة بتفاوت المصالح فى الاغلب وبتفاوت عقابها بتفاوت المفاسد فى الاغلب.
أنواع المصلحة
يقول الآمدى فى أقسام الوصف المناسب بالنظر الى اعتباره
(2)
ان هذا الوصف اما أن يكون مقبولا فى نظر الشارع أولا.
وأطال فى الكلام عن المعتبر.
ثم أورد
(3)
الوصف المناسب الذى لم يشهد له أصل من أصول الشريعة بالاعتبار، ولا ظهر الغاؤه فى صورة ويعبر عنه بالمناسب المرسل.
ثم أورد المناسب الذى لم يشهد له أصل بالاعتبار وظهر مع ذلك الغاؤه واعراض الشارع عنه فى صورة.
وقال: ان هذا مما اتفق على ابطاله وامتناع التمسك به، ومثل له بقول بعض العلماء لبعض الملوك لما جامع فى نهار رمضان وهو صائم يجب عليك صوم شهرين متتابعين، فلما أنكر عليه حيث لم يأمره باعتاق رقبة مع اتساع ماله قال: لو أمرته بذلك لسهل عليه واستحقر اعتاق رقبة فى قضاء شهواته، فكانت المصلحة فى ايجاب الصوم مبالغة فى زجره، فهذا وان كان مناسبا غير أنه لم يشهد له شاهد فى الشرع بالاعتبار مع ثبوت الغاية بنص الكتاب.
ثم تناول الآمدى
(4)
: بعد ذلك المناسب المرسل بعنوان المصالح المرسلة فذكر آراء العلماء فيه بقوله: وقد اتفق الفقهاء من الحنفية والشافعية وغيرهم على امتناع التمسك به وهو
(1)
ج 3 ص 393.
(2)
الأحكام ج 3 ص 405.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 410.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 215.
الحق، الا ما نقل عن مالك أنه يقول به مع انكار أصحابه لذلك عنه.
ولعل النقل - ان صح عنه فالاشبه أنه لم يقل بذلك فى كل مصلحة بل فيما كان من المصالح الضرورية الكلية الحاصلة قطعا لا فيما كان من المصالح غير ضرورى ولا كلى ولا وقوعه قطعى.
ثم أورد المثال الذى سبق لنا ايراده عن الغزالى، وهو تترس الكفار بجماعة من المسلمين.
ثم قال
(1)
: ان المصالح - على ما بينا - منقسمة الى ما عهد من الشرع اعتباره، وما عهد من الشرع الغاؤه.
وقال: ان هذا القسم متردد بين ذينك القسمين، وليس الحاقه بأحدهما أولى من الآخر، فامتنع الاحتجاج به دون شاهد بالاعتبار يعرف أنه من قبيل المعتبر دون الملغى.
وهذا النقل الذى أورده الآمدى يختلف عما أورده غيره فى المسألة كالاسنوى اذ يقول
(2)
: ان المناسب المرسل وهو المسمى بالمصالح المرسلة فيه ثلاثة مذاهب.
أحدها: أنه غير معتبر مطلقا قال ابن الحاجب: وهو المختار، وقال الآمدى: انه الحق الذى اتفق عليه الفقهاء.
والثانى: أنه حجة مطلقا وهو مشهور عن مالك، واختاره امام الحرمين، قال ابن الحاجب: وهو منقول عن الشافعى أيضا، وكذلك قال امام الحرمين، الا أنه اشترط فيه أن تكون تلك المصالح شبيهة بالمصالح المعتبرة.
والثالث: وهو رأى الغزالى واختاره البيضاوى: أنه ان كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية اعتبرت والافلا.
ثم فسر كلا من الضرورية والقطعية والكلية بما سبق ذكره ومثل لهذا النوع بمثال التترس السابق أيضا.
وقد أورد الكمال بن الهمام فى المسألة
(3)
: أن المناسب المرسل ينقسم الى.
ما علم الغاؤه كصوم الملك عن كفارته لمشقة الصوم، بخلاف الاعتاق فانه سهل عليه، والصيام مع القدرة على الاعتاق مخالف للنص فهذا القسم معلوم الالغاء.
(1)
المرجع السابق ص 216.
(2)
شرح الإسنوى على المنهاج ج 3 ص 135.
(3)
فى كتابة التحرير بشرحه تيسير التحرير لأمير بادشاه ج 3 ص 314 طبع مطبعة مصطفى الحلبى سنة 1352 هـ.
وما لم يعلم الغاؤه ولم يعلم اعتبار جنسه فى جنس الحكم أو عينه فى جنس الحكم أو جنسه فى عين الحكم وهو الغريب المرسل.
وهما مردودان اتفاقا.
وما علم اعتبار أحدهما وهو المرسل الملائم ويسمى بالمصالح المرسلة.
وعن الشافعى ومالك قبوله.
ثم أورد مذهب الغزالى وتمثيله وتصويره على ما تقدم.
ثم قال: ان المختار عند أكثر العلماء رده اذ لا دليل على الاعتبار وهو دليل شرعى فلا يصح بدون اعتبار فوجب رده.
ثم أورد الكمال بن الهمام المناقشة بما سنبينه عند الكلام على الادلة.
أما الشوكانى فقد صور الخلاف تصويرا يختلف عن هؤلاء جميعا فقال
(1)
:
وقد اختلفوا فى القول بالمصالح المرسلة على مذاهب:
الاول: منع التمسك بها مطلقا واليه ذهب الجمهور.
الثانى: الجواز مطلقا وهو المحكى عن مالك.
قال الجوينى فى البرهان: وأفرط مالك فى القول بها حتى جره الى استحلال
القتل وأخذ المال لمصالح يقتضيها فى غالب الظن وان لم يجد لها مستندا.
وقد حكى القول بها عن الشافعى فى القول القديم.
وقد أنكر جماعة من المالكية ما نسب الى مالك من القول بها ومنهم القرطبى اذ قال: ذهب الشافعى ومعظم أصحاب أبى حنيفة الى عدم الاعتماد عليها وهو مذهب مالك، وقد اجترأ امام الحرمين وجازف فيما نسبه الى مالك من الافراط فى هذا الاصل، وهذا لا يوجد فى كتب مالك ولا فى شئ من كتب أصحابه، ونقل عن ابن دقيق العيد أنه قال:
الذى لا أشك فيه ان لمالك ترجيحا على غيره من الفقهاء فى هذا النوع، ويليه أحمد بن حنبل ولا يكاد يخلو غيرهما من اعتباره فى الجملة لكن لهذين ترجيح فى الاستعمال لها على غيرهما.
ثم نقل الشوكانى عن القرافى أنها عند التحقيق معتبرة فى جميع المذاهب لانهم يقومون ويقعدون بالمناسبة ولا يطلبون شاهدا بالاعتبار ولا نعنى بالمصالح المرسلة غير ذلك. ثم قال:
المذهب الثالث: ان كانت ملائمة لاصل كلى من أصول الشرع أو جزئى جاز بناء الاحكام عليها والا فلا حكاه ابن برهان فى الوجيز عن الشافعى وقال: انه الحق المختار قال امام الحرمين: ذهب الشافعى ومعظم أصحاب أبى حنيفة الى تعليق
(1)
ارشاد الفحول ص 225.
الاحكام بالمصالح المرسلة بشرط الملاءمة للمصالح المعتبرة المشهود لها بالاصول.
وقال: المذهب الرابع: ان كانت المصلحة ضرورية قطعية كلية كانت معتبرة فان فقد أحد هذه الثلاثة لم تعتبر.
وأطال الشوكانى فى بيان هذا المذهب على غرار ما نقلناه عن الامام الغزالى.
ثم نقل عن ابن المنير أن حاصل كلام الغزالى الى رد الاستدلال بها لتضييقه فى قبولها باشتراط ما لا يتصور وجوده.
قال الزركشى: ان هذا تحامل من ابن المنير فان الفقيه يفرض المسائل النادرة لاحتماله وقوعها بل المستحيلة لرياضة الافهام.
ونقل الشوكانى عن ابن دقيق العيد أنه قال: لست أنكر على من اعتبر أصل المصالح لكن الاسترسال فيها وتحقيقها محتاج الى نظر سديد وربما يخرج عن الحد، وقد نقلوا عن عمر رضى الله عنه أنه قطع لسان الحطيئة بسبب الهجو، فان صح ذلك فهو من باب العزم على المصالح المرسلة، وحمله على التهديد الرادع للمصلحة أولى من حمله على حقيقة القطع للمصلحة، وهذا يجر الى النظر فيما يسمى المصلحة المرسلة. قال: وشاورنى بعض القضاة فى قطع أنملة شاهد لمنعه من الكتابة بسبب قطعها وكل هذا منكرات عظيمة المواقع فى الدين واسترسال قبيح فى أذى المسلمين.
وقد اتجه ابن السبكى فى هذا الموضوع
(1)
الى تقسيم الوصف المناسب ثلاثة أقسام بعدة اعتبارات كما يقول الشربينى فى تقديره وهو يقضى بأن ما اعتبرناه مراتب تقسيم للوصف باعتبار نفس المقصود وهذه التقسيمات هى:
التقسيم الاول: لهذا الوصف باعتبار افضائه الى المقصود.
التقسيم الثانى باعتبار نفس المقصود.
التقسيم الثالث بالنظر الى اعتبار الشارع للوصف أو عدم اعتباره.
وهو يقول فى التقسيم الاول
(2)
: انه قد يحصل المقصود من شرع الحكم يقينا أو ظنا كالبيع والقصاص، وقد يكون محتملا على السواء كحد الخمر أو يكون نفيه أرجح كنكاح الآيسة للتوالد الذى هو المقصود من النكاح فان انتفاءه فى نكاحها أرجح من حصوله.
ثم ذكر أحكام تلك الاقسام والاختلاف فيها وليست من صميم موضوعنا.
أما التقسيم الثانى باعتبار نفس المقصود فبينه بقوله: والمناسب من حيث
(1)
جمع الجوامع ج 2 ص 292، 302 طبع المطبعة العلمية بالقاهرة 1316 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 292.
شرع الحكم له أقسام: ضرورى فحاجى فتحسينى.
وعرف الضرورى بأنه ما تصل الحاجة فيه الى حد الضرورة ومثل لذلك بحفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال والعرض، وبين المحلى فى شرحه أن حفظ الدين شرع له قتل الكفار، وعقوبة الداعين الى البدع، وأن حفظ النفس شرع له القصاص، وان حفظ العقل شرع له حد السكر، وأن حفظ النسب شرع له حد الزنى وأن حفظ المال شرع له حد السرقة وحد قطع الطريق وان حفظ العرض شرع له حد القذف.
وقال: ان هذا زاده ابن السبكى والطوفى.
ثم قال ابن السبكى ويلحق بالضرورى مكمله كالحد فى قليل المسكر.
كما عرف المحلى الحاجى فى شرحه بأنه يحتاج اليه ولا يصل الى حد الضرورة.
ومثل له ابن السبكى بالبيع والاجارة اذ هما مشروعان للملك المحتاج اليه ولا يفوت بفواته لو لم يشرع شئ من الضروريات السابقة
(1)
.
ثم قال: ان الحاجى قد يكون ضروريا فى بعض الصور كالاجارة لتربية الطفل.
وقال: ان مكمل الحاجى - أى الملحق
به - كخيار البيع الذى شرع للتروى تحقيقا للسلامة عن الغبن.
وعرف التحسينى بأنه ما استحسن عادة من غير احتياج اليه وقسمه قسمين.
الاول غير معارض للقواعد كسلب العبد أهلية الشهادة، ومعارض لها كالكتابة فانها غير محتاج اليها، اذ لو منعت لا تضر، لكنها مستحسنة فى العادة للتوصل بها الى العتق، وان كانت خارجة عن قاعدة امتناع بيع الشخص بعض ماله ببعض آخر.
أما التقسيم الثالث فهو ان الوصف ان اعتبر بنص أو اجماع سمى مؤثرا لظهور تأثيره بما اعتبر به، وان لم يعتبر بنص ولا اجماع، وانما اعتبر بترتيب الحكم على وفق الوصف سمى ملائما.
وكل من الوصف المؤثر والملائم يسمى فى اصطلاح الاصوليين بالمصلحة المعتبرة.
أما اذا كان الوصف المناسب غير معتبر لا بنص ولا باجماع، ولا بترتب الحكم على وفقه، فانه لا يخلو أمره اما أن يدل الدليل على الغائه، وهذا لا يعلل به، ومثل له بمواقعة الملك زوجته فى نهار رمضان، فان حاله يناسب التكفير ابتداء بالصوم ليرتدع به دون الاعتاق، اذ يسهل عليه بذل المال فى سبيل الشهوة، ويسمى هذا القسم
(1)
جمع الجوامع ج 2 ص 299.
بالغريب لبعده عن الاعتبار، وان لم يدل الدليل على الغائه كما لم يدل على اعتباره فهو المرسل ويعبر عنه بالمصالح المرسلة وبالاستصلاح.
واتجه ابن السبكى والمحلى فى تصوير الخلاف فى قبول هذا النوع أو رفضه الى أن الامام مالكا قبله مطلقا رعاية للمصلحة حتى جوز ضرب المتهم بالسرقة ليقر، وان كان الجلال المحلى قال ان ذلك معارض بأن المتهم قد يكون بريئا وأن ترك الضرب للمذنب أهون من ضرب البرئ، وكاد أمام الحرمين يوافقه على مناداته عليه بالنكير.
ووضح ذلك العطار فى حاشيته
(1)
.
بأن قرب موافقة امام الحرمين لمالك من جهة أن كلا منهما اعتبر المصالح المرسلة، الا أن امام الحرمين قيد ما اعتبره منها بكونها مشبهة لما علم اعتباره شرعا، ومالك لم يقيد به.
وقال ابن السبكى والمحلى فى، هذا النوع: ان الاكثر من العلماء رده مطلقا لعدم ما يدل على اعتباره، وأورد أن قوما ردوه فى العبادات، لانه لا نظر فيها للمصلحة، بخلاف غيرها كالبيع والحد، ويرى ابن السبكى - خلافا للغزالى - أن المصلحة الضرورية الكلية القطعية ليست من هذا النوع لانها مما دل الدليل على اعتباره فهى حق قطعا
ومثل لها برمى الكفار الترس بأسر المسلمين كما مثل لها الغزالى.
وبهذا يتبين ان لابن السبكى مسلكا فى التقسيم، وايراد الخلاف يختلف عن مسلك الآخرين، كما أنه يبدو فيه الاستقلال بمذهب على حدة فى تطبيق مسألة التترس اذ عده من المصالح المعتبرة.
وقد اتجه فى مسلك ابن السبكى فى هذه التقسيمات السالمى الاباضى
(2)
.
وقد جعل هذا التقسيم للحكمة التى تشتمل عليها العلة وسماها جلب مصلحة ودفع مفسدة
(3)
.
وقد توسع فى ايراد أمثلة الاقسام فمثل لحفظ الدين بمشروعية الجهاد وقتل الزنديق والمرتد والساحر وعقوبة أهل البدع.
ومثل فى حفظ النفس بمشروعية القصاص والدية والعقوبة على من اتهم بالقتل.
ومثل فى حفظ المال بحد السارق وقاطع الطريق وسائر أنواع الضمانات ومثل فى حفظ العرض بحد القاذف واللعان.
(1)
جمع الجوامع ح 2 ص 299.
(2)
طلعة الشمس البهية ج 2 ص 119 مطبعة الموسوعات بشارع باب الخلق بمصر.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 112.
ومثل لما يلحق بالضرورى باعتبار البلوغ فى قتل المحارب واعتبار التكافؤ فى القصاص وتحريم الخلوة بالاجنبيات وتحريم شرب قليل المسكر.
وقد تفرد فى تصوير الحاجى بتقسيمه الى نوعين
(1)
:
أحدهما ما يحتاج اليه فى نفسه كالبيع والاجارة والنكاح والمساقاة والمضاربة والولاية وما أشبه ذلك من أنواع المعاملات فان هذه الاشياء وان ظنت أنها ضرورية فبحسب الاحتياج الى المعاوضة لا تؤدى الى فوات شئ، وقد يكون بعضها ضروريا كشراء المأكول والاجارة فى تربية الصغير.
والنوع الثانى: ما كانت الحاجة الى غيره لكنه وسيلة الى حصوله كوجوب الكفارة ومهر المثل وكذا الخيار والشفعة ورفع الغبن ويسمى هذا النوع مكملا للحاجى.
كما تفرد فى تقسيم الاستسحانى بكونه تارة يوافق القياس وتارة يخالفه.
ومثل للاول بحكمة النظافة من الانجاس والزكاة وصلة الارحام ومكارم الاخلاق وكسلب العبد أهلية القضاء والشهادة والخلافة وان كان ذا عقل ودين وعدل.
ومثل للمخالف للقياس بمكاتبة السيد عبده.
ثم تفرد أيضا فى التصوير بأن هناك نوعا من الشرعيات لا يلوح فيه تعليل جزئى ولم يمكن أن يلوح فيه تعليل كلى وهو العبادات البدنية كالصلاة والصوم لان العقل لا يهتدى الى معانيها ولم يلح من الشارع الاطرف من مباديها لكن فيها تذليل النفس للعبادة والتعظيم لخالقها
(2)
.
وقد أورد فى بحث المصالح المرسلة
(3)
ما ورد ضمنا فى ما نقلناه عن الآخرين من الاصوليين، وأشار الى أنه عد هذا النوع من الاستدلال لانه ليس بنص ولا اجماع ولا قياس، وأن ما عدا هذه الثلاثة من باب الاستدلال «انظر مصطلح استدلال» .
هذا مسلك من اتجه من الاصوليين الى بيان مراتب المصلحة وأنواعها وحكم كل نوع منها وذكر الخلاف فى ذلك.
على أن هناك من الاصوليين من لا يسلك هذه المسالك التى أوردناها فى اعتبار المصلحة من جعلها على درجات تارة وايراد أقسام لها تارة أخرى وبيان حكم كل قسم من هذه الاقسام، وانما ينظرون الى أن المصلحة فى ذاتها أمر
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 121.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 122.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 185.
يعتبره الشارع على تفاوت بينهم فى النظرة اليها، ومن هؤلاء الامام الشاطبى والامام ابن قيم الجوزية والعز بن عبد السّلام ثم نعقب بعد ذلك بمسلك الطوفى الذى توسع فى المصلحة حتى قدمها فى المعاملات على النص والاجماع.
واليك عبارات كتبهم التى تمثل ذلك.
يقول الشاطبى فى كتاب المقاصد
(1)
:
ان وضع الشرائع انما هو لمصالح العباد فى العاجل والآجل معا
…
الى أن يقول
(2)
: تكاليف الشريعة ترجع الى حفظ مقاصدها فى الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: الضرورية، والحاجية والتحسينية، ثم صور كل قسم منها على غرار ما سبق لنا ايراده.
ثم أورد
(3)
: أن كل مرتبة من هذه المراتب ينضم اليها ما هو كالتتمة والتكملة مما لو فرضنا فقده لم يخل بحكمتها الاصلية، وأورد أمثلة لذلك.
ثم انتقل
(4)
الى بيان أن كل تكملة لها من حيث هى تكملة شرط وهو أن لا يعود اعتبارها على الاصل بالابطال، وذلك أن كل تكملة يقضى اعتبارها الى رفض أصلها فلا يصح اشتراطها عند ذلك لوجهين.
أحدهما. أن فى ابطال الاصل ابطال التكملة وبرهن على ذلك.
والثانى أنا لو قدرنا أن المصلحة التكميلية تحصل مع فوات المصلحة الاصلية لكان حصول الاصلية أولى لما بينهما من التفاوت. وأفاض الشاطبى فى بيان ذلك.
ثم أورد
(5)
أن المقاصد الضرورية فى الشريعة أصل للحاجية والتحسينية فلو فرض اختلال الضرورى باطلاق لاختلا باختلاله باطلاق ولا يلزم من اختلالهما اختلال الضرورى باطلاق، نعم قد يلزم من اختلال التحسينى باطلاق اختلال الحاجى بوجه ما، وقد يلزم من اختلال الحاجى باطلاق اختلال الضرورى بوجه ما فلذلك اذا حوفظ على الضرورى فينبغى المحافظة على الحاجى، واذا حوفظ على الحاجى فينبغى ان يحافظ على التحسينى، واذا ثبت أن التحسينى يخدم الحاجى، وان الحاجى يخدم الضرورى فان الضرورى هو المطلوب. فهذه مطالب خمسة:
أحدها: أن الضرورى أصل لما سواه من الحاجى والتكميلى.
والثانى ان اختلال الضرورى يلزم منه اختلال الباقين باطلاق.
(1)
الموافقات ح 2 ص 2
(2)
ج 2 ص 3.
(3)
ج 2 ص 5.
(4)
ج 2 ص 6.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 8.
والثالث أنه لا يلزم من اختلال الباقين اختلال الضرورى.
والرابع انه قد يلزم من اختلال التحسينى باطلاق أو الحاجى باطلاق اختلال الضرورى بوجه ما.
الخامس أنه ينبغى المحافظة على الحاجى وعلى التحسينى من أجل الضرورى، وأفاض فى بيان ذلك ولما كان كل من الوجهين الرابع والخامس يحتاج الى ايضاح فانا نذكر ما قاله فى بيان ذلك.
قال الشاطبى
(1)
. بيان الرابع من أوجه أحدهما أن كل واحدة من هذه المراتب لما كانت مختلفة فى تأكد الاعتبار فالضروريات آكدها ثم تليها الحاجيات والتحسينات وكانت مرتبطا بعضها ببعض كان فى ابطال الاخف جرأة على ما هو آكد منه ومدخل للاخلال به فصار الاخف كأنه حمى للآكد، فالمخل بما هو مكمل كالمخل بالمكمل من هذا الوجه، ومثال ذلك الصلاة فان لها مكملات وهى هنا سوى الاركان والفرائض، ومعلوم أن المخل بها متطرق للاخلال بالفرائض والاركان، لان الاخف طريق الى الاثقل، وفى الحديث لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده.
ويقول بعضهم انى لاجعل بينى وبين الحرام سترة من الحلال ولا أحرمها - فالمتجرئ على الاخف بالاخلال به معرض للتجرؤ على ما سواه.
ثم قال: والوجه الثانى أن كل درجة بالنسبة لما هو آكد منها كالنفل بالنسبة الى ما هو فرض فستر العورة واستقبال القبلة بالنسبة الى أصل الصلاة كالمندوب اليه.
وقد تقرر فى كتاب الاحكام أن المندوب اليه بالجزء ينتهض أن يصير واجبا بالكل فالاخلال بالمندوب مطلقا يشبه الاخلال بالركن من أركان الواجب، لانه قد صار ذلك المندوب بمجموعه واجبا فى ذلك الواجب، ولو أخل الانسان بركن من أركان الواجب من غير عذر بطل أصل الواجب الى أن قال: الرابع ان كل حاجى وتحسينى انما هو خادم للاصل الضرورى ومؤنس له ومحصل لصورته الخاصة، اما مقدمة له أو مقارنا أو تابعا فهو أحرى أن يتأدى به الضرورى على أحسن حالة وبين ذلك بالامثلة ثم قال: فأنت ترى أن هذه المكملات الدائرة حول حمى الضرورى خادمة له ومقوية لجانبه فلو خلت عن ذلك أو عن أكثره كان خللا فيها، وعلى هذا الترتيب يجرى سائر الضروريات مع مكملاتها لمن اعتبرها.
ثم بين الشاطبى المطلب الخامس فقال
(2)
: انه ظاهر مما تقدم لانه اذا
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 12.
(2)
الموافقات ج 2 ص 15.
كان الضرورى قد يختل باختلال مكملاته كانت المحافظة عليها لاجله مطلوبة، ولانه اذا كانت زينة لا يظهر حسنها الا بها كان من الاحق عدم الاخلال بها.
ثم قال: وبهذا كله يظهر أن المقصود الاعظم فى المطالب الضرورية والحاجية والتحسينية المحافظة على الاول منها، ومن هنالك كان مراعى فى كل ملة.
ثم انتقل الى بيان أن المصالح المثبوتة فى هذه الدار ينظر فيها من جهتين: من جهة موقع الوجود، ومن جهة تعلق الخطاب الشرعى بها.
فأما النظر الاول فان المصالح الدنيوية من حيث هى موجودة هنا لا يتخلص كونها مصالح محضة لان تلك المصالح مشوبة بتكاليف ومشاق قلت أو كثرت تقترن بها أو تسبقها أو تلحقها، فان الامور المتعلقة بعيش الانسان لا تنال الا بكد وتعب، كما أن المفاسد الدنيوية ليست بمفاسد محضة. ثم قال
(1)
: ان هذه الدار وضعت على الامتزاج بين الطرفين فمن رام استخلاص جهة فيها لم يقدر على ذلك، وفى الحديث حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، واذا كان كذلك فالمصالح والمفاسد الراجعة الى الدنيا تفهم على مقتضى الغالب، فاذا كان الغالب جهة المصلحة فهى
المصلحة المفهومة عرفا، ولذلك كان الفعل ذو الوجهين منسوبا الى الجهة الراجحة فان رجحت المصلحة فمطلوب، واذا غلبت جهة المفسدة فمهروب منه.
وأما النظر فى المصالح من جهة تعلق الخطاب بها شرعا فالمصلحة اذا كانت هى الغالبة فى حكم الاعتبار فهى المقصودة شرعا ولتحصيلها وقع الطلب على العباد فان تبعها مفسدة أو مشقة فليست بمقصودة فى شرعية ذلك العمل، وكذلك المفسدة اذا كانت هى الغالبة فرفعها هو المقصود شرعا ولاجله وقع النهى.
ثم قال:
(2)
فالحاصل أن المصالح المعتبرة شرعا هى خالصة غير مشوبة بشئ من المفاسد وان توهم أنها مشوبة فليس فى الحقيقة الشرعية كذلك. وأيد ذلك ببعض الامثلة.
ثم قال
(3)
: انه اذا كانت المصلحة أو المفسدة خارجة عن حكم الاعتياد وكانت بحيث لو انفردت لكانت مقصودة الاعتبار للشارع مثل أكل الميتة للمضطر وأكل النجاسات والخبائث اضطرارا، وقتل القاتل، وقطع القاطع، وكذلك سائر العقوبات فان ذلك لا يخلو اما أن تتساوى الجهتان، أو تترجح احداهما على الاخرى، فان تساوتا
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 16.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 17.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 20.
فلا حكم، ولعل هذا غير واقع فى الشريعة، وأطال فى بيان ذلك.
ثم ان ترجحت احدى الجهتين على الاخرى فان الشاطبى ينته الى أن الجهة المرجوحة غير مقصودة الاعتبار شرعا والا لاجتمع الامر والنهى معا على شئ واحد وهو محال.
ثم انتقل الشاطبى
(1)
الى بيان أن المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة انما تعتبر من حيث الارتباط بين شئون الدنيا والاخرى لا من حيث اهدار النفوس فى جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها كذلك وأورد فى الاستدلال على ذلك أن الشريعة انما جاءت لتخرج المكلفين من دواعى أهوائهم حتى يكونوا عبادا لله، وان المنافع والمضار عامتها أن تكون اضافية لا حقيقية أى أنها منافع أو مضار فى حال دون حال وبالنسبة لشخص دون شخص، وذلك يدل على أن المصالح والمفاسد لا تتبع الاهواء.
ثم انتقل الشاطبى الى بيان
(2)
أن الكليات الثلاث فى المصلحة لا يضر تخلفها فى بعض الجزئيات لان الغالب الاكثرى يعتبر فى الشريعة اعتبار العام القطعى، فالكليات فى الاستقرائيات صحيحة وان تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات،
وأيضا فالجزئيات المتخلفة قد يكون تخلفها لحكم خارجة عن مقتضى الكلى فلا تكون داخلة تحته.
وانته
(3)
فى هذا الى أنه لا اعتبار لمعارضة الجزئيات فى صحة وضع الكليات للمصالح، وأورد عدة مسائل تدور حول قاعدة أن تخلف بعض الجزئيات لا يطعن فى أن المعتبر هو الامر الكلى.
أما ابن القيم فيقول
(4)
: أن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد وبين ذلك من وجوه.
الاول: أن النبى صلى الله عليه وسلم شرع لامته ايجاب انكار المنكر، فاذا كان انكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض الى الله ورسوله فانه لا يجوز انكاره، ومن تأمل ما جرى عليه الاسلام فى الفتن الكبار والصغار رأى أنها من اضاعة هذا الاصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب ازالته تولد عنه ما هو أكبر منه، واستدل أيضا بأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الايدى فى الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض الى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين وذكر عدة صور من هذا القبيل.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 25.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 34.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 35.
(4)
اعلام الموقعين ج 3 ص 14.
وقال فى موضع آخر
(1)
: ان الله سبحانه بين بما شرعه أن مقصوده اقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط فأى طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها وانما المراد غاياتها التى هى المقاصد ولكن نبه بما شرعه من الطرق على أسبابها وأمثالها، ولن تجد طريقا من الطرق المبينة للحق الا وهى شرعة وسبيل للدلالة عليها، وهل يظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك، وأورد صورا لكثير مما وقع فى عهد الرسول والصحابة عدل فيها عن القواعد العامة لمصالح اقتضت ذلك.
وبقول العز بن عبد السّلام
(2)
: ان مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها وأسبابها معروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون فان خفى شئ من ذلك طلب أدلته، ومن أراد أن يعرف المصالح والمفاسد راجحها ومرجوحها فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن الشرع لم يرد به، ثم يبنى عليه الاحكام، فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك الا ما تعبد الله به عباده، ولم يقفهم على مصلحة أو مفسدة، وبذلك تعرف حسن الافعال وقبحها.
وأما الطوفى فيقول
(3)
ان قول النبى صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار» يقتضى رعاية المصالح اثباتا ونفيا، والمفاسد نفيا، اذ الضرر هو المفسدة، فاذا نفاها الشارع لزم اثبات النفع الذى هو المصلحة لانهما نقيضان لا واسطة بينهما، ثم أطال الكلام فى ذلك، وانته الى أن المصلحة أقوى أدلة الشرع وأخصها، فلتقدم على أساس أنها بيان للنصوص لا افتيات عليها.
استصناع
تعريفة لغة
هو لغة طلب الصنعة من الصانع فيما يصنعه.
تعريفه شرعا
عقد على مبيع فى الذمة مطلوب صنعته على أوضاع وشروط تم الاتفاق عليها فى العقد، فى نظير ثمن معلوم.
وان شئت قلت: عقد على مبيع فى الذمة شرط فيه عمل معين نظير مال معلوم.
وصورته أن يقول شخص لنجار مثلا اعمل لى مكتبا، من خشب كذا، بثمن هو كذا، مع بيان جميع أوصاف المكتب التى يرغب فيها فيقول له النجار قبلت أو نحوه.
ذهب الى ذلك بعض الفقهاء.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 373.
(2)
قواعد الأحكام ج 1 ص 8.
(3)
رسالة الطوفي ص 12 طبع مطبعة جامعة الأزهر.
ومن الحنفية كالحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة من ذهب الى أنه ليس عقدا من عقود المعاوضة، وانما هو مواعدة تقوم على بيان ما يطلبه الطالب فيعده صاحبه بانفاذ ما يطلب، فاذا انجز المطلوب منه، وسلمه الى الطالب فقبله انعقد بيعا بالتعاطى عند ذلك لا قبله، بدليل أن محمدا رحمه الله تعالى ذكر فى توجيه أنه جائز القياس والاستحسان، وذلك لا يكون فى العدات، وكذلك أثبت فى خيار الرؤية للمستصنع وهو مختص بالبيع وأجيز فيه التقاضى، ولا يتقاضى الا فيما هو واجب مطلوب وليس الموعود مما يجب فيطلب، ولو كان مواعدة لم يختص بما جرى فيه ذلك التعامل عرفا، بل جاز فيه وفى غيره اذ العدة لا تختص بشئ معين، ثم لم يملك الصانع الثمن بقبضه مع أنه يملكه نظير ما شغلت به ذمته من بيع
(1)
، واذا سلم المستصنع المادة الى الصانع ليصنعها له على وفق ما طلب، لم يكن هذا استصناعا، وانما هو استئجار جائز فان عمل كما أمر استحق الاجر، والا كان ضامنا لما أفسد به المادة بصنعه.
حكمه - بمعنى جوازه
وحكمه الجواز استحسانا لا قياسا.
اما عدم جوازه قياسا فلانه بيع ما ليس عند بائعه لا على وجه السلم، وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الانسان، ورخص فى السلم، والى هذا ذهب زفر.
اما جوازه استحسانا فلجريان العرف به واجماع الناس، اذ كان ذلك عرفهم فى الامصار كلها، من غير نكير، وذلك لشدة الحاجة اليه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وبمثل ذلك يترك القياس، كما ترك فى دخول الحمام بالاجر دون تعيين مقدار الماء الذى سيستعمل فيه ومدة شغله بالاستحمام، والى هذا ذهب الحنفية، مع قصر جوازه عندهم على ما جرى فيه التعامل دون ما لم يجر فيه ذلك
(2)
.
ويرى المالكية أن الاستصناع سلم تشترط فيه جميع شروط السلم فارجع اليها «فى سلم» ولا يرونه عقدا مستقلا.
جاء فى الشرح الصغير للدردير ما يدل على أن استصناع سيف أو سرج أو ثوب
(1)
راجع بدائع الصنائع ج 5 ص 2.
(2)
بدائع الصنائع ج 5 ص 2 والبحر ج 6 ص 185.
أو باب ونحو ذلك من حداد أو سروجى أو حائك أو نجار على صنعة معلومة وبثمن معلوم جائز، وهو سلم تشترط فيه جميع شروطه، فلا يصح مع تعيين العامل، ولا مع تعيين المعمول فيه.
ويكون المعقود عليه دينا فى الذمة، وعلى ذلك فلا بد لصحته من تعجيل الثمن وضرب الاجل الى آخر شروط السلم.
قال فى المدونة فان شرط عمل رجل بعينه لم يجز وان نقده الثمن، لانه لا يدرى أيسلم ذلك الرجل أم لا، وذلك غرر.
وعلى هذا درج ابن رشد.
وفى موضع آخر من المدونة ما يقتضى جواز العقد اذا عين العامل فقط لقولهم من استأجر شخصا يبنى له دارا على أن الجص والآجر من عند الاجير جاز وهو قول ابن بشير
(1)
.
وفى الدسوقى على الشرح الكبير للدردير
(2)
.
أن التعاقد مع صانع شرع فى عمل مصنوع على أن يكمله على صفة معينة نظير عوض معين جائز ان شرع الصانع فى تكميله بالفعل فى الحال أو مدة لا تزيد على خمسة عشر يوما، والا لم يجز لما
فيه من بيع مبيع معين تأخر قبضه وتسليمه ويشترط فى جواز ذلك أن يكون عند الصانع من مادة المصنوع ما يستطيع أن يكمله منه اذا صنعه فلم يأت على الصنعة المطلوبة فاضطر الى كسره واعادته مما عنده، ويصح أن يعد ذلك من قبيل السلم على مذهب أشهب الذى يجوز فى السلم تعيين المصنوع منه وتعيين الصانع خلافا لابن القاسم الذى لا يجوز ذلك عند هذا التعيين.
وذهب الحنابلة الى عدم صحة الاستصناع.
جاء فى كشاف القناع شرح متن الاقناع
(3)
.
ولا يصح استصناع سلعة بأن يبيعها سلعة يصنعها له، لانه باع ما ليس عنده على غير وجه السلم ذكره القاضى وأصحابه.
شروط جوازه
ذهب الحنفية الى أنه يشترط لجوازه الشروط الآتية:
1 -
بيان المعقود عليه وذلك ببيان جنس المصنوع ونوعه وقدره وصفته وبكل ما يصير به معلوما علما لا يؤدى الى نزاع.
(1)
الشرح الصغير والصاوى عليه ج 2 ص 92 المطبعة الحسينية.
(2)
ج 3 ص 217 طبعة صبيح.
(3)
ج 2 ص 17 طبعة 1319 المطبعة العامرية.
2 -
أن يكون العقد فيما جرى فيه ذلك التعامل بين الناس كقطع الموبيليا والثياب والاحذية ونحوها، فان حدث فيما لم يجر فيه ذلك التعامل كان سلما ويشترط فيه شرائط السلم كلها من قبض رأس المال فى المجلس وذكر الاجل، ووجود المعقود عليه فى الاسواق، الى آخر شروط السلم، والا كان فاسدا.
3 -
الا يكون مؤجلا الى أجل يصح معه السلم عند أبى حنيفة، وعلى ذلك يصح اذا خلا من الاجل أو أجل الى أجل دون الاجل المشترط فى السلم، وهو مشتهر على ما عليه الفتوى.
أما اذا أجل الى أجل يقبل فى السلم وهو شهر فأكثر، لم يكن العقد استصناعا وكان سلما، يجب أن يتوافر فيه جميع شروط السلم، والا كان فاسدا، ووجه ذلك أن التأجيل انما يكون للامهال، وتأخير المطالبة، وذلك لا يكون الا فى عقد لازم.
والاستصناع كما سيأتى غير لازم، فلا يتعين من ذكر هذا الاجل لهذا الغرض، فاذا ذكر كان ذكره دليلا على ارادة السلم فينعقد لذلك سلما وعندئذ يجب أن تتوافر فيه جميع شروطه، ولهذا اذا ذكر فيه الاجل على سبيل الاستعجال لا الامهال بأن قال المستصنع للصانع على أن تفرغ منه غدا أو بعد غد مثلا كان استصناعا اتفاقا اذ لا يعد ذلك تأجيلا ولا يمنع المطالبة قبل الاجل.
وذهب أبو يوسف ومحمد الى عدم اشتراط هذا الشرط فيصح الاستصناع عنده بلا ذكر أجل، ومع ذكر أى أجل وعندئذ يحمل الاجل عند ذكره على ارادة الاستعجال وعدم التأخير الى ما بعده، لان العقد غير لازم، وقد جرت عادة الناس بقرب الاجل فى جميع صوره قصدا منهم فى العادة الى عدم التأخير عن الموعد
(1)
.
ولا تشترط الحنفية دفع الثمن معجلا، بل يجوز فيه تأجيل الثمن خلافا للسلم
(2)
.
حكمه بمعنى أثره
ثبوت ملك المستصنع فى مبيع فى ذمة الصانع تتوافر فيه جميع الاوصاف والشروط التى تضمنها وثبوت ملك الصانع فى الثمن وملك كل منهما فيما ملك، ملك غير لازم على ما سنبين من خلاف فى لزوم عقد الاستصناع وعدم لزومه.
حكمه بمعنى لزومه
وحكم هذا العقد قبل اتمام الصانع عمله أنه عقد غير لازم بالنسبة
(1)
بدائع الصنائع ج 5 ص 3.
(2)
البحر ج 6 ص 185.
لطرفيه بلا خلاف بين الحنفية حتى كان لكل من المستصنع والصانع عدم المضى فيه، وذلك مراعاة لما يقضى به القياس من عدم جوازه، ولان الزام الصانع بالمضى فيه ضرر له من ناحية أنه اتلاف لماله فى عمل المطلوب، وقد لا يرضى المستصنع فكان له أن يفسخ ولا يمضى، وأما المستصنع فلانه قد اشترى ما لم يره فكان له الخيار فى الفسخ قبل الرؤية، أما اذا ما فرغ الصانع من عمله فلذلك حالتان:
الاولى قبل أن يراه المستصنع.
والثانية بعد أن رآه.
ففى الحال الاولى ما قبل الرؤية: فقد ذكر فى الاصل لمحمد عدم لزوم العقد بالنسبة لطرفيه أيضا ذلك لانه بالنسبة الى المستصنع يرى أنه شراء لما لم يره فكان له الفسخ، وبالنسبة الى الصانع يرى أن العقد لم يقع على هذا المصنوع عينا، انما وقع على مبيع فى الذمة، وانما يتعين المصنوع محلا للعقد اذا ما رآه المستصنع فرضى به، ألا ترى أن الصانع اذا اشترى المطلوب مع ذلك من مكان آخر فسلمه الى المستصنع جاز ذلك، وأن الصانع لو باع المصنوع فى هذه الحال الى غير المستصنع جاز بيعه ولم يكن للمستصنع أن يعترض أو ينقض البيع.
وفى الحال الثانية «بعد أن يراه المستصنع» يسقط خيار الصانع اذا أحضر المصنوع الى المستصنع على الصفة المشروطة، ويبقى خيار المستصنع، أما سقوط خيار الصانع فلانه باحضار المصنوع الى المستصنع على الصفة المشروطة تعين مبيعا، فكان بائعا، وليس للبائع خيار رؤية، وهذا بخلاف حال المستصنع فان له الخيار لانه لا يزال مشتريا لما لم يره، وهذا هو ظاهر الرواية عند أبى حنيفة وصاحبيه.
وروى عن أبى حنيفة أيضا أن لكل منهما الخيار فى هذه الحال أيضا.
وروى عن أبى يوسف أيضا ألا خيار لهما جميعا فى هذه الحالة ذلك لان الصانع قد أفسد ماله بصنعه على الصفة التى طلبها المستصنع فلا يكون له حق الخيار والامتناع عن أخذه، حتى لا يضار الصانع، ولا يقال ان ذلك متحقق فيما اذا شرع الصانع فى العمل ولم يتمه، لانه لا يدرى أيتم العمل على وفق ما أراد المستصنع أم لا، كما لا يكون للصانع خيار لتعيين المصنوع مبيعا، ولا خيار للبائع فى هذه الحال.
ووجه ما روى عن أبى حنيفة أن فى اثبات الخيار لكل منهما دفع الضرر عنه ودفع الضرر واجب.
وقال الكسائى: والصحيح جواب ظاهر الرواية، لان فى اثبات الخيار للصانع انتفاء ما شرع له الاستصناع، وهو دفع حاجة المستصنع الى المصنوع،
وهى الحاجة التى ظهرت بصناعته على وفق طلبه، فاذا ما ثبت للصانع الخيار أمكنه أن يحول بين المستصنع وبين المصنوع، وما ذهب اليه أبو يوسف من أن اثبات الخيار للمستصنع يضر بالصانع فوجب أن يمنع هذا الضرر بعدم اثبات الخيار له كما منع الضرر بالمستصنع بعدم اثبات الخيار للصانع - غير وجيه لان الضرر بالمستصنع عند اثبات الخيار للصانع ضرر شديد استوجب شدته منعه بخلاف ما يلحق الصانع من الضرر عند اثبات الخيار للصانع لانه ضرر يسير، لان المصنوع اذا لم يلائم المستصنع فتركه أمكن الصانع أن يبيعه لغيره دون أن يتعذر ذلك عليه لكثرة ممارسته لمثل ذلك وانتصابه له، فلم يكن من المنفعة عدم اثبات الخيار لكل منهما فى حين أن المستصنع قد اشترى ما لم يره وكان الصحيح أن يثبت الخيار للمستصنع كما ذكرنا دون ثبوته للصانع وهذا ما ذهب اليه الثلاثة فى ظاهر الرواية
(1)
.
وقال الزيلعى فى شرحه التبيين على الكنز: والصحيح أن الصانع لا خيار له والخيار للمستصنع فقط.
وذهب الشيعة الجعفرية الى عدم جواز الاستصناع
(2)
.
استطابة
مفهوم الاستطابة
جاء فى القاموس
(3)
أن الاستطابة تطلق على الاستنجاء، وعلى حلق العانة.
أما الاستنجاء فقد ذكر فى محله ما يتعلق به من أحكام وآداب (انظر استنجاء).
وأما حلق العانة فله أحكام خاصة به بين المهم منها أصحاب المذاهب على النحو الآتى:
مذهب الحنفية:
ذكر صاحب الاختيار فى شرح المختار من السنة حلق العانة وهو من سنن الخليل صلوات الله عليه وفعلها نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بها
(4)
.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية العدوى وشرح رسالة ابن أبى زيد
(5)
أن حلق العانة سنة للرجال والنساء، ويجوز ازالتها بالنورة للرجال والنساء.
(1)
بدائع الصنائع ج 5 ص 3، 4.
(2)
كتاب الخلاف للطوسى ج 1 ص 599.
(3)
القاموس مادة طاب.
(4)
الاختيار فى شرح المختار ج 3 ص 217 دار مطابع الشعب.
(5)
حاشية العدوى على الرسالة ج 2 ص 344 مطبعة السعادة.
مذهب الشافعية:
وحلق العانة سنة أيضا عندهم كما أجازوا ازالتها بالنورة وهل يجب على الزوجة اذا أمرها زوجها؟ فيه قولان مشهوران أصحهما الوجوب، وهذا اذا لم يفحش بحيث ينفر التواق، فان فحش بحيث نفره وجب قطعا
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب المغنى ان حكم حلق العانة مستحب. وبأى شئ ازاله صاحبه فلا بأس لان المقصود ازالته
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير
(3)
ان حلق العانة سنة واستدلوا بما أخرجه مسلم «من لم يحلق عانته ويقلم أظفاره ويجز شاربه فليس منا» .
مذهب الظاهرية والإباضية:
ذهب الظاهرية والإباضية الى أنه سنة أيضا
(4)
.
استطاعة
تعريف الاستطاعة لغة
قال الجوهرى كما جاء فى لسان العرب
(5)
: الاستطاعة الطاقة، قال ابن برى هو كما ذكر الا أن الاستطاعة للانسان خاصة والاطاقة عامة.
والاستطاعة أيضا القدرة على الشئ.
تعريفها شرعا
أما معناها الشرعى فلا يخرج عن معناها اللغوى، فقد استعملها الفقهاء بهذا المعنى فى كثير من أبواب الفقه الا أنها خصت فى بعض الابواب بمعان أخرى كالاستطاعة فى الحج مثلا حيث فسرت بأنها الزاد والراحلة وسيأتى بيان ذلك فى موضعه.
وشرط التكليف الاستطاعة والقدرة على المكلف به فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا وان جاز عقلا
(6)
.
(1)
المجموع ج 1 ص 283 ادارة الطباعة المنيرية.
(2)
المغنى ج 1 ص 70 مطبعة المنار.
(3)
تتمة الروض النضير ص 305 مطبعة السعادة.
(4)
شرح النيل ج 1 ص 516، المحلى لابن حزم ج 2 ص 218 طبعة ادارة الطباعة المنيرية.
(5)
لسان العرب للامام العلامة ابن منظور ج 34 ص 242 الطبعة الأولى طبع دار صادر بيروت للطباعة والنشر سنة 1374 هـ.
(6)
الموافقات فى اصول الشريعة لابى اسحاق الشاطبى ج 2 ص 107 طبع مطبعة المكتبة التجارية بمصر.
وقد جاء فى الزيلعى
(1)
وقد تضافرت الادلة على أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ للناس فى شريعته السمحة فى التكاليف التى أمرهم بها ما يصلح شأنهم ويقر حياتهم على أسس من الخير والسلامة دون أن يشق عليهم بل كانت رحمته بعباده وراء كل تكليف قال الله عز وجل «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»
(2)
الآية وقال الله تعالى «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»
(3)
الآية وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أمرتكم أمرا فأتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شئ فانتهوا» .
ولقد تناول الاصوليون موضوع التكليف بما يطاق وما لا يطاق من زوايا متعددة واختلفوا حول التكليف بما لا يطاق من سنيين ومعتزلة اختلافا يرجع الى التفصيل فيه
(4)
لمصطلح «تكليف» .
الاستطاعة فى الاستنجاء
من عجز عن الاستنجاء بيده وأمكنه بغيرها فعل، والا فان أمكنه بمن يجوز له
نظره من زوجة مثلا لزمه، وقبل بل متى قدر عليه ولو بأجرة قدر عليها ولو ممن لا يجوز له نظره لزمه ذلك لانه محل حاجة
(5)
وينظر تفصيل المذاهب فى هذا فى مصطلح استنجاء.
الاستطاعة فى الطهارة
من شروط الطهارة بالماء وضوءا أو غسلا القدرة على استعمال الماء مع وجوده لقول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى}
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان بن على الزيلعى وبهامشه حاشية الشلبى عليه ج 3 ص 241 طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر الطبعة الاولى سنة 1313 هـ.
(2)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
(3)
الآية رقم 78 من سورة الحج.
(4)
الأحكام فى أصول الأحكام للامدى ج 1 من ص 191 الى ص 225 وج 2 ص 224 طبع مطبعة المعارف بمصر سنة 1332 هـ.
(5)
للحنفية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار لابن عابدين ج 1 ص 312 طبع المطبعة العثمانية بمصر دار سعادات سنة 1324 هـ وللمالكية المدونة الكبرى للامام مالك ج 1 ص 7 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ طبع الساسى الطبعة الاولى وللشافعية كتاب الام والرسالة لابى عبد الله محمد بن ادريس الشافعى ج 1 ص 11 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1321 هـ وللحنابلة هداية الراغب لشرح عمدة الطالب لعثمان أحمد النجدى الحنبلى طبع مطبعة المدنى ج 1 ص 27 وما بعدها وللظاهرية المحلى لابن حزم الظاهرى ج 1 ص 95 وما بعدها طبع مطبعة النهضة بمصر الطبعة الأولى سنة 1347 هـ، وللزيدية، شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الأطهار للحسن بن مفتاح ج 1 ص 70 وما بعدها الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ، وللامامية شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 26 وما بعدها طبع مطبعة دار الحياة ببيروت، وللإباضية كتاب الوضع مختصر فى الاصول والفقه لابى زكريا يحيى الجناوى ج 1 ص 41 الطبعة الاولى طبع مطبعة الفجالة الجديدة بمصر.
{سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
(1)
. فيتيمم من لا يستطيع التطهر بالماء لمرض، كان ذلك المرض حقيقة أو حكما، كان تطهره لفرض أو نفل أو جمعة أو جنازة تعينت أولا.
أما الصحيح الفاقد للماء فانه لا يتيمم الا لفرض غير الجمعة والجنازة المتعينة عليه، وكذلك يتيمم من فقد الماء حتى آخر الوقت فى سفر كان أو فى حضر، وينيمم كذلك من لم يتمكن من الوصول الى الماء كأن يكون بينه وبين الماء عدو كان ذلك العدو آدميا أو غيره، ويتيمم من يخشى على نفسه الهلاك من البرد أو غيره وكذلك يتيمم واجد الماء اذا كان ثمنه مجحفا به وخشى على نفسه الهلاك عند اخراج ثمن الماء، ومن وجد الماء، ولم يكن قادرا على استعماله بنفسه ووجد فى حالة احتياجه للوضوء أو الغسل من يوضئه أو يغسله بأجرة المثل وقدر عليها من غير اضرار بنفسه أو من تلزمه نفقته لزمه ذلك لانه فى
معنى الصحيح
(2)
. على تفصيل بين المذاهب ينظر فى مصطلحات «وضوء، غسل، تيمم» .
الاستطاعة فى الصلاة
الاستطاعة فى الصلاة تكون بالقدرة على أداء الاركان على الوجه الذى فرضت عليه.
فالقيام فرض فى الصلاة للقادر عليه فى الفرض وليس على عمومه.
ويتعين ترك القيام فى مسائل فالمريض لو قدر على القيام دون الركوع والسجود فانه يخير بين القيام والقعود وان كان
(1)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
(2)
للحنفية البحر الرائق شرح كنز الدقائق للشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم ج 1 ص 149 الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ وللمالكية حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لشمس الدين محمد عرفة الدسوقى وبهامشه شرح الدردير ج 1 ص 147 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى وشركاه وللشافعية نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 1 ص 262 وما بعدها طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ، وللحنابلة شرح منتهى الارادات لابن يونس البهوتى على كشاف القناع ج 1 ص 74، ص 75 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ وللظاهرية المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 2 ص 116 مسألة رقم 224 طبع مطبعة النهضة بمصر سنة 1348 هـ الطبعة الأولى، وللزيدية شرح الأزهار ج 1 من ص 122 إلى 128 الطبعة السابقة، وللامامية الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى ج 1 ص 48 طبع مطابع دار الكتب العربى بمصر وللإباضية شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 1 من ص 215 الى ص 220 طبعة مطبعة ابن يوسف البارونى وشركاه.
القعود أفضل فقد سقط عنه القيام مع قدرته عليه.
والشيخ الكبير لو كان بحال لو صلى قائما ضعف عن القراءة يصلى قاعدا بقراءة، ولو كان بحال لو صلى منفردا يقدر على القيام، ولو صلى مع الامام لا يقدر، فانه يخرج الى الجماعة، ويصلى قاعدا، وهو الاصح كما فى المجتبى، لانه عاجز عن القيام حالة الاداء وهى المعتبرة، ومن تعذر عليه القيام أو خاف زيادة المرض صلى قاعدا يركع ويسجد.
(1)
قال ابن مسعود وجابر وابن عمر رضى الله عنهم الآية نزلت فى الصلاة أى قياما ان قدروا أو قعودا ان عجزوا عنه وعلى جنوبهم ان عجزوا عن القعود.
ولحديث عمران بن حصين رضى الله عنه قال كانت بى بواسير فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم صل قائما فان لم تستطع فقاعدا، فان لم تستطع فعلى جنبك.
وقد جاء الحديث فى رواية النسائى وزاد فيها بعد ذلك: فان لم تستطع فمستلقيا لقول الله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» الآية.
والمراد بالتعذر هنا التعذر الحقيقى بحيث لو قام سقط بدليل عطف التعذر الحكمى عليه وهو خوف زيادة المرض.
وقد اختلف الفقهاء فى التعذر.
فقيل: ما يبيح الافطار.
وقيل: التيمم.
وقيل بحيث لو قام سقط.
وقيل ما يعجزه عن القيام بحوائجه.
والاصح أن يلحقه ضرر بالقيام.
وهل لو قدر على القيام متكئا أو معتمدا على عصا أو حائط لا يجزئه الا كذلك.
فيه تفصيل يقوم على من يجعل قدرة الغير قدرة للشخص، أو من لا يجعلها.
وقد قال الهندوانى: اذا قدر على بعض القيام يقوم ذلك ولو قدر آية أو تكبيرة ثم يقعد وان لم يفعل ذلك خفت أن تفسد صلاته هذا هو المذهب «مذهب الحنفية» .
ولا يروى عن أصحابنا خلافه، وكذا اذا عجز عن القعود وقدر على الاتكاء والاستناد الى انسان، أو الى حائط،
(1)
الاية رقم 191 من سورة آل عمران.
أو الى وسادة، لا يجزئه الا كذلك، ولو استلقى لا يجزئه، ويصلى مومئا برأسه وهو قاعد ان تعذر الركوع والسجود لان الطاعة بحسب الطاقة.
واذا صلى المريض قاعدا بركوع وسجود أو بايماء فانه يجلس فى حال التشهد كما يجلس للتشهد.
وجاء فى الخلاصة ان لم يقدر على السجود من جرح أو خوف أو مرض فالكل سواء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
فعن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى صلاة المريض ان لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على مريض يعوده فوجده يصلى كذلك، فقال: ان قدرت أن تسجد على الارض فاسجد، والا فأومئ برأسك.
وفى الخلاصة أيضا اذا لم يقدر على القعود صلى مضطجعا على قفاه متجها نحو القبلة، رجلاه جهة القبلة ورأسه الى الجهة المقابلة بحيث اذا وقف يقف متجها الى القبلة، وفى المجتبى ينبغى للمستلقى أن ينصب ركبتيه ان قدر حتى لا يمد رجليه الى القبلة.
وقال فى العناية يجعل وسادة تحت رأسه حتى يكون شبه القاعد ليتمكن من الايماء بالركوع والسجود لان حقيقة الاستلقاء تمنع الاصحاء عن الايماء فكيف بالمرضى وان لم يقدر على الايماء برأسه أخرت الصلاة الى القدرة أو سقطت على تفصيل ينظر فى مصطلح «صلاة» .
ثم قال: والقراءة لا بدل لها عند العجز فيصلى بغير القراءة وفى المجتبى قيل فى الامى والاخرس: يجب تحريك الشفة واللسان، وقيل لا يجب، ولو قرأ فى الصلاة بالفارسية حالة العجز عن العربية فانه يصح، وهذا بالاتفاق، ولو كان قادرا فانه لا يصح اتفاقا على الصحيح، وفى المحيط: الاخرس والامى افتتحا الصلاة بالنية أجزأهما لانهما أتيا بأقصى ما فى وسعهما
(1)
على تفصيل
(1)
للحنفية كتاب اتحاف الابصار والبصائر بتبويب كتاب الاشباه والنظائر ج 1 ص 23 للشيخ محمد أبو الفتح الحنفى طبع المطبعة الوطنية بالاسكندرية سنة 1287 هـ، وللمالكية حاشية الصفتى على متن العشماوية للشيخ يوسف الصفتى المالكى على الشرح المسمى بالجواهر الزكية فى حل الفاظ العشماوية لاحمد بن تركى المالكي ج 1 ص 181، ص 182، ص 183 طبع مطبعة محمد على صبيح وأولاده بمصر سنة 1383 هـ وللشافعية حاشية الشيخ ابراهيم الباجورى على شرح العلامة ابن قاسم الغزى ج 1 ص 246، ص 247 وما بعدهما وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 321، ص 322، 323 الطبعة السابقة، والاقناع ج 1، ص 176، ص 177، ص 178 الطبعة السابقة وللظاهرية المحلى لابن حزم ج 4 ص 176 مسألة 475 الطبعة السابقة وللزيدية شرح الازهار ج 1 ص 258، ص 259، وص 260 وما بعدها الطبعة السابقة وللامامية كتاب الحدائق الناضرة فى أحكام العترة الطاهرة للشيخ يوسف البحرانى ج 8 ص 66، ص 67، ص 68 وما بعدها طبع دار الكتب الاسلامية مطبعة النجف سنة 1380 هـ وللإباضية الايضاح وحاشيته ج 1 ص 374، 375 وما بعدها الطبعة السابقة.
بين المذاهب ينظر فى مصطلحات «صلاة، قيام، قدره، عجز، قراءة» .
الاستطاعة فى الصوم
اشترط الفقهاء لوجوب الصوم وفرضيته القدرة على فعله.
جاء فى ابن عابدين أن شروط وجوب أداء الصوم الصحة والاقامة والخلو من حيض ونفاس، وفى القهستانى عن الكرمانى المريض اذا تحقق اليأس من الصحة فعليه الفدية لكل يوم من المرض.
وجاء فى ابن عابدين أن الشيخ الذى فنيت قوته أو أشرف على الفناء ويعجز عن الصوم عجزا مستمرا يفطر ويفدى وجوبا لو كان موسرا لان عذره ليس بعرض للزوال حتى يصير الى القضاء وليس على غيره الفداء
(1)
.
وهناك تفصيل للاحكام الخاصة بغير المستطيع للصوم فى المذاهب يرجع اليها فى مصطلحات «صوم، مرض، فدية، قضاء» .
الاستطاعة فى الحج
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن من شروط وجوب الحج الاستطاعة.
لقول الله تعالى «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ» }.
(2)
وقد فسروا الاستطاعة بالزاد والراحلة، لان الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن السبيل اليه فقال صلى الله عليه وسلم هو الزاد والراحلة
(3)
.
ويرى الاصوليون منهم أنها شرط وجوب للاداء لا شرط للوجوب.
ولم يوافق الفقهاء على ذلك وقالوا ان القدرة من شرائط أصل الوجوب، والزاد يعتبر فى حق كل انسان ما يصح به بدنه والناس متفاوتون فى ذلك، والراحلة فى اللغة هى المركب من الابل
(1)
للحنفية حاشية ابن عابدين ج 2 ص 123 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الاميرية الكبرى بمصر سنة 1323 هـ وللمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 223، ص 224 الطبعة السابقة، وللشافعية كفاية الاخيار فى حل غاية الاختصار للامام تقى الدين أبى بكر - محمد الحسينى الدمشقى الشافعى ج 1 ص 204، ج 207 طبع دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر وللحنابلة كشاف القناع على منتهى الارادات ج 1 ص 507، ص 508 الطبعة السابقة وللظاهرية المحلى لابن حزم ج 6 ص 160 مسألة رقم 727 الطبعة السابقة وص 264 وص 263 مسألة رقم 770 وللزيدية شرح الازهار ج 2 ص 3، ص 23، ص 24، ص 26، ص 31، ص 32 الطبعة السابقة وللامامية الروضة البهية ج 1 ص 149، ص 150، ص 151 باب الصوم الطبعة السابقة وللإباضية كتاب شرح النيل ج 2 ص 203، ص 223 الطبعة السابقة.
(2)
الاية رقم 97 من سورة آل عمران.
(3)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 2 ص 335، 336 الطبعة السابقة.
ذكرا كان أو أنثى، ويعتبر فى حق كل انسان ما يبلغه وما يليق بحاله عادة وعرفا، وتعتبر الاستطاعة فى الراحلة بقدرته عليها فى جميع الطريق سواء كان قادرا على المشى أولا، أما ان أمكنه أن يكترى مع غيره راحلة يتعاقبان ركوبها فلا يجب عليه الحج، لانه غير قادر على الراحلة، والقدرة على الزاد لا تثبت الا بالملك لا بالاباحة، كما لا تثبت القدرة على الراحلة الا بالملك أو الاجارة لا بالعارية والاباحة، فلو بذل الابن لابيه الطاعة وأباح له الزاد والراحلة لا يجب عليه الحج، وكذا لو وهب له مال ليحج به لا يجب عليه القبول.
واشتراط القدرة على الزاد عام فى حق كل أحد حتى أهل مكة وأما القدرة على الراحلة فشرط فى حق غير المكى وأما هو فلا، ومن حولها كأهلها لانه لا يلحقهم مشقة فأشبه الحج بالنسبة لهم السعى الى الجمعة. أما اذا كان لا يستطيع المشى أصلا فلا بد منه فى حق الكل.
ولا تسقط الاستطاعة بدار يسكنها وعبد يستخدمه وثياب يلبسها ومتاع يحتاج اليه، أما ان كانت له دار لا يسكنها وعبد لا يستخدمه فعليه أن يبيعه ويحج، بخلاف ما اذا كان سكنه وهو كبير يفضل عنه حتى يمكنه بيعه والاكتفاء بما دونه ببعض ثمنه، ويحج بالفضل فانه لا يجب بيعه كما لا يجب بيع مسكنه والاقتصار على السكنى بالاجارة اتفاقا، ولو لم يكن له مسكن ولا خادم وعنده مال يبلغ ثمن ذلك ولا يبقى بعده قدر ما يحج به فانه لا يجب عليه الحج لان هذا المال مشغول بالحاجة الاصلية اليه ولا بد أن يفضل رأس مال التجارة ان كان تاجرا وكذا الدهقان
(1)
والمزارع، ورأس المال يختلف باختلاف الناس.
والقدرة على الزاد والراحلة تكون بما فضل عن مسكنه وما لا بد له منه.
ونفقة ذهابه وايابه وعياله، والمراد بالعيال من تلزمه نفقته، ويدخل فى نفقة عياله سكناهم وكسوتهم وأن يكون مالكا لذلك فى أشهر الحج حتى لو ملك ما به الاستطاعة قبلها كان فى سعة من صرفها الى غيره
(2)
.
وجاء فى حاشية ابن عابدين
(3)
: أن سلامة البدن وأمن الطريق والمحرم من شروط الاداء كما أنهم اعتبروا اشتراط القدرة فى أشهر الحج شرطا غير شرط الاستطاعة مما يجعل الاستطاعة قاصرة على الزاد والراحلة دون غيرهما.
(1)
رئيس الفلاحين «ورئيس الاقليم» ترتيب القاموس ج 2 ص 209.
(2)
فتح القدير للامام كمال الدين المعروف بابن الهمام وبهامشه شرح العناية على الهداية ج 2 ص 126 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1315 هـ.
(3)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 2 ص 193.
غير أنه قد أورد الكمال بن الهمام فى فتح القدير
(1)
رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن أمن الطريق شرط الوجوب لان الوصول بدونه لا يكون الا بمشقة عظيمة فصار من الاستطاعة وهى شرط الوجوب.
وأورد فى الرد على هذه الرواية أن أمن الطريق لو كان من الاستطاعة لذكره النبى صلى الله عليه وسلم حينما سئل عنها، لكنه صلى الله عليه وسلم فسرها بالزاد والراحلة، فلو كان أمن الطريق داخلا فى الاستطاعة لكان فى تفسير النبى صلى الله عليه وسلم للاستطاعة تأخير للبيان عن وقت الحاجة.
غير أن كلام صاحب البدائع ظاهر فى اعتبار أمن الطريق وصحة البدن والمحرم بالنسبة للمرأة من الاستطاعة فيقول
(2)
: من شرائط فرضية الحج صحة البدن، فلا حج على المريض والزمن والمقعد والمفلوج والشيخ الكبير الذى لا يثبت على الراحلة بنفسه والمحبوس والممنوع من قبل السلطان الجائر من الخروج الى الحج، لان الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج، والمراد منها استطاعة التكليف وهى سلامة الاسباب والآلات، ومن جملة الاسباب سلامة
البدن عن الآفات المانعة عن القيام بما لا بد منه فى سفر الحج، لان الحج عبادة بدنية، فلا بد من سلامة البدن ولا سلامة مع المانع، وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنه فى قول الله عز وجل «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}
(3)
» الآية. أن السبيل أن يصح بدن العبد ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يحجب، ولان القرب والعبادات وجبت بحق الشكر لما أنعم الله على المكلف فاذا منع السبب الذى هو النعمة وهو سلامة البدن أو المال كيف يكلف بالشكر ولا نعمة.
وأما الاعمى فقد ذكر فى الاصل عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا حج عليه بنفسه وان وجد زادا وراحلة وقائدا وانما يجب فى ماله اذا كان له مال.
وروى الحسن رضى الله تعالى عنه عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فى الاعمى والمقعد والزمن أن عليهم الحج بأنفسهم.
وقال أبو يوسف ومحمد رضى الله عنهما: يجب على الاعمى الحج بنفسه اذا وجد زادا وراحلة ومن يكفيه مؤنة سفره فى خدمته ولا يجب على الزمن والمقعد والمقطوع.
(1)
فتح القدير ج 2 ص 127، 128 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 121 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.
(3)
الاية رقم 97 من سورة آل عمران.
بدليل ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطاعة فقال صلى الله عليه وسلم هى الزاد والراحلة.
فالنبى صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة، وللاعمى هذه الاستطاعة فيجب عليه الحج لان الاعمى لا يهتدى الى الطريق بنفسه، ويهتدى بالقائد فيجب عليه بخلاف الزمن والمقعد ومقطوع اليد والرجل لان هؤلاء لا يقدرون على الاداء بأنفسهم.
ووجه رواية الحسن فى الزمن والمقعد أنهما يقدران بغيرهما والقدرة بالغير كافية كالقدرة بالزاد والراحلة.
ووجه رواية الاصل لابى حنيفة رحمه الله تعالى أن الاعمى لا يقدر على أداء الحج بنفسه ولا يقدر على ما لا بد منه فى الطريق بنفسه من الركوب والنزول وغير ذلك وكذا الزمن والمقعد فلم يكونا قادرين على الاداء بأنفسهم بل بقدرة غير مختارة فلم تثبت الاستطاعة على الاطلاق، ولهذا لم يجب الحج على الشيخ الكبير الذى لا يستمسك على الراحلة وان كان ثمة غيره يمسكه.
وانما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة لكونهما من الاسباب الموصلة الى الحج لا لاقتصار الاستطاعة عليهما بل للتنبيه على أسباب الامكان فكلما كان من أسباب الامكان يدخل تحت تفسير الاستطاعة معنى، ولان فى ايجاب الحج على الاعمى والزمن والمقعد والمفلوج والمريض والشيخ الكبير الذى لا يثبت على الراحلة حرجا بينا ومشقة شديدة وقد قال الله عز وجل «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»
(1)
الآية.
ثم قال الكاسانى
(2)
فى موضع آخر ومن شرائط فرضية الحج أمن الطريق، وأنه من شرائط الوجوب بمنزلة الزاد والراحلة على الصحيح، لان الله عز وجل شرط الاستطاعة، ولا استطاعة بدون أمن الطريق، كما لا استطاعة بدون الزاد والراحلة، وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الاستطاعة بالزاد والراحلة انما هو بيان كفاية ليستدل بالمنصوص عليه على غيره لاستوائهما فى المعنى، وهو امكان الوصول الى البيت، ألا ترى أنه كما لم يذكر أمن الطريق لم يذكر صحة الجوارح وزوال سائر الموانع الحسية فكان شرط الزاد والراحلة شرطا لا من الطريق ضرورة.
ثم قال الكاسانى فى موضع آخر
(3)
:
والذى يخص النساء: أن يكون مع المرأة زوجها، أو محرم لها - والمحرم هو أن يكون ممن لا يجوز له نكاحها على التأييد
(1)
الاية رقم 78 من سورة الحج.
(2)
كتاب بدائع الصنائع ج 2 ص 123 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 123 الطبعة السابقة.
- فان لم يوجد أحدهما لا يجب عليها الحج، بدليل ما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلّى الله وسلم أنه قال:«لا تحجن امرأة الا ومعها محرم» ، ولانها اذا لم يكن معها زوج ولا محرم لا يؤمن عليها، اذ النساء لحم على وضم
(1)
الا ما ذب عنه. وقول الله عز وجل «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»
(2)
الآية. لا تتناول النساء حال عدم الزوج والمحرم، لان المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها فتحتاج الى من يركبها، وينزلها، ولا يجوز ذلك لغير الزوج والمحرم فلم تكن مستطيعة فى هذه الحالة فلا يتناولها النص، فان امتنع الزوج أو المحرم عن الخروج فلا يجبران على الخروج، ولو امتنع من الخروج لارادة زاد وراحلة.
ذكر القدورى فى شرحه - مختصر الكرخى أنه يلزمها ذلك ويجب عليها الحج بنفسها لان المحرم والزوج من ضرورات حجها بمنزلة الزاد والراحلة
اذ لا يمكنها الحج بدونه كما لا يمكنها الحج بدون الزاد والراحلة ولا يمكن الزام ذلك للزوج أو المحرم من مال نفسه فيلزمها ذلك له كما يلزمها الزاد والراحلة لنفسها.
وذكر القاضى فى شرحه فى مختصر الطحاوى أنه لا يلزمها ذلك ولا يجب الحج عليها.
ثم ساق الكاسانى الدليل على وجوب الحج على المرأة اذا وجدت المحرم فقال
(3)
: والدليل على أنها اذا وجدت محرما فقد استطاعت الى حج البيت سبيلا لانها قدرت على الركوب والنزول وأمنت المحاوف لان المحرم يصونها.
ثم قال الكاسانى فى موضع آخر:
وسواء كانت المرأة شابة أو عجوزا فانها لا تخرج الا اذا كان معها زوج أو محرم لها، لان ما روينا من الحديث لا يفصل بين المرأة الشابة والمرأة العجوز، وكذا المعنى لا يوجب الفصل بين الشابة والعجوز، لما ذكرنا من حاجة المرأة الى من يركبها وينزلها بل ان حاجة العجوز الى ذلك أشد، لانها أعجز.
وانما يشترط المحرم أو الزوج اذا كان بين المرأة وبين مكة ثلاثة أيام فصاعدا فان كان أقل من ذلك حجت بغير محرم لان المحرم يشترط للسفر وما دون ثلاثة أيام ليس بسفر.
(1)
الوضم محركة ما وقيت به اللحم عن الأرض من خشب وحصير، وتركهم لحما على وضم أوقعهم فذللهم وأوجعهم. ترتيب القاموس المحيط ج 4 ص 564 مادة وضم الطبعة السابقة وفى لسان العرب لابن منظور قال انما النساء لحم على وضم، يقول فهن فى الضعف مثل ذلك اللحم لا يمتنع من أحد الا أن يذب منه ويدفع ج 53 ص 640 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 97 من سورة آل عمران.
(3)
كتاب بدائع الصنائع ج 2 ص 124 الطبعة السابقة.
مذهب المالكية:
يختلف المالكية فى حكم الاستطاعة بالنسبة للحج هل هى سبب أو شرط، وعلى القول بأنها شرط اختلفوا فى أنها شرط وجوب أو شرط صحة.
قال خليل ووجب الحج باستطاعة وفسر ذلك الخطاب بقوله يعنى أن سبب وجوب الحج الاستطاعة
(1)
.
ثم قال الحطاب لكن أهل المذهب يجعلون الاستطاعة من شروط الوجوب وعلى ذلك مشى ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم.
ونقل عن البعض أن الاستطاعة شرط من شروط صحة الحج، ونقل عن زروق أن الاستطاعة شرط وجوب لا صحة على الاصح.
ثم قال الحطاب فيتحصل فى الاستطاعة ثلاثة أقوال:
أحدها أنها سبب.
والثانى أنها شرط فى وجوب الحج، وهما متقاربان.
والثالث أنها شرط فى الصحة وهو ضعيف.
وفسروا الاستطاعة كما ذكر الحطاب بأنها امكان الوصول الى مكة بلا مشقة عظمت مع الامن على النفس والمال وهذا هو المشهور فى المذهب.
ونقل عن مالك فى كتاب محمد وفى سماع أشهب لما سئل عن قول الله تعالى «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» الآية أذلك الزاد والراحلة؟ قال لا والله، ما ذاك الا طاقة الناس، الرجل يجد الزاد والراحلة، ولا يقدر على المسير، وآخر يقدر أن يمشى على رجليه، ولا صفة فى هذا أبين مما قال الله تعالى «مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» }.
وقيل الاستطاعة
(2)
. الزاد والراحلة وهو قول سحنون وابن حبيب، يدل عليه ما رواه أبو داود والترمذى من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الاستطاعة قال عليه الصلاة والسلام هى الزاد والراحلة.
قال ابن رشد فى سماع أشهب وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معناه فى بعيد الدار.
ونقل عن المتأخرين قبولهم التقييد بذلك، قال سحنون: الاستطاعة الزاد والراحلة لبعيد الدار والطريق المسلوك،
(1)
كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 2 ص 491 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1328 هـ.
(2)
الحطاب ج 2 ص 492 الطبعة السابقة
بل حكى سند الاجماع على أن من كان دون مسافة القصر لا يعتبر فى حقه وجود الراحلة.
والدليل على الاعتبار بالقدرة دون الملك أن المتمكن من المشى الى الحج وهو منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة لم يعتبر فى وجوبه عليه الراحلة اجماعا.
ثم قال الحطاب: اذا فسرنا الاستطاعة بامكان الوصول كما هو المشهور دخل فى ذلك امكان المسير وأمن الطريق.
وان فسرناها بالزاد والراحلة قال سند فهما شرطان زائدان.
ونقل عن أصحاب الشافعى ومعظم أصحاب أبى حنيفة رحمهم الله أنهما شرطا وجوب وهو الجارى على أصول أصحابنا.
وقال الدسوقى فى حاشيته: الاستطاعة التى هى شرط فى الوجوب عبارة عن امكان الوصول من غير مشقة عظيمة مع الامن على النفس والمال.
ويزاد على ذلك فى حق المرأة أن تجد محرما من محارمها يسافر معها أو زوجا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة الا ومعها محرم، وأطلق فى المحرم فيعم المحرم من النسب والصهر والرضاع، ويعم المتجالة
(1)
والشابة، ولا يشترط أن تكون هى والمحرم مرافقين، فلو كان أحدهما فى أول الركب والثانى فى آخره بحيث اذا احتاجت اليه أمكنها الوصول بسرعة كفى على الظاهر
(2)
.
واذا فسرت الاستطاعة بامكان الوصول كما هو المشهور دخل فى ذلك امكان المسير، ومعنى امكان المسير أن يبقى بينه وبين الحج زمان يمكنه المسير فيه السير المعتاد لتأدية الحج، لان فعل العبادة لا يجب الا بامكانه كسائر العبادات، قاله سند.
وقال غيره من المالكية: ان كان يمكنه تحمل المشقة فى ذلك لزمه الحج.
يقول الحطاب: والظاهر أنه اذا كان يمكنه حمل المشقة وليست عظيمة، فهو مستطيع، وان كانت المشقة عظيمة فالظاهر أنه لا يقول أحد بوجوب تحملها، ونقل عن صاحب الشامل أنه يعتبر الامن على النفس اتفاقا، وعلى المال من لصوص على المشهور.
(1)
جاء فى لسان العرب لابن منظور مادة جلل: فى حديث جابر تزوجت امراه قد تجالت «أى أسنت وكبرت» وفى حديث أم صبية: كنا نكون فى المسجد قد تجاللن «أى كبرن» يقال تجالت فهى متجالة «بضم الميم وفتح التاء ج 43 ص 116 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 9.
وقال الحطاب: السلطان الذى يخاف أنه متى حج اختل أمر الرعية ويفسد نظامهم من خوف عدو الدين أو المفسدين من المسلمين، ويغلب على الظن وقوع ذلك، فالظاهر أنه غير مستطيع، فقد سئل ابن رشد: ما قولكم فى سلطان عليه حجة الاسلام، وخاف أنه متى حج بنفسه اختل أمر الرعية وفسد نظامهم، واستولى الكفار على بلادهم، فهل يجوز له أن يستأجر من يحج عنه أم لا؟ وما الحكم فى ذلك؟ فأجاب: اذا تحقق ما ذكر فلا كلام فى سقوط الحج عنه، لانه غير مستطيع، وان تحقق أن ما خشيه من اختلال أمور الرعية وصف لا يرجى زواله فهو كالمعضوب
(1)
فيجوز له الاستنابة على ما هو مشهور المذهب، وان رجى زوال ما خشيه فلا يجوز فيه الاستنابة كالمريض المرجو صحته.
وقال الحطاب
(2)
: وتشمل الاستطاعة الامن من القتل والاسر، والامن على البضع ولا خلاف فى اعتبار ذلك، ويشمل الامن على المال من اللصوص، قال الحطاب: وقد يطلق اللص على المحارب، وأما السارق الذى يندفع بالحراسة فلا يسقط به الحج، ويشمل
أيضا الامن على المال من المكاس - وهو الذى يأخذ من أموال الناس شيئا مرتبا فى الغالب.
ونقل عن التوضيح عن أبى محمد عبد الصادق فى شرح الرسالة أنه قال:
قال مالك: فيمن لا يستطيع الحج من اللصوص هو عذر بين، ثم رجع بعد ما أفتى به زمانا فقال: لا ينجى حذر من قدر ويجب عليه الحج.
قال ابن المواز لم يقل ذلك مالك الا فى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما غيرها من الامصار فهو مخير ان شاء أجاب وان شاء ترك.
ونقل عن خليل أنه قال: الا لاخذ ظالم ما قل ولا يمكث - أى لا يعود للاخذ ثانيا على الاظهر، وذكر أن فى ذلك قولين.
أظهرهما عدم سقوط الحج.
والثانى سقوطه.
ونقل الحطاب عن التوضيح: أنه ان كان ما يأخذه المكاس غير معين أو كان معينا مجحفا سقط الوجوب.
وفى غير المحجف قولان.
أظهرهما عدم السقوط وهو قول الابهرى واختاره ابن العربى وغيره.
والقول الآخر حكاه ابن القصار عن بعض الاصحاب.
(1)
المعضوب هو الضعيف والزمن لا حراك به.
(2)
مواهب الجليل ج 2 ص 494 الطبعة السابقة.
وجاء فى التاج والاكليل
(1)
: قال ابن القصار: اختلف أصحابنا فيمن لا يمكنهم الوصول الى الحج الا باخراج المال الى السلطان الجائر.
فقال بعضهم لا يجب الحج عليه.
وقال شيخنا أبو بكر الابهرى: ان لم يمكنه الا باخراج المال الكثير الذى يشق عليه ويخرج عن العادة لم يلزمه، وان كان شيئا قريبا فالحج واجب عليه.
وفى موضع آخر يقول الحطاب
(2)
، تعليقا على ما أوردناه قبل من قول مالك حينما قيل له: الاستطاعة الزاد والراحلة، وقال: لا، والله ما ذاك الا طاقة الناس .. الخ.
قال الحطاب: ان ذلك يختلف باختلاف الناس، فقد يجب الحج بلا زاد ولا راحلة اذا كان المكلف له صنعة يعملها فى الطريق، وتقوم به بأن يقدر على فعلها، وتكون نافعة بحيث يحصل منها قوته، ويكون قادرا على المشى.
وفى التاج والاكليل بهامش الحطاب فى نفس الموضع: ان الحج تارة يجب بوجود الزاد والمركب، وتارة يجب مع عدمهما، وتارة يجب بوجود أحدهما،
ويقول الحطاب: ومن كانت به زمانة فى بعض أعضائه وأمكنه الوصول معها الى مكة بلا مشقة عظيمة مع الامن وجب عليه الحج كأعمى اذا وجد قائدا يقوده فى الطريق ولو بأجرة اذا قدر عليها وكانت له قدرة على المشى أو كانت له صنعة يعملها فى الطريق أو لا تكون له صنعة ووجد الزاد ومن يحمله أو كانت له قدرة على حمل زاده.
ومثل الاعمى أقطع اليدين وأشلهما وأقطع الرجلين وأشلهما والاعرج اذا قدروا على الوصول.
وقال خليل: واذا عجز عن الزاد أو الراحلة اعتبر المعجوز عنه منهما بالنسبة لسقوط الوجوب، ونقل عن سند:
أنه اذا لم يقدر على المشى ولم تكن له صنعة اعتبر فى حقه وجود الزاد والراحلة فاذا قدر عليهما ولم يكن به مرض ولا ضعف يمنعه من الركوب فهذا يجب عليه الحج وان لحقته مشقة الا أن تكون عظيمة لا يمكنه تحملها، وان قدر على المشى ولم تكن له صنعة تقوم به اعتبر فى حقه وجود الزاد المبلغ الى مكة أو ما يرد به الى بلده، فان كانت له صنعة الا أنها لا تقوم به، ولكنه يجد من الزاد ما يقوم به مع الصنعة وجب عليه الحج، ولو كانت له صنعة تقوم به ولكنه لا يقدر على المشى اعتبر فى حقه وجود الراحلة.
(1)
مواهب الجليل ج 2 ص 495 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 498 الطبعة السابقة.
ويشترط فى الصنعة التى يلزمه الخروج معها ألا تزرى به وتخرج به عن عادته قال اللخمى: أما الخروج عن عادته فى المشى اذا لم يكن المشى عادة له فغير مراعى، ولم يزل الناس والصحابة يعدون ذلك شرفا، وكون قدرة المشى لغير معتاد عليه تعتبر استطاعة هو قول اللخمى والباجى وصاحب الطراز.
ونقل الحطاب
(1)
عن التوضيح ما نقله عبد الحق عن بعض شيوخه من أنه يعتبر فى الاستطاعة وجود الماء فى كل منهل.
كما ذكر أن المعتبر فى الاستطاعة هو امكان الوصول وان حصل ذلك الامكان بثمن مملوك للمكلف.
وفى التاج والاكليل على هامش الحطاب
(2)
نقلا عن القرافى بأن من غصب مالا فحج به أجزأه حجه عند الجمهور.
ثم بين خليل والدردير
(3)
أنه ليس من شروط الاستطاعة أن يكون عنده من الدنانير والدراهم ما يصرفه فى حجه بل يلزمه أن يبيع من عروضه وان كان محتاجا اليها، ومن يخشى الهلاك على نفسه أو على أولاده فانه لا يعتبر مستطيعا لان الله
عز وجل أوجب عليه نفقتهم فى ماله، كما أوجب عليه الحج فيه، فهما حقان لله تعينا عليه فى ماله، فاذا ضاق عنهما وجب عليه أن يبدأ بنفقة الولد، وحكم نفقة الابوين حكم نفقة الولد.
وأما نفقة الزوجة فقال اللخمى وصاحب البيان وصاحب الطراز أنه لا يجب عليه الحج حتى يجد ما يتركه لها بناء على أن الحج واجب على التراخى.
ومن عنده مال يكفيه للحج فقط أو للزواج فقط، فعلى القول بأن الحج على الفور يقدم الحج، الا أن يخشى على نفسه العنت فيتزوج ويؤخر الحج.
وقال الحطاب
(4)
: لو تصدق بالمال الذى يصير به مستطيعا للحج أو اشترى عبدا وأعتقه فان الصدقة ماضية وقد فعل محرما، وأما التوفير والجمع ليصير مستطيعا فلا يجب.
ولو كانت له دار يسكنها وخادم يحتاج اليه واذا باعهما وجد دارا وخادما يكتريهما ويفضل له ما يحج به قال صاحب الطراز فعليه فى ظاهر المذهب الحج على القول بالفور لانه يجد السبيل اليه فوجب عليه.
وقالوا اذا كان عليه دين للعباد أو دين زكاة فقضاؤه مقدم على الحج بلا خلاف
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 500 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 502 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 504 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 504 الطبعة السابقة.
بخلاف دين أبيه فانه يقدم الحج عليه.
أما دين الكفارات والهدايا فالظاهر أن الحج مقدم عليها لانها على التراخى، والراجح فى الحج أنه على الفور، وأن للكفارات بدلا، وهو الصيام، فيرجع اليه.
ومن لا يستطيع الحج الا بدين أو عطية بأن يستدين مالا فى ذمته - ولا جهة وفاء له - فان الحج لا يجب عليه لعدم استطاعته وهذا متفق عليه، وأما من له جهة وفاء فهو مستطيع اذا كان فى تلك الجهة ما يمكنه به الوصول الى مكة، واذا أعطى له مال على جهة الصدقة والهبة فانه لا يقبله لان الحج ساقط، وظاهر كلام صاحب الطراز أنه متفق عليه أيضا لما فى ذلك من تحمل المنة.
وظاهر كلام البساطى أن فى ذلك خلافا.
وقال صاحب الطراز
(1)
ان كان الباذل له المال ولده قبله وحج به.
وقال مالك لا يلزمه قبوله لانه فيه سقوط حرمة الابوة.
وفى التاج والاكليل
(2)
: قال ابن عرفة لا يجب الحج على فقير غير معتاد
السؤال فى الحضر ويقدر على سؤال كفايته فى السفر.
وقال خليل فى مناسكه وظاهر المذهب أنه لا يجب على من عادته السؤال اذا كانت العادة اعطاءه ويكره له المسير، فان لم تكن عادته السؤال أو لم تكن العادة اعطاءه سقط الحج عنه بالاتفاق.
وقال الحطاب
(3)
: ونصوص أهل المذهب التى وقفت عليها مصرحة بأن الحج واجب على من عادته السؤال اذا كانت العادة اعطاءه كما قال.
وكما يعتبر فى الاستطاعة امكان الوصول فانه يعتبر كذلك ما يرجع به ان خشى على نفسه الضياع فى مكة، وكذا قال اللخمى، وساقه على أنه المذهب، واقتصر عليه ابن عرفة.
ثم قال الحطاب، واذا أمكنه المقام فى مكة بحرفة أو تسبب فلا يعتبر ما يرجع به ولكن لا بد أن تكون الحرفة لا تزرى به.
وقال الحطاب
(4)
: البحر طريق الى الحج كالبر فيجب سلوكه اذا تعين ولم يكن ثم طريق سواه وان لم يتعين فيخير، وهو المشهور قاله سند، وقال الباجى انه ظاهر المذهب، وروى القاسم عن مالك كراهة الحج فيه الا لمن لم يجد طريقا سواه.
(1)
الحطاب ج 2 ص 506 الطبعه السابقة.
(2)
على هامش الحطاب ج 2 ص 508 الطبعة السابقة.
(3)
الحطاب ج 2 ص 210 الطبعة السابقة.
(4)
مواهب الجليل ج 2 ص 511 الطبعة السابقة.
ويدخل فى الاستطاعة المحرم أو الزوج بالنسبة للمرأة على ما ذكره الدسوقى على ما تقدم.
يقول خليل والحطاب
(1)
: ويشترط فى وجوب الحج على المرأة أيضا وجود زوج أو محرم فان لم يكن لها محرم ولا زوج فيجب عليها الخروج للحج فى الفرض فى رفقة مأمونة.
والاصل فى هذا ما ورد فى الحديث الصحيح، وروى مالك فى جامع الموطأ عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة الا مع ذى محرم منها»
ونقل الحطاب عن التوضيح أن العلماء قاسوا الزوج على المحرم بطريق الاولى وقال: بل ورد النص على الزوج فى الصحيحين وعلى هذا فمن وجد من الثلاثة الزوج أو المحرم أو الرفقة المأمونة خرجت معها.
ثم قال الحطاب
(2)
: وظاهر النقول التى وقفت عليها أنها تخرج مع الرفقة
المأمونة عند عدم الزوج أو المحرم أو امتناعه.
ونقل عن مالك فى الموطأ أن المرأة التى لم تحج قط اذا لم يكن لها محرم يخرج معها أو كان لها ولم يستطع أن يخرج معها أنها لا تترك فريضة الحج ولتخرج فى جماعة من النساء.
قال الحطاب: واذا امتنع الزوج والمحرم من الخروج معها الا بأجرة، فاذا لم تكن هناك رفقة مأمونة فلا شك فى لزوم ذلك لها، وأما مع وجود الرفقة المأمونة فظاهر النصوص لزوم ذلك لها أيضا.
قال الحطاب، ولضعف المرأة وعجزها اعتبر الشارع فى حقها أنه لا يجب عليها الحج ماشية من المكان البعيد لخوف عجزها، وحد القرب الذى يلزمها المشى منه مثل مكة وما حولها.
واستثنى اللخمى المتجالة ومن لا يؤبه بها من النساء.
وقال الحطاب: ان اطلاق كلام مالك يفيد أن المشى لا يجب على المرأة من المكان البعيد ولو كانت متجالة.
وفى الشرح الصغير
(3)
: ولا تصح نيابة من أحد عن شخص مستطيع فى
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 521 الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب ج 2 ص 522 الطبعة السابقة.
(3)
بلغة السالك لاقرب المسالك ج 1 ص 246، 247 الطبعة السابقة.
حج فرض لانه عمل بدنى لا يقبل النيابة.
وقال الصاوى فى حاشيته الاستنابة فاسدة مطلقا سواء كان المحجوج عنه مستطيعا أولا فى فرض أو نفل ان كان حيا.
وقال الحطاب
(1)
: والعبد والصبى والمجنون غير مستطيعين للحج لان المملوك لا تصرف له فى نفسه والصبى والمجنون محجور عليهما فى التصرف فى أموالهما.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(2)
: الاستطاعة واجبة للحج بالاجماع «قال الله عز وجل «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» الآية، فلا يجب على كافر أصلى لو أسلم وهو معسر بعد استطاعته فى الكفر بخلاف المرتد، فان النسك يستقر فى ذمته باستطاعته فى الردة، ولا يجب على غير مكلف، ولا على من فيه رق، لان منافعه مستحقة فليس مستطيعا.
والاستطاعة عندهم نوعان
(3)
:
أحدهما: استطاعة مباشرة لحج أو عمرة بنفسه ولها شروط أربعة.
الشرط الاول: وجود الزاد الذى يكفيه حتى السفرة، وكلفة ذهابه لمكة وايابه الى بلده، وان لم يكن له فيها أهل وعشيرة.
وقيل ان لم يكن ببلده من تلزمه نفقتهم ولو كانوا من جهة الام لم تشترط فى حقه نفقة الاياب لان البلاد كلها بالنسبة اليه سواء.
والاصح الاول لما فى الغربة من الوحشة.
والوجهان جاريان أيضا فى الراحلة للرجوع ويدخل فى المؤنة الزاد وأوعيته
ومحل الخلاف اذا لم يكن له ببلده مسكن وكان له فى الحجاز حرفة تقوم بمؤنتة والا اشترطت نفقة الاياب بلا خلاف فلو لم يجد ما ذكر ولكن كان. يكسب فى سفره ما يفى بزاده وباقى مؤنه وكان سفره لمرحلتين فأكثر لم يكلف الحج، ولو كان يكسب فى يوم كفاية أيام لانه قد ينقطع عن الكسب لعارض وبتقدير عدم الانقطاع فالجمع بين تعب السفر والكسب فيه مشقة عظيمة، وان كان بمكة أو على دون مرحلتين منها وهو يكسب فى يوم كفاية أيام كلف الحج لقلة المشقة حينئذ، بخلاف ما اذا كان يكسب فى كل يوم ما يفى به فقط، فلا يكلف، لانه قد ينقطع عن كسبه فى أيام الحج، فان لم يجد زادا واحتاج أن يسأل
(1)
مواهب الجليل ج 2 ص 490 الطبعة السابقة.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 1 ص 447، ص 448 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.
(3)
مغنى المحتاج ج 1 ص 448 الطبعة السابقة. ونهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 3 ص 235 الطبعة السابقة.
الناس كره له، ولو كان يقدر فى الحضر على أن يكتسب فى يوم ما يكفيه لذلك اليوم وللحج قال الاسنوى، اذا كان السفر قصيرا لزمه لانهم اذا ألزموه به فى السفر ففى الحضر أولى، وان كان طويلا فكذلك لانتفاء المحظور، والمتجه كما قال بعض المتأخرين خلافه فى السفر الطويل.
الشرط الثانى: من شروط الاستطاعة وجود الراحلة الصالحة لمثله بشراء أو استئجار بثمن المثل أو بأجرة المثل لمن بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر، قدر على المشى أم لا، لكن يستحب للقادر على المشى الحج خروجا للخلاف ممن أوجبه.
وكلام الرافعى أنه لا فرق فى استحباب المشى بين الرجل والمرأة وهو المعتمد كما فى «المهمات» .
وقال القاضى حسين لا يستحب للمرأة الخروج الى الحج ماشية لانها عورة.
ثم قال فى معنى المحتاج، ومن بينه وبين مكة دون مرحلتين، وهو قوى على المشى يلزمه الحج لعدم المشقة فلا يعتبر فى حقه وجود الراحلة وما يتعلق بها، فان ضعف عن المشى بأن عجز أو لحقه ضرر ظاهر فكالبعيد عن مكة، فيشترط فى حقه وجود الراحلة وما يتعلق بها.
ثم قال: ويشترط كون ما ذكر من الزاد والراحلة فاضلين عن دينه حالا كان أو مؤجلا سواء كان لآدمى أم لله تعالى كنذر وكفارة، ولو كان له فى ذمة شخص مال، فان أمكن تحصيله فى الحال فكالحاصل عندهم، والا فكالمعدوم وفاضلين عن مؤنة من عليه نفقتهم مدة ذهابه وايابه لئلا يضيعوا، وأن يكون ذلك فاضلا
(1)
عن مسكنه اللائق المستغرق لحاجته، وعن عبد يليق به ويحتاج اليه لخدمته لمنصب أو عجز، وقيل: بل يباعان قياسا على الدين.
ومحل الخلاف اذا كانت الدار مستغرقة لحاجته، وكانت سكنى مثله والعبد يليق به، فاما اذا أمكن بيع بعض الدار ووفى ثمنه بمؤنة الحج فانه يلزمه ذلك جزما.
قال الاسنوى: وكلامهم يشمل المرأة المكتفية باسكان الزوج واخدامه لان الزوجية قد تنقطع فتحتاج اليها.
قال الزركشى: المراد بالحاجة: حاجة اليوم والليلة كما اقتضاه كلام الغزالى فى الاحياء فلم يعتبروا حاجته فى المستقبل.
واشترطوا أيضا كون ما ذكر فاضلا عن كتب العالم الا أن يكون له من تصنيف واحد نسختان.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 238 الطبعة السابقة ومغنى المحتاج ج 1 ص 449 الطبعة السابقة والمهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 197 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
وحكم خيل الجند وسلاحه ككتب الفقه.
والحاجة الى النكاح لا تمنع الوجوب، لكن الافضل لخائف العنت تقديم النكاح ولغيره تقديم النسك.
ثم قال: والاصح أنه يلزمه صرف مال تجارته للزاد والراحلة وما يتعلق بهما ويلزم من له مستغلات يحصل منها نفقته أن يبيعها ويصرفها لما ذكر فى الاصح.
وقيل لا يلزمه لئلا يلتحق بالمساكين.
الشرط الثالث من شروط الاستطاعة
(1)
:
أمن الطريق ولو ظنا فى كل مكان بحسب ما يليق به، فلو خاف فى طريقه على نفسه أو عضوه أو نفس محترمة معه أو عضوها أو ماله ولو يسيرا ولا طريق له سواه لم يجب الحج عليه لحصول الضرر.
والمراد بالامن: الامن العام، حتى لو كان الخوف فى حقه وحده لم يمنع الوجوب كما جزم صاحب الكفاية.
أما اذا كان له طريق آخر آمن فانه يلزمه سلوكه وان كان أبعد من الاول.
والمذهب كما كان فى الروضة وجوب ركوب البحر لمن لا طريق له غيره ولو
امرأة ان غلبت السلامة فى ركوبه فان غلب الهلاك أو استوى الامران لم يجب بل يحرم فى الاول قطعا وفى الثانى على الصحيح.
ثم قال: ولا بد من وجود رفقة يخرج معهم فى الوقت الذى جرت عادة أهل بلده بالخروج فيه ان احتاج الى الرفقة لدفع الخوف، فان أمن الطريق بحيث لا يخاف الواحد لزمه ولا حاجة الى الرفقة ثم قال
(2)
: ويشترط للمرأة أن يخرج معها زوج أو محرم لها بنسب أو غيره أو نسوة ثقات، لان سفرها وحدها حرام، وان كانت فى قافلة لخوف استمالتها وخديعتها ولخبر الصحيحين «لا تسافر المرأة يومين الا ومعها زوجها أو ذو محرم، وكالمحرم عبدها الامين، وينبغى كما قاله بعض المتأخرين عدم الاكتفاء بالصبى اذ لا يحصل لها معه الامن على نفسها الا فى مراهق ذى وجاهة بحيث يحصل معه الامن لاحترامه.
وأقل الرفقة الثقات من النساء ثلاث غيرها قال الاسنوى: المتجه الاكتفاء بأقل الجمع وهو ثلاث وهذا شرط للوجوب.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 450 الطبعة السابقة، ونهاية المحتاج ج 3 ص 240 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 243 الطبعة السابقة، ومغنى المحتاج ج 1 ص 451 الطبعة السابقة، والمهذب للشيرازى ج 1 ص 197 الطبعة السابقة.
أما الجواز فيجوز لها أن تخرج لاداء حجة الاسلام مع المرأة الثقة على الصحيح.
وكذا يجوز لها الخروج وحدها اذا أمنت.
أما حج التطوع وغيره من الاسفار التى لا تجب فليس للمرأة أن تخرج اليه مع امرأة، بل ولا مع النسوة الخلص.
ثم قال: ويشترط فى الخنثى المشكل محرم الرجال أو النساء لا أجنيات.
ثم قال والاصح أنه يلزم المرأة أجرة المحرم اذا لم يخرج معها الا بها اذا كانت أجرة المثل، وأجرة الزوج كالمحرم كما صرح به فى الحاوى الصغير، وفى أجرة النسوة نظروا لمتجه الحاقهن بالمحرم.
الشرط الرابع من شروط الاستطاعة:
(1)
أن يثبت على الراحلة بلا مشقة شديدة فمن لم يثبت عليها أصلا أو ثبت بمشقة شديدة انتفى عنه استطاعة المباشرة.
والقائد للاعمى كالمحرم فى حق المرأة فيأتى فيه ما مر.
ومقطوع الاطراف لو أمكنه الثبوت على الراحلة لزمه للحج بشرط وجود معين له.
ثم قال ويشترط أن توجد هذه المعتبرات فى ايجاب الحج فى الوقت، فلو استطاع فى شهر رمضان مثلا ثم افتقر فى شهر شوال فلا استطاعة.
النوع الثانى من أنواع الاستطاعة:
الاستطاعة غير المباشرة وهى تحصيل الحج
(2)
لا بالمباشرة بل بغيره فمن مات وفى ذمته حج واجب مستقر بأن تمكن بعد استطاعته من فعله بنفسه أو بغيره وجب الاحجاج عنه ولو كان قضاء أو نذرا لرواية البخارى عن ابن عباس رضى عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ان أمى نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت.
نعم، قال: اقضوا دين الله، فالله أحق بالوفاء» فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج بالدين الذى لا يسقط بالموت فوجب أن يتساويا فى الحكم.
والعاجز عن الحج بنفسه حالا أو مآلا لكبر أو زمانة أو غير ذلك ان وجد أجرة من يحج عنه بأجرة المثل وكانت فاضلة عن حاجاته دون نفقة عياله لاقامته معهم وامكانه تحصيلها كما حكاه ابن الرفعة لزمه الحج، لانه مستطيع بغيره، لأن
(1)
نهاية المحتاج ج 3 ص 244 وما بعدها الطبعة السابقة، ومغنى المحتاج ج 1 ص 452، 453 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(2)
المهذب ج 1 ص 198 وما بعدها الطبعة السابقة.
الاستطاعة كما تكون بالنفس تكون ببذل المال، ولو لم يجد الا أجرة ماش.
قيل: لا يلزمه الاستئجار اذا كان السفر طويلا كما لا يكلف الخروج ماشيا.
والاصح اللزوم، لانه لا مشقة عليه فى مشى غيره، ولو لم يجد أجرة وأعطى له ولده أو أجنبى مالا للاجرة لم يجب القبول فى الاصح لما فى ذلك من المنة، والثانى يجب.
وفى المهذب
(1)
: من لا يقدر على الحج بنفسه وليس له مال، ولكن له ولد يطيعه اذا أمره بالحج فينظر فيه.
فان كان الولد مستطيعا بالزاد والراحلة وجب على الاب الحج، ويلزمه أن يأمر الولد بأدائه عنه، لانه قادر على أداء الحج بولده.
مذهب الحنابلة:
الاستطاعة
(2)
فى الحج عندهم: هى أن يملك زادا وراحلة ذهابه وعوده، أو يملك ما يقدر به على تحصيل الزاد والراحلة من نقد أو عرض لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال ما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة فيعتبر الزاد مع قرب المسافة وبعدها ان احتاج اليه.
ويشترط أيضا القدرة على وعاء الزاد لانه لا بد منه.
وتعتبر الراحلة مع بعد المسافة التى تقصر فيها الصلاة ولو قدر على المشى، ولا تعتبر الراحلة فيما دونها، لان مشقتها يسيرة الا مع عجز لكبر ونحوه كمرض فتعتبر الراحلة، وتعتبر
(3)
الراحلة مع بعد المسافة فقط ولو قدر على المشى وهو ما تقصر فيه الصلاة لا فيما دونها من مكى وغيره ويلزمه المشى الا مع عجز لكبر ونحوه، ولا يلزمه الحبو ان أمكنه وما يحتاج اليه من آلتها بكراء أو شراء صالحا لمثله عادة لاختلاف أحوال الناس، فان كان ممن يكفيه الرحل والقتب ولا يخشى السقوط اكتفى بذلك فان كان ممن لم تجر عادته بذلك، أو يخشى السقوط عنها - اعتبر وجود محمل وما أشبهه مما لا يخشى سقوطه عنه ولا مشقة فيه.
وقد جاء فى الفروع وكذا دابته ان كانت ملكه اذا لم يقدر على خدمتها والقيام بأمرها اعتبر من يخدمها لانه من سبيله فاعتبرت قدرته عليه.
(1)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 198 الطبعة السابقة.
(2)
الاقناع ج 1 ص 339 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 339، 340 وما بعدهما الطبعة السابقة.
فان تكلف الحج من لا يلزمه وحج أجزأه لان خلقا من الصحابة حجوا ولا شئ لهم، ولم يؤمر أحد منهم بالاعادة، ولان الاستطاعة انما شرعت للوصول، فاذا وصل وفعل أجزأه، كالمريض.
ويعتبر ما تقدم من الزاد والراحلة وآلتها أو ما يقدر به على تحصيل ذلك فاضلا عن خادم، لانه من الحوائج الاصلية.
ويعتبر أن يكون فاضلا عن قضاء دينه، حالا كان الدين أو مؤجلا، لله، أو لآدمى، لان ذمته مشغوله به، وهو محتاج الى براءتها.
ويعتبر ان يكون فاضلا عما لا بد منه كمؤنته ومؤنة عياله الذين تلزمه مؤنتهم، لان ذلك مقدم على الدين، فلان يقدم على الحج بطريق الاولى.
ويقدم النكاح مع عدم الوسع للنكاح والحج لمن خاف العنت.
وفى المستوعب وان كان لا يخاف العنت فلا اعتبار بهذه الحالة قولا واحدا.
ويعتبر فى الاستطاعة أن يكون له اذا رجع من حجه ما يقوم بكفايته وكفاية عياله على الدوام لتضرره بذلك كالمفلس ولم يعتبر ما بعد رجوعه.
ولا يصير العاجز عن ذلك مستطيعا، لبذل غيره له مالا، أو راحلة، ولو كان الباذل ولدا، أو والدا لما فيه من المنة.
وجاء فى منتهى الارادات
(1)
: ومن الاستطاعة سعة وقت، بأن يكون متسعا يمكن الخروج والسير فيه حسب العادة، لتعذر الحج مع ضيق وقته، فلو شرع من وقت وجوبه، فمات فى الطريق تبينا عدم وجوبه، لعدم وجود الاستطاعة.
وفيه أيضا: ومن الاستطاعة: أمن طريق يمكن سلوكه لان ايجاب الحج مع عدم ظهور ذلك ضرر، وهو منفى شرعا، ولو كان الطريق الممكن سلوكه بحرا، أو كان الطريق غير معتاد، ويشترط فى الطريق امكان سلوكه بلا خفارة
(2)
، فان لم يمكن سلوكه الا بها لم يجب، ولو يسيرة فى الظاهر، اذ لا يتحقق الامن ببذلها، كما يشترط فى الطريق أن يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد.
وفى المغنى
(3)
والشرح الكبير: وحكم المرأة اذا كان لها محرم كحكم الرجل
(1)
شرح منتهى الارادات على كشاف القناع ج 1 ص 612 الطبعة السابقة.
(2)
بمعنى اجاره ومنعه وامنه وكان له خفيرا يمنعه وكذلك تخفر به وخفره استجار به وسأله أن يكون له خفيرا وقيل هو الأمان، لسان العرب ج 17 ص 253 الطبعة السابقة، وترتيب القاموس المحيط ج 2 ص 77 الطبعة السابقة.
(3)
المغنى لابن قدامة على مختصر أبى القاسم الحزقى يليه الشرح الكبير على متن المقنع لأبى عمر بن قدامة المقدسى ج 3 ص 190، 191 وما بعدهما طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى.
وظاهر هذا أن الحج لا يجب على المرأة التى لا محرم لها.
سئل أحمد عن امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب عليها الحج قال:
لا وقال: المحرم من السبيل.
وعنه أن المحرم لحفظها، فهو كأمن الطريق. وامكان المسير.
وعنه رواية ثالثة أن المحرم ليس بشرط فى الحج الواجب.
قال الاثرم: سمعت أحمد يسأل هل يكون الرجل محرما لام امرأته يخرجها الى الحج فقال: أما فى حجة الفريضة فأرجو لانها تخرج اليها مع النساء، ومع كل من أمنته، وأما فى غيرها فلا.
والمذهب الاول وعليه العمل لما روى الدارقطنى باسناده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«لا تحجن امرأة الا ومعها ذو محرم» والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأييد بنسب أو رضاع، وأن يكون بالغا عاقلا.
واذا مات محرم المرأة فى الطريق قال أحمد اذا تباعدن مضت فقضت الحج لكن ان كان حجها تطوعا وأمكنها الاقامة فى بلد فهو أولى من سفرها بغير محرم.
ونفقة المحرم فى الحج عليها، نص عليه أحمد، لانها من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فان امتنع محرمها من الحج معها مع بذلها له نفقته، فهى كمن لا محرم لها، لانها لا يمكنها الحج بغير محرم.
وفى منتهى الارادات
(1)
، ومن الاستطاعة دليل لجاهل الطريق وقائد لاعمى لان فى ايجابه عليهما بلا دليل وقائد، ضررا عظيما.
وفى كشاف القناع
(2)
ولو تبرع القائد والدليل لم يلزم للمنة.
وفى كشاف القناع أيضا لا يجب الحج على مرتد باستطاعته فى حال ردته، دون زمن الاسلام لانه ليس من أهل الوجوب زمن الردة، ولا تبطل استطاعته فى اسلامه بردته، بل يثبت الحج فى ذمته اذا عاد الى الاسلام.
ولا تبطل استطاعة المجنون بجنونه فيحج عنه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى واستطاعة السبيل التى يجب به الحج.
(1)
منتهى الايرادات ج 1 ص 612، 613 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 1 ص 556 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 548 الطبعة السابقة.
أما صحة الجسم والطاقة على المشى، والتكسب من عمل، أو تجارة ما يبلغ به الى الحج
(1)
، ويرجع الى موضع عيشه أو أهله.
وأما مال يمكنه من ركوب البحر، أو البر، والعيش منه، حتى يبلغ مكة، ويرده الى موضوع عيشه، أو أهله، وان لم يكن صحيح الجسم، الا أنه لا مشقة عليه فى السفر برا أو بحرا.
وأما أن يكون له من يطيعه فيحج عنه فيعتمر بأجرة، أو بغير أجرة، ان كان هو لا يقدر على النهوض لا راكبا ولا راجلا.
فأى هذه الوجوه أمكنت الانسان المسلم البالغ العاقل فالحج والعمرة فرض عليه.
برهان ذلك ما روى عن الفضل بن عباس رضى الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت يا رسول ان أبى شيخ كبير عليه فريضة الله تعالى فى الحج وهو لا يستطيع أن يستوى على ظهر بعيره فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم «حجى «عنه» وما روى أيضا عن عبيد الله ابن العباس رضى الله عنهما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل، فقال: يا رسول الله «ان امى عجوز كبيرة ان حزمها خشى أن يقتلها، وان لم يكن يحزمها لم
تستمسك، فأمره عليه السلام أن يحج عنها فبين فى هذه الاخبار ان لم يكن صحيحا فان فريضة الحج لازمة له اذا وجد من يحج عنه، لانه عليه السلام سمع قول المرأة عن أبيها أن فريضة الله تعالى أدركته وهو شيخ كبير لا يستطيع الثبات على الراحلة، فلم ينكر ذلك عليها، فصح أن الفرض باق اذا وجد من يحج عنه
(2)
.
وجاء فى المحلى
(3)
أيضا: ان حج عمن لم يطق الركوب والمشى لمرض أو زمانة حجة الاسلام، ثم استطاع فليس عليه أن يحج بعد اذ أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالحج عمن لا يستطيع الحج راكبا ولا ماشيا، وأخبر أن دين الله يقضى عنه فقد تأدى الدين عنه.
فلا يجوز أن يعود فرضه، ولو كان ذلك عائدا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وسواء فى ذلك
(4)
من بلغ وهو عاجز عن المشئ والركوب، أو من بلغ مطيقا، ثم عجز عن كل ما ذكرنا، وقال أبو سليمان لا يلزم ذلك الا عمن قدر بنفسه على الحج ولو عاما واحدا ثم عجز، ومن مات وهو يستطيع بأحد الوجوه التى قدمنا حج عنه من رأس ماله واعتمر ولا بد، مقدما على ديون
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 53 مسألة رقم 815 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 56، 57 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 62 مسألة رقم 816 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 7 ص 62 مسألة رقم 817، ومسألة رقم 818 الطبعة السابقة.
الناس ان لم يوجد من يحج عنه تطوعا سواء أوصى بذلك أو لم يوص.
وفى موضع آخر
(1)
يقول ابن حزم الظاهرى: ولا يجوز تأخير الحج والعمرة عن أوقات الاستطاعة لهما فمن فعل ذلك فقد عصى، وعليه أن يعتمر ويحج لعموم قول الله تعالى «وَسارِعُوا}
(2)
الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين، وقول الله عز وجل أيضا
(3)
«وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} الآية، ولا خلاف فى أن هذا متوجه الى كل مستطيع فلا يخلو المستطيع من أن يكون مفترضا عليه الحج أو لا يكون مفترضا عليه الحج، فان كان مفترضا عليه الحج فهو مأمور به فى عامه وهو قولنا، وان كان ليس مفترضا عليه الحج فهذا خلاف القرآن.
وفى موضع آخر
(4)
يقول ابن حزم الظاهرى: وانما تراعى الاستطاعة بحيث لو خرج من المكان الذى حدثت له فيه الاستطاعة فيدرك الحج فى وقته والعمرة، فان استطاع قبل ذلك العام كله، وبطلت استطاعته فى الوقت المذكور،
لم يكن مستطيعا ولا لزمه الحج، لانه لم يكلف العمرة والحج الا فى وقت الحج فيكون قارنا أو متمتعا.
ثم قال فى موضع آخر فمن استطاع كما ذكرنا ثم بطلت استطاعته أو لم تبطل فالحج والعمرة عليه ويلزم أداؤهما عنه من رأس ماله قبل ديون الناس، فان لم يوجد من يحج عنه الا بأجرة استؤجر عنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «دين الله أحق بالقضاء» .
ثم قال بعد ذلك ولا يجزئ أن يستأجر من لم يحج ولا اعتمر الا أن لا يكون مستطيعا حين استأجر، فيجوز حينئذ، لانه غير مستطيع للحج عن نفسه، فلا يلزمه وهو مستطيع للحج عن غيره بما يأخذ من الاجرة، فاستئجاره لما يستطيع عليه جائز.
والمرأة عند ابن حزم الظاهرى كالرجل فلا يشترط لها فى أداء فريضة الحج محرم يحج معها فهو يقول
(5)
.
وأما المرأة التى لا زوج لها ولا ذا محرم يحج معها فانها تحج ولا شئ عليها فان كان لها زوج، ففرض عليه أن يحج معها، فان لم يفعل فهو عاصى لله تعالى، وتحج هى دونه، وليس له منعها من حج الفرض، لقول الله عز وجل
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 273 مسألة رقم 911 الطبعة السابقة.
(2)
الاية رقم 133 من سورة آل عمران.
(3)
الاية رقم 97 من سورة آل عمران.
(4)
المرجع السابق ج 7 من ص 233 الى 275 مسألة رقم 912، ومسألة رقم 913 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى ج 7 من ص 47 الى ص 50 مسألة رقم 813 الطبعة السابقة.
«وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»
(1)
الآية، ونهى المرأة عن السفر الا مع زوج أو ذى محرم عام لكل سفر، فوجب استثناء ما جاء به النص من ايجاب بعض الاسفار عليها من جملة النهى، والحج سفر واجب فوجب استثناؤه من جملة النهى.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية:
(2)
الاستطاعة شرط فى وجوب الحج شرطها الله سبحانه وتعالى بقوله «مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»
(3)
ولما روى ابن عمر رضى الله عنهما: أن رجلا قال يا رسول الله: ما السبيل الذى قال الله تعالى «مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» قال:
الزاد والراحلة، لكن حصول الاستطاعة لا يكفى فى الوجوب، بل لا بد أن يستمر حصولها فى وقت يتسع للذهاب للحج فى وقته والعود منه، فلو حصلت الاستطاعة فالمذهب أن الحج يجب وجوبا مضيقا بمعنى أنه لا يجوز تأخيره، فان أخره كان عاصيا عند الهادى، وعند القاسم أن يحج على التراخى ما لم يظن فوته بموت أو غيره، والاستطاعة ثلاثة أركان.
الاول منها: صحة فى الجسم ويكفى من الصحة أن يقدر على أن يستمسك معها على الراحلة قاعدا، ولو احتاج فى ركوبه ونزوله الى من يعينه لم يسقط عنه الحج بذلك، فأما لو كان لا يستمسك على الراحلة أو المحمل الا مضطجعا سقط عنه الحج، أى لم يجب كالمعضوب الاصلى وهو الذى لا يستمسك على الراحلة لضعف، أو كبر، فانه لا حج عليه ولو كان غنيا.
الركن الثانى منها أمن الطريق، وحد الامن أن يكون بحيث لا يخشى على نفسه أو ماله تلفا ولا ضررا
(4)
.
الركن الثالث منها: هو الزاد وهو كما فى البحر الزخار:
(5)
شرط وجوب لتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستطاعة به، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون، فاذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز وجل «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ» }.
(6)
(1)
الآية رقم 97 من سورة آل عمران.
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 60، 61، 62 الطبعة السابقة.
(3)
الآية السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 63، 64 الطبعة السابقة.
(5)
كتاب البحر الزخار للمرتضى ج 2 ص 282 الطبعة السابقة.
(6)
الآية رقم 197 من سورة البقرة.
وقيل الاستطاعة: الصحة لا غير لقول الله عز وجل «وَتَزَوَّدُوا} فقد فسر ذلك بالتقوى لا بالزاد.
وفى شرح الازهار
(1)
: أن من الاستطاعة أن يملك الحاج كفاية من المال تكفى للحج فاضلة عما استثنى له ولمن يعوله، والذى استثنى له كسوته وخادمه ومنزله وكسوة من يعول ونفقة خادم ومنزل وأثاثه مدة يمكنه الرجوع فى قدرها بعد أن قضى حجه.
ونقل عن شرح الابانة أن المقصود بمن يعول الزوجات والاولاد الصغار والابوان المعسرين لا من عداهم وقيل الا أن يكون القريب زمنا فيجب الحج على من كان يملك فاضلا عن هذه المستثنيات.
وقال صاحب شرح الازهار
(2)
، والكفاية من المال الفاضلة عن الحاجة، والمعتبرة فى الاستطاعة تكون بملك المتاع الوافر فى طريقه بما يعتاده مثله من النفقة فى الاسفار، وأن يجد الراحلة ملكا أو كراءا اذا كان بينه وبين مكة
بريد
(3)
فصاعدا، ونقل عن الانتصار وجودها أيضا اذا كان زمنا لا يستطيع قطع المسافة القريبة، الا براحلة ولو لم يكن بينه وبين مكة هذه المسافة فان لم يجد الذى على مسافة بريد راحلة سقط عنه الحج، ولو كان قادرا على المشى عندنا، كما تكون الكفاية بأن يجد أجرة خادم له فى سفره ان كان ممن يستخدم، ولا يستغنى عنه وأجرة قائد للأعمى، وأجرة محرم سواء كان من نسب أو رضاع بالنسبة للشابة.
أما العجوز التى من القواعد فلا يعتبر المحرم فى حقها اذ تخرج مع نساء ثقات أو غيرهن.
ولا يعتبر المحرم بالنسبة لمن يلزمها الا فى مسافة بريد فصاعدا.
وقيل يعتبر فى ثلاثة أيام.
وقيل اذا كانت المرأة ذات حشم وجوار جاز لها الخروج للحج كما فعلت عائشة رضى الله عنها.
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 63، ص 64 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 64، 65 الطبعة السابقة.
(3)
البريد: المرتب، والرسول وفرسخان أو اثنا عشر ميلا ترتيب القاموس المحيط ج 1 ص 194 الطبعة السابقة مادة «برد» وفى لسان العرب «البريد فرسخان» وسكك البريد كل سكة منها اثنا عشر ميلا وفى الحديث لا تقصد الصلاة أكثر من أربعة برد وهى ستة عشر فرسخا والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع وقال ابن الاعرابى كل ما بين المنزلتين فهو بريد ج 12 ص 86، الطبعة السابقة.
ثم قال
(1)
: ويجب قبول الزاد والراحلة من الولد لانه لامنة منه على والده قيل: واذا بذل له الامام من بيت المال. وكذا اذا كان شيخا زمنا وعرض عليه ابنه أن يحج عنه لزمه القبول.
ونقل صاحب البحر الزخار
(2)
عن عطاء بن أبى رباح أن استمرار الاستطاعة فى أشهر الحج شرط وجوب اذ لا يجب قبل وقته كالصلاة، وقال المؤيد بالله شرط أداء، اذ لم يذكره النبى صلى الله عليه وسلم فى تفسير الاستطاعة.
ثم قال صاحب البحر الزخار الاقرب اعتبار استمرارها وقتا يمكنه فيه الحج اذ هو المقصود.
وفى البحر الزخار
(3)
أنه لا يلزم بيع ضيعة أو بضاعة تفيد كفايته ومن يمون لاضراره.
وقال صاحب الازهار
(4)
: ويكفى لتحقيق الاستطاعة الكسب فى الاياب اذا كان الحاج له صناعة يتكسب بها ما دام
يملك من الزاد ما يكفيه للذهاب، ويتكل فى رجوعه على التكسب بصناعته، وعن أبى جعفر لا يعول على الحرفة الا ذاهبا ولا راجعا، ولا يجب عندنا أن يبقى له بعد رجوعه مال ولا ضيعة الا ذا العول.
وفى موضع آخر يقول صاحب شرح الازهار
(5)
: فان كان الحج قد وجب عليه ثم افتقر صح استئجاره لانه فى هذه السنة لم يتضيق عليه وجوبه، لعدم الاستطاعة فى الحال.
وفى شرح الازهار أيضا
(6)
أنه لا يجوز تأخير الحج للمستطيع الا أن يؤخره لجهاد، أو قصاص، أو نكاح، أو دين، وانما وجب تقديم النكاح، لان الاخلال بالواجب أهون من فعل المحظور، وأما الدين فيتضيق بالمطالبة، وكذا المظلمة والجهاد أيضا اذا تعين له، واذا قدمت هذه الامور على الحج فانه يبقى فى الذمة فيلزمه الايصاء به ان سبق الموت.
مذهب الإمامية:
جاء فى المستمسك
(7)
: يشترط فى الحج الاستطاعة الشرعية وهى كما فى
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 66 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار ج 2 ص 286، 287 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 282 الطبعة السابقة.
(4)
ج 2 ص 67، ص 68 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 180 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ص 2 ص 61 الطبعة السابقة.
(7)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى لحكيم ج 10 ص 57 طبع مطبعة النعمان بالنجف الطبعة الثانية سنة 1381 هـ مسألة رقم 1.
جملة من الاخبار: الزاد والراحلة، فمع عدمها لا يجب، وان كان قادرا عليه عقلا بالاكتساب ونحوه.
وهل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصا بصورة الحاجة اليها، لعدم قدرته على المشى، أو كونه مشقة عليه، أو منافيا لشرطه، أو يشترط مطلقا، ولو مع عدم الحاجة اليه؟
مقتضى اطلاق الاخبار والاجماعات المنقولة القول الثانى.
وذهب جماعة من المتأخرين الى الاول مستدلين بجملة من الاخبار المصرحة بالوجوب
(1)
، ان أطاق المشى بعضا أو كلا.
والاقوى هو القول الثانى.
ويشترط فى الاستطاعة
(2)
مضافا الى مؤنة الذهاب والاياب وجود ما يمون به عياله حتى يرجع فمع عدمه لا يكون مستطيعا، والمراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا، وان لم يكن ممن يجب عليه نفقته شرعا على الاقوى، بحيث لا يحتاج الى التكفف
(3)
، ولا يقع فى الشدة
والحرج، ويكفى كونه، قادرا على التكسب اللائق به أو التجارة باعتباره ووجاهته، وان لم يكن له رأس مال يتجر به وذلك لا يفيد فى الاستطاعة البذلية، ولا يبعد عدم اعتباره أيضا فيمن يمضى أمره بالوجوه اللائقة به، كطلبة العلم من السادة وغيرهم، فاذا حصل لهم مقدار مؤنة الذهاب والاياب، ومؤنة عيالهم الى حال الرجوع، وجب عليهم، بل وكذا الفقير الذى عادته وشغله أخذ الوجوه، ولا يقدر على التكسب، اذا حصل له مقدار مؤنة الذهاب والاياب له ولعياله، وكذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج، وبعده، اذا صرف ما حصل له من مقدار مؤنة الذهاب والاياب من دون حرج عليه ولا يشترط وجود أعيان
(4)
ما يحتاج اليه فى نفقة الحج من الزاد والراحلة، ولا وجود أثمانها من النقود، بل يجب عليه بيع ما عنده من الاموال لشرائها، لكن يستثنى من ذلك ما يحتاج اليه فى ضروريات معاشه، فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله، ولا خادمه المحتاج اليه، ولا ثياب تجمله اللائقة بحاله، فضلا عن ثياب مهنته، ولا أثاث بيته من الاوانى، والفراش وغيرهما مما هو محل حاجته بل ولا حلى المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها، بحسب حالها، فى زمانها، ومكانها، ولا كتب العلم لاهله التى
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 58، 59 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 140، ص 141 مسألة رقم 57 ومسألة رقم 58 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 143 الطبعة السابقة.
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 1 ص 71 مسألة رقم 1 الطبعة السابقة.
لا بد منها فيما يجب تحصيله، لان الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية، ولا آلات الصنائع المحتاج اليها فى معاشه، ولا فرس ركوبه مع الحاجة اليه، ولا سلاحه ولا سائر ما يحتاج اليه، لاستلزام التكليف بصرفها فى الحج العسر والحرج ولا يعتبر فيها الحاجة الفعلية
(1)
.
ولو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد فى نفقة الحج وكذا لو استغنى عنها بعد الحاجة كما فى حلى المرأة اذا كبرت عنه ونحوه.
ثم قال ولو كان
(2)
بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه وكان عنده دار مملوكة، فالظاهر وجوب بيع المملوكة اذا كانت وافية لمصارف الحج أو متممة لها، وكذا فى الكتب المحتاج اليها اذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته فيجب بيع المملوكة منها، وكذا الحال فى سائر المستثنيات اذا اندفعت حاجته فيها بغير المملوكة، لصدق الاستطاعة حينئذ، اذا لم يكن ذلك منافيا لشأنه ولم يكن عليه حرج
(3)
.
وقال صاحب شرائع الاسلام
(4)
: والمراد
بالزاد قدر الكفاية من القوت والمشروب ذهابا وعودا، وبالراحلة راحلة مثله، ويجب شراؤها ولو كثر الثمن مع وجوده، وقيل ان زاد عن ثمن المثل لم يجب والاول أصح.
وقد جاء فى المستمسك
(5)
قوله: ولو لم تكن المستثنيات وهى ما يحتاج اليه فى ضروريات معاشه زائدا عن اللائق بحاله بحسب عينها لكن كانت زائدة بحسب القيمة، وأمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة مع كونه لائقا بحاله أيضا.
فهل يجب التبديل للصرف فى نفقة الحج أو لتتميمهما؟ قولان:
الاول صدق الاستطاعة.
والثانى: عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة والاصل عدم وجوب التبديل والاقوى الاول
(6)
اذا لم يكن فيه حرج، أو نقص عليه وكانت الزيادة معتدا بها كما اذا كانت له دار تساوى مائة وأمكن تبديلها بما يساوى خمسين مع كونه لائقا بحاله من غير عسر فانه يعتبر مستطيعا، نعم لو كانت الزيادة قليلة جدا بحيث لا يعتنى بها أمكن دعوى عدم الوجوب وان كان الاحوط التبديل أيضا.
(1)
المرجع السابق 10 ص 72 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 72 مسألة رقم 11 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 73 الطبعة السابقة.
(4)
شرائع الإسلام ج 1 ص 113 الطبعة السابقة.
(5)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 73 مسألة رقم 12 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 10 ص 74 الطبعة السابقة.
واذا لم يكن عنده من الاعيان
(1)
المستثنيات لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها ففى جواز شرائها وترك الحج أشكال، بل الاقوى عدم جوازه، الا أن يكون عدمها موجبا للحرج عليه.
ثم قال ولا فرق فى اشتراط وجود
(2)
الراحلة بين القريب والبعيد، حتى بالنسبة لاهل مكة لاطلاق الادلة.
ولا يشترط
(3)
امكان حمل الزاد معه، بل يكفى امكان تحصيله فى المنازل بقدر الحاجة ومع عدمه فيها يجب حمله مع الامكان.
ثم قال: والمراد
(4)
بالزاد هنا المأكول والمشروب، وسائر ما يحتاج اليه المسافر من الاوعية التى يتوقف عليها حمل المحتاج اليه وجميع ضروريات ذلك السفر بحسب حالة قوة، وضعفا، وزمانة، وحرا، وبردا، وشأنه شرفا، وضعة.
ثم قال أيضا: والمراد بالراحلة ما يركب ولو مثل سفينة فى طريق البحر.
ثم قال
(5)
: واذا لم يكن عنده الزاد ولكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب فى الطريق لاكله وشربه وغيرهما من حوائجه هل يجب عليه أولا؟ الاقوى عدمه وان كان وجوبه أحوط.
وانما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده، وغلاء أسعار ما يحتاج
(6)
اليه، وأجرة المركوب فى تلك السنة لا يوجب السقوط ولا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكنه من القيمة المتعارفة، ولو بأزيد من ثمن المثل ولو كان الضرر مجحفا بماله مضر بحاله لم يجب
(7)
، والا فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة.
ثم قال: ولا يكفى فى وجوب الحج
(8)
وجود نفقة الذهاب فقط، بل يشترط وجود نفقة العود الى وطنه ان أراده وان لم يكن له فيه أهل ولا مسكن للحرج فى التكليف بالاقامة فى غير وطنه المألوف، الا اذا لم يرد العود، أو كان وحيدا لا تعلق له بوطن، لم يعتبر نفقة
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 74 مسألة رقم 13 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 62 مسألة رقم 2 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 63 مسألة رقم 3 الطبعة السابقة.
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 64 مسألة رقم 4 الطبعة السابقة.
(5)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 66 مسألة رقم 5، ومسألة رقم 6 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 10 ص 68 مسألة رقم 8 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 10 ص 69، ص 70 الطبعة السابقة.
(8)
المرجع السابق ج 10 ص 70 مسألة رقم 9 الطبعة السابقة.
العود، لاطلاق الآية، واذا أراد السكن فى بلد آخر غير وطنه لا بد من وجود النفقة اليه، اذا لم يكن أبعد من وطنه والا فالظاهر كفاية مقدار العود الى وطنه.
ثم قال واذا كان عليه خمس
(1)
أو زكاة وكان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة، فيجب صرفه فيهما، ولا يكون مستطيعا، وان كان الحج مستقرا عليه سابقا فقيل بالتخيير أو تقديم حق الناس أو تقديم الاسبق، هذا اذا كان الخمس أو الزكاة فى ذمته، وأما اذا كان فى عين ماله فلا أشكال فى تقديمها على الحج مطلقا كما أنهما يقدمان على ديون الناس أيضا.
ثم قال واذا كان عليه دين
(2)
مؤجل بأجل طويل جدا فالظاهر عدم منعه من الاستطاعة.
وقال فى موضع آخر ويشترط
(3)
فى وجوب الحج بعد حصول الزاد والراحلة بقاء المال الى تمام الاعمال فلو تلف بعد ذلك ولو فى أثناء الطريق كشف عن عدم الاستطاعة، وكذا لو حصل عليه
دين قهرا كما اذا أتلف مال غيره خطأ أما لو أتلفه عمدا فلا يزول استقرار الحج.
ثم قال والظاهر عدم اعتبار
(4)
الملكية فى الزاد والراحلة فلو حصلا بالاباحة اللازمة كفى فى الوجوب لصدق الاستطاعة.
ثم قال فى موضع آخر: ولا يجب
(5)
الاقتراض للحج اذا لم يكن له مال، وان كان قادرا على وفائه بعد ذلك بسهولة لانه تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب، نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه فى الحج فعلا، أو مال حاضر لا راغب فى شرائه أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلاله قبل الاجل، وأمكنه الاستقراض والصرف فى الحج ثم وفاؤه بعد ذلك فالظاهر وجوبه لصدق الاستطاعة حينئذ عرفا، الا اذا لم يكن واثقا بوصول الغائب، أو حصول الدين بعد ذلك، فحينئذ لا يجب الاستقراض، لعدم صدق الاستطاعة فى هذه الصورة.
ثم قال فى موضع آخر: واذا كان له مال غائب بقدر الاستطاعة
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 87 مسألة رقم 19 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 88 مسألة رقم 20 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 98، ص 99 مسألة رقم 28 الطبعة السابقة.
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 100 مسألة رقم 30 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 10 ص 80، 81 مسألة رقم 16 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 10 ص 95 مسألة رقم 24 الطبعة السابقة.
وحده، أو منضما الى ماله الحاضر وتمكن من التصرف فى ذلك المال الغائب، يكون مستطيعا ويجب عليه الحج، وان لم يكن متمكنا من التصرف فيه، ولو بتوكيل، فلا يكون مستطيعا الا بعد التمكن منه، أو الوصول فى يده.
واذا شك
(1)
فى مقدار ماله وأنه وصل الى حد الاستطاعة أولا هل يجب عليه الفحص أولا، وجهان أحوطها ذلك، وكذا اذا علم مقداره وشك فى مقدار مصرف الحج.
ثم قال فى موضع آخر: ولو
(2)
آجر نفسه للخدمة فى طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا، وجب عليه الحج، وكذا لو كان مستطيعا قبل الاجارة، جاز له اجارة نفسه للخدمة فى الطريق، واذا طلب منه اجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعا
(3)
لا يجب عليه القبول، ولا يستقر الحج عليه، وقد يقال بوجوبه اذا لم يكن حرجا عليه لصدق الاستطاعة، ولانه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الاجارة، ويجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير، وان حصلت الاستطاعة بمال
الاجارة قدم الحج النيابى ان بقيت الاستطاعة الى العام القابل وجبت عليه لنفسه والا فلا
(4)
.
واذا لم يكن له زاد
(5)
وراحلة ولكن قيل له حج، وعلى نفقتك ونفقة عيالك وجب عليه، وكذا لو قال حج بهذا المال وكان كافيا له ذهابا وايابا ولعياله، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة، كما تحصل أيضا بملكها من غير فرق أن يبيحها له، أو يملكها اياه، ولا بين أن أن يبذل عينها أو ثمنها
(6)
.
ثم قال فى موضع آخر: ولو كان له بعض النفقة فبذل له الباقى وجب أيضا، ولو بذل له نفقة الذهاب ولم يكن عنده نفقة العود لم يجب، وكذا لو لم يبذل نفقة عياله، الا اذا كان عنده ما يكفيهم الى أن يعود، أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا
(7)
.
ثم قال فى موضع آخر ولا يمنع الدين من الوجوب فى الاستطاعة البذلية، نعم لو كان الدين حالا، وكان الديان
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 88 مسألة رقم 21 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 133 مسألة رقم 53 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 134، 135 وص 136 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 10 ص 136، 137، 138 مسألة رقم 54 ومسألة رقم 55 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 10 ص 106، ص 107 مسألة رقم 34 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 10 ص 108، 109
(7)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 114، 115 الطبعة السابقة.
مطالبا مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج ولو تدريجا ففى كونه مانعا أولا وجهان
(1)
.
ثم قال فى موضع آخر. ويشترط فى وجوب الحج
(2)
الاستطاعة البدنية فلو كان مريضا لا يقدر على الركوب لم يجب، وكذا لو تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مؤنته، وكذا لو احتاج الى خادم ولم يكن عنده مؤنته.
ويشترط أيضا الاستطاعة الزمنية فلو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول الى الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب وحينئذ فان بقيت الاستطاعة الى العام القابل وجب والا فلا.
ثم قال فى موضع آخر: ويشترط لتحقق الاستطاعة ألا يكون فى الطريق مانع لا يمكن معه الوصول الى الميقات أو الى تمام الاعمال، والا لم يجب، وكذا ألا يكون غير مأمون بأن يخاف على نفسه، أو بدنه، أو عرضه، أو ماله، وكان الطريق منحصرا فيه، أو كان جميع الطريق كذلك، ولو انحصر الطريق فى البحر وجب ركوبه الا مع خوف الغرق
(3)
، أو المرض.
ثم قال فى موضع آخر: ولا يشترط وجود المحرم فى حج المرأة اذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها كما دلت عليه جملة من الاخبار، ولا فرق بين كونها ذات بعل أولا، ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم، ولو بالاجرة مع تمكنها منها، ومع عدمه لا تكون مستطيعة
(4)
.
ثم قال فى موضع آخر واذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج ونازعته نفسه الى النكاح، صرح جماعة بوجوب الحج، وتقديمه على التزوج، لتحقق الاستطاعة الواردة فى الآية.
بل قال بعضهم: وان شق عليه ترك التزوج.
والاقوى وفاقا لجماعة أخرى عدم وجوبه، مع كون ترك التزوج حرجا عليه، أو موجبا لحدوث مرض
(5)
، أو للوقوع فى الزنا كما قد جاء فى كتاب الخلاف أيضا مثل ذلك.
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 116 مسألة رقم 35 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 147، 148 مسألة رقم 61 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 148، 149 مسألة رقم 62، 63 الطبعة السابقة.
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 203، 204 مسألة رقم 80 الطبعة السابقة، وشرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 155 الطبعة السابقة والمختصر النافع فى فقه الإمامية لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى ص 100 الطبعة الثانية طبع مطبعة وزارة الأوقاف سنة 1377 هـ.
(5)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 75، 76 مسألة رقم 14 الطبعة السابقة، وكتاب الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر محمد بن الحسن ابن على الطوسى ج 1 ص 412 مسألة رقم 5 الطبعة الثانية طبع مطبعة رنكين بطهران سنة 1377 هـ.
والمرتد
(1)
يجب عليه الحج سواء كانت استطاعته حال اسلامه السابق، أو حال ارتداده، ولا يصح منه حال الردة.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل
(2)
وشرحه: من شروط وجوب الحج الاستطاعة.
وهل هى الزاد والراحلة أو صحة البدن أو مجموع ذلك.
أو هو مع أمان الطريق ومرافقة الاصحاب وهو المأخوذ به عندنا.
وفى قناطر الخيرات
(3)
: الاستطاعة شرط من شروط لزوم الحج وهى نوعان المباشرة وذلك له أسباب. أما فى نفسه فالصحة وأما فى الطريق فبأن تكون مخصبة مأمونة.
ومن لا يجد أمان
(4)
الطريق الا بغرم المال سقط عنه الحج وكذا ان كان يؤخذ عنه بعض ماله قهرا.
وقيل: يلزمه الحج فى الوجهين الا أن كان يؤخذ من ماله حتى يجحف به وهو الظاهر.
أما النوع الثانى من الاستطاعة بالنسبة للمال فقد جاء فى كتاب قناطر الخيرات
(5)
، أن يجد نفقة ذهابه وايابه الى وطنه، وبأن يملك نفقة من تلزمه نفقته فى هذه المدة، وان يملك ما يقضى به ديونه، وأن يقدر على راحلة أو كرائها أو زاملة
(6)
ان استمسك على الزاملة.
وجاء فى كتاب شرح النيل
(7)
ان الزاد والراحلة يكونان من فضلة المال، وهى غير الاصل، وغير أثاث الدار وآلات الصنعة، ويفضل عن مؤنة العيال، بأن يكون الباقى منه لا يحتاج العيال الى بيعه، بل يكتفون بغلته ككراء وثمار، ولا يبيع مسكنه لانه من مؤنة العيال الا مسكنا عظيما يبيعه ويشترى بباقى ثمنه مسكنا يكفيه.
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 193، 194 مسألة رقم 76 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 270 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب قناطر الخيرات لاسماعيل بن موسى ج 2 ص 70 طبع المطبعة البارونية بمصر سنة 1307 هـ.
(4)
شرح النيل ج 2 ص 274 الطبعة السابقة.
(5)
كتاب قناطر الخيرات ج 2 ص 70 وما بعدها الطبعة السابقة.
(6)
الزاملة البعير الذى يحمل عليه الطعام والمتاع وقال ابن سيدة الزاملة الدابة التى يحمل عليها من الابل وغيرها وفى حديث ابن رواحه أنه غزا معه ابن أخيه على زاملة وفى حديث أسماء كانت زمالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمالة أبى بكر واحدة أى مركوبهما واداوتهما وما كان معهما فى السفر. لسان العرب لابن منظور ج 45 ص 310، 311 الطبعة السابقة «مادة زمل» .
(7)
كتاب شرح النيل ج 2 ص 270، 271، 272 الطبعة السابقة.
ومن شدد قال: يبيع المسكن ويكترى لهم مسكنا الى رجوعه بعد الفراغ من الحج، أو يبيع ما يحتاج ويترك لهم ما يبيعونه اذا احتاجوا، ويكفيهم ثمنه وان شاء باع وترك لهم الثمن.
قال صاحب كتاب شرح النيل وهو الصحيح عندى.
وقيل يبيع الاصل ولو كله، ويترك من ثمنه مؤنة العيال الى رجوعه ان كان ما يتركه بلا بيع لا تكفيهم غلته، واذا كان ماله يكفى عياله ذهابا وايابا ورجوعا وزادا وراحلة، ولكنه اذا رجع لم يرجع الى شئ، بل يسأل الناس، لم يجب عليه الحج.
والصحيح وجوب الحج عليه لوجود تمكنه من الحج ولا يعتبر المال مانعا بعد وصوله أهله فان الله أولى بذلك.
ثم قال صاحب كتاب شرح النيل فى موضع آخر
(1)
: وان كان يترك أولاده فى الصدقة فقد قيل يجب عليه الحج.
وقال فى موضع آخر: ان ذا الصنعة التى توصله من بلد الى بلد آخر يجب
عليه الحج، والصحيح أنه لا يلزمه الا ان جمع منها ما يبلغه.
والاعمى يلزمه الحج اذا استطاعه ووجد من يقوده أو يقود دابته ولو بأجرة يقوم بها ماله، وقيل لا يلزمه
(2)
.
والنساء كالرجال فى فرض الحج فمن استطاعت لزمها الحج.
ويزيد فى الاستطاعة
(3)
بالنسبة للمرأة أن تحج مع زوج أو محرم، فان منعها زوجها أو أبوها، وكانت مستطيعة ولما مات لم تستطع، لم يلزمها الحج، وان لم تجد زوجا أو محرما فمع ثقات يمنعونها من الضرر كمنعهم لانفسهم، وقد قال فى التاج لا تخرج الا مع ولى، وان لم تحج قط ولم تجد وليا يخرج بها فقد أجازوا لها أن تحج الفرض مع ثقات معهم نساء وان لم يطاوعها الزوج ولا المحرم ولا الثقات سقط عنها الحج، وقيل يلزمها الايصاء به، وان قوى مالها على أن تستأجر زوجها أو محرما أو ثقات على أن يسافروا بها وجب عليها الحج.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 274 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 274 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب شرح النيل ج 23 ص 275 الطبعة السابقة.
الاستطاعة فى النكاح
ذهب الفقهاء
(1)
فى النكاح مذاهب:
فمنهم من قال بفرضيته فى حال التوقان، وبأنه يكون سنة حال الاعتدال، أو أن الاصل فيه الندب للقادر عليه.
كما ذهبوا الى أن القدرة عليه تكون بالقدرة على الوط ء والمهر والنفقة.
واستدل الفقهاء لذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة
فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فانه له وجاء، وفسرت الباءة بالقدرة على تكاليف النكاح، أى من استطاع منكم تزوج لقدرته على مؤن النكاح، فليتزوج ومن لم يستطع، لعجزه عنها فعليه بالصوم.
وذلك الرأى أولى لان الذى لا يقدر على الوط ء لعدم شهوته لا يحتاج الى الصوم لدفعها.
ولقد كان فى حاشية ابن عابدين أنه يندب الاستدانة له.
ويكون حينئذ معنى القدرة على المهر والنفقة ملك كل من المهر والنفقة ولو بالاستدانة اذا كانت له جهة وفاء أو مع ظنه القدرة على الوفاء والتفصيل يرجع اليه فى مصطلح «نكاح» .
الاستطاعة فى الجهاد
جاء فى كتاب بدائع الصنائع للكاسانى:
لا يفرض أى الجهاد الا على القادر عليه، فمن لا قدرة له لاجهاد عليه لان الجهاد بذل الجهد وهو الوسع والطاقة بالقتال أو المبالغة فى عمل القتال، ومن لا وسع له كيف يبذل الوسع والعمل، فلا يفرض على الاعمى والاعرج والزمن والمقعد والشيخ الهرم والمريض والضعيف والذى لا يجد ما ينفق منه
(1)
للحنفية الفتاوى الأنقروية المسماه بالفتاوى العالمكرية للامام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندى وبهامشه فتاوى فاضيخان ج 1 ص 270 وما بعدها باب النكاح الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1310 هـ وللمالكية حاشية الشيخ حجازى العدوى على شرح مجموع الأمير ج 1 ص 417 وما بعدها طبع سنة 1701 هـ وللشافعية حاشية الشيخ سليمان البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 3 ص 321 وما بعدها طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1745 هـ وللحنابلة المحرر فى الفقه للشيخ الامام مجد الدين أبى البركات ومعه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين بن تيمية تأليف شمس الدين بن مفلح الحنبلى المقدسى ج 2 ص 13 وما بعدها طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1319 هـ وللظاهرية المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 440 وما بعدها مسألة 1815 الطبعة السابقة وللزيدية كتاب الروض النضير شرح مجموعة الفقه الكبير ج 1 ص 2 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1319 هـ وللامامية تهذيب الأحكام فى شرح المقنعة لأبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى ج 7 ص 240 وما بعدها الطبعة الثانية طبع مطبعة النعمان بالنجف سنة 1139 هـ وللإباضية كتاب شرح النيل ج 3 ص 2 وما بعدها الطبعة السابقة.
(1)
: وقال سبحانه وتعالى «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(2)
(3)
فقد عذر الله جل شأنه هؤلاء بالتخلف عن الجهاد ورفع الحرج عنهم، ولا جهاد على الصبى والمرأة، لان بنيتهما لا تتحمل الحرب عادة، وهذا اذا لم تكن الحرب هجومية من العدو، ودفاعية منا، والا فيجب على كل مسلم ومسلمة أن يجاهد كل بحسب استطاعته بالنفر أو بالمال أو بغيرها
(4)
والتفصيل فى ذلك يرجع اليه فى مصطلح «جهاد» .
الاستطاعة فى الكفارات
رتب الفقهاء فى بعض الكفارات ما يلزم الاتيان به على من تجب عليه الكفارة
على أساس القدرة والاستطاعة مستندين فى ذلك الى قول الله عز وجل فى كفارة الظهار «وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
(5)
. {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ}
(6)
متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم»، ومستندين الى حديث خويلة امرأة أوس بن الصامت حين ظاهر منها فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم: يعتق رقبة قالت - يعنى امرأته - لا يجد، قال النبى صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين
(1)
- المجتهد ونهاية المقتصد لأبى الوليد محمد بن احمد بن رشد القرطبى الاندلسى ج 1 ص 207 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1329 هـ وللشافعية اعانة الطالبين للسيد أبى بكر المشهور بالسيد البكرى ابن العارف بالله السيد محمد شطا الدمياطى وبها حاشية فتح المعين عليه للعلامة زين الدين ج 4 ص 194 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1300 هـ وللحنابلة هداية الراغب لشرح عمدة الطالب لعثمان أحمد النجدى الحنبلى ج 1 ص 300 وما بعدها وللظاهرية المحلى ج 7 ص 291 وما بعدها الطبعة السابقة وللزيدية كتاب البحر الزخار ج 5 ص 371 وما بعدها الطبعة السابقة وللإمامية الروضة البهية ج 1 ص 211 وما بعدها الطبعة السابقة وللإباضية شرح النيل ج 10 ص 394 وما بعدها الطبعة السابقة.
(1)
الاية رقم 17 من سورة الفتح.
(2)
الاية رقم 91 من سورة التوبة.
(3)
الاية رقم 92 من السورة نفسها.
(4)
للحنفية كتاب بدائع الصنائع ج 7 ص 97 وما بعدها الطبعة السابقة. وللمالكية بداية
(5)
الاية رقم 3 من سورة المجادلة.
(6)
الاية رقم 4 من السورة نفسها.
قالت شيخ كبير ما به من صيام قال عليه الصلاة والسلام فليطعم ستين مسكينا وكذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ جاءه رجل فقال يا رسول الله قال النبى صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قال: وقعت على امرأتى وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟، قال: لا، قال:
فهل تجد اطعام ستين مسكينا، قال: لا، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتى بعرق فيه تمر فقال
(1)
أين السائل؟ فقال: أنا قال صلى الله عليه وسلم: خذ هذا فتصدق به، فقال: أعلى أفقر منا يا رسول الله فما بين لابتيها أهل بيت أحوج اليه منا فضحك النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال: اذهب فاطعمه أهلك، والحديث ظاهر فى الترتيب فلم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالانتقال الا عند العجز وعدم الاستطاعة
(2)
وتفصيل المذاهب والاحكام فيها ينظر فى مصطلح «كفارة» .
الاستطاعة فى العقود
اذا كان المتعاقد لا يستطيع النطق لانه أخرس فيصح عند الحنفية
(3)
أن يتم التعاقد بينهما بالاشارة المعهودة
(6)
- طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1355 هـ وللمالكية شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل للعلامة الشيخ محمد عليش وبهامشه حاشيته المسماة تسهيل منح الجليل ج 1 ص 320 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى العامرة سنة 1291 هـ وللشافعية المجموع شرح المهذب لأبى زكريا النووى مع فتح العزيز شرح الوجيز للرافعى ج 6 ص 332 وما بعدها طبع مطبعة التضامن الأخوى وللحنابلة كتاب مجموعة فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية ج 2 ص 79 طبع مطبعة كريستيان العلمية بمصر سنة 1326 هـ وللظاهرية المحلى ج 6 ص 193 مسألة رقم 739، ص 185، 186 مسألة رقم 737، المحلى ج 8 ص 69، 70 مسألة رقم 1178، 1180، 1181، والمحلى ج 10 ص 57، 59 مسألة رقم 1898 الطبعة السابقة وللزيدية التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأحمد بن قاسم العنسى الصنعانى ج 2 ص 249 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى بمصر الطبعة السابقة سنة 1366 هـ وللامامية الاستبصار فيما اختلف من الاخبار لأبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى ج 3 ص 57 وما بعدها الطبعة الثانية طبع مطبعة دار الكتب الاسلامية بالنجف سنة 1371 هـ وللإباضية كتاب شرح النيل ج 2 ص 182 وما بعدها الطبعة السابقة.
(1)
العرق محركة وتسكن كل مصطف والسفينة المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منه الزنبيل لو الزنبيل نفسه، ترتيب القاموس المحيط ج 3 ص 37 مادة عرق الطبعة السابقة.
(2)
للحنفية الهداية شرح بداية المبتدى لأبى الحسن المرغينانى ج 2 ص 56 وما بعدها
(3)
للحنفية الأشباه والنظائر لابن نجيم ج 2 ص 199 وما بعدها الطبعة السابقة، وبدائع الصنائع ج 5 ص 135 وما بعدها الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 10 الطبعة السابقة، وللمالكية مواهب الجليل ج 4 ص 229 الطبعة السابقة وللشافعية المهذب ج 1 ص 257 الطبعة السابقة، وللحنابلة كشاف القناع ج 2 ص 173 الطبعة السابقة، والاقناع ج 2 ص 76 الطبعة السابقة وللامامية الروضة البهية ج 1 ص 275 الطبعة السابقة وللإباضية كتاب شرح النيل ج 2 ص 119 الطبعة السابقة.
التى اعتاد الناس فهمها منه على تعبيره عن هذه الارادة لانها أداة تفهيم بالنسبة له، هذا اذا ولد أخرس
أما اذا اطرأ عليه الخرس فلا تعتبر اشارته فى التعاقد فى غير التافه من الامور الا اذا دام الخرس حتى وقع اليأس من كلامه.
أما بالنسبة لمن يستطيع التلفظ.
فالحنفية والشافعية على أن العقد لا ينعقد بالاشارة فى غير التافه لانها مهما قويت دلالتها فهى لا تفيد اليقين الذى ينتج من التلفظ أو الكتابة، ولان دلالة التصريح أقوى من الدلالة الضمنية كما هو متفق عليه.
ومع هذا فان الحنفية قد اعتدوا بها فى بعض المواضع.
والمالكية يعتبرون الاشارة أداة للتعاقد حتى بالنسبة لغير الاخرس ما دامت مفهومة بين الناس ومتعارفا بينهم على مدلولها.
كما جاء مثل هذا عند الحنابلة أيضا.
وعند الزيدية يصح البيع والشراء من المصمت وهو الذى اعتقل لسانه عن الكلام ويصحان من الاخرس والتفصيل يرجع اليه فى مصطلحات «عقد، بيع، أخرس.
الاستطاعة فى الشهادات
أداء الشهادة فرض على كل من علمها
(1)
الا أن يكون عليه حرج فى ذلك لبعد مشقة أو لتضييع مال أو لضعف لقول الله تبارك وتعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا}
(1)
للحنفية كتاب اتحاف الابصار والبصائر بتبويب كتاب الأشباه والنظائر ج 1 ص 239 الطبعة السابقة، وكتاب لسان الحكام فى معرفة الأحكام للشيخ الامام أبى الوليد ابراهيم بن أبى اليمن محمد بن أبى الفضل الحنفى ج 1 ص 36 طبع مطبعة البرهان بالاسكندرية سنة 1299 هـ وللمالكية بلغة السالك لاقرب المسالك للدردير ج 2 ص 338 الطبعة السابقة وللشافعية المهذب ج 2 ص 304 باب تحمل الشهادة وأدائها الطبعة السابقة وللحنابلة كشاف القناع ج 4 ص 242، 252 الطبعة السابقة والاقناع ج 4 ص 436 الطبعة السابقة وللظاهرية المحلى لابن حزم ج 9 ص 429 مسألة 1798 الطبعة السابقة وللزيدية التاج المذهب ج 4 ص 69 الطبعة السابقة وللامامية من لا يحضره الفقيه لأبى جعفر الصدوق محمد بن على بن الحسين القمى ج 3 ص 31 الطبعة الرابعة طبع دار الكتب الاسلامية مطبعة النجف سنة 1378 هـ وللإباضية متن كتاب النيل وشفاء العليل ج 2 ص 290 طبع المطبعة البارونية بمصر سنة 1305 هـ.
(1)
.
وقد اشترط الفقهاء الكلام للشهادة فلا تقبل شهادة أخرس ولو فهمت اشارته على خلاف بين الفقهاء وتفصيل ذلك فى مصطلح «شهادة» .
استعارة
تعريفها لغة:
الاستعارة طلب العارية - واستعاره منه طلب اعارته
(2)
.
تعريفها شرعا:
لا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة استعارة عن هذا المعنى.
ولبيان أركانها وحكمها وما تجرى فيه وكل ما يتصل بها من فروع كثيرة أنظر مصطلح «اعارة وعارية» .
استعانة
تعريف الاستعانة فى اللغة
فى لسان العرب: استعنت بفلان فأعاننى وعاوننى. وفى الدعاء «رب أعنى ولا تعن على» قال الليث كل شئ أعانك فهو عون لك كالصوم عون على العبادة.
وفى المصباح المنير: العون الظهير على الامر والجمع أعوان واستعان به فأعانه وقد يتعدى بنفسه فيقال استعانة، والاسم المعونة، الى أن قال «وتعاون القوم واعتونوا أعان بعضهم بعضا
(3)
.
تعريفها عند الفقهاء:
لم يستعمل الفقهاء هذا اللفظ فى غير معناه اللغوى.
بيان الاستعانة بغير المسلم فى القتال
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية جواز الاستعانة به عند الحاجة.
وهل يستعان بالكافر؟: عندنا اذا دعت الحاجة جاز. واذا استعين بالذمى
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
(2)
القاموس المحيط ج 2 ص 96 مادة «عور» .
(3)
لسان العرب والمصباح المنير مادة عون
فى القتال لا يسهم له وانما يرضخ له فقط بحيث لا يبلغ مقدار السهم
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: وحرم علينا استعانة بمشرك فان خرج من تلقاء نفسه، لم يمنع على المعتمد، الا لخدمة منه لنا، كنوتى، أو خياط، أو لهدم حصن، أو حفر بئر ونحوه
(2)
.
مذهب الشافعية:
وأجاز الشافعية الاستعانة بهم بالشروط الآتية:
الاول: أمن خيانتهم وشرهم.
الثانى: أن يكونوا بحيث لو انضموا الى الاعداء أمكن المسلمين مقاومتهم جميعا.
الثالث - وقد زاده الماوردى - أن يكون اعتقادهم مخالفا لاعتقاد العدو
(3)
.
مذهب الحنابلة:
تحرم الاستعانة بالكفار الا لضرورة.
لحديث عائشة أن النبى صلّى الله عليه
وسلم خرج الى بدر، فتبعه رجل من المشركين، فقال له: تؤمن بالله ورسوله، قال: لا، قال: فارجع، فلن استعين بمشرك، متفق عليه.
ولحديث الزهرى أن النبى صلى الله عليه وسلم استعان بناس من المشركين فى حربه، رواه سعيد، وروى أيضا أن صفوان بن أمية شهد حنينا مع النبى صلى الله عليه وسلم وبهذا حصل التوفيق بين الادلة
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى
(5)
:
لا يحضر مغازى المسلمين كافر، ونقل عن داود أنه لا يستعان بهم، ولا يسهم لهم، ولا يرضخ لهم، كما نقل عن الشعبى قوله: أدركت الائمة الفقية منهم وغير الفقية يغزون بأهل الذمة فيقسمون لهم، ويضعون عنهم من جزيتهم.
مذهب الزيدية:
يجوز للامام الاستعانة بالكفار على جهاد البغاة من المسلمين، ولا خلاف بين الاصحاب عندهم فى أنه انما يجوز له ذلك اذا كان معه جماعة مسلمة يمكنه
(1)
فتح القدير ج 4 ص 327 طبع المطبعة الكبرى الأميرية.
(2)
من كتاب حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لمحمد الدسوقى ج 2 ص 178 ومن كتاب التاج والاكليل مطبوع بهامش مواهب الجليل ج 3 ص 352 مطبعة السعادة.
(3)
مغنى المحتاج ج 4 ص 204، 205.
(4)
من كتاب كشاف القناع ج 1 ص 663 طبعة أولى.
(5)
ج 7 ص 333، 334 المطبعة المنيرية.
أن يستقل بهم فى امضاء الاحكام الشرعية على المخالفين لامره وهو الصحيح
(1)
مذهب الإمامية:
جاء فى بعض كتبهم أنه يجوز الاستعانة بالكفار عند الضرورة
(2)
.
ويرى بعضهم ان الاصل الجوار.
ففى كتاب الخلاف للطوسى
(3)
: أنه يجوز للامام أن يستعين بأهل الذمة على قتال أهل البغى، لانهم كفار، واذا كانوا كفارا فلا خلاف أنه يجوز أن يستعين بأهل الذمة عليهم، ولان الاصل جواز ذلك والمنع يحتاج الى دليل.
مذهب الإباضية
(4)
:
لا يجوز عندهم الاستعانة بالكافر المشرك ولو على المشرك، كما ورد عن عائشة رضى الله عنها: خرج النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض غزواته فقام اليه رجلان من المشركين فسألاه أن يستعين بهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أنا لا أستعين على عملنا بمشرك، فأسلما، فاستعان بهما صلى الله عليه وسلم.
أما الكافر غير المشرك من موافق للعدو، أو مخالف له، فتجوز الاستعانة به ان كانت أيدى المسلمين فوقه.
وقيل: ليس للمسلمين ولا للامام أن يخرجوا بقوم معروفين بالظلم والقعود أولى به.
الاستعانة بالمال فى القتال
الاستعانة بأهل البغى وعليهم
مذهب الحنفية:
يجوز الاستعانة على أهل البغى من الخوارج وغيرهم، بأهل حرب، أو ذمة، أو أهل بغى آخرين.
فقد جاء فى فتح القدير
(5)
: - ولا بأس بأن يستعين أهل العدل بالبغاة والذميين على الخوارج اذا كان حكم أهل العدل هو الظاهر، لانهم يقاتلون لاعزاز الدين.
والاستعانة عليهم بقوم منهم أو من أهل الذمة كالاستعانة عليهم بالكلاب لانه دفع الضرر الاعلى وهو الضر المتوقع لعامة المسلمين بالضرر الادنى وهو اضرار بعضهم.
(1)
شرح الأزهار ومتنه ج 4 ص 532، 534.
(2)
كتاب وسائل الشيعة ج 11 ص 84، 85.
(3)
ج 2 ص 429.
(4)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 7 ص 428 المطبعة السلفية.
(5)
ج 4 ص 416 المطبعة الاميرية.
ويقاتلون بما يقاتل به أهل الحرب، لأن قتالهم لدفع شرهم، وكسر شوكتهم، فيقاتلون بكل ما يحصل به ذلك
(1)
.
مذهب المالكية:
لا يجوز الاستعانة على قتال البغاة بالكافر، ويمنع الكافر من الخروج لقتالهم مع المسلمين طائعا، ولم يصرحوا - فى الكتب المتداولة - بحكم الاستعانة بالبغاة على قتال طائفة أخرى باغية.
ويؤخذ من كلامهم أنه يصح الاستعانة بالبغاة على قتال الكفار.
ثم أنهم قد صرحوا: بأنه يجوز الاستعانة بأموالهم على قتالهم عند الحاجة، على أن ترد اليهم بعد الانتهاء من قتالهم والتغلب عليهم. كما يرد اليهم غير ما يستعان به من أموالهم، لانهم مسلمون: فلم يزل المال عن ملكهم
(2)
.
مذهب الشافعية:
لا يستعان على البغاة فى قتال بكافر، ذمى أو غيره، لانه يحرم تسليط
الكافر على المسلم الا لضرورة كما نقله الاذرعى وغيره عن المتولى.
ويجوز الاستعانة بالبغاة فى قتال مشركين أو أهل بغى آخرين
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال فى المغنى والشرح الكبير لا يستعان فى حرب البغاة بكافر، ولا بمن يرى قتلهم مدبرين.
وقال ان القصد كفهم وردهم الى الطاعة لا قتلهم، وهؤلاء يقصدون قتلهم، فان دعت الحاجة الى استعانة بهم فان كان يقدر على كفهم عن فعل ما لا يجوز استعان بهم، وان لم يقدر لم يجز.
وفى جواز الاستعانة بأموالهم على قتالهم وجهان.
أحدهما: لا يجوز لانه لا يحل أخذ مالهم لكونه معصوما بالاسلام، وانما أبيح قتالهم لردهم الى الطاعة، فيبقى المال على العصمة كمال قاطع الطريق الا أن تدعو ضرورة فيجوز، كما يجوز أكل مال الغير فى المخمصة.
والوجه الثانى: يجوز قياسا على أسلحة الكفار
(4)
.
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى مطبعة الجمالية ج 7 ص 141.
(2)
ينظر: حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 2 ص 365 طبعة الحسينية، وشرح ابن شاس على مختصر خليل بهامش شرح الحطاب ج 6 ص 277، وحاشية العدوى على شرح الخرشى ج 5 ص 302 طبعة الشرفية.
(3)
ج 4 ص 118، 119 من كتاب مغنى المحتاج.
(4)
المغنى لابن قدامة ج 10 ص 57.
مذهب الظاهرية:
يؤخذ مما قاله ابن حزم فى المحلى
(1)
.
أنه لا يستعان على البغاة بأهل الحرب وبأهل الذمة، وبأمثالهم من أهل البغى اذا كان فى أهل العدل منعة وقوة تمكنهم من التغلب عليهم.
أما ان أشرف أهل العدل على التهلكة واضطروا الى الاستعانة بالغير ولم تكن لهم حيلة فلا بأس بأن يلجئوا الى أهل الحرب، وأن يمتنعوا بأهل الذمة اذا أيقنوا أنهم فى استنصارهم لا يؤذون مسلما، ولا ذميا، فى دم، أو مال، أو حرمة مما لا يحل.
مذهب الزيدية:
يجوز للامام الاستعانة بالكفار والفساق على جهاد البغاة من المسلمين اذا كان معه جماعة من المسلمين. اختلف فى قدرهم، فقيل: لا بد أن يكونوا قدرا يكفى لقتال الخصوم لو انفردوا، وقيل:
بل يكونون قدرا يكفى لقمع المستعان بهم اذا حاولوا التعدى، وقيل بل يكونون قدرا يستعان بهم فى الرأى وتصحيحه، وقيل بل يكونون قدرا يمكنه أن يستقل بهم فى امضاء الاحكام الشرعية على المخالفين لامره من أهل السيرة، وهذا هو الصحيح
(2)
.
مذهب الإمامية:
يجوز للامام أن يستعين بأهل الذمة على قتال أهل البغى، لانهم كفار، واذا كانوا كفارا فلا خلاف أنه يجوز أن يستعان بأهل الذمة عليهم
(3)
.
مذهب الإباضية:
لا يستعان بالكافر على قتال البغاة، ولا يستعان كذلك بأهل البغى عليهم.
وقيل يجوز الاستعانة عليهم بأهل البغى
(4)
.
الاستعانة بالغير فى بعض العبادات
مذهب الحنفية:
يرى أبو حنيفة ان المكلف لا يعتبر قادرا بقدرة غيره لان الانسان انما يعد قادرا اذا كان بحالة تمكنه من الفعل اذا أراد وهذا لا يتحقق بقدرة غيره.
ويرى الصاحبان ان الانسان يعد قادرا بالاستعانة بغيره، لان قدرته بغيره كقدرته بنفسه.
وعلى هذا فمن لا يجد من يوضئه، ولا يقدر بنفسه، تيمم، فان وجد خادما له أو ما يستأجر به أجيرا أو وجد من لو استعان به أعانه. المذهب لا يتيمم
(1)
ج 11 ص 113 مسألة رقم 2158.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 532 مطبعة حجازى.
(3)
كتاب الخلاف للطوسى ج 2 ص 429.
(4)
شرح النيل ج 7 ص 428، 444.
وتجب عليه الاستعانة فى الوضوء فى ظاهر المذهب وهو رأى الصاحبين.
أما المصلى الذى يعجز عن القيام ووجد من يعينه عليه جاز له أن يصلى قاعدا اذ يخاف عليه زيادة المرض من القيام الى الصلاة، وليس الامر كذلك بالنسبة للوضوء
(1)
.
مذهب المالكية:
ان عجز عن القيام فى الصلاة فأحب أن يصلى متوكئا على عصى ان قدر.
قال ابن رشد: لانه لما سقط عنه القيام وجاز له أن يصلى جالسا صار قيامه نافلة، فجاز أن يعتمد فيه كما يعتمد فى النافلة
(2)
.
مذهب الشافعية:
الاستعانة لغير عذر فى الوضوء بصب الماء قيل: خلاف الاولى، وقيل:
مكروهة. وفى غسل الاعضاء مكروه، وفى احضار الماء لا بأس به.
اما اذا كان ذلك كله لعذر كمرض، فلا تكون خلاف الاولى، ولا مكروهة، دفعا للمشقة، بل قد تجب الاستعانة
حينئذ اذا لم يمكنه التطهر الا بها ولو ببذل أجرة مثلا
(3)
:
مذهب الحنابلة:
قال فى المغنى أنه لا بأس بالمعاونة على الوضوء، لغير عذر، لما روى المغيرة ابن شعبة أنه أفرغ على النبى صلى الله عليه وسلم فى وضوئه، رواه مسلم
(4)
.
وأنه ان قدر على القيام - بأن يتكئ على عصا، أو يستند الى حائط، أو يعتمد على أحد جانبيه، لزمه، لانه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه كما لو قدر بغير هذه الاشياء
(5)
.
مذهب الظاهرية
.
يستعان بالدباغة على تطهير جلد الميتة ولو أنها جلد خنزير أو كلب
(6)
.
ومن صب على مغتسل ونوى ذلك المغتسل الغسل أجزأه
(7)
.
مذهب الإمامية:
اذا أمكنه القيام فى الصلاة مستقلا وجب، والا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام.
(1)
فتح القدير ج 1 ص 85 الطبعة الكبرى.
(2)
كتاب التاج والاكليل لمختصر خليل ج 2 ص 3 مطبعة السعادة.
(3)
مغنى المحتاج ج 1 ص 63.
(4)
المغنى والشرح الكبير ج 1 ص 132.
(5)
المرجع السابق ج ص 82.
(6)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 1 ص 118.
(7)
المرجع السابق ج 2 ص 25.
وروى جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة.
ولو قدر على القيام فى بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته، والا صلى قاعدا
(1)
.
استغفار
معنى الاستغفار لغة
طلب المغفرة. والمغفرة اسم من الغفر والغفران: أى التغطية والستر.
تعريفه شرعا:
لم يخرج الاستغفار فى استعماله على لسان الفقاء عن هذا المعنى.
مم يكون الاستغفار
يكون من كل معصية أو ذنب ارتكبه المكلف لقصد التوبة منه، كما يكون لترك أمر مطلوب منه قد عجز عن أدائه.
ما أثر فى الاستغفار عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورد فى ذلك آثار كثيرة منها ما رواه على بن أبى طالب كرم الله وجهه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا قام الى المكتوبة كبر، وقال: وجهت وجهى
للذى فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم انت الملك لا اله الا أنت أنت ربى وأنا عبدك ظلمت نفسى واعترفت بذنبى فاغفر لى ذنوبى جميعا انه لا يغفر الذنوب الا أنت، واهدنى لاحسن الاخلاق لا يهدينى لاحسنها الا أنت، واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها الا أنت، لبيك وسعديك والخير كله فى يديك والشر ليس اليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب اليك.
غير أن فى حديث على بن أبى طالب كرم الله وجهه وأنا أول المسلمين، فان النبى صلى الله عليه وسلم كان أول المسلمين وغيره لا يقول الا ما ذكرناه.
«حكم الاستغفار»
لا خلاف فى مشروعية الاستغفار وأنه واجب عند التوبة من المعاصى وأنه مطلوب فى الصلاة وعقب كل صلاة وفى غير ذلك من الاوقات.
استغلال
التعريف لغة
الاستغلال مصدر فعله استغل.
وأصل الفعل (غل يغل) فالالف والسين
(1)
كتاب وسائل الشيعة ج 2 ص 52.
والتاء زائدة للطلب واستغل عبده أى كلفه أن يغل عليه واستغلال المستغلات:
أخذ غلتها. وأغلت الضيعة أعطت الغلة فهى مغلة: اذا أتت بشئ وأصلها باق
(1)
.
وجاء فى تاج العروس «الغلة» ، الدخل من كراء دار، وأجر غلام، وفائدة أرض من ريعها أو كرائها، والغلة واحدة الغلات.
وفى الحديث: الغلة بالضمان والغلة:
الدخل الذى يحصل من الزرع والثمر واللبن، والاجارة والنتاج ونحو ذلك وجمع الغلة غلال بالكسر
(2)
.
استعمالها فى لسان الفقهاء:
جاء استعمالها بمعنى: الغلة، كما ورد ذلك فى البدائع، واستعمالها للدلالة على كل ما تخرجه الارض: من أشجار.
واستعمالها بمعنى: الكراء والانتفاع بالسكنى وزراعة الارض.
واستعمالها بمعنى: الخدمة والاجرة والكسب.
وجاء استعمالها كذلك فى الدراهم والدنانير: تغلها الاعيان
(3)
.
الاستغلال المشروع وغير المشروع
ينقسم الاستغلال الى: استغلال مشروع، وهو: ما أجازه الشارع ولم يترتب على فعله اضرار بالغير.
والى استغلال غير مشروع، وهو:
ما ورد دليل شرعى بمنعه.
أما الاول وهو الاستغلال المشروع فيتنوع تبعا لتنوع طرائقه.
فمنه استغلال بطريق المرابحة.
واستغلال بطريق المزارعة،.
وثالث بطريق المساقاة.
وآخر بطريق المضاربة.
الى غير ذلك من وسائل الاستغلال المشروعة.
ولكل طريق من هذه أحكامه نذكر شيئا منها توضيحا وينظر الباقى فى بابه.
أولا: استغلال المال بطريق المرابحة:
مذهب الحنفية:
الحنفية على أن المرابحة تصح طريقا من طرق الاستغلال المشروع وهى نقل ما ملكه بالعقد الاول بالثمن الاول مع زيادة ربح، وهم يوجبون على من يبيع بالمرابحة أن يصونها عن الخيانة وعن سبب الخيانة والتهمة، وذلك انما يكون ببيان ما يجب بيانه.
(1)
انظر لسان العرب ج 46 ص 504 طبعة بيروت.
(2)
راجع تاج العروس للامام محمد مرتضى الزبيدى المجلد الثامن ص 49، 50 الناشر دار ليبيا للنشر والتوزيع بنغازى.
(3)
انظر البدائع ج 1 ص 33، 392.
الى 113 الطبعة السابقة.
فاذا حدث بالسلعة عيب، فأراد أن يبيعها مرابحة، فان حدث هذا العيب بآفة سماوية، فله أن يبيعها مرابحة بجميع الثمن من غير بيان، وان حدث بفعله أو بفعل أجنبى فيجب بيانه.
ولو حدث من المبيع زيادة كالولد والثمرة والصوف واللبن لم يصح البيع مرابحة حتى يبين، لان الزيادة المتولدة من المبيع مبيعة عنها.
وكذا يجب البيان اذا كان قد اشتراه نسيئة لان الانسان فى العادة يشترى الشئ بالنسيئة بأكثر مما يشترى بالنقد، فاذا أطلق الاخبار بالشراء فانما يفهم السامع منه الشراء بالنقد، فكان من هذا الوجه كالمخبر بأكثر مما اشترى به وذلك جناية فى بيع المرابحة
(1)
(وفى المرابحة تفصيل واسع فليرجع اليه من شاء فى بحث مرابحة).
مذهب المالكية:
والمالكية يجيزون المرابحة فى العموم باعتبارها طريقا من طرق الاستغلال، وهى: بيع مرتب ثمنه على ثمن بيع تقدمه غير لازم مساواته له
(2)
ويجب على كل من يبيع مرابحة أن يبين ما يكرهه المبتاع من أمر السلعة المشتراة وتقل به
رغبته فى الشراء، فان قامت قرينة على أن المبتاع لا يكرهه لم يجب بيانه وان كرهه غيره
(3)
.
واذا كذب البائع على المشترى فى بيع المرابحة بأن زاد فى ثمن السلعة على ما هو فى الواقع سواء كان عمدا أو غير عمد - كما اذا اشتراها بثمانية مثلا، وأخبر أنه اشتراها بعشرة، وباعها مرابحة باثنى عشر، والسلعة قائمة، فان حط البائع ما كذب به عليه وربحه، فانه يلزمه البيع، وان لم يحط عنه، فان المشترى يخير بين أن يرد السلعة ويأخذ ثمنه، أو يأخذها بجميع الثمن الذى وقع البيع به.
بخلاف الغش فانه لا يلزم المشترى البيع، وان حط بائعه عنه ما غشه به كما اذا اشتراها بثمانية مثلا ويرقم عليها عشرة، ثم يبيعها مرابحة على الثمانية ليوهم المشترى أنه غلط على نفسه فهو غش وخديعة والمشترى فى حالة الغش مع قيام السلعة يخير بين أن يتمسك بها بجميع الثمن أو يردها ويرجع بثمنه
(4)
.
مذهب الشافعية:
يصح بيع المرابحة من غير كراهة لعموم الادلة فى ذلك، فللمشترى أن يضم
(1)
انظر فتح القدير ج 5 ص 252 وبدائع الصنائع ج 5 ص 223 وما بعدها والمبسوط للسرخسى ج 13 ص 78 وما بعدها.
(2)
حاشية الدسوقى ج 3 ص 160.
(3)
انظر شرح الخرشى ج 5 ص 176 الطبعة الثانية.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 179 نفس الطبعة.
الى الثمن شيئا ويبيعه مرابحة، كأن يقول اشتريت بمائة وبعتك بمائتين.
ويجوز أن يكون الربح من غير جنس الثمن
(1)
.
ويجب على المتبايعين أن يعلما ثمن المبيع فى نحو بعت بما اشتريت، فلو جهله أحدهما لم يصح البيع على الصحيح لجهالة الثمن، وليصدق البائع وجوبا فى قدر الثمن الذى استقر عليه العقد أو ما قام به المبيع عليه فيما اذا أخبر بذلك فى بيع المرابحة، لانه بيع مبنى على الامانة لاعتماد المشترى نظر البائع ورضاه لنفسه ما رضيه البائع مع زيادة أو حط
(2)
، فلو ابتاع الرجل من الرجل ثوبا مرابحة وباعه ثم وجد أن البائع الاول الذى باعه مرابحة قد خانه فى الثمن، فقد قيل: يحط عنه الخيانة بحصتها من الربح ويرجع عليه به وان كان الثوب قائما لم يكن له أن يرده
(3)
.
مذهب الحنابلة:
بيع المرابحة جائز، لا خلاف فى صحته، فاذا باعه السلعة مرابحة مثل أن يخبره أن ثمنها مائة ويربح عشرة، ثم علم المشترى ببينة أو اقرار أن ثمنها تسعون
فالبيع صحيح، لانه زيادة فى الثمن فلم يمنع الصحة كالعيب، وللمشترى أن يرجع على البائع بما زاد فى الثمن.
وهو عشرة، وحط نصيبها من الربح، وهو درهم، فيبقى على المشترى تسعة وتسعون درهما
(4)
.
ومن أراد البيع مرابحة والسلعة بحالها أخبر بثمنها.
وان تغيرت فاما أن يكون التغير بزيادة، فاما أن تزيد لنمائها كالسمن وتعلم صنعة، أو يحدث منها نماء منفصل كالولد والثمرة والكسب، فهذا اذا أراد بيعها مرابحة أخبر بالثمن من غير زيادة لانه الذى ابتاعها به وان أخذ النماء المنفصل أو استخدم الامة أو وطئ الثيب أخبر برأس المال ولم يجب تبيين الحال، وروى ابن المنذر عن أحمد أنه يبين ذلك كله.
واما أن يكون التغير بعمل يعمله فيها مثل أن يقصرها أو يرفعها أو يخيطها أو ينقلها فمتى أراد بيعها مرابحة أخبر بالحال على وجهه سواء عمله بنفسه أو استأجر من يعمله
(5)
.
(1)
مغنى المحتاج ج 2 ص 74.
(2)
مغنى المحتاج ج 2 ص 75.
(3)
انظر الأم للامام الشافعى ج 3 ص 83 الطبعة الاولى.
(4)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 4 ص 102 وما بعدها.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 106، 107.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يحل البيع على أن تربحنى للدينار درهما ولا على أنى أربح معك فيه كذا وكذا درهما، فان وقع فهو مفسوخ أبدا، فلو تعاقدا البيع دون هذا الشرط، لكن أخبره البائع بأنه اشترى السلعة بكذا وكذا وأنه لا يربح معه فيها الا كذا وكذا، فقد وقع البيع صحيحا، فان وجده قد كذب فيما قال، لم يضر ذلك البيع شيئا، ولا رجوع له بشئ أصلا، الا من عيب فيه أو غبن ظاهر، كسائر البيوع، والكاذب آثم فى كذبه فقط
(1)
.
مذهب الزيدية:
المرابحة جائزة، وهى نقل المبيع بالثمن الاول وزيادة ولو من غير جنسه، أو نقل بعض المبيع بحصته وزيادة بلفظها ولفظ البيع، وذلك كأن تقول: رابحتك هذا برأس مالى وهو كذا وزيادة كذا، ولفظ البيع بعت منك هذا برأس مالى، وهو كذا، وزيادة كذا
(2)
.
ومن أراد أن يبيع شيئا مرابحة فعليه أن يبين للمشترى وجوبا تعيب المبيع اذا كان قد حدث به عيب، سواء كان العيب من فعله، أو من فعل غيره، وأن يبين نقصه الذى حدث عنده، وان يبين
رخص الثمن اذا كان يوم الشراء غاليا، وقد صار رخيصا الآن
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى وسائل الشيعة: أن أبا عبد الله لم يقبل ربح ماله الذى ربحه له مولاه مصارف، لانه باع ما معه من متاع لقافلة خارجة من مصر بعد أن تحالفوا وتعاقدوا على أن لا ينقصوا متاعهم من ربح الدينار دينارا، فقال أبو عبد الله لمولاه: سبحان الله، تحلفون على قوم مسلمين أن لا تبيعوهم الا بربح الدينار دينارا، لا حاجة لنا فى هذا الربح
(4)
.
مذهب الإباضية:
يجوز الاستغلال بطريق بيع المرابحة وذلك بأن يبيع الشخص الشئ بما اشتراه به مع زيادة قدر مخصوص عليه بعلم المشترى الثانى بذلك لاعلام البائع له ودخوله على رسم ذلك
(5)
.
ولا يؤثر فى ذلك مخالفة الربح لرأس المال على ما جاء فى شرح النيل
(6)
ولا يجوز بيع المرابحة الا فيما له ثمن معلوم
(7)
.
(1)
انظر المحلى لابن حزم ج 9 ص 14.
(2)
راجع شرح الأزهار ج 3 ص 159.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 161، 162.
(4)
وسائل الشيعة ج 6 ص 311، 312.
(5)
شرح النيل ج 4 ص 583.
(6)
المرجع السابق ج 4 ص 586.
(7)
المرجع السابق ج 4 ص 586.
وما أخذ من غلة أو من حيوان كلبن، أو ما يخرج من اللبن، أو الصوف، أو ما أخذ بكراء الحيوان، أو ما انتفع به من خدمة كاستخدام العبد والدابة والآلة والمسكن، يجب أن يخبر به من يريد شراءه مرابحة، ما لم يذهب عين ما ذكر من الغلة، وان أذهبها لم يلزمه اخباره
(1)
.
ثانيا: استغلال الارض بطريق المزارعة
مذهب الحنفية:
المزارعة هى العقد على زراعة الارض ببعض الخارج منها بشرائطه الموضوعة له شرعا
(2)
وهى غير مشروعة عند أبى حنيفة، لانها لا تعدو ان تكون استئجارا ببعض الخارج، وهو منهى عنه.
وهى عند الصاحبين مشروعة بشرائطها، لان المزارعة كالاجارة، فان كلا منهما تمليك المنفعة بعوض، ولان البذر ان كان من رب الارض فان العامل يملك منفعة نفسه من رب الارض بعوض، وهو نماء بذره، وان كان البذر من قبل العامل فرب الارض يملك منفعة أرضه من العامل بعوض وهو نماء بذره فكانت المزارعة استئجارا اما للعامل واما للارض
(3)
(انظر تفصيل ذلك فى مصطلح مزارعة).
مذهب المالكية:
المزارعة: شركة فى الحرث «الزرع» .
والاستغلال بطريقها من فروض الكفاية فيجب على الامام أن يجبر الناس عليها وما فى معناها من غرس وشجر
(4)
.
والمزارعة لا تلزم بمجرد عقدها فلكل فسخها ان لم يجعل البذر فى الارض فان بذر لزمت
(5)
.
وانما تصح المزارعة طريقا للاستغلال بشروطها المقررة لها (أنظر مزارعة)
(6)
.
مذهب الشافعية:
فرق الشافعية بين ما يسمى مزارعة وما يسمى مخابرة.
فالمخابرة عندهم: المعاملة على الارض ببعض ما يخرج منها، والبذر من العامل.
والمزارعة هى المعاملة على الارض ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 590.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 175.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 177.
(4)
شرح منح الجليل ج 3 ص 338 على مختصر العلامة خليل للشيخ محمد عليش وبهامشه حاشية تسهيل منح الجليل طبع المطبعة الكبرى العامرة سنة 1364 هـ.
(5)
المرجع السابق ج 3 ص 339 الطبعة السابقة.
(6)
شرح الجليل ج 3 ص 341 الطبعة السابقة.
وكلاهما غير صحيح عندهم
(1)
، الا أن تكون أرض قليلة بين نخيل كثير، ولا يمكن سقى الارض الا بسقيه، فتصح المزارعة حينئذ على الارض، بشرط اتحاد العامل، وعسر افراد النخيل بالسقى
(2)
تبعا للمساقاة.
(أنظر مصطلح مزارعة ومخابرة).
مذهب الحنابلة:
المزارعة عندهم هى: دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه، أو دفع حب مزروع ينمى بالعمل لمن يعمل ويقوم عليه، بجزء شائع معلوم من الحاصل.
وهى جائزة عندهم على تفصيل مبين فى موضعه
(3)
(ينظر مصطلح مزارعة).
مذهب الظاهرية:
أما الظاهرية فيجيزون المزارعة طريقا للاستغلال على أن يكون البذر والنفقة كلها على العامل، ولا يجوز أن يشترط شئ من ذلك على صاحب الارض، لان كل ذلك
شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو
(4)
باطل. (ينظر مصطلح مزارعة).
مذهب الزيدية:
والزيدية لا يجيزون الاستغلال بطريق المزارعة، وذلك لانهم يرون أن المزارعة بنصيب من غلة الارض المزارع فيها أو من غلة أرض أخرى فاسدة اجماعا، لجهالة الاجرة، اذ لا يقطع بحصول الغلة، ولأن ذلك مثل بيع المعدوم
(5)
.
مذهب الإمامية:
والإمامية يجيزون المزارعة طريقا من طرق الاستغلال.
فقد ذكر صاحب مفتاح الكرامة أن من زرع أرضا على ثلث أو ربع وبلغت الغلة جاز لصاحب الارض أن يخرص عليه العلة، ثمرة كانت أو غيرها، فان رضى الزارع بما خرص أخذها وكان عليه حصة لصاحب الارض، سواء نقص الخرص أو زاد، وكان له الباقى، فان هلكت الغلة بعد الخرص بآفة سماوية لم يكن عليه للمزارع شئ
(6)
.
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى وبهامشه حاشية المغربى ج 5 ص 245 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 245 والمهذب للشيرازى ج 1 ص 393، 394 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 2 ص 275 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 217 الطبعة الأولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.
(5)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 4 ص 64، 66 الطبعة الاولى طبع مطبعة الخانجى بمصر سنة 1352 هـ.
(6)
مفتاح الكرامة للحسين العاملى ج 7 ص 334 طبع مطبعة الشورى بالفجالة سنة 1326 هـ.
مذهب الإباضية:
هى المشاركة فى الزرع وهى جائزة عندهم على تفصيل مبين فى موضعه
(1)
(ينظر مصطلح مزارعة).
استغلال الاشجار بطريق المساقاة
مذهب الحنفية:
المساقاة وتسمى المعاملة هى:
العقد على العمل ببعض الخارج مع سائر شرائط الجواز، واختلف علماء الحنفية فى جوازها.
فقال أبو حنيفة: انها غير مشروعة لانها استئجار ببعض الخارج، ومثل ذلك منهى عنه.
وقال أبو يوسف ومحمد انها مشروعة، لما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على ذلك
(2)
.
(ولصحتها شروط يرجع اليها فى مصطلح مساقاة).
مذهب المالكية:
والمالكية يجيزون المساقاة وسيلة للاستغلال بشروطها المخصوصة.
فقد ذكر الخرشى أن المساقاة جائزة، لان النبى صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على ذلك، وكذلك لداعية الضرورة الى مثله.
فهى تجوز بتحديد جزء للعامل سواء كان قليلا أو كثيرا ويشترط فيه أن يكون شائعا فى جميع الحائط (البستان) وأن يكون معلوما
(3)
.
ويلزم عامل المساقاة من يوم عقد المساقاة أن ينفق ويكسو على من كان فى الحائط قبل عقدها وبعد عقدها سواء كان لرب الحائط أو للعامل
(4)
.
مذهب الشافعية:
الشافعية يجيزون أن يستغل صاحب الشجر أشجاره بطريق المساقاة، فيعامل غيره عليها، ليتعهدها بالسقى والتربية، على أن الثمرة لهما، لمعاملة النبى صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وللحاجة اليها، لان مالك الاشجار قد لا يحسن تعهدها أو لا يتفرغ له، ومن يحسن ذلك ويتفرغ له قد لا يملك الاشجار فيحتاج ذلك الى الاستعمال ويحتاج هذا الى العمل
(5)
.
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 5 ص 45 طبع المطبعة السلفية بمصر سنة 1343 هـ.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 186 طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر طبع سنة 1327 هـ.
(3)
شرح الخرشى وعلى هامشه حاشية العدوى ج 6 ص 227 الطبعة الثانية.
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 229 الطبعة السابقة.
(5)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 2 ص 298، 299.
مذهب الحنابلة:
وأجازها الحنابلة كذلك لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عليهم فى مدة خلافتهم، وقد اشتهر ذلك فلم ينكره منكر.
فكان اجماعا
(1)
، وللحاجة اليها كذلك
(2)
.
مذهب الظاهرية
(3)
:
أجاز الظاهرية المساقاة واعتبروها من طرق الاستغلال لفعل النبى صلى الله عليه وسلم، وكل ما يلزم لها من أجير وعبد وساقية وقادوس وحبل ودلو وعمل ونحو ذلك هو على العامل لشرط رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر أن يعملوها من أموالهم، فلو تطوع صاحب الاصل بكل ذلك أو ببعضه فهو حسن لقول الله تعالى {(وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)}
(4)
.
مذهب الزيدية:
المساقاة الصحيحة عندهم هى: أن يستأجر شخصا لاصلاح الغرس وتنقيته وسقيه مدة معلومة بأجرة معلومة ولو جزءا
من الارض أو الشجر أو منهما مشاعا أو معينا أو جزءا من الثمر ان قد بدا صلاحه
(5)
.
مذهب الإمامية:
والإمامية كذلك يبيحون الاستغلال بطريق المساقاة.
فقد روى صاحب كتاب وسائل الشيعة أن أبا عبد الله قال لا بأس بأن يعطى الرجل رجلا آخر أرضه وفيها ماء ونخل أو فاكهة، ويقول له: اسق هذا من الماء وأعمره ولك نصف ما أخرج الله عز وجل منه.
ثم ذكر أنه يشترط فى المساقاة أن يكون النماء مشاعا بينهما
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: المساقاة هى: أن يدفع الرجل شجرة لمن يخدمها، وتكون غلتها بينهما وهى جائزة لفعل النبى صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر فى النخل وهى جائزة فى النخل وفى جميع الاشجار الا البقول
(7)
.
(1)
المغنى مع الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 5 ص 554 الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 561 المطبعة السابقة.
(3)
المحلى ج 8 ص 229، 232 الطبعة السابقة.
(4)
الاية رقم 237 من سورة البقرة.
(5)
البحر الزخار 4 ص 68، 69 الطبعة السابقة شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار.
فى فقه الائمة الاطهار ج 2 ص 318 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ
(6)
وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة لمحمد بن الحسن الحر العاملى ج 13 ص 201، 202 طبع فى المطبعة الاسلامية بطهران.
(7)
شرح النيل ج 5 ص 45 الطبعة السابقة.
(انظر فيما تقدم فى هذا البحث:
مصطلح (مساقاة).
رابعا: استغلال المال بطريق المضاربة
مذهب الحنفية:
المضاربة هى شركة فى الربح بمال من جانب وعمل من جانب، فلو شرط كل الربح لاحدهما لا يكون مضاربة، ويجوز التفاوت فى الربح
(1)
.
وهى وسيلة جائزة لاستغلال المال لقوله صلى الله عليه وسلم ابتغوا فى أموال اليتامى خيرا كيلا تأكلها الصدقة، يعنى النفقة، وهى أنفع لليتيم، لما يحصل له من بعض الربح، وربما لا يتفرغ الوصى لذلك فيحتاج الى أن يدفعه مضاربة الى غيره، واذا جاز منه هذا التصرف مع نفسه فمع غيره أولى، ولهذا كان رأس المال أمانة فى يد المضارب، لانه قبضه بأذنه ليتصرف فيه
(2)
، وللمضاربة شروط وأحكام تطلب فى مصطلح (مضاربة).
مذهب المالكية:
وأجازها المالكية من غير خلاف لتكون من وسائل استغلال المال.
فعرفها ابن عرفة بأنها تمكين مال لمن يتجر به بجزء من ربحه لا بلفظ اجارة
(3)
.
ولا يجوز أن يكون رأس المال عرضا على أن يرد مثله عند المفاصلة. ولا على أن رأس المال قيمته الآن أو عند المفاصلة ولا على أن يبيعه ويكون ثمنه رأس المال
(4)
.
مذهب الشافعية:
المضاربة عند الشافعية تسمى بالقراض، وهى: أن يدفع المالك الى العامل مالا ليتجر العامل فيه والربح مشترك بينهما.
وهى جائزة للحاجة اليها ولانه صلى الله عليه وسلم ضارب لخديجة بمالها الى الشام
(5)
، ولا يجوز للمالك أن يشترط على العامل شراء متاع معين كهذه الحنطة أو هذا الثوب، أو يشترط عليه معاملة شخص بعينه لان المتاع المعين قد لا يربح، والنادر قد لا يجده، والشخص المعين قد لا يعامله، وقد لا يجد عنده ما يظن أن فيه ربحا
(6)
. ولها شروط عندهم مبينة «ينظر مصطلح:
قراض أو مضاربة».
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 7 ص 287 طبع المطبعة العلمية بمصر.
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 22 ص 19، 20 الطبعة الأولى.
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر ابى الضياء خليل ج 5 ص 356 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 360 الطبعة السابقة.
(5)
مغنى المحتاج ج 2 ص 287 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 288 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
ذكر ابن قدامة أن المضاربة هى: أن يدفع رجل ماله الى آخر يتجر له فيه على أن ما حصل من الربح بينهما على حسب ما يشترطانه.
وهى جائزة بالاجماع
(1)
فلو قال خذ هذا المال مضاربة ولم يسم للعامل شيئا من الربح فالربح كله لرب المال وللعامل أجر مثله، ومقتضى كون الشئ مضاربة أن العامل لا بد من أن يستحق جزءا من الربح، فاذا كان مجهولا لم تصح المضاربة بالمال كما لو قال: ولك جزء (غير معين) من الربح، أما لو قال:
والربح بيننا، فان المضاربة تصح، ويكون الربح بينهما نصفين، لانه اضافه اليهما اضافة واحدة لم يترجح فيها أحدهما على الآخر فاقتضى التسوية
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم الظاهرى أنهم كانوا فى الجاهلية يعطون المال مضاربة لمن يتجر به بجزء مسمى من الربح فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فى الاسلام وعمل به المسلمون عملا متيقنا لا خلاف فيه، ويكون بالدنانير والدراهم ولا يجوز بغير ذلك الا بأن يعطيه العرض فيأمره ببيعه بثمن محدود،
وبأن يأخذ الثمن فيعمل به قراضا، ولا يحل للعامل أن يأكل من المال شيئا ولا أن يلبس منه شيئا لا فى سفر ولا فى حضر
(3)
.
مذهب الزيدية:
الزيدية يجيزون استغلال المال بطريق المضاربة على ما جاء فى شرح الازهار.
فيجوز فى سبائك الذهب والفضة اذا كان يتعامل بها فى التجارات
(4)
، واذا أطلقت المضاربة للعامل ولم يذكر فيها حجر ولا تفويض جاز له فى مطلقها كل تصرف الا الخلط والمضاربة والقرض والسفتجة
(5)
(وهى: أن يعطى مالا لآخر له مال فى بلد المعطى فيوفيه اياه هنا، ليستفيد أمن الطريق
(6)
.
والمؤن التى يحتاج اليها فى المضاربة من كراء وعلف بهيمة وأجرة دلال وغيرها يكون من الربح، واذا لم يكن هناك ربح كانت من رأس المال
(7)
.
وعلى العامل ما جرت به العادة من مثله من بيع وشراء وطى ونشر وحمل ما خف فان استأجر على ذلك فمن ماله الا ما يشق
(8)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 5 ص 134 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 142، 143.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 247 و 248.
(4)
شرح الازهار ج 3 ص 327، 328.
(5)
ينظر القاموس «مادة سفتج» .
(6)
شرح الأزهار ج 3 ص 332 الطبعة السابقة.
(7)
شرح الأزهار ج 3 ص 333 الطبعة السابقة.
(8)
البحر الزخار ج 4 ص 83، 84 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
جاء فى وسائل الشيعة أن المضاربة جائزة والعامل مقيد بأمر صاحب المال ونهيه فاذا أعطى ماله مضاربة ونهى العامل عن أن يخرج به فخرج ضمن المال والربح بينهما
(1)
.
واذا كانت المضاربة فى مال يتيم فان كان ربح فلليتيم، وان كان وضيعة فالذى أعطى ضامن
(2)
.
مذهب الإباضية:
والإباضية يجيزون المضاربة وسيلة من وسائل استغلال المال لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث فيهن البركة البيع الى أجل والمقارضة وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع واعتبروها تجارة من التجارات تقوم على أعطاء نقد معلوم لا غش فيه على جزء معلوم من الربح، فلو أن صاحب المال ضارب رجلا على ربح نصف أو ثلث أو غير ذلك، أو على ربح مائة منه - أى من المال - لا بتعيين جاز
(3)
. (ينظر فيما تقدم فى هذا البحث، مصطلح (قراض أو مضاربة).
حكم استغلال الرقيق
مذهب الحنفية:
يختلف حكم استغلال الرقيق تبعا لوضعه.
فقد ذكر صاحب بدائع الصنائع أنه لا يجوز للسيد أن يستغل العبد المكاتب باجارة أو نحوه، ولا أن يأخذ الكسب من يده، لان الاجارة تمليك المنفعة ومنفعة المكاتب له ولا يجوز استخدامه واستغلاله لان ذلك تصرف فى المنفعة والمنافع له
(4)
.
أما العبد غير المكاتب فيجوز للسيد أن يستخدمه ويستكسبه وتكون الغلة والمكسب للمولى
(5)
اذا كان غير مأذون بالتجارة، فان كان مأذونا بها فلحقه دين تعلق الدين برقبته وبكسبه
(6)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن حق استغلال الرقيق انما يثبت للسيد ما دام فى ملكه، فان خرج من ملكه بأن أعتقه لم يعد له الحق فى ذلك
(7)
.
(1)
وسائل الشيعة ج 6 ص 181 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 189، 190 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل ج 5 ص 201 الى 207 الطبعة السابقة.
(4)
بدائع الصنائع ج 4 ص 150 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 150 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 7 ص 200 الطبعة السابقة.
(7)
المدونة الكبرى رواية الامام سحنون عن الامام عبد الرحمن بن القاسم عن الامام مالك ج 2 ص 393، 394 الطبعة الأولى - مطبعة السعادة بمصر سنة 1321.
وهذا هو حكم استغلال الرقيق فى سائر المذاهب.
استغلال الاعيان المملوكة
يجوز استغلال الاعيان المملوكة باجارتها اجارة صحيحة مستوفية لشروطها، لا فرق فى ذلك من المملوك بطريق الهبة، أو الارث، أو الشراء، أو بأى سبب من أسباب الملك، كما يجوز اجارة العين المستأجرة بطريق الاجارة أيضا على تفصيل فى المذاهب يرجع اليه فى مصطلح (اجارة).
استغلال الاعيان الموقوفة
يجوز فى جميع المذاهب استغلال الاعيان الموقوفة والمحبسة بطريق الاجارة أو بغيرها مع مراعاة ما يجب مراعاته من شروط فى ذلك ويرجع فى تعرف أحكام ذلك وتفصيلها فى جميع المذاهب الى مصطلح وقف.
استغلال الموصى به
اذا كان الموصى به عينا وصارت ملكا للموصى له كان له حق استغلالها كاستغلال العين المملوكة له.
أما اذا كان الموصى به منفعة من منافع الاعيان التى للموصى، فقد تكون الوصية بالانتفاع، وقد تكون بالاستغلال، وعلى وفق ما عينه الموصى يكون انتفاع الموصى له على تفصيل فى المذاهب يرجع اليه فى مصطلح (وصية).
الاستغلال غير المشروع
1 - الاستغلال بطريق الربا:
أما الاستغلال غير المشروع فهو الاستغلال الذى يعتمد على طريق يمنعه الشرع مثل الربا، وهو طريق حرم الاستغلال بواسطته بقوله تعالى {(أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)}
(1)
وقول النبى صلى الله عليه وسلم (الحنطة بالحنطة مثلا بمثل، يدا بيد والفضل ربا).
ولا خلاف بين أئمة المذاهب فى تحريم الاستغلال بطريق الربا
(2)
.
وانما الخلاف بينهم فى تفصيل أحكامه، وتبيين ما به يتحقق الربا المحرم وما لا يتحقق. وهذا كله يرجع اليه فى مصطلح (ربا).
(1)
الاية رقم 275 من سورة البقرة.
(2)
انظر بدائع الصنائع ج 6 ص 193 وما بعدها - الطبعة السابقة وشرح الخرشى ج 5 ص 56 وما بعدها الطبعة السابقة ومغنى المحتاج ج 2 ص 21 وما بعدها الطبعة السابقة والمغنى مع الشرح الكبير ج 4 ص 122 وما بعدها الطبعة السابقة والمحلى ج 8 ص 459 وما بعدها الطبعة السابقة وشرح الأزهار ج 3 ص 69 الطبعة السابقة ووسائل الشيعة ج 6 ص 367 وما بعدها الطبعة السابقة.
حكم استغلال اللقطة
مذهب الحنفية:
اللقطة هى مال يوجد ولا يعرف له مالك وليس بمباح.
وهى أمانة فى يد الملتقط اذا أخذها بنية تعريفها وردها الى مالكها.
وليس له أن يستغلها الا للانفاق عليها دفعا للهلاك عنها، فان استغلها بعد ذلك كان متعديا والغلة لربها
(1)
.
مذهب المالكية:
ذكر الخرشى أن اللقطة يجب تعريفها سنة، فاذا عرفها الملتقط سنة ولم يأت ربها فهو مخير بين أمور ثلاثة.
اما أن يحبسها الى أن يأتى ربها.
وان شاء تصدق بها عن ربها.
وان شاء تملكها، ويدخل فيه ما اذا تصدق بها عن نفسه
(2)
.
واذا حبسها الى أن يأتى ربها فان كانت بقرة أو نحوها كالخيل جاز لمن التقطها أن يكريها لاجل علوفتها والنفقة عليها، كراء مضمونا مأمونا خفيفا لا يخشى عليها منه.
وانما جاز له الكراء مع أن ربها لم يوكله فيه لان البقرة ونحوها لا بد لها من النفقة عليها فكان ذلك أصلح لربها
(3)
.
وللملتقط ما تغله اللقطة من لبن وسمن نظير علفها فان زاد على علفها.
فقيل: هو له أيضا.
وقيل: يكون الزائد لقطة معها.
أما الصوف والشعر والوبر والكراء لغير الانفاق عليها فهو لربها
(4)
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أن اللقطة تعد أمانة فى يد ملتقطها اذا لم يلتقطها بقصد الخيانة، وعليه تعريفها فاذا عرفها سنة ولم يظهر صاحبها كان له أن يتملكها فيستغلها، أما قبل هذا التعريف فليس له أن يستغلها لنفسه وله أن يبقيها عنده وديعة، واذا أنفقها فظهر مالكها وجب عليه رد بدلها اليه
(5)
.
(1)
البحر الرائق ج 5 ص 161 وما بعدها الطبعة الأولى.
(2)
الخرشى ج 7 ص 125 الطبعة السابقة
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 127.
(4)
الشرح الكبير ج 4 ص 123 الطبعة السابقة.
(5)
البجرمى على المنهج على شرح منهج الطلاب ج 3 ص 221، 222 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1345 هـ.
مذهب الحنابلة:
اللقطة اسم لما يلتقط من مال ضائع أو ما فى معناه كالمتروك قصدا من مالكه، يلتقطه غير ربه.
وهى أنواع يرجع بيانها الى مصطلج لقطة.
وللملتقط أن يتملكها حال التقاطها فى بعض أحوالها.
وله أن يحفظها عنده لتعريفها قصد لردها الى ربها.
واذا لم يتملكها عدت أمانة فى يده فلا يجوز له استغلالها لنفسه، فاذا استغلها لنفسه كان ضامنا، وكانت غلتها لضامنها
(1)
.
مذهب الظاهرية:
والظاهرية على أن للملتقط أن ينتفع بما تغله لقطة الحيوان من لبن لما روى عن سفيان الثورى عن أبى اسحاق السبيعى عن امرأته قال: جاءت امرأة الى عائشة أم المؤمنين فقالت: انى وجدت شاة فقالت: اعلفى واحلبى وعرفى، ثم عادت اليها ثلاث مرات فقالت: تريدين أن آمرك بذبحها؟ وروى عن زيد بن جبير أنه سمع ابن عمر يقول لرجل سأله عن ضالة وجدها فقال له ابن عمر:
أصلح اليها وانشد قال: فهل على أن شربت من لبنها؟ قال: ما أرى عليك فى ذلك
(2)
.
مذهب الإمامية:
بالنظر الى كل حيوان ضائع، يستحب أخذه عند ظن تلفه. وينفق الواجد عليه أن لم ينفق السلطان عليه من بيت المال، والاشبه أن يرجع على المالك بما أنفق، واذا كان له نفع كالظهر واللبن ونحوه، كان للملتقط ذلك بازاء ما أنفق، والاوجه: التقاص، أما غير الحيوان، فيعد أمانة فى يد ملتقطه
(3)
مذهب الإباضية:
ذكر صاحب شرح النيل أن الملتقط اذا قام برعى اللقطة أو سقيها أو أنفق عليها مالا فى علفها أو شربها أو رعيها أو مداواتها أو على جزها أو على حفظها أو ربطها جاز له أن يشرب لبنها وأن يأكل خارجا منها فى الاظهر. ولو كان ذلك أكثر مما أنفق
(4)
.
حكم استغلال المغصوب
استغلال المغصوب يتحقق بوسيلة من وسائل استغلاله كاجارته وزراعته
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 421 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المحلى ج 8 ص 272 الطبعة السابقة.
(3)
المختصر النافع فى فقه الإمامية لابى القاسم نجم الدين بن جعفر بن الحسن الحلى ص 263، 264 الطبعة الثانية طبع وزارة الاوقاف سنة 1378 هـ.
(4)
شرح النيل ج 6 ص 160 الطبعة السابقة.
والاتجار به ومزارعته والمساقاة فيه ولا تصلح هذه الوسائل فى كل ما يغصب من الاموال كما أنه ليس كل مال قابلا للغصب، يراجع باب الغصب فى المذاهب
مذهب الحنفية:
قد يكون المغصوب نقودا وقد يكون عروضا منقولة وقد يكون عقارا عند الصاحبين خلافا لابى حنيفة اذ لا يرى تحقق الغصب فى العقار.
فان كان نقودا، فاستغلالها يكون بالتجارة، وبالشركة، وبالقراض.
وهى فى يد الغاصب مضمونة، يجب على الغاصب ردها الى مالكها، مادامت قائمة، ولم يمنع من ردها اليه مانع، ويرجع فى بيان ما سبق الى مصطلح (غصب).
فاذا لم يردها واستغلها بالتجارة، أو بالشركة عليها، أو بالقراض، كان فى ذلك متعديا، لعدم ولايته على ذلك، وما يأتيه من ثمرات عن هذا الطريق فهو له لا لصاحب النقود، اذ أن الغاصب بتصرفه فى النقود المغصوبة على هذا الوضع قد أخرجها من ملك مالكها، وصارت ملكا له نتيجة ضمانه والتزامه بأداء مثلها الى صاحبها، وعلى ذلك كانت منافعها للغاصب، غير أنها لا تصير له طيبة عند أبى حنيفة ومحمد، وعليه أن يتصدق بها، ويرى أبو يوسف أن هذه الغلة تكون طيبة بذلك للغاصب
(1)
.
وان كان المغصوب عروضا منقولة فاستغلاله يكون باجارته، أو بالتجارة فيه، لا بالشركة عليها، ولا بالقراض، ويرجع فى عدم استغلالها بالشركة أو بالقراض الى مصطلح شركة وقراض.
ولما كانت الاجرة فى الاجارة بدلا عن المنافع، فحكمها حكم المبدل عنه، وهى المنافع، والمنافع عند استيفائها تكون ملكا لمن باشر استيفاءها، لان الغاصب اذا أجر المغصوب كانت اجارته غير مستوجبة أجرا لعدم ولايته فى تأجير المغصوب، ولان المستأجر يعد غاصبا ضامنا لاستيلائه على مال لغيره وانتفاعه به بغير اذنه، سواء أعلم بغصب مؤجره أم لم يعلم وعلى ذلك تكون المنافع له ولا يلزم بأجر للغاصب عوضا عنها كما لا يضمنها لمالك المغصوب لان المنافع عند الحنفية غير مضمونة وارجع فى ذلك الى مصطلح (غصب واجارة وشركة وقراض).
وان كان المغصوب عقارا فرأى أبى حنيفة أن الغصب لا يتحقق فى العقار خلافا لصاحبيه.
(1)
بدائع الصنائع ج 7 ص 154 الطبعة السابقة.
واستغلاله يكون باجارته أو بزراعته أو بالمزارعة عليه.
ولعدم ضمان المنافع عند الحنفية باتفاق تكون المنافع لمن باشر الانتفاع بالعقار، الا اذا أجاز صاحب العقار العقد، فان المنافع تكون له.
أما فى الزراعة فالزرع لمالك البذر، لانه نماء ملكه، وكذلك الحكم فى المزارعة ويرجع الى مصطلح (اجارة ومزارعة).
ويستثنى من عدم ضمان المنافع أن يكون المغصوب وقفا أو مال يتيم أو معدا للاستغلال فتكون المنافع مضمونة مستحقة لمالك العين
(1)
.
ويلاحظ فيما تقدم أن تصرف الغاصب يعد تصرفا بلا ولاية وحكمه أنه موقوف على اذن من المالك فاذا اذن به نفذ وكانت له فوائده، كالحكم فى تصرف الفضولى.
وما تقدم هو أيضا حكم استغلال المغصوب اذا استغله من انتقل المغصوب الى يده من غاصب آخذ أو مشتر أو متهب أو موصى له من الغاصب أو وارث له.
مذهب المالكية:
يتحقق الغصب فى كل مال متقوم مملوك عقارا كان أم منقولا.
ويفرقون بين ما اذا عمد الغاصب الى أخذ ذات المال الذى استولى عليه فيسمونه غصبا.
وبين أن يكون قد قصد الى غصب منافع ذلك المال بنية الانتفاع دون قصد الى أخذ ذات المال اغتصابا فيسمونه اعتداء.
ففى الحالة الثانية يكون ضامنا لمنافع ما استولى عليه سواء عطله أو انتفع به أو أجره فيلزم بأجر مثله فى مدة اغتصابه.
وعلى ذلك اذا استغل ما استولى عليه بأى نوع من أنواع الاستغلال كان متعديا وكانت الغلة للمالك، لانه اذا لزمه بدل الغلة فى المدة بلا استغلال، فأولى أن تلزمه عند ما يستغل بوسيلة من وسائل الاستغلال.
ومقتضى ذلك انه اذا زرع الارض المستولى عليها، كان الزرع لمالك البذر، وعلى الغاصب أجر مثل الارض فى المدة لان الزرع نماء البذر فهو لمالكه.
وفى الحالة الاولى وهى: ما اذا عمد الى غصب الذات.
ففى غصب العقار والدور والرباع والاراضى يكون ضامنا لمنفعة ذلك اذا استغله بزرع أو اجارة أو انتفع بسكناه، فيلزم باجر مثل المدة التى توسطت
(1)
ابن عابدين ج 5 ص 135 الطبعة السابقة.
بين الاستيلاء، وبين رد المغصوب الى مالكه.
وفى الحيوان يكون ضامنا لما لم ينشأ عن استعماله من منافع، كالولد والثمرة والصوف والجبن والزبد، ولا عبرة بما يحتاجه الزبد والجبن من عمل لان هذه المنافع تعد كالجزء من المغصوب فيضمنها كما يضمن المغصوب.
أما ما ينشأ عن استعماله كاجارة الدابة وركوبها، فلا يضمنها الغاصب بل تكون له لانها ثمرة عمله، وفى غير ذلك من الاشياء المغصوبة لا ضمان على الغاصب فى منافعها.
وعلى ذلك اذا استغلها بالاجارة أو الاستعمال كانت الغلة له، وذلك كما اذا أجر الثوب الذى غصبه أو لبسه، ذلك لان منافع المغصوب فى هذه الحال لو كانت للمالك لضمنها الغاصب نتيجة استيلائه على ما ليس لغيره من مال
(1)
.
وذهب أشهب الى أن حكم ضمان الغلة فى حال الغصب، هو حكم الشئ المغصوب ذاته، فيضمنها الغاصب بقيمتها يوم الغصب على قول.
أو بأكبر قيمه بلغتها فى المدة بين يوم الغصب ويوم رد الشئ المغصوب الى مالكه، على قول آخر
(2)
.
واذا استغل المغصوب غير الغاصب، كغاصب آخر، أو مشتر، أو متهب، أو موصى له من الغاصب، أو وارث له، فان كان يعلم بالغصب فحكمه أيضا ما تقدم، وان كان لا يعلم بالغصب ففيه تفصيل (انظر غصب).
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أن منافع المغصوب مضمونة وان الغاصب ملزم بتعويض المالك عن منافع المغصوب فى المدة التى بين غصبه وبين رده الى مالكه.
وان الغصب يتحقق فى كل مال محترم متقوم مملوك عقارا كان أم منقولا وان تصرف الغاصب فيما يغصبه تصرف باطل لا يترتب عليه أثر شرعى.
وعلى ذلك فالغاصب لا يستحق باجارة المغصوب، ولا بيعه، ولا بالمشاركة عليه، مالا.
وما يستفيده الغاصب من منافع فهى لمالك المغصوب.
(1)
الشرح الكبير للدردير ج 3 ص 449 الطبعة السابقة.
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابى الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبى الشهير بابن رشد الحفيد ج 2 ص 269 الطبعة الأولى سنة 1329 طبع مطبعة الحلبى بمصر.
غير أنه اذا كان أرضا فزرعها فان الزرع يكون ملكا لمالك البذر لانه نماء ملكه.
وعليه اذا غصب انسان عينا فاستعملها كانت غلتها لمالكها، وعلى الغاصب ضمانها اذا تلفت، وان لم يستعملها لزمه أجر مثلها فى مدة غصبها لمالكها
(1)
.
وما تقدم هو أيضا حكم استغلال المغصوب اذا استغله من انتقل المغصوب الى يده من غاصب آخر، أو مشتر أو متهب، أو موصى له من الغاصب أو وارث له.
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة رأى الشافعية فى أن منافع المغصوب مضمونة على الغاصب.
وان الغصب يتحقق فى كل مال مملوك عقارا كان أم منقولا.
وان الغاصب ملزم بضمان قيمة منافع المغصوب فى مدة غصبه، أى فى المدة ما بين غصبه، وبين رده الى مالكه، حتى ألزم بأجر مثل منافعه اذا لم يؤجره واذا كان ملزما بضمان منافع ما يغصب فى مدة غصبه يجب عليه دفع عوضها، فأولى أنه يجب عليه رد ما يستفيده من المغصوب من أجر ومنافع لان ذلك يعد ملكا لمالك المغصوب
(2)
وما تقدم هو
أيضا حكم استغلال المغصوب اذا استغله من انتقل المغصوب الى يده من غاصب آخر، أو مشتر، أو متهب، أو موصى له من الغاصب، أو وارث له.
مذهب الظاهرية:
ويرى الظاهرية أن المغصوب منه هو صاحب الحق فى استغلال المغصوب.
فقد ذكر صاحب المحلى أن من غصب أرضا فزرعها أو أعطاها مزارعة أو لم يزرعها فعليه ردها، وما نقص منها، وذلك لانه حال بين صاحبها وبين منفعة أرضه ولا منفعة للارض الا الزرع والمزارعة
(3)
.
ومن غصب زريعة فزرعها أو نوى فغرسه أو ملوخا فغرسها فكل ما تولد من الزرع فلصاحب الزريعة يضمنه له الزارع، وكل ما نبت من النوى والملوخ فلصاحبها، وكل ما أثمرت تلك الشجرة فى الابد فله، لا حق للغاصب فى شئ من ذلك
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام: أن فوائد المغصوب مضمونة بالغصب، وهى مملوكة للمغصوب منه وان تجددت فى يد الغاصب أعيانا كانت كاللبن والشعر والوبر والتمر، أو منافع كسكنى الدار وركوب الدابة، وكذا
(1)
نهاية المحتاج ج 4 كتاب الغصب.
(2)
يراجع المغنى والشرح الكبير ج 4 كتاب الغصب.
(3)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 144 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق.
منفعة كل ماله أجرة بالعادة ولو سمنت الدابة فى يد الغاصب أو تعلم المملوك صنعة أو علما فزادت قيمته ضمن الغاصب تلك الزيادة
(1)
.
ولو غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع ونماؤه للزارع وعليه أجرة الارض وازالة غرسه وزرعه وطم الحفر وأرش الارض ان نقصت
(2)
.
واذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه، قيل الزرع والفرخ للغاصب وقيل للمغصوب منه وهو الاشبه
(3)
.
مذهب الإباضية:
يغرم الغاصب قيمة ما استغل من المغصوب أو مثل ما استغل اذا أمكن المثل كثمار وألبان وأصواف وسكنى دور وخدمة عبيد ودواب
(4)
.
وغلة الحيوان كله لا ترد، لان الخوف عليه قائم فالغلة بالضمان وكذا غير الحيوان بخلاف الاصل.
وقيل غاصب الاصل لما كان غاصبا للرقاب فى الظاهر، وللمنفعة حقيقة،
وشأن الاصل البقاء، حتى يرجع لربه.
كان غاصبا للمنفعة وغاصب المنفعة يغرم
(5)
.
حكم استغلال الاعيان المرهونة
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى البزازية أنه لو آجر المرتهن الرهن لاجنبى بلا اجازة الراهن، فالغلة للمرتهن ويتصدق بها عند الامام ومحمد رحمهما الله تعالى، وان آجر بأمر الراهن بطل الرهن والاجر للراهن
(6)
.
مذهب المالكية:
الغلة الناشئة عن الرهن لا تدخل فى الرهن، بل هى للراهن، مثل كراء الدور والعبيد وما أشبه ذلك، الا أن يكون شرط المرتهن الادخال، وكذلك الثمرة الموجودة يوم الرهن لا تدخل مع أصلها فى الرهن، بل هى للراهن ولا تدخل الا بالشرط
(7)
.
ولما كانت غلات الرهن ومنافعه لراهنه لخبر: له غنمه وعليه غرمه،
(1)
شرائع الاسلام للمحقق ج 2 ص 155 طبع دار الحياة ببيروت سنة 1395 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 156.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 156.
(4)
شرح النيل ج 2 ص 62 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 63.
(6)
الفتاوى البزازية على هامش الفتاوى الهندية ج 6 ص 72 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1310 هـ الطبعة الثانية.
(7)
انظر شرح الخرشى ج 5 ص 248 الطبعة السابقة.
فانه يجوز للمرتهن أن يشترط منفعة الرهن لنفسه مجانا بشرطين.
الاول: أن تكون المنفعة مؤقتة بمدة معينة للخروج من الجهالة فى الاجارة.
الثانى: أن يكون الرهن فى عقد بيع لا فى عقد قرض لانه فى البيع بيع واجارة وهو جائز.
أما فى القرض فهو سلف واجارة وهو لا يجوز، ولو اشترط المرتهن أخذ الغلة من دينه جاز فى القرض لانه يجوز فيه الجهل فى الاجل.
أما فى عقد البيع فلا يجوز اذ لا يدرى ما يقبض أيقل أو يكثر
(1)
؟
مذهب الشافعية:
يمكن الانتفاع بالمرهون بما أراده المالك منه بغير استرداده له كأن يرهن رقيقا له صنعة يمكن أن يعملها عند المرتهن، لم يسترد من المرتهن لاجل عملها عنده وان لم يمكن الانتفاع به بغير استرداد كأن يكرى دارا يسكنها أو دابة يركبها أو عبدا يخدمه فيسترد وقت ذلك للحاجة الى ذلك جمعا بين الحقين، بخلاف ماذا كان الانتفاع بتفويته فلا يأخذه لذلك أصلا
(2)
.
هذا وللراهن كل انتفاع لا ينقص المرهون كالركوب والاستخدام ولو للامة والسكنى لخبر البخارى (الظهر يركب بنفقته اذا كان مرهونا) وخبر (الرهن مركوب ومحلوب)
(3)
.
مذهب الحنابلة:
الحنابلة يرون أنه لا حق للمرتهن فى استغلال الرهن.
فقد ذكر ابن قدامة أن المرتهن اذا انتفع بالرهن باستخدام أو ركوب أو لبس أو استرضاع أو استغلال أو سكنى أو غيره حسب من دينه بقدر ذلك
(4)
.
مذهب الظاهرية:
الظاهرية يرون أن الرهن يستغله المرتهن وينتفع به.
فقد ذكر ابن حزم فى المحلى أن الدار المرهونة تؤاجر ويصلح ما هى فيها.
وأن الارض المرهونة تحرث وتزرع.
وأن الحيوان المرهون ينفق عليه ويستغل.
وان الاشجار المرهونة تكون غلتها لمن هى تحت يده.
لان اهمال كل ذلك واضاعته يخالف الاجماع، ولان رسول الله صلّى الله
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 249، 250.
(2)
راجع نهاية المحتاج ج 4 ص 261 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 259، 260.
(4)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 4 ص 434 الطبعة السابقة.
عليه وسلم قد نهى عن اضاعة المال
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار أن الرهن بما فيه لصاحبه غنمه أى فوائده وعليه غرمه أى مؤنته، أى أن الفوائد الاصلية والفرعية رهن مضمون فى يد المرتهن وذلك لان الرهن حق مستقل فى الرقبة فسرى الى الفوائد كالعتق والاستيلاد
(2)
، بخلاف من قال ان فوائد الرهن لا تكون رهنا ولا مضمونة وهذا قول الناصر.
وقال القاسم: انها رهن غير مضمونة
(3)
.
وجاء فى البحر الزخار أنه ليس للمرتهن فى الرهن الا حق الحبس، واذا استعمله فعليه الاجرة ويساقط الدين من جنسها ولو استعمله غيره فالاجرة رهن وله المطالبة بها
(4)
.
مذهب الإمامية:
الإمامية على أن غلة الرهن لصاحبه، وأنه يحق للمرتهن أن يستغل الرهن باذن من صاحبه.
فقد ذكر صاحب وسائل الشيعة أن اسحاق بن عمار قال: اذا رهن الرجل العبد أو الثوب أو الحلى أو متاع البيت ثم قال صاحب المتاع للمرتهن: أنت فى حل من لبس هذا الثوب فالبس الثوب وانتفع بالمتاع واستخدم الخادم فانه حلال له اذ أحله، ولكن ما أحب للمرتهن أن يفعل ذلك، فان ارتهن دارا لها غلة فان غلتها تكون لصاحب الدار
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن الرهن كله بزيادته للراهن، وأنه لا يجوز للمرتهن أن يأخذ الزيادة، لان ذلك أكل مال بلا حق، وهو شبه القمار.
وللراهن أيضا الغلة المنفصلة كالغلة المؤبرة عند قوم، وهى قبل التأبير متصلة وقيل هى متصلة ما لم تدرك فحكمها اذا أبرت أو أدركت على القولين حكم ما قطع وكالصوف الذى بلغ أن يجز فانه فى حكم ما انفصل. وكسائر الثمار والبقول والفواكه اذا أدرك.
ولو اشترط المرتهن أو الراهن أن ينتفع بالرهن أو يأكل غلته بطل، وكذا ان اشترط أحدهما على الآخر ما وجب عليه من مؤنة الرهن لم يجز أيضا، وان اشترط
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 90 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار ج 3 ص 402 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 403.
(4)
البحر الزخار ج 4 ص 122، 123 الطبعة السابقة.
(5)
وسائل الشيعة ج 6 ص 130 الطبعة السابقة.
المرتهن غلته أو نفعه على أن تكون عليه مؤنته.
وأجاز جماعة اشتراط الانتفاع لاجل معلوم حيث حملوا النهى على الانتفاع بلا شرط كما حمله بعض على عدم العوض
(1)
.
حكم استغلال العين المستعارة
مذهب الحنفية:
العارية عقد يفيد تمليك المستعير منفعة العين المستعارة بالمجان، ولا يملك المستعير بناء على ذلك الاستغلال بالاجارة، لانها تمليك بعوض، وهو أقوى من التمليك مجانا، ولا يبنى القوى على الضعيف، ولانها عقد لازم والاعارة عقد غير لازم، ولا يبنى اللازم على غير اللازم وللمستعير حق الانتفاع طبق عقد العارية.
واذا تعدى فأجرها لغيره كانت الاجارة باطلة لعدم الولاية، الا اذا أجازها مالكها فتكون الاجرة للمالك
(2)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن عقد الاعارة يفيد المستعير ملك المنفعة، وهى أما أن تقيد بزمن محدد، أو تكون لمنفعة معينة، أو تطلق.
ففى الحالة الاولى تكون لازمة طيلة المدة.
وفى الثانية تكون لازمة الى نهاية العمل المحدد فى العقد.
وفى الثالثة تخضع للعرف على رأى:
لان المعروف كالمشروط.
وقيل: لا تخضع له، وهو المعتمد.
وعند لزومها يجوز للمستعير أن يستغل بالاجارة: لان من ملك شيئا فقد ملك تأجيره، والغلة له بحكم أنه مالك لبدلها
(3)
.
مذهب الشافعية: والحنابلة:
العارية عندهم عقد يفيد المستعير اباحة الانتفاع بالعين المعارة، وهو غير لازم. ولكونه اباحة لم يجز للمستعير عندهم استغلال العارية باجارتها: لان الاجارة لا تصح الا ممن يملك المنفعة، فاذا تعدى فاستغلها بتأجيرها لغيره، كان ضامنا لغلتها: لان المنافع عندهم مضمونة عند التعدى
(4)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم أن العارية اباحة منافع بعض الشئ كالدابة للركوب، والثوب للباس، والفأس للقطع، والقدر للطبخ، الى آخر ما ينتفع به.
(1)
شرح النيل ج 5 ص 486، 487 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية ابن عابدين ج 7 كتاب العارية.
(3)
الشرح الصغير ج 2 ص 192 - 193 وهو بلغة المسالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير القطب الشهير سيدى أحمد الدردير.
(4)
حاشية البجرمى على شرح المنهج ج 3 كتاب العارية وكشاف القناع ج 2 كتاب العارية.
ولا يحل شئ من ذلك الى أجل مسمى لبطلان الشرط، لكن يأخذ ما أعاره متى شاء
(1)
وليس له أن يستغلها، والا كان متعديا.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار أن العارية هى اباحة المنافع وقيل:
هى هبة المنافع فليس للمستعير أن يعير غيره.
وقيل: له أن يعير لمثل ما استعار له.
هذا ولا خلاف فى أنه لا يجوز للمستعير أن يؤجر ما استعاره
(2)
.
مذهب الإمامية:
يرون أن للمستعير أن ينتفع بالشئ الذى استعاره فى الوجه الذى حدده له المعير، فان أطلق ولم يعين وجه الاستعمال استعمله فى الجهة التى أعد لها بطبيعته
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن المستعير لا ينتفع بغلة العارية الا باذن مثل لبن الناقة، ولا يكريها، ولا يعيرها، وان فعل ضمن ولزمه الكراء.
وقيل ضمناه ان علم الاجير أنه عارية.
وقيل لا يلزم الاجير ضمان ان كان الاول ثقة وكذا ان أكرى غلاتها، وجائز لمن استعير له أن ينتفع به
(4)
.
استغلال الوديعة
اتفقت كلمة المذاهب الثمانية على أن الوديعة فى يد الوديع أمانة، ليس له أن ينتفع بها، ولا أن يتصرف الا اذا كان ذلك عن رضا، أو اذن من صاحبها، ومن أجل ذلك لا يجوز أن يستغلها بأية وسيلة من وسائل الاستغلال، لانه نوع من التصرف لا يملكه، لعدم ولايته، فاذا فعل كان متعديا، وكان ضامنا لها باتفاق.
استفاضة
تعريفها لغة
جاء فى القاموس واللسان: فاض الخبر شاع، واستفاض الخبر ذاع وانتشر،
(1)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 168 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار ج 3 ص 428.
(3)
فقه الامام جعفر الصادق ج 4 ص 214، 215 طبعة دار العلم للملايين ببيروت.
(4)
شرح النيل ج 6 ص 86، 87.
وحديث مستفيض منتشر شائع فى الناس، ومستفاض قد استفاضوه أى أخذوا فيه
(1)
.
تعريفها فى عرف الفقهاء
اختلف الحنفية فى تفسيرها هى وما يرادفها من الكلمات التى يستعملونها فى كثير من الاحيان بدلا منها نحو الشهرة والاشتهار والسماع والتسامع.
فعند محمد: هى أن يشتهر الامر ويستفيض وتتواتر به الاخبار عند الشاهد من غير تواطؤ على الكذب حتى يصير كالمحسوس بحاسة البصر والسمع، ولا تشترط العدالة فى هذا.
وعند الخصاف: وهو المنقول عن أبى يوسف: يكفى فى الاستفاضة أن يخبر الشاهد بذلك الامر عدلان، سواء كانا رجلين، أو رجلا وامرأتين، أو امرأتين، ويحل له الشهادة بذلك، بشرط أن يكون الاخبار بلفظ الشهادة
(2)
.
وعرفها: ابن عرفه من المالكية: بأنها لقب لما صرح الشاهد فيه باسناد شهادته لسماع من غير معين
(3)
.
وعرفها الإمامية: بأنها شيوع الخبر الى حد يفيد السامع الظن الغالب المقارب للعلم ولا ينحصر فى عدد بل يختلف باختلاف المخبرين لكن يعتبر أن يزيدوا عن عدد الشهود المعدلين ليحصل الفرق بين خبر العدل وغيره
(4)
.
وأما بقية الفقهاء فلا يختلف تفسيرهم كثيرا عن تفسير محمد لها الذى سبق ذكره
(5)
.
حكم الشهادة بناء على الاستفاضة
مذهب الحنفية:
يجوز للشاهد استحسانا لا قياسا أن يشهد بالامر لاستفاضة الخبر به بين الناس وان لم يقطع به من جهة المعاينة بالعين أو السمع وذلك فى عشرة أشياء هى:
النسب: لانه لم تجر العادة بحضور الناس الولادة، وانما يرون الطفل مع أمه وينسبونه الى الزوج فيقولون: هو ابن فلان.
والموت: لانه لا يحضره غالبا الا الاقارب فاذا رأى الناس الجنازة والدفن حكموا بموت فلان.
وقيل فى الموت: دون ما سواه - يكتفى الشاهد بأخبار واحد عدل ولو أنثى، وهو
(1)
القاموس ج 2 ص 338 مادة فاض ولسان العرب ج 29 ص 212 مادة فيض.
(2)
البدائع ج 6 ص 266، 267 مطبعة الجمالية طبعة أولى سنة 1910 م، ابن عابدين ج 5 ص 471 مطبعة الحلبى طبعة ثانية سنة 1966 م، فتح القدير ج 6 ص 20 مطبعة مصطفى محمد سنة 1356.
(3)
الخرشى ج 7 ص 246 مطبعة بولاق سنة 1299.
(4)
الروضة البهية ج 1 ص 254، 255 مطبعة دار الكتاب العربى.
(5)
تراجع أقوالهم فيها فيما ذكرناه من كتبهم فى الفصل التالى.
المختار، لانه قلما يشاهد حال الميت عند موته أكثر من واحد لان الانسان يهابه ويكرهه، فيكون فى اشتراط العدد بعض الحرج.
والنكاح: لانه لا يحضره كل أحد وانما يخبر بعضهم بعضا: أن فلانا تزوج فلانه.
والدخول بالزوج: لانه لا يعلم الا بالامارات فان المخالطة فعلا بين الزوجين لا تشاهد.
وحكى فى الخلاصة عن ظهير الدين:
أنه لا تجوز الشهادة فى الدخول بالاستفاضة، فلو أراد أن يثبت الدخول، يثبت الخلوة الصحيحة.
ولكن نص الخصاف على جواز الشهادة فيه بالاستفاضة لانه أمر يشتهر بخلاف الزنا، فانه فاحشة تستر.
وولاية السلطان للقاضى: فتجوز الشهادة بالاستفاضة والشهرة وان لم يعاين المنشور، لانها لا يحضرها الا الخواص فقامت الشهرة فيها مقام المعاينة.
وأصل الوقف: وهو كل ما تعلق به صحته وتوقف عليه - لانه على توالى الاعصار تبيد الشهود والاوراق مع اشتهار وقفيته فيكون معرضا للضياع فى المستقبل ان لم تجز الشهادة فيه بالاشتهار، فمست الحاجة الى ذلك.
وشرائط الوقف على المختار - والمراد منها ما يشرطه الواقف فى كتاب وقفه لا الشرائط التى يتوقف عليها صحة الوقف وقيل: لا تقبل الشهادة بالاستفاضة لاثبات شرائطه فى الاصح الا للضرورة وعليه الفتوى.
ولمهر فى الاصح:
والولاء عند أبى يوسف: لان الولاء لحمة كلحمة النسب، وفى النسب تجوز الشهادة بالاستفاضة فكذا فى الولاء.
وعند أبى حنيفة ومحمد لا تجوز، لان الولاء يبتنى على زوال الملك، ولا بد فيه من المعاينة فكذا ما يبتنى عليه.
والعتق وفيه الخلاف الذى فى الولاء:
وينبغى للشاهد بالاستفاضة أن يطلق الشهادة فى كل ذلك فيشهد أنه ابنه أو أنه قاض، أما اذا فسر للقاضى أنه شهد عن تسامع واستفاضة بين الناس لم تقبل شهادته فى الصحيح.
وقيل: تقبل فى الموت والوقف ولو فسر على المختار
(1)
.
(1)
من فتح القدير ج 6 ص 20، 23، ومن ابن عابدين ج 5 ص 470، 471، ج 4 ص 411، 412، من البدائع ج 6 ص 266، 267، من الاختيار ج 2 ص 37، 38.
مذهب المالكية:
تجوز الشهادة اعتمادا على استفاضة الخبر وسماعه سماعا منتشرا عن ثقات وغيرهم، والمراد بالجواز هنا الاذن لانها قد تجب، وهى اذا جازت فانما تجوز للضرورة على خلاف الاصل، لان الاصل أن الانسان انما يشهد بما تدركه حواسه قاله أبو اسحق.
وجملة المسائل التى تجوز الشهادة فيها بالاستفاضة والسماع ثلاثون مسألة هى:
1 -
الشهادة بالملك لمن هو حائز للعين - مدة طويلة يتصرف فيها تصرف الملاك فى أملاكهم.
2 -
الشهادة بأن هذا الشئ موقوف على الحائز له، أو على فلان وليست العين المشهود عليها بيد أحد غيره ويشترط لشهادة الاستفاضة فى هاتين المسألتين طول الزمن، وأقله عشرون سنة عند ابن القاسم.
3 -
الشهادة بموت شخص فى بلد بعيد، وكذا ان جهل موضع موته فى الظاهر من المذهب.
أما البلاد القريبة أو بلد الميت فانما تكون الشهادة على البت والقطع.
ولا تجوز شهادة السماع لسهولة الكشف عن حاله.
ويشترط أيضا لجواز الشهادة بالاستفاضة فى الموت خاصة قصر الزمن، فان طال فلا بد من بينة القطع فيه، ولو بالنقل على المعتمد، اذ يبعد عادة موته مع عدم من يأتى من تلك البلد ويخبر بموته قطعا فى هذه المدة الطويلة.
4، 5 - الشهادة بالتولية أو العزل للقاضى، أو الوالى، أو الوكيل الفلانى.
6، 7 - الشهادة بالتعديل أو التجريح سواء كان التجريح بمعين مثل أن يقولوا:
لم نزل نسمع أنه يشرب الخمر مثلا، أم لا.
11:8 - الشهادة بالاسلام أو بالكفر.
أو بالرشد، أو بالسفه لفلان المعين.
12، 13 - الشهادة بالنكاح أو الطلاق بين الزوجين ان ادعاه أحدهما وأنكره الآخر، ويثبت بها عقد النكاح لا نقد الصداق.
14، 15 - الشهادة بالخلع، ويثبت بها الطلاق لا دفع العوض، والشهادة بضرر الزوج لزوجته والاساءة اليها من غير ذنب فيطلقها القاضى عليه.
16، 17 - الشهادة بالهبة أى بأن فلانا وهب كذا لفلان، والشهادة بالوصية أى بأن فلانا أقام فلانا وصيا أو أن فلانا كان فى وصاية فلان يتولى النظر والانفاق عليه بايصاء أبيه أو بتقديم قاض له عليه، وان لم يشهدهم أبوه بالايصاء ولا القاضى المقدم،
ولكن علم ذلك بالاستفاضة، وكذا لو شهدوا بأن فلانا أوصى لفلان بكذا من المال والحيوان والعقار.
18، 19 - الشهادة بالولادة، والشهادة بالحرابة - قطع الطريق - بأن يقولوا:
لم نزل نسمع أن هؤلاء الجماعة محاربون وأخذوا مال فلان حرابة.
20، 21 - والشهادة بالاباق، والشهادة بالاعسار أن أراد المدين اثباته أو الدائنون ان ادعى الضامن أن المدين موسر.
28:22 - الشهادة بالاسر، والعتق، والولاء، والنسب، والرضاع، والقسمة، والبيع، ويثبت بها العقد لا دفع الثمن
29، 30 - الشهادة بالرهن، واللوث نحو لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم أن فلانا قتل فلانا، فتكون الشهادة المذكورة لوثا تسوغ لولى القتيل طلب القسامة.
ويشترط فى الشهادة بالاستفاضة والسماع شرائط:
منها انتفاء الريبة فلو شهد اثنان فقط بموت رجل من بلد وفيها جمع كبير يساويهما فى السن لم يعلموا ذلك لم تقبل شهادتهما للتهمة، الا أن يكون علم ذلك فاشيا فيهم، أو ليس فى البلد من هو اسن منهما فتقبل.
ومنها أن يحلف المحكوم له بشهادة السماع لان شهادة السماع ضعيفة فيطلب فيها الحلف لتقويتها.
ومنها أن يشهد بالسماع اثنان فأكثر من العدول فلا يكفى واحد مع اليمين ولا المرأتان، ويكتفى بالاثنين على المشهور.
وقال عبد الملك: لا بد من أربعة.
ويصح أن يعتمد الشهود فى شهادتهم على الثقات أو غيرهم فى الاشهر، ولا يشترط ذكرهم ذلك فى شهادتهم.
وقيل: لا بد أن يقول الشهود فى شهادتهم: لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم وهو التحقيق
(1)
.
مذهب الشافعية:
تجوز الشهادة بالاستفاضة والتسامع الذى لم يعارضه ما هو أقوى منه كانكار المنسوب اليه النسب مثلا أو طعن أحد فى انتسابه، ولم تقم قرينة على كذب قائله، وتجوز فى اثنين وثلاثين موضعا هى:
1 -
النسب لذكر أو انثى من أب أو قبيلة وكذا من أم فى الاصح قياسا على الاب.
(1)
من الخرشى ج 7 ص 246 - 250، وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 174 - 177 المطبعة الخيرية طبعة أولى سنة 1324 هـ.
وقيل: لا تقبل لاثبات نسب منها، لامكان رؤية الولادة.
2 -
والموت على المذهب:
وفى وجه لا تقبل فى الموت لانه يمكن فيه المعاينة.
7:3 - وتجوز على الاصح عند المحققين والاكثرين فى العتق، والولاء، وأصل الوقف، لا شروطه وتفاصيله والزوجية، والملك ان استفاض أنه ملك فلان من غير اضافة لسببه، لان مدة الملكية اذا طالت عسر اثبات ابتدائها فمست الحاجة الى اثباتها بالاستفاضة.
وقيل: لا تجوز فى هذه المسائل الخمس لتيسر مشاهدة أسبابها.
32:8 - ويلحق بما ذكر: ولاية القاضى، وعزله، وتضرر الزوجة، واستحقاق الزكاة، والتصدق، والرضاع، والولادة، والحمل، واللوث، وقدم العيب، والسفه، والرشد، والعدة، والجرح، والتعديل، والكفر، والاسلام، والوصية، والارث، والقسامة، والغصب، والصداق، والاشربة، والاعسار، والافلاس.
ويشترط فى الاستفاضة والتسامع - الذى يجوز الاستناد اليه فى الشهادة بما ذكرنا - أن يسمع الشاهد ما يشهد به من جمع كثير يقع فى نفسه صدقهم، ويؤمن تواطؤهم على الكذب.
وفى اشتراط تكراره وطول مدته عرفا خلاف.
ولا يشترط فى الجمع عدالة، ولا حرية، ولا ذكورة، أما اسلامهم فيحتمل عدم اشتراطه، وجزم بعضهم باشتراطه
وقيل: لا يشترط الجمع فى الاستفاضة، بل يكفى التسامع من عدلين اذا سكن القلب لخبرهما.
وشرط ابن أبى الدم: أن لا يصرح الشاهد بأن مستنده الاستفاضة، ثم اختار أنه ان ذكره تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة ثم قال: مستندى الاستفاضة، سمعت شهادته، والا فلا، وتبعه فى هذا السبكى، وغيره، واذا أطلق الشهادة، وظهر للقاضى أن مستنده الاستفاضة لم يلجئه الى بيان مستنده، الا ان كان عاميا على الاوجه لانه يجهل شروطها.
وكيفية أداء الشهادة بالاستفاضة أن يقول الشاهد: أشهد أن هذا ولد فلان، أو وقفه، أو هذه زوجته مثلا، ولا يشهد بالافعال ولا بالاسباب الا فى الارث فلا يقول: ولدته فلانة، أو وقفه فلان، أو تزوجها فلان، لاقتضائه أنه رأى ذلك وشاهده، وهو كذب محض
(1)
.
(1)
من أسنى المطالب ج 4 ص 367 - 370 المطبعة الميمنية سنة 1213، من تحفة المحتاج ج 4 ص 329 - 331 المطبعة الوهبية سنة 1282، من القليوبى وعميرة على المحلى ج 4 ص 328، 329 مطبعة صبيح سنة 1368، 1949.
مذهب الحنابلة:
تجوز الشهادة بالسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها.
وذلك فى النسب والولادة، ويلحق بهما النكاح، عقدا ودواما، والطلاق، والخلع، والملك المطلق، والوقف، بأن يشهد أن هذا وقف زيد لانه وقفه، ومصرف الوقف، والموت، والولاية، والعزل، والعتق، والولاء، وما أشبه ذلك، فيشهد بالاستفاضة فى كل ذلك، لان هذه الاشياء يتعذر الشهادة عليها فى الغالب بمشاهدتها، ومشاهدة أسبابها، فجازت الشهادة عليها بالاستفاضة كالنسب.
وكلام أحمد والخرقى يقتضى أن لا يشهد بالاستفاضة حتى تكثر به الاخبار، ويسمعه من عدد كثير يحصل به العلم، ويكون ذلك العدد عدد التواتر، لانها شهادة فلا يجوز أن يشهد بها من غير علم.
وذكر القاضى فى المجرد، أنه يكفى أن يسمع من اثنين عدلين ويسكن قلبه الى خبرهما، لان الحقوق تثبت بقول اثنين.
ولا تشترط فى الشهادة بالاستفاضة عدالة الاصل، ولا تعذر شهادة شهود الاصل بموت، أو مرض، أو غيبة.
وقال القاضى: الشهادة بالاستفاضة خبر، لا شهادة، وقال: تحصل بالنساء والعبيد.
ويلزم القاضى الحكم بشهادة لم يعلم تلقيها من الاستفاضة.
ومن قال: شهدت بالاستفاضة فتعتبر شهادته شهادة فرع لا أصل فتشترط فيه شرائطه المفصلة فى مصطلح شهادة.
وقال أبو الوفاء: اذا صرح الشاهدان بالاستفاضة أو استفاض بين الناس قبلت فى الوفاة والنسب جميعا
(1)
.
مذهب الزيدية:
تجوز الشهادة بالشهرة المستفيضة فى النسب، والموت، والولاء، لانه كالنسب، وكذا النكاح.
وقيل: لا تجوز فى النكاح قبل الدخول وهو قوى، والوقف، والوصية، ومصرف الوقف والوصية.
وقيل: لا تجوز فى النكاح قبل وكذا تجوز الشهادة بالشهرة والاستفاضة على كونه قاضيا، فتجوز الشهادة على حكمه لمشقة اليقين فى ذلك.
ولا تجوز الشهادة بالملك واليد عن شهرة اذ هى شهادة بمال فأشبهت الدين.
(1)
من كشاف القناع وشرح المنتهى عليه ج 4 ص 245، 246، 317 المطبعة الشرفية طبعة أولى سنة 1319، من المغنى ج 12 ص 23، 24 مطبعة المنار طبعة أولى سنة 1348 هـ.
وقال الامام يحيى: تجوز فى اليد لا الملك، اذ هى اثبات تصرف، لا ملك.
وقوى صاحب البحر الزخار جواز الشهادة بالاستفاضة والشهرة فى الملك واليد معا
(1)
.
مذهب الإمامية:
المشهور أنه يثبت بالاستفاضة سبعة أمور هى:
النسب، والموت، والملك المطلق، والوقف، والنكاح، والعتق، وولاية القاضى بعد اقامة البينة فى هذه الاسباب مطلقا.
ويكفى فى الخبر بهذه الاسباب أن يكون مقاربا للعلم على قول قوى وبه جزم فى الدروس.
وقيل: يشترط أن يحصل العلم.
وقيل: يكفى مطلق الظن حتى لو سمع من شاهدين عدلين صار متحملا لافادة قولهما الظن.
وعلى المختار لا يشترط العدالة ولا الحرية ولا الذكورة.
وقيد الملك بالمطلق احترازا عن المستند الى سبب كالبيع فلا يثبت السبب بالاستفاضة، بل الملك الموجود فى ضمنه.
ومتى اجتمع فى ملك استفاضة ويد وتصرف بلا منازع فهو منتهى الامكان، فللشاهد القطع بالملك.
وفى الاكتفاء بكل واحد من الثلاثة فى الشهادة بالملك قول قوى
(2)
.
مذهب الإباضية:
تجوز الشهادة بالاستفاضة والشهرة فى أمور هى:
موت الغائب، وثبوت النسب، والنكاح، والاياس من الحيض، والامامة فى موضعها، ورؤية الهلال.
وأما ولادة الصبى سنة كذا، ففى الديوان: لا يجوز فيها الشهادة بالاستفاضة.
وقيل: تجوز.
ولا تجوز فى الوصية والطلاق.
وهذا كله ما لم تكن هناك تهمة، أو انكار فيما لاحد فيه حق قبل تبليغ المشهور للقاضى.
فان وقعت التهمة، أو الانكار قبل التبليغ، أو عنده، لم تقبل، وكذا بعد التبليغ اذا أخر القاضى النظر فى خبرهم لامر، ثم حدثت التهمة، أو الانكار قبل أن يقبله.
(1)
البحر الزخار ج 5 ص 19، 20 الطبعة الأولى سنة 1368 طبعة الخانجى.
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 254، 255.
وأما اذا أبلغوه وقبله القاضى، ثم حدثت التهمة، أو وقعت المحاكمة بعد قبوله فى أمر يرجع الى الخبر، فأنكر الخصم خبرهم، وقد قبله القاضى قبل الخصومة، فانه يمضى خبرهم لتقدم قبوله.
وأقل ما يشتهر به الخبر: ما نقل عن ثلاثة رجال، أو رجلين وامرأتين، أو رجل وأربع نسوة، على القول بجواز شهادة النساء فى الاستفاضة والشهرة وهم أحرار عقلاء.
ويجوز الامين مع رجلين من أهل الجملة.
وقيل: لا تجوز شهادة النساء فى الاستفاضة ولو مع الرجال.
وقيل: تجوز ولو وحدهن اذا كن ثلاثا.
وحد الشهرة والاستفاضة انتشار الامر وظهوره حتى لا ينكر
(1)
.
استفتاء
تعريف الاستفتاء لغة وشرعا
استفتى استفتاء العالم فى مسألة سأله أن يفتيه فيها، وأفتى فلانا فى المسألة افتاء: أبان له الحكم فيها
وأخرج له فيها فتوى، والفتوى بفتح الفاء وضمها، والفتيا بالضم: اسم من أفتى العالم اذا بين الحكم.
قال فى المصباح ويقال أصله من الفتى وهو الشاب القوى والجمع: الفتاوى والفتاوى
(2)
.
فاذا كانت المسألة شرعية كانت الفتوى شرعية، أو كانت لغوية كانت الفتوى لغوية، وهكذا.
فالاستفتاءات الشرعية هى المتعلقة بمسائل يطلب حكم الشرع فيها.
أهمية الفتوى
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار
(3)
: الفاسق لا يصلح مفتيا، لان الفتوى من أمور الدين، والفاسق لا يقبل قوله فى الديانات.
ونقل ابن عابدين عن ابن الهمام فى التحرير: الاتفاق على حل استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة، أو رآه الناس منتصبا والناس يستفتونه معظمين له.
(1)
شرح النيل ج 6 ص 656 - 659.
(2)
لسان العرب للعلامة ابن منظور ج 63 ص 146 طبع دار صادر دار بيروت مادة «فتا» للطباعة والنشر سنة 1374 هـ والمصباح المنير مادة «فتا» .
(3)
رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار لابن عابدين ج 4 ص 418 طبع المطبعة العثمانية بمصر دار سعادات سنة 1324 هـ.
ونقل صاحب المجمع قوله: ان أولى ما يستنزل به فيض الرحمة الالهية فى تحقيق الواقعات الشرعية طاعة الله عز وجل والتمسك بحبل التقوى قال تعالى:
«وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ،}
(1)
ومن اعتمد على رأيه وذهنه فى استخراج دقائق الفقه وكنوزه وهو فى المعاصى حقيق بانزال الخذلان فقد اعتمد على ما لا يعتمد عليه ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور.
مذهب المالكية:
جاء فى الفروق
(2)
: أن السلف رضى الله عنهم كانوا متوقفين فى الفتيا توقفا شديدا.
وقال مالك لا ينبغى للعالم أن يفتى حتى يراه الناس أهلا لذلك ويرى هو نفسه أهلا لذلك، يريد تثبيت أهليته عند العلماء، ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء فى حقه من الاهلية، لانه قد يظهر من الانسان أمر على ضد ما هو عليه، فاذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس حصل اليقين فى ذلك، وهذا هو شأن الفتيا فى الزمن القديم.
وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج، وسهل على الناس أمر دينهم، فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح، وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم، وأن يقول أحدهم لا يدرى، فلا جرم آل الحال للناس الى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال.
مذهب الشافعية:
قال فى المجموع
(3)
: أعلم أن الافتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل، لان المفتى وارث الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقائم بفرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ ولهذا قالوا: المفتى موقع عن الله تعالى.
وروينا عن ابن المنكدر قال: العالم بين الله تعالى وخلقه فلينظر كيف يدخل بينهم.
وروينا عن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة نذكر منها أحرفا تبركا.
روينا عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال أدركت عشرين ومائة من الانصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
(1)
الاية رقم 382 من سورة البقرة.
(2)
الفروق للامام العلامة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية للعالم الفاضل الشيخ محمد على بن الشيخ حسين مفتى المالكية ج 2 ص 110 طبع بمطبعة دار احياء الكتب العربية طبعة أولى سنة 1346 هـ.
(3)
المجموع شرح المهذب للامام العلامة أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للامام الجليل أبى قاسم عبد الكريم بن محمد الرافعى ويليه التلخيص الحبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير للامام الحافظ أبى الفضل أحمد ابن حجر العسقلانى ج 1 ص 40، 41 طبع ادارة الطباعة المنيرية مطبعة التضامن الأخوى بمصر سنة 1344 هـ.
وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا الى هذا، وهذا الى هذا حتى ترجع الى الاول.
وفى رواية: ما منهم من يحدث بحديث الا ود أن أخاه كفاه اياه، ولا يستفتى عن شئ الا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
وعن ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهم: من أفتى عن كل ما يسأل فهو مجنون.
وعن الشعبى والحسن وأبى حصين بفتح الحاء التابعيين قالوا: ان أحدكم ليفتى فى المسئلة، ولو وردت على عمر بن الخطاب رضى الله عنه لجمع لها أهل بدر.
وعن عطاء بن السائب التابعى: أدركت أقواما يسأل أحدهم عن الشئ فيتكلم وهو يرعد.
وعن ابن عباس ومحمد بن عجلان:
اذا أغفل العالم لا أدرى فقد أصيبت مقاتله.
وعن سفيان بن عيينة وسحنون:
أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما.
وعن الشافعى وقد سئل عن مسألة فلم يجب، فقيل له، فقال: حتى أدرى أن الفضل فى السكوت أو فى الجواب.
وعن الاثرم سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول لا أدرى وذلك فيما عرف الاقاويل فيه.
وعن الهيثم بن جميل: شهدت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسئلة، فقال فى ثنتين وثلاثين منها لا أدرى.
وعن مالك أيضا أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب فى واحدة منها، وكان يقول: من أجاب فى مسألة فينبغى قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه، ثم يجيب، وسئل عن مسألة فقال: لا أدرى، فقيل: هى مسألة خفيفة سهلة، فغضب وقال: ليس فى العلم شئ خفيف، وقال الشافعى: ما رأيت أحدا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع فى ابن عيينة أسكت منه عن الفتيا.
وقال أبو حنيفة: لولا الفرق من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت يكون لهم المهنأ وعلى الوزر. وأقوالهم فى هذا كثيرة معروفة.
قال الصيمرى والخطيب قل من حرص على الفتيا وسابق اليها وثابر عليها الا قل توفيقه واضطرب فى أموره وان كان كارها لذلك غير مؤثر له ما وجد عنه مندوحة وأحال الامر فيه على غيره كانت المعونة له من الله أكثر والصلاح فى جوابه أغلب واستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح: لا تسأل
الامارة فانك ان أعطيتها عن مسئلة وكلت اليها، وان أعطيتها عن غير مسئلة أعنت عليها
(1)
.
وفى اعلام الموقعين: وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع فى الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه اياها غيره، فاذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده فى معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد قال: قال ابن عباس: ان كل من أفتى الناس فى كل ما يسألونه عنه لمجنون، قال مالك وبلغنى عن ابن مسعود مثل ذلك.
وقال سحنون بن سعيد: أحسن الناس على الفتيا أقلهم علما يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه.
قلت «ابن القيم» الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ومن غزارته وسعته، فاذا قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم، واذا اتسع علمه اتسعت فتياه، ولهذا كان ابن عباس من أوسع الصحابة فتيا، جمعت فتاواه فى عشرين سفرا، وكان سعيد بن المسيب أيضا واسع الفتيا وكانوا يدعونه سعيد بن المسيب الجرئ.
وقال ابن وهب حدثنا أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عوف عن ابن سيرين قال:
قال حذيفة: انما يفتى الناس أحد ثلاثة.
من يعلم ما نسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بدا، أو أحمق متكلف.
قال فربما قال ابن سيرين: فلست بواحد من هذين ولا أحب أن أكون الثالث قلت:
(ابن القيم) مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ: رفع الحكم بجملته تارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة اما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد، وتفسيره وتبيينه، حتى انهم ليسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم وفى لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه.
ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به اشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر.
وقال هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: قال حذيفة: انما يفتى الناس أحد ثلاثة: رجل يعلم ناسخ القرآن ومنسوخه وأمير لا يجد بدا وأحمق متكلفا، قال ابن سيرين: فأنا لست أحد هذين وأرجو أن لا أكون أحمق متكلفا.
(1)
هذا الحديث أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى مختصرا ومطولا وأبو داود
قال أبو عمر بن عبد البر وقال سحنون يوما: انا لله ما أشقى المفتى والحاكم:
ثم قال ها أنا ذا يتعلم منى ما تضرب به الرقاب وتوطأ به الفروج وتؤخذ به الحقوق، أما كنت عن هذا غنيا.
قال أبو عمر وقال أبو عثمان الحداد:
القاضى أيسر مأثما وأقرب الى السلامة من الفقيه يريد المفتى، لان الفقيه من شأنه اصدار ما يرد عليه من ساعته بما حضره من القول، والقاضى شأنه الاناة والتثبت ومن تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة انته.
وقال غيره: المفتى أقرب الى السلامة من القاضى، لانه لا يلزم بفتواه، وانما يخبر بها من استفتاه، فان شاء قبل قوله وان شاء تركه، وأما القاضى فأنه يلزم بقوله فيشترك هو والمفتى فى الاخبار عن الحكم، ويتميز القاضى بالالزام والقضاء، فهو من هذا الوجه خطره أشد.
ثم أورد ابن القيم أحاديث وآثارا فى خطر القضاء، ثم أخرى فى خطر الفتوى، ثم قال: ولكن خطر المفتى أعظم من جهة أخرى، فان فتواه شريعة عامة تتعلق بالمستفتى وغيره، وأما الحاكم فحكمه جزئى خاص لا يتعدى الى غير المحكوم عليه وله، فالمفتى يفتى حكما عاما كليا أن من فعل كذا ترتب عليه كذا، ومن قال كذا لزمه كذا، والقاضى يقضى قضاء معينا على شخص معين، فقضاؤه خاص ملزم وفتوى العالم عامة غير ملزمة فكلاهما أجره عظيم وخطره كبير.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(1)
: كان السلف رحمهم الله تعالى يأبون الفتيا ويشددون فيها ويتدافعونها.
قال النووى روينا عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا الى هذا، وهذا الى هذا حتى ترجع الى الاول وفى رواية: ما منهم من يحدث بحديث الا ود أن أخاه كفاه اياه، ولا يستفتى عن شئ الا ود أن أخاه كفاه الفتيا، وأنكر الامام أحمد وغيره على من يهجم على الجواب لخبر، أجرؤكم على الفتيا، أجرؤكم على النار، وقال أحمد لا ينبغى أن يجيب فى كل ما يستفتى فيه وقال، اذا هاب الرجل شيئا لا ينبغى أن يحمل على أن يقول.
مذهب الظاهرية:
(2)
ويرى ابن حزم أنه لا يحل لاحد أن يقلد أحدا لا حيا ولا ميتا وعلى كل أحد - ما يقدر
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 4 ص 175 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ الطبعة الأولى.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ ج 1 ص 66 وما بعدها الطبعة الأولى مسألة رقم 103.
عليه - من الاجتهاد حسب طاقته، فمن سأل عن دينه فانما يريد معرفة ما ألزمه الله عز وجل فى هذا الدين، ففرض عليه أن كان أجهل البرية أن يسأل عن أعلم أهل موضعه بالدين الذى جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذا دل عليه سأله، فاذا أفتاه قال له المستفتى: هكذا قال الله عز وجل ورسوله؟ فان قال له نعم أخذ بذلك وعمل به أبدا، وان قال له: هذا رأيى، أو هذا قياس، أو هذا قول فلان، وذكر له صاحبا أو تابعا أو فقيها قديما أو حديثا أو سكت أو انتهره أو قال له لا أدرى، فلا يحل له أن يأخذ بقوله ولكنه يسأل غيره، برهان ذلك قول الله عز وجل
(1)
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» }. فلم يأمرنا عز وجل قط بطاعة بعض أولى الامر فمن قلد عالما أو جماعة علماء فلم يطع الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أولى الامر، واذا لم يرد الى من ذكرنا فقد خالف أمر الله عز وجل، ولم يأمر الله عز وجل قط بطاعة بعض أولى الامر دون بعض.
فى الهامش علق المحقق فقال: كلام المصنف رحمه الله مبنى على أن المراد بأولى الامر العلماء، وهو أحد أقوال السلف فى تفسير الآية ثم على كلام المصنف
المراد: استرووا العلماء عن أحكام الكتاب والسنة وأن الفتيا معناها رواية الكتاب والسنة وقبول رواية العالم ليس تقليدا له بل من العمل بخبر الآحاد الذى تعبد الله بالعمل به العباد وهو العمل بالظن المستفاد من أخبار الآحاد.
ومن ادعى وجوب تقليد العامى للمفتى فقد ادعى الباطل وقال قولا لم يأت به نص قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا قياس وما كان هكذا فهو باطل لانه قول بلا دليل وكل سائل فى الارض عن نازلة فى دينه فانما يسأل عما حكم الله تعالى به فى هذه النازلة فاذ لا شك فى هذا ففرض عليه أن يسأل اذا سمع فتيا أهذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يعجز عنه من يدرى ما الاسلام، واذا قيل له اذا سأل عن أعلم أهل بلده بالدين: هذا صاحب حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم وهذا صاحب رأى وقياس فليسأل صاحب الحديث ولا يحل له أن يسأل صاحب الرأى أصلا
(2)
.
وجاء فى الاحكام قال أبو محمد: قال الله تعالى: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا}
(1)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
(2)
الاحكام فى أصول الأحكام للحافظ أبى محمد على بن حزم الأندلسى الظاهرى ج 5 ص 121 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1347 هـ.
{فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»
(1)
فبين الله سبحانه وتعالى فى هذه الآية وجه التفقه كله وأنه ينقسم قسمين.
أحدهما: يخص المرء فى نفسه، وذلك مبين فى قوله تعالى:«وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ» فهذا معناه تعليم أهل العلم لمن جهل حكم ما يلزمه.
والثانى: تفقه من أراد وجه الله تعالى بأن يكون منذرا لقومه وطبقته قال تعالى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»
(2)
ففرض على كل أحد طلب ما يلزمه على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه فى تعرف ما ألزمه الله تعالى اياه، وقد بينا أن الاجتهاد هو افتعال من الجهد، فهو فى الدين اجهاد المرء نفسه فى طلب ما تعبده الله تعالى به فى القرآن، وفيما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم، لانه لا دين غيرهما، فأقلهم فى ذلك درجة من هو فى غمار العامة، ومن حدث عهده بالجلب من بلاد الكفر وأسلم من الرجال والنساء
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى تتمة الروض النضير
(4)
: لقد كان السلف الصالح يهابون من التورط فى الفتوى، ويخافون من الوقوع فى الفتيا غاية الخوف، حتى قال بعض السلف:
ليتق أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم كذا، خشية أن يقول الله:
كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا، كل ذلك خشية الحكم بغير ما أنزل.
مذهب الإمامية:
جاء فى العروة الوثقى
(5)
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارحم خلفائى، قيل يا رسول الله:
من خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدى يروون حديثى وسنتى.
والمروى فى الفقه الرضوى عليه السلام منزلة الفقيه فى هذا الوقت كمنزلة الانبياء فى بنى اسرائيل الى غير ذلك اذ من المعلوم أن العامى لا يصدق عليه اسم العالم ولا الراوى، ولا يصلح أن يكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يكون بيده مجارى الامور ولا أن يكون بمنزلة الانبياء فمقتضى
(1)
الآية رقم 122 من سورة التوبة.
(2)
الاية رقم 43 من سورة النحل.
(3)
الاحكام لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 121 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
تتمة الروض النضير شرح مجموعة الفقه الكبير للسيد الحافظ العباس بن أحمد بن ابراهيم ابن أحمد الحسنى اليمنى الصنعانى ج 2 ص 146 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1349 هـ.
(5)
العروة الوثقى للعلامة الفقيه السيد محمد كاظم الطباطبائى للبرزى ج 3 ص 5، ص 6، ص 7، ص 8 طبع مطبعة الحيدرى بطهران سنة 1377 هـ
هذه الاخبار عدم جواز تصدى غير المجتهد للحكم والمرافعة من غير فرق بين أن يكون من أهل العلم مع عدم بلوغه حد الاجتهاد ويحكم بمقتضى ظاهر الاخبار وكلمات الفقهاء أو كان مقلدا لمجتهد جامع للشرائط ويحكم بمقتضى فتوى ذلك المجتهد بعد اطلاعه على جميع ما يتعلق بتلك الواقعة بالتقليد.
مذهب الإباضية
(1)
:
محل الاجتهاد حادثة لم يوجد فيها حكم عن الله تعالى فى كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل فى حكمها اجماع من المسلمين، فان كان فى الحادثة شئ من الاحكام الثلاثة وجب اتباعه، وحرمت مخالفته اجماعا، وان لم يوجد فيها حكم من الاصول الثلاثة وجب هناك الاجتهاد على من أطاقه من الامة وفيها لزم العامى التقليد اذا شاء العمل، فالقضية المنصوص على حكمها لا يتم لاحد اجتهاد فيها وأن نظر فى أصولها فانما غاية نظره العلم بحكمها من أصلها والتسليم لها، ولا
يصح خلافها بخلاف القضية الخالية من النصوص والاجماع، فان اجتهاد العلماء فيها تام فى القطعيات، وان جاز لا يكون جامعا لاحكام الاجتهاد، وانما يجوز لاجل الاطمئنانية واليقين وأن الاجتهاد فى الظنيات مستكمل لاحكام الاجتهاد.
حكم الفتوى
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر الرائق
(2)
: المفتى ان لم يكن غيره تعين عليه الافتاء، وان كان هناك غيره فهو فرض كفاية، ومع هذا لا يحل التسارع الى ما لا يتحقق.
مذهب المالكية:
جاء فى الفروق للقرافى
(3)
: أن الفتوى محض أخبار عن الله تعالى فى الزام أو اباحة فالمفتى مع الله تعالى كالمترجم مع القاضى ينقل عنه ما وجده عنده واستفاده منه باشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك.
(1)
كتاب شرح طلعة الشمس على الألفية المسماة بشمس الأصول لناظمها فخر المتأخرين ومرجع المناظرين العالم العلامة أبى محمد عبد الله بن حميد السالمى ج 2 ص 302، ص 303 وبهامشه كتاب بهجة الأنوار شرح أنوار العقول.
وكتاب الحجج المقنعة طبع مطبعة الموسوعات بمصر سنة 1317 هـ.
(2)
للحنفية البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 290 وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين الطبعة الاولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.
(3)
الفروق والقواعد السنية للقرافى ج 4 ص 89 الطبعة السابقة.
مذهب الشافعية:
فى الجلال المحلى والقليوبى
(1)
عليه:
ومن فروض الكفاية القيام باقامة الحجج العلمية وحل المشكلات فى الدين ودفع الشبه والقيام بعلوم الشرع كتفسير وحديث بما يتعلق بهما من علم العربية والفروع بحيث يصلح للقضاء والافتاء للحاجة اليهما بأن يكون معه زيادة على ما لا بد منه، فان قدر على الترجيح دون الاستنباط فهو مجتهد الفتوى، وان قدر على الاستنباط من قواعد امامه وضوابطه فهو مجتهد المذهب أو على الاستنباط من الكتاب والسنة فهو المجتهد المطلق.
ويجب تعدد المفتى بحيث يكون فى كل مسافة قصر واحد وتعدد القاضى بحيث يكون فى كل مسافة عدوى واحد
(2)
.
مفاد هذا أن الفتوى واجبة على الكفاية اذا قام بها البعض ممن هم أهل لها سقط الحرج عن الباقين والا أثم الجميع.
وفى المجموع: فرض الكفاية من العلم هو تحصيل ما لا بد للناس منه فى اقامة دينهم من العلوم الشرعية كحفظ القرآن والاحاديث وعلومهما والاصول والفقه واللغة والنحو والتصريف.
ومعرفة رواة الحديث والاجماع والخلاف.
وأما ما ليس علما شرعيا ويحتاج اليه فى قوام أمر الدنيا كالطب والحساب ففرض كفاية أيضا، نص عليه الغزالى، ثم قال: قال أصحابنا: وفرض الكفاية المراد به تحصيل ذلك الشئ من المكلفين به أو بعضهم ويعم وجوبه جميع المخاطبين به، فاذا فعله من تحصل به الكفاية سقط الحرج عن الباقين، واذا قام به جمع تحصل الكفاية ببعضهم فكلهم سواء فى حكم القيام بالفرض فى الثواب وغيره، ولو أطبقوا كلهم على تركه اثم كل من لا عذر له ممن علم ذلك وأمكنه القيام به أو لم يعلم وهو قريب أمكنه العلم بحيث ينسب الى تقصير، ولا يأثم من لم يتمكن لكونه غير أهل أو لعذر الى أن قال.
ولو خلت البلدة من مفت فقيل يحرم المقام بها.
(3)
- على من ظلمك أى ينتقم منه لاعتدائه عليك، والفقهاء يقولون مسافة العدوى وكأنهم استعاروها من هذه العدوى لأن صاحبها يصل فيه الذهاب والعود بعدو واحد لما فيه من القوة والجلادة.
(1)
قليوبى وعميرة حاشيتا الشيخ شهاب الدين القليوبى والشيخ عميرة على شرح العلامة جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين للشيخ محيى الدين النووى ج 4 ص 214 مطبعة محمد على صبيح وأولاده بمصر.
(2)
فى المصباح استعديت الأمير على الظالم طلبت منه النصرة فأعدانى عليه، أعاننى ونصرنى فالاستعداد طلب التقوية والنصرة والاسم العدوى قال ابن فارس العدوى: طلبك الى وال ليعديك
والاصح لا يحرم ان أمكن الذهاب الى مفت واذا قام بالفتوى انسان فى مكان سقط به فرض الكفاية الى مسافة القصر من كل جانب
(1)
.
ثم قال
(2)
: تعليم الطالبين وافتاء المستفتين فرض كفاية، فان لم يكن هناك من يصلح الا واحد تعين عليه، وان كان جماعة يصلحون فطلب ذلك من أحدهم فامتنع فهل يأثم ذكروا وجهين فى المفتى، والظاهر جريانهما فى المعلم، وهما كالوجهين فى امتناع أحد الشهود.
والاصح لا يأثم انته، وظاهر أنه اذا امتنع الكل أثم الجميع. والله تعالى أعلم.
ثم قال
(3)
: الافتاء فرض كفاية فاذا استفتى وليس فى الناحية غيره وتعين عليه الجواب، فان كان فيها غيره وحضرا فالجواب فى حقهما فرض كفاية وان لم يحضر غيره وجهان.
أصحهما لا يتعين لما سبق عن ابن أبى ليلى.
والثانى: يتعين، وهما كالوجهين فى مثله فى الشهادة.
ولو سأل عامى عما لم يقع لم يجب جوابه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى منتهى الارادات
(4)
: ولمفت رد الفتيا ان كان بالبلد عالم قائم مقامه والا لم يجز له ردها لتعينها عليه.
وجاء فى كشاف القناع
(5)
: من عدم مفتيا فى بلده وغيره فله حكم ما قبل الشرع على الخلاف هل الاصل فى الاشياء الحظر أو الاباحة أو الوقف.
وقيل: متى خلت البلد من مفت حرم السكنى فيها.
وقال النووى والاصح لا يحرم ان أمكن الذهاب الى مفت.
مذهب الظاهرية:
جاء فى الاحكام لابن حزم الظاهرى
(6)
:
فرض على كل جماعة مجتمعة فى قرية أو مدينة أو حالة اعراب أو حصن أن ينتدب منهم من يطلب جميع أحكام الديانة أولها عن آخرها ولتعلم القرآن كله، والكتاب كل ما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم من أحاديث الاحكام أولها عن آخرها وضبطها بنصوص ألفاظها، وضبط كل ما أجمع المسلمون عليه وما اختلفوا فيه، ثم يقوم بتعليمهم
(1)
المجموع ج 1 ص 46، 47.
(2)
المجموع ج 1 ص 27 الطبعة السابقة.
(3)
المجموع للنووى ج 1 ص 45 الطبعة السابقة.
(4)
منتهى الارادات لابن يونس البهوتى بهامش كشاف القناع ج 4 ص 257 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع ج 4 ص 177.
(6)
الأحكام لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 122 ص 123 الطبعة السابقة.
وتفقيههم من القرآن والحديث والاجماع، ويكتفى بذلك على قدر قلتهم أو كثرتهم بحسب ما يقدر أن يعمهم بالتعليم ولا يشق على المستفتى قصده فاذا انتدب لذلك من يقوم بتعليمهم فقد سقط عن باقيهم الا ما يلزمه خاصة نفسه فقط، فان لم يجدوا فى محلتهم من يفقههم فى ذلك كله ففرض عليهم الرحيل الى حيث يجدون العلماء المحتوين على صنوف العلم وان بعدت ديارهم، ولو أنهم بالصين لقوله تعالى
(1)
: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ،} والنفار والرجوع لا يكون الا برحيل.
ومن وجد فى محلته من يفقهه فى صنوف العلم فالامة مجتمعة على أنه لا يلزمه رحيل فى ذلك ففرض على جميع المسلمين أن يكون فى كل قرية أو مدينة أو حصن من يحفظ القرآن كله ويعلمه الناس ويقرؤه اياهم، لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فصح بكل ما ذكرنا أن النفار فرض على الجماعة كلها حتى يقوم بها بعضهم فيسقط عن الباقين.
وأما من قال انه ليس فرضا على الجماعة لكنه فرض على بعضهم بغير أعيانهم،
فنكتفى من ابطال قوله بأنه يجعل خطاب الله تعالى واقعا على لا أحد، لانه اذا لم يعين الله تعالى من يخاطب ولا خاطب الجميع فلم يخاطب أحدا جل الله عن ذلك، وفى هذا سقوط الفرض عن كل من لم يخاطب، فهو ساقط عن كل أحد، اذ كل أحد لم يخاطب. وفى هذا بطلان الدين.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار
(2)
: كل مجتهد وهو العالم بالاحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال متى وفى الاجتهاد حقه فى الفرعيات العمليات الظنيات فهو مصيب، بمعنى أن ما أوصله اليه نظره من ايجاب أمر أو تحريمه أو ندبه أو اباحته فذلك هو مراد الله تعالى منه، ومراد الله تابع لما أداه اليه نظره، لا أن نظره تابع لمراد الله تعالى، وليس القصد بتوفية الاجتهاد حقه أنه يعلم أنه قد أصاب فى نظره، بل يكفى غالب الظن.
وجاء فى الروض النضير
(3)
: قال فى التتمة الغالب على الناس القصور عن معرفة الحكم الذى وجب عليهم التدين به، سواء قلنا لا بد من حكاية الحكم ومستنده، أم يكفى مجرد حكاية الحكم لما
(1)
الآية رقم 122 من سورة التوبة.
(2)
شرح الأزهار وهامشه المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 7 والهامش ص 13، 14، 15 الطبعة الثانية مطبعة حجازى.
(3)
تتمة الروض النضير ج 2 ص 146 الطبعة السابقة.
تقدم من بقاء حجة الكتاب والسنة الى يوم القيامة وبقاء وجوب معرفة المراد من الخطاب بهما وليس كل واحد من الناس يعرف الخطاب بهما ويفهمه على وجهه، فيكون القيام بهذه الفريضة واجبا على الكفاية.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(1)
: انه اذا تحققت فى المفتى الصفات المذكورة (فيما ذكر فى الكلام على شروط المفتى) وجب على الناس الترافع اليه وقبول قوله والتزام حكمه، لانه منصوب من الامام عليه السلام على العموم بقوله:
أنظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا وعرف أحكامنا فاجعلوه قاضيا، فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه، وفى بعض الاخبار فلترضوا به حاكما، فانى قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل فانما بحكم الله استخف، وعلينا رد، والراد علينا راد على الله، وهو على حد الشرك بالله عز وجل، فمن عدل عنه الى قضاة الجور كان عاصيا فاسقا، لان ذلك كبيرة عندنا، ففى مقبول عمر بن حنظلة، من تحاكم الى طاغوت فحكم له فانما يأخذ سحتا، وان كان حقه ثابتا لانه
أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر بها ومثله كثير.
مذهب الإباضية:
أن الحجة
(2)
على جواز تقليد العوام للعلماء تواتر اجماع السلف على ترك تنكير تقليد العوام للعلماء من غير مانع لهم من الانكار قال الحاكم اجمعوا على جواز ذلك قولا وفعلا وتقريرا ورضى وكذلك اجماع التابعين فانه ظهر فيما بينهم رجوع العامى الى العالم والقبول منه قال وذلك ظاهر عنهم لان منهم من كان يفتى ومنهم من كان يقبل ومنهم من يقرر وظهر عنهم الامر بالاستفتاء والفتيا هذا هو العمدة فى جواز الفتيا قال وهو أظهر أمر فى الاجماع.
أنواع المفتين
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار
(3)
: ذكروا أن المجتهد المطلق قد فقد، وأما المقيد فعلى سبع مراتب مشهورة.
وعلق ابن عابدين على قول الدر (وأما المقيد .. الخ) فقال: فيه أمران:
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 237 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.
(2)
طلعة الشمس ج 2 ص 294 الطبعة السابقة.
(3)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار مع حاشية ابن عابدين ج 1 ص 71، 72 الطبعة السابقة.
الاول: أن المجتهد المطلق أحد السبعة.
والثانى: أن بعض السبعة ليسوا مجتهدين خصوصا السابعة، فكان عليه أن يقول: والفقهاء على سبع مراتب.
وقد أوضحها ابن كمال باشا فى بعض رسائله فقال: لا بد للمفتى أن يعلم حال من يفتى بقوله، ولا يكفيه معرفته باسمه ونسبه، بل لا بد من معرفته فى الرواية ودرجته فى الدراية، وطبقته من طبقات الفقهاء ليكون على بصيرة فى التمييز بين القائلين المخالفين، وقدرة كافية فى الترجيح بين القولين المتعارضين.
الاولى: طبقة المجتهدين فى الشرع كالائمة الاربعة رضى الله عنهم ومن سلك مسلكهم فى تأسيس قواعد الاصول وبه يمتازون عن غيرهم.
الثانية: طبقة المجتهدين فى المذهب كأبى يوسف ومحمد وسائر أصحاب أبى حنيفة القادرين على استخراج الاحكام من الادلة على مقتضى القواعد التى قررها أستاذهم أبو حنيفة فى الاحكام وان خالفوه فى بعض أحكام الفروع، لكن يقلدونه فى قواعد الاصول، وبه يمتازون عن المعارضين فى المذهب كالشافعى وغيره المخالفين له فى الاحكام غير مقلدين له فى الاصول.
الثالثة: طبقة المجتهدين فى المسائل التى لا نص فيها عن صاحب المذهب، كالخصاف وأبى جعفر الطحاوى وأبى الحسن الكرخى وشمس الائمة الحلوانى وشمس الائمة السرخسى وفخر الاسلام البزدوى وفخر الدين قاضيخان وأمثالهم، فانهم لا يقدرون على شئ من المخالفة لا فى الاصول ولا فى الفروع، لكنهم يستنبطون الاحكام فى المسائل التى لا نص فيها على حسب الاصول والقواعد.
الرابعة: طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كالرازى واضرابه، فانهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلا، لكنهم لاحاطتهم بالاصول وضبطهم للمآخذ يقدرون على تفصيل قول مجمل ذى وجهين، وحكم مبهم محتمل لامرين منقول عن صاحب المذهب، أو أحد من أصحابه برأيهم ونظرهم فى الاصول والمقايسة على أمثاله ونظائره من الفروع.
وما فى الهداية من قوله: كذا فى تخريج الكرخى وتخريج الرازى من هذا القبيل.
الخامسة: طبقة أصحاب الترجيح من المقلدين، كأبى الحسن القدورى وصاحب الهداية وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض كقولهم:
هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا أرفق للناس.
السادسة: طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الاقوى والقوى والضعيف، وظاهر المذهب والرواية النادرة كأصحاب
المتون المعتبرة من المتأخرين مثل صاحب الكنز وصاحب المختار وصاحب الوقاية وصاحب المجمع وشأنهم أن لا ينقلوا الاقوال المردودة والروايات الضعيفة.
السابعة: طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر، ولا يفرقون بين الغث والسمين.
وبعد ما جاء فى الدر من أن المقيد على سبع مراتب مشهورة قال: وأما نحن فعلينا اتباع ما رجحوه وما صححوه كما لو أفتوا فى حياتهم.
فان قلت قد يحكون أقوالا بلا ترجيح وقد يختلفون فى الصحيح، قلت: يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف وأحوال الناس، وما هو الارفق، وما ظهر عليه التعامل، وما قوى وجهه، ولا يخلو الوجود عمن يميز هذا حقيقة لا ظنا وعلى من لم يميز أن يرجع لمن يميز لبراءة ذمته.
وجاء فى البحر الرائق
(1)
: أنه لا يفتى الا المجتهد، وقد استقر رأى الاصوليين على أن المفتى هو المجتهد، فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس مفتيا، والواجب عليه اذا سئل أن يذكر قول المجتهد كأبى حنيفة على جهة الحكاية فعرف أن ما يكون فى زماننا من
فتوى الموجودين ليس بفتوى بل هو نقل كلام المفتى ليأخذ به المستفتى، وطريق نقله لذلك عن المجتهد أحد أمرين.
اما أن يكون له سند فيه.
أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الايدى نحو كتب محمد بن الحسن ونحوها من التصانيف المشهورة للمجتهدين، لانه بمنزلة الخبر المتواتر أو المشهور هكذا ذكر الرازى.
فلو كان حافظا للاقاويل المختلفة للمجتهدين ولا يعرف الحجة ولا قدرة له على الاجتهاد للترجيح، فلا يقطع بقول منها يفتى به، بل يحكيها للمستفتى، فيختار المستفتى ما يقع فى قلبه أنه الاصوب.
ومن لم يبلغ رتبة الاجتهاد بل وقف على أصول امامه وتمكن من قياس ما لم ينص عليه على المنصوص فليس بمقلد فى نفسه بل هو واسطة فان نص صاحب المذهب على الحكم والعلة الحق بها غير المنصوص، ولو نص على الحكم فقط فله أن يستنبط العلة ويقيس وليقل هذا قياس مذهبه لا قوله.
وان اختلف نص أمامه فى مشتبهين فله التخريج من أحدهما الى الاخرى.
وفى التتار خانية فصلان فى الفتوى، حاصل الاول: أن أبا يوسف قال: لا تحل الفتوى الا لمجتهد.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 من ص 289 إلى ص 292 الطبعة السابقة.
ومحمد جوزها اذا كان صواب الرجل أكثر من أخطائه.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب
(1)
: قال ابن سلمون فى وثائقه: سئل ابن رشد فى الفتوى وصفة المفتى فقال: الذى أقول به فى ذلك أن الجماعة التى تنسب الى العلوم وتتميز عن جملة العوام بالمحفوظ والمفهوم تنقسم على ثلاث طوائف:
طائفة: اعتقدت صحة مذهب مالك تقليدا بغير دليل فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه فى مسائل الفقه دون التفقه فى معانيها بتمييز الصحيح منها والسقيم.
وطائفة اعتقدت صحة مذهبه بما بان لها من صحة أصوله التى بناه عليها فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه فى مسائل الفقه وتفقهت فى معانيها فعلمت الصحيح منها الجارى على أصوله من السقيم الخارج الا أنها لم تبلغ درجة التحقيق بمعرفة قياس الفروع على الاصول.
وطائفة اعتقدت صحة مذهب بما بان لها أيضا من صحة أصوله لكونها
عالمة بأحكام القرآن عارفة بالناسخ والمنسوخ والمفصل والمجمل والخاص من العام عالمة بالسنن الواردة فى الاحكام مميزة بين صحيحها من معلولها عالمة بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الامصار، وبما اتفقوا عليه واختلفوا فيه، عالمة من علم اللسان بما يفهم به معانى الكلام عالمة بوضع الادلة فى مواضعها.
فأما الطائفة الاولى فلا يصح لها الفتوى بما علمته وحفظته من قول مالك وقول أحد من أصحابه، اذ لا علم عندها بصحة شئ من ذلك، اذ لا يصح الفتوى بمجرد التقليد من غير علم، ويصح لها فى خاصتها ان لم تجد من يصح لها أن تستفتيه، أو تقلد مالكا أو غيره من أصحابه فيما حفظته من أقوالهم.
وان لم يعلم من نزلت به نازلة من يقلده فيها من قول مالك وأصحابه فيجوز للذى نزلت به النازلة أن يقلده فيما حكاه له من قول مالك فى نازلته، ويقلد مالكا فى الاخذ بقوله فيها، وذلك أيضا اذا لم يجد فى عصره من يستفتيه فى نازلته فيقلده فيها، وان كانت النازلة قد علم فيها اختلافا من قول مالك وغيره فأعلمه بذلك، كان حكمه فى ذلك حكم العامى اذا استفتى العلماء فى نازلته فاختلفوا عليه فيها، وقد اختلف فى ذلك على ثلاثة أقوال:
أحدها أنه يأخذ بما شاء من ذلك.
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب فى كتاب مع التاج والاكليل ج 6 ص 94، ص 95 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر.
والثانى: أنه يجتهد فى ذلك فيأخذ فى ذلك بقول أعلمهم.
والثالث: أنه يأخذ بأغلظ الاقوال.
وأما الطائفة الثانية فيصلح لها اذا استفتيت أن تفتى بما علمته من قول مالك وقول غيره من أصحابه اذا كانت قد بانت لها صحته، كما يجوز لها فى خاصتها الاخذ بقوله اذا بانت لها صحته، ولا يجوز لها أن تفتى بالاجتهاد فيما لا تعلم فيه نصا من قول مالك، أو قول غيره من أصحابه، وان كانت قد بانت لها صحته، اذ ليست ممن كمل لها آلات الاجتهاد الذى يصح لها بها قياس الفروع على الاصول.
وأما الطائفة الثالثة فهى التى يصح لها الفتوى عموما بالاجتهاد والقياس على الاصول التى هى الكتاب والسنة واجماع الامة بالمعنى الجامع بينها وبين النازلة، وعلى ما قيس عليها أن قدم القياس عليها، ومن القياس جلى وخفى، لان المعنى الذى يجمع بين الاصل والفرع قد يعلم قطعا بدليل قاطع لا يحتمل التأويل، وقد يعلم بالاستدلال فلا يوجب الا غلبة الظن، ولا يرجع الى القياس الخفى الا بعد القياس الجلى، وهذا كله يتفاوت العلماء فى التحقيق بالمعرفة به تفاوتا بعيدا، وتفترق أحوالهم أيضا فى جودة الفهم لذلك وجودة الذهن فيه افتراقا بعيدا، اذ ليس العلم الذى هو الفقه فى الدين بكثرة الرواية والحفظ، وانما هو نور يضعه الله حيث يشاء، فمن اعتقد فى نفسه أنه ممن تصح له الفتوى بما أتاه الله عز وجل من ذلك النور المركب على المحفوظ المعلوم جاز له أن استفتى أن يفتى، واذا اعتقد الناس فيه ذلك جاز له أن يفتى، فمن الحق للرجل أن لا يفتى حتى يرى نفسه أهلا لذلك ويراه الناس أهلا له.
مذهب الشافعية:
قال أبو عمرو بن الصلاح
(1)
: المفتون قسمان: مستقل وغير مستقل.
فالمستقل شرطه أن يكون فقيها بمعرفة أدلة الاحكام الشرعية من الكتاب والسنة والاجماع والقياس وما التحق به على التفصيل، وقد فصلت فى كتب الفقه فتيسرت ولله الحمد، وأن يكون عالما بما يشترط فى الادلة ووجوه دلالتها، وبكيفية اقتباس الاحكام منها، وهذا يستفاد من أصول الفقه، عارفا من علوم القرآن والحديث والناسخ والمنسوخ والنحو واللغة والتصريف واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذى يتمكن معه من الوفاء بشروط الادلة والاقتباس منها، ذا دربة وارتياض فى استعمال ذلك، عالما بالفقه ضابطا لامهات مسائله وتفاريعه.
(1)
المجموع شرح المهذب للنووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز لأبى القاسم عبد الكريم محمد الرافعى ج 1 ص 42 وما بعدها الطبعة السابقة.
فمن جمع هذه الاوصاف فهو المفتى المطلق المستقل الذى يتأدى به فرض الكفاية، وهو المجتهد المطلق المستقل، لانه يستقل بالادلة بغير تقليد وتقيد بمذهب أحد.
قال أبو عمرو: وما اشترطناه من حفظه لمسائل الفقه لم يشترط فى كثير من الكتب المشهورة لكونه ليس بشرط لمنصب الاجتهاد لان الفقه ثمرته فيتأخر عنه وشرط الشئ لا يتأخر عنه.
وشرطه الاستاذ أبو اسحاق الاسفرابينى وصاحبه أبو منصور البغدادى وغيرهما.
واشتراطه فى المفتى الذى يتأدى به فرض الكفاية هو الصحيح، وان لم يكن كذلك فى المجتهد المستقل، ثم لا يشترط أن يكون جميع الاحكام على ذهنه بل يكفيه كونه حافظا المعظم متمكنا من ادراك الباقى على فرب.
وهل يشترط أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية؟ حكى أبو اسحاق وأبو منصور فيه خلافا لاصحابنا، والاصح اشتراطه.
ثم انما تشترط اجتماع العلوم المذكورة فى مفت مطلق فى جميع أبواب الشرع.
فأما مفت فى باب خاص كالمناسك والفرائض فيكفيه معرفة ذلك الباب.
كذا قطع به الغزالى وصاحبه ابن برهان وغيرهما.
ومنهم من منعه مطلقا.
وأجازه ابن الصباغ فى الفرائض خاصة والاصح جوازه مطلقا.
القسم الثانى المفتى الذى ليس بمستقل ومن دهر طويل عدم المفتى المستقل وصارت الفتوى الى المنتسبين الى ائمة المذاهب المتبوعة.
وللمفتى المنتسب أربعة أحوال.
(أحدها) أن لا يكون مقلدا لامامه لا فى المذهب ولا فى دليله لاتصافه بصفة المستقل، وانما ينسب اليه لسلوكه طريقه فى الاجتهاد.
وادعى الاستاذ أبو اسحاق هذه الصفة لاصحابنا، فحكى عن أصحاب مالك رحمهم الله وأحمد وداود وأكثر الحنفية أنهم صاروا الى مذاهب ائمتهم تقليدا لهم ثم قال.
والصحيح الذى ذهب اليه المحققون فيما ذهب اليه أصحابنا وهو أنهم صاروا الى مذهب الشافعى لا تقليدا له بل لما وجدوا طرقه فى الاجتهاد، والقياس أسد الطرق ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه، فطلبوا معرفة الاحكام بطريق الشافعى.
وذكر أبو على السنجى نحو هذا فقال:
اتبعنا الشافعى دون غيره لانا وجدنا قوله أرجح الاقوال وأعدلها لا أنا قلدناه.
قلت (النووى) هذا الذى ذكراه موافق لما أمرهم به الشافعى ثم المزنى فى أول مختصره وغيره بقوله: اختصرت هذا من علم الشافعى ومن معنى قوله لاقر به على من أراد مع اعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره.
قال أبو عمرو دعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقا لا يستقيم ولا يلائم المعلوم من حالهم أو حال أكثرهم.
وحكى بعض أصحاب الاصول منا أنه لم يوجد بعد عصر الشافعى مجتهد مستقل، ثم فتوى المفتى فى هذه الحالة كفتوى المستقل فى العمل بها والاعتداد بها فى الاجماع والخلاف.
(الحالة الثانية) أن يكون مجتهدا مقيدا فى مذهب امامه مستقلا بتقرير أصوله بالدليل غير أنه لا يتجاوز فى أدلته أصول امامه وقواعده.
وشرطه كونه عالما بالفقه وأصوله وأدلة الاحكام تفصيلا، بصيرا بمسالك الاقيسة والمعانى تام الارتياض فى التخريج والاستنباط قيما بالحاق ما ليس منصوصا عليه لامامه بأصوله، ولا يعرى عن شوب تقليد له لا خلا له ببعض أدوات المستقل بأن يخل بالحديث أو العربية، وكثيرا ما أخل بهما المقيد، ثم يتخذ نصوص أمامه أصولا يستنبط منها كفعل المستقل بنصوص الشرع، وربما اكتفى فى الحكم بدليل امامه، ولا يبحث عن معارض كفعل المستقل فى النصوص، وهذه صفة أصحابنا أصحاب الوجوه وعليها كان ائمة أصحابنا أو أكثرهم.
والعامل بفتوى هذا مقلد لامامه لا له.
ثم ظاهر كلام الاصحاب ان من هذا حاله لا يتأدى به فرض الكفاية.
قال أبو عمرو: ويظهر تأدى الفرض به فى الفتوى وان لم يتأد فى احياء العلوم التى منها استمداد الفتوى لانه قام مقام امامه المستقل تفريعا على الصحيح، وهو جواز تقليد الميت، ثم قد يستقل المقيد فى مسألة أو باب خاص كما تقدم.
وله أن يفتى فيما لا نص فيه لامامه بما يخرجه على أصوله، هذا هو الصحيح الذى عليه العمل واليه مفزع المفتين من مدد طويلة.
ثم اذا أفتى بتخريجه فالمستفتى مقلد لامامه لا له هكذا قطع به امام الحرمين فى كتابه الغياثى وما أكثر فوائده.
وقال الشيخ أبو عمرو وينبغى أن يخرج هذا على خلاف حكاه الشيخ أبو اسحاق الشيرازى وغيره أن ما يخرجه أصحابنا هل يجوز نسبته الى الشافعى؟ والاصح أنه لا ينسب اليه، ثم تارة يخرج من نص معين لامامه وتارة لا يجده فيخرج على أصوله بأن يجد دليلا على شرط ما يحتج به امامه فيفتى بموجبه، فان نص امامه على شئ، ونص فى مسألة تشبهها على خلافه، فخرج من أحدهما الى الآخر، سمى قولا مخرجا، وشرط هذا التخريج أن لا يجد بين نصيه فرقا، فان وجده وجب تقريرهما على ظاهرهما، ويختلفون كثيرا فى القول بالتخريج فى مثل ذلك لاختلافهم فى امكان الفرق قلت (النووى) وأكثر ذلك يمكن فيه الفرق وقد ذكروه.
الحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه، لكنه فقيه النفس، حافظ مذهب امامه، عارف بأدلته، قائم بتقريرها، يصور ويحرر ويقرر ويمهد ويزيف ويرجح، لكنه قصر عن أولئك، لقصوره عنهم فى حفظ المذهب أو الارتياض فى الاستنباط أو معرفة الاصول ونحوها من أدلتهم.
وهذه صفة كثير من المتأخرين الى أواخر المائة الرابعة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه تصانيف فيها معظم اشتغال الناس اليوم، ولم يلحقوا الذين قبلهم فى التخريج.
وأما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها تبسط أولئك أو قريبا منه، ويقيسون غير المنقول عليه غير مقتصرين على القياس الجلى، ومنهم من جمعت فتاويه ولا تبلغ فى التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه.
الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه فى الواضحات والمشكلات، ولكن عنده ضعف فى تقرير أدلته وتحرير أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من نصوص امامه وتفريع المجتهدين فى مذهبه، وما لا يجده منقولا ان وجد فى المنقول معناه بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما، جاز الحاقه به والفتوى به، وكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط ممهد فى المذهب، وما ليس كذلك يجب امساكه عن الفتوى فيه، ومثل هذا يقع نادرا فى حق المذكور، اذ يبعد كما قال امام الحرمين ان تقع مسئلة لم ينص عليها فى المذهب، ولا هى فى معنى المنصوص، ولا مندرجة تحت ضابط وشرطه كونه فقيه النفس ذا حظ وافر من الفقه، قال أبو عمرو: ويكتفى فى حفظ المذهب فى هذه الحالة والتى قبلها يكون المعظم على ذهنه ويتمكن لدربته من الوقوف على الباقى على قرب.
هذه أصناف المفتين وهى خمسة، وكل صنف منها يشترط فيه حفظ المذهب وفقه النفس، فمن تصدى للفتيا وليس بهذه الصفة فقد باء بأمر عظيم.
وقد قطع امام الحرمين وغيره بأن الاصولى الماهر المتصرف فى الفقه لا يحل له الفتوى بمجرد ذلك ولو وقعت له واقعة لزمه أن يسأل عنها ويلتحق به المتصرف النظار البحاثه من أئمة الخلاف وفحول المناظرين، لانه ليس أهلا لادراك حكم الواقعة استقلالا، لقصور آلته ولا من مذهب امامه لعدم حفظه له على الوجه المعتبر.
فان قيل: من حفظ كتابا أو أكثر فى المذهب وهو قاصر لم يتصف بصفة أحد ممن سبق، ولم يجد العامى فى بلده غيره، هل له الرجوع الى قوله؟ فالجواب ان كان فى غير بلده مفت يجد السبيل اليه وجب التوصل اليه بحسب امكانه، فان تعذر ذكر مسألته للقاصر فان وجدها بعينها فى كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمها بنصه وكان العامى فيها مقلدا صاحب المذهب.
قال أبو عمرو وهذا وجدته فى ضمن كلام بعضهم والدليل يعضده، وان لم يجدها مسطورة بعينها لم يقسها على مسطور عنده وان اعتقده من قياس لا فارق فانه قد يتوهم ذلك فى غير موضعه فان قيل: هل لمقلد أن يفتى بما هو مقلد فيه؟ قلنا: قطع أبو عبد الله الحليمى وأبو محمد الجوينى وأبو المحاسن الرويانى وغيرهم بتحريمه.
وقال القفال المروزى: يجوز.
قال أبو عمرو: قول من منعه معناه لا يذكره على صورة من يقوله من عند نفسه بل يضيفه الى امامه الذى قلده فعلى هذا من عددناه من المفتين المقلدين ليسوا مفتين حقيقة، لكن لما قاموا مقامهم وأدوا عنهم عدوا معهم، وسبيلهم أن يقولوا مثلا: مذهب الشافعى كذا أو نحو هذا، ومن ترك منهم الاضافة فهو اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح به ولا بأس بذلك.
وذكر صاحب الحاوى فى العامى اذا عرف حكم حادثة بناء على دليلها ثلاثة أوجه.
أحدها يجوز أن يفتى به ويجوز تقليده لانه وصل الى علمه كوصول العالم.
والثانى يجوز ان كان دليلها كتابا أو سنة، ولا يجوز أن كان غيرهما.
والثالث لا يجوز مطلقا وهو الاصح.
والله أعلم.
مذهب الحنابلة:
جاء فى روضة الناظر:
(1)
ان المراتب أربعة:
عامى محض.
متمكن من الاجتهاد فى البعض دون البعض.
ومجتهد كامل لم يجتهد.
مجتهد كامل اجتهد وظن الحكم.
فالاول والرابع قد عرف حكمهما وهو أن العامى يقلد والمجتهد بالفعل الظان للحكم لا يقلد.
والمجتهد الكامل الذى لم يجتهد مختلف فيه والاظهر أنه لا يقلد ويلحق به من اجتهد بالفعل ولم يظن الحكم لتعارض الادلة أو غيره بطريق أولى.
والمتمكن فى البعض دون البعض الاشبه أنه يقلد، لانه عامى من وجه، ويحتمل ان لا يقلد، لانه مجتهد من وجه، فهو محل اجتهاد به، وله مراتب متعددة
بحسب ما يتمكن من الاجتهاد فيه من المسائل.
مذهب الظاهرية:
لا يوجد مفت الا أحد ثلاثة أناس
(2)
:
اما عالم فيفتى بما بلغه من النصوص بعد البحث والتقصى كما يلزمه فهذا مأجور أخطأ أو أصاب وواجب عليه أن يفتى بما علم.
واما فاسق يفتى بما يتفق له مستديما لرياسة أو لكسب مال وهو يدرى أنه يفتى بغير واجب.
وأما جاهل ضعيف العقل يفتى بغير يقين علم وهو يظن أنه مصيب ولم يبحث حق البحث ولو كان عاقلا لعرف أنه جاهل فلم يتعرض لما لا يحسن.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير
(3)
: عن زيد ابن على عن أبيه عن جده عن على عليهم السلام قال: «لا يفتى الناس الا من قرأ القرآن وعلم الناسخ والمنسوخ وفقه السنة وعلم الفرائض والمواريث» .
(1)
روضة الناظر وجنة المناظر على مذهب الامام أحمد بن حنبل لابن قدامة المقدسى الدمشقى ومعها نزهة الخاطر العاطر للشيخ عبد القادر ابن أحمد بن مصطفى بدران الدومى ثم الدمشقى ج 2 ص 441 الهامش طبع المطبعة السلفية بمصر سنة 1342 هـ.
(2)
الأحكام لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 128 الطبعة السابقة.
(3)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 2 ص 145، 146 الطبعة السابقة.
وقال حذيفة انما يفتى الناس أحد ثلاثة.
من يعلم ما نسخ من القرآن.
أو امرؤ لا يجد بدا.
أو أحمق متكلف.
ولا يخفى أن التدين بما شرعه الله واجب على جميع العباد.
مذهب الإباضية:
الإباضية على أن المفتى اما أن يكون مجتهدا أو عاميا.
أما المجتهد فهو العالم بكيفية الاستنباط الطالب لحكم القضية وله شروط ذكرت فى مكانها
(1)
.
وأما العامى فقد جاء فى طلعة
(2)
الشمس: أنه يجوز لضعيف العلم حكاية قول العالم فى الاحكام بلا خلاف بين العلماء لكن الخلاف فى جواز افتائه بقول العالم الذى أخذ عنه تلك الفتيا وذلك بأن يسوق الكلام مساق الجزم بالحكم فيقول هذا حلال وهذا حرام مثلا.
فقيل يجوز ذلك مطلقا.
وقيل يجوز بشرط أن يكون المفتى انما يفتى بنص قول امامه.
وقيل لا يجوز مطلقا لانه ليس أهلا للافتاء.
وقيل: ان كان مطلعا على مأخذ امامه جاز له ذلك وصح له التخريج على مذهب امامه.
وقيل: انما يجوز للمخرج الافتاء بتخريجه عند عدم المجتهد لا مع وجوده فى تلك الناحية اذ لا يجوز العمل بالاضعف مع امكان الاقوى.
واجب ولى الامر حيالهم
مذهب الحنفية:
حكى ابن نجيم
(3)
صاحب البحر الرائق عن شرح الروض أنه ينبغى للامام أن يسأل أهل العلم المشهورين فى عصره عمن يصلح للفتوى، ليمنع من لا يصلح ويتوعده بالعقوبة اذا عاد.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع
(4)
: قال الخطيب أبو بكر الحافظ البغدادى: ينبغى للامام أن يتصفح أحوال المفتين، فمن صلح للفتيا أقره، ومن لا يصلح منعه ونهاه أن يعود وتواعده بالعقوبة ان عاد.
(1)
طلعة الشمس ج 2 ص 275 الهامش طبع المطبعة السلفية بمصر سنة 1342 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 295 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 286 الطبعة السابقة.
(4)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 ص 41 الطبعة السابقة.
وطريق الامام الى معرفة من يصلح للفتوى أن يسأل علماء وقته ويعتمد أخبار الموثوق بهم.
ثم روى باسناده عن مالك رحمه الله قال: ما أفتيت حتى شهد لى سبعون أنى أهل لذلك.
وفى رواية ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم منى هل يرانى موضعا لذلك.
قال مالك: ولا ينبغى لرجل أن يرى نفسه أهلا لشئ حتى يسأل من هو أعلم منه.
مذهب الحنابلة:
مذهب الحنابلة
(1)
: كمذهب الشافعية، فقد نقل صاحب كشاف القناع ما ذكره الخطيب من قوله: وينبغى للامام أن يتصفح أحوال المفتين
…
الى آخر ما ذكر فى المذهب الشافعى.
مذهب الظاهرية:
كل من كان
(2)
منا فى بادية لا يجد فيها من يعلمه شرائع دينه فان كان الامام يعلم ذلك فليرسل اليهم فقيها يعلمهم قال تعالى:
(3)
{(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي}
{هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)} وبعث عليه السلام معاذا وأبا موسى الى اليمن وأبا عبيدة الى البحرين معلمين للناس أمور دينهم
(4)
ففرض ذلك على الائمة وقال تعالى: «وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»
(5)
ففرض على الامام أن يرتب أقواما لتعليم الجهال.
ما ينبغى أن يكون عليه
المفتى من الصفات وشروطه
أولا عند الفقهاء:
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر الرائق
(6)
: شرط المفتى اسلامه وعدالته ولزم منها اشتراط بلوغه وعقله فترد فتوى الفاسق والكافر وغير المكلف اذ لا يقبل خبرهم.
وفى الدر المختار
(7)
قال: وشرط بعضهم تيقظه، قال ابن عابدين احترازا عمن غلب عليه الغفلة والسهو.
(1)
كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 4 ص 166 الطبعة السابقة.
(2)
الإحكام فى أصول الإحكام لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 118 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 125 من سورة النحل.
(4)
الأحكام لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 122 الطبعة السابقة.
(5)
الآية رقم 122 من سورة التوبة.
(6)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 286 الطبعة السابقة.
(7)
رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار لابن عابدين ج 4 ص 418، 419 الطبعة السابقة.
ثم قال: وهذا شرط لازم فى زماننا، فان العادة اليوم أن من صار بيده فتوى المفتى استطال على خصمه وقهره بمجرد قوله أفتانى المفتى بأن الحق معى والخصم جاهل لا يدرى ما فى الفتوى فلا بد أن يكون المفتى متيقظا يعلم حيل الناس ودسائسهم، فاذا جاء السائل يقرره من لسانه ولا يقول له: ان كان كذا فالحق معك، وان كان كذا فالحق مع خصمك، لانه يختار لنفسه ما ينفعه ولا يعجز عن اثباته بشاهدى زور، بل الاحسن أن يجمع بينه وبين خصمه فاذا ظهر له الحق مع أحدهما كتب الفتوى لصاحب الحق، وليحترز من الوكلاء فى الخصومات، فان أحدهم لا يرضى الا باثبات دعواه لموكله بأى وجه أمكن، ولهم مهارة فى الحيل والتزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل بصورة الحق، فاذا أخذ الفتوى قهر خصمه ووصل الى غرضه الفاسد، فلا يحل للمفتى أن يعينه على ضلاله، وقد قالوا من جهل بأهل زمانه فهو جاهل، وقد يسأل عن أمر شرعى وتدل القرائن للمفتى المتيقظ أن مراده التوصل به الى غرض فاسد كما شاهدناه كثيرا.
والحاصل أن غفلة المفتى يلزم منها ضرر عظيم فى هذا الزمان.
وقال فى الدر:
(1)
: ولا يشترط حريته أى فهو كالراوى لا كالشاهد والقاضى
ولذا تصح فتواه لمن لا تقبل شهادته له، ولا تشترط ذكورته ونطقه، فيصح افتاء الاخرس لا قضاؤه، فيكتفى بالاشارة منه، وذلك حيث فهمت اشارته، والاصح أنه يصح فتوى الاطرش وهو من يسمع الصوت القوى.
قال ابن عابدين: لا شك أنه اذا كتب له وأجاب عنه جاز العمل بفتواه وأما اذا كان منصوبا للفتوى يأتيه عامة الناس ويسألونه من نساء وأعراب وغيرهم فلا بد أن يكون صحيح السمع، لانه لا يمكن كل سائل أن يكتب له سؤاله، وقد يحضر اليه الخصمان ويتكلم أحدهما بما يكون فيه الحق عليه لا له والمفتى لم يسمع ذلك منه، فيفتيه على ما سمع من بعض كلامه فيضيع حق خصمه، وهذا قد شاهدته كثيرا، فلا ينبغى التردد فى أنه لا يصلح أن يكون مفتيا عاما ينتظر القاضى جوابه، ليحكم به، فان ضرر مثل هذا أعظم من نفعه.
ويصح أن يفتى القاضى - ولو فى مجلس القضاء - من لم يخاصم اليه.
قال فى الظهيرية: ولا بأس للقاضى أن يفتى من لم يخاصم اليه، ولا يفتى أحد الخصمين فيما خوصم اليه.
وفى الخلاصة: القاضى هل يفتى؟ فيه أقاويل، والصحيح أنه لا بأس به فى مجلس القضاء وغيره فى الديانات والمعاملات.
(1)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 419 الطبعة السابقة.
قال ابن عابدين ويمكن حمل ما فى الخلاصة على من لم يخاصم اليه فيوافق ما فى الظهيرية.
وفى كافى الحاكم: وأكره للقاضى أن يفتى فى القضاء للخصوم كراهة أن يعلم خصمه قوله فيتحرز منه بالباطل.
وفى البحر الرائق:
(1)
ويشترط أهلية اجتهاده ثم قال
(2)
: وحاصل شرائط المجتهد الاسلام والبلوغ والعقل وكونه فقيه النفس، بمعنى شديد الفهم بالطبع وعلمه باللغة العربية، أى الصرف والنحو والمعانى والبيان والاصول، وكونه حاويا لعلم كتاب الله تعالى مما يتعلق بالاحكام، وكونه عالما بالحديث متنا وسندا وناسخا ومنسوخا، ولا يشترط فيه بعد صحة العقيدة علم الكلام ولا تفاريع الفقه، ولا الذكورة والحرية، ولا العدالة، فللفاسق الاجتهاد، ليعمل بنفسه، وأما غيره فلا يعمل به، ويشترط كونه عالما بوجوه القياس، وفى الحقيقة: اشتراط علمه بالاصول يغنى عنه، ولا بد من معرفة الاجماع ومواقعه ومن معرفة عادات الناس.
ثم قال
(3)
: فلا يفتى الا المجتهد، وقد استقر رأى الاصوليين على أن المفتى هو المجتهد.
فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس مفتيا، والواجب عليه اذا سئل أن يذكر قول المجتهد كأبى حنيفة على جهة الحكاية، فعرف أن ما يكون فى زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى، بل هو نقل كلام المفتى ليأخذ به المستفتى.
وقال فى كنز الدقائق
(4)
: والفاسق يصلح مفتيا وقيل لا.
وقال صاحب البحر: وجه الاول:
أنه يحذر النسبة الى الخطأ.
ووجه الثانى: أنه من أمور الدين وخبره غير مقبول فى الديانات ثم قال: ولم يرجح الشارحون أحدهما.
وظاهر ما فى التحرير أنه لا يحل استفتاؤه اتفاقا، فانه قال:
الاتفاق على حل استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة أو رآه منتصبا والناس يستفتونه معظمين وعلى امتناعه ان ظن عدم أحدهما، فان جهل اجتهاده دون عدالته فالمختار منع استفتائه، بخلاف المجهول من غيره اذ الاتفاق على المنع أهـ.
قال صاحب البحر: فلا أقل من أن يكون ترجيحا لعدم صلاحيته، ولهذا جزم به فى المجمع واختاره فى شرحه،
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 286.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 288 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الرائق لابن نجيم ج 6 ص 289 الطبعة السابقة.
(4)
متن كنز الدقائق وشرحه البحر الرائق لابن نجيم ج 6 ص 286 الطبعة السابقة.
وقال ابن عابدين فى حاشيته تعليقا على ما فى التحرير من أنه لا يحل استفتاء الفاسق اتفاقا، قال: هذا بناء على ما عليه الاصوليون من أن المفتى هو المجتهد، وهو غير المراد هنا، بل المراد به هنا المقلد الذى ينقل الحكم عن غيره وجاء فى الفتاوى الهندية والبحر:
(1)
وفى اشتراط معرفة الحساب لتصحيح مسائله وجهان، ويشترط أن يحفظ مذهب امامه ويعرف قواعده وأساليبه وليس للاصولى الماهر وكذا البحاث فى الخلاف من أئمة الفقه وفحول المناظرين أن يفتى فى الفروع الشرعية، ومن شرطه أن لا يرمى بالكاغد كما اعتاده بعض الناس، لان فيه اسم الله تعالى وتعظيم اسمه تعالى واجب.
قال فى البحر
(2)
وليكن المفتى متنزها عن خوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن حسن التصرف والاستنباط، ولو كان المفتى عبدا أو امرأة أو أعمى أو أخرس بالاشارة، وليس هو كالشاهد فى رد
فتواه، لقرابة وجر نفع ودفع ضر وعداوة، فهو كالراوى لا كالشاهد.
وتقبل فتوى من لا يكفر ولا يفسق ببدعة كشهادته.
وفى تنقيح المحبوبى: أن الاشارة من المفتى الناطق يعمل بها فلا يختص بالاخرس.
وفى البحر:
(3)
للمفتى أن يغلظ للزجر متأولا كما اذا سأله من له عبد عن قتله وخشى أن يقتله جاز أن يقول: ان قتلته قتلناك متأولا، لقوله صلى الله عليه وسلم: من قتل عبده قتلناه وهذا اذا لم يترتب على اطلاقه مفسدة.
مذهب المالكية:
جاء فى الفروق للقرافى:
(4)
أن المفتى هو المجتهد المطلق وهو الفقيه.
قال الصيرفى موضوع لمن قام للناس بأمر دينهم وعلم جمل عموم القرآن وخصوصه وناسخه ومنسوخه، وكذلك فى السنن والاستنباط ولم يوضع لمن علم مسألة وأدرك حقيقتها.
وقال ابن السمعانى: هو من استكمل فيه ثلاث شرائط: الاجتهاد والعدالة والكف عن الترخيص والتساهل.
(1)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للامام فخر الدين حسن بن منصور الاوزجندى الفرغانى الحنفى ج 3 ص 309 وهما فى كتاب واحد الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1310 هـ. والبحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلامة ابن نجيم ج 6 ص 291 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 286 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الرائق لابن نجيم ج 6 ص 290 الطبعة السابقة.
(4)
الفروق للامام الغلامة القرافى وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية ج 2 ص 116، 117 الطبعة السابقة.
وللمتساهل حالتان.
احداهما: أن يتساهل فى طلب الادلة وطرق الاحكام، ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر، وهذا مقصر فى حق الاجتهاد، ولا يحل له أن يفتى، ولا يجوز.
والثانية: أن يتساهل فى طلب الرخص وتأول السنة، فهذا متجوز فى دينه وهو آثم من الاول.
وجاء فى الحطاب:
(1)
قال ابن فرحون من الصفات التى ينبغى أن يتصف بها المفتى أن لا يتساهل فى الفتوى، ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتى، والتساهل قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى أو الحكم قبل استيفاء حقه من النظر والفكر، وربما يحمله على ذلك توهمه أن الاسراع براعة والابطاء عجز، ولان يبطئ ولا يخطئ اجمل به من أن يعجل فيضل ويضل، وقد يكون تساهله بأن تحمله الاغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو المكروهة بالتمسك بالشبه، طلبا للحرص على من يروم نفعه أو التغليظ على من يروم ضرره.
قال ابن الصلاح: ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه، قال: وأما اذا صح
قصد المفتى، واحتسب فى طلب حيلة لا شبهة فيها ولا يجر الى مفسدة، ليخلص بها المفتى من ورطة يمين أو نحوها فذلك حسن جميل.
وقال القرافى: اذا كان فى المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل فلا ينبغى للمفتى أن يفتى العامة بالتشديد والخواص وولاة الامور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة فى الدين والتلاعب بالمسلمين، وذلك دليل فراغ القلب من تعظيم الله تعالى واجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقريب الى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين والحاكم كالمفتى فى هذا انته.
وفى الفروق للقرافى:
(2)
أن كل شئ أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الاجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلى السالم عن المعارض الراجح لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتى به فى دين الله تعالى، فان هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه، وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره شرعا اذا لم يتأكد، وهذا لم يتأكد، فلا نقره شرعا، والفتيا بغير الشرع حرام، فالفتيا بهذا الحكم حرام، وان كان الامام المجتهد غير عاص به بل مثابا عليه،
(1)
مواهب الجليل بشرح مختصر سيدى خليل المعروف بالحطاب فى كتاب مع التاج والاكليل ج 6 ص 91، 92 الطبعة السابقة.
(2)
الفروق للقرافى وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية ج 2 ص 109، 110 الطبعة السابقة.
لانه بذل جهده على حسب ما أمر به، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وان أصاب فله أجران.
فعلى هذا يجب على أهل العصر تفقد مذاهبهم، فكل ما وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا به، ولا يعرى مذهب من المذاهب عنه، لكنه قد يقل وقد يكثر غير أنه لا يقدر أن يعلم هذا فى مذهبه الا من عرف القواعد والقياس الجلى والنص الصريح وعدم المعارض، لذلك، وذلك يعتمد أصول الفقه والتبحر فى الفقه، فان القواعد ليست مستوعبة فى أصول الفقه، بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفتوى والفقهاء لا توجد فى كتب أصول الفقه أصلا، وذلك هو الباعث لى على وضع هذا الكتاب، لا ضبط تلك القواعد بحسب طاقتى، ولاعتبار هذا الشرط يحرم على أكثر الناس الفتوى، فتأمل ذلك، فهو أمر لازم، وكذلك كان السلف رضى الله عنهم متوقفين فى الفتيا توقفا شديدا.
وقال مالك: لا ينبغى للعالم أن يفتى حتى يراه الناس أهلا لذلك، ويرى هو نفسه أهلا لذلك، يريد تثبيت أهليته عند العلماء، ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء فى حقه من الاهلية، لانه قد يظهر من الانسان أمر على ضد ما هو عليه، فاذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس حصل اليقين فى ذلك، وهذا هو شأن الفتيا فى الزمن القديم.
وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم، وأن يقول أحدهم لا يدرى، فلا جرم آل الحال للناس الى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع:
(1)
قالوا وينبغى أن يكون المفتى ظاهر الورع مشهورا بالديانة الظاهرة والصيانة الباهرة، وكان مالك رحمه الله يعمل بما لا يلزمه الناس، ويقول: لا يكون عالما حتى يعمل فى خاصة نفسه بما لا يلزمه الناس مما لو تركه لم يأثم، وكان يحكى نحوه عن شيخه ربيعة.
وشرط المفتى أن يكون مكلفا مسلما ثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن رصين الفكر صحيح التصرف والاستنباط متيقظا، سواء فيه الحر والعبد والمرأة والاعمى والاخرس اذا كتب أو فهمت أشارته.
(1)
المجموع شرح المهذب للنووى وبهامشه فتح العزيز شرح الوجيز ج 1 ص 41 وما بعدها الطبعة السابقة.
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح:
وينبغى أن يكون كالراوى فى أنه لا يؤثر فيه قرابة وعداوة وجر نفع ودفع ضر، لان المفتى فى حكم مخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص، فكان كالراوى لا كالشاهد، وفتواه لا يرتبط بها الزام بخلاف حكم القاضى.
قال: وذكر صاحب الحاوى: أن المفتى اذا نابذ فى فتواه شخصا معينا صار خصما حكما معاندا، فترد فتواه على من عاداه، كما ترد شهادته عليه.
واتفقوا على أن الفاسق لا تصح فتواه ونقل الخطيب فيه اجماع المسلمين، ويجب عليه اذا وقعت له واقعة أن يعمل باجتهاد نفسه، وأما المستور وهو الذى ظاهره العدالة ولم تختبر عدالته باطنا ففيه وجهان.
أصحهما جواز فتواه لان العدالة الباطنة يعسر معرفتها على غير القضاة.
والثانى: لا يجوز كالشهادة.
والخلاف كالخلاف فى صحة النكاح بحضور المستورين.
قال الصيمرى وتصح فتاوى أهل الاهواء والخوارج ومن لا نكفره ببدعة ولا نفسقه.
ونقل الخطيب هذا ثم قال: وأما الشراة والرافضة الذين يسبون السلف الصالح ففتاويهم مردودة وأقوالهم ساقطة والقاضى كغيره فى جواز الفتيا بلا كراهة.
هذا هو الصحيح المشهور من مذهبنا.
قال الشيخ: ورأيت فى بعض تعاليق الشيخ أبى حامد أن له الفتوى فى العبادات وما لا يتعلق بالقضاء.
وفى القضاء وجهان لاصحابنا.
أحدهما الجواز، لانه أهل.
والثانى: لا، لانه موضع تهمة.
وقال ابن المنذر تكره الفتوى فى مسائل الاحكام الشرعية.
وقال شريح أنا أقضى ولا أفتى.
مذهب الحنابلة:
(1)
ومن أعلام الموقعين: ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرؤية والفتيا الا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضى السيرة عدلا فى أقواله وأفعاله متشابه
(1)
أعلام الموقعين عن رب العالمين للشيخ الامام العلامة شمس الدين أبى عبد الله محمد ابن أبى بكر المعروف بابن القيم الجوزية ج 1 من ص 19 وما بعدها طبع ادارة الطباعة المنيرية بشارع الكحكيين بمصر.
السر والعلانية فى مدخله ومخرجه وأحواله.
واذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذى لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الارض والسموات.
فحقيق بمن أقيم فى هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذى أقيم فيه، ولا يكون فى صدره حرج من قول الحق والصدع به، فان الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذى تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى:
«وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً}
(1)
وكفى بما تولاه الله بنفسه تعالى شرفا وجلالة اذ يقول فى كتابه «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» }.
(2)
وليعلم المفتى عمن ينوب فى فتواه، وليوقن أنه مسئول غدا وموقوف بين يدى الله تعالى.
وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين وامام المستفتين وخلتم النبيين عبد الله ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده، فكان يفتى عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ،}
(3)
فكانت فتاويه صلى الله عليه وسلم جوامع الاحكام ومشتملة على فصل الخطاب، وهى فى وجوب أتباعها وتحكيمها والتحاكم اليها ثانية الكتاب.
وليس لاحد من المسلمين العدول عنها ما وجد اليها سبيلا، وقد أمر الله عباده بالرد اليها حيث يقول:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» }.
(4)
ثم قام بالفتوى بعده أصحابه صلى الله عليه وسلم ألين الامة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأحسنها بيانا، وأصدقها ايمانا، وأعمها نصيحة، وأقربها الى الله وسيلة، وكانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط،
(1)
الآية رقم 127 من سورة النساء.
(2)
الآية رقم 176 من سورة النساء.
(3)
الآية رقم 86 من سورة ص.
(4)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
وكما أن الصحابة سادة الامة وأئمتها وقادتهم فهم سادات المفتين والعلماء.
قال الليث عن مجاهد: العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال سعيد عن قتادة فى قوله تعالى «وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ 1 وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» قال: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر آثارا كثيرة فى فضل الصحابة وعلمهم وآثارهم فى القضاء والافتاء قصد السير فى طريقهم والنسج على منوالهم لم آت بها خشية الاطالة والخروج عن الموضوع والله الموفق والمعين.
ثم قال (ابن القيم)
(2)
قال الامام أحمد فى رواية ابنه صالح عنه: ينبغى للرجل اذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن، عالما بالاسانيد الصحيحة، عالما بالسنن وانما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها.
وقال فى رواية ابنه عبد الله: اذا كان عند الرجل الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلاف الصحابة والتابعين، فلا يجوز أن يعمل بما شاء ويتخير فيقضى به ويعمل به
حتى يسأل أهل العلم ما يؤخذ به فيكون يعمل على أمر صحيح.
وقال فى رواية أبى الحرث: لا يجوز الافتاء الا لرجل عالم بالكتاب والسنة.
وقال فى رواية حنبل: ينبغى لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم والا فلا يفتى.
وقال محمد بن عبد الله بن المناوى:
سمعت رجلا يسأل أحمد اذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها؟ قال: لا قال:
فمائتى ألف؟ قال: لا، قال: فثلثمائة ألف: قال لا، قال: فأربعمائة ألف؟ قال بيده: هكذا وحرك يده.
قال أبو الحسين: وسألت جدى محمد بن عبيد الله قلت: فكم كان يحفظ أحمد بن حنبل؟ قال: أخذ عن ستمائة ألف.
قال أبو حفص: قال لى أبو اسحق، لما جلست فى جامع المنصور للفتيا: ذكرت هذه المسألة فقال لى رجل: فأنت هو ذا لا تحفظ هذا المقدار حتى تفتى الناس فقلت له: عافاك الله اذ كنت لا أحفظ هذا المقدار فانى هو ذا أفتى الناس بقول من كان يحفظ هذا المقدار وأكثر منه.
قال القاضى أبو يعلى: وظاهر هذا الكلام أنه لا يكون من أهل الاجتهاد اذا لم يحفظ من الحديث هذا القدر الكثير الذى ذكره، وهذا محمول على الاحتياط والتغليظ فى الفتوى.
(1)
الآية رقم 6 من سورة سبا.
(2)
أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية ج 1 ص 49 وما بعدها الطبعة السابقة.
ثم ذكر حكاية أبى اسحق لما جلس فى جامع المنصور.
قال: وليس هذا الكلام من أبى اسحق مما يقتضى أنه كان يقلد أحمد فيما يفتى به لانه قد نص فى بعض تعاليقه على كتاب العلل على الدلالة على منع الفتوى بغير علم لقوله تعالى «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» }.
(1)
ثم ذكر أقوال العلماء فى فتوى المقلد وهل يجوز له أن يفتى أو لا يجوز وانته منه الى ترجيح القول بالجواز وان العمل عليه واكتفيت عن ذكره بما سبق من الكلام على أنواع المفتين.
ثم قال: وقال الشافعى فيما رواه عنه الخطيب فى كتاب الفقيه والمتفقه له لا يحل لاحد أن يفتى فى دين الله الا رجلا عارفا بكتاب الله بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، ويكون بعد ذلك بصيرا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيرا باللغة، بصيرا بالشعر، وما يحتاج اليه للسنة والقرآن، ويستعمل هذا مع الانصاف.
ويكون بعد هذا مشرفا على اختلاف أهل الامصار، وتكون له قريحة بعد هذا.
فاذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتى فى الحلال والحرام، واذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتى.
وقال صالح بن أحمد: قلت لابى:
ما تقول فى الرجل يسأل عن الشئ فيجيب بما فى الحديث وليس بعالم فى الفقه؟ فقال: ينبغى للرجل اذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بالسنن عالما بوجوه القرآن عالما بالاسانيد الصحيحة وذكر الكلام المتقدم.
وقال على بن شقيق: قيل لابن المبارك متى يفتى الرجل؟ قال: اذا كان عالما بالاثر بصيرا بالرأى.
وقيل ليحيى بن أكثم: متى يجب الرجل أن يفتى؟ فقال: اذا كان بصيرا بالرأى بصيرا بالاثر قلت (ابن القيم) يريد أن بالرأى القياس الصحيح والمعانى والعلل الصحيحة التى علق الشارع بها الاحكام وجعلها مؤثرة فيها طردا أو عكسا.
وجاء فى كشاف القناع
(2)
: يحرم الحكم والفتيا بالهوى اجماعا وليحذر المفتى أن يميل فى فتياه مع المستفتى أو مع خصمه، مثل أن يكتب فى جوابه ما هو له فقط ونحو ذلك، بل يكتب ماله وما عليه، لانه العدل وأداء الامانة فيما علمه الله، وليس له أن يبتدئ فى مسائل الدعاوى والبينات بذكر وجوه المخالص
(1)
الآية رقم 36 من سورة الاسراء.
(2)
كشاف القناع مع هامش منتهى الارادات لمنصور بن ادريس الحنبلى ج 4 ص 174 الطبعة السابقة.
منها، لان ذلك ميل مع أحدهما، وان سأله بأى شئ تندفع دعوى كذا وكذا وبينة كذا وكذا لم يجب، لئلا يتوصل السائل بذلك الى ابطال حق، وله أن يسأله عن حاله فيما ادعى عليه فاذا شرحه المستفتى له: أى للمفتى عرفه بما فيه من دافع وغير دافع، ليكون على بصيرة.
ويحرم الحكم والفتيا بقول أو وجه من غير نظر فى الترجيح اجماعا، ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه اجماعا.
ثم قال:
(1)
للمفتى أخذ الرزق من بيت المال لان الافتاء من المصالح العامة كالاذان، ولو تعين عليه أن يفتى ولا كفاية (أى ليس عنده ما يكفيه) لم يأخذ من المستفتى، لانه اعتياض عن واجب عليه ولا يجوز، ومن أخذ رزقا من بيت المال لم يأخذ من المستفتى أجرة فتياه ولا لحظه لاستغنائه بالرزق والا. أى وان لم يأخذ رزقا أخذ أجرة حظه فقط.
ويجب على الامام أن يفرض من بيت المال لمن نصب نفسه لتدريس العلم والفتوى فى الاحكام ما يغنيه عن التكسب لدعاء الحاجة الى القيام بذلك (أى اقتضائها) والانقطاع له وهو فى معنى الامامة والقضاء، وان جعل له - أى
للمفتى أهل بلد رزقا ويتفرغ له جاز له أخذه.
وجاء فى الاقناع
(2)
ولا يجوز أن يفتى فيما يتعلق باللفظ بما اعتاده هو من فهم تلك الالفاظ دون أن يعرف عرف أهلها والمتكلمين بها، بل يحملها على ما اعتادوه وعرفوه وان كان مخالفا لحقائقها الاصلية، واذا اعتدل عنده قولان من غير ترجيح فقال القاضى: يفتى بأيهما شاء.
وفى كشاف القناع أيضا:
(3)
لا ينبغى للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصائل.
احداها: أن تكون له نية، أى أن يخلص فى ذلك لله تعالى، ولا يقصد رياسة ولا نحوها، فان لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، اذ الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
الثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة، والا لم يتمكن من فعل ما تصدى له من بيان الاحكام الشرعية.
الثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته، والا فقد عرض نفسه لعظيم.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 176، 177 الطبعة السابقة.
(2)
الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل لشرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 4 ص 374 طبع المطبعة المصرية بالأزهر سنة 1351 هـ.
(3)
كشاف القناع مع هامش منتهى الارادات ج 4 ص 175، 176 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 370، 371 الطبعة السابقة.
الرابعة: الكفاية، والا بغضه الناس فانه اذا لم تكن له كفاية احتاج الى الناس والى الاخذ مما فى أيديهم فيتضررون منه.
الخامسة: معرفة الناس: أى ينبغى للمفتى أن يكون بصيرا بمكر الناس وخداعهم، ولا ينبغى له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذرا فطنا مما يصورونه فى سؤالاتهم، لئلا يوقعوه فى المكروه.
ويؤيده حديث «احترسوا من الناس بسوء الظن» وخبر: أخوك البكرى ولا تأمنه وقد روى عن مالك أنه قال: ما أفتيت حتى شهد لى سبعون أنى أهل لذلك، وفى رواية ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم منى هل ترانى موضعا لذلك، قال مالك: ولا ينبغى لرجل أن يرى نفسه أهلا لشئ حتى يسأل من هو أعلم منه.
ويحرم أن يفتى فى حال لا يجوز أن يحكم فيها كغضب ونحوه، كحر مفرط وبرد مفرط، وعلل ونحوه مما يغير الفكر، فان أفتى فى ذلك الحال وأصاب الحق صح جوابه وكره.
وتصح فتوى العبد والمرأة والامى والاخرس المفهوم الاشارة أو الكتابة كخبرهم، وتصح الفتيا مع أخذ النفع ودفع الضرر ومن العدو، وأن يفتى أباه وأمه وشريكه وسائر من لا تقبل شهادته له كزوجته ومكاتبته، لان القصد بيان الحكم الشرعى وهو لا يختلف، وليس منه الزام بخلاف الحاكم، ولا تصح الفتيا من فاسق لغيره وان كان مجتهدا، لانه ليس بأمين على ما يقول.
وفى أعلام الموقعين: قلت الصواب جواز استفتاء الفاسق الا أن يكون معلنا بفسقه داعيا الى بدعته لكن يفتى المجتهد الفاسق نفسه لانه لا يتهم بالنسبة الى نفسه ولا يسأله غيره لعدم حصول المقصود والوثوق به ولا تصح الفتيا من مستور الحال.
وفى المبدع: تصح فتيا مستور الحال فى الاصح، والحاكم كغيره فى الفتيا فيما يتعلق بالقضاء وغيره.
ويحرم تساهل مفت فى الفتيا، وتقليد معروف به، أى بالتساهل فى الفتيا.
قال الشيخ لا يجوز استفتاء الا من يفتى بعلم أو عدل، لان أمر الفتيا خطر فينبغى أن يحتاط.
وليس لمن انتسب الى مذهب امام اذا استفتى فى مسألة ذات قولين أو وجهين أن يتخير ويعمل بأيهما شاء، بل يراعى ألفاظ امامه ومتأخرها وأقربها من الكتاب والسنة.
ويلزم المفتى تكرير النظر عند تكرار الواقعة، كالمجتهد فى القبلة يجتهد لكل صلاة.
أما العامى اذا وقعت له مسألة فسأل عنها ثم وقعت له ثانيا فلم أر لاصحابنا فيها شيئا.
وان حدث ما لا قول فيه للعلماء تكلم فيه حاكم ومجتهد ومفت فيرده الى الاصل والقواعد.
وينبغى للمفتى أن يشاور من عنده ممن يثق بعلمه الا أن يكون فى ذلك افشاء بسر السائل أو تعريضه للاذى أو يكون فيه مفسدة لبعض الحاضرين فيخفيه ازالة لذلك.
وحقيق به - أى بالمفتى أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح: اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنى لما اختلفت فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم، ويقول اذا أشكل عليه شئ يا معلم ابراهيم علمنى.
وجاء فى الاقناع
(1)
: والمجتهد من يعرف من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الحقيقة والمجاز والامر والنهى والمجمل والمبين والمحكم والمتشابه والخاص والعام والمطلق والمقيد
والناسخ والمنسوخ والمستثنى والمستثنى منه.
ويعرف من السنة صحيحها من سقيمها وتواترها من آحادها ومرسلها ومتصلها، وسندها ومنقطعها، مما له تعلق بالاحكام خاصة، ويعرف ما أجمع عليه مما اختلف فيه، والقياس وحدوده وشروطه وكيفية استنباطه والعربية المتناولة بالحجاز والشام والعراق وما يواليها، فمن عرف ذلك أو أكثره ورزق فهما - صلح للفتيا والقضاء.
مذهب الظاهرية:
المنتصبون لطلب الفقه وهم النافرون للتفقه الحاملون لفرض النفار عن جماعتهم المتأهبون لنذارة قومهم ولتعليم المتعلم وفتيا المستفتى وربما للحكم بين الناس ففرض عليهم تقصى علوم الديانة على حسب طاقتهم، من أحكام القرآن وحديث النبى صلى الله عليه وسلم ورتب النقل وصفات؟؟؟ ومعرفة المسند الصحيح مما عداه من مرسل وضعيف، هذا فرضه اللازم له، فان زاد الى ذلك معرفة الاجماع والاختلاف، ومن أين قال كل قائل وكيف يرد أقاويل المختلفين المتنازعين الى الكتاب والسنة فحسن.
وفرض عليه تعلم كيفية البراهين التى يتميز بها الحق من الباطل وكيف
(1)
الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 369، 370 الطبعة السابقة.
يعمل فيما ظاهره التعارض من النصوص وكل هذا منصوص فى القرآن قال تعالى: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
(1)
. فهذا ايجاب لتعلم أحكام القرآن وأحكام أوامر النبى صلى الله عليه وسلم لان هذين أصل الدين وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ» فوجب بذلك تعريف عدول النقلة من فساقهم وفقهائهم ممن لم يتفقه منهم
(2)
. ثم قال
(3)
وفرض عليه أن يستعين على ذلك من سائر العلوم بما تقتضيه حاجته اليه فى فهم كلام ربه تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
(4)
ففرض على الفقيه أن يكون عالما بلسان العرب ليفهم عن الله عز وجل وعن النبى صلى الله عليه وسلم، ويكون عالما بالنحو الذى هو ترتيب كلام العرب لكلامهم الذى به نزل
القرآن وبه يفهم معانى الكلام التى يعبر عنها باختلاف الحركات وبناء الالفاظ، فمن جهل اللغة وهى الالفاظ الواقعة على المسميات وجهل النحو الذى هو علم اختلاف الحركات الواقعة لاختلاف المعانى فلم يعرف اللسان الذى به خاطبنا الله تعالى ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ومن لم يعرف ذلك اللسان لم يحل له الفتيا فيه لانه يفتى بما لا يدرى وقد نهاه الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً» وبقوله تعالى «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ» وبقوله تعالى «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ» وقال تعالى «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ» }.
وفرض على الفقيه أن يكون عالما بسير النبى صلى الله عليه وسلم ليعلم آخر أوامره وأولها وحربه عليه السلام لمن حارب وسلمه لمن سالم وليعرف على ماذا حارب ولماذا وضع الحرب وحرم الدم بعد تحليله وأحكامه عليه السلام التى حكم بها.
فمن كانت هذه صفته وكان ورعا فى فتياه مشفقا على دينه صلبا فى الحق
(1)
الآية رقم 122 من سورة التوبة.
(2)
الأحكام فى أصول الاحكام لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 124 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 125، 126 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 4 من سورة ابراهيم.
حلت له الفتيا، والا فحرام عليه أن يفتى بين اثنين، أو أن يحكم بين اثنين، وحرام على الامام أن يقلده حكما، أو يتيح له فتيا، وحرام على الناس أن يستفتوه، لانه ان لم يكن عالما بما ذكرنا فلم يتفقه فى الدين، وان لم يكن مشفقا على دينه فهو فاسق، وان لم يكن صلبا فى الحق لم يأمر بمعروف ولا نهى عن منكر، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر فرضان على الناس قال تعالى «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» وهذا متوجه الى العلماء بالمعروف وبالمنكر لانه لا يجوز
(1)
أن يدعو الى الخير الا من علمه ولا يمكن أن يأمر بالمعروف الا من عرفه ولا يقدر على أنكار المنكر الا من ميزه.
ثم قال ابن حزم: وأما معرفة الاجماع والاختلاف فقد زعم قوم ان هذا يجب معرفته بقوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ 2 مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» قال: ففرض
علينا معرفة ما اتفقت عليه أولو الامر منا، لاننا مأمورون بطاعتهم، ولا يمكننا طاعتهم الا بعد معرفة اجماعهم الذى يلزمنا طاعتهم فيه، وأما معرفة الاختلاف ومعرفة ما يتنازعون فيه ومعرفة كيفية الرد الى الكتاب والسنة فبقوله تعالى «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ» ففرض علينا معرفة ما يتنازعون فيه ومعرفة كيف يرد ذلك الى الكتاب والسنة، لاننا ان لم نعرف الاختلاف ظننا أن القول الذى نسمعه من بعض العلماء لا خلاف فيه فنتبعه دون أن نعرضه على القرآن والسنة فنخطئ ونعصى الله تعالى اذا أخذنا قولا نهينا عن اتباعه.
قال أبو محمد: وهذا خطأ، لاننا انما أمرنا الله تعالى بطاعة أولى الامر فيما نقلوه الينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أن يقولوا من عند أنفسهم بحكم لا نص فيه فما جاز هذا قط لاحد أن يفعله، ولا حل لاحد قط أن يطيع من فعله، وقد توعد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا أشد الوعيد، فكيف على من دونه قال تعالى «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما}
(1)
الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج 5 ص 124، 125 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
{مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ»
(1)
فصح أن من قال فى الدين بقول أضافه الى الله تعالى فقد كذب وتقول على الله تعالى الاقاويل وان لم يضفه الى الله تعالى فليس من الدين أصلا.
لكن معرفة الاختلاف علم زائد، قال سعيد بن جبير: أعلم الناس أعلمهم بالاختلاف، وصدق سعيد، لانه علم زائد، وكذلك معرفة من أين قال كل قائل، فأما معرفة كيفية اقامة البرهان فبقوله تعالى: {قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»
(2)
فلم نقل شيئا الا ما قاله ربنا عز وجل وأوجبه علينا، وانما نحن منبهون على ما أمرنا الله تعالى ومنذرون قومنا فيما تفقهنا فيه ونفرنا لتعلمه كما أمرنا الله تعالى اذ يقول: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»
(3)
ولا نقول من عند أنفسنا شيئا.
ثم قال
(4)
: فحد الفقيه: هو المعرفة بأحكام الشريعة من القرآن ومن كلام المرسل بها الذى لا تؤخذ الا عنه،
وتفسير هذا الحد هو المعرفة بأحكام القرآن وناسخها ومنسوخها، والمعرفة بأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه، وما صح نقله مما لم يصح، ومعرفة ما أجمع العلماء عليه وما اختلفوا فيه وكيف يرد الاختلاف الى القرآن، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا تفسير العلم بأحكام الشريعة.
وكل من علم مسالة واحدة من دينه على الرتبة التى ذكرنا جاز له أن يفتى بها، وليس جهله بمانع من أن يفتى بما علم ولا علمه بما علم بمبيح له أن يفتى فيما جهل وليس أحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم الا وقد غاب عنه من العلم كثير هو موجود عند غيره، فلو لم يفت الا من أحاط بجميع العلم لما حل لاحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتى أصلا، وهذا لا يقوله مسلم، وهو ابطال للدين، وكفر من قائله، وقد بعث النبى صلى الله عليه وسلم الامراء الى البلاد ليعلموا الناس القرآن وحكم الدين، ولم يكن أحد منهم يستوعب جميع ذلك لانه قد كانت تنزل بعدهم الايات والاحكام.
وفى ذلك بيان صحيح بأن العلماء وان فاتهم كثير من العلم فان لهم أن يفتوا ويقضوا بما عرفوا.
وفى هذا الباب أيضا بيان جلى على أن من علم شيئا من الدين علما صحيحا
(1)
الآيات رقم 44، 45، 46، 47 من سورة الحاقة.
(2)
الآية رقم 11 من سورة البقرة.
(3)
الآية رقم 122 من سورة التوبة.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 127 الطبعة السابقة.
فله أن يفتى به وعليه أن يطلب علم ما جهل مما سوى ذلك، ومن علم أن فى المسألة التى نزلت حديثا قد فاته لم يحل له أن يفتى فى ذلك حتى يقع على ذلك الحديث.
ثم قال ابن حزم
(1)
: فالواجب طلب الحكم فى المسألة من نص القرآن، وصحيح الحديث، وطلب الناسخ من المنسوخ، وبناء الحديث بعضه مع بعض، ومع القرآن وبناء الآى بعضها مع بعض، ليس عليه غير هذا البتة.
وان طالع أقوال الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم عصرا عصرا، ففرض عليه أن ينظر من أقوال العلماء كلها نظرا واحدا ويحكم فيها القرآن والسنة، فلأيها حكم اعتقده وأفتى به وأطرح سائرها، وان لم يجد شيئا مما بلغه منها فى نص القرآن ولا فى نص السنة لم يحل له أن يأخذ بشئ منها، بل عليه أن يأخذ بالنص وان لم يبلغه ان قائلا قال به.
ثم قال
(2)
: لا يحل اتباع فتيا صاحب ولا تابع ولا أحد دونهم الا أن يوجبها نص أو اجماع.
وقال
(3)
: وقد كان الصحابة يقولون بآرائهم فى عصره عليه السلام فيبلغه ذلك فيصوب المصيب ويخطئ المخطئ، فذلك بعد موته عليه السلام أفشى وأكثر، فمن ذلك فتيا ابى السنابل لسبيعة الاسلمية بأن عليها فى العدة آخر الاجلين، فأنكر عليه السلام ذلك، وأخبر ان فتياه باطلة، وقد أفتى بعض الصحابة وهو عليه السلام حى - بأن على الزانى غير المحصن الرجم حتى افتداه والده بمائة شاة ووليدة، فأبطل عليه السلام ذلك الصلح وفسخه، وساق ابن حزم من ذلك أمثلة كثيرة.
وقال
(4)
: واذا سئل العالم عن مسألة فأعيته أو نزلت به نازلة فأعيته فانه يلزمه أن يسأل الرواة عن أقوال العلماء فى تلك المسألة النازلة ثم يعرض تلك الأقوال على كتاب الله تعالى وكلام النبى صلى الله عليه وسلم كما أمره الله تعالى بقوله «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»
(5)
وإذ يقول: وما أختلفتم فيه من شئ فحكمه
(6)
الى الله ذلكم الله ربى عليه توكلت
(1)
الأحكام فى أصول الأحكام لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 129، 130 الطبعة السابقة.
(2)
الأحكام لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 87، 88 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 84 الطبعة السابقة.
(4)
الأحكام لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 150 الطبعة السابقة.
(5)
الآية رقم 7 من سورة الأنبياء.
(6)
الآية رقم 10 من سورة الشورى.
واليه أنيب، وقوله تعالى
(1)
: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً،} فمن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليرد ما اختلف فيه من الدين إلى القرآن والسنة الواردة عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا يرد ذلك إلى رجل من المسلمين لم يؤمر بالرد اليه.
مذهب الزيدية:
قال صاحب الروض النضير
(2)
: يجب أن يكون الحاكم والمفتى مجتهد بالفعل فى أشخاص مسائل الاستفتاء وفصل الخصومات، ولا يكفى مجرد تمكنه من الاجتهاد فيها، لان الحكم والافتاء أخبار عما علمه الحاكم والمفتى من حكم الله وظنه والاخبار عن الله لا عن دليل ولا امارة افتراء على الله وقد قال الله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ} .
(3)
ثم قال: حدثنى زيد بن على عن أبيه عن جده عن على عليهم السلام
قال: لا يفتى الناس الا من قرأ القرآن وعلم الناسخ والمنسوخ وفقه السنة وعلم الفرائض والمواريث، لان المفتى حاك عن الله تعالى حكمه الذى شرعه لعباده فلا يجوز له أن يخبر عن الله عز وجل حكمه ودينه الذى شرعه لعباده الا اذا كان خبره مطابقا لما شرعه والا كان قائلا عن الله بلا علم، وقد حرم الله القول عليه بغير علم كما قال تعالى «قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ}.
(4)
ثم قال «من أفتى بغير علم كان أثمه على من أفتاه» أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبى هريرة.
وجاء «اجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» . فلا بد أن يكون المنصوب للفتيا مجتهدا
(5)
بالفعل فى كثير من الاحكام فيجب أن يكون له كمال أهليه الاجتهاد وكمال الممارسة لموارد الادلة لاشتراط قراءته للقرآن وفقهه وأن يكون قد ظهر وتبين كمال اجتهاده الفعلى فى كثير من الاحكام ليتحقق كمال الاهلية لان المطلوب من الانتصاب للفتيا
(1)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
(2)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير لأحمد الحسنى اليمنى الصنعانى ج 2 من ص 42 الى ص 45 وما بعدها تتمة الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 21 من سورة الأنعام.
(4)
الآية رقم 33 من سورة الأعراف.
(5)
تتمة الروض النضير لأحمد الحسنى اليمنى الصنعانى ج 2 ص 146، 147 الطبعة السابقة.
هو بيان الاحكام الشرعية وغير الممارس وان كانت ملكته قوية يكاد أن يخفى عليه ما هو المتعين للاستناد اليه من الادلة المعارضة لما استند اليه من تقدمه فى النظر فى دليل الحكم لجواز وجود مخصص للعام أو مقيد للمطلق ونحو ذلك. وهذا القدر يعترف به كل من جوّد النظر وكان كامل الاهلية عالى الهمة يقظان الفطنة ولا يكفى كونه أصوليا وهو المعبر عنه بالمتمكن من الاجتهاد، لان مجرد تحصيل الادلة بدون استعمال لها غير مغن لكثرة خطأ غير الممارس فى أى صناعة كانت كما ذلك معلوم ولا بد أن يكون مستعينا بكثرة الممارسة للفروع المدونة بجميع فتاوى السلف وأقوال العلماء من الخلف وان كان ذلك غير شرط فى الاجتهاد، لانه يزيد المنتصب للفتيا كمالا وثباتا.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(1)
: أنه يشترط فى المفتى البلوغ والعقل والذكورة والايمان والعدالة وطهارة المولد اجماعا والكتابة والحرية والبصر على الاشهر، والنطق وغلبة الذكر والاجتهاد فى الاحكام الشرعية وأصولها، ويتحقق بمعرفة المقدمات الست، وهى الكلام والاصول والنحو والتصريف ولغة العرب وشرائط الادلة والاصول
الاربعة، وهى الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل، والمعتبر من الكلام ما يعرف به الله تعالى وما يلزمه من صفات الجلال والاكرام وعدله وحكمته، ونبوة نبيه صلى الله عليه وسلم وعصمته، وامامة الائمة عليهم السلام كذلك ليحصل الوثوق بخبرهم، وتحقق الحجة به والتصديق بما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم من أحوال الدنيا والاخرة، كل ذلك بالدليل التفصيلى، ولا يشترط الزيادة على ذلك بالاطلاع على ما حققه المتكلمون من أحكام الجواهر والاعراض وما اشتملت عليه كتبه من الحكمة والمقدمات والاعتراضات وأجوبة الشبهات، وان وجب معرفته كفاية من جهة أخرى، ومن ثم صرح جماعة المحققين بأن الكلام ليس شرطا فى التفقه فان ما يتوقف عليه منه مشترك بين سائر المكلفين، ومن الاصول ما يعرف به أدلة الاحكام من الامر والنهى والعموم والخصوص والاطلاق والتقييد والاجمال والبيان وغيرها مما اشتملت عليه مقاصده.
ومن النحو والتصريف ما يختلف المعنى باختلافه ليحصل بسببه معرفة المراد من الخطاب ولا يعتبر الاستقصاء فيه على الوجه التام بل يكفى الوسط منه فما دون.
ومن اللغة ما يحصل به فهم كلام الله ورسوله ونوابه بالحفظ أو الرجوع الى
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 236 الى 237 الطبعة السابقة.
أصل مصحح يشتمل على معانى الالفاظ المتداولة فى ذلك.
ومن شرائط الادلة معرفة الاشكال الاقترانية والاستثنائية، وما يتوقف عليه من المعانى المفردة وغيرها.
ولا يشترط الاستقصاء فى ذلك بل يقتصر على المجزئ منه وما زاد عليه فهو مجرد تضييع للعمر وترجئة للوقت.
والمعتبر من الكتاب الكريم معرفة ما يتعلق بالاحكام وهو نحو خمسمائة آية اما بحفظها أو فهم مقتضاها ليرجع اليها متى شاء، ويتوقف على معرفة الناسخ منها من المنسوخ ولو بالرجوع الى أصل يشتمل عليه.
ومن السنة جميع ما اشتمل عليها من الاحكام ولو فى أصل مصحح رواه عن عدل بسند متصل الى النبى صلى الله عليه وسلم والائمة ويعرف الصحيح منها والحسن والموثق والضعيف، والموقوف والمرسل والمتواتر والاحاد وغيرها من الاصطلاحات التى دونت فى رواية الحديث، المفتقر اليها فى استنباط الاحكام وهى أمور اصطلاحية توقيفية لا مباحث علمية.
ويدخل فى أصول الفقه معرفة أحوالها عند التعارض وكثير من أحكامها.
ومن الاجماع والخلاف أن يعرف أن ما يفتى به لا يخالف الاجماع اما بوجود موافق بين المتقدمين أو بغلبة ظنه على أنه واقعة متجددة لم يبحث عنها السابقون بحيث حصل فيها أحد الامرين لا معرفة كل مسألة أجمعوا عليها أو اختلفوا.
ودلالة العقل من الاستصحاب والبراءة الاصلية وغيرهما داخلة فى الاصول.
وكذا معرفة ما يحتج به من القياس بل يشتمل كثير من مختصرات أصول الفقه كالتهذيب ومختصر الاصول لابن الحاجب على ما يحتاج اليه من شرائط الدليل المدونة فى علم الميزان وكثير من كتب النحو على ما يحتاج اليه من التعريف.
نعم يشترط مع ذلك كله أن يكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع الى أصولها واستنباطها منها وهذه هى العمدة فى هذا الباب والا فتحصيل تلك المقدمات قد صارت فى زماننا سهلة لكثرة ما حققه العلماء والفقهاء فيها وفى بيان استعمالها، وانما تلك القوة بيد الله تعالى يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده ولكثرة المجاهدة والممارسة لاهلها مدخل عظيم فى تحصيلها {(وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)} .
(1)
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب شرح النيل
(2)
: ويكره
(1)
الاية رقم 69 من سورة العنكبوت.
(2)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل للامام العلامة شيخ الاسلام الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 558 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.
للقاضى أن يفتى فى الاحكام اذا سئل عنها وكان شريح يقول انما أقضى ولا أفتى.
ثم قال وان أفتى فى أمور الدين جاز وعن عمر رضى الله عنه أنه كتب الى شريح لا تسارر الى أحد فى مجلسك ولا تبع ولا تبتع ولا تفت فى مسألة من الاحكام ولا تضر ولا تضار.
وقال العاصمى ومنع الافتاء للحكام فى كل ما يرجع للخصام.
وزعم بعضهم أنه يجوز كالخلفاء الاربعة قلت لا يصح عنهم وأجيز الافتاء فى مسألة عامة لا فى خصومة معينة.
وجاء فى موضع آخر
(1)
والقاضى لا يكون حجة فى فتواه ولا غيرها الا أن اطمأنت النفس أن ما أفتى به قد أخذه من لسان من يعرف ذلك أو قرأه عليه فى كتاب وكان ورعا غير طاعن فى العلماء فانه يجوز أن يؤخذ بفتواه اذا أفتى بها فى صلاة أو صوم أو نحو ذلك ولا يكون قاضيا.
وفى موضع آخر
(2)
: وجائز للامام أن يجعل للمفتى النفقة والكسوة وما يصلح له ولعياله من بيت المال وما يحتاج اليه ليتفرغ لامور المسلمين
وينبغى له أن يتنزه عن ذلك وان قبضه فليقتر فيه وان وسع أو أخذ ليتجر به أو ليتسع به ماله جاز له ربحه، ويعطى نفقة شهر أو سنة أو ما رؤى من ذلك وان تلف أعطوه وان لم يفرغ للوقت زادوا ان رأوا أو تركوه حتى يفرغ وان فرغ قبل الوقت أعطوه وان خرج من الحكومة لم يلزمه رد ما بيده وكذا ان مات فلوارثه امساكه، وان خرج أو مات فليس له أو لوارثه مما فرض الا قبضه وله أن يصنع معروفا مما قبض ويصل قرابته وعليه حقوقه وهذا كله فى الحاكم والمفتى وكل من يعين لامور المسلمين بحسب تعينهم فى ذلك وليس ذلك شرطا بل يدخلون فى ذلك كله ويجعل لهم الامام أو الجماعة ذلك يقدر لهم ما يحتاجون اليه لئلا يشتغلوا عن أمور المسلمين بتجر وغيره وان لم يكن بيت المال جعل المسلمون ذلك لهم من مالهم والا قاموا بالامور طاقتهم وبكسب قوتهم.
وجاء فى طلعة الشمس
(3)
: انهم اشترطوا فى المجتهد شروطا لا يكون مجتهدا الا بكمالها لان اجتهاد العلماء فى القضايا الشرعية متوقف على أمور لا بد من حصولها عند العالم المجتهد فمن لم تحصل معه تلك الشروط فلا يحل له القول فى الاحكام الشرعية عن نظر نفسه بل يقلد غيره فى
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 433 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 6 ص 562 الطبعة السابقة.
(3)
طلعة الشمس ج 2 ص 275 الطبعة السابقة.
ذلك، وذلك حكم الله فيه لقوله تعالى:
{فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .
فمن شروط المجتهد أن يكون عالما بالنحو والمراد أن يكون عارفا بأحكام أواخر الكلمات بناءا واعرابا والمراد بالكلمات التى اشترطنا معرفتها هنا هى الكلمات التى تكون موجودة فى الادلة الشرعية من الكتاب والسنة والكلمات التى تمس الحاجة اليها فى استنباط الاحكام كالاقرارات وألفاظ البيوع والتزويج ونحو ذلك ولا يشترط فى صحة الاجتهاد معرفة ما فوق ذلك.
ومن شروطه أيضا أن يكون عالما باللغة أى عارفا بمعانى الكلمات العربية وعارفا بمسمياتها والمشترط معرفته ها هنا من اللغة هى ما توقف فهم معانى الادلة والاحكام عليه لا ما عدا ذلك.
ومن شروطه أن يكون عالما بالصرف أى عارفا بتغير أبنية الكلمات العربية وعارفا بمقتضى كل صيغة منها والمشترط معرفته من هذا النوع ما يتوقف فهم معنى الادلة والاحكام عليه وذلك أن الفاظ الادلة من الكتاب والسنة عربية فيتوقف فهمها على معرفة النحو واللغة والصرف فلذا اشترط معرفة هذه الاشياء.
ومن شروطه أن يكون عارفا بالاصول والمراد بها أصول الديانات وأصول الفقه.
فأما أصول الديانات فهو معرفة العقائد الاسلامية ويشترط منه فى هذا المقام ما يكون حافظا للمجتهد من التلبس بالعقائد الضالة فانه اذا كان متلبسا بالهوى فلا يؤمن منه الغلط فى الفتوى فكم من مجتهد من قومنا حمل كثيرا من المسائل على اعتقاده الفاسد وهى صحيحة على قاعدته لكن قاعدته فاسدة وناهيك بقاعدة المعتزلة فى وجوب مراعاة الصلاحية والاصلحية على الله تعالى وقد تفرعت عليها عندهم فروع يطول ذكرها أما المحق فى عقائد فانه يؤمن منه ذلك لانه ان بنى على قاعدته كان بانيا على صواب وان أخطأ فى اجتهاده كان خطؤه غير مخالف للقطعيات لانها عنده مضبوطة فلا يكون خطؤه خطأ فى الدين.
وأما أصول الفقه فيشترط منه ما يكون المجتهد متمكنا به من استنباط الاحكام الشرعية من أدلتها.
وفوق ما ذكرناه لا يكون شرطا فى صحة الاجتهاد لكنه كمال فى حقه.
ومن شروطه أن يكون عالما بالبلاغة أى عارفا بمطابقة مقتضى الحال فى المخاطبات ومقتدرا على التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة فى الوضوح والخفاء.
والمشترط هنا ما يتوقف فهم معنى الادلة عليه لا ما فوق ذلك.
وكذلك يشترط معرفة كل من لا يستغنى عنه المجتهد فى استنباط الاحكام فينبغى أن يكون عارفا بالسير النبوية لان فيها معرفة أفعاله وأحواله عليه الصلاة والسلام وأن
يكون عارفا بسير الصحابة وأحوالهم لان الدين ما عليه الصحابة وقد قال صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى» وأن يكون عارفا بأسباب نزول الايات وأسباب ورود الاحاديث وأن يكون عارفا بقواعد التفسير وغير ذلك ولك أن تدخل هذه الاشياء تحت العلم بالكتاب والسنة.
ومن شروطه أن يكون عالما بالكتاب محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه ومجمله ومبينه ومطلقه ومقيده وغير ذلك من أحكامه وأن يكون عارفا بالايات التى تستخرج منها الاحكام ومن شروطه أن يكون عالما بالسنة وبأحكامها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها وآحادها ومتواترها الى غير ذلك من أحكامها وأن يكون عارفا بالاحاديث التى يستنبط منها الاحكام.
قال بعضهم والمشترط من ذلك أن يكون المجتهد عارفا بمواضع الايات والاحاديث التى تؤخذ منها الاحكام حتى يرجع اليها عند الحاجة ولا يشترط أن يكون حافظا لها عن ظهر الغيب وهو ظاهر الصواب لان كثيرا من مجتهدى الصحابة كانوا لا يحفظون القرآن على ظهر الغيب وانما يحفظون منه ما شاء الله أن يحفظوا وكذلك كانوا لا يحفظون جميع الاحاديث وانما يحفظون منها ما ينته اليهم علمه.
ومن شروطه أن يكون عالما بالمسائل التى اجتمعت عليها الامة لئلا يخالف اجتهاده الاجماع لان الاجماع أحد الادلة الشرعية وهو مقدم على القياس فليس للمجتهد أن يخالفه واشترط ابن بركة أن لا يخالف أقوال الصحابة اذا كان فى الحكم قول لهم واشترط بعض أن يوافق بعض أقواله من تقدمه أو يعلم أنها نازلة لم يخص فيها من تقدمه.
ثانيا: عند الاصوليين
قال فى المستصفى
(1)
المجتهد له شرطان:
أحدهما أن يكون محيطا بمدارك الشرع متمكنا من استثارة الظن بالنظر فيها وتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره.
والشرط الثانى أن يكون عدلا مجتنبا للمعاصى القادحة فى العدالة وهذا يشترط لجواز الاعتماد على فتواه فمن ليس عدلا فلا تقبل فتواه أما هو فى نفسه فلا، فكأن العدالة شرط القبول للفتوى لا شرط صحة الاجتهاد.
(1)
كتاب المستصفى من علم الاصول للامام ابى حامد محمد بن محمد الغزالى ومعه كتاب فواتح الرحموت للعلامة عبد العلى الانصارى بشرح مسلم الثبوت للامام الشيخ محب الله بن عبد الشكور ج 2 من ص 350 الى ص 354 الطبعة الاولى المطبعة الاميرية ببولاق بمصر سنة 1322 هـ.
فان قيل متى يكون محيطا بمدارك الشرع وما تفصيل العلوم التى لا بد منها لتحصيل منصب الاجتهاد قلنا انما يكون متمكنا من الفتوى بعد أن يعرف المدارك المثمرة للاحكام وأن يعرف كيفية الاستثمار.
والمدارك المثمرة للاحكام كما فصلناها أربعة الكتاب والسنة والاجماع والعقل.
وطريق الاستثمار يتم بأربعة علوم اثنان مقدمان واثنان متممان وأربعة فى الوسط فهذه ثمانية فلنفصلها ولننبه فيها على دقائق أهملها الاصوليون.
أما كتاب الله عز وجل فهو الاصل ولا بد من معرفته ولنخفف عنه أمرين.
أحدهما: أنه لا يشترط معرفة جميع الكتاب بل ما تتعلق به الاحكام منه وهو مقدار خمسمائة آية.
الثانى: لا يشترط حفظها عن ظهر قلب بل أن يكون عالما بمواضعها بحيث يطلب فيها الآية المحتاج اليها فى وقت الحاجة.
وأما السنة فلا بد من معرفة الاحاديث التى تتعلق بالاحكام وهى وان كانت زائدة على ألوف فهى محصورة وفيها التخفيفان المذكوران اذ لا يلزمه معرفة ما يتعلق من الاحاديث بالمواعظ وأحكام الاخرة وغيرها.
الثانى لا يلزمه حفظها عن ظهر قلبه بل أن يكون عنده أصل مصحح لجميع الاحاديث المتعلقة بالاحكام كسنن أبى داود ومعرفة السنن لاحمد البيهقى أو أصل وقعت العناية فيه بجميع الاحاديث المتعلقة بالاحكام ويكفيه أن يعرف مواقع كل باب فيراجعه وقت الحاجة الى الفتوى وان كان يقدر على حفظه فهو أحسن وأكمل.
وأما الاجماع فينبغى أن تتميز عنده مواقع الاجماع حتى لا يفتى بخلاف الاجماع كما يلزمه معرفة النصوص حتى لا يفتى بخلافها والتخفيف فى هذا الاصل أنه لا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الاجماع والخلاف بل كل مسألة يفتى فيها فينبغى أن يعلم أن فتواه ليس مخالفا للاجماع اما بأن يعلم أنه موافق مذهبا من مذاهب العلماء أيهم كان أو يعلم أن هذه واقعة متولدة فى العصر لم يكن لاهل الاجماع فيها خوض فهذا القدر فيه كفاية.
وأما العقل فنعنى به مستند النفى الاصلى للاحكام فان العقل قد دل على نفى الحرج فى الاقوال والافعال وعلى نفى الاحكام عنها من صور لا نهاية لها.
أما ما استثنته الادلة السمعية من الكتاب والسنة فالمستثناة محصورة وان كانت كثيرة فينبغى أن يرجع فى كل واقعة الى النفى الاصلى والبراءة الاصلية ويعلم
أن ذلك لا يغير الا بنص أو قياس على منصوص فيأخذ فى طلب النصوص وفى معنى النصوص الاجماع وأفعال الرسول بالاضافة الى ما يدل عليه الفعل على الشرط الذى فصلناه فى كتاب السنة عند الكلام على أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه المدارك الاربعة.
فأما العلوم الاربعة التى بها يعرف طرق الاستثمار فعلمان مقدمان:
أحدهما معرفة نصب الادلة وشروطها التى بها تصير البراهين والادلة منتجة والحاجة الى هذا تعم المدارك الاربعة.
والثانى معرفة اللغة والنحو على وجه يتيسر له به فهم خطاب العرب وهذا يخص فائدة الكتاب والسنة ولكل واحد من هذين العلمين تفصيل وفيه تخفيف وتثقيل.
أما تفصيل العلم الاول فهو أن يعلم أقسام الادلة وأشكالها وشروطها فيعلم أن الادلة ثلاثة.
عقلية تدل لذاتها.
وشرعية صارت أدلة بوضع الشرع.
ووضعية وهى العبارات اللغوية.
ويحصل تمام المعرفة بما ذكرناه فى مقدمة الاصول من مدارك العقول لا بأقل منه.
فان لم يعرف شروط الادلة لم يعرف حقيقة الحكم ولا حقيقة الشرع ولم يعرف مقدمة الشارع ولا عرف من أرسل الشارع.
ثم قالوا لا بد أن يعرف حدوث العالم وافتقاره الى محدث موصوف بما يجب له من الصفات منزه عما يستحيل عليه وأنه متعبد عباده ببعثة الرسل وتصديقهم بالمعجزات وليكن عارفا بصدق الرسول والنظر فى معجزاته.
والتخفيف فى هذا عندى أن القدر الواجب من هذه الجملة اعتقاد جازم اذ به يصير مسلما والاسلام شرط المفتى لا محالة.
فأما معرفته بطرق الكلام والادلة المحررة على عادتهم فليس بشرط اذ لم يكن فى الصحابة والتابعين من يحسن صنعة الكلام.
فأما مجاوزة حد التقليد فيه الى معرفة الدليل فليس بشرط أيضا لذاته لكنه يقع من ضرورة منصب الاجتهاد فانه لا يبلغ رتبة الاجتهاد فى العلم الا وقد قرع سمعه أدلة خلق العالم وأوصاف الخالق وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وأعجاز القرآن فان كل ذلك يشتمل عليه كتاب الله وذلك محصل للمعرفة الحقيقية مجاوز لصاحبه حد التقليد وان لم يمارس صاحبه صنعة الكلام فهذا من لوازم منصب الاجتهاد حتى لو
تصور مقلد محض فى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصول الايمان لجاز له الاجتهاد فى الفروع.
أما المقدمة الثانية فعلم اللغة والنحو أعنى القدر الذى يفهم به خطاب العرب وعادتهم فى الاستعمال الى حد يميز بين صريح الكلام وظاهره ومجمله وحقيقته ومجازه وعامه وخاصه ومحكمه ومتشابهه ومطلقه ومقيده ونصه وفحواه ولحنه ومفهومه.
والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد وأن يعرف جميع اللغة ويتعمق فى النحو بل القدر الذى يتعلق بالكتاب والسنة ويستولى به على مواقع الخطاب ودرك حقائق المقاصد منه.
وأما العلمان المتممان.
فأحدهما: معرفة الناسخ والمنسوخ من الكتاب والسنة وذلك فى آيات وأحاديث مخصوصه.
والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يكون جميعه على حفظه بل كل واقعة يفتى فيها بآية أو حديث فينبغى أن يعلم أن ذلك الحديث وتلك الاية ليست من جملة المنسوخ وهذا يعم الكتاب والسنة.
الثانى: وهو يخص السنة معرفة الرواية وتمييز الصحيح منها عن الفاسد والمقبول عن المردود فان ما لا ينقله العدل عن العدل فلا حجة فيه.
والتخفيف فيه أن كل حديث يفتى به مما قبلته الامة فلا حاجة به الى النظر فى اسناده وان خالفه بعض العلماء فينبغى أن يعرف رواته وعدالتهم فان كانوا مشهورين عنده كما يرويه الشافعى عن مالك عن نافع عن ابن عمر مثلا اعتمد عليه فهؤلاء قد تواتر عند الناس عدالتهم وأحوالهم والعدالة انما تعرف بالخبرة والمشاهدة أو بتواتر الخبر فما نزل عنه فهو تقليد وذلك بأن يقلد البخارى ومسلما فى أخبار الصحيحين وأنهما مارووها الا عمن عرفوا عدالته فهذا مجرد تقليد.
وانما يزول التقليد بأن يعرف أحوال الرواة بتسامع أحوالهم وسيرهم ثم ينظر فى سيرهم أنها تقتضى العدالة أم لا وذلك طويل وهو فى زماننا مع كثرة الوسائط عسير.
والتخفيف فيه أن يكتفى بتعديل الامام العدل بعد أن عرفنا أن مذهبه فى التعديل مذهب صحيح فان المذاهب مختلفة فيما يعدل به ويجرح فان من مات قبلنا بزمان امتنعت الخبرة والمشاهدة فى حقه ولو شرط أن تتواتر سيرته فذلك لا يصادف الا فى الائمة المشهورين فيقلد فى معرفة سيرته عدلا فيما يخبر فنقلده فى تعديله بعد أن عرفنا صحة مذهبه فى التعديل.
فان جوزنا للمفتى الاعتماد على الكتب الصحيحة التى ارتضى الائمة روايتها قصر الطريق على المفتى والا طال الامر
وعسر الخطب فى هذا الزمان مع كثرة الوسائط ولا يزال الامر يزداد شدة بتعاقب الاعصار.
فهذه هى العلوم الثمانية التى يستفاد بها منصب الاجتهاد.
ومعظم ذلك يشتمل عليه ثلاثة فنون علم الحديث وعلم اللغة وعلم أصول الفقه.
فأما الكلام وتفاريع الفقه فلا حاجة اليهما وكيف يحتاج الى تفاريع الفقه وهذه التفاريع يولدها المجتهدون ويحكمون فيها بعد حيازة منصب الاجتهاد.
فكيف تكون شرطا فى منصب الاجتهاد وتقدم الاجتهاد عليها شرط.
نعم انما يحصل منصب الاجتهاد فى زماننا بممارسته فهو طريق تحصيل الدربة فى هذا الزمان ولم يكن الطريق فى زمان الصحابة ذلك ويمكن الآن سلوك طريق الصحابة أيضا.
وهذه (دقيقة) فى التخفيف يغفل عنها الاكثرون.
اجتماع هذه العلوم الثمانية انما يشترط فى حق المجتهد المطلق الذى يفتى فى جميع الشرع وليس الاجتهاد عندى منصبا لا يتجزأ بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد فى بعض الاحكام دون بعض فمن عرف طريق النظر القياسى فله أن يفتى فى مسألة قياسية وان لم يكن ماهرا فى علم الحديث فمن ينظر فى المسألة المشتركة يكفيه أن يكون فقيه النفس عارفا بأصول الفرائض ومعانيها وان لم يكن قد حصل الاخبار التى وردت فى مسألة تحريم المسكرات أو فى مسألة النكاح بلا ولى فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها ولا تعلق لتلك الاحاديث بها فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصا ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمى وطريق التصرف فيه فما يضره قصوره عن علم النحو الذى يعرف قوله تعالى «وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»
(1)
وقس عليه ما فى معناه.
وليس من شرط المفتى أن يجيب عن كل مسألة فقد سئل مالك رحمه الله عن أربعين مسألة فقال فى ست وثلاثين منها لا أدرى وكم توقف الشافعى رحمه الله بل الصحابة فى المسائل.
فاذن لا يشترط الا أن يكون على بصيرة فيما يفنى فيفتى فيما يدرى ويدرى أنه يدرى ويميز بين ما لا يدرى وبين ما يدرى فيتوقف فيما لا يدرى ويفتى فيما يدرى.
وأما المجتهد فيه فهو كل حكم شرعى ليس فيه دليل قطعى واحترزنا بالشرعى
(1)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
عن العقليات ومسائل الكلام فان الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطئ آثم وانما نعنى بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثما.
ووجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الامة من جليات الشرع فيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف فليس ذلك محل الاجتهاد.
فهذه هى الاركان.
فاذا صدر الاجتهاد التام من أهله وصادف محله كان ما أدى اليه الاجتهاد حقا وصوابا.
وقد ظن ظانون أن شرط المجتهد أن لا يكون نبيا فلم يجوزوا الاجتهاد للنبى وأن شرط الاجتهاد أن لا يقع فى زمن النبوة
(1)
.
مسألة فى وجوب الاجتهاد على المجتهد وتحريم التقليد عليه.
قال الغزالى
(2)
وقد اتفقوا على أنه اذا فرغ من الاجتهاد وغلب على ظنه
حكم فلا يجوز له أن يقلد مخالفه ويعمل بنظر غيره ويترك نظر نفسه.
أما اذا لم يجتهد بعد ولم ينظر فان كان عاجزا عن الاجتهاد كالعامى فله التقليد وهذا ليس مجتهدا لكن ربما يكون متمكنا من الاجتهاد فى بعض الامور وعاجزا عن البعض الا بتحصيل علم على سبيل الابتداء كعلم النحو مثلا فى مسألة نحوية وعلم صفات الرجال وأحوالهم فى مسألة خبرية وقع النظر فيها فى صحة الاسناد.
فهذا من حيث حصل بعض العلوم واستقل بها لا يشبه العامى.
ومن حيث أنه لم يحصل هذا العلم فهو كالعامى فيلحق بالعامى أو بالعالم؟ فيه نظر والاشهر والاشبه أنه كالعامى.
وانما المجتهد هو الذى صارت العلوم عنده بالقوة القريبة أما اذا احتاج الى تعب كثير فى التعلم بعد فهو فى ذلك الفن عاجز وكما يمكنه تحصيله فالعامى أيضا يمكنه التعلم ولا يلزمه بل يجوز له ترك الاجتهاد.
وعلى الجملة بين درجة المبتدئ فى العلم وبين رتبة الكمال منازل واقعة بين طرفين وللنظر فيها مجال.
وانما كلامنا الآن فى المجتهد لو بحث فى مسألة ونظر فى الادلة لاستقل بها
(1)
كتاب المستصفى من علم الأصول للامام حجة الاسلام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى ومعه كتاب فواتح الرحموت للعلامة عبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى بشرح مسلم الثبوت فى أصول الفقه للامام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور ج 2 من ص 350 الى ص 354 الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1322 هـ.
(2)
المستصفى للغزالى ج 2 من ص 384 إلى ص 389 الطبعة السابقة.
ولا يفتقر الى تعلم علم من غيره فهذا هو المجتهد فهل يجب عليه الاجتهاد أم يجوز له أن يقلد غيره.
هذا مما اختلفوا فيه فذهب قوم الى أن الاجماع قد حصل على أن من وراء الصحابة لا يجوز تقليدهم.
وقال قوم من وراء الصحابة والتابعين وكيف يصح دعوى الاجماع.
وممن قال بتقليد العالم أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وسفيان الثورى.
وقال محمد بن الحسن يقلد العالم الاعلم ولا يقلد من هو دونه أو مثله.
وذهب الاكثرون من أهل العراق الى جواز تقليد العالم العالم فيما يفتى وفيما يخصه.
وقال قوم يجوز فيما يخصه دون ما يفتى.
وخصص قوم من جملة ما يخصه ما يفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد.
واختار القاضى منع تقليد العالم للصحابة ولمن بعدهم وهو الاظهر عندنا.
والمسألة ظنية اجتهادية والذى يدل عليه أن تقليد من لا تثبت عصمته ولا يعلم بالحقيقة اصابته بل يجوز خطؤه وتلبيسه حكم شرعى لا يثبت الا بنص أو قياس على منصوص ولا نص ولا منصوص الا العامى والمجتهد اذ للمجتهد أن يأخذ بنظر نفسه وان لم يتحقق وللعامى أن يأخذ بقوله.
أما المجتهد انما يجوز له الحكم بظنه لعجزه عن العلم فالضرورة دعت اليه فى كل مسألة ليس فيها دليل قاطع.
أما العامى فانما جوز له تقليد غيره للعجز عن تحصيل العلم والظن بنفسه والمجتهد غير عاجز فلا يكون فى معنى العاجز فينبغى أن يطلب الحق بنفسه فانه يجوز الخطأ على العالم بوضع الاجتهاد فى غير محله والمبادرة قبل استتمام الاجتهاد والغفلة عن دليل قاطع وهو قادر على معرفة جميع ذلك ليتوصل فى بعضها الى اليقين وفى بعضها الى الظن فكيف يبنى الامر على عماية كالعميان وهو بصير بنفسه.
وجاء فى الفروق للقرافى
(1)
: أن طالب العلم له أحوال.
(1)
الفروق للقرافى ج 2 ص 107، 108 الطبعة السابقة.
الحالة الاولى: أن يشتغل بمختصر من مختصرات مذهبه فيه مطلقات مقيدة فى غيره وعمومات مخصوصة فى غيره ومتى كان الكتاب المعين حفظه وفهمه كذلك أو جوز عليه أن يكون كذلك حرم عليه أن يفتى بما فيه وان أجاده حفظا وفهما الا فى مسألة يقطع فيها أنها مستوعبة التقييد وأنها لا تحتاج الى معنى آخر من كتاب آخر فيجوز له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها من غير زيادة ولا نقصان وتكون هى عين الواقعة المسئول عنها لا أنها تشبهها ولا تخرج عليها بل هى هى حرفا بحرف لانه قد يكون هنالك فروق تمنع من الالحاق أو تخصيص أو تقييد يمنع من الفتيا بالمحفوظ فيجب الوقف.
الحالة الثانية: أن يتسع تحصيله فى المذهب بحيث يطلع من تفاصيل الشروحات والمطولات على تقييد المطلقات وتخصيص العمومات ولكنه مع ذلك لم يضبط مدارك امامه ومسنداته فى فروعه ضبطا متقنا بل سمعها من حيث الجملة من أفواه الطلبة والمشايخ فهذا يجوز له أن يفتى بجميع ما ينقله ويحفظه فى مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا ولكنه اذا وقعت له واقعة ليست فى حفظه لا يخرجها على محفوظاته ولا يقول هذه تشبه المسألة الفلانية لان ذلك انما يصح ممن أحاط بمدارك امامه وأدلته وأقيسته وعلله التى اعتمد عليها مفصلة ومعرفة رتب تلك العلل ونسبتها الى المصالح الشرعية.
وكل شئ أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الاجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلى السالم عن المعارض الراجح لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتى به فى دين الله تعالى فان هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره شرعا اذا لم يتأكد وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا والفتيا بغير شرع حرام فالفتيا بهذا الحكم حرام وان كان الامام المجتهد غير عاص به بل مثابا عليه لانه بذل جهده على حسب ما أمر به وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وان أصاب فله أجران.
الحالة الثالثة: أن يصير طالب العلم الى ما ذكرناه من الشروط مع الديانة الوازعة والعدالة المتمكنة فهذا يجوز له أن يفتى فى مذهبه نقلا وتخريجا ويعتمد على ما يقوله فى جميع ذلك
(1)
.
(1)
الفروق للقرافى وبهامشه تهذيب الفروق ج 2 من ص 108 الى ص 110 وما بعدها الطبعة السابقة.
أداب المفتى
مذهب الحنفية:
لا يجب
(1)
الافتاء فيما لا يقع، ويحرم التساهل فى الفتوى واتباع الحيل ان فسدت الاغراض وسؤال من عرف بذلك.
ولا يفتى فى حال تغير أخلاقه وخروجه عن الاعتدال ولو لفرح ومدافعة أخبثين، فان أفتى معتقدا أن ذلك لم يمنعه عن درك الصواب صحت فتواه وان خاطر.
والاولى أن يتبرع بالفتوى، فان أخذ رزقا من بيت المال جاز الا أن تعينت عليه وله كفاية.
ولا يأخذ أجرة من مستفت فان جعل له أهل البلد رزقا جاز وان استؤجر جاز والاولى كونها بأجرة مثل كتبه مع كراهة.
وله قبول هدية لا رشوة على فتوى لما يريد.
وعلى الامام أن يفرض لمدرس ومفت كفايته.
ولكل أهل بلد اصطلاح فى اللفظ فلا يجوز أن يفتى أهل بلد بما يتعلق باللفظ من لا يعرف اصطلاحهم.
وأن يأخذ الورقة بالحرمة
(2)
ويقرأ المسألة بالبصيرة مرة بعد مرة حتى يتضح له السؤال ثم يجيب، واذا لم يتضح السؤال سأل من المستفتى.
ولا يرمى بالكاغد الى الارض وهو لا يجوز.
وكان بعضهم لا يأخذ الرقعة من يد امرأة ولا صبى وكان له تلميذ يأخذ منهم ويجمعها ويرفعها فيكتبها تعظيما للعلم.
والاحسن أن يأخذ المفتى من كل أحد تواضعا.
وينبغى أن يكتب عقب جوابه والله أعلم أو نحوه وقيل فى العقائد يكتب والله الموفق ونحوه.
وكره بعضهم الافتاء والصحيح عدم الكراهة للاهل.
وان كان فى الرقعة
(3)
مسائل رتب الاجوبة على ترتيبها ويكره أن يقتصر على أن يقول فيه قولان، اذ لا يفيد ولا يطلق حيث التفصيل فهو خطأ ويجيب على ما فى الرقعة لا على ما يعلمه وأن أراده قال: ان أراد كذا فجوابه كذا ويجيب الاول فى الناحية اليسرى وان شاء غيرها لا قبل البسملة، وليكتب
(1)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية ج 3 ص 309، 310 الطبعة السابقة والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 291 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 292 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الرائق لابن نجيم ج 6 ص 291 الطبعة السابقة.
الحمد لله وليختم بقوله والله اعلم.
ولا يقبح أن يقول فى الجواب:
عندنا.
وان تعلقت بالسلطان دعا له فقال:
وعلى السلطان سدده الله أو شد أزره ويكره أطال الله بقاءه.
ويختصر جوابه ويوضح عبارته.
وأن سئل عمن تكلم بكفر متأولا قال:
يسأل: ان أراد كذا فلا شئ عليه وان أراد كذا فيستتاب.
وان سئل عمن قتل أو جرح احتاط وذكر شروط القصاص ويبين قدر التعزير.
ويكتب على الملصق من الورقة وان ضاقت كتب فى الظهر، والحاشية أولى لا ورقة أخرى ويشافهه بما عليه بل ان اقتضاهما السؤال لم يقتصر على أحدهما ولا يلقنه على خصمه.
فان وجب الافتاء قدم السابق بفتوى ثم أقرع.
نعم يجب تقديم نساء ومسافرين تهيؤا أو تضررا بالتخلف الا أن ظهر تضرر غيرهم بكثرتهم.
وان سئل عن الاخوة فصل فى جوابه ابن الابوين أو لاب أو لام.
وان كان فى الفريضة عول قال الثمن عائلا.
وان كان فى الورثة من يسقط بحال دون حال بينه.
ويكتب تحت الفتوى الصحيحة ان عرف أنها لاهل الجواب، صحيح ونحوه وله أن يجيب أن رأى ذلك ويختصر.
وان جهل حاله يبحث عن حاله فان لم يظهر له فله أمره بابدالها فان تعسر أجاب بلسانه.
ولا ينبغى الافتاء
(1)
الا لمن عرف أقاويل العلماء وعرف من أين قالوا فان كان فى المسألة خلاف لا يختار قولا بجيب به حتى يعرف حجته.
ويجوز للشاب أن يفتى
(2)
اذا كان حافظا للروايات واقفا على الدرايات محافظا على الطاعات مجانبا للشهوات والشبهات.
مذهب المالكية:
قال الحطاب
(3)
: قد ذكر عن المازرى رحمه الله تعالى أنه بلغ درجة الاجتهاد وما أفتى قط بغير المشهور وعاش ثلاثا وثمانين سنة وكفى به قدوة فى هذا فان
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 292 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 6 ص 292 الطبعة السابقة.
(3)
مواهب الجليل بشرح مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل المعروف بالحطاب ج 6 ص 91 الطبعة السابقة.
لم يقف على المشهورين من القولين أو الروايتين فليس له التشهى والحكم بما شاء منهما من غير نظر ترجيح.
فقد قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى فى كتاب أدب المفتى والمستفتى أن من يكتفى بأن يكون فى فتياه أو علمه موافقا لقول أو وجه فى المسألة أو يعمل بما شاء من الاقوال والوجوه من غير نظر فى الترجيح فقد جهل وخرق الاجماع وسبيله سبيل الذى حكى أبو الوليد الباجى عن فقهاء أصحابه أنه كان يقول الذى لصديقى على اذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية الذى توافقه.
وحكى الباجى عمن يثق به أنه وقعت له واقعة فأفتى فيها وهو غائب من فقهائهم يعنى المالكية من أهل الصلاح بما يضره فلما عاد سألهم فقالوا ما علمنا أنها لك وأفتوه بالرواية الاخرى التى توافقه.
قال الباجى وهذا لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد به فى الاجماع أنه لا يجوز.
قال ابن الصلاح فاذا وجد من ليس أهلا للتخريج والترجيح اختلافا بين أئمة المذهب فى الاصح من القولين أو الوجهين فينبغى أن يفزع فى الترجيح الى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم فيعمل بقول الاكثر والاورع والاعلم.
فاذا اختص أحدهم بصفة أخرى قدم الذى هو أحرى منهما بالاصابة.
فالاعلم الورع مقدم على الاورع العالم وكذا اذا وجد قولين أو وجهين لم يبلغه عن أحد من أئمة المذهب بيان الاصح منهما اعتبر أوصاف ناقليهما أو قائليهما.
قال ابن فرحون وهذا الحكم جار فى أصحاب المذاهب الاربعة ومقلديهم.
ثم قال وهذه الانواع من الترجيح معتبرة أيضا بالنسبة الى أئمة المذهب.
قال ابن أبى زيد فى أول النوادر ان كتابه اشتمل على كثير من اختلاف المالكيين.
قال ولا ينبغى الاختيار من الاختلاف للمتعلم ولا للمقصر ومن لم يكن فيه محل لاختيار القول فله فى اختيار المفتين من أصحابنا من نقادهم مقنع مثل سحنون وأصبغ وعيسى بن دينار ومن بعدهم مثل ابن المواز وابن عبدوس وابن سحنون وابن المواز أكثرهم تكلفا للاختيارات وابن حبيب لا يبلغ فى اختياراته وقوة رواياته مبلغ من ذكرنا.
مذهب الشافعية
.
فى أداب المفتى مسائل
(1)
.
احداها: الافتاء فرض كفاية فاذا استفتى وليس فى الناحية غيره تعين
(1)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 ص 45 وما بعدها الطبعة السابقة.
عليه الجواب فان كان فيها غيره وحضرا فالجواب فى حقهما فرض كفاية وان لم يحضر غيره فوجهان.
أصحهما لا يتعين لما سبق
(1)
عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من الانصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا الى هذا وهذا الى هذا حتى ترجع الى الاول.
وفى رواية ما منهم من يحدث بحديث الا ود أن أخاه كفاه إياه، ولا يستفتى عن شئ الا ود أن أخاه كفاه الفتيا والثانى يتعين وهما كالوجهين فى مثله فى الشهادة ولو سأل عامى عما لم يقع لم يجب جوابه.
الثانية: اذا أفتى بشئ ثم رجع عنه فأن علم المستفتى برجوعه ولم يكن عمل بالاول لم يجز العمل به وكذا ان نكح بفتواه
(2)
أو استمر على نكاح بفتواه ثم رجع لزمه مفارقتها كما لو تغير اجتهاد من قلده فى القبلة فى أثناء صلاته، وان كان عمل قبل رجوعه فان خالف دليلا قاطعا لزم المستفتى نقض عمله ذلك وان كان فى محل اجتهاد لم يلزمه نقضه لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
وهذا التفصيل ذكره الصيمرى والخطيب وأبو عمرو واتفقوا عليه ولا أعلم خلافه.
وما ذكره الغزالى والرازى ليس فيه تصريح بخلافه.
وقال أبو عمرو واذا كان يفتى على مذهب امام فرجع لكونه بان له قطعا مخالفة نص مذهب امامه وجب نقضه وان كان فى محل الاجتهاد لان نص مذهب امامه فى حقه كنص الشارع فى حق المجتهد المستقل.
أما اذا لم يعلم المستفتى برجوع المفتى فحال المستفتى
(3)
فى عمله كما قبل الرجوع ويلزم المفتى اعلامه قبل العمل وكذا بعده حيث يجب النقض.
واذا عمل بفتواه فى اتلاف فبان خطؤه وأنه خالف القاطع فعن الاستاذ أبى اسحاق أنه يضمن ان كان أهلا للفتوى ولا يضمن ان لم يكن أهلا لان المستفتى قصر (أى فيضمن المستفتى).
كذا حكاه الشيخ أبو عمرو وسكت عليه وهو مشكل.
وينبغى أن يخرج الضمان على قولى الغرور
(4)
. المعروفين فى باب الغصب والنكاح وغيرهما أو يقطع بعدم الضمان اذ ليس فى الفتوى الزام ولا الجاء.
(1)
عند الكلام على أهمية الفتوى.
(2)
فى الاصل واستمر بالواو والظاهر أو فأثبتها.
(3)
فى الأصل: فى علمه، ولعل الصواب فى عمله كما أثبته.
(4)
يريد قولى الشافعى فى الغرور والمباشرة على أيهما يكون الضمان على الغار أو على المباشر وأظهر القولين ترجيح جانب المباشرة. والثانى على الغار.
الثالثة: يحرم التساهل فى الفتوى ومن عرف به حرم استفتاؤه.
فمن التساهل أن لا يتثبت ويسرع فى الفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر فأن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة.
وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة.
ومن التساهل أن تحمله الاغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه أو التغليظ على من يريد ضره.
وأما من صح قصده فاحتسب فى طلب حيلة لا شبهة فيها لتخليص من ورطة يمين ونحوها فذلك حسن جميل. وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا كقول سفيان انما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل أحد.
الرابعة: ينبغى أن لا يفتى فى حال تغير خلقه وتشغل قلبه وما يمنعه التأمل كغضب وجوع وعطش وحزن وفرح غالب ونعاس أو ملل أو حر مزعج أو مرض مؤلم أو مدافعة حدث وكل حال يشتغل فيه قلبه ويخرج عن حد الاعتدال فان أفتى فى بعض هذه الاحوال وهو يرى أنه لم يخرج عن الصواب جاز وان كان مخاطبا بها.
الخامسة: المختار للمتصدى للفتوى أن يتبرع بذلك ويجوز أن يأخذ عليه رزقا من بيت المال الا أن يتعين عليه وله كفاية فيحرم على الصحيح.
وقال الصيمرى والخطيب لو اتفق أهل البلد فجعلوا له رزقا من أموالهم على أن يتفرغ لفتاويهم جاز.
أما الهدية فقال أبو مظفر السمعانى له قبولها بخلاف الحاكم فأنه يلزم حكمه.
قال أبو عمرو ينبغى أن يحرم قبولها ان كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد كما فى الحاكم وسائر ما لا يقابل بعوض.
قال الخطيب وعلى الامام أن يفرض لمن نصب نفسه لتدريس الفقه والفتوى فى الاحكام ما يغنيه عن الاحتراف ويكون ذلك من بيت المال.
ثم روى بأسناده أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أعطى كل رجل ممن هذه صنعته مائة دينار فى السنة.
السادسة: لا يجوز أن يفتى فى الايمان والاقرار ونحوهما مما يتعلق بالالفاظ الا أن يكون من أهل بلد اللافظ أو متنزلا منزلتهم فى الخبرة بمرادهم من ألفاظهم وعرفهم فيها.
السابعة: لا يجوز لمن كانت فتواه نقلا لمذهب امام اذا اعتمد الكتب أن يعتمد الا على كتاب موثوق بصحته وبأنه مذهب ذلك الامام فأن وثق بأن أصل التصنيف بهذه الصفة لكن لم تكن هذه النسخة معتمدة فليستظهر بنسخ منه متفقة وقد تحصل له الثقة من نسخة غير موثوق بها فى بعض المسائل اذا رأى الكلام منتظما وهو خبير فطن لا يخفى عليه لدربته موضع الاسقاط والتغيير فأن لم يجده الا فى نسخة غير موثوق بها فقال أبو عمرو ينظر فأن وجده موافقا لاصول المذهب وهو أهل لتخريج مثله فى المذهب لو لم يجده منقولا فله أن يفتى به فان أراد حكايته عن قائله فلا يقل قال الشافعى مثلا كذا وليقل وجدت عن الشافعى كذا أو بلغنى عنه ونحو هذا، وان لم يكن أهلا لتخريج مثله لم يجز له ذلك فان سبيله النقل المحض ولم يحصل ما يجوز له ذلك وله أن يذكره لا على سبيل الفتوى مفصحا بحاله فيقول وجدته فى نسخة من الكتاب الفلانى ونحوه.
الثامنة: اذا أفتى فى حادثة ثم حدثت مثلها فان ذكر الفتوى الاولى ودليلها بالنسبة الى أصل الشرع ان كان مستقلا أو الى مذهبه ان كان منتسبا أفتى بذلك بلا نظر وان ذكرها ولم يذكر دليلها ولا طرأ ما يوجب رجوعه فقيل له أن يفتى بذلك والاصح وجوب تجديد النظر ومثله القاضى اذا حكم بالاجتهاد ثم وقعت المسألة وكذا تجديد الطلب فى التيمم والاجتهاد فى القبلة وفيهما الوجهان.
قال القاضى أبو الطيب فى تعليقه فى آخر باب استقبال القبلة وكذا العامى اذا وقعت له مسألة فسأل عنها ثم وقعت له فيلزمه السؤال ثانيا يعنى على الاصح قال الا أن تكون مسألة يكثر وقوعها ويشق عليه اعادة السؤال عنها فلا يلزمه ذلك ويكفيه السؤال الاول للمشقة.
التاسعة: ينبغى أن لا يقتصر فى فتواه على قوله فى المسألة خلاف أو قولان أو وجهان أو روايتان أو يرجع الى رأى القاضى ونحو ذلك فهذا ليس بجواب ومقصود المستفتى بيان ما يعمل به فينبغى أن يجزم له بما هو الراجح فان لم يعرفه توقف حتى يظهر أو يترك الافتاء كما كان جماعة من كبار أصحابنا يمتنعون من الافتاء فى حنث الناسى.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع:
(1)
فى أداب المفتى أن ليس له أن يفتى فى شئ من مسائل الكلام مفصلا بل يمنع السائل وسائر العامة من الخوض فى ذلك أصلا.
قال فى المبدع ولا تجوز الفتوى فى علم الكلام بل نهى السائل عنه والعامة
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 4 ص 37، 178 الطبعة السابقة. الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 372، 373 الطبعة السابقة، المرجع السابق ج 4 ص 374، 375 الطبعة السابقة.
أولى ويأمر الكل بالايمان المجمل وما يليق بالله عز وجل ولا يجوز التقليد فيما يطلب الجزم ولا اثباته بدليل ظنى ولا الاجتهاد فيه ويجوز فيما يطلب فيه الظن واثباته بدليل ظنى والاجتهاد فيه وللمفتى تخيير من استفتاه بين قوله وقول مخالفه لان المستفتى يجوز له أن يتخير وان لم يخيره.
وقد سئل أحمد عن مسألة فى الطلاق فقال ان حلف حنث فقال السائل ان أفتانى انسان لا أحنث قال تعرف حلقة المدنيين قال فان أفتونى حل قال نعم.
ولا يلزم جواب ما لم يقع لكن يستحب اجابته. أى السائل.
ولا يلزم جواب ما لا يحتمله السائل.
ولا يلزم جواب ما لا يقع فيه.
ويجوز للمفتى العدول عن جواب المسئول عنه الى ما هو أنفع للسائل قال تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
(1)
الآية ويجوز للمفتى أن يجيبه بأكثر مما سأله عنه لقول النبى صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن
ماء البحر. هو الطهور ماؤه الحل ميتته.
وللمفتى أن يدل المستفتى على عوض ما منعه عنه وأن ينبهه على ما يجب الاحتراز عنه لان ذلك من قبيل الهداية لدفع المضار واذا كان الحكم مستغربا وطأ قبله أى مهد له فذكر للحكم شيئا يوضح ويبين به الحكم المذكور ووطأ قبله ما هو كالمقدمة له ليزيل استغرابه.
وله الحلف على ثبوت الحكم أحيانا.
قال تعالى «وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ 2 وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ» وقال جل ذكره «فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ»
(3)
والسنة شهيرة بذلك وقوله أحيانا احتراز من الافراط فى الحلف فانه مكروه.
ولا يجوز اطلاقه فى الفتيا فى اسم مشترك اجماعا، بل عليه التفصيل:
فلو سئل: هل له الاكل فى رمضان بعد طلوع الفجر فلا بد أن يقول يجوز بعد الفجر الاول لا الثانى.
ولا يجوز أن يلقى السائل فى الحيرة مثل أن يقول فى مسألة فى الفرائض:
نقسم على فرائض الله، أو يقول فيها قولان ونحوه بل يبين له بيانا مزيلا
(1)
الآية رقم 189 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 53 من سورة يونس.
(3)
الآية رقم 23 من سورة الذاريات.
للاشكال لكن ليس عليه أن يذكر المانع فى الميراث من الكفر وغيره. وكذلك فى بقية العقود من الاجارة والنكاح وغير ذلك فلا يجب أن يذكر الجنون والاكراه ونحو ذلك
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير
(2)
: المفتى حاك عن الله تعالى حكمه الذى شرعه لعباده فلا يجوز له أن يخبر عن الله عز وجل حكمه ودينه الذى شرعه لعباده الا اذا كان خبره مطابقا لما شرعه والا كان قائلا على الله بلا علم وقد حرم الله تعالى القول عليه بغير علم.
ثم قال لا بد أن يكون المنصوب للفتيا مجتهدا بالفعل فى كثير من الاحكام ولا بد أن يكون مستعينا بكثرة الممارسة للفروع المدونة بجميع فتاوى السلف وأقوال العلماء من الخلف وان كان ذلك غير شرط فى الاجتهاد لانه يزيد المنتصب للفتيا كمالا وثباتا.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة الوثقى
(3)
يشترط فى المجتهد أمور البلوغ والعقل والايمان
والعدالة والرجولية والحرية على قول وكونه مجتهدا مطلقا فلا يجوز تقليد المتجزئ وتشترط الحياة فلا يجوز تقليد الميت ابتداء نعم يجوز البقاء وان يكون أعلم فلا يجوز على الاحوط تقليد المفضول مع التمكن من الافضل وأن لا يكون متولدا من الزنا وأن لا يكون مقبلا على الدنيا وطالبا لها مكبا عليها مجدا فى تحصيلها ففى الخبر، من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه.
وفى الهامش
(4)
أثناء تعرضه لشرط كونه مجتهدا مطلقا أتى بمشهورة عن أبى خديجة عن الصادق عليه السلام «اياكم أن يحاكم بعضكم بعضا الى أهل الجور ولكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه.
وسندها لا يخلو من اعتبار.
وكونها فى القضاء لا يمنع من الاستدلال بها فى المقام لان منصب القضاء منصب للفتوى ولا عكس فما دل على عدم اعتبار شئ فى القاضى يدل على عدم اعتباره فى المفتى.
(1)
الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 374، 375 الطبعة السابقة.
(2)
تتمة الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 2 ص 145، 146 الطبعة السابقة.
(3)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 1 ص 32، 33 مسألة رقم 22 طبع مطبعة النجف الطبعة الثانية سنة 1376 هـ.
(4)
هامش العروة الوثقى ج 1 ص 35 الطبعة السابقة.
مذهب الإباضية:
ذهب بعض علماء الإباضية الى منع انتقال المفتى من مذهب الى مذهب لمجرد التشهى والحظوظ العاجلة لان ذلك يؤدى الى الانهماك فى الرخص وعدم المبالاة بالديانة حتى أن أصحابنا رحمهم الله تعالى منعوا من افتاء طالب الرخصة قبل الوقوع فيها وما ذلك الا لخوف التساهل فى الديانة وطلب الحزم فى أمور الدين والنجاة للمسلمين وتجويز المانعين الانتقال فى بعض الصور ناقض لقياسهم المذكور فان قياسهم يقتضى اطلاق المنع وذلك التجويز تخصيص بغير مخصص فهو نقض لمذهبهم
(1)
.
آداب الفتوى
مذهب الحنفية:
من شرائط الفتوى
(2)
حفظ الترتيب والعدل بين المستفتين، لا يميل الى الاغنياء وأعوان السلطان والامراء بل يكتب جواب السابق غنيا كان أو فقيرا.
ولا يجوز الافتاء بقول مهجور لجر منفعة ولا يرجو عليه دنيا.
ورد مفت زرا على خياط مستفت وقلعه من ثوبه تحرزا عن شبهة الرشوة.
واختلفوا فى الافتاء ما شيا - جوزه البعض ومنعه آخر.
واختار الاسكافى أن يفتى أن كان شيئا ظاهرا والا لا.
وكان ابن سلام اذا ألح عليه المستفتى وقال جئت من مكان بعيد يقول، فلا نحن ناديناك من حيث جئتنا، ولا نحن عمينا عليك المذاهبا.
ولكن اختار الفقيه أبو الليث أنه لا يقول له ذلك أول مرة، فان ألح أجابه بذلك.
مذهب المالكية:
جاء فى الدسوقى وحاشية العدوى عليه
(3)
أنه لا يجوز للمفتى الافتاء الا بالراجح من مذهب امامه لا بمذهب غيره ولا بالضعيف من مذهبه نعم يجوز له العمل بالضعيف فى خاصة نفسه اذا تحقق الضرورة.
وقال ولا يجوز للمفتى الافتاء بغير المشهور لانه لا تتحقق الضرورة بالنسبة
(1)
طلعة الشمس ج 2 ص 298 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 292 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعلامة شمس الدين للشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 4 ص 130 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
لغيره كما يتحققها من نفسه ولذلك سدوا الذريعة وقالوا يمنع الفتوى بغير المشهور خوف ألا تكون الضرورة متحققة لا لاجل أنه لا يعمل بالضعيف ولو تحققت الضرورة يوما.
هذا ما قاله ابن البنانى.
ويؤخذ من كلامه هذا أنه يجوز للمفتى أن يفتى صديقه بغير المشهور اذا تحقق ضرورته لان شأن الصديق لا يخفى على صديقه.
قاله الامير فى حاشية عبد الباقى.
وجاء فى الحطاب:
(1)
قال ابن عرفة وأما شروط الفتوى ففيها لا ينبغى لطالب العلم أن يفتى حتى يراه الناس أهلا للفتوى.
وقال سحنون الناس هنا العلماء.
قال ابن هرمز ويرى هو نفسه أهلا لذلك.
قال القرافى أثر هذا الكلام وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا، وهذا شأن الفتيا فى الزمن المتقدم.
وأما اليوم فقد خرق هذا السياج وهان على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح وعسر
عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول أحدهم لا أدرى فلا جرم آل الحال بالناس الى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع تحت فصل فى آداب الفتوى فيه مسائل.
أحداها:
(2)
يلزم المفتى أن يبين الجواب بيانا يزيل الاشكال ثم له الاقتصار على الجواب شفاها فان لم يعرف لسان المستفتى كفاه ترجمة ثقة واحد لانه خبر وله الجواب كتابة.
وكان القاضى أبو حامد كثير الهرب من الفتوى فى الرقاع:
قال الصيمرى وليس من الادب كون السؤال بخط المفتى فأما باملائه وتهذيبه فواسع.
وكان الشيخ أبو اسحق الشيرازى قد يكتب السؤال على ورق له ثم يكتب الجواب.
واذا كان فى الرقعة مسائل فالاحسن ترتيب الجواب على ترتيب السؤال ولو ترك الترتيب فلا بأس به ويشبه معنى قول الله تعالى «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ 3 وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ}
(1)
الحطاب وهامشه التاج والاكليل على مختصر خليل ج 6 ص 295، 296 الطبعة السابقة.
(2)
المجموع شرح المهذب للنووى وبهامشه فتح العزيز ج 1 من ص 47 إلى ص 49 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 106 من سورة آل عمران.
{بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»
(1)
.
واذا كان فى المسألة تفصيل لم يطلق الجواب فانه خطأ.
ثم له أن يستفصل السائل أن حضر ويقيد السؤال فى رقعة أخرى ثم يجيب وهذا أولى وأسلم.
وله أن يقتصر على جواب أحد الاقسام اذا علم أنه الواقع للسائل ويقول هذا اذا كان الامر كذا وله أن يفصل الاقسام فى جوابه ويذكر حكم كل قسم.
لكن هذا كرهه أبو الحسن القابسى من أئمة المالكية وغيره.
وقالوا هذا تعليم للناس الفجور.
واذا لم يجد المفتى من يسأله فصل الأقسام واجتهد فى بيانها واستيفائها.
الثانية: ليس له أن يكتب الجواب على ما علمه من صورة الواقعة اذا لم يكن فى الرقعة تعرض له بل يكتب جواب ما فى الرقعة فان أراد جواب ما ليس فيها فليقل وان كان الامر كذا فجوابه كذا.
واستحب العلماء أن يزيد على ما فى الرقعة ماله تعلق مما يحتاج اليه السائل لحديث «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» الثالثة: اذا كان المستفتى بعيد الفهم فليرفق به ويصبر على تفهم سؤاله وتفهيم جوابه فان ثوابه جزيل.
الرابعة: ليتأمل الرقعة تأملا شافيا وآخرها آكد فان السؤال فى آخرها وقد يتقيد الجميع بكلمة فى آخرها ويغفل عنها.
قال الصيمرى قال بعض العلماء ينبغى أن يكون توقفه فى المسألة السهلة كالصعبة ليعتاده وكان محمد بن الحسن يفعله.
واذا وجد كلمة مشتبهة سأل المستفتى عنها ونقطها وشكلها وكذا ان وجد لحنا فاحشا أو خطأ يحيل المعنى أصلحه، وان رأى بياضا فى أثناء سطر أو آخره خط عليه أو شغله لانه ربما قصد المفتى بالايذاء فكتب فى البياض بعد فتواه ما يفسدها كما بلى به القاضى أبو حامد المروزى.
الخامسة: يستحب أن يقراه؟؟؟ حاضريه ممن هو أهل لذلك ويشاورهم ويباحثهم برفق وانصاف وان كانوا دونه وتلامذته للاقتداء بالسلف ورجاء ظهور ما قد يخفى عليه الا أن يكون فيها ما يقبح ابداؤه أو يؤثر السائل كتمانه أو فى اشاعته مفسدة.
(1)
الآية رقم 107 من سورة آل عمران.
السادسة: ليكتب الجواب بخط واضح وسط لا دقيق خاف ولا غليظ جاف ويتوسط فى سطورها بين توسيعها وتضييقها وتكون عبارة واضحة صحيحة تفهمها العامة ولا يزدريها الخاصة واستحب بعضهم أن لا تختلف أقلامه وخطه خوفا من التزوير ولئلا يشتبه خطه.
قال الصيمرى وأقل ما وجد التزوير على المفتى لان الله تعالى حرس أمر الدين.
واذا كتب الجواب اعاد نظره فيه خوفا من اختلال وقع فيه أو اخلال ببعض المسئول عنه.
السابعة: اذا كان هو المبتدى فالعادة قديما وحديثا أن يكتب فى الناحية اليسرى من الورقة.
قال الصيمرى وغيره وأين كتب من وسط الرقعة أو حاشيتها فلا عتب عليه ولا يكتب فوق البسملة بحال.
وينبغى أن يدعو اذا أراد الافتاء.
وجاء عن مكحول ومالك رحمهما الله أنهما كانا لا يفتيان حتى يقولا لا حول ولا قوة الا بالله ويستحب الاستعاذة من الشيطان ويسمى الله تعالى ويحمده ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم وليقل «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}
(1)
(2)
. {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي}
(3)
.
{يَفْقَهُوا قَوْلِي»} .
(4)
ونحو ذلك.
قال الضيمرى وعادة كثيرين أن يبدءوا فتاويهم الجواب وبالله التوفيق.
وحذف آخرون ذلك.
قال ولو عمل ذلك فيما طال من المسائل واشتمل على فصول وحذف فى غيره كان وجها.
قلت المختار قول ذلك مطلقا وأحسنه الابتداء بقول الحمد لله لحديث:
كل أمر ذى بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أجذم.
وينبغى أن يقوله بلسانه ويكتبه.
قال الصيمرى ولا يدع ختم جوابه بقوله وبالله التوفيق أو والله أعلم أو والله الموفق.
قال ولا يقبح قوله الجواب عندنا أو الذى عندنا أو الذى نقول به أو نذهب اليه أو نراه كذا لانه من أهل ذلك.
(1)
الآية رقم 25 من سورة طه.
(2)
الآية رقم 26 من سورة طه.
(3)
الآية رقم 27 من سورة طه.
(4)
الآية رقم 28 من سورة طه.
قال واذا أغفل السائل الدعاء للمفتى أو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر الفتوى الحق المفتى ذلك بخطه فان العادة جارية به.
قلت واذا ختم الجواب بقوله والله أعلم ونحوه مما سبق فليكتب بعده فلان أو فلان ابن فلان الفلانى فينتسب الى ما يعرف به من قبيلة أو بلدة أو صنعة ثم يقول الشافعى أو الحنفى مثلا فان كان مشهورا بالاسم أو غيره فلا بأس بالاقتصار عليه.
قال الصيمرى ورأى بعضهم أن يكتب المفتى بالمداد دون الحبر خوفا من الحك قال والمستحب الحبر لا غير.
قلت لا يختص واحد منهما هنا بالاستحباب بخلاف كتب العلم فالمستحب فيها الحبر لانها تراد للبقاء والحبر أبقى.
قال الصيمرى وينبغى اذا تعلقت الفتوى بالسلطان أن يدعو له فيقول وعلى ولى الامر أو السلطان أصلحه الله أو سدده الله أو قوى الله عزمه أو أصلح الله به أو شد الله أزره ولا يقول أطال الله بقاءه فليست من ألفاظ السلف.
قلت نقل أبو جعفر النحاس وغيره اتفاق العلماء على كراهة قول أطال الله بقاءك.
وقال بعضهم
(1)
هى تحية الزنادقة وفى صحيح مسلم فى حديث أم حبيبة رضى الله عنها أشارة الى أن الاولى ترك نحو هذا من الدعاء بطول البقاء وأشباهه.
الثامنة: أن يختصر جوابه ويكون بحيث تفهمه العامة.
قال صاحب الحاوى يقول يجوز أو لا يجوز أو حق أو باطل.
وحكى شيخه الصيمرى عن شيخه القاضى أبى حامد أنه كان يختصر غاية ما يمكنه واستفتى فى مسألة آخرها يجوز أم لا فكتب لا وبالله التوفيق.
التاسعة: قال الصيمرى والخطيب اذا سئل عمن قال أنا أصدق من محمد بن عبد الله أو الصلاة لعب وشبه ذلك فلا يبادر بقوله هذا حلال الدم أو عليه القتل بل يقول ان صح هذا باقراره أو بالبينة استتابه السلطان فان تاب قبلت توبته وان لم يتب فعل به كذا وكذا وبالغ فى ذلك وأشبعه.
قال وان سئل عمن تكلم بشئ يحتمل وجوها يكفر ببعضها دون بعض قال يسأل هذا القائل فان قال أردت كذا فالجواب كذا وان سئل عمن قتل أو قلع
(1)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 من صفحة 49 الى ص 51 الطبعة السابقة.
عينا أو غيرها احتاط بذكر الشروط التى يجب بجميعها القصاص وان سئل عمن فعل ما يوجب التعزير ذكر ما يعزر به فيقول يضربه السلطان كذا وكذا ولا يزاد على كذا.
هذا كلام الصيمرى والخطيب وغيرهما.
قال أبو عمرو ولو كتب عليه القصاص أو التعزير بشرطه فليس ذلك باطلاق بل تقييده بشرطه يحمل الوالى على السؤال عن شرطه والبيان أولى.
العاشرة: ينبغى اذا ضاق موضع الجواب أن لا يكتبه فى رقعة أخرى خوفا من الحيلة.
ولهذا قالوا يصل جوابه بآخر سطر ولا يدع فرجة لئلا يزيد السائل شيئا يفسدها.
واذا كان موضع الجواب ورقة ملصقة كتب على الالصاق ولو ضاق باطن الرقعة وكتب الجواب فى ظهرها كتبه فى أعلاها الا أن يبتدئ من أسفلها متصلا بالاستفتاء فيضيق الموضع فيتمه فى أسفل ظهرها ليتصل جوابه.
واختار بعضهم أن يكتب على ظهرها لا على حاشيتها.
والمختار عند الصيمرى وغيره أن حاشيتها أولى من ظهرها.
قال الصيمرى وغيره والامر فى ذلك قريب.
الحادية عشرة: اذا ظهر للمفتى أن الجواب خلاف غرض المستفتى وأنه لا يرضى بكتابته فى ورقته فليقتصر على مشافهته بالجواب وليحذر أن يميل فى فتواه مع المستفتى أو خصمه ووجوه الميل كثيرة لا تخفى.
ومنها أن يكتب فى جوابه ما هو له ويترك ما عليه وليس له أن يبدأ فى مسائل الدعوى والبينات بوجوه المخالص منها.
واذا سأله أحدهم وقال بأى شئ تندفع دعوى كذا وكذا أو بينة كذا وكذا لم يجبه كيلا يتوصل بذلك الى ابطال حق وله أن يسأله عن حاله فيما ادعى عليه فاذا شرحه له عرفه بما فيه من دافع وغير دافع.
قال الصيمرى وينبغى للمفتى اذا رأى للسائل طريقا يرشده اليه أن ينبهه عليه يعنى ما لم يضر غيره ضررا بغير حق.
قال كمن حلف لا ينفق على زوجته شهرا يقول يعطيها من صداقها أو قرضا أو بيعا ثم يبريها.
وكما حكى أن رجلا قال لابى حنيفة رحمه الله حلفت انى أطأ أمرأتى فى نهار
رمضان ولا أكفر ولا أعصى فقال سافر بها.
الثانية عشرة: قال الضيمرى اذا رأى المفتى المصلحة أن يفتى العامى بما فيه تغليظ وهو مما لا يعتقد ظاهره وله تأويل جاز ذلك زجرا له كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه سئل عن توبة القاتل فقال لا توبة له وسأله آخر فقال له توبة.
ثم قال أما الاول فرأيت فى عينه ارادة القتل فمنعته.
وأما الثانى فجاء مستكينا قد قتل فلم أقنطه:
قال الصيمرى: وكذا ان سأله رجل فقال ان قتلت عبدى هل على قصاص فواسع أن يقول ان قتلت عبدك قتلناك فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من قتل عبده قتلناه ولان القتل له معان.
قال ولو سئل عن سب الصحابى هل يوجب القتل فواسع أن يقول روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من سب أصحابى فاقتلوه فيفعل كل هذا زجرا للعامة ومن قل دينه ومروءته.
الثالثة عشرة: يجب على المفتى عند اجتماع الرقاع بحضرته أن يقدم الاسبق فالاسبق كما يفعله القاضى فى الخصوم وهذا فيما يجب فيه الافتاء فان تساووا أو جهل السابق قدم بالقرعة.
والصحيح أنه يجوز تقديم المرأة والمسافر الذى شد رحله وفى تأخيره ضرر بتخلفه عن رفقته ونحو ذلك على من سبقهما الا اذا كثر المسافرون والنساء بحيث يلحق غيرهم بتقديمهم ضرر كثير فيعود بالتقديم بالسبق أو القرعة ثم لا يقدم أحدا الا فى فتيا واحدة.
الرابعة عشرة: قال الصيمرى وأبو عمرو: اذا سئل عن ميراث فليست العادة أن يشترط فى الورثة عدم الرق والكفر والقتل وغيرها من موانع الميراث بل المطلق محمول على ذلك بخلاف ما اذا أطلق الاخوة والاخوات والاعمام وبنيهم فلا بد أن يقول فى الجواب من أب وأم أو من أب أو من أم.
واذا سئل عن مسألة عول كالمنبرية وهى زوجة وأبوان وبنتان فلا يقل للزوجة الثمن ولا التسع لانه لم يطلقه أحد من السلف بل يقل لها الثمن عائلا وهى ثلاثة أسهم من سبعة وعشرين أولها ثلاثة أسهم من سبعة وعشرين
(1)
أو يقول ما قاله أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه صار ثمنها تسعا: واذا كان فى المذكورين فى رقعة الاستفتاء من لا يرث أفصح
(1)
المجموع شرح المهذب للنووى وبهامشه فتح العزيز ج 1 من ص 51 إلى ص 52 الطبعة السابقة.
بسقوطه فقال وسقط فلان وان كان سقوطه فى حال دون حال قال وسقط فلان فى هذه الصورة أو نحو ذلك لئلا يتوهم أنه لا يرث بحال.
واذا سئل عن اخوة وأخوات أو بنين وبنات فلا ينبغى أن يقول للذكر مثل حظ الاثنين فان ذلك قد يشكل على العامى بل يقول يقتسمون التركة على كذا وكذا سهما لكل ذكر كذا وكذا سهما ولكل أنثى كذا وكذا سهما.
قال الصيمرى: قال الشيخ ونحن نجد فى تعمد العدول عنه حزازة فى النفس لكونه لفظ القرآن العزيز وأنه قل ما يخفى معناه على أحد.
وينبغى أن يكون فى جواب مسائل المناسخات شديد التحرز والتحفظ وليقل فيها لفلان كذا وكذا ميراثه من أبيه ثم من أمه ثم من أخيه.
قال الصيمرى: وكان بعضهم يختار أن يقول لفلان كذا وكذا سهما ميراثه عن أبيه كذا وعن أمه كذا وعن أخيه كذا قال وكل هذا قريب.
قال الصيمرى وغيره: وحسن أن يقول تقسم التركة بعد اخراج ما يجب تقديمه من دين أو وصية ان كانا.
الخامسة عشرة: اذا رأى المفتى رقعة الاستفتاء وفيها خط غيره ممن هو أهل للفتوى وخطه فيها موافق لما عنده.
قال الخطيب وغيره كتب تحت خطه هذا جواب صحيح وبه أقول أو كتب جوابى مثل هذا وان شاء ذكر الحكم بعبارة ألخص من عبارة الذى كتب.
وأما اذا رأى فيها خط من ليس أهلا للفتوى.
فقال الصيمرى لا يفتى معه لان فى ذلك تقريرا منه لمنكر بل يضرب على ذلك بأمر صاحب الرقعة ولو لم يستأذنه فى هذا القدر جاز لكن ليس له احتباس الرقعة الا باذن صاحبها.
قال وله انتهار السائل وزجره وتعريفه قبح ما أتاه وأنه كان واجبا عليه البحث عن أهل للفتوى وطلب من هو أهل لذلك.
وان رأى فيها اسم من لا يعرفه سأل عنه فان لم يعرفه فواسع أن يمتنع من الفتوى معه خوفا مما قلناه.
قال وكان بعضهم فى مثل هذا يكتب على ظهرها.
قال والاولى فى هذا الموضع أن يشار على صاحبها بابدالها فان أبى ذلك أجابه شفاها.
قال أبو عمرو اذا خاف فتنة من الضرب على فتيا العادم للاهلية ولم تكن خطأ عدل الى الامتناع من الفتيا معه فان غلبت فتاويه لتغلبه على منصبها بجاه أو تلبيس أو غير ذلك بحيث صار امتناع الاهل من الفتيا معه ضارا بالمستفتين فليفت معه فان ذلك أهون الضررين وليتلطف مع ذلك فى اظهار قصوره لمن يجهله.
أما اذا وجد فتيا من هو أهل وهى خطأ مطلقا بمخالفتها القاطع أو خطأ على مذهب من يفتى ذلك المخطئ على مذهبه قطعا فلا يجوز له الامتناع من الافتاء تاركا للتنبيه على خطئها اذا لم يكفه ذلك غيره بل عليه الضرب عليها عند تيسره أو الابدال وتقطيع الرقعة باذن صاحبها أو نحو ذلك واذا تعذر ذلك وما يقوم مقامه كتب صواب جوابه عند ذلك الخطأ.
ثم ان كان المخطئ أهلا للفتوى فحسن أن تعاد اليه بأذن صاحبها.
أما اذا وجد فيها فتيا أهل للفتوى وهى على خلاف ما يراه هو غير أنه لا يقطع بخطئها فليقتصر على كتب جواب نفسه ولا يتعرض لفتيا غيره بتخطئة ولا اعتراض.
قال صاحب الحاوى لا يسوغ لمفت اذا استفتى أن يتعرض لجواب غيره برد ولا تخطئة ويجيب بما عنده من موافقة أو مخالفة.
السادسة عشرة: اذا لم يفهم المفتى السؤال أصلا ولم يحضر صاحب الواقعة فقال الصيمرى يكتب يزاد فى الشرح ليجيب عنه أو لم أفهم ما فيها فأجيب.
قال وقال بعضهم لا يكتب شيئا أصلا.
قال ورأيت بعضهم كتب فى هذا يحضر السائل لنخاطبه شفاها.
وقال الخطيب ينبغى له اذا لم يفهم الجواب أن يرشد المستفتى الى مفت آخر ان كان والا فليمسك حتى يعلم الجواب.
قال الصيمرى واذا كان فى رقعة الاستفتاء مسائل فهم بعضها دون بعض أو فهمها كلها ولم يرد الجواب فى بعضها أو احتاج فى بعضها الى تأمل أو مطالعة أجاب عما أراد وسكت عن الباقى وقال لنا فى الباقى نظر أو تأمل أو زيادة نظر.
السابعة عشرة: ليس بمنكر أن يذكر المفتى فى فتواه الحجة اذا كانت نصا واضحا مختصرا.
قال الصيمرى: لا يذكر الحجة أن أفتى عاميا ويذكرها أن أفتى فقيها كمن يسأل عن النكاح بلا ولى فحسن أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا نكاح الا بولى» أو عن رجعة المطلقة بعد الدخول فيقول له راجعتها قال الله تعالى «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ 1 فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» }.
قال ولم تجر العادة أن يذكر فى فتواه طريق الاجتهاد ووجهة القياس والاستدلال الا أن تتعلق الفتوى بقضاء قاض فيومئ فيها الى طريق الاجتهاد ويلوح بالنكتة وكذا اذا أفتى غيره فيها بغلط فيفعل ذلك لينبه على ما ذهب اليه ولو كان فيما يفتى به غموض فحسن أن يلوح بحجة.
وقال صاحب الحاوى لا يذكر حجة ليفرق بين الفتيا والتصنيف.
قال ولو ساغ التجاوز الى قليل لساغ الى كثير ولصار المفتى مدرسا.
والتفصيل الذى ذكرناه أولى من اطلاق صاحب الحاوى المنع.
وقد يحتاج المفتى فى بعض الوقائع الى أن يشدد ويبالغ فيقول وهذا اجماع المسلمين
(2)
أو لا أعلم فى هذا خلافا أو فمن خالف هذا فقد خالف الواجب وعدل عن الصواب أو فقد أثم وفسق أو وعلى ولى الامر أن يأخذ بهذا ولا يهمل الامر وما أشبه هذه الالفاظ على حسب ما تقتضيه المصلحة وتوجبه الحال.
الثامنة عشرة: قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله ليس له اذا استفتى فى شئ من المسائل الكلامية أن يفتى بالتفصيل بل يمنع مستفتيه وسائر العامة من الخوض فى ذلك أو فى شئ منه وان قل ويأمرهم بأن يقتصروا فيها على الايمان جملة من غير تفصيل ويقولوا فيها وفى كل ما ورد من آيات الصفات وأخبارها المتشابهة أن الثابت فيها فى نفس الامر ما هو اللائق فيها بجلال الله تبارك وتعالى وكماله وتقديسه المطلق فيقول ذلك معتقدنا فيها وليس علينا تفصيله وتعيينه وليس البحث عنه من شأننا بل نكل علم تفصيله الى الله تبارك وتعالى ونصرف عن الخوض فيه قلوبنا والسنتنا.
فهذا ونحوه هو الصواب من أئمة الفتوى فى ذلك وهو سبيل سلف الامة وأئمة المذاهب المعتبرة وأكابر العلماء
(1)
الآية رقم 228 من سورة البقرة.
(2)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 من ص 52 إلى ص 54 الطبعة السابقة.
والصالحين وهو أصون وأسلم للعامة وأشباههم.
ومن كان منهم اعتقد اعتقادا باطلا تفصيلا ففى هذا صرف له عن ذلك الاعتقاد الباطل بما هو أهون وأيسر وأسلم.
واذا عزر ولى الامر من حاد منهم عن هذه الطريقة فقد تأسى بعمر بن الخطاب رضى الله عنه فى تعزير صبيع بفتح الصاء المهملة الذى كان يسأل عن المتشابهات على ذلك.
قال والمتكلمون من أصحابنا معترفون بصحة هذه الطريقة وبأنها أسلم لمن سلمت له وكان الغزالى منهم فى آخر أمره شديد المبالغة فى الدعاء اليها والبرهنة عليها وذكر شيخه أمام الحرمين فى كتابه الغياثى أن الامام يحرص ما أمكنه على جمع عامة الخلق على سلوك سبيل السلف فى ذلك.
واستفتى الغزالى فى كلام الله تبارك وتعالى فكان من جوابه وأما الخوض فى أن كلامه تعالى حرف أو صوت أو ليس كذلك فهو بدعة وكل من يدعو العوام الى الخوض فى هذا فليس من أئمة الدين وانما هو من المضلين.
ومثاله من يدعو الصبيان الذين لا يحسنون السباحة الى خوض البحر:
ومن يدعو الزمن المقعد الى السفر فى البرارى من غير مركوب.
وقال فى رسالة له الصواب للخلق كلهم الا الشاذ النادر الذى لا تسمح الاعصار الا بواحد منهم أو اثنين سلوك مسلك السلف فى الايمان المرسل والتصديق المجمل بكل ما أنزله الله تعالى وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير بحث وتفتيش والاشتغال بالتقوى ففيه شغل شاغل.
وقال الصيمرى فى كتابه أدب المفتى والمستفتى أن مما أجمع عليه أهل التقوى أن من كان موسوما بالفتوى فى الفقه لم ينبغ وفى نسخة لم يجز له أن يضع خطه بفتوى فى مسألة من علم الكلام.
قال وكان بعضهم لا يستتم قراءة مثل هذه الرقعة.
قال وكره بعضهم أن يكتب ليس هذا من علمنا أو ما جلسنا لهذا السؤال عن غير هذا أولى بل لا يتعرض لشئ من ذلك.
وحكى الامام الحافظ الفقيه أبو عمر ابن عبد البر الامتناع من الكلام فى كل ذلك عن الفقهاء والعلماء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى.
قال وانما خالف ذلك أهل البدع.
قال الشيخ فان كانت المسألة مما يؤمن فى تفصيل جوابها من ضرر الخوض
المذكور جاز الجواب تفصيلا وذلك بأن يكون جوابها مختصرا مفهوما ليس لها أطراف يتجاذبها المتنازعون والسؤال عنه صادر عن مسترشد خاص منقاد أو من عامة قليلة التنازع والمماراة والمفتى ممن ينقادون لفتواه ونحو هذا.
وعلى هذا ونحوه يحمل ما جاء عن بعض السلف من بعض الفتوى فى بعض المسائل الكلامية وذلك منهم قليل نادر والله أعلم.
التاسعة عشرة: قال الصيمرى والخطيب رحمهما الله واذا سئل فقيه عن مسألة من تفسير القرآن العزيز فان كانت تتعلق بالاحكام أجاب عنها وكتب خطه بذلك كمن سأل عن الصلاة الوسطى والقرء ومن بيده عقدة النكاح وان كانت ليست من مسائل الاحكام كالسؤال عن الرقيم والنقير والقطمير والغسلين رده الى أهله ووكله الى من نصب نفسه له من أهل التفسير ولو أجابه شفاها لم يستقبح.
هذا كلام الصيمرى والخطيب.
ولو قيل أنه يحسن كتابته للفقيه العارف به لكان حسنا وأى فرق بينه وبين مسائل الاحكام والله أعلم.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع:
(1)
يحرم الحكم والفتيا بالهوى اجماعا وليحذر المفتى أن يميل فى فتياه مع المستفتى أو مع خصمه.
وتحرم الفتيا بقول أو وجه من غير نظر فى الترجيح اجماعا.
مذهب الزيدية:
قال فى تتمة الروض النضير:
(2)
الفتوى حكاية عن الحكم الذى شرعه الله تعالى لعباده ولذلك فينبغى أن تكون مستندة الى أحد الادلة الاربعة والا فمجرد الاقدام على الفتوى بغير استناد الى أحد الادلة الاربعة وهى الكتاب العزيز أو السنة النبوية أو الاجماع أو القياس مخالف للامر القرآنى فى التأسى بالنبى صلى الله عليه وسلم واتباع طريقته الدال عليه قوله تعالى «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً»
(3)
(4)
فاذا لم تكن مستندة
(1)
كشاف القناع مع هامش منتهى الارادات ج 4 ص 174 الطبعة السابقة.
(2)
تتمة الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 2 ص 141 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 21 من سورة الاحزاب.
(4)
الآية رقم 31 من سورة آل عمران.
الى أحد الادلة الاربعة يشملها قوله تعالى «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» }.
(1)
فى آخر الايات الثلاث فى سورة المائدة وهى «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ»
(2)
«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ» }.
(3)
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة الوثقى:
(4)
من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الافتاء.
وجاء فى الهامش
(5)
كما صرح به جماعة من الاعيان وغيرها أنه اجماعى، أما لانها منصب للنبى صلى الله عليه وسلم أو الامام عليه السلام من بعده فلا تجوز بغير اذنهما ولا أذن من فقد بعض الشرائط لكن دليله غير ظاهر، اذ ما تقدم من أدلة الشرائط انما يدل على اعتبارها فى حجية الفتوى لا فى جوازها تكليفا، ولا على كونها من المناصب المختصة بالمعصوم وأما ما دل على حرمة القول على الله سبحانه وتعالى بغير علم فانما يقتضى حرمة
الفتوى من غير المجتهد لا من المجتهد الفاقد لبقية الشرائط بل يشكل اقتضاؤه الحرمة فى عير المجتهد اذا كانت فتواه تطابق فتوى مرجعه فى العمل، لان حجية فتواه كافية فى صدق العلم بالحكم، فالفتوى - اعتمادا عليها - قول على الله بعلم، نعم لو اعتمد على رأيه الناقص، كان تشريعا منه فى حجية رأيه فيكون به آثما، لا أنه قول بغير علم، وأما لانها اغواء واضلال لان تكليف المفتى له لزوم العما بغيرها ولكنه يشكل.
أولا: بأنه لا يتم ذلك مع موافقتها لفتوى الجامع للشرائط.
وثانيا: بأن المفتى اذا كان عالما بالحكم ولو من جهة قيام الحجة عنده عليه تكون الفتوى موافقة لما دل على وجوب الاعلام وعدم الحجية لا ينافى ذلك نظير ما لو أخبر غير الثقة عند المخبر بثبوت الحكم الواقعى المعلوم لديه، فانه اخبار عن الحكم الواقعى ولا يكون اضلالا ولا اغواء أصلا ولا سيما اذا قال المفتى بعد أن أفتى بوجوب شئ - ان فتواى ليست بحجة وليس عليك العمل بها، وانما عليك العمل بفتوى فلان، فالمتحصل اذا أنه لا دليل على حرمة الفتوى ممن فقد بعض الشرائط الا اذا صدق عليها أنها فتوى بغير علم وان كان الذى يظهر منهم التسالم على اطلاق الحرية.
(1)
الآية رقم 47 من سورة المائدة.
(2)
الآية رقم 44 من سورة المائدة.
(3)
الآية رقم 45 من سورة المائدة.
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 1 ص 56 الطبعة السابقة.
(5)
هامش مستمسك العروة الوثقى ج 1 ص 56، 57 الطبعة السابقة.
مذهب الإباضية:
جاء فى طلعة الشمس:
(1)
ذهب بعض علماء الإباضية الى منع الانتقال فى الفتوى من مذهب الى مذهب لمجرد التشهى والحظوظ العاجلة لان ذلك يؤدى الى الانهماك فى الرخص والتساهل فى الفتوى وعدم المبالاة بالديانة حتى أن أصحابنا رحمهم الله تعالى منعوا من افتاء طالب الرخصة قبل الوقوع فيها وما ذلك الا لخوف التساهل فى الديانة وطلب الحزم فى أمور الدين والنجاة للمسلمين.
من له حق الاستفتاء
مذهب الحنفية:
المستفتى
(2)
من ليس مفتيا ودخل فيه المجتهد فى البعض من المسائل الاجتهادية بالنسبة الى المجتهد المطلق.
نعم حيث قلنا بتجزى الاجتهاد فقد يكون الشخص مفتيا بالنسبة الى أمر مستفتيا بالنسبة الى آخر.
وفى موضع آخر
(3)
غير المجتهد يلزمه عند الجمهور التقليد وان كان مجتهدا فى بعض مسائل الفقه أو بعض العلوم كالفرائض على القول بتجزى الاجتهاد وتقليده يكون فيما لا يقدر عليه ويقلد مطلقا فيما يقدر عليه وفيما لا يقدر عليه على نفى القول بالتجزى.
والدليل على ذلك عموم قوله تعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» وهو دليل على من لا يعلم عاميا صرفا كان أو عاميا ببعض العلوم غير عالم بحكم مسألة لزمه معرفته.
مذهب المالكية:
(4)
ذكر الحطاب أن الذى عليه الجمهور أنه يجب على من ليس فيه أهلية الاجتهاد أن يقلد أحد الائمة المجتهدين سواء كان عالما أو ليس بعالم وقيل لا يقلد العالم وان لم يكن مجتهدا لان له صلاحية أخذ الحكم من الدليل.
قال القرافى فى شرح المحصول قال أمام الحرمين أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذاهب
(1)
كتاب شرح طلعة الشمس على الألفية ج 2 ص 282 الطبعة السابقة.
(2)
التقرير والتحيير شرح العلامة المحقق ابن أمير الحاج على تحرير الامام الكمال ابن الهمام فى علم الاصول وبهامشه شرح الامام جمال الدين الاسنوى المسمى نهاية السول فى شرح منهاج الوصول الى علم الاصول للقاضى البيضاوى ج 3 ص 342 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر المحمية سنة 1317 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 344 الطبعة السابقة.
(4)
الحطاب على خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 30، 31 الطبعة السابقة.
الصحابة رضى الله عنهم بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الائمة الذين سبروا ونظروا وبوبوا لان الصحابة رضى الله عنهم لم يعتنوا بتهذيب المسائل والاجتهاد وايضاح طرق النظر بخلاف من بعدهم.
ثم قال القرافى ورأيت للشيخ تقى الدين بن الصلاح ما معناه أن التقليد يتعين لهذه الائمة الاربعة دون غيرهم لان مذاهبهم انتشرت وانبسطت حتى ظهر فيها تقييد مطلقها وتخصيص عامها وشروط فروعها فاذا أطلقوا حكما فى موضع وجد مكملا فى موضع آخر.
وأما غيرهم فتنقل عنهم الفتاوى مجردة فلعل لها مكملا أو مقيدا أو مخصصا لو انضبط كلام قائله لظهر فيصير فى تقليده على غير ثقة بخلاف هؤلاء الاربعة.
قال وهذا توجيه حسن فيه ما ليس فى كلام امام الحرمين.
ثم أورد عليه أنه يلزم عليه عدم جواز نقل مذاهبهم لعدم انضباطها فلعل ما ننقله عنهم لو جمعت شروطه وصار موافقا لما نجعله مخالفا له.
قال ويمكن الجواب بأن أمر النقل خفيف بالنسبة الى العمل فانه قد يكون المقصود منه الاطلاع على وجوه الفقه والتنبيه على المدارك وعدم الوفاق فيوجب ذلك التوقف عن أمور والبحث عن أمور.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع:
(1)
كل من لم يبلغ درجة المفتى فهو فيما يسأل عنه من الاحكام الشرعية مستفت مقلد من يفتيه ويجب عليه الاستفتاء اذا نزلت به حادثة يجب عليه علم حكمها فان لم يجد ببلده من يستفتيه وجب عليه الرحيل الى من يفتيه وان بعدت داره وقد رحل خلائق من السلف فى المسألة الواحدة الليالى والايام.
وجاء فى نهاية السول بهامش التقرير
(2)
والتحبير: من لم يبلغ رتبة الاجتهاد فالاصح عند الامام أنه يجوز له الاستفتاء مطلقا بل يجب.
ودليل الجواز على ذلك أمران:
اجماع السلف عليه لان العوام لم يكلفوا فى شئ من الاعصار بالاجتهاد فلو كانوا مأمورين بذلك لكلفوهم به وأنكروا عليهم العمل بفتاويهم مع أنه لم يقع شئ من ذلك.
(1)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 ص 54 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الامام جمال الدين الاسنوى المسمى نهاية السول فى شرح منهاج الوصول الى علم الأصول للقاضى البيضاوى ج 3 ص 334 ص 336 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1317 هـ.
والثانى أن تكليفهم بالاجتهاد يؤدى الى تفويت معايشهم واستضرارهم بالاشتغال لتحصيل أسبابه وذلك سبب لفساد الاحوال فيكون القول به باطلا.
أما المجتهد فلا يجوز له الاستفتاء بعد الاجتهاد اتفاقا ولا قبله على المختار عند الامام وأتباعه لانه مأمور بالاعتبار أى الاجتهاد لقوله تعالى «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ» فانه عام شامل للعامى وللمجتهد، وترك العمل به بالنسبة الى العامى لعجزه عن الاجتهاد فيبقى معمولا به فى حق المجتهد وحينئذ فلو جاز له الاستفتاء لكان تاركا الاعتبار المأمور به وتركه لا يجوز.
مذهب الحنابلة:
جاء فى روضة الناظر أنهم اتفقوا على أن المجتهد اذا اجتهد فغلب على ظنه الحكم لم يجز له تقليد غيره وعلى أن العامى له تقليد المجتهد.
فأما المتمكن من الاجتهاد فى بعض المسائل ولا يقدر على الاجتهاد فى البعض الا بتحصيل علم على سبيل الابتداء كالنحو فى مسألة نحوية وعلم صفات الرجال فى مسألة خبرية فالاشبه أنه كالعامى فيما لم يحصل علمه فانه كما يمكنه تحصيله فالعامى يمكنه ذلك مع المشقة التى تلحقه.
انما المجتهد الذى صارت العلوم عنده حاصلة بالقوة القريبة من الفعل من غير حاجة الى تعب كثير. بحيث لو بحث عن المسألة ونظر فى الادلة استقل بها ولم يفتقر الى تعلم من غيره فهذا المجتهد هل يجوز له تقليد غيره.
قال أصحابنا ليس له تقليد مجتهد آخر مع ضيق الوقت ولا سعته لا فيما يخصه ولا فيما يفتى به لكن يجوز له أن ينقل للمستفتى مذهب الائمة كأحمد والشافعى ولا يفتى من عند نفسه بتقليد غيره لان تقليد من لا تثبت عصمته ولا تعلم اصابته حكم شرعى لا يثبت الا بنص أو قياس ولا نص ولا قياس اذ المنصوص عليه العامى مع المجتهد وليس ما اختلفنا فيه مثله فان العامى عاجز عن تحصيل العلم والظن بنفسه والمجتهد قادر فلا يكون فى معناه.
فان قيل هو لا يقدر على غير الظن وظن غيره كظنه.
قلنا مع هذا اذا حصل ظنه لم يجز له اتياع ظن غيره فكان ظنه أصلا وظن غيره بدلا فلا يجوز اثباته الا بدليل ولانه اذا لم يجز مع القدرة عليه كسائر الابدال والمبدلات.
فان قيل لا نسلم عدم النص فى المسألة بل فيها نصوص كقوله تعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» }.
(1)
وهذا لا يعلم هذه المسألة، وقوله:{أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .
قلنا المراد بالاولى أمر العامة بسؤال العلماء اذ ينبغى أن يتميز السائل عن المسئول فالعالم مسئول غير سائل ولا يخرج عن العلماء بكون المسألة غير حاضرة فى ذهنه اذا كان متمكنا من معرفتها من غير تعلم من غيره.
الثانى يحتمل أن يكون معناه اسألوا لتعلموا أى سلوا عن الدليل ليحصل العلم كما يقال كل لتشبع واشرب لتروى.
والمراد بأولى الامر الولاة لوجوب طاعتهم اذ لا يجب على المجتهد طاعة المجتهد وان كان المراد به العلماء فالطاعة على العوام.
ثم هو معارض بعمومات أقوى مما ذكروه يمكن التمسك بها فى المسألة كقوله تعالى «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ»
(2)
وقوله تعالى «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» وقوله سبحانه «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ}
{لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً»
(3)
وقوله تعالى «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ»
(4)
وهذا أمر التدبر والاستنباط والخطاب مع العلماء.
ثم لا فرق بين المماثل والاعلم فان الواجب أن ينظر فان وافق اجتهاده الاعلم فذاك وان خالفه فمن أين ينفع كونه أعلم وقد صار مزيفا عنده وظنه عنده أقوى من ظن غيره وله الاخذ بظن نفسه اتفاقا ولم يلزمه الاخذ بقول غيره وان كان أعلم فينبغى أن لا يجوز تقليده.
فان قيل فلم ينقل عن طلحة والزبير ونظرائهما نظر فى الاحكام مع ظهور الخلاف فالاظهر أنهم أخذوا بقول غيرهم.
قلنا كانوا لا يفتون اكتفاء بغيرهم وأما علمهم لنفوسهم لم يكن الا بما عرفوه فان اشكل عليهم شاوروا غيرهم لتعرف الدليل لا للتقليد والله أعلم
(5)
.
(1)
الآية رقم 43 من سورة النمل.
(2)
الآية رقم 2 من سورة الحشر.
(3)
الآية رقم 82 من سورة النساء.
(4)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
(5)
روضة الناظر وجنة المناظر فى أصول الفقه على مذهب الامام أحمد بن حنبل لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسى الدمشقى ج 2 من ص 437 الى ص 442 طبع المطبعة السلفية بمصر سنة 1342 هـ
مذهب الظاهرية:
يرى ابن حزم
(1)
ان على كل مسلم عاقل بالغ ذكر أو أنثى حر أو عبد يلزمه الطهارة والصلاة والصيام فرضا بلا خلاف من أحد من المسلمين أن يعرف فرائض صلاته وصيامه وطهارته وكيف يؤدى كل ذلك وأن يعرف ما يحل له ويحرم عليه من المآكل والمشارب والملابس والفروج والدماء والاقوال والاعمال فهذا كله لا يسع جهله أحدا من الناس.
وفرض عليهم أن يأخذوا فى تعلم ذلك من حين يبلغون الحكم.
ويجبر الامام أزواج النساء وسادات الارقاء على تعليمهم أما بأنفسهم وأما بالاباحة لهم لقاء من يعلمهم.
وفرض على الامام أن يأخذ الناس بذلك.
ثم فرض على كل ذى مال تعلم حكم ما يلزمه من الزكاة فمن لم يكن له مال أصلا فليس تعلم أحكام الزكاة فرضا عليه.
ومن لزمه الحج ففرض عليه تعلم أعمال الحج والعمرة.
وفرض على قواد العساكر معرفة السير وأحكام الجهاد وقسم الغنائم والفئ.
وفرض على الامراء والقضاة تعلم الاحكام والاقضية والحدود وليس تعلم ذلك فرضا على غيرهم.
ثم فرض على التجار وكل من يبيع غلته تعلم أحكام البيوع.
ثم جاء فى موضع آخر
(2)
: وكل من كان منا فى بادية لا يجد فيها من يعلمه شرائع دينه ففرض على جميعهم من رجل أو أمرأة أن يرحلوا الى مكان يجدون فيه فقيها يعلمهم دينهم أو أن يرحلوا الى أنفسهم فقيها يعلمهم أمور دينهم.
وقال فى الاحكام:
(3)
أن التقليد كله حرام فى جميع الشرائع أولها عن آخرها من التوحيد والنبوة والقدر والايمان والوعيد والامامة والمفاضلة وجميع العبادات والاحكام.
ثم قال:
(4)
فان قال قائل: فكيف يصنع العامى اذا نزلت به النازلة؟
(1)
الاحكام فى أصول الأحكام لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 122
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 118 الطبعة السابقة.
(3)
الأحكام لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 150 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 151، 152 الطبعة السابقة.
قال أبو محمد: فالجواب وبالله تعالى التوفيق أنا قد بينا تحريم الله تعالى للتقليد جملة ولم يخص الله تعالى بذلك عاميا من عالم، ولا عالما من عامى، وخطاب الله تعالى متوجه الى كل أحد فالتقليد حرام على العبد المجلوب من بلده والعامى والعذراء المخدرة والراعى فى شعف الجبال كما هو حرام على العالم المتبحر ولا فرق.
والاجتهاد فى طلب حكم الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام فى كل ما خص المرء من دينه لازم لكل من ذكرنا كلزومه للعالم المتبحر ولا فرق.
فمن قلد من كل من ذكرنا فقد عصى الله عز وجل وأثم ولكن يختلفون فى كيفية الاجتهاد فلا يلزم المرء منه الا مقدار ما يستطيع لقوله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»
(1)
(2)
والتقوى هى العمل فى الدين بما أوجبه الله تعالى فيه ولم يكلفنا تعالى منه الا ما نستطيع فقط ويسقط عنا ما لا نستطيع وهذا نص جلى على أنه لا يلزم أحدا من البحث على ما نزل به فى الديانة الا بقدر ما يستطيع فقط فعلى كل أحد
حظه من الاجتهاد ومقدار طاقته منه.
ثم قال ابن حزم: فالناس فى ذلك على مراتب فمن ارتفع فهمه عن فهم أغنام المجلوبين من بلاد العجم منذ قريب وعن فهم أغنام العامة فانه لا يجزيه فى ذلك ما يجزى من ذكرنا لكن يجتهد هذا على حسب ما يطيق فى البحث عما نابه من نص الكتاب والسنة ودلائلهما ومن الاجماع ودلائله.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار
(3)
: أن التقليد وهو قبول الغير من دون أن يطالبه بحجة جائز لغير المجتهد فى المسائل الفرعية العملية، سواء كانت ظنية الدليل أو قطعيته بخلاف التقليد فى المسائل الاصولية فانه لا يجوز التقليد فيها سواء كانت من أصول الدين أو أصول الفقه أو أصول الشرائع.
وقال أبو اسحاق ابن عياش والامام يحيى:
يجوز التقليد فى أصول الدين وروى عن القاسم وأبى القاسم أيضا.
وكذلك لا يجوز التقليد فى الفروع العملية كمسألة الشفاعة وفسق من خالف الاجماع.
(1)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 16 من سورة التغابن.
(3)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 3، 4، 5، 6 الطبعة السابقة.
وجواز التقليد فى هذه المسائل عند أكثر الامة.
وذهب الجعفران وجماعة من البغدادية الى تحريم التقليد على العامى وغيره فى الفروع وغيرها وقالوا انما العامى يسأل العالم عن الحكم وطريقه على التحقيق.
وقال أبو على الجبائى لا يجوز التقليد فى المسائل القطعية من الفروع لان الحق فيها مع واحد فالمقلد لا يأمن تقليد المخطئ.
أما المجتهد فانه لا يجوز له التقليد ولو وقف على نص أعلم منه فانه لا يجوز له تقليده وهذا قول الاكثر.
وقال محمد بن الحسن أنه يجوز تقليده للاعلم مطلقا.
وقال أبو على: أنه يجوز اذا كان الغير صحابيا ولا يجوز فى غيره.
وقيل: انه جائز له مطلقا ولو غير أعلم وهذه الاقوال انما هى قبل أن يجتهد المجتهد فى الحكم فأما بعد أن اجتهد فالاجماع منعقد على أنه لا يعدل عن اجتهاده الى اجتهاد غيره الا أن يجتهد فيه ويترجح له فذلك عمل باجتهاد نفسه لا غيره.
مذهب الإمامية:
جاء فى العروة الوثقى:
(1)
أنه يجب على غير المجتهد التقليد وان كان من أهل العلم.
ثم قال يجب على العامى أن يقلد الاعلم فى مسألة وجوب تقليد الاعلم أو عدم وجوبه ولا يجوز أن يقلد غير الاعلم اذا أفتى بعدم وجوب تقليد الاعلم بل لو أفتى الاعلم بعدم وجوب تقليد الاعلم يشكل جواز الاعتماد عليه فالقدر المتيقن للعامى تقليد الاعلم فى الفرعيات.
ثم قال فى موضع آخر:
(2)
عمل العامى بلا تقليد ولا احتياط باطل.
مذهب الإباضية:
جاء فى طلعة الشمس:
(3)
لا يصح لمن أطاق الاجتهاد فى شئ من المسائل الظنية أن يقلد غيره فيها ولو كان الغير أعلم منه أو صحابيا بل يجب أن ينظر لنفسه ما هو الحق فى حقه ويحرم عليه تقليد غيره سواء اجتهد فى تلك الحادثة فظهر له الراجح فيها أم لم يجتهد.
وقيل لا يحرم تقليد المجتهد لغيره قبل أن يجتهد فى تلك الحادثة فاذا اجتهد ورأى الراجح حرم عليه تقليد غيره قيل اتفاقا.
(1)
العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 4، 6، 7 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 1 الطبعة السابقة، ومنتهى الأصول بحجة الاسلام السيد مرزا حسن الموسوى البجنوردى ج 2 ص 632 ص 633 طبع مطبعة النجف سنة 1379 هـ.
(3)
طلعة الشمس ج 2 من ص 291 الى 296 الطبعة السابقة.
وحكى بعضهم الخلاف فيه أيضا.
وقال أحمد بن حنبل واسحاق بن راهوية والثورى بل يجوز له مطلقا أى سواء كان المقلد أعلم منه أو ليس بأعلم صحابيا كان أو غير صحابى خاف أن يفوت الوقت باشتغاله بالاجتهاد أو لم يخف لقوله تعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ» ورد بأنه قيد ذلك بقوله «إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» والمجتهد يمكنه العلم.
وقال محمد بن الحسن يجوز تقليد الاعلم فقط لان الظن بصواب من هو أعلم منه أقوى من الظن بصوابه.
ورد بأنه رجوع عن الواضح الى المشكل.
وقيل انما يجوز له تقليد الصحابى لا غير لقوله صلى الله عليه وسلم «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» .
ورد بأن ذلك انما هو فى حق من يصح له التقليد.
أما المجتهد ففرضه العمل باجتهاده.
وقال ابن بركه تقليد الصحابة جائز فى بعض الأحكام.
ثم قال بعد: يجوز تقليد الواحد منهم اذا قال قولا ولم ينكر عليه غيره وأما اذا علم له مخالف فلا.
ثم قال ولا يجوز التقليد لاهل الاستدلال والبحث فى عصر غير الصحابة مع الاختلاف ويجوز الاعتراض عليهم فى أدلتهم ولا يجوز الاعتراض على الصحابة.
قال البدر رحمه الله وتفسير كلامه والله أعلم أن الصحابة اذا اختلفوا تختار بين أقوالهم ولا تحدث عليهم قولا وغير الصحابة اذا اختلفوا تجتهد لنفسك وحدك.
أقول وظاهر كلام ابن بركة اعتبار اجماع الصحابة وان كان سكوتيا وأن قول الصحابى الواحد عنده ليس بحجة.
وقال أهل العراق يجوز للمجتهد أن يقلد غيره فيما يخصه لنفسه دون ما يفتى به لغيره.
ورد بأنه لا فرق بين ما يخصه لنفسه وبين ما يفتى به لغيره لانه فى الجميع متعبد بالاخذ بالراجح.
وقال بعض يجوز أن يقلد غيره فيما يخصه بشرط لو اشتغل بالاجتهاد فاته العمل.
وهذا القول أسهل من الاقوال المتقدمة لحصول العذر بضيق الحال ولانه اذا لم يمكنه الاجتهاد فى ذلك الحال كان بمنزلة من يسعه التقليد من العوام لعدم التمكن من الاجتهاد.
وقال يحيى بن حمزة والجوينى لا يجوز لاحد من المقلدين أن يقلد أحدا من الصحابة.
قال يحيى لانه لم يكن لهم من الخوض فى علوم الاجتهاد مثل ما لغيرهم من متأخرى العلماء.
وهذا باطل لان اجتهاد الصحابة أوفى وأكمل لان علوم العربية وأكثر أصول الفقه من عموم وخصوص واجمال وبيان ونسخ وغير ذلك يعلمونه من غير تعلم ولا نظر بل لغريزة ولا يصعب عليهم فهم معانى الكتاب والسنة ولا يحتاجون فى نقل الاحاديث كما يحتاج المتأخرون من البحث عن حال الراوى وغير ذلك فلا شك فى أن اجتهادهم أكمل.
وقيل لا يجوز تقليد الصحابة لكون مذاهبهم لم تدون لا لقصورهم عن رتبة الاجتهاد.
وهذا أيسر مما قبله وان كان ليس بشئ أيضا لان التدوين ليس بشرط لجواز الاخذ بقول الغير وانما الشرط فى ذلك صحة النقل فاذا صح النقل عن صحابى أو تابعى أو غيرهما كان حكم قوله كحكم أقوال سائر المجتهدين يجوز للضعيف الاخذ به وعلى المجتهد النظر لنفسه ولا يصح له تقليد غيره ان أمكنه الاجتهاد كما مر.
والحجة لنا على ذلك أن الاجماع منعقد على أنه انما يكلف بظنه حيث يكون له طريق الى الظن ولا شك أن المجتهد يجد الطريق الى الظن فليس له العمل بظن غيره الا لدليل يبيح له العمل بظن مجتهد آخر ولا دليل يدل على ذلك الا فى المقلد فقط.
قال ابن الحاجب جواز ذلك حكم شرعى فلا بد من دليل عليه لانه اثبات حكم بخلاف نفى الحكم فلا يحتاج الى دليل بل يكفى فيه انتفاء دليل الثبوت واذا كان ذلك اثبات حكم وأنه يحتاج فى اثباته الى دليل فالاصل عدم الدليل فلا يثبت ما لم تقم دلالة عليه.
وأيضا فالمجتهد متمكن من الاصل وهو العمل بظنه فلا يجوز له العمل بالبدل مع التمكن من الاصل كالواجد للماء لا يجزيه التيمم ولانه لو جاز له التقليد قبل الاجتهاد لجاز بعده والاجماع على أنه لا يجوز والله أعلم.
ثم أخذ فى بيان تقليد العامى فقال:
اعلم أنه يجوز لمن لا قدرة له على الاجتهاد أن يقلد العالم المجتهد بشرط أن يكون معروفا بالعلم والعدالة بل يجب عليه تقليده اذا شاء العمل فى القضايا التى لا يعرف الحكم فيها لقوله تعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» فلو لم يكن تقليد العامى للعالم جائزا ما أمر العوام بسؤال العلماء وظاهر الامر للوجوب فهو واجب عند الحاجة اليه.
وقيل لا يجوز التقليد فى العمليات بل يجب عليه أن يسأل العالم لينبهه على طريق الحكم لان العامى يمكنه العلم فلزم تكليفه به كالعالم وكما فى مسائل الاصول.
واعلم أنه يجب على المقلد البحث عن حال المفتى فى الصلاحية للفتوى وهل هو جامع للاجتهاد والعدالة أم لا.
وقيل لا يلزمه ذلك اذ لا طريق له الى تحقيقه كما لا يلزم البحث عن وجه الحكم.
ورد بأنه ان لم يبحث عن حال المفتى لا يأمن فسقه تصريحا أو تأويلا أو جهله بعلوم الاجتهاد أو بعضها فلا يصلح للفتوى فيكون تقليده اقداما على ما لا يؤمن قبحه ويكفيه فى ذلك سؤال من يثق بخبره ويثمر الظن.
ويكفيه أيضا أن يرى استفتاء الناس اياه معظمين له آخذين بقوله.
قال صاحب المنهاج اذا كان فى بلد شوكته لاهل الحق الذين لا يسكتون على منكر والا لم يأمن مع استفتاء الناس اياه كونه غير صالح والله أعلم.
ثم قال: ويجوز لضعيف العلم حكاية قول العالم فى الاحكام بلا خلاف بين العلماء لان ذلك ضرب من الاخبار ولا خلاف فى صحته عند الضبط والاتقان لكن الخلاف فى جواز افتائه بقول العالم الذى أخذ عنه تلك الفتيا وذلك بأن يسوق الكلام مساق الجزم بالحكم فيقول هذا حلال وهذا حرام مثلا.
فقيل بجواز ذلك مطلقا.
واشترط بعضهم فى هذا القول أن يكون المفتى انما يفتى بنص قول امامه.
وقيل لا يجوز مطلقا لانه ليس أهلا للافتاء.
وقيل ان كان مطلعا على مأخذ أمامه جاز له ذلك وصح له التخريج على مذهب امامه.
وقيل انما يجوز للمخرج الافتاء بتخريجه عند عدم المجتهد، لا مع وجوده فى تلك الناحية اذ لا يجوز العمل بالاضعف مع امكان الاقوى.
والصحيح أن فتوى الضعيف بنص عبارة المفتى جائزة فى غيبة المفتى وفى حضرته عرف عدلها أو لم يعرف اذا
كان واثقا بمن أخذ عنه لان ذلك ليس بأشد من عمله فاذا جاز له أن يعمل بقول المفتى جاز له أن يفتى به اذ لا فرق بينهما.
أما الفتوى بالتخريج من مذهب المفتى فلا تصح الا من المطلع على المأخذ العارف بالادلة ومواردها اذ لا يكون التخريج الا لمن يكون من أهل النظر فمن كان من أهل النظر والاستدلال جاز له التخريج على مذهب العالم وهو مذهب الامام الكدمى وجمهور المشارقة والمغاربة خلافا لمن منع ذلك والله أعلم.
وجاء فى طلعة الشمس
(1)
: أن تقليد العامى لعالمين فصاعدا أما أن يكون تقليده لهما فى شئ واحد أو فى شيئين.
فان كان فى شئ واحد فاما أن يتفق قولهما فى تلك الحادثة.
واما أن يختلفا فيها.
فان اختلفا فلا يصح تقليدهما فى حال واحد معا اتفاقا لان تقليدهما معا فى تلك الحادثة وذلك الحال مفض الى التناقض فان أحدهما يجوز له الاقدام مثلا والاخر يمنعه فلا يتصور تقليدهما فى ذلك.
وان اتفقا فى تلك الحادثة ففى جواز تقليدهما الخلاف الاتى فى تقليد عالمين.
والصحيح عندنا جوازه لان الظن بصواب عالمين أقوى منه بصواب عالم واحد.
وأيضا فالاجماع انما كان حجة بسبب اتفاق أقوال العلماء فى حادثة فلو لم يصح تقليد عالمين اذا اتفقا لما صح تقليد ثلاثة اتفقوا وكذا الاربعة وكذا الخمسة فيؤول ذلك الى ابطال حجة الاجماع رأسا وهو خلاف المشروع.
وان كان تقليده لهما فى شيئين فصاعدا أو فى حالين.
فالصحيح أيضا عندنا جوازه سواء كان قد التزم مذهب عالم من العلماء أو لم يلتزمه فيصح له أن يأخذ من هذا العالم مسألة ومن الآخر أخرى.
وهذه المسألة معروفة عندهم بمسألة الانتقال عن مذهب أمامه الى مذهب امام آخر.
وحجتنا على جوازه أن كل مجتهد مصيب فلم يحرم علينا فى الشرع الا الانتقال من الصواب الى الخطأ لا من صواب الى صواب فلا مقتضى لتحريمه لا عقلا ولا شرعا اذ يصير كالواجب المخير فانه جائز لكونه انتقالا من صواب
(1)
طلعة الشمس جاء 2 من ص 296 الى ص 300.
الى صواب فكذلك المقلد اذا قلد مجتهدا ثم انتقل الى تقليد مجتهد آخر فهو كمن شرع فى واحد من أنواع الكفارة ثم ترجح له فعل النوع الاخر منها فكما لا حظر عليه فى ذلك كذلك المقلد اذا انتقل وانما الحظر فى ذلك على القول بأن الحق مع واحد والمخالف مخطئ وقد قدمنا بطلانه.
وأيضا فكما جاز للمقلد اختيار ما شاء من المذاهب فى الابتداء بلا خلاف لاصابة المجتهدين استصحبنا الحال بعد تقليده لايهم اذا لم يتجدد له ما يحرم ذلك.
وقيل ليس للمقلد الانتقال بعد التزام مذهب أمام الى مذهب امام لغير مرجع لانه اختار المذهب الاول ولا يختاره الا وهو أرجح من غيره عنده فليس له الخروج عنه كما ليس للمجتهد الانتقال عن اجتهاده لغير مرجح وهذا مما لا خلاف فيه فى حق المجتهد ولا علة لتحريمه الا كونه خروجا عما قد اختاره لغير مرجح للخروج.
فكذلك خروج المقلد لغيره ونسب هذا القول الى الاكثر.
قالوا وتجويز ذلك يؤدى الى التهور فى الاعمال الشنيعة وتتبع الشهوات بأن يختار لنفسه من الاقوال ما يؤديه الى نيل شهواته لا لكونه دين الله ولا قائل بالتنقل فى المذاهب لمجرد اتباع الشهوات.
وقد نص علماؤنا على أنه محرم اجماعا.
ثم انهم جوزوا الانتقال من مذهب الى مذهب لامور:
منها أن يعرف المقلد حجج المختلفين فى ذلك الحكم ويكون من أهل النظر فتترجح له حجة مخالف امامه فحينئذ يجوز له الانتقال الى ما ترجح له.
ومنها أن ينكشف له أن امامه ذلك ناقص فى عدالته أو فى اجتهاده عن القدر المعتبر فينتقل عن تقليده الى تقليد الاكمل.
ومنها أن ينتقل الى أفضل من امامه أو أوسع علما أو أشد ورعا.
ثم اختلفوا فى الوجه الذى يصير به المقلد ملتزما لمذهب امامه.
فقيل انه يصير مقلدا ملتزما بالنية فقط وهى العزم على العمل بمذهبه فى حكم أو فى جميع مسائله لان التقليد كالاجتهاد.
فكما أن المجتهد متى عزم على العمل بما قد أداه اليه نظره صار
ذلك الاجتهاد مذهبا له كذلك اختيار المقلد لمذهب عالم هو كالاجتهاد منه فى ذلك الحكم.
وقيل بالنية والعمل فما لم يعمل فهو غير ملتزم لانه اذا نوى ولم يعمل كان كالمجتهد الذى لم يجزم بشئ.
وقيل بل بالنية والقول والعمل لان التقليد التزام وايجاب على النفس أن لا يعدل عن قول هذا العالم والايجاب كالنذر فكما لا ينعقد النذر بمجرد نية ولا عمل بل لا بد من لفظ.
كذلك التزام المذهب لا بد من أن يقول قد التزمت قول فلان فى كذا أو مذهب فلان فى مسائله كلها.
أقول وهذا كله مما لا دليل عليه
فان السلف من الصحابة ومن بعدهم كانوا على خلاف ذلك فان المعلوم من حال الصحابة رضى الله عنهم أنهم لم يلزموا من سأل واحدا منهم عن حكم واحد وعمل بفتواه أن لا يسأل غيره عن غير ذلك الحكم ولا أنكروا عليه ذلك ولا نقله أحد لا عدل ولا غير عدل.
ولو وقع لنقل واشتهر لانه مما تقضى العادة بنقله.
وكذلك فى زمن التابعين وتابع التابعين الى وقتنا هذا فكان اجماعا على جوازه.
أما قياسهم المقلد على المجتهد فممنوع لوجود الفارق بينهما وهو أن المجتهد اذا تبين له الراجح منع من العدول عنه لكونه حكم الله فى حقه فعدوله انما يكون عدولا عن فرضه الى غيره ورجوعا من الواضح الى المشكل وحال المقلد بخلاف ذلك، فان أخذه بقول العالم ليس طريقا الى معرفة الراجح، وانما هو اختيار منه لكون جميع أقوال المجتهدين صوابا فحاله بعد التقليد كحاله من قبله.
نعم نمنع الانتقال من مذهب الى مذهب لمجرد التشهى والحظوظ العاجلة لان ذلك يؤدى الى الانهماك فى الرخص وعدم المبالاة بالديانة حتى أن اصحابنا رحمهم الله تعالى منعوا من افتاء طالب الرخصة قبل الوقوع فيها وما ذلك الا لخوف التساهل فى الديانة وطلب الحزم فى أمور الدين والنجاة للمسلمين.
وتجويز المانعين الانتقال فى بعض الصور ناقض لقياسهم المذكور فان قياسهم يقتضى اطلاق المنع وذلك التجويز تخصيص بغير مخصص فهو نقض لمذهبهم والله أعلم.
ثم قال: اذا تعدد المجتهدون واختلفت أقوالهم وكان فيهم الفاضل والمفضول قال ابن الحاجب وغيره يجوز للمستفتى أن يقلد غير الافضل ولا يلزمه أن يتحرى الاكمل فى العلم والورع اذا كانوا جميعا أهل اجتهاد وعدالة اذ قد حصل المصحح فى كل واحد منهم.
وقيل بل يلزمه تحرى الاكمل فى معرفة علوم الاجتهاد ليقوى ظن الصحة لفتواه كالمجتهد يلزمه تحرى أقوى الامارات الدالة على الحكم.
والصحيح جواز تقليد المفضول مع كمال أسباب الاجتهاد والثقة بعدالته وسكون القلب الى فتواه.
والدليل على ذلك أن الافتاء قد اشتهر فى زمن الصحابة من جماعة فيهم الفاضل والمفضول ولم ينكر أحد منهم افتاء المفضول ولم يعنف سائلهم.
ولو كان ذلك غير واسع للناس ما سكت عليه الصحابة رضوان الله عليهم فهو اجماع على جوازه منهم.
وكذلك وقع فى زمن التابعين وتابعيهم الى يومنا هذا ولا نكير من أحد من المسلمين فكان اجماعا من التابعين ومن بعدهم أيضا.
فلا وجه للقول بخلافه.
أما قياس المقلد على المجتهد فى ذلك فممنوع لان المجتهد انما يلزمه النظر فى الادلة والعامى انما يلزمه سؤال العلماء وعلى العالم النظر له فاذا سأل عالما من العلماء كان قد أدى ما شرع فى حقه.
فاذا وجد السائل عالمين أحدهما أعلم والاخر أورع فقد اختلفوا هل الاعلم أولى أم الاورع.
فقيل الاعلم لقوة معرفته مأخذ الحكم.
وقيل الاورع لجده واجتهاده فى توفية الاجتهاد حقه وتوقى التقصير.
والصحيح الاول اذا كملت عدالته لان العدالة تصونه من التقصير فيما يلزمه الوفاء به.
اما اذا انخرمت عدالته فلا يصح تقليده اتفاقا.
فاذا استوى المجتهدون فى العلم والفضل فقيل أن السائل يخير فى الاخذ بأيهما شاء كالمجتهد اذا تساوت معه الدلالات وهو مذهب على بن عزرة والحسن بن أحمد.
وقيل بل يأخذ بالاخف فى حق الله لقوله تعالى «وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ
عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
(1)
وبالاشد فى حقوقنا لانه أحوط.
وقيل بل يأخذ بأول فتيا لانه بسؤاله قد لزمه قبوله.
وقيل بل يخير فى حق الله تعالى بين أيهما شاء ولقول الله تعالى «وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ» }.
(2)
وأما فى حق العباد فيأخذ بالحكم لترتفع الخصومة لو اختار أيها واختار خصمه خلافه.
أداب المستفتى
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر الرائق:
(3)
يجب أن يستفتى من عرف علمه وعدالته ولو بأخبار
ثقة عارف أو باستفاضة والا بحث عن ذلك فلو خفيت عدالته الباطنة اكتفى بالعدالة الظاهرة.
ويعمل بفتوى عالم مع وجود أعلم جهله، فان اختلفا ولا نص قدم الاعلم وكذا اذا اعتقد أحدهما أعلم أو أورع ويقدم الاعلم على الاورع.
ولو أجيب فى واقعة لا تتكرر ثم حدثت لزم اعادة السؤال ان لم يعلم استناد الجواب الى نص أو اجماع.
وان لم تطمئن نفسه الى جواب المفتى استحب سؤال غيره ولا يجب ويكفى المستفتى بعث رقعة أو رسول ثقة.
ومن الادب أن لا يسأل والمفتى قائم أو مشغول بما يمنع تمام الفكر، وأن لا يقول بجوابه هكذا قلت أنا، ولا يطالبه بدليل فان أراده فوقت آخر.
وليبين موضع السؤال وينقط المشتبه فى الرقعة ويتأملها لا سيما آخرها ويتثبت ولا يقدح الاسراع مع التحقيق، وأن يشاور فيما يحسن اظهاره من حضر متأهلا، وأن يصلح لحنا فاحشا وليشغل بياضا بخط كيلا يلحق بشئ ويبين خطه بقلم بين قلمين.
(1)
الآية رقم 185 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 78 من سورة الحج.
(3)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 290، ص 291.
وقال صاحب فتح القدير:
(1)
واذا استفتى فقيهين أعنى مجتهدين فاختلفا عليه. الاولى بأن يأخذ بما يميل اليه قلبه منهما، وعندى أنه لو أخذ بقول الذى لا يميل اليه قلبه جاز لان ذلك الميل وعدمه سواء، والواجب عليه تقليد مجتهد وقد فعل.
أصاب ذلك المجتهد أو أخطأ.
وقالوا: المنتقل من مذهب الى مذهب باجتهاد وبرهان آثم يستوجب التعزير فبلا اجتهاد وبرهان أولى.
ولا بد أن يراد بهذا الاجتهاد معنى التحرى وتحكيم القلب لان العامى ليس له اجتهاد.
ثم حقيقة الانتقال انما يتحقق فى حكم مسألة خاصة قلد فيه وعمل به، والا فقوله: قلدت أبا حنيفة فيما أفتى به من المسائل والتزمت العمل به على الاجمال وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد بل هذا حقيقة تعليق التقليد أو وعد به كأنه التزم أن يعمل بقول أبى حنيفة فيما يقع له من المسائل التى تتعين فى الوقائع فان أرادوا هذا الالتزام فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد المعين بالتزام
نفسه ذلك قولا أو نية شرعا بل الدليل اقتضى العمل بقول المجتهد فيما احتاج اليه بقوله تعالى «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» }.
(2)
والسؤال انما يتحقق عند طلب حكم الحادثة المعينة وحينئذ اذا ثبت عنده قول المجتهد وجب عمله به، والغالب أن مثل هذا الزامات منهم لكف الناس عن تتبع الرخص والا أخذ العامى فى كل مسألة بقول مجتهد قوله أخف عليه وأنا لا أدرى ما يمنع هذا من النقل - والعقل، وكون الانسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد سوغ له الاجتهاد وما علمت من الشرع ذمه عليه وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب:
(3)
المقلد له حالان:
تارة يحيط بقواعد مذهبه فيجوز له تخريج غير المنصوص على المنصوص بشرط تعذر الفرق ومع امكانه يمتنع لان نسبته الى امامه وقواعده كنسبة المجتهد المطلق الى صاحب
(1)
فتح القدير على الهداية للامام كمال الدين المعروف بابن الهمام وبهامشه شرح العناية على الهداية ج 5 ص 457 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1315 هـ.
(2)
الآية رقم 43 من سورة النحل.
(3)
الحطاب وبهامشه التاج والاكليل ج 6 ص 92 وما بعدها.
الشريعة وشريعته حكما فكما للمجتهد المطلق التخريج عند عدم الفارق ويمتنع عند الفارق فكذلك هذا المقلد.
وتارة لا يحيط بقواعد مذهبه فلا يجوز له التخريج وان بعد الفارق لاحتمال أنه لو اطلع على قواعد مذهبه لا وجب له الاطلاع الفرق، ونسبته الى مذهبه كنسبة من دون المجتهد المطلق الى حملة الشريعة فكما يحرم على المقلد التخريج فيما ليس مذهب العلماء.
ويحرم عليه اتباع الادلة ويجب عليه أن لا يعمل الا بقول عالم وان لم يظهر له دليله لقصوره عن رتبة الاجتهاد فكذلك هذا.
قال القرافى
(1)
فى شرح المحصول قال سيف الدين اذا اتبع العامى مجتهدا فى حكم حادثة وعمل بقوله، اتفقوا على أنه ليس له الرجوع فى ذلك الحكم واختلفوا فى رجوعه الى غيره فى ذلك الحكم واتباع غيره فيه فمنع وأجيز وهو الحق نظرا الى اجماع الصحابة فى تسويغهم للعامى الاستفتاء لكل عالم فى مسأله ولم ينقل عن السلف
الحجر فى ذلك على العامة ولو كان ذلك ممتنعا لما جاز للصحابة اهماله والسكوت عن الانكار عليه ولان كل مسئلة لها حكم نفسها فكما لا يتعين الاول للاتباع فى المسألة الاولى الا بعد سؤاله فكذلك فى المسألة الاخرى.
وأما اذا عين العامى مذهبا معينا كمذهب الشافعى وأبى حنيفة وقال أنا على مذهبه وملتزم له فجوز قوم اتباع غيره فى مسألة من المسائل نظرا الى أن التزام ذلك المذهب غير ملزوم له ومنعه آخرون لان التزامه ملزوم له فى حكم حادثة معينة والمختار التفصيل وهو أن كل مسألة من مذهب الاول أن اتصل عمله بها فليس له تقليد الغير فيها وما لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غيره وكان الشيخ عز الدين ابن عبد السّلام يذكر فى هذه المسألة اجماعين.
أحدهما: اجماع الصحابة المتقدم ذكره.
والثانى: اجماع الامة على أن من أسلم لا يجب عليه اتباع أمام معين بل هو مخير فاذا قلد اماما معينا وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه لا سيما الاجماع لا يدفع الا بما هو مثله من القوة أهـ كلام القرافى.
(1)
الحطاب ج 1 ص 32 الطبعة السابقة.
وقال البرزلى وأما الانتقال من مذهب امام الى غيره ففى ذلك ثلاثة أقوال.
بالجواز والمنع.
والثالثة: ان وقعت حادثة فقلده فيها فليس له الرجوع.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع:
(1)
فى آداب المستفتى وصفته وأحكامه فيه مسائل:
احداها فى صفة المستفتى: كل من لم يبلغ درجة المفتى فهو فيما يسأل عنه من الاحكام الشرعية مستفت مقلد من يفتيه.
والمختار فى التقليد أنه قبول قول من يجوز عليه الاصرار على الخطأ بغير حجة على عين ما قبل قوله فيه.
ويجب عليه الاستفتاء اذا نزلت به حادثة يجب عليه علم حكمها فان لم يجد ببلده من يستفتيه وجب عليه الرحيل الى من يفتيه وان بعدت داره وقد رحل خلائق من السلف فى المسألة الواحدة الليالى والايام.
الثانية: يجب عليه قطعا البحث الذى يعرف به أهلية من يستفتيه للافتاء اذا لم يكن عارفا بأهليته فلا يجوز له استفتاء من انتسب الى العلم وانتصب للتدريس والاقراء وغير ذلك من مناصب العلماء بمجرد انتسابه وانتصابه لذلك.
ويجوز استفتاء من استفاض كونه أهلا للفتوى.
وقال بعض أصحابنا المتأخرين انما يعتمد قوله أنا أهل للفتوى لا شهرته بذلك ولا يكتفى بالاستفاضة ولا بالتواتر لان الاستفاضة والشهرة بين العامة لا يوثق بها وقد يكون أصلها التلبيس وأما التواتر فلا يفيد العلم اذا لم يسند الى معلوم محسوس.
والصحيح هو الاول لان اقدامه عليها اخبار منه بأهليته فان الصورة مفروضة فيمن وثق بديانته.
ويجوز استفتاء من أخبر المشهور المذكور بأهليته.
قال الشيخ أبو اسحاق المصنف رحمه الله وغيره يقبل فى أهليته خبر العدل الواحد.
قال أبو عمرو وينبغى أن يشترط فى المخبر أن يكون عنده من العلم والبصر ما يميز به الملتبس من غيره ولا يعتمد فى ذلك على خبر آحاد العامة لكثرة ما يتطرق اليهم من التلبيس فى ذلك.
(1)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 من ص 54 إلى ص 58 الطبعة السابقة.
واذا اجتمع اثنان فأكثر ممن يجوز استفتاؤهم فهل يجب عليه الاجتهاد فى أعلمهم والبحث عن الاعلم والاورع الاوثق ليفلده دون غيره؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجب بل له استفتاء من شاء منهم لان الجميع أهل وقد أسقطنا الاجتهاد عن العامى وهذا الوجه الصحيح عند اصحابنا العراقيين قالوا وهو قول أكثر أصحابنا.
والثانى: يجب ذلك لانه يمكنه هذا القدر من الاجتهاد بالبحث والسؤال وشواهد الاحوال وهذا الوجه قول أبى العباس بن سريج واختيار القفال المروزى وهو الصحيح عند القاضى حسين.
والاول أظهر وهو الظاهر من حال الاولين.
قال أبو عمرو رحمه الله لكن متى اطلع على الاوثق فالاظهر أنه يلزمه تقليده كما يجب تقديم أرجح الدليلين وأوثق الروايتين فعلى هذا يلزمه تقليد الاورع من العالمين والاعلم من الورعين فان كان أحدهما أعلم والاخر أورع قلد الاعلم على الاصح.
وفى جواز تقليد الميت وجهان:
الصحيح جوازه لان المذاهب لا تموت بموت أصحابها ولهذا يعتد بها بعدهم فى الاجماع والخلاف ولان موت الشاهد قبل الحكم لا يمنع الحكم بشهادته بخلاف فسقه.
والثانى: لا يجوز لفوات أهليته كالفاسق وهذا ضعيف لا سيما فى هذه الاعصار.
الثالثة: هل يجوز للعامى أن يتخير ويقلد أى مذهب شاء؟
قال الشيخ ينظر ان كان منتسبا الى مذهب بنيناه على وجهين حكاهم القاضى حسين فى أن العامى هل له مذهب أم لا.
أحدهما: لا مذهب له لان المذهب لعارف الادلة فعلى هذا له أن يستفتى من شاء من حنفى وشافعى وغيرهما.
والثانى: وهو الاصح عند القفال له مذهب فلا يجوز له مخالفته.
وقد ذكرنا فى المفتى المنتسب ما يجوز له أن يخالف امامه فيه.
وان لم يكن منتسبا بنى على وجهين حكاهما ابن برهان فى أن العامى هل يلزمه أن يتمذهب بمذهب معين يأخذ برخصه وعزائمه.
أحدهما: لا يلزمه كما لم يلزمه فى العصر الاول أن يخص بتقليده عالما بعينه فعلى هذا هل له أن يستفتى من شاء أم يجب عليه البحث عن أشد
المذاهب وأصحها أصلا ليقلد أهله.
فيه وجهان مذكوران كالوجهين السابقين فى البحث عن الاعلم والاوثق من المفتين.
والثانى: يلزمه وبه قطع أبو الحسن الكيا وهو جار فى كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأصحاب سائر العلوم.
ووجهه أنه لو جاز اتباع أى مذهب شاء لافضى الى أن يلتقط رخص المذاهب متبعا هواه ويتخير بين التحليل والتحريم والوجوب والجواز وذلك يؤدى الى انحلال ربقة التكليف بخلاف العصر الاول فانه لم تكن المذاهب الوافية بأحكام الحوادث مهذبة وعرفت.
فعلى هذا يلزمه أن يجتهد فى اختيار مذهب يقلده على التعيين ونحن نمهد له طريقا يسلكه فى اجتهاده سهلا فنقول.
أولا ليس له أن يتبع فى ذلك مجرد التشهى والميل الى ما وجد عليه آباءه وليس له التمذهب بمذهب أحد من ائمة الصحابة رضى الله عنهم وغيرهم من الاولين وان كانوا أعلم وأعلا درجة ممن بعدهم لانهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه فليس لاحد منهم مذهب مهذب محرر مقرر وانما قام بذلك من جاء بعدهم من ائمة الناحلين لمذاهب الصحابة والتابعين القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها الناهضين بايضاح أصولها وفروعها كمالك وأبى حنيفة وغيرهما.
ولما كان الشافعى قد تأخر عن هؤلاء الائمة فى العصر ونظر فى مذاهبهم نحو نظرهم فى مذاهب من قبلهم فسبرها وخبرها وانتقدها واختار أرجحها ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل فتفرغ للاختيار والترجيح والتكميل والتنقيح مع كمال معرفته وبراعته فى العلوم وترجحه فى ذلك على من سبقه ثم لم يوجد بعده من بلغ محله فى ذلك كان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد.
وهذا مع ما فيه من الانصاف والسلامة مع القدح فى أحد من الائمة جلى واضح اذا تأمله العامى قاده الى اختيار مذهب الشافعى والتمذهب به.
الرابعة: اذا اختلف عليه فتوى مفتيين ففيه خمسة أوجه للاصحاب:
أحدها: يأخذ بأغلظها.
والثانى: بأخفها.
والثالث: يجتهد فى الاولى فيأخذ بفتوى الاعلم الاورع واختاره السمعانى الكبير ونص الشافعى رضى الله عنه على مثله فى القبلة.
والرابع: يسأل مفتيا آخر فيأخذ بفتوى من وافقه.
والخامس: يتخير فيأخذ بقول أيهما شاء.
وهذا هو الاصح عند الشيخ أبى اسحاق الشيرازى المصنف وعند الخطيب البغدادى ونقله المحاملى فى أول المجموع عن أكثر أصحابنا واختاره صاحب الشامل فيما اذا تساوى المفتيان فى نفسه.
وقال الشيخ أبو عمرو: المختار أن عليه أن يبحث عن الارجح فيعمل به فانه حكم التعارض فيبحث عن الاوثق من المفتيين فيعمل بفتواه وان لم يترجح عنده أحدهما استفتى آخر وعمل بفتوى من وافقه فان تعذر ذلك وكان اختلافهما فى التحريم والاباحة وقبل العمل اختار التحريم فانه أحوط.
وان تساويا من كل وجه خيرناه بينهما وان أبينا التخيير فى غيره لانه ضرورة وفى صورة نادرة.
قال الشيخ ثم انما نخاطب بما ذكرناه المفتيين.
وأما العامى الذى وقع له ذلك فحكمه أن يسأل عن ذلك ذينك المفتيين أو مفتيا آخر وقد أرشدنا المفتى الى ما يجيبه به.
وهذا الذى اختاره الشيخ ليس بقوى بل الاظهر أحد الاوجه الثلاثة وهى الثالث والرابع والخامس.
والظاهر أن الخامس أظهرها لانه ليس من أهل الاجتهاد وانما فرضه أن يقلد عالما أهلا لذلك وقد فعل ذلك بأخذه يقول من شاء منهما.
والفرق بينه وبين ما نص عليه فى القبلة أن أمارتها حسية فادراك صوابها أقرب فيظهر التفاوت بين المجتهدين فيها والفتاوى أمارتها معنوية فلا يظهر كبير تفاوت من المجتهدين والله أعلم.
والخامسة: قال الخطيب البغدادى اذا لم يكن فى الموضع الذى هو فيه الا مفت واحد فأفتاه لزمه فتواه.
وقال أبو المظفر السمعانى رحمه الله اذا سمع المستفتى جواب المفتى لم يلزمه العمل به الا بالتزامه قال ويجوز أن يقال أنه يلزمه اذا أخذ فى العمل به وقيل يلزمه اذا وقع فى نفسه صحته قال السمعانى وهذا أولى الاوجه.
قال الشيخ أبو عمرو لم أجد هذا لغيره وقد حكى هو بعد ذلك عن بعض الاصوليين أنه اذا أفتاه بما هو مختلف فيه خيره بين أن يقبل منه أو من غيره ثم اختار هو أنه يلزمه الاجتهاد فى أعيان المفتيين ويلزمه الاخذ بفتيا من اختاره باجتهاده.
قال الشيخ والذى تقتضيه القواعد أن نفصل فنقول اذا أفتاه المفتى نظر فان لم يوجد مفت آخر لزمه الاخذ بفتياه
ولا يتوقف ذلك على التزامه لا بالاخذ فى العمل به ولا بغيره ولا يتوقف أيضا على سكون نفسه الى صحته وان وجد مفت آخر فان استبان ان الذى أفتاه هو الاعلم الاوثق لزمه ما أفتاه به بناء على الاصح فى تعينه كما سبق وان لم يستبن ذلك لم يلزمه ما أفتاه بمجرد افتائه اذ يجوز له استفتاء غيره وتقليده ولا يعلم اتفاقهما فى الفتوى فان وجد الاتفاق أو حكم به عليه حاكم لزمه حينئذ.
السادسة: اذا استفتى فأفتى ثم حدثت تلك الواقعة له مرة أخرى فهل يلزمه تجديد السؤال؟ فيه وجهان.
أحدهما: يلزمه لاحتمال تغير رأى المفتى والثانى: لا يلزمه وهو الاصح لانه عرف الحكم الاول والاصل استمرار المفتى عليه.
وخصص صاحب الشامل الخلاف بما اذا قلد حيا وقطع فيما اذا كان ذلك خبرا عن ميت بأنه لا يلزمه.
والصحيح أنه لا يختص فان المفتى على مذهب الميت قد يتغير جوابه على مذهبه.
السابعة: أن يستفتى بنفسه وله أن يبعث ثقة يعتمد خبره ليستفتى له وله الاعتماد على خط المفتى اذا أخبره من يثق بقوله أنه خطه أو كان يعرف خطه ولم يتشكك فى كون ذلك الجواب بخطه.
الثامنة ينبغى للمستفتى أن يتأدب مع المفتى ويبجله فى خطابه وجوابه ونحو ذلك ولا يؤمئ بيده فى وجهه ولا يقل له ما تحفظ فى كذا، أو ما مذهب امامك أو الشافعى فى كذا ولا يقل اذا أجابه هكذا قلت أنا، أو كذا وقع لى ولا يقل أفتانى فلان أو غيرك بكذا ولا يقل ان كان جوابك موافقا لمن كتب فاكتب والا فلا تكتب ولا يسأله وهو قائم أو مستوفز أو على حالة ضجر أو هم أو غير ذلك مما يشغل القلب.
وينبغى أن يبدأ بالاسن الاعلم من المفتين وبالاولى فالاولى ان أراد جمع الاجوبة فى رقعة فان أراد أفراد الاجوبة فى رقاع بدأ بمن شاء.
وتكون رقعة الاستفتاء واسعة فيتمكن المفتى من استيفاء الجواب واضحا لا مختصرا مضرا بالمستفتى ولا يدع الدعاء فى رقعة لمن يستفتيه.
قال الصيمرى فان اقتصر على فتوى واحد قال ما تقول رحمك الله أو رضى الله عنك أو وفقك الله وسددك ورضى عن والديك ولا يحسن أن يقول رحمنا الله واياك وان أراد جواب جماعة قال ما تقولون رضى الله عنكم أو ما تقول الفقهاء سددهم الله تعالى ويدفع الرقعة الى المفتى منشورة ويأخذها منشورة فلا يحوجه الى نشرها ولا الى طيها.
التاسعة: ينبغى أن يكون كاتب الرقعة ممن يحسن السؤال ويضعه على الغرض
مع ابانة الخط واللفظ وصيانتهما عما يتعرض للتصحيف.
قال الصيمرى يحرص أن يكون كاتبها من أهل العلم.
وكان بعض الفقهاء ممن له رياسة لا يفتى الا فى رقعة كتبها رجل بعينه من أهل العلم ببلده.
وينبغى للعامى أن لا يطالب المفتى بالدليل ولا يقل لم قلت فان أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة طلبها فى مجلس آخر أو فى ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة.
وقال السمعانى لا يمنع من طلب الدليل وأنه يلزم المفتى أن يذكر الدليل ان كان مقطوعا به ولا يلزمه ان لم يكن مقطوعا به لافتقاره الى اجتهاد يقصر فهم العامى عنه والصواب الاول.
العاشرة: اذا لم يجد صاحب الواقعة مفتيا ولا أحدا ينقل له حكم واقعته لا فى بلده ولا فى غيره.
قال الشيخ هذه مسألة فترة الشريعة الاصولية وحكمها حكم ما قبل ورود الشرع.
والصحيح فى كل ذلك القول بانتفاء التكليف عن العبد وأنه لا يثبت فى حقه حكم لا ايجاب ولا تحريم ولا غير ذلك فلا يؤاخذ اذا صاحب الواقعة بأى شئ صنعه فيها والله أعلم.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الاقناع:
(1)
يحفظ المستفتى الادب مع المفتى ويجله، ولا يومئ بيده فى وجهه ولا يقول: ما مذهب امامك فى كذا؟ وما تحفظ فى كذا؟ أو أفتانى غيرك أو فلان بكذا أو قلت أنا أو وقع لى، أو ان كان جوابك موافقا فاكتب لكن ان علم غرض السائل فى شئ لم يجز أن يكتب بغيره.
ويكره أن يسأله فى حال ضجر، أو هم أو قيامه أو نحوه، ولا يطالبه بالحجة.
ويجوز تقليد المفضول من المجتهدين ولزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال الى غيره - الا شهر عدمه.
ولا يجوز له ولا لغيره تتبع الحيل المحرمة والمكروهة ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه فان تتبع ذلك فسق وحرم استفتاؤه، وان حسن قصده فى حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخلص المستفتى بها من حرج جاز كما أرشد النبى صلى الله عليه وسلم بلالا رضى الله عنه الى بيع التمر بدراهم، ثم يشترى بالدراهم تمرا آخر فيتخلص من الربا.
(1)
الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل للمحقق أبو النجا شرف الدين موسى الحجاوى ج 4 ص 375، ص 376 الطبعة السابقة.
واذا استفتى واحدا أخذ بقوله ويلزمه بالتزامه ولو سأل مفتيين فأكثر فاختلفا عليه تخير.
وان لم يجد الا مفتيا واحدا لزمه قبوله وله العمل بخط المفتى، وان لم يسمع الفتوى من لفظه اذا عرف أنه خطه.
مذهب الظاهرية:
(1)
يرى الظاهرية أن على المستفتى - وهو العامى - أن يجتهد واجتهاده اذا سأل العالم عن أمور دينه فأفتاه أن يقول له: هكذا أمر الله ورسوله؟ فان قال له نعم: أخذ بقوله ولم يلزمه أكثر من هذا البحث وان قال له لا أو قال له:
هذا قولى أو قال له: هذا قول مالك أو ابن القاسم أو أبى حنيفة أو أبى يوسف أو الشافعى أو أحمد أو داود أو سمى له أحدا من صاحب أو تابع فمن دونهما غير النبى صلى الله عليه وسلم، أو انتهره، أو سكت عنه فحرام على السائل أن يأخذ بفتياه وفرض عليه أن يسأل غيره من العلماء وأن يطلبه حيث كان.
اذ انما يسأل المسلم من سأل من العلماء عن نازلة تنزل به ليخبره بحكم الله تعالى وحكم محمد صلى الله عليه وسلم فى ذلك وما يجب فى دين الاسلام
فى تلك المسألة ولو علم أنه يفتيه بغير ذلك لتبرأ منه وهرب عنه.
وفرض على الفقيه اذا علم أن الذى أفتاه به هو فى نص القرآن والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الاجماع أن يقول له: نعم هكذا أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وحرام عليه أن ينسب الى الله تعالى والى رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا قاله بقياس أو استحسان أو تقليد لاحد دون النبى صلى الله عليه وسلم لانه ان فعل ذلك كان بذلك كاذبا على رسوله عليه السلام ومقولا له ما لم يقل وقد وجبت له النار يقينا بنص قوله عليه الصلاة والسلام: من كذب على فليلج النار.
وهذا الذى قلنا لا يعجز عنه أحد وان بلغ الغاية فى جهله لانه لا يكون أحد من الناس مسلما حتى يعلم أن الله تعالى ربه وأن النبى صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن عبد الله رسول الله بالدين القيم.
ثم قال ابن حزم فى موضع آخر
(2)
:
فان سأل العامى فقيهين فصاعدا فاختلفوا عليه فان الذى نقول به أنه ان أفتاه فقيهان فصاعدا بأمور مختلفة نسبوها
(1)
الأحكام فى أصول الأحكام لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 152 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق للامام محمد بن سعيد ابن حزم الظاهرى ج 6 ص 159، ص 160 الطبعة السابقة.
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو غير فاسق بتركه قبول شئ منها لانه انما يلزمه ما ألزمه النص فى تلك المسألة وهو لم يدره بعد فهو غير آثم بتركه ما وجب مما لم يعلمه حتى يعلمه لكنه يتركهم ويسأل غيرهم ويطلب الحق.
وذلك كما اذا سأل رجل كيف أحج؟ فقال له فقيه: أفرد هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجته التى لم يكن له بعد الهجرة غيرها.
وقال له آخرون: أقرن فهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجته التى لم تكن له بعد الهجرة غيرها وقال له آخر: تمتع: فهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجته التى لم يكن له بعد الهجرة غيرها.
ففرض عليه أن يتركهم ويستأنف سؤال غيرهم ثم يلزمه أخذ ما وافق الحق بعد اجتهاده، ويكون العامى حينئذ بمنزلة عالم لم يبن له وجه الحكم فى مسألة ما، اما بتعارض أحاديث أو آى، أو أحاديث وآى، فحكمه التوقف والتزيد من الطلب والبحث حتى يلوح له الحق أو يموت وهو باحث عن الحق عالى الدرجة فى الآخرة فى كلا الامرين ولا يؤاخذه الله تعالى بتركه أمرا لم يلح له الحق فيه لما قدمنا قبل من أن الشريعة لا تلزم الا من بلغته وصحت عنده.
والاصل أن لا يلزم أحدا شئ الا بعد ورود النص وبيانه.
فمن علم أن عليه الحج ولم يدر كيف يقيمه فلا يؤاخذ من تركه ما وجب عليه من عمل الحج الا بما علم لا بما لا يعلم ولكن عليه التزيد فى البحث حتى يدرى كيف يعمل ثم حينئذ يلزمه الذى علم.
وقد أخطأ من قال: ان الفرض على العامى أن يقبل ما أفتاه به الفقيه ولم يفسر كما فسرنا.
مذهب الزيدية:
(1)
جاء فى هامش الازهار: لا يجمع مستفت بين قولين مختلفين فى حكم واحد احترازا من الحكمين فلا يجمع بينهما بحيث يصير الحكم الذى القولان فيه على صورة لا يقول بها أمام منفرد على معنى أنه يحرم على الآخر تتبع الرخص وذلك بأن يأخذ بما هو رخصة من قول الآخر ويترك العزائم وان رجحت له فان ذلك يحرم اذ يفضى الى المنكرات والمحرمات.
(1)
هامش شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ ج 1 ص 17، 18.
مذهب الإمامية:
(1)
جاء فى العروة الوثقى: اذا كان فى البلد أو ما يقرب منه مما لا يتعسر ارجاع الترافع اليه مجتهدان متساويان فلا اشكال فى تخيير المترافعين فى الرجوع الى أيهما شاء مع تراضيهما ومع اختيار كل منهما واحدا.
وان كان أحدهما أعلم من الآخر ففى تعين الرجوع اليه وعدمه قولان.
فعن جماعة التخيير أيضا للاصل واطلاقات أخبار النصب والسيرة المستمرة فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم والائمة عليهم السلام فى الرجوع والارجاع الى آحاد الصحابة من غير ملاحظة الاعلمية مع اختلافهم فى الفضيلة وعدم الانكار عليهم.
وعن أخرى بل وهو الاشهر كما فى المسالك تقديم الاعلم والظاهر أن مرادهم الاعلم فى البلد أو ما يقرب منه لا الاعلم مطلقا.
ولا يبعد قوة هذا القول لكون الاطلاقات مقيدة بالاخبار الدالة على الرجوع الى المرجحات عند اختلاف الحاكمين من الافقهية والاصدقية والاعدلية مع امكان دعوى عدم كونها
الا فى مقام بيان عدم جواز الرجوع الى قضاة الجور فلا اطلاق فيها.
وأيضا الظن الحاصل من قول الاعلم أقوى نوعا فبالاتباع أحرى، فان أقوال المجتهدين كالادلة للمقلدين.
وأيضا مقتضى مذهبنا ومبناه قبح ترجيح المفضول على الافضل والسيرة المذكورة غير معلومة الحال اذ لعل كل واحد بالنسبة الى مكان مخصوص لا يكون أعلم فيه فى ذلك المكان مع أن باب العلم كان مفتوحا لهم وكان الحكم معلوما عندهم بخلاف زماننا.
وأما التمسك بالاصل فلا وجه له اذ مقتضاه عدم النفوذ ودعوى أن مورد أخبار المرجحات التى هى العمدة فى المقام خصوص صورة اختيار كل من المترافعين حاكما أو صورة رضاهما بحكمين فاختلفا فلا دلالة فيها على وجوب الرجوع الى الاعلم مطلقا مدفوعة بأن الظاهر منها أن المدار على الارجح عند التعارض مطلقا كما هو الحال فى الخبرين المتعارضين بل فى صورة عدم العلم بالاختلاف أيضا لوجوب الفحص عن المعارض لكن هذا اذا كان مدرك الحكم هو الفتوى وكان الاختلاف فيها بأن كانا مختلفين فى الحكم من جهة اختلاف الفتوى.
وأما اذا كان أصل الحكم معلوما وكان المرجع اثبات الحق بالبينة واليمين والجرح والتعديل ونحو ذلك فلا دلالة فى الاخبار على تعين الاعلم.
(1)
العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى ج 3 ص 8، ص 9 الطبعة السابقة.
وجاء فى موضع آخر:
(1)
فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور.
الاول أن يسمع منه شفاها.
الثانى: أن يخبر بها عدلان.
الثالث: أخبار عدل واحد بل يكفى أخبار شخص يوجب قوله الاطمئنان وان لم يكن عدلا.
الرابع: الوجدان فى رسالته ولا بد أن تكون مأمونة من الغلط.
مذهب الإباضية:
يجب على المقلد البحث عن حال المفتى فى الصلاحية للفتوى وهل هو جامع للاجتهاد والعدالة أم لا.
وقيل لا يلزمه ذلك اذ لا طريق له الى تحقيقه كما لا يلزمه البحث عن وجه الحكم.
ورد بأنه ان لم يبحث عن حال المفتى لا يأمن فسقه تصريحا أو تأويلا أو جهله بعلوم الاجتهاد أو بعضها فلا يصلح للفتوى فيكون تقليده اقداما على ما لا يؤمن قبحه.
ويكفيه فى ذلك سؤال من يثق بخبره ويثمر الظن.
ويكفيه أيضا أن يرى استفتاء الناس اياه معظمين له آخذين بقوله.
قال صاحب المنهاج اذا كان شوكته لاهل الحق الذين لا يسكتون على منكر والا لم يأمن مع استفتاء الناس اياه كونه غير صالح
(2)
الفرق بين الفتوى والحكم
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار:
(3)
حاصل ما ذكره الشيخ قاسم فى تصحيحه أنه لا فرق بين المفتى والقاضى فى العمل بعلامات الافتاء وهذا لا ينافى أن المفتى له أن يفتى بالديانة والقاضى يقضى بالظاهر، الا أن المفتى مخبر عن الحكم للمستفتى والقاضى ملزم بالحكم وله حق الحبس والتعزير عند عدم الامتثال وله اقامة الحدود والقصاص.
ولا يصح الفتيا ولا القضاء بالقول المرجوح وهو جهل وخرق للاجماع والخلاف بين الامام أبى حنيفة وصاحبيه فيما اذا قضى القاضى بغير مذهبه هل ينفذ أو لا.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 6 الطبعة السابقة
(2)
طلعة الشمس للعلامة أبى محمد عبد الله ابن حميد السالمى ج 2 ص 294، 295 وبهامشه كتاب بهجة الأنوار شرح أنوار العقول وكتاب الحجج المقنعة الطبعة السابقة.
(3)
حاشية العلامة العلحطاوى على الدر المختار شرح تنوير الأبصار فى مذهب الامام أبى حنيفة النعمان ج 1 ص 50، 51 الطبعة السابقة
فقالا لا ينفذ.
وقال الامام: اذا وقع منه القضاء بغير مذهبه مخالفا لرأيه ناسيا لمذهبه نفذ عنده.
وفى العمد عنه روايتان.
واختلف الترجيح فى قوله وقولهما وقيل ان الصاحبين وافقا الامام فى نفاذ القضاء.
ونقله صاحب البحر عن البزازية معزيا لشرح الطحاوى.
ونصه: اذا لم يكن القاضى مجتهدا وقضى بالفتوى ثم تبين أنه على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه وله أن ينقضه، كذا عن محمد.
وقال الثانى ليس له أن ينقضه أيضا وهكذا ذكره العمادى فى الفصول.
وفى عمدة الفتاوى القاضى اذا قضى بقول مرجوع عنه جاز وكذا لو قضى فى فصل مجتهد فيه وكذا فى السراحية وفى مآل الفتاوى قضى بخلاف مذهبه وهو مجتهد فيه قال أبو حنيفة ينفذ وقال أبو يوسف لا ينفذ.
وجاء فى الفتاوى الهندية:
(1)
ومن أفتاه فى حادثة وهو جاهل وقضى قاض فى تلك
الحادثة بخلاف الفتوى والحادثة مجتهد فيها فان كان القضاء عليه يتبع رأى القاضى ولا يلتفت الى فتوى المفتى وان كان المفتى أعلم من القاضى فى تلك الحادثة عند العامة، وان كان القضاء له فهو على الاختلاف الذى مر لان قول المفتى فى حق الجاهل بمنزلة رأيه واجتهاده.
مذهب المالكية:
جاء فى تهذيب الفروق
(2)
فى الفرق الرابع والعشرين والمائتين بين قاعدة الفتوى وقاعدة الحكم أن كلا منهما وان كان خبرا عن الله تعالى ويجب على السامع اعتقاد ذلك ويلزم المكلف.
الا أن بينهما فرقا من جهتين.
الجهة الاولى أن الفتوى محض أخبار عن الله تعالى فى الزام أو اباحة والحكم أخبار مآله الانشاء والالزام أى التنفيذ والامضاء لما كان قبل الحكم فتوى.
فالمفتى مع الله تعالى كالمترجم مع القاضى ينقل عنه ما وجده عنده واستفاده منه باشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك.
والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم ينفذ ويمضى بين الخصوم ما كان قبل
(1)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشها فتاوى قاضيخان ج 3 ص 355 الطبعة السابقة.
(2)
تهذيب الفروق بهامش الفروق للقرافى ج 4 ص 89 الطبعة السابقة.
ذلك فتوى وليس بناقل ذلك عن مستنيبه بل مستنيبه قال له أى شئ حكمت به على
(1)
القواعد فقد جعلته حكمى.
فكما أن كلا من المترجم عن القاضى ونائب القاضى موافق للقاضى ومطيع له وساع فى تنفيذ مراده غير أن أحدهما ينقل نقلا محضا من غير اجتهاد له فى التنفيذ والامضاء بين الخصوم والآخر ينفذ ويمضى ما يجتهد فيه من الاحكام على وفق القواعد بين الخصوم كذلك المفتى والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى قابل لحكمه غير أن المفتى مخبر محض والحاكم منفذ وممض.
الجهة الثانية أن كل ما يتأتى فيه الحكم تتأتى فيه الفتوى ولا عكس.
وذلك أن العبادات كلها على الاطلاق لا يدخلها الحكم البتة بل انما تدخلها الفتيا فقط فكل ما وجد فيها من الاخبارات فهى فتيا فقط ليس لحاكم أن يحكم أن هذه الصلاة صحيحة أو باطلة ولا أن هذا الماء دون القلتين فيكون بحلول قليل نجاسة فيه لم تغيره نجسا فيحرم على المالكى بعد ذلك استعماله، بل ما يقال فى ذلك انما هو فتيا، ان كانت مذهب السامع عمل بها والا فله تركها والعمل بمذهبه.
ويلحق بالعبادات أسبابها فاذا شهد بهلال رمضان شاهد واحد فأثبته حاكم شافعى ونادى فى المدينة بالصوم لا يلزم ذلك المالكى لان ذلك فتيا لا حكم.
وكذلك اذا قال حاكم قد ثبت عندى أن الدين يسقط الزكاة أو لا يسقطها أو ملك نصاب من الحلى المتخذ لاستعمال مباح سبب لوجوب الزكاة فيه أو أنه لا يوجب الزكاة أو غير ذلك من أسباب الاضاحى والعقيقة والكفارات والنذور ونحوها من العبادات المختلف فيها أو فى أسبابها لا يلزم شئ من ذلك من لا يعتقده بل يتبع مذهبه فى نفسه ولا يلزمه قول ذلك القائل لا فى عبادة ولا فى سببها ولا شرطها ولا مانعها.
وبهذا يظهر أن الامام لو قال لا تقيموا الجمعة الا باذنى لم يكن ذلك حكما، وان كانت مسألة مختلفا فيها: هل تفتقر الجمعة الى اذن السلطان أم لا، وللناس أن يقيموها بغير اذن الامام الا أن يكون فى ذلك صورة المشاقة وخرق أبهة الولاية واظهار العناد والمخالفة فتمتنع اقامتها بغير أمره لاجل ذلك لا لانه موطن خلاف اتصل به حكم حاكم.
ثم قال صاحب التهذيب وأما ما يتأتى
(2)
فيه حكم حاكم فضبطه فى الفروق بأربعة قيود فقال.
(1)
المرجع السابق ح 4 ص 90 الطبعة السابقة.
(2)
تهذيب الفروق بهامش الفروق ج 4 ص 91، 92 الطبعة السابقة.
انما يؤثر حكم الحاكم اذا أنشأه فى مسألة اجتهادية تتقارب فى المدارك لاجل مصلحة دنيوية.
قال: فالانشاء احتراز من حكمه فى مواقع الاجماع فان ذلك اخبار وتنفيذ محض.
وأما فى مواضع الخلاف فهو ينشئ حكما وهو الزام أحد القولين اللذين قيل بهما فى المسألة، ويكون انشاؤه اخبارا خاصا عن الله تعالى فى تلك الصورة.
من ذلك الباب قد جعل الله تعالى فى مواطن الخلاف نصا ورد من قبله فى خصوص تلك الصورة فاذا قضى المالكى فى امرأة علق طلاقها قبل الملك بوقوع الطلاق تناول هذه الصورة الدليل الدال على عدم لزوم الطلاق عند الحنفى والشافعى وكان حكم المالكى بلزوم الطلاق نصا خاصا تختص به هذه المرأة المعينة وهو نص من قبل الله تعالى فان الله جعل ذلك للحكام رفعا للخصومات والمشاجرات وهذا النص الوارد من هذا الحكم أخص من ذلك الدليل العام فيقدم عليه ويصير حكم المالكى مثلا مذهبا لغيره.
ثم قال: فهذا هو معنى الانشاء.
وأما المسألة الاجتهادية فللاحتراز عن مواقع الاجماع فان الحكم هنالك ثابت بالاجماع فيتعذر فيه الانشاء لتعينه وثبوته اجماعا.
وأما تقارب المدارك فللاحتراز من الخلاف الشاذ المبنى على المدرك الضعيف فانه لا يرفع الخلاف بل ينقض فى نفسه اذا حكم بالفتوى المبنية على المدرك الضعيف.
وأما مصالح الدنيا فللاحتراز من العبادات كالفتوى بتحريم السباع وطهارة الاوانى وغير ذلك مما يكون اختلاف المجتهدين فيه لا للدنيا بل للآخرة بخلاف الاختلاف فى العقود والاملاك والرهون والاوقاف ونحوها مما لا يكون الا لمصالح الدنيا.
وبهذا يظهر أن الاحكام الشرعية قسمان:
الاول: ما يقبل حكم الحاكم مع الفتوى فيجتمع الحكمان.
والثانى: ما لا يقبل الا الفتوى.
ويظهر بهذا لك أيضا تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع هل هو من باب الفتوى أو من باب القضاء والانشاء.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع:
(1)
قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح: وينبغى أن يكون المفتى كالراوى فى أنه لا يؤثر فيه قرابة وعداوة وجر نفع ودفع ضر لان المفتى فى حكم مخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص فكان كالراوى لا كالشاهد وفتواه لا يرتبط بها الزام
(1)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 ص 41، 42 الطبعة السابقة.
بخلاف حكم القاضى قال: وذكر صاحب الحاوى أن المفتى اذا نابذ فى فتواه شخصا معينا صار خصما وحكما معاندا فترد فتواه على من عاداه كما ترد شهادته عليه.
واتفقوا على أن الفاسق لا تصح فتواه.
ونقل الخطيب فيه اجماع المسلمين.
ويجب عليه اذا وقعت له واقعة أن يعمل باجتهاد نفسه وأما المستور وهو الذى ظاهره العدالة ولم تختبر عدالته باطنا ففيه وجهان:
أصحهما جواز فتواه لان العدالة الباطنة يعسر معرفتها على غير القضاة.
والثانى لا يجوز كالشهادة والخلاف كالخلاف فى صحة النكاح بحضور المستورين.
قال الصيمرى: وتصح فتاوى أهل الاهواء والخوارج ومن لا نكفره ببدعته ولا نفسقه.
ونقل الخطيب هذا ثم قال وأما الشراة والرافضة الذين يسبون السلف الصالح ففتاويهم مردودة وأقوالهم ساقطة والقاضى كغيره فى جواز الفتيا بلا كراهة هذا هو الصحيح المشهور من مذهبنا.
قال الشيخ ورأيت فى بعض تعاليق الشيخ أبى حامد أن له الفتوى فى العبادات وما لا يتعلق بالقضاء.
وفى القضاء وجهان لاصحابنا:
أحدهما: الجواز لانه أهل.
والثانى: لا لانه موضع تهمة.
وقال ابن المنذر تكره الفتوى فى مسائل الاحكام الشرعية.
وقال شريح: أنا أقضى ولا أفتى.
مذهب الحنابلة:
قال فى كشاف القناع:
(1)
المفتى من يبين الحكم الشرعى ويخبر به من غير الزام. والحاكم يبين الحكم الشرعى ويلزم به فامتاز بالالزام.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم
(2)
: اذا قام البرهان عند المرء على صحة قول ما قياما صحيحا فحقه التدين به والفتيا به والعمل به والدعاء اليه والقطع أن الحق عند الله عز وجل.
وليس من هذا الحكم بالشهادة من العدلين وقد يكونان فى باطن أمرهما عند الله تعالى كاذبين أو مغفلين اذ لم يكلفنا الله تعالى معرفة باطن ما شهدا به، لكن كلفنا الحكم بشهادتهما.
(1)
كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 4 ص 176 الطبعة السابقة.
(2)
الإحكام فى أصول الإحكام لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 136 الطبعة السابقة.
ثم قال
(1)
: واعتقاد الشئ والعمل به والفتيا به حكم به.
وقال ابن حزم فى المحلى: من قال
(2)
له قاض قد ثبت على هذا الصلب أو القتل أو القطع أو الجلد أو أخذ مال مقداره كذا منه فأنفذ ذلك عليه.
فان كان المأمور من أهل العلم بالقرآن والسنن لم يحل له انفاذ شئ من ذلك ان كان الآمر له جاهلا أو غير عدل الا حتى يوقن أنه قد وجب عليه ما ذكر له فيلزمه انفاذه حينئذ والا فلا.
وان كان الآمر عالما فأضلا لم يحل له أيضا أنفاذ أمره الا حتى يسأل من أى وجه وجب ذلك عليه، فاذا أخبره فان كان ذلك موجبا عليه ما ذكر لزمه انفاذ ذلك وعليه أن يكتفى بخبر الحاكم العدل فى ذلك ولا يجوز له تقليده فيما رأى أنه فيه مخطئ.
فأما الجاهل فلا يحل له انفاذ أمر من ليس عالما فاضلا.
فان كان الآمر له عالما فاضلا سأله:
أوجب ذلك بالقرآن والسنة؟ فان قال نعم لزمه انفاذ ذلك والا فلا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم انما
الطاعة فى المعروف ولا يحل قول أحد بلا برهان.
وقال ابن حزم:
(3)
حكم القاضى لا يحل ما كأن حراما قبل قضائه ولا يحرم ما كان حلالا قبل قضائه انما القاضى منفذ على الممتنع فقط لا مزية له سوى هذا.
وقال
(4)
: لا يحل الحكم الا بما أنزل الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهو الحق وكل ما عدا ذلك فهو جور وظلم ولا يحل الحكم به ويفسخ أبدا اذا حكم به حاكم.
مذهب الزيدية:
جاء فى تتمة الروض النضير:
(5)
الفتوى حكاية عن الحكم الذى شرعه الله لعباده، والقضاء هو حكاية الحكم الشرعى الفاصل لظاهر تلك الخصومة والالزام بها.
مذهب الإمامية:
لا يجوز نقض الحكم بالحكم
(6)
كذلك لا يجوز نقضه بالفتوى.
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 137 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 436 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 9 ص 422 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم ج 2 ص 362
(5)
تتمة الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 2 من ص 141 الى ص 144 الطبعة السابقة.
(6)
العروة الوثقى للطباطبائى ج 3 ص 27 الطبعة السابقة.
وأما الفتوى فيجوز نقضها بالفتوى وبالحكم.
أما الاول: فكما اذا مات مجتهده أو تغير رأيه فانه يجب عليه وعلى مقلديه العمل بالفتوى الثانية فيما يأتى دون ما مضى فانه صحيح فى الاعمال السابقة بل اذا كان ما مضى عقدا أو ايقاعا أو نحوهما مما من شأنه الدوام والاستمرار يبقى على صحته فيما يأتى أيضا بالنسبة الى تلك الواقعة الخاصة فاذا تزوج بكرا باذنها - بناء على كون أمرها بيدها - ثم تبدل رأيه أو رأى مجتهده الى كون أمرها بيد أبيها تكون باقية على زوجيته وان كان لا يجوز له نكاح مثلها بعد ذلك.
وأما الثانى: فكما اذا كان مذهبه اجتهادا أو تقليدا نجاسة الغسالة أو عرق الجنب من الحرام مثلا واشترى مائعا فتبين أنه كان ملاقيا للغسالة أو عرق الجنب من الحرام فتنازع مع البائع فى صحة البيع وعدمها وترافعا الى مجتهد كان مذهبه عدم النجاسة وصحة البيع فحكم بصحته فان اللازم على المشترى العمل به وجواز التصرف فى ذلك المائع ففى خصوص هذا المورد يعمل بمقتضى الطهارة ويبنى عليها وينقض الفتوى بالنسبة اليه بذلك الحكم.
وأما بالنسبة الى سائر الموارد فعلى مذهبه من النجاسة حتى أنه اذا لاقى ذلك المائع بعد الحكم بطهارة الغسالة أو عرق الجنب يبقى على تقليده الاول فيبنى على نجاسته.
وهكذا فى سائر المسائل الظنية فى غير الصورتين المذكورتين.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: ويكره للقاضى أن يفتى فى الاحكام اذا سئل عنها وكان شريح يقول انما أقضى ولا أفتى، وان أفتى فى أمور الدين جاز وعن عمر أنه كتب الى شريح لا تسارر الى أحد فى مجلسك ولا تبع ولا تبتع ولا تفت فى مسألة من الاحكام ولا تضر ولا تضار.
وقال العاصمى: ومنع الافتاء للحكام: فى كل ما يرجع للخصام.
وزعم بعض أنه يجوز كالخلفاء الاربعة قلت لا يصح عنهم.
وأجيز الافتاء فى مسألة عامة لا فى خصومة معينة.
(1)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 6 ص 558 الطبعة السابقة
استقبال القبلة
المعنى اللغوى والاصطلاحى:
-
استقبال: استفعال بمعنى المقابلة
(1)
فالسين ليست للطلب لان طلب المقابلة ليس هو الشرط بل الشرط المقصود بالذات المقابلة.
والقبلة فى الاصل الحالة التى يقابل الشئ عليها غيره كالجلسة للحالة التى يجلس عليها.
وأصبحت القبلة كالعلم للجهة التى تستقبل فى الصلاة وسميت بذلك، لان الناس يقابلونها فى صلاتهم وتقابلهم
(2)
والقبلة هى الكعبة سواء كان هناك بناء أو لم يكن اذ القبلة هى المكان والجهة
(3)
.
وفى الفتاوى الهندية
(4)
: والمعتبر التوجه الى مكان البيت دون البناء.
وفى فتاوى الحجة: الصلاة فى الآبار العميقة والجبال والتلال الشامخة وعلى ظهر الكعبة جائزة، لان القبلة من الارض الى السماء بحذاء الكعبة.
ويقول الخرشى
(5)
المالكى: الاستقبال ايقاع الشخص صلاته الى جهة مخصوصة مع الامن والاختيار.
أما القبلة فقد عرفوها بأنها جهة مخصوصة يوقع مريد الصلاة اليها دون غيرها مع الامن والاختيار.
وفى كشاف القناع
(6)
فى فقه الحنابلة سميت قبلة لاقبال الناس عليها أو لان المصلى يقابلها وهى تقابله.
وفى جواهر الكلام
(7)
للشيعة الإمامية أنها عند التحقيق. المكان الواقع
(1)
لسان العرب للامام العلامة ابن منظور ج 47 ص 544، 545 «مادة قبل» طبع مطابع دار صادر - دار بيروت سنة 1374 هـ.
وترتيب القاموس المحيط لطاهر أحمد الزاوى الطرابلسى ج 3 ص 489 «مادة قبل» طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة الطبعة الأولى سنه 1959.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام العلامة الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم ج 1 ص 299 طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1311 هـ.
(3)
كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 2 ص 78 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ الطبعة الأولى المعروفة بطبعة الساسى
(4)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكيرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للامام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندى ج 1 ص 63 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر الطبعة الثانية سنة 1310 هـ.
(5)
شرح الخرشى على مختصر خليل مع حاشية العدوى عليه ج 1 ص 255 الطبعة الثانية سنة 1317 هـ طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر.
(6)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 202 الطبعة الأولى سنة 1319 هـ طبع المطبعة العامرة الشرفية.
(7)
جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام للشيخ محمد حسن النجفى الطبعة السادسة سنة 1378 هـ ج 7 ص 320 طبع مطبعة النجف
فيه البيت الممتد من تخوم الارض الى عنان السماء، لا نفس البناء كما يومئ الى ذلك خبر عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه السلام قال: سأله رجل قال: صليت فوق جبل أبى قبيس العصر، فهل يجزئ ذلك والقبلة تحتى؟ قال: نعم أنها قبلة من موضعها الى السماء ولذا لو أزيلت البنية، أو نقلت الى مكان آخر، وجب استقبال ذلك الفضاء، ولم تصح الصلاة الى نفس البناء.
وفى شرائع الاسلام
(1)
: القبلة هى الكعبة لمن كان فى المسجد والمسجد لمن كان فى الحرم، والحرم لمن خرج منه على الاظهر.
وقريب منه ما جاء فى شرح النيل فى فقه الإباضية والايضاح
(2)
.
أصل مشروعية استقبال القبلة:
يقول الكاشانى
(3)
: أصل المشروعية قول الله تعالى «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ}
(4)
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة، ويقول: الله أكبر» وعليه اجماع الامة.
ويقول ابن نجيم فى البحر الرائق
(5)
المراد بالمسجد الحرام فى الآية: الكعبة والنكتة فى ذكر المسجد الحرام، وارادة الكعبة الدلالة على أن الواجب فى حق الغائب هو الجهة.
وقد استدل الخرشى المالكى
(6)
بنفس الآية، وقال: انها نزلت بعد موقعه بدر بشهرين، أو ثلاثة وأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بعد مقدمه المدينة الى بيت المقدس. فكانت هذه الآية ناسخة لذلك، وحولت القبلة الى بيت الله الحرام فى الركعة الثالثة من الظهر فجمع فيها بين استقبال القبلتين.
(1)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 46 طبع مطابع دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ببيروت.
(2)
كتاب الايضاح للامام الشيخ عامر بن على الشماخى مع حاشية الشيخ عبد الله بن سعيد السدويكشى ج 1 ص 362 طبع مطبعة الشيخ محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1304 هـ. وكتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 351 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر
(3)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 117 الطبعة الأولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر.
(4)
الآية رقم 144 من سورة البقرة.
(5)
البحر الرائق لابن نجيم ج 1 ص 299 الطبعة السابقة.
(6)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 1 ص 255 الطبعة السابقة.
ومثله فى كشاف القناع فى فقه الحنابلة والبحر الزخار فى فقه الزيدية والايضاح فى فقه الإباضية
(1)
.
بم يتحقق استقبال القبلة:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية
(2)
: المصلى لا يخلو اما أن يكون قادرا على استقبال القبلة أو يكون عاجزا عنه.
فان كان قادرا يجب عليه التوجه الى القبلة ان كان فى حال مشاهدة الكعبة فالى عينها، وان كان غائبا عنها يجب عليه التوجه الى جهتها، وهى المحاريب المنصوبة بالامارات الدالة عليها. لا الى عينها وتعتبر الجهة دون العين كذا ذكر الكرخى والرازى، وهو قول عامة مشايخنا بما وراء النهرين.
وقال بعضهم المفروض اصابة عين الكعبة بالاجتهاد والتحرى، وهو قول أبى عبد الله البصرى.
وجه قول هؤلاء قول الله تعالى «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ}
{فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» الآية: من غير فصل بين حال المشاهدة والغيبة، ولان لزوم الاستقبال لحرمة البقعة، وهذا المعنى فى العين لا فى الجهة، لان قبلته لو كانت الجهة لكان ينبغى له اذا اجتهد فأخطأ الجهة يلزمه الاعادة لظهور خطئه فى اجتهاده بتيقن.
ومع ذلك لا تلزمه الاعادة بلا خلاف بين أصحابنا فدل أن قبلته فى هذه الحالة عين الكعبة بالاجتهاد والتحرى.
ووجه قول الاولين: أن المفروض هو المقدور عليه، واصابة العين غير مقدور عليها، فلا تكون مفروضة، ولان قبلته لو كانت عين الكعبة فى هذه الحالة بالاجتهاد والتحرى، لترددت صلاته بين الجواز والفساد، لانه ان أصاب عين الكعبة بتحرية جازت صلاته، وان لم يصب عينها لا تجوز صلاته، لانه ظهر خطؤه بيقين الا أن يجعل كل مجتهد مصيبا وهو خلاف المذهب، أما اذ جعلت قبلته الجهة وهى المحاريب المنصوبة فلا يتصور ظهور الخطأ فنزلت الجهة فى هذه الحالة منزلة عين الكعبة فى حال المشاهدة.
وأما اذا كان عاجزا فلا يخلو اما أن يكون عاجزا لعذر مع العلم بالقبلة.
واما أن يكون عاجزا بسبب الاشتباه.
فان كان الاول فله أن يصلى الى أى جهة كانت ويسقط عنه الاستقبال.
(1)
كشاف القناع مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 202، 203 الطبعة السابقة وكتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علمه الأمصار للامام أحمد بن يحيى بن المرتضى ج 1 ص 202 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1366 هـ، والايضاح مع حاشية السدويكشى ج 1 ص 362 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 118، 119 الطبعة السابقة.
وان كان عاجزا بسبب الاشتباه، وهو أن يكون فى المفازة فى الليلة المظلمة أو لا علم له بالامارات الدالة على القبلة سأل من يرشده فاذا لم يوجد من يرشده تحرى وصلى.
ويقول ابن نجيم فى البحر الرائق:
(1)
وأما فى البحار والمفاوز فدليل القبلة النجوم.
ويقول: وفرض المكى اصابة عين الكعبة للقدرة على اليقين.
ويشمل المكى من كان بمعاينتها ومن لم يكن، حتى لو صلى مكى فى بيته ينبغى أن يصلى بحيث لو أزيلت الجدران يقع استقباله على شطر الكعبة بخلاف الافاقى، فانه لو أزيلت الموانع لا يشترط أن يقع استقباله على عين الكعبة لا محالة.
وغير المكى فرضه اصابة جهتها، اما تحقيقا بمعنى أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة الى الافق يكون مارا على الكعبة، أو هوائها، واما تقريبا بمعنى أن يكون ذلك منحرفا عن الكعبة أو هوائها انحرافا لا تزول معه القابلة بالكلية.
ثم يقول
(2)
: ونية استقبال القبلة ليست بشرط على الصحيح من المذهب سواء
كان الفرض اصابة العين فى حق المكى أو اصابة الجهة فى حق غيره.
ونقل عن الكاسانى أن الافضل ألا ينوى الكعبة لاحتمال أن لا تحاذى هذه الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته، وانما كان هذا هو الصحيح، لان استقبالها شرط من الشرائط فلا يشترط فيه النية.
مذهب المالكية:
قال المالكية فى كتاب بلغة السالك:
(3)
القبلة عين الكعبة أى ذاتها لمن بمكة ومن فى حكمها من يمكنه المسمتة وهى مقابلة بنائها فيجب عليه مقابلتها بجميع بدنه حتى لو خرج منه عضو لم تصح صلاته.
ثم ان من بمكة ان كان بالحرم فيصلون صفا ان كانوا قليلا، أو دائرة، أو قوصا اذا لم تكمل الدائرة.
وان لم يكن بالحرم بل كان فى بيته فعليه أن يصعد على سطح أو مكان مرتفع ثم ينظر الكعبة ويحرر قبلته جهتها، ولا يكفى الاجتهاد مع القدرة على اليقين.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 300 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الرائق لابن نجيم ج 1 ص 301 الطبعة السابقة.
(3)
بلغة السالك لاقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوى عليه ج 1 ص 101 طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
أما جهة الكعبة لغير من بمكة، سواء كان قريبا من مكة، كأهل منى، أو بعيدا، كأهل الآفاق، فيستقبل المصلى تلك الجهة بالاجتهاد.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية فى كتاب نهاية المحتاج
(1)
:
استقبال عين الكعبة بصدره لا بوجهه شرط لصلاة القادر على الاستقبال.
وفى المهذب
(2)
، وفى استقبال القبلة قولان:
قال فى الام فرضه اصابة العين لان من لزمه فرض القبلة لزمه اصابة العين كالمكى.
وظاهر ما نقله المزنى: أن الفرض هو الجهة لانه لو كان الفرض هو العين لما صحت صلاة الصف الطويل لان فيهم من يخرج عن العين.
وان كان فى أرض مكة فان كان بينه وبين البيت حائل أصلى كالجبل، فهو كالغائب عن مكة، وان كان بينهما حائل طارئ وهو البناء ففيه وجهان.
أحدهما: أنه لا يجتهد لانه فى موضع كان فرضه الرجوع الى العين فلا يتغير فرضه بالحائل الطارئ.
والثانى: أنه يجتهد وهو ظاهر المذهب لان بينه وبين البيت حائلا يمنع المشاهدة فأشبه اذا كان بينهما جبل.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة فى كشاف القناع
(3)
:
الفرض فى القبلة لمن قرب منها كمن كان بمكة اصابة عين الكعبة ببدنه كله بحيث لا يخرج شئ منه عنها، لانه قادر على التوجه الى عينها قطعا، فلم يجز العدول عنه، فلو خرج ببعض بدنه عن مسامتتها لم تصح.
ولا يضره علوه عن الكعبة كما لو صلى على جبل أبى قبيس، كما لا يضر نزوله عنها كما لو صلى فى حفيرة تنزل عن مسامتتها، لان العبرة بالبقعة، لا بالجدران وذلك ان لم يتعذر على المصلى اصابة عين الكعبة ببدنه كالمصلى داخل المسجد الحرام، أو على سطحه، أو خارجه، وأمكنه ذلك بنظره، أو علمه أو خبر عالم بذلك، لان من نشأ بمكة أو أقام بها كثيرا تمكن من الامر اليقين فى ذلك ولو مع حائل حادث كالابنية.
(1)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى مع حاشية الشبراملسى عليه ج 1 ص 406 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 67 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
كشاف القناع مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 205 الطبعة السابقة.
فان تعذرت اصابة عين الكعبة بحائل أصلى من جبل ونحوه كالمصلى خلف جبل أبى قبيس، اجتهد الى عينها لتعذر اليقين عليه.
أما مع الحائل غير الاصلى كالمنازل التى تحول بينه وبين الكعبة، فلا بد من تيقنه محاذاة الكعبة ببدنه، اما بنظره اليها، أو خبر ثقة ونحوه.
قال: والاعمى المكى، والغريب اذا أراد الصلاة بدار فى مكة، ففرضه الخبر عن يقين، أو عن مشاهدة، وليس له الاجتهاد.
أما من كان بعيدا، وهو من لم يقدر على معاينة الكعبة، ولا على من يخبره عن علم، ففرضه فى القبلة اصابة الجهة بالاجتهاد، ويعفى عن الانحراف قليلا يمنة أو يسرة، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة رواه ابن ماجة والترمذى، ولان الاجماع انعقد على صحة صلاة الاثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة، وعلى صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو.
ثم قال: والمشاهد لمسجد النبى صلى الله عليه وسلم، والقريب منه فرضه اصابة العين، لان قبلته متيقنة الصحة، لانه صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ وقد روى أسامة بن زيد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين قبل القبلة وقال: هذه القبلة.
قال صاحب كشاف القناع:
(1)
وكذا مسجد الكوفة لاتفاق الصحابة عليه.
ثم قال: والبعيد عن مسجد النبى صلى الله عليه وسلم، والبعيد عن مكة يجتهد الى الجهة لتعذر اصابة العين، فان أمكنه ذلك بخبر مسلم ثقة مكلف عدل ظاهرا وباطنا حرا كان أو عبدا رجلا كان أو امرأة عن يقين، لزمه العمل به، ولا يجتهد، ولا يقبل خبر كافر، ولا غير مكلف، ولا فاسق، وان أمكنه معرفة القبلة بالاستدلال بمحاريب المسلمين لزمه العمل به، وان وجدت محاريب ببلد خراب لا يعلم أنها للمسلمين، لم يلتفت اليها، ولو نقض أو سقط بناء الكعبة، وجب استقبال موضعها وهوائها، دون أنقاضها، لان المقصود البقعة لا الانقاض.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى:
(2)
يشترط استقبال جهة الكعبة بالوجه والجسد فى حال القدرة، وينوى التوجه الى القبلة
(1)
كشاف القناع مع هامش منتهى الارادات ج 1 ص 205 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 227 مسألة رقم 351 الطبعة الاولى سنة 1349 هـ ادارة الطباعة المنيرية طبع مطبعة النهضة بمصر
برهان ذلك قول الله تعالى «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» الآية.
والمسجد الحرام فى المبدأ: انما هو البيت فقط، ثم زيد فيه الشئ بعد الشئ.
ولا خلاف بين أحد من الامة أن امرءا لو كان بمكة بحيث يقدر على استقبال الكعبة فى صلاته، فصرف وجهه عامدا عنها الى ابعاض المسجد الحرام، أو من خارجه، أو من داخله، فان صلاته باطلة.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى كتاب شرح الازهار:
(1)
يتحقق استقبال القبلة بتيقن المصلى استقبال عين الكعبة، أو جزء منها، أى جزء كان.
وقال فى الانتصار فان توجه ببعض بدنه ففى صحة صلاته تردد، المختار أنها لا تصح.
وقال الفقيه يحيى بن أحمد: العبرة بالوجه، وهو الصحيح، فان لم يتمكن من استقبال عينها الا بقطع مسافة
بعيدة، نحو أن يحتاج الى صعود جبل عال، حتى يتمكن من اليقين طلبه.
ولا يجزيه التحرى الى أن يلزمه آخر الوقت.
وقال المنصور: لا تجب المقابلة للعين، الا اذا كان بينه وبينها ميلا فما دون، ولا يجب أكثر من ذلك.
وظاهر كلام أهل المذهب أن الحجر من البيت حيث أوجبوا الطواف من خارجه فيجزئ استقباله.
واليقين فى استقبال عين الكعبة انما هو فرض على المعاين لها، وهو الذى فى القرب منها، وهو الميل على وجه ليس بينهما حائل.
وهو أيضا فرض على من فى حكم المعاين، وهو الذى يكون فى بعض بيوت مكة الداخلة فى الميل التى لا يشاهد منها الكعبة، بأن يكون أعمى، أو بعيدا منها، بحيث لا يتمكن من معاينتها الا بعد خروج الوقت.
ويتحقق استقبال القبلة للمصلى فى مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالاتجاه الى محراب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذى عين مكانه، فمن كان معاينا لمحراب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو فى حكم
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار وحاشيته لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 190 طبع مطابع حجازى بمصر الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.
المعاين له بأن يكون فى المدينة، فان حكمه حكم المعاين للكعبة، فى أنه لا يجزيه التحرى، بل يلزمه تيقن استقبال جهة ذلك المحراب.
فمن كان غير معاين للكعبة ولا فى حكمه ولا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ففرضه التحرى لجهة الكعبة لا لعينها.
مذهب الشيعة الإمامية الجعفرية:
قال الشيعة الإمامية فى كتاب شرائع الاسلام
(1)
: جهة الكعبة هى القبلة لا البناية، فلو زالت البناية صلى الى جهتها، كما يصلى من هو أعلى موقفا منها.
وفى جواهر الكلام:
(2)
القبلة: هى الكعبة، ثم المسجد قبلة من نأى عنها، لان التوجه اليه توجه اليها.
ومن كان نائيا عنها خارجا عن المسجد الحرام توجه اليها بالتوجه اليه، لما روى عن أبى عبد الله رضى الله عنه أن الله عز وجل جعل الكعبة قبلة لاهل المسجد، وجعل المسجد قبلة لاهل الحرم، وجعل الحرم قبلة لاهل الدنيا.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية فى كتاب النيل وشرحه:
(3)
والواجب على من لا يرى الكعبة الجهة.
وجاء فى الايضاح
(4)
وشرحه: ويجزيه استقبال هذه الجهة لقول الله عز وجل: «وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» الاية أى نحوه وتلقاءه.
والدليل أيضا على أن الفرض هو الجهة: اتفاق الجميع على جواز صلاة الصف الطويل وهو خارج عن الكعبة ضرورة.
وهذا كله اذا لم تكن الكعبة مبصرة، أما اذا كانت مبصرة، فالفرض هو العين.
وفى النيل وشرحه أيضا: والحرم قبلة لاهل الافاق يستقبلون الى جهة الحرم، لاجل الكعبة، لعلهم يوافقونها، فانما يستقبلون الحرم قصدا للكعبة، ونية لها، لا قصد الحرم لذاته.
(1)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 46 الطبعة السابقة.
(2)
جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام ج 7 ص 320 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 1 ص 351 الطبعة السابقة.
(4)
كتاب الايضاح وحاشيته للامام الشيخ عامر بن على الشماخى ج 1 ص 363 الطبعة السابقة.
ويدل على الكعبة محارب فى المساجد وكذا يدل بالقمرين وبالنجوم.
وفى المرجعين المذكورين أن الكعبة قبلة البيت الحرام، والبيت قبلة المسجد، والمسجد قبلة مكة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة أهل الافاق كلها، وعلى المصلى أن يستقبل القبلة بوجهه وقلبه وجميع جوارحه.
ما تستقبل فيه القبلة
وما لا ينبغى استقبالها فيه:
مذهب الحنفية:
قال الكاسانى فى بدائع الصنائع:
(1)
الاصل أن استقبال القبلة للصلاة شرط زائد لا يعقل معناه، بدليل أنه لا يجب الاستقبال فى ما هو رأس العبادات، وهو الايمان، وكذا فى عامة العبادات من الزكاة، والصوم والحج، وانما عرف شرطا فى باب الصلاة شرعا فيجب اعتباره بقدر ما ورد الشرع به.
فقالوا
(2)
: لا يجوز لاحد أداء فريضة، ولا نافلة، ولا سجدة تلاوة،
ولا صلاة جنازة، الا متوجها الى القبلة.
ويقول ابن نجيم
(3)
: ويستقبل بالاذان والاقامة: القبلة، لفعل الملك النازل من السماء، وللتوارث عن بلال، ولو ترك الاستقبال جاز، وكره لمخالفة السنة، والظاهر أنها كراهة تنزيهية، واذا انته الى الصلاة والفلاح حول وجهه يمنة ويسرة، ولا يحول قدميه، لانه فى حالة الذكر والثناء على الله تعالى، والشهادة له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، فالاحسن أن يكون مستقبلا، فأما الصلاة والفلاح فدعاء الى الصلاة وأحسن أحوال الداعى أن يكون مقبلا على المدعوين.
ويستثنى من سنية الاستقبال ما اذا كان راكبا فانه لا يسن الاستقبال بخلاف ما اذا كان ماشيا.
ويقول الميرغينانى
(4)
: فى صلاة الاستسقاء يستقبل القبلة بالدعاء.
ويقول ابن نجيم
(5)
: ومن مستحبات الوضوء استقبال القبلة فيه.
(1)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 117 الطبعة السابقة.
(2)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكيرية لابن منصور الأوزجندى ج 1 ص 67 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 272 الطبعة السابقة.
(4)
متن بداية المبتدى فى فقه الامام أبى حنيفة لشيخ الاسلام برهان الدين على بن أبى بكر الميرغينانى الحنفى الطبعة الأولى سنة 1368 هـ ج 1 ص 29 طبع مطبعة محمد على صبيح وأولاده بمصر.
(5)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 29 الطبعة السابقة.
وفى حاشية ابن عابدين
(1)
: وكره ترك التوجه الى القبلة عند الذبح بلا عذر لورود السنة بذلك.
وفى المبسوط
(2)
: وصلاة الجنازة فى وجوب استقبال القبلة كسائر الصلوات.
ويقول المرغينانى فى متن البداية:
(3)
اذا احتضر الرجل وجه الى القبلة على شقه الايمن ولقن الشهادتين.
ويقول فى الدفن:
(4)
يدخل الميت مما يلى القبلة فاذا وضع فى لحده وجه الى القبلة.
وقد نصوا على أشياء لا ينبغى أن تستقبل فيها القبلة.
فقال ابن نجيم فى البحر الرائق:
(5)
آداب الغسل هى آداب الوضوء لكن يستثنى من آداب الوضوء استقبال القبلة.
وفى الهداية والفتح:
(6)
ويكره استقبال القبلة بالفرج فى الخلاء لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فى قوله «اذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها.
ويقول الزيلعى فى تبيين الحقائق:
(7)
ويكره أن توجه المرأة ولدها نحو القبلة ليتبول.
وفى المبسوط:
(8)
وينبغى للامام بعد صلاة الفجر أن يستقبل القوم بوجهه، ولا يجلس كما هو مستقبل القبلة، وكان صلى الله عليه وسلم اذا صلى الفجر استقبل أصحابه بوجهه.
مذهب المالكية:
قال المالكية فى الخرشى
(9)
: وتستقبل القبلة لصلاة فرض ونفل مع الامن من عدو ونحوه ومع القدرة.
(1)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار المعروف بحاشية ابن عابدين للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 5 ص 194 طبع المطبعة العثمانية سنة 1324 هـ.
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 2 ص 69 الطبعة السابقة.
(3)
متن بداية المبتدى فى فقه الامام أبى حنيفة لأبى بكر المرغينانى ج 1 ص 29 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 31 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الرائق لابن نجيم ج 1 ص 45 الطبعة السابقة.
(6)
شرح فتح القدير لكمال الدين بن عبد الواحد السيواسى ثم السكندرى المعروف بابن الهمام الحنفى، وبهامشه شرح العناية على الهداية للامام البابرتى ج 1 ص 297 الطبعة الأولى سنة 1315 هـ طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر.
(7)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان بن على الزيلعى ج 1 ص 167 وحاشية الشلبى عليه طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر الطبعة الأولى سنة 1313 هـ.
(8)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 38 الطبعة السابقة.
(9)
الخرشى على مختصر خليل ج 1 ص 256 الطبعة السابقة.
ويقول الدردير:
(1)
ويشترط فى سجود التلاوة استقبال القبلة ان أمكن والا سجدها متوجها لغير جهة القبلة.
وفى موضع آخر:
(2)
يقول ويندب للامام بعد الفراغ من الخطبتين اللتين بعد صلاة الاستسقاء أن يستقبل القبلة.
وفى موضع قبل ذلك يقول:
(3)
ويندب للمؤذن عند الاذان أن يكون مستقبلا للقبلة الا لاسماع فيجوز الاستدبار، ولكن يبتدئ الاذان للقبلة، ويندب للمقيم حال اقامته الصلاة أن يكون مستقبلا للقبلة.
وفى موضع آخر يقول:
(4)
الافضل توجيه المذبوح أو المنحور للقبلة لانها أفضل الجهات.
ويقول بالنسبة للميت:
(5)
ويندب للميت استقبال القبلة عند شخوصه ببصره على شقة الايمن، ثم اذا تعسر على الشق الايمن، فعلى ظهره، رجلاه الى القبلة.
وجاء فى الشرح الكبير أيضا
(6)
أنه يحرم على المكلف اذا قضى حاجته فى الفضاء أن يستقبل القبلة، أو يستدبرها بلا ساتر، فان استتر بحائط، أو صخرة، أو ثوب أو غير ذلك، فلا حرمة، والاولى الترك مراعاة للخلاف.
ثم قال ويحرم على المكلف الوط ء لحليلته فى الفضاء مستقبلا القبلة بلا ساتر، والا يكن فى الفضاء، بأن كان فى منزله، ولو فى ساحة الدار، أو رحبتها، أو سطحها، أو كان فى الفضاء ولكن بساتر فلا حرمة.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج:
(7)
واستقبال القبلة لا يجب فى غير الصلاة فتعين أن يكون فيها.
ويقول: وشرط فى استقبال القبلة:
أن يكون المستقبل قادرا على الاستقبال.
فالعاجز لمرض، ومربوط على خشبة، وغريق على لوح يخاف من استقبال القبلة الغرق، ومن خاف من نزوله عن دابته على نفسه، أو ماله، أو انقطاعا
(1)
بلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للدرير ج 1 ص 140 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 180 الطبعة السابقة.
(3)
بلغة السالك لاقرب المسالك للدردير ج 1 ص 87 الطبعة السابقة.
(4)
لمرجع السابق ج 1 ص 297.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 187.
(6)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه للدردير ج 1 ص 35 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه.
(7)
نهاية المحتاج ج 1 ص 406 وما بعدها الطبعة السابقة.
عن الرفقة، فانه يصلى على حسب حاله، ويعيد على الاصح.
وقال الاذرعى: لو أمكنه أن يصلى الى القبلة قاعدا والى غيرها قائما وجب الاول، لان فرض استقبال القبلة آكد من فرض القيام، بدليل سقوط القيام فى النفل مع القدرة من غير عذر.
ويقول:
(1)
وسن أن يتوجه فى الاذان وفى الاقامة للقبلة، لانه المنقول سلفا وخلفا، ولانها أشرف الجهات، فلو ترك ذلك مع القدرة كره، واجزأه لانه لا يخل به، ويسن أن يلتفت فى الاذان والاقامة بوجهه لا بصدره، من غير أن ينتقل عن محله، محافظة على استقبال القبلة.
وجاء فى المهذب:
(2)
حكم سجود التلاوة حكم صلاة النفل يفتقر الى الطهارة، والستارة، واستقبال القبلة، لانها صلاة فى الحقيقة.
وفى موضع آخر يقول:
(3)
والمستحب استقبال القبلة فى أثناء الخطبة فى صلاة الاستسقاء، لما روى عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج الى المصلى يستسقى، فاستقبل القبلة، ودعا، وحول رداءه.
وجاء فى نهاية المحتاج
(4)
يشترط فى صلاة الجنازة شروط غيرها من الصلاة، كستر، وطهارة، واستقبال، لانها تسمى صلاة، فكانت كغيرها من الصلوات.
وقال قبل ذلك:
(5)
من حضره الموت ولم يمت يضطجع على جنبه الايمن ندبا كالموضوع فى اللحد الى القبلة ندبا أيضا، فان تعذر وضعه على يمينه فيوضع على جنبه الايسر، لانه أبلغ فى التوجه من استلقائه، فان تعذر القى على قفاه ووجهه واخمصاه أى أسفل الرجلين - الى القبلة، والتلقين مقدم على الاستقبال ان ظن بقاء حياته.
وجاء فى المهذب
(6)
: أن سلمى أم ولد رافع قالت: قالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ضعى فراشى هاهنا، واستقبلى بى القبلة، ثم قامت، واغتسلت كأحسن ما يغتسل، ولبست ثيابا جددا، ثم
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 292.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 86 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 125.
(4)
نهاية المحتاج للرملى ج 2 ص 474 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 426.
(6)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 126 الطبعة السابقة.
قالت: تعلمين أنى مقبوضة الان، ثم استقبلت القبلة، وتوسدت يمينها.
وفى نهاية المحتاج:
(1)
يوضع الميت فى اللحد، أو غيره على يمينه ندبا، ويوجه للقبلة حتما، تنزيلا له منزلة المصلى، فان دفن مستدبرا أو مستلقيا نبش حتما ان لم يتغير، ولئلا يتوهم أنه غير مسلم.
ولو ماتت ذمية وفى جوفها جنين مسلم جعل ظهرها للقبلة وجوبا ليتوجه الجنين للقبلة.
ويقول فى موضع آخر:
(2)
يوجه الذابح ذبيحته للقبلة.
وقال صاحب شرح المنهاج:
وفى الاضحية ونحوها آكد، والاصح: أنه يوجه مذبحها ليمكنه هو الاستقبال أيضا فانه مندوب.
وفى المهذب:
(3)
اذا دخل الرجل الخلاء فانه لا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا ذهب أحدكم الى
الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها بغائط ولا بول.
ويجوز ذلك فى البنيان، لما روت عائشة رضى الله عنها: أن ناسا كانوا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قد فعلوها. حولوا بمقعدتى الى القبلة.
أما الفضاء فلانه لا يخلو غالبا عن مصل، انس، أو غيره، فقد يرى قبله ان استدبرها، أو دبره ان استقبلها.
ولو تعارض الاستقبال والاستدبار، وجب الاستدبار، لان الاستقبال أفحش.
مذهب الحنابلة:
(4)
تستقبل القبلة فى الصلاة، وهو شرط من شروط صحتها، وذلك مع القدرة، ولا فرق بين الفريضة والنافلة، لانه شرط للصلاة، فاستوى فيه الفرض والنفل، لان قول الله تعالى: «وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ}
(1)
نهاية المحتاج للرملى ج 3 ص 6 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 112 الطبعة السابقة.
(3)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 26 الطبعة السابقة.
(4)
كشاف القناع مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 203 الطبعة السابقة، والمغنى لابى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسى، والشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 1 ص 460 الطبعة الأولى سنة 1348 طبع مطبعة المنار بمصر.
{أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ»
(1)
الآية:
عام فيهما جميعا.
وفى كشاف القناع:
(2)
ويسن أن يكون المؤذن مستقبل القبلة.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أن من السنة أن يستقبل القبلة بالاذان، وذلك لان مؤذنى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلى القبلة، فان أخل باستقبال القبلة كره له ذلك وصح.
وفى موضع آخر يقول:
(3)
من سنن الوضوء استقبال القبلة.
وفيه عند الكلام
(4)
عن سجود التلاوة: والراكب والمسافر يومئ بالسجود للتلاوة حيث كان وجهه كسائر النوافل، ويسجد المسافر الماشى بالارض مستقبلا القبلة.
وفى موضع آخر:
(5)
يستحب أن يستقبل الامام القبلة فى أثناء الخطبة لصلاة الاستسقاء، ثم يحول رداءه، لانه عليه الصلاة والسلام حول رداءه حين استقبل القبلة، رواه مسلم.
ونقل صاحب كشاف القناع عن النووى أن فيه استحباب استقبال القبلة للدعاء، ويلحق به الوضوء، والغسل، والتيمم، والقراءة، وسائر الطاعات، الا ما خرج بدليل.
وقال فى الذبيحة:
(6)
يسن توجيه الذبيحة الى القبلة، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم، لما ضحى وجه أضحيته الى القبلة، ثم قال:
ويكره توجيه الذبيحة الى غير القبلة.
وفيه أيضا:
(7)
يسن توجيه المحتضر الى القبلة قبل النزول به، وتيقن موته، وبعد موته، لقوله عليه الصلاة والسلام عن البيت الحرام: قبلتكم أحياء وأمواتا، وروى عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنها قالت لام رافع: استقبلن بى القبلة ثم قامت فاغتسلت كأحسن ما يغتسل ولبست ثيابا جددا ثم قالت تعلمين أنى مقبوضة الان ثم استقبلت القبلة وتوسدت يمينها.
وجاء بعد ذلك:
(8)
يجب أن يدفن الميت مستقبلا القبلة لقول رسول
(1)
الآية رقم 144 من سورة البقرة.
(2)
كشاف القناع مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 166 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 77 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 289 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع مع هامش منتهى الارادات ج 1 ص 370 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 4 ص 124 الطبعة السابقة.
(7)
كشاف القناع مع شرح منتهى الارادات ج 1 ص 376 الطبعة السابقة.
(8)
المرجع السابق ج 1 ص 409 الطبعة السابقة.
الله صلى الله عليه وسلم فى الكعبة قبلتكم أحياء وأمواتا.
وقال ابن قدامة المقدسى:
(1)
ولا يجوز استقبال القبلة فى الفضاء، لقضاء الحاجة فى قول أكثر أهل العلم.
لما روى أبو أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة.
ولا يولها ظهره، ولمسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة.
ولا يستدبرها.
وقال عروة بن ربيعة وداود يجوز استقبالها واستدبارها، لما روى جابر رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نستقبل القبلة ببول، ورأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها.
فأما فى البنيان، أو اذا كان بينه وبين القبلة شئ يستره ففيه روايتان:
احداهما: لا يجوز، لعموم الاحاديث فى النهى.
والثانية: يجوز استقبالها واستدبارها فى البنيان، روى ذلك عن العباس وابن عمر رضى الله عنهما.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى:
(2)
أمرنا باستقبال الكعبة فى الصلاة خاصة، والسجود وحده ليس صلاة وهو جائز بلا طهارة والى غير القبلة.
وقال ابن حزم فى موضع آخر:
(3)
يجزئ الاذان والاقامة الى غير القبلة، وأفضل ذلك أن لا يؤذن الا الى القبلة، وانما قلنا ذلك، لانه لم يأت عن شئ من هذا نهى، وانما تخيرنا أن يؤذن ويقيم الى القبلة لانه عمل أهل الاسلام قديما وحديثا.
وقال ابن حزم فى المحلى فى موضع آخر:
(4)
يجوز سجود التلاوة على غير وضوء والى غير القبلة كيفما يمكن اذ لا نص فى أن سجدة التلاوة صلاة.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 155 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 176 مسألة رقم 474 طبع ادارة الطباعة المنيرية سنة 1348 هـ بمصر.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 143 مسألة رقم 325 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 111 الطبعة السابقة.
وقال قبل ذلك
(1)
: ان أراد الامام البروز فى الاستسقاء خاصة فليخرج متبذلا متواضعا الى موضع المصلى والناس معه، فيبدأ فيخطب بهم، ويدعو الله عز وجل، ثم يحول وجهه الى القبلة، وظهره الى الناس، لما روى عن عبد الله بن زيد الانصارى رضى الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقى فحول الى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو.
ثم قال فى موضع آخر
(2)
: توجيه الميت الى القبلة حسن، فان لم يوجه فلا حرج قال الله تعالى «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» ولم يأت بنص بتوجيهه الى القبلة، وروى عن جابر رضى الله عنه قال: سألت الشعبى عن الميت يوجه الى القبلة؟ فقال: ان شئت فوجهه، وان شئت فلا توجهه.
وفى الصلاة على الميت قال:
(3)
يصلى على الميت بامام يقف ويستقبل القبلة.
وقال أيضا فى دفن الميت:
(4)
يدخل الميت القبر كيف أمكن، اما من قبل القبلة، أو من دبر القبلة، أو من قبل رأسه، أو من قبل رجليه، اذ لا نص فى شئ من ذلك، وقد صح عن على أنه أدخل يزيد بن المكفف من قبل القبلة وصح عن عبد الله بن يزيد الانصارى رضى الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أدخل الحارث الخارفى من قبل رجلى القبر ثم أطال فى نقل الاثار المختلفة وانته بقوله: وكل هذا لو صح لم تقم به حجة فى الوجوب، فكيف وهو لا يصح لانه ليس فيه منع مما سواه.
وقال قبل ذلك فى موضع آخر:
(5)
يجعل الميت فى قبره على جنبه الايمن، ووجهه قبالة القبلة ورأسه ورجلاه الى يمين القبلة ويسارها، على هذا جرى عمل أهل الاسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا.
وقال فيما لا يجوز استقبال القبلة فيه:
(6)
لا يجوز استقبال القبلة
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 93 ص 94 مسألة 554 الطبعة السابقة سنة 1349 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 173، 174 مسألة رقم 616 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 123 مسألة رقم 572 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 177، 178 مسألة رقم 611 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 173 مسألة رقم 615 الطبعة السابقة.
(6)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 1 ص 95 مسألة رقم 122 الطبعة السابقة، ص 96، 193 مسألة رقم 146 الطبعة السابقة، ص 194.
واستدبارها للغائط والبول، لا فى بنيان ولا فى صحراء، ولا يجوز استقبال القبلة فقط كذلك فى حال الاستنجاء، لما روى عن أبى أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها ببول ولا غائط، وروى عن سلمان الفارسى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن يستنجى أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية:
(1)
تستقبل القبلة فى الصلاة فرضا أو نفلا، وهو شرط من شروط صحتها.
ويندب استقبال القبلة عند الاذان.
جاء فى البحر الزخار
(2)
: ويؤذن قائما مستقبلا ندبا لعادة السلف.
وفى شرح الازهار: لو كان غير مستقبل للقبلة فانه يكره ويصح أذانه، وفى شرح الابانة: اذا تعمد فى التكبير والشهادتين أعاد.
ونقل صاحب البحر
(3)
: عن أبى طالب تستقبل القبلة عند سجود التلاوة.
وفى شرح الازهار:
(4)
قال فى سجود التلاوة: يسجد طاهرا مستقبل القبلة.
وفى البحر الزخار:
(5)
ويندب استقبال القبلة عند التكبير والتسبيح فى الدعاء فى صلاة الاستسقاء، قال الناصر: بعد حمد الله والصلاة على نبيه يكبر مائة تكبيرة، مستقبلا القبلة، ثم يحمد الله مثلها مستقبلا القبلة.
وفيه عند الكلام على الذبائح:
(6)
وندب استقبال القبلة عند الذبح لفعله صلى الله عليه وسلم واستقبال القبلة عند الذبح هو لاجل الموت فلو ذبح غير مستقبل القبلة فوجهه الى القبلة عند الموت كفى، وقيل انما الاستقبال لاجل الذبح فلو أنحرف بعده لم يضر.
وفى الازهار:
(7)
يندب توجيه المحتضر للقبلة فمتى احتضر المريض الذى
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 190 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار ج 1 ص 194 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 346 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الأزهار ج 1 ص 334 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار ج 1 ص 279 الطبعة السابقة.
(6)
البحر الزخار ج 4 ص 307 الطبعة السابقة.
(7)
شرح الأزهار ج 1 ص 400 الطبعة السابقة.
حضره الموت وجه الى القبلة مستلقيا على ظهرة، ويصف قدماه الى القبلة، ليكون وجهه اليها كالقائم.
وقال بعد ذلك
(1)
ويوضع الميت فى القبر على جنبه الايمن مستقبلا وجوبا بوجهه القبلة وهذا لا خلاف فيه.
وجاء فيه قبل ذلك:
(2)
يكره استقبال القبلتين عند قضاء الحاجة والعبرة بكل بدنه، وقيل بالفرجين والقبلتان هما الكعبة وبيت المقدس.
أما الكعبة فالمذهب أنه مكروه، ولا فرق بين الصحارى والعمران.
وقيل انه محرم فيهما.
وأما بيت المقدس ففيه قولان.
الاول: أن حكمه حكم الكعبة على الظاهر من مذهب أئمة العترة.
الثانى: أنه غير منهى عنه وكذلك يكره استدبار القبلتين والاستقبال أشد وساق حديث: اذا ذهب أحدكم الى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط قال: وكذا حال الاستنجاء والجماع فان الاستقبال مكروه فيهما
مذهب الشيعة الإمامية:
قال الإمامية فى كتاب شرائع الاسلام
(3)
: ويجب استقبال القبلة
فى فرائض الصلاة مع الامكان وعند الذبح وبالميت عند احتضاره ودفنه والصلاة عليه، وأما النوافل فالافضل استقبال القبلة بها.
وجاء فى جواهر الكلام
(4)
: يجوز صلاة النوافل لغير القبلة اختيارا مطلقا وفاقا للمحكى عن ابن حمزة وللفاضل فى الارشاد وعن التلخيص وأبى العباس فى المهذب وعن الموجز وكشف الالتباس ومجمع البرهان بل ربما نقل أيضا عن علم الهدى للاصل والنقل المستفيض كما اعترف به غير واحد أن قول الله تعالى «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» نزل فى النافلة فاطلاقه حينئذ حجة على المطلوب واطال فى ذلك.
ونقل عن جامع المقاصد أن الوجوب المستفاد فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «صلوا كما رأيتمونى أصلى» يراد به أحد أمرين.
اما كونه شرطا للشرعية مجازا بمشاركته الواجب فى كونه لا بد منه، فمع المخالفة يأثم بفعل النافلة الى غير القبلة.
أو كون وجوبه مشروطا، بمعنى أنه ان فعل النافلة وجب فعلها الى القبلة
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 437 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 76 الطبعة السابقة.
(3)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 47 الطبعة السابقة.
(4)
جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام للشيخ محمد حسن النجفى ج 8 من ص 3 الى ص 8 طبع مطبعة النجف الطبعة السادسة سنة 1378 هـ.
فمع المخالفة يأثم بترك الاستقبال وبفعلها الى غير القبلة معا، وهذا المعنى يثبت على تقدير دلالة قوله صلى الله عليه وسلم «صلوا كما رأيتمونى أصلى» على وجوب الاستقبال.
وقالوا ان قول الله تعالى «وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» أنها مختصة فى صلاة الفريضة.
ونقل عن أبى جعفر أنه قال: ان الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم فى الفريضة «قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ» }.
(1)
ونقل عن مجمع البيان عن أبى جعفر وأبى عبد الله فى قول الله تعالى «وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ» }.
(2)
انها ليست بمنسوخة وأنها مخصوصة بالنوافل فى حال السفر.
ثم انته صاحب جواهر الكلام الى قوله وتجوز النافلة راكبا وماشيا دون اشتراط استقبال القبلة حتى فى تكبيرة الاحرام منها من غير فرق بين السفر والحضر.
وفى الروضة البهية:
(3)
على المؤذن، استقبال القبلة فى جميع الفصول خصوصا الاقامة.
وفى موضع آخر من الروضة:
(4)
استقبال القبلة بالمذبوح لا الذابح وذلك بمقاديم بدن المذبوح ومنه مذبحه.
وربما قيل بالاكتفاء باستقبال المذبح خاصة، ولو ترك الاستقبال ناسيا فلا بأس للاخبار الكثيرة، وفى الجاهل وجهان، والحاقه بالناسى حسن.
وجاء فى موضع آخر من الروضة أيضا:
(5)
ويجب كفاية توجيه المحتضر الى القبلة فى المشهور بأن يجعل ظهره وباطن قدميه اليها بحيث لو جلس استقبل القبلة، ولا فرق فى ذلك بين الصغير والكبير، ولا يختص الوجوب بوليه بل بمن علم باحتضاره.
وقال صاحب شرائع الاسلام:
(6)
يسقط فرض الاستقبال فى كل موضع لا يتمكن منه كصلاة المطاردة وعند
(1)
الآية رقم 144 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 115 من سورة البقرة.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 72 الطبعة السابقة.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 268 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 37 الطبعة السابقة.
(6)
شرائع الإسلام ج 1 ص 47 الطبعة السابقة.
ذبح الدابة العائلة والمتردية لا بحيث لا يمكن صرفها الى القبلة.
وفى الروضة البهية:
(1)
يجب على المتخلى ترك استقبال القبلة بمقاديم بدنه فلا يكفى تحويل العورة خاصة مع استقباله واستدباره وذلك فى البناء وغيره.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية فى كتاب الايضاح:
(2)
استقبال القبلة شرط فى صحة الصلاة لقول الله تعالى «وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» الآية.
وجاء فى النيل وشرحه:
(3)
ويندب للمؤذن حال الاذان أن يكون مستقبلا للقبلة الا قوله حى على الصلاة فانه يلتفت بوجهه فقط لليمين، وحى على الفلاح للشمال، كما يندب استقبال القبلة للمقيم عند اقامته للصلاة.
وفيه أيضا:
(4)
أن استقبال القبلة فى سجود التلاوة أفضل بناء على أنها دعاء ويجوز غيره.
وقيل لا بد من الاستقبال بناء على أنها صلاة.
وقيل يتعين على من سجد بغيره اماما، وأما المأموم فيستجب له وهو ضعيف جدا لوجود مخالفة أمامه.
وفى موضع آخر قبل ذلك:
(5)
من شروط التذكية استقبال القبلة فلو ذبح ذابح أو نحر ناحر بلا استقبال القبلة لم يحكم عليها بأنها ذبيحة شرعية أو نحيرة شرعية فلا تؤكل وهذا قول.
وقيل أنها لا تحرم لعدم الاستقبال ويكون المراد من أن الاستقبال شرط فى التذكية. أنه شرط فى التذكية التامة.
وجاء فى الايضاح
(6)
وفى الصلاة على الميت: أنهم يضعونه مستقبلا للقبلة كما يوضع فى القبر، وان صلوا عليه مكبا على وجهه أو مستدبرا للقبلة أو مستلقيا على ظهره ورأسه الى القبلة فلا يجزيهم ذلك وعليهم الاعادة.
وجاء فى كتاب النيل وشرحه:
(7)
وسن عند قضاء الحاجة ألا يكون
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 26 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب الايضاح للامام الشيخ عامر بن على الشماخى مع حاشية الشيخ عبد الله بن سعيد السدويكشى ج 1 من ص 361 الى 367 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 324 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 614 الطبعة السابقة.
(5)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 541 الطبعة السابقة.
(6)
كتاب الايضاح مع حاشيته للسدويكشى ج 1 ص 598 الطبعة السابقة.
(7)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 29، ص 31 الطبعة السابقة.
مستدبرا للقبلة ولا مستقبلا لها لحرمتها على الصحيح.
ثم قال وجاز فى المبانى والصحارى.
وقيل يجوز فى المبانى لا فى الصحارى وقيل يجوز فى غير مكة.
وقيل فيها أيضا لم يستقبل أو يستدبر المسجد بالرؤيا والمقابلة، ويكفى الستر بثيابه فمن ستر قبله أو دبره بثوبه لم يضره فى قول بعض استقبال أو استدبار جهة القبلة.
وفيه عند الكلام عن غسل الميت:
(1)
ولا يجعل الميت فى حالة غسله مستقبلا للقبلة الا ان لم يمكنهم غير ذلك.
استقبال القبلة فى الخوف والمرض
والسفر وعند العذر:
مذهب الحنفية:
يقول السرخسى:
(2)
ويصلى المسافر التطوع على دابته بايماء حيثما توجهت به لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على دابته تطوعا حيث توجهت به، وتلا قول الله تعالى: «فَأَيْنَما تُوَلُّوا}
{فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ»،} وعن جابر رضى الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة انما يتطوع على دابته بالايماء، ووجهه الى المشرق.
الا أن فى حديث ابن عمر رضى الله عنه أنه كان ينزل للوتر والمكتوبة.
وفى حديث جابر رضى الله عنه أنه كان يوتر على دابته وينزل للمكتوبة.
ونقل عن الهارونيات أن أبا حنيفة رحمه الله لا يجوز التطوع على الدابة فى المصر.
وعن محمد رحمه الله يجوز ويكره.
وعند أبى يوسف رحمه الله لا بأس به ثم قال: ولا يصلى المسافر المكتوبة على الدابة من غير عذر لان المكتوبة فى أوقات محصورة فلا يشق عليه النزول.
وفى موضع آخر من المبسوط
(3)
قال: وفى السفينة يلزمه التوجه الى القبلة عند افتتاح الصلاة، ولذلك كلما دارت السفينة يتوجه اليها، لانها فى حقه كالبيت فيلزمه التوجه الى القبلة.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 650 الطبعة السابقة.
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 249 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 3 الطبعة السابقة.
وقال الكمال بن الهمام فى الفتح:
(1)
ولو كان على الدابة يخاف النزول للطين والردغة - أى الوحل الشديد - يستقبل، ونقل عن صاحب الظهيرية أن هذا اذا كانت واقفة سائرة يصلى حيث يشاء.
قال المرغينانى:
(2)
والمريض ان لم يستطع القعود استلقى على ظهره، وجعل رجليه الى القبلة، وان استلقى على جنبه ووجهه الى القبلة فأومأ جاز.
ويقول الكاسانى:
(3)
اذا كان المصلى عاجزا عن استقبال القبلة مع العلم بها لعذر فله أن يصلى الى أى جهة كانت، ويسقط عنه الاستقبال نحو أن يخاف على نفسه من العدو فى صلاة الخوف أو كان بحال لو استقبل القبلة يثب عليه العدو، أو كان على لوح من السفينة فى البحر لو وجهه الى القبلة يغرق غالبا، أو كان مريضا لا يمكنه أن يتحول بنفسه الى القبلة وليس بحضرته من يحوله اليها ونحو ذلك، لان هذا شرط زائد على حقيقة الصلاة فليسقط عند العجز.
ويقول ابن نجيم فى البحر الرائق:
(4)
الخائف يصلى الى أى جهة قدر، لان استقبال القبلة شرط زائد يسقط عند العجز، فيتوجه الى أى جهة قدر.
والخائف من له عذر فيشمل المريض اذا كان لا يقدر على التوجه وليس عنده من يحوله اليها، أو كان التحويل يضره والتقييد بعدم وجود من يحوله يجرى على قول الصاحبين.
أما عند الامام فالقادر بقدرة غيره ليس بقادر كما يشمل ما اذا كان فى السفينة يخاف الغرق اذا انحرف اليها وما اذا كان فى طين وردغة - أى وحل شديد - لا يجد على الارض مكانا يابسا أو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب الا بمعين أو كان شيخا كبيرا لا يمكنه أن يركب الا بمعين ولا يجده.
ويقول الميرغينانى:
(5)
ان اشتد الخوف صلوا ركبانا فرادى يومئون بالركوع والسجود الى أى جهة شاءوا اذا لم يقدروا على التوجه الى القبلة.
مذهب المالكية:
قال المالكية فى كتاب الخرشى:
(6)
وجهة السفر للمسافر عوض له عن
(1)
شرح فتح القدير للكمال بن الهمام ج 1 ص 189 الطبعة السابقة.
(2)
بداية المبتدى فى الفقه الحنفى للمرغينانى ج 1 ص 24 الطبعة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 118 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الرائق كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 302 الطبعة السابقة.
(5)
متن بداية المبتدى فى فقه الامام أبى حنيفة لأبى بكر الميرغينانى ج 1 ص 29 الطبعة السابقة
(6)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 1 ص 257 الطبعة السابقة.
توجهه الى الكعبة فى النوافل وان وترا لفعل رسول الله صلّى الله عليه ذلك، وأحرى ركعتا الفجر وسجود التلاوة، بشرط أن يكون سفره سفر قصر، وان يكون لراكب دابة، فلا يرخص فى ذلك فى حضر، ولا فيما دون مسافة القصر، أو سفر غير مباح، ولو الى القبلة، ولا لماش، ولا لراكب سفينة، فاذا استوفى هذه الشروط، فله أن يبتدئ تنفله الى جهة سفره، ولا يجب عليه أن يبتدأه الى جهة القبلة، ولو انحرف بعد احرامه الى غير جهة سفره عامدا لغير ضرورة بطلت، الا أن يكون الى القبلة فلا شئ عليه، لانها الاصل، وان كان لضررة كظنه أنها طريقة أو غلبته دابته فلا شئ عليه.
وقال بالنسبة لراكب السفينة:
(1)
يمنع من تنفله صوب سفره كالفرض ليتيسر استقباله بدورانه لجهة القبلة اذا دارت عنها مع امكانه، والفرض والنفل فى هذا سواء.
وفى حاشية العدوى: فان لم يمكن صلاها حيث توجهت به، وان اتسع الوقت كما هو ظاهر المدونة
(2)
.
وجاء فى التاج والاكليل على هامش الحطاب:
(3)
اذا اشتد الخوف صلوا على قدر طاقتهم يركعون ايماءا مستقبلين القبلة أو غيرها.
ويسقط استقبال القبلة عن المكتوف والمربوط وصاحب الهدم - أى من وقع عليه الهدم - والمسايف للعدو والخائف من اللصوص والسباع اذا كان يخشى متى وقف أدركه العدو أو اللصوص أو السباع.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية فى كتاب نهاية المحتاج:
(4)
ونفل السفر المباح لا يشترط فيه الاستقبال، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلته فى السفر حيثما توجهت به، رواه الشيخان، اذ الناس محتاجون الى الاسفار، فلو شرطنا فيها الاستقبال للتنفل لادى الى ترك مصالح معايشهم، ويشترط دوام السفر فلو صار مقيما فى أثناء الصلاة وجب اتمامها على الارض مستقبلا القبلة، ولا يجوز لراكب السفينة التنفل حيث توجهت لتيسر الاستقبال، ويستثنى منه
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 258 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 409 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل وبهامشه التاج والأكليل لمختصر خليل خليل أيضا المعروف بالخطاب ج 1 ص 514 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1328 هـ.
(4)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 1 ص 409 الطبعة السابقة.
الملاح وان لم يكن رئيس الملاحين، فانه يتنفل الى جهة مقصده فان أمكن استقبال الراكب القبلة لزمه والا فالاصح ان سهل الاستقبال وجب، لكونه متيسرا عليه، فان لم يسهل فلا يجب الاستقبال للمشقة، وقيل يجب عليه مطلقا وقيل لا مطلقا.
وجاء فى المهذب:
(1)
ان عجز المريض عن القيام والقعود صلى على جنبه ويستقبل القبلة بوجهه.
ومن أصحابنا من قال: يستلقى على ظهره ويستقبل القبلة برجليه.
والمنصوص فى البويطى هو الاول، والدليل عليه ما روى على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يصلى المريض قائما، فان لم يستطع صلى جالسا، فان لم يستطع صلى على جنبه، مستقبل القبلة، فان لم يستطع صلى مستلقيا على قفاه ورجلاه الى القبلة، ولانه اذا اضطجع على جنبه استقبل القبلة بجميع بدنه، واذا استلقى لم يستقبل القبلة الا برجليه.
وفى موضع آخر
(2)
ان اشتد الخوف ولم يتمكن من تفريق الجيش صلوا رجالا وركبانا، مستقبلى القبلة وغير مستقبليها، لقول الله عز وجل «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} الآية»:
(3)
قال ابن عمر رضى الله تعالى عنه: مستقبلى القبلة وغير مستقبليها ثم قال: فاذا أمن قبل تمام صلاته فنزل فان استدبر القبلة فى النزول بطلت صلاته، لانه ترك القبلة من غير خوف.
وفى نهاية المحتاج
(4)
ومن الخوف المجوز لترك الاستقبال أن يكون شخص فى أرض مغصوبة، ويخاف فوت الوقت فله أن يحرم ويتوجه للخروج، ويصلى بالايماء الا فى نفل السفر المباح لمن له مقصد معلوم، فلا يشترط فيه الاستقبال، فله أن يصلى غير الفرائض ولو عيدا أو ركعتى الطواف، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلة فى السفر حيثما توجهت به أى فى أى جهة مقصده، رواه الشيخان، وقيس بالراكب الماشى، لان المشى أحد السفرين وقد استويا فى صلاة الخوف، فكذا فى النافلة.
(1)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 101 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 107 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 239 من سورة البقرة.
(4)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشيته الشبراملس عليه ج 1 ص 409، 410 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة فى كتاب المغنى لابن قدامة المقدسى:
(1)
ان كان على الراحلة فى مكان واسع يتمكن من الصلاة الى القبلة والركوع والسجود فعليه استقبال القبلة فى صلاته.
وان كان يعجز عن استقبال القبلة فى ابتداء صلاته كراكب راحلة لا تطيعه، أو كان فى قطار - أى من الابل ونحوها - فليس عليه استقبال القبلة فى شئ من الصلاة.
فان أمكنه افتتاحها الى القبلة ففيه روايتان.
احداهما يلزمه لما روى أنس رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا سافر، فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث كان وجهة ركابه، ولانه أمكنه استقبال القبلة فى ابتداء الصلاة، فلزمه ذلك، كالصلاة كلها.
والثانية: لا يلزمه، لانه جزء من أجزاء الصلاة أشبه سائر أجزائها، ولان ذلك لا يخلو عن مشقة فسقط، وما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم يحمل على الفضيلة والندب.
وقبلة هذا المصلى حيث كانت وجهته، فان عدل عنها الى جهة الكعبة جاز، لأنها الاصل، وان عمد الى غيرها فسدت صلاته لتركه القبلة عمدا وان فعل ذلك مغلوبا أو ظنا منه أنها جهة سفره، فهو على صلاته، ويرجع الى جهة سفره عند زوال العذر، لانه مغلوب على ذلك، فأشبه العاجز عن الاستقبال، فان تمادى به ذلك بعد زوال عذره، فسدت صلاته، لانه ترك الاستقبال عمدا.
ولا فرق بين جميع التطوعات فى هذا، فيستوى فيه النوافل المطلقة، والسنن الرواتب والمعينة، والوتر، وسجود التلاوة، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يوتر على بعيره.
ثم قال: وأما الماشى فى السفر ففى رواية عن أحمد، أنه يصلى ماشيا، ويستقبل القبلة، لافتتاح الصلاة، ثم ينحرف الى جهة سيره، واحتجوا بأن الصلاة أبيحت للراكب، لئلا ينقطع عن القافلة فى السفر، وهذا المعنى موجود فى الماشى، ولانه احدى حالتى سير المسافر.
وفى كشاف القناع:
(2)
والمريض العاجز عن استقبال القبلة، أو العاجز عمن يديره اليها، ومثله المربوط فتصح صلاتهم الى غير القبلة بلا اعادة.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 451 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 203 الطبعة السابقة.
والمتنفل راكبا وماشيا فى سفر غير محرم ولا مكروه، ولو سفرا قصيرا، فانه يسقط عنه شرط استقبال القبلة ان تعذر عليه.
وجاء فى المغنى لابن قدامة المقدسى
(1)
اذا اشتد الخوف بحيث لا يتمكن من الصلاة الى القبلة أو احتاج الى المشى، أو عجز عن بعض أركان الصلاة، اما لهرب مباح من عدو، أو سيل، أو سبع أو حريق، أو نحو ذلك مما لا يمكنه التخلص منه الا بالهرب أو المسايفة والتحام الحرب والحاجة الى الكر والفر والطعن والضرب والمطاردة، فله أن يصلى على حسب حاله راجلا وراكبا، الى القبلة ان أمكن، والى غيرها ان لم يمكن، فاذا كان خوفا هو أشد من ذلك، صلوا رجالا قياما على أقدامهم، وركبانا، مستقبلى القبلة، وغير مستقبليها.
واذا أمكن افتتاح الصلاة الى القبلة فهل يجب ذلك؟ قال أبو بكر: فيه روايتان أحداهما لا يجب، لانه جزء من أجزاء الصلاة، فلم يجب الاستقبال فيه كبقية أجزائها.
والثانية يجب، لانه أمكنه ابتداء الصلاة مستقبلا القبلة، فلم يجز بدونه.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى:
(2)
جائز للمرء أن يتطوع راكبا حيث توجهت به دابته الى القبلة وغيرها فى السفر.
برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يصلى التطوع وهو راكب فى غير القبلة، وما روى عن عبد الله ابن دينار قال: كان عبد الله بن عمر يصلى فى السفر على راحلته أينما توجهت به، ونقل عن على أن هذا الحكم يسرى على عموم المراكب أى شئ ركب، وفى كل حال من سفر أو حضر، وهذا العموم زائد على كل خبر ورد فى هذا الباب ولا يجوز تركه وهو قول أبى يوسف وغيره.
ولم يأت فى الراجل نص أن يتطوع ماشيا، والقياس باطل، فلا يجوز ذلك لغير الراكب، وقد روينا عن وكيع عن سفيان الثورى عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعى قال: كانوا يصلون على رحالهم ودوابهم حيثما توجهت بهم وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين رضى الله عنهم عموما فى السفر والحضر
(3)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 452 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 56، 58 مسألة رقم 297، الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 58 الطبعة السابقة.
وقال ابن حزم الظاهرى فى المحلى أيضا، بالنسبة لصلاة الفرض:
(1)
من كان راكبا على محمل، أو على فيل، أو كان فى غرفة، أو فى أعلى شجرة، أو على سقف، أو فى قاع بئر، أو على نهر جامد أو على حشيش أو صوف، أو على جلود، أو خشب، أو غير ذلك، فقدر على الصلاة قائما، فله أن يصلى الفرض حيث هو قائم مع استقبال الكعبة ولا بد.
ثم قال: فان عجز عن القيام واستقبال القبلة فى الاحوال التى ذكرنا ففرض عليه النزول الى الارض والصلاة كما أمر الا من ضرورة تمنعه من النزول فليصل كما يقدر.
وقال فى موضع آخر من المحلى أيضا:
(2)
فان كان قوم فى سفينة لا يمكنهم الخروج الى البر الا بمشقة، فليصلوا فيها كما يقدرون بامام وأذان واقامة ولا بد، فان عجزوا عن اقامة الصفوف والقيام صلوا كما يقدرون.
وقال ابن حزم فى موضع آخر من المحلى:
(3)
واستقبال جهة الكعبة بالوجه والجسد فرض على المصلى حاشا
المتطوع راكبا، فمن كان مغلوبا بمرض، أو بجهد، أو بخوف أو باكراه، فتجزيه صلاته كما يقدر، وينوى فى كل ذلك التوجه الى الكعبة لقول الله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ، رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ»
(4)
الآية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، الحديث.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى كتاب شرح الازهار:
(5)
يسقط فرض التوجه الى الكعبة عن المصلى اذا كان مسايفا - أى مقاتلا بالسيف - مجاهدا أو مربوطا لا يمكنه الانصراف الى الجهة، أو راكب سفينة، أو غيرها على وجه يتعذر عليه الاستقبال، أو كان مريضا ولم يجد من يوجهه اليها.
وفرضه أن يصلى الى حيث أمكنه آخر الوقت والمتنفل الراكب فى غير الهودج يعفى من استقبال القبلة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: صل حيث توجه بك بعيرك الا المكتوبة.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 100، 101 مسألة رقم 304 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 185 مسألة رقم 481 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 227 مسألة رقم 351 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
(5)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 195 الطبعة السابقة.
وقد تضمن هذا أنه لا يعفى مع التمكن من استقبال القبلة من دون مضرة الا بثلاثة شروط.
الاول: أن تكون الصلاة نفلا لا فرضا.
الثانى: أن يكون الركوب فى حال السفر كما صرح الامام يحيى.
أما بالنسبة لمن فى الحضر فوجهان.
المختار أنه لا يجوز الى غير القبلة.
الشرط الثالث: أن يكون ركوبه فى غير المحمل، لانه اذا كان فى المحمل أمكنه استقبال القبلة.
وفى شرح الازهار
(1)
: وان اتصلت المدافعة للعدو أو ما فى حكمه من نار أو سبع أو سيل أو نحوها وخاف المدافع فوت الصلاة بخروج الوقت، فعل منها ما أمكن فعله مع المدافعة ولو لم يستوف أركانها، كالعليل ولو كان ذلك فى الحضر.
ولا تفسد هذه الصلاة بما لا بد للمصلى منه حال الصلاة من قتال أو انفتال - أى انحراف - عن القبلة ونحوهما من العدو والركوب.
فأما اذا كان منه بد وكان مما يعد فعلا كثيرا فى هذه الحال أفسد.
وفى الكافى عن الناصر وزيد بن على لا تفسد.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية فى كتاب شرائع الاسلام
(2)
والمسافر يجب عليه استقبل القبلة، ولا يجوز له أن يصلى شيئا من الفرائض على الراحلة الا عند الضرورة، ويستقبل القبلة، فان لم يتمكن استقبل القبلة بما أمكنه من صلاته، وينحرف الى القبلة كلما انحرفت الدابة، فان لم يتمكن استقبل لتكبيرة الاحرام، ولو لم يتمكن من ذلك أجزأته الصلاة، وان لم يكن مستقبلا، وكذا المضطر الى الصلاة ماشيا مع ضيق الوقت.
وفى كتاب جواهر الكلام
(3)
: ضرورة عدم الفرق عندنا بين المشى والركوب وغيرهما فى جميع ما سبق من الاحكام حال الاختيار والاضطرار والكيفية.
ونقل عن المنتهى أنه اذا اضطر يصلى على حسب حاله ماشيا يستقبل القبلة ما أمكنه.
(1)
كتاب شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 375، 376 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 46 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام للشيخ محمد حسن النجفى ج 7 ص 427 الطبعة السابقة.
وفى موضع آخر من جواهر الكلام
(1)
أيضا سئل أبو عبد الله عن الصلاة فى السفينة، ربما استقبل المصلى القبلة فدارت السفينة؟ قال: تحر القبلة جهدك ونقل صاحب الجواهر عن المبسوط أن من صلى فى السفينة، صلى قائما، مستقبلا القبلة، فاذا دارت دار معها، واستقبل القبلة فان لم يمكنه استقبل بأول تكبيرة، ثم صلى كيفما دارت.
وقيل يصلى الى صدر السفينة اذا كانت الصلاة نافلة.
وفى كتاب الروضة البهية
(2)
ان عجز المريض عن القيام والقعود اضطجع، ويجب الاستقبال حينئذ بوجهه، فان عجز عن الاضطجاع على أحد جنبيه استلقى على ظهره وجعل باطن قدميه الى القبلة ووجهه بحيث لو جلس كان مستقبلا كالمحتضر.
وفى الروضة البهية فى موضع آخر أيضا
(3)
: فى صلاة الخوف: يصلون بحسب المكنة ركبانا ومشاة جماعة وفرادى، ويغتفر اختلاف الجهة هنا، لان الجهات قبلة فى حقهم هنا ويجب الاستقبال
بما أمكن، ولو بالتحريمة - أى تكبيرة الاحرام - فان عجز سقط.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية فى كتاب شرح النيل
(4)
:
وصح تنفل على راحلة ويكون ذلك لا لقبلة بعد احرام اليها بوجهه وجسده، ثم يتحول حيث يسير.
وصح تنفل ماش الى غير القبلة لكن يحرم اليها ثم يقابل حيث مشى، واذا بلغ الركوع أو السجود ركع وسجد الى القبلة ثم ينقل وجهه.
وكذا يصح صلاة الفرض على ظهر الراحلة، ولو كانت ماشية، متجهة الى غير القبلة، اذا كان تلحقه مضرة فى النزول، ويحرم الى القبلة، ثم ينقل وجهه، وان أمكنه أن يقابلها حتى تتم صلاته فعل.
وكذا يصلى الفريضة ماشيا لعذر ويقابل فى الاحرام واذا أراد ركوعا، أو سجودا، وأمكنه الاستقبال، استقبل بهما.
وضابط ذلك أنه متى أمكنه الاستقبال، استقبل، ولو مرارا يستقبل ويستدبر،
(1)
جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام ج 7 ص 432 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية بشرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 73 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 113 الطبعة السابقة.
(4)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 1 ص 355 الطبعة السابقة
ولا ضير بالنفل الى غير جهة القبلة فى السعة.
وقيل لا نفل ولا فرض لغير جهة القبلة الا لضرورة.
وذكر بعضهم أن الصلاة الى غير القبلة بالنفل فى غير ضرورة تختص بالسفر.
وراكب السفينة
(1)
: قيل يصلى كمريض بما أمكنه ولا يضره استدبار بعد احرام للقبلة وكذا تجنبها بعد احرام اليها ان أمكنه الاحرام، والا نوى استقبالها وأحرم كما أمكنه.
وقال فى موضع آخر من كتاب شرح النيل، وسقط
(2)
الاستقبال بشدة خوف وان كان الخوف على مال أو نفس لغيره ان خاف ضمان مال الغير، وذلك بحيث لو استقبلها قتل، أو ضرب، أو أخذ المال، وان لم يمكنه الا الاحرام اليها أحرم، وعاد كلما أمكن، كما يسقط الاستقبال بربط على خشبة ونحوها، وبمرض وغرق وتعذر معهما التوجه وقيل ينوى هؤلاء كلهم القبلة.
التعرف على جهة القبلة وحكم
الصلاة لمن تبين الخطأ فى القبلة:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية فى كتاب البحر الرائق لابن نجيم
(3)
: ومن اشتبهت عليه القبلة تحرى اذا عجز عن التعرف عليها بغير التحرى، لان الصحابة رضى الله تعالى عنهم تحروا وصلوا ولو قدر على تعرف القبلة بالسؤال من أهل ذلك الموضع ممن هو عالم بالقبلة فلا يجوز له التحرى، لان الاستخبار فوقه، اذ الخبر ملزم له ولغيره بينما التحرى ملزم له، دون غيره، فان لم يخبره المستخبر حين سأله فصلى بالتحرى ثم أخبره لا يعيد ولو كان مخطئا، وكذا اذا كان فى المغازة والسماء مصحية وله علم بالاستدلال بالنجوم على القبلة لا يجوز له التحرى، لان ذلك فوقه.
وجاء فى الهداية والفتح
(4)
: واذا صلى من اشتبهت عليه القبلة بلا تحر فعليه الاعادة الا أن علم بعد الفراغ أنه أصاب.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 372 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 355 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 302 الطبعة السابقة.
(4)
شرح فتح القدير للكمال بن الهمام وبهامشه العناية على الهداية ج 1 ص 190 الطبعة السابقة.
وقال ابن عابدين:
(1)
ولو تحرى ولم يتيقن بشئ فصلى الى أى جهة شاء كانت جائزة ولو أخطأ فيه.
وقيل ان لم يقع تحريه على شئ أخر الصلاة.
وقيل يصلى الى الجهات الاربع.
وظاهر كلام القهستانى فى ترجيح الرأى الاول.
واستظهره ابن عابدين، وقال لما لم يقع تحريه على شئ استوت فى حقه الجهات الاربع فيختار واحدة منها ويصلى اليها وتصح صلاته وان ظهر خطؤه فيها لانه أتى بما فى وسعه.
واختار الكمال بن الهمام التأخير، لانه لما كانت القبلة عند عدم الدليل عليها هى جهة التحرى، ولم يقع تحريه على شئ صار فاقدا لشرط صحة الصلاة فيؤخرها كفاقد الطهورين لكن القول بوجوب الصلاة فى الوقت مع التخيير الى أى جهة شاء أحوط.
وفى موضع آخر من ابن عابدين
(2)
: وان علم بخطئه فى استقبال القبلة أثناء صلاته أو تحول رأيه استدار وبنى على ما بقى فى صلاته لما روى أن أهل قباء كانوا متوجهين الى بيت المقدس فى صلاة الفجر فأخبروا بتحويل القبلة فاستداروا وأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وأما اذا تحول رأيه فلأن الاجتهاد المتجدد لا يفسخ حكم ما قبله فى حق ما مضى وقال أيضا اذا عجز المصلى عن الادلة والامارات من النجوم والمحاريب وسؤال أهل البلد تعين أن يتحرى ولا يقلد مثله لان المجتهد لا يقلد مجتهدا وقال فاذا لم يقع تحريه على شئ فهل له أن يقلد؟ قال لم أره.
ويقول المرغينانى فى البداية
(3)
: ومن أم قوما فى ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى الى المشرق، وتحرى من خلفه، فصلى كل واحد منهم الى جهة وكلهم خلفه ولا يعلمون ما صنع الامام أجزأهم.
ويقول الزيلعى
(4)
: اذا شك ولم يتحر فانه يعيد الصلاة لان التحرى
(1)
حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 1 ص 404، 405 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية ابن عابدين ج 1 ص 403 الطبعة السابقة.
(3)
متن بداية المبتدئ فى فقه الامام الاعظم أبى حنيفة لأبى بكر المرغينانى ج 1 ص 14 الطبعة السابقة.
(4)
تبين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان بن على الزيلعى ج 1 ص 102 الطبعة السابقة.
افترض عليه فيفسد بتركه الا اذا علم بعد الفراغ أنه أصاب القبلة، وان علم فى الصلاة يستقبل.
وعند أبى يوسف رحمه الله يبنى وان تحرى ووقع تحريه الى جهة فصلى الى جهة أخرى لا تجزئه أصاب أو لم يصب.
وفى الفتاوى الهندية فى موضع آخر
(1)
: ولو اشتبهت القبلة فى المغازة فوقع اجتهاده الى جهة فأخبره عدلان أن القبلة الى جهة أخرى فان كانا مسافرين لا يلتفت الى قولهما أما اذا كانا من أهل ذلك الموضع لا يجوز له الا أن يأخذ بقولهما.
مذهب المالكية
(2)
:
قال المالكية: المجتهد وهو من يعرف الادلة لا يسوغ له أن يقلد غيره مع اتساع الوقت وظهور الادلة ويستأنف الاجتهاد لكل صلاة ان كان الوقتان يختلف فيهما الادلة بأن كان فى كل وقت بمحل، والا فان ظهرت له الادلة وضاق الوقت عن الاستدلال بها قلد مجتهدا غيره وأن خفيت عليه الادلة سأل غيره من المجتهدين فان بان له صواب اجتهاده تبعه والا انتظر ظهور الادلة
ما لم يخف خروج الوقت فانه يقلده، ولا يقلد محرابا ان كان البلد الذى هو فيه خرابا، أما لو كان عامرا بتكرار الصلاة فيه ويعلم أن امام المسلمين قد نصب محرابه أو أجتمع أهل البلد على نصبه فانه يجب أن يقلده.
ثم قال وغير المتأهل للاجتهاد وهو العاجز عنه بالفعل والقوة، بصيرا، أو أعمى يقلد محرابا، وان لم يكن من محاريب مصر - أى مدينة - أو يقلد مكلفا عارفا بطريق القبلة.
وزاد ابن الحاجب أن يكون مسلما عدلا.
فان لم يجد من يسأله أو يقلده ولا محرابا، فانه يتخير له جهة من الجهات الاربع ويصلى اليها مرة واحدة، قاله ابن عبد الحكم وعزاه سند - الفقيه المالكى - للكافة.
ومثله ان خفيت على المجتهد الادلة.
وقيل يقلد كالعاجز الجاهل وهو أظهر.
وقيل: يصلى أربعا، وهو قول ابن مسلمة، وهذا حسن عند ابن الحكم، واختير عند اللخمى، وهذا اذا شك فى الجهات الاربع.
وأما ان شك فى جهتين صلى صلاتين.
(1)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكيرية لفخر الدين أحمد بن منصور الأوزجندى الفرغانى الحنفى ج 1 ص 64 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 1 ص 258، ص 260، ص 261 الطبعة السابقة.
وان شك فى ثلاث صلى ثلاث صلوات.
ومن نسى مطلوبية استقبال القبلة أو نسى أن يستقبل جهتها يعيد الصلاة المفروضة، وهو المشهور فى المذهب، وأما النفل فلا اعادة.
وأما الجاهل وجوب الاستقبال فيعيد أبدا قولا واحدا.
واذا تبين للمقلد أو المجتهد الخطأ يقينا أو ظنا وهو فى الصلاة، فان كان أعمى، ولو كثر انحرافه، أو بصيرا منحرفا يسيرا، فانهما يستقبلان القبلة، ويبنيان على صلاتهما.
أما البصير المنحرف كثيرا فانه يقطع على المشهور، ويبتدئ باقامة.
واذا تبين الخطأ بعد الفراغ من الصلاة، فان كان بصيرا منحرفا كثيرا، فانه يعيد استحبابا ما دام الوقت.
أما الاعمى والبصير المنحرف يسيرا فلا يعيدان الصلاة المتبين لهما بعدها خطؤهما.
ثم قال وان تبين الخطأ بعدها أعاد فى الوقت من يؤمر بالقطع حيث تبين له الخطأ فيه، وهو البصير المنحرف، كثيرا.
ولو شك بعد احرامه ولم يتبين له جهة تمادى فى صلاته لانه دخل باجتهاد لم يتبين خطؤه.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية فى كتاب المهذب
(1)
: ان لم يكن المصلى بحضرة البيت فان عرف القبلة صلى اليها وان أخبره من يقبل خبره عن علم قبل قوله ولا يجتهد.
وان رأى محاريب المسلمين فى موضع صلى اليها، ولا يجتهد، لان ذلك بمنزلة الخبر، وان لم يكن شئ من ذلك، فان كان ممن يعرف بالدلائل غائبا عن مكة، اجتهد فى طلب القبلة، لان له طريقا الى معرفتها بالشمس والقمر، وان خفيت عليه الدلائل فقيل هو كالاعمى، فى أنه يصلى ويعيد.
وقال فى موضع آخر فى كتاب المهذب:
ولا يسع بصيرا أن يقلد غيره، قال أبو اسحاق: لا يقلد، لانه يمكنه الاجتهاد.
وقال أبو العباس: ان ضاق الوقت قلد، وان اتسع لم يقلد.
وقال المزنى وغيره المسألة على قولين وهو الاصح.
(1)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 67، ص 68 الطبعة السابقة.
أحدهما يقلد وهو اختيار المزنى لأنه خفيت عليه الدلائل فهو كالاعمى.
والثانى لا يقلد لانه يمكنه التوصل بالاجتهاد.
وان صلى الى جهة ثم بان له أن القبلة فى يمينها أو شمالها لم يعد لان الخطأ فى اليمين والشمال لا يعلم قطعا ولا ينقض به الاجتهاد.
مذهب الحنابلة
(1)
:
قال الحنابلة فى كتاب المغنى لابن قدامة المقدسى الحنبلى: ومن اشتبهت عليه القبلة فان كان فى قرية ففرضه التوجه الى محاريبهم، فان لم تكن لهم محاريب لزمه السؤال عن القبلة ان كان جاهلا بأدلتها، فان وجد من يخبره عن يقين ففرضه الرجوع الى خبره ولا يجتهد، وان كان يخبر عن ظن، ففرضه تقليده ان كان المخبر من أهل الاجتهاد فيها وضاق الوقت، والا لزمه التعلم والعمل باجتهاده.
وان اشتبهت عليه القبلة فى السفر وكان عالما بأدلتها ففرضه الاجتهاد فى معرفتها، وان تعذر عليه الاجتهاد
صلى على حسب حاله.
لغيم ونحوه، أو تعادلت عنده الامارات وفى موضع آخر
(2)
: والجاهل بأدلة القبلة والأعمى والبصير المحبوس اذا لم يجد كل منهم من يقلده صلى بالتجرى الى ما يغلب على ظنه أنه جهة القبلة ولم يعد أخطأ أو أصاب.
وقال ابن قدامة المقدسى، الحنبلى
(3)
:
ومن لا يمكنه الصلاة باجتهاد نفسه كالاعمى والجاهل قلد الاعمى الاوثق فى نفسه، لان الصواب اليه أقرب، وكذلك الحكم فى البصير الذى لا يعلم الادلة، ولا يقدر على تعلمها قبل خروج الوقت، فان قلد المفضول فظاهر قول الخرقى: أنه لا تصح صلاته، والاولى صحتها.
وفى كشاف القناع
(4)
: ومن علم بخطأ القبلة بعد فراغه، مجتهدا كان أو مقلدا، لم يعد، لانه أتى بالواجب عليه دون تفريط، ومن ظهر له خطؤه أثناء الصلاة انحرف الى الجهة التى
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 478 الطبعة السابقة، وكشاف القناع مع شرح منتهى الارادات ج 6 ص 206 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 209 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 478 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
كشاف القناع مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 209 وما بعدها الطبعة السابقة.
تغير اجتهاده اليها، لانها ترجحت فى ظنه فتعينت عليه وأتم صلاته.
واذا صلى البصير فى الحضر فأخطأ أو صلى الاعمى بلا دليل بأن لم يستخبر ولم يلمس المحراب أعادا، ولو أصابا أو اجتهد البصير لان الحضر ليس بمحل اجتهاد لقدرة من فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها، ولوجود من يخبره عن يقين غالبا، وانما وجبت الاعادة عليهما لتفريطهما بعدم الاستخبار أو الاستدلال بالمحاريب مع القدرة عليه، ولو دخل فى الصلاة باجتهاد فى استقبال القبلة، وأحرم ثم شك.
لم يلتفت الى ذلك الشك ويبنى على صلاته، وكذك ان زاد ظن الخطأ، ولم يبن له جهة أخرى، أما لو غلب على ظنه جهة أخرى، ولم يظن جهة غيرها. بطلت صلاته، ولو أخبر من ثقة بالخطأ فى القبلة لزمه العمل بقوله.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(1)
فى كتاب المحلى: من صلى الى غير القبلة ممن يقدر على معرفة جهتها عامدا أو ناسيا بطلت صلاته، ويعيد ما كان فى الوقت ان كان عامدا، ويعيد أبدا ان كان ناسيا.
وقال أبو سليمان تجزئهم على كل حال ويبنون اذا عرفوا وهم فى الصلاة.
ويقول ابن حزم الظاهرى فى موضع آخر من المحلى. ويلزم الجاهل أن يصدق فى جهة القبلة من أخبره من أهل المعرفة والصدق.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى كتاب شرح الازهار
(2)
من لم يتمكن من مشاهدة الكعبة، بأن كان بعيدا عن مكة، ولا يتمكن من معاينتها الا بعد خروج الوقت فعليه التحرى لجهة الكعبة لا لعينها على خلاف فى التحرى للجهة أو للعين.
والتحرى يكون بالنظر فى الامارات كالنجوم المفيدة للظن.
أما غير المعاين اذا لم يمكنه التحرى، ففرنسه تقليد الحى اذا وجده، وكان ممن يمكنه التحرى، ولا يرجع الى المحاريب المنصوبة، ذكره أبو طالب.
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 228 مسألة رقم 353، ص 230 الطبعة السابقة ومسألة رقم 352 من المرجع نفسه.
(2)
كتاب شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار لابى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 191 وما بعدها الطبعة السابقة.
وقال أحمد بن الحسين الرجوع الى المحاريب أولى، لانها وضعت باراء واجتماع.
قال فى الزوائد عن بعض الناصرية هذا اذا كان المخبر واحدا.
أما لو كان أكثر فانه يرجع اليه.
ثم ان لم يمكنه التحرى ولا وجد حيا يمكنه التحرى لتقليده ففرضه الرجوع الى المحراب.
وانما يصح الرجوع الى المحراب بشرطين.
أحدهما: أن لا يجد حيا يقلده.
والثانى: أن يعلم، أو يظن أنه نصبه ذو معرفة ودين.
ثم ان لم يجد شيئا من ذلك بل التبس عليه الحال من كل وجه، فان فرضه أن يصلى الى حيث يشاء، من الجهات آخر الوقت.
ومن صلى فى موضع بالتحرى
(1)
. ثم صلى فيه ثانيا بعد مدة لم يعد
التحرى، الا أن يظن خلاف تحريه الاول، قيل: أو شك.
ويقول صاحب كتاب شرح الازهار:
لا يعيد المتحرى المخطئ الا فى الوقت، ان تيقن الخطأ، ومن صلى بغير تحر، فانه يعيد فى الوقت، وبعده.
الا أن يعلم الاصابة، فانها تجزئه عند أبى العباس ولا تجزئه عند أحمد ابن الحسين والمصيب لا يعيد ولو صلى الى غير متحراه ان تيقن الاصابة عند أبى العباس، لا عند أحمد، بشرط أن يكون غير مستخف، ولا مستحل.
ومن انكشف له الخطأ بعد خروج الوقت، فانه لا يقضى، ولو تيقن الخطأ.
ومن خالف جهة امامه، كأن كان أعمى، وكان فى ظلمة، وكانت المخالفة عن جهل، فانه يعيد فى الوقت، لا بعده، ان تيقن الخطأ، وقيل: انه يعيد فى الوقت وبعده، وربما صححه بعض علماء المذهب.
ومن تحرى وظن الاصابة فى تحريه، ودخل فى الصلاة بالتكبيرة، ثم شك بعدها وقبل الفراغ فيكفيه أن يتحرى ثانيا، ان لم يكن قد غلب فى ظنه الخطأ، أما اذا تحرى بعد الشك فغلب فى ظنه أن الاول خطأ وجب عليه أن يتم صلاته، وينحرف الى حيث الاصابة، فاذا لم يكن
(1)
حاشية كتاب شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 196 الطبعة السابقة.
قد تحرى قبل التكبيرة لزمه الاستئناف للصلاة من أولها، الا أن يعلم الاصابة على قول من يعتبر الحقيقة.
واذا خرج الوقت وهو فى الصلاة، وعلم الخطأ.
فيحتمل أن ينحرف، وتصح صلاته.
والاحتمال الثانى: وجوب الاعادة، ولعله أنسب للقواعد لخبر السرية، وهو ما رواه جابر رضى الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية كنا فيها، فأصابتنا ظلمة، ولم نعرف القبلة، فقالت طائفة: هى ها هنا، أى قبل الشمال وخطوا خطا، وقالت طائفة أخرى:
هى ها هنا أى قبل الجنوب، وخطوا خطأ، فلما طلعت الشمس أضحت الخطوط الى غير القبلة، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنظر فى الامر، فنزل قول الله تعالى «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» الآية، هكذا رواه ائمتنا. وذلك بعد الفراغ من الصلاة.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية فى كتاب الروضة البهية
(1)
: ان علم البعيد بالجهة
بمحراب معصوم، أو اعتبار رصدى والا عول على العلامات المنصوبة لمعرفتها نصا، أو استنباطا، ويجوز أن يعول على قبلة البلد من غير أن يجتهد، الا مع علم الخطأ، فيجب حينئذ الاجتهاد وكذا يجوز الاجتهاد فيها، تيامنا وتياسرا. وان لم يعلم الخطأ.
والمراد بقبلة البلد: محراب مسجده، وتوجه قبوره، ونحوه، والمراد به بلد المسلمين.
ولو فقد الامارات الدالة على الجهة المذكورة هنا وغيرها، قلد العدل العارف بها، رجلا كان، أو امرأة، حرا أو عبدا.
ولا فرق بين فقدها المانع من رؤيتها.
كغيم، ورؤيته كعمى، وجهل لعامى، مع ضيق الوقت عن التعلم، على أجود الأقوال، وهو الذى يقتضيه اطلاق العبارة.
ولصاحب اللمعة وغيره فى ذلك اختلاف.
ويجب الاستقبال فى الصلاة مع العلم بجهة القبلة، لقول الله عز وجل «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» أى شطر المسجد الحرام، والشطر بمعنى الجهة والجانب والناحية، والمراد نحو الكعبة، كما يظهر من الأخبار، والعلم يتحقق هنا بالشياع، والخبر
(1)
كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 57 وما بعدها وص 59 الطبعة السابقة.
المحفوف بالقرائن، ومحراب المعصوم عليه السلام، واستعمال العلامات المفيدة لذلك، كالجدى ونحوه على بعض الوجوه.
أما وجوب التعويل لفاقد العلم على الامارات المفيدة للظن فللاتفاق وصحيحة زرارة وغيرها.
وقد ذكر من الامارات المفيدة للظن:
الرياح الاربعة، ومنازل القمر، وحصول الظن كاف فى مبحث القبلة.
واذا كانت المسألة ظنية وجب التعويل فيها على أقوى الظنين، ويؤيده عموم قوله عليه السلام «يجزى فى التحرى أبدا اذا لم يعلم أين وجه القبلة» والاستخبار ممن يفيد قوله الظن نوع من التحرى.
والاقوى عند المحقق وبعض الاصحاب:
أن خبر الكافر اذا أفاد الظن عمل به أيضا: اذا لم يكن للمصلى طريق الى الاجتهاد وبالامارات الاخر، بل مع وجود الطريق لو كان خبره أقوى ظنا.
وجاء فى كتاب شرائع الاسلام
(1)
:
ومن ليس متمكنا من الاجتهاد كالاعمى، يعول على غيره، ومن فقد العلم
والظن، فان كان الوقت واسعا صلى الصلاة الواحدة الى أربع جهات، لكل جهة مرة، وان ضاق عن ذلك، صلى من الجهات ما يحتمله الوقت، وان ضاق، الا عن صلاة واحدة صلاها الى أى جهة شاء، والاعمى يرجع الى غيره لقصوره عن الاجتهاد، فان عول على رأيه مع وجود المبصر لامارة وجدها صح، والا فعليه الاعادة.
واذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخرى، فان تجدد عنده شك، استأنف الاجتهاد، والا بنى على الاول.
وجاء فى موضع آخر من كتاب جواهر الكلام
(2)
: روى عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام يجزئ المتحير أبدا أينما يتوجه اذا لم يعلم أين وجه القبلة، وما فى الصحيح المروى فى القنية عن معاوية بن عمار عن الرجل يقوم فى الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا فقال: قد مضت صلاته فما بين المشرق والمغرب قبلة، ونزلت هذه الآية فى المتحير، قال الله عز وجل «وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ»
(3)
وان ضاق الوقت مثلا عن ذلك أى الصلاة
(1)
كتاب شرائع الاسلام فى الفقه الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 46، ص 47 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام للشيخ محمد حسن النجفى ج 7 ص 397، ص 409، ص 411، ص 412، ص 418 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 115 من سورة البقرة.
الى الاربع، صلى من الجهات ما يحتمله الوقت، وان ضاق، الا عن صلاة واحدة صلاها الى أى جهة شاء، واكتفى بها بلا خلاف صريح أجده فى شئ من ذلك، مع عدم تقصيره فى التأخير للاصل، وعدم سقوط الميسور بالمعسور.
وجاء فى موضع آخر من كتاب شرائع الاسلام
(1)
: أما ان تبين الخلل، وهو فى الصلاة، فانه يستأنف على كل حال، الا أن يكون منحرفا يسيرا، فانه يستقيم، ولا اعادة.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية فى كتاب الايضاح
(2)
وحاشيته: ان من تحير فى القبلة هل يخالف ما قاله بعضهم من أن الانسان القادر على معرفة القبلة يقينا لا يجوز له الاجتهاد، والقادر على الاجتهاد لا يجوز له التقليد، لكن يجتهد، ويتحرى القبلة، ويصلى، فان تبين له أنه أخطأ القبلة بعد خروج الوقت، لم تلزمه الاعادة، وان كان الوقت لم يخرج أعاد الصلاة استحبابا.
وقيل: أن استدبر القبلة لخطأ أعاد، ولو بعد الوقت، وان شرق أو غرب، لم يعد بعد الوقت.
وقيل: ان استدبر القبلة من تحير عن القبلة، فليصل الصلاة أربع مرات، الى أربع جهات مختلفات.
وجاء فى كتاب شرح النيل
(3)
والايضاح: وان تحيرت جماعة فلا يقتد كل بآخر، وان اجتمع اجتهادهم صلوا معا أى جماعة وان صلوا فرادى فجائز، وان اجتمع اجتهاد بعضهم، صلوا معا، أو فرادى، لا مع من خالف اجتهاده، ثم قال: ولا يصلى كل مع مخالفه فى اجتهاد.
وجاء فى كتاب الايضاح
(4)
وشرحه:
وان تحير فى القبلة ومعه من لم يتحير فيها فانه يقتدى به، أمينا كان، أو غير أمين، وان خالف الامين، وصلى على اجتهاده فوافق القبلة، فانه يعيد صلاته عند بعضهم، لان الامين حجة، والدليل على ذلك ما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال: بينما الناس فى قباء فى صلاة
(1)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 47 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب الايضاح للشيخ عامر بن على الشماخى وبهامشه حاشية الامام الشيخ عبد الله بن سعيد السدويكشى ج 1 ص 364 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 1 ص 354 الطبعة السابقة، والايضاح بحاشية السدويكشى ج 1 ص 366 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 364 الطبعة السابقة.
الصبح اذ أتاهم آت فقال لهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نزل عليه قرآن، فأمر أن يستقبل الكعبة. وكانت وجوههم الى الشام، فاستداروا الى الكعبة وهم فى الصلاة.
وقال آخرون لا اعادة حين وافق القبلة.
وأما ان لم يوافق فعليه الاعادة على كل حال، وكذلك ان لم يكن معه غيره فتحير فى القبلة وصلى وخالف اجتهاده على حال اختلافهم فى مسألة الامين.
وقال فى موضع آخر من كتاب الايضاح
(1)
وحاشيته: ويقلد الاعمى البصير والجاهل العارف، ثم قال:
وأما الاعمى ففرضه التقليد، وأنه يقلد شخصا عالما بأدلة القبلة، مسلما مكلفا، وان عدم من يقلده، فليجتهد ويصلى الصلاة أربع مرات، الى أربع جهات.
وجاء فى موضع آخر من كتاب النيل وشرحه
(2)
: معرفة أدلة القبلة فرض كفاية على الصحيح، وقيل فرض
عين، ثم قال ولا يكفيه - أى الشخص - أن يقلد غيره، بلا ادراك لدليل الكعبة، وقيل الا المحاريب فيقلدها.
ثم قال أيضا: والظاهر أنه ان صدق مشرك أخذ بقوله فى القبلة، وأما آلته فتختبر، فان وجد صحتها عمل بها، وقيل لا يقلد غير الامين فى القبلة ولا فى الوقت.
ثم قال أيضا: وان خالف الامين باجتهاده وصلى أعاد ولو وافق القبلة، وان خالف غير الامين لم يعد ان لم يتبين خطؤه.
وقيل يعيد بناء على أن غير الامين هنا حجة، وان حكمه حكم الامين، وان وافق اجتهاده أمينا وخالف آخر صلى مع موافقه، وان وافق أمينا وخالف أمينين، فليتبع الامينين.
وقيل يصلى كأعمى أى مثل صلاة الاعمى، وهو ممن كان فى ظلمة سجن، أو غيره ولم يدر، والمتحير حيث لا مرشد له يصلى الصلاة الواحدة أربعا أربع مرات لاربع نواح كل ناحية بصلاة.
وجاء فى موضع آخر من كتاب النيل وشرحه
(3)
: ومن صلى لغير القبلة
(1)
كتاب الايضاح للشيخ عامر بن على الشماخى وبهامشه حاشية الامام الشيخ عبد الله ابن سعيد السدويكشى ج 1 ص 363، ص 364 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 354 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 353، ص 354 الطبعة السابقة.
خطأ فانه يعيد الصلاة أبدا.
وقيل يعيد ان تبين فى الوقت وقيل لا يعيد أصلا.
الصلاة فى جوف الكعبة أو
على سطحها واستقبال القبلة:
مذهب الحنفية:
(1)
قال الحنفية: كل جانب من جوانب الكعبة قبلة بيقين، فمن صلى فى جوف الكعبة ركعة الى جهة، وركعة الى جهة أخرى، لا تجوز صلاته، لانه صار مستدبرا عن الجهة التى صارت قبلة فى حقه بيقين من غير ضرورة، والانحراف من غير ضرورة مفسد للصلاة، وان صلى جماعة مصطفين خلف الامام داخل الكعبة الى جهة الامام، فلا شك أن صلاتهم جائزة.
وفى كتاب المبسوط
(2)
يقول السرخسى: يجوز أداء الصلاة فى جوف الكعبة، النافلة والمكتوبة فيه سواء، لان الواجب عليه استقبال جزء من الكعبة وقد استقبلها بيقين.
مذهب المالكية:
قال المالكية فى كتاب الخرشى
(3)
:
ويجوز لمن صلى فى الكعبة أن يصلى لاى جهة، ولو لجهة بابها مفتوحا.
أما حكم الصلاة المفروضة فى الكعبة فلا يجوز ايقاعها فيها ولا فى الحجر، وتعاد فى الوقت، سواء كان عامدا، أو ناسيا، أو مكرها على الاقامة هناك.
ثم قال ومن صلى الفرض على ظهر الكعبة، فان صلاته تبطل، ويعيد أبدا على المشهور، ولو كان بين يديه قطعة من سطحها، لان المأمور به جملة البناء، لا بعضه، ولا الهواء، ويفهم من تخصيص الفرض بالبطلان صحة ما عداه، لكن نص القاضى تقى الدين الفاسى فى تاريخه شفاء الغرام، على عدم صحة السنن والنافلة المتأكدة كركعتى الفجر، وركعتى الطواف الواجب على سطح الكعبة قائلا على المشهور.
وأما الصلاة تحت الكعبة كما لو حفر حفرة تحتها فانها تبطل، ولو نفلا، كما هو مقتضى كلام سند.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 121 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 2 ص 79 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 1 ص 261، ص 262 الطبعة السابقة.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية فى كتاب المهذب
(1)
:
ومن صلى على سطح البيت العتيق فان كان بين يديه سترة متصلة به جازت صلاته لانه متوجه الى جزء منه، وان لم يكن بين يديه سترة متصلة، لم تجز لما روى عمر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة، وذكر منها فوق بيت الله العتيق، ومن صلى فى عرصة البيت وليس بين يديه سترة متصلة ففيه وجهان:
قال أبو اسحاق: لا يجوز، وهو المنصوص.
وقال أبو العباس: يجوز، لانه صلى الى ما بين يديه من أرض البيت فأشبه اذا ما خرج من البيت وصلّى الى أرضه.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة فى كتاب كشاف القناع
(2)
: لا تصح الفريضة فى الكعبة المشرفة ولا على ظهرها لقول الله عز وجل «قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها}
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ»
(3)
الاية، والشطر الجهة، ومن صلى فيها أو على سطحها فهو غير مستقبل لجهتها، ولانه يكون مستدبرا من الكعبة ما لو استقبله منها وهو خارجها صحت صلاته، ولان النهى عن الصلاة على ظهرها قد ورد صريحا فى حديث عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما، وفيه ننبيه على النهى عن الصلاة فيها، لانهما سواء فى المعنى، والجدار لا أثر له، اذ المقصود البقعة.
بدليل أنه يصلى للبقعة حيث لا جدار الا اذا وقف على منتهى الكعبة بحيث لم يبق وراءه شئ منها، أو صلى خارج الكعبة، وسجد فيها فيصح فرضه، لانه مستقبل لطائفة من الكعبة غير مستدبر لشئ منها، فصحت صلاته، كما لو صلى لاحد أركانها.
وتصح النافلة فيها وعليها.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(4)
فى كتاب المحلى: الصلاة جائزة فى جوف الكعبة أينما شئت منها، الفريضة والنافلة سواء، لما روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله
(1)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 67 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 201 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 144 من سورة البقرة.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 80.
ص 81 مسألة رقم 435 الطبعة السابقة.
صلّى الله عليه وسلّم الكعبة، وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبى رضى الله عنهم فأغلقها عليه ومكث فيها، فسألت بلال حين خرج، ما صنع النبى صلى الله عليه وسلم، قال: جعل عمودا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة من ورائه، ثم صلى.
قال على: ما قال أحد قط أن صلاته المذكورة كانت الى غير القبلة، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الارض كلها مسجد وباطن الكعبة أطيب الارض، وأفضلها، فهى أفضل المساجد وأولاها بصلاة الفرض والنافلة.
وفى موضع آخر يقول ابن حزم الظاهرى فى المحلى
(1)
أيضا: الصلاة على ظهر الكعبة جائزة اذ كل مكان أعلى من الكعبة فانما علينا مقابلة جهة الكعبة فقط.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى كتاب شرح الازهار
(2)
تصح الصلاة فى جوف الكعبة وعليها اذا تقدمه جزء منها عند سجوده ولو قل.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية الجعفرية فى كتاب جواهر
(3)
الكلام: من صلى فى جوف الكعبة مختارا أو مضطرا فريضة
أو نافلة جاز، واستقبل أى جدار منها شاء لكن على كراهية فى الفريضة، واستدل على صحة صلاة النافلة بما روى عن أبى عبد الله عليه السلام «لا تصل المكتوبة فى جوف الكعبة فان النبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل الكعبة فى حج ولا عمرة ولكنه دخلها فى فتح مكة وصلى ركعتين بين العمودين ومعه أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنه» .
وجاء فى موضع آخر من المرجع نفسه:
وتصح الفريضة فى الكعبة عند الاضطرار لو قلنا بعدم جوازها اختيارا فيها مع أن الاقوى الجواز وفاقا للاكثر،
وجاء فى موضع آخر من كتاب جواهر الكلام
(4)
: لا أشكال فى جواز الصلاة على سطحها، فلو صلى حينئذ على سطحها جاز، لكن أبرز بين يديه شيئا منها أى ما يصلى اليه ليستقبله فى جميع أحوال الصلاة المشترط فى كل جزء
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 80، ص 81 مسألة رقم 435 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 190 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب جواهر الكلام شرح شرائع الاسلام محمد حسن النجفى ج 7 ص 349، ص 350 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 7 ص 353 الطبعة السابقة.
منها الاستقبال، فلو سجد على نقطة الانتهاء بطلت لعدم الاستقبال حينئذ
مذهب الإباضية:
قال الإباضية فى كتاب النيل
(1)
وشرحه: لا تجوز الصلاة على ظهر الكعبة اذ لا قبة فى ظهرها.
أما الصلاة فى داخلها فقولان.
ومن صلى فى الكعبة استقبل جهة الباب بنفسه ولو مفتوحا غير منطو عليه ما يسده ولا يصلى فى سرب تحت الكعبة.
استقبال القبلة فى
بعض مناسك الحج:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية فى كتاب الهداية والفتح بعد ذكر طواف القدوم
(2)
: ثم يخرج الى الصفا فيصعد عليه ويستقبل البيت ويكبر ويهلل ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ويدعو الله لحاجته، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد الصفا، حتى اذا نظر الى البيت قام مستقبل القبلة يدعو الله، وانما يصعد بقدر ما يصير
البيت بمرأى منه، لان الاستقبال هو المقصود بالصعود.
وجاء فى الدر المختار
(3)
: من سنن السعى بين الصفا والمروة أن يصعد عند البدء على الصفا ويستقبل القبلة.
وفى الهداية والفتح
(4)
أيضا: ينبغى للامام أو نائبه أن يقف بعرفة، مستقبل القبلة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف كذلك.
وفى التنوير
(5)
: ويقف الناس خلف الامام بقربه مستقبلين القبلة.
مذهب المالكية:
قال المالكية فى كتاب الشرح الصغير للدردير
(6)
: وندب للحاج الوقوف بالمشعر الحرام مستقبلا القبلة.
وفى موضع آخر
(7)
من المرجع نفسه يندب المكث بعد رمى الجمرتين
(1)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 345 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب شرح فتح القدير للكمال بن الهمام وبهامشه شرح العناية على الهداية للامام البابرتى ج 2 ص 155 الطبعة السابقة.
(3)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للشيخ محمد أمين الشهير بأبن عابدين ج 2 ص 234 الطبعة السابقة.
(4)
كتاب فتح القدير للكمال بن الهمام وبهامشه شرح العناية على الهداية للبابرتى ج 2 ص 166 الطبعة السابقة.
(5)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار الشهير بابن عابدين ج 2 ص 240 الطبعة السابقة.
(6)
بلغة السالك لاقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 206 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 264 الطبعة السابقة.
الاوليين للدعاء: مستقبلا البيت قدر قراءة سورة البقرة.
وفى موضع آخر من الشرح الصغير
(1)
للدردير قبل ذلك: ويسن فى جبل الرحمة الوقوف أو الركوب بطهارة مع استقبال البيت.
ويقول الحطاب
(2)
: قال ابن شعبان ويقفون بعرفة مستقبلى القبلة عن يمين الامام وشماله وأمامه وخلفه.
وفى موضع آخر من الحطاب
(3)
: قال ابن شعبان يبدأ الحالق بالشق الايمن ويستقبل القبلة وروى ابن جماعة عن وكيع أن أبا حنيفة رحمه الله قال أخطأت فى ستة أبواب من المناسك فعلمنيها حجام، وذلك أنى فى حين أردت أن أحلق رأسى جلست منحرفا عن القبلة، فقال لى: حول وجهك الى القبلة، فحولت وقلت من أين لك ما أمرتنى؟ فقال: رأيت عطاء بن أبى رباح يفعل ذلك.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية فى كتاب نهاية المحتاج
(4)
: الافضل أن يكون الواقف بعرفة مستقبل القبلة.
وفى موضع آخر
(5)
من المرجع نفسه أيضا: السنة فى رمى جمرة العقبة أن يستقبلها ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه أما فى أيام التشريق فيستقبل الكعبة كما فى بقية الجمرات.
وفى موضع آخر أيضا فى كتاب نهاية المحتاج
(6)
: اذا دفعوا الى منى وبلغوا المشعر الحرام وقفوا عليه ندبا وذكروا الله تعالى ودعوا الى الاسفار مستقبلين القبلة للاتباع ولانها أشرف الجهات.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة فى كتاب المغنى
(7)
لابن قدامة المقدسى: اذا فرغ الحاج من طوافه وصلى ركعتين واستلم الحجر فيستحب أن يخرج الى الصفا فيرقى
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 259 الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل وبهامشه التاج والاكليل ج 3 ص 93 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 128 الطبعة السابقة.
(4)
كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 3 ص 288 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 3 ص 294 الطبعة السابقة.
(6)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 3 ص 293 الطبعة السابقة.
(7)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 403 الى ص 419، ص 420 الطبعة السابقة.
عليه حتى يرى الكعبة، ثم يستقبلها فيكبر الله عز وجل ويهلل ويدعو، لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستحب للحاج أن يستقبل القبلة فى الموقف، ففى حديث جابر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تضرب له قبة بنمرة فنزل بها حتى اذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادى فخطب الناس، ثم صلى الظهر، ثم العصر، ثم ركب حتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء الى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه، فاستقبل القبلة، ويستحب كذلك استقبال القبلة عند المشعر الحرام، فقد ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبر وهلل ووحده.
وفى موضع آخر
(1)
: من المرجع نفسه: والمستحب أن يستقبل القبلة عند الصخرات وجبل الرحمة.
وفى موضع آخر أيضا من كتاب المغنى
(2)
: واستقبال القبلة مستحب عند رمى جميع الجمرات.
وفى موضع آخر
(3)
أيضا من المرجع نفسه: ويستحب توجيه الهدى عند الذبح الى القبلة.
وفى كشاف القناع
(4)
: ويستقبل القبلة فى الحلق، لانه نسك أشبه سائر المناسك.
وجاء فى منتهى الارادات
(5)
: بالنسبة لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويستحب للحاج زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضى الله تعالى عنهما مستقبلا القبلة جاعلا الحجر عن يساره ويدعو.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى:
(6)
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فى حجه بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ولما أتى عرفة أتى بطن الوادى فخطب الناس، ثم أتى الموقف واستقبل القبلة، ولما أتى المشعر الحرام استقبل القبلة فدعا الله تعالى، وكبره كما روى عن بسالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضى
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 428 الطبعة السابقة.
(2)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 447 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 453 الطبعة السابقة.
(4)
كشاف القناع مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 619 الطبعة السابقة.
(5)
هامش منتهى الارادات مع كشاف القناع ج 1 ص 702، ص 703 الطبعة السابقة.
(6)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 120 ص 121 الطبعة السابقة.
الله تعالى عنهما أنه كان يرمى الجمرة مستقبل القبلة ويقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى كتاب شرح الازهار
(1)
وكتاب البحر الزخار: أنه يندب للرجل اذا صعد الصفا واستوى عليه أن يستقبل القبلة بوجهه ويدعو كما ندب عند الصخرات استقبال القبلة لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال فى موضع آخر من كتاب البحر
(2)
الزخار: اذا صلى الصبح بمزدلفة صار حتى يأتى المشعر الحرام فيستقبل القبلة ندبا لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية الجعفرية فى كتاب المختصر
(3)
النافع: يستقبل فى الرمى جمرة العقبة ويستدبر القبلة وفى غيرها يستقبل الجمرة والقبلة.
وفى الروضة البهية
(4)
: ويستحب بعد رمى الجمرة الاولى الدعاء والوقوف مستقبل القبلة.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية فى كتاب النيل وشرحه
(5)
:
وندب الصعود على الصفا بقدر ما يستقبل البيت وكذا يصعد على المروة بقدر ما يستقبل البيت.
وجاء فى كتاب قناطر الخيرات
(6)
: وكيفية رمى جمرة العقبة أن يقف مستقبلا للقبلة وان استقبل الجمرة فلا بأس.
وقال فى موضع آخر من كتاب قناطر الخيرات
(7)
أيضا: وفى عرفة الافضل أن يقف عند الصخرات بقرب الامام مستقبلا للقبلة.
وفى موضع آخر من المرجع نفسه أيضا قبل ذلك
(8)
: والسنة فى الحلق أن يستقبل القبلة.
(1)
كتاب شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 133 الطبعة السابقة، وكتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 2 ص 232 الطبعة السابقة.
(2)
المختصر النافع فى فقه الإمامية لأبى القاسم الأمصار ج 2 ص 337 الطبعة السابقة.
(3)
المختصر النافع فى فقه الإمامية لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى ج 1 ص 113 الطبعة الثانية طبع مطبعة وزارة الأوقاف سنة 1378 هـ.
(4)
كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 211 الطبعة السابقة.
(5)
كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 355 الطبعة السابقة.
(6)
كتاب قناطر الخيرات للامام الشيخ اسماعيل بن موسى الجيطالى النفوسى ج 2 ص 94 طبع المطبعة البارونية للشيخ محمد البارونى وشركاه سنة 307 هـ.
(7)
قناطر الخيرات للجيطالى النفوسى ج 2 ص 91 الطبعة السابقة.
(8)
المرجع السابق ج 2 ص 95 الطبعة السابقة.
وجاء فى كتاب قناطر الخيرات
(1)
بعد ذلك: فى زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقف عند رأسه مستقبلا القبلة ويحمد الله ثم ان كانت له حاجة فليجعل النبى صلى الله عليه وسلم خلف كتفه وليستقبل القبلة وليسأل حاجته.
استلام
المعنى اللغوى:
الاستلام مصدر استلم وفى ترتيب القاموس المحيط. استلم الحجر لمسه اما بالقبلة أو باليد كاستلام
(2)
.
المعنى الاصطلاحى
لا يخرج عند الفقهاء عن هذا المعنى اللغوى.
وقد جاء ذكر الاستلام عندهم فى موضعين، استلام الحجر الاسود واستلام الركن اليمانى، ويكونان عند الكعبة، وفى أول الطواف وأثنائه.
مشروعيته، وكيفيته
جاء فى الصحيحين أن عمر رضى الله عنه جاء الى الحجر فقبله. وقال: انى لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك، وفى رواية أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وقال مثله أبو بكر رضى الله عنه.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية فى كتاب فتح القدير: استلم الحجر تناوله باليد أو بالقبلة أو يمسحه بالكف من السلمة بفتح السين وكسر اللام، وهى الحجر.
والاستلام أن يضع يده على الحجر ويقبله.
وهل يستحب السجود على الحجر عقيب التقبيل؟ فعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه كان يقبله ويسجد عليه بجبهته وقال رأيت عمر رضى الله عنه قبله ثم سجد عليه ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ففعلته.
وقال الشيخ قوام الدين الكاكى: وعندنا الاولى ألا يسجد لعدم الرواية فى المشاهير، ونقل السجود عن أصحابنا الشيخ عز الدين فى مناسكه، وان أمكنه أن يمس الحجر بشئ فى يده أو يمسه بيده ويقبل ما مس به فعل راكبا كان أو ماشيا
(1)
المرجع نفسه ج 2 ص 100 الطبعة السابقة.
(2)
ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير للزاوى الطرابلسى ج 2 ص 557 الطبعة الأولى سنة 1959 طبع مطبعة الرسالة مادة «سلم» ، ولسان العرب للامام العلامة ابن منظور ج 51 ص 297 طبع مطابع دار بيروت «مادة سلم» سنة 1375 هـ.
وقد أخرج الستة الا الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم: طاف فى حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه، وعن عمر رضى الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال له: انك رجل قوى، لا تزاحم على الحجر فتؤذى الضعيف، لو وجدت خلوة فاستلمه، والا فاستقبله وهلل وكبر، وقد جاء فى الصحيحين واللفظ لمسلم عن نافع قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم يقبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. وذكر فى فتاوى قاضيخان، مسح الوجه باليد مكان التقبيل.
وجاء فى موضع آخر، وان لم يستطع شيئا من ذلك استقبله وكبر وهلل وحمد الله وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم. ويستلم الحجر كلما مر به ان استطاع، لان أشواط الطواف كركعات الصلاة، فكما يفتتح الصلاة بالتكبير.
كذلك يفتتح كل شوط باستلام الحجر، وان لم يستطع الاستلام، استقبل وكبر وهلل على ما ذكر
(1)
.
ومن المأثور عند الاستلام، اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك
واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، لا اله الا الله والله أكبر، اللهم اليك بسطت يدى، وفيما عندك عظمت رغبتى، فاقبل دعوتى، وأقلنى عثرتى.
وارحم تضرعى، وجدلى بمغفرتك، وأعذنى من مضلات الفتن
(2)
، ويختتم الطواف باستلام الحجر
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: يقبل الحجر الاسود بالفم فى أول الطواف.
وفى الصوت فى التقبيل قولان بالكراهة والاباحة.
وقال زروق ان القول بالاباحة رجحه غير واحد.
وكره مالك السجود وتمريغ الوجه عليه.
وجاز للزحمة المانعة من تقبيل الحجر الاسود لمس بيد ان قدر، ثم عود ان لم يقدر باليد، فلا يكفى العود مع امكان اليد، ولا اليد مع امكان التقبيل.
وتوضع اليد أو العود على الفم من غير تقبيل، والمعتمد التكبير مع التقبيل واللمس باليد والعود، ثم ان تعذر العود
(1)
شرح فتح القدير للكمال ابن الهمام مع تكملة نتائج الأفكار لشمس الدين المعروف بقاضى زادة مع هامش العناية على الهداية ج 2 ص 148 الى ص 153 الطبعة الأولى المطبوع بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1315 هـ
(2)
شرح فتح القدير للكمام بن الهمام ج 2 ص 148 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 153 الطبعة السابقة.
كبر فقط من غير اشارة بيده ولا فرق فى هذه المراتب بين الشوط الاول وغيره
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يستلم الحجر الاسود أول ما يطوف، ويقبله، وان لم يمكنه أن يستلم من الزحام أشار اليه بيده، لما روى أبو مالك سعد بن طارق عن أبيه.
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف حول البيت فاذا ازدحم الناس على الطواف استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحجن بيده.
ولا يشير الى القبلة بالفم لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك.
ويستحب له أن يقول عند الاستلام باسم الله والله أكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
ويستلمه فى كل طوفة لما روى ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستلم فى كل طوفة.
ويستحب كلما حاذى الحجر الاسود أن يكبر ويقبله لانه مشروع فى محل فتكرر بتكرره كالاستلام.
والاستلام للحجر أن يتناوله ويعتمده بلمس أو تقبيل أو ادراك بعصا
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: استلمه أى مسحه بيده مأخوذ من السّلام وهى الحجارة، فاذا مسح الحجر قيل استلم أى مس السّلام.
قاله ابن قتيبة، ويبتدئ الطواف بالحجر الاسود فيستلمه، وهو أن يمسحه بيده ويقبله وروى ابن ماجة عن ابن عمر رضى الله عنه قال: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، ثم وضع شفتيه عليه يبكى طويلا فاذا هو بعمر بن الخطاب رضى الله عنه يبكى فقال يا عمر هاهنا تسكب العبرات.
واستلام الحجر يكون اذا كان الحجر فى موضعه لم يذهب به، كما ذهب به القرامطة مرة حين ظهروا على مكة فاذا كان ذلك والعياذ بالله فانه يقف مقابلا لمكانه ويستلم الركن.
وان كان الحجر موجودا فى موضعه استلمه وقبله. فان لم يمكنه استلامه وتقبيله قام حياله، أى بحذائه، واستقبله بوجهه فكبر وهلل.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 40، ص 41 طبع دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 222 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
وهكذا ان كان راكبا فقد روى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: طاف النبى صلى الله عليه وسلم على بعير، كلما أتى الحجر أشار اليه بشئ فى يده وكبر، وأوردوا ما سبق ذكره فى مذهب الاحناف من قول النبى صلى الله عليه وسلم لعمر عند الزحام.
فان أمكنه استلام الحجر بشئ فى يده كالعصا ونحوها فعل، فقد روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف فى حجة الوداع يستلم الركن بمحجن.
ويقول عند استلام الحجر، باسم الله والله أكبر، ايمانا بك، وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، رواه عبد الله بن السائب عن النبى صلى الله عليه وسلم.
والمرأة كالرجل ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر، لكن تشير بيدها اليه كالذى لا يمكنه الوصول اليه لما روى عطاء قال كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة: انطلقى نستلم يا أم المؤمنين، قالت انطلقى أنت وأبت
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: اذا قدم المعتمر أو المعتمرة مكة - والحاج فى هذا كالمعتمر - فليدخلا المسجد ولا يبدءا بشئ لا ركعتين ولا غير ذلك قبل القصد الى الحجر الاسود فيقبلانه، وكلما مر على الحجر الاسود قبلاه
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: اذا قدم الحاج مكة أتى الحجر الاسود فاستلمه وقبله ندبا، لقوله صلى الله عليه وسلم: يشهد لمن استلمه، ومن بعد أشار اليه، ثم قبل يده لاستلامه صلى الله عليه وسلم بالمحجن ثم السجود عليه بعد التقبيل لفعله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ويكره تزاحم الناس للتقبيل لنهيه صلى الله عليه وسلم.
ويقول عند الاستلام باسم الله والله أكبر .. الخ ما مر كفعله صلى الله عليه وسلم، وان تلا قرآنا فحسن اذ هو أفضل الاذكار، أو قال سبحان الله والله أكبر والحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله.
والمرأة لا ينبغى أن تزاحم الرجال للاستلام بل تشير وتخفض صوتها ملبية.
(1)
المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسى والشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج بن أحمد بن قدامة المقدس ج 3 ص 370، ص 371، ص 372، ص 373 الطبعة الثالثة سنة 1367 هـ طبع مطابع دار المنار.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 95 مسألة رقم 830 طبع أداره الطباعة المنيرية بمصر الطبعة الأولى سنة 1349 هـ.
ويكون الاستلام فى الاشواط كلها فان تعذر ففى الاوتار الاول والثالث، والخامس والسابع
(1)
.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية: مندوب الطواف الوقوف عند الحجر والدعاء واستلامه وتقبيله، فان لم يقدر أشار بيده ولو كانت مقطوعة فبموضع القطع ولو لم يكن له يد اقتصر على الاشارة ويقول:
هذه أمانتى أديتها، وميثاقى تعاهدته، لتشهد لى بالموافاة اللهم تصديقا بكتابك الى آخر الدعاء
(2)
.
مذهب الإباضية:
قالت الإباضية: اذا دنا - الحاج أو المعتمر - من البيت دعا ويمسح الحجر بيده اليمنى ان قدر ولا يعله بيده بل يمسحه من جانب أو تحت وكذا لا يعله بغيه اذا قبله ويقول: اللهم أمانتى أديتها
وميثاقى تعاهدته اشهد لى بالوفاء ويدعو بما شاء ويكبر ثلاثا ويقف حياله حتى لا يضر أحدا، ولو خارجا من المطاف، ويدعو لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم.
وكلما بلغ الحجر الاسود استلمه ان قدر على ذلك والا أشار اليه بيده وقبلها ويدعو عنده بهذا الدعاء:
اللهم اليك بسطت يدى وفيما عندك عظمت رغبتى فاجعل جائزتى فكاك رقبتى من النار، وأسعدنى فى دنياى وآخرتى، اللهم كثرت ذنوبى وضعف عملى، فاغفر لى ذنوبى وتقبل توبتى وأقلنى عثرتى وتجاوز عن خطيئتى وحط عنى وزرى
(3)
.
حكم استلام الحجر الاسود
مذهب الحنفية:
قال الحنفية فى كتاب فتح القدير: علمنا المواظبة على استلام الحجر الاسود من خارج فقلنا باستنانه، فهو عند الحنفية سنة، وكما جاء عندهم الاستلام سنة
(4)
.
(1)
كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص 349، ص 350، ص 351 الطبعة الأولى سنة 1366 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار وحاشيته لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 110 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بمصر.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 132 طبع مطابع دار مكتبة الحياة ببيروت، والمختصر النافع فى فقه الإمامية لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ص 118 الطبعة الثانية طبع وزارة الاوقاف.
(3)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 2 ص 344 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر، وكتاب الوضع فى مختصر الأصول الفقه للامام أبى زكريا الجناوى الطبعة الأولى ص 216، ص 217 طبع مطبعة الفجالة الجديدة.
(4)
فتح القدير للكمال بن الهمام ج 2 ص 153، ص 149 الطبعة السابقة.
مذهب المالكية:
قال الدسوقى تعليقا على قول الدردير:
أن تقبيل الحجر سنة، ظاهر الاطلاق أنه سنة فى كل طواف سواء كان الطواف واجبا أو تطوعا، والذى نسبه ابن عرفة للتلقين ولنقل اللخمى عن المذهب، وقد أطلق ابن شاس وابن الحاجب، وذلك كله خلاف قول المدونة.
وليس عليه استلام - أى تقبيل - للحجر الاسود فى ابتداء طوافه الا فى الطواف الواجب، وتقبيل الحجر فى باقى الاشواط مستحب
(1)
.
مذهب الشافعية:
هو عندهم مستحب، فقد جاء فى المهذب، يبتدئ الطواف من الحجر الاسود والمستحب أن يستقبله.
وقال: ويستحب أن يستلم الحجر لما روى ابن عمر رضى الله عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة يستلم الركن الاسود أول ما يطوف
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال صاحب المغنى بعد أن ذكر الاستلام وكيفيته، وهذا كله مستحب أى استلام الحجر وكونه بهذه الكيفية
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى وأما تقبيل الركن فسنة وليس فرضا لانه لم يأت بذلك أمر، وانما هو عمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، وقد طاف عليه السلام راكبا يشير بمحجن فى يده الى الركن
(4)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية
(5)
: حكمه الندب وقد عد من مندوبات طواف القدوم وطواف العمرة وهذا فى شرح الازهار.
وعد من السنة فى البحر الزخار.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: استلام الحجر من بين مندوبات الطواف
(6)
.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 40، ص 41 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 213 الطبعة السابقة.
(3)
المغنى لابن قدامة ج 3 ص 371 الطبعة الثالثة.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 97 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 109 وما بعدها الطبعة السابقة، وكتاب البحر الزخار للمرتضى ج 2 ص 349 الطبعة السابقة.
(6)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 132 الطبعة السابقة.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: وحكمه انه سنة.
وذكر فى شرح النيل أن من لم يقبله ولم يمسه فى شئ من أشواط الطواف الواجب فعليه دم وقيل لا، وأساء
(1)
.
استلام الركن اليمانى ومشروعيته وحكمه:
الركن اليمانى هو قبلة أهل اليمن، وهو آخر ما يمر عليه من الاركان فى طوافه، وذلك أنه يبدأ بالركن الذى فيه الحجر الاسود وهو قبلة أهل خراسان فيستلمه ويقبله ثم يأخذ على يمين نفسه ويجعل البيت على يساره فاذا انته الى الركن الثانى وهو العراقى، لم يستلمه، فاذا مر بالثالث وهو الركن الشامى لم يستلمه أيضا وهذان الركنان يليان الحجر الاسود، والركن الرابع وهو الركن اليمانى قبل الركن الذى فيه الحجر الاسود.
ودليل مشروعيته «حديث ابن عمر رضى الله عنه من رواية الجماعة الا الترمذى لم أر النبى صلى الله عليه وسلم يمس من الاركان الا اليمانيين
(1)
.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية فى كتاب فتح القدير.
يستلم الركن اليمانى ويقبله مثل الحجر، وهو حسن أى مستحب فى ظاهر
الرواية وعن محمد رحمه الله تعالى أنه سنة، وحديث ابن عمر رضى الله عنه وهو: ما تركت استلام هذين الركنيين اليمانى والحجر الاسود منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما لا يزيد على أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يستلمه فلم يتركه هو، وذلك قد يكون منه محافظة على الرأى المستحب، وليس حجة على ظاهر الرواية اذ ليس فيه سوى اثبات رؤية استلامه عليه السلام للركنين ومجرد ذلك لا يفيد المواظبه، ولا سنة دونها
(2)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ويسن استلام الركن اليمانى بيده ويضعها على فيه من غير تقبيل، وذلك فى مبتدأ الطواف أما فى باقى الاشواط فمستحب
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية فى كتاب المهذب، بالنسبة لمن يطوف، فاذا بلغ الركن اليمانى فالمستحب أن يستلمه لما روى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن اليمانى والاسود ولا يستلم الآخرين
(4)
(1)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 349، ص 352 الطبعة السابقة.
(2)
شرح فتح القدير للكمال بن الهمام ج 2 ص 153 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 2 ص 40، ص 41 الطبعة السابقة.
(4)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 222 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: لا يستلم ولا يقبل من الاركان الا الاسود واليمانى فاذا وصل الى الركن اليمانى استلمه، قال الخرقى ويقبله، والصحيح عن أحمد أنه لا يقبله وهو قول أكثر أهل العلم.
قال ابن عبد البر، جائز عند أهل العلم أن يستلم الركن اليمانى والركن الاسود ولا يختلفون فى شئ من ذلك، وانما الذى فرقوا به بينهما، التقبيل، فرأوا تقبيل الاسود ولم يروا تقبيل اليمانى.
وأما استلامهما فأمر مجمع عليه وقد روى مجاهد عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استلم الركن قبله ووضع خده الايمن عليه، قال وهذا لا يصح وانما يعرف التقبيل فى الحجر الاسود وحده، ولان الركن اليمانى مبنى على قواعد ابراهيم عليه السلام فسن استلامه كالذى فيه الحجر وأما تقبيله فلم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم فلا يسن.
وأما الركنان اللذان يليان الحجر فلا يسن استلامهما على قول أكثر أهل العلم
(1)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: سبق أن ذكرنا قول ابن حزم الظاهرى أن تقبيل الركنين سنة، وقال وكلما مر - أى الحاج والمعتمر - على الحجر الاسود قبلاه، وكذلك الركن اليمانى أيضا فقط
(2)
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى كتاب البحر الزخار فى ذكر سنن الطواف: ثم استلام الاركان وتقبيلها، فعدها من السنن وجاء بهامشه، ولنا رواية جابر وابن عباس رضى الله عنهما روى عن جابر بن عبد الله قال «كنا نستلم الاركان كلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشاهد ذلك منا فلا ينهانا» وروى عن ابن عباس رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف فى حجة الوداع على بعير استلم الاركان كلها» وعدها صاحب شرح الازهار فى المندوبات
(3)
.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية: يلتزم الاركان كلها وآكدها الركن الذى فيه الحجر واليمانى وقد ذكرت فى مندوبات الطواف
(4)
.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 7 ص 379 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 95، ص 97 المسألة رقم 830 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابن مفتاح ج 1 ص 110 الطبعة السابقة.
وكتاب البحر الزخار للمرتضى ج 2 ص 351 الطبعة السابقة.
(4)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 132 الطبعة السابقة.
وجاء فى المختصر النافع فى مندوبات الطواف، وكذا يستلم الاركان وآكدها ركن الحجر واليمانى
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية - اذا بلغ الذى يطوف - الركن اليمانى دعا عنده بهذا الدعاء، الله أكبر الله أكبر الله أكبر اللهم انى أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب والنجاة من العذاب.
وان قدر أن يستلمه فعل ذلك، وهو يقول. الله أكبر الله أكبر الله أكبر ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم انى أعوذ بك من الكفر والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر وموقف الخزى والذل فى الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين
(2)
.
وجاء فى كتاب شرح النيل وسن الدعاء عند الوقوف بالباب وعند الميزاب والركنين ومسهما
(3)
.
الاستلحاق والاقرار بالنسب
تعريفه لغة
استلحق فلانا ادعاه
(4)
.
التعريف الشرعى
وقد استعمله الفقهاء فى معنى الاقرار بالنسب.
فالمالكية استعملوه فى الحاق الولد، وغيره، من أخ، أو عم، أو نحوهما، غير أن ابن عرفة خصه بالحاق الولد بأبيه
(5)
.
والحنفية استعملوه فى الاقرار بالنسب استعمالا نادرا.
والشافعية استعملوه فى الحاق الولد، وغير الولد من الاقارب.
وكذلك الحنابلة والظاهرية والإمامية والإباضية استعملوه فى استلحاق الرجل المرأة.
أما الزيدية فلم يستعملوا هذا الاسم وانما استعملوا الاقرار بالنسب بدله
(6)
.
(1)
المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر الحلى ص 118 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب الوضع لأبى زكريا الجناوى ص 218 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل ج 2 ص 352 الطبعة السابقة.
(4)
لسان العرب مادة لحق.
(5)
الخرشى ج 6 ص 416.
(6)
الخرشى ج 6 ص 120، والدسوقى ج 3 ص 419، والصاوى ج 2 ص 174، والبدائع ج 2 ص 265، ابن عابدين ج 2 ص 641، تحفة المحتاج ج 2 ص 223، ص 226، نهاية المحتاج ج 4 ص 81، وأسنى المطالب ج 2 ص 322، ص 314، كشاف القناع ج 3 ص 252، المحلى ج 10 ص 323، تحرير الأحكام ج 2 ص 65، ص 70، شرح النيل ج 8 ص 499 وما بعدها.
حكمه التكليفى
الاستلحاق حكمه الوجوب عند الصدق، والحرمة عند الكذب
(1)
.
شروط صحة الاستلحاق
أو الاقرار بالنسب:
مذهب الحنفية:
يشترط لصحته:
أولا: - أن يكون المقربه محتمل الثبوت.
لان الاقرار اخبار عن كائن، فاذا استحال كونه، فالاخبار يكون كذبا محضا، فمن أقر بغلام أنه ابنه، ومثله لا يلد مثله، لا يصح اقراره.
ثانيا: - أن لا يكون المقر بنسبه معروف النسب من غيره، فان كان لم يصح.
ثالثا: - تصديق المقر بنسبه اذا كان أهلا للتصديق، لان اقراره يتضمن ابطال يده، فلا تبطل الا برضاه.
بخلاف الصغير الذى لا يعبر عن نفسه لانه فى يد غيره فلا يشترط تصديقه.
ولو كان المقر له عبدا لغيره اشترط تصديق مولاه، لان الحق له.
ويضح تصديق المقر له بالنسب بعد موت المقر. لان النسب يبقى بعد الموت ويثبت به أحكام النسب بأسرها.
رابعا: - أن لا يكون فيه حمل النسب على الغير، سواء كذبه المقر نفسه أو صدقه لان اقرار الانسان حجة على نفسه لا على غيره والاقرار الذى فيه حمل نسب الغير على غيره اقرار على غيره.
لا على نفسه، فكان دعوى أو شهادة وكل ذلك لا يقبل الا بحجة.
وعلى هذا يجوز اقرار الرجل بخمسة نفر: الوالدين، والولد، والزوجة، والمولى.
ويجوز اقرار المرأة بأربعة نفر:
الوالدين، والزوج، والمولى، ولا يجوز بالولد، لانه ليس فى الاقرار بهؤلاء حمل نسب الغير على غيره.
خامسا: الا يصرح المقر فى اقراره بنسبه أنه من زنا، ولا يشترط صحة المقر لصحة اقراره بالنسب حتى يصح من الصحيح والمريض جميعا، لان المرض ليس بمانع لعينه، بل لتعلق حق الغير أو التهمة، وكل ذلك منعدم، كما لا يشترط ألا يسبق اقراره ما يناقضه فى الاقرار بالنسب المباشر.
ولا يصح الاقرار بالنسب مع الاكراه والهزل.
واذا صح الاقرار بالنسب المباشر ترتبت عليه جميع آثاره.
(1)
حاشية البجيرمى على شرح المنهج ج 3 ص 83 وابن عابدين ج 2 ص 642، وفتح القدير ج 3 ص 261
أما الاقرار بالنسب
(1)
غير المباشر، كالاقرار بالاخوة، فلا تترتب عليه آثاره الا بالنسبة للمقر ومن صدقه.
مذهب المالكية:
يشترط لصحة الاستلحاق.
أولا: ألا يكذبه العقل أو العادة، فان كذبه العقل أو العادة أو الشرع، فانه لا يصح استلحاقه.
مثال الاول: أن يستلحق الصغير الكبير، فان ذلك يحيله العقل لما فيه.
من تقدم المعلول على علته.
ومثال الثانى: أن يستحلق من ولد ببلد بعيد يعلم أنه لم يدخله.
فان كان دخوله فيها محل شك فمقتضى كلام البرادعى: أنه يصح استلحاقه. وهو الظاهر، لان الشارع متشوف له.
ومقتضى كلام ابن يونس: أنه لا يصح استلحاقه.
ودخول المرأة بلد الزوج والشك فى دخولها يجرى فيه ما جرى فى الرجل، وكاستلحاق من علم أنه لم يقع منه نكاح، ولا تسر أصلا، فان كلا من العادة والعقل يحيل أن يكون له
ولد، لان كون الولد انما يكون بين ذكر وأنثى أمر عادى لا عقلى.
وأما تكذيب الشرع فقد خرج بقيد أن يكون مجهول النسب.
ثانيا: أن لا يكون المستلحق رقيقا أو مولى لمن يكذب المستلحق.
ثالثا: يشترط فى المستلحق أن يكون مكلفا ولو سفيها.
رابعا: أن يكون المستلحق مجهول النسب، ولا يشترط تصديقه، ولا تصديق أمة، فلو كذبه أحدهما فلا عبرة بتكذيبه.
كما لا يشترط أن يعلم تقدم ملك أم هذا الولد أو نكاحها لهذا المستلحق على المشهور وهو ظاهر المدونة.
وقال سحنون: يشترط ذلك ابن عبد السّلام وهو قول لابن القاسم.
ووجه الاول. أنهم اكتفوا فى هذا الباب بالامكان فقط لتشوف الشارع للحوق النسب ما لم يقم دليل على كذب المقر.
واحترز بمجهول النسب عن معلومه أى الثابت النسب، ويحد من استلحقه حد القذف.
وعن مقطوعة كولد الزنى أى الثابت أنه ولد زنا، لان الشرع قطع نسبه عن الزانى.
(1)
من البدائع ج 7 ص 228.
ويستثنى أيضا من قوله مجهول النسب اللقيط كما سيأتى.
والاستلحاق يصح وان كان المستلحق كبيرا ولا يشترط تصديقه - كما تقدم - ومن باب أولى الصغير.
وعدم اشتراط تصديق الكبير لمستلحقه هو قول ابن رشد وابن شاس.
وقال ابن خروف والعوفى: باشتراطه.
وقال ابن يونس: يشترط تصديقه، ان كان فى حوز مستلحقه لا ان كان فى حوز غيره
(1)
.
ويصح الاستلحاق فى المرض كما استظهره ابن عبد السّلام قياسا على صحته بعد الموت.
(انظر استلحاق ميت).
مذهب الشافعية:
يشترط لصحته.
أولا: ألا يكذبه الحس، فان كان كذبه بأن كان فى سن لا يتصور أن يولد لمثله مثل هذا الولد، أو كان قد قطع ذكره وأنثياه من زمن يتقدم على زمن العلوق به، لم يثبت نسبه، لان الحس يكذبه،
وكان استلحاقه لغوا وان صدقه المستلحق.
ثانيا: ألا يكذبه الشرع، فان كذبه بأن يكون معروف النسب من غيره، أو ولد على فراش نكاح صحيح لم يصح استلحاقه وان صدقه المستلحق، لان النسب الثابت من شخص لا ينتقل الى غيره فالشرع مكذب له.
ثالثا: ألا يكذبه الحال، فان جاءت امرأة من بلدة بعيدة ومعها طفل فاستلحقه رجل ما سافر قط الى بلدها ولا هى الى بلدة لم يلحقه.
رابعا: أن يصدقه المستلحق ان كان أهلا للتصديق، لان له حقا فى نسبه، وهو أعرف به من غيره، فان كان بالغا عاقلا، فكذبه أو سكت، أو قال.
لا أعلم، لم يثبت نسبه منه الا ببينة، أو يمين مردودة.
وان مات قبل التمكن من التصديق، صح الاقرار، وثبت نسبه.
وان استلحق صغيرا، أو مجنونا ثبت نسبه منه بالشروط السابقة، ما عدا التصديق، فلو بلغ، أو أفاق، وكذبه، لم يبطل استلحاقه له، بتكذيبه فى الاصح، لان النسب يحتاط له فلا يندفع.
ولو استلحق أباه المجنون لم يثبت نسبه حتى يفيق ويصدق.
(1)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 6 ص 117، ص 118، ص 119 والدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 416، ص 417، منح الجليل ج 3 ص 428، الصاوى على الشرح الصغير ج 2 ص 215.
والفرق أن استلحاق الاب على خلاف الاصل والقياس فاحتيط له أكثر.
خامسا: ألا يزاحمه غيره، فان ادعى آخر نسبه أيضا لم يلحق به الا بتصديقه وتكذيب الآخر ان كان بالغا، أو ببينة مع عجز الآخر عنها، أو الحاق القائف به وحده ان كان صغيرا.
سادسا: ألا يكون المستلحق قنا أو عتيقا للغير، والا لم يصح لاحد استلحاقه، الا أن كان بالغا عاقلا وصدقه المستلحق.
سابعا: ان يكون المستلحق ذكرا بالغا عاقلا مختارا غير ممسوح أى غير مجبوب فلا يصح
(1)
استلحاق المرأة والصبى والمجنون. ولا يشترط الاسلام ولا الحرية ولا اطلاق التصرف.
مذهب الحنابلة:
ان أقر بولد اعتبر فى ثبوت نسبه أربعة شروط.
أحدها: أن يكون المقر به مجهول النسب، فان كان معروف النسب، لم يصح، لانه يقطع نسبه الثابت من غيره.
الثانى: أن لا ينازعه فيه منازع، لانه اذا نازعه فيه غيره تعارضا، فلم يكن الحاقه بأحدهما بأولى من الآخر.
الثالث: أن يمكن صدقه بأن يكون المقر به يحتمل أن يولد لمثله، فلو قدمت امرأة من بلاد الروم معها طفل، فأقر به رجل لحقه، لوجود الامكان، وعدم المنازع، لانه يحتمل أن يكون دخل أرضهم، أو دخلت هى دار الاسلام ووطئها.
والنسب يحتاط لاثباته ولهذا لو ولدت امرأة رجل، وهو غائب عنها بعد عشرين سنة من غيبته، لحقه، وان لم يعرف له قدوم اليها، ولا عرف لها خروج من بلدها.
الرابع: أن يكون المقر به ممن لا قول له كالصغير والمجنون، فان كان المقر به كبيراً عاقلا لم يثبت نسبه من المقر حتى يصدقه باقرار، أو سكوت، لان هـ قولا صحيحا، فاعتبر تصديقه كما لو أقر له بمال،.
وان ادعى نسب مكلف فى حياته، فلم يصدقه حتى مات المقر، ثم صدقه ثبت نسبه، لان بتصديقه حصل اتفاقهما على التوارث من الطرفين جميعا.
أما الولد الصغير والمجنون فلا يشترط تصديقهما، فان كبرا وعقلا، وأنكرا النسب لم يسمع انكارهما، لانه نسب
(1)
من تحفة المحتاج ج 2 ص 222، ص 223، ص 365، من الأنوار ج 1 ص 345، أسنى الطالب ج 2 ص 319، ص 320، ص 502، ص 503، البجيرمى على المنهج ج 3 ص 83.
حكم بثبوته فلم يسقط برده كما لو قامت به بينة.
وان اعترف انسان بأن هذا أبوه.
فهو كاعترافه بأنه ابنه.
ويكفى فى تصديق والد بولده وعكسه سكوته عند الاقرار به، لانه يغلب فى ذلك ظن التصديق. ولا يعتبر فى تصديق أحدهما تكرار التصديق.
ولا يصح اقرار من له نسب معروف بغير أربعة، وهم: الاب، والابن، والزوج، والمولى، كجد يقر بابن ابن وعكسه
(1)
.
مذهب الزيدية:
يشترط له عندهم.
أولا: أن يصدر من مكلف مختار.
ثانيا: أن يكون ذلك بحيث لم يعلم هزله ولا سبق لسانه.
ثالثا: أن يكون ذلك بحيث لم يعلم كذبه عقلا أو شرعا نحو أن يقر بولد يقاربه فى السن أو معروف النسب.
رابعا: أن يصدقه المقر به، ويختص الاقرار بالنسب بأن التصديق به
يخالف التصديق بالمال، كسكوت المقر به، فانه يكون تصديقا حيث علم به وبالاقرار، وعلم ان له الانكار، فلو أقر بصغير كان الصغير فى حكم المصدق، لأنه فى حال الصغر لا يصح منه الإنكار، فإذا بلغ ولم يصدق، فإنه يبطل الاقرار ولو حكم به الحاكم لان الحكم مشروط بالتصديق.
خامسا: يشترط عدم الواسطة بين المقر والمقر به، فلا يصح الاقرار الا بولد أو والد، ولا يصح الاقرار من السبى بعضهم ببعض، وكذا لا يصح الاقرار من العتيق، لانه يؤدى الى ابطال حق الولاء الثابت للمعتق
(2)
.
مذهب الإمامية:
يشترط له عندهم.
أولا: أهلية المقر للاقرار ببلوغه وعقله.
ثانيا: امكان الحاق المقر به بالمقر شرعا، فلو أقر ببنوة المعروف نسبه، أو أقر ببنوة من هو أعلى سنا منه، أو مساو له، أو أنقص منه بما لم تجر العادة بتولده منه، بطل الاقرار.
واذا دخلت امرأة من دار الحرب الى دار الاسلام، ومعها ولد، فأقر رجل
(1)
من المغنى ج 5 ص 327، ص 328، ومن كشاف القناع ج 4 ص 299، ص 300، ص 301، ص 302.
(2)
من التاج المذهب ج 4 ص 44، ص 45، ص 47، البحر الزخار ج 5 ص 12.
فى دار الاسلام أنه ولده، ويمكن أن يكون كما قال، بأن يجوز دخوله الى دار الحرب، أو مجئ المرأة الى دار الاسلام، ثبت نسبه منه، وان علم انه لم يخرج الى دار الحرب، ولا المرأة دخلت بلد الاسلام، لا يثبت نسبه منه.
ثالثا: يشترط تصديق المقر به للمقر فى دعواه النسب ان كان المقر به كبيرا وهو الاشبه، فلو أنكر الكبير لم يثبت النسب، أما الولد الصغير ذكرا كان أم أنثى، والمجنون، فلا يعتبر تصديقهما، بل يثبت نسبهما بالنسبة الى المقر بمجرد اقراره، لان التصديق انما يعتبر مع امكانه، وهو ممتنع منهما، ولا عبرة بانكار الصغير بعد بلوغه، وكذا المجنون بعد افاقته لثبوت النسب قبله، فلا يزول بالانكار اللاحق.
رابعا: يشترط عدم المنازع له فى نسب المقر به، والمراد بالولد هنا، ولد الصلب فلو أقر ببنوة ولد ولده فنازلا، اعتبر التصديق كغيره من الأقارب
(1)
.
ويصح اقرار السفيه بالنسب فلو أقر بنسب صحيح قبل ويثبت النسب لانتفاء المانع وهو مصادفة الاقرار
المال اذ لو وجب الانفاق على المقر به أنفق عليه من بيت المال
(2)
.
مذهب الإباضية:
يستلحق الاب ابنه بشروط.
أولا: ألا يكون الابن المستلحق معروف النسب لغير المستلحق.
ثانيا: ألا يكذبه العرف، نحو أن يكون الولد محمولا من أرض العدو، أو من بلد يعلم أن المستلحق لم يدخلها قط، أو تشهد بينة عادلة أن أم الصبى لم تزل زوجة لفلان غير المستلحق حتى ماتت، أو نحو ذلك.
ثالثا: ألا يكذبه الولد اذا كان كبيرا.
رابعا: أن يكون مثله يولد له مثل هذا الولد.
خامسا: أن يكون مجهول النسب.
ولا يصح اقرار الصبى، وفى اقرار السفيه قولان، ولا يعتبر اقرار المجنون ولا تصديقه، أما اقرار المريض فجائز عندنا، ودعوى العبيد فى النسب تجوز ولو أنكر سادتهم
(3)
.
(1)
من الروضة البهية ج 2 ص 225، ص 226، من شرائع الاسلام ج 2 ص 114، ص 115، من الخلاف فى الفقه ج 1 ص 666.
(2)
من مفتاح الكرامة ج 5 ص 280.
(3)
من شرح النيل ج 8 ص 497 - ص 499، ج 6 ص 653.
الانكار بعد الاستلحاق
مذهب الحنفية:
متى ثبت النسب باقرار المقر لم يكن له أن ينفيه بعد ذلك، لان النفى يكون انكارا بعد الاقرار بحق للولد، اذا النسب حقه، فلا يملك الرجوع عن اقراره، والسكوت عند التهنئة بولد يعتبر اعترافا منه بنسبه، فلا يملك نفيه بعده
(1)
.
مذهب المالكية:
ان استلحق رجل ولدا ولحق به شرعا، ثم أنكره بعد ذلك بأن قال: ليس بولدى، فانه لا يسقط نسبه بانكاره بعد استلحاقه.
ثم أن مات الولد عن مال، ومستلحقه حى، فلا يرثه لنفيه عن نفسه، واعترافه أنه لا حق له فى ارثه، ويوقف مال ذلك الولد، فان مات الاب فيدفع مال الولد الموقوف لورثة أبيه، لان انكاره لا يقطع حق ورثة الاب.
وان مات المستلحق بعد رجوعه عن الاستلحاق قبل الابن ورثه الابن بالاستلحاق الحاصل أولا، ثم ان مات
الابن بعد ذلك ورثه عصبته من قبل أبيه المستلحق له
(2)
.
مذهب الشافعية:
ان استلحق بالغا عاقلا وصدقه، ثم رجعا عنه، لم يسقط النسب لان النسب لا يرتفع بالاتفاق، كالثابت بالفراش.
وقال ابن أبى هريرة: يسقط، وان قال هذا ولدى ثم زاد: من زنى، لينفيه عن نفسه، لم يقبل قوله: من زنى.
وأن اتصل باقراره.
وقيل: ان وصل اللفظ لا يثبت النسب
(3)
.
مذهب الحنابلة:
اذا ثبت النسب بالاقرار، ثم أنكر المقر لم يقبل انكاره، لانه نسب ثبت بحجة شرعية فلم يزل بانكاره كما لو ثبت ببينة أو بالفراش، وسواء كان المقربه غير مكلف، أو مكلفا، فصدق المقر.
ويحتمل أن يسقط نسب المكلف باتفاقهما على الرجوع عنه، لانه ثبت باتفاقهما، فزال برجوعهما كالمال.
(1)
من المبسوط ج 17 ص 98 البدائع ج 6 ص 255، ج 3 ص 247 تكملة - فتح القدير ج 6 ص 268، ص 270.
(2)
الخرشى ج 6 ص 125، الدسوقى ج 3 ص 423، الصاوى ج 2 ص 147، منح الجليل ج 3 ص 449.
(3)
أسنى المطالب ج 2 ص 320، ص 321، حاشية البجيرمى على المنهج ج 3 ص 83.
والاول أصح، لان النسب يحتاط لاثباته، بخلاف المال.
وان هنئ فسكت كان اقرارا ذكره أبو بكر الخلال، لان السكوت صلح دالا على الرضا فى حق البكر، فهنا أولى
(1)
.
مذهب الزيدية:
لا يصح من الرجل نفى الولد بعد الاقرار به سواء علم أن له نفيه أم لا، فيثبت نسبه بعد الاقرار، وان نفاه من بعد لم ينتف.
وكذا لا يصح من الرجل نفى الولد بعد السكوت حين العلم به سواء سكت سكوت مستبشر، أو سكوت مفكر، وخرج من المجلس.
ويصح الرجوع عن الاقرار بمصادقة المقر له
(2)
.
مذهب الإمامية:
لا يجوز نفى الولد بعد استلحاقه، فان نفاه بعد الاعتراف، لم يقبل منه وحده.
ولو اتفقا على الرجوع عن الاستلحاق لم يسقط النسب
(3)
.
استلحاق المرأة
مذهب الحنفية:
يقبل اقرار المرأة بالوالدين والزوج، والمولى، لانه اقرار بما يلزمها، وليس فيه تحميل بالنسب على الغير، والانوثة لا تمنع صحة اقرارها على نفسها.
أما اقرارها بالولد أنه ابنها ففيه تفصيل، لانها اما أن تكون ذات زوج، أو معتدة، أو لا منكوحة ولا معتدة.
فان كانت ذات زوج وصدقها فيما زعمت أنه ابنها منه ثبت النسب منهما بالتزامه فلا حاجة الى حجة.
وان كذبها لم تجز دعوتها، حتى تشهد بالولادة أمرأة حرة عدل، لانها تدعى تحميل النسب على الغير، وهو الزوج، فلا تصدق الا بالحجة.
وان كانت معتدة احتاجت الى حجة كاملة عند أبى حنيفة، وهى شهادة رجلين، أو رجل وأمرأتين، الا اذا كان هناك حبل ظاهر، أو اعتراف من قبل الزوج.
(1)
المغنى ج 5 ص 334، ص 335، ج 9 ص 55.
(2)
التاج المذهب ج 2 ص 265، ج 4 ص 64.
(3)
تحرير الأحكام ج 2 ص 65، ص 121.
وقال محمد وأبو يوسف: يكفى فى الجميع شهادة امرأة واحدة.
وان لم تكن ذات زوج ولا معتدة.
فمنهم من قال: يثبت النسب منها بقولها، أى من غير بينة أصلا، لان فيه الزاما على نفسها، دون غيرها، وفى هذا لا فرق بين الرجل والمرأة.
ومنهم من قال: لا يقبل قولها سواء كانت ذات زوج أم لا.
ووجه الفرق بينها وبين الرجل أن المرأة يمكنها اثبات النسب بالبينة، لان انفصال الولد مما يشاهد فلا بد لها من البينة، بخلاف الرجل، فانه لا يمكنه اقامة البينة على الاعلاق والاحبال، لمكان الخفاء والتغيب عن عيون الناظرين فلا يحتاج اليها.
والاول هو المختار لعدم تحميل النسب على أحد فيهما
(1)
.
مذهب المالكية:
الاستلحاق المباشر من خصائص الاب فغيره لا يصح استلحاقه، كالام اتفاقا.
لان الولد لابيه دون أمه، ولولا أن الشرع
خصه بالاب، لكان استلحاق الام أولى لانها اشتركت مع الاب فى ماء الولد، وزادت عليه الحمل والرضاع
(2)
.
مذهب الشافعية:
لا يصح استلحاق المرأة.
ولو استلحقت امرأة لقيطا بلا بينة لم يلحقها، وان كانت خلية فى الاصح، لامكانها اقامة البينة بالولادة من طريق المشاهدة، بخلاف الرجل، فاذا أقامتها لحقها، وكذا يلحق بزوجها ان شهدت بينتها بوضعه على فراشه، وأمكن العلوق منه، ولا ينتفى عنه الا بلعان.
والوجه الثانى: يلحقها لانها أحد الابوين فصارت كالرجل
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وان كان المدعى نسب الولد امرأة.
فقد روى عن أحمد أن دعوتها تقبل، ويلحقها نسبه، لانه يمكن أن يكون منها كالرجل بل أكثر، لانها تأتى به من زوج ووط ء بشبهة، ويلحقها ولدها من الزنا دون الرجل، وعلى هذه الرواية يلحق بها دون زوجها لانه لا يجوز أن يلحقه نسب ولد لم يقربه.
(1)
من الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 15، ج 6 ص 274، ص 275، والبدائع ج 6 ص 253، مجمع الأنهر ج 2 ص 294.
(2)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 6 ص 117، ومنح الجليل ج 3 ص 438.
(3)
الأنوار ج 1 ص 345 والبيجرمى على المنهج ج 3 ص 83 وأسنى المطالب ج 2 ص 502 وتحفة المحتاج ج 2 ص 365 ونهاية المحتاج ج 4 ص 337.
وروى عن أحمد أنها ان كانت ذات زوج، لم يثبت النسب بدعوتها لافضائه الى الحاق النسب بزوجها بغير اقراره ولارضائه، أو الى أن امرأته وطئت بزنا أو شبهة، وفى ذلك ضرر عليه فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به، وان لم يكن لها زوج قبلت دعوتها لعدم الضرر.؟
ونقل الكوسج عن أحمد رواية ثالثة فى امرأة ادعت ولدا، ان كان لها أخوة أو نسب معروف، فلا تصدق الا ببينة، لانه ان كان لها أهل ونسب معروف لم تخف ولادتها عليهم، ويتضررون بالحاق النسب بها، لما فيه من تعيير بولادتها من غير زوجها، وليس كذلك اذا لم يكن لها أهل.
وقال ابن قدامة: يحتمل ألا يثبت النسب بدعوتها بحال، لانها يمكنها أقامة البينة على الولادة فلا يقبل قولها بمجرده
(1)
.
مذهب الظاهرية:
المرأة فى استلحاق الولد بنفسها كالرجل، بل هى أقوى سببا فى ذلك لانه يلحق بها من حلال كان أو من حرام
(2)
.
مذهب الزيدية:
يصح الاقرار بالولد من المرأة الحرة ولو بكرا، أو رتقاء سواء كان قبل الزواج.
أو فى خلاله، أو بعده، فلو أقرت أن هذا ولدها قبل أن تزوج، ولو كانت بكرا، أو رتقاء، فانه يصح اقرارها بلا خلاف لجواز أن العلوق حصل بتسرب ماء الرجل اليها عند الاستمتاع بظاهر قبلها، وكذا لو أقر به وهى مزوجة، وهو لا يمكن أن يكون من زوجها لاجل السن التى هو عليها عند اقرار الزوجية والنكاح، وكذا لو أقرت به وهى مطلقة وحصل بعد زوال الفراش.
وهذا كله ما لم يستلزم اقرارها به لحوق نسب الولد بالزوج، بأن يحتمل كونه منه، كأن تأتى به لاكثر من ستة أشهر من يوم الزواج، أو تكون مطلقة، وهو يصح لحوقه به فى زمن الفراش، فلا يصح اقرارها بالولد عندنا اذا ناكرها الزوج فى الولادة، فان صدقها أو سكت صح اقرارها، ولو استلزم لحوقه به.
واذا ادعت امرأة لقيطا لحقها كالاب، ولا يلحق بزوجها، ولا سيدها باقرارها.
وقيل لا يلحق بالمزوجة لاستلزامه لحوق الزوج
(3)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 6 ص 400، ص 402 وج 5 ص 335
(2)
المحلى ج 10 ص 323.
(3)
التاج المذهب ج 4 ص 49، ج 3 ص 452، والبحر الزخار ج 4 ص 288.
مذهب الإمامية:
لو أقرت المرأة بولد قبل اقرارها سواء كانت ذات زوج أولا.
وهذا يقتضى عدم الفرق بين دعوى الاب ودعوى الام، وهو أحد القولين فى المسألة.
وأصحهما الفرق، وأن ذلك مخصوص بدعوى الاب.
وأما الام فيعتبر التصديق لها لورود النص على الرجل، فلا يتناول المرأة واتحاد طريقهما ممنوع لامكان اقامتها البينة على الولادة دونه.
واذا ادعت امرأة لقيطا بأنه ولدها لم يثبت نسبه منها الا ان يبلغ ويصدقها، أو تقيم البينة، فان أقامتها ألحق بها وبالزوج بلا خلاف.
وقيل ان ادعته ولم تقم بينة فانه يقبل اقرارها على نفسها سواء كان معها زوج أو لم يكن
(1)
.
مذهب الإباضية:
المرأة ان قالت هذا ابنى.
فقيل لا تصدق الا ان أتت بمن يشهد على ولادته.
وقيل يجوز استلحاقها ان صدقها أبوه، لان الفراش له فالاستلحاق له، لا لها.
والمختار هو تصديقها بلا شرط تصديق اب فيما يصدق فيه الرجل ان ادعى ولدا.
ويشترط فيها ما يشترط فى الاب.
ولكن الظاهر أنه ان أنكره الاب بطل.
ثم اذا أقرت به لم يدخل الى الاب.
ولعل المراد أنه يرثها ولو أنكره الاب، لان اقرارها راجع لان يرثها فقط
(2)
.
واذا كان الطفل فى يد امرأة فادعت أنه ابنها من زوجها هذا، وأنكر، فلا يشتغل بانكاره ان سكنت مع زوجها أكثر من ستة أشهر، أو عرف على فراشه، وكذا لو لم تسكن معه وأمكن الوط ء.
وقال شارح كتاب أبى اسحاق: اقرار المرأة بابن لا يصح ولا يثبت به النسب
(3)
.
استلحاق ولد الزنا
مذهب الحنفية:
اذا زنى رجل بامرأة فجاءت بولد فادعاه الزانى لم يثبت نسبه منه،
(1)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 29 والروضة البهية ج 2 ص 225، 226 وتحرير الأحكام ج 2 ص 124.
(2)
النيل ج 8 ص 498، ص 499.
(3)
شرح النيل ج 6 ص 653، ص 654، ج 8 ص 499.
لانعدام الفراش، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«الولد للفراش وللعاهر الحجر» .
اما المرأة فيثبت نسبه منها، لان الحكم فى جانبها يتبع الولادة، سواء كان بالنكاح، أو بالسفاح، وقد وجدت.
ولو ادعى رجل صبيا فى يد امرأة فقال: هو ابنى من الزنا، وقالت المرأة هو من النكاح لا يثبت نسبه من الرجل ولا من المرأة - من هذا الرجل لان الرجل أقر أنه ابنه من الزنا، والزنا لا يوجب النسب والمرأة تدعى النكاح والنكاح لا بد له من حجة.
وكذلك لو كان الامر على العكس بأن ادعى الرجل أنه ابنه من النكاح، وادعت المرأة أنه من الزنا، لما قلنا.
ولو قال الرجل بعد ذلك فى الصورة الاولى هو من النكاح، أو قالت المرأة بعد ذلك فى الصورة الثانية هو من النكاح، يثبت النسب، وان كان ذلك منهما تناقضا، لان التناقض ساقط الاعتبار شرعا فى باب النسب
(1)
.
مذهب المالكية:
لا يصح استلحاق مقطوع النسب كولد الزنا الثابت أنه ولد زنا، لان الشرع قطع نسبه عن الزانى
(2)
.
مذهب الشافعية:
لا يجوز استلحاق ولد الزنا مطلقا سواء أمكن نسبته اليه من حيث السن أولا وسواء كان المستلحق هو الواطئ أولا
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يلحق المرأة ولدها من الزنا دون الرجل
(4)
.
مذهب الظاهرية:
الولد يلحق بالمرأة اذا زنت به ولا يلحق بالرجل
(5)
.
مذهب الإمامية:
يبطل اقرار المقر بنسب المنفى عنه شرعا كولد الزنا وان كان على فراشه، كما لو زنى بأمرأة ثم تزوجها فماتت عن ولد لدون ستة أشهر من حين الدخول بعد التزويج
(6)
.
استلحاق الولد المنفى بلعان
مذهب الحنفية:
ان كذب الملاعن نفسه بدعوة الولد بعد ما فرق القاضى بينهما ثبت النسب منه ولو كان الولد المنفى كبيرا جاحدا للنسب من النافى، لان أصل النسب ثابت بالفراش واستتر باللعان وبقى موقوفا
(1)
البدائع ج 6 ص 242، 243 والفتاوى الهندية ج 4 ص 127، ص 128.
(2)
الخرشى ج 6 ص 117.
(3)
تحفة المحتاج ج 2 ص 222 ونهاية المحتاج ج 4 ص 80.
(4)
المغنى ج 6 ص 400، ص 401.
(5)
المحلى ج 10 ص 323.
(6)
الروضة البهية ج 2 ص 225.
على حقه، فاذا أقر به بعد الانكار صح اقراره.
وعليه الحد، ولا تصح دعوة غير النافى، وان صدقه الولد، لاحتمال تكذيب الملاعن نفسه.
وقال البهنسى: تصح دعوة غيره ان كان الولد ممن يولد مثله لمثله وادعاه بعد موت الملاعن لان النسب مما يحتاط فى اثباته وهو مقطوع النسب عن غيره ووقع الاياس من ثبوته من الملاعن.
هذا اذا كان الولد حيا فان كان الولد قد مات فسيأتى بعد فى استلحاق الميت
(1)
.
مذهب المالكية:
اذا استلحق الرجل الولد الذى نفاه بلعان، فانه يلحق به ويحد، لانه أكذب نفسه فيما رماها به
(2)
.
مذهب الشافعية:
المنفى بلعان ان ولد على فراش نكاح صحيح، لم يجز لاحد استلحاقه، لما فيه من ابطال حق النافى، وللنافى استلحاقه بعد نفيه فان ولد على فراش وط ء.
بشبهة او نكاح فاسد جاز للغير استلحاقه لانه لو نازعه قبل النفى سمعت دعواه
(3)
مذهب الحنابلة:
متى أكذب النافى نفسه بعد نفيه الولد، وبعد اللعان لحقه نسبه باستلحاقه
(4)
.
مذهب الظاهرية:
ان كانت المرأة الملاعنة حاملا فبتمام اللعان منهما جميعا ينتفى نسب الحمل، ذكره أو لم يذكره، الا أن يقر به فيلحقه، ولا حد عليه فى قذفه لها مع اقراره بأن حملها منه اذا تم اللعان
(5)
.
مذهب الزيدية:
لو نفى ولدا ثم وقع اللعان بينهما، حكم بالنفى ثم أكذب نفسه بعد ذلك وأقر بالولد فانه يصح الرجوع من الزوج عن النفى
(6)
.
مذهب الإمامية:
قال صاحب جواهر الكلام: لو أكذب النافى نفسه بعد اللعان لحق به الولد بلا خلاف فيه نصا وفتوى، ولكن فيما عليه لا فيما له، لاقراره أولا بالانتفاء
(1)
المبسوط ج 17 ص 158، ص 159، ص 106، ابن عابدين ج 2 ص 643، وفتح القدير ج 3 ص 262، ج 6 ص 270.
(2)
الدسوقى على الكبير ج 4 ص 470 والصاوى ج 1 ص 422 الخرشى ج 4 ص 150
(3)
تحفة المحتاج ج 2 ص 223، أسنى المطالب ج 3 ص 387.
(4)
كشاف القناع ج 3 ص 252، المغنى ج 9 ص 35، ص 36.
(5)
المحلى ج 10 ص 144 سنة 1943 م
(6)
التاج المذهب ج 3 ص 265، شرح الأزهار ج 2 ص 518.
عنه، ولذا يرثه الولد، ولا يرثه الاب ولا من يتقرب اليه به.
ووافقه على هذا صاحب السرائر فى الفقه، وصاحب المختصر النافع.
ولو اعترف بالولد فى أثناء اللعان لحق به وتوارثا وعليه الحد
(1)
.
مذهب الإباضية:
ان أكذب الملاعن نفسه فاستلحق الولد المنفى لحقه
(2)
.
استلحاق أحد التوأمين
مذهب الحنفية:
من ادعى نسب أحد التوأمين ثبت نسبهما منه، لانهما خلقا من ماء واحد، فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر، هذا لان التوأمين ولدان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر فلا يتصور علوق الثانى حادثا من ماء آخر.
وكذلك يثبت نسبهما ان نفى أول التوأمين، وأقر بالثانى أو عكس
(3)
(انظر لعان وحد).
مذهب المالكية:
اذا استحلق الشخص أحد التوأمين فان التوأم الآخر يلحق به.
فان كان بينهما ستة أشهر فأكثر، فليسا بتوأمين لا يلحق أحدهما باستلحاق الآخر.
لان كل واحد منهما حمل مستقل، فله استلحاقهما، أو استلحاق أحدهما، ونفى الآخر
(4)
.
مذهب الشافعية:
ان نفى أحد التوأمين، واستلحق الآخر، أو سكت عن نفيه، أو نفاهما، ثم أستلحق أحدهما لحقاه، ويغلب الاستلحاق على النفى لقوته، هذا اذا كان بين وضعيهما أقل من ستة أشهر، أما اذا كان بينهما ستة أشهر فأكثر فهما حملان
(5)
.
مذهب الحنابلة:
ان ولدت امرأته توأمين بينهما دون ستة أشهر فاستلحق أحدهما ونفى الآخر لحقا به، ويجعل ما نفاه تابعا لما استلحقه.
وكذلك يثبت نسبهما منه ان استلحق أحدهما، أو نفاه وسكت عن الآخر
(6)
.
(1)
تحرير الأحكام ج 2 ص 70، الخلاف فى الفقه ج 2 ص 291 م 40 المختصر النافع ج 1 ص 212 جواهر الكلام ج 2 باب اللعان، السرائر فى الفقه ج 1 ص 344.
(2)
شرح النيل ج 3 ص 545، ص 546.
(3)
تكملة فتح القدير ج 6 ص 266 والاختيار ج 2 ص 20، وابن عابدين ج 2 ص 641.
(4)
الخرشى ج 6 ص 158، والدسوقى ج 4 ص 475، والصاوى ج 1 ص 424.
(5)
تحفة المحتاج ج 3 ص 340، ص 341
(6)
المغنى ج 9 ص 39، ص 41.
مذهب الزيدية:
من أقر بأحد التوأمين أنه ابنه وصدقه لزمه الثانى وان كذبه، وان أقر بالثانى بعد نفى الاول والملاعنة، لزمه الولدان
(1)
ويحد.
مذهب الإمامية:
لو ولدت المرأة توأمين بينهما أقل من ستة أشهر، فاستلحاق أحدهما لحقه الآخر ولا يقبل نفيه، ولو كان بينهما ستة أشهر فصاعدا فلكل حكم نفسه
(2)
.
استلحاق الحمل
مذهب الحنفية:
ان أقر الزوج بحمل زوجته، ثم طلقها، أو توفى فجاءت بولد لاقل من سنتين، فأنكر الزوج الولادة، أو أنكرها ورثته بعد وفاته، وادعت هى، فانه يثبت النسب عند محمد وأبى يوسف بشهادة امرأة واحدة وعند أبى حنيفة يثبت من غير شهادة، لان النسب ثابت قبل الولادة بالفراش.
قال ابن عابدين جاء ذلك فى الكنز والهداية وصرح به فى البدائع، لكن رده الزيلعى بأنه سهو، وأنه لا بد من شهادة القابلة بتعيين الولد اجماعا فى جميع الصور، وهو ما جاء
فى الجوهر: من أنه لا بد من شهادة القابلة، لجواز أن تكون ولدت ولدا ميتا.
أما ان جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة لم يثبت، لان الحمل حادث بعد الطلاق، فلا يكون منه الا أن يدعيه وهذا فى حالة قيام الفراش.
أما فى غير الفراش فالاقرار بالحمل اقرار بالولد، اذ الحمل عبارة عن الولد، ويثبت نسبه من المقر ان جاءت به لاقل من ستة أشهر من وقت الاقرار للتيقن بوجوده فيه، فان جاءت به لاكثر من ستة أشهر، لم يلزمه النسب، لانا لم نتيقن بوجود هذا الحمل فى ذلك الوقت، لجواز أنها حملت بعد ذلك، فلا يثبت النسب بالشك
(3)
مذهب المالكية:
يصح استلحاق الحمل ولا يتوقف ذلك على الولادة فى الظاهر
(4)
.
واذا استلحقة فليس له أن ينفيه بعد ذلك
(5)
ان أتت به لدون ستة أشهر، أو كانت ظاهرة الحمل يومها
(6)
.
(1)
التاج المذهب ج 4 ص 45، وج 2 ص 265.
(2)
قواعد الأحكام ج 2 ص 95.
(3)
البدائع ج 3 ص 216، ص 217، فتح القدير ج 3 ص 306، ابن عابدين ج 3 ص 37
(4)
حاشية العدوى على الخرشى ج 6 ص 119.
(5)
الخرشى ج 4 ص 148.
(6)
الخرشى ج 4 ص 225.
مذهب الشافعية:
من استلحق حملا تعذر عليه نفيه كما فى الولد المنفصل
(1)
، وهذا ان ولدته لاقل من أكثر مدة الحمل من وقت الاقرار
(2)
.
وفى غير الفراش ان ادعى الحمل فأتت بالولد لدون ستة أشهر لحقه، وان ولدته لستة أشهر فأكثر فلا يلحقه
(3)
.
مذهب الحنابلة:
ان استلحق الحمل فمنهم من قال:
لا يصح استلحاقه، وهو المنصوص عن أحمد، لأنه لو صح استلحاقه، للزمه نسبه، لعدم امكان نفيه بعد ذلك، كالمولود ولا يلزمه ذلك بالاجماع، ولان للشبه أثرا فى الاستلحاق، بدليل حديث الملاعنة، والشبه لا يعرف الا بعد الوضع، فاختص صحة الاستلحاق به، فعلى هذا لو استلحق الحمل، ثم نفاه بعد وضعه كان له ذلك.
ومنهم من قال: يصح استلحاقه، لانه محكوم بوجوده، بدليل وقف الميراث، فصح الاقرار به، كالمولود، فعلى هذا اذا استلحقه لم يملك نفيه بعد ذلك، كما لو استلحقه بعد الوضع
(4)
.
مذهب الزيدية:
يصح الاقرار من الزوج بالحمل ويثبت نسبه، فاذا أقر أن زوجته، أو مملوكته قد علقت منه، فلا يصح بعده النفى، ولا يحتاج بعد ذلك الى دعوى مهما أتت به لدون ستة أشهر من يوم اقراره أو لدون أربع سنين، وقد علم وجود الحمل بحركة أو نحوها
(5)
.
ولتمام الموضوع فى كل المذاهب أنظر مصطلح (نسب واستيلاد ولعان).
استلحاق الميت:
مذهب الحنفية:
ان أكذب الملاعن نفسه بدعوة الولد المنفى بعد أن مات الولد لم يصدق، لان الولد قد استغنى عن شرف النسب بالموت، ولان الاب مدع للمال، لا مقر بالنسب، وبمجرد الدعوى لا يستحق المال اذا لم يكن مناقضا فى الدعوى، فاذا كان مناقضا فبالاولى، الا أن يكون الولد الميت قد ترك ابنا أو بنتا، فحينئذ يصدق الاب، ويثبت النسب، لانه الآن مقر بالنسب، فان ولد الابن ينسب اليه، كولد الملاعنة.
ولو كانت المنفية بنتا فماتت عن ابن وأكذب الملاعن نفسه لم يصدق ولم يرث فى قول أبى حنيفة، لان كلامه الآن فى
(1)
أسنى المطالب ج 3 ص 386.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 19.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 411.
(4)
المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 47، ص 54.
(5)
التاج المذهب ج 4 ص 46.
دعوى المال، لا فى الاقرار بالنسب، لان نسب الولد الى قوم أبيه دون قوم أمه.
وعن محمد وأبى يوسف: يصدق ويحد ويرث، لانها ماتت عمن يخلفها، فان الولد كما ينسب الى أبيه ينسب الى أمه، وكما يتشرف بشرف الاب يتشرف بشرف الام، وأب الام يسمى أبا مجازا كأبى الاب.
وكذلك ان كان اللقيط ميتا وترك مالا أو لم يترك فادعى انسان أنه ابنه، لا يصدق، ولا يثبت نسبه منه الا بحجة، لاحتمال ظهور مال له
(1)
.
مذهب المالكية:
يصح الاستلحاق، وان كان المستلحق ميتا، كبيرا كان أو صغيرا.
ولو نفى ولده ولا عن فيه، ثم مات الولد عن مال، ثم استلحقه أبوه، فان الاب يحد، ويلحق به الولد، ويرثه بشرط أن يكون للولد الميت ولد حر مسلم، ولو أنثى يشاركها الاب.
فان لم يكن له ولد - بأن عدم رأسا أو وجد، ولكن ليس على الصفة التى تجعله أهلا للميراث، بأن كان عبدا أو كافرا، فانه
يرثه أيضا ان قل المال الذى يحوزه المستلحق لضعف التهمة كما ذكره أبو ابراهيم الاعرج.
وقيل: الذى ينبغى اتباعه: هو التهمة فقد يكون السدس كثيرا، فينبغى أن لا يرثه، ولو كان للميت ولد، وقد يكون المال كله يسيرا، فينبغى أن يرثه وان لم يكن له ولد.
واستلحاقه له فى مرضه كاستلحاق له بعد موته
(2)
.
مذهب الشافعية:
يصح للمستلحق أن يستلحق ميتا صغيرا، ولو بعد أن قتله، ولا يبالى بتهمة الارث، وسقوط القصاص، وسواء أخلف ولدا أم لا، لان النسب يحتاط له، ومن ثم ثبت بمجرد الامكان.
وكذا يصح فى الاصح أن يستلحق ميتا كبيرا لم يسبق منه انكار، لاستلحاقه حال حياته فى حال تكليفه كأن سكت، لان الميت لما تعذر تصديقه كان كالمجنون والصغير.
(1)
المبسوط ج 17 ص 158، ص 159، ص 106 وفتح القدير ج 4 ص 419، ص 420، وابن عابدين ج 2 ص 325.
(2)
الخرشى ج 6 ص 119، ج 4 ص 150، الدسوقى ج 4 ص 47، والصاوى ج 1 ص 422
ويرث المستلحق - بكسر الحاء - المستلحق - بفتح الحاء - سواء كان صغيرا أو كبيرا لان الارث فرع النسب وقد ثبت
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ان أقر بنسب ميت صغير ثبت نسبه منه، لان علة ثبوت نسبه فى حياته الاقرار به وهو موجود بعد الموت، فيثبت كحاله فى الحياة.
وكذلك ان كان الكبير العاقل المقر بنسبه ميتا ثبت نسبه وارثه - اذا لم يسبقه انكار منه لاستلحاقه حال حياته - لأنه لا قول له فأشبه الصغير
(2)
.
مذهب الزيدية:
ان ادعى لقيطا بعد موته، ولا ولد له، فلا بد لثبوت النسب من البينة، أو الحكم.
وان أكذب الملاعن نفسه، فأقر بنسب الولد المنفى بعد موته، لم يرثه الاب الملاعن، ولا يثبت النسب ويحد للقذف.
وقال بعض المذاكرين: ان كان للولد المنفى الميت ولد لحق نسبه بالاب الملاعن، وكان جدا لابن المنفى، ولا يرث منه شيئا، لانه أقر بحق له، وهو الارث، فلا يصدق،
وبحق عليه، وهو لحوق النسب به فيصح اقراره.
والاصح للمذهب ما حكاه أبو جعفر فى شرح الابانة عن الهادى قال: انه ان لم يكن للولد المنفى الميت ولد لم يثبت نسبه ولا ميراثه، وان كان له ولد ثبت نسبه وميراثه، لان النسب أصل، والميراث فرع، واذا ثبت الاصل ثبت الفرع.
وقال الناصر: يثبت نسب الولد المنفى سواء كان له ولد أم لا
(3)
.
مذهب الإمامية:
اذا مات صبى مجهول النسب فأقر انسان ببنوته ثبت نسبه صغيرا أو كبيرا سواء كان له مال أو لم يكن، وكان ميراثه للمقر، ولا يقدح فى ذلك احتمال التهمة كما لو كان حيا، ويسقط اعتبار التصديق فى طرف الميت ولو كان كبيرا، لانه فى معنى الصغير.
واذا أتت المرأة الرجل بولد فنفاء باللعان، ثم مات الولد، فرجع الزوج، فأقر بنسبه، فانه لا يلحقه، ولا يرثه الاب، سواء خلف الولد ولدا، أو لم يخلف، لان نسبه منقطع باللعان بلا خلاف، واعادته تحتاج الى دليل.
(1)
تحفة المحتاج ج 2 ص 223، ص 224، اسنى المطالب ج 3 ص 387.
(2)
المغنى ج 5 ص 333، ص 334، كشاف القناع ج 4 ص 300.
(3)
شرح الأزهار ج 2 ص 517، ص 518
وقيل: لو كان للولد الميت ولد ورثه
(1)
.
استلحاق اللقيط
مذهب الحنفية:
لو ادعى الملتقط أن اللقيط ابنه ثبت نسبه منه بنفس الدعوة استحسانا.
والقياس أن لا يثبت الا بالبينة، لانه لما ادعى أنه لقيط، كان نافيا نسبه، فلما ادعاه تناقض.
وجه الاستحسان: أنه عاقل أخبر بأمر محتمل الثبوت، فيجب تصديقه، تحسينا للظن به وهو الاصل، الا اذا كان فى تصديقه ضرر بالغير، وفى التصديق هنا نظر من الجانبين، والتناقض لا يضر فى دعوى النسب، لان النسب مما يخفى ثم يظهر.
وكذا يثبت نسبه من غير الملتقط بنفس الدعوة استحسانا، سواء صدقه الملتقط فى ذلك أولا، لانه اقرار للصبى بما ينفعه، فكان المدعى به أولى من غيره.
والقياس أن لا يثبت اذا كذبه الملتقط، لمتضمن هذا الاقرار ابطال يد الملتقط الثابتة عليه حقيقة وشرعا، والاقرار اذا تضمن ابطال حق الغير لا يصح.
وكذا يثبت نسبه من المدعى سواء كان مسلما أو ذميا استحسانا.
والقياس: ألا تصح دعوة الذمى، لانا لو صححنا دعوته وأثبتنا نسب الولد منه، للزمنا استتباعه فى دينه، وهذا يضر فلا تصح دعوته.
وجه الاستحسان: أنه ادعى أمرين ينفصل أحدهما عن الآخر فى الجملة، وهو النسب والتبعية فى الدين، اذ ليس من ضرورة كون الولد منه أن يكون على دينه، بأن أسلمت أمه فيصدق فيما ينفعه وهو النسب، ولا يصدق فيما يضره ويكون مسلما.
هذا اذا أقر الذمى أنه ابنه ولا بينة له، فان أقام البينة على ذلك ثبت نسب الولد منه ويكون على دينه ان كان الشهود من المسلمين.
والفرق أنه متهم فى اقراره، ولا تهمة فى الشهادة.
وكذلك تصح دعوة المدعى ويثبت نسبه منه، سواء كان المدعى حرا أو عبدا، لكنه يكون حرا، لما ذكرنا فى دعوى الذمى.
ولو ادعته امرأة أنه ابنها فقد مر تفصيله فى استلحاق المرأة.
(1)
شرائع الاسلام ج 2 ص 115، والخلاف ج 2 ص 291 م 40 قواعد الأحكام ج 2 ص 94
وهذا كله اذا كان اللقيط حيا، فان كان ميتا فقد مر تفصيله أيضا فى استلحاق الميت
(1)
.
مذهب المالكية:
لا يلحق اللقيط شرعا بمن التقطه، ولا بغيره اذا استلحقه الا بأحد أمرين:
أولا: بينة تشهد له بأنه ابنه، ولا يكفى قول البينة: أنه ضاع له ولد أو طرح، فان أقامها لحق به، سواء كان اللقيط محكوما باسلامه أو كفره، وسواء كان المستلحق له - الذى شهدت له البينة - الملتقط أو غيره، وسواء كان الملتقط مسلما أو كافرا.
ثانيا: وجه يفيد الظن بصدق المدعى، كمن عرف أنه لا يعيش له ولد، فزعم أنه طرحه لما سمع أنه اذا طرح المولود عاش، أو طرحه لغلاء، أو خوف عليه من شئ بينه مما يدل على صدقه فيلحق بصاحب الوجه المدعى أنه ولده.
والوجه بمنزلة البينة فى الصور المتقدمة عند ابن عرفة والاجهورى والشيخ مصطفى الجزايرى.
وقيل: يكون بمنزلتها فى أربع منها فقط وهى: ما اذا كان المستلحق مسلما،
سواء كان الملتقط، أو غيره، وسواء كان اللقيط محكوما باسلامه، أو بكفره، وهو ما ذهب اليه بعضهم، وأيضا هو ما يفهم من قول الشيخ أحمد الزرقانى: وأما اذا استلحقه ذمى فلا بد من البينة
(2)
.
مذهب الشافعية:
من استلحق اللقيط لحقه بلا بينة ولا قافة، وتثبت أحكام النسب من الجانبين لان اقامة البينة على النسب مما يعسر، ولو لم نثبته بالاستلحاق لضاع كثير من الانساب، ويشترط فيه ما تقدم من الشروط، ولا فرق فيه بين الملتقط وغيره.
فان كان المستلحق له كافرا، فانه يلحقه كالمسلم لاستوائهما فى الجهات المثبتة للنسب.
وان استلحقه ملتقطه فيستحب سؤاله عن السبب، فربما يتوهم أن الالتقاط يفيد النسب.
قال الزركشى: وينبغى وجوب سؤاله اذا كان ممن يجهل ذلك احتياطا للنسب
(3)
.
(1)
البدائع ج 6 ص 199، ص 252، ص 253، فتح القدير والعناية على الهداية ج 4 ص 418، ص 421 وابن عابدين ج 2 ص 325
(2)
الخرشى ج 7 ص 132، ص 133، الدسوقى ج 4 ص 128، الصاوى على الشرح الصغير ج 2 ص 288.
(3)
أسنى المطالب ج 2 ص 502، تحفة المحتاج ج 2 ص 365.
مذهب الحنابلة:
ان اقر انسان أن اللقيط ولده ألحق به، مسلما كان المقر، أو ذميا يمكن كون اللقيط منه، رجلا كان أو امرأة، حيا كان اللقيط أو ميتا، لانه مصلحة محضة للطفل، لوجوب نفقته وكسوته واتصال نسبه.
فان كان المدعى رجلا مسلما حرا لحق نسبه به، ثم ان كان هو ملتقطه أقر فى يديه، وان كان غيره، فله أن ينتزعه من الملتقط، لانه قد ثبت أنه أبوه، فيكون أحق بولده.
وان كان المدعى ذميا لحق به، ويلحق به فى النسب، لا فى الدين، ولا حق له فى حضانته، ولا يسلم اليه الا أن يقيم الذمى بينة أنه ولد على فراشه فيلحقه دينا، بشرط استمرار أبويه على الحياة والكفر الى بلوغه عاقلا.
ولا يلحق اللقيط بزوجة المقر بدون تصديقها، لان اقراره لا يسرى عليها
(1)
.
مذهب الظاهرية:
كل من ادعى أن ذلك اللقيط ابنه من المسلمين، صدق أن أمكن أن يكون ما قال حقا، فان تيقن كذبه، لم يلتفت الى دعواه لان الولادات لا تعرف الا بقول الآباء
والامهات، وهكذا انساب الناس كلهم ما لم يتيقن الكذب.
فان أدعاه كافر لم يصدق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة وعلى الملة» ففى تصديقه اخراج اللقيط عن ما قد صح له من الاسلام، ولا يجوز ذلك الا حيث أجازه النص ممن ولد على فراش كافر من كافرة فقط
(2)
.
مذهب الزيدية:
ان ادعى الملتقط أن اللقيط ابنه قبل قوله، لكن يندب للحاكم مساءلة الملتقط من أين صار ابنا له؟ لئلا يعتقد البنوة لاجل التربية.
وان ادعاه غير الملتقط ووصفه بأمارات يغلب على الظن صدقه لاجلها، قبلت دعواه، ودفع اليه وان لم يقم البينة على أنه ولده.
وان ادعى كافر بنوة لقيطه لحقه نسبه، لصحة اقراره ولم يلحقه فى الدين لتقدم الحكم باسلامه لاجل الدار.
وقيل: يلحقه فى دينه أيضا بمجرد الدعوى كما لو ثبت ببينة
(3)
.
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 436، ص 437.
المغنى ج 6 ص 391، 392.
(2)
المحلى ج 8 ص 276.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 288، التاج المذهب ج 3 ص 452.
مذهب الإمامية:
اذا ادعى أجنبى بنوة لقيط صغير ألحق به اذا كان المدعى أبا وان لم يقم بينة، وسواء كان المدعى حرا أو عبدا، مسلما أو كافرا، وكذا لو كان أما.
فان كان المدعى حرا مسلما دفع اليه اللقيط وألزم بالنفقة عليه.
وان كان ذميا لحق به، ولا حضانة له، وعليه نفقته، ولا يحكم بكفره، الا أن أقام الكافر بينة فالاقرب الحكم بكفره.
وقيل: تقبل دعوى الذمى، ويلحق به نسبا ودينا وان لم يقم بينة لقوله تعالى:«أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» }.
(1)
واذا ثبت نسبه بلا خلاف، حكمنا بكفره، لان ولد الكافر يكون كافرا، والحكم باسلامه يحتاج الى شرع.
وفى كل موضع حكمنا بثبوت نسبه للرجل، فلا يثبت فى طرف زوجته ان نسبه اليها، الا أن تصدقه المرأة
(2)
.
استلحاق ولد من جماعة
خاصة دون تعيين
مذهب الحنفية:
ان ادعى رجل ولدا من جملة أولاد ولدوا فى بطون مختلفة، فقال: أحد هؤلاء ابنى، فما دام حيا يجبر على البيان، فان بين ثبت نسب من بينه، وان مات قبل البيان أجمعوا على أن النسب لا يثبت حتى لا يرث واحد منهم من الميت
(3)
مذهب المالكية:
ان قال المستلحق: أحدهم ولدى ومات ولم يعينه، فلا يثبت لهم نسب، ولا ارث لواحد منهم، لعدم تحقق سببه، وهو النسب فى واحد منهم، ولو غاب بعد أن قال هذا، فانه ينتظر
(4)
.
مذهب الشافعية:
لو استلحق أحد ولدين فقال: أحدهما ولدى، لزمه التعيين فاذا عين أحدهما رتب عليه حكمه من نسب وغيره.
وان مات المستلحق قبل أن يعين أحدهما عينه الورثة، لانهم خليفته وتعيينهم كتعيينه فى ثبوت النسب والارث.
(1)
الآية رقم 21 من سورة الطور.
(2)
شرائع الاسلام ج 2 ص 175 تحرير الاحكام ج 2 ص 124 الخلاف فى الفقه ج 2 ص 29.
(3)
البدائع ج 1 ص 247، الفتاوى الهندية ج 4 ص 129، ص 130.
(4)
الدسوقى ج 3 ص 420 والخرشى ج 6 ص 121، ص 122.
فان قالوا: لا نعلم، عرض الولدان على القائف، ويستدل القائف بالعصبة ان لم يكن رأى المستلحق.
فان فقد القائف، أو أشكل عليه الامر، أو ألحقهما به، أو نفاهما عنه، فلا يثبت لهما نسب ولا أرث، ولا ينتظر بلوغهما لينتسبا، ولا يرجع الى القرعة ليعرف بها من استلحقه منهما، لان النسب والارث لا يثبت كل منهما بالقرعة لانها على خلاف القياس
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ان قال رجل: أحد هذين ابنى - وهما غير معروفى النسب - لزمه البيان، فان عين أحدهما ثبت نسبه، وان مات قبل البيان قام وارثه مقامه فى البيان.
فان لم يكن له وارث، أو لم يعين الوارث عرض الولدان على القافة فألحق به من تلحقه به.
وان لم تكن قافة أو أشكل فلا يثبت النسب، ولا مدخل للقرعة فى تمييز النسب، ويجعل سهمه فى بيت المال، لانا نعلم أن أحدهما يستحق نصيب ولد، ولا يعرف عينه فلا يستحقه بقية الورثة، قاله السامرى
(2)
.
مذهب الزيدية:
يصح الاقرار بنسب مجهول ويتحتم على المقر أن يفسره، فان امتنع كلف ذلك قسرا، فان تمرد عن التفسير أجبر عليه بحبس أو غيره، لانه لما أقر مختارا غير مكره، لزمه باقراره حق، واذا لزم الحق صح اجباره على تعيينه بعد لزومه، واذا مات المقر بالمجهول فانه يصدق وارثه حيث لا وصى
(3)
.
مذهب الإمامية:
لو قال الرجل: أحد هذين ولدى، فأنه يكلف البيان، ويثبت نسب من بينه.
وان لم يعين، ومات، سئل الورثة، فان عينوا، كان مثل ذلك سواء.
وان لم يعينوا، أو اشتبه المعين أو لا ورثة له، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه منهما ألحق به
(4)
.
استلحاق اثنين فأكثر واحدا:
مذهب الحنفية:
لو ادعى اللقيط الملتقط وغيره معا، فالملتقط أولى لاستوائهما فى الدعوة فترجح اليد فان سبقت دعوة الملتقط لا تسمع دعوة الخارج، لانه ثبت نسبه من
(1)
أسنى المطالب ج 2 ص 320، ص 322
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 300، ص 301
(3)
التاج المذهب ج 4 ص 58.
(4)
من الخلاف فى الفقه ج 1 ص 666، ص 667. شرائع الإسلام ج 2 ص 115، تحرير الأحكام ج 2 ص 121.
الملتقط، فلا يتصور ثبوته من غيره بعد ذلك، الا أن يقيم غير الملتقط البينة، لان الدعوة لا تعارض البينة.
ولو ادعاه شخصان غير الملتقط لا يد لاحدهما عليه، فان كان أحدهما مسلما، والآخر ذميا، فالمسلم أولى، وكذا اذا ادعته مسلمة وذمية فالمسلمة أولى، ولو شهد للذمى مسلمان وللمسلم ذميان فهو للمسلم.
ولو كان أحدهما حرا والآخر عبدا فالحر أولى.
وان كانا حرين مسلمين، فان ذكر أحدهما علامة فى بدن اللقيط لا فى ثوبه ولم يذكر الآخر، فوافقت دعوته العلامة فصاحبها أولى، لرجحان دعواه بالعلامة، وهذا كله اذا لم يكن لاحدهما بينة، فان كان لاحدهما بينة فانه يقضى له كما مر
(1)
وان لم يكن لاحدهما بينة ثبت نسبه منهما جميعا وهو ابنهما يرثهما ويرثانه وهو للباقى منهما.
واذا ثبت نسب الصبى من المدعيين، ورث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، لان كلا منهما أقرّ له بميراثه كله، حيث ادعى أنه ابنه وحده، واقراره حجة فى حقه، ويرثان منه ميراث أب
واحد، لان دعوى كل منهما الانفراد بالابوة لا تسرى فى حق الآخر لاجماع الصحابة على نحوه فى زمن عمر رضى الله عنه. وكذا ان أقاما جميعا البينة يحكم بكونه ابنا لهما لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر.
ولو ادعته امرأتان، وأقامت أحداهما البينة، فهى أولى به.
وان أقامتا جميعا البينة أولا بينة لهما فهو ابنهما عند أبى حنيفة.
وعند أبى يوسف: لا يكون لواحدة منهما، لان النسب فى جانب النساء يثبت بالولادة وولادة ولد واحد من امرأتين لا يتصور، فلا يتصور ثبوت النسب منهما، بخلاف الرجال، لان النسب فى جانبهم يثبت بالفراش
(2)
.
واذا كان الصبى فى أيدى زوجين، وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها، وزعمت أنه ابنها من غيره، فهو ابنهما، لان الظاهر أن الولد منهما لقيام أيديهما، أو لقيام الفراش بينهما، ثم كل واحد منهما يريد ابطال حق صاحبه، فلا يصدق عليه.
(1)
فتح القدير ج 4 ص 419.
(2)
البدائع ج 6 ص 252 - 254 - 199، 200، 244 - 247، فتح القدير ج 3 ص 455 ص 458، ابن عابدين ج 3 ص 325.
مذهب المالكية:
اذا ولدت امرأتان واختلط الولدان، فادعى الابوان صبيا واحدا منهما، كل واحد منهما يقول: هذا ابنى ويتنازعان فيه وينفيان الآخر، قال ابن رشد: الواجب عندى على أصولهم أن تدعى له القافة اذ ليس لهما أن ينفيا الآخر عن أنفسهما، وقد علم أنه ابن أحدهما، والذى ادعياه جميعا ليس أحدهما بأولى به من صاحبه، ولا يعترض على هذا بأن القافة لا يحكم بها فى أولاد الحرائر على المشهور كما ذكره ابن رشد فى سماع أشهب من كتاب الاستلحاق، لان العلة فى ذلك هى قوة الفراش فى النكاح، فيلحق الولد بصاحب الفراش الصحيح دون الفاسد، وذلك معدوم هنا، اذ لا مزية لاحد الفراشين على الآخر لصحتهما جميعا.
وقال البرزلى: اذا فرض عدم القافة فانه اذا كبر الولد والى أيهما شاء
(1)
- أى اتخذه وليا يأوى اليه
(2)
- بمنزلة ما اذا أشكل الامر، فان مات الولد قبل ذلك ورثاه
(3)
معا ميراث أب واحد، يقسم بينهما، وان ماتا ورث كل واحد منهما ميراث نصف بنوة، وليس له أن يواليهما معا، لان الشركة لا تصح فى الولد.
وفى نوازل سجنون: رجل له امرأة وله ولد فزعمت المرأة أنه ولدها من زوج غيره، وزعم الزوج أنه ولده من امرأة غيرها أنه يلحق بالزوج ولا يقبل قول المرأة
(4)
.
مذهب الشافعية:
لو استلحق اثنان أو جماعة بالغا عاقلا ووجدت الشروط فيهم ما عدا التصديق ثبت نسبه لمن صدقه منهم، لاجتماع الشروط فيه دون غيره، سواء صارت الام فراشا لهم أم لا فان صدقهم أو لم يصدق واحدا منهم كأن سكت عرض على القائف على الوجه الآتى: فى اللقيط، ولا يحتاج لتصديقه ان ألحقه القائف بأحدهم، لان قول القائف حكم لا استلحاق.
اما ان استلحقا مجهولا صغيرا - لقيطا كان أو غيره - فان استلحقه مسلم وكافر تساويا، لان كلا منهما أهل للاستلحاق لو انفرد فلا مزية.
ولا فرق بين أن يكون لاحد المستلحقين عليه يد أم لا، لان اليد لا تدل على النسب، فان استلحق اللقيط ذو يد، ثم استلحقه آخر، لم يلتفت اليه، لثبوت النسب من الاول معتضدا باليد، الا ان كان الاول هو الملتقط فيعرض اللقيط مع المستلحق الثانى على القائف، فان ألحقه به عرض مع الملتقط، فان ألحقه
(1)
الحطاب والتاج والأكليل ج 5 ص 247.
(2)
المرجع السابق.
(3)
الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 425 ص 426.
(4)
منح الجليل ج 3 ص 428.
به أيضا تعذر العمل بقوله فيوقف، وان نفاه عنه فهو للمدعى، وان لم يستلحقه ذو اليد الا وقد استلحقه الآخر استويا، فلا يقدم ذو اليد اذ الغالب من حال الاب أن يذكر نسب ولده ويشهره، فاذا لم يفعل صارت يده كيد الملتقط فى أنها لا تدل على النسب، فان كان لاحدهما بينة سليمة من المعارض عمل بها، وان لم يكن لواحد منهما، أو كان لكل بينة وتعارضتا وأسقطناهما عرض الولد مع المستلحقين على القائف، فمن ألحقه به لحقه، لاستحالة انعقاد شخص من ماء شخصين كما أجمع عليه الاطباء وبرهنوا عليه.
فان عدم القائف، أو تحير، أو ألحقه بهما، أو نفاه عنهما انتظرنا بلوغه، وأمر بالانتساب قهرا عليه، وحبس ان امتنع، فمن انتسب اليه منهما لحق به، لما رواه البيهقى بسند صحيح أن رجلين ادعيا رجلا لا يدرى أيهما أبوه، فقال عمر رضى الله عنه: اتبع أيهما شئت، ولان طبع الولد يميل الى والده ويجد به ما لا يجد بغيره، والمعتبر ميل طبعه الجبلى لا مجرد التشهى، ولا يقبل رجوعه عن انتسابه لاحدهما، فان فقد الميل منه وقف أمره، فان انتسب الى ثالث وصدقه لحقه، ثم بعد انتسابه لاحدهما أو لثالث متى وجد قول القائف بأن ألحقه بغيره أبطل الانتساب.
وكذا ان وجدت البينة بعد الانتساب أو الالحاق بقول القائف أبطلتهما لانها حجة فى كل خصومة بخلافهما.
وكذلك الحكم لو اشترك رجلان فى وط ء امرأة فولدت ممكنا منهما وتنازعاه، بأن وطئا بشبهة فى طهر واحد، أو وطئ زوجته فطلق فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد، فاذا ولدت ولدا ممكنا منهما لاقل من أربع سنين وأكثر من ستة أشهر من الوطأين، وادعياه جميعا - أو لم يدعياه - عرض على القائف كما مر لامكانه منهما، فان تخلل بين وطئها حيضة فالولد للثانى، وان ادعاه الاول لظهور انقطاع تعلقه به، اذ الحيض امارة ظاهرة على البراءة منه، الا أن يكون الاول زوجا قائم الفراش فى نكاح صحيح. والثانى واطئا بشبهة أو نكاح فاسد، فلا يسقط حق الاول، لان امكان الوط ء مع فراش النكاح الصحيح قائم مقام نفس الوط ء، والامكان حاصل بعد الحيضة، ولا يتعين الزوج للالحاق هنا فى الاصح للاشتباه.
وان ادعى الولد مسلم وذمى، وأقام الذمى البينة تبعه الولد نسبا ودينا، وان لحقه بالحاق القائف تبعه نسبا لا دينا فلا يحضنه.
ولو تنازعت امرأتان لقيطا أو مجهولا وأقامتا بينتين تعارضتا عرض معهما على القائف، فلو ألحقه باحداهما لحقها ولحق زوجها أيضا، كما لو أقامت بينة، فان لم تكن بينة لم يعرض على
القائف لان استلحاق المرأة بدون بينة لا تصح
(1)
.
مذهب الحنابلة:
اذا وطئ رجلان امرأة فى طهر واحد وطئا يلحق النسب بمثله فأتت بولد يمكن أن يكون منهما، مثل أن يطأ رجل امرأة آخر فى الطهر الذى وطئها زوجها فيه، بأن يجدها على فراشه، فيظنها زوجته، أو يدعو زوجته فى ظلمة فتجيبه زوجة آخر، أو يتزوجها كل واحد منهما تزويجا فاسدا، أو يكون نكاح أحدهما صحيحا والآخر فاسدا وتأتى بولد يمكن أن يكون منهما، فانه يرى للقافة معهما فبأيهما ألحقوه لحق
(2)
، وسواء ادعياه أو جحداه، أو ادعاه أحدهما وجحده الآخر
(3)
.
والخلاف فيه كالخلاف الآتى فى اللقيط
(4)
.
وان ادعى نسب اللقيط اثنان أو أكثر سمعت دعواهما، لان كل واحد لو انفرد صحت دعواه، فاذا تنازعوا تساووا فى
الدعوى، ولا فرق بين المسلم والكافر والحر والعبد، فان كان لاحدهما بينة قدم بها.
وان كان اللقيط المدعى نسبه فى يد أحدهما وأقاما بينة، قدمت بينة الخارج، وان تساووا فى البينة بأن أقام كل منهم بينة والطفل بأيديهم، أو ليس بيد واحد منهم، أو تساووا فى عدمها عرض اللقيط مع المدعيين ان ادعياه معا على القافة أو مع أقاربهما ان ماتا، فان الحقته بأحدهما لحق به، وان الحقته القافة بالمدعيين لحق نسبه بهما
(5)
، وكان ابنهما يرثهما ميراث ابن، ويرثانه ميراث أب واحد، لاثر سيدنا عمر رضى الله عنه فى ذلك، فان نفته القافة عنهما، أو أشكل عليهم، أو لم يوجد قافة، أو تعارضت أقوالهم، أو لم يوجد من يوثق بقوله، لم يرجح أحدهما بذكر علامة فى جسده، لان ذلك لا يرجح به فى سائر الدعاوى ويضيع نسبه فى أحد الوجهين وهو قول أبى بكر الخلال، لانه لا دليل لاحدهم، أشبه من لم يدع أحد نسبه.
وقال ابن حامد: نتركه حتى يبلع فينتسب الى من شاء منهم، قال القاضى أبو يعلى: وقد أومأ أحمد الى هذا.
ولا خلاف فى أنه لا يثبت نسبه بالانتساب قبل البلوغ.
(1)
أسنى المطالب ج 2 ص 320، ص 502 ص 503، ج 4 ص 431، ص 432، تحفة المحتاج ج 2 ص 224، ص 365، ج 4 ص 369.
(2)
المغنى ج 6 ص 406، ص 407، ص 400، ص 402.
(3)
كشاف القناع ج 2 ص 439.
(4)
المراجع السابقة كشاف القناع ج 2 ص 437.
(5)
المغنى والشرح الكبير ج 6 ص 403، ص 410، ص 412.
وعلى قول من جعل له الانتساب الى أحدهما لو عاد فانتسب الى الآخر أو نفى نسبه من الاول ولم ينتسب الى أحد لم يقبل منه، وان قامت للآخر بينة بنسبه عمل بها.
وان وجدت قافة بعد انتسابه فألحقته بغير من انتسب اليه بطل انتسابه، لان قول القافة أقوى فبطل به الانتساب
(1)
.
وان ادعت امرأتان نسب ولد، فان كانتا ممن لا يقبل دعوتهما لم تسمع دعوتهما، وان كانت احداهما ممن تسمع دعوتها دون الاخرى، فهو ابن لها كالمنفردة، وان كانتا جميعا ممن تسمع دعوتهما فهما فى اثباته بالبينة أو كونه يرى للقافة كالرجلين
(2)
.
ولا يلحق الولد بأكثر من أم واحدة لانه يستحيل أن يكون من أمين، فان ألحقته القافة بأكثر من أم سقط قولها ولم يلحق بواحدة منهما لتبين خطأ القافة، وليست احداهما بأولى من الاخرى، وان ادعى نسب الولد رجل وامرأة الحق بهما، ويكون ابنهما بمجرد دعواهما كالانفراد لامكان كونه منهما بنكاح أو وط ء بشبهة.
ولو ادعى نسب اللقيط انسان وألحق نسبه به لانفراده، ثم جاء آخر فادعاه، لم يزل نسبه عن الاول، الا أن ألحقته القافة بالثانى فيلحق به وينقطع نسبه عن الاول.
واذا ألحقته القافة بواحد، ثم جاءت أخرى، فألحقته بالآخر، كان لاحقا بالاول، وكذلك ان ألحقته بواحد، ثم عادت فألحقته بغيره، لان قول القائف جرى مجرى حكم الحاكم، ومتى حكم الحاكم حكما لم ينتقض بمخالفة غيره له، فان أقام الآخر بينة أنه ولده حكم له به وسقط قول القائف، لانه بدل فيسقط بوجود الاصل.
وان ألحقته القافة بكافر لم يحكم بكفره، لان الاسلام ثبت له بظاهر الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبهة والظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد
(3)
.
مذهب الظاهرية:
ان تزوج رجلان بجهالة امرأة فى طهر واحد ولم يعرف تاريخ الزواجين فظهر بها حمل فأتت بولد، فانه ان تداعياه جميعا فانه يقرع بينهما فيه، فأيهما خرجت قرعته ألحق به الولد، وهكذا الحكم فيما زاد، سواء كان المتداعيان أجنبيين أو قريبين أو أبا وابنا، فان كان أحدهما
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 404.
(2)
كشاف القناع ج 3 ص 400.
(3)
المغنى ج 6 ص 400.
مسلما والآخر كافرا ألحق بالمسلم حتما بلا قرعة.
وان تداعت امرأتان فأكثر ولدا فان كان فى يد احداهما فهو لها، وان كان فى أيديهن كلهن دعى له القافة.
ولا يجوز ان يكون ولد واحد ابن رجلين وابن امرأتين
(1)
.
مذهب الزيدية:
ان تعدد المدعون لنسب اللقيط واستووا فى كونهم جميعا ذكورا أحرارا مسلمين وفى ادعائه ووصفه فى وقت واحد، فانه يكون ابنا لكل فرد منهم ومجموعهم أب
(2)
.
ومعنى كونه ابنا لكل فرد أنه اذا مات أحد أبويه ورثه ميراث ولد كامل لا نصف ميراث.
ومعنى كونهم جميعا بمنزلة أب واحد أنه لا يلزم كل واحد منهم لهذا الابن من النفقة وصدقة الفطر ونحوهما الا قدر حصته من نصف وثلث ونحوهما، واذا مات أحد الابوين فانه يكمل الباقى منهم أبا، فاذا كان لهذا الميت ابن ومات الولد المدعى نسبه، كان الاب الباقى هو الذى يرثه دون ابن الميت
(3)
.
فان سبق أحد المدعيين بالدعوة استقر نسبه منه ولاحق للمتأخر، وان وصفه أحدهما دون الآخر، فهو أحق اذ الوصف أمارة صدقه كالبينة
(4)
، وان كان لاحدهم مزية باسلام فانه يكون له ولمن شاركه فى تلك المزية، ولو كان أحدهما يهوديا والآخر نصرانيا، فانه يثبت لهما النسب فقط لعدم المزية، أما الدين فلا يلحق الولد بأيهما فيه، لانه قد حكم باسلامه للدار، ولو كان أحدهما فاطميا والآخر غير فاطمى فلا ترجيح بذلك، وكذا لو كان أحدهما صالحا والآخر فاسقا فانه يلحق بهما.
ولو ادعاه رجل وامرأة فانه يكون أبا كاملا والمرأة أما كاملة
(5)
.
وان ادعاه رجل وامرأة غير زوجة له، وبينا فوجوه.
أصحها: يتكاذبان اذ لا مزية لواحد منهما.
وقيل: يعمل ببينة المرأة اذ نشهد بالتحقيق.
وقيل: يعمل ببينة الرجل لئلا يلحق زوجها من لا يقر به
(6)
.
وأما اذا ادعاه امرأتان فان تفردت احداهما بمزية لحق بها، والا فلا
(1)
المحلى ج 10 ص 148.
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 452، ص 453
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 109، ص 110
(4)
البحر الزخار ج 4 ص 289.
(5)
التاج المذهب.
(6)
البحر الزخار.
يلحق بأيهما سواء بينتا أم لا، لان كذب احداهما معلوم بخلاف الرجلين فهو يمكن أن يكون منهما، وهذا ان كان صغيرا، فان بلغ وصدق احداهما فيلحق بها
(1)
.
وقال الامام يحيى: بل يلحقهما كما لو ادعته كل واحدة منفردة وبينت، فان لم تبين لم يصح اقرارها
(2)
.
مذهب الإمامية:
اذا وطئ المرأة اثنان فى طهر واحد وطئا يلحق به النسب بأن تكون مشتبهة عليهما أو زوجة لاحدهما ومشتبهة على الآخر، أو لعقد الاثنان عقدا فاسدا توهما الحل به ثم تأتى بالولد لستة أشهر فصاعدا الى أقصى مدة للحمل.
فادعى كل منهما نسب الولد، فعندنا يحكم بالقرعة، فمن خرجت له لحق به النسب، وكذا ان لم يتداعياه.
وسواء كان الواطئان مسلمين أو مختلفين فى الاسلام والكفر، وسواء كانا أجنبيين أو أحدهما أبا للآخر، وسواء أقام كل واحد منهما أو لم يقم أحدهما بينة ولو أقام أحدهما البينة دون الآخر حكم لصاحب البينة.
ولا اعتبار بالقيافة ولا يجوز الالحاق بمن يلحقه القائف
(3)
.
ولا يلحق الولد برجلين لقوله تعالى «يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى»
(4)
والمراد خلق كل واحد من ذكر وأنثى، فمن قال من أنثى وذكرين فقد ترك الآية
(5)
.
وكذا اللقيط لو تداعى بنوته اثنان.
ولا بينة لاحدهما، أو لكل منهما بينة، فالقرعة لانه من الامور المشكلة وهى لكل أمر مشكل
(6)
، فان كان لاحدهما بينة حكم بها
(7)
ولا ترجيح لاحدهما بالاسلام، وان كان اللقيط محكوما باسلامه ظاهرا على قول الشيخ الطوسى فى الخلاف، لعموم الاخبار فيمن تداعوا نسبا لتكافؤهما فى الدعوى.
ورجح فى المبسوط دعوى المسلم لتأييد الحكم باسلام اللقيط على تقديره وحيث يحكم به للكافر يحكم بكفره على الاقوى للتبعية.
وكذا لا ترجيح بالالتقاط، بل الملتقط كغيره فى دعوى نسبه، لجواز أن يكون قد سقط أو نبذه ثم عاد الى أخذه من ملتقطه.
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 452، ص 453
(2)
البحر الزخار ج 4 ص 289.
(3)
تحرير الأحكام الشرعية ج 2 ص 201.
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 644، ص 645.
(4)
الآية رقم 13 من سورة الحجرات.
(5)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 644، ص 645
(6)
الروضة البهية ج 2 ص 240.
(7)
شرائع الاسلام ج 2 ص 175.
ولا ترجيح للسيد فى النسب، نعم لو لم يعلم كونه ملتقطا ولا صرح ببنوته فادعاه غيره فنازعه، فان قال: هو لقيط.
وهو ابنى، فهما سواء، وان قال هو ابنى واقتصر ولم يكن هناك بينة على أنه التقطه، فقد قرب فى الدروس ترجيح دعواه عملا بظاهر اليد
(1)
.
وكذا الوصف لا يحكم به لانه يجوز أن يكون شاهده أو سمعه
(2)
.
ولو نزل أحدهما للآخر صح ولم يقتصر النزول الى اذن الحاكم
(3)
.
ولو ادعاه امرأتان حكم لذات البينة، فان سقطتا أو تعارضتا احتمل القرعة.
ولو ادعاه رجل وأمرأة فلا تعارض وألحق بهما، لاحتمال حصوله منهما عن نكاح بينهما
(4)
.
مذهب الإباضية:
ان ادعوا منبوذا فمن بين فابنه، وان بينوا جميعا فمشترك بينهم، وكذا ان ادعوا غير المنبوذ، سواء ادعاه المسلمون، أو الكفار، أو النساء، أو الرجال، أو بعض أولئك مع بعض
(5)
.
والمشهور أن لا تكون الشركة فى الولد بين أكثر من اثنين
(6)
.
وقيل يحكم بالشبه والقافة.
وان ولدت امرأتان مسلمتان، أو كافرتان، أو أحداهما مسلمة، والاخرى كافرة، ولا يتميز ولداهما، فاختلف أبواهما أو أماهما أو أولياؤهما عليهما فقيل: يحكم بالشبه والقافة
(7)
.
استلحاق غير الولد
مذهب الحنفية:
يصح اقرار الرجل بالوالد اذا كان المقر يولد لمثله، ولم يكن المقر ثابت النسب من غيره اذا صدقه المقر له فى اقراره اذا كانت له عبارة صحيحة
(8)
.
ومن أقر بأخ أو عم أو ولد ولد أو جد ونحوهم فان كان المقر واحدا، فانه لا يصح اقراره فى حق النسب، فلا يثبت به، وان صدقه المقر له عند أبى حنيفة ومحمد، بل لا بد فيه من البينة، أو تصديق المقر عليه أو الورثة وهم من أهل التصديق، لان فى هذا الاقرار حمل نسب غيره على الغير، فكان شهادة وشهادة الفرد غير مقبولة.
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 242.
(2)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 28.
(3)
شرائع الاسلام ج 2 ص 175.
(4)
تحرير الأحكام الشرعية ج 2 ص 124.
(5)
شرح النيل ج 6 ص 653.
(6)
شرح النيل ج 7 ص 279.
(7)
شرح النيل ج 6 ص 689، ص 690.
(8)
من الفتاوى الهندية ج 4 ص 210.
ويصح فى حق الميراث، لكن بشرط أن لا يكون له وارث أصلا، فان كان فهو أولى بالميراث من المقر له، لان نسبه لم يثبت، فلا يزاحم الوارث المعروف.
ويصح للمقر أن يرجع عن اقراره هذا بعد ذلك ولو صدقه المقر له فيبطل اقراره فى حق الميراث أيضا، لانه وصية معنى، والرجوع عن الوصية صحيح، ومحله ما اذا لم يصدقه المقر عليه، أو لم يقر بمثل اقراره، والا لم ينفع المقر رجوعه عن اقراره، لان نسب المقر له قد ثبت من المقر عليه.
وقال أبو يوسف: يصح اقرار الواحد فى حق النسب أيضا فيثبت به، وبه أخذ الكرخى، لان اقرار الواحد مقبول فى حق الميراث، فيكون مقبولا فى حق النسب كاقرار الجماعة.
وان كان المقر أكثر من واحد بأن كانا رجلين أو رجلا وامرأتين فصاعدا فانه يثبت النسب باقرارهم بالاجماع
(1)
.
هذا فى حق النسب أما فى حق الارث فانظر «ارث» .
ولو أقر الاخ بابن أخيه الميت فالظاهر من كلام المشايخ صحة اقرار هذا الاخ، ويثبت نسبه فى حق نفسه فقط
فيرث الابن دونه، لانه أقر أنه مقدم عليه فى استحقاق ماله واقراره حجة على نفسه
(2)
.
مذهب المالكية:
ان استلحق غير ولد من أخ أو عم أو نحوهما فان المستلحق - بفتح الحاء - لا يثبت نسبه، لانه لا يصح استلحاق غير الاب، ولا يرث المقر ان كان للمقر وارث ثابت النسب حائز للمال منعا للتهمة وعلى ما هو مفصل فى مصطلح (ارث).
والمعتبر وجود الوارث يوم موت المقر لا يوم الاقرار.
وان أقر عدلان - ابنان أو اخوان أو عمان - بثالث، فانه يثبت نسبه ويرث، والمراد بالاقرار هنا الشهادة لان النسب هنا لا يثبت بالاقرار لان الاقرار قد يكون بالظن، ولا يشترط فيه العدالة والشهادة لا تكون الا بتا وجزما، ويشترط فيها العدالة، والنسب لا يثبت بالظن.
وروى المازرى عن ابن القصار: أنه يثبت النسب باقرار غير العدول اذا كانوا ذكورا وحازوا الميراث كله، والمعتمد الاول.
وأن أقر وارث بمن يحجبه كما لو أقر أخ بابن أعطى جميع ماله، وهذا كله
(1)
تكملة فتح القدير على الهداية ج 7 ص 18، ص 19، البدائع ج 7 ص 229، ص 230 ابن عابدين ج 5 ص 618، ص 619.
(2)
ابن عابدين ج 5 ص 619، 620 طبعة الحلبى الثانية.
اذا كان المقر رشيدا، فان كان سفيها لم يؤخذ من حصته شئ
(1)
.
مذهب الشافعية:
اذا ألحق شخص النسب بغيره ممن يتعدى النسب منه الى نفسه بواسطة واحدة وهى الاب كهذا أخى أو بثنتين كالاب والجد فى هذا عمى أو بثلاثة كهذا ابن عمى يجوز ويثبت نسبه من الملحق به لان الوارث يخلف مورثه فى حقوقه، والنسب من جملتها، فيثبت باقراره، ويشترط فيه وراء ما تقدم من الشروط فى الاستلحاق بنفسه.
أولا: أن يكون الملحق به ميتا فيمتنع الالحاق بالحى ولو مجنونا لانه قد يفيق ويصبح أهلا، فلو ألحق بالحى ثم صدق ثبت النسب بتصديقه دون الالحاق.
واذا كان واسطتان كهذا عمى، يشترط تصديق الجد فقط، لانه الاصل الذى ينسب اليه.
ومن اشترط تصديق الاب أيضا كالبغوى فقد أبعد، لان الالحاق ليس بالاب.
ولا يشترط أن لا يكون الملحق به قد نفاه فى الاصح، بل يجوز الالحاق به وان نفاه عنه، قبل موته بلعان أو غيره، لانه لو استلحقه لقبل فكذا وارثه.
ثانيا: أن يكون الملحق به رجلا، لان استلحاق المرأة لا يصح كما مر، فبالاولى استلحاق وارثها، وإن كان رجلا، لأنه خليفتها، جزم به ابن الرفعة.
ونقل عنه العمرانى فى زوائده، أن الاقرار بالام لا يصح، لامكان اقامة البينة على الولادة.
وقال فى الخادم: هذا الرأى - وهو أن وارث المرأة لا يصح استلحاقه - مردود نقلا وتوجيها والاصح خلافه.
أما النقل. فما ذكروه من أنه تشترط موافقة الزوج لبقية ورثة المرأة فى الحاقهم بها.
واما التوجيه. فلان الحاق النسب بغيره أوسع بابا من ألحاقه بنفسه، ولذا تلحق المرأة النسب بغيرها، ولا تلحقه بنفسها.
ثالثا: أن يكون المقر وارثا حائزا لتركة الملحق به حين الاقرار، لانه ان لم يرث الميت لم يكن خليفته، وكذا ان لم يستغرق تركته، وسواء كان رجلا أو امرأة وسواء كان واحدا أو أكثر كابنين أقرا بثالث فيثبت نسبه ويرث منهما ويرثان منه، ولا بد من
(1)
الخرشى ج 6 ص 120، ص 123.
الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 419، ص 422.
موافقة جميع من ورث - ولو بزوجية أو ولاء، على الاستلحاق، ليكون المستلحق حائزا، لان القائم مقام الملحق به مجموعهم لا خصوص المستلحق بكسر الحاء، وينتظر بلوغ الصغير وقدوم الغائب، ليوافقا على الاستلحاق، فان ماتا قبل الموافقة فموافقة وارثهما تعتبر، ولو ورثه بيت مال المسلمين فللامام أن يلحق النسب بالميت وله أن يوافق فيه غير الحائز ان ورث معه، لانه نائب الوارث وهو جهة الاسلام.
ولا يصح الاستلحاق من غير وارث كالقاتل والكافر والعبد والاجنبى، ولا تعتبر موافقة غير الوارث للمستلحق بكسر الحاء.
رابعا: أن يكون المقر لا ولاء عليه.
فلو أقر عتيق بأخ أو عم لم يقبل لاضراره بمن له الولاء.
والاصح فيما اذا أقر أحد الحائزين بثالث وأنكره الآخر أو سكت أن المستلحق - بفتح الحاء - لا يرث، لعدم ثبوت نسبه، ولا يشارك المقر فى حصته ظاهرا وقضاء لكن تحرم على المقر بنت المقر به وان لم يثبت نسبها، مؤاخذة له باقراره احتياطا.
والاصح أنه اذا كان الوارث الحائز يحجبه المستلحق - بفتح الحاء - حجب حرمان كأخ أقر بابن للميت فانه يثبت النسب للابن، لان الوارث الحائز فى الظاهر قد استلحقه ولكن لا ارث له اذ لو ورث لحجب الاخ، واذا حجب الاخ خرج عن كونه وارثا فلم يصح استلحاقه.
وجاء فى نهاية المحتاج ومقابل الاصح عدم ثبوتهما اما الارث فلما مر وأما النسب فلانه لو ثبت لثبت الارث
(1)
.
والاصح أنه لو أقر ابن حائز مشهور النسب بأخوة مجهول، فأنكر المجهول نسب المقر بأن قال: أنا ابن الميت ولست أنت ابنه لم يؤثر فيه، لثبوته وشهرته، ويثبت أيضا نسب المجهول، لان الحائز قد استلحقه، ولا ينظر لاخراجه عن أهلية الاقرار بتكذيبه له
(2)
.
مذهب الحنابلة:
أن أقر انسان بأن هذا أبوه. فهو كأقراره بأنه ابنه فيشترط فيه ما يشترط فى الاقرار بالنسب، وان أقر بنسب أخ أو عم فى حياة أبيه أو جده لم يقبل اقراره.
وان كان الاقرار بالنسب عليه وعلى غيره كاقراره بأخ أو عم اعتبر فيه الشروط الاربعة المذكورة فى شرائط الاستلحاق، وشرط خامس وهو: أن يكون المقر جميع الورثة، لقيام الورثة مقام الميت فى ماله وديونه، فكذا فى النسب.
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 115.
(2)
تحفة المحتاج ج 2 ص 224، ص 226.
أسنى المطالب ج 2 ص 322، 324.
فان كان المقر زوجا أو زوجة ولا وارث معهما، لم يثبت النسب باقرارهما، لان المقر لا يرث المال كله، فان اعترف به الامام معه ثبت النسب، لانه قائم مقام المسلمين فى مشاركة الوارث وأخذ الباقى.
وان كان الوارث بنتا أو أختا أو أما أو ذا فرض يرث جميع المال بالفرض والرد، ثبت النسب بقوله كالابن، لانه يرث المال كله، الا ان يكون الميت قد نفاه قبل موته، فلا يلحق الملاعن نسب المنفى بلعان باستلحاق ورثته له بعد موت الملاعن وبعد تمام لعانه، لانهم يحملون على غيرهم نسبا قد نفاه عنه فلم يقبل منهم.
وان كان أحد الوالدين غير وارث لكونه مخالفا لدين مورثه، أو قاتلا فلا عبرة به، وثبت النسب باقرار الآخر وحده لانه يجوز كل الميراث.
وان كان أحد الوارثين غير مكلف كالصبى والمجنون فأقر المكلف بأخ ثالث لم يثبت النسب باقراره، لانه لا يحوز كل الميراث فان بلغ الصبى، أو أفاق المجنون فأقرا به أيضا ثبت نسبه، لاتفاق جميع الورثة عليه، وان أنكر لم يثبت النسب، وان ماتا قبل أن يصيرا مكلفين ثبت نسب المقر به، لانه وجد الاقرار من الحائز لجميع التركة.
ولو كان الوارثان بالغين عاقلين فأقر به أحدهما، وأنكر الآخر، ثم مات المنكر، وورثه المقر ثبت نسب المقر به، لان المقر صار حائزا لجميع التركة.
وفيه وجه آخر: أنه لا يثبت النسب لانه أنكره بعض الورثة فلم يثبت نسبه كما لو لم يمت.
واذا أقر الوارث بمن يحجبه كأخ أقر بابن للميت، وأخ من أب أقر بأخ من أبوين ثبت نسب المقر به، وورث، وسقط المقر، وهذا اختيار ابن حامد والقاضى، لأنه، ابن ثابت النسب لم يوجد فى حقه أحد موانع الارث، وثبوت النسب سبب للميراث، فلا يجوز قطع حكمه عنه، ولا يورث محجوب به مع وجوده وسلامته من الموانع
(1)
.
مذهب الزيدية:
ان كان هناك واسطة بين المقر والمقر له كالاقرار بأخ أو عم لم يثبت النسب، الا أن يصادق الواسطة ان كان حيا، أو بالبينة والحكم مطلقا.
وفى البحر الزخار من ادعى أخوة رجل بعد موت الاب فبين ثبت نسبه، والا حلف، فان نكل الاخ ثبت الميراث، وفى ثبوت النسب وجهان
(2)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 328، ص 329، ص 330، وكشاف القناع ج 3 ص 252، ج 4 ص 338، 301.
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 14، والتاج المذهب ج 4 ص 45، ص 46.
مذهب الإمامية:
غير الولد من الانساب لا يثبت نسبه الا بتصديق المقر به، فاذا أقر بنسب غير الولد للصلب ولا وارث له وصدقه المقر به توارثا بينهما، ولا يتعدى التوارث الى غيرهما، الا الى أولادهما، ولو كان له ورثة مشهورون لم يقبل اقراره بالنسب.
واذا مات رجل وله ابنان فأقر أحدهما باخ ثالث وأنكره الآخر، فلا خلاف أنه لا يثبت نسبه.
واذا كان الوارث جماعة فأقر اثنان رجلان أو رجه وامرأتان بنسب وكانوا عدولا يثبت النسب، ولو كانوا فاسقين لم يثبت النسب، ويثبت الميراث.
ولو أقر بابن ابنه وابنه ميت اعتبر فيه الشروط المتقدمة فى صحة الاستلحاق مع التصديق
(1)
.
مذهب الإباضية:
استلحاق الابن لابيه جائز وهو أن يقر بأن فلانا أبوه، فان صدقه الاب صار مستلحقا ولزم ذلك وثبت به النسب على ما تقدم، وأن أكذبه فلا عبرة به، ولا يعتبر تصديق المجنون ولا اقراره ..
وقال شارح أبى اسحاق: كل من استلحق أحدا من أقاربه كالاخ وابن الاخ وابن
ابن أو جد أو عم أو غيرهم من الاقارب، فلا يجوز استلحاقه، لانه انما استلحق فى فراش غيره.
والصحيح أن المقر بوارث معه يلزمه أن يعطيه من حظه، ولا يثبت نسبه به ان أنكره غيره كابنين ادعى أحدهما ثالثا وعليه الاكثر.
وان أقر وارث حائز فى ظاهر الحال بمن يحجبه حرمانا يثبت نسبه ولا يرث، كما اذا أقر أخ مثلا بابن للميت، فيثبت نسب الابن المقر به ولا يرث.
وقيل: يرث أيضا كما يثبت النسب، لان الارث فرع ثبوت النسب.
وقيل: لا يثبت النسب أيضا
(2)
.
استلحاق الرقيق:
مذهب الحنفية:
ان ادعى العبد المأذون ولد جارية من تجارته تصح، ويثبت نسب الولد منه، لان ملك اليد ثابت له، وهو كاف لثبوت النسب.
أما لو ادعى ولدا من جارية لمولاه ليس من تجارته، وادعى أن مولاه زوجها منه، فلا يثبت نسب الولد منه الا بتصديق المولى، لانعدام الملك له فيه، فان كذبه
(1)
تحرير الأحكام ج 2 ص 120، الخلاف فى الفقه ج 1 ص 665، شرائع الإسلام ج 2 ص 115.
(2)
شرح النيل ج 8 ص 498، ص 199، ص 500، ص 502، ص 499، ص 272.
المولى ثم عتق فملك الجارية بوجه من الوجوه نفذت دعوته وثبت نسب الولد منه، لان التوقف كان لحق المولى وقد زال.
وعلى هذا دعوة المكاتب ولد جارية من اكسابه تصح، ويثبت بها النسب، لان ملك اليد والتصرف ثابت له كالمأذون، والعبد المسلم والذمى سواء فى دعوى النسب، وكذلك المكاتب المسلم والذمى، لان الكفر لا ينافى النسب.
ولو ادعى المضارب ولد جارية المضاربة لم تصح دعوته اذا لم يكن فى المضاربة ربح لانه لا بد لثبوت النسب من ملك ولا ملك للمضارب أصلا لا يدا ولا ذاتا.
واذا ولدت الجارية فى ملك رجل لستة أشهر فصاعدا فلم يدع الولد حتى باع الام والولد، ثم ادعاه صحت دعوته، وثبت النسب منه استحسانا، لان قيام الملك وقت الدعوة ليس بشرط لصحة هذه الدعوة، بل الشرط أن يكون حمل الولد فى الملك، وما دام النسب قد ثبت عتق الولد وبطل البيع فى الجارية وفى ولدها، ولو لم يدعه البائع حتى خرج عن ملك المشترى بوجه من الوجوه فان كان ذلك مما يحتمل الفسخ كما اذا باع المشترى الولد أو وهبه أو رهنه أو أجره أو كاتبه، فانه يفسخ ويثبت النسب من البائع، وان لم يحتمل الفسخ - كما لو أعتقه ومات الولد أو قتل - فانه لا يفسخ ولا تصح دعوة البائع، ولو كان المشترى أعتق الام دون الولد أو ماتت ثم ادعى البائع الولد صحت دعوته وثبت النسب، لان محل النسب قائم وهو الولد وعلى هذا اذا باعها والحمل غير ظاهر، أو حملت فى ملكه فباعها وهى حامل، فولدت عند المشترى لاقل من ستة أشهر، فادعاه البائع صحت دعوته وثبت نسبه منه.
وان ولدت لستة أشهر فصاعدا الى سنتين فان صدقه المشترى ثبت النسب والا فلا.
وان ادعياه معا فدعوة المشترى أولى لقيام ملكه واحتمال العلوق فيه.
ولو ادعى المشترى نسبه بعد تصديقه البائع لم يصح، لان النسب متى ثبت لانسان فى زمان لا يتصور ثبوته من غيره بعد ذلك، هذا اذا كانت الدعوة من البائع.
فان كانت من المشترى وقد ولدت لاقل من ستة أشهر صحت دعوته وثبت النسب، لقيام الملك، فلو ادعاه البائع بعد ذلك لا تسمع دعوته لما مر.
ولو ادعاه البائع والمشترى معا فدعوة البائع أولى، وان لم تعلم مدة الولادة لا تصح دعوة البائع الا بتصديق المشترى للشك فى وقت العلوق، وتصح
دعوة المشترى، وان ادعياه معا لا تصح واحدة منهما للشك
(1)
.
واذا ولدت جارية الابن فى ملكه لستة أشهر فصاعدا، فادعاه الاب ثبت نسبه منه، سواء ادعى شبهة أو لا، صدقه الابن فى ذلك أو كذبه، لكن يشترط لصحة هذه الدعوة أن تكون الجارية فى ملك الابن من وقت العلوق الى وقت الدعوة، حتى لو اشتراها الابن فجاءت بولد لاقل من ستة أشهر فادعاه الاب لا تصح دعوته، وكذا لو باعها فجاءت بولد لاقل من ستة أشهر فادعاه الاب لا تصح دعوته، لانعدام الملك وقت العلوق فى الاولى، ووقت الدعوة فى الثانية.
وكذا لا تصح دعوة الاب ولا يثبت نسب الولد منه ان كان العلوق به وولادته فى ملك الابن، لكن خرجت عن ملكه فيما بينهما.
وكذلك لو كان الاب كافرا أو عبدا فادعى لا تصح دعوته، لان الكفر والرق ينفيان الولاية.
ولو كان كافرا فأسلم أو عبدا فأعتق فادعى نظر فى ذلك، فان ولدت بعد الاسلام أو الاعتاق لاقل من ستة أشهر، لم تصح دعوته، وان ولدت لستة أشهر فصاعدا صحت دعوته وثبت النسب منه، لقيام الولاية.
ولو كان الاب مجنونا فأفاق صحت دعوته استحسانا، لان الجنون أمر عارض كالاغماء، وكل عارض على أصل اذا زال يلتحق بالعدم من الاصل كأنه لم يكن.
ولو كان مرتدا فدعوته موقوفة عند أبى حنيفة لتوقف ولايته.
وعند محمد وأبى يوسف صحيحة، لنفاذ ولايته.
هذا كله اذا ادعى الاب ولد جارية ابنه.
فأما اذا ادعى ولد أم ولده أو مدبرته، بأن جاءت بولد فنفاه الابن حتى انتفى نسبه منه، ثم ادعاه الاب لم يثبت نسبه منه فى ظاهر الرواية الا أن يصدقه الابن فى الدعوى بعد ما نفاه فان صدقه ثبت النسب بالاجماع.
ولو ادعى الاب ولد مكاتبة ابنه لم يثبت نسبه منه الا اذا عجزت فتنفذ دعوته لعودتها قنا.
ولو كان الابن ادعى الولد - فى كل ما سبق - ثم ادعاه الاب أو ادعياه معا فالابن أولى.
ودعوة الجد أبى الاب ولد جارية ابن الابن بمنزلة دعوة الاب عند انعدامه أو عند انعدام ولايته، فأما عند قيام ولايته فلا
(2)
.
(1)
البدائع ج 6 ص 247، ص 250، الاختيار ج 2 ص 20.
(2)
البدائع ج 6 ص 250، ص 251، الفتاوى الهندية ج 4 ص 120.
مذهب المالكية:
من باع أمة وهى حامل - بحسب دعوى البائع - وليست ظاهرة الحمل فولدت عند المشترى فاستلحق البائع الولد، فانه يلحق به، وهذا حيث لم يكن قد استبرأها بحيضة، ولم يطأها المشترى وولدت بعد البيع، ولو لاقصى مدة الحمل.
فان استبرأها فأتت بولد لستة أشهر من يوم الاستبراء فلا يلحق به.
ولو وطئها المشترى وأتت به لستة أشهر فالقافة.
ولو وضعته لاكثر من أقصى مدة الحمل فلا يصح استلحاقه.
وأما اذا كانت ظاهرة الحمل وقت البيع فان الولد يلحق بالبائع ولو لم يستلحقه عند الاجهورى.
وقيل: لا بد من استلحاقه فى الظاهرة الحمل، والا لم يلحق، وهو الظاهر الجارى على قواعد المذهب.
ومن باع عبدا ولد عنده وحده أو مع أمه فأعتقه المشترى، ثم استلحقه البائع، فانه يلحق به ويصدق ان لم يقم دليل على كذبه
(1)
.
مذهب الشافعية:
لو استلحق شخص عبد غيره أو عتيقه لم يقبل قول المستلحق ان كان العبد صغيرا أو مجنونا، بل يحتاج الى البينة، فان كان العبد كبيرا عاقلا وصدق المستلحق قبل، ولا عبرة بما فيه من قطع الارث المتوهم بالولاء، والعبد باق على رقه، لعدم التنافى بين النسب والرق، لان النسب لا يستلزم الحرية، والحرية لم تثبت.
ثم ان ثبت نسبه بالبينة أو صدقه المشترى تبين بطلان البيع والا فلا.
وقيل: لا يقبل الاستلحاق ورجحه السبكى محافظة على حق الولاء للسيد.
وان استلحق عبدا بيده، وأمكن لحوقه به لحقه ان كان صغيرا أو مجنونا، أو كان كبيرا وصدقه، أما ان كذبه فلا يلحق به نسبه ويعتق مؤاخذة له باعترافه بحريته.
وقيل: لا يعتق ولا يتوارثان
(2)
.
مذهب الحنابلة:
اذا اشترى رجل جارية وظهر بها حمل لم تخل من أحوال خمسة:
أحدها أن يكون البائع أقر بوطئها عند البيع أو قبله وأتت بولد لدون
(1)
الخرشى والعدوى عليه ج 6 ص 119، ص 120، الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 418، ص 118، ص 417.
(2)
أسنى المطالب ج 2 ص 320، ص 502، الفتاوى الكبرى ج 2 ص 243.
ستة أشهر، أو يكون البائع ادعى الولد فصدقه المشترى، فان الولد يلحق بالبائع، والبيع باطل.
الثانى: أن يكون أحدهما استبرأها ثم أتت بولد لاكثر من ستة أشهر من حين وطئها المشترى فالولد للمشترى.
الثالث: أن تأتى به لاكثر من ستة أشهر بعد استبراء أحدهما لها ولاقل من ستة أشهر منذ وطئها المشترى.
فان ادعاه كل واحد منهما فهو للمشترى، لانه ولد فى ملكه مع احتمال كونه منه.
وان ادعاه البائع وحده فصدقه المشترى لحقه، وكان البيع باطلا، وان كذبه فالقول قول المشترى فى ملكية الولد.
أما ثبوت نسب الولد من البائع ففيه وجهان:
أحدهما: يثبت، لانه نفع للولد.
والثانى: لا يثبت، لان فيه ضررا على المشترى.
الرابع: أن تأتى به بعد ستة شهور منذ وطئها المشترى قبل استبرائها فنسبه لاحق بالمشترى، ان ادعاه البائع فأقر له المشترى لحقه، وبطل البيع، وان كذبه فالقول قول المشترى.
الخامس: اذا أتت به لاقل من ستة أشهر منذ باعها، ولم يكن أقر بوطئها، فان ادعاه البائع فالحكم ما ذكرنا فى الحال الثالث
(1)
.
مذهب الظاهرية:
من استلحق ولد جارية له باعها ولم يكن عرف قبل ذلك ببينة أنه وطئها أو باقرار منه بوطئها قبل بيعه لها لم يصدق ولم يلحق به نسبه، سواء باعها حاملا، أو حدث الحمل بها بعد بيعه لها، أو باعها دون ولدها، أو باع ولدها دونها، كل ذلك سواء.
فلو صح ببينة أنه وطئها قبل بيعه لها، أو أقر بوطئها قبل أن يبيعها، فان ظهر بها حمل كان مبدؤه قبل بيعه لها بلا شك، فانه يلحق به ولدها، سواء أقر به أو لم يقر، ويفسخ البيع
(2)
.
مذهب الإمامية:
اذا باع جارية فظهر بها حمل فادعى البائع أنه ابنه ولم يكن أقر بوطئها
(1)
المغنى ج 9 ص 165، ص 166.
(2)
المحلى ج 10 ص 320، ص 321.
عند البيع ولم يصدقه المشترى، فلا خلاف أن أقراره يقبل فى الحاق النسب، لانه اقرار لا ضرر فيه على غيره، فوجب جوازه، ولا يقبل فيما يؤدى الى فساد البيع
(1)
.
مذهب الإباضية:
من باع أمة مع ولدها ثم أقر أنه ولده رد قوله، فان ملكه يوما جاز اقراره الاول ولزمه
(2)
.
(1)
الخلاف ج 2 ص 317.
(2)
النيل مخطوط ج 1 ص 398.
روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وال التعريف.
وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الألف:
الآمدى:
أنظر ج 1 ص 247.
أبو ابراهيم الأعرج:
اسماعيل بن ابراهيم الأعرج، أبو ابراهيم، محدث روى عن يحيى القطان، وحدث عنه زكريا بن يحيى أبو عبد الرحمن.
ابراهيم النخعى:
انظر ج 1 ص 279.
الأثرم:
انظر ج 1 ص 247.
الأجهورى:
انظر ج 3 ص 335.
الامام أحمد:
أنظر ابن حنبل ج 1 ص 255.
أحمد بن الحسين المتوفى سنة 421 هـ:
أحمد بن الحسين بن هارون الأقطع من أبناء زيد ابن الحسن العلوى الطالبى القرشى، أبو الحسين امام زيدى من أهل طبرستان، بويع له بالديلم، ومدة ملكه عشرون سنة، وكان غزير العلم، له مصنفات فى الفقه والكلام منها: الأمالى.
أحمد الزرقانى:
انظر ج 5 ص 370.
ابن ادريس:
انظر ج 2 ص 343.
الأذرعى:
انظر ج 1 ص 248.
أسامة بن زيد:
انظر ج 1 ص 248.
أبو اسحاق المتوفى سنة 402 هـ:
ابراهيم بن محمد ابن الحسين الأموى، أبو اسحاق ابن شنظير؛ مؤرخ أندلسى، من فقهاء المالكية بطليطلة، له (تاريخ رجال الأندلس).
أبو اسحاق المتوفى سنة 803 هـ:
ابراهيم بن محمد ابن مفلح الرامينى الأصل، الدمشقى، أبو اسحاق، برهان الدين، شيخ الحنابلة فى عصره، من كتبه: طبقات أصحاب الامام أحمد، وكتاب الملائكة، وشرح المقنع، وقد تلف أكثر كتبه فى فتنة تيمور بدمشق.
أبو اسحاق المتوفى سنة 475 هـ:
ابراهيم بن قيس ابن سليمان، أبو اسحاق، الهمدانى الحضرمى، من أئمة الإباضية، ولد فى حضرموت، واستعان بالخليل بن شاذان (الامام الاباضى بعمان) فأعانه بجند ومال فاستولى على حضرموت، وأقامه الخليل عاملا عليها، ثم قلد أمر الامامة، وله غزوات الى الهند، وأظهر دعوته فى حياة أبيه، ومن مصنفاته: مختصر الخصال والسيف النقاد.
اسحاق بن راهويه:
أنظر ابن راهويه: ج 2 ص 351.
أبو اسحاق السبيعى:
انظر ج 5 ص 364.
أبو اسحاق الاسفرايينى:
انظر الاسفرايينى ج 1 ص 248.
أبو اسحاق الشيرازى:
انظر الشيرازى ج 1 ص 263.
اسحاق بن عمار:
اسحق بن عمار الساباطى، نسبة الى ساباط قرية قريبة من المدائن، وكان اسحاق فطحيا الا أنه ثقة، وأصله معتمد عليه فى معالم العلماء.
اسحاق بن عمار: اسحق بن عمار الكوفى الصيرفى من أصحاب الصادق وقيل من أصحاب الكاظم وهو شيخ ثقة، روى الحديث عن أبى عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام له: كتاب نوادر، يرويه عنه عدة من الأصحاب.
أبو اسحاق بن عياش:
ابراهيم بن عياش البصرى التصيبى المعتزلى، أبو اسحاق بن عياش، كان من الورع والزهد والعلم على حد عظيم، وهو من الطبقة العاشرة من المعتزلة، له كتاب فى امامة الحسنين، وكتب أخر حسان.
الاسكافى:
أنظر أبو بكر الاسكافى ج 5 ص 365.
الأسنوى:
انظر ج 1 ص 249.
أشهب:
انظر ج 1 ص 249.
أشهل بن حاتم.
أشهل بن حاتم البصرى المتوفى سنة 208 هـ:
مولى بنى جمح، روى عن ابن عون وقرة وعنه الزهلى والكديمى وطائفة.
أصبغ:
انظر ج 1 ص 249.
الأمير:
انظر ج 1 ص 249.
أنس:
انظر ج 1 ص 249.
أبو أيوب:
انظر ج 3 ص 337
حرف الباء:
الباجى:
انظر ج 1 ص 250.
البخارى:
أنظر ج 1 ص 250.
البدر المتوفى سنة 1220 هـ:
بدر بن أحمد بن سعيد بن أحمد بن محمد البو سعيدى سلطان مسقط، من ائمة الإباضية، بويع بعد مقتل أخيه سلطان بن أحمد سنة 1219 هـ ولم يلبث ان ثار عليه أبناء أخيه سلطان فقتلوه.
ابن البراج المتوفى سنة 481 هـ:
الشيخ عبد العزيز بن تحرير بن عبد العزيز بن البراج أبو القسم، عز المؤمنين، وجه الأصحاب وفقيههم لقب بالقاضى لتوليه القضاء بطرابلس ما يقرب من ثلاثين علما، ومن كتبه: المهذب، والموجز، والكامل، والجواهر، وعماد المحتاج، وغير ذلك.
البردعى:
انظر ج 1 ص 250.
البرذلى:
أنظر ج 5 ص 365.
ابن بركة المتوفى سنة 634 هـ:
حمد بن أحمد بن محمد بن بركة بن أحمد بن صديق بن صروف الحرانى الفقيه الحنبلى، أبو عبد الله، سمع من أبى ياسر وأبى الفتح بن أبى الوفاء وتفقه ببغداد على ابن المنى وابن الجوزى ولازمه وأخذ عنه كثيرا ثم رجع الى حران وأعاد بالمدرسة بها مدة وحدث بحران ودمشق.
ابن برهان:
انظر ج 3. ص 337.
ابن برى المتوفى سنة 582 هـ:
عبد الله بن برى ابن عبد الجبار المقدسى الأصل المصرى أبو محمد من علماء العربية النابهين، ولد ونشأ وتوفى بمصر، وولى رياسة الديوان المصرى ومن كتبه: الرد على ابن الخشاب، وشرح شواهد الايضاح، وغير ذلك.
ابن برى:
المتوفى سنة 730 هـ: على بن محمد ابن الحسين الرباطى، أبو الحسن المعروف
بابن برى، عالم بالقراءات، ولى رياسة ديوان الانشاء، ومن كتبه: الدرر اللوامع فى أصل مقرأ الامام نافع، وأرجوزة فى القراءات.
ابن بشير:
انظر ج 4 ص 361.
البغوى:
انظر ج 2 ص 345.
أبو بكر الأبهرى المتوفى سنة 375 هـ:
محمد ابن عبد الله بن محمد بن صالح، أبو بكر التميمى، شيخ المالكية فى العراق، سكن بغداد، وسئل أن يلى القضاء فامتنع، له تصانيف.
أبو بكر الخلال:
انظر الخلال ج 1 ص 256
أبو بكر الصديق:
انظر ج 1 ص 250.
بلال:
انظر ج 4 ص 361.
البيضاوى:
انظر ج 1 ص 251.
البيهقى:
انظر ج 1 ص 251.
حرف التاء:
الترمذى:
انظر ج 1 ص 256
تقى الدين ابن الصلاح:
انظر ابن الصلاح ج 1 ص 264.
حرف الثاء:
الثورى:
انظر ج 1 ص 252.
حرف الجيم:
جابر:
انظر ج 1 ص 252
أبو جعفر:
الناصر أبو جعفر العلامة الفقيه.
محمد بن يعقوب الهوسمى الزيدى صاحب التصانيف منها: شرح الابانة فى مذهب الناصر والكافى.
أبو جعفر الامامى:
انظر ج 2 ص 347.
أبو جعفر الطحاوى:
انظر الطحاوى ج 1 ص 265.
أبو جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ:
أبو جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل بن يونس النحاس النحوى المصرى، كان من الفضلاء، وله تصانيف مفيدة منها: تفسير القرآن الكريم وكتاب اعراب القرآن وغير ذلك، وفسر عشرة دواوين وأملاها، روى عن أبى عبد الرحمن النسائى، وأخذ النحو عن أبى الحسن على بن سليمان الأخفش وأبى اسحق الزجاج وأعيان أدباء العراق، وكان قد رحل اليهم من مصر، وكان للناس رغبة كبيرة فى الاخذ عنه فنفع وأفاد، وأخذ عنه خلق كثير.
الجعفران، أحدهما جعفر بن حرب المتوفى سنة 237 هـ:
جعفر بن حرب الهمذانى المعتزلى، من معتزلة بغداد، قال المتوكل على الله:
هو من شيعة المعتزلة المفضلين لعلى عليه السلام، وله فى كتب الكلام كتب كثيرة مثل كتاب الايضاح ونصيحة العامة وغيرهما.
والثانى جعفر بن مبشر المتوفى سنة 234 هـ:
جعفر بن مبشر الثقفى، من معتزلة بغداد قال المتوكل على الله: هو من شيعة المعتزلة، وممن يوجب الهجرة من دار الفسق، ومن المفضلين عليا عليه السلام، وله شهرة فى علم الكلام.
الجلال المحلى:
انظر ج 1 ص 253
ابن جماعة المتوفى سنة 819 هـ:
عز الدين محمد ابن أبى بكر بن قاضى القضاة عبد العزيز ابن محمد بن ابراهيم بن سعد الله ابن جماعة الحموى الشافعى المتكلم الأصولى، له شروح وحواشى كثيرة على الكتب، منها:
حاشية على شرح الجاربردى، ورسالة سماها: ضوء الشمس فى أحوال النفس، وحفظ القرآن فى كل يوم جزأين، واشتغل
بالعلوم على الكبر، وأخذ عن السراج الهندى.
الجوهرى:
انظر ج 4 ص 362.
الجوينى:
انظر امام الحرمين.
ابن الجنيد:
انظر ج 1 ص 253.
حرف الحاء:
ابن الحاجب:
انظر ج 1 ص 253.
الحارث الخارفى المتوفى سنة 65 هـ:
الحارث ابن عبد الله الاعور الهمدانى الكوفى الخارفى الفقيه، صاحب على وابن مسعود وحديثه فى السنن الاربعة.
الحاكم:
انظر ج 1 ص 253.
الحاكم الشهيد:
انظر ج 1 ص 253.
ابن حامد:
انظر ج 2 ص 348.
ابن حبيب:
انظر ج 1 ص 253.
حذيفة:
انظر ج 1 ص 254
أبو الحرث:
أحمد بن محمد، أبو الحارث الصائغ الفقيه الحنبلى أحد الرواة عن الامام أحمد ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يأنس به وكان يقدمه ويكرمه، وكان عنده بموضع جليل، روى عن أبى عبد الله مسائل كثيرة وجود الرواية عنه.
امام الحرمين:
انظر ج 1 ص 249.
ابن حزم:
انظر ج 1 ص 254
الحسن:
انظر ج 1 ص 254.
الحسن (تابعى):
انظر ج 1 ص 254
الحسن بن أحمد المتوفى سنة 323 هـ:
الحسن ابن أحمد بن زيد بن عيسى بن الفضل الاصطخرى، كان من نظراء ابن سريج، وله مصنفات حسنة فى الفقه.
الحسن بن أحمد المتوفى سنة 515 هـ:
الحسن ابن أحمد بن الحسن الاصبهانى شيخ اصبهان، من كتبه: تاريخ أصبهان، ومعرفة الصحابة، وعلوم الحديث والفرائض وغيرها.
أبو الحسن الكرخى:
انظر ج 1 ص 273
أبو الحسن الكيا:
المتوفى سنة 504 هـ:
أبو الحسن:
على بن محمد بن على الطبرى الفقيه الشافعى، يقال له. الكيا، بكسر الكاف، أى الكبير القدر المقدم بين الناس، تفقه على امام الحرمين مدة الى أن برع، ثم خرج الى العراق وتولى تدريس المدرسة النظامية ببغداد الى أن توفى، وكان محدثا، ويستعمل الأحاديث فى مناظرته ومجالسه.
أبو الحسن القابسى المتوفى سنة 403 هـ:
على بن محمد بن خلف المعافرى القيروانى، أبو الحسن بن القابسى، عالم المالكية بافريقية، كان حافظا للحديث وعلله ورجاله، فقيها أصوليا، أعمى، من أهل القيروان، له تصانيف، منها: الممهد، كبير جدا، فى الفقه وأحكام الديانات، والمنقذ من شبه التأويل وملخص الموطأ وغير ذلك.
أبو الحسين المتوفى سنة 336 هـ:
أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد، أبو الحسن بن المنادى، فقيه حنبلى، سمع جده محمدا وأباه جعفرا، ومحمد بن اسحاق الصاغانى وغيرهم، وكان ثقة، أمينا ثبتا، صدوقا ورعا، حجة فيما يرويه، روى عنه المتقدمون كأبى عمر بن حيوية وغيره، صنف كتبا كثيرة وجمع علوما
جمة، قيل: ان مصنفاته نحوا من أربعمائة مصنف ولم يسمع الناس من مصنفاته الا أقلها.
أبو الحصين:
انظر ج 3 ص 341
الحطاب:
انظر ج 1 ص 254
الحطيئة المتوفى نحو سنة 45 هـ:
جرول بن أوس ابن مالك العبسى، أبو مليكة شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والاسلام، كان هجاء عنيفا، لم يكد يسلم من لسانه أحد، وهجا أمه وأباه ونفسه، وأكثر من هجاء الزبرقان بن بدر فشكاه الى عمر بن الخطاب فسجنه عمر بالمدينة، فاستعطفه بأبيات فأخرجه ونهاه عن هجاء الناس فقال: اذا تموت عيالى جوعا!، له:
ديوان شعر.
أبو حفص:
انظر ج 3 ص 341.
الحكم:
انظر ج 3 ص 341
ابن حمزة:
انظر ج 2 ص 350
حنبل:
انظر ج 4 ص 362
أبو حنيفة:
انظر ج 1 ص 255
حرف الخاء:
أبو خديجة:
سالم بن مكرم بن عبد الله مولى بنى اسد، كان جمالا، من أهل الكوفة، روى أنه كان من أصحاب أبى الخطاب، وكان فى المسجد يوم بعث عيسى بن موسى - عامل المنصور - الى أبى الخطاب لما بلغه أنهم أظهروا الاباحات وأنهم يجتمعون فى المسجد وبعث اليهم رجلا فقتلهم جميعا ولم يفلت الا رجل واحد وهو سالم، وذكر أنه تاب بعد ذلك، وكان ممن يروى الحديث.
الخرشى:
انظر ج 2 ص 350.
الخرقى:
انظر ج 1 ص 256.
ابن خروف المتوفى سنة 609 هـ:
على بن محمد ابن على بن محمد الحضرمى، أبو الحسن عالم بالعربية، أندلسى من أهل أشبيلية، قال ابن الساعى: كان ينتقل فى البلاد ولم يتزوج قط، وله كتب منها: شرح كتاب سيبويه، وشرح الجمل للزجاجى.
الخصاف:
انظر ج 1 ص 256.
الخطيب:
انظر ج 1 ص 256
خليل:
انظر ج 1 ص 256
الخليل المتوفى سنة 170 هـ:
الخليل بن أحمد ابن عمرو بن تميم الازدى أبو عبد الرحمن، من أئمة اللغة والادب، وواضع علم العروض، وهو أستاذ سيبويه النحوى، ولد ومات فى البصرة، وعاش فقيرا صابرا وقد أبدع الخليل بدائع لم يسبق اليها، فمن ذلك تأليفه كلام العرب على الحروف فى الكتاب المسمى بكتاب العين، والخليل هو الذى اخترع العروض وأحدث أنواعا من الشعر ليست من أوزان العرب، وله عدة كتب منها: معانى الحروف والنقط والشكل، وتفسير حروف اللغة، وغير ذلك.
خويلة (امرأة أوس بن الصامت):
هى: خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت وقيل:
اسمها خويلة، وخولة أكثر، قيل: خولة بنت حكيم، وقيل: خولة بنت مالك بن ثعلبة، وقال عروة ومحمد بن كعب وعكرمة:
خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت فظاهر منها، وفيها نزل قول الله تعالى:
«قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ .. }. الخ» .
الخوارزمى المتوفى سنة 827 هـ:
محمد بن اسحاق الخوارزمى، شمس الدين من فضلاء الحنفية، نزل بمكة، وناب بها عن امام المقام الحنفى، وتوفى فيها عن نحو ستين عاما، وألف كتاب اثارة الترغيب والتشويق الى المساجد الثلاثة والبيت العتيق.
حرف الدال:
الدارقطنى:
انظر ج 1 ص 256
أبو داود:
انظر ج 1 ص 257
الدردير:
انظر ج 1 ص 257
دريد بن الصمة المتوفى سنة 8 هـ:
دريد بن الصمة الجشمى البكرى، من هوازن:
شجاع من الابطال الشعراء المعمرين فى الجاهلية، كان سيد بنى جشم وفارسهم وقائدهم، أدرك الاسلام ولم يسلم، فقتل على دين الجاهلية يوم حنين، وكانت هوازن خرجت لقتال المسلمين فاستصحبته معها تيمنا به، وهو أعمى، فلما انهزمت جموعها أدركه ربيعة بن رفيع فقتله، وله أخبار كثيرة.
الدسوقى:
انظر ج 1 ص 257
ابن دقيق العيد:
انظر ج 1 ص 257.
ابن أبى الدم:
المتوفى سنة 642 هـ. ابراهيم ابن عبد الله بن عبد المنعم الحموى، شهاب الدين أبو اسحاق، المعروف بابن أبى الدم، مؤرخ بحاث من علماء الشافعية، مولده ووفاته بحماة فى سورية، تفقه ببغداد، وسمع بالقاهرة وحدث بها وبكثير من بلاد الشام، وتولى قضاء حماة، ومن تصانيفه:
التاريخ المظفرى، أدب القاضى وغير ذلك.
حرف الراء:
الرازى:
انظر ج 1 ص 258.
الرافعى:
انظر ج 1 ص 258
ربيعة:
انظر ربيعة بن عبد الرحمن ج 5 ص 370.
ابن رشد:
انظر ج 1 ص 258.
ابن الرفعة:
انظر ج 1 ص 259.
حرف الزاى:
الزبير:
انظر ج 1 ص 259.
الزجاج:
انظر ج 4 ص 363.
الزركشى:
انظر ج 1 ص 259.
زروق:
انظر ج 3 ص 344.
زفر:
انظر ج 1 ص 259.
الزهرى:
انظر ج 1 ص 260
ابن أبى زيد:
انظر القيروانى ج 1 ص 273.
زيد بن جبير:
زيد بن جبير الجهنى، من الصحابة حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج الاسماعيلى فى مسند يحيى بن سعيد الأنصارى من تأليفه الحديث المروى عن زيد بن جبير عن الرسول صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت.
زيد بن على:
انظر ج 1 ص 260.
الزيلعى:
انظر ج 1 ص 260
حرف السين:
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب:
انظر ج 2 ص 353.
السالمى:
انظر ج 3 ص 345.
السامرى المتوفى سنة 598 هـ:
هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد السامرى ثم الازجى، الفقيه الحنبلى سمع من أبى بدر الكرخى ومن سعد الخير الأنصارى وتفقه فى المذهب وامتى وتكلم فى المسائل ووعظ ولازم أبا الفرج بن الجوزى، قال القادسى: كان فقيها مجودا واعظا خيرا دينا وحدث، وسمع منه ابن القطيعى، وروى عنه ابن خليل فى معجمه.
السبكى:
انظر ج 1 ص 260
ابن السبكى:
انظر ج 1 ص 261.
سبيعة الاسلمية:
انظر ج 3 ص 345.
سحنون:
انظر ج 1 ص 261
ابن سحنون المتوفى سنة 256 هـ:
محمد بن عبد السّلام بن سعيد بن حبيب التنوخى أبو عبد الله، فقيه مالكى مناظر، كثير التصانيف، من أهل القيروان، لم يكن فى عصره أحد أجمع لفنون العلم منه، من كتبه: آداب المعلمين، وأجوبة محمد بن سحنون فى الفقه، والرسالة السحنونية وهى رسالة فى فقه المالكية، وغير ذلك.
السرخسى:
انظر ج 1 ص 261.
سعيد:
انظر ج 1 ص 261.
سعيد بن جبير:
انظر ج 1 ص 261
سعيد بن المسيب:
انظر ج 1 ص 261
سلمة (أم ولد رافع):
هى سلمى ام رافع امرأة أبى رافع مولى النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل: مولاة صفية بنت عبد المطلب، وكانت قابلة أبناء فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقابلة ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدت خبير ابن سلمة المتوفى سنة 286 هـ: أحمد بن سلمة النيسابورى البزاز، أبو الفضل حافظ، من علماء الحديث، كان رفيق الامام مسلم فى رحلته الى بلخ والبصرة، وله صحيح فى الحديث على هيئة صحيح مسلم، قال ابن ناصر الدين: وهو حجة فى اتقانه وضبطه.
ابن سلمون:
انظر ج 2 ص 354.
سلمان الفارسى:
انظر ج 3 ص 346.
سفيان الثورى:
انظر الثورى ج 1 ص 252
سفيان بن عيينه:
انظر ج 1 ص 261.
السمعانى المتوفى سنة 510 هـ:
محمد بن منصور ابن عبد الجبار التميمى السمعانى المروزى، أبو بكر، فقيه محدث، من الوعاظ المبرزين، له كتب فى الحديث والوعظ، ومنها: الأمالى.
ابن السمعانى:
انظر ج 3 ص 347
أبو السنابل:
أبو السنابل بن بعكك بن الحارث ابن عميلة بن السباق بن عبد الدار القرشى العبدرى، اسمه: حبة، وقبل:
بنون، وقيل:
عمرو، وقيل: عامر، وقيل: اصرم، قال البغوى: سكن الكوفة، وقال البخارى: لا أعلم أنه عاش بعد النبى صلى الله عليه وسلم، روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وروى عنه الاسود بن يزيد النخعى وزفر بن أوس وقال ابن سعد وغيره: أقام بمكة حتى مات، وهو من مسلمة الفتح، وأخرج حديثه: الترمذى والنسائى وابن ماجه، كلهم من رواية منصور عن ابراهيم عن الأسود عنه فى قصة سبيعة الأسلمية.
سند:
انظر ج 3 ص 347.
ابن سيرين:
انظر ج 1 ص 262
سيف الدين:
انظر الآمدى ج 1 ص 247
حرف الشين:
ابن شاس:
انظر ج 2 ص 354.
الشاطبى:
انظر ج 1 ص 262
الامام الشافعى:
انظر ج 1 ص 262
الشربينى:
انظر ج 1 ص 256.
شرحبيل بن حسنة المتوفى سنة 18 هـ:
شرحبيل ابن عبد الله بن المطاع بن الغطريف الكندى، حليف بنى زهرة، صحابى من القادة، يعرف بشرحبيل بن حسنة (وهى أمه) أسلم بمكة وهاجر الى الحبشة وغزا مع النبى صلى الله عليه وسلم فأوفده رسولا الى مصر، ثم جعله أبو بكر الصديق أحد الأمراء الذين وجههم لفتح الشام فافتتح الاردن كلها عنوة ما خلا طبرية فان أهلها صالحوه، وقد عزله عمر بن الخطاب واستعمل معاوية مكانه وتوفى بطاعون عمواس.
شريح:
انظر ج 1 ص 263
الشعبى:
انظر ج 1 ص 263.
شمس الائمة الحلوانى:
انظر الحلوانى ج 1 ج 255.
شمس الائمة السرخسى:
انظر السرخسى.
الشوكانى:
انظر ج 1 ص 263
حرف الصاد:
الصادق:
انظر ج 5 ص 371.
صالح بن الامام أحمد:
انظر ج 1 ص 264
الصاوى:
انظر ج 1 ص 264.
ابن الصباغ:
انظر ج 2 ص 255.
صبيع:
رجل من المسلمين كان موجودا فى عهد سيدنا عمر بن الخطاب وكان كثير السؤال عن المتشابهات فعزره سيدنا عمر من أجل ذلك.
الصدوق:
انظر ج 2 ص 355.
الصغار:
انظر ج 2 ص 355
صفوان بن أمية المتوفى سنة 41 هـ:
صفوان بن أمية بن خلف بن وهب الجمحى القرشى المكى، أبو وهب، صحابى، فصيح جواد، كان من أشراف قريش فى الجاهلية والاسلام، أسلم بعد الفتح، وكان من المؤلفة قلوبهم، وشهد اليرموك ومات بمكة وله فى الصحيحين ثلاثة عشر حديثا.
صفية بنت حيى بن أخطب المتوفاة سنة 50 هـ:
صفية بنت حيى بن أخطب، من الخزرج من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، كانت فى الجاهلية من ذوات الشرف، تدين باليهودية، من أهل المدينة قتل زوجها كنانة ابن الربيع يوم خيبر وأسلمت فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولها فى الصحيحين عشرة أحاديث، وتوفيت فى المدينة.
الصفى الهندى المتوفى سنة 715 هـ:
محمد ابن عبد الرحيم بن محمد الأرموى، أبو عبد الله صفى الدين الهندى، فقيه أصولى، ولد بالهند وزار اليمن وحج ودخل مصر والروم واستوطن دمشق وتوفى بها ووقف كتبه بدار الحديث الاشرفية، له مصنفات منها: نهاية الوصول الى علم الاصول، وغير ذلك.
ابن الصلاح:
انظر ج 1 ص 264.
الصيرفى:
انظر ج 1 ص 264.
الصيمرى المتوفى بعد سنة 386 هـ:
عبد الواحد ابن الحسين بن محمد القاضى، أبو القاسم الصيمرى، فقيه شافعى، سكن البصرة وحضر مجلس القاضى أبى حامد المروزى ونفقه بصاحبه أبى الغياض البصرى وارتحل اليه الناس من البلاد وكان حافظا للمذهب حسن التصانيف، صنف كتبا كثيرة منها:
الايضاح فى المذهب.
حرف الطاء:
أبو طالب:
انظر ج 1 ص 264
طلحة:
انظر ج 3 ص 348
الطوسى:
انظر ج 1 ص 265
الامام الطوفى المتوفى سنة 716 هـ:
سليمان بن عبد القوى بن عبد الكريم الطوفى الصرصرى، أبو الربيع، نجم الدين: فقيه حنبلى، من العلماء، ولد بقرية طوف أو طوفا (من أعمال صرصر فى العراق): ودخل بغداد ورحل الى دمشق وزار مصر وجاور بالحرمين من كتبه: بغية السائل فى أمهات المسائل فى أصول الدين، ومعراج الوصول فى أصول الفقه، ومختصر الجامع الصحيح للترمذى وغير ذلك.
حرف الظاء:
ظهير الدين المتوفى سنة 619 هـ:
محمد بن أحمد ابن عمر البخارى، أبو بكر ظهير الدين، فقيه حنفى، كان المحتسب فى بخارى، من كتبه: الفتاوى الظهيرية.
حرف العين:
عائشة:
انظر ج 1 ص 265.
ابن عابدين:
انظر ج 1 ص 265.
العاصمى:
انظر ج 6 ص 386.
عباد بن تميم:
عباد بن تميم بن غزية الانصارى الخزرجى، قيل صحابى، والمشهور ان تابعى، وقد روى عباد عن أبيه وعن عمه لامه عبد الله بن زيد وروى عن عويمر بن سعد وأبى سعيد الخدرى وروى عنه الزهرى وعمرو بن يحيى المازنى وآخرون، وثقه العجلى والنسائى وغيرهما وحديثه فى الصحيحين.
ابن عباس:
انظر عبد الله بن عباس ج 1 ص 267.
أبو العباس بن سريج المتوفى سنة 306 هـ:
أحمد بن عمر بن سريج البغدادى، أبو العباس:
فقيه الشافعية فى عصره، مولده ووفاته فى بغداد له نحو أربعمائة مصنف، وكان يلقب بالباز الاشهب، ولى القضاء بشيراز، وقام بنصرة المذهب الشافعى فنشره فى أكثر الآفاق ونصر السنن وخذل البدع، وكان حاضر الجواب، وله مناظرات ومساجلات مع محمد بن داود الظاهرى.
ابن عبد البر:
انظر ج 1 ص 266
ابن عبد الحكم:
انظر ج 1 ص 266
عبد الحق:
انظر ج 6 ص 287.
عبد الرحمن بن أبى ليلى:
انظر ابن أبى ليلى ج 1 ص 274.
ابن عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 266
أبو عبد الله:
انظر ج 6 ص 387.
عبد الله بن الامام أحمد المتوفى سنة 290 هـ:
الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد ابن محمد بن حنبل الذهلى الشيبانى كان اماما خبيرا بالحديث وعلله، مقدما فيه
وكان من أروى الناس عن أبيه، وقد سمع من صغار شيوخ أبيه، وهو الذى رتب مسند والده، توفى ببغداد.
أبو عبد الله البصرى:
انظر ج 2 ص 357
أبو عبد الله الحليمى المتوفى سنة 403 هـ:
الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخارى الجرجانى أبو عبد الله، فقيه شافعى، قاض، كان رئيس أهل الحديث فى ما وراء النهر، مولده بجرجان ووفاته فى بخارى، من كتبه: المنهاج فى شعب الايمان ثلاثة أجزاء، قال الاسنوى جمع فيه أحكاما كثيرة ومعانى غريبة لم أظفر بكثير منها فى غيره.
عبد الله بن دينار المتوفى سنة 127 هـ:
أبو عبد الرحمن، عبد الله بن دينار القريشى العدوى المدنى، مولى عبد الله بن عمر ابن الخطاب سمع ابن عمر وأنسا وجماعات من التابعين، روى عنه ابنه عبد الرحمن ويحيى الأنصارى وسهيل وربيعة الرأى وموسى بن عقبة وخلائق غيرهم واتفقوا على توثيقه.
عبد الله بن زيد المتوفى سنة 32 هـ:
أبو محمد عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن الخزرج الانصارى الخزرجى الحارثى، وقال عبد الله بن محمد الانصارى: ليس فى نسبه ثعلبة، شهد عبد الله العقبة مع السبعين، وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبوه وأمه صحابيين.
عبد الله بن السائب:
عبد الله بن السائب، صيفى بن عائد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وكان عبد الله من قراء القرآن، أخذ عنه مجاهد، روى له مسلم حديثا من رواية محمد بن عباد بن جعفر وكان يسكن مكة ومات بها فى امارة ابن الزبير وصلى عليه ابن عباس.
عبد الله بن سنان:
عبد الله بن سنان بن طريف، قيل: انه من اصحاب الصادق، وقيل:
من أصحاب الكاظم قال النجاشى:
عبد الله ابن سنان بن ظريف مولى بنى هاشم، كان خازنا للمنصور والمهدى والهادى والرشيد، كوفى ثقة، فقيه امامى لا يطعن عليه فى شئ، روى عن أبى عبد الله.
عبد الملك:
انظر ابن حبيب ج 1 ص 253.
أبو عبيدة:
انظر ج 1 ص 267.
عبيد الله بن العباس المتوفى سنة 87 هـ:
عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى القرشى أبو محمد: رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يرو عنه شيئا واستعمله على على اليمن، فحج بالناس، كان سخيا جوادا ينحر كل يوم جزورا.
قيل: هو أول من وضع الموائد على الطرق وأورد له البغدادى أخبارا حسانا فى الجود، مات بالمدينة.
أبو عثمان الحداد المتوفى سنة 302 هـ:
أبو عثمان ابن الحداد الأفريقى المالكى، سعيد بن محمد بن صبيح، أخذ عن سحنون وغيره وبرع فى العربية والنظر ومال الى مذهب الشافعى فهجره المالكية ثم أحبوه لما قام على أبى عبد الله الشيعى وناظره ونصر السنة.
عثمان بن طلحة الحجبى المتوفى سنة 42 هـ:
عثمان بن طلحة، بن أبى طلحة عبد الله ابن عبد العزى ابن عثمان بن عبد الدار بن قصى العبدر الحجبى الصحابى رضى الله عنه، أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص فى هدنة الحديبية وشهد فتح مكة
فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة اليه والى ابن عمه شيبة ابن عثمان بن أبى طلحة وقال: خذوها يا بنى طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم نزل المدينة ثم مكة، روى عن النبى صلى الله عليه وسلم.
العدوى:
انظر ج 1 ص 257.
ابن العربى:
انظر ج 1 ص 268.
ابن عرفه:
انظر ج 1 ص 268.
العز بن عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 268.
عطاء بن أبى رباح:
انظر ج 2 ص 358.
عطاء بن السائب المتوفى سنة 136 هـ:
عطاء ابن السائب مالك الثقفى الكوفى الصالح، روى عن عبد الله بن أبى أوفى وطائفة قال أحمد بن حنبل: هو ثقة رجل صالح، كان يختم كل ليلة، من سمع منه قديما كان صحيحا ومن سمع منه حديثا لم يكن بشئ.
العطار المتوفى سنة 1250 هـ:
حسن بن محمد ابن محمود العطار، من علماء مصر أصله من المغرب، مولده ووفاته فى القاهرة، الفقيه الشافعى المصرى الفاضل الأديب الذى كان آية فى حدة النظر وشدة الذكاء، صاحب الانشاء فى المراسلات والمخاطبات، وحواش على شرح الأزهرية وعلى جمع الجوامع وغير ذلك.
ابن أبى عقيل:
الحسن بن على بن أبى عقيل أبو محمد العمانى الحذاء، شيخ فقيه، متكلم جليل من فقهاء الامامية، كان يثنى عليه الشيخ المفيد، قال العلامة الطباطبائى:
ان حال هذا الشيخ الجليل فى الثقة والعلم والفضل والكلام والفقه أظهر من أن يحتاج الى البيان، وهو أول من هذب الفقه واستعمل النظر وفتق البحث عن الأصول والفروع.
أبو على الجبائى المتوفى سنة 303 هـ:
محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد، أبو على الجبائى أحد أئمة المعتزلة كان اماما فى علم الكلام وأخذه عن أبى يوسف يعقوب بن عبد الله رئيس المعتزلة بالبصرة فى عصره، وله فى مذهب الاعتزال منالات مشهورة وأخذ عنه الشيخ أبو الحسن الأشعرى شيخ السنة علم الكلام.
على بن أبى طالب:
انظر ج 1 ص 269.
أبو على السنجى:
انظر ج 6 ص 388.
العمادى:
انظر ج 6 ص 389.
ابن عمر:
انظر عبد الله ج 1 ص 267.
عمر بن حنظلة:
عمر بن حنظلة، أبو صخر العجلى البكرى، فقيه امامى من أصحاب الباقر، وقيل من أصحاب الصادق وقد كثرت رواياته عن الأئمة عليهم السلام وذلك يدل على علو منزلته وسمو رتبته لقول الصادق: اعرفوا منازل الرجال منا بقدر روايتهم عنا، ولم يرد شئ من رواياته أحد من الأصحاب.
عمر بن الخطاب:
انظر ج 1 ص 269.
عمران بن حصين:
انظر ج 2 ص 359.
العمرانى المتوفى سنة 558 هـ:
يحيى بن سالم (أبو الخير) بن أسعد بن يحيى أبو الحسين العمرانى: فقيه شافعى كان شيخ الشافعية فى بلاد اليمن، له تصانيف منها: البيان فى فروع الشافعية، والزوائد والأحداث وشرح الوسائل ومناقب الامام الشافعى وغير ذلك.
أبو عمرو بن الصلاح:
انظر ابن الصلاح ج 1 ص 264.
أبو عمر بن عبد البر:
انظر ابن عبد البر ج 1 ص 266.
عمرو بن العاص:
انظر ج 3 ص 352.
العوفى المتوفى سنة 232 هـ:
الامام أبو يحيى هارون بن عبد الله الزهرى العوفى المكى القاضى الفقيه المالكى، نزيل بغداد، تفقه بأصحاب مالك، قال الخطيب: انه سمع من مالك وانه ولى قضاء العسكر ثم قضاء مصر.
ابن عبدوس المتوفى سنة 260 هـ:
محمد بن ابراهيم بن عبد الله بن عبدوس فقيه زاهد من أكابر التابعين من أهل القيروان له «مجموعة فى الفقه والحديث» .
عيسى بن دينار:
انظر ج 2 ص 359.
حرف الغين:
الغزالى:
انظر ج 1 ص 270.
حرف الفاء:
فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم:
أنظر ج 1 ص 271.
فخر الاسلام البزدوى:
انظر ج 5 ص 374.
فخر الدين قاضيخان:
انظر قاضيخان ج 1 ص 271
القاسم:
انظر ج 1 ص 271.
الفضل بن عباس:
انظر ج 1 ص 271.
حرف القاف:
القاسم: انظر ج 1 ص 271.
ابن القاسم:
انظر ج 1 ص 271.
القاضى الحنبلى:
انظر ج 2 ص 361.
القاضى الحنفى:
انظر ج 4 ص 370.
القاضى أبو حامد:
انظر الاسفرايينى ج 1 ص 248
القاضى حسين:
انظر ج 5 ص 376.
القاضى تقى الدين الفاسى المتوفى سنة 832 هـ:
محمد بن أحمد بن على، تقى الدين، أبو الطيب المكى الحسنى، مؤرخ عالم بالأصول حافظ للحديث، فقيه مالكى، أصله من فاس ومولده ووفاته بمكة، وولى قضاء المالكية بمكة مدة، وكان أعشى، يملى تصانيفه على من يكتب له، قال المقريزى:
كان بحر علم لم يخلف بالحجاز بعده مثله.
من كتبه: العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين، وارشاد الناسك الى معرفة المناسك، وغير ذلك.
القاضى أبو يعلى:
انظر أبو يعلى ج 1 ص 281
قتادة:
نظر ج 3 ص 353.
ابن قتيبة المتوفى سنة 323 هـ:
أحمد بن عبد الله ابن مسلم بن قتيبة الدينورى، أبو جعفر، قاضى، من أهل بغداد، له اشتغال بالأدب والكتابة، كان يحفظ كتب أبيه فى غريب القرآن والحديث والأدب والأخبار، ولى القضاء بمصر وعرف فضله فيها فأقبل عليه طلاب العلوم والآداب.
ابن قدامة:
انظر ج 1 ص 271.
القدورى:
انظر ج 1 ص 272.
القرافى:
انظر ج 1 ص 272.
القرطبى:
انظر ج 1 ص 272.
ابن القصار:
انظر ج 3 ص 354.
القفال المروزى:
انظر ج 1 ص 272.
القهستانى:
انظر ج 2 ص 362.
الشيخ قوام الدين الكاكى المتوفى سنة 749 هـ محمد بن محمد بن أحمد، قوام الدين الكاكى، فقيه حنفى، سكن القاهرة وتوفى فيها من كتبه: معراج الدراية فى شرح الهداية، وجامع الأسرار، وعيون المذاهب الكاملى مختصر جمع فيه أقوال الائمة الأربعة، وغير ذلك.
ابن القيم:
انظر ج 1 ص 273.
حرف الكاف:
الكاسانى:
انظر ج 1 ص 273.
ابن كبن المتوفى سنة 842 هـ:
محمد بن سعيد ابن على بن محمد بن كبن بن عمر بن على ابن اسحاق القرشى الطبرى الأصل اليمانى العدنى الشافعى ويعرف بابن كبن (جمال الدين) فقيه فرضى ناظم ناثر ولد بعدن ونشأ بها ودرس وأفتى وولى قضاء عدن نحو أربعين سنة وتوفى بها، من تصانيفه الدر النظيم فى الكلام على بسم الله الرحمن الرحيم، مفتاح الحاوى المبين عن النصوص والفحاوى، والرقم الجمالى فى شرح اللآلى فى الفرائض.
الكرخى:
انظر أبو الحسن الكوفى ج 1 ص 273
الكرمانى:
انظر ج 3 ص 354.
الكسائى المتوفى سنة 189 هـ:
على بن حمزة ابن عبد الله الأسدى بالولاء، الكوفى أبو الحسن الكسائى، امام فى اللغة والنحو والقراءة من أهل الكوفة، ولد فى احدى قراها وتعلم بها وقرأ النحو بعد الكبر وتنقل فى البادية وسكن بغداد، وهو مؤدب الرشيد العباسى وابنه الأمين، له تصانيف، منها:
معانى القرآن، والمصادر والحروف والنوادر.
ابن كمال باشا:
انظر ج 6 ص 390.
الكمال بن الهمام:
انظر ج 1 ص 273.
الكوسج المتوفى سنة 251 هـ:
اسحاق بن منصور بهرام، أبو يعقوب المروزى، المعروف بالكوسج، فقيه حنبلى، من رجال الحديث ولد بمرو ورحل الى العراق والحجاز والشام من تصانيفه: المسائل فى الفقه، دونها عن الامام أحمد.
حرف اللام:
اللخمى:
انظر ج 1 ص 274.
الليث:
انظر ج 1 ص 274.
أبو الليث:
انظر ج 1 ص 274.
حرف الميم:
المؤيد بالله:
انظر ج 1 ص 275.
ابن ماجه:
انظر ج 1 ص 274.
المازرى:
انظر ج 1 ص 274.
الامام مالك:
انظر ج 1 ص 275.
أبو مالك سعد بن طارق:
أبو مالك الأشجعى، سعد بن طارق بن أشيم الكوفى تابعى يروى عن أنس وابن أبى أوفى ونبيط ابن شريط الأشجعى، وروى عنه أبو حصين عثمان ابن عاصم الأسدى وأبو سعد البقال والثورى وطبقته.
الماوردى:
انظر ج 1 ص 275.
ابن المبارك المتوفى سنة 181 هـ وقيل سنة 182 هـ:
أبو عبد الرحمن عبد الله بن مبارك بن واضح المروزى مولى بنى حنظلة، كان قد جمع بين العلم والزهد وتفقه على سفيان الثورى ومالك بن أنس رضى الله عنهما وروى عنه الموطأ وكان كثير الانقطاع محبا للخلوة شديد التورع، وكان شاعرا، وهو من تابعى التابعين.
المبرد المتوفى سنة 286 هـ:
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدى، أبو العباسى المعروف بالمبرد، امام العربية ببغداد فى زمنه وأحد ائمة الأدب والأخبار، مولده بالبصرة ووفاته ببغداد، من كتبه: الكامل، المذكر والمؤنث، المقتضب، اعراب القرآن وغير ذلك.
المتولى:
انظر ج 3 ص 355.
مجاهد:
انظر ج 3 ص 355.
المحاملى:
انظر ج 4 ص 371.
أبو المحاسن الرويانى:
انظر ج 23 ص 523.
محمد:
انظر ج 1 ص 275.
محمد الأمير:
انظر الأمير ج 1 ص 249.
محمد البنانى المتوفى سنة 1194 هـ:
محمد بن الحسن البنانى، أبو عبد الله، فقيه مالكى، من أهل فاس، كان خطيب الضريح الأدريسى بها وامامه، من كتبه: الفتح الربانى، وحاشية استدرك بها على الزرقانى، ما ذهل عنه فى شرحه على مختصر خليل، وحاشية على شرح السنوسى.
أبو محمد الجوينى:
انظر الجوينى.
محمد بن الحسن:
انظر ج 1 ص 275.
محمد بن سلمه:
انظر ج 2 ص 364.
محمد بن سيرين:
أنظر ابن سيرين.
محمد بن عبد الله المتوفى سنة 272 هـ:
محمد ابن عبيد الله بن يزيد، أبو جعفر بن المنادى فقيه حنبلى سمع أبا بدر شجاع بن الوليد وحفص بن غياث وأبو داود قال ابن أبى حاتم الرازى: سمعت منه - يعنى محمد بن المنادى - مع أبى، وسئل أبى عنه؟ فقال: صدوق، نقل عن الامام أحمد مسائل وذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد بن حنبل.
محمد بن عجلان المتوفى سنة 788 هـ:
محمد بن أحمد بن عجلان بن رميثة بن أبى نمى شريف حسنى، من أمراء مكة، ولد فيها وشارك أباه فى ادارة شئونها ثم استقل بامارتها بعد وفاة أبيه فاستمر مائة يوم ثم عقله أبناء عمه بمساعدة أمير الحج المصرى لهم على أبواب مكة.
المرغينانى:
انظر ج 1 ص 278.
المزنى:
انظر ج 1 ص 276.
ابن مسعود:
انظر عبد الله ج 1 ص 267.
مسلم:
انظر ج 1 ص 276.
أبو مظفر السمعانى المتوفى سنة 489 هـ:
منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد المروزى السمعانى التميمى الحنفى ثم الشافعى، أبو المظفر مفسر، من العلماء بالحديث، من أهل مرو مولدا ووفاة، كان مفتى خراسان، قدمه نظام الملك على أقرانه فى مرو، له: تفسير السمعانى وغير ذلك.
معاذ:
انظر ج 1 ص 276.
معاوية بن عمار:
انظر ج 1 ص 266.
المغيرة بن شعبة:
انظر ج 3 ص 357.
مكحول:
انظر ج 3 ص 357.
المنصور:
انظر ج 1 ص 277.
أبو منصور:
البغدادى: انظر ج 4 ص 373.
منصور بن المعتمر:
نظر ج 2 ص 364.
ابن المنير المتوفى سنة 733 هـ:
عبد الواحد بن منصور بن محمد بن المنير، أبو محمد فخر الدين الاسكندرى المالكى، مفسر، له شعر ونظم فى «كان وكان» ومن كتبه:
تفسير، وأرجوزة فى القراآت السبع وديوان فى المدائح النبوية.
ابن المواز:
انظر ج 1 ص 278.
أبو موسى:
انظر ج 1 ص 278.
حرف النون:
الناصر:
انظر ج 1 ص 287.
نافع:
انظر ج 1 ص 278.
نجم الدين الطوفى:
انظر الامام الطوفى.
ابن نجيم:
انظر ج 1 ص 279.
النسائى:
انظر ج 1 ص 279.
النووى:
انظر ج 1 ص 279.
حرف الهاء:
الهادى:
انظر ج 1 ص 280.
ابن هرمز المتوفى سنة 117 هـ:
عبد الرحمن بن هرمز، أبو داود من موالى بنى هاشم، عرف بالأعرج: حافظ، قارئ من أهل المدينة، أدرك أبا هريرة وأخذ عنه وهو أول من برز فى القرآن والسنن وكان خبيرا بأنساب العرب، وافر العلم، ثقة، رابط بثغر الاسكندرية مدة ومات بها.
ابو هريرة:
نظر ج 1 ص 280.
ابن أبى هريرة:
انظر ج 3 ص 358.
هشام بن حسان المتوفى سنة 147 هـ:
هشام ابن حسان الأزرى، أبو عبد الله القردوسى محدث، من أهل البصرة كان يكتب حديثه، وهو من المكثرين عن الحسن البصرى.
الهندوانى:
انظر أبو جعفر ج 1 ص 253.
الهيثم بن جميل المتوفى سنة 213 هـ:
الهيثم بن جميل البغدادى الحافظ، نزيل انطاكية، روى عن جرير وطبقته، وكان من صلحاء المحدثين وأثباتهم.
حرف الواو:
وكيع:
انظر ج 4 ص 374.
أبو الوفاء:
انظر ج 6 ص 393.
ابن وهب:
انظر ج 2 ص 366.
حرف الياء:
الإمام يحيى:
انظر ج 1 ص 280.
يحيى بن أحمد المتوفى سنة 875 هـ:
يحيى بن أحمد بن على، عماد الدين بن مظفر فقيه من علماء الزيدية، توفى فى هجرة حمدة من البون باليمن، له كتب منها: البيان الشافى والدر الصافى المنتزع من البرهان الكافى، والجامع المفيد الى طاعة الحميد المجيد، وغير ذلك.
يحيى بن أكثم المتوفى سنة 242 هـ:
يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن التميمى الأسيدى المروزى، أبو محمد، قاض، رفيع القدر عالى الشهرة من نبلاء الفقهاء، يتصل نسبه بأكثم بن صيفى حكيم العرب، ولد بمرو واتصل بالمأمون أيام مقامه بها فولاه قضاء البصرة ثم قضاء القضاة ببغداد وأضاف اليه تدبير مملكته، وكان مع تقدمه فى الفقه وأدب القضاء حسن العشرة حلو الحديث، وله غزوات وغارات، ولما مات المأمون وولى المعتصم عزله عن القضاء فلزم بيته.
قال ابن خلكان. كانت كتب يحيى فى الفقه أجل كتب فتركها الناس لطولها، وله كتب فى الأصول.
يحيى بن حمزة المتوفى سنة 183 هـ:
يحيى بن حمزة الحضرمى، أبو عبد الرحمن قاضى دمشق وعالمها فى عصره، كان من حفاظ الحديث، تولى القضاء نحوا من ثلاثين سنة، وحديثه فى الكتب الستة.
يحيى بن سعيد:
انظر ج 4 ص 374.
يزيد بن سفيان:
انظر ج 3 ص 359.
يزيد بن المكفف.
أبو يوسف:
انظر ج 1 ص 281.
ابن يونس:
انظر ج 1 ص 281.