الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استمتاع
تعريف الاستمتاع فى اللغة
استمتاع مصدر فعله استمتع المزيد بالهمزة والسين والتاء، والسين والتاء تزادان على الفعل لأغراض من أهمها افادة المعالجة والطلب، فالمستمتع طالب للمتعة قاصد اليها، فمادته الأصلية متع.
وقد جاء فى القاموس المحيط أنه يقال: متع الرجل بالشئ متعا ومتعة بالضم اذا ذهب به.
والمتعة بالضم والكسر اسم للتمتيع كالمتاع، وأن تتزوج امرأة تتمتع بها أياما ثم تخلى سبيلها، وأن تضم عمرة الى حجك. وقد تمتعت واستمتعت ومتعة المرأة ما وصلت به بعد الطلاق. وقد متعها تمتيعا.
وجاء فى مختار الصحاح: أنه يقال قد متع الرجل بالشئ أى انتفع به من باب قطع، والمتاع: المنفعة والسلعة والأداة وما تمتعت به من الحوائج قال الله تعالى «اِبْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ»
(1)
ويقال أمتعه الله بكذا أبقاه وأنشأه الى أن ينته شبابه كمتعه، وأمتع بماله وتمتع به واستمتع به بمعنى، والاسم المتعة ومنه متعة النكاح، والطلاق والحج لأنها انتفاع
(2)
.
تعريفه فى اصطلاح الفقهاء
لا يكاد الفقهاء فى استعمالاتهم للفظ الاستمتاع يخرجون به على المضمون اللغوى.
استمتاع الرجل بزوجته ومملوكته
مذهب الحنفية:
ذكر صاحب بدائع الصنائع أن للزوج أن يطالب زوجته بالوط ء متى شاء، الا عند اعتراض أسباب مانعة من الوط ء، كالحيض والنفاس والظهار والاحرام وغير ذلك، لقوله تعالى:{(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)} .
ثم قال: ويحل النظر والمس من رأسها الى قدميها فى حالة الحياة، لأن الوط ء
(1)
الآية رقم 17 من سورة الرعد.
(2)
أنظر القاموس المحيط ومختار الصحاح والمعجم الوسيط مادة متع.
فوق النظر والمس فكان احلاله احلالا للمس والنظر من طريق الأولى
(1)
.
وحل الاستمتاع هذا على سبيل الملكية والاختصاص (أى يملك الاستمتاع ويختص به).
فقد ذكر صاحب البدائع أن للزوج ملك المتعة، وهو اختصاص الزوج بمنافع بضعها وسائر أعضائها استمتاعا.
هذا ولا يحل للرجل شئ من ذلك بعد الموت، فلا يحل له المس ولا النظر، لأن النكاح ارتفع بموتها فلا يبقى حل المس والنظر، كما لو طلقها قبل الدخول بخلاف ما اذا مات الزوج، لأن هناك ملك النكاح قائم، لأن الزوج مالك والمرأة مملوكة، والملك لا يزول عن المحل بموت المالك، ويزول بموت المحل كما فى ملك
(2)
اليمين
وذكر الكاسانى فى موضع آخر من البدائع أنه يحل للرجل أن ينظر الى نفس فرج المرأة المنكوحة، لأن الاستمتاع به حلال فالنظر اليه أولى، الا أن الأدب غض البصر عنه من الجانبين، لما روى عن سيدتنا عائشة رضى الله عنها
أنها قالت: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نظرت الى مأمنه ولا نظر الى مأمنى.
هذا ولا يحل اتيان المرأة فى دبرها، لأن الله عز شأنه نهى عن قربان الحائض ونبه على المعنى وهو كون المحيض أذى، والأذى فى ذلك المحل أفحش فكان أولى بالتحريم.
وروى عن سيدنا على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى حائضا أو امرأة فى دبرها أو أتى كاهنا فصدقه فيما يقول فهو كافر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» .
نهى عن اتيان النساء فى أدبارهن، وعلى ذلك جاءت الآثار من الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم أنها سميت اللوطية الصغرى، ولأن حل الاستمتاع فى الدنيا لا يثبت لحق قضاء الشهوات خاصة لأن لقضاء الشهوات خاصة دارا أخرى. وانما يثبت لحق قضاء الحاجات، وهى حاجة بقاء النسل الى انقضاء الدنيا، الا أنه ركبت الشهوات فى البشر للبعث على قضاء الحاجات، وحاجة النسل لا تحتمل الوقوع فى الأدبار، فلو ثبت الحل لثبت لحق قضاء الشهوة خاصة، والدنيا لم تخلق له
(3)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 331 الطبعة الاولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 305، ج 2 ص 331 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 119 نفس الطبعة المتقدمة.
والمملوكات حكمهن حكم المنكوحات، فيحل للمولى النظر الى سائر بدن جاريته ومسها من رأسها الى قدمها.
لأنه حل له ما هو أكثر منه، لقول الله عز وجل «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» الآية السابقة، الا أن حالة الحيض صارت مخصوصة فلا يقربها فى حالة الحيض، ولا يأتيها فى دبرها لما ذكرنا من الدلائل.
وفى الاستمتاع بها فيما دون الفرج الاختلاف السابق.
واذا حدث الملك فى الجارية بأى سبب من أسباب الملك لا يحل لمن ملكها أن يقربها قبل أن يستبرئها بحيضة.
والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى سبايا أوطاس: ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة، ولأن فيه خوف اختلاط المياه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستقين ماءه زرع غيره
(1)
.
وأما الدواعى من القبلة والمعانقة والنظر الى الفرج عن شهوة فيمن طرأ عليها الملك فلا يحل عند عامة العلماء الا فى المسبية، لأن حرمة القربان
انما تثبت خوفا عن توهم العلوق وظهور الحبل، وعند الدعوة والاستحقاق يظهر أن الاستمتاع صادف ملك الغير، وهذا المعنى موجود فى الدواعى من المستبرأة ونحوها فيتعدى اليها، ولا يتعدى فى المسبية فيقتصر الحكم فيها على مورد النص، ولأن الاستمتاع بالدواعى وسيلة الى القربان، والوسيلة الى الحرام حرام أصله الخلوة، وهذا أولى. لأن الخلوة فى التوسل الى الحرام دون المس فكان تحريمها تحريما للمس بطريق الأولى كما فى تحريم التأفيف من الضرب والشتم.
وقال مكحول رحمه الله تعالى:
تحل الدواعى، لأن المالك فى الأصل مطلق التصرف، ولهذا لم تحرم الدواعى فى المسبية ولا على الصائم فكان ينبغى أن لا يحرم القربان أيضا الا أن الحرمة عرفناها بالنص فتقتصر الحرمة على مورد النص، على أن النص ان كان معلولا بخوف اختلاط المياه فهذا معنى لا يحتمل التعدية الى الدواعى فلا يتعدى اليها.
وفى حكم استمتاع الرجل بالأمة المدبرة قال الكاسانى أنه يجوز الاستمتاع بالأمة المدبرة لأنه استيفاء المنافع وعن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه كان يطأ مدبرته. ثم انه اذا كان الاستيلاد لا يمنع من الاستمتاع بالمستولدة فان جواز الاستمتاع بالمدبرة أولى.
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 119، ص 120 الطبعة المتقدمة.
وفى حكم استمتاع المرأة بزوجها وحدوده.
قال صاحب البدائع: ان حل الاستمتاع مشترك بين الزوجين، فان المرأة كما تحل لزوجها فزوجها يحل لها قال الله عز وجل «لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ» }.
(1)
وللزوجة أن تطالب زوجها بالوط ء لأن حله لها حقها كما أن حلها له حقه. واذا طالبته الزوجة بالوط ء يجب على الزوج ويجبر عليه فى الحكم مرة واحدة، والزيادة على ذلك تجب فيما بينه وبين الله تعالى من باب حسن المعاشرة واستدامة النكاح فلا يجب عليه فى الحكم عند بعض أصحابنا.
وعند بعضهم يجب عليه فى الحكم
(2)
.
وعليه فانه يحل للمرأة أن تنظر الى زوجها وأن تلمسه من فرقه الى قدمه، لأنه حل لها ما هو أكثر من ذلك وهو التمكين من الوط ء فهذا أولى
(3)
.
مذهب المالكية:
ذكر صاحب الشرح الكبير أن النكاح الصحيح يحل به استمتاع كل من الزوجين بالآخر، ونظر كل جزء من جسد صاحبه حتى الفرج، سواء كان فى حالة الجماع أو فى غيرها.
كذلك يحل الاستمتاع بالملك التام المستقل به (أى فى الجارية) - أى الذى انفرد به واحد - دون مانع من محرمية.
فيحل به للسيد وللأنثى المملوكة نظر جميع الجسد حتى الفرج، بخلاف المعتقة لأجل والمبعضة والمشتركة ومحرم وذكر مملوك وخنثى.
لكن لا يحل للزوج ولا للسيد أن يستمتع بالوط ء فى الدبر.
أما التمتع بظاهر الدبر بغير الوط ء فجائز بلا استمناء.
وذكر البرزلى والحطاب واللقانى أنه يجوز التمتع بظاهر الدبر على وجه الاستمناء.
أما التتائى والبساطى والأقفهسى فقد قالوا: لا يجوز التمتع بالدبر لا ظاهرا ولا باطنا
(4)
.
ويجب القسم بين الزوجات فى المبيت وان امتنع الوط ء لعارض، ولا يجب
(1)
الآية رقم 10 من سورة الممتحنة.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 331 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 119، ص 120 نفس الطبعة السابقة.
(4)
الشرح الكبير ج 2 ص 215، ص 216.
القسم فى الوط ء بل يترك الى طبيعته ولا بأس أن ينشط للجماع عند واحدة دون الأخرى الا لاضرار أى قصد ضرر ككفه عنها بعد ميله للجماع لتتوفر لذته لأخرى
(1)
.
وللزوج الذى تمنعه زوجته من الاستمتاع بها وعظها أولا، ثم هجرها، ثم ضربها ضربا خفيفا غير مبرح
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب أن من تزوج امرأة أو ملك جارية يملك وطأها فله أن ينظر منها الى غير الفرج أما النظر الى الفرج ففى حكمه وجهان.
أحدهما: لا يجوز لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم قال: النظر الى الفرج يورث الطمس.
وثانيهما: يجوز وهو الصحيح، لأنه يملك الاستمتاع بالفرج فجاز له أن ينظر اليه كالفخذ.
وان زوج السيد أمته حرم عليه النظر الى ما بين السرة والركبة، لما روى
عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا زوج أحدكم جاريته عبده أو أجيره فلا ينظر الى ما دون السرة والركبة
(3)
.
واذا تزوج الرجل وجب على زوجته أن تسلم له نفسها ليلا ونهارا، ولا يجوز لها أن تسافر بغير اذنه، لأن الاستمتاع مستحق له فلا يجوز تفويته عليه.
ويجوز للزوج أن يجبر امرأته على الغسل من الحيض والنفاس لأن الوط ء يقف عليه وفى غسل الجنابة قولان:
أحدهما: له أن يجبرها عليه، لأن كمال الاستمتاع يقف عليه، لأن النفس تعاف من وط ء الجنب.
والقول الثانى: ليس له أن يجبرها، لأن الوط ء لا يقف عليه، وفى التنظيف والاستحداد - وهو حلق العانة - وجهان.
أحدهما: يملك اجبارها عليه، لأن كمال الاستمتاع يقف عليه.
والثانى: لا يملك اجبارها، لأن الوط ء لا يقف عليه، وفى منعها من أكل ما بتأذى برائحته وجهان كذلك.
أحدهما: له أن يمنعها، لأن أكله يمنع كمال الاستمتاع.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 339، ص 340 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 343 الطبعة المتقدمة.
(3)
المهذب ج 2 ص 35.
والوجه الثانى: ليس له أن يمنعها، لأن أكله لا يمنع الوط ء.
فان كانت الزوجة ذمية فله أن يمنعها من السكر، لأنه يمنع الاستمتاع. وأما منعها من أكل لحم الخنزير.
فقيل: يجوز له أن يمنعها من أكله، لأنه يمنع كمال الاستمتاع.
وقيل: ليس له أن يمنعها من ذلك، لأنه لا يمنع الوط ء
(1)
.
ويجب على الزوج معاشرة زوجته بالمعروف، ولا يجب عليه الاستمتاع بها، لأن الاستمتاع حق له فجاز له أن يتركه كسكنى الدار المستأجرة، ولأن الداعى الى الاستمتاع الشهوة والمحبة فلا يمكن ايجابه. والمستحب أن لا يعطلها، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنه قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصوم النهار؟ قلت: نعم قال: وتقوم الليل؟ قلت نعم، قال: ولكنى أصوم وأفطر وأصلى وأنام وأمس النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى، ولأنه اذا عطل الاستمتاع بها لم يأمن الفساد ووقوع الشقاق.
ولا يجوز له أن يستمتع بزوجته بوطئها فى الدبر، لما روى خزيمة بن ثابت رضى
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من أتى امرأة فى دبرها، ويجوز له أن يستمتع بها فيما بين الاليتين لقول الله عز شأنه:«وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» }.
(2)
ويجوز وطؤها فى الفرج مدبرة لما روى عن جابر رضى الله تعالى عنه قال: قالت اليهود: اذا جامع الرجل امرأته من ورائها جاء ولدها أحول، فأنزل الله تعالى:«نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ»
(3)
قال يقول:
يأتيها حيث شاء مقبلة أو مدبرة اذا كان ذلك فى الفرج.
ويجب على المرأة بذل ما يجب له من حق الاستمتاع من غير مطل، لأن المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع لما روى أبو هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اذا دعا أحدكم امرأته الى فراشه فأبت فبات وهو عليها ساخط لعنتها الملائكة حتى تصبح
(4)
.
والقسم بين النساء فى الاستمتاع ليس بواجب على الزوج.
جاء فى المهذب أنه يستحب لمن قسم بين زوجاته أن يسوى بينهن فى الاستمتاع،
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 65.
(2)
الآية رقم 5، 6 من سورة المؤمنون.
(3)
الآية رقم 223 من سورة البقرة.
(4)
المهذب ج 2 ص 66.
لأنه أكمل فى العدل، فان لم يفعل جاز لأن الداعى الى الاستمتاع الشهوة والمحبة ولا يمكن التسوية بينهن فى ذلك. ولهذا قال الله عز وجل:«وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ» }.
(1)
قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: يعنى فى الحب والجماع.
وقالت السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ويعدل، ثم يقول: اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملكه ولا أملكه
(2)
.
ولا يجوز للمرأة أن تهب ليلتها لبعض ضرائرها الا برضا الزوج، لأن حقه ثابت فى الاستمتاع بها فلا تملك نقل هذا الحق الى غيرها من غير رضاه.
وان كان له اماء لم يكن لهن الحق فى القسم، فان بات عند بعضهن لم يلزمه أن يقضى للباقيات، لأنه لا حق لهن فى استمتاع السيد، ولهذا لا يجوز لهن مطالبته بالفيئة اذا حلف أن لا يطأهن، والمستحب ان لا يعطلهن، لأنه اذا عطلهن لم يأمن أن يفجرن
(3)
.
وحق الزوج فى الاستمتاع بزوجته يجعل له الحق فى منع زوجته من كل ما يفوت عليه هذا الحق فقد ذكر صاحب المهذب أن للزوج أن يمنع زوجته من الارضاع، لأنه يستحق الاستمتاع بها فى كل وقت الا فى وقت العبادة فلا يجوز لها أن تفوته عليه بالرضاع
(4)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب كشاف القناع أن أحمد رحمه الله تعالى نص على أن التى يمكن الاستمتاع بها هى بنت تسع سنين فأكثر، فاذا أتى على الصغيرة تسع سنين وطلبها زوجها دفعت اليه، وليس لهم أن يحبسوها بعد التسع، لأن النبى صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة رضى الله تعالى عنها وهى بنت تسع سنين.
قال القاضى: هذا لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها فيلزم تسليم بنت التسع ولو كانت نضوة الخلقة
(5)
وهو جسيم، لكن ان خافت على نفسها الافضاء من عظمه فلها منعه من جماعها لحديث (لا ضرر ولا ضرار) وعليه النفقة، لأن منعها نفسها منه لعذر، ولا يثبت للزوج خيار الفسخ بكونها نضوة الخلقة، ويستمتع بها كما يستمتع من الحائض أى بما دون
(1)
الآية رقم 129 من سورة النساء.
(2)
المهذب ج 2 ص 68.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 69.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 168.
(5)
نضوة الخلقة يعنى مهزولة الجسم أنظر لسان العرب مادة نضو.
الفرج، وان أنكر أن وطأه يؤذيها لزمتها البينة لعموم حديث البينة على المدعى
(1)
.
وللزوج أن يستمتع بزوجته فى كل وقت على أى صفة كانت اذا كان الاستمتاع فى القبل، ولو كان الاستمتاع فى القبل من جهة عجيزتها لقول الله تعالى «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ» والتحريم مختص بالدبر دون ما سواه.
وللزوج أن يستمتع بزوجته فى كل وقت الا أن يشغلها استمتاعه بها عن الفرائض.
أو يضرها فليس له أن يستمتع بها اذن، لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف وحيث لم يشغلها ذلك ولم يضرها فله الاستمتاع، ولو كانت على التنور أو على ظهر قتب.
وله الاستمناء بيدها، فان زاد الزوج عليها فى الجماع صولح على شئ منه لأنه غير مقدر فرجع الى اجتهاد الامام، فان تنازعا فينبغى أن يفرضه الحاكم كالنفقة وكوطئه اذا زاد.
قال فى الانصاف: ظاهر كلام أكثر الأصحاب خلاف ذلك وأن ظاهر كلامهم ما لم يشغلها عن الفرائض أو يضرها.
ولا يكره الجماع فى ليلة من الليالى ولا فى يوم من الأيام حيث لا يؤدى الى اخراج فرض عن وقته، ولا يجوز للمرأة تطوع بصلاة ولا بصوم وهو شاهد الا باذنه لقول النبى صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد الا باذنه ولا تأذن فى بيته الا باذنه، وما أنفقت من نفقة بغير اذنه فانه يرد اليه شطره.
ويحرم الوط ء فى الدبر لقول النبى صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يستحى من الحق، لا تأتوا النساء فى أدبارهن، فان وطئها فى الدبر عزر ان علم بتحريمه، لارتكابه معصية لا حد فيها ولا كفارة وان تطاوع الزوجان على الوط ء فى الدبر فرق بينهما، وان أكره الرجل زوجته على الوط ء فى الدبر نهى عنه، فان لم ينته فرق بينهما قال الشيخ كما يفرق بين الرجل الفاجر وبين من يفجر به من رقيقه.
وللزوج أن يتلذذ بين الاليتين من غير ايلاج فى الدبر.
وقال ابن الجوزى فى السر المصون: كره العلماء الوط ء بين الاليتين، لأنه يدعو الى الوط ء فى الدبر. وجزم به فى الفصول
(2)
.
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 3 ص 110 الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 111، ص 112.
وليس للزوجة أن تستدخل ذكره وهو نائم فى فرجها بلا اذنه، لأنه تصرف فيه بغير اذنه.
وللزوجة لمسه وتقبيله بشهوة ولو نائما
(1)
.
وللزوج أن يجبر زوجته - ولو كانت ذمية ومملوكة - على غسل حيض ونفاس لأنه يمنع الاستمتاع الذى هو حق له فملك اجبارها على ازالة ما يمنع حقه
(2)
.
وللزوج أن يجبر زوجته على أخذ شعر وظفر تعافه النفس وازالة وسخ، لأن ذلك يمنع من كمال الاستمتاع، فان احتاجت فى فعل ما ذكر الى شراء الماء فثمنه على الزوج، لأنه لحقه.
وتمنع الزوجة من أكل ماله رائحة كريهة كبصل وثوم وكراث، لأنه يمنع كمال الاستمتاع، قلت وكذا تناول النتن اذا تأذى به، لأنه فى معنى ذلك، وتمنع أيضا من تناول ما يمرضها، لأنه يفوت عليه حقه من الاستمتاع بها زمن المرض
(3)
.
ويكره للزوج أن يطأ زوجته وهما متجردان
(4)
، لما روى عتبة بن عبد الله رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا أتى أحدكم أهله فليستتر. ولا يتجرد تجرد العيرين
(5)
.
ويكره وط ء الرجل لزوجته أو سريته بحيث يراه غير طفل لا يعقل، أو بحيث يسمع حسهما غير طفل لا يعقل كذلك ولو رضى الزوجان ان كانا مستورى العورة، فان لم يكونا مستورى العورة حرم مع رؤية العورة لحديث «احفظ عورتك» .
ويكره أن يقبل زوجته أو سريته أو يباشرها عند الناس، لأنه دناءة
(6)
.
وللزوج أن يستمتع بزوجته التى أجرت نفسها للرضاعة مثلا قبل العقد اذا نام الصبى الذى استؤجرت لرضاعه لزوال المعارض لحقه، وليس لولى الصبى أن يمنع الزوج من الاستمتاع بها.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 112 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ونفس الطبعة المتقدمة ج 3 ص 112.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 113 الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 115 الطبعة المتقدمة.
(5)
العير بفتح العين المهملة وسكون المثناه التحتية حمار الوحش شبههما به تنفيرا عن تلك الحالة أنظر لسان العرب.
(6)
المرجع السابق ج 3 ص 116 الطبعة المتقدمة.
وللزوج كذلك أن يستمتع بزوجته المؤجرة لرضاع ولو أضر باللبن، لأن وط ء الزوج مستحق بعقد التزويج، فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن فيه الولى.
وللزوج منعها من رضاع ولدها من غيره، وله منعها أيضا من رضاع ولد غيرها، لأن اشتغالها بذلك يفوت عليه كمال الاستمتاع بها، الا أن يضطر الرضيع اليها ويخشى عليه، كأن لا توجد مرضعة سواها، أو لا يقبل ثدى غيرها.
أو تكون قد شرطت عليه، فلا يمنعها منه كما لا يجوز له أن يمنعها من رضاع ولدها منه، لأنه حق لها فلا يمنعها كسائر حقوقها
(1)
.
وللزوج أن يمنع زوجته من الخروج من منزلها الى ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما أو غير ذلك.
ويحرم على الزوجة أن تخرج بدون اذن الزوج ما دام الزوج يقوم بحوائج الزوجة التى لا بد لها منها، فان خرجت الزوجة بدون اذنه فلا نفقة لها، لعدم تمكينه من الاستمتاع
(2)
.
وان تعذر استمتاع الزوج بزوجته نظر فان كان سبب التعذر راجعا اليها سقط حقها من القسم والنفقة، كما لو سافرت الزوجة باذن زوجها لحاجتها، أما ان كان سبب تعذر الاستمتاع راجعا اليه لم يسقط حقها من القسم والنفقة، كما لو بعثها الزوج لحاجته أو انتقلت من بلد الى بلد باذنه، لأن تعذر الاستمتاع بها بسبب من جهته
(3)
.
وللزوج أن يستمتع بزوجته فى غير يوم قسمها اذا وهبت زوجته الأخرى حقها من القسم فى جميع الزمان، أو فى بعضه لها، أو له، سواء قبلت الزوجة تلك الهبة، أو لم تقبل، لأن الحق فى ذلك للواهبة، وللزوج، فاذا رضيت هى والزوج جاز، لأن الحق لا يخرج عنهما، وحق الزوج فى الاستمتاع ثابت فى كل وقت على كل واحدة منهن، وانما منعته المزاحمة فى حق صاحبتها، فاذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه فى الاستمتاع بها، وان كرهت كما لو كانت منفردة
(4)
.
وللزوج أن يستمتع بملك يمينه وان نقص به زمن زوجاته بحيث لا ينقص الحرة عن ليلة من أربع، والأمة عن ليلة من سبع، وله أن يستمتع بهن كيف شاء كالزوجات،
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 117.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 117 الطبعة المتقدمة.
(3)
كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى ج 3 ص 122 الطبعة الأولى سنة 1319 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 122 الطبعة المتقدمة.
أو أقل، أو أكثر، بأن يطأ من شاء منهن متى شاء، وان شاء ساوى بينهن، وان شاء فضل، وان شاء استمتع ببعضهن دون بعض لقوله تعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ»
(1)
وقد كان للنبى صلى الله عليه وسلم مارية وريحانة فلم يكن يقسم لهما، ولأن الأمة لاحق لها فى الاستمتاع، ولذلك لا يثبت لها الخيار بكون السيد مجبوبا أو عنينا، ولا يضرب لها مدة الايلاء، ويستحب له أن يسوى بينهن فى القسم ليكون أطيب لنفوسهن، وعليه أن لا يعضلهن بأن لم يرد الاستمتاع بهن فلا يمنعهن من التزوج
(2)
.
ولا تعار الأمة للاستمتاع بها فى وط ء ودواعيه، لأنه لا يباح الا بملك أو نكاح، فان وطئ المستعير الأمة المعارة مع العلم بالتحريم فعليه الحد، لانتفاء الشبهة اذن، وكذا هى يلزمها الحد ان طاوعته عالمة بالتحريم، وولده رقيق تبعا لأمه، ولا يلحقه نسبه لأنه ولد زنا
(3)
.
ولو كان لرجل جارية فأذن لولده فى أن يستمتع بها من غير أن يصحب هذا
الاذن تمليك له بالجارية ولا هبة ولا غير ذلك، فان كان الأب يعلم أن الأمة لا توطأ الا بملك لم يكن اذنه لابنه فى الاستمتاع بها الا على قصد تمليكها له، وعليه فيكون الابن واطئا فى ملكه، وولده منها حر لاحق النسب، والأمة أم ولد له لا تباع ولا توهب ولا تورث، وأما ان قدر أن الأب لم يصدر منه تمليك بحال، واعتقد الابن أنه قد ملكها، كان ولده أيضا حرا ونسبه لاحقا ولا حد عليه، وان اعتقد الابن أنه لم يملكها ولكن وطئها بالاذن فانه لا يملكها بذلك فلا تصير أم ولد، أما الولد ففى حكمه عن أحمد روايتان.
احداهما: لا يكون حرا.
وثانيتهما: أن الولد يكون حرا، وهذا هو الصحيح اذا ظن الواطئ أنها حلال
(4)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم أنه فرض على الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج من الجماع متى دعاهما، ما لم تكن المدعوة حائضا أو مريضة تتأذى
(1)
الآية رقم 3 من سورة النساء.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 123.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 332 الطبعة المتقدمة.
(4)
فتاوى ابن تيمية ج 4 ص 166، ص 167 طبع مطبعة كردستان العلمية بدرب المسمط بمصر سنة 1325 هـ.
بالجماع أو صائمة فرض، فان امتنعت لغير عذر فهى ملعونة، لما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذى نفسى بيده ما من رجل يدعو امرأته الى فراشها فتأبى عليه الا كان الذى فى السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها
(1)
».
وفرض على الرجل أن يجامع امرأته التى هى زوجته. وأدنى ذلك مرة فى كل طهر ان قدر على ذلك، والا فهو عاص لله تعالى لقول الله عز وجل «فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ» ويجبر على ذلك من أبى بالأدب، لأنه أتى منكرا من العمل، لما روى أن سلمان الفارسى قال لأبى الدرداء رضى الله تعالى عنهما: ان لجسدك عليك حقا، وان لأهلك عليك حقا، أعط لكل ذى حق حقه، صم وأفطر، وقم ونم وأت أهلك فأخبر أبو الدرداء بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قول سلمان
(2)
.
وحلال للرجل أن ينظر الى فرج امرأته - زوجته وأمته التى يحل
له أن يطأها - وكذلك لهما أن ينظرا الى فرجه، لا كراهية فى ذلك أصلا، لقول الله عز وجل «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» فأمر الله عز وجل بحفظ الفروج الا على الزوجة وملك اليمين، فلا ملامة فى ذلك
(3)
.
ولا يحل للرجل أن يطأ امرأته فى دبرها، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ان الله لا يستحى من الحق، ولا تأتوا النساء فى أدبارهن
(4)
».
ويجوز للسيد أن يطأ أمته المكاتبة ما لم تؤد شيئا من كتابتها، فان حملت أو لم تحمل فهى على مكاتبتها لقول الله تعالى «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ.}. الخ الآية المتقدمة» والأمة المكاتبة لا تخلو من أن تكون مما ملكت يمينه فوطؤها له حلال، أو مما لا تملك يمينه فهى اما حرة واما أمة لغيره ولا شئ من هذين الأخيرين
(5)
.
أما اذا أدت شيئا من كتابتها فقد شرع العتق فيها بمقدار ما أدت.
ولا يحل وط ء من بعضها حر، لأنها ليست ملك يمينه حينئذ، بل بعضها
(1)
المحلى لابن حزم ج 10 ص 40 مسألة رقم 1887.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 40 مسألة رقم 1886.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 33 مسالة رقم 1879.
(4)
المرجع السابق ج 10 ص 69، ص 70 مسألة رقم 1905.
(5)
المرجع السابق ج 9 ص 232، ص 233 مسألة رقم 1690.
ملك يمينه وبعضها غير ملك يمينه، والوط ء لا ينقسم.
ولا يحل وط ء حرام أصلا فان فعل فهو زان فعليه الحد والولد غير لاحق
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب أن استمتاع الزوج بوط ء زوجته حق له يجب عليها أن تمكنه منه، وان كانت صغيرة مكنه ولى مالها منه اذا كانت صالحة للوط ء أو الاستمتاع من مثل هذا الرجل وكانت خالية عن المانع الشرعى أو العقلى، كأن تكون فى مسجد، أو تكون فى حضور شخص مميز للجماع ولو ضرتها، وكان التمكين من الوط ء فى القبل ولو كان ذلك من دبر.
أما ان كانت صغيرة لا يوطأ مثلها لمثله، ولا تحتمل الاستمتاع، لم يجب، بل لا يجوز أن تمكنه منها، ومثله ما اذا كانت مريضة تخشى من الوط ء فى تلك الحال التلف أو الضرر، والقول فى ذلك قولها، وكذا اذا وجد مانع شرعى، أو عقلى، أو طلب أن تمكنه من وطئها فى الدبر، فانه لا يجب، بل لا يجوز لها أن تمكنه منه، ويجوز لها أن تقتله ان لم يندفع بدونه.
ويكره التعرى حال الجماع، ويكره للرجل أن ينظر باطن الفرج من زوجته
فأما ظاهره فلا كراهة فى نظره
(2)
.
ويجوز للرجل أن يستمتع بالأمة فى مدة الاستبراء، لكن يستمتع بها فى غير الفرج ما لم تكن حاملا ولو من زنا، حيث لا يجوز الاستمتاع لأن استبراءها بالوضع، فأما الاستمتاع فى الفرج فيمنع من صحة الاستبراء بالنظر الى البائع وأما المشترى فيأثم. ولا يلزم الاستئناف الا مشتريا ونحوه كالمتهب والوارث فلا يجوز له الاستمتاع منها ولو باللمس فى مدة الاستبراء اذا كان يجوز الحمل فيها أى يجوز أن مثلها تعلق، فأما اذا كان لا يجوز ذلك، بأن تكون صغيرة أو آيسة جاز له الاستمتاع، ذكره أبو العباس وأبو طالب، ورواه فى التقرير عن المنتخب وهو المختار
(3)
.
مذهب الإمامية:
ذكر صاحب مستمسك العروة الوثقى أنه لا يجوز وط ء الزوجة قبل اكمال تسع سنين حرة كانت أو أمة، بل لا يجوز وط ء المملوكة.
وأما الاستمتاع بما عدا الوط ء من النظر واللمس بشهوة والضم والتفخيذ فجائز فى الجميع ولو فى الرضيعة.
واذا تزوج صغيرة ودخل بها قبل اكمال تسع سنين فأفضاها حرمت عليه أبدا على
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 237 مسئلة رقم 1690.
(2)
التاج المذهب لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 2 ص 72 وما بعدها الى ص 75 الطبعة الاولى سنة 1366 هـ طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر.
(3)
التاج المذهب ج 2 ص 103، ص 104 الطبعة المتقدمة.
المشهور، وهو الأحوط وان لم تخرج عن زوجيته - كما فى الشرائع.
وقيل بخروجها عن الزوجية أيضا، لأن التحريم المؤبد ينافى مقتضى النكاح اذ ثمرته حل الاستمتاع، بل الأحوط حرمتها عليه بمجرد الدخول وان لم يفضها.
ولكن الأقوى بقاؤها على الزوجية وان كانت مفضاة وعدم حرمتها عليه أيضا خصوصا اذا كان جاهلا بالموضوع أو الحكم
(1)
.
ويكره الجماع فى أوقات ثمانية: ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس، وعند الزوال، وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق، وفى المحاق، وبعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس، وفى أول ليلة من كل شهر الا فى شهر رمضان، وفى ليلة النصف، وفى السفر اذا لم يكن معه ماء يغتسل به، وعند هبوب الريح السوداء والصفراء، والزلزلة.
ويكره الجماع وهو عريان وعقيب الاحتلام قبل الغسل والوضوء، ولا بأس فى أن يجامع مرات من غير غسل يتخللها، ويكون غسله أخيرا، ويكره أن يجامع وعنده من ينظر اليه.
ويكره الجماع مستقبل القبلة ومستدبرها، وفى السفينة.
ويكره الكلام عند الجماع بغير ذكر الله.
ويكره النظر الى فرج المرأة حال الجماع وغيره
(2)
.
وروى صاحب مستمسك العروة الوثقى أن ابن حمزة يرى حرمة النظر الى فرج المرأة حال الجماع، لما فى خبر أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه فى وصية النبى صلى الله عليه وسلم لعلى كرم الله وجهه:«ولا ينظر الرجل الى فرج امرأته، وليغض بصره عند الجماع، فان النظر الى الفرج يورث العمى فى الولد» .
ويجوز لكل من الزوج والزوجة أن ينظر الى جسد الآخر حتى العورة مع التلذذ وبدونه، بل يجوز لكل منهما ان يمس من الآخر بكل عضو منه كل عضو من الآخر مع التلذذ وبدونه
(3)
.
وليس للمسلم أن يجبر زوجته الذمية على الغسل لأن الاستمتاع ممكن من دونه، ولو اتصفت بما يمنع الاستمتاع كالنتن الغالب وطول الأظافر المنفر كان له أن يلزمها بازالته
(4)
.
وأما الاستمتاع بالوط ء فى الدبر فقد ذكر صاحب مستمسك العروة الوثقى أن
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 12 ص 63 وما بعدها الى ص 67.
(2)
شرائع الاسلام ج 2 ص 6.
(3)
مستمسك العروة الوثقى ج 12 ص 19 الطبعة المتقدمة.
(4)
شرائع الاسلام ج 2 ص 19 الطبعة المتقدمة.
الأقوى - وفاقا للمشهور - جواز وط ء الزوجة والمملوكة دبرا على كراهة شديدة، بل الأحوط تركه، خصوصا مع عدم رضاها بذلك، لما روى عن عبد الله بن أبى يعفور قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتى المرأة فى دبرها قال: لا بأس اذا رضيت
(1)
.
مذهب الإباضية:
الإباضية يبنون حق استمتاع الرجل بزوجته على تقديم الصداق جاء فى شرح النيل أن للمرأة أن تمنع الزوج من التلذذ بها ولو فيما دون الفرج، حتى يفرض لها الصداق ويعطيها، أو يفرضه عاجلا أو آجلا بحسب ما اتفقا عليه ولها حقوقها، فان وطئها ولو قسرا مرة أو بمطاوعة ولو دون الفرج فلا تمنعه بعد ذلك سواء كانت طفلة أو مجنونة أو أمة وسواء كان الزوج طفلا أو عبدا أو مجنونا، ولها منعه ان أصدقها عاجلا وحده أو مع آجل، حتى يؤدى العاجل ولو بعد وط ء ان كان بقسر، أما ان كان برضى فلا تمنعه.
وكره له أن يكرهها على وط ء اذا منعته حتى يصدق أو يعطيها العاجل
(2)
.
وان لم يمسها حتى حل الصداق المؤجل منعته ان شاءت من الاستمتاع بها، لأنه اذا حل صار بمنزلة العاجل، والعاجل، تمنعه به حتى يعطيها اياه.
هذا وقيل لا تمنعه من الاستمتاع فى أى حالة سواء أجل الصداق أو عجل، حل أو لم يحل، مس أو لم يمس كما فى الديوان
(3)
.
وللزوج أن يطأ زوجته متى شاء حتى ولو اشترطت عليه عند العقد أن لا يجامعها مطلقا أو فى وقت كذا، الا فى حيض أو نفاس أو اعتكاف باذنه أو صوم واجب أو نفل، ان كان النفل باذنه، أو حيث لا تدرك الطهارة.
ولو شرط عليه أولياؤها أن لا يدخل عليها لصغرها فله أن يدخل اذا رآها أطاقت ولو فى يومه، وان كانت لا تقدر على الافتضاض لزمه أن يكف ولو لم يشترطوا وكذا المرض.
وله أن يتمتع بها بدون افتضاض اذا كانت لا تطيقه ولو شرطوا أن لا يقربها
(4)
.
وللزوجة أن تمنع زوجها من وطئها نهارا فى رمضان أو صوم كفارة أو نذر ان أذن لها فى النذر، وذلك بأن تهرب منه أو تضطرب أو تصيح عليه.
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 12 ص 50 وما بعدها الى ص 53.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 3 ص 90، 91 طبع البارونى وشركاه.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 91 الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 179 الطبعة المتقدمة.
وكذلك لها أن تمنعه من الوط ء فى الفرج فى حيض أو نفاس ولو فى غير الدم. ولا تمنعه فى غير الفرج أو تمنعه بعد طهر وقبل غسل
(1)
.
وكره له ولها أن يطأها بين ظهر وعصر.
وبين مغرب وعشاء، وان أرادها فى ذلك وأبى الا الفعل فلا تمنعه، وحرم بمرأى الناس لأشخاصهما ولو لم يروا عورتهما أو جسدهما، وتمنعه فيه.
وأجاز كثير الجماع بمرأى صبى ومجنون لا يميزان.
ولا يطؤها أكثر من طاقتها ان كانت صغيرة، وله وط ء الكبيرة متى شاء بلا حد ولو كرهت
(2)
.
ولا يجامع حاملا بما يضر حملها.
ولا يجوز للمرأة أن تتقلب عن زوجها فى فراشه ولا ترد اليه ظهرها الا بأذنه، روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
لا يحل لامرأة أن تبيت ليلة لا تعرض على زوجها نفسها. قيل له وكيف تعرض نفسها؟ قال: تنزع ثيابها وتدخل فى
فراشه وتلزق جلدها بجلده
(3)
ولا يجامعها نائمة وان فعل فلا بأس
(4)
.
ومن عنده امرأة واحدة فلها ليلة ويوم من أربع وله ثلاث، ولا يتنفل فى ليلتها، وكذا فى يومها الا بأذنها. وله فيها ما لا بد له منه من الاشغال ولو لم تكن هذه الاشغال بحد الضرورة، ولكن ان أمكن شغله بحضرتها فعله بحضرتها
(5)
وليس للرجل أن يطأ زوجته فى دبرها فان وطئها عمدا فى الدبر حرمت عليه على التأييد كما
(6)
أنه ليس للرجل أن يطأ امته المكاتبة بحكم التسرى اذ هى حرة عندنا ولو لم تقض قليلا ولا كثيرا مما وقعت به
(7)
المكاتبة.
ويحرم التسرى بالأمة المدبرة والنظر الى ما لا ينظر من الحرة والتلذذ منها ان دبرها قبل موته أو قبل موتها أو موت غيرهما بشهر أو سنة أو أقل أو أكثر أو قبل وقوع هذا بمدة، لأنه لا يدرى كم بقى من عمر من دبرها الى مدة قبل موته مثلا ولا يدرى لعله فى حينه أو فى حين مسها مثلا يكون فى المدة
(8)
.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 296، ص 297 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 297 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 97، ص 98.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 98 الطبعة المتقدمة.
(5)
المرجع السابق ج 3 ص 316 الطبعة المتقدمة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 204، ج 3 ص 189.
(7)
المرجع السابق ج 6 ص 348 الطبعة المتقدمة.
(8)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 351 الطبعة المتقدمة.
حكم وحدود استمتاع
الرجل بزوجته الحائض
مذهب الحنفية:
ذكر صاحب بدائع الصنائع أن الحنفية اختلفوا فى حدود استمتاع الرجل بزوجته الحائض.
فقال الامام أبو حنيفة وأبو يوسف رضى الله تعالى عنهما: لا يحل الاستمتاع بما بين السرة والركبة، وهو المراد بما تحت الازار. لما روى عن عبد الله بن سعد.
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لى من امرأتى وهى حائض فقال لك ما فوق الازار.
وروى أن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم كن اذا حضن أمرهن أن يتزرن ثم يضاجعهن، ولأن الاستمتاع بها، بما يقرب من الفرج سبب الوقوع فى الحرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا ان لكل ملك حمى، وان حمى الله محارمه، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
وفى رواية من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، والمستمتع بالفخذ يحوم حول الحمى ويرتع حوله فيوشك أن يقع فيه، دل أن الاستمتاع به سبب الوقوع فى الحرام وسبب الحرام حرام ولقوله تعالى «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ: هُوَ أَذىً»
(1)
لأنما حول الفرج لا يخلو عن الأذى عادة، فكان الاستمتاع به استعمال الأذى.
وقال محمد رحمه الله تعالى: يجتنب الرجل شعار الدم، وله ما سوى ذلك، لقول الله تبارك وتعالى:«وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً» حيث جعل الحيض أذى فتختص الحرمة بموضع الأذى.
وقد روى أن سيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنها سئلت عما يحل للرجل من امرأته الحائض فقالت: يتقى شعار الدم وله ما سوى ذلك.
وذكر الكاسانى ان المشايخ قد اختلفوا فى تفسير قولهما بما فوق الازار.
قال بعضهم: المراد منه ما فوق السرة فيحل الاستمتاع بما فوق سرتها، ولا يباح بما تحتها الى الركبة.
وقال بعضهم: المراد منه مع الازار فيحل الاستمتاع بما تحت سرتها سوى الفرج لكن مع المئزر لا مكشوفا.
ويمكن العمل بعموم قولهما بما فوق الازار، لأنه يتناول ما فوق السرة وما تحتها سوى الفرج مع المئزر اذ كل
(1)
الآية رقم 222 من سورة البقرة.
ذلك فوق الازار فيكون عملا بعموم اللفظ
(1)
.
مذهب المالكية:
روى الدسوقى فى حاشيته خلاف علماء المالكية فى حكم الاستمتاع بالزوجة فى الحيض وحدوده فقال: ظاهر كلام الدردير ومن تبعه أنه يحرم الاستمتاع بالزوجة وهى حائض بما بين السرة والركبة بالجماع وبغير الجماع من لمس ومباشرة ولو على حائل، وهما - أى السرة والركبة - خارجان عن هذا الحكم.
وفى البنانى: الذى لابن عاشر ما نصه «ظاهر عباراتهم جواز الاستمتاع بما تحت الازار - وهو ما بين السرة والركبة - بغير الوط ء من لمس ومباشرة ونظر حتى الفرج.
وقال أبو على المسناوى: نصوص الائمة تدل على أن الذى يمنع تحت الازار هو الوط ء فقط لا التمتع خلافا للدردير ومن تبعه.
وقال ابن الجلاب: لا يجوز وط ء الحائض فى فرجها ولا فيما دون الفرج.
ومثل ذلك فى عبارة عبد الوهاب وابن رشد وابن عطية وابن عرفة وغيرهم.
وقال الشيخ الدردير العدوى:
ان الحطاب ذكر فى شرح الورقات: أن المشهور حرمة الاستمتاع بما تحت الازار ولو بغير الوط ء.
ثم تعقب الدسوقى هذه الاقوال بقوله:
فظهر من هذا ان الوط ء فيما تحت الازار سواء كان فرجا أو غيره حرام باتفاق.
وأما التمتع بغير الوط ء كاللمس والمباشرة فيما تحت الازار ففيه قولان مرجحان:
أحدهما بالمنع ولو من فوق حائل وهو المشهور.
والثانى عدم المنع.
وأما النظر الى ما تحت الازار ولو الى الفرج فلا حرمة فيه ولو التذ بالنظر، وهذا الخلاف الذى ذكر انما هو فى الاستمتاع بما بين السرة والركبة.
أما ما عدا السرة والركبة من بقية أجزاء الجسم فانه يجوز الاستمتاع بكل أجزاء جسمها قال الدردير كالاستمتاع بيدها وصدرها وقال الدسوقى: وكذا عكن بطنها، وذلك مثل أن يستمنى بما ذكر من الامور الثلاثة أى يدها وصدرها وبطنها.
واذا انقطع دم الحيض فلا يسوغ له الاستمتاع بما حرم عليه الا بعد أن تطهر بالماء فلا يحل ذلك بعد تيمم تحل به الصلاة لأنه - وان حلت
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 119 الطبعة المتقدمة.
به الصلاة - لا يرفع الحدث، ولا بد من التطهير بالماء لجواز الوط ء الا لطول يحصل به ضرر وذلك لعدم الماء أو عدم القدرة على استعماله فله حينئذ الوط ء بعد التيمم ندبا.
وقال الشيخ عليش فى تقريراته:
وتجبر على الغسل وان كانت كافرة.
وقال ابن نافع اذا انقطع دم الحيض حاز الوط ء فى الفرج قبل الغسل.
وقال ابن بكير ان التمتع بما تحت الازار بعد النقاء من دم الحيض وقبل الغسل مكروه.
وقال ابن شعبان اذا تيممت لعذر بعد انقطاع الدم جاز وطؤها ولو لم يخف الضرر
(1)
.
ويمنع النفاس ما يمنعه الحيض من الاستمتاع بالوط ء فى الفرج وما تحت الازار، ويجوز الاستمتاع بما عدا ذلك من بقية أجزاء جسمها
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه يحرم وط ء الحائض فى فرجها ولو بحائل، وتحرم المباشرة بما بين سرتها وركبتها
ولو بلا شهوة، لقول الله تعالى «فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ»
(3)
ولخبر أبى داود باسناد جيد أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عما يحل للرجل من امرأته وهى حائض فقال:
ما فوق الازار، وخص بمفهومه عموم خبر مسلم «اصنعوا كل شئ الا النكاح» ولأن الاستمتاع بما تحت الازار يدعو الى الجماع فحرم لخبر: من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
وقيل: لا يحرم غير الوط ء واختاره فى التحقيق لخبر مسلم السابق بجعله مخصصا لمفهوم خبر ابى داود والاول أوجه لما فيه من رعاية الأحوط.
وخرج بما بين السرة والركبة هما - أى السرة والركبة - وباقى الجسد فلا يحرم الاستمتاع بهما.
أما عن مباشرة المرأة لزوجها وهى حائض فالقياس أن مسها الذكر ونحوه من الاستمتاعات المتعلقة بما بين السرة والركبة حكمه حكم تمتعاته بها فى ذلك المحل.
والصواب كما قاله بعض المتأخرين فى نظم القياس أن نقول: كل ما منعناه منه نمنعها أن تلمسه به فيجوز له أن يلمس بجميع بدنه سائر بدنها الا ما بين سرتها وركبتها.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 173.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 175.
(3)
الآية رقم 222 من سورة البقرة.
ويحرم عليه تمكينها من لمسه بما بينهما.
ووط ء الحائض فى الفرج كبيرة من العامد العالم بالتحريم المختار ويكفر مستحله كما فى المجموع عن الاصحاب وغيرهم بخلاف الجاهل والناسى والمكره
(1)
.
وذكر صاحب المهذب أنه ان وطئها مع العلم بالتحريم ففيه قولان.
قال فى القديم: ان كان فى أول الدم لزمه أن يتصدق بدينار.
وان كان فى آخره لزمه أن يتصدق بنصف دينار، لما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الذى يأتى امرأته وهى حائض: يتصدق بدينار أو بنصف دينار.
وقال فى الجديد: لا تجب عليه الكفارة لأنه وط ء محرم للأذى فلم تتعلق به الكفارة كالوط ء فى الدبر
(2)
.
وذكر صاحب المغنى أنه ان كان الوط ء فى الفرج فى أول الدم وقوته تصدق بمثقال اسلامى من الذهب الخالص، وان كان الوط ء فى آخر الدم وضعفه تصدق
بنصف مثقال، لخبر اذا واقع الرجل أهله وهى حائض ان كان دما أحمر تصدق بدينار، وان كان أصفر فليتصدق بنصف دينار
(3)
.
ولا فرق فى الواطئ بين الزوج وغيره فغير الزوج مقيس على الزوج الوارد فى الحديث.
ويستثنى من وجوب الكفارة بوط ء الحائض، المتحيرة - وهى من جاوز دمها أكثر الحيض أو هى المستحاضة غير المميزة لنسيانها عادتها أو وقتها فى الحيض - فلا كفارة بوطئها وان حرم ولو أخبرته بحيضها ولم يمكن صدقها حل له الاستمتاع بها ولا يلتفت اليها.
وان أمكن صدقها وصدقها هو حرم وطؤها. وان كذبها فلا، لأنها ربما عاندته. ولأن الاصل عدم التحريم
(4)
.
واذا انقطع دم الحيض فلا يحل الاستمتاع بها، حتى تغتسل لقول الله تعالى:«وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» }.
(5)
قال مجاهد: حتى يغتسلن، فان لم تجد الماء فتيممت حل لها ما يحل بالغسل، لأن التيمم قائم مقام الغسل
(1)
مغنى المحتاج لمعرفة الفاظ المنهاج للعلامة الخطيب الشربينى ج 1 ص 112.
(2)
المهذب ج 1 ص 38.
(3)
مغنى المحتاج ج 1 ص 113 الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 113.
(5)
الآية رقم 222 من سورة البقرة.
فاستبيح به ما يستباح بالغسل، وان تيممت وصلت فريضة لم يحرم وطؤها.
ومن أصحابنا من قال: يحرم وطؤها بفعل الفريضة كما يحرم فعل الفريضة بعد الوط ء.
والأول اصح، لأن الوط ء ليس بفرص فلم يحرم بفعل الفريضة كصلاة النفل
(1)
.
ولا يحرم الاستمتاع بالمستحاضة لأن الاستحاضة علة
(2)
مزمنة.
واختلف فى المتحيرة وهى التى جاوز دمها أكثر الحيض ونسيت عادتها فى الحيض قدرا ووقتا لنحو غفلة أو جنون وهى المتحيرة المطلقة فالمشهور وجوب الاحتياط فيحرم على الحليل الوط ء فى الفرج والاستمتاع بما بين سرتها وركبتها لاحتمال الحيض.
وقيل يجوز ذلك، لأن الاستحاضة علة مزمنة والتحريم دائما موقع فى الفساد
(3)
.
.. ويقاس النفاس على الحيض فى حرمة الاستمتاع بالوط ء فى الفرج والمباشرة بما بين السرة والركبة وذلك بالاجماع،
لأنه دم حيض مجتمع فحكمه حكم الحيض فى حرمة الاستمتاع
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى النكت والفوائد السنية أنه يجوز للزوج أن يتمتع بزوجته الحائض الا بالوط ء فى الفرج.
وعن الامام أحمد، يجوز ذلك - ذكره صاحب الوسيلة -.
وقال الخلال والشيخ - يعنى القاضى - يحملانها على الاستحباب.
قال جعفر بن محمد قلت للامام أحمد:
ما للرجل من امرأته وهى حائض؟ قال:
قالت عائشة رضى الله عنها: «كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمر احدانا أن تتزر» واختار هذا ورخص فيما دون الفرج، وينبغى أن يكون هذا رواية بالكراهة، لأن مخالفة الأمر توجب ارتكاب المكروه.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول فى الحائض تقبل وتلمس، واذا جامعها (أى باضعها وضاجعها) كان بينهما ازار الى السرة والى الركبة ويباشرها.
وقال الخلال: كان فى مسألة جعفر وحنبل أن أبا عبد الله أحب لهما الازار فى وقت الجماع، وهو على ما روت عائشة
(1)
المهذب ج 1 ص 38.
(2)
مغنى المحتاج ج 1 ص 113، ص 118.
(3)
مغنى المحتاج ج 1 ص 118.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 113، ص 122.
وأم سلمة عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم بين عنه الباقون أنه لا بأس به واحتج فى ذلك، والعمل فى مذهبه أنه لا بأس أن يجامع بغير ازار اذا اتقى مخرج الدم. ولا اشكال أن المذهب عدم الكراهة وقد صرح فى رواية أبى طالب أنه لا بأس أن يأتيها دون الفرج وصرح قاطعا صاحب النهاية وغيرها.
قال الشيخ تقى الدين: ومع هذا فالمستحب تركه.
وظاهر كلام أمامنا وأصحابنا: أنه لا فرق بين أن يأمن على نفسه مواقعة المحظور أو يخاف.
وقطع الأزجى فى نهايته بأنه اذا لم يأمن على نفسه من ذلك حرم عليه لئلا يكون طريقا الى مواقعة المحظور
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال صاحب المحلى: وللرجل أن يتلذذ من امرأته الحائض بكل شئ حاشا الايلاج فى الفرج، وله أن يشفر ولا يولج.
وأما الدبر فحرام فى كل وقت، لما روى عن ميمونة أم المؤمنين رضى
الله تعالى عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الازار وهن حيض. ولما رواه الأسود عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأمرها أن تتزر فى فور حيضتها ثم يباشرها وأيكم يملك
(2)
اربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك اربه
(3)
.
ومن وطئ حائضا عامدا أو جاهلا فقد عصى الله تعالى وفرض عليه التوبة والاستغفار ولا كفارة عليه فى ذلك، لأنه لم يصح لدينا من الآثار ما يوجب شيئا على من وطئ الحائض
(4)
.
مذهب الزيدية:
الزيدية على أن استمتاع الرجل بزوجته الحائض على ثلاثة أضرب.
أحدها مجمع على تحريمه.
وثانيها: مجمع على اباحته.
وثالثها: مختلف فيه.
(1)
النكت والفوائد السنية فى كتاب مع المحرر فى الفقه ج 1 ص 25 وكشاف القناع ج 1 ص 142 ص 143 والمغنى لابن قدامه ج 1 ص 353، ص 354.
(2)
يملك اربه بمعنى يملك نفسه عن الوقوع فى محظور تدعو اليه شهوته فهو صلى الله عليه وسلم يقمعها.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 176 وما بعدها الى ص 181 مسألة رقم 260.
ج 10 ص 76 مسئلة رقم 1916.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 187 وما بعدها الى ص 190 مسئلة رقم 263، ج 10 ص 79 مسئلة رقم 1917.
أما الاستمتاع المجمع على تحريمه فهو الوط ء فى الفرج جاء فى شرح الأزهار وحواشيه أنه يحرم على الزوج وط ء زوجته فى الفرج.
قال فى الانتصار: تحريمه معلوم من الدين بالضرورة فمن وطئها مستحلا كفر، وعليه يحمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتى امرأته وهى حائض فقد كفر بما أنزل على محمد، وان كان غير مستحل لم يكفر ولم يفسق ولا كفارة عليه، ويحرم عليها أن تمكنه ولها أن تقتله ان لم يندفع الا بالقتل.
وأما الاستمتاع المجمع على جوازه فهو الاستمتاع بما فوق السرة وما تحت الركبة مما يلى الساق.
وأما الاستمتاع المختلف فى حكمه فهو الاستمتاع فيما بين السرة والركبة ما خلا الفرج.
وقال الهادى عليه السلام: ان ذلك الاستمتاع جائز.
وقال القاسم عليه السلام ان ذلك مكروه كراهة تنزيه.
قال فى الانتصار: والظاهر من مذهب العترة وفقهاء الامة المنع من التلذذ بالفرج من دون ايلاج لأجل الأذى.
والمختار جوازه اذا غسلته أو كان الدم مقتصرا، لأن العلة فى التحريم الأذى
(1)
.
ولو اختلف مذهب الزوجين بأن كان عند الزوجة تحريم الاستمتاع فيما دون الازار وعند الزوج جواز الاستمتاع قال السيد يحيى بن الحسين فى مثل تلك الحالة له أن يطأها أى فيما دون الفرج كما هو مقرر فى مذهبه - وعليها أن تمتنع.
وقال مولانا عليه السلام: فى هذا نظر، ووجهه أنه لا يلزمها اجتهاده الا بحكم من الحاكم
(2)
وتستمر حرمة وطئها حتى تطهر اجماعا، وهى تطهر بأحد ثلاثة أشياء.
اما بانقطاع الدم على مقدار العادة.
أو برؤية النقا وهو شئ يخرج من فرجها كالقطنة البيضاء.
أو بكمال العشر وان لم ينقطع.
وأما استمرار حرمة وطئها حتى تغتسل ففيه خلاف.
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار للامام أبى الحسن عبد الله ابن مفتاح فى كتاب بهامشه حواشى شرح الازهار ج 1 ص 157 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 157، 158 الطبعة المتقدمة.
قال: صاحب شرح الأزهار: ومذهبنا أنه لا يجوز له أن يطأها حتى تطهر وتغتسل ان أمكن أو تتيمم للعذر المبيح لترك الغسل.
وقال أحمد بن الحسين فى الزيادات:
فان لم تجد ماء ولا ترابا جاز وطؤها من دون تيمم ولا اغتسال
(1)
.
مذهب الإمامية:
قال صاحب تذكرة الفقهاء: قد أجمع علماء الاسلام على تحريم الجماع فى قبل المرأة الحائض لقول الله تعالى «فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ» وأجمعوا على اباحة الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة، واختلفوا فى حكم الاستمتاع بين السرة والركبة غير القبل.
فالمشهور عندنا الاباحة وتركه أفضل وبه قال الثورى والاوزاعى وأبو اسحاق المروزى عملا بالأصل، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم:«اصنعوا كل شئ غير النكاح» .
ومن طريق الخاصة قول الصادق وقد سئل عن ما لصاحب المرأة الحائض منها - له كل شئ منها ما عدا القبل بعينه.
وقال السيد المرتضى بالتحريم.
وأجمعوا كذلك على كراهة الوط ء قبلا بعد انقطاع الدم قبل الغسل.
وقال الكاظم لا بأس فى أن يقع الزوج على زوجته الحائض اذا رأت الطهر وقبل أن تغتسل، وأن يفعل ذلك بعد أن تغتسل أحب الى.
وقال الصدوق: لا يجوز حتى تغتسل.
وقال داود: اذا غسلت فرجها حل وطؤها. فان وطئها لم يكن عليه شئ ولو غلبته الشهوة بعد الانقطاع قبل الغسل أمرها بغسل فرجها ثم وطئها.
لقول الباقر: ان أصابه الشبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسها
(2)
ان شاء، فان وطئها فى الفرج جاهلا بأنها حائض أو جاهلا بأن ذلك محرم فلا شئ عليه وان كان عالما بهما أثم واستحق العقاب، ويجب عليه التوبة بلا خلاف فى جميع ذلك وكان عليه - عندنا - الكفارة ان كان فى أول الحيض دينار، وان كان فى وسطه نصف دينار وان كان فى آخره ربع دينار
(3)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 158 الطبعة المتقدمة.
(2)
تذكرة الفقهاء لجمال الدين حسن بن يوسف الحلى ج 1 ص 27، 28 من منشورات المكتبة المرتضوية لاحياء الآثار الجعفرية.
(3)
كتاب الخلاف فى الفقه تصنيف أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 69 الطبعة الثانية طبع بمطبعة رنكين فى طهران سنة 1377 هـ.
وذكر صاحب مستمسك العروة الوثقى ان حكم النفساء حكم الحائض فى تحريم وطئها وجواز الاستمتاع بها بما دون الفرج من غير خلاف
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال صاحب شرح النيل: ان جماع الحائض فى الفرج حرام بالقرآن والسنة والاجماع، فمن فعله لا باعتقاد لحله، فان كان فعله بنسيان أو جهل بحيضها لم تلزمه كفارة، والا أثم ولزمه الكفارة بعلم به وعمد وحرمت عليه عند الأكثر.
ومن فعله باعتقاد الحل أشرك وحرمت عليه لدخوله عليها وهو مشرك الا على قول من لا يحرم بشرك الزلة.
وأبيح له أن يستمتع بالذكر بما فوق السرة وتحت الركبة من حائض ونفساء، وبقبلة ومعانقة اجماعا، وبما بين السرة والركبة دون الفرج عندنا وبعض الأمة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شئ الا النكاح ولقوله صلى الله عليه وسلم «انما أمرتم بعزل الفروج
(2)
».
حكم وحدود استمتاع الرجل
بزوجته الصائمة واستمتاع الصائم بزوجته
مذهب الحنفية:
الحنفية على أن حق استمتاع الرجل بزوجته مقدم على صومها تطوعا فقد ذكر صاحب البدائع أنه ليس للمرأة التى لها زوج أن تصوم تطوعا الا باذن زوجها لأن له حق الاستمتاع بها ولا يمكنه ذلك فى حال الصوم، ولما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم صوم تطوع الا باذن زوجها» .
وللزوج أن يمنعها من الصوم ان كان يضره لأنه لا يمكنه استيفاء حقه مع الصوم فكان له منعها.
أما ان كان صيامها لا يضره - بأن كان صائما أو مريضا لا يقدر على الجماع - فليس له أن يمنعها، لأن المنع كان لاستيفاء حقه، فاذا لم يقدر على الاستمتاع فلا معنى للمنع
(3)
.
وجاء فى الفتاوى الهندية: أنه لا بأس بالقبلة اذا أمن الصائم على نفسه من الجماع والانزال، لما روى عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى
(1)
مستمسك العروة الوثقى وشرحه ج 3 ص 398.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 207.
ص 208 الطبعة المتقدمة.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 107 الطبعة المتقدمة.
عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، ويكره اذا لم يأمن، والمس فى جميع ذلك كالقبلة، وأما القبلة للفاحشة - وهى أن يمص شفتيها فتكره على الاطلاق، والجماع فيما دون الفرج والمباشرة كالقبلة فى ظاهر الرواية.
وقيل: ان المباشرة الفاحشة تكره وان أمن - والمباشرة الفاحشة هى أن يتعانقا وهما متجردان ويمس فرجه فرجها - ولا بأس بالمعانقة اذا أمن على نفسه أو كان شيخا كبيرا
(1)
.
وذكر الأوزجندى فى فتاويه عن أبى حنيفة فى رواية أنه يكره للصائم المصافحة أيضا كما يكره له المعانقة
(2)
.
مذهب المالكية:
ذكر صاحب الشرح الكبير أنه ليس لامرأة يحتاج لها زوجها - أو علمت أو ظنت أنه يحتاج لها للوط ء - أن تصوم تطوعا الا باذنه - والمراد بصوم التطوع غير الواجب فيشمل النذر - فان صامت تطوعا بلا اذن فله افساده عليها بجماع، لا بأكل أو شرب، فان أذن لها فليس له ذلك، فان
علمت أنه لا يحتاج لها لوط ء جاز لها التطوع بلا اذن
(3)
.
ويجوز الاستمتاع بالزوجة فى الصوم ليلا من غروب الشمس الى طلوع الفجر بالجماع أو مقدماته
(4)
.
ويحرم الجماع نهارا فى الصوم، لأن ترك الجماع من شروط صحة الصوم، والمراد بالجماع تغييب حشفة بالغ أو قدرها فى فرج مطيق وان لم ينزل سواء كان الفرج قبلا أو دبرا، وسواء كان ذلك المطيق المغيب فيه مستيقظا أو نائما، وسواء كان حيا أو ميتا آدميا كان أو بهيمة، فلو غيبها بالغ فى فرج غير مطيق، أو غيبها غير بالغ فى فرج مطيق أو غيره فلا يفسد صومه، ولا صوم موطوءته البالغة حيث لم تمن ولم تمذ.
وكذا يحرم الاستمتاع باخراج منى فى اليقظة بلذة معتادة فان أخرجه كذلك فسد الصوم ووجب القضاء والكفارة.
ويحرم أيضا اخراج مذى بلذة معتادة فان أخرجه كذلك فسد الصوم ووجب القضاء، لا ان خرج بلا لذة أصلا أو خرج بلذة غير معتادة أو حصل مجرد انعاظ فلا يفسد
(1)
الفتاوى الهندية ج 1 ص 200 وفتاوى قاضيخان ج 1 ص 205 وهما فى كتاب واحد الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1310 هـ.
(2)
فتاوى قاضيخان للاوزجندى فى كتاب على هامش الفتاوى الهندية ج 1 ص 205 الطبعة المتقدمة.
(3)
الشرح الكبير ج 1 ص 541.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 520.
صومه، ولو نشأ عن مقدمات على المعتمد وهذا رواية أشهب عن مالك فى المدونة، خلافا لقول ابن القاسم فيها، وروايته عن مالك فى العتبية بالقضاء.
وقد تقرر عن الأشياخ أن رواية غير ابن القاسم مقدمة على رواية ابن القاسم.
قال الدسوقى: واعلم أن الخلاف فى القضاء فى الانعاظ الناشئ عن قبلة أو مباشرة، فان نشأ عن نظر أو فكر فقال الحطاب: الظاهر فيه عدم القضاء اتفاقا ولو استديم النظر والفكر
(1)
.
وكره مقدمة جماع كقبلة وفكر ونظر ومباشرة وملاعبة ان علمت السلامة من انزال منى أو مذى، والا بأن لم تعلم السلامة من منى أو مذى حرمت مقدمة الجماع.
وظاهر ذلك كما قال الدسوقى هو كراهة المقدمات المذكورة اذا علمت السلامة، وأنه لا شئ عليه ولو حصل انعاظ، وهو رواية أشهب عن مالك فى المدونة كما مر، وهو المعتمد.
وروى ابن القاسم عنه لزوم القضاء.
وقال ابن القاسم بالفرق بين المباشرة، فيقضى، وبين ما دون المباشرة فلا قضاء عليه، وهذا القول أنكره سحنون.
وقال الدسوقى فى حاشيته: واعلم أنه ان أمذى بالمقدمات المذكورة فى حالة الكراهة أو فى حالة الحرمة فالقضاء اتفاقا، فان حصل عن نظر أو فكر من غير قصد ولا متابعة ففيه قولان:
أظهرهما أنه لا قضاء عليه.
وان أنزل ففى حالة الحرمة تلزمه الكفارة اتفاقا، وفى حالة الكراهة ثلاثة أقوال.
أصحها أنه لا كفارة عليه الا أن يتابع حتى ينزل.
والثانى: عليه القضاء والكفارة مطلقا.
والثالث: الفرق بين اللمس والقبلة والمباشرة وبين النظر والتفكر.
فالانزال الناشئ عن الثلاثة الأول موجب للكفارة مطلقا.
والناشئ عن الأخيرين لا كفارة فيه الا أن يتابع ذلك حتى ينزل
(2)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 523.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 518.
وتجب الكفارة على من تعمد اخراج منى بتقبيل أو مباشرة، بل وان كان بادامة فكر أو نظر، وكان عادته الانزال ولو فى بعض الأحيان من ادامتهما، فان كانت عادته عدم الانزال منهما، لكنه خالف عادته وأنزل فقولان فى لزوم الكفارة وعدمه. واختار اللخمى القول الثانى، فان لم يدمهما فلا كفارة قطعا.
وان أمنى بتعمد نظرة واحدة فتأويلان: الراجح منهما عدم الكفارة.
ومحلهما اذا لم يخالف عادته، بأن كانت عادته الامناء بمجرد النظر، والا فلا كفارة اتفاقا
(1)
.
ويكفر عن أمة له وطئها ولو طاوعته الا أن تطلبه ولو حكما بأن تتزين له فتلزمها الكفارة ويكفر عن زوجته البالغة العاقلة المسلمة ان أكرهها، فان أعسر الزوج كفرت عن نفسها، وفى تكفيره عن زوجته ان أكرهها على القبلة ونحوها مما ليس بجماع حتى أنزلا أو أنزلت هى، وعدم تكفيره عنها تأويلان، الأول لابن أبى زيد، والثانى القابسى، قال عياض: والثانى منهما ظاهر المدونة
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن حق الزوج فى الاستمتاع بزوجه فرض، فلا يجوز تركه لنفل، ومن أجل ذلك لا يحل لامرأة أن تصوم تطوعا وزوجها شاهد الا باذنه حتى ولو كان صومها على أنه اذا أراد أن يتمتع بها تمتع وفسد صومها، لأن صومها يمنعه التمتع عادة لأنه يهاب انتهاك حرمة الصوم بالافساد
(3)
.
ويحرم على الزوج الصائم أن يباشر فى الفرج لقول الله عز وجل «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} { .. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» فتحرم المباشرة فى الفرج نهارا، فان باشرها فى الفرج نهارا بطل صومه، لأنه أحد ما ينافى الصوم.
وان باشر فيما دون الفرج فأنزل، أو قبل فأنزل بطل صومه، وان لم ينزل لم يبطل صومه، لما روى جابر رضى الله عنه قال: قبلت وأنا صائم فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: قبلت وأنا صائم فقال: أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم. فشبه القبلة بالمضمضة، وقد ثبت أنه اذا تمضمض فوصل الماء الى جوفه أفطر، وان لم يصل لم يفطر، فدل على أن القبلة مثلها، وان نظر وتلذذ فأنزل لم يبطل
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 529.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 530.
(3)
مغنى المحتاج ج 1 ص 435.
صومه لأنه انزال من غير مباشرة فلم يبطل الصوم كما لو نام فاحتلم وان شد امرأة ووطئها وهى مكرهة لم يبطل صومها، وان استدخلت المرأة ذكر الرجل وهو نائم لم يبطل صومه
(1)
، ومن حركت القبلة شهوته كره له أن يقبل وهو صائم والكراهية كراهية تحريم، وان لم تحرك القبلة شهوته قال الشافعى رضى الله تعالى عنه: لا بأس به وتركها أولى.
والأصل فى ذلك ما روت عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم .. الخ الحديث المتقدم.
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه أرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب، ولأن فى حق أحدهما لا يؤمن أن ينزل فيفسد الصوم وفى الآخر يؤمن ففرق بينهما
(2)
.
هذا ويجوز الاستمتاع بالزوجة ليلا أثناء الصوم فيجوز أن يباشر
الى طلوع الفجر لقول الله تعالى.
«فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ» }.
(3)
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب كشاف القناع أن الرجل اذا كان صائما ثم قبل امرأته أو لمس أو باشر فيما دون الفرج فأمنى أو أمذى فسد صومه، لما روى أبو داود عن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: نسيت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله: انى فعلت أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، قال: أرأيت لو تمضمضت من اناء وأنت صائم؟ قلت:
لا بأس به قال فمه (يريد: فما الفرق بين القبلة والمضمضة؟) فشبه القبلة بالمضمضة من حيث أنها من مقدمات الفطر، فان القبلة اذا كان معها انزال أفطر، والا فلا، ذكره فى المغنى والشرح، وفيه نظر، لأن غايته أنها قد تكون وسيلة وذريعة الى الجماع، وعلم منه أنه لا فطر بدون الانزال، لقول عائشة رضى الله تعالى عنها: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، وكان
(1)
المهذب ج 1 ص 182، 183.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 186.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 181.
أملككم لاربه، وكذا لو كرر النظر فأمنى، لأنه انزال بفعل يلتذ به ويمكن التحرز منه فأشبه الانزال باللمس، أما ان كرر النظر فأمذى فلا فطر لأنه لا نص فيه، ومثله ما اذا لم يكرر النظر فأمنى لعدم امكان التحرز من النظرة الأولى، وكذا اذا كرر النظر فلم ينزل قال فى الشرح والمبدع: بغير خلاف
(1)
.
واذا جامع فى نهار شهر رمضان
(2)
بلا عذر شبق ونحوه - كمن به مرض ينتفع بالوط ء فيه - بذكر أصلى فى فرج أصلى - قبلا كان الفرج أو دبرا من آدمى أو غيره كبهيمة أو سمكة أو طيرة حى أو ميت أنزل أم لا - فعليه القضاء والكفارة عامدا كان أو ساهيا أو جاهلا أو مخطئا، مختارا أو مكرها نصا، سواء أكره حتى فعله - يعنى الجماع - أو فعل به من نائم وغيره.
أما وجوب الكفارة فلحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: بينا نحن جلوس عند النبى صلى الله عليه وسلم اذ جاء رجل فقال:
يا رسول الله قال: مالك؟ قال:
وقعت على امرأتى وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال:
فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد اطعام ستين مسكينا؟ قال: لا، فمكث النبى صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتى النبى صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر - والعرق المكتل - فقال: أين السائل؟ فقال أنا، قال خذ هذا فتصدق به فقال: على أفقر منى يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتى، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك.
وأما وجوب القضاء فلقوله صلى الله عليه وسلم للمجامع: وصم يوما مكانه.
ولو أولج بفرج أصلى فى فرج غير أصلى كفرج الخنثى المشكل أو أولج بفرج غير أصلى فى فرج غير أصلى - كما لو جامع خنثى مشكل خنثى مشكلا - فلا كفارة على واحد منهما لاحتمال الزيادة، ولم يفسد صوم واحد منهما الا أن ينزل كالغسل، فان أنزل وجب عليه القضاء فقط.
وان أولج بغير أصلى فى أصلى فسد صومها فقط أى دون صوم الخنثى، لأن داخل فرجها فى حكم الباطن فيفسد صومها بادخال غير الفرج الأصلى كأصبعها وأصبع غيرها، وافساد صومها بادخال الفرج غير الأصلى أولى من افساده بادخال اصبع فى فرجها.
(1)
كشاف القناع ج 1 ص 514 عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى فى كتاب على هامشه شرح المنتهى للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
الكشاف ج 1 ص 516.
ولو طلع على الرجل الفجر الثانى وهو مجامع فنزع فى الحال مع أول طلوع الفجر الثانى فعليه القضاء والكفارة.
لأنه يلتذ بالنزع كما يلتذ بالايلاج فهو كما لو استدام الجماع بعد طلوع الفجر.
ولو جامع يعتقده ليلا فبان نهارا وجب عليه القضاء والكفارة، لأنه لا فرق بين العامد وغيره.
ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر كنوم أو اكراه ونسيان وجهل، لأنها معذورة ويفسد صومها بوطئها معذورة فيلزمها القضاء.
وتلزمها الكفارة اذا جومعت مع عدم العذر، لأنها هتكت حرمة صوم رمضان بالجماع فلزمتها الكفارة كالرجل.
ولو طاوعت الرجل أمته على الجماع كفرت بالصوم، لأنه لا مال لها، ومثل أم الولد والمدبرة والمكاتبة.
ولو أكره زوجته أو أمته على الوط ء فى نهار رمضان دفعته بالأسهل فالأسهل، ولو أفضى ذلك الى ذهاب نفسه كالمار بين يدى المصلى.
ولو استدخلت صائمة ذكر نائم أو ذكر صبى أو مجنون بطل صومها الجماع فيجب عليها القضاء والكفارة ان كان فى نهار رمضان
(1)
.
وتكره القبلة ممن تحرك شهوته فقط، لقول عائشة رضى الله تعالى عنها السابق وان ظن الانزال مع القبلة لفرط شهوته حرم بغير خلاف.
ولا تكره القبلة ممن لا تحرك شهوته، وكذا دواعى الوط ء كلها من اللمس وتكرار النظر حكمها حكم القبلة فيما تقدم
(2)
.
ومن به شبق يخاف أن ينشق ذكره أو أنثياه أو مثانته جامع وقضى، ولا يكفر نصا، نقله اسماعيل بن سعيد الشالخى.
قال أحمد يجامع ولا يكفر، ويقضى يوما مكانه، وذلك أنه اذا أخذ الرجل هذا ولم يجامع خيف عليه أن ينشق فرجه، وان اندفعت شهوته بغير الجماع - كالاستمناء بيده أو يد زوجته أو يد جاريته ونحوه كالمفاخذة - لم يجز له الوط ء كالصائل يندفع بالأسهل لا ينتقل الى غيره، وكذا ان أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته أو أمته المسلمة البالغة بأن يطأ زوجته أو أمته الكتابيتين، أو يطأ زوجته أو أمته الصغيرتين أو المجنونتين، أو اندفعت شهوته بالوط ء دون الفرج فلا يباح له افساد صومها لعدم الضرورة اليه، ولعل مقياس ذلك اذا أمكنه وط ء من
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 518 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 520 الطبعة المتقدمة.
لزمها الامساك كمن طهرت ونحوها فى أثناء النهار، لأن الامساك دون الصوم الشرعى خصوصا فيما فيه خلاف فى وجوبه، وان لم يمكنه عدم افساد صوم الزوجة أو الأمة المسلمة البالغة جاز له افساد صومها للضرورة كأكل الميتة للمضطر، ومع الضرورة الى وط ء حائض وصائمة بالغ بأن لم يكن له غيرهما، فوط ء الصائمة أولى من وط ء الحائض، لأن تحريم وط ء الحائض بنص القرآن الكريم، وان لم تكن الزوجة أو الأمة الصائمة بالغة وجب اجتناب الحائض للاستغناء عنه بلا محذور فيطأ الصغيرة وكذا المجنونة.
وان تعذر قضاء ذى الشبق لدوام شبقه فككبير عجز عن الصوم، فيطعم لكل يوم مسكينا، ولعل حكم زوجته أو أمته التى ليس له غيرها كذلك.
وحكم المريض الذى ينتفع بالجماع فى مرضه حكم من خاف تشقق فرجه فى جواز الوط ء مع الكفارة وافساد صوم زوجته وأمته وعدمه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
والظاهرية يوسعون دائرة استمتاع الصائم بزوجه فقد ذكر ابن حزم فى المحلى أن للرجل الصائم أن يباشر
امرأته أو أمته المباحة له فيما دون الفرج سواء تعمد الأمناء أو لم يتعمد وأمنى أم لم يمن، أو أمذى أم لم يمذ، كما أن له أن يقبل كذلك
(2)
.
ثم قال: وأما القبلة والمباشرة للرجل مع امرأته وأمته المباحة له فهما سنة حسنة نستحبها للصائم شابا كان أو كهلا أو شيخا، ولا نبالى أكان معها انزال مقصود اليه أو لم يكن، لما روى عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، «ولما روى عن علقمة عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم
(3)
».
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب شرح الأزهار أنه يكره للصائم أن يضاجع أهله فى النهار وأن يفعل شيئا من مقدمات الجماع لا سيما للشباب، ولا كراهة لمن لا تتحرك شهوته
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 508، ص 509 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
المحلى لابن حزم ج 6 ص 203 مسئلة رقم 753.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 205، ص 206 مسألة رقم 753.
(4)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2 ص 14 الطبعة المتقدمة.
وجاء فى حاشية شرح الأزهار أن الامام المهدى أحمد بن الحسين قال:
بل يجب على الصائم أن يحترز من مثل هذا، لأن من رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه
(1)
.
وذكر صاحب البحر الزخار أن المذهب على أن من أصبح وهو مولج فنزع لم يفسد صومه لقوله تعالى «حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ}
(2)
».
وقال القاسم: يفسد اذ النزع جماع للتلذذ به كالايلاج.
قلنا: بل هو ترك للجماع وان ألذ، هذا اذا نزع أما ان استمر فانه يفطر ويأثم.
واذا جومعت المرأة وهى نائمة لم يفسد صومها اذ رفع القلم عنها ولا كفارة
(3)
.
ثم قال: الأمناء عن لمس أو تقبيل ولو مع حائل مفطر اجماعا ومثل ذلك ما لو نظر فأمنى، وكذلك يفسد ان أمنى عن تفكير لقول النبى صلّى الله
عليه وسلم «العينان تزنيان» فجعل لهما حكم الفرج فى استدعاء الشهوة فكذلك القلب.
ومن جامع قبل الفجر وأمنى بعده فوجهان: أصحهما لا يضر لتولده عن مباح كالاحتلام
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب الخلاف أنه يجوز للرجل أن يجامع امرأته اذا بقى من طلوع الفجر مقدار ما يغتسل فيه من الجنابة، فان لم يعلم ذلك وظن أن الوقت باق فجامع فطلع عليه الفجر نزع وكان عليه القضاء دون الكفارة، فان لم ينزع وأولج كان عليه القضاء والكفارة، فأما اذا كان عالما بقرب الفجر فجامع فطلع الفجر عليه كان عليه القضاء
(5)
والكفارة. وكما تجب الكفارة على الرجل تجب كذلك على المرأة ان كانت مطاوعة له، فان استكرهها كان عليه كفارتان
(6)
. ولو وطئها نائمة أو أكرهها قهرا على الجماع لم تفطر هى ولزمه الكفارتان
(7)
.
وتكره القبلة للشاب اذا كان صائما ولا تكره للشيخ
(8)
واذا وطئ الرجل فيما
(1)
المرجع السابق نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 187 من سورة البقرة.
(3)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 2 ص 250 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 251.
(5)
الخلاف فى الفقه لابى جعفر محمد الطوسى ج 1 ص 380 مسألة رقم 15 الطبعة المتقدمة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 384 مسئلة رقم 26.
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 384 مسألة رقم 27.
(8)
المرجع السابق ج 1 ص 390 مسألة رقم 48 الطبعة المتقدمة.
دون الفرج أو باشرها أو قبلها بشهوة فأنزل كان عليه القضاء والكفارة
(1)
.
مذهب الإباضية:
يوجب الإباضية على الرجل أن يمتنع عن وط ء امرأته اذا لم يكن فى الوقت متسع للاغتسال قبل الفجر فقد جاء فى شرح النيل أنه يلزم الرجل أن يكف عن وط ء امرأته، وعن مقدماته قبل الفجر بقدر الغسل، ان كان مغتسلا، وبقدر التيمم ان كان متيمما.
وقيل: بقدر الغسل لامكان أن يقدر عليه أو يجد الماء وأما قوله تعالى «حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ» فغاية للأكل لا للجماع، بدليل حديث (من أصبح جنبا أصبح مفطرا) فظهر بالحديث أنه يجب الامساك عن الجماع بقدر ما لا يصبح جنبا.
وجاز لامرأة أن تمنع زوجها من الوط ء ومقدماته ان لم يبق من الليل قدر الغسل أو التيمم على التفصيل السابق
(2)
.
وكره تقبيل الصائم امرأته ولو كان شيخا على الأصح، وأوجب بعضهم به افطارا مطلقا أى ولو كان بلا لمذاء.
وأجاز بعضهم للشيخ ومن يملك اربه أن يقبل.
وأجازه بعض آخر للشيخ وللشاب ومن لا يملك اربه بلا كراهة.
ومن خاف الانزال بالتقبيل وقبل فسبقه المنى أفطر لأنه متعرض له
(3)
ومن أدام نظرا بشهوة أو أدام فكرا فى الجماع أو مس البدن باليد أو الذكر أو غيرهما أو قبل عمدا انهدم صومه ان أمنى.
وقيل ولو لم يخرج من ذكره اذا انفصل عنه فى داخله. أما ان أمذى أو أودى لم ينهدم صومه
(4)
.
حكم وحدود استمتاع
الرجل بزوجته فى حال الاعتكاف
مذهب الحنفية:
جاء فى فتاوى قاضيخان أنه يكره للمعتكف أن يباشر المباشرة الفاحشة وان أمن على نفسه ما سوى ذلك - بخلاف الصائم فانه يباح له ذلك اذا أمن على نفسه - لأن الاعتكاف مما يمتد ليلا ونهارا، فاباحة الدواعى قد تصير سببا للوقوع فيما هو محظور الاعتكاف وهو الجماع، أما
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 390 مسألة رقم 49.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد اطفيش ج 2 ص 193 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 195.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 193، 194.
الصوم فلا يمتد ليلا فاباحة الدواعى لا تصير سببا للوقوع فى الجماع.
واذا باشر المعتكف فيما دون الفرج فأنزل فسد اعتكافه وان لم ينزل لم يفسد
(1)
.
مذهب المالكية:
يحرم المالكية الاستمتاع فى الاعتكاف بالجماع ومقدماته ليلا ونهارا فقد قال صاحب الشرح الكبير: وشرط صحة الاعتكاف عدم وط ء، ولو ليلا، فان وطئ ولو ليلا عمدا أو سهوا بطل اعتكافه واستأنفه من أوله، ولو كان الوط ء لغير مطيقة، لأن أدناه أن يكون كقبلة الشهوة واللمس.
وشرط صحته أيضا عدم قبلة بشهوة ولمس ومباشرة كذلك.
قال الدسوقى: وحاصله أنه اذا قبل وقصد اللذة أو لمس أو باشر بقصدها أو وجدها بطل اعتكافه واستأنفه من أوله. ووط ء المكرهة والنائمة مبطل لاعتكافهما
(2)
.
ولو خرج المعتكف الى منزله لعذر طرأ عليه فيحرم عليه - ما يحرم
وهو معتكف فى المسجد من جماع ومقدماته الى أن يزول العذر ويعود لتمام اعتكافه
(3)
.
مذهب الشافعية:
ذكر صاحب المهذب أنه لا يجوز للمرأة أن تعتكف بغير اذن الزوج، لأن الاستمتاع بها ملك له فلا يجوز لها أن تبطله عليه بغير اذنه
(4)
، ولا يجوز للمعتكف أن يباشر بشهوة لقول الله عز وجل «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ»
(5)
فان جامع فى الفرج ذاكرا للاعتكاف عالما بالتحريم فسد اعتكافه، لأنه أحد ما ينافى الاعتكاف وان باشر فيما دون الفرج بشهوة أو قبل بشهوة ففيه قولان.
قال فى الاملاء: يبطل، وهو الصحيح، لأنها مباشرة محرمة فى الاعتكاف فبطل بها كالجماع.
وقال فى الأم: لا يبطل لأنها مباشرة لا تبطل الحج، فلم تبطل الاعتكاف كالقبلة بغير شهوة.
وقال أبو اسحق: لو قال قائل: أنه لو أنزل بطل وان لم ينزل لم يبطل كالقبلة فى الصوم كان مذهبا وتعقبه صاحب
(1)
فتاوى قاضيخان للاوزجندى فى كتاب على هامش الفتاوى الهندية ج 1 ص 222 الطبعة المتقدمة.
(2)
الشرح الكبير ج 1 ص 544.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 552.
(4)
المهذب ج 1 ص 190.
(5)
الآية رقم 187 من سورة البقرة.
المهذب فى قوله: وهذا قول لم يذهب اليه أحد من أصحابنا، ويخالف الصوم فان القبلة فيه لا تحرم على الاطلاق فلم تبطل الصوم على الاطلاق، والقبلة فى الاعتكاف محرمة على الاطلاق فأبطلته على الاطلاق.
ويجوز أن يباشر من غير شهوة ولا يبطل
(1)
اعتكافه واذا نظر أو تفكر فأنزل فانه لا يبطل، والاستمناء كالمباشرة تبطل الاعتكاف
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أنه لا يجوز الاعتكاف للمرأة بغير اذن زوجها لأن منافع المرأة مملوكة لغيرها - وهو الزوج - فان شرعت فى الاعتكاف بغير اذنه فله أن يحللها منه ولو كان الاعتكاف نذرا، لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه: لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان الا باذنه. وضرر الاعتكاف أعظم، ولأن اقامتها على ذلك تتضمن تفويت حق غيرها بغير اذن فكان لصاحب الحق أن يمنع منه كرب الحق مع غاصبه.
وان كان الاعتكاف باذن من الزوج فله أن يحللها ان كان تطوعا، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة وحفصة
وزينب فى الاعتكاف ثم منعهن منه بعد أن دخلن، ولأن حق الزوج واجب والتطوع لا يلزم بالشروع فيه، أما ان كان نذرا فلا يحللها منه لأنه يتعين بالشروع فيه، ويجب اتمامه كالحج.
ويحرم على المعتكف الوط ء لقول الله تعالى «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ»
(3)
فان وطئ المعتكف فى فرج ولو ناسيا فسد اعتكافه، لما روى حرب فى مسائله عن ابن عباس قال: اذا جامع المعتكف بطل اعتكافه واستأنف الاعتكاف، ولأن الاعتكاف عبادة تفسد بالوط ء عمدا فكذلك سهوا كالحج، ولا كفارة للوط ء لعدم النص، والقياس لا يقتضيه، بل عليه الكفارة لافساد نذره اذا كان معينا وهو كفارة يمين.
وان باشر المعتكف دون الفرج أو قبل لغير شهوة فلا بأس كغسل رأسه وترجيل شعره، وان باشر دون الفرج أو قبل بشهوة حرم لقوله تعالى السابق، فان أنزل فكوط ء فيفسد اعتكافه ولا كفارة له، وان لم ينزل بالمباشرة دون الفرج فلا افساد كالصوم
(4)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يحل للرجل أن يباشر المرأة ولا للمرأة أن تباشر الرجل فى حال الاعتكاف بشئ من الجسم الا
(1)
المهذب ج 1 ص 194.
(2)
مغنى المحتاج ج 1 ص 437.
(3)
الآية رقم 187 من سورة البقرة.
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس ج 1 ص 539 الطبعة المتقدمة.
فى ترجيل المرأة للمعتكف خاصة فهو مباح لقول الله عز وجل «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» فصح أن من تعمد ما نهى الله تعالى عنه من عموم المباشرة - ذاكرا لاعتكافه - فلم يعتكف كما أمر فلا اعتكاف له فان كان نذرا قضاه، والا فلا شئ عليه
(1)
.
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب شرح الأزهار من الزيدية أنه يجب على المعتكف أن يترك وط ء النساء وما فى حكم الوط ء، من الامناء بشهوة فى اليقظة
(2)
.
مذهب الإمامية:
يحرم على المعتكف مباشرة النساء بالجماع فى القبل أو الدبر وباللمس والتقبيل بشهوة ولا فرق فى ذلك بين الرجل والمرأة فيحرم على المعتكفة أيضا الجماع واللمس والتقبيل بشهوة، والأقوى عدم حرمة النظر بشهوة الى من يجوز النظر اليه وان كان الأحوط اجتنابه
(3)
.
وذكر صاحب الخلاف أن الرجل اذا باشر امرأته فى حال اعتكافه فيما دون
الفرج أو لمس ظاهرها بطل اعتكافه سواء أنزل أم لم ينزل، والدليل على ذلك قوله تعالى «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» وهذا عام فى كل مباشرة سواء أنزل أو لم ينزل، والنهى يدل على فساد المنهى عنه
(4)
.
واذا وطئ المعتكف ناسيا لم يبطل اعتكافه، والدليل على ذلك اجماع الفرقة، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
(5)
.
مذهب الإباضية:
يفرق الإباضية فى الاعتكاف بين الاستمتاع بالوط ء والاستمتاع بالتقبيل فيمنعونه من الأول ويبيحون له الثانى.
فقد جاء فى كتاب النيل وشرحه «ومن شروط الاعتكاف أن يترك الجماع وان كان فى الليل، لا التقبيل
(6)
».
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 187 مسئلة رقم 626.
(2)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لابن مفتاح ج 2 ص 44 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.
(3)
مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 510، ص 511.
(4)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 403، ص 404 مسألة رقم 3.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 404 مسألة رقم 4.
(6)
كتاب النيل وشرحه ج 2 ص 256.
حكم وحدود استمتاع
الرجل بزوجه فى حالة الاحرام
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه يجب علي المحرم أن يجتنب الدواعى من التقبيل واللمس بشهوة والمباشرة والجماع فيما دون الفرج.
لقول الله عز وجل «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ»
(1)
.
قيل فى بعض وجوه التأويل: أن الرفث جميع حاجات الرجال إلي النساء.
وسئلت عائشة رضى الله تعالى عنها عن ما يحل للمحرم من امرأته فقالت «يحرم عليه كل شئ الا الكلام» فان جامع فيما دون الفرج - سواء أنزل أو لم ينزل - أو قبل أو لمس بشهوة أو باشر فعليه دم، لكن لا يفسد حجه، لأن ذلك حكم متعلق بالجماع فى الفرج على طريق التغليظ، وأما وجوب الدم فلحصول ارتفاق كامل مقصود، وقد روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال: اذا باشر المحرم امرأته فعليه دم .. ولم يرد عن غيره خلافه سواء فعل ذلك ذاكرا أو ناسيا.
ولو نظر الى فرج امرأته عن شهوة فأمنى فلا شئ عليه بخلاف المس عن شهوة فانه يوجب الدم سواء أمنى أو لم
يمن، وذلك لأن اللمس استمتاع بالمرأة وقضاء للشهوة فكان ارتفاقا كاملا، فأما النظر فليس من باب الاستمتاع ولا قضاء الشهوة، بل هو سبب لزرع الشهوة فى القلب، والمحرم غير ممنوع عما يزرع الشهوة كالأكل
(2)
.
وجاء فى فتاوى قاضيخان أن الشيخ الامام أبا بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى قال: انما يجب الدم على المرأة المحرمة بتقبيل الزوج اذا وجدت ما تجد عند وط ء الزوج من اللذة وقضاء الشهوة
(3)
.
وروى صاحب فتح القدير أن الجامع الصغير اشترط الانزال فى وجوب الدم على من استمتع بالتقبيل أو اللمس بشهوة
(4)
.
والامام أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه لا يرتب على استمتاع الرجل بدبر زوجه افساد الحج فى احدى روايتين عنه، فقد جاء فى حاشية الشلبى على تبيين الحقائق عن أبى حنيفة أنه لا يفسد الحج بالجماع فى الدبر.
(1)
الآية رقم 197 من سورة البقرة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 195 الطبعة المتقدمة.
(3)
فتاوى قاضيخان على هامش الفتاوى الهندية ج 1 ص 286 الطبعة المتقدمة.
(4)
فتح القدير على الهداية لابن الهمام فى كتاب على هامشه شرح العناية على الهداية ج 2 ص 237 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1315 هـ.
لأنه وط ء فى موضع لا يتعلق به وجوب المهر بحال، فلا يتعلق به فساد الحج، كالوط ء فيما دون الفرج.
ويفسد الحج فى الرواية الأخرى لأنه وط ء يوجب الاغتسال من غير انزال فصار كالوط ء فى الفرج.
وقال أبو يوسف ومحمد أنه يفسد الحج، لأنه وط ء يتعلق به الحد عندهما فصار كالوط ء فى الفرج
(1)
.
مذهب المالكية:
ذكر صاحب الشرح الكبير أنه يحرم بالاحرام على الرجل والمرأة الجماع ومقدماته ولو علمت السلامة من منى أو مذى.
واستظهر بعض المشايخ كراهة مقدمات الجماع اذا علمت السلامة كالصوم.
قال الدسوقى لكنه يقيد بما اذا قلت.
والجماع يفسد الحج والعمرة مطلقا ولو سهوا أو مكرها، سواء كان ذلك فى آدمى، أو غير آدمى، وسواء كان قد فعل شيئا من أفعال الحج بعد الاحرام، أو لم يفعل، وسواء كان بالغا أو غير بالغ.
ولم يوافق الدسوقى فى حاشيته على ذلك من غير البالغ - كما قال الدردير - حيث ذكر أن هذا غير صواب.
ثم قال: ولم أر لأحد ما يوافقه، وقول ابن الحاجب يدل على خلاف ذلك، وكذا فى التوضيح.
ويحرم على المحرم أيضا استدعاء منى ويفسد به الحج اذا استدعاه بيد أو قبلة أو مداعبة أو حضن بل وان استدعاه بنظر أو فكر دائم حتى أنزل، وسواء كان عمدا أو جهلا أو نسيانا للاحرام، فان خرج المنى بمجرد فكر أو نظر - أى غير دائم - لم يفسد الحج وعليه هدى وجوبا.
أما خروج المنى بغير النظر والفكر كالقبلة والحضن والملامسة فلا يشترط فى ذلك الاستدامة بل يفسد الحج بمجرد الانزال.
فان لم ينزل فلا شئ عليه الا القبلة للذة فان عليه بها الهدى اذا لم ينزل. ومحل فساد الحج بالجماع أو بخروج المنى ان وقع ذلك قبل الوقوف بعرفة مطلقا، سواء فعل شيئا بعد احرامه كالقدوم والسعى أو لم يفعل شيئا، أو وقع ذلك المحظور من الجماع وغيره بعد الوقوف بعرفة بشرطين:
أن يكون قبل طواف الافاضة، وقبل رمى جمرة العقبة، وكان ذلك يوم النحر أو قبلة ليلة مزدلفة، والا بأن وقع الجماع أو المقدمات قبلهما - أى قبل طواف الافاضة وقبل رمى جمرة العقبة، ولكن بعد يوم النحر، أو وقع الجماع بعد أحدهما - أى بعد طواف الافاضة وقبل الرمى أو بعد الرمى، وقبل الافاضة والحال أنه
(1)
حاشية الشيخ شهاب الدين أحمد الشلبى على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج 2 ص 57 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر الطبعة الأولى سنة 1313 هـ.
قد قدم السعى فلا يفسد الحج وانما يجب عليه الهدى.
والامذاء - ولو بمجرد النظر فيه الهدى ولا يفسد الحج.
وفى العمرة اذا حصل الاستمتاع - سواء كان بالجماع أو بخروج المنى - بعد السعى وقبل الحلق فعليه هدى، فان حصل الجماع قبل السعى فسدت العمرة ووجب عليه القضاء والهدى.
وان فعل فى العمرة أمرا غير مفسد للحج مما يوجب هديا فيه وذلك كالمذى والقبلة وطول الملامسة والملاعبة قبل تمامها قال فى الدسوقى، والظاهر كما قال الشيخ سالم أن فيه الهدى وأن العمرة كالحج فى ذلك، وهذا مما يشهد له عموم كلام الباجى الذى نقله الحطاب والتوضيح.
وظاهر كلام بهرام وغيره أنه لا هدى فيما ذكر فى العمرة لقولهم: ان الذى يوجب الهدى فى العمرة ما أوجب فساد الحج فى بعض الأحوال من وط ء وانزال، وأما ما يوجب الهدى فى الحج فلا يوجب فى العمرة لأن أمرها أخف من حيث أنها ليست فرضا وهو واضح.
قال الشيخ العدوى: وينبغى التعويل على الأول، وان كان ظاهر النقل خلافه.
ويتحد هدى الفساد وان تكرر موجب الفساد، كوطئه لامرأته مرارا متعددة أو لنساء لأن الحكم للوط ء الأول
(1)
.
ويحل الاستمتاع بالنساء بوط ء أو بمقدماته وذلك بعد طواف الافاضة والحلق، وهذا اذا كان قد قدم السعى عند القدوم، فان لم يكن فعل السعى فلا يحل له الاستمتاع الا بعد فعله بعد طواف الافاضة، فان وطئ بعد الافاضة وقبل السعى، فعليه هدى، وكذلك ان وطئ بعد الافاضة وقبل الحلق، ويشترط أن يكون قد رمى جمرة العقبة قبل الافاضة، فانه اذا أفاض قبل رمى جمرة العقبة، ثم وطئ قبل رميها فعليه هدى ان كان الوط ء قبل فوات وقت الرمى، فان كان وقتها قد فات فلا شئ عليه
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه يحرم على المرأة الحلال أن تمكن زوجها المحرم من الجماع، لأن الجماع من محرمات الاحرام بالاجماع ولو لبهيمة فى قبل أو فى دبر وتمكين الزوج منه اعانة له على المعصية.
ويحرم على الحلال أن يجامع زوجته المحرمة، وكذلك تحرم المباشرة فيما دون الفرج بشهوة قبل التحللين وعليه دم، وكذا الاستمناء باليد. ويجب عليه الدم ان أنزل، لكن يسقط عنه الدم فى الصورتين ان جامع بعد ذلك لدخوله فى بدنة الجماع.
(1)
الشرح الكبير ج 2 ص 68، 69.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 46، 47.
وتفسد العمرة المفردة أما غير المفردة فهى تابعة للحج صحة وفسادا.
وكذلك يفسد الحج بالجماع قبل التحلل الأول قبل الوقوف بالاجماع، وبعد الوقوف خلافا لأبى حنيفة، لأنه وط ء صادف احراما صحيحا لم يحصل فيه التحلل الأول فأشبه ما قبل الوقوف.
ولو كان المجامع فى العمرة أو الحج رقيقا أو صبيا مميزا، وذلك للنهى عن الجماع فى الحج بقول الله تعالى:
«فَلا رَفَثَ» ومعناه النهى، أما غير المميز من صبى أو مجنون فلا يفسد بجماعه، وكذا الناسى والجاهل والمكره فان كان الجماع بعد التحلل الأول فان الحج لا يفسد به وكذا العمرة التابعة له، وقيل تفسد.
ويجب بالجماع المفسد لحج أو لعمرة على الرجل بدنة لقضاء الصحابة رضى الله تعالى عنهم بذلك.
أما المرأة فلا فدية عليها على الصحيح سواء كان الواطئ زوجا أو غيره محرما أم حلالا
(1)
.
وللزوج الحلال أو المحرم أن يحلل زوجته من حج أو عمرة تطوع لم يأذن فيه، كما أن له أن يمنعها منه ابتداء، لئلا يتعطل حقه من الاستمتاع، كما
ان له أن يخرجها من صوم النفل، وان أذن لها لم يجز لرضاه بالضرر، ويحرم عليه الاستمتاع على ما مر فى حج الفرض، وكذا له أن يحللها من الفرض بلا اذن فى الأظهر، لأن حقه فى الاستمتاع على الفور والنسك على التراخى.
والرأى الثانى لا يجوز له أن يحللها فى الفرض قياسا على الصلاة والصوم.
وفرق الرأى الأول بين الحج وبين الصلاة والصوم بأن مدة الصلاة والصوم لا تطول، فلا يلحق الزوج كبير ضرر.
وحكم حج النذر فى ذلك حكم حج الاسلام كما فى المجموع
(2)
.
واذا رمى وحلق وطاف حصل له التحلل الأول والثانى، فيحل له الاستمتاع بزوجته من مباشرة وقبلة وملامسة وجماع فى الفرج.
واذا قلنا أن الحلق نسك حصل له التحلل الأول بفعل اثنين من الثلاثة - الرمى والحلق والطواف - فيحل له الاستمتاع بالمباشرة فيما دون الفرج والقبلة والملامسة فى الأظهر، لأنها من المحرمات التى لا توجب فسادا.
وقيل: أن الأظهر أنه لا تحل المباشرة فيما دون الفرج بالتحلل الأول.
(1)
مغنى المحتاج ج 1 ص 504، 505.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 518.
وان قلنا ان الحلق ليس بنسك حصل له التحلل الأول بفعل واحد من اثنين هما الرمى والطواف.
وقال أبو سعيد الاصطخرى: اذا دخل وقت. الرمى حصل له التحلل الأول وان لم يرم، كما اذا فات وقت الرمى حصل له التحلل الأول وان لم يرم.
قال صاحب المهذب: والمذهب أن التحلل الأول لا يحل الا بفعل اثنين من ثلاثة - ان قلنا ان الحلق نسك، أو بفعل واحد من اثنين - ان قلنا ان الحلق ليس بنسك، لما روت عائشة رضى الله تعالى عنها:
أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
اذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب واللباس وكل شئ الا النساء، فعلق التحلل بفعل الرمى.
ثم قال فى المهذب: وفيما يحل بالتحلل الأول والثانى قولان:
أحدهما - وهو الصحيح - أنه يحل بالأول جميع المحظورات الا الوط ء فتحل المباشرة فيما دون الفرج كما جاء فى مغنى المحتاج وبالتحلل الثانى يحل الوط ء.
والقول الثانى: أنه يحل بالأول كل شئ الا الطيب والنكاح والاستمتاع بالنساء
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قال صاحب كشاف القناع: التاسع من محرمات الاحرام المباشرة فيما دون الفرج لشهوة بوط ء أو قبلة أو لمس وكذا نظر لشهوة، لأنه وسيلة الى الوط ء المحرم فكان حراما
(2)
.
وان وطئ دون الفرج فلم ينزل فعليه دم وان أنزل فعليه بدنة وقد فسد حجه، أما اذا لم ينزل فان حجه لا يفسد بذلك، ولا نعلم أحدا قال بفساد حجه، لأنها مباشرة دون الفرج عريت عن الانزال، فلم يفسد بها الحج، كاللمس أو مباشرة لا توجب الاغتسال أشبهت اللمس وعليه شاة.
قال صاحب المغنى: ويدل لنا أنها ملامسة من غير انزال فأشبهت لمس غير الفرج. فاما ان أنزل فعليه بدنة لأنه جماع أوجب الغسل فأوجب بدنة كالوط ء فى الفرج وفى فساد حجه بذلك روايتان.
احداهما: يفسد الحج - واختارها الخرقى، لأنها عبادة يفسدها الوط ء، فأفسدها الانزال عن مباشرة كالصيام.
وثانيتهما: لا يفسد الحج - وهى الصحيحة - لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد فلم يفسد الحج، كما لو لم ينزل، ولأنه لا نص فيه ولا اجماع،
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 487، ص 488 والمهذب ج 1 ص 230.
(2)
كشاف القناع ج 1 ص 587.
ولا هو فى معنى المنصوص عليه، لأن الوط ء فى الفرج يجب بنوعه الحد، ولا يفترق فيه الحال بين الانزال وعدمه
(1)
. فان قبل فلم ينزل فعليه دم، وان أنزل فعليه بدنة.
وعن أبى عبد الله رحمه الله تعالى رواية أخرى: وهى أنه ان أنزل فسد حجه.
وجملة ذلك أن حكم القبلة حكم المباشرة دون الفرج سواء، الا أن الخرقى ذكر فى هذه المسألة روايتين فى افساد الحج عند الانزال ولم يذكر فى افساد الحج فى الوط ء دون الفرج الا رواية واحدة، وقد ذكرنا أن فيها أيضا روايتين، وذكرنا الخلاف فيه، لكن نشير الى الفرق توجيها لقول الخرقى فنقول:
انزال بغير وط ء فلم يفسد به الحج كالنظر، ولأن اللذة بالوط ء فوق اللذة بالقبلة، فكانت فوقها فى الواجب، لأن مراتب أحكام الاستمتاع على وفق ما يحصل به اللذة، فالوط ء فى الفرج أبلغ الاستمتاع فأفسد الحج مع الانزال وعدمه والوط ء دون الفرج دونه، فأوجب البدنة، وأفسد الحج عند الانزال، والدم
عند عدم الانزال والقبلة دونهما فتكون دونهما فيما يجب بها فيجب بها بدنة عند الانزال من غير افساد للحج، وتكرار النظر دون الجميع فيجب به الدم عند الانزال ولا يجب عند عدمه شئ
(2)
.
ومن جمع بين الوط ء دون الفرج والقبلة قال: كلاهما مباشرة فاستوى حكمهما فى الواجب بهما.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه يباح للمحرم أن يقبل امرأته ويباشرها ما لم يولج، لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن الرفث، والرفث الجماع فقط، ولما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال: يحل للمحرم من امرأته كل شئ الا هذا وأشار باصبعه السبابة بين اصبعين من أصابع يده، يعنى الجماع، ولما روى عن ابن جريج أخبرنى عثمان بن عبد الرحمن أنه قبل امرأته وهو محرم فسألت سعيد بن جبير فقال: ما نعلم فيها شيئا فليستغفر الله عز وجل.
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 322، 323.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 324، 325، 326.
(3)
المحلى لابن حزم ج 7 ص 254، 255 مسألة رقم 894.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أنه لا يفسد الاحرام الا الوط ء فى أى فرج، ولو مكرها له أو مجنونا قبل التحلل برمى جمرة العقبة
(1)
، وان وطئ بعد الرمى وقبل الزيارة فعليه بدنة وحجه صحيح.
ومن أمنى بتقبيل أو نحوه كفر اجماعا كالوط ء، والنظر كالتقبيل، ولا شئ فى اللمس والتقبيل لغير شهوة، وفى الايلاج بحائل وجوه والمذهب أنه
(2)
يكفر.
وعلى الرجل مؤنة امرأة أكرهها ففعلت، اذ هو كالجانى فتعلق به الغرم ولا غرم عليها كالاثم.
وقيل: بل عليه وان طاوعت كالمهر اذ هو مال موجبه الوط ء
(3)
.
وكذلك يكرهون له المضاجعة لأنه لا يأمن انضمام الشهوة عند اللمس
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أن من المحظورات على المحرم الاستمتاع
بالنساء، فمن جامع زوجته فى الفرج قبلا أو دبرا عامدا عالما بالتحريم قبل الوقوف بعرفة فسد حجه بلا خلاف ويلزمه المضى فيه، ويجب عليه الحج من قابل، سواء كانت حجته التى أفسدها فرضا أم نفلا، ويلزمه بدنة عندنا، وكذا لو جامع أمته وهو محرم، لا جماع الفرقة وطريقه الاحتياط، ولما روى عن ابن عمر وابن عباس رضى الله تعالى عنهم قالا: من وطئ قبل التحلل أفسد وعليه ناقة ولا مخالف لهما.
واذا وطئ بعد الوقوف بعرفة وقبل الوقوف بالمشعر فسد حجه، وعليه بدنة، وان وطئ بعد الوقوف بالمشعر قبل التحلل لزمه بدنة ولم يفسد حجه، واذا وطئ فى الفرج بعد التحلل الأول لم يفسد حجه وعليه بدنة
(5)
.
ولو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك، وعليهما أن يفترقا اذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك اذا حجا على تلك الطريق - ومعنى الافتراق أن لا يخلو الا ومعهما ثالث.
ولو أكره امرأته كان حجها ماضيا وكان عليه كفارتان ولا يتحمل عنها شيئا سوى
(6)
الكفارة.
(1)
البحر الزخار ج 2 ص 324.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 323، 324.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 324.
(4)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لابن مفتاح ج 2 ص 86 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.
(5)
شرائع الاسلام ج 1 ص 143 وكتاب الخلاف فى الفقه ج 1 ص 465.
(6)
شرائع الاسلام ج 1 ص 143.
ولو جامع أمته محلا وهى محرمة باذنه تحمل عنها الكفارة: بدنة أو بقرة أو شاة، وان كان معسرا فشاة أو صيام ثلاثة أيام.
ولو جامع المحرم قبل طواف الزيارة لزمه بدنة، فان عجز فبقرة أو شاة.
ومن جامع فى احرام العمرة قبل السعى فسدت عمرته وعليه بدنة وقضاؤها، والأفضل أن يكون فى الشهر الداخل، وان نظر الى امرأته لم يكن عليه شئ، ولو مسها بشهوة كان عليه شاة ولو لم يمن، ولو قبل امرأته كان عليه شاة، ولو كان بشهوة كان عليه جزور، وكذا لو أمنى عن ملاعبة
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال صاحب كتاب شرح النيل: ويمنع المحرم من الوط ء لقول الله عز وجل «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ.}. الى آخر الآية» والرفث الجماع وهو قول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه.
وقيل الرفث التعريض بالجماع للنساء وذكره بالكناية بين أيديهن أى بحضرتهن.
والرفث يبطل الاحرام سواء كان عمدا أو نسيانا، وسواء كان الاحرام بحج أو عمرة أو بهما، لأنه من جنس الجماع
(2)
.
ولا يتلذذ المحرم بنظر الى امرأة وان كانت تلك المرأة زوجة أو سرية له، ولا يقبلها ولا يمس ما تحت ثيابها، فان فعل ذبح شاة بمكة وتم حجه الا ان أنزل.
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: يفسد الحج بمقدمات الجماع بلا انزال كالنظر والقبلة والمس كذا قيل عنه.
وفى رواية أنه رجع عن ذلك.
وقال بعض أصحابنا: من مس فرج امرأته أو نظره بشهوة فعليه دم.
قيل: وان غمزها بيده أو فعل ما يلتذ به منها مطلقا ذبح.
قيل: وينبغى أن يتعفف عن كل ما يدعو الى الجماع.
ويكره للمحرم أن يذكر الجماع حتى تستلذ النفس ذكرا كان أو امرأة.
ويكره نوم الرجل مع زوجته أو سريته وتكليمه اياها بخضوع.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 143
(2)
شرح النيل للشيخ محمد أطفيش ج 2 ص 325.
ولا ينبغى لمن لا يملك نفسه اذا استيقظ من نومه أن ينام معها فى خباء واحد، ولزم الدم قيل: بكل ما حرك الذكر اذا فعله على عمد
(1)
.
حكم وحدود استمتاع الرجل
بزوجته المطلقة طلاقا رجعيا
مذهب الحنفية:
ذكر صاحب بدائع الصنائع أن الرجل اذا طلق امرأته طلاقا رجعيا كره له التقبيل واللمس لغير شهوة اذا لم يرد به المراجعة، وكذا يكره له أن يراها متجردة لغير شهوة - كذا قال أبو يوسف - لأنه لا يأمن من أن يشته فيصير مراجعا من غير اشهاد وذلك مكروه. وكذا لا يأمن من الاضرار بها، لجواز أن يشته فيصير به مراجعا، وهو لا يريد امساكها فيطلقها، فتطول العدة عليها، فتتضرر، والله عز شأنه نهى عن ذلك فى قوله «وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا» }.
(2)
وكذا قال أبو يوسف ان الأحسن اذا دخل عليها أن يتنحنح ويسمعها خفق نعليه، ليس من أجل أنها حرام، ولكن لا يأمن من أن يرى الفرج بشهوة، فيكون رجعة بغير اشهاد.
ولو نظر الى دبرها موضع خروج الغائط بشهوة لم يكن ذلك رجعة كذا ذكر فى الزيادات وهو قول محمد الأخير، وكان يقول أولا انه يكون رجعة، ثم رجع عنه على ما حكى ابراهيم بن رستم، وهو قياس قول أبى حنيفة، لأن ذلك السبيل لا يجرى مجرى الفرج، ألا ترى أن الوط ء فيه لا يوجب الحد عنده، فكان النظر اليه كالنظر الى سائر البدن، ولأن النظر الى الفرج بشهوة انما كان رجعة لكون الوط ء حلالا تقريرا للحل صيانة عن الحرام، والنظر الى هذا المحل عن شهوة مما لا يحتمل الحل بحال، كما أن الفعل فيه لا يحتمل الحل بحال فلا يصلح دليلا على الرجعة.
ولو نظرت هى الى فرجه بشهوة .. قال أبو يوسف: قياس قول أبى حنيفة أن يكون رجعة. وهذا قبيح، ولا يكون رجعة كذا قال أبو يوسف.
والصحيح قياس قول أبى حنيفة، لما ذكرنا فيما اذا جامعته وهو نائم أو مجنون، ولأن النظر حلال لها كالوط ء فيجعل رجعة تقريرا للحل وصيانة عن الحرمة، ولأن النظرين يستويان فى التحريم، ألا ترى أن نظرها الى فرجه كنظره الى فرجها فى التحريم فكذا فى الرجعة.
ولو لمسته لشهوة مختلسة أو كان نائما أو اعترف الزوج أنه كان بشهوة فهو رجعة فى قول أبى حنيفة ومحمد.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 326 الطبعة المتقدمة.
(2)
الآية رقم 231 من سورة البقرة.
وقال أبو يوسف: ليس هذا برجعة، ولا يجوز أن تثبت الرجعة الا باختيار الزوج حتى قال أبو يوسف: انها اذا لمسته فتركها وهو يقدر على منعها كان ذلك رجعة، لأنه لما مكنها من اللمس فقد حصل ذلك باختياره فصار كأنه لمسها، وكذلك قال أبو يوسف اذا ابتدأت اللمس وهو مطاوع لها أنه يكون رجعة لما قلنا
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير والدسوقى عليه أن المطلقة الرجعية - وهى التى يملك مطلقها رجعتها يحرم الاستمتاع بها فى العدة ولو كان بنظر الشعر أو الوجه والكفين بلذة وأما نظر الوجه والكفين بلا لذة فجائز ويحرم الدخول عليها والأكل معها ولو كان معها من يحفظها
(2)
.
انما يحل الاستمتاع بالمطلقة طلاقا رجعيا فى العدة بوط ء أو مباشرة بشرط أن يكون ناويا بذلك الوط ء رجعتها، لأن الوط ء المباح فى عدة الرجعى هو الوط ء المنوى به الرجعة فلا بد من النية والا كان الوط ء حراما حتى يرتجعها.
وقال ابن وهب أن مجرد الوط ء يعتبر رجعة.
أما المطلقة طلاقا باتا أى بينونة كبرى فانه يحرم الاستمتاع بها فى العدة من
وط ء ومقدماته ولا تحل له قبل أن تنكح زوجا غيره
(3)
.
ويحرم على المالك فى زمن الاستبراء الاستمتاع بجميع أنواعه من وط ء ومقدماته سواء كانت حاملا أم لا، الا أن يكون الاستبراء من زنا أو غصب أو اشتباه وهى بينة الحمل من سيدها فلا يحرم وطؤها ولا الاستمتاع بها
(4)
.
مذهب الشافعية:
ذكر صاحب المهذب أنه اذا طلق الزوج زوجته طلاقا رجعيا فلا يجوز له أن يستمتع بها، لأنها معتدة فلا يجوز وطؤها كالمختلعة فان وطئها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها لزمه المهر لأنه وط ء فى ملك قد تشعث فصار كوط ء الشبهة، وان راجعها بعد الوط ء فقد قال فى الرجعة عليه المهر
(5)
.
وذكر فى موضع آخر أن الطلاق الرجعى يحرم به الاستمتاع كما يحرم بالطلاق البائن
(6)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أنه يباح لزوج الرجعية أن يطأها ويباح له أن يختلى بها
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 3 ص 182 الطبعة المتقدمة.
(2)
الشرح الكبير ج 2 ص 422 وبداية المجتهد ج 2 ص 85.
(3)
الشرح الكبير ج 2 ص 417.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 494.
(5)
المهذب ج 2 ص 102.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 169.
والسفر بها، ولها أن تتزين له وتتشرف، لأنها فى حكم الزوجات كما قبل الطلاق.
وتحصل الرجعة بوطئها بلا اشهاد سواء نوى به الرجعة أو لم ينو، لأن الطلاق سبب زوال الملك، وقد انعقد مع الخيار، والوط ء من المالك يمنع زواله كوط ء البائع فى مدة الخيار.
ولا تحصل رجعتها بمباشرتها من القبلة واللمس والنظر الى فرجها بشهوة أو غيرها، ولا بالخلوة بها والحديث معها، لأن ذلك كله ليس فى معنى الوط ء، اذ الوط ء يدل على ارتجاعها دلالة ظاهرة بخلاف ما ذكر
(1)
.
مذهب الظاهرية:
يرى الظاهرية أن الطلاق الرجعى لا يسقط حق الزوج فى الاستمتاع بزوجه ولا يؤثر فى كيفية الاستمتاع.
فقد ذكر ابن حزم
(2)
فى المحلى أن المطلقة طلاقا رجعيا هى زوجة الذى طلقها ما لم تنقض عدتها، وعليه فيحل له أن ينظر منها الى ما كان ينظر اليه منها قبل أن يطلقها، ويحل له أن يطأها، وذلك لأنه لم يأت نص يمنع الزوج من شئ من ذلك، وقد سماه الله
جل شأنه بعلا لها، اذ يقول سبحانه وتعالى «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ»
(3)
فان وطئها لم يكن بذلك مراجعا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهد ويعلمها
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب أن للزوج أن يستمتع بمطلقته طلاقا رجعيا بالوط ء أو مقدماته من تقبيل أو لمس أو نظر، ويعتبر ذلك منه مراجعة لها
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة الوثقى أنه يجوز النظر الى الزوجة المعتدة بوط ء الشبهة وان حرم وطؤها، وكذا الامة، وذلك لعموم ما دل على جواز الاستمتاع بالزوجة، وعليه كما يجوز النظر يجوز غيره من أنواع الاستمتاع ما عدا الوط ء، فانه لا ريب عندهم فى حرمته
(6)
.
وجاء فى كتاب الخلاف أن المطلقة الرجعية لا يحرم وطؤها ولا تقبيلها بل هى باقية على الاباحة ومتى وطأها أو قبلها بشهوة كان ذلك رجعة
(7)
.
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 3 ص 210، 211 الطبعة المتقدمة.
(2)
المحلى لابن حزم ج 10 ص 215 مسئلة رقم 1986.
(3)
الآية رقم 228 من سورة البقرة.
(4)
المحلى ج 10 ص 215 مسألة رقم 1986.
(5)
التاج المذهب ج 2 ص 233.
(6)
مستمسك العروة الوثقى ج 12 ص 27 مسألة رقم 34.
(7)
كتاب الخلاف ج 2 ص 248.
مذهب الإباضية:
روى صاحب شرح النيل أن صاحب المنهاج قال فى مختصر بيان الشرع:
من طلق زوجته ثم جعل يقبلها ويأخذ بيدها، ثم ردها فهى امرأته، وقد أساء فيما صنع.
ولا يجوز للمطلق طلقة واحدة أو اثنتين أن ينظر من مطلقته شيئا مما يحرم على غيره
(1)
.
وفى بعض القول أن من نظر الى فرج مطلقته أو مسها بيده فى العدة لا تحرم عليه.
وقال ابن محبوب: تفسد عليه بذلك أبدا
(2)
.
وذكر بعض ان للمطلق أن يمس مطلقته بيده فى غير فرجها وينظر ما دونه ويبيتا فى بيت واحد، ويدخل عليها باذن، ويرقدان فى فراش واحد، وتتزين له، واذا خرجت من العدة فهى كغيرها.
وقيل يجوز أن يبيتا فى بيت واحد ما لم تخرج من العدة لا فى فراش واحد.
وقيل: لا يبيتان فى بيت ولا فى فراش.
وان جامع مطلقته رجعيا فى فرجها من فوق بلا ادخال حرمت
(3)
.
حكم وحدود استمتاع
الرجل بالزوجة المظاهر منها
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى الهندية أنه اذا ظاهر الزوج من زوجته حرم عليه وطؤها، والدواعى الى غاية الكفارة.
ولو ظاهر الزوج من زوجته ثم طلقها طلاقا بائنا ثم تزوجها لا يحل له وطؤها والاستمتاع بها حتى يكفر، وكذا اذا كانت زوجته أمة فظاهر منها ثم اشتراها حتى بطل النكاح بملك اليمين، وكذا لو كانت حرة فارتدت عن الاسلام، ولحقت بدار الحرب فسبيت، ثم اشتراها، وكذا اذا ظاهر منها ثم ارتد عن الاسلام فى قول ابى حنيفة رحمه الله تعالى.
واختلفت الرواية عن ابى يوسف، وكذا اذا طلقها ثلاثا فتزوجت برجل آخر ثم عادت الى الاول فانه لا يحل له أن يطأها بدون تقديم الكفارة عليه، لأن الظهار قد انعقد موجبا حكمه وهو الحرمة، ولو ارتدا معا، ثم أسلما فهما على الظهار فى قول
(1)
شرح النيل ج 3 ص 403.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 403.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 403، 404.
أبى حنيفة رحمه الله تعالى. هذا كله فى الظهار المطلق والمؤبد.
أما فى الظهار المؤقت - كما اذا ظاهر منها مدة معلومة كاليوم والشهر والسنة - فانه ان قربها فى تلك المدة تلزمه الكفارة وان لم يقربها حتى مضت المدة سقطت عنه الكفارة وبطل الظهار
(1)
.
وجاء فى بدائع الصنائع: أنه يحرم بالظهار أن يستمتع الرجل من المرأة المظاهر منها بالمباشرة والتقبيل واللمس عن شهوة والنظر الى فرجها عن شهوة قبل أن يكفر، لقول الله عز وجل «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» ،}
(2)
وأخف ما يقع عليه اسم المس هو اللمس باليد، اذ هو حقيقة لهما جميعا أعنى الجماع واللمس باليد لوجود معنى المس باليد فيهما، ولأن الاستمتاع داع الى الجماع فاذا حرم الجماع حرم الداعى اليه اذ لو لم يحرم لأدى الى التناقض، ولهذا حرم فى الاستبراء وفى الاحرام بخلاف باب الحيض والنفاس، لأن الاستمتاع هناك لا يفضى الى الجماع لوجود المانع وهو الأذى فامتنع عمل الداعى للتعارض
فلا يفضى الى الجماع، ولأن هذه الحرمة انما حصلت بتشبيه امرأته بأمه فكانت قبل انتهائها بالتكفير وحرمة الأم سواء وتلك الحرمة تمنع من الاستمتاع كذا هذه ولأن الظهار كان طلاق القوم فى الجاهلية فنقله الشرع من تحريم المحل الى تحريم الفعل، فكانت حرمة الفعل فى المظاهر منها مع بقاء النكاح كحرمة الفعل فى المطلقة بعد زوال النكاح، وتلك الحرمة تعم البدن كله كذا هذه.
ولا ينبغى للمرأة اذا ظاهر منها زوجها أن تدعه يقربها بالوط ء والاستمتاع حتى يكفر، لأن الاستمتاع بها حرام عليه والتمكين من الحرام حرام.
ويستوى فى هذه الأحكام جميع أنواع الكفارات كلها من الاعتاق والصيام والطعام، أعنى كما أنه لا يباح له وطؤها والاستمتاع بها قبل التحرير والصوم لا يباح له شئ من ذلك قبل الاطعام، وهذا قول عامة العلماء لأنه لو أبيح له الوط ء قبل الاطعام فوطئها، ومن الجائز أنه يقدر على الاعتاق والصيام فى خلال الاطعام فتنتقل كفارته اليه، فتبين أن وطأه كان حراما فيجب صيانته عن الحرام بايجاب تقديم الاطعام احتياطا
(3)
.
(1)
الفتاوى الهندية فى كتاب على هامشه فتاوى قاضيخان ج 1 ص 506، 507 الطبعة المتقدمة، وبدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 235.
(2)
الآية رقم 3 من سورة المجادلة.
(3)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 3 ص 234 الطبعة المتقدمة.
مذهب المالكية:
قال صاحب الشرح الكبير: للمظاهر الذى لزمه كفارات فى امرأة واحدة المس بوط ء أو غيره بعد اخراج كفارة واحدة على الأرجح، وهو رأى القابسى وأبى عمران وصوبه ابن يونس، لأن الكفارة الواحدة هى اللازمة عن ظهاره بالاصالة والزائد عليها كأنه نذر.
وعلى القول الراجح: لا يجوز لمن لزمه كفارات عن امرأة واحدة أن يمسها حتى يكفر الجميع.
وحرم قبل الكفارة - أى قبل كمالها وأولى قبل الشروع فيها - أن يستمتع بالمظاهر منها بوط ء أو مقدماته، وله أن ينظر الى الوجه والأطراف فقط بلا لذة وهذا قول الأكثر.
ومقابله حرمة الاستمتاع بالوط ء وجواز المقدمات، والأول مذهب ابن القاسم والثانى مذهب سحنون وأصبغ.
وعلى المظاهر منها وجوبا أن تمنعه من الاستمتاع بها قبل الكفارة، لما فى ذلك من الاعانة على المعصية، ووجب عليها أن خافت أن يستمتع بها قهرا ولا تقدر على منعه أن ترفع أمرها الى الحاكم ليمنعه من ذلك
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب أنه اذا وجبت الكفارة فى الظهار - وذلك بامساك المظاهر منها بعد الظهار - فانه يحرم على الزوج أن يطأ زوجته المظاهر منها الى أن يكفر كفارة الظهار، لقول الله عز وجل {(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا} .
الى قوله تعالى. {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً)،}
(2)
فشرط فى العتق والصوم أن يكونا قبل المسيس، وقسنا عليه الاطعام.
وروى عكرمة أن رجلا ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيت بياض ساقها فى القمر. قال: فاعتزلها حتى تكفر عن يمينك.
واختلف قوله فى المباشرة فيما دون الفرج فقال فى القديم: تحرم المباشرة فيما دون الفرج، لأنه قول يؤثر فى تحريم الوط ء فحرم به ما دونه من المباشرة كالطلاق.
وقال فى الجديد: لا تحرم المباشرة فيما دون الفرج، لأنه وط ء لا يتعلق بتحريمه مال، فلم يجاوزه التحريم كوط ء الحائض
(3)
.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 445.
(2)
الآية رقم 3 من سورة المجادلة.
(3)
المهذب ج 2 ص 114.
مذهب الحنابلة:
ذكر ابن ادريس فى كشاف القناع أنه يحرم على مظاهر ومظاهر منها الوط ء قبل التكفير للآية، ولما روى عكرمة أن رجلا ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيت بياض ساقها فى القمر، قال:
فاعتزلها حتى تكفر عن يمينك.
ويحرم أيضا الاستمتاع منها بما دون الفرج قبل التكفير، لأن ما حرم الوط ء من القول حرم دواعيه، كالطلاق والاحرام.
وتجب الكفارة - أى تثبت فى ذمته بالعود وهو الوط ء فى الفرج لقوله تعالى {(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ} الآية).
ولا تجب قبل ذلك الا أنها شرط لحل الوط ء فيؤمر بها من أراده ليستحله بها كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حلها وان وطئ المظاهر التى ظاهر منها قبل التكفير أثم مكلف منهما أو من أحدهما، لأنه عصى ربه بمخالفته أمره واستقرت على المظاهر الكفارة ولو كان مجنونا.
وتحريم المظاهر منها باق عليه حتى يكفر لظهاره لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث (لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به
(1)
.
مذهب الظاهرية:
اذا ظاهر الرجل من زوجته فلا يحل له أن يستمتع بها بأى صورة من صور الاستمتاع حتى يكفر فقد ذكر صاحب المحلى أنه لا يحل للزوج المظاهر أن يطأ زوجته المظاهر منها ولا أن يمسها بشئ من بدنه فضلا عن أن يطأها حتى يكفر بالعتق أو بالصيام، فان عجز عن الصيام فعليه أن يطعم ستين مسكينا متغايرين شبعهم.
ولا يحرم عليه أن يطأها قبل الاطعام لقول الله عز وجل {(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً)} فشرط الله عز وجل فى العتق والصيام أن يكون قبل التماس ولم يشترط ذلك فى الكفارة بالاطعام تبيانا لكل شئ
(2)
.
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب التاج المذهب أنه يحرم على الزوج أن يستمتع بزوجه المظاهر منها، ولا ترتفع الحرمة الا بالكفارة أو ما فى حكمها (بانقضاء المدة فى الظهار المؤقت
(3)
.
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 3 ص 230، ص 231 الطبعة المتقدمة.
(2)
المحلى ج 10 ص 50 مسألة رقم 1894.
(3)
التاج المذهب فى أحكام المذهب ج 2 ص 243.
ويحرم على الزوج بالظهار الوط ء والاستمتاع من الزوجة بأى صورة من صور الاستمتاع من تقبيل أو لمس أو نظر لشهوة منه اليها.
أما اذا كان النظر منها اليه فلا يحرم عليها ما لم يؤد نظرها اليه الى نظره اليها لشهوة فلا يجوز حتى يكفر
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن الرجل اذا ظاهر من امرأته حرم عليه أن يطأها حتى يكفر، وانما يحرم الوط ء عليه بالظهار لا عليها، الا أن تكون معاونة له على الاثم فيحرم لذلك، لا للظهار، فلو استدخلته وهو نائم لم يحرم عليها لثبوت الحل لها قبله والأصل بقاؤه.
وأما غير الوط ء من ضروب الاستمتاع فقيل لا يحرم عليه - فى أحد قولين فى المسألة - لظاهر قوله تعالى «قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا»
(2)
اذ الظاهر منه الوط ء كما فى قوله تعالى «مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ»
(3)
وان كان بحسب اللغة أعم منه حذرا من الاشتراك، هذا اذا كان الظهار مطلقا،
أما اذا كان مشروطا لم يحرم حتى يقع الشرط.
ولو وطئ قبل التكفير عامدا حيث يتحقق التحريم فكفارتان، احداهما للوط ء وأخرى للظهار، وهى الواجبة بالعزم ولا شئ على الناسى، وفى الجاهل وجهان من أنه عامد وعذره فى كثير من نظائره
(4)
.
مذهب الإباضية:
ذكر صاحب شرح النيل أن المظاهر لا يرى من زوجته أو سريته التى ظاهر منها ظهرا ولا بطنا، ولا يتمتع منها حتى يكفر، ويجوز أن يأكل معها ويرقد معها فى بيت.
وذكر أن أبا معاوية قال: المظاهر يدخل على زوجته المظاهر منها بلا اذن ولا تستتر منه، وينظر الى فرجها وتنظر الى فرجه ولا يمسها حتى يكفر، وقيل: ان للمظاهر أن يجامع زوجه المظاهر منها فى غير الفرج وأن ينظر.
وان جامع فى غير الفرج فدخلت النطفة فيه لم تحرم الا ان تعمد ادخالها
(5)
.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 248، ص 249.
(2)
الآية رقم 3 من سورة المجادلة.
(3)
الآية رقم 237 من سورة البقرة.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 172، ص 173.
(5)
شرح النيل ج 3 ص 403 الطبعة السابقة.
حدود الاستمتاع الذى يوجب
الغسل أو الوضوء أو يوجبهما معا
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الاستمتاع الذى يوجب الغسل هو ايلاج الفرج فى الفرج فى السبيل المعتاد سواء أنزل أم لم ينزل لما روى أن الصحابة رضى الله تعالى عنهم لما اختلفوا فى وجوب الغسل بالتقاء الختانين بعد النبى صلى الله عليه وسلم، وكان المهاجرون يوجبون الغسل والانصار لا يوجبونه بعثوا أبا موسى الاشعرى الى عائشة رضى الله تعالى عنها فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل، فعلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم واغتسلنا. فقد روت قولا وفعلا.
وروى عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال فى الاكسال: يوجب الحد أفلا يوجب صاعا من ماء. ولأن ادخال الفرج فى الفرج المعتاد من الانسان سبب لنزول المنى عادة فيقام مقامه احتياطا.
وكذا الايلاج فى السبيل الآخر حكمه حكم الايلاج فى السبيل المعتاد فى وجوب الغسل بدون الانزال: أما على أصل أبى يوسف ومحمد فظاهر لأنه يوجب الحد أفلا يوجب صاعا من ماء.
وأما على أصل أبى حنيفة فانما لم يوجب الحد احتياطا والاحتياط فى وجوب الغسل، ولأن الايلاج فيه سبب لنزول المنى عادة مثل الايلاج فى السبيل المعتاد، والسبب يقوم مقام المسبب خصوصا فى موضع الاحتياط، ولا غسل فيما دون الفرج بدون الانزال
(1)
.
وذكر الكاسانى أن الاستمتاع بالمباشرة الفاحشة من نواقض الوضوء بأن يباشر الرجل المرأة بشهوة وينتشر لها، وليس بينهما ثوب، ولم ير بللا.
فعند أبى حنيفة وأبى يوسف يكون حدثا استحسانا، وذلك لما روى أن أبا اليسر بائع العسل سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: انى أصبت من امرأتى كل شئ الا الجماع فقال النبى صلى الله عليه وسلم: توضأ وصل ركعتين، ولأن المباشرة على الصفة التى ذكرنا لا تخلو عن خروج المذى عادة، الا أنه يحتمل أنه جف لحرارة البدن فلم يقف عليه أو غفل عن نفسه لغلبة الشبق فكانت سببا مفضيا الى الخروج، واقامة السبب مقام المسبب طريقة معهودة فى الشريعة خصوصا فى أمر يحتاط فيه كما يقام المس مقام الوط ء فى حق ثبوت حرمة المصاهرة، بل يقام نفس النكاح مقامه، ويقام نوم المضطجع مقام الحدث ونحو ذلك كذا هنا،
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 36، ص 37 الطبعة المتقدمة.
والقياس أن لا يكون حدثا - وهو قول محمد - لأن السبب انما يقام مقام المسبب فى موضع لا يمكن الوقوف على المسبب من غير حرج، والوقوف على المسبب ها هنا ممكن بلا حرج لأن الحال حال يقظة فيمكن الوقوف على الحقيقة، فلا حاجة الى اقامة السبب مقامها.
وهل تشترط ملاقاة الفرجين - وهى مماستهما؟ - على قول أبى حنيفة وأبى يوسف لا يشترط ذلك فى ظاهر الرواية عنهما.
وشرطه فى النوادر.
وذكر الكرخى ملاقاة الفرجين أيضا.
ولو لمس امرأته بشهوة أو غير شهوة، فرجها أو سائر أعضائها - من غير حائل ولم ينتشر لها لا ينتقض وضوؤه عند علمة العلماء، ولا شك فى أن طهارة الملموسة لا تنتقض عندنا، وذلك لما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها سئلت عن هذه الحادثة فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بعض نسائه ثم يخرج الى الصلاة ولا يتوضأ، ولأن المس ليس بحدث بنفسه ولا سبب لوجود الحدث غالبا فأشبه مس الرجل الرجل والمرأة والمرأة، ولأن مس أحد الزوجين صاحبه مما يكثر وجوده، فلو جعل حدثا، لوقع الناس فى الحرج.
وأما الآية فقد نقل عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن المراد من اللمس الجماع وهو ترجمان القرآن.
وذكر ابن السكيت فى اصلاح المنطق أن اللمس اذا قرن بالنساء يراد به الوط ء
(1)
. وفى البحث تفصيل كبير ينظر فى مكانه.
مذهب المالكية:
ذكر صاحب الشرح الكبير أن الغسل يجب بخروج المنى من رجل أو أمرأة بلا جماع، بأن نظر أو تفكر أو باشر فالتذ فخرج المنى مقارنا للذة أو بعدها كما لو أمنى فى سرتها أو شفرها.
ويجب الغسل بالوط ء وهو تغييب حشفة بالغ أو قدرها فى فرج أو دبر وان من بهيمة وميت، وندب الغسل للمراهق
(2)
.
وعد صاحب الشرح الكبير من نواقض الوضوء اللمس من بالغ بحيث يلتذ صاحبه به عادة، ولو كان اللمس لظفر أو شعر، ولو كان اللمس فوق حائل خفيف وذلك اذا قصد لذة أو وجدها، ولا ينقض الوضوء لذة بنظر كانعاظ ما لم يمذ.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 29، ص 30 الطبعة المتقدمة.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 126 وما بعدها.
والقبلة على الفم تنقض الوضوء اذا كانت على فم من يلتذ بها عادة، ولا ينقضه لذة بمحرم على الأصح
(1)
.
وفى ذلك تفصيل كثير يرجع اليه فى مكانه.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب أن الاستمتاع الذى يوجب الغسل هو ايلاج الحشفة فى الفرج، لقول النبى صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، وان أولج فى فرج امرأة ميتة وجب عليه الغسل وكذا الحكم اذا أولج فى دبر امرأة أو رجل أو بهيمة
(2)
.
أما ما ينقض الوضوء من ذلك فلمس النساء وهو أن يلمس الرجل بشرة المرأة، أو تلمس المرأة بشرة الرجل بلا حائل بينهما، فينتقض وضوء اللامس منهما لقول الله عز وجل:«أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا»
(3)
وفى الملموس قولان.
أظهرهما ينتقض الوضوء.
وان لمس شعرها أو ظفرها لم ينتقض الوضوء، لأنه لا يلتذ به وانما يلتذ بالنظر اليه.
وان لمس ذات رحم محرم ففيه قولان.
وان لمس صغيرة لا تشته أو عجوزا لا تشته ففيه وجهان.
وينتقض الوضوء بمس الفرج ان كان ببطن الكف
(4)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب كشاف القناع أن من موجبات الغسل تغييب حشفة أصلية أو قدرها ان فقدت بلا حائل فى فرج أصلى، لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه مرفوعا، اذا جلس بين شعبها الاربع ثم جهدها فقد وجب الغسل، زاد أحمد ومسلم وان لم ينزل.
وفى حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا قعد بين شعبها الاربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل.
أما ما روى عن عثمان وعلى والزبير وطلحة رضى الله تعالى عنهم من أنه لا يجب الغسل الا بالانزال، لقول النبى صلى الله عليه وسلم الماء من الماء فمنسوخ بما روى عن أبى بن كعب قال: ان الفتيا التى كانوا يقولون
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 119، ص 120، ص 121.
(2)
المهذب ج 1 ص 29.
(3)
الآية رقم 43 من سورة النساء.
(4)
المهذب ج 1 ص 23، ص 24.
الماء من الماء رخص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالاغتسال.
ولا يجب الغسل بوط ء دون الفرج من غير انزال ولا انتقال، لعدم التقاء الختانين، ولا بالتصاق أى تماس ختانيهما من غير ايلاج، لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه السابق ولا بسحاق - وهو اتيان المرأة المرأة بلا انزال لما تقدم
(1)
.
وأما الاستمتاع الذى ينقض الوضوء فهو مس بشرة الذكر بشرة الأنثى لشهوة، لقول الله تعالى «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» }.
وأما كون اللمس لا ينقض الا اذا كان لشهوة فللجمع بين الآية والاخبار، لأنه روى عن عائشة قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدى على بطن قدميه وهو فى المسجد وهما منصوبتان.
ونصبهما دليل على أنه كان يصلى، وروى عنها أيضا قالت: كنت أنام بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاى فى قبلته فاذا سجد غمزنى فقبضت رجلى. والظاهر أن غمزه رجليها كان من غير حائل، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت العاص بن الربيع اذا سجد وضعها واذا قام حملها. والظاهر أنه لا يسلم من مسها، ولأن المس ليس بحدث فى
نفسه، وانما هو داع الى الحدث، فاعتبرت الحالة التى يدعو فيها الى الحدث، وهى حالة الشهوة.
وكذا مس بشرة الانثى بشرة الذكر لشهوة ينقض وضوءها من غير حائل فى الحالتين، لأنه مع الحائل لم يلمس بشرتها أشبه ما لو لمس ثيابها لشهوة، والشهوة لا توجب الوضوء بمجردها كما لو وجدت من غير لمس شئ.
ولا ينتقض وضوء ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة لانه لا نص فيه، وقياسه على اللامس لا يصح لفرط شهوته.
ولا ينتقض وضوء بانتشار ذكر عن فكر وتكرار نظر، لأنه لا نص فيه.
ولا ينقض لمس شعر وظفر وسن ولا المس به، لأنه فى حكم المنفصل
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر صاحب المحلى أن من موجبات الغسل ايلاج الحشفة أو ايلاج مقدارها من الذكر الذاهب الحشفة، والذاهب أكثر من الحشفة فى فرج المرأة الذى هو مخرج الولد منها بحرام أو حلال اذا كان تعمدا، أنزل أو لم ينزل.
(1)
كشاف القناع ج 1 ص 106، ص 107.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 95، ص 96 الطبعة المتقدمة.
فان كان أحدهما مجنونا أو سكران أو نائما أو مغمى عليه أو مكرها فليس على من هذه صفته منهما الا الوضوء فقط اذا أفاق أو استيقظ الا أن ينزل.
فان عمدت هى أيضا لذلك فكذلك، أنزلت أو لم تنزل، لما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا التقى الختانان وجب الغسل.
وأما كل موضع لا ختان فيه، ولا يمكن فيه الختان فلم يأت نص ولا سنة بايجاب الغسل من الايلاج
(1)
فيه.
وأما ما يوجب الوضوء من الاستمتاع فهو مس الرجل المرأة والمرأة الرجل بأى عضو مس أحدهما الآخر اذا كان عمدا دون أن يحول بينهما ثوب أو غيره، سواء كانت أمه أو ابنته أو مست ابنها أو أباها، الصغير والكبير سواء، لا معنى للذة فى شئ من ذلك لقول الله تبارك وتعالى «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» والملامسة فعل من فاعلين، وبيقين ندرى أن الرجال
والنساء مخاطبون بهذه الآية لا خلاف بين أحد من الأمة فى هذا، لأن أول الآية وآخرها عموم للجميع من الذين آمنوا فصح أن هذا الحكم لازم للرجال اذا لامسوا النساء والنساء اذا لامسن الرجال، ولم يخص الله تعالى امرأة من امرأة، ولا لذة من غير لذة
(2)
.
وايلاج الذكر فى الفرج يوجب الوضوء كان معه انزال أو لم يكن، لما روى عن ابى بن كعب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يصيب من المرأة ثم يكسل
(3)
قال: يغسل ما أصابه من المرأة ثم يتوضأ ويصلى فالوضوء لا بد منه مع الغسل
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار وحواشيه أن من أسباب الغسل توارى الحشفة - وهو ما فوق الختان من الذكر - فى أى فرج سواء كان قبلا أو دبرا، لآدمى يصلح للجماع أو بهيمة، حى أم ميت. فان ذلك يوجب الغسل على الفاعل والمفعول به، وان لم يقع انزال، هذا اذا كان الايلاج بدون حائل.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 2 وما بعدها الى ص 4 الطبعة الاولى سنة 1348 هـ تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر طبع مطبعة النهضة بشارع عبد العزيز بمصر مسألة رقم 170.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 244، ص 245، مسألة رقم 165 الطبعة المتقدمة.
(3)
أكسل الرجل اذا جامع ثم أدركه فتور فلم ينزل أى صار ذا كسل انظر لسان العرب مادة كسل.
(4)
المحلى ج 1 ص 249، ص 250 مسألة رقم 166 الطبعة المتقدمة.
أما ان كان الايلاج مع حائل فان فيه وجوها.
قيل: يجب الغسل لعموم الخبر.
وقيل: الا يوجب كاللمس.
وقيل: يوجب الغسل ان رق الحائل اذ هو كالعدم
(1)
.
والذى يوجب الوضوء من الاستمتاع التقاء الختانين مع توارى الحشفة، لأنه يوجب الغسل، والحدث الأصغر يدخل تحته، وكذا يجب الوضوء بالتقاء الختانين وان لم يحصل توار
(2)
.
مذهب الإمامية:
ذكر صاحب شرائع الاسلام أن الاستمتاع الذى يوجب الغسل هو الجماع، فان جامع الرجل امرأته فى قبلها والتقى الختانان وجب الغسل، وان كانت الموطوءة ميتة.
وان جامع فى الدبر ولم ينزل وجب الغسل على الأصح
(3)
.
وأما الاستمتاع الذى يوجب الوضوء فقد جاء فى التنقيح أن ابن الجنيد يقول بأن التقبيل ينقض الوضوء اذا كان عن شهوة، وكذا اذا مس - عن شهوة - باطن فرجه أو باطن فرج غيره محللا كان أم محرما، واستدل على ذلك بموثقة أبى بصير عن أبى عبد الله عليه السلام قال: اذا قبل الرجل امرأة من شهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء - وأنه سئل عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره فقال: نقض وضوؤه.
غير أن صاحب التنقيح تعقب ذلك بقوله:
انها معارضة بغير واحد من الاخبار المعتبرة الدالة على عدم انتقاض الوضوء بالقبلة أو بمس الفرج والذكر
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن العلماء أجمعوا على وجوب الغسل من وط ء وان كان بلا انزال للنطفة، وكان لا يجب الا بالانزال ثم نسخ، واختلف فى الوط ء الذى يجب به الغسل.
فقيل: بالتقاء البابين وقيل بدخوله بين رجليها باجهاد.
وقيل بانزال فما لم يكن الانزال لا يجب ولو بوط ء.
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح فى كتاب مع حواشيه ج 1 ص 106 المطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 98.
(3)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 29 منشورات دار مكتبة الحياة بيروت.
(4)
التنقيح فى شرح العروة الوثقى تأليف الميرزا على الغروى التبريزى ج 3 ص 502، 503 طبع مطبعة الاداب بالنجف الاشرف.
ورد بأن هذا فى الاحتلام أو كان ثم نسخ، أو انعقد الاجماع على خلافه.
والمرجح وجوبه بالتقاء الختانين ومعنى التقائهما تحاذيهما سواء التصقا حقيقة - ولا يتأتى الجماع الحقيقى الا بهذه الصورة - أو لم يلتصقا بأن كان الذكر أسفل الشق، وصح التقاء الختانين بغيوب الحشفة كلها أو قدرها من مقطوعها ولو كان الداخل من الذكر بحشفته أو قدرها ملفوفا فى شئ خشن أو لين ولا يجب أن بقى بعضها لعدم الالتقاء خلافا لبعضهم
(1)
.
ثم بين الاستمتاع الذى يوجب الوضوء فى قوله وينتقض الوضوء بمس فرج غير الدابة وان كان المص بنسيان - سواء كان نسيان أنه على وضوء أو نسيان أن المس ناقض أو نسيان أن ذلك عورة - اذا كان المس بباطن الكف بلا ساتر.
وفى النقض بغير اليد وبظاهرها خلاف - وسواء كان ذلك الغير زوجة أو سرية
(2)
.
أما هما - أى الزوجة والسرية فلا ينتقض وضوؤهما بمس الزوج فرجهما، كما لا ينقض وضوءه مسهما فرجه.
وقيل ان تعمد الممسوس أن يمسه الماس انتقض وضوؤه ولو كان زوجا أو سرية فى الفرج وهو الصحيح.
وفى نقض وضوء الزوجين بجماع فى غير الفرج بلا خروج بلل قولان ولو بالذكر والسرية كالزوجة
(3)
.
حدود الاستمتاع
الذى يوجب الحد والذى يوجب التعزير
مذهب الحنفية:
حد الكاسانى فى البدائع الاستمتاع الذى يوجب الحد بأنه الوط ء الحرام فى قبل المرأة الحية فى حالة الاختيار فى دار العدل ممن التزم أحكام الاسلام العارى عن حقيقة الملك، وعن شبهته، وعن حق الملك، وعن حقيقة النكاح وشبهته، وعن شبهة الاشتباه فى موضع الاشتباه فى الملك والنكاح جميعا.
فلو وطئ الصبى أو المجنون امرأة أجنبية لم يجب على أى واحد منهما الحد، لأن فعلهما لا يوصف بحرمة.
وكذلك الوط ء فى الدبر فى الأنثى لا يوجب الحد عند أبى حنيفة - وان كان حراما - لعدم الوط ء فى القبل، فلم يكن زنا.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 1 ص 101، 102 الطبعة المتقدمة.
(2)
بضم السين وتشديد الراء والياء نسبة الى السر بكسر السين على غير قياس اذ القياس كسر السين والسر النكاح والمراد الامة التى بوأتها بيتا للجماع كالزوجة أنظر لسان العرب مادة سر.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 1 ص 87، ص 88.
وعند صاحبيه يوجب الحد، لا لأنه زنا، بل لأنه فى معنى الزنا، لمشاركته الزنا فى المعنى المستدعى لوجوب الحد، وهو الوط ء الحرام على وجه التمحض، فكان فى معنى الزنا.
وأما الاستمتاع الذى يوجب التعزير فمنه وط ء المرأة الميتة وكذا وط ء البهيمة، والوط ء فى الدبر من الأنثى عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وكذا وط ء الحائض والنفساء والصائمة والمحرمة والمجنونة والموطوءة بشبهة والتى ظاهر منها أو آلى منها، ووط ء الجارية المشتركة والمجوسية والمرتدة والمكاتبة والمحرمة برضاع أو صهرية، ولا حد فى شئ من ذلك، لقيام الملك وان كان حراما وعلم بالحرمة
(1)
.
انظر زنا.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير أن من الاستمتاع الذى يوجب الحد أن يطأ مكلف حر أو عبد مسلم فرج آدمى قبلا أو دبرا لا ملك له فيه، لأنه بذلك يكون زانيا، وكذلك اذا وطئ مملوكة له بشراء تعتق عليه بنفس الملك كبنت وأخت، أو وطئ محرمة بصهر مؤبد بنكاح، كمن تزوج امرأة بعد العقد على بنتها، أو كانت زوجة لأبيه أو ابنه، أو وطئ خامسة
علم بتحريمها، أو وطئ مبتوتة له، وان كانت فى عدتها منه بنكاح وأولى بلا نكاح
(2)
.
أما الاستمتاع الذى يوجب التعزير والأدب فمنه المساحقة - وهى فعل النساء بعضهن ببعض - ووط ء البهيمة، ووط ء من حرم عليه وطؤها لعارض، كحائض ونفساء، ووط ء مملوكة له لا تعتق عليه بنفس الملك، كعمة وخالة، ووط ء معتدة من غيره فى عدتها بنكاح أو ملك، ووط ء بنت بنكاح على أم لم يدخل بها، ففى كل ذلك يؤدب اجتهادا
(3)
.
مذهب الشافعية:
ذكر صاحب المهذب أنه اذا وطئ رجل من أهل دار الاسلام امرأة محرمة عليه من غير عقد، ولا شبهة عقد، وغير ملك، ولا شبهة ملك، وهو عاقل بالغ مختار عالم بالتحريم وجب عليه الحد، فان كان محصنا وجب عليه الرجم، وان لم يكن محصنا وجب عليه الجلد
(4)
.
واللواط محرم لقول الله عز وجل:
«وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ}
(5)
»
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاساتى ج 7 ص 33 الى ص 35 الطبعة المتقدمة.
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 313.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 314.
(4)
المهذب ج 2 ص 266.
(5)
الآية رقم 80 من سورة الأعراف.
فسماه فاحشة، ولأن الله عز وجل عذب بها قوم لوط بما لم يعذب به أحدا، فدل على تحريمه.
ومشهور المذهب أنه يجب فيه حد الزنا
(1)
.
ومن حرمت مباشرته فى الفرج بحكم الزنا أو اللواط حرمت مباشرته فيما دون الفرج بشهوة، لقول الله عز وجل «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}
(2)
»، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون أحدكم بامرأة ليست له بمحرم فان ثالثهما الشيطان، فاذا حرمت الخلوة بها فلأن تحرم المباشرة أولى، لأنها أدعى الى الحرام، فان فعل ذلك لم يجب عليه الحد، وانما يعزر، لأنه معصية ليس فيها حد، ولا كفارة فشرع فيها التعزير.
وقد روى ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: انى أخذت امرأة فى البستان وأصبت منها كل شئ غير أنى لم أنكحها فاعمل بى ما شئت فقرأ عليه: «أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ}
(3)
».
ويحرم اتيان البهيمة. وفى ذلك تفصيل كبير يرجع اليه فى موطنه
(4)
.
مذهب الحنابلة:
حد صاحب كشاف القناع الاستمتاع الذى يوجب الحد بما اجتمع فيه شروط ثلاثة.
أحدها: أن يطأ فى فرج أصلى من آدمى حى، قبلا كان أو دبرا، بذكر أصلى، وأقله تغييب حشفة من فحل، أو خصى، أو قدرها عند عدمها.
وثانيها: أن يكون الزانى مكلفا، فلا حد على صغير ومجنون.
والثالث: انتفاء الشبهة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «ادرءوا الحدود بالشبهات ما
(5)
استطعتم» فان كان الوط ء فيما دون الفرج، أو تساحقت امرأتان، أو جامع الخنثى المشكل بذكره ولو فى فرج أصلى، أو جومع الخنثى المشكل فى قبله ولو بذكر أصلى، فلا حد، وعلى كل منهم التعزير، لارتكابهم تلك المعصية، وكذا لو وجد رجل مع امرأة يقبل كل منهما الآخر ولم بعلم أنه وطئها، فلا حد على واحد منهما، لعدم العلم بموجبه، وعليهما التعزير لتلك المعصية
(6)
».
(1)
المهذب ج 2 ص 268.
(2)
الاية رقم 4، 5 من سورة المؤمنون.
(3)
الاية رقم 114 من سورة هود.
(4)
المهذب ج 2 ص 269.
(5)
كشاف القناع ج 4 ص 57، ص 58.
(6)
المرجع السابق ج 4 ص 57.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى تحديد الاستمتاع الذى يوجب الحد بأنه وط ء العاهر من لا يحل له النظر الى مجردها وهو عالم بالتحريم
(1)
، وأما ما عدا ذلك من السحق واتيان البهيمة وفعل قوم لوط فلا قتل عليه، ولا حد، لأن الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فحكمه أنه أتى منكرا، فالواجب بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيير المنكر باليد، فواجب أن يضرب التعزير الذى حده رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك لا أكثر
(2)
.
مذهب الزيدية:
حد صاحب شرح الازهار الاستمتاع الذى يوجب الحد بأنه ايلاج فرج ولو لف عليه خرقة فى فرج حى محرم، فان كان امرأة فهو الزنا الحقيقى، وان كان غير امرأة فهو الذى فى حكم الزنا، سواء كان ذلك الايلاج فى قبل أو دبر بلا شبهة.
أما الاستمتاع بظاهر الفرج فانه لا يوجب حدا بل يوجب تعزيرا.
وكذلك ايلاج أصبع فى فرج أو ايلاج فرج فى غير فرج كالابط والفم.
وايلاج فى زوجة أو أمة على غير الوجه المشروع كما لو أتاهما فى الدبر أو فى الحيض فانه يجب فى كل ذلك التعزير
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن الاستمتاع الذى يوجب الحد هو ايلاج الذكر البالغ فى فرج امرأة قبلا أو دبرا محرمة عليه من غير عقد نكاح بينهما، ولا ملك، ولا شبهة اذا كان الايلاج قدر الحشفة من عالم بالتحريم مختارا، فان كان الاستمتاع بدون ايلاج كالتفخيذ وغيره، أو كان المولج غير بالغ أو غير عاقل، أو كان الايلاج فى غير الفرج - والمراد به ما يشمل القبل والدبر - فانه يجب فى كل ما تقدم التعزير لا الحد
(4)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية على ما جاء فى جوهر النظام أن الاستمتاع الذى يوجب الحد هو - أن يزنى البالغ بامرأة سواء كانت بالغة أو غير بالغة. واختلف فيما اذا زنت البالغة بغير البالغ، فقيل تحد، وقيل لا، هذا اذا كان الزنا من غير حائل، فان كان الزنا من فوق حائل فقيل: يوجب الحد، وقيل لا يوجبه وانما يلزم الصداق ويكون الحائل شبهة.
قال: وان زنى البالغ بالصبية .. كان عليه الحد فى القضية. والخلف فى بالغة
(1)
المحلى لابن حزم ج 11 ص 229 مسألة رقم 2201 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 11 ص 380 وما بعدها الى ص 392 مسألة رقم 2299 ورقم 2300 ورقم 2302.
(3)
شرح الازهار ج 4 ص 336، ص 337.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 347.
اذا زنت .. بذى الصبا هل حدها هنا ثبت .. ومن زنى بامرأة من فوق .. ثوب يحد عند أهل الذوق.
وقيل: لا حد عليه فاعلم .. ويلزم الصداق بالتجهم، ومسقط الحد لاجل الشبهة .. بذلك الحائل عند الفعلة
(1)
.
ما يترتب على الاستمتاع
مذهب الحنفية:
يرتب الحنفية على استمتاع الرجل بزوجته أمورا.
من أهمها تأكد المهر للزوجة ووجوب النفقة لها.
أما تأكد المهر للزوجة: فقد ذكر صاحب بدائع الصنائع أن مما يتأكد به المهر الدخول والخلوة، وتأكده بالدخول متفق عليه، لأن المهر قد وجب بالعقد، وصار دينا فى ذمته، ولما كان الدخول استيفاء المعقود عليه تقرر البدل، لأن استيفاء المعقود عليه يقرر البدل
(2)
، وتأكد المهر بالخلوة لقول الله عز وجل «وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً. وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى 3 بَعْضٍ» ،} نهى
سبحانه وتعالى الزوج عن أخذ شئ مما ساق اليها من المهر عند الطلاق وأبان عن معنى النهى لوجود الخلوة.
كذا قال الفراء ان الافضاء هو الخلوة دخل بها أو لم يدخل - ومأخذ اللفظ دليل على أن المراد منه الخلوة الصحيحة، لأن الافضاء مأخوذ من الفضاء من الأرض وهو الموضع الذى لا نبات فيه ولا بناء فيه ولا حاجز يمنع عن ادراك ما فيه، فكان المراد منه الخلوة على هذا الوجه، وهى التى لا حائل فيها، ولا مانع من الاستمتاع عملا بمقتضى اللفظ، فظاهر النص يقتضى أن لا يسقط شئ منه بالطلاق، الا أن سقوط النصف بالطلاق قبل الدخول وقبل الخلوة فى نكاح فيه تسمية واقامة المتعة مقام نصف مهر المثل فى نكاح لا تسمية فيه ثبت بدليل آخر، فبقى حال ما بعد الخلوة على ظاهر النص.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كشف خمار امرأته ونظر اليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل، وهذا نص فى الباب.
وروى عن زرارة بن أبى أوفى أنه قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه اذا أرخى الستور وأغلق الباب فلها الصداق كاملا وعليها العدة دخل بها أو لم يدخل.
وحكى الطحاوى فى هذه المسألة اجماع الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم.
ولأن الزوجة سلمت المبدل الى زوجها،
(1)
جوهر النظام ص 592 - 594
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 291 الطبعة المتقدمة.
(3)
الآية رقم 20، 21 من سورة النساء.
فيجب على زوجها تسليم البدل اليها، وذلك لأن تسليم محل المنفعة يقوم مقام تسليم المنفعة اذ المنافع قبل الاستيفاء معدومة - لأن التسليم هو جعل الشئ سالما للمسلم اليه وذلك برفع الموانع وقد وجد، لأن الكلام فى الخلوة الصحيحة وهى عبارة عن التمكن من الانتفاع، ولا يتحقق التمكن الا بعد ارتفاع الموانع كلها فثبت أنه وجد منها تسليم المبدل فيجب على الزوج تسليم البدل
(1)
.
وأما وجوب النفقة:
فقد ذكر صاحب بدائع الصنائع أن الشرط الأول فى وجوب النفقة للزوجة هو أن تسلم المرأة نفسها الى الزوج وقت وجوب التسليم - ونعنى بالتسليم التخلية، وهى أن تخلى بين نفسها وبين زوجها برفع المانع من وطئها أو الاستمتاع بها حقيقة اذا كان المانع من قبلها أو من قبل غير الزوج، فان لم يوجد التسليم على هذا التفسير وقت وجوب التسليم فلا نفقة لها.
وان كانت الزوجة صغيرة يجامع مثلها فهى كالبالغة فى النفقة، لأن المعنى الموجب للنفقة يجمعهما.
وان كانت لا يجامع مثلها فلا نفقة لها عندنا اذ لا يتحقق التسليم فى الصغيرة التى لا يجامع مثلها، لا منها ولا من غيرها، لقيام المانع فى نفسها من الوط ء والاستمتاع، لعدم قبول المحل لذلك، فانعدم شرط وجوب النفقة فلا يجب.
وقال أبو يوسف اذا كانت الصغيرة تخدم الزوج وينتفع الزوج بها بالخدمة فسلمت نفسها اليه، فان شاء ردها وان شاء أمسكها، فان أمسكها فلها النفقة، وان ردها فلا نفقة لها، لأنها اذا لم تحتمل الوط ء لم يوجد التسليم الذى أوجبه العقد، فكان له أن يمتنع من القبول فان أمسكها فلها النفقة، لانه حصل له منها نوع منفعة وضرب من الاستمتاع، وقد رضى بالتسليم القاصر، وان ردها فلا نفقة لها.
وان كان الزوج صغيرا والمرأة كبيرة فلها النفقة لوجود التسليم منها على التفسير الذى ذكرنا، وانما عجز الزوج عن القبض.
ولو كانت المرأة مريضة قبل النقلة مرضا يمنع من الجماع فنقلت وهى مريضة فلها النفقة بعد النقلة وقبلها أيضا. واذا طلبت النفقة فلم ينقلها الزوج وهى لا تمتنع من النقلة لو طالبها الزوج. وان كانت تمتنع فلا نفقة لها كالصحيحة كذا فى ظاهر الرواية، لأن التسليم فى حق التمكين من الوط ء ان لم يوجد فقد وجد فى حق التمكين من الاستمتاع وهذا يكفى لوجوب النفقة كما فى الحائض والنفساء والصائمة صوم رمضان.
وروى عن ابى يوسف رضى الله تعالى عنه أنه لا نفقة لها قبل النقلة، فاذا نقلت وهى مريضة فله ان يردها لأنه
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 292، ص 293.
لم يوجد التسليم اذ هو تخلية وتمكين، ولا يتحقق ذلك مع المانع.
فلا تستحق النفقة كالصغيرة التى لا تحتمل الوط ء.
واذا سلمت نفسها وهى مريضة له أن يردها لأن التسليم الذى أوجبه العقد - وهو التسليم الممكن من الوط ء - لما لم يوجد كان له أن لا يقبل التسليم الذى لم يوجبه العقد.
وان نقلت وهى صحيحة ثم مرضت فى بيت الزوج مرضا لا تستطيع معه الجماع لم تبطل نفقتها بلا خلاف، لأن التسليم المطلق - وهو التسليم الممكن من الوط ء والاستمتاع - قد حصل بالانتقال لأنها كانت صحيحة
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير أنه يتقرر جميع الصداق الشرعى المسمى - أو صداق المثل فى التفويض. بوط ء المطيقة من بالغ، وان حرم ذلك الوط ء بسبب الزوج أو الزوجة، أو بسببهما، كما اذا كان الوط ء فى حيض أو نفاس أو صوم أو اعتكاف أو احرام فى قبل أو دبر ولو بكرا،
لأنه قد استوفى سلعتها بالوط ء، فاستحقت جميعه
(2)
.
واذا استمتع الرجل بالمرأة بشئ دون الوط ء فى النكاح الفاسد، سواء كان متفقا على فساده أو كان مختلفا فيه اذا فسخ أو حصل فيه طلاق اختيارا، فان المرأة تعطى شيئا وجوبا اعتياضا عن التلذذ بها
(3)
.
وأما النفقة فانها تجب للزوجة فى مقابلة الاستمتاع بها، فلو أسلم زوجان وكان اسلام الزوج أولا وتأخر اسلام الزوجة (اذا كانت وثنية أو مجوسية) فترة فلا نفقة على الزوج فى الفترة التى بين اسلامهما، لأن المانع من جهتها بتأخيرها الاسلام فلم يتمكن من الاستمتاع بها والنفقة فى مقابلة الاستمتاع
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب أن الصداق يستقر بالوط ء فى الفرج لقول الله عز وجل «وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ» }.
(5)
وفسر
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 18 وما بعدها الى ص 20 الطبعة المتقدمة.
(2)
الشرح الكبير ج 2 ص 300.
(3)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 241.
(4)
الشرح الكبير ج 2 ص 268.
(5)
الآية رقم 21 من سورة النساء.
الافضاء بالجماع، وهل يستقر الصداق بالوط ء فى الدبر؟ فيه وجهان.
أحدهما يستقر، لأنه موضع يجب بالايلاج فيه الحد فأشبه الفرج.
والثانى لا يستقر، لأن المهر فى مقابلة ما يملك بالعقد، والوط ء فى الدبر غير مملوك فلم يستقر به المهر
(1)
.
واذا وطئ امرأة بشبهة أو نكاح فاسد لزمه المهر
(2)
. وفى ذلك تفصيل كبير ينظر فى موطنه.
واذا سلمت المرأة نفسها الى زوجها وتمكن من الاستمتاع بها ونقلها الى حيث يريد، وهما من أهل الاستمتاع فى نكاح صحيح وجبت نفقتها على الزوج، لما روى جابر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: اتقوا الله فى النساء فانكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وان امتنعت من تسليم نفسها أو مكنت من استمتاع دون استمتاع، أو فى منزل دون منزل، أو بلد دون بلد، لم تجب النفقة، لأنه لم يوجد التمكين.
وان سلمت نفسها الى الزوج وهى صغيرة لا يجامع مثلها ففيه قولان:
أحدهما: تجب النفقة.
والثانى: لا تجب، وهو الصحيح، لانه لم يوجد التمكين التام من الاستمتاع.، وان كانت كبيرة والزوج صغير ففيه قولان:
أحدهما: لا تجب، لأنه لم يوجد التمكين من الاستمتاع.
والثانى: تجب وهو الصحيح، لأن التمكين وجد من جهتها، وانما تعذر الاستيفاء من جهته فوجبت النفقة.
وان سلمت وهى مريضة أو رتقاء أو نحيفة لا يمكن وطؤها أو الزوج مريض أو مجبوب لا يقدر على الوط ء وجبت النفقة، لأنه وجد التمكين من الاستمتاع
(3)
.
وان سلمت اليه ومكن من الاستمتاع بها فى نكاح فاسد لم تجب النفقة، لأن التمكين لا يصح مع فساد النكاح، ولا يستحق ما فى مقابلته.
وان كان الزوجان كافرين وأسلمت المرأة بعد الدخول ولم يسلم الزوج لم تسقط نفقتها، لأنه تعذر الاستمتاع
(1)
المهذب ج 2 ص 57.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 62.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 159.
بمعنى من جهته وهو قادر على ازالته فلم تسقط نفقتها.
وقال أبو على بن خيران: فيه قول آخر: أنها تسقط نفقتها لانه امتنع الاستمتاع لمعنى من جهتها فسقطت نفقتها كما لو أحرمت المسلمة من غير أذن الزوج.
والصحيح هو الأول.
وان أسلم الزوج بعد الدخول وهى مجوسية أو وثنية وتخلفت فى الشرك سقطت نفقتها، لأنها منعت الاستمتاع بمعصية فسقطت نفقتها كالناشزة.
وان ارتد الزوج بعد الدخول لم تسقط نفقتها، لأن امتناع الوط ء بسبب من جهته، وهو قادر على ازالته.
وان ارتدت المرأة سقطت نفقتها لانها منعت الاستمتاع بمعصية فسقطت نفقتها.
وان كانت الزوجة أمة فسلمها المولى بالليل والنهار وجبت لها النفقة لوجود التمكين التام وان سلمها بالليل دون النهار ففيه وجهان
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب كشاف القناع أنه يقرر الصداق للزوجة وطؤها فى فرج ولو دبرا
أو فى غير خلوة، لأنه قد وجد استيفاء المقصود فاستقر العوض.
ويقرره أيضا خلوة الزوج بها روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر رضى الله تعالى عنهم.
فقد روى أحمد عنهم أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد أوجب المهر ووجبت العدة.
وروى أيضا عن الأحنف عن ابن عمر وعلى، وهذه قضايا اشتهرت، ولم يخالفهم أحد فى عصرهم فكان كالاجماع ولأن التسليم المستحق (وهو التمكين من الاستمتاع) وجد من جهتها فيستقر به البدل.
وأما قوله تعالى «مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ»
(2)
فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب الذى هو الخلوة بدليل ما ذكرنا.
وأما قوله تعالى «وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ»
(3)
فقد حكى عن الفراء أنه قال: الافضاء الخلوة دخل بها أو لم يدخل الى آخر ما تقدم.
ويشترط للخلوة التى تقرر الصداق أن تكون من بالغ ومميز (يريد خلو
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 160.
(2)
الآية رقم 237 من سورة البقرة.
(3)
الاية رقم 21 من سورة النساء.
محل الخلوة) ولو كان كافرا أو أعمى، وكذا لو كان الزوج الخالى بزوجته أعمى، أو نائما، مع علمه بأنها عنده ان لم تمنعه الزوجة من وطئها، فان منعته لم يتقرر الصداق، لأنه لم يحصل التمكين.
وانما تكون الخلوة مقررة للصداق ان كان الزوج ممن يطأ مثله وهو ابن عشر - وقد خلا بمن يوطأ مثلها، فان كان دون العشر، أو كانت دون التسع لم يتقرر الصداق، لعدم التمكن من الوط ء.
ويقرر الصداق كاملا - كذلك لمس للزوجة ونظر الى فرجها بشهوة فى اللمس والنظر للفرج، وتقبيلها ولو بحضرة الناس، لأن ذلك نوع استمتاع، ولأنه نال منها شيئا لا يباح لغيره، ولمفهوم قول الله تعالى:«وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ»
(1)
الآية وحقيقة اللمس التقاء البشرتين.
ولا يتقرر الصداق بالنظر اليها دون فرجها، لأنه ليس منصوصا عليه ولا فى معنى المنصوص عليه.
ولا يقرره أيضا تحملها ماء الزوج من غير خلوة منه بها، ولا وط ء لأنه لا استمتاع منه بها فيه
(2)
.
واذا بذلت الزوجة تسليم نفسها البذل التام بأن لا تسلم فى مكان دون آخر أو بلد دون آخر: بل بذلت نفسها حيث شاء مما يليق بها، وهى ممن يوطأ مثلها، لزمته النفقة والكسوة، كبيرا كان الزوج أو صغيرا، وسواء كان يمكنه الوط ء أو لا يمكنه كالعنين والمجبوب والمريض.
لأن النفقة تجب فى مقابلة الاستمتاع وقد أمكنته من ذلك كالمؤجر اذا أسلم المؤجرة، فتجب حتى ولو تعذر وطؤها لمرض أو حيض أو نفاس أو رتق أو قرن أو لكونها نضوة الخلق - أى هزيلة - أو حدث بها شئ من ذلك عند الزوج، لأن الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها.
ولو بذلت الصحيحة الاستمتاع بما دون الفرج لم تجب نفقتها، لكن لو امتنعت من التسليم وهى صحيحة ثم حدث لها مرض فبذلته فلا نفقة لها ما دامت مريضة عقوبة عليها بمنعها نفسها فى حالة متمكن من الاستمتاع بها فيها وبذلها فى ضدها، فان كان الزوج صغيرا فالنفقة عليه كالكبير، لأن الاستمتاع بها ممكن، وانما تعذر بسبب من جهة الزوج أشبه الكبير اذا هرب، وأجبر وليه على نفقتها من مال الصبى، لأنها عليه، والولى ينوب فى أداء الواجبات كالزكاة وكذا السفيه والمجنون.
وان كانت الزوجة صغيرة لا يمكن وطؤها وزوجها طفل أو بالغ لم تجب
(1)
الآية رقم 237 من سورة البقرة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 3 ص 89، ص 90 الطبعة المتقدمة.
نفقتها، ولو مع تسليم نفسها، أو بتسليم وليها لها، لأنها ليست محلا للاستمتاع بها فلا أثر لتسليمها.
واذا بذلت نفسها تسليما غير تام كتسليمها فى منزل دون غيره من المنازل، لم تستحق شيئا، الا أن تكون قد اشترطت ذلك فى العقد.
وان سلم الزوجة الأمة لزوجها سيدها ليلا ونهارا فكحرة فى وجوب النفقة على زوجها الحر.
واذا نشزت المرأة فلا نفقة لها، لأنها فى مقابلة التمكين، وقد زال، وكذا لو سافرت بغير اذنه، أو انتقلت من منزله بغير اذنه، أو تطوعت بحج، أو بصوم منعته فيه نفسها، أو أحرمت بحج منذور فى الذمة فلا نفقة لها، لأنها فى معنى المسافرة، ولما فيه من تفويت الاستمتاع الواجب للزوج، فان أحرمت باذنه فقال القاضى لها النفقة.
والصحيح أنها كالمسافرة لأنها باحرامها مانعة له من التمكين.
وكذا لا نفقة لها اذا لم تمكنه من الوط ء أو مكنته منه دون بقية الاستمتاع كالقبلة والمباشرة أو لم تبت معه فى فراشه، لأنها فى كل ذلك لم تسلم نفسها التسليم التام
(1)
.
مذهب الظاهرية:
يرى الظاهرية أن الصداق لا يثبت كاملا للزوجة الا اذا دخل بها الزوج ووطئها فقد ذكر صاحب المحلى أن من طلق قبل أن يدخل بها فلها عليه نصف الصداق الذى سمى لها، وكذا لو دخل بها ولم يطأها طال مقامه معها أو لم يطل لقول الله عز وجل «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ»
(2)
الآية.
وروى عن ابن عباس أنه قال: لا يجب الصداق وافيا حتى يجامعها.
وروى عن شريح أنه قال: لم أسمع الله عز وجل ذكر فى كتابه بابا ولا سترا اذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق
(3)
.
وأما النفقة فلا يرتبها الظاهرية على الاستمتاع وانما على الزوج كسوة الزوجة مذ يعقد النكاح ونفقتها وما تتوطاه وتتغطاه وتفترشه، واسكانها
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 305، ص 306، ص 307 الطبعة المتقدمة.
(2)
الاية رقم 237 من سورة البقرة.
(3)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 482 وما بعدها الى ص 487 مسألة رقم 1842 الطبعة المتقدمة.
كذلك أيضا صغيرة كانت أو كبيرة، ذات أب أو يتيمة، غنية أو فقيرة، دعى إلى البناء أو لم يدع، نشزت أو لم تنشز، حرة كانت أو أمة، بوأت معه بيتا أو لم تبوأ، لما روى عن حكيم بن معاوية القشيرى قال: قلت يا رسول الله:
ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال:
أن تطعمها اذا طعمت، وتكسوها اذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر الا فى بيت
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب أن الزوجة تستحق المهر كاملا بالدخول، والمراد به الوط ء ولو فى الدبر من الصالح للجماع فى الصالحة له، وأقله ما يوجب الغسل فى الثيب، وما يذهب البكارة فى البكر ولو مع مانع شرعى.
وكذلك تستحقه كاملا بالخلوة الصحيحة فى نكاح صحيح، فان كانت فاسدة لم توجب المهر ولو مع الاستمتاع.
وان كانت الخلوة صحيحة فالمذهب أنها توجب كمال المهر، الا أن يخلو بها مع حصول مانع من الوط ء شرعى، كأن تحصل الخلوة فى مسجد، فان الخلوة تكون فاسدة مع علمها
أو الزوج أنه مسجد، أما لو جهلا فالخلوة تكون صحيحة.
وكذا لو خلا بها وهى حائض، أو أحدهما محرم ولو نفلا، أو صائم صوما واجبا غير مرخص، أو حضر معهما غيرهما ممن بلغ الفطنة، واذا كان كبيرا فلا فرق بين أن يكون يقظان أو نائما اذا ظن الزوج أنه يستيقظ أو يخلو بها مع حصول مانع عقلى يقضى العقل بأنه يمنع الوط ء مع حصوله فان الخلوة تكون فاسدة كأن تكون مريضة على صفة لا يمكن تحرك الدواعى اليها أو صغيرة لا تصلح له أو تمنع نفسها وهو غير قادر على اكراهها
(2)
.
وتجب النفقة على الزوج أو سيده اذا كان عبدا تزوج باذنه أو ولى مال الزوج اذا كان الزوج غير مكلف ولو كان الزوج حملا أو مجنونا، ولو زوج لغير مصلحة. تجب لزوجته من يوم العقد سواء كانت كبيرة ولو شيخة أم صغيرة صالحة للجماع أم لا، دخل بها أم لا حيث لم يطلب ولا امتنعت. سليمة من العيب أم معيبة كالرتق والجنون ونحوهما ولم يفسخ، حرة كانت أو
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 510. ص 511 المسألة رقم 1850 الطبعة المتقدمة.
(2)
التاج المذهب لاحكام المذهب شرح متن الازهار فى فقه الائمة الاطهار لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 2 ص 44 وما بعدها الى ص 46 مسألة رقم 146 الطبعة الاولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1366 هـ.
أمة وسلمت نفسها مستداما يوما وليلة فما فوق
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن الدخول الذى يوجب المهر تماما هو الوط ء المتحقق بغيبوبة الحشفة أو قدرها من مقطوعها وضابطه ما أوجب الغسل قبلا كان أو دبرا، لا مجرد الخلوة بالمرأة، وارخاء الستر على وجه ينتفى معه المانع من الوط ء على أصح القولين
(2)
.
أما النفقة فتجب بالعقد الدائم بشرط التمكين الكامل، وهو إن تخلى بينه وبين نفسها قولا وفعلا فى كل زمان ومكان يسوغ فيه الاستمتاع، فلو بذلت فى زمان دون زمان أو مكان دون مكان كذلك يصلحان للاستمتاع فلا نفقة لها.
وحيث كان مشروطا بالتمكين فلا نفقة للصغيرة التى لم تبلغ سنا يجوز الاستمتاع بها بالجماع على أشهر القولين، لفقد الشرط وهو التمكين من الاستمتاع.
ولا للناشزة الخارجة عن طاعة الزوج ولو بالخروج من بيته بلا اذن.
ومنع لمس بلا عذر، ولا للساكتة بعد العقد ما لم تعرض التمكين عليه
(3)
.
مذهب الإباضية:
ذكر صاحب شرح النيل أن الزوج أن وطئ زوجته ولو كانت طفلة أو مجنونة أو أمة - مرة سواء كان بمطاوعة منها أو كان قسرا، فى الفرج أو دون الفرج كما فى الديوان - بالغا كان الزوج أو طفلا أو عبدا أو مجنونا فانه يجب الصداق كاملا بالمس الاول والعقد، وان قهرته على مسها لم يلزمه به صداق تام حتى يمسها باختياره
(4)
.
وتلزم الزوج نفقة زوجته وسكناها وكسوتها ان جلبها أو طلبت للجلب سواء كان الطالب زوجها أو أبوها أو وليها أو هى.
وان مضت لواجب حج لزمته نفقتها وكسوتها فى الرجوع لا فى الذهاب على الصحيح، لان الحج فرض عليها، وليس فى ذهابها اليه حق لزوجها كجماع، لأنها فارقته بالسفر بخلاف الرجوع
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 276 مسألة رقم 190 الطبعة المتقدمة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 118.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 142 الطبعة المتقدمة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 3 ص 90، ص 91 الطبعة المتقدمة.
فانه رجوع الى حقوقه بعد الذهاب عنها.
وقيل: تلزمه النفقة فى الذهاب كما أنه عليه ماء تتوضأ به وتغتسل من جنابة أو نفاس أو حيض، وتغسل به نجسا وعليه غسل ثيابها من وسخ، ولأنها قد لزمها الحج ولزم الزوج نفقة زوجته ما بقيت لتحيى وتؤدى حقوق الله وحقوق الخلق، ألا ترى إن حقوقها لازمة فى حيضها ونفاسها وفى نهار رمضان مع أنه ممنوع من جماعها، مع انه لو منعت امرأة زوجها من فرجها وأباحت غيره لأبطلت حقوقها
(1)
.
استمناء
التعريف اللغوى:
جاء فى لسان العرب مادة منى: المنى:
ماء الرجل، يقال: منى الرجل وأمنى من المنى بمعنى واستمناء مصدر من استمنى المزيد بالهمزة والسين والتاء للطلب واستمنى: أى استدعى خروج المنى
(2)
.
التعريف الشرعى:
عرف الفقهاء الاستمناء بأنه طلب استخراج المنى بشهوة بغير جماع سواء كان بيده أو بيد زوجته أو أمته أو كان بسبب مباشرة أو بسبب تقبيل أو لمس أو ما شابه ذلك، وكما يكون الاستمناء من الرجل فانه يكون من
(3)
المرأة.
حكم الاستمناء وما يترتب
عليه من عقوبة
مذهب الحنفية:
اذا كان الاستمناء بيد الانسان نفسه فان الحكم يختلف باختلاف دوافعه، فاذا كان لاستجلاب الشهوة فهو حرام.
جاء فى الزيلعى
(4)
: أنه لا يحل الاستمناء أن قصد به قضاء الشهوة، وذلك لقول الله
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 298 وما بعدها الى ص 305 الطبعة السابقة.
(2)
لسان العرب للعلامة ابن منظور مادة منى طبع دار صادر دار بيروت للطباعة والنشر سنة 1374 هـ.
(3)
نهاية المحتاج الى شرح ألفاظ المنهاج لشمس الدين ابن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى عليه وبهامشه المغربى ج 3 ص 169 طبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ بمصر وكشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن أدريس الحنبلى ج 4 ص 75 طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 139 طبعة مطبعة الكتاب العربى وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 173 والمحلى لابن حزم الظاهرى ج 11 ص 392 وشرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر ج 7 ص 515 وابن عابدين على الدر المختار ج 2 ص 136، 137 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1325.
(4)
الزيلعى وحاشية الشلبى عليه مع تبيين الحقائق للامام فخر الدين بن على الزيلعى ج 1 ص 323 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية مصر سنة 1314 هـ.
عز وجل «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» أى الظالمون المتجاوزون، فلم يبح الله سبحانه وتعالى الاستمتاع الا بالزوجة والأمة، فيحرم الاستمتاع بالكف.
وقال ابن جريج: سألت عنه عطاء فقال مكروه، سمعت قوما يحشرون وأيديهم حبالى، فأظن أنهم هم هؤلاء.
قال سعيد بن جبير: عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم.
وفى الدر المختار
(1)
نقلا عن الجوهرة أن الاستمناء بالكف يكره تحريما، لحديث: ناكح اليد ملعون.
وفى موضع آخر قال فى الدر: الاستمناء بالكف حرام، لكن ابن عابدين قيد ذلك بما اذا كان الاستمناء لاستجلاب الشهوة وألحق ابن عابدين بذلك ما لو أدخل ذكره بين فخذيه مثلا فأمنى.
وعقوبة الاستمناء بالكف اذا كان لاستجلاب الشهوة هى التعزير وهو آثم بفعله. هذا اذا كان لاستجلاب الشهوة.
أما اذا غلبته الشهوة فقد جاء فى ابن عابدين والدر نقلا عن السراج
(2)
أنه اذا
غلبته الشهوة المفرطة الشاغلة للقلب، وأراد تسكينها، وكان أعزب لا زوجة له ولا أمة أو كان له زوجة أو أمة، ولكنه لا يستطيع الوصول اليهما لعذر، ففعل ذلك لتسكين الشهوة، فالرجا أن لا وبال عليه، كما قاله أبو الليث.
وعبارة الفتح ان غلبته الشهوة ففعل ارادة تسكينها، فالرجا أن لا يعاقب، وكذلك الحكم فيمن فعله خوف الزنا كما جاء فى الدر المختار.
لكن ابن عابدين استظهر أن خوف الزنا غير قيد، وقال: انه لو تعين الخلاص من الزنا بالاستمناء وجب لأنه أخف.
وفى البحر الرائق
(3)
نقلا عن المحيط: لو أن رجلا عزبا به فرط شهوة له أن يستمنى بعلاج لتسكن شهوته، ولا يكون مأجورا عليه، ليته ينجو رأسا برأس، هكذا روى عن أبى حنيفة.
وفى امداد الفتاح
(4)
، قيل يؤجر اذا خاف الشهوة، كذا فى الكفاية عن الواقعات.
(1)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 2 ص 136، ص 137 وج 3 ص 215 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق الطبعة السابقة.
(3)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 1 ص 61 للامام الشيخ زين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.
(4)
ابن عابدين على البحر الرائق لابن نجيم ج 1 ص 61 الطبعة السابقة.
أما الاستمناء عن طريق الزوجة والأمة فقد قال ابن عابدين
(1)
: يجوز أن يستمنى الرجل بيد زوجته وأمته.
وفى الدر نقلا عن الجوهرة: لو مكن امرأته أو أمته من العبث بذكره فأنزل كره ولا شئ عليه.
قال ابن عابدين: الظاهر أنها كراهة تنزيه لأن ذلك بمنزلة ما لو أنزل بتفخيذ أو تبطين، ولا شئ عليه من تعزير وكذا من اثم.
مذهب المالكية:
الاستمناء بالكف حرام عند المالكية قال فى الحطاب
(2)
المسائل التى يلزم فيها التعزير:
الخلوة بالأجنبية ووط ء المكاتبة ونحو ذلك من الاستمناء، واتيان البهيمة.
وفى المسائل الملقوطة: يلزم التعزير بالاستمناء.
وقال فى حاشيتى حجازى والأمير
(3)
:
وأدب بسبب ارتكاب ما لا حد فيه كالاستمناء باليد على قول الجمهور، ولم يفصل المالكية بين ما اذا كان لاستجلاب الشهوة أو لغيرها وهذا بالنسبة للاستمناء باليد.
أما الاستمناء عن طريق الزوجة فقد قال فى الحطاب
(4)
: هل يجوز للرجل أن يستمنى بيد الزوجة؟ قال ابن غازى: لم نقف على نص فى المذهب، ونص على جوازه فى الاحياء.
ثم قال: واطلاقات المذهب والاحاديث تقتضى جواز ذلك.
وقال الدسوقى فى حاشيته
(5)
: ويجوز الاستمتاع بيد الزوجة وصدرها وعكن بطنها وذلك بأن يستمنى بما ذكر من الأمور الثلاثة.
وفى حاشيتى حجازى والأمير
(6)
: يجوز التمتع بدبر الزوجة بغير الايلاج، ولو بوضع الذكر عليه وان أدى الى استمناء لأنه كالاستمناء باليد ونحوه، وقيل بالمنع حينئذ.
مذهب الشافعية:
الاستمناء باليد حرام وفيه التعزير، جاء فى المهذب
(7)
: ويحرم الاستمناء، لقول الله عز وجل «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ}
(1)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 3 ص 215 الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل ج 6 ص 320 وبهامشه التاج والاكليل.
(3)
حاشيتى حجازى والامير ج 2 ص 388 طبع المطبعة البهية الشرفية بمصر سنة 1304 هـ.
(4)
الحطاب على خليل مع التاج والاكليل فى كتاب ج 3 ص 406، ص 407 الطبعة السابقة.
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 173 الطبعة السابقة.
(6)
حاشيتى حجازى والامير ج 1 ص 418 الطبعة السابقة.
(7)
المهذب لابى أسحق الشيرازى طبع عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر ج 2 ص 269.
{مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» ولأنها مباشرة تفضى الى قطع النسل فحرم كاللواط، فأن فعل عزر ولم يحد، لأنها مباشرة محرمة من غير ايلاج.
فأشبهت مباشرة الأجنبية فيما دون الفرج.
أما الاستمناء عن طريق الزوجة والأمة فهو غير محرم قال فى نهاية المحتاج
(1)
الاستمناء هو استخراج المنى بغير جماع محرما كان كاخراجه بيده أو غير محرم كاخراجه بيد زوجته أو أمته.
مذهب الحنابلة:
قال فى كشاف القناع
(2)
: من استمنى بيده خوفا من الزنا أو خوفا على بدنه فلا شئ عليه، قال مجاهد: كانوا يأمرون فتيانهم يستعفوا به، لكن هذا مقيد بما اذا كان لا يقدر على نكاح ولو لأمة، أو كان لا يجد ثمن أمة، لأن فعل ذلك انما يباح للضرورة وهى مندفعة بذلك، والا بأن كان يقدر على نكاح ولو لأمة، أو كان يقدر على ثمن أمة حرم الاستمناء وفيه التعزير، لأنه معصية، ولقوله تعالى:{(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ .. )} الآية.
وحكم المرأة فى ذلك حكم الرجل فتستعمل شيئا مثل الذكر، ويحتمل المنع وعدم القياس كما ذكره ابن عقيل.
أما الاستمناء عن طريق الزوجة فقد قال فى الكشاف وله أن يستمنى بيد زوجته وجاريته المباحة له لأنه كتقبيلها.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(3)
: لو عرضت المرأة لفرجها شيئا دون أن تدخله حتى تنزل فيكره هذا ولا اثم فيه، وكذلك الاستمناء للرجال سواء سواء، لأن مس الرجل ذكره بشماله مباح ومس المرأة فرجها كذلك مباح باجماع الأمة كلها فاذ هو مباح فليس هنالك زيادة على المباح الا التعمد لنزول المنى، فليس ذلك حراما أصلا لقول الله تعالى {(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)} وليس هذا مما فصل لنا تحريمه، فهو حلال لقول الله تعالى:{(خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)} الا أننا نكرهه، لأنه ليس من مكارم الأخلاق ولا من الفضائل.
وقال الحسن فى الرجل يستمنى يعبث بذكره حتى ينزل، قال: كانوا يفعلونه فى المغازى.
(1)
نهاية المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج للرملى ج 3 ص 169 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 75 وبهامشه شرح منتهى الارادات وهداية الطالب ص 532 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى للامام محمد على بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 11 ص 392 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الاولى.
وعن مجاهد قال: كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء، يستعفون بذلك.
وعن مجاهد عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بالاستمناء.
وعن عمرو بن دينار قال: ما أرى بالاستمناء بأسا.
وبعد أن ساق ابن حزم هذه الاقوال قال: فهؤلاء كبار التابعين الذين لا يكادون يروون الا عن الصحابة رضى الله عنهم.
مذهب الزيدية:
يحرم استنزال المنى بالكف، لأنه معصية ويجب فيه التعزير، وفى الحديث:«أن قوما يحشرون وبطون أيديهم كبطون الحوامل» ولأنه الزنا الخفى لقوله تعالى: «فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ .. }.
الآية
(1)
».
أما بالنسبة للزوجة فقد قال فى شرح الأزهار: ويجوز الاستمتاع بأى عضو من جسم الزوجة ما عدا باطن الدبر
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: الاستمناء وهو استدعاء اخراج المنى باليد وهو حرام يوجب التعزير بما يراه الحاكم لقول الله تعالى:
«وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ} الى قوله {فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» وهذا الفعل مما وراء ذلك وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لعن الناكح كفه.
ثم قال فى الروضة: وفى معنى اليد:
اخراج المنى بغيرها من جوارحه وغيرها مما عدا الزوجة والمملوكة، وفى تحريمه بيد زوجته ومملوكته المحللة له وجهان.
ومن الوجوه المقتضية للتحريم، هو اخراج المنى وتضييعه بغير الجماع وبه قطع العلامة فى التذكرة.
ومن منع كون ذلك هو المقتضى عدم تناول الآية والخبر له، اذ لم يخص حفظ الفرج فى الزوجة وملك اليمين بالجماع، فيتناول محل النزاع.
وفى تعدى التحريم الى غير أيديهما من بدنهما غير الجماع، احتمال، وأولى بالجواز هنا لو قيل به.
وفى شرائع الاسلام: من استمنى بيده عزر، وتقديره منوط بنظر الامام.
(1)
هامش شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 197 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ والتاج المذهب الجامع لاحكام المذهب لأحمد بن قاسم اليمنى الصنعانى ج 4 ص 257 طبعة أولى مطبعة احياء دار الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.
(2)
شرح الازهار ج 2 ص 314 الطبعة السابقة.
وفى رواية أن الامام عليا عليه السلام ضرب يد المستمنى حتى احمرت، وزوجه من بيت المال
(1)
.
مذهب الإباضية:
الاستمناء حرام عند الإباضية
(2)
، واعتبروا من يفعل ذلك باغيا يجب منعه بل وقتاله لأنه معصية كارتكاب الفاحشة.
قال فى شرح النيل: يمنع ويقاتل كل من يرتكب معصية كمريد الفاحشة، وسواء كان ذلك بغيره أو بنفسه مثل أن يدلك ذكر نفسه بيد نفسه تلذذا، أو يحك ذكره بفخذه، ومثل أن يرى امرأة تدخل أصبعها أو عودا أو نحو ذلك فى فرجها، فانه يجوز لمن رأى أحدا يفعل ذلك بنفسه أن يدفعه ان لم ينته بالكلام ويقاتله، لأنه من جنس البغاة.
لكن فى جوهر النظام ما يفيد أنه ان خاف العنت فلا شئ عليه عند بعضهم فقد قال:
قيل لا حد على من عبثا
…
بفرجه ولو سنين لبثا
وذاك فعل عندنا محجور
…
على الذى يفعله منكور
وهو الزنا الاصغر فيما قيلا
…
فلا نرى قط به تحليلا
وقال بعض ان يكن خاف العنت
…
فلا عليه ان ضرورة عنت
لكننى بذاك لا أقول
…
مع أنه عن ماهر منقول
(3)
أثر الاستمناء فى العبادات
فى الغسل:
من القواعد المقررة فى جميع المذاهب أن خروج المنى بشهوة بأى وجه كان يوجب الغسل، وحديث النبى صلى الله عليه وسلم:«انما الماء من الماء» محمول على خروج المنى بشهوة.
لكن محل البحث هنا فيمن حاول الاستمناء فلما تحركت شهوته وانتقل المنى عن مقره أمسك ذكره حتى سكنت شهوته ثم ترك ذكره فخرج المنى بلا شهوة، فهل يجب عليه الغسل فى هذه الحالة أم لا؟، وهذا محل الخلاف.
مذهب الحنفية:
المعتبر عند أبى حنيفة ومحمد أن الذى يوجب الغسل هو انفصال المنى عن مكانه
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 390، 391 الطبعة السابقة وشرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 262 طبع دار منشورات الحياة ببيروت سنة 1930.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 7 ص 525 الطبعة السابقة.
(3)
جوهر النظام لابى حميد السالمى ص 594
بشهوة، حتى ولو خرج بعد ذلك بغير شهوة.
وعند أبى يوسف يشترط مع ذلك ظهوره بشهوة اعتبارا للخروج بالمزايلة، اذ الغسل يتعلق بهما.
قال فى فتح القدير: لا يجب الغسل اذا انفصل المنى عن مقره بشهوة الا اذا خرج على رأس الذكر باتفاق وانما الخلاف فى أنه هل تشترط مقارنة الشهوة للخروج.
فعند أبى يوسف: نعم.
وعند أبى حنيفة ومحمد: لا.
وتظهر ثمرة الخلاف فيمن استمنى بكفه، فلما انفصل المنى عن مقره بشهوة أخذ احليله حتى سكنت شهوته فأرسل فخرج بلا شهوة، فان الغسل يجب عليه حينئذ عند أبى حنيفة ومحمد.
ولا يجب عليه الغسل عند أبى يوسف.
وفى ابن عابدين: من نظر بشهوة فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته فأنزل وجب الغسل عند أبى حنيفة ومحمد.
ولا يجب عند أبى يوسف.
واذا اغتسل قبل خروج المنى ثم خرج منه بعد الغسل بلا شهوة يعيد عندهما لا
(1)
عنده.
مذهب المالكية:
قال خليل والدردير فى الشرح الكبير:
يجب غسل ظاهر الجسد بسبب خروج منى من رجل أو امرأة.
ويشترط بروزه عن الفرج فى حق المرأة لا مجرد احساسها بانفصاله عن مقره.
خلافا لسند حيث قال: خروج ماء المرأة ليس بشرط فى جنابتها، لأن عادة منيها ينعكس الى الرحم ليتخلق منه الولد، فاذا أحست بانفصاله من مقره وجب عليها الغسل وان لم يبرز.
ثم قال الدردير: ويكفى انفصاله عن مقره فى حق الرجل بأن يصل الى قصبة الذكر، ولو لم ينفصل عن الذكر بلذة معتادة قارنها الخروج أولا.
وعلق الدسوقى على ذلك فقال هذا غير صحيح، بل المنصوص عليه فى الرجل أنه لا يجب عليه الغسل حتى يبرز المنى من الذكر كما صرح به الأبى فى شرح مسلم، ونقله عنه الحطاب، ومثله فى العارضة لأبن العربى، فالرجل كالمرأة لا يجب عليهما الغسل الا ببروز المنى خارجا، فاذا وصل منى الرجل لأصل الذكر أو لوسطه ولم يخرج بلا مانع له من الخروج بأن انقطع بنفسه فلا يجب عليه الغسل.
ثم قال الدسوقى: وما ذكر الدردير من وجوب الغسل على الرجل بانفصاله عن مقره، لأن الشهوة قد حصلت بانتقاله فهو
(1)
فتح القدير شرح الهداية لكمال الدين المعروف بابن الهمام وبهامشه العناية للبابرتى وحاشية سعد جلبى الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1316 هـ ج 1 ص 41 وحاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 1 ص 113.
قول ضعيف، لأنه حدث لا تلزم الطهارة منه الا بظهوره كسائر الأحداث، وخلاف سند انما هو فى المرأة، لا فيها وفى
(1)
الرجل.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: يجب الغسل بخروج المنى بشهوة، وان أحس بانتقال الفرج الى الظاهر.
ومن أحس بنزول منيه فأمسك ذكره فلم يخرج فلا غسل عليه
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: يجب الغسل بخروج المنى بشهوة، وان أحس بانتقال المنى فأمسك ذكره فلم يخرج وجب الغسل كخروجه.
وجاء فى المحرر
(3)
: من أحس بخروج المنى وأمسك ذكره فحبسه، فقد لزمه الغسل.
وعنه لا يلزمه الغسل حتى يخرج.
ثم قال: فان قلنا يجب عليه الغسل ولو لم يخرج. فاغتسل له ثم خرج المنى بعد الغسل أو كان قد اغتسل لمنى خرج بعضه ثم خرجت بقيته، فهل عليه غسل ثان؟ على روايتين.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم يجب الغسل بخروج المنى
(4)
.
ثم ذكر ابن حزم فى مكان آخر من المحلى أنه كيفما خرجت الجنابة المذكورة - ويعنى بها المنى - بضربة أو علة أو لغير لذة أو لم يشعر به حتى وجده، أو باستنكاح فالغسل واجب فى ذلك، لقول الله تعالى:
«وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» ،}
(5)
ولأمر النبى صلى الله عليه وسلم اذا فضخ الماء
(6)
أن يغتسل وهذا عموم لكل من خرجت منه الجنابة، ولم يستثن الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم حالا من حال
(7)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار وهامشه: من موجبات الغسل: الامناء وهو انزال المنى بشهوة من رجل أو امرأة، ولكن هل يعتبر
(1)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى فى كتاب ج 1 ص 126، 127 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج لشرح ألفاظ المنهاج لشهاب الدين الرملى ج 1 ص 198، ص 199 الطبعة السابقة.
(3)
المحرر فى الفقه للامام مجد الدين أبى البركات ومعه النكت والفوائد السنية لشمس الدين بن مفلح الحنبلى المقدسى ج 1 ص 17 مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 524 الطبعة السابقة.
(5)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
(6)
فضخ (بالضاد والخاء المعجمتين) أى دفق (أنظر لسان العرب مادة فضخ).
(7)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 5، ص 6 مسئلة رقم 173 الطبعة الاولى تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر طبع مطبعة النهضة بمصر سنة 1348 هـ.
خروج المنى الى خارج الاحليل أو يكفى نزوله الى القضيب.
قيل ان العبرة بنزوله الى القضيب فيجب الغسل بانتقاله.
وظاهر كلام المذاكرين أن العبرة بظهوره الى موضع التطهير وهو المعتمد.
ثم قال: ولا يشترط اقتران خروج المنى والشهوة عندنا
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: يجب الغسل بخروج
(2)
المنى.
وجاء فى مفتاح الكرامة أن الجنابة من موجبات الغسل.
والجنابة تحصل للرجل وللمرأة بانزال المنى مطلقا كيفما خرج المنى نوما أو يقظة بشهوة أو بغير شهوة، بدفق أو لا، باجماع علمائنا.
فان اشتبه اعتبر بالدفق والشهوة، وتكفى الشهوة فى المريض، فان تجرد عنهما لم يجب الغسل الا مع العلم بأنه منى كما اذا أحس بانتقال المنى فأمسك نفسه ثم خرج بعده بغير شهوة ولا فتور. فانه يجب الغسل
(3)
.
مذهب الإباضية:
قال فى شرح النيل: هل موجب الغسل خروج المنى من الذكر وان بتشه أو تذكر أو نظر، أو موجب الغسل لذة المنى ولو لم يخرج؟ قولان.
فان انتقل المنى من أصل مجاريه بلذة وجب الغسل عند من قال موجبه اللذة ولو بلا خروج.
ثم ان خرج بدون اللذة بعد الغسل ففى اعادة الغسل خلاف.
فمن قال موجبه الخروج أوجب الغسل.
ومن قال موجبه اللذة لم يوجب الغسل.
ثم قال فى شرح النيل: وقد قيل: يلزم الغسل بخروجه عن الذكر واللذة معا، فان لم يكن واحد منهما لم يلزم ثم قال:
والأحوط لزوم الغسل بوجود اللذة ولو لم يخرج
(4)
.
أثر الاستمناء فى الصوم
مذهب الحنفية:
جاء فى الزيلعى
(5)
: الاستمناء بالكف لا يفطر الصائم ولا يفسد به الصوم على ما قاله بعضهم.
(1)
شرح الازهار وهامشه لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 104 الطبعة السابقة
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للجبعى العاملى ج 1 ص 28 الطبعة السابقة.
(3)
مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة للمحقق السيد محمد الجواد بن محمد الحسينى العاملى ج 1 ص 304 الى ص 306 طبع المطبعة الرضوية بمصر سنة 1324 هـ.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 103، ص 104 الطبعة السابقة.
(5)
الزيلعى وحاشية الشلبى عليه ج 1 ص 323 الطبعة السابقة.
وعامتهم على أنه يفسد الصوم.
وفى الشلبى نقلا عن الينابيع: أن المختار هو قول العامة وهو أن الاستمناء يفسد الصوم.
وفى الاختيار
(1)
: لو استمنى بكفه أفطر لوجود الجماع معنى ولا كفارة لعدم الصورة.
ولو قبل أو لمس أو جامع فيما دون السبيلين فأنزل فقد أفطر وعليه القضاء لا غير، لأنه قضاء احدى الشهوتين وهو ينافى الصوم ولا تجب الكفارة لتمكن النقصان فى قضاء الشهوة والاحتياط فى الصوم والايجاب لكونه عبادة، وفى الكفارات الدرء لانها من الحدود.
مذهب المالكية:
تعمد اخراج المنى يفطر الصائم ويفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة، قال فى الشرح الكبير
(2)
: تجب الكفارة على من تعمد اخراج منى بتقبيل أو مباشرة، وبفكر ونظر مستديمين اذا كانت عادته الانزال ولو فى بعض الأحيان فان كانت عادته عدم الانزال مع استدامة النظر والفكر ولكنه خالف عادته وأنزل فقولان فى لزوم الكفارة وعدمها.
واختار اللخمى عدم لزوم الكفارة.
وفى المدونة
(3)
: قلت أرأيت أن لامس رجل امرأته فى رمضان فأنزل، أيكون عليه القضاء والكفارة؟، قال: نعم عليه القضاء والكفارة عند مالك قلت: وان هى لامسته عالجت ذكره بيدها حتى أنزل، أيكون عليه القضاء والكفارة فى قول مالك قال نعم عليه القضاء والكفارة عند مالك اذا أمكنها من ذلك حتى أنزل.
مذهب الشافعية:
قال فى المجموع شرح المهذب
(4)
: ان استمنى فأنزل بطل صومه، لأنه انزال عن مباشرة فهو كالانزال عن القبلة ولان الاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج من الأجنبية فى الاثم والتعزير فكذلك فى الافطار، وهذا بلا خلاف عندنا، ومحل ذلك كما فى نهاية المحتاج حيث كان عامدا مختارا
(5)
.
أما بالنسبة للكفارة فقد قال
(6)
: ولا كفارة على مفسد غير رمضان أو مفسد رمضان
(1)
الاختيار لتعليل المختار للامام عبد الله محمود بن مودود الموصلى ج 1 ص 168 - 170.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 1 ص 529 الطبعة السابقة.
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك بن أنس الأصبحى، طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ ج 1 ص 198، ص 199.
(4)
المجموع للنووى شرح المهذب للعلامة الفقيه أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى وبهامشه فتح العزيز شرح الوجيز للامام أبى القاسم الرافعى طبع المطبعة العربية بمصر ج 6 ص 321، 322.
(5)
نهاية المحتاج الى شرح ألفاظ المنهاج للرملى ج 3 ص 169 الطبعة السابقة.
(6)
مغنى المحتاج شرح ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 429 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ والمجموع شرح المهذب ج 6 ص 341، ص 324، ص 321، ص 320 الطبعة السابقة.
بغير الجماع كالأكل والشرب والاستمناء باليد أو بالمباشرة فيما دون الفرج المفضية الى الانزال، لأن النص ورد فى الجماع وهذه الأشياء ليست فى معنى الجماع وهذا هو المذهب والمنصوص، وبه قطع الجمهور.
وحكى الرافعى وجها عن أبى خلف الطبرى من أصحابنا من تلامذة القفال المروزى: أنه تجب الكفارة بكل ما يأثم بالافطار به.
وقال الزهرى والأوزاعى والثورى واسحق تجب الكفارة.
ولو حك ذكره لعارض ولم يقصد الاستمناء فأنزل فلا كفارة، وفى بطلان الصوم وجهان.
أصحهما أن الصوم لا يبطل ولا يفطر به الصائم، لأنه متولد عن مباشرة مباحة.
مذهب الحنابلة:
يفسد الصوم بانزال المنى، سواء كان بيده، أو بمباشرة فيما دون الفرج، أو بتقبيل، أو لمس، أو تكرار نظر، لكن محل فساد الصوم بذلك اذا كان الصائم فعل ذلك عامدا أى قاصدا الفعل، ولو جهل التحريم وحال كونه ذاكرا لصومه فان فعل ذلك ناسيا أو مكرها لم يفسد الصوم، واذا فسد الصوم فقد وجب عليه القضاء فقط دون الكفارة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
الاستمناء لا يفسد الصوم ولا يفطر به الصائم فقد قال ابن حزم الظاهرى:
ولا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام ولا استمناء.
ثم قال: أما الاستمناء فانه لم يأت نص بأنه ينقض الصوم وسواء تعمد ذلك أم لا
(2)
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار: يفسد الصوم الامناء أى انزال المنى لشهوة ولم يكن بجماع فى يقظة، لا ان أمنى من غير شهوة ولا خلاف فى أن الامناء مفسد اذا كان بسبب مباشرة أو مماسة كتقبيل ولمس.
واختلف فيما اذا وقع لاجل النظر لشهوة أو لأجل فكر.
(1)
هداية الراغب لشرح عمدة الطالب لعثمان أحمد النجدى الحنبلى ص 249 طبع مطبعة المدنى المؤسسة السعودية بمصر سنة 1380 هـ والمغنى لابن قدامه المقدسى مع الشرح الكبير ج 3 ص 148 الطبعة السابقة وكشاف القناع مع شرح منتهى الارادات ج 1 ص 513 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 6 ص 203 مسألة رقم 753 وص 205 وص 213 الطبعة السابقة.
والمذهب أنه يفسد الصوم أيضا ويجب القضاء ويندب له كفارة
(1)
.
مذهب الإمامية:
الاستمناء باليد أو باللمس يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة وذلك اذا وقع عمدا.
(2)
ومن أفطر فى رمضان أى أفسد صومه بالاستمناء فعليه ثلاث كفارات كما فى الروضة البهية
(3)
.
مذهب الإباضية:
المتعمد لانزال النطفة سواء بتحريك العورة باليد أو بغير اليد أو بمس الذكر الى جسد أو ثوب، أو بادامة النظر أو الفكر ينهدم صومه وتلزمه الكفارة المغلظة.
وقيل: لا مغلظة عليه.
وجاء فى موضع آخر من شرح النيل:
من أمنى بيده فى رمضان يلزمه ما يلزم
من زنى، ومن انعظ ذكره حتى أمنى لا بمس وان بكيد بل خطر له فى قلبه أمر الجماع أبدل يومه وقيل: لا ان لم يعالجه.
ثم قال: ولا نقض للصوم بانزال بلا عمد.
وقيل: يعيد يومه، والصحيح أنه لا اعادة.
ثم قال ويفسد الصوم على مدخلة بفرجها كعود أو اصبع ان التذت به ولزمتها مغلظة.
وقيل لا تلزمها مغلظة، بل ينهدم ما صامت فقط،.
والصحيح أنها ان أمنت لزمتها المغلظة وقضاء يومها وما مضى والا فيومها فقط
(4)
.
أثر الاستمناء فى الاعتكاف
مذهب الحنفية:
من أنزل بسبب قبلة أو لمس أو جماع فيما دون الفرج بطل اعتكافه لانه فى معنى الجماع المحرم فى الاعتكاف
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 17 الطبعة السابقة والبحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ الطبعة الاولى ج 2 ص 251.
(2)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 99، ص 100 الطبعة السابقة والمختصر النافع ص 90 لابى القاسم نجم الدين جعفر ابن حسن الحلى الطبعة الثانية طبع وزارة الأوقاف سنة 1378 هـ.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 148 الطبعة السابقة.
(4)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 2 ص 189، ص 197 طبعة البارونى وقناطر الخيرات ج 1 ص 464 للشيخ اسماعيل بن موسى الجيطالى النفوسى
وسواء فعل ذلك عامدا أو ناسيا، لأن حالة الاعتكاف مذكرة، فلا يعذر بالنسيان كالحج بخلاف الصوم وان فعل ذلك ولم ينزل لم يفسد اعتكافه، لأنه ليس فى معنى الجماع، وكذلك لو أمنى بالتفكر أو بالنظر لا يفسد اعتكافه
(1)
.
مذهب المالكية:
مقدمات الجماع تفسد الاعتكاف عند المالكية وسواء فى ذلك العمد أو السهو وسواء أنزل
(2)
أو لم ينزل، ويفهم من ذلك ان الاستمناء يفسد الاعتكاف كذلك.
مذهب الشافعية:
ان أنزل المعتكف بسبب مباشرة بشهوة فيما دون الفرج كلمس وقبلة بطل اعتكافه وان لم ينزل لم يبطل والاستمناء باليد كالمباشرة فى الحكم، أما اذا أنزل بنظر أو تفكر فلا يبطل اعتكافه
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يفسد الاعتكاف بالانزال بسبب مباشرة فيما دون الفرج، وكذا بالانزال بسبب قبلة لشهوة، فان لم ينزل فلا افساد
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: ولا يبطل الاعتكاف شئ الا خروجه عن المسجد لغير حاجة عامدا ذاكرا ومباشرة المرأة فى غير الترجيل وتعمد معصية الله تعالى أى معصية كانت ومما تقدم لابن حزم فى حكم الاستمناء وأنه ليس بمعصية يؤخذ منه أنه لا يبطل الاعتكاف
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: الامناء يفسد الاعتكاف سواء وقع فى النهار أم فى الليل اذا كان معتكفا بالليل مع النهار، فأما حيث يعتكف نهارا فقط فلا يفسده ذلك اذا حدث بالليل
(6)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية يحرم على المعتكف نهارا ما يحرم على الصائم فيحرم عليه الجماع واللمس والتقبيل ويفسده ما يفسد الصوم، وقد مر فى الصوم ان الامناء يفسده
(7)
.
(1)
الاختيار لتعليل المختار ج 1 ص 177 الطبعة السابقة والزيلعى وحاشية الشلبى عليه ج 1 ص 352 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 1 ص 544 الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 437 الطبعة السابقة.
ونهاية المحتاج لشهاب الدين الرملى ج 1 ص 198، 199 الطبعة السابقة.
(4)
كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 539 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لأبن حزم ج 5 ص 192 مسألة رقم 630.
(6)
شرح الازهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 49 الطبعة السابقة.
(7)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للجبعى العاملى ج 1 ص 158، ص 148.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: ان تعمد المعتكف انزالا فأنزل بأى وجه كان فهو كالمجامع عمدا يلزمه البدل والكفارة المغلظة
(1)
.
أثر الاستمناء فى الحج
مذهب الحنفية:
لا يفسد الحج عند الحنفية بالانزال من غير جماع سواء كان عن قبلة أو لمس بشهوة، وانما يجب عليه شاة، وكذا الجماع فيما دون الفرج.
قال الزيلعى: روى عن هشام أنه لو وطئ فيما دون الفرج لا يفسد حجه وعليه شاة.
قال الشلبى: أراد بالجماع فيما دون الفرج: الاستعمال بين الفخذين، لأنه يحصل فيه قضاء الشهوة.
وقال الكمال: الاستمناء بالكف كجماع البهيمية لا تجب به الكفارة
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير: يحرم على المحرم استدعاء منى فانه يحرم ويفسد به الحج، سواء استدعاه بيد أو قبلة أو ملاعبة أو حضن، بل وان استدعاه
بنظر أو فكر دائم حتى أنزل، وسواء كان عمدا أو جهلا أو نسيانا للاحرام.
ثم قال ومحل فساد الحج باستدعاء المنى ان وقع ذلك قبل الوقوف بعرفة مطلقا سواء فعل شيئا بعد احرامه كالقدوم والسعى أم لا، أو وقع بعده بشرطين: ان وقع قبل طواف الافاضة ورمى عقبة يوم النحر، أو قبله ليلة مزدلفة، والا بأن وقع قبلهما بعد يوم النحر أو بعد أحدهما فى يوم النحر فهدى واجب ولا فساد
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج: وتحرم المباشرة فيما دون الفرج بشهوة قبل التحللين وعليه دم، وكذلك الاستمناء باليد ويجب عليه دم ان أنزل
(4)
.
وفى المهذب: الاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج، لأنه بمنزلتها فى التحريم والتعزير فكان بمنزلتها فى الكفارة ولا يفسد به الحج
(5)
.
مذهب الحنابلة:
الانزال من غير جماع لا يفسد الحج ويجب به بدنة.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف ابن أطفيش ج 2 ص 257 الطبعة السابقة.
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبى عليه ج 2 ص 56، ص 57 الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 2 ص 68 الطبعة السابقة.
(4)
مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 505 الطبعة السابقة.
(5)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 216 الطبعة السابقة.
قال فى كشاف القناع: ومن لمس لشهوة فأمنى، أو استمنى فأمنى، أو كرر النظر فأمنى فعليه بدنة، وان مذى بذلك فعليه شاة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: لا يفسد الحج بالامناء بسبب تقبيل أو مباشرة ما لم يولج، لأن الله تعالى لم ينه إلا عن الرفث والرفث: الجماع فقط
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال فى شرح الأزهار: تجب الكفارة فى الامناء وهى بدنة اذا كان الامناء لشهوة فى يقظة وسواء كان عن تقبيل أو لمس ولا يفسد به الحج
(3)
.
مذهب الإمامية:
قال فى الروضة البهية
(4)
: من محرمات الاحرام: الاستمناء وهو استدعاء المنى بغير الجماع
(5)
.
ثم قال: فلو أمنى بالاستمناء فعليه بدنة.
وقيل يفسد به الحج مع تعمده والعلم بتحريمه.
وجاء فى تذكرة الفقهاء
(6)
: لو استمنى بيده قال الشيخ: حكمه حكم المجامع ان كان قبل الوقوف بالموقفين فسد حجه ووجب عليه بدنة، لأن اسحق بن عمار سأل ابا الحسن عليه السلام: ما تقول فى محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال: أرى عليه مثل ما على من أتى بأهله، لأنه هتك حرمة الاحرام بالانزال على وجه أبلغ من الوط ء، لاقترانه فى القبح، فكان مساويا له فى العقوبة.
وقال ابن ادريس: لا يفسد حجه وتجب به بدنة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: يفسد الاحرام بكل انزال للمنى عمدا بمس أو نظر أو تفكر أو عبث بذكره.
وقيل: لا يفسد بالانزال بغير جماع وعليه الكفارة
(7)
.
(1)
كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 592 الطبعة السابقة وهداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 273.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 254 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الأزهار ج 2 ص 86 الطبعة السابقة.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 182 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 211 الطبعة السابقة.
(6)
تذكرة الفقهاء للمطهر الحلى المجلد الأول ص 356 الطبعة السابقة.
(7)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 2 ص 326 الطبعة السابقة.
استنابة
التعريف فى اللغة:
استنابة مصدر فعله استناب، وهو كما جاء فى المعجم الوسيط بمعنى أناب وأناب فلانا عنه فى كذا أقامه مقامه وأناب الى الشئ رجع اليه
(1)
التعريف فى الاصطلاح:
لا يكاد يخرج استعمال الفقهاء لكلمة استنابة عن معنى انابة بمعنى اقامة شخص غيره مقامه، بل انهم يعبرون عن هذا المعنى تارة بكلمة استنابة.
وتارة أخرى يعبرون عنه بكلمة انابة.
ومواضع ذلك متعددة فى أبواب الفقه مثل الانابة فى امامة المصلين، والانابة فى عقد النكاح، والانابة فى الشراء والبيع.
والانابة فى القضاء (وأحكام الاستنابة مبينة فى مصطلح انابة: راجع انابة.
استناد
معناه لغة:
استناد مصدر فعله استند يقال استند اليه اذا سند اليه سنودا أى ركن اليه واعتمد عليه واتكأ
(2)
.
معناه اصطلاحا:
يستعمل الفقهاء كلمة استناد فى الدلالة على اسناد حكم من الأحكام واضافته الى زمن سابق معين، وذلك بسبب تحقق هذا الحكم فيه.
وأحوال الحكم من ناحية هذا النظر أربعة: الاقتصار والانقلاب والاستناد والتبيين.
وقد ذكر ابن نجيم فى الأشباه نقلا عن المستصفى للغزالى أن الأحكام تثبت بطرق أربعة: الاقتصار والانقلاب والاستناد والتبيين.
فأما الاقتصار فيراد به ثبوت الحكم فى الحال، لتحقق علته، أو سببه اذا
(1)
المعجم الوسيط، القاموس المحيط مادة ناب.
(2)
القاموس والمعجم الوسيط.
ما توافرت شروط ذلك، كما فى حكم الطلاق يثبت عند قول الزوج لزوجته أنت طالق مقتصرا على وقت صدور هذه العبارة دون أن يتقدم عليها لأن المعلول لا يتقدم علته.
وأما الانقلاب فيراد به ثبوت الحكم بما انقلب فصار علة له بعد أن لم يكن كذلك، ويظهر هذا فى تعليق الطلاق، كما اذا قال زوج لزوجته ان دخلت هذه الدار فأنت طالق، فدخلتها، فانها تطلق بدخولها هذه الدار، لصيرورة ذلك الدخول علة جعلية بجعل الزوج، وذلك بتعليق الطلاق عليه ولم يكن الدخول علة للطلاق ولذا يقع الطلاق عند الدخول مقتصرا على وقته.
وأما الاستناد: فيراد به ثبوت الحكم فى الحال لتحقق علته ولكنه يثبت مستندا ومضافا الى وقت سابق معين تحققت فيه علة ذلك الحكم، وذلك كما فى الملك الثابت بالتضمين لصاحب يد الضمان اذا تلف المال تحت يده فانه بضمانه يملكه ملكا مستندا الى وقت اعتدائه، وذلك كما فى ملك الغاصب ومن فى حكمه لما غصبه من المال أو وضع يده عليه اعتداء بناء على تضمينه قيمته ان كان قيميا، أو مثله ان كان مثليا اذا تلف، سواء أتلف بفعله أم بغير فعله فانه يملكه بتضمينه اياه ملكا مستندا الى وقت الاعتداء بالغصب، أو بوضع اليد اعتداء عند الحنفية.
وبنوا على ذلك أن زيادة العين زيادة متصلة فى المدة بين الاعتداء والتلف تكون ملكا للمعتدى وهو واضع اليد، لأنه بضمانه تملك العين من وقت الاعتداء فكانت الزيادة المتصلة فيها نماء لملكه فيكون ملكا له بناء على ذلك حتى لا يطالب عند تضمينه بعوضها فلو كانت العين عند وضع اليد عليها اعتداء تقوم بأربعين دينارا ونمت بعد ذلك حتى صارت قيمتها عند تلفها خمسين دينارا لم يضمن واضع اليد الا أربعين دينارا فقط أما الفرق فقد تبين أنه قيمة مال مملوك له لأنه يعد نماء لملكه فلا يضمنه.
وأما اذا كانت الزيادة منفصلة كالولد والثمرة وقد حدثت وقت التعدى على العين فلا تعد متولدة من عين مملوكة للمعتدى حتى تكون هى أيضا مملوكة له بل تكون ملكا للمغصوب منه خلافا للحكم فى الزيادة المتصلة فانها ملك للغاصب لأنها نماء مال ملك ملكا مستندا ثبوته الى وقت الغصب بسبب التضمين وثبوته فى ذلك الوقت انما هو بطريق الاستناد اعتبارا لكون ذلك وسيلة الى الزامه بالقيمة وقت الاعتداء حتى لا يغبن مالك العين اذا ما نقصت القيمة عند التلف عما كانت عليه وقت الاعتداء اذ لا يرد اليه حينئذ كل ما أخذ منه بل بعضه، لذلك وجب الالزام بالقيمة وقت الاعتداء، حتى يرد الى المالك كل ما أخذ منه بالاعتداء والزام المعتدى بالعوض استلزم تملكه لما لزمه عوضه حتى يكون ما يدفعه عوضا عما دخل
فى ملكه وحتى لا يكون البدلان فى ملك شخص واحد هو مالك العين، ولذا وجب أن تعد العين المعوض عنها ملكا للمعتدى نظير ما يدفعه لمالكها من عوض وقد اعتبر هذا الملك مستندا الى وقت التعدى لما ذكرنا من سبب، واذا اعتبر مستندا فان المستند لا يظهر أثره من كل وجه بل يظهر أثره فى وجه ويقتصر فى وجه آخر فيعمل بالاقتصار فى حق الزوائد المنفصلة لانفصالها واستقلالها عن أصلها.
ويعمل بالاستناد فى حق الزوائد المتصلة لأنها كالجزء من أصلها ولا يمكن العمل بالعكس نظرا لانفصال المنفصلة واتصال المتصلة اتصالا وثيقا كما هو ظاهر كالسمن مثلا.
وبناء على ذلك عدت المتصلة نماء لملك المعتدى عملا بالاستناد ولم تعد المنفصلة نماء لملك المعتدى عملا بالاقتصار
(1)
.
ومما فرعوه على ذلك أيضا أن الغاصب اذا باع ما غصبه ثم تلف عند المشترى فضمنه المالك قيمته عند غصبه نفذ بيعه ولزم المشترى ثمنه للغاصب، لأنه تبين بالتضمين والاستناد انه قد باع ما يملك فينفذ لذلك بيعه ولا يكون للمالك بعد تضمين الغاصب مساءلة للمشترى، وانما يكون له أن يضمن المشترى اذا لم يختر تضمين الغاصب، وعندئذ يضمن المشترى قيمته عند تسلمه ويبطل بذلك البيع ويسترد
الثمن ان كان قد دفعه لظهور أن قد تسلم ما ملك
(2)
. (راجع مصطلح غصب).
ومما فرعوه على ذلك وجوب الزكاة عند وجود النصاب وحولان الحول عليه قد اعتبروا هذا الوجوب على صاحب الملك مستندا الى وقت تملك النصاب.
وفرعوا على ذلك انه اذا عجل زكاته قبل حولان الحول أجزأه ذلك خلافا للشافعى.
وانما يجزئه عند الحنفية لأنه أدى الواجب عليه وقت وجوبه مراعاة للاستناد خلافا للشافعية اذ لا يرون استناد الوجوب.
ويرون كذلك أن الأداء فى هذا الحال أداء لدين قبل وجوبه
(3)
(راجع مصطلح زكاة).
وأما التبيين فهو ظهور الحكم فى الحال لظهور ثبوته من قبل مثل أن يقول شخص لزوجته: ان كان فلان فى دارى فأنت طالق ثم يتبين فى اليوم التالى أنه كان موجودا فيها عند صدور هذه العبارة فان الطلاق يقع من وقت التلفظ بها، وتبتدئ العدة من ذلك الوقت، لتبين وجود العلة المستوجبة لحكم الطلاق فيه.
ومن ذلك ما اذا قال شخص لزوجته ان حضت فأنت طالق ثم رأت الدم فانه لا يقضى بطلاقها الا اذا امتد نزول الدم ثلاثة أيام حتى يتبين أنه دم حيض وعند ذلك يتبين أنها طالق منذ ظهر الدم وتبتدى عدتها من ذلك التاريخ وهذا محل اتفاق
(4)
.
(1)
بدائع ج 7 ص 144.
(2)
البدائع ج 7 ص 143.
(3)
الهداية ج 1 ص 516.
(4)
الاشباه والنظائر الجزء الثانى ص 156.
استنتار
التعريف اللغوى:
جاء فى
(1)
لسان العرب مادة نتر:
النتر: الجذب بجفاء، نتره ينتره نترا فانتتر واستنتر الرجل من بوله اجتذبه واستخرج بقيته من الذكر عند الاستنجاء، وفى الحديث: اذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث نترات يعنى بعد البول.
قال الشافعى فى الرجل يستبرئ ذكره اذا بال أن ينتره نترا مرة بعد أخرى كأنه يجتذبه اجتذابا.
وفى النهاية
(2)
فى الحديث: ان أحدكم يعذب فى قبره، فيقال انه لم يكن يستنتر عند بوله، قال الاستنتار استفعال من النتر يريد الحرص عليه والاهتمام به.
التعريف الشرعى:
والاستنتار عند الفقهاء يساير التعريف اللغوى فى أنه استخراج بقية البول من الذكر.
حكمه وكيفيته
مذهب الحنفية:
والحنفية يعبرون عنه بالاستبراء، يقصدون استخراج بقية البول من الذكر بأى كيفية.
فقد جاء فى ابن عابدين أن الاستبراء من البول يكون بمشى أو تنحنح أو نوم على شقه الأيسر ويختلف بطباع الناس على الصحيح فمن وقع فى قلبه أنه صار طاهرا جاز أن يستنجى لأن كل أحد أعلم بحاله
(3)
أنظر مصطلح استبراء.
مذهب المالكية:
وجاء فى الحطاب للمالكية: وواجب استبراء باستفراغ أخبثيه مع سلت ذكر ونتر خفيف بأن يجعل ذكره بين أصبعيه، ويمر هما من أصله الى الكمرة ونتره أى جذبه سلتا ونترا خفيفين، والنتر بالتاء المثناة الفوقية.
روى ابن المنذر مسندا أنه عليه الصلاة والسلام قال: اذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثا ويجعله بين أصبعيه السبابة والابهام
(1)
لسان العرب للامام العلامة ابن منظور ج 22 ص 190 مادة نتر طبع دار صدر بيروت للطباعة والنشر سنة 1374 هـ، سنة 1955.
(2)
النهاية فى غريب الحديث والاثر للشيخ الامام العلامة مجد الدين أبى السعادات المبارك ابن محمد المعروف بابن الاثير وبهامشها الدر النتير تلخيص نهاية ابن الاثير للجلال السيوطى ج 4 ص 124 طبع المطبعة العثمانية بمصر سنة 1311 هـ.
(3)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار المعروف بحاشية ابن عابدين للعلامة السيد محمد أمين المعروف بابن عابدين ج 1 ص 319 طبع المطبعة العثمانية بمصر دار سعادات سنة 1324 هـ.
فيمرهما من أصله الى كمرته والذى يقتضيه كلام غير واحد من المذهب أن النتر واجب
(1)
.
مذهب الشافعية:
وفى المجموع للشافعية: قال: واذا بال تنحنح حتى يخرج ان كان هناك شئ ويمسح ذكره مع مجامع العروق ثم ينتره، والنتر جذب بجفاء كذا قاله أهل اللغة، واستنتر اذا جذب بقية بوله عند الاستنجاء.
قال الأذرعى: قال فى البحر ينتر ذكره قبل الاستنجاء بيده اليسرى ثلاثا وهو أن يضع أصبعه على ابتداء مجرى بوله، وهو من عند حلقة الدبر، ثم يسلت المجرى بتلك الأصبع الى رأس الذكر.
قال والنتر هو الدلك الشديد.
وقيل يمسك الذكر بيده اليسرى ويضع أصبع يده اليمنى على ابتداء المجرى، فاذا انته الى الذكر نتره باليسرى وهذا أمكن حكاه الساجى.
وقال الماوردى والرويانى وغيرهما يستحب أن ينتر ثلاثا مع التنحنح.
والنتر ما ورد به الخبر وهو أن
يمر أصبعا ليخرج بقية ان كانت والمختار أن هذا يختلف باختلاف الناس والمقصود أن يظن أنه لم يبق فى مجرى البول شئ يخاف خروجه فمن الناس من يحصل له هذا المقصود بأدنى عصر ومنهم من يحتاج الى تكراره.
والنتر مستحب فلو تركه فلم ينتر ولم يعصر الذكر واستنجى عقيب انقطاع البول ثم توضأ فاستنجاؤه صحيح ووضوؤه كامل
(2)
.
مذهب الحنابلة:
وفى كشاف القناع للحنابلة
(3)
يستحب مسح ذكره بيده اليسرى من حلقة الدبر الى رأس الذكر ثلاثا ونتره ثلاثا
مذهب الزيدية:
وفى البحر الزخار للزيدية: قال: بعد الفراغ من البول يستنتر بالجذب.
قال فى الشفاء وروى ابن المنذر عن النبى صلى الله عليه وسلم «إذا بال
(1)
كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 282 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1328 هـ.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشربينى الخطيب ج 1 ص 44 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ، المجموع شرح المهذب للعلامة الحافظ أبى زكريا محيى الدين النووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للامام أبى القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعى ج 1 ص 90، ص 91 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية سنة 1344 هـ، ج 2 ص ص 90.
(3)
كشاف القناع على متن الاقناع لشيخ الاسلام العلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الحنبلى ج 1 ص 46، ص 47 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
أحدكم
(1)
فلينتر ذكره ثلاث مرات ويجعله بين أصبعيه السبابة وابهامه فيمرهما من أصله الى سربه
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة الوثقى للامامية: النتر هو الجذب بقوة.
وفى صحيح حفص بن البحترى عن أبى عبد الله عليه السلام فى الرجل يبول قال عليه السلام رجل بال ولم يكن معه ماء قال يعصر أصل ذكره الى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه فان خرج بعد ذلك شئ فليس من البول
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى قناطر الخيرات للإباضية: من آداب قضاء الحاجة أن يستبرئ من البول بالتنحنح والنتر ثلاثا وامرار اليد على أسفل القضيب
(4)
.
استنثار
تعريفه عند علماء اللغة:
نثر الشئ ينثره بضم الثاء وكسرها - نثرا ونثارا: رماه متفرقا.
واستنثر: استنشق الماء ثم استخرج ذلك بنفس الأنف كانتثر
(5)
.
تعريفه فى اصطلاح الفقهاء:
اخراج الماء من الأنف بعد استنشاقه.
كيفية الاستنثار وحكمه
مذهب الحنفية
(6)
:
السنة فى الوضوء أن يستنثر الماء ثلاثا بعد استنشاقه بماء جديد لكل مرة ويستنثر
(7)
باليسرى.
ونقل الكاسانى ما روى عن الحسن ابن على رضى الله عنه - أنه استنثر بيمينه
(1)
كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ويليه كتاب جواهر الاخيار والاثار لاحمد ابن يحيى بن المرتضى ج 1 ص 47 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى سنة 1366 هـ.
(2)
سربه المقصود مجرى البول: أنظر فى ذلك لسان العرب مادة سرب.
(3)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 2 ص 190، ص 191 الطبعة الثانية طبع مطبعة النجف سنة 1376 هـ.
(4)
قناطر الخيرات للامام شيخ الاسلام العالم العلامة الشيخ اسماعيل بن موسى الجيطالى النفوسى ج 1 ص 324.
(5)
ترتيب القاموس مادة نثر.
(6)
فتح القدير ج 1 ص 16 الطبعة الاولى.
(7)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 1 ص 82 الطبعة الثالثة.
فقال له معاوية: جهلت السنة فقال: كيف أجهل؟ والسنة خرجت من بيوتنا. أما علمت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اليمين للوجه واليسار للمقعد
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: الاستنثار هو دفع الماء بنفسه - بفتح الفاء - مع وضع أصبعيه السبابة والابهام من يده اليسرى على أنفه كما يفعل فى امتخاطه
(2)
.
وهو سنة وقيل مستحب ويندب تثليثه بعد الاستنشاق بماء جديد واستحب بعضهم ادخال أصبعه فى أنفه لاخراج ما فيه من أذى
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يسن الاستنثار للأمر به فى خبر الصحيحين.
والاستنثار أن يخرج بعد الاستنشاق ما فى أنفه من ماء وأذى بخنصر يده اليسرى
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: الاستنثار: اخراج الماء من أنفه ويستحب أن يستنثر بيسراه لما روى عن عثمان رضى الله عنه أنه استنثر
بيسراه، فعل ذلك ثلاثا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنثر ثلاث مرات يتمضمض ويستنثر من غرفة واحدة
(5)
.
والاستنثار واجب فى الوضوء والغسل لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل فى أنفه ماء ثم ليستنثر) متفق عليه
(6)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(7)
الاستنثار أن يضع الماء فى أنفه ويجبذه بنفسه ولا بد، ثم ينثره بأصابعه ولا بد مرة فان فعل الثانية والثالثة فحسن.
وحكمه أنه فرض لقوله عليه السلام (اذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنث ثلاث مرات).
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن الاستنثار واجب لحديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر
(8)
.
(1)
البدائع ج 1 ص 21 الطبعة الاولى سنة 1327 هـ.
(2)
الدردير على بلغة السالك ج 1 ص 44 طبعة المكتبة التجارية الكبرى.
(3)
الخرشى ج 1 ص 134.
(4)
الاقناع فى حل الفاظ أبى شجاع ج 1 ص 41 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(5)
المغنى لابن قدامه ج 1 ص 120 الطبعة الثالثة لدار المنار سنة 1317 هـ.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 120، 121
(7)
المحلى لابن حزم ج 2 ص 48، 49 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(8)
البحر الزخار ج 1 ص 61 الطبعة الأولى سنة 1366 هـ سنة 1947 م مطبعة السعادة.
وروى صاحب البحر ان عثمان بن عفان استنثر ثلاثا
(1)
وأن عليا استنثر ثلاثا فمضمض ونثر من الكف الذى يأخذ فيه
(2)
وأن عليا عليه السلام دعا بوضوء فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى ثم قال: هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه النسائى
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة
(4)
أن الاستنثار مستحب على حدة.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن الاستنثار داخل فى الاستنشاق ولذا عبروا عن ذلك فى الايضاح
(5)
بقولهم: الاستنشاق هو جذب الماء بخياشيمه ويجعل ابهامه وسبابته على أنفه ثم ينثر بالنفس لغسل باطن الأنف فأدخل الاستنثار فى الاستنشاق فيكون سنة واحدة وجعل الابهام والسبابة لبيان الأكمل لما روى من طريق ابن عباس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: للقيط بن صبرة أو لغيره (اذا
توضأت فضع فى أنفك ماء ثم استنثر
(6)
وقوله صلى الله عليه وسلم (من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر
(7)
.
استنجاء
تعريفه فى اللغة:
الاستنجاء ازالة النجو عن بدنه بالغسل أو المسح.
وقيل هو من نجوة الشجرة وأنجيتها اذا قطعتها كأنه قطع الأذى عن نفسه.
وقيل: هو من النجوة وهو ما ارتفع من الأرض كأنه يطلبها ليجلس تحته
(8)
.
تعريفه عند الفقهاء:
ازالة النجاسة الخارجة من محل البول أو الغائط بالماء أو بالأحجار ونحوها.
ويعبر عن الاستنجاء بالأحجار ونحوها بلفظ الاستجمار فهو أخص من الاستنجاء (انظر استجمار).
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 57.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 57.
(3)
هامش البحر الزخار ج 1 ص 61.
(4)
ج 1 ص 270 الطبعة السابقة.
(5)
حاشية الشيخ عبد الله بن سعيد السدويكشى على الايضاح ج 1 ص 55، 56،
(6)
الايضاح ج 1 ص 55.
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 21.
(8)
لسان العرب مادة نجا.
حكمه
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: ان الاستنجاء سنة مؤكدة للرجال والنساء من نجس يخرج من السبيلين ما لم يتجاوز المخرج، وان تجاوز وكان قدر الدرهم وجب ازالته بالماء، وان زاد على الدرهم افترض
(1)
مذهب المالكية
(2)
:
مذهب الشافعية
(3)
:
مذهب الحنابلة
(4)
:
مذهب الظاهرية
(5)
:
مذهب الزيدية
(6)
:
مذهب الإمامية
(7)
:
مذهب الإباضية
(8)
:
الاستنجاء واجب فى هذه المذاهب
متى يطلب الاستنجاء
؟
يطلب الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه لكل خارج من سبيل اذا أراد الانسان الصلاة ونحوها
(9)
.
الترتيب بين الاستنجاء والطهارة
مذهب المالكية:
عند المالكية يستحب تقديم الاستنجاء على الوضوء
(10)
.
مذهب الشافعية:
يستنجى قبل أن يتوضأ، فان توضأ ثم استنجى صح الوضوء، وان تيمم ثم استنجى لم يصح التيمم، وهذا هو المنصوص عليه فى الأم، ووجهه أن التيمم لا يرفع الحدث وانما تستباح به الصلاة من نجاسة النجو فلا تستباح مع بقاء المانع ويخالف الوضوء فانه يرفع الحدث، فجاز أن يرفع الحدث والمانع قائم
(11)
.
مذهب الحنابلة:
ان توضأ قبل الاستنجاء فهل يصح وضوؤه؟ فيه روايتان:
احداهما لا يصح لأنها طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم.
والرواية الثانية يصح، وهى أصح، لأنها ازالة نجاسة، فلم تشترط لصحة الطهارة كالتى على غير الفرج.
وان تيمم قبله خرج على الروايتين.
وقيل لا يصح وجها واحدا
(12)
.
(1)
مراقى الفلاح بشرح متن نور الايضاح ص 22 مطبعة صبيح.
(2)
حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 1 ص 38 مطبعة الحلبى.
(3)
المهذب ج 1 ص 34 مطبعة الحلبى.
(4)
المقنع ج 1 ص 28 المطبعة السلفية.
(5)
المحلى ج 1 ص 91، 92.
(6)
البحر ج 1 ص 80.
(7)
مستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 157 مطبعة النجف.
(8)
شرح النيل ج 1 ص 37 وما بعدها.
(9)
الروض المربع بشرح زاد المستقنع ج 1 ص 5 المطبعة السلفية.
(10)
الخرشى ج 1 ص 141.
(11)
المهذب ج 1 ص 34 مطبعة الحلبى.
(12)
المقنع وشرحه ج 1 ص 28 المطبعة السلفية.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية جاء فى البحر الزخار
(1)
ويشترط لصحة الوضوء طهارة البدن عن نجاسة توجب الوضوء فلو تمضمض واستنشق ثم استكمل الوضوء ثم استنجى لم يصح وضوؤه.
ما يكون به الاستنجاء
لقد فصل الفقهاء ذلك تفصيلا حسب مذاهبهم، ويتبين ذلك من أقوالهم كما يلى:
مذهب الحنفية:
ذكر الحنفية أنه يسن أن يستنجى بحجر منق ونحوه، والغسل بالماء أحب، لحصول الطهارة المتفق عليها، واقامة السنة على الوجه الأكمل، لأن الحجر مقلل، والمائع غير الماء مختلف فى تطهيره.
والأفضل فى كل زمان ومكان الجمع بين استعمال الماء والحجر مرتبا، فيمسح الخارج، ثم يغسل المخرج، لأن الله تعالى أثنى على أهل قباء باتباعهم الأحجار الماء فكان الجمع سنة على الاطلاق فى كل زمان وهو الصحيح وعليه الفتوى.
ويجوز أن يقتصر على الماء فقط وهو يلى الجمع بين الماء والحجر فى الفضل.
ويجوز أن يقتصر على الحجر فقط وهو دونهما فى الفضل، ويحصل به السنة وان تفاوت الفضل
(2)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: وندب له أن يجمع بين الحجر والماء، لأن الله تعالى مدح أهل قباء على ذلك بقوله تعالى {(فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)} وطهارتهم هى جمعهم بين الماء والحجر فى استنجائهم كما ورد الحديث بذلك، فيقدم ازالة النجاسة بالحجر ثم يتبع المحل بالماء، فان أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أولى من الحجر ونحوه
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: وان أراد الاستنجاء نظر فان كانت النجاسة بولا أو غائطا ولم تجاوز الموضع المعتاد جاز بالماء أو الحجر والأفضل أن يجمع بينهما، فان أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل، لأنه أبلغ فى الانقاء، وان اقتصر على الحجر جاز
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قالوا سن الاستنجاء بالحجر ونحوه كالخرق، ثم بعده بالماء، فان عكس بأن بدأ بالماء ثم ثنى بالحجر كره له ذلك، ويجزى أحدهما وان كان على نهر جار والماء وحده أفضل من الحجر
(5)
وحده قال فى المقنع الا أن يتعدى الخارج موضع
(1)
البحر الزخار ج 1 ص 79.
(2)
مراقى الفلاح بشرح متن نور الايضاح ص 23 مطبعة صبيح.
(3)
الشرح الصغير وحاشيته ج 1 ص 38 مطبعة الحلبى.
(4)
المهذب ج 1 ص 34 مطبعة الحلبى.
(5)
نيل المآرب بشرح دليل الطالب ج 1 ص 9 مطبعة صبيح.
العادة، فان تعداه فلا يجزئ فيه الا الماء، مثل أن ينتشر الى الصفحتين أو يمتد الى الحشفة كثيرا، لأن الاستجمار فى المحل المعتاد رخصة لأجل المشقة لتكرر النجاسة فيه، فما لا تتكرر فيه لا يجزئ فيه الا الماء
(1)
.
مذهب الزيدية:
تزال النجاسة من فرجيه بالأحجار أولا ثم بالماء وتقديم الأحجار مع وجود الماء ندب.
واذا تجاوز الغائط ظاهر الالية وجب الماء وان لم يجاوزه كفت الأحجار
(2)
.
مذهب الإمامية:
ذكر الإمامية أن الغسل بالماء أفضل من المسح بالأحجار والجمع بينهما أكمل فقد جاء فى صحيح هشام عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر الأنصار ان الله قد أحسن اليكم الثناء فماذا تصنعون؟ قالوا نستنجى
(3)
بالماء والاستنجاء يكون باليد اليسرى.
آداب الخلاء
ذكر الفقهاء آدابا للخلاء
(4)
اذا أراد الانسان أن يقضى حاجته فيه من بول أو غائط وهذا بيانه:
بيان ما يستحب أو يندب
أو يسن فى الخلاء
مذهب الحنفية:
يستحب لداخل الخلاء الدخول برجله اليسرى تكرمة لليمنى، لأنه مستقذر يحضره الشيطان، وأن يكون مستور الرأس ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل دخوله أو قبل كشف عورته فى الفضاء.
ويقدم تسمية الله تعالى على الاستعاذة لقوله عليه الصلاة والسلام (ستر ما بين أعين الجن وعورات بنى آدم اذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول بسم الله) ولقوله عليه الصلاة والسلام (ان الحشوش محتضرة فاذا أتى فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث
(5)
.
(1)
المقنع وشرحه ج 1 ص 27 المطبعة السلفية.
(2)
شرح الازهار ج 1 ص 80، 81.
(3)
مستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 179 مطبعة النجف.
(4)
الخلاء هو الموضع المعد لقضاء الحاجة كما فى الروض المربع بشرح زاد المستقنع ج 1 ص 4 المطبعة السلفية والآداب جمع أدب وهو الأمر المطلوب شرعا عند قضاء الحاجة أعم من أن يكون الطلب واجبا أو مندوبا، لأن بعض ما يأتى واجب أهـ من حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 1 ص 34 مطبعة الحلبى.
(5)
الحشوش جمع الحش بالفتح والضم بستان النخيل فى الأصل، ثم استعمل فى موضع قضاء الحاجة ومعنى احتضارها رصده بنى آدم بالأذى والفضاء يسير مأواهم بخروج الخارج.
ويجلس معتمدا على يساره، لأنه أسهل لخروج الخارج، ويوسع فيما بين رجليه ولا يتكلم الا لضرورة لأنه يمقت به.
ويستحب دخول الخلاء بثوب غير الذى يصلى فيه، وأن يحترز، ويتحفظ من النجاسة.
ويخرج من الخلاء برجله اليمنى، لأنها أحق بالتقدم لنعمة الانصراف عن الأذى ومحل الشياطين ثم يقول بعد الخروج: الحمد لله الذى أذهب عنى الأذى وعافانى: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروجه
(1)
(غفرانك).
مذهب المالكية:
يندب لمن أراد قضاء حاجته من بول أو غائط أن يجلس ويتأكد الندب فى الغائط.
وأن يكون بمحل طاهر اذا كان بالفضاء خوفا من تلوث ثيابه بالنجاسة.
وأن يكون المحل رخوا كالتراب والرمل، لا صلبا كالحجر لئلا يتطاير عليه البول.
وأن يديم الستر حال انحطاطه للجلوس لقرب المحل الذى يقضى به حاجته، فلا يرفع ثيابه وهو قائم وهذا فى غير الأكنفة.
وأن يعتمد حال جلوسه على رجله
اليسرى، لأنه أعون على خروج الخارج ولو بولا.
وأن يرفع عقب رجله اليمنى لما ذكر وأن يفرج بين فخذيه لذلك حال جلوسه.
وأن يغطى رأسه برداء ونحوه وألا يلتفت حال قضاء الحاجة لئلا يرى ما يخاف أذيته فيقوم قبل تمام حاجته فيتنجس مع عدم تمام غرضه.
وأما قبل جلوسه فينبغى أن يلتفت حتى يبعد عما يخافه ويطمئن قلبه.
وأن يسمى قبل دخول الخلاء أو قبل محل الجلوس فى الفضاء، فان نسى سمى قبل كشف عورته فى الفضاء.
ولا يسمى بعد دخوله الكنيف ولو لم يصل المحل بأن يقول بسم الله اللهم انى أعوذ بك من الخبث والخبائث
(2)
.
وأن يقول بعد خروجه من الخلاء أو بعد تحوله من مكانه فى الفضاء (الحمد لله الذى أذهب عنى الأذى وعافانى).
وأن يسكت ما دام فى الخلاء ولو بعد خروج الأذى الا لأمر مهم يقتضى كلامه كطلب ما يزيل به الأذى.
وأن يستتر عن أعين الناس اذا كان بالفضاء بنحو شجر أو صخرة أو نحو ذلك بحيث لا يرى جسمه.
(1)
مراقى الفلاح ص 23 وما بعدها.
(2)
الخبث بضم الخاء والباء جمع خبيث:
ذكر الشياطين وقد تسكن باء الخبث، وأما الخبائث فجمع خبيثة أنثى الشياطين.
وأما ستر عورته فواجب وأن يبعد عنهم بحيث لا يسمع له صوت ريح يخرج منه، وأن يقدم يسراه دخولا ويمناه
(1)
خروجا.
مذهب الشافعية:
اذا أراد دخول الخلاء ومعه شئ عليه ذكر الله عز وجل فالمستحب له أن ينحيه لما روى أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا دخل الخلاء وضع خاتمه. وانما وضعه، لأنه كان عليه (محمد رسول الله).
ويستحب أن يقول اذا دخل الخلاء بسم الله لقوله صلى الله عليه وسلم (ستر ما بين عورات أمتى وأعين الجن بسم الله).
ويستحب أن يقول: اللهم انى أعوذ بك من الخبث والخبائث، لما روى أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا دخل الخلاء قال ذلك، ويقول اذا خرج غفرانك الحمد لله الذى أذهب عنى الأذى وعافانى، لما روى أبو داود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا خرج من الخلاء قال (الحمد لله الذى أذهب عنى الأذى وعافانى).
ويستحب أن يقدم فى الدخول رجله اليسرى، وفى الخروج رجله اليمنى، لأن اليسار للأذى واليمين لما سواه وان
كان فى الصحراء أبعد، لما روى المغيرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا ذهب الى الغائط أبعد.
ويستتر عن العيون بشئ لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى الغائط فليستتر، فان لم يجد الا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به
(2)
.
والمستحب أن يتكئ على رجله اليسرى، لما روى سراقة بن مالك رحمه الله تعالى قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسار، ولأنه أسهل فى قضاء الحاجة.
ولا يطيل القعود لما روى عن لقمان عليه السلام أنه قال: (طول القعود على الحاجة يبجع منه الكبد ويأخذ منه الباسور، فاقعد هوينا واخرج
(3)
.
(1)
حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 1 ص 35 مطبعة الحلبى.
(2)
وتمام هذا الحديث كما فى كتاب الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع ج 1 ص 48 (فان الشيطان يلعب بمقاعد بنى آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه) وذكر أن الستر يكون بمرتفع ثلثى ذراع فأكثر بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل ويحصل الستر براحلة أو وهدة أو ارخاء ذيله هذا اذا كان بصحراء أو بنيان لا يمكن تسقيفه كأن جلس فى مكان واسع، فان كان فى بناء يمكن تسقيفه عادة كفى كما فى أصل الروضة قال فى المجموع وهذا الأدب متفق على استحبابه، ومحله اذا لم يكن ثم من لا يغض بصره عن نظر عورته ممن يحرم عليه نظرها والا وجب الاستتار ..
(3)
المهذب ج 1 ص 32 مطبعة الحلبى.
ويسن له ألا ينظر الى عورة نفسه، ولا الى الخارج منه، ولا الى السماء.
ولا يعبث بيده ولا يلتفت يمينا ولا شمالا.
ويندب له أن يرفع لقضاء الحاجة ثوبه عن عورته شيئا فشيئا الا أن يخاف تنجس ثوبه فيه فيرفع بقدر حاجته ويرفعه شيئا فشيئا قبل انقضاء قيامه، ويعتمد فى قضاء حاجته على يساره.
ويسن أن يستبرئ من البول عند انقطاعه لقوله صلى الله عليه وسلم: (تنزهوا عن البول فان عامة عذاب القبر منه) ويكون ذلك بنحو تنحنح، ونتر ذكر.
قال فى المجموع: والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الناس، والقصد أن يظن أنه لم يبق بمجرى البول شئ يخاف خروجه، فمنهم من يحصل هذا بأدنى عصر، ومنهم من يحتاج الى تكرره.
ومنهم من يحتاج الى تنحنح، ومنهم من لا يحتاج الى شئ من هذا، وينبغى لكل أحد ألا ينته الى حد الوسوسة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول (بسم الله) لحديث على:
(ستر ما بين الجن وعورات بنى آدم اذا دخل الكنيف أن يقول (بسم الله) رواه ابن ماجة ويقول: أعوذ بالله من الخبث والخبائث لحديث أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا دخل الخلاء قال:
اللهم انى أعوذ بك من الخبث والخبائث متفق عليه.
وزاد فى الاقناع والمنتهى تبعا للمقنع وغيره (الرجس النجس الشيطان الرجيم) ولحديث أبى أمامة: لا يعجز أحدكم اذا دخل مرفقه أن يقول:
(اللهم انى أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم).
ويستحب أن يقول عند الخروج من الخلاء (غفرانك) لحديث أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج من الخلاء قال: غفرانك رواه الترمذى وحسنه.
وسن له أيضا أن يقول: (الحمد لله الذى أذهب عنى الأذى وعافانى)، لما روى ابن ماجة عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج من الخلاء قال:(الحمد لله الذى أذهب عنى الأذى وعافانى).
ويستحب له تقديم رجله اليسرى دخولا وتقديم رجله اليمنى خروجا.
ويستحب له اعتماده على رجله اليسرى حال جلوسه لقضاء الحاجة لما روى الطبرانى فى المعجم والبيهقى عن سراقة
(1)
الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع ج 1 ص 48 مطبعة دار احياء الكتب العربية.
ابن مالك: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكئ على اليسرى وان ننصب اليمنى).
ويستحب بعده اذا كان فى فضاء حتى لا يراه أحد لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود من حديث جابر.
ويستحب استتاره لحديث أبى هريرة قال: (من أتى الغائط فليستتر) رواه أبو داود، وارتياده
(1)
لبوله مكانا رخوا لحديث: (اذا بال أحدكم فليرتد لبوله) رواه أحمد وغيره.
وفى التبصرة. ويقصد مكانا علوا لينحدر عنه البول.
ويستحب مسح ذكره بيده اليسرى اذا فرغ من بوله فيضع أصبعه الوسطى تحت الذكر من أصله ويضع الأبهام فوقه، ويمر بهما الى رأس الذكر ثلاثا لئلا يبقى فيه شئ من البول.
ويستحب نتر ذكره ثلاثا ليستخرج بقية البول منه لحديث: (اذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثا) رواه أحمد وغيره.
ويستحب تحوله من موضعه ليستنجى فى غيره ان خاف تلوثا باستنجائه فى
مكانه ولئلا يتنجس، ويبدأ ذكر وبكر بقبل لئلا تتلوث يده اذا بدأ بالدبر، وتخير ثيب
(2)
.
مذهب الزيدية:
يندب لقاضى الحاجة أمور تسعة:
1 -
توارى شخصه بالكلية عن أعين الناس، فان لم يجد ما يواريه عن الناس نحو أن يكون فى قاع مستو، فيبعد حتى لا تميز أفعاله، وتواريه يكون اما بهبوط مكان مطمئن أو دخول غار، أو خلف صخرة أو شجرة أو نحوها.
2 -
البعد عن الناس فهو مندوب مطلقا فى الصحارى والعمران، حتى لا يسمع له أحد صوت مخرج، ولا يجد له ريحا الا البول فلا يضر.
3 -
البعد عن المسجد، واختلف فى تقديره.
فالمذهب أنه يترك له كفناء الدار.
والصحيح مثل قدر أطول جدار فان لم يكن له جدار فأطول جدار فى قلب الناحية من المساجد.
وقيل بأوسط جدار.
(1)
ارتياده: قصده.
(2)
الروض المربع بشرح زاد المستقنع ج 1 ص 15 المطبعة السلفية.
وذهب بعضهم الى أنه أربعون ذراعا الا
(1)
أن يقضى حاجته فى الملك، والمتخذ لذلك ولو كان قريبا من المسجد فان ذلك جائز.
4 -
التعوذ حين دخول الخلاء وهو قول (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) أو قول (اللهم انى أعوذ بك من الرجس النجس الخبث المخبث، الشيطان الرجيم).
5 -
تنحية ما فيه ذكر الله تعالى من خاتم وغيره الا أن يخشى ضياعه فلا ينحيه.
6 -
تقديم الرجل اليسرى دخولا، لأنه موضع خسيس، فنشرف اليمنى عن تقديم استعمالها فيه.
7 -
اعتماد الرجل اليسرى، لأنه أيسر لخروج ما يخرج، ولأن الجانب الأيسر مجتمع الطعام اليه.
8 -
تقديم الرجل اليمنى خروجا، لأنه خروج من أخس الى أشرف.
9 -
ستر العورة حين يهوى للجلوس، فيرفع ثوبه قليلا قليلا حتى ينحط، وكذا عند القيام يرسله قليلا قليلا حتى يستوى، وذلك مندوب مطلقا، سواء
قضى حاجته فى البيوت أم فى الصحارى الا أن يخشى التنجيس.
قيل: ومن المندوب ألا يكشف رأسه ولا كتفيه حال قضاء الحاجة، لأن هذه الحالة مما تكثر فيها الشياطين، ويبتعد فيها الحفظة.
ومن المندوب أيضا أن يكون قد أعد الأحجار، وكذا الانتعال حاله والتنحنح، ويندب أيضا بعده (الحمد) وهو أن يقول: (الحمد لله الذى أماط عنى الأذى، الحمد لله الذى عافانى فى جسدى أو نحو ذلك
(2)
.
مذهب الإمامية:
يستحب التباعد عن الناس بحيث لا يرى، تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم فانه لم ير قط على بول ولا غائط، وتغطية الرأس والدخول بالرجل اليسرى ان كان ببناء والا جعلها آخر ما يقدمه، والخروج بالرجل اليمنى والدعاء المأثور، والاعتماد على الرجل اليسرى، وفتح اليمنى، والاستبراء
(3)
.
مذهب الإباضية:
يسن لقاضى الحاجة من بول أو غائط الابعاد عن الناس لئلا يضرهم بالرائحة
(1)
الاستثناء عائد على المسجد فقط أى البعد عن المسجد الا أن يقضى حاجته الخ وهذا هو ظاهر كلام الاصحاب.
(2)
شرح الأزهار ج 1 ص 70
(3)
الروضة البهية ج 1 ص 26 مطابع دار الكتاب العربى.
أو يروا عورته أو يسمعوا صوت ما يخرج منه فان تحقق شئ من ذلك وجب الابعاد والاستتار عن الناس من حيث ثيابه وما ليس بعورة من بدنه.
أما العورة فسترها واجب، والسكوت عن كل شئ.
وليطلب مكانا سهلا لئلا يرتد اليه البول برشاش ويكون المكان منحدرا الى غير جهته، أو محفورا لا اليه لئلا ينحدر اليه النجس حال كونه مستدبرا ريحا لئلا ترد اليه.
وليذكر الدعاء المأثور عند ارادة الدخول لقضاء الحاجة فى الموضع المعد لذلك فيقول اللهم انى أعوذ بك من النجس الرجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم
(1)
.
وليذكر عند ارادة تشمير الثياب عند الموضع المعد لقضاء الحاجة وليذكره بقلبه ناسيه، وليستطب بيسراه
(2)
الا من عذر، وليقدم يسراه دخولا فى المرحاض، ويمناه خروجا منه، ويقدم قبله فى الازالة مع توسيع فخذيه واسترخائه
(3)
.
ما يكره أو ينهى عنه
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية الى أنه يكره الاستنجاء باليد اليمنى لقوله صلى الله عليه وسلم: (اذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه، واذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه) الا من عذر باليد اليسرى.
ويكره تحريما استقبال القبلة بالفرج حال قضاء الحاجة، واختلفوا فى استقبالها للتطهير.
واختار التمرتاشى عدم الكراهة.
وكذا يكره أيضا تحريما استدبار القبلة لقوله صلى الله عليه وسلم (اذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا
(4)
ولو كان ذلك فى البنيان، واذا جلس مستقبلا ناسيا فتذكر وانحرف اجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له، كما أخرجه الطبرانى مرفوعا.
ويكره امساك الصبى نحو القبلة للبول.
واستقبال عين الشمس والقمر لأنهما آيتان عظيمتان.
والبول فى مهب الريح لعود البول اليه بسبب الريح فينجسه.
(1)
وهل ذلك خاص بالأمكنة المعدة لذلك او عام وهو الأظهر قولا.
(2)
وليستنج.
(3)
شرح النيل ج 1 ص 29.
(4)
وهو باطلاقه منهى عنه.
وأن يبول أو يتغوط فى الماء ولو جاريا.
وأن يبول أو يتغوط بقرب بئر أو نهر أو حوض.
وأن يبول أو يتغوط فى الظل الذى يجلس فيه الناس.
وكذلك الجحر والطريق والمقبرة لقوله عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الملاعنين، قالوا وما الملاعنان يا رسول الله قال: الذى يتخلى فى طريق الناس أو ظلهم).
وكذا تحت شجرة مثمرة.
والبول قائما الا من عذر كوجع بصلبه.
وفى محل التوضؤ لأنه يورث الوسوسة.
ونهى عن كشف عورته قائما وذكر الله، فلا يحمد اذا عطس، ولا يشمت عاطسا، ولا يرد سلاما ولا يجيب مؤذنا، ولا ينظر لعورته، ولا الى الخارج منها، ولا يبصق، ولا يتمخط، ولا يتنحنح ولا يكثر الالتفات، ولا يعبث ببدنه، ولا يرفع بصره الى السماء، ولا يطيل الجلوس لأنه يورث الباسور ووجع الكبد
(1)
.
مذهب المالكية:
من آداب الخلاء أن يتجنب قضاء حاجته فى جحر، لئلا يخرج منه ما يؤذيه من الهوام، ولأنه مسكن الجن فربما حصل له منهم أذية.
وفى مهب الريح لئلا يعود عليه البول فينجسه.
وفى مورد الناس للماء لأنه يؤذى الناس فيلعنونه.
وفى الطريق التى يمر فيها الناس.
وفى الظل الذى يستظل فيه الناس، ومثله مكان الشمس أيام الشتاء.
وفى المكان المقمر الذى شأنهم الجلوس فيه
(2)
.
مذهب الشافعية:
قاضى الحاجة يتجنب استقبال القبلة واستدبارها ندبا اذا كان فى غير المكان المعد لقضاء الحاجة مع ساتر مرتفع ثلثى ذراع تقريبا فأكثر، بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمى، وارخاء ذيله كاف فى ذلك وكذا فى الصحراء بدون الساتر المتقدم.
(1)
مراقى الفلاح شرح متن نور الايضاح ص 26 مطبعة صبيح.
(2)
حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 1 ص 36 مطبعة الحلبى قال فى الحاشية والظاهر ان قضاء الحاجة فى الموارد والطريق والظل وما الحق به حرام كما يفيده عياض وقاله الاجهورى.
والأصل فى ذلك ما جاء فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا).
وكذا يتجنب البول والغائط فى الماء الراكد للنهى عن البول فيه كما جاء فى حديث مسلم
(1)
ومثله الغائط بل هو أولى بالنهى.
ويكره أيضا قضاء الحاجة بقرب الماء الذى يكره قضاؤها فيه لعموم النهى عن البول فى الموارد، وصب البول فى الماء كالبول فيه.
وكذا يجتنب ذلك ندبا تحت شجرة مثمرة ولو كان الثمر مباحا فى غير وقت الثمر، صيانة لها عن التلوث عند الوقوع فيها فتعافها النفس.
وكذا يجتنب ندبا البول والغائط فى الطريق المسلوك للحديث المتقدم، ولخبر أبى داود باسناد جيد (اتقوا الملاعن الثلاث البراز فى الموارد، وقارعة الطريق، والظل) وقيس البول على الغائط فى ذلك.
وصرح فى المجموع أن ظاهر كلام الأصحاب الكراهة وينبغى التحريم للأخبار الصحيحة.
وكذا يتجنب ندبا البول والغائط فى الثقب للنهى عنه فى خبر أبى داود وغيره،
ولما قيل من أنه مسكن الجن، ولأنه ربما يكون فيه حيوان ضعيف فيتأذى، أو يكون فيه حيوان قوى فيؤذيه أو ينجسه، ومثل الثقب الشق المستطيل.
قال فى المجموع وينبغى تحريم ذلك للنهى عنه الا أن يعد لقضاء الحاجة فلا تحريم ولا كراهة والمعتمد عدم التحريم.
وكذا يتجنب ذلك فى الظل للنهى عن التخلى فى ظل الناس، ومثله مواضع اجتماعهم فى الشمس زمن الشتاء.
ويكره له أن يتكلم أثناء البول أو الغائط الا لضرورة لخبر (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فان الله يمقت على ذلك).
رواه الحاكم وصححه.
وعلى هذا فلو عطس حمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك لسانه بكلام يسمع به نفسه.
كما أنه يكره أن يستقبل الشمس والقمر ببول أو غائط أو يستدبرهما
(2)
.
وحكم استقبال بيت المقدس واستدباره كحكم استقبال الشمس والقمر واستدبارهما.
(1)
حمل النهى فيه على الكراهة.
(2)
ولكن الذى نقله النووى فى أصل الروضة عن الجمهور أنه يكره الاستقبال دون الاستدبار، قال فى المجموع وهو الصحيح المشهور وهذا هو المعتمد.
وكذا يكره أن يستنجى بماء فى مجلسه ان لم يكن معدا لذلك، لئلا يعود عليه الرشاش فينجسه.
كما أنه يكره أن يبول فى المغتسل لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم فى مستحمه ثم يتوضأ فيه فان عامة الوسواس منه) ومحل ذلك اذا لم يكن هناك منفذ ينفذ منه البول والماء.
وكذا يكره البول أو الغائط عند قبر محترم احتراما للقبر.
هذا ويكره البول فى موضع هبوب الريح وان لم تكن هابة اذ قد تهب بعد شروعه فيه فترد عليه الرشاش.
كما يكره البول فى مكان صلب لما ذكر.
وكذا يكره أن يبول قائما لخبر الترمذى وغيره باسناد جيد، أن عائشة رضى الله عنها قالت:(من حدثكم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه) الا لعذر فى ذلك فلا يكره.
هذا ولا يدخل الخلاء حافيا، ولا مكشوف الرأس،
ويكره حشو البول من الذكر بنحو قطن وكذا اطالة المكث فى محل قضاء الحاجة لما روى عن لقمان أنه يورث وجعا فى الكبد
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يكره للمتخلى دخول الخلاء بشئ فيه ذكر الله تعالى الا لحاجة واستكمال رفع ثوبه قبل دنوه من الأرض بلا حاجة فيرفع شيئا فشيئا، وكلامه فى الخلاء ولو برد سلام الا لحاجة فيجب ان عطس حمد الله بقلبه.
وبوله فى شق ونحوه كسرب
(2)
.
وبوله فى اناء بلا حاجة ومستحم كذلك غير مقير أو مبلط ومس فرجيه بيمينه.
واستنجاؤه واستجماره بيمينه لحديث قتادة (لا يمس أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه)، متفق عليه.
واستقبال الشمس والقمر لما فيهما من نور الله تعالى
(3)
.
مذهب الزيدية:
يكره قضاء الحاجة فى أربعة عشر موضعا
(1)
الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع ج 1 ص 48 مطبعة دار احياء الكتب العربية.
(2)
السرب: ما يتخذه الوحش والذئب بيتا فى الأرض.
(3)
الروض المربع بشرح زاد المستقنع ج 1 ص 16 المطبعة السلفية.
أولها: الملاعن لقوله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الملاعن) وهى مضار المسلمين وهى ست الطرقات السابلة والمقابر وشطوط الأنهار وأفنية الديار، ومجالس الناس، ومساقط الثمار حيث الشجرة مثمرة أو تأتى ثمرتها والأذى باق، والا فلا كراهة حينئذ الا أن يكون مستظلا.
ثانيها: الجحر اذا كان من مخاريق الحشرات لأنه يؤذيها، وقيل مساكن الجن، ولنهيه صلى الله عليه وسلم.
ثالثها: الصلب من الأرض مخافة أن ينتضح منه شئ فينجسه، فان أعوز عمد الى حجر أملس وسله عليه.
رابعها: التهوية
(1)
بالبول وهى الطموح به لقوله صلى الله عليه وسلم (اذا بال أحدكم فلا يطمح ببوله).
خامسها: البول قائما لأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل قائما الا من علة.
سادسها: الكلام حال قضاء الحاجة لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى الحديث: فان الله يمقت على ذلك.
سابعها: نظر الفرج والأذى فقد ورد: ثلاث مقسيات القلب: الأكل على
الشبع والذنب على الذنب ونظر الفرج والأذى.
ثامنها: بصق الأذى لتأديته الى الغثيان والوسواس والتشبه بالحمقاء.
تاسعها: الأكل والشرب والسواك لأنها حالة تستخبثها النفس.
عاشرها: الانتفاع باليمين فى شئ من منافع قضاء الحاجة، لما أخرج أبو داود عن عائشة رضى الله عنها قالت:
كانت يد رسول صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه وما كان من
(2)
أذى.
الحادى عشر: استقبال القبلتين وهما الكعبة وبيت المقدس
(3)
، أما الكعبة فالمذهب أنه مكروه، ولا فرق بين الصحارى والعمران، والمنتخب أنه محرم، وأما بيت المقدس ففيه قولان.
الأول أن حكمه حكم الكعبة على الظاهر من مذهب أئمة العترة، قال بعض الأئمة وهو الذى نختاره
(4)
.
القول الثانى: أنه غير منهى عنه، ووجه الكراهة قوله صلى الله عليه وسلم (اذا ذهب أحدكم الى الغائط فلا يستقبل
(1)
التهوية أى يجعل بوله يخرج الى الهواء ارتفاعا أو انخفاضا.
(2)
قال بعضهم يجوز امساك الذكر باليمين خشية التلوث بالنجاسة حيث لم يكن قرب جدار، ولم يمكنه وضع حجر بين رجليه ونحو ذلك.
(3)
ونسخ وجوبها لا يبطل حرمتها.
(4)
والعبرة فى الاستقبال بكل بدنه، وقيل بالفرجين قال بعض الائمة: وينظر هل يكون حال خروج الخارج أو مطلقا: المختار انه مطلقا لما ذكر فى حالة الاستنجاء والوط ء.
القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط وكذا حال الاستنجاء.
الثانى عشر: استقبال القمرين وهما الشمس والقمر.
الثالث عشر: استدبار القبلتين والقمرين والاستقبال أشد كراهة.
الرابع عشر: اطالة القعود، فان احتجت الى ذلك فقم هوينا واقعد هوينا
(1)
.
مذهب الإمامية:
يكره الاستنجاء باليمين لغير ضرورة، والبول قائما حذرا من تخبيل الشيطان.
والبول فى الماء جاريا أو راكدا للتعليل فى أخبار النهى: (بأن للماء أهلا فلا تؤذوهم بذلك)، والحدث فى الشارع المسلوك وفى المشرع
(2)
، وفى الفناء وفى الملعن
(3)
، وفى قارعة الطريق، وفى أبواب الدور، وتحت الشجرة
(4)
المثمرة وفى النزال
(5)
وفى الجحرة
(6)
.
ويكره السواك حالته، وكذا الكلام الا بذكر الله تعالى، والا قراءة آية الكرسى.
وكذلك حمد الله تعالى وشكره وذكره لأنه حسن على كل حال، والضرورة كالتكلم لحاجة يخاف فوتها لو أخره الى أن يفرغ وكذا يستثنى من منع الكلام الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند سماع ذكره، والحمدلة عند العطاس منه ومن غيره وهو من الذكر.
ويكره الأكل والشرب لما فيه من المهانة وللخبر.
كما أنه يكره البول فى الهواء سواء كان الى أعلا أو الى أسفل
(7)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: لا يرد سلاما، لأن السّلام اسم الله تعالى، ولئلا يصله النجس بالاشتغال به ولا يلتفت للحديث.
وكره العمل مع قضاء الحاجة حذرا من التنجيس وان قل.
ولا يستقبل أو يستدبر القمرين لحرمتهما ولا مطالعهما ولا مقاربهما ولو لم يكونا فيها، ولا نابت كزرع.
ولا يستقبل كل ذى حرمة ككتاب ولوح لأنها نور ولا تقضى حاجة الانسان فى حرث وان لم ينبت لئلا يقابل الموضع
(1)
شرح الأزهار ج 1 ص 70 وما بعدها.
(2)
المشرع: هو طريق الماء للواردة.
(3)
الملعن: مجمع الناس أو منزلهم.
(4)
وهو ما من شأنها أن تثمر وان لم تكن كذلك وقت قضاء الحاجة.
(5)
النزال موضع الظل المعد للنزول أو ما هو أعم من ذلك كالمحل الذى يرجعون اليه وينزلون به
(6)
الجحرة جمع جحر وهو بيت الحشرات.
(7)
الروضة البهية ج 1 ص 26 مطابع دار الكتاب العربى.
أو ما ظهر من بذر بالعورة، وكذا لا تقضى فى بيوت الغير بلا اذن وان خربت.
ويكره ذكر الله تعالى فانه لا يكون فى الخلاء، وكذا لا تقضى الحاجة على نهر لحرمة الماء ولئلا يتصل بأحد أو يشربه.
وكذا لا تقضى على طريق عامر. ولا فى باب المدينة، ولا فى ظل مسكن بحيث يقعد صاحبه أو غيره.
ولا فى ظل شجرة مطلقا أثمرت بالفعل أو بالقوة وهو المختار.
وقيل ان كانت مثمرة بالفعل، ولا يصطحب فى الذهاب الى حاجته أحدا بلا عذر والا جاز.
وليحذر من الملاقاة بين البول والغائط ومن الغائط وندا البول فى غير المرحاض.
وكذا لا يلتفت أثناء قضاء حاجته بلا عذر
(1)
.
ما يحرم فى الخلاء
مذهب الحنفية:
يحرم كشف العورة اذا ترتب على كشفها رؤية الغير لها
(2)
.
مذهب المالكية:
يحرم قراءة القرآن فى الخلاء والدخول فيه بمصحف أو بعضه ولو آية ما لم تكن حرزا مستورا بساتر فانه يمنع الحرمة كجيبه مثلا، وكذلك ما لم يخف على المصحف الضياع فلا يحرم حينئذ
(3)
.
مذهب الشافعية:
يحرم البول أو الغائط عند قبور الأنبياء وعند القبور المتكرر نبشها لاختلاط ترابها بأجزاء الميت.
وكذا يحرم البول أو الغائط فى اناء فى المسجد على الأصح.
وكذا يحرم استقبال القبلة واستدبارها فى البناء غير المعد لقضاء الحاجة بدون ساتر.
وكذا فى الصحراء بدون ساتر لحديث الصحيحين فى ذلك المتقدم ذكره
(4)
.
مذهب الحنابلة:
تحرم القراءة فى الحش وسطحه، ويحرم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة فى غير بنيان لخبر أبى أيوب مرفوعا (اذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) متفق عليه.
(1)
شرح النيل ج 1 ص 29
(2)
مراقى الفلاح شرح متن نور الايضاح ص 25 مطبعة صبيح.
(3)
حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 1 ص 27 مطبعة الحلبى.
(4)
الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع ج 1 ص 48 مطبعة احياء دار الكتب العربية.
كذا يحرم لبثه فوق حاجته لما فيه من كشف العورة بلا حاجة وهو مضر عند الأطباء.
وكذا يحرم بوله وتعوطه فى طريق مسلوك، وظل نافع، ومثله مشمس بزمن الشتاء، ومتحدث الناس وتحت شجرة عليها ثمرة لأنه يقذرها، وكذا فى موارد الماء وتغوطه بماء مطلقا
(1)
.
مذهب الزيدية:
يحرم مس الفرج باليد اليمنى بدون
(2)
عذر.
مذهب الإمامية:
يحرم فى حال التخلى استقبال القبلة واستدبارها، ونقل عن التنقيح ان المحرم هو الاستقبال بالفرج لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل وفرجه باد للقبلة
(3)
ولا فرق فى الحرمة بين الأبنية والصحارى.
وكذا يحرم التخلى فى ملك الغير من غير اذنه حتى الوقف الخاص ويحرم فى الطريق غير النافذ بدون اذن أربابه وكذا يحرم التخلى على قبور المؤمنين لأن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا.
استنشاق
تعريف الاستنشاق فى اللغة
جاء فى
(4)
لسان العرب مادة: نشق النشق صب سعوط فى الأنف وأنشقته الدواء فى أنفه صببته فيه، وهو من استنشاق الريح اذا شممتها مع قوة، واستنشق الماء فى أنفه صبه فيه، واستنشقت الماء اذا أدخلته فى الأنف، وفى الحديث: أنه كان يستنشق فى وضوئه ثلاثا فى كل مرة يستنثر، أى يبلغ الماء خياشيمه ..
تعريفه فى اصطلاح الفقهاء
يسير الفقهاء فى تعريفهم للاستنشاق مسار اللغويين بالنسبة للمعنى الأصلى وهو
(5)
ايصال الماء الى داخل الأنف،
(1)
الروض المربع بشرح زاد المستنقع ج 1 ص 16 المطبعة السلفية.
(2)
شرح الازهار ج 1 ص 70
(3)
والاحوط ترك الاستقبال والاستدبار بعورته فقط وان لم يكن بمقاديم بدنه اليهما ولو اضطر الى أحد الأمرين تخير وان كان الأحوط الاستدبار وترك الاستقبال، مستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 157 مطبعة النجف.
(4)
لسان العرب للعلامة ابن منظور ج 41 ص 353 طبع دار صادر بيروت.
(5)
للحنفية البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 21، ص 22 وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين الطبعة الاولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ وللمالكية الحطاب على مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 146 وللشافعية المهذب للشيرازى ج 1 ص 15 وللحنابلة المغنى لابن قدامه على مختصر الخرقى فى كتاب مع الشرح الكبير على متن الاقناع لابن قدامه المقدسى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الاولى ج 1 ص 104 وللظاهرية المحلى ج 2 ص 48، ص 49 مسألة رقم 98 وللامامية كتاب مفتاح الكرامة ج 1 ص 270 وللإباضية كتاب الايضاح ج 1 ص 55، ص 56.
الا أنهم يقيدون ذلك بأن يكون ايصال الماء الى الأنف عن طريق الجذب بالنفس ولا بد حتى أن بعض فقهاء الحنابلة نص على أن ذلك هو الواجب
(1)
بحيث لا يكفى وضع الماء فى الأنف بدون جذبه الى باطنه لان ذلك لا يسمى استنشاقا.
حكم الاستنشاق وكيفيته وما يتعلق به
مذهب الحنفية:
جاء فى
(2)
البدائع ان الاستنشاق سنة فى الوضوء وذلك أن الواجب فى الوضوء هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، وداخل الأنف ليس من جملتها فلا يجب غسله.
ولكنه واجب
(3)
فى الغسل، لأن ايصال الماء الى داخل الأنف ممكن بلا حرج ولأن
(4)
الواجب فى الجنابة تطهير البدن، لقوله تعالى:«وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» أى طهروا أبدانكم فيجب غسل ما يمكن غسله من غير حرج، ظاهرا كان أو باطنا ومواظبة النبى صلى الله عليه وسلم فى
الوضوء دليل السنية دون الفرضية فان النبى صلى الله عليه وسلم كان يواظب على سنن العبادات.
وقال أصحاب الحديث هو فرض فى الوضوء والغسل جميعا محتجين بمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم.
أما بالنسبة للميت فان الميت
(5)
يوضأ وضوء الصلاة الا انه لا يمضمض ولا يستنشق، لان الماء لا يدخل الخياشيم الا بالجذب بالنفس وهو غير متصور من الميت.
الا انه جاء فى ابن
(6)
عابدين أنه قيل يفعلان أى المضمضة والاستنشاق بخرقة وعليه العمل اليوم.
أما اذا كان الميت. جنبا أو حائضا أو نفساء فانهما يفعلان اتفاقا تتميما للطهارة كما فى امداد الفتاح.
وبالنسبة للصوم فانه لا يكره الاستنشاق
(7)
للصائم لغير وضوء وغسل.
ومن السنة
(8)
فعل الاستنشاق باليد اليمنى.
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس وبهامشه شرح منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 69 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ الطبعة الاولى.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 21 طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 34 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 27 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 301 الطبعة السابقة.
(6)
الدر المختار شرح تنوير الابصار مع حاشية ابن عابدين ج 1 ص 801 طبع المطبعة العثمانية.
(7)
المرجع السابق ج 2 ص 156 الطبعة السابقة.
(8)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 21 الطبعة السابقة.
وقال بعضهم المضمضة باليمين والاستنشاق باليسار، لأن الفم مطهرة والأنف مقذرة واليمين للاطهار واليسار للأقذار، والدليل على ذلك ما روى عن الحسن بن على رضى الله عنهما أنه استنثر بيمينه فقال له معاوية: جهلت السنة، فقال الحسن رضى الله عنه: كيف أجهل والسنة خرجت من بيوتنا، أما علمت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اليمين للوجه واليسار للمقعد.
ومن السنة كذلك المبالغة فى الاستنشاق الا فى حال الصوم فبرفق، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم قال: للقيط بن صبرة: بالغ فى المضمضة والاستنشاق الا أن تكون صائما فارفق ولأن المبالغة فيهما من باب التكميل فى التطهير فكانت مسنونة الا فى حال الصوم لما فيه من تعريض الصوم للفساد.
والمبالغة فى الاستنشاق تكون بمجاوزة الماء لمارن الأنف، ومن السنة تأخير الاستنشاق عن المضمضة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقدم المضمضة على الاستنشاق.
ومن السنة افراده بماء على حدة لان الذين حكوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا لكل واحد من المضمضة والاستنشاق ماءا جديدا، ولأنهما عضوان منفردان فيفرد كل واحد منهما بماء على حدة كسائر الأعضاء، وما روى من أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق بكف واحد يحتمل أنه فعل ذلك بماء على حدة، فلا يكون حجة مع الاحتمال أو يرد المحتمل الى المحكم وهو ما ذكرنا توفيقا بين الدليلين.
ولو
(1)
أخذ ماء فمضمض ببعضه واستنشق بباقيه أجزأه عن أصل المضمضة والاستنشاق ويكون قد فاته سنة التجديد.
ولو عكس بأن قدم الاستنشاق على المضمضة لا يجزئه لصيرورة الماء مستعملا كما فى البحر، لأن ما فى الأنف لا يمكن امساكه بخلاف ما فى الفم، والمراد لا يجزئه عن المضمضة لأن الاستنشاق صح، وهل يدخل أصبعه فى أنفه؟ الأولى نعم.
ومن السنة التثليث فى الاستنشاق.
وفى البحر عن المعراج ان ترك التكرار مع الامكان لا يكره وأيده فى الحلية بأنه ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه تمضمض واستنشق مرة كما أخرجه أبو داود.
قال ابن عابدين: وينبغى تقييده بما اذا لم يجعل الترك عادة له ..
مذهب المالكية:
الاستنشاق
(2)
سنة فى الوضوء قال فى التوضيح هو المعروف.
(1)
حاشية ابن عابدين على الدر ج 1 ص 108
(2)
الحطاب على مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 246 الطبعة السابقة.
وذكر المازرى أن بعض المتأخرين ذهب الى أنه فضيلة، ولا بد فيه من النية
(1)
والا لم يكن آتيا بالسنة.
وهو سنة فى الغسل
(2)
كذلك.
قال ويندب عند
(3)
غسل الميت وذلك بتعهد أنفه بخرقة نظيفة كمنديل.
ويندب أن يبالغ
(4)
فيه المفطر وذلك بايصال الماء الى أقصى الأنف قال فى الذخيرة: يستحب المبالغة فى الاستنشاق ما لم يكن صائما فيكره له ذلك خوفا مما قد يصل الى حلقه من الماء.
فان وقع وسبقه لزمه القضاء وان تعمد فعليه الكفارة.
والمبالغة مستحبة لحديث: وبالغ فى الاستنشاق الا أن تكون صائما.
وندب فعل كل من المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات بأن يتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث.
وفى التوضيح وابن راشد فى شرح ابن الحاجب وابن عبد السّلام أن فعلهما بست متفق على أنه الأفضل.
وحكى الباجى فى ذلك عن الأصحاب قولين.
أحدهما ذلك.
والثانى: ان الأفضل أن يأتى بثلاث غرفات فى كل غرفة مضمضة واستنشاق.
واختار ابن رشد هذا القول الثانى وجعل الأول من الجائز.
ويجزئه أقل من ثلاث فى المضمضة والاستنشاق، وله جمع ذلك فى غرفة واحدة.
وقيد ابن رشد الغرفة الواحدة اذا قدر أن يمسك من الماء بكفه ما يكفيه لذلك.
ويستحب أن
(5)
يستنشق بيمناه وهو متفق عليه ومأثور فى وضوء النبى صلى الله عليه وسلم، ومن لم يستطع ذلك لعلة تمنعه منه لم يلزمه.
ومن احتاج الى أكثر مما قدمناه من العدد فعله ولا حرج وذلك اذا كان فى أنفه نجاسة أو غيرها ولم تخرج الا بالأكثر من ذلك.
مذهب الشافعية:
الاستنشاق
(6)
سنة فى الوضوء وفى الغسل وهو أن يجعل الماء فى أنفه ويجذبه
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 1 ص 97 طبع مطبعة مصطفى محمد بمصر سنة 1355.
(2)
الشرح الصغير وحاشية الصاوى عليه ج 1 ص 60 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 182
(4)
الحطاب على خليل ج 1 ص 246 الطبعة السابقة والشرح الكبير ج 1 ص 97 الطبعة السابقة.
(5)
الحطاب على خليل ج 1 ص 247 الطبعة السابقة.
(6)
المهذب لأبى اسحق الشيرازى ج 1 ص 15 وص 16 وص 31 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
بنفسه الى خياشيمه ثم يستنثر، لما روى عمر بن عبسة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ثم يستنشق ويستنثر الا جرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء.
والمستحب أن يبالغ فى الاستنشاق للمفطر ولا يستحب ذلك للصائم لقول النبى صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ فى الاستنشاق الا أن تكون صائما.
ولا يستقصى فى المبالغة فيكون سعوطا
(1)
فان كان صائما لم يبالغ للخبر.
قال فى المهذب وهل يجمع بين المضمضة والاستنشاق أو يفصل بينهما؟ قال فى الأم يجمع بينهما، لأن على بن أبى طالب كرم الله وجهه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد.
وقال فى البويطى: يفصل بينهما، لما روى طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق، ولأن الفصل أبلغ فى النظافة فكان أولى.
واختلف أصحابنا فى كيفية الجمع والفصل.
فقال بعضهم على قوله فى الأم: يغرف غرفة واحدة فيتمضمض منها ثلاثا ويستنشق منها ثلاثا ويبدأ بالمضمضة.
وعلى رواية البويطى يغرف غرفة فيتمضمض منها ثلاثا ثم يغرف غرفة أخرى فيستنشق منها ثلاثا.
وقال بعضهم على قوله فى الأم: يغرف غرفة فيتمضمض منها ويستنشق ثم يغرف غرفة أخرى فيتمضمض منها ويستنشق، ثم يغرف غرفة ثالثة فيتمضمض منها ويستنشق فيجمع فى كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق.
وعلى رواية البويطى يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق.
والأول: أشبه بكلام الشافعى رحمه الله لأنه قال: يغرف غرفة لفيه وأنفه.
والثانى: أصح لأنه أمكن.
فان ترك الاستنشاق جاز لقول النبى صلى الله عليه وسلم للأعرابى: توضأ كما أمرك الله تعالى وليس فيما أمر الله تعالى المضمضة والاستنشاق، ولأنه عضو باطن دونه حائل معتاد فلا يجب غسله كالعين.
والميت
(2)
يوضأ كما يتوضأ الحى حين الغسل لما روت أم عطية قالت لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا:
(1)
السعوط بالفتح الدواء الذى يدخل فى الانف والسعوط بالضم هو الفعل كالوضوء والوضوء.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 128 الطبعة السابقة.
ابدأوا بميامينها ومواضع الوضوء ولأن الحى يتوضأ اذا أراد الغسل ..
مذهب الحنابلة:
الاستنشاق
(1)
واجب فى الطهارتين جميعا فى الغسل وفى الوضوء وهذا هو المشهور فى المذهب وبه قال ابن المبارك وابن أبى ليلى واسحق وحكى عن عطاء وروى ذلك عن الامام أحمد.
قال القاضى: الاستنشاق واجب فى الطهارتين رواية واحدة وبه قال أبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فليستنشق رواه مسلم وهذا أمر يقتضى الوجوب ولأن الأنف لا يزال مفتوحا وليس له غطاء يستره بخلاف الفم.
وقال غير القاضى عن أحمد رواية أخرى وهى أن المضمضة والاستنشاق واجبان فى الطهارة الكبرى مسنونان فى الطهارة الصغرى وهو مذهب الثورى وأصحاب الرأى، لأن الطهارة الكبرى يجب فيها غسل كل ما أمكن من البدن كبواطن الشعور الكثيفة ولا يمسح فيها على الحوائل فوجبا فيها بخلاف الطهارة الصغرى.
ويسميان
(2)
أى المضمضة والاستنشاق فرضين لأن الفرض والواجب مترادفان على الصحيح.
وقال ابن عقيل: هما واجبان لا فرضان ولا يسقطان سهوا، وهذا مبنى على اختلاف الروايتين فى الواجب هل يسمى فرضا أو لا والصحيح أنه يسمى فرضا.
أما فى غسل الميت فقد جاء فى كشاف
(3)
القناع أنه يستحب أن يدخل أصبعيه السبابة والابهام وعليهما خرقة خشنة مبلولة بالماء فى منخريه فينظفهما، ولا يدخل الماء فى الأنف.
ويسن البداءة بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه ويستحب أن
(4)
يستنشق بيمناه ثم يستنثر بيسراه لما روى عن عثمان رضى الله عنه أنه توضأ فدعا بماء فغسل يديه ثلاثا ثم غرف بيمينه ثم رفعها الى فيه فمضمض واستنشق بكف واحدة واستنثر بيسراه، فعل ذلك ثلاثا
…
ثم ذكر سائر الوضوء ثم قال: أن النبى صلى الله عليه وسلم توضأ لنا كما توضأت لكم فمن كان سائلا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا وضوؤه.
(1)
المغنى لابن قدامه المقدسى على الشرح الكبير ج 1 ص 102 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 70 الطبعة السابقة والمغنى ج 1 ص 107 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 383 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى لابن قدامة ج 1 ص 104 الطبعة السابقة.
وعن على رضى الله عنه أنه أدخل يده اليمنى فى الاناء فملأ كفه فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى فعل ذلك ثلاثا ثم قال هذا وضوء نبى الله صلى الله عليه وسلم.
قال
(1)
الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل أيهما أعجب اليك المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة أو كل واحد منها على حدة؟ قال: بغرفة واحدة لما ذكرنا من حديث عثمان وعلى رضى الله عنهما.
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تمضمض واستنشق من كف واحد، وروى أنه تمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات فان شاء المتوضئ تمضمض واستنشق من ثلاث غرفات وان شاء فعل ذلك ثلاثا بغرفة واحدة.
وان أفرد المضمضة بثلاث غرفات والاستنشاق بثلاث غرفات جاز أى انه يفعلهما من ست غرفات لأنه قد روى فى حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه فصل بين المضمضة والاستنشاق، رواه أبو داود.
وتجب
(2)
الموالاة بين المضمضة والاستنشاق.
وتسن المبالغة فى الاستنشاق بجذب الماء بنفسه الى أقصى أنفه والواجب فى الاستنشاق جذب الماء الى باطن الأنف
وان لم يبلغ أقصاه ولا يكفى وضع الماء فى أنفه بدون جذب الى باطن الأنف، لأن ذلك لا يسمى استنشاقا.
والمبالغة
(3)
مسنونة لغير الصائم لأن الاستنشاق تكره المبالغة فيه للصائم لقول النبى صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة:
وبالغ فى الاستنشاق الا أن تكون صائما.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(4)
: من صفة الوضوء أن يستنشق ويستنثر بأن يضع الماء فى أنفه ويجبذه بنفسه ولا بد، ثم ينثره بأصابعه ولا بد، مرة فان فعل الثانية والثالثة فحسن.
وهما فرضان لا يجزئ الوضوء ولا الصلاة دونهما لا عمدا ولا نسيانا.
والدليل على ذلك أن عبد الله بن ربيع حدثنا
…
عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا توضأ أحدكم فليجعل فى أنفه ماء ثم ليستنثر.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 105، ص 106 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 1 ص 69 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 77، ص 519 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الأولى ج 2 ص 48 وص 49 وص 50 مسألة رقم 198.
وقال ابن حزم
(1)
فى موضع آخر:
ولا ينقض الصوم استنشاق وان بلغ الحلق.
وقال
(2)
: ان الصائم مخير بين أن يبالغ فى الاستنشاق وبين أن لا يبالغ فيه.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(3)
: المضمضة والاستنشاق يجبان فى الوضوء وفى الغسل اذ هما من الوجه ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: من توضأ فليتمضمض وليستنشق، ولاخبار النبى صلى الله عليه وسلم بأن الصلاة لا تجزئ بدونهما ولقطعه الصلاة ليفعلهما فقد روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه قال توضأ النبى صلى الله عليه وسلم ثم أتى مصلاه فقام فى الصلاة فكبر ثم انفتل فقال:
ذكرت شيئا فى الوضوء لا بد منه فمضمض واستنشق ثم استقبل الصلاة حكاه فى أصول الأحكام وغيره وفيه عن على عليه السلام: أنه قال: جلست أتوضأ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ابتدأت فى الوضوء فقال تمضمض واستنشق واستنثر.
وفى باب الغسل
(4)
قال صاحب البحر وفروض الغسل ثلاثة
…
الثانى المضمضة والاستنشاق وهما مشروعان اجماعا لفعله صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا اغتسل من الجنابة وضع الاناء فيصب على يديه قبل أن يدخلهما الاناء حتى اذا غسل يديه أدخل يده اليمنى فى الاناء
…
ثم تمضمض واستنشق ثلاثا ثم قال: وهما يجبان للآية ولقوله صلى الله عليه وسلم: هما فريضة.
والاستنشاق كذلك
(5)
مشروع فى غسل الميت لقول النبى صلى الله عليه وسلم: ابدأن بمواضع الوضوء، وقيل: لا، كالسواك.
وندب جمع المضمضة
(6)
والاستنشاق بماء واحد.
وقيل الأمران جائزان أى الفصل والجمع.
وفى الصوم تكره المبالغة
(7)
للصائم فى الاستنشاق لقول النبى صلّى الله
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 203 مسألة رقم 753 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 215 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار 1 ص 61 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 105، 106 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 101 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 62 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 2 ص 241 الطبعة السابقة.
عليه وسلم بالغ فى الاستنشاق الا أن تكون صائما.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: من سنن
(1)
الوضوء: الاستنشاق وهو جذب الماء الى داخل الأنف، وتثليث المضمضة والاستنشاق بأن يفعل كل واحد منهما ثلاثا ولو بغرفة واحدة وبثلاث أفضل.
وكذا يستحب تقديم المضمضة أجمع على الاستنشاق.
وفى باب الغسل
(2)
قال: ويستحب المضمضة والاستنشاق بعد غسل اليدين ثلاثا.
وجاء فى مفتاح الكرامة
(3)
فى غسل الميت: لا خلاف بين الأصحاب أنه لا مضمضة ولا استنشاق كما فى الخلاف والغنية وكشف الالتباس.
وتستحب المبالغة فى الاستنشاق
(4)
لقول النبى صلى الله عليه وسلم:
وليبالغ أحدكم فى المضمضة والاستنشاق فانه غفران.
وجاء فى موضع آخر قال: وفى التذكرة استثناء الصائم، ويكونان ثلاثا ثلاثا كما صرح به جمهور الأصحاب.
وفى الغنية وشرح المفاتيح الاجماع عليه، وقد اشتهر بين المتأخرين استحباب كونهما بثلاث أكف ومع اعواز الماء كف واحد، قال ولم أقف له على شاهد.
مذهب الإباضية:
جاء فى الايضاح
(5)
: الاستنشاق سنة فى الوضوء وفريضة فى الغسل الواجب بدليل ما روى من طريق ابن عباس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة أو لغيره: اذا توضأت فضع فى أنفك ماء ثم استنثر.
الا أنه فى باب الغسل
(6)
قال: اختلف فى المضمضة والاستنشاق.
فقيل هما فريضتان فى الغسل الواجب وسنتان فى الوضوء.
وقيل غير ذلك.
ويستحب أن يجعل
(7)
الماء فى أنفه بيده اليمنى ويستنشق بالشمال وان شاء
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر ج 1 ص 25.
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 29 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب مفتاح الكرامة ج 1 ص 433 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 270، ص 271 الطبعة السابقة.
(5)
الايضاح ج 1 ص 55 وص 56 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 132 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 56 الطبعة السابقة.
جعل الماء فى فيه وفى أنفه بمرة وان شاء فرق ذلك بدليل ما روى عن جابر بن زيد رحمه الله قال بلغنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تمضمض واستنشق من غرفة واحدة.
وان فرق ذلك فليبدأ بالمضمضة قبل الاستنشاق وعند الاستنشاق
(1)
يدخل فى أنفه السبابة والوسطى الى العظم الا ان لم يمكنه ذلك فليفعل ما يمكنه، وان مضمض واستنشق بعود أجزأه ذلك الا أن أصبعه أفضل.
وقال الشيخ اسماعيل رحمه الله فى كيفية الاستنشاق أن يجذب الماء بخياشيمه ويجعل ابهامه وسبابته على أنفه ثم ينثر بالنفس لغسل باطن الأنف.
استهلاك
التعريف اللغوى:
الاستهلاك مصدر فعله استهلك المزيد فيه الهمزة والسين والتاء، والسين والتاء تزادان لافادة الطلب أو المعالجة، كما تزادان لافادة وجود الشئ على صفة فعله، فتكون استهلك بمعنى قصد أن يهلك هذا الشئ أو وجده على تلك
الصفة وهى الهلاك، ومادته الأصلية هلك.
وقد جاء فى القاموس المحيط أن هلك على وزن ضرب ومنع وعلم - هلكا بالضم وهلاكا وتهلوكا وهلوكا بضمهما، وأهلك الشئ واستهلكه وهلكه يهلكه لازم ومتعد واستهلك المال أنفقه وأنفده وأهلكه - والاهتلاك والاستهلاك رميك نفسك فى تهلكة، والمستهلك من لا هم له الا أن يتضيفه الناس، والهلاك الذين ينتابون الناس ابتغاء معروفهم، والمنتجعون الذين ضلوا الطريق كالمستهلكين
(2)
.
التعريف فى اصطلاح الفقهاء:
يرى الائمة فى مختلف المذاهب أن الاستهلاك هو اخراج الشئ من أن يكون منتفعا به منفعة موضوعة مطلوبة منه عادة، أو هو تغيير الشئ من صفة الى صفة.
ولا يقصد بالاستهلاك اهلاك أصل الشئ (أى افناء عينه من الوجود)، لأن ذلك لا يتعلق به فعل العبد وانما هو من صنع الله سبحانه وتعالى
(3)
.
(1)
المرجع السابق الطبعة السابقة ج 1 ص 59
(2)
القاموس المحيط للفيروزابادى مدة هلك.
(3)
انظر بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى الحنفى ج 7 ص 148، ص 149 وتبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 77، ص 78 ونهاية المحتاج للرملى الشافعى ج 5 ص 415، 416 والمحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 323 والتاج المذهب لاحكام المذهب لاحمد بن القاسم الصنعانى الزيدى ج 3 ص 268 وج 4 ص 250 وشرح الازهار وهامشه ج 4 ص 375 والروضة البهية ج 1 ص 234، ص 235 وشرح النيل ج 6 ص 388.
حكم استهلاك العين المشتراه
مذهب الحنفية:
ذكر ابن عابدين فى حاشيته أن المشترى اذا استهلك ما قبضه على سوم الشراء ضمن ثمنه
(1)
.
وجاء فى الفتاوى الهندية أنه لو ساوم رجل رجلا على ثوب فقال البائع: هو لك بعشرين درهما، وقال المشترى: لا بل بعشرة، فذهب به المشترى على ذلك، ولم يرض البائع بعشرة لم يكن هذا بيعا، الا أن المشترى ان استهلك هذا الثوب لزمه عشرون درهما، وله أن يرده ما لم يستهلكه قال أبو حنيفة وأبو يوسف رضى الله تعالى عنهما:
القياس أن تكون عليه قيمته الا أننا تركنا القياس بالعرف
(2)
.
واذا استهلكه وارث المشترى بعد موت المشترى وجبت عليه القيمة.
والفرق بين استهلاك المشترى واستهلاك وارثه أن العاقد هو المشترى فاذا استهلكه كان راضيا بامضاء عقد الشراء بالثمن المذكور، بخلاف ما اذا استهلكه وارثه لأن الوارث غير العاقد بل العقد انفسخ بموته فبقى أمانة فى
يد الوارث، فتلزمه القيمة دون الثمن، ولو قال البائع رجعت عما قلت أو مات أحدهما قبل أن يقول المشترى رضيت انتقض البيع، فان استهلكه المشترى بعد ذلك فعليه قيمته كما فى حقيقة البيع لو انتقض يبقى المبيع فى يده مضمونا فكذا هنا، ومثله ما اذا استهلك ما قبضه على سوم النظر فانه يضمن قيمته
(3)
.
ولو استهلك المشترى المبيع بعد قبضه ثم بان أنه كان معيبا فانه يرجع بالنقصان استحسانا عند صاحبى أبى حنيفة.
وقيل: ان الاستحسان هو عدم الرجوع وهو قول الامام
(4)
.
وان استهلك المشترى ما حدث من زيادة فى المبيع، فان كانت منفصلة متولدة كالولد والعقر والأرش ضمن، وان كانت منفصلة غير متولدة كالكسب والهبة واستهلكها المشترى لم يضمن عند الامام أبى حنيفة.
وعندهما يضمن وان استهلك المبيع فقط ضمنه والزوائد له لتقرر ضمان الأصل
(5)
.
وجاء فى الفتاوى الهندية أنه اذا اشترى الرجل جارية أو بقرة لها
(1)
رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 4 ص 69 طبع المطبعة العثمانية سنة 1326 هـ.
(2)
الفتاوى الهندية ج 3 ص 12 فى كتاب على هامشه فتاوى قاضيخان الطبعة الثانية بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر سنة 1310 هـ.
(3)
رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 69، 70 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق 4 ص 114 نفس الطبعة
(5)
المرجع السابق 4 ص 181 الطبعة السابقة.
لبن فحلب لبنها واستهلكه أو شربه ثم وجد بها عيبا لم يكن له أن يردها ورجع بنقصان العيب
(1)
أما اذا كان اشترى طعاما أو ثوبا وخرق الثوب أو استهلك الطعام ثم اطلع على عيب كان به لم يكن له أن يرجع بنقصان العيب بلا خلاف
(2)
.
وجاء فى حاشية ابن عابدين أن المشترى اذا استهلك المبيع فى المرابحة قبل رده لزمه جميع الثمن المسمى وسقط خياره ولو استهلك البعض كان له رد الباقى الا فى نحو الثوب الواحد
(3)
.
وذكر صاحب الدر المختار أنه اذا استهلك المبيع غير المشترى فى يد البائع تكون قيمة العين قائمة مقامها وأما اذا استهلكه المشترى فى يد البائع نزل قابضا وامتنعت الاقالة وكذا اذا ستهلكه أحد فى يده لفقد شرط الصحة وهو بقاء المبيع
(4)
.
وجاء فى الفتاوى الهندية أنه اذا اشترى الرجل مصراعى باب أو خفين أو نعلين فقبض أحدهما بغير اذن البائع ولم يقبض الآخر، ثم استهلك الذى قبض أو عيبه صار قابضا للآخر، حتى لو هلك الآخر عند البائع قبل أن يحدث
البائع فيه حبسا أو منعا هلك على المشترى
(5)
.
ولو استهلك المبيع أجنبى والخيار للبائع لا ينفسخ البيع والبائع على خياره سواء كان المبيع فى يد المشترى أو فى يد البائع. فان شاء فسخ البيع واتبع الجانى بالضمان، وكذا لو استهلكه المشترى ان شاء فسخ البيع واتبع المشترى بالضمان، وان شاء أجازه واتبعه بالثمن
(6)
.
وروى ابن سماعة عن أبى يوسف رحمه الله تعالى: أن الرجل اذا اشترى عبدا على أنه بالخيار ثلاثا وقبضه، فوهب للعبد مال أو اكتسبه، ثم استهلكه العبد بعلم المشترى بغير اذنه أو بغير علمه لم يبطل خيار المشترى.
وروى أيضا عن محمد رحمه الله تعالى: أن المشترى اذا استهلك المتاع الموهوب للعبد بطل خياره فى العبد
(7)
.
ولو كان الخيار للبائع والمبيع مقبوض فهلك بعضه أو استهلكه انسان فللبائع أن يجيز البيع فى قياس قول أبى حنيفة وأبى يوسف.
(1)
الفتاوى الهندية ج 3 ص 75 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 83 الطبعة المتقدمة.
(3)
رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 221 لابن عابدين الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق 4 ص 210 الطبعة السابقة.
(5)
الفتاوى الهندية ج 3 ص 22 الطبعة المتقدمة.
(6)
المرجع السابق 3 ص 46 الطبعة المتقدمة.
(7)
المرجع السابق ج 3 ص 50 الطبعة المتقدمة.
وقال محمد: اذا كان مما يتفاوت فهلك البعض انتقض البيع وليس للبائع أن يجيز فى الباقى، وان كان مكيلا أو موزونا أو معدودا غير متفاوت فهلك بعضه فللبائع أن يلزم البيع فيما بقى ولو استهلك المستهلك المبيع فى يد المشترى فللبائع أن يلزمه البيع ويأخذ الثمن فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول.
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى بعد ذلك: ليس للبائع أن يلزمه الا برضا المشترى
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة: لو أن رجلا ابتاع طعاما بعينه كيلا فذهب البائع فاستهلكه فان على البائع أن يأتى بمثل ذلك الطعام يوفيه المشترى، ولا يكون المشترى بالخيار ان أحب أن يلزمه الطعام ألزمه وان أحب أن يأخذ ذهبه أخذه وليس على البائع الا طعام مثل ذلك، لأنه بمنزلة رجل استهلك لرجل طعاما بعينه فعليه أن يأتى بمثله
(2)
.
قال ابن القاسم اذا بتاع طعاما جزافا صبرة فاستهلكها الذى باعها فعليه
قيمتها من الذهب والفضة، وان كان غيره استهلكها فعلى الذى استهلكها قيمتها من الذهب والفضة.
واذا بيعت الصبرة كيلا فتعدى عليها رجل فاستهلكها قبل أن يكيلها للمشترى كان للبائع القيمة على الذى استهلك الصبرة، وأرى أن يشترى بتلك القيمة طعاما للبائع ثم يكيله البائع للمشترى على شرطهما لأنه لو عرف كيلها لغرم كيلها المتعدى وكان للمشترى أن يقبضه على ما اشترى
(3)
.
ولو أسلم رجل الى رجل فى طعام يدفعه اليه بالفسطاط فقال خذه بالأسكندرية وخذ الكراء ففعل ثم استهلك الطعام والكراء وجب عليه أن يرد مثله بالاسكندرية ويرد الكراء عليه ثم يأخذ طعامه الذى أسلم فيه حيث شرط
(4)
.
ولو اشترى سلعة فاستهلك خمسها بانتفاع بأكل أو جناية ووجد بالباقى عيبا لرده ولزمه خمس الثمن بما استهلك وهذا كله بين لاخفاء فيه ولا ارتياب فى صحته
(5)
.
وان باع الورثة تركة الميت فأكلوها واستهلكوها ثم قدم قوم فأقاموا البينة على دين لهم على الميت فان كان الرجل
(1)
الفتاوى الهندية ج 3 ص 42 الطبعة السابقة.
(2)
المدونة ج 9 ص 91 الطبعة الاولى طبعة ساسى مطبعة السعادة بمصر سنة 221 هـ.
(3)
المرجع السابق 9 ص 94، 95 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق 9 ص 42 الطبعة السابقة.
(5)
المدونة ج 3 ص 306 طبع المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ.
الميت معروفا بالدين فبادر الورثة الغرماء فأخذوا ماله فباعوه واقتسموه وأكلوه كان للغرماء أن يأخذوا مال الميت حيثما وجدوه ولا يجوز بيع الورثة واتبع الذين اشتروا الورثة، وان كان الرجل الميت لا يعرف بالدين فباعوا على مثل ما يبيع الناس تركة ميتهم اتبع الغرماء الورثة، ولم يكن لهم على من اشترى منهم سبيل، ولا يأخذون من الذين اشتروا ما فى أيديهم
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الامام الشافعى رحمه الله تعالى فى الأم: كل ما استهلك لرجل فأدركه بعينه أو مثله أعطيته المثل أو العين، فان لم يكن له مثل ولا عين أعطيته القيمة، لأنها تقوم مقام العين اذا كانت العين والمثل عدما فاذا استهلك له طعاما بمصر فلقيه بمكة، أو بمكة فلقيه بمصر لم يقض له بطعام مثله، لأن من أصل حقه أن يعطى مثله بالبلد الذى ضمنه له بالاستهلاك، لما فى ذلك من النقص والزيادة على كل واحد منهما وما فى الحمل على المستوفى، فكان الحكم فى هذا أنه لا عين ولا مثل له أقضى. وأجبره على أخذه فجعلته كما لا مثل له، فأعطيته قيمته اذا أبطل الحكم له بمثله وان كان موجودا
(2)
.
واذا استهلك الرجل لابنه مالا ما كان من غير حاجة من الأب رجع عليه الابن كما يرجع على الأجنبى ولو أعتق له عبدا لم يجز عتقه والعتق غير استهلاك فلا يجوز بحال عتق غير المالك
(3)
.
وما استهلك الرجل من ماله فى الحالة التى حجر فيها عليه ببيع أو هبة أو صدقة أو غير ذلك فهو مردود
(4)
.
ولو كان العبد المبيع بيع وله مال استثناه المشترى فاستهلك المشترى ماله أو هلك فى يد العبد فسواء ويرجع البائع بالعبد فيأخذه دون الغرماء وبقيمة المال من البيع يحاص به الغرماء.
ولو كانت السلعة شيئا متفرقا مثل عبيد أو ابل أو غنم أو ثياب أو طعام فاستهلك المشترى بعضه ووجد البائع بعضه كان له البعض الذى وجد بحصته من الثمن ان كان نصفا قبض النصف وكان غريما من الغرماء فى النصف الباقى وهكذا ان كان أكثر
(5)
أو أقل.
ولو استهلك له شيئا قبل التفليس ثم صالح منه على شئ بعد التفليس، فان كان ما صالح قيمة ما استهلك له بشئ معروف القيمة فأراد مستهلكه أن يزيده
(1)
المرجع السابق ج 13 ص 58، 59 الطبعة الاولى طبعة ساسى بمطبعة السعادة بمصر سنة 1321 هـ.
(2)
الام للامام الشافعى ج 3 ص 86 فى كتاب على هامشه مختصر الامام المزنى الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بولاق مصر سنة 1321 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 97 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 7 ص 94 الطبعة المتقدمة.
(5)
المرجع السابق ج 3 ص 177، ص 178 الطبعة السابقة.
على قيمته لم يكن عليه أن يقبل الزيادة، لأن الزيادة فى موضوع الهبة فان فلس الغريم وقد شهد له شاهد بحق على آخر فأبى أن يحلف مع شاهده أبطلنا حقه اذا أحلفنا المشهود عليه ولم نجعل للغرماء أن يحلفوا.
لأنه لا يملك الا بعد اليمين، فلما لم يكن مالكا لم يكن عليه أن يحلف، وكذلك لو ادعى عليه فأبى أن يحلف ورد اليمين فامتنع المفلس من اليمين بطل حقه، وليس للغرماء أن يحلفوا، لأنهم ليسوا مالكين الا ما ملك ولا يملك الا بعد اليمين.
ولو جنى هو بعد التفليس جناية عمدا أو استهلك مالا كان المجنى عليه والمستهلك له أسوة الغرماء فى ماله الموقوف لهم بيع أو لم يبع ما لم يقتسموه فاذا اقتسموه نظرنا فان كانت الجناية قبل القسم دخل معهم فيما اقتسموا، لأن حقه لزمه قبل أن يقسم ماله، وان كانت الجناية بعد القسم لم يدخل معهم لأنهم قد ملكوا ما قسم لهم وخرج عن ملك المفلس والجناية والاستهلاك دين عليه سواء
(1)
.
ولو أن ماشية لرجل ماتت كان له أن يسلخ جلودها فيدبغها، ولو استهلكها رجل قبل الدباغ لم يضمن لصاحبها شيئا، لأنه لا يحل ثمنها حتى تدبغ ولو ورث المسلم خمرا، أو وهبت له فاستهلكها مستهلك وهى خمر أو بعد ما أفسدت وقبل أن تصير خلا لم يضمن ثمنها فى تلك الحال،
لأنها لا تحل للمسلم الا بأن يفسدها فيجعلها خلا، لأن أصلها محرم ولم تصر خلا
(2)
.
وان أسلف سلفا فاسدا وقبضه رده وان استهلكه رد مثله ان كان له مثل أو قيمته ان لم يكن له مثل ورجع برأس ماله
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى منتهى الارادات: ان عقد البيع لا ينفسخ ان أتلف المشترى المبيع أو عيبه، ومن ثم فلا خيار له، لأن اتلافه كقبضه، واذا عيبه فقد عيب مال نفسه فلا يرجع بأرشه على غيره.
وان تلف المبيع أو تعيب بفعل بائع أو بفعل أجنبى غير بائع ومشتر يخير المشترى بين فسخ البيع ويرجع على البائع بما أخذ من ثمنه، لأنه مضمون عليه الى قبضه، وبين امضاء البيع وطلب المتلف بمثل مثلى أو قيمة متقوم فى حالة الاتلاف، وبأرش نقص ومطالبة معيبه بأرش النقص فى حالة التعييب، لتعديهما على ملك الغير.
وعلم من ذلك أن العقد لا ينفسخ بتلف المبيع بفعل آدمى بخلاف تلفه بفعل الله تعالى، لأنه لا مقتضى للضمان سوى حكم العقد، بخلاف اتلاف الآدمى فانه يقتضى الضمان بالبدل ان أمضى العقد،
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 180 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 205 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 19 الطبعة المتقدمة.
وحكم العقد يقتضى الضمان بالثمن ان فسخ فكانت الخيرة للمشترى بينهما
(1)
ولو خلط مبيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع قبل قبض بما لا يتميز كبر ببر وزيت بمثله لم ينفسخ البيع بالخلط لبقاء عينه والمشترى ومالك الآخر شريكان بقدر ملكيهما فيه.
وجاء فى كشاف القناع أن تصرف المشترى فى المبيع ببيع ونحوه زمن الخيار مبطل لخياره وان لم ينفذ تصرفه - لأنه دليل رضاه ووطؤه الأمة المبيعة بشرط الخيار وقبلته لها ولمسه اياها لشهوة وسومه المبيع امضاء للبيع وابطال لخياره مع بقاء خيار البائع على حاله لعدم ما يبطله.
وان اعتق المشترى المبيع نفذ عتقه لقوته وسرايته، وبطل خيار كل منهما، لأن المشترى تصرف بما يقتضى اللزوم وهو العتق.
وفى سقوط خيار البائع باحبال المشترى الجارية روايتان.
فعلى عدم سقوط خياره اذا فسخ البيع له قيمتها لتعذر الفسخ
(2)
فيها.
وروى صاحب المغنى أن الأمام أحمد قال فى رواية أبى طالب: اذا اشترى ثوبا بشرط فباعه بربح قبل انقضاء الشرط يرده الى صاحبه ان طلبه، فان لم يقدر على رده فللبائع قيمة الثوب، لأنه استهلك ثوبه، أو يصالحه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه اذا اشترى مصراة وكان له ردها فان كان اللبن الذى فى ضرعها يوم اشتراها حاضرا رده كما هو حليبا أو حامضا وان كان قد استهلكه رد معها لبنا مثله وان كان قد مخضه أو عقده رده فان نقص عن قيمته لبنا رد ما بين النقص والتمام لأنه لبن البائع
(4)
.
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب التاج المذهب أنه لا ينفد فى المبيع شئ من التصرفات قبل القبض الا أن يكون هذا التصرف استهلاكا مثل الوقف والعتق اذا كانا بعقد صحيح فان ذلك يصح قبل أن يقبض المشترى المبيع، ولو كان العتق بمال كالكتابة، ومن الاستهلاك أيضا الجناية كالقتل وكسر الآنية من غير نقل سواء كان بفعله أو أمره
(5)
.
(1)
منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 2 ص 50 فى كتاب على هامش كشاف القناع الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 2 ص 53 للشيخ منصور بن ادريس فى كتاب على هامشه منتهى الارادات الطبعة المتقدمة.
(3)
المغنى والشرح الكبير ج 4 ص 47، 48 لابن قدامة المقدسى الطبعة الثانية طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.
(4)
المحلى ج 9 ص 66 الطبعة المنيرية.
(5)
التاج المذهب لاحكام المذهب لاحمد بن قاسم العنسى ج 2 ص 360، ص 361 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1366 هـ.
وجاء فى البحر الزخار أن المشترى لو استهلك المبيع حكما بطحن أو غزل أو نسج لم يبطل حق البائع من الرجوع اذ هو عين ماله ما لم يتعلق به حق للغير ولا أجرة له ولا ارش ان تعيب بذلك فان زادت به قيمة الشئ فوجهان أصحهما ما قاله الامام يحيى: يستحق المشترى الزيادة اذ هى نماء ملكه وقيل: لا اذ لم يضم اليه عينا قلنا: الصنعة كالعين
(1)
.
وذكر صاحب شرح الأزهار: أن من مبطلات خيار الرؤية النقص الحاصل معه فى المبيع عما شمله العقد، فلو نقص شيئا مما شمله العقد قبل الرؤية بطل الخيار نحو أن يشترى البقرة وفيها لبن، أو الشاة وعليها صوف، أو الشجرة وعليها ثمرة فذهب اللبن أو الصوف أو الثمرة بطل الخيار، فلو لم تكن ثابتة حال العقد بل حدثت بعد العقد، ثم استهلكت قبل الرؤية لم يبطل الخيار وأما المصراة فلو استهلك لبنها الذى شمله العقد لم يبطل الخيار
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى الايضاح أن المشترى ان أمر البائع بأن يستهلك المبيع فاستهلك ذلك الشئ بهبة أو غير ذلك فهو من مال البائع سواء قبضه المشترى منه أو لم يقبضه
لأنه ماله أتلفه بنفسه، وأمر المشترى ليس بشئ فى هذا وكذلك أيضا لو تلف ذلك الشئ من يد البائع والمشترى جميعا فهو من مال البائع، لأنه ماله، ويده لم تزل عليه حتى تلف
(3)
.
وان حول المشترى المبيع عن حاله الأول، فانه لا يخلو أن يكون التحويل بنقصان أو زيادة فان كان نقصانا فان البائع يكون بالخيار ان شاء أخذ ذلك مع تغييره ويأخذ ما أنقصه ذلك، وان شاء أخذ مثل شيئه الأول أو قيمته ان كان لا يمكن فيه المثل، ويكون للمشترى، وكذلك ان كان التغيير بزيادة فى الشئ فالبائع بالخيار ان شاء أخذ ذلك مع تغييره ويعطى للمشترى عناءه أى ما تكلفه، وان شاء أخذ مثل شيئه ويكون ذلك للمشترى.
ومثل هذا ان اشترى منه شعيرا فطحنه دقيقا أو دقيقا فخبزه، أو اشترى منه صوفا فعمل منه أكسية، أو اشترى منه غروسا على أن يقلعها فقلعها فهذا كله على ما ذكرناه.
وكذلك فى الزيادة على هذا المعنى، مثل أن يشترى منه زيتا فبسس به دقيقا فانه بالخيار ان شاء أن أخذ مثل زيته ويكون البسيس للمشترى وان شاء أن يكون بينهما ويتفقا على ما أحبا فعلا لأن مال كل واحد منهما قد استهلك فى مال الآخر.
(1)
البحر الزخار ج 5 ص 86.
(2)
شرح الأزهار ج 3 ص 94.
(3)
الايضاح للشيخ عامر بن على النفوسى ج 3 ص 183 فى كتاب مع حاشية الشيخ محمد بن عمر أبو ستة.
وان اشترى منه أرضا شراء فاسدا فغرس فيها غروسا أو بنى فيها بناء ففى الأثر ان البائع يأخذ أرضه وجميع ما فيها من بناء أو غروس، ويعطى قيمة ذلك النقص مبنيا أو قيمة الغروس فى حين ذلك، وان أراد أن يعطى قيمة النقص غير مبنى وقيمة الغروس مقلوعة فليعط له العناء مع القيمة.
وأما ان اشترى فسيلا فغرسها فى أرضه، أو اشترى نقضا فبناه فى أرضه، ثم خرج فى بيعهما انفساخ فانه يرد على البائع قيمة الفسيل يوم اشتراها أو قيمة النقض غير مبنى، ويمسك ذلك هو لنفسه فهذا دليل منهم أن بناء النقض وغرس الغروس استهلاك
(1)
لها.
حكم استهلاك العين المستعارة
مذهب الحنفية:
جاء فى تبيين الحقائق أن العارية اذا هلكت بلا تعد من المستعير لم يضمن، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: ليس على المستعير غير المغل ضمان. ولأنه قبضه باذن صاحبه لا على وجه الاستيفاء ولا على سبيل المبادلة فلا يضمن
(2)
.
أما اذا تعدى فانه يكون ضامنا.
ذكر صاحب البدائع أنه كما يضمن المستعير بالاتلاف حقيقة يضمن بالاتلاف معنى
وذلك بأن يمنعها بعد الطلب أو بعد انقضاء المدة وبترك الحفظ حتى لو حبس العارية بعد انقضاء المدة أو بعد الطلب قبل انقضاء المدة يضمن، لأنه واجب الرد فى هاتين الحالتين، لقول النبى صلى الله عليه وسلم العارية مؤداة، ولقوله صلى الله علية وسلم:«على اليد ما أخذت حتى ترده» ، ولأن حكم العقد انته بانقضاء المدة أو الطلب فصارت العين فى يده كالمغصوب والمغصوب مضمون الرد بعينه حال قيامه ومضمون القيمة حال هلاكه
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل: عن المدونة أن ابن القاسم قال: العارية مضمونة فيما يغاب عليه من ثوب أو غيره من العروض فان ادعى المستعير أن ذلك هلك أو سرق أو تحرق أو انكسر فهو ضامن وعليه فيما أفسد فسادا يسيرا ما نقصه، وان كان كثيرا ضمن قيمته كله الا أن يقيم بينة أن ذلك هلك بغير سببه فلا يضمن الا أن يكون منه تضييع أو تفريط بين فيضمن.
قال ابن رشد: وان شرط المستعير أن لا ضمان عليه فيما يغاب عليه فشرطه باطل وعليه الضمان. قاله ابن القاسم وأشهب فى العتبية
(4)
.
(1)
الايضاح للنفوسى ج 3 ص 184 وما بعدها الى س 186.
(2)
تبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 84 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 218 الطبعة السابقة.
(4)
التاج والاكليل لمختصر خليل ج 5 ص 269 للمواق فى كتاب على هامش مواهب الجليل للحطاب الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج ان العين المستعارة اذا تلفت أو تلف شئ من أجزائها ضمنها المستعير بدلا أو ارشا ولو لم يفرط للخبر الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه
(1)
والأصح أن المستعير لا يضمن ما يتلف من ثوب أو نحوه أو ينقص - كما فى المحرر - باستعمال مأذون فيه لحدوثه باذن المالك، فهو كما لو قال: اقتل عبدى.
ومقابل الأصح أنه يضمن مطلقا.
وهناك رأى ثالث - وهو من زيادة النووى أن المستعير يضمن المتلف - دون الناقص - اذ مقتضى الاعارة الرد ولم يوجد فى الأول
(2)
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن العارية المقبوضة مضمونة، لقوله صلى الله عليه وسلم:
وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه، ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفردا بنفعه من غير استحقاق ولا اذن فى اتلاف فكان مضمونا كالغصب وهى مضمونة بقيمتها يوم التلف، لأنه حينئذ يتحقق فوات العارية فوجب اعتبار الضمان به ان كانت متقومة،
ولا فرق فى ذلك بين أن يتعدى فيها أو يفرط فيها أولا.
ولو شرط نفى ضمانها لم يسقط الضمان لأن كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع فالشرط فاسد.
وان كانت العين المعارة مثلية وتلفت فضمانها بمثلها، لأنه أقرب اليها من القيمة.
وان تلفت أجزاء العارية باستعمالها بمعروف فلا ضمان أو تلفت العارية كلها باستعمالها بمعروف كخمل منشفة وطنفسة ونحوهما، لأن الأذن فى الاستعمال تضمن الأذن فى الاتلاف الحاصل به وما أذن فى اتلافه لا يضمن كالمنافع.
قال ابن نصر الله فعلى هذا لو تلفت بالانتفاع بالمعروف فلا ضمان.
وكذا لو تلفت العارية أو جزؤها بمرور الزمان فلا ضمان لأنه تلف بالامساك المأذون فيه فأشبه تلفه بالفعل المأذون فيه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن العارية غير مضمونة ان تلفت من غير تعدى المستعير، وسواء ما غيب عليه من العوارى وما لم يغب عليه منها.
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 5 ص 124، ص 125 طبع شركة مطبعة ومكتبة الحلبى بمصر سنة 1357 هـ سنة 1938 م.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 126 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 2 ص 336، ص 337 لابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ البهوتى الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ
فان ادعى عليه أنه تعدى أو أضاعها حتى تلفت أو عرض فيها عارض فان قامت بذلك بينة أو أقر ضمن بلا خلاف، وان لم تقم بينة ولا أقر لزمته العين وبرئ لأنه مدعى عليه، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب أن العارية تضمن بالتضمين أو شرط الحفظ أو بأمر مضمن كالجناية أو التفريط من المستعير وكذا التعدى من المستعير فى المدة المضروبة للعارية فانه يضمنها ضمان غصب ويضمن أجرة الزيادة حيث كان لمثلها أجرة ومثل التعدى فى المدة المضروبة التعدى فى الاستعمال نحو أن يحمل على الدابة أكثر مما استعارها له وكان مؤثرا فيها والا فلا أو حملها جنسا آخر ولو كان أخف مع عدم العرف.
ومن التعدى فى الاستعمال أن يجاوز المسافة المعينة قدرا لمثله أجرة أو يردف معه والرديف ضامن أيضا ان ساق أو تلف المستعار تحت العمل وقرار حصته عليه فان أوهمه المستعير أن الدابة له ضمن قيمة حصته ويرجع بما دفع من القيمة على المدلس لا من الكراء، لأنه قد استوفى ما فى مقابلته ما لم
يتلف تحت العمل فلا يرجع بما دفع من القيمة، وان زال التعدى فى الحفظ والاستعمال لم يخرج عن الضمان نحو أن يودعها لغير عذر ثم يستردها ويحملها أكثر مما استعارها له ثم ينزع ذلك فانها لا تعود يده يد أمانة لا ما ينقص من العارية بالانتفاع فلا يضمنه المستعير ولو استهلك الكل أو ضمن لم يصح التضمين لأنه مأذون فى الاستعمال
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن العارية أمانة فى يد المستعير لا يضمنها الا بالتعدى أو التفريط الا ما استثنى.
ولو نقصت العين المعارة بالاستعمال لم يضمن المستعير النقص لاستناد التلف الى فعل مأذون فيه، ولو من جهة الاطلاق.
أما لو تلفت بالاستعمال ففيه قولان.
قيل يضمن لو تلفت لعدم تناول الاذن للاستعمال المتلف عرفا وان دخل فى الاطلاق فيضمنها آخر حالات التقويم.
وقيل: لا يضمن أيضا كالنقص لما ذكر وهو الوجه
(3)
.
(1)
المحلى لابن حزم 9 ص 169 مسئلة رقم 1650 طبع أداره الطباعة المنيرية بمصر الطبعة الاولى سنة 1351 هـ.
(2)
التاج المذهب لاحكام المذهب لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 3 ص 257 الطبعة الاولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1366 هـ وسنة 1947 م.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 389، ص 390 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن المستعير اذا باع العارية فان لصاحبها أن يأخذها من المشترى ويرجع المشترى على البائع قال به موسى بن على.
وقال أبو الحر: ليس للمعير أن يستردها من المشترى والبيع تام، لأن المستعير أمينه فيأخذ المعير من المستعير المثل ولا سبيل له على المشترى.
وقال أبو عبيدة والربيع: على المعير أن يمكن منه المشترى فيحاكمه، ثم له أن يأخذ متاعه ويرجع المشترى على المستعير
(1)
.
حكم استهلاك العين
المستأجرة والمؤجر عليها
مذهب الحنفية:
ذكر ابن عابدين أن هلاك العين المستأجرة عليها اما أن يكون بفعل الأجير أو بغير فعله.
فان كان الهلاك بفعله ضمن اتفاقا سواء كان ذلك بتعد منه أو بدون تعد.
وان كان الهلاك بغير فعله فان كان لا يمكنه أن يحترز عنه لم يضمن اتفاقا. وان كان يستطيع أن يحترز عنه لم يضمن
مطلقا - يعنى سواء كان مصلحا أو غير مصلح عند الامام.
أما عند صاحبيه فانه يضمن مطلقا كذلك.
وأفتى المتأخرون بأن يتصالحا على نصف القيمة مطلقا.
وقيل: ان كان المستأجر مصلحا لا يضمن، وان كان غير مصلح ضمن، وان كان مستورا فالصلح.
وفى البدائع: لا يضمن عنده ما هلك بغير صنعه قبل العمل أو بعده، لأنه أمانة فى يده وهو القياس.
وقالا: يضمن الا من حرق غالب أو لصوص مكابرين وهو استحسان.
وقال ابن ملك فى شرح المجمع وفى المحيط: الخلاف فيما اذا كانت الاجارة صحيحة، أما ان كانت فاسدة فانه لا يضمن اتفاقا لأن العين حينئذ تكون أمانة لكون المعقود عليه - وهو المنفعة - مضمونة بأجر المثل.
قلت: ومحل الخلاف أيضا فيما اذا كان الهالك محدثا فيه العمل كما فى الجوهرة. أو لا يستغنى عنه ما يحدث فيه العمل كما فى البدائع.
روى هشام عن محمد فيمن دفع الى رجل مصحفا يعمل فيه. ودفع الغلاف معه أو دفع اليه سكينا ليصقله ودفع الجفن معه.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 6 ص 87 الطبعة السابقة.
قال محمد: يضمن المصحف والغلاف، والسيف والجفن لأن المصحف والسيف لا يستغنيان عن الغلاف والجفن. فان أعطاه مصحفا يعمل له غلافا أو سكينا يعمل له نصابا فضاع المصحف أو السكين لم يضمنه لأنه لم يستأجره على أن يعمل فيهما بل فى غيرهما
(1)
.
ويضمن ما هلك بعمله من غير قصد فى قول علمائنا الثلاثة، كتخريق الثوب من دقه بنفسه أو بأجيره فلو استعان برب الثوب فتخرق ولم يعلم أنه من أى دق
فعلى قول الامام ينبغى عدم الضمان للشك.
وعن الثانى يضمن نصف النقصان، كما لو تمسك به لاستيفاء الأجر فجذبه صاحبه فتخرق.
قال فى التبيين: ثم صاحب الثوب ان شاء ضمنه غير معمول ولم يعطه الأجر، وان شاء ضمنه معمولا وأعطاه الأجر.
وكذا يضمن اذا كان الهلاك بزلق الحمال اذا لم يكن ذلك من زحمة الناس فلو كان منها لم يضمن خلافا لهما كما فى شرح المجمع.
قال: وكذا يضمن لو ساق المكارى دابته فعثرت فسقطت الحمولة.
وكذا يضمن بانقطاع الحبل الذى يشد به المكارى كما فى الكنز والملتقى.
ولو كان الحبل لصاحب المتاع فانقطع لا يضمن وكذا يضمن الراعى المشترك اذا ساق الدواب على السرعة فازدحمت على القنطرة أو الشط فدفع بعضها بعضا فسقطت فى الماء أو عطبت الدابة بسوقه أو ضربه ولو كان ضربا معتادا.
وكذا يضمن اذا كان الهلاك بغرق السفينة من مده، أما لو غرقت السفينة من ريح أو موج أو شئ وقع عليها أو صدم جبل فهلك ما فيها فانه لا يضمن فى قول الامام رحمه الله تعالى. هذا اذا لم يكن رب المتاع أو وكيله فى السفينة فان كان لا يضمن اذا لم يتجاوز المعتاد ولم يتعمد الفساد لأن محل العمل غير مسلم اليه - وذلك لأن ضمان الأجير المشترك مقيد بثلاثة شرائط.
أن يكون فى قدرته رفع ذلك، فلو غرقت بموج أو ريح أو صدمة جبل لا يضمن وأن يكون محل العمل مسلما اليه بالتخلية.
وأن يكون المضمون مما يجوز أن يضمن بالعقد فلا يضمن الآدمى.
وكذا اذا كان هو والمكارى راكبين على الدابة أو سائقين أو قائدين، لأن المتاع فى أيديهما فلم ينفرد الأجير باليد.
(1)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 42 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الاميرية الكبرى ببولاق مصر سنة 1326 هـ.
وروى بشر عن أبى يوسف أنه اذا سرق من رأس الحمال ورب المتاع يمشى معه فلا ضمان، لأنه لم يخل بينه وبين المتاع.
وقالوا: اذا كان المتاع فى سفينتين وصاحبه فى احداهما وهما مقرونتان أولا الا أن سيرهما وحبسهما جميعا لا يضمن الملاح.
وكذا القطار اذا كان عليه حمولة وربها على بعير لأن المتاع فى يد صاحبه، لأنه الحافظ له.
ولا ضمان على حجام وبزاغ - أى بيطار وفصاد لم يجاوز الموضع المعتاد وكان عمله بالأذن فان جاوز المعتاد ضمن الزيادة كلها اذا لم يهلك المجنى عليه، وان هلك ضمن نصف دية النفس لتلفها بمأذون فيه وغير مأذون فيه، فيتنصف
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل: أن ابن القاسم قال: ان استأجرت ثوبا تلبسه يوما الى الليل ثم هلك بيدك لم يكن عليك شئ من ضمانه أما ان دفعته الى غيرك فهلك ضمنته
(2)
.
قال أبو الحسن ظاهره ولو كان الغير
مثله وقال سحنون: لا يضمن اذا كان مثله
(3)
.
وذكر صاحب التاج أن ابن يونس قال: القضاء أن الأكرياء والأجراء فيما أسلم اليهم كالأمناء عليه، لا يضمنونه الا الصناع والأكرياء على حمل الطعام والشراب والأدام خاصة اذ لا غنى عنه فضمنا لصلاح العامة كالصناع الا أن تقوم يبنة بهلاكه بغير سببهم أو يكون معهم أربابه لم يسلموه اليهم
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج أن يد المكترى على الدابة والثوب ونحوهما يد أمانة مدة الاجارة ان قدرت بزمن أو مدة استيفاء المنفعة ان قدرت بمحل عمل لعدم امكان الاستيفاء للمنفعة بدون وضع يده، وبه فارق كون يده يد ضمان على ظرف مبيع قبضه فيه لتمحض قبضه لغرض نفسه.
ويجوز السفر للمكترى بالعين المكتراة عند انتفاء الخطر لأنه يملك المنفعة فلو تلفت الدابة فى الطريق بلا تقصير لم يضمنها
(5)
.
ولو ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب مثلا ولم ينتفع بها وتلفت فى المدة أو بعدها لم يضمنها اذ يده يد أمانة وتقييده بالربط ليس قيدا فى الحكم الا ان انهدم عليها اصطبل فى وقت للانتفاع لو انتفع بها
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 43، ص 44 الطبعة المتقدمة.
(2)
التاج والاكليل على هامش الحطاب ج 5 ص 416.
(3)
الحطاب ج 5 ص 417.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 427.
(5)
نهاية المحتاج ج 5 ص 305.
فيه لم يصبها الهدم، لنسبته الى تقصير حينئذ اذ الغرض انتفاء عذره كما بحثه الأذرعى.
وأخذ السبكى من تمثيلهما لما لا ينتفع بها فيه بجنح ليل شتاء تقييد ذلك بما اذا اعتيد الانتفاع بها فى ذلك الوقت، لأن الربط لا يكون سببا للتلف الا حينئذ.
والأوجه أن الحاصل بالربط ضمان جناية لا يد فلا ضمان عليه لو لم تتلف بذلك خلافا لما رجحه السبكى وتبعه الزركشى.
ولو اكتراها ليركبها اليوم ويرجع غدا فأقامه بها ورجع فى الثالث ضمنها فيه فقط لاستعماله لها فيه متعديا.
ولو اكترى قنا لعمل معلوم ولم يبين موضعه فذهب به من بلد العقد الى آخر فأبق ضمنه مع الأجرة أيضا.
ولو تلف المال فى يد أجير بلا تعد كثوب استؤجر لخياطته أو صبغه لم يضمن ان لم ينفرد باليد بأن قعد المستأجر معه أو أحضره منزله.
وكذا ان انفرد باليد فلا يضمن فى أظهر الأقوال، لأنه انما أثبت يده لغرضه وغرض المالك فهو شبيه بالمستأجر وعامل القراض وهما لا يضمنان بالاجماع.
وقيل: يضمن كالمستعير.
وقيل: يضمن الأجير المشترك بين الناس بقيمته يوم التلف - والأجير المشترك هو من التزم عملا فى ذمته كخياطة.
أما الأجير المنفرد - وهو من أجر نفسه مدة معينة لعمل - فلا يضمن لاختصاص منافعه بالمستأجر فكان كالوكيل
(1)
.
ولو تعدى المستأجر فى ذات العين المستأجرة بأن ضرب الدابة مثلا أو كبحها فوق العادة أو أركبها أثقل منه أو أسكن فى المنزل حدادا أو قصارا ضمن العين المؤجرة بخلاف ما هو العادة فلا يضمن به
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير أن العين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر ان تلفت بغير تفريط لم يضمنها.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الذين يكرون المظل أو الخيمة الى مكة فيذهب من المكترى بسرق أو بذهاب هل يضمن؟ قال: أرجو أن لا يضمن وكيف يضمن؟ اذا ذهب لا يضمن ولا نعلم فى هذا خلافا، وذلك لأنه قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقها منها فكانت أمانة كما لو قبض العبد الموصى له بخدمته سنة أو قبض الزوج امرأته الأمة. واذا انقضت المدة فعليه أن يرفع يده عنها وليس عليه الرد. أومأ الى ذلك فى رواية ابن منصور، فقيل له: اذا اكترى دابة أو استعار أو استودع فليس عليه أن يحمله؟ فقال
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 307، ص 308.
(2)
المرجع السابق 5 ص 309.
أحمد: من استعار شيئا فعليه رده من حيث أخذه. فأوجب الرد فى العارية ولم يوجبه فى الاجارة والوديعة، لأنه عقد يقتضى الضمان فلا يقتضى الرد. وعلى هذا متى انقضت المدة كانت العين فى يده أمانة كالوديعة، ان تلفت من غير تفريط فلا ضمان عليه.
فان شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد لأنه ينافى مقتضى العقد اما أن اكراه عينا وشرط عليه أن لا يسير بها فى الليل أو وقت القائلة أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره فى آخرها أو لا يسلك بها الطريق الفلانية وأشباه هذا مما له فيه غرض فخالف ضمن لأنه متعد لشرط كريه فضمن ما تلف به، كما لو شرط عليه أن لا يحمل عليها الا قفيزا فحمل اثنين
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: أن موت الأجير أو موت المستأجر أو هلاك الشئ المستأجر أو عتق العبد المستأجر أو بيع الشئ المستأجر من الدار أو العبد أو الدابة أو غير ذلك أو خروجه عن ملك مؤاجره بأى وجه خرج كل ذلك يبطل عقد الاجارة فيما بقى من المدة خاصة قل أو كثر لقول الله تعالى
(2)
:
ولا تكسب كل نفس الا عليها
(3)
.
ولا ضمان على أجير مشترك أو غير مشترك ولا على صانع أصلا الا ما ثبت أنه تعدى فيه أو أضاعه، والقول فى كل ذلك ما لم تقم عليه بينة قوله مع يمينه فان قامت عليه بينة بالتعدى أو الاضاعة ضمن، وله فى كل ذلك الأجرة فيما أثبت انه كان عمله فان لم تقم بينة حلف صاحب المتاع أنه ما يعلم أنه عمل ما يدعى أنه عمله ولا شئ عليه حينئذ.
وبرهان ذلك قول الله تعالى: «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ»
(4)
فمال الصانع والأجير حرام على غيره فان اعتدى أو أضاع لزمه حينئذ أن يعتدى عليه بمثل ما اعتدى والاضاعة لما يلزمه حفظه تعد، وهو ملزم بحفظ ما استعمل فيه بأجر أو بغير أجر لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اضاعة المال وحكمه صلى الله عليه وسلم بالبينة على من ادعى وباليمين على المطلوب اذا أنكر ومن طلب بغرامة مال، أو ادعى عليه ما يوجب غرامة فهو المدعى عليه فليس عليه الا اليمين بحكم الله عز وجل، والبينة على من يدعى لنفسه حقا فى مال غيره
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب أن المستأجر أمين لا يضمن ما تلف الا أن يفرط فى الحفظ. وان
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامه المقدسى ج 6 ص 117 وما بعدها الى ص 119.
(2)
الاية رقم 164 من سورة الانعام.
(3)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 184 مسئلة رقم 1291 طبع المطبعة المنيرية بمصر الطبعة الأولى سنة 1350 هـ.
(4)
الاية رقم 29 من سورة النساء.
(5)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 201 مسئلة رقم 1325 الطبعة المتقدمة.
شرط عليه الحفظ ضمن، وان شرط عليه الضمان ضمن الا أن يشترط عليه ضمان ما ينقص بالاستعمال أو ينكسر أو ينشق أو يتلف بالاستعمال المعتاد أو بدونه من دون تفريط فان الشرط يلغو فى هذا كله ولا ضمان عليه ويصح عقد الاجارة وأما اذا أطلق الضمان فانه يضمن ما عدا ما ينقص بالاستعمال فيلغو تضمينه أثر الاستعمال.
لأنه يؤدى الى منعه من الانتفاع وتصح الاجارة ولا تفسد بذلك كما لا يصح أن يضمن ذلك المستعير ويجب على من استأجر العين المنقولة أن يردها بعد انقضاء مدة الاجارة الى موضع القبض لا الى موضع العقد. وان لم يردها ضمن ضمان الغاصب الا أن يترك الرد لعذر فانه لا يضمن العين الا لتفريط أو تضمين
(1)
.
مذهب الإمامية:
ذكر صاحب شرائع الاسلام ان العين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر الا بتعد أو تفريط، وان شرط عليه ضمانها من غير ذلك ففيه تردد وأظهر الأقوال المنع
(2)
.
فاذا اكترى دابة فسار عليها زيادة عن العادة أو ضربها كذلك أو كبحها باللجام من غير ضرورة ضمن
(3)
.
واذا أفسد الصانع ضمن ولو كان حاذقا
كالقصار يحرق الثوب أو يخرق أما لو تلف فى يد الصانع لا بسببه من غير تفريط ولا تعد لم يضمن على الأصح.
وكذا الملاح والمكارى ولا يضمنان الا ما يتلف عن تفريط على الأشبه
(4)
.
وجاء فى الفروع من الكافى أنه لو استأجر رجل دابة فأعطاها غيره فنفقت فان كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها وان لم يسم فليس عليه شئ
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن من اكترى دابة فله أن يحمل عليها فان ضرها الحمل فليس عليه ضمان ومنهم من يقول: هو ضامن الا ان قال له صاحبها: احمل عليها كذلك
(6)
.
حكم استهلاك الشئ المرهون
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية ان استهلاك الشئ المرهون يختلف حكمه تبعا لاختلاف العين المستهلكة والمستهلك، وذلك لأن الشئ المرهون اما أن يكون من بنى آدم كالعبد والأمة، واما أن يكون من غير بنى آدم من سائر الأموال.
فان كان من غير بنى آدم فاستهلكهه أجنبى ضمن قيمته ان كان مما ليس له مثل
(1)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 76، ص 77.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى ج 1 ص 233 من منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 235.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 237.
(5)
الفروع من الكافى لأبى جعفر محمد ابن يعقوب الكلينى ج 5 ص 291.
(6)
شرح النيل ج 5 ص 86.
وضمن مثله ان كان مما له مثل كما اذا لم يكن مرهونا والمرتهن هو الخصم فى تضمينه وكان الضمان رهنا لأنه بدل المرهون.
ثم ان كان الضمان من جنس الدين والدين حال استوفاه بدينه، وان كان الدين لم يحل احتفظ به لديه حتى يحل أجله مكانه.
وكذلك لو استهلكه المرتهن يضمن مثله أو قيمته لأنه لو أتلف مالا مملوكا متقوما بغير اذن مالكه يضمن مثله أو قيمته كما لو أتلفه أجنبى وكان رهنا مكانه.
أما ان استهلكه الراهن، فان كان الدين حالا يطالب بالدين اذ لا فائدة فى المطالبة بالضمان، وان كان لم يحل أخذ المرتهن منه الضمان فأمسكه الى أن يحل الدين.
واذا كان فى الرهن نماء كاللبن والولد فاستهلكه المرتهن أو الراهن أو أجنبى بأن كان الرهن شاة قيمتها عشرة بعشرة فحلبت أو ولدت فعليه ضمانه.
أما وجوب الضمان على الأجنبى والمرتهن فظاهر، لأن الزيادة ملك الراهن واتلاف مال مملوك للغير بغير اذنه يوجب الضمان.
وأما وجوبه على الراهن فلان المتلف وان كان مملوكا له لكن للمرتهن فيه حق قوى فيلحق بالملك فى حق وجوب الضمان.
واذا وجب الضمان على المتلف كان الضمان مع الشاة رهنا عند المرتهن، لأنه بدل المرهون فيقوم مقامه فان هلك الضمان لا يسقط شئ من الدين، لأنه بدل ما ليس بمضمون بالدين فكان حكمه حكم الأصل والأصل لو هلك يهلك بغير شئ كذا البدل وان هلكت الشاة سقطت حصتها من الدين لأنها مرهونة مقصودة فكانت مضمونة بالهلاك، ويفتك الراهن ضمان الزيادة بقدرها من الدين، لأن الزيادة تصير مقصودة بالفكاك فيصير لها حصة من الدين هذا اذا كان الاستهلاك بغير اذن.
فأما اذا كان الاستهلاك باذن بأن قال الراهن للمرتهن: احلب الشاة فما حلبت فهو حلال لك أو قال له: كل هذا الحمل فحلب وشرب وأكل حل له ذلك ولا ضمان عليه، لأن الزيادة ملك الراهن فيصح اذنه بالأكل والشرب منها، ولا يسقط شئ من دين المرتهن حتى لو جاء الراهن يفتك الشاة يفتكها بجميع الدين لأن اتلاف المرتهن باذن الراهن مضاف الى الراهن كأنه أتلفه بنفسه، ولو كان كذلك لا يسقط شئ من الدين وكان عليه ضمان المتلف كذا هذا
(1)
.
وجاء فى رد المحتار على الدر المختار:
أنه اذا بقى النماء ولو حكما بعد هلاك الأصل فك بحصته من الدين، لأنه صار مقصودا بالفكاك، والتبع يقابله شئ اذا كان مقصودا كولد المبيع فانه يصير مبيعا تبعا ولا يصير له
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 163، ص 164 الطبعة الاولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.
حصة من الثمن الا اذا صار مقصودا بالقبض - وذلك كما لو أكل بالاذن فانه لا يسقط حصة ما أكل منه فيرجع به على الراهن كما اذا هلك الأصل بعد الأكل فانه يقسم الدين على قيمتهما. أى أن الدين يقسم على قيمته يوم الفكاك وقيمة الأصل يوم القبض. ويسقط من الدين حصة الأصل وفك النماء بحصته كما لو كان الدين عشرة وقيمة الأصل يوم القبض عشرة وقيمة النماء يوم الفك خمسة فثلثا العشرة حصة الأصل، فيسقط وثلث العشرة حصة النماء فيفك به
(1)
.
وكذلك لو استهلكه أجنبى باذن الراهن والمرتهن فالجواب فيه وفى المرتهن اذا استهلكه باذن الراهن سواء وقد ذكرناه.
ولو استهلكه الراهن باذن المرتهن لا شئ عليه لأن الضمان لو وجب لوجب لحق المرتهن لا لحق نفسه لأنه ملكه وقد أبطل المرتهن حق نفسه بالاذن فلا يستحق الضمان وجعل كأن الزيادة هلكت بآفة سماوية وبقيت الشاة رهنا بجميع الدين
(2)
.
هذا اذا كان المرهون من غير بنى آدم.
فان كان من بنى آدم فجنى عله فجملة الكلام فى جنايات الرهن انها ثلاثة أقسام على جناية الراهن أو المرتهن أو
الأجنبى على الرهن وجناية الرهن على الراهن أو المرتهن أو أجنبى وجناية الرهن على مثله بأن كان الرهن عبدين فجنى أحدهما على الآخر وفى كل هذه الصور تفصيل فى حكم الضمان يراجع فى مصطلح (رهن).
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أن الراهن اذا أخذ الرهن غصبا من المرتهن ثم فاته بمفوت نظر، فان كان الراهن موسرا مضى فعله، وعجل الدين، وان كان معسرا أخذه المرتهن، فان حل أجل الدين وخلص الرهن لزم الراهن ما فعله فى الرهن من المفوتات، وان لم يخلص الرهن من الرهنية بيع فى الرهنية، فلو وطئ الراهن أمته المرهونة غصبا من المرتهن فولده منها حر، لأنها ملكه وعجل الراهن الملى الدين للمرتهن أو قيمتها أى عجل الأقل من الأمرين، وان لم يكن مليا بقى الرهن الذى هو الأمة لأقصى الأجلين الوضع أو حلول الأجل فتباع كلها أو بعضها ان وفى بعضها بالدين ووجد من يشترى البعض. فان وفى بعضها بالدين ولم يوجد من يشترى بعضها بيعت كلها.
فان نقص ثمنها عن الدين اتبع السيد بالباقى، ولا يباع ولدها لأنه حر
(3)
.
وان اتفق الراهن والمرتهن على أمين توضع العين المرهونة عنده ثم سلم الأمين العين
(1)
رد المختار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 5 ص 346 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الأميرية الكبرى ببولاق مصر سنة 1326 هـ.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 163، 164 الطبعة الاولى سنة 1328 هـ طبع مطبعة الجمالية بمصر ..
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 242، ص 243 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر.
المرهونة الى أحدهما دون اذن الآخر ففى الحكم تفصيل.
فأن سلمه للمرتهن وضاع عنده ضمن الأمين للراهن قيمته يوم تلفه بحيث اذا تلف يضمن قيمته فان كانت قدر الدين سقط الدين وبرئ الأمين، وان زادت على الدين ضمن الأمين الزيادة، ورجع بها على المرتهن الا لبينة على تلفه بلا تفريط.
وان سلمه للراهن ضمن الأمين قيمة الرهن للمرتهن أو ضمن الدين أيهما أقل، وذلك حيث تلف الرهن عند الراهن ويرجع الأمين على الراهن بكل ما غرمه للمرتهن من قيمة أو غيرها
(1)
.
ولو باع الراهن الرهن المعين المشترط فى عقد البيع أو القرض مضى بيعه وان لم يجز ابتداء قبل قبضه للمرتهن ان فرط مرتهنه فى طلبه حتى باعه، وصار دينه بلا رهن لتفريطه، وان لم يفرط بل جد فى الطلب فتأويلان فى مضى البيع سواء فات أو لم يفت ويكون الثمن رهنا، وفى رده ان لم يفت ويبقى رهنا والا فالثمن.
أما ان باعه بعد قبض المرتهن له فلا يخلو من أن يكون باعه بأقل من الدين أو بأكثر منه أو بمساوله، وفى كل اما أن يكون الدين عينا مطلقا أو عرضا من بيع أو من قرض.
فان باعه بأقل من الدين ولم يكمل له ما نقص من الدين خير المرتهن بين أن يرد
البيع ويرجع الرهن لما كان عليه من الرهنية أو يجيزه ويأخذ الثمن ويطالب ببقية دينه سواء كان الدين عرضا من بيع أو من قرض أو كان عينا مطلقا وان كمله له أخذه ولا كلام له.
فان باعه بمساو أو أكثر فان كان الدين عينا مطلقا أو عرضا من قرض فلا كلام للمرتهن بل البيع لازم ويعجل الدين.
وان كان عرضا من بيع خير المرتهن فى رد البيع وامضائه فان رد بيعه رجع رهنا وان أمضاه عجل الدين هذا حكم تصرف الراهن تصرفا بعوض فى العين المرهونة.
أما ان تصرف فيها بغير عوض فان كان تصرفه بتدبير عبد فانه يبقى على حكم الرهنية للأجل، فان دفع سيده الدين فالأمر ظاهر والا بيع فيه سواء كان السيد حين التدبير موسرا أو معسرا وسواء كان التدبير بعد قبض المرتهن له أو قبله كما قال الشارح وهو ظاهر المدونة.
لكن قال أبو الحسن: ان كلام المدونة محمول على ما اذا دبره بعد القبض وأما لو دبره قبله فلا يبقى على حكم الرهنية، بل يفوت بتدبيره لحصول التقصير بعدم القبض.
وان كان تصرف الموسر بعتق عبد مرهون أو بكتابته مضى تصرفه ولو كان العتق أو الكتابة قبل قبض المرتهن له. وعجل الدين ان كان مما يعجل.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 244 الطبعة المتقدمة.
أما ان كان الراهن معسرا وأعتق الرهن أو كاتبه فان العبد يبقى رهنا على حاله مع جواز فعله ابتداء فان أيسر فى الأجل أخذ من الراهن الدين ونفذ العتق والكتابة، والا بيع من العبد بمقدار ما يفى بالدين
(1)
.
وجاء فى مواهب الجليل: أن المرتهن يضمن الرهن ان كان بيده مما يغاب عليه ولم تشهد بينة بهلاكه بنحو حرق.
قال الباجى فى المنتقى: اذا قلنا برواية ابن القاسم وقامت بينة بهلاك ما يغاب عليه من الرهن من غير تضييع من المرتهن ففى المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك لا يضمن.
وكذلك لو رهنه رهنا فى البحر فى المركب فغرق المركب أو احترق منزله أو أخذه منه لصوص بمعاينة فى ذلك كله.
وان لم يكن الرهن مما يغاب عليه كالحيوان على اختلاف أنواعه مأكولا أو غيره فانه لا ضمان على المرتهن فيه.
قال فى التوضيح: هذا هو المنصوص.
وأخذ مما رواه أبو الفرج عن ابن القاسم فيمن ارتهن نصف عبد وقبضه كله، ثم تلف: أنه لا يضمن الا نصفه ضمان ما لا يغاب عليه.
قال اللخمى: وأرى أن يضمن ما يستخف ذبحه وأكله.
قال صاحب التاج والاكليل: ولو شرط فيما لا يغاب عليه أن يضمنه لم يلزمه ويكون ضمانه
(2)
من ربه.
وروى الحطاب عن المدونة: ان من ارتهن عبدا فأعاره لرجل بغير أمر الراهن فهلك عند المعار بأمر من الله لم يضمن هو ولا المستعير، وكذلك ان استودعه رجلا الا أن يستعمله المودع أو المستعير عملا أو يبعثه مبعثا يعطب فى مثله فحينئذ يتعين أنه تسبب فى هلاكه فيضمن.
وجاء فى النوادر عن سحنون أن المرتهن اذا تعدى فأودع العبد الرهن أو أعاره بغير اذن ربه فانه يضمن سواء هلك بأمر من الله أو بغير ذلك.
وذكر ابن المواز: أن من ارتهن عبدا فأودعه غيره فمات فلا ضمان عليه
(3)
.
وجاء فى حاشية الدسوقى: أن الرهن اذا كان مما يضمن، بأن كان مما يغاب عليه فان ضمانه من المرتهن ولو قبض دينه من الراهن أو وهبه له، لأن الأصل
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 248، ص 249 الطبعة المتقدمة.
(2)
مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل ج 5 ص 25، ص 26 للحطاب فى كتاب على هامشه التاج والاكليل للمواق الطبعة الاولى سنة 1329 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 27 الطبعة السابقة.
بقاء ما كان على ما كان الى أن يسلمه لربه ولا يكون ذلك الرهن عند المرتهن بعد براءة ذمة الراهن كالوديعة.
واذا وهب المرتهن الدين للراهن ثم تلف الرهن فضمنه قيمته كان للمرتهن ابطال الهبة اذا حلف أنه انما وهبه الدين لأجل أن يبرئ ذمته من الرهن، ويلزم الراهن غرم الدين ويتقاصان فان فضل عند أحدهما للآخر شئ دفعه
(1)
له.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج انه: اذا تصرف الراهن فى العين المرهونة تصرفا يزيل الملك كان ذلك منه رجوعا عن الرهن وذلك كأن يهبها هبة مقبوضة أو يبيعها أو يعتقها.
وكذا يحصل الرجوع بتدبير فى الأظهر اذ مقصوده العتق وهو مناف للرهن وبأحبالها منه أو من أصله - كما فى فتاوى القاضى - لتعلق العتق به.
فكل تصرف يمنع ابتداء الرهن فطريانه قبل القبض يبطل الرهن.
وكل تصرف لا يمنع ابتداءه، لا يفسخه قبل القبض الا الرهن والهبة من غير قبض
(2)
وليس للراهن المقبض تصرف مع غير المرتهن بغير اذنه يزيل الملك كبيع وهبة ووقف، اذ لو صح ذلك منه لفاتت الوثيقة.
فاذا كان التصرف مع المرتهن أو باذنه صح، نعم له قتله قودا ودفعا، وكذا لنحو ردة اذا كان واليا.
أما اذا كان التصرف فيه باعتاق ففيه أقوال أظهرها أنه ينفذ من الموسر بقيمة المرهون.
بل بحث البلقينى اعتبار يساره بأقل الأمرين من قيمة المرهون ومن قدر الدين وهو كما قال الزركشى - التحقيق.
أما المعسر فلا، لأنه عتق يبطل حق الغير ففرق فيه بين المعسر والموسر كعتق الشريك، فان أيسر ببعضها عتق بقدر ما أيسر به.
والثانى: ينفذ مطلقا ويغرم المعسر اذا أيسر القيمة وتصير رهنا.
والثالث لا ينفذ مطلقا.
وعلى القول الأول يغرم قيمته يوم عتقه وتصير رهنا ولو فى ذمته كأرش الجناية فى ذمة الجانى.
وشمل كلامه فى حالة نفوذ عتقه ما لو كان عن كفارته بخلاف كفارة غير المرتهن بسؤاله، لأنه بيع ان وقع بعوض، والا فهبة وهو ممنوع منهما مع غير المرتهن
(3)
.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 255 الطبعة المتقدمة.
(2)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 4 ص 250، ص 251 فى كتاب على هامشه حاشية الشبراملسى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ، 1938 م.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 254، ص 255 الطبعة السابقة.
ولو شرط الراهن والمرتهن أن يوضع المرهون عند عدل جاز لأن كلا منهما قد لا يثق فى صاحبه فان وضعاه عند عدل ثم ادعى العدل أنه رده اليهما أو ادعى أنه هلك صدق، وليس له أن يرده الى أحدهما، فان أتلف العدل خطأ العين المرهونة أو أتلفها غيره ولو عمدا أخذ من المتلف البدل، وحفظ عند العدل بالاذن الأول فان أتلفه العدل عمدا أخذ منه البدل ووضع عند آخر لتعديه باتلاف المرهون.
قال الأذرعى: والظاهر أن أخذ القيمة انما يكون فى المتقوم، أما المثلى فيطالب بمثله.
قال: وكأن الصورة فيما اذا أتلفه عمدا عدوانا. أما لو أتلفه مكرها أو دفعا لصيال فيكون كما لو أتلفه خطأ
(1)
.
والمرهون أمانة فى يد المرتهن لخبر: الرهن من راهنه - أى من ضمانه له غنمه وعليه غرمه فلو شرط كونه مضمونا لم يصح الرهن ويسقط بتلفه شئ من دينه كموت الكفيل بجامع التوثق، ولأنه لو سقط بتلفه لكان تضييعا له
(2)
.
وان وطئ المرتهن العين المرهونة باذن الراهن المالك لها فعليه المهر ان أكرهها أو جهلت تحريمه كأعجمية لا تعقل.
والولد حر نسيب لأن الشبهة كما تدرأ الحد تثبت النسب والحرية، وعليه قيمته للراهن المالك لتفويته الرق عليه
(3)
.
ولو باع المالك العين المرهونة من غير اذن المرتهن فللمرتهن المخاصمة جزما كما أفتى به البلقينى - وهو ظاهر.
ويلحق بذلك ما لو أتلفه الراهن فيطالب المرتهن لئلا يفوت حقه من التوثق وكذا لو كان المتلف غير الراهن وخاصمه المرتهن لحق التوثق بالبدل فلا يمتنع
(4)
.
ولو جنى رقيق على الرقيق المرهون ووجب قصاص اقتص الراهن منه أو عفى مجانا وفات الرهن لفوات محله من غير بدل هذا ان كانت الجناية فى النفس فان كانت فى طرف أو نحوه فالرهن باق بحاله.
ولو أعرض الراهن عن القصاص والعفو بأن سكت عنهما لم يجبر على أحدهما، فان وجب المال بعفوه عن القصاص عليه أو بجناية خطأ أو شبه عمد أو عمد يوجب مالا لانتفاء المكافأة مثلا صار المال مرهونا وان لم يقبض ولم يصح عفو الراهن عنه لتعلق حق المرتهن به
(5)
.
واذا جنى المرهون على أجنبى جناية تتعلق برقبته قدم المجنى عليه على
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 265، 266 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 273، 274 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 277، 278 الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 279، 280 الطبعة المتقدمة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 280 الطبعة السابقة.
المرتهن، لأن حقه متعين فى الرقبة بدليل أنه لو مات سقط حقه وأما حق المرتهن فمتعلق بذمة الراهن وبالرقبة، ولأن حق المجنى عليه مقدم على حق المالك فأولى ان يتقدم على حق المتوثق فان اقتص منه المستحق فى النفس أو غيرها بأن أوجبت الجناية قصاصا، أو بيع المرهون كله أو بعضه لحق المجنى عليه بأن أوجبت الجناية مالا أو عفى على مال بطل الرهن فيما اقتص أو بيع لفوات محله.
وان جنى المرهون على سيده فاقتص بطل الرهن فى المقتص نفسا كان أو طرفا كما فى المحرر
(1)
.
وجاء فى الأم: أن كل جناية على رهن غير آدمى ولا حيوان لا تختلف سواء فيما جنى على الرهن ما نقصه لا يختلف ويكون الأرش رهنا مع ما بقى من المجنى عليه الا أن يشاء الراهن أن يجعله قصاصا وقيمة ما جنى على الرهن غير الآدميين ذهب أو فضة الا أن يكون كيل أو وزن يوجد مثله فيتلف منه شئ فيأخذ مثله وذلك مثل حنطة رهنت يستهلكها رجل فيضمن مثلها أو مثل ما فى معناها وان جنى على الحنطة جناية تضر عينها بأن تتعفن أو تسود أو تحمر ضمن ما نقصت الحنطة
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أنه اذا تعدى المرتهن فى الرهن، أو فرط فى الحفظ للرهن الذى عنده حتى تلف فانه يضمن لا نعلم فى وجوب الضمان عليه خلافا، ولأنه أمانة فى يده، فلزمه ضمانه إذا تلف بتعديه أو تفريطه كالوديعة - وأما ان تلف من غير تعد منه ولا تفريط فلا ضمان عليه وهو من مال الراهن
(3)
.
وجاء فى كشاف القناع: أنه لو تصرف الراهن فى الرهن قبل القبض بهبة أو بيع أو عتق، أو جعله صداقا أو عوضا فى خلع أو طلاق أو عتق أو جعله أجرة أو جعلا فى جعالة أو نحو ذلك مما يخرج به عن ملكه أو رهنه ثانيا نفذ تصرفه، لعدم لزوم الرهن، وبطل الرهن الأول، لأن هذه التصرفات تمنع الرهن فانفسخ.
وان دبر الراهن الرهن قبل قبضه أو أجره أو كاتبه أو زوج الأمة المرهونة قبل القبض لم يبطل الرهن، لان هذه التصرفات لا تمنع البيع فلا تمنع صحة الرهن.
ولو أذن الراهن للمرتهن فى قبض الرهن ثم تصرف الراهن قبل القبض نفذ تصرفه أيضا لعدم اللزوم قبل القبض
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 282 وص 283 الطبعة السابقة.
(2)
الأم ج 3 ص 163 طبعة الشعب.
(3)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامه المقدسى ج 4 ص 442 الطبعة الأولى سنة 1347 هـ طبع مطبعة المنار بمصر.
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 2 ص 151 فى كتاب على هامش شرح منتهى الارادات الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
وان أزال الراهن أو غيره يد المرتهن بغير حق كالغصب والسرقة واباق العبد وضياع المتاع ونحوه فلزوم الرهن باق، لأن يد المرتهن ثابتة عليه حكما
(1)
.
ولا يصح تصرف الراهن فى الرهن المقبوض بغير اذن المرتهن بما يمنع ابتداء عقده كهبة ووقف وبيع ورهن ونحوه، وذلك لأنه تصرف يبطل حق المرتهن من الوثيقة وليس بمبنى على السراية والتغليب فلم يصح بغير اذن المرتهن كفسخ الرهن الا العتق مع تحريمه لما فيه من ابطال حق المرتهن من الوثيقة فانه ينفذ لأنه اعتاق من ملك تام الملك فنفذ كعتق المستأجر، ولأنه مبنى على السراية والتغليب، بدليل أنه ينفذ فى ملك الغير ففى ملكه أولى.
ثم ان كان الراهن موسرا أخذ منه قيمة الرهن وقت عتقه رهنا مكانه، لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة أشبه ما لو أتلفه.
وان كان الراهن معسرا فان أيسر قبل حلول الدين أخذت القيمة منه وجعلت رهنا مكانه لأنها بدله.
وان أيسر بعد حلول الدين طولب بالدين فقط لأن ذمته تبرأ بالحقين معا.
وان أذن المرتهن فى العتق أو فى غيره مما تقدم كالهبة والوقف والبيع والرهن
ونحوه صح التصرف المأذون فيه، لأن الراهن انما منع من مثل ذلك لتعلق حق المرتهن به وقد أسقطه بالاذن وبطل الرهن لأن ما أذن فيه يمتنع معه جواز الرهن ابتداء فامتنع معه دواما
(2)
.
وليس للراهن أن يزوج الأمة المرهونة بغير اذن المرتهن، فان فعل لم يصح لأنه ينقص ثمنها فلم يصح كتزويج العبد.
وليس له أن يطأها فان فعل فلا حد عليه لأنها ملكه، ولا مهر لذلك.
وان أتلف جزءا منها أو نقصها مثل ان افتض بكارتها أو أفضاها فعليه قيمة ما أتلف فان شاء الراهن جعله رهنا معها وان شاء جعله قضاء من الحق ان لم يكن الحق قد حل، وان كان الحق قد حل جعله قضاء عن الحق لا غير.
وان أولدها الراهن بأن وطئ الأمة المرهونة فأحبلها بعد لزوم الرهن وولدت ما تصير به أم ولد خرجت من الرهن، لأنها صارت أم ولد لأنه أحبلها بحر فى ملكه، وأخذت من الراهن قيمتها حين أحبلها لأنه وقت اتلافها فجعلت رهنا مكانها كما لو أتلفها بغير ذلك، الا أن يكون الوط ء باذن المرتهن، لأن الوط ء يفضى الى الاحبال، ولا يقف على اختياره فالاذن فى سببه اذن فيه
(3)
.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 153 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 154 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 155 الطبعة المتقدمة.
وان أتلف الرهن فى يد العدل أجنبى فعلى المتلف بدله أى مثله ان كان مثليا وقيمته ان لم يكن مثليا، ويكون هذا البدل رهنا فى يد العدل، بمجرد الأخذ من المتلف كبدل هدى وأضحية، وللعدل أن يطالب بالبدل على المتلف كالوديع لأن له ولاية حفظه
(1)
.
وان جنى الرهن كالعبد جناية موجبة للمال كالخطأ وشبه العمد على بدن أو مال.
فان كانت تلك الجناية تستغرق قيمة الرهن تعلق أرشها برقبته وقدمت على حق المرتهن.
قال فى المبدع: بغير خلاف نعلمه، ومعناه فى المغنى، لأنها مقدمة على حق المالك والملك أقوى من الرهن فأولى أن تقدم على الرهن، وان لم يستغرق الأرش قيمة العبد بيع منه بقدر الأرش لأن بيعه انما جاز ضرورة فيتقيد بقدر الحق، وباقى العبد رهن لزوال المعارض، فان تعذر بيع بعضه بيع كله للضرورة ويكون باقى ثمنه رهنا مكانه
(2)
.
وان جنى على المرهون جناية موجبة للقصاص أو غيره فالخصم سيده لأنه المالك له والأرش الواجب بالجناية ملكه وانما للمرتهن فيه حق الوثيقة فان أخر السيد المطالبة لغيبة أو عذر من نحو مرض فللمرتهن المطالبة لأن حقه تعلق بموجبها.
ولسيد المرهون المجنى عليه عمدا القصاص باذن المرتهن وبدون اذنه ان أعطاه السيد ما يكون رهنا مكانه لتعلق حقه به
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن الرهن ان مات أو تلف أو أبق أو فسد أو كانت أمة فحملت من سيدها أو أعتقها أو باع الرهن أو وهبه أو تصدق به أو أصدقه فكل ذلك نافذ وقد بطل الرهن وبقى الدين كله بحسبه ولا يكلف الراهن عوضا مكان شئ من ذلك. ولا يكلف المعتق ولا الحامل استسعاء الا أن يكون الراهن لا شئ له من أين ينصف غريمه غيره فيبطل عتقه وصدقته وهبته ولا يبطل بيعه ولا أصداقه، وذلك لأن الدين قد ثبت فلا يبطله شئ الا نص قرآن أو سنة فلا سبيل الى وجود ابطاله فيهما، ولا يجوز تكليف عوض ولا استسعاء لأنه لم يأمر الله تعالى بذلك ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذمم بريئة الا بنص قرآن أو سنة.
فأما العتق والبيع والهبة والاصداق والصدقة فان الرهن مال الراهن بلا خلاف وكل هذه الوجوه مباحة للمرء فى ماله بنص القرآن والسنة والاجماع المتيقن الا من لا شئ له غير ذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «كل
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 165 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 169 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 170 الطبعة المتقدمة.
معروف صدقة» وقوله «الصدقة عن ظهر غنى» .
وأما هلاك الرهن بغير فعل الراهن ولا المرتهن فلا يحل ذلك للراهن شيئا ولا ضمان على المرتهن الا أن يتعدى فيه أو أن يضيعه فيضمنه حينئذ باعتدائه
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه لا يصح للمالك أن يتصرف فى العبد المرهون بالبيع أو الهبة أو المكاتبة أو التدبير أو المؤاجرة أو غير ذلك من أنواع التصرفات الا باذن المرتهن والمقصود بذلك ان هذه الأشياء لا تكون ناجزة بل تكون موقوفة على زوال الارتهان أو اجازة المرتهن وان كان استهلاكا، لأن هذه اسقاط
(2)
حق فان فعل الراهن فى الرهن أى هذه التصرفات نقض ذلك كالنكاح، الا العتق والاستيلاد، فانه لا يصح نقضهما على خلاف فى ذلك يتضمن أقوالا ثلاثة.
أولاها: أن الراهن اذا أعتق المرهون عتق فى الحال ولم يصح نقضه سواء كان الراهن معسرا أو موسرا لكن مع الايسار يجبر على تسليم الدين ومع الاعسار يسعى العبد.
وثانيها: أنه لا يعتق بكل حال.
وثالثها: أن العبد اما أن تكون فى قيمته زيادة على الدين أولا فان كان فيها زيادة عتق العبد، ثم ان كان مولاه موسرا لزمه تسليم الدين فى الحال، فان كان مؤجلا ابدل رهنا، وأما اذا لم تكن فى قيمته زيادة كان عتقه موقوفا على الأداء، فان كان مولاه موسرا لزمه أن يستفديه ويسلم الدين الحال وأن يبدل الرهن فى المؤجل، وان كان معسرا قيل: فلا نص فى ذلك لكن لا يمتنع أن يقال فيه كما قيل فى القسم الأول أن سيده ينجم عليه ويبقى العبد محبوسا ومع الافلاس يسعى العبد.
واذا زوج الراهن الأمة المرهونة من المرتهن صح، وكذا اذا زوجها من عبده ومتى بيع العبد بطل الرهن ولا يبطل الرهن حيث زوجها. من غير المرتهن بأذنه، فان زوجها من غير اذنه ولا اجازته بطل الرهن.
وليس للمالك وط ء الأمة المرهونة فان فعل لزمه المهر كالأجرة وتكون رهنا ويلحقه الولد.
واذا أتت الأمة المرهونة بولد وهى فى يد المرتهن فادعاه الراهن صارت أم ولد له وبطل الرهن على معنى أنها لا تباع للايفاء لأنه لا يجوز بيع أم الولد ومع ذلك البطلان فالمرتهن له حبسها ويضمنها
(1)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 93 وما بعدها الى ص 99 مسئلة رقم 1214 الطبعة الاولى سنة 1350 هـ طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.
(2)
شرح الازهار ج 3 ص 406.
اذا تلفت لأنها قبل موت سيدها ملك له
(1)
.
واذا وقعت جناية من الرهن وهو فى يد المرتهن لزمت الراهن ولا يضمن المرتهن الا جناية الرهن العقور ان فرط فى حفظه وقد علم المرتهن بكونه عقورا فأما اذا جهل ذلك فضمانه يكون على الراهن اذا كان قد علم بأنه عقور، فأما اذا كان فى حفظ الراهن فالضمان عليه اذا فرط فى حفظه ولا شئ على المرتهن.
وان لم يفرط المرتهن ووقعت الجناية من الرهن على نفس أو مال فعلى الراهن ضمانه ان لم تهدر فان كانت تلك الجناية مما تهدر فى حكم الشرع فانه لا يضمنها الراهن ولا المرتهن.
ومثال التى تهدر أن يكون الرهن حيوانا غير عقور فان جنايته لا تضمن أو كان عقورا ولم يقع تفريط أو كان عبدا وجنى على مولاه أو على عبد مولاه جناية خطأ أو عمد على مال مولاه أو على نفسه وكذا على مولاه أو عبده فيما لا قصاص فيه فان هذه كلها تهدر. وجناية الرهن وان كانت مضمونة على الراهن فهى لا تخرجه عن صحة الرهنية والضمان الا أن يجب القصاص فى النفس ويختار المجنى عليه أن يأخذ العبد لقتله أو لاسترقاقه أو لبيعه أو لما شاء أو لا يجب القصاص بأن تكون الجناية خطأ أو على
مال ويختار السيد تسليم العبد بجنايته ولا يختار فداء فان الرهن ينفسخ فى الحالين جميعا
(2)
.
وجاء فى التاج المذهب أن الرهن مضمون على المرتهن كله يعنى بزيادته فاذا كان فى قيمته زيادة على الدين ضمنها المرتهن، واذا كان فى الدين زيادة على الرهن ضمنها الراهن للمرتهن. والضمان على المرتهن يختلف باختلاف صور التلف، فيضمن ضمان الرهن ان تلف بغير جناية ولا تفريط منه. بل بآفة سماوية أو تغلب عدو ثم أتلفه ضمن بأوفر قيمة من يوم القبض الى يوم التلف، فاذا كان فى سعره زيادة فى هذه المدة وتلف وقد نقص السعر ضمن ذلك الزائد.
ويضمن المرتهن ضمان الجناية ان أتلف الرهن بتعد منه كذبح للحيوان وغير ذلك من وجوه التعدى فيضمن ضمان جناية ان أحب المالك والا فضمان الرهن
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب الخلاف: أن الراهن اذا تصرف فى العين المرهونة بالبيع أو الهبة أو الرهن عند آخر قبضه أو لم
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 406 وما بعدها الى ص 409 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 414، ص 415 الطبعة السابقة.
(3)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 236 للقاضى أحمد بن قاسم العنسى الطبعة الاولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1366 هـ وسنة 1947 م.
يقبضه أو قبضه البائع أو لم يقبضه أو أصدقه امرأته لم يصح جميع ذلك وكان تصرفا باطلا
(1)
.
ولا يجوز للراهن أن يطأ الجارية المرهونة سواء كانت ممن تحبل أو لا تحبل - واذا وطئ الراهن جاريته المرهونة وحملت وولدت فانها تصير أم ولد ولا يبطل الرهن.
فان كان موسرا الزم قيمة الرهن من غيرها لحرمة ولدها ويكون رهنا مكانها.
وان كان معسرا كان الدين باقيا وجاز بيعها فيه، وذلك لأنه قد ثبت أنها مملوكة، وما دام ذلك ثابتا فانه يجوز بيعها الا أننا نمنع من بيعها اذا كان موسرا لمكان ولدها ما دام ولدها حيا، وان مات جاز بيعها على كل حال.
فان وطئ الجارية المرهونة باذن المرتهن لم ينفسخ الرهن سواء حملت أو لم تحمل لأن ملكه عندنا لا يزول بالحمل، فان اعتقها باذنه انفسخ الرهن
(2)
.
واذا وطئ المرتهن الجارية المرهونة باذن الراهن مع العلم بتحريم ذلك لم يجب عليه
المهر لأن الأصل براءة الذمة وليس فى الشرع ما يدل على وجوبه
(3)
.
واذا رهنه عبدا ثم دبره كان التدبير باطلا، لاجماع الفرقة على أن الراهن لا يجوز له التصرف فى الرهن بغير اذن المرتهن والتدبير تصرف، فيجب أن يكون باطلا
(4)
.
والرهن غير مضمون فان تلف من غير تفريط فلا ضمان على المرتهن ولا يسقط دينه عن الراهن.
وبه قال على وذلك لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يغلق الرهن، والرهن من صاحبه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه
(5)
.
واذا ادعى المرتهن هلاك الرهن قبل قوله مع يمينه سواء ادعى هلاكه بأمر ظاهر مثل الغرق والحرق والنهب، أو بأمر خفى مثل التلصص والسرقة الخفية والضياع
(6)
.
وجاء فى الروضة البهية: أن المرتهن لا يضمن الرهن اذا تلف فى يده الا بتعد أو تفريط ولا يسقط بتلفه شئ من حق المرتهن، فان تعدى فيه أو فرط
(1)
الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 603 الطبعة الثانية طبع مطبعة رنكين فى طهران سنة 1377 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 605 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 606 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 609 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 616، ص 617 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 617 الطبعة السابقة.
ضمنه فتلزم قيمته يوم تلفه ان كان قيميا على الأصح، لأنه وقت الانتقال الى القيمة والحق قبله كان منحصرا فى العين، وان كانت مضمونة.
ومقابل الأصح اعتبار قيمته يوم القبض أو أعلا القيم من يوم القبض الى يوم التلف أو من حين التلف الى حين الحكم عليه بالقيمة كالغاصب.
ويضعف بأنه قبل التفريط غير مضمون فكيف تعتبر قيمته فيه، وبأن المطالبة لا دخل لها فى ضمان القيمى فيه فان نقصت العين بعد التفريط بهزال ونحوه ثم تلفت اعتبر أعلا القيم المنسوبة الى العين من حين التفريط الى التلف.
ولو كان مثليا ضمنه بمثله ان وجد، والا فقيمة المثل عند الأداء على الأقوى، لأن الواجب عنده انما كان المثل، وان كان متعذرا وانتقاله الى القيمة بالمطالبة بخلاف القيمى لاستقرارها فى الذمة من حين التلف مطلقا
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه لا يصح لراهن فى رهنه بيع ولا هبة ولا اصداق
أو اكراه أو رهن أو استئجار أو تعويض ولا اخراج من ملك بوجه ما ولا اخراج منفعة بوجه ما، لأن الرهن معقول عند المرتهن عن الراهن بحق المرتهن فلا يصح للراهن فيه تصرف ولئلا تجول يد الراهن فى الرهن فيبطل
(2)
.
وان كان الرهن رقيقا فأعتقه الراهن كله أو بعضه أو دبره كله أو بعضه جاز له اعتاقه أو تدبيره ان كان فى قيمة الرهن فضل عن الدين فيكون العتق ساريا الى جملة الرقيق من ذلك الفضل، كمن اعتق جزءا من عبده تسمية أو نصيبا من عبد شورك فيه، سواء ظهر لهم الفضل قبل البيع وثبت عند البيع، أو زال، أو لم يظنوا أن فيه فضلا، حتى بيع، والعتق لا يتجزأ ويرجع عليه المرتهن بحقه ولو لم يكن له مال الا ذلك الفضل وينتظر ايساره، وذلك لتشوف الشارع الى الحرية.
وان لم يكن فى قيمته فضل عن الدين عند البيع - سواء ظنوا قبله أنه يوجد أو لم يظنوا - لم يجز أى لم يثبت ما فعله من عتق أو تدبير، لأن ذلك الرقيق أحاط به ما رهن فيه من دينه.
وقيل يثبت عتقه أو تدبيره ولو لم يكن فضل، ولو لم يكن الراهن موسرا بناء
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 357، 358 للسعيد زين الدين الجبعى العاملى طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 5 ص 524 طبع المطبعة الأدبية بمصر.
على أنه ثقة لا تبرية والدين مترتب فى ذمته
(1)
.
وان بغى على العبد أحد راهنا كان أو غيره فقتل العبد الباغى لم يقتل ذلك العبد به ولا يأخذه ولى الباغى ولا دية لبغيه فلا يذهب من مال المرتهن شئ بذلك والعبد باق فى حكم الرهن له وان قتله الباغى استأداه مرتهنه فى قيمته فتكون عنده رهنا كالعبد، وكذا يستديه الراهن يقبض ويدفع للمرتهن، وكذا ان كان بيد المسلط فقتله الباغى استداه المسلط أو الراهن أو المرتهن فيكون ما يودى رهنا بيد المسلط، واذا كان القاتل راهنا باغيا استداه المسلط أو المرتهن كذلك وان قتله المرتهن ضمن قيمته ولو أكثر من دينه يسقط مقدار دينه منها ويعطى الباقى.
وان بغى على المرتهن فقتله المرتهن ذهب من ماله ولا يضمن للراهن ما زاد من قيمته على الدين.
وفى الديوان ان قتل العبد المرهون المرتهن فهو للورثة، فان شاءوا قتلوه وذهب بما فيه أو باعوه وأخذوا ثمنه ولو أكثر من الدية واذا باعوه ولم يعفوا عنه فلهم قتله ويغرمون قيمته للمشترى ان لم يعلم أنه جان.
وقيل: لا يجوز قتله اذا باعوه وان أعتقوه من الرق والقتل لم يجز لهم
قتله وان قتلوه قتلوا به وان اعتقوه من الرق فلهم قتله. وان أعطوه الراهن فجائز، وان قال لهم الراهن خذوا ما رهن فيه مع دية وارثكم فردوه لى فأبوا من ذلك فلا يشتغلون بالراهن فى ذلك.
وان قتل المرتهن خطأ فهو للورثة على حسب ما ذكرنا الا القتل فلا يقتلوه.
وان جرح المرتهن جرحا يحيط بثمنه عمدا أو خطأ فقيل: العبد له بجنايته وذهب ماله.
وقيل: هو باق فى حكم الرهن ولا يدرك الجناية.
وان كان الجرح أقل من قيمة العبد ومن قيمة الرهن فالرهن فيما بقى من الدين فاذا حل الأجل استوفى منه أرش الجرح وما بقى له من دينه
(2)
.
وان قتل العبد المرهون ولى المرتهن مثل أبيه أو ابنه أو غيرهما - فانه ان أراد أن يقتله بوليه قتله وذهب ماله، وان أراد بيعه باعه واستوفى من ثمنه رأس ماله على حسب ما ذكرنا من قتله للمرتهن الا ان كان للمقتول أولياء غير المرتهن فصاروا فى الجناية سواء فيكون العبد بينهم وذهب دينه ان قتل.
وان قتل العبد المرهون الراهن ذهب دين المرتهن ويرجع العبد الى ورثة الراهن فان
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 525، 526 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 560، 561 الطبعة السابقة.
شاءوا قتلوه بوارثهم وان شاءوا أمسكوه وان أراد المرتهن أن يفديه بقيمته فقال له الورثة لا تفديه الا بدية وارثنا فالقول قول الورثة
(1)
.
وان قتل الأجنبى فلورثته أن يقتلوه بوارثهم وذهب مال المرتهن وكذلك ان قتله بالخطأ فهو لورثته أيضا وكذلك ان جرحه جرحا يحيط بثمنه عمدا أو خطأ فقد ذهب مال المرتهن ويكون بيد المرتهن ويغرمه الجريح أرش جرحه ان شاء وان شاء أن يغرم الراهن غرمه.
ومنهم من يقول يكون العبد بيد المجروح ان شاء باعه وان شاء أمسكه وان أراد الراهن أو المرتهن أن يفديه بجنايته كلها فله ذلك فان أفداه الراهن فله ذلك وذهب مال المرتهن وان أفداه المرتهن ثبت فى يده ويبيعه وقت ما أراد ويستوفى منه ما أفداه به وذهب ما رهن فيه، وقال آخرون: ان أفداه صار رهنا فى الدين الأول على شروطه الأولى
(2)
.
وان تلف الرهن بفعل المرتهن أو أتلفه غيره ممن يجب له عليه غرمه فقال له الراهن، خذ دينك واعطنى قيمة رهنى فانه يدرك عليه ذلك، وان تلف
بما جاء من قبل الله فقد ذهب بما فيه ولا يدرك شيئا عليه.
وان كان فى يد رجل رهان شتى لرجل واحد فى دين واحد أو فى ديون شتى أو رهن له فى صفقة واحدة أو فى صفقات فأفسد بعضها فى بعض فكل ما فسد منها ذهب من ماله وما بقى فهو رهن فيما رهن فيه أولا ان عين له عدد ما رهن فيه كل واحد وان لم يعين له صار رهنا فى قيمته
(3)
.
حكم استهلاك اللقطة
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية الشلبى: أنه اذا التقط انسان لقطة ثم قال: التقطت لقطة أو ضالة، أو قال عندى شئ فمن سمعتموه يسأل شيئا فدلوه على. فلا جاء صاحبها قال هلكت. لا ضمان عليه، لأنه بذلك القول أشهد على أنه انما أخذها ليردها على صاحبها.
وقال قاضيخان فى باب الغصب - ولو أخذ لقطة ليعرفها ثم أعادها الى المكان الذى أخذها منه برئ عن الضمان حتى لو هلك لا يضمن ولم يفصل بين ما اذا تحول عن ذلك المكان ثم أعادها الى ذلك المكان وبين ما اذا لم يتحول.
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 561 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 562 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 563 وص 564 الطبعة السابقة.
وذكر الحاكم الشهيد تأويله اذا أعادها قبل التحول فأما بعد التحول فلا يبرأ عن الضمان واليه مال أبو جعفر وهذا اذا أخذ اللقطة ليعرفها فان كان أخذها ليأكلها ثم أعادها لا يبرأ عن الضمان ما لم يردها الى صاحبها.
وقال الولوالجى: واذا أخذ اللقطة ليعرفها ثم أعادها الى المكان الذى وجدها فيه فقد برئ عن الضمان، هذا اذا أعادها قبل أن يتحول عن ذلك المكان، أما اذا أعادها بعد أن تحول ضمن، لأنه لما أعادها قبل التحول فقد ترك الحفظ قبل أن يلتزم لأن الأخذ متردد بين أن يكون لالتزام الحفظ وبين أن يكون للنظر والتأمل حتى يعلم أنه هل يمكنه الحفظ فكان الآخذ مترددا فلا يصير ملتزما للحفظ بنقض الأخذ، فاذا أعادها بعد ما صار تاركا للحفظ قبل أن يلتزمه فلا يكون عليه ضمان.
فأما اذا تحول بها فانما يتحول بها ليحفظها، لا ليتأمل، لأن هذا المعنى يحصل بنفس الأخذ من غير مشى فكان المشى دليلا على التزام الحفظ فاذا أعادها فقد ترك الحفظ بعد التزامه فيضمن.
هذا اذا أخذ اللقطة ليعرفها.
فان أخذها ليأكلها لم يبرأ عن ضمانها حتى يدفعها الى صاحبها لأنه لما أخذها ليأكلها صار آخذا لنفسه فصار غاصبا والغاصب لا يبرأ برد الدابة المغصوبة الى دار المغصوب منه والى مربطه وان ردها الى موضع صالح للحفظ فلأن لا يبرأ هنا وقد رد الى مكان لا يصلح للحفظ أولى
(1)
.
مذهب المالكية:
قال الامام مالك: اذا التقط العبد اللقطة فاستهلكها قبل السنة فهى فى رقبته لا فى ذمته، فان استهلكها بعد السنة فهى فى ذمته وذلك لما جاء فيها من الاختلاف، ولأنه قد جاء فيها أن عليه أن يعرفها سنة فان لم يجئ صاحبها فشأنه بها فلذلك جعلها فى ذمته بعد السنة
(2)
.
وجاء فى شرح الخرشى أنه يجب تعريف اللقطة سنة من يوم الالتقاط فلو أخر تعريفها سنة ثم عرفها فهلكت ضمنها.
وقال الشيخ العدوى فى حاشيته أن الملتقط يضمن اللقطة متى أخر تعريفها ولو أقل من سنة وتلفت كما ذكره ابن عبد السّلام. واذا دفعها لمن يثق بأمانته مثل نفسه وضاعت منه فانه لا ضمان عليه
(3)
.
وجاء فى شرح الخرشى أن الملتقط ان كان قد نوى أن يأكل اللقطة لما رآها وقبل أن يضع يده عليها ولكنه لما وضع يده
(1)
حاشية الشيخ شهاب الدين أحمد الشلبى على تبيين الحقائق للزيلعى ج 3 ص 302، 303 الطبعة الاولى طبع المطبعة الأميرية الكبرى ببولاق مصر سنة 1313 هـ.
(2)
المدونة ج 15 ص 173 الطبعة الاولى.
(3)
شرح الخرشى على المختصر الجليل فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ على العدوى ج 7 ص 124، ص 125 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية سنة 1317 هـ.
عليها وحازها تلفت من عنده سواء كان ذلك بغصب أو بغيره فانه يكون ضامنا لها بتلك النية، لأنه صار كالغاصب حين وضع يده عليها بتلك النية، ومن باب أولى الضمان لها اذا حدث له نية أكلها قبل السنة بعد أن وضع يده عليها.
ولو أن الملتقط أخذ اللقطة لأجل أن يحفظها، ثم ردها بعد ذلك عن بعد الى موضعها أو الى غيره فضاعت ضمنها.
فان كان قد أخذها لا للحفظ والتعريف ولكن أخذها لغيره ليسأل هل هى لهم أولا فان ردها بعد ذلك ففيه التأويلان. وأما ان ردها بالقرب فلا ضمان بلا نزاع.
وحكم الرقيق كحكم الحر فى جميع ما مر الا فى الضمان قبل السنة فانها جناية ليس لسيده أن يسقطها عنه بخلاف الدين، لأن ربها لم يسلطه عليها، وليس لسيده أن يمنعه من تعريفها وهى بعد السنة تكون فى ذمته، وانما كانت بعد السنة فى ذمته، لقوله صلى الله عليه وسلم عرفها سنة فان جاء صاحبها والا فشأنك بها، أما قبل السنة فهى فى رقبته، على معنى أنه لو استهلكها قبل السنة فانها تكون فى رقبته يباع فيها ما لم يفده السيد
(1)
.
ومن وجد شيئا من الفواكه واللحم وما أشبه ذلك مما يفسد اذا أقام فانه
يجوز له أن يأكله ولا ضمان عليه فيه لربه، سواء وجده فى عامر البلد، أو فى غامرها، وظاهره من غير تعريف أصلا، وهو ظاهر كلام ابن رشد وابن الحاجب.
وما يؤخذ من ظاهر المدونة من التعريف ضعيف.
وأما ما لا يفسد سواء كان فى الفلاة أو فى البلد فليس له أن يأكله فاذا أكله ضمنه ان كان له ثمن.
وقول الشيخ عبد الرحمن فيما يفسد وما لا يفسد اذا لم يكن له ثمن فلا ضمان، وأما اذا كان له ثمن فانه يضمن الثمن اذا أكله فيما اذا كان لا يفسد، وأما اذا كان يفسد فانه يباع ويوقف ثمنه.
ومن وجد شاة بالفيفاء فذبحها فيها وأكلها فانه لا ضمان عليه على المشهور سواء أكلها فى الصحراء أو فى العمران، لكن ان حملها أو حمل الطعام الى العمران، ووجده ربه فهو أحق به، وليدفع له أجرة حمله، فان أتى بها حية الى العمران، فعليه تعريفها أو يدفعها لمن يثق به يعرفها لأنها صارت كاللقطة.
ومثل الشاة فى ذلك البقر اذا وجدها فى مكان يخاف عليها من السباع أو من الجوع فحكمها حينئذ حكم الشاة فى الفيفاء فله أن يأكلها حينئذ ولا ضمان عليه فيها كالشاة، وكذا اذا خيف عليها من الناس،
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 126، ص 127 الطبعة السابقة.
فان لم يكن البقر بمحل خوف فانه لا يعرض لها ويتركها مكانها الى أن يأتيها صاحبها
(1)
.
ويجوز لمن التقط البقر ونحوها كالخيل أن يكريها، لأجل علوفتها والنفقة عليها كراء مضمونا مأمونا خفيفا لا يخشى عليها منه، ويجوز له أن يركبها من موضع الالتقاط الى منزله وان لم يتعذر عليه قودها أو يتعسر، فان أكراها فى أزيد من علفها، أو كان الكراء غير مأمون أو ركبها لغير موضعه ضمن القيمة ان هلكت والمنفعة ان لم تهلك
(2)
.
واذا عرفها سنة ثم بعد ذلك نوى أن يتملكها ثم جاء ربها فوجدها ناقصة وكان ذلك النقص بسبب استعمال أو تعد فهو مخير بين أن يأخذها ناقصة ولا شئ له أو يأخذ قيمتها من الملتقط يوم نوى التملك أما ان تلفت بذلك فليس لربها الا القيمة.
وأما لو كان ما ذكر من النقص أو التلف بسماوى فلا شئ لربها أو لو نقصت قبل نية التملك بعد السنة أو قبل السنة فليس له الا أن يأخذها فقط، وظاهره سواء نقصت بسبب استعمالها أم لا وهو كذلك على خلاف فى ذلك.
حاصله: أن ذلك اذا كان بسماوى فلا شئ على الملتقط اتفاقا وان كان باستعمال ففى المسئلة أقوال ثلاثة.
فقيل لا شئ على الملتقط.
وقيل: يخير ربها بين أخذ القيمة وبين أخذها وما نقصها اذا نقصت نقصا قويا بسبب الاستعمال والا فيأخذها مع ما نقصها.
وقيل: ليس له الا ما نقصها فقط
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: أن ما لا يمتنع من صغار السباع كشاة وعجل وفصيل وكسير ابل وخيل يجوز التقاطه للحفظ وللتملك فى القرية ونحوها والمفازة زمن أمن ونهب، ويتخير آخذ المأكول للتملك من مفازة بين أمور ثلاثة، فان شاء عرفه وينفق عليه ثم يتملكه بعد التعريف كغيره أو باعه باذن الحاكم ان وجده وان لم يجده باعه استقلالا وحفظ ثمنه وعرف اللقطة التى باعها ثم تملك ثمنها. أو تملكه حالا ثم أكله ان شاء اجماعا. ولا يجوز له أن يأكله قبل أن يتملكه وغرم قيمته يوم تملكه ان ظهر مالكه. وليس له أن يبيع بعضه للانفاق لئلا تستغرق النفقة باقيه
(4)
.
وان كان ما التقطه يسرع فساده كهريسة ورطب لا يتتمر وعنب لا يتزبب تخير بين خصلتين فقط فان شاء باعه باذن الحاكم
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 127 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 127، ص 128 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 129، ص 130 الطبعة السابقة.
(4)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 5 ص 431، 432 فى كتاب معه حاشية الشبراملسى وعلى هامشه المغربى طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ 1938 م.
ان وجده ولم يخف منه والا استقل به فيما يظهر، وعرفه بعد بيعه لا ثمنه ليتملك الثمن فى الحال وأكله لأنه معرض للهلاك ويتعين فعل الأحظ منهما.
وقيل: ان وجده فى عمران وجب البيع لتيسره وامتنع الأكل نظير ما مر وفرق الأول بأن هذا يفسد قبل وجود مشتر، واذا أكل لزمه تعريف المأكول ان وجده فى عمران لا صحراء.
ولا يجب افراز القيمة المغرومة من ماله، نعم لا بد من افرازها عند تملكها، لأن تملك الدين لا يصح، وان أمكن بقاؤه بعلاج كرطب يمكن تجفيفه ولبن يصير أقطا وجب رعاية الأغبط للمالك فان كانت الغبطة فى بيعه بيع جميعه باذن الحاكم أو كانت الغبطة فى تجفيفه أو استوى الامران، كما بحثه بعض المتأخرين وتبرع به الواجد أو غيره جففه وان لم يتبرع به أحد بيع بعضه بقدر ما يساوى التجفيف لتجفيف الباقى.
ومن أخذ لقطة للحفظ أبدا وهو أهل للالتقاط فهى كدرها ونسلها أمانة بيده، لأنه يحفظها لمالكها فأشبه المودع ومن ثم ضمنها لو قصر كأن ترك تعريفها حيث لم يكن له عذر معتبر فى تركه كأن خشى من ظالم أن يأخذها أو جهل وجوب التعريف
(1)
.
فلو قصد بعد أن أخذها للحفظ أو للتملك
خيانة لم يكن ضامنا بمجرد القصد فى الأصح فان انضم لذلك القصد استعمال أو نقل من محل لآخر ضمن كالمودع فيهما.
والثانى يصير ضامنا بذلك وان أخذ بقصد خيانة فضامن لقصده المقارن لأخذه.
وان أخذ ليعرف ويتملك بعد التعريف فأمانة بيده مدة التعريف وكذا بعدها ما لم يختر التملك فى الأصح كما قبل مدة التعريف.
والثانى وبه قال الامام والغزالى - تصير مضمونة عليه اذا كان عزم التملك مطردا.
ولو أخذه لا بقصد حفظ ولا تملك أو لا بقصد خيانة ولا أمانة، أو بقصد أحدهما ونسيه فأمانة وله تملكها بشرطه اتفاقا، ومعلوم أنه يكون فى الاختصاص أمينا ما لم يتلف بنفسه أو بغيره، فان تلف فلا ضمان
(2)
، وان تلفت اللقطة حسا بأن ماتت أو شرعا بأن أعتقها بعد تملكها غرم مثلها ان كانت مثلية أو قيمتها ان كانت متقومة يوم التملك، لأنه وقت دخولها فى ضمانه
(3)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب الشرح الكبير: أنه اذا التقط انسان ما يجوز التقاطه والانتفاع به من غير تعريف - كالكسرة والثمرة والعصا ونحو ذلك - وانتفع به وتلف فلا ضمان فيه
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 433، 434 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 435، 436 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 441 الطبعة السابقة.
ذكره صاحب المستوعب، وكذلك ما قيمته كقيمة ذلك، لأن النبى صلى الله عليه وسلم رخص فيه ولم يذكر عليه ضمانا
(1)
.
وجاء فى كشاف القناع: أن اللقطة ان كانت مما يمتنع من صغار السباع ولم يكتمه ضمنه ان تلف أو نقص قبل رده كغاصب، لأن التقاطه غير مأذون فيه، وان كتمه وتلف ضمنه الكاتم بقيمته مرتين لربه سواء كان الملتقط اماما أو غير امام.
قال أبو بكر فى التنبيه: ثبت خبر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال فى الضالة المكتومة غرامتها ومثلها معها
(2)
.
أما ان كانت اللقطة مما لا يمتنع بنفسه من صغار السباع، أو كانت من باقى الأموال كالأثمان والمتاع فان كان الملتقط لا يأمن نفسه عليها لم يجز له أن يأخذها بحال، لما فيه من اضاعتها على ربها فهو كاتلافها، وكما لو نوى تملكها فى الحال أو كتمانها.
فان أخذ اللقطة بنية الخيانة ضمنها ان تلفت ولو تلفت بغير تفريط، لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز له أخذه فضمنه كالغاصب.
ومن أخذ اللقطة بنية الأمانة ثم طرأ له قصد الخيانة لم يضمن اللقطة ان تلفت بلا تفريط فى الحول كما لو كان أودعه اياها
(3)
.
ومتى أخذ الملتقط اللقطة ثم ردها الى موضعها ضمنها أو فرط فيها فتلفت ضمنها، لأنها أمانة حصلت فى يده فلزمه حفظها كسائر الأمانات وتركها والتفريط فيها تضييع لها الا أن يكون الملتقط ردها باذن الامام أو نائبه الى موضعها فلا يضمنها، لأن للامام نظرا فى المال الذى لا يعلم مالكه وكذا لو التقطها ودفعها للامام أو نائبه.
ولو كان الملتقط ممتنعا من صغار السباع ورده الى مكانه باذن الامام أو نائبه فانه يبرأ من ضمانها.
وان ضاعت اللقطة من ملتقطها فى حول التعريف بغير تفريط منه فلا ضمان عليه، لأنها أمانة فى يده فلم يضمنها كالوديعة فان ضاعت منه فالتقطها آخر فعلم الثانى أنها ضاعت من الأول فعلى الثانى ردها الى الأول
(4)
.
واللقطة التى أبيح التقاطها ولم تملك به على ثلاثة أضرب.
(1)
الشرح الكبير لابن قدامه ج 6 ص 320، 321 فى كتاب مع المغنى الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 2 ص 421، 422 للشيخ منصور بن أدريس فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 423 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 423، 424 الطبعة السابقة.
أحدها: حيوان مأكول كفصيل وشاة ودجاجة فيلزم الملتقط فعل الأحظ لمالكه من أمور ثلاثة.
أكله وعليه قيمته فى الحال لقوله عليه الصلاة والسلام وسئل عن لقطة الشاة: هى لك أو لأخيك أو للذئب. فجعلها له فى الحال، لأنه سوى بينه وبين الذئب، والذئب لا يستأنى بأكلها ولأن فى أكل الحيوان فى الحال اغناء عن الانفاق عليه وحراسته لماليته على صاحبه اذا جاء فانا يأخذ قيمته بكمالها.
والأمر الثانى: بيع الحيوان لأنه اذا جاز أكله فبيعه أولى، واذا باعه حفظ ثمنه لصاحبه وللملتقط أن يتولى ذلك بنفسه ولا يحتاج الى اذن الامام فى الأكل، لظاهر الحديث السابق، ولا يحتاج الى اذن الامام أيضا فى البيع، لأنه اذا جاز أكله بلا اذن فبيعه أولى، ويلزم الملتقط أن يحفظ صفة اللقطة فيما اذا أراد الأكل أو البيع ليتمكن من الرد اذا وصفها ربها.
والأمر الثالث: أن يحفظ الحيوان وينفق عليه من ماله، لما فى ذلك من حفظه على مالكه، ولا يصح أن يتملك الملتقط الحيوان ولو بثمن المثل.
فان ترك الحيوان ولم ينفق عليه حتى تلف ضمنه لأنه مفرط، ويرجع الملتقط بما أنفقه على الحيوان ما لم يتعد بأن التقطه لا ليعرفه أو بنية تملكه فى الحال، ونحوه ان نوى الرجوع على مالكه ان وجده بما أنفق كالوديعة.
الضرب الثانى من اللقطة: ما يخشى فساده بتبقيته كطبيخ وبطيخ وفاكهة وخضروات ونحوها فيلزم الملتقط فعل الأحظ من أكله وعليه قيمته وبيعه ولو بلا اذن حاكم وحفظ ثمنه، لأن فى كل منهما حفظا لماليته على ربه.
ولو ترك الملتقط ما يخشى فساده بلا أكل ولا بيع حتى تلف ضمنه لأنه مفرط، فان استويا فى نظر الملتقط خير بينهما فأيهما فعل جاز له وقيد ما ذكر من البيع والأكل جماعة بعد تعريفه بقدر ما يخاف معه فساده ثم هو بالخيار بين أكله وبيعه الا أن يمكن تجفيف ما يخشى فساده كالعنب فيفعل الملتقط ما يرى الحظ فيه لمالكه من الأكل بقيمته والبيع مع حفظ ثمنه والتجفيف لأنه أمانة بيده وفعل الأحظ فى الأمانة متعين وغرامة التجفيف ان احتيج اليها منه فيبيع الملتقط بعضه فى ذلك، لأنه من مصلحته.
والضرب الثالث سائر الأموال أى ما عدا الضربين المذكورين كالأثمان والمتاع ونحوه ويلزم الملتقط أن يحفظ الجميع من حيوان وغيره لأنه صار أمانة فى يده بالتقاطه
(1)
.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 424، 425 الطبعة السابقة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه من وجد مالا فى قرية أو مدينة أو صحراء أو وجد مالا قد سقط أى مال كان فرض عليه أن يأخذه وأن يشهد عليه عدلا واحدا فأكثر ثم يعرفه فان لم يأت أحد فهى عند تمام السنة من مال الواجد، غنيا كان أو فقيرا يفعل فيه ما شاء ويورث عنه، الا أنه متى قدم من يقيم فيه بينة أو يصف شيئا مما ذكرنا فيصدق ضمنه له ان كان حيا، أو ضمنه له الورثة ان كان الواجد له ميتا، لما روى عن خالد الجهنى قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: عرفها سنة فان لم تعترف فاعرف عفاصها ووكاءها، ثم كلها فان جاء صاحبها فأدها اليه.
والضوال من الحيوان لها ثلاثة أحكام.
أما الضأن والمعز فقط كبارها وصغارها توجد بحيث يخاف عليها الذئب أو من يأخذها من الناس، ولا حافظ لها، ولا هى بقرب ماء منها، فهى حلال لمن أخذها، سواء جاء صاحبها أو لم يجئ، وجدها حية أو مذبوحة أو مطبوخة أو مأكولة لا سبيل له عليها.
وأما الابل القوية على الرعى، وورود الماء فلا يحل لأحد أخذها، وانما حكمها أن تترك ولا بد، فمن أخذها ضمنها أن تلفت عنده بأى وجه تلفت، وكان عاصيا بذلك، الا أن يكون شئ من كل ما ذكرنا من لقطة أو ضالة يعرف صاحبها فحكم كل ذلك أن ترد اليه ولا تعريف فى ذلك.
وأما كل ما عدا ما ذكرنا من ابل لا قوة بها على ورود الماء والرعى وسائر البقر والخيل والبغال والحمير والصيود كلها المتملكة والإباق من العبيد والإماء وما أضل صاحبه منها والغنم التى تكون ضوال بحيث لا يخاف عليها الذئب ولا إنسان وغير ذلك كله ففرض أخذه وضمه وتعريفه أبدا، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق بها فان جاء ربها فأدها اليه فقال: يا رسول الله فضالة الغنم قال: خذها فانما هى لك أو لأخيك أو للذئب قال: يا رسول الله فضالة الابل؟ فغضب عليه السلام حتى احمرت وجنتاه وقال: مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب: أن للعبد أن يلتقط ولو بغير اذن سيده، فان تلفت معه بغير تفريط فلا ضمان على السيد ولا على العبد، وان تلفت بتفريط أو جناية وهو مأذون بالالتقاط ضمن السيد ضمان المعاملة، وذلك بأن يسلمه أو يفديه بقدر قيمته، وان لم يكن مأذونا له فالضمان فى
(1)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 257 وما بعدها الى ص 260 مسئلة رقم 1383.
ذمته حتى يعتق، لأنه مأذون له من جهة الشرع
(1)
.
ويجب على الملتقط أن يعرف بها سنة، فان لم يجد مالكها صرفها - اذا كانت دون نصاب - فى فقير من فقراء المسلمين ان أحب، والا بقيت عنده، لأنه لا يجب الدخول فيما عاقبته التضمين أو فى مصلحة ولو زادت على النصاب كمسجد أو منهل بعد اليأس من وجود المالك أو معرفته. وان لم يصرفها بعد التعريف واليأس، بل صرفها قبل اليأس ضمن لبيت المال، لأنه متعد بالصرف قبل ذلك.
وأما الضمان للمالك فهو يضمن مطلقا سواء صرفها قبل اليأس أو بعده
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام: أنه اذا التقط انسان ما وجد فى الحرم وجب عليه أن يعرفها حولا فان لم يأت صاحبها تصدق بها، أو استبقاها أمانة، وليس له أن يتملكها، ولو تصدق بها بعد الحول فكره المالك ففيه قولان.
أرجحهما أنه لا يضمن، لأنها أمانة، وقد دفعها دفعا مشروعا.
وان وجدها فى غير الحرم عرفها حولا ان كانت مما يبقى كالثياب والأمتعة والأثمان، ثم هو مخير بين تملكها وعليه ضمانها، وبين الصدقة بها عن مالكها، ولو حضر المالك فكره الصدقة لزم الملتقط ضمانها اما مثلا واما قيمة وبين ابقائها فى يد الملتقط أمانة لمالكها من غير ضمان، ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومه على نفسه وانتفع به، وان شاء دفعه الى الحاكم ولا ضمان
(3)
.
مذهب الإباضية:
ذكر صاحب شرح النيل أن من التقط لقطة فهلكت منه بلا تعد فلا يضمنها والقول قوله فيها مع يمينه
(4)
.
ثم قال واللقطة تحل للغنى والفقير اذا لم يجد صاحبها فلملتقطها أن يأخذها بعد التعريف بلا لزوم تلفظ اكتفاء بقصده فى الحال ونيته أو بقصده حيث الالتقاط أنه ان لم يتبين صاحبها أخذتها، فلو انتفع بها بلا قصد تملك ضمن ما انتفع به.
وقيل ضمن الكل.
وقيل لا تدخل ملكه الا بالتلفظ بادخالها ملكه كسائر العقود
(5)
.
(1)
التاج المذهب لاحكام المذهب للقاضى أحمد ابن قاسم العنسى ج 3 ص 444 الطبعة الأولى طبع فى مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ، سنة 1947 م.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 449.
(3)
شرائع الاسلام فى الفقه الجعفرى للحلى ج 2 ص 179 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد أطفيش ج 6 ص 96.
(5)
المرجع السابق ج 6 ص 105.
حكم استهلاك العين الموهوبة
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار: أن العين الموهوبة اذا استهلكت لم يصح للواهب أن يرجع فى هبته صرح به أصحاب الفتاوى.
وفى البزازية أنه لو استهلك البعض كان له أن يرجع فى الباقى.
قال قاضيخان: لو أن رجلا وهب ثوبا لرجل ثم اختلسه منه فاستهلكه ضمن الواهب قيمة الثوب للموهوب له، لأن الرجوع فى الهبة لا يصح الا بتراضى الواهب والموهوب له أو بحكم الحاكم
(1)
.
ولو بعث الرجل الى امرأته متاعا هدايا اليها وبعثت له أيضا هدايا عوضا للهبة سواء صرحت بالعوض أولا ثم افترقا بعد الزفاف، وادعى الزوج أنه كان عارية لا هبة، وحلف ثم أراد أن يسترده وأرادت هى كذلك أن تسترد ما بعثت فان لكل منهما أن يسترد ما أعطى اذ لا هبة فلا عوض، فان استهلك أحدهما ما بعثه الآخر اليه ضمنه لأن من استهلك العارية ضمنها
(2)
.
ولو قال أحد الشريكين للآخر وهبتك حصتى من الربح وكان المال قائما لم تصح الهبة لأنها هبة مشاع فيما يحتمل القسمة ولو كان استهلكه الشريك صحت
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى أن الواهب اذا أعتق العبد قبل أن يحوزه الموهوب له بطلت الهبة، سواء كان العتق ناجزا أو الى أجل أو كان تدبيرا أو كتابة وسواء علم المعطى بالهبة أو لم يعلم.
وكذا تبطل الهبة اذا استولد الأمة التى وهبها قبل أن يحوزها الموهوب له، ولا قيمة على الواهب للموهوب له على المشهور.
بخلاف ما اذا قتل العبد الهبة شخص فان قيمته تكون للموهوب له، ومثل ذلك لو قتله الواهب فان قيمته يغرمها للموهوب له، لأنه لا يجوز له الرجوع وتلزمه بمجرد القول
(4)
.
ولا تبطل الهبة اذا باعها الواهب قبل أن يعلم بها الموهوب له أو بعد علمه ولم يفرط فى حوزها
(5)
.
(1)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 4 ص 714 طبع المطبعة العثمانية سنة 1326 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 717 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 718 الطبعة المتقدمة.
(4)
شرح الخرشى على المختصر الجليل ج 7 ص 106.
(5)
المرجع السابق ج 7 ص 107 الطبعة الثانية طبع المطبعة الأميرية الكبرى ببولاق مصر سنة 1317 هـ.
واذا اعتق الموهوب له الهبة أو باعها قبل أن يقبضها أو وهبها، فانها تكون ماضية ويعد فعله ذلك حوزا لها اذا أشهد على ذلك وأعلن بما فعله
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج أن الموهوب له اذا أكل الهبة أو أعتقها اعتبر ذلك منه قبضا للموهوب. ما دام ذلك قد سبق بالاذن له من الواهب
(2)
.
أما اذا قبضه بغير اذنه فانه يكون فى ضمانه
(3)
.
وذكر صاحب نهاية المحتاج أنه لا يصح من الأب أن يرجع فى هبته لابنه اذا كان الموهوب قد استهلك ببيعه كله أو بعضه - بالنسبة لما باعه - وكذا بوقفه، وبتخمر عصير ما لم يتخلل، لأن ملك الخل سببه ملك العصير.
وألحق به الأذرعى دبغ جلد الميتة، فلو زرع الحب أو تفرخ البيض امتنع الرجوع كما جزم به ابن المقرى فى روضه تبعا لصاحب الحاوى الصغير وغيره.
ويفرق بينه وبين غيره فى الغصب حيث يرجع المالك فيه، وان تفرخ ونبت بأن
استهلاك الموهوب يسقط به حق الواهب بالكلية واستهلاك المغصوب ونحوه لا يسقط به حق مالكه
(4)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب المغنى أنه يشترط لجواز رجوع الأب فى هبة ولده أن تكون باقية فى ملك الأبن، فان خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو ارث أو غير ذلك لم يكن له الرجوع فيها، لأنه ابطال لملك غير الوالد.
وكذا لا يجوز للوالد أن يرجع فى هبته لولده اذا كانت العين غير باقية فى تصرف الولد، فان استولد الأمة لم يملك الأب الرجوع فيها، لأن الملك فيها لا يجوز نقله الى غير سيدها.
وكذا ان رهن العين أو أفلس وحجر عليه لم يملك الأب أن يرجع فيها لأن فى ذلك ابطالا لحق غير الولد
(5)
.
وان تلف بعض العين أو نقصت قيمتها، لم يمنع الرجوع فيها ولا ضمان على الابن فيما تلف منها، لأنها تتلف على ملكه، وسواء تلف بفعل الابن أو بغير فعله
(6)
.
(1)
شرح الخرشى على المختصر الجليل ج 7 ص 108 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج ج 5 ص 411 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ، 1938 م.
(3)
نهاية المحتاج للرملى ج 5 ص 411 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 415، ص 416 الطبعة المتقدمة.
(5)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامه المقدسى ج 6 ص 274، 275 الطبعة الاولى طبع فى مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.
(6)
المرجع السابق ج 6 ص 281 الطبعة المتقدمة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن الهبة اذا فات عينها فلا يجوز لأى من الوالدين أن يرجع فى هبته، ولا رجوع لهما بالغلة ولا بالولد الحادث بعد الهبة، فإن فات البعض وبقى البعض كان لهما أن يرجعا فيما بقى فقط
(1)
.
ثم قال: فان تغيرت الهبة عند الولد حتى يسقط عنها الاسم، أو خرجت عن ملكه أو صارت لا يحل تملكها فلا رجوع للأب فيه، لأنها اذا تغيرت فهى غير ما جعل له النبى صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيه، واذا خرجت عن ملكه فلا رجوع له على من لم يجعل له النبى صلى الله عليه وسلم أن يرجع عليه
(2)
.
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب التاج المذهب: أن من شروط الرجوع فى الهبة أن تكون تلك العين باقية لم تستهلك حسا أو حكما، فلو كانت قد استهلكت حسا كالاتلاف أو حكما كالبيع والهبة، ولو رجع الى ملكه وغيرهما من سائر الاستهلاكات المقدم ذكرها فى البيع الفاسد، لم يصح الرجوع لا بمجرد نقص كالذبح وقطع الشجرة وتقطيع الثوب والهزال فانه يصح الرجوع ولا يمنعه وان كان استهلاكا فى البيع فهو هنا مجرد
نقص ما لم يفصل الشجر بعد القطع أو يقطع اللحم فلا رجوع.
ومن الاستهلاك الخلط ولو بمثله كالنقدين بحيث لا يتميز فان تميز وجب التمييز على المتهب بما لا يجحف.
ومثل الهبة فى ذلك الاباحة ان كانت بعوض حيث يمنع الاستهلاك الحكمى الرجوع فيها أما ان كانت الاباحة بلا عوض فلا يمنع الرجوع فيها الا الاستهلاك الحسى
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أن الهبة اذا قبضت وكان الواهب أجنبيا فان له أن يرجع فيها ما دامت العين باقية، فان تلفت فلا رجوع له فيها
(4)
.
واذا رجع الواهب فى هبته وقد عابت لم يرجع بالارش
(5)
.
واذا صبغ الموهوب له الثوب فان قلنا ان التصرف يمنع من الرجوع فلا رجوع للواهب.
(1)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 127 مسئلة رقم 1629 الطبعة الاولى سنة 1351 هـ طبع المطبعة المنيرية بمصر.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 136 مسئلة رقم 1630 الطبعة المتقدمة.
(3)
التاج المذهب لأحكام المذهب للقاضى أحمد ابن قاسم العنسى الطبعة الاولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ، سنة 1947 م ج 3 ص 268.
(4)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 253 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 254 الطبعة المتقدمة.
وان قلنا: ان التصرف لا يمنع من الرجوع اذا كان الموهوب له أجنبيا كان الموهوب له شريكا بقيمة الصبغ
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه لو وهب شخص جارية لصبى، ثم اعتقها الواهب قبل أن يبلغ الصبى فان تمسك بها الموهوب له بعد بلوغه فهى له، والا جاز العتق
(2)
.
حكم استهلاك العين الموصى بها
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن الوصية تمليك مضاف الى وقت الموت، فيستحق الموصى له ما كان على ملك الموصى عند موته ويصير المضاف الى الوقت كالمنجز عنده، كأنه قال عند الموت لفلان ثلث مالى فيعتبر ما يملكه فى ذلك الوقت لا ما قبله.
فلو أوصى رجل فقال لفلان شاة من غنمى فان الوصية فى هذا تقع يوم موت الموصى ولا تقع يوم أوصى.
فان ولدت الغنم قبل أن يموت الموصى ثم مات الموصى فان للورثة أن يعطوه ان شاءوا
من الأمهات وان شاءوا من الأولاد، لأن الاسم يتناول الكل عند الموت.
فان اختار الورثة أن يعطوه شاة من غنمه ولها ولد قد ولدته بعد موت الموصى، فان ولدها يتبعها وكذلك صوفها ولبنها.
فأما ما ولدت قبل موت الموصى فلا يستحقه الموصى له، لأن الوصية اعتبارها عند الموت، فالحادث قبل الموت يحدث على ملك الورثة وكذلك الصوف المنفصل واللبن المنفصل قبل الموت.
فأما ان كان متصلا بها فهو للموصى له، وان حدث قبل الموت لأنه لا ينفرد عنها بالتمليك.
ولو استهلكت الورثة لبن الشاة أو صوفها وقد حدث بعد الموت فعليهم ضمانه، لأن الموصى له ملكه بملك الأصل فيكون مضمونا بالاتلاف
(3)
.
وذكر فى الأصل.
ولو أوصى الحربى فى دار الحرب بوصية ثم أسلم أهل الدار أو صاروا أهل ذمة ثم اختصما الى فى تلك الوصية، فان كانت قائمة بعينها أجزتها وان
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 354.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لأطفيش ج 6 ص 11 الطبعة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع ج 7 ص 333.
كانت قد استهلكت قبل الاسلام أبطلتها، لأن الحربى من أهل التمليك، ألا يرى أنه من أهل سائر التمليكات كالبيع ونحوه، فكانت وصية جائزة فى نفسها، الا أنه ليس لفا ولاية اجراء أحكام الاسلام وتنفيذها فى دارهم، فاذا أسلموا أو صاروا ذمة قدرنا على التنفيذ فنفذها ما دام الموصى به قائما.
فأما اذا صار مستهلكا أبطلنا الوصية وألحقناها بالعدم، لأن أهل الحرب اذا أسلموا أو صاروا ذمة لا يؤاخذون بما استهلك بعضهم على بعض وبما اغتصب بعضهم من بعض بل يبطل ذلك كذا هذا
(1)
.
وجاء فى الفتاوى الهندية: أنه لو أوصى رجل بأن يتصدق بثلث ماله فغصب رجل المال من الوصى واستهلكه فأراد الوصى أن يجعل المال صدقة على الغاصب والغاصب معسر. قال أبو القاسم:
يجوز ذلك
(2)
.
قال أبو القاسم: ولو استهلك الوصى مال اليتيم يخرج من الوصاية ويجعل غيره وصيا فيدفع الضمان اليه ثم يقبض منه الوصى.
وعن أبى نصر الدبوسى رحمه الله اذا باع وصى القاضى ميراثا لليتيم وقبض الثمن وصرفه الى حاجة نفسه، ثم ان الوصى
ينفق على اليتيم ويطعمه مع سائر عياله على قدر الدين الذى لليتيم عليه قال هذه كبيرة لا يحل لأنه استهلك مال اليتيم فلا يسقط عنه الدين بهذا الاطعام
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل: أن الموصى ان باع الموصى به أو كاتبه أو حصده ان كان زرعا - بطلت وصيته.
قال فى التوضيح يعنى أن من أوصى بزرع فحصده ودرسه وكاله وأدخله بيته فذلك رجوع، لأنه أبطل اسم الزرع ونقله الى اسم القمح
(4)
.
وجاء فى المدونة أنه لو قال رجل دارى لفلان مثلا ثم قال بعد ذلك: دارى لفلان - يقصد رجلا آخر - والدار التى أوصى بها هى دار واحدة، فان ذلك القول الثانى لا يكون نقضا لقوله الأول، وانما تكون الدار بينهما نصفين
(5)
.
أما ان قال الرجل: العبد الذى أوصيت به لفلان هو وصية لفلان - لرجل آخر - كان ذلك منه نقضا للوصية الأولى
(6)
.
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 335.
(2)
الفتاوى الهندية ج 6 ص 134.
(3)
الفتاوى الخانية ج 3 ص 530 حاشية الفتاوى الهندية.
(4)
مواهب الجليل للحطاب ج 6 ص 369 الطبعة الاولى سنة 1329 هـ.
(5)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 15 ص 69 الطبعة الأولى طبعة ساسى بمصر.
(6)
المرجع السابق ج 15 ص 69، 70.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم أنه اذا أوصى رجل بعبد بعينه لرجل، ثم أوصى بذلك العبد بعينه لرجل آخر فالعبد بينهما نصفان.
ولو قال: العبد الذى أوصيت به لفلان هو لفلان، أو قال: قد أوصيت لفلان بالعبد الذى أوصيت به لفلان كان هذا ردا للوصية الأولى وكانت وصيته للآخر منهما.
ولو أوصى لرجل بعبد، ثم أوصى أن يباع ذلك العبد كان هذا دليلا على ابطال وصيته به، وذلك لأن البيع والوصية لا يجتمعان فى عبد.
وكذلك لو أوصى لرجل بعبد ثم أوصى بعتقه أو أخذ مالا منه وعتقه كان هذا كله ابطالا للوصية به للأول.
ولو أوصى لرجل بعبد ثم باعه أو كاتبه أو دبره أو وهبه كان هذا كله ابطالا للوصية فيه.
ولو أوصى به لرجل ثم أذن له فى التجارة أو بعثه تاجرا الى بلد لم يكن شئ من هذا رجوعا فى الوصية.
ولو كان الموصى به طعاما فباعه أو وهبه أو أكله أو كان حنطة فطحنها أو دقيقا فعجنه أو خبزه أو حنطة فجعلها سويقا كان هذا كله كنقض الوصية.
ولو أوصى له بما فى هذا البيت من الحنطة ثم خلطها بحنطة غيرها كان هذا ابطالا للوصية.
ولو أوصى له مما فى البيت بمكيلة حنطة ثم خلطها بحنطة مثلها لم يكن هذا ابطالا للوصية وكانت له المكيلة التى أوصى بها له
(1)
.
واذا قال الموصى أعطوا فلانا كلبا من كلابى وكانت له كلاب كانت الوصية جائزة، لأن الموصى له يملكه بغير ثمن وان استهلكه الورثة ولم يعطوه اياه أو غيرهم لم يكن له ثمن يأخذه، لأنه لا ثمن للكلب
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أنه اذا كانت الوصية لزيد مثلا بأمة فوطئها الوارث للموصى قبل أن يقبل الموصى له، وأولدها صارت أم ولد له بمجرد الاحبال، لأنها ولدت من مالكها، ولا مهر عليه، وولده لا تلزمه قيمته، لأنه من مالك، وعلى الواطئ قيمتها للموصى له أن قبلها بعد ذلك كما لو أتلفها.
(1)
الام ج 4 ص 45 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميريه ببولاق مصر سنة 1322 هـ ونهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 6 ص 95، 96 الطبعة السابقة.
(2)
الام ج 4 ص 20.
وانما وجب له قيمتها باتلافها قبل دخولها فى ملكه بالقبول اذا قبلها بعد ذلك لثبوت حق التملك له فيها بموت الموصى.
ولا يعترض على هذا بأن الوارث لا يصح اعتاقه فكان لازما ان لا يصح استيلاده، لأن الاستيلاد أقوى، ولذلك صح الاستيلاد من المجنون والشريك المعسر وان لم يصح اعتاقهما.
وان وطئ الأمة الموصى له بها بعد موت الموصى كان ذلك قبولا، لأنه انما يباح فى الملك فتعاطيه دليل اختيار الملك كالهبة فيثبت له الملك به
(1)
.
وان باع الموصى ما أوصى به أو وهبه أو تصدق به فرجوع منه فى وصيته، لأنه ازالة ملك وهو ينافى الوصية، وكذا لو رهنه أو أكله أو أطعمه أو أتلفه أو أوجبه فى بيع أو هبة ولم يقبل المبتاع أو المتهب فيهما فرجوع.
ومثله ما اذا عرضه الموصى لبيع أو رهن أو وصى ببيعه أو وصى بعتقه أو هبته أو أصدقه لامرأة نكحها لنفسه أو لغيره أو جعله عوضا فى خلع أو صلح أو جعالة أو عتق ونحوها أو جعله أجرة
فى اجارة فرجوع لما فيه من ازالة ملكه عنه.
وكذلك اذا كان الموصى به قطنا فحشى به فراشا أو كان مسامير فسمر بها بابا أو كاتب العبد الموصى به أو دبره أو خلطه بغيره على وجه لا يتميز كزيت بزيت أو شيرج أو كان الموصى به صبرة فخلطها بغيرها على وجه لا تتميز فرجوع كذلك
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه يصح للموصى أن يستهلك الموصى به أو بعضه بالبيع أو بالهبة كما يصح له أن يستهلكه بالأكل واذا كان الموصى به لا ينفذ لمن أوصى له بها أو فيما أوصى به ساعة موت الموصى مثل أن يوصى بنفقة على انسان مدة مسماة أو بعتق عبد بعد أن يخدم فلانا مدة مسماة قلت أو كثرت أو بحمل بستانه فى المستأنف أو بغلة داره وما أشبه ذلك، فهذا كله باطل لا ينفذ منه شئ
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب: أنه اذا أوصى بمعين - نحو شاتى الفلانية، أو فرسى الفلانى - فهو لعينه ان بقيت، ولم تكن قد تلفت بأى وجه، فان تلفت قبل موت الموصى فبفعله أو أمره يكون رجوعا،
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 2 ص 503، 504.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 505.
(3)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 322، 323.
وسواء كان استهلاكه لها حسا أم حكما.
أما اذا كان المستهلك غيره بدون أمره فلا تبطل الوصية الا اذا كان الاستهلاك حسا، فان كان حكما سلمه على صفته وأرش النقص.
قال العلامة المحقق القاضى عبد الله ابن أحمد المجاهد رحمه الله تعالى:
وان كان الاستهلاك بعد موته وجب الضمان وان لم يقبضه الورثة مع التمكن من التسليم، أو الوصى مع القبض ان فرط أو كان أجيرا مشتركا ومع عدم الجناية والتفريط والتمكن لا ضمان على الكل.
وبطلت الوصية، ومع البقاء يجب تسليمه بعينه ولو نقدا. قلت ووجوب ايصال العين الموصى بها الى الموصى له على الوصى أو الوارث على الفور لأن الواجبات على الفور، فلذا لزم الضمان
(1)
.
وجاء فى البحر الزخار: أنه لو أوصى رجل برطب ثم جزه أو لحم ثم طبخه فوجهان.
قال الامام يحيى: أصحهما ليس هذا منه برجوع اذ هو ليس باستهلاك، أما ان أوصى بقطن ثم غزله أو أوصى بغزل ثم نسجه كان ذلك رجوعا اذ هو
استهلاك فان حشا القطن فى فراشه فوجهان.
قال الامام يحيى أصحهما أنه ليس باستهلاك فان أوصى بشاة فذبحها فرجوع، أو أوصى بثوب فلبسه لم يكن رجوعا، فان قطعه قميصا أو أوصى بخشبة فشقها بابا فوجهان.
قال الامام يحيى: أصحهما أنه رجوع.
وان أوصى بدار فهدمها فرجوع، اذ أزال الاسم وان انهدمت بنفسها حتى زال عنها اسم الدار حتى صارت عرصة بطلت الوصية لزوال الاسم.
قلت: انما يستقيم هذا حيث أوصى بدار من دوره ثم هدمها جميعا، أو انهدمت لا المعينة اذ الهدم نقصان فقط لا استهلاك فان أوصى بدار فبنى عليها فرجوع، اذ يراد للبناء لا بأرض فزرعها كدار فسكنها، فان غرسها فكالبناء ولو رهنها أو عرضها للبيع فرجوع
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن الموصى يصح له أن يبيع العين الموصى بها - وان لم يقبضها - وان يرهنها مع الاقباض قطعا وبدونه على الأقوى، ومثله ما لو وهبها أو أوصى بها لغير من أوصى بها له أولا.
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب ج 4 ص 374، 375 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 321.
وكذا لو فعل ما يبطل الاسم، مثل طحن الطعام أو عجن الدقيق أو غزل القطن أو نسج مغزوله، أو خلطه بالأجود بحيث لا يتميز ويعتبر فى كل ذلك راجعا فى وصيته
(1)
.
وجاء فى شرائع الاسلام: أن الوصى أمين لا يضمن ما يتلف الا اذا كان عن مخالفته لشرط الوصية أو تفريط.
ولو كان للوصى دين على الميت جاز أن يستوفى مما فى يده من غير اذن حاكم اذا لم يكن له حجة.
وقيل: يجوز مطلقا
(2)
.
واذا أوصى لشخص بدار فانهدمت الدار، وصارت براحا، ثم مات الموصى بطلت الوصية، لأنها خرجت عن اسم الدار وفيه تردد
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن تغيير الموصى به عن ذاته رجوع من الموصى فى وصيته، كما لو أوصى بصوف. أو قطن، أو كتان، أو شعر، أو وبر فعمله ثيابا، أو أوصى بحب فطحنه، أو بسبيكة فسكت دنانير أو دراهم، أو جعلت سوارا أو
قرطا أو طوقا أو خلخالا أو نحو ذلك، أو جعل الدراهم أو الدنانير شيئا من ذلك، أو جعل الحلى شيئا من ذلك وانما اعتبر هذا التغيير رجوعا لعدم بقاء الاسم الذى وقع به الايصاء.
وقيل: لا يعد التغيير رجوعا ما دامت عين الموصى به موجودة ولو غير شكله فجميع تلك التغييرات المذكورة ليست رجوعا.
وان أوصى بثوب أو غيره ثم صبغه أو أوصى بجلد ثم دبغه أو دبغه وصبغه أيضا لم يكن شئ من ذلك رجوعا على القول الأخير. بل ليس الصبغ والدبغ تغييرا فى الذات بل فى الصفة واللون والتغيير الذى عده رجوعا هو تغيير نفس الذات.
وكذا يعتبر رجوعا فى الوصية نقل غرس أو شجر أو نقض دار، أو نقض حائط أو حمام أو بيت أو غير ذلك
(4)
.
وكذا اذا أخرج الشئ الموصى به من ملكه يكون رجوعا منه عن وصيته كأن يتصدق به أو يصدقه أو يهبه أو يهديه أو يعتقه، أو يدبره أو يكاتبه أو يقتله، لأن ذلك فى العبد أشد من اتلافه بالاخراج من الملك
(5)
.
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 58.
(2)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 364 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 266.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 385، 386 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 6 ص 388.
واذا لم ينفذ الوارث الوصية حتى تلف المال كان عليه الضمان ان لم يشتغل عن الانفاذ بدفن الموصى، أو بمقدمة من مقدمات الدفن كغسله وكفنه، وأما ان اشتغل بالدفن أو نحو ذلك فهلك المال بلا تضييع فلا ضمان عليه.
وكذا لو كان للميت خليفة بيده مال الميت جعله الميت أو الورثة للانفاذ بيده فتلف فلا ضمان على الوارث، بل يكون الضمان على الخليفة ان كان بيده وضيع الانفاذ. أما ان كان للميت خليفة لم يجعل المال بيده فلم يجعله الورثة بيده حتى تلف ضمنوا وعصى الخليفة ان لم يطالبهم ان علموا بالوصية وان علم بها دونهم عصى بعدم الطلب وضمن ان تلف
(1)
.
ويضمن الخليفة الموصى به ان ضيع انفاذ الوصية حتى مات الشهود وجحدها الوارث، وان ضيع حتى لا يصل الى انفاذها بعارض له فى ذاته كجنون، وهرم لا يطيق به الانفاذ لضعف عقله وبدنه ضمن وأنفذ الوصية
(2)
.
حكم استهلاك العين المصالح عليها
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه ان كان ما وقع الصلح على منفعته قد هلك فلا يخلوا اما أن يكون حيوانا كالعبد والدابة - أو غير حيوان كالدار والبيت. فان كان حيوانا فهو لا يخلو من أحد أمرين، اما أن يكون قد هلك بنفسه، أو أن يكون قد هلك باستهلاك فان هلك بنفسه بطل الصلح اجماعا، وان هلك باستهلاك فلا يخلو من ثلاثة أوجه فهو اما أن يستهلكه أجنبى، أو أن يستهلكه المدعى عليه، أو أن يستهلكه المدعى.
فان استهلكه أجنبى بطل الصلح عند محمد، لأن الصلح على المنفعة بمنزلة الاجارة، لأن الاجارة تمليك المنفعة بعوض وقد وجد، ولهذا ملك اجارة العبد من غيره بمنزلة المستأجر فى باب الاجارة، والاجارة تبطل بهلاك المستأجر سواء هلك بنفسه أو باستهلاك.
وقال أبو يوسف: لا يبطل الصلح ان استهلك أجنبى المصالح على منفعته ولكن للمدعى الخيار ان شاء نقض الصلح وان شاء اشترى له بقيمته عبدا يخدمه الى المدة المضروبة، لان هذا صلح فيه معنى الاجارة،
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 395 للشيخ محمد بن يوسف أطفيش.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 424، ص 425.
وكما أن معنى المعاوضة لازم فى الاجارة فمعنى استيفاء عين الحق أصل فى الصلح فيجب اعتبارهما جميعا ما أمكن ومعلوم أنه لا يمكن استيفاء الحق من المنفعة، لأنها ليست من جنس المدعى فيجب تحقق معنى الاستيفاء من محل المنفعة - وهو الرقبة - ولا يمكن ذلك الا بعد ثبوت الملك له فيها، فتجعل كأنها ملكه فى حق استيفاء حقه منها، وبعد القتل ان تعذر الاستيفاء من عينها يمكن من بدلها فكان له أن يستوفى من البدل بأن يشترى له عبدا فيخدمه الى المدة المشروطة، وله حق النقض أيضا لتعذر محل الاستيفاء.
وان استهلكه المدعى عليه بأن قتله أو كان عبدا فأعتقه يبطل الصلح أيضا.
وقيل هذا قول محمد.
فأما على أصل أبى يوسف فلا يبطل وتلزمه القيمة ليشترى له بها عبدا آخر يخدمه الى المدة المشروطة كما اذا قتله أجنبى، وكالراهن اذا قتل العبد المرهون أو أعتقه وهذا لأن رقبة العبد وان كانت مملوكة للمدعى عليه لكنها مشغولة بحق الغير - وهو المدعى - لتعلق حقه بها فتجب رعايتهما جميعا بتنفيذ العتق ويضمن القيمة كما فى الرهن.
وكذا لو استهلكه المدعى بطل الصلح عند محمد.
وعند أبى يوسف لا يبطل وتؤخذ من المدعى قيمة العبد ويشترى عبدا آخر يخدمه. وهل يثبت الخيار للمدعى فى نقض الصلح على مذهبه؟ فيه نظر - هذا اذا كان الصلح على منافع الحيوان.
فأما اذا كان الصلح على سكنى بيت فهلك بنفسه بأن انهدم، أو باستهلاك بأن هدمه غيره لا يبطل الصلح، ولكن لصاحب السكنى وهو المدعى الخيار ان شاء بناه صاحب البيت بيتا آخر يسكنه الى المدة المضروبة وان شاء نقض الصلح ولا يتعذر هنا خلاف محمد، لأن اجارة العبد تبطل بموته بالاجماع واجارة الدار لا تبطل بانهدامها ولصاحب الدار أن يبنيها مرة أخرى فى بعض اشارات الروايات عن أصحابنا على ما مر فى الاجارات
(1)
.
وجاء فى حاشية الشلبى على تبيين الحقائق: أنه لو تصالحا على مائة درهم على أن يقر له بالسرقة ففعل ذلك فان كانت العروض قائمة بعينها فالصلح جائز وان كانت مستهلكة فالصلح باطل، هذا لفظ محمد فى الأصل فى باب دعوى الجراحات والحدود.
وتفسيره ما قال شيخ الاسلام علاء الدين الاسبيجابى فى باب الصلح فى دعوى القصاص والحد من شرح
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 54، 55 الطبعة الاولى.
الكافى، فان كانت العروض قائمة بعينها جاز، لأنه يكون بيعا لذلك العرض فى زعمه بمائة درهم وان كانت مستهلكة لم يجز لأنه يكون بيع الدراهم بدراهم أقل منه أو أكثر
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم: أنه لو كان الصلح على خدمة عبد بعينه سنة فباعه المولى كان للمشترى الخيار ان شاء أن يجيز البيع ويكون لهذا الملك ولهذا الخدمة فعل، وان شاء أن يرد البيع رده. وبه نأخذ.
وفيه قول ثان وهو أن البيع منتقض، لأنه محول بينه وبينه.
ولو كانت المسئلة بحالها فأعتقه السيد كان العتق جائزا وكانت الخدمة عليه الى منتهى السنة يرجع بها على السيد، لأن الاجارة بيع من البيوع عندنا، لا ننقضه ما دام المستأجر سالما
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أنه ان كان الصلح عن نقد أو عرض بمنفعة كسكنى دار وخدمة عبد مدة معلومة أو صالحه عن ذلك على أن يعمل له عملا
معلوما كخياطة ثوب وبناء حائط فهو اجارة - لأنها بيع المنافع - تبطل بتلف الدار، وموت العبد، لا عتقه أو بيعه، أو هبته كسائر الاجارات فان كان التلف قبل استيفاء شئ من المنفعة انفسخت ورجع بما صالح عنه من دين أو عين. وان كان التلف بعد استيفاء بعض المنفعة انفسخت فيما بقى ورجع بقسط ما بقى من المدة
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: أن العين المصالح عليها ان استحق بعضها أو كلها بطلت المصالحة وعاد على حقه، لأنه انما ترك حقه بشئ لم يصح له. والا فهو على حقه، ومثله ما لو صالح من سلعة بعينها بسكنى دار أو خدمة عبد فمات العبد وانهدمت الدار أو استحقا بطل الصلح وعاد على حقه
(4)
.
حكم استهلاك من فيه رق للأموال
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه لو استهلك المولى شيئا من كسب المكاتب فهو دين عليه، لأن المكاتب أحق بكسبه
(1)
حاشية الشلبى على تبيين الحقائق ج 5 ص 37 لشهاب الدين أحمد شلبى طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1935 م.
(2)
الام للامام الشافعى ج 3 ص 199 الطبعة الاولى.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 2 ص 192 للشيخ منصور بن ادريس الطبعة الاولى بالمطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 168 الطبعة المتقدمة.
من المولى فكان فى مكاسبه كالحر وكذا ما استهلك المكاتب من مال المولى
(1)
.
وذكر ابن عابدين أن المكاتب ليس له أن يتزوج بغير اذن مولاه، ولا أن يتسرى، وكذا ليس له أن يهب ولو بعوض ولا أن يتصدق الا بشئ يسير حتى لا يجوز له أن يعطى فقيرا درهما ولا أن يكسيه ثوبا وكذا لا يجوز له أن يهدى الا شيئا قليلا من المأكول، وله أن يدعو الى الطعام
(2)
. وله أن يزوج.
وذكر صاحب البدائع أنه لو استهلك العبد لرجل مالا يخاطب المولى بالبيع أو الفداء، ويرجع على الغاصب بالأقل من قيمته وبما اداه عنه من الدين لأن على المالك للعبد أن يضمن ما يتلفه عبده اذ الملك له
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة: أن ما استهلكت أم الولد من الأموال وما جنت يكون ذلك على سيدها فان كان ما استهلكت أم الولد من الأموال أكثر من قيمتها لم يلزم السيد الا قيمتها، لأنها لو كانت أمة انما كان على السيد ان يسلمها فاذا أخرج قيمتها فكأنه قد
أسلمها قلت وليس عليها شئ من الفضل اذا عتقت، لأنها لو كانت أمة قد أسلمت فلا شئ عليها من الفضل وما استهلكت أم الولد من الأموال غصبته أو اختلسته يكون فى رقبتها على السيد يقال له أخرج قيمتها الا أن يكون ذلك أقل من قيمتها فيخرج الأقل وهذا وجنايتها عند مالك سواء
(4)
.
وما استهلك العبد من الأموال فهو فى رقبته، والمدبر بمنزلته الا أن ذلك يكون فى خدمته، لأن استهلاك الأموال عند الامام مالك والجنايات سواء.
وعلى ذلك فما استهلكه المدبر من الأموال أو جنى سواء. فاذا جنى المدبر أو استهلك مالا قيل لسيده ادفع اليهم جنايتهم وما استهلك من أموالهم أو ادفع اليهم خدمته فتكون جنايتهم وما استهلك من أموالهم فى خدمته يتحاصون فى ذلك، فاذا مات السيد فان حمله الثلث عتق وكان ما بقى لهم عليه دينا يتبعونه به، وان لم يحمله الثلث قضت (أى قسمت) الجنايات.
وما استهلك من الأموال على الذى عتق منه وعلى الذى بقى منه فى الرق، فما أصاب العتق من ذلك اتبعوا به العبد، وما أصاب الرق من ذلك خير الورثة بين أن يسلموا ما رق من العبد فى الذى أصاب حصة الرق
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 4 ص 151 طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، 1910 م. الطبعة الأولى.
(2)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 86.
(3)
بدائع الصنائع ج 7 ص 155 الطبعة السابقة.
(4)
المدونة ج 16 ص 162.
من الجنايات وما استهلك من الأموال، وفى أن يدفعوا اليهم قدر ما أصاب الرق من ذلك ان كان نصفا فنصف، وان كان ثلثا فثلث
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم أنه يجوز للمكاتب فى ماله ما كان على النظر وغير الاستهلاك لماله، ولا يجوز له ما كان استهلاكا لماله، فلو وهب درهما من ماله كان مردودا ولو اشترى شيئا بما يتغابن الناس بمثله كان مردودا أو باع شيئا من ماله بما يتغلبن الناس بمثله كان مردودا.
وكذلك لو جنيت عليه جناية فعفا عن الجناية على غير مال كان عفوه باطلا، لأن ذلك اهلاك منه لماله.
واذا تحمل عن الرجل بحمالة وضمن عن آخر كان ذلك باطلا، لأن هذا تطوع بشئ يلزمه نفسه فى ماله فهو مثل الهبة يهبها.
وليس للمكاتب أن يشترى أحدا يعتق عليه لو كان حرا سواء كان ولدا أو والدا ومتى اشتراهم كان الشراء فيهم مفسوخا لأنه ليس له بيعهم واذا اشترى ما ليس له بيعه فليس له بشراء نظر انما هو اتلاف لأثمانهم وعلى ذلك فهم لا يعتقون عليه لأنه لا يملكهم بالشراء الفاسد
(2)
.
ولا يجوز للمكاتب أن يتصدق بقليل ولا بكثير من ماله ولا أن يكفر كفارة يمين ولا كفارة ظهار ولا قتل ولا شيئا من الكفارات فى الحج لو أذن له فيه سيده أو غير ذلك من ماله، ولا يكفر ذلك كله الا بالصوم ما كان مكاتبا، فان أخر ذلك حتى يعتق جاز له أن يكفر من ماله، لأنه حينئذ مالك لماله والكفارات خلاف جنايته، لأن الكفارات تكون صياما فلا يكون له أن يخرج من ماله شيئا وغيره يجزيه.
أما الجنايات وما استهلك للآدميين فلا يكون فيه الا مال بكل حال
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير
(4)
: أن المكاتب محجور عليه فى ماله، فليس له استهلاكه ولا هبته، لأن حق سيده لم ينقطع عنه، لأنه قد يعجز فيعود اليه، ولأن القصد من الكتابة تحصيل العتق بالأداء، وهبة ماله تفوت ذلك وان أذن فيه سيده جاز.
وعلى ذلك فان المكاتب اذا لزمته كفارة ظهار أو جماع فى رمضان أو قتل أو كفارة يمين لم يكن له أن يكفر بالمال لأنه عبد، ولأنه فى حكم المعسر بدليل أنه لا تلزمه زكاة ولا نفقة قريب، وأن أذن له السيد فى أن يكفر بالمال جاز لأنه بمنزلة التبرع ولأن المنع لحقه وقد أذن فيه
(5)
.
(1)
المدونة ج 16 ص 153، ص 154.
(2)
الام ج 7 ص 384 الطبعة الاولى.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 392 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامه ج 12 ص 382.
(5)
المرجع السابق ج 12 ص 378.
وليس له شراء ذوى رحمه الا بأذن سيده، لأنه تصرف يؤدى الى اتلاف ماله، لأنه يخرج من ماله ما يجوز التصرف فيه فى مقابلة ما لا يجوز له التصرف
(1)
فيه.
وليس له التسرى بغير اذن سيده لأن ملكه غير تام وعلى السيد فيه ضرر، لأنه ربما أحبلها والحبل مخوف فى بنات آدم وربما تلفت وربما ولدت فصارت أم ولد فيمتنع عليه بيعها فى أداء كتابتها.
فأما ان أذن له سيده فى التسرى فانه يجوز
(2)
له.
وكذلك ليس للمكاتب أن يزوج عبيده واماءه بغير اذن سيده، لأن على السيد فيه ضررا فهو ان زوج العبد لزمته نفقة امرأته ومهرها وشغله بحقوق النكاح ونقص قيمته وان زوج الأمة ملك الزوج بضعها ونقصت قيمتها وقلت الرغبات فيها وربما امتنع بيعها بالكلية وليس ذلك من جهات المكاتب فربما عجزه ذلك عن أداء نجومه كما نه ليس له أن يعتق رقيقه الا باذن سيده لأنه تبرع بماله بغير اذن سيده فكان باطلا
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: أنه يجوز للمكاتب أن يكاتب أو يعتق، لأن الله سبحانه
وتعالى لم يخص مكاتبا من غيره فى صحة تصرفاته المالية
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أن المكاتب لا يصح له أن يخرج شيئا مما فى يده أو منافع ما فى يده الا فى مقابلة عوض هو مال، لأن هذا يكون تصرفا، أما ان أخرج شيئا من ذلك لا فى مقابلة عوض فانه يكون تبرعا فلا يصح أن ينكح وان فعل كان موقوفا على اجازة سيده، ولا يصح أن يعتق الا بمال كتابة أو شرطا، وأما عقدا فلا يصح للحظر اذ يعتق بالقبول
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن المكاتب بنوعيه ليس له أن يتصرف فى ماله ببيع ينافى الاكتساب كالبيع نسيئة بغير رهن ولا ضمين أو محاباة أو بغبن أما مطلق البيع فان له التصرف بالبيع والشراء وغيرهما من أنواع التكسب التى لا خطر فيها ولا تبرع، ولا يجوز له أن يهب ولا أن يعتق - ومن ذلك شراء من يعتق عليه - ولا أن يقرض الا باذن المولى، فلو أذن له فى ذلك كله جاز لأن
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 379.
(2)
المرجع السابق ج 12 ص 378، ص 379.
(3)
المرجع السابق ج 12 ص 381.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 244 مسألة رقم 1697 الطبعة الاولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.
(5)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 597 لابى الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
الحق لهما بخلاف ما اذا كانت الهبة تستلزم عوضا زائدا عن الموهوب فلا يمنع للغبطة
(1)
.
حكم استهلاك العين المغصوبة
مذهب الحنفية:
جاء فى تبيين الحقائق أن العين المغصوبة اذا تغيرت بفعل الغاصب بحيث لا يمكن تمييزها أصلا أو لا يمكن تمييزها الا بحرج زال ملك المغصوب منه عنها وملكها الغاصب وضمنها، ولا يحل له أن ينتفع بها حتى يؤدى بدلها
(2)
فلو هلك فى يده أو استهلك صورة ومعنى أو معنى لا صورة سقط حق استرداده وثبت الضمان على الغاصب، لأن الهالك لا يحتمل الرد.
فلو أن شخصا غصب حنطة فزرعها أو نواة فغرسها حتى نبتت أو باقلة فغرسها حتى صارت شجرة أو غصب بيضة فحضنها حتى صارت دجاجة، أو قطنا فغزله أو غزلا فنسجه أو ثوبا فقطعه أو خاطه قميصا أو لحما فشواه أو طبخه أو شاة فذبحها وشواها،
أو حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه أو حديدا فضربه سيفا أو نحاسا فعمله آنية أو نحو ذلك زال ملك المغصوب منه عنها وضمن الغاصب المثل أو القيمة، لأن فعل الغاصب فى هذه المواضع وقع استهلاكا للمغصوب اما صورة ومعنى أو معنى لا صورة فيزول ملك المالك عنه وتبطل ولاية الاسترداد كما اذا استهلكه حقيقة، ودلالة تحقق الاستهلاك أن المغصوب قد تبدل وصار شيئا آخر بتخليق الله تعالى وايجاده، لأنه لم تبق صورته ولا معناه الموضوع له فى بعض المواضع ولا اسمه وقيام الأعيان انما يكون بقيام صورها ومعانيها المطلوبة منها وفى بعضها ان بقيت الصورة فقد فات معناه الموضوع له المطلوب منه عادة فكان فعله استهلاكا للمغصوب صورة ومعنى أو معنى.
ومن ثم يبطل حق المالك فى الاسترداد اذ الهالك لا يحتمل الرد كالهالك الحقيقى.
واذا حصل الاستهلاك فانه يزول ملك المالك لأن الملك لا يبقى فى الهالك فتنقطع ولاية الاسترداد ضرورة
(3)
.
هذا كله اذا كان المغصوب غير ذهب ولا فضة أما ان كان ذهبا أو فضة فان الغاصب لا يملكه اذا اتخذه أوانى أو ضربه دنانير أو دراهم، فلا ينقطع حق المالك عنها، وله أن يسترده ولا يعطيه شيئا
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 210 للشهيد السعيد بن زين الدين الجبعى العاملى.
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج 5 ص 226 للامام فخر الدين عثمان بن على الزيلعى فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ الامام شهاب الدين أحمد الشلبى الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1314 هـ.
(3)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 148.
ص 149 الطبعة السابقة.
فى مقابل الصياغة قال بهذا الامام أبو حنيفه رحمه الله تعالى، لأن العين باقية من كل وجه ولم يطرا عليها استهلاك بأى وجه من الوجوه التى سبق الاشارة اليها.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أنه لا سبيل للمالك على ذلك ويملكها الغاصب بضربها دنانير أو دراهم أو أوانى، وعلى الغاصب مثل ما غصب، لأن صنع الغاصب وقع استهلاكا، لأن المغصوب بالصياغة صار شيئا آخر وفوت بذلك على المالك بعض مقاصده.
أما اذا سبكه ولم يصغه أو جعله مربعا أو مطولا أو مدورا فانه لا يعتبر استهلاكا له باجماع الأئمة.
ومن ثم فان لمالكه الحق فى أن يسترده ولا شئ عليه
(1)
.
ولو كان المغصوب صفرا أو نحاسا أو حديدا فضربه الغاصب آنية نظر فان كان يباع وزنا فهو على الخلاف الذى ذكر فى مسألة الذهب والفضة لأنه لم يخرج بالضرب والصناعة عن حد الوزن وان كان يباع عددا فانه يكون استهلاكا له لأنه خرج عن كونه
(2)
موزونا.
ومن ثم فليس لمالكه أن يسترده بلا خلاف.
ولو كان المغصوب لبنا أو آجرا أو ساجة فأدخلها الغاصب فى بنائه فانه يعتبر استهلاكا، لأن المغصوب بالادخال فى البناء والتركيب صار شيئا آخر غير الأول لاختلاف المنفعة اذ المطلوب من المركب يختلف عن المطلوب من المفرد فصار تبعا له فكان الادخال اهلاكا معنى فيوجب زوال ملك المغصوب منه، ويصير ملكا للغاصب.
وذكر الكرخى رحمه الله تعالى أن حكم مسألة الساجة اذا كان الغاصب قد بنى فى حوالى الساجة لا على الساجة نفسها أما اذا بنى على نفس الساحة فانه لا يبطل ملك المالك. بل ينقض البناء وهذا القول اختاره الفقيه أبو جعفر الهندوانى، لأن البناء اذا لم يكن على نفس الساجة لم يكن الغاصب متعديا بالبناء لينقض ازالة للتعدى، واذا كان البناء عليها كان متعديا على الساجة فيزال تعديه بالنقض.
والصحيح أن المسألة فيها خلاف.
ولو غصب ثوبا فقطعه ولم يخطه أو شاة فذبحها ولم يشوها ولا طبخها فلا ينقطع حق المالك اذ الذبح ليس باستهلاك، بل هو تنقيص وتعييب فلا يوجب زوال الملك بل يوجب الخيار للمالك، فيخير بين تضمين
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 149 الطبعة السابقة وتبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 228 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع ج 7 ص 149، 150 الطبعة السابقة.
جميع قيمته ويترك له وبين تضمين نقصانه وأخذه
(1)
.
وقيد خرق الثوب الذى يوجب التخيير بكونه فاحشا أما اذا كان الخرق يسيرا فان عليه ضمان نقصانه - يعنى مع استرداد عينه - وليس للمالك غير ذلك لأن العين قائمة من كل وجه وانما دخله عيب فنقص لذلك فكان له أن يضمنه النقصان
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل للحطاب ان مالكا رحمه الله تعالى قال: من غصب لرجل طعاما أو اداما فاستهلكه فعليه مثله بموضع غصبه منه، فان لم يجد هناك مثلا لزمه أن يأتى بمثله الا ان يصطلحا على أمر فانه يجوز.
وان لقيه رب المال المغصوب بغير البلد الذى غصب فيه لم يقض عليه فيه هناك بمثله ولا قيمته وانما له عليه مثله بموضع غصبه فيه
(3)
.
وقال ابن يونس: لو غصبه سويقا فلته فانما يجب عليه مثله، ولا يجوز أن يتراضيا على أن يأخذه ويعطيه مالته به، لأنه يترتب على ذلك تفاضل بين الطعامين. ومثل
ذلك ما لو غصب الفضة ثم ضربها دراهم أو صاغها فانه لا يجوز لربها أن يأخذها ويعطيه اجرته للتفاضل بينهما.
وروى عن المدونة أن مالكا رحمه الله تعالى قال: ان عمل الغاصب من الخشبة بابا أو غصب ترابا يعمل منه بلاطا، أو غصب حنطة فزرعها وحصد منها حبا كثيرا أو غصب سويقا ثم لته بسمن أو غصب فضة فصاغها حليا أو ضربها دراهم فعليه فى هذا كله مثل ما غصب فى صفته ووزنه وكيله أو القيمة فيما لا يكال ولا يوزن وذكر المازرى ان ابن القاسم قال: من غصب قمحا فطحنه وجب عليه رد مثله ولا يمكن رب القمح من أخذ الدقيق خلافا لأشهب أما ان طحن القمح سويقا ولته فقد اتفقا على أنه ليس لرب القمح أن يأخذه.
قال أشهب: ولو أن شخصا غصب بيضة فحضنها تحت دجاجة له فخرج منها دجاجة فعليه بيضة مثلها خلافا لسحنون لا ما باض أو حضن.
ولو غصب دجاجة فباضت عنده فحضنت بيضها فما خرج من الفراريج فلربها أن يأخذها معها كالولادة
(4)
أما اذا كان المغصوب عروضا أو رقيقا أو حيوانا وقد استهلكه فله قيمة ذلك
(1)
المرجع السابق وتبيين الحقائق ج 5 ص 228، ص 229 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع 7 ص 149 الطبعة السابقة.
(3)
الحطاب ج 5 ص 278 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 280 الطبعة السابقة.
ببلد الغصب يوم الغصب يأخذه بتلك القيمة اينما لقيه من البلدان ان نقصت القيمة فى غير البلد أو زادت.
وجاء فى الموازية أن من غصب غزلا فنسجه فعليه قيمة الغزل.
وروى عن المدونة ان من غصب من رجل سوارين من ذهب فاستهلكهما فعليه قيمتهما مصوغين من الدراهم، وله أن يأخذهما بتلك القيمة.
والذى رجع اليه ابن القاسم أنه كذلك اذا كسرهما لزمته قيمتهما وكانا له.
وفى الموازية ان من غصب حليا فكسره ثم أعاده الى هيئته فان عليه قيمته.
وهذا هو الصواب لأن هذه الصياغة غير تلك فكأنه أفات السوار فعليه قيمته يوم أفاته.
وعلى مذهب أشهب يأخذهما.
وروى عن المدونة أن ابن القاسم قال:
من غصب جلد ميتة فعليه قيمته ما بلغت ان أتلفه
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: أن المغصوب ان تلف عند الغاصب أو تلف بعضه - وهو متمول - سواء كان باتلاف أو تلف ضمنه
اجماعا. نعم لو غصب حربى مال محترم ثم عصم فان كان باقيا رده وان كان تالفا لم يضمنه كقن غير مكاتب غصب مال سيده وأتلفه ولو أتلف مالا محترما فى يد مالكه ضمنه بالاجماع
(2)
.
ولو حمل الغاصب المغصوب منه على المغصوب، بأن قدم له طعاما مغصوبا ضيافة فأكله فكذا القرار عليه - أى الرجوع - فى الأظهر لأنه المتلف واليه عادت المنفعة.
والثانى من قولى الشافعى أن القرار على الغاصب لأنه غير الآكل
(3)
.
ويضمن المثلى بمثله سواء تلف أو أتلف فان تعذر المثل حسا كأن لم يوجد بمحل الغصب ولا حواليه كأن لم يوجد له مثل فيما ذكر الا بأكثر من ثمن المثل فالقيمة هى الواجب اذ هو الآن كما لو كان لا مثل له.
والأصح فيما لو كان المثل موجودا عند التلف فلم يسلمه حتى فقده كما صرح به أصله أن المعتبر أقصى قيمة أى المثل من وقت الغصب الى تعذر المثل
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 282 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 5 ص 149، ص 150 لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى فى كتاب مع حاشية الشبراملسى طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 155، ص 156 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 162 وما بعدها الطبعة السابقة.
ولورد الغاصب المغصوب: ناقص القيمة بسبب الرخص لم يلزمه شئ لبقائه على حاله وأما الفائت فهو رغبات الناس.
ولو غصب ثوبا مثلا قيمته عشرة مثلا فصارت بالرخص درهما ثم لبسه مثلا فأبلاه فصارت نصف درهم فرده لزمه خمسة وهى قسط التالف من أقصى القيم، لأن الناقص باللبس نصف الثوب فيلزمه قيمته أكثر ما كانت من الغصب الى التلف وهو خمسة والنقصان وهو أربعة ونصف سببه الرخص وهو غير مضمون، ويجب مع الخمسة أجرة اللبس.
ولو اختلف المالك والغاصب فى حدوث الغلاء قبل التلف باللبس، فقال المالك حدث الغلاء قبل التلف، وقال الغاصب بل حدث بعده صدق الغاصب بيمينه، لأنه الغارم
(1)
.
وان تلف المغصوب الجانى فى يد الغاصب غرمه المالك أقصى القيم من الغصب الى التلف كسائر الأعيان المغصوبة، وللمجنى عليه تغريم الغاصب، لأن جناية المغصوب مضمونة عليه، وللمجنى عليه أن يتعلق بما أخذه المالك من الغاصب بقدر حقه، اذ حقه كان متعلقا بالرقبة فيتعلق ببدلها.
ومن ثم لو أخذ المجنى عليه الأرش لم يتعلق المالك به، ثم اذا أخذ المجنى عليه
من تلك القيمة حقه يرجع المالك على الغاصب بما أخذه منه المجنى عليه، لأنه أخذه منه بجناية مضمونة على الغاصب، وعليه فليس له أن يرجع عليه قبل أخذ المجنى عليه منه لاحتمال أن يبرئ الغاصب
(2)
.
ولو غصب خمرا فتخللت عنده أو غصب جلد ميتة يطهر بالدباغ فدبغه فالأصح أن الخل والجلد للمغصوب منه، لأنهما فرعا ملكه، فان تلفا فى يده ضمنهما.
والثانى من وجهين للأصحاب هما للغاصب، لحصول المالية عنده، فان أعرض المالك عنهما وهو ممن يعتد باعراضه يملكه آخذه
وقضية تعليل الأول اخراج الخمرة غير المحترمة وبه جزم الامام وسوى المتولى بينهما.
قال الشيخ وهو الأوجه ما لم يعرض المالك عنها فان أعرض لم يجب ردها عليه
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى: أنه ان كان المغصوب عصيرا فصار خمرا فعلى الغاصب مثل العصير، لأنه تلف فى يديه فان صار خلا وجب رده وما نقص من قيمة العصير، ويسترجع ما أداه من بدله، لأن الخل عين
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 172 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج ج 5 ص 174، 175 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 179 الطبعة السابقة.
العصير تغيرت صفته وقد رده فكان له أن يسترجع ما أداه بدلا عنه
(1)
.
وان نقصت قيمة العين المغصوبة بتغير السعر لم يضمن سواء ردت العين أو تلفت
(2)
.
وان غصب لوحا فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسى واذا كانت السفينة يخاف غرقها بقلع اللوح لم يقلع حتى تخرج الى الساحل وان كان فى أعلاها لا تغرق بقلعه لزمه أن يقلعه ولصاحب اللوح أن يطلب قيمته
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن من أخذ شيئا من مال غيره فصاحبه أحق به - سواء كان أخذه عمدا أو غير عمد - بعينه ان كان قائما أو ضمان مثله ان كان قد تلف عينه أو لم يقدر عليه، فلا يحل لأحد مال مسلم ولا مال ذمى إلا بما أباح الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فى القرآن أو السنة
(4)
.
ويضمن الغاصب كل ما مات من الولد والنتاج وما تلف من الغلة لأن كل ذلك مال المغصوب منه لأن الغاصب معتد بامساكه مال غيره.
وللمغصوب منه أن يعتدى عليه بمثل ما اعتدى لقول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}
(5)
.
وحق المجنى عليه فى عين ماله فما دامت العين موجودة فلا حق له فى غير ذلك فان عدم قضى له بالمثل فان عدم المثل فكل ما قاومه وساواه فهو أيضا مثل له
(6)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب: أنه يجب على الغاصب أن يرد العين المغصوبة ولو نقدا ما لم تستهلك فان استهلكت حسا وجب العوض
(7)
.
واذا صارت العين المغصوبة الى يد رجل جهل كونها غصبا فغرم فيها غرامة بأن علفها أو صبغها أو بنى عليها جدارا ثم قبضها مالكها بعد الحكم بها كان لهذا المغرور الذى صارت الى يده أن يغرم الغار له غراماته فى الصبغ والعلف وأما الأحجار فهى باقية على ملكه فلا
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 5 ص 418 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 2 ص 349 للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ الطبعة الاولى.
(3)
المغنى لابن قدامه ج 5 ص 392 وهامشه الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 134 مسئلة رقم 1258 الطبعة السابقة.
(5)
الاية رقم 194 من سورة البقرة.
(6)
المرجع السابق ج 8 ص 139 مسئلة رقم 1259 الطبعة السابقة.
(7)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 348 للقاضى أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.
يرجع بذلك، لأنها لم تستهلك، ويرجع أيضا على غار الغار حيث تعذر تغريم الغار لتمرده أو غيبته
(1)
.
ولو غصب المسلم خمرا أو خنزيرا على ذمى فان كان باقيا وجب عليه أن يرده بعينه ولو مباشرة لا تخلية، لأن الذميين مقرون على ذلك، وان كان تالفا فقيمته تجب عليه يوم الغصب ويشترط فى ضمان المثل بمثله اذا استمر مثليا الى وقت الاستهلاك، وكان مثليا عند الغاصب والمغصوب منه، ولم يصر بعد الغصب أو مع أحدهما قيميا وان لا يكن كذلك بل غصبه وهو مثلى ثم صار قيميا قبل الاستهلاك أو كان فى يد الغاصب قيميا ومع المغصوب منه مثليا أو العكس اختار المالك طلب المثل أو القيمة واذا كان التالف قيميا فالواجب فيه قيمته يوم الغصب.
وان تلف مع زيادة غير مضمونة فلا يلزم الغاصب الا قيمة العين يوم الغصب لا تلك الزيادة أما فى الزيادة المضمونة فيخير المالك بين تضمين الغاصب قيمته يوم تجدّد الغصب فى الزيادة مكانه وبين ان يضمنه قيمة التالف يوم التلف ومكانه.
واذا اختار أحدهما برئ الغاصب من الثانى ويتعين الأخير وهو التقويم يوم التلف ومكانه لغير الغاصب وهو حيث كان المستهلك جانيا غير غاصب نحو أن يتلفها
قبل أن ينقلها فانه لا يلزمه الا قيمتها فى موضع اتلافها
(2)
.
واذا كانت العين المغصوبة فى جدار للغاصب لزمه هدمه وكذلك اذا كان فى زجاجة له ولم يمكن استخراجها الا بكسرها أو ابتلعتها بهيمة له أو لغيره يجوز ذبحها ووجب شراؤها بما لا يجحف ان أمكن ووجب أيضا أن يهدم وأن يكسر ويذبح لرد ما هى فيه حيث له الحق فى أن يهدم ويكسر ويذبح.
فأما لو لم يجز الهدم نحو أن يركب لوحا مغصوبا على سفينة أو خشبة مغصوبة فى بيت وفى السفينة أو البيت نفوس محترمة ولم يمكنهم الخروج أو كان فيها مال لغير الغاصب يخشى تلفه بنزع اللوح أو الخشبة ولو لم يجحف، أو مال له يجحف به اذا تلف فانه لا يهدم حينئذ، وكذا فى الكسر والذبح فأما غير المأكول اذا ابتلع الجوهرة المغصوبة فانه لا يجوز له ذبحه وكذا اذا كان خيط جرحه بخيط مغصوب ونزعه يضره وهو محترم الدم فانه لا يجوز نزعه بل يلزم العوض فاذا تعذر الرد لزم القيمة
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أنه اذا تعذر رد عين المغصوب الى المغصوب منه لتلف ونحوه
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 361 وما بعدها الى ص 363 المرجع السابق.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 366 وما بعدها الى ص 368 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 351.
ضمنه الغاصب بالمثل إن كان المغصوب مثليا وهو المتساوى الأجزاء والمنفعة المتقاربة الصفات كالحنطة والشعير وغيرهما من الحبوب والأدهان، وإلا يكن مثليا فالقيمة العليا من حين الغصب الى حين التلف، لأن كل حالة زائدة من حالاته فى ذلك الوقت مضمونة كما يرشد اليه أنه لو تلف حينئذ ضمنها فكذا اذا تلف بعدها.
وقيل انه يضمن الأعلى من حين الغصب إلى حين الرد - أى رد الواجب - وهو القيمة.
وهذا القول مبنى على أن القيمى يضمن بمثله كالمثلى وإنما ينتقل إلى القيمة عند دفعها لتعذر المثل فيجب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة، لأن الزائد فى كل آن سابق من حين الغصب مضمون تحت يده.
وقيل إنما يضمن بالقيمة يوم التلف لا غير لأن الواجب زمن بقائها انما هو رد العين، والغاصب يخاطب بردها حينئذ زائدة كانت أم ناقصة من غير ضمان شئ من النقص إجماعا، فإذا تلفت وجبت قيمة العين وقت التلف، لانتقال الحق إليها حينئذ لتعذر البدل
(1)
.
ولو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج فى يده بغير اختياره كلف قسمته بتمييزه ان أمكن التمييز وان شق، كما لو خلط الحنطة بالشعير أو الحمراء بالصفراء لوجوب
رد العين حيث يمكن ولو لم يمكن التمييز كما لو خلط الزيت بمثله أو الحنطة بمثلها وصفا ضمن المثل ان مزجه بالأردأ لتعذر رد العين كاملة لأن المزج فى حكم الاستهلاك من حيث اختلاط كل جزء من مال المالك بجزء من مال الغاصب - وهو أدون من الحق - فلا يجب قبوله، بل ينتقل الى المثل، وهذا مبنى على الغالب من عدم رضاه بالشركة أو قول فى المسألة.
والأقوى تخييره بين المثل أو الشركة مع الأرش، لأن حقه فى العين لم يسقط لبقائها، كما لو مزجها بالأجود، والنقص بالخلط يمكن جبره بالأرش وألا يمزجه بالأردأ بل بالمساوى أو الأجود كان شريكا بمقدار عين ماله لا قيمته لان الزيادة الحاصلة صفة حصلت بفعل الغاصب عدوانا، فلا يسقط حق المالك مع بقاء عين ماله، كما لو صاغ الذهب والفضة وعلف الدابة فسمنت.
وقيل يسقط حقه من العين للاستهلاك، فيتخير الغاصب بين الدفع من العين، لأنه متطوع بالزيادة وبين دفع المثل والأقوى الأول.
هذا كله اذا مزجه بجنسه.
أما لو مزجه بغير جنسه كما لو مزج الزيت بالشيرج، فهو اتلاف لبطلان فائدته وخاصيته.
وقيل تثبت الشركة هنا أيضا كما لو مزجاه بالتراضى أو مزجاه بأنفسهما لوجود العين.
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 232، ص 233.
ويشكل بأن جبر المالك على أخذه بالأرش أو بدونه الزام بغير الجنس فى المثلى وهو خلاف القاعدة، وجبر الغاصب اثبات لغير المثل عليه بغير رضاه فالعدول الى المثل أجود ووجود العين غير متميزة من غير جنسها كالتالفة.
ولو زرع الغاصب الحب فنبت أو أحضن البيض فأفرخ فالزرع والفرخ للمالك على أصح القولين، لأنه عين مال المالك وان كان بفعل الغاصب.
وللشيخ قول بأنه للغاصب تنزيلا لذلك منزلة الاتلاف
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن الغاصب اذا تصرف فى المغصوب تصرفا تغير به اسمه مثل جعل الخشبة ألواحا، وجعل الجلد أخفافا فالقيمة، أما اذا لم يتغير كخياطة ثوب أخذه ولا شئ للغاصب.
وما أفسده الغاصب فى مال وحضر عينه فتبين ما أنقصه الفساد وعرفت قيمته يوم الغصب بتقويم العدول أو غاب المال المغصوب واتفق الغاصب مع المغصوب منه على الصفة فليس له عليه غير القيمة أو الصفة فاذا اتفقا على الصفة فله المثل أو قيمته، وكذا ان تراضيا على قيمة فله القيمة، وان لم يتفقا على الصفة ولا على
القيمة، أو خفيت قيمته فى زمان الغصب أخذ المغصوب منه من الغاصب ما وجده، وحلف الغاصب ما بقى عليه حق.
وما يكال أو يوزن أو يمسح أو يعد ولا تفاوت فيه يدرك عليه كيله أو وزنه ولا يراعى قيمته رفعا وخفضا ولا تبعة على من غصب منه الشئ ان غلا يوم الرد.
وفى بعض الآثار كل ما يكال أو يوزن فعليه مثله فى الموضع الذى استهلكه فيه هذا اذا كان يوجد له مثل، فان لم يوجد ولكن عرف مثله قيل يصبر الى أوانه ويأخذ مثله.
وقيل يخير بين الصبر وبين القيمة.
وان استهلك مالا يغنى عن زوجه كأحد الخفين فقيمة الجميع.
واذا تعذر على المغصوب منه أخذ حقه فله أن يطلب ذلك من الحاكم وعلى الحاكم ان ظهر الغصب بالبينة أو بالاقرار أن يسترد الحق من الغاصب للمغصوب منه
(2)
.
حكم استهلاك العين المسروقة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن المسروق ان كان قد هلك فى يد من اشتراه من السارق وكان البيع قبل القطع أو بعده فلا ضمان لا على
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 234، 235.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 62 وما بعدها الى ص 65.
السارق ولا على القابض بدليل قول الله تعالى: «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»
(1)
فالله سبحانه وتعالى سمى القطع جزاء فلو ضم اليه الضمان لم يكن القطع كافيا فلم يكن جزاء فالله سبحانه وتعالى جعل القطع كل الجزاء فلم يذكر غيره، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذا قطع السارق فلا غرم عليه
(2)
.
ويخرج على هذا الأصل أنه اذا استهلك السارق المسروق بعد القطع لا يضمن فى ظاهر الرواية، لأن عصمة المحل الثابتة حقا للمالك قد سقطت فى حق السارق لضرورة امكان ايجاب القطع فلا يعود الا بالرد الى المالك فلم يكن معصوما قبله فلا يكون مضمونا.
وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يضمن، لأن المسروق بعد القطع بقى على ملك المسروق منه ألا ترى أنه يجب رده على المالك، وقبض السارق ليس بقبض مضمون فكان المسروق فى يده بمنزلة الأمانة، فاذا استهلكها ضمن.
ولو استهلك المسروق رجل آخر يضمنه، لأن العصمة انما سقطت فى حق السارق لا فى حق غيره فيضمن
(3)
.
وان أحدث السارق فى المسروق حدثا.
فان كان حدثا أوجب النقصان فانه يقطع وتسترد العين على المالك، وليس عليه ضمان النقصان، واذا كان أحدث حدثا أوجب الزيادة فالأصل فى هذا أن السارق اذا أحدث فى المسروق حدثا لو أحدثه الغاصب فى المغصوب انقطع حق المالك ينقطع حق المسروق منه، والا فلا.
وعلى هذا اذا قطع السارق الثوب المسروق وخاطه قميصا انقطع حق المالك لأنه لو فعله الغاصب انقطع حق المغصوب منه كذا اذا فعله السارق ولا ضمان على السارق، ولو صبغه أحمر أو أصفر فلا سبيل للمالك على العين المسروقة فى قول أبى حنيفة، لأن المغصوب منه له أصل الثوب وهو متقوم وللغاصب فيه كذلك حق متقوم الا أنه جعل الخيار للملك، لأن المالك صاحب أصل والغاصب صاحب وصف، وهنا فى السرقة حق السارق متقوم وحق المالك فى أصل الثوب ليس بمتقوم فى حق السارق لأجل القطع فاعتبر حق السارق وتعذر تضمينه لضرورة القطع فيكون له مجانا.
وفى قولهما يأخذ المالك الثوب ويعطيه ما زاد الصبغ فيه، لأنه لو وجد هذا من الغاصب لخير المالك بين أن يضمن الغاصب قيمة الثوب وبين أن يأخذ الثوب ويعطيه ما زاد فيه الا أن التضمين هنا متعذر لضرورة القطع فتعين الوجه الآخر
(4)
.
(1)
الآية رقم 38 من سورة المائدة.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 84 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 85 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 7 ص 89 وما بعدها
وذكر صاحب تبيين الحقائق أن السارق لو صنع من المسروق دراهم أو دنانير قطع وردهما الى المسروق منه، وهذا عند أبى حنيفة.
أما صاحباه فقد قالا: لا سبيل للمسروق منه عليهما.
وهذا الخلاف مؤسس على أن هذا الصنع لا يقطع حق المالك فى باب الغصب عنده.
أما عندهما فيقطع حق المالك.
ولو سرق حديدا أو صفرا أو نحاسا أو ما أشبه ذلك فضربها أوانى ينظر ان كان بعد الصناعة والضرب يباع وزنا فهو على الاختلاف الذى مر، وان كانت تباع عددا انقطع حق المالك فيها بالاجماع كما فى الغصب.
ومن أمثلة ذلك ما لو سرق حنطة فطحنها وما أشبه ذلك. فكل ذلك يقطع حق المالك فيها
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل: أنه روى عن المدونة أن السارق اذا استهلك العين المسروقة فان اتصل يسره بها من السرقة الى يوم القطع وجب القطع فى يده عقوبة ووجب الغرم فى ماله عقوبة أخرى. فاذا كان معسرا أو أعدم فى بعض المدة فلا غرم اذ لو أوجبنا الغرم فى ذمته لاجتمع عليه
عقوبتان اتباع ذمته وقطع يده وذلك لا يجوز
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج والمهذب أن العين المسروقة اذا تلفت ضمنها السارق كمنافعه من مثل فى المثلى وأقصى قيمته فى المتقوم
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أنه اذا قطع السارق نظر فان كانت العين المسروقة باقية ردت الى مالكها أما ان كانت تالفة فعليه قيمتها سواء كان موسرا أو معسرا لا يختلف فى ذلك أهل العلم
(4)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم أن الواجب على السارق القطع ولا بد، ثم يلزمه أن يحضر ما سرق ان كان موجودا فان عدم الشئ المسروق ضمنه سواء كان صاحبه معروفا أو لم يكن معروفا، وفى حالة عدم معرفته يكون فى جميع مصالح المسلمين
(5)
.
(1)
تبيين الحقائق للزيلعى ج 3 ص 234 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل مع مواهب الجليل ج 6 ص 313 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج 7 ص 443 الطبعة السابقة والمهذب ج 2 ص 284.
(4)
كشاف القناع مع منتهى الارادات فى كتاب ج 4 ص 89 الطبعة السابقة وانظر كذلك المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 279 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 11 ص 336 مسئلة رقم 2275 الطبعة السابقة.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب أن ما بقى من المسروق فى يد السارق يؤخذ منه ولو قد استهلكه حكما بطحن أو نحوه أو كان الباقى فى يد غير يد السارق بغير عوض كالهبة والصدقة والنذر ونحو ذلك فما خرج من يده بهذه الوجوه وجب رده ولو مع القطع.
ويجب أن يرد ما أخذ بغير عوض ولو كان قد غرم فيه من صارت العين فى يده نحو أن تكون خشبة وقد بنى عليها أو نحو ذلك قال فى المعيار: فان لم يتأت نقض البناء الا بغرامة وجبت التخلية فقط كما اذا كان لاحضار العين المغصوبة مؤنة لم يكن عليه الا التخلية.
وان كانت العين قد تلفت فى يد من صارت فى يده بغير عوض وجب عليه الضمان المثلى بمثله والقيمى بقيمته ولو بعد القطع.
وكذلك لو أخرجت من يد السارق بعوض كاجارة فانها ترد العين للمالك.
لكن اذا كان السارق قد استهلك الأجرة استحق المستأجر المنفعة الى انقضاء الاجارة.
وان كان قد استهلك بعض الأجرة استحق المستأجر من المنفعة بقدر ما قد استهلك من الأجرة ويرد له باقيها.
وان كانت الأجرة باقية أخذت من يد السارق وردت لمالكها وهو المستأجر وترد العين لمالكها.
واذا قطع السارق بما سرق فانه لا يغرم بعد القطع المسروق التالف حسا لئلا يجتمع غرمان، فلا يضمن ما قد أتلفه قيميا أو مثليا وسواء أتلفه قبل القطع أم بعده اذا كان قبل الحكم عليه برد السرقة فأما بعده فيضمن
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أنه يجب على السارق أن يعيد العين المسروقة مع وجودها وامكان اعادتها، فاذا لم تكن العين قائمة أو لم يمكن اعادتها وجب عليه أن يرد مثلها اذا كان المسروق مما له مثل، فاذا لم يكن له مثل وجبت قيمته ان كان المسروق مما يتقوم
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن المذهب أن السارق اذا قطع غرم أو يغرم قبله ما سرق، وعن عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يغرم السارق اذا أقيم عليه الحد
(3)
.
ثم قال صاحب شرح النيل: والقطع لا يسقط به الغرم لأن الغرم حق المخلوق،
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 375 وهامشه الطبعة السابقة والتاج المذهب الجامع لاحكام المذهب ج 4 ص 250، 251 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للجبعى العاملى ج 2 ص 382 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 648 للشيخ محمد أطفيش.
والحق أن القطع حق لله شرع ردعا عن السرقة.
وقيل: ان كان موسرا حين سرق أخذ بالغرم ولو قطع والا فلا ان قطع.
وقيل: يغرم أن أيسر ودام يسره حتى قطع.
وأما من لم يقطع أو سرق مالا قطع به فالغرم واجب باجماع الأمة ومأخوذ.
وقيل: ان وجد ما سرق ولم يتلف غرم باتفاق ولو قطع مطلقا
(1)
.
حكم استهلاك العين المودعة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه لو قبل الصبى المحجور عليه الوديعة فاستهلكها، فان كانت الوديعة عبدا أو أمة يضمن بالاجماع وان كانت سواهما فان قبلها باذن الولى فكذلك، وان قبلها بغير اذن فلا ضمان عليه.
ويخالف أبو يوسف فى هذا فانه يحكم بالضمان ويستند الى أن ايداعه لو صح فاستهلك الوديعة يوجب الضمان، وان لم يصح جعل كأنه لم يكن فصار الحال بعد العقد كالحال قبله.
ولو استهلكها قبل العقد لوجب عليه الضمان اذا كانت الوديعة عبدا أو أمة، ولو قبلها العبد المحجور عليه فاستهلكها فان كانت عبدا أو أمة يؤمر المولى بالدفع أو الفداء، وان كانت سواهما فان قبلها باذن وليه يضمن بالاجماع، وان قبلها بغير اذن وليه لا يؤاخذ به فى الحال هذا رأى أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.
وخالفهم أبو يوسف فى ذلك فقال: يؤاخذ به فى الحال
(2)
.
ولو أن المودع - بفتح الدال - حبس الوديعة بعد الطلب فضاعت ضمن
(3)
.
وان خلطها المودع بما له ضمن كذلك، لأنه صار مستهلكا متعديا، اذ لا يمكن صاحبها أن يصل الى عين حقه بسبب فعله فيجب عليه الضمان ويملك المخلوط ولا سبيل للمودع - بكسر الدال - فى المخلوط عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، لأن هذا الخلط استهلاك من كل وجه اذ هو فعل يتعذر معه الوصول الى عين حقه ولا يكون الاستهلاك من العباد أكثر من ذلك، لأن اعدام المحل لا يدخل تحت قدرتهم، فيصير ضامنا، ولا اعتبار بالقسمة، لأنها توجب الشركة ليصل كل واحد منهما الى حقه فلا تصلح أن تكون موجبة للشركة.
وقال أبو يوسف ومحمد: اذا خلطها بجنسها كانت شركة ان شاء، لأنه لا يمكنه
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 649، 650.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 207.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 210.
الوصول الى عين حقه صورة وأمكنه معنى بالقسمة فكان استهلاكا من وجه فيميل الى أيهما شاء، وهذا لأن القسمة فيما لا تتفاوت آحاده افراز وتعيين حتى ملك كل واحد من الشريكين أن يأخذ حصته عينا من غير قضاء ولا رضا فكان امكان الوصول الى عين حقه قائما معنى فيتخير
(1)
.
ولو أبرأ المودع - بكسر الدال - الخالط فلا سبيل للمودع على المخلوط عند أبى حنيفة، لأن حقه فى الدين لا غير وقد سقط بابرائه.
وعند صاحبيه يسقط الخيار وتتعين الشركة فى المخلوط.
ولو خلط المائع بغير جنسه كالزيت بالشيرج وجب انقطاع حق المالك بالضمان، لأنه استهلاك صورة ومعنى لتعذر القسمة.
ولو خلط المائع بجنسه ينقطع حق المالك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى.
وعند أبى يوسف يجعل الأقل تابعا للأكثر.
وعند محمد شركة بكل حال لأن الجنس لا يغلب الجنس عنده.
وان اختلطت بغير فعله اشتركا، لأن الضمان لا يجب الا بالتعدى ولم يوجد
فيشتركان ضرورة، ولو أنفق بعضها فرد مثله فخلطه بالباقى ضمن الكل، لأنه متعد، وان تعدى فيها ثم زال التعدى زال الضمان
(2)
.
ويضمن كذلك بالاتلاف حقيقة أو معنى وهو أعجاز المالك عن الانتفاع بالوديعة، لأن اتلاف مال الغير بغير اذنه سبب لوجوب الضمان حتى لو طلب الوديعة فمنعها المودع مع القدرة على الدفع والتسليم اليه حتى هلكت يضمن، لأنه لما حبسها عجز عن الانتفاع بها للحال صارت يده كيد الغاصب فدخلت فى ضمانه
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة أنه اذا استودع رجل رجلا وديعة فاستهلكها ثم اشترى ثيابا مثل صفتها ورقتها وعرضها وطولها فردها فى موضع الوديعة لم يبرئه ذلك من الضمان، لأن الرجل لو استهلك لرجل ثوبا فانما عليه قيمته فلما ضمن هذا المستودع باستهلاكه القيمة لم يجزه أن يخرج ثيابا مكان القيمة ولا يبرأ بذلك
(4)
.
واذا قبض العبد أو المكاتب أو أم الولد أو المدبر الودائع باذن ساداتهم
(1)
تبيين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 77، 78 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 78، 79.
(3)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 211 الى 213.
(4)
المدونة الكبرى ج 4 ص 353.
فاستهلكوها كان ذلك دينا فى ذمتهم ولا يكون فى رقابهم.
أما الصبى فلا يلزمه من ذلك شئ اذا قبض الوديعة باذن والده فاستهلكها
(1)
.
واذا استودع رجل رجلا وديعة فاستهلكها عبده فهى جناية فى رقبة العبد وليس فى ذمته الا أن يفتكه سيده.
وان استهلكها ابنه فذلك دين فى مال الابن ان كان له مال والا اتبع بها دينا عليه
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج أنه لو أودع مالك كامل صبيا أو مجنونا مالا فتلف عنده ولو بتفريط لم يضمن اذ لا يصح التزامه للحفظ وان أتلفه وهو متمول - اذ غير المتمول لا يضمن - ضمن فى الأصح وان قلنا انها عقد، لأنه من أهل الضمان ولم يسلطه على اتلافه.
والرأى الثانى لا يضمن كما لو باعه شيئا وسلمه اليه.
وأجاب أصحاب الرأى الأول بأن البيع اذن فى الاستهلاك بخلاف الايداع.
أما لو أودعه ناقص فانه يضمن بمجرد الاستيلاء التام
(3)
.
وأصل الوديعة أنها أمانة ولو كانت بجعل أو كانت فاسدة، وقد تصير مضمونة على الوديع بالتقصير فيها لعوارض.
منها أن يودع غيره ولو ولده أو زوجته أو قنه بلا اذن ولا عذر فيضمن الوديعة لأن المالك لم يرض بأمانة غيره ولا يده
(4)
.
ومن هذه العوارض أن لا يدفع ما يتلف العين المودعة التى يتمكن من دفعها على العادة لأنه من أصول حفظها.
فلو أودعه دابة فترك علفها - باسكان اللام - أو سقيها مدة يموت مثلها فيها جوعا أو عطشا ولم ينهه المالك عن ذلك ضمنها ان تلفت، وضمن نقص أرشها ان نقصت. فان نهاه المالك عن علفها وسقيها فلا ضمان عليه على الصحيح وان أثم كما لو أذن له فى الاتلاف
(5)
.
ومن هذه العوارض ما اذا انتفع بها بعد أخذها لابنية ذلك بأن يلبس نحو الثوب أو يجلس عليه مثلا أو يركب الدابة أو يطلع فى الكتاب خيانة - أى لا لعذر - فيضمن لتعديه
(6)
.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 356.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 357.
(3)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 6 ص 114 طبعة شركة مكتبة ومطبعة الحلبى سنة 1357 هـ، 1938 م.
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 115 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 6 ص 120، 121 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 6 ص 127 الطبعة المتقدمة.
ولو خلط العين المودعة سواء كان ذلك عمدا أو سهوا كما بحثه الأذرعى - بماله أو مال غيره ولو أجود ولم تتميز بأن عسر تمييزها كبر بشعير كما بحثه الزركشى ضمن ضمان المغصوب، لأن المودع لم يرض بذلك أما لو تميزت بنحو سكة فلا يضمنها الا ان نقصت بالخلط فيضمن النقص
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع ان الوديعة أمانة لقول الله تعالى: «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ}.
(2)
وعلى ذلك فالوديعة لا ضمان فيها على المودع، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أودع وديعة فلا ضمان عليه، ولأن المستودع يحفظها لمالكها، فلو ضمنت لامتنع الناس من الدخول فيها وذلك مضر لما فيه من مسيس الحاجة اليها الا أن يتعدى الوديع أو يفرط فى حفظ الوديعة فيضمنها لأن المتعدى متلف لمال غيره فضمنه كما لو أتلفه من غير ايداع. والمفرط متسبب بترك ما وجب عليه من حفظها.
وان شرط رب الوديعة على الوديع ضمانها لم يصح الشرط ولم يضمنها الوديع،
لأنه شرط ينافى مقتضى العقد فلم يصح.
ولو قال الوديع أنا ضامن للوديعة، لم يضمن ما تلف بغير تعد أو تفريط لأن ضمان الأمانات غير صحيح
(3)
.
وان تعدى الوديع فى الوديعة بانتفاعه بها كأن ركب الوديع الدابة المودعة لغير نفعها من علف وسقى، أو لبس الثوب المودع لا لخوف عليه من عث ونحوه، أو كسر ختم كيسها، أو كانت الوديعة مشدودة فحل الوديع الشد، أو جحدها الوديع ثم أقر بها، ضمن فى كل ذلك لأنها بجحدها خرج عن الاستئمان عنها فلم يزل عنه الضمان بالاقرار بها، لأن يده صارت يد عدوان، وكذا لو منعها بعد طلب طالبها شرعا بأن طلبها مالكها أو وليه أو وكيله الثابتة وكالته بالبينة وبعد التمكن من دفعها الى ذلك الطالب ضمن، لأن يده عادية اذن بمنعها.
ومثل ما تقدم ما لو خلطها بما لا تتميز منه كزيت بزيت أو شيرج ودراهم بدراهم بطلت الوديعة وضمن المستودع، لأنه صيرها فى حكم التالف وفوت على نفسه ردها، أشبه ما لو ألقاها فى بحر، وسواء خلطها بماله أو مال غيره بمثلها أو دونها أو أجود منها
(4)
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 128 الطبعة المتقدمة.
(2)
الاية رقم 283 من سورة البقرة.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 2 ص 395 ص 396 لابن ادريس الحنبلى.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 400، ص 401
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه فرض على من أودعت عنده وديعة أن يحفظها ويردها الى صاحبها اذا طلبها منه لقول الله تعالى: {وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى}
(1)
» ولقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها»
(2)
ومن البر حفظ مال المسلم أو الذمى وقد صح نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اضاعة المال
(3)
. فان تلفت من غير تعد منه ولا تضييع لها فلا ضمان عليه فيها، لأنه اذا حفظها ولم يتعد ولا ضيع فقد أحسن والله تعالى يقول:«ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ»
(4)
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام
(5)
».
فان تعدى المودع فى الوديعة أو اضاعها فتلفت لزمه ضمانها.
ولو تعدى على بعضها دون بعض لزمه ضمان ذلك البعض الذى تعدى فيه فقط لأنه فى الاضاعة أيضا متعد لما أمر به
(6)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب أن الوديعة أمانة فلا تضمن اذا تلفت عند الوديع وان ضمن الا لتعد منه كاستعمال نحو أن يلبس الثوب أو يركب الدابة فيضمن ما تلف، لأنه قد صار غاصبا ما لم يجر عرف بذلك أو يظن الرضا.
وكذا اذا أعار الوديع العين المودعة أو أجرها أو رهنها فانه يصير ضامنا بذلك لأجل التعدى.
ومن التعدى ما اذا منع الوديع من رد العين المودعة بعد طلبها من مالك الوديعة فانه يضمن ما تلف لأنه قد صار غاصبا
(7)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه يجب على الوديع حفظ العين المودعة ولا يلزمه دركها لو تلفت من غير تفريط وأخذت منه قهرا.
والذى يوجب الضمان على الوديع تفريطه أو تعديه.
أما التفريط فذلك بأن يطرحها فيما ليس بحرز أو يترك سقى الدابة أو علفها، أو نشر الثوب الذى يفتقر الى النشر، أو يودعها من غير ضرورة ولا اذن، أو يسافر بها كذلك مع خوف الطريق ومع أمنه،
(1)
الآية رقم 2 من سورة المائدة.
(2)
الآية رقم 58 من سورة النساء.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 276، ص 277 مسألة رقم 1388 نفس الطبعة السابقة
(4)
الآية رقم 91 من سورة التوبة.
(5)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 277 مسألة رقم 1389 الطبعة المتقدمة.
(6)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 277 مسألة رقم 1391 نفس الطبعة السابقة
(7)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 335 وما بعدها الى ص 337 لاحمد بن قاسم العنسى الطبعة السابقة.
وطرح الأقمشة فى المواضيع التى تعفنها، وكذا لو ترك سقى الدابة، أو علفها مدة لا تصبر عليها فى العادة فماتت به
(1)
.
وأما التعدى فذلك بأن يلبس الثوب أو يركب الدابة، أو يخرجها من حرزها لينتفع بها.
ولو طلبت منه فامتنع من الرد مع القدرة ضمن، وكذا لو جحدها ثم قامت عليه بينة أو اعترف بها.
ويضمن لو خلطها بماله بحيث لا يتميز.
وكذا لو أودعه مالا فى كيس مختوم ففتح ختمه.
ولو أعاره ومزجه بالباقى ضمن ما أخذه ولو أعاد بدله ومزجه ببقية الوديعة مزجا لا يتميز ضمن الجميع
(2)
.
استهلال
التعريف فى اللغة:
استهلال مصدر أصل فعله هل.
وجاء فى القاموس المحيط: هل المطر اشتد انصبابه كانهل واستهل وهل الهلال ظهر كأهل وأهل واستهل بضمهما. وهل الشهر ظهر هلاله
(3)
.
وجاء فى المعجم الوسيط وأهل الذابح بالضحية رفع صوته ذاكرا اسم من تقدم الضحية قربانا له. وفى التنزيل الحكيم {(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ)}
(4)
وأهل فلان الهلال رفع صوته عند رؤيته.
واستهل الصبى رفع صوته بالبكاء وصاح عند الولادة، واستهل الشهر أهل ويقال: استهللنا الشهر ابتدأناه أو رأينا هلاله. والمصدر منه الاستهلال - وبراعة الاستهلال أن يقدم المصنف فى ديباجة كتابه أو الشاعر فى أول قصيدته جملة من الألفاظ والعبارات يشير بها اشارة لطيفة الى موضوع كتابه أو قصيدته
(5)
.
(1)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى ج 1 ص 227 للمحقق الحلى طبع دار مكتبة الحياة ببيروت.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 228 الطبعة السابقة.
(3)
ترتيب القاموس المحيط مادة هل ج 4 ص 475.
(4)
سورة البقرة الاية 173.
(5)
المعجم الوسيط مادة هل ج 2 ص 2 ..
فمادة الاستهلال تدور حول اشتداد الانصباب والظهور، ورفع الصوت.
ويبدو أن الأصل فيها جميعا البدو والظهور. وهو ما يدور حوله المعنى الاصطلاحى لكلمة استهلال.
التعريف فى اصطلاح الفقهاء
يكاد الفقهاء يجمعون على أن معنى الاستهلال هو ما يدل على ظهور المولود متلبسا بالحياة وخروجه من بطن أمه حيا.
ما يكون به الاستهلال
مذهب الحنفية:
قال صاحب البحر الرائق من الحنفية الاستهلال فى الشرع أن يكون منه - أى المولود - ما يدل على حياته من رفع صوت أو حركة عضو ولو أن يطرف بعينه
(1)
.
مذهب المالكية:
يذهب المالكية الى أن الاستهلال يكون باستقرار الحياة بأن تحققت حياة المولود بعد ولادته ولو لحظة بأن استهل صارخا أو قامت به أمارة الحياة
(2)
.
مذهب الشافعية:
الاستهلال عند الشافعية يكون بالصياح أو البكاء أو بظهور امارة الحياة
كاختلاج أو تحرك لاحتمال الحياة بهذه القرينة الدالة عليها
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال صاحب كشاف القناع من الحنابلة: يثبت الاستهلال بالصراخ أو العطاس.
ويثبت كذلك اذا بكى أو ارتضع أو تحرك حركة طويلة أو تنفس وطال زمن التنفس ونحو ذلك مما يدل على حياته كسعال، لأن هذه الأشياء دالة على الحياة المستقرة فيثبت له أحكام الحى.
ولا يثبت بحركة يسيرة أو اختلاج يسير أو تنفس يسير، لأنها لا تدل على حياة مستقرة، ولو علمت الحياة اذن لأنه لا يعلم استقرارها لاحتمال كونها كحركة المذبوح
(4)
.
مذهب الظاهرية:
يثبت الاستهلال بما يدل على الحياة من حركة عين أو يد أو نفس أو صراخ
(5)
.
مذهب الزيدية:
الاستهلال عند الزيدية بأحد أمور اما بعطاس أو بصياح ولا خلاف فى هذين
(1)
البحر الرائق ج 2 ص 202.
(2)
الشرح الصغير ج 1 ص 181.
(3)
مغنى المحتاج ج 1 ص 342
(4)
الكشاف ج 2 ص 589 وما بعدها.
(5)
المحلى ج 9 ص 308
أو بحركة تدل على أنه خرج حيا وفى هذا خلاف.
قال فى الكافى عند زيد بن على والقاسمية والفريقين أنه استهلال
(1)
.
مذهب الإمامية:
يثبت الاستهلال اذا علم أنه حى حين ولادته بصياح أو حركة أو اختلاج أو عطاس، ولا اعتبار بالتقلص الطبيعى وتكفى الحركة الدالة على الحياة
(2)
.
مذهب الإباضية:
يثبت الاستهلال أن خرج حيا وأن حياته تعلم بالصراخ أو بالحركة ومنها خروج النفس ومنها حركة عرق تحت كعب.
قال أيوب بن اسماعيل تثبت حياته بتحرك بعض أعضائه وان لم يصرخ
(3)
.
ما يثبت به الاستهلال
مذهب الحنفية:
اختلف صاحبا أبى حنيفة معه فى الذى يثبت به الاستهلال فقد روى صاحب البحر
الرائق نقلا عن المجتبى والبدائع - أنه اختلف فى الاستهلال.
فعن أبى حنيفة: لا يقبل فيه الا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فى غير الأمور الدينية لأن الصياح والحركة يطلع عليها الرجل.
أما هما فقالا: يقبل قول النساء فيه منفردات الا الأم فلا يقبل قولها فى الميراث اجماعا لأنها متهمة لجرها المغنم الى نفسها. وانما قبل قول النساء منفردات عندهما لأن هذا المشهد لا يشهده الرجال.
وقول القابلة مقبول فى حق الصلاة - فى قولهم - وأمه كالقابلة كما فى البدائع، لكن قيد بالعدالة فقال: لأن خبر الواحد فى الديانات مقبول اذا كان عدلا
(4)
.
وقال صاحب البدائع: لو شهدت القابلة أو الأم على الاستهلال تقبل فى حق الغسل والصلاة عليه
(5)
.
مذهب المالكية:
وعد المالكية الاستهلال فى ضمن الأمور التى لا يطلع عليها الرجال فقبلوا فيه شهادة امرأتين.
فقد ذكر صاحب الشرح الصغير أن الشهادة تكون فيما لا يطلع عليه الرجال
(1)
شرح الازهار ج 1 ص 403
(2)
الخلاف ج 2 ص 79 والروضة البهية ج 2 ص 335
(3)
شرح النيل ج 8 ص 271
(4)
البحر الرائق ج 2 ص 203
(5)
بدائع الصنائع ج 1 ص 302
بامرأتين عدلين كالاستهلال لمولود أو عدمه
(1)
.
مذهب الشافعية:
حكى أبو اسحاق الشيرازى أن الشافعية يختلفون فيمن تقبل شهادته فى ذلك.
فقال: وتقبل شهادة النساء منفردات على استهلال الولد وأنه بقى متألما الى أن مات.
وفى مغنى المحتاج أن نصاب الشهادة فيما تقبل فيه شهادة النساء منفردات أربع نسوة عدول.
وكل ما تقبل فيه شهادة النساء منفردات تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين بالأولى
(2)
.
وقال الربيع رحمه الله تعالى: فيه قول آخر أنه لا يقبل الا شهادة رجلين.
والصحيح هو الأول لأن الغالب أنه لا يحضرها الرجال
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وعد الحنابلة الاستهلال فى ضمن ما لا يطلع عليه الرجال فقد ذكر صاحب كشاف القناع أنه يقبل فيما لا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء وكالاستهلال ونحوه شهادة امرأة واحدة عدل لما روى
أبو حذيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها.
والأحوط اثنتان خروجا من الخلاف
(4)
.
مذهب الظاهرية:
أما الظاهرية فيشترطون فى اثبات الاستهلال شهادة أربع قوابل عدول، فقد ذكر أبو محمد فى حكم من ضرب حاملا فأسقطت جنينا: أنه ان كان بعد تمام الأربعة الأشهر وتيقنت حركته بلا شك وشهد بذلك أربع قوابل عدول فان فيه غرة
(5)
.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن الولادة مما يتعلق بعورات النساء فيقبلون فيها شهادة امرأة فقد جاء فى التاج المذهب أن ما يتعلق بعورات النساء كالولادة فانه يقبل فيه امرأة عدلة فى غير ما يوجب القصاص
(6)
.
مذهب الإمامية:
ذكر صاحب الخلاف أنه تقبل شهادة النساء على الانفراد فى الولادة والاستهلال بلا خلاف.
ثم قال ان كل موضع تقبل فيه شهادة النساء على الانفراد لا يثبت الحكم فيه الا بشهادة أربع منهن، فان كانت شهادتهن
(1)
الشرح الصغير ج 2 ص 334
(2)
مغنى المحتاج 4 ص 407
(3)
المهذب ج 2 ص 334 مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.
(4)
كشاف القناع ج 4 ص 271
(5)
المحلى ج 11 ص 29 وما بعدها.
(6)
التاج المذهب ج 4 ص 66
فى الاستهلال أو فى الوصية لبعض الناس قبل شهادة امرأة فى ربع الميراث وربع الوصية، وشهادة امرأتين فى نصف الوصية ونصف الميراث، وشهادة ثلاث فى ثلاثة أرباع الوصية وثلاثة أرباع الميراث، وشهادة أربع فى جميع الوصية وجميع الميراث
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: وتقبل شهادة النساء فيما لا يباشره الرجال، كبيان حمل وحياة مولود وموته عند ولادته
(2)
.
ما يترتب على الاستهلال من أحكام
مذهب الحنفية:
يرتب الحنفية على استهلال الجنين تسميته وغسله والصلاة عليه وتوريثه فقد جاء فى بدائع الصنائع أنه من شرائط وجوب التغسيل أن يكون ميتا مات بعد الولادة.
روى عن أبى حنيفة أنه قال اذا استهل المولود سمى وغسل وصلى عليه وورث وورث عنه واذا لم يستهل لم يسم ولم يغسل ولم يرث.
وعن محمد أيضا أنه لا يغسل ولا يسمى ولا يصلى عليه.
وهكذا ذكر الكرخى لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذا استهل المولود غسل وصلى عليه وورث وان لم يستهل لم يغسل ولم يصل عليه، ولأن وجوب الغسل بالشرع، وأنه ورد باسم الميت، ومطلق اسم الميت فى العرف لا يطلق على من ولد ميتا، ولهذا لا يصلى عليه وهذا اذا لم يستهل.
فأما اذا استهل بأن حصل منه ما يدل على حياته من بكاء أو تحريك عضو أو طرف أو غير ذلك فانه يغسل بالاجماع لما روينا، ولأن الاستهلال دلالة الحياة فكان موته بعد ولادته حيا فيغسل.
وروى عن أبى يوسف أنه اذا لم يستهل يغسل ويسمى ولا يصلى عليه. هكذا ذكر الطحاوى
(3)
.
والعبرة بخروج أكثره حيا لما فى المحيط.
قال أبو حنيفة اذا خرج بعض الولد وتحرك ثم مات فان كان خرج أكثره صلى عليه، وان كان أقله لم يصل عليه.
وفى آخر المبتغى: الولد اذا خرج رأسه وهو يصيح ثم مات قبل أن يخرج لم يرث ولم يصل عليه ما لم يخرج أكثر بدنه حيا
(4)
.
(1)
الخلاف ج 2 ص 608، 609 وشرائع الاسلام ج 2 ص 239
(2)
متن النيل ج 2 ص 230
(3)
بدائع الصنائع ج 1 ص 302
(4)
البحر الرائق ج 2 ص 202.
ومن ضرب بطن حامل فألقت جنينا فان كان حرا وألقته ميتا ففيه الغرة وهى نصف عشر دية الرجل وعشر دية المرأة وكل منهما خمسمائة درهم سواء كان الجنين ذكرا أم أنثى.
والغرة واجبة استحسانا ووجهه ما روى عن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال: كنت بين جاريتين فضربت احداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا وماتت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاقلة الضاربة بالدية وبغرة الجنين.
والقياس أن لا يجب شئ فى الجنين، لأنه لم يتيقن بحياته والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق وانما ترك القياس بالنص، وان ألقت جنينين ميتين ففى كل واحد منهما غرة.
وان ألقته حيا فدية كاملة لأنه أتلف آدميا خطأ أو شبه عمد فتجب فيه الدية كاملة.
وان ألقت جنينين حيين ثم ماتا ففى كل واحد منهما دية.
وان ألقت أحدهما ميتا والآخر حيا ثم مات فعليه فى الميت الغرة وفى الحى الدية، هذا اذا كان الجنين حرا.
فاذا كان رقيقا فان ألقته ميتا ففيه نصف عشر قيمته ان كان ذكرا وعشر قيمته ان كان انثى.
وروى عن أبى يوسف أن فى جنين الأمة ما نقص الأم.
ولو ألقته حيا ثم مات فقيمته لو كان حيا
(1)
.
مذهب المالكية:
وأوجب المالكية غسله والصلاة عليه فقد ذكر صاحب الشرح الصغير أن من استهل صارخا وتحققت حياته أو وقعت منه أمور لا تكون الا من حى فانه يجب تغسيله وتجب الصلاة عليه.
أما من لم يستهل صارخا فانه يكره غسله وتكره الصلاة عليه ولو تحرك أو بال أو عطس ان لم تتحقق حياته. فان تحققت وجب الغسل والصلاة
(2)
.
وكذلك يرتبون على الاستهلال الارث له والارث عنه فقد جاء فى الشرح الصغير أنه يثبت الارث عند ثبوت الاستهلال وكذلك يثبت النسب بالاستهلال، فان استهل فانه يرث من مات قبل ذلك واذا استهل ومات عن مال ثبت الارث عليه بشهادة المرأتين، فيرثه الحى بعده بلا يمين من المدعى فيما لا يظهر للرجال
(3)
.
(1)
الزيلعى ج 6 ص 139، 140 والبدائع ج 7 من ص 325 الى ص 327 وابن عابدين ج 5 ص 318.
(2)
الشرح الصغير ج 1 ص 190
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 224
كما يرتبون عليه كذلك ان يلزم من تسبب فى موته ديته. قال صاحب الشرح الصغير: ومن ضرب امرأة حاملا وانفصل عنها الجنين فان استهل فالدية لازمة فيه ان مات وأقسم أولياؤه أنه مات من فعل الجانى، فان لم يقسموا فلا غرة ولا دية، لأنه يحتمل موته بغير فعل الجانى، فان ماتت أمه وهو مستهل ومات فديتان.
وان تعمد الجانى الجنين بضرب بطن أمه فنزل مستهلا ومات فالقصاص بالقسامة وهذا هو الراجح من الخلاف.
وأما من تعمد الجنين بضرب رأس أمه فالراجح الدية.
وتعدد الواجب بتعدد الجنين من عشر أو غرة إن لم يستهل ودية ان استهل
(1)
.
مذهب الشافعية:
ويرتب الشافعية على استهلال الجنين غسله والصلاة عليه وارثه. قال أبو اسحاق الشيرازى فى المهذب: اذا استهل السقط أو تحرك ثم مات غسل وصلى عليه لما روى أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا استهل السقط غسل وصلى عليه وورث وورث عنه، ولأنه قد ثبت له حكم
الدنيا فى الاسلام والميراث والدية فغسل وصلى عليه كغيره.
وان لم يستهل ولم يتحرك فان لم يكن له أربعة أشهر كفن بخرقة ودفن وان تم له أربعة أشهر ففيه قولان.
قال فى القديم: يصلى عليه لأنه نفخ فيه الروح فصار كمن استهل.
وقال فى الأم: لا يصلى عليه. وهو الأصح، لأنه لم يثبت له حكم الدنيا فى الارث وغيره، فلم يصل عليه. فان قلنا يصلى عليه غسل كغير السقط، وان قلنا لا يصلى عليه فلا يغسل كالشهيد.
وقال فى الأم: يغسل لأن الغسل قد ينفرد عن الصلاة كما تقول فى الكافر
(2)
.
وحكى صاحب المهذب أن ابن المرزبان قال: اذا انفصل الحمل واستهل ورث.
لما روى سعيد بن المسيب رحمة الله عليه عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال: أن من السنة أن لا يرث المنفوس ولا يورث حتى يستهل صارخا، فان تحرك حركة حى أو عطس ورث، لأنه عرفت حياته فورث كما لو استهل.
وان خرج ميتا لم يرث لأنا لا نعلم أنه كان وارثا عند موت مورثه. وان تحرك حركة
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 268، 369.
(2)
المهذب ج 1 ص 134
مذبوح لم يرث لأنه لم يعرف حياته. وان خرج بعضه وفيه حياة ومات قبل خروج الباقى لم يرث لأنه لا يثبت له حكم الدنيا قبل انفصال جميعه
(1)
.
وفى حكم الجناية على الجنين المستهل يقول الشيرازى: وان ضرب بطنها - يعنى المرأة - فألقت جنينا فاستهل أو تنفس أو شرب اللبن ومات فى الحال أو بقى متألما الى أن مات وجبت فيه الدية كاملة.
وقال المزنى: ان ألقته لدون ستة أشهر ومات ضمن بالغرة ولا يلزمه دية كاملة لأنه لم يتم له حياة، وهذا خطأ، لأنا تيقنا حياته، والظاهر أنه تلف من جناية فوجب عليه دية كاملة، وان ألقته حيا وجاء آخر وقتله فان كان فيه حياة مستقرة كان الثانى هو القاتل فى وجوب القصاص والدية الكاملة والأول ضارب فى وجوب التعزير. وان قتله وليس فيه حياة مستقرة فالقاتل هو الأول وتلزمه الدية والثانى ضارب وليس بقاتل، لأن جنايته لم تصادف حياة مستقرة.
وان ضرب بطن امرأة فألقت جنينا وبقى زمانا سالما غير متألم ثم مات لم يضمنه لأن الظاهر أنه لم يمت من الضرب ولا يلزمه ضمانه.
وان ضربها فألقت جنينا فاختلج ثم سكن وجبت فيه الغرة دون الدية، لأنه يجوز أن يكون اختلاجه للحياة ويجوز أن يكون بخروجه من مضيق، لأن اللحم الطرى اذا حصل فى مضيق انقبض فاذا خرج منه اختلج فلا تجب فيه الدية الكاملة
(2)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب كشاف القناع أنه اذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلى عليه نص عليه فى رواية حرب وصالح لقوله صلى الله عليه وسلم:
والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ولو لم يستهل أى يصوت عند الولادة.
ويستحب تسميته ولو ولد قبل أربعة أشهر
(3)
.
وفيما يتعلق بميراثه قال: اذا وضع المولود حيا فانه يرث ويورث وتعلم حياته اذا استهل بعد وضع كله صارخا لحديث أبى هريرة مرفوعا: اذا استهل المولود صارخا ورث. رواه أحمد وأبو داود فان خرج بعضه حيا فاستهل أى صوت ثم انفصل ميتا لم يرث وكان كما لو لم يستهل.
(1)
أبو اسحاق الشيرازى ج 2 ص 31 من المهذب.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 197، 198
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 388
وان جهل مستهل من توأمين ذكر أو أنثى وارثهما مختلف بأن كانا من غير ولد الأم عين المستهل بقرعة وقال الخيرى ليس فى هذا عن السلف نص، وقال بعض الفرضيين تعمل المسألة على الحالين ويعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقى حتى يصطلحوا عليه
(1)
.
وان ادعت امرأة على آخر أنه ضربها وقالت سقط الولد حيا لوقت يعيش لمثله ففيه دية كاملة وقال الجانى سقط ميتا ففيه غرة فالقول قوله بيمينه، لأن الأصل براءته من الدية. وان أقامت المرأة بينة باستهلاله وأقام الجانى بينة بخلافها قدمت بينتها لأنها ثبتت ومعها زيادة علم. وان قالت مات الولد عقب الاسقاط.
وقال الجانى: عاش مدة ثم مات بعد ذلك بغير الجناية فقولها بيمينها اعتبارا بالسبب الظاهر. ومع التعارض بأن أقام كل منهما بينة بدعواه تقدم بينته لأنها معها زيادة علم وان ثبت أنه عاش مدة فقالت المرأة بقى متألما حتى مات فأنكر فقوله بيمينه، لأن الأصل عدم التألم ومع التعارض تقدم بينتها.
ويقبل فى استهلال الجنين وفى سقوطه وفى ابقائه متألما أو ابقاء أمه متألمة قول امرأة عدل لأنه مما لا يطلع عليه الرجال غالبا. وان اعترف الجانى
باستهلاله أو ما يوجب فيه دية كاملة فالدية فى مال الجانى.
وان انفصل من المرأة جنينان ذكر وأنثى فاستهل أحدهما ومات وسقط الآخر ميتا واتفقوا على استهلال أحدهما واختلفوا فى المستهل فقال الجانى:
هو الأنثى وقال وارث الجنين هو الذكر فقول الجانى بيمينه، لأن الأصل براءته مما زاد عن دية الأنثى، وان كان لأحدهما بينة قدم بها، لأن البينة تظهر الحق وتبينه، وان كان لهما بينتان وجبت دية الذكر لثبوت استهلاله والبينة المعارضة لها نافية ولم تجب دية الأنثى لعدم ادعاء وارثها اياها.
وان لم تكن بينة واعترف الجانى باستهلال الذكر فأنكرت العاقلة استهلاله فقولهم لأن الأصل براءتهم، فاذا حلفوا كان عليهم دية الأنثى لاعترافهم باستهلالها، وعلى الجانى تمام دية الذكر وهو نصف الدية مؤاخذة له باعترافه. وان اتفقوا على أن أحدهما استهل ولم يعرف لزم العاقلة دية أنثى لأنها اليقين وما زاد مشكوك فيه. وتجب الغرة فى الذى لم يستهل منهما بكل حال
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ولا يفرق الظاهرية بين من ولد حيا ثم مات استهل أو لم يستهل فى استحباب الصلاة عليه. قال صاحب المحلى:
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 589 وما بعدها.
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 17.
وتستحب الصلاة على المولود يولد حيا ثم يموت استهل أو لم يستهل. وليس الصلاة عليه فرضا ما لم يبلغ. أما الصلاة عليه فانها فعل خير لم يأت عنه نهى.
أما ترك الصلاة عليه فلما روينا من طريق أبى داود عن عائشة أم المؤمنين قالت: مات ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا خبر صحيح، ولكن انما فيه ترك الصلاة وليس فيه نهى عنها، وقد جاء أثران مرسلان بأنه عليه السلام صلى عليه. حدثنا عبد الله بن ربيع عن المغيرة بن شعبة أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الراكب خلف الجنازة والماشى حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه، وروينا عن قتادة عن سعيد بن المسيب فى السقط لأربعة أشهر يصلى عليه قال قتادة: ويسمى فانه يبعث ويدعى يوم القيامة باسمه.
وقال الحسن وابراهيم: يصلى عليه اذا استهل
(1)
.
ومن ضرب حاملا فأسقطت جنينا فإن كان قبل الأربعة الأشهر قبل تمامها فلا كفارة فى ذلك لكن الغرة واجبة فقط لأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حكم بذلك، وإن كان بعد تمام الأربعة الأشهر وتيقنت حركته بلا شك وشهد بذلك أربع قوابل عدول فان فيه غرة عبدا أو أمة فقط، لأنه جنين قتل فهذه هى ديته
(2)
. والكفارة واجبة بعتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لأنه قتل مؤمنا خطأ.
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن الاستهلال يوجب غسل المسلم والصلاة عليه وتسميته وارثه. قال صاحب البحر الزخار.
يجب كفاية غسل المسلم والصلاة عليه ولو سقطا استهل بامارة حياة لقوله صلى الله عليه وسلم: اذا استهل السقط صلى عليه، فان لم يستهل فلا يغسل ولا يصلى عليه لقوله صلى الله عليه وسلم فان لم يستهل لم يصل عليه.
وحكى فى الانتصار عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اذا استهل الصبى صلى عليه وسمى وورث، وان لم يستهل لم يصل عليه ولم يسم ولم يورث
(3)
.
وجاء فى التاج المذهب أنه يلزم فيما خرج حيا بسبب العلاج ثم هلك
(1)
ابن حزم فى المحلى ج 5 ص 158، 159
(2)
المرجع السابق ج 11 ص 29، 30
(3)
البحر الزخار ج 2 ص 91 وحاشيتها.
بسبب الخروج الدية على عاقلة المخرج له.
وان خرج ميتا وقد كان علم نفخ الروح فيه وجب فيه الغرة على الجانى وسواء كثرت المدة التى وقف فيها فى بطن أمه كتسعة أشهر أم قلت كأربعة أشهر
(1)
.
وذكر صاحب البحر الزخار أن ما خرج وفيه امارة حياة - صوت أو حركة حى أو تنفس ففيه الدية ولو لدون ستة أشهر، فإن خرج وفيه حياة مستقرة ثم قتله آخر فالقود عليه، إذ هو المباشر وعلى الآخر أرش ضرب الأم والتعزير ومجرد الحركة لا تدل على الحياة اذ قد يختلج اللحم بعد تقطيعه فان ضرب حاملا فخرج منها يد جنين أو رجله ثم خرج ناقصا بعد ذلك قبل برئها من الضرب ففيه الغرة وتدخل اليد فيها، إذ الظاهر سقوطها بالضرب فان خرج حيا فالدية كاملة وتدخل اليد فيها، وان عاش لزم أرش اليد فقط، وإن خرج بعد البرء من الضرب ضمن اليد لا الجنين، كمن قطع يد رجل ثم اندملت ثم مات بعلة أخرى، فان خرج ميتا فنصف الغرة لأجل اليد وأن خرج حيا ثم مات فنصف الدية
(2)
.
مذهب الإمامية:
واختلف رأى الإمامية فى حكم الصلاة على من استهل، فقد روى صاحب مفتاح الكرامة عن الجعفى أنه لا يصلى على صبى حتى يعقل.
وعن الحسن بن عيسى أنه لا يصلى عليه ما لم يبلغ.
وعن الكاتب ايجابها على المستهل.
ويستحب على من نقص سنه عن ذلك ان ولد حيا، ولا صلاة ان سقط ميتا وان ولجته الروح، فلا يصلى على الذى خرج بعضه فاستهل ثم سقط ميتا.
وصرح فى المعتبر والمنتهى ونهاية الأحكام والتذكرة بالاستحباب لو خرج بعضه واستهل ثم مات ولو كان البعض الخارج أقله
(3)
.
وجاء فى شرائع الاسلام: الحمل يرث بشرط انفصاله حيا، ولو سقط ميتا لم يكن له نصيب ولو مات بعد وجوده حيا كان نصيبه لوارثه، ولو سقط بجناية اعتبر بالحركة التى لا تصدر الا من حى دون التقلص الذى يحصل طبعا لا اختيارا
(4)
.
(1)
التاج المذهب ج 4 ص 298
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 256، 257.
(3)
مفتاح الكرامة ج 1 ص 462
(4)
شرائع الاسلام ج 2 ص 183 والمختصر النافع ص 274 والخلاف ج 2 ص 79
واذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا حرا مسلما واستهل أى صاح وصرخ ثم مات فعليه الدية كاملة بلا خلاف.
وان لم يستهل بل كان فيه حياة مثل أن تنفس أو شرب اللبن فالحكم فيه كما لو استهل
(1)
.
مذهب الإباضية:
ذهب الإباضية الى أن أهل العلم أجمعوا على أن الطفل اذا عرفت حياته واستهل صلى عليه واختلفوا فيه اذا لم تعرف حياته.
قال قوم: اذا لم يستهل لم يصل عليه.
وقال قوم: يصلى عليه ولو لم يستهل
(2)
.
وجاء فى النيل أن من شروط الارث تحقق حياة الوارث حياة مستقرة أو الحاقه بالاحياء تقديرا فى الجنين الذى انفصل حيا حياة مستقرة لوقت يظهر وجوده عند الموت
(3)
.
واذا ألقت المرأة جنينا ميتا ثم ألقت بعده آخر وصرخ فانه يرث فى الأول ويورث عنه، وان كان الأول هو الذى صرخ فلا يرث فى الثانى
(4)
.
واذا ألقت المرأة الجنين بعد موتها بضربة على الجانى الدية أو القصاص، ولا شئ فى الجنين، وقيل فيه الغرة.
واذا ألقته واستهل صارخا وكانت الجناية خطأ ومات بفوره ففيه الدية بلا قسامة، وزعم قوم أن فيه قسامة.
وان مات بعد ما طال فالدية بقسامة وان كانت الجناية عمدا فالقصاص والدية، وقيل: تتعين الدية.
وان تحرك ولم يستهل فالغرة. وقيل الدية، وكذا ان رضع أو عطس. والمذهب أن فيه الدية سواء فى الضارب الأب والأم ان ضربت نفسها أو ضربها غيرها
(5)
.
استيلاء
يلاحظ فى أساليب رجال القانون أنهم يستعملون لفظ استيلاء ولفظ حيازة وهما لفظان لا يكادان يختلفان معنى ودلالة فى اللغة العربية.
ففى القاموس والمعجم الوسيط: استولى على الأمر ظهر عليه وتمكن منه وصار
(1)
الخلاف ج 2 ص 410
(2)
الايضاح ج 1 ص 595
(3)
النيل ج 8 ص 259 وص 260
(4)
المرجع السابق ج 8 ص 67
(5)
شرح النيل ج 8 ص 65
فى يده وبلغ الغاية فى ذلك وحاز الشئ ضمه وملكه وجمعه كاحتازه.
وهذه المعانى متلاقية لا اختلاف بينها.
والشرعيون يستعملون اللفظين استعمالا واحدا فى وضع اليد على الشئ والظهور عليه مع التمكن منه.
والأموال بالنظر الى ما يكون للاستيلاء فيها من أثر نوعان. أموال مباحة وأموال مملوكة.
فالمباحة هى التى تملك بالاستيلاء عليها فيتشابه الملك فيها ويكتسب امتلاكها به.
أما المملوكة فالاستيلاء عليها وان شئت قلت حيازتها حق لمالكها وأثر من آثار ملكه اياها ولا يكون لغير مالكها الا عن طريقه.
ولما كانت جميع الأموال قد خلقها الله سبحانه وتعالى للناس لينتفعوا بها كانت مباحة لهم - هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا - وكان لهم أن ينتفعوا بها وذلك عن طريق استيلائهم عليها وتمكنهم منها على أوضاع وصور أدت فى كثير من الأحوال الى اختصاصهم بها والاستئثار بمنافعها استئثارا سمى ملكا وامتلاكا وعد المصدر والأساس لوجوه الانتفاع وصوره ومن ثم كان الاستيلاء سببا من أسباب الملك وكان السبب الوحيد لتملك المال المباح وكان الملك الناشئ به مصدر كل ملك وجد بعده.
فالمال المباح قبل الاستيلاء عليه لم يكن ملكا لأحد فاذا استولى عليه أصبح ملكا له ينتقل عنه الى ورثته بعد وفاته أو الى من يملكه اياه بعقد من العقود أو بأى سبب من الأسباب الناقلة للملك وهذا ما اقتضته طبيعة حياتنا الاجتماعية وأقرته الشريعة الاسلامية فيما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد روى أن أسمر بن مغرس قال:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فقال من سبق الى ما لم يسبق اليه أحد فهو له، قال فخرج الناس يتعادون ويتخاطون رواه أبو داود أى يسرعون فى السير ويعملون على الأرض علامات بالخطوط وهى تسمى الخطط واحدتها خطة ليثبتوا سبق أيديهم على ما حازت من الأرض.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاط حائطا على أرض فهى له رواه أحمد وأبو داود وفى رواية من أحيا أرضا ميتة فهى له رواه أحمد والترمذى وصححه والأرض الميتة هى التى لم تعمر شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت واذا كان هذا هو حكم العقار فالمنقول به أولى لكمال الحيازة والاستيلاء فيه ولظهور الاستئثار به ظهورا لا يكون فى العقار.
وانما يتحقق الاستيلاء ويترتب عليه أثره وهو الملك اذا كان بفعل يؤدى الى التمكن ووضع اليد، فاذا لم يكن فعل لم يتحقق الاستيلاء ولم يثبت ملك.
وعلى هذا لو حظر انسان السمك فى حظيرة فان أمكن بذلك أخذه من غير صيد كان هذا استيلاء وتملكه بهذا الفعل ولذا يجوز له بيعه على هذا الوضع وان لم يمكن أخذه من الحظيرة الا بصيد لم يملكه، لأنه لا يعد مستوليا عليه بوجوده فى الحظيرة على هذا الوضع.
وكذلك الحكم فى سائر المباحات كالطيور اذا باضت أو فرخت فى أرض انسان فانه لا يخرج بذلك عن اباحته ويكون لكل من يسبق الى أخذه سواء فى ذلك صاحب الأرض أو غيره.
ولا يختلف الحكم اذا ما كان صاحب الأرض قد أعد فى أرضه وكرا لذلك فاحتله الطير دون عمل من صاحب الوكر.
ومن الفقهاء المتأخرين من ذهب الى أن اتخاذ الوكر يعد عملا يتحقق به الاستيلاء فاذا حل فيه الصيد صار مملوكا لصاحب الوكر.
ويقول صاحب البدائع أن هذا الرأى غير سديد، لأن هذا لا يعد أخذا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فهو لمن أخذه ولأن الملك فى المباح انما يثبت بالاستيلاء عليه واذا أخذه من الوكر انسان غير صاحب الوكر كان هو المستولى عليه دون صاحب الوكر.
وكذلك الحكم فى صيد التجأ الى أرض رجل أو الى داره فلا يعد ذلك استيلاء من صاحب الأرض أو الدار ولذا لو أخذه من الأرض أو الدار انسان كان له ولكن لو رد صاحب الدار عليه الباب بعد التجائه ملكه بذلك ان أمكنه أخذه من غير صيد لتحقق الاستيلاء عليه بفعله مع امكان أخذه.
وكذلك لو نصب شبكة فتعقل بها صيد على وضع ليس له خلاص فيها فانه يكون لناصب الشبكة سواء أكانت ملكا له أم لغيره.
وكذلك من أرسل بازى انسان بغير اذنه على صيد فأخذه أو أغرى كلبا لانسان على صيد فأخذه فانه يكون للمرسل أو المغرى لا لصاحب البازى أو الكلب.
ولكن لو نصب فسطاطا فالتجأ اليه صيد لم يملكه، لأن نصب الفسطاط لم يكن لهذا الغرض بل لغرض آخر فلم يكن نصبه عملا يراد به الاستيلاء بخلاف نصب الشبكة
(1)
.
ولو حفر حفرة فوقع فيها صيد فان كان قد حفرها ليجتمع فيها الماء لم يملكه بوقوعه فيها وكان لمن
(1)
البدائع ج 6 ص 193، 194 والخانية ج 5 ص 418
أخذه منها وان حفرها للاصطياد ملكه بوقوعه فيها
(1)
.
وعلى هذا لو ترك انسان طستا تحت قبة السماء فنزل المطر فملأه لم يحرزه بذلك ولم يملكه ولو وضعه لهذا الغرض أحرزه بذلك وملكه وكان له بيعه ومنعه.
وحاصل القول فى ذلك أن الاستيلاء المفيد للملك نوعان: حقيقى وحكمى.
فالحقيقى يكون بوضع اليد فعلا أو بالقوة كالأشجار المباحة تقطعها والأثمار فيها تجنيها والماء تملأ منه اناءك والصيد تمسكه بيدك فتملك كل ذلك للاستيلاء عليه استيلاء حقيقيا.
وكذلك اذا قصدت الى الشجرة المباحة أو الى ثمرتها أو الى كلأ أو الى صيد قد وقع فى حفرة وحرث قريبا من هؤلاء بحيث لو مددت يدك لأخذت ذلك فانك تملكه لأنك قد استوليت عليه ووضعت يدك عليه بالقوة.
أما الاستيلاء الحكمى: فانه يكون باستعمال الآلات وتهيئة المباح لأن توضع اليد عليه فعلا أو بالقوة كتجمع ماء المطر فى طست على الأرض لذلك أو فى حفرة حفرت لهذا الغرض وكتعلق صيد فى شبكة نصبت أو رمية بمقذوف خرج به عن امتناعه وتأبده.
وترتب الملك على الاستيلاء الحقيقى لا يحتاج الى نية وقصد فهو سبب فعلى لا يشترط فى ترتب أثره على نية التملك ولذا يعتبر من كل من يصدر منه فلو كان غير أهل للالتزام والارادة كالمجنون والصغير الذى لا يميز فاذا تناول أحدهما مالا مباحا تملكه بتناوله لأن النية فى هذا النوع من الاستيلاء ليست شرطا.
أما الاستيلاء الحكمى: فلا تترتب عليه الملكية الا اذا قصد به الاحراز فان لم يقصد به الاحراز لم تترتب عليه ملكيته وذلك كما يرى فى ماء تجمع فى طست ترك تحت قبة السماء لا لهذا الغرض وفى حيوان التجأ الى أرض شخص أو دار انسان كما فى الخيرية.
ورأى
(2)
مالك والشافعى
(3)
وأحمد
(4)
كرأى الحنفية فى الاستيلاء الحقيقى.
وللشافعى وأحمد روايتان فى الاستيلاء الحكمى.
احداهما أنه كالحقيقى.
والأخرى كرأى الحنفية فقد جاء فيما روى عنهما أن الاستيلاء على الصيد ان كان بآلة من الآلات التى تستعمل فى العادة للصيد وتتخذ للاستيلاء عليه ملكه وان كان بما لا يتخذ عادة.
(1)
هندية ج 5 ص 147
(2)
منح الجليل ج 1 ص 585 وما بعدها.
(3)
نهاية المحتاج ج 8 ص 117 وما بعدها.
(4)
كشاف القناع ج 4 ص 128، 133 وما بعدها.
لذلك لم يترتب عليه الملك على أصح القولين الا اذا قصد به التملك فان لم يقصد به التملك لم يملكه وان صار به أحق من غيره عند الشافعية.
وعلى هذا ففى الصيد يقع فى أرض انسان وصار مقدورا عليه بسبب توحله أو انكسار عضو منه لم يملكه صاحب الأرض فى الأصح عند الشافعية والحنابلة اذ لا يقصد بالأرض الاصطياد.
ولو وقع فى شبكة أعدت للصيد ملكه عندهم بمجرد وقوعه فيها لوجود القصد الى الاصطياد
(1)
.
أما المالكية:
فانهم كالحنفية فى الاستيلاء الحكمى لا يترتب فيه الملك الا بالقصد ويدل عليه استعمال الآلات المعدة للصيد فى الاستيلاء خلافا لابن رشد فانه يرى أن الاستيلاء الحكمى كالاستيلاء الحقيقى يترتب فيه الملك وان لم يكن هناك قصد. فقد جاء فى منح الجليل
(2)
دار لانسان طرد اليها شخص آخر صيدا أراد اصطياده فدخلها كان الصيد لطارده سواء أمكنه أخذه بدونها أم لا ولا شئ عليه لربها فيما خفف به على
نفسه من التعب خلافا لابن رشد وانما كان للطارد لأنها لم تبن للصيد ولم يقصد بانيها تحصيله بها واذا لم يطرده الطارد اليها فدخلها كان الصيد لربها اذا لم يتحقق الطارد أخذه بغيرها والا كان له واذا كانت الدار خالية أو خرابا فما فرخ فيها أو وجد بها من الصيد فلواجده وكذلك ما يوجد بالبساتين المملوكة لأنها لم يقصد بها ذلك.
والاستيلاء الحكمى كما ذكرنا يكون باستعمال الآلات غير أن هذه الآلات اذا كانت للصيد كان اقتناؤها واتخاذها واستعمالها انما هو للصيد ولذا لم يشترط فى ترتب الملكية على الاستيلاء بها القصد الى الاحراز وانما الشرط ألا يكون قد استعملها لغرض آخر اذا ما تعلق بها صيد.
ومن ثم قالوا: اذا وضع الصائد شبكته للتجفيف فتعلق بها صيد لم يملكه بمجرد تعلقه بها ذلك لأن عمله قصد به شئ آخر خلاف الاحراز ولا يملكه الا اذا حضر اليها فأمسك الصيد أو كان بحيث لو مد يده اليه لأخذه لوجود الاستيلاء الحقيقى حينئذ ولكن اذا كان قد وضعها بقصد الاحراز أو بلا قصد فتعلق بها صيد ملكه من وقت تعلقه بها وان كان هذا الملك غير مستقر لاحتمال زواله بانتقاض الاستيلاء بتخلص الصيد من الشبكة وفراره.
(1)
كشاف القناع ج 4 ص 133، 134 والمغنى ج 11 ص 30 وقواعد ابن رجب ص 190 ونهاية المحتاج ج 5 ص 326 وما بعدها وج 8 ص 117، 118.
(2)
منح الجليل ح 1 ص 586.
واذا استعمل آلات ليست للصيد فلا يترتب على الاستيلاء بواسطتها التملك الا اذا قصد من استعمالها احراز الصيد.
ولذا جاء فى المبسوط لو تكسر صيد فى أرض انسان فصار لا يستطيع براحا أو رمى صيد فوقع فى أرض رجل ولا يدرى من رماه فأخذه رجل آخر فهو للذى أخذه لأنه قد أحرزه بأخذه ولم يوجد من صاحب الأرض احراز وان عجز الصيد عن الطيران بما أصابه لأن المباح يملك بالاحراز
(1)
.
وعلى ذلك مسألة الحفرة يتردى فيها صيد وقد سبقت.
وجاء فى الهندية اذا اتخذ النحل مكانا فى أرض رجل فعسل فيه لم يملكه صاحب الأرض لعدم استيلائه عليه ولكن يملك عسله لاستيلائه عليه استيلاء حكميا ووجه ذلك ان عادة أصحاب الأرض والزراع قد جرت باتخاذ كورات النحل فى أرضهم لطلب عسله وشاع ذلك حتى صار العسل كأنه من ثمار الأرض ولأجله تطلب كما تطلب للزرع فأصبحت بذلك كأنها آلة لأخذ العسل فاذا وجد فيها العسل ملكه صاحبه لتحقق الاستيلاء الحكمى عليه ووجود النية حكما وهو اتخاذ الأرض عادة لحين العسل
(2)
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى: ان كل من نصب فخا أو حبالة أو حفر زبية للصيد فكل ما وقع فى شئ من ذلك كان ملكا له ولا يحل لأحد سواه فاذا فعل ذلك لا يقصد أخذ الصيد فوقع فيها الصيد فأخذه آخر فهو لمن أخذه ويملك كل ما أستولى عليه من المباح مما قصد تملكه واذا لم ينو التملك لم يملك وبقى الصيد على حاله لكل من تملكه وكذلك ما عشش فى شجرة أو جدار فى دار لا يكون ملكا لمالك الشجرة أو الدار الا أن يحدث له تملكا، ويملك الصيد بتذكيته وبأن يقدر عليه قبل موته بأن يفقد به امتناعه وتأبده وقدرته على الفرار
(3)
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن المباح يملك بالاستيلاء ولا يشترط فى ذلك نية التملك ولذا يملك المجنون والصبى باستيلائه على المباح غير انهم يشترطون فى ثبوت الملك القصد الى الفعل فوقوع ماء المطر واجتماعه فى طست وضع للحفظ فوق سطح مثلا لا يصير به الماء مملوكا واذا أحرق شجرا فى قطعة من فلاة يريد احياءها ملكها بهذا الاحراق لأنه استيلاء ولكن اذا امتدت النار أو انتقلت بفعل الريح الى قطعة أخرى فأحرقت شجرها لم يملكها
(4)
.
(1)
المبسوط ج 11 ص 251
(2)
الهندية نقلا عن الخانية ج 5 ص 417 وما بعدها.
(3)
المحلى ج 7 ص 466 مسألة 1079، 1080، ص 463 مسألة 1071، ص 464 مسألة 1074
(4)
شرح الازهار ج 3 ص 323
وفيه أيضا لو سقى رجل أرضه فتوحل فيها ظبى وخرج عن امتناعه ملكه صاحب الأرض لأنه يعد حائزا له حينئذ ولوجود الفعل منه ولو كان ذلك نتيجة لتنفيره فالأقرب أنه لمالك الأرض لا لمن نفره.
ومثل ذلك فى الحكم الطير يدخل دار رجل لا يأخذه الا بمحاولة ولا يمكنه أن يطير الا فى الدار ولا يؤخذ الا بمشقة فانه يكون له ولو كانت الأرض مستأجرة فالطير للمستأجر
(1)
.
مذهب الإباضية:
ويرى الإباضية أن المال المباح يملك بالاستيلاء عليه باليد أو بواسطة آلة من الآلات كالشباك أو الحبالة أو الحفر تحفر لذلك فان انفلت المتعلق فى الشبكة أو خرج الواقع فى الحفرة انتقض ملكه وما أخذ باليد ففر بعد ذلك لم يكن لغيره أن يتملكه بأخذه وعليه أن يرده اذا أخذه وكذلك يملكه صاحب البيت اذا دخله حيوان فأغلق بابه عليه ولا يكون لغيره أن يتملكه بعد ذلك فان لم يغلق الباب عليه لم يملكه ولا ينتقض ملك ما يسقط من شبكة الصياد أو وعائه بعد امساكه بخلاف شبكة الأرض اذا انفلت ما فيها قبل امساك الصائد له واذا نفر السمك فوقعت سمكة فى سفينة مارة فهى لآخذها.
وقيل هى لصاحب السفينة لأن سفينته قد حبستها ولا تطيق الخروج منها لفراقها الماء وان أطاقت الوثوب فهى لمن أخذها
(2)
.
وخلاصة ما سبق أن الاستيلاء على المباح كسبب لتملكه يمتاز عن سائر أسباب التمليك بثلاثة أمور:
الأول: أنه سبب منشئ للملكية بخلاف غيره من الأسباب الشرعية فانه ناقلة لها لا منشئة ولا خلاف فى ذلك.
الثانى: أنه خاص بالأموال المباحة فلا يفيد ملكا فى الأموال المملوكة عقارا كانت أم منقولا ولو طالت مدة الحيازة فيه.
وبناء على ذلك لا يتملك مال مملوك بوضع اليد عليه وان تقادم عهده كما لا يسقط حق بتركه وان طالت مدة الترك وذلك خلافا لما جرى عليه التشريع الوضعى فانه يجعل وضع اليد على المال المملوك مدة معينة تختلف باختلاف الأحوال سببا من أسباب تملكه متى تحققت به حيازة هذا المال حيازة استأثر فيها بمنافعه وبالتصرف فيه.
وبعبارة أخرى متى تحققت به حيازة هذا المال حيازة فعلية مقرونة بنية التملك له كما جعل مضى مدة معينة على الحق
(1)
شرح الأزهار وحاشيته ج 4 ص 78، ص 79.
(2)
شرح النيل ج 3 ص 571، 574، 576
مع ترك المطالبة به سببا مسقطا له ويختلف مقدار المدة باختلاف الحقوق وما يلابسها ولسنا بصدد هذا الموضوع وانما يكون تفصيل أحكامه اكتساب الملك بمضى المدة وسقوط الدعوى بالحق لمضى المدة.
الثالث: انه سبب فعلى ولذا يعتبر من كل من يستطيعه ولو كان غير أهل للالتزام بالقول كالمجنون والصبى كما أشرنا الى ذلك فيما سبق.
والمال المباح اما أن يكون منقولا أو عقارا فان كان منقولا كانت حيازته والاستيلاء عليه بوضع اليد عليه وضعا حقيقيا ويكون ذلك فى كل منقول كالصيد والكلأ والمعادن والأشجار اذا كان على وجه الأرض على تفصيل سبق وسيأتى عند الكلام على تملك كل نوع منه.
وان كان عقارا كان حيازته والاستيلاء عليه بعمارته كما سنبين ذلك عند الكلام على الأرض الموات.
وقد ذكرنا ان الاستيلاء على الأموال المباحة المنقولة لا يشترط فيه القصد الى التملك اذا كان حقيقيا.
أما اذا كان حكميا فقد ذكرنا فيما سبق اختلاف الفقهاء فى اشتراط القصد اليه.
والكلام على تملك الكلأ يرجع اليه فى مصطلح كلأ.
وعلى تملك الصيد يرجع اليه فى مصطلح صيد.
وعلى تملك العقار يرجع اليه فى مصطلح أرض موات - احياء.
وعلى المعادن يرجع اليه فى مصطلح ركاز.
وعلى تملك الكنز يرجع اليه فى مصطلح كنز.
وعلى استيلاء المسلمين على أموال المحاربين واستيلاء المحاربين على أموال المسلمين يرجع اليه فى مصطلحى غنيمة، وسير.
استيلاد
التعريف بالاستيلاد:
الاستيلاد لغة هو طلب الولد وشرعا هو تصيير الجارية أم ولد.
وأم الولد فى اصطلاح الفقهاء هى التى ولدت من سيدها فى ملكه
(1)
.
وهو مشروع لقوله تعالى {(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)} دلت الآية الكريمة على حل وط ء الزوجة والمملوكة ملك يمين وهى الأمة سواء أكان الوط ء معقبا للولد أم غير
(1)
المغنى ج 12 ص 488.
معقب للولد وقد فعله بعض الصحابة وأجمع المسلمون عليه.
أحكام أم الولد
أولا - اخراجها عن ملكه.
يرى الحنفية
(1)
.
أنه لا يجوز اخراج أم الولد عن ملك سيدها ببيع أو هبة وهو مذهب المالكية
(2)
والشافعية
(3)
والحنابلة
(4)
وابن حزم الظاهرى
(5)
على تفصيل فى كتبهم.
وذهب الشيعة
(6)
الإمامية الى أنه لا يجوز بيعها الا اذا كان على سيدها دين لا جهة لقضائه غير ثمنها.
وذهبوا أيضا الى أنه اذا مات ولدها جاز بيعها.
ثانيا: أنها تعتق بعد موت سيدها من جميع المال ولو لم يترك سواها وهو مذهب جمهور الفقهاء.
وذهب الشيعة الإمامية
(7)
الى أنها تعتق
من نصيب ولدها فى التركة على تفصيل فى ذلك وهو قول عند الإباضية.
ثالثا: تزويجها لغيره:
يرى الحنفية
(8)
جواز تزويجها لغيره وهو مذهب الحنابلة
(9)
.
وهو الأصح عند الشافعية
(10)
.
وعند المالكية
(11)
يجوز برضاها مع الكراهة ولا يجوز بغير رضاها.
رابعا: ثبوت النسب:
مذهب الحنفية
(12)
.
يثبت نسب ولدها عندهم اذا ادعاه ولا يكفى لو أقر بوطئها.
وذهب الأئمة الثلاثة
(13)
الى أنه يثبت نسبه اذا أقر بالوط ء فاذا أتت بولد ثان ثبت نسبه من غير دعوة، لأنها لما صارت أم ولد قوى فراشها فأشبهت الزوجة المنكوحة.
استيلاد الأب جارية ابنه:
مذهب الحنفية
(14)
.
اذا وطئ الأب جارية ابنه التى لم تكن أم ولد له فجاءت بولد فادعاه الأب
(1)
الزيلعى ج 4 ص 123.
(2)
بداية المجتهد ج 2 ص 329 طبعة الخانجى.
(3)
مغنى المحتاج 4 ص 496 طبعة الموسوعة.
(4)
المغنى ج 12 ص 500.
(5)
المحلى ج 9 ص 217 مسألة 1683.
(6)
المختصر النافع ص 242.
(7)
الروضة البهية ج 2 ص 211.
وشرح النيل ج 6 ص 241.
(8)
زيلعى ج 3 ص 103.
(9)
كشاف القناع ج 2 ص 678، 682.
(10)
مغنى المحتاج ج 4 ص 497.
(11)
شرح الخرشى ج 8 ص 58.
(12)
زيلعى ج 3 ص 102.
(13)
الخرشى ج 8 ص 156، شرح الجلال المحلى على المنهاج ج 4 ص 564، المغنى ج 12 ص 489، 491.
(14)
زيلعى ج 3 ص 104.
ثبت نسبه منه وصارت أم ولد له وعليه قيمتها.
وهو مذهب المالكية
(1)
والحنابلة
(2)
والشافعية
(3)
.
ولأحكام الاستيلاد تفصيلات تنظر فى مصطلح أم ولد.
أسر
انظر أسير
إسراف
معنى الاسراف فى اللغة:
يذكر ابن فارس فى «معجم مقاييس اللغة» أن مادة سرف لها أصل واحد يدل على تعدى الحد والاغفال للشئ أيضا. تقول: فى الأمر سرف، أى مجاوزة للحد. ويقال: مر بهم فسرفهم أى أغفلهم ومما يعود الى أصل المادة أيضا استعمال السرف بمعنى الجهل أو الضراوة
(4)
أى الشدة.
وفى لسان العرب: أن السرف والاسراف مجاوزة القصد، وأسرف فى ماله عجل من غير قصد، وأسرف فى الكلام وفى القتل أفرط والسرف الخطأ بمعنى وضع الشئ فى
غير حقه. والسرف اللهج بالشئ، والسرف ضد القصد، وأكله سرفا أى فى عجلة
(5)
.
ونقل النووى عن الأزهرى أن السرف هو مجاوزة الحد المعروف لمثله
(6)
.
استعمال الاسراف فى لسان الفقهاء
والاسراف فى استعمال الفقهاء لا يخرج عن أحد معانيه اللغوية.
الاسراف فى الوضوء والغسل
مذهب الحنفية:
من سنن الوضوء عندهم تكرار الغسل الى الثلاث، وتكره الزيادة على ذلك، لأن النبى صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة الا به، وتوضأ مرتين مرتين وقال: هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين. وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال: هذا وضوئى ووضوء الأنبياء من قبلى، فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم.
قالوا والوعيد فى الحديث لمن لم يره سنة فاذا زاد على الثلاث لطمأنينة
(1)
خرشى ج 2 ص 50.
(2)
المغنى ج 12 ص 501، 502.
(3)
منهاج ج 4 ص 563.
(4)
معجم مقاييس اللغة، لأبى الحسين أحمد ابن فارس بن زكريا ج 3 ص 153 الطبعة الأولى سنة 1368 هـ طبع دار احياء الكتب العربية بالقاهرة.
(5)
لسان العرب لابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم الانصارى ج 11 ص 48، 49 طبعة مصورة عن طبعة بولاق بطريق المؤسسة المصرية العامة للتأليف والانباء والنشر بالقاهرة.
(6)
تهذيب الاسماء واللغات لابى زكريا محيى الدين بن شرف النووى، ج 2 ص 148 طبع ادارة الطباعة المنيرية بالقاهرة.
القلب عند الشك، أو بنية وضوء آخر فلا بأس به فان الوضوء على الوضوء نور على نور. وقد أمر بترك ما يريبه الى ما لا يريبه
(1)
.
وقالوا ان الغسل الأول فرض، والثانى سنة والثالث اكمال السنة.
وقيل ان الثانى والثالث سنة.
وقيل ان الثانى سنة، والثالث نفل.
وقيل على عكسه
(2)
.
وفى كل الأحوال قالوا: ان ما زاد على المرة الثالثة فهو مكروه.
ونص ابن عابدين على أن الزيادة على المرات الثلاث بلا عذر حكمه المنع.
وذكر أن فى التاترخانية عن الناطفى أنه لو زاد على الثلاث فهو بدعة.
وأنه جاء فى السراج: لو تكرر الوضوء فى مجلس واحد مرارا لم يستحب بل يكره لما فيه من الاسراف. لأن الوضوء لم يشرع لذاته وانما شرع لأداء عبادة.
فاذا لم تؤد به عبادة كان اسرافا
(3)
.
وقد جاء فى حاشية ابن عابدين أيضا أن الاسراف المكروه فى الوضوء هو أن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية.
ومن الاسراف الزيادة على الغسلات الثلاث مع اعتقاد أن ذلك هو السنة. والكراهة هنا كراهة تحريمية.
واذا كان الوضوء من ماء موقوف على من يتطهر به كماء المدارس الذى فى صهريج أو حوض أو نحو ابريق - فان الزيادة على الثلاث تكون حراما، لأن الزيادة غير مأذون بها لأنه انما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعى.
ولم يقصد اباحتها لغير ذلك
(4)
.
واستدلوا على كراهة الاسراف فى ماء الوضوء ولو كان من نهر جار بحديث سعد حين صب الماء صبا فاحشا فقال له النبى صلى الله عليه وسلم اياك والسرف فقال: أو فى الوضوء سرف؛ قال: نعم، ولو كنت على ضفة نهر جار
(5)
.
وفيما يتعلق بالغسل ذكروا أن من سنن الغسل أن يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا
(6)
.
ويفهم من هذا أن حد السنة ثلاث مرات فما زاد عليه فهو مخالف للسنة.
(1)
الهداية مع فتح القدير ج 1 ص 20.
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج 1 ص 5.
(3)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 1 ص 84، 85.
(4)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 1 ص 93، 94.
(5)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 45 وانظر أيضا ص 9 ج 1
(6)
فتح القدير ج 1 ص 39
وذكروا فى سنن الوضوء أنه يمسح رأسه مرة واحدة، وأن التثليث مكروه.
وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه يمسح ثلاث مرات بماء واحد
(1)
.
وذكر ابن عابدين أنه يكره تثليث المسح بماء جديد
(2)
.
مذهب المالكية:
من مستحبات الوضوء - تقليل الماء من غير تحديد فى ذلك.
وكذلك الغسل يستحب فيه تقليل الماء من غير تحديد، والسنة فى الوضوء والغسل احكام الغسل مع قلة الماء.
وفى الرسالة: قلة الماء مع احكام الغسل سنة، والسرف فيه غلو وبدعة.
وقد أنكر مالك قول من قال فى الوضوء، حتى يقطر الماء أو يسيل. فالسيلان من العضو غير مطلوب، لأن المقصود ايصال الماء الى البشرة واستيعابها به، اما أن يقطر الماء أو يسيل عنها فلا اعتبار به، ويراعى القدر الكافى فى حق كل واحد فما زاد على قدر ما يكفيه فهو بدعة، وان اقتصر على قدر ما يكفيه فقد أدى السنة.
فالسرف هو ما زيد بعد تيقن الواجب، وهو مكروه
(3)
.
ويستحب أن يكون الماء الذى يجعل على العضو قليلا وان كان يتوضأ أو يغتسل من البحر، ولا تحديد لمقدار القليل، لاختلاف الأعضاء والناس، بل بقدر ما يجرى على العضو، وان لم يتقاطر منه
(4)
.
وانما يكره اكثار الماء على العضو لأنه من السرف والغلو فى الدين الموجب للوسوسة.
ويكره الزائد على الثلاث فى المغسول.
وكذلك يكره المسح الثانى فى الممسوح.
وقيل يمنع الزائد، وهو ضعيف.
وكذلك تكره الزيادة على محل الفرض، لأنها من الغلو
(5)
.
وجاء فى حاشية الدسوقى أن كراهية المرة الرابعة بعد الثلاث هو الراجح فى المذهب
(6)
.
(1)
بدائع الصنائع ج 1 ص 23.
(2)
حاشية ابن عابدين ج 1 ص 94.
(3)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل تأليف أبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب المتوفى سنة 954 هـ ج 1 ص 256 الطبعة الاولى مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لمحمد بن يوسف الشهير بالمواق المتوفى سنة 897 هـ.
(4)
بلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 44 و 45.
(5)
بلغة السالك لاقرب المسالك ج 1 ص 46.
(6)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 103.
مذهب الشافعية:
ان زاد الوضوء على الثلاث كره كراهة تنزيه ولا يحرم هكذا صرح به الأصحاب.
وقال امام الحرمين أن الغسلة الرابعة وان كانت مكروهة فليست بمعصية وفسر الاساءة والظلم فى الحديث القائل:
فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم بأن معنى أساء، ترك الأولى وتعدى السنة، وأن معنى ظلم: وضع الشئ فى غير موضعه.
وقال الغزالى فى التعليق أن الشافعى رضى الله عنه قال فى الأم: أحب ألا يتجاوز الثلاث، فان جاوزها لم يضره وأراد بقوله:«لم يضره» أى لا يأثم وأصحابنا يقولون: تحرم الزيادة قال:
وليس ظاهر المذهب.
هذا والمراد بالاساءة فى الحديث غير التحريم لأنه يستعمل أساء فيما لا اثم فيه.
وقال الماوردى الزيادة على الثلاث لا تسن، وفى كراهيتها وجهان.
فأبو حامد الاسفرايينى يقول لا تكره.
وسائر أصحابنا يقولون تكره، وهو الأصح.
يقول النووى بعد ذكره ما تقدم:
فحصل ثلاثة أوجه.
أحدها: تحرم الزيادة.
والثانى: لا تحرم لكنها خلاف الأولى.
والثالث: وهو الصحيح بل الصواب - تكره كراهة تنزيه، فهذا هو الموافق للأحاديث وبه قطع جماهير الأصحاب
(1)
.
وقال النووى: اتفق أصحابنا وغيرهم على ذم الاسراف فى الماء، فى الوضوء والغسل.
وقال البخارى فى صحيحه كره أهل العلم الاسراف به.
والمشهور أنه مكروه كراهة تنزيه.
وقال البغوى والمتولى: حرام.
ومما يدل على ذمه: الحديث «أنه سيكون فى هذه الأمة قوم يعتدون فى الطهور والدعاء
(2)
.
ومن سنن الوضوء تثليث الغسل والمسح.
ويكره كل من الزيادة على الثلاث والنقص عنها بنية الوضوء.
وكذلك يكره الاسراف فى الماء ولو على الشط، الا فى ماء موقوف فتحرم الزيادة عليها لكونها غير مأذون فيها
(3)
.
(1)
المجموع شرح المهذب ج 1 ص 438.
(2)
المجموع شرح المهذب ج 2 ص 195.
(3)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 1 ص 172، 173 مطبعة البابى الحلبى.
ويستحب الاقتصار فى الغسل على المد والصاع، لأن الرفق مطلوب
(1)
.
مذهب الحنابلة:
الوضوء مرة مرة يجزئ، والثلاث أفضل، وان غسل بعض أعضائه مرة وغسل بعضها أكثر من مرة جاز لأنه اذا جاز ذلك فى الكل جاز فى البعض.
ويكره الاسراف فى ماء الوضوء، والزيادة الكثيرة فيه، للآثار المروية فى ذلك.
واستدلوا على ذلك بأن الرسول عليه الصلاة السّلام مر على سعد وهو يتوضأ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:
ما هذا السرف؟ فقال: أفى الوضوء سرف؟ فقال: نعم وان كنت على نهر جار.
كما استدلوا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ان للوضوء شيطانا يقال له:
ولهان، فاتقوا وسواس الماء
(2)
.
وكذلك جاء فى كشاف القناع أنه يكره الاسراف فى الماء، ولو على نهر جار لحديث ابن عمر فى شأن وضوء سعد
(3)
.
وأورد ابن قدامة قول أحمد: لا يزيد على الثلاث الا رجل مبتلى
(4)
.
كما ذكر أنه كان يقال من قلة فقه الرجل ولوعه بالماء
(5)
.
مذهب الظاهرية:
يكره الاكثار من الماء فى الغسل والوضوء والزيادة على الثلاث فى غسل أعضاء للوضوء ومسح الرأس ولم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك
(6)
.
واستدلوا على ذلك بأن عليا رضى الله عنه توضأ ثلاثا ثلاثا وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما توضأ ثلاثا يسند ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عثمان رضى الله عنه مثل ذلك: وعلق ابن حزم على ذلك بقوله: فلم يخص فى هذه الآثار رأسا من غيره
(7)
.
مذهب الزيدية:
الواجب فى الوضوء مرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة فى رواية ابن عباس رضى الله عنهما وهذا الحديث يدل على أن الواجب فى الوضوء مرة فقط ولهذا اقتصر عليه النبى صلى الله عليه وسلم ولو كان الواجب مرتين أو ثلاثا لما اقتصر على مرة.
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 1 ص 212.
(2)
المغنى لابن قدامة ج 1 ص 130، 132 الطبعة الاولى مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 116 الطبعة الاولى المطبعة العامرية الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.
(4)
المغنى لابن قدامه ج 1 ص 132.
(5)
المغنى لابن قدامة ج 1 ص 228.
(6)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 72 الطبعة الأولى مطبعة النهضة بمصر سنة 1347 هـ.
(7)
المحلى لابن حزم ج 1 ص 73 الطبعة السالفة الذكر.
ويرون أن تثليث الغسل فى الوضوء سنة، فاذا كانت المرة تجزئ، فان الثلاث هى الكمال.
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا، وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين والاختلاف دليل على ذلك كله
(1)
.
وجاء فى شرح الأزهار أن من زاد على الثلاث فقد أساء وظلم ولا يسن التثليث فى الرأس
(2)
.
وجاء فى نيل الأوطار
(3)
ولا خلاف فى كراهة الزيادة على ثلاث. وذكر حديثا يدل على أن مجاوزة الثلاث الغسلات من الاعتداء فى الطهور. ونقل ما رواه أحمد وابن ماجه ومسلم والترمذى عن سفينة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل بالصاع، ويتطهر بالمد وعلق عليه بأن الحديث يدل على كراهة الاسراف فى الماء للغسل والوضوء واستحباب الاقتصاد وأن العلماء أجمعوا على النهى عن الاسراف فى الماء ولو كان على شاطئ النهر.
وقال بعضهم: أنه حرام.
وقال بعضهم أنه مكروه كراهة تنزيه.
ثم ذكر أن القدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر، وسواء كان صاعا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ فى النقصان الى حد لا يسمى مستعمله مغتسلا أو الى مقدار فى الزيادة يدخل فاعله فى حد الاسراف.
وهكذا الوضوء: القدر المجزئ منه ما يحصل به غسل أعضاء الوضوء سواء كان مدا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ فى الزيادة الى حد السرف، أو فى النقصان الى حد لا يحصل به الواجب
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب الخلاف أن الفرض فى غسل الأعضاء مرة واحدة والسنة اثنتان والثالثة بدعة، وفى الأصحاب من قال أن الثانية بدعة وليس بمعول عليه.
ومنهم من قال: الثالثة تكلف ولم يصرح بأنها بدعة.
والصحيح الأول والدليل قوله تعالى «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ» }.
ومن غسل دفعة واحدة وجهه ويديه فقد أدى الفرض فمن ادعى أكثر منه فرضا أو سنة فعليه الدليل.
(1)
البحر الزخار ج 1 ص 72 وانظر نيل الاوطار ج 1 ص 172 المطبعة العثمانية المصرية سنة 1357 هـ.
(2)
شرح الأزهار ج 1 ص 91، 92 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 357 هـ
(3)
نيل الأوطار ج 1 ص 173.
(4)
نيل الاوطار ج 1 ص 250، 252.
وعن يونس بن عمار: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء للصلاة فقال
(1)
: مرة مرة.
وفى المختصر النافع: أنه لا تكرار
(2)
فى المسح.
وفى الروضة البهية: من سنن الوضوء تثليث المضمضة والاستنشاق بأن يفعل كل واحد منهما ولو بغرفة واحدة وبثلاث أفضل.
ومن سننه أيضا تثنية الغسلات الثلاث فى الأعضاء الثلاثة: الوجه واليدين بعد تمام الغسلة الأولى فى المشهور
(3)
.
مذهب الإباضية:
المستحب فى الوضوء أن يكون ثلاثا ثلاثا لكل جارحة، فان اقتصر على واحدة أجزأت اذا عم الجارحة الماء
(4)
.
وجاء فى كتاب شرح النيل: أن من سنن الوضوء تقليل صب الماء والمراد بالتقليل ما دون الاسراف لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ بمد وكره الاكثار من صب الماء فى الوضوء ولو كان على بحر أو نهر ولو كان الماء يرجع فى ذلك البحر أو النهر. لئلا يعتاد الاكثار فى غير ذلك ولئلا يدخله الوسواس اذا لم يكثر، ولأنه اذا كثر فقد كثر الماء المستعمل. مع أن اكثار استعماله مكروه فى نفسه فالاسراف يحصل مطلقا.
وتكره الزيادة على الثلاث فى المغسول وان شك فى الثالثة زادها لعدم اليقين.
وقيل: لا، لئلا يكون قد زاد على الثلاث، وقد يرجح الأول استصحابا للأصل وقد يرجح الثانى احتياطا
(5)
.
الاسراف فى الكفن
مذهب الحنفية:
السنة فى الكفن هى أن يكفن الرجل فى ثلاثة أثواب: ازار وقميص ولفافة، لأن كفن النبى صلى الله عليه وسلم كان ثلاثة أثواب سحولية (نسبة الى قرية فى اليمن
(6)
ولأنه أكثر ما يلبسه الانسان عادة فى حياته، فكذلك بعد مماته.
(1)
الخلاف فى الفقه لابى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 15 الطبعة الثانية مطبعة رنكين بطهران سنة 1377 هـ.
(2)
المختصر النافع فى فقه الإمامية لابى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى، المتوفى سنة 676 ص 6 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1376 هـ.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 25 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1378 هـ.
(4)
كتاب الوضع مختصر فى الاصول والفقه تأليف أبى زكريا يحيى بن أبى الخير الجناونى ص 44 الطبعة الاولى مطبعة الفجالة الجديدة بمصر.
(5)
كتاب شرح النيل ج 1 ص 51، 52.
(6)
فى معجم البلدان لياقوت سحول قرية من قرى اليمن يحمل منها ثياب قطن بيض تدعى السحولية ج 3 ص 195 طبعة بيروت.
وتكفن المرأة فى خمسة أثواب: درع وازار وخمار ولفافة وخرقة تربط فوق ثدييها، وهذا بيان كفن السنة
(1)
.
وفى حاشية ابن عابدين أنه لا بأس بالزيادة على الثلاثة الى خمسة، لما روى أن ابن عمر كفن ابنه واقدا فى خمسة أثواب والزيادة على ذلك فى كل من الرجل والمرأة اسراف
(2)
.
مذهب المالكية:
غاية الرجل فى الكفن خمسة أثواب وفى المرأة سبعة ويجوز أن يخفف فى أكفان الصغار فيمن راهق وأما الصغير الذى لم يراهق فالخرقة تكفيه
(3)
.
وفى حاشية الدسوقى أن الزيادة على سبعة أثواب فى كفن المرأة سرف
(4)
.
مذهب الشافعية:
فى المجموع للنووى أنه تكره المغالاة فى الكفن لحديث: لا تغالوا فى الكفن فانه يسلب سريعا
(5)
وفيه أيضا أن الكفن اذا كان أكثر من ثلاثة أثواب لم يكره ولم يستحب وان كفن فى زيادة عن خمسة فقال
الأصحاب يكره لأنه سرف ولم يقولوا ان الزيادة حرام مع أنها اضاعة مال غير مأذون فيه ولو قال به قائل لم يبعد
(6)
.
وفى نهاية المحتاج أن الأفضل للرجل فى الكفن ثلاثة أثواب والاقتصار عليها أفضل مما زاد على ذلك. فان زاد فهو خلاف الأولى والزيادة مكروهة لا محرمة والأفضل للمرأة والخنثى خمسة أثواب لزيادة الستر فى حقها وتكره الزيادة عليها
(7)
.
وقال الشافعى فى الأم: وما كفن فيه الميت أجزأه ان شاء الله ويجزئ ما وارى العورة، ولا أحب أن يجاوز بالميت خمسة أثواب فيكون اسرافا
(8)
.
(انظر مصطلح كفن).
مذهب الحنابلة:
فى كتاب المغنى لابن قدامة الحنبلى أنه تكره الزيادة على ثلاثة أثواب فى الكفن لما فيه من اضاعة المال وقد نهى عنه النبى صلى الله عليه وسلم ويحرم ترك شئ مع الميت من ماله، لغير حاجة لما ذكرنا، الا مثل ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ترك تحته
(1)
شرح فتح القدير لابن الهمام ج 1 ص 453 و 455 هـ.
(2)
حاشية ابن عابدين ج 1 ص 603.
(3)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل لابى عبد الله الحطاب ج 2 ص 224، 225 الطبعة الاولى مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.
(4)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير.
(5)
المجموع للنووى ج 5 ص 195.
(6)
المجموع للنووى ج 5 ص 194.
(7)
نهاية المحتاج ج 2 ص 450 مطبعة البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ 1938 م.
(8)
الام للشافعى ج 1 ص 236.
قطيفة فى قبره، فان ترك نحو ذلك فلا بأس
(1)
.
وفى كشاف القناع: أن الواجب فى الكفن ثوب واحد يستر جميع البدن لأن العورة الغليظة يجزئ فى سترها ثوب واحد فكفن الميت أولى.
وان أوصى الميت أن يكفن فى أثواب ثمينة لا تليق به لم تصح الوصية، لأنها بمكروه
(2)
.
وتكره الزيادة على الأثواب الثلاثة لما فيها من اضاعة المال المنهى عنها
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى كتاب المحلى: أن أفضل الكفن للمسلم ثلاثة أثواب بيض للرجل، يلف فيها لا يكون فيها قميص ولا عمامة ولا سراويل ولا قطن والمرأة كذلك وثوبان زائدان. وان كفن الرجل والمرأة بأقل أو أكثر فلا حرج
(4)
. (أنظر مصطلح كفن).
مذهب الزيدية:
جاء فى كتاب شرح الأزهار أن الميت يكفن بثلاثة أثواب والمستحب حسن الكفن واكماله
لحديث: (اذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) واذا كان للميت ورثة صغار فالأولى أن يكفن بأقل الأكفان ومفهومه أن لا يزاد على واحد.
والمشروع فى عدد الكفن أن يكون من واحد الى سبعة لا يتعداها.
وقيل: لا يزاد للرجل على ثلاثة قميص وازار ولفافة، والمرأة لا يزاد لها على خمسة قميص وازار وخرقة على صدرها وخمار ولفافة
(5)
.
وجاء فى نيل الأوطار أن الهادى قال أن المشروع فى الكفن الى سبعة أثواب واستدل على ذلك بالحديث المروى عن ابن الحنفية عن على وهو أن النبى صلى الله عليه وسلم كفن فى سبعة أثواب، وأورد الكتاب بين يدى ذلك الحديث الذى رواه أبو داود من حديث على مرفوعا:
لا تغالوا فى الكفن فانه يسلب سريعا
(6)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب الروضة البهية يراعى فى جنس ثياب الكفن القصد بحسب حال الميت
(7)
.
(1)
المغنى لابن قدامه ج 2 ص 330.
(2)
كشاف القناع ج 1 ص 389 الطبعة الاولى المطبعة العامرية الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 390.
(4)
المحلى ج 5 ص 117، 118 الطبعة الاولى مطبعة النهضة بمصر سنة 1347 هـ.
(5)
شرح الازهار ج 1 ص 417، 418، 419 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.
(6)
نيل الاوطار للشوكانى ج 4 ص 36، 37، 38.
(7)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 40 مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1378 هـ.
مذهب الإباضية:
فى كتاب شرح النيل: استحب بعضهم تحسين الكفن ما أمكن.
وكره بعض المغالاة فيه.
وقيل انما ينظر فى كفنه الى حاله فى الشرف وما يحتمل ماله.
وقيل: لا يجاوز فيه قيمة دينار ان وجدوه بدونه
(1)
.
الاسراف فى المهر
مذهب الحنفية:
فى بدائع الصنائع أن أدنى المهر عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم
(2)
.
وجاء فى الدر المختار ويجب الأكثر منها ان سمى
(3)
.
مذهب المالكية:
فى حاشية الدسوقى أنه تكره المغالاة فى الصداق (المهر) والمراد بالكثرة هنا ما خرجت عن عادة أمثالها اذ هى تختلف باختلاف الناس، اذ المائة قد تكون كثيرة جدا بالنسبة لامرأة وقليلة جدا بالنسبة لامرأة أخرى
(4)
.
ولا حد لأكثر المهر والنكاح يجوز بالقليل والكثير
(5)
.
وجاء فى بلغة السالك أن أقل المهر ربع دينار وأكثره لا حد له
(6)
. واستدلوا على أن أكثر المهر لا حد له بقول الله تعالى فى سورة النساء: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً}
(7)
. ومن معانى القنطار: المال الكثير
(8)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعى: القصد فى الصداق
(9)
أحب الينا وأحب أن لا يزاد فى المهر على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته، وذلك خمسمائة درهم طلبا للبركة فى موافقة كل أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
(10)
.
وفى نهاية المحتاج يسن فى المهر ترك المغالاة فيه وأن لا يزيد على خمسمائة درهم فضة خالصة. وصح أن عمر ابن الخطاب قال: لا تغالوا بصدق
(11)
النساء (أى بمهورهن) فانها لو كانت
(1)
شرح النيل ج 1 ص 660.
(2)
بدائع الصنائع 2 ص 275.
(3)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين.
ج 2 ص 339.
(4)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 309.
(5)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 302.
(6)
بلغة السالك لاقرب المسالك المكتبة التجارية بمصر ج 1 ص 380.
(7)
سورة النساء الآية 20.
(8)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب ج 3 ص 508.
(9)
القصد الاعتدال والتوسط النهاية لابن الاثير ج 4 ص 68 طبعة الحلبى.
(10)
الأم للامام الشافعى ج 5 ص 52 ومثله فى ص 143 الطبعة السالفة الذكر.
(11)
جمع صداق وهو المهر انظر نهاية المحتاج ج 6 ص 328 الطبعة السالفة الذكر.
مكرمة فى الدنيا أو تقوى عند الله كان أولى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمغالاة هى التشديد على الأزواج بطلب الزيادة على مهور أمثالهن
(1)
.
مذهب الحنابلة:
فى كتاب المغنى: أنه يستحب أن لا يغلى الصداق للحديث القائل: أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة. ولقد سئلت السيدة عائشة عن صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: اثنتا عشرة أوقية ونش، والنش نصف الأوقية والأوقية أربعون درهما (فالجملة خمسمائة درهم) فلا تستحب الزيادة على هذا، لأنه اذا كثر ربما تعذر عليه فيتعرض للضرر فى الدنيا والآخرة
(2)
.
وفى كشاف القناع أنه يسن تخفيف المهر، وذكر الحديث السابق وقال فيه:
ضعف كما استشهد بقول عمر السابق ونقل تصحيحه عن الترمذى
(3)
.
ثم ذكر أنه يسن أن يكون المهر من أربعمائة الى خمسمائة درهم لا يزيد على ذلك واستدل بصداق نساء النبى صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر أنه ان زاد المهر على ذلك فلا بأس به لأن النجاشى زوج النبى أم حبيبة وأمهرها أربعة آلاف. وجهزها من عنده وبعث بها من الحبشة مع شرحبيل بن حسنة فلم يبعث اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ ولو كره ذلك لأنكره
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى: ان الله تعالى لم يحد فى الصداق حدا الا ما تراضيا به
(5)
.
ونقل عن أبى سعيد الخدرى أنه قال: ليس على أحد جناح أن يتزوج بقليل ماله أو كثيره اذا استشهدوا وتراضوا
(6)
.
مذهب الزيدية:
فى البحر الزخار: لا حد لأكثر المهر:
واستدل بآية «وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً» والتخفيف فى المهر أولى لحديث أعظم النساء بركة أخفهن مئونة. واستدلوا بعدة أحاديث، منها ما رواه أحمد وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعاما كانت
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 6 ص 329 الطبعة السالفة الذكر ..
(2)
المغنى لابن قدامة ج 8 ص 6.
(3)
كشاف القناع ج 3 ص 75.
(4)
كشاف القناع ج 3 ص 76.
(5)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 496 الطبعة السالفة الذكر.
(6)
المحلى ج 9 ص 500.
حلالا، والأفضل هو الزواج مع قلة المهر وأن الزواج بمهر قليل مندوب اليه
(1)
.
مذهب الإمامية:
فى الروضة البهية: لا تقدير لقلة المهر، ما لم تقصر عن التقويم كحبة حنطة ولا كثرة على المشهور لقوله تعالى:«وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً» وهو المال العظيم.
وعن الرضا عليه السلام لو أن رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا ولأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا والذى جعله لأبيها فاسدا.
ويكره أن يتجاوز مهر السنة وهو ما أصدقه النبى صلى الله عليه وسلم لأزواجه وهو خمسمائة درهم قيمتها خمسون دينارا.
ومنع المرتضى الزيادة عليها وحكم برد ما زاد عنها اليه محتجا بالاجماع وبه خبر ضعيف لا يصلح حجة، والاجماع ممنوع، وترد عليه جميع التفسيرات الواردة فى كلمة (القنطار) والخبر الصحيح حجة بينة نعم يستحب الاقتصار عليه للخبر الذى اعتمده السيد المرتضى
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب شرح النيل: يكره السرف فى المهر اذ روت السيدة عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم خير نساء أمتى أصبحهن وجها وأقلهن مهرا.
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم اليسر فى الصداق دليل يمنه أى يمن النكاح المدلول عليه بذكر الصداق أو يمن الصداق بمعنى أنه صداق مبارك تستقيم به المرأة باذن الله وينتفع بها.
وروى اليسر فى النكاح دليل يمنه أى السهولة فيه بقلة الصداق.
وروى أنه صلى الله عليه وسلم ما تزوج امرأة ولا زوج بنتا بأكثر من اثنتى عشرة أوقية ونصف
(3)
.
الاسراف فى النفقة كالمأكل
والمشرب والملبس والزينة
مذهب الحنفية:
فى حاشية ابن عابدين: اتخاذ الأطعمة سرف، الا اذا قصد قوة الطاعة أو دعوة الأضياف قوما بعد قوم. وكذا وضع الخبز فوق الحاجة اسراف
(4)
.
(1)
نيل الاوطار ج 6 ص 166، 168، 169.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 115.
(3)
شرح النيل ج 3 ص 89.
(4)
حاشية ابن عابدين ج 5 ص 223 الطبعة الثالثة.
مذهب المالكية:
فى بلغة السالك: يطلب تخفيف المعدة بتقليل الطعام والشراب على قدر لا يترتب عليه ضرر ولا كسل عن عبادة فقد يكون الشبع سببا فى عبادة واجبة فيجب (أى الشبع) وقد يترتب عليه ترك واجب فيحرم أو ترك مستحب فيكره وان لم يترتب عليه شئ فمباح
(1)
.
مذهب الشافعية:
فى المجموع للنووى تحرم اطالة الثوب والأزار والسراويل على الكعبين للخيلاء، ويكره لغير الخيلاء نص عليه الشافعى فى البويطى، وصرح به الأصحاب للاحاديث الصحيحة المشهورة مثل:
«من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة» والاسبال فى العمامة وهو ارسال طرفها ارسالا فاحشا - كاسبال الثوب، ويستحب تقصير الكم
(2)
.
وفى نهاية المحتاج نفقة القريب هى الكفاية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لامرأة أبى سفيان: خذى من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف.
ونفقة القريب حدها أن تدفع عنه ألم الجوع لاتمام الشبع - كما قال الغزالى - أى المبالغة فيه،
وأما اشباعه فواجب
(3)
. فتكون المبالغة فى ذلك سرفا.
مذهب الحنابلة:
فى كشاف القناع: السنة أن البطن يكون أثلاثا ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس لقول النبى صلى الله عليه وسلم: بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فان كان ولا بد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه ويجوز أكله أكثر من ثلثه بحيث لا يؤذيه وان أكل كثيرا مع خوف أذى أو تخمة يحرم وقيل:
يكره.
وفى المنتهى وكره أكله كثيرا بحيث يؤذيه لحديث ابن جعفر «من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت» رواه ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا، ومن أذهب طيباته فى حياته الدنيا واستمتع بها نقصت درجاته فى الآخرة للاحاديث الصحيحة وقال الامام أحمد: يؤجر فى ترك الشهوات ومراده ما لم يخالف الشرع
(4)
ويكره القران فى التمر ونحوه مما جرت العادة بتناوله أفرادا لما فيه من الشره
(5)
.
(1)
بلغة السالك ج 2 ص 488.
(2)
المجموع شرح المهذب ج 4 ص 455، 457
(3)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 7 ص 210.
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 3 ص 106 لمنصور بن يونس البهوتى الحنبلى.
(5)
كشاف القناع ج 3 ص 104.
مذهب الظاهرية:
فى كتاب المحلى: السرف حرام وهو النفقة فيما حرم الله تعالى قلت أو كثرت، ولو أنها جزء من قدر جناح بعوضة وكذلك التبذير فيما لا يحتاج اليه ضرورة مما لا يبقى للمنفق بعده غنى وكذلك اضاعة المال - وان قل برميه عبثا وما عدا هذه الوجوه فليس سرفا وهو حلال وان كثرت النفقة فيه
(1)
.
مذهب الإمامية:
فى مذهب الإمامية أنه يكره التملى من المأكل قال الصادق ان البطن ليطغى من أكلة، وأقرب ما يكون العبد من الله تعالى اذا خف بطنه وأبغض ما يكون العبد الى الله اذا امتلأ بطنه وربما كان الافراط فى التملى
(2)
حراما اذا أدى الى الضرر فان الأكل على الشبع يورث البرص، وامتلاء المعدة رأس الداء والأكل على الشبع واليسار اختيارا مكروهان، والجمع بين كراهة الامتلاء والشبع تأكيد للنهى عن كل منهما بخصوصه فى الاخبار، أو يكون الامتلاء أقوى
(3)
.
وفى شرائع الاسلام ويكره التملى من الأكل وربما كان الافراط حراما، لما
يتضمن من الاضرار ويكره الاكل على الشبع
(4)
.
مذهب الإباضية:
الزيادة على قدر الحاجة فى الأكل أمر ممنوع فى الشرع والعقل، لأن تناول ما زاد على الكفاية نهم وشره مضر كما كان قدر الكفاية مندوبا اليه فى العقل والشرع ولأنه قيل: الرغب لؤم والنهم شؤم
(5)
.
الاسراف فى القصاص
مذهب الحنفية:
مبنى القصاص على المساواة والاسراف خارج على المساواة
(6)
.
مذهب المالكية:
اذا سلم الحاكم القاتل لولى الدم ليقتله نهى الحاكم والولى عن التمثيل بالقاتل والتشديد عليه فى قتله وفى المجموعة لا يمكن الولى من قتله بيده خوف أن يتعدى
(7)
ويدعى للقصاص أرفق من يقدر عليه من أهل البصر فيقتص بأرفق ما يقدر عليه.
(1)
المحلى لابن حزم ج 7 ص 428.
(2)
التملى: الاستمتاع (القاموس) والمقصود الاستكثار من الاكل فوق الشبع.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للعاملى ج 2 ص 293، ص 294.
(4)
شرائع الإسلام ج 2 ص 149.
(5)
قناطر الخيرات تأليف الشيخ اسماعيل ابن موسى الجيطالى النفوسى ج 3 ص 250 المطبعة البارونية بمصر سنة 1307 هـ.
(6)
شرح العناية على الهداية بهامش تكملة فتح القدير ج 8 ص 260.
(7)
شرح منح الجليل ج 5 ص 383.
مذهب الشافعية:
يلزم ولى الأمر تفقد آلة الاستيفاء فى القصاص، والأمر بضبطه فى قود غير النفس حذرا من الزيادة واضطرابه
(1)
.
وجاء فى القصاص فى السن أنه متى أمكن استيفاء المثل بلا زيادة ولا صدع فى الباقى فعل
(2)
.
وجاء فى القصاص فى الموضحة أنه لو زاد المقتص عمدا فى موضحة على حقه لزمه قصاص الزيادة لتعمده
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يشترط لوجوب القصاص فى الجراح ثلاثة أشياء منها امكان الاستيفاء بغير حيف ولا زيادة لأن الله تعالى يقول: «وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ» ويقول: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» ولأن دم الجانى معصوم الا فى قدر جنايته فما زاد عليها يبقى على العصمة فيحرم استيفاؤه بعد الجناية كتحريمه قبلها ومن ضرورة المنع من الزيادة المنع من القصاص لأنها من لوازمه، فلا يمكن المنع منها الا بالمنع منه وهذا لا خلاف فيه نعلمه
(4)
.
وفى كشاف القناع: أن من شروط استيفاء القصاص أن يؤمن فى الاستيفاء التعدى الى غير الجانى لقوله تعالى «فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ» واذا اقتضى الى التعدى ففيه اسراف.
ولا يستوفى القصاص - ولو فى النفس الا بحضرة السلطان أو نائبه وجوبا.
لأنه يفتقر الى اجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفى، ولا تجوز الزيادة أيضا على ما أتى به الجانى ولا قطع شئ من أطرافه
(5)
.
وفى الشرح الكبير ولا تقتل الحامل حتى تضع الولد وتسقيه اللبن فقتل الحامل قتل لغير الحامل، فيكون اسرافا، والحديث يقول: اذا قتلت المرأة عمدا لم تقتل حتى تضع ما فى بطنها ان كانت حاملا وحتى تكفل ولدها
(6)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى كتاب المحلى
(7)
: انه اذا اختار ولى القصاص القود فليقتل القاتل ولا يحل له أن يسرف فيقتل غيره لقول الله عز وجل: «فَقَدْ جَعَلْنا}
(1)
نهاية المحتاج ج 7 ص 286.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 278.
(3)
مغنى المحتاج ج 4 ص 29 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.
(4)
المغنى لابن قدامة ومعه الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة المقدسى ج 9 ص 410 الطبعة السابقة الذكر.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح المنتهى لابن يونس البهوتى الحنبلى ج 3 ص 362، 364 الطبعة السالفة الذكر.
(6)
الشرح الكبير لابن قدامه المقدسى على هامش المغنى ج 9 ص 395.
(7)
المحلى لابن حزم ج 10 ص 366.
{لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}
(1)
».
مذهب الزيدية:
ليس لولى المقتول أن يفعل بالجانى مثل ما فعل من طعن أو رضخ
(2)
أو خنق أو نحو ذلك لأن المستحق له هو ازهاق الروح، لكن بلا تعذيب لأن التعذيب منهى عنه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تعذبوا خلق الله
(3)
».
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه يمنع من استيفاء القصاص بالآلة الكالة تجنبا للتعذيب ولو فعل أساء ولا شئ عليه ولا يجوز التمثيل به بل يقتصر على ضرب عنقه ولا يضمن المقتص سراية القصاص ولكن لو تعدى ضمن فان قال تعمدت اقتص منه فى الزائد، وان قال: أخطأت أخذت منه دية العدوان
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب النيل أن القصاص هو المتابعة بالمثل
(5)
. والمماثلة لا تحتمل اسرافا.
الاسراف فى تناول المحرم من
ميتة وغيرها عند الاضطرار
مذهب الحنفية:
يفرض على الانسان أن يأكل ولو من حرام أو ميتة بقدر ما يندفع به الهلاك عن نفسه اذ لا بقاء للبنية بدونه
(6)
.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح منح الجليل: المعتمد فى المذهب أن أكل المضطر من الميتة وشبهها مباح حتى الشبع والتزود الى أن يجد غيرها ونص الموطأ قال مالك رضى الله تعالى عنه: من أحسن ما سمعت فى الرجل يضطر الى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها فان وجد عنها غنى طرحها
(7)
.
مذهب الشافعية:
فى المجموع: ومن اضطر الى أكل الميتة أو لحم الخنزير، فله أن يأكل منه ما يسد الرمق لقوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
(8)
وهل يجوز أن يشبع منه فيه قولان:
(1)
الآية رقم 33 من سورة الاسراء.
(2)
الرضخ الشدخ والدق والكسر ومنه حديث الجارية المقتولة على الاوضاح: «فرضخ رأس اليهودى قاتلها بين حجرين» والمرضخة حجر يرضخ به النوى (النهاية لابن الاثير ج 2 ص 229 طبعة الحلبى).
(3)
شرح الازهار ج 4 ص 402.
(4)
شرائع الاسلام ج 2 ص 281.
(5)
النيل ج 8 ص 90.
(6)
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر ج 2 ص 524.
(7)
شرح منح الجليل على مختصر خليل ج 1 ص 596.
(8)
سورة البقرة الاية رقم 173.
أحدهما لا يجوز وهو اختيار المزنى، لأنه بعد سد الرمق غير مضطر فلا يجوز له أكل الميتة كما لو أراد أن يبتدئ بالأكل وهو غير مضطر.
والثانى: يحل لأن كل طعام جاز أن يأكل منه قدر سد الرمق جاز له أن يشبع منه كالطعام الحلال
(1)
.
وفى نهاية المحتاج: من لم يجد طعاما حلالا ووجد طعاما محرما وهو مضطر الى الأكل لدفع الجوع، فان توقع طعاما حلالا يجده قريبا ولم يخش محذورا قبل وصوله لم يجز غير سد الرمق (أى بقية الروح) وان لم يتوقع فان له أن يشبع فى قول حيث يكسر سورة الجوع
(2)
، بحيث لا يسمى جائعا لا أن لا يجد للطعام مساغا، أما ما زاد على ذلك فحرام قطعا.
ولو شبع فى حالة امتناعه، ثم قدر على الحلال لزمه - ككل من تناول محرما - التقيؤ ان أطاقه، بأن لم يحصل له منه مشقة لا تحتمل عادة.
والأظهر سد الرمق فقط لانتفاء الاضطرار بعده نعم أن توقف قطعه لبادية مهلكة على الشبع وجب
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يحرم الأكل من الميتة حال الاختيار لقوله تعالى: {إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ}
(4)
ومن اضطر الى الميتة فلا يأكل منها الا ما يأمن معه الموت، فيباح له أكل ما يسد الرمق، ويحرم ما زاد على الشبع.
وليس للمضطر فى سفر المعصية الأكل من الميتة
(5)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: لا يحل شئ من أكل الخنزير أو الصيد الحرام أو الميتة أو الدم أو لحم السبع الطائر أو ذى الأربع أو الحشرة أو الخمر أو غير ذلك مما حرم الله عز وجل من الماكل والمشارب الا عند الضرورة - حاشا لحوم بنى آدم وما يقتل من تناوله فلا يحل من ذلك شئ أصلا - لا بضرورة ولا بغيرها فمن اضطر الى شئ مما ذكر قبل ولم يجد مال مسلم أو ذمى فله أن يأكل حتى يشبع، ويتزود حتى يجد حلالا فاذا وجده عاد الحلال من ذلك حراما كما كان عند ارتفاع الضرورة.
وحد الضرورة أن يبقى يوما وليلة لا يجد فيها ما يأكل أو يشرب، فان خشى الضعف المؤذى الذى ان تمادى أدى
(1)
المجموع للنووى ج 9 ص 39، ص 4.
(2)
السورة الثورة والحدة وفى حديث عائشة رضى الله عنها انها ذكرت زينب رضى الله عنها فقالت: كل خلالها محمود ما خلا سورة من غرب أى ثورة من حدة (النهاية فى غريب الحديث والاثر لابن الاثير ج 2 ص 420 طبعة الحلبى.
(3)
نهاية المحتاج ج 8 ص 151.
(4)
سورة البقرة الاية رقم 173.
(5)
المغنى لابن قدامه ج 11 ص 73، ص 75.
الى الموت أو قطع به عن طريقه وشغله حل له الأكل والشرب فيما يدفع به عن نفسه الموت بالجوع أو العطش لقوله تعالى: «إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» }.
(1)
مذهب الزيدية:
فى البحر الزخار: لا يحل للمضطر مما يحرم بنفسه أكثر من سد الرمق لزوال الضرر بسده لقول الله تعالى: غير باغ
(2)
، أى غير متلذذ ولا مجاوز لدفع الضرورة
(3)
.
مذهب الإمامية:
يجوز عند الاضطرار تناول المحرم من الميتة والخمر وغيرهما عند خوف التلف بدون التناول أو حدوث المرض أو زيادته أو الضعف المؤدى الى التخلف عن الرفقة مع ظهور أمارات العطب على تقدير التخلف وهذا فى غير الخمر موضع وفاق.
وأما الخمر فقيل بالمنع مطلقا سواء قام مقام الخمر غيره من المحرمات أم لا.
وقيل بالجواز مع عدم قيام غيرها مقامها.
وانما يجوز من تناول المحرم ما يحفظ الرمق - وهو بقية الروح - والمراد وجوب الاقتصار على حفظ نفسه من التلف.
ولا يجوز التجاوز الى الشبع مع الغنى عنه
(4)
.
اسقاط
التعريف به فى اللغة:
فى مختار الصحاح وتاج العروس:
سقط الشئ من يده وقع على الأرض.
وأسقطه أوقعه وأسقطت الناقة وغيرها ألقت ولدها. وأسقط الفارس اسمه من الديوان رفعه وأزاله
(5)
.
تعريفه فى الاصطلاح:
وفى اصطلاح الفقهاء: ازالة الملك أو الحق لا الى مالك أو مستحق، كالطلاق ازالة ملك النكاح، والعتق ازالة ملك الرقبة، والعفو عن القصاص ازالة حق القصاص، وفى الكل يزول الملك والحق لا الى مالك ولا الى مستحق بل ينته
(1)
المحلى لابن حزم 7 ص 436 الطبعة السالفة الذكر والاية فى سورة الانعام رقم 119.
(2)
الاية رقم 145 من سورة الانعام.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 322.
(4)
الروضة البهية ج 2 ص 290 وص 291 وكتاب الخلاف للطوسى ج 2 ص 545 وشرائع الاسلام ج 2 ص 148، ص 149 الطبعة السالفة الذكر.
(5)
مختار الصحاح وتاج العروس مادة سقط.
ويتلاشى، فهو مأخوذ من الاسقاط بمعنى الرفع والازالة من أسقط الفارس اسمه من الديوان رفعه وأزاله.
الفرق بين الاسقاط والتمليك
والترك والنفى
(1)
لا بد لتحقق معنى الاسقاط من قيام الملك والحق الذى يرد عليه بالفعل قبل وروده. ولا يكفى قيام السبب كالزوجية بالنسبة للنفقة لا تبرر اسقاط نفقة مستقبلة لم تتقرر ولم يثبت الحق فيها بالفعل، وهذا محل اتفاق بين العلماء ضرورة أن الاسقاط يتعلق بمسقط.
ومن ثم قالوا: ان الحقوق التى لم تجب بالفعل والملك الذى لم يتقرر بعد لا تقبل الاسقاط كما سيأتى.
ويسمى ترك الحقوق التى لم تجب بعد امتناعا لا اسقاطا، وهو غير لازم اذ هو مجرد وعد ومن ثم يجوز الرجوع عنه والعود الى المطالبة بالحق المتروك كترك الزوجة حقها فى القسم فى المستقبل للزوجة الأخرى يجوز لها أن ترجع فيه وتعود الى المطالبة بالحق الذى تركته، واذا هى رجعت وطالبت بعود حقها فى المستقبل فقط جاز لها ذلك على ما سيأتى تفصيله وبيان مذاهب الفقهاء فيه.
وازالة الملك الى مالك ليس اسقاطا، وانما هو تمليك كما فى البيع والهبة والاجارة والوصية وسائر التصرفات الناقلة للملكية فانها وان اقتضت ازالة ملك المتصرف عما تصرف فيه الا أنها تقتضى مع ذلك ادخاله فى ملك شخص آخر.
وحين يفرق بين الاسقاط والتمليك ينظر الى الاسقاط المحض كالطلاق المجرد، والعتق المجرد، والعفو المجرد، والتمليك المحض كالأرث.
وقد يجتمع الاسقاط والتمليك كما فى الابراء من الدين وهبة الدين ممن عليه الدين أو التصدق به عليه.
فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والزيدية والإمامية الى أن هذا التصرف يحمل معنيين.
معنى الاسقاط بالنسبة الى الدائن اذ قد تخلى عن الدين الذى كان له وسقط حقه
(1)
قرة عيون الاخبار لتكملة رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار للعلامة السيد محمد علاء الدين الشهير بابن عابدين ج 2 ص 347 طبع المطبعة الاميرية الطبعة الثانية سنة 1126 هـ والاشباه والنظائر فى قواعد وفروع فقه الشافعية للامام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى ص 187 المطبعة الاميرية سنة 1359 هـ وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير للشيخ محمد عرفه الدسوقى ج 4 ص 99 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه وكشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح المنتهى لابن يونس البهوتى ج 2 ص 477 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرية الشرفية سنة 1319 هـ وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ج 4 ص 258 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1358 هـ الطبعة الثانية.
فى المطالبة به ولم يبق معتبرا من عناصر ثرائه.
ومعنى التمليك بالنسبة الى المدين اذ قد دخل الدين فى ملكه وزاد شراؤه بمقدار قيمته فقد كان واجبا عليه الوفاء به واقتطاع قدره من ملكه واعطاؤه للدائن. وبتصرف الدائن استبقى له ذلك.
وهذا هو معنى تملكه الدين الموهوب.
وهذا التصرف فيه تمليك من وجه، واسقاط من وجه باتفاق هؤلاء الفقهاء ولكنهم اختلفوا فى تغليب أى الجانبين.
فذهب بعضهم الى تغليب جانب التمليك ورتب عليه بعض أحكام التمليك.
وذهب آخرون الى تغليب جانب الاسقاط ورتب عليه بعض أحكام الاسقاط.
وسيأتى لذلك مزيد ايضاح عند ذكر المسائل والتطبيق عليها.
أما الحنابلة: فقد اعتبروا هذا التصرف اسقاطا ورتبوا عليه أحكام الاسقاط
وقد يصاحب التمليك الاسقاط كما فى الطلاق على مال يسقط حق المطلق فى ملك النكاح ويثبت ملكه فى العوض المالى ..
وقد اتفق الفقهاء على أن مثل هذا التصرف اسقاط ورتبوا عليه أحكام الاسقاط ولم ينظروا فيه الى جانب التمليك.
وقول الشخص: لا ملك لى فى هذه العين. أو لا حق لى على فلان يريد به مجرد الاخبار لا انشاء اسقاط لحق قائم عليه بالفعل - ليس اسقاطا وانما هو نفى وكذلك رد الاقرار فى الأحوال التى يرتد فيها بالرد كما اذا كان فيه تمليك مال ولو من وجه يعتبر تكذيبا للمقر فيما أقر به ونفيا له .. ولا يعتبر اسقاطا لأن الحق لم يثبت بمجرد الاقرار حتى يكون الرد اسقاطا.
ركن الاسقاط
مذهب الحنفية:
ركن الاسقاط عند الحنفية ما يدل عليه ويحقق معناه من قول أو فعل أو سكوت ويلحق بالقول ما يقوم مقامه من كتابة أو اشارة مفهمة.
القول:
من الاسقاطات ما له ألفاظ خاصة، وصيغ معينة لا يتحقق معناه ولا يثبت حكمه ألا بها كالطلاق والعتق كل منهما اسقاط، ولكل منهما ألفاظ وصيغ محددة، منها الصريح، ومنها الكناية الذى يحتاج فى الدلالة على المعنى الى نية أو قرينة على ما هو مفصل ومبسوط فى الأبواب الخاصة بهما فى كتب الفقه فى المذاهب المختلفة (راجع طلاق وعتق).
وقد ذكر الفقهاء ألفاظا وصيغا قالوا: انها تدل على الاسقاط، وتحقق معناه كأسقطت وأبطلت وتركت وحططت وأبرأت فى براءة الاسقاط.
أما براءة الاستيفاء فليست من الاسقاط وهبة الدين ممن عليه الدين والتصدق به عليه اسقاط للدين ولو أنه تمليك من وجه فى رأى الأكثرين كما أشرنا اليه سابقا.
والابراء كما يكون من حق ثابت فى الذمة يكون من حق قائم بنفسه وليس ثابتا فى الذمة كحق الدعوى والكفالة يصح الابراء منهما، ولكنه لا يكون دائما الا من حق قائم ثابت للمبرئ قبل شخص آخر.
أما الاسقاط فانه يتعلق بحق ثابت للمسقط سواء كان قبل شخص آخر كحق الدين والدعوى والكفالة وما ماثلها، أو لم يكن قبل شخص معين، كحق الشفعة، وحق السكنى لمن أوصى له بسكنى دار، فان حق الشفعة مقرر للشفيع قبل من يشترى العقار الذى يطلب الشفعة فيه أيا كان هذا المشترى، وحق السكنى يثبت للموصى له قبل من يملك العين الموصى بسكناها سواء ورثة الموصى أو غيرهم.
فبين الاسقاط والابراء عموم وخصوص من وجه، يجتمعان فى الابراء من الدين براءة اسقاط - وينفرد الاسقاط فى مثل حق الشفعة وحق السكنى الموصى بها معا ليس ثابتا قبل شخص معين.
وينفرد الابراء فى الابراء من الدين براءة استيفاء، كالزوجة تبرئ زوجها من مؤخر صداقها ونفقة عدتها نظير الطلاق (انظر ابراء).
وذكر الفقهاء أن قول الشخص: لا حق لى يقصد به انشاء الاسقاط يقتضى اسقاط كل حق هو مال كالدين أو ليس بمال كالكفالة بالنفس والقصاص وما هو دين وجب بدلا عن مال كالثمن والأجر، أو وجب بدلا عما ليس بمال كالمهر وما هو مضمون كالغصب، وما هو أمانة كالعارية والوديعة، لأن قوله لا حق لى نكرة فى سياق النفى فتعم كل حق، وقوله. قبل فلان: تشمل الأمانات والمضمونات.
ولو قال: لا حق لى عند فلان كان اسقاطا للأمانة لا للمضمون، لأن «عند» تستعمل فى الأمانات دون المضمونات.
ولو قال فلان برئ مما لى عليه كان اسقاطا للمضمونات دون الأمانات لأن كلمة عليه تشعر بالضمان ..
ولو قال الدائن: برئت من دينى على فلان كان اسقاطا للدين عن المدين كما لو أضاف البراءة الى نفس المدين فقال:
هو برئ من دينى عليه.
ولو قال المغصوب منه العين للغاصب.
حللتك من كل حق هو لى قبلك كان هذا اسقاطا لما هو واجب فى الذمة ولا يتعلق بالعين المغصوبة ومن ثم لا يؤثر فى وجوب الضمان على الغاصب
(1)
.
الاشارة المفهمة:
وتقوم مقام العبارة فى الدلالة على الاسقاط من فاقد النطق لخرس أو اعتقال لسان اذا استمر على ذلك أما الناطق فلا تعتبر اشارته مطلقا.
وفى الدر المختار وتكملة ابن عابدين أن الايماء بالرأس من الناطق ليس باقرار بمال وعتق وطلاق، أما الأخرس فان اشارته المعهودة قائمة مقام عبارته فى كل شئ من بيع وطلاق وعتاق وابراء واقرار وقصاص الا فى الحدود.
ولو كان قادرا على الكتابة على المعتمد ..
وأما معتقل اللسان فالفتوى على أنه اذا دامت العقلة الى الموت يجوز اقراره بالاشارة.
وكذلك الكتابة المعنونة المرسومة تقوم مقام العبارة.
فى الدر المختار. الاقرار كما يكون باللسان يكون بالبنان.
وفى حاشية ابن عابدين عليه - رجل أملى على انسان ليكتب حقا على نفسه
بحضرة قوم ثم قال: اشهدوا على بهذا لفلان كان اقرارا.
وفيها: ادعى المدين أن الدائن كتب على قرطاس أن الدين الذى لى على فلان ابن فلان قد أبرأته منه صح وسقط الدين ان ثبت ذلك لأن الكتابة المرسومة المعنونة كالنطق به. وان لم يكن كذلك لا يصح، ولا فرق بين أن تكون الكتابة بطلب أو بدون طلب
(2)
.
الفعل:
وقد يحصل الاسقاط نتيجة فعل يصدر من المسقط يقتضيه كما اذا اشترى عبدا ذا رحم محرم منه فانه يعتق عليه ويسقط ملكه فى رقبته بهذا الشراء.
أو نتيجة تصرف يقع من المسقط يتضمنه كمن أوصى له بسكنى دار وباع ورثة الموصى هذه الدار وأجاز الموصى له هذا البيع ورضى به، فان هذا الرضى يتضمن اسقاط حقه فى السكنى
(3)
.
ولو أوصى رجل لرجل بسكنى داره فمات الموصى وباع الوارث الدار ورضى به
(1)
تنقيح الفتاوى الحامدية ج 2 ص 48 وما بعدها.
(2)
الدر المختار شرح تنوير الابصار وحاشية ابن عابدين عليه ج 4 من باب الاقرار الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1325 هـ والتكملة ج 2 لابن عابدين من الباب المذكور الطبعة السابقة.
(3)
الاشباه والنظائر لابن نجيم ص 174.
الموصى له جاز البيع وسقط حق السكنى.
أو نتيجة فعل يصدر من المسقط يدل على الاسقاط كمن يشترى بشرط الخيار ثم يتصرف فى المبيع أو يعمل فيه عملا لا يجوز ولا يحل الا فى الملك كتقبيله الجارية المشتراة بشرط الخيار أو اعتاقها أو هدمه الدار المشتراة بالشرط أو رمها أو نحو ذلك فان ذلك كله يعتبر اسقاطا للخيار.
السكوت:
وقد يحصل الاسقاط بالسكوت كالبكر الصغيرة اذا زوجها الولى غير الأب والجد من كفء وبمهر المثل جبرا عنها حيث يكون لها الخيار عند البلوغ تختار نفسها وتطلب من القاضى فسخ عقد الزواج أو تختار زوجها ويبقى العقد.
فقد قالوا انها اذا بلغت وسكتت سقط حقها فى الخيار بخلاف الثيب والغلام فان سكوتهما لا يعتبر رضا ولا يسقط حقهما فى الخيار ولا بد من صريح الرضا اذ السكوت لا يعتبر رضا، ولا يسقط به الحق دائما بل فى بعض المواضع ومنها ما ذكرنا.
وكذلك فى الشفعة اذا علم الشفيع بالبيع وسكت سقط حقه فى الشفعة.
وكذلك لو رأت الزوجة زوجها يبيع عينا من الأعيان وسكتت أو رأى القريب قريبه يبيع العين وسكت فان سكوت الزوجة والقريب وعدم اعتراضهما على التصرف يسقط حقهما فى ادعاء ملكية هذه العين ولا تسمع منهما الدعوى بملكيتها بعد ذلك.
أما الاجنبى ولو جارا فلا يعتبر سكوته رضا يسقط حقه فى دعوى الملك الا اذا سكت عند البيع والتسليم وتصرف المشترى فى العين
(1)
.
وقد يجئ الاسقاط ضمن عقد الصلح وان لم ينص فيه صراحة على الاسقاط والابراء.
ففى الهداية من باب الصلح فى الدين «وكل شئ وقع عليه الصلح وهو مستحق بعقد المداينة لم يحمل على المعاوضة. وأنما يحمل على أنه استوفى بعض حقه وأسقط باقيه كمن له على آخر ألف درهم فصالحه على خمسمائة وكمن له على آخر ألف جياد فصالحه على خمسمائة زيوف جاز، وكأنه أبرأه عن بعض حقه وهذا لأن تصرف العاقل يتحرى تصحيحه ما أمكن ولا وجه لتصحيحه معاوضة لافضائه الى الربا فجعل اسقاطا للبعض فى المسألة الأولى وللبعض والصفة فى الثانية.
(1)
تكملة ابن عابدين ج 1 من باب التحالف وج 2 من باب الاقرار الطبعة السابقة.
وان كان له عليه ألف بيض فصالحه على خمسمائة سود جاز ويكون اسقاطا لبعض حقه فى قدر الدين ووصفه.
ولو كان له عليه ألف درهم ومائة دينار فصالحه على مائة درهم حالة أو الى شهر صح الصلح ويكون اسقاطا للدنانير كلها والدراهم الا مائة وتأجيلا للباقى فلا يجعل معاوضة تصحيحا للعقد أو لأن معنى الاسقاط فيه الزم.
وفى الخانية: والصلح ينبئ عن الاسقاط ولو صالح من الجياد على النبهرجة جاز ولا يكون صرفا بل يكون اسقاطا لصفة الجودة.
ومن عليه الدين المؤجل اذا صالح صاحب دينه على ان يجعله حالا ان لم يكن ذلك بعوض جاز، لأن الأجل حقه فيملك اسقاطه.
والصلح كما هو مقرر عند الحنفية على ثلاثة أضرب.
صلح مع اقرار المدعى عليه بالحق المدعى به.
وصلح مع سكوت وهو أن لا يقر المدعى عليه بالحق ولا ينكره.
وصلح مع انكار المدعى عليه لهذا الحق.
وكل ذلك جائز.
والاسقاط المعتبر فى ضمن الصلح ليس معناه سقوط نفس الحق بالنسبة للصلح مع الانكار وانما معناه سقوط حق المطالبة والادعاء به. أما نفس الحق فيبقى ثابتا على من هو عليه. ويجب عليه أن يؤديه لصاحبه رغم الصلح فيما بينه وبين الله تعالى. وهذا ما يعبر عنه بالسقوط قضاء لا ديانة، وهذا ما لم ينص فى الصلح على الابراء من الباقى، فان نص فيه على الابراء من الباقى.
سقط الحق قضاء وديانة.
واذا بطل عقد الصلح بطل ما تضمنه من اسقاط وابراء ولو كان منصوصا عليه صراحة.
وكذلك اذا جاء الاسقاط ضمن عقد آخر كالبيع اذا تضمن ابراء البائع من كل دعوى تتعلق بالمبيع أو ابراء المشترى من كل دعوى تتعلق بالثمن ثم بطل البيع لأى سبب كاستحقاق المبيع فأنه يبطل الاسقاط والابراء الذى تضمنه ولا يكون له أثر فى استحقاق المشترى الثمن ومطالبة البائع برده اليه.
وبطلان الاسقاط ببطلان العقد الذى تضمنه مقيد بما اذا كان الاسقاط خاصا بموضوع النزاع الذى جرى الصلح فيه.
أما اذا كان اسقاطا عاما من كل حق أو من كل دعوى فلا يبطل ببطلان العقد الذى تضمنه.
فقد جاء فى ابن عابدين من باب الصلح. أنه لو أقر اقرارا عاما أو ابرأ ابراء عاما من كل حق ودعوى يصح ذلك ويعمل به مستقلا عن الصلح وان لم يذكر فى التعبير قوله - غير داخل تحت الصلح - حتى لو ظهر فساد الصلح لا يفسد الاقرار ولا الابراء لكونه غير خاص بتلك الدعوى التى وقع عليها الصلح. بخلاف ما اذا لم يكن عاما بأن ادعى أحدهما على الآخر عينا مثلا ثم تصالحا على شئ وأقر أحدهما بأن العين لصاحبه أو أبرأ كل منهما الآخر عن دعواه ثم ظهر فساد الصلح فسد كل من الاقرار والابراء لابتنائه على الصلح. فله العود الى دعواه الأولى التى جرى عليها الصلح
(1)
.
وقد اختلفت عبارات كتب الحنفية فى حصول الاسقاط بعبارة الاقرار كالمستحق فى وقف اذا أقر بأنه لا حق له فى ربع هذا الوقف وأن المستحق للريع هو فلان دونه هل يعتبر هذا القول منه اسقاطا لحقه فى الريع ولو كان كتاب الوقف على خلاف ما أقر به، ويسقط الحق بناء على ذلك أو يعتبر أنه محض اقرار يتضمن أنه مبطل فى
دعواه فيؤاخذ به وحده دون من يستحق بعده أو معه من الذرية .. ؟
خلاف، غير أنه اذا دلت قرائن الأحوال على أن المقصود بعبارة الاقرار هو انشاء اسقاط لحق ثابت يكون اسقاطا بالاتفاق، كالواقف يحتفظ لنفسه فى شروط وقفه بالشروط العشرة المعروفة، ثم يعمل اشهادا بالتغيير فى مصارف الوقف المذكور بمقتضى ماله من الحق فى ذلك، ثم يقول فى هذا الاشهاد أنه لا حق له فى تلك الشروط العشرة ولا فى شئ منها بعد ذلك - فان السياق وقرائن الأحوال تدل على أن المقصود بهذه العبارة انشاء اسقاط حقه فى استعمال الشروط العشرة المقرر له بمقتضى اشهاد الوقف الأصلى - بعد هذا التغيير - ولا خلاف لأحد فى ذلك.
هذا هو مذهب الحنفية فى ركن الاسقاط وما يحقق معناه.
وذهب غيرهم الى أن للاسقاط أركانا متعددة هى المسقط صاحب الحق، والعبارة التى يحصل بها الاسقاط، وهى الايجاب الذى يدل عليه.
أما القبول فمختلف فى أنه لا بد منه لتمام الاسقاط أو أنه يتم بدونه على ما يأتى بيانه، والحق الذى يرد عليه الاسقاط ويتعلق به، والمسقط عنه الذى تقرر الحق قبله.
(1)
انظر رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار من باب الصلح الطبعة السابقة والقنية من آخر باب ما يبطل الدعوى وشرح الجوهرة على القدورى من كتاب الاقرار والاشباه والنظائر من كتاب القضاء والشهادة والدعوى.
والعبارة الموجبة للاسقاط قد تكون محددة بصيغ وألفاظ معينة كما فى الطلاق والعتق على ما أشير اليه فى الكلام على مذهب الحنفية، وقد تكون غير محددة الا بما تؤديه وتحققه من معنى الاسقاط.
ومن ألفاظه عندهم أسقطت وأحللت وأبرأت وتركت ونحو ذلك مما يدل على ازالة الحق والملك.
ويرى ابن حزم صحة الاسقاط بكل ما يدل على ازالة الحق وتلاشيه، وعدم صحته بما يدل على التمليك.
غير أنه أجاز اسقاط الدين بلفظ التصدق وان كان يدل على التمليك لورود النص بذلك. فقد قال الله تعالى «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا .. »
(1)
وتصدقهم بالدية انما يكون بالابراء منها والتنازل عنها.
وروى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه أنه قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار أبتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تصدقوا عليه» وهو خطاب لغرمائه، وتصدق الغرماء على المدين يكون بابرائه من ديونهم وتنازلهم عنها.
شروط الاسقاط
للاسقاط شروط كثيرة منها ما يرجع الى المسقط صاحب الحق، ومنها ما يرجع الى صيغة الاسقاط، ومنها ما يرجع الى المسقط عنه الذى عليه الحق، ومنها ما يرجع الى الحق الذى يرد عليه الاسقاط ويتعلق به.
فأما ما يرجع الى المسقط صاحب الحق: فهو أن يكون أهلا للتصرف والتبرع، بأن يكون بالغا عاقلا غير محجور عليه لسفه أو غفلة. أو دين، وأن يكون مختارا وذا ولاية فى التصرف، لأن الاسقاطات منها تصرفات وأفعال تستلزم الأهلية للتصرف والولاية فيه كالطلاق والعتق والعفو عن القصاص وترك حق الشفعة واسقاط النفقة والمهر وحق الحضانة.
ومنها تبرعات تستلزم أهلية التبرع كالابراء من الدين والتصدق به على المدين. ولا يتم ذلك كله الا اذا توفر الاختيار وتوفرت الولاية والصفة.
جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار
(2)
أن اسقاط الزوجة المهر عن زوجها كله أو بعضه صحيح اذا كانت
(1)
الاية رقم 92 من سورة النساء.
(2)
رد المحتار على الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ج 2 ص 346 وما بعدها طبع دار سعادات.
بالغة عاقلة رشيدة غير مريضة مرض الموت. والا فلا يصح من الصغيرة والمجنونة وغير الرشيدة لعدم صحة الاسقاط من هؤلاء. وينفذ من الثلث فقط اذا كانت مريضة مرض الموت اعتبارا بالوصية على تفصيل فى ذلك.
وفى حاشية ابن عابدين
(1)
: لو أسقطت الصغيرة المهر عن زوجها لا يسقط لعدم صحة الاسقاط منها.
وفى الظهيرية لو قال لزوجته الصغيرة ان غبت عنك أربعة أشهر فأمرك بيدك بعد أن تبرئينى من المهر فوجد الشرط فأبرأته وطلقت نفسها لا يسقط المهر ويقع الطلاق رجعيا.
وانما يصح اسقاط المهر اذا كان دينا أو يثبت فى الذمة وهو ما لا يتعين بالتعيين كالنقدين وسائر المكيلات والموزونات الغير المتعينة.
أما اذا كان مما لا يثبت فى الذمة بأن كان عينا كالدار المعينة والحيوان المعين والمكيلات والموزونات المقصودة بذاتها عند التسمية من غير النقدين فانه لا يقبل الاسقاط ولا الابراء منه.
واذا حصل اسقاط فى مثل ذلك فانه لا يتعلق بنفس العين أو ما ألحق بها
اذ الأعيان لا تقبل الاسقاط ولا يتعلق بذاتها بمعنى أن العين لا تصير بهذا الاسقاط ملكا للمسقط عنه الذى هى فى يده ويبقى على ملك المسقط صاحب الحق ويجب على المسقط عنه أن يسلمه العين كما سيأتى.
وانما يفيد براءة المسقط عنه من الضمان اذا كانت يده عليها يد ضمان أو انقلبت كذلك أو يفيد البراءة من الدعوى بها.
فاذا كان المهر حليا معينا مثلا وأبرأت الزوجة زوجها منه ابراء صحيحا لا يسقط ملك الزوجة عن الحلى بهذا الاسقاط ولا يصير ملكا للزوج ويبقى واجبا عليه أن يسلمه اليها، ولكن يفيد الابراء عدم ثبوت الضمان على الزوج بحيث اذا هلك الحلى فى هذه الحالة قبل التسليم فلا ضمان عليه لحصول الابراء من الزوجة.
وجاء فى الحاشية من الموضع المذكور ولا بد من رضاها بالاسقاط. ففى هبة الخلاصة - خوفها بضرب حتى وهبت مهرها لم يصح لو قادرا على الضرب.
وفى تنقيح الفتاوى الحامدية
(2)
اذا كان رجل عليه دين لأبيه فطلب من أبيه أن يبرئه من الدين فامتنع فهدده بالقتل ان لم يفعل وهو قادر على ذلك
(1)
حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 2 ص 288 الطبعة السابقة.
(2)
تنقيح الفتاوى الحامدية ج 2 ص 158.
وتحقق الأب من ايقاع ما هدد به ان لم يفعل فأبرأه وثبت ذلك يكون الاسقاط غير صحيح وللأب مطالبة الابن بالدين.
وفى موضع آخر
(1)
أن الاسقاط لا يصح مع الاكراه فلو أكره الدائن على اسقاط دينه عن مدينه لم يصح ولا يسقط الدين.
وعدم الحجر للدين شرط نفاذ عند الحنفية، لأن ابراء المحجور عليه بسبب الدين لمدينه صحيح عندهم، ولكن يتوقف نفاذه على اجازة الدائنين، لأن منعه من التصرف والتبرع انما هو لمصلحة الدائنين والمحافظة على حقوقهم، فاذا أجازوا تصرفاته وتبرعاته فقد أسقطوا حقهم، وينفذ التصرف والتبرع هذا مع ملاحظة أن الامام أبا حنيفة رحمه الله تعالى لا يرى الحجر للدين ولا يجيزه.
وانما يراه الصاحبان أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، وأثره عندهما هو المنع من التصرف فى ماله الذى تعلق به حق الدائنين والتبرع بشئ منه محافظة على حقوق هؤلاء الدائنين ولا أثر مطلقا لهذا الحجر على أهلية المدين المحجور عليه.
أما عند من يرى أن الحجر للدين يمس أهلية المحجور عليه ويؤثر فيها
من الفقهاء فان عدم الحجر للدين يعتبر شرط صحة فى الاسقاط لا شرط نفاذ.
ويشترط فى المسقط أن يكون ذا ولاية وصفة فى الاسقاط الذى يصدر منه بأن يكون هو صاحب الحق الذى يرد عليه الاسقاط أو يكون وصيا عليه وفى هذه الحالة يقول الحنفية: اذا كان للصغير دين فصالح الوصى على بعضه وحط البعض فان كان الدين قد وجب بعقد باشره الوصى بنفسه بصفته صح الصلح ويضمن الوصى القدر الذى حطه من الدين للصغير عند أبى حنيفة ومحمد.
ولا يصح عند أبى يوسف لأنه تبرع بالقدر المحطوط وهو لا يملكه.
وان كان الدين قد وجب بعقد لم يباشره الوصى بل باشره غيره لا يصح الصلح عند الكل، لأنه بمنزلة الوكيل بالقبض حينئذ وهو لا يملك الاسقاط
(2)
.
واذا كان لأيتام مبلغ معلوم من الدراهم بذمة عمهم، ولهم أم وصى عليهم من قبل القاضى، فأسقطت عن عمهم المبلغ المذكور الذى بذمته، والحال أن المبلغ المذكور لم يجب بعقد الأم لا يصح هذا
(1)
المرجع السابق ص 288.
(2)
أدب الاوصياء ص 226.
الاسقاط وفاقا، لأن الأم الوصية بمنزلة الوكيل بالقبض، وهو لا يملك الاسقاط، ولأنه تبرع فى حق الصغير فلا يجوز
(1)
.
وكذلك اذا أبرأ الوصى مدين الصغير أو أجل دينه أو حط منه شيئا عنه.
وفى فتاوى أبى الليث: صلح الوصى على مال الصغير لا يجوز الا اذا ثبت ببينة المدعى ولم يفحش الغبن.
واذا أبرأ الوصى المباشر للعقد المستأجر من أجرة دار الصغير صح قضاء فلا يكون لأحد أن يدعى على المستأجر بالأجرة، ولا أن يقاضيه بشأنها، بل تبرأ ذمة المستأجر منها، لكن يضمن الوصى الأجرة المبرأ منها للصغير
(2)
.
وأما ما يرجع إلى الصيغة: فهو أن تكون دالة على الاسقاط دلالة ظاهرة بحسب الوضع كما فى الالفاظ الصريحة الموضوعة لمعنى الاسقاط أو التى تحقق معناه بحسب اصطلاح الفقهاء بنفسها أو بواسطة القرينة ودلالة الحال كما فى ألفاظ الكنايات والألفاظ والعبارات التى تستعمل عرفا أو لغة فى معنى آخر واستعملت فى ازالة الملك أو الحق لا الى مالك أو مستحق بمقتضى القرينة.
واذا كان من الممكن حصر الألفاظ الصريحة والكناية بالنسبة لبعض أنواع الاسقاطات
فليس من الميسور ذلك بالنسبة لسائر أنواعها ومن ثم يترك الأمر فى الاستعمال للعرف والاصطلاح.
وأما ما يرجع الى المسقط عنه الذى عليه الحق أو تقرر الحق قبله فهو أن يكون غير مجهول، بأن يكون معلوما على التعيين كما فى اسقاط الدين عن مدين معين بالذات أو بالوصف، وتطليق زوجة معينة كذلك، أو يمكن معرفته والاحاطة به كاسقاط الدين عن بنى فلان أو قبيلة كذا وهم محصورون، فان كان مجهولا لم يصح الاسقاط كما لو قال: كل مدين لى أو كل مدين لمورثى برئ من الدين الذى عليه أو قال: أبرأت أحد هذين من دينى عليه وكان كل منهما مدينا له فلا يصح الاسقاط فى ذلك كله ويبقى حقه الذى تناوله الاسقاط قائما كما كان .. لكن اذا كان المسقط عنه الحق أو المبرأ من الدين كثيرين ولكنهم محصورون كما اذا قال أبرأت قبيلة فلان وهم يحصون أو أبرأت هؤلاء المدينين وأشار الى جماعة محصورين صح الاسقاط وبرئ هؤلاء مما عليهم.
نقل فى المحيط عن الامام محمد رحمه الله تعالى: لو قال: كل من لى عليه دين فهو برئ منه لا يبرأ غرماؤه من ديونه الا أن يقصد رجلا بعينه فيقول هذا برئ مما عليه ويشير اليه أو يقول: قبيلة فلان وهم يحصون.
(1)
تنقيح الفتاوى الحامدية ج 2 ص 157 من باب الاقرار.
(2)
أدب الاوصياء ص 226.
ونقل عن الفقيه أبى الليث أن ابراء جميع الغرماء صحيح
(1)
.
وفى الدر المختار وتكملة ابن عابدين أن جهالة المقر له تضر اذا كانت فاحشة كقوله لأحد من الناس على كذا أما ان كانت يسيرة كقوله لأحد هذين على كذا فلا تضر ويصح الاقرار وكذا الابراء ويطلب الى المقر والمبرئ البيان
(2)
.
وهذا الشرط معتبر عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية.
ويعلل بعضهم عدم صحة الابراء فى هذه الحالة بعدم امكان تمليك المجهول وهؤلاء هم من يرون أن معنى التمليك غالب فى الابراء.
وقد أشرنا فيما سبق الى أن الابراء اسقاط فيه تمليك والخلاف فى المعنى الغالب فيه.
وفى الاشباه
(3)
والنظائر فى فقه الشافعية - الابراء هل هو اسقاط أو تمليك قولان، والترجيح مختلف فى الفروع.
ومنها ابراء المبهم كقوله لمدينيه: أبرأت أحدكما والأصح فيه التمليك فلا يصح
كما لو كان له فى يد كل واحد عبد فقال: ملكت أحدكما العبد الذى فى يده لا يصح.
وفى المحلى لابن حزم
(4)
أن الصدقة تقتضى موجودا أو معروفا والتصدق لمن لا يدرى ولمن لم يخلق باطل.
وأما ما يرجع الى الحق الذى يرد عليه الاسقاط فهو أن يكون موجودا وقائما بالفعل عند الاسقاط لأن الحق قبل وجوده وتقرره ساقط بالفعل فلا يتصور ورود الاسقاط عليه.
وقد تقدم أن ترك الحق الذى لم يجب بعد كحق الزوجة فى القسم مستقبلا وحق الحاضنة فى الحضانة مستقبلا لا يسمى اسقاطا وانما يسمى امتناعا، وأنه غير لازم يجوز الرجوع فيه، والعود الى المطالبة بالحق.
وليس من اسقاط ما لم يجب بعد التطليق والعتق المضافان الى الملك عند الحنفية كقوله لأجنبية ان تزوجتك فأنت طالق. وقوله لعبد مملوك للغير ان ملكتك فأنت حر لأن الاسقاط بالفعل فيهما لم يحصل الا عند تحقق ملك النكاح بالتزوج وملك الرقبة بملك العبد فهو اسقاط فى الملك المحقق الثابت.
(1)
تنقيح الفتاوى الحامدية من باب الاقرار
(2)
حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الابصار من باب الاقرار الطبعة السابقة.
(3)
الاشباه والنظائر السيوطى الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 116 طبع أداره الطباعة المنيرية بمصر الطبعة الأولى سنة 1351 هـ
أما عند غير الحنفية فهو اسقاط فى غير الملك الثابت ومن ثم بطل التعليق والاصافة فيه.
وكذلك يشترط فى الحق الذى يرد عليه الاسقاط أن يكون قابلا للاسقاط شرعا كالحقوق التى ذكرناها وذكرنا العديد من أمثلتها.
فان كان الحق غير قابل للاسقاط بحكم الشرع كحق الارث والرجوع فى الهبة، وولاية الأب والجد على الصغير، وملك الأعيان، أو لأنه ملك الغير، كالحدود التى هى حق لله تعالى، أو يغلب فيها حق الله تعالى والعدة ونسب الصغير، أو لتعلق حق الغير بها أو نحو ذلك، فأنه لا يصح فيها الاسقاط ولا تسقط به، وسيأتى تفصيل لذلك عند الكلام على ما يقبل الاسقاط وما لا يقبله وهل يشترط فى الحق الذى يرد عليه الاسقاط أن يكون معلوما أو يصح الاسقاط ولو مع جهالة المسقط؟ خلاف يرجع فى أساسه الى وجود معنى التمليك فى الابراء وهل هو غالب أولا.
ويبدو من ذلك أن الاسقاطات المحضة التى ليس فيها تمليك كأسقاط حق القصاص وحق الشفعة وحق الدعوى لا يجرى فيها هذا الخلاف.
ومن ثم قالوا لو أبرأه ابراء عاما من كل الحقوق التى له عليه أو قبله تدخل هذه الحقوق وتسقط بهذا الاسقاط العام.
أما الابراء الذى فيه معنى التمليك فهو الذى يجرى فيه الخلاف على الوجه الآتى:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية انه لا يشترط لصحة الاسقاط أن يكون الحق المبرأ منه معلوما بل يصح الابراء من المجهول أيضا.
جاء فى تكملة ابن عابدين اذا قال المدين للدائن
(1)
حاللنى من كل حق لك على ففعل الدائن صح ذلك وسقط عن المدين ما علم وما لم يعلم. وذلك لأن اسقاط المجهول للمعلوم صحيح وبه يفتى.
وفى الجزء الأول من هذه
(2)
التكملة اذا أسقط الدائن دينه عن المدين اجمالا بأن أسقط عنه ماله عليه وقد كان فى ظنه أنه عشرة دراهم فتبين أنه مائة درهم مثلا سقطت المائة عن المدين قضاء اعتمادا على اطلاق البراءة وكذا ديانة عند أبى يوسف.
وقال محمد لا يسقط فى الديانة الا عشرة دراهم.
وقال فى المحيط: هبة الدين ممن عليه الدين ابراء واسقاط حقيقة فالجهالة فى الدين لا تمنع صحة الابراء.
ولو حلله من كل حق له عليه ولم يعلم بما عليه برئ حكما لا ديانة عند محمد.
(1)
تكملة ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 2 ص 149 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 291.
وقال أبو يوسف برئ ديانة أيضا وهو الأصح كما لو علم به .. وعلل ذلك بأن الابراء اسقاط لا تفتقر صحته الى القبول.
وجهالة الساقط لا تمنع صحة الاسقاط، لأنه متلاش فلا يرد عليه التسلم والتسليم ليفضى الى المنازعة كالمشترى اذا أبرأ البائع من العيوب صح وأن لم يبين العيوب.
مذهب المالكية:
وفى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه فى فقه
(1)
المالكية: ان أبرأ فلانا مما له قبله أو من كل حق أو أبرأه وأطلق برئ مطلقا من الحقوق المالية معلومة أو مجهولة، وبرئ أيضا من الحقوق البدنية مثل حد القذف ما لم يبلغ الامام.
وقال الدسوقى فى الحاشية: ويدخل فى الحقوق المالية المعينات كدار على الصواب فيسقط بالبراءة الطلب بقيمتها اذا فاتها المبرأ والطلب برفع اليد عنها ان كانت قائمة.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(2)
: لا يصح الابراء من دين مجهول لأنه ازالة ملك لا يجوز تعليقه على الشرط فلم يجز مع الجهالة كالبيع والهبة.
وفى الاشباه والنظائر للسيوطى
(3)
: الابراء هل هو اسقاط أو تمليك .. قولان .. والترجيح
مختلف فى الفروع فمنها الابراء مما يجهله المبرئ والاصح فيه التمليك فلا يصح، ومنها اشتراط القبول والأصح فيه الاسقاط فلا يشترط.
غير أن الشافعية أجازوا الابراء من المجهول فى صورتين.
الأولى: فى الابراء من الدية فأنه يجوز الابراء منها ولو مع جهالة قدرها.
الثانية: أن يذكر المبرئ الذى لا يعلم قدر دينه غاية يتحقق أن حقه أقل منها كأن يقول: أبرأتك من دينى عليك البالغ مائة جنيه وهو يعلم أن دينه أقل من هذا القدر فانه يصح الابراء لتأكد شموله الحق الذى له على المبرأ
(4)
حينئذ.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(5)
: نزل أصحابنا الصلح عن المجهول المقر به بمعلوم منزلة الابراء عن المجهول فيصح على المشهور لقطع النزاع، وظاهر هذا أنه لا فرق بين الدين والعين قال فى المبدع: وقيل لا يصح عن أعيان مجهولة لأنه ابراء.
وفى موضع آخر: اذا
(6)
أبرأ غريم غريمه من دينه صح ولو كان الدين المبرأ منه
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 411، ص 412 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب لابى اسحق الشيرازى ج 1 ص 448 طبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
الاشباه والنظائر لجلال الدين السيوطى ص 187 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ص 570 وما بعدها.
(5)
كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 2 ص 193 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 477، ص 478 الطبعة السابقة.
مجهولا لأحدهما أولهما ويصح الابراء من المجهول ولو لم يتعذر علمه لأنه اسقاط حق فينفذ مع العلم والجهل لكن اذا كان المبرئ لا يعلم بالدين والمدين يعلمه ولكنه كتمه عن الدائن خوفا من أنه اذا علمه يطالبه به ولا يبرئه منه. وأبرأ الدائن المدين فى هذه الحالة فان الابراء لا يصح لأن فيه ظلما للدائن وهضما لحقه. وابراؤه هذا ليس صادرا عن ارادة معتبرة وانما هو ضرب من الهزل.
اذ هو يعتقد أن لا دين له.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
لابن حزم: ومن كان له عند آخر حق فى الذمة دراهم أو دنانير أو غير ذلك أو أى شئ كان فقال له: قد وهبت لك مالى عندك أو قال قد أعطيتك مالى عندك
…
فلا يلزم شئ من ذلك لأن الهبة والعطية والصدقة تقتضى موهوبا له ومعطى له، موجودا ومعروفا وتقتضى موهوبا ومعطى معلوما. وهنا لا يدرى ذلك الحق الذى له عند فلان فى أى جوانب الدنيا هو. ولعله فى ملك غيره الآن. وانما يجوز هذا بلفظ الابراء أو العفو أو الاسقاط أو الوضع.
ويجوز أيضا بلفظ الصدقة لحديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه: أصيب رجل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار أبتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه فهذا عموم للغرماء
وغيرهم وهذا صريح فى جواز الابراء من الدين مع جهالته وكذا اسقاطه.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية الى عدم جواز الابراء من الدين مع جهالته لأن الغالب عندهم فيه معنى التمليك وتمليك المجهول غير جائز.
جاء فى شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار أنه لو قال الدائن للمدين أسقطت عنك مالى عليك ولم يعينه لم يصح هذا الاسقاط اذا علم من حاله أنه لو عين له مقدار الدين لم يسقطه عنه.
وذهب الهادى والمؤيد بالله والقاسم الى جواز اسقاط المجهول
(2)
.
وقال الزيدية انه لا يصح الابراء مع التدليس كأن يبرئ الدائن مدينه بناء على تفهيم المدين اياه أنه فقير أو أن الدين تافه ثم يظهر خلاف ذلك لما فيه من التغرير وعدم تحقق ارادة الابراء
(3)
.
مذهب الإمامية:
ويرى الإمامية
(4)
صحة الابراء مع جهالة المبرأ منه لأنه اسقاط وليس معاوضة حتى يعتبر فيه ما يعتبر فيها.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 117 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 302 وما بعدها ومطالب أولى النهى شرح غاية المنتهى ص 392
(3)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ج 4 ص 298 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
كفاية الاحكام.
أنواع الاسقاط
الاسقاطات كثيرة منها ما تميز فى اصطلاح الفقهاء باسماء معينة وذكرت أبحاثه وفروعه وأحكامه فى أبواب خاصة وفصول مستقلة كالطلاق لاسقاط ملك منافع البضع، والعتق لاسقاط ملك رقبة المملوك، والابراء لاسقاط الحق الثابت فى الذمة أو المقرر قبل شخص آخر والعفو عن القصاص لاسقاط حق القصاص.
جاء فى فتح القدير للكمال بن الهمام من أول كتاب
(1)
العتق: اشترك كل من الطلاق والاعتاق فى أنه اسقاط الا أن العتق اسقاط ملك الرقبة والطلاق اسقاط ملك منافع البضع - وأما اسقاط ملك ما فى الذمة فيسمى ابراء. واسقاط القصاص يسمى عفوا، فقد ميزت أنواع الاسقاطات بأسماء لينسب اليها مع اختصار.
وهناك أنواع كثيرة لم تميز باسماء معينة.
والاسقاطات. منها ما هو اسقاط محض ليس فيه تمليك كالطلاق والعتق والعفو عن القصاص اذا وقعت مجردة ولم تكن فى مقابلة مال أو بدل، وما هو اسقاط من وجه وتمليك من وجه كالابراء من الدين وهبة الدين أو التصدق به ممن عليه الدين.
ذكر الفقهاء أن هناك اسقاطا محضا ومثلوا له بالامثلة المذكورة وأن هناك اسقاطا فيه معنى تمليك، أو هو اسقاط من وجه وتمليك
من وجه ومثلوا له بالابراء من الدين ولم يذكروا كلاما واضحا واقعا يظهر منه الفرق بين النوعين، وقد أشرنا فيما سبق عند الكلام على الفرق بين التمليك والاسقاط الى أن الفقهاء قالوا: ان الابراء من الدين وهبة الدين ممن عليه الدين فيه معنيان، معنى الاسقاط بالنسبة للدائن بتخليته عن دينه وعن المطالبة به وسقوطه من عناصر ثرائه، ومعنى التمليك بالنسبة للمدين، لأن الدين الذى كان مطالبا به دخل فى ملكه وزاد ثراؤه بمقداره بعد أن كان واجبا عليه الوفاء به واقتطاع قدره من ملكه واعطاؤه للدائن، وهذا أقصى ما يمكن أن يفرق به بين الاسقاطات المحضة والتى فيها معنى التمليك.
ومنها ما يقتضى البراءة من كل وجه ويسقط فيه الحق نفسه قضاء وديانة كالاسقاط الحاصل بالصلح أو ضمن الصلح اذا كان الصلح عن اقرار أو كان عن انكار وصاحبه ابراء خاص من باقى الحق المصالح عنه أو ابراء عام من كل الحقوق.
ومنها ما لا يقتضى البراءة من كل وجه ويسقط فيه الحق قضاء لا ديانة، أى يسقط به حق الدعوى والمطالبة بالحق عند القاضى، أما نفس الحق فلا يسقط بل يبقى قائما فيما بين المسقط عنه وبين الله تعالى، ومن ثم يجب عليه شرعا أن يؤدى هذا الحق الى صاحبه فيما بينه وبين الله تعالى، وذلك كما فى حالة الصلح عن انكار اذا لم يصاحبه ابراء من الحق أو ابراء عام.
(1)
فتح القدير شرح الهداية وبهامشه العناية ج 3 ص 356 طبع المطبعة الاميرية بمصر.
ومنها ما لا يتجزأ فيثبت أثره ومقتضاه فى كل المحل.
ومنها ما يتجزأ فيثبت أثره ومقتضاه فى بعض المحل حسبما تدل عليه الصيغة ويقتضيه عبارة الاسقاط.
ومنها ما يتوقف تمامه وحصول أثره على قبول المسقط عنه ويرتد برده.
ومنها ما يتم ويثبت أثره دون توقف على قبول المسقط عنه ولا يرتد بالرد.
ومنها ما يصح مقابلته بالمال وأخذ عوض عنه.
ومنها ما لا يصح أخذ عوض فيه.
ومنها ما هو اسقاط عام.
ومنها ما هو اسقاط خاص وسنتكلم عن بعض هذه الأنواع ونذكر أقوال الفقهاء فى فروعها وأحكامها على التفصيل الآتى:
قبول الاسقاط
الحق والملك الذى يرد عليه الاسقاط حق خالص لصاحبه واقدام صاحبه على إسقاطه تصرف منه فى خالص حقه دون أن يمس ذلك حقا لغيره ودون أن يترتب عليه أثر يتعلق بالغير أو يستوجب تكليفا عليه، ومن ثم كان الأصل فى الاسقاط أن يتم بارادة المسقط وحده، وينفذ بصدور ما يحقق معناه منه من قول أو فعل أو سكوت كما ذكرنا، ولا يتوقف على قبول المسقط عنه ولا يرتد برده، كالطلاق يتم بارادة المطلق والعتق يتم بارادة المعتق والعفو عن القصاص يتم بارادة صاحب الحق فيه شرعا. وتسليم الشفعة يتم بارادة الشفيع دون توقف على قبول أو ارادة الطرف الآخر. وهذا هو الحكم فى الاسقاط المحض الذى ليس فيه تمليك ولو من وجه ولا يقابله عوض.
فى الاشتباه والنظائر لابن نجيم الحنفى:
أن الابراء لا يتوقف على القبول الا الابراء من بدل الصرف والسلم.
وفى الحموى: أن الابراء لا يحتاج الى القبول وأنه اذا سكت المبرأ جاز.
ثم نقل عن الدبوسى فى شرح الوهبانية:
الصدقة بالواجب فى الذمة اسقاط كالصدقة بالدين على الغريم وهبة الدين له فيتم بغير قبول وكذا سائر الاسقاطات تتم بغير القبول، وانما توقف الابراء عن بدل الصرف والسلم على القبول، لأن هذا الابراء يوجب انفساخ عقدهما، لأنه يوجب فوات القبض المستحق بالعقد وفوات القبض يوجب بطلان العقد، فلا ينفرد به أحد المتعاقدين، ويتوقف على قبول الآخر حتى يتم الفسخ برأيهما معا بخلاف الابراء عن سائر الديون، لأنه ليس فيه معنى عقد ثابت يتأثر به وانما فيه معنى التمليك من وجه والاسقاط من وجه.
وقد نص فقهاء الحنفية على أن الطلاق أو العتق على مال يتوقف كل منهما على القبول، فان لم يحصل القبول لا يتم
ولا يقع طلاق ولا يتحقق عتق وان حصل القبول صح ووقع الطلاق وتحقق العتق، وعللوا ذلك بأنه يكون حينئذ معاوضة فيتوقف ثبوت الحكم على قبول دفع العوض من الطرف الآخر اذ المعاوضة لا تتم الا برضا الطرفين.
وكذلك قالوا فى الصلح عن دم العمد نظير بدل.
ولا يكاد يخالف أحد من الفقهاء فى أن الاسقاطات المحضة التى ليس فيها معنى التمليك والتى لم تقابل بعوض تتم بارادة المسقط وحده، ولا تتوقف على قبول المسقط عنه مع استثناء بدل الصرف والسلم عند الحنفية لما فيه من معنى الفسخ كما ذكرنا.
والخلاف انما هو فى الاسقاطات التى فيها معنى التمليك كالابراء من الدين.
ومناط الخلاف فى ذلك هو اعتبار أى المعنيين من التمليك والاسقاط غالبا فى هذا التصرف.
وقد تضمنت النصوص الفقهية المنقولة عن الاشباه والحموى أن الحنفية يرون أن الابراء من الدين يعتبر من الاسقاطات ولا يتوقف على قبول المبرأ.
وقد خالف فى ذلك الامام زفر فذهب الى أن الابراء من الدين يتوقف على القبول نظرا لجانب التمليك فيه.
وهو قول لبعض الشيعة الجعفرية.
وذهب الشافعية والحنابلة وجمهور الشيعة الجعفرية الى أن الابراء من الدين يتم بارادة المبرئ ولا يتوقف على قبول المبرأ نظرا لجانب الاسقاط فيه.
ولأنه تصرف يتعلق بخالص حق المبرئ ولا يتعلق به حق للغير.
وللمالكية والزيدية فى ذلك قولان:
أحدهما أنه يتوقف على القبول مراعاة لجانب التمليك فيه وهو الأرجح.
والثانى أنه لا يتوقف على القبول بل ويتم مع رد المبرأ مراعاة لمعنى الاسقاط فيه كالطلاق والعتق.
ويجوز أن يتراخى القبول عن مجلس الايجاب عند من يقول باشتراط القبول من المالكية كما يجوز للمبرئ الدائن أن يرجع عن الابراء قبل حصول القبول.
وقد ذهب بعض من الحنفية غير الامام زفر الى أن الابراء من الدين اذا كان بهبة الدين للمدين أو التصدق به عليه فانه لا يتم الا بقبول المبرأ لأن معنى التمليك فيه أظهر.
ولكن المشهور عند الحنفية أن الابراء من الدين فى جميع صوره.
ومنها هبته للمدين يتم دون توقف على القبول وأنه ينفذ مع سكوت المدين فى مجلس الايجاب نظرا لجانب الاسقاط فيه.
وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة.
وذهب آخرون الى أن هبة الدين للمدين تتوقف على القبول لظهور معنى التمليك فيها.
بل ان المالكية يرون أنها نص فى التمليك فتتوقف على القبول وترتد بالرد.
والابراء من الحوالة والكفالة من الاسقاطات المحضة عند الحنفية ومن ثم اتفقوا على أنه لا يتوقف على القبول.
أما الحوالة فلأن المحتال لم يملك الدين بالحوالة اذ لو ملكه لكان تمليك الدين من غير من عليه الدين وهو لا يجوز شرعا، وانما ملك المطالبة بالدين من المحتال عليه، فاذا أبرأه يكون ابراء مما ملكه بالحوالة وهو المطالبة بالدين، والابراء من المطالبة اسقاط محض ومن ثم لم يتوقف على القبول قولا واحدا.
وأما الكفالة فان الطالب اذا أبرأ الكفيل من المطالبة بالدين فلا يحق له أن يعود لمطالبته به مرة أخرى فهو ابراء مؤبد وبالتالى هو اسقاط محض فلم يتوقف على القبول قولا واحدا كذلك
(1)
.
رد الاسقاط
يكاد الكلام فى رد الاسقاط وما يرتد منه بالرد وما لا يرتد - يرتبط بالكلام على قبول الاسقاط وما يتوقف منه على القبول وما لا يتوقف، وتكاد الآراء هنا تستمد أساسها من الآراء هناك
…
فالاسقاطات المحضة التى قلنا أن الفقهاء متفقون على أنها لا تتوقف على القبول قد اتفق الفقهاء هنا أيضا على أنها لا ترتد بالرد، لأنها بتمامها دون توقف على القبول يسقط الملك والحق ويتلاشى ولا يؤثر فيه الرد، اذ المقرر أن الساقط لا يعود.
جاء فى فتح القدير للكمال بن الهمام الحنفى وشرح العناية على الهداية
(2)
:
أن الطلاق والعتق لازمان لا يقبلان الفسخ.
وأن الاسقاط المحض كاسقاط الخيار لا يحتمل الرد لتلاشى الساقط.
وفى الحموى على الأشباه نقلا عن الدبوسى أن الاسقاط اذا كان فيه تمليك مال من وجه يقبل الارتداد بالرد وما ليس فيه تمليك مال لم يقبل الرد كأبطال حق الشفعة والطلاق وان هذا ضابط جيد يجب حفظه ..
وفى الأشباه أن الابراء يرتد بالرد الا فى مسائل.
(1)
يراجع فى هذا الموضوع تكملة ابن عابدين على الدر المختار ج 2 ص 347 وما بعدها طبع المطبعة الأميرية والاشباه والنظائر لابن نجيم والحموى عليه والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 99 وما بعدها الطبعة السابقة والمهذب لابى اسحق الشيرازى ج 2 ص 454 الطبعة السابقة ونهاية المحتاج الى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 5 ص 41 مطبعة مصطفى الحلبى بمصر وكشاف القناع ج 2 ص 477 وما بعدها وشرح الازهار ج 4 ص 258 ومطالب أولى النهى ج 4 ص 392 وما بعدها وكفاية الاحكام.
(2)
فتح القدير لكمال الدين بن الهمام الحنفى وبهامشه شرح العناية على الهداية وحاشية سعد جلبى من باب العتق ج 3 ص 356 الطبعة السابقة.
الأولى اذا أبرأ المحتال المحتال عليه فرده لم يرتد بالرد.
الثانية: اذا قال المدين: أبرئنى فرده لا يرتد.
والثالثة: اذا أبرأ الطالب الكفيل فرده لم يرتد وقيل يرتد.
الرابعة: لو قبله ثم رده لم يرتد.
وهذه المسائل الأربعة ليست مستثنيات فى الواقع، لأن الأولى والثالثة - الحوالة والكفالة قد تقدم أنهما من الاسقاط المحض وليستا من الابراء، وأما الثانية والرابعة، فلأن المدين قد قبل الابراء فعلا فى الرابعة، وبذلك سقط حقه فى الرد فلا يملك أن يعود اليه، وكذلك فى الثانية بطلبه الابراء يكون قد قبله ورضى به فأسقط حقه فى الرد والساقط لا يعود وكذلك الحكم فى المذاهب الأخرى بالنسبة للاسقاطات المحضة.
أما الاسقاط الذى فيه معاوضة كالطلاق والعتق والعفو نظير بدل فانه يرتد بالرد ما لم يسبق قبول أو طلب ولا خلاف فى ذلك أيضا.
بقى الابراء من الدين بالاسقاط أو بهبته للمدين وقد اختلف الفقهاء فى ذلك.
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية الى أنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك وهل يشترط لصحة الرد وترتب أثره عليه أن يكون الرد فى مجلس الابراء فلو رد بعد انتهاء المجلس لا يصح ولا يؤثر. أو لا يشترط ذلك فيصح الرد ولو كان بعد المجلس؟ خلاف.
نقل ابن عابدين عن الشرنبلالى أن المشايخ قد اختلفوا فى اشتراط الرد لصحة الابراء. واتفقوا على أنه يشترط لصحة الرد أن لا يسبقه قبول من المبرأ للابراء ولا طلب كذلك فلو قبل الابراء أو طلبه من الدائن ثم رده بعد ذلك لا يصح ولا يقبل منه ولو كان فى مجلس الابراء لما أوضحناه فيما سبق.
ويصح عند الحنفية ابراء المدين بعد موته. واختلفوا هل يرتد برد الوارث أولا.
ذهب أبو يوسف الى أن للوارث رد الابراء كما كان للمورث لأنه خليفة عنه فيما يتعلق بالتركة. وهذا الحق ثابت للمورث بالاتفاق فيثبت للوارث كذلك بالخلافة.
وذهب محمد الى أنه ليس للوارث حق الرد لأنه يثبت للمورث باعتبار ما فيه من معنى التمليك. والابراء بعد الموت ليس فيه تمليك لأحد اذ هو للتركة ويلزمه العفو عن الميت
(1)
.
(1)
الاشباه والنظائر وفتح القدير والعناية وتكملة ابن عابدين على الدر المختار ج 2 ص 437 من باب دعوى الدين والفتاوى الهندية ج 4 ص 384.
مذهب المالكية:
ذهب المالكية الى أن الابراء يرتد بالرد لغلبة معنى التمليك فيه ومن ثم ذهبوا فى الأصح عندهم الى أنه يتوقف على القبول كما تقدم بل قالوا فى هبة الدين للمدين أنها نص فى التمليك. فاذا رد المدين الابراء بطل وبقى الدين
(1)
.
مذهب الشافعية والحنابلة:
وذهب الشافعية والحنابلة الى أن الابراء لا يرتد بالرد تغليبا لمعنى الاسقاط فيه ولذا قالوا انه لا يتوقف على القبول
(2)
.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية الى أن الابراء يرتد بالرد لغلبة معنى التمليك فيه، ولذا قالوا انه يتوقف على القبول من المدين، فان خلا من التمليك وكان اسقاطا محضا كالإبراء من الشفعة لم يتوقف على القبول ولم يرتد بالرد
ومنهم من ذهب الى أن الابراء بجميع صوره وأحواله يغلب فيه معنى التمليك، ومن ثم يتوقف على القبول ويرتد بالرد
(3)
.
ويصح الابراء من الفضولى عند الحنفية والزيدية ويتوقف نفاذه على أجازة الدائن صاحب الحق فان أجازه نفذ وان لم يجزه لم ينفذ.
ويصح عند الحنفية اسقاط الدائن دينه عن مديونه الذى مات قبل قضاء الدين بهبته لورثته كلهم أو بعضهم، ويسقط بذلك الدين عن المدين، سواء أكانت التركة مستغرقة بالدين أم لا، لأن هذا من هبة الدين ممن عليه الدين فى المعنى اذ هو ابراء للتركة، والورثة يملكون التركة ان لم تكن مستغرقة بالدين، ولهم فيها حق ان كانت غير مستغرقة
(4)
.
واذا أسقط الدائن الدين عن المدين وأبرأه ابراء عاما من كل حق سقط الدين بذلك، فان أقر المدين بعد ذلك بالدين لا يلزمه شئ بهذا الاقرار، لأن الدين وصف، وقد سقط وتلاشى بالاسقاط، فلا يعود مرة أخرى، بخلاف ما اذا أقر بالعين بعد الابراء العام، فانه يؤاخذ باقراره ويؤمر بدفع العين التى أقر بها للمقر له مؤاخذة له باقراره، وتصحيحا لكلامه على طريق الاقتضاء، اذ الملك فى العين يتجدد والعين قابلة لذلك فيفترض أنه ملك متجدد
(5)
.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 99 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطى ص 188 وما بعدها والمهذب لابى اسحق الشيرازى ج 2 ص 454 وكشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 2 ص 478 طبع المطبعة الشرفية سنة 1319 هـ.
(3)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 298 الطبعة السابقة.
(4)
تكملة ابن عابدين على الدر المختار ج 2 ص 369 الطبعة السابقة.
(5)
تنقيح الفتاوى الحامدية ج 2 ص 56 من كتاب الاقرار.
الاسقاط بعوض
مذهب الحنفية:
نص فقهاء الحنفية على أنه يصح الخلع والطلاق والعتق على مال، ويقع الطلاق ويحصل العتق ويجب المال، وعلى أنه يجوز لولى الدم فى القتل العمد الذى موجبه القصاص أن يصالح عن حق القصاص نظير مال، وأنه يصح الصلح ويسقط حق القصاص ويجب المال.
ونصوا أيضا على أن الشفيع لو صالح عن حقه فى الشفعة نظير مال سقط حقه فى الشفعة، ولكن لا يجب المال، لأن قبوله الاسقاط نظير عوض تسليم منه بالحق، وهو الاسقاط وبذلك يزول الحق ويتلاشى ولا يعود، ولا حق له فى العوض لأن حق الشفعة لا يقبل التمليك لأحد فلا تصح مبادلته بشئ ..
ونصوا على أن المدين بدين مؤجل اذا صالح الدائن على اسقاط الأجل جاز اذا لم يكن نظير عوض، فان كان نظير عوض بطل.
وقد اختلفوا فى الأصل الذى يعتمد عليه فى معرفة الاسقاطات التى يصح الاعتياض عنها والتى لا يصح ..
والحق عند الحنفية على ضربين.
حق متقرر فى المحل الذى تعلق به، وحق غير متقرر فيه، وهو الذى يعبر عنه عادة بالحق المجرد ومجرد الحق.
والحق المتقرر تارة يكون ملكا فى المحل، كحق الزوج فى النكاح بالنسبة للاستمتاع، وحق السيد فى العبد وهو ملك رقبته، وتارة لا يكون ملكا كحق القصاص.
والفرق بين المتقرر وغيره أن ما يتغير بالصلح عما كان قبله فهو متقرر كحق القصاص، فان نفس القاتل كانت مباحة وغير معصومة فى حق ولى الدم الذى له حق القصاص وبالصلح حصلت له العصمة فى دمه ونفسه فكان الحق فى ذلك متقررا.
أما ما لا يتغير بالصلح عما كان قبله فهو حق غير متقرر كحق الشفعة اذا صالح الشفيع على اسقاط حقه فيها، فلا أثر لهذا الصلح بالنسبة للحق الا سقوطه به، والمشترى يملك الدار المشفوع فيها قبل الصلح وبعده على وجه واحد بطريق البيع بكل أوضاعه وشروطه وآثاره فلم يكن حقا متقررا.
والمقرر أنه لا يصح الاعتياض بالمال الا عن المال أو ما يؤول الى المال، وأن الانسان كما يجوز له أن يلتزم العوض ليثبت له الملك، يجوز أن يأخذ العوض، ليبطل ملكه أو حقه المتقرر، وأنه لا يحل
له أخذ العوض عن الحق اذا لم يكن ملكا، ولا حقا متقررا.
أما الحق الذى ليس بمتقرر فلا يجوز الاعتياض عنه.
هذا رأى الأكثرين من الحنفية وعلى رأسهم المتقدمون وأكثر المتأخرين.
وذهب بعض المتأخرين الى أن الحقوق التى أثبتها الشارع للانسان اما أن يكون القصد منها دفع الضرر عنه، وحماية مصالحه المشروعة، كحق الشفعة أعطاه الشارع للشفيع لدفع الضرر الذى قد يلحقه بمخالطة المشترى السئ فى الشركة، أو مجاورته فى الجوار، وكحق الخيار أعطاه الشارع للمتصرف لدفع الضرر الذى قد ينجم من البيع أو الشراء.
وفى مثل هذه الحقوق لا يجوز الاعتياض عنها سواء كان متقررا أو مجردا، لأن من يثبت له اذا رضى باسقاطها بالعوض يتبين أنه لا ضرر يلحقه من زوالها فتسقط وتزول دون عوض.
واما أن يكون الشارع قد أثبت الحق للانسان أصالة لا على وجه رفع الضرر عن صاحبها كحق القصاص. وملك النكاح والعتق فانه يصح الاعتياض عنها مجردا كان الحق أو متقررا.
والحق ما ذهب اليه الأكثرون، لأنه الذى يتفق مع ما قرره فقهاء الحنفية، ونصوا على أحكامه فى الفروع المختلفة.
فقد نصوا على أنه يصح الخلع والطلاق والعتق على مال، ويقع الطلاق ويحصل العتق ويجب المال، ولو اصطلح الولى عن دم العمد على مال صح، وسقط القصاص ووجب المال، وان صالح الشفيع عن شفعته على عوض بطلت الشفعة ولم يجب العوض، وكذا لو باع شفعته بمال كان تسليما ولا يجب المال لأن البيع تمليك مال بمال وحق الشفعة لا يحتمل التمليك فيصير كلامه عبارة عن الاسقاط.
أما الصلح عن دعوى الشفعة على مال فيجوز ويجب المال ويكون افتداء اليمين، لأن الأصل أنه متى توجهت اليمين على شخص فى أى حق كان فافتدى اليمين بمال، فانه يجوز على الأصح، واذا أبرأ المكفول له الكفيل بالنفس عن هذه الكفالة بمال يشترطه عليه فى مقابلة البراءة لا يجب المال، واذا أداه اليه الكفيل كان له أن يرجع فيه لأن الكفالة بالنفس ليست مالا ولا تؤول الى المال أصلا. وهى مجرد حق.
ثم هل تسقط الكفالة فى هذه الصورة أو لا تسقط؟ روايتان أصحهما أنها تسقط.
ومن عليه دين مؤجل اذا صالح الدائن على اسقاط الأجل وجعل الدين حالا ان لم يكن ذلك نظير عوض جاز ..
ولو قال الزوج لزوجته المخيرة اختارى بألف أو قال العنين لزوجته اختارى ترك الفسخ بألف ورضيت هذه وتلك بما عرض عليها. سقط الخيار ولا يثبت العوض.
هذه الفروع كلها وغيرها كثير يدل دلالة واضحة على أن الحق ما ذهب اليه الأكثرون من الحنفية لان الأساس فيها كون الحق مجردا أو متقررا وليس كونه ثبت أصالة أو لدفع الضرر كما يقول الآخرون.
وقد اختلف المتأخرون من الحنفية فى الفراغ عن النظر على الوقف بعوض والنزول عن الوظائف بمال يعطى لصاحبها المتنازل، هل يجوز ذلك أو لا يجوز.
وقد أخذ الكثيرون بصحة النزول.
وذهب البعض الى عدم صحة هذا النزول أصلا لا بعوض ولا بدون عوض.
واختلف من رأى صحة النزول فى جواز أخذ العوض عنه.
فذهب ابن نجيم فى الاشباه الى عدم جواز الاعتياض عنه لانه من الحقوق المجردة وهى لا يجوز الاعتياض عنها كحق الشفعة.
ثم قال: قد تعارف الفقهاء فى مصر النزول عن الوظائف بمال يعطى لصاحبها فينبغى الجواز اعتبارا للعرف. وأنه لو نزل له وقبض منه المبلغ ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك
(1)
.
وأفتى خير الدين الرملى فى الفتاوى الخيرية بعدم جواز أخذ العوض فى ذلك، لانه اعتياض عن حق مجرد، وهو لا يجوز كما صرحوا به قاطبة، ومن أفتى بخلافه فقد أفتى بخلاف المذهب، لبنائه على اعتبار العرف الخاص وهو خلاف المذهب.
ثم قال ان للمنزول له أن يرجع بما بذل استنادا الى ما جاء فى البزازية: له عطاء فى الديوان مات عن ابنين فاصطلحا على أن يكتب فى الديوان اسم أحدهما ويأخذ العطاء ولا شئ للآخر من العطاء، ولكن يؤخذ ممن كتب اسمه وأخذ العطاء مالا معلوما، فالصلح باطل ويرد بدل الصلح، والعطاء الذى جعل الامام العطاء له.
كما نقل الخير الرملى عن المقدسى أن الفتوى على عدم جواز الاعتياض عن الوظائف على أساس أنها حقوق مجردة.
وذهب البعض الى أن المال الذى يؤخذ نظير الفراغ عن الوظائف رشوة وهى حرام بالنص.
وذهب ابن عابدين الى جواز أخذ العوض عن النزول عن الوظائف وقال: انه كلام وجيه يندفع به ما قيل من أن المال
(1)
الاشباه والنظائر لابن نجيم ص 174.
رشوة، وهى حرام، لأنه صلح عن حق، كما فى نظائره والرشوة لا تكون بحق.
وقد نزل الحسن بن على رضى الله عنهما لمعاوية رضى الله عنه عن الخلافة بعوض.
ونقل أن المفتى أبا السعود أفتى بجواز أخذ العوض فى حق القرار والتصرف وعدم صحة الرجوع. وقال ان الجواز أولى مما فى الخيرية من عدم الجواز وأن للمفروغ له الرجوع بالبدل
(1)
.
وقد جاء فى حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين
(2)
وفى تنقيح الفتاوى الحامدية له أيضا: أن شيخ الاسلام زكريا من الشافعية والشيخ نور الدين الدميرى من المالكية. والشبيبى من الحنابلة: أفتى كل منهم بجواز وحل النزول عن الوظائف فى الوقف نظير ما يأخذه النازل من مال عوضا عن نزوله عن الوظيفة، وفى هذا اشارة الى جواز أخذ العوض عن اسقاط الحق عندهم.
تجزؤ الاسقاط
نص فقهاء الحنفية على أن الطلاق وهو اسقاط بالاتفاق - لا يتجزأ لأن محله لا يتجزأ فى قبول حكمه وهو زوال الحل أو الملك ابتداء أو انتهاء، فلا يتصور أن يكون بعض الزوجة حلالا للزوج محرما على غيره، وبعضها الآخر محرما عليه حلالا لغيره، فلو طلق جزءا شائعا منها كنصفها أو ثلثها طلقت، لأن الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع والاجارة والهبة وغير ذلك فيكون محلا للطلاق، الا أنه لا يتجزأ فى حق الطلاق لما ذكرنا فيثبت فى الكل ضرورة.
وكذا اذا طلقها نصف تطليقة أو ثلث تطليقة وقعت عليها طلقة كاملة واحدة، لأن الطلاق لا يتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله صيانة للكلام عن الالغاء وتغليبا للمحرم على المبيح واعمالا للدليل بقدر الامكان، لأنه اذا قام الدليل على البعض وهو مما لا يتجزأ وجب اكماله وألا لزم ابطال الدليل.
ونصوا على أن العفو عن القصاص لا يتجزأ فلو عفا ولى الدم عن البعض سقط الحق وسقط القصاص كله ولم يبق له حق فى القود مطلقا.
وعللوا بأنه لا يتصور اسقاط نصف الحق فى القتل وابقاء النصف الآخر فأن القتل انما ثبت للولى نتيجة اثبات الشرع الحق له فى القصاص كاملا، ومع
(1)
تنقيح الفتاوى الحامدية ج 1 من ص 222 الى ص 224 وحاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 3 من كتاب الوقف والفتاوى الخيرية ج 1 ص 326.
(2)
رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 2 ص 275 الطبعة السابقة وتنقيح الفتاوى الحامدية ج 1 ص 224.
نصف هذا الحق الباقى بعد الاسقاط لا يمكن أن يثبت له القتل وهذا هو معنى سقوط القصاص بالعفو عن بعضه، وحق السيد فى استيلاد أمته لا يتجزأ، لعدم التصور أيضا، اذ لا يمكن أن يكون نصف الأمة مستولدا ونصفها الآخر غير مستولد، أما الاعتاق فأنه يتجزأ عند أبى حنيفة رضى الله عنه، لأن موجبه أولا وبالذات عنده هو زوال الملك عن الرقيق والملك يتجزأ قطعا وزوال الملك يتبعه زوال الرق، غير أن زوال الرق لا يثبت ولا يتحقق الا عند زوال الملك عن الكل ضرورة أن العتق قوة شرعية هى قدرة على التصرفات الشرعية من الولايات كالشهادة والقضاء والبيع وانكاح نفسه وبنته، ولا يتصور ثبوت هذه القوة فى بعض شائع منه، فاذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر عند أبى حنيفة بمعنى أن ملك المولى زال عن هذا البعض. لكن يتوقف زوال الرق وثبوت القوة الشرعية فى المملوك على زوال الملك عن الباقى.
أما الصاحبان فان الاعتاق عندهما لا يتجزأ لأن موجبه أولا وبالذات عندهما هو ازالة الرق واثبات القوة الشرعية للمملوك. وهما لا يتجزآن. فلو أعتق السيد بعض عبده كالنصف أو الثلث عتق كله وزال الرق عن جميعه وثبتت القوة الشرعية له كاملة.
فلا خلاف بين الامام وصاحبيه فى أن الملك وزواله يتجزآن ولا فى أن الرق وزواله لا يتجزآن.
وانما الخلاف فى حكم الاعتاق وموجبه أولا وبالذات فهو يرى أنه زوال الملك ولذا قال بالتجزى. وهما يريان أنه زوال الرق. ولذا قالا أنه لا يتجزأ.
والابراء من الدين يقبل التجزئة فله أن يسقط الدين كله وأن يسقط بعضه.
ولا يسقط الا ما أسقطه .. واسقاط حق الشفعة يقبل التجزئة فاذا قيل للشفيع أن المشترى هو فلان فسلم الشفعة ثم علم أن المشترى هو فلان مع غيره فله أن يأخذ نصيب هذا الغير لأن التسليم لم يوجد فى حقه .. ولو صالح الشفيع المشترى على أن يأخذ نصف المبيع بحصته من الثمن جاز الصلح.
وظاهر أن هذا الصلح أخذ بالشفعة فى النصف واسقاط لها فى النصف الآخر وكذا فى ظهور مشتر آخر والأخذ فى نصيبه وترك المشترى الذى أخبر به أولا وسلم بالنسبة هو أخذ بالشفعة فى البعض واسقاط لها فى البعض الآخر.
ومن هذا يتبين أن حق الشفعة يقبل التجزئة.
ولو جعل أرضه صدقة موقوفة وشرط غلتها لجماعة عينهم. فقال أحدهم لا أقبل غلة هذه السنة خاصة وأقبل ما كان من
الغلة بعد ذلك
…
فهذا جائز على ما قبل من ذلك وما رد.
وكذلك الوصية بالثلث يقبل الموصى له منها ما شاء ويرد ما شاء فالموقوف عليه فى الأول والموصى له فى الثانى ثبت لهما بالوقف والوصية حق تملك الغلة والموصى به. ولكل منهما قبول البعض. ورد البعض وهذا الرد هو اسقاط لحق التملك فى البعض بعد أن ثبت فى الكل.
ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة على بنى فلان على أن لى أن أخص من شئت منهم فهو كما قال وله أن يخص من شاء منهم
…
ولو قال لا أخص واحدا منهم هذه السنة جاز وكانت الغلة بينهم بالسوية فى تلك السنة. فهو بهذا قد أسقط حقه فى التخصيص الذى ثبت له بمقتضى الشرط فى مدة معينة وهى السنة التى ذكرها. فأسقاط حق التخصيص المشروط له مما يقبل التجزئة.
ولو قال: أرضى هذه صدقة موقوفة لله على أن لى أن أعطى غلتها لمن شئت من بنى فلان صح الوقف والشرط وله أن يعطى غلتها لمن شاء منهم ولو شاءهم جميعا ثم مات واحد منهم جاز له صرف حصته لمن شاء منهم دون غيرهم. وان أبطل مشيئته فى حصة هذا الذى مات صح وكانت للمساكين.
وهو بهذا قد أبطل حقه فى الادخال الذى ثبت له بمقتضى شرطه فى جزء من الغلة وهو نصيب من مات دون باقيها.
فاسقاط حق الادخال والاعطاء مما يقبل التجزئة.
وهكذا باقى الشروط المعروفة بالشروط العشرة فى الاصطلاح الحديث وهى:
الادخال والاخراج. والأعطاء والحرمان.
والزيادة والنقصان والتغيير والتبديل.
والابدال والاستبدال. هذه الشروط يقبل اسقاطها التجزئة فللواقف أن يسقطها بالنسبة لبعض الموقوف عليهم دون البعض الآخر. وبالنسبة لبعض الموقوف دون بعضه الآخر. وبالنسبة لزمان دون زمان.
وهذا عند من يقول بسقوط هذه الشروط بالاسقاط لأن هذا محل خلاف كبير بين فقهاء الحنفية
(1)
.
هذه جزئيات ومسائل وأمثلة مما ذكره فقهاء الحنفية وفصلوا أحكامه ترى فيها أمثلة لما يتجزأ فيه الاسقاط وأخرى لما لا يتجزأ فيه.
وبالتأمل فى هذه المسائل يتبين أن المراد من تجزى الاسقاط هو تجزؤ محله فى قبول حكمه وهو زوال الحق أو الملك وتلاشيه فيثبت فى بعضه دون البعض الآخر.
والمراد من عدم تجزى الاسقاط عدم تجزى محله فى قبول حكمه. فلا
(1)
الاشباه والنظائر لابن نجيم ص 174.
يثبت فى بعضه دون البعض بل يثبت فى الكل دفعة واحدة.
فالمدار على قبول محل الاسقاط لحكمه متجزئا وعدم قبوله.
فأن قبله قيل أن الاسقاط يتجزأ وأن لم يقبله قيل أنه لا يتجزأ ومحال الاسقاط مختلفة فى هذا المعنى ومن ثم كان من الاسقاطات ما يتجزأ وكان منها ما لا يتجزأ.
وليس لكل من النوعين ضابط بعينه ولا أصل محدد يقوم عليه .. والمرجع فى ذلك الى كل محل بخصوصه ومعرفة حكمه فى ذلك.
ويقول المالكية والشافعية والحنابلة أنه يصح الطلاق على مال والخلع نظير بدل. والعتق فى مقابله والعفو عن القصاص نظير مال. ويقع الطلاق ويحصل العتق ويسقط الحق فى القصاص ويثبت للمطلق وللسيد وللولى الحق فى المال والبدل.
ويقول المالكية انه يصح للحاضنة أن تسقط حقها فى الحضانة بعوض وبغير عوض ويقول الشافعية ان المعتدة من طلاق بائن لو أسقطت حقها فى السكنى لا يجوز سواء كان ذلك نظير عوض أو بدونه. واتفقوا على أنه لا يجوز اسقاط حق الخيار نظير عوض.
وفى تجزؤ الاسقاط يقول الائمة الثلاثة ان الاعتاق وهو اسقاط لملك الرقبة يتجزأ فلو أعتق بعض العبد أو حصته فيه عتق ما أراد، وفى حكم العتق تفصيل كثير. واتفقوا أيضا على ان الدائن يجوز ان يسقط عن المدين بعض دينه ويحتفظ بالباقى دون اسقاط وهذا هو تجزؤ الاسقاط واتفقوا على أن الطلاق لا يتجزأ فلو طلق زوجته نصف تطليقة أو أسند الطلاق ألى نصفها أو بعض منها وقع الطلاق كاملا فى كل الصور، وكذلك لو عفا بعض أولياء الدم عن حق القصاص دون بعض لا يتجزأ قطعا.
ومن ذلك يمكن القول بان رأى المالكية والشافعية والحنابلة فى مقابلة الاسقاط بالعوض وعدم مقابلته وفى تجزى الاسقاط وعدم تجزئه كالحنفية.
يقولون بمبدأ جواز الاعتياض عن الاسقاط وبمبدأ تجزى الاسقاط. مع الاختلاف الواسع فى التفاصيل وفى الفروع.
تعليق الاسقاط بالشرط واقترانه به
هناك تعليق على الشرط. مثل بعتك الدار ان رضى زيد. وأنت طالق ان دخلت منزل فلان. وأنت حر ان صمت رمضان.
وهناك اقتران بالشرط أو تقييد بالشرط مثل بعتك الدار على أن تقرضنى مبلغ كذا أو بشرط أن تقرضنى. وأنت طالق على أن لا تتزوجى فلانا أو بشرط أن لا تتزوجى فلانا وأنت حر على أن تخدمنى مدة حياتى.
وهناك اضافة الى الزمان المستقبل مثل أنت طالق غدا أو أول رمضان.
والتعليق يمنع انعقاد اللفظ المعلق سببا للحكم حتى يحصل الشرط فاذا حصل يصير اللفظ سببا ويوجد الحكم.
ومن ثم صح عند الحنفية تعليق طلاق الأجنبية على التزوج بها نحو: ان تزوجتك فأنت طالق لأن حقيقة التعليق وانتاج السبب للحكم لا يتم الا فى الملك.
أمام الاضافة فلا تمنع سببية اللفظ للحكم.
ويترتب على ذلك أنه لو علق بقوله:
ان جاء غد فلله على أن أتصدق بكذا فلا يجوز له أن يعجل التصدق قبل مجئ الغد لعدم تحقق الالتزام قبل ذلك نتيجة عدم انعقاد اللفظ سببا ولو أضاف بقوله: لله على أن أتصدق بكذا غدا يجوز له التعجيل بالتصدق قبل مجئ الغد لتحقق الالتزام بتحقق سببية اللفظ واذا حلف لا يطلق امرأته فأضاف طلاقها الى الغد حنث بمجرد الاضافة. وان علق الطلاق على مجئ الغد لا يحنث حتى يتحقق الشرط ويجئ الغد لما ذكرنا.
أما التعليق والاقتران بالشرط أو التقييد به فليس بينهما فرق من حيث النتيجة العملية وترتب الاحكام والآثار.
مذهب الحنفية:
وقد قال الحنفية أن الاسقاطات المحضة ان كانت مما يحلف به كالطلاق والعتق فلا خلاف فى صحة تعليقها على الشرط واقترانها به أيا كان الشرط صحيحا أو فاسدا متعارفا أو غير متعارف.
فان كان الشرط صحيحا ومتعارفا لزم وان كان فاسدا أو غير متعارف بطل وصح الاسقاط وكذلك لا خلاف فى صحة اضافته الى الزمان المستقبل ويتقيد به ومن ذلك اضافته الى ما بعد الموت نحو أنت حر بعد موتى ويكون بمنزلة الايصاء بالعتق.
وان كانت الاسقاطات المحضة مما لا يحلف به كاسقاط الكفالة والحوالة وحق الشفعة وحق الخيار فى خيار الشرط والعيب والصلح عن دم العمد والابراء عنه ونحو ذلك فانه يصح التعليق فيها على الشرط المألوف المتعارف وكذا الاقتران به وتصح اضافتها الى الزمان المستقبل.
غير أنه قد ورد فى بعض الكتب ما يشير الى وقوع خلاف فى جواز تعليق بعض هذه الاسقاطات كتسليم حق الشفعة واسقاط خيار الشرط والعيب.
فقد جاء فى الهداية
(1)
من باب الشفعة.
اذا صالح من شفعته على عوض بطلت ورد العوض لأن حق الشفعة لا يتعلق اسقاطه بالجائز من الشروط فبالفاسد أولى - فهذا صريح فى عدم جواز
(1)
الهداية وشروحها فتح القدير والعناية من باب الشفعة.
التعليق على الشرط مطلقا فى اسقاط حق الشفعة.
وعلق صاحب العناية فى شرحه للهداية على ذلك بقوله: ذكر الامام محمد فى الجامع الصغير أنه لو قال: سلمت الشفعة فى هذه الدار ان كنت قد اشتريتها لنفسك وقد اشتراها لغيره فهذا ليس بتسليم لأنه علقه بشرط وصح لأن تسليم الشفعة اسقاط محض كالطلاق فصح تعليقه بالشرط. فهذا صريح فى صحة تعليق اسقاط حق الشفعة على الشرط.
ووفق البعض بين هذه النقول بحمل ما فى الهداية على التسليم والاعراض لأنه بأخذ العوض قد أعرض عن الشفعة نهائيا وتبين أن لا مصلحة له فيها فبطلت وحمل ما فى غيرها على التسليم المشروط الذى يدل على ارتباط الحق لديه بالمصلحة فلم تبطل بالتعليق.
وفى اسقاط خيار الشرط والعيب عده صاحب التنوير والدر المختار مما يجوز تعليقه بالشرط وتقييده به واضافته الى المستقبل.
ولكن جاء فى البحر من باب خيار الشرط فان قلت: هل يصح تعليق ابطال هذا الخيار واضافته؟ قلت: قال فى الخانية: لو قال من له الخيار ان لم أفعل كذا اليوم فقد أبطلت خيارى كان باطلا ولا يبطل خياره.
وكذا لو قال فى خيار العيب: ان ام أرده اليوم فقد أبطلت خيارى ولم يرده اليوم لا يبطل خياره
…
ولو قال: أبطلت خيارى غدا. أو قال: أبطلت خيارى اذا جاء غد - ذكر فى الملتقى أنه يبطل خياره قال:
وليس هذا كالأول لأن هذا وقت يجئ لا محالة بخلاف الأول - ثم قال ولو كان الخيار للمشترى فقال ان لم أفسخ اليوم فقد رضيت أو ان لم أفعل كذا فقد رضيت - لا يصح بل يبقى خياره.
وبالنظر فيما ذكر يتبين أن هناك خلافا فى صحة تعليق اسقاط هذين الخيارين على الشرط وتقييده به واضافته الى المستقبل.
فبعضهم أجازه كما ورد فى التنوير والدر المختار.
وبعضهم منعه كما ورد فى البحر نقلا عن الخانية.
وفرق بين التعليق على شرط فيه حظر فلا يصح وشرط محقق الحصول فى المستقبل كمجئ الغد فيصح.
وقال بعضهم: ان هذا اذا كان الشرطان أو أحدهما للبائع أما اذا كان للمشترى فلا يصح مطلقا.
وغير ما ذكر مسائل أخرى يطول الكلام اذا أريد استعراضها.
غير أن ما جرت عليه المتون هو الذى ينبغى الأخذ به وهو ما ذكرنا من جواز
التعليق والتقييد والاضافة فى هذا النوع من الاسقاط بالشرط الصحيح المتعارف.
أما اذا كانت الاسقاطات ليست محضة بل كان فيها تمليك ولو من وجه كالابراء من الدين - فأنه يصح تعليقه وتقييده بالشرط المتعارف كما لو أبرأته مطلقته بشرط الامهار فانه يصح وصورته أن تكون مطلقة منه ولها عليه دين وعرض عليها أن يتزوجها وتبرئه من دينها عليه فتشترط عليه أن يمهرها فى هذا الزواج وتبرئه مما لها عليه ويتم ذلك ويقبل هو الامهار لأن الامهار فى الزواج متعارف وتعليق الابراء بشرط متعارف جائز. فان قبل الامهار وهم بأن يمهرها فأبت ولم تزوج نفسها منه لا يبرأ لفوات الامهار الصحيح.
ولو أبرأته المبتوتة بشرط تجديد النكاح بمهر ومهر مثلها مائة فلو جدد لها نكاحا بدينار فأبت لا يبرأ بدون الشرط.
أما تعليق هذا القسم على شرط غير متعارف فلا يجوز ولو كان صحيحا وتعليقه بالشرط الفاسد يبطله، لأنه تمليك من وجه فيعتبر بالتمليكات وهى لا يصح تعليقها بالشرط ويبطلها الشرط. الفاسد.
وعلق ابن عابدين على ذلك بأن الابراء ليس من مبادلة المال بالمال فينبغى ألا يبطل بالشرط الفاسد وكونه معتبرا بالتمليكات لا يدل الا على بطلان تعليقه بالشرط.
وكما يجوز تعليق هذا القسم وتقييده بالشرط المتعارف يجوز تعليقه بالشرط الكائن بالفعل وبالموت واضافته الى ما بعد الموت - لأن التعليق بالكائن تنجيز.
والتعليق بالموت والاضافة الى ما بعده وصية بالابراء والوصية بالابراء جائزة.
وفى تنقيح
(1)
الفتاوى الحامدية - سئل فى رجل قال لأجيره: ان أخرجتك من عندى فأنت برئ من الدين الذى لى عليك ويريد الآن اخراجه فهل لا يصح تعليق الابراء بالشرط؟ أجاب نعم لا يصح.
قال فى الكنز قبيل الصرف: ما يبطل بالشرط الفاسد ولا يصح تعليقه بالشرط أشياء عد منها الابراء من الدين. ومثله فى المتون والشروح.
وقد جاء فى الدر المختار شرح تنوير الابصار وحاشية ابن عابدين عليه وههنا أصلان.
أحدهما: أن ما كان مبادلة مال بمال يفسد بالشرط الفاسد كالبيع وما ليس مبادلة مال بمال بأن كان مبادلة مال بغير مال كالنكاح والطلاق والخلع على مال ونحوها. أو كان من التبرعات كالهبة والوصية لا يفسد بالشرط الفاسد.
وحقيقة الشروط الفاسدة هى زيادة ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه فيكون فيها فضل خال عن العوض وهو الربا. ولا يتصور ذلك فى المعاوضات الغير المالية ولا فى التبرعات بل يفسد الشرط ويصح التصرف.
ثانيهما: أن كل ما كان من التمليكات كالبيع
(1)
الفتاوى الحامدية ج 2 ص 40.
والاجارة والاستئجار والهبة والصدقة والنكاح والاقرار والابراء. أو التقييدات كالرجعة فيها تقييد للمرأة عما أطلق لها بالطلاق من حقوق الزوجية. وكعزل الوكيل وحجر العبد فيهما تقييد لما أطلق للوكيل والعبد بالوكالة والاذن من التصرف فى مال الموكل والمولى مما كان من قبيل التمليكات والتقييدات يبطل تعليقه بالشرط.
الا أن يكون شرطا كائنا بالفعل فانه يصح لأنه يكون تنجيزا والا أن يكون بملائم فى الابراء أو بالموت أو مضافا الى ما بعده.
أما الاسقاطات المحضة كالطلاق والعتق والالتزامات كالحج ونحوه مما يلتزم بالنذر فان كانت مما يحلف بها كالطلاق والحج فانه يصح تعليقها على الشرط مطلقا ملائما كان أو غير ملائم وان كانت لا يحلف بها من الاسقاطات كاسقاط حق الشفعة والالتزامات كما فى التزام ما لا يلزم شرعا. كأن يأذن لجاره بهدم جدار مشترك بينهما ويعلق هذا الأذن على شرط محافظة المأذون على دار الآذن وعدم اصابتها بضرر فان هذا التعليق غير صحيح ولا يلزم الشرط، ان كانت الاسقاطات والالتزامات كذلك فانه لا يصح تعليقها بالشرط.
وفى الاطلاقات كالأذن بالتجارة والولايات كالقضاء والامارة نحو ان وصلت الى بلد كذا فقد وليتك قضاءها أو امارتها.
والتحريضات نحو ان قتلت قتيلا فلك سلبه يصح تعليقها بالشرط الملائم وهو ما يؤكد موجب العقد - كما فى المثالين المذكورين.
وبمقارنه هذه النقول والأحكام يتبين أنه لا خلاف فى عدم صحة تعليق الابراء من الدين على الشرط ولا تقييده به ألا أن يكون شرطا ملائما متعارفا والا أن يكون التعليق على موت المبرئ وكذلك اضافته الى الزمان المستقبل لا تصح الا الى ما بعد الموت
(1)
.
مذهب المالكية:
أما المالكية فان الأرجح عندهم مراعاة جانب التمليك فى الابراء من الدين ومن ثم فانه لا يجوز عندهم تعليقه على الشرط اعتبارا بالتمليكات وقد تقدم أنهم يرون توقف الابراء على القبول وأنه يرتد بالرد تغليبا لجانب التمليك فيه على جانب الاسقاط
(2)
.
مذهب الشافعية:
وللشافعية فى الابراء قولان هل هو اسقاط أو تمليك؟
والترجيح مختلف فى الفروع. ومن هذه الفروع تعليق الابراء على الشرط.
والأصح مراعاة جانب التمليك بالنسبة لذلك فلا يصح التعليق ولم يفرقوا بين شرط وشرط.
وأما بالنسبة لتوقف الابراء على قبول
(1)
راجع فيما ذكر كله تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 4 ص 343، ص 362 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 99 الطبعة السابقة.
المبرأ وارتداده برده. فقد رجحوا جانب الاسقاط فيه ومن ثم قالوا لا يتوقف الابراء على قبول المبرأ ولا يرتد برده
(1)
.
مذهب الحنابلة:
وذهب الحنابلة الى أن الأصل فى الابراء أن يكون منجزا. واذا علق على شرط لم يصح ولا يترتب عليه أثره فلا يسقط الدين من غير فرق بين شرط وشرط وذلك لما فيه من معنى التمليك فهو معتبر بالتمليكات كالبيع والاجارة لا يجوز تعليقها على الشرط، مع أنه تقدم فى الكلام على قبول الاسقاط ورده أنهم ينظرون الى جانب الاسقاط فيه، ومن ثم ذهبوا الى أنه يتم بارادة المبرئ ولا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد.
والواقع أن فيه الجانبين جانب التمليك وجانب الاسقاط. والترجيح يختلف بالنسبة لفروع المسائل والأحكام فيها.
وأجاز الحنابلة تعليق الابراء على الموت واضافته الى ما بعد الموت لأنه يكون حينئذ وصية بالابراء من الدين. والوصية بالابراء من الدين جائزة وهم فى ذلك كالحنفية
(2)
.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية: يصح تعليق الابراء من الدين وتقييده به ولو كان الشرط مجهولا أو غير متعارف أو لا تتعلق به أغراض الناس
كتقييده بنزول المطر أو بهبوب الريح أو بنعيب الغراب أو تعليقه على شئ من ذلك مثل أن يقول الدائن لمدينه ابرأتك من دينى عليك بشرط نزول المطر وقت كذا أو عند نزول المطر أو اذا هبت الريح أو اذا نعب الغراب .. أو نحو ذلك.
واذا قيد الابراء بالشرط أو علق عليه فلا يجوز للدائن المبرئ الرجوع فيه قبل تحقق الشرط.
ويصح تعليق الابراء على الموت واضافته الى ما بعده عندهم ويكون حينئذ وصية بالابراء والوصية بالابراء جائزة عندهم كالحنفية والحنابلة
(3)
.
واذا كان اختلاف الفقهاء فى صحة تعليق الابراء على الشرط وعدم صحته مبنيا كما رأينا على ما فيه من معنى التمليك واعتباره بالتمليكات فى عدم صحة تعليقه على الشرط أو ما فيه من معنى الاسقاط واعتباره بالاسقاطات المحضة التى ليس فيها تمليك فان ذلك يدل دلالة صريحة على أن الاسقاطات المحضة يجوز تعليقها على الشرط دون تفصيل فى نوع الشرط الذى يصح التعليق عليه دون نظر الى تفصيل فى نوع الاسقاطات.
محل الاسقاط
يراد بمحل الاسقاط. الحق الذى يتعلق به الاسقاط ويرد عليه. وليست كل الحقوق
(1)
الاشباه والنظائر للسيوطى ص 187 وما بعدها.
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 478 وما بعدها طبع المطبعة الشرفية.
(3)
شرح الأزهار ج 4 ص 258 الطبعة السابقة.
صالحة لأن يتعلق بها الاسقاط أو يرد عليها بل هناك حقوق تصلح لذلك وحقوق لا تصلح له، وليس من السهل بل ليس من الميسور حصر جميع الحقوق التى تقبل الاسقاط والتى لا تقبلها وسرد هذه وتلك فى بيان يحددها أو تفصيل يحيط بها كما أنه ليس من المفيد تتبع المسائل والجزئيات فى أماكنها وجمعها دون ابراز ما تعبر عنه من ضوابط ومعان جامعة.
والحقوق بالنسبة لقبول الاسقاط وعدم قبوله تنقسم الى ثلاثة أقسام.
الأول: ما لا يقبل الاسقاط.
والثانى: ما يقبله.
والثالث: ما حصل فيه اختلاف بين فقهاء الحنفية فى قبوله الاسقاط وعدم قبوله.
ما لا يقبل الاسقاط
ما لا يقبل الاسقاط أنواع أربعة:
الأول: ملك الأعيان.
والثانى: حق الغير أو ما يتعلق به حق الغير.
والثالث: الأوصاف الذاتية وما يعتبر اسقاطه تغييرا لحكم الشرع.
والرابع: الحقوق التى لم تجب بعد.
وسنتكلم على كل نوع فيها بشئ من التفصيل.
ملك الأعيان
فى الخانية من باب الصلح: الابراء عن الأعيان لا يصح، وفيها من باب الشرب.
اذا قال صاحب المسيل: أبطلت حقى فى المسيل لا يبطل ذلك بالابطال لأن ملك العين لا يبطل بالابطال.
وفى المحيط البراءة عن الأعيان بالاسقاط والابراء باطلة. حتى لو قال أبرأتك عن هذه العين لا يصح لأن العين لا تقبل الاسقاط.
وفى الخانية من باب الغصب: الابراء عن العين المغصوبة ابراء عن ضمانها وتصير أمانة فى يد الغاصب بعد الابراء.
وفى الأشباه: اذا أسقط صاحب المسيل حقه فيه. ان كان يملك حق اجراء الماء فى المسيل دون رقبته سقط حقه بالاسقاط قياسا على حق السكنى. وان كان يملك رقبة المسيل لا يبطل ملكه بالابطال. ومثل ذلك فى تنقيح الفتاوى الحامدية
(1)
.
وفى موضع آخر نقل صاحب الأشباه نص الخانية وعقب عليه بقوله: قولهم الابراء عن الأعيان باطل معناه لا تكون ملكا للمبرأ بالابراء. والا فالابراء عنها بقصد سقوط الضمان عن المبرأ اذا كانت العين فى يده مضمونة صحيح ويسقط عنه الضمان بالابراء ويحمل على الامانة فلا تضمن الا بالتعدى عليها.
(1)
الاشباه والنظائر ص 174 والتنقيح ج 2 ص 236 من باب الشرب.
وعند الامام زفر لا يصح الابراء عن العين المغصوبة ولا يعتبر ابراء عن ضمانها وتبقى مضمونة.
فتبين مما ذكر أن اسقاط الأعيان لا يصح ولا يفيد زوال ملك المبرئ عن العين وثبوت الملك فيها للمبرأ وانما يصح الابراء عن ضمان العين أن كانت مضمونة على خلاف لزفر فى ذلك.
وفى الدر المنتقى أن الابراء عن نفس الأعيان باطل ديانة فلا تصير العين ملكا للمبرأ المدعى عليه بهذا الأبراء ولا يبرأ به عنها فيما بينه وبين الله تعالى واذا ظفر المبرئ بها أخذها ..
وصحيح قضاء فلا تسمع عليه الدعوى بها أمام القضاء بخلاف الابراء عن دعوى العين فانه يصح قضاء وديانة.
وفى البحر أن الابراء من العين باطل فلا يسقط به الملك ولا حق الدعوى.
وصحيح بالنسبة للضمان فلا يضمنها من هى فى يده.
وقال بعضهم أن الابراء عن العين لا يسقط به حق الدعوى اذا كان الخصم منكرا. أما اذا كان معترفا بالعين للمدعى فتسمع عليه الدعوى بها ويكون الابراء عنها معناه الابراء عن ضمان ردها.
وبهذا يحصل التوفيق بين ما فى الدر من سقوط الدعوى بالابراء عن العين وما فى البحر من عدم سقوط هذا الحق بهذا الابراء.
وخلاصة ما ذكر كله أن اسقاط نفس الأعيان على وجه الانشاء باطل من جهة فلا يسقط به الملك ولا تحصل به البراءة عنها ديانة وصحيح من جهة فيسقط به ضمانها ان كانت مضمونة كما فى الغصب وتنقلب أمانة على خلاف لزفر فى ذلك.
وكذلك يسقط بهذا الابراء حق الدعوى بالعين ان كان الخصم منكرا للعين أما ان كان معترفا بها فلا تسقط الدعوى بل تسمع عليه ويكون الابراء حينئذ عن ضمان الرد.
ويستثنى من عدم صحة اسقاط الأعيان أو ملك الأعيان العتق.
فانه اسقاط لملك رقبة الرقيق. وهذا اسقاط ملك العين أو اسقاط العين.
ومع ذلك فقد اتفق الفقهاء جميعا على صحة هذا الاسقاط. فيكون استثناء من الأصل وهو عدم صحة اسقاط الأعيان.
ويفرق الزيدية: أصلا بين العين المضمونة كالتى فى يد غاصبها فيصح الابراء منها ويعتبر ابراء عن ضمانها وهذا أحد قولى المؤيد بالله. وبين العين التى تعتبر أمانة فى يد من هى فى يده وليست مضمونة. والابراء فى هذه
يعد إباحة لها فيجوز لذى اليد أن يستهلكها بناء على هذا الابراء ويجوز لمالكها أن يرجع عن الابراء قبل استهلاكها.
وذهب بعضهم الى أن الابراء يعد اباحة لها مطلقا سواء كانت العين مضمونة أو أمانة.
وذهب بعض آخر الى أن الابراء من الأعيان يعتبر تمليكا للمبرأ لا فرق فى ذلك بين عين مضمونة على صاحب اليد عليها وعين هى أمانة فى يده، وليست مضمونة عليه
(1)
حق الغير أو ما تعلق به حق الغير
اذا كان الملك أو الحق ثابتا لشخص بطريق شرعى صحيح فلا يكون لأحد غيره أن يتصرف فى هذا الملك أو الحق ولا أن يسقطه لأنه لا ملك له فيه ولا صفة له حتى يتصرف فيه أو يزيله عن ملك صاحبه.
وقد يكون الحق ملكا للشخص ولغيره أو يكون للغير حق متعلق بالملك فلا يملك المالك حينئذ ابطال الحق ولا ازالته مراعاة لحق الغير. ويشمل هذا النوع مسائل متعددة منها الحدود والتعزير والعدة. والسكنى فى مسكن العدة.
ودعوى الطلاق والخلع وسائر فرق
الزواج والحضانة القائمة والوكالة اذا تعلق بها حق الغير.
وسنتكلم على كل مسألة من هذه المسائل على الترتيب المذكور.
الحدود:
يقسم الفقهاء الجرائم الى جرائم حدود. وجرائم تعزير.
والحد يطلق فى اللغة على المنع ومنه سمى الفاصل بين العقارين حدا لأنه يمنع اختلاطهما.
وفى الاصطلاح. هو العقوبة المقدرة من قبل الشارع حقا لله تعالى. فلا يسمى القصاص حدا لأنه حق العبد ولا يسمى التعزير حدا لأنه غير مقدر من قبل الشارع وأن كان مقدرا من قبل ولى الأمر .. فيجب أن يتوافر فى جرائم الحدود معنيان.
الاعتداء على حق الله تعالى. وأن تكون العقوبة مقدرة من الشارع.
وحق الله تعالى ما يمس المجتمع أى يكون الاعتداء فى الجريمة واقعا على المجتمع وماسا به سواء أكان بجانب ذلك اعتداء شخص على شخص كما فى السرقة فيها اعتداء على المسروق منه بأفزاعه وأخذ ماله، واعتداء على المجتمع بترويع الناس واشاعة الذعر والاضطراب والخوف فيهم، ومن ثم كانت اعتداء على حق الله
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 298، 299 الطبعة السابقة.
تعالى، وكما فى القذف فيه ناحية شخصية بسبب المقذوف وايذائه والتشهير به وأخرى اجتماعية بما يترتب على القذف بالزنى من اشاعة الفاحشة فى الذين آمنوا والاستهانة بجريمة الزنى وتهوين أمرها على الناس كما ذهب الى ذلك الحنفية.
على خلاف ما يرى الامام الشافعى رحمه الله تعالى من أن القذف حق العبد خالصا على ما سيأتى - أم لم يكن بجانب ذلك اعتداء شخصى كما فى الزنى والشرب وقطع الطريق. فأن هذه الجرائم الاعتداء فيها على حق الله تعالى أى على حق المجتمع مباشرة.
والأساس فى ذلك هو ملاحظة الجانب الشخصى فى الجريمة بجوار الجانب الاجتماعى وقوة أثر الجريمة فى المجتمع وضعفه.
فاذا كان اثر الجريمة بالنسبة للمجتمع أقوى من أثرها بالنسبة للشخص. فأن العقوبة التى قررها الشارع على هذه الجريمة وقدرها لها تكون حدا وحقا لله تعالى، لأنه الذى أوجد الشرع لحماية الفضيلة فى المجتمع.
وان كان أثرها بالنسبة للشخص أقوى وأوضح. تكون العقوبة المقررة والمقدرة جدا فيه حق للعبد بجواز حق الله تعالى.
وقد قالوا ان الحدود الخالصة لله تعالى وليس للعبد فيها حق هى: جريمة الزنى وشرب الخمر وقطع الطريق لأن الجانب الشخصى غير ملاحظ فيها ففى الزنا الاعتداء الشخصى بين الرجل والمرأة غير واضح بل فيه استمتاع وتلذذ ولكن ثمة اعتداء آخر هو الاعتداء على الأسرة، والاعتداء على النسل، والاعتداء على النظام الاجتماعى الذى نظم الله فيه العلاقة بين الرجل والمرأة وحصر اباحة التلاقى بينهما فى علاقة الزواج المقدسة التى سماها النبى صلى الله عليه وسلم كلمة الله - وفى الشرب يستمتع الشارب بالشرب ولا يعتدى على أحد به، ولكن فيه انتهاك للفضيلة الاسلامية واعتداء على العقل الذى شرف الله به الانسان على غيره. والخصومة ليست بشرط بالاتفاق فى الحدود الخالصة لله تعالى، فلا يتوقف الاثبات فيها على الدعوى، بل الشاهد فيها مدع، وتسمى هذه دعوى الحسبة أو شهادة الحسبة، لأن الاثبات لا بد أن تسبقه الدعوى الا فى هذه الحدود، فان الاثبات يسمع بدون دعوى فيها، فالزنى تسمع فيه الشهادة وتترتب عليها العقوبة وان لم تسبقها دعوى، وتسمى شهادة حسبة، وتقوم مقام الدعوى كما ذكر، وكذلك حد الشرب تكون الشهادة فيه حسبة وتقوم مقام الدعوى.
ولقد قال الكاسانى فى ذلك: لا خلاف فى أن الخصومة لبست بشرط فى حد الزنى
أو الشرب، لأنه خالص حق الله تعالى، والخصومة ليست بشرط فى الحدود الخالصة لله تعالى، لأنها تقام حسبة لله تعالى فلا يتوقف ظهورها على دعوى العبد، والجرائم التى للعبد فيها حق بجانب حق الله تعالى هى جريمة السرقة والقذف وان اختلفا من حيث قوة حق العبد فيهما، فان السرقة اعتداء على المال، والمال لا بد له من مالك فجانب الملكية المصونة المحرزة فى حرز مثلها جزء من ماهية الجريمة، والحد لا يثبت الا اذا تحققت الملكية المحترمة التى هى فى حرز مثلها، فالجانب الشخصى متحقق وثابت فى الجريمة والحد ملاحظ فى اثباته ذلك الجانب الشخصى.
ومن ثم قالوا ان حق العبد ثابت فى السرقة فى الابتداء وحق الله ثابت فى الحد فى الانتهاء وكان مقتضاه أن يكون الحد فيها حقا خالصا لله تعالى ولكن نظرا لأن اثبات ذلك لا يتحقق الا بعد تحريك الدعوى من المسروق منه والخصومة وطلب الحد كان للعبد نوع حق وان لم يكن غالبا.
واشتراط الدعوى والخصومة فى حد السرقة هو رأى الحنفية والشافعية وأكثر الحنابلة، لأنه لا بد لتحقق السرقة من كون المال مملوكا ومحترما ومحرزا فى حرز مثله ولم يبح للسارق، ولا يتحقق كل هذا الا اذا ادعى المسروق منه اذ عساه يكون قد أباحه له أو مكنه منه أو لم يكن فى حرز مثله وغير ذلك من احتمالات .. ومع هذه الاحتمالات لا يقام الحد للشبهة وسقوط الاستدلال.
وذهب المالكية وبعض الحنابلة الى أنه لا حاجة الى الدعوى فى السرقة من المسروق منه وذلك لعموم النص فى قوله تعالى «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ. وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» }.
(1)
والقذف جانب الحق الشخصى فيه أوضح منه فى جانب السرقة كما سبقت الاشارة اليه. وقد اتفقوا على أن الخصومة شرط فى ثبوت حد القذف اذا لم يكن أساسه الاتهام بالزنى فى مجلس القضاء.
ومع أن الحنفية يشترطون الدعوى والخصومة فى حد القذف - فانهم يقررون أن الأفضل للمقذوف أن يعفو.
يقول الكاسانى: الأفضل للمقذوف أن يترك الخصومة لأن فيها اشاعة الفاحشة والعفو عن الخصومة والمطالبة التى هى شرطها من الفضل والكرامة. وقد قال تعالى «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ»
(2)
واذا رفع الأمر الى القاضى يستحسن للقاضى أن يقول قبل الاتيان بالبينة أعرض عن هذا لأنه ندب الى الستر والعفو.
والحدود عند الحنفية وجبت حقا لله
(1)
الاية رقم 38 من سورة المائدة.
(2)
الاية رقم 237 من سورة البقرة.
تعالى فليس لأحد اسقاطها ولا العفو فيها اماما كان أو غيره.
ولا تجوز الشفاعة فيها بعد الوصول الى الحاكم والثبوت عنده بالدليل الشرعى البينة أو الاقرار أو النكول عند البعض فى بعض الحدود - حد القذف - لأنه حينئذ يكون طلبا لترك الواجب. ولذلك أنكر النبى صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد حين شفع فى المخزومية التى سرقت فقال «أتشفع فى حد من حدود الله؟» .
أما قبل الوصول الى الحاكم والثبوت عنده فتجوز الشفاعة عند الرافع له الى الحاكم ليطلقه لأن وجوب الحد قبل ذلك لم يثبت فالوجوب لا يثبت بمجرد الفعل بل يجب على الامام بعد الثبوت عنده.
ويروى فى ذلك أن جماعة شكوا لصا ليرفعوه الى عثمان رضى الله عنه فتلقاهم الزبير فشفع فيه فقالوا: اذا رفع الى عثمان فاشفع فيه فقال: اذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع
(1)
.
وقد صرح الامام الطحطاوى الحنفى بأنه تجوز الشفاعة فى الحد بعد الوصول الى الحاكم وقبل الثبوت عنده.
وحكم حد القذف عند الحنفية كحكم سائر الحدود لأن المغلب فيه حق الشرع فلا يجوز العفو فيه.
جاء فى الخانية: رجل قذف محصنة أو محصنا وأراد المقذوف حد القذف فصالحه القاذف على دراهم مسماة أو على شئ آخر على أن يعفو عنه ففعل لم يجز الصلح حتى لا يجب المال وهل يسقط الحد؟ ان كان ذلك قبل أن يرفع الأمر الى القاضى بطل الحد وان كان ذلك بعد ما رفع الى القاضى لا يبطل الحد - والرجل اذا قذف امرأته المحصنة حتى وجب اللعان ثم صالحها على مال على ألا تطلب اللعان كان باطلا ولا يجب المال - وعفوها بعد الرفع باطل وقبل الرفع جائز.
والمراد من الرفع الوصول الى الحاكم والثبوت عنده بالدليل.
وفيها أيضا: ولو أن رجلا أخذ سارقا فى دار غيره فأراد أن يدفعه الى صاحب السرقة بعد ما أخرج السرقة من الدار فصالحه السارق على مال معلوم حتى كف عنه كان باطلا وعليه أن يرد المال على السارق ولو كان هذا من صاحب السرقة لا يجب على السارق ويبرأ عن الخصومة اذا دفع السرقة الى صاحبها ولو كان هذا الصلح من صاحب السرقة بعد ما رفع الى القاضى. ان كان بلفظ العفو لا يصح بالاتفاق وان كان بلفظ الهبة والبراءة عندنا يسقط القطع.
وفيها أيضا: رجل زنى بامرأة رجل فعلم الزوج فأراد حدها فصالحاه معا أو أحدهما على دراهم معلومة أو شئ آخر على أن يعفو عنهما كان باطلا. لا يجب المال وعفوه باطل سواء كان قبل الرفع أو بعده.
(1)
السياسة الشرعية لابن تيمية ص 69.
وفيها أيضا والامام أو القاضى اذا صالح شارب الخمر على أن يأخذ منه مالا ويعفو عنه لا يصح الصلح ويرد المال على شارب الخمر سواء كان ذلك قبل الرفع أو بعده.
ويخلص من هذا كله أن الحدود التى تتوقف على الدعوى وهى حد السرقة وحد القذف لا يصح العفو فيها بعد الرفع الى الحاكم الا أن يأتى المدعى بما يبطل الدعوى ويسقط الخصومة التى هى شرط فى اقامة الحد. كهبة المسروق للسارق أو ابرائه منه. وبعد الرفع لا يصح العفو فى الحد لأن الحد صار ثابتا وهو حق الله أو حق الله فيه غالب فلا يملك اسقاطه - والمراد من الرفع الوصول الى الحاكم والثبوت عنده كما يؤخذ مما قالوه فى الشفاعة.
والاسقاط فى حالة اتيان المدعى بما يبطل الدعوى - ليس واردا على نفس الحد فى الواقع بل هو وارد على الدعوى والمخاصمة وهى خالص حقه. ويترتب على ذلك سقوط الحد لفوات الشرط وهو المخاصمة.
أما ما لا يتوقف على الدعوى كحد الزنا وشرب الخمر فلا يصح اسقاطه قبل الرفع ولا بعده لأنه ليس هناك دعوى حتى ينصرف الاسقاط اليها - فتعين أن يكون واردا على نفس الحد وهو خالص حق الله فلا يملك العبد اسقاطه.
وفى جميع الأحوال لا يجب المال لأنه اذا لم يصح الاسقاط كان أخذا للمال بلا مقابل واذا صح الاسقاط كان اسقاطا لحق الخصومة وهو حق مجرد لا يصح أخذ العوض عنه. فأخذ المال فى الحالين بغير حق وأكل لأموال الناس بالباطل وهو حرام.
أما عند الائمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد فأنه لا يجوز العفو مطلقا فى الحدود الخالصة لله تعالى وهى حد الزنى وشرب الخمر لا قبل الرفع الى الحاكم ولا بعده لأن المعتدى عليه فيهما هو حق الله تعالى أو بحسب التعبير الجارى هو المجتمع ولا مجنى عليه فى الحقيقة سواه. ولا يملك أحد أن يبطل حق الله ولا حق المجتمع.
أما حد السرقة وحد القذف فان الحق الشخصى ثابت وظاهر فيهما بلا ريب. اذ الأول اعتداء على مال الشخص وأمنه والثانى اعتداء على سمعته وكرامته فيتصور فيهما العفو. والعفو قبل الترافع الى القضاء يجوز فى حد السرقة بالاتفاق. واذا كان العفو فلا دعوى ولا عقوبة.
وقد كان بعض الصحابة وكثير من الفقهاء يستحسنون الشفاعة لدى المجنى عليه قبل الترافع فيها الى الحاكم ليكون العفو منه عملا بقوله تعالى «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ»
(1)
ولأنه من قبيل الستر. وستر الجرائم مستحسن دائما فى الاسلام اذ الجريمة المعلنة تدعو الى
(1)
الآية رقم 199 من سورة الاعراف.
الجريمة وسبب لاشاعة نوعها، ولأن التسامح مع الجانى قد يؤدى الى توبته.
أما العفو بعد الترافع الى الحاكم وقبل الاثبات واقامة الدليل عنده فهو جائز كذلك بالاتفاق، وموضع النظر هو العفو بعد الرفع الى الحاكم والثبوت عنده بالدليل وقبل اقامة الحد والتنفيذ بالفعل .. اذ وقع خلاف فى جواز العفو فى هذه الحالة.
وأرجح الأقوال أنه لا يجوز العفو.
وقد تقدم أن الحنفية يقولون أن المدعى اذا أتى فى هذه الحالة بما يبطل الدعوى كتمليك المسروق للسارق أو ابرائه منه يسقط الحد لفوات شرط الخصومة، والاسقاط فى ذلك وارد فى الحقيقة على الدعوى والمخاصمة لا على الحد كما ذكر سابقا.
ولكن الأئمة الثلاثة قالوا ان تمليك المسروق من السارق بعد ثبوت الحد لا أثر له فى اسقاط الحد لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقام الحد بالفعل على سارق بعد أن تصدق المسروق منه عليه بما سرق.
جاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلى
(1)
أن السارق اذا ملك العين المسروقة بهبة أو بيع أو غيرهما من أسباب الملك. لم يخل من أن يملكها قبل رفعه الى الحاكم والمطالبة بها عنده أو بعد ذلك فان ملكها قبله لم يجب القطع لأن من شروطه المطالبة بالمسروق وبعد
زوال ملكه لا تصح المطالبة. وأن ملكها بعده لم يسقط القطع وبهذا قال مالك والشافعى واسحاق.
وقال أصحاب الرأى يسقط لأنها صارت ملكه فلا يقطع فى عين هى ملكه كما لو ملكها قبل المطالبة بها لأن المطالبة شرط والشروط يعتبر دوامها ولم يبق لهذه العين مطالب.
ولنا ما روى الزهرى عن ابن صفوان عن أبيه أنه نام فى المسجد وتوسد رداءه فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه الى النبى صلى الله عليه وسلم فأمر به النبى أن يقطع. فقال صفوان يا رسول الله لم أرد هذا. ردائى عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهلا قبل أن تأتينى؟.
واذا أقر المسروق منه بملكية العين المسروقة للسارق سقط الحد بالاجماع لانهيار جريمة السرقة حينئذ اذ قد وقع الأخذ على ملكه ولا عبرة بتناقض المدعى فى ادعائه السرقة ومطالبته بالحد قبل الاقرار لامكان التوفيق فى ذلك بأن يكون قد اشترى العين المسروقة من شخص ثم تبين أن هذا الشخص البائع كان قد اغتصبها من الشخص الذى اتهم بالسرقة ولم يكن مدعى السرقة يعلم بذلك ثم علم.
أما حد القذف فانه يجوز العفو فيه عند الشافعية والحنابلة ولو بعد الرفع الى الامام بل انه يجوز العفو عند الشافعية
(1)
من المغنى لابن قدامة الحنبلى ومن الشرح الكبير ج 8 ص 269 الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
ولو بعد الحكم وقبل التنفيذ بل فى أثناء التنفيذ اذا صدر العفو لا يكمل الحد لأنه خالص حق العبد أو حق العبد فيه غالب لأن سبب وجوب هذا الحد هو القذف والقذف جناية على عرض المقذوف بالتعرض له وعرضه حقه. والحد بدل حقه فله أن يعفو عنه بدليل أن بدل نفسه يقبل العفو وهو القصاص فى العمد والدية فى الخطأ.
واشتراط الدعوى فيه يؤيد ذلك اذ الدعوى لا تشترط فى حقوق الله تعالى.
وقال المالكية: لا يجوز العفو عن حد القذف الا أن يريد المقذوف الستر على نفسه.
وقد جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى أنه قد اختلف فى جواز عفو المقذوف عن القاذف فقال بعض الفقهاء انه يجوز وقال آخرون أنه لا يجوز ولا عفو فى ذلك لأحد لقول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه:
لا عفو فى الحدود عن شئ منها بعد أن تبلغ الامام فان اقامتها من السنة.
وروى هذا عن الحسن البصرى وهو قول الأوزاعى.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز العفو عن الحد فى القذف.
وروى عن أبى يوسف فى أحد قوليه وعن الشافعى وأصحابه وابن حنبل وأصحابه أن العفو فى ذلك جائز قبل رفع الأمر الى الامام وبعد بلوغه اليه.
وقال مالك لا يجوز العفو عن حد القذف الا أن يريد المقذوف سترا على نفسه مخافة أن يثبت عليه ما رمى به.
ثم اختار ابن حزم أن حد القذف من حقوق الله تعالى لا مدخل للمقذوف فيه أصلا ولا عفو له
(1)
.
بقى بعد ذلك الكلام عن أثر التقادم فى اسقاط الحدود وهل تسقط الحدود بالتقادم أو لا تسقط وهو من صميم الحديث فى الاسقاط غاية الامر أنه اسقاط من جانب الشارع عند من يقول أن التقادم يسقط الحد وليس اسقاطا من جانب الشارع عند من يقول أنه لا يسقطه.
جاء فى فتح القدير لكمال الدين بن الهملم فى فقه الحنفية
(2)
الحاصل أن فى الشهادة بالحدود القديمة والاقرار بها أربعة مذاهب.
الأول: رد الشهادة بما عدا حد القذف من الحدود القديمة وعدم قبولها. وقبول الاقرار بتلك الحدود وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف.
الثانى: رد الشهادة بما عدا حد القذف من الحدود القديمة وقبول الاقرار بتلك الحدود عدا حد الشرب. وهو قول محمد ابن الحسن الشيبانى.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 11 ص 288 الطبعة السابقة.
(2)
فتح القدير شرح الهداية وبهامشه العناية ج 4 ص 162 الطبعة السابقة.
الثالث: قبول الشهادة والاقرار بجميع الحدود القديمة كالحدود الجديدة على السواء وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد.
الرابع: رد الشهادة والاقرار بجميع الحدود القديمة ونقل هذا عن ابن أبى ليلى.
ويتبين من هذا أن الأئمة الثلاثة مالكا والشافعى وأحمد يقولون أن التقادم لا أثر له بالنسبة للحدود القديمة كلها فلا يمنع قبول الشهادة عليها ولا قبول الاقرار بها وأن الشهادة على الجريمة القديمة كالشهادة على الجريمة الحديثة لا فرق بينهما وكذلك الاقرار بالجريمة القديمة كالأقرار بالجريمة الحديثة لا فرق بينهما ويحتجون على رأيهم بأمرين.
أحدهما: أن الشهادة على ما يوجب الحد والاقرار به كالشهادة على غيره من حقوق العباد والاقرار به سواء أكانت أموالا أم دماء. وبما أن التقادم لا يسقط العقوبة فى تلك الجرائم غير الحدود ولا يمنع سماع الشهادة فيها ولا قبول الاقرار بها فكذلك التقادم هنا فى الحدود لا يمنع قبول الشهادة والاقرار.
ثانيهما: أن أساس قبول الشهادة فى الحقوق هو الصدق والتأخير لا يؤثر فى صدق الشهادة ما دام الشهود عدولا لم تعلق بعدالتهم ريبة واحتمال الطعن أو التهمة مجرد افتراض لا يصح أن ترد به الشهادة فان رد شهادة العدل يجب أن يبنى على أمور متيقنة تقدح فى العدالة ولا يبنى على أمور غير متيقنة بل ولا مظنونة وانما هى مفترضة افتراضا.
ونوقش هذا الاستدلال أولا: بالمنع:
فأن الشخص لو أخر الشهادة فى حقوق العباد بعد طلب المدعى بلا عذر يعد فاسقا ولا تقبل شهادته من بعد .. وعلى فرض التسليم بأن التأخير لا يمنع من سماع الشهادة فى حقوق العباد - فان حقوق العباد لا تسقطها الشبهات ولا تؤثر فى وجوبها وثبوتها بخلاف الحدود فانها تدرأ بالشبهات عملا بقول النبى صلى الله عليه وسلم: أدرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» ولذلك اذا تأخرت الشهادة فى السرقة سمعت بالنسبة لاثبات المال والضمان ولا تسمع بالنسبة لاقامة الحد. فلم تقبل الشهادة باثبات السرقة المتقادمة فى حق الحد لأنه حق الله والتقادم يمنع الشهادة به للتهمة والحد لا يثبت مع الشبهة وقبلت فى حق المال ويضمنه لعدم التهمة والمال يثبت مع الشبهة.
وكل ذلك بشرط ألا يدعى الشهود ويتأخروا من غير عذر والا فانهم لا شهادة لهم.
ونوقش ثانيا: بأن الحدود تقوم على أساس نفى التهمة لقطع الشبه المؤثرة فى اسقاط الحد بالحديث والتهمة هنا أثر خفى نفسى جاء من التأخير بدون عذر ولا سبب والامور الخفية النفسية لا يلغى اعتبارها فى الحدود .. ولانه لا اطلاع على
ما فى النفس فأقيمت مدة التقادم مقام ذلك الأمر النفسى فى الدلالة.
وفى بيان ذلك يقول الزيلعى فى تبيين الحقائق
(1)
والحكم يدار على كونه حقا لله تعالى فلا تعتبر التهمة فى كل فرد من أفراده اذ التهمة أمر باطن لا يوقف عليه فيكتفى بالصورة لأن الحد يسقط بصورة الشبهة كما يسقط بمعناها.
أما رأى الأمامين أبى حنيفة وأبى يوسف فأنه يتكون من شقين.
الأول: عدم سماع الشهادة بالحدود القديمة.
والثانى: قبول الاقرار بتلك الحدود.
أما عن الشق الأول فان القول فيه مقصور على منع سماع الشهادة فى الزنى والشرب والسرقة بخلاف القذف لأنه حق العبد وأن كان لله تعالى حقا فيه كما سبق والحجة فى هذا الشق أن التأخير جعل الشاهد متهما. لأن الشاهد مأمور من قبل الشارع أمرا فوريا بأحد أمرين كلاهما حسبة لله تعالى عليه.
أولهما: أداء الشهادة لاقامة حد الله تعالى ومنع الفساد فى الأرض وتثبيت دعائم الدين والفضيلة.
وثانيهما الستر عملا بقوله صلى الله عليه وسلم «من ستر على مسلم ستره الله فى الدنيا والآخرة» ولمنع أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا باعلان الخصومة لقوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ»
(2)
وهو مخير بين هذين النظرين.
والواجب أن يختار فورا فأن تأخر بدون عذر حتى مضت مدة تقادمت فيها الجريمة ثم أقدم على الشهادة كان اقدامه مظنة عداوة تحركت أو حقد طرأ فصار متهما.
ويؤثر عن الخليفة عمر فى ذلك فيما رواه عنه الامام محمد «أيما شهود شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته فأنما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم» واذا كان الشهود قد صاروا بالتأخير متهمين على هذا النحو فأن شهادتهم تكون مردودة ولا تقبل لقول النبى صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين أى متهم ومن ثم كان التقادم فى الحدود مانعا من سماع الشهادة فيها.
أما الاقرار فى هذه الحدود الثلاثة فأنه يقبل ويثبت ويقام به الحد عند الشيخين لأن الاقرار تنتفى فيه تهمة الضغن لأنه يخبر عن نفسه والذى يخبر عن نفسه لا يتهم فى قوله خصوصا اذا كان قوله هذا يؤدى الى تلك العقوبة القاسية فمظنة أثارة الأمر للتهمة منتفية. ويستوى فى ذلك الاقرار بالزنى أو السرقة أو الشرب.
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي وحاشية الشلبى عليه ج 3 ص 188 طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر سنة 1313 هـ.
(2)
الاية رقم 19 من سورة النور.
وحجة الامام محمد فى استثناء حد الشرب من قبول الاقرار بالحدود القديمة فلم يقبل الاقرار به اذا تقادم - أن حد الشرب ليس منصوصا عليه فى كتاب الله ولا فى السنة الصحيحة، وانما ثبت باجماع الصحابة رضوان الله عليهم وقد كان اجماعهم فى شارب أتى به وأثر الخمر ما زال فيه.
أما اذا كانت آثار الخمر قد ذهبت ولم يبق فيه أثر لها فقد خالف فى اقامة الحد عليه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وما كان الاجماع لينعقد مع مخالفة هذا الصحابى الجليل. فلم يكن هناك اجماع على ثبوت الحد فى تلك الحالة، وعلى ذلك يكون التقادم مانعا لاقامة الحد فى الشرب سواء أكان طريق ثبوته البينة اتفاقا مع الشيخين فى ذلك أم كان طريق ثبوته الاقرار عملا بما ذكر لأن التقادم يذهب بأثر الشرب كله رائحة وسكرا.
ثم التقادم كما يمنع قبول الشهادة فى الحدود القديمة على النحو المذكور ويسقط الحد فى الابتداء وقبل الحكم بالحد - فأنه يمنع اقامة الحد بالفعل بعد الحكم به - فاذا رفع الأمر فى حد من الحدود الثلاثة الزنى أو الشرب أو السرقة الى الحاكم وثبت عنده بالدليل وحكم الحاكم بالحد ثم تأخر التنفيذ مدة تقادم بها الحكم يسقط الحد بهذا التقادم. وهذا رأى أبى حنيفة والصاحبين أبى يوسف ومحمد.
وقال زفر من الحنفية والأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد أن التقادم لا أثر له مطلقا على الحد ولا يسقط بعد الحكم به.
جاء فى فتح القدير على الهداية للكمال ابن الهمام الحنفى ثم التقادم كما يمنع قبول الشهادة فى الابتداء يمنع الاقامة بعد القضاء عندنا خلافا لزفر حتى لو هرب بعد ما ضرب بعض الحد ثم أخذ بعد ما تقادم الزمان لا يقام عليه الحد. وقول زفر هو قول الأئمة الثلاثة.
واختلف فى تحديد مدة التقادم المؤثر فى سقوط الحد على أقوال.
فعن أبى حنيفة أن الأمر فى تقدير المدة مفوض لرأى الحاكم وفى كل عصر يقدرها بالقدر الذى يراه معتبرا فى تقدير الاعذار ومدى تأثيرها فى المدة لأن الوقائع تختلف والبلدان تختلف أعرافها وأحوالها فكان التقدير متعذرا فيترك التقدير للحاكم.
وقيل أن مدة التقادم ستة أشهر. فقد ذكر الكمال فى الفتح أن محمدا أشار فى الجامع الصغير الى أن التقادم ستة أشهر حيث قال: شهدوا بعد حين وقد جعلوه عند عدم النية ستة أشهر على ما تقدم فى الأيمان.
وقيل انها شهر لأنه فرق ما بين العاجل والآجل فيما لو حلف أن يؤدى دينه عاجلا اذ قالوا: يجب أن يؤديه فى أقل من شهر هذا كله فى الحدود.
أما فى القصاص فقد أجمع الفقهاء على أن الحق فيه للعبد لأولياء المقتول وهو
مخير بين القصاص والعفو بعوض أو بغير عوض.
قال ابن عابدين من الحنفية فى تنقيح الفتاوى الحامدية من الجنايات: ويسقط القود بموت القاتل وبعفو الأولياء وبصلحهم على مال ولو قليلا.
وقال المالكية ان الواجب فى القتل العمد أما القصاص وأما عفو الأولياء كما ذكر ذلك ابن القاسم وقال أشهب أن الأولياء مخيرون فى القصاص وأخذ الدية والعفو على غير شئ
(1)
.
وعند الشافعية رأيان.
الأول: أن الواجب القصاص والدية بدل عنه.
والثانى: أنهما يجبان ابتداء والولى مخير فيهما وللولى العفو فى جميع الحالات.
وقال الحنابلة أن الواجب فى هذا القتل القود أو الدية فيخير الولى بينهما وان عفا مجانا فهو أفضل
(2)
.
وقال ابن حزم أن ولى المقتول فى القتل العمد الواقع على مسلم مخير بين القتل والعفو أحب القاتل أو كره ولا رأى له فى ذلك
(3)
.
وفى مذهب الزيدية: أن القصاص فى القتل
العمد يسقط بعفو ولى المقتول عن القاتل
(4)
.
وعند الإمامية: أن لولى المقتول عمدا أن يعفو عن القاتل ولو تعددوا وعفا البعض لم يقتص الباقون حتى يردوا عليه نصيب من عفا. ومن لاولى له فالامام ولى دمه وله المطالبة بالقود أو الدية. وهل له العفو؟ المروى
(5)
: لا.
وفى مذهب الإباضية: أن الجناية تورث لعاصب فله أن يقتل قصاصا وله أن يعفو وله أن يأخذ الدية
(6)
.
أثر التقادم بالنسبة للحقوق والديون
هذا هو أثر التقادم بالنسبة للحدود وتلك هى أراء الفقهاء فيه.
أما بالنسبة للديون والحقوق المالية التى تقبل الاسقاط بالانشاء والتنازل، فان الأمر يختلف فيها.
ويكاد الفقهاء يتفقون على أن التقادم لا يسقط نفس الحق المالى ولا يؤثر فيه ديانة أى فيما بين العبد وربه، ولكنهم يختلفون فى ذلك من وجهة القضاء وسماع الدعوى بالحق، ويختلفون فى مدة التقادم والشروط التى يجب أن تتوافر ليعمل التقادم عمله ويمنع من سماع الدعوى بالحق عند من يقول به.
(1)
العقد المنظم للحكام ج 2 ص 263.
(2)
الاقناع ج 4 ص 187 الشيخ الاسلام الحجاوى المقدسى طبع المطبعة المصرية بالازهر.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 360 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 5 ص 215 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1366 هـ.
(5)
المختصر النافع ص 314، ص 324.
(6)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 2 ص 618، 622 طبعة البارونى.
جاء فى الدر المختار شرح تنوير الأبصار فى فقه الحنفية
(1)
: القضاء مظهر لا مثبت ويتخصص بزمان ومكان وخصومة حتى لو أمر السلطان بعدم سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة فسمعها لم ينفذ ..
قلت فلا تسمع بعدها الا بأمر الا فى الوقف والارث. ووجود عذر شرعى وبه أفتى المفتى أبو السعود.
وجاء فى تعليق ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار على الدر المختار على ذلك ونقل فى الحامدية فتاوى من المذاهب الأربعة بعدم سماع الدعوى بعد النهى المذكور
وأشار الى اختلاف النقل فى استثناء الارث كما ذكر صاحب الدر وعدم استثنائه.
ثم قال: ان عدم سماع الدعوى بعد هذه المدة انما هو لنهى السلطان عن سماعها فيكون القاضى معزولا عن سماعها لأن القضاء يتخصص وسبب النهى قطع الحيل والتزوير فلا ينافى ما فى الأشباه من أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان.
ولذلك قالوا أنه يجب على السلطان الذى نهى قضاته عن سماع الدعوى بعد هذه المدة أن يسمعها بنفسه أو يأمر بسماعها لئلا يضيع حق المدعى
والظاهر أن هذا حيث لم يظهر من المدعى امارة التزوير وعدم سماع القاضى
الدعوى فى هذه الحالة انما هو عند انكار الخصم للحق فلو اعترف به تسمع الدعوى كما يعلم من فتوى المولى أبى السعود اذ لا تزوير مع الاقرار ولا يكون عدم السماع الا حيث يتحقق ترك صاحب الحق الدعوى به هذه المدة فلو ادعى اثناءها لا يمنع بل تسمع دعواه ثانيا، ما لم يكن بين الدعوى الأولى والثانية هذه المدة.
والدعوى لا تكون الا فى مجلس القضاء أما مجرد المطالبة خارج مجلس القضاء فلا يعد دعوى ولا يقطع التقادم.
ولا تبدأ المدة التى تمنع من سماع الدعوى ألا بعد ثبوت حق الطلب، فلو مات زوج المرأة أو طلقها بعد عشرين سنة من وقت الزواج فلها طلب مؤخر الصداق لأن حق طلبه انما يثبت لها بعد الموت أو الطلاق لا من وقت الزواج، ولو أخر دعوى الحق على المدين المعسر خمس عشرة سنة ثم أيسر وثبت يساره يكون له الحق فى الادعاء عليه لأن حق الطلب انما يثبت من وقت اليسار.
ونظير ذلك ما لو ادعى زيد على عمرو بدار فى يده فقال له عمرو كنت اشتريتها منك من عشرين سنة وهى فى ملكى الى الآن وكذبه زيد فى الشراء فتسمع دعوى عمرو الشراء من زيد وتقبل بينته على ذلك بعد مدة
(1)
الدر المختار شرح تنوير الابصار وحاشية ابن عابدين عليه ج 4 ص 356 من كتاب القضاء الطبعة السابقة.
العشرين سنة، لأن الدعوى انما توجهت عليه الآن وأصبح مطالبا باثبات ملكيته الدار من الآن، وقبل ذلك كان واضع اليد بلا معارض فلم يكن مطالبا باثبات الملكية فلم يكن تاركا للدعوى فى تلك المدة، وانما تبدأ مدة التقادم من وقت معارضة زيد له فى الملكية.
وكذلك لو استأجر شخص دارا موقوفة من ناظر الوقف وكان ينفق على عمارتها واصلاحها من ماله ليكون دينا على الوقف ولا يطالب به ما دام فى الدار فاذا خرج منها فله الدعوى على الناظر بهذا الدين وان طالت مدة مكثه فى الدار عشرين سنة حيث جرت العادة بأنه لا يطالب بالدين قبل خروجه ولا سيما اذا كان يقتطع بعض الدين من أجرة الدار المستحقة عليه.
ولا يسقط حق الشخص فى رفع الدعوى بعد هذه المدة اذا كان هناك عذر منعه من رفعها خلال المدة كما اذا كان المدعى عليه ظالما يخاف منه أو دائنا له يخشى مطالبته بالدين وهو غير قادر عليه. أو معسرا أو كان المدعى صغيرا أو عديم الأهلية وليس له ولى ولا وصى - وكذا غيبة المدعى أو المدعى عليه.
وأعذار كثيرة لم تحصر وقد استثنوا الغائب والوقف والارث ولم يبينوا مدة فتسمع من الغائب ولو بعد خمسين سنة وكذا الظاهر فى باقى الأعذار أنه لا مدة لها لأن بقاء العذر وان طالت مدته يؤكد عدم التزوير بخلاف الوقف فانه لو طالت مدة دعواه بلا عذر ثلاثا وثلاثين سنة لا تسمع كما أفتى به فى الحامدية أخذا مما ذكره فى البحر فى كتاب الدعوى عن ابن الغرس عن المبسوط.
اذا ترك الدعوى ثلاثا وثلاثين سنة ولم يكن مانع من الدعوى ثم ادعى لا تسمع دعواه لأن ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا.
وفى جامع الفتوى عن فتاوى العتابى.
قال المتأخرون من أهل الفتوى: لا تسمع الدعوى بعد ست وثلاثين سنة الا أن يكون المدعى غائبا أو صبيا أو مجنونا وليس لهما ولى أو المدعى عليه أميرا جائرا.
ونقل عن الخلاصة لا تسمع بعد ثلاثين سنة.
ثم لا يخفى أن هذا ليس مبنيا على المنع السلطانى بل هو منع من الفقهاء فلا تسمع الدعوى بعده وان أمر السلطان بسماعها.
وسماع الدعوى قبل مضى المدة المحدودة مقيد بما اذا لم يمنع منه مانع آخر يدل على عدم الحق ظاهرا، لما قالوه من أنه لو باع عقارا أو غيره وامرأته أو أحد أقاربه حاضر يعلم به ثم ادعى هذا الحاضر ابنه مثلا أن المبيع ملكه لا تسمع دعواه وجعل سكوته كالافصاح قطعا للتزوير والحيل بخلاف الأجنبى فان سكوته ولو جارا لا يكون رضا الا اذا سكت وقت البيع والتسليم وتصرف المشترى فيه زرعا وبناء فلا تسمع
دعواه على ما عليه الفتوى قطعا للأطماع الفاسدة. ولم يقيدوا فى ذلك بمدة.
وقد أفتى البعض فيمن له بيت يسكنه مدة تزيد على ثلاث سنين ويتصرف فيه هدما أو عمارة مع اطلاع جاره على ذلك بأنه لا تسمع دعوى الجار عليه البيت أو بعضه على ما عليه الفتوى ..
وظاهر مما ذكر - أن الحق نفسه لا يسقط بمضى المدة مطلقا طالت المدة أو قصرت. وان من عليه الحق يجب أن يؤديه الى صاحبه فيما بينه وبين الله تعالى اذا كان فى ذمته ومقرا به. وان الأمر كله يتعلق بحق المطالبة بهذا الحق ورفع الدعوى به أمام القضاء.
وجملة القول فى ذلك: أولا: اذا أمر السلطان قضاته بعدم سماع الدعوى التى مضى عليها خمس عشرة سنة بأن يضمن قانونا للمحاكم هذا النهى - بما له من الحق فى ذلك بناء على قاعدة تخصيص القضاء بالزمان والمكان والخصومة.
فانه يجب عليهم شرعا أن يمتثلوا هذا الأمر ولا يحق لهم أن يسمعوا هذه الدعاوى ولا شيئا منها بصفتهم قضاة الا بأمر من السلطان يصدر اليهم بالسماع - ويعتبرون معزولين بالنسبة لما صدر النهى عن سماعه ولا يسقط الحق نفسه بهذا النهى، ولذلك يجب على من عليه الحق أن يؤديه لصاحبه فيما بينه وبين الله تعالى:
ويجب على السلطان أن يسمع هذه الدعاوى بنفسه، أو يأمر من يسمعها، لئلا يضيع الحق على صاحبه.
والسبب فى صدور مثل هذا النهى هو القضاء على الحيل وقطع دابر التزوير، لأن الظاهر يكذب مثل هذه الدعوى ويوحى بأنها لا تقوم على أساس من الحق فليس من المعتاد أن يسكت صاحب حق عن المطالبة بحقه مدة كهذه بدون عذر.
واستثنوا من ذلك الوقف والارث ومال اليتيم والغائب لطبيعة هذه الدعاوى وظروفها فلا يكفى مضى هذه المدة للنهى عن سماعها.
ثانيا: بالنسبة للوقف والارث ولما استثنى من النهى السلطانى المذكور - وفى حالة ما اذا لم يصدر نهى من ولى الأمر مطلقا. ومضت مدة طويلة تحمل على الاعتقاد بعدم أحقية الدعوى بعدها وتوحى بتكذيب الظاهر لها لا يجوز سماع أى دعوى بأى حق بعد مضى تلك المدة الطويلة.
وقد اختلف الفقهاء فى تقدير هذه المدة. فقدرها بعضهم بثلاثين سنة.
وقدرها بعض آخر بثلاث وثلاثين سنة.
وقدرها بعض ثالث بست وثلاثين سنة والأكثرون على التقدير الوسط - وهو ثلاث وثلاثون سنة.
وعدم سماع الدعوى بعد مضى هذه المدة بناء على آراء الفقهاء واجتهادهم لا على النهى السلطانى.
والأساس فى هذا وذاك هو القضاء على التزوير وقطع دابر الاحتيال والفساد
وتبدأ المدة فى الحالتين من تاريخ ثبوت حق المطالبة بالحق لصاحبه لا من تاريخ ثبوت الحق نفسه.
فبالنسبة لمؤخر صداق الزوجة يثبت الحق للزوجة فى الصداق كله مقدمه ومؤخره بالعقد ومن تاريخ حصوله ولكن لا يثبت لها الحق فى المطالبة بالمؤخر منه الا بعد الطلاق أو الموت. فتبدأ مدة التقادم من تاريخ الطلاق أو الموت لا من تاريخ عقد الزواج.
ويشترط لأعمال التقادم وترتب أثره عليه وهو سقوط الحق فى رفع الدعوى بعد مضى المدة فى الحالتين المذكورتين أن يكون صاحب الحق قد ترك الدعوى بحقه طول المدة مع تمكنه من رفعها فيها، والا يكون هناك عذر شرعى لديه فى عدم رفعها، وأن يكون الذى عليه الحق منكرا له فى تلك المدة - فلو لم يتمكن من رفع الدعوى فى المدة أو كان لديه عذر منع من رفعها فيها أو كان من عليه الحق مقرا به فى المدة. فلا يسقط الحق فى رفع الدعوى بل يكون من حقه رفعها الا أن تمضى مدة أخرى وتتوفر الشروط والأوضاع ليسقط الحق اذن.
وقد ذكرت أمثلة للأعذار الشرعية التى تمنع من رفع الدعوى كالصغر والجنون مع عدم الولاية وكجور من عليه الحق.
وعدم وجود قاض. وغيبة المدعى أو المدعى عليه، وجهل المدعى بالحق.
ونحو ذلك مما لا يمكن حصره لاختلاف الأعذار باختلاف الناس والزمان والمكان والظروف والأحوال وتقدير القضاة وغير ذلك من العوامل التى تؤثر فى الاعتبار.
ثالثا: هناك أحوال يسقط فيها الحق فى رفع الدعوى دون انتظار لمضى مدة معينة لوجود مانع آخر من السماع يدل على عدم الحق ظاهرا أخذا من موقف للمدعى يوحى بأنه ليس على حق فيما يدعيه. كما لو باع شخص دارا لشخص آخر باعتبارها ملكه وزوجة هذا البائع أو ابنه أو أحد أقاربه حاضر مجلس البيع وتم البيع أمامه وبعلمه ثم جاء هذا الحاضر وادعى أن الدار المبيعة ملكه - لا تسمع منه هذه الدعوى، لأن ظاهر الحال يقطع بكذب هذه الدعوى اذ لو كان حقا ما يدعيه لبادر بالاعتراض على البيع وطلب رده فجعل سكوته بمثابة الافصاح بأنه غير مالك للدار، أما اذا كان الحاضر فى مجلس العقد أجنبيا من البائع فلا يعتبر سكوته عند البيع بمثابة تسليم بملكية البائع للمبيع ولو كان جارا له، بل لا بد أن يضاف الى ذلك سكوته عند تصرف المشترى فيه ببيع أو هدم أو بناء أو نحو ذلك
وحينئذ لا تسمع دعواه الملكية ..
أما لو ادعى قبل تصرف المشترى أو عند تصرفه فتسمع دعواه.
وجاء فى الجزء السادس من مواهب الجليل للحطاب
(1)
: قال العلامة خليل:
وان حاز أجنبى غير شريك وتصرف ثم ادعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تسمع ولا بينته الا باسكان ونحوه - وقال شارحه الحطاب - ختم رحمه
(1)
مواهب الجليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 221 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر طبعة أولى سنة 1328 هـ.
الله كتاب الشهادات بالكلام على الحيازة لأنها كالشاهد على الملك.
ونقل عن ابن رشد من سماع ابن القاسم - الحيازة لا تنقل الملك عن المحوز عنه الى الحائز باتفاق، ولكنها تدل على الملك كارخاء الستور ومعرفة العفاص والوكاء وما أشبه ذلك فيكون القول معها قول الحائز مع يمينه لقول النبى صلى الله عليه وسلم من حاز شيئا عشر سنين فهو له، لأن المعنى عند أهل العلم فى قوله صلى الله عليه وسلم: هو له - أن الحكم يوجبه له بدعواه - فاذا حاز الرجل مال غيره فى وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة وهى عشرة أعوام دون هدم ولا بنيان أو مع الهدم والبنيان على ما نذكره من الخلاف فى ذلك وادعاه ملكا لنفسه بابتياع أو صدقة أو هبة وجب أن يكون القول قوله فى ذلك مع يمينه وسواء ادعى صيرورة ذلك اليه من غير المدعى أو من المدعى، ولا خلاف فى ذلك حين يدعى البيع اما فى ادعاء الهبة والصدقة ففيه خلاف وقوله مع يمينه هو أحد قولين.
والحيازة أقسام: أضعفها حيازة الأب عن ابنه، وتليها حيازة الأقارب الشركاء بالميراث أو غيره، وتليها حيازة الأقارب فيما لا شركة فيه بينهم وحيازة الموالى والأختان الشركاء، وتليها حيازة الموالى والأختان فيما لا شركة فيه بينهم ثم حيازة الأجانب الشركاء ثم حيازة الأجانب فيما لا شركة فيه بينهم وهى أقواها.
والحيازة تكون بأشياء - أضعفها السكنى والازدراع ويليها الهدم والبناء والغرس والاستغلال ويليها التفويت بالبيع والهبة والصدقة والنحلة - والركوب فى الدابة كالسكنى فما يسكن وكالازدراع فيما يزرع والاستغلال فى ذلك كالهدم والبنيان فى الدور والغرس فى الأرض.
والكلام هنا فى حيازة الأجنبى غير الشريك وهى أقواها فان حاز عقارا دارا أو أرضا ولو بالسكنى والزرع عشر سنين - فان هذه الحيازة تمنع سماع دعوى شخص آخر ملكية العين المحوزة بشرط أن يكون حاضرا عالما بالملكية فان كان غائبا غيبة بعيدة مسافة سبعة أيام تسمع دعواه وان كانت قريبة مسافة أربعة أيام أو أقل فان كان له عذر يمنعه من الحضور فهو على دعواه والا فلا تسمع دعواه.
كما يشترط أن يكون ساكتا فى مدة الحيازة فان تكلم وطالب فيها لا يسقط حقه ويشترط أيضا ألا يكون هناك مانع من الكلام فلو كان هناك مانع يمنعه من الكلام كخوف من الحائز لكونه ذا سلطان أو مستندا الى ذى سلطان. أو دين عليه للحائز أو صغر أو سفه فلا يبطل حقه فى ذلك كله.
وتقدير مدة الحيازة بعشر سنين هو قول الأكثر.
وعن مالك أن الأمر فيها مفوض الى القاضى وتقديره حسب الظروف والأحوال.
وقيل أنها تقدر بسبع سنين فاذا تمت الحيازة على هذا الوضع وتوفرت الشروط المذكورة فلا تسمع دعوى المدعى على الحائز.
والمراد بعدم سماع الدعوى عدم العمل بها فلا يترتب عليها أثرها من توجه اليمين على المدعى عليه - وليس المراد أنها لا تسمع ابتداء اذ قد يقر المدعى عليه بملكية المدعى لتعود عليه الدعوى.
والملك نفسه لا يبطل بالحيازة لقوله عليه السلام لا يبطل حق امرئ مسلم وان قدم، والحائز لا ينتفع بحيازته الا اذا جهل أصل مدخله فيها، أما اذا علم أن العين فى يده بسبب معين يدل على ملكية الغير فلا تنفعه الحيازة وتسمع بينة المدعى اذا ادعى أنه أعطى الدار للحائز اجارة ليسكنها مثلا.
والبناء والهدم من مظاهر الحيازة بالاتفاق ولكن ذلك مقيد بما اذا لم يهدم ما يخشى سقوطه أو يجرى اصلاحا يسيرا فان ذلك لا ينقل الملك ولا تحصل الحيازة بين الأقارب الشركاء الا بالهدم والبناء ولا تكون الحيازة بينهم بالسكنى والازدراع.
وهل تكون المدة عشر سنين أو تكون المدة الطويلة؟ خلاف.
والأرجح أن الحيازة بين الأقارب مطلقا شركاء أو غير شركاء لا تكون بالسكنى والازدراع وانما تكون بالهدم والبناء فى الأمد الطويل الذى يزيد على أربعين سنة.
وقيل تكفى عشرة أعوام فى الشريك الأجنبى والقريب الشريك ولا تكون الحيازة بين أب وابنه بالسكنى والازدراع والاستخدام والركوب اتفاقا.
وهناك أقوال فى مدة الحيازة وفيما تكون به الحيازة فى أقسامها المتقدمة.
وفى المدة التى يسقط بها طلب الدين
(1)
- قال فى المسائل الملقوطة من الكتب المبسوطة المنسوب لولد ابن فرحون - الساكت عن طلب الدين ثلاثين سنة لا قول له ويصدق الغريم فى دعوى الدفع ولا يكلف الغريم ببينة لامكان موتهم أو نسيانهم للشهادة.
وفى كتاب محمد بن ياسين فى مدعى دين سلف بعد عشرين سنة أن المدعى عليه مصدق فى القضاء اذ الغالب أن لا يؤخر السلف مثل هذه المدة كالبيوعات.
وفى التبصرة لابن فرحون نقلا عن مختصر الواضحة قال عبد الملك وقال لى مطرف وأصبغ: اذا ادعى رجل على رجل حقا قديما وقام عليه بذكر حقه بعد العشرين سنة ونحوها أخذه به وعلى الآخر البراءة منه.
وفى مفيد الحكام ذكر الحق المشهود فيه لا يبطل الا بطول الزمان كالثلاثين سنة والأربعين وكذلك الديون وان كانت معروفة فى الأصل اذا طال زمانها هكذا.
ومن هى له وعليه حضور فلا يقوم عليه بدينه الا بعد طول الزمان ليقول. قد قضيتك ومات شهودى بذلك فلا شئ على المدين غير اليمين.
قال وكذلك الوصى يقوم عليه اليتيم
(1)
الحطاب على خليل ج 6 ص 228 الطبعة السابقة.
بعد طول الزمان وينكر قبض ماله من الوصى فان كانت مدة يهلك فى مثلها شهود الوصى فلا شئ عليه والا فعليه البينة بالدفع.
وقال البرزلى فى مسائل البيوع رأيت جوابا وأظنه للمازرى فى الديون فقال:
اذا طال الزمان على الطالب وبيده وثائق وأحكام وهو حاضر مع المطلوب ولا عذر له يمنعه من الطلب من ظلم ونحوه وسكت عن الطلب فاختلف المذهب، فى حد السكوت القاطع لطلب الديون الثابتة فى الوثائق والأحكام هل حد ذلك عشرون سنة وهو قول مطرف أو ثلاثون وهو قول مالك واتفقا جميعا على أن ذلك دلالة قاطعة لطلب الطالب .. وقول النبى صلى الله عليه وسلم لا يبطل حق امرئ مسلم وان قدم - معلل بوجود الأسباب المانعة من الطلب كالغيبة البعيدة وعدم القدرة على الطلب مع الحضور حتى اذا ارتفعت هذه الأسباب من الطلب كان طول المدة مع الحضور والسكوت دلالة يقوى بها سبب المطلوب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: من حاز شيئا على خصمه عشر سنين فهو أحق به، فأطلق عليه السلام ذكر الحيازة فهو عام فى كل ما يحاز من ربع ومال معين وغيره.
فمن اجتهد وحد فى الرباع العشر سنين وحد فى الدين العشرين والثلاثين رأى أن ذلك راجع الى حال الطالب مع المطلوب، فمن غلب على حاله كثرة المشاحة وأنه لا يمكن أن يسكت عن خصمه عشر سنين جعلها حدا قاطعا.
ومن جعلها عشرين سنة أو ثلاثين أى أنها أقصى ما يمكن السكوت فى بيع المتحمل فجعلها حدا قاطعا لأعذار الطالبين، لأن الغالب من الحال أنه قضاء.
وقد قضى بتغليب الأحوال عمر بن الخطاب وقاله مالك فيمن له شئ وترك غيره يتصرف فيه. ويفعل فيه ما يفعل المالك الدهر الطويل فان ذلك مما يسقط الملك ويمنع الطالب من الطلب قاله مالك وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ.
واذا كان طول المدة مع حضور الطالب وسكوته مانعا له من الطلب - فالطلب ممنوع فى سائر المطالب دون وثائق وأحكام ورباع بدليل أن السكوت فى ذلك يعد كالاقرار المنطوق به من الطالب للمطلوب بأنه لا حق له عليه ولاتباعة ولا طلب.
ثم قال الحطاب: هذا الجواب يقتضى أن ما بعد الثلاثين مجمع عليه واذا أجراه على مسائل الحيازة ففيها قريب القرابة والبعيد والمتوسط والمقاطع لقريبه والمواصل له فيجرى عليها وفى بعضها ما يبلغ الخمسين وأكثر.
مع أنى أحفظ لابن رشد فى شرحه أنه اذا تقرر الدين وثبت لا يبطل وان طال لعموم الحديث المتقدم.
واختاره التونسى اذا كان ذلك بوثيقة مكتوبة هى فى يد الطالب والطلب بسببها، لأن بقاءها بيد ربها دليل على أنه لم يقبض دينه. اذ العادة اذا قبض دينه أخذ عقده أو مزقه بخلاف ما اذا كانت الديون بغير عقود ولو وجدت بغير المطلوب والا ففيها قولان حكاهما ابن رشد.
وظاهر مما ذكر أن المالكية يفرقون بين الأعيان والديون ففى الأعيان يجعلون الحيازة مانعة من سماع الدعوى ويجعلون الحيازة أقساما أقواها ما بين الأجانب بغير الشركاء ثم الأجانب فيما هو شركة بينهما ثم الأقارب فى الحالين ثم الموالى والأختان فيهما وأضعفها ما بين الأب وابنه ويجعلون للحيازة مظاهر وأمارات أقواها الهدم والبناء وأضعفها السكنى والازدراع ويجعلون لها مدة أقلها عشر سنين وقد تمتد الى أربعين سنة أو تزيد.
والحيازة فى العقار بين الأجانب الذين لا شركة بينهم تكون بالبناء والهدم وغيرهما ومدتها عشر سنين وتمنع من سماع الدعوى بشروط.
منها جهل أصل الحيازة وأن يكون المدعى حاضرا وعالما بملكيته للعين المحوزة ويسكت عن المطالبة فى المدة وألا يكون له عذر ولا مانع يمنعه من المطالبة والمراد بعدم سماع الدعوى عدم ترتب أثرها عليها لعدم توجيه اليمين للمدعى عليه وترجيح جانبه فى الملكية وهم يقولون ان الحيازة لا تسقط الملك وانما هى دليل على الملك كالشهادة. وفى مدة الحيازة وما تكون به بالنسبة لأقسامها المختلفة أقوال وتفصيلات طويلة.
أما فى الديون فقد نقل عن ابن رشد أنها متى ثبتت وتقررت لا يسقط حق طلبها بمضى المدة طالت أو قصرت وسواء أكانت ثابتة بوثيقة أو حكم أو بغيرهما.
واختار التونسى ذلك فى الديون الثابتة بوثيقة أو حكم اذا كان السند باقيا بيد الطالب جريا على العرف من أنه اذا دفع الدين للدائن يؤخذ منه السند أو يمزق.
والمعروف فى المذهب والذى جرى عليه الأكثرون أن مضى المدة يمنع من الطلب على معنى أن المدعى عليه يعتبر بريئا ومؤديا للدين ما لم يقم دليل على غير ذلك ويستوى أن تكون الديون ثابتة بوثيقة أو بحكم أو بغير ذلك.
واختلف فى تقدير المدة عشرين أو ثلاثين سنة وأحسن ما قيل التفويض فيها الى رأى القاضى، لأن ذلك يختلف باختلاف الناس وأحوالهم فى الطلب والظروف التى تحيط بهم والصلات التى تربطهم وما يطرأ على هذه الصلات من عوامل تؤثر فيها بالقوة والضعف.
وجاء فى الفتاوى الكبرى لابن حجر
الهيتمى
(1)
: سئل رحمه الله عن امرأة بيدها مستند شرعى مضمونه أن فلانة الفلانية اشترت من أختها فلانة الفلانية بيتا بيعا مطلقا بثمن كذا وكذا وقبضت البائعة الثمن باعترافها وحكم حاكم شافعى بالتبايع المذكور. ومؤرخ التبايع والحكم بعام سنة عشرين وتسعمائة (920) والشاهد لم يكتب فى المستند معرفته للبائعة ولا عرفه بها أحد.
والحالة أن البائعة منكرة للبيع المذكور وأنها لم تقبض الثمن المذكور وأنها لم تكن أختا لها كما كتب فى المستند.
ثم أن البائعة جاءت عند حاكم شرعى مخالف للحاكم المثبت وادعت على المشترية المذكورة أنها واضعة يدها على بيتها بمقتضى أنها جعلته تحت يدها فى مبلغ اثنى عشر أشرفيا هو ومستندات شرعية تشهد لها بذلك فأجابت بأنها صار اليها ذلك بالشراء الشرعى منها كما ذكر أعلاه وأننى تقايلت واياك التبايع الصادر منك كما ذكر. فهل تسمع دعواها الآن بأنها لم تبع ولم تقبض الثمن؟ وهل حكم الحاكم الشافعى يمنعها من الدعوى بذلك وهل طول المدة مع تصرفها فى البيت بالهدم والبناء مسقط للطلب أيضا أم لا وهل للحاكم المدعى لديه الزام المشترية بحضور البينة ثانيا لتشهد فى وجه البائعة بالمعرفة والبيع وبقبض الثمن أم لا؟ فأجاب: نفع الله تعالى بعلومه بقوله: لا تسمع دعواها الآن
بأنها لم تبع حيث ثبت عند الحاكم وليس للحاكم المدعى لديه الزام المشترية بحضور البينة ثانيا لتشهد فى وجه البائعة بالمعرفة لأن من لازم حكم الحاكم بصحة البيع استيفاء مسوغاته الشرعية ومنها أن الشهادة لا تكون الا على عينها أو باسمها ونسبها ولا نظر لطول المدة المذكورة ولا لقصرها وأما دعواها أنها لم تقبض الثمن فان كانت الشهادة عليها بطريق المعاينة لم تسمع دعواها وان كانت بطريق الشهادة على اقرارها سمعت دعواها أنها لم تقر الا على رسم القيالة فتحلف المشترية أنها أقبضتها الثمن فان نكلت حلفت البائعة أنها لم تقبض واستحقت الثمن. والله أعلم.
وظاهر مما ذكر - أن طول المدة وقصرها لا دخل له مطلقا فى سماع الدعوى وعدم سماعها عند الشافعية.
وقد جاء فى مستهل ما نقلناه من تعليق العلامة ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار على ما ذكره صاحب الدر المختار فى شأن النهى السلطانى عن سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة - أن صاحب الفتاوى الحامدية - نقل فتاوى من المذاهب الأربعة بعدم سماع الدعوى بعد نهى السلطان عن سماعها بعد مضى خمس عشرة سنة مما يدل على أن عدم السماع فى هذه الحالة ليس محل خلاف بين الأئمة رضوان الله عليهم.
(1)
الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمى ج 4 ص 374 وما بعدها.
التعزير
يقول ابن تيمية فى جرائم التعزير - المعاصى التى ليس فيها حد مقدر ولا كفارة كالذى يقبل المرأة الأجنبية أو يباشر بلا جماع أو يقذف فى الناس بغير الزنى أو يسرق من غير حرز أو شيئا دون النصاب أو يخون أمانته كولاة أموال بيت المال أو الأوقاف ومال اليتيم ونحو ذلك اذا خانوا أو كالوكلاء والشركاء اذا خانوا أو يغش فى معاملته كالذين يغشون فى الأطعمة والثياب ونحو ذلك أو يطفف المكيال والميزان أو يشهد الزور. أو يلقن شهادة الزور. أو يرتشى فى حكمه أو يحكم بغير ما أنزل الله أو يعتدى على رعيته. الى غير ذلك من أنواع المحرمات .. فهؤلاء يعاقبون تعزيرا وتنكيلا وتأديبا بقدر ما يراه الوالى على حسب كثرة ذلك الذنب فى الناس وقلته، فاذا كان كثيرا زاد فى العقوبة، بخلاف ما اذا كان قليلا وعلى حسب حال المذنب فاذا كان من المدمنين على الفجور زيد فى عقوبته بخلاف المقل من ذلك وعلى حسب كبر الذنب وصغره
(1)
.
فالجرائم التعزيرية متفاوتة تفاوتا بينا ومتنوعة تنوعا كثيرا منها جرائم يكون الاعتداء فيها اعتداء مباشرا على المجتمع أو على أوامر الله ونواهيه من غير أن يكون ثمة اعتداء على شخص
معين كجريمة ترك الزكاة وترك الصلاة وترك الأذان من الجميع والاتفاق على تركه فان هذه الجرائم فيها اعتداء مباشر على الدين وعلى حقوق الله تعالى وعلى الجماعة والعقاب فيها يكون حقا لله تعالى. ولذلك لا تقبل الاسقاط أو العفو الا أن يتوبوا لأن العقاب فيها للحمل على أداء الواجب والقيام به. وبالتوبة يتحقق ذلك.
وقد تكون الجناية على الأشخاص كالاتهام بالباطل والدعاوى الباطلة وكمطل الغنى والقذف بمثل يا فاسق يا آكل الربا. يا شارب الخمر ونحو ذلك. فان الاعتداء فى هذه الجرائم انما يقع على الأشخاص بالسب والتشهير. والعقاب عليها لحفظ حرمات الناس المسلمين وأعراضهم.
ولا شك أن هذه العقوبة ليست حقا خالصا لله تعالى بل يكون للعبد الحق فى أن يطلب العقاب أو لا يطلبه وفى أن يسقطه بالعفو أو لا يسقطه بعد وجوبه.
ثم أن العقوبات التعزيرية التى ترك الشارع الأمر فى تقديرها لولى الأمر.
هل تعتبر فى فرضها وتوقيعها حقا لولى الأمر بحيث يكون له أن يفرض العقوبة وألا يفرضها وبحيث يسوغ له أن يهمل العقوبة على جريمة تعزيرية يمكن أن تدخل تحت القضاء ويجرى عليها الاثبات امام القاضى بطريق معتاد ليس فيه
(1)
السياسة الشرعية لابن تيمية ص 120.
تجسس ولا هتك للاستار. أو لا يسوغ له ذلك. وحتى يمكن الجواب عن هذا التساؤل يجب تمييز الجرائم وتحديد أنواعها من حيث أثرها المباشر بالنسبة للأشخاص والمجتمع.
فهناك جرائم على الأفراد أى يقع الاعتداء فيها أول ما يقع على الأشخاص وتكون العقوبة فيها حقا لهم كالاعتداء بالسب والضرب على أشخاص وكأكل أموالهم بالباطل بطريق الغصب أو بطريق الاحتيال والابتزاز وهناك جرائم على الكافة أى يقع الاعتداء والضرر فيها على المجتمع كالاحتكار والمغالاة فى الأسعار والتجسس على الدولة والتقبيل وكشف العورة واتيان الأفعال الفاضحة فى الطرقات العامة أو أمام الناس ونحو ذلك من الجرائم التى يكون فيها الاعتداء على الناس وعلى النظام العام والآداب والفضائل الانسانية.
وهناك جرائم يتمثل فيها الأمران الاعتداء على الأشخاص والمساس بحقوق الكافة ومن ثم يجتمع فيها الحقان حق العبد وحق الله كالرمى بغير الزنى. وكالزنى الذى لا يثبت فيه الحد للتقادم مثلا - فان هذه الجرائم تكون العقوبة فيها حقا لله تعالى وحقا للعبد.
والمقرر أن الجرائم التى يكون فيها اعتداء على حق العبد سواء أكان معه اعتداء على حق الله تعالى أم لم يكن يجب على ولى الأمر أن يضع لها عقابا عادلا زاجرا شافيا لنفس المجنى عليه متى طلب منه المجنى عليه ذلك دفعا للظلم وتحقيقا للعدل بين الناس ومنعا للفوضى والفساد فى الأرض.
وقد اتفق الفقهاء على أن هذا واجب على الامام وليس من حقه أن يعفو فيها وانما العفو بيد صاحب الحق ان شاء عفا وان شاء طلب العقاب وأصر عليه. ولا يسقط التعزير فى ذلك عن الجانى بالتوبة لأن حق العبد لا يسقط الا برضاه وتسامحه.
أما الجرائم التى يتمحض فيها العقاب لغير حق العبد كالزنى الذى لم يستوف الاثبات فيه نصاب أربعة شهداء وكجرائم الحدود الأخرى التى لم تكتمل فيها البينة نصاب شاهدين وكالذى يعرف بالافساد وارتكاب الكبائر والمنكرات من غير أن يرتكب حدا من حدود الله تعالى، ففى هذه الجرائم وأمثالها مما تمس فيه الجريمة حق المجتمع وتتمحض العقوبة فيها حقا خالصا لله تعالى يختلف الفقهاء هل يكون العقاب فيها واجبا على الامام يتعين عليه أن يقيمه ولا خيار له فيه ولا يملك أن يعفو عن الجانى.
أم يكون العقاب حقا للامام له أن يعاقب وله ألا يعاقب؟ رأيان:
الأول: رأى جمهور الفقهاء. الحنفية والمالكية والحنابلة أن التعزيز واجب ويتعين على الامام اقامته ولا يجوز له أن يعفو فيه عن الجانى ولا أن يترك عقابه كما أنه لا يجوز لأحد كائن من كان أن يعفو فيه ولكن اذا تاب الجانى وأصلح سقط عنه التعزير.
والثانى رأى الشافعية: وهو أن التعزير ليس واجبا على الامام بل هو جائز له أن يفعله وألا يفعله لأنه تأديب وليس حدا فيتخير فيه كما يتخير فى تقدير العقوبة لما روى أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقال له: انى لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أصليت معنا؟ قال نعم فتلا عليه «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ}
(1)
» ولقوله عليه الصلاة والسلام فى الأنصار «اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» وقال رجل للنبى صلى الله عليه وسلم فى الحكم الذى حكم به للزبير بن العوام بسقى أرضه ولم يوافق هذا الحكم غرضه «ان كان ابن عمتك» فغضب النبى صلى الله عليه وسلم ولم يعزره .. وقال له رجل فى قسمة قسمها عليه الصلاة والسلام «أن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله» . وغضب النبى صلى الله عليه وسلم ولم يعزره.
واحتج الجمهور بأن ما كان منصوصا عليه من التعزير كالتعزير فى وط ء جارية امرأته أو جارية مشتركة فيجب امتثال الأمر فيه وما لم يكن منصوصا عليه اذا رأى الامام بعد مجانبة هوى النفس المصلحة فيه أو علم أنه لا ينزجر الا به وجب عليه لأنه زاجر مشروع لحق الله فوجب كالحد.
وما علم أنه ينزجر بدونه لا يجب وهو محمل حديث الرجل الذى ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم ما أصاب من المرأة فانه لم
يذكره له الا وهو نادم منزجر لأن ذكره ما وقع منه للنبى ليس الا لمعرفة ما يجب فيه ليفعل معه.
وأما ما قاله فى الأنصار فليس مما نحن فيه بل هو فى حقوق العباد. اذ لا تجاوز للعباد فى حقوق الله تعالى.
وأما حديث الرجل الذى انتقد حكم النبى صلى الله عليه وسلم للزبير وحديث الرجل الذى انتقد قسمته عليه الصلاة والسلام فترك التعزير فيهما لأنه حق النبى الخالص وليس فيه حق لله تعالى.
وقد تقدم أن حق العبد يجوز فيه العفو بالاتفاق.
جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار فى فقه الحنفية أن التعزير الذى يجب حقا للعبد كالصبى يشتم رجلا اذ الصبى غير مكلف بحقوق الله تعالى فلا يظهر فيه حق الله فكان خالص حق العبد. ولا شبهة فى سقوط هذا بالاسقاط من صاحب الحق
(2)
.
وجاء فيها أما التعزير الذى يكون فيه حق الله وحق العبد وحق العبد غالب كالتعزير الواجب بألفاظ السب والشتم المنهى عنها شرعا فان فيه حق لله للنهى عنه وحق العبد للاعتداء عليه وهو غالب لحاجته فيجوز فيه الاسقاط بالابراء والعفو من صاحب الحق. ولو عفا سقط التعزير.
أما الذى يغلب فيه حق الله تعالى عند الحنفية
(1)
الاية رقم 114 من سورة هود.
(2)
حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الابصار ص 202 باب التعزير الطبعة السابقة.
فهو حد القذف وقد تقدم حكم العفو فيه فى الكلام على الحدود.
وجاء فى تبيين الحقائق للزيلعى فى فقه الحنفية
(1)
روى أن النبى صلى الله عليه وسلم عزر رجلا قال لغيره يا مخنث. وحبس رجلا للتهمة وأجمعوا على وجوبه فى كبيرة لا توجب الحد أو جناية لا توجب الحد وهذا صريح فى أن التعزير باجماع الحنفية فى الكبائر التى يجرى فيها الاثبات بالطريق المعتاد واجب.
وجاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه فى فقه المالكية
(2)
: التعزيز ان كان واجبا فى معصية لله تعالى كالأكل فى نهار رمضان وتأخير الصلاة فلا يجوز لأحد اسقاطه الا أن يجئ تائبا أما ما كان حقا لآدمى كالسب والضرب والايذاء فيجوز لصاحبه اسقاطه - وجاء فى حاشية الدسوقى تعليقا على ذلك - فالتعزير المتحمض لحق الله يسقط عن مستحقه اذا جاء تائبا بخلاف التعزير لحق الآدمى فانه لا يسقط بالتوبة وانما يسقط بعفو صاحب الحق.
وجاء فى كشاف القناع فى فقه الحنابلة
(3)
قال فى المبدع: ما كان من التعزير منصوصا عليه كما فى التعزير على وط ء جارية امرأته أو جارية مشتركة يجب امتثال
الأمر فيه وما لم يكن ورأى الامام المصلحة فيه وجب كالحد وان رأى العفو جاز للاخبار وان كان لحق آدمى فطلبه لزمه اجابته.
وفى الكافى يجب التعزير فى موضعين ورد الخبر فيهما وهما ما ورد النص فيهما على التعزير كما تقدم وما عداهما الى اجتهاد الامام فان جاء تائبا معترفا قد أظهر الندم والاقلاع جاز ترك تعزيزه والا وجب وهذا التائب هو محمل العفو فى عبارة كشاف القناع.
وجاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلى من باب التعزير - والتعزير فيما شرع فيه التعزير واجب اذ رآه الامام وبه قال مالك وأبو حنيفة.
وقال الشافعى ليس بواجب لأن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:
انى لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها، وساق الحديث الذى تقدم ذكره وقول النبى فى الأنصار. أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم - وحديث الرجل الذى اعترض على حكم النبى للزبير وحديث الرجل الذى اعترض على القسمة على النحو الذى تقدم. كما ساق الاستدلال للحنابلة على النحو الذى استدل به للجمهور فيما سبق.
وجاء فى كتاب الأم فى فقه الشافعية
(4)
:
أن التعزير جائز له - أى للامام وذلك أن التعزير أدب لا حد من حدود الله تعالى -
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 3 ص 207 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 354.
(3)
كشاف القناع ج 4 ص 74.
(4)
الام ج 6 ص 167 وص 168.
وقد يجوز تركه. ألا ترى أن أمورا قد فعلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فى غير حد فلم يضرب فيها، منها الغلول فى سبيل الله.
ولم يؤت بحد قط فعفاه.
ثم يقول فى هذا أيضا: التعزير كما وصفت انما هو شئ ان رأى بعض الولاة أن يفعله على التأديب لا يأثم بتركه.
ويقول فى موضع آخر
(1)
: الأدب (التعزير) أمر لم يبح له الا بالرأى وحلال له تركه. ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظهر على قوم قد غلوا فى سبيل الله تعالى فلم يعاقبهم ولو كانت العقوبة تلزم لزوم الحد ما تركهم كما قال صلى الله عليه وسلم وقطع امرة لها شرف فكلم فيها فقال: لو سرقت فلانة لامرأة شريفة لقطعت يدها.
هذا هو الخلاف الذى تذكره كتب الفقه فى المذاهب المختلفة. وقد حاول البعض أن يوفق بين الآراء فقال أن الباعث على العقوبة أحد أمور ثلاثة.
أما فساد يعم وأما حمل على التوبة والرجوع الى الجادة واما زجر عام عن المعاصى.
والمنكرات تقع علنا وعلى صورة تدعو الى الرذيلة فيجب أن تقابلها عقوبة زاجرة.
فاذا كان واحد من هذه وتوفرت الشروط
بالاعلان وامكان الاثبات العادى وعدم حدوث التوبة وجبت العقوبة.
ولذلك قال فقهاء الحنفية: أن اقامة التعزير مستحق على الامام شرعا اذ علم أنه لا ينزجر الا به. وما يكون مستحقا على المرء لا يتقيد بشرط ليس فى وسعه التحرز عنه.
والحنابلة والمالكية يقولون بوجوب التعزير حين ينص عليه وحين تستوجبه المصلحة وتدعو اليه العدالة وهذه المعانى بلا شك يقدرها الامام الشافعى حق التقدير ولا يمكن أن يقول أن الامام له أن يترك التعزير وقد تعين دفعا للفساد ومنعا لاستمرار الجريمة أو منعا لشيوعها بين الناس. وقوله «حلال له تركه» .
أو قد يجوز تركه يريد منه أنه مبنى على رأى الامام وتقديره وأنه ان عاقب فبرأيه الذى تدفع اليه المصلحة وتوجبه العدالة ويحتمه دفع الفساد وان ترك فلان المصلحة أوجبت ذلك. وليس المراد منه أنه مخير فيه وليس بواجب عليه أن تعين للانزجار ونحوه.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى
(2)
:
ومن أتى منكرات جمة فللحاكم أن يضربه لكل منكر منها عشر جلدات فأقل. وفى موضع آخر منه
(3)
ويقال ذو الهيئة عثرته وهو
(1)
المرجع السابق ص 171.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 11 ص 404.
(3)
المرجع السابق ص 406.
الذى له هيئة علم وشرف ما لم يكن حدا أو منكرا فلا بد من اقامة الحدود والتعزير .. ؟
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(1)
ويجب التعزير بعد الرفع فى حقوق الآدميين ولا يشترط الرفع فى حقوق الله.
ثم قال: ويسقط التعزير بالتوبة ولو بعد الرفع فى حق غير الآدمى.
وقال فى موضع آخر
(2)
: وما تعلق من التعزيرات بالآدمى كالشتم الذى هو دون القذف فحق له. وليس للامام طلبه ولا العفو عنه. فينتظر طلب من له الحق. ويصح العفو من صاحب الحق قبل الرفع وبعده. ولا يسقط بالتوبة اذا لم يسقطه من هو له .. وأما حق الله فانه يجوز لذى الولاية تركه أو العفو عنه لمصلحة ويسقط بالتوبة ولو بعد الرفع.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(3)
وفى المختصر النافع
(4)
: يقيم الحاكم حدود الله تعالى أما حقوق الناس فتقف اقامتها على المطالبة حدا كانت أو تعزيرا ولصاحب الحق المطالبة أو العفو فى حق العبد.
ومنها العدة والسكنى فى مسكنها:
مذهب الحنفية:
أوجب الشارع العدة على المرأة عند
حصول الفرقة فى الزواج الصحيح وعند حصول الوفاة بعده وعند الفرقة بعد الدخول فى الزواج الفاسد وفى الوط ء بشبهة حقا للشارع الحكيم لتقرر آثار الزواج ونتائجه التى من شأنها أن تمتد بعد الفراق زمنا وحقا للزوج بثبوت نسب الولد منه اذا كان هناك حمل ظاهر والاحتياط لذلك عند عدم ظهور الحمل وأوجب الشارع على المعتدة السكنى فى مسكن العدة وهو المسكن الذى كانت تقيم فيه حين الفرقة أو الوفاة «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ. لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً}
(5)
» ويستوى فى ذلك أن تكون العدة عدة وفاة أو عدة طلاق أو فسخ بعد زواج صحيح. فلو حصلت الوفاة أو الفرقة فى وقت كانت فيه خارج هذا البيت وجب عليها أن تعود اليه فورا.
وسكنى المعتدة فى مسكن العدة فيه حق الله تعالى وحق الزوج وحق الزوجة.
فليس للزوج أن يسقط العدة عن زوجته ويبطلها. وان هو أسقطها وأباح لها التزوج بغيره أثناء عدتها لا تسقط ولا يحل لها التزوج بغيره لأن فى اسقاط حقه فى ذلك اسقاطا لحق الله فيه وهو لا يملكه وليس له أن يخرجها من مسكن العدة لأن فى
(1)
التاج المذهب ج 4 ص 256، 257.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 260.
(3)
شرائع الاسلام ج 2 ص 247.
(4)
المختصر النافع ص 295.
(5)
الآية رقم 1 من سورة الطلاق.
السكنى فيه حق الله تعالى فلا يملك اسقاطه وليس له أن يأذنها بالخروج من هذا المسكن لأنهما لا يملكان ابطال حق الله تعالى فى وجوب التزام بيت العدة والقرار فيه بخلاف حال قيام الزوجية حيث يكون له أن يأذنها بالخروج من منزل الزوجية حيث أن القرار فيه خالص حقه.
واذا أبرأت المطلقة مطلقها من حق السكنى حال قيام العدة لا يبرأ من ذلك لأن السكنى فى مسكن العدة كما هى حق لها حق لله تعالى فلا تملك ابطاله .. وان أبرأته من مؤنة السكنى صح ذلك. ولا تجب لها أجرة المسكن ولكن تجب عليها السكنى فى مسكن العدة .. وان صالحت المبانة زوجها من سكناها على دراهم لا يجوز لأن السكنى فى العدة حق الشرع وهى لا تقدر على اسقاط حق الشرع بعوض أو بغير عوض ويجوز لها أن تنتقل من المسكن الذى كان يضاف اليها حين الفرقة أو الوفاة وهو مسكن العدة الى مسكن آخر اذا كان هناك عذر يقتضى ذلك كأن تخشى سقوطه أو تخاف من السكنى فيه على نفسها أو مالها أو أراد مطلقها أو ورثة زوجها اخراجها منه ظلما أو أعنتوها فى السكنى فيه أو كانت تسكن فيه بالأجر بعد وفاة زوجها ولا تجد هذا الأجر
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية
الدسوقى عليه
(2)
اذا خالع الزوج زوجته على خروجها من مسكنها الذى طلقها فيه فلا يجوز. ويجب رد خروجها من المسكن بعودتها اليه لأن ردها اليه وبقاءها فيه الى انقضاء العدة حق الله تعالى فلا يجوز لأحد اسقاطه ..
وبانت الزوجة من زوجها بالخلع ولا شئ عليها له. اللهم الا أن يريد بمخالعتها على الخروج من مسكن العدة مخالعتها على الخروج من أجرة هذا المسكن بأن تتحمل هى أجرته من مالها زمن العدة. فحينئذ يجوز ويلزمها تحمل تلك الأجرة.
والعدة
(3)
تجب شرعا بخلوة الزوج البالغ غير المجبوب بزوجته التى تطيق الوط ء خلوة صحيحة يمكن أن يطأها فيها، ولو تصادق الزوجان على عدم حصول الوط ء بينهما فى هذه الخلوة لأن العدة حق لله تعالى فلا تسقط بتصادقهما على ذلك.
وانما يؤخذان باقرارهما بنفى الوط ء. فى الخلوة فيما هو حق لهما. فلا نفقة لها ولا يتكمل لها الصداق. مؤاخذة لها باقرارها. ولا رجعة له فيها مؤاخذة له باقراره.
وفى الحطاب
(4)
: وسقطت سكنى المعتدة اذا أقامت بغير المسكن الذى كان يسكن به من غير عذر .. ولو طلبت كراء الموضع
(1)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه من باب النفقة والعدة.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 350.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 468.
(4)
الحطاب على خليل ج 4 ص 165.
الذى هربت منه فلا كراء لها. قاله فى التوضيح.
واذا انهدم المسكن
(1)
فدعت المرأة الى سكنى موضع ودعى الزوج الى سكنى غيره فذلك لها الا أن تدعوه الى ما يضربه لكثرة كراء فتمنع. ولو أسقطت الكراء سكنت حيث شاءت.
وظاهر مما ذكر أن العدة والسكنى فى مسكنها حق لله تعالى لا يملك الزوجان ولا أحدهما ولا غيرهما اسقاطه.
واذا انتقلت المرأة عن مسكن العدة بدون عذر سقط حقها فى السكنى وفى الكراء - وعند العذر تسكن المرأة حيث تريد ما لم يترتب على ذلك ضرر بالزوج كزيادة الأجر.
مذهب الشافعية:
فى شرح منهج الطلاب وحاشية البجيرمى
(2)
عليه: وتجب السكنى لمعتدة فرقة بطلاق أو فسخ أو وفاة فى مسكن لائق كانت به عند الفرقة ولو كان من نحو شعر محافظة على ماء الزوج. ولا تخرج منه ولو رجعية. ولا تخرج هى منه.
ولو وافقها الزوج على خروجها منه بغير حاجة لم يجز وعلى الحاكم المنع منه لأن فى العدة حقا لله تعالى. وقد وجبت فى ذلك المسكن. فكما لا يجوز ابطال أصل العدة باتفاق الزوجين
لا يجوز ابطال توابعه. فلو أبطلت حقها فى السكنى نظير عوض أو بدونه لا يجوز ولا يبطل لأنها لا تملك ابطال حق الله تعالى.
ولو أسقطت حق السكنى عن الزوج لم يسقط لوجوبها يوما بيوم واسقاط ما لم يجب لاغ - قال الله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» }.
وما ذكرته فى الرجعية هو ما قاله الامام قال فى المطلب ونص عليه فى الأم.
وفى الحاوى والمهذب وغيرهما من كتب العراقيين أن للزوج أن يسكنها حيث شاء لأنها فى حكم الزوجة. وبه جزم النووى فى نكته.
قال السبكى: والأول أولى لاطلاق الآية.
وقال الأوزاعى: أنه المذهب المشهور.
وقال الزركشى: انه الصواب.
ولا تخرج المعتدة من مسكن العدة الا لعذر كشراء طعام ونحوه نهارا.
وتآنسها عند جارتها ليلا ان رجعت وباتت ببيتها. وكخوف على نفس أو مال من هدم وغرق وفسقة مجاورين وشدة تأذيها بجيران أو عكسه ..
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 166.
(2)
شرح منهج الطلاب وحاشية البجيرمى عليه ج 4 ص 89 وما بعدها.
وفى المهذب
(1)
: اذا طلقت المرأة كانت سكناها حيث يختار الزوج من المواضع التى تصلح لسكنى مثلها لأنها تجب لحق الزوجية هذا اذا كان الطلاق رجعيا.
فان كان بائنا وكان يملك الزوج سكناه بملك أو اجارة أو اعارة. فان كان يصلح لسكنى مثلها لزمها أن تعتد فيه لقوله تعالى: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ»
(2)
فأوجب أن تسكن فى الموضع الذى كان يسكن فيه الزوج أى عند الفرقة .. وان أراد الزوج بيع الدار فالبيع باطل .. وان حجر على الزوج بعد الطلاق لديون عليه لم يبع المسكن حتى تنقضى العدة لأن حقها يختص بالعين فقدمت.
وان طلقت وهى فى مسكن لها لزمها أن تعتد به لأنه مسكن وجبت فيه العدة. ولها أن تطالب الزوج بأجرة المسكن.
وظاهر مما ذكر أن الشافعية يرون أن فى العدة حق الله تعالى وأن السكنى فى مسكن العدة وهو المسكن الذى وقعت فيه الفرقة. واجب شرعا لقوله تعالى: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» وان هذا متفق عليه بين الشافعية بالنسبة لغير المطلقة رجعيا.
أما بالنسبة للمطلقة رجعيا فقد وقع خلاف بينهم. ففى الحاوى والمهذب وغيرهما من كتب العراقيين أن للزوج أن يسكنها حيث شاء ولا يجب أن تسكن فى مسكن العدة. وهو الذى وقعت فيه الفرقة - لأنها فى حكم الزوجة عندهم لبناء النكاح وحكمه من كل وجه وذهب غيرهم الى أنها كمعتدة البائن يجب عليها أن تسكن مدة العدة فى المسكن الذى وقعت فيه الفرقة ولا تخرج منه ولا تخرج هى منه ولو باذن الزوج الا لعذر. وذلك لاطلاق الآية وهذا ما قال به الامام ونص عليه فى الأم.
وقال السبكى أنه الأولى.
وقال الأوزاعى أنه المذهب المشهور وقال الزركشى أنه الصواب.
والاتفاق على أنه لا يملك الزوجان ولا أحدهما ولا غيرهما ابطال العدة ولا ابطال السكنى فى مسكنها لأنه من توابعها.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلى
(3)
:
اذا كانت المبتوتة حاملا وجب لها السكنى قولا واحدا ولا نعلم بين أهل العلم خلافا فيه. وان لم تكن حاملا ففيها روايتان:
احداهما: لا يجب لها ذلك وهو قول ابن عباس وجابر وبه قال عطاء وطاووس
(1)
المهذب ج 2 ص 146، 147.
(2)
الاية رقم 6 من سورة الطلاق.
(3)
المغنى لابن قدامه ومعه الشرح الكبير ج 9 ص 179 وما بعدها.
والحسن وعمر بن ميمون واسحاق وأبو ثور وداود.
والثانية: يجب لها ذلك وهو قول ابن مسعود وابن عمر وعائشة وسعيد ابن المسيب والقاسم وسالم وأبى بكر ابن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وسليمان ابن يسار ومالك والثورى والشافعى وأصحاب الرأى .. لقول الله تعالى:
«لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» ،} وقوله تعالى:
«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}.
{وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ، وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ».} . فأوجب لهن السكنى مطلقا، ثم خص الحامل بالانفاق عليها.
ولنا ما روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو ابن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل اليها وكيله بشعير فتسخطته. فقال لها: والله ما لك علينا من شئ. فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها: «ليس لك عليه نفقة ولا سكنى. فأمرها أن تعتد فى بيت أم شريك ثم قال: أن تلك امرأة يغشاها أصحابى. اعتدى فى بيت ابن أم مكتوم متفق عليه.
وساق ابن قدامة ما قيل فى هذا الحديث وفى راويته فاطمة بنت قيس هذه. من عمر ومن عائشة ومن سعيد ابن المسيب ومناقشته من جانب أصحاب الرأى الآخر.
ثم قال: قال أصحابنا: ولا يتعين الموضع الذى تسكنه فى الطلاق سواء قلنا لها السكنى أو لم نقل. بل يتخير الزوج بين اقرارها فى الموضع الذى طلقها فيه وبين نقلها الى مسكن مثلها.
والمستحب اقرارها لقوله تعالى:
«لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» ،} ولأن فيه خروجا من الخلاف فان الذين ذكرنا عنهم أن لها السكنى يرون وجوب الاعتداد عليها فى منزلها .. فان كانت فى بيت يملك الزوج سكناه ويصلح لمثلها اعتدت فيه.
فان ضاق عنهما انتقل عنها وتركه لها لأنه يستحب سكناها فى الموضع الذى طلقها فيه .. وان اتسع الموضع لهما وفى الدار موضع لها منفرد كالحجرة أو علو الدار أو سفلها وبينهما باب مغلق سكنت فيه وسكن الزوج فى الباقى لأنهما كالحجرتين المتجاورتين. وان لم يكن بينهما باب مغلق لكن لها موضع تتستر فيه بحيث لا يراها ومعها محرم تتحفظ به جاز لأن مع المحرم يؤمن الفساد ويكره فى الجملة لأنه لا يؤمن النظر. وان لم يكن معها محرم لم يجز لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة ليست له بمحرم فان ثالثهما الشيطان» .
وان امتنع من اسكانها وكانت ممن لها عليه السكنى أجبره الحاكم. فان كان
الحاكم معدوما رجعت على الزوج. وان كان الحاكم موجودا. فهل ترجع؟ على روايتين.
وان كان الزوج حاضرا ولم يمنعها من المسكن فاكترت لنفسها موضعا أو سكنت فى موضع تملكه لم ترجع بالأجره لأنها تبرعت بذلك فلم ترجع به على أحد.
وان عجز الزوج عن اسكانها لعسرته أو غيبته أو امتنع من ذلك مع قدرته سكنت حيث شاءت وكذلك المتوفى عنها زوجها اذا لم يسكنها ورثته لأنه انما تلزمها السكنى فى منزله لتحصين مائه فاذا لم تفعل لم يلزمها ذلك.
وجاء فى كشاف القناع
(1)
: وتعتد بائن حيث شاءت من بلدها فى مكان مأمون. ولا يجب عليها العدة فى منزله لما روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو ابن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل اليها بشئ فسخطته. فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها: ليس لك عليه نفقة ولا سكنى وأمرها أن تعتد فى بيت أم مكتوم
…
والمستحب اقرارها بمسكنها لقوله تعالى: «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» }.
ولا تسافر قبل انقضاء عدتها لما
فيه من التبرج والتعرض للزينة.
ولا تبيت الا فى منزلها أى المكان المأمون الذى شاءته وجوبا لما تقدم ..
فلو كانت دار المطلق متسعة لهما وأمكنها السكنى فى موضع منفرد كالحجرة وعلو الدار وبينهما باب يغلق وسكن الزوج فى الباقى جاز لأنه لا محظور فيه ..
ولو غاب من لزمته السكنى لها أى لزوجته أو مطلقته الرجعية أو البائن الحامل ونحوها أو منعها من السكنى الواجبة عليه - اكتراه الحاكم من ماله ان وجد له مالا أو اقترض عليه ما تسكن به ان لم يجد له مالا لقيامه مقام الغائب والممتنع أو فرض الحاكم أجر ما وجب على الغائب من المسكن لتأخذ منه اذا حضر نظير ما فرضه - وان أكترت مسكنا باذنه أو باذن الحاكم أو بدون اذن منهما للعجز عن الاذن - رجعت على من وجبت عليه السكنى بنظير ما أكترت
…
ولو سكنت ملكها مع غيبته أو امتناعه فلها أجرته ..
وحكم الرجعية فى العدة حكم المتوفى عنها زوجها فى لزوم المنزل لقوله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ» وسواء أذن لها الزوج فى الخروج أو لم يأذن، لأن ذلك من حقوق العدة - وهى حق الله تعالى فلا يملك الزوج اسقاط شئ من حقوقها كما لا يملك اسقاطها.
وظاهر مما ذكر أن الحنابلة يرون أن العدة واجبة شرعا بنص الكتاب
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 276 وما بعدها الطبعة السابقة.
الكريم ولا يجوز لأحد من الزوجين أو من غيرهما اسقاطها لأنها حق الله تعالى. وأن السكنى فى مسكن العدة واجب شرعا على المطلقة رجعيا والمتوفى عنها زوجها ولا يجوز لواحدة منهما الخروج من هذا المسكن والاعتداد فى مكان آخر ولا اسقاط الاعتداد فيه لحق الله تعالى لقوله تعالى: «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}.
وأما المطلقة بائنا - فان كانت حاملا وجبت لها السكنى شرعا باتفاق أهل العلم - وان لم تكن حاملا فلا تجب لها السكنى .. وفى الحالين لا يتعين الموضع الذى تسكنه بل يتخير الزوج بين اقرارها فى الموضع الذى طلقها فيه وبين نقلها الى مسكن مثلها. والمستحب اقرارها فى المسكن الذى طلقها فيه لقوله تعالى:
«لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» ولأن فيه خروجا من الخلاف لأن الذين يوجبون لها السكنى يرون وجوب الاعتداد عليها فى منزل العدة وهو الذى وقعت فيه الفرقة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى
(1)
:
وتعتد المتوفى عنها زوجها والمطلقة ثلاثا أو آخر ثلاث والمعتقة تختار فراق
زوجها حيث أحببن ولا سكنى لهن لا على المطلق ولا على ورثة الميت ولا على الذى اختارت فراقه ولا نفقة لهن ولهن ان يحججن فى عدتهن وان يرحلن حيث شئن ..
وأما كل مطلقة يحق للذى طلقها أن يراجعها ما دامت فى العدة شرعا فلا يحل لها الخروج من بيتها الذى كانت فيه اذا طلقها ولها عليه النفقة والكسوة فان كان خوف شديد أو لزمها حد فلها أن تخرج حينئذ والا فلا أصلا لا ليلا ولا نهارا البتة الا لضرورة لا حيلة فيها.
فهذه صفة الطلاق الرجعى لا صفة الطلاق البات وأما الطلاق البات فلحديث فاطمة بنت قيس عن الشعبى قال: دخلت على فاطمة بنت قيس فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها. فقالت:
طلقها زوجها البتة. قالت: فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السكنى والنفقة فلم يجعل لى سكنى ولا نفقة وأمرنى أن أعتد فى بيت ابن أم مكتوم.
وهذا ظاهر فى أن الامام ابن حزم الظاهرى: يرى أن السكنى فى مسكن
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 282 وما بعدها مسألة رقم 2004.
العدة لا تجب شرعا الا على المطلقة طلاقا رجعيا أى التى لمطلقها حق الرجعة عليها أخذا من ظاهر الآية ولا تخرج من بيت العدة الا لضرورة لا حيلة فيها، أما المبتوتة والمتوفى عنها زوجها وكل من لا رجعة عليها فى العدة فلا سكنى لها ولا نفقة.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(1)
: اذا كانت المرأة فى عدة البائن فلا يجوز لها الخروج من دار عدتها. ولو أذن لها الزوج الا لعذر كما يأتى لأن الحق لله تعالى وللزوج فان رضى الزوج باسقاط حقه لم يسقط حق الله تعالى فان خرجت ولو باذنه أثمت - فالسكنى فى مسكن العدة واجب وهو حق الله تعالى وحق الزوج - ولا يملك الزوج ابطاله وهذا عندهم فى الطلاق البائن.
وفى البحر الزخار
(2)
: ولا تنقطع العدة بانكاحها فيها والعقد باطل ولا حكم له فان وطئها مع العقد عالما بالتحريم فزنا ولا تنقطع به العدة - فالعدة عندهم واجبة ولا تنقطع ولا تسقط.
مذهب الإمامية:
لا يجوز
(3)
لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته الا أن تأتى بفاحشة وهو
ما يجب به الحد. وقيل أدناه أن تؤذى أهله
…
ولا تخرج هى فان اضطرت خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر ولا يلزم ذلك فى البائن ولا المتوفى عنها زوجها بل تبيت كل واحدة منهما حيث شاءت.
وهذا ظاهر فى أن وجوب السكنى فى مسكن العدة مدة العدة قاصر على المطلقة رجعيا دون المطلقة بائنا والمتوفى عنها زوجها كالظاهرية على ما تقدم بيانه فى مذهبهم.
الحضانة القائمة
مذهب الحنفية:
اختلف فقهاء الحنفية فى الحضانة هل هى حق الحاضنة أو حق الولد.
ورجح الأول كثيرون منهم وقيل أن عليه الفتوى.
وقال بالثانى الفقهاء الثلاثة أبو الليث والهندوانى وخواهر زادة - وأيده الكمال ابن الهمام فى حاشيته فتح القدير على الهداية.
ووفق ابن عابدين بين القولين وقال:
أن فى الحضانة حقا للولد وحقا للحاضنة وقد صرح بذلك المفتى أبو السعود. وهذا هو الواضح الذى يتفق مع العقل وتؤيده فروع الأحكام الفقهية.
فقد نصوا على أن الزوجة لو اختلعت من زوجها على أن تترك ولدها الصغير الذى فى سن الحضانة عند الزوج صح
(1)
التاج المذهب ج 2 ص 217.
(2)
البحر الزخار ج 3 ص 225.
(3)
المختصر النافع ص 226 الطبعة السابقة.
الخلع وبطل الشرط لأن بقاء الصغير فى يد حاضنته فى مدة حضانة النساء حق له فلا تملك الزوجة ابطاله.
كما نصوا على أنها لو خالعها الزوج على أن يكون ولدهما الصغير الذى فى سن الحضانة فى يد أبيه سنين معلومة من مدة الحضانة صح الخلع وبطل الشرط كذلك، لأن كون الصغير الذى فى سن الحضانة فى يد حاضنته مدة الحضانة حق الولد فلا يملك الوالدان ابطاله.
والحضانة نوعان - حضانة للنساء وحضانة للرجال - وبيان السن فى كل منهما وترتيب الحاضنات والحاضنين مبين فى كتب الفقه ولا محل لذكره هنا ..
واذا كان المحضون فى سن حضانة النساء وأسقطت الحاضنة حقها فى الحضانة فانها تسقط باسقاطها ولا تجبر عليها اذا كانت هناك حاضنة أخرى تليها وترضى بحضانته - لأنها أسقطت حقا لها - وليس فى ذلك ابطال لحق الصغير لوجود من تحضنه من النساء صاحبات الحق ويدل هذا على أن التفاوت فى الشفقة على المحضون الذى من أجله كان ترتيب الحاضنات لا يضر فواته على الصغير ولا يمنعها من اسقاط حقها.
أما اذا لم يوجد غيرها من الحاضنات أو وجد ولكن امتنع من قبول الحضانة فان حقها حينئذ لا يسقط باسقاطها وتجبر على الحضانة اذ يترتب على اسقاط حقها فى هذه الحالة ابطال حق الصغير والاضرار به. وحقه فى الحضانة أقوى من حقها. فان ساغ أن تسقط حقها فلا يسوغ ولا يقبل منها أن تبطل حقه - فاذا امتنعت الأم عن حضانة وليدها وعرضت الحضانة على الجدة لأم فامتنعت هى أيضا أجبرت الأم لا الجدة.
واذا أسقطت الحاضنة حقها فى الحضانة والصغير ما يزال فى سن حضانة النساء ولم توجد حاضنة أخرى هى أهل للحضانة أو وجدت وامتنعت ويوجد حاضن من العصبة يرضى بها فهل يسقط حقها فى الحضانة باسقاطها فى هذه الحالة ويعطى الولد للحاضن العاصب.؟
لم ينص الحنفية على حكم هذه المسألة ولكن يؤخذ من فرع الخلع الذى ذكرناه سابقا وهو أن أم الصغير لو اختلعت من زوجها والد الصغير على أن تترك الولد عنده مدة الحضانة يصح الخلع ويبطل الشرط لأن فيه ابطالا لحق الصغير فى البقاء مع أمه مدة الحضانة وهما لا يملكان ابطاله، يؤخذ من هذا الحكم أن حق الحاضنة لا يسقط بالاسقاط فى هذه الحالة. وهذا واضح، لأن التفاوت بين حضانة النساء وحضانة الرجال كبير فيكون فى اسقاطها ضرر بين بالصغير لا يمكن أن يغتفر كما اغتفر فى التفاوت بين حاضنة وحاضنة.
واذا استغنى الولد عن خدمة النساء أجبر الأب أو الولى على أخذه لأنه أقدر على تأديبه ورعايته واعداده.
وقد نصوا على أن هذا حق للصغير على الأب .. لكن اذا امتنع صاحب الحق فى الحضانة من الرجال عن الحضانة ووجد ممن يليه من الأولياء من يقبل الحضانة هل تسقط حضانة الممتنع باسقاطه أو لا تسقط؟ يؤخذ من الحكم السالف فى حضانة النساء أنها تسقط، لأن غاية الشارع هى المحافظة على حق الصغير ومصلحته وعدم الحاق الضرر به بالقدر الممكن وليس فى ذلك ابطال حق له ولا الحاق ضرر به والتفاوت يسير.
هذا كله اذا كان اسقاط حق الحضانة بعد ثبوته وتقرره.
أما اذا كان قبل ثبوت الحق كأن تسقط الجدة حقها فى الحضانة مع وجود الأم وصلاحيتها وقبولها للحضانة فانه لا يصح ولا يكون اسقاطا بل يكون امتناعا لأن من مفهوم الاسقاط وشروطه قيام الحق الذى يرد عليه وسيأتى الكلام فى اسقاط ما لم يجب من الحقوق ولم يثبت من الملك
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه
(2)
: ولا تعود الحضانة بعد الاسقاط للغير بعوض أو بغير عوض أى اذا أسقطت الحاضنة حقها فيها لغيرها بغير عذر بعد وجوبها لها ثم أرادت العود لها فلا تعود بناء على أنها حق للحاضنة وهو المشهور وقيل تعود بناء على أنها حق للمحضون.
وقال الدسوقى فى الحاشية تعليقا على ما ذكر .. واسقاط الأم حضانتها فى مقابلة خلعها لا يسقط حق الجدة.
فاذا أسقطت الجدة بعد طلاق بنتها صح الاسقاط لأنه اسقاط للشئ بعد وجوبه الا أن المعتمد أنه اذا أسقط من له الحضانة حقه فيها انتقل الحق لمن يليه فى المرتبة لا للمسقط له.
وأما لو أسقطت حقها فى الحضانة قبل وجوبها لها لم يسقط حقها على المعتمد كما لو خالعته على اسقاط حضانتها وقد أسقطت الجدة أو الخالة حقها قبل مخالعة ابنتها أو أختها.
وظاهر من هذه النصوص أن للمالكية قولين فيمن له الحق فى الحضانة هل هو الحاضنة أو هو المحضون.
(1)
حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 2 ص 653 الطبعة السابقة وتنقيح الفتاوى الحامدية له أيضا ج 1 ص 58 ورسالة الابانة عن أخذ الاجرة على الحضانة له أيضا.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 532، 533.
وقد رأيت لهم قولا ثالثا بأن فى الحضانة حقا للحاضنة وحقا للمحضون معا وليست حقا خالصا لواحد منهما، وان لم يصرحوا بأى الحقين أقوى.
وقد رتبوا على اعتبار الحق للحاضنة عدم جواز عودتها الى الحضانة بعد اسقاطها - وعلى اعتبارها حقا للمحضون جواز العود اليها.
والوجه فى ذلك أنها ما دامت صاحبة الحق فى الحضانة لا تجبر عليها واذا تنازلت عنها تكون قد أسقطت حقا مقررا لها وبالاسقاط يتلاشى هذا الحق ولا يعود اذ الساقط لا يعود.
أما اذا كان الحق للمحضون فانها تجبر على الحضانة لحق الصغير واذا امتنعت يكون امتناعها لعذر فاذا عادت يكون العذر قد زال ويقبل العود ويكون من قبيل زوال المانع لا من قبيل عود الساقط كالناشز تعود الى الطاعة فيعود حقها فى النفقة التى سقطت للنشوز لزوال المانع.
والمالكية: يجيزون أخذ العوض نظير الاسقاط ومن ثم أجازوا للحاضنة أن تسقط حقها بعوض وبغير عوض والخلع على الاسقاط نوع من المقابلة بالعوض وان لم يكن مالا.
ويرون أن الحق الذى يرد عليه الاسقاط لا بد أن يكون قائما عند وروده والا كان الاسقاط باطلا ويثبت الحق عند حصوله. فاذا أسقطت الجدة حقها فى الحضانة حال وجود الأم وحضانتها لا يصح هذا الاسقاط وتثبت لها الحضانة فى دورها.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(1)
: لو أسقطت الحاضنة حقها انتقلت لمن يليها فاذا رجعت عاد حقها.
وفى المهذب
(2)
: لو امتنعت الأم عن الحضانة فقيل تنتقل الى أم الأم وقيل الى الأب لان الأم لم يبطل حقها ولو طالبت بها كانت أحق.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(3)
: أن من له حق الحضانة اذا أسقطه صح وسقط وان أراد أن يعود اليه عاد متى شاء لأنه حق يتجدد بتجدد الزمان كالنفقة - أى أنه يرد أولا على حق قائم وثابت بالفعل فيسقط أما ما يأتى بعد ذلك فلم يرد عليه الاسقاط لأنه لم يكن قد وجب فيجوز له أن يعود اليه كما فى النفقة.
(1)
نهاية المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج للرملى ج 7 ص 219.
(2)
المهذب للشيرازى ج 2 ص 171 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 3 ص 327 وما بعدها الطبعة السابقة.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(1)
: ويجوز للأم الامتناع عن ارضاع ولدها وترك حقها فى حضانته ان قبل غيرها فان امتنع من غيرها وخشى عليه التلف صارت الحضانة حقا للطفل فيجبر من عليه الحضانة على حضانته من أم أو غيرها وتعود الحضانة بزوال المانع.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(2)
: لو تزوجت الأم بغير الأب مع وجوده سقطت حضانتها فان طلقت عادت الحضانة على المشهور لزوال المانع
والحضانة حق للأم لكن هل تجب عليها مع ذلك أم لها اسقاط حقها منها؟
الأصل يقتضى ذلك وهو الذى صرح به فى القواعد. اذ قالوا: ولو امتنعت الأم من الحضانة صار الأب أولى به ولو امتنعا معا فالظاهر اجبار الأب
…
فهذا ظاهر فى أنها لو امتنعت يكون اسقاطا لحقها ويقبل ويؤول الحق للأب. واذا امتنعت لعذر وزال العذر يعود الحق.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(3)
: اختلفوا فى
الحضانة. هل هى حق للحاضن فتسقط اذا أسقطها كسائر الحقوق اذا أسقطها صاحبها وكانت تقبل الاسقاط. أو هى حق للمحضون فلا تسقط أن أسقطها الحاضن لأنه يجبر عليها لمصلحة المحضون. أو هى حق لهما. أو حق لله تعالى فلا تسقط على هذين القولين باسقاط الحاضن.
وجاء فى موضع آخر
(4)
: واذا أسقطت الحضانة لعذر ثم زال عادت الا أن سقطت لتزوج فلا تعود على المشهور. وذلك كالمرض والسفر. فان صحت أو عادت من السفر عادت الحضانة
…
ومن ترك الحضانة بلا حادث سفر ونحوه لم يجدها بعد.
ومنها دعوى الطلاق والخلع وسائر الفرق
ينشأ عن الطلاق والخلع حق لله تعالى لما يترتب عليهما من حرمة الوط ء وهى حق لله تعالى. فالدعوى بالطلاق أو بالخلع من جانب الزوجة فيها حق الله فلا يصح اسقاطها ولا الصلح على ابطالها وتركها. بخلاف الدعوى فى الحدود التى تحتاج الى دعوى ومخاصمة وهى حد السرقة وحد القذف باتفاق الفقهاء. فانها وان كانت متعلقة بحق الله تعالى وهو الحد كما هنا الا أن الستر فى الحدود مندوب اليه من الشارع.
فالمدعى يعتبر مأذونا باسقاط الدعوى
(1)
شرح الأزهار ج 2 ص 525، 556 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهيه شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 141.
(3)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 567.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 569.
اذا رغب فى الستر بخلاف حرمة الفرج بالطلاق ونحوه فانها حق لله تجب اقامته وليس فيه ندب الى الستر فلا يصح اسقاطه.
فلو ادعت المرأة أن زوجها طلقها ثلاثا وأنكر الزوج دعواها فصالحها على مائة درهم على أن يبرأ من الدعوى لا يصح الصلح ولو أخذت المرأة البدل فللزوج أن يرجع عليها بما أعطاها منه. وتكون المرأة على دعواها ولا يقال أنها تركتها وأسقطت حقها فيها.
وكذا لو ادعت تطليقة أو تطليقتين أو خلعا - كذا فى الخانية.
وفى المغنى لابن قدامه: لو ادعت المرأة أن زوجها طلقها ثلاثا فصالحها زوجها على مال لتنزل عن دعواها لم يجز فأنه لا يجوز لها بذل نفسها لمطلقها بعوض أو بغير عوض .. وأن دفعت اليه مالا ليقر بطلاقها لم يجز فى أحد الوجهين وفى الآخر يجوز كما لو بذلت له عوضا ليطلقها ثلاثا
(1)
.
وفى كشاف القناع: لو طلق الرجل زوجته ثلاثا أو أقل من ثلاث فصالحها على مال لتترك دعوى الطلاق لم يجز الصلح لأنه يحل حراما
(2)
.
والفقهاء جميعا متفقون على أن الصلح لا يجوز شرعا ويكون باطلا اذا ترتب عليه تحليل الحرام أو تحريم الحلال - للنص كل صلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.
ومنها نسب الصغير
فى العناية: اذا ادعت المرأة على رجل صبيا هو بيدها أنه ابنه منها وجحد الرجل. ولم تدع المرأة النكاح وقالت ابنه وبانت منه وصدقها فى الطلاق فصالح من النسب على مائة درهم فالصلح باطل لأن النسب حق الصغير فلا يملك أحد ابطاله، وفى تكملة رد المحتار: لو قال شخص لغلام يعبر عن نفسه أنه ابنى وصدقه الغلام ثم قال الرجل ليس ابنى لا يصح نفى نسب الغلام ولا يقبل منه اذ باقراره بأنه ابنه تعلق حق المقر له بذلك اذ بذلك ثبت نسبه من رجل معين وانتفى كونه مخلوقا من ماء الزنا فاذا قال بعد هذا الاقرار الذى تعلق به حق الولد. ليس هذا الولد منى لا يصح ولا يقبل منه لأنه لا يملك ابطال حق الولد بعد ثبوته
(3)
.
ومنها الوكالة اذا تعلق بها حق الغير
نص فقهاء الحنفية على أن للموكل عزل الوكيل اذا لم يتعلق بالوكالة حق الغير بشرط العلم فالوكالة من الحقوق التى
(1)
المغنى لابن قدامة ومعه الشرح الكبير ج 5 ص 31.
(2)
كشاف القناع مع شرح منتهى الارادات ج 2 ص 192 الطبعة السابقة.
(3)
تكملة رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 2 ص 60.
تقبل الاسقاط اذا لم يتعلق بها حق الغير، حتى أن الموكل لو أسقط حقه فى عزل الوكيل لا يسقط هذا الحق بالاسقاط لكن اذا تعلق بها حق الغير لا تقبل الاسقاط مراعاة لحقه - فلو وكل المدعى عليه وكيلا بالخصومة بطلب المدعى ثم غاب الموكل وعزل وكيله فانه لا يصح لئلا يضيع حق المدعى.
ولو عزل العدل الموكل ببيع الرهن نفسه بحضرة المرتهن ان رضى به صح والا لا ينعزل لتعلق حقه به. ولو وكل الراهن المرتهن ببيع الرهن عند حلول الأجل ثم عزله لا ينعزل لتعلق حقه بالوكالة فصارت لازمة لا تبطل بابطاله
(1)
.
وفى الشرح الكبير فى فقه المالكية: من باب الرهن
(2)
: ولا يعزل الأمين الموكل على حوز الرهن وبيعه برأى واحد منهما - الراهن والمرتهن - فان اتفقا على عزله فلهما ذلك.
وفى موضع آخر
(3)
: وجاز توكيل واحد فى خصومة وليس للموكل ان قاعد الوكيل للخصم ثلاث مرات سواء كان التوكيل لعذر أم لا - عزل الوكيل عن الوكالة الا لمقتض كظهور تفريط أو ميل مع الخصم - ولم يذكر السبب فى عدم جواز العزل عند عدم الخيانة - هل هو حق الغير أولا ولكن عدم جواز عزل الوكيل
ببيع الرهن من الراهن وحده أو المرتهن وحده وعزله باتفاقهما يدل على أن لحق الغير صلة بعدم جواز العزل.
وفى المهذب فى فقه الشافعية: ويجوز للموكل
(4)
أن يعزل الوكيل اذا شاء ويجوز للوكيل أن يعزل نفسه متى شاء لأنه اذن فى التصرف فى ماله فجاز لكل واحد منهما ابطاله كالاذن فى أكل طعامه. وان رهن عند رجل شيئا وجعلاه على يد عدل واتفقا على أنه يبيعه اذا حل الدين ثم عزله الراهن عن البيع انعزل لأنه وكيله فى البيع فانعزل بعزله كالوكيل فى بيع غير الرهن.
وظاهر من هذا أن الشافعية يطلقون للموكل الحق فى عزل الوكيل من غير نظر الى تعلق حق الغير بالوكالة وعدم تعلقه فقد أجازوا للراهن أن يعزل الوكيل ببيع الرهن من غير نظر الى موافقة المرتهن مع أن حقه فى الوكالة ظاهر.
وفى المغنى لابن قدامة فى فقه الحنابلة
(5)
: للموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل عزل نفسه كذلك لأنه أذن فى التصرف فكان لكل واحد منهما ابطاله - وهذا هو اتجاه الشافعية فى الاطلاق والتعليل.
(1)
المرجع السابق ج 1 من باب عزل الوكيل.
(2)
الشرح الكبير ج 3 ص 251.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 378 وما بعدها.
(4)
المهذب لابى اسحق الشيرازى ج 1 ص 356.
(5)
المغنى لابن قدامة مع الشرح الكبير ج 5 ص 242.
وفى المحلى لابن حزم الظاهرى
(1)
اذا كتب الموكل الى الوكيل أو أوصى اليه اذا بلغك رسولى فقد عزلتك فهذا صحيح لأن له أن يتصرف فى حقوق نفسه كما يشاء فاذا بلغه فقد صح عزله وليس للخصم أن يمنع من يخاصمه من عزل وكيله وتولية آخر لأن التوكيل فى ذلك قد صح ولا برهان على أن للخصم منعه من عزل من شاء وتولية من شاء.
وهذا صريح فى اطلاق الحرية للموكل فى عزل وكيله سواء كان وكيلا فى الخصومة أو غيرها وأنه ليس للخصم أن يمنعه من ذلك ولكن العبارة فيها شئ من الاحتمال اذ المنفى هو المنع من عزل الوكيل وتولية آخر بدله. فهل يصدق ذلك بالعزل دون تولية آخر؟ ان كان كذلك فلا يمنع تعلق حق الغير بالوكالة من العزل والا منع.
وفى التاج المذهب فى فقه الزيدية
(2)
:
أعلم أنه لا انعزال باللفظ لوكيل المرافعة حيث طلبه الخصم ولو وكيلا نحو أن يقول: وكل فلانا فى مدافعتى أو نحو ذلك فوكله أو لم يطلبه ولكنه نصب بحضرته - اى نصب الوكيل بحضرة الخصم - أو لا يكون طلبه الخصم ولا نصب بحضرته ولكنه قد خاصم بعض الخصومة - لم يكن له أن يعزله أيضا ولا للوكيل أن يعزل نفسه فى وجه
الموكل فقط الا فى وجه الأصل مع وجه الخصم الذى خاصمه أو علمه بكتاب أو رسول وسواء رضى الخصم أو لا فانه يصح.
وأما فى غير ذلك وهو حيث لم يتفق أى هذه الوجوه الثلاثة ولم يكن وكيل مدافعة بل وكيل مطالبة فانه يصح أن يعزل ولو فى الغيبة أى غيبته عن الأصل وغيبة خصمه.
ويصح للوكيل أن يعزل نفسه فى مواجهة الأصل لا فى غيبته - هذا فى وكيل المطالبة أما وكيل المدافعة فالحكم كما تقدم.
وعلق فى الهامش على قوله - لا انعزال باللفظ - بقوله واما بالفعل من الموكل فيعزل فى ذلك كله.
وهذا ظاهر فى أن حق الغير لا يمنع الموكل من عزل الوكيل وانما يتطلب علم هذا الغير بالعزل ويجعله متوقفا على العلم والعلم اما بالمواجهة أو بالأخبار.
مع تفصيل فى الاجراءات وفرق فيها بين وكيل الخصومة ووكيل المطالبة.
وبين العزل باللفظ والعزل بالفعل كما هو واضح.
وفى شرائع الاسلام فى فقه الشيعة الإمامية
(3)
والموكل أن يعزل الوكيل بشرط أن يعلمه بالعزل ولو لم يعلمه لم
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 246.
(2)
التاج المذهب ج 4 ص 135.
(3)
شرائع الاسلام ج 1 ص 239.
ينعزل - فلم يشرط وراء علم الوكيل شيئا.
ما يعتبر اسقاطه تغييرا للمشروع
من ذلك ولاية الأب والجد:
فى الأشباه والنظائر لابن نجيم أن الولاية مراتب أولاها ولاية الأب والجد وهى وصف ذاتى لهما. ونقل ابن السبكى الاجماع على أنهما لو عزلا أنفسهما لم ينعزلا. والمراد من العزل أن يصير الأب أو الجد نفسه غير ولى فهذا لا يصح لأن فيه تغيير المشروع وبعد أن نقل بعضا من النصوص الفقهية قال - فهذا يدل على صحة الاجماع ولولا أن الولاية وصف ذاتى لهما لما قالوا ذلك.
وفى حاشية رد المحتار من باب الحجر
(1)
: اذا أسقط الأب أو الجد أب الأب حقه فى الولاية على الصغير وعزل نفسه من ذلك وصير نفسه غير ولى لا يجوز ولا يسقط حقه فى ذلك لما فيه من خلاف المشروع اذ أن ولاية الأب والجد أب الأب على الصغير ثابتة لازمة.
وفى كشاف القناع فى فقه الحنابلة
(2)
:
لو أسقط الولى حقه فى النكاح فلا يسقط
بالاسقاط لأن ولاية النكاح حق عليه لله تعالى وللمرأة بدليل اثمه بالعضل.
وجميع الفقهاء متفقون على أنه لا يجوز اسقاط حق الله تعالى وما فى اسقاطه خلاف المشروع وتغييره.
ومنه حق الرجوع فى الهبة:
نص فقهاء الحنفية على أن حق الرجوع فى الهبة لا يسقط بالاسقاط لما رواه الحاكم وصححه من قول النبى صلى الله عليه وسلم، من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب عليها.
فدل هذا الحديث على أن كل هبة ليست بعوض يصح الرجوع فيها واذا أبطل حقه فى الرجوع فقد غير المشروع لأنه يجعل هبته التى لم يثب عليها ولم يعوض عنها لا يجوز الرجوع فيها وهذا مخالف للحديث ويستوى أن يكون هذا الاسقاط بعوض أو بغير عوض.
غير أنه اذا صالحه الموهوب له من حق الرجوع على شئ يصح ويكون عوضا عن الهبة لا عن الاسقاط ويسقط حقه فى الرجوع لأنها تكون حينئذ هبة بعوض والهبة بالعوض لا يجوز الرجوع فيها.
جاء فى تكملة رد المحتار: من باب الهبة
(3)
: ولو أسقط الواهب حقه فى الرجوع عن هبته لا يسقط حقه ولو بعوض ما دام لم يعوض عن الهبة لأن
(1)
حاشية رد المحتار لابن عابدين ج 2 ص 102.
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 483.
(3)
تكملة رد المحتار ج 2 ص 339 من باب الهبة.
الهبة بغير عوض شرعت غير لازمة فاذا أبطل حقه فى الرجوع فقد غير المشروع ولأن الاسقاط لا يكون فى كل حق فان بعض الحقوق لا تسقط بالاسقاط كهذا الحق فهو نظير الميراث والاستحقاق فى الوقف.
وجاء فى الفتاوى الهندية
(1)
: وهب شخص شيئا لآخر ثم قال الواهب أسقطت حقى فى الرجوع لا يسقط حقه ولو صالحه من حق الرجوع على شئ فانه يصح ويكون عوضا عن الهبة وسقط حق الرجوع.
وفى الشرح الكبير فى فقه المالكية
(2)
:
لا يصح الرجوع فى الهبة الا الأب فقط لا الجد - فله اعتصار الهبة من ولده الحر الذكر والأنثى صغيرا او كبيرا غنيا أو فقيرا جبرا بلا عوض ولو حازها الابن الا فيما أريد به ثواب الآخرة فلا اعتصار فيه.
وفى تحفة المحتاج فى فقه الشافعية
(3)
: أن للأب حق الرجوع فى هبته لولده ولا يسقط هذا الحق بالاسقاط.
وفى الاقناع فى فقه الحنابلة
(4)
:
لا يجوز للواهب أن يرجع فى هبته الا الأب الأقرب فيجوز له الرجوع فى الهبة
ولو أسقط حقه فى الرجوع - أى أن حق الرجوع فى الهبة لمن يجوز له الرجوع فيها وهو الأب الأقرب لا يسقط بالاسقاط.
وفى المحلى لابن حزم الظاهرى
(5)
:
من وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا منذ تلفظ بها إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولده ولم يذكر ابن حزم ما اذا أسقطا أو أحدهما حقه فى الرجوع فى هذه الهبة هل يسقط الحق بذلك أولا.
وجاء فى التاج المذهب فى فقه الزيدية
(6)
: الهبة اذا كانت بلا عوض يصح مع الكراهة الرجوع فيها بشروط ستة:
1 -
أن يقع الرجوع مع بقاء الواهب والمتهب.
2 -
أن يقع فى عين لا دين.
3 -
ألا تستهلك العين.
4 -
ألا تكون قد زادت.
5 -
ألا تكون الهبة قد وقعت لله تعالى.
6 -
ألا تكون لذى رحم محرم.
ثم قال: الا الأب فله الرجوع فى هبته لطفله ما لم يحصل أحد الموانع المتقدمة.
أما لو لم يكن طفلا فلا يصح للأب أن
(1)
الفتاوى الهندية ج 4 ص 309.
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 110 وما بعدها.
(3)
تحفة المحتاج ج 2 ص 543.
(4)
الاقناع ج 3 ص 37.
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 127.
(6)
التاج المذهب ج 3 ص 267 وما بعدها
يرجع فيما وهب له .. ولم يبين حكم اسقاط حق الرجوع.
وفى كفاية الأحكام فى فقه الشيعة الإمامية: يجوز الرجوع عن الهبة قبل قبضها وأما اذا قبضت فالمعروف فى مذهب الأصحاب أنها ان كانت للوالدين أو الولد فلا يجوز الرجوع فيها ونقل بعضهم الاجماع على ذلك ونقل المرتضى الاجماع على جواز الرجوع - ولم يذكر حكم اسقاط حق الرجوع.
وفى شرح النيل فى فقه الإباضية
(1)
:
يصح الرجوع فى الهبة من الوالد فى الحكم وعند الله تعالى.
ومنه بعض شروط النكاح:
مذهب الحنفية:
المقرر عند الحنفية أن عقد النكاح لا يصح تعليقه على شرط ولا اضافته الى المستقبل لأنه لا بد أن يكون منجزا يفيد الانشاء فى الحال ويعقب أثره فورا.
ويظهر أن هذا قدر متفق عليه بين الأئمة الا ما جاء فى أعلام الموقعين للعلامة ابن القيم
(2)
: من أن الامام أحمد نص على جواز تعليق النكاح بالشرط وان هذا هو الصحيح.
أما اقتران صيغة عقد النكاح بالشرط فهو جائز.
والشرط الذى يقترن بصيغة عقد النكاح اما أن يكون شرطا يقتضيه العقد كاشتراط الزوجة على زوجها أن ينفق عليها أو أن يحسن معاشرتها.
واما أن يكون شرطا يؤكد مقتضى العقد كاشتراط الزوجة أن يكون والد زوجها أو أحد أقاربه ضامنا لمهرها أو كفيلا فى نفقتها فان هذا الشرط يؤكد مقتضى العقد وهو الحصول على المهر أو على النفقة.
واما أن يكون شرطا جاء الشرع بجوازه كاشتراط الزوجة أن تكون العصمة بيدها تطلق نفسها متى شاءت. فهذا الشرط لا يقتضيه العقد وليس مؤكدا ولا ملائما لمقتضاه ولكن ورد الشرع بجوازه اذ فهم الكثير أن قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً»
(3)
أساس لتشريع هذا الحكم.
واما أن يكون شرطا جرى به العرف كاشتراط الزوجة تعجيل ثلثى مهرها فانه قد جرى العرف بذلك.
(1)
شرح النيل ج 6 ص 8.
(2)
اعلام الموقعين لابن القيم ج 3 ص 338.
(3)
الاية 38 من سورة الاحزاب.
واما أن يكون شرطا لا يقتضيه العقد ولا يؤكد مقتضاه ولا يلائمه ولا جاء بجوازه الشرع ولا جرى به عرف كان تشترط الزوجة على زوجها الا ينقلها من بلدها.
واما أن يكون شرطا منافيا للعقد ومناقضا له كاشتراط مدة يبقى اليها النكاح كسنة مثلا أو مدة الدراسة أو مدة البعثة أو البقاء فى البلد وكل شرط من الشروط الأربعة الأولى يعتبره الحنفية صحيحا واذا اشترط فى العقد وجب الوفاء به شرعا غير أنه اذا لم يف به الزوج لا يترتب على عدم الوفاء اعطاء صاحب الشرط حق الخيار فى فسخ العقد، لأن كل ما يترتب على عدم الوفاء هو فوات الرضى وانعدام الرضى لا يؤثر عند الحنفية ومن ثم يقولون بصحة ولزوم عقد نكاح المكره.
أما الشرط الخامس فانه شرط فاسد عند الحنفية فيلغو ولا يعتبر ولكن لا تأثير له فى العقد لأن النكاح الصحيح الدائم لا يبطل بالشروط الفاسدة عندهم.
أما الشرط الأخير المنافى للعقد فانه يبطل العقد.
واذا اشترطت الكفاءة فى الزواج أو أظهرها الزوج فى العقد وفهم اعتبارها فيه ثم تبين عدمها وفواتها كان للزوجة حق الفسخ وكذا ان اشترطت الحرية أو أظهرت ثم تبين عدمها يكون لها حق الفسخ.
وان أظهر الزوج نسبا ثم ظهر خلافه فان كان الى مماثل أو أعلى مما ذكر فلا خيار لها وان كان الى أدون وأقل مما ذكر كان لها الخيار ولو كانت الكفاءة متحققة مع الوضع الأقل، لأنها لم ترض بما هو أدون ولأنه يكون تغريرا بها فلم ينظر الى الكفاءة مع التغرير.
وأما ان أظهرت المرأة الحرية أو نسبا معينا ثم تبين خلاف ذلك فلا خيار للزوج، لأن الكفاءة فى الزوجة غير معتبرة والزوج لا يرتفع بنسب امرأته.
وان تزوجها على ألا يخرجها من بلدها أو بيتها أو على ألا ينفق عليها أو على ألا يطأها أو على ألا يتزوج عليها أو على أن يطلق امرأته التى فى عصمته أو على أن تنفق هى عليه أو نحو ذلك من الشروط التى تنافى مقتضى العقد أو تخالف المشروع - كان الشرط فاسدا ولاغيا ولا أثر له على العقد فيصح العقد ويبطل الشرط ولا يلزم من شرط عليه الشرط أن ينفذه ولا حق للمشروط له فى المطالبة بتنفيذه.
ويتصل بهذا النوع من الشروط شرط أن يطلقها بعد مدة معينة فيعتبر شرطا فاسدا ولا يؤثر فى صحة العقد.
وكان من الممكن أن يعتبر بمثابة تأقيت النكاح فيبطل العقد، ولكنهم على بطلان الشرط
وصحة العقد، لأن عقد النكاح عندهم لا يبطله الا فوات شرط من شروط انعقاده ولا يفسده الا فوات شرط من شروط صحته.
وان اتصل الشرط بالصداق ورتب على مقدار للصداق فى تحققه أو فواته يبقى الحكم بالنسبة لصحة الشرط وفساده ومدى تأثيره على العقد على ما ذكرنا ولكن يكون له تأثيره بالنسبة للصداق.
فلو تزوج امرأة على ألف أن لم تكن له زوجة أخرى وعلى ألفين ان كانت له زوجة أو تزوجها على ألف ان لم يخرجها من بلدها أو من بيتها وعلى ألفين ان أخرجها أو تزوجها على ألف ان كانت عربية وعلى ألفين ان كانت قرشية وما أشبه ذلك - يبطل الشرط ويصح العقد.
أما أثر الشرط بالنسبة للمهر فقد وقع فيه خلاف.
فعند الامام أبى حنيفة الشرط الأول جائز فان وقع الوفاء به أو كان الأمر كما تضمنه الشرط فلها ما سمى على ذلك.
وان لم يقع الوفاء به أو فعل خلاف ما شرط لها فلها مهر مثلها لا ينقص عن الأقل ولا يزيد عن الأكثر.
وعند الصاحبين الشرطان جائزان فأيهما وافق الواقع أو فعله المشروط عليه كان لها ما سمى فيه.
مذهب المالكية:
يقول المالكية اذا اشترط الزوج سلامة الزوجة من عيوب ليست مما يرد بها من غير شرط ولم يوجد ما شرطه. فان اطلع على ذلك قبل الدخول فاما أن يرضى وعليه جميع الصداق أو يفارق ولا شئ عليه.
وان اطلع على ذلك بعد الدخول فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل ويسقط عنه ما زاد لأجل السلامة.
واذا تزوجها يظنها على وصف معين ثم تبين أنها على غير ما كان يظن فليس له حق رد الزوجة بذلك ..
واذا تزوجته على أنه عربى فتبين أنه مولى أو على أنه من قبيلة كذا فظهر من غيرها أو ظهر غير عربى أصلا فلها الخيار فى الرد والأبقاء.
واذا تزوجته على أنه قرشى وهى قرشية فظهر أنه عربى يكون لها الخيار فى الرد للغرر.
واذا تزوجها بمهر معين على أنه اذا كانت له زوجة أخرى فمهرها ضعف ما سمى. فالنكاح فاسد للغرر الحاصل فى صلب العقد فى مبلغ الصداق مع قدرة كل من الطرفين على رفع هذا الغرر وابعاده عن العقد بمعرفة حقيقة الواقع بأخبار الزوج أو تحرى الزوجة
أما اذا تزوجها بألف واشترطت أن أخرجها من بلدها أو من بيتها أو تزوج عليها فمهرها ألفان فالنكاح صحيح ولا يلزمه الوفاء بالشرط ولكن يستحب ذلك وان لم يوف به لا تلزمه الألف الثانية على المشهور عن الامام مالك رحمه الله تعالى.
وعنه ترجع بالأقل من الألف وبقية مهر المثل.
وانما صح النكاح هنا لأن الغرر فى القدر الزائد على الألف وقع فى المستقبل أى بعد عقد النكاح وتمامه والشرط مستقبل يمكن تنفيذه وتفويته بخلاف المسألة الأولى فان الغرر فيها وقع فى صلب العقد والشرط متصل بالواقع ويمكن التعرف على حقيقة الواقع.
مذهب الشافعية:
يقول الشافعية أنه اذا شرط بين المتعاقدين شرط فلا يخلو هذا الشرط من أن يكون شرطا لا يتعلق به غرض أو يتعلق به غرض ولكنه يوافق مقتضى العقد والأول كاشتراط الزوجة أن تأكل أكلا مخصوصا أو تلبس لباسا مخصوصا. والثانى كاشتراطها أن ينفق عليها أو يقسم لها. ولا تأثير للشرط فى هاتين الحالتين لا فى عقد الزواج ولا فى الصداق لانتفاء فائدته ..
أما الشرط الذى يتعلق به غرض وليس من مقتضى العقد فلا يخلو من أمرين:
الأول: أنه لا يخل بالمقصود من العقد كشرط الزوج ألا ينفق على الزوجة وشرط الزوجة ألا يتزوج. وهذا لا تأثير له على العقد لعدم الاخلال بالمقصود ولأن عقد النكاح لا يتأثر بالشرط الفاسد غير أنه فى هذه الحالة يجب للزوجة مهر مثلها لا المسمى لأنها لم ترض بالمسمى وحده ان كان الشرط من جهتها. ولأنه لم يرض ببذل المسمى الا عند سلامة ما شرطه فاذا فسد الشرط وليس له قيمة يرجع اليها وجب الرجوع الى مهر المثل.
ومن قبيل هذا الشرط الذى لا يخل بالمقصود ما اذا تزوجها على ألف ان أقام بها وعلى ألفين ان سافر بها حيث يبطل الشرط ويصح العقد ويجب لها مهر المثل.
وأما اذا كان الشرط يخل بالمقصود كشرط أن يطلقها أو أن له الخيار فى النكاح فانه يبطل العقد للاخلال بالمقصود منه وهو الدوام والاستقرار. أما اذا اشترطت فى العقد أوصافا خاصة كحرية أحد الزوجين أو نسبه بنسب خاص أو شرط جمال أو يسار أو شباب أو بكارة أو اسلام الزوجه والزوج مسلم أو اسلام الزوج. والزوجة كتابية أو السلامة من العيوب مثلا. فظهر أن الأمر ليس على مقتضى الشرط فالنكاح صحيح لأن تبدل الصفة ليس كتبدل العين فالبيع لا يفسد بتخلف الصفة ولأن النكاح لا يتأثر بالشروط الفاسدة.
غير أنه اذا تبين أن الواقع خير مما شرط فى العقد كأن تزوجها على أنها ثيب فاذا هى بكر أو كتابية فظهر أنها مسلمة فلا خيار لمن اشترط له الشرط لأن ما ظهر أفضل مما شرط فلم يفت عليه شئ يؤثر فى رضاه .. واما ان ظهر أن الموصوف دون ما شرط كأن تزوجها على أنها بكر فظهرت ثيبا ففى هذه الحالة يكون لمن تخلف شرطه الخيار التغرير وخلف الشرط حتى ولو كان الطرف الآخر مثله أو فوقه.
وقد اختلفوا فى النسب المشروط اذا ظهر خلافه ولكن مع وجود الكفاءة فقال بعضهم لا يثبت الخيار لصاحب الشرط لوجود الكفاءة وانتفاء العار.
وقال بعض آخر يثبت الخيار وهو ما يقتضيه كلام المنهاج.
وقال البلقينى ان الامام رحمه الله رجحه فى خلف شرط نسب الزوج ومثله خلف شرط نسب الزوجة وجرى فى الأنوار على الأول والتغرير الموجب للفسخ بخلف الشرط هو المشروط فى العقد لأن الشرط انما يؤثر فى العقد اذا ذكر فيه لا قبله.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة أن الشروط فى النكاح تنقسم الى ثلاثة أقسام:
الأول: شرط يعود نفعه الى الزوجة مثل اشتراط ألا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها أو ألا يتزوج عليها .. فهذه الشروط وأمثالها يلزم الوفاء بها فان لم يفعل كان لها حق فسخ النكاح وان أسقطت حقها فى ذلك سقط.
والثانى: أن يشترط شرط ينافى مقتضى العقد أو يتضمن اسقاط حق لم يجب أو اسقاط حق يجب بالعقد قبل انعقاده سواء كان فيه نفع لها أو لم يكن. كاشتراط الا مهر لها أو الا نفقة لها عليه أو أن يرجع عليها بالصداق وكاشتراط ألا يطأها أو يعزل عنها أو يقسم لها قسما يغاير قسم صاحبتها وكاشتراط أن تنفق عليه أو أن تعطيه شيئا معينا.
فهذه الشروط كلها باطلة فى نفسها لأنها تنافى مقتضى العقد أو تتضمن اسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلا تكون صحيحة ولكنها لا تؤثر على العقد فيصح لأن هذه الشروط تعود الى معنى زائد فى العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به. ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد.
والثالث: شروط تؤثر فى العقد لأنها تخل بالمقصود منه كاشتراط تأقيت النكاح أو أن يطلقها فى وقت بعينه أو يعلق النكاح على شرط مثل أن يقول وليها زوجتك ان رضيت أمها أو أن يشترط لها الخيار فى النكاح أو له.
فهذه الشروط باطلة فى نفسها ويبطل بها النكاح لاخلالها بالمقصود منه وهو الدوام والاستقرار.
ولا يرى الحنابلة جواز اشتراط تطليق الضرة مع أنه داخل فى القسم الأول اذ فيه نفع لها ولا ينافى مقتضى العقد ولا يتضمن ابطال حق لم يجب ولا حق يجب بالعقد قبل انعقاده - وذلك لورود النهى عنه بالذات. فقد روى أبو هريرة رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشترط المرأة طلاق أختها (أى الزوجة الأخرى التى ينبغى أن تكون بمثابة الأخت) وفى لفظ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتنكح والنهى يقتضى فساد المنهى عنه فيكون شرطا فاسدا. ولأنها شرطت عليه فسخ عقده وابطال حقه وحق امرأته فلم يصح كما لو اشترطت عليه فسخ بيعه والأمر فى شروط النكاح بالنسبة لغير الحنابلة يدور بين أن تكون شروطا صحيحة ولكن لا يجب الوفاء بها. أو شروطا فاسدة ولكن لا تأثير لها على العقد فتبطل ويصح العقد أو شروطا فاسدة تؤثر على العقد وتبطله.
أما بالنسبة للحنابلة فالشروط أقسام ثلاثة على نحو ما ذكر.
والخلاف بين الحنابلة وغيرهم هو فى القسم الأول اذ يرونه صحيحا ويجب الوفاء به ويراه غيرهم اما فاسدا وأما غير واجب الوفاء.
وقد استدل الحنابلة على وجوب الوفاء بتلك الشروط بقول النبى صلى الله عليه وسلم: أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج - وبقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم. ولأنه قول كثير من الصحابة رضوان الله عليهم فقد روى عن عمر بن الخطاب وسعد ابن أبى وقاص ومعاوية وكثير غيرهم - ولم يعلم لهم مخالف فكان اجماعا - وقد حكم عمر بمثل هذا - ولأنه شرط لا يمنع المقصود من النكاح فكان لازما كما لو اشترطت عليه زيادة فى المهر أو نقدا غير نقد البلد.
واستدل الأئمة الثلاثة على عدم لزوم هذه الشروط بقول النبى صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل. وهذه الشروط ليست فى كتاب الله لأن الشرع لا يقتضيها وبحديث المسلمون على شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا.
وهذا يحرم الحلال وهو التزوج بأخرى والسفر بالزوجة. ولأن هذه الشروط ليست من مصلحة العقد ولا مقتضاه فكانت فاسدة .. وحديث أحق ما وفيتم به من الشروط محمول على الشرط الصحيح. وليس هذا منه.
وهذه الشروط أو أكثرها حين يشترطها أحد الطرفين فى عقد النكاح على الطرف الآخر تعتبر بالنسبة للمشروط عليه بمثابة اسقاط حق مقرر له بمقتضى أحكام الشريعة ونصوصها فيكون قبول الشرط واسقاط الحق على خلاف ما جاء به الشرع ومخالفة المشروع غير جائزة.
جواز الاسقاط وعدم جوازه فى شروط النكاح
وما ذكر من القواعد والأحكام الخاصة بشروط النكاح فى المذاهب المشار اليها هو الأساس فى الكلام على جواز الاسقاط وعدم جوازه فى شروط النكاح التى سيتناولها الكلام بصفة عامة فى المذاهب كلها.
أولا: اذا أسقط الزوج حقه فى نقل
زوجته من بلدها أو من دارها أو فى
السفر بها من بلد الى بلد آخر
.
بأن تزوجها على ألا ينقلها من بلدها أو من بيتها أو على أن تسكن حيث أحبت أو على ألا يسافر بها فهل يجوز ذلك ويلزمه الوفاء بهذا الشرط.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: ان هذا الشرط لاغ ولا يعمل به ولا يلزم الزوج الوفاء به، لأنه يتضمن اسقاط حق للزوج قررته له الشريعة حيث جعلت له الحق فى أن ينقل زوجته الى بيت الزوجية ويسكن بها حيث أحب فى مسكن لائق مستوف لكل ما تتطلبه الحياة الكريمة حسب المستوى المناسب، وليس من غرضه ايذاؤها فيكون اسقاط هذا الحق بالشرط على خلاف المشروع وتغييرا له فلا يجوز. وأن بنى هذا الشرط على قدر المهر كأن تزوجها على ألف أن أقام بها وعلى ألفين أن أخرجها فالحكم بالنسبة للالزام بالشرط لا يتغير أما بالنسبة للمهر.
ففى رأى الامام أبى حنيفة أن أقام بها فلها الألف وأن أخرجها فلها مهر المثل لا يزاد به عن الألفين ولا ينقص عن الألف.
وفى رأى الصاحبين الشرطان جائزان حتى كان لها الألف ان أقام بها والألفان أن أخرجها
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: أن هذا الشرط لاغ ولا يلزم الزوج بالوفاء به وأن كان يستحب له ذلك. وأن بنى على قدر المهر وردد فى شرطين على قدرين كأن يتزوجها بألف وتشترط عليه أن أخرجها من بلدها أو من بيت أبيها فمهرها ألفان يصح العقد ولا يلزمه الوفاء بالشرط فأن لم يف به وأخرجها من بلدها أو من بيت أبيها لا تلزمه الألف الثانية على المشهور عندهم.
وقيل ترجع بالأقل من الألف وبقية صداق مثلها
(2)
.
(1)
حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 2 ص 359 الطبعة السابقة.
(2)
الخرشى ج 3 ص 195.
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية: أن هذا الشرط لا أثر له على العقد لأنه لا يخل بالمقصود منه ولكن لا يجب على الزوج الوفاء به. فالنكاح صحيح. ويجب مهر المثل سواء وردت عبارة الشرط بأثره ولم تربط بالصداق كتزوجتك على ألف على ألا تخرجنى من بلدى أو من بيتى أو ربطت بالصداق ورددت بين شرطين كتزوجتك على ألف ان أقمت بى وعلى ألفين ان سافرت
(1)
.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: ان هذا الشرط صحيح ولازم ويجب على الزوج الوفاء به فان لم يوف كان للزوجة الخيار فى فسخ النكاح لأنها رضيت بالنكاح على الشرط ولم ترض بدونه فيثبت لها الخيار ولا يسقط حقها فيه الا بما يدل على رضاها فأن أسقطت حقها فى الفسخ سقط
(2)
.
مذهب الظاهرية:
وذهب ابن حزم الظاهرى: الى أن النكاح لا يصح على شرط أصلا الا شرط الصداق وشرط الامساك بالمعروف أو التسريح بالاحسان. أما شرط هبة أو بيع أو ألا ينقلها عن بلدها
أو غير ذلك. فأن شرط فى نفس العقد فهو عقد مفسوخ وأن شرط بعد العقد فهو صحيح والشروط كلها باطلة.
وذكر ابن حزم فى صدد الاستدلال للحنابلة القائلين بصحة الشرط ولزوم الوفاء به، ان البعض روى أنه شهد عند عمر بن الخطاب رضى الله عنه رجلا أتاه فأخبره أنه تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال عمر لها شرطها. فقال رجل عنده: هلكت الرجال أذن اذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها الا طلقته فقال عمر المسلمون على شروطهم عندها مقاطع حقوقهم وفى لفظ مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما اشترطت
(3)
.
مذهب الزيدية:
وجاء فى البحر الزخار فى فقه الزيدية
(4)
: يلغو كل شرط فى عقدة النكاح على خلاف موجبه فلو تزوج الرجل امرأة على شرط ألا يخرجها من دارها أو بلدها لغا الشرط لقوله عليه الصلاة والسلام ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست فى كتاب الله.
مذهب الإمامية:
اختلفت الشيعة الإمامية فى ذلك فقال بعضهم اذا شرط مثل هذا الشرط فى عقد النكاح يصح العقد ولا يلزم الشرط ولا يجب على الزوج الوفاء به.
(1)
تحفة المحتاج ج 3 ص 273.
(2)
المغنى والشرح الكبير ج 7 ص 447 وما بعدها وص 526 وما بعدها وكشاف القناع والمنتهى ج 3 ص 52 وما بعدها وص 67 وما بعدها.
(3)
المحلى ج 9 ص 516.
(4)
البحر الزخار ج 3 ص 113.
وقال آخرون أن الشرط يلزم. وذكروا أن القول بلزوم الشرط هو الأقرب للرواية
(1)
.
مذهب الإباضية:
وذهب الإباضية الى أن هذا الشرط جائز وأن الزوجة على شرطها ما لم تبرئه
(2)
منه وقولهم أن الزوجة على شرطها يدل على وجوب الوفاء بالشرط على الزوج.
ثانيا: اذا أسقط الزوج حقه فى
المعاشرة الجنسية مع زوجته أو أسقطت
هى حقها فى ذلك
أو أسقط حقه فى الزواج بغيرها بأن تزوجها على الا يطأها أو على ألا يتزوج عليها.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: أن الشرطين باطلان والعقد صحيح ولا يسقط حق الزوج بهذا الاشتراط لأنها تحرم حلالا هو استمتاع الرجل بزوجته واباحة التزوج بأكثر من واحدة الى أربع وما يؤدى الى تغيير المشروع باطل فلا يجوز ولا يلزم الوفاء به وكذلك اذا كان اشتراط عدم الوط ء من قبل الزوجة
(3)
.
مذهب المالكية والشافعية:
وقال المالكية والشافعية: أن الشرط الأول يبطل عقد النكاح لأنه يخل بالمقصود
منه ويخالف موجبه الذى حدده الشارع وبينه أما الشرط الثانى وهو ألا يتزوج عليها فانه شرط باطل لأنه يؤدى الى تحريم المباح فلا يجوز ولا يسقط حق الزوج فى التزوج ولا تأثير له على العقد لأنه لا يخل بالمقصود منه فيصح العقد ويبطل الشرط
(4)
.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة أن الشرط الأول باطل والعقد صحيح لأنه يؤدى الى اسقاط ما لم يجب ويخل بمقصود العقد.
أما الشرط الثانى وهو ألا يتزوج عليها فهو صحيح ولازم ويجب على الزوج الوفاء به لأن فيه نفعا للزوجة وقد جرى به العرف فيكون لازما ولا أثر له على العقد وأن لم يوف به فللزوجة حق فسخ النكاح واذا أسقطت حقها فى ذلك سقط
(5)
.
مذهب الظاهرية:
ورأى ابن حزم فى هذين الشرطين كرأيه فى الشرط السابق أن شرطا فى العقد فهو مفسوخ وأن شرطا بعده فهو عقد صحيح والشرطان باطلان لأن عقد النكاح عند الظاهرية لا يصح على شرط من الشروط الا على شرط المهر وشرط الامساك بالمعروف أو التسريح باحسان
(6)
.
(1)
كفاية الاحكام.
(2)
شرح النيل ج 3 ص 90.
(3)
فتح القدير على الهداية ج 2 ص 190 من باب المهر.
(4)
الخرشى ج 3 ص 195 وتحفة المحتاج ج 3 ص 273.
(5)
المغنى والشرح الكبير ج 7 ص 447 وما بعدها وص 526 وما بعدها وكشاف القناع ج 3 ص 52 وما بعدها وص 67 وما بعدها.
(6)
المحلى ج 9 ص 516.
مذهب الزيدية:
أما الزيدية: فقد فرقوا فى حكم شرط ألا يطأها بين أن يكون من جانب الزوج فيصح العقد ويلغو الشرط لأن هذا حقه وله أن يسقط حقه. أو يكون من جانب الزوجة فيبطل العقد
(1)
.
وجاء فى كتاب شرح الازهار المنتزع من
(2)
الغيث المدرار فى فقه الزيدية - اذا شرط فى العقد ألا يطأ الزوج زوجته كان هذا شرطا مخالفا لموجب العقد فيفسد العقد.
أما شرط ألا يتزوج عليها فيرى الزيدية فيه أنه شرط باطل ولا أثر له على العقد فيبطل الشرط ويصح العقد
(3)
.
مذهب الإمامية:
وذهب الإمامية: بالنسبة للشرط الاول ألا يطأها الى أنه يبطل العقد لأنه يمنع المقصود منه وهو الاعفاف والتناسل.
أما بالنسبة للشرط الثانى ألا يتزوج عليها فقد قالوا: أن المشهور فى المذهب صحة العقد وفساد الشرط.
مذهب الإباضية:
أما الإباضية: فقد قالوا: أن الشرط الأول باطل عند الله وفى الحكم وأن عقد النكاح صحيح أما الشرط الثانى فقد قالوا فيه أن كل شرط فى النكاح لا يحرم
حلالا ولا يحل حراما فهو جائز.
والزوجة على شرطها ما لم تبرئه منه
(4)
.
والخلاف بالنسبة لهذا الشرط أساسه أنه يحرم حلالا عند من يراه باطلا وليس كذلك عند من يراه صحيحا.
ثالثا: اذا تزوجها على أن يطلق زوجته
التى فى عصمته يتضمن هذا الشرط اسقاط حق الزوج فى امساك زوجته التى على عصمته.
مذهب الحنفية:
قد ذهب الحنفية: الى أن هذا الحق لا يسقط باشتراط هذا الشرط لأن الحق ثابت بحكم الشرع واسقاطه معناه تغيير المشروع ولا يستطيع أحد أن يغير حكم الله فيكون الشرط المقتضى لهذا التغيير باطلا ولا تأثير له على العقد لأن عقد النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة
(5)
.
مذهب المالكية:
وكذلك يرى المالكية فى هذا الشرط اذ يقولون أنه شرط باطل ولا يلزم الوفاء به لأنه يؤدى الى تحريم الحلال فلا يصح ويصح العقد
(6)
.
مذهب الشافعية:
أما الشافعية فقد وافقوا المالكية فى قول لهم وقرروا فى قول آخر أن العقد يبطل
(7)
.
(1)
البحر الزخار ج 3 ص 31، 113، 114.
(2)
ج 2 ص 240.
(3)
البحر الزخار ج 3 ص 31.
(4)
شرح النيل ج 3 ص 179.
(5)
فتح القدير ج 2 ص 459.
(6)
الخرشى ج 3 ص 159.
(7)
تحفة المحتاج ج 3 ص 273.
مذهب الحنابلة:
وقد سبق أن الحنابلة لا يقولون بجواز هذا الشرط لورود النهى عنه بخصوصه على نحو ما تقدم ومن ثم قرروا بطلان الشرط وصحة العقد
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ويرى ابن حزم الظاهرى فى هذا الشرط ما رآه فى الشروط الاخرى وهو أنه أن ورد فى العقد كان مفسوخا وأن ورد بعده كان صحيحا وكان الشرط باطلا
(2)
.
ومنه الارث:
يطلق الأرث فى لسان الفقهاء على الأمر المعنوى وهو الوراثة وحلول الوارث محل المورث وخلافته عنه فى المال والحقوق والتبعات .. كما يطلق على المال أو الحق الموروث، والوراثة نوع من الولاية لما فيها من ولاية الوارث على المورث بخلافته عنه فى ماله ملكا ويدا وتصرفا .. ولذلك تنقطع الوراثة حيث تنقطع الولاية باختلاف الدين. والوراثة جبرية بالنسبة للمورث فان الشارع لم يترك حق التوريث الى رغبته وأرادته بل أناط الوراثة بأسباب وقيدها بشرائط متى تحققت ولم يوجد مانع من الوراثة ثبتت لمستحقيها على مقتضى القواعد والأحكام التى حددها الشارع
تحديدا جبرا على المورث بحيث لا يملك حرمان وارث ولا ابطال حق من يرى ابطال حقه ولا انتقاص شئ منه.
وليس للوارث ابطال أهليته للأرث ولا نفى هذا الوصف عن نفسه متى تحققت فيه الأسباب والشروط وانتفت عنه الموانع. فلو قال: أبطلت كونى وارثا أو تنازلت عن ذلك أو لست وارثا. فلا عبرة بقوله هذا ولا أثر له لأنه اسقاط لوصف ذاتى عمن يقوم به وتغيير للمشروع.
أما حق التملك الذى يثبت للوارث عند موت المورث مستندا الى أول الموت فأنه حق مجرد وليس هو حقيقة الملك الذى يثبت له فى أعيان التركة والحقوق التى تشتمل عليها .. وهو يملك أن يسقط هذا الحق المجرد أى حق التملك بأجازة تصرف مورثه فى التركة حال المرض اذ أن أجازة هذا التصرف تتضمن ابطال حق المجيز فى تملك ما وقع عليه التصرف .. ولكنه لا يملك هذا الاسقاط بالاجازة ألا بعد موت المورث ولا يملكه حال المرض لأنه لم يكن ثابتا فى ذلك الحين.
وحق التملك هذا يثبت للوارث بدون أرادته بمعنى أنه لا يتوقف على قبوله ولا يرتد برده ولكنه يسقط بالاسقاط بأجازة تصرف المورث حين المرض كما ذكر.
ومن ذلك أجازة الورثة وصية مورثهم التى تتوقف على اجازتهم كما فى الوصية بأكثر من الثلث والوصية للوارث فى رأى بعض
(1)
المغنى ج 7 ص 447 وما بعدها وكشاف القناع ج 3 ص 52 وما بعدها.
(2)
المحلى ج 9 ص 516.
الفقهاء - فأنهم بأجازتهم قد أبطلوا حقهم فى تملك العين.
ولا يملك الوارث ابطال شئ مما يثبت له بالوراثة حقا كان أو ملكا - حال حياة المورث لأن شيئا من ذلك لم يثبت له بعد. ولا يصح أسقاط شئ من الحقوق قبل ثبوته بالفعل.
أما ملك الوارث لما فضل من التركة بعد حاجة المورث من التجهيز والدفن وسداد الديون وتنفيذ الوصايا - فأنه يثبت للوارث جبرا عليه وتدخل أموال الميت والحقوق القابلة للانتقال فى ملك الوارث من غير توقف على قبوله ولا يرتد برده. وهذا الملك لا يسقط بالاسقاط مطلقا بالنسبة للاعيان. ويسقط بالاسقاط بالأبراء بالنسبة للديون التى للمورث على الغير.
جاء فى الأشباه والنظائر لابن نجيم
(1)
: لو قال الوارث تركت حقى لم يبطل حقه اذ الملك لا يبطل بالترك.
وجاء فى تنقيح الفتاوى الحامدية لابن عابدين
(2)
: اذا أشهد أحد الورثة بأنه ترك حقه من الأرث وأسقطه فهذا الحق لا يسقط بالاسقاط وله المطالبة بحقه من الأرث اذ هو جبرى لا يسقط بالاسقاط.
وفى الفتاوى الخيرية: حق الارث لا يقبل الاسقاط
(3)
.
وفى تكملة رد المحتار
(4)
. يبطل اقرار انسان بعدد من السهام لوارث أزيد من الفريضة الشرعية لكونه محالا شرعا.
أى مخالف للمشروع ومغير له فيكون باطلا .. ومثل ذلك فى الفتاوى الخيرية
(5)
من كتاب الاقرار.
وفى كتاب الأم للشافعى رحمه الله تعالى
(6)
: من ورث شيئا لم يكن له دفع الميراث وذلك أن حكما من الله عز وجل أنه نقل ملك الموتى الى ورثتهم من الأحياء.
أما الوصية والهبة والصدقة وجميع وجوه الملك غير الميراث فالمملك فيها بالخيار ان شاء قبلها وان شاء ردها.
وفى تتمة الروض النضير فى فقه الزيدية الميراث هو كل مال أو حق خرج من مستحق الى مستحق آخر من غير اختيار كل منهما ولهذا يسمى الملك القهرى.
وفى شرح النيل فى فقه الإباضية
(7)
:
الميراث يدخل الملك بلا قبول بل ولو أبى القبول.
وهذا قدر متفق عليه بين الفقهاء ولا خلاف فيه لأحد {(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ}
(1)
الاشباه والنظائر ص 174.
(2)
تنقيح الفتاوى الحامدية ج 2 ص 27.
(3)
الفتاوى الخيرية ج 1 ص 326.
(4)
تكملة رد المحتار لابن عابدين ج 2 ص 156.
(5)
الفتاوى الخيرية ج 2 ص 147.
(6)
الام ج 4 ص 26.
(7)
شرح النيل ج 3 ص 101.
{أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً}
(1)
.
الحقوق التى لم تجب
ذكرنا فيما سبق أن الحق قبل وجوبه لا يقبل الاسقاط وان اسقاطه ليس اسقاطا حقيقة وانما هو امتناع عن الحق فى المستقبل فهو مجرد وعد فلا يلزم. وليس من هذا الباب التطليق والعتق المضافان الى الملك عند الحنفية.
فان الاسقاط منهما لم يحصل الا عند ثبوت الملك بالفعل غاية الأمر أن الصيغة وجدت قبل ثبوت الحق. ومنع التعليق سببيتها للاسقاط حتى يحصل الملك فتثبت السببية بناء عليه ويحصل الاسقاط لوجود سببه حينئذ. ويبنى على هذا الأصل مسائل:
منها: بعض شروط النكاح:
ومن الحقوق التى لا تقبل الاسقاط لأنها لم تجب بعد بعض الشروط التى تشترط فى عقد النكاح كما اذا اشترط الزوج على زوجته أن لا يعطيها مهرا فتزوجها على ألا مهر لها .. فان هذا اسقاط لحق المرأة فى المهر ولكنه لا يصح لأن حقها فى المهر لم يثبت بعد اذ المهر انما يجب بالعقد ويتأكد بالدخول والموت والخلوة والشرط وقع قبل تمام العقد أى قبل وجوب المهر فلم
يصادف محلا. فوقع غير صحيح ..
ولكن ما أثر هذا الشرط على العقد
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية: ان هذا شرط لا يقتضيه العقد ولا يؤكد مقتضاه ولم يجر به عرف ولم يجئ بجوازه الشرع بل ان الشرع قد جاء بايجاب المهر فهو شرط مخالف لمقتضى حكم الشرع فيكون فاسدا وهو أيضا اسقاط لحق يجب بالعقد قبل تمام العقد.
والمقرر عندهم أن عقد النكاح لا يؤثر فيه الشرط الفاسد. فيبطل الشرط ويصح العقد. ويجب عندهم فى هذه الحالة مهر المثل. اذ بهذا الشرط أصبح النكاح بدون تسمية مهر فيلجأ الى مهر المثل لما روى أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن امرأة مات عنها زوجها ولم يكن قد فرض لها شيئا فجعل يرده شهرا ثم قال: أقول فيه برأيى فان يك صوابا فمن الله ورسوله. وان يك خطأ فمنى ومن الشيطان والله ورسوله بريئان.
أرى لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط.
فقام رجلان وقالا: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فى امرأة يقال لها بروع بنت واشق بمثل قضيتك هذه. فسر ابن مسعود رضى الله عنه لموافقة قضائه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا الحديث صريح فى أن المهر اذا لم يذكر فى
(1)
الآية رقم 11 من سورة النساء.
العقد وجب مهر المثل .. ويستوى فى عدم ذكره فى العقد أن تترك التسمية أو تفسد أو ينفى المهر كما فى حالتنا
(1)
.
مذهب المالكية:
أما المالكية فان المقرر عندهم أن الزواج بالنسبة للمهر يعتبر عقد معاوضة لا بد فيه من المهر ومن بيانه فى العقد كالبيع بالنسبة للثمن لما كان عقد معاوضة كان مفتقرا الى ذكر الثمن وبيانه فى العقد. ولو نفى الثمن فى البيع يفسد العقد وكذلك النكاح لو نفى المهر يفسد العقد .. وحينئذ يكون العقد فى هذه الحالة فاسدا ويستوى فى ذلك أن يتراضيا على اسقاط المهر ونفيه وأن يكون بالاشتراط فى العقد
(2)
.
مذهب الشافعية:
والشافعية يقولون: ان هذا شرط يتعلق به الغرض اذ فيه نفع للزوج ولكنه لا يخل بالمقصود من عقد النكاح فيكون شرطا فاسدا ولكن لا تأثير له على العقد فيصح العقد ويبطل الشرط.
ويجب مهر المثل فى هذه الحالة. لأن العقد خلا عن ذكر مهر. والمهر واجب بحكم الشرع وليس هناك ما يرجع اليه فى تحديد المهر الا مهر المثل الذى اعتبره الشارع فى مثل هذه الأحوال
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة أن هذا الشرط باطل لأنه يتضمن اسقاط حق يجب بعقد النكاح وهو حق الزوجة فى المهر وهو لا يثبت ولا يتقرر الا بالعقد وهو قد شرط فى العقد أى قبل تمامه. وابطال ما لم يجب باطل. ولكنه لا يخل بمقصود العقد ولا ينافى مقتضاه فلا يكون له تأثير على العقد فيصح العقد ويبطل الشرط. ويجب مهر المثل لأن العقد خلا عن تسمية مهر. والمهر واجب بحكم الشرع وليس هناك ما يرجع اليه فى تقدير المهر الواجب وتحديده سوى مهر المثل الذى اعتمد عليه الشارع كثيرا فى التحديد
(4)
.
مذهب الظاهرية:
وقال ابن حزم أن أى شرط فى النكاح غير المهر والامساك بالمعروف أو التسريح باحسان غير جائز وان شرط فى العقد يكون العقد مفسوخا وان شرط بعد العقد يكون العقد صحيحا ويبطل الشرط - وهذا شرط غير متعلق بالمهر لأن المقصود لابن حزم من الشرط المتعلق بالصداق الذى يصح عنده هو الشرط المتعلق بذكر المهر وبيانه وتحديده وهذا نفى له. وقد شرط فى صلب العقد. فهو عقد مفسوخ أبدا عند ابن حزم الظاهرى
(5)
.
(1)
حاشية رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 302.
(2)
الخرشى ج 3 ص 172.
(3)
تحفة المحتاج ج 3 من باب النكاح.
(4)
المغنى والشرح الكبير ج 7 ص 448 وما بعدها وص 526 وما بعدها.
(5)
المحلى ج 9 ص 466.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية ان هذا الشرط باطل لأنه يقتضى نفى المهر فى عقد النكاح والمهر فى النكاح واجب بحكم الشرع ولا سبيل الى الغائه أو نفيه ثم هو اسقاط لحق الزوجة قبل وجوبه بالفعل اذ لا يجب الا بالعقد. فكان باطلا. ولكن لا أثر له على العقد فيصح العقد ويبطل الشرط ويجب مهر المثل لأنه الواجب شرعا فى مثل هذه الحالة
(1)
.
مذهب الإمامية:
ويقول الإمامية: أنه لا يشترط لصحة عقد النكاح ذكر المهر فلو أغفل ذكر المهر فى العقد أو شرط الا مهر لها فالعقد صحيح. ولو طلق فى هذه الحالة فان كان قبل الدخول فلها المتعة وان كان بعد الدخول فلها مهر المثل - ولو تزوجها على خمر. صح العقد ولها مع الدخول مهر المثل. وقيل يبطل العقد وهذا غير خلو العقد عن ذكر المهر
(2)
.
مذهب الإباضية:
وقال الإباضية: اذا تزوج
(3)
الرجل المرأة على ألا صداق لها أو بدون صداق أو بصداق غير جائز بطل الشرط ولزم النكاح عند الله تعالى وفى الحكم وقيل
لا يحل النكاح أن تزوجها على ألا صداق لها.
ومنها النفقة:
مذهب الحنفية:
فى الدر المختار وحاشية رد المختار عليه لابن عابدين من باب النفقة
(4)
- ابراء الزوجة من نفقتها قبل الفرض بالقضاء أو بالرضا باطل لأنه لا يصير دينا بدون الفرض. وبعده يصح مما مضى ومن مدة مستقبلة .. فلو قالت لزوجها أنت برئ من نفقتى أبدا مادمت امرأتك ولم تكن النفقة مفروضة لا يصح لأن صحة الابراء تعتمد الوجوب أو قيام سبب الوجوب ولم يوجدا هنا لأن سبب وجوب النفقة فى المستقبل هو الاحتباس فى المستقبل. وهو غير موجود فى الحال. واذا أبرأته وكانت مفروضة بالأشهر صح الابراء عن الماضى وعن شهر مستقبل ولو بالايام يبرأ من نفقة يوم مستقبل ولو بالسنين يبرأ من نفقة سنة مستقبلة. وذلك كله مع البراءة من الماضى.
واستظهر ابن عابدين أن المراد بالمستقبل فى هذه العبارات ما دخل أوله لأنه انما يتنجز المفروض لها بدخوله وقبل دخول أوله حكمه حكم ما بعده من الأشهر والأيام والسنين .. وكذا لو قالت: أبرأتك
(1)
البحر الزخار ج 3 ص 131.
(2)
المختصر النافع ص 212 وما بعدها الطبعة الثانية.
(3)
شرح النيل ج 3 ص 90 وص 178.
(4)
حاشية رد المحتار على الدر المختار ج 2 من باب النفقة.
عن نفقة سنة وهى مفروضة بالأشهر لم يبرأ الا من نفقة شهر واحد، لأن القاضى لما فرض النفقة كل شهر فانما فرض لمعنى يتجدد بتجدد الشهر فما لم يتجدد الشهر لم يتجدد الفرض وما لم يتجدد الفرض لا تصير نفقة الشهر الثانى واجبة أى أن النفقة تفرض لمعنى الحاجة المتجددة فاذا فرضها القاضى كل شهر كذا صارت الحاجة متجددة بتجدد كل شهر وقبل تجدده لا يتجدد الفرض فلم تجب النفقة قبله ولا يصح الابراء عما لم يجب.
واستثنوا من ذلك ما لو طلقها أو خالعها نظير الابراء من نفقة العدة. فانهم صححوا هذا الابراء وحكموا بوقوع الطلاق بائنا لأنه طلاق على مال. مع أن مدة العدة تبدأ عقيب الطلاق والخلع والنفقة تجب شيئا فشيئا. فكان مقتفى ما تقدم ألا يصح الابراء واختلفت عبارات المؤلفين فى تعليل هذا التصحيح.
فقال صاحب فتح القدير. ان الاسقاط يرد قصدا وأولا على ما تستحقه بالفعل وقت الطلاق والخلع. والباقى يثبت تبعا فى ضمن الطلاق أو الخلع. وكم من شئ يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا.
وقال فى الذخيرة أن هذا من قبيل براءة الاستيفاء لأنها لما شرطت البراءة فى الخلع أو الطلاق كان ابراء بعوض اذ حصلت على الطلاق فيكون استيفاء لما وقع الابراء عنه لأن العوض قام مقام هذا الاستيفاء.
مذهب المالكية:
وفى الحطاب فى فقه المالكية
(1)
:
المرأة اذا أسقطت النفقة عن زوجها فى المستقبل تسقط عنه وصرح بذلك عبد الحق فى تهذيبه ونقله عنه أبو الحسن وقبله ولم يذكر خلافه.
وقال القرافى أن ذلك لا يسقط ولها الرجوع فيه وقبله ابن الشاط.
والسر فى ذلك أن النفقة عند المالكية تعتبر دينا صحيحا للزوجة على زوجها من وقت التسليم ولو حكما ولا تسقط عنه الا بالأداء أو الابراء وليس ملحوظا فيها معنى الحاجة فيثبت لها ويصادف الابراء حقا قائما. والا فالمالكية: يرون أن اسقاط ما لم يجب غير صحيح فلو أسقطت الحاضنة التى لم تجب لها الحضانة حقها لا يصح.
مذهب الشافعية:
وفى كتاب الأم للامام الشافعى رضى الله عنه
(2)
ان ترك الرجل زوجته سنة لا ينفق عليها وأبرأته من نفقة تلك السنة وسنة مستقبلة برئ من نفقة السنة الماضية لأنها قد وجبت لها ولم يبرأ من نفقة السنة المستقبلة لأنها أبرأته قبل أن تجب لها وكان لها أن تأخذه بها.
وفى موضع آخر: اذا أعسر الرجل بنفقة المرأة فأجل ثلاثا ثم خيرت فاختارت
(1)
الحطاب ج 4 ص 160.
(2)
الام ج 5 ص 80، 82.
المقام معه. فمتى شاءت أجل أيضا ثم كان لها فراقه لأن اختيارها المقام معه عفو عما مضى فعفوها فيه جائز. وعفوها غير جائز عما استقبل فلا يجوز عفوها عما لم يجب لها.
اذا أسقطت النفقة المستقبلة.
مذهب الحنابلة:
وفى كشاف القناع فى فقه الحنابلة
(1)
:
لو تزوجت المرأة رجلا معسرا أو شرط ألا ينفق عليها أو أسقطت النفقة المستقبلة ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك لأن النفقة يتجدد وجوبها كل يوم فيتجدد لها الفسخ كذلك. ولا يصح اسقاط نفقتها فيما لا يجب لها وكما لو أسقطت النفقة قبل النكاح.
مذهب الظاهرية:
وابن حزم يتفق مع الأئمة فى أن شرط الابراء أن يكون الحق المبرأ منه موجودا وقائما عند الابراء. غاية الأمر أنه لا يصح عنده بألفاظ التمليك مثل وهبت أو أعطيت أو ملكت - ويصح بما يدل على الاسقاط وبلفظ التصدق مع أنه يدل على التمليك لورود النص به فلا يصح الابراء من الحق الذى لم يجب.
ومنها حق الزوجة فى القسم وحق
الحاضنة فى الحضانة مستقبلا
مذهب الحنفية:
يقول فقهاء الحنفية اذا رضيت احدى الزوجات بترك قسمها لصاحبتها جاز لأن
سودة بنت زمعة رضى الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها وتجعل نوبتها لعائشة رضى الله عنها - واذا فعلت الزوجة ذلك فليس لها أن ترجع فيما مضى من القسم ولا تملك العودة الى المطالبة به. ولها أن ترجع فيما بعد ذلك لأنها أسقطت حقا لم يجب بعد فلا يسقط بالاسقاط فاسقاطها حقها فيما ثبت من القسم وأصبح قائما صحيح ولا رجوع فيه لأن الساقط لا يعود - أما فيما لم يجب فلها الرجوع فيه لأنه لا يسقط.
ومثل القسم فى ذلك حق الحضانة فلو أسقطت الحاضنة حقها فى الحضانة وجاز هذا الاسقاط لعدم اشتماله على ابطال حق الصغير فانه لا يكون لازما فى المستقبل ولها الرجوع فيه.
قال ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار على الدر المختار واستظهر الرحمتى أن هذا الاسقاط لا يدوم فلها الرجوع لأن حقها يثبت شيئا فشيئا فيسقط الكائن لا المستقبل. فهو كاسقاطها القسم لضرتها .. فلا يرد أن الساقط لا يعود لأن العائد غير الساقط بخلاف اسقاط حق الشفعة
(2)
.
مذهب المالكية:
وفى الشرح الكبير فى فقه المالكية وحاشية الدسوقى عليه
(3)
: للزوجة
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 311.
(2)
رد المحتار على الدر المختار ج 2 ص 411.
(3)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 22.
ان وهبت نوبتها لزوجها ولضرتها أن ترجع عن ذلك سواء أكانت الهبة مقيدة بوقت أو لا. وقد تقدم فى الكلام على اسقاط حق الحضانة أنه لا يصح اسقاط هذا الحق عندهم قبل أن يجب ما يثبت بالفعل. فان أسقطت الجدة حقها فيها مع وجود الأم الحاضنة بالفعل لا يصح ولا يسقط حقها بذلك ويثبت لها فى دورها.
مذهب الشافعية:
وفى تحفة المحتاج فى فقه الشافعية:
أن الزوجة اذا وهبت نوبتها فى القسم لغيرها من الزوجات جاز ولها الرجوع متى شاءت فى المستقبل.
وفى نهاية المحتاج
(1)
: لو أسقطت الحاضنة حقها انتقلت لمن يليها فاذا رجعت عاد حقها.
مذهب الحنابلة:
وفى الاقناع فى فقه الحنابلة
(2)
: اذا رجعت الزوجة فى هبة نوبتها من القسم لضرتها عاد حقها فى المستقبل فقط.
وفى كشاف القناع
(3)
: أن من له الحضانة وأسقطها فان له أن يعود اليها متى شاء لأنه حق يتجدد بتجدد الزمان كالنفقة.
مذهب الظاهرية:
وفى المحلى لابن حزم الظاهرى
(4)
اذا وهبت الزوجة ليلتها لضرتها جاز لها ذلك - فان بدا لها فرجعت فى ذلك فلها ذلك لما روى أن سودة بنت زمعة لما كبرت قالت يا رسول الله: جعلت يومى منك لعائشة - فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة. واما أن لها الرجوع فى ذلك فلأن كل يوم هو غير اليوم الذى قبله بلا شك. ولا يجوز هبة مجهول وانما هو اباحة حادثة فى ذلك اليوم اذا جاء فلها ألا تحدث تلك الاباحة وأن تتمسك بحقها الذى جعله الله لها.
مذهب الزيدية:
وفى البحر الزخار فى فقه الزيدية
(5)
:
اذا وهبت المرأة نوبتها من القسم للزوجة الأخرى كان هذا اسقاطا لها.
وللواهب الرجوع متى شاء.
وفى شرح الأزهار
(6)
: وللأم أن تترك حقها فى حضانة ولدها ان قبل غيرها فان امتنع من غيرها وخشى عليه التلف صارت الحضانة حقا للطفل فيجبر من عليه الحضانة عليها من أم أو غيرها - وتعود الحضانة لصاحب الحق اذا تركه بزوال المانع.
(1)
تحفة المحتاج ج 3 ص 326 ونهاية المحتاج ج 7 ص 219.
(2)
الاقناع ج 3 ص 246.
(3)
كشاف القناع ج 3 ص 327، 328.
(4)
المحلى ج 10 ص 68.
(5)
البحر الزخار ج 3 ص 95.
(6)
شرح الازهار ج 2 ص 525، 526.
مذهب الإباضية:
وفى شرح النيل فى فقه الإباضية
(1)
:
اذا أسقطت احدى الزوجات عن زوجها نوبتها ان كان فيما مضى جاز وأما فى المستقبل فقيل يجوز ذلك وقيل لا يجوز.
وفى موضع آخر من باب الحضانة:
واذا أسقطت الحضانة لعذر ثم زال عادت الا أن سقطت لتزوج فلا تعود على المشهور. وذلك كالمرض والسفر فان صحت أو عادت من السفر عادت الحضانة.
ومنها حق الوارث فى الوصية
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: اذا أوصى المورث بأكثر من الثلث أو لوارث فانه يثبت للورثة فى الحالة الأولى أو لباقيهم فى الحالة الثانية الحق فى رد هذا التصرف مراعاة لحقهم فى الارث. ولكن هذا الحق لا يثبت لهم الا بعد الموت. فليس لهم الحق فى فسخ هذه الوصية وردها حال حياة المورث الذى أوصى. وكذلك لا عبرة بأجازتهم فى حياته. وما ذلك الا لأن حقهم لم يجب بعد فلا يسقط بالاسقاط بهذه الأجازة ولا تجوز حتى يجيزوها بعد الموت. قال الجصاص. ولا تعمل أجازتهم فى الحياة لأنهم لم يستحقوا شيئا بعد.
مذهب المالكية:
وفى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه فى فقه المالكية
(2)
: اذا أجاز الوارث وصية مورثة قبل موته فيما له رده بعده كما لو كانت الوصية لوارث أو كانت بأكثر من الثلث فتلزمه الاجازة وليس له الرجوع بعد ذلك فيما أجازه متمسكا بأنه التزام شئ قبل وجوبه وانما تلزم الاجازة حال حياة الموصى بشروط.
أولها: كون الاجازة فى مرض الموصى سواء كانت الوصية نفسها فى المرض أو فى حال الصحة.
ثانيها: أن يكون المرض مرض الموت بحيث يتصل به الموت ولا يصح منه الموصى فان أجاز فى صحة الموصى أو فى مرض صح منه صحة بينة ثم مرض ومات لم يلزم الوارث ما أجازه.
وثالثها: ألا يكون معذورا فى هذه الاجازة بكونه فى نفقة الموصى فأجاز مخافة قطع النفقة عنه أو مدينا للموصى فأجاز لأجل دينه الذى له عليه أو يخاف سلطان الموصى فأجاز مخافة سطوته.
ورابعها: ألا يكون المجيز ممن يجهل أن له الرد والاجازة ويحلف على ذلك فان حلف لم تلزمه الاجازة وله الرد وان نكل لزمته.
(1)
شرح النيل ج 3 ص 316، 569.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 437، 438.
وان أجاز الوارث الوصية فى صحة الموصى فلا تلزمه الاجازة وهذا قول مالك فى الموطأ والعتبية لأنهم أذنوا فى وقت لا منع لهم فيه. قال أبو عمرو.
هذا هو المشهور من المذهب. وسواء كانت الوصية لوارث أو لأجنبى بأكثر من الثلث. واذا كانت الاجازة الواقعة فى صحة الموصى لا تلزم فللوارث الرد بعد موت الموصى، لأن حقهم ثبت حينئذ.
مذهب الشافعية:
وفى المهذب فى فقه الشافعية
(1)
: اذا أوصى الموصى بما زاد على الثلث فان كان له وارث ففيه قولان.
أحدهما: أن الوصية تبطل فيما زاد على الثلث لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى سعدا عن الوصية بما زاد على الثلث.
والثانى: أنها تصح وتقف على اجازة الوارث فان أجازها نفذت وان ردها بطلت لأن الوصية صادفت ملكه وانما يتعلق بها حق الوارث فى الثانى فصحت ووقفت على الاجازة. فان قلنا أنها باطلة كانت الاجازة هبة مبتدأة يعتبر فى لزومها القبض. وان قلنا أنها تصح كانت الاجازة امضاء لما أوصى به الموصى.
ولا يصح الرد والاجازة الا بعد الموت لأنه لا حق للورثة قبل الموت فلم يصح
اسقاطهم. والوصية للوارث تجوز اذا أجازها الورثة على أحد قولين.
مذهب الحنابلة:
وفى كشاف القناع فى مذهب الحنابلة
(2)
: اذا أجاز الورثة وصية الموصى فانما يعتبر ذلك بعد موت الموصى لأن حقهم يثبت حينئذ فيصح منهم الاجازة والرد كسائر الحقوق. فلو أجازوا قبل موت الموصى أو ردوا قبل موته أو أذنوا لمورثهم فى صحته أو فى مرضه أن يوصى بجميع ماله ولو لأجنبى أو أذنوا له بالوصية لبعض ورثته - فلهم الرد بعد موته ولا عبرة بما صدر منهم قبله لأن الحق لم يكن لهم وقته كالمرأة تسقط مهرها قبل النكاح.
وان مات الموصى له بعد موت الموصى وقبل الرد والقبول للوصية قام وارثه مقامه فى القبول والرد لأنه حق ثبت للمورث فينتقل الى الوارث بعد موته فان كان وارثه جماعة اعتبر القبول والرد من جميعهم. فمن قبل منهم فله حكمه من لزوم الوصية فى نصيبه ومن رد منهم فله حكمه من سقوط حقه من نصيبه.
مذهب الظاهرية:
وفى المحلى لابن حزم الظاهرى
(3)
:
لا تحل الوصية لوارث ولا بأكثر من الثلث
(1)
المهذب ج 1 ص 450، 451.
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 501، 503.
(3)
المحلى ج 9 ص 316، 317.
لقول النبى صلى الله عليه وسلم:
«لا وصية لوارث» ولنهيه صلى الله عليه وسلم سعدا عن الوصية بأكثر من الثلث والنهى يقتضى فساد المنهى عنه فتكون الوصية باطلة فيهما سواء أجازها الورثة أم لم يجيزوها اذ لا عبرة بالاجازة فى عقد باطل بحكم الشرع.
مذهب الزيدية:
وفى شرح الأزهار فى فقه الزيدية
(1)
:
من باب تصرفات المريض - أن الوارث له أن يجيز وصية الموصى ولو زاد على الثلث - فان أجاز بعضهم نفذ من حصته دون حصة شركائه. وانما ينفذ الزائد على الثلث بأجازة الوارث اذا كان غير مغرور. فأما لو كان مغرورا كأن يوهم طالب الاجازة الوارث أن الوصية بالثلث وهى فى الواقع بالنصف فلا تأثير لاجازته فترد الوصية الى الثلث.
وجاء فى الهامش - لما كان المرض سبب تعلق حق الورثة صحح كثير من العلماء أجازتهم للوصية قبل موت المورث. اذ الاجازة اسقاط للحق بعد سلبه.
ومنع الجمهور صحة الاجازة قبل الموت بناء على أن سبب الملك انما هو الموت. فكما لا يصح اسقاط الميراث والصلح عنه قبل الموت لا تصح الاجازة التى هى اسقاط حق قبله.
مذهب الإمامية:
وفى الروضة البهية فى فقه الشيعة الإمامية
(2)
: يشترط فى الوصية بالزائد عن الثلث اجازة الوارث والا بطلت.
وتكفى الاجازة حال حياة الموصى وان لم يكن الوارث مالكا الآن لتعلق حقه بالمال والا لم يمنع الموصى من التصرف فيه.
وقيل لا تعتبر الا بعد وفاته لعدم استحقاق الوارث المال حينئذ.
مذهب الإباضية:
وفى شرح النيل فى فقه الإباضية
(3)
:
- هل تصح اجازة الوارث وصية مورثه بأكثر من الثلث ولا رد بعد موته أو لا تصح اجازتهم لأنهم جوزوا فى حياته ما لم يملكوه؟ قولان:
الصحيح عندى الأول لأن الايصاء فعل الموصى وقد أجازوه له. وأن أجاز بعض الورثة دون بعض فالخلاف فى رجوع من أجاز كذلك .. وفى موضع آخر تكلم على اجازة الوصية لوارث على نحو ما ذكر.
ومنه خيار الرؤية قبل حصول الرؤية
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: أن خيار الرؤية يثبت للمشترى بعد رؤية ما اشتراه وفى هذه الحالة اذا أسقطه المشترى بالقول أو بالفعل
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 476.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 50.
(3)
شرح النيل ج 6 ص 203 وما بعدها.
بأن تصرف فى المبيع تصرفا لا يكون الا فى الملك ولا يمكن فسخه أو تصرفا يوجب حقا للغير - اذا أسقطه بعد الرؤية بشئ من ذلك يسقط .. أما قبل الرؤية فلا يثبت الخيار ومن ثم لو أسقطه فى هذه الحالة بالقول لا يسقط. ولو أسقطه بالفعل لا يسقط كذلك لأن اسقاط ما لم يجب من الحقوق غير صحيح كما تقرر ألا أن يكون الفعل الذى يصدر من المشترى قبل الرؤية يوجب حقا للغير فى الشئ المشترى كأن يبيعه بيعا مطلقا عن خيار الشرط للبائع أو يرهنه ويسلمه أو يؤجره أو يهبه ويسلمه أو يتصرف فيه تصرفا لا يقبل الفسخ كالاعتاق للجارية المشتراه. أو يحدث ما يمنع من الرد كأن يتعيب فى يده أو يهلك أو يستهلك - ففى هذه الأحوال يسقط الخيار ولو قبل الرؤية لا لأن الحق ثبت ثم سقط بالفعل المشار اليه وانما لمعنى آخر وهو تعذر الفسخ
(1)
.
مذهب المالكية:
وفى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه فى فقه المالكية
(2)
: يجوز بيع الغائب ولو بلا وصف لنوعه أو جنسه لكن على شرط خيار المشترى بالرؤية للمبيع ليخف غرره لا على اللزوم.
وفى حاشية الدسوقى أن ذلك البيع لا يجوز ولو كان على الخيار ونسب هذا القول الى بعض كبراء أصحاب الامام مالك قال فى
المقدمات وهو الصحيح. فهل يدل اشتراط الخيار على القول الأول على عدم جواز اسقاطه عند من يقول بذلك؟
مذهب الشافعية:
وفى المجموع
(3)
فى فقه الشافعية: بيع الغائب بشرط نفى خيار الرؤية باطل بلا خلاف؟
فهل يدل ذلك على عدم صحة اسقاطه ابتداء.
لا يصح عندهم اسقاط هذا الحق لانه لم يثبت بعد.
مذهب الحنابلة:
وفى المغنى لابن قدامه الحنبلى
(4)
: ان للحنابلة فى بيع الغائب روايتين أظهرهما ان الغائب الذى لم يوصف ولم تتقدم رؤيته لا يصح بيعه. والأخرى أنه يصح.
واذا قلنا بالصحة فالمشهور أنه يثبت خيار الرؤية للمشترى وأن اختار المشترى الفسخ قبل الرؤية انفسخ. وأن اختار امضاء العقد لم يلزم لان الخيار يتعلق بالرؤية. وكذلك لو تبايعا بشرط ألا يثبت الخيار للمشترى لم يصح الشرط كذلك.
ما يقبل الاسقاط
ما يقبل الاسقاط أنواع: الأول منها - الأعيان:
فقد تقدم أن الأعيان لا تقبل الاسقاط على أن ملكها لا يزول بالاسقاط ولا يبطل بالترك
(1)
الاشباه والنظائر لابن نجيم ص 174 والفتاوى الهندية ج 3 ص 44 وتنقيح الفتاوى الحامدية ج 1 ص 276.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 25، ص 26.
(3)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 9 ص 300.
(4)
المغنى لابن قدامة ج 4 ص 74 وما بعدها.
ولا تدخل فى ملك المسقط له بهذا الاسقاط.
وانما الابراء منها والاسقاط فيها صحيح فى حق الرد الى مالكها المبرئ وفى حق الضمان كما فى أبراء غاصب العين وفى حق الدعوى حيث لا تقبل الدعوى بها بعد الابراء اذا كان الخصم منكرا .. ومع ذلك فأن الفقهاء جميعا متفقون على صحة العتق وأنه اسقاط لملك العين على خلاف الأصل المتقدم.
الثانى: الدين.
فان الجميع متفقون على أن الدين يسقط بالاسقاط لأنه ما دام فى الذمة فهو حق مجرد والحقوق المجردة تسقط بالاسقاط وباب الابراء من الدين باب واسع فى كتب الفقه فى جميع المذاهب.
والخلاف بين الفقهاء فى أن الابراء يعتبر تمليكا أو اسقاطا أى أن الغالب فيه هو معنى التمليك أو معنى الاسقاط وقد تقدم القول فى ذلك وبيان الآراء فيه.
والثالث: المنافع.
وقد تقدم أن الطلاق اسقاط والمسقط فيه هو ملك منافع البضع. وأن الموصى له بالسكنى فى دار لو أسقط حقه فى السكنى يسقط بالاسقاط. ولو باع ورثة الموصى الدار الموصى بسكناها وسلموها للمشترى وأجاز الموصى له البيع ووافق عليه كان هذا اسقاطا منه لحق السكنى الموصى به وكذلك الموصى له بالخدمة لو أسقط حقه فى ذلك يسقط وهذه الحقوق كلها منافع. ولكن اذا كان اسقاط المنفعة يخالف المشروع ويقتضى تغييره فلا يصح كالمستعير يسقط حقه فى الانتفاع بالعارية مع بقاء الاعارة واستمرار عقدها بين المعير والمستعير لأن موجب العقد ملك الانتفاع بالعارية.
فاسقاط هذا الحق مع بقاء العقد تغيير لمقتضاه ومؤد لوجود عارية قائمة لا يصحبها ملك المنفعة. وكذلك الحال فى الاجارة لا يصح للمستأجر اسقاط حق الانتفاع بالعين المؤجرة مع بقاء عقد الاجارة لنفس السبب والتوجيه.
فالأصل فى المنافع أن تقبل الاسقاط الا لمعنى يمنع من ذلك كتغيير المشروع.
الرابع: الحقوق المجردة.
ذلك أن الحق على ضربين حق متقرر وثابت فى المحل الذى تعلق به وحق ليس بمتقرر فيه ويسمى الحق المجرد أو مجرد الحق.
وقد قالوا فى الفرق بينهما أن ما يتغير بالصلح عما كان عليه قبل الصلح فهو حق متقرر كالقصاص اذا صالح منه ولى الدم على مال سقط القصاص فقبل الصلح كانت نفس القاتل مباحة فى حق من له القصاص وبالصلح سقط القصاص وحصلت للقاتل العصمة فى نفسه ودمه فتغير الوضع بالصلح فكان حق القصاص حقا متقررا - أما اذا لم يتغير الأمر بالصلح عما كان عليه
قبله بل بقى كما هو فان الحق يكون حقا مجردا أو مجرد حق كالشفعة فان الأمر فيها قبل الصلح ثبوت ملك المشترى فى العين محل الشفعة ما لم ينفذ الشفيع الأخذ بالشفعة وبعد الصلح يملك المشترى العين على نفس الوجه الذى كان عليه قبل الصلح. فلم يكن الحق هنا حقا متقررا بل حقا مجردا.
والأصل فى الحقوق المجردة أنها تقبل الاسقاط غير أنه يستثنى من ذلك الحقوق التى تعتبر من الأوصاف الذاتية كحق الولاية بالنسبة للأب والجد فانه لا يجوز اسقاطه ولا يقبل من واحد منهما التنازل عن ولايته ولا الاستقالة منها.
وكذلك الحقوق التى يعتبر اسقاطها تغييرا للمشروع كحق الارث والحقوق التى فى اسقاطها اسقاط حق الغير كحقوق الله فى الحدود والتعازير ودعوى الطلاق والخلع والعدة والسكنى فى مسكنها وكحق الصغير فى الحضانة والنسب وكذلك الحقوق التى لم تجب كحق الزوجة فى القسم مستقبلا وحق الحاضنة فى الحضانة مستقبلا - فان ذلك كله لا يسقط بالاسقاط.
وقد قالوا أن خيار الغلام والفتاة فى فسخ النكاح بالبلوغ أو العتق يسقط بالاسقاط. وحق المرأة فى حبس نفسها عن الزوج لاستيفاء ما شرط تعجيله من المهر يسقط بالاسقاط وحق المرأة فى اختيار نفسها اذا خيرها الزوج أو فوض اليها الطلاق أو جعل أمرها بيدها يسقط بالاسقاط وحق امرأة العنين فى طلب فسخ النكاح يسقط بالاسقاط وخيار الشرط يسقط بالاسقاط. وحق الدعوى يسقط بالاسقاط اذا لم تكن فى حق الله أو كانت فى حق الله وندب الستر فيه كالدعوى فى حدى السرقة والقذف. وحق الشفعة يسقط بالاسقاط وحق المرتهن فى حبس الرهن لقبض الدين وحق البائع فى حبس المبيع لقبض الثمن يسقط بالاسقاط وكل هذه الحقوق من الحقوق المجردة.
الساقط لا يعود
قال الحنفية:
ان الساقط لا يعود لأنه اذا سقط فقد تلاشى وانعدم فلا يحتمل العود.
وفرقوا بين السقوط وزوال المانع وقالوا ان الأصل أن المقتضى للحكم ان كان موجودا والحكم معدوم فهو من باب قيام المانع. وان كان المقتضى معدوما فهو من باب السقوط ولذلك قالوا أن الفوائت فى الصلاة يجب الترتيب فى قضائها والترتيب بينها وبين صلاة الوقت الا أن تكثر بأن تزيد على ست فوائت فيسقط الترتيب حينئذ. ولا يعود بعودها الى القلة - فاذا كثرت وقضى منها حتى عادت الى القلة ست فأقل لا يعود الترتيب، لأن ما سقط لا يعود ثانية
بخلاف ما اذا سقط الترتيب بالنسيان بأن نسى أن عليه فوائت وكان عليه خمس منها وصلى الصلاة الحاضرة ثم تذكر فان الترتيب يعود بالتذكر لأن النسيان كان مانعا من الترتيب وليس مسقطا. فهو من باب زوال المانع.
ولو دبغ الجلد بالتشميس أو بالترتيب أو الالقاء فى الريح فزالت نجاسته ثم أصابه ماء لا تعود النجاسة فى الأصح.
وكذلك اذا فرك الثوب من المنى أو جفت الأرض التى تنجست بالشمس أو الهواء فطهرت بهذا الجفاف ثم أصابها الماء فان النجاسة لا تعود فى ذلك كله على الأصح لأنها سقطت بعوامل التطهير المذكورة والساقط لا يعود.
واذا فرضت النفقة للزوجة ثم نشرت فانها تمنع من المطالبة بالنفقة المفروضة فاذا عادت الى الطاعة عادت لها النفقة لأن كل ذلك من باب زوال المانع وهو النشوز لا من باب عود الساقط. وهذا بالنسبة النفقة المستقبلة.
أما دين النفقة قبل النشوز أو فى مدته فانه يسقط بالاسقاط ولا يعود.
والفقهاء جميعا على هذا الأساس وقد سبق بيان أرائهم فى اسقاط الحضانة واسقاط القسم واسقاط النفقة وقولهم أن هذه الحقوق تعود بالنسبة للمستقبل لأنه لم ينصب عليه الاسقاط لأنه لم يجب بعد. أما الماضى فلا يعود الحق فيه لأنه سقط بالاسقاط بعد أن تقرر بالفعل والساقط لا يعود.
وسنعرض فيما يلى بعضا من النصوص الفقهية التى تتناول فروعا ومسائل وأحكاما خاصة بتجزى الاسقاط وعدم تجزئه. وبالاعتياض عنه أى أخذ العوض عنه وعدم أخذه فى المذاهب المختلفة لتظهر أراء هذه المذاهب فى تجزى الاسقاط والاعتياض عنه ويتضح الحكم فيها فى الأمرين مقتصرين فيما سنعرضه على بعض الأبواب التى تبدو فيها الفروع والمسائل والأحكام واضحة فى هذا وذاك وهى مع هذا كافية لبيان الرأى واقامة الحكم على أساس. فقد ذكرنا أن التجزؤ والاعتياض يختلف باختلاف المسائل فى كل مذهب ولا يمكن لأحد أن يتتبع أو يحصى المسائل والفروع.
فى الطلاق
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(1)
ركن الطلاق هو اللفظ الذى جعل دلالة على معنى الطلاق لغة وهو التخلية أو شرعا وهو ازالة حل المحلية.
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 3 ص 98 الطبعة السابقة.
ويستوى فى الركن ذكر التطليقة وبعضها حتى لو قال لها أنت طالق بعض تطليقة أو ربع تطليقة أو ثلث تطليقة أو نصف تطليقة أو جزءا من ألف جزء من تطليقة يقع تطليقة كاملة وهذا على قول عامة العلماء.
وقال ربيعة الرأى: لا يقع عليها شئ لأن نصف تطليقة لا يكون تطليقة حقيقة بل هو بعض تطليقة وبعض الشئ ليس عين ذلك الشئ ان لم يكن له غيره.
ولنا أن الطلاق لا يتبعض وذكر البعض فيما لا يتبعض ذكر لكله كالعفو عن بعض القصاص أنه يكون عفوا عن الكل.
ولو قال أنت طالق طلقة واحدة ونصف أو واحدة وثلث طلقت اثنتين لأن البعض من تطليقة تطليقة كاملة فصار كأنه قال أنت طالق اثنتين بخلاف ما اذا قال أنت طالق واحدة ونصفها أو ثلثها أنه لا يقع الا واحدة لأن هناك أضاف النصف الى الواحدة الواقعة والواقع لا يتصور وقوعه ثانيا وهنا ذكر نصفا منكرا غير مضاف الى واقع فيكون ايقاع تطليقة أخرى.
ولو قال أنت طالق سدس تطليقه أو ثلث تطليقة أو ثلثى تطليقة فهو ثلاث لما ذكرنا أن كل جزء من التطليقة تطليقة كاملة هذا اذا كانت مدخولا بها.
فان كانت غير مدخول بها فلا تقع الا واحدة لأنها بانت بالأولى.
وفى فتح القدير
(1)
: اذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس بأن تفتدى نفسها منه بمال يخلعها به لقوله تعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» فاذا فعلا ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال لقوله صلى الله عليه وسلم: الخلع تطليقة بائنة ولأنه يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات والواقع بالكناية بائن الا أن ذكر المال أغنى عن النية هنا ولأنها لا تسلم المال الا لتسلم لها نفسها وذلك بالبينونة
(2)
.
ثم قال: ان طلق الزوج زوجته على مال فقبلت وقع الطلاق ولزمها المال وصورته أن يقول أنت طالق على ألف أو بألف لأن الزوج يستبد بالطلاق تنجيزا وتعليقا وقد علقه بقبولها والمرأة تملك التزام المال لولايتها على نفسها وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه وان لم يكن مالا كالقصاص وكان الطلاق بائنا لأنه معاوضة المال بالنفس وقد ملك الزوج أحد البدلين فتملك هى الآخر.
(1)
فتح القدير ج 3 ص 199 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 205 الطبعة السابقة.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(1)
: وأدب المجزئ للطلاق بتشريك أو غيره وهو يقتضى تحريمه وهو كذلك كمطلق جزء تشبيه فى اللزوم والأدب هذا اذا كان الجزء شائعا كبعضك أو ربعك طالق بل وان كان معينا كيد ورجل.
ثم قال
(2)
: والخلع طلاق بعوض هذا هو الأصل فيه وقد يكون بلا عوض اذا كان بلفظ الخلع وجاز بعوض من غيرها أى الزوجة ولو أجنبيا منها أن تأهل الدافع زوجة أو غيرها لالتزام العوض بأن كان رشيدا لا من صغيرة أو سفيهة ذات ولى أو مهملة ولا من شخص ذى رق ولو بشائبة بغير اذن الولى أو السيد ورد المال فى المسائل الثلاثة لعدم جواز البذل وصحته لكون باذله ليس أهلا للتبرع.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(3)
: لو قالت طلقنى نصف طلقة بألف أو طلق بعضى كيدى بألف ففعل وقعت طلقة تكميلا للبعض بمهر المثل لفساد صيغة المعاوضة
ويقع أيضا طلقة بمهر المثل اذا ابتدأها بقوله أنت طالق نصف طلقة أو نصفك مثلا طالق بألف فقبلت أو قالت طلقنى بألف فطلق يدها مثلا لفساد الصيغة فى الأولى وعدم امكان التقسيط فى الثانية وان طلق فيها نصفها وجب نصف المسمى لامكان التقسيط كما لو قالت طلقنى ثلاثا بألف فطلقها واحدة ونصفا.
ولو طلبت عشرا بألف وهو لا يملك عليها الا طلقة استحقه بواحدة أو ببعضها تكمل الثلاث وان كان لا يملك عليها الا ثنتين استحق بواحدة عشرة وبالثنتين الجميع أو الثلاث استحق بواحدة عشرة وبثنتين خمسة وبثلاثة جميعه وبواحدة ونصف عشر ونصف عشر وان وقع بذلك طلقتان لأن العبرة بما أوقع لا بما وقع.
فان قيل قد مر أنه لو طلقها نصف طلقة وهو لا يملك غيرها أنه يستحق الجميع فقد اعتبرتم ما وقع أجيب بأنه هناك أفادها البينونة الكبرى.
ولو قالت له وهو يملك عليها الثلاث طلقنى ثلاثا بألف فطلق واحدة بألف وثنتين مجانا لم تقع الواحدة لعدم التوافق ووقعت الثنتان مجانا وان طلق واحدة بثلث الألف وثنتين مجانا وقعت الأولى فقط بثلث لموافقته ما اقتضاه طلبها من التوزيع دون ما عداها لبينونتها.
وان طلقها ثنتين مجانا وواحدة بثلث الألف وقع الثلاث ان كان مدخولا بها والا فالثنتان دون الثالثة للبينونة.
(1)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 388 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 347، 348 الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج ج 3 ص 256 الطبعة السابقة.
ولو طلبت طلقة بألف فطلق طلقة بمائة وقع بمائة لأنه قادر على الطلاق بغير عوض فكذا على بعضه.
وفى نهاية المحتاج
(1)
: لو قال ان أعطيتنى عبدا ولم يصفه بصفة طلقت بعبد على أى صفة كان ولو مدبرا لوجود الاسم ولا يملكه لأن ما هنا للمعاوضة وهى لا يملك بها مجهول فوجب مهر المثل.
ولو طلبت طلقة بألف فطلق بألف أو لم يذكر الألف طلقت بالألف أو بمائة وقع بمائة لقدرته على الطلاق مجانا فبعوض وان قل أولى.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(2)
قال: جزء الطلقة كهى: لأن الطلاق لا يتبعض فذكر بعضه ذكر لجميعه فاذا قال أنت طالق نصف طلقة أو نصفى طلقة أو جزءا منها وان قل أو نصف طلقتين طلقت طلقة أو ثلثها ونحوه طلقت طلقة.
ثم قال: الخلع
(3)
وهو فراق بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة ويصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه وان يتوكل فيه مسلما كان أو ذميا بالغا أو مميزا يعقله رشيدا
أو سفيها حرا أو عبدا، لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه فصح خلعه، ولأنه اذا ملك الطلاق بغير عوض فبالعوض أولى، وظاهره أنه لا يصح من غير الزوج أو وكيله.
وقال فى الاختيارات والتحقيق أنه يصح ممن يصح طلاقه بالملك أو الوكالة أو الولاية كالحاكم فى الشقاق
…
ويقبض الزوج عوضه ان كان مكلفا رشيدا.
ثم قال فى المغنى
(4)
: اذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فانهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق فان كان قبل الدخول فلها نصف المهر وان كانت قبضته كله ردت نصفه وان كانت مفوضة فلها المتعة.
واذا قالت بعنى عبدك هذا وطلقنى بألف ففعل صح وكان بيعا وخلعا بعوض واحد لأنهما عقدان يصح أفراد كل واحد منهما بعوض فصح جمعهما.
وان قالت له احدى زوجتيه طلقنى وضرتى بألف فطلقهما وقع الطلاق بائنا واستحق الألف على باذلته وحدها، لالتزامها له بالعقد، وان طلق الزوج احداهما لم يستحق شيئا، لأنها انما بذلت العوض فى طلاقهما، ولم يوجد.
(1)
نهاية المحتاج ج 6 ص 406، 407، 408 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 3 ص 159.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 127.
(4)
المغنى ج 8 ص 179، ص 195 الطبعة السابقة.
وان قالت له طلقنى بألف على أن تطلق ضرتى، أو قالت طلقنى بألف على أن لا تطلق ضرتى ففعل، فالخلع صحيح والشرط والبذل لازمان، لأنها بذلت عوضا فى طلاقها وطلاق ضرتها أو عدمه فصح، كما لو قالت طلقنى وضرتى بالألف، فان لم يف لها بشرطها استحق على السائلة الأقل من الألف ومن صداقها المسمى، لأنه لم يطلق الا بعوض، فاذا لم يسلم له رجع الى ما رضى، لكونه عوضا وهو المسمى ان كان أقل من الألف وان كان أكثر فله الألف فقط، لأنه رضى بكونه عوضا عنها وعن شئ آخر فاذا جعل كله عوضا عنها كان أحظ له.
واذا قال لامرأته أنت طالق بألف ان شئت لم تطلق حتى تشاء فاذا شاءت وقع الطلاق بائنا ويستحق الألف سواء سألته الطلاق فقالت طلقنى بألف فأجابها أو قال ذلك لها ابتداء لأنه علق طلاقها على شرط فلم يوجد قبل وجوده.
وان قالت طلقنى بألف الى شهر أو أعطته ألفا على أن يطلقها الى شهر فقال:
اذا جاء رأس الشهر فأنت طالق صح ذلك واستحق العوض ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائنا، لأنه بعوض، وان طلقها قبل مجئ الشهر طلقت ولا شئ له.
لنا أنها جعلت له عوضا صحيحا على طلاقها فاذا طلقها استحقه.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
: الخلع وهو الافتداء اذا كرهت المرأة زوجها فخافت ألا توفيه حقه أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها فلها أن تفتدى منه ويطلقها ان رضى هو والا لم يجبر هو ولا أجبرت هى انما يجوز بتراضيهما.
ثم قال: من خالع
(2)
امرأته خلعا صحيحا لم يسقط بذلك عنه نفقتها وكسوتها واسكانها فى العدة الا أن تكون ثلاثة مجموعة أو مفرقة ولا يجوز الخلع على أن تبريه من نفقة حملها او من رضاع ولدها وكل ذلك باطل لأنه غير معلوم القدر.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(3)
: من شروط الطلاق الرجعى أن يقع الطلاق على غير عوض مال أو ما فى حكمه كالمنفعة التى يصح عقد الاجارة عليها بأن يكون لمثلها أجرة وكان ذلك العوض مظهرا لا مضمرا، فلو طلقها بذلك كان الطلاق بائنا ان جمع الشروط التى فى الخلع وان كان العوض غير مال أو ما فى حكمه
(1)
المحلى لابن حزم ج 10 ص 235 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ص 244.
(3)
التاج المذهب ج 2 ص 128، ص 129.
نحو ان تدخلى الدار وليس لمثله أجرة فرجعى
(1)
.
ثم قال: الطلاق لا يتبعض لكن يتمم كسره ولو تمليكا أو توكيلا والمعنى أنه لا يتجزأ كالرق والشفعة فاذا قال لامرأته أنت طالق نصف طلقة أو عشر طلقة أو جزءا من ألف جزء من طلقة او ملكتك أو وكلتك على نصف طلقة أو نحو ذلك وقعت عليها طلقة تامة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(2)
: اذا قال لها رأسك او جبهتك طالق لم يقع به طلاق وقال جميع الفقهاء أنه يقع به الطلاق دليلنا أن الطلاق حكم شرعى والألفاظ التى يقع بها الطلاق تحتاج الى دلالة شرعية ولا دلالة فى الشرع على أن هذه الألفاظ يقع بها الفرقة والأصل بقاء العقد الى ان يقوم الدليل.
واذا قال يدك أو رجلك أو شعرك أو أذنك طالق لا يقع به شئ من الطلاق دليلنا قول الله عز وجل «فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»
وهذا ما طلقها وانما طلق شعرها ويدها ورجلها.
واذا قال لها أنت طالق نصف تطليقة لم يقع شئ أصلا وبه قال داود وقال جميع الفقهاء انه يقع طلقة
(3)
.
ثم قال: اذا قالت له طلقنى ثلاثا بألف فان طلقها ثلاثا فعليها ألف وان طلقها واحدة أو اثنتين فعليها بالحصة من الألف بلا خلاف بينهم، وان قالت طلقنى ثلاثا على ألف فالحكم فيه مثل ذلك.
وعندنا المسألتان لا تصحان على أصلنا لأن طلاق الثلاث لا يصح، ولا يصح أن يوقع أكثر من واحدة، فان أوقع واحدة أو تلفظ بالثلاث ووقعت واحدة استحق ثلث الألف.
دليلنا اجماع الفرقة على أن طلاق الثلاث باطل وانما قلنا يستحق ثلث الألف اذا وقعت واحدة لأنها بذلت الألف على الثلاث فيكون حصة كل واحدة ثلث الألف.
وجاء فى الروضة البهية: لو اتى بالطلاق مع العوض فقال أنت طالق على كذا مع سبق سؤالها له أو مع قبولها بعده كذلك أغنى عن لفظ الخلع وأفاد
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 201.
(2)
الخلاف ج 1 ص 241، ص 242.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 220، 221.
فائدته ولم يفتقر الى ما يفتقر اليه الخلع من كراهتها له خاصة لأنه طلاق بعوض لا خلع
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: والفداء بأنواعه وهو بذل المراة العوض على طلاقها طلاق عند الأكثر فمن فادى امرأته ثلاث مرات بأن فاداها وراجع وفاداها وراجع وفاداها، أو طلق مرة وفادى مرتين، أو طلق مرتين وفادى مرة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وقال بعض من العلماء أنه غير طلاق وهو شاذ.
وعن جابر بن زيد رضى الله عنه أنه ليس بطلاق ولو فاداها عشرا.
قيل: ان جابرا مات وهو لا يرى الخلع طلاقا والمأخوذ به الأول.
العتق
مذهب الحنفية:
جاء فى الهداية
(3)
: اذا اعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر ويسعى فى بقية قيمته لمولاه عند أبى حنيفة رحمه الله.
وقالا يعتق كله.
وأصله أن الاعتاق يتجزأ عند أبى حنيفة فيقتصر على ما أعتق.
وعندهما لا يتجزأ، لأن الاعتاق اثبات العتق، وهو قوة حكمية واثباتها بازالة ضدها وهو الرق الذى هو ضعف حكمى، وهما لا يتجزءان، فصار كالطلاق والعفو عن القصاص والاستيلاد.
ولأبى حنيفة رحمه الله أن الاعتاق اثبات العتق بازالة الملك أو هو ازالة الملك، لأن الملك حقه والرق حق الشرع أو حق العامة، وحكم التصرف ما يدخل تحت ولاية التصرف وهو ازالة حقه لا حق غيره.
والأصل أن التصرف يقتصر على موضع الاضافة والتعدى الى ما وراءه ضرورة عدم التجزئ والملك متجزئ كما فى البيع والهبة فيبقى على الأصل، وتجب السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد والمستسعى بمنزلة المكاتب عنده، لأن الاضافة الى البعض توجب ثبوت الملكية فى كله، وبقاء الملك فى بعضه يمنعه، فعملنا بالدليلين بانزاله مكاتبا اذ هو مالك يدا لا رقبة والسعاية كبدل الكتابة فله أن يستسعيه وله خيار أن يعتقه، لأن المكاتب قابل للاعتاق، غير أنه اذا عجز لا يرد الى الرق لأنه اسقاط لا الى أحد فلا يقبل الفسخ.
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 163.
(2)
شرح النيل ج 3 ص 480، ص 481، ص 482.
(3)
فتح القدير ج 3 ص 377.
وقال فى فتح القدير
(1)
: ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق وذلك مثل أن يقول: أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم وانما يعتق بقبوله لأنه معاوضة المال بغير المال اذ العبد لا يملك نفسه ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال كما فى البيع فاذا قبل صار حرا وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به بخلاف بدل الكتابة لأنه ثبت مع المنافى وهو قيام الرق على ما عرف.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(2)
: وعتق بالحكم جميعه أى العبد ان أعتق سيده الحر المكلف المسلم الرشيد جزءا من رقيقه القن أو المدبر أو المعتق لأجل أو أم ولد أو المكاتب والباقى له أى لسيده المعتق موسرا أو معسرا فيعتبر فيمن يعتق عليه بالسراية ما يعتبر فيمن يعتق عليه بالمثلة فاذا أعتق الذمى بعض عبده الذمى لم يكمل عليه وكذا المدين والزوجة والمريض فى زائد الثلث.
ثم قال
(3)
: وندب مكاتبة أهل التبرع بكل ماله أو ببعضه كالزوجة والمريض، وندب لسيده حط جزء من أجزائها عنه، وندب أن يكون آخرا من نجومها ليحصل به الاستعانة على العتق.
وعلق الدسوقى على قوله ليحصل به - أى يحط الجزء الأخير - الاستعانة على العتق أى، لأن به يخرج حرا بخلاف ما قبله من النجوم، فانه قد يعجز بعد حطه فيرق.
وأشار خليل بقوله وندب .. لقوله تعالى «وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ» فقد أمر المولى سبحانه وتعالى الموالى أن يبذلوا لهم شيئا من أموالهم.
قال مالك سمعت من بعض أهل العلم أن ذلك ان يكاتب الرجل غلامه ثم يحط عنه من آخر كتابته شيئا يسمى والأمر للندب عند مالك وجماعة، لأن ذلك فى معنى صدقة التطوع والاعانة على العتق وكل منهما لا يجب والوجوب عند بعضهم.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(4)
: تصح اضافة العتق الى جزء معين كيدك أو شائع كنصفك فيعتق كله الذى له من موسر ومعسر والأوجه ضبطه.
وان قال أعتقتك على ألف وأنت حر على ألف فقبل فى الحال كما فى الروضة.
كأصلها أو قال له العبد.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 421.
(2)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 369، ص 370.
(3)
الشرح الكبير ج 4 ص 388، ص 389.
(4)
نهاية المحتاج ج 8 ص 355، 357، ص 358.
أعتقنى على ألف فأجابه عتق فى الحال ولزمه الألف كالخلع بل أولى لتشوف الشارع للعتق وهو من جانب المالك معاوضة فيها ثبوت تعليق ومن جانب المستدعى معاوضة نازعة الى جعالة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(1)
: من أعتق جزءا من رقيقه غير شعر وسن وظفر وريق ونحوه معينا كرأسه وأصبعه أو مشاعا كنصفه وعشر عشره ونحوه عتق كله.
وان أعتق أحد شريكين شركا له فى عبد أو أمة بأن أعتق حصته أو بعضها أو أعتق العبد المشترك كله أو أعتق الأمة المشتركة كلها وهو أى الشريك الذى باشر العتق موسر بقيمة باقيه يوم أى حين عتقه على ما ذكر فى زكاة فطر عتق العبد كله أو الأمة كلها وعليه أى الشريك المباشر للعتق قيمة باقيه لشريكه، لما روى ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
من أعتق شركا له فى عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه العبد قيمة عدل فأعطى شركاءه حصتهم وعتق عليه العبد والا فقد عتق عليه ما عتق متفق عليه وتعتبر القيمة وقت عتقه فان لم يؤد الشريك المعتق القيمة حتى أفلس كانت القيمة فى ذمته ويعتق على موسر ببعضه أى ببعض قيمة باقى العبد
أو الأمة أى بقدره أى بقدر ما هو موسر به وباقيه رقيق وولاؤه له وسواء كان العبد والشركاء مسلمين أو كافرين أو بعضهم فان أعتقه الشريك بعد ذلك أى بعد عتق شريكه لنصيبه وسراية العتق الى نصيبه ولو قبل أخذ الشريك القيمة لم ينفذ عتقه له، لأنه قد صار حرا بعتق الأول له، لأن عتقه حصل باللفظ لا بدفع القيمة وصار جميعه حرا واستقرت القيمة على المعتق الأول فلا يعتق بعد ذلك بعتق غيره أو تصرف الشريك فى نصيبه من العبد المشترك بعد عتق شريكه الموسر لم ينفذ تصرفه لأنه تصرف فى حر.
ثم قال
(2)
اذا أدى المكاتب العوض وعتق فبان العوض معيبا فله أرشه أو عوضه ان رده ولم يبطل عتقه.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(3)
: لا يحل للمرء أن يعتق عبده أو أمته الا الله عز وجل لا لغيره، ولا يجوز أخذ مال على العتق الا فى الكتابة خاصة لمجئ النص بها.
ثم قال
(4)
: ومن أعتق عضوا أى عضو كان من أمته أو من عبده أو أعتق عشرهما أو جزءا مسمى كذلك عتق العبد كله والأمة كلها، وكذلك لو أعتق ظفرا أو شعرا أو غير ذلك، لما رويناه عن نافع عن ابن عمر قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 631، ص 632 والاقناع ج 3 ص 133.
(2)
الاقناع ج 3 ص 145.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 183.
(4)
المحلى ج 9 ص 189.
من أعتق شيئا من مملوكه فعليه عتقه كله ان كان له مال يبلغ ثمنه. فان لم يكن له مال عتق منه نصيبه.
ومن ملك عبدا أو أمة بينه وبين غيره فأعتق نصيبه كله أو بعضه أو أعتقه كله عتق جميعه حين يلفظ بذلك، فان كان له مال يفى بقيمة حصة من يشركه حين لفظ بعتق ما أعتق منه أداها الى من يشركه فان لم يكن له مال يفى بذلك كلف العبد أو الأمة أن يسعى فى قيمة حصة من لم يعتق على حسب طاقته لا شئ للشريك غير ذلك ولا له أن يعتق.
ثم قال
(1)
: ومن أعتق بعض عبده فقد عتق كله بلا استسعاء ولو أوصى بعتق بعض عبده أعتق ما أوصى به وأعتق باقيه واستعسى فى قيمة ما زاد على ما أوصى بعتقه.
ومن أعتق
(2)
عبدا وله مال فماله له الا أن ينتزعه السيد قبل عتقه اياه فيكون حينئذ للسيد كما روينا أن عائشة أم المؤمنين قالت لامرأة سألتها وقد أعتقت عبدها اذا أعتقتيه ولم تشترطى ماله فماله له.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر
(3)
الزخار: ويصح الاعتاق بعوض مشروط أو معقود كالطلاق فلو قال:
أنت حر على كذا عتق بالقبول فى المجلس قبل الاعواض، اذ هو عقد كالبيع وعتق
صدر من أهله وصادف محله، ولا يبطل بتعذر العوض اذ هو اتلاف بخلاف البيع، ولو قال: أنت حر وأد ألفا عتق وان لم يؤده اذ لم يعلقه به.
ثم قال فى التاج المذهب
(4)
: ويصح الاعتاق بعوض معقود سواء كان مالا أم عرضا لكنه لا يصح فى هذه الصورة عن صبى ونحوه.
ثم قال
(5)
: ان من أعتق بعض عبده أو عضوا من أعضائه المتصلة به ولو مجهولا كأحد أصابعه سواء كان مما تحله الحياة أو مما لا تحله الحياة وجب أن يعتق جميعه لا ما كان مجاورا له كالدم والريق والبول والدمع والعرق فانه لا يقع العتق بايقاعه عليه على نحو ما مر فى الطلاق.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(6)
: من أعتق شقصا من عبده سرى العتق فيه كله اذا كان المعتق صحيحا جائز التصرف، وان كان له فيه شريك قوم عليه ان كان موسرا وبطل عتقه ان كان معسرا، وان قصد القربة عتقت حصته وسعى العبد فى حصة الشريك ولم يجب على المعتق فكه، فان عجز العبد أو امتنع من السعى كان له من نفسه ما أعتق وللشريك ما بقى، وكان كسبه بينه وبين الشريك ونفقته وفطرته عليهما.
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 200.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 213.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 204.
(4)
التاج المذهب ج 3 ص 386.
(5)
المرجع السابق ج 3 ص 391.
(6)
شرائع الاسلام ج 2 ص 95.
وفى الخلاف
(1)
: اذا أعتق شركا له من عبد لم يخل من أحد أمرين اما أن يكون موسرا أو معسرا، فان كان معسرا لم يخل من أحد أمرين، اما أن يقصد به مضارة شريكه أولا يقصد، بل يقصد به وجه الله، فان قصد مضارة شريكه كان العتق باطلا، وان قصد به وجه الله مضى العتق فى نصيبه، وكان شريكه بالخيار بين أن يعتق نصيبه الآخر، أو يستسعى العبد فى قيمته، وان كان موسرا ألزم قيمته، فاذا أدى انعتق عليه ولشريكه أن يعتق نصيبه ولا يأخذ القيمة فان فعل كان عتقه ماضيا دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شركا له فى عبد فعليه خلاصه ان كان له مال وان لم يكن له مال قوم العبد قيمة عدل واستسعى العبد فى قيمته غير مشقوق عليه وهذا نص.
وروى نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شركا له من عبد وكان له مال يبلغ ثمنه فهو عتيق.
وروى ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال اذا كان العبد بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه وكان له مال فقد عتق كله وهذان الخبران يدلان على أنه اذا أعتق نصيبه وكان له مال فانه ينعتق فى الحال.
غير أن مذهبنا ما قلناه أنه اذا أدى ما عليه انعتق ويؤيد ذلك ما رواه سالم عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
اذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فان كان موسرا قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط ثم يعتق وهذا نص.
والوجه فى الخبرين أن قوله عتيق وعتق كله معناه سينعتق لأن العرب تعبر عن الشئ بما يؤول اليه قال الله تعالى «إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً» وانما أراد ما يرجع اليه.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(2)
النيل: ومن أعتق جزءا من عبد سعى بما فوق الثلث كمن أعتقه كله كما قال ابن محبوب.
ثم قال
(3)
: ومن قتل رجلا بالتعدية فقال أحد الأولياء أعطنى ألف دينار فأعتقك فأعطاه الألف فأعتقه فقام الولى الآخر وعلم أنه لا يدرك القتل فانما يدرك منابه عند الجانى وقيل عند الذى أخذ المال.
القصاص
مذهب الحنفية:
جاء
(4)
فى البدائع: ان عفا ولى القاتل عن المقتول سقط القصاص لأن استيفاءه لتحقق معنى الحياة وهذا المعنى يحصل بدون
(1)
الخلاف ج 2 ص 648، ص 649.
(2)
شرح النيل ج 6 ص 329.
(3)
المرجع السابق ج 8 ص 146.
(4)
بدائع الصنائع ج 7 ص 247.
الاستيفاء بالعفو لأنه اذا عفا فالظاهر أنه لا يطلب الثأر بعد العفو فلا يقصد قتل القاتل فلا يقصد القاتل قتله فيحصل معنى الحياة بدون الاستيفاء فيسقط القصاص، وقد خفف الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة فشرع العفو بلا بدل أصلا، والصلح ببدل سواء عفا عن الكل أو عن البعض، لأن القصاص لا يتجزأ، وذكر البعض فيما لا يتبعض ذكر الكل كالطلاق وتسليم الشفعة وغيرهما، واذا سقط القصاص بالعفو لا ينقلب مالا لأن حق الولى فى القصاص عينا.
وهذا اذا كان الولى واحدا فأما اذا كان اثنين أو أكثر فعفا أحدهما سقط القصاص عن القاتل، لأنه سقط نصيب العافى بالعفو فيسقط نصيب الآخر ضرورة أن القصاص لا يتجزأ، اذ القصاص قصاص واحد فلا يتصور استيفاء بعضه دون بعض وينقلب نصيب الآخر مالا باجماع الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم، فانه روى عن عمر وعبد الله ابن مسعود وابن عباس رضى الله تعالى عنهم أنهم أوجبوا فى عفو بعض الأولياء الذين لم يعفوا نصيبهم من الدية وذلك بمحضر من الصحابة رضى الله تعالى عنهم ولم ينقل أنه أنكر أحد عليهم فيكون اجماعا.
وقال فى الفتاوى
(1)
الهندية: ان صالح أحد الشركاء من نصيبه فى القصاص على
عوض أو عفا سقط حق الباقين عن القصاص وكان لهم نصيبهم من الدية ولا يجب للعافى شئ من المال واذا كان القصاص بين رجلين فعفا أحدهما فللآخر نصف الدية فى مال القاتل فى ثلاث سنين ولو عفا أحد الوليين وعلم الآخر أن القتل حرام عليه فقتل فعليه القصاص وله نصف الدية فى مال القاتل وان لم يعلم بالحرمة فعليه الدية فى ماله علم بالعفو أو لم يعلم.
رجل قتل رجلين ووليهما واحد فعفا الولى عن القصاص فى أحدهما ليس له أن يقتله الآخر.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(2)
: اذا عفا البعض أى عفا بعض مستحق الدم مع تساوى درجتهم بعد ثبوت الدم ببينة أو اقرار أو قسامة سقط القود، واذا سقط القود فلمن بقى ممن لم يعف وله التكلم أو هو مع غيره نصيبه من الدية أى دية عمد، وكذا اذا عفا جميع من له التكلم مترتبا فلمن بقى ممن لا تكلم له نصيبه من دية عمد كولدين وزوج أو زوجة، لأنه مال ثبت بعفو الأول، بخلاف ما لو عفوا فى فور واحد فلا شئ لمن لا تكلم له كما اذا كان من له التكلم واحدا وعفا.
قال الدسوقى: ان من عفا سقط حقه من الدم ومن الدية وما بقى منها يكون لمن بقى ممن له التكلم ولغيره من بقية الورثة كالزوج
(1)
الفتاوى الهندية ج 6 ص 21 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 262 الطبعة السابقة.
أو الزوجة والأخوة للأم قال فى المدونة وان عفا أحد ابنين سقط حظه من الدية وبقيتها لمن بقى تدخل فيه الزوجة وغيرها.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية
(1)
المحتاج: موجب العمد المضمون فى نفس أو غيرها القود بعينه وهو بفتح الواو القصاص، والدية فى النفس وأرش غيرها بدل عنه وما أعترض به من أن قضيته كلام الامام الشافعى والأصحاب وصرح به الماوردى فى قود النفس أنها بدل ما جنى عليه والا لزم المرأة بقتلها الرجل دية امرأة وليس كذلك رد بأن الخلاف فى ذلك لفظى لاتفاقهم على أن الواجب هو دية المقتول فلم يبق لذلك الخلاف كبير فائدة.
ويمكن توجيه الأول بأن القود لما وجب عينا كان كحياة نفس القتيل فكان أخذ الدية فى الحقيقة بدلا عنه لا عنها ولا يلزم عليه لما تقرر أنه كحياة القتيل عند سقوطه بنحو موت أو عفو عنه عليها وفى قول موجبه أحدهما مبهما وهو مراده بقول أصله لا بعينه الظاهر فى أن الواجب هو القدر المشترك فى ضمن أى معين منهما ويدل له خبر الصحيحين «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما أن يودى واما أن يقاد، وقد يتعين القود ولا دية كما فى قتل مرتد مرتدا آخر وفيما لو استوفى ما يقابل الدية ولم يبق الا حز الرقبة» وقد تتعين الدية كما لو قتل
الوالد ولده أو المسلم ذميا وقد لا يجب الا التعزير والكفارة كما فى قتل السيد قنه.
وعلى القولين للولى يعنى المستحق عفو عن القود فى نفس أو طرف على الدية أو نصفها مثلا بغير رضا الجانى لأنه مستوفى منه كالمحال عليه والمضمون عنه ولأحد المستحقين العفو بغير رضا الباقين لعدم تجزى القود ولذا لو عفا عن بعض أعضاء الجانى سقط عن كله كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها.
ومنه يؤخذ أن كل ما وقع الطلاق بربطه من غير الأعضاء يقع العفو بربطه به وما لا فلا.
وقياس قولهم لو قال له الجانى خذ الدية عوضا عن اليمين فأخذها ولو ساكتا سقط القود وجعل الأخذ عفوا كما يأتى نظيره هنا.
وعلى الأول الأظهر لو أطلق العفو عن القود ولم يتعرض للدية ولا اختارها بعده فورا فالمذهب لا دية لأن القتل لم يوجبها والعفو اسقاط ثابت لا اثبات معدوم.
وأما قوله تعالى «فَاتِّباعٌ» أى للمال فمحمول على العفو عليها فان اختارها بعده على الفور وجبت تنزيلا لاختيارها عقبه منزلته عليها بقرينة المبادرة اليها والأوجه ضبط الفورية هنا بما مر فى البيع.
(1)
نهاية المحتاج ج 7 ص 292، ص 293، 294، 295 الطبعة السابقة.
ولو عفا بعض المستحقين وأطلق سقطت حصته ووجب حصة الباقين من الدية وان لم يختاروها لأن السقوط حصل قهرا كقتل الأصل فرعه ولو تعذر ثبوت المال كقتل أحد قنيه الآخر فعفا عن القود أو عن حقه أو موجب جنايته ولو بعد العتق لم يثبت له عليه مال جزما وفى قول أو وجه من طريق تجب لها لأنها بدله والأول يمنع البدلية فى هذه الصورة وعلى الأول أيضا ولو عفا عن الدية لغا لأنه عفو عما ليس مستحقا فهو فيها لغو كالمعدوم وله العفو عن القود بعده وان تراخى عليها، لأن حقه لم يتغير بالعفو اذ اللاغى عدم، ولو اختار القود ثم الدية وجبت مطلقا، ولو عفا على غير جنس الدية ثبت ذلك الغير على القولين ولو أكثر من الدية وان قبل الجانى ذلك وسقط القود والا فلا يثبت، لأنه اعتياض واعتبر رضاهما ولا يسقط القود فى الأصح، وليس كالصلح على عوض فاسد، لأن الجانى فيه قبل والتزم والثانى يسقط لرضاه بالصلح عنه وليس لمحجور فلس ومثله المريض فى الزائد على الثلث ووارث المديون عفو عن مال ان أوجبتا أحدهما، لأنه ممنوع من تفويت المال لحق الغرماء والا بأن أوجبنا القود عينا وهو الأظهر، فان عفا عنه على الدية ثبتت كغيره، وان أطلق العفو فكما سبق من أنه لا دية وان عفا على أن لا مال فالمذهب أنه لا يجب شئ اذ القتل لم يوجب مالا والمفلس لا يكلف الاكتساب.
ثم قال
(1)
: ولو قطعه المستحق ثم عفا عن النفس مجانا مثلا اذ العفو بعوض كذلك ولو وجب لرجل قصاص عليها أى المرأة فنكحها عليه جاز كل من النكاح والصداق لأنه عوض مقصود اذ كل ما جاز الصلح عليه صح جعله صداقا وسقط القود لملكها قود نفسها فان فارقها قبل وط ء رجع بنصف الأرش لتلك الجناية لأنه بدل ما وقع العقد به وفى قول بنصف مهر مثل لأنه بدل البضع.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الاقناع
(2)
: الواجب بقتل العمد أحد شيئين القود أو الدية لقوله تعالى «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ.}. الآية فيخير الولى بينهما فان شاء اقتص وان شاء أخذ الدية ولو لم يرض الجانى وان عفا مجانا فهو أفضل ثم لا عقوبة على جان لأنه انما عليه حق واحد وقد سقط» .
وان اختار القود أو عفا عن الدية فقط فله أخذها ولو سخط الجانى، وله الصلح على أكثر منها.
ومتى اختار الدية تعينت وسقط القود ولا يملك طلب القود بعد اختيار الدية لأنه اذا سقط لا يعود فان قتله بعد ذلك قتل به.
وان عفا مطلقا أو على غير مال أو على القود مطلقا بأن قال عفوت عن القود ولم يقيده بشئ ولو كان العفو عن يده فله الدية.
(1)
نهاية المحتاج ج 7 ص 289.
(2)
الاقناع ج 4 ص 187 الطبعة السابقة.
وان قال مستحق القود لمن له عليه قود عفوت عن جنايتك أو عفوت عنك برئ من الدية كالقود نصا.
ويصح عفو المفلس والمحجور عليه لسفه عن القصاص وان أراد المفلس القصاص لم يكن لغرمائه اجباره على تركه ليأخذ الدية لأنها غير متعينة له وان أحب المفلس العفو عنه الى مال فله ذلك كغير المفلس ولا يعفو مجانا لأن المال واجب وليس له اسقاطه اذا قلنا أن الواجب أحد شيئين وان قلنا الواجب القود عينا صح عفوه عنه مجانا لأنه لم يجب الا القود وقد أسقطه هذا معنى كلامه فى الكافى والشرح.
وفى المنتهى وغيره يصح عفوه مجانا لأن الدية لم تتعين وكذا أى كالمفلس فيما تقدم من استيفاء القصاص والعفو على مال أو مجانا السفيه ووارث المفلس والمكاتب وكذا المريض فيما زاد على الثلث والمذهب صحة العفو من هؤلاء مجانا لأن الدية لم تتعين كما تقدم فى المفلس.
قال فى كشاف القناع
(1)
: يصح الصلح عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه فيصح الصلح عن القصاص مع الاقرار والانكار بديات لأن الحسن والحسين وسعيد بن العاص بذلوا للذى وجب له القصاص على هدية بن حشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها ولأن المال غير متعين فلا يقع العوض فى مقابلته ويصح الصلح عن القصاص أيضا
بدية وبأقل منها وبكل ما ثبت مهرا وهو أقل متمول حالا كان أو مؤجلا لأنه يصح اسقاطه مجانا فعلى ذلك أولى.
مذهب الظاهرية:
قال
(2)
ابن حزم فيمن له العفو عن الدم ومن لا عفو له، اختلف الناس فى هذا فقالت طائفة: العفو جائز لكل أحد ممن يرث وللزوج والزوجة وغيرهما، فان عفا أحد ممن ذكرنا فقد حرم القصاص ووجبت الدية لمن لم يعف.
وقال آخرون العفو للرجال خاصة دون النساء.
وقالت طائفة: من أراد القصاص فذلك له ولا يلتفت الى من أراد الدية أو العفو ما لم يتفقوا على ذلك.
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها لنعلم الحق من ذلك فنظرنا فيما قالت به الطائفة القائلة بأن عفو كل ذى سهم جائز فوجدناهم يقولون بقول الله تعالى «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» فلما كان العفو أقرب للتقوى وجب أن من دعا الى من هو أقرب للتقوى كان قوله أولى، وذكر فى ذلك ما روى عن أنس بن مالك أنه قال: ما رأيت رسول الله صلّى الله
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 195.
(2)
المحلى لابن حزم ج 10 ص 477، ص 479، 480 الطبعة السابقة.
عليه وسلم رفع اليه شئ فيه قصاص الا أمر بالعفو.
قال ابن حزم أما الأقوال الأخرى فباطلة وفاسدة.
ثم استدل ابن حزم على جواز العفو:
بقول الله تعالى «وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ» وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين بين أن يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا.
ثم قال
(1)
: ثم نظرنا اذا عفا أحد الأهل ولم يعف غيره منهم بعد صحة الاتفاق من اجماع الأمة على أنهم كلهم ان اتفقوا على القود نفذ وان اتفقوا على العفو نفذ وقيام البرهان على أنهم ان اتفقوا على الدية أو المفاداة نفذ ذلك فوجدنا القود والدية قد ورد التخيير فيهما ورودا واحدا ليس أحدهما مقدما على الآخر فلم يجز أن يغلب عفو العافى على ارادة من أراد القصاص ولا ارادة من أراد القصاص على عفو العافى الا بنص أو اجماع ولا نص ولا اجماع فى تغليب العافى فنظرنا فى ذلك فوجدنا الله تعالى يقول «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» فوجب بهذه الآية أن لا يجوز عفو العافى عمن لم يعف ووجدنا القاتل قد حل دمه بنفس القتل.
قال أبو محمد فالداعى الى أخذ القود داع الى ما قد صح بيقين وذلك له والعافى مريد تحريم دم قد صح تحليله بيقين فليس له ذلك الا بنص أو اجماع ومريد أخذ الدية دون من معه مريد اباحة أخذ مال والأموال محرمة والنص قد جاء باباحة دم القاتل ولم يأت نص باباحة الدية الا بأخذ الأهل لها، وهذا لفظ يقتضى اجماعهم على أخذها فالدية ما لم يجمع الأهل على أخذها لا يحل أخذها اذا لم يبحها نص ولا اجماع فبطل بيقين وصح أن من دعا الى القود فهو له.
قال أبو محمد والذى نقول به أن من أراد القود من الأهل سواء كان ولدا أو ابن عم أو ابنة عم أو أخت أو غير ذلك فالقود واجب ولا يلتفت الى عفو من عفا ممن هو أقرب أو أبعد. فان اتفق الورثة كلهم على العفو فلهم الدية حينئذ ويحرم الدم فان أراد أحد الورثة العفو عن الدية فله ذلك فى حصته خاصة اذ هو مال من ماله.
ثم قال
(2)
: يجوز الصلح فى قتل نفس عوضا من القود بأقل من الدية أو بأكثر وبغير ما يجب فى الدية.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(3)
: من الأمور المسقطة للقود العفو عن المقتص منه فلو
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 481، ص 482 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 166 الطبعة السابقة.
(3)
التاج المذهب ج 4 ص 281 ص 272 الطبعة السابقة.
صدر العفو من أحد الشركاء فانه يسقط بالعفو عنه القصاص وتلزمه الدية للعافى وغيره من ورثة القتيل، ولا تسقط الدية بالعفو عن القود ما لم يصرح بالعفو بها بأن يقول عفوت عن القود والدية أو يعفو عن دم المقتول.
وللعفو ثلاث صور: الأولى: أن يقول عفوت عن دم المقتول أو عفوت عن قتله أو عن موجبه أو عن الجناية فانه يسقط ذلك القود والدية معا.
الثانية: أن يقول عفوت عن القود أو عن القصاص أو عن دم القاتل أو عن الدم ولا يبينه فان ذلك يسقط به عندنا القود دون الهبة.
الثالثة: أن يقول عفوت عنك ولم يبين ما هو المعفو عنه لم يسقط به شئ لا قود ولا دية ما لم يتصادقا على أنه قصد أحدهما أو كلاهما أو جرى عرف بهما أو بأحدهما عمل به وان لم يتفق أحدهما لم يسقط به شئ وله تحليفه ما قصد أحدهما أو كلاهما فان نكل سقط ما نكل عنه.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة
(1)
البهية: الواجب فى قتل العمد القصاص لا أحد الأمرين من الدية والقصاص كما زعمه بعض العامة لقوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وقوله «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ» الآية
وصحيحة الحلبى وعبد الله بن سنان عن الصادق قال: من قتل مؤمنا متعمدا قيد به الا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية فان رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية الى آخره نعم لو اصطلحا على الدية جاز للخبر ولأن القصاص حق فيجوز الصلح على اسقاطه بمال ويجوز الزيادة عنها أى عن الدية والنقيصة مع التراضى أى تراضى الجانى والولى لأن الصلح اليهما فلا يتقدر الا برضاهما.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: ومن قتل وترك أخاه وأخته فعفت أخته فليس عفوها بشئ وان عفا عنه الأخ فان الأخت تترك ما ينوبها من الدية.
ثم قال
(3)
: واذا عفى عن القاتل أو صولح فان الامام يؤدبه أو يعزره وقال قومنا يضربه مائة ويغربه عاما.
الشفعة
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى الهندية
(4)
: اذا أراد الشفيع أن يأخذ بعض المشترى دون بعض فان لم يكن ممتازا عن البعض بأن اشترى دارا واحدة فأراد الشفيع أن يأخذ بعضها بالشفعة دون البعض وأن يأخذ الجانب
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 414 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل ج 8 ص 146.
(3)
المرجع السابق ج 8 ص 109، ص 110 الطبعة السابقة.
(4)
الفتاوى الهندية ج 5 ص 175، ص 176 الطبعة السابقة.
الذى يلى الدار دون الباقى ليس له ذلك بلا خلاف بين أصحابنا، ولكن يأخذ الكل أو يدع، لأنه لو أخذ البعض دون البعض تفرقت الصفقة على المشترى، سواء اشترى واحد من واحد أو واحد من اثنين أو أكثر حتى لو أراد الشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين ليس له ذلك سواء كان المشترى قبض أو لم يقبض فى ظاهر الرواية عن أصحابنا وهو الصحيح.
ولو اشترى رجلان من رجل دارا فللشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين فى قولهم جميعا سواء كان قبل القبض أو بعده فى ظاهر الرواية لأن الصفقة حصلت متفرقة من الابتداء فلا يكون أخذ البعض تفريقا وسواء سمى لكل واحد نصف ثمن على حدة أو سمى الجملة ثمنا واحدا وسواء كان المشترى عاقدا لنفسه أو لغيره فى الفصلين.
وان كان المشترى بعضه ممتازا عن البعض بأن اشترى دارين صفقة واحدة فأراد الشفيع أن يأخذ احداهما دون الأخرى فان كان شفيعا لهما جميعا فليس له ذلك ولكن يأخذهما جميعا أو يدعهما وهذا قول أصحابنا الثلاثة سواء كانت الداران متلاصقتين أو متفرقتين فى مصر واحد أو فى مصرين.
وان كان الشفيع شفيعا لاحداهما دون الأخرى ووقع البيع صفقة واحدة فهل له أن يأخذ الكل بالشفعة.
روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه ليس له أن يأخذ الا الشئ الذى يجاوره بالحصة.
وكذا روى عن محمد رحمه الله تعالى فى الدارين المتلاصقتين اذا كان الشفيع جارا لاحداهما أنه ليس له الشفعة الا فيما يليه.
وروى الحسن عن أبى حنيفة أن للشفيع أن يأخذ الكل بالشفعة.
قال الكرخى رواية الحسن تدل على أن قول أبى حنيفة كان مثل قول محمد ثم رجع عن ذلك فجعل كالدار الواحدة.
ثم قال فى البحر
(1)
الرائق: تبطل الشفعة اذا صالح المشترى الشفيع على عوض وعلى الشفيع رد العوض، لأن حق الشفيع ليس بمقرر فى المحل وانما هو مجرد حق التملك فلا يجوز أخذ العوض عنه ولا يتعلق اسقاطه بالجائز من الشرط فيما اذا قال الشفيع: أسقطت شفعتى فيما اشتريت على أن تسقط حصتك فيما اشتريت أو على ألا تطلب الثمن منى لكونه ملائما حتى لو تراضيا سقط حق كل واحد منهما ومع هذا لا يتعلق اسقاط الشفعة بهذا الشرط بل يسقط بمجرد قوله أسقطت تحقق الشرط أو لم يتحقق فأولى ألا يتعلق بالشرط الفاسد وهو شرط الاعتياض عن حق ليس بمال بل هو رشوة محضة فيصح الاسقاط ويبطل الشرط.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(2)
: الشفعة لم
(1)
البحر الرائق ج 8 ص 160 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى ج 3 ص 489، 490 الطبعة السابقة.
تبعض أى ليس لأحد أخذ البعض دون البعض بل أما أن يأخذ الجميع أو يترك الجميع أى اذا امتنع المشترى من ذلك فان رضى فله التبعيض فقوله لم تبعض أى لم يجبر المشترى على التبعيض واذا اتحدت الصفقة لم تبعض أما ان تعددت فله التبعيض واذا وقع الشراء لجماعة فى صفقة واحدة وتميز لكل ما يخصه تعدد البائع أو اتحد فليس للشفيع الأخذ فى البعض دون البعض بل أخذ الجميع أو ترك الجميع الا من يرضى من يريد الأخذ منه وهذا مذهب ابن القاسم فى المدونة.
ثم قال
(1)
: ويأخذ الشفيع الشقص بمثل الثمن أو بقيمة الشقص ان دفع فى كخلع بأن دفعته الزوجة لزوجها فى نظير خلعه لها أو دفعه الزوج لزوجته فى نكاح أو دفعه العبد لسيده فى عتقه وفى صلح جناية عمد على نفس أو أطراف لأن الواجب القود بخلاف الخطأ فان الشفعة فيه بالدية من ابل أو ذهب أو فضة تنجم كالتنجيم على العاقلة.
مذهب الشافعية:
جاء فى كفاية الأخيار
(2)
اذا تزوج امرأة على شقص أخذه الشفيع بمهر المثل.
مكان بين اثنين نكح واحد منهما امرأة وأصدقها نصيبه من ذلك المكان وهو مما
يثبت فيه الشفعة فلشريكه أن يأخذ ذلك الممهور بالشفعة.
وكذا لو كان ذلك المكان ملك امرأة وملك شخص آخر فقالت للزوج خالعنى على نصيبى من ذلك المكان أو طلقنى عليه ففعل بانت منه واستحق الزوج ذلك الشقص وللشفيع أخذه من الزوج كما أن له أخذه من المرأة فى صورة الاصداق ويأخذه بمهر المثل لا بقيمة الشقص فالبضع هو ثمن الشقص والله أعلم.
وان كان الشفعاء جماعة استحقوها على قدر الاملاك اذا كان ما يجب فيه الشفعة ملكا لجماعة وهم متفاوتون فى قدر الملك وباع أحدهم حصته فهل يأخذون على عدد رءوسهم أم على قدر أملاكهم فيه خلاف.
والأصح أخذ كل واحد منهم على قدر حصته ووجهه أن الأخذ حق يستحق بالملك فقسط على قدره كالأجرة والثمرة فان كل واحد من الملاك يأخذ على قدر ملكه من الأجرة والثمرة.
وقيل يأخذون على عدد رءوسهم نظرا الى أصل الملك ألا ترى أن الواحد اذا انفرد أخذ الكل والله أعلم.
ثبت لشخص الشفعة فى شئ فقال:
أسقطت حقى من الصفقة وأخذت الباقى سقط حقه كله من الشفعة لأن الشفعة خصلة واحدة لا يمكن تبعضها فأشبه ما اذا سقط بعض القصاص فانه يسقط كله والله اعلم.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 477 الطبعة السابقة.
(2)
كفاية الاخيار ج 1 ص 300.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(1)
: للشريك المستحق للشفعة أن يأخذ جميع الشقص المبيع لئلا يتضرر المشترى بتبعيض الصفقة فى حقه بأخذ بعض المبيع مع أن الشفعة تثبت على خلاف الأصل دفعا لضرر الشركة فاذا أخذ البعض لم يندفع الضرر فان طلب أخذ البعض مع بقاء الكل - أى لم يتلف من المبيع شئ سقطت شفعته لأن حق الأخذ اذا سقط بالترك فى البعض سقط فى الكل كعفوه عن بعض قود يستحقه.
وان تعدد الشفعاء فبينهم على قدر ملكهم كمسائل الرد فدار بين ثلاثة لواحد نصف ولآخر ثلث ولآخر سدس باع صاحب الثلث نصيبه فأصل المسألة من ستة الثلث بينهما أى بين صاحب النصف والسدس على أربعة لصاحب النصف ثلاثة، ولرب السدس واحد ولا يرجح أقرب الشفعاء على أبعدهم ولا ذو قرابة من الشفعاء على أجنبى لأن القرب ليس هو سبب الشفعة وان ترك أحدهم شفعته سقطت ولم يكن للباقين أن يأخذوا الا الكل أو يتركوا كما لو كان بعضهم غائبا.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(2)
: الشفعة واجبة فى كل جزء بيع مشاعا غير مقسوم بين اثنين
فصاعدا من أى شئ كان مما ينقسم ومما لا ينقسم من أرض أو شجرة واحدة فأكثر أو عبد أو ثوب أو أمة أو من أى شئ بيع لا يحل لمن له ذلك الجزء أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه.
برهان ذلك ما روينا عن جابر بن عبد الله قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فى كل ما لم يقسم فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
ثم قال
(3)
: من باع شقصا أو سلعة معه صفقة واحدة فجاء الشفيع يطلب فليس له الا أن يأخذ الكل أو يترك الكل وهذا قول عثمان البتى وسوار.
قال على: ليس للشفيع بعد البيع الا ما كان له اذا أذنه البائع قبل البيع والنص والاجماع المتيقن قد بينا بأنه لا يخرج عن ملك البائع الا ما رضى باخراجه عن ملكه قال تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» والبائع لم يرض ببيع الشقص وحده دون تلك السلعة فلا يجوز اجباره على بيع ما لا يرضى بيعه بغير نص، ولو عرض عليه قبل البيع لم يكن للشريك الا أخذ الكل أو الترك باجماعهم معنا، وكذلك لو حضر عند البيع، ولم يجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البيع من غيره الا ما كان حقه لو أخذه اذا عرض عليه قبل البيع فقط وليس له فى العرض قبل البيع تبعيض ما لا يريد البائع تبعيضه فانما له الآن ما كان له حينئذ
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 383، ص 384.
(2)
المحلى ج 9 ص 82.
(3)
المرجع السابق ج 9 ص 96.
ولا مزيد وأيضا فلا يجوز أن يلزم المشترى بغض صفقة لم يرض قط تبعيضها ولا أن يفسخ على البائع بيعا وقع صحيحا الا بنص وارد ولا نص فى شئ من ذلك فهو كله باطل، فان رضى المشترى بتسليم الشقص وحده فقد قيل ليس للشفيع غيره لأنه كرضى البائع بذلك حين الايذان.
والأولى عندنا أن الشريك أحق بجميع الصفقة ان أراد ذلك لأنها صفقة واحدة وعقد واحد اما تصح فتصح كلها واما تفسد فتفسد كلها ولا يمكن تبعيض عقد واحد بتصحيح بعضه وافساد بعضه الا بنص وارد فى ذلك.
ثم قال ابن حزم: ومن كان له شركاء فباع من أحدهم كان للشركاء مشاركته فيه وهو باق على حصته مما اشترى كأحدهم لأنه شريك وهم شركاء فهو داخل معهم فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «فشريكه أحق» .
وقد قال قائل: لا حصة للمشترى وهذا خلاف النص كما ذكرنا وروينا من طريق ليث ابن أبى سليم عن الشعبى أنه قال اذا باع من أحد شركائه فلا شفعة للآخرين منهم وكذلك أيضا عن الحسن وعثمان البتى.
قال على وهذا خلاف النص أيضا.
وقال ابن حزم
(1)
: ومن باع شقصا وله شركاء لأحدهم مائة سهم ولآخر عشرون ولآخر عشر العشر أو أقل أو أكثر فكلهم سواء فى الأخذ بالشفعة ويقتسمون ما أخذوا
بالسواء ولا معنى لتفاضل حصصهم وهو قول ابراهيم النخعى والشعبى والحسن البصرى وابن شبرمة وسفيان الثورى.
ثم قال ولا شفعة الا بتمام البيع بالتفريق أو التخيير لأنها ليس بيعا قبل ذلك وهو قول كل من يقول بتفريق الأبدان.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(2)
: لو ملك الشفعة الغير بعوض - ولو جهل كون ذلك يبطل شفعته سواء كان ذلك العوض من المشترى أم من غيره فانها تبطل ولا يلزم ذلك العوض لأنها حق وبيع الحقوق لا يصح ويكون العوض فى يد الشافع مع علمه بعدم استحقاقه كالغصب.
ثم قال: اذا طلب الشافع بعض المبيع نحو أن يقول الشافع للمشترى أنا مطالب لك الشفعة فى ثلث ما اشتريته بجوارى وذلك بقدر حصته من السبب وبترك ثلثيه لأخويه فانها تبطل شفعته فى كل المبيع.
وقال فى البحر الزخار
(3)
: اذا عفا عن الشفعة فى بعض المبيع فوجوه.
تسقط الشفعة فى الكل كالقصاص.
لا يسقط شئ اذ لا تتبعض.
يسقط ذلك القدر ويستحقها فى الباقى وهو الأصح اذا رضى المشترى بتفريق الصفقة اذ المانع الاضرار به فى التفريق ولا خيار له بعد اسقاطها اذ هى فورية.
(1)
المحلى ج 9 ص 98، 99.
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 26، ص 31.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 11.
مذهب الإمامية
جاء فى الخلاف
(1)
: اذا تزوج امرأة وأمهرها شقصا لا يستحق الشفعة عليها - دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم ولأن اثبات الشفعة فى مثل هذا يحتاج الى دلالة.
ثم قال: اذا اشترى شقصا بمائة الى سنة كان للشفيع المطالبة بالشفعة وهو مخير بين أن يأخذه فى الحال ويعطى ثمنه حالا وبين أن يصبر الى سنة ويطالب بالثمن الواجب عندها دليلنا أن الشفعة قد وجبت بنفس الشراء والذمم لا تتساوى فوجب عليه الثمن حالا أو يصبر الى وقت الحلول فيطالبه بالشفعة مع الثمن.
واذا وجب له الشفعة فصالحه المشترى على تركها بعوض صح وبطلت الشفعة دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم «الصلح جائز بين المسلمين وهذا عام وتخصيصه يحتاج الى دليل» .
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: ويأخذ الشفيع كل المشفوع فيه أو يتركه وذلك أنه لو أخذ بعضا وترك بعضا كان شريكا والشركة ضرر.
ثم قال
(3)
: وان تركها أى الشفعة شفيع حتى باع ما به يشفع أو وهبه أو أصدقه أو أعطاه أجرة أو ارشا او غير ذلك من وجوه خروج الملك بعد علمه بالشراء فاتته على المختار لأن ذلك ترك لها ولفقد ماله
الشفعة وهى ما به الشفعة ولأن المقصود بالشفعة ازالة الضرر من جهة الشركة وهو ليس بشريك.
الابراء
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(4)
: اذا صالح الدائن المدين على أقل من حقه قدرا ووصفا بأن صالح من الألف الجياد على خمسمائة نبهرجة يجوز ويحمل على استيفاء بعض عين الحق أصلا والابراء عن الباقى أصلا ووصفا لأن أمور المسلمين محمولة على الصلاح والسداد ما أمكن ولو حمل على المعاوضة يؤدى الى الربا لأنه يصير بائعا ألفا بخمسمائة وهو ربا، فيحمل على استيفاء بعض الحق والابراء عن الباقى.
ثم قال
(5)
: واذا كان الدين سوى الدراهم والدنانير فان كان مكيلا بأن كان كرحنطة مثلا فصالح على أقل من حقه قدرا ووصفا جاز ويكون حطا لا معاوضة وان صالح على أقل من حقه وصفا لا قدرا جاز أيضا ويكون استيفاء لعين حقه أصلا وابراء له عن الصفة.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(6)
: وجاز الصلح على أخذ بعضه أى المدعى به هبة للبعض المتروك وابراء منه وعلق الدسوقى على ذلك بأنه ليس المراد بالهبة حقيقتها حتى يحتاج
(1)
الخلاف ج 1 ص 687، ص 697.
(2)
شرح النيل ج 5 ص 685.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 707.
(4)
البدائع ج 6 ص 43 الطبعة السابقة.
(5)
بدائع الصنائع ج 6 ص 45.
(6)
حاشية الدسوقى ج 3 ص 310.
فيها للقبول من المدعى عليه قبل موت الواهب الذى هو المدعى بل المراد بها الابراء وحينئذ فلا يشترط قبول ولا تجدد حيازة على المعتمد فلذا أبرأت زيدا مما عليه صح وان لم يقبل خلافا لما فى الخرشى من أن الابراء يحتاج لقبول وان لم يحتج لحيازة والهبة تحتاج لهما جميعا.
ثم قال وجاز الصلح عن دين بما يباع به ذلك الدين أى بما تصح به المعاوضة كدعواه عرضا أو حيوانا أو طعاما فيصالحه بدنانير أو دراهم أو بهما أو بعرض أو بطعام مخالف للمصالح عنه نقدا.
مذهب الشافعية:
جاء فى كفاية الأخيار
(1)
: يصح الصلح مع الاقرار فى الأموال وما أفضى اليها وهو نوعان ابراء ومعاوضة فالابراء اقتصاره من حقه على بعضه ولا يجوز فعله على شرط والمعاوضة عدوله عن حقه الى غيره ويجرى عليه حكم البيع والصلح تارة يقع مع الانكار وتارة مع الاقرار فالصلح مع الانكار باطل ومع الاقرار صحيح وهو كما ذكره الشيخ نوعان.
ابراء ومعاوضة وصورة الابراء بلفظ الصلح ويسمى صلح الحطيطة بأن يقول صالحتك على الألف الذى لى عليك على خمسمائة فهو ابراء عن بعض الدين بلفظ الصلح وفيه وجهان الأصح الصحة وفى اشتراط القبول وجهان كالوجهين فيما لو قال
من عليه دين وهبته لك والأصح الاشتراط لأن اللفظ بوضعه يقتضيه.
ولو صالح من ألف على خمسمائة معينة جرى الوجهان.
ورأى أمام الحرمين الفساد هنا أظهر ويشترط قبض الخمسمائة فى المجلس، هذا وهم، فان الأصح أنه لا يشترط القبض فى المجلس كما فى المنهاج وغيره ولا يشترط تعيينها فى نفس الصلح على الأصح ولو صالح من ألف حال على ألف مؤجل أو عكسه فباطل لأن الأجل لا يلحق ولا يسقط ولا يصح تعليق هذا الصلح على شرط لأنه ابراء وتعليق الابراء لا يصح.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(2)
: صلح الاقرار نوعان أحدهما الصلح على جنس الحق المقر به مثل أن يقر رشيد له بدين فيضع - أى يسقط - عنه بعضه ويأخذ الباقى أو يقر رشيد لآخر بعين فيهب المقر له أى للمقر بعضها ويأخذ الباقى فيصح الصلح ان كان ما صدر من ابراء أو هبة بغير لفظ الصلح لأن الأول: أى وضع بعض الدين ابراء.
والثانى أى هبة بعض الدين هبة يعتبر له شروط الهبة من كونه جائز التصرف والعلم بالموهوب ونحوه ولا يمنع الانسان من اسقاط بعض حقه أو هبته كما لا يمنع من استيفائه،
(1)
كفاية الاخيار ج 1 ص 271.
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 190 وما بعدها الطبعة السابقة.
لأنه صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر، ليضعوا عنه وقضية كعب مع ابن أبى حدرد شاهدة بذلك، فان كان بلفظ الصلح لم يصح، لأنه صالح عن بعض ماله ببعض فهو هضم للحق.
وبالجملة فقد منع الخرقى وابن أبى موسى الصلح على الاقرار وأباه الأكثرون.
فعلى الأول ان وفاه من جنس حقه فهو وفاء ومن غير جنسه معاوضة وان أبرأه من بعضه فهو ابراء وان وهبه بعض العين فهو هبة ولا يسمى صلحا فالخلاف اذن فى التسمية قاله فى المغنى والشرح الكبير وأما المعنى فمتفق عليه.
وان صالح رشيد من دين مؤجل ببعضه حالا لم يصح الصلح، لأنه ببذله القدر الذى يحطه عوضا عن تعجيل ما فى ذمته أشبه ما لو أعطاه عشرة حالة بعشرين مؤجلة الا فى دين كتابة فاذا عجل المكاتب البعض وأبرأه السيد من الباقى صح، لأن الربا لا يجرى بين المكاتب وسيده فى دين الكتابة.
وان وضع أى أسقط رب الدين بعض الدين الحال وأجل باقيه بأن كان له عليه مائة حالة أبرأه منها بخمسين مؤجلة صح الاسقاط، لأنه أسقطه عن طيب نفسه وليس فى مقابلة تأجيل فوجب أن يصح كما لو أسقطه كله دون التأجيل، لأن الحال لا يتأجل، ولأنه وعد فلا يلزم الوفاء به.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
: اذا صح الاقرار بالصلح فان كان فى المال فلا يجوز الا بأحد وجهين لا ثالث لهما اما أن يعطيه بعض ماله عليه ويبرئه الذى له الحق من باقيه باختياره ولو شاء أن يأخذ ما أبرأه منه لفعل فهذا حسن جائز بلا خلاف وهو فعل خير، ولا يجوز فى الصلح الذى يكون فيه ابراء من البعض شرط تأجيل أصلا لأنه شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل لكنه يكون حالا فى الذمة ينظره به ما شاء بلا شرط لأنه فعل خير.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(2)
: أما الابراء عن الدين فهو اسقاط للدين والدم والحق وليس بتمليك فلا يعتبر فيه القبول وسائر ما يعتبر فى التمليك أو الحقوق والشفعة وخيار الرؤية والعيب والشرط.
وأما الابراء من العين المضمونة نحو أن يبرئ الغاصب من العين المغصوبة وهى باقية فهو اسقاط لضمان تلك العين فتصير أمانة فان أبرأه مرة أخرى صارت اباحة الا أن يجرى عرف أنه يريد التأكيد.
قال فى شرح الحفيظ «الا العين المرهونة فلا تصير أمانة لبقاء سبب الضمان وهو عقد الرهن سواء كان الابراء من العين أو من الضمان واذا كانت العين أمانة فى يد الغير
(1)
المحلى ج 8 ص 165.
(2)
التاج المذهب ج 4 ص 175، ص 176 الطبعة السابقة.
كان ابراء المالك منها اباحة للأمانة فيجوز لذلك الغير استهلاكها وللمالك الرجوع قبل الاستهلاك حسا لا حكما ويرجع المباح له بالغرامة».
ثم قال ويصح تقييد الابراء بعوض مشروط ومعقود كأبرأتك ان وهبت لى كذا أو أبرأتك على هبة كذا أو على أن تمكنى من كذا فان حصل ذلك العوض صح الابراء ولا رجوع للمبرئ فان لم يحصل صح الابراء بالقبول ويرجع فورا لتعذره أى له الرجوع عن الابراء عند تعذر العوض.
واذا وقع على عوض مضمر أو غرض ثم تعذر كان للمبرئ الرجوع فورا، لأنه لم يبق له الا حق ضعيف فيبطل بالتراخى.
ولو كان ذلك العوض الذى شرط غرضا لا مالا نحو أبرأتك على أن تطلق فلانة فقبل ولم يطلق فللمبرئ أن يرجع عن الابراء لعدم حصول ذلك الغرض وحيث قلنا يصح الابراء بعوض مشروط فلا يصح الا بحصوله فيقع بالقبول أو ما فى حكمه فان تعذر العوض فله الرجوع ولا يجبر ملتزمه ولا له المطالبة بقيمته وهذا حيث لا يملك العوض بنفس العقد فان ملك العوض بنفس العقد نحو أبرأتك على هبة كذا فقبل أجبر عليه ان أمكن وان تعذر نحو أن تتلف العين أو يموت بطل الابراء وقد خالف الابراء الطلاق والعتاق فانهما لا يبطلان بتعذر العوض فى العقد لقوة نفوذهما بدليل أنهما لا يبطلان بالرد بخلاف الابراء ويرجع الى قيمة العوض للتعذر فى الطلاق والى قيمة العبد فى العتق.
السكنى
مذهب الحنفية:
جاء فى ابن عابدين
(1)
: لو خالعت المرأة زوجها على نفقة العدة وسكناها فلا يسقطان الا اذا نص عليها فتسقط النفقة لا السكنى، لأن السكنى حق الشرع، ولأن سكناها فى غير بيت الطلاق معصية الا اذا أبرأته عن مؤنة السكنى فيصح بأن كانت ساكنة فى بيت نفسها أو تعطى الأجرة من مالها فيصح التزامها ذلك كما فى الفتح.
قال ابن عابدين لكن مقتضى هذا أنه لا بد من التصريح بمؤنة السكنى مع أنه ذكره فى الفتح لو اختلعت على أن لا سكنى لها فان مؤنة السكنى تسقط عن الزوج ويلزمها أن تكترى بيت الزوج ولا يحل لها أن تخرج منه.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(2)
: وسقطت أى السكنى بمعنى الأجرة ان أقامت بغيره أى بغير مسكنها الذى لزمها السكنى فيه لغير عذر فليس لها طلب أجرة ما خرجت منه ولو اكراه زوجها للغير.
وعلق الدسوقى على قوله وسقطت السكنى أى سواء كانت معتدة من وفاة أو من طلاق.
وإنما سقطت، لأنها لما تركت ما كان
(1)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 581، ص 582 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 487 الطبعة السابقة.
واجبا لها من غير عذر فلا يلزمه بعد ولها عنها عوض، وأما اذا كانت مطلقة طلاقا رجعيا وخرجت من مسكنها وأقامت بغيره انما تسقط سكناها وأما النفقة فلا تسقط.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: تجب السكنى
(1)
لمعتدة طلاق حائل أو حامل ولو بائن ويستمر وجوبها الى انقضاء عدتها لقوله تعالى «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ» وقوله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» أى بيوت أزواجهن وأضافها اليهن للسكنى اذ لو كانت اضافة ملك لم تختص بالمطلقات ولو أسقطت مؤنة المسكن عن الزوج لم تسقط كما أفتى به المصنف لوجوبها يوما بيوم واسقاط ما لم يجب لاغ، وينبغى أن يتحرى الأقرب من المسكن الذى فورقت فيه ما أمكن.
ولو مضت العدة أو بعضها ولم تطالب بالسكنى لم تصر دينا فى الذمة بخلاف النفقة لأنها معاوضة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(2)
: ان تزوجت المرأة فى عدتها فنكاحها باطل لقوله تعالى «وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ» ولأن العدة انما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضى الى اختلاط المياه واشتباه الانساب ويجب أن يفرق بينهما لأنهما أجنبيان.
وتسقط نفقة الرجعية وسكناها عن الزوج الأول لنشوزها ولم تنقطع عدتها حتى يطأ الثانى، لأن العقد باطل لا تصير به المرأة فراشا، وسواء علم بالتحريم أو جهله، فاذا دخل بها انقطعت العدة، لأنها صارت فراشا له، ثم اذا فارقها بنت على عدتها من الأول، لأن حقه أسبق، ولان عدته وجبت عن وط ء فى نكاح صحيح، واستأنفت العدة بعد ذلك من الثانى، ولا تتداخل العدة.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(3)
: يجب على الزوج السكنى لزوجته فى عدة الرجعة وهى أحق من الغرماء بسكنى داره اذا أفلس فان كانت فى دارها باذنه أو كان عليها أو على أهلها غضاضة بالخروج منه الى بيته أعتدت فى بيتها والكراء عليه بخلاف البائنة فلا سكنى لها فى عدتها - على مطلقها فان كان الزوج مضربا عن مراجعتها ولا يملك الا منزلا واحدا لزمه أن يستأجر لها فان لم يجد جاز الوقوف معها ولو خشى الضرر ووجب غض البصر.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(4)
: ولا نفقة للبائن طلاقها الا أن تكون حاملا فتجب لها النفقة والسكنى حتى تضع لقوله تعالى «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» ولا شبهة فى كون النفقة بسبب الحمل لكن هل هى له أو لها قولان:
(1)
نهاية المحتاج ج 7 ص 144، ص 145، ص 146 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 3 ص 269، ج 270 الطبعة السابقة.
(3)
التاج المذهب ج 2 ص 218، ص 219.
(4)
الروضة البهية ج 2 ص 161.
أشهرهما الاول للدوران وجودا وعدما كالزوجية.
ووجه الثانى: أنها لو كانت للولد لسقطت عن الأب بيساره كما لو ورث أخاه لأبيه وأبوه قاتل لا يرث ولا وارث غير الحمل ولوجبت على الجد مع فقر الأب لكن التالى فيهما باطل فالمقدم مثله.
الحضانة
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر الرائق
(1)
: الحضانة حق الصغير لاحتياجه الى من يمسكه وقال ابن عابدين نقلا عن النهر: وهل هى حق من تثبت لها الحضانة أو حق الولد؟ خلاف.
قيل بالأول وعلى ذلك فلا تجبر ان هى امتنعت ورجحه غير واحد.
وفى الواقعات وغيرها وعليه الفتوى وفى الخلاصة قال مشايخنا لا تجبر الأم عليها وكذلك الخالة اذا لم يكن زوج لأنها ربما تعجز عن ذلك.
وقيل بالثانى فتجبر واختاره أبو الليث وخواهر زاده والهندوانى وأيده فى الفتح بما فى الحاكم: لو اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز والشرط باطل لأنه حق الولد فأفاد أن قول الفقهاء جواب ظاهر الرواية ثم قال فى الفتح: فان لم يوجد غيرها أجبرت بلا خلاف.
قال ابن عابدين فى حاشيته على البحر: وفى الظهيرية قالت الأم لا حاجة لى به وقالت الجدة أنا آخذه دفع اليها، لأن الحضانة حقها، فاذا أسقطت حقها صح الاسقاط منها لكن انما يكون لها ذلك اذا كان للولد ذو رحم محرم أما اذا لم يكن أجبرت على الحضانة كيلا يضيع الولد.
ثم قال فى البحر: ومن نكحت غير محرم سقط حقها ثم تعود بالفرقة أى تعود الحضانة لزوال المانع فقولهم سقط حقها معناه منع مانع منه، وقولهم: ثم تعود بالفرقة معناه بالطلاق البائن وأما الطلاق الرجعى فلا يعود حقها به حتى تنقضى عدتها لقيام الزوجية.
وقال ابن عابدين
(2)
: لو اختلعت على أن تمسك الولد الى البلوغ صح فى الأنثى لا الغلام ولو تزوجت فللزوج أخذ الولد وان اتفقا على تركه لأنه حق الولد لأن بقاءه عند زوجها الأجنبى مضر بالولد ولذا سقط حقها فى الحضانة.
وفى الخانية لو خالعها على أن يكون الولد عنده سنين معلومة صح الخلع وبطل الشرط لأن كون الولد الصغير عند الأم حق الولد فلا يبطل بابطالهما.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(3)
: ولا تعود الحضانة لمن سقطت حضانتها بالتزويج بعد
(1)
البحر الرائق ج 4 ص 180 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 583 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 532، ص 533 الطبعة السابقة.
الطلاق لها أو موت زوجها أو بعد فسخ النكاح الفاسد بعد البناء على الأرجح أو بعد الاسقاط أى اذا أسقطت الحاضنة حقها منها لغير عذر بعد وجوبها لها ثم أرادت العود لها فلا تعود بناء على أنها حق للحاضن وهو المشهور.
وقيل تعود بناء على أنها حق للمحضون وعلق الدسوقى على قوله أو بعد الاسقاط أى للغير بعوض أو بغير عوض وقوله بعد وجوبها لها هذا شامل لما اذا أسقطت الأم حضانتها للأب بعد طلاقها ولاسقاطها له وهى فى عصمته لأن الحق لها وهما زوجان وشامل لما اذا أسقطت الجدة حضانتها بعد أن أسقطت بنتها حضانتها فى مقابلة خلعها، لأن اسقاط الأم حضانتها فى مقابلة خلعها لا يسقط حق الجدة، فاذا أسقطت الجدة بعد طلاق بنتها صح الاسقاط، لأنه اسقاط للشئ بعد وجوبه الا أن المعتمد أنه اذا أسقط من له الحضانة حقه فيها انتقل الحق لمن يليه فى المرتبة لا للمسقط له، وأما لو أسقطت حقها من الحضانة قبل وجوبها لها لم يسقط حقها على المعتمد كما لو خالعته على اسقاط حضانتها وقد أسقطت الجدة أو الخالة حقها قبل مخالعة ابنتها أو أختها.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(1)
: لا حضانة للأم اذا نكحت الأم غير أبى الطفل وان رضى زوجها ولم يدخل بها للخبر «أنت أحق
به ما لم تنكحى» واذا سقط حق الأم بذلك انتقل لأمها ما لم يرض الزوج والأب ببقائه مع الام وان نازع الأذرعى فى ذلك.
أما ناكحة أبى الطفل وان علا فحضانتها باقية أما الأب فظاهر وأما الجد فلأنه ولى تام الشفقة وقضيته أن تزوجها بأب الأم يبطل حقها وهو كذلك وتناقض فيه كلام الأذرعى وقد لا تسقط بالتزوج لكون الاستحقاق بالاجارة بأن خالع زوجته بألف وحضانة الصغير سنة فلا يؤثر تزوجها فى أثناء السنة لأن الاجارة عقد لازم ولو أسقطت الحاضنة حقها انتقلت لمن يليها فاذا رجعت عاد حقها.
وفى مغنى المحتاج
(2)
: ويصح عوضه أى الخلع قليلا وكثيرا دينا وعينا ومنفعة لعموم قوله تعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» ولأنه عقد على منفعة البضع فجاز بما ذكر كالصداق.
ويستثنى من اطلاقه المنفعة صورتان.
احداهما الخلع على أنه برئ من سكناها ففى البحر يقع الطلاق ولا يجوز البدل لأن اخراجها من المسكن حرام فلها السكنى وعليها مهر المثل.
ثانيتهما الخلع على تعليم شئ من القرآن فقضية قولهم فى الصداق حيث قالوا بالتعذر أنه لا يصح ويشترط فى العوض شروط الثمن من كونه متمولا معلوما مقدورا على تسليمه.
(1)
نهاية المحتاج ج 7 ص 218، ص 219 الطبعة السابقة.
(2)
مغنى المحتاج ج 3 ص 247 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(1)
: ان امتنعت الأم من حضانتها مع استحقاقها انتقلت الى أمها فى أظهر الوجهين.
والوجه الآخر تنتقل الى الأب لأن أمهاتها فرع عليها فى الاستحقاق فاذا أسقطت حقها سقطت فروعها.
ولنا أن الأب أبعد فلا تنتقل الحضانة اليه مع وجود أقرب منه كما لا ينتقل الى الأخت وكونهن فروعا لها لا يوجب سقوط حقوقهن بسقوط حقها كما لو سقط حقها لكونها ليست من أهل الحضانة أو لتزوجها وهكذا الحكم فى الأب اذا أسقط حقه هل يسقط حق أمهاته؟ على وجهين.
فان كانت أخت من أبوين وأخت من أب فأسقطت الأخت من الأبوين حقها لم يسقط حق الأخت من الأب وجها واحدا لان استحقاقها من غير جهتها وليست فرعا عليها
(2)
.
ثم قال: ولا حضانة لامرأة مزوجة لأجنبى من الطفل أى اذا تزوجت الأم سقطت حضانتها وظاهر هذا أن التزويج بالأجنبى يسقط الحضانة وهو ظاهر قول الخرقى وان عرى عن الدخول.
ويحتمل أن لا يسقط الا بالدخول لأن به يشتغل عن الحضانة.
والأول أولى لقول النبى صلى الله عليه وسلم «أنت أحق به ما لم تنكحى» ولا حضانة لرقيق ولا فاسق ولا معتوه ولا كافر على مسلم ومتى زالت الموانع منهم مثل أن عتق الرقيق وأسلم الكافر وعدل الفاسق وعقل المجنون عاد حقهم من الحضانة، لأن سببها قائم وانما امتنعت لمانع فاذا زال المانع عاد الحق بالسبب السابق الملازم كالزوجة اذا طلقت فانه يعود حقها من الحضانة كذلك هذا.
تلك هى النصوص من الكتب الفقهية فى المذاهب كلها. وفى الأبواب التى تعطى البيان والرأى - وهى تدل دلالة ظاهرة على أن الفقهاء فى المذاهب المذكورة متفقون على أن الطلاق ملك منافع البضع لا يتجزأ فلو طلق الزوج امرأته بعض التطليقة بأن قال لها أنت طالق نصف تطليقة ولو أضاف الطلاق الى جزء منها شائع أو غير شائع يعبر به عن الكل أو لا يعبر. بأن قال لها مثلا. نصفك طالق أو رأسك طالق أو نحو ذلك. وقعت عليها طلقة كاملة فى جميع ذلك عند جميع المذاهب.
ما عدا الشيعة الإمامية فأنهم يقولون:
أن ذلك باطل ولا يقع به طلاق أصلا وأساس ذلك عندهم أن تبعيض الطلاق لا يصح.
وهم متفقون كذلك على أن الطلاق يقابل بالعوض فيجوز أن يطلق الرجل أو يخالع امرأته نظير عوض. ويقع الطلاق ويلزم العوض غير أنه لم يظهر حكم ذلك عند ابن حزم الظاهرى.
وفى العتق: وهو اسقاط ملك الرقبة - بالنسبة للتجزى وعدمه: يتجزأ عند الامام
(1)
المغنى لابن قدامة ج 11 ص 520 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 11 من ص 521 إلى ص 523.
أبى حنيفة لأن موجبه عنده ازالة الملك والملك يتجزأ بالاتفاق ولا يتجزأ عند الصاحبين أبى يوسف ومحمد لأن موجبه عندهما ازالة الرق والرق لا يتجزأ بالاتفاق.
ولا يقبل التجزئة عند الشافعية والزيدية وابن حزم من الظاهرية.
ويقبل التجزئة فى بعض الأحوال عند المالكية والحنابلة والإمامية والإباضية كما فى العبد المشترك يعتق أحد الشريكين أو الشركاء نصيبه منه على تفصيل فى حالات اليسار والاعسار.
وبالنسبة للاعتياض عنه اتفق الجميع - ما عدا ابن حزم على جواز الاعتياض عنه.
فلو أعتق عبده على مال أو كاتبه صح ويعتق العبد ويجب المال على تفصيل فى بعض المذاهب.
أما ابن حزم فقد صرح بأنه لا يجوز أخذ مال على العتق الا فى الكتابة خاصة لمجئ النص بها. لأن العتق عنده لا يكون الا لله عز وجل.
وفى العفو عن القصاص وهو اسقاط حق القصاص والقود - اتفقت المذاهب جميعها على أنه لا يتجزأ - ويكادون يتفقون على أن عفو البعض اذا تعدد الأولياء يسقط حق القصاص وينتقل الحق الى الدية وتكون للجميع من عفا ومن لم يعف أو لمن لم يعف فقط ويسقط حق من عفا، تفصيل.
وقد ورد فى بعض المذاهب أن عفو البعض لا يعول عليه ويبقى حق القصاص الا أن يعفو الكل وهذا أيضا تسليم بعدم التجزئ وهو أمر لا مناص منه اذ لا يتصور القصاص فى البعض ولا بالنسبة للبعض.
والجمهور على جواز الصلح عن القصاص نظير عوض أكثر أو أقل من الدية.
وقال بعض قليل أن الحق ينتقل بالعفو الى الدية.
وفى الشفعة اذا أراد الشفيع أن يأخذ بالشفعة فى بعض المبيع دون البعض أو أراد أن يسقط حقه فى الشفعة نظير عوض يأخذه صلحا هل يجوز ذلك أو لا يجوز؟
نص الحنفية على أن الشفيع اذا قيل له أن المشترى هو فلان فأسقط حقه فى الشفعة ثم علم أن المشترى هو فلان المذكور مع شخص آخر قالوا: لا يسقط حقه بالنسبة للمشترى الآخر ويسقط بالنسبة لمن عرفه أولا - ويأخذ بالشفعة فى نصيب هذا المشترى الآخر وهذا ظاهر فى التجزئ.
وكذلك قالوا: اذا اشترى رجلان دارا من رجل فللشفيع أن يأخذ بالشفعة نصيب أحد المشتريين ويسقط حقه فى نصيب الآخر، وكذا لو اشترى دارين من رجل له أن يأخذ بالشفعة فى أحد الدارين ولو كان الثمن لهما ثمنا واحدا.
ويرى البعض أن أخذ أحد الدارين ليس تفريقا ولا تبعيضا للصفقة لأنها مفرقة من الابتداء.
أما الاعتياض عن اسقاط حق الشفعة فلا يجوز ولا يصح عند الحنفية لأن حق الشفعة
حق مجرد والحقوق المجردة لا يجوز الاعتياض عنها كما هو ظاهر من عبارة البحر.
ويرى المالكية والشافعية والحنابلة والإباضية والظاهرية أن هذا الحق لا يتجزأ.
والأصل عدم التجزئ عند الزيدية ألا أن يرضى المشترى بذلك فيجوز ولا يجوز الاعتياض عنه عندهم.
وصرح الإمامية بجواز الاعتياض عنه.
وفى الابراء وهو اسقاط للحق يقبل التجزئة بالاتفاق اذا كان الحق مما يتجزأ كالدين والصلح فيه ابراء عن بعض الحق واستيفاء للبعض الآخر وليس معاوضة.
وقال الزيدية أنه يجوز أن يكون الابراء فى مقابلة عوض آخر مال أو غيره واذا تعذر العوض - فللمبرئ الحق فى الرجوع فى الابراء على تفصيل فى ذلك.
وفى اسقاط حق الحضانة لا يقبل التجزئة بالاتفاق ويجوز أن يقابل بالعوض عند المالكية.
هذه هى آراء الفقهاء فى المذاهب المختلفة فى تجزى الاسقاط وعدم تجزئه وفى الاعتياض عنه وعدم الاعتياض فى الفروع والمسائل التى تناولتها النصوص بيناها فى اجمال واختصار.
ويظهر منها أن المذاهب كلها متفقة على أن الاسقاط يقبل التجزؤ فى بعض المسائل ولا يقبله فى بعضها وأنه يجوز الاعتياض عن الاسقاط فى بعض المسائل ولا يجوز ذلك فى بعضها.
وقد قلنا أن معنى تجزؤ الاسقاط تجزؤ المحل الذى يجرى فيه فى قبول حكمه وأثره.
فمعنى تجزؤ الطلاق أن محله وهو المرأة لا يقبل التجزؤ فى قبول حكم الطلاق وأثره اذ لا يمكن أن يكون بعض المرأة طالقا وبعضها غير طالق. وأن يكون بعضها حلالا للزوج المطلق وبعضها حراما عليه .. ومعنى تجزؤ الاعتاق عند من يقول به تجزؤ محله وهو العبد فى قبول أثره وحكمه وهو الحرية اذ يمكن أن يكون بعض العبد حرا وبعضه رقيقا عند هؤلاء الفقهاء وقلنا أنه لا يوجد ضابط ولا أساس يحدد ما يجرى فيه التجزؤ من مسائل الاسقاط وما لا يجرى فيه وأن المرجع فى ذلك الى كل محل بخصوصه وكذلك الأمر فى الاعتياض عن الاسقاط. وان كان بعض فقهاء الحنفية قد حاول أن يضع لذلك ضابطا على ما سبقت الاشارة اليه.
تم الجزء الثامن ويليه ان شاء الله تعالى الجزء التاسع مبدوءا ببحث اسكان
روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وال التعريف.
وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الالف:
ابراهيم بن رستم:
انظر ج 4 ص 395
ابراهيم النخعى:
انظر النخعى ج 1 ص 279
الأبى:
انظر ج 1 ص 247
أبى بن أيوب:
انظر ج 3 ص 337
أبى بن كعب:
انظر ج 1 ص 247
الأثرم:
انظر ج 1 ص 247
أحمد:
انظر ابن حنبل ج 1 ص 247
أحمد بن الحسين:
انظر المؤيد بالله ج 1 ص 275
الأحنف:
المتوفى سنة 72 هـ: الاحنف بن قيس ابن معاوية بن حصين المرى السعدى المنقرى التميمى أبو بحر، سيد تميم، وأحد العظماء الدعاة الفصحاء الشجعان الفاتحين ولد فى البصرة وأدرك النبى صلى الله عليه وسلم ولم يره، ووفد على عمر حين آلت اليه الخلافة فى المدينة فاستبقاه عمر فمكث عاما وأذن له فعاد الى البصرة وشهد الفتوح فى خراسان واعتزل الفتنة يوم الجمل ثم شهد صفين مع على كرم الله وجهه ولما انتظم الأمر لمعاوية عاتبه فأغلظ له الاحنف فى الجواب وكان صديقا لمصعب بن عمير أمير العراق فوفد عليه بالكوفة فتوفى فيها وهو عنده وأخباره كثيرة جدا.
ابن ادريس:
انظر ج 2 ص 343
الأذرعى:
انظر ج 1 ص 248
الأزجى:
المتوفى المتوفى سنة 599 هـ: ابراهيم ابن محمد بن أحمد الطيبى البغدادى الأزجى الفقيه الامام أبو اسحاق مفتى العراق ويلقب بموفق الدين ولد فى خامس عشر من شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة، كذا ذكره القطيعى وقال المنذرى فى نصف شوال وسمع من ابن الطلابه وسمع من ابن ناصر وأبى بكر بن الزغوانى وغيرهم - وكان له كتابا جمعه وسماه الترغيب وقرأ الفقه على القاضى أبى يعلى بن أبى حازم وغيره وبرع فى الفقه مذهبا وخلافا وجدالا وأتقن علم الفرائض والحساب وشدا طرفا من العربية وكتب خطا حسنا ودرس وأفتى وناظر وكان من أكابر العدول وشهود الحضرة وأعيان المفتين المعتمد على فتاويهم متين الديانة حسن المعاشرة طيب المفاكهة حدث وسمع منه ابن القطيعى وروى عنه ابن الدبيثى والحافظ الضياء وابن النجار توفى آخر يوم الاثنين ثانى ذى الحجه سنة تسع وتسعين وخمسمائة وصلى عليه من الغد عند المنظرة بباب الازج وحمل على الرءوس ودفن بباب حرب وشيعه خلق عظيم، وقيل كانت وفاته فى مستهل ذى الحجة.
الأزجى: توفى سنة 597 هـ: تميم بن أحمد بن أحمد ابن كرم بن غالب بن قتيل البنديجى ثم البغدادى الأزجى المقيد أبو القاسم بن أبى بكر بن أبى السعادات، ولد سنة ثلاث
وأربعين وخمسمائة تقريبا قاله ابن القطيعى وقال المنذرى سنة أربع أو خمس، وقال ابن النجار: قرأت بخطه قال ولدت فى رجب سنة أربع وأربعين وخمسمائة سمع الكثير من أبى بكر الزغوانى والوزير ابن هبيرة وغيرهم وكان يعتنى بحفظ أسماء الشيوخ ومعرفة مروياتهم ومواليدهم ووفياتهم وحدث باليسير لأنه مات قبل الشيخوخة سمع منه ابن النجار وتكلم فيه هو وشيخه ابن الاخضر وأجاز للحافظ المنذرى، توفى يوم السبت ثالث جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وخمسمائة ودفن من الغد بمقبرة باب حرب.
الأزهرى:
انظر ج 2 ص 343
أسامة بن زيد:
انظر ج 1 ص 248
الاسبيجابى:
انظر ج 2 ص 343
اسحاق:
انظر ج 2 ص 343
أبو اسحاق الشيرازى:
انظر الشيرازى ج 1 ص 263
اسحاق بن عمار:
انظر ج 7 ص 376
أبو اسحاق المروزى:
انظر ج 3 ص 335
أسمر:
أسمر بن مغرس الطائى - قال النجار وابن السكن له صحبة وحديث واحد وقال أبو عمر هو أخو عروة بن مغرس وهو اعرابى وقال ابن منده هو أسمر بن أبيض ابن مغرس زاد فى نسبه أبيض وقال عداده فى أهل البصرة «قلت» وأخرج حديثه أبو داود باسناد حسن قال أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فبايعته فقال: «من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو له» .
اسماعيل بن سعيد الشامخى:
انظر ج 2 ص 344
الشيخ اسماعيل سنة 750 هـ:
أبو طاهر اسماعيل الجيطالى عالم من علماء الإباضية البارزين خدم الاسلام باخلاص المؤمن وجد العالم وعمق الفيلسوف. ولعل من أعظم ما كتب عن معانى الايمان وفلسفة الاخلاق: كتابه القيم قناطر الخيرات فى ثلاثة أجزاء ضخمة:
لقد عاش الجيطالى فى القرنين السابع والثامن يملأ الدنيا علما وحكمة وخلقا ودينا وتوفى سنة خمسين وسبعمائة.
الاسود:
انظر ج 4 ص 360
أشهب:
انظر ج 1 ص 249
أصبغ:
انظر ج 1 ص 249
الاعرج:
انظر ج 3 ص 336
الأقفهسى:
انظر ج 3 ص 337
امامة بنت أبى العاص:
امامة بنت أبى العاص بن الربيع واسم أبى العاص مهشم وقيل لقيط وقيل ياسر وقيل القاسم مذكور فى المهذب فى باب طهارة البدن وفى باب ما يفسد الصلاة وهى امامة بنت أبى العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد مناف القريشية أمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان النبى صلى الله عليه وسلم يحبها ويحملها فى الصلاة وثبت ذلك فى الصحيح نزوجها على بن أبى طالب رضى الله عنها بعد وفاة فاطمة رضى الله عنها وكانت فاطمة أوصت عليا أن يتزوجها ثم تزوجها بعد على المغيرة ابن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب بن هاشم فولدت له يحيى وبه يكنى وماتت عند المغيرة وليس لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لرقية ولا لام كلثوم عقب وانما العقب لفاطمة رضى الله عنهن.
أبو أمامة:
انظر ج 4 ص 360
أنس:
انظر ج 1 ص 249
الاوزجندى:
انظر ج 4 ص 360
حرف الباء:
الباجى:
انظر ج 1 ص 250
الباقر:
انظر أبو جعفر ج 2 ص 347
البخارى:
انظر ج 1 ص 250
البرزلى:
انظر ج 5 ص 365
بروع بنت واشق:
انظر ج 1 ص 250
البساطى:
انظر ج 5 ص 365
بشر:
انظر ج 4 ص 361
أبو بصير:
انظر ج 3 ص 338
البغوى:
انظر ج 2 ص 345
أبو بكر:
انظر ج 2 ص 345
أبو بكر بن عبد الرحمن:
توفى سنة 94 أو 95 هـ:
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشى المخزومى المدنى التابعى أحد فقهاء المدينة السبعة قيل اسمه محمد وكنيته أبو بكر وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن والصحيح أن اسمه كنيته سمع أباه عبد الرحمن الصحابى وأبا مسعود البدرى وأبا هريرة وعائشة وغيرهم، روى عنه مجاهد وعكرمة بن خالد وغيرهم قال محمد بن سعد ولد أبو بكر هذا فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته وكان مكفوفا واستصغر يوم الجمل هو وعروة بن الزبير فردا قال وكان ثقة فقيها عالما توفى أبو بكر بالمدينة قال يحيى بن بكير سنة أربع أو خمس وتسعين من الهجرة.
أبو بكر محمد بن الفضل:
أبو بكر محمد بن الحسن ابن الفضل ثقة مشهور يروى عن أبى بكر ابن زياد النيسابورى وطائفة وهو جد أبو الغنائم عبد الصمد.
ابن بكير:
توفى سنة 388: أبو عبد الله، الحسين ابن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادى الصيرفى الحافظ، روى عن اسماعيل الصغار وطبقته. وكان عجبا فى حفظ الحديث وسرده، روى عنه أبو حفص ابن شاهين مع تقدمه، وتوفى فى ربيع الآخر، عن احدى وستين سنة، وكان ثقه.
البلقينى:
انظر ج 2 ص 346
بهرام:
انظر ج 5 ص 365
البويطى:
توفى سنة 231 هـ. سنة 846 م:
يوسف بن يحيى القرشى أبو يعقوب البويطى صاحب الامام الشافعى وواسطة عقد جماعته قام مقامه فى الدرس والافقاء بعد وفاته وهو من أهل مصر نسبته الى بويط «من أعمال الصعيد الادنى» ولما كانت المحنة فى قضية خلق القرآن حمل الى بغداد «فى أيام الواثق» محمولا على بغل مقيدا وأريد منه القول بأن القرآن مخلوق فامتنع فسجن ومات فى سجنه ببغداد قال الشافعى ليس أحد أحق بمجلسه من يوسف بن يحيى وليس أحد من أصحابى أعلم منه له المختصر فى الفقه اقتبسه من كلام الشافعى.
البيهقى:
انظر ج 1 ص 251
حرف التاء:
التتائى:
توفى سنة 942 هـ: محمد بن ابراهيم ابن خليل التتائى: فقيه من علماء المالكية.
نسبته الى «تتا» من قرى المنوفية بمصر.
نعته الغزى بقاضى القضاة بالديار المصرية.
من كتبه «فتح الجليل» شرح به مختصر خليل فى الفقه شرحا مطولا، و «جواهر الدرر» فى شرحه أيضا. و «تنوير المقالة» فى شرح رسالة ابن أبى زيد القيروانى، فقه، وخطط السداد والرشد بشرح نظم مقدمة ابن رشد.
الترمذى:
انظر ج 1 ص 251
تقى الدين:
انظر ابن تيمية ج 1 ص 251
التمرتاشى:
انظر ج 3 ص 338
التونسى:
انظر ج 1 ص 251
ابن تيميه:
انظر ج 1 ص 251
حرف الثاء:
أبو ثور:
انظر ج 1 ص 252
الثورى:
انظر ج 1 ص 252
حرف الجيم:
جابر بن زيد:
انظر ج 3 ص 339
جابر بن عبد الله:
انظر ج 1 ص 252
ابن جرير:
انظر ج 1 ص 252
ابن جعفر:
هو أبو عبد الرحمن الضرير الوكيعى قال زكريا بن يحيى الساجى حدثنى أحمد بن محمد المتوفى سنة 215 قال سمعت أبا نعيم يقول ما رأيت ضريرا أحفظ من أحمد بن جعفر الوكيعى وقال أبو داود كان أبو عبد الرحمن الوكيعى يحفظ العلم على الوجه وقال الدار قطنى أحمد الوكيعى ثقة وابنه محمد ثقة قال الحربى مات أحمد الوكيعى ببغداد سنة خمس عشرة يعنى ومائتين وكان الوكيعى يحفظ مائة ألف حديث.
جعفر بن محمد:
انظر ج 2 ص 347
أبو جعفر الهندوانى:
انظر ج 1 ص 253
الجعفى:
انظر حسين الجعفى ج 1 ص 254
ابن الجلاب:
المتوفى سنة 378 هـ: هو أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلاب الفقيه المالكى. صاحب القاضى أبو بكر الابهرى، ألف كتاب التفريع وهو مشهور وكتاب مسائل الخلاف وفى اسمه أقوال فى الشذرات «القاسم» بدون «أبو» وفى ترجمته فى شجرة النور الذكية ص 92 أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلاب.
ابن الجنيد:
انظر ج 1 ص 253
ابن الجوزى:
انظر ج 1 ص 253
حرف الحاء:
ابن الحاجب:
انظر ج 1 ص 253
الحاكم الشهيد:
انظر ج 1 ص 253
أبو حامد الاسفرايينى:
انظر ج 1 ص 246
أم حبيبة:
انظر ج 5 ص 366
ابن حجر الهيثمى:
انظر ج 1 ص 254
أبو حذيفة بن عتبة:
توفى سنة 12 هـ: أبو حذيفة ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، صحابى هاجر الى الحبشة، ثم الى المدينة، وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها وقتل يوم اليمامة.
حرب:
انظر ج 2 ص 348
أبو الحر المتوفى سنة 130 هـ:
هو على بن الحصين ابن مالك بن الخشخاش العنبرى التميمى أبو الحر من فقهاء الإباضية كان له ثروة فى البصرة وسكن مكة وجاهر فيها أيام مروان ابن محمد بمناصرة «طالب الحق» وكان هذا قد خلع طاعة مروان وبويع له بالخلافة فى اليمن فكتب مروان الى عامله بمكه يأمر بالقبض على أبى الحر فاعتقل وأوثق بالحديد وأشخص الى المدينة. وهو شيخ كبير وأدركه فى الطريق بعض أنصار طالب الحق فأنقذوه وعادوا به الى مكة مستترين ولما دخلها أبو حمزة المختار بن عوف كان «أبو الحر» من رجاله وقتل فى فتنته بمكة.
ابن حزم:
انظر ج 1 ص 254
الحسن البصرى:
انظر ج 1 ص 254
الحسن بن عيسى:
هو الحسن بن عيسى أبو على المعروف بابن أبى عقيل العمانى شيخ فقيه متكلم جليل قال صاحب السرائر فى حقه:
وجه من وجوه أصحابنا، ثقة فقيه متكلم، كان يثنى عليه الشيخ المفيد وكتابه أى كتاب المتمسك بحبل آل الرسول كتاب حسن كبير وهو عندى قد ذكره شيخنا أبو جعفر فى الفهرست وأثنى عليه، وهو أول من هذب الفقه واستعمل النظر وفتق البحث عن الاصول والفروع فى ابتداء الغيبة الكبرى وبعده الشيخ الفاضل ابن الجنيد وهما من كبار الطبقة السابقة وابن عقيل أعلى منه طبقة فان ابن الجنيد من مشايخ المفيد وهذا الشيخ من مشايخ شيخه جعفر بن محمد ابن قولويه كما علم من كلام النجاشى
والعمانى بضم العين وتخفيف الميم نسبة الى عمان كورة غربية على ساحل بحر اليمن تشتمل على بلدان يضرب بحرها المثل.
أبو الحسن:
انظر ج 2 ص 349
الحسن بن على:
انظر ج 2 ص 349
الحسين:
سيدنا الحسين أنظر ج 3 ص 341
الحطاب:
انظر ج 1 ص 254
حفصة:
انظر ج 3 ص 341
حكيم بن معاوية:
هو حكيم بن معاوية بن الحيدة القشيرى البصرى التابعى، ثقة، معروف روى عنه ابنه والحريرى
الحلبى:
انظر ج 6 ص 384
ابن حمزة:
انظر ج 2 ص ص 350
الحموى:
انظر ج 2 ص 350
حنبل:
انظر ج 2 ص 350
ابن الحنفية:
انظر محمد بن الحنفية ج 4 ص 371
أبو حنيفة:
انظر ج 1 ص 255
حرف الخاء:
خارجة بن زيد:
انظر ج 4 ص 362
خالد الجهنى:
هو خالد بن عدى الجهنى، يعد فى أهل المدينة، وكان ينزل الاشعر وروى حديثه أحمد وابن أبى شيبة والحارثى وأبى يعلى والطبرانى من طريق بسر بن سعيد عن خالد ابن عدى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جاءه من أخيه معروف من غير اشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فانما هو رزق ساقه الله اليه.
الخرشى:
انظر ج 2 ص 350
الخرقى:
انظر ج 1 ص 256
خزيمة بن ثابت:
المتوفى سنة 37 هـ: هو خزيمة ابن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الانصارى، أبو عمارة صحابى من أشراف الاوس فى الجاهلية والاسلام ومن شجعانهم المقدمين، كان من سكان المدينة وحمل راية بنى خطمة من الاوس يوم فتح مكة وعاش الى خلافة الامام على كرم الله وجهه وشهد معه صفين فقتل فيها، روى له البخارى 38 حديث.
الخلال:
انظر ج 1 ص 256.
أبو خلف الطبرى:
توفى سنة 470 هـ:
ذكر ابن باطيش أن أبا خلف توفى فى حدود سنة سبعين وأربعمائة. هو محمد بن عبد الملك بن خلف، أبو خلف الطبرى، السلمى من أئمة أصحابنا تفقه على الشيخين القفال وأبى منصور البغدادى، وهو القائل بأنه تجب الكفارة بكل ما يأثم به الصائم من أكل أو شرب أو جماع أو نحوها. وكان فقيها، صوفيا وقفت له على كتاب «سلوة العارفين وأنس المشتاقين» فى التصوف وهو كتاب جليل فى بابه أعجبت به جدا صنفه للرئيس أبى على حسان بن سعيد المنيعى ورتبه على اثنين وسبعين بابا أولها فى معنى التصوف وآخرها على بيان طبقات الصوفية وتراجمهم وما أراه الا حاكى رسالة أبى القاسم القشيرى ولعل خمول هذا الكتاب بهذا السبب والا فهو حسن جدا ولم أقف منه قط الا على النسخة التى قدمها هو للمنيعى نفسها وهو خط مليح مضبوط وقفها الملك الاشرف موسى فى خزانة كتبه بدار الحديث الاشرفية «بدمشق» وقد خاض أبو خلف فى هذا الكتاب مع الصوفية فى أحوالهم وأبان عن معرفة جيدة بهذه الطريقة وتكيف بها وذكر أنه فرغ من تصنيفه فى ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وأربعمائة.
خليل:
انظر ج 1 ص 256
خواهر زاده:
انظر ج 1 ص 257
الخيرى:
انظر ج 4 ص 363
خير الدين الرملى:
انظر ج 2 ص 351
حرف الدال:
أبو داود:
انظر ج 1 ص 257
الدبوسى:
انظر ج 1 ص 257
أبو الدرداء:
انظر ج 1 ص 257
الدردير:
انظر ج 1 ص 257
الدسوقى:
انظر ج 1 ص 257
حرف الراء:
الرافعى:
انظر ج 1 ص 258
الربيع:
انظر ج 1 ص 258
الربيع: انظر ج 3 ص 344
ربيعة الرأى:
انظر ج 1 ص 258
الرحمتى:
انظر ج 2 ص 352
ابن رشد:
انظر ج 1 ص 258
الرضى عليه السلام:
انظر ج 1 ص 259
ريحانة:
بنت شمعون بن زيد وقيل زيد بن عمرو ابن قناقه أو خناقة من بنى النضير وقال ابن اسحاق من بنى عمر بن قريظة وقال ابن سعد ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خناقة ابن شمعون بن زيد من بنى النضير وكانت متزوجة رجلا من بنى قريظة يقال له الحكم ثم روى ذلك عن الواقدى قال ابن اسحاق فى الكبرى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سباها فأبت الا اليهودية فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفسه فبينما هو مع أصحابه اذ سمع وقع نعلين خلفه فقال: «هذا ثعلبة بن شعبة يبشرنى باسلام ريحانة» فبشره وعرض عليها أن يعتقها ويتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركنى فى ملكك فهو أخف على وعليك فتركها وماتت قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بستة عشر.
حرف الزاى:
الزبير:
انظر ج 1 ص 259
زرارة بن أوفى:
قال صاحب الاصابه: هو زرارة ابن أوفى النخعى أبو عمرو قال ابن أبى حاتم عن أبيه له صحبة ومات فى زمن عثمان وتبعه أبو عمر فلم يزد قلت فاما زرارة بن أوفى قاضى البصرة فهو تابعى معروف ثقة.
الزركشى:
انظر ج 1 ص 259
شيخ الاسلام زكريا:
انظر ج 1 ص 259
زفر:
انظر ج 1 ص 259
أبو الزناد:
انظر ج 1 ص 259
الزهرى:
انظر ج 1 ص 260
ابن أبى زيد:
انظر القيروانى ج 1 ص 373
زيد:
انظر ج 1 ص 260
زيد بن على:
انظر ج 1 ص 260
الزيلعى:
انظر ج 1 ص 260
زينب، توفيت سنة 20 هـ:
بنت جحش الاسدية أم المؤمنين زوج النبى صلى الله عليه وسلم نسبها فى ترجمة أخيها عبد الله وأمها أمية عمة النبى صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها النبى صلى الله عليه وآله وسلم سنة ثلاث وقيل سنة خمس ونزلت بسببها آية الحجاب وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة وفيها نزلت «فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها» وكان زيد يدعى ابن محمد فلما نزلت «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله» وتزوج النبى صلى الله عليه وآله وسلم امرأته بعده انتفى ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من أن الذى يتبنى غيره يصير ابنه بحيث يتوارثان الى غير ذلك وقد وصفت عائشة زينب بالوصف الجميل فى قصة الافك وان الله عصمها بالورع قالت: وهى التى كانت تسامينى من أزواج النبى صلى الله عليه وآله وسلم وكانت تفخر على نساء النبى صلى الله عليه وآله وسلم بأنها بنت عمته وبأن الله زوجها له وهن زوجهن أولياؤهن وقال الواقدى ماتت سنة عشرين وكانت أول نساء النبى صلى الله عليه وسلم ماتت بعده قال الواقدى قد تزوجها النبى صلى الله عليه وآله وسلم وهى بنت خمس وثلاثين سنة وماتت سنة عشرين وهى بنت خمسين ونقل عن عمر بن عثمان الحجبى أنها عاشت ثلاثا وخمسين.
حرف السين:
سالم:
انظر ج 2 ص 353
الشيخ سالم:
المتوفى سنة 1015 هـ: هو سالم ابن محمد عز الدين بن محمد ناصر الدين السنهورى المصرى، فقيه، كان مفتى المالكية، ولد بسنهور وتعلم فى القاهرة وتوفى بها له حاشية على مختصر الشيخ خليل فى الفقه ورسالة فى ليلة نصف شعبان
السبكى:
انظر ج 1 ص 260
ابن السبكى:
انظر ج 1 ص 261
سحنون:
انظر ج 1 ص 261
سراقة بن مالك:
توفى سنة 24 هـ: سراقة بن مالك بن جشعم بن مالك بن عمرو بن تيم ابن مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة الكنانى المدلجى - وقد ينسب الى جده، يكنى أبا سفيان كان ينزل قديدا، روى البخارى قصته فى ادراكه النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر الى المدينة ودعا النبى صلى الله عليه وآله وسلم عليه حتى ساخت رجلا فرسه، ثم أنه طلب منه الخلاص وأن لا يدل عليه ففعل وكتب له أمانا وأسلم يوم الفتح، ورواها أيضا من طريق البراء ابن عازب عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، وفى قصة سراقة مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم يقول سراقة مخاطبا لابى جهل:
ابا حكم والله لو كنت شاهدا
…
لامر جوادى اذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمدا
…
رسول برهان فمن ذا يقاومه
وقال ابن عيينه عن اسرائيل أبى موسى عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لسراقة بن مالك: «كيف بك اذا لبست سوارى كسرى» قال فلما اتى عمر بسوارى كسرى ومنطقه وتاجه دعا سراقة فألبسه وكان رجلا أزب كثير شعر الساعدين فقال له ارفع يديك وقل الحمد لله الذى سلبهما كسرى بن هرمز والبسهما سراقة الاعرابى، وروى عنه ابن أخيه عبد الرحمن بن مالك بن جشعم، وروى عنه ابن عباس وجابر وسعيد بن المسيب وطاووس قال أبو عمر مات فى خلافة عثمان سنة أربع وعشرين وقيل بعد عثمان
سراقة بن مالك: سراقة بن مالك الانصارى أخو كعب بن مالك. ذكره الحاكم، وروى من طريق ابن اسحاق عن الزهرى عن عبد الله ابن كعب بن مالك عن أبيه عن أخيه سراقة ابن مالك أنه سأل رسول الله صلّى الله وآله وسلّم عن الضالة ترد حوضه فهل له أجر؟ الحديث وفى اسناده ضعف فان فيه ابن لهيعة قال صاحب الاصابة ولم أر من ذكر سراقة هذا فى الصحابة الا أنه سيأتى فى ترجمة سهل ابن مالك ذكر شئ رواه الطحاوى من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عمه ولم يسمه فيحتمل أن يكون هو.
سعد:
انظر ج 3 ص 345
سعد بن أبى وقاص:
انظر ج 2 ص 353
سعيد بن جبير:
انظر ج 1 ص 261
أبو سعيد الخدرى:
انظر ج 1 ص 261
سعيد بن العاص، توفى سنة 59 هـ:
الصحابى رضى الله عنه مذكور فى المهذب فى الصلاة على الجنازة وموقف الامام منها هو أبو عثمان وقيل أبو عبد الرحمن سعيد بن العاص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القريشى الاموى الحجازى قال محمد بن سعد توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولسعيد تسع سنين وكان من أشراف قريش وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان واستعمله عثمان على الكوفة وسكن دمشق ثم تحول الى المدينة ولما قتل عثمان رضى الله عنه اعتزل الفتن فلم يشهد الجمل
ولا صفين. وروى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعثمان وعائشة رضى الله عنهم، توفى سنة تسع وخمسين وقيل سنة سبع أو ثمان وخمسين رضى الله عنه.
سعيد بن المسيب:
انظر ج 1 ص 261
أبو سفيان:
انظر ج 1 ص 261
سفيان الثورى:
انظر الثورى ج 1 ص 252
سفينة:
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكور فى المهذب فى باب الاطعمة هو لقب له واسمه مهران هذا قول الاكثرين وقيل أحمر قاله أبو الفضل وغيره وقيل رومان وقيل بحران وقيل عيسى وقيل قيس وقيل شنبة بعد الشين نون ساكنة ثم باء موحدة وقيل عمير حكاه الحاكم أبو أحمد وكنيته أبو عبد الرحمن هذا قول الاكثرين وقيل أبو البخترى ولقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سفينة. روينا عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمشى فمررنا بواد أو نهر وكنت أعبر الناس فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت منذ اليوم الا سفينه. قال ابن حاتم سمعت أبى يقول اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وقال آخرون أعتقته أم سلمة فيقال له مولى النبى صلى الله عليه وسلم ويقال مولى أم سلمة، روى البخارى فى تاريخه أنه بقى الى زمن الحجاج وفى اسناد هذا نظر ذكره البخارى وابن أبى حاتم فى الاسماء المفردة.
ابن السكيت:
انظر ج 4 ص 365
أم سلمة:
انظر ج 1 ص 261
سلمان الفارسى:
انظر ج 3 ص 346
سليمان بن يسار:
انظر ج 2 ص 366
ابن سماعة:
انظر ج 4 ص 365
سند:
انظر ج 3 ص 347
سودة بنت زمعة:
انظر ج 2 ص 354
السيد المرتضى:
انظر ج 1 ص 275
حرف الشين:
ابن الشاط:
انظر ج 1 ص 262
الشافعى:
انظر ج 1 ص 262
الشبراملسى:
انظر ج 1 ص 262
ابن شبرمة:
توفى سنة 144 هـ: عبد الله بن شبرمه البجلى الضبى الكوفى كان قاضيا لابى جعفر المنصور على سواد الكوفة وكان شاعرا توفى سنة 144 هـ ويظهر من الروايات ذمه وانه كان يعمل بالرأى والقياس وقال فى العبر وفى السنة المذكورة توفى فقيه الكوفة عبد الله بن شبرمة الضبى القاضى، روى عن أنس والتابعين قال أحمد العجلى كان عفيفا صارما عاقلا يشبه النساك شاعرا جوادا.
الشبيبى:
المتوفى سنة 695: هو أحمد بن حمدان ابن شبيب بن حمدان النميرى الحرانى.
أبو عبد الله فقيه حنبلى أديب ولد ونشأ بحران ورحل الى حلب ودمشق وولى نيابة القضاء فى القاهرة فسكنها وأسن وكف بصره وتوفى بها، من كتبه الرعاية الكبرى والرعاية الصغرى كلاهما فى الفقه وصفة المفنى والمستفتى ومقدمة فى أصول الدين وجامع الفنون وسلوة المحزون.
شرحبيل بن حسنة:
انظر ج 7 ص 293
الشرنبلالى:
انظر ج 1 ص 262
شريح:
انظر ج 1 ص 263
أم شريك:
الانصارية. قيل هى بنت أنس وقيل هى بنت خالد وقيل هى غيرهما وقيل هى أم شريك بنت أبى العكر بن سمى وذكرها ابن أبى خيثمة من طريق قتادة قال وتزوج النبى صلى الله عليه وآله وسلم أم شريك الانصارية النجارية وقال انى أحب أن أتزوج فى الانصار ثم قال انى أكره غيرة الانصار فلم يدخل بها «قلت» ولها ذكر فى حديث صحيح عند مسلم من رواية فاطمة بنت قيس فى
قصة الجساسة فى حديث تميم الدارى قال فيه وأم شريك امرأة غنية من الانصار عظيمة النفقة فى سبيل الله عز وجل ينزل عليها الضيفان ولها حديث آخر أخرجه ابن ماجة من طريق شهر بن حوشب حدثتنى أم شريك الانصارية قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ويقال أنها التى أمرت فاطمة بنت قيس أن تعتد عندها ثم قيل لها اعتدى عند ابن أم مكتوم.
الشعبى:
انظر ج 1 ص 263
الشيرازى:
انظر ج 1 ص 263
الشلبى:
انظر ج 1 ص 263
حرف الصاد:
الصادق:
انظر ج 1 ص 263
الصدوق:
انظر ج 2 ص 355
ابن صفوان:
توفى سنة 73 هـ: عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحى رئيس مكة وابن رئيسها شجاع من أصحاب عبد الله بن الزبير حارب معه الحجاج بن يوسف ولد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وقتل بمكه يوم مقتل ابن الزبير فبعث الحجاج برأسه الى عبد الملك بن مروان وعرفه ابن حزم بعبد الله الاكبر تمييزا له عن ابن صفوان الاصغر.
ابن صفوان الاصغر:
توفى سنة 160 هـ: عبد الله بن صفوان الجمحى وال من الاعيان القادة ولى أمرة المدينة فى أيام المنصور العباسى عرفه ابن حزم بعبد الله الأصغر للتفريق بينه وبين ابن صفوان الأكبر.
حرف الطاء:
أبو طالب:
انظر ج 1 ص 264
أبو طالب: انظر ج 2 ص 355
طاووس:
انظر ج 2 ص 356
الطبرانى:
انظر ج 1 ص 265
الطحاوى:
انظر ج 1 ص 262
الطحطاوى:
انظر ج 1 ص 265
طلحة بن مصرف توفى سنة 112 هـ:
مذكور فى المهذب فى الوضوء فى صفة المضمضة ومصرف بضم الميم وكسر الراء على المشهور وحكى القلعى فتحها وهو غلط هو أبو محمد وقيل أبو عبد الله طلحة ابن مصرف بن عمرو بن كعب بن جورب ابن معاوية بن سعيد بن الحارث بن وهل ابن سلمة بن دؤل بن حنبل بن يام بن رافع السياحى ويقال الأيامى الهمذانى الكوفى التابعى الامام سمع ابن أبى أوفى وانسا وجماعة من التابعين قال أحمد بن عبد الله وغيره كان طلحة من اقرأ أهل الكوفة وخيارهم توفى سنة اثنتى عشرة وقيل ثلاث عشرة سنة وقيل عشر ومائة.
حرف العين:
عائشة:
انظر ج 1 ص 265
ابن عابدين:
انظر ج 1 ص 265
ابن عاشر:
المتوفى سنة 1040 هـ: هو عبد الواحد ابن أحمد بن على بن عاشر الانصارى أحد فقهاء المالكية، أندلسى الاصل، نشأ وتوفى بفاس، وله تصانيف، منها: المرشد المعين على الضرورى من علوم الدين، ومنظومة فى فقه المالكية وتنبيه الخلائق فى علم رسم القرآن، وغير ذلك.
ابن عباس:
انظر ج 1 ص 267
أبو العباس:
انظر ج 1 ص 266
ابن عبد الحكم:
انظر ج 1 ص 266
عبد الحق:
انظر ج 6 ص 387
الشيخ عبد الرحمن:
انظر ج 1 ص 271
عبد الرحمن بن عوف:
انظر ج 1 ص 266
ابن عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 266
أبو عبد الله المتوفى سنة 412 هـ:
هو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله ابن الحارث التميمى المعلم امام مسجد ابن
زغبان أحد فقهاء الحنابلة حدث عن ابن السماك، والنقاش.
أبو عبد الله عليه السلام:
انظر ج 6 ص 387
عبد الله بن سنان:
انظر ج 7 ص 394
عبد الله بن عمر:
انظر ج 1 ص 267
عبد الله بن عمرو بن العاص:
انظر ج 1 ص 267
عبد الله بن مسعود:
انظر ج 1 ص 267
عبد الله بن أبى يعفور:
هو عبد الله بن أبى يعفور، أبو محمد، كوفى ثقة جليل كان قارئا يقرأ فى مسجد الكوفة وكان من حوارى الصادقين ومن الفقهاء المعروفين الذين هم عيون الأمامية، يعد مع زراره وأمثاله، قال الصادق: ما وجدت أحدا يقبل وصيتى ويطيع أمرى الا عبد الله بن أبى يعفور.
عبد الملك:
انظر ابن حبيب ج 1 ص 253
عبد الوهاب:
انظر ج 1 ص 267
أبو عبيد:
انظر ج 2 ص 357
أبو عبيدة:
انظر ج 4 ص 368
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة المتوفى سنة 99 هـ:
هو أبو عبد الله، عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود الهزلى المدنى الامام التابعى أحد فقهاء المدينة السبعة، سمع ابن عمر وعائشة وسمع جماعات من كبار التابعين، روى عنه عراك بن مالك والزهرى وأبو الزناد وغيرهم واتفقوا على جلالته وامامته وعظم منزلته، قال ابن المدينى والهيثم. توفى سنة 99 هـ وقال البخارى سنة 95 أو سنة 94 هـ وقال الواقدى والترمذى سنة 98 هـ.
عتبة بن عبد الله:
المتوفى سنة 87 هـ: قال صاحب الاصابة: هو عتبة بن عبد، بغير اضافة، قال البخارى ويقال: ابن عبد الله، ولا يصح، وجزم ابن حبان بأن عتبه بن عبد الله السلمى أبو الوليد كان اسمه: عتلة فغيره النبى صلى الله عليه وسلم. وروى الطبرانى من طريق يحيى ابن عتبة عن أبيه قال: دعانى النبى صلى الله عليه وسلم وانا غلام حدث فقال:
ما اسمك؟ قلت: عتلة، قال: بل أنت عتبة، قال الواقدى وغيره: مات سنة سبع وثمانين وجزموا بأنه عاش أربعا وتسعين، قال الواقدى هو آخر من مات بالشام من الصحابة.
عثمان البتى:
عثمان البتى بفتح الباء، من البت وهو القطع، هو أبو عمرو البصرى، ويقال: اسم أبيه سليمان، روى الحديث عن نعيم بن أبى هند وغيره، وروى عنه سفيان بن حبيب وغيره قال ابن حجر فى التقريب. صدوق من الخامسة، خرج له المرشد بالله.
عثمان بن عبد الرحمن:
انظر ابن الصلاح ج 1 ص 264
عثمان بن عفان:
انظر ج 1 ص 268
العدوى:
انظر الدردير ج 1 ص 257
ابن العربى:
انظر ج 1 ص 268
ابن عرفة:
انظر ج 1 ص 268
عروة بن الزبير:
المتوفى سنة 94 هـ: هو أبو عبد الله، عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى القرشى الاسدى المدنى التابعى الجليل فقيه المدينة واحد فقهائها السبعة، روى عنه عطاء وابن أبى مليكة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز وخلائق من التابعين وغيرهم، قال ابن شهاب: كان عروة بحرا لا يكدر وقال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة رضى الله تعالى عنها ثلاثة، عروة أحدهم، وقال ابن سعد:
كان ثقة كثير الحديث فقيها عالما مأمونا، ومناقبه كثيرة، قال الجمهور توفى سنة أربع وتسعين وقال البخارى سنة تسع وتسعين
عطاء:
انظر ج 2 ص 357
ابن عطية المتوفى سنة 1106 هـ:
هو ابراهيم ابن مرعى بن عطية، برهان الدين
الشبراخيتى من أفاضل المالكية بمصر، توفى غريقا فى النيل وهو متجه الى رشيد، من كتبه: شرح مختصر خليل فى الفقه، والفتوحات الوهبية بشرح الاربعين حديثا النووية.
أم عطية:
انظر ج 3 ص 351
ابن عقيل:
انظر ج 2 ص 358
عكرمة:
انظر ج 1 ص 268
علقمة:
انظر ج 1 ص 269
أبو على:
المتوفى سنة 1140 هـ: هو الحسن ابن حال بن أحمد، أبو على، فقيه من فقهاء المالكية من أهل المغرب الاقصى، ولى قضاء فاس ثم نحى عنه ثم ولى قضاء مكناسة، من كتبه: شرح مختصر خليل وحاشية على شرح الخرشى.
أبو على بن خيران:
انظر ج 4 ص 369
الشيخ عليش:
انظر ج 1 ص 269
عمر بن الخطاب:
انظر ج 1 ص 269
عمر بن دينار:
انظر ج 1 ص 269
ابن عمر:
انظر ج 1 ص 267
أبو عمرو:
انظر ابن الحاجب ج 1 ص 253
أبو عمران الفاسى:
المتوفى سنة 430 هـ: هو موسى بن عيسى بن أبى حاج البربرى الغفجومى، وغفجوم بطن من زنانة - قبيلة من البربر بالمغرب - شيخ المالكية بالقيروان وتلميذ أبى الحسن القابسى، دخل الاندلس، وأخذ عن عبد الوارث ابن سفيان وطائفة، وأخذ علم الكلام ببغداد عن ابن الباقلانى وقرأ على الحمامى وكان اماما فى القراءات بصيرا فى الحديث رأسا فى الفقه تخرج عنه خلق فى المذهب ومات فى رمضان وله اثنتان وستون سنة.
عمرو بن شعيب:
انظر ج 1 ص 270
عمرو بن عبسة:
هو أبو نجيح، وقيل أبو شعيب عمرو بن عبسة - بعين مهملة ثم باء موحدة، مفتوحتين ثم سين مهملة على وزن عدسة، وهذا الضبط لا خلاف فيه بين أهل الحديث، وهو صحابى جليل أسلم قديما وثبت فى صحيح مسلم أنه كان رابع أربعة فى الاسلام وقدم المدينة بعد الخندق فسكنها ثم نزل الشام، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثون حديثا، وروى عنه جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو أمامة وسهل بن سعد وجماعة من التابعين.
عمرو بن ميمون:
المتوفى سنة 75 هـ: هو أبو عبد الله وقيل أبو يحيى الاودى الكوفى من أود بن صعب بن سعد العشيرة وهو معدود فى كبار التابعين، أدرك زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، وسمع عمر بن الخطاب وسعد بن أبى وقاص وابن مسعود ومعاذا وأبا أيوب وأبا هريرة وغيرهم من الصحابة وخلقا من التابعين، قال أبو اسحق السبيعى: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضون عمرو بن ميمون وقال ابن معين: هو ثقة، روى له البخارى ومسلم، قالوا:
وأسلم عمرو بن ميمون فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وحج مائة حجة وقيل سبعين، وأدى صدقته الى عمال النبى صلى الله عليه وسلم، قال عمرو بن ميمون:
قدم علينا معاذ بن جبل اليمن رسولا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع السحر رافعا صوته بالتكبير وكان حسن الصوت فما فارقته حتى جعلت عليه التراب ثم صحب ابن مسعود وتوفى سنة خمس وسبعين وقيل سنة أربع وسبعين.
عياض:
انظر القاضى عياض ج 2 ص 257
حرف الغين:
ابن غازى:
انظر ج 6 ص 389
ابن الغرس:
انظر ج 2 ص 360
الغزالى:
انظر ج 1 ص 270
حرف الفاء:
ابن فارس:
انظر ج 1 ص 270
فاطمة بنت قيس:
فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية أخت الضحاك بن قيس وكانت أسن منه قال أبو عمر كانت من المهاجرات الاول وكانت ذات جمال وعقل وكانت عند أبى بكر بن حفص المخزومى فطلقها فتزوجت بعده أسامة بن زيد قال صاحب الاصابة وخبرها بذلك فى الصحيح لما طلبت النفقة من وكيل زوجها فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «اعتدى عند أم شريك، ثم قال عند ابن أم مكثوم فلما خطبت أشار عليها بأسامة بن زيد» وهى قصة مشهورة وهى التى روت قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة، رواها الشعبى لما قدمت الكوفة على أخيها وهو أميرها وقد وقفت على بعضها من حديث جابر وغيره وقيل أنها كانت أكبر من الضحاك بعشر سنين قاله أبو عمر قال وفى بيتها اجتمع أهل الشورى لما قتل عمر قال ابن سعد أمها أمية بنت ربيعة من بنى كنانة
الفراء:
انظر ج 5 ص 375
أبو الفرج:
انظر ج 5 ص 375
ابن فرحون:
انظر ج 1 ص 271
حرف القاف:
القابسى:
انظر ج 7 ص 388
ابن القاسم:
انظر ج 1 ص 271
أبو القاسم:
انظر عبد الكريم بن هوازن ج 1 ص 272
القاسم عليه السلام:
انظر ج 1 ص 271
القاضى:
انظر ابن العربى ج 2 ص 361
القاضى: انظر ج 2 ص 361
القاضى خان:
انظر ج 1 ص 271
قتادة:
انظر ج 3 ص 353
ابن قدامة:
انظر ج 1 ص 271
القرافى:
انظر ج 1 ص 272
حرف الكاف:
الكاتب:
هو الكاتب الاسكافى يكنى ابا على عنونه ابن النديم فى فهرسته وقال:
قريب العهد من أكابر الشيعة الامامية، ثم عد كتبه، وأورده العلامة محمد مهدى فى فوائده الرجالية قائلا: أبو على الكاتب الاسكافى من أعيان الطائفة وأعاظم الفرقة وأفاضل قدماء الامامية وأكثرهم علما وفقها وأدبا، متكلم فقيه محدث أديب واسع العلم، صنف فى الكلام والفقه والأصول والأدب والكتابة وغيرها تبلغ مصنفاته - عدا أجوبة مسائله - نحوا من خمسين كتابا.
الكاسانى:
انظر ج 1 ص 273
الكاظم:
المتوفى سنة 183 هـ: هو موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر، أبو الحسن سابع الائمة الاثنى عشر عند الامامية، كان من سادات بنى هاشم ومن أعبد أهل زمانه وأحد كبار العلماء الاجواد، ولد فى الابواء قرب المدينة وسكن المدينة فأقدمه المهدى العباسى الى بغداد ثم رده الى المدينة وبلغ الرشيد ان الناس يبايعون للكاظم فيها.
فلما حج مر بها سنة 179 هـ فاحتمله معه الى البصرة وحبسه عند واليها ثم نقله الى بغداد فتوفى فيها سجينا.
الكرخى:
انظر ج 1 ص 273
الكمال بن الهمام:
انظر ج 1 ص 273.
حرف اللام:
اللخمى:
انظر ج 1 ص 274
اللقانى:
انظر ج 6 ص 391
لقمان الحكيم:
هو لقمان الحكيم عليه السلام الذى ورد ذكره فى القرآن الكريم، قال الامام أبو اسحاق الثعلبى فى كتاب العرائس فى القصص: كان لقمان مملوكا، وقال أبو هريرة رضى الله عنه: مر رجل بلقمان
والناس مجتمعون عليه فقال: الست العبد الاسود الذى كنت تراعينا بموضع كذا قال: بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى قال: صدق الحديث واداء الامانة وترك ما لا يعنينى، وحكم لقمان كثيرة مشهورة ومنها قوله لابنه: من يقارن قرين السوء لا يسلم ومن لا يملك لسانه يذم، يا بنى:
كن عبدا للاخيار، وغير ذلك كثير.
لقيط بن صبرة:
الصحابى رضى الله عنه ويقال أبو عاصم لقيط بن عامر بن صبرة بن عبد الله المنتفق بن عامر بن عقيل العقيلى الحجازى الطائفى هكذا نسبه الجمهور وقال الترمذى فى كتاب العلل سمعت البخارى يقول أبو رزين العقيلى لقيط بن عامر هو عندى لقيط بن صبرة قال الترمذى قلت له أبو رزين العقيلى أهو لقيطبن صبرة قال نعم قلت فحديث ابن هشام عن عاصم ابن لقيط بن صبرة عن أبيه هو عن أبى رزين العقيلى قال نعم قال الترمذى قال أكثر أهل الحديث لقيط بن صبرة هو لقيط بن عامر قال وسألت عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى عن هذا فأنكر أن يكون لقيط بن صبرة هو لقيط بن عامر وجعلهما مسلم ابن الحجاج أيضا فى كتاب الطبقات اثنين روى عنه ابن أخيه وكيع ابن عدس ويقال ابن حدس وابنه عاصم بن لقيط وعمرو ابن أبى أوس وغيرهم قالوا وكان النبى صلى الله عليه وسلم يكره المسائل فاذا سأله أبو رزين عجبته مسألته.
أبو الليث:
انظر ج 1 ص 274
ليث بن أبى سليم توفى سنة 143 هـ:
هو أبو بكر ويقال أبو بكير ليث بن أبى زنيم الكوفى القرشى مولاهم مولى عقبة، ويقال أنس روى ليث عن مجاهد وطاووس وعطاء ابن أبى رباح واتفق العلماء على ضعفه واضطراب حديثه واختلال ضبطه توفى سنة ثلاث وأربعين ومائة رحمه الله تعالى.
ابن أبى ليلى:
انظر ج 1 ص 274
حرف الميم:
المؤيد بالله:
انظر ج 1 ص 275
ابن ماجة:
انظر ج 1 ص 274
مارية:
توفيت سنة 16 هـ: هى مارية القبطية أم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ابن سعد من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صوصعة قال أبعث المقوقس صاحب الاسكندرية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنة سبع من الهجرة مارية وأختها سبرين وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا لينا مع حاطب بن أبى بلتعة فعرض حاطب على مارية الاسلام ورغبها فيه فأسلمت وأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية: قال الوافدى: ماتت فى المحرم سنة ست عشرة وقال ابن منده: ماتت بعد النبى صلى الله عليه وسلم بخمس سنين.
المازرى:
انظر ج 1 ص 274
الامام مالك:
انظر ج 1 ص 275
الماوردى:
انظر ج 1 ص 278
ابن المبارك:
انظر ج 7 ص 397
الامام المتولى:
انظر ج 3 ص 355
مجاهد:
انظر ج 3 ص 355
ابن محبوب:
المتوفى سنة 328 هـ: هو سعيد ابن عبد الله بن محمد بن محبوب بن قريش أحد ائمة الإباضية فى عمان، بويع على أثر فتن كثيرة فى الديار العمانية واستقر له الامر حوالى سنة 320 هـ وكان فقيها عالما بالدين، حسنت سيرته واطمأن الناس فى أيامه وتوفى فى احدى المواقع.
محمد بن الحسن الشيبانى:
انظر ج 1 ص 275
المرتضى:
انظر ج 6 ص 275
ابن المرزبان المتوفى سنة 366 هـ:
هو على بن أحمد بن المرزبان وهو أحد أركان المذهب الشافعى، تفقه على أبى الحسن بن القطان، قال الخطيب كان أحد الشيوخ الافاضل، درس عليه أبو حامد الاسفرايينى اول قدومه بغداد، وقال الشيخ أبو اسحق:
كان فقيها ورعا حكى عنه أنه قال: ما أعلم لأحد على مظلمة، توفى فى رجب سنة ست وستين وثلاثمائة بعد شيخه ابن القطان.
المزنى:
انظر ج 1 ص 267
ابن مسعود:
انظر عبد الله بن مسعود ح 1 ص 267
مطرف:
انظر ج 2 ص 264
مسلم:
انظر ج 1 ص 276
ابو معاوية:
انظر ج 5 ص 378
معاوية بن أبى سفيان:
انظر ج 1 ص 276
المغيرة بن شعبة:
انظر ج 3 ص 357
المفتى أبو السعود:
انظر أبو السعود ج 1 ص 261
المقدسى:
انظر ابن قدامه ج 1 ص 271
ابن المقرى:
انظر ج 5 ص 378
ابن أم مكتوم:
انظر ج 3 ص 357
مكحول:
انظر ج 3 ص 357
ابن ملك:
انظر ج 1 ص 277
ابن المنذر:
انظر ج 1 ص 277
ابن منصور:
انظر ج 2 ص 364
ابن المواز:
انظر ج 1 ص 278
أبو موسى الاشعرى:
انظر ج 3 ص 258
موسى بن على:
انظر ج 6 ص 392
حرف النون:
الناطفى:
انظر ج 1 ص 278
نافع:
انظر ج 1 ص 278
ابن نافع:
انظر ج 1 ص 278
النجاشى:
النجاشى لقب كان يلقب به ملوك الحبشة، والنجاشى المذكور فى هذا العدد فى كلمة أسراف هو ملك الحبشة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذى زوج النبى صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها من الحبشة مع شرحبيل بن حسنة.
ابن نجيم:
انظر ج 1 ص 279
النسائى:
انظر ج 1 ص 279
ابن نصر الله - توفى سنة 876 هـ:
أحمد بن ابراهيم بن نصر الله أبو البركات، عز الدين الكنانى العسقلانى الاصل، المصرى الحنبلى: فقيه مؤرخ انتهت اليه رئاسة الحنابلة بمصر. وولى قضاء القضاة فحمدت سيرته. واستمر الى أن توفى ..
مولده ووفاته بالقاهرة. قال السخاوى:
ان ترجمته تحتمل مجلدا ومن كتبه «طبقات الحنابلة» .
النووى:
انظر ج 1 ص 279
حرف الهاء:
الهادى عليه السلام:
انظر ج 1 ص 280
أبو هريرة:
انظر ج 1 ص 280
هشام:
انظر ج 2 ص 366
الهنداوى:
انظر أبو جعفر ج 1 ص 253
حرف الواو:
واقد ابن ابن عمر:
هو واقد بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب روى عن أبيه حديث: لا تمنعوا النساء المساجد».
الولوالجى المتوفى سنة 1310 هـ:
هو ظهر الدين اسحق العالم الفقيه الحنفى صاحب الفتاوى الولوالجية وقد جمع فيه ما لا بد منه لأهل الفتوى وهو مخطوط.
ابن وهب:
انظر ج 2 ص 366
حرف الياء:
الامام يحيى:
انظر ج 1 ص 280
أبو اليسر توفى سنة 55 هـ:
الأنصارى اسمه كعب بن عمرو بن عياد بن عمرو بن سواد ابن غنم بن كعب بن سلمة، وقيل كعب ابن عمرو بن غنم بن شداد بن غنم بن كعب ابن سلمه، وقيل كعب بن عمرو بن غنم ابن كعب بن سلمة الانصارى السلمى مشهور باسمه وكنيته شهد العقبة وبدرا وله فيها آثار كثيرة وهو الذى أسر العباس قال ابن اسحاق شهد بدرا والمشاهد وقال البخارى له صحبة شهد بدرا ومات بالمدينة سنة خمس وخمسين وقال ابن اسحاق وكان آخر من مات من الصحابة كأنه يعنى أهل بدر روى عنه عبادة بن الصامت وحديثه مطول وأخرجه مسلم.
أبو يوسف:
انظر ج 1 ص 281
ابن يونس:
انظر ج 1 ص 281